الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين امام البلغاء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
سورة الفاتحة
*هدف السورة: شاملة لأهداف القرآن*
سميت الفاتحة وأم الكتاب والشافية والوافية والكافية والأساس والحمد والسبع المثاني والقرآن العظيم كما ورد في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي سعيد بن المعلّى: (لأعلّمنّك سورة هي أعظم السور في القرآن: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) وقد وصفها الله تعالى بالصلاة
فما هو سر هذه السورة؟
سورة الفاتحة مكية وآياتها سبع بالاجماع وسميت الفاتحة لافتتاح الكتاب العزيز بها فهي اول القرآن ترتيبا لا تنزيلا وهي على قصرها حوت معاني القرآن العظيم واشتملت مقاصده الأساسية بالاجمال فهي تتناول أصول الدين وفروعه، العقيدة، العبادة، التشريع، الاعتقاد باليوم الآخر والايمان بصفات الله الحسنى وافراده بالعبادة والاستعانة والدعاء والتوجه اليه جلّ وعلا بطلب الهداية الى الدين الحق والصراط المستقيم والتضرع اليه بالتثبيت على الايمان ونهج سبيل الصالحين وتجنب طريق المغضوب عليهم والضآلين وفيها الاخبار عن قصص الامم السابقين والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء وفيها التعبد بأمر الله سبحانه ونهيه وغير ذلك من مقاصد وأهداف فهي كالأم بالنسبة لباقي السور الكريمة ولهذا تسمى بأم الكتاب. إذن اشتملت سورة الفاتحة على كل معاني القرآن فهدف السورة الاشتمال على كل معاني واهداف القرآن.
والقرآن نص على : العقيدة والعبادة ومنهج الحياة. والقرآن يدعو للاعتقاد بالله ثم عبادته ثم حدد المنهج في الحياة وهذه نفسها محاور سورة الفاتحة:
? العقيدة: (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين ).
? العبادة: (إياك نعبد وإياك نستعين).(1/1)
? مناهج الحياة: (إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضآلين).
وكل ما يأتي في كل سور وآيات القرآن هو شرح لهذه المحاور الثلاث.
تذكر سورة الفاتحة بأساسيات الدين ومنها:
? شكر نعم الله (الحمد لله)،
? والاخلاص لله (إياك نعبد واياك نستعين)،
? الصحبة الصالحة (صراط الذين أنعمت عليهم)،
? وتذكر أسماء الله الحسنى وصفاته (الرحمن الرحيم)،
? الاستقامة (إهدنا الصراط المستقيم)،
? الآخرة (مالك يوم الدين) ويوم الدين هو يوم الحساب.
? أهمية الدعاء،
? وحدة الأمة (نعبد، نستعين) ورد الدعاء بصيغة الجمع مما يدل على الوحدة ولم يرد بصيغة الافراد.
وسورة الفاتحة تعلمنا كيف نتعامل مع الله فأولها ثناء على الله تعالى (الحمد لله رب العالمين) وآخرها دعاء لله بالهداية (إهدنا الصراط المستقيم) ولو قسمنا حروف سورة الفاتحة لوجدنا أن نصف عدد حروفها ثناء (63 حرف من الحمد لله الى اياك نستعين) ونصف عدد حروفها دعاء (63 حرف من (اهدنا الصراط) الى(ولا الضآلين) وكأنها اثبات للحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فاذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله عز وجل: حمدني عبدي، واذا قال: الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: أثنى علي عبدي، واذا قال : مالك يوم الدين، قال عز وجل: مجدني عبدي، وقال مرة فوض الي عبدي، فاذا قال: اياك نعبد واياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فسبحان الله العزيز الحكيم الذي قدّر كل شيء. وقد سئل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لماذا يقف بعد كل آية من آيات سورة الفاتحة فأجاب لأستمتع برد ربي.
إذن سورة الفاتحة تسلسل مبادئ القرآن (عقيدة، عبادة، منهج حياة) وهي تثني على الله تعالى وتدعوه لذا فهي اشتملت على كل اساسيات الدين.(1/2)
أنزل الله تعالى 104 كتب وجمع هذه الكتب كلها في 3 كتب (الزبور، التوراة والانجيل) ثم جمع هذه الكتب الثلاثة في القرآن وجمع القرآن في الفاتحة وجمعت الفاتحة في الآية (إياك نعبد واياك نستعين).
وقد افتتح القرآن بها فهي مفتاح القرآن وتحوي كل كنوز القرآن وفيها مدخل لكل سورة من باقي سور القرآن وبينها وبين باقي السور تسلسل بحيث انه يمكن وضعها قبل أي سورة من القرآن ويبقى التسلسل بين السور والمعاني قائما.
لطائف سورة الفاتحة:
? آخر سورة الفاتحة قوله تعالى (غير المغضوب عليهم ولا الضآلين) وجاءت سورة البقرة بعدها تتحدث عن المغضوب عليهم (بني إسرائيل) وكيف عصوا ربهم ورسولهم وجاءت سورة آل عمران لتتحدث عن الضآلين (النصارى) .
? وآخر كلمات سورة الفاتحة الدعاء جاءت مرتبطة ببداية سورة البقرة (هدى للمتقين) فكأن (اهدنا الصراط المستقيم) في الفاتحة هو الهدى الذي ورد في سورة البقرة.
? بداية السورة (الحمد لله رب العالمين) وهذه أول كلمات المصحف، يقابلها آخر كلمات سورة الناس (من الجنة والناس) ابتدأ تعالى بالعالمين وختم بالجنة والناس بمعنى أن هذا الكتاب فيه الهداية للعالمين وكل مخلوقات الله تعالى من الجنة والناس وليس للبشر وحدهم او للمسلمين فقط دون سواهم.
? أحكام التجويد في سورة الفاتحة جاءت ميسرة وليس فيها أياً من الأحكام الصعبة وهذا والعلم عند الله لتيسير تلاوتها وحفظها من كل الناس عرباً كانوا او عجما.
والله تعالى هو الرحمن الرحيم وهو مالك يوم الدين وعلينا أن نحذر عذابه يوم القيامة ويوم الحساب.
والناس هم بحاجة الى معونة الله تعالى لعبادته فلولا معونته سبحانه ما عبدناه (إياك نعبد وإياك نستعين)(1/3)
وندعو الله تعالى للهداية إلى الصراط المستقيم (اهدنا الصراط المستقيم) وهذا الصراط المستقيم ما هو إلا صراط النبي - صلى الله عليه وسلم - وصراط السلف الصالح من الصحابة والمقربين (صراط الذين أنعمت عليهم) وندعوه أن يبعدنا عن صراط المغضوب عليهم والضآلين من اليهود والنصارى وكل الكفار الين يحاربون الله ورسوله و - صلى الله عليه وسلم - والاسلام والمسلمين في كل زمن وعصر (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)
الآن وقد عرفنا أهداف سورة الفاتحة التي نكررها 17 مرة في صلاة الفريضة يومياً ما عدا النوافل لا شك اننا سنستشعر هذه المعاني ونتدبر معانيها ونحمد الله تعالى ونثني عليه وندعوه بالهداية لصراطه المستقيم.
د.حسام النعيمى:أرقام الآيات توقيفي على ما فعله الصحابة. هم ما وضعوا أرقاماً وإنما وضعوا فجوات ثم بعد ذلك وضعت الأرقام. هم كانوا على الوقف لأنهم كانوا يقفون على رؤوس الآي يعني وقفة فيها طول فيعلمون أن الآية انتهت هنا ففي الكتابة يضعون بين الآيات فراغاً ظاهراً ليس كالفراغ بين كلمتين إنما يبتعد. لو نظرنا في المخطوطات القديمة سنجد أنه في نهايات الآيات لا يوجد ترقيم ولكن توجد فواصل واضحة. الترقيم جاء متأخراً.
*لمسات بيانية في سورة الفاتحة للدكتور فاضل صالح السامرائي*
الحمد لله:
معنى الحمد الثناء على الجميل من النعمة او غيرها مع المحبة والاجلال. فالحمد ان تذكر محاسن الغير سواء كان ذلك الثناء على صفة من صفاته الذاتية كالعلم والصبر والرحمة ام على عطائه وتفضله على الآخرين. ولا يكون الحمد الا للحي العاقل.(1/4)
وهذا اشهر ما فرق بينه وبين المدح فقد تمدح جمادا ولكن لا تحمده وقد ثبت ان المدح اعم من الحمد. فالمدح قد يكون قبل الاحسان وبعده اما الحمد فلا يكون الا بعد الاحسان. فالحمد يكون لما هو حاصل من المحاسن في الصفات او الفعل فلا يحمد من ليس في صفاته ما يستحق الحمد اما المدح فقد يكون قبل ذلك فقد تمدح انسانا ولم يفعل شيئا من المحاسن والجميل ولذا كان المدح منهياً عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"احثوا التراب في وجه المداحين" بخلاف الحمد فإنه مأمور به فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من لم يحمد الناس لم يحمد الله"
وبذا علمنا من قوله: الحمد لله" ان الله حي له الصفات الحسنى والفعل الجميل فحمدناه على صفاته وعلى فعله وانعامه ولو قال المدح لله لم يفد شيئا من ذلك، فكان اختيار الحمد اولى من اختيار المدح.
*ولم يقل سبحانه الشكر لله
لان الشكر لا يكون الا على النعمة ولا يكون على صفاته الذاتية فانك لا تشكر الشخص على علمه او قدرته وقد تحمده على ذلك وقد جاء في لسان العرب "والحمد والشكر متقاربان والحمد اعمهما لانك تحمد الانسان على صفاته الذاتية وعلى عطائه ولا تشكره على صفاته.فكان اختيار الحمد اولى ايضا من الشكر لانه اعم فانك تثني عليه بنعمه الواصلة اليك والى الخلق جميعا وتثني عليه بصفاته الحسنى الذاتية وان لم يتعلق شيئ منها بك. فكان اختيار الحمد اولى من المدح والشكر.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه قال: الحمد لله .
*ولم يقل أحمد الله أو نحمد الله(1/5)
وما قاله اولى من وجوه عدة: ان القول أحمد الله او نحمد الله مختص بفاعل معين ففاعل أحمد هو المتكلم وفاعل نحمد هم المتكلمون في حين أن عبارة "الحمد لله" مطلقة لا تختص بفاعل معين وهذا اولى فانك اذا قلت أحمد الله اخبرت عن حمدك انت وحدك ولم تفد ان غيرك حمده واذا قلت نحمد الله اخبرت عن المتكلمين ولم تفد ان غيركم حمده في حين ان عبارة "الحمد لله" لا تختص بفاعل معين فهو المحمود على وجه الاطلاق منك ومن غيرك.
وقول "احمد الله" تخبر عن فعلك انت ولا يعني ذلك ان من تحمده يستحق الحمد في حين اذا قلت " الحمد لله" افاد ذلك استحقاق الحمد لله وليس مرتبط بفاعل معين.
وقول احمد الله او نحمد الله مرتبط بزمن معين لان الفعل له دلالة زمنية معينة. فالفعل المضارع يدل على الحال او الاستقبال ومعنى ذلك ان الحمد لا يحدث في غير الزمان الذي تحمده فيه. ولا شك ان الزمن الذي يستطيع الشخص او الاشخاص الحمد فيه محدود وهكذا كل فعل يقوم به الشخص محدود الزمن فان اقصى ما يستطيع ان يفعله ان يكون مرتبطا بعمره ولا يكون قبل ذلك وبعده فعل فيكون الحمد اقل مما ينبغي فان حمد الله لا ينبغي ان ينقطع ولا يحد بفاعل او بزمان في حين ان عبارة "الحمد لله" مطلقة غير مقيدة بزمن معين ولا بفاعل معين فالحمد فيها مستمر غير منقطع.
جاء في تفسير الرازي أنه لو قال "احمد الله" افاد ذلك كون القائل قادرا على حمده اما لما قال "الحمد لله" فقد افاد ذلك، انه كان محمودا قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين فهؤلاء سواء حمدوا ام لم يحمدوا فهو تعالى محمود من الازل الى الابد بحمده القديم وكلامه القديم.
وقول "احمد الله" جملة فعلية و"الحمد لله" جملة اسمية والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتجدد في حين ان الجملة الاسمية دالة على الثبوت وهي اقوى وادوم من الجملة الفعلية. فاختيار الجملة الاسمية اولى من اختيار الجملة الفعلية ههنا اذ هو ادل على ثبات الحمد واستمراره.(1/6)
وقول "الحمد لله" معناه ان الحمد والثناء حق لله وملكه فانه تعالى هو المستحق للحمد بسبب كثرة اياديه وانواع آلآئه على العباد. فقولنا "الحمد لله" معناه أن الحمد لله حق يستحقه لذاته ولو قال "احمد الله" لم يدل ذلك على كونه مستحقا للحمد بذاته ومعلوم ان اللفظ الدال على كونه مستحقا للحمد اولى من اللفظ الدال على ان شخصا واحدا حمده.
والحمد عبارة عن صفة القلب وهي اعتقاد كون ذلك المحمود متفضلا منعما مستحقا للتعظيم والاجلال. فاذا تلفظ الانسان بقوله : "احمد الله" مع انه كان قلبه غافلا عن معنى التعظيم اللائق بجلال الله كان كاذبا لانه اخبر عن نفسه بكونه حامدا مع انه ليس كذلك. اما اذا قال "الحمد لله" سواء كان غافلا او مستحضرا لمعنى التعظيم فإنه يكون صادقا لان معناه: ان الحمد حق لله وملكه وهذا المعنى حاصل سواء كان العبد مشتغلا بمعنى التعظيم والاجلال او لم يكن. فثبت ان قوله "الحمد لله" اولى من قوله أحمد الله او من نحمد الله. ونظيره قولنا "لا اله الا الله" فانه لا يدخل في التكذيب بخلاف قولنا "اشهد ان لا اله الا الله" لانه قد يكون كاذبا في قوله "اشهد" ولهذا قال تعالى في تكذيب المنافقين: "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" (المنافقون، آية 1)
*فلماذا لم يقل الحمدَ لله بالنصب؟
الجواب ان قراءة الرفع اولى من قراءة النصب ذلك ان قراءة الرفع تدل على ان الجملة اسمية في حين ان قراءة النصب تدل على ان الجملة فعلية بتقدير نحمد او احمد اواحمدوا بالامر. والجملة الاسمية اقوى واثبت من الجملة الفعلية لانها دالة على الثبوت.(1/7)
وقد يقال أليس تقدير فعل الامر في قراءة النصب اقوى من الرفع بمعنى "احمدوا الحمد لله" كما تقول "الاسراع في الامر" بمعنى أسرعوا؟ والجواب لا فان قراءة الرفع اولى ايضا ذلك لان الامر بالشيئ لا يعني ان المأمور به مستحق للفعل. وقد يكون المأمور غير مقتنع بما أمر به فكان الحمد لله اولى من الحمد لله بالنصب في الاخبار والامر.
*ولماذا لم يقل "حمداً لله"؟
الحمد لله معرفة بأل وحمداً نكرة والتعريف هنا يفيد ما لا يفيده التنكير ذلك ان "أل" قد تكون لتعريف العهد فيكون المعنى: أن الحمد المعروف بينكم هو لله، وقد يكون لتعريف الجنس على سبيل الاستغراق فيدل على استغراق الاحمدة كلها. ورجح بعضهم المعتى الاول ورجح بعضهم المعنى الثاني بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم لك الحمد كله" فدل على استغراق الحمد كله فعلى هذا يكون المعنى: ان الحمد المعروف بينكم هو لله على سبيل الاستغراق والاحاطة فلا يخرج عنه شيئ من أفراد الحمد ولا أجناسه.
"الحمد لله" أهي خبر أم انشاء؟ الخبر هو ما يحتمل الصدق او الكذب والانشاء هو ما لا يحتمل الصدق او الكذب.
قال اكثر النحات والمفسرين ان الحمد لله اخبار كأنه يخبر ان الحمد لله سبحانه وتعالى وقسم قال انها انشاء لان فيها استشعار المحبة وقسم قال انها خبر يتضمن انشاء.
أحيانا يحتمل ان تكون التعبيرات خبرا او انشاء بحسب ما يقتضيه المقام الذي يقال فيه.فعلى سبيل المثال قد نقول (رزقك الله) ونقصد بها الدعاء وهذا انشاء وقد نقول (رزقك الله وعافاك) والقصد منها افلا تشكره على ذلك؟ وهذا خبر.
والحمد لله هي من العبارات التي يمكن ان تستعمل خبرا وانشاء بمعنى الحمد لله خبر ونستشعر نعمة الله علينا ونستشعر التقدير كان نقولها عندما نستشعر عظمة الله سبحانه في امر ما فنقول الحمد لله.
*فلماذا لم يقل سبحانه إن الحمد لله؟(1/8)
لا شك ان الحمد لله لكن هناك فرق بين التعبيرين ان نجعل الجملة خبرا محضا في قول الحمد لله (ستعمل للخبر او الانشاء) ولكن عندما تدخل عليه إن لا يمكن الا ان يكون انشاء لذا فقول الحمد لله اولى لما فيه من الاجلال والتعظيم والشعور بذلك. لذا جمعت الحمد لله بين الخبر والانشاء ومعناهما. مثلا نقول رحمة الله عليك (هذا دعاء) وعندما نقول إن رحمة الله عليك فهذا خبر وليس دعاء
من المعلوم انه في اللغة قد تدخل بعض الادوات على عبارات فتغير معناها مثال: رحمه الله (دعاء)، قد رحمه الله (اخبار) رزقك الله (دعاء) قد رزقك الله (اخبار)
*الان لماذا لم يقل سبحانه لله الحمد؟
الحمد الله تقال اذا كان هناك كلام يراد تخصيصه (مثال لفلان الكتاب) تقال للتخصيص والحصر فاذا قدم الجار والمجرور على اسم العلم يكون بقصد الاختصاص والحصر (لازالة الشك ان الحمد سيكون لغير الله)
الحمد لله في الدنيا ليست مختصة لله سبحانه وتعالى الحمد في الدنيا قد تقال لاستاذ او سلطان عادل اما العبادة فهي قاصرة على الله سبحانه وتعالى المقام في الفاتحة ليس مقام اختصاص اصلا وليست مثل اياك نعبد او اياك نستعين. فقد وردت في القران الكريم (فلله الحمد رب السموات ورب الارض رب العالمين) الجاثية (لآية 36).
لا احد يمنع التقديم لكن التقديم والتأخير في القران الكريم يكون حسب ما يقتضيه السياق. المقام في سورة الفاتحة هو مقام مؤمنين يقرون بالعبادة ويطلبون الاستعانة والهداية أما في سورة الجاثية فالمقام في الكافرين وعقائدهم وقد نسبوا الحياة والموت لغير الله سبحانه لذا اقتضى ذكر تفضله سبحانه بانه خلق السموات والارض واثبت لهم ان الحمد الاول لله سبحانه على كل ما خلق لنا فهو المحمود الاول لذا جاءت فلله الحمد مقدمة حسب ما اقتضاه السياق العام للآيات في السورة.(1/9)
فلماذا التفضيل في الجاثية (رب السموات والارض) ولم ترد في الفاتحة؟ في الجاثية تردد ذكر السموات والارض وما فيهن وذكر ربوبية الله تعالى لهما فقد جاء في اول السورة (ان في السموات والارض لآيات للمؤمنين) فلو نظرنا في جو سورة الجاثية نلاحظ ربوبية الله تعالى للسموات والارض والخلق والعالمين مستمرة في السورة كلها. (ولله ملك السوات والارض) يعني هو ربهما ( ويوم تقوم الساعة يخسر المبطلون) اذن هو رب العالمين ( وخلق الله السموات والارض بالحق) فهو ربهما ( لتجزى كل نفس..) فهو رب العالمين. (فلله الحمد رب السموات ورب الارض رب العالمين) جمع الربوبية في السموات والارض والعالمين في آية واحدة أما في الكلام في الفاتحة فهو عن العالمين فقط وذكر اصناف الخلق من العالمين (المؤمنين، الضالين..) لذا ناسب التخصيص في الجاثية وليس في الفاتحة.
(وله الكبرياء في السموات والارض وهو العزيز الحكيم)(الجاثية الآية 37) ولم يذكر الكبرياء في الفاتحة لانه جاء في الجاثية ذكر المستكبرين بغير حق (ويل لكل افاك اثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعهافبشره بعذاب أليم.واذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا اولئك لهم عذاب مهين) (الجاثية الأيات 7-9) دل على مظهر من مظاهر الاستكبار لذا ناسب ان يرد ذكر الكبرياء في السموات والارض. فسبحانه تعالى يضع الكلام بميزان دقيق بما يتناسب مع السياق العام للآيات.
الحمد لله: جاء سبحانه وتعالى باسمه العلم (الله) لم يقل الحمد للخالق أو القدير او اي اسم آخر من اسمائه الحسنى فلماذا جاء باسمه العلم؟ لانه اذا جاء باي اسم آخر غير العلم لدل على انه تعالى استحق الحمد فقط بالنسبة لهذا الاسم خاصة فلو قال الحمد للقادر لفهمت على انه يستحق الحمد للقدرة فقط لكن عند ذكر الذات (الله) فانها تعني انه سبحانه يستحق الحمد لذاته لا لوصفه.(1/10)
من ناحية اخرى الحمد لله مناسبة لما جاء بعدها (اياك نعبد) لان العبادة كثيرا ما تختلط بلفظ الله. فلفظ الجلاله (الله) يعنى الإله المعبود مأخوذة من أله (بكسر اللام) ومعناها عبد ولفظ الله مناسب للعبادة واكثر اسم اقترن بالعبادة هو لفظ الله تعالى (اكثر من 50 مرة اقترن لفظ الله بالعبادة في القران) لذا فالحمد لله مناسب لاكثر من جهة.
الحمد’ لله اولى من قول الحمد للسميع او العليم او غيرها من اسماء الله الحسنى. وقول الحمد لله أولى من قول أحمد الله أو الحمدَ لله او حمدا لله او ان الحمد لله او الحمد للحي او القادر او السميع او البصير. جلُت حكمة الله سبحانه وتعالى وجل قوله العزيز.
*من برنامج(ورتل القرآن ترتيلاً):
قال تعالى (الْحَمْدُ للّهِ (2) الفاتحة) هل سألنا أنفسنا ما معنى الحمد لله؟إن الحمد هو الثناء على الجميل من نعمة أو غيرها مع المحبة والإجلال. فالحمد أن تذكر محاسن الغير ولا يكون الحمد إلا للحيّ العاقل أما المدح فلا يختص بشيء معين فقد تمدح حيواناً مثلاً كأن تمدح الديك ولكنك لا تحمده. وفرق آخر أن المدح قد يكون قبل الإحسان وقد يكون بعده أما الحمد فإنه لا يكون إلا بعد الإحسان لذلك لا نحمد إلا من يستحق الحمد بفعل جميل أو صفة حسنة أما المدح فقد أمدح إنساناً ولم يفعل شيئاً من المحاسن ولذا نهينا عن المدح وأُمرنا بالحمد فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : "احثوا التراب في وجوه المدّاحين" في حين قال " من لم يحمد الناس لم يحمد الله" فكان الحمد أولى من المدح.
لو تقصينا الفرق بين المدح والشكر نجد أن الشكر لا يكون إلا عقب نعمة أو إحسان أُسدي إليك دون غيرك ولا يكون في الصفات فأنت لا تشكر الشخص على عِلمه أما الحمد فإنه لا يختص بذلك فأنت تحمد الله على إنعامه لك ولغيرك وتحمد الله على قدرته وعلمه وفضله فكان اختيار الحمد أولى من الشكر أيضاً.
رب العالمين:(1/11)
الرب هو المالك والسيد والمربي والمنعم والقيم فاذن رب العالمين هو ربهم ومالكهم وسيدهم ومربيهم والمنعم عليهم وقيُمهم لذا فهو اولى بالحمد من غيره وذكر (رب العالمين) هي انسب ما يمكن وضعه بعد (الحمد لله).
رب العالمين يقتضي كل صفات الله تعالى ويشمل كل اسماء الله الحسنى. العالمين جمع عالم والعالم هو كل موجود سوى الله تعالى والعالم يجمع على العوالم وعلى العالمين لكن اختيار العالمين على العوالم امر بلاغي يعني ذلك ان العالمين خاص للمكلفين واولي العقل (لا تشمل غير العقلاء) بدليل قوله تعالى (تبارك الذي نزل على عبده الفرقان ليكون للعالمين نذيرا) (الفرقان آية 1) ومن المؤكد انه ليس نذيرا للبهائم والجماد. وبهذا استدلوا على ان المقصود بالعالمين اولي العقل واولي العلم او المكلفون.
والعالمين جمع العالم بكل اصنافه لكن يغلُب العقلاء على غيرهم فيقال لهم العالمين لا يقال لعالم الحشرات او الجماد او البهائم العالمين وعليه فلا تستعمل كلمة العالمين الا اذا اجتمع العقلاء مع غيرهم وغلبوا عليهم.
أما العوالم قد يطلق على اصناف من الموجودات ليس منهم البشر او العقلاء او المكلفون (تقال للحيوانات والحشرات والجمادات)
اختيار كلمة العالمين له سببه في سورة الفاتحة فالعالمين تشمل جيلا واحدا وقد تشمل كل المكلفين او قسما من جيل (قالوا اولم ننهك عن العالمين) (الحجر آية 70) في قصة سيدنا لوط جاءت هنا بمعنى قسم من الرجال.
واختيار العالمين ايضا لان السورة كلها في المكلفين وفيها طلب الهداية واظهار العبودية لله وتقسيم الخلق كله خاص باولي العقل والعلم لذا كان من المناسب اختيار العالمين على غيرها من المفردات او الكلمات. وقد ورد في آخر الفاتحة ذكر المغضوب عليهم وهم اليهود، والعالمين رد على اليهود الذين ادعوا ان الله تعالى هو رب اليهود فقط فجاءت رب العالمين لتشمل كل العالمين لا بعضهم.(1/12)
اما اختيار كلمة رب فلانها تناسب ما بعدها (اهدنا الصراط المستقيم) لان من معاني الرب المربي وهي اشهر معانيه واولى مهام الرب الهداية لذا اقترنت الهداية كثيرا بلفظ الرب كما اقترنت العبادة بلفظ الله تعالى (قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي اعطى كل شيئ خلقه ثم هدى) (طه آية 49-50) (فاجتباه ربه فتاب عليه وهدى) (طه آية 122) (سبح اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) (الأعلى آية 1-3) (قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم) (الانعام آية 161) (وقل عسى ان يهدين ربي لاقرب من هذا رشدا) (الكهف آية 24) (قال كلا ان معي ربي سيهدين) (الشعراء آية 62) (وقال اني ذاهب الى ربي سيهدين) (الصافات آية 99) (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل) (القصص آية 22) لذا ناسب لفظ رب مع اهدنا الصراط المستقيم وفيها طلب الهداية.
الرحمن الرحيم:
الرحمن على وزن فعلان والرحيم على وزن فعيل ومن المقرر في علم التصريف في اللغة العربية ان الصفة فعلان تمثل الحدوث والتجدد والامتلاء والاتصاف بالوصف الى حده الاقصى فيقال غضبان بمعنى امتلأ غضبا (فرجع موسى الى قومه غضبان اسفا) لكن الغضب زال (فلما سكت عن موسى الغضب) ومثل ذلك عطشان، ريان، جوعان يكون عطشان فيشرب فيذهب العطش
اما صيغة فعيل فهي تدل على الثبوت سواء كان خلقة ويسمى تحول في الصفات مثل طويل، جميل، قبيح فلا يقال خطيب لمن ألقى خطبة واحدة وانما تقال لمن يمارس الخطابة وكذلك الفقيه.
هذا الاحساس اللغوي بصفات فعلان وفعيل لا يزال في لغتنا الدارجة الى الآن فنقول بدا عليه الطول (طولان) فيرد هو طويل (صفة ثابتة) فلان ضعفان (حدث فيه شيئ جديد لم يكن) فيرد هو ضعيف (هذه صفته الثابتة فهو اصلا ضعيف)(1/13)
ولذا جاء سبحانه وتعالى بصفتين تدلان على التجدد والثبوت معا فلو قال الرحمن فقط لتوهم السامع ان هذه الصفة طارئة قد تزول كما يزول الجوع من الجوعان والغضب من الغضبان وغيره. ولو قال رحيم وحدها لفهم منها ان صفة رحيم مع انها ثابتة لكنها ليست بالضرورة على الدوام ظاهرة انما قد تنفك مثلا عندما يقال فلان كريم فهذا لا يعني انه لا ينفك عن الكرم لحظة واحدة انما الصفة الغالبة عليه هي الكرم.
وجاء سبحانه بالصفتين مجتمعتين ليدل على ان صفاته الثابتة والمتجددة هي الرحمة ويدل على ان رحمته لا تنقطع وهذا ياتي من باب الاحتياط للمعنى وجاء بالصفتين الثابتة والمتجددة لا ينفك عن احداهما انما هذه الصفات مستمرة ثابتة لا تنفك البتة غير منقطعة.
*فلماذا اذن قدم سبحانه الرحمن على الرحيم؟
قدم صيغة الرحمن والتي هي الصفة المتجددة وفيها الامتلاء بالرحمة لابعد حدودها لان الانسان في طبيعته عجول وكثيرا ما يؤثر الانسان الشيئ الآتي السريع وان قل على الشيئ الذي سيأتي لاحقا وان كثر (بل تحبون العاجلة) لذا جاء سبحانه بالصفة المتجددة ورحمته قريبة ومتجددة وحادثة اليه ولا تنفك لان رحمته ثابتة. ووقوع كلمة الرحيم بعد كلمة الرب يدلنا على أن الرحمة هي من صفات الله تعالى العليا وفيها اشارة الى ان المربي يجب ان يتحلى بالرحمة وتكون من ابرز صفاته وليست القسوة والرب بكل معانيه ينبغي ان يتصف بالرحمة سواء كان مربيا او سيدا او قيما وقد وصف الله تعالى رسوله بالرحمة.
مالك يوم الدين:
هناك قراءة متواترة (ملك يوم الدين) بعض المفسرين يحاولون تحديد اي القراءتين اولى وتحديد صفة كل منهما لكن في الحقيقة ليس هناك قراءة اولى من قراءة فكلتا القراءتين متواترة نزل بهما الروح الامين ليجمع بين معنى المالك والملك.
المالك من التملك والملك بكسر الميم (بمعنى الذي يملك الملك) .(1/14)
وملك بكسر اللام من الملك بضم الميم والحكم (اليس لي ملك مصر) الملك هنا بمعنى الحكم والحاكم الاعلى هو الله تعالى.
المالك قد يكون ملكا وقد لا يكون والملك قد يكون مالكا وقد لا يكون. المالك يتصرف في ملكه كما لا يتصرف الملك (بكسر اللام) والمالك عليه ان يتولى امر مملوكه من الكسوة والطعام والملك ينظر للحكم والعدل والانصاف. المالك اوسع لشموله العقلاء وغيرهم والملك هو المتصرف الاكبر وله الامر والادارة العامة في المصلحة العامة فنزلت القراءتين لتجمع بين معنى المالك والملك وتدل على انه سبحانه هو المالك وهو الملك (قل اللهم مالك الملك) الملك ملكه سبحانه وتعالى فجمع بين معنى الملكية والملك
*مالك يوم الدين، لم لم يذكر الدنيا؟
سواء كان مالكا او ملكا فلماذا لم يقل مالك يوم الدين والدنيا؟
اولا قال (الحمد لله رب العالمين) فهو مالكهم وملكهم في الدنيا وهذا شمل الدنيا. (مالك يوم الدين) هو مالك يوم الجزاء يعني ملك ما قبله من ايام العمل والعمل يكون في الدنيا فقد جمع في التعبير يوم الدين والدنيا وبقوله يوم الدين شمل فيه الدنيا ايضا.
*لم قال يوم الدين ولم يقل يوم القيامة؟
الدين بمعنى الجزاء وهو يشمل جميع انواع القيامة من اولها الى آخرها ويشمل الجزاء والحساب والطاعة والقهر وكلها من معاني الدين وكلمة الدين انسب للفظ رب العالمين وانسب للمكلفين (الدين يكون لهؤلاء المكلفين) فهو انسب من يوم القيامة لان القيامة فيها اشياء لا تتعلق بالجزاء اما الدين فمعناه الجزاء وكل معانيه تتعلق بالمكلفين لان الكلام من اوله لآخره عن المكلفين لذا ناسب اختيار كلمة الدين عن القيامة.
*لماذا قال مالك يوم؟(1/15)
واليوم لا يملك انما ما فيه يملك والسبب لقصد العموم ومالك اليوم هو ملك لكل ما فيه وكل من فيه فهو اوسع وهو ملكية كل ما يجري وما يحدث في اليوم وكل ما فيه ومن فيه فهي اضافة عامة شاملة جمع فيها ما في ذلك اليوم ومن فيه واحداثه وكل ما فيه من باب الملكية (بكسر الميم) والملكية (بضم الميم) .
اقتران الحمد بهذه الصفات احسن واجمل اقتران. (الحمد لله) فالله محمود بذاته وصفاته على العموم والله هو الاسم العلم) ثم محمود بكل معاني الربوبية (رب العالمين) لان من الارباب من لا تحمد عبوديته وهو محمود في كونه رحمن رحيم، محمود في رحمته لان الرحمة لو وضعت في غير موضعها تكون غير محمودة فالرحمة اذا لم توضع في موضعها لم تكن مدحا لصاحبها، محمود في رحمته يضعها حيث يجب ان توضع وهو محمود يوم الدين محمود في تملكه وفي مالكيته (مالك يوم الدين) محمود في ملكه ذلك اليوم (في قراءة ملك يوم الدين)
استغرق الحمد كل الازمنة لم يترك سبحانه زمنا لم يدخل فيه الحمد ابدا من الازل الى الابد فهو حمده قبل الخلق (الحمد لله) حين كان تعالى ولم يكن معه شيئ قبل حمد الحامدين وقبل وجود الخلق والكائنات استغرق الحمد هنا الزمن الاول وعند خلق العالم (رب العالمين) واستغرق الحمد وقت كانت الرحمة تنزل ولا تنقطع (الرحمن الرحيم) واستغرق الحمد يوم الجزاء كله ويوم الجزاء لا ينتهي لان الجزاء لا ينتهي فاهل النار خالدين فيها واهل الجنة خالدين فيها لا ينقضي جزاؤهم فاستغرق الحمد كل الازمنة من الازل الى الابد كقوله تعالى له الحمد في الاولى والاخرة هذه الآيات جمعت اعجب الوصف.
*من برنامج(ورتل القرآن ترتيلاً):(1/16)
فى قوله تعالى (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) الفاتحة) فيه إضفاء الأمل في قلبك أيها العبد الفقير إلى رحمة ربك فصيغة فعلان أي (الرحمن) تفيد الدلالة على التجدد كقولنا عطشان فهي لا تدل على الثبوت بل على التجدد والامتلاء بهذا الوصف وصيغة فعيل أي الرحيم تدل على الثبوت في الصفة كقولنا طويل أو جميل فجاء السياق القرآني بهاتين الصيغتين للدلالة على أن رحمته سبحانه وتعالى ثابتة ومتجددة فالعطشان يذهب ظمأه إن شرِب ولكن الكريم لا تزول عنه هذه الصفة ولو افتقر فكان الترادف بين الصيغتين فعلان وفعيل أي الرحمن الرحيم يبث في الحنايا الرحمة الدائمة التي تباشر العباد.
اياك نعبد واياك نستعين:
قدم المفعولين لنعبد ونستعين وهذا التقديم للاختصاص لانه سبحانه وتعالى وحده له العبادة لذا لم يقل نعبدك ونستعينك لانها لا تدل على التخصيص بالعبادة لله تعالى اما قول اياك نعبد فتعني تخصيص العبادة لله تعالى وحده وكذلك في الاستعانة (اياك نستعين) تكون بالله حصرا (ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير) (الممتحنة آية 4) كلها مخصوصة لله وحده حصرا فالتوكل والانابة والمرجع كله اليه سبحانه (وعلى الله فليتوكل المتوكلون)(ابراهيم 12)
(قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا) (الملك آية 29) تقديم الايمان على الجار والمجرور هنا لان الايمان ليس محصورا بالله وحده فقط بل علينا الايمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقضاء والقدر لذا لم تأت به آمنا. أما في التوكل فجاءت وعليه توكلنا لا توكلنا عليه لان التوكل محصور بالله تعالى.
*الآن لماذا كررت اياك مع فعل الاستعانة ولم يقل اياك نعبد ونستعين؟(1/17)
التكرار يفيد التنصيص على حصر المستعان به لو اقتصرنا على ضمير واحد (اياك نعبد ونستعين) لم يعني المستعان انما عني المعبود فقط ولو اقتصرنا على ضمير واحد لفهم من ذلك انه لا يتقرب اليه الا بالجمع بين العبادة والاستعانة بمعنى انه لا يعبد بدون استعانة ولا يستعان به بدون عبادة. يفهم من الاستعانة مع العبادة مجموعة تربط الاستعانة بالعبادة وهذا غير وارد وانما هو سبحانه نعبده على وجه الاستقلال ونستعين به على وجه الاستقلال وقد يجتمعان لذا وجب التكرار في الضمير اياك نعبد واياك نستعين. التكرار توكيد في اللغة، في التكرار من القوة والتوكيد للاستعانة فيما ليس في الحذف.
اياك نعبد واياك نستعين:اطلق سبحانه فعل الاستعانة ولم يحدد نستعين على شئ او نستعين على طاعة او غيره انما اطلقها لتشمل كل شئ وليست محددة بامر واحد من امور الدنيا. وتشمل كل شئ يريد الانسان ان يستعين بربه لان الاستعانة غير مقيدة بامر محدد. وقد عبر سبحانه عن الاستعانة والعبادة بلفظ ضمير الجمع (نعبد ونستعين) وليس بالتعبير المفرد أعبد وأستعين وفي هذا اشارة الى أهمية الجماعة في الاسلام لذا تلزم قراءة هذه السورة في الصلاة وتلزم ان صلاة الجماعة افضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين مرة وفيها دليل على اهمية الجماعة عامة في الاسلام مثل الحج وصلاة الجماعة، الزكاة، الجهاد،الاعياد والصيام. اضافة الى ان المؤمنين اخوة فلو قال اياك اعبد لأغفل عبادة اخوته المؤمنين وانما عندما نقول اياك نعبد نذكر كل المؤمنين ويدخل القائل في زمرة المؤمنين ايضاً.
*لماذا قرن العبادة بالاستعانة؟(1/18)
اولاً ليدل على ان الانسان لا يستطيع ان يقوم بعبادة الله الا بإعانة الله له وتوفيقه فهو اذن شعار واعلان ان الانسان لا يستطيع ان يعمل شيئاً الا بعون الله وهو اقرار بعجز الانسان عن القيام بالعبادات وعن حمل الامانة الثقيلة اذا لم يعنه الله تعالى على ذلك، الاستعانة بالله علاج لغرور الانسان وكبريائه عن الاستعانة بالله واعتراف الانسان بضعفه.
*لماذا قدم العبادة على الاستعانة؟
العبادة هي علة خلق الانس والجن (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)(الذاريات 56) والاستعانة انما هي وسيلة للعبادة فالعبادة اولى بالتقديم.
العبادة هي حق الله والاستعانة هي مطلب من مطالبه وحق الله اولى من مطالبه.
تبدأ السورة بالحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين وهذه كلها من اسلوب الغيبة اي كلها للغائب ثم انتقل الى الخطاب المباشر بقوله اياك نعبد واياك نستعين. فلو قسنا على سياق الآيات الاولى لكان اولى القول اياه نعبد واياه نستعين. فلماذا لم يقل سبحانه هذا؟
في البلاغة يسمى هذا الانتقال من الغائب للمخاطب أو المتكلم او العكس الإلتفات. للالتفات فائدة عامة وفائدة في المقام، اما الفائدة العامة فهي تطرية لنشاط السامع وتحريك الذهن للاصغاء والانتباه. اما الفائدة التي يقتضيها المقام فهي اذا التفت المتكلم البليغ يكون لهذه الالتفاتة فائدة غير العامة مثال: (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم) (يونس آية 22) لم يقل وجرين بكم فيها التفات لانهم عندما ركبوا في البحر وجرت بهم الفلك اصبحوا غائبين وليسوا مخاطبين.(1/19)
وعندما قال سبحانه الحمد لله رب العالمين فهو حاضر دائما فنودي بنداء الحاضر المخاطب. الكلام من اول الفاتحة الى مالك يوم الين كله ثناء على الله تعالى والثناء يكون في الحضور والغيبة والثناء في الغيبة اصدق واولى أما اياك نعبد واياك نستعين فهو دعاء والدعاء في الحضور اولى واجدى اذن الثناء في الغيبة اولى والدعاء في الحضور اولى والعبادة تؤدى في الحاضر وهي اولى.
إهدنا الصراط المستقيم
هذا دعاء ولا دعاء مفروض على المسلم قوله غير هذا الدعاء فيتوجب على المسلم قوله عدة مرات في اليوم وهذا بدوره يدل على اهمية الطلب وهذا الدعاء لان له اثره في الدنيا والآخرة ويدل على ان الانسان لا يمكن ان يهتدي للصراط المستقيم بنفسه الا اذا هداه الله تعالى لذلك. اذا ترك الناس لانفسهم لذهب كل الى مذهبه ولم يهتدوا الى الصراط المستقيم وبما ان هذا الدعاء في الفاتحة ولا صلاة بدون فاتحة فلذا يجب الدعاء به في الصلاة الفريضة وهذا غير دعاء السنة في (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) (البقرة آية 201).
والهداية هي الالهام والدلالة. وفعل الهداية هدى يهدي في العربية قد يتعدى بنفسه دون حرف جر مثل اهدنا الصراط المستقيم (تعدى الفعل بنفسه) وقد يتعدى بإلى (وانك لتهدي الى صراط مستقيم) (الشورى آية 52) (واهديك الى ربك فتخشى) (النازعات آية 19) وقد يتعدى باللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا ) (الاعراف 43) (بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان) (الحجرات آية 17)(1/20)
ذكر اهل اللغة ان الفرق بين التعدية بالحرف والتعدية بالفعل نفسه ان التعدية بالحرف تستعمل عندما لا تكون الهداية فيه بمعنى ان المهدي كان خارج الصراط فهداه الله له فيصل بالهداية اليه. والتعدية بدون حرف تقال لمن يكون فيه ولمن لا يكون فيه كقولنا هديته الطريق قد يكون هو في الطريق فنعرفه به وقد لا يكون في الطريق فنوصله اليه. (فاتبعني اهدك صراطا سويا) (مريم آية 43) ابو سيدنا ابراهيم لم يكن في الطريق، (ولهديناهم صراطا مستقيما) (النساء آية 68) والمنافقون ليسوا في الطريق. واستعملت لمن هم في الصراط (وقد هدانا سبلنا) (ابراهيم آية 12) قيلت في رسل الله تعالى وقال تعالى مخاطبا رسوله (ويهديك صراطا مستقيما) (الفتح آية 2) والرسول مالك للصراط. استعمل الفعل المعدى بنفسه في الحالتين.
التعدية باللام والى لمن لم يكن في الصراط (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا الى سواء الصراط) (ص آية 22) (هل من شركائكم من يهدي الى الحق) (يونس آية 35)
وتستعمل هداه له بمعنى بينه له والهداية على مراحل وليست هداية واحدة فالبعيد عن الطريق، الضال، يحتاج من يوصله اليه ويدله عليه (نستعمل هداه اليه) والذي يصل الى الطريق يحتاج الى هاد يعرفه باحوال الطريق واماكن الامن والنجاة والهلاك للثقة بالنفس ثم اذا سلك الطريق في الاخير يحتاج الى من يريه غايته واستعمل سبحانه اللام (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله) (الاعراف آية 43) وهذه خاتمة الهدايات.
ونلخص ما سبق على النحو التالي:
-انسان بعيد يحتاج من يوصله الى الطريق نستعمل الفعل المتعدي بإلى.
-اذا وصل ويحتاج من يعرفه بالطريق واحواله نستعمل الفعل المتعدي بنفسه.
-اذا سلك الطريق ويحتاج الى من يبلغه مراده نستعمل الفعل المتعدي باللام.(1/21)
الهداية مع اللام لم تستعمل مع السبيل او الصراط ابدا في القرآن لان الصراط ليست غاية انما وسيلة توصل للغاية واللام انما تستعمل عند الغاية. وقد اختص سبحانه الهداية باللام له وحده او للقرآن لأنها خاتمة الهدايات كقوله (ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم) (الاسراء آية 9) وقوله (يهدي الله لنوره من يشاء) (النور آية 35).
قد نقول جاءت الهدايات كلها بمعنى واحد مع اختلاف الحروف.
(قل هل من شركائكم من يهدي الى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى) (يونس آية 35).
جاءت يهدي للحق المقترنة بالله تعالى لان معنى الآيات تفيد هل من شركائكم من يوصل الى الحق قل الله يهدي للحق الله وحده يرشدك ويوصلك الى خاتمة الهدايات، يعني ان الشركاء لا يعرفون اين الحق ولا كيف يرشدون اليه ويدلون عليه.
(يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم) (المائدة آية 16).
استعمل الهداية معداة بنفسها بدون حرف واستعملها في سياق واحد مع الفعل المعدى بالى ومعنى الآيات انه من اتبع رضوان الله وليس بعيدا ولا ضالا استعمل له الفعل المعدى بنفسه والذي في الظلمات هو بعيد عن الصراط ويحتاج الى من يوصله الى الصراط لذا قال يهديهم الى صراط مستقيم (استعمل الفعل المعدى بإلى).
نعود الى الآية (اهدنا الصراط المستقيم) (الفعل معدى بنفسه) وهنا استعمل هذا الفعل المعدى بنفسه لجمع عدة معاني فالذي انحرف عن الطريق نطلب من الله تعالى ان يوصله اليه والذي في الطريق نطلب من الله تعالى ان يبصره باحوال الطريق والثبات والتثبيت على الطريق.(1/22)
وهنا يبرز تساؤل آخر ونقول كما سبق وقدم سبحانه مفعولي العبادة والاستعانة في (اياك نعبد واياك نستعين) فلماذا لم يقل سبحانه ايانا اهدي؟ هذا المعنى لا يصح فالتقديم باياك نعبد واياك نستعين تقيد الاختصاص ولا يجوز ان نقول ايانا اهدي بمعنى خصنا بالهداية ولا تهدي احدا غيرنا فهذا لا يجوز لذلك لا يصح التقديم هنا. المعنى تطلب التقديم في المعونة والاستعانة ولم يتطلبه في الهداية لذا قال اهدنا الصراط المستقيم.
*فلم قال اهدنا ولم يقل اهدني؟
لانه مناسب لسياق الآيات السابقة وكما في ايات الاستعانة والعبادة اقتضى الجمع في الهداية ايضا.
فيه اشاعة لروح الجماعة وقتل لروح الاثرة والانانية وفيه نزع الاثرة والاستئثار من النفس بان ندعو للآخرين بما ندعو به لانفسنا.
الاجتماع على الهدى وسير المجموعة على الصراط دليل قوة فاذا كثر السالكون يزيد الانس ويقوى الثبات فالسالك وحده قد يضعف وقد يمل او يسقط او تأكله الذئاب. فكلما كثر السالكون كان ادعى للاطمئنان والاستئناس.
والاجتماع رحمة والفرقة عذاب يشير لله تعالى الى امر الاجتماع والانس بالاجتماع وطبيعة حب النفس للاجتماع كما ورد في قوله الكريم (ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها) (النساء آية 13) خالدين جاءت بصيغة الجمع لان المؤمنين في الجنة يستمتعون بالانس ببعضهم وقوله (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) (النساء آية 14) في العذاب فيزيد على عذاب الكافر عذاب الوحدة فكأنما عذبه الله تعالى بشيئين النار والوحدة.(1/23)
لذا فعندما قال سبحانه وتعالى (اهدنا الصراط المستقيم) فيه شئ من التثبيت والاستئناس هذا الدعاء ارتبط باول السورة وبوسطها وآخرها. الحمد لله رب العالمين مهمة الرب هي الهداية وكثيرا ما اقترنت الهداية باسم الرب فهو مرتبط برب العالمين وارتبط بقوله (الرحمن الرحيم) لان من هداه الله فقد رحمه وانت الان تطلب من الرحمن الرحيم الهداية اي تطلب من الرحمن الرحيم ان لا يتركك ضالا غير مهتد ثم قال (اياك نعبد واياك نستعين) فلا تتحقق العبادة الا بسلوك الطريق المستقيم وكذلك الاستعانة ومن الاستعانة طلب الهداية للصراط المستقيم (صراط الذين انعمت عليهم) اي صراط الذين سلكوا الصراط المستقيم، (ولا الضآلين) ، والضالون هم الذين سلكوا غير الصراط المستقيم فالهداية والضلال نقيضان والضالين نقيض الذين سلكوا الصراط المستقيم.
*لماذا اختار كلمة الصراط بدلا من الطريق او السبيل؟
لو لاحظنا البناء اللغوي للصراط هو على وزن (فعال بكسر الفاء) وهو من الاوزان الدالة على الاشتمال كالحزام والشداد والسداد والخمار والغطاء والفراش، هذه الصيغة تدل على الاشتمال بخلاف كلمة الطريق التي لا تدل على نفس المعنى. الصراط يدل على انه واسع رحب يتسع لكل السالكين اما كلمة طريق فهي على وزن فعيل بمعنى مطروق اي مسلوك والسبيل على وزن فعيل ونقول اسبلت الطريق اذا كثر السالكين فيها لكن ليس في صيغتها ما يدل على الاشتمال. فكلمة الصراط تدل على الاشتمال والوسع هذا في اصل البناء اللغوي (قال الزمخشري في كتابه الكشاف الصراط من صرط كانه يبتلع السبل كلما سلك فيه السالكون وكانه يبتلعهم من سعته).
صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين
*لماذا جاءت كلمة الصراط معرفة بأل مرة ومضافة مرة اخرى (صراط الذين انعمت عليهم)؟(1/24)
جاءت كلمة الصراط مفردة ومعرفة بتعريفين: بالالف واللام والاضافة وموصوفا بالاستقامة مما يدل على انه صراط واحد (موصوف بالاستقامة لانه ليس بين نقطتين الا طريق مستقيم واحد والمستقيم هو اقصر الطرق واقربها وصولا الى الله) واي طريق آخر غير هذا الصراط المستقيم لا يوصل الى المطلوب ولا يوصل الى الله تعالى. والمقصود بالوصول الى الله تعالى هو الوصول الى مرضاته فكلنا واصل الى الله وليس هناك من طريق غير الصراط المستقيم. (ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا) (المزمل آية 19) (الانسان آية 29) (ان ربي على صراط مستقيم) (هود آية 56) (قال هذا صراط علي مستقيم) (الحجر آية 41)
وردت كلمة الصراط في القرآن مفردة ولم ترد مجتمعة ابداً بخلاف السبيل فقد وردت مفردة ووردت جمعا (سبل) لان الصراط هو الاوسع وهو الذي تفضي اليه كل السبل (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (الانعام 153) (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) (المائدة 16) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (العنكبوت 69) (هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة ) (يوسف آية 108) الصراط هو صراط واحد مفرد لانه هو طريق الاسلام الرحب الواسع الذي تفضي اليه كل السبل واتباع غير هذا الصراط ينأى بنا عن المقصود.
ثم زاد هذا الصراط توضيحا وبيانا بعد وصفه بالاستقامة وتعريفه بأل بقول (صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين) جمعت هذه الآية كل اصناف الخلق المكلفين ولم تستثني منهم احدا فذكر:
الذين انعم الله عليهم هم الذين سلكوا الصراط المستقيم وعرفوا الحق وعملوا بمقتضاه.
الذين عرفوا الحق وخالفوه (المغضوب عليهم) ويقول قسم من المفسرين انهم العصاة.
الذين لم يعرفوا الحق وهم الضآلين (قل هل انبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا) (الكهف آية 103-104) هذا الحسبان لا ينفعهم انما هم من الاخسرين.(1/25)
ولا يخرج المكلفون عن هذه الاصناف الثلاثة فكل الخلق ينتمي لواحد من هذه الاصناف.
*وقال تعالى (صراط الذين انعمت عليهم) ولم يقل تنعم عليهم فلماذا ذكر الفعل الماضي؟
اختار الفعل الماضي على المضارع اولاً: ليتعين زمانه ليبين صراط الذين تحققت عليهم النعمة (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا) (النساء آية 69) صراط الذين انعمت عليهم يدخل في هؤلاء. واذا قال تنعم عليهم لاغفل كل من انعم عليهم سابقا من رسل الله والصالحين ولو قال تنعم عليهم لم يدل في النص على انه سبحانه انعم على احد ولاحتمل ان يكون صراط الاولين غير الآخرين ولا يفيد التواصل بين زمر المؤمنين من آدم عليه السلام إلى ان تقوم الساعة. مثال: اذا قلنا أعطني ما اعطيت امثالي فمعناه أعطني مثل ما اعطيت سابقا، ولو قلنا اعطني ما تعطي امثالي فهي لا تدل على أنه اعطى احدا قبلي.
ولو قال تنعم عليهم لكان صراط هؤلاء اقل شأنا من صراط الذين انعم عليهم فصراط الذين انعم عليهم من اولي العزم من الرسل والانبياء والصديقين اما الذين تنعم عليهم لا تشمل هؤلاء. فالاتيان بالفعل الماضي يدل على انه بمرور الزمن يكثر عدد الذين انعم الله عليهم فمن ينعم عليهم الآن يلتحق بالسابقين من الذين انعم الله عليهم فيشمل كل من سبق وانعم الله عليهم فهم زمرة كبيرة من اولي العزم والرسل واتباعهم والصديقين وغيرهم وهكذا تتسع دائرة المنعم عليهم اما الذين تنعم عليهم تختص بوقت دون وقت ويكون عدد المنعم عليهم قليل لذا كان قوله سبحانه انعمت عليهم اوسع واشمل واعم من الذين تنعم عليهم.
*لماذا قال صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين؟
اي لماذا عبر عن الذين انعم عليهم باستخدام الفعل (انعمت) و(المغضوب عليهم ) و(الضآلين) بالاسم؟(1/26)
الاسم يدل على الشمول ويشمل سائر الازمنة من المغضوب عليهم والدلالة على الثبوت. أما الفعل فيدل على التجدد والحدوث فوصفه انهم مغضوب عليهم وضالون دليل على الثبوت والدوام.
*اذن فلماذا لم يقل المنعم عليهم للدلالة على الثبوت؟
لو قال صراط المنعَم عليهم بالاسم لم يتبين المعنى اي من الذي أنعم انما بيَّن المنعِم في قوله (أنعمت عليهم) لان معرفة المنعِم مهمة فالنعم تقدر بمقدار المنعِم لذا اراد سبحانه وتعالى ان يبين المنعِم ليبين قدرة النعمة وعظيمها ومن عادة القرآن ان ينسب الخير إلى الله تعالى وكذلك النعم والتفضل وينزه نسبة السوء اليه سبحانه (وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض ام اراد بهم ربهم رشدا) (الجن آية 10) والله سبحانه لا ينسب السوء لنفسه فقد يقول (ان الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم اعمالهم فهم يعمهون) (النمل آية 4) لكن لا يقول زينا لهم سوء اعمالهم (زين لهم سوء أعمالهم) (التوبة آية 37) (زين للناس حب الشهوات ) (آل عمران آية 14) (وزين لفرعون سوء عمله). (غافر آية 37) (أفمن زين له سوء عمله) (فاطر آية 8) (واذ زين لهم الشيطان اعمالهم) (الانفال آية 48) اما النعمة فينسبها الله تعالى الى نفسه لان النعمة كلها خير (ربي بما انعمت علي) (القصص آية 17) (ان هو الا عبد انعمنا عليه) (الزخرف آية 59) (واذا انعمنا على الانسان أعرض ونئا بجانبه واذا مسه الشر كان يؤوسا) (الاسراء آية 83) ولم ينسب سبحانه النعمة لغيره الا في آية واحدة (واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه امسك عليك زوجك) (الاحزاب آية 37) فهي نعمة خاصة بعد نعمة الله تعالى عليه.
*(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7) الفاتحة) لماذا ذكرت المغضوب عليهم بصيغة المبني للمجهول والضالين بصيغة إسم الفاعل؟(د.فاضل السامرائى)(1/27)
أولاً جيء بكل منهما إسماً (المغضوب عليهم) و(الضالين) للدلالة على الثبوت الغضب عليهم ثابت والضلال فيهم ثابت لا يرجى فيهم خير ولا هدى لم يقل صراط الذين غضب عليهم وضلوا وإنما المغضوب عليهم ولا الضالين فجاء بالوصفين بالإسمية للدلالة على ثبوت هذين الوصفين فيهما. يبقى السؤال لماذا جاء المغضوب عليهم إسم مفعول ولم يقل غاضب إسم فاعل؟ مغضوب عليهم إسم مفعول يعني وقع عليهم الغضب لم يذكر الجهة التي غضبت عليهم ليعم الغضب عليهم من جميع الجهات غضب الله وغضب الغاضبين لله من الملائكة وغيرهم لا يتخصص بغاضب معين ليس غضب عليهم فلان أو فلان وإنما مغضوب عليهم من كل الجهات بل هؤلاء سيغضب عليهم أخلص أصدقائهم في الآخرة (وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94) الأنعام) (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا (25) العنكبوت) إذن مغضوب عليهم من جميع الجهات من كل الجهات، حذف جهة الغاضب فيه عموم وشمول. أما الضالين فهم الذين ضلّوا.
*لماذا قال المغضوب عليهم ولم يقل أغضبت عليهم؟
جاء باسم المفعول واسنده للمجهول ولذا ليعم الغضب عليهم من الله والملائكة وكل الناس حتى اصدقاؤهم يتبرأ بعضهم من بعض حتى جلودهم تتبرأ منهم ولذا جاءت المغضوب عليهم لتشمل غضب الله وغضب الغاضبين.
*غير المغضوب عليهم ولا الضآلين: لم كرر لا؟
وقال غير المغضوب عليهم والضالين؟ اذا حذفت (لا) يمكن ان يفهم ان المباينة والابتعاد هو فقط للذين جمعوا الغضب والضلالة فقط اما من لم يجمعها (غير المغضوب عليهم ولا الضآلين) فلا يدخل في الاستثناء. فاذا قلنا مثلا لا تشرب الحليب واللبن الرائب (اي لا تجمعهما) اما اذا قلنا لا تشرب الحليب ولا تشرب اللبن الرائب كان النهي عن كليهما ان اجتمعا او انفردا.(1/28)
*فلماذا قدم اذن المغضوب عليهم على الضآلين؟
المغضوب عليهم الذين عرفوا ربهم ثم انحرفوا عن الحق وهم اشد بعدا لان ليس من علم كمن جهل لذا بدأ بالمغضوب عليهم وفي الحديث الصحيح ان المغضوب عليهم هم اليهود واما النصارى فهم الضالون. واليهود اسبق من النصارى ولذا بدأ بهم واقتضى التقديم.
وصفة المغضوب عليهم هي اول معصية ظهرت في الوجود وهي صفة ابليس عندما امر بالسجود لآدم عليه السلام وهو يعرف الحق ومع ذلك عصى الله تعالى وهي اول معصية ظهرت على الارض ايضا عندما قتل ابن آدم اخاه فهي اذن اول معصية في الملأ الأعلى وعلى الأرض (ومن يقتل مؤمنا متعمدا.فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه) (النساء آية 93) ولذا بدأ بها.
أما جعل المغضوب عليهم بجانب المنعم عليهم فلان المغضوب عليهم مناقض للمنعم عليهم والغضب مناقض للنعم.
خاتمة سورة الفاتحة هي مناسبة لكل ما ورد في السورة من اولها الى آخرها فمن لم يحمد الله تعالى فهو مغضوب عليه وضال ومن لم يؤمن بيوم الدين وان الله سبحانه وتعالى مالك يوم الدين وملكه ومن لم يخص الله تعالى بالعبادة والاستعانة ومن لم يهتد الى الصراط المستقيم فهم جميعا مغضوب عليهم وضالون.
ولقد تضمنت السورة الايمان والعمل الصالح، الايمان بالله (الحمد لله رب العالمين) واليوم الآخر (مالك يوم الدين) والملائكة والرسل والكتب (اهدنا الصراط المستقيم) لما تقتضيه من ارسال الرسل والكتب. وقد جمعت هذه السورة توحيد الربوبية (رب العالمين) وتوحيد الالوهية (اياك نعبد واياك نستعين) ولذا فهي حقاً أم الكتاب.
??????
*كلمة الصراط وأخواتها في القرآن الكريم للشيخ الدكتور أحمد الكبيسي*(1/29)
لعله من المناسب لعرض اللمسات البيانية في سورة الفاتحة ذكر ما أفاض به الدكتور أحمد الكبيسي بارك الله به في برنامجه الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم على قناة دبي الفضائية في شرح كلمة الصراط واخواتها في القرآن الكريم وكيف أن كل كلمة منها وردت في القرآن في مكانها المناسب والمعنى الذي تأتي به كل كلمة لا يمكن ان يكون الا من عند العلي العظيم الذي وضع كل كلمة بميزانها وبمكانها الذي لا يمكن لكلمة اخرى ان تأتي بنفس معناها.
مرادفات كلمة الطريق تأتي على النحو التالي:
إمام – صراط – طريق - سبيل – نهج – فج - جدد (جمع جادة) – نفق
وجاء معنى كل منها العام على النحو التالي:
إمام: وهو الطريق العام الرئيسي الدولي الذي يربط بين الدول وليس له مثيل وتتميز أحكامه في الاسلام بتميز تخومه. وقدسية علامات المرور فيه هي من اهم صفاته وهو بتعبيرنا الحاضر الطريق السريع بين المدن (Highway). وقد استعير هذا اللفظ في القرآن الكريم ليدل على الشرائع (يوم ندعو كل اناس بإمامهم) (الإسراء آية 71 ) أي كل ما عندهم من شرائع وجاء أيضا بمعنى كتاب الله (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) (يس آية 12)
صراط: هو كل ممر بين نقطتين متناقضتين كضفتي نهر أو قمتي جبلين أو الحق والباطل والضلالة والهداية في الاسلام او الكفر والإيمان. والصراط واحد لا يتكرر في مكان واحد ولا يثنى ولا يجمع. وقد استعير في القرآن الكريم للتوحيد فلا إله إلا الله تنقل من الكفر إلى الإيمان (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) ( الأنعام آية 161) (من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) ( الأنعام آية 39) (اهدنا الصراط المستقيم) (الفاتحة آية 7) (فاتبعني أهدك صراطا سويا) (مريم آية 43 ) (وان الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) (المؤمنون آية 74 )(1/30)
والصراط عموما هو العدل المطلق لله تعالى وما عداه فهو نسبي. (إن ربي على صراط مستقيم) ( هود آية 56 ) والتوحيد هو العدل المطلق وما عداه فهو نسبي.
سبيل: الطريق الذي يأتي بعد الصراط وهو ممتد طويل آمن سهل لكنه متعدد (سبل حمع سبيل) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) ( العنكبوت آية 69 )السبل متعددة ولكن شرطها أن تبدأ من نقطة واحدة وتصب في نقطة واحدة عند الهدف. وفيه عناصر ثلاث: ممتد، متحرك ويأخذ إلى غاية.
و المذاهب في الاسلام من السبل كلها تنطلق من نقطة واحدة وتصل إلى غاية واحدة. وسبل السلام تأتي بعد الإيمان والتوحيد بعد عبور الصراط المستقيم. ولتقريب الصورة إلى الاذهان فيمكن اعتبار السبل في عصرنا الحاضر وسائل النقل المتعددة فقد ينطلق الكثيرون من نقطة واحدة قاصدين غاية واحدة لكن منهم من يستقل الطائرة ومنهم السيارة ومنهم الدراجة ومنهم الدواب وغيرها.
واستخدمت كلمة السبيل في القرآن بمعنى حقوق في قوله (ليس علينا في الأميين سبيل) (آل عمران آية 75 )
وابن السبيل في القرآن هو من انقطع عن أهله انقطاعا بعيدا وهدفه واضح ومشروع كالمسافر في تجارة او للدعوة فلا تعطى الزكاة لمن انقطع عن أهله بسبب غير مشروع كالخارج في معصية او ما شابه.
طريق:الطريق يكون داخل المدينة وللطرق حقوق خاصة بها وقد سميت طرقا لأنها تطرق كثيرا بالذهاب والاياب المتكرر من البيت الى العمل والعكس. والطريق هي العبادات التي نفعلها بشكل دائم كالصلاة والزكاة والصوم والحج والذكر. (يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) (الاحقاف آية 30)(1/31)
نهج: وهو عبارة عن ممرات خاصة لا يمر بها إلا مجموعة خاصة من الناس وهي كالعبادات التي يختص بها قوم دون قوم مثل نهج القائمين بالليل ونهج المجاهدين في سبيل الله ونهج المحسنين وأولي الالباب وعباد الرحمن فكل منهم يعبد الله تعالى بمنهج معين وعلى كل مسلم أن يتخذ لنفسه نهجا معينا خاصا به يعرف به عند الله تعالى كبر الوالدين والذكر والجهاد والدعاء والقرآن والاحسان وغيرها (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ( المائدة آية 48 ) وإذا لاحظنا وصفها في القرآن وجدنا لها ثلاثة صفات والانفاق فيها صفة مشتركة. نهج المستغفرين بالاسحار: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون وفي اموالهم حق للسائل والمحروم) ( الذاريات آية 17 - 19 ) ونهج أهل التهجد: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) (السجدة آية 16) ونهج المحسنين: (الذين ينفقون بالسراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) ( آل عمران آية 134 )
فج: وهو الطريق بين جبلين (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) (الحج آية 27 )
جادة: وتجمع على جدد كما وردت في القرآن الكريم (ومن الجبال جدد بيض وحمر) (فاطر آية 27 ) والجادة هي الطريق الذي يرسم في الصحراء او الجبال من شدة الاثر ومن كثرة سلوكه.
نفق: وهو الطريق تحت الأرض (فان استطعت أن تبتغي نفقاً في الارض) (الأنعام آية 35 )
*اختصار من كتاب (لمسات بيانية) ص 11 إلى ص 24 الحمد لله .. أسرار وإعجاز*
القرآن الكريم . . كتاب الله . . ومعجزته الخالدة . . تحدى به الثقلين من الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بشيء من مثله ، فعجزوا وما استطاعوا وما استحقوا على عجزهم لوما ولا عتابا
فأنى لهم أن يأتوا بكلام كالقرآن . . كلام حف بالهيبة، وامتاز بالسمو، وتكامل فيه الشكل والمضمون وتآلفا فكل منهما يخدم الآخر ويقويه . . فكان ذلك إعجازا ما بعده إعجاز(1/32)
وواضح لنا جميعا أن التحدي بالإتيان بمثل القرآن لم يكن المقصود به الإعجاز العلمي أو نحوه ، وإنما قصد به إعجاز اللغة والبيان والبلاغة ، والعرب الأوائل هم أهل ذلك ، لكنهم أمام القرآن وقفوا عاجزين يقلبون أكفهم من الحيرة
وكلمة حق لا بد أن تسجل في حقهم . . لم يدعوا القدرة على ذلك أبدا . . بل كانوا يقولون: ما هذا بكلام بشر
وعندما تجرأ مسيلمة الكذاب على التأليف
لم يتمسكوا بما قال بل لم يعيروه أدنى اهتمام ، لأنهم يعلمون أنه ليس بشيء ولم يكونوا في هذا الأمر من المكابرين
من ذلك الإعجاز القرآني الدقة في اختيار المفردات ، فكل كلمة تأتي في مكانها المناسب لها ، فلو غير موضعها بتقديم أو تأخير أوجمع أو تثنية أو إفراد لتأثر المعنى ولم يؤد ما أريد منه ، وكذلك لو جيء مكانه بكلمة خرى ترادفه لم تقم بالمطلوب أبدا
سنرى اليوم جملة مؤلفة من كلمتين إنها ( الحمد لله ) في سورة االفاتحة ، هل كان من الممكن استعمال كلمات أخرى أو التغيير في وضعها ؟
في الظاهر . . نعم . . هناك كلمات و أساليب تحمل المعنى نفسه ، ولكن هل تفي بالمراد ؟
كان بالإمكان قول ( المدح لله أو الشكر لله ) مثلا
ولكن ماذا عن المعنى العام ؟
1ـ (المدح لله)
ـ المدح هو الثناء وذكر المحاسن من الصفات والأعمال
أما الحمد فهو الثناء وذكر المحاسن مع التعظيم والمحبة . أيهما أقوى إذن ؟
ـ المدح قد يكون للحي ولغير الحي ، و للعاقل وغير العاقل ، فقد يتوجه للجماد أو الحيوان كالذهب والديك
أما الحمد فيخلص للحي العاقل
ـ المدح قد يكون قبل الإحسان وقد يكون بعده ، فقد يمدح من لم يفعل شيئا ، ولم يتصف بحسن
أما الحمد فلا يكون إلا بعد الإحسان ، فيحمد من قدم جميل الأعمال أو اتصف بجميل الصفات
يظهر لنا مما تقدم أننا عندما نقول ( الحمد لله ) فإننا نحمد الله الحي القائم الذي اتصف بصفات تستحق الحمد ،ونعترف له بالتفضل والتكرم(1/33)
فقدأسبغ علينامن إحسانه ظاهرا وباطنا ما لا يعد ولا يحصى مع إظهار تعظيمنا وإجلالنا له وتأكيد توجه محبتنا إليه
2ـ (الشكر لله)
ـ يكون الشكر على ما وصل للشخص من النعم ، أما الحمد فعلى ما وصل إليه وإلى غيره
ـ الشكر يختص بالنعم ولا يوجه للصفات ، فنحن لا نشكر فلانا لأنه يتصف بصفة العلم أو الرحمة أو غيرها من الصفات الذاتية له ،
أما الحمد فيكون ثناء على النعم وعلى الصفات الذاتية وإن لم يتعلق شيء منها بنا
فالشكر إذن أضيق نطاقا ، إذ يختص بالنعم الواصلة إلى الشخص الذي يشكر فحسب
مما تقدم يتضح لنا أن المدح أعم ممن الحمد ، وأن الحمد أعم من الشكر
وفي الأول تعميم لا يناسب المقام ، وفي الأخير تخصيص غير مناسب أيضا
وهل يمكن مثلا استعمال واحدة من هذه العبارات؟
3 ـ أحمد الله أو نحمد الله أو احمدوا الله ***
فيقال في الرد : إن هذه العبارات إن استعملت لتأثر المعنى المقصود،وقلت القوة المراد له الظهور بها ، وفيما يلي تفصيل ذلك عن الجمل المذكورة قبل قليل
ــ هي جمل فعلية، الأولى يتحدث بها الشخص الواحد، والثانية تقولها جماعة من اثنين فأكثر، والثالثة أمر بإتيان فعل الحمد
والجملة الفعلية تدل على الحدوث وتجدد الفعل
أما (الحمد لله ) فجملة اسمية والجمل الاسمية تدل على الدوام والثبوت
لذا فمن القواعد المعروفة في اللغة أن الجملة الاسمية أقوى من الجملة الفعلية لأن الأولى تدل على الثبوت ، وأيضا لأمور أخرى سنتعرف عليها فيما يلي
ــ الجملة الفعلية تختص بفاعل معين ،فالفاعل في الجمل المذكورة أعلاه هو المتكلم المفرد في الأولى ،ولكن ماذا عن غيره من الناس ؟
وفي الجملة الثانية جماعة المتكلمين والسؤال لازال قائما ماذا عن غيرهم ؟
وفي الثالثة الجماعة التي تؤمر بالحمد وأيضا تظل قاصرة(1/34)
أما الجملة الاسمية فتفيد الحمد على الإطلاق من المتكلم وغيره دون تحديد فاعل معين ، ولعلنا نستشهد على ذلك بقوله عز من قائل سبحانه ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم )
فبالإطلاق الوارد في الجملة الاسمية يحدث الشمول الذي لا يشمل البشر فقط بل يتجاوزهم إلى كل ما في الكون
ــ والجملة الفعلية ترتبط بزمن معين مما يعني أن الحمد لا يحدث في غير هذا الزمن الذي يتم فيه الحمد
وزمن الإنسان زمن محدد معين ، يرتبط أو يساوي عمره على أقصى تقدير ، فلا يتجاوزه إلى ما بعده ولا يبدأ قبله، فيكون الحمد أقل مما ينبغي بكثير
أما في الجملة الاسمية فالحمد مطلق،مستمد غير منقطع،مناسب بلا نقصان
ــ كما أن الجملة الفعلية لا تفيد أن المفعول مستحق للفعل، فقد نشكر من لا يستحق الشكر،وقد نهجو من لا يستحق الهجو
أما الجملة الاسمية فتفيد استحقاقه للحمد تأكيدا
والجملة الفعلية لا تعني أنه مستحق للحمد لذاته
بينما تفيد الجملة الاسمية أن الحمد والثناء حق لله تعالى ،وملك له سبحانه،فهو ثابت له،وهو يستحقه لذاته ولصفاته ولما أنعم من آلائه
ــ وإن كان الفعل للأمر( احمد أو احمدوا ) فإن هذا أيضا لا يؤدي المعنى المطلوب،لما هو واضح من أن المأمور قد يفعل ما أمر به دون اقتناع،وإنما خوفا من الآمر أو رغبة في شيء ولأن المأمور به لا يكون مستحقا للفعل دوما
ــ والحمد صفة القلب ،وهي اعتقاد كون المحمود متفضلا منعما مستحقا للتعظيم والإجلال،فإذا تلفظ الإنسان بالجملة الفعلية ذات الفاعل والزمن المحددين،وكان قلبه غافلا عن معنى التعظيم اللائق كان كاذبا،أما إن تلفظ بالجملة الاسمية فإنه يكون صادقا وإن كان قلبه غافلا لاهيا،لأنها تفيد أن الحمد حق لله ،وهذا حاصل سواء أعقل أم غفل
4 ـ الحمدَ لله
ـ قراءة الحمد بالنصب جائزة على تقدير فعل محذوف، فتكون جملة فعلية(1/35)
ـ والجملة الفعلية تدل على التجدد والحدوث، بينما تدل الجملة الاسمية على الثبوت، وهو أقوى
ـ والجملة الفعلية تختص بفاعل معين وزمن معين، وفي هذا ما فيه من نقص الدلالة على المعنى المراد كما تقدم في رقم 3
ـ يستوي الأمر إذا قدرنا فعلا مضارعا أو فعلَ أمر، لأن الأمر بالشيء لا يعني أن المأمور به مستحق للفعل، وقد يفعل المأمور ما أمر به دون اقتناع إما لعدم استحقاق من المأمور للفعل، أو لأنه يراه كذلك، فقراءة الرفع (الحمدُ لله) تفيد ثبوت الشيء على جهة الاستحقاق ثباتا دائما، فهي أولى من قراءة النصب في حالي الإخبار (أحمدُ الله ونحمد الله) والأمر ( احمد الله واحمدوا الله)
5 ـ حمدا لله
ـ وهي جملة فعلية نقدر لها فعلا محذوفا، والجملة الاسمية (الحمدُ لله) أقوى من الجملة الفعلية لما تقدم في رقم 3
ـ (الحمد لله) معرّفة بأل، و (أل) تفيد العهد وتفيد استغراق الجنس، فإن أفادت العهد كان المعنى: الحمد المعروف بينكم هو لله، وإن أفادت الاستغراق كان المعنى: إن الحمد كله لله على سبيل الإحاطة والشمول. ويظهر أن المعنيين مرادان
ـ أما (حمدا لله) فنكرة لا تفيد شيئا من المعاني المتقدمة
6 ـ إن الحمد لله
ـ (إن) تفيد التوكيد، وليس المقام مقام شك أو إنكار يقتضي توكيدا
ـ (إن الحمد لله ) جملة خبرية تحمل إلينا خبرا واضحا محددا (ثبوت الحمد لله تعالى) ولا تحتمل إنشاء
ـ أما ( الحمد لله ) فتفيد الإخبار بثبوت الحمد لله ، فهي خبرية من هذه الجهة، ولكنها تفيد إنشاء التعظيم ، فهي ذات معان أكثر
7 ـ لله الحمد
ـ (لله الحمد) فيها تقديم الجار والمجرور ، وفي التقديم اختصاص أو إزالة شك، والمقام لا يطلب لذلك ، فليس هناك من ادعى أن ذاتا أخرى قد تشترك معه في الحمد، فنزيل الاحتمال والظن عنده، وليس هناك من ادعى أن الحمد لغير الله لنخصه به؟(1/36)
ـ والحمد في الدنيا ليس مختصا لله وحده، وإن كان هو سببه كله، فالناس قد يحمد بعضهم بعضا، وفي الحديث (من لم يحمد الناس لم يحمد الله)، فيجوز توجيه الحمد لغير الله في ظاهر الأمر، فلا حاجة للاختصاص بالتقديم
8 ـ اختصاص الاسم العلم (الله) بالذكر، دون سائر أسمائه االحسنى وصفاته
فكان يمكن أن يقال (الحمد للحي، الحمد للرحيم، الحمد للبارئ، ..)
ولكن لو حدث ذلك لأفهم أن الحمد إنما استحقه لهذا الوصف دون غيره، فجاء بالاسم العلم ليدل على أنه استحق الحمد لذاته هو لا لصفة من صفاته
ـ ثم إن ذكر لفظ الجلالة (الله) يناسب سياق الآيات، فسيأتي بعدها بقليل "إياك نعبد وإياك نستعين" ولفظ الجلالة (الله) مناسب للعبودية، لأنه مأخوذ من لفظ الإله أي المعبود، وقد اقترنت العبادة باسمه أكثر من خمسين مرة في القرآن كقوله تعالى: " أمرت أن أعبد الله " الرعد
ـ هذا والمجيء بوصف غير لفظ الجلالة ليس فيه تصريح بأن المقصود هو الله عز وجل
*** *** *** *** ***
فمن منا مهما بلغ من فصاحة وبلاغة وبيان.. من منا يستطيع أن يأتي بكلام فيه هذا الإحكام وهذا الاستواء مع حسن النظم ودقة الانتقاء، فكل كلمة في موقعها جوهرة ثمينة منتقاة بعناية لتؤدي معاني غزيرة بكلمات يسيرة، كل واحدة واسطة عقد لا يجوز استبدالها ولا نقلها ولا تقديمها ولا تأخيرها وإلا لاختل المعنى أو ضعف أو فقد بعض معانيه؟
إنه الإعجاز الإلهي الذي يتجلى في الكون كله، ويحف بالقرآن كله، مجموعه وجزئياته، كلماته وحروفه، معانيه وأسراره، ليكون النور الذي أراد الله أن يهدي ويسعد به كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
والحمد لله رب العالمين
************
**من اللمسات البيانية للدكتور حسام النعيمى فى سورة الفاتحة **
*الإستعاذة*
*ما الإستعاذة وما معناها؟(1/37)
الإستعاذة أُخِذت من قوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) الكلام كان موجهاً إلى الرسول ? وما وُجّه للرسول ? في مثل هذه الأمور فمن باب أولى أن يأخذ به أتباعه ?.
*عندنا (إذا) أداة شرط وعندنا (إن) إداة شرط. لماذا إختار (إذا)؟.
في لغة العرب إذا قالوا (إن) معناه إحتمال وقوعه قليل فإذا قالوا(إذا) معناه أن ما بعدها إحتمال وقوعه قوي أو واسع أو كثير. فعندما يستعمل القرآن كلمة (إذا) معناه أن الأصل أن تقرأ القرآن (فإذا قرأت القرآن) هذا حاصل. ثم عندما دخلت (إذا) على الفعل الماضي وقلنا هي لما تستعمل في الزمان (إذا جاء نصر الله) قرّبته من المستقبل إلى واقع الحال يعني هو أمر قريب.
((1/38)
فإذا قرأت القرآن) يعني قراءتك للقرآن مسألة قريبة قائمة. العلماء يقولون هنا (إذا قرأت القرآن فاستعذ) إذا وقعت معناه الإستعاذة تكون في داخل القراءة بعضهم لكن الجمهور قال هذا الفهم غير دقيق لما يقول إذا قرأت يعني إذا أردت أن تقرأ هكذا هي لغة العرب لأنه في القرآن الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) يعني توضأوا معناه إذا أردت أن تقوم إلى الصلاة. إذا أكلت فقل بسم الله الرحمن الرحيم يعني إذا جئت لتأكل قال إذا أكلت هو ما معنى أنه بعد أن يفعل الأكل يقول بسم الله؟ يعني حتى في العامية نستعملها نقول : إذا أكلت فقل بسم الله معناه قبل أن تباشر الأكل معناه قبل أن تريد الفعل قبل أن تريد إستفتاح العمل. لما تقول (إذا قرأت) لا تعني أنه إذا وقعت منك القراءة عند ذلك إستعذ لأن بعضهم قال لما تنتهي من القراءة فقل إستعذ. إذا خطبت فأخفض صوتك: معناه قبل أن تبدأ الخطابة خذ هذه النصيحة. فإذا قرأت حينما تريد القراءة عندما تنوي أن تقرأ. القراءة هنا الأصل فيها لأنه الإسلام غيّر معاني بعض الكلمات وفقاً لمفهومه هو ومنها معنى الصلاة والزكاة معاني كانت مستعملة قديماً لكن ليس بالمفهوم الإسلامي. معاني شرعية خاصة.
((1/39)
فإذا قرأت): قرأ في الأضل بمعنى أمرّ بصره على شيء مكتوب وهذا الذي فهمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما قال له جبريل إقرأ قال: ما أنا بقارئ يعني أنا لا أحسن أن أمرّ بصري على شيء مكتوب حتى أقرأه. ثم تغيّر المفهوم فضارت القراءة في الإسلام ترداد ما حواه صدرك مما سمعته أو مما أمررت بصرك عليه يعني من محفوظاتك ولذلك قال إقرأ بسم ربك الذي خلق فقرأ - صلى الله عليه وسلم - : إقرأ بسم ربك الذي خلق. لأنها مرت على قلبه صارت تمر على القلب فهذه عامة. إذا سواء كانت قراءة القرآن من المصحف أو من الحفظ ينبغي أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
(فإذا قرأت القرآن فاستعذ): الفاء واقعة في جواب (إذا). إستعذ : أمر من الفعل إستعاذ يستعيذ وهذه صيغة إستفعل فيها معنى الطلب والسعي تسعى في الشيء وتطلبه. فهِم غير إستفهم: إستفهم معناه سعى طالباً الفهم يعني فيها جهد. ما قال القرآن (فإذا قرأت القرآن فقل أعوذ بالله) لأن ذاك تلقين. قل أعوذ بالله: يقول أعوذ بالله ليس فيه جهد. الآية تريدنا أن نبذل جهداً بإستحضار معنى إستعاذ (فاستعذ) لم يقل (أعوذ) أو عُذ لأن هذا أمر بالفعل. لكن لما يستعمل صيغة إستفعل ففيها معنى الطلب يعني يريد لك أن تستحضر ويكون لديك جهد في الإستحضار والإستعاذة أو العوذ بالله سبحانه وتعالى. الكلام موجه إلى سماع (فإذا قرأت) كان يمكن أن يقول: فعذ بالله. لكن هذا يكون أمراً بالعوذ أو يقول: فقل أعوذ بالله ويكون هذا تلقيناً لكن الآية تريدنا أن نكون حاضري الذهن، أن نبذل جهداً في التفكر بالإستعاذة، يعني هناك طلب أن تطلب العوذ وأن تبذل هداً وفرق بينها وبين ما ذكرناه.
((1/40)
فاستعذ بالله) كلمة الله هذه اللفظة عندما تُذكر لا يخطر معها في الذهن وصف من أوصاف الباري سبحانه وتعالى. لما نقول الله : هو الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى. كل ما خطر في بالك من صفات (الله). لكن لما تقول القادر يخطر في بالك صفة القدرة، لما تقول الرحمن صفة الرحمة، لما تقول صفة القهار صفة القهر، الكريم صفة الكرم. الإسم الوحيد الذي لما تذكره لذات الله سبحانه وتعالى لا يكون معه وصف فهو يحتمل كل الأوصاف بكل العظمة وهو كلمة الله وسنعود إليها عندما نتكلم عن بسم الله الرحمن الرحيم.
عندما تستعيذ تستعيذ بالله تعالى من كل ما يحضرك لها: أنت بحاجة إليه ، أي شيء تحتاج إليه وأنت تريد أن تقرأ؟ بأن يصرف عنك الأفكار ، الخواطر ، الحزن، الأهواء، ماذا تريد؟ كلمة الله تستجيب لما يخطر في ذهنك لأنها ليست منحصرة بوصف معين فالإستعاذة بالله. وإستعذ بمعنى إلجأ. تقول فلان رماه بسهم فعاذ بشجرة يمعنى إستجار أو إختبأ أو إتّقى ما يأتيه أو لاذ به فهكذا ينبغي أن تتصور أنك تستعيذ، تستجير، تستنجد بالله. (فاستعذ بالله) فلما تتصور هذه الصورة أنك تلجأ إلى الله تعالى ليخلصك من كيد الشيطان عند ذلك تكون في مأمن.(1/41)
لكن لاحظ القرآن الكريم إستعمل كلمة الشيطان. ما قال إبليس لأمرين: أولاً: إبليس هو إسم الشيطان هو أبو الشياطين الذي أبى أن يسجد لآدم وأول من عصى ربه تعالى فهم ليس شرطاً أن يكون هو الذي يأتي ليوسوس لك لأن هو له ذرية (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) وكل إنسان وُكّل به شيطانه. (كنت امرءاً من جند إبليس وكان إمرءاً من جند إبليس فارتقى به الحال حتى صار إبليس من جنده) هو تجني به الحال وليس إرتقى. كل إنسان موكل به هذا القرين الذي يحاول أن يضله والشيطان أبوهم يحاسبهم ولذلك في الأثر أنه إذا مات العبد على طاعة الله سبحانه وتعالى (حتى نعرف الخطر الذي يحيط بنا من الشيطان) إذا مات على الإيمان يصرخ الشيطان صرخة يجتمع لها أبناؤه فيقول أين كنتم عن هذا؟ كيف مات على الإيمان؟ فيقولون لقد راودناه فكان مستعصماً. ونسأل الله تعالى أن نكون والإخوة المستمعين والأخوات المستمعات من المستعصمين. هذا شيء والشيء الثاني كلمة إبليس فيها معنى الإنكسار والخذلان والحزن بينما الآية تريد أن تحذّر.
(الشيطان الرجيم): كلمة الشيطان من الشطن الذي هو الحبل الممتد يعني أن هذا الشيطان يمتد إليك فكن حذراً منه لكت حتى لا يغالي الإنسان في كثرة الخوف منه جاءت كلمة الرجيم وكلمة الرجيم هنا هذا الصف هو أنسب الأوصاف للشيطان في هذا المكان يعني ما قال الشيطان اللعين، الشيطان كذا، الشيطان كذا، وإنما الرجيم حتى تتخيل صورته وهو يُرجم بالحجارة فكأنه منشغل بنفسه. فكلمة شيطان فيه حبل ممتد إليك حتى لا تتهاون في شأنه وكلمة رجيم حتى لا يبلغ بك الخوف منه مبلغاً عظيماً فهو رجيم مرجوم.
هل النون أصلية في شيطان وشياطين؟ فيها قولان: قسم يقول هو من شاط أي إبتعد وقسم يقول هو من الشطن وهذا الذي رجّحناه.(1/42)
ثم يقول تعالى (إنه ليس له سلطان) هذا تطمين للمسلم أنه عندما يتوكل على الله سبحانه وتعالى سيحييه الحياة الطيبة وسينقذه من الشيطان حتى لا يبقى في قلق وخوفو ووسوسة لأن المسلم لا ينبغي أن يكون موسوساً فهذا الشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون هذه صفتهم: إيمان وتوكل.
*صيغة الإستعاذة:
(فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) جمهور المسلمين قالوا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ما قالوا أستعيذ بالله. هو الطبيعي واستعذ أستعيذ لما يقول فاستعذ استعذت وإنما أعوذ فعل مضارع يدل على الحال والإستقبال. أي لما تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يعني أنا الآن في حالة عوذ بينما لما تقول أستعيذ يعني سوف أطلب العوذ. هو أنت طُلِب منك العوذ في الآية فأنت الآن تعوذ في الداخل فتقول: أعوذ ولا تقول (أستعذت) لأنه سيكون شيء تاريخي ماضي. فعلاً المسلمون إختاروا الكلمة الملائمة عندما قالوا: أعوذ.
*ما حكم من يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؟(1/43)
هذه الإضافات قديمة ليست جديدة بحثها العلماء وقالوا كله جائز ولكن المختار لكن نحن من بين الأشياء الجائزة نختار ما هو أفضل. إذا قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم له ذلك. لكن من الإلتزام بالآية يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لما قال استعذ استفهم عن هذا الشيء فهمته. الإضافة ليس فيها ضير ولكن كما قلت الأمثل والأرجح والأفضل أن يختار ما اختاره جمهور السلف (الخير في الإتّباع وليس في الإبتداع) دائماً الخير في الإتباع في أمور الشرع لأنه "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" فلما كان القدامى في الإستعاذة إختاروا (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وهي فيها هذه المعاني أني الآن في حال عوذ لست أطلب العوذ ولم أقله سابقاً ولكنه الآن (أعوذ) بالله من الشيطان الرجيم ولا داعي للزيادة ومن زاد شيئاً فلا شيء عليه حتى لا نحجّر واسعاً لكن نقول هو الأفضل.
* هل من فرق بين الرجيم والمرجوم؟
عندنا لغتان: فعيل ومفعول. فعيل فيه نسميها صفة مشبهة كأن الرجم لازم له . هو لما نقول مرجوم مفعول في لغة تميم تقول مفعول وفي لغة الحجاز تقول أحياناً فعيل لكن هنا ليست بفارق اللغة وإنما إختيرت الصفة المشبهة التي تدل في الغالب على الثبات يعني صفة الرجم لاصقة به أما المرجوم فقد يكون مرجوماً الآن لكن لا يكون مرجوماً بعد ساعة أما رجيم هو صفته اللاصقة به الرجيم أن عليه هذا الرجم.
*البسملة*
*بسم الله الرحمن الرحيم: ما هي وما معناها وما تفسيرها؟(1/44)
الآن ننتقل إلى سورة الفاتحة. وسورة الفاتحة تبدأ بقوله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)) إلى آخر السورة. نحن هنا نريد أن ننبه إلى مسألة لعلها تتعلق بأصول الفكر الإسلامي والفهم الإسلامي كيف ينبغي أن يكون وماذا ينبغي أن يكون عليه المسلم في علاقته بالآخرين. البسملة فيها كلام لكن الذي أخذ به المصحف المتداول الآن الذي هو مصحف المدينة النبوية وما أُخِذ عنه ومطبوع بالملايين وهو بين أيدي المسلمين هو أن تكون البسملة هي الآية الأولى من سورة الفاتحة. الآن إذا فتحنا المصحف سنجد بسم الله الرحمن الرحيم في الفاتحة أمامها رقم 1 معناه هي الآية الأولى وهذا الذي أخذ به المصحف هو ما كان عليه جمهور عظيم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد نبّه المشرفون على تدقيق المصحف في آخره إلى أنهم أخذوا من هذا وغيره في عدّ الآيات بما ورد أو بما رواه عبد الرحمن السُلَمي عن أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب كرّم الله وجهه. قد يكون هناك آراء أخرى أو لا شك هناك آراء أخرى وروايات أخرى لكننا نقول حينما تكون هناك أكثر من رواية في قضية معينة ويقتنع المسلم بإحدى هذه الروايات بناء على ما يراه من دليل .عند ذلك هذا هو الأصل الذي أريد أن أقرره هنا: ينبغي أن يعتقد أن ما أخذ به هو لصاحب الأجرين وما أخذ به مُخالِفه أخذ بما قال به صاحب الأجر الواحد في إعتقاده هذا نصف الإعتقاد. والنصف الثاني أن يُقرّ في نفسه أن يكون إحتمال أن يكون ما أخذ به هو للأجر الواحد وما أخذ به مخالِفه هو صاحب الأجرين حتى لا نبقى في شد وفي تعصب.(1/45)
أنا مقتنع الآن تماماً بأن ما أخذ به هذا المطبوع ،أخذ به هذا المصحف، من عدّه آية واحدة نقلاً عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أخذ به وسائر الصحابة إذن أعتقد أن الأخذ بهذا أخذٌ برأي صاحب الأجرين من المجتهدين وما أخذ به غيري الذي لا يعدّها آية من الفاتحة هو صاحب الأجر الواحد لكن في الوقت نفسه أنا معتقد قد أكون أنا صاحب الأجر الواحد وهو صاحب الأجرين حتى نتخلص من فكرة المشاحّة والمجادلة وإضاعة الوقت فيما لا فائدة من ورائه لأن هذا أخذ به جمع من الصحابة وهذا أخذ به جمع من الصحابة ولسنا خيراً من خير القرون لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. ومن هنا نحن سنقف عند قوله بسم الله الرحمن الرحيم بوصفها الآية الأولى من سورة الفاتحة.
يقولون أن البسملة وردت 114 مرة كعدد سور القرآن فهل في هذا إيجاز؟ هذه الآية وردت في سورة النمل في داخلها (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)) ولم توضع في البراءة أو سورة التوبة فجاءت على عدد سور القرآن الكريم 114 مرة.
بسم الله:(1/46)
هذه اللفظة حينما نقول بسم الله في أول المصحف الشريف، الله سبحانه وتعالى يعلّمنا يعني هذا من فضله جلّت قدرته أنه يُجري على أنفسنا ما ينبغي أن نقوله كما أن آدم - عليه السلام - لما عصى ربه لم يعرف كيف يتوب وكيف يستعغفر فأوحى إليه الله سبحانه وتعالى كلمات فتلقى آدم من ربه كلمات فرددها فتاب عليه, هذه الفاء التي في (فتاب عليه) تسمى الفاء الفصيحة لأنها تفصح عن كلام محذوف يعني فرددها فتاب الله عليه. فمن فضل الله تعالى على هذه الأمة أن علّمها كيف تقول وكيف تدعو وكيف تناجي ربها؟ فتبدأ بكلمة بسم الله. والعلماء يقدّرون محذوفاً يقولون لأن الجار والمجرور في الكلام لا يقويان على الوقوف لوحدهما ينبغي أن يتعلقا أي أن يرتبطا بفعل أو ما يقوم قيام الفعل من أسماء الفاعلين والمفعولين فيقدّرون : بسم الله أبتدئ أو بسم الله إبتدائي، بسم الله أبتدئ في القرآءة أو بسم الله أبتدئ القرآءة، بسم الله أبتدئ الأكل، بسم الله أابتدئ اللبس، بسم الله أبتدئ حياتي وأنا خارج من منزلي، بسم الله أبتدئ وأنا داخل إلى أهلي إلى منزلي. بحسب ما تفعله تقول: بسم الله. وقدّروا هذا المحذوف من فعل أو غيره بعد كلمة بسم الله حتى لا يبتدئ الإنسان في ذهنه بغير إسم الله يعني أن تكون كلمة بسم الله هي البداية. أنت تبدأ بها في كل شأن من شؤون حياتك وعند ذلك تكون مطمئناً أنك مع الرحمن الرحيم، مع اللطيف الخبير، مع الذي يراك حين تقوم وتقلّبك في الساجدين، مع الله سبحانه وتعالى فتبدأ بسم الله.(1/47)
كلمة (الله) هي في الحقيقة إسم للذات التي هي كما يقولون في الفلسفة واجب الوجود. هي إسم له يعني هي لفظ يشير إلى خالق السموات والأرض إلى الذي ليس كمثله شيء. هذه لفظة(الله). الله هي إسم أيضاً نحن نبدأ بإسم الإسم كيف يكون هذا؟ أثار بعض المفسرين كيف نقول بسم الإسم؟ ثم جمهور العلماء وبعض العلماء قالوا هذه اللفظة هي تشير إلى الذات الإلهية. أنت يمكن أن تقول أنا أحدّثك الآن بإسم فلان وليس بإسمي الشخصي. بإسم زيد حينما تذكر كلمة زيد هذه الأصوات الزاي والياء والدال مع المصوتات التي فيها يحضر في ذهنك ذلك الإنسان. وعندما تقول يوسف، المخرج يوسف تحضر في ذهننا صورة الشخص يوسف. فكلمة (الله) عندما نقولها الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء كل ما خطر في ذهنك فالله عز وجل بخلافه لكن يحضر في ذهننا هذا المسمّى كما وصف نفسه سبحانه وتعالى. أنت عندما نقول بسم الله يعني بسم هذا المسمى الذي لفظه الله تشير إليه.
*لماذا لفظة الله؟ قد يقول قائل لماذا لم يقل القادر، القهار، أو أي إسم من أسماء الله الحسنى؟
كلمة الله حينما يقولها الإنسان هذه خاصة بالذات، بالذي وصف نفسه ليس كمثله شيء. حتى في الجاهلية خصصوا كلمة الله لخالق السموات الأرض وما بينهما المهيمن المسيطر على أمور الدنيا وذكروا لأصنامهم أسماءً. حتى إذا قالوا الإله أو الآلهة يعنون بها الأصنام لكن لم يطلقوا كلمة الله على صنم من الأصنام أو معبود من المعبودات فالله في أ ذهان العرب مميز، هذا اللفظ مميز له خصوصية لا يشاركه فيه أحد.(1/48)
كلمة الله خاصة ليست كلمة رب مثلاً. أيضاً يمكن أن يقولوا مع الإضافة يقولون: رب الإبل يضيفونها (أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه) الإله الآلهة إلخ.. لكن لفظة الله مخصوصة خاصة بالعليم الخبير، بخالق الكون، بالموجِد للموجودات جميعاً. من هنا جاء بعض القول أن هذه اللفظة إذن مرتجلة إرتجلت هكذا غير مشتقة كلمة الله لكن الذي يرجحه جمهور العلماء أنها مشتقة يعني مأخوذة في الأصل القديم من فِعل كأنما في تصورهم في القديم وهو يوافق اللفظ كما سنأتي أنها أُخِذت من فعل إلِه يأله وعندنا الباب الآخر إلَه يألَه بمعنيين متقاربين. إلِه يأله بمعنى عبَد أو أحب حباً عظيماً إلى درجة العبادة وبعض العرب أبدل الهمزة واواً فقال ولِه يوله ويله ومنها الولهان العاشق المغرم فهي في الأصل إذن بمعنى المحبة العظيمة إلى درجة العبادة أو العبادة مخلوطة بالحب الغامر. فأصل اللفظة إذن هي عبادة وحب أوعبادة بحُبّ ألِه يأله. ثم دخلت الألف واللام فصارت الإله وهي أصلها إلِه (إلِه يأله إلهاً) بوزن كتاب. كتاب وزنها فعلان لكن معناها مفعول. تقول هذا كتابنا أي هذا مكتوبنا هذا الشيء الذي كتبناه فهي فعال بمعنى مفعول. إله بمعنى مألوه مثلها يعني معبود محبوب مألوه. ثم دخلت (أل) على ألِه فصارت الإله. الهمزة التي تقابل فاء الكلمة (الإله) لكثرة إلاستعمال حذفتها العرب. والعرب تحذف لكثرة الإستعمال: (لم تكون) يقولونها (لم تك) عندها الحذف لكثرة الإستعمال فصارت الله بفتح اللام ووزنها العال لأن الفاء حذفت. العرب بجمهورهم فخّموا اللام فما يقولوا (اللَه) بالترقيق وإنما قالوا (اللَه) بالتفخيم. وليست هناك قبيلة عربية حينما تنطق إسم الجلالة تقول الله بالترقيق وإنما تقول الله بالتفخيم وهذا أيضاً في إجماعهم. بعض العرب في لغاتهم الأخرى يفخمون فمنهم من يقول الصلاة بترقيق اللام ومنهم من يقولها مفخّمة ومظلوم مرققة ومظلوم مفخمة، القدامى.(1/49)
نحن الآن لا نصلح شاهداً لكن هكذا كانوا بعض العرب يرقق اللام ووبعضهم يفخّم اللام في مواصع لكن العرب جميعاً كما روى علماؤنا المشافهون لقبائل العرب قالوا: أجمع العرب على تفخيم هذا الإسم إلا إذا كان ما قبله كسرة أو ياء عند ذلك يرقق إستثناءً فنقول (بالله) أو (أفي الله شك). لكن بخلاف ذلك (وعلى الله فليتوكل المتوكلون) فيكون مفخماً. إذن هي لفظة الله هي توصف الله الرحمن ، الله الرحيم لكن لا تأتي وصفاً.لا نقول الرب الله نصفه ولذلك حتى بعضهم يقول هو الإسم الأعظم لله سبحانه وتعالى لأنه يوصف ولا يصف غيره ولأنه يحمل كل سمات الأسماء الأخرى (ولله الأسماء الحسنى) كل إسم من تلك الأسماء موجود تحت مظلة لفظة الله وهذه الخصوصية في التفخيم التي فيها وهذا المعنى الذي فيها من عبودية ومحبة يعني حب الله سبحانه وتعالى والإنسان يعني هؤلاء المتصوفة الذين عرفوا الشريعة يعني كانوا على منهج الشرع كانوا مغرمين فعلاً بالله سبحانه وتعالى لأنهم في إطار فهمهم للشريعة وليس في إطار الخروج على الشريع,. هم الذين قالوا الحقيقة والشريعة واحدة ما عندنا هذه حقيقة وهذه شريعةكالشيخ عبد القادر الجيلاني قدّس الله سرّه ومعروف الكرخي وغيرهم كانوا علماء شريعة. الشيخ الجيلاني كان حنبلياً ودرّس المذهب الحنبلي 30 سنة في مدرسته. كانوا علماء ومان فيهم رقة في قلوبهم فاتّصلوا بالله سبحانه وتعالى بهذا النوع من الشفافية في الروح فهو حبٌ إذن. هذا لفظ الله.(1/50)
المستمع يفكر أن اللفظ مر بمراحل من إلِه بأله ثم حذفت الهمزة ثم إلى أن وصل إلى اللفظ الله فكيف تفسر هذا؟ هذا نحن نقوله ولا ندري المدة التس إستغرقها هذا التحول في لغة العرب لما كانت هكذا ممكن أن يكون بوقت قصير وممكن أن يكون وٌضِع ابتداء وضعاً هكذا (الله) لكن هذا التأويل مستساغ. التأويل يعني أن جاءت الكلمة (الله). كلمة رحمن عندنا الفعل رحم وعندنا رحمن ورحيم وسنأتي إليها. إذن فهذه كلمة بسم الله أنه نبدأ هكذا مع هذا التصور للفظ الله سبحانه وتعالى.
الرحمن الرحيم:(1/51)
كلتا الكلمتين مشتقة من ر-ح-م رحم ومن هنا جاءت الرحمة وفيها معنى الإنعطاف والعطف أو الضمّ والإحتضان. هذا فيه رحمة فيها عاطفة وفي الحديث الصحيح: شققت الرحم من إسمي الرحمن فهي معلقة بالعرش تقول اللهم صِل من وصلني واقطع من قطعني. في صلة الرحم بين الناس يعني الإسلام حريص على الروح الإجتماعية . ما عندنا في الإلاسم أب يعيش في معزل عن أبنائه يطردونه أو يضعونه في ملجأ أو الأم لا تدري من أولادها وأين أولادها وهذا الذي نراه في الغرب. والإسلام دين تراحم، جين تعاطف، دين توادّ تبحث عن جارك وتسأل عنه. الناس الآن لا يعرفون مَنْ جارهم؟ ماذا يشتغل؟ بات جوعان أو شبعان؟ ليس هذا ديننا. فهذه هي الرحمة وكلمة رحمن لاحظ التدرج من العام إلى الخاص الآن. والتدرج قد يكون من الخاص إلى العام ومن العام إلى الخاص. نحن قلنا أن كلمة الله هيلا تضم تحت لوائها كل الأسماء الحسنى أنت تستحضرها. لما ننتقل إلى الرحمن نجد أن صيغتها صيغة فعلان مثل عطشان وظمآن. يسميها العلماء صيغة تكثير أو صيغة مبالغة يعني فلان عطِش أو يعطش غير عطشان. عطشان كثير العطش وعطشه شديد. رحمن معناه كثير الرحمة ذو الرحمة العامة الشاملة ولذلك يقولون كلمة الرحمن معتاها هو رحمن في الدنيا والآخرة هو رحمن بكل خلقه مؤمنهم وكافرهم لأن الله سبحانه وتعالى لا يحرم الكافر من رحمته وفي الحديث: لو كانت هذه الدنيا تعدل جناح بعوضة عند ربكم ما سقى كافراً فيها شربة ماء. لكن يسقي الكافر ويعطيه الصحة ويعطيه النظر ويعطيه السمع ويعطيه الإستقامة وهو يكفر بالرحمن ومع ذلك يرحمه الله في هذه الدنيا ولكن سيأتي الوقت الذي يحاسبه عليه. فهو رحمن في الدنيا والآخرة للجميع.
الرحيم:(1/52)
أما الرحيم فهي مرتبة ثالثة: الله، الرحمن، وتأتي الرحيم. يقول علماؤنا الرحيم بالمؤمنين لذلك لاحظ كلمة الرحمن لأنها المرحلة الثانية بعد لفظ الله جاءت الرحمن كما أن لفظة الله لا يُسمّى بها مخلوق كذلك كلمة الرحمن لا يسمى بها مخلوق ولا حتى بالإضافة لذلك لما مسيلمة سمي رحمن اليمامة أخزاه الله سبحانه وتعالى لايسمى الرحمن. لكن كلمة الرحيم يمكن أن يوصف بها البشر أيضاً لأنها رحمة قليلة بالقياس إلى الرحمن ولا تقارن برحمة الله سبحانه وتعالى ووصِف محمد ? بالرحيم (قد جاءكم رسول من أنفسكم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم). أنت ممكن أن تقول هذا إنسان رحيم لكن لا يمكن أن تقول هذا إنسان رحمن. هذا التدرج يفيد الإنتقال من الكل إلى الجزئيات.(1/53)
هنا نقف عند شيء آخر في (بسم الله الرحمن الرحيم) يتعلق بالرسم. كلمة إسم ينبغي أن يكون فيها ألف وكلمة الله ينبغي أن يكون فيها ألف وكلمة الرحمن ينبغي أن يكون فيها ألف. هذه الإلأِفات غير موجودة هنا. في هذا المجال نقول خط المصحف توقيف. وقولنا خط المصحف توقيف هو نقل لما قاله القدماء لكن ماذا يعنون بالتوقيف؟ فيها قولان: بعضهم يرى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال لهم إرسموا هذه الكلمة هكذا مع أنه كان أمياً لكن كان هذا بإلهام من الله تعالى فجاء رسم الكلمات هكذا. وفريق آخر من العلماء يقولون لا، ما عندنا نص ثابت يقول أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال إرسموا كلمة رحمة هنا هكذا وارسموها هنا هكذا، لا يوجد. فإذن هذا رسم الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم. وكان الإسم يمر بمراحل تطور الخط العربي كان يمر بمراحل فهذه مرحلة من مراحل تطور الخط العربي. وعقلاً كان يمكن أن يُغيّر رسم المصحف إلى الكتابة الحديثة لكن المسلمون وأول من أفتى بعدم جواز تغيير خط المصحف هو الإمام مالك رحمه الله. لما سُئل بعد أن إنتشر التعليم وتطور الخط العربي فسُئل: أنكتب المصحف على كتبة اليوم؟ نغيّر؟ هو رحمه الله رأى أن هذا قد يكون سبباً للتحريف وقد يُحرّف المصحف بحجة كتابته على الإملاء الحالي فقال لا إلا على الكتبة الأولى التي أقرّها صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعاً في عهد عثمان عندما بعث المصاحف إلى الآفاق. قال هذا الذي أجمع عليه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثبت كما هو أما التعليم للصبيان أو إقتطاع الآيات لغرض علمي تعلمي فعلى كتبة اليوم. لهذا إلى اليوم إذا أردت أن تكتب مصحفاً تضع نسخة من المصحف القديم وتنقش عليه حرفاً حرفاً فما رسمه القدماء ترسمه وما تركوا رسمه لا ترسمه.(1/54)
بحيث أن رسم المصحف كما هو معلوم: الحروف لم تكن منقوطة ولا مشكّلة فلما أنتشر الإسلام وصار الناس لا يقرأون من الشيوخ وصاروا يريدون أن يقرأوا من الكتاب، من المرسوم، من الورق بدأ الناس يحفظونه من غير شيخ كما هو الحال الآن وهذا من أخطر ما يكون الذي يريد أن يحفظ سورة ينبغي أن يقرأها على مقرئ على شخص حتى لا تحفظ كلمة خطأ وتعلق به. فبدأوا يخطئون في المرفوع والمنصوب إلى أن تنبّه زياد بن أبيه وحاول مع أبو الأسود الدؤلي الذي هو من التابعين فقال له ضع للناس شيئاً يعصم ألسنتهم من اللحن، من الخطأ في القرآن. قال كيف أضع شيئاً ما وضعه صحابة رسول الله؟ فقال: هو والله خير. فلم يقتنع إلى أن وضع زياد إبن أبيه على مدرجته (على الطريق) قارئاً بصوت جميل قال إذا جاء أبو الأسود الدؤلي فاقرأ قوله تعالى (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) وإقرأها (ورسولِه) وهذا طبعاً يقلب المعنى. فلما سمعها أبو الأسود الدؤلي جاء هو إلى زياد فقال: إبغني كاتباً وقال له إذا ضممت فمي في الحرف فضع نقطة بين يديه (نقطه مطموسة) هذا حديث قد يطول.(1/55)
هكذا تُرسم (بسم الله الرحمن الرحيم) رُسمت من غير ألف. ولفظة الرحمن حيثما وردت في القرآن هي من غير ألف ولفظة الله حيثما وردت في القرآن هي من غير ألف. لفظة إسم أحياناً تأتي بألف وأحياناً تأتي من غير ألف. قد يكون في ذلك سر وقد يكون هذا الذي كان عليه الكُتّاب. لو نظرنا في الآيات التي بين أيدينا من سورة الفاتحة الآية الأولى (بسم الله الرحمن الرحيم) نجد أن كلمة إسم أضيفت إلى لفظة الله ودخلت عليها الباء . في سورة النمل الآية 30-31 (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)) نجد أيضا أن الباء إتصلت بكلمة إسم وأضيفت إلى إسم الجلالة (الله). في سورة هود الآية 41 (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)) أيضاً أضيفت إلى لفظ الجلالة الله وابتدأت بالباء. إذا كانت الآين بهذا الشكل: إذا إتصلت بالباء اللفظة (إسم) وأضيفت إلى إسم الجلالة (الله) فعند ذلك ينبغي أن تحذف الألف. إذن عندنا شرطان لحذف الألف مع إسم. نحن نسميها ألف وهي في الحقيقة رمز لهمزة الوصل وهمزة الوصل كما هو معلوم تسقط في الدرج وتثبت في البداية. يعني عندما نقول: ما اسمك؟ (حذفت الألف في اللفظ ولكن هي ثابتة في الرسم) الرسوم يكون على الإبتداء أو الوقف ولكن إذا قال: إسمي فلان بدأ بهمزة قطع. فإذن بهذين الشرطين تحذف ألف إسم وإذا إختل أحد هذين الشرطين أو كلاهما عند ذلك تثبت الألف.(1/56)
عندنا نماذج: في سورة الواقعة (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)) الباء إتصلت بلفظة إسم لكن أضيفت إلى لفظة رب ولم تضف إلى لفظة الله. فنجد في المصحف رسمت بالألف في الواقعي في الآيات 74 و 96 (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)) (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)) وفي الحاقة الآية 52 (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)) وفي العلق الآية الأولى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)). ولو قال نسبح بحمد الله لحذف الألف. (واذكروا اسم الله) المائدة أضيفت إلى لفظة الله لكن لفظة إسم غير مرتبطة بالباء. فكلمة إسم أضيفت إلى لفظ الله لكنها في الوقت نفسه خلت من الباء فعند ذلك ذكرت الألف مع أنها مضافة في آية المائدة وفي الأتعام في عدة مواطن وفي الحج في عدة مواطن. (تبارك اسم ربك) هنا لا الباء موجودة ولا أضيفت إلى إسم الله.فالألف أيضاً موجودة وكذلك (بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان) في الحجرالكلمة الإسم فيها الألف. إذن الخلاصة نقول: تحذف الألف بوجود هذين الشرطين: مضافاً إلى لفظ الجلالة ومتصلة بالباء. إذا إختل أحد الشرطين أو كلاهما فعند ذلك تثبت الألف وعلى هذا رسم المصحف.
(الحمد لله رب العالمين)(1/57)
نحن نحاول أن نقف بلمسات بيانية عند بعض الجزئيات التي ترد في كلام الله سبحانه وتعالى. والكلام على سورة الفاتحة جملة وتفصيلاً يحتاج إلى حلقات وإلى كلام طويل. بل أكثر من هذا أن الفخر الرازي رحمه الله تحدث مرة وقال إن في سورة الفاتحة من الأسرار ما يزيد على عشرة آلآف فائدة فعجِب الناس منها وكذلك ذكر في بداية كتابه مفاتيح الغيب تعريفات من سورة الفاتحة بحيث أوصلها فعلاً إلى أكث رمن عشرة آلآف في تعريفاتها. نحن لا نملك هذا لكن الذي نقوله لأمر ما جعلها الله سبحانه وتعالى أصلاً في الصلاة بحيث أن المسلم يقرأها في كل ركعة وفي الحديث الشريف "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أو بأم الكتاب" ولهذا تحتاج إلى تأمل في مفرداتها في كلياتها وجزئياتها. وفيها إذا نظرنا إلى السورة تعظيم لله سبحانه وتعالى تمجيده بالحمد له وذكر ربوبيته للعالمين وإدراته لشؤونهم وفيها الحديث عن رحمته بهم وفيها الكلام على التوحيد توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وفيها حصر العبادة به وحصر الإستعانة به وفيها اللجوء إلى اليه ليثبتنا ويثبت من يقرأ هذه السورة على الصراط المستقيم الذي إتجهنا إليه بدخولنا في الإسلام والتثبت برحمته سبحانه وتعالى أن لا نزِلّ أو نضِلّ. فهي فيها معاني كثيرة لكن سنقف إن شاء الله تعالى عند هذه الجزئيات التي في جميع السورة ونقف عند قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين) والذي إخترناه كما إختاره طابعو المصحف الشريف وقلت هذا في الجلسة الماضية هو ما ذهب إليه علي إبن أبي طالب كرم الله وجهه بما رواه عبد الرحمن السلمي في أن قوله الله عز وجل إن بسم الله الرحمن الرحيم هي الآية الأولى من سورة الفاتحة. ولهذا إختيارنا لانعارض من إختار إختياراً آخراً كما قلنا.(1/58)
فالحمد لله رب العالمين هي الآية الثانية من سورة الفاتحة وفقاً لمصحف المدينة النبوية ووفقاً لإختار الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومن معه من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله غنهم أجمعين.
الحمد لله:
سنعرض ما ورد في كتاب الله عز وجل من لفظة الحمد لله؟ هنا عندنا الحمد لله رب العالمين فنقف أولاً عند قوله تعالى: الحمد لله. لما ننظر في التفسير بشكل سريع نجد أنهم يقولون الحمد أي الشكر ، المديح لله، إلخ.. معناه أنهم يعرضون علينا ألفاظاً كأنها تكافئ أو تفسر كلمة الحمد فهي مدح وثناء وشكر. لكن لما تأتي إلى دقائق اللغة وما اطّلع عليه علماؤنا من لغة العرب نجد أنهم يقولون هناك فرق بين الحمد والمدح مع أن المدح والحمد مادتهما واحدة (ح-م-د) لكن هناك إختلاف في التركيب (حمد، مدح) ولعل هذا الإتفاق في الصوت هو الذي جعل إتفاقاً واسعاً بين الحمد والمدح لكن يبقى هناك فوارق جزئية حتى نعرف :
*هل يمكن أن نضع مكان الحمد لله المدح لله في سورة الفاتحة؟
الحمد والمدح:(1/59)
حينما نقول الحمد (هذا كلام علمائنا في كتبهم) الحمد يقتضي أن يكون الحامد يحمد من هو مستحق للحمد أما المدح فقد يكون الكادح يمدح من هو مستحق ومن هو غير مستحق طمعاً في جائزة أو طمعاً في شيء كما كان يصنع الشعراء فيقولون هذا الشاعر مدح ولا يقولون حمد. فالحمد لمستحق الحمد فإذن بهذا الجانب لا تصلح كلمة المدح هنا لأن الله سبحانه وتعالى مستحق للحمد بذاته وصفاته جلّت قدرته. الممدوح قد يكون يستحق أن يُمدح وقد لا يستحق لكن لغاية في نفس الشاعر يمدح. لا تصلح كلمة المدح لأنها ستحتمل هذين المعنيين لا تصلح هنا. هنا ينبغي أن تكون الحمد. الأمر الثاني : الحمد لله كما لمسه العلماء في اللغة يتضمن نوعاً من الإجلال والتعظيم والمحبة فأنت لا تحمد إلا من تُجلّه وتعظّمه وتحبه أما المدح فليس فيه هذا الشيء. هذا سبب ثان يرجح كلمة الحمد عن المدح. الأمر الآخر أن الحمد إنما يكون بعد النِعمة أما المدح فيمكن أن يكون بعدها ويمكن أن يكون قبلها. فلما نبدأ بكلمة الحمد لله فمعناه أننا علمنا نِعَم الله عز وجل علينا. لذلك نحمده سبحانه ففيه إشارة إلى معرفة النِعم. عندما نقول الحمد لله يعني أننا نعترف يا ربنا بما أنعمت علينا من نِعَم (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) هذا فرق آخر بين الحمد والمدح. المدح لم يرد في القرآن الكريم لا بالمصدر ولا بالمشتقات ليس في القرآن الكريم مدح ولا أي صيغة من صيغ المدح لما في المدح مما ذكرناه إحتمال الصدق والكذب وإحتمال أن يكون كارهاً عندما يمدح قد يكون فيه صدق أحياناً لكن ليس غالباً. هل يكون الحمد باللسان؟ الحمد باللسان وبالجنان لكن لا بد أن تنطق بالحمد ولا بد أن تترجم ما في الجنان على اللسان وهذا لا يختلف فيه العلماء.
الحمد والشكر:
*هل يمكن أن نضع الشكر مكان الحمد؟(1/60)
الحمد مع إشتقاقاتها وردت كثيراً في القرآن الكريم. أحصيناها على محمد فؤاد عبد الباقي (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) وردت في 67 موضعاً. الشكر إستعمل كثيراً في القرآن فهل نقول الشكر لله بدل الحمد لله؟ قلنا الحمد يقتضي المحبة والتعظيم والشكر ليس فيه ذلك. حينما تشكر إنساناً ليس شرطاً أن تعظّمه أو تحبه. يمكن أن تشكره لشيء فعله لك. لو قلنا الشكر لله سنفتقد هذه الخاصية أو الميزة في كلمة الحمد. الأمر الآخر : الشكر إنما يكون على نعمة أُنعِم بها عليك فتشكر (ولئن شكرتم لأزيدنكم) وتشكر الإنسان الذي يقدم لك خدمة أما الإنسان الذي يقدم خدمة لإنسان لآخر فأنت لا تشكره. بينما الحمد يكون لما أصابك وما اصاب غيرك من نِعَم فالحمد أوسع من الشكر. ومن أجل ذلك كان إختيار الحمد أولى من لفظة الشكر. مسألة المكروه يقول الناس (الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه) معناها أنك لا تحمده بسبب المكروه ولكن تحمد الله سبحانه وتعالى فيما تعتقد أنه مكروه وهو في حقيقته خير لك لأن الله سبحانه وتعالى لا يختار لعبده المؤمن إلا الخير (وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا) إذا وقع لك شيء تراه مكروهاً في نفسك كُن مطمئناً وواثقاً أن الخير فيما إختاره الله عز وجل لك وإن كان في ظاهر الأمر ليس فيه خير. وهذا من التجربة وجدت أن كثيراً من الأحيان عدة حالات في حياتي الشخصية مرت بي أقول الحمد لله هذا فيه خير لكن في داخل نفسي أقول بالحسابات ليس فيه خير أين الخير؟ هكذا تحدثني نفسي في داخل نفسي لا أرى فيه خيراً لكن ثقتي بالله أن أقول فيه خير ثم تمضي الأيام ويثبت لي بعد ذلك أن الخير فعلاً في ذلك الذي وقع وليس الذي كنت أتمناه أو أريده. لذلك نقول للناس (الذي لا يحمد على مكروه سواه) لا تعتقد كراهته وإنما تقول هو سبحانه إختار لي ما هو خير لي في ديني وفي دنياي.
الحمد والثناء:(1/61)
تأتي أمام الحمد كما قلنا : المدح والشكر والثناء. لما ننظر في كلمة الثناء نحن الآن نستعملها كأننا نسينا أولياتها من أين هي؟ الثناء لا يأتي إلا مع (على) أنت تقول حمده وحمد له (تعدي الفعل مباشرة إلى المفعول أو باللام) والتعدي باللام تقرّبه (حمد له فعله) لكن أثنى لا تأتي إلا مع (على) والثناء فيه نوع من الإستعلاء لا ينسجم مطلقاً مع بداية الفاتحة حتى في الإستعمالات القديمة لا نجد أثنى على الله إبتداء إنما يقول حمد الله وأثنى عليه يجعلها ملحقة. حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله تأتي ملحقة لا تأتي منفردة لمكان على هذه لأن فيها نوع من الإستعلاء. لما نأتي إلى الفعل أثنى نجد أن الثلاثي منه تني والثني هو العطف ففيه معنى الإنعطاف كأنه لم يكن منصرفاً إليه ثم إنصرف إليه بينما الحمد لله تريدنا أن نتجه إبتداء إلى الله سبحانه وتعالى وأيضاً الثناء بكل تصريفاته لم يرد في كتاب الله عز وجل لا المدح ولا الثناء لعل لمكان هذا المعنى لأن فيه إنعطاف وتحوّل لعلّ ذلك لا نعلم.
(الحمد لله)(1/62)
الحمد الآن هي مميزة عن غيرها والألفاظ ولا يصلح غيرها هنا. هذه الألف واللام في الحمد هي أل الجنسية لتعريف الجنس، لبيان الجنس. معناه الآية تريد أن تقول جنس الحمد ولما جنس الحمد يعني الحمد لا تدع منه شيئاً كلّه بكل جنسيته بما هو. الحمد لله: اللام في كلمة (لله) هي للتخصيص أو الملك فكأن الحمد خاص بالله سبحانه وتعالى. العلماء يصربون لنا مثالاً ولله المثل الأعلى كما تقول السرج للفرس والسرج لا يكون إلا للفرس وكما نقول الآن الطاقية للرأس فالطاقية لا تكون إلا للرأس. الحمد لله معناه الحمد مختص لله سبحانه وتعالى لكن اله سبحانه وتعالى من رحمته وتلطفه وفضله إنه جعل إمكان حمد الآخرين. من أين علمنا إمكان حمد الآخرين؟ من أنه لم يقل لله الحمد فيحصر جعل هنا خصوصية وليس حصراً لأن في الحصر كما سنأتي في (إياك نعبد) عندما يقدم المفعول أو المتعلق في الحصر لا تستطيع أن تعطف بينما إذا لم يكن حصر يمكنك أن تعطف. فضلاً عن أنه عندما يقول لله الحمد هذا التقديم كأنه هناك نوع من الشك في الحمد والموضع ليس موضع شك وإنما موضع تلقين وتعليم يعلّمنا الله تعالى ميف نتجه إليه بالدعاء لأن الجملة وإن كانت جملة خبرية (الحمد لله: مبتدأ وخبر) لكن معناها معنى إنشائي لأن أنت عندما تقول الحمد لله لا تريد أن تخبر إنساناً أن الحمد خاص بالله. لا. وإنما أنت تدعو وتمجد الله سبحانه وتعالى تعظّمه تقول الحمد لله لا تريد أن تخبر. عندما يقرأ الإنسان الفاتحة (الحمد لله) أو عندما يصيبه شيء ويقول الحمد لله هو لا يريد أن يخبر أحداً أن الحمد لله وإنما يريد أن يتوجه إلى الله تعالى بالثناء عليه وتعظيمه وتمجيده. هي إن كانت جملة خبرية لكن معناها معنى إنشائي لأن معناها معنى دعاء. هو يريد أن يعلمنا هذا الكلام لذلك لا يصلح فيها هنا تقديم الجار والمجرور (لله الحمد).
الحمد لله أو إن الحمد لله؟(1/63)
هل يمكن أن نقول : إن الحمد لله في هذا الموضع؟ الجواب هو هو. الموضع ليس موضع شك حتى نذكر. أنت تقول: زيد ناجح لمن هو خالي الذهن لكن إذا كان هناك إنسان يشك في نجاح زيد يأتي يقول لك زيد لا ينجح فتقول له: إن زيداً ناجح وبقدر زيادة الشك تزيد التوكيدات إذا كان شكه عظيماً نقول له: إن زيداً لناجح، تدخل اللام وقد تلجأ إلى القسم (والله إن زيداً لناجح). والموضع ليس موضع شك هنا وإنما موضع يقين لذلك لم يقتض التأكيد. إذن الحمد لله هي أولى من الألفاظ الأخرى وهي أولى من التقديم والتأخير وسنأتي إلى مواطن خمسة مواضع جاءت (لله الحمد) ونبين لماذا قدمت كلمة لله على كلمة الحمد. وهي أولى من إن الحمد لله وكذلك أولى من (حمداً لله) عندما يقول الإنسان حمداً لله : حمداً مصدر مؤكد أيضاً. نقول الموضع ليس موضع تأكيد هذه واحدة. حمداً لله: ما دام منصوباً إذن هناك ناصب له والناصب الأصل فيه أن يكون فعلاً معناه الجملة فعلية تقدّر والجملة الفعلية جالّة على الحدوث بينما الجملة الإسمية ثابتة دالة على الثبات . فالحمد لله بجملتها الإسمية أثبت من حمداً لله. نقول نحمد الله، أحمد الله، إحمدوا الله: ونحمد كلام مجموع فإن هذه اللفظة موضعها هاهنا لا يصلح مكانها غيرها. هذا كلام الله سبحانه وتعالى بهذا التفصيل الذي فصّله العلماء كما قلت من الرازي وغيره وأستاذنا الدكتور فاضل السامرائي تحدث في ستين صفحة عن هذه المسألة وبيّنوا أن هذه الكلمة لا يصح كلمة أخرى في موضعها.
الحمد لله: لم يقل الحمد للقادر، الحمد للرحمن، الحمد للعظيم أو أي إسم من أسماء الله الحسنى وهذا تكلمنا عليه لما قلنا (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) و(بسم الله الرحمن الرحيم). هذه اللفظة (الله) تضم تحت لوائها جميع الأسماء الأخرى بكل ما فيها ولذلك توصف ولا تصف: نقول الله الرحمن، الله الرحيم لكن لا نقول: الرحمن الله.
أين وردت: الحمد لله رب العالمين في القرآن؟(1/64)
هذا فيما يتعلق بلفظة (الحمد لله) وقبل أن ننتقل إلى كلمة رب العالمين لنا فيها وقفة. ننظر إين وردت الحمد لله رب العالمين كاملة.
الحمد لله رب العالمين في بداية الفاتحة بعد البسملة معناه بداية عمل.
في نهاية سورة الصافات بعد الحديث عن الكون وما يضم إلى قيام الساعة إنتهاء الحياة (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)) النهاية.(1/65)
كذلك في نهاية سورة الزمر(وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75))والأنعام (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)) في نهاية الحياة، في بداية الفاتحة، في نهاية الحياة، نهاية السور التي تشير إلى نهاية الحياة، نهاية مواقف معينة (الحمد لله رب العالمين). هنا في نهاية عمل ( الأنعام) إنتهى أمرهم. والحمد لله رب العالمين فيها كلام عن الناس.لاحظ الآية الأولى(دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) يونس) هذا يوم القيامة في الجنة.وفي سورة غافر (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)) هناك في آخر الدعاء وهنا يحتمل أوله وآخره (فادعوه مخلصين له الدين) كأنما الحمد في الأولى والآخرة. هنا الفائدة التي نقولها أن كلمة الحمد لله رب العالمين جاءت في أول الفاتحة تحميداً وتمجيداً لله سبحانه وتعالى وبها يختم العمل والدعاء وتأتي قي سور آخرى في الآخرة أي الحمد لله رب العالمين في البدء وفي الختام, ومما ذكرنا لفظة الحمد في هذا الموضع هي الأمثل حتى بين جميع الألفاظ في حقها الدلالي. وصورة الحمد بالألف واللام والرفع أمثل من سائر الصور. عندنا في الحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ بحمد اله فهو أقطع" وفي رواية "فهو أجزم".(1/66)
مداخلة: كلمة الحمد ظلمت كثيراً في كتب التفسير والإمام إبن كثير وغيره يعممون الحمد ويخصصون الشكر وفي تصوري أنه خاطئ من حيث الطريقة لا من حيث المضمون. الحمد لله في الفاتحة حمد مطلق حمد على كل ما يعلمه الإنسان وما لم يعلمه وعلى ما حمده الله تعالى بذاته لذاته. الحمد في قوله تعالى في سورة الكهف (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) هنا تخصيص لحمد الفاتحة على حمد النعمة. الحمد ليس معناه الشكر وإبن القيم قال: الحمد ينقسم إلى حمد شكر وحمد مدح. وأنا أقول أن الحمد مقام إلهي ومقام تعبدي والله تعالى ألهم كل المخلوقات (وإن من شيء إلا يسبح بحمده). فالحمد عام يخصص بحمد الكهف أو بمحامد القرآن. ويرد الدكتور حسام على مداخلة المشاهد فيقول: الحمد يراد به جنس الحمد على الإطلاق وأنا لست ميّالاً للتعرض لما قاله بعض علمائنا السابقين بما لا نوافقهم عليه ولكننا سنتكلم عن كلمة الحمد.
وقفنا عند قول الله سبحانه و تعالى (الحمد لله رب العالمين) . كلمة الحمد من أسرار تجعلها مميزة على الكلمات الأخرى التي هي من حقلها الدلالي (المدح، الشكر، الثناء) وكيف أنها هنا أفضل. وبيّنا أن الألف واللام لاستغراق الجنس في كلمة الحمد. و (لله) هي للملك وقلنا هذا نوع من التخصص أو التخصيص كما قالت العرب: السرج للفرس والطاقية للرأس. الحمد لله يعني هو خاص بالله تعالى ولكن الله عز وجل في الدنيا أذِن للناس أن يحمد بعضهم بعضاً في هذا الأمر. وكلمة رب العالمين جاءت متعلقة هنا (الحمد لله رب العالمين) وقلنا أنه سوف نعود إلى كلمة رب العالمين ولماذا جاءت بهذا الإتصال ولكن قبل أن نصل إلى كلمة (رب العالمين).(1/67)
كلمة الحمد لله رب العالمين وردت في بداية أربع سور (في البداية والنهاية تكلمنا عليها حتى لا يختلط الكلام علينا). لفظة الحمد مجرّدة من غير ذكر رب العالمين بُدئ بها في أربع سور (الحمد لله رب العالمين بُدئ بها في سورة الفاتحة وختمت بها سور أخرى ذكرناها) لكن الحمد لله وحدها بُدئ بها في أربع سور ثم نجدها تتكرر في داخل عدد من السور في سبع عشرة مرة نحاول أن نقف عندها بصورة موجزة وسريعة: في بداية الأنعام، الكهف، سبأ وفاطر: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) الأنعام) لاحظ كأنما هذه البدايات تحاول أن تبيّن نماذجاً من الحمد. قلنا الحمد لله في الفاتحة هو جنس الحمد وهنا نماذج يُحمَد الله عز وجل لآلآئه هنا الآلآء كذا ، هنا من رحمته وهنا من فضله وهنا من علمه وهنا من إعطائه العلم للآخرين وهنا من رحمته بهم وهنا من خلقه السموات والأرض. السور الأربع كأن بدياتها متكاملة:
الأولى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) الأنعام) الكلام على الخلق ومعناه التقدير والتصوير فيه بمعنى البدء لكن غالباً فيه معنى التقدير والتصوير لأنهم يقولون هذا الصانع خلق القماش يعني قدّره قبل أن يقصه. والخلق غير التكوين والإنشاء والتصوير يصور الشيء. الكلام خاص عن خلق السموات والأرض ومن رحمة الله سبحانه تعالى جعل الظلمات والنورمعناه نظّم السموات والأرض بما فيها من ظلمات ونور مبنية على الحركة وعلى وجود الإشعاع من داخل بعضها وبعضها خال من الإشعاع.(1/68)
ثم (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر) هذه المنشيء لاحظ التخليق والإنشاء. ثم (جاعل الملائكة رسلاً) تكلم على جعل الملائكة ثم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) سبأ) هذا الذي في السموات والأرض ملك لله سبحانه وتعالى، ثم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) الكهف) الملائكة والرسل وإنزال الكتاب فنماذج من آلآء الله سبحانه وتعالى ونعمه التي يُحمد عليها. فالحمد لله في سورة الفاتحة نظام كليٌّ وهذه جزئيات في بدايات أربع سور بينها نوع من التلازم والتشابك.(1/69)
لماا ننتقل إلى عموم سور القرآن الكريم نجد في كل موضع كلمة (الحمد لله) لها معناها ولها مدلولها لكن يجمعها جميعاً حتى في هذا الموضع أن ليس فيها معنى الحصر وقصر الحمد على الله سبحانه وتعالى وليس فيها دعوة إلى أن لا يحمد سواه لكن سنجد في آيات أخرى هناك قصر (له الحمد) وهو ما سنقف عنده بتفصيل لماذا قال هنا (له الحمد)؟ في الأماكن الأخرى قال الحمد لله بحيث يفسح المجال لأن يحمد الإنسان غير الله سبحانه وتعالى لأمر يقوم به يمكن أن يحمد على خلقه، على علمه، على كرمه للبشر لكن في هذه الأماكن حصر الحمد بالله سبحانه وتعالى (لله الحمد) أو (له الحمد). سنمر مروراً سريعاً على الأماكن التي قيل فيها (الحمد لله) وسنجد أنه ليس فيها مجال لحصر الحمد لله سبحانه وتعالى وإنما هي صور ونماذج من تفضّل الله سبحانه وتعالى على عباده. أحياناً ينقل لنا كلام عباده يعلّمنا أحياناً يقول (قل، قالوا، قال) تكرار كلمة القول مع الحمد في عشرة مواضع (قل، قالوا، قال) في موضعين مع ضرب الأمثال، وفي موقع دعاء وهناك أربع مواضع في بداية السور.(1/70)
نأتي الآن في سورة إبراهيم (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)) هذا دعاء إبراهيم يحمد الله عز وجل به فيذكره الله تعالى لنا حتى نتعلم أن نقول الحمد لله الذي أعطانا هذا الحمد لله على الهبة وهذا جزء من الحمد الكلي. هنا عندنا (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) النحل) رب العالمين يعلمنا بالأمثال يضرب لنا مثلاً حتى نتعلم فعندما نقول الحمد لله معناه الحمد لله الذي علّمنا بضرب المثل الذي يعلّمنا، (وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا) نحن نقول الحمد لله الذي علّمنا بل أكثر هؤلاء الذين هم لا يؤمنون لا يعلمون بما علّمنا الله عز وجل من ضربه للمثل وهنا وقفة قصيرة: عبّر عن عبد مملوك ومن رزقناه منا رزقاً حسناً عبد ومرزوق وقال (لا يستوون) (من) لفظها لفظ مفرد ومعناها معنى جمع فكأن الآية تريد أن تقول هذا العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هل يستوي مع هذا الذين ينفق وهذا الذي ينفق وهذا الذي ينفق وهؤلاء الجمع من المنفقين؟ هل يستوي هذا معهم؟ فاستفادت الآية من كلمة (من) فمرة عبّرت بالمفرد ثم رجعت مرة أخرى لتعبّر بالجمع.(1/71)
الآية الأخرى أيضاً تعليم بالمثل (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) الزمر) تعليم بالمَثَل. ما قال (من) هنا قال رجل ورجل لا بد أن يستعمل التثنية. الحمد لله الذي علّمنا بضرب المثل وأكثرهم لا يعلمون. فحمد الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات لا يستدعي أن لا يحمد سواه. ممكن أن غير الله إذا علّمنا شيئاً أو أكرمنا بشيء أن نقول نحمد فلان يعني لم يدعنا إلى أن نقصر الحمد عليه لكن هذه نماذج من الحمد الذي هو الحمد لله رب العالمين الذي هو حمد الجنس وهذه كأنها تفريعات.
الآية في سورة الأعراف من هنا بدأنا نسمع القول: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)) يعلمنا أن هؤلاء الذين وُجهوا إلى الجنة صاروا يقولون الحمد لله فهو نوع من تفضله سبحانه وتعالى عليهم وعلينا عندما يعلمنا أن نقول كما قالوا. هذا في سورة الأعراف الآية 43.
عندنا في الإسراء الآية 111 (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)) هذا تلقين وتعليم أن نحمد الله عز وجل الذي علمنا التوحيد وعلمنا بعض صفاته سبحانه وتعالى ونقول الحمد لله.(1/72)
مع نوح (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) المؤمنون) أيضاً تعليم بالأمر (قُل) نوع من التعليم.
في الحكاية عن قولهم (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) النمل) إذا وجد الإنسان في نفسه شيئاً قد أكرمه الله تعالى به يقول الحمد لله وهي أيضاً جزئية من كلّية جنس الحمد المخصص لله سبحانه وتعالى.
(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) النمل) تعليم. أيضاً تعليم أن نقول الحمد لله أنه سبحانه وتعالى اصطفى عباداً وجعلهم مؤمنين وألقى عليهم السكينة والإستقرار. (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) النمل) إحمد الله عندما تظهر هذه الآيات أو عندما يعلمك كيف تحاور وكيف تناقش فتقول الحمد لله.
((1/73)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لقمان) لو سألت الكفار من أنزل الماء من السماء يقولون الله لأنهم كانوا يعرفون الله لكن كانوا يعبدون الأصنام يقولون تقربنا إلى الله زلفى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) العنكبوت) لو استعملوا عقولهم ما عبدوا هذه الأصنام (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لقمان) ما عندهم علم في هذه الأمور، في هذا الشرع، في هذا الدين يعني لم يستعملوا عقولهم ولم يستعملوا علماً عندهم.
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) فاطر) تعليم وتدريب بقول غيرهم أن هؤلاء الذين دخلوا الجنة قالوا هذا الكلام فتعلموا وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى.
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر) تعليم وتدريب لنا أن نقول كما قالوا في دخولهم الجنة (هذا في المستقبل ولكنه ماض في عين الله سبحانه وتعالى) إذن كل هذ المواضع ليس فيها موضع يريد الله تعالى أن يقصر الحمد عليه جلّت قدرته لكن لما ننتقل إلى مواضع أخرى نجد أن سياق الآيات يريد أن يبين لنا أن الحمد في هذا الجو قاصر على الله سبحانه وتعالى لا يستقيم أن تحمد غير الله عز وجل مع أن الله سبحانه وتعالى رخّص لك أن تحمد سواه لنفع يقدمه لك، لفضل فيه يمكن أن يكون هذا.(1/74)
ننظر في سياق الآيات: (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) القصص) نلاحظ السياق هنا سياق حصر والكلام على الآخرة وسنجد أنه حينما يكون الشيء منحصراً يعني سياق الآية فيه قصر أشياء على ذات الله سبحانه وتعالى لا يصلح لغيره تأتي له الحمد بتقدم الجار والمجرور يقول له الحمد لا يقول الحمد لله الحمد يرفض لغيره لكن في هذه المواضع في مثل هذا السياق لما قال (وهو الله لا إله إلا هو) حصر بالنفي وبـ (إلاّ) الموضع موضع حصر لذلك قال له الحمد ما قال الحمد لله لأنه لا يستقيم مع الحصر.ثم فيه ذكر الآخرة وفي الآخرة لا يُحمد سوى الله تعالى. من تحمده في الآخرة في يوم القيامة؟ ما يوجد مخلوق يُحمد يوم القيامة ولا يحمد إلا الله تعالى. إذا ذُكِرت الآخرة إنحصر الحمد بالله سبحانه وتعالى. له الحمد وله الحكم أيضاً حصر (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) القصص) الجو العام في الآية هو حصر لذا لا يصح هنا أن يقال في غير القرآن: (لا إله إلا هو الحمد له وله الحكم) لا يستقيم. التقديم فيه معنى الحصر له الحمد وليس لغيره لأنه عندما يقدم الضمير أو المفعول لا تستطيع أن تعطف لكن حينما يقدم غير الضمير يعني الجار والمجرور إذا قدّم عند ذلك ما كان مرتبطاً بالله تعالى يصح أن يعطف وما عداه لا يجوز أن يعطف.(1/75)
نلاحظ في قوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا (10) فاطر) حصرها وفي موضع آخر أجاز العطف عليها لارتباطها به سبحانه (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون) لرسوله: عطف مع وجود الضمير العائد على الله تعالى يعني أخذ اعزة من عزة الله تعالى ثم قال وللمؤمنين ما ذكر الضمير يعني وللمؤمنين بالله ورسوله فما أراد أن يجمع. لو قال في غير القرآن (للمؤمنين بهما) يضعف الكلام ثم يكون جمع الرسول مع الله تعالى وهذا لا يكون بالضميرين. عندما يقول (له الحكم، إليه ترجعون، لا إله إلا هو) لا يستقيم إلا (له الحمد).
الآية بعدها في سورة الروم (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)) كلمة سبحان الله سُئل عنها الإمام علي كرم الله وجهه فقال: كلمة رضيها الله عز وجل لنفسه فنحن نقولها. لا يمكن أن نقول سبحان فلان. التسبيح والتنزيه والتقديس لا يكون إلا لله عز وجل فهذه كلمة حاصرة حصرت (سبحان الله) التسبيح منحصر ثم الزمن منحصر والمكان منحصر. ذكر الزمان والمكان بحصر (حين تمسون) المساء والصباح والعشي والظهر وجعلت (وله الحمد في السموات والأرض) للمكان فكأنه صار هناك نوع من الإختلاط والإتصال بين التسبيح والحمد في هذه الأوقات والتسبيح والحمد لله سبحانه وتعالى في السموات والأرض ففيها إطلاق وفيها حصر وفيها حصر للزمان وحصر للمكان فإذن لا يناسبه إلا حصر الحمد بالله سبحانه وتعالى. هذا في هذه السورة.
*(الحمد لله ) التي يتلفظ بها المسلم في بداية يومه (الحمد لله الذي أحيانا) ما الفرق الكبير الواضح الذي ينبغي أن نعرفه بين الحمد لله ولله الحمد؟(1/76)
عندما يقول الحمد لله يوجّه الحمد لذات الله سبحانه وتعالى وحينما يقولها مجردة (الحمد لله) معناها أنه يحمد الله سبحانه وتعالى بمطلق الحمد لكن إذا قال لله الحمد معناه أنه يحصرالحمد لله سبحانه وتعالى، يقول لله الحمد حصراً. الذي عُلّمنا إياه أن نقول: (الحمد لله) . إذا قال الإنسان لله الحمد فهو كلام صحيح ليس فيه شيء لكن نقول كلمة الحمد لله في القرآن الكريم إنما جاءت في هذه المواضع التي أوردناها ونحن نحرص أن نتأسى بأسلوب القرآن الكريم في كلامنا.
هذه الآية الأخرى في سورة سبأ التي بدأت بالحمد لله . إنظر ما قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)) ذكر الآخرة. عندنا في كلمة (له ما في السموات والأرض) تقديم وتأخير لأني في غير القرآن الذي ما في السموات والأرض له لأن (ما) مبتدأ و(له) خبر فلما قدّم لغرض حصر الملكية أنه له ما في السموات والأرض لا يشاركه أحد في ملكه فيحسن العطف (وله الحمد) لأنه سبق بهذا التقديم مع ذكر الآخرة.
في سورة الجاثية (ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)): (فاليوم) يوم القيامة، (فلله الحمد) ما دام الكلام في الآخرة (فلله الحمد رب السموات) نلاحظ هنا كيف كرر ورب الأرض. ما قال رب السموات والأرض لغرض التأكيد ثم قال (رب العالمين) الذين في السموات والأرض جمع رب السموات ورب الأرض جمعهما بحرف عطف ثم قال رب العالمين من غير عاطف حتى يشمل كل من فيهما.(1/77)
في سورة التغابن (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)) هنا عندنا التسبيح أيضاً الذي هو حصر لله تعالى (له الملك) قدّم الجار والمجرور ففيه حصر وعطف ولذلك (وله الحمد) ولا يصلح هنا له الملك والحمد له لا تصلح. لغوياً يكون هناك ضعف لأنك تعطف غير محصور على محصور.
هذه الفائدة عموماً تأخر لفظ الحمد المبتدأ في خمس آيات والمعنى في جميعها للحصر.
(رب العالمين):(1/78)
الآن ننتقل إلى قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين) كلمة (رب) لاحظ لما بدأنا بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في ذكر إسم الجلالة سبحانه وتعالى الحاوي لكل ما تحته من صفات وأسماء. (الحمد لله) وبدانا بعد البسملة بمطلق الحمد وجنس الحمد ناسب ذلك أن يقال( رب العالمين) لأن من أسباب حمده من جزئيات حمده أنه رب للعالمين. والعالمون يقول العلماء طالما أنه ما دام جمع مذكر سالم يكون للعقلاء فصار رب العقلاء الذين هم عالم الإنس ، عالم الجن، عالم الملائكة. بعض العلماء يقولون لا: جمع المذكر السالم جمع العاقلين يطلق إذا كان هناك إختلاط بين العقلاء وغيرهم. فرب العالمين معناه رب العوالم هم يقولون إذا قال العوالم معناه جمع عالم للعاقل وغير العاقل. فالبعض يقول سواء هذا أو هذا هو سبحانه وتعالى رب كل شيء.لكن نأخذ كلمة رب لما نأتي إلى تصريفها نجد أنها من ربّ يَرُبُّ فهو ربٌ فهو مصدر لكن مصدر جُعِل إسم فاعل بمعنى إسم الفاعل كما قالوا هو عدلٌ: العدل مصدر لكن قيل هو عدل بمعنى عادل لكن فرق بين هو عادل وهو عدلٌ: هو عادل يعني منه صفة العدل لكن هو عدل كأنه العدل كله تمثل في شخصه فهناك فرق. فمن هنا كانت كلمة رب. الرب تأتي بمعنى التنمية (أن ينمي الإنسان الشيء فيرُبُّه) يرُبّ يعني ينميه، يُتِم، ينتهي وهذا المربي منه أُخِذ كلمة الرب المالك الذي يملك لأنه هو يتعهد الشيء بالتربية والنماء شيئاً فشيئاً ومنه الحديث الذي يرويه الإمام مسلم وهذا ينفعنا في حياتنا العملية في العلاقات. الآن الناس ضعفت علاقاتها على خلاف ما يحبه دين الله سبحانه وتعالى. ديننا يريد منا أن تكون بيننا علاقات لوجه الله تعالى وليس لمصلحة. هذا الرجل الذي كان يذهب لزيارة أخ له فأرسل الله تعالى على مدرجته ملكاً قال: أين تريد؟ قال: أريد القرية الفلانية فيها أخ لي أحبه في الله.(1/79)
قال: ألك نعمة عليه ترُبُّها؟ (أي ألك إحسان عليه تريد أن تنميه بزيارة) قال: لا ولكني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك أن الله سبحانه وتعالى أحبك كما أحببته فيه. الآن عندما يتصل بك أحد ليزورك لمدة 10 جقائق ويأتي يجلس قليلاً تتساءل ما الذي جاء به؟ لكنه يحبك في الله وجاء ليزورك ولكن نقول لهؤلاء المتحابين في الله أن لا يطيلوا الزيارة قدروا ظروف الناس (زُر غّباً تزدد حباً).
فهذه كلمة رب وهذه كلمة العالمين وكلمة (الحمد لله رب العالمين).
(الرحمن الرحيم)
الرحمن الرحيم وقفنا عندها من قبل وبيّنا أن كلمة الرحمن عامة والرحيم خاصة فضلاً عن أن الرحمن صفة متجددة والرحيم صفة ثابتة فجمع بين التجدد والثبات.
* هناك من يقول أن رب العالمين تحتوي معنى الخلق والملك والمدبر؟
قلنا كلمة الله تعني كل هذه الأمور: الخالق المالد المدبر. أما رب العالمين أصل اللفظة هي للتربية وللملك فهو مربيهم ومالكهم هو يربي المؤمن والكافر وهذا من تفضّله سبحانه وتعالى ويربي كل شيء يخلقه وينميه ويربيه ولذلك نقول العالمين هنا معناها مطلق خلق الله لإختلاط العاقل بغير العاقل فتستعمل جمع المذكر السالم.
(مالك يوم الدين)
فيها وقفة. فيها قراءتان مشهورتان وهناك من قرأ مَلَك وملاّك لكن المشهور في السبعة بعضهم قرأ مالك يوم الدين وبعضهم قرأ ملك يوم الدين ولي في هذا كلام قد يطول نرجئه للحلقة القادمة.
مالك يوم الدين:(1/80)
نحن ما زلنا في سورة الفاتحة ووقفتنا هذا اليوم عند قوله تعالى (مالك يوم الدين). كلمة مالك هي في قراءة سبعية وملك في قراءة سبعية. المشرق العربي والإسلامي وباكستان وتركيا وهذه البلاد تقرأ مالك يوم الدين وفي شمال إفريقيا والمغرب العربي يقرأون ملك يوم الدين بقراءة نافع برواية قالون. هذا يستدعي أن نبين بشيء موجز مسألة القراءات وكيف جاز أن يقرأ بعضهم مالك وبعضهم يقرأ ملك. أولاً هي رسمها في المصحف 7I=»tB من غير ألف. هذا الرسوم سوّغ للعرب من القديم أن يقرأها بالألف لماذا؟ نحن عندنا الحركات لا تُرسم حتى بعد أن وُضعت لها رموزاً . لا نرسم الحركات نقول كتب لا نضع فتحة على الكاف لا نفعل هذا وكذلك الضمة والكسرة لا نضعها. الألف هي فتحة طويلة عندما تمد الصوت بالفتحة في (كتب) مع الكاف تصبح ألفاً (كاتب). علماؤنا يقولون لو مددت الصوت بالفتحة نشأ من بعدها ألفاً لكن الدرس الصوتي يقول تصبح ألفاً وهذا ليس من شأننا. نحن إذن لا نضع الحركات. هذه الفتحة في (كَتَب) كما أننا لا نكتبها ولكن نقرأها كَتب وفرق بينها وبين كُتب وكتاب وكلها غير مرسومة. يبدو أن الكاتب العربي قديماً كان ينظر إلى صوت المدّ في الألف كما ينظر إلى الفتحة فكما أنه لا يكتب الفتحة أو يكن له صوت للفتحة كان لا يكتب الألف في كثير من المواضع. وأحياناً كان يكتبها متقصداً حتى لا يكون هناك إغفال لصورة الألف. أما الواو والياء فكانوا في الغالب يرسمونها لأنه لها صورتان: الواو التي تشبه الألف في كونها حرف مدّ مثل الواو في (نقول) علماؤنا يقولون الواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء في (نبيع) الياء الساكنة المكسور ما قبلها والواو التي قبلها حركة أو بعدها حركة ليست من جنسها هذه تختلف. واو (وجد) وواو (لون) غير واو (نقول) من حيث الصوت.(1/81)
لما ترسم المقاطع على شكل الرسم الطيفي مثل تصوير القلب، واو (وجد) تظهر قاعدة للمقطع نقطة في الأسفل بينما واو نقول تظهر قمة في المقطع فهذه غير هذه لكن رُسمت بشكل واحد فالواو والياء لها صورة قيمتها قيمة حرف إعتيادي مثل وجد ولون ويبس وليت وواو وياء هي حركة طويلة مثل نقول ونسير فلآنه لها صورتان رسمت في الغالب أما الألف فليس لها إلا صورة واحدة وهي المدّ هي فتحة طويلة ولذلك الغالب أنهم لا يرسمونها. لما ننظر إلى المنحوتات القديمة تأتينا مثلاً كلمة (الحارث) أحد الملوك الذين حكموا الشام من الأنباط قديماً نجد أنه مكتوب الحرث من غير ألف وكلمات كثيرة جداً. فكلمة (ملك يوم الدين) رسمت بالميم واللام والكاف. لما رُسمت هكذا احتملت قراءتين: احتملت أن تُقرأ مالك وإحتملت أن تُقرأ ملك لكن هل هذه القراءة كانت بتشهّي من القارئ؟ الجواب لا. هذا الرسم الذي بين أيدينا يشير إشارة موجزة إلى فكرة الأحرف والقراءات ونفهم منها مسألة عامة وهي هذا النوع من التسامح بين المسلمين وإحتمال الرأي الآخر في كتاب الله. لما تروي لنا كتب الصحاح والسنن أن اثنين من الصحابة عمر بن الخطاب وصحابي آخر عمر سمعه رضي الله عنهما يقرأ بطريقة غير ما يقرأ هو بها فلبّبه (أي أخذه من تلابيبه) وجاء به إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - ما قرأت به صحيحاً وما قرأت به صحيحاً إقرأوا كما عُلّمتم فقد أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف. هذا متى كان؟ يقول - صلى الله عليه وسلم - سألت ربي أن يزيد في القراءات في الأحرف إلى أن وصلت بها إلى سبعة أحرف.(1/82)
هذه السبعة 7 هل هي الرقم بين 6 و8؟ هل هي إشارة إلى انفتاح يعني فتح الأمر وفقاً لما أقرأهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تكن بالرقم 7 بين 6 و8 لأن العرب كانت تستعمل بعض الأرقام للإشارة إلى الكثرة تستعمل 7 و70 و700 والألف كما نستعمل نحن الآن كلمة مئة في العامية لما يقول: قلت له مئة مرة أن لا يفعل هذا. مئة ليس العدد الذي بين 99 و101 ولكن إشارة إلى الكثرة. هذه عادة المجتمع والمجتمع هكذا كان. على أي حال سواء صور الحروف أو الأحرف السبعة. هي الرقم 7 أو غيره نجد أن إبن جنّي يذكر في كتابه المحتسب في وجود القراءات الشاذة هو يفسر ما معنى شذوذ القراءات ثم يذكر رواية عن عمر وهو خليفة كان أمير المؤمنين يعني يأمر ليُطاع أن رجلاً قرأ بين يديه أو أمامه كان يقرأ (فتربصوا به حتى حين) قرأها (عتى حين) فسأله عمر قال:من أين الرجل؟ قال من العراق وعمر يعلم أن الهذليون لم يذهبوا إلى العراق ما كان في العراق هُذلي. قال من أقرأك هذا ؟ أنت لست هذلياً. قال: إبن مسعود وهو هُذلي وكان يُقريء الناس فأرسل له عمر رسالة : فإن الله قد أنزل القرآن وجعله عربياً وأنزله بلغة قريش فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تُقرئهم بلغة هذيل. مع أن هذه القراءة أجازها الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ربه لكن عمر بثاقب بصره وجد أنه السبب الذي من أجله رُخص بهذه الأحرف زال وهو كون العرب كانوا أمة أمية. أما الآن العرب جميعاً يقرأون ويكتبون في زمانهم من أسرى بدر بدأت القراءة والكتابة تنتشر وكان عمر في خلافته يمتحن الأعراب القادمين حتى أنه امتحن رجلاً مرة قال: تقرأ القرآن؟ قال نعم يا أمير المؤمنين قال فاقرأ لي أم القرآن. لو قال له إقرأ لي الفاتحة لعرف فقال الرجل أنا لا أعرف البنات فمن أين أعرف الأمهات. فأخذه واسلمه إلى الكُتاب إلى المُقريء فلبث فترة ثم إنهزم وترك قصيدة يقول فيها:
أتيت مهاجرين فعلّموني ثلاثة أحرف متتابعات(1/83)
وحطوا لي أباجاد وقالوا تعلّم سعفصاً وقريّشات
وما أنا والقراءة والتهجّي وما حظ البنين من البنات.
معناه الأمة صارت قارئة. لما الأمة صارت قارئة حافظة عند ذلك عمر بثاقب بصره وجد أنه ينبغي أن يجتمعوا على حرف قريش لأن القرآن نزل بلغة قريش وعلى حرف قريش والأحرف الأخرى كانت رُخصاً من الله سبحانه وتعالى هذا نستفيد منه الآن. نحن قلنا الترخيص معناه في كتاب الله يمكن أن أقرأ أنا مالك يوم الدين وتقرأ أنت ملك يوم الدين ويكون ما قرأت أنا صحيحاً ويكون ما قرأته أنت صحيحاً من غير تشنج ومخاصمة. لكن الحاكم الذي يريد أن يوحّد الأمة كان له رأي آخر. تبقى هذه إذا قرأت مما هو ثابت على السبعة أو العشرة فقراءتك صحيحة عند الجمهور الأغلبية يقول في السبعة فقط. لكن نرى لماذا صنع عثمان الصنيع الذي قال عنه الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: لو كنت أنا لفعلت مثل ما فعل عثمان. الذي فعله عثمان هو أنه جمع الناس على حرف قريش أراد للناس أن تجتمع على حرف واحد. الصحابة كانوا انتشروا في الآفاق (وهذا كلام موجز لفكرة الحروف والقراءات حتى يفهمها المشاهدون من غير أهل الإختصاص ولماذا جاءت ملك ومالك ورُخّص لكليهما) كان الصحابة قد انتشروا في الآفاق وكلٌ أقرأ بما أُقريء وفقاً لقبيلته وما أجازه - صلى الله عليه وسلم - عن ربه وليس من عنده - صلى الله عليه وسلم - . لما جاءت نسخ المصاحف التي كتبت في زمن عثمان بإجماع الصحابة. مكي ابن أبي طالب القيسي يقول في كتابه الإبانة عن القراءات يقول أجمع ما يزيد على اثني عشر ألف صحابي على صحة ما فعل عثمان.(1/84)
إجماع الصحابة على حرف لكن لأن الكتابة لم تكن منقوطة ولا مشكولة لما وصل المصحف الإمام إلى الشام كان الناس يقرأون بقراءة معينة أو حرف معين أو أكثر من حرف فصاروا يعرضون ما قرأ على رسم المصحف فما وافق الرسم ظنوا أن عثمان أراده وما خالف الرسم تركوه ولو كان حرفاً من الأحرف السبعة من أجل وحدة الأمة. فكلمة 7I=»tB بهذه الصورة ممكن أن تُقرأ مالك لأنهم ما كانوا يرسمون الألف ويمكن أن تقرأ ملك فلما ذهب المصحف إلى الناس الذين كانوا يقرأون مالك قالوا إذن عثمان أراد مالك ولما ذهب إلى الناس الذين يقرأون ملك قالوا إذن عثمان أراد ملك فمن هنا جاءت القراءات. فالقراءات إذن السبع أو العشر وقسم يقول 14 القراءات هي بقايا الأحرف السبعة يعني حرف قريش مع بقايا الأحرف السبعة فكلها مقروء بها وما كان يقرأ بها أفراد كما يتصور هذه قراءة نافع وهذه قراءة عاصم لا ، هؤلاء كانوا يمثلون المدن أوالقبائل لأنه نحن نجد في كتاب سيبويه وهو أقدم كتاب وصل إلينا من كتب النحو لا يقول قرأ فلان من مكة ويقول وبلغنا أن أهل مكة يقرأون كذا وبلغنا أن أهل الكوفة يقرأون كذا (لأنه هو كان في البصرة) وبلغنا أن أهل الشام يقرأون كذا يعني يُحيل على البلدان. في مكة أهل مكة كانوا يقرأون هكذا ظهر منهم إبن كثير يبدو صوته كان جميلاً فشُهِر، في المدينة كان نافع وفي الشام إبن عامر وفي البصرة أبو عمرو بن العلاء وفي الكوفة ثلاثة من القراء عاصم والكسائي وحمزة شيخ الكسائي. إذن من هنا جاءت ملك ومالك وبقية القراءات.(1/85)
نستفيد من كل هذا شيء وهو مقترح نعرضه أنه لما كان عثمان وعمر رضي الله عنه الصحابة الكرام (12 ألف صحابي) أرادوا أن يجمعوا الناس على حرف نتمنى أن يجتمع الناس اليوم على قراءة واحدة نتمنى أنه إذا كان هناك طباعة جديدة للمصحف يتفقون ويطبعونه بصورة واحدة ويقرأون بحرف واحد لكن نقول في الوقت الحاضر إذا كنت في الرباط أو في مراكش فإقرأ ملك يوم الدين إذا قُدّمت إماماً حتى الناس لا تستغرب، وإذا كنت في بغداد فإقرأ مالك يوم الدين وإذا كنت في الموصل لا باس أن تقرأ (فأوردهم النير) لأنهم في الموصل يقولون على النار النير لكن في بغداد تقول النير يستغرب الناس منك. نحن لا ننفي القراءت هي على العين والرأس ونقول أنتم تعلمتم هذا. هذا علم الخاصة أما ماذا تريد؟ الله تعالى يريد أن يقول لنا إن فرعون أورد قومه النار فلماذا نقول النير؟ هذه القراءة لمن كان يميل ورخّص لهم هذا وقريش ما كانت تميل وما عندها هذه الإمالة. فنتمنى ولا نقول هذا ممنوع لو كان عندنا رجل مثل عمر قطعاً كما نهى إبن مسعود وهو الصحابي أو مثل عثمان أو مثل علي كان يحمل الناس على حرف واحد. هذه هي الغاية تقرأ بصورة واحدة. إذا أخذت بحرف واحد جمهور علمائنا لا يرتضون أن تقرأ بأكثر من قراءة في آن واحد. العلماء يقولون تمسك المصحف فتقرأ به قراءة واحدة إلى النهاية أو على الأقل في نفس الجلسة.(1/86)
لم تُكتب الألف في ملك لكنها تُقرأ. رسم المصاحف نوقيف على ما رسمه الصحابة على القولين: سواء قلنا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أشار عليهم بطريقة رسم هذا قول أو أنه كان تطور الخط العربي إلى زمانهم فرسموا هكذا. فتوى علمائنا أنه رسم المصحف يُكرر كما رسم على زمن الصحابة. إذا أردت أن ترسم مصحفاً تضع أمامك نسخة قديمة ترسم عليها فمالك ترسم 7I=»tB لأنه إذا رسمتها مالك كما فعل بعض الخطاط في زمن الدولة العثمانية أرادت أن تجمع الناس على حرف واحد فكتبوها مالك أنت ستمنع من قراءة ملك لأن الذي يقرأ ملك هذه فيها ألف فيقول لك أنت حرمتني من القراءة لكن اكتبها 7I=»tB وقل له أتمنى أن تقرأها مالك أو ملك فلنتفق على شيء لتقرأ الأمة جميعاً ملك يوم الدين. كتابة المصحف توقيفية في كل زمان تكتب كما هي إلا للمتعلمين تكتب بخط ذلك الزمان.(1/87)
الآية أمامنا (7I=»tB) ملك ومالك. بعض العلماء حاول أن يبين أيهما أميز؟ مالك أو ملك؟ لكن المحققون من العلماء يقولون لا يجوز المفاضلة بين قراءتين سبعيتين، لا يجوز لكن تقول عند قراءة كذا ستكون الفائدة كذا وكذا وكذا وعند قراءه هذه تكون الفائدة كذا وكذا وكذا. فلما تأتي إلى فوائد كلمة ملك وفوائد كلمة مالك نقول أن الجمع بين القراءتين يجمع الفائدتين مع مراعاة شيء أنه لما نقرأ كلمة ملك ينبغي أن نستحضر في أذهاننا ما كان يستحضره العربي في ذلك الزمان من كلمة ملك. الآن الملك هناك الملكيات (ملك فلان وملكة فلانة) موجود ملوك ولكن عددهم قليل. الملك الآن لا يملك البلد لا يكون مالكاً للبلد إسمه الملك وإنما هو رمز لوحدة تلك الدولة، لوحدة الأمة. الملك الفلاني رمز لوحده هذه الأمة لكن يكون غيره هو الذي يتصرف في الشؤون: الربلمان أو الوزارة. الملك هو عبارة عن رمز لوحدة الأمة. الآن هو ملك لكنه ليس مالكاً قطعاً لكن قديماً الملك كان يملك الأرض ومل شيء حتى جزئيات الملوكات التي يملكها الناس، الجزئيات ملكهم لكن كأنما هو يملكها لهم ولذلك لما مزّق كسرى رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنفس المفهوم قال - صلى الله عليه وسلم - مزّق الله ملكه. الدولة أو المملكة هي ملك للحاكم فنفهم هكذا حتى لما نقرأ مالك يوم الدين نفهم أن الله سبحانه وتعالى هو المالك المتصرف في شؤون ذلك اليوم ويملكه ولمّا يملك اليوم يملك ما فيه. عندنا الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه ملك (هو الملك القدوس) ولم يُقرأ المالك هنا لأن القراءة في الحقيقة ليست على الرسم. هم كانوا يحفظون هكذا فلما جاء الرسم ووافق قراءتهم فقرأوها على الحفظ قبل أن يكون على الرسم. ملك ما قرأوها مالك لأنه ما من أحد قرأها مالك. في مكان آخر قال تعالى (قل اللهم مالك الملك) فإذن لما نقرأ ملك يكون لنا سند والسند هو الرواية المتواترة الأمة عن الأمة وليس فرداً.،(1/88)
والأمر الآخر موافق لرسم المصحف وموافقة العربية وإن كان كما نقول دائماً أن القرآن حاكم على العربية وليست العربية حاكمة على القرآن. كلتا القراءتين لها وجهها والملك أو المالك يمكن أن نجمع بين القراءتين في هذا المجال وهذه خلاصة الفكرة: رسم المصحف والقراءة بحسب الأحرف والعلاقة بين القراءات والأحرف يعني أن القراءات الحالية هي ليست الأحرف وإنما بقايا الأحرف السبعة وآثار منها. القرآن كُتب على حرف قريش لكن إحتمل فظهرت فيه هذه القراءات. يجب أن نفهم اللفظة كما كانت في ذلك الزمان على ما استعمل. كان هناك سؤال أرسلته أخت لنا أن الله تعالى يقول لأيوب - عليه السلام - (أركض برجلك) فتسأل الإنسان بماذا يركض؟ برجله فلماذا استعمل كلمة اركض برجلك؟ كلمة ركض ويركض في الإستعمال القديم كيف كان؟ لما ننظر في الإستعمال القديم وننظر في المعجم معنى ركض نجد أنه تأتي بمعنيين: المعنى الأساسي هو تحرك الرجل أو الضرب بالرِجل، يقال الفارس ركض فرسه أي ضربها بقدميه. ثم استعملت بعد ذلك بمعنى آخر وهو العدو (عدا يعدو). أُركض برجلك: هو مريض يعني أرفس الأرض برجلك ينبثق ماء هذا مغتسل بارد وشراب فتغتسل وتشرب وليس معناها اعدو. هو مريض يحتاج إلى علاج فلا يقول له أركض هو يريد : ارفس برجلك فأنت إفهم العبارة القديمة كيف كانت تستعمل. لما تقرأ (وجاءت سيارة) لا تقول سيارة كما نفهمها اليوم فلم يكن هناك سيارات وكلمة قطار يقال جاعت القافلة فذبحوا آخر القطار. كيف؟ القطار هو الصف من الإبل. فكلمة ملك لا ينبغي أن نفهمها في إطارها في ذلك الزمان. الملك في ذلك الزمان كان متصرفاً في شؤون رعيته ولذلك على لسان بلقيس (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها) كانوا يتصرفون بنوع من الطغيان على الجميع وليس الملوك فقط.(1/89)
كل الرؤوساء حتى شيخ العشيرة (لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطو والفضول) يعني لما تغزو القبيلة وتأخذ الغنائم: أولاً ربع الغنيمة له من غير تقسيم وما يصطفيه لنفسه وما هو غير قابل للقسمة ومن يختاره له أو لغيره هو لا شك يعطي هكذا كان التصرف. فهذا المِلك التصرف العام ينبغي أن نفهمه من قولنا مالك يوم الدين أو ملك يوم الدين أي أن الله تعالى هو المتصرف في كل شيء تصرفاً مباشراً وليس لأحد أن يتصرف في هذا الملك فضلاً عما يحتاج هذا من تفصيل ولا نريد أن نطيل في هذه المسألة.
الدين من الألفاظ المشتركة في القرآن الكريم فهي تأتي بمعنى الطاعة والإسلام والحساب والجزاء فما اللمسة البيانية في إختيار الدين؟
اختيار كلمة (مالك يوم الدين) لم يقل القيامة أو الجزاء. هذه اللفظة لها معاني كثيرة كلها مرادة لو قال مالك يوم القيامة يكون التصور هو قيام الناس من قبورهم لا يكون فيه معنى المحاسبة، معنى الجزاء، معنى إدخال الجنة، معنى إدخال النار ولا يكون فيه معنى الطاعة والإلتزام ولا يكون فيه معنى الإعتقاد أن الدين الذي هو الإعتقاد ويعني هذا يوم الإعتقاد السليم. هذا يومكم هذا يوم الدين الذي يبرز فيه الدين ويتعالى فيه الدين. كل هذه المعاني مرادة ولو ذكر أي لفظ منها تغيب معاني الألفاظ الأخرى.
مالك يوم الدين:(1/90)
نحن قلنا في الحلقة الماضية أن لفظة مالك يوم الدين هي قراءة لعدد من القراء الذين يمثلون مدناً وذكرنا ما قاله سيبويه في هذا المجال بأنه كان يشير إلى البلدان، إلى المدن: قرأ أهل الشام وقرأ أهل المدينة. لم تكتب الألف لأنه يبدو أن الكتبة كانوا ينظرون إلى الألف كما ننظر الآن نحن إلى الفتحة. فكما أننا لا نكتب الفتحة كانوا لا يكتبون الألف ولكن يلفظونها ومن هنا بقيت من آثار الأحرف ملك ومالك ودعونا إلى أنه المكان الذي اشتهر فيه لفظ مالك أن يبقى الناس يقرأون مالك حتى لو علم أن هناك قراءة أخرى. المكان الذي اشتهر فيه قراءة ملك أن يقرأ فيه ملك حتى إذا كان قرأ بهذا ثم تمنينا على أمتنا أن تتوحد على حرف واحد أو على رواية واحدة تأسياً بما فعله عثمان رضي الله عنه وأقره عليه إثنا عشر ألفاً من الصحابة وأحرقوا سائر الأحرف فلا يتشبث الإنسان ويقول ماذا أصنع؟ كل حرف يغني أي تستطيع أن تستغني به هذا الكلام الذي قلناه. إذا قرأ يأي قراءة مما قرأ به القراء السبعة بالإجماع أو العشر وفيه بعض الكلام أو القراء الأربعة عشر وفيها كلام أكثر لكن في الأقل القراء السبعة يقرأ بقراءتهم ولا يعترض عليه إلا من قبيل أن تجعل الناس يتساءلون ما هذا؟ وما الفائدة منه؟ ما الفائدة أن تقرأ (فأدخلهم النير)؟ أنت تعرف أدخلهم النار أما حتى يعلموا أن هناك قراءة ماذا يستفيدون؟ وهذا على خلاف ما أراده عثمان رضي الله عنه وإثنا عشر ألفاً من الصحابة وإجماع الصحابة حُجّة وأحرقوا الأحرف وليس بقايا الأحرف.(1/91)
كلمة الدين: قد يقول قائل لماذا لم يقل مالك يوم القيامة؟ أو يوم الحساب أو يوم الحشر؟ قلنا إن كلمة الدين تضم كل هذه المعاني فالدين الحساب، الدين الجزاء، الدين المِلك ومنه سُميت المدينة أي المملوكة لأن عموم الأرض عادة غير مملوكة فلما تملك هذه الأرض وتبني ويثير فيها ملك فسميت مدينته أي القطعة المملوكة التي يملكها الناس . ومنه الدين الإعتقاد أو العقيدة لو وضع أي كلمة أخرى لا تسد مسد كلمة الدين لأن الدين شاملة لكل هذه الأمور فهو يوم الحساب وهو يوم الجزاء وهو يوم الدين نفسه يوم العقيدة يوم بروز وظهور وانتصار الإعتقاد وكل هذه المعاني. لذلك نقول ليس هناك شيء يسد مسد لفظة الدين. وهو العادة والشأن (يقولون دينه وديدنه) كل هذه المعاني تجمع في هذا اليوم.(1/92)
تبقى كلمة يوم: في التطور الدلالي الآن صار عندنا اليوم يمثل 24 ساعة وهذا ليس من كلام العرب. الأصل في كلام العرب أن اليوم هو النهار فإذا قالوا ثلاثة أيام يعني ثلاثة نهارات ومنه قوله تعالى (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما). هذا معناه أن الحساب سيكون في ظرف ليس كظرف حياتنا الآن لأن نحن الآن إلفنا دوران الأرض فيكون ليل ونهار وهذا ينظر في قوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات) فالحساب في يوم يعني قياسها وكم يطول هذا النهار؟ في الآية الكريمة في سورة المعارج يقول تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه في سوم كان مقداره خمسين ألف سنة) فذلك اليوم في طوله بعض المفسرين يقول: هذا طوله على الكافرين هكذا يكون وممكن يكون طوله يحسب ما نعدّ نحن عاماً للناس جميعاً لأن الإنتظار يطول حتى أن بعض الواقفين في هذا الموقف يقولون: ربنا أنقذنا من هذا ولو إلى النار لشدة الكرب وفي هذا الوقت يكون هناك أصناف من الناس في ظل ظليل كما حدّث الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يشهدون هذا العنت " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق، اخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا، ففاضت عيناه" رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين يذكرنا بقصة يوسف - عليه السلام - الذي رأى برهان ربه يعني معرفته بالشريعة. هؤلاء السبعة يكونون منعمينفي ظل ظليل. فاليوم إذن نهار ، كيف يكون هذا النهار؟ ما طوله؟ لا يكون هناك ليل يسكنون فيه ليس هناك سكون. هذا موجز.(1/93)
خصّ تعالى يوم الدين بالذكر مع كونه مالكاً للأيام كلها فلماذا لم يقل مالك يوم الدين والدنيا؟ الذي يملك هذا اليوم في يوم الجزاء، يوم المحشر هو يملك كل شيء ويملك كل ما في ذلك اليوم. لما يقول ملك اليوم يعني ملك اليوم وما فيه. الزمن هذا بذاته لا فائدة من مِلكه. أن نملك زمناً وكيف نملك الزمن؟ لكن هذا أمر الله تعالى يملك الزمان والمكان وما في الزمان وما في المكان فملكه سبحانه وتعالى عام. لا حاجة لذكر الدنيا لأنه من باب أولى إذا ملك يوم الدين وملك الحساب فهو يملك كل شيء. هذا فيما يتعلق بمالك يوم الدين وكما قلت الإمام الرازي قال في الفاتحة لوحدها ما يربو على عشرة آلآف مسألة ونحن نقتنص منه ومن غيره مما وقفوا عنده.
(إياك نعبد وإياك نستعين)(1/94)
هذه فيها جملة مسائل: أولاً هذه القسمة (إياك نعبد) تتصل بما قبلها من تمجيد الله تعالى (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين). ثم تأتي (إياك نستعين) هي بداية ما للإنسان. ذاك كان لله تعالى ثم صار الكلام للإنسان. الآيات السابقة لما نأتي من بدياة الحمد لله رب العالمين نجد تمجيداً من حيث بنية اللغة للغائب، الله سبحانه وتعالى غائب عن أعيننا حاضر في قلوبنا لكن من حيث البنية اللغوية نقول الحديث عن الغائب : الحمد لله (هو لم يقل الحمد لك) ، رب العالمين (هو)، الرحمن الرحيم (هو)، مالك يوم الدين (هو). لكن هذا التمجيد والتعظيم لله سبحانه وتعالى زاد من حضور الله سبحانه وتعالى في القلب فبعد أن انتهى من التعظيم والتمجيد انتقل إلى الخطاب هذا يسمونه في العربية الإلتفات وهذا ليس غريباً. لما ننظر في كلام ما نقل على لسان ابراهيم - عليه السلام - في قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)) يخاطب المشركين (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)) بدأ يتكلم بالغائب ثم قال (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)) لاحظ الإنتقال وهذا وارد كثيراً يتكلم عن الغائب إلى أن يجعله حاضراً في نفسه فيخاطبه كأنما استحضرت عظمة الله عز وجل في القلب وعند ذلك يبدأ الإنسان بالخطاب.(1/95)
هو حتى لما يقول الحمد لله رب العالمين يستحضر عظمة الباري عز وجل لكن الآن صار الخطاب مباشراً (إياك نعبد).
*ألا يمكن أن يكون هناك نداء محذوف تقديره: يا مالك يوم الدين؟
لا، لأن الفائدة العامة في اللغة أنه لا يعيد إلى التأويل ما أمكن عدم التأويل. لما يمكنك أن تفهم العبادة من غير تأويل لا تؤول.
(أياك نعبد): إنتقل من المناجاة كما بدأ إبراهيم يناجي ربه. الذي يصلي أو الذي يقرأ الفاتحة يقرأها وحده حتى لما يصلي يقرأ (إياك نعبد). شخص في غير القرآن يقول إياك أعبد فلماذا استعمل نون الجماعة وليس الموضع موضع تعظيم على العكس نحن في موضع ذلة لله سبحانه وتعالى وكلما كثرت ذلة الإنسان لربه إزداد خضوعاً لله تعالى إزداد رفعة أمام الآخرين وإزداد بعداً عن عبودية الآخرين لأن العبودية هي منتهى الخضوع لله عز وجل يكون في منتهى القرب من الله عز وجل إزداد تحرراً من الآخرين لا يكون عبداً للآخرين. أعلى الدرجات عبودية الله عز وجل لذلك في أعلى مكان تكريم للرسول - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) أعلى درجات التكريم أن جعله عبداً.
*إياك نعبد: لمَ استعمل الجمع هنا؟(1/96)
يرى العلماء أن الأمة المسلمة أمة موحدة واحدة ولذلك يقولون دائماً وحدة الأمة مقدمة على أشياء كثيرة. أنت تنظر هذا الأمر هل فيه وحدة الأمة أم تفرقة؟ إذا كان فيه تفريق الأمة فلا خير فيه الوحدة مقدمة. بعض علمائنا القدماء مثلاً عند الأحناف أتباع الإمام أبي حنيفة يسمونه الإمام الأعظم ومنه مدينة الأعظمية قرب ضريحه يرون أن خروج الدم يلُفسد الوضوء، الإمام الشافعي مع من تبعه عندهم أحاديث وردت واطمأنوا إليها أن الدم لا يفسد الوضوء، أحد الحنفية يسأل شيخه يقول له: يا شيخي خروج الدم يفسد الوضوء؟ قال: نعم، قال: فلان يقول لا يفسد الوضوء، قال: له رأيه. لاحظ المرونة عند المسلمين وليس الإنغلاق الذي نراه الآن للأسف الشديد هذا ليس من ديننا، هذا الإنغلاق. قال: له رأيه، قال: نصلي خلفه؟ لآنه يمكن خروج دم منه وهو لا يراه مفسداً للوضوء فهو في مذهبي يصلي من غير وضوء فكيف أصلي خلفه؟ قال: يا سبحان الله أنا أقول لكم لا تصلوا خلف فلان؟ صلوا خلفه. لاحظ لماذا؟ لأن هذا فيه وحدة الأمة لما هو يصلي إماماً على فقهه، على مذهبه فأنت تتابعه حتى تتوحد الأمة ولذلك لا صلاة لمنفرد خلف الصف لما يكون في الصف مجال لأن تقف فلا تصلي خلف الصف لأن هذا نوع من تفرقة الأمة، وحدة الأمة مقدمة على كل شيء. ديننا دين أمة، دين جمع وليس دين أفراد (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) لما القرآن الكريم يحدثنا عن أشياء معناه حتى نتعلم. لما يأتي هارون قومه عبدوا العجل وهو نبي ويرى قوماً يعبدون العجل لم يوقف، نصحهم وحاول معهم لكن لما وجدهم مصرين ينتظرون موسى قال ننتظر موسى حفاظاً على وحدة الأمة فلما جاء موسى قال (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) طه). فديننا دين أمة وليس دين تشعبات وتبعثرات.(1/97)
كل يرى نفسه أبا حنيفة ولكن من غير فقه. وإياك نعبد للجماعة وصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة أو سبع وعشرين درجة. من هنا جاءت كلمة نعبد ولك يكن في مكانها أعبد وليس المجال مجال تعظيم، قد يكون يعظم نفسه، كلا. المسلم يعبد مع إخوانه (إياك نعبد).
*ما معنى نعبد؟
العبادة في الإسلام التي هي توجه إلى الله تعالى، تنفيذ أوامره لكن لها مفهوم أوسع وأشمل بيّنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه عدي ابن حاتم الطائي لما دخل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقه صليب من ذهب وفي رواية صليب من فضة وكان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ (إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أولياء) قال: إنهم لم يعبدوهم. فبيّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - معنى العبادة الذي ينبغي أن نفقهه ونتعلمه قال: بلى أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتّبعوهم فذلك عبادتهم إياهم. إذن النحول عن منهج الله سبحانه وتعالى مما ورد في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما أجمعت عليه الأمة وما استنبطه العلماء من الكتب والسنة، العلماء وليس التلامذة الذي يقرأ كلمتين مثلاً ويريد أن يصبح فقيهاً، لا.(1/98)
ما استبطه العلماء الذين من نشأتهم يدرسون العلم الديني من صغرهم إلى أن يصبح عالماً باللغة وبالبلاغة وبالنحو وبالفقه وبالتفسير وبالأصول، ما استبطه هؤلاء من الكتاب والسنة وأجمع عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا فالإنحراف عن إتباعه سواء إتباع هوى النفس (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) كيف الإنسان يتخذ هوى نفسه إلهاً؟ هو لا يقبل أن يصلي لنفسه ولكنه يتبع هوى نفسه فيما خالف شرع الله ولذلك الضابط هو شرع الله عز وجل في أي جزئية لا أسأل ما الحكمة؟ لكن أقول ما قول شرع الله تعالى في هذه المسألة؟ وهذا الذي درج عليه المسلمون دائماً ليس في حياة الناس شيء يستطيع أن نقول الإسلام لا رأي له فيه بدليل أن الناس كانت تسأل عن كل شيء والعلماء يبينون (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) فهذا معنى العبادة. وإن ادّعى بعض الناس أن منهجه يوازي منهج الله عز وجل. هذا يذكرنا بما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما نزل قوله تعالى (وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) يقولون الآن المدارس تعمل وسائل إيضاح والرسول - صلى الله عليه وسلم - علّم بوسائل الإيضاح لما نزلت الآية خطّ خطاً في الأرض وقال هذا صراط الله المستقيم وخط خطوطاً على جانبيه وقال: هذه السبل وعلى رأس كل سبيل شيطان يدعو إليه. فيحذر الإنسان لما يقول عندي منهج في الحياة هو ليس منهج الإسلام لكن لا يتعارض مع الإسلام، إذا كان لا يتعارض فهل يوازي؟ فإذا كلن يوازي فلن يلتقي مع منهج الإسلام لأن الخطان المتوازيان لا يلتقيان فتعال إلى منهج الإسلام.
*يبقى شيء أما كان يستطيع في غير القرآن أن يقول نعبدك؟ لِمَ هذا: إياك تعبد؟(1/99)
في غير القرآن يمكن أن يقول: يا رب نعبدك فما معنى هذا التفسير؟ كلمة نعبدك: الكاف مفعول به والمفعول به في لغة العرب لأنها لغة مُعربة يتصرف فيه بالتقديم والتأخير كما يقول سيبيوه: جواز الوجهين يعني على معنيين مختلفين. لما يقول لك: كتب زيدٌ رسالةً أو كتب رسالةً زيدٌ يجوز الوجهان لكن هذا المعنى يختلف عن هذا المعنى نعم المعنى الكلي واحد أن إنساناً إسمه زيد كتب شيئاً هو رسالة. لكن لما قدّم وأخر لما قال كتب رسالةً زيدٌ أو أكرم خالداً محمدٌ نعلم أن خالداً آخِذ لأنه منصوب لأن العربية في إعرابها فيها مجال للتقديم. والتقديم فالمعنى يختلف ولا بد أن يختلف المعنى الجزئي. صحيح هو خالد آخذ لما نقول أكرم خالداً زيدٌ أو أكرم زيدٌ خالداً أو خالداً أكرم زيدٌ حتى لما نقدم على الفعل هو معلوم خالد آخذ وزيد مُعطي.،هناك فوارق في المعنى. لما نقول نعبدك نأخذ الكاف نريد أن نضعها في الأول لغرض بلاغي سنذكره. الكاف لا تقف وحدها كما في خالداً أكرم زيدٌ، خالداً يمكن أن يقف لوحده أما الكاف فلا تقف وتحتاج لما تعتمد عليه، العرب جعلوها تعتمد على لفظة (إيا): إياك، إياكم، إياكما، إياكنّ. وصار كلام للعلماء. العربي قال: إياك أكرمت والعلماء بدأوا هل الضمير هو الكاف وحده؟ هل الضمير إي والكاف للبيان؟ هل مجموع إياك؟ هذا لا يعنينا صراحة. هي (أي) الضمير والكاف لبيان المخاطب والعدد وهذا لا يعنينا المهم إياك مختلفة فلماذا؟ لما نأتي إلى لغة العرب واستعمالاتها نجد أنه إذا قدم العامل على الفعل وليس فقط على الفاعل فيعني بذلك الحصر. معنى ذلك لما أقول خالداً أكرمت أريد أن أقول أني أكرمت خالداً ولم أكرم أحداً سواه. إياك أعين يعني أعينك ولا أعين أحداً سواك بحيث لا يصح أن تعطف، لا يجوز أن تقول خالداً أكرمت وأكرمت زيداً، يقول لك آخر الكلام يضرب أوله أنت تقول لي خالداً أكرمت معناه أكرمت خالداً ولم أكرم أحداً سواه.(1/100)
ولاحظ الإيجاز: خالداً أكرمت بدل (خالداً أكرمت ولم أكرم أحداً سواه) العربية قالت: خالداً أكرمت وتلعربي يفهم هذا وهذه لغة العرب وهذه لغة القرآن التي الآن يريدون أن يحولوا إلى لغات لا ندري ماذا نقول عنها.
على أية حال فإذن لما يقرأ المسلم أو العربي عموماً (إياك نعبد) يفهم نعبدك ولا نعبد أحداً سواك اختزلت بكلمة (إياك نعبد) ترتبط بالجزء الأول من قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين). الله رب، إياك نعبد تتصل بكلمة الله وإياك نستعين تتصل بكلمة ربّ لذلك يقولون الأولى فيها توحيد الألوهية والثانية فيها توحيد الربوبية فجمعت الفاتحة التوحيدين: توحيد الأوهية وتوحيد الربوبية. إياك نعبد تعني نعبدك ولا نعبد أحداً سواك بكل ما في العبادة من معنى فانحصرت العبادة بالله سبحانه وتعالى.
إياك نستعين:(1/101)
ما قلناه في إياك نعبد من حيث إستعمال نون الجمع نقوله هنا في نستعين. المسلم يرى نفسه في الجماعة ويد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار كما في الحديث. هذا دين جماعة. إياك نستعين: التقديم أيضاً ما قال نستعين بك أو نستعينك قال إياك نستعين. أيضاً حصر الإستعانة بالله سبحانه وتعالى وأيما إستعانة بغير الله عز وجل فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى هو إخلال بتوحيد الربوبية، إخلال بالتوحيد والله سبحانه وتعالى يقول (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فينبغي أن يحذر المسلم. بلغ الأمر بالمسلمين فيما مضى من تجنب الإستعانة بالآخرين حتى فيما يقدر عليه الآخر قال: غذا سقط السوط من أحدهم وهو على الفرس لا يقول لأحد ناولني السوط وإنما ينزل هو يأخذ السوط. ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى الرزق، الشفاء، أمور كثيرة لا يقدر عليها الإنسلن فعندما تدعو إنساناً أن يشفيك أو يرزقك أو يمنحك شيئاً هو لا يملك شيئاً هو لا يملك ذلك لنفسه (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً) هو لا يملك لنفسه فمن أين يعينك؟ نعم يمكنه أن يعينك في حمل طاولة تستعين به تقول له إحمل معي هذا وهو يقدر على ذلك فالأحياء لا يملكون أن يعينوك فيما لا يستطيع أن يعينك عليه إلا الله عز وجل فمن باب أولى الأموات. الشيخ عبد القادر الجيلاني يقول في كتابه الغُنية: وإذا زرت قبراً (لأن زيارة القبور وفق الدين سُنة يعني أن تزور القبور للإتعاظ وللدعوة للمقبور هذه سنة) فلا تضع يدك عليه ولا تقبله فإن ذلك من أعمال اليهود. تذهب الآن إلى مرقده وتجد من يمسك بالشباك ويقبله وهو الذي يقول في كتابه (ولا تقبله فإن ذلك من أعمال اليهود). ويقف عند فلان وفلان سواء كان من الصالحين أو آل بيت النبوة ويقول يا فلان أريد منك مذا وكذا. وهذا يتعارض ونحن مسؤولون أمام الله تعالى ما دام وردت الآية أن ننبّه على هذا.(1/102)
لا يُسأل في هذه الأمور إلا الله تعالى لقوله (إياك نستعين). ينبغي أن نفهم لغة العرب لأن الإستعانة لا تجوز بغير الله سبحانه وتعالى. الإستعانة تكون بالبشر فيما يقدر عليه وهو حيّ. هناك أمور وهو حيّ لا يقدر عليها فكيف وهو ميّت؟ إذن إياك نستعين هنا حصر الإستعانة بالله سبحانه وتعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل : رد غائب، رزق، شفاء مريض، أي شيء من الأشياء التي لا يملكها إلا الله تعالى. هو الله تعالى يملك جميع الأشياء لكن هناك أشياء يمكن أن تقول لولدك ناولني هذا القميص تستعين به في هذه الأشياء التي يقدر عليها لكن ما لا يقدر عليه (قل لا أملك لنفسي تفعاً ولا ضراً) ومن باب أولى الأموات.
*لماذا تكررت إياك؟(1/103)
لو قال في غير القرآن (إياك نعبد ونستعين) كأنه يفهم منه الحصر بإجتماع الفعلين يعني إذا جمعنا العبادة والإستعانة لا تكون إلا بك وإذا فرّقناهما يمكن أن تكون لغيرك وهذا لا يريده القرآن. لما نقول لشخص مثلاً: إياك أحترم وأُكرِم يمكن أن تفهم أه أنا أحصر الإحترام والإكرام فيك بإجتماعهما وممكن أن أحترم زيداً وأُكرِم خالداً لكن الإحترام والإكرام مجتمعين محصورين بك. ويمكن أن أحترم خالداً لكن لا أكرمه ويمكن أن أكرم زيداً لكن لا أحترمه إتقاء شرّه كما كان مع الشعراء (كفوا عني لسانه، اقطعوا عني لسانه) لكن لما نقول إياك أحترم وأكرم يعني لا أحترم سواك ولا أُكرِم سواك. فلما قال إياك نعبد وإياك نستعين يعني ى نعبد سواك ولا نستعين بأحد سواك . ولو قال في غير القرآن إياك نعبد ونستعين يعني جمع العبادة والإستعانة محصورة بك لكن يمكن أن نعبد واحداً ولا نستعين به وبمكن أن نستعين بغيرك وى نعبده وممكن هذا وممكن هذا وحتى ينتفي هذا الفهم وإن كل كلمة مقصودة أن تنصرف هِمّة الإنسان وإعتقاداته وعقيدته لله وحده سبحانه وتعالى قال: إياك نعبد وإياك نستعين وكان لا بد من التكرار لأنه لو لم يكرر لالتبس الأمر والقرآن الكريم بعيد عن اللبس.
تكلمنا في الحلقة السابقة على قول الله سبحانه وتعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) وتكلمنا على إختيار تقديم (إياك) على نعبد وتقديم (إياك) على نستعين وما فائدة ذلك ولماذا لم يقل في غير القرآن نعبدك ونستعينك وبيّنا أيضاً كلمة نعبد لماذا جاءت بصيغة الجمع ولم تأت بصيغة الإفراد وكذلك نستعين لمَ لم يقل إياك أعبد مثلاً؟. وقد وردت بعض الإستفسارات في قضايا تتعلق بهذه الآية نحب أن نقف عندها أيضاً. من ذلك في قوله تعالى (وإياك نستعين):
*هل بالإمكان أن يقال في غير القرآن (وبك نستعين)؟(1/104)
إياك نعبد وإياك نستعين: الفعل يتعدّى بنفسه (استعانه) أو يتعدى بحرف الجر (استعان به) وهو متعدي في الحالتين إستعنته أو إستعنت به. وإذا تقدّمت (بك نستعين) سيكون معنى الحصر أيضاً في إياك وفي بك. لكن لماذا فُضّلت إياك على بك؟ ما الفائدة؟ نلاحظ الآيات السابقة هي نوع من التربية والتوجيه وليس فيها موضع شك. التأكيد يكون في مواضع الشك. أنت تقول نجح زيد إذا كان السامع خالي الذهن لكن إذا كنت تعلم أن لديه بعض الشك في نجاح زيد فتقول له: لقد نجح زيد تستعمل مؤكدات، إن زيداً ناجح أو إن زيداً لناجح، بحسب ما تعتقده من شك في نفسه. فلما كان الفعل يتعدى بنفسه، هذه الباء لم تزده معنى يعني هي ليست مثلاً للمصاحبة أو الوسيلة كما تقول كتبت بالقلم فلما لم تأت لزيادة معنى فهي للتأكيد. تقول: ليس زيدٌ مسافراً نفيت السفر عن زيد فإذا أردت التأكيد تقول: ليس زيد بمسافر وكما في قوله تعالى (أليس الله بكاف عبده) فهنا فيها تأكيد. الموضع ليس موضع تأكيد يعني ليس هناك شك في أن الله سبحانه وتعالى يعلّم المؤمنين أن يقصروا الإستعانة عليه سبحانه فلما ليس فيها شك لا يستعمل الباء (بك نستعين) فجاءت (إياك نستعين) لأنه لو جاءت إياك نعبد وبك نستعين كأنه يريد أن يزيل شكاً بهذا التأكيد والشك هنا غير وارد. فكأنه يقول أن هناك شك في الإستعانة بالله. قوله تعالى (أليس الله بكاف عبده) كان هناك شك وإلا كان يقول: أليس الله كافياً عبده، فلما أكد معناه أراد أن يزيل شكاً في نفوس المتلقين وهذه لغة العرب.
هذا شيء والشيء الثاني لو قال: إياك نعبد وبك نستعين، تفوت هذه المناسبة والملاءمة (إياك نعبد وإياك نستعين) إياك وإياك. هذه مسألة ثانوية لكن المسألة الأساسية ترتبط بالمعنى (وإياك نستعين).
*يسأل المقدم هل من الممكن أن يقال: إياك نعبد ونستعين؟(1/105)
تكلمنا عن هذا في المرة الماضية. لو قال إياك نعبد ونستعين معناه نخصّك بإجتماع هذين الأمرين ولا نشرك أحداً سواك بإجتماعهما (نعبد ونستعين) مفهوم المخالفة عند ذلك أنه ممكن أن نعبد غيرك لكن لا نستعين به أوممكن أن نستعين به لكن لا نعبده. لو جمعهما (إياك نعبد ونستعين) إياك حصرت معنى العبادة والإستعانة، يعني هذان الأمران مجتمعين ينحصران بك لكن منفردين يمكن أن يكونا لغيرك. لغة عربية لو قال: إياك نعبد ونستعين تعني أعبده وأستعينه لكن ممكن أن أعبد غيره من غير إستعانة فإذن أنا غير مخالف أو أعبده وأستعين بغيره إذا أنا غير مخالف. فإذن حتى ينتفي اللبس تكررت إياك (إياك نعبد وإياك نستعين) فيكون هناك حصر.
*هل يمكن القول: الله نعبد والله نستعين؟
هناك شيء آخر : أكان يمكن أن يقال في غير القرآن (هذه الإحتمالاات نقول في غير القرآن لأن القرآن لا مجال فيه للإقتراحات) الله نعبد والله نستعين؟(1/106)
من حيث اللغة يتحصل الحصر أن العبادة تنحصر بالله سبحانه وتعالى ولا يكون معه معبود سواه. فنحن نستفيد الحصر من قول: الله نعبد أي نعبد الله ولا نعبد أحداً سواه، الله نستعين: نستعين الله ولا نستعين بأحد سواه. لكن لو نظرنا إلى الآيات نجد أن الله سبحانه وتعالى يعلمنا منذ بداية الفاتحة أن نتوجه إليه سبحانه بالتعظيم والتمجيد (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين) بالتوجه إلى العلي العظيم الغائب الحاضر. من حيث اللغة خطاب غائب أو متكلم على غائب (الحمد لله: هو، رب العالمين: هو، الرحمن الرحيم: هو، مالك يوم الدين: هو) هو غائب في الخطاب لكنه حاضر في القلب فلما جاء إلى (إياك) سينتقل لأن العبد سيتوجه إلى الله تعالى بالدعاء وأنت لا تدعو غائباً وإنما تدعو حاضراً. فبدأ الإنتقال من الغيبة إلى الحضور بهذه الآية (إياك نعبد) لأنه لما تكلم عليه بصيغة الغائب لكنه حاضر في القلب وقلنا هذا ليس غريباً في الإستعمال القرآني: أنظر في محاورة إبراهيم - عليه السلام - في سوة الشعراء وسيكون لنا موقف منها إن شاء الله لاحقاً ((أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)) لاحظ الإنتقالة (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)) يسمى الإلتفات من ضمير الغائب إلى المخاطب. بدأ ينتقل من ذكر الله تعالى وهو الغائب الحاضر إلى أن وصل إلى درجة أن يخاطب الله عز وجل.(1/107)
كما في قصة إبراهيم وفي أماكن متعددة: نحن نناجي ربنا (الحمد لله رب العالمين) بغيبة إلى أن نصل قرّبنا إلى الدعاء فيعلمنا الله سبحانه وتعالى الدعاء (إياك نعبد وإياك نستعين) ثم ندعو (إهدنا الصراط المستقيم) لأننا ندعو حاضراً مخاطباً. لم يقل يهدنا أو يهدينا هو. لو قال (الله نعبد) يبقى غيبة أي يبقى في حال غياب لكنه يريد أن ينقلنا إلى مرحلة المخاطبة حتى ننتقل إلى الدعاء.
*لماذا قدّم العبادة على الإستعانة؟
لم يقل إياك نستعين وإياك نعبد، قدّم العبادة وهذا التقديم هو المناسب في سورة الفاتحة لأن العبادة حق الله والإستعانة طلب العبد وحق الله مقدّم على طلب العبد. وشيء آخر هذا يتناسب مع قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين) الله المعبود ورب العالمين المستعان لأن في الآية توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية: فإياك نعبد لتوحيد الألوهية وإياك نستعين لتوحيد الربوبية يبيّن العبد أنه يستعين بالله سبحانه وتعالى.
لعل هذه أهم الأمور وقد تكون هناك أموراً أخرى تغيب عنا في (إياك نعبد وإياك نستعين).
(إهدنا الصراط المستقيم)(1/108)
الفعل هدى يمكن أن يصل إلى المفعول أولاً ممكن أن نحذف المفعول الثاني فيه ويكتفى بالمفعول الأول : قسم يقول هدى يتعدى بمفعول وقسم يقول منصوب بنزغ الخافض (أي حذف حرف الجر). بمكن أن تقول: اللهم اهدني وارحمني وتقول لشخص: هداك الله يا فلان (مفعول واحد) ويمكن أن تقول: هداك الله للخير، تستعمل اللام ويمكن أن تقول: هداك الله إلى الخير، تستعمل إلى ويمكن أن تقول " هداك الله الخير. فيها ثلاث صور. الصور الثلاث وردت في القرآن الكريم مع الفعل هدى (مع اللام ومع إلى ومن غيرهما). العلماء نظروا في هذا: متى يُقال هكذا ومتى يقال هكذا ومتى يقال هكذا؟ والقرآن الكريم لا يمكن أن نضع عبارة مكان عبارة فيه، فمتى يقول إهدنا الصراط، إهدنا للصراط، إهدنا إلى الصراط؟ فمن خلال تأمل لغة العرب لأنه لغة العرب يستدل بها على كتاب الله وإن كنا نؤكد أن القرآن حاكم على لغة العرب وليست لغة العرب حاكمة على القرآن ولكن يُستأنس بها. العلماء هنا بالنظر إلى الإستعمالات قالوا: إذا قيل إهدنا السبيل أو الصراط أو الخير فمعنى ذلك أنه إما أن يكون الإنسان في الخير ويريد أن يعرف معالمه حتى لا يتيه، هو في الطريق هذا طريق كذا وأنا أقف على أول الطريق لكن أريد من يوضح لي معالم الطريق ماذا فيه؟هل فيه محطات وقود؟ هل فيه إستراحات؟ أنا في داخل الطريق لكن أحتاج إلى معرفة معالمه. هذه إهدنا الطريق يعني هو في الطريق ووضح له ما في هذا الطريق. وزادوا شيئاً قالوا: يحتمل أن يكون خارج الطريق ويقال هداه الطريق. لكن إذا قالوا: إهدنا للطريق يكون خارجاً لكن يكون قريباً، اللام للقريب، هي اللام للغاية ولكنها للقريب أيضاً.ولو قالوا: إهدنا إلى الطريق يكون بعيداً فيأتي به إلى الطريق.(1/109)
الذي تبيّن لنا من النظر في الآيات أنه عندما يقول (إهدنا الصراط) من غير اللام وإلى كأنه يريد أن يقول إنك أوصلتني إلى الصراط فوضّحه لي معناه هو أيضاً كان في الخارج وأوصله إلى الداخل فلما يقول إهدنا الصراط فهو قطعاً داخل الصراط حتى نميّز بين اللام وإلى وحذفهما. إهدنا الصراط: هم في داخل الصراط يريدون معرفة ما فيه لكن علماؤنا يقولون إذا حذف الحرفين (اللام وإلى) يحتمل الأمرين أن يكون داخل الصراط وخارج الصراط. والذي تبين لي من خلال الآيات أنه حيثما وردت الصراط من غير حرف معنى ذلك أنهم في داخل الصراط وإن كان أُوصلوا من بعيد أو وُعِدوا بأن يوصلوا من بعيد إلى الداخل لكن سوف لا يتركون. الأمثلة :
((1/110)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشورى) هذا الإستعمال بـ (إلى) معناه هم بعيدون عن الصراط أنت تستطيع بإذن الله تعالى من مهمتك أن تأتي بهم إلى هذا الصراط المستقيم. المثال الآخر (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) يونس) الخطاب مع الشركاء (يهدي للحق) يأتي بهم قريباً، يقرّبهم ويدخلهم في الصراط (أفمن يهدي إلى الحق) حتى يوازن (أمن لا يهدّي) إذن استعمل إلى واستعمل اللام. (يهدّي) تقرأ هكذا عند حفص للفائدة هي أصلها يهتدي: الهاء ساكنة والتاء متوحة فسكنت التاء حتى يكون إدغام التاء في الدال ولا يجتمع ساكنان فكُسِرت (لا يهِدّي أي لا يهتدي). والعرب كانت تفهم هذا الكلام لأنها لو لم تفهم لسألت الرسول - صلى الله عليه وسلم - واحتج عليه العرب وقالوا أنت تتكلم لغة غير لغتنا. الصورة الأخرى في الكلام على موسى وهارون (فآتيناهما الكتاب المستبين) عندهما كتاب واضح (وهديناهما الصراط المستقيم) هما داخل الصراط يستفيدان من الكتاب المستبين في معرفة ما يرضي الله سبحانه وتعالى وما لا يرضيه. (وهديناهما الصراط المستقيم) هما في داخل الصراط وهذا يعني أن المسلم عندما يصلي أو يقرأ الفاتحة هو ليس خارج الصراط وإنما هو في داخل الصراط لكن يريد أن تبيّن له الصالح وأن يأخذ الله عز وجل بيده ليريه هذه المعالم ما يرضيه وما لا يرضيه سبحانه وتعالى.(1/111)
قد يكون هو في الصراط وينحرف فهو عندما يقول (إهدنا الصراط المستقيم) يعني بيّن لنا هذه الأمور التي ترضيك لأنك أنت في شرع الله. الصراط هو دين الله وفي دين الله عز وجل بيان لما يرضي الله تعالى وما لا يرضيه سبحانه وتعالى.
*دلالة الفعل هدى لماذا لم يستخدم أرشد أو دلّ وكلمة الصراط ولم يستخدم السبيل مثلاً:
((1/112)
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) مريم) و (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) البلد) هاتان الآيتان قال بسببهما بعض العلماء أن كلمة هداه الشيء تحتمل معنيان أنه هو في داخل الشيء أو خارج الشيء. كلام إبراهيم - عليه السلام - مع أبيه (أهدك صراطاً سويا) أبو إبراهيم - عليه السلام - خارج الصراط فيقول له : أنا آتي بك إلى الصراط إذن (هداه الصراط) أي هو في الخارج. في سورة البلد (وهدينان النجدين) هو في الخارج وبُين له سبيل الحق وسبيل الباطل. النجد في الأصل هو المرتفع والمراد به هنا طريق الهداية وطريق الغواية أن الله سبحانه وتعالى بين للبشر ماذا يسعدهم وماذا يشقيهم؟ بيّن لهم الخير وبيّن لهم الشر (وهديناه النجدين) أوضحنا له هذا الطريق وهذا الطريق. إذن هو في الخارج إذن معناه يحتمل أن يكون في الداخل أو يكون في الخارج. لماذا إخترنا الرأي الثاني أنه إذا حذف يكون في الداخل؟ هذا رأي بعض العلماء وأنا أميل إليه. وكتاب الله عز وجل لا تنقضي عجائبه. إبراهيم - عليه السلام - كأنما يريد أن يقول لأبيه إنني لن أتركك، إنني سآخذ بيدك إلى الصراط وأكون معك فأدلّك فيه (فاتّبعني أهدك صراطا سوياً) لو قال أهدك إلى الصراط من حيث لغة العرب كان ممكن أن يقول أهدك إلى صراط سوي حتى يفهم العربي أن إبراهيم لم يكن يريد فقط أن يوصل أباه إلى الصراط ولكن يريد أن يقول له سأمضي معك داخل الصراط أهديك أيضاً. فهو وإن كان في الخارج لكن يحتمل أن معناه يكون معه في الداخل. أنا سأكون معك وكونه في الداخل هو المرجح لأنني لن أتركك. (اتّبعني اهدك صراطاً) يعني آمن يالله وآمن بي نبياً ستكون معي على الصراط وأوجهك يعني سوف لا أتركك. :كأن هذا نوع من التطمين بخلاف لو قال أهدك إلى صراط سوي ليس فيه ذلك التطمين بينما هنا فيه تطمين.(1/113)
يمكن في غير القرآن أن يقول أهدك إلى صراط سوي، لكن العربي لما يقرأها لا يحس بهذا التطمين بينما أهدك صراطاً سويا يحس بالإطمئنان أنه سيوصلني ويمضي معي في هذا الصراط.
(وهديناه النجدين) الإنسان لا يكون في النجدين في آن واحد وإنما يكون في نجد من النجدين. العبد حينما بيّن الله عز وجل له هذين النجدين سيكون في واحد منهما على وجه اليقين إما أن يكون في هذا وإما أن يكون في هذا فهو في النجد أيضاً لم يقل وهديناه إلى النجدين لو قال إلى النجدين يعني سيوصله إليهما، إلى المكانين لكن هديناه النجدين بما يختار من أحدهما فسيكون فيه. هذا الكلام لا يعني أننا نلغي الكلام الثاني إذا حذف الحرفين اللام وإلى فعند ذلك يحتمل أن يكون هو داخل الشيء أو خارجه لكن عند ذلك تفوت هذه اللمسة البيانية ولا يحس به الإنسان وهذا الذي جعلنا نختار هذا الشيء.
تختلف دلالة الفعل بإختلاف الحرف المصاحب له هداه، هداه لـ، هداه إلى :هداه إلى الشيء يشير إلى بعده بيّن ودلّ وأرشد كلها تعطي معنى واحد هو الإيضاح والتبيين. هدى وأخواته من الأفعال الأخرى.
أيضاً عندنا شيء في (إهدنا الصراط المستقيم): فعل الهداية ليس هو مجرد الإرشاد وإنما الهداية فيها شيء كأنه يكون إلى القلب أيضاً. صحيح هو هداه إلى كذا كأنه أرشده لكن في إستعمالات العرب كأنه يمس شيئاً داخلياً فيه ومنه الهدية لما تقدمها لإنسان. الهدية غير العطاء. لما تقول أعطاني فلان كذا ،أعطاني شيء مادي. أهداني شيئاً هو أيضاً مادي لكن في داخله نوع من المحبة والحميمية والود وفي الحديث الشريف "تهادوا تحابوا" فرق بين أعطيته وأهديته فيها شيء قلبي كأن هذا الشيء جعل القرآن يختار إهدنا الصراط المستقيم ليس فيها فقط مجرد إرشاد أو إيضاح، فيها هذه اللمسة التي رأيناها في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "تهادوا تحابوا".
الصراط:(1/114)
لم يقل السبيل مع أن القرآن استخدمها وإستعمل الجمع (سبل). الصراط جمعها صُرُط مثل كتاب كُتُب. الصراط هذه صيغة فعال من معانيها التي هي ملحوظة هنا فيها معنى الإشتمال (والفعل سرط). لما يقول رباط الرباط يضم ما تحته فالصراط كأنه من السعة بحيث يشتمل على كل السائرين فيه لا يضيق بهم بينما الطريق هو المكان المطروق الذي طرقته القدم بحيث يظهر أن الناس سارت من هنا هذا لا يعني أنه يسع الجميع يمكن أن يكون الطريق على قدر إنسان واحد، في المناطق المشوكة (التي فيها شوك) والناس تمشي تطرق مكاناً واحداً (طريق: فعيل بمعنى مفعول يعني مطروق مديوس داسته الأقدام). السبيل بمعنى الإسبال أي الإمتداد هذا الإمتداد أيضاً لا يحمل معنى السعة. لما يختار مناطق الإمتداد لمجرد الإمتدادات. الصراط أصلها سرط بمعنى ابتلع (يقال سرط اللقمة ابتلعها) لكن لمكان الطاء جعلت الشيء صاداً ولنا فيها حديث ولأن الطريق لما يمشي فيه الناس الصراط كأنه يسرطهم أي يبتلعهم يغيبون فيه شيئاً فشيئاً.
مداخلة : هل يحتمل معنى إياك نعبد وإياك نستعين أنه إضافة إلى ما ذكرتم أن القصد من الجمع في العبادات أن كل فرد يتوجه إلى الله تعالى على أنه مجموعة من الأعضاء والجوارح وكل منها يتوجه مع صاحبها إلى الله تعالى طائعة له (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم) وإياك نستعين على كل عبادة كُلّفت بها هذه الأعضاء والجوارح بدليل (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)؟
يجيب الدكتور حسام أن هذا توجيه جيد وتفكير سليم.
إهدنا الصراط المستقيم:
*الصراط هل قراءة (سراط) بالسين هي خلاف الرسم؟(1/115)
القراءة المشهورة جمهور القراء قرأوها بالصاد. هو أصل الفعل بالسين (سرط) هذا الأصل، لكن بسبب الطاء النطق العربي حوّل السين إلى صاد فصاروا يقولون الصراط. فقراءة السراط وإن كان الذين قرأوا السراط أقل ممن قرأ الصراط ولكن هي قراءة سبعية أجازها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمر من ربه. من شروط القراءة الصحيحة موافقة رسم المصحف فلما يرى الإنسان الصاد رسمها غير رسم السين يمكن أن يقول أن هذه خلاف الرسم. لكن بعض الأصوات تختلف في السمع وحتى في الرسم أحياناً وهي في حقيقتها صوت واحد. نوضح الكلام قليلاً: حاولت أن أصطنع جملة إنجليزية والعبارة سهلة ميسورة، الحرف الذي بين t و r في ألف باء الإنجليزية. S ماذا يقابل في أصوات العربية؟ حرف السين. لكن إسمع نطق هذه الجملة: as you know this is for us نجد هنا الرسم s قد لُفِظ بصور: (as) لا هو زاي ولا هو سين ولا هو صاد لكن رسمه بهذه الصورة المعقوفة s لكن الإنجليزي ينطقه (آز) مثل كلمة ظلم وظالم الذي يعبّر عنه علماؤنا أنه الزاي المطبقة أو الصاد المجهورة يهتز معها الوتران. (this) هذه السين ورسمها هو هو لم يتغير. (is) خرجت زاياً والرسم هو هو، (us) صاد. هذه أصوات الصفير يمكن أن الرسم يكون بصورة والنطق يكون بصورة أخرى متفقة مع ما جرى عليه العرف في النطق ولا يكون هذا مخالفة للرسم بمعنى أنه عندما يقرأ عبد الباسط (لست عليهم بمسيطر) (لست عليهم بمصيطر) بالسين والصاد وقرأها بالزاي المطبقة التي هي كالضاد العامية في مصر. هو رسم واحد لكن نطقه بأكثر من صورة تماماً كما أن رسم s الإنجليزية واحد لكن أهل لغتهم ينطقون به بأكثر من صورة فهذا لا يدخل في إختلاف الرسم.(1/116)
كذلك مثلاً اللام ممكن أن تأتي مفخمة ويمكن أن تأتي مرققة: هي صوتان مفخمة ومرققة فلما يقرأ ورش (الصلاة) مفخمة لا يقال هذا مغاير للرسم لأن هذا الرسم ينطق بطريقتين (الصلاة مفخمة) و(الصلاة مرققة) فإذن لا نقول قراءة السين مخالفة للرسم لأن هي رسمت هكذا لكن تتحمل هذا النطق. كما أنه رسم s واحد لا يقال لمّا تقول is هذا مخالف للرسم أو كيف ترسم سين وتنطق زاي؟ هو هذا الصوت يُنطق بأكثر من طريقة. المعنى لم يتغير (مسيطر أو مصيطر) فإذا تغيّر المعنى نقول تغير الرسم لأنه عند ذلك تكون كلمة أخرى مغايرة مثل سعد وصعد والسعادة غير الصعود تغيرت الدلالة. تغير الدلالة يشير إلى أن هذا الصوت كما يعبر عنه الآن (فوني) لكن لما لم تتغير الدلالة يقال له (ألافون). الدلالة لم تتغير وإنما هو تنويع مثل تنويع النون: إظهار، إخفاء وغيرها. يجوز قول السراط لأنه وردت فيه قراءة سبعية فإذا لم ترد فيه قراءة سبعية التغيرات الصوتية عند ذلك ينبغي أن نحافظ فيه على النطق السليم . أحياناً وجود صوت الدال المجهورة وقبلها الصاد يؤدي إلى تحول الصاد إلى الضاء العامية (ظ). لو جئت لشخص وقلت له إقرأ: حتى يصدر الرعاء يقرأها يظدربسبب الدال. هذا إذا لم ترد فيه قراءة سبعية متواترة يُمنع. ننظر هل وردت قراءة (يظدر)؟ إذا وردت قراءة سبعية نقول على تلك القراءة وإذا كنت أنت تقرأ برواية حفص ينبغي أن تظهر الصاد خالصة ما دمت إلتزمت قراءة حفص عن عاصم. هذا فيما يتعلق بالفرق بين السراط والصراط طبعاً والقراءة المتداولة هي بالصاد (الصراط). لكن إذا سمعنا أحداً يقرأ برواية أخرة بالسين لا نثور عليه وإنما هي قراءة سبعية أقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمر من ربه وليس من عند نفسه - صلى الله عليه وسلم - .
المستقيم:(1/117)
في الهندسة يقولون أن الخط المستقيم هو أقصر بُعد بين نقطتين. فكأن المسلم يدعو الله سبحانه وتعالى أن يجعله في أقرب الطرق (الصراط المستقيم) الذي هو أقرب الطرق. والمستقيم لا يكون متعباً معوجاً لأن يكون طويلاً إذا لم يكن مستقيماً. وهذه الإستقامة التي يروى في الأثر ولا أعلم صحة الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: شيبتني هود لأنه فيها (فاستقم كما أُمرت ومن تاب معك) هذه الإستقامة أن يكون الإنسان على الطريق,.
لما قال إهدنا الصراط المستقيم يُفترض أن ينتهي عند هذا القول لكن كأن الصراط المستقيم كلام عام وأريد له أن يُبيّن ما المقصود بالصراط المستقيم للتفصيل. الصراط المستقيم هو دين الله تعالى لكن كأنما أريد له أن يفصل: الصراط المستقيم: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين. علماؤنا هنا يقولون البشر في الأصل صنفان: مُنعم عليهم (مؤمنون) وغير مؤمنين، غير المؤمنين صنفان: علماء لم يتبعوا الدين (علموا الدين ولم يتبعوه) وأناس لم يعلموا هذا الدين. فالذين أنعمت عليهم من المؤمنين، من الصالحين من أتباع هذا الدين، غير المغضوب عليهم العالم الذي ينحرف عن دين الله يُغضِب الله سبحانه وتعالى فهذا فريق (فرق الذين علموا الحق ولم يتبعوه) (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة) هو يعلم الحق. الوليد بن المغيرة كيف وصف القرآن؟ قال إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة.. وصفه حتى قيل له أصبأت؟ قال لا. (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فصلت) لو فتحوا قلوبهم لآمنوا لكنهم يعرفون وينحرفون فهؤلاء يُغضبون الله سبحانه وتعالى فهم مغضوب عليهم لأنهم علماء إنحرفوا.(1/118)
الفريق الآخر: الضالون الذين لم يعرفوا شيئاً. فالمسلم يدعو الله عز وجل أن يرزقه الصراط المستقيم لا صراط هؤلاء ولا صراط هؤلاء فهذه قسمة حاصرة كما يقولون. هم ثلاثة أصناف لا مجال لرابع. لا يكفي الصراط المستقيم هذا موضع إيضاح وتفصيل. رب العزة يعلّمنا أن نقصد بالصراط المستقيم (صراط الذين أنعمت عليهم) على مر العصور فالمسلم ضمن قافلة طويلة ممتدة. صراط الذين أنعمت عليهم هذا توضيح للصراط المستقيم وبيان له كما يقول الشاعر (أقسم بالله أبو حفص عمر) أبو حفص معروف أنه عمر لكنه حاول أن يبيّن لعلّ هناك أبو حفص آخر.
(إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)
لا توهم بأن هناك صراطاً آخر. هؤلاء لا يكون لهم صراط مستقيم لأنه بين نقطتين لا يكون إلا خط واحد لأن الخط عبارة عن مجموعة مقاط.
*هل كلمة الصراط توحي بالإستقامة؟
كلا، الصراط هو السبيل الواسع لأن كلمة (فعال) فيها معنى الإشتمال يشتمل على كل ما فيه لا يضيق بما فيه بغض النظر عما إذا كان مستقيماً أو متعرجاً. ولذا لا بد من قول المستقيم لعدة معاني: مستقيم حتى يبيّن إستقامته ليس فيه إعوجاج وليبيّن أنه لا يوجد طريق مستقيم آخر بين نقطتين بينك وبين النهاية التي يريدها الله عز وجل لك لا يوجد إلا طريق واحد بخط واحد بمستقيم واحد وهذا فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطّ خطاً في الأرض وقال هذا صراط الله المستقيم وخط خطوطاً على جانبيه وقال: هذه السبل وعلى راس كل سبيل شيطان يدعو إليه. لا يوجد إلا دين واحد، طريق واحد يوصل إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى خط مستقيم لا يحتمل التعدد، يقولون خطي أو منهجي لا يتعارض مع الإسلام، يوازي الإسلام هذا الكلام كله لا ينفع، منهجك الإسلام ولا يكون بين نقطتين إلا مستقيم واحد يمكن أن يكون بينهما أكثر من خط متعرج أو منحني لكن هناك مستقيم واحد.
*ما دلالة استخدام صيغة الماضي في (أنعمت عليهم)؟(1/119)
حينما يقول تعالى (أنعمت عليهم) أولاً معناها هناك تجربة سابقة لمن أنعم الله عز وجل عليهم. هذا شيء والشيء الآخر حتى يحسّ المسلم أنه جزء من قافلة فالله سبحانه وتعالى قد أنعم على أناس وجعلهم على هذا الصراط من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً. فهو أولاً طريق قديم أنعم الله سبحانه وتعالى على هؤلاء منذ آدم ِ - عليه السلام - . لو قال : تنعم عليهم سيكون الكلام على الحال والإستقبال يقطعه عن السابقين الماضين. لما نقول: أنعمت عليهم تعني نحن ستنعم علينا فالذين يأتون من بعدنا يدعون أن يكونوا على حالنا فالإنعام دائماً متجدد. كلما تأتي أمة تدعو الله أن ينعم عليها كما أنعم على من سبقها.
*هل بالإمكان في غير القرآن قول: صراط المنعَم عليهم؟
لما يقول أنعمت: هذه التاء خطاب الباري عز وجل، أنت يا رب فيها ذكر الله عز وجل وأنه هو المنعم بينما لو قال في غير القرآن صراط المنعم عليهم تغيب هذه الصورة ويسأل القارئ من قِبَل من هذا الإنعام؟ فالإسناد المباشر إلى الله تعالى فيه هذه اللمسة على قلوب المؤمنين. لما يقول صراط الذين أنعمت عليهم: ماضي الخطاب مع الله سبحانه وتعالى.
*هل بالإمكان قول غير المغضوب عليهم وغير الضالين أو غير المغضوب عليهم والضالين؟
لو قال في غير القرآن غير المغضوب عليهم والضالين سيجتمع الفريقان كأنه شيء واحد بصفتين: مغضوب عليهم وضالين. هناك فريقان غير المغضوب عليهم هذا فريق والضالين فريق آخر. ولو قال غير المغضوب عليهم والضالين كأنه يعني مغضوب عليهم وضالين هم نفسهم. ليس شرطاً أن العطف يفيد المغايرة: نحن نقول: زيد كريم وفاضل أي فيه صفتنا وهو نفسه. هؤلاء غضب الله عليهم وضلوا فيكونون فريقاً واحداً والله تعالى يريد أن يبيّن أن الناس هنا غير المؤمنين فريقان صنفان فتفوت حينئذ فكرة أنهم على صنفين.(1/120)
لكن ممكن أن يتحصل هذا المعنى (معنى الصفتين) بغير (لا) أن يقول (وغير الضالين) وتكون مناسبة (غير وغير) أو(و ليس الضالين) غير وغير أحسن من ليس لأن غير وغير تبقى محافظة على الغيرية. علماؤنا يقولون: لما يقول غير المغضوب عليهم تكوينهم غير تكوين الضالين وحسابهم غير حساب الضالين وجرمهم غير جرم الضالين. المغضوب عليهم قلنا أنهم الذين علموا وانحرفوا (والبعض يقولون أنهم المغضوب عليهم هم اليهود والضالين النصارى ونحن ى نخوض في هذا ولكن نأخذ النص من حيث اللغة على عمومه. المغضوب عليهم هم الذين عرفوا الطريق ولم يتبعوه وانحرفوا وحساب هذا العارف بالطريق ولم يتبعه غير حساب الذي لم تبلغه الدعوة أو لم يعرف فالضالّ أقل جُرماً من الذي يعرف الطريق وينحرف. الآن لو قال (غير المغضوب عليهم وغير الضالين) سيجعلهم بمنزلة سواء (غير وغير). إستعمل لهم الحرف (لا) لم يستعمل الإسم (غير) والإسم أقوى من الحرف. (غير المغضوب عليهم) لهؤلاء الذين عرفوا وإنحرفوا ثم إستعمل الحرف (لا) الذي هو أقل شأناً وفيه معنى التوكيد (ولا الضالين). لكن هؤلاء هم أقل منزلة في الجرم، أقل جرماً من هؤلاء العارفين هذا المعنى أقل جرماً وصنف ثاني يكون لما نقول (غير المغضوب عليهم وغير الضالين) يقرّبهم كأنهم في نفس المستوى. كلا، العارف المنحرف غير الجاهل في حكمه وفي حسابه. من حيث الدلالة: الغيرية تكون شاملة و (لا) تكون مؤكدة للنفي (أكّدت نفي (غير) الأولى لكنها أقل رتبة لأنها حرف والحرف أقل من الإسم ثم هو أقل من الفعل (ليس) ولذا لم يقل (و ليس من الضالين) أيضاً كانت في مرتبة أدنى. أما لماذا قدّم المغضوب عليهم على الضالين فلأن مصيبتهم أكبر فلا بد أن يبدأ بهم.
* ما الفرق بين معنى الضلال في الفاتحة (ولا الضالين) و قوله تعالى (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) الشعراء) و(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) الضحى)؟د.حسام النعيمى(1/121)
معنى الضلال في الآيات الثلاث واحد وهو عدم معرفة شرع الله سبحانه وتعالى. فموسى - عليه السلام - فعل هذا قبل النبوة فهو لا يعرف شرع الله، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لما يقول له الله عز وجل تعالى (ووجدك ضالاً فهدى) يعني لم تكن عارفاً شرع الله تعالى فهداك إلى معرفة شرع الله بالنبوة. فاضللال هنا عدم معرفة شرع الله وليس الضلال معناه الفسق والفجور وعمل المنكرات وإنما هو الجهل بشرع الله سبحانه وتعالى: غير الضالين، وموسى - عليه السلام - قبل النبوة فعل هذا فكان جاهلاً بشرع الله ومحمد - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعرف شرع الله تعالى قبل النبوة فالمعنى واحد.
ودِّع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
القلى من البغض ويكون بين المتباغضين فقال (ما ودعك) فأكرمه لأنه يحبه وقال (وما قلى) وما قال وما قلاك إكراماً له أن يناله الفعل. عندما تكرم أحدهم تقول سمعت أنك تكلمت فيقول ما تكلمت ولا يقول تكلمت عليك، لا يقول له ما شتمتك وإنما يقول ما شتمت. فيها إكرام وإجلال للمخاطب في الحالتين في التوديع والقلى شرّفه في الذكر قال ودعك وشرّفه في الحذف، (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) إذن شرّفه في الذكر وشرفه في الحذف. دراسة الحذف مسألة تحددها السياقات التي ترد فيه وتأتي كل حالة بقدرها.
لمسة نطقية:(1/122)
كيف ننطق المغضوب عليهم ولا الضالين؟ هذا الصوت: المغضوب عليهم (بالضاد) والضالين (الضاد) وأهل العراق والخليج ويقرأوها بـ(الظا). لو جئنا إلى كلام علمائنا القدماء: علماؤنا وصفوا الأصوات وصفاً دقيقاً في غاية الدقة بحيث الغربيون هناك مستشرق إسمه أي شاده كتب بحثاً قيماً في العشرينيات: "الأصوات اللغوية عند سيبويه وعندنا" ونقل كثيراً منه الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه "الأصوات اللغوية"، يُبدي بالغ إعجابه بعقلية علماء العربية القدماء بوصف الأصوات يقول : الآن نحن وصلنا إلى هذه الدقة بالأجهزة وهم وصلوها بالتجربة الذاتية. فلما ننظر في وصفهم لهذا الصوت (الضاد) نجد أنه مخالف مخالفة كلية لنطقنا الحالي. كيف؟ لم أسمع من ينطق الضاد كما وصفه علماؤنا الآن في أي لغة من اللغات.(1/123)
أولاً مقدمة يسيرة: فكرة التحول في الصوت ليست غريبة وليست بدعة، الأصوات تتحول وهذا قانون لغوي عام لكن بسبب القرآن الكريم وعلماء التجويد حرصت الأمة على المحافظة على أصوات العربية كما وضعت قديماً وإلا نحن الآن القاف تنقلب همزة في بعض اللهجات (قلم – ألم) والجيم تنقلب قاف إلى كاف مجهورة بل إن الجيم لدى فصحاء بلد معين (مثل مصر) تحولت إلى كاف مجهورة حتى من يقرأ قصيدة أو أخبار في التلفزيون أو الإذاعة إلا من رحم ربي يقرأون (جمهورية، جمال) حتى إذا أرادوا أن ينطقوا الجيم جيماً يضعون تحتها ثلاث نقاط مثل (چيهان) لأنه لو كتبوها بالجيم تقرأ (جيهان). يكذب صارت يكزب، كزاب، كزب، هيثم صارت هيسم يُُكتب بالثاء وتنطق بالسين وفي المغرب العربي تُلفظ هيتم، الذال صارت دالاً والثاء صارت تاء والظاء صارت دالاً مطبقة عند الفصحاء إلا من يتقصد الفصاحة. الأصوات تتحول فليس غريباً أن يتحول صوت الضاد. الجيم الآن يعاني سيتحول وهو يتحول: في بلاد الشام صار (ج) وفي عموم بلادنا في العراق والخليج صار جيماً مركباً يبدأ شديداً وينتهي رخواً بحيث تحول من قمري إلى شمسي. الآن. بقراءتنا الإعتيادية نقول الحالة الجوية بدون لفظ اللام، من أين جاء هذا؟ الجيم شرب من الشين فصار مختلطاً، الشين شمسي فتحول اللام إلى جنسه (اجو). حرف الجيم ينازع وقد يموت وقد نحافظ عليه ونبقيه بسيطاً كما يُسمع من بعض أهل السودان (يخرجونه من وسط اللسان وسقف الفم).(1/124)
هذا تحول طبيعي فلا نستغرب. نأتي الآن إلى كلام علمائنا: هذا كلام سيبويه وكتاب سيبويه نُقِل بالتواتر في شرحه يعني لا شك فيه وحُقق ونُشِر أكثر من مرة وموجود نسخ مخطوطة في المغرب ونسخ مخطوطة في المشرق مئات النسخ ويقال عنه قرآن النحو. هو كتاب مشهور ومطبوع ومحقق الآن ومنشور أكثر من طبعة وسيبويه توفي على الأرجح عام 175 للهجرة فكان مشافهاً للعرب واصفاً لأصواتهم ثم من جاء بعده نقل هذا الوصف بعلم وبمشافهة أيضاً ولا يقول أخطأ سيبيويه فأخطأ من جاء بعده من علماء اللغة وعلماء التجويد هذا الكلام ظلم. علماؤنا ما زالوا ينقلون منه: أحدث كتاب وهو ينقل من كتاب سيبويه يقول من أين مخرج الضاد؟(1/125)
من بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس الجانبية (يعني أن الضاد يخرج من الجانب وليس من الأمام) ومن الحروف: الشديدة التي يمنع الصوت أن يجري فيه، الدال مثلاً لما تقول (قد) ينغلق لا تستطيع أن تخرج دالاً طويلة، ومنها الرخوة وهي : ... والضاد.. وذلك أنك إذا قلت أطس وانقض وأشباه ذلك أجريت الصوت إن شئت. لما تقول يشرب للتعليم تستطيع أن تُخرج شيناً طويلة لكن إذا أردت أن تقول يضرب لا تستطيع أن تخرج ضاداً كالشين لأن المجرى ينغلق فهذه إذن غير هذه. فهذا الضاد التي ينطقها بعض العرب أو المجودين هذه ليست ضاد العرب. إذا أردنا أن ننطقها ينبغي أن نتكلّفها ونتعلمها لأنهم كانوا يقولون من القديم: مكي إبن أبي طالب القيسي وأبو عمرو الداني وغير هؤلاء من علماء التجويد يقولون: وليس أعسر على اللسان من الضاد. الآن هو ليس عسراً إذن ما ننطق به ليس هو الضاد. تحتاجإلى لتدريب أن تجعل اللسان في الداخل، هم يقولون يمتد به الصوت إلى مخرج اللام: تجعل اللسان في الداخل وتحاول أن تخرج الصوت من الجانب. مكي إبن أبي طالب القيسي توفي عام 437 للهجرة يعني منذ ما يقارب الألف عام وهو من القُرّاء ممن أخذ القرآءة بالسند، ترك الأندلس وجاء إلى مصر وفي مصر أخذ القراءة بالإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول الضاد صعب لكن إجتهد أن تنطقها. فيقول: " فلا بد للقارئ المجوّد أن يلفظ بالضاد ويعطي وصفها فيُظهر صوت خروج الريح عند ضغط حافة اللسان بما يليها من الأضراس عند اللفظ بها. هذا صعب ولكن نتدرب عليه. لا أقول له أي جزي الصوت قيقول جرى الصوت في داخل المخرج هذا ليس جرياناً. مكّي آخذ القراءة بالسند منذ ألف عام هو يقول: يجب أن يظهر صوت خروج الريح.(1/126)
كيف ننطق الضاد؟ الآن ننطق الضاد أمامية شديدة وهي في لغة العرب جانبية رخوة فالمخرج والصفة مختلفان. إذا قرأنا (فإذا أفضتم من عرفات) أو (اضطررتم إليه) الضاد التي هي دال مطبقة هي أخت التاء وما دامت أخت التاء ينبغي أن يكون هناك إدغام فأنت هنا إما أن تُدغِم إدغاماً ناقصاً وهذا لم يقل به أحد لا من الأولين ولا من الآخرين، وإما أن تقلقل وما قال أحد لا من الأولين ولا من الآخرين أن تقلقلها. هذا مشكل والمَخْلَص أن نحاول أن نتكلّف او نعلّم التلامذة كيف ينطقون الضاد الصحيحة بخروج الريح من أحد الشدقين. فإن لم نستطع نأخذ بفتوى الإمام فخر الدين الرازي (604هـ): حتى نتخلص من مشكلة (أفضتم) و(اضطررتم) وا أشبه ذلك. هو يُفتي بنطقها ظاء ويقول: "المختار عندنا أن إشتباه الضاد بالظاء لا يُبطل الصلاة لأن المعنى معروف والتمييز عسر. المشابهة من وجوه: الأول أنهما من الحروف المجهورة والثاني أنهما من الحروف الرخوة والثالث أنهما من الحروف المطبقة والرابع أن الظاء وإن كان مخرجه من بين طرفي اللسان وأطراف الشفة العليا ومخرج الضاد من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس إلا أنه حصل في الضاد إنبساط لأجل رخاوتها وبهذا السبب يقرب من مخرج الظاء. التمييز عسر يين هذين الحرفين ليس في محل التكليف.".(1/127)
لا تقول كلمة (عين) لا يجوز أن تُستعمل إلا للباصرة، فإذا قلت شربت من عين باردة، تقول كيف وهذه العين التي نبصر بها؟ كلا فالسياق يبيّن المعنى. بل قُرِيء (وما هو على الغيب بضنين) (وما هو على الغيب بظنين) بالظاء وهي قراءة سبعية والرسم واحد بالصاد المنقوطة. ويقول الرازي: والتمييز عسر يين هذين الحرفين ليس في محل التكليف. تغير الأصوات يكون بمئات السنين حتى تتغير. فالمخلَص ليس بنطقه دالاً مطبقة لكن بالأصل أن ننطقه كما وصف جانبي رخو وهو أقرب إلى الظاء. ننطقه جانبياً رخواً ويمكن أن نمد به الصوت قد يكون هذا وقد لا يكون ولكنه أقرب من الضاد التي نلفظها أمامية شديدة. ويقولون من الشدق الأيسر أسهل ويحتاج إلى تمرين وإن لم نستطع ننطقه ظاء أخذاً بفتوى الإمام فخر الدين الرازي لأنه يختلف المخرج والصفة واحدة. الدلالة لا تتغير لأن السياق يشير إلى ذلك. كما قلنا العين: ربما العين تعني عين باصرة وعين ماء نعرفها حسب السياق. هم يقولون ليس أعسر على اللسان من نطق الضاد. في الوقت الحاضر بعض الكتّاب المعاصرين بعض الدراسات تنطقها هكذا (الضالين) يقولون نضيف إلى حروف القلقلة الضاد فتصبح الحروف (قطب جد ض) وهذا ليس من حقهم لكن هذا مقترحهم ما داموا ينطقونه هكذا.
آمين:
*ما أصل كلمة آمين التي نختم بها الفاتحة على أنها دعاء وهل لها بديل في لغة العرب؟(1/128)
لا شك أن الي يصلي في المساجد يلحظ هذا الأمر أنه عندما ينتهي الإمام من قراءة الفاتحة يقول هو آمين ويقول من وراءه آمين ويحرص على أن يكون التأمين واحداً بحيث أنه في السنة والحديث الصحيح أن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يهتز من كلمة آمين لأن الصحابة كانوا يقولونها بصوت واحد ليس مرتفعاً ولا يعني علو الصوت كما يفهمه بعض الشباب أن يصرخ بأعلى صوته لأنك لا تنادي أصم ولكنك تناجي ربك. وتقال آمين بصوت جيد لكن لأن الجميع يقولونها فيكون نوع من الإهتزاز لمجموع الأصوات وليس لعلو الصوت لأننا نناجي قريباً. هذه الكلمة (آمين) في الدراسات من الإبتدائية يعلّمون الطالب أن الكلمة إسم وفعل وحرف ثم يعلّمونه علامات للكلمة إذا كانت إسماً وعلامات إذا كانت فعلاً وإذا خلت من العلامات تكون حرفاً وفي ألفية إبن مالك يقول:
بالجرّ والتنوين والندا وأل ومُسند للإسم تمييز حصل(1/129)
ما خلا من العلامات يكون حرفاً لكن وجدوا خمسة حروف أو ستة إذا تغيّرت الهمزة بين الفتح والكسر هذه حروف ولكنها تشتغل شغل الأفعال فسميت الحروف المشبهة بالفعل. هي خمسة أو ستة ، سيبويه يقول خمسة لأنه عدّ إن وأن حرفاً واحداً وكلاهما للتوكيد تفتح همزته في مكان وتُكسر في آخر (إنّ، أنّ، ليست، لعلّ، لكنّ، كأن) فهذه حروف مشبهة بالفعل لأن إنّ معناها أؤكد، كأن معناها أشبّه. وجدوا أيضاً كلمات هي أسماء بقبولها علامات الإسم لكنها تشتغل مثل الفعل منها كلمة هيهات تقابل الفعل الماضي (بعُد) يقال هيهات الأمر بمعنى بَعُد. مثل كلمة (إيه) بمعنى زدنا مثل فعل الأمر. لما يتكلّم الإنسان في موضوع تريد أن يزيدك منه تقول له (إيهِ يا فلان أي زدنا من هذا الحديث) فإذا أردت أن يحدثك بأي حديث شاء فتقول له (إيهٍ يا فلان) التنوين وهذا تنوين للتنكير. هذه العربية إذا أردت من الحديث المخصوص تقول (إيهِ) يُنسب أنه كانت الخنساء تُنشد فقيل إيهِ يا خُناس أي زيدينا من هذا اللون من الشعر. فإذا أراد التنكير قال إيهِ. هي كلمات قليلة : هيهات إستعملت في القرآن الكريم سُميّت إسم فعل، هي تأخذ من الأسماء ومن الأفعال فكأنها كما قلنا حرف مشبه بالفعل (إن وأخواتها)، هذه إسم فعل يعطي معنى. لاحظ التنوين من علامات الإسم فلما الكلمات هذه نُوّنت معناها هي أسماء لكن جامدة ومعناها معنى فعل (إيهِ يعني زِد) بعضها يُنوّن وبعضها لا يُنوّن. (أُف) في القرآن الكريم (ولا تقل لهما أفٍ) أُف وأفٍ بالتنوين، أفٍ إسم فعل مضارع بمعنى أتضجر (أفٍ بالتنكير) لو أراد معرفة أن لا تقول لهما أي كلمة معينة كان قال أُف لا ينوّنها، لكن لما أراد أي كلمة تؤذيهما بإطلاق قال (أفٍ) بالتنوين وقلنا هذا اتنوين التنكير يعني كما قلنا إيهِ من هذا الحديث يعني زدنا من هذا الحديث وإيهٍ يعني زدنا من أيّ حديث.(1/130)
من هذه الألفاظ كلمة (آمين) وهي كلمة عربية النِجاؤ صميمية النسبة مثل هيهات ومثل أف ومثل صه هذه أسماء أفعال. آمين: إسم فعل بمعنى اللهم إستجب. هي فعل أمر طبعاً ولكن الأمر من الأدنى إلى الأعلى يخرج للدعاء كما نقول اللهم أغفر لنا: إغفر فعل أمر لكن علماؤنا يقولون خرج للدعاء. فإذن آمين إسم فعل أمر بمعنى اللهم إستجب لأن كلمة آمين لم تستعمل إلا مع الله. حتى في الجاهلية لا تقول لشخص يتكلم آمين بمعنى إستجب لي يا فلان لكن آمين يعني اللهم إستجب لكلامه وحتى قبل نزول القرآن. وكلمة اللهم كانت مستعملة عندهم ويعنون بها يا الله (إني إذا ما حدثٌ ألمّ أقول ياللهم ياللهم) لأن هذه الكلمة (اللهم) جُعِلت خاصة بنداء الله تعالى ولأنها جُعِلت هكذا أُدخل عليها حرف النداء مع أن الميم هي عوض عن حرف النداء فقال (ياللهم) هذا شاهد نحوي.إذن آمين هي إسم فعل.(1/131)
هناك إشكال أن كلمة آمين ولعل هذا سبب السؤال المطروح من قبل السائل أننا نسمعها في الصلوات في الكنائس من الأوروبيين الآن يميلونها يقولون (Amen) هذه الكلمة وجودها في اللغات الأخرى لا يعني أنها ليست عربية وإنما هي موجودة في اللغة السريانية التي هي الآرامية. والآراميون كما هو معلوم خرجوا من جزيرة العرب في حدود 1500 ق.م. هذه الكلمة مستعملة عند السريان والإنجيل بالسريانية وفيها آمين. السريانية خرجت من جزيرة العرب ولذلك نحن نسمي هذه اللغات الخارجة من جزيرة العرب اللغات الجزرية ولا نسميها اللغات السامية كما سماها "شنيغل"، ليس عندنا دليل. الأكادية التي هي البابلية والآشورية خرجت أيضاً من جزيرة العرب حوالي 3600 ق.م وفيها ألفاظ مقاربة للعربية. وينفعنا أن الأكاديين وردت نصوص في أدبياتهم المسجلة فيها ذكر العربي معناها أن العربية كانت قديمة موجودة. هؤلاء القوم قدامى وكان عندهم حروب مع البابليين والآشوريين. وبعد الأكاديين جاءت موجة الكنعانيين 1500 ق.م ومن الكنعانية اللغة الأوغاريتية والفينيقية والعبرية فإذن العبرية متأخرة عن العربية لأنه قلنا أن العرب ذكرهم الأكاديون. هذه من الكنعانية موجود آمين في العبرية تدل على أنهم هم الذين أخذوها من العربية لأن العبرية متأخرة بعد ذلك بألف عام خرجت الآرامية والسريانية فيها آمين فإذن هي مأخوذة من لغة أقدم واللغة الأقدم هي العربية. كما قلنا (آمين) نسميها أسماء أفعال ألفاظ جامدة هكذا تدل على هذه المعاني. آمين بهذا اللفظ دخلت إلى هذه اللغات فلا نتحرّج أنهم هم يستعملونها فنقول كيف نستعملها؟ هذه هي ملكنا وهي لغتنا والرسول - صلى الله عليه وسلم - حثّ على قول آمين ثم بعد ذلك صاروا يشتقون منها (إني داعٍ فأمّنوا) اشتق منها فعل أي قولوا آمين اللهم إستجب. لهذا الكلمة عربية وهي إسم فعل. طالما عندنا صفة نشتق منها.(1/132)
آمين هي كلمة عربية شأنها شأن هيهات وشأن أف ثم صارت العرب تولد أسماء.
آمين لم ترد في المصحف لكن أُثبتت في السنة وفي الحديث الصحيح أن الصحابة الكرام كان يهتز بهم المسجد عندما يقولن آمين. فالذين يقولون أنها كلمة أعجمية هم واهمون في ذلك لأنه قلنا أن الذين إستعملوها جاءوا بعد العرب وليس قبل العرب. العبريون هم فرع من الكنعانيين والكنعانيون خرجوا من جزيرة العرب عام 2500 ق.م وعند الأكاديين ورد ذكر العرب 3600 ق.م. اللغة العربية تسبق العبرية بلا شك. في التوراة شائع أن العبرية أقدم اللغات بطريقة لا نريد أن نخوض في هذا، بطريقة تسيء إلى الله سبحانه وتعالى إن العبرية قديمة وإن الله سبحانه وتعالى نظر فقال هذا شعب واحد ولسان واحد فلا نأمن شرورهم وكأن الله تعالى يخاف منهم هَلُمّ نبلبل ألسنتهم فبلبلها فسميت مدينة بابل" هذا كلام غير صحيح. لذلك نسمي اللغات اللغات الجزرية. يبقى بعض الفقهاء المسلمين يقول لا يُجهر بها في إجتهاده وأذكر أن أحد أئمة المساجد في سوق في بغداد كان ممن يؤمن بعدم التصريح بكلمة آمين وإنما الإسرار بها أي أن تقول آمين في قلبك وليس جهراً كأن الحديث الذي ذكرناه لم يصل في فقهه أو هو غير صحيح عنده مع أنه في الصحاح فكان عندما يصلي بالناس يقول ولا الضالين قل هو الله أحد لا يعطي فرصة لمن بعده أن يقول آمين.
*في الحديث الشريف "إذا أمّن الإمام فأمّنوا فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" وسمعت شريطاً للشيخ الألباني يقول أن تأمين المأموم يكون بعد تأمين الإمام فكيف نوضح الفرق حتى لا نخسر الأجر والثواب؟(1/133)
إذا أمّن الإمام فأمّنوا. هذه تتعلق بمسألة لغوية (إذا فعل زيدٌ فافعل) هي الفاء واقعة في جواب الطلب لكن يحتمل أنه إذا فعل فافعل أنه بعده مباشرة بوقت قصير لأن الفاء تقتضي الترتيب مع القُرب (عقبه مباشرة) غير ثُمّ التي للتراخي. لكن هي هنا رابطة لجواب الشرط ويمكن لأن يُفهم منها في الوقت نفسه أي يكون تأمينك مع تأمين الإمام وهو يقول آمين أنت تقول معه آمين. ففيها رأيان، قولان. التحقيق أنا أقتنع مثلاً أن زيدٌ من الناس هو محقق في هذا الجانب فقيه. ويجب أن ينتبه المشاهدون أن كثيراً من الناس لديهم علمٌ في تخصص معين لا ينبغي أن يخوضوا في اختصاص آخر. الذي ما عنده علم في أصول الفقه وفي محاكمة النصوص في رأيي ينبغي أن لا يفتي لأنه كثر المفتون اليوم وإنما ينقل فتوى فيقول بعض العلماء يقول كذا والسامع يتولى ذلك.
***تناسب افتتاح الفاتحة مع خاتمتها***(1/134)
تبدأ سورة الفاتحة بقوله تعالى (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)) وتنتهي بقوله (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)) نلاحظ أنه في الخاتمة هو استوفى أنواع العالمين، العالمين من هم؟ إما منعم عليهم الذين أنعمت عليهم أو مغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه أو الضالين ليس هناك صنف آخر، هؤلاء هم العالمون المكلفون فلما قال رب العالمين ذكر من هم العالمين في آخر السورة إذن صار هناك تناسب بين مفتتح السورة وخاتمتها، (رَبِّ الْعَالَمِينَ) من هم العالمين؟ العالمين هم (الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) إذن هناك تناسب ظاهر بين مفتتح السورة وخاتمتها. العالمين هم العقلاء المكلفون لأنه جمع مذكر سالم وجمع المذكر السالم الأصل فيه أن يكون للعاقل إما علم عاقل أو صفة عاقل والعالمين ملحقة بها (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان) إذن العالمين هم المكلفون العقلاء، قسمهم هذا النقسيم وشمل هذا التقسيم العالمين ويدخل فيهم الجن لأنه يدخل فيهم كل المكلفين.
****تناسب خاتمة الفاتحة مع فاتحة البقرة****(1/135)
تنتهي سورة الفاتحة بذكر المنعَم عليهم والمغضوب عليهم والضالين (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)) والبقرة تبدأ بذكر هؤلاء أجمعين، تبدأ بذكر المتقين (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (1)) وهؤلاء منعَم عليهم ثم تقول (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6)) تجمع الكافرين من المغضوب عليهم والضالين وتذكر المنافقين (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)) إذن اتفقت خاتمة سورة الفاتحة مع افتتاح سورة البقرة. ذكر في خواتيم الفاتحة أصناف الخلق المكلفين (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)) وذكرهم في بداية البقرة.
المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه والضالون لم يعلموا الحق وإنما ضلوا الطريق ويضربون مثلاً اليهود والنصارى، المغضوب عليهم منهم اليهود والنصارى. وفواتح البقرة تحدثت عن هذه الأصناف المتقين والكفار والمنافقين جمعت المغضوب عليهم والضالين يجمعهم الكفار.
*********************************************************
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الفاتحة للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى من برنامج لمسات بيانية ومن محاضرات وكتب الدكتور فاضل السامرائى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى من برنامج الكلمة وأخواتها وأخر متشابهات ومن برنامج ورتل القرآن ترتيلاً وقام بنشرها موقع إسلاميات جزى الله العاملين عليه خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.(1/136)
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/137)
سورة يونس
تناسبها مع التوبة ... آية (20) ... آية (37) ... آية (62) ... آية (89)
هدف السورة ... آية (21) ... آية (38) ... آية (69) ... آية (90)
آية (3) ... آية (22) ... آية (42) ... آية (71) ... آية (92)
آية (5) ... آية (24) ... آية (46) ... آية (72) ... آية (96)
آية (9) ... آية (28) ... آية (49) ... آية (73) ... آية (99)
آية (10) ... آية (29) ... آية (51) ... آية (74) ... آية (107)
آية (12) ... آية (32) ... آية (53) ... آية (75) ... آية (108)
آية (14) ... آية (33) ... آية (58) ... آية (77) ... تناسب أولها مع آخرها
آية (17) ... آية (35) ... آية (60) ... آية (79) ... تناسبها مع هود
آية (19) ... آية (36) ... آية (61) ... آية (87)
*تناسب خواتيم التوبة مع فواتح يونس*
في أواخر التوبة قال تعالى:(وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون (127) لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128)) وفي بداية يونس (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ (2)). (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ) (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) ، (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ) (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ).
**هدف السورة: الإيمان بالقضاء والقدر**
من السور المكية التي تعنى بأصول العقيدة الإسلامية، الإيمان بالله تعالى وبالكتب والرسل والبعث والجزاء وبخاصة الإيمان بالقضاء والقدرفالكثير من الناس مشككين في هذا الأمر ويحتارون ويجادلون في القضاء والقدر وهل الإنسان مسيّر أم مخيّر ويشككون في عدل الله تعالى(1/1)
وحكمته ويسألون أسئلة مشككة فيقولون مثلاً لو هداني الله لاهتديت أو أن الله يعلم المؤمنين من الكافرين في علمه الأزلي فلن يفيد المرء ما يعمل إن كان الله تعالى قد كتبه في النار وهذا كله من ضعف الإيمان ومن التشكيك بأن الله تعالى هو الحكيم العدل وأنه ليس بظلاّم للعبيد. تأتي هذه السورة بآياتها ومعانيها لتثبت حقيقة الأيمان بوحدانية الله جلّ وعلا والإيمان بالقضاء والقدر تارة عن طريق قصص الأنبياء وتارة عن طريق تذكير الله تعالى للناس بقدرته وحكمته وعدله في الكون. وفي حديث للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن جبريل سأله أخبرني عن الإيمان فقال: الإيمان أم تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره. والذي يحدد ما إذا كنا مؤمنين بالقضاء والقدر سؤال واحد نطرحه على أنفسنا: هل الله تعالى عادل حكيم أم ظالم والعياذ بالله وإجابتنا هي التي تحدد موقفنا.
تبدأ السورة بكلمة تثبت الحكمة لله تعالى (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ) آية 1 وتدل على أن الحكمة موجودة ثم تليها الآية (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ) آية 2 وكأن الذين يتعجبون من اختيار محمد - صلى الله عليه وسلم - للرسالة كأنما لا يؤمنون بالقضاء والقدر لأنهم لو آمنوا لما شككوا وتعجبوا ولعلموا أن هذا بأمر الله تعالى.(1/2)
· تدبير الله وحكمته في الكون: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ* إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ* هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ) آية 3، 4، ،5، 6. والآيات (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) 31 و32 تأتي الآيات تستعرض لحكمة الله تعالى في الكون وفي كل ما خلق وتدعونا للتفكر في هذا الكون الذي لم يخلق عبثاً ولا صدفة إنما خلقه الحكيم العدل وإثبات ذلك واضح في تكرار كلمة (الحق) في هذه السورة فقد تكررت في السورة (23 مرة) لأن الحق عكس العبث والصدفة وكل شيء في الكون خلق ويحيا بحكمة الله تعالى لذا علينا أن نسلّم بالله ونتوكل عليه ولا نشكك بقدرته وتدبيره سبحانه.(1/3)
وكذلك ترددت كلمة (يدبر) في السورة كثيراً فكيف نشكك بقضاء الله وقدره (وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ) آية 53 و (أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) آية 55 وكل هذه الآيات تؤكد أن الله حق وأن إدارة هذا الكون حق، وعرّفت الآيات بصفات الإله الحق بذكر آثار قدرته ورحمته الدالة على التدبير الحكيم وأن ما في هذا الكون المنظور هو من آثار القدرة الباهرة التي هي أوضح البراهين على عظمة الله وجلاله وسلطانه.
· تنبيه للغافلين: الذين يشككون ولا يؤمنون بالقضاء والقدر فهؤلاء بفقدون الجدية والإيمان الحق (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ) آية 7 والله تعالى لا يظلم الناس ابداً لكن الناس يظلمون أنفسهم نتيجة ذنوبهم ومعاصيهم لأنه حاشا لله أن يظلم أحدا (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) آية 13، 14، و (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) آية 44
إذن فليس في الكون صدفة ولا عبث فالحكمة واضحة والحق واضح فلا يجب أن نشكك بالقضاء والقدر والله تعالى لا يظلم أحداً ولا يجبر أحدا على فعل ما لأنه سبحانه لو أجبرنا على أعمالنا لما حاسبنا لذا فالناس مخيّرون في أفعالهم.(1/4)
· أفعال الناس تجاه قضاء الله تعالى: الآيات تواجه المتعجبون من قدر الله ولكن أفعالهم أشد غرابة (فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) آية 23 . فبعد أن نجاهم الله تعالى بغوا في الأرض بغير الحق فكيف يلجأ الناس إلى الله تعالى فقط في ساعة الشدة ويعرفون أن لهم رباً يلجأؤون إليه ثم يتكبرون بعد النجاة وكأن نجاتهم كانت من عند أنفسهم,
· قصص الأنبياء عن التوكل على الله: عرضت السورة قصص ثلاث من الأنبياء الذين توكلوا على الله فنجاهم الله تعالى وقد عرضت السورة الجزئية الخاصة بالتوكل في كل قصة من القصص المذكورة وهذا لخدمة هدف السورة. وهذه القصص تؤكد أن المؤمنين بقضاء الله وقدره يتكلون على الله والذين لا يؤمنون هم المشككون والمجادلون في حكمة الله وعدله:
o قصة نوح الذي توكل على الله تعالى فأنجاه الله ومن معه (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ) آية 71
o قصة موسى مع فرعون (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ * فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) آية 84 و 85.(1/5)
o قصة قوم يونس (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) آية 98.
وقد يتبادر الى الذهن لماذا أغرق الله تعالى فرعون بعدما قال أنه آمن ونجّا قوم يونس والحالتان متشابهتان نوعاً ما؟ نقول أن الله تعالى علم وهو علاّم الغيوب أن فرعون إنما قال آمنت أضطراراً لا إختياراً ولو عاد إلى الدنيا لضلّ وأضل ولم يكن كلماته صادقة بأنه آمن (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) آية 90 و91. وقال الإمام الفخر: آمن فرعون ثلاث مرات أولها قوله (آمنت) وثانيها (لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل) وثالثها (وأنا من المسلمين) فما السبب في عدم قبول إيمانه؟ والجواب أنه إنما آمن عند نزول العذاب والإيمان في هذا الوقت غير مقبول لأنه يصير الحال حال إلجاء فلا تنفع التوبة ولا الإيمان قال تعالى: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا).(1/6)
أما قوم يونس فقد علم الله تعالى أنهم سيكونون مؤمنين حقاً فعفا عنهم وكانوا على وشك الهلاك بعذاب الله لكنهم حسن إيمانهم وقد أثبت التاريخ ذلك فأصبحوا قوماً صالحين طائعين مؤمنين، والله تعالى يريد من عباده إيمان الإختيار لا إيمان الإكراه والاضطرار (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) آية 98 فمن كان ليعلم هذا إلا الله الحكيم العليم ولهذا علينا أن نؤمن بقضاء الله وقدره لأنه ليس عبثاً ولكن لكل أمر حكمة قد نعلمها وقد يخفيها الله تعالى عنا وهذا ليمتحن صدق إيماننا به فلو علمنا الحكمة من كل شيء فما قيمة إيماننا بالغيب إذن؟
· ختام السورة: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) الآيات 105 – 106: كيف نتعامل مع قضاء الله بالجديّة والتوكل على الله ثم تأتي الآية فيها توجيه للرسول - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين بالتوكل على الله واللجوء إليه والصبر على ما يلقوه من الأذى في سبيل الله والإستمساك بشريعة الله تعالى فهو سبحانه الحكيم العدل (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) آية 109.
سميّت السورة بـ (سورة يونس) لذكر قصته فيها وماتضمنته من العبرة والعظة برفع العذاب عن قومه حين آمنوا بعد أن كاد يحل بهم العذاب والبلاء وهذه من الخصائص التي خصّ الله تعالى بها قوم يونس لصدق توبتهم وإيمانهم وأن الله لا يظلم الناس فلو علم صدق إيمان أي عبد من عباده ينجيه في الدنيا والآخرة لأنه هو الحكيم العدل.(1/7)
وفي خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله لما سئل عن ورود قصة نوح وموسى مع فرعون ويونس مجتمعين في هذه السورة قال أن الذي يجمع بينهم هو الماء فالله تعالى أغرق قوم نوح بالماء ، وأغرق فرعون بالماء أما يونس فقد نجاه الله من بطن الحوت بعد أن قذف في الماء. فالماء كان مرة مصدر هلاك ومرة مصدر نجاة فسمّى الله تعالى السورة باسم من نجّاه من الماء وهو يونس عليه السلام، والله أعلم.
***من اللمسات البيانية فى سورة يونس***
آية (3):
* الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟(د.فاضل السامرائى)(1/8)
إذا كان الحدث أطول تأتي تتذكرون وإذا كان أقل يقتطع من الفعل أو إذا كانت في مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التفصيل يفصل. مثال: قال تعالى في السجدة (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)) في يونس قال (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)) إحداها تتذكرون والأخرى تذكرون. قال في يونس (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وفي السجدة قال (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) لم يقل (ما بينهما) في يونس. في يونس قال (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) فقط وفي السجدة (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) فالسجدة فيها تفصيل أكثر. قال في يونس (مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) وفي السجدة قال (مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ) في السجدة تفصيل أكثر.
آية (5):
*ما الفرق بين النور والضوء؟(د.حسام النعيمى)(1/9)
أن النور عادة في لغة العرب لا يكون فيه حرارة أما الضوء ففيه حرارة ومرتبط بالنار والإنسان يمكن أن يضع يده من مسافة في الضوء وتأتيه حرارة الضوء كما قال في القرآن (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا (5) يونس) إضاءة القمر ليس فيها حرارة فاستعمل النور. النار المضيئة إذا خفتت وخمدت يبقى الجمر مخلفات النار وهو بصيص يُرى من مسافات بعيدة. الخشبة إذا أحرقتها يبقى فيها شيء من النور قبل أن تتفحم نهائياً وليس فيها تلك الحرارة من مسافة.
*ما الفرق بين (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) و (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) ؟(د.أحمد الكبيسى)
الشمس والقمر حسباناً أي وسيلة لحساب الزمن، الله قال فعلاً (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ {5} يونس) يدل على أن الشمس لها حسابٌ والقمر له حساب. أما الآية الثانية (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أي يجريان بحسابٍ دقيق مقرر معلوم من الحق سبحانه وتعالى.
آية (9):
*هل يحتمل معنى قوله تعالى (جنات تجري من تحتها الأنهار) أن الجنات تجري؟(د.فاضل السامرائى)
لا أعلم إذا كانت الجنات تجري لكن بلا شك أن الأنهار تجري فالجريان يكون للأنهار في الدنيا كما في قوله تعالى في سورة يونس (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)) لكن هل هناك أمر آخر أن الجنات تجري؟ الله أعلم لكن الأمر فيها أن قطعاً الأنهار تجري ويمكن من قدرة الله تعالى أن تجري الجنات في الآخرة ولكن هذا ليس ظاهراً مما نعرفه.
آية (10):
* ما معنى لفظ (اللهم)؟(د.حسام النعيمى)(1/10)
هذا السؤال قد يأتي نتيجة الإطلاع على بعض اللغات الأجنبية في قوله تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) يونس) كلمة اللهم هناك لفظة مقاربة في العبرية التي هي (إلوهيم) تعني أيضاً الله. علماؤنا يقولون (اللهم) - سيبويه ومن وراءه من العلماء - اللهم معناه يا الله واستغني بالميم عن ياء النداء لا تجتمع الياء مع (اللهم) إلا فيما شذّ فيما روي عن بعض الناس ولم يعرف قائله: (إني إذا ما حدثٌ ألمّ أقول ياللهم ياللهم) لكن مع ذلك ثقةً بأمانة العلماء قُبلت لكنهم يقولون هذا شاهد قليل نادر أنه يجمع بين العِوض والمعوّض به. وهناك رأي آخر أنه (اللهم) جزء من جملة نُحِت على مر العصور كأنه كان مثلاً (يا الله أُمّنا بخير) أي إئتنا بالخير (والنحت هو أن تأتي إلى عبارة أو إلى كلمتين وتستخلص منها كلمة جديدة تأخذ من هنا ومن هنا مثلما قالوا: بسملة وحوقلة، بسملة بدل أن يقول بسم الله وحوقلة أي قال حي على الصلاة، حتى المعلمون لما يقرأ الإنسان يقول له بسمِل أي إقرأ بسم الله. ( أقول لها ودمع العين جارٍ ألم يحزنك حيعلة المنادي) الحيعلة قوله حي على الصلاة. لما يقولون (إيش هذا؟) هذا يستعملها أحياناً الإمام أحمد معناه أي شيء؟ هذا النحت وارد. قد يكون من جملة قديمة تحاتت (ذهب منها شيء) وصارت اللهم وبقيت الميم من كلمة أخرى، قد يكون هكذا لكن كونها في العبرية ونحن سبق أن ذكرنا هذا الكلام وأعيده مرة أخرى لأهميته: اللغة العبرية حديثة بالقياس إلى العربية. العبرية لغة بني إسرائيل وسيدنا إسماعيل - عليه السلام - تكلم العربية لأنه ما عاش معهم وإنما عاش مع العرب وإسماعيل لا شك أسبق من هؤلاء وكان يتكلم العربية. بنو إسرائيل حرّفوا كلام الله تعالى أفلا يحرّفون التاريخ؟! فإذن كلمة اللهم كلمة عربية.(1/11)
وهناك رأي أنه قد وضعت إبتداءً هكذا (اللهم) لنداء الله سبحانه وتعالى يعني يا الله وكانت العرب تستخدمها كثيراً قديماً. اللهم تعادل إسم الجلالة المنادى (يا الله) كلمة اللهم هي كلمة الله متصلة بها الميم المشددة.
آية (12):
*لماذا جاء قوله تعالى (دعانا لجنبه) في سورة يونس ولم تأت (على جنبه)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يونس (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {12}). بدأ بالجنب وقد وردت في آية أخرى (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداُ وعلى جنوبهم) أخّر الجنب و الإنسان عندما يصيبه الضر والمرض يكون ملازماً لجنبه ثم يقعد ثم يقوم لذا بدأ بالجنب ثم القعود ثم القيام في آية سورة يونس، أما في حالة الصحة فهي بالعكس القيام أولاً ثم القعود ثم على الجنب لذا أخّر الجنب في الآية الثانية. وجاءت في آية سورة يونس باستخدام اللام بمعنى ملازم لجنبه وبمعنى دعانا وهو ملازم لجنبه.
*(وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (12) يونس) يأتي الضر مع فعل مسّ ومع الرحمة يأتي الفعل أذقنا (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) يونس) فما الفرق بين المسّ والإذاقة في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)(1/12)
أولاً هذا التفريق غير دقيق فالذوق والمس يأتي للضر وغير الضر، الذوق هو إدراك الطعم والمسّ هو أي إتصال. أما كون المس يأتي مع الشر فغير صحيح لأن المس يأتي مع الرحمة أيضاً (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) المعارج) (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (120) آل عمران) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17) الأنعام) وكذلك الإذاقة تأتي مع العذاب ومع الرحمة (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة) (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) الفرقان) ليس هنالك تقييد في الاستعمال.
آية (14):
*ما الفرق بين قوله تعالى (جعلكم خلائف الأرض) و(جعلكم خلائف في الأرض)؟(د.فاضل السامرائى)(1/13)
قال تعالى في سورة الأنعام (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {165} ) بدون ذكر (في) وقال تعالى في سورة فاطر (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً {39}) وفي سورة يونس (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ {14} ) وذكر فيهما (في). خلائف الأرض مع حذف (في) هي أوسع وأشمل من حيث اللغة أما خلائف في الأرض فهي ظرفية ومحددة. ونستعرض سياق الآيات في السور فنلاحظ أن سياق سورة فاطر هو في الكافرين ابتداءً وانتهاءًوكذلك في سورة يونس السياق فيمن أهلكهم الله تعالى من الكافرين. أما في سورة الأنعام فالسياق في مخاطبة المؤمنين إلى النهاية فكانوا أعمّ وأِشمل وفيها ورد قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {165}) ، فالمؤمنون خلائفهم أطول وأكثر من الكافرين فجاء بالمعنى الأعمّ والأشمل في سورة الأنعام بحذف (في).
آية (17):
*ما دلالة تنكير الكذب أو تعريفه؟(د.فاضل السامرائى)(1/14)
نكّر الكذب ليشمل كل كذب عام لأن المعرفة ما دلّ على شيء معين. الكذب يقصد شيئاً معيناً بأمر معين (قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) يونس) هنالك أمر في السياق يقصده فذكر الكذب، فلما يقول الكذب فهو كذب عن أمر معين بالذات مذكور في السياق أما عندما يقول كذب فيشمل كل كذب.
كذب يشمل كل كذب وليس الكذب في مسألة معينة (قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) يونس) لم يذكر مسألة معينة حصل كذب فيها فإذن نكّر كذب ليشمل كل كذب وليس هنالك أمراً معيناً.
*ما الفرق بين (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {21} الأنعام) - (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ {17} يونس)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/15)
قال تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {21} الأنعام) هذا بسورة الأنعام في يونس (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ {17} يونس). الأولى لا يفلح الظالمون يخاطب بها بنو إسرائيل من حيث أن هؤلاء تحريفهم استمر إلى يوم القيامة حرفوا التوراة والإنجيل إلى يوم القيامة كما قال تعالى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ {46} النساء) وفي آية أخرى (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ {41} المائدة) يحرفون من بعد مواضعه من ساعة نزوله يكذبون على الله عز وجل وقد كذبوا على موسى قال لهم: قولوا حطة قالوا: زمحيطة من أول يوم. إذا ًهناك تحريف في التوراة والإنجيل من يوم ما نزل، ورب العالمين أثبت هذا والتاريخ أثبت هذا وعلماؤهم يثبتون هذا. (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) هذا على امتداد التاريخ وتعرفون التاريخ كما أن هناك أبحاث كثيرة عن الجهود التي خاصة عن طريق اليهود الذين حرفوا التوراة والإنجيل تحريفاً يكاد يكون مسخاً لكلا الكتابين الكريمين.(1/16)
هذا رب العالمين قال (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) لأن هذا شرك وكلنا نعرف أنهم قالوا أن عزير ابن الله والمسيح ابن الله وغير ذلك كثير فرب العالمين قال (لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وهم المشركون، الثانية (فَمَنْ) هنا الكلام مبتدأ هنا بالفاء بناءً على آية قبلها (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ {15} يونس) قال (فَمَنْ أَظْلَمُ) تفريعاً على هذا، لماذا قال لا يفلح المجرمون؟ لأن هؤلاء كفار قريش وزعماء قريش وقادتها ما حرفوه من أجل تحيز ديني اليهود والنصارى الرهبان والأحبار حرّفوا القرآن من منطلق طائفي وفئوي ومذهبي كما هو معروف. كل واحد يفسر التوراة والإنجيل وينحرف بها على وفق ما تحققه مصلحته باعتباره مذهباً أو طائفة من هؤلاء وهؤلاء كفار قريش ما كان فيهم طائفة ولا حزب بس غيرة وحسد وقالوا (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ {31} الزخرف) كيف هذا اليتيم يصبح نبياً؟ أين المغيرة بن شعبة وأمية بن خلف وفلان الفلاني الخ؟ قضية عنصرية وحسد، فهم مجرمون هذا الفرق بين الظالمون وبين المجرمون.(1/17)
ورب العالمين عز وجل أطلقها إطلاقاً كاملاً لم يذكر أسماء لماذا؟ حتى القرآن رب العالمين برغم أنه حفظه قال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9} الحجر) حاولوا وهناك محاولات كثيرة في التاريخ ولكنها فشلت هناك قرآن مسيلمة وفشل هناك قرآن واحد من الزنج وفشل حتى الآن هناك من يدعون أن هناك قرآن اسمه قرآن فاطمة وهذا كله ذهب إلى أدراج الرياح ولا قيمة له وهذا القرآن الذي بين أيدينا هو نفسه الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وهذا من إحدى معجزاته قلنا لأن هذا القرآن هو معجزة النبي وليس التوراة والإنجيل هما المعجزتان من أجل هذا القرآن حصين عن التحريف رغم المحاولات وقبل فترة ظهر على صفحات الانترنت قرآن جديد أيضاً لا أدري من الذي عمله كل هذه محاولات يائسة بائسة يفعلها المجرمون لا من منطلق فئة وكذا وإنما من منطلق إجرامي أخلاقي لا أكثر ولا أقل، إذا صار أن التحريف استمر بالتوراة والإنجيل إلى يوم القيامة الآن لا تستطيع أن تدعي أن هذه التوراة هي التي نزلت على سيدنا موسى وأن هذا الإنجيل هو الذي نزل على سيدنا عيسى إطلاقاً كم إنجيل فيه؟ إنجيل لوقا وإنجيل.برنابا وإنجيل متّى أي منها صحيح؟ حينئذٍ هكذا التوراة القرآن الكريم الآية تقرأها في أي مصحفٍ في العالم هي نفسها.
آية (19):
*ما معنى (كان الناس أمة واحدة)؟ وبما أن الناس أمة واحدة فما الغرض من بعث النبيين مبشرين ومنذرين؟(د.فاضل السامرائى)(1/18)
السائل الكريم يشير إلى قوله تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) أمة واحدة أي متفقين على التوحيد مقرّين بالعبودية ولكن السؤال إذا كانوا كذلك لم أرسل الرسل؟ أظن لو أكمل السائل الآية لاتضح الأمر، نقرأ الآية (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ (213) البقرة) إذن كانوا أمة واحدة فاختلفوا كما في آية أخرى (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ (19) يونس) لما قال ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه إشارة إلى أنهم اختلفوا وهذا اقتضى إرسال النبيين والمرسلين.
* كلمة يختلفون وتختلفون وردت في القرآن في مواضع كثيرة (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) ما كُنه الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى:(فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي في الذي كانوا فيه يختلفون. إما يقول قضي بينهم أو يحكم بينهم ولما يقول يحكم بينهم وقضي بينهم يستعمل فيه. أما كانوا وكنتم فالأكثر لما يقول (كانوا) الكلام عن يوم القيامة والاختلاف كان في الدنيا (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) الاختلاف في الدنيا. (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) هذه الآن وليس في يوم القيامة (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لأنها تقصد الدنيا.
آية (20):(1/19)
*ما الفرق بين الآيتين (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (37) الأنعام) (وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20) يونس)؟(د.فاضل السامرائى)(1/20)
السائل يسأل عن آيتين الأنعام (37) ويونس (20). آية الأنعام (وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (37) الأنعام) وفي يونس (وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (20) يونس) قال في الأنعام (لولا نُزِّل) وفي يونس (لولا أنزل). عندنا فعّل وأفعل ونحن نعرف أن فعّل التنزيل هو أشد وآكد (فعّل) مثل وصّى وأوصى فيها مبالغة وشدة وتكثير وعلّم وأعلم وكرّم وأكرم، كرّم أكثر. فإذن معنى ذلك أن الكلام في يونس التنزيل على ما هو أشد هكذا طبيعة اللغة. معنى ذلك أن السياق في الأنعام في التنزيل هو أشد وآكد مما هو في يونس. ننظر في السياق لنرى هل هو فعلاً آكد أم لا؟ قال في الأنعام (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)) تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء. قال في يونس (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)) لا نفق في الأرض ولا سلم في السماء.(1/21)
إئت بقرآن غير هذا (ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)) أيّ الآيات الملجئة أشد ما ذكر في الأنعام أو ما ذكر في يونس؟ ما ذكر في الأنعام يؤكد أكثر (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)) هذا شديد. واضح أن مسألة التنزيل وما يطلبونه من الآيات الملجئة في الأنعام أشد فاقتضى أن لا يستوي الأمران.
سؤال: أحياناً يستخدم القرآن نَزَل؟ ألا تدل على طبقات عالية أعلى من طبقات فيكون نزل من درجة إلى درجة ونزّل وأنزل؟
نزل هو نزل بنفسه. أنزله هناك منزِل يعني تعدية إما بالهمزة أو بالتضعيف. لا يقتضي تغيّر مكاني هو كله نزول من مكان عالي ولا يختلف الارتفاع باختلاف الفعل، نزل من مكان عالي وأنزل يعني هناك من أنزله من مكان عالي وكذلك نزّل ولكن هناك الفرق بين الصيغتين مثل موّت وأمات، (فعّل) فيها شدة أو تكثير أو مبالغة يقولون موتت الإبل لا يقولون موّت الجمل بمعنى كثر فيها الموت، يقولون ماتت للقليل والكثير مات قد يقال للواحد مات الجمل مات البعير، موّتت للتكثير يعني كثُر فيها الموت.
سؤال: يقولون هذا فعل مجازي لأنه لم يمت من تلقاء نفسه ولكن الله أماته؟(1/22)
هذا شيء آخر لأن الفاعل في اللغة ليس هو الذي يفعل الفعل وإنما الذي أُسند إليه الفعل هو الفاعل. القول أن الفاعل هو الذي فعل الفعل هذا ليس في النحو أصلاً ولا يمكن أن تجد هذا في كتاب نحو. الفاعل ما أسند إليه فعل أصليّ الصيغة أو ما ناب عنه يعني الوصف وغير ذلك. نحن نعلِّم في المدارس الابتدائية الأولية للصغار أن الفاعل هو الذي فعل الفعل لكن في النحو لا يمكن أن تجد في النحو أن الفاعل هو الذي فعل الفعل لا يمكن، هذا ما درسناه في الابتدائية وبقي في أذهاننا أنا في النحو فالفاعل هو الذي أسند إليه فعل أصليّ الصيغة يعني ليس مبنياً للمجهول أو ما قام مقامه من وصف أو غيره مقدّماً عليه.
آية (21):
*انظر آية (12).???
*ما الفرق بين(وَلَئِنْ أَذَقْنَاالإِنْسَانَ مِّنَّا رَحْمَةً )و(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ) وما دلالة استعمال (لئن) و(إذا)؟(د.فاضل السامرائى)(1/23)
نعرف الفرق بين (إذا) و(إن). إذا تستعمل فيما هو كثير وفيما هو واجب و(إن) لما هو أقلّ عموم الشرط وقد يكون آكد وقد يكون مستحيل وقد يكون قليل، هذه القاعدة. الكثير نستعمل له (إذا). (إذا) إما للمقطوع به أو كثير الوقوع (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا (86) النساء) (إن) تستعمل لما هو أقل أولما هو نادر أو لما ليس له وجود أصلاً. (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ (21) يونس) عموم الناس قد تصبهم رحمة. رحمة الله تعالى تصيب عموم الناس، وإذا مس الناس الضر دعوا ربهم، إذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها، هذا كثير. (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً) هذا واحد، (ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ) هذه حالة أقل من الأولى، هذه حالة تربية (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ) هذه فردية وليس فقط فردية وإنما يذيقه رحمة وينزعها منه.
آية (22):
* ما دلالة استخدام صيغة صبّار شكور ؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً كلمة صبّار:الصبر إما أن يكون على طاعة الله أوعلى ما يصيب الإنسان من الشدائد. فالصلاة تحتاج إلى صبر وكذلك سائر العبادات كالجهاد والصوم. والشدائد تحتاج للصبر.
أما كلمة شكور: فالشكر إما أن يكون على النعم (واشكروا نعمة الله) أو على النجاة من الشّدّة (لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) فالشكر إذن يكون على ما يصيب الإنسان من النِّعَم أو فيما يُنجيه الله تعالى من الشِّدّة والكرب.(1/24)
إضافة إلى هذا فإنه إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه تعالى إذا كان السياق في تهديد البحر يستعمل (صبّار شكور) وإذا كان في غيره يستعمل الشكر فقط. ففي سورة لقمان مثلاً قال تعالى في سياق تهديد البحر (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)) وفي سورة الشورى (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33))(1/25)
أما في سورة الروم فقد قال تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)) فجاء بالشكر فقط وكذلك في سورة النحل (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)) وفي سورة يونس (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)) وهناك أمر آخر وهو أن كلمة صبّار لم تأت وحدها في القرآن كله وإنما تأتي دائماً مع كلمة شكور وهذا لأن الدين نصفه صبر ونصفه الآخر شكر كما في قوله تعالى في سورة ابراهيم (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)) وفي سورة سبأ (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)).
والآن نسأل لماذ استعمل صيغة صبّار على وزن (فعّال) وهذا السؤال يدخل في باب صيغ المبالغة وهو موضوع واسع لكننا نوجزه هنا فيما يخصّ السؤال.
صيغ المبالغة : مِفعال، فعّال وفعول كل منها لها دلالة خاصة.(1/26)
مِفعال: (معطاء ومنحار ومعطار) هذه الصيغة منقولة من الآلة كـ (مفتاح ومنشار) فنقلوها إلى المبالغة، فعندما يقولون هو معطاء فكأنه صار آلة للعطاء، وقولنا امرأة معطار بمعنى زجاجة عطر أي أنها آلة لذلك.
والدليل على ذلك أن صيغة المبالغة هذه (مِفعال) تُجمع جمع الآلة ولا تُجمع جمع المذكر السالم ولا جمع المؤنث السالم، فنقول مثلاً مفتاح مفاتيح، ومنشار مناشير، ومحراث محاريث، ورجل مهذار ورجال مهاذير، فيجمع جمع الآلة، ولذلك لا يؤنث كالآلة
يا موقد النار بالهندي والغار هيجتني حزناً يا موقد النار
بين الرصافة والميدان أرقبها شبّت لغانية بيضاء معطار
فلا نقول معطارات وإنما نجمع معطار على معاطير، فنقول نساء معاطير ورجال معاطير، وامرأة مهذار رجال مهاذير..فهي من الصيغ التي يستوي فيها المذكر والمؤنث، ولا تجمع جمعا سالما، فلا نقول امرأة معطارة وإنما نقول امرأة معطار ورجل معطار ، ونجمعها جمع الآلة (معاطير) للرجال والنساء. هذه هي القاعدة
صيغة فعّال: من الحِرفة. والعرب أكثرما تصوغ الحِرَف على وزن فعّال مثل نجّار وحدّاد وبزّاز وعطّار ونشّار. فإذا جئنا بالصفة على وزن الصيغة (فعال) فكأنما حرفته هذا الشيء. وإذا قلنا عن إنسان أنه كذّاب فكأنما يحترف الكذب. والنجّار حرفته النجارة. إذن هذه الصيغة هي من الحِرفة وهذه الصنعة تحتاج إلى المزاولة. وعليه فإن كلمة صبّار تعني الذي يحترف الصبر. وقد وردت هذه الصيغة في القرآن الكريم في صفات الله تعالى فقال تعالى (فعّال لما يريد) قوله تعالى غفّار بعدما يقول (كفّار) ليدلّ على أن الناس كلما أحدثوا كفراً واستغفروا غفر الله تعالى لهم (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) نوح).(1/27)
صيغة فعول: مأخوذة من المادة (المواد) مثل الوقود وهو الحطب الذي يوقد ويُستهلك في الاتّقاد، والوضوء الماء الذي يُستهلك في الوضوء، والسحور ما يُؤكل في السحور، والسفوف وهو ما يُسفّ، والبخور وهو ما يُستهلك في التبخير. فصيغة فعول إذن تدل على المادة التي تُستعمل في الشيء الخاصة به. وصيغة فعول يستوي فيها المؤنّث والمذكر فنقول رجل شكور وامرأة شكور. ولا نقول شكورة ولا بخورة ولا وقودة مثلاً. وكذلك صيغة فعول لا تُجمع جمع مذكر سالم أو جمع مؤنّث سالم فلا نقول رجال صبورين أو نساء صبورات وإنما نقول صُبُر وشُكُر وغُفُر. وعليه فإن كلمة شكور التي هي على وزن صيغة فعول منقولة من المادة . فإذا قلنا صبور فهي منقولة من المادة وهي الصبر وتعني أن من نصفه بالصبور هو كله صبر ويُستنفذ في الصبر كما يُستنفذ الوقود في النار. وكذلك كلمة غفور بمعنى كله مغفرة ولذلك قالوا أن أرجى آية في القرآن هي ما جاء في سورة الزُمر في قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)).(1/28)
وهنا نسأل أيهما أكثر مبالغة فعول أو فعّال؟ فعول بالتأكيد أكثر مبالغة من فعّال ولذلك فكلمة صبور هي أكثر مبالغة وتعني أنه يفني نفسه في الصبر أما كلمة صبّار فهي بمعنى الحِرفة. ونسأل أيضاً أيهما ينبغي أكثر في الحياة الصبر أو الشكر؟ الشكر بالتأكيد لأن الشكر يكون في كل لحظة والشكر يكون على نعم الله تعالى علينا وهي نعم كثيرة وينبغي علينا أن نشكر الله تعالى عليها في كل لحظة لأننا في نعمة من الله تعالى في كل لحظة. وقد امتدح الله تعالى ابراهيم عليه السلام بقوله (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)) واستعمل كلمة (أنعُم) لأنها تدل على جمع القِلّة لأنه في الواقع أن نِعم الله تعالى لا تُحصى فلا يمكن أن يكون إنسان شاكرا لنعم الله، والإنسان في نعمة في كل الأحوال هو في نعمة في قيامه وقعوده ونومه .. الخ كما جاء في قوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) النحل). وعليه فإن الشكر يجب أن يكون أكثر من الصبر فالصبر يكون كما أسلفنا إما عند الطاعات وهي لها أوقات محددة وليست مستمرة كل لحظة كالصلاة والصيام أو الصبر على الشدائد وهي لا تقع دائماً وكل لحظة على عكس النِّعم التي تكون مستمرة في كل لحظة ولا تنقطع تنقطع لحظة من لحظات الليل أو النهار، وتستوجب الشكر عليها في كل لحظة فالإنسان يتقلب في نعم الله تعالى.(1/29)
ومما تقدّم نقول أنه تعالى جاء بصيغة صبّار للدلالة على الحِرفة وكلمة شكوربصيغة فعول التي يجب أن يستغرقها الإنسان في الشكر للدلالة على أن الانسان يستغرق في الشكر، ويكفي أن يكون الإنسان صبّاراً ولا يحتاج لأن يكون صبوراً. أما صيغة شكور فجاء بها لأن الانسان ينبغي أن يشكر الله تعالى على الدوام وحتى لو فعل فلن يوفّي الله تعالى على نِعَمه.
* ما دلالة استعمال الريح في آية(22) سورة يونس؟(د.فاضل السامرائى)
الكلمة لا توصف بأنها بليغة وإنما يقال عنها كلمة فصيحة لكن بلاغة الكلمة عندما تضعها في كلام وفي سياق. ولا بد من معرفة قواعد اللغة العربية وأحكامها حتى لا نخرج من قواعدها عندما نتكلم عن القرآن ثم إن هناك خصوصيات في استعمال القرآن فعلى سبيل المثال القرآن يستعمل الريح في الشر والرياح في الخير إلا في موطن واحد قال تعالى (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) يونس) قال ريح طيبة ثم أتبعها بريح عاصف وعليه ينبغي أن ننظر كيف يستعمل القرآن الكلمة في سياقها.(1/30)
*في بعض المواقع في القرآن نلاحظ أنه في نفس الآية توجد صيغة المخاطب والغائب في نفس الآية مثل قوله تعالى في سورة يونس (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)) فما دلالة تحول الخطاب من صيغة المخاطب إلى الغائب؟(د.فاضل السامرائى)
هذه تسمى إلتفات في اللغة أما لماذا التفت؟.(حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ) كان يخاطبهم والآن ذهبت الفلك وأصبحوا غائبين فالآن يُخبِر عنهم لا يخبرهم فعندما جرت الفلك أصبحوا غائبين قال (وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) فحكى عنهم وهذا يسمى إلتفات.
*د.فاضل السامرائى :
كلمة الفلك استعملت في القرآن للمفرد (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون) سورة يس ، وللجمع (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) سورة يونس، وكذلك كلمة طفل تستعمل للمفرد والجمع وقد يستعمل جمعها أيضاً لأنها تجمع على أطفال (والطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) و (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم).
آية (24):
*ما الدلالة البلاغية في قوله تعالى (أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا (24) يونس) مع أن الساعة عندما ستقوم ستقوم إما ليلاً أو نهاراً؟(د.فاضل السامرائى)(1/31)
الوقت ليس إلا ليلاً أو نهاراً والساعة عندما تقوم تقوم ليلاً أو نهاراً فلِمَ ذكر التوقيت؟ لأن الأرض لا تكون في وقت واحد ليل أو نهار وإنما قسم ليل وقسم نهار. الأرض هي كرة قسم فيه ليل وقسم فيه نهار، تأتي في وقت قسم فيه نائم وقسم غير نائم، قسم منشغل وقسم غير منشغل. أحوال الناس في الليل والنهار ليست واحدة وإنما مختلفة فتأتيهم في جميع الأحوال في حالة اليقظة والنوم وفي الراحة وغير الراحة والانشغال.
آية (28):
*ما دلالة هذا الأسلوب في الإلتفات من صورة الخطاب إلى صورة الغيبة الآية 28-29 ؟(د.حسام النعيمى)
هنا جدل بين المشركين ومن كانوا يعبدونهم، كانوا يتخذونهم آلهة من دون الله يتبعون ما يقولون وإن خالف قولهم شرع الله. (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) يونس هؤلاء الشركاء يريدون شاهداً ليس المهم بيننا وبينكم المهم الشاهد يشهد لهم أنهم ما كانوا يعبدونهم ولذلك جاءت (وكفى بالله شهيداً بيني وبينكم).(1/32)
هذا الأسلوب في الإلتفات من صورة الخطاب إلى صورة الغيبة مضطرد في القرآن كما في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) يونس) لم يقل وجرين بكم، أخذهم ووضعهم في السفينة ويتكلم عن غائبين يشعر الإنسان أنه يركب في السفينة وهناك من يتحدث عنه وهو غائب. القرآن الكريم فيه تصوير رائع للأحداث.
آية (29):
*جاء في القرآن كله تقديم كلمة شهيد على بيني وبينكم كما جاء في سورة الأنعام (قل الله شهيد بيني وبينكم) وسورة يونس آية 29 والرعد آية 43 والإسراء آية 96 والأحقاف آية 8 أما في سورة العنكبوت فقد جاءت كلمة شهيد متأخرة عن بيني وبينكم في الآية 52 (كفى بالله بيني وبينكم شهيداً) فما سبب الإختلاف؟(د.حسام النعيمى)(1/33)
مسألة التقديم والتأخير في القرآن الكريم تستدعي النظر في عموم التقديم والتأخير في اللغة بمعنى أن لغة العرب لماذا تقدم ولماذا تؤخر؟ لا شك أن هناك أسباباً للتقديم. الأصل عندنا نظام للجملة العربية بشقّين: الفعل مع مرفوعه سوءا كان فاعلاً أو نائب فاعل ثم تأتي المتممات من مفعول به، حال، مفعول مطلق إلى آخره . والشق الثاني : المبتدأ والخبر ثم يأتي بعده المتممات. أحياناً بعض المتممات تتقدم على الخبر. الأصل مبتدأ وخبر أو فعل ومفعول في بعض الأحيان تكون هذه المتممات بينية تدخل بين المبتدأ والخبر (أركان الجملة الرئيسية) وفي بعض الأحيان حتى المتممات وهناك نظام لها: المفعول به يتقدم على غيره في كلام العرب وهم لديهم هذا المثال: (ضرب الأمير اللصَّ ضرباً مبرّحاً أمام داره في بيته). يذكرون هذه المتممات. فالمفعول به يتقدم. وهناك نظرية العامل والمعمول: المعمول يتقدم على عامله. الأصل في المعمول أن يتأخر على عامله. هذا فيه تفصيل.
لكن نجد أنه بشكل عام التقدم يكون للإهتمام في الغالب إلا في بعض الأحيان. يكون التقديم لإقامة الجملة. مثلاً حينما يكون المبتدأ نكرة ولا مسوّغ للإبتداء به إلا تقدم الخبر وهو ظرف أو جار ومجرور كما جاء في ألفية إبن مالك:
ولا يجوز الإبتدا بالنّكره ما لم تُفِد كعند زيدٍ نمره
وهل فتى فيكم فما خِلٌ لنا ورجلٌ من الكِرام عندنا
ورغبةٌ في الخير خيرٌ وعمل بِرٍّ يزينُ وليُقس ما لم يُقل(1/34)
فأحياناً يكون التقديم والتأخير واجباً وله مواطن وقوانين في لغة العرب ومن خلال كلام العرب علماؤنا إستطاعوا أن يستنبطوا هذه القواعد أو القوانين. فلما نأتي مثلاً إلى كلمة زيدٌ في المكتبة، يمكن أن تقول: في المكتبة زيدٌ. سيبويه يقول يجوز الوجهان على معنيين مختلفين: في الجملة الأولى أخبرنا عن وجود إنسان في مكان معين هو المكتبة وهو زيد، فسواء قلنا زيد في المكتبة أو في المكتبة زيد، نحن نسبنا الوجود لزيد في المكتبة لكنه يقول لا. عندما تقول زيد في المكتبة، عنايتك بالإنسان زيد أكثر من عنايتك بالمكان (في المكتبة). لما تقول : في المكتبة زيد، أنت تعتني بالمكتبة أكثر من عنايتك بزيد. تتضح الصورة أكثر عندما تدخل (إنما): إنما في المكتبة زيد. هنا صار الحصر في الآخر فلم يعد الإهتمام بما تقدم وإنما صار الإهتمام بالمتأخر لأنه حُصر. (إنما في المكتبة زيد) تقولها عندما يختلف الناس من في المكتبة؟ بعضهم يقول في المكتبة عمرو والآخر يقول في المكتبة زيد والآخر يقول في المكتبة حسن فأقول: إنما في المكتبة زيد. فالمسؤول عنه هو الآخر المحصور. لكن لما نعرف زيداً لكن لا ندري أين هو؟ تقول العرب: إنما زيد في المكتبة، هنا إختلفوا في المكان.
فأحياناً المتقدم هو المعني به وأحياناً يأتي بحيث تؤخر ما أنت مهتم به، لكلٍ قانونه ولكلٍ نظامه.
لما نأتي لنظام الفعل والفاعل : أكرم زيدٌ خالداً (زيد أعطى وخالد أخذ)، أكرم خالداً زيدٌ، لم يتغير المعنى الأساسي أيضاً زيد أعطى وخالد أخذ لكنك إعتنيت بالكرم وخالد أكثر من إعتنائك بزيد. فإذا قلت: خالداً أكرم زيدٌ، تكون عنايتك بخالد أكثر من الكرم وأكثر من زيد. العربية لأنها لغة معربة فيها هذه المرونة وهذه السعة.(1/35)
نأتي إلى الآية (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) العنكبوت) في غير القرآن يمكن القول: كفى بالله شهيداً بيني وبينكم. بل حتى في القرآن في آيات أخرى في خمس آيات وردت بهذه الصيغة (كفى بالله شهيداً بيني وبينكم) تأتي شهيداً بعد إسم الجلالة. أما في الآية موضع السؤال في سورة العنكبوت: (كفى بالله بيني وبينكم) جاءت متقدمة على (شهيداً). إذن هناك سر جعل هذه الكلمة مقدمة. والذي قدّمها في خمسة مواضع يستطيع أن يقدمها في الموضع السادس فلماذا جاءت (كفي بالله بيني وبينكم شهيداً) شهيداً متأخرة؟
جاء في الآية (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)) الخطاب للرسول ? (أنزلنا عليك) و (عليهم) إذن (عليك، عليهم) فناسب أن يقدّم (بيني وبينكم) لأن الخطاب للرسول ?: قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً) وإلا كان يمكن أن يقول (كفى بالله بينك وبينهم شهيداً) هذا شيء.(1/36)
الأهم من هذا أنه عندنا كلمة (يعلم) هذه جملة فعلية هي وصف لكلمة (شهيداً) (شهيداً يعلم) يعني شهيداً عالماً فلما كان يعلم وصفاً لشهيدا فلو قدم شهيداً وجعله (وكفى بالله شهيداً بيني وبينكم يعلم) يكون هناك فاصلاً بين الصفة والموصوف يطول الكلام ويضعف. حينما تفصل الصفة وموصوفها يضعف الكلام من حيث التركيب سيتبعد الوصف عن صفته ويكون (بيني وبينكم) فاصلاً. فتفادياً لهذا الضعف - ولغة القرآن اللغة الأعلى والأسمى والأرقى- فتفادياً لهذا الضعف وإتّكاء على ذكر المخاطب والغائبين (عليك، عليهم) نوع من التنسيق، والأصل أن يتفادى الفصل بين الصفة والموصوف بكلام (بيني وبينكم) تطيل الفاصل والأصل في اللغة العليا أن لا يُفصل بين النعت ومنعوته. وهو قد يجوز أن تفصل لكن ليس هو الأفضل في اللغة العليا. لذلك جاء (كفى بالله بيني وبينكم شهيداً يعلم) لأن (يعلم) نعت لـ(شهيداً) فلا بد أن تتصل بها.
الآيات الأخرى جاءت على الأصل يعني أن العامل تقدم على المعمول لأن (بيني وبينكم) معمولان لـ (شهيداً) تقدم على العامل. لكن لما يتقدم (شهيد) يأتي المعمول بعدها. الطبيعي أن يأتي العامل ثم يأتي المعمول (كفى بالله شهيداً بيني وبينكم) فما جاء على الأصل لا يُسأل عنه. كما تقول: كتب زيد رسالة، لا نقول لماذا تقدم الفاعل ؟ هذه رتبته هكذا يأتي قبله. إذا جاء الشيء على الأصل لا يُسأل عنه عندما يكون العامل مقدّماً على معموله فهذا هو الأصل. بيني وبينكم معمولان متعلقان بـ (شهيداً) لما يأتي (بيني وبينكم) بعد (شهيداً) لا يُسأل عنه لأن هذا الأصل. مع ذلك لو نظرنا في الآيات التي قد تأخر فيها الظرف نجد أن هناك أسباباً دعت إلى تأخيره ولا يمكن أن يتقدم:(1/37)
الآية فى سورة يونس: جدل بين المشركين ومن كانوا يعبدونهم، كانوا يتخذونهم آلهة من دون الله يتبعون ما يقولون وإن خالف قولهم شرع الله. (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) يونس) هؤلاء الشركاء يريدون شاهداً ليس المهم بيننا وبينكم المهم الشاهد يشهد لهم أنهم ما كانوا يعبدونهم ولذلك جاءت (وكفى بالله شهيداً بيني وبينكم) بينما هناك في الآية التي تقدمت فيها جاءت بسبب وجود (يعلم) الذي هو الصفة أخّرها وقدّم الظرف، والظرف اللغة تتوسع فيه.
آية (32):
*ما الفرق بين الرُشد والحق؟ (د.فاضل السامرائى)(1/38)
الحق ليس مناقضاً للرُشد ولا الرُشد مناقضاً للحق. الحق أعم من الرُشد، يعني يوصف بالحق أحياناً ما لا يوصف بالرشد ويُخبر عنه بما لا يخبر بالحق يعني (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا (6) النساء) هل يمكن أن يقال آنستم منهم حقاً؟ كلا. (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) ص) (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ (61) البقرة) (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ (282) البقرة) (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (62) آل عمران) (وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ (86) آل عمران) (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ (27) المائدة) كلها لا يصح فيها الرُشد، الحق أعم من الرشد (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ (57) الأنعام) لا يصح أن يقال يقص الرُشد، (ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ (62) الأنعام) (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ (32) يونس) الحق أعمّ. وهذا أول فرق بين الحق والرشد أن الحق أعم وأنه يُذكر في أمور لا يصح فيها ذكر الرُشد. الأمر الآخر أن الرُشد لا يقال إلا في العاقل العاقل يوصف بالرُشد أما الحق عام، نقول القتل بالحق، هذا المال حق لك، إذن الله هو الحق، الجنة حق والنار حق. هنالك أمران حقيقة: أولاً الحق أعمّ من الرُشد يُخبر به عن الإنسان وغيره ومن ناحية اخرى الرُشد خاص بالعاقل، إذن الرشد قسم من الحق وليس الحق كله، كل رشد هو حق لكن ليس حق رشداً باعتبار الحق أعمّ.
آية (33):
*ما معنى حق القول؟(د.فاضل السامرائى)(1/39)
حق القول في القرآن معناه ثبت لهم العذاب. القول هو قوله تعالى (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة). كلمة حق القول إشارة إلى حق القول مني. حق القول في القرآن الكريم وكذلك حقت الكلمة لم ترد إلا في ثبوت العذاب هذا يمتد في جميع القرآن استقصاء بإلا بمعنى وجب لهم العذاب أو ثبت لهم العذاب مثال (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (97) يونس) (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33) يونس) كلها لم ترد في القرآن لم ترد إلا بهذا المعنى وهذه الدلالة، حق القول أو حقت الكلمة لم ترد إلا بهذه الدلالة.
*ما اللمسة البيانية في تقديم القول على الجار والمجرور في هذه الآية(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) يس) مع أنه في موطن آخر عكس الترتيب قال (لقد حق عليهم القول)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/40)
في آية سورة يس قدّم القول على الجار والمجرور (أكثرهم) وفي مواطن أخرى قدّم الجار والمجرور فقال (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ (25) فصلت) (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96) يونس) التقديم والتأخير كما هو مقرر في علم البلاغة حسب العناية، السياق، ما كانت العناية به أكثر هو مدار التقديم والتأخير عليه، يقدم ما كان مدار العناية إذا كان الاهتمام بالقول أكثر قدم القول وإذا كان الاهتمام بمن حق عليهم القول أكثر يقدم من حق عليهم القول (عليهم). إذن إذا كان الاهتمام بالقول يقدم القول وإذا كان الاهتمام بمن حق عليهم القول بالأشخاص، بالمجموعة يقدّم (عليهم).(1/41)
مثال: قال تعالى (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت) قدّم (عليهم) من حق عليهم القول لأن سياق الناس فيمن حق عليهم القول الأقوام الذين حق عليهم القول الكلام على أعداء الله ابتداءً في عشر آيات في هذا السياق من الآيات 19 إلى 29 في سورة فصلت (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) الكلام كله عمن حق عليهم القول (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)) كل الكلام على أعداء الله وليس هناك كلام عن القول أو من قال (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)) إلى أن يقول (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)(1/42)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)) السياق كله فيمن حق عليهم القول، في أعداء الله إذن ناسب تقديم (عليهم).(1/43)
في حين قال (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33) يونس) قدم (كلمة) على الجار والمجرور لأن الاهتمام ليس منصرفاً إلى هؤلاء وإنما الكلام على الله صاحب الكلمة ونعمه واستحقاقه للعبادة فناسب تقديم (كلمة) نذكر السياق (فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)) الكلام عن الله سبحانه وتعالى (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)) الكلام عن الله فذكر كلمته، (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)) فلما كان الكلام عن الله واستحقاقه للعبادة قدّم (كلمة) ولما كان الكلام على أعداء الله قدّمهم.
آية (35):
*ما هي اللمسة البيانية فى كلمة (يهدّي) في سورة يونس؟(د.فاضل السامرائى)(1/44)
قال تعالى في سورة يونس (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ {35}) من حيث التكوين اللغوي كلمة يهدّي تعني يهتدي وحصل فيها إبدال معلوم التاء انقلبت دال مثل قوله (يخصّمون) في سورة يس وهي (يختصمون) وكلمة (ازّينت) وهي تزينت.
يبقى السؤال لماذا جاءت (يهدّي) هي فيها تضعيف الدال بينما يهتدي ليس فيها تضعيف الدال والتضعيف يفيد المبالغة أي بالغ في عدم اهتداء هؤلاء. وعندنا التضعيف فيه مبالغة مثل كسر وكسّر. هذه الآية الوحيدة في القرآن كله التي وردت فيها (يهدّي) والباقي (يهتدي), ربنا تعالى أراد أن يذكر المبالغة في عدم اهتدائهم وفي القرآن كله الكلام في الإنسان (يهتدي) إلا هذه الآية فالكلام في الأصنام وفيها مبالغة في عدم الإهتداء فأُبدل ليصير مبالغة وتكثير وهؤلاء ايسوا مثل البشر. في الأصنام مبالغة في عدم الإهتداء أُبدل وقال (لا يهدّي) للمبالغة في عدم الهداية. والأصنام ليست كالبشر لأنها غير قادرة على فعل شيء ولم يرد في القرآن نفي الهداية عن الأصنام إلا في هذه الآية. في كل القرآن ورد نفي الهداية عن البشر فجاء بلفظ يهتدي وتهتدي. وإذا فقد السمع والبصر مبالغة في عدم الهداية لذا المبالغة في عدم الهداية جاءت كلمة (يهدّي) فكيف تهتدي الأصنام؟ لذا اقتضى المبالغة. وتوجد قراءة متواترة (يهدي).
*في سورة يونس (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)) ما دلالة استخدام إلى الحق، للحق؟(د.فاضل السامرائى)(1/45)
الفعل هدى يتعدّى بنفسه ويتعدّى بـ (إلى) ويتعدى باللام. يتعدّى بنفسه (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) الفاتحة) الفاتحة) (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) مريم)، يتعدى بـ (إلى) (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) (وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) سبأ) ويتعدى باللام (يَهْدِي لِلْحَقِّ) (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات) (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ (43) الأعراف)، هذا الفعل هدى. يبقى ما دلالة كل تعبير حتى نفهمه:
المتعدي بنفسه (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) مثلاً هذا يقال لمن كان على الصراط ولمن كان بعيداً عنه، الفعل هدى يقال في حالات يحددها السياق. من كان بعيداً عن الصراط يمكن أن نقول له إهدنا الصراط كقول إبراهيم ? لأبيه (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) وأبوه ليس على الصراط وإنما بعيد عنه. قول الرُسُل (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا (12) إبراهيم) وهم على الصراط، هم أنبياء الله وهم على الصراط. (إهدنا الصراط المستقيم) الذين يقولون إياك نعبد وإياك نستعين مؤمنون على الصراط قالوا (إهدنا الصراط المستقيم). إذن المتعدي بنفسه يقولها لمن هو على الصراط أو بعيداً عن الصراط. إهدنا السبيل قد يكون بعيداً عن السبيل وقد يكون هو على السبيل أي ثبّتني عليه وعلّمني ما فيه.(1/46)
المتعدّي بـ (إلى) الموجودة في الآية تقال لمن كان بعيداً عن الصراط تحديداً. لما تقول اهدني إلى الصراط أنت بعيد عن الصراط فيوصلك إليه (فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ (22) ص) أنت أوصلنا إليه، هم مختلفون ليسوا على الصراط. لذا قال تعالى (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) هل منهم من يوصِل إلى الحق؟
التعدية باللام تكون لمن وصل إلى الغاية، إلى غاية الأمر، إلى المنتهى. اللام تأتي للتعليل، لطلب العِلم وتستعمل لانتهاء الغاية (لأجل مسمى).
الإنسان يحتاج إلى هذه الهدايات كلها فمن كان بعيداً عن الصراط يحتاج من يوصله إلى الصراط ويدلّه عليه، فمن وصل يحتاج من يعرّفه بالصراط لأنه قد يستدل أحدهم على الطريق لكن لا يعرفه. المرحلة الأولى أن يوصله إلى الصراط والمرحلة الثانية أن يعرّفه ماذا في الطريق من مراحل، هل هو آمن، ماذا فيه؟ والذي هو سالك في الطريق يحتاج من يوصله إلى آخر الغاية، آخر الطريق لذلك لا تجد في القرآن مع اللام إهدنا للصراط وإنما تجد نهاية الأمور (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء (35) النور) (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ). هذه هي مسألة هدى الإنسان يحتاجها كلها.(1/47)
الآن نأتي إلى الآية: شركاؤهم لا يعرفون أين الحق ولو سألتهم أين الحق لا يعرفون أين الحق وأين الصراط هم أصلاً لا يعرفون الحق ولا الصراط أين هو (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) هم لا يعرفون أين الحق. إذن المرحلة الأولى من الهداية وهو أن يعلم أين هو الصراط غير موجودة، إنتفت الأولى فانتفت الثانية. (قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ) الله تعالى يوصلكم للنهاية وليس فقط يهديكم إلى الحق هذا آخر الهدايات. إذن هو الله تعالى ليس فقط يهدي إلى الحق، آلهتكم لا تعلم أين الحق لكن الله تعالى يهدي للحق، يوصلكم إلى آخر المطاف والمطاف إلى الجنة. رب العالمين تعدى كل المراحل (قل الله يهدي للحق) شركاؤهم لا يعلمون الحق والله تعالى يوصلكم إلى نهاية الحق ونهاية المطاف لذا يقول أهل الجنة (الحمد لله الذي هدانا لهذا) رب العالمين هداهم لهذا أوصلهم للجنة وهي آخر الغاية (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
فإذن الأولى واضحة (يهدي إلى الحق) (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) هذا استفهام إنكاري أي هل من أصنامكم من يدلكم على الحق أين هو؟ لكن الله تعالى يهدي للحق، إلى آخر الغاية يهديكم إلى الحق ويهديكم للحق ويهديكم الحق، يهديكم إلى الصراط ويهديكم الصراط ويهديكم إلى نهاية الأمر.
آية (36):
* ما الفرق في التعبير بين الآيتين (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) الأنفال) و (إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (36) يونس)؟(د.حسام النعيمى)(1/48)
قال تعالى:(إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) الأنفال) الفئة مؤنث فيفترض أن يكون الفعل معها مؤنثاً. ممكن في غير القرآن بسبب وجود الفاصل كلمة (عنكم) يمكن أن يقول (يغني) لكن لما تأتي على الأصل لا يُسأل عنه. لو قيل في غير القرآن (لن يغني) من حيث اللغة جائز، لكن جميع القراء مطبقون على كلمة (تغني).
أما الآية الأخرى (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) لا تستطيع أن تقول (لا تغني) لأن اللفظ مذكر.
تأنيث الفعل للفاعل فيها قواعد ثابتة:
*إذا كان الفاعل مجازي التأنيث مثل شمس يعني ليس له مذكر من جنسه إذا كان الفاعل ظاهراً فالفعل معه يجوز تأنيثه وتذكيره على السواء عند العرب يقول طلعت الشمس ويقول طلع الشمس.
*إذا كان حقيقي التأنيث يُنظر هل هناك فاصل؟ إذا وجد الفاصل عند ذلك يجوز التذكير والتأنيث فنقول "جاء إلى المحطة فاطمة" ولك أن تقول "جاءت إلى المحطة فاطمة". إذا لم يكن هناك فاصل فليس لك إلا أن تؤنّث "جاءت فاطمة". ولا يجوز جاء فاطمة وإن كان سيبويه قال: وسمعت بعض العرب يقول: قال فلانة من غير فاصل، وهذا نوع من الأمانة العلمية لدى علمائنا.
*إذا كان الفعل ضميراً مستتراً حتى إذا كان يعود على مؤنث مجازي يجب تأنيث الفعل نقول الشمس طلعت ولا يجوز أن نقول الشمس طلع.
آية (37):
*ما دلالة استخدام إسم الإشارة (ذلك) في الآية (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) بدل إسم الإشارة هذا؟(د.فاضل السامرائى)(1/49)
إسم الإشارة نفس الإسم أحياناً يستعمل في التعظيم وأحياناً يستعمل في الذم والذي يبين الفرق بينهما هو السياق. كلمة (هذا) تستعمل في المدح والثناء "هذا الذي للمتقين إمام" ويستعمل في الذم (أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) الفرقان) (كذلك) تستعمل في المدح "أولئك آبائي فجئني بمثلهم" أولئك جمع ذلك وهؤلاء جمع هذا، والذم. (ذلك) من أسماء الإشارة و(تلك) من أسماء الإشارة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) تعظيم، وأحياناً يكون في الذم تقول هذا البعيد لا تريد أن تذكره فهنا الذي يميز بين ذلك الاستعمال والسياق. (ذلك الكتاب لا ريب فيه) هنا إشارة إلى علوه وبعد رتبته وبعده عن الريب وأنه بعيد المنال لا يستطيع أن يؤتى بمثله (ذلك الكتاب لا ريب فيه) دلالة على البعيد والله تعالى قال في نفس السورة (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ (24)) هذا الأمر بعيد عن المنال أن يؤتى بمثله. إذن ذلك الكتاب إشارة إلى بعده وعلو مرتبته. والقرآن يستعمل (هذا) لكن في مواطن (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) الإسراء) عندما قال يهدي للتي هي أقوم يجب أن يكون قريباً حتى نهتدي به لكن لما قال ذلك الكتاب هو عالي بعيد لا يستطاع أن يؤتى بمثله.(1/50)
ثم إنه لم يذكر القرآن إلا بـ (هذا) ولم يقل (ذلك) كلما يشير إلى القرآن يشير بـ (هذا) (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ (19) الأنعام) (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ (37) يونس) (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ (3) يوسف) (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) لأن القرآن من القراءة وهو مصدر فعل قرأ وكلمة قرآن أصلاً مصدر، قرأ له مصدرين قراءة وقرآناً (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) القيامة). لما تقرأ تقرأ القريب إذن هذا هو القرآن. الكتاب بعيد ليس قراءة وإنما قد يكون في مكان آخر وهو في اللوح المحفوظ يسمى كتاباً. هناك فرق بين الكتاب والقرآن فالكتاب فيه بعد متصور أما القرآن فيكون قريباً حتى يُقرأ. حتى في كلمة الكتاب لما يقول أنزلنا يقول كتاباً (وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا (12) الأحقاف) (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (92) الأنعام). لو قال هنا في آية البقرة هذا الكتاب لا ريب فيه لكن كونه بعيد أن يؤتى بمثله لأنه في السورة نفسه قال (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) يعني بعيد عليكم فإسم الإشارة (ذلك) دل على علوِّهِ منزلة.
آية (38):
* ما الفرق بين (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة) و (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس؟
د.حسام النعيمى:(1/51)
التحدي كان بأكثر من صورة، كان هناك تحدي في مكة وتحدي في المدينة. السور المكية جميعاً جاءت من غير (من) (34) الطور، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس ، (13) هود ، (88) الإسراء هذه السور المكية بعضها قال بحديث، آية من مثله لذلك نقول ما ورد في كتاب الله عز وجل هو ليس نقلاً حرفياً للكلام وإنما هم قالوا كلاماً والقرآن الكريم يأتي به مصوغاً بما يناسب أعلى درجات الفصاحة والبلاغة. ، حتى عندما يقول (وقالوا كذا) فهذا ليس قولهم حرفياً لأن هذا كلام الله تعالى وذلك كلامهم ولما يكون الكلام لغير العرب كلاماً قديماً هو ليس ترجمة حرفية كما قلنا وإنما هو حكاية حالهم بأسلوب القرآن الكريم. فإذن كان أحياناً يطالبهم بحديث، أحياناً بقرآن مثله، أحياناً عشر سور، أحياناً سورة مثل الكوثر أو الإخلاص، هذا كان في مكة. سورة واحدة فكان يقول (مثله), في المدينة (في سورة البقرة) المكان الوحيد الذي قال (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (23). هنا القرآن إنتشر وأسلوبه صار معروفاً، الآن يقول لهم (بسورة من مثله) لو قال : بسورة مثله كما قال سابقاً يعني سورة مثل سور القرآن الكريم. (من) هذه للتبعيض، هو هل له مثل حتى يطالَبون ببعض مماثله؟ هو لم يقل : فاتوا بمثله وإنما ببعض ما يماثله ولا يوجد ما يماثله فما معناه؟ هذا معناه زيادة التوكيد. لما تأتي (مثل) ويأتي عليها حرف في شيء ليس له مثل معنى ذلك توكيد كما قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) الشورى) الكاف للتشبيه، ومثل للتشبيه معناه أنه لو تخيلتم لو أن تصوّركم أنجدكم بأن تتخيلوا مثالاً لهذا القرآن فحاولوا أن تأتوا بمثل ذلك المثال ، بجزء من ذلك المثال الذي تخيلتموه فهذا أبعد في التيئيس من قوله (مثله) مباشرة.(1/52)
بسورة مثله أي بسورة مماثلة، (من مثله) يعني بسورة من بعض ما تتخيلونه مماثلاً. هذا إمعان في التحدي وأبعد لأنه صار القرآن منتشراً. فلو تخيلت أيها السامع شيئاً يماثل القرآن وهذا غير ممكن لأنه سبق وقال تعالى (لا يأتون بمثله) فإتوا ليس بمثله بمثل هذا الذي تخيلتم وإنما بجزء من مما تتخيلونه مماثلاً له فكان أبعد من التحدي لأن هذه الآية نزلت في المدينة بعد أن كان القرآن قد إنتشر وعمّت الرسالة. كما قال الله عز وجل (ليس كمثله شيء) يعني لو أن عقلك تخيّل مثالاً فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء لو تخيّلت مثالاً يعني إبعاد للصورة.
د.فاضل السامرائى:
تحدّى الله تعالى الكفار والمشركين بالقرآن في أكثر من موضع فقال تعالى في سورة البقرة (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)) وقال في سورة يونس (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)).
*أولاً ينبغي أن نلحظ الفرق في المعنى بين (من مثله) و(مثله) ثم كل آية تنطبع بطابع الفرق هذا. فإذا قلنا مثلاً : إن لهذا الشيء أمثالاً فيقول: ائتني بشيء من مثله فهذا يعني أننا نفترض وجود أمثال لهذا الشيء أما عندما نقول : ائتني بشيء مثله فهذا لا يفترض وجود أمثال لكنه محتمل أن يكون لهذا الشيء مثيل وقد لا يكون فإن كان موجوداً ائتني به وإن لم يكن موجوداً فافعل مثله. هذا هو الفرق الرئيس بينهما.(1/53)
هذا الأمر طبع الآيات كلها . أولاً قال تعالى في سورة البقرة (وإن كنتم في ريب) وفي آية سورة يونس قال تعالى (افتراه) وبلا شك (إن كنتم في ريب) هي أعمّ من (افتراه) أن مظنة الإفتراء أحد أمور الريب (يقولون ساحر يقولون يعلمه بشر يقولون افتراه) أمور الريب أعم وأهم من الإفتراء والإفتراء واحد من أمور الريب.
*والأمر الآخر أننا نلاحظ أن الهيكلية قبل الدخول في التفصيل (وإن كنتم في ريب) أعمّ من قوله (افتراه) و(من مثله) أعمّ من (مثله) لماذا؟
لو لاحظنا المفسرين نجد أنهم وضعوا احتمالين لقوله تعالى (من مثله) فمنهم من قال من مثله أي من مثل القرآن وآخرون قالوا أن من مثله أي من مثل هذا الرسول الأمي الذي ينطق بالحكمة أي فاتوا بسورة من القرآن من مثل رجل أمي كالرسول - صلى الله عليه وسلم - . وعليه فإن (من مثله) أعمّ لأنه تحتمل المعنيين أم (مثله) فهي لا تحتمل إلا معنى واحداً وهو مثل القرآن ولا تحتمل المعنى الثاني. الإحتمال الأول أظهر في القرآن ولكن اللغة تحتمل المعنيين. وعليه فإن (إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله) أعم من (أم يقولون افتراه فاتوا بسورة مثله) لأن إن كنتم في ريب أعمّ من الإفتراء و(من مثله) أعمّ من (مثله).
ونسأل هنا هل يمكن أن تأتى من مثله في سورة يونس؟(1/54)
لا يصح أن يقول في سورة يونس مع الآية (أم يقولون افتراه) أن يأتي بـ "فاتوا بسورة من مثله" بإضافة (من) وإنما الأصح كما جاء في الآية أن تأتي كما هي باستخدام "مثله" بدون "من" (فاتوا بسورة مثله) لأن استخدام "من مثله" تفترض أن له مثل إذن هو ليس بمفترى ولا يصح بعد قوله تعالى (أم يقولون افتراه) أن يقول (فاتوا بسورة من مثله) لأنه عندما قال من مثله افترض وجود مثيل له فإذن هو ليس مفترى ولا يكون مفترى إذا كان له مثيل إذن تنتفي صفة الافتراء مع افتراض وجود مثل له. إذن لا يمكن استبدال أحدهما بالأخرى أي لا يمكن قول (مثله) في البقرة كما لا يمكن قول (من مثله) في سورة يونس.
والأمر الآخر أيضاً أنه تعالى قال في آية سورة البقرة (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولم يقل ادعوا من استطعتم كما قال في سورة يونس (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ونسأل لماذا جاءت الآية في سورة يونس ولم تأتي في آية سورة البقرة؟ ونقول أنه في آية سورة البقرة عندما قال (من مثله) افترض أن له مثل إذن هناك من استطاع أن يأتي بهذا المثل وليس المهم أن تأتي بمستطيع لكن المهم أن تأتي بما جاء به فلماذا تدعو المستطيع إلا ليأتي بالنصّ؟ لماذا تدعو المستطيع في سورة البقرة طالما أنه افترض أن له مثل وإنما صحّ أن يأتي بقوله (وادعوا شهداءكم) ليشهدوا إن كان هذا القول مثل هذا القول فالموقف إذن يحتاج إلى شاهد محكّم ليشهد بما جاءوا به وليحكم بين القولين. أما في آية سورة يونس فالآية تقتضي أن يقول (وادعوا من استطعتم) ليفتري مثله، هم قالوا افتراه فيقول تعالى ادعوا من يستطيع أن يفتري مثله كما يقولون. إذن فقوله تعالى (وادعوا شهداءكم) أعمّ وأوسع لأنه تعالى طلب أمرين: دعوة الشهداء ودعوة المستطيع ضمناً أما في آية سورة يونس فالدعوة للمستطيع فقط.
(د.أحمد الكبيسى):(1/55)
المسألة الثالثة رب العالمين تكلم عن الذين ينكرون نبوة محمد وينكرون أن هذا قرآن، مرة قال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {23} البقرة) وبعدين في مكان آخر (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ {38} يونس) بدون (من) طبعاً من أجل هذا في سورة يونس يقول (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ (38) يونس) على القرآن (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ {38} يونس) في الأولى قال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) والثانية (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) في الأولى شك في نبوة محمد أنه ليس نبي فالخلاف أنه ليس نبي قال إذا كان ليس نبياً هاتوا برجل من عندكم من رجالكم اقترحوا أي واحد يأتي ويقول كلام مثل ما يقوله محمد وهاتوا شهداء على أننا نعرف فلان الفلاني الشاعر الأديب الخ هذا قال كلام مثل كلام محمد بالضبط، مستحيل تجدوا هذا الشيء فليس هناك رجل يشبه محمد لا في أخلاقه ولا في خلقه ولا في صفاته ولا في تاريخه ولا في نصاعة نسبه الخ مستحيل هناك رجل يشبه محمد صلى الله عليه وسلم من كل قومكم وعشائركم وقبائلكم إذاً أين الإشكال؟ (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ) من رجل مثل محمد يقول نفس السورة أو قريب منها فالشك هنا والريب كان في شخص النبي صلى الله عليه وسلم. أما في قوله (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) الشك في القرآن هم يقولون أن محمد نبي لكن هذا القرآن ممكن أنه هو قاله من عنده كان هو أديب والخ قال إذن أتوا بسورة مثل ما قال وهناك من مثل محمد وهنا مثل القرآن، هذا الفرق بين (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) و (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).(1/56)
لهذا قال في البقرة لما قال هاتوا بشخص مثل محمد قال (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ) هاتوا شهود يشهدون بأننا رأينا واحداً مثل محمد ويقول كلاماً مثل محمد وفي سورة يونس قال (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ). لما تحداهم أن يقولوا كلاماً كالقرآن هناك تحداهم أن يأتوا بشخصٍ كمحمد وهنا تحداهم أن يأتوا بكلامٍ كالقرآن قال (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) روحوا استعينوا بكل من تستطيعون بكل الشعراء والأدباء والحكماء إذا استطعتم أن تقولوا سورة ولو (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1}الإخلاص) نحن نقبل التحدي، هذه هي المسألة الثالثة.
آية (42):
* ما اللمسة البيانية في استعمال (من )في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ )؟(د.فاضل السامرائى)
ذكرنا سابقاً أن (من) في سنن العربية يُبدأ معها بالإفراد الذي يعود على لفظ (مَن) ثم يُؤتى بالذي يفسّر المعنى وذكرنا عدة أمثلة .
يأتي بالإفراد (من) ثم يفسّر بالمعنى كما في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) التوبة)
(من) تأتي للمفرد والجمع والمثنى والمذكر والمؤنث وتأتي أولاً بصيغة المفرد ثم يأتي بعدها بما يخصص المعنى وهذا هو الأكثر في القرآن مثل (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) الطلاق) إلا إذا اقتضى السياق والبيان أن يخصص ابتداءً كما في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) يونس).(1/57)
* ما اللمسة البيانية في الجمع مع يستمعون والإفراد مع ينطر في قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43) يونس)؟(د.فاضل السامرائى)
هنا نسأل أيّ الأكثر المستمعين أم الناظرين؟ في مسجد أو محاضرة قد يحول عائق ما دون النظر إلى الخطيب لكن الذن يستمعون إليه أكثر فجاء تعالى بالجمع مع الكثرة (يستمعون) وجاء بالإفراد مع القلة (ينظر) ولو كان للقِلّة النسبية. وقد ورد هذا الاستعمال في القرآن فعلى سبيل المثال يستعمل القرآن البررة والأبرار يستعمل البررة دائماً للملائكة وليس للناس لأن الملائكة كلهم بررة (كثرة نسبية) فجاء بجمع التكسير، ويستعمل الأبرار للناس.
وفي مداخلة أحد المستمعين قال فيها أنه قد يكون استعمال الجمع للسمع والإفراد للنظر أن السمع يكون مباشراً وغير مباشر أما التظر فلا يكون إلا مباشراً.
*لماذا قال تعالى في سورة يونس (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42)) بصيغة الجمع وإثبات النون مع السمع ثم قال (وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ (43)) بالمفرد مع النظر؟(د.فاضل السامرائى)(1/58)
هذا السؤال تكرر أكثر من مرة وأجبنا عنه. المستمعون أكثر من الذين ينظرون، حتى في الخطبة في المسجد أو في مكان آخر المستمعون كُثُر والناظرين قليل فلما كان المستمعون أكثر جاء بالجمع (يستمعون) ولما كان الناظرين أقل جاء بالمفرد (ينظر). قال منهم كله منهم وهم ليسوا فئة محدودة بعشرة أشخاص أو خمسة، منهم مستمعين وهم أكثر من الناظرين منهم من يستمعون ومنهم من ينظر ولكن المستمعين قطعاً أكثر من الناظرين فجاء بالكثرة بالواو الدالة على الجمع مع المستمعين وبالمفرد مع الأقل.
* لماذا جاء الفعل (يستمعون بالجمع) مع أن (من) يأتي بعدها مفرد مذكر (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) يونس) مع أنه ورد بالإفراد في آيات أخرى؟ ولماذا وحّد النظر (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) وجمع الإستماع؟(د.حسام النعيمى)(1/59)
في قول الله سبحانه وتعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) أولاً كلمة (من) الموصولة لفظها - يقول العلماء - لفظ مفرد، صوتها (من) مثل صوت كلمة (يد) أو (أخ) أو (أب) مكونة من حرفين. (من) إسم موصول بمعنى الذي، اللتين، اللذين، الذين، اللواتي لأنك تقول هي لفظها لفظ مفرد (من) مثل يد، يد مفرد وأخ مفرد لكن (من) مبني لفظها لفظ مفرد معناها العرب تقول: جاءني من أحترمه وجاءني من أحترمها وجاءني من أحترمهم وجاءني من أحترمهنّ وجاءني من أحترمهما، (من) تؤدي كل هذا عند العرب. فهنا لما يكون اللفظ لفظ مفرد والمعنى للجمع أنت تستطيع أن تراعي جانب اللفظ أو أن تراعي جانب المعنى فيمكن أن تقول: جاءني من أحترمه والقادم عدد من الرجال أو من النساء (من أحترمه) يعني هؤلاء الذين جاءوا. جاءني من أحترمه فأجلست كل واحد منهم في موقعه، لا بد من وجود قرينة سياقية. لكن السؤال الذي يرد أنه إذا نظرت إلى اللفظ ونظرت إلى المعنى فنجد أنه في لغة العرب - والقرآن الكريم إلتزم هذا - إذا نظر إلى اللفظ والمعنى في آن واحد يقدِّم اللفظ على المعنى يعني يستعمل إذا قال (من) (ومن الناس من يقول) مفرد (آمنا بالله) جمع (وما هم بمؤمنين) جمع، أعطى اللفظ حقه وأعطى المعنى حقه. لكن أحياناً أنت تعطي المعنى حقه فقط ولا تريد أن تشير إلى اللفظ ومن حقك ذلك كما قلنا (جاءني من أحترمهم). في قوله تعالى (ومنهم من يستمعون إليك) راعى المعنى مباشرة ما راعى اللفظ والمعنى. لو راعى اللفظ والمعنى يقدِّم اللفظ على مراعاة المعنى. هنا راعى المعنى مباشرة قال (ومنهم من يستمعون إليك) ولو قال في غير القرآن ذلك لصح (منهم من يستمع إليك) من هؤلاء يمكن أن يكون واحد منهم جماعة لكن لما جاء (من) يحتمل الواحد والجمع، هنا قال (ومنهم من يستمعون) ولو قال في غير القرآن ومنهم من يستمع لجاز. (أفأنت تسمع الصم) على الجمع.
((1/60)
وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ (43) : بالإفراد ، هنا راعى اللفظ في كلمة (ينظر) وراعى المعنى في كلمة (ولو كانوا لا يبصرون).
لاحظ الآية الأخرى (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25) الأنعام) جمع فاستعمل المفرد ثم الجمع.
الآية الأخرى (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ (16) محمد) إذن راعى اللفظ وراعى المعنى. ماذا قال العلماء؟ قالوا صحيح هذا جائز وهذا جائز لكن لماذا استعمل الجائز هذا هنا واستعمل الجائز ذاك هناك؟ التأمل في كلام الله سبحانه وتعالى لما يتأمل الإنسان في كلام الله سبحانه وتعالى تنفتح له آفاق، علماؤنا تأملوا فوجدوا أنه إذا استعمل الجمع مباشرة يراد الكثرة وإذا استعمل الإفراد ثم الجمع يراد القِلّة.(1/61)
هنا عندنا (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42) يونس) الكلام هنا على الإستماع إلى آيات القرآن الكريم والاستماع إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو إستماع عام لكل العرب، كان يخاطبهم فيستمعون لكن هؤلاء الذين يستمعون لم يتقبلوا ما تلقيه عليهم فيقول تعالى له (أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ) هؤلاء الذي يستمعون إليك على كثرتهم كأنهم لا يستفيدون مما تقوله لهم، هذا عام. (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ) (وجعلنا على قلوبهم) هؤلاء المجعول على قلوبهم أكنة، الذين سبق في علم الله سبحانه وتعالى نتيجة إصرارهم وضلالهم أن قلوبهم صارت في أغطية هم ليسوا بكثرة عدد المستمعين، هم مجموعة قليلة، فالذين على قلوبهم أكنة قِلة فاستعمل الإفراد معهم أولاً ثم تكلم على مجموعهم فقال (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ) فئة قليلة فاستعمل الإفراد.
الآية الأخرى (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ) الذين هم داخلين عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويستمعون (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ) هم قِلة وحتى مجلس الرسول - صلى الله عليه وسلم - قِلّة فاستعمل الإفراد (ومنهم من يستمع إليك) على سنة العرب في كلامها لكن استعمال خاص صحيح الإفراد مراعاة للفظ والجمع مراعاة للمعنى وقدم مراعاة اللفظ على مراعاة المعنى لكن لما كان المراد قليلاً استعمل الإفراد ولما كان كثيراً استعمل الجمع ابتداء (ومنهم من يستمعون إليك).(1/62)
في الموضع نفسه قال (وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ) السياق كان يقتضي في الظاهر ومنهم من يستمعون ومنهم من ينظرون ولغوياً يجوز وتكون العبارة سليمة وصحيحة ولا غبار عليها ولا يحدث فيها سؤال. وهناك لو قال في غير القرآن (ومنهم من يستمع) أيضاً العبارة صحيحة لكن هناك يفوت فكرة الكثرة لو قال يستمع بينما المراد الكثرة يفوت عند ذلك كأنه أراد قِلّة بينما هو يريد الكثرة. هنا أيضاً علماؤنا لما نظروا في هذا الأمر – عنترة في الجاهلية قال: هل غادر الشعراء ، هل أبقى الشعراء لنا شيئاً في ذلك الزمان. لكن الجاحظ يقول : "وليس أضر على العلم من قول القائل ما ترك الأول للآخر" لأنه يصير نوع من التراخي. فعلى مر الزمان علماؤنا يتأملون في كتاب الله عز وجل وتنفتح لهم آفاق.
وهذا أيضاً مما وقفوا عنده قالوا: يستمعون عامٌ للكثرة. (وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ) هذا إفراد وفيه قِلّة لكن كيف قِلة؟ قال الذين كانوا يسمعون للرسول - صلى الله عليه وسلم - صنفان: صنف كان يستمع جِهاراً وصنف كان يتخفّى في الاستماع يذهب بالليل ويسترق السمع وحدثت أكثر من واقعة أن فلان وفلان التقوا مع بعضهم بالليل وتعاهدوا على عدم العودة ثم عادوا في اليوم التالي ليستمعوا للقرآن الكريم، بينما النظر الذين ينظرون للرسول - صلى الله عليه وسلم - محدودون فإذن المستمعون صنفان والناظرون صنف واحد لأنه في الليل لا يرى والمتخفي لا يريد أن يرى وإنما يريد أن يسمع فمن هنا كان السامعون أكثر من الناظرين فجاء الكلام على السامعين باختيار الجمع واختير المفرد لبيان القلة بالنسبة للنظر. ثم شيء آخر: الإبلاغ يكون بالإسماع وليس بالنظر، الأصل في الإبلاغ الإسماع فألصل أن المستمعين أكثر من الناظرين، هذا قولهم وهو قول موفق فيما أرى والله أعلم.
*متى يأتى فعل الاستماع متعدياً فى القرآن؟(د.فاضل السامرائى)(1/63)
حيث عدّى الاستماع في القرآن الكريم حيث يقول (إليك) لا بد أن يجري ذكر الرسول في سياق الآية. إذا قال إليك فلا بد أن يذكر شيئاً يتعلق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - . مثال (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25) الأنعام) المخاطب هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - . لما ذكر إليك (حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)، (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ (16) محمد) متعلق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - (قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا). (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ (42) يونس) المخاطب هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - . (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (47) الإسراء) حيث يقول (يستمعون إليك) أو (يستمع إليك) يجري ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السياق.
آية (46):
*((فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) يونس)) ما دلالة (ثم)فى الآية؟(د.فاضل السامرائى)
((1/64)
ثم) في غالب معناها يكون الترتيب والتراخي لكنها لا تنحصر بهذا المعنى. قد تكون (ثم) للتفاوت بالرتبة هي ليست دائماً للترتيب والتراخي يعني ما بعدها أكبر وأعظم مما قبلها في رتبته وحتى النحاة ضربوا مثلاً أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، ما صنعت أمس هذا قبله استعمل (ثمّ) وهي مفترض أن يكون للترتيب والتراخي هو استعملها لما قبلها ليس المقصود الترتيب الزمني ولكن في الرتبة والمرتبة ليس الزمن الأصل فيها للترتيب والتراخي والمهلة لكنها ليست منحصرة في هذا الشيء قد تكون للترتيب الذكري للتفاوت في الرتبة والمنزلة. نضرب مثالاً من القرآن (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) البلد) أيها الأكبر؟ ما بعد (ثم) أكبر، فإذن تفاوت في الرتبة سيكون هذا الشيء أعلى. (فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) يونس) ربنا سبحانه وتعالى عالم دائماً، إذن (ثم) تفيد أن ما بعده هو أكبر مما قبلها. مثال النحاة أعجبني ما صنعتَ اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب، هذا للتفاوت. دخل محمد ثم خالد هذا للترتيب والتراخي حتى في الفاء قد تكون للترتيب الذِكري فقط للذكر وليس للترتيب والتعقيب ليس مثل جاء أحمد فخالد (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ (4) الأعراف) هل جاءها البأس قبل الإهلاك؟ ربنا قدّم الإهلاك هذا يسمى الترتيب الذكري، توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل يديه رجليه، هوغسل أولاً حتى يصير وضوءاً.(1/65)
*آية تتكرر كثيراً (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أو (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )؟ ما الفرق بين الحكم و الفصل؟(د.فاضل السامرائى)
الحكم القضاء والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما، أن يكون بينهما فاصل حاجز إذن الفصل أشد فإذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، نضرب أمثلة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هؤلاء يذهبون معاً إلى جهة واحدة اليهود والنصارى كلاهما ليس أحدهما إلى الجنة والآخر إلى النار فليس فيه فصل. (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معاً إلى جهة واحدة مع بعض. (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) كلهم يذهبون إلى جهة واحدة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل.(1/66)
الفصل يتضمن الحكم حكم وفصل فيكون أشد. ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) قالوا الفصل بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والمشركين. فإذن الفصل حكم لكن فيه بَوْن كل جهة تذهب إلى مكان لذا قال في سورة ص (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ (22)) هذا حكم قضاء.
آية (49):
*ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في الضر والنفع في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
حيث تقدّم النفع على الضر يكون في السياق ما يتضمن النفع وبالعكس.
قال تعالى في سورة يونس (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {49}) فقد جاء قبلها الآية (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {11} وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {12}) وهنا قدّم الشرّ على الخير فناسب أن يقدّم الضرّ على النفع.(1/67)
أما في سورة الأعراف{188} قدّم النفع على الضر لأن السياق في الآيات ما قبلها في النفع (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {178} ) قدّم الهداية التي هى من النفع على الضلال الذي هو من الضر. وكذلك في الآية نفسها قدّم النفع مع الخير(لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) على الضر.
حيث تقدّم النفع على الضر يكون في السياق ما يتضمن النفع وبالعكس.
*متى يأتي الضر قبل النفع في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)(1/68)
القدامى بحثوا في هذه المسألة وقالوا حيث يتقدم ما يتضمن النفع يسبق النفع وحيث يتقدم ما يتضمن الضر يقدم الضر. (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) الأعراف) قدم النفع على الضر وقال قبلها (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) الأعراف) فلما قدم الهداية قدم النفع (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي). وقال بعدها في نفس السياق (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) قدم النفع على الضر إذن مناسب هنا تقديم النفع على الضر لأن تقدّمها. في تقديم الضر: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (49) يونس) هنا قدم الضر وقبلها قال تعالى (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ (11) يونس) هذا ضر، (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ (12) يونس) وبعدها قال (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا (50) يونس) تقديم الضر أنسب.
*ما الفرق بين الضُرّ (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ (17) الأنعام) والضَر (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا (49) يونس) والضرر (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ (95) النساء) والحديث الشريف "لا ضرر ولا ضرار"؟(د.فاضل السامرائى)(1/69)
الضُر يكون في البدن من مرض وغيره (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ (83) الأنبياء). الضَر مصدر بما يقابل النفع (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا (188) الأعراف). الضرر الإسم أي النقصان يدخل في الشيء يقال دخل عليه ضرر (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) أي الذين فيهم عِلّة أما الضر فهو ما يقابل النفع. الضرر هو الإسم عام والضرّ مصدر. الضُر ما يحصل في البدن من سقم والضَر المصدر لما يقابل النفع والضرر إسم. نحن عندنا المصدر وأحياناً يكون التغيير في المصدر بحركة أو بشيء آخر يسمى إسماً. مثلاً: الدّهن والدُهن، الدَهن هو المصدر دهن جسمه دهناً، والدُهن هو المادة المستخلصة من النبات للدهن. الحَمل والحِمل، الحَمل مصدر حمل والحِمل هو الشيء المحمول تغير المعنى بالحركة من مصدر إلى إسم. الوَضوء هو الماء والوُضوء هو عملية التوضؤ نفسها. هذا تغيير بالحركة.
آية (51):
*(أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) يونس) ما دلالة أثم؟ وما الفرق بينها وبين (ثُم) و (ثَمّ)؟(د.فاضل السامرائى)
(ثُم) حرف عطف و(ثَم) إسم، ظرف بمعنى هناك. هذا الآن الذي نسمعه في الإذاعات (ومن ثُم) هذا لا يصح، هذا خطأ شائع والصحيح (ومن ثَم) معناه (ومن هنا) أو (من هناك). (ثَم) و(ثَمة) الدلالة واحدة وأحياناً يؤتى بالتاء واللغتان صحيحتان.
سؤال: يقال في الإعلام خطأ شائع خير من صحيح مهجور(1/70)
كلا هذا يكرس الخطأ يعني بمرور الزمن لا تبقى لغة يضيع الصحيح ولا تبقى لغة، هذه ليست حجة أن الناس عرفت هذا، لماذا إذن نصحح؟ كنا ننصب الفاعل ونرفع المفعول به ما دام مفهوماً؟! ونأتي بعد حرف الجر بإسم مرفوع ما دام مفهوماً؟! في الإنجليزية يراعون هذه الأشياء أدق المراعاة هم يقولون he is going ولا يقولون he is go. لا بد أن ينشر الصواب وإلا ستموت اللغة ولا يبقى لها أثر. لماذا نستعمل الغلط؟!
آية (53):
*ما هو إعراب (إي) في الآية (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ (53) يونس)؟(د.فاضل السامرائى)
(إي) حرف جواب مثل نعم ولا، حرف جواب لكن (إي) يكون بعدها قسم.
آية (58):
*(قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58) يونس) ما الفرق بين الفضل والرحمة؟(د.فاضل السامرائى)
يقولون فضل الله هو القرآن والرحمة أن جعلكم من أهله، جعلكم مسلمين.
آية (60):
*(ولكن أكثر الناس لا يشكرون )و( ولكن أكثرهم لا يشكرون)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/71)
رب العالمين دائماً يتكلم عن موضوع (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (243) البقرة) ومرة يقول (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ {60} يونس) يعني رب العالمين مرة تكلم عن نعمه أو أفضاله على الناس يقول (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) يذكر الناس وهنا يقول (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ) لا يذكر الناس لماذا مرة يذكر الناس ومرة لا يذكر الناس فقط يقول (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ)؟ يعني نحن في حياتنا اليومية عندما يكون هنالك شخص تحترمه أو من أقاربك من أقاربك المحترمين أبوك عمك خالك تقول هذا عمي فلان أو جاء عمي فلان وراح عمي فلان فأكثر من مرة تذكر اسم عمك فلان تذكره وإذا شخص تحتقره أو هو مهين أو لا شأن له تقول هذا والله هذا راح وهذا جاء وهذا جاء لنا اليوم فتشير له بعدم اكتراث. فكل من تحترمه أنت أو تحبه أو ذو فضلٍ عليك تقول هذا فلان أما إذا هو مهين بالنسبة لك لا شأن له تقول هذا فتقول أين ذهب هذا؟ لا تقول أين ذهب عمي أو أين ذهب أبي بل تقول أين ذهب هذا؟ فرب العالمين أحياناً حين يتكلم عن عباده الصالحين يقول (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) صح أنهم لا يشكرون ولكنهم عباده مؤمنين بالله وموحدون طيبون كرماء لكن عندهم أخطاء وطبيعة شكرهم لله ليست واضحة، عبادة الشكر من أعظم العبادات وقليلٌ منا من يحسنها، الشكر هذا باب هائل الله قال (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {13} سبأ) وقليلُ فأنت لست من القليل.
آية (61):
*ما الفرق بين قوله تعالى (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) وقوله (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ)؟(د.فاضل السامرائى)(1/72)
قال تعالى في سورة يونس (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {61}) وقال في سورة سبأ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {3}). بداية الآية مختلفة ، التذييل متشابه، آية سبأ جاءت تذييلا وتعقيبا للحديث عن الساعة، آية يونس جاءت لبيان مقدار إحاطة علم الله بكل شيء، وسعة ذلك العلم، ترتب على هذا اختلاف التعبير بين الآيتين كما سنوضح فيما يلي:
في آية سورة يونس استخدم (ما) أما في سورة سبأ استخدمت (لا) والسبب أن في الأولى جاء سياق الكلام عن مقدار إحاطة علم الله تعالى بكل شيء كما جاء في أول الآية (وما تكون في شأن). أما في الآية الثانية في سورة سبأ فالسياق في التذييل والتعقيب على الساعة. و(لا) هذه قد تكون لا النافية (لا يعزب) وتكون للإستقبال مثل (لا تجزي نفس عن نفس شيئاً) وقد تكون للحال (مالي لا أرى الهدهد). إذن (لا) مطلقة تكون للحال أو للمستقبل وهي أقدم حرف نفي في الهربية وأوسعها استعمالاً. وهي مع المضارع تفيد الإستقبال وهو مطلق كما في قوله تعالى (لا تأتينا الساعة إلا بغتة) فجاء الردّ من الله تعالى (بلى لتأتينكم) و(لا يعزب) كل الجواب يقتضي النفي بـ (لا). وجاء استخدام الضمير (عنه) في آية سورة سبأ لأنه تقدّم ذكر الله تعالى قبله، أما في سورة يونس فلم يتقدم ذكر الله تعالى فجاءت الآية (وما يعزب عن ربك).(1/73)
عالم الغيب في سورة سبأ وكلمة عالم لا تأتي إلا مع المفرد (عالم الغيب والشهادة) وعالم إسم فاعل كقوله تعالى (غافر الذنب) أما علاّم فهي تقتضي المبالغة مثل (غفّار).
من مثقال ذرة: من الزائدة الإستغراقية وهي تفيد الإستغراق والتوكيد. نقول في اللغة (ما حضر رجل) وتعني أنه يحتمل أنه لم يحضر أي رجل من الجنس كله أو رجل واحد فقط. وإذا قلنا: ما حضر من رجل: فهي تعني من جنس الرجل وهي نفي قطعي. وقوله تعالى في سورة يونس (من مثقال ذرة) للتوكيد لأن الآية في سياق إحاطة علم الله بكل شيء لذا اقتضى السياق استخدام (من) الإستغراقية التوكيدية.
التقديم والتأخير في السماء والأرض: الكلام في سورة يونس عن أهل الأرض فناسب أن يقدم الأرض على السماء في قوله تعالى (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء) أما في سورة سبأ فالكلام عن الساعة والساعة يأتي أمرها من السماء وتبدأ بأهل السماء (فصعق من في السموات والأرض) و(ففزع من في السموات ومن في الأرض).
واستخدمت السماء في سورة يونس لأن السياق في الإستغراق فجاء بأوسع حالة وهي السماء لأنها أوسع بكثير من السموات في بعض الأحيان. فالسماء واحدة وهي تعني السموات أو كل ما علا وفي سورة سبأ استخدم السموات حسب ما يقتضيه السياق.
الفرق بين (ولا أصغرُ) في سورة سبأ و(ولا أصغرَ) في سورة يونس: في سورة يونس (أصغرَ) إسم مبني على الفتح ولا هي النافية للجنس وتعمل عمل إنّ وهي تنفي الجنس على العموم. ونقول في اللغة: لا رجلَ حاضرٌ بمعنى نفي قطعي. (هل من رجل؟ لا رجلَ) وهي شبيهة بحكم (من) السابقة. إذن جاء باستغراق نفي الجنس مع سياق الآيات في السورة. أما في سورة سبأ فالسياق ليس في الإستغراق ونقول في اللغة : لا رجلُ حاضرٌ. (هل رجلٌ؟ لا رجلٌ) فهي إذن ليست للإستغراق هنا.
آية (62):
*ما معنى كلمة الولي ؟(د.فاضل السامرائى)(1/74)
تستعمل للتابع والمتبوع والناصر، الوليّ التابع المحب الذي يتولى أمره والولي الناصر، يعني الله ولينا ونحن أولياء الله (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ (257) البقرة) يتولى أمرهم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) يونس) فالولي تستعمل للفاعل والمفعول وتسمى من الأضاد. يقال مولى رسول الله والله مولانا، كلمات كثيرة في اللغة العربية تستعمل في هذا وهي واضحة في اللغة وفي الاستعمال القرآني.
*ما الفرق بين الإيمان والتقوى؟(د.أحمد الكبيسى)(1/75)
هناك أولاً إسلام عام ثم إيمان عام ثم إيمان خاص، المرحلة الرابعة بعد الإيمان الخاص التقوى (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {62} يونس) من هم؟ (الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {63} يونس) الإيمان غير التقوى (وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا {103} البقرة) شوف اثنين انتقل من مسلم قولي إلى إيمان عام إلى إيمان خاص إلى تقوى (وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {278} البقرة). إذا هكذا قلنا الإسلام القولي ثم الإيمان العام ثم الإيمان الخاص الذي ممدوح ثم التقوى. نحن قلنا الإيمان الخاص المتبع للسنة يعني هذا دخل الإسلام في قلبه ويحاول أن يطبقه تطبيقاً كاملاً في النوافل وكل شيء، يترقى يصبح متقياً، المتقي هذا يتعامل مع القرآن بعد أن خدم في الإيمان الخاص بالسُنّة الآن ترقى إلى القرآن (الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ {2} البقرة) من حيث أن هذا الكتاب كما الله قال (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ {28} فاطر) فرق بين أن يقرأ شيئاً وبين أن يتعلم فيه كما قال أخونا من رأس الخيمة، هذا يبحث في علومه هذا من المتقين وبالتالي هذا يقود من أجل ذلك دائماً في القرآن الكريم ماذا يقول؟ مثلاً (الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {57} يوسف) (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ {18} فصلت) وهكذا كل القرآن المتقي جاء بعد الإيمان الخاص بدأ يأخذ من منهل عظيم من كتاب الله عز وجل أي صار من أهل العلم والفهم في هذا الكتاب .
آية (69):
*انظر آية (17).???
آية (71):
* ما الفرق بين النبأ والخبر؟(د.فاضل السامرائى)(1/76)
النبأ كما يقول أهل اللغة أهم من الخبر وأعظم منه وفيه فائدة مهمة. والنبأ في اللغة هو الظهور وقد استعمل القرآن الكريم كلمة خبر مفردة في موطنين في قصة موسى - عليه السلام - (29) القصص (7) النمل وهناك فرق بين الخبر والنبأ العظيم. وفي أخبار الماضين والرسل استعمل القرآن نبأ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) يونس.
والصيغة الفعلية للنبأ (أنبأ) أقوى أيضاً منها للخبر (أخبر) (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الكهف).
ملحوظة: في نشرات الأخبار التي تقدمها الإذاعات إن كان الخبر عظيماً يجب أن يقال نشرة الأنباء وإن كان خبراً عادياً يقال نشرة الأخبار.
آية (72):
*(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {72} يونس) (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ {12} الزمر) (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {104} يونس)؟(د.أحمدالكبيسي)
قال تعالى (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {72} يونس) (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ {12} الزمر) (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {104} يونس) أبيّن الفرق بين (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) و (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) و (لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) حروف مختلفة ولكنها تختلف في المعنى تماماً.(1/77)
إذاً نتكلم عن هذه المتشابهات في هذه الآية التي يخاطب الله بها رسوله: مرة يقول لرسوله الكريم (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وراءها يقول له في الزمر (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ {11} وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ {12}) أدخل (لأن) هذه جديدة غير الآيات الأخرى (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) وهذه هي أقوى الدلالات التي تترأس جميع الآيات الأخرى كما سنشرحه بعد قليل. في الأنعام (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {163}) هنا أول المسلمين، وفي يونس (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {104}) هذه المرة (من المؤمنين) وهذه أيضاً تعطي حلقة أو مرحلة من مراحل هذا النمو الكريم. طبعاً لا يمكن أن نصل إلى الفروق بين هذه الاختلافات اليسيرة بين كل آية وآية من حيث كونه متشابهاً ويحتمل أكثر من معنى، ما سأقوله واحد من المعاني، يتصاعد الفهم على وفق ما للقارئ من أرضية ثقافية من عصره من زمانه من مكتشفاته وكل قارئٍ في عصره بناءاً على واقعه يفهم فهماً خاصاً لكي يأتي الذي بعده يضيف على هذا الفهم فهماً آخر. هذا في المتشابه وما من رأي يلغي الرأي الآخر. في المُحكم قد يلغي فهنالك خلاف بين الفقهاء هذا يجوز وهذا حلال وهذا حرام، هذا إلغاء للآخر لأن هذه قضية أحكام إذاً كل ما نقوله هنا واحد من الاجتهادات تضيفه ما لم تثبت بأن هذا خطأ مائة بالمائة وهذا في المتشابه لا يكون أبداً.(1/78)
لكي نعرف ما الفرق بين هذه الآيات لماذا (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لا بد أن نعرف العلاقة، الطريق إلى الله ما هي مراحل الوصول إلى الله؟ كلنا في الطريق إلى الله ولكن الطريق إلى الله يختلف المسافرون فيه من حيث قوتهم وشجاعتهم ووسائل سفرهم في ناس تركب حمار في ناس تركب جمل في ناس تركب سيارة ناس تركب طيارة تصل في يومين وفي ناس يذهبون مشياً الكل سيصل لكن متفاوتون في الوصول ما هي المراحل التي ينبغي على المسلم أن يسير فيها لكي يصل في النهاية إلى الله عز وجل؟ هذه المراحل هي الإسلام القولي أولاً، الإيمان العام ثانياً، الإيمان الخاص ثالثاً، التقوى رابعاً، الإسلام المطلق خامساً والإسلام المطلق وأنت لاحظ أن الطريق إلى الله يبدأ بالإسلام وينتهي بالإسلام بدايته إسلام ونهايته إسلام. البداية إسلام بالقول قل لا إله إلا الله (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا {14} الحجرات) يعني قلت لا إله إلا الله (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) حينئذٍ الإسلام الطريق الأول الابتدائي الذي يبدأ المسلم طريقه فيه إلى الله بشكلٍ صحيح هو الإسلام سواء كنت مسيحياً أو يهودياً أو نصرانياً أو صابئياً. الإسلام أولاً يعني أن تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هذا عنوان الدخول إلى الطريق إلى الله، إلى الطريق الصحيح إلى الله إذا قلت هناك إله آخر، هناك بديل يقرب إلى الله زلفى أنت لست مسلماً وأنت خاطئ ولن تصل وليس هذا طريقك.(1/79)
من أجل هذا الطريق الأول أن تسلم بلفظك بقولك أنا أؤمن بأن الله واحد لا شريك له وهذا لا يحاسب على ما في قلبه وعلى فعله بل يحاسب على لسانه (إذا قالوها عصموا مني) قال له (أشققت عن قلبه؟) إذا قال الإنسان لا إله إلا الله حينئذٍ هذا الرجل أعلن أنه موحدٌ لله عز وجل ولا يعبد إلهاً غير الله وهذه هي القضية المركزية لهذا الكون كله. ما من نبيٍ إلا أنزل الله قل لقومك أن يعبدوا الله وحده لا شريك له هكذا هذه البداية ولا يوجد بداية غيرها. لا إله إلا الله مصدقاً بها قلبك نحن لا يعنينا أن يكون قلبك مصدقاً فيها هذه (مصدقاً بها قلبك) يوم القيامة نحن فقط إذا قلتها بلسانك أيّ واحد يقول لا إله إلا الله قد عصم دمه ونفسه وماله وأخذ كل الحقوق وأصبح واحداً من الأمة ولا يمكن لأحد أن يقول له ثلث الثلاثة كم؟ بأن يقول قول (إذا قالوها) من أجل هذا هذه الخطوة الأولى رجلك على أول الطريق أن تقول أنا لا أعبد أصنام ولا أعبد كذا ولا أشرك بالله أحداً إلهي وربي واحدٌ لا شريك له (قل لا إله إلا الله) هذا هو المفتاح للطريق كله هذا هو الإسلام الأول الإسلام اللفظي الإسلام القولي. وفي النهاية سوف ترى أن كل ما وراء ذلك يترتب على هذه المقولة ويأتي عليها تباعاً بمراحل كما الابتدائية والمتوسطة وثانوي وكلية وجامعة ودكتوراه والخ. البداية الابتدائي من دون الابتدائي لا يمكن أن تصل لا يمكن أن تقفز رأساً للثانوي أو الكلية لا بد من الابتدائي.(1/80)
الابتدائية في الإسلام (لا إله إلا الله) إذا قلتها بلسانك تكتسب جميع الحقوق وما من حق أحد أن يقول أنت كاذب أبداً والنبي صلى الله عليه وسلم رأى واحداً قتل واحداً بالقتال وكان ذلك المشرك يقاتل قتال المستبسلين فلما صرعه المسلم وأوشك أن يهوي عليه بالسيف قال لا إله إلا الله لكن هذا السيف سبق وقتله فغضب عليه النبي غضباً شديداً قال له( أقتلته وقد قالها؟!) وكررها حتى خاف المسلم فقال (يا رسول الله إنما قالها فرقاً من السيف) خوفاً من السيف قال (أشققت عن قلبه؟) يا الله! دستور ما يقبل خطأ هذا ما فيه احتمال ولا شبهة ولا اشتباه ولا اجتهاد إذا قال لا إله إلا الله كُفّ عنه (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا {94} النساء) هذا الخطوة الأولى الإسلام القولي. بعدها تأتي الخطوة الثانية وهي الإيمان وهو إيمان عام (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ {14} الجن) إسلام قولي (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) ماذا قال فرعون وهو يغرق؟ (قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90} يونس) (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ {2} الحجر) هذا الإسلام القولي مقابل الكفر، كفر وإسلام كفر وإسلام، كفر يعني يقول لك أنا لا أعبد الله وإسلام يقول - وليس يعتقد - يقول فنحن لا يعنينا ماذا في قلبه يقول أنا أعبد الله وحده لا شريك له إذا صار هذا القول تصديقاً صار إيماناً.(1/81)
الفرق بين الإسلام والإيمان هو هذا، الإسلام يتطور حتى يصبح مصدَّق مصدق أن يكون دخل بلسانه ثم قرأ وقال والله أبداً لا إله إلا الله فعلاً والله هو الخالق الرازق وما في غيره ولا أشرك به شيئاً وكل ما عداه باطل، اقتنع صار مؤمناً عاماً هذا الذي صار مؤمناً عاماً الله قال (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ {25} البقرة) كلما تقرأ (آمنوا وعملوا الصالحات) هذا الذي كان مسلماً بلسانه صدق قلبه واعتقد ثم صدق بقلبه وصار عملي يؤدي الصلوات ويؤدي الزكاوات صار مؤمناً عاماً دخل في دائرة الإيمان لكن بدون رتبة، يعني أنت في الجيش لكن بدون رتبة لكنك في الجيش أصبحت مقبولاً (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {82} البقرة) (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ {45} البقرة) يعني هذا خطاب لشخص مصدق روح صلي روح صوم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ {183} البقرة) (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {103} النساء) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ {254} البقرة) كل العبادات التي تترتب على الإسلام بدأ هذا الذي أسلم بلسانه يعتقد بأن ما يفعله صحيحاً وأن عليه واجبات فهذا فدخل في حظيرة الإيمان العام صار من ضمن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا {200} آل عمران) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ {135} النساء) يعني الحلال والحرام يعني هذا الرجل آمن بقلبه وبدأ يعمل الحلال والحرام هذا مؤمن عام.(1/82)
إذاً المرحلة الأولى الإسلام القولي والمرحلة الثانية انتقال إلى الإيمان بالتصديق والعمل هذا المؤمن العام يترقى حتى يصير مؤمناً خاصاً إتباعه للنبي إتباعاً واضحاً (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ{31} آل عمران) كيف نعرف هذا؟ إذا امتدحه الله في الكتاب العزيز. رب العالمين امتدح شرائح من المؤمنين مدحاً عظيماً وأعطاك مواصفاتهم، أعطى مواصفاتهم حينئذٍ هذا المؤمن الخاص الذي يبدأ تعامله مع النبي ? تطبيقاً من الآن رجلاً يتبع (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) إتباع مع ورع وحينئذٍ هذا صار من الوجهاء من المقدّمين في الطريق إلى الله في النهاية إذا استمر سيصل إلى أعلى الدرجات.
*ما الفرق بين قوله تعالى(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {72} يونس) و (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ {12} الزمر) (د.أحمد الكبيسى)(1/83)
عندما يأتي الفعل يريد وبعده أن وفعل آخر هذا إعلان الإرادة أريد أن أعلمك فقط أعلن نيتي أنا ما علمتك بعد، عندما أريد أن أعلمك أريد أن أعاقبك أريد أن أجزيك كل هذا إعلان للفعل أنا سأفعل هذا هذا وعدٌ سواء كان وعداً أو تهديداً أو تكريماً أو ما شاكل ذلك أريد أن أفعل كذا. إذا أقول أريد لأفعل كذا باللام المضمرة معناها إني قد اتخذت الأسباب وباشرت الفعل لما أقول أريد أن أعلمك هذا بعد ما بدأنا وعد أريد لأعلمك يعني أنا أحضرت الدفاتر والأوراق والكتب وفرشتها تعال اجلس، قلت ماذا تريد مني؟ أريد أن أعلمك أريد لأعلمك هذا في كل الآيات (يريد الله ليتوب) اتخذ الأسباب وهذه الأسباب وما أكثرها في هذا الدين. كذلك تقول الآية (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {72} يونس) (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ {12} الزمر) هذا فرق وهذا فرق يعني على هذا الأساس هناك فقط إعلان الأمر (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) اتخذ الأسباب كاملة وطبعاً نحن تعلمنا أنه الآن كل فعل أراد ويريد إذا جاء بالأن والفعل معناها إعلان إذا جاء باللام لام التعليل المضمرة بعدها قل ليتوب، ليعفو، ليضلوا، معناها اتخذوا الأسباب وطبقوا ما وعدوا به وما هددوا به.
آية (73):
*ما اللمسة البيانية في تذكير كلمة عاقبة مرة وتأنيثها مرة أخرى ؟(د.فاضل السامرائى)(1/84)
في لغة العرب يجوز تذكير وتأنيث الفعل فإذا كان المعنى مؤنّث يستعمل الفعل مؤنثاً وإذا كان المعنى مذكّراً يُستعمل الفعل مذكّراً، والأمثلة في القرآن كثيرة منها قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {11}) وسورة يونس (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ {73}) المقصود بالعاقبة هنا محل العذاب فجاء الفعل مذكراً، أما في قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {135}) سوة القصص (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {37}) فجاء الفعل مؤنثاً لأن المقصود هو الجنّة نفسها.
*(فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73) يونس) استشعار معاني هذه الآية فهل يمكن إظهار اللمسات البيانية في الآية؟(د.فاضل السامرائى)(1/85)
نقرأ الآية (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73) يونس) نلاحظ أنه هو في المغرَقين ذكر الصِلة قال (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا) يعني التي بسببها أغرِقوا، ذكر سبب الإغراق وقال من معه ولم يذكر شيئاً. هناك فريق كذّب فلما ذكر الذين كذبوا معنى من معه ليس منهم يعني صدّق، إذن ذكر علة الإغراق نفهم من قوله أنه ليس معهم وإنما من المصدقين. (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ) قال (كان) ولم يقل (كانت) إذا ذكّر العاقبة تكون بمعنى العذاب في القرآن كله هذا خط عام في القرآن (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) الزخرف) العاقبة ينظر فيها إلى المعنى والعذاب مذكّر ينظر فيها إلى المعنى (مراعاة المعنى) وحيث كانت العاقبة مؤنثة فهي بمعنى الجنة (مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ (135) الأنعام) لأن الجنة مؤنثة فأنّث الفعل. العذاب مذكر ليس معناه جهنم وإنما العذاب في الدنيا أيضاً. العذاب مذكّر يُذكّر الفعل، العاقبة لما تكون بمعنى الجنة تحديداً يؤنِّث الفعل، هذه من خصوصيات الاستعمال القرآني وهي في اللغة جائزة وإنما في القرآن يدل على أن التعبير مقصود. هنالك أمر آخر في هذه القصة نفسها في الأعراف قال (فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ (64) الأعراف) وليس (فنجيناه ومن معه) (من والذي) كلاهما إسم موصول. القصة واحدة والألفاظ مختلفة لكنها ليست متناقضة، نجّاه وأنجاه المعنى لا يختلف وإنما يبقى سبب الاختيار.(1/86)
نجيناه وأنجيناه لا يختلف المعنى وإنما الفرق بين فعّل وأفعل مثل علّم وأعلم، فعّل يحتاج إلى تدرج مدة طويلة، معناه مكث وقت طويل ثم نجى، أنجا ذكرها على وجه السرعة لما ضرب موسى العصى قال (فأنجيناه) لم يلبث ولم يبق كما بقي بنو إسرائيل في مصر كذلك لما ألقى إبراهيم في النار قال تعالى (فأنجيناه) لم يلبث فيها، وكذلك وصّى وأوصى، فعل وأفعل، فعّل فيها لبث وتمهل وأفعل في الغالب ليست كذلك ثم بحسب السياق هو هو في سياق الإسراع أو لا فيستعمل كل فعل بما يناسب السياق. الملاحظ أنه في سورة يونس كانت الحالة أشد لأن الله تعالى ذكر أموراً أشد وأحياناً يوجز في قصص الأنبياء وأحياناً يفصل فيها. في يونس قال (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)) يتحدّاهم تحدياً. في الأعراف (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)) فقط، في يونس الموقف أشد.(1/87)
متي يأتي الناس عادة ويستغرقون في الأفكار لما يكونوا في موقف عافية ورخاء أو في موقف شدة؟ في موقف الشدة ينصرفون وفي الرخاء يقبلون كما حصل في المنافقين في المدينة، في مكة كان أشد فلا يأتي إلا القلّة، إذن في مواقف الشدة الناس يعزفون إلا إذا كان عندهم دافع قوي وإيمان قوي وإذا كان في موقف رخاء قد يدخلون. كم واحد (من)؟ (من) تحتمل المفرد والاثنين والجمع، أما (الذين) فلا تحتمل إلا الجمع ولا تحتمل الواحد أو الاثنين ففي موقف الشدة استعمل (من) لذا قال (فنجيناه ومن معه) لأن (من) قد تحتمل الواحد وهي أقل من (الذين).
آية (74):
*ما اللمسات البيانية في الآيات (فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) الأعراف) (فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) يونس)؟(د.فاضل السامرائى)(1/88)
نقرأ الآيتين في الأعراف (تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) الأعراف) وفي يونس (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)) هناك قال (بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ) وفي يونس (بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ) واختلفت خاتمة الآيتين. أصل التركيب اللغوي خارج القرآن محتمل أن يقال كذب به أو كذبه واللغة تحتمل لكن ما سبب الاختلاف؟ لاحظنا أن الإطلاق هو سياق الآيات في الأعراف والتخصيصي سياق الآيات في يونس. قبل آية الأعراف قال (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96)) لماذا كذبوا؟ لم يذكر فأطلق التكذيب كما أطلقه في الآية التي بعدها. في يونس قال قبل الآية في الموطنين قال (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)) هنا حدد التكذيب بالآيات، إذن السياق في الأعراف هو إطلاق وفي يونس تخصيص هذا واضح.(1/89)
نأتي الآن بعد كل الآيتين قال في الأعراف (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)) وفي يونس قال (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)) زاد هارون كما زاد (به) هناك لم يذكر هارون فلم يذكر به، هذه مناسبة أخرى لاحظ تخصيص السياق قبلها وبعدها. نلاحظ أمراً آخر قال في الأعراف (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) الأعراف) وفي يونس قال (كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) يونس) المعتدي قال (فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ) يعني هم كفروا واعتدوا وهناك كفروا، أيُّ الأعمّ كفروا واعتدوا أو كفروا؟ كفروا أكثر لأن كفروا جزء من أولئك إذن الأعم والأكثر كفروا فلما قال كافرين وهو الأعم عمم وقال (فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ (101) الأعراف) لم يذكر بماذا كذبوا، ناسب العموم. الآخرون كذبوا ورغم الكفر اعتدوا إذن صاروا أخص قسم من أولئك ليس كلهم كفروا واعتدوا، لم يعطف (فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) يونس) وهناك (كفروا واعتدوا) هم أنفسهم كفروا واعتدوا وأولئك كفروا أي الأكثر؟ كفروا، أي الأشكل والأعم؟ كفروا، إذن اعتدوا أخص فلما قال (بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ) خصص (به) جاء بالتخصيص لما أطلق التكذيب به أو بغيره (بِمَا كَذَّبُواْ) قال (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) الأعراف) وهي أعمّ فناسب الكافرين (بِمَا كَذَّبُواْ) وناسب المعتدين (بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ)، فإذن من كل ناحية السياق وخاتمة الآية.
آية (75):(1/90)
*ما الفرق بين الآيتين (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) الأعراف) (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) يونس)؟(د.فاضل السامرائى)(1/91)
نقرأ الآيتين الأولى (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) الأعراف) والثانية (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) يونس). ما هو الاختلاف؟ لاحظ في آية الأعراف قدّم (بِآَيَاتِنَا) قال (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ) قدّم (بِآَيَاتِنَا) على قوله (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ)، في يونس قال (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا) قدّم (إلى فرعون وملئه) على (بِآَيَاتِنَا) هذا هو الإشكال. هذا الإشكال في التقديم والتأخير هنا تقديم الآيات على فرعون ملئه وهناك تأخير الآيات على فرعون وملئه. طبعاً التقديم والتأخير معلوم أنه بحسب الأهمية في السياق وليس الأهمية للذات وإنما في السياق. نحن نعرف قد يقدم المفضول على الفاضل كما ذكرنا سابقاً يقدم ما هو الأفضل أو ما هو المفضول. ابتداء لو طالب في البلاغة يقول أيّ الأهم من دون السياق حسب القاعدة التي يعرفها أنه يقدم الأهم نسأله أيّ الأهم في الأعراف؟ سيقول (بآياتنا) وأيّ الأهم في يونس؟ يقول (إلى فرعون وملئه)، إذن هذا حكم. هل هذا ينطبق على السياق؟ الحكم العام واضح تقديم ما هو أهم، هنا قدّم الآيات وهنا أخّرها.(1/92)
نلاحظ في آية الأعراف ذكر الآيات أمام فرعون وملئه يعني ماذا فعل قال (قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)) ثم ذكر إلقاء العصى أمام السحرة (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117))، في يونس لم يذكر أنه ألقى العصى قال (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)) ولم يذكر تفصيلاً لما حدث. حتى أمام السحرة هناك ذكر (فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)) أما في يونس فلم يقل وإنما قال (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)) إذن لم يذكر آيات ولم يفصلها أما في الأعراف ذكر الآيات أمام فرعون وأمام السحرة فأيّ الأهم؟ عندما يذكر الآيات قدّمها في الأعراف بينما في يونس أخّرها لأنه لم يذكرها حتى تلاءم السياق العام هذا قانون البلاغة فناسبت ما واحدة، لا يقال الكلام تغير أو الأسلوب اختلف، هذا كلام عام لكن ضعها في سياقها يتضح الأمر. في الأعراف ذكر الآيات أمام فرعون والسحرة بينما في يونس لم يذكر الآيات.
سؤال: عندما نزل القرآن عندما تحداهم الله تعالى هل كان المقصود أن يُعمِلوا عقلهم في فهم النص القرآني ويأتوا بمثله؟ وهل مطلوب منا أن نُعمِل عقولنا ونفهم الآيات والتراكيب أو أن نفهم نظم القرآن؟(1/93)
كل واحد بحسب طاقته وبحسب ما يريد أن يفهم هو، نحن لسنا مكلفين إلا بالأوامر والنواهي ولسنا مكلفين بما وراء ذلك. (أفلا يتدبرون القرآن) كل واحد بما أوتي فالعامي يكتفي بالتدبر العام ولكن إذا واحد رصد نفسه لهذا الأمر فعليه أن يُحكِم الآية إذا كان الغرض من ذلك أن يفهم الأمر من هذا الجانب فعليه أن يُحكم الآية. ثم أعتقد أن هذا من باب فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين حتى تقوم الحجة على الآخرين وفي اعتقادي وأنا لست فقيهاً أنه لا بد أن يكون هنالك جماعة يتفقهون في هذا الأمر حتى إذا أثيرت شبهة أو أثير كلاماً يردوا إذن هذا فرض كفاية وهكذا يبدو لي والله أعلم.
سؤال: ما ثبت أنا أياً من رؤوس وصناديد الكفر اعترض على آية من آيات القرآن؟
بالعكس كانوا يؤخذون به ويأتون في الليل ليستمعوا له.
*ما الفرق بين البعث والإرسال ؟(د.فاضل السامرائى)(1/94)
بعث فيه معنى الإرسال تقول بعثت شخصاً فيه معنى الإرسال لكن في بعث أيضاً معاني غير الإرسال. الإرسال أن ترسل رسولاً تحمّله رسالة لطرف آخر. البعث قد يكون فيه إرسال وفيه معاني أخرى غير الإرسال أي فيه إرسال وزيادة. تبعث بارِك أي الجمل، تبعث الموتى ليس بمعنى إرسال ولكن يقيمهم، فيه إثارة وإقامتهم (إن للفتنة بعثات) أي إثارات، فيها تهييج. (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا (247) البقرة) أي أقامه منكم. ولذلك عموماً أن البعث يستعمل فيما هو أشد. نضرب مثالاً: (قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) الشعراء) و (قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111) الأعراف) والقصة قصة موسى في الحالتين: الملأ يقولون لفرعون وابعث في المدائن وأرسل في المدائن. ننظر لتكملة كل آي من الآيتين (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) الشعراء) صيغة مبالغة والثانية (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) الأعراف) ليس فيها مبالغة ساحر ليس فيها مبالغة بينما سحار فيها مبالغة لأنه في الشعراء المحاجة أشد مما كانت في الأعراف. لو قرأنا قصة موسى وفرعون في الشعراء المواجهة أشد من الأعراف وفرعون كان غاضباً فقالوا وابعث في المدائن أنت أرسل وأقم من المدينة من يهيّج عليه أيضاً هذا معنى (ابعث) هذا البعث، أن تبعث أي تهيّج، تقيم لذا قال بعدها (بكل سحار عليم) ولما قال أرسل قال (بكل ساحر عليم).(1/95)
مثال آخر (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (75) يونس) (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) المؤمنون) نفس الدلالة لكن هذه في يونس والأخرى في المؤمنون. لو قرأنا ماذا في يونس وفي المؤمنون نجد في يونس كانت محاجة شديدة بين موسى وفرعون وإيذاء لبني إسرائيل (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)) ثم قال موسى (قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)) ثم موسى دعا على فرعون (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88)) هذا كله في يونس دعا عليهم. أما في المؤمنون فهي عبارة عن آيتين فقط (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)) انتهت القصة في المؤمنون بينما في يونس كلام طويل وفيه قوة ودعاء عليهم فقال بعثنا وفي المؤمنون قال أرسلنا.(1/96)
حتى لما يتكلم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) الجمعة) (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) التوبة) لم يذكر شيئاً آخر الله تعالى يظهر على الدين كله، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) الفتح) انتهت، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) الصف) أما (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) الجمعة) فيها عمل للرسول - صلى الله عليه وسلم - . فالبعث هو أشد وفيه حركة أما الإرسال فلا، فالبعث هو الإرسال وزيادة ولهذا قال تعالى (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5) الإسراء)) فيه قوة وقسوة وعمل.
آية (77):
*هل يُضمر القول في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
أحوال القول والمقول يمكن أن نجمل أهم أحكامها في عبارات صغيرة.
الكثير أن يذكر القول والمقول هو الأصل (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (30) مريم) القول هو الفعل و(إني عبد الله) هو المقول.(1/97)
يمكن أن يحذف فعل القول ويذكر المقول لا يقول قال أو يقول لكنه مفهوم وهذا كثير أيضاً مثال(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) البقرة) هذا مقول القول وحذف الفعل وأبقى المقول.
أحياناً يذكر فعل القول لكن يحذف المقول ولكنه ظاهر في السياق عكس الحالة السابقة مثل (قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) يونس) ما هو القول؟ هم لم يقولوا أسحر هذا ولا يفلح الساحرون وإنما هم قالوا هذا سحر، قول (أسحر هذا) هذا قول موسى وأضمر مقولهم هم وهو مفهوم من السياق.
وهنالك حالة أخرى أن يذكر مقولان لقائلين مختلفين ويحذف فعل القول منهما الإثنين ويتصلان كأنهما مقولان لقول واحد لكن المعنى واضح يجري عليه السياق مثل (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) النحل) هم قالوا (ما كنا نعمل من سوء) والرد (بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون) هذا ليس قائلاً واحداً وإنما هذا قائل آخر وحذف فعل القول لم يقل قالوا ما كنا نعمل من سوء ولم يقل قال بلى مفهوم من السياق فحذف فعل القول من الاثنين وأدمج المقولين لكنه مفهوم من السياق.(1/98)
وهنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول ومقوله ويدرج معه قول لقائل آخر فيبدو كأنهما مقولان لشخص واحد لكن في الحقيقة لا، مثل (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) يوسف)، ويوسف قال (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)) هذا كلام يوسف، هي رمته بالخيانة (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25))، (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)) سيدنا يوسف يتحدث عن العزيز أنه لم يخن العزيز بالغيب، (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53)) هذا كلام يوسف أيضاً (ذلك) أي الكلام الذي قالته امرأة العزيز، كلامها هي (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) يوسف) وانتهى كلامها، ويوسف قال (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)). في قوله تعالى (يوسف أعرض عن هذا ()) يكلم شخصين لكن القائل واحد.(1/99)
هنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول لكن لا يذكر المقول وإنما يذكر فحواه (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ (31) إبراهيم) قل هذا فعل القول والمقول لم يذكره وإنما ذكر الفحوى يقيموا الصلاة هذا فحوى قوله تعالى وليس هو القول لم يقل أقيموا الصلاة، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء) هذا ليس هو نص القول وإنما فحواه. فهذه أبرز أحوال القول في القرآن الكريم. ولكل حالة من هذه الحالات دلالتها وسياقها الذي تروى فيه.
آية (79):
*ما الفرق بين عالم وعليم؟(د.فاضل السامرائى)(1/100)
كلمة عالِم في القرآن لم ترد إلا في عالم الغيب مفرداً أو الغيب والشهادة، إما الغيب وإما الغيب والشهادة في القرآن كله لم ترد كلمة عالِم في 14 موضعاً لم ترد بمعنى آخر. مقترنة بالغيب (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) الجن) أو بالغيب والشهادة (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) الأنعام) أو لم تقترن (عالِم) إسم فاعل لا يدل على الكثير عادة فاستعملها بالمفرد الذي لا يدل على التكثير. (عليم) خصصها للغيوب (وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78) التوبة) لا تجد كلمة علام في القرآن في غير علام الغيوب ولم ترد إلا مع الغيوب جمع الغيب مجموعة، العلاّم كثرة والغيوب كثرة مثل سمّاع وسميع في القرآن: سمّاع استعملها في الذمّ (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ (41) المائدة) (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (47) التوبة) وسميع إستعملها تعالى لنفسه (وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) واستعملها في الثناء على الإنسان (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) الإنسان) وسماع لم يستعملها إلا في الذم. إذن القرآن يخصص في الاستعمال. عليم مطلقة ويستعملها في كل المعلومات على سبيل الإطلاق (بكل شيء عليم) يستعملها إما للإطلاق على الكثير أو يطلقها بدون تقييد (واسع عليم) أو يستعملها مع الجمع أو فعل الجمع. مثلاً لما يقول (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) يونس) هذه مطلقة (كل) تدل على العموم، (بكل شيء عليم) هذا إطلاق، أو على العموم. قلنا إذن يستعملها مطلقة (إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)، أو عامة (بكل شيء عليم) أو مع الجمع أو مع فعل الجمع.(1/101)
مع الجمع (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ) جمع، (فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) جمع، (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) جمع، (إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) جمع. إما أن تستعمل عامة مع لكل الخلق، كل شيء أو مطلقة (واسع عليم) (سميع عليم) ليست مقيدة بشيء أو بالجمع (المتقين، المفسدين، الظالمين، بذات الصدور) أو بفعل الجمع (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة) لم يقل وما تفعل من خير، (وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) يوسف) (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) النور) للجمع أو فعل الجمع. إذن كلمة عليم لم تحدد بشيء معين إما للعموم أو كونها مطلقة من كل شيء أو مع الجمع أو مع فعل الجمع لم يأت مع متعلق مفرد مطلقاً في القرآن لا تجد عليم بفلان أو بفعل فلان. علاّم محددة، عالِم محددة، عليم هذه استعمالاتها. إذا أراد أحدهم أن يدرس هذه الاستعمالات تدرس في باب تخصيص الألفاظ القرآنية، هذه ظاهرة في القرآن وقد نأخذ عليها عدة حلقات لاحقاً.
آية (87)-(89):
*ما دلالة إستعمال الجمع في قوله تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) يونس) مع أن الخطاب للمثنى؟(د.حسام النعيمى)
(تَبَوَّءآَ) الكلام مع موسى وهارون بالمثنّى لكن لما أراد من جمهور بني إسرائيل أن يجعلوا هذه البيوت قِبلة إستعمل الجمع فقال (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) أي تجمعوا في هذه البيوت لتكن بيوتكم أماكن إجتماع فجاء الجمع وهو ليس لموسى وهارون هنا وإنما لعموم بني إسرائيل.(1/102)
* ما دلالة التحول من المثنى إلى الجمع في الآية (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) يونس)؟ بينما في الآية (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (89) يونس) كلها مثنى؟(د.حسام النعيمى)
الآية الكريمة (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (89)). تبوءا مثنى ثم قال واجعلوا صار جمعاً و بعد ذلك تكلم بالمفرد (وبشّر) إذن لدينا مثنى، جمع ومفرد فلا بد من الوقوف عند كل جزئية من هذه الجزئيات.(1/103)
أولاً بنو إسرائيل هؤلاء لا شك أنهم كانوا يسكنون في بيوت، كانوا في مصر وموسى - عليه السلام - جاء وطلب من فرعون قال (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17) الشعراء) بنو إسرائيل ما كانوا يعيشون في الهواء، كان عندهم بيوت. كانوا في مصر معذّبين وأم موسى كانت في مصر وهي التي ألقت بولدها في اليم، إذن هم عندهم بيوت فلما يقول (تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً) معنى ذلك تبوءا بيوتاً جديدة. هذه البيوت الجديدة هي بيوت مهيّأة للسفر لأنه كان يريد أن يُخرِج قومه من مصر فلا يُتصور أن يطلب إليهم أن يبنوا بيوتاً جديدة بالطابوق وبالآجُر. معنى ذلك أنهم كأنما خطوا خطوة في طريق الهجرة، هذه الخطوة التي طُلِب من موسى وأخيه طبعاً لما كان الكلام في تمشية شؤون الأمة ممكن أن يوحى إلى هارون كما أوحي إلى موسى لأن هذه القضية تتعلق بعمل وإجراءات تخص الناس فيمكن أن يوحى للرسول ومؤازره فلذلك قال (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ).
((1/104)
تبوءا): التبوء هو الإتخاذ، إتخذا البيت وقالوا البيت مباءة للإنسان لأن أصل باء بمعنى رجع وكأنما الإنسان لما يخرج من بيته يرجع إليه دائماً يعني يبوء إلى داره، باء بمعنى رجع إلى مكانه وأحياناً تكون رجع عامة (وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) الأنفال) رجع من عمله بغضب من الله سبحانه وتعالى، (إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) المائدة) ترجع من هذا العمل حاملاً إثمي. (تبوءا لقومكما بيوتاً) إذن هي بيوت جديدة ممكن أن تكون خيماً أو بيوتاً مما يسمى الخصّ. البيت هو ما يبيت فيه الإنسان، البناء الذي يبيت فيه الإنسان الذي هو الحجرة. البيت في الأصل، الإنسان قديماً ما كان يبني غرفاً كثيرة وإنما يبني غرفة طويلة ويغتسل فيها وينام فيها ويستقبل الضيوف فيها، الرسول كان لديه بيوت أمهات المؤمنين أي كل واحدة لها حجرتها. والطابق العلوي يسمى غرفة، (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) وبيت عائشة رضي الله عنها معروف إلى اليوم الذي فيه قبر الرسول وقبر صاحبيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. والكعبة أطلق عليها بيت لأنها مثل الحجرة، تجويف واحد، بناء واحد.(1/105)
هذا هو البيت، كل منهم يبني بيت مؤقت لأسرته، هذه البيوت كأنما طُلِب إليهم أن يجعلوا إتجاهها أي إتجاه الفتحة فيها بإتجاه القبلة، (واجعلوا بيوتكم) الآن الكلام مع موسى وهارون، الآن التفت إلى بني إسرائيل وموسى وهارون أي أنتم جميعاً يا بني إسرائيل إجعلوا بيوتكم قبلة. وقف العلماء عند كلمة قبلة هنا ما المراد بها: قسم قالوا بعضها مقابل بعض، وقسم قال: إجعلوا بيوتكم التي كانت في الشام قِبلة صلّوا إليها، قسم قال: مساجد، صلّوا فيها، صلوا في هذه المساجد. العرب تسمي التوجه إلى الكعبة قِبلة، إلى الآن في العامية المصرية يقولون: هذا قِبلي أو بحري، قِبلي أي بإتجاه الكعبة. هل كانت قبلة موسى - عليه السلام - الكعبة؟ الجواب نعم. قبلة إبراهيم - عليه السلام - ومن وراءَه وقِبلة موسى - عليه السلام - كانت الكعبة لكن يبدو أنه بعد ذلك في بعض أنبياء بني إسرائيل حدث نسخ وتحولوا إلى بيت المقدس، غالباً لأنها صارت موطناً للأصنام فما عاد يُتّجه إليها لأنها كانت موضع أصنام، أو لسبب آخر، المهم أن إبراهيم - عليه السلام - لما رفع القواعد من البيت إتجه إلى الكعبة وذريته تتجه إلى الكعبة وهي القِبلة الحقيقية لعباد الله الصالحين وكان التحول عنها لغرض معين في أول الإسلام ثم عادوا إلى القِبلة.
(وأقيموا الصلاة) يستدل العلماء منها باتجاه المعنى أنه إجعلوا بيوتكم متجهة إلى الكعبة وصلّوا.
والآن إلتفت إلتفاتاً آخر (وبشر المؤمنين) أن البشارة إنما تكون من الرسول لأن يكون لها وقع أعظم من أن تكون من هارون أو منهما ، فنجد أنه مرة ثنّى للإشتغال بشؤون الناس ومرة جمع لأن الأمر عام ورجع فأفرد لأن البشارة من الرسول تكون أوقع وأعلى منزلة بخلاف لو جاءت البشارة من شخص معه. هارون كان نبياً لأن الرسول هو صاحب الرسالة، النبي يكون مع الرسول أو بعد الرسول يبلّغ رسالة الرسول ويبشر برسالة النبي فإذن كل رسول هو نبي ولكن ليس كل نبي رسول.(1/106)
فائدة الإلتفات في اللغة من ضمير إلى ضمير: هذا التلوين في العبارة مع الإرتباط في المعنى لأنه وجدنا المعنى مترابطاً، مرة كلّم الإثنين ثم كان لا بد أن يكلّم الجميع (واجعلوا بيوتكم) ولا يمكن أن يقول: فاجعلا بيوتكما معناه بيت موسى وهارون سيكونان قبلتين وليس هذا المراد وإنما المراد جميع البيوت تتجه بإتجاه القِبلة لأسباب لأن بعض العلماء يقولون لو نظرنا إلى المكان لأن (بمصر) فيها كلام، ما المراد بمصر؟ ما دامت مُنِعت من الصرف فهي مصر المعلومة الحالية لكن ليست بالحدود الحالية. قالوا المراد بمصر بعضهم قال الإسكندرية لأنها كانت قديمة والبعض قال المراد الجيزة بدليل الأهرام، كانوا هناك ويبدو أن الراجح - والله أعلم - أنها ممفيس التي هي في الجنوب أو طيبة. لماذا يرجحه بعض المؤرخين؟ قالوا لأنه هذه المنطقة هي المنطقة التي كان فيها الفرعون الذي عُثِر على جثمانه واكتُشِف أنه مات غرقاً (فرعون موسى) كان من الأسرة التاسعة عشرة الفرعونية وهذا الوقت كان هو وقت موسى - عليه السلام - فيرجح بعض المؤرخين أن تكون هذه الإجراءات والعملية كانت في ممفيس وأن بني إسرائيل مشوا مع البحر الأحمر، ما مشوا مع نهر النيل، ساروا مع البحر الأحمر بانتظار أن يصلوا إلى منطقة قناة السويس الحالية ويحاولون العبور هناك، يبدو في تلك المنطقة هناك أدركهم فرعون ولو ساروا بالطريق المعهود مع نهر النيل كانوا حوصروا مبكراً لكن إتخذوا لأنفسهم مكاناً بعيداً عن الطريق مع ساحل البحر الأحمر إلى أن وصلوا إلى هذه المنطقة الضيقة التي يعبر منها باتجاه سيناء ومن هناك إتخذوا البر بعد ذلك.
* لماذا أثبت النون في تتبعانّ في الآية (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (89) يونس)؟ (د.حسام النعيمى)(1/107)
قبل هذه الآية، ننظر ماذا دعا موسى - عليه السلام - ، لما كان موسى يدعو، صحيح غير مذكور دعاءه، هارون كان يؤمّن معناه أن المؤمّن داعي لما يقول آمين إذن هو يدعو. قال موسى - عليه السلام - (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) هذه اللام يسمونها لام العاقبة، هو لم يعطهم هذه لكي يضلوا عن سبيله كما قال تعالى (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) القصص) هم ما التقطوه لكي يكون عدواً لهم يعني من أجل أن يكون، وإنما عاقبة هذا الإلتقاط كانت كذا، هذه لام العاقبة، لام النتيجة. المعنى هو الذي يبينها. وهنا هذه اللام لام العاقبة يعني إنك آتيت فرعون وملأه الزينة والأموال،وكانت نتيجة ذلك أنهم استعملوها للإضلال، لا أنت أعطيتهم من أجل أن يقوموا بالإضلال. (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ) وازن بين الدعوتين! (واشدد على قلوبهم) كأنه إربط على قلوبهم أو كما يقولون شد عليه فقتله. (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) لا يريدهم أن يؤمنوا، عذِّبهم أولاً ثم لا بأس أن يؤمنوا. فقال تعالى (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا) لأن موسى كان يدعو وهارون يؤمِّن.
((1/108)
وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) في غير القرآن مفروض أن تكون بدون النون لأن (لا) ناهية (ولا تتبعا). لكن لما نجد القُرّاء يُجمِعن باستثناء بالنون المشددة رواية واحدة (ولا تتبعانّ) وهي نون التوكيد الثقيلة المفروض أن تكون مفتوحة (ليسجنن)، أما النون الخفيفة فتكون ساكنة (وليكونا)، لكن ليس في العرب من يفتح نون التوكيد مع ألف المثنّى، العرب جميعاً يكسرون نون التوكيد مع المثنى "هل تذهبانِّ إلى الموضع الفلاني يا أخويّ؟" يكسرها قالوا لمناسبة الألف لأن نون المثنى بعد الألف تكون مكسورة دائماً مثل: أنتما تكتبانِ، تذهبانِ، تلعبانِ فحوفِظ على الكسرة وغيرت الفتحة في لغة العرب جميعاً، فإذن هذه نون التوكيد وليست نون الرفع.
(تتبع) فعل مجزوم بـ (لا): عندنا قولان للعلماء قول يرى أن نون التوكيد إذا جاءت مع الفعل المضارع يكون مبنياً على كل حال فيقول (تتبعانِّ) هذا مبني وتكون النون محذوفة لتوالي الأمثال (نون الرفع) مبني فلا مكان لها تُحذف، مبني على حذف النون، تحذف النون أو لتوالي الأمثال. ورأي آخر الذي هو الشائع أن الفعل المضارع يكون مبنياً إذا إتصلت به نون التوكيد مباشرة وفي الألفية:
وأعرب مضارعاً إن عريا من نون توكيد مباشر
يعني إذا فصل بين نون التوكيد وبين المضارع ألف الإثنين أو ياء المخاطبة أو واو الجماعة حتى ولو تقديراً لأننا نقول: هل تكتبنّ دروسكم؟ (عندنا واو محذوفة)، هل تكتبنّ يا هندُ؟ (عندنا ياء محذوفة)، هل تكتبانّ ؟ (عندنا ألف محذوفة) فإذن أُعرب المضارع لأنه فصل بينه وبين نون التوكيد. مع ذلك نون الرفع غير موجودة إما نقول لأنه جُزِم بعد لا الناهية جازمة حذفت النون علامة جزمه أو لتوالي الأمثال، لما جاءت (لا) ما وجدت ما تحذف إذن هذه نون التوكيد وليست نون الرفع.
آية (90):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قصة غرق فرعون في آيات سورة يونس وطه؟(د.فاضل السامرائى)(1/109)
قال تعالى في سورة يونس (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90}) وقال في سورة طه (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى {77} فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ {78}). إذا لاحظنا الآيات في السورتين نرى ما يلي:
1. استخدام واو العطف في قوله (فرعون وجنوده) وهذا نص بالعطف فرعون أتبع موسى وهو معه وهذا تعبير قطعي أن فرعون خرج مع جنوده وأتبع موسى. أما في سورة طه استخدم الباء في قوله (فأتبعهم فرعون بجنوده) والباء في اللغة تفيد المصاحبة والإستعانة، وفي الآية الباء تحتمل المصاحبة وتحتمل الإستعانة بمعنى أمدهم بجنوده ولا يشترط ذهاب فرعون معهم.(1/110)
2. والتعبير في سورة يونس يوحي أن فرعون عازم على البطش والتنكيل هو بنفسه لذا خرج مع جنوده وأراد استئصال موسى بنفسه للتنكيل والبطش به لآن سياق الآيات تفرض هذا التعبير، ذكر استكبار فرعون وملئه (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ {75}) فذكر أنهم مستكبرون ومجرمون وذكر أنه ما آمن لموسى إلا قليل من قومه على خوف من فرعون وملئه وذكر أيضاً أن فرعون عال في الأرض ومسرف كما ذكر أنه يفتن قومه ومآل الأمر في سورة يونس أن موسى - عليه السلام - دعا على فرعون وقومه (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) فذكر بغياً وعدواً مناسب لسياق الآيات التي ذكرت عذاب فرعون وتنكيله بموسى وقومه. ولم يذكر في سورة طه أن فرعون آذى موسى وقومه ولم يتعرض لهذا الأمر مطلقاً في سورة طه لذا فالسياق هنا مختلف لذا اختلف التعبير ولم يذكر _بغياً وعدوا) ليناسب سياق الآيات في التعبير.(1/111)
3. بعد أن ضاق قوم موسى ذرعاً بفرعون وبطشه تدخل الله تعالى فتولّى أمر النجاة بنفسه فقال تعالى (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {90}) وكان الغرق لفرعون وإيمان فرعون عند الهلاك هو استجابة لدعوة موسى - صلى الله عليه وسلم - (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم)، أما في سورة طه فقد جاء الأمر وحياً من الله تعالى لموسى - صلى الله عليه وسلم - ولن يتولى تعالى أمر النجاة بنفسه وإنما خاطب موسى بوله (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى) ثم قال تعالى (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) ذكر غرق قوم فرعون.
كل هذه الإختلافات بين المشهدين في القصة هو ما يقتضيه سياق الآيات في كل سورة.
*ما دلالة تأنيث (بنو إسرائيل) فى الآية؟(د.فاضل السامرائى)(1/112)
في سؤال سابق عن جاءهم البيانت وجاءتهم البينات أجبت أن هناك جمع تكسير؟ قلنا أن الملائكة جمع تكسير. جمع المؤنث السالم إذا كان المؤنث حقيقياً أي له ذكر من جنسه مثل بنات فإذا كان متصلاً بالفعل يؤنّث وإذا انفصل يجوز التذكير والتأنيث. المؤنث غير الحقيقي يجوز الوجهان. إذا كان مؤنثاً حقيقياً أي ما له مذكّر من جنسه مثل (بنات، طالبات) المؤنث المجازي مثل شجرات، بيّنات. بيّنات مؤنث مجازي فيجوز في فعله التذكير والتأنيث. نسوة ليست جمع مؤنث سالم هذا جمع تكسير، نسوة أصلاً هو إسم جمع (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ (30) يوسف). لو كان مؤنث حقيقي نقول جاءت الطالبات فإذا جاء أي فصل يجوز التذكير والتأنيث (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ (10) الممتحنة) جاء فصل بالضمير (كم) وقسم من النحاة يذهب إلى أن كل الجموع يجوز تذكيرها وتأنيثها بدليل قوله تعالى (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) يونس) ويقول الشاعر: إن قومي وتجمعوا وبقتلي تحدثوا لا أبالي بجمعهم كل جمعٍ مؤنث
*ما الفرق بين (إذا) و(إذ)؟(د.فاضل السامرائى)(1/113)
إذ ظرف للماضي في الغالب ولا يعدونها من أدوات الشرط، إذما من أدوات الشرط (وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ (86) الأعراف) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ (9) الأحزاب) النحاة يقولون إذ للماضي وإذا للمستقبل ونحن نقول (إذ) في الغالب للماضي وإذ ليست شرطية. (إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب لجوابه مبني على السكون. (إذ) إسم، ظرف زمان للماضي في الغالب لأنه في القرآن (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ (71) غافر) وهذه للمستقبل (سوف) في جهنم يسحبون في الحميم وإن كان له تأويل آخر أنه مستقبل منزَّل منزلة الماضي لكني أعتقد أنها في الغالب للماضي كما أن (إذا) في الغالب للمستقبل وقد تكون في الماضي كما في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ (90) يونس) هو أدركه الغرق بالفعل. (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ (86) الكهف) حتى في آية الجمعة (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا (11) الجمعة) هذه الآية نزلت بعد ما وقع الأمر. النحاة لا يقولون غالباً ولكنهم يقولون أن أدوات الشرط كلها في الاستقبال.
*ما اللمسة البيانية في ورود لفظة اليم 8 مرات في قصة موسى ? ووردت لفظة البحر 8 مرات في القصة نفسها ووردت لفظة البحرين مرة واحدة؟(د.فاضل السامرائى)(1/114)
مسألة البحر واليم ذُكِرت أكثر من مرة في هذا البرنامج وقلنا أن القرآن الكريم يستعمل اليم والبحر في موقفين متشابهين كما في قصة موسى ? مرة يستعمل اليم ومرة يستعمل البحر في القصة نفسها (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ (63) الشعراء) (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40) القصص) اليمّ كما يقول أهل اللغة المحدثون أنها عبرانية وسريانية وأكادية وهي في العبرانية (يمّا) وفي الأكادية (يمو) اليمّ وردت كلها في قصة موسى ولم ترد في موطن آخر ومن التناسب اللطيف أن ترد في قصة العبرانيين وهي كلمة عبرانية. كلمة البحر وردت عامة (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (50) البقرة) (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ (14) النحل) عامة لكن من الملاحظ أن القرآن لم يستعمل اليم إلا في مقام الخوف والعقوبة أما البحر فعامة ولم يستعمل اليم في مقام النجاة، البحر قد يستعمله في مقام النجاة أو العقوبة. قال تعالى (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (7) القصص) (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ (39) طه) هذا خوف، (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (136) الأعراف) هذه عقوبة، (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) طه) (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (40) القصص) عقوبة، أما البحر فعامة استعملها في النِعم لبني إسرائيل وغيرهم (أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (63) النمل) (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ (67) الإسراء) في نجاة بني إسرائيل استعمل البحر ولم يستعمل اليم.(1/115)
استعمل اليم في العقوبة واستعمل البحر في النجاة والإغراق (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (50) البقرة) استعملها في الإغراق والإنجاء (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) أي أنجيناهم، (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) طه) (فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ (78) طه) لم يقل البحر، (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ (63) الشعراء). إذن يستعمل اليم في مقام الخوف والعقوبة فقط ويستعمل البحر عامة في بني إسرائيل وغيرهم. اليم يستعمل للماء الكثير وإن كان نهراً كبيراً واسعاً. يستعمل اليم للنهر الكبير المتسع ويستعمل للبحر أيضاً. اللغة تفرق بين البحر والنهر واليم: النهر أصغر من البحر والقرآن أطلق اليم على الماء الكثير ويشتق من اليم ما لم يشتقه من البحر (ميموم) أي غريق لذلك تناسب الغرق. العرب لا تجمع كلمة يم فهي مفردة وقالوا لم يسمع لها جمع ولا يقاس لها جمع وإنما جمعت كلمة بحر (أبحر وبحار) وهذا من خصوصية القرآن في الاستعمال. كونها خاصة بالخوف والعقوبة هذا من خصوصية الاستعمال في القرآن.
آية (92):
*ما دلالة كلمة (خلفك) في الآية (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)) في سورة يونس ؟(د.فاضل السامرائى)
بعد نقيضة قبل وأظهر استعمال لها في الزمان. أما خلف فهي نقيضة قُدّام وهي في الغالب للمكان هذا من حيث اللغة. والخلف في اللغة هوالظهر أيضاً.(1/116)
أحياناً لا يصح وضع إحداهما مكان الأخرى فلا يمكننا أن نضع خلف مكان بعد لأن كلها متعلقة بالزمان مثل فى قوله تعالى(ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) البقرة) (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (230) البقرة) (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) آل عمران).
أما خلف فهي في الأصل للمكان، (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) الأعراف) (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) يس) (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) النساء) أي يلونهم مباشرة كأنهم واقفين خلفهم وكذلك قوله تعالى (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)) الآية موضع السؤال، من هم خلفه؟ هم قومه الذين ينتظرون عودة فرعون وماذا سيفعل فهم خلفه. ذهب موسى بالجيش والشعب والملأ خلفه فالمعنى أصلاً لمن خلفك الذين ينتظرون العودة فالآية لهم حقيقة لأن فيها تحدّي ومسألة إيمان لكنها صارت لنا فيما بعد آية.
* يقول تعالى (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) النبأ) والله تعالى يصف فرعون (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الفجر) وعلماء الآثار يقولون أن الذي هلك في اليم هو فرعون والذي بنى الأهرام فرعون آخر فهل الأوتاد هي الأهرام أم لها معنى آخر؟(د.حسام النعيمى)(1/117)
الدراسات الآثارية أو الأثرية أثبتت أن أحد الفراعنة أو المومياءات الموجودة الآن في مصر اكتشفت أنه مات غرقاً من تحليل بعض الأجزاء من جسمه ثبت عندهم أن هذا الفرعون ميّت وهو غريق فهذا تثبيت للحقيقية التي ذكرها القرآن الكريم (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس) نجّاه الله سبحانه وتعالى ببدنه ميّتاً فأخذه قومه وحنّطوه ودفنوه بطريقتهم واستُخرِج وهو الآن في متحف في مصر. هذا ليس هو الذي بنى الأهرامات وإنما بناها غيره. هذا الذي غرق هو فرعون موسى. والفرعون لقب لحُكّام مصر في زمن من الأزمان وليس إسماً لشخص معين وإنما هو لقب للحاكم، مثل كسرى وقيصر والخليفة.
ما قال أحد أن الأوتاد هي الأهرامات بقدر إطلاعي. في كلام المفسرين (والجبال أوتاداً) لأن الوتِد (وتِد أفصح من وتَد) جزء منه في داخل الأرض أولاً ثم يكون مثبّتاً للخيمة. هذه الأسباب التي هي الجبال المشدودة بالخيمة تربط بالوتد فتكون خيمة ويكون العمود في وسطها. كيف شبّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - منزلة الصلاة قال: "الصلاة عمود الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين" لأنه يمكن أن تضع الأوتاد وتربط الأسباب التي هي الحبال لكن لا تضع العمود فلا تكون خيمة وإنما تكون بساطاً مربوطاً من جهات كثيرة فلا تؤويك من برد ولا من حر، فقد يكون الإنسان كريماً حسن التعامل منفقاً وخيّراً هذه مطلوبة لكنه إذا كان لا يصلي فهو من غير عمود فليس عنده بيت. والذي يضع العمود ولا يربط الأوتاد والحبال يصلي مثلاً ولكنه يشتم هذا ويلعن هذا ويعتدي على هذا، هذا ما ربط الأسباب أيضاً لا يكون بيتاً يكون عمود وحوله قماش فهذا لا يؤويك من شيء. فهذا تلازم الصورة في الحديث الشريف من الصور الرائعة.(1/118)
الجبال في دراسات طبيعة الأرض والعلماء يقولون (العهدة عليهم) أن تضاريس الأرض والجبال فيها هي التي تثبت اليابسة وإلا كانت تبقى زلازل وتطمرها المياه (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) الرعد) وهذا جاء موافقاً لكلام الله سبحانه وتعالى والذين يقولون ليسوا مسلمين كما أن الأوتاد تثبت أركان الخيمة الجبال تثبت اليابسة. (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (9) النبأ) كمهد الطفل ممهدة مجهزة معدّة (والجبال أوتاداً) ثبتناها حتى تبقى ممهدة.
آية (96):
*انظر آية (33).???
آية (99):
*ما دلالة استعمال (كلهم) و(جميعاً) في الآية (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99) يونس)؟(د.حسام النعيمى)(1/119)
الآية هي قول الله سبحانه وتعالى (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99) يونس) هي الآية في تسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفيها بيان لمن يتلو كتاب الله سبحانه وتعالى كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريصاً على إيمان قومه، حتى في بعض المواقع في القرآن الكريم يقول (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) الشعراء) كأنه: أشفِق على نفسك أن تقتلها. فيه تسلية لقلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لشدة حرصه يقول له (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (98) وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99) يونس) الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأرسل الرسل بعث الرسل وأنزل لهم الكتب (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) الإنسان) قال لآدم ? (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا (35) البقرة) أثبت لهما المشيئة من أول خلقتهما، (حيث شئتما) أي لهما مشيئة فأنت لا تقتل نفسك، أدِّ واجبك تجاههم. (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا) لا يلدُّ منهم أحد، لا يفلت منهم أحد، الكل يؤمن، هذا توكيد لـ (من في الأرض) (كلهم) يعني كل من في الأرض يؤمنوا. ثم جاءت (جيمعاً) لبيان الحال، يعني حال كونهم مجتمعين على الإيمان غير متفرقين عنه. فإذن (كلهم) لبيان التأكيد أنه لا يخرج منهم أحد عن الإيمان، و (جميعاً) بمعنى مجتمعين على مفردات الطاعة لا يخالف منهم أحد.(1/120)
يعني لو شاء الله سبحانه وتعالى لدخل الناس جميعاً في الإيمان بحيث لا يخرج منهم أحد ولظلوا على إيمانهم بحيث لا يزول منهم أحد بإجراء عملٍ مخالف للإيمان. فهم إذن مؤمنون جميعاً مجتمعون على الإيمان. فكل كلمة أدّت غرضاً: كلمة (كلّهم) أدّت التوكيد وكلمة (جميعاً) أدّت الحال. الحال لا تعني أنها منتقلة دائماً، العلماء يقولون قد تكون الحال أحياناً دالة على الثبوت. حالة كونهم مجتمعين في هذه الحال (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) الأنبياء)،(لاعبين) حال لكن لا تستطيع أن تستغني عنها، يقولون الحال فضلة أي خارج العُمدة، هذا مصطلح يعني لا يعني معناه اللغوي أنه فضلة أنه يُرمى. هذا مصطلح قضلة يعني ليس مسنداً وليس مسنداً إليه، كل ما عدا مسند أو مسند إليه اصطلحوا على تسميتها بالفضلات. فالمفعول به قالوا فضلة، كيف نستغني عنه؟ قالوا: (أكرم زيد خالداً) خالداً مفعول به كيف تستغني عن خالداً؟ أكرم زيدٌ، أكرم فعل وزيد فاعل يقولون إذن تمتّ الجملة. ينبغي أن نفهم المصطلح أنه لما يقولون هذا الكلام وكما قلنا في مرة ماضية لما يقولون هذا حرف زائد وهو في كتاب الله لا يعنون أن وجوده كعدمه لكن زائد يعني له تصرف خاص يخالف تصرفه العام في لغة العرب ويكون معناه التوكيد. فإذن (كلهم) للتأكيد و (جميعاً) لبيان الحال، فواحدة مؤكِّدة وواحدة لبيان الحال، والتوكيد وبيان الحال مرادان. لماذا بيان الحال وقد أكد أن من في الأرض آمنوا؟ بيان حالهم أنهم مجتمعين على هذا الإيمان لا يفترقون حوله، قد يكونون مؤمنين لكن يتفرقون في وجهات نظرهم بشأن الإيمان كل له رأيه. فكلمة (جميعاً) أي مجتمعين عليه.
سؤال:
(جميعاً) هل تستخدم توكيد؟ إذا كانت أجمعين أو أجمعون قد تأتي توكيد لكن (جميعاً) حال.
صاحب الحال: نحن لا نفتش عن صاحب الحال وعن العامل في الحال، نقول حال وكفى، أما صاحبها فهو (من).
((1/121)
من) الأصل فيها أن تكون للعاقل و(ما) الأصل فيها لغير العاقل لكن إذا كان هناك خلط يمكن أن نستعمل (من) و (ما).
آية (107):
* (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) يونس) في الخير قال يردك وفي الشر قال يصبك فما الفرق بينهما؟ وما تفسير الآية؟ وما الحكمة في استعمال (إلا هو) و(لا رادّ لفضله) و (يصيب)؟(د.حسام النعيمى)(1/122)
هذا السؤال من الأسئلة التي كما قلنا تفرحنا وتشعرنا بهذا التتبع. هذه الآيات تبدأ من قوله تعالى (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) أولاً نلاحظ العلاقة بين هذه الآية والآية التي قبلها التي فيها نوع من التحذير. هو الكلام يكون خطاباً للرسول - صلى الله عليه وسلم - وخطاب للبشر جميعاً أي أيها الإنسان المسلم، أيها الإنسان الذي ينبغي أن تدخل في الإسلام. هذا الإلتزام (وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) لا تخلط الإيمان بشيء من الشِرك والشِرك كما وصفه الرسول " أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمّاء في الليلة الظلماء" ولذلك علّمنا - صلى الله عليه وسلم - أن نقول دائماً: "اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه" من الأدعية التي ينبغي أن يرددها المسلم. فلا ينبغي أن يخلط الإنسان. (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ) قدّم النفع على الضر لأن الإنسان يحرص على نفعه قبل أن يحرص على دفع ما يضره فقدّمه بشكل طبيعي. (فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) كلمة الظالمين تقترب منها (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) والظلم هو أذى وهو ضُر ولذلك تقدمت كلمة الضُرّ هنا لقربها من كلمة الظلم ليكون نوع من التشابه. ((1/123)
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) هذا معناه أن ما يصيب الإنسان من ضر أو من خير الأصل فيه أنه من الله سبحانه وتعالى فالله سبحانه وتعالى في الأصل هو الضار هو النافع ومردُّ الأمور جميعاً إليه سبحانه وتعالى. لما كان هناك كلام على الضرّ قال (إن يمسسك) هي في الحالين (إن) وهي غير (إذا). (إذا) لتحقق الوقوع أما (إن) فهي للإفتراض والإحتمال. فإذن كِلا الأمرين على الإحتمال إن وقع كذا وإن وقع كذا، قد لا يكون هذا واقعاً لك أن يمسسك ضر وقد لا يكون هذا واقع لك أن يصيبك خير لكن هذا المبدأ العام.
المسّ يكون عادة بالحواس وهو كاللمس لكن الفرق أن اللمس يكون مباشراً بالحواس أما المسّ فقد يكون لمساً بالحواس وقد يستعمل مجازاً للمس بغير الحواس وإنما لمس معنوي.كما يقولون: مسّه طائف من الجن لا يقولون لمسه كأنه نوع من المجاز.
*في الخير قال يردك وفي الشر قال يصبك فما الفرق بينهما؟ وما تفسير الآية؟ وما الحكمة في استعمال (إلا هو) و(لا رادّ لفضله)؟ (د.حسام النعيمى)
((1/124)
وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو) أي إذا أصابك هذا الضر، ذكر إسم الجلالة وهذا جزء من السؤال لماذا استعمل (إلا هو)؟ لما ذكر فاعل المسّ (إن يمسسك الله) نسبه إلى الله سبحانه وتعالى بظهور الإسم بيّن أنه ما يفعله الله سبحانه وتعالى لا يستطيع أحد أن يزيله، فإذا أصاب الله تعالى إنساناً بسوء أو ضُرّ هذا الضر لا مجال لأحد أن يكشفه إلا أن يكشفه الله سبحانه وتعالى، فلما نسب الأمر إلى نفسه سبحانه ناسب ذلك أن يحصر الكشف بذاته جلّت قدرته. (وإن يمسسك الله بضر) كشف هذا الضر منحصر بالله سبحانه وتعالى حصراً ولهذا يقول علماؤنا ينبغي أن يستحضر المسلم حينما يمرض – صحيح أن إبراهيم - عليه السلام - قال وإذا مرضت فهو يشفين – نسبه إلى نفسه تأدّباً – فالمرض مسّ ضُرّ من الله سبحانه وتعالى ينبغي أن يعتقد المريض في نفسه أن الذي يشفيه هو الله سبحانه وتعالى لا الطبيب ولا الدواء لكنهما وسيلتان من وسائل الشفاء فالذي ونحن مأمورون بإتخاذ الأسباب في كل حياتنا والله تعالى يفعل بكلمة كُن فيكون. لكن التصور الإسلامي من خلال النظر في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي الآيات أن على المسلم أن يسعى، أشرف خلق الله وأرفعهم قدراً هو محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يجلس في بيته ثم انتشر الإسلام وإنما تحرّك وأُوذي وضُرِب فلا بد من سبب. حتى في تاريخنا السبب يكون سهلاً ميسراً والله تعالى يفعل بعد ذلك لكن أنت قدِّم السبب. كما قال تعالى في قصة مريم (وهزي إليك بجذع النخلة).(1/125)
وفي حرب مسيلمة الكذاب عندما دخل البستان وأغلقوا الأبواب وحاصره المسلمون وعليهم أن يفتحوا الباب الموصد من الداخل لا بد أن ينزل أحد يفتحه، قام البراء ابن مالك رضي الله عنه فرفعوه لنحافته على التُرس الذي يتترس به المقاتلون رفعوه وسقط على عشرة آلآف وركض إلى الباب وتناولته السهام والسيوف والرماح وهو يركض إلى أن وصل إلى الباب ففتحه ودخل المسلمون ووجدوا في البراء مئات الضربات لكنه ما مات، المهم هو قدّم سبباً فالله سبحانه وتعالى أعانه. فالطبيب والدواء سبب ينبغي أن يقر في قلوبنا أن الله سبحانه وتعالى هو الشافي ولا يجوز أن أجلس في بيتي وأقول الله تعالى يشفيني وفي الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أمر "تداووا". إذن لا كاشف للضر إلا هو سبحانه هذا حصر، (لا كاشف له إلا هو) هذا أسلوب حصر حتى يقرّ في عقيدة المسلم أن الذي يرفع الضر هو الله سبحانه وتعالى وليس سواه جلّت قدرته.. ولا نستطيع هنا أن نقول لا كاشف له إلا الله لأنه تقدم ذكر الله سبحانه وتعالى في الآية. إذا قيل في غير القرآن إذا مسّك ضر فلا كاشف له إلا الله يمكن، لكن لما يتقدم إسم الجلالة لا يكرر لأنه يكون تكراراً غير مستقيم هنا. كأنه لو قلت في غير القرآن: إذا مسك زيد بضُر فلا كاشف له إلا زيد، كأن هناك زيدان ويصبح هناك نوع من الخلل.
(وإن يردك بخير فلا راد لفضله): هناك قال يمسسك وهنا قال يُردك. المسّ مبتشر وهو جاء منسجماً مع كلمة الظالمين في الآية التي سبقتها، (وإن يردك بخير) أي إذا وجّه الخير إليك فلا رادّ لفضله لأن الردّ يكون للشيء قبل وقوعه أما الكشف فيكون عن الشيء بعد وقوعه فاستعمل كلمة كاشف مع المس لأنه واقع واستعمل كلمة رادّ مع (يردك) لأن يردك بخير لم يقع. واستعمال (إن) للإحتمال ليس للجزم أو القطع، إن كان هذا وإن كان هذا.(1/126)
والسؤال الذي يرد: أن كلمة المسّ واقعة وكلمة الخير منتظرة (وإن يمسسك الله بضر) قرّبها، هو إحتمال لكن قريب. يُردك أيضاً لكن المسّ فيه شيء ماديّ والإرادة فيها شيء أبعد. كلا الفعلين على أمل الحدوث ليس مجزوماً بحدوثه ولكن هذا لأنه فيه جانب المس على إحتمال الحدوث لكن المسّ أقرب فاستعمل معه كلمة الكشف لأن المس عادة يكون واقع (مسّه أي وقع) فكشفه لكن الإرادة قبل ذلك فاستعمل معها رادّ لذا استعمل هنا كاشف وهنا رادّ.
لماذا قال المس مع الضر ويردك مع الخير(إن يمسسك بضر)؟ الكلام هنا على قدرة الله سبحانه وتعالى ورد الأمر إليه وقبل ذلك كان الكلام على الظلم ولذا تقدم الكلام على الضر وتأخر الكلام على النفع فيه نوع من إشعار المسلم المتلقي بضرورة اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى لأنه موطن تخويف من الإنحراف عن طاعة الله تعالى ةفي موطن التخويف أنت تقدم العقاب. لاحظ الآية السابقة: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) تحذير من الشِرك (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ) تحذير، (فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) الغالب على الجو جو تخويف وتحذير. هذا الجو يستدعي أن يبدأ بالعقاب، يبدأ بما يخيف حتى ينسجم بعد ذلك. لاحظ مثلاً قوله تعالى (والعصر إن الإنسان لفي خسر) العربي لما يسمعها يشعر بالخسر ثم يأتيه قوله (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فترفعه مرة أخرى كأنه يخرج من بئر. هذا أسلوب القرآن الكريم في التعامل مع القلوب. الجو هنا جو تحذير وتنبيه وتخويف فالذي يناسبه أن يبدأ بالكلام بالمسّ بالضُرّ، أن لا تكون ظالماً ولا تدعو من دون الله ولا تكن من المشركين فإذا مسّك الله تعالى بضر، هذا منسجم مع قوله (فلا كاشف له إلا هو) هذه كلها لا تنفع: الشرك والدعوة من دون الله لا تنفع إذا مُسست بضُر حتى ينسجم الكلام.(1/127)
ثم تحوّل بعد ذلك إلى (وإن يردك بخير فلا راد لفضله): إستعمال الفضل هنا لم يقل فلا راد لخيره وإنما قال فلا رادّ لفضله لأنه كما يقول العلماء كل خير يصيب الإنسان هو ليس معاوضاً لعمله وإنما هو تفضّل من الله سبحانه وتعالى فلا يقول الإنسان أنا صليت وعبدت الله عز وجل فجاءني الفضل مقابل هذه العبادة حتى دخول الجنة بفضل الله تعالى ورحمته لأنه مهما فعل الإنسان لا يستطيع أن يقابل فضل الله تعالى. فما يصيب الإنسان من الخير فهو فضل من الله تعالى وليس حقاً واجباً على الله سبحانه وتعالى إنما هو فضل. وهنا تأتي كلمة (ولا راد لفضله) وإنما السياق الإعتيادي أن يقال: وإن يرد بخير فلا راد لهذا الخير وإنما قال تعالى (وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يصيب به يعني يوصله إلى من يشاء.
آية (108):
*ما الفرق بين (لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ) و(مَاأَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيل)؟(د.فاضل السامرائى)
((1/128)
لا) النافية للجنس وجناح إسمها، وإسمها وخبرها جار ومجرور (عليكم). ليس عليكم جناح جملة فعلية (ليس فعل ماضي ناقص من أخوات كان) وقاعدة عامة الجملة الإسمية أقوى من الفعلية لأنها دالة على الثبوت الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد والوصف بالإسم أقوى وأدوم من الوصف بالفعل. إذن لا جناح عليك أقوى بالإضافة إلى أن لا جناح عليكم مؤكدة. (لا رجل) فيها توكيد وجملة إسمية فستكون أقوى. (لا) أقوى في النفي من (ليس) والنفي درجات. اللغة العربية سهلة ولكنها واسعة تعبر عن أمور كثيرة لا يمكن للغات أخرى أن تعبر عنها (كيف تعبر بالانجليزية بين لن يذهب ولم يذهب ولما يذهب وليس يذهب، لا رجل حاضراً، ليس رجل حاضراً، ما رجل حاضراً) أدوات النفي لها دلالاتها. قال تعالى(قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (66) الأنعام) وقال (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108) يونس) إذن هناك فرق وللنفي درجات ودلالات، هذا خط بياني في التعبير. محمد حاضر، إن محمد لحاضر، إنّ محمد حاضر، إن محمد لحاضر، إن محمد لحاضر كيف تعبر عنها وكل واحدة لها دلالة وكلها تدل على حضور محمد؟. في القرآن (هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) ق) (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) ص) (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) هود) مساحة تعبيرية واسعة هائلة يتبعها مساحة من المعاني وهي موجودة في واقع الحياة فكيف تعبر عنها باللغات أخرى؟!.
****تناسب مفتتح يونس مع خاتمتها****(1/129)
سورة يونس أولها قال (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)) وفي خواتيمها قال (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)) بدأ بالإنذار والتبشير (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا) وختم بهما (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) في الآية الأولى أمره (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا) إذن أمره بالإنذار والتبشير وفي الخواتيم يعلّمه كيف يُنذر (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ). كيف أنذرهم؟ قل لهم (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) في البداية الأمر كان بالإنذار وفي الختام علّمه كيف ينذر (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) توضيح لما بدأه في الأول، هذا تناسب.
*****تناسب خاتمة يونس مع فاتحة هود*****(1/130)
قال في آخر يونس (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)) وفي أول هود (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)) واتبع ما يوحى إليك - كتاب أحكمت آياته، وكأن ما يوحى إليه والمأمور باتّباعه الكتاب الذي أحكمت آياته، ومن أحكمهم؟ خير الحاكمين. وهو خير الحاكمين كتاب أحكمت آياته الذي أحكمه هو خير الحاكمين. خير الحاكمين في يونس (وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)) وفي هود (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) من الذي أحكم آياته؟ خير الحاكمين.
في آخر يونس (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108)) وفي أوائل هود (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3))، نذير وبشير مقابل من اهتدى ومن ضلّ، (يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا) هذا لمن اهتدى، ثم يقول (وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)) هذا مقابل (وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) إذن فسر وشرح ما قاله في يونس (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) أنه من اهتدى يمتعه متاعاً حسناً ومن ضل فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير وكلها إنني لكم منه نذير وبشير.(1/131)
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة يونس للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى والدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها أختنا سمر الأرناؤوط على موقعها إسلاميات جزاهم الله عنى وعن المسلمين خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/132)
سورة هود
تناسبها مع يونس ... آية (34) ... آية (48) ... آية (72) ... آية (98)
هدف السورة ... آية (35) ... آية (49) ... آية (77) وقصة لوط ... آية (107)
آية (1) ... آية (37) ... آية (51) ... آية (80) ... آية (111)
آية (7) ... آية (38) ... آية (56) ... آية (81) ... آية (112)
آية (13) ... آية (40) ... آية (57) ... آية (82) ... آية (119)
آية (20) ... آية (41) ... آية (60) ... آية (84) ... آية (120)
آية (22) ... آية (42) ... آية (62) ... آية (86) ... تناسب أولها مع آخرها
آية (28) ... آية (43) ... آية (63) ... آية (87) ... تناسبها مع فواتح يوسف
آية (29) ... آية (44) ... آية (66) ... آية (88)
آية (30) ... آية (45) ... آية (67) ... آية (93)
آية (31) ... آية (46) ... آية (69) ... آية (94)
*تناسب خاتمة يونس مع فاتحة هود*
قال في آخر يونس (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)) وفي أول هود (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)) واتبع ما يوحى إليك - كتاب أحكمت آياته، وكأن ما يوحى إليه والمأمور باتّباعه الكتاب الذي أحكمت آياته، ومن أحكمهم؟ خير الحاكمين. وهو خير الحاكمين كتاب أحكمت آياته الذي أحكمه هو خير الحاكمين. خير الحاكمين في يونس (وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)) وفي هود (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) من الذي أحكم آياته؟ خير الحاكمين.(1/1)
في آخر يونس (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108)) وفي أوائل هود (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3))، نذير وبشير مقابل من اهتدى ومن ضلّ، (يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا) هذا لمن اهتدى، ثم يقول (وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)) هذا مقابل (وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) إذن فسر وشرح ما قاله في يونس (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) أنه من اهتدى يمتعه متاعاً حسناً ومن ضل فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير وكلها إنني لكم منه نذير وبشير.
**هدف السورة: الإستمرار في الإصلاح دون تهوّر أو ركون**(1/2)
هذه السورة وأخواتها سورتي يونس السابقة وسورة يوسف هي أول ثلاث سور لأسماء أنبياء وكلما كان اسم السورة على اسم نبي كانت قصة هذا النبي هي محور السورة وفي ختام السورة تأتي أية تلخّص للقصة وكأنها قاعدة في كل السور المسماة بأسماء أنبياء. وهذه السور الثلاث نزلت في وقت واحد وبنفس الترتيب التي ورد في المصحف ونزلت السور الثلاث بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها ووفاة عم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبو طالب وما لاقاه - صلى الله عليه وسلم - من أذى في الطائف والرفض دعوته ونصرته من قبائل العرب وكانت تلك الفترة عصيبة جداً على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين في مكة لما لاقوه من أذى المشركين فمنهم من أمره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة الى الحبشة ومنهم من بقي في مكة يتعرض للأذى والتضييق من قبل كفار قريش، فكأنما أنزل الله تعالى هذه الآيات تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتسرية عنه لأنها تقصّ عليه ما حدث لإخوانه الرسل من أنواع الإبتلاء ليتأسّى بهم في الصبر والثبات. وجاءت السورة لتوضح لنا أن من يمر بهذه الأزمات والمحن قد يتصرف وفق احد هذه التصرفات:
1. يفقد الأمل والعمل
2. يتهور ويلجأ إلى العنف والتصرفات غير المحسوبة وتدمير الغير
3. يركن للقويّ ويعيش في ظله ويترك قضيته وينتهي أمره على هذا النحو.(1/3)
لكننا نرى أن الرسل لم يأخذوا أي واحد من هذه التصرفات وكذلك جاءت الآيات تدعو الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعدم التصرف بهذه التصرفات وإنما جاءت آية محورية التي هي أساس السورة والتي تدور الآيات حولها: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) آية 112 و(وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) آية 113. وهذه الآيات تضمنت التوجيه للرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين كيف يتصرفون في هذه المحنة وفي أي محنة قد تصيبهم في أي زمن وفي أي مكان. إن هذه الآية تعالج حالة نفسية لأناس في وضع صعب للغاية فجاءت بالأمر الأول (فاستقم) أي اصبر واستمر بالدعوة، ثم جاء الأمر الثاني: (لا تطغوا) أي اياكم والتهور والطغيان وجاء الأمر الثالث: (ولا تركنوا) بمعنى إياك أن تعيش في ظل القوي وتستسلم له. وهذه الأوامر الثلاث هي على عكس التصرفات المتوقعة ممن أصابته المحن كما أوردنا سابقاً. وقد قال الحسن رضي الله عنه: سبحان الذي جعل اعتدال الدين بين لائين: لا تطغوا ولا تركنوا.
وجاءت آيات السورة تتحدث عن نماذج من الأنبياء الذين أصابتهم المحن ولاقوا من المصاعب ما لاقوا خلال دعوتهم لأقوامهم ومع هذا كله صبروا واتبعوا هذه الأوامر الثلاث. وهذه السورة هي في غاية الأهمية للمسلمين لذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : شيّبتني هود وأخواتها.(1/4)
تبدأ السورة بتمجيد القرآن العظيم الذي أحكمت آياته (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) آية 1 وتدعو إلى توحيد الله تعالى (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) آية 2. وعرضت الظروف الصعبة التي كان يعيشها المسلمون (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) آية 5. ويدعو الله تعالى رسوله للثبات والاستمرار في الدعوة رغم كل الظروف (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) آية 12، وعرضت لعناصر الدعوة الإسلامية في ظل كل الظروف الصعبة عن طريق الحجج العقلية مع الموازنة بين فريقي الضلال والهدى وفرّقت بينهما كما تفرق الشمس بين الظلمات والنور ( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) آية 24 ويتحدث الربع الأول من السورة (أول 30 آية) عن هذا المعنى: التكذيب شديد وتأثيره شديد على المسلمين.
ثم تنتقل الآيات تتحدث عن سبع نماذج من الرسل الكرام وصبرهم على ما لاقوه من قومهم:(1/5)
· قصة نوح - عليه السلام - أبو البشر الثاني وقد وردت قصة نوح في هذه السورة بتفصيل لم تذكره أية سورة أخرى من السور حتى سورة نوح نفسها. وتشرح كيف صبر نوح على قومه فقد لبث فيهم عمراً طويلاً أطول من أي نبي آخر 950 عاماً يدعوهم وهم على تعنتهم ويسخرون منه ولمّا طلب الله منه أن يصنع الفلك استمرت هذه العملية سنوات عديدة حتى زرع الشجر ثم أخذ منها الخشب وصنع السفينة وكان يمكن لله تعالى ان يهلك قوم نوح من غير انتظار هذه المدة الطويلة لكن حكمته أرادت أن يظهر طول معاناة نوح وصبره كل هذه السنوات على الأذى حتى نتعلم منه الصبر مهما طال الأذى وعدم اليأس والاستمرار بالدعوة. ولم يكن رد نوح - عليه السلام - على قومه انفعالياً ولا غاضباً إنما قال: (قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) آية 33. فكأنه استقام كما أمره الله وصبر على الدعوة واستمر فيها ولم يتهور في ردة فعله وإنما كان ينصح لهم (الآيات28،29،30،31،32،33،34،35 ) ولم يركن حتى الى ابنه الذي كان من المغرقين ولم ترد قصة ابن نوح - عليه السلام - إلا في هذه السورة لمناسبة ورودها لهدف السورة وتحقيق معنى لا تركن ولو كان الكافر الظالم من أهله (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) آية 45 وآية 47 (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) وتأتي العبرة في نهاية قصة نوح - عليه السلام - (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) آية 49.(1/6)
· ثم تأتي قصة هود - عليه السلام - مع قومه وقد سميت السورة باسمه تخليداً لجهوده الكريمة في الدعوة إلى الله فقد كان قومه من العتاة المتجبرين الذين اغتروا بقوتهم وقالوا من أشد منا قوة؟ فواجههم هود - عليه السلام - وكان رجلاً فرداً بين الجمّ الغفير من عتاة عاد الغلاظ الشداد وقد حقّرهم وانتقص آلهتهم وحثّهم على التصدي له وهي من أعظم الآيات أن يواجه بهذا الكلام رجل واحد أمة عطاشاً إلى إراقة دمه وذلك لثقته بربه وقد قال لهم هود - عليه السلام - كلاماً جامعاً في أية واحدة ما قالها نبي ولا رسول لقومه أبداً اشتملت كل المعاني الثلاثة التي ذكرناها سابقاً (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) الآيات 54-55-56 - 57. فكأنما جمعت هذه الآيات (استقم واصبر واستمر بالدعوة ولا تطغى ولا تركن الى الذين ظلموا) فلم يتحدث أحد بقوة وعدم ركون واصرار على الرسالة إلا سيدنا هود - عليه السلام - ولذا سمى الله تعالى السورة باسمه.
· ثم جاءت قصة نبي الله صالح ثم قصة لوط وشعيب ثم قصة موسى وهارون صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً ثم التعقيب المباشر بما في هذه القصص من العبر والعظات التي تدور حول محور السورة وتخدم أهدافها وتعرض صبر كل نبي على أذى قومه وعدم ركونه وطغيانه.(1/7)
· ثم ختمت السورة الكريمة ببيان الحكمة من ذكر قصص المرسلين لتثبيت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - أمام الشدائد والأهوال اتي تعرض لها (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) آية 120. ثم يعرض الله تعالى لنا كيفية تنفيذ الأوامر التي وصّانا بها ويدلنا أن العبادة هي التي تعين على الاستقامة (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) آية 114، والصبر الآية 115 (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)، وكأنما الآيات كلها من الآية 113 إلى نهاية السورة تعين عى تنفيذ الهدف. وتختم السورة بالتوحيد كما بدأت به ليتناسق البدء مع الختام (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) آية 123.
ومن لطائف سورة هود البلاغية أن الأوامر بأفعال الخير أفردت للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت عامة في المعنى (فاستقم كما أمرت، وأقم الصلاة، واصبر) وفي المنهيّات جمعت للأمة (ولا تطغوا، ولا تركنوا إلى الذين طلموا).
وفى سورة هود كلها حكيم قبل عليم وفي سورة يوسف كلها عليم قبل حكيم.
***من اللمسات البيانية فى سورة هود***
آية (1):
*ما المقصود بوصف الكتاب فى قوله تعالى (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود)؟(د.فاضل السامرائى)
أحكمت آياته أي ليس فيها خلل. قد يكون من الحكمة أو من الحكم أو استواؤها وعدم وجود الخلل فيها وهذا من باب التوسع في المعنى.(1/8)
*(الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود) لماذا قال تعالى (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) بالبناء للمجهول ثم بيّن الفاعل (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)؟ (د.فاضل السامرائى)
السؤال لماذا بدأ بالمجهول ثم ذكر الفاعل؟. المعروف في النحو واللغة أن المُسنَد إليه هو المتحدَّث عنه والمُسنَد هو المتحدث به عنه. من المسنَد إليه الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ والخبر وما أصله مبتدأ وخبر، من المسنَد إليه بالذات الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ. إذا أراد الحديث عن نائب الفاعل بنى الفعل للمجهول وإذا أراد الحديث عن الفاعل ذكره. عموم الكلام ماذا يريد المتكلم؟ هل الكلام عن الفاعل أو عن نائب الفاعل؟. نأتي للآية في سورة هود، الحديث عن الكتاب وتعظيمه لا على من أحكم وفصّل أي الله سبحانه وتعالى (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) الكلام على الكتاب وأنه أُحكمت آياته ثم فُصلت وليس الكلام عن الحكيم الخبير وإنما هذا فقط ذكره لتعظيم الكتاب، لما قال (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) من الذي أحكم وفصّل؟ فذكر (مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) هذا من باب التعظيم للكتاب. مثلها ما ورد في الأعراف (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)) (مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) إذن الكلام عن الكتاب والكلام عن الكتاب يبدأ بالسورة (المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)) فإذا كان الكلام على الفاعل ذكر الفاعل وإذا كان الكلام عن نائب الفاعل ذكره.(1/9)
مثال (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) الفرقان) يتكلم عن الله، ذكر الكتاب في (أَنزَلَهُ) لكن الكلام عن الفاعل عن المنزِل لا عن المنزَل (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) الفرقان). (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ (285) البقرة) بماذا يؤمن؟ بالكتاب. (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) الزمر) (إِنَّا أَنزَلْنَا) الكلام عن الله وليس عن الكتاب. فإذن هناك إذا كان الكلام عن نائب الفاعل يبنيه للمجهول. أليس هناك فرق بين (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)؟ (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الكلام عن الكتاب لكن يذكر من المنزِل فيما بعد لتعظيم الكتاب ليس للكلام عن الفاعل وإنما لتعظيم الكتاب، (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من أنزله؟ الله، إذن (أنزل إليك من ربك) هذا استكمال لتعظيم الكتاب.
إذن البناء للمجهول له أغراض؟.
طبعاً له أغراض، عن ماذا تريد أن تتحدث؟ هذا من البلاغة والبيان يركز على ما يريد التحدث عنه. حتى إذا ورد الفاعل فهو لغرض ما يتعلق بالكتاب يعني بنائب الفاعل أيضاً وليس بالفاعل لكن بما يأتي بالغرض في هذا السياق حسب الحاجة وحسب ما يريد المتحدث أن يتحدث عنه.
آية (7):
* ما دلالة كلمة ليبلوكم في الآية ( (7) هود) ؟(د.حسام النعيمى)
((1/10)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) هود) كلمة ليبلوكم، الإبتلاء هو الاختبار والامتحان والفعل يبلو متعلق بـ (خلق) يعني خلق هذه الأشياء من أجل امتحانكم ومن أجل ابتلائكم. هذا الكون كله خُلِق وأنتم خُلِقتم أيضاً من أجل الابتلاء والامتحان من سيكون مطيعاً لله سبحانه وتعالى ومن سيكون عاصياً؟. التعلق بخَلَق، ليبلوكم متعلقٌ بخَلَق وليس بما وراء خلق (في ستة أيام) وإن كانت كل هذه المعاني داخلة ضمن الامتحان والاختبار هي جزء منه، لما يسأل الإنسان لماذا ستة أيام؟ ما المراد بالعرش؟ ما المراد بالماء؟ كيف كان عرشه على الماء؟ هذا كله يندرج بالغيب الذي يؤمن به المؤمنون (الذين يؤمنون بالغيب) لأن كل ما غاب عنا إدراكه الخوض فيه هو كدٌ للذهن لا يوصل إلى نتيجة. ممكن أن تأتي بعض النظريات والأقوال هذا كله ليس من شأن القرآن الكريم. الإيمان بهذا النص القرآني هو جزء من الإيمان بالله سبحانه وتعالى وهذا الجزء أو هذه المساحة التي قلنا عنها أكثر من مرة اللفظ العام مفهوم لكن هناك مساحة في بعض الآيات هي مفهومة من حيث اللغة لكن فيها مساحة للغيب (قلنا هذا أكثر من مرة لكن الإعادة فيها نوع من الصالح).
فإذن (ليبلوكم) دلالتها ليختبركم أي أن هذا الوجود هو من أجل اختباركم أي أن تختبروا و الاختبارلا تعني أن الله سبحانه وتعالى لم يكن يعلم لأن الله عز وجل المستقبل في عينه ماضي. لكن حتى الإنسان الذي يدخل الجنة يعلم لماذا دخل الجنة.(1/11)
الفرق بين البلاء والابتلاء: بلاه بالشيء وابتلاه كلاهما بمعنى اختبره مثل خَبِِر الأمر واختبر الأمر لكن الإختبار كأن فيه نوع من العمل. لما تقول خبرت هذ الشيء أي صار عندك خبرة به بجهد يسير إنما إختبرته فيه جهد، مثل جهد في الأمر واجتهد في الأمر، إفتعل فيه معنى بذل الجهد. ليبلوكم أي ليعلم من أخباركم علم ظاهر، أو علماً ظاهراً لأن العلم الباطن عند الله سبحانه وتعالى معلوم لكن حتى المخلوق يقتنع أن هذا حقّه بناء على فعله.
*ما دلالة إختلاف تشكيل كلمة ليقولن في سورة هود (وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ (8))؟(د.فاضل السامرائى)
ليقولَن بالفتح لأنه ذكر الفاعل بعدها (الذين كفروا)، لأن الفعل يُفرد مع الفاعل. أما الثانية (ليقولُنّ) بالضم لأن الفعل محذوف واو الجماعة، الأصل (يقولون) ثم دخلت نون التوكيد فهذا جمع وذاك مفرد. مع الجمع يقول (ليقولُنّ) ومع المفرد (ليقولَنّ) الفعل يفرد مع الفاعل نقول حضر الرجال، يحضر الرجال ولا نقول يحضرون الرجال، ليحضرنّ الرجال وإذا ذهب الفاعل وكانوا مجموعين نقول ليحضرُنّ، لا نقول ليحضرَن الرجال. إذا كان الفاعل مذكوراً يفرد الفعل مع الفاعل. والثانية الفاعل واو الجماعة فقال ليقولُنّ.
وفى إجابة أخرى:في الآية الأولى في سورة هود الفعل يُبنى على الفتح لأن نون التوكيد باشرت الفعل المضارع لأنه مُسند إلى اسم ظاهر (الذين كفروا) والفعل يُفرد مع الفاعل وهذه قاعدة إذا كان الفاعل ظاهراً فنأتي بالفعل في حالة الإفراد ويُبنى على الفتح لأن نون التوكيد باشرته كما في قوله تعالى (وإذا جاءك الذين كفروا) ولا نقول جاءوك الذين كفروا.(1/12)
أما في الآية الثانية فالفعل مُسند إلى واو الجماعة ولم تباشره نون التوكيد وأصل الفعل إذا حذفنا نون التوكيد (يقولون) والآية 8 من سورة هود (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)).
ولهذا فلا بد أن يكون الفعل في الآية الأولى مبني على الفتح لأنه مُسند إلى اسم ظاهر (ليقولَّن) والثاني مُسند إلى واو الجماعة (ليقولُنّ) مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين. أصل الفعل يقولون مرفوع بثبات النون وعندما جاءت نون التوكيد الثقيلة يصبح عندنا 3 نونات ويصبح هذا كثيراً فيحذفون نون الرفع وتبقى نون التوكيد واللام لام الفعل.
وفي الآية الأولى اللام في (ليقولنّ) واقعة في جواب القسم. (لئن) اللام موطّئة للقسم و(إن) الشرطية و(لئن) قسم. واللام في الاثبات لا بد أن تأتي في الجواب (حتى يكون الفعل مثبتاً). فإذا قلنا لئن سألتهم من خلق السموات والأرض يقولون يُصبح الفعل منفيّاً. في جواب القسم إذا أجبنا القسم بفعل مضارع إذا كان الفعل مثبتاً فلا بد من أن نأتي باللام سواء معه نون أو لم يكن معه نون كأن نقول "والله لأذهب الآن، أو والله لأذهبنّ" فلو حُذفت اللام فتعني النفي قطعاً فّإذا قلنا والله أذهب معناها لا أذهب كما في قوله تعالى في سورة يوسف (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)) بمعنى لا تفتأ. فمتى أجبت القسم بالفعل المضارع ولم تأت باللام فهو نفي قطعاً كما في هذه الأبيات:
رأيت الخمر صالحة وفيها مناقب تُفسد الرجل الكريما
فلا والله أشربها حياتي ولا أشفي بها أبداً سقيما
آية (13):(1/13)
* ما الفرق البياني بين قوله تعالى (من مثله)فى سورة البقرة و(مثله)فى سورة هود؟(د.فاضل السامرائى)
تحدّى الله تعالى الكفار والمشركين بالقرآن في أكثر من موضع فقال تعالى في سورة البقرة (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)) وقال في سورة هود (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)).
أولاً ينبغي أن نلحظ الفرق في المعنى بين (من مثله) و(مثله) ثم كل آية تنطبع بطابع الفرق هذا. فإذا قلنا مثلاً : إن لهذا الشيء أمثالاً فيقول: ائتني بشيء من مثله فهذا يعني أننا نفترض وجود أمثال لهذا الشيء أما عندما نقول : ائتني بشيء مثله فهذا لا يفترض وجود أمثال لكنه محتمل أن يكون لهذا الشيء مثيل وقد لا يكون فإن كان موجوداً ائتني به وإن لم يكن موجوداً فافعل مثله. هذا هو الفرق الرئيس بينهما.
هذا الأمر طبع الآيات كلها . أولاً قال تعالى في سورة البقرة (وإن كنتم في ريب) وفي آية سورة هود قال تعالى (افتراه) وبلا شك (إن كنتم في ريب) هي أعمّ من (افتراه) أن مظنة الإفتراء أحد أمور الريب (يقولون ساحر) يقولون يعلمه بشر)( يقولون افتراه) أمور الريب أعم وأهم من الإفتراء والإفتراء واحد من أمور الريب.(1/14)
والأمر الآخر أننا نلاحظ أن الهيكلية قبل الدخول في التفصيل (وإن كنتم في ريب) أعمّ من قوله (افتراه) و(من مثله) أعمّ من (مثله) لماذا؟ لو لاحظنا المفسرين نجد أنهم وضعوا احتمالين لقوله تعالى (من مثله) فمنهم من قال من مثله أي من مثل القرآن وآخرون قالوا أن من مثله أي من مثل هذا الرسول الأمي الذي ينطق بالحكمة أي فاتوا بسورة من القرآن من مثل رجل أمي كالرسول - صلى الله عليه وسلم - . وعليه فإن (من مثله) أعمّ لأنه تحتمل المعنيين أم (مثله) فهي لا تحتمل إلا معنى واحداً وهو مثل القرآن ولا تحتمل المعنى الثاني. الإحتمال الأول أظهر في القرآن ولكن اللغة تحتمل المعنيين. وعليه فإن (إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله) أعم من (أم يقولون افتراه فاتوا بعشر سور مثله) لأن إن كنتم في ريب أعمّ من الإفتراء و(من مثله) أعمّ من (مثله).
ثم هناك أمر آخر وهو أنه حذف مفعولين الفعلين المتعديين (تفعلوا) في قوله تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) والحذف قد يكون للإطلاق في اللغة كأن نقول: "(قد كان منك ما يؤذيني" هذا خاص و" قد كان منك ما يُؤذي" وهذا عام. وإن كان المعنى في الآية هنا محدد واضح لكن الحذف قد يعني الإطلاق عموماً (سياق التحديد ظاهر جداً والحذف قد يأتي في مواطن الإطلاق فحذف هنا).
ونسأل هنا هل يمكن أن نضيف كلمة مفتراة في آية سورة البقرة فيقول مثلاً فاتوا بسورة من مثله مفتراة؟ في آية سورة البقرة (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)) كما قال في (مفتريات)في سورة هود؟(1/15)
فنقول أن هذا التعبير لا يصح من جهتين: أولاً هم لم يقولوا افتراه كما قالوا في سورة هود. والأمر الآخر وهو المهم أنه لا يُحسن أن يأتي بعد "من مثله" بكلمة مفتراة لأنه عندما قال من مثله افترض وجود مثيل له فإذن هو ليس مفترى ولا يكون مفترى إذا كان له مثيل إذن تنتفي صفة الافتراء مع افتراض وجود مثل له. والأمر الآخر لا يصح كذلك أن يقول في سورة هود مع الآية (أم يقولون افتراه) أن يأتي بـ "فاتوا بسورة من مثله" بإضافة (من) وإنما الأصح كما جاء في الآية أن تأتي كما هي باستخدام "مثله" بدون "من" (فاتوا بسورة مثله) لأن استخدام "من مثله" تفترض أن له مثل إذن هو ليس بمفترى ولا يصح بعد قوله تعالى (أم يقولون افتراه) أن يقول (فاتوا بسورة من مثله) لنفس السبب الذي ذكرناه سابقاً. إذن لا يمكن استبدال أحاهما بالأخرى أي لا يمكن قول (مثله) في البقرة كما لا يمكن قول (من مثله) في سورة هود.(1/16)
والأمر الآخر أيضاً أنه تعالى قال في آية سورة البقرة (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولم يقل ادعوا من استطعتم كما قال في هود (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ونسأل لماذا جاءت الآية في سورة هود بـ (وادعوا من استطعتم) ولم تأتي في آية سورة البقرة؟ ونقول أنه في آية سورة البقرة عندما قال (من مثله) افترض أن له مثل إذن هناك من استطاع أن يأتي بهذا المثل وليس المهم أن تأتي بمستطيع لكن المهم أن تأتي بما جاء به فلماذا تدعو المستطيع إلا ليأتي بالنصّ؟ لماذا تدعو المستطيع في سورة البقرة طالما أنه افترض أن له مثل وإنما صحّ أن يأتي بقوله (وادعوا شهداءكم) ليشهدوا إن كان هذا القول مثل هذا القول فالموقف إذن يحتاج إلى شاهد محكّم ليشهد بما جاءوا به وليحكم بين القولين. أما في آية سورة هود فالآية تقتضي أن يقول (وادعوا من استطعتم) ليفتري مثله، هم قالوا افتراه فيقول تعالى ادعوا من يستطيع أن يفتري مثله كما يقولون. إذن فقوله تعالى (وادعوا شهداءكم) أعمّ وأوسع لأنه تعالى طلب أمرين: دعوة الشهداء ودعوة المستطيع ضمناً أما في آية سورة هود فالدعوة للمستطيع فقط.
ومما سبق نلاحظ أن الآية في سورة البقرة بُنيت على العموم أصلاً (لا ريب، من مثله، الحذف قد يكون للعموم، ادعوا شهداءكم). ثم إنه بعد هذه الآية في سورة البقرة هدّد تعالى بقوله (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)) والذي لا يؤمن قامت عليه الحجة ولم يستعمل عقله فيكون بمنزلة الحجارة.
ثم نسأل لماذا حدد في آية سورة هود السور بعشر سور؟ هذا من طبيعة التدرج في التحدي يبدأ بالكل ثم بالأقل فالأقل.(1/17)
* ما الفرق بين (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة) و (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس) و(قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)هود )؟(د.حسام النعيمى)(1/18)
التحدي كان بأكثر من صورة، كان هناك تحدي في مكة وتحدي في المدينة. السور المكية جميعاً جاءت من غير (من) (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) الطور)، والطور سورة مكية، الحديث يمكن أن يكون آية أو عشر آيات أو سورة كاملة، بحديث مثله: الحديث مطلق. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس) بسورة مثله، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) هود) بعشر سور، (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) هذه السور المكية بعضها قال بحديث، آية من مثله لذلك نقول ما ورد في كتاب الله عز وجل هو ليس نقلاً حرفياً للكلام وإنما هم قالوا كلاماً والقرآن الكريم يأتي به مصوغاً بما يناسب أعلى درجات الفصاحة والبلاغة. ليس هو هذا الذي قاله، حتى عندما يقول (وقالوا كذا) فهذا ليس قولهم حرفياً لأن هذا كلام الله تعالى وذلك كلامهم ولما يكون الكلام لغير العرب كلاماً قديماً هو ليس ترجمة حرفية كما قلنا وإنما هو حكاية حالهم بأسلوب القرآن الكريم. فإذن كان أحياناً يطالبهم بحديث، أحياناً يقول لهم: فإتوا بقرآن مثله، أحياناً عشر سور، أحياناً سورة مثل الكوثر أو الإخلاص، هذا كان في مكة.(1/19)
سورة واحدة فكان يقول (مثله), في المدينة (في سورة البقرة) المكان الوحيد الذي قال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة). هنا القرآن إنتشر وأسلوبه صار معروفاً، الآن يقول لهم (بسورة من مثله) لو قال : بسورة مثله كما قال سابقاً يعني سورة مثل سور القرآن الكريم. (من) هذه للتبعيض، هو هل له مثل حتى يطالَبون ببعض مماثله؟ هو لم يقل : فاتوا بمثله وإنما ببعض ما يماثله ولا يوجد ما يماثله فما معناه؟ هذا معناه زيادة التوكيد. لما تأتي (مثل) ويأتي عليها حرف في شيء ليس له مثل معنى ذلك توكيد كما قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) الشورى) الكاف للتشبيه، ومثل للتشبيه معناه أنه لو تخيلتم لو أن تصوّركم أنجدكم بأن تتخيلوا مثالاً لهذا القرآن فحاولوا أن تأتوا بمثل ذلك المثال ، بجزء من ذلك المثال الذي تخيلتموه فهذا أبعد في التيئيس من قوله (مثله) مباشرة.
بسورة مثله أي بسورة مماثلة، (من مثله) يعني بسورة من بعض ما تتخيلونه مماثلاً. هذا إمعان في التحدي وأبعد لأنه صار القرآن منتشراً. فلو تخيلت أيها السامع شيئاً يماثل القرآن وهذا غير ممكن لأنه سبق وقال تعالى (لا يأتون بمثله) فإتوا ليس بمثله بمثل هذا الذي تخيلتم وإنما بجزء من مما تتخيلونه مماثلاً له فكان أبعد من التحدي لأن هذه الآية نزلت في المدينة بعد أن كان القرآن قد إنتشر وعمّت الرسالة. كما قال الله عز وجل (ليس كمثله شيء) يعني لو أن عقلك تخيّل مثالاً فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء لو تخيّلت مثالاً يعني إبعاد للصورة.
*ما اللمسة البيانية في استعمال صيغة المضارع مرة وصيغة الماضي مرة أخرى في قوله تعالى (من كان يريد الآخرة) و (من أراد الآخرة)؟(د.فاضل السامرائى)(1/20)
استعمال فعل المضارع مع الشرط يكون إذا كان مضمون أن يتكرر. أما استعمال فعل الماضي فالمضمون أن لا يتكرر أو لا ينبغي أن يتكرر. كما نلاحظ أيضاً في قوله تعالى (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد) ينبغي تكرار الشكر لذا جاء بصيغة الفعل المضارع (يشكر) أما الكفر فيكون مرة واحدة وهو لا ينبغي أن يتكرر فجاء بصيغة الماضي في قوله (كفر). كذلك في قوله تعالى (من قتل مؤمناً خطأ) المفروض أن القتل وقع خطاً وللمفروض أن لا يتكرر أما في قوله تعالى (من يقتل مؤمناً متعمداً) هنا تكرار للفعل لأنه قتل عمد.
آية (20):
* ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة السماء في آية سورة العنكبوت وعدم استخدامها في آية سورة هود؟(د.فاضل السامرائى)(1/21)
قال تعالى في سورة العنكبوت (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)) وقال فى سورة هود (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)) الكلام في سورة هود متعلق بالآخرة وبمحاسبة أهل الأرض أما السياق في سورة العنكبوت ففي الدعوة إلى النظر والتدبر في العلم والبحث (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19)) وهذا هو الذي يوصل إلى السماء، سيكون البخث والنظر والتدبر للعلم سيجعله يصعد للسماء وحتى عند ذلك لن يكون معجزاً. وهذا الذي يجعل الإنسان ينفذ إلى السماء. ثم إن كلمة السماء نفسها وردت في سورة العنكبوت 3 مرات وفي هود مرتين وبهذا فإن سورة العنكبوت هي التي ورد فيها ذكر السماء أكثر من سورة هود ولهذا ذُكرت السماء في آية سورة العنكبوت ولم تُذكر في آية سورة هود. فالسمة التعبيرية للسورة أنه سوف تصعدون إلى السماء لكنكم لا تكونوا معجزين هناك.
آية (22):
*ما دلالة اختلاف الفاصلة القرآنية فى قوله تعالى:(لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ (22) هود) (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ (109) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)(1/22)
الأخسرون أشد خسارة آية هود التي ذكر فيها الأخسرون هي فيمن صدوا عن سبيل الله وصدوا غيرهم أما آية النحل فهي فيمن صد هو ولم يصد غيره. في هود قال (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)) في النحل قال (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)) لو لخصنا ما في هود وما في النحل قال في هود يصدون عن سبيل الله، يبغونها عوجاً، وهم بالآخرة هم كافرون، ما كان لهم من دون الله من أولياء، يضاعف لهم العذاب، ما كانوا يستطيعون السمع، ما كانوا يبصرون، يفترون على الله ، في النحل قال استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، إن الله لا يهدي، طبع الله على قلوبهم وأبصارهم. فبسورة هود ذكر معاصي أكثر من النحل فاستعمل الأخسرون مع الكثير من المعاصي والخاسرون مع المعاصي الأقل.
آية (28):(1/23)
*ما الفرق بين آتاني منه رحمة (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً (63) هود) وأتاني رحمة من عنده (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ (28) هود)؟(د.فاضل السامرائى)(1/24)
هنالك شقان للسؤال شق اختيار منه رحمة ورحمة من عنده والشق الثاني التقديم والتأخير. نأخذها مسألة مسألة. في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) يس) عامة، (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة، قال على سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (28) هود)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء) (من عندنا) يستعملها خاصة و (منا) عامة.(1/25)
حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة مثل (فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (49) الزمر) (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ (8) الزمر) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ (35) القمر) (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء) (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) هود).(1/26)
حتى لو ورد هذان التعبيران في نبي واحد يختلف السياق، مثلاً في سيدنا أيوب (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص) في سيدنا أيوب في سورة الأنبياء (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)) قصة واحدة لكن مرة قال رحمة منا ومرة رحمة من عندنا. ننظر السياق في ص قال (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ) وقال في الأنبياء (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لم يقل (وأنت أرحم الراحمين) في ص، لم يذكر رحمته، أرحم الراحمين يوسع عليه يعطيه أكثر وكأنه يستجدي من الله، يطلب رحمته سؤال برحمته، قال ربنا (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) ولم يقلها في ص، قال (فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) ما قالها في ص، لم يقل فاستجبنا له ولم يقل فكشفنا ما به من ضر. قال (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ) وفي ص قال (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ) الإيتاء يشمل الهبة وزيادة في اللغة، الإيتاء يشمل الهبة وقد يكون في الأموال وهو يشمل الهبة وغيرها فهو أعم، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (59) الإسراء) لا يمكن أن نقول وهبنا (آتيناه الكتاب) آتينا أعم من وهبنا.(1/27)
قال في الأنبياء (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) وفي ص قال (وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) العابدون يشملون أولي الألباب وزيادة، المكلَّف يجب أن يكون عنده عقل وإلا كيف يكلّف مجانين ليس عندهم عقل إذن العابدون أولي الألباب وزيادة. (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) العابدين فيها خصوصية يعني ليس فقط أولي الألباب، أولو الألباب وزيادة فصار عندنا أرحم الراحمين واستجبنا له وفكشفنا له والعابدين وآتيناه فأين نضع رحمة من عندنا؟ نضعها مع كل هذا في آية الأنبياء.
سؤال: النبي واحد والرب واحد والموقف واحد وهو المرض ولكن السياق ليس واحداً فلماذا هذا التغير؟
هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى إذن ليس هناك تناقض لكن الاختيار بحسب السياق، اختيار المفردات بحسب السياق لم تتناقض القصتان لكن اختيار الكلمات بحسب السياق الذي ترد فيه.
*ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في قوله تعالى فى سورة هود (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ) و قوله تعالى (وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً )؟(د.فاضل السامرائى)(1/28)
قال تعالى سورة هود: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ {28} ) وقوله تعالى في سورة هود أيضاً (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ {63}). في الآية الأولى قدّم الرحمة على الجارّ والمجرور، والآية تتكلم عن الرحمة (فعمّيت، أنلزمكموها، وأنتم لها كارهون) كلها تعود على الرحمة لذا اقتضى السياق تقديم الرحمة على الجارّ والمجرور. أما في الآية الثانية فالآية تتكلم عن الله تعالى (ربي، الله، منه، الضمير في عصيته) كلها تعود على الله تعالى لذا اقتضى السياق تقديم (منه) على الرحمة.
*ما هو إعراب الضمائر في (أنلزمكموها) و (فسيكفيكهم الله)؟(د.فاضل السامرائى)
أنلزمكموها: الفاعل ضمير مستتر تقديره نحن، (كم) المفعول الأول لأن ألزم يأخذ مفعولين، والواو للإشباع بين الضميرين وليست ضميراً حتى لا يقرأها (أنلزمكُمُها)، (ها) مفعول ثاني.
فسيكفيكهم الله: الكاف مفعول أول لأن كفى تأخذ مفعولين، (هم) مفعول ثاني، (الله) لفظ الجلالة فاعل. فسيكفيك الله إياهم، مثل زوجناكها: الكاف مفعول أول، (ها) مفعول ثاني وهي بمعنى زوجناك إياها. (سلنيه) وصِلأ أو افصِل هاء سلنيه، سلنيه: إسأل فعل أمر، الياء مفعول أول والهاء مفعول ثاني والنون للوقاية إن شئت قلت سلنيه وإن شئت قلت سلني إياه.
آية (29):
* ما الفرق بين قوله تعالى (لا أسألكم عليه مالاً) وقوله تعالى (ولا أسألكم عليه أجراً) في سورة هود؟(د.فاضل السامرائى)(1/29)
قال تعالى في قصة نوح - عليه السلام - في سورة هود (وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)) وقال تعالى في قصة هود مع قومه في نفس السورة (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51)). لو لاحظنا سياق القصتين لوجدنا أنه في قصة نوح - عليه السلام - قال تعالى (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ) جاء ذكر خزائن الله في الآية والمال يُوضع في الخزائن فاقتضى ذكر كلمة (مالاً) في قصة نوح أما في قصة هود - عليه السلام - فلم ترد ذكر الخزائن وإنما قال (أجراً) لأن الأجر عام.(1/30)
وهناك أمر آخر بين الآيتين وهو أنه في الأولى ذكر (إن أجري إلا على الله) بذكر لفظ الجلالة (الله) بينما جاء في الثانية (إن أجري إلا على الذي فطرني) بذكر (فطرني) بدل الله. والسبب أنه لو نظرنا من ناحية السمة التعبيرية في القصتين لوجدنا أن كلمة (الله) وردت في قصة نوح - عليه السلام - عشر مرات بينما وردت ثلاث مرات في قصة هود - عليه السلام - . هذا من ناحية وهناك أمر آخر وهو أنه تعالى ذكر في قصة نوح - عليه السلام - كلمة (الله) إسم علم وفي هود ذكر (الذي فطرني) أي عدّى الفعل إلى ذاته أي ضمير المتكلم كما نلاحظ في قصة هود ارتباط الأمور بشخص هود - عليه السلام - (إن نقول إلا اعتراك، كيدوني، إن توكلت، ربي،..) فمن الذي سينجيه من الكيد؟ الذي فطره فهو الذي خلقه ويحفظه من كل سوء فالأمر إذن شخصي وليس عامّاً فاقتضى ذكر (الذي فطرني). كذلك في سورة هود قال تعالى (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)) وهذه الآية تدل على أن الله تعالى يفطر قوماً آخرين غيرهم فالذي فطرني أنسب للذكر في قصة هود - عليه السلام - من كلمة الله التي هي أنسب في قصة نوح - عليه السلام - .
وننوه إلى أن هناك فرق بين الخلق والفَطر ولكل منها تميّز دلالي فالخلق غير الفَطر . الخلق قد يستعمله البشر بمعنى التصوير مثلاً وهو لفظ عام كما جاء على لسان عيسى - عليه السلام - (إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير) وهي تستعمل سواء للخلق الابتدائي أو التصوير. أما الفَطر فهو ابتداء الشيء وهذا خاص بالله تعالى.
آية (30):(1/31)
*ما دلالة (من) في قوله تعالى ((وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ {30}))و (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ {63}) فى سورة هود؟ (د.فاضل السامرائى)
يقول النحاة أن (نصرناه من) تعني نجّيناه من و(نصرناه على) تفيد الإستعلاء. ونسأل لماذا لم يستخدم سبحانه كلمة (ينجنى من) بدل ينصرنى من؟ ونقول أن الفرق بين نجيناه من ونصرناه من أن الأولى تتعلق بالناجي نفسه أما الثانية فهي تتعلق بالجانبين بمعنى أنه نجّى نوحاً وعاقب الآخرين فالنصرة هنا نجاة للناجي وعقاب لخصمه.
آية (31):
* ما دلالة ذكر لكم في قوله تعالى في سورة الأنعام (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) وعدم ذكرها في آية سورة هود (وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/32)
قال تعالى في سورة الأنعام في قصة نوح - عليه السلام - (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)) بينما قال في قصة نوح - عليه السلام - في سورة هود (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)) لو لاحظنا الكلام في سورة الأنعام نجده أشدّ وفيه تحذير شديد من قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) ) بينما في سورة هود سياق الآيات فيه تلطّف.(1/33)
* ما دلالة ضمير الغائب في (يؤتيهم) في آية سورة هود (وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا)؟ ولماذا لم يستعمل يؤتيكم؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة هود في قصة نوح - عليه السلام - (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)).
اللام لها معاني كما يقول النحاة ويقولون أن حروف الجرّ تخرج إلى معاني ويذكرون (من) لها معاني بعض وبين والابتداء. واللام في (للذين) لها معاني والنحاة يخرجونها تخريجين من حيث النحو ولكل منهما معنى خاصاً به:
? الأول أن تأتي بمعنى (عن) بمعنى لا أقول عن الذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا. (قطعاً سيقول هنا لن يؤتيهم لأنه يقول عنهم). وفي الآية نوح - عليه السلام - يخاطب الفئة الكافرة يحدّثهم عن المؤمنين الذين تزدري أعينهم. فلو كانت اللام بمعنى عن فاستعمال يؤتيهم صحيح لأنه يخاطب فئة عن الفئة الأخرى فيجب قول (لن يؤتيهم). وينتفي السؤال هنا أصلاً في هذه الحالة فهو لا يخاطب الذين تزدري أعينكم وإنما يخاطب الفئة الأخرى.
? والثاني أن اللام تفيد التعليل بمعنى لأجل هؤلاء أو لغرض هؤلاء فالأصح هنا أن يقول لن يؤتيهم الله خيراً. كما قيل: وضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لدميم (اللام في لوجهها تحتمل عن وجهها أو لوجهها).
ففي الحالتين استعمال يؤتيهم هو المناسب للآية.
آية (34):
*ما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟(د.فاضل السامرائى)(1/34)
إذا كان الحدث أطول تأتي تتذكرون وإذا كان أقل يقتطع من الفعل أو إذا كانت في مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التفصيل يفصل. مثال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) لو سألنا أي واحد مهما كانت ثقافته تقول له هل الأعمى يستوي مع البصير؟ والأصم هل يستوي مع السميع؟ سيقول مباشرة لا، إذن لا يحتاج إلى طول تذكر وإنما يجيب مباشرة. هل يستويان؟ لا، هذا لا يحتاج إلى طول تذكر فقال (أفلا تذكرون). (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر) هنا صار إيمان وعمل صالحات، إيمان وعمل صالح (قليلاً ما تتذكرون) لأن دخل به إيمان وعمل صالح والمعنى أنه الذي لم تؤمن ولم تعمل صالحاً هذه قضية أخرى، هذه أطول من تلك تحتاج إلى تأمل وتفكير والرسول يدعو طويلاً إلى الإيمان والعمل الصالح واتهموه بالجنون، إذن هذه تتذكرون لأنها تحتاج إلأى طول تذكر.
آية (35):
* ما الفرق بين الآيتين (قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) سبأ) و (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35) هود)؟ وما دلالة نسب الإجرام للمؤمنين والعمل لغير المؤمنين؟ (د.فاضل السامرائى)(1/35)
آية سبأ (قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)) هي في سياق الدعوة والتبليغ والمحاجّة وهذا من باب الإنصاف في الكلام حتى يستميلهم يقول نحن لا نُسأل عما أجرمنا إذا كنا مجرمين كما لا تُسألون أنتم عن إجرامنا إذا كنا كذلك. أراد أن يستميل قلوبهم فقال (عما تعلمون) هذا يسموه من باب الإنصاف في الدعوة، غاية الإنصاف لا يريد أن يثيره خاصة في باب التبليغ يريد أن يفتح قلبه بالقبول وإذا قال تجرمون معناه أغلق باب التبليغ. وقال قبلها (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24)) هذا في باب الدعوة وفي باب التبليغ يجعله في باب الإنصاف في الكلام حتى لا يغلق الباب وهذا غاية الإنصاف. لأن السياق في سورة سبأ هو في سياق الدعوة (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ (22)) (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ (24)) (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)) يريد أن يستميل قلوبهم وألا يغلق الباب فقال لهم كذلك.
في حين في آية سورة هود (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35) هود) هذه في قصة سيدنا نوح - عليه السلام - (قل إن افتريته فعلي إجرامي) لأن الذي يفتري على الله تعالى مجرم (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ) إذا أنتم نسبتم إليّ الافتراء ولست كذلك أنتم مجرمون بحقي إذا نسبتم الإفتراء إليّ أني أفتري على الله وأنا لست كذلك فأنتم مجرمون بحقي إذن وإن افتريته فأنا مجرم (فعلي إجرامي) وإن لم أكن كذلك فأنتم نسبتم الافتراء إليّ وأنا بريء من ذلك فأنتم إذن مجرمون بحقي.(1/36)
المقصود بتجرمون نسبة الافتراء إلى نبي الله هذا هو إجرام القوم في حقه، هذا أمر. والأمر الآخر قال (فعلي إجرامي) واحد وقال (تجرمون) جمع كثير وفيه استمرار لأنهم هم نسبوا إليه أمراً واحداً (افتريته) افترى الرسالة، افترى الكلام (فعلي إجرامي) لكن هم مستمرون إجرامهم كثير مستمر هذا قيل في باب غلق الدعوة لما قال له ربه تعالى (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (36) هود) هنا مفاصلة وليس كتلك الآية السياق الذي فيها محاجّة يأمل أنهم يعودوا فيستميل قلوبهم، هذا انغلق هنا (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ) انتهت المسألة وصارت مفاصلة لأنه غلق باب الدعوة والتبليغ. (مما تجرمون) أي الإجرام المستمر من السابق وإلى الآن فتبقوا مجرمين إلى أن يهلككم ربكم لذا قال (تجرمون) ولم يقل من إجرامكم لأنه ليس إجراماً واحداً. ما يفعلونه من المعاصي هو إجرام مستمر لكن كلام نوح - عليه السلام - كان منصباً على الافتراء (إن افتريته).
الواو في قوله تعالى (وأنا بريء) هي عطف جملة على جملة.
مع الرسول - عليه السلام - قال (عما أجرمنا) هذا من باب الإنصاف كما أنت تتكلم مع شخص لا تريد أن تثيره فتقول: قد علِم الله الصادق مني ومنك وإن أحدنا لكاذب، هذا غاية الإنصاف لا تقول له أنت كاذب.الرسول - عليه السلام - يريد أن يفتح القلوب ويستميلها لا أن يغلقها هذا يسمى غاية الإنصاف في الكلام.
آية (37):
*ما دلالة الصيغة الإسمية فى قوله تعالى(وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37) هود)؟(د.فاضل السامرائى)
لم يقل سأغرقهم. هذا في التعبير أقوى دلالة من الفعل. الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد.
آية (38):
*ما هو الفرق بين استهزأ بـ وسخر من؟ (د.فاضل السامرائى)(1/37)
هنالك أمران في اللغة يذكران في الاستعمال القرآني: أولاً الاستهزاء عام سواء تستهزئ بالأشخاص وبغير الأشخاص (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا (58) المائدة) الصلاة ليست شخصاً وإنما أقاويل وأفاعيل (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا (9) الجاثية) (وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا (231) البقرة) (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) التوبة) إذن الاستهزاء عام في الأشخاص وفي غير الأشخاص أما السخرية ففي الأشخاص تحديداً لم ترد في القرآن إلا في الأشخاص (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) هود). إذن الاستهزاء عام ومعنى الاستهزاء هو السخرية هم يقولون المزح في خفية وهو جانب من السخرية. الاستهزاء أعم من السخرية والسخرية خاصة بالأشخاص ولم ترد في القرآن إلا للأشخاص أما الاستهزاء فعامّ ورد في الأشخاص وغير الأشخاص (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) التوبة) الرسول شخص (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا (9) الجاثية) ليس شخصاً. هذا أمر أن الاستهزاء عام في الأشخاص وغير الأشخاص والسخرية خاصة في الأشخاص خاصة في القرآن والأمر الآخر السخرية لم ترد إلا من فعل يفعله الشخص أما الاستهزاء فقد يستهزأ به من غير فعل. السخرية أنت تسخر منه وهو يفعل الفعل هذا أما الاستهزاء فليس كذلك.(1/38)
مثلاً نوح وهو يصنع الفلك هذا عمل (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) هود) هذا فعل وهم سخروا من فعل يفعله، (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ (79) التوبة) هذا فعل.
آية (40):
* ما الفرق بين اسلك واحمل في الآيات (فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (27) المؤمنين) (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/39)
اسلك معناها أدخِل (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (32) القصص) (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) المدثر) أما اجمل فمن الحِمل معروف. الدلالة مختلفة ونرى هل طبيعة اسلك في نفس وقت احمل؟ أيها الأسبق أُسلُك أو احمل؟ أُسلك أسبق أولاً يدخل ثم يحمل. الآن ننظر في قصة نوح نفسها متى قال أُسلك؟ ومتى قال احمل؟. آية هود قال فيها احمل (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)) الأمر جاء وصنع الفلك. في آية المؤمنون (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)) هناك صنع الفلك وجاء الأمر. أُسلك قبل الحمل، عندنا حالتان حالة قبلها قبل الفعل وحالة قالها بعد الفعل، مع الأمر احمل وقبل الأمر أُسلك. القدامى قالوا السياق من أهم القرائن الدالّة على المعنى. لما نسمع أُسلُك يجب أن نفهم أن الأمر لم يصدر بعد ولما نسمع إحمل يكون الأمر قد صدر.
*ما دلالة فعل جاء فى الآية ((فإذا جاء أمرنا وفار التنور))؟ (د.فاضل السامرائى)(1/40)
إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه لم تستعمل صيغة المضارع للفعل جاء مطلقاً في القرآن كله ولا صيغة فعل أمر ولا إسم فاعل ولا إسم مفعول وإنما استعمل دائماً بصيغة الماضي. أما فعل أتى فقد استخدم بصيغة المضارع.
من الناحية اللغوية: جاء تستعمل لما فيه مشقة أما أتى فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر ومنه الالمتياء وهي الطريق المسلوكة.
قال تعالى في سورة النحل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {1}) وقال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)) هنا أشقّ لأن فيه قضاء وخسران وعقاب.
* ما دلالة ضمير التعظيم في قوله تعالى ( قلنا ) ( أنزلنا) ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/41)
قال وأنزل تأتي بلفظ الإفراد وبلفظ التعظيم يأتي بـ قلنا وأنزلنا. إذا كان في مقام التعظيم يسنده إلى مقام التعظيم يقول (قلنا) وإذا كان في مقام التوحيد يكون في مقام الإفراد، يقول تعالى (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)طه) إذا كان في مقام التوحيد يُفرِد وإذا كان في مقام التعظيم يجمع. وقسم أيضاً يقول أنه إذا كان أمر الله بواسطة المَلَك يلقيه يأتي بضمير الجمع وإذا لم يكن كذلك يُفرِد. على سبيل المثال: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91) الأنبياء) لأن النافخ تمثل لها بشراً سوياً بواسطة ملك أما عن آدم فقال تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) ص). إذا كان الأمر بواسطة الملك يجمع (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود) الملك يبلِّغ هذا. هذا أمر عام، لكن هناك أمر آخر نذكره وهو أنه في كل مقام تعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على الإفراد في القرآن كله. لا تجد مكاناً للتعظيم إلا وسبقه أو جاء بعده ما يدل على الإفراد (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)) هذه تعظيم ثم يقول بعدها (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) رب واحد إفراد ما قال بأمرنا. لو قرأنا في سورة النبأ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) ثم قال (جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا (36)) بعد كل جمع تعظيم إفراد.(1/42)
ليس هناك في القرآن موطن تعظيم إلا سبقه أو جاء بعده ما يدل على المفرد (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) الكوثر) لم يقل فصلِّ لنا. هذا لم يتخلّف في جميع القرآن مطلقاً. إذن عندنا مقام تعظيم ومقام توحيد، يجمع في مقام التعظيم ويفرد في مقام التوحيد ويقال أنه إذا كان بواسطة المَلَك يجمع مع إحتراز أنه ليس هنالك مقام تعظيم إلا وقبله أو بعده إفراد.
*ما دلالة كلمة (أهلك) في قوله تعالى في سورة هود (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40})؟(د.فاضل السامرائى)
أهلك هنا إسم أو فعل؟ الحكم القاطع هو إسم بمعنى الأهل وهناك مرجحات وهناك ما يقطع مبدئياً من الترجيح فالآية تشير أن الهلاك لم يحصل بعد لأنهم لم يركبوا. فالركوب لم يحصل ولم يحصل الهلاك فلا يصح أن تعتبر كلمة (أهلك) بمعنى الإهلاك. والأمر الآخر أنه لو كان (أهلك) فعل بمعنى الهلاك عادة يكون الإستثناء مفرّقاً والإستثناء المفرّق لا يكون إلا مسبوقاً بنفي أو ما يشبه النفي. (أهلك إلا من سبق عليه القول) مفرّق وليس مسبوقاً بنفي وهذا ما يُضعّف أن يكون أهلك بمعنى فعل الإهلاك.(1/43)
أما الآية (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {27}) في سورة المؤمنون فالضمير يعود على الأهل إذن نستدلّ من هذه الآية أن المقصود هو الأهل وليس فعل الإهلاك وهذه كلها مرجّحات. أما ما يقطع بأن المقصود هم الأهل فهو أنه لو كان أهلك فعل ماضي سيكون الناجون قسمين الأول (من سبق عليه القول) والثاني (من آمن) إذن من سبق عليه القول غير من آمن إذن فالناجون اثنين المؤمنون ومن سبق عليه القول وهؤلاء ليسوا مؤمنين لكن في الواقع أن الناجين هم المؤمنون فقط لذا فلا يمكن ولا يصح أن تكون النجاة لغير المؤمنين.
وهناك سؤال فني آخر: استدللنا بما في سورة المؤمنون (وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم) وفي آية سورة هود لم ترد منهم. وقد سبق القول عليه بالهلاك والعذاب ؟ المقصود بقوله تعالى (المجيء على) تعني العذاب كما في قوله تعالى (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا) اللام تفيد الخير. والأهل هم من المؤمنين من آمن منهم ومن آمن من غير الأهل هم الناجون.(1/44)
*ولماذا قال تعالى في آية هود (احمل) (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40}) وفي سورة المؤمنون (فاسلك) (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {27} ) فما المقصود بالسلوك؟ (د.فاضل السامرائى)
سلك هو النفاذ في الطريق كما قال تعالى (فاسلكي سبل ربك) سورة النحل وقد يأتي فيها معنى الدخول (ما سلككم في سقر) أما الحمل فيكون بعد السلوك أولاً يدخل السفينة ثم يحمل بعد دخوله. في سورة هود ذكر ما دلّ على الحمل لأن الحمل جاري في السفينة (حمل السفينة للأشخاص) وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها وهي تجري بهم بمعنى تحملهم (يا نوح اهبط بسلام) إذن سورة هود فيها حمل. بينما في سورة المؤمنون لم يذكر الحمل أو صورة الحمل (وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين).(1/45)
والقول (من سبق عليه القول) أعمّ من القول (من سبق عليه القول منهم) فسورة هود مبنية على العموم وليس على الخصوص (إلا من سبق عليه القول ومن آمن) فلم يذكر تعالى من آمن أي هي أعمّ، وكذلك الآيات (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) (يا أرض ابلعي ماءك) (بُعداً للقوم الظالمين) (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وأمم ممن معك وأمم سنمتّعهم) أما في سورة المؤمنون فالسياق في التخصيص فذكر تعالى السلام والبركات في سورة هود وهذا دليل العموم، وفي سورة المؤمنون لم يذكر السلام والبركات وإنما خصص كما في الآية (أنزلني منزلاً مباركاً)، ولهذا ذكر (منهم) و(اسلك) في سورة المؤمنون ولم يذكرهما في سورة هود.
* كلمة اثنين ترد أحياناً مع زوجين (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40)هود) وأحياناً لا ترد (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) الذاريات) فما اللمسة البيانية في ورودها وعدم ورودها؟ (د.فاضل السامرائى)(1/46)
اثنين معناه ذكر وأنثى (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود) ذكر وأنثى، (وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (3) الرعد) تأنيث وتذكير، (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (45) النجم) ذكر وأنثى، (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (39) القيامة) في آية الذاريات قال (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) قال وهذا ليس مقصوداً فيه الذكر والأنثى وإنما عموم المتضادات والمتقابلات مثل البروتون والإلكترون، هذان زوجان. الزوج هو الواحد في الأصل (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ (90) الأنبياء) الزوج هو واحد وتطلق على الذكر والأنثى، الرجل زوج والمرأة زوج وهذه أفصح اللغات أما (زوجة) فهذه لغة ضعيفة، لكن اللغة الفصحى هي زوج للذكر والأنثى والاثنان زوجان.
آية (41):
* ما دلالة الشكل المعيّن أسفل كلمة (مجراها) في قوله تعالى (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)) في سورة هود وأعلى كلمة (تأمنا) في قوله تعالى (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)) في سورة يوسف؟(د.حسام النعيمى)(1/47)
هذه العلامة ? مذكورة في مكانين في المصحف وهو رسم اتفاقي. العلامة موضوعة مرتين مرة في الأسفل وهي النقطة المعينة على شكل ثمانية وسبعة ملتقيتان بهذه الصورة? وهناك اتفاق أنه إذا وجدت وهي موجودة في سورة هود في الآية 41 في قوله تعالى على لسان نوح ? (بسم الله مجراها ومرساها) (مجراها) (بالإمالة) هذه إشارة الى الإمالة والامالة يقولون أن تنحو بالألف نحو الياء وبالفتحة نحو الكسرة. جميع القرّاء قرأوها بالإمالة معناها ليست قبيلة واحدة كانت تميل وإنما هذه الكلمة ممالة عند جميع من قرأ من القرّاء وقد يكون من غير السبعة من قرأها بدون إمالة. مُجراها أو مَجراها فقارئء القرآن لا يجوز أن يقرأها مجراها يجب أن يقرأها (مجراها) بالإمالة يتعلمها.
هذه في سورة هود وفي سورة يوسف وضعت النقطة ? فوق النون في قوله تعالى على لسان إخوة يوسف (مالك لا تأمنا على يوسف) إشارة إلى أنه إذا قرأت هذه الكلمة في نطقك بين الميم والنون تضم الشفتين كأنك تريد أن تقول هناك ضمة محذوفة لأنه الأصل تأمننا.فأيضاً هنا حقيقة ينبغي أن يحاول القارئء أن يضم شفتيه.(1/48)
توضيح: في قوله تعالى (تأمنا) بهذه الصورة بالإشمام بعضهم سمّى هذا الإشمام رَوْماً يعني كأنك تروم إظهار الحركة. الرَوْم لا يكون إلا في حال الوقف وإذا كانت الكلمة مضمومة أو مكسورة هنا يكون رَوْم وفُسّر الرَوْم عندهم عند علماء اللغة أنه محاولة لإظهار شيء من الحركة عند الوقف كأنما لبيان أن هذه الكلمة مرفوعة أو أن هذه الكلمة مجرورة وليست مبنية. أما في (بسم الله مجراها) فهي بفتح الميم والإمالة عند حفص (ونحن نقرأ برواية حفص) حفص عن عاصم وهذا الكلام ينفع المختصين لكن لا بد أن يستمع الإخوة له لأنه اختلطت معلومتان: (لا تأمنا) السبعة. (بسم الله مَجراها) الذي أمال مع الفتح هو حفص عن عاصم بينما شعبة حقيقة سنأتي له رواية أخرى عن عاصم. حفص عن عاصم والكسائي وحمزة من قُرّاء الكوفة هؤلاء قرأوا (مَجراها). بضم الميم والإمالة أيضاً يعني (مُجراها) أبو عمرو بن العلاء وورش عن نافع بتقليل الإمالة. والباقون الآن شعبة عن عاصم وابن كثير وابن عامر قارئ الشام وقالون عن نافع هؤلاء قرأوا بالفتح بمدّ الألف (بدون إمالة) وضم الميم (مُجراها).
آية (42):
*د.حسام النعيمى:
(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) القمر) يعني كل ذرة من الأرض انفجرت عيوناً، الأرض كلها صارت عيوناً، (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ (42) هود) معناه هناك ريح تعصف بحيث تضرب الماء فيرتفع الماء فيكون أمواجاً هذا شيء مخيف. لو قال في فلك، الفلك مكان آمن خاصة إذا إستعمل (في)، الإنسان آمن في داخل السفينة. لكن أراد أن يقوي صورة الخوف والرعب فقال (على ذات ألواح ودسر) هي عبارة عن ألواح مشدودة وقال (وحملناه على ) ما قال (في) فلما يتخيل الإنسان هذا المشهد، هو فوق ألواح ودسر وهذا الماء بهذا الشكل يزداد رعباً ويتذكر أن ذلك قدرة الله سبحانه وتعالى كيف حمل نوحاً ومن معه على هذه الألواح والدُسُر.(1/49)
آية (43):
*ما اللمسة البيانية في استخدام اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول فى قوله تعالى (لا عاصم اليوم من أمر الله الا من رحم)؟ (د.فاضل السامرائى)
قسم من المفسرين يرون أحياناً في الإستعمالات القرآنية أن اسم الفاعل يكون بمعنى اسم المفعول كما في قوله تعالى (لا عاصم اليوم من أمر الله) بمعنى لا معصوم، ومن الممكن تخريجها على صورتها الظاهرة ويبقى المعنى. وقد ذكر المفسرون آراء أخرى تؤكد الإقرار على المعاني والصيغ اسم الفاعل واسم المفعول ويستقيم المعنى.
والمصدر قد يأتي بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول في القرآن مثل كلمة (خلق) فهي تأتي بمعنى مخلوق أحيانأً.
وفي قوله تعالى في سورة هود (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) تحتمل معنيين: لا عاصم إلا الراحم وهو الله، ولا معصوم إلا الناجي فقد يختلف التأويل لكن المعنى يحتمل هذه التأويلات لأن لا عاصم إلا من رحمه الله تعالى أي ليس هناك من ينجيه إلا الله الراحم وتأتي الآية بعده (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) لا تمنع كلا التفسيرين وهذا ما يُسمى من باب التوسع في المعنى.
هل يوجد اختلافات دلالية بين المشتقات وبعضها؟
أحياناً الصيغة الواحدة يمكن تخريجها على أكثر من دلالة كما في كلمة (حكيم) فقد تكون اسم مفعول مثل قتيل أو حكيم بمعنى ذو حكمة (حكيم عليم). وفي سورة يس (يس* والقرآن الحكيم) هل المقصود أنه مُحكم أو هو ينطق بالحكمة فيكون حكيم؟ يحتمل المعنى كل هذه التفسيرات.
آية (44):
* ما هو إعراب وما هي اللمسات البيانية في الآية (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) هود)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/50)
الإعراب: قيل فعل مبني للمجهول ويا حرف نداء وأرض منادى مبني على الضم محل النصب وابلعي فعل أمر مبني على حذف النون وماء مفعول به والكاف مضاف إليه والواو عاطفة ويا سماء مثلها يا حرف نداء وسماء منادى مبني على الضم وأقلعي فعل أمر مبني على حذف النون والجملة كلها (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي) في محل رفع نائب فاعل لفعل (قيل) هذا مقول القول، لو كان الفعل مبنياً للمعلوم تصير الجملة مفعولاً به ولما يكون الفعل مبني للمجهول تصير نائب فاعل. (وَغِيضَ الْمَاء) الواو عاطفة وغيض فعل ماضي مبني للمجهول والماء نائب فاعل و (وَقُضِيَ الأَمْرُ) الواو عاطفة وقضي فعل ماضي مبني للمجهول والأمر نائب فاعل واستوت فعل ماضي والتاء تاء التأنيث، على الجودي جار ومجرور وقيل مثل قيل الأول وبعداً مفعول مطلق لفعل محذوف وجوباً للقوم الظالمين جار ومجرور يقال الظالمين صفة مجرور بالياء مذكر سالم.
اللمسات البيانية: هذه الآية كتبت فيها رسائل من الناحية البيانية، يقولون "أجمع المعاندون على أنه ليس في طوق البشر أن يقولوا مثل هذه الآية". نحن الآن نذكر شيئاً من هذه الأمور البيانية.(1/51)
أولاً بدأ بفعل القول (قيل) والقول يقال لمن يسمع ويعقل. ثم نادى (يا أرض ويا سماء) والمنادى أيضاً ينبغي أن يعلم أنه نودي لسماع شيء ما أو عليه أن يفعل شيئاً ما خاصة إذا كان نداء حقيقياً ليس مجازياً، النداء المجازي ليس له علاقة (ألا يا ليل طُل، ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي) هذا مجازي لكن في الآية يتكلم عن أمر حقيقة عندما تنادي المنادى ينبغي أن يكون يسمع ويعقل وإذا نودي لطلب شيء يلبّي. ثم أمر (ابلعي واقلعي) وأيضاً الأمر هنا على سبيل الحقيقة وليس المجاز وأيضاً المأمور ينبغي أن يكون عالماً بما أُمر به خاصة إذا طلب الآمر منه شيئاً. إذن هذا يدل على أن الأرض والسماء سمعتا (لأنه يقول لهما ويناديهما)، عقلتا، وامتثلتا. وهذا كله القول والنداء والأمر كله على سبيل الحقيقة. مع أن النداء للأرض والسماء وهما ما هما من الكبر والعظمة الفعل كان مبنياً للمجهول لم يفصح القائل عن نفسه (قيل) معناه أن السماء والأرض تعلم من هو هذا القائل الذي يقول فيجاب له وإن لم يذكر اسمه هذا يدل على عظمته أن السماء والأرض علمت من القائل فاستجابت له، أنت لو قلت للأرض والسماء لا تفعل شيئاً. قيل فاستجابتا له وإن لم يذكر اسمه معناه أن السماء والأرض علمتا هذا القائل الذي نادى من وراء حجاب.
سؤال: في مكان آخر قال تعالى (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ (116) المائدة)؟
هذا في غير مقام ليس في هذا المقام الذي يدل على العظمة والأمر الشديد ويدل على سطوته تستجيب الأرض والسماء لمن ينادي.
سؤال: إذن لا ينبغي أن نقطع آية ونفهمها في سياقيات آية أخرى؟
لا، كلٌ في سياقه هو والمقام.
سؤال: ولا يجوز لي أن أجمع كل (قيل) وأقول قال هنا وقال هنا؟
لا، ضعها في سياقها ومقامها، قد يكون في مقام التعظيم (قلنا) وفي مكان آخر في مقام التوحيد يقول قال أو قلت.(1/52)
ثم لاحظ النداء قال (يا أرض) ناداه بحرف النداء (يا) وفي القرآن لم يرد غير (يا) للنداء ناداها باسم الجنس.
سؤال: حروف النداء هل ترتبط ببُعد أو قرب المسافة من المنادى؟
(يا) يقولون في أصلها للبعيد وقد تكون للجميع و(أي) للقريب، (أيا وهيا) للبعيد لأن فيها مد الصوت.
هذا النداء (يا أرض) هذا يدل على عظمة المنادي لأنه ناداها باسم الجنس (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ) كما تقول يا رجل افعل كذا، يا أرض، يا رجل افعل كذا أو لا تفعل كذا ولم يقل يا أرضي بالتكريم أو يا أرض الخير أو يا سماء الخير وإنما ناداها مجرّدة يا أرض ويا سماء دلالة على عظمة المنادي وكلها في مقام عظمة المنادي بعد هذا الذي حصل في قصة نوح (قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ (43) هود). يعني (يا أرضي) فيها مقام ترقيق كما نقول يا أخي، يا صديقي، فيها تودد وتقرب، يا رجل الخير، قال يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي فيها قوة وشدة. ثم لم يقل يا أيتها الأرض لو قالها تصير (أي) منادى لكن الغرض منها التوصل للمنادى يا أيها الرجل والهاء للتنبيه حتى إذا كان غافلاً ينتبه. لم يقل يا أيتها الأرض (ها) للتنبيه و(أي) يعني هي ليست غافلة ينبغي أن تكون واعية لكل ما يقول ليس هناك داعي للتنبيه، السماء والأرض نحن نقول الهاء للتنبيه فإذا كان غافلاً فالذي قبله ينبهه لكن الأَوْلى أن تكون واعية لكل حرف يصدر عن هذا الخالق العظيم وكأنها جاهزة للأمر وهي ليست غافلة حتى تحتاج إلى التنبيه، هذا أمر إضافة أن الآية بنيت على الإيجاز. ثم قال ابلعي ولم يقل ابتلعي لأن ابتلعي فيها مدة طويلة وجهد لكن الآن ابلعي في أقصر وقت. ابتلعي فيها وقت أطول من قبيل زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ابلعي وابتلعي من حيث الدلالة واحدة وإنما من حيث الزمن مختلف، ابلعي الأمر ينفذ بسرعة وابلعي أوجز من ابتلعي.(1/53)
ثم قال ابلعي ماءك لم يقل ابلعي كما قال أقلعي بل ذكر مفعول البلع لأن بلع الماء هو المقصود لو قال ابلعي تبلع الأشجار والناس وما عليها هي تنفذ ما تسمع لذلك حدد ما تبلعه (ماءك).
سؤال: بلع فعل متعدي وأقلع فعل متعدي بحرف الجر (عن) لكن قال في السماء أقلعي؟ هل تقلع عن المطر؟
في السماء قال أقلعي في الأصل السماء فيها مطر ليس فيها غير المطر.
ثم قال (ماءك) أضاف الماء إليها لأن الماء أصبح ماءها هي لأنه ما نزل من السماء هو لها سيكون في الأرض وهو في الأصل من الأرض تبخر وصعد من البحار ورجع لها فالماء ماءها سواء كان نازلاً من السماء أو كان فيها لم يقل ابلعي الماء وإنما ماءك. قبلها قال (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ (43) هود) لأن الموج عامة للبحار. ولكن قال ابلعي الماء ولم يقل ماء الموج وإنما الماء عموماً الذي نزل من السماء والذي تفجر من الأرض. نادى السماء فقال اقلعي يعني أمسكي وكُفّي لأنه معلوم القصد منه.
نلاحظ قدّم أمر الأرض ببلع الماء ثم السماء (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي)، ابلعي ماءك حتى ترسو الفينة هذا هو الأول وهذا المهم حتى ينزل الركاب فبدأ بما هو مطلوب لهم فقدّم البلع حتى السفينة ترسو إذا لم تبلع الأرض فما ترسو السفينة ثم إن الماء بدأ من الأرض أصلاً (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ (40) هود)
سؤال: في موقع آخر قال (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) القمر) هنا قدم السماء على الأرض؟(1/54)
في سورة القمر (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ). حتى تستكمل القصة لماذا بدأ بها (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10) القمر) الآية هي (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) دعا ربه والداعي تفتح له أبواب السماء، دعا ربه ففتح أبواب السماء بماء منهمر هذه الإجابة كانت فعلية، الدعوة تفتح لها أبواب السماء دعا ربه ففتحنا أبواب السماء هذه الإجابة، في سورة هود ليس هناك أصلاً دعاء؟ (فَدَعَا رَبَّهُ) هذه الإجابة والفاء للسرعة، هذه الإجابة لم يقل فتح أبواب السماء لدعوته فاستجبنا له وإنما قال (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ). في سورة هود ليس هناك دعاء (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ (40) هود).
ثم قال (وَغِيضَ الْمَاء) أي ذهب ونشف ما يقول استجاب على الفور. (غيض) فعل مبني لما لم يسمى فاعله أصله غاض متعدي الملازم، غاض الماء وغاض الله ماءً وأغاض موجود أيضاً، (وَغِيضَ الْمَاء) كلها على الإيجاز. الماء نائب فاعل، هم يقدروها غاض الله ألرض أو غاضت الأرض الماء. كل الأفعال مبنية للمجهول (قيل وغيض واستوت) وهذا كله في باب الإيجاز في باب العظمة. لما قال (وَغِيضَ الْمَاء) معناه أن السماء والأرض امتلثتا واستجابتا على الفور لم يقل فبلعت الأرض ماءها وأقلعت السماء. (وَغِيضَ الْمَاء) أيضاً البناء للمجهول. ثم قال (وَقُضِيَ الأَمْرُ) الأمر الذي أراده ربنا (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ) الأمر هذا نجاة من نجى وإهلاك من هلك بأوجز عبارة (قضي) بمعنى انتهى.
سؤال: هذا هو المقصود بقوله (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ (40) هود)؟
هذا هو الأمر نجاة من نجى وإهلاك الظالمين.(1/55)
ثم قال (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) أيضاً لم يذكر الفاعل لأنه معلوم (السفينة) وهو ذكر (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ (42) هود) ذكر الفاعل في الأول فقال (وَاسْتَوَتْ) وكان استواؤها بعد انقضاء الأمر، استوت بمعنى وقفت، رست. والجودي قالوا جبل قالوا في الموصل أو تركيا. استوت على الجودي بعد قضاء الأمر. (وَقُضِيَ الأَمْرُ) يدل على الأمان. (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أيضاً بنى الفعل للمجهول، من القائل؟ القائل هو الله والملائكة والصالحين كلهم يقولون بعداً للقوم الظالمين،
سؤال: ما دلالة هذا التركيب (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)؟
بعداً يعني هلاكاً وبعداً وسحقاً لهم. (بعداً) أيضاً على الإيجاز لم يأت بالفعل وإنما جاء بالمصدر بدون ذكر فاعل وهي أوجز حالة. بعداً (المصدر) أبلغ من يبعد (الفعل). ثم قال (لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وصفهم بالظلم كما وصف في الأول (وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (27) المؤمنون). ولم يقل بعداً لهم وإنما قال (بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ذكر الوصف الذي استحق به القوم العقوبة وهو الظلم أعاد التأكيد على أن ما حصل لهم بسبب ظلمهم. هذه أبرز الأشياء المهمة في الآية على وجه السرعة.
آية (45):
*كيف يأتي القول بعد النداء في قوله تعالى (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {45} هود) ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/56)
قال تعالى في سورة هود (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {45}الفاء تأتي للترتيب الذِكري ولا تنحصر بالترتيب والتعقيب.وهي تعني التفصيل بعد الإجمال.أولاً يأتي بالنداء بشكل إجمالي ثم يفصّل القول. ومثال آخرماجاء في قوله تعالى (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) سألوا موسى مجملة وأرناالله جهرة مفصّلة. وكذلك ما جاء في قوله تعالى) تفصيل بعد الإجمال.
آية (46):
*ما اللمسة البيانية فى قوله تعالى (إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) هود)؟(د.فاضل السامرائى)
(إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) هود) يعني لئلا تكون من الجاهلين، وقال (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) أن تميد بكم أي كراهة أن تميد بكم أو لئلا تميد بكم كما يقول النحاة، المعنى لماذا ألقى الرواسي؟ لئلا تميد بكم يقولون كراهة أن تميد بكم أو لئلا تميد بكم (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى (282) البقرة) كراهة أن تضل إحداهما أو لئلا تضل.
آية (48):
* هل كل ما جاء عطف بيان يُعرب بدلاً؟ (د.فاضل السامرائى)
عطف البيان عو قريب من البدل نقول مثلاً: أقبل أخوك محمد، محمد يمكن أن تُعرب بدل أو عطف بيان. لكن هنالك مواطن ينفرد فيها عطف البيان عن البدل. وقسم من النحاة يذكرون الفروق بين عطف البيان والبدل ثم يقول أشهر النحاة بعد ذكر هذه الفروق:" لم يتبين لي فرق بين عطف البيان والبدل".
عطف البيان على أي حال قريب من البدل ويصح أن يُعرب بدل إلا في مواطن:
? عطف البيان لا يمكن أن يكون فعل بينما البدل قد يكون فعلاً.(1/57)
? عطف البيان لا يمكن أن يكون مضمراً أو تابعاً لمضمر (ضميراً أو تابع لضمير) بينما البدل يصح أن يكون .
? عطف البيان لا يمكن أن يكون جملة ولا تابع لجملة بينما البدل يمكن أن يكون كذلك.
وهناك مسألتين أساسيتين يركزون عليهما:
1. البدل على نيّة إحلاله محل الأول.
2. البدل على نية تكرار العامل أو على نية من جملة ثانية.
على سبيل المثال وحتى لا ندخل في النحو كثيراً نقول: يا غلام محمداً هذه جملة صحيحة الغلام اسمه محمد هذا لا يمكن أن يكون بدلاً لأنه لا يصح أن يحل محل الأول لأننا قلنا سابقاً أن البدل على نية إحلاله محل الأول ومحمد علم مفرد يكون مبني على الضمّ مثل (يا نوحُ) (يوسفُ أعرض عن هذا) ولا نقول يا محمداً.
وكذلك إذا قلنا: يا أيها الرجل غلام زيد. لا يمكن أن يكون بدل فلو حذفنا الرجل تصير الجملة يا أيها غلام زيد لا تصحّ.
مثال آخر: زيد أفض الناس الرجال والنساء . إذا حذفنا الناس لا تصح الجملة ولا يمكن أن تكون الناس بدل لأنه لا يصح قول: زيد أفضل الرجال والنساء. وإنما تُعرب عطف بيان.
وهناك مواطن أخرى عند غير الفرّاء مثال: أنا الضارب الرجل زيد. لا يمكن أن يكون الرجل بدل فلا يصح أن يقال أنا الضارب زيدٍ لأنه إذا عرّف الأول فيجب أن يعرّف الثاني. فليس دائماً يمكن أن يُعرب عطف البيان والبدل أحدهما مكان الآخر وإنما هناك مواطن يذكرها النحاة لكننا نقول أن عطف البيان موجود في اللغة.ومع ذكر كل الفروق بين عطف البيان والبدل كما ذكرنا سابقاً يأتي أشهر النحاة فيقول أنه لم يتبين له الفرق بينهما وأنا في الحقيقة من هذا الرأي أيضاً.
آية (49):
*ما الفرق بين قوله تعالى في سورة يوسف (ذلك من أنباء الغيب) وفي سورة هود (تلك من أنباء الغيب)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/58)
كلمة القَصص مذكر مثل كلمة عدد وكلمة قَصص مذكر وهي ليست جمع قصة وإنما القَصص هنا بمعنى السرد أي بمعنى اسم المفعول أي المقصوص. وقد جاء في سورة يوسف قوله تعالى في أول السورة (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ {3}) وهي قصة واحدة هي قصة يوسف - عليه السلام - فجاءت الآية باستخدام (ذلك) (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ {102})، أما في سورة هود فقد جاء فيها مجموعة من قَصص الأنبياء فاقتضى أن تأتي الآية باستخدام (تلك) (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ {49}).
*ما الفرق بين(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ {44} آل عمران) و (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ {49} هود)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/59)
ننتقل إلى موضوع آخر إلى قوله تعالى (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ {44} آل عمران) وفي سورة أخرى (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ {49} هود) لماذا مرة نوحيه ومرة نوحيها؟ قصة سيدنا نوح قال (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ) ما هي إلا قصة واحدة هذه القصة يا محمد نحن أوحيناها إليك من أنباء الغيب تلك قصة نوح التي قرأتها أوحيناها لكن عند قصة مريم قال (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) نوحيه لماذا؟ لأن قبل قصة آدم وخلق آدم وبعدين قصة قابيل وهابيل وقصة إسماعيل وإدريس وإسحاق عدة قصص كثيرة يعني غيوبات كثيرة فإذا اسم الإشارة كان يشير إلى قصص سابقة كثيرة قال (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) قصص كثيرة إذا كان لا واحدة قال (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ) والله أعلم.
آية (51):
*انظر آية (29).???
آية (56):
* (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (6) هود) (مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) هود) ما دلالة الإستشهاد بالدابة وليس بالإنسان مثلاً؟ (د.فاضل السامرائى)
الدابة كل ما يدبّ على الأرض من إنسان أو غيره يسمى دابة، الإنسان دابة والدواب الأخرى دابّة كل ما يدب على الأرض يسمى دابة هذه عامة. كل ما يدبّ على الأرض من إنسان أو غيره يسمى دابة.
* ما معنى قوله تعالى (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) هود)؟(د.حسام النعيمى)(1/60)
نحن نقول دائماً أن كل ما تعلق بالكلام عن الله سبحانه وتعالى وعن صفاته وعن أسمائه هذا كله المسلمون فيه على قولين: قول وهو المشهور وهو مذهب الإمام أحمد ومن تابعه يقولون هذه الآيات نُمِرّها كما هي (إن ربي على صراط مستقيم) يعني إن ربي على صراط مستقيم. وفريق آخر من المسلمين من أهل العلم والصلاح والتقوى والورع لا نتهمهم قالوا: لا. القرآن خاطب العرب ننظر كيف فهم العربي هذا فنحاول أن نأؤل بما يوافق لغة العربي وما فهمه العرب نتأول بما تحتمله لغة العرب وليس على الهوى. هذا الكلام ينفعنا الآن في نشر الدعوة لأنه الآن أنت تريد أن تترجم تفسير القرآن للناس فلا تقول لهم أمِرّوا هذا ولكن إنظر كيف فسّر العلماء المسلمين من الأتقياء الصالحين هذا وأستفيد منه وأترجمه. للمسلم نقول له نُمِرّه أما لغير المسلم فلا أقول هذا ولكن أستفيد مما قاله علماؤنا الذين كانوا على جانب عظيم من الصلاح والورع والتقوى لا نتهمهم فالذي قال هذا الكلام على جانب عظيم من الصلاح والورع والتقوى والذي قال هذا الكلام على جانب عظيم من الصلاح والتقوى ولكنهم إختلفوا في الإجتهاد وفي الفهم. الفهم الثاني الآن نحتاج إليه. لما يقول (إن ربي على صراط مستقيم) الآية تتحدث عن أحد رسل الله تعالى قال: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)) مجاهد يقول على الحق.(1/61)
غيره يقول فيه إضمار: إن ربي على صراط مستقيم تعني إن ربي على الحق فلن يسلّطكم عليّ هذا التأويل وهذا كلام أحد الأنبياء (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ) هو لا يخشى منهم، (إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها) يريها طريقها، (إن ربي على صراط مستقيم). يعني إن ربي على الحق فلن يسلطكم عليّ. هم هددوه بعضهم قال فيها إضمار يعني يدل على الصراط المستقيم وهذا لا يتناسب مع سياق الآية والذين يتناسب مع سياق الآية : إن ربي على الحق فلن يسلّطكم عليّ.
آية (57):
* انظر آية (29).???
آية (60):
*سورة هود في ثلاث قصص قصة عاد وثمود مدين والقصص الثلاثة بدأت نفس البداية (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا (50)) (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا (61)) (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا (84)) ثم انتهت الآية (أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)) وفي الآية (أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ (68)) وفي الآية (أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)) لماذا قال عاد قوم هود؟ (د.فاضل السامرائى)
عاد أكثر من عاد، قالوا عاد أكثر من قوم فقوم هود هو قسم من عاد وليس كل عاد (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) النجم) لأن هنالك عاد الآخرة، هذا مما قيل في هذا. هؤلاء بالذات لأن هنالك عاد أخرى ليسوا من جماعتهم.
آية (62):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب(62)هودوقوله تعالى (وإن لفي شك مما تدعوننا إليه(9)ابراهيم )؟ (د.فاضل السامرائى)
في آية سورة هود الكلام في قصة صالح فجاء بلفظ (تدعونا) أما في سورة ابراهيم فالكلام عم مجموعة من الرسل لذا جاء قوله (تدعوننا).(1/62)
الذي يبدو أنه عندما يأتي (إننّا) هو آكد ، إنا تأتي للتوكيد سواء كانت النون مشددة أو مخففة
نون التوكيد قد تأتي في أول الأسماء (إننا) وفي آخر الأقعال للتوكيد (ولتكوناً) (ليذهبنّ) .
وعندما نقول (إننا) تحتمل معنيين: في مقام التفصيل (إننا) وفي مقام التوكيد (إننا) فلو قرأنا القصتين في السورتين لوجدنا أن قصة صالح فصّل تعالى فيها كثيراً فاقتضى النفصيل استخدام (إننا) وكذلك التكذيب في قوم صالح كان أشدّ فجاء التوكيد بلفظ (إننا) إذن القصة في قصة صالح أطول والتكذيب أشدّ في سورة هود بينما الكلام في سورة ابراهيم موجز فاقتضى التوكيد في سورة هود بـ (إننا) ولم يقتضي التوكيد في سورة ابراهيم (إنا).
آية (63):
*انظر آية (28).???
* انظر آية (30).???
آية (66):
*وردت (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) المعارج) (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ (66) هود) كلمة (يومِئذ) الميم مكسورة غير يومَئذ؟ (د.فاضل السامرائى)
(يومِئذ) يوم هي مضاف إليه، اليوم يكون مجرور بالكسرة. (من عذاب يومئذ) مضاف إليه (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) المعارج) مضاف إليه مجرور ولما لا يكون في حالة جر يكون منصوباً، فكلمة يومِئذ مضاف ومضاف إليه (من خزي يومِئذ).
آية (67):
* (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) هود) وفي موقع آخر (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود) ما الفرق بين أخذ وأخذت ودارهم وديارهم؟ (د.فاضل السامرائى)(1/63)
هنالك التذكير أخذ وأخذت. في سورة هود في قصة قوم صالح قال تعالى (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68))، في قصة شعيب قال (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)) لو لاحظنا قال في صالح (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) لم يقل في قوم شعيب (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) والخزي مذكّر فإذن هذا أنسب للتذكير (أخذ) ستكون الصيحة هنا بمعنى الخزي مع سيدنا صالح. هذا أمر وعندنا من الملاحظ أن التذكير في العقوبات أقوى من التأنيث، يعني المفروض أنه أخذ الذين ظلموا الصيحة أشد من وأخذت الذين ظلموا الصيحة كيف؟ قال أولاً (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) ولم يقلها في قوم شعيب، وقال (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) القوة والعزة مع قوم صالح ولم يقلها في شعيب والأمر الآخر قال (أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ) ولم يذكرها في قوم شعيب.(1/64)
إذن نلاحظ أنه ذكر الخزي والخزي مذكر وذكر ربنا تعالى وصف القوة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) ثم ذكر أمر آخر سيء في قوم صالح وهو (أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ) أما في شعيب ما قال كفروا ربهم قال (ألا بعداً لمدين) إذن هنالك صفات في قوم صالح أشد فإذن تذكير الفعل مع قوم صالح أشد وهو أنسب مع قوله (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ). من حيث اللغة يجوز تذكير وتأنيث الفعل أولاً لأن الصحة مؤنث مجازي والمؤنث المجازي يجوز تذكيره وتأنيثه هذا من حيث اللغة ليس فبها إشكال لكن السؤال لماذا اختار التذكير في موضع والتأنيث في موضع؟ هذا السؤال أما من حيث اللغة ليس فيه إشكال وحتى الفواصل واحدة (الذين ظلموا) هذه التي تفصل بين الفعل والفاعل حتى لو كان مؤنثاً حقيقياً يجوز تذكيره.
*ما الفرق بين كلمتي (دارهم) و(ديارهم) من الناحية البيانية في القرآن الكريم ؟ (د.فاضل السامرائى)(1/65)
الصيحة هي أشمل وأهمّ من الرجفة ويبلغ مداها أكثر من الرجفة فأنت تسمع صوتاً لم تكن فيه كانفجار أو زلزال يحصل في مكان لكن الصوت يُسمع في مكان آخر لذا فإنها تُصيب عدداً أكبر وتبلغ أكثر من الرجفة والمعلوم أن الصوت يمتد أكثر من الرجفة ولهذا فهي تؤثر في ديار عديدة لذا جاء استخدام كلمة (ديارهم) مع الصيحة كما في الآية 67 والآية 94 في سورة هود (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) ، أما الرجفة فيكون تأثيرها في مكانها فقط لذا جاء استخدام كلمة (دارهم) مع الرجفة كما في قوله في سورة الأعراف (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) آية 78 و91 (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) وكذلك في قوله تعالى (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) سورة العنكبوت آية 37 .ولم ترد في القرآن كلمة ديارهم إلا مع العذاب بالصيحة ولم ترد كلمة (دارهم) إلا مع العذاب الرجفة. وهذا عائد إلى طبيعة العقاب الموجود.
آية (69):
* ما هو إعراب (وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ (69) هود) لماذا نصبت الأولى ورفعت الثانية؟ (د.فاضل السامرائى)
سلاماً مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره نسلِّم سلاماً وسلامٌ مبتدأ خبره محذوف تقديره سلام عليكم. وفيها أعاريب أخرى لكن هذا أشهرها.(1/66)
هذا في قصة سيدنا إبراهيم، (سلاماً) جملة فعلية هي مفعول مطلق لفعل محذوف يسلم سلاماً، (سلامٌ) مبتدأ جملة إسمية. سلاماً جملة فعلية وكل منصوب هو جملة فعلية إذا وجدت منصوباً وليس هناك له ناصب فإعلم أنها جملة فعلية، إذا قرأت ويلَك هذه جملة فعلية تباً له جملة فعلية هذه قاعدة، أما في الرفع فهو جملة إسمية ويلٌ له جملة إسمية ويلاً له جملة فعلية هذه قاعدة. فإذن سلاماً جملة فعلية وسلامٌ جملة إسمية وعندنا قاعدة أن الإسم أثبت وأقوى من الفعل. هم حيوه بالجملة الفعلية (سلاماً) وهو حياهم بما هو آكد (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (86) النساء) هو حياهم بأحسن من تحيتهم فرد التحية بالجملة الإسمية (سلامٌ). سؤال من المقدم: في النحو الرفع أقوى من النصب؟ الرفع والنصب أمر آخر ليس على الإطلاق النصب قد يكون داخلة عليه إنّ التي تفيد التوكيد وهو في الأصل مرفوع.
لماذا يرفع المبتدأ؟ لأنه ليس هناك عامل ينصبه. المبتدأ هو الإسم العاري عن العوامل اللفظية غير الزائدة مخبَراً عنه أو وصفاً رافعاً لمستغنى به.
*ما دلالة قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) هود) ؟(د.حسام النعيمى)(1/67)
قالوا حالة الرفع أثبت من حالة النصب. (قالوا سلاماً: مفعول به) (قال سلام: أي عليكم سلام، لكم سلام، جعلها مبتدأ وخبر فتكون أثبت. أما(سلام على نوح في العالمين) سلامٌ مبتدأ وصح الإبتداء به لأنه دعاء (لا يجوز الابتداء بالنكرة ما لم تُفِد) الإفادة هنا في كونها دعاء فإذا كانت دعاء يجوز الإبتداء بها (سلام على نوح في العالمين) هذا الكلام يكون على الحكاية سيقال "سلام على فلان" جملة محكية. الحكاية في الغالب تكون جملة فعلية لما تسمي رجلاً بـ (تأبط شراً) أو تسمي امرأة بـ (شاب قرناها) أو تقول: زرت سُرّ من رأى، هذه سُرّ من رأى، الحكاية غالباً على الفعل لكن أحياناً تأتي إسمية يقال: سمى ولده زيدٌ مجتهدُ فيقول إسمه زيد مجتهد، سلّمت على زيد مجتهد، رأيت زيدُ مجتهدٌ وإعرابه يكون فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة منع من ظهورها حركة الحكاية (أي أن تروى الكلمة كما هي) وهذا باب في النحو اسمه باب الحكاية أن ترد الكلمة كما هي. نقول زرت أبو ظبي لا تقل زرت أبا ظبي لأن المدينة اسمها أبو ظبي. يقال أيضاً: حفّظت ولدي الحمدُ لله (أي الفاتحة)، قرأت سورةٌ أنزلناها (أي سورة النور تأخذها على الحكاية).
في غير القرآن يمكن أن يقال سلاماً لكن سلام أقوى لأن فيها معنى الثبات والدوام لأن حالة الرفع فيها معنى الثبات والدوام كما قال إبراهيم - عليه السلام - (قالوا سلاماً قال سلام) العلماء يقولون قول إبراهيم أبلغ وأثبت لأنه هو المضيف والمرحِّب يرحب بعبارة أقوى منهم زبصيغة أقوى من صيغتهم.
*فى قصة إبراهيم عليه السلام مرة قال تعالى بعجل حنيذ (فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) هود) ومرة سمين (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) الذاريات) ما دلالة الإختلاف؟(د.فاضل السامرائى)(1/68)
الحنيذ هو السمين فالحنيذ هو المشوي الذي يقطر وَدَكه أي دهنه فكلمة حنيذ تعني سمين ومشوي وما زال حاراً يقطر وَدَكه، لا تناقض بين سمين وحنيذ، السمين صفة من الصفات ولا تعارض ولا تناقض بينهم. وهذا دارج في اللغة العربية حتى في كلامنا العادي أحياناً تقول سافرت إلى بلد وذهبت عند فلان وبقيت عندهم ليلة وقضيت حاجة ومرة تذكر مكارمهم فتقول ذهبت إلى فلان وذبحوا لي وسهروا معي بالتفصيل، أنت تريد أن تركز على أي شيء؟.
آية (72):
*قال تعالى في سورة ق (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)) وفي سورة هود (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)) وفي سورة ص (أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5))ما الفرق؟ (د.فاضل السامرائى)
أولاً صيغ العربية ودلالتها ثم التوكيد وعدمه. عجيب تدخل في صيغ المبالغة أو صفة المشبّه(فعيل، فعال، فُعّال) صيغة فُعّال من حيث المبالغة أكثر من فعيل نقول هذا طويل فإذا أردنا المبالغة نقول طوال. فعيل صفة مشبهة أو مبالغة، فعال أبلغ من فعيل باعتبار مناسبة لمدّة الألف ومناسبة لمدّة الصوت أحياناً صوت الكلمة يناسب المعنى فمدّة الألف أكثر من الياء فجعلوها للصفة الأبلغ. عُجاب أبلغ من عجيب.
مسألة التوكيد وعدم التوكيد أخبر عن العجيب لكنه غير مؤكد في الأولى ثم الثانية آكد.(1/69)
لو عدنا إلى الآيات في الأولى (بلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)) عجبوا أن جاءهم منذر منهم فجاء بلفظ (عجيب) والثانية أن امرأة عقيماً وعجوز وبعلها شيخ فكيف تلِد والعقيم أصلاً لا تلِد ولو كان رجُلُها فتى فهي عقيم وعجوز وفي الآية من دواعي العجب ما هو أكثر من الآية الأولى لذا دخل التوكيد بـ (إنّ واللام) تأكيدا العجب ناتج عن أن مُثير العجب أكثر. أما في سورة ص (َجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)) هم عجبوا أن جاءهم منذر منهم أولاً ثم عجبوا أن جعل الآلهة إلهاً واحداً فصارت دواعي العجب أكثر من سورة ق التي تعجبوا فيها من أن جاءهم منذر منهم فقط. إضافة إلى ذلك في سورة ص هناك أمر آخر هو جعل الآلهة إلهاً واحداً وهو مشركون عريقون في الشرك فقاتلوه بسبب كلمة التوحيد فالعجب أكثر بعد وصفه بأنه ساحر وكذّاب فجاء بلام التوكيد وجاء بالصفة المشبهة المبالغة عُجاب.
آية (77 وقصة لوط):
*ما دلالة كلمة ذرع في قوله تعالى (ولمّا أن جاءت رسلنا سيء بهم وضاق بهم ذرعا) في سورتي هود والعنكبوت؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة هود (وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ {77}) وقال في سورة العنكبوت (وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ {33}). الذرع في اللغة هو الوسع والطاقة والخلق أي الإمكانية من حيث المعنى العام. وضاق بهم ذرعاً بمعنى لا طاقة له بهم. وأصل التعبير ضاق ذرعاً أي مدّ ذراعه ليصل إلى شيء فلم يستطع إذن ضاق ذرعاً بمعنى لم يتمكن.(1/70)
* ما اللمسة البيانية في ذكر (أن) في آية سورة العنكبوت وما دلالتها مع أنها لم ترد في آية سورة هود في قصة لوط ؟ (د.فاضل السامرائى)
(أن) هذه عند النُحاة زائدة إذا وقعت (أن) بعد لما فهي زائدة أي لا تؤثر على المعنى العام إذا حُذفت.
قصة لوط بين سورتي العنكبوت وهود:
وهذا الأمر يتضح في القرآن في أكثر من موطن ففي قصة لوط مثلاً جاء في سورة هود قوله تعالى (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)) بدون (أن) بينما وردت في سورة العنكبوت (وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33)) مع ذكر (أن) وهذا لأكثر من سبب أولاً لأن القصة في العنكبوت جاءت مفصلة وذكر تعالى من صفات قوم لوط السيئة (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) ما لم يذكره في سورة هود (وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) ثم ذكر تعالى أن ضيق لوط بقومه في العنكبوت أكثر وكان ترقّبه للخلاص أكثر وكان برِماً بقومه (سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا).(1/71)
ثم ان قوم لوط تعجلوا العذاب في سورة العنكبوت فقالوا (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)) ثم دعا لوط ربه أن ينصره عليهم (قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)) إذن برِم لوط وضيقه بقومه كان أكثر فكأنه استبطأ مجيء العذاب على هؤلاء وهو نفسياً كأنما وجد أن مجيئهم كان طويلاً وتمنى لو أن العذاب جاء عليهم قبل هذا. فهي من حيث التفصيل أنسب ومن حيث عمل السيئات إذا كانت للتوكيد أنسب وإن كانت من ناحية برم لوط فهي أنسب.
آية (80):
*د.حسام النعيمى:
لوط - عليه السلام - بدرت منه كلمة هي قوله: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) هود) وفي الأحاديث الصحيحة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "رحم الله لوطاً (وفي رواية غفر الله للوط) لقد كان يأوي إلى ركن شديد"، كان يأوي إلى الله عز وجل فكيف يقول أو آوي إلى ركن شديد؟ وفي مسند أحمد في تفسير الحديث أنه كان يقصد عشيرته أنه ما عنده عشيرة قوية يأوي إليها.
آية (81):
*ما الفرق بين كلمتى معاد وميعاد؟(د.فاضل السامرائى)
المعاد غير الميعاد. المعاد هو بلد الرجل من العَوْد، نعاد إسم مكان بلد الرجل معاده لأنه يسافر ثم يعود. هناك فرق بين المعاد والميعاد: المعاد من عاد والميعاد من وعد (مفعال - موعاد) أصلها موعاد سكن حرف العلة وقبلها كسرة فيصير ميعاد. إذن المعاد من عاد من العوْد إسم مكان، المعاد هو البلد بلد الإنسان هو معاده، البلد الذي يعيش فيه لأنه مهما ذهب يعود إليه فهو معاده (لرادك إلى معاد) يعني لرادك إلى مكة، (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (81) هود) هذا موعد من ميعاد، قسم قال المعاد هو الحشر والجنة باعتبار الناس يعودون أو الجنة لأنه تعود إليهم حياتهم. نقول نعود إلى المعاد في الميعاد.
آية (82):(1/72)
*ورد وصف عذاب قوم لوط مرة أنه وقع على القرية ومرة على القوم (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) هود) (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) الحجر) فما الفرق بينهما؟ (د.فاضل السامرائى)
في الحجر (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ) وفي هود (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا) عليها يقصد بها القرية وعليهم يقصد بها الناس والقوم.عليهم يعني القوم وعليها يعني القرية يبقى سبب الاختيار. لو لاحظنا الكلام على القوم في الموطنين كيف كان يتحدث حتى نفهم سبب الاختيار سنلاحظ أن الكلام على القوم في الحجر أشد مما في هود ووصفهم بصفات أسوأ مما في هود وذكر أموراً تتعلق بهم أكثر مما في هود: قال في الحجر على لسان الملائكة (قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (58)) وفي هود (إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70))، وفي الحجر قال (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ (66)) وفي هود (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)) العذاب هنا لا يقتضي الإستئصال أما في الحجر فهناك استئصال فما في الحجر إذن أشد مما في هود. أقسم على حياة الرسول في الحجر على هؤلاء فقال (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)) ولم يقسم في هود. إذن ما ورد في الحجر في قوم لوط أشد مما ورد في هود وصفهم بالإجرام وأنه سيتأصلهم وأنهم في سكرتهم يعمهون فذكرهم هم (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً) ذكرهم هم ولم يذكرهم في هود فلما ذكرهم هم قال وأمطرنا عليهم ولما لم يذكرهم قال وأمطرنا عليها هذه أخف. أمطرنا عليهم أشد من أمطرنا عليها ذكر فأمطرنا عليهم في مقام الشدة والصفات السيئة.(1/73)
* أمطرنا عليها هل يمكن أن نفهمها على أنها مجاز مرسل أطلق المحل وأراد الحال؟
لا شك أنه أراد الحال وأطلق المحال لكن أمطرنا عليهم أشد وأقسى. مع أن الفعل واحد في كلا الآيتين (أمطرنا) لكن الضمير اختلف (عليهم وعليها) وقد تذكر القرية وليس فيها أحد (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا (45) الحج). كأن هذه الآية تكمل ملمحاً آخر في تلك الآية كأنهم مجتمعون في القرية ويمطر عليهم وعلى القرية العذاب.
آية (84):
*لماذا ذكر ( شعيب) في سورة الشعراء بينما ذكر (أخوهم شعيب) في سورة هود؟ (د.فاضل السامرائى)
شعيب أُرسل إلى قومين هما قوم مدين وهو منهم فعندما ذهب إليهم قال تعالى (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ {84}) وأصحاب الأيكة ولم يكن منهم وليسوا من أهله فلم يذكر معهم أخوهم شعيب لأنه ليس أخوهم (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ {176} إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ {177}). وكذلك في القرآن الكريم لم يذكر في قصة عيسى - عليه السلام - أنه خاطب قومه بـ (يا قوم) وإنما كان يخاطبهم بـ (بني إسرائيل) لأنه ليس له نسب فيهم أما في قصة موسى فالخطاب على لسان موسى جاء بـ (يا قوم) لأنه منهم.
* لماذا ورد ذكر أخاهم في قوله تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا (84)) في سورة هود ولم ترد في سورة الشعراء (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)) ؟(د.حسام النعيمى)(1/74)
مراجعة الآيات توصلنا إلى شيء أنه حيثما ذُكِرت الرسالة وأن شعيباً مرسل إلى قومه يقول أخوهم. يذكر الأخوّة عندما يتحدث عن الرسالة كأنما فيها إشارة إلى أن واجبه معهم ورعايته لهم هو أخوهم يريد لهم الخير. وإذا لم يذكر الرسالة لا يقل أخوهم. لاحظ الآيات هذه القاعدة العامة حيثما ذكر الإرسال قال (أخاهم) وفي غير ذلك ذكر الإسم مجرّداً.
الإرسال ذُكِر في ثلاثة مواضع كما ذكره محمد فؤاد عبد الباقي (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم):
1. (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) الأعراف)
2. (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) هود)
3. (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) العنكبوت)
وفي ثمانية مواضع لم يُذكر الإرسال فذكر الإسم مجرّداً:
1. (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) الأعراف)
2. (وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) الأعراف)(1/75)
3. (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) الأعراف)
4. (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) هود)
5. (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) هود)
6. (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود)
7. (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) الشعراء)
ليس في هذه المواضع كلام عن الرسالة فهنا هذه الآيات الثماني ليس فيها ذكر للرسالة فليس فيها ذكر للأخوّة وهذا مضطرد في القرآن. لما نجد شيئاً مضطرداً وهو يتنزل منجماً فهذا من دلائل النبوة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
آية (86):
* كلمة (بقيت) في آية سورة هود (بَقِيَّتُُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)) هل جاءت في موضع آخر مكتوبة بالهاء (بقية)؟(د.حسام النعيمى)
هذا يتعلق بالرسم في المصحف. الرسم في المصحف يمثل صورة من تطورالخط العربي في زمانه. في كلمة (بقيت) إذا رُسمت بقيت بالتاء المفتوحة فستجدها في جميع نُسخ المصاحف مرسومة بالتاء المفتوحة مثل كلمة رحمة ورحمت .(1/76)
كلمة (بقية) وردت في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم: في سورة البقرة (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248) هذه رسمت بالهاء أو التاء المربوطة كما يقال، في سورة هود أيضاً في الآية (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ (116)) رسمت بالهاء وفي السورة نفسها في الآية (بَقِيَّتُُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86)) وردت بالتاء. هذا خط المصحف توقيفى.
آية (87):
* ما دلالة قوله تعالى (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) ؟ (د.فاضل السامرائى)
التعريض بالضدّ في اللغة للسخرية وأحياناً نعرّض الشيء بعكسه على سنن العربية والسياق هو القرينة التي تُعين على الفهم لأن أهل البلاغة واللغة والذين يتكلمون في علوم القرآن يجعلون السياق من أهم وأعظم القرائن للتعبير كما جاء في قوله تعالى (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) هود) فالتعبير (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) هو في الأصل مدح لكن إن وضعناه في سياق الآيات فهي استهزاء. وكذلك قوله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) الدخان) فالتعريض بهذه الأشياء يمثّل خطّاً في القرآن الكريم.
آية (88):
*من تقديم اللفظ على عامله : (د.فاضل السامرائى)(1/77)
من هذا الباب تقديم المفعول به على فعله وتقديم الحال على فعله وتقديم الظرف والجار والمجرور على فعلهما وتقديم الخبر على المبتدأ ونحو ذلك. وهذا التقديم في الغالب يفيد الإختصاص فقولك (أنجدت خالداً) يفيد أنك أنجدت خالداً ولا يفيد أنك خصصت خالداً بالنجاة بل يجوز أنك أنجدت غيره أو لم تنجد أحداً معه. فإذا قلت: خالداً أنجدت أفاد ذلك أنك خصصت خالداً بالنجدة وأنك لم تنجد أحداً آخر.
ومثل التقديم على فعل الإستعانة قوله تعالى (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) ابراهيم) وقوله ( على الله توكلنا ربنا، الأعراف) وقوله (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) هود) فقدم الجار والمجرور للدلالة على الإختصاص وذلك لأن التوكّل لا يكون إلا على الله وحده والإنابة ليست إلا إليه وحده.
آية (93):
*ما وجه الإختلاف من الناحية البيانية بين قوله (فسوف تعلمون) في سورة الآنعام و(سوف تعلمون) في سورة هود؟ (د.فاضل السامرائى)(1/78)
قال تعالى في سورة الأنعام (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {135}) وقال في سورة هود (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ {93}) وعلينا أن نلاحظ القائل في كلا الآيتين ففي آية سورة الأنعام الله تعالى هو الذي أمر رسوله بالتبليغ أمره أن يبلغ الناس كلام ربه وهذا تهديد لهم فأصل التأديب من الله تعالى أما في آية سورة هود فهي جاءت في شعيب وليس فيها أمر تبليغ من الله تعالى فالتهديد إذن أقل في آية سورة هود ولهذا فقد جاء بالفاء في (فسوف تعلمون) في الآية التي فيها التهديد من الله للتوكيد ولما كان التهديد من شعيب حذف الفاء (سوف تعلمون) لأن التهديد أقل.
آية (94):
*انظر آية (67).???
* لماذا اختلفت مصطلحات العذاب: الصيحة، الرجفة؟(د.حسام النعيمى)(1/79)
لا يمنع أن يكون في وقت واحد اجتمعت عليهم حالة مجزّأة يعني أن يأتي هذا العارض الذي يظنونه مطراً ثم ينزل عليهم صوتاً أو ناراً أو ما أشبه ذلك ثم تكون هناك هزة أو رجفة في الأرض وفي كل موضع يختار لفظة معينة. نحن عندنا بيان حتى يكون هناك تعجب أواستفهام للسؤال لما يقول في مكان أنه أغرقهم وفي مكان أنه أخذتهم الرجفة لأن الإغراق غير الرجفة لكن هذه ممكن أن تكون صورة كاملة متكاملة أنه جاءت غمامة ظاهرها أنها ممطرة ثم كان فيها نار واهتزت الأرض ثم سمع صوت كأنه صوت انفجار بركان وصوت شديد بحيث الآن الدراسات الصوتية تقول يمكن للصوت أن يمزّق جسم الإنسان وصارت الأصوات تستعمل للتعذيب. أُنظر مثلاً أصحاب الأيكة هم قوم شعيب لما يقولون لشعيب (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) الشعراء) الآية تقول (فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) لأن كسف السماء يناسب ذكر الظُلّة. لمّا في مكان آخر يحذّرهم (وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) هود) ومن جملة من ذكرهم قوم صالح الذين عوقبوا بالصيحة قال عن قوم شعيب (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود) للمناسبة. الآية الكريمة في الكلام العام (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) العنكبوت) يمكن أن يجمع أكثر من صورة فتستعمل الكلمة الملائمة للسياق. الصيحة صوت قوي بحيث آذاهم أذى شديداً وكان جزءاً من العقاب.(1/80)
الرجفة هي اهتزاز الأرض والصاعقة هي فعلاً الصاعقة التي تنزل عليهم (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) الرعد) لكن لا يمنع أن تجتمع الحالات هذه في وضع واحد في أمر واحد.
آية (98):
* ما هو إعراب كلمة نِعْمَ و بِئْسَ؟(د.فاضل السامرائى)
نِعْمَ فعل ماضي جامد وهذا أشهر إعراب وإن كان هناك خلاف بين الكوفيين والبصريين هل هي إسم أو فعل لكن على أشهر الأقوال أنه فعل ماضي جامد. (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) ص)، نعم الرجل زيد، ويضرب في باب النحو نِعم وبئس (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) الأنفال)، (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) هود) بعدها فاعل لأنه يأتي بعدها المقصود بالمدح والذم. لما تقول: نِعْمَ الرجل محمود، نعربها على أشهر الأوجه: نِعْمَ فعل ماضي على أشهر الأوجه، الرجل فاعل، محمود فيها أوجه متعددة منها أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف أي الممدوح محمود أو مبتدأ والخبر محذوف مع محمود الممدوح ورأي آخر يترجح في ظني أن محمود مبتدأ مؤخر وجملة (نعم الرجل) خبر مقدم يعني محمود نِعم الرجل وهو الذي يترجح في ظني. (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) المخصوص محذوف نتكلم عن داوود - عليه السلام - . تقول محمود نِعْم الرجل هذا جائز لكن هو على الإعراب الذي رجحناه يجوز التقديم والتأخير وعلى الإعراب الآخر يكون خبراً مقدماً والمبتدأ محذوف لكن لماذا يرجح هذا أو هذا هذا أمر يتعلق بالنحو. أنا يترجح عندي أن فيها خمسة أوجه، قسم يقول بدل وقسم يقول عطف بيان وفيها أوجه كثيرة وأنا يترجح عندي أنه مبتدأ لأنه يمكن أن ندخل عليه (كان) نِعَم الرجل كان محمود و(كان) تدخل على المبتدأ والجملة قبلها خبر لأنه لو كان خبراً لنُصِب لكنه ورد مرفوعاً نِ‘ْم الرجل محمودٌ.
آية (107):(1/81)
*لماذا الإستثناء في قوله تعالى في سورة هود(خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك)؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة هود (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ {106} خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ {107} وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ {108} ) أولاً السموات والأرض في هذه الآية هي غير السموات والأرض في الدنيا بدليل قوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات). أما الإستثناء فلأن الخلود ليس له أمد، والحساب لم ينته بعد ولم يكن أهل الجنة في الجنة ولا أهل النار في النّار فاستثنى منهم من في الحساب. وقول آخر أن أهل النار قد يُخرج بهم إلى عذاب آخر أما أهل الجنة فهناك ما هو أكبر من الجنة ونعيمها وهو رضوان الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم والله أعلم. قسم يقولون أن الإستثناء هو في مدة المكث في الحشر (مدته خمسين ألف سنة) وقسم من قال هذا حتى يقضي الله تعالى بين الخلائق، وقسم قال هم من يخرجون من النار من عصاة المسلمين، وقسم قال الإستثناء من بقائهم في القبر وخروجهم من الدنيا ، وقسم قال هو إستثناء من البقاء في الدنيا وهذه المعاني كلها قد تكون مرادة وتفيد أنهم خالدين فيها إلا المدة التي قضاها الله تعالى قبل أن يدخلوا الجنة أو قد تكون عامة لكن قضى الله تعالى أن يكونوا خالدين.(1/82)
* (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) هود) ما دلالة الإستثناء في الآيات؟ (د.فاضل السامرائى)
الأرض والسموات ستبدل لكن (إلا ما شاء ربك) قالوا وهو من أيام الدنيا وما قبل الدخول في الحساب في عرصات يوم القيامة قبل أن يقضى بين الخلائق هذه مستثناة هؤلاء الذين آمنوا دخلوا الجنة إلا ما شاء ربك وهي ما قبل الدخول وكانوا موجودين في عرصات يوم القيامة في الحساب هذه مستثناة إذن ما كان قبلها من عدم الدخول سواء من أهل النار أو أهل الجنة، أهل النار قبلها قبل أن يقضى بينهم وهم في عرصات القيامة هذه لم يكونوا في النار وهذه كانت من المشيئة وقبل الدخول في الجنة وهم في عرصات القيامة هم لم يدخلوا الجنة هذه مستثناة من الخلود. إذن المستثنى من الخلود قالوا ما كان في الدنيا أولاً وما كان قبل الدخول في عرصات يوم القيامة.
*ما معنى (ما دامت السموات والأرض) مع أنه يوم القيامة تتبدل السموات والأرض؟ (د.فاضل السامرائى)
ربنا تعالى قال هذه السماء ستزول وهذه الأرض ستزول (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات) في الآخرة سيكون سماء أخرى وأرض أخرى غير هذه.
* لماذا جاءت اللام فى قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) هود)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/83)
هذا أمر نحوي لأن الفعل هو عاند وهو فعل يتعدّى بنفسه والمتعدي بنفسه هذا عندنا أمرين يمكن أن يوصل المفعول باللام وتسمى لام المقوية في حالتين: يُدخل اللام على المفعول به يعني فيما هو لو حذفناها يرجع مفعول به نأتي باللام إن شئنا (لام المقوية) : الحالة الأولى أن يتقدم المفعول به على فعله كما في قوله تعالى (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) الأعراف) والمقصود يرهبون ربهم (لربّهم) مفعول به مقدّم، والثاني إذا كان العامل فرعاً على الفعل كأن يكون إسم فاعل أو صيغة مبالغة كما في قوله تعالى (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) فاطر) فعل صدّق يتعدى بنفسه والأصل هو مصدقاً ما معه ويصح قوله لكن جاء باللام المقوية لأن العامل فرع على الفعل كقوله تعالى (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) هود) جاء باللام المقوية لأن العامل هو صيغة مبالغة.
* ما دلالة الإستثناء في قوله تعالى في سورة هود (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108))؟(د.حسام النعيمى)(1/84)
الإستثناء للإشارة إلى أنه ليس هناك شيء يُلزِم الله سبحانه وتعالى فهو عز وجل قادر على كل شيء. فحينما يقول (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) حتى لا يُلزَم ربّ العزة بشيء لذلك يقول (إلا ما شاء ربك) يعني هذا القضاء الذي يقضيه هو ليس ملزماً للمشيئة والمشئية فوق هذا القضاء. حتى مع المؤمنين لما قال (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) وقوله (ما دامت السموات والأرض) تشير إلى طول المدة لكن طمأنهم بقوله تعالى (عطاء غير مجذوذ) هو أيضاً ربطها بالمشيئة لكن فيها تطمين لأهل الجنة أن هذه المشيئة لا تتحقق في حرمانهم وإنما طمأنهم أن عطاءهم غير مجذوذ لا يقتطع منهم لكن يبقى مشيئة الله عز وجل فوق كل شيء يعني لا يلزم رب العزة سبحانه وتعالى بشيء.
آية (111)-(112):
* ما الفرق بين ختام الآيتين في سورة هود (وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)) والآية (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112))؟ (د.فاضل السامرائى)(1/85)
هذا الاختيار نضعه في سياقه من الآية فيتضح الاختيار. آية هود موضع السؤال إحداهما (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)) ذكر (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) والشك بحاجة إلى الخبرة لأنك تقطع الشك باليقين، يجب أن يعلم بواطن الأمور حتى يقطع الشك والخبير هو الذي يعلم بواطن الأمور فأتى بالخبير الذي يعرف بواطن الأمور ليزيل الشك. ثم قال (فاختلف فيه) والحكم في الاختلاف يحتاج إلى خبرة فإذن الشك والاختلاف يناسبهم الخبرة. في الآية الثانية (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)) استقم ولا تطغوا، الطغيان هو مُشاهَد في الأصل (وهو مجاوزة الحد) والاستقامة فيها جانبان وحتى الطغيان قد يكون فيه جانبان في أمر الاعتقاد (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) الأنعام) ومُشاهد والاستقامة فيها جانبان كما قال علماء اللغة مشاهَد وجانب في الاعتقاد، في عملك وفي سلوكك يظهر أنك مستقيم أو لا والاستقامة في الاعتقاد مستقيم في الاعتقاد إذن الإستقامة تشكل العقائد والأعمال إذن أمر مشاهد وأمر غير منظور والطغيان كذلك الأصل أن يكون مشاهد وقد يكون غير منظور. البصر فيه جانبين جانب بصر وجانب بصيرة، جانب مشاهد وهو البصر وجانب غير مشاهد وهو البصيرة (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) القيامة).(1/86)
لما نقول فلان بصير فيها أمران: بصير ضد الأعمى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (50) الأنعام) والبصير من البصيرة وهو أمر معنوي وهي تناسب الطغيان التي فيها جانبان والاستقامة التي فيها جانبان ما يُبصر وما يُضمر، وأتى بالطغيان الذي فيه جانبان والاستقامة التي فيها جانبان مشاهد وغير مشاهد والبصير فيها جانبان فإذن ناسب اختيار بصير. هذا مفهوم البلاغة هذه المناسبات داخل الآية القرآنية.
*يقول تعالى (بما تعملون بصير) وفي آية أخرى يقول (بصير بما تعملون) فهل للتقديم والتأخير لمسة بيانية؟(د.فاضل السامرائى)(1/87)
التقديم والتأخير يأتي لسبب والسياق قد يكون الحاكم والموضح للأمور. إذا كان سياق الكلام أو الآية في العمل يقدّم العمل وإذا لم يكن السياق في العمل أو إذا كان الكلام على الله سبحانه وتعالى وصفاته يقدّم صفته. من باب تقديم العمل على البصر: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) البقرة) بهذا العمل بصير، إذا كان السياق عن العمل يقدم العمل على البصر وإذا كان الكلام ليس في السياق عن العمل أو الكلام على الله تعالى وصفاته يقدم صفته. ((1/88)
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) البقرة) هذا إنفاق، (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) البقرة) (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) البقرة) (وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) هود) (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) هود) الكلام على العمل فقدم العمل (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) سبأ) قدم العمل، (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ(1/89)
بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت) هذا في القرآن كله إذا كان الكلام ليس على العمل أو على الله تعالى (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) البقرة) ليس فيها عمل، (وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) المائدة) لا يوجد عمل، (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) الحجرات) يتكلم عن الله تعالى فيقدم صفة من صفات الله تعالى.(1/90)
هذا في العِلم والخبرة والعمل وليس فقط في العلم والبصر وهذا خط عام في القرآن. (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة) هذا عمل فقدم العمل على الخبرة، (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) الحديد) الإنفاق عمل فقدم العمل، (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) البقرة) هذا عمل فقدم العمل. بصير وخبير تستعمل بحسب السياق. (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل) ليس في الآية عمل فقدم الخبرة لأن الكلام ليس على عمل الإنسان ولكن على صنع الله الذي أتقن كل شيء.
آية (119):(1/91)
* (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) حكمة الخلق للعبادة خلق الجن والإنس للعبادة وفي آية أخرى نجد أن حكمة الخلق لسبب آخر (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ (119) هود) لام لذلك أي لأجل الإختلاف خلقهم، اختلفت حكمة الخلق فكيف يمكن أن نفسر الآيتين ونعطي لكلتا الآيتين معناها الخاص ونفهمها؟ كيف نفهم عملية الخلق والغرض منها؟ (د.فاضل السامرائى)(1/92)
الغرض هو العبادة ربنا حصر الغرض من الخلق بالعبادة ثم إرسال الرسل ثم (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) ذكر أنه خلقهم مختلفين في العبادة منهم ضالّ ومنهم مهتدي (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) أمة هدى أو أمة ضلال كما يشاء لو شاء أن يجعلهم أمة واحدة أمة ضلال أو أمة هدى (أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا (31) الرعد) لكن ربنا ما شاء ذلك فإذن سيكونون مختلفين منهم ضال ومنهم مهتدي ولذلك خلقهم ليسوا أمة واحدة، هكذا خلقهم على هذه الشاكلة منهم ضال ومنهم مهتدي، التكليف من اهتدى وعبد الله وأطاعه فله جزاء الجنة ومن عصاه فله النار. ربنا سبحانه لو شاء أن يجعل الناس أمة واحدة أمة هدى أو أمة ضلال لفعل (أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا) لكن هو لم يشأ ذلك فإذن سيبقون مختلفين منهم ضال ومنهم مهتدي ولذلك خلقهم مختلفين لم يخلقهم ليجعلهم أمة واحدة ، خلقهم ليعبدوه، (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) الشمس) هذا تكليف (مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26) البقرة) الله تعالى لا يجبر الخلق على شيء معين وإنما ربنا يحاسب الخلق إن أطاعوه دخلوا الجنة وإن عصوه دخلوا النار.
آية (120):
* ما الفرق بين النبأ والخبر؟ولماذ ا جاءت (أنباء الرسل)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/93)
النبأ كما يقول أهل اللغة أهم من الخبر وأعظم منه وفيه فائدة مهمة (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النمل) وفي القرآن النبأ أهم من الخبر (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) ص) (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) النبأ). والنبأ في اللغة هو الظهور وقد استعمل القرآن الكريم كلمة خبر مفردة في موطنين في قصة موسى - عليه السلام - (قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) القصص) (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) النمل) وهناك فرق بين الخبر والنبأ العظيم. وفي أخبار الماضين والرسل استعمل القرآن نبأ (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود).
****تناسب مفتتح هود مع خاتمتها****(1/94)
سورة هود تبدأ بقوله (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)) وفي الآخر قال (فاعبده وتوكل عليه) أولها وآخرها عبادة، (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)) هذا من الكتاب الذي احكمت آياته، ألا تعبدوا إلا الله (عام) ثم التفت فقال (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)). ذكر له الكتاب وأنباء الرسل (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ) فاعبده وتوكل عليه إذن هناك ارتباط بالأول وارتباط بالآية قبلها.
*****تناسب خواتيم هود مع فواتح يوسف*****(1/95)
في خواتيم سورة هود قال تعالى(وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)) وقال في أوائل يوسف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3))، (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) أثبت أن الله تعالى يقصّ على الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سورة هود لكنه أثبت صفة أنه أحسن القصص في يوسف. قال (وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)) وقال في يوسف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ). قال في خاتمة هود (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)) ربنا ليس غافلاً عما فعله إخوة يوسف بيوسف.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة هود للدكتور فاضل السامرائي والدكتور حسام النعيمى والدكتور أحمد الكبيسى وغيرهم وقامت بنشرها أختنا سمر الأرناؤوط على موقعها إسلاميات جزاهم الله عنى وعن المسلمين خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة.(1/96)
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/97)
سورة يوسف
تناسبها مع خواتيم هود ... آية (18) ... آية (37) ... آية (70) ... آية (96)
هدف السورة ... آية (20) ... آية (38) ... آية (72) ... آية (97)
أسئلة عامة ... آية (21) ... آية (40) ... آية (73) ... آية (98)
آية (2) ... آية (22) ... آية (42) ... آية (75) ... آية (100)
آية (3) ... آية (23) ... آية (43) ... آية (80) ... آية (102)
آية (4) ... آية (24) ... آية (45) ... آية (81) ... آية (104)
آية (6) ... آية (25) ... آية (47) ... آية (84) ... آية (108)
آية (10) ... آية (26) ... آية (51) ... آية (85) ... آية (109)
آية (11) ... آية (29) ... آية (62) ... آية (88) ... آية (110)
آية (14) ... آية (30) ... آية (63) ... آية (90) ... تناسب أولها مع آخرها
آية (15) ... آية (31) ... آية (64) ... آية (91) ... تناسبها مع فواتح الرعد
آية (16) ... آية (32) ... آية (67) ... آية (92)
آية (17) ... آية (36) ... آية (68) ... آية (93)
*تناسب خواتيم هود مع فواتح يوسف*
في خواتيم سورة هود قال تعالى(وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)) وقال في أوائل يوسف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3))، (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) أثبت أن الله تعالى يقصّ على الرسول في سورة هود لكنه أثبت صفة أنه أحسن القصص في يوسف. قال (وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)) وقال في يوسف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ). قال في خاتمة هود (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)) ربنا ليس غافلاً عما فعله إخوة يوسف بيوسف.
**هدف السورة: الثقة بتدبير الله (إصبر ولا تيأس)**(1/1)
سورة يوسف هي إحدى السور المكية التي تناولت قصص الأنبياء باسهاب وإطناب دلالة على إعجاز القرآن في المجمل والمفصّل وفي الإيجاز والإطناب (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) آية 111 . وقد أفردت الحديث عن قصة نبي الله يوسف بن يعقوب وما لاقاه من أنواع البلاء ومن ضروب المحن والشدائد من إخوته والآخرين في بيت عزيز مصر والسجن وفي تآمر النسوة حتى نجّاه الله تعالى. والمقصود بهذه السورة التسرية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما مرّ به من أذى ومن محن في عام الحزن وما لاقاه من أذى القريب والبعيد فأراد الله تعالى أن يقص عليه قصة أخيه يوسف وما لاقاه هو في حياته وكيف أن الله تعالى فرّج عنه في النهاية لأنه وثق بتدبير الله تعالى ولم ييأس لا هو ولا أبوه يعقوب. ونلاحظ أن سورة يوسف تناولت قصة يوسف الإنسان وليس يوسف النبي إنما جاء ذكره كنبي في سورة غافر لذا فقصته في سورة يوسف لها ملامح إنسانية تنطبق على يوسف وقد نتطبق على أي من البشر. وقصة يوسف تمثل قصة نجاح في الدنيا (أصبح عزيز مصر) وقصة نجاح في الآخرة أيضاً (وقوفه أمام إغراءات امرأة العزيز رغم كل الظروف المحيطة به خوفاً من الله عزّ وجلّ).(1/2)
وقد اشتملت قصة يوسف على كل عناصر القصة الأدبية واشتملت على الكثير من المشاهد التصويرية بحيث تجعل القارئ يرى فعلا ما حدث وكأنه ماثل أمام ناظريه. وللسورة أسلوب فذ فريد في ألفاظها وتعبيرها وأدائها وفي قصصها الممتع اللطيف وتسري مع النفس سريان الدم في العروق وجريان الروح في الجسد ومع أن السور المكية تحمل في الغالب طابع الإنذار والتهديد إلا أن سورة يوسف اختلفت عن هذا الأسلوب فجاءت ندّية في أسلوب ممتع رقيق يحمل جو الأنس والرحمة وقد قال عطاء: "لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها" وقال خالد بن معدان: "سورة يوسف ومريم مما يتفكّه به أهل الجنة في الجنة". ولقد ابتدأت السورة بحلم (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) آية 4 وانتهت بتفسير الحلم (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) آية .100
وتسير أحداث القصة بشكل مدهش فالأصل أن يكون محبة الأب لابنه شيء جميل لكن مع يوسف تحول هذا الحب لأن جعله إخوته في البئر، ثم إن الوجود في البئر أمر سيء لكن الله تعالى ينجي يوسف بأن التقطه بعض السيّارة ثم كونه في بيت عزيز مصر كان من المفروض أن يكون أمراً حسناً لولا ما همّت به امرأة العزيز، ثم السجن يبدو سيئاً لكن الله تعالى ينجيه منه ويجعله على خزائن الأرض ثم يصبح عزيز مصر وكأن الرسم البياني للسورة يسير على النحو التالي:
بيت الأب قصر العزيز عزيز مصر
البئر السجن(1/3)
وقد أسهبت السورة في ذكر صبر يوسف على محنته بدءاً من حسد إخوته له وكيدهم ثم رميه في الجبّ ومحنة تعلق إمرأة العزيز به ومراودته عن نفسه ثم محنة السجن بعد الرغد الذي عاشه في بيت العزيز ولمّا صبر على الأذى في سبيل العقيدة وصبر على الضر والبلاء نقله الله تعالى من السجن إلى القصر وجعله عزيز مصر وملّكه خزائن الأرض وجعله السيد المطاع والعزيز المكرم . وهكذا يفعل الله تعالى بأوليائه ومن يصبر على البلاء فلا بد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي بمن سبقه من المرسلين ويوطّد نفسه على تحمل البلاء (فاصبر كما صبر أولي العزم من الرسل). وكأنما قصة يوسف مشابهة نوعاً ما لما حصل مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيوسف لاقى الأذى من إخوته والرسول - صلى الله عليه وسلم - لاقاه من أقرب الناس إليه من أقاربه وعشيرته ويوسف هاجر من بلده إلى مصر وفيها أكرمه الله بجعله عزيز مصر وفي هذا إشارة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بهجرته إلى المدينة سيكون له النصرة والمنعة ويحقق الله تعالى له النصر على من آذوه وأخرجوه من مكة. وقد تحدثت الآيات كثيراً عن عدم اليأس في سورة يوسف فالأمل والصبر موجودان دائماً للمؤمن مهما بلغت به المحن والبلايا (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) آية 87 وآية 110 (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).(1/4)
ولننظر إلى قمة التواضع عند يوسف - عليه السلام - فبعد كل ما أعطاه الله تعالى إياه من ملك مصر وجمعه بإهله جميعاً ماذا طلب من ربه بعد هذا كله؟ قال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) آية 101، فيا لتواضعه - عليه السلام - .
ملاحظة: في سورة هود كلها حكيم قبل عليم وفي سورة يوسف كلها عليم قبل حكيم.
***من اللمسات البيانية فى سورة يوسف***
*لماذا جاءت سورة يوسف واحدة؟ (د.فاضل السامرائى)
هم سألوه عنها تحديداً وكأنما كان اختيار، ذهب أناس من الشام إلى مصر ما الغرض من ذلك؟ كان سؤالاً عاماً ثم ذكر أن هذا مما أوحاه الله تعالى إليه وكأنما نزلت الإجابة على سؤالهم (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) يوسف). كما سألوه في أصحاب الكهف، سأل قريش اليهود في هذ الرجل الذي ظهر كيف نعرف صدقه من كذبه فذكروا لهم أسئلة يسألونه فإن أجابهم عنها فهو نبي وإلا فهو يدّعي، فسألوه عن فتية ذهبوا في الزمان القديم وما كان من أمرهم؟ وعن رجل طواف طاف الدنيا ما كان من شأنه؟ وعن الروح؟ فهذه من دلائل الرجل الأمي. وفي قصة نوح قال (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) هود) من علّمهم؟ لو كان قومه علموه لقالوا نحن نعلم إذن من أين جاء بها؟ من الله سبحانه وتعالى.
آية (2):(1/5)
*ما الفرق بين أنزلناه (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف) وجعلناه (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف)؟
د.فاضل السامرائى:
في سورة يوسف ذكر ما يتعلق بالإنزال، قال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)) هذا إنزال، (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) أنزل هذا الخبر، أنزل هذه القصة لأنها كانت مجهولة عند العرب أصلاً لذلك رب العالمين عقّب عليها (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (102) وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) ما كان معلوماً وقد أُثير سؤال (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7)) وكان سؤال اليهود: ما الذي أحلّ بني إسرائيل مصر؟ هذا سؤالهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا إختبار وهم يعلمون أنه - صلى الله عليه وسلم - أميّ ليس عنده علم بالتوراة فسألوه وهو في مكة لكن بعثوا من يسأله من باب التحدي "ما الذي أحلّ بني إسرائيل مصر؟" فتنزل سورة كاملة للإجابة على التحدي فيبيّن لليهود أنه - صلى الله عليه وسلم - يعلم دقائق الأمور وفصّلها أوفى مما في التوراة. ليس هذا فقط وإنما إختار عبارات إعجازية ليست في التوراة وحتى لو كان مطلعاً على التوراة وحفظها لكان ما ذكره في القرآن أوفى. التوراة لم تذكر العزيز أبداً وإنما تذكر رئيس الشُرَط أو تذكر إسمه. القرآن سماه العزيز ثم عرفنا مؤخراً أن هذه أدق ترجمة لما كان يُطلق على صاحب هذا المنصب في ذلك الوقت. كان يسمى "عزيز الإله شمس" إسم صاحب هذا المنصب مؤخراً عرفناه، ربنا لم يقل "عزيز إله شمس" لأن هذا يكون إقراراً بأن الشمس إله.(1/6)
فأدق ترجمة بما يتناسب مع العقيدة الإسلامية (العزيز) التوراة ليس فيها العزيز. من أعلَم هذا الرجل الأميّ بهذه التسمية؟ التوراة تذكر دائماً موسى وفرعون والقرآن لم يذكر فرعون مع قصة يوسف وإنما يذكر الملك مع يوسف ثم عرفنا فيما بعد (من حجر رشيد) وعرفنا أن الملوك في مصر قسمان: قسم إذا كان من أصل مصري يسموه فرعون وإذا كان من الهكسوس يسموه ملك فهو ملك وليس فرعون والذي كان في زمن يوسف كان من الهكسوس فسمي ملك فهو الملك وليس فرعون. في زمن موسى - عليه السلام - كان الملك مصرياً فسمي فرعون. القرآن يذكر في كل مكان لا يذكر (سيدها) بمعنى الزوج إلا في قصة يوسف قال (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ (25)) بمعنى زوجها. ليس في القرآن (سيدها) بمعنى زوجها وعرفنا فيما بعد أن (سيدها) كان يستعملها الأقباط للرجال والبعول وقرأت في الكتب أن كلمة (سيدها) ليست عربية وإنما هي قبطية، إستعمالها للزوج لا تستعملها العرب وإنما هي من كلام الأقباط بمعنى بعل أو زوج. نحن عندنا ساد يسود، لكن (سيدها) بهذه الدلالة لا تستخدمها العرب وإنما تستخدم الزوج والبعل. قال تعالى في قصة يوسف (سيدها) ولم يقل في مكان آخر (سيدها). الله تعالى تحداهم بمعلومات لم تكتشف إلا فيما بعد، ذكر القصة بكل دقائقها ثم ذكر أموراً، هذه أنزلناه.
((1/7)
جعلناه): لم يذكر أموراً تتعلق بالإنزال، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) الزخرف) (أُمّ الكتاب) أين؟ في السماء، (لدينا) أين؟ عند الله عز وجل، (لعلي حكيم) أين؟ في العلو، إذن هذا ليس إنزالاً. ما يتعلق بالإنزال لأنه يتكلم وهو في السماء، في العلوّ، في الارتفاع قبل النزول: (أمّ الكتاب) أي اللوح المحفوظ، (لدينا) أي عند الله، (لعلي حكيم) مرتفع فيه سمو، فكيف يقول إنزال؟. أما الآية الأخرى فإنزال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) الوحي إنزال. (لدينا) ليست إنزالاً، أمّ الكتاب ليست إنزالاً فتحتاج لـ (جعلناه) وليس أنزلناه. نسأل: أيّ الأنسب أنه في مقام الإنزال يستعمل أنزلناه أو جعلناه؟ الأنسب أن يستعمل أنزلناه وفي مقام عدم الإنزال يستعمل (جعلناه). نضع الإنزال مع الوحي والإنزال (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ما كنت تعلمها أنت وقومك) يعني أنزلها إليك، هذه لا علاقة لها بأم الكتاب ولدينا وكلها إنزال.
هل العرب كانت تفهم وضع كلمة في مكانها هكذا وتعلم أن كل كلمة عاشقة لمكانها؟ البلغاء يعلمون ويعرفون في مظانّ الكلام ما لا نعرفه نحن إلا فيما يتعلق بالأمور العلمية التي استجدت فيما بعد هذه لا يعلمونها لكن فيما عدا ذلك يعلمون من مرامي الكلام ما لا نعلمه نحن ولذلك عندما تحداهم بسورة والسورة قد تكون قصيرة جداً لم يأتوا بشيء، لم يتحداهم بآية لأن الآية قد تكون كلمة (ألم) و(مدهامتان) آية، لكن تحداهم بسورة أو بما هو مقدار السورة. كل تعبير في القرآن بمقدار (إنا أعطيناك الكوثر) فهو معجز. أقصر سورة الكوثر هذه معجزة لأنه تحداهم بها أو الإخلاص. فأي كلام في القرآن بمقدار هذ فهو معجز.(1/8)
د.أحمد الكبيسى:
(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا {2} يوسف) وأخرى تقول (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا {3} الزخرف).نتكلم عن جعلناه هذا الكلام كلام الله، القرآن كلام الله ليس هناك شك في هذا لكن هذا الكلام هو الذي خرج من الله بالضبط؟ لا طبعاً هذا لو هذا الكلام الذي نقرأه هو الذي خرج من الله بالضبط لما استطاع منا أحداً أن يقرأه إلا وصُعِق. لكن رب العالمين كلامه الذاتي الذي لا يمكن لنا أن نسمعه رب العالمين إكراماً لنا رحمةً بنا غيّر صيرورته ولغته وصار عربياً لماذا؟ العربي (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} الإخلاص) هذا بحاجة إلى لسان إلى شفتين إلى حلق ميم شفتان لام حاء حلق وهكذا رب العالمين ما عنده لا شفتين ولا حلق ولا لسان (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {11} الشورى). وحينئذٍ رب العالمين كلامه الصحيح جعله قرآناً عربياً هذا هو الفرق بين جعله ثم أنزله بهذا إلى اللوح المحفوظ. إذن رب العالمين عز وجل قال (جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا) وبعد أن جعلناه قرآناً عربياً أنزلناه هكذا إلى اللوح المحفوظ حتى نقله جبريل من اللوح المحفوظ شيئاً فشيئاً بالتنزيل بالتنزيل على حسب الوقائع وهذا جداً منطقي. ورب العالمين قال (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قال هذا اللفظ؟ أولاً الله يعرف عربي الشيء الثاني لغته عربية؟ ألا يعرف لغة أخرى! ثم عنده قاف ولام وحنجرة هذا بشر والله قال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). هذا الفرق بين أنزلناه وجعلناه.
*ما خصوصية استعمال القرآن لكلمة القرآن والفرقان (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف) وفي الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان)؟(د.فاضل السامرائى)(1/9)
الفرقان هو الفارق بين الحق والباطل والتوراة يسمى فرقاناً والقرآن يسمى فرقاناً والكتب السماوية فرقان. والله تعالى يقول (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) البقرة) البعض يقول الفرقان هي المعجزات، الكتاب التوراة والفرقان المعجزات وإما قالوا الكتاب والفرقان يقصد التوراة نفسها. نقول هذا أبو حفص وعمر، (فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) طه) الظلم هو الهضم. هذا الأصل وليس القاعدة المطلقة. يقولون الكتاب والفرقان الكتاب التوراة والفرقان المعجزات ويقولون الكتاب والفرقان هو نفس الكتاب التوراة وأضاف ذكر كلمة الفرقان كون هذا الكتاب فرقان، أضاف شيئاً آخر لكلمة الكتاب. (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان) القرآن، (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً (29) الأنفال) هم مؤمنون يجعل لكم فرقاناً وعندها ستميز بين الحق والباطل وتعرف ما يصح وما لا يصح "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب. القرآن هو الإسم العلم على الكتاب الذي أنزل على مجمد - صلى الله عليه وسلم - واسم الكتاب الذي أنزل على محمد القرآن وهذا القرآن فرق بين الحق والباطل إذن القرآن فرقان والإنجيل فرقان والتوراة فرقان والمعجزات فرقان تفرق بين الحق والباطل. (وقرآناً فرقناه) هذا يعني منجّماً.
*هل توجد في القرآن كلمات غير عربية؟ وإذا وجدت كلمات غير عربية فكيف نفسر قوله تعالى (قرآناً عربياً)؟(د.فاضل السامرائى)(1/10)
الكلمات التي وردت في القرآن دخلت العربية قبل نزول القرآن وصارت عربية في التعبير، العرب استعملوها. ولا شك أنه ليس كل شيء موجود في الجزيرة العربية، هل كل النباتات موجودة في الجزيرة العربية؟ كل الفواكه؟ كل الألبسة؟ قطعاً لا. وقطعاً لما يصير اتصال في التجارة تدخل مفردات وكلمات وتقارب اللغات يعني تقترب لغة من لغة هذه ليس عندها مثل هذه فتستعمل الكلمات وتدخل لغتها. إذا كان هناك حروف ليست من حروفها تحاول أن تجعل لها حروفاً من حروف اللغة وتدخلها في كلماتها. الكلمات التي في أصولها غير عربية دخلت العربية واستعملها العرب قبل الإسلام بزمن طويل ودخلت في لغاتهم وأعربوها وخضعت للقواعد وأصبحت عربية في الاستعمال ولا نعلم أصولها وقد تكون أصولها غير عربية لكنها الآن أصبحت عربية، قد تكون غير عربية وليست موجودة في الجزيرة العربية مثل سندس واستبرق، العرب لم يكن عندهم مصانع ليستخدموا سندس واستبرق وليس عندهم جميع الأطعمة والفواكه. جميع الكلمات في القرآن عربية الاستعمال قطعاً، القرآن لم يأت بكلمة أعجمية ابتداءً وأدخلها في القرآن. لو أردنا أن نرجع للكلمات الدخيلة الذي يذكرها أهل علوم القرآن نجدها كثيرة لكنها كلها دخلت قبل الإسلام والعرب فهمت هذه الكلمات وكانت تستخدمها في لغتها وفي حياتها فأصبحت عربية الاستعمال. الكلمات الأعجمية أوزانها ليست كأوزان العرب أو تجتمع فيها حروف الدال والزاي مثلاً يضعون لها ضوابط للكلمات غير العربية الأصيلة مثلاً كلمة (مهندز) لا تجتمع الدال والزاي، يضعون بعض الضوابط: اجتماع حروف ليس من طبيعة اللغة أن تجتمع في كلامهم فيقولون ليست عربية أو أوزانها. جميع الكلمات الواردة في القرآن الكريم دخلت في لسان العرب قبل الإسلام ودخلت في كلامهم وأعربوها وأصبحت عربية في الاستعمال.
آية (3):
*(وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) عن ماذا؟(د.فاضل السامرائى)(1/11)
غافلون عن الدين الحق، ربنا تعالى قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) هذا قبل أن تأتيه النبوة الغفلة عن الحق وعن الطريق المستقيم ليس كوصف عام لأن هذا هو المقصود ما يتعلق بالشريعة الحقة الطريق المستقيم الذي يريده ربنا، من أين يعلم هذا الشيء؟
آية (4):
*لماذا عبّر عن إخوة يوسف بالكواكب في قوله تعالى (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف)؟(د.حسام النعيمى)(1/12)
موضوع الرؤى قد يطول الكلام فيه لكنه بصورة موجزة هو عالم آخر غير عالم الشهادة يدخل في عالم الغيب يمكن أن يكون بينه وبين عالم الشهادة نوع من الإرتباط أو الصلة أحياناً كأن يكون الإنسان يفكر في شيء ثم يراه . لكن في كثير من الأحيان هو يرى أشياء قد لا تكون خطرت له على بال والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل أصحابه بين حين وآخر: من رأى رؤيا فأعبّرها له؟ يعني أأوّلها أذكر تأويلها وتأويلات الرؤى هي لا شك نتيجة تراكم خبرات عند الناس أنه كلما يرى هذا المشهد أو هذه الصورة يتحقق عنده الشيء الفلاني قيكون هناك ربط ومن الناس من ألّف في هذا. قد تكون الرؤيا علامة تنبيه للشخص قد يكون بسبب استمرار تفكيره في قضية وعينة يعني هذه مسألة غير خاضعة للجانب المادء المحض. ونحن عندنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما رأى كما في الحديث الذي ورد في مسلم وبعض كتب السُنّة أنه رأى أنه أُلبِس سوارين من ذهب فكرهتهما كيف ألبس الذهب؟ فقيل لي انفخهما فنفختهما فطارا. والسوار هو قيد فقيل: ما أوّلت هذا يا رسول الله؟ قال: أوّلتهما بهذين الكذابين (مسيلمة الكذاب والأسود العنسي) كانا مع الإسلام أشبه بطوق ثم نُفِخا. الرائي يوسف - عليه السلام - وهو صغير رأى شيئاً، هذا الشيء تمثّله أنه شمس وقمر وكواكب يعني كان نظره إلى السماء. الشمس والقمرأُوّلتا بالأب والأم فشيء طبيعي أنه لما يكون شمس وقمر أن يكون الإخوة كواكب. لكن كيف رآهم ساجدين؟ هل السجود هنا بمعنى الخضوع؟ يعني هل رأى صورة الشمس والقمر أسفل من جلسته هو كأن يكون جالساً في مكان عال ويكونون تحت مستوى رجليه؟ أو رآهم على شكل هيئة أناس لكن تمثّلهم بالكواكب والشمس والقمر؟ هذا في الحقيقة لم يتبيّن لنا وأي جزئية في كتاب الله عز وجل تتحدث عن قضية غيبية لم تُتبيّن الخوض فيها من كدّ الذهن في ما لا ثمرة من ورائه.(1/13)
وهذا أصل من أصول الفكر الإسلامي أن القضية الغيبية إذا حدّثنا عنها القرآن نتحدث فيها بالمقدار الذي حدّثنا عنه القرآن أكثر من ذلك يكون نوعاً من التهويمات ونُدخل الناس في خلافات لا ثمرة من ورائها ولا طائل وراءها. فإذن هذا نوع من التصور: هو (يوسف - عليه السلام - ) تصوّر ثم أُوّلت لأنه قال (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) لأنه لما جاءوا خضعوا له وهو كان في موطن مسؤولية وجاء أبواه وإخوته فأعلنوا الخضوع (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا). هل كان في دينهم يجوز السجود للملك أو هل أُشير بالسجود إلى معنى الخضوع وإعلان الطاعة والتبعية؟ هذا كله ممكن.
تكرار (إذ) في الآيات هل تفيد أن الحديث بين يعقوب وبنيه كان طويلاً؟
(إذ) لما تأتي كأنه تكون هناك كلمة محذوفة يعني: أُذكر يا محمد. الخطاب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - . كما في قوله تعالى (وإذ نادى ربك موسى) يعني أُذكر إذ نادى ربك موسى.
*لِمّ عبّر الله تعالى عن الإخوة في رؤيا يوسف بالكواكب دون النجوم (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف)؟ ولِمَ قدّم الكواكب على الشمس والقمر مع أن المعهود أن يؤخرهما (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ (12) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)(1/14)
الكواكب توابع للنجوم هي ليست كالنجوم. إخوة يوسف توابع لأبيهم إذن هو أنسب تسمية هي الكواكب لأنهم ليسوا مستقلين. قال (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) الشمس والقمر أوبه وأمه. أيّ الأولى بتعظيم الإبن الأب يسجد للإبن أو الإخوة يسجدون؟ الإخوة فأخر الشمس والقمر لأن هؤلاء أولى بالسجود والتعظيم وليس الوالدين لذا لا يناسب تقديم الشمس والقمر أن يسجدوا لابنهم، في المعتاد أن الإبن يعظّم الأب والذي حصل أنه قدم المستحق بالتعظيم وهي الكواكب وألحق بهم الأب والأم (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا (100)) لم يقل والديه لأن القرآن يتسعمل الوالدين والأبوين. ربنا سبحانه وتعالى لم يستعمل البر والإحسان والدعاء إلا للوالدين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح) استعمل البر والاحسان للفظ الوالدين وليس للفظ الأبوين. الوالدان للوالد والوالدة والأبوان للأب والأم. الوالدان هي تثنية الوالد والولادة الحقيقية للأم وليس للأب الأب ليس والداً لأنها هي التي تلد والأبوان تثينة الأب، من الأحق بحسن الصحبة الأب أو الأم؟ الأم، فقدّم الوالدين إشارة إلى الولادة ولذلك بالميراث يقول (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ (11) النساء) لأن الأب له النصيب الأعلى في الميراث. لذلك لما قال (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) لسببين أولاً إكراماً للأم ما قال والديه إكراماً للأم يجعلها تابعة لأن الوالدين يصير الوالدة هي التي تسجد بينما هي أكرم من الأب والأمر الآخر أن الأب أحق بالعرش فقُدِّم.
آية (6):(1/15)
*(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام) في سورة هود وفي يوسف (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)) فما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)
إذا كان السياق في العلم وما يقتضي العلم يقدم العلم وإلا يقدم الحكمة، إذا كان الأمر في التشريع أو في الجزاء يقدم الحكمة وإذا كان في العلم يقدم العلم. حتى تتوضح المسألة (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) البقرة) السياق في العلم فقدّم العلم، (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) النساء) هذا تبيين معناه هذا علم، (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) يوسف) فيها علم فقدم عليم.
نأتي للجزاء، الجزاء حكمة وحكم يعني من الذي يجازي ويعاقب؟ هو الحاكم، تقدير الجزاء حكمة (قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ (128) الأنعام) هذا جزاء، هذا حاكم يحكم تقدير الجزاء والحكم قدم الحكمة، وليس بالضرورة أن يكون العالم حاكماً ليس كل عالم حاكم. (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ (139) الأنعام) هذا تشريع والتشريه حاكم فمن الذي يشرع ويجازي؟ الله تعالى هو الذي يجازي وهو الذي يشرع .لما يكون السياق في العلم يقدّم العلم ولما لا يكون السياق في العلم يقدّم الحكمة.(1/16)
*لماذا لا يُذكر سيدنا اسماعيل مع ابراهيم واسحق ويعقوب في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً توجد في القرآن مواطن ذُكر فيها ابراهيم واسماعيل ولم يُذكر اسحق وهناك 6 مواطن ذُكر فيها ابراهيم واسماعيل واسحق وهي:(133)(136)(140) البقرة (84) آل عمران (39) ابراهيم (163) النساء
وكل موطن ذُكر فيه اسحق ذُكر فيه اسماعيل بعده بقليل أومعه مثل قوله تعالى (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) و(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)) مريم) إلا في موطن واحد في سورة العنكبوت (27)).
وفي قصة يوسف - عليه السلام - لا يصح أن يُذكر فيها اسماعيل لأن يوسف من ذرية اسحق وليس من ذرية اسماعيل (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)) (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)) .
وقد ذُكر اسماعيل مرتين في القرآن بدون أن يُذكر اسحق في سورة البقرة (125) (127) لأن اسحق ليس له علاقة بهذه القصة أصلاً وهي رفع القواعد من البيت.
آية (10):
* ما معنى غيابة الجب (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ (10) يوسف)؟ وهل هي من الغياب؟(د.فاضل السامرائى)(1/17)
يقولون إما قعر الجُبّ أي نهايته ثم غيبته عن عين الناظر. قسم يقولون هو كهف في الجب ويسمى غيابة لأنه غائب عن عين الناظر. عندنا بئر وجُبّ وقليب. الجُبّ يعني البئر الذي فيه الماء كما توضح الآية (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ (19) يوسف) تفيد أن الجب فيه ماء. ألقوه في مكان لا يراه أحد. البئر قد يكون فيها ماء وقد لا يكون كما قال تعالى (وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ (45) الحج).
آية (11):
* كيف تقرأ (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ (11) يوسف)؟ وهل عرفت القبائل هذه القراءة بهذه الطريقة؟(د.فاضل السامرائى)
الوارد فيها إما الإشمام أن تشم الحركة وهذه لا تتبين في النطق وإنما في النظر لا تُسمع وإنما هي ضم الشفتين لا تظهر بالنطق إشمام الكسرة ضمة أو الضمة كسرة . هذه قراءة وقراءة بالإدغام الكامل من دون إشمام أو مع تحريك الشفتين ضم الشفتين وانفراج ما بينهما مهذه لا تسمع وإنما تتبين من حركة الشَفَة وكلتاهما واردة لأن الذين قرأوا بهذه وهم من القُرّاء السبع.(1/18)
جاءت من فعل أمِن يأمن. الأصل أن يقال لا تأمَنُنا، تأمن (النون مرفوعة) والنون في (نا) نون المتكلم مفعول به والفاعل أنت، هذا هو الأصل. وفي غير القرآن نقول تأمننا. القرآءة التي وردت عندنا قراءتين: إدغام النون في النون فصارت تأمنّا، فيها قراءتان إما الإشمام وإما من دون إشمام إدغام والقراءة سُنة متبعة. والعرب قد تدغم الفعل وهذا سماعي لأنه عندنا إدغام واجب قياسي. هي وردت وقرئت بالإدغام، النون ليس فيها فتح وإنما ساكنة (تأمنْا) و(نا) مفتوحة مع الألف ونكتبها مع شدّة. النحاة يقولون قبل الألف هي فتحة دائمة وهذه قاعدة عند العرب وخاصة عند المتقدمين. أيّ ألف لا يمكن أن يكون قبلها من الحركات إلا فتحة وإن كان المحدثين يقولون هي واحدة وليس قبلها شيء لكن المتقدمين يقولون لا بد أن يكون قبلها فتحة قطعاً ولا يمكن أن يكون قبلها حركة. أي ألف في أي كلمة لا يمكن أن يكون ما قبلها إلا مفتوحاً إذن في (تأمنا) لا بد من الفتحة في النون قبل الألف.
آية (14):
في سورة يوسف قال تعالى (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ (14)) ويقال في اللغة افترسه الذئب فما دلالة استخدام أكله في الآية؟(د.فاضل السامرائى)
معنى افترس ليس معنى أكل. إفترس يعني دقّ عنقه وكسره والافتراس أصلاً معناه الكسر ودق العنق ليس معناه الأكل أصلاً في اللغة. وفي اللغة الفرس والافتراس معناه الكسر وليس الأكل وهو مقدمة للأكل. افترسه دق عنقه وكسره هذا في اللغة فإذا افترسه ليس شرطاً أنه أكله ومحتمل أن يُنقذ منه لكن في الآية ذكر الأمر النهائي أنه أكله، افترس ليس معناه أنه أكل كل كلمة لها دلالة. لذا قال أكله لأنه لم يفترسه فالدلالة مختلفة تماماً.
آية (15):
*ما دلالة استخدام كلمة (يشعرون) في سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)(1/19)
قال تعالى في سورة يوسف ( فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ {15}) باستخدام كلمة يشعرون وليس يعلمون لأنه أحياناً يعتري الإنسان شعور بشيء لكن ليس له علم به. وبالنسبة لإخوة يوسف لم ينتابهم الشعور بالقرابة أو المعرفة لذا نفى الله تعالى عنهم الشعور لأن نفي العلم لا ينفي الشعور أما نفي الشعور فينفي العلم وهم لم ينتابهم شعور مطلقاً.
آية (16):
*ما الفرق بين أتى وجاء ؟(د.فاضل السامرائى)
القرآن الكريم يستعمل أتى لما هو أيسر من جاء، يعني المجيء فيه صعوبة بالنسبة لأتى ولذلك يكاد يكون هذا طابع عام في القرآن الكريم ولذلك لم يأت فعل جاء بالمضارع ولا فعل الأمر ولا إسم الفاعل. المجيء صعب. قال (فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) عبس) شديدة، (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) النصر) هذا أمر عظيم هذا نصر لا يأتي بسهولة وإنما حروب ومعارك، إذن الإتيان والمجيء بمعنى لكن الإتيان فيه سهولة ويسر أما المجيء ففيه صعوبة وشدة ويقولون السيل المار على وجهه يقال له أتيّ مرّ هكذا يأتي بدون حواجز لأنه سهل. (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ (17) النمل) ليس هنا حرب، (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) يوسف) هذه فيها قتل. إذن هنالك فروق دلالية بين جميع كلمات العربية سوءا علمناها أو لم نعلمها. رأي الكثيرين من اللغويين قالوا ليس هناك ترادف في القرآن إلا إذا كانت أكثر من لغة (مثل مدية وسكين) ولا بد أن يكون هناك فارق.
*ما معنى عشاءً؟ (د.فاضل السامرائى)(1/20)
هذا ما قرره النحاة سيبويه وغيره عندما تقول ليلاً أو صباحاً أو جئت صباحاً هذا يعني إما في يومك أو في يوم بعينه. جئت صباحاً تتكلم عن يوم يعني اليوم، تتكلم مثلاً عن يوم مثلاً الجمعة تقول جئت صباحاً، أو إذا قلت جئت ليلاً يعني ليلتك هذه. لكن جئت في ليل أو في صباح تعني أيّ ليل أو أيّ صباح، هذه قاعدة مقررة في النحو. (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) يوسف) يعني عشاء ذلك اليوم الذي خرجوا فيه. إذن لما أقول أُخرج ليلاً يعني هذا اليوم الذي أكلمك الآن فيه، ليلاً وصباحاً ومساءً هذه مقررة، إذا أردت مساء ليلتك أو مساء يوم بعينه أو ليل يومك أو ليلة بعينها هذا كله يدخل فيه.
آية (17):
*(فأكله الذئب) لماذا لم يقل أفترسه؟(د.فاضل السامرائى)
لأن هذا عادة الذئب الإفتراس والإفتراس يُفترض أن يمزّق ثيابه كلها وإخوة يوسف جاءوا على قميصه بدم كذب فدلّ ذلك على أن الذئب لم يفترسه لذا جاء فعل (فأكله).
*ما معنى (مؤمن لنا) ؟(د.فاضل السامرائى)
هذا سؤال نحوي: آمن له أي استجاب له وآمن له تستعمل للأشخاص. (آمنوا به) ليس للشخص وإنما لله تعالى. آمن له أي استجاب له والقرآن يستعملها في الأشخاص (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) يوسف) وفي الله والعقيدة يستعمل الباء (آمن به).
آية (18):
* تكررت كلمة قميص في قصة يوسف عليه السلام ثلاث مرات وكان للقميص دور بارز في القصة (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18)) (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ (25)) (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي (93)) فما دلالة وجود القميص ثلاث مرات في القصة؟(د.فاضل السامرائى)(1/21)
لم أتبين القصد من السؤال لكن في ذهني ملاحظات أقولها في هذه المسألة لعلها تكون جواباً عن السؤال أو جزءاً من الجواب الذي يبتغيه السائل. أولاً ثلاث مرات استعمل القميص بيّنة في ثلاثة مواضع: استُعمِل بيّنة مزوّرة في قوله (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) هذه بينة مزورة وليست بيّنة صحيحة (بدم كذب) جاءوا يستدلون على قولهم أن الذئب أكله بالقميص الذي عليه دم كذب. هذه البيّنة مزوّرة، إذن استعمله أولاً بينة مزورة. واستعمله مرة أخرى بيّنة صحيحة للوصول إلى براءة يوسف (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ) إذن الأولى كانت مزورة والثانية بيّنة صحيحة للاستدلال على البراءة. والبيّنة الثالثة استعمل بيّنة صحيحة للدلالة على أن يوسف لا يزال حياً (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) كانت بشرى لوالده وسبب لردّ بصره. بينة صحيحة في قميص يوسف وفي الرائحة تستعمل الآن بيّنة الكلاب البوليسية تستعمل للاستدلال على الرائحة. ليس بالضرورة أنه القميص الأول لكن يعقوب - عليه السلام - يعرف رائحة ابنه. وردت قميص ثلاث مرات واستعمل في كل مرة بيّنة، ثلاث بينات: بينة مزورة وبينة صحيحة للوصول إلى الحكم وبينة صحيحة للاستدلال على أن يوسف لا يزال حياً.(1/22)
الأمر الآخر أنه استُعمل بداية لحزن يعقوب (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) ونهاية حزنه (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا). واستعمل ثلاث مرات في ثلاث مراحل من حياة يوسف - عليه السلام - : وهو صغير (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ). إذن استعمل القميص بيّنة في ثلاث مواضع واستعمل لثلاث مراحل زمنية معاشية في حياة يوسف: المرحلة الأولة مرحلة رميه في الجب (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) صيّرته مملوكاً وعاش غريباً مع غير أهله، المرحلة الوسطى سجنه بعد الحادثة مع امرأة العزيز دخل مرحلة أخرى وهو السجن وهذه المرحلة لما بلغ أشدّه وصارت معيشة أخرى غير النمط الأول، والمرحلة الثالثة جمع شمله بأهله وسعادتهم أجمعين. إذن ثلاث مراحل الأولى عندما أصبح مملوكاً وفراقه عن أهله والثانية عندما صار سجيناً والثالثة اجتماعه بأهله.
هناك مسألة لما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون، إذن رائحة يوسف في القميص وهذا أمر ثابت أن لكل إنسان له رائحة خاصة لكن لا يميزها كل الناس وإنما تميزها الكلاب البوليسية. ثم من الناس من إذا عصبت عينيه تعطيه قميصاً تسأله لمن؟ يقول لفلان ويعرفه من الرائحة. وأذكر أن أحجهم أخبرني أن زوجة أخيه يغسلون ملابس العائلة كلها في الغسالة ويعصبون عيونها ويقولون استخرجي ملابس زوجك تشتمها وتجمع ملابس زوجها بعد غسلها وقالوا هي أشد من الكلاب البوليسية. إذن إني لأجد ريح يوسف وهذه مسافة طويلة وهذا يحصل. التمساح يشم رائحة الفريسة من كيلومترات. فإذن هذا أمر إشارة إلى أن لكل إنسان رائحة تصح وتصلح للحكم والاستدلال ونحن نستعملها للاستدلال.(1/23)
هناك أمر آخر الملاحظ الموافقات في قصة يوسف: القميص ذُكِر في ثلاث مواطن والرؤى ثلاثة: رؤيا يوسف وهو صغير (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف)، رؤيا السجينين ورؤيا الملك. إذن القمصان ثلاثة والرؤى ثلاثة والرحلات إلى يوسف ثلاثة: الرحلة الأولى لما جاءوا يستميرون يوسف ليأخذوا الميرة (وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58)) والرحلة الثانية لما جاءوا بأخيهم واستبقاه عنده (وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ (69)) والمرحلة الثالثة لما قالوا (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ (88)). إذن ثلاث رحلات. القمصان ثلاثة والرؤى ثلاثة والرحلات ثلاثة من حيث العدد، هذا من الموافقات. الرؤى متغيرة ليست نفسها لأن الرائي ليس واحداً وإنما هي رؤى مختلفة والقميص ليس واحداً وإنما متغير أيضاً قميص وهو صغير وقميص لما بلغ أشده وقميص أرسله إلى أبيه.
*ما دلالة الوصف فى الآية (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18) يوسف)؟(د.فاضل السامرائى)
الوصف بالمصدر هذا يفيد المبالغة. عندما تصف بالمصدر كأنما تحول الشيء إلى مصدر تقول هذا رجل صِدقٌ ورجلٌ عدلٌ، (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18) يوسف) هذا أبلغ من كاذب.
*ما الفرق بين طوعت (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) المائدة) وسولت(قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا (18) يوسف)؟(د.فاضل السامرائى)(1/24)
سولت معناها زينت له، يقال سولت له نفسه أي زينت له الأمر، طوّعت أشد. نضرب مثلاً" الحديد يحتاج إلى تطويع أي يحتاج إلى جهد حتى تطوعه، تريد أن تطوع وحشاً من الوحوش تحتاج لوقت حتى تجعله يطيعك، فيها جهد ومبالغة في التطويع حتى تروضه وتذلله، المعادن تطويعها يحتاج إلى جهد وكذلك الوحوش والطيور تطويعها يحتاج إلى جهد وبذل.
التسويل لا يحتاج إلى مثل ذلك الجهد. إذن سولت أي زينت له نفسه، لذا ابني آدم قال (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) كان يفكر هل يمكن أن يقدم على قتل أخيه فاحتاج وقتاً لترويض نفسه ليفعل هذا الفعل وهو ليس كأي تسويل أو تزيين بسهولة تفعل الشيء وأنت مرتاح. التطويع يحتاج إلى جهد حتى تروض نفسه وتهيء له الأمر. وفي القرآن قال تعالى (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي(96)طه) في قصة السامري هنا بسهولة وهذه أسهل من أن يقتل الواحد أخاه. لا يجوز في القرآن أن تأتي طوعت مكان سولت أو العكس وفي النتيجة العمل سيكون لكن واحد أيسر من واحد. سوّل وطوع بمعنى واحد لكن طوّع فيها شدّة.
آية (20):
*ما دلالة الثمن البخس فى قوله تعالى(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) يوسف)؟(د.حسام النعيمى)(1/25)
الكلام على يوسف - عليه السلام - ، هؤلاء أهل القافلة (وشروه بثمن بخس) بمعنى باعوه.( بثمن بخس) أي دون قدره. ليس القليل لأنه قد يكون كثيراً لكن دون قيمته الحقيقية. البخس فيه نوع من الظلم أنت قد تشتري شيئاً يبيعه لك أحدهم بعشرة آلآف درهم ثم يقال هذا ثمن بخس لأنه يستحق مثلاً 15 ألف درهم فالعشرة آلآف ليست قليلة ولكن دون قدره. بخس أي دون قدره. يوسف - عليه السلام - له قيمة لكن هم باعوه بأقل من قيمته الحقيقية أياً كانت وكانوا فيه من الزاهدين: هم يقولون طفل صغير يأكل ويشرب ولا ينفعنا. وهناك لمسة في تقديم (فيه) على (من الزاهدين) لأنه لو قال (وكانوا من الزاهدين فيه) لكان وصفهم بالزهد أي عدم الطمع ولكن هم فيه زاهدون فقط.
البخس دون قدر الشيء والقلة هو القليل الذي هو نذر اليسير ثمن لا قيمة له قليل في ذاته. (بثمن بخس) أي دون قدره. دراهم معدودة يمكن أن تكون عشرة دراهم أو عشرين أو ثلاثين درهماً معدودة لكن قدره كان أعلى من ذلك. ولو قال بثمن قليل قد يكون هو قدره هكذا ثمنه قليل. أما بخس أي لا يناسب قدره.
*ما الفرق بين دلالة الجمع في معدودة ومعدودات؟(د.فاضل السامرائى)
القاعدة: جمع غير العاقل إن كان بالإفراد يكون أكثر من حيث العدد من الجمع السالم كأنهار جارية وأنهار جاريات، فالجارية أكثر من حيث العدد من الجاريات، وأشجار مثمرة أكثر من مثمرات وجبال شاهقة أكثر من حيث العدد من شاهقات فالعدد في الأولى أكثر، وجمع السالم قلة. فهذه من المواضع التي يكون فيها المفرد أكثر من الجمع.
معدودات جمع قلّة وهي تفيد القلّة (وهي أقل من 11) أما معدودة فهي تدل على أكثر من 11، وقد قال تعالى في سورة يوسف عليه السلام (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)) أي أكثر من 11 درهما، ولو قال معدودات لكانت أقل.
آية (21):(1/26)
*ما المقصود بمصر في الآية (اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ (61) البقرة) ؟(د.فاضل السامرائى)
مصراً منونة يعني أي مدينة من المدن وليست مصر المعروفة لأن هذه الثانية تكون ممنوعة من الصرف (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ (21) يوسف) (وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ (99) يوسف)، إذا صرفت تكون أي مدينة، هذه مصر البلد. أما (مصراً) اي أي بلدة لأن ما طلبوه ليس هنا في الصحراء وإنما في أي مدينة.
آية (22):
*ما دلالة كلمة (حُكماً )في سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {22} ) الحكم يأتي بمعنى الحكمة وبمعنى القضاء وليس بالضرورة لمن أُوتي العلم أن يكون حكيماً أو قاضياً وقد يكون العكس لكن الله تعالى جمع ليوسف - عليه السلام - الحكمة والعلم والقضاء.
*لماذا جاءت كلمة (واستوى) مع موسىعليه السلام في الآية (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) القصص) بينما لم ترد مع يوسفعليه السلام (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) يوسف)؟(د.فاضل السامرائى)(1/27)
إستوى في اللغة معناها إكتمل شبابه واكتملت قوته، إكتمال الشباب والقوة. نلاحظ السياق الذي وردت فيه استوى واضح موطن القوة البدنية (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا (15) القصص) هذا منتهى القوة، عندما ذهب إلى مدين (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)) الصخرة على البئر تحتاج لعشرة أشخاص رفعها موسى - عليه السلام - وحده وسقى لابنتي شعيب، بنت الرجل الصالح قالت (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) القصص) هذا كله يناسب استوى أما مع يوسف - عليه السلام - لم يذكر شيء من هذا، لما كان هناك ما يتعلق بالقوة ذكر استوى. يوسف - عليه السلام - كان في السجن (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) يوسف) ليس هناك داعي لذكر استوى. بلغ أشده أي بلغ العمر المناسب قسم يقول ثلاثين وقسم يقول أربعين. مع يوسف - عليه السلام - لم يكن هناك داعي لذكر موقف القوة ولا ندري إن كان قوياً أم لا. المناسب أن يذكر استوى في قصة موسى - عليه السلام - لأنها تدل على القوة.(1/28)
استوى مناسبة في الآية.
الفيصل في تحديد معنى الكلمة وهو السياق والمعجم يعطيك جملة معاني للمفردة الواحدة تضعها في سياقها وترى الأنسب منها للسياق.
*ما الفرق من الناحية البيانية بين (ولمّا) و(فلمّا) في سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
(ولمّا) و(فلمّا) وردت في السورة 19 مرة، 6 مرّات (ولمّا) والباقي (فلمّا) فكيف نفرق بينهم؟ هناك سبيلين للتمييز بين (لمّا) و(فلمّا) الطريقة الأولى إحصائية والثانية معنوية:
الطريقة الإحصائية للحفظ: يحفظ أمكنة (لمّا) الستة وهي (ولمّا بلغ أشدّه، ولمّا جهزهم بجهازهم، ولمّا فتحوا متاعهم، ولمّا فصلت العير، ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم، ولمّا دخلوا على يوسف) والباقي يكون (فلمّا).(1/29)
أما من الناحية التعبيرية: فالفاء تدلّ على الترتيب والتعقيب أما الواو فهي لمطلق الجمع. يأتي بالفاء عندما يكون هناك تعقيب (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ {14} فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ {15}) لا يوجد فاصل زمني بين الأمرين ، وكذلك في قصة يوسف مع امرأة العزيز في قوله تعالى (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)) جاء بـ (فلمّا) لأن الآية في نفس المشهد والموقف ولا يحتمل التأخيروالأحداث تسلسلت وتعاقبت الأحداث تأتي الواحدة تلوالأخرىوليس بين الأحداث أي تراخي أو فترة زمنية فاصلة طويلة. أما في الآية التي جاء فيها (ولمّا) استغرق سنوات طويلة حتى بلغ أشدّه (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {22}) وكذلك لما ذهب اخوة يوسف إليه في مصر استغرق الأمر زمناً حتى سافروا ووصلوا إلى يوسف بعد أن كلّمهم أبوهم (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)).
*ما الفرق بين آتينا و وهبنا؟(د.فاضل السامرائى)
الإيتاء يشمل الهبة وزيادة في اللغة، الإيتاء يشمل الهبة وقد يكون في الأموال وهو يشمل الهبة وغيرها فهو أعم، (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا (22) يوسف) (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً (59) الإسراء) آتينا أعم من وهبنا.(1/30)
آية (23):
* ما القيمة التعبيرية في استعمال إسم الموصول (التى) في (وراودته التى هو فى بيتها)؟ لم يقل امرأة العزيز مثلاً؟(د.حسام النعيمى)
هذا فيه نوع من الابعاد . مثل بنى اسرائيل عندما يخاطبهم أو يبكّتهم أو يدعوهم أو يذكرهم في الأحكام الشرعية يقول: يا بني إسرائيل، لكن في موطن الأذى لا يستحقون الذِكر فقال (لا تكونوا كالذين آذوا موسى) الإعراض عن ذكر اسمهم مقصود.قال في سورة يوسف (وراودته التي هو في بيتها) الاستعانة بإسم الموصول لأداء هذا الغرض البلاغي.
*في سورة يوسف قال تعالى (إنه ربي أحسن مثواي) وفي آل عمران (ومأواكم النار وبئس مثوى الظالمين) ما هو المثوى؟.ولماذا لم ترد كلمة مثوى في حال أهل الجنة أبداً؟ ولا يوجد نص على أن الجنة مثوى المؤمنين ؟(د.حسام النعيمى)
في هذه الآية والآية التي تليها جملة أمور يوقف عندها لكن سنقف بقدر السؤال ثم نتحول إلى بعض الأمور التي ينبغي أو يوقف عندها. المثوى يقولون في اللغة المنزل أو المكان الذي يثوي فيه الإنسان. والثواء هو الإنحسار في مكان ويكون عادة الإنسان فيه قليل الحركة مثل المسكن، المنزل، الحجرة التي يبيت فيها، المنزل الذي يبيت فيه حركته محدودة فيها بخلاف الفضاء أنت تستطيع أن تمشي أميالاً لذلك يقول الشاعر: رُبّ ثاوٍ يملّ منه الثواء، يعني يستقر في وضعه إلى أن يملّ موضعه منه ويقول أيضاً:
فما دون مصر للغنى متطلب قال بلى إن أسباب الغنى لكثير
فقلت لها إن الثواء هو التوى وإن بيوت العاجزين قبور(1/31)
الثواء هو التوى يعني هذا الإستقرار في مكان واحد وإن كان فيه حركة فهو حركة ضيّقة، هو يريد أن ينطلق (إنه ربي أحسن مثواي) يعني هذا المكان الذي أنا فيه، أحسن منزلي. ويفرقون بين ثوى وأوى (أوى وآواه) لاحظ الفرق: الهمزة بدل الثاء، الهمزة فيها قوة وهي حرف شديد، أوى فيها نوع من الضم (آوى إليه أخاه) جعله يستقر لكن ضمّه إلى المأوى غير المثوى. والمأوى استعمل في النار وفي الجنة فالجنة تضم صاحبها والنار تضم صاحبها لكن شتان بين الضمتين، بين إحتضان الجنة للإنسان وإحتضان النار للإنسان.فالثواء فيه مقام محدود. إن الثواء هو التوى والتوى هو الموت والهلاك. فكلمة الثوى والثواء استعملت في حال الدنيا لأنه منزل يثوي إليه أو يأوي إليه لذلك نجدها في أكثر من سورة في حال الدنيا. في الآخرة إستعمل اللفظة للنار لماذا؟
لأن الجنة ليست منطقة ضيقة محصورة إنا نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فيها السعة والإنطلاق. لاحظ مثلاً: (أكرمي مثواه) أي نُزُله في الدنيا. (وما كنت ثاوياً في أهل مدين)، (والله يعلم متقلبكم ومثواكم) الأماكن التي تتقلبون فيها، تنتقلون إليها والمكان الذي تستقرون فيه (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ). هذا سؤال السائل لماذا لم تستعمل كلمة المثوى مع أهل الجنة؟
أما الآية (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)) هذه من الأماكن التي وقف عندها. ما دلالة استعمال (التي هو في بيتها) ولم يقل امرأة العزيز أو لفظة أخرى؟(1/32)
في الغالب لا يذكر القرآن الأسماء. العلماء يقولون فيه أمران: الأول هو سترٌ عليها وعدم فضيحة لأن يرتبط هذا بإسمها. والأمر الثاني وهو الأرجح نوع من الترفّع عنها وبيان عظمة موقف يوسف - عليه السلام - . الترفّع عدم ذكر إسمها (التي هو في بيتها) وبيان عظمة موقفه أنه هو تابع، هو في بيتها والمفروض عندما يكون في بيتها أن يسمع وأن يطيع فهي سيّدته والأمر من سيّدته وهو ينبغي أن يخاف منها فضلاً عن أن كونه في بيتها وهو شاب يتطلع إلى جمالها يمكن أن يدخل في نفسه شيء تجاهها لكن يخاف باعتبار أنه عبد مملوك يخاف أن يعرض لها وإنما هي عرضت له وهذه فرصة بالنسبة له. فكأنما يريد القرآن أن يبيّن لنا هذا الموقف النبيل العظيم من هذا الإنسان الذي نُبّيء، الذي صار نبيّاً فيما بعد وفي حال شبابه لم يكن نبياً، فهذا نوع من رفعة شأنه. ورفعة الشأن هذه تجعلنا نفسر الآية الثانية بما فسرها به كثير من العلماء المدققين المحققين (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)) ولذلك هم يرجحون الوقف عند (همّت به) صحيح أنه في المجمع أن يصل الكلام إلى أن يقف عند (ربه) لكن الوقف عند (همت به) يوضح المعنى: ولقد همت به (وقف) وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه. (لولا) أداة شرط تأخذ فعل شرط وجواب شرط. لاحظ في قصة موسى - عليه السلام - (وإن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها) إذن الجواب تقدّم يعني: لولا أن ربطنا على قلبها لأبدت به أو لكادت أن تبدي به لكن هي ما أبدت به.
أصل التركيب خارج القرآن لم يرد أن يهتم بهذه المشاكلة. في غير القرآن كان يمكن القول ولولا أن ربطنا على قلبها كادت أن تبدي بولدها، أن تُظهِر نوعاً من الفرح أنه ولدها. وهنا أيضاً(1/33)
البعض يقول أن الآية (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) تعني أنها همّت به فعلاً وهمّ بها تركاً لكن نقول هذا تأويل لا تحتمله اللغة. فما الدليل على أنه همّ بها تركاً وهمّت به فعلاً؟ هو تركها فعلاً ولم يهمّ بها تركاً ولم يكن هناك همٌّ في نفسه وإنما نفّذ ذلك وتركها وانصرف عنها.
آية (24):
* ما هو البرهان في آية سورة يوسف (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ (24) يوسف) يقال أن الذي رآه يوسف عليه السلام يمكن أن يكون جبريل أو يعقوب أو العزيز فهل يمكن أن تكون هذه رؤية معنوية رؤيا الخوف والخشية من الله من عمل المعصية لأنه ذُكر أن يوسف عليه السلام هو من المحسنين والمخلَصين والمتقين؟(د.فاضل السامرائى)(1/34)
السؤال الذي يدور كثيراً قديماً وحديثاً (ولقد همت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه) ثم ينسحب السؤال على البرهان وأثير سؤالاً في السابق كيف همّ بها؟ معنى الهمّ أنه أراد أن يفعل الفاحشة. لقد هممت أن أفعل كذا أي أردت وحاولت ودفعتني نفسي إلى أن أفعل كذا فالهمّ بداية الفعل. في هذه المسألة أنا أميل إلى رأي أهل اللغة في هذه الآية، لو رجعنا إلى اللغة هو لم يهمّ بها أصلاً (وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه) لا نقف عند (وهمّ بها) وإنما تقرأ الآية كاملة. (ولقد همت به/ وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه) لو قلت همت به وهمّ بها أين جواب وموقع (لولا أن رأى برهان ربه) ؟ هذه من حيث اللغة لم يهمّ بها. (لولا) هنا حرف امتناع لوجود، (لولا) تأتي في موطنين للتحضيض لولا فعلت هذا يحضّه، (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) المنافقون) تدخل على الأفعال (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12) النور) تحتاج لفعل ولا تحتاج إلى جواب نقول لولا فعلت هذا. إذن لولا حرف تحضيض أو امتناع لوجود. حرف امتناع لوجود لو قلت لولا أخوه لضربته تكون لم تضربه امتنع الضرب لوجود الأخ (حرف امتناع الجواب لوجود الفعل) (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) سبأ) امتنع الشيء لوجود أمر.(1/35)
وفي الشعر قيل: ولولا بنوها حولها لخرّبتها، تقدّم أو تأخر، يجوز أن يتقدم معنى الجواب كما في قوله تعالى (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ (77) الفرقان) أصلها لولا دعاؤكم لا يعبأ بكم ربي، (إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا (42) الفرقان) لولا أن صبرنا لكاد أن يضلنا، يجوز التقديم والتأخير، عموم أدوات الشرط أن يتقدم ما يدل على الجواب أو يتأخر، كنت ضربته لولا أخوه أو لولا أخوه لكنت ضربته. صاحب البحر المحيط يقول: قارفت الذنب لولا أن عصمك الله، تكون لم تقارف الذنب لوجود عصمة الله، همّ بها لولا أن رأى برهان ربه، هذا منطوق اللغة. لغة ما همّ بها طرفة عين هذا من حيث اللغة لم يهمّ بها أصلاً (وهم بها لولا أن رأى برهان ربه). هو لم يحاول لوجود (لولا) لولا العصمة لهمّ بها إذن لم يهمّ بها، لولا برهان ربه لهمّ بها لكنه ما همّ. البعض قال أنها همت به فعلاً وهمّ بها تركاً وهذا لا يصح لغوياً لأن الكلام سيكون ولقد همت به وهمّ بها ولا يعود لقوله (لولا أن رأى برهان ربه) لا يعود لها موقع ولا وجود وليس لها موقع في الكلام أصلاً. يقتضي أن نقول ولقد همت به وهم بها، و(لولا أن رأى برهان ربه) لا يعود لها وجود ولا دلالة. قسم من كبار المفسرين مثل صاحب البحر المحيط قال لم يهمّ بها ونص كلامه " لم يقع منه - عليه السلام - همٌّ البتة". إذن من حيث اللغة لم يهمّ بها. المفروض أن نفهم هذه الآية على أنه امتنع الهمّ لوجود البرهان.
البرهان يقول أهل الحديث "لا حجة قاطعة في تعيين شيء" وكل ما يقوله الناس إما من الإسرائيليات أو من باب التخيلات ولا يوجد نص قاطع في هذه المسألة. والبرهان هو الدليل الذي يمنعه من هذا. قال إبن كثير أنه لا حجة قاطعة. المهم أنه رأى برهاناً صرفه عن هذا ومنطوق الآية من حيث اللغة أنه لم يهمّ بها البتّة.(1/36)
*ما هو البرهان الذي أوقف يوسف عليه السلام في قوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)؟(د.حسام النعيمى)
هذه الآية فيها كلام تكلم فيها العلماء. الكلام الأول ليس عن البرهان وإنما عن الهمّ، هل حصل منه همّ أم لم يحدث؟ وما معنى الهمّ هنا؟ الذي نختاره في هذا من كلامهم رحمهم الله تعالى ولا نريد أن نناقش الآراء جميعها.أن هنا من حيث اللغة هناك تقديم وتأخير. أنت تقول: لقد سافرت إلى العين لولا أن أبي جاءنا أمس. تعني لم أسافر لأن أبي جاء، وصول أبي منعني من الذهاب. ففي قوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) حدث منها هذا الميل النفسي الإرادة النفسية نحوه. (وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) لم يحدث منه همّ وفق اللغة. بناء اللغة يقول أنه إبتداء لم يحدث منه همّ. هم يقولون همّ بها ولكنه لم يفعل إشارة إلى بشريته وهذا ليس هكذا: هو إبتداء كان مترفعاً وهناك بشر عاديون يحصل معهم هذا فيترفعون عنه. برهان ربه هو الشريعة، هو الإحتكام إلى شرع الله سبحانه وتعالى. برهان ربه الذي رآه، هذا اللطف الذي أحاط به يوسف - عليه السلام - من أول أيامه من أُلقي به في الجب وأوحى إليه تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)) هو في الجبّ مطمئن هذا هو برهان من ربه، جعله في بيت كريم يكرمه، عرف شرع الله تعالى من أبيه فبرهان ربه هو معرفته بشرع الله سبحانه وهذا نبيّ كيف تتخيل أنه بدأت الوساوس تدخل في نفسه؟! بعضهم يقولون جاءه يعقوب فدفعه في صدره! ما هذا الكلام!؟ لغة العرب تقول ما حدث منه همّ أصلاً وهذا من رفعة شأنه - عليه السلام - وهو نبي من أنبياء الله عز وجل.(1/37)
النعيمى:{{والبعض يقول أن الهمّ من يوسف بمعنى الحزن. نقول أن الهمّ هو أن يكون شيء في النفس يحمله على فعل ما. همّ به أي صار في نفسه شيء يحمله على فعل شيء ما قد ينفّذه وقد لا ينفّذه. لأن عندنا حديث: من همّ بحسنة ففعلها كتبت له حسنة إلى عشر حسنات إلى سبعمئة ضعف ومن همّ بسيئة فلم يفعلها كتبت له حسنة (هذا من كرم الباري عز وجل) ومن همّ بسيئة ففعلها كتبت له سيئة. فالهمّ حديث النفس تحدّثه نفسه بشيء يريد أن يفعله.(لولا أن رأى برهان ربه) لأنه هو رأى براهين ربه أولاً من معرفته بشريعة أبيه يعقوب، هو على شريعة والشريعة هي البرهان (واتبعت ملة آبائي) هو على شريعة، هو كان متّبِعاً لملّة آبائه وكان ملتزماً بقيَم ومُثُل ومبادئ الشريعة فهذا هو البرهان وهو برهان عند جميع الناس.
(كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين): إبتداء هذا الأمر ما حدث في نفسه وحاشا لهؤلاء أن يحدثوا أنفسهم بما لا يرضي الله سبحانه وتعالى.
المعنى الدلالي لكلمة (المخلَصين): أي الذي أخلصه الله سبحانه وتعالى لطاعته ولذلك إبليس عليه لعنة الله في الدنيا والآخرة قال (إلا عبادك منهم المخلَصين) ونسأل الله سبحانه وتعالى دائماً أن يجعلنا من عباده المخلَصين.
المخلِص هو الفاعل أي هو الذي أخلص لله والمخلَص أخلصه الله سبحانه وتعالى لطاعته}}.
آية (25):
*انظر آية (18).???
*لماذا جاءت كلمة سيّد في القرآن الكريم في سورة يوسف (وألفيا سيدها لدا الباب)؟ (د.فاضل السامرائى)
أهل مصر كانوا يسمون الزوج سيداً وقد وردت هذه الكلمة مرة واحدة في سورة يوسف وفي القرآن كله لأنها كانت معروفة في لغتهم آنذاك اللغة القبطية.
*ما المقصود بكلمة أهل ؟(د.فاضل السامرائى)(1/38)
يستعمل القرآن الكريم كلمة أهل للأزواج مثل قوله تعالى (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) في قصة ابراهيم - عليه السلام - ، وفي قصة امرأة العزيز (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً) وفي قصة موسى - عليه السلام - (وسار بأهله). إذن أهل هي الأزواج كما وصفها القرآن وفي اللغة أيضاً.
*ما الفرق بين وجدنا وألفينا في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
في القرآن الكريم لم يرد الفعل ألفى إلا فيما هو مشاهد محسوس ولذلك قال بعض النحاة أنه ليس من أفعال القلوب، قسم يدخلوه في أفعال القلوب وقسم يقولون لا ليس من أفعال القلوب وإنما في الأفعال المحسوسة المشاهدة. أفعال القلوب قلبية يستشعر بها. وهي فعلاً في القرآن لم ترد إلا مشاهدة. في هذه الآيات في القرآن (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ (69) الصافات) (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ (25) يوسف). (وجدنا) في القرآن وفي غير القرآن وردت قلبية وغير قلبية ومشاهدة وغير مشاهدة مثلاً (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً (37) آل عمران) (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ (102) الأعراف) يعني وجدهم يخلفون الميعاد، (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) الأحزاب) (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) النساء) وجد هي أشمل وتستعمل للأمور القلبية وألفينا للأمور المحسوسة هذا في القرآن أما في غير القرآن ففيها كلام.
آية (26):
*(وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا (26) يوسف) ما هو إسم الشاهد الذي تكلم في المهد؟ (د.فاضل السامرائى)(1/39)
لا نعرف إسمه. قيل إبن خالها وقيل كان طفلاً في المهد وقسم قال كان إبن عمها وكان رجلاً حكيماً لم يشهد الوقيعة أصلاً. إذن يدور بين أمرين هل هو الطفل الذي في المهد وقد أنطقه الله؟ أو هو رجل حكيم صاحب رأي؟ الله أعلم وليس لدي علم بسلاسل الأحاديث ولكن سياق السورة يوضح أنه رجل حكيم وليس طفلاً لأن الدليل أنه لما قال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ولو كان طفلاً كان قال ما بال الطفل الرضيع وليس ما بال النسوة، الطفل الرضيع الذي شهد ببرائتي كان يستشهد بالرضيع ولماذا يستشهد بالنسوة (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ (50) يوسف). لو كان طفلاً لقال يوسف إرجع وإسأل الطفل ألم ينطق ببراءتي؟ هذا يكون أقوى، كونه يُلجئ الملك إلى سؤال النسوة مرة أخرى معناه أن الشاهد ليس طفلاً رضيعاً ولو كان طفلاً رضيعاً وتكلم كان أجاب المرأة، طفل رضيع يشهد ببراءة يوسف أمامها، لماذا قالت الآن حصحص ولو كان طفلاً رضيعاً لكان حصحص الحق في حينها. والرأي (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) يوسف) هذا رأي حكيم لا يخرج من طفل. البعض يذكر الذين تكلموا في المهد ومن ضمنهم شاهد يوسف لو كان هنالك نص حديث صحيح في أنه طفل يقطع بذلك لكن من حيث الآيات والسياق لو كان طفلاً يحتج وهو رضيع كان يُسكت المرأة فلماذا قال يوسف ما بال النسوة؟ الله أعلم.
آية (29):
* ما الفرق عطف البيان و البدل؟وما إعراب (يوسفُ) فى الآية(يوسفُ أعرض عن هذا)؟(د.فاضل السامرائى)(1/40)
عطف البيان عو قريب من البدل نقول مثلاً: أقبل أخوك محمد، محمد يمكن أن تُعرب بدل أو عطف بيان. لكن هنالك مواطن ينفرد فيها عطف البيان عن البدل. وقسم من النحاة يذكرون الفروق بين عطف البيان والبدل ثم يقول أشهر النحاة بعد ذكر هذه الفروق:" لم يتبين لي فرق بين عطف البيان والبدل".
عطف البيان على أي حال قريب من البدل ويصح أن يُعرب بدل إلا في مواطن:
? عطف البيان لا يمكن أن يكون فعل بينما البدل قد يكون فعلاً.
? عطف البيان لا يمكن أن يكون مضمراً أو تابعاً لمضمر (ضميراً أو تابع لضمير) بينما البدل يصح أن يكون .
? عطف البيان لا يمكن أن يكون جملة ولا تابع لجملة بينما البدل يمكن أن يكون كذلك.
وهناك مسألتين أساسيتين يركزون عليهما:
1. البدل على نيّة إحلاله محل الأول.
2. البدل على نية تكرار العامل أو على نية من جملة ثانية.
على سبيل المثال وحتى لا ندخل في النحو كثيراً نقول: يا غلام محمداً هذه جملة صحيحة الغلام اسمه محمد هذا لا يمكن أن يكون بدلاً لأنه لا يصح أن يحل محل الأول لأننا قلنا سابقاً أن البدل على نية إحلاله محل الأول ومحمد علم مفرد يكون مبني على الضمّ مثل (يا نوحُ) (يوسفُ أعرض عن هذا) ولا نقول يا محمداً.
وكذلك إذا قلنا: يا أيها الرجل غلام زيد. لا يمكن أن يكون بدل فلو حذفنا الرجل تصير الجملة يا أيها غلام زيد لا تصحّ.
مثال آخر: زيد أفضل الناس الرجال والنساء . إذا حذفنا الناس لا تصح الجملة ولا يمكن أن تكون الناس بدل لأنه لا يصح قول: زيد أفضل الرجال والنساء. وإنما تُعرب عطف بيان.
فليس دائماً يمكن أن يُعرب عطف البيان والبدل أحدهما مكان الآخر وإنما هناك مواطن يذكرها النحاة لكننا نقول أن عطف البيان موجود في اللغة.
ومع ذكر كل الفروق بين عطف البيان والبدل كما ذكرنا سابقاً يأتي أشهر النحاة فيقول أنه لم يتبين له الفرق بينهما وأنا في الحقيقة من هذا الرأي أيضاً.
آية (30):(1/41)
*ما اللمسة البيانية في استخدام صيغة المذكر فى قوله تعالى(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ )؟(د.فاضل السامرائى)
القاعدة النحوية هو أن الفعل يؤنّث ويذّكر فإذا كان الفعل مؤنثاً ووقع بين الفعل والفاعل فاصلاً .
فى سورة يوسف (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ {30}) الجمع الذي ليس له مفرد من نوعه يمكن معاملته معاملة المذكر والمؤنث. والتذكير يدلّ على القلة (قال نسوة) لأن النسوة كانوا قِلّة والتأنيث يدل على الكثرة (قالت الأعراب آمنا) وهكذا في القرآن كله كما في قوله تعالى (جاءتهم رسلهم) المجتمعات أكثر من (جاءكم رسل منكم).
*هناك مؤنث مجازي ومؤنث حقيقي وكلمة نسوة مؤنث حقيقي فلماذا جاءت (وقال نسوة) في سورة يوسف على هذه الصيغة؟(د.حسام النعيمى)
جمع التكسير والجمع الذي ليس له واحد من لفظه هذا غير المجازي والحقيقي مثل كلمة رجال وجمع الجنس مثل كلمة عرب هذا يجوز في الفعل معه التأنيث والتذكير بإعتبار التقدير: إذا قدّرنا جمع( قال جمع الرجال) نقول قال الرجال، وإذا قدرنا (قال جماعة الرجال) نقول قالت الرجال. فهنا (قال نسوة) كان يمكن أن يقول قالت نسوة، لما قال (وقال نسوة) الفائدة حتى يكون شيء عام لغرض العموم..
آية (31):
* ما هو المكر في قوله تعالى (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) ولماذا سماه الله تعالى المكر؟(د.حسام النعيمى)(1/42)
لأن المكر في اللغة معناه التدبير، أن يدبر الشيء يرتبه.(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) آل عمران) هم دبروا والله عز وجل يدبّر وهو خير المدبرين. فهذا الكلام الذي قالته هؤلاء النسوة هو كان تدبيراً منهن للإساءة إليها فهو مكر إذن. ولو قال ( لما سمعت بكلامهن) لا يعطي هذه الصورة من صور الحقد واللؤم والتخطيط للإساءة إليها والنيل منها. لكن لما قال (بمكرههن) هي أيضاً دبرت تدبيراً آخر: مكر يقابل مكراً.
*يستخدم تعالى في القرآن بعض الأفعال التي ربما تتشابه حرفياً ولها نفس الدلالة مثل (أعدّ وأعتد) وقال تعالى (وأعتدت لهم متكئاً) لماذا لم يقل وأعدت لهن؟(د.حسام النعيمى)
هذا يدخل في جانب التقارب الصوتي. الآية في سورة يوسف (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) يوسف) الحقيقة هنا سؤالان: لماذا أعتدت وليس أعدت ، ولماذا آتت وليس أعطت؟(1/43)
الاثنان متقاربان لكن الاختلاف في الصوت. نلاحظ لما يقول (أعتد) هي فيها همزة التعدية التي هي (أفعل) يبقى (الفاء والعين واللام) فعل (عتد) حتى يكون الكلام قليلاً. و(أعدّ) فيها همزة التعدية بقي الأصل (عدد). ننظر عتد وعدد الفرق بينهما عين الفعل (تاء ودال). الدال هي تاء لكن ينضم اليها اهتزاز الوترين الصوتيين وهما غضروفان أشبه بشفتين حتى لا يتوهم المشاهد عندما نقول وترين: هما غضروفان متصلان من الأمام عند البروز الحنجري ولا نسميه كما تسميه التوراة (تفاحة آدم أكلها فغصّ بها وبقيت ظاهرة حتى تذكر الناس بمعصية أبيهم آدم) هذا الكلام ليس عندنا وإنما نحن نسميه بروز حنجري خلفه الوتران إذا أهتزا من 150 الى 250 مرة في الثانية يكون الصوت مجهوراً. فالتاء إذا صحبها اهتزاز الوترين تكون دالاً. جرّب أن تلفظ تاء من غير أن تلفظها ضع لسانك بحيث أنه لا يتغير عن موضع نطقك للتاء تظهر دالاً. الفارق حدوث اهتزاز فإذن التاء مهموس والدال مجهور. وهذا أنصع وأقوى وأوضح من نظيره المهموس، فلما نقول أعتدت فيها نوع من الرقّة والخفوت يتناسب مع هذه المرأة الرقيقة التي جمعت هؤلاء النسوة وهيّأت لهن هذا المتكأ ولم يقل المجلس لأن متكأ فيه شيء من الاسترخاء فتناسب التاء.
((1/44)
وأعتدت) : نحن كنا بدأنا الكلام حقيقة على هذه الآية في بداياتها وقلنا أن هناك جملة مسائل يتوقف عندها المسلم الذي يريد أن يتأمل كلام الله سبحانه وتعالى من أول هذه المسائل هي قوله (وأعتدت لهن متكأ) هو في البداية الآية الكريمة (فلما سمعت بمكرهن). القصة بإيجاز: ما كان بين امرأة العزيز ويوسف - عليه السلام - ومحاولتها لإغواء وإغراء يوسف - عليه السلام - واعتصامه بالله سبحانه وتعالى هذه القصة. لكن بدأ النسوة ولا سيما المقربات من امرأة العزيز يتحدثن بشأنها. هذا الكلام الذي كان يجري بينهن وصفه القرآن الكريم بأنه مكر (فلما سمعت بمكرهن) فالكلام على الآخرين حقيقة حتى إذا كان صحيحاً إذا كان يسيئهم فهو من المكر وإشاعة الفاحشة يعني امرأة أرادت أن تُخطيءلكن أن يلغط عليها الناس فيما فعلته فهذا المكر وهو نوع من الإيذاء ولعلها تركن الأمر ولعلّها تابت. هي لما سمعت بمكرهن هي تحركت حركة سريعة أرسلت إليهن ولم يقل أرسلت اليهن بماذا؟ بأية رسالة؟ دعوة للعشاء؟ دعوة للغذاء؟ دعوة للعصاري؟ المهم هي أرسلت اليهنلأن هذا الذي يعنينا من القصة. امرأة العزيز توجهت إليهن برسالة ليحضرن إليها ويبدو أنهن استجبن لذلك وأرادت أن تدخلهن في امتحان (فلما سمعت بمكرهن ) (وأعتدت لهن) لما تنظر في الفعل: أصل الفعل (عَتَدَ) يعني العين والتاء والدال والفعل الآخر (عَدَدَ) فلما تدخل همزة التعدية يصبح أعتد ويفترض أعدد. الأصل (أفعل) أعتد وأعدد ليسا فعلاً واحداً وحدث فيه تغيير ما عندنا دليل، قد يكون كل منهما أصلاً وقد يكون الذي بالتاء هو الأصل وقد يكون الذي بالدال هو الأصل لكن وجود الادغام قد يرجّح – أقول قد- أن يكون الفعل بالتاء هو الأصل لأنه حينما يُسكّن التاء وبعده جال تُقلب التاء الى دال. التاء والدال إذا التقيا يكون ادغام، عادة يُدغم الأول في الثاني.(1/45)
لو قلت (هطلت ديمة) تقلب التاء دالاً (هطلديمة) فيمكن أن تكون التاء أصل وانقلبت الى دال، ويمكن أن يكونا أصلين مستقلين وبينهما تقارب وحيثما يوجد تقارب في الصورة يكون تقارب في المعنى. يقترب المعنى لما يأتي إلى (عتد) العين والدال مع (عدد) العين والدال واحدة الفارق في عين الفعل في الوسط هنا تاء وهنا دال. لما يستعمل عتد أو أعتد معنى ذلك أنه هناك شيء من الهمس لأن التاء مهموس ويكون هناك تنويع بين الجهر والهمس فلما يقول ربنا عز وجل (وأعتدت) غير (أعدت) هذا الادغام كأنه يصور لنا شيئاً مجموعاً مضموماً الى بعضه فيه قوة وشدة وجمع، أما أعتدت فيه تفريق لأولاً (التاء غير الدال) ثم فيه تنويع بين الهمس والجهر كأنه يشير الى تنويع المجلس أنه لم يكن من فراش واحد، لم يكن جنساً واحداً ، لم يكن بساطاً. حينما كان تنويع في الفراش: الوثير، الصعب، القوي، الشديد، الهيّن، الليّن بما يناسب التاء وبما يناسب الدال. (أعتدت) في القرآن لما يقول (أعتدنا) القرآن لم يستعمل أعددنا أبداً، وردت أعتدنا 13 مرة ولم يستعمل أعددنا ليس في القرآن أعددنا، أعدّ موجودة. في سورة الكهف (إنا أعتدنا للظالمين ناراً) هنا النار فيها تنويع. لو قال في غير القرآن أعددنا يكون تكرار للحرف (د د) لكن أعتدنا (ت د) صار تنويعاً. حيثما وردت كلمة أعتدنا هناك تنويع في ثلاث عشرة آية لما يقرأها المسلم (أعتدنا لهم عذاباً أليما) (أعتدنا لهم ناراً) كل الآيات حيثما وردت في موضع أو موضعين يذكر (أعتدنا لهم سعيرا) سعيراً فقط لا يصفها. لما ننظر في كلمة سعير أولاً هم يقولون من أسماء النار ولكن هناك حذف ولكن هي نار سعير مسعّرة أو مسعورة. السعير يعني النار التي تُسعّر هي التي تهيّج وتُلهِب. السعير هي اسم من أسماء النار لكن من يقول سعير (فعيل) بمعنى مفعول مثل أسير بمعنى مأسور وقتيل بمعنى مقتول.(1/46)
سعير كأنه مسعور لما نقول مسعور يعني مسعّر يعني مهيّج وملهب فيه تهييج وإلهاب فيها تنويع دائماً. لو قال في غير القرآن (أعددنا) يكون قد فك الادغام والعرب حريصة على الادغام يعنب لما يكون الحرف هو هو يكون قد فارق سنن العربية في كلامها بهذه الطريقة. لكن لو قال أعتدنا وافق سنن العرب أولاً في اختيار الفكّ وغيّر في الصوت: جعل هذا الصوت غير هذا الصوت حتى تشير الى التنويع. لا نقول كلمة أعددنا في غير القرآن خطأ هذا كلام غير صحيح لكن لا تعطي فيها معنى التنويع لما نقول أعددت له كذا أو أعدّ له ليس فيها التنويع لا تحس التنويع وإنما تحسّ بالتكتل. التويع مطلق أحياناً في العذاب نفسه ألوان العذاب وأنواعه منوّع. أنواع هذا الذي هيّأته من الفراش فقال (وأعتدت) كان يستطيع في غير القرآن أن يقول (أعدت لهن مجلساً) لاحظ كلمة مجلس يرتبط بالجلوس: مكان الجلوس مجرد مكان للجلوس، بينما المتكأ فيه هذه الاستراحة. عندما تتكئ على شيء فيه نوع من أنواع الاستراحة والتراخي متكأ فهو ليس مجرد مجلس وإنما مجلس فيه استرخاء وراحة حتى تكون كل واحدة مرتاحة في جلستها.(1/47)
ثم قال (وآتت كل واحدة منهن سكينا): لاحظ أصلها: اتي وأعطت أصلها عطو (عطى يعطو). نلاحظ الأحرف وهذه سمة في العربية، نحن نقول البيان القرآني وفي الحقيقة في الوقت بيان هذه اللغة التي يحاول بعض أبنائها أن ينسلخ منها للغة أخرى لم تتصل برواية منقطعة وقلنا أن الفرنسي لا يستطيع أن يقرأ ما كتبه أجداده قبل 400 عام والانجليزي والصيني وكل الدنيا ونحن نقرأ ما كُتِب قبل ألف عام. هذه الميزة عندما تتشابه الحروف نلاحظ كلمة أتي (همزة، تاء، ياء) ما الذي يقابل الهمزة في عطو؟ يقابلها العين والعين أنصع وأقوى من الهمزة (أ – ع) ولذلك الخليل بدأ بالعين لم يبدأ بالهمزة مع أن الهمزة أعمق بلا خلاف. ننظر في (أتي) نجد الحروف متجانسة بينها وبين (عطو) لكن العين أقوى من الهمزة وأنصع. الحرف الثاني: الطاء والتاء والطاء أقوى (الطاء مطبقة) الطاء من مخرج التاء. والطاء علماؤنا يقولون أنه مجهور صحيح. الدرس الصوتي الحديث يقال أنه لا يهتز به الوتران يعني هو مهموس في تصنيف اهتزاز الوترين أما في مصطلح القدماء نحن نقول هناك اتفاق في المصطلح واختلاف في ماهية المصطلح وما يراد به. عند علمائنا القدماء وهذا يغيب عن أهل الاختصاص. علماؤنا عندما قالوا جهر وهمس كانوا يعنون بالمجهور: حرف قوي الاعتماد عليه من موضعه فلم يجر به النَفَس والمهموس ضعف عليه الاعتماد من موضعه فجرى به النَفَس. يعني الهمزة يمكن أن لا يجري بها النفس لأنها غلقٌ حنجري فلما لا يجري بها النفس صنفوها في المجهور. الطاء لا يجري به النفس صنفوه في المجهور بينما الآن نحن عندنا الضابط مختلف عندنا اهتزاز الوترين هم ما نظروا إلى الوترين فالذي يهتز به الوتران مجهور.(1/48)
الطاء لا يهتز به الوتران فهو بمصطلح اهتزاز الوترين مهموس فالذي لا يهتز به الوتران نقول مهموس ولذلك قالوا: (جثه شخص فسكت) يضاف اليه أكط، في المهموس علماؤنا قالوا الطاء والتاء تبقى في المجهور بناء على ضابطهم بمعنى الجهر إذن الطاء مجهور مطبق على قول علمائنا بينما التاء مهموس مستتر يعني أضعف.الحرف الأول أضعف من الحرف الأول والحرف الثاني أضعف من الحرف الثاني بقي الياء والواو والواو أقوى من الياء وأثقل من الياء لأن قلنا فيها رفع اللسان من الأقصى واستدارة الشفتين بينما الياء رفه اللسان من الأمام. فالاعطاء والعطاء أقوى من الإيتاء من حيث اللفظ الصوتي ومن حيث الدلالة إذا أراد أن يستعمل شيئاً قوياً فيه نوع من التمليك لما يقول (إنا أعطيناك الكوثر) (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة) المال هو مال الله. (يؤتي الحكمة من يشاء) هذه الحكمة/ هذا الإيتاء حقيقة الحكمة فير إعطاء الكوثر. (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) هذا لا يقابل الكوثر يعني ذاك مادي (مِلْك) أعطيناك: شيئ متملك وشيء مادي المهم أقوى وأميز من الإيتاء. الإيتاء فيه نوع من الرِقّة والهدوء. الإعطاء دائماً هناك ارتباط بين الصوت وبين المعنى الذي يراد وهذه قاعدة عامة.
(ولسوف يعطيك ربك فترضى) هذا عطاء في الدنيا والآخرة. لم تكن العرب تقول أعطى هذا نوع من التبذير. لغرض التحديد الدقيق ينبغي أن نستجمع كل ما استعملته العرب أولاً في القرآن كل ما ورد في القرآن من أتي ومشتقاتها وكلمة عطو ومشتقاتها وننظر فيها ثم نستخرج الفوارق لتكن مثلاً عشرة فروق. من خلال الآيات أعطيناك فيه شيء مادي فيه تملّك، وآتيناك شيء معنوي ويرجع وقد يُنسى. إيتاء وليس عطاء (يمكن يكون للتملك). و(آتت كل واحدة منهن سكينا) سترجع وليس عطاء، لو قال أعطت يمكن أن يكون تملك. عملية الإيتاء ليست نهائية لكنها ستُردّ.(1/49)
حقيقة تحتاج لمراجعة كاملة وتحتاج لتفصيل وبيان دقائق الفروق. نحن بهذا القدر الموجود بين أيدينا نلمس هذا الفراق يعني لو قال أعطت أولاً الصوت يختلف، ثانياً العطاء يكون فيه عدم الاسترداد. ثم مع مناسبة الإيتاء أيضاً للمتكأ ولأعتدت هذا (حرف التاء والياء والهمزة التي هي أخف) ولعلها مناسبة لمجلس النسوة.
لا شك أن العرب كانت تفهم الفوارق بيت الأصوات لذا كان العربي يستعمل هذه الكلمة هنا وهذه الكلمة هنا ويدرك. لم يكن هذا الاستعمال السامي الرفيع الذي نجده في القرآن لكن نجده في الشعر لكن لم نجده بهذه الطريقة. هم يتحسسونها ما كانوا يقولونها بهذه الطريقة فلما يسمعها يحس بذلك ونحن عندنا وقفة لسؤال أحد الاخوة : هل يمكن أن يكون الاعجاز البياني يُقنِع غير المسلم بالدخول الى الاسلام؟ سنأتي ونذكر نماذج من هذه الأمور بإذن الله لما يرد موعد السؤال.
آية (32):
*(وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) ما الفرق بين تشديد النون في ليسجنن وتخفيفها في ليكونا؟ (د.فاضل السامرائى)(1/50)
هذه نون التوكيد الأولى ثقيلة والثانية خفيفة، (لَيُسْجَنَنَّ) هذه نون التوكيد الثقيلة و (وَلَيَكُونًا) هذه نون التوكيد الخفيفة والمعروف في اللغة أن نون التوكيد الثقيلة آكد من الخفيفة لأن تكرار النون بمثابة تكرار التوكيد. النون الثقيلة هي عبارة عن نونين ففي الفعل (لَيُسْجَنَنَّ) ثلاث نونات نون الفعل الأصلية المبنية على الفتح ونون التوكيد الثقيلة ونون التوكيد الثقيلة آكد من الخفيفة لأنهما نونان فتكرار النون بمثابة تكرار التوكيد. سبب الاختيار أنها هي أكدت على السجن فجاءت بالنون الثقيلة فسُجِن، هي لم ترده من الصاغرين وإنما تريد سجنه. الصغار يعني الإخانة وهي لا تريد إهانته وإنما سجنه ربما ينفذ ما تطلبه. إذن نون التوكيد الثقيلة توحي بتوكيد الفعل تدخل على الفعل المضارع بشروط معينة وعلى فعل الأمر. وفي سورة يوسف الآية (ليسجنن وليكوناً من الصاغرين) النون نون التوكيد التي تخلص الفعل للمستقبل واللام هي لام القسم وليست لام التوكيد هنا.
استطراد: (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) خطر ببالي أن ليسجنن مؤكدة بالنون الثقيلة لأنهم أكيد سيسجنونه وولم يؤكد (وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) لأنه لن يكون من الصاغرين فلذلك جاءت بما بتناسب مع مستقبل يوسف - عليه السلام - لم تقل ليكونن من الصغرين لأنها لن تقدر عليه وإنما تقدر على السجن كما أنها لن تكون حقيقة مستقبله وإنما سيصير عزيز مصر لن يكون من الصاغرين.
*ما دلالة استخدام إسم الإشارة (ذلك) في الآية (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) بدل إسم الإشارة هذا؟(د.فاضل السامرائى)(1/51)
إسم الإشارة نفس الإسم أحياناً يستعمل في التعظيم وأحياناً يستعمل في الذم والذي يبين الفرق بينهما هو السياق. كلمة (هذا) تستعمل في المدح والثناء "هذا الذي للمتقين إمام" ويستعمل في الذم (أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) الفرقان) (كذلك) تستعمل في المدح "أولئك آبائي فجئني بمثلهم" أولئك جمع ذلك وهؤلاء جمع هذا، والذم. (ذلك) من أسماء الإشارة و(تلك) من أسماء الإشارة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) تعظيم، وأحياناً يكون في الذم تقول هذا البعيد لا تريد أن تذكره فهنا الذي يميز بين ذلك الاستعمال والسياق.
تلكما:هذه الكاف تسمى حرف خطاب فيه لغتان: الأولى تكون في المفرد المذكر أياً كان المخاطَب تقول تلك الشجرة سواء كان المخاطب واحد أو اثنين أو جمع، واللغة الثانية أن تجعل حرف الخطاب بحسب نقول تلكِ الشجرة مثلما قال
تلكِ : لو كانت المخاطَب امرأة (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ (21) مريم).
َذَانِكَ :(فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ (32) القصص) برهانين اثنان (ذان) للبرهانين و(ك) للمخاطب.
ذَلِكُمَا :(ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي (37) يوسف) كان يمكن أن يقول ذلك لكنه يقصد الذي قاله.
ذَلِكُنَّ :(قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) (ذلك) إشارة ليوسف و(كُنّ) حرف خطاب للنسوة. إذن هذه الكاف هو حرف خطاب يمكن أن نجعله في حالة المذكر المفرد دائماً ويمكن أن يكون في حالة المخاطَبين .
آية (36):
*ما الفرق بين نبأ وأنبأ؟(د.حسام النعيمى)(1/52)
إذا جاء الفعل بصيغتي فعّل وأفعل نفس الفعل فيكون أفعل إذا جاء لزمن أقصر من فعّل مثل علّم وأعلم ونبّا وأنبأ. في سورة الكهف (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)).هذا ليس إنباءً وإنما تبيين من نبّأ لأن فيها كلام كثير (أما السفينة، أما الغلام، أما الجدار) فهي ليست مختصرة. (سَأُنَبِّئُكَ) جاءت بالتشديد مشددة ما قال سأنبئك. المضعّفة يعني فعّل من النبأ جاءت في ستة وأربعين موضعاً كما في سورة يوسف (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)) لأن فيها شرح بالتفصيل عن الرؤيا ولم يقل أنبئنا مختصرة وهم يريدون شرحاً مفصّلاً للرؤيا.
*في آية سورة يوسف (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)) لماذا حذف أهل ؟(د.حسام النعيمى)
(وإسأل القرية) إخوة يوسف كانوا متهمين بأنهم ليسوا صادقين لأن عند أبيهم تجربة سابقة معهم لما جاءوا وقالوا أكله الذئب يوسف وهو لم يأكله فالآن يقولون إبنك سرق وقد يكون كذباً كالذئب فقالوا: (واسأل القرية التي كنا فيها) صحيح هي أهل القرية لكن كأنهم يريدون أن يقولوا له أن صدقنا ثابت في القرية حتى بجدرانها ،حتى بحيوانها، إسأل القرية كاملة، القرية التي كنا فيها والبلدة كأنها جميعاً تشهد لنا ليس بناسها فقط وإنما حتى بجدرانها. وهذا ينسحب على العير أي القافلة (والعير التي أقبلنا فيها) العير ومن عليها ومن معها ومن فيها لأنهم كانوا يشكّون في أنفسهم. أما في آية سورة الذاريات (غير بيت) لو قال : غير أهل بيت تكثر. أهل البيت تصير كثير: القرية من بيوت فأراد أن يبيّن قلة الذين إتّبعوا لوطاً - عليه السلام - . هناك أراد الحذف حتى يبيّن القِلّة وهنا(في سورة يوسف) حذف حتى يبيّن الكثرة. ولكل حذف مكان بحسب السياق والله أعلم.(1/53)
*ما الفرق بين آتت وأعطت في (وآتت كل واحدة منهن سكينا) في سورة يوسف؟(د.حسام النعيمى)
في سورة يوسف ما قال أعطت. وقلنا أن الفرق بين آتى وأعطى: العين والألف والألف هو مجرد هواء يهتز معه الوتران فيكون ألفاً، العين حرف حلقي ومجهور يهتز معه الوتران وله مخرج معيّن فأقوى. فالعين أقوى من اللام ولذلك لما تكلم عن شيء قوي قال (إنا أعطيناك الكوثر) الكوثر شيء عظيم فاحتاج الحرف القوي لكن آتينا وآتنا فيها نوع من الرقة واللين.
آية (37):
*في سورة يوسف قال تعالى (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا (37)) ما الفرق بين يأتِيكما ويأتيَكما؟(د.فاضل السامرائى)
(لاَ يَأْتِيكُمَا) هذا فعل مضارع مرفوع، ولا نافية والضمة مقدّرة، (أَن يَأْتِيكُمَا) هذا منصوب بالفتحة لوجود (أن) الناصبة والأول مرفوع لوجود لا النافية.
*ما دلالة تكرار (هم) في الآية (وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) يوسف) بينما في سورة الأعراف لم يكرر (هم) (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45))؟(د.فاضل السامرائى)(1/54)
نعرف الحكم النحوي لماذا التكرار؟ التكرار يفيد التوكيد. (هم كافرون) آكد من عدم ذِكر (هم). من أهم أغراض التكرار في اللغة التوكيد. إحدى الآيتين مؤكدة والأخرى ليست مؤكدة. نوضح المسألة أولاً في الأعراف (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45)) من دون تكرار. لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله. نأخذ آية شبيهة بها في سورة هود (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)) كرّر (هم). لو لاحظنا الآيتين: زاد على الأولى الإفتراء على الله الكذب (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا) أما في الأولى فما قال وإنما قال (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا). في سورة هود قال (الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) زاد على الأولى الإفتراء على الله الكذب وكذبوا على ربهم. إذن زاد على الصد عن سبيل الله وبغيها عوجاً الكذب على الله هل له درجة واحدة؟ كلا. لو أردنا أن نضع (هم) نضعها في المكان الذي وضعت فيه لأن هؤلاء زادوا الافتراء والكذب على الله فاستحقوا التوكيد.(1/55)
نأتي إلى سورة يوسف: (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)) أيّ الأشد، الكافر أو الظالم؟ الكافر أشد لأن الظالم قد يكون مسلماً. هناك قال (الظالمين) وهنا قال (كافرون) أيهما الأولى بالتوكيد؟ الكافرون أولى فوضع (هم) مع الكافرين.
آية (38):
* انظر آية (6).???
آية (40):
*ما الفرق بين(ما نزّل الله بها من سلطان) فى سورة الأعراف و(ماأنزل الله بها من سلطان)فى سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)(1/56)
أنزل ونزّل قسم غير قليل يفرق بينهما أنه نزّل تفيد التدرج والتكرار وأنزل عامة.لكن الذي يبدو أن الفرق بين نزّل وأنزل أنه نزّل تفيد الاهتمام نظير وصى وأوصى وكرّم وأكرم ففي المواطن التي فيها توكيد واهتمام بالسياق يأتي بـ (نزّل) والتي دونها يأتي بـ (أنزل). نضرب أمثلة: قال تعالى في الأعراف (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71)) وقال في يوسف (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40)) وقال في النجم (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى (23)). ننظر السياق في الأعراف فيها محاورة شديدة ،فيها تهديد، كلام شديد من أولئك كيف تتركنا نترك آلهتنا ونعبد الله فقال (نزّل). في سورة يوسف لم يردّ عليه السجينان وليس فيها تهديد إذن الموقف يختلف عن آية سورة الأعراف فقال أنزل.إذن نزّل آكد وأقوى في موطن الاهتمام أشد من أنزل.
آية (42):
*ما دلالة كلمة (ظنّ) في قوله تعالى في سورة يوسف (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ {42}) ؟(د.فاضل السامرائى)(1/57)
الظنّ هو أعلى درجات العلم وهو الشعور في الذهن الذي يصل إلى أعلى درجات العلم وهذا الظنّ الذي يصل إلى درجة التوكيد كما قال تعالى في سورة الحاقّة (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ {20}).
*ما الحكمة في الآية (فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) يوسف)؟ ما الحكمة في النسيان وبقاء يوسف في السجن سنوات؟(د.فاضل السامرائى)
الشيطان أراد أن يوقع بيوسف ويجعله في السجن لكن الشيطان كان قصير النظر فكان بقاء يوسف أولى وأصلح ليوسف لأنه لو خرج يوسف في حينها ثم رأى الملك الرؤيا إلى من سيرجع؟ فربنا حفظه في السجن فأبقاه مدة أطول لمهمة أكبر حتى يصبح عزيز مصر فأبقاه حتى يسهل الرجوع إليه وإلا أين يبحث عنه في مصر؟ أين يكون؟ فربنا سبحانه وتعالى أبقاه في مكانه لمهمة أكبر وهو نفع العباد ويكون عزيز مصر فلذلك الشيطان ما وّفق وحصل ما فيه مصلحة يوسف.
آية (43):
*متى يستعمل جمع القلة وجمع الكثرة في القرآن الكريم و ما الفرق بين كلمتي (سنبلات) و(سنابل)؟
د.فاضل السامرائى:
القاعدة النحوية أن يكون جمع القلة للقلة وجمع الكثرة للكثرة. مثل (دراهم معدودة) جمع قلة و(دراهم معدودات) جمع كثرة، و(أربعة أشهر) جمع قلة و(عدة الشهور) جمع كثرة، (سبعة أبحر)جمع قلة و(وإذا البحار سُجّرت) جمع كثرة، (ثلاثة آلآف) جمع قلة و(ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) أكثر من عشرة جمع كثرة.(1/58)
ويجوز أن يستعمل القلة للكثرة والكثرة للقلة أما في القرآن قد يُعطى وزن القلة للكثرة والعكس لأمر بليغ. وقد جلء في سورة البقرة (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {261}) سبع جمع قلة استعملت مع جمع كثرة لأنها في مقام مضاعفة الأجور والتكثير. وفي سورة يوسف (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ {43} ) سبع استعملت مع جمع القلة (سنبلات) لأن الآية تتحدث عن حلم ولا مجال للتكثير فيه إنما هو مجرد حلم لذا استعملت بمعنى القلة.
وتستعمل للمقارنة بين معنيين مثل: قيام جمع كثرة وقائمون جمع قلة وكذلك أعين للبصر وعيون للماء، والأبرار جمع قلة وهي تستعمل للمؤمنين فقط (إن الأبرار لفي عليين) والبررة جمع كثرة وهي تستعمل للملائكة فقط لأنهم أكثر (كرام بررة).
وقوله تعالى (دراهم معدودة) مناسبة مع كلمة (بخس) في قوله (وشروه بثمن بخس) في سورة يوسف (أكثر من عشرة فهي كثرة) لكن حتى لو دفعوا أكثر من عشرة دراهم يبقى ثمناً بخساً. وقوله (أياماً معدودات) في آية الصيام في سورة البقرة، قللّها فهي أيام معدودات ليس كثيرة وهنا تنزيل الكثير على القليل، وقد قلل أيام الصيام لكن أجرها كبير.
د.أحمدالكبيسى:(1/59)
كما في قوله تعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ (261) البقرة) و(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ (43) يوسف) رأى الملك رؤيا سبع سنبلات وحدها في الصحراء في حديقة وحدها يعني هي واحدة اثنتان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة في حديقة في صحراء رآها وحدها، أما في قوله تعالى (سنابل) سبع سنابل في حقل من السنبل، سبع سنابل محددة معينة لها ميزة في حقل كبير من السنبل وهي ليست منفردة أو منقطعة وهذا الفرق بين واحد لا يعمل عملاً صالحاً إطلاقاً في حياته كلها عمل سبع عملات هذا سبع سنبلات وواحد من الصالحين يصوم ويصلي وهو ملتزم لذلك حسناته لا حصر لها لكن فيها سبعة في غاية الروعة والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" معناها هؤلاء جزء من كل. حينئذ هذا الكتاب العزيز فيه عجائب وفيه إعجاز لا يمكن لك أن تتصورها إلا أن نبدأ بها واحدة واحدة كما انتيهنا من الكلمة وأخواتها وبدأنا في هذا البرنامج " وأُخر متشابهات" والله سبحانه وتعالى إذا مدّ في أعمارنا يكون لنا شأناً آخر.
آية (45):
* ما دلالة استعمال كلمة (مدّكر) و(ادكر) ولم يستعمل متذكر مثلاً من الذِكر كما يُفهم من المعنى؟(د.فاضل السامرائى)(1/60)
هذا سؤال صرفي يُدرس في الصرف ويسمى الإبدال عندما نصيغ على صيغة (افتعل) وتقلباتها مفتَعل ومفتعِل، والمشهور أن افتعل تأتب بالتاء مثل اختبر واجتهد واشتهر لكن مع بعض الحروف لا تأتي التاء فتُبدل دالاً (مع الدال والذال) مثلاً اذتكر هي صيغة افتعل من ذَكَر والمفروض أن نقول (مذتكر) هذا هو القياس وكذلك ادّعى المفروض أن نقول (ادتعى) على وزن افتعل لكن العرب تستثقل هذا فتُقلب الذال والدال دالاً فيقولون (مدّكر) و(وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يوسف) بمعنى ذكر. وتبدل طاء مع الصاد والضاد مثل (اصطبر) والقياس (اصتبر) بالتاء يبدلون التاء طاء وكذلك اطّلع (اضتلع).
*(وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يوسف) فما دلالة استعمال ادّكر و أمّة هنا؟ (د.فاضل السامرائى)
إدّكر ليست بمعنى تذكّر وإنما هي من ذكر إذتكر على وزن افتعل وليست تفعّل، هي من ذكر وليست من تذكّر وإلا صارت يذّكّر. بعد الزاي والدال تقلب التاء دالاً وتُدغم تُبدل وتُدغم مثل ازتحم تصير ازدحم وازتكر تصير ادّكر وبعد الدال تقلب دالاً.
إدكر معناها تذكر أصلها إفتعل (إذتكر) وهذه تبدل التاء دالاً هنا وجوباً فأُبدلت التاء دالاً فصارت إدّكر. والأمة هي الحين وهو معنى من معاني الأمة ومعانيها كثيرة، الحين أي الزمن. والذين على لسان واحد أو دين واحد يسمون أمة. ادّكر بعد أمة أي بعد حين زمن ليس معروفاًً بالضرورة (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ (8) هود) إلى أمة أي إلى حين، زمن.
آية (47):
*ما الفرق بين العام والسنة ؟(د.حسام النعيمى)(1/61)
العام هو لما فيه خير والسنة لما فيه شر. العلماء يقولون الغالب وليست مسألة مطلقة. لكن في الإستعمال القرآني أحياناً يستعمل (تزرعون سبع سنين دأباً) (ثم يأتي عام فيه يغاث الناس) الزرع فيه جهد في هذه السنين. في قصة نوح (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً) كأن الخمسين عاماً هي الخمسين الأولى عام الأولى من حياته التي كان مرتاحاً فيها وبقية السنين الـ 950 كان في مشقة معهم حتى بلغ أن يقول (ولا يلدوا إلا فاجراً كفّارا) هذه تجربة. هذا الغالب ومن أراد أن يلتزم الإستعمال القرآني يحرص على إستعمال السنة في جدب وقحط والعام لما فيه خير لكن إذا وجد شاعر يستعمل نصاً عن السنة مختلف لا يستغرب.
آية (51):
*(الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ (51) يوسف) ما المقصود بالخيانة في هذه الآية؟ (د.فاضل السامرائى)
من المرجح أن هذا كلام سيدنا يوسف.
آية (62):
*يميل القرآن الكريم إلى حذف ما هو معلوم أحياناً فما الحكمة من ذكر (فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ (63)) في سورة يوسف مع أن هذا الأمر واضح من السياق في قوله (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62))؟(د.فاضل السامرائى)
هم لم يرجعوا بعد وإنما لا يزالون في مصر. لو قرأنا الآية (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي لعلهم يعودون إلى مصر مرة أخرى مرة أخرى يأتون فيمتارون. إذن لعلهم يرجعون إلى مصر مرة أخرى وليس إلى أهلهم فهم لم يعودوا إلى أهلهم فبطبيعة الحال يقول (لعلهم يرجعون).
آية (63):(1/62)
*(فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) يوسف) هل لفظ نكتل هنا فعل أو إسم؟(د.فاضل السامرائى)
هذا فعل نكتل أي نكتال مجزوم هو جواب الطلب، أصلها نكتال مثل نبتع نبتاع وجواب الطلب يكون مجزوماً فحذفت الألف لالتقاء الساكنين فصارت نكتل. ولو كان إسماً لنصبه وقال (نكتلَ).
آية (64):
*(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) الكهف) ، (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا (65) يوسف)ما الفرق؟(د.فاضل السامرائى)
الحدثان يختلفان. الذكر والحذف متعلق بالمقام الذي نتحدث عنه ولطول الحدث أو قلّته ولما كانت البغية لم تكتمل قال (قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ) لأنه كان يبتغي لقاء الخضر، لأن ربنا تعالى أخبر أنه حيث نسيت الحوت هناك ستجده. أما في سورة يوسف هم جاءوا للإمتلاء فأعطاهم الميرة وأرجع إليهم أموالهم فهذا أكثر مما يبغون أما الأولى لم تكتمل البغية لأنه لم ير الشخص الذي يبحث عنه بعد وإنما وصل للمكان فقال (قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ) لما لم تكتمل البغية حذف منها ولما اكتملت لم يحذف وهذا من خصوصية القرآن الكريم.
*ما إعراب كلمة حافظاً في قوله تعالى (فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين)؟(د.فاضل السامرائى)
هذه الآية والآية (سلامٌ قولاً من رب رحيم) وكذلك (كبرت كلمةً تخرج من أفواههم) فيها وجهين إعرابيين: إما أن تكون تمييز أو تكون حال لأن القاعدة النحوية تنص على أن إسم التفضيل إذا كان ما بعده ليس من جنسه يُنصب مثال (أنت أكثرُ مالاً، هو أحسنُ شعراً) وإذا كان ما بعده من جنسه يُضاف. (يقال: أنت أفضلُ رجلٍ، أحسنُ دارٍ).(1/63)
وفي الآية (فالله خيرٌ حافظاً) في سورة يوسف تعني أن حفظة الله تعالى خير منكم بدليل قوله تعالى (ونرسل عليكم حفظة) فكأنه تعالى قارن بينهم (بين إخوة يوسف) وبين حفظة الله (والتمييز أقوى من الحال) لسبب أن الحال قيد لعاملها كأنه خير فقط في هذه الحال من حالة الحفظ أما في التمييزفهي أقوى. ولو قال الله خيرُ حافظٍ فهي تدلّ على أن الله هو الحافظ.
آية (67):
*في سورة يوسف (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ (67)) ما اللمسة البيانية في هذه الدعوة من يعقوب لأبنائه في عدم الدخول من باب واحد؟(د.فاضل السامرائى)
قيل هم عددهم كثير فلئلا تصيبهم العين والعين الحق والرسول ? كان يعوّذ الحسن والحسين بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامّة وكل عين لامّة" فقد يكون هذا وقيل. وقد يكون بشارة حسنة وقربى يعني العزيز يقربه قال يمكن هذا يدعو إلى الحسد ولاحظ أنهم جاءوا بأخ لهم من أبيهم فصاروا أكثر. وقسم قال لا حتى لا يقال أنهم جواسيس قد يُظن بهم مظن سيئ فحتى لا يُظن هذا الأمر طلب منهم التفرق.
آية (68):
* ما هي الحاجة التي في نفس يعقوب (مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا)؟(د.حسام النعيمى)(1/64)
عندنا مبدأ عام في تعاملنا مع كتاب الله سبحانه وتعالى: أيما قضية لم يفصّل فيها القرآن ولم يرد فيها خبر صحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخوض فيها من التكلّف الذي لا يصل إلى نتيجة. فلما قال لنا القرآن الكريم (إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا) أنت ماذا تتخيل الحاجة تخيّلها. البحث فيها تهويمات ليست قاطعة: أنه خاف عليهم من الحسد، خاف عليهم أن الملك يخشى من جمعهم فيدبر لهم شيئاً أحد عشر أخ عصبة هؤلاء، أنهم إذا إجتمعوا يدبرون شيئاً، لا يهم. هذا كلام ليس عليه دليل ولذلك نقول لا ندري ما هي الحاجة. تتخيل ما شئت من هذا الأمر لكن كن واثقاً أن الله عز وجل ما أخبرك عن هذه الحاجة ما هي فتكتفي بهذا القدر. وهذا في أمور كثيرة وعندما يحدثنا علماؤنا عن الصفات كان السلف يمرونها كانوا يمرونها هكذا لا يتحدثون عنها بالتفصيل.
آية (70):
* ما توجيه الآيتين في سورة يوسف (فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ (70) يوسف) (قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ (72) يوسف) وما الفرق بين السقاية والصواع؟(د.فاضل السامرائى)
لما قال صواع الملك أراد أن يبين السقاية لأم الممتارون الذي يكال لهم يعلمون أن هذا مكيال لكنهم لا يعلمون أنه صواع الملك. السقاية والصواع بمعنى وهو جعل السقاية مكيال فأراد أن يبين أن هذه السقاية ليس مجرد سقاية وإنما هذا صواع الملك لبيان أهميته. الصواع هو ما يكال به عموماً. السقاية في الأصل هو ما يُسقى به الملك يشرب به خمراً وكان يستعمل صواعاً للكيل. فهو ليس مجرد سقاية عادية ولو كان عادياًً نأتي بغيره لكن هذا صواع الملك وكما يقولون كان يسقى بها الملك والصواع والصاع يستعمل الآن للكيل الصواع والصاع فهي لها حالتان حالة سقاية وحالة مكيال، حالة سقاية لأنه يسقى بها وحالة صواع وهو ما يكال به.
آية (72):(1/65)
*ما دلالة التذكير والتأنيث في كلمة (صواع) في سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف (قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ {72}) و (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ {76}) فاستخدمت كلمة صواع مرة مذكرة ومرة مؤنثة. وبعض الكلمات تأتي مؤنثّة ومذكّرة فكلمة العاقبة مثلاً تُذكّر إذا استعملت للعذاب وتُؤنّث إذا استعملت للصيحة. في اللغة التأنيث هو للمجاز ويُسمى (مؤنث مجازي).
آية (73):
*ما دلالة القسم بحرف التاء في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
التاء حرف قسم مثل الواو لكن التاء تكون مختصّة بلفظ الجلالة (الله) وتستعمل للتعظيم وقد وردت في ثلاث مرات في سورة يوسف (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ {73} {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85}{ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ {91}) . أما الواو فهي عادة تستخدم مع غير لفظ الجلالة مثل الفجر والضحى والليل والشمس وغسرها مما يقسم الله تعالى به في القرآن الكريم. والتاء في أصلها اللغوي مُبدلةٌ من الواو.(1/66)
*(قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73)) (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ (85)) (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا (91)) (قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ (95)) عندما يُقسِم إخوة يوسف يستعملون تالله فما دلالة هذا القسم؟(د.فاضل السامرائى)(1/67)
القسم بـ (تالله) في القرآن الكريم ليس مختصاً بإخوة يوسف وأصلاً القسم بـ تالله كما يذكر أهل النحو واللغة يفيد التعجب والتفخيم والتعظيم (تالله) يُقسَم بها في الأمور العظام. تالله هي عبارة عن تاء القسم وهي مُبدَلة عن الواو وأصل حروف القسم الباء ثم الواو ثم التاء. كيف عرفنا أن القسم بالباء هو الأصل؟ لأنه يذكر معه فعل القسم (بالله) أو لا يذكر مرة تقول أقسم بالله ولا يضح أن تقول أقسم والله أو أقسم تالله إذن يصح ذكر فعل القسم وعدمه. أقسم بالله معناه أوسع يمكن أن تقول أقسم بالله أو بالله. وتدخل الباء على الضمير (أقسم بك يا رب) وتكون الباء في (بك) باء القسم أما الواو والتاء فلا تدخل على الضمير إذن الباء هي الأصل ثم الواو ثم التاء والتاء مُبدلة عن الواو كما يقولون لأن الواو يقسم بها في كل مقسوم ظاهر والله تعالى أقسم بالواو كما في : والضحى، والليل، والسماء. أما التاء فلم يرد في القرآن بالتاء إلا في الله (تالله) وقليل ورد في غير اللغة بالتاء فتكاد تكون التاء مختصة بالله. قد ترد قليلاً مع غير الله (تحياتك أي وحياتك، تربِّ الكعبة أي وربِّ الكعبة) هذه مفردات قليلة. إذن (تالله) قسم والتاء للقسم وهي من حروف الجر والله لفظ الجلالة مقسم به مجرور. أما السؤال نفسه فالتاء ليست مختصة بإخوة يوسف فقد قال تعالى على لسان إبراهيم (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) الأنبياء) وقال تعالى (تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (27) الشعراء) وأصحاب الجنة قالوا لقرنائهم (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) الصافات) وقال تعالى (تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ (56) النحل) هذه عامة قال تعالى مخاطباً رسوله (تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ (63) النحل) إذن تالله هي ليست مختصة بإخوة يوسف.(1/68)
جاءت في سورة يوسف على لسان إخوته لأنها تفيد التعظيم.*هل من رابط بين القسم ولغتهم؟ لم يخص القسم بلغة معينة وإنما أطلقها من زمن ابراهيم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
آية (75):
*ما دلالة (فهو) في قوله تعالى في سورة يوسف (من وجد في رحله فهو جزاؤه)؟(د.فاضل السامرائى)
الجزاء هو: سيؤخذ بالجريرة إذن هو هي الجزاء.
آية (80):
*ما دلالة الجمع في قوله تعالى (عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) في سورة يوسف؟ (د.فاضل السامرائى)
الإثنين تفسد الجمع حسب كلام العرب ولكنهم في قصة يوسف وإخوته كانوا ثلاثة هم يوسف وأخوه الذي آواه إليه يوسف - عليه السلام - وأخوهم الكبير الذي قال (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ {80}) فهم بالأصل ليسوا اثنين ولكن ثلاثة.
*(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) يوسف) ما اللمسات البيانية في الآية؟(د.فاضل السامرائى)(1/69)
استيأس مبالغة في اليأس يعني حاولوا جهدهم فلم يوافق سيدنا يوسف على أن يأخذ هؤلاء مكان أخيهم. خلصوا أي انفردوا من غيرهم وخلصوا من كل شيء غير هذا الأمر. فلما استيأسوا من سيدنا يوسف خلصوا أي انتهوا من كل شيء وانفردوا من غيرهم ولم يفكروا في أي مسألة إلا هذه المسألة. نجياً تحتمل عدة معاني، نجياً النجي هو السر (مصدر) وجماعة تأتي أيضاً نجيّ مثل الصديق يأتي مفرد ويأتي جمع والعدو يأتي مفرد ويأتي جمع والنجي يأتي مفرد ويأتي جمع. فإذن النجي تحتمل المصدر وتحتمل الجمع، نحن نفهم المعنى إما أنهم استيأسوا ثم انفردوا من كل شيء وخلصوا من ذواتهم وتحولوا إلى نجوى تحولوا إلى مصدر بقدر ما كان الأمر يهمهم تحولوا إلى نجوى لم يبق شيء من ذواتهم إلا هذه المسألة فكأنما تحولوا إلى حدث، هذا إذا كانت بمعنى المصدر مبالغة في هذا الأمر. وإما أن يكونوا هم جماعة والنجوى هي السر، جماعة خلصوا إلى هذه المسألة جماعة تحولوا إلى نجوى فيكون معنى الجمع ومعنى المبالغة لأنهم تحولوا إلى نجوى، مبالغة في استيأس ومبالغة في خلصوا ومبالغة في نجياً. نجياً من التناجي.
* ما هي الظروف المقطوعة؟(د.فاضل السامرائى)(1/70)
النحاة يذكرون ثلاث حالات: إما مقطوع عن الإضافة لفظاً ومعنى (هذه نكرة) فساغ لي الشراب وكنت قبلاً أكاد أغص بالماء الزلال. (قبلاً) ظرف مقطوع عن الإضافة لفظاً ومعنى، نكرة. ونحن قتلنا الأسد أسد خفية فما شربوا بعداً على لذة خمراً. هذا مقطوع لفظاً ومعنى. وهناك ظروف مقطوعة لفظاً وهذا قليل عند النحاة هذا لا ينوّن ويعامل كأن المضاف إليه مذكور، يأخذ حكمه الإعرابي ويعامل كأنما سقط من الكلام مثل: ومن قبل نادى كل مولى قرابته فما عطفت مولى عليه العواطف (من قبل) كلمة ساقطة تبقى على حالها. رأيته قبل ذلك، هذا قليل ليس قياساً يجب أن يكون هنالك دليل يدل على الكلمة الساقطة هذا يسمى مقطوع عن الإضافة لفظاً. وهناك مقطوع عن الإضافة لفظاً ونُوي معناه يحذف المضاف إليه ويُبنى على الظن دائماً (لله الأمر من قبل ومن بعد) هنا المعنى مفهوم، (وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ (80) يوسف) هذا مقطوع لفظاً مفهوم معنى وهذا عند النحاة معرفة ويُعرب مبني على الضم. لما نقول سقط من فوقُ أي من فوق معلوم أما سقط من فوقٍ أي من مكان عال لا تعرف من أين. إذن (وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ) يقصد فترة زمينة محددة، (لله الأمر من قبل ومن بعد) فترة زمنية محددة، كجلمود صخر حطه السيل من علِ لا يعرف مكانه ولو قال من علُ يجب أن يكون المكان محدداً. هذا يشبه بالمنادى (يا رجلُ) يبني على الضم، رجل نكرة مقصودة. لما تقول يا رجلُ أي هناك رجل محدد تناديه. الظروف المقطوعة إذن ثلاثة: المقطوع لفظاً ومعنى، المقطوع لفظاً لا معنى والمقطوع لفظاً ونُوي المعنى.(1/71)
السامرائى:في سورة يوسف (فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)) من هذه الآية نستنتج أن أخا يوسف قال لإخوته أن يقولوا هذا الكلام لأبيهم لكن جاء الرد مباشرة من يعقوب واختزلت الآيات الزمن؟ هذا كثير في القرآن. في القرآن يحذف المشاهد التي ليس فيها كثير فائدة ويركز فيها على الأشياء التي فيها فائدة .هذا اسمه اختزال، حذف المشاهد.
آية (81):
*( ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ (81) يوسف) (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي (93) يوسف) ما الفرق بين ارجعوا واذهبوا؟ وما دلالة استخدام صيغة الجمع مرة (يا أبانا) والمفرد مرة (أباكم)؟(د.فاضل السامرائى)(1/72)
لو قال ارجعوا بقميصي كان معناه أن القميص كان معه، مثل (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) النمل)، إرجع به يعني احتمال أن القميص كان معه، هم يرجعون لكن القميص لم يكن معهم قال اذهبوا بقميصي. (ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا (81) يوسف) قال ارجعوا إلى أبيكم من حيث المعنى هو رجوع لكن قال اذهبوا بقميصي حتى لا يوهم أن القميص كان معهم قال (اذهبوا به) الذهاب به ليس معناه كان معهم أما ارجعوا به معناه كان معهم. (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي (93)) قميصي وأبي تعاطف بينهما حتى يعود بصيراً ولو لم تكن هذه العلاقة كيف يرجع بصيراً؟ علاقة التعاطف. لما قال ارجعوا قال أبيكم ولما قال بقميصي قال أبي، نفس الضمير، قميصي – أبي، ارجعوا – أبيكم، تناسب دقيق.
سؤال: هل هنالك قديماً مؤلفات بيانية بلاغية في هذا الموضوع؟
أولاً كتب التفسير التي تعني بهذه الأمور موجودة مثل الكشاف وقبله كتب كثيرة، كتب التفسير المتأخرة مثل الرازي والبحر المحيط والألوسي في كتب التفسير وكتب المتشابه مثل درة التنزيل وملاك التأويل والبرهان في متشابه القرآن للكرماني كشف المعاني وكتب الإعجاز مثل معترك الأقران للسيوطي يبحث في الأمثلة وكتب علوم القرآن مثل البرهان في علم القرآن للزركشي والاتقان للسيوطي نفسها فيها اختيارات من هذا الأمر كثير وكثير من كتب البلاغة تأخذ أمثلة كشواهد، كتب متفرقة متعددة وهذا العلم واسع.
هذا العلم واسع وليس في مقدور كل إنسان أن يبحر في هذا العلم؟(1/73)
هي الآلة إذا سلك الآلة يصل إلى ما هو أفضل لأن القرآن لا تنقضي عجائبه والاستنباط قائم وقال تعالى (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء) فالذي يتخذ الوسيلة ربنا يفتح عليه ولا شك أن الإنسان إذا ازداد تدبراً وتأملاً في القرآن يفتح ربنا سبحانه وتعالى عليه أضعاف ما صرفه ويفتح عليه فتوحات.
سؤال: في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا بحاجة لهذا العلم ولكننا نحتاج إليه.
آية (84):
*ما الفرق بين الحزن والأسى؟(د.أحمد الكبيسى)
الحزن على شيء مؤقت فاتك شيء محبوب فاتتك وظيفة فاتك مرتب صديق سافر وسيعود كل شيء تحزن عليه حزناً مؤقتاً وسوف ينتهي هذا الجزن قريباً إما بعودة الغائب أو بنجاح بعد رسوب أو بغنى بعد فقر، صفقة تجارية خسرت ثم بعد يومين تربح. كل شيء قريب سريع التغيير يسمى حزناً (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ {84} يوسف) تصوّر بلغ من شدة الحزن إلى أن عيونه ابيضّت ومع هذا قال حزن ما قال آسى لماذا؟ لأن رب العالمين أخبر يعقوب عليه السلام بأن هذا مؤقت ويوسف سيرجع وسيصبح رئيس وزراء مصر والخ كما الله قال على سيدنا يوسف (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {15} يوسف) وهو في الجُبّ فسيدنا يوسف وسيدنا يعقوب يعلمون أن هذا الكلام قريب هذا كان حزن لأنه قريب.
آية (85):
*ما اللمسة البيانية في اختيار كلمة (تفتأ) في سورة يوسف (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85})؟(د.فاضل السامرائى)(1/74)
في سورة يوسف قال تعالى على لسان إخوة يوسف مخاطبين أباهم يعقوب (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85}). استخدمت كلمة (تفتأ) هنا بمعنى لا يزال وهي من أخوات كان (ما انفك، ما برح، ما زال، ما فتيء) ما زال تدل على الإستمرار والدوام (نقول ما زال المطر نازلاً) لكن يبقى السؤال لماذا اختار تعالى كلمة (تفتأ) دون غيرها من أخواتها التي قد تعطي نفس المعنى من الإستمرار والدوام؟ ونستعرض معنى كلمة فتيء في اللغة: من معانيها (سكّن) بمعنى مستمر لأنه عندما لا يسكن فهو مستمر، ومعناها أطفأ النار (يقال فتيء النار) ومن معانيها أيضاً نسي (فتئت الأمر أي نسيته). إذن كلمة (فتأ) لها ثلاثة معاني سكّن وأطفأ النار ونسي. وفاقد العزيز سكن بمجرد مرور الزمن فمن مات له ميت يسكن بعد فترة لكن الله تعالى أراد أن يعقوب لا ينسى ولا يكفّ بدليل قوله تعالى (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ {84})، وفاقد العزيز كأنما هناك ناراً تحرق جنبيه ويقال (حرق قلبي) والنار التي بين جنبي يعقوب - عليه السلام - لم تنطفئ مع مرور الأيام ولم تزل النار ملتهبة مستعرة في قلب يعقوب - عليه السلام - ، وهو لم ينسى وفاقد العزيز ينسى بعد فترة ولذا يدعو له المعزّون بالصبر والسلوان. إذن تفتأ جمعت كل هذه المعاني المرادة هنا في الآية ولا يؤدي أي لفظ آخر هذه المعاني مجتمعة غير هذه الكلمة. والقرآن الكريم لم يستعمل هذه الكلمة إلا في هذا الموضع في سورة يوسف واستعمل (يزال ولا يزال) كثيراً في آيات عديدة (ولا تزال تطّلع على خائنة منهم).
واستخدام كلمة حرضاً في الآية تدل على الذي يمرض مرضاً شديداً ويهلك.(1/75)
ومن الغريب أن القياس أن يُقال (لا تفتأ) لأن استعمالها نفي أو شبه نفي. وهذه من مواطن النفي ولم تحذف الـ(لا) في جواب القسم إلا في هذا الموطن في القرآن الكريم فهذه هي الآية الوحيدة التي وقعت في جواب القسم منفية ولم يذكر معها اللام ففي عموم القرآن عندما يكون القسم منفياً يأتي باللام (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لآيبعث الله من يموت) إذن من الناحية النحوية هناك خياران : إما ذكر اللام أو حذفها. فمن الناحية النحوية إذا كان جواب القسم فعل مضارع لا بد أن يكون باللام مع النون مثل (تالله لأكيدنّ أصنامكم) وإما مع اللام إذا اقتضى حف النون. لا بد في جواب القسم المثبت أن تذكر اللام سواء مع النون او بدونها. وعندما لا تذكر اللام فهذا يدل على النفي ولا يكون مثبتاً إلا بذكر اللام مع الفعل المضارع . إذا لم تأتي بـ (لا) فهو نفي قطعاً كقول الشاعر:
رأيت الخمر صالحة وفيها مناقب تُفسد الرجل الكريما
فلا والله أشربها حياتي ولا أشفي بها أبداً سقيما
(فلا والله أشربها حياتي) بمعنى لا أشربها قطعاً. وقولنا (والله أذهب) يعني لا أذهب. فقد ورد قوله تعالى (فلا وربّك لا يؤمنون) لم تحذف الـ(لا) هنا ونسأل عن السبب؟ لماذا حذف الـ(لا) في الآية؟ لأن هذا القول قاله إخوة يوسف لكن هل هم أقسموا على أمر يعلمونه حق العلم ؟ كلا هم أقسموا على أمر يتصورونه فالأمر إذن ليس مؤكداً ولم يحصل أصلاً فالذكر آكد من الحذف ولذا لم تذكر (لا) في جواب القسم ولقد جاء في الآية ما يفهم المعنى بدون الحاجة لذكر (لا) ولأن الذكر آكد من الحذف ولأن الأمر ليس مؤكداً عند إخوة يوسف. وهذا ما يُعرف بالتوسّع في المعنى في القرآن الكريم.
*(قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) يوسف) محذوف حرف النفي (لا) (تالله لا تفتأ) فلماذا؟(د.فاضل السامرائى)(1/76)
القاعدة أنه إذا كان فعل مضارع مثبت لا بد من حرف اللام فإن لم تذكر اللام فهو منفي مثال: والله أفعل (معناها لا أفعل) و والله لأفعل (معناها أثبّت الفعل) فلماذا حذف إذن؟ هذا هو الموطن الوحيد في القرآن الذي حُذف فيه حرف النفي جواباً للقسم. وقد جاء في القرآن قوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) النساء) (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) النحل). إنما آية سورة يوسف هي الوحيدة التي تفيد النفي ولم يذكر فيها حرف النفي لماذا؟ الذين أقسموا هم إخوة يوسف ومن المقرر في النحو أن الذكر يفيد التوكيد والحذف أقل توكيداً. فعلى ماذا أقسموا؟ أقسموا أن أباهم لا يزال يذكر يوسف حتى يهلك فهل هم كتأكدون من ذلك؟ أي هل هم متأكدون أن أباهم سيفعل ذلك حتى يهلك وهل حصل ذلك؟ كلا لم يحصل.
في حين في كل الأقسام الأخرى في القرآن الأمر فيها مؤكد. أما في هذه الآية لا يؤكد بالحذف لحرف النفي مع أنه أفاد النفي.
فتأ: من معانيها في اللغة نسي وسكّن وأطفأ النار يقال فتأت النار والإتيان بالفعل (فتأ) في هذه الآية وفي هذا الموطن جمع كل هذه المعاني. كيف؟ المفقود مع الأيام يُنسى ويُكفّ عن ذكره أو يُسكّن لوعة الفراق أو نار الفراق في فؤاد وفي نفس من فُقد له عزيز. ولواختار أي فعل من الأفعال الأخرى المرادفة لفعل فتأ لم تعطي كل هذه المعاني المختصة في فعل فتأ.
آية (88):
*ما الفرق بين كلمة (المصّدقين) و(المتصدقين)؟(د.فاضل السامرائى)(1/77)
قال تعالى في سورة يوسف (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ {88}).
الأصل في كلمة المصّدقين هي المتصدقين وأُبدلت التاء إلى صاد مثل تزمّل ومزّمل وتدثّر ومدّثّر يجوز إبدال التاء مع الدال والصاد. كلمة المصّدّقين فيها تضعيفان تضعيف في الصاد وتضعيف في الدال أما المتصدقين ففيها تضعيف واحد في الدال والتضعيف يفيد المبالغة والتكثير مثل كسر وكسّر. إذن المصّدّقين فيها للصدقة والتكثير فيه من حيث المعنى العام.
ونأتي للسؤال لماذا ذكر (المصّدّقين) في آية سورة الحديد بينما استخدم المتصدقين في سورتي الأحزاب ويوسف؟ في سورة يوسف جاء في الآية (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) فناسب ذكر المتصدقين لأن إخوة يوسف طلبوا التصدق فقط لم يطلبوا المبالغة في الصدقة وهذا من كريم خلقهم فطلبوا الشيء القليل اليسير هذا أمر والآمر الآخر أنه قال تعالى (والله يجزي المتصدقين) فلو قال (يجزي المصّدّقين) لكان الجزاء للمبالغ في الصدقة دون غير المبالغ وهذا غير مقصود في الآية أما عندما يقول (يجزي المتصدقين) يجزي المُقِلّ والمُكثِر فيدخل فيها المصّدّقين) وهذا ينطبق أيضاً على آية سورة الأحزاب. نأتي لماذا قال تعالى (المصّدّقين) في آية سورة الحديد؟ لو لاحظنا سياق الآيات في سورة الحديد نجد أن الآيات فيها اشتملت على المضاعفة والأجر الكريم وهذا يتناسب مع المبالغة في التصدق ويتناسب مع الذي يبالغ في الصدقة. ثم إن سورة الحديد فيها خط تعبيري واضح في دفع الصدقة والحث على دفع الأموال في السورة كلها .(1/78)
*ما الفرق بين قول يوسف ? (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)) وقول يعقوب ? (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98))؟(د.حسام النعيمى)
بعض اللجان التي تشرف على طبع المصحف تجتهد في أماكن الوقف في قوله تعالى (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ/ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)) كان بودّنا أن يكون هنا وقف (اليوم) ولكن الإشارة الموجودة جواز الوقف والوصل والوصل أولى لكن وصل الآية كاملة ((قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92))) تقرأ جميعاً لكن كما قلت بودّنا أن يكون الوقف على اليوم يعني (لا بأس عليكم اليوم) ثم قال يغفر الله لكم يغفر الله لكم ليس خبراً عن المغفرة وإنما دعاء بأن يغفر الله تعالى لهم. يغفر الله بالفعل المضارع ليس وعداً بالمغفرة وإنما هو دعاء تعني أنا رحمتكم بأن تنازلت عن حقي ولكن الله عز وجل أرحم الراحمين فأسأله أن يغفر لكم. كما إذا توفي فلان يقال رحمه الله وهي دعاء وليس خبراً. يعقوب بعد ذلك لما جاءوا معه (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)) قال (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)) يعقوب وعدهم بالإستغفار أما يوسف فدعا لهم إبتداء أن الله يغفر لهم.
آية (90):
*ما هي الحكمة من عدم إنزال العقاب بإخوة يوسف بعدما فعلوا به ما فعلوه؟(د.حسام النعيمى)(1/79)
الله تعالى أرحم الراحيمن. أولاً هم لم يرتكبوا جرماً يقتضي عقوبة لما رموه في الجب لم يكن قتلاً وإنما شروع في القتل عقوبته تعزير ليس الحدّ وهو رحم إخوته وهذا درس لنا أن نكون رحيمين بأرحامنا وبمن نعرف من إخواننا من المسلمين وحتى من جيراننا من غير المسلمين.
*ما اللمسة في ذكر (وهذا أخي) في الآية (قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي (90) يوسف) مع أن إخوة يوسف يعرفون أخاهم بنيامين؟(د.فاضل السامرائى)
يعني هذا أخي عرفته كما عرفتكم وأنتم لم تعرفوني هم دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون. عرفته لا لأنكم قلتم أنه أخوكم وأنتم لم تخدعوني كما حاولتم أن تخدعوا أباكم جئتم بقميص وقلتم أكله الذئب، نأتي بشخص لا يعرفه يوسف ونقول هذا أخوكم ولا يعرف يوسف لأن أباهم لا يتحمل أن يأخذ الآخر نأت له بشخص لا يعرفه يوسف فنقول له هذا أخوك فمن أين يعرفه هو كما فعلتم مع أبيكم وقلتم أكله الذئب وحاولا أن يخدعوه. لا تتصوروا أنك خدعتموني وأنا عرفته هو أخي فعلاً عرفته بنفسي أنا أعرفه كما عرفتكم أنتم قبل أن تعرفوني بأنفسكم أنا عرفتكم بنفسي. لو جاءوا بشخص آخر وقالوا أبانا لا يتحمل ويأتوا بحمل بعير كان ممكناً أن يفعلوا هذا لكنه لن ينطلي على يوسف لأنه يعرفه كما عرف إخوته. أنتم لن تخدعوني وجئتم بشخص آخر علماً أنه كان ممكناً أن يفعلوا ذلك وقد فعلوه قبل ذلك مع قميص يوسف.
آية (91):
*فى سؤال عن دلالات الحروف فى اللغة العربية: (د.فاضل السامرائى)
اللغة الانجليزية إنما هي لغة أولية يعني جهاز قديم غير متطور بالنسبة بالعربية وأي واحد منصف يعلم اللغتين يتضح له هذا الأمر(1/80)
ثم نلاحظ هناك خط بياني في المعاني، محمدٌ يحضر، لمحمدٌ يحضر (آكد قليلاً)، إن محمد ليحضر (آكد أكثر لأن جئت بـ (إن) واللام، إنّ محمداً يحضر (هذه آكد لأنك جئت بإنّ المشددة)، إنّ محمداً ليحضر، إنّ محمداً ليحضرنُ (أكد الإسم والفعل بالنون الخفيفة)، إن محمداً ليحضرنّ (آكد بالنون الثقيلة)، إنه محمد ليحضرن (هذا ضمير الشأن)، هذا خط بياني في الدلالة على المعاني واللغة تعبير عن المعاني. ربنا تعالى قال (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) الحجرات) وقال (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) الحجرات) وقال (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165) الأنعام)، وقال (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) يوسف) وقال (قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) يوسف) لأن المخاطب ليس بمنزلة واحدة، يخاطبون شخصاً متأثر أكثر من الآخر فكل واحد خاطبوه بمقدار لما كان أبوهم في حالة فقد بصره وحزن أكدوا (إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) أما يوسف فصار العزيز فقالوا له (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ).
آية (92):
*ما الفرق بين استغفار يوسف لإخوته واستغفار يعقوب لأبنائه في سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)(1/81)
قال الله تعالى على لسان يوسف - عليه السلام - (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {92}) وقال على لسان يعقوب - عليه السلام - (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {98}) ولو نظرنا في سياق الآيات وموقف إخوة يوسف معه لوجدنا أنهم قالوا (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ {91}) هم لم يسألوه المغفرة وإنما هو الذي دعا لهم بالمغفرة دون أن يسألوه حتى أنهم لم يذكروا الخطيئة التي ارتكبوها بحق يوسف كما فعلوا مع أبيهم (وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ) وإنما جاءت (إن) مخففة. أما مع أبيهم قالوا (قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ {97}) وجاءت (إنّا) مشددة الإقرار بالخطيئة آكد في توجيه الكلام مع أبيهم. ويعقوب - عليه السلام - لم يستغفر لهم ولكن وعدهم بالإستغفار لأن فعلتهم مع يوسف لم تكن عاقبتها على يوسف كما كانت على أبيهم فيوسف - عليه السلام - أصبح عزيز مصر وبيده الأمر والنهي أما تأثير فعلة إخوة يوسف على أبيهم فكان أعظم لأنه أُصيب بالعمى والأسى والحسرة على ولده ولا يزال قلب يعقوب - عليه السلام - فيه أسى وفي نفسه شيء كثير من الحزن والأسى لذا أجّل الإستغفار في قوله (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {98}) سوف يعني للمستقبل، سوف أبعد من السين وآكد هذا يدل على عمق هذه الفعلة وشدتها في نفسه.(1/82)
طلبوا منه أن يستغفر لهم (يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا) فقال (سوف) أما يوسف لم يطلبوا منه الاستغفار فقال (يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ) كأنها هذه الفعلة جرّت على أخيهم خيراً فصار عزيز مصر لكن جرّت على أبيهم الحزن فلا شك أن أثرها على أبيهم أشد من أثرها على يوسف فتكلموا بالأثر الناتج عن الفعلة لأنه استفاد من فعلة إخوته معه.
آية (93)-(96):
*انظر آية (18).???
*انظر آية (81).???
*ما الفرق بين يأت ويرتد في سورة يوسف (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)) (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96))؟(د.حسام النعيمى)(1/83)
هي وردت في مكانين (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)) (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يأتي من أتى - يأتي هي في الأصل بمعنى جاء مع فارق بين المجيء والإتيان يتناسب مع الجيم. لاحظ هذه الجيم والألف والهمزة، أتى: الهمزة والتاء والألف الذي يقابل التاء والجيم. الجيم انفجاري، مجهور، قوي. التاء انفجاري، مهموس. فالإتيان أخف من المجيء، المجيء يحتاج إلى قوة، إلى جهد (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي) والقميص قميص يوسف وليس قميصاً توارثه عن الأنبياء من قبله كما يقول بعض الناس فهو قميصه لأن عادة بعض الناس ملبسه يكون له رائحة معينة، رائحة جسمه فممكن أن تعرف من أولادك هذا القميص لفلان أو لفلان من رائحته، ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) إذا ألقوه على وجهه سيكون بصيراً وسيأتي إلي في هيئة مبصرة سيأتي بشكل هادئ. يقوّي هذا المعنى أنه يراد به المجيء إليه بأنه يأتي وهو مبصر لأنه قال بعد ذلك (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ) فعطف عليه أتوني وعناه أنه سيأتي إلي مبصراً.
((1/84)
فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ) وجاء بكلمة جاء لأنه بذل جهداً في المسير فمجيء هذا البشير كان فيه جهد حتى يأتي إلى والد يوسف مسرعاً لأنه بذل جهداً في السرعة (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ ) كأنه يدخل عليها الاستقبال فوصل وأدخلها على الماضي، (أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا) ارتد بمعنى رجع إلى حاله الأولى. ارتد هو يعقوب أي رجع مبصراً فالفاعل في الحالتين هو سيدنا يعقوب يأتي بصيرا أي يعقوب وفارتد بصيرا وليس نظره فيعقوب ارتد بصيرا أي رجع بصيرا فالردة هي العودة إلى الحال الأول ومنه المرتدون لأنهم رجعوا عن الإسلام إلى الكفر وإلى ما كانوا عليه. فارتد بصيرا أي رجع إلى ما كان عليه من الإبصار. هنا قد يقول قائل ما الداعي؟ كان من الممكن أن يدعو يوسف - عليه السلام - الله تعالى أن يعيد البصر إلى أبيه لأن القميص لا يؤدي شيئاً وليس فيه علاج لكن كأن القرآن الكريم يريد أن يعلمنا من تصرفات هؤلاء الأنبياء أن الأمور ينبغي أن تكون بأسبابها، ينبغي أن نقدم أسباباً، أن تكون هنالك مادة معينة كأنها علاج حتى لا يجلس الإنسان وهو مريض لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "تداووا فإن الله سبحانه وتعالى ما جعل داء إلا جعل له دواءً إلا الهرم" حتى لا يتكل الإنسان ويقول أن الله تعالى هو الذي يشفيني. صحيح إبراهيم عليه السلام قال (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ {80} الشعراء) هو يشفيني بسببٍ من الأسباب كما أنه شفى يعقوب بسبب قميص يوسف ابنه فهنالك سبب صحيح أن القميص ليس ذلك العلاج الطبي فهو قماش سقط على وجهه فما علاقته بالإبصار؟.
مداخلة من المقدم: وبخصوص هذا الموضوع هنالك بحث مؤخراً بخصوص علاج بعض أمراض العين بالعرق و الباحث الدكتور عبد الباسط من المركز القومي للبحوث قال هذا الكلام وكان مرجعه هذه الآية فأخذ العرق وحلله في مختبرات ومعامل وتوصل إلى مادة تعالج بعض أمراض العين.(1/85)
تعليق الدكتور حسام: هذا كله كلام جيد نحن لا نعترض عليه لكن نقول هذا الدين يبنى على الحقائق اليقينية فهذا دين علم وليس دين تهويمات بحيث أنك إذا ذكرت أمراً تستدل به ينبغي ألا يكون هنالك مجال لنقضه لأنك تستدل بدين الله. نحن نقول هذا دين الله منهج حياة انظروا أي منهج في الدنيا يقيم حياتكم على الخير والسعادة في الدنيا والآخرة اءتونا به. إسلامنا يقيم حياتكم على الخير، ينظمها بنقاء ونظافة وسعادة في الدنيا والآخرة. وهذه أدلة لكن عندما يكون هنالك شيء فيه مجال علمي غير قابل للنقض. فهذا الكلام ممكن أي واحد وهو جالس في المقهى يقول لك يا أخي من مصر إلى سيناء هذا القميص يركض به هذا الرجل فمن أين يبقى عرق فيه؟ من أين تبقى قطرات فيه؟ ألم تجففه الشمس؟ فما دام هناك اعتراض أنا لا أحتج بهذا فديننا أسمى من هذا. في الحقيقة مع إجلالي وتقديري لكل المشتغلين بالإعجاز العلمي أنا أجلهم وأحترمهم لكن ينبغي أن نضع نصب أعيننا هذا أنه لا يكون ما نقدمه عرضة للاعتراض حتى في اللغة نحن عندما نقول هذا الحرف كذا وهذا الحرف كذا ليعترضوا علينا أنا عندما أقول هذا الصوت مجهور الدنيا كلها في كل لغات الدنيا هذا مجهور وليس مهموساً فعندما أقول مهموس يعني هذا مهموس والمجهور أميز من المهموس لأن المجهور يصحبه اهتزاز وترين. فعندما نقدم شيئاً نريد أن نقدم شيئاً لا مجال فيه للنقض وإلا نرجع إلى كونه منهج حياة هذا نظام اجتماعي ونظام أخلاقي ونظام سياسي ونظام اقتصادي ونظام ديني ونظام روحي. هذا إسلامنا هو هكذا وفيه هذه الأمور فنتجنب تجنباً كلياً حقيقة الأمور غير الحاسمة، غير القاطعة لأنه يأتي من يعترض.(1/86)
فهذا حقيقة أمر حاسم أنه ينبغي أن نتخذ أسباباً وإن كانت هذه الأسباب في ظاهرها يسيرة كما قلنا في مرة ماضية عندما يقول لمريم عليها السلام ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا {25} مريم) الرطب لا يأتي لوحده، هزي جذع النخلة وهل تستطيع أن تهز جذع نخلة هل تستطيع أن تهز غصناً وهي ولدت حديثاً؟ هي مجهدة متعبة وقد كان يأتيها رزقها وهي قوية من غير أسباب فالله سبحانه وتعالى يؤتي الرزق من غير سبب لكن الأصل الأسباب تضع يدها على النخلة، تدفع النخلة، تهتز النخلة لا بقوتها وإنما بأمر الله سبحانه وتعالى فتساقط الرطب عليها وتأكل. ويقول الله سبحانه وتعالى (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ {42} ص) وهذه نحن شرحناها حتى لا يظنون أنه يجري. و(اركض) هنا بمعنى إرفس أي إرفس الأرض والتراب برجلك حتى تخرج عين الماء. ففرج الله يأتي بأقل سبب يتبعه الإنسان فلا بد من سبب ومعه الدعاء والدعاء أيضاً سبب فالإنسان يدعو ويبذل ويتحرك وقد قلنا (الطير تغدوا خماصاً وتعود بطاناً) فهي ما جلست في عشها بل تخرج وتسعى وتتخذ الأسباب.
واللافت للنظر في هذه الآية الكريمة (يَأْتِ بَصِيرًا) ( فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا) فلدينا أتى وجاء وارتد كلها ربما تدور في فلك دلالي واحد بمعنى الحضور أو الإتيان مع أن الفاعل واحد في حالتين وهو مع سيدنا يعقوب عليه السلام وجاء البشير فلماذا ثبت الفاعل وتغير الفعل؟
((1/87)
يَأْتِ بَصِيرًا) لأنه فيه معنى المجيء الذي لم يشأ أن يجعل فيه قوة أو جهداً أو تعباً كأنه يريد منهم ألا يتعبوه أي يأتي بصيراً (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ) أي تأتونا بهيئة الذي لا يجهد نفسه ويتعب. لأن قلنا أتى وجاء معناهما متقارب المجيء فيه جهد كالجهد المبذول في إخراج الجيم أكثر من الجهد المبذول في إخراج التاء لأن كلاهما شديد: الجيم والتاء والجيم فيه إضافة اهتزاز الوترين الصوتيين فمن هنا جاءت كلمة أتى ويأتي وقال (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ) ما قال جيئوني بأهلكم لأنه لا يريد أن يثقل عليهم. فالمجيء فيه ثقل ولم يرتد بصيرا لأن ارتد فيه رجوع وهو يريد أن يأتي إليه. لو قال يرتد بصيراً أي في مكانه أين معنى المجيء؟ هو يريد معنى الإتيان إليه قال ألقوه على وجه أبي يأتي إلي وهو مبصر واءتوني ببقية أهلكم. هذا الإيتاء ولابد أن يقول ارتد بمعنى رجع إلى حاله الأول ولا تصلح كلمة أخرى ويقصد يعقوب وليس البصر فرجع يعقوب عليه السلام بصيراً، رجع ذا بصرٍ، كان غير ذي بصر، كان أعمى فرجع مبصراً فارتد يعقوب بصيراً ولا تستقيم غير كلمة ارتد هنا. فلو قال صار بصيراً كأنه لم يكن بصيراً من خِلقته ثم صار بصيراً. حتى كلمة أصبح تعطي نفس معنى صار فيه نوع من التحول بينما ارتد أي رجع إلى حاله..(1/88)
والذي يقول أن القرآن فيه تكرار وأن فيه أحرف متشابهة يصح أن يوضع بعضها مكان بعض هذا يدل على قلة معرفة بالعربية وقلة معرفة بتاريخ القرآن وتاريخ الإسلام فلو كان هذا الذي يقولونه صحيحاً كما قلت مرة لطار المشركون به وقالوا هذا الكلام ليس دقيقاً، ليس صحيحاً، هذا ممكن أن نعترض عليه لكن سكوت فصحاء العرب أمام القرآن ليس إسكاتاً من الله سبحانه وتعالى وإنما بسبب القرآن نفسه فالقرآن هو الذي ألجمهم وليس كُن فيكون لأن هذا الدين لم يتعامل معه رب العزة بكلمة كن فيكون حتى مع أشرف خلقه جعله يتحرك ويذهب ويصلي في الليل وتتفطر قدماه ويذهب على المكان الفلاني ويسقط في الحفرة في المعركة وتدخل في وجنته الشريفة الحديدة وتكسر رباعيته ولا يوجد كلمة كُن هنا. ففي هذا الدين التطبيق العملي فهذا الدين ليس دين كسالى ونائمين ينتظرون النصر من الله كأنه يشغل الله سبحانه وتعالى جندياً عنده- وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- اللهم أغرق سفنهم احرق ديارهم، يتّم أولادهم...الخ ما هذا الكلام؟ أنت ينبغي أن تجتهد وأن تبني بلادك وعند ذلك تقف في وجه أعداء الإسلام فاعمل أنت، ابني كيانك بناءً سليماً علمياً صالحاً وعند ذلك تقف في وجه كل هؤلاء الطغاة وكل هذا الطغيان القادم من وراء البحار. وهذا التأمل في كتاب الله عز ومراجعة العلماء ومراجعة المصادر الموثقة في هذا كما قلنا مراجعة أهل العلم الموثقين يؤدي بنا إلى هذا الاطمئنان والاستقرار إلى ما في كلام الله سبحانه وتعالى،وفي آيات متتالية يأتي وجاء واتوني فارتد وكلها تدور في فلك دلالي واحد ولكن كل واحدة في مكانها لا يصلح غيرها فكل كلمة عاشقة مكانها في القرآن.
* ما اللمسة البيانية في ذكر (أن)في آية سورة القصص وما دلالتها مع أنها لم ترد في في قصة لوط آية سورة هود وكذلك في آية سورة يوسف؟(د.فاضل السامرائى)
((1/89)
أن) هذه عند النُحاة زائدة إذا وقعت (أن) بعد لما فهي زائدة أي لا تؤثر على المعنى العام إذا حُذفت.
لكن الملاحظ هو قوله تعالى (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)) فصل بين الفعل وبين (لمّا) (ومعنى لمّا أي في الوقت الذي قرر فيه وقسم يرى أنها حرف وقسم يرى أنها ظرف لكن هي زمنية وتُسمى حينية أي حينما) نلاحظ أنه فصل بين بين لمّا والفعل وهذه الظاهرة موجودة في القرآن وهي في الآية في سورة القصص تدل على أن موسى - عليه السلام - لم يكن مُندفعاً للبطش فجاءت (أن) للدلالة على أنه لم يكن مندفعاً وللدلالة على الفاصل في الزمن وهي ليست كالحالة الأولى (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)) استخدم الفاء للدلالة على الترتيب والتعقيب أما في هذه الآية فدلّت على التمهل والتريث..
في قصة يوسف:(1/90)
في سورة يوسف (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)) ذكر (أن) مناسب لقوله تعالى (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)) الآن يعقوب - عليه السلام - في حالة ترقّب وانتظار ففصل بينهما مناسباً لحالة الشعور بالانتظار والترقب التي كان عليها يعقوب - عليه السلام - وهذه الحالة لاحظها القدماء فقالوا أن هذا الفصل لأنه كان ينتظر ويترقب ولا شك أن الشعور بالوقت يختلف من إنسان إلى إنسان بحسب الظروف التي هو فيها ويعقوب - عليه السلام - كان يستطيل الوقت ففصل بينهما. ففصل بين لمّا والبشير إشارة إلى طول المدة.
أن للإطالة ويقولون للتوكيد لكن التوكيد له مواطن عندهم والقياس أن تُزاد (أن) بعد (لمّا) إن شئت أن تأتي بها فلا حرج ويقولون إنها زائدة والزيادة للتوكيد في الغالب مع أنها ليست بالضرورة للتوكيد فالزيادة لها أغراض فقد تكون تزينية أو زيادة لازمة أو تكون لأمور أخرى منها التنصيص على معنى معين وهي كلها أمور نحوية.
آية (97):
*انظر آية (91).???
آية (98):
*انظر آية (92).???
آية (100):
*(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا (100) يوسف) ما دلالة أبويه وليس والديه؟(د.فاضل السامرائى)(1/91)
أولاً الأم لم تذكر في قصة يوسف أصلاً. هذا أمر وفي القرآن عادة خط لا يتخلّف إذا ذكر الوصية بهما أو البر بهما أو الدعاء لهما يقول الوالدين ولا يقول الأبوين هذا خط لم يتخلف في القرآن (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (23) الإسراء) (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) البقرة) (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح) لم يتخلف في القرآن ولا مرة واحدة. أما الأبوين فقد تأتي في الميراث (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (11) النساء). لا شك أن الأبوين هو تغليب هو الأب والأم (مثنى الأب والأم) لكن تغليب الأب والوالدين هو الوالد والوالدة وأيضاً تغليب لفظ الوالد مع أنه لم يلد والولادة للأم، الولادة للأم بالفعل وللأب للنسب. إذن لما يقول الوالدين تذكير بالولادة (يعني الأم) يعني فيها إلماح إلى إحسان الصحبة إلى الأم أكثر وهذا يتطابق مع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الولادة منها. إذن كل القرآن فيه إلماح إلى أن الأم أولى بحسن الصحبة والإحسان إليها أكثر من الأب الإهتمام بالأم أكثر. وفي هذه الآية قال (رفع أبويه) إلماح إلى الإحسان إلى الأم أكثر. نكمل الآية (وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا) المفروض أن يعظِّم الإبن أبويه لا العكس والآن الأبوين هما اللذان عظّما وخرا سجدا إذن لم يذكر الأم لأنه ليس المفروض هي أن تعظم فذكر الأبوين، فيها أيضاً إحسان إلى الأم أكثر، هذا أمر والأمر الآخر وإلماح آخر أن العرش إنما هو للرجال وليس للنساء فمن أي ناحية نأخذها تناسب.
سؤال: هل نفهم فيها أن الوالد والأب في اللغة الإثنان بمعنىً أم أن الوالد هو الذي ولد له الإبن والأب ربما يكون هو الذي رباه ولم يكن مولوداً له بالتبني أو الإنفاق عليه؟(1/92)
تجوزاً. ولهذا قال (ورفع أبويه) إجلالاً لمقام الأم واحترامها ولأن العرش للرجال.
سؤال: كل هذه التعبيرات والدلالات لا يقابلها شيء في اللغة الإنجليزية؟
ممكن، هو صعب ولا يمكن وتعتبر اللغة الإنجليزية خرساء بالنسبة لهذه الدلالات مقارنة بالعربية. اللغة هي للتعبير عن المعاني فكيف نعبر عنها باللغة المبنية؟ لا نستطيع. أكرمت زيداً، زيداً أكرمت، لا يمكن أن نقدم المفعول به في اللغة الإنجليزية أو اللغة المبنية. في القرآن (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) الفاتحة) كيف نقدم هذا باللغة المبنية؟!. صبرٌ جميل وصبراً جميلاً كل واحدة لها دلالة في المعنى غير الأخرى. صبرٌ جميل هذا أمر بالصبر الثابت الدائم (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ (18) يوسف) أما صبراً فهو أمر بالصبر في هذه المسألة فقط (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) المعارج). نوضح أن هذه في القرآن مستعملة (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ (4) محمد) (ضربَ) بالنصب مثل صبراً جميلاً يقول النحاة إنه منصوب لأنه هذا الضرب موقوف في هذه المعركة فقط (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وليس كالملاقات العادية في الشارع والطرقات. (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (229) البقرة ) (فإمساكٌ) مثل صبر وصبراً، هذه الحالة الثابتة على وجه الدوام فجاءت بالرفع، كيف نعبر عن هذا الفرق باللغات المبنية؟!. ويلٌ له وويلاً له كل له دلالة (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس) بالنصب (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) القمر) لم يقل وكلَ شيء فعلوه، لا يمكن أن تقول وكلَّ شيء فعلوه في الزبر المعنى خطأ لأنها تعني أنهم فعلوا كل شيء في الزبر وهم لم يفعلوا شيئاً في الزبر، أصلاً لا يصح. ((1/93)
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر) لا يمكن أن تقول كلُّ شيء تصير غير معنى وتعني المخلوقات على قسمين قسم خلقه ربنا وقسم خلقه واحد آخر. (مررت بالرجل الكريمِ، مررت بالرجل الكريمُ، مررت بالرجل الكريمَ) الكريمِ صفة، الكريمَ نصب مفعول به أعني الكريمَ أو أمدح الكريم والكريم خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو يعني مررت بالرجل هو الكريم، هذا الإعراب ونحن يعنيننا المعنى كيف نعبر عنه باللغات المبنية؟!. مررت بالرجل الكريمِ عندما نقولها بالإتباع (الكريمِ) معناه أن المخاطَب قد يعلم أنه كريم أو لا يعلم يمكن تكون معلومة جديدة، هو لا يعلم، أنت لا تقطع إلا إذا كان المخاطَب يعلم اتّصافه بالصفة، لا يصح أن تقطع لا يجوز أن تقول بالرجل الكريمَ والمخاطَب لا يعلم أنه كريم أو تقول الكريمُ وهو لا يعلم أنه كريم حقيقة أو ادّعاءً لا بد أنه يعلم في الحقيقة أو تدّعي أنه يعلم فإذا قطعت بالمدح فالقطع أمدح وإذا قطعته بالذمّ فالذم أوجب، لأنه مشهور لما تقول الكريمَ يعني المعروف بالكرم. لما تقول مررت بالرجل اللئيمِ أحدهم بقول لا هذا الرجل طيب جيد ولو قلت مررت بالرجل اللئيمَ يعني كلكم تعرفون أنه لئيم ولو قلتها بالرفع مررت بالرجل اللئيمُ أقوى فإذا كان كريم فكرمه أشيع وإذا كان لئيماً فلؤمه أكثر ليس هنالك أحد إلا ويعلم لؤمه، اللئيمَ أقل، كيف تعبر عنها باللغات المبنية؟ لا يمكن، كل هذا ثراء في الدلالة. (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء (177) البقرة) الصابرين لم يقل الصابرون هذا تعظيم ومدح. ((1/94)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ (25) الذاريات) حيّاهم بأحسن من تحيتهم، هم قالوا سلاماً وهو قال (سلامٌ) (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (86) النساء) سلامٌ جملة إسمية وسلاماً جملة فعلية والإسم أقوى وأثبت وأدوم من الفعل، هذه قاعدة. يتعلّم أقوى أو متعلم؟ سلاماً فعلية وسلامٌ إسمية والإسم أثبت وأقوى وأدوم. (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) حياهم بأحسن منها رد التحية بأحسن منها، هذه كيف تعبر عنها باللغات المبنية كالإنجليزية وغيرها؟! وضع المفردات سهل لكن هذا تغيير قواعد، لا يمكن. تقول محمد مشياً ومحمد مشواً، محمد سيراً ومحمد سيرٌ، كيف نعبر عنها وكل واحدة لها دلالة مع أن الدلالة العامة أنه مشى لكن كل واحدة لها دلالة، هذه مساحة تعبير.
فى إجابة أخرى للدكتور فاضل :
ليس فيها مقام ذكر البر لذا قال (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) فى سورة يوسف لسببين أولاً إكراماً للأم ما قال والديه إكراماً للأم يجعلها تابعة لأن الوالدين يصير الوالدة هي التي تسجد بينما هي أكرم من الأب والأمر الآخر أن الأب أحق بالعرش فقُدِّم.
ما الفرق بين الوالد والأب؟ التي تلد هي الأم والوالد من الولادة والولادة تقوم بها الأم وهذه إشارة أن الأم أولى بالصحبة وأولى بالبر قبل الوالد. في الأموال يستعمل الأبوين وفي الدعاء الوالدين.
*ما الفرق بين النزغ والوسوسة في الآيات (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف) و (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا (20) الأعراف)؟(د.فاضل السامرائى)(1/95)
من حيث اللغة النزغ هو الإفساد بين الأصدقاء تحديداً، بين الإخوان، بين الناس (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ (36) فصلت) النزغ هو أن يحمل بعضهم على بعض بإفساد بينهم، هذا هو النزغ في اللغة، أن يغري بعضهم ببعض ويفسد بينهم. الوسوسة شيء آخر وهي عامة، يزين له أمر، يفعل معصية، يزين له معصية، الوسوسة عامة والنزغ خاص بأن يحمل بعضهم على بعض وأن يفسد بينهما. قال تعالى (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف)، لم يقل وسوس. مع آدم وحواء لم يكن هناك خصومة بينهما لكن مع إخوة يوسف كان هناك خصومة فقد حاولوا أن يقتلوا يوسف، أفسد بينهم، أغروا به حتى أفسدوا. الوسوسة عامة لأنه يدخل فيها النزغ. هنا (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) يوسف) (نزغ الشيطان) الحالة الخاصة للحالة الخاصة وهذه الحالة هي هكذا بين يوسف وإخوته، هذا هو المعنى اللغوي. يقولون أصل الوسوسة الصوت الخفي ويكون مسموعاً أحياناً وأحياناً يكون غير مسموع (الذي يوسوس في صدور الناس) أحياناً لا يُسمع وإنما يبقيه الشيطان في نفس الإنسان (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس) والصدر هو الممر إلى القلب فإذا وسوس في الصدر الشيطان يريد أن يملأ الساحة بالألغام كما يفعل الأعداء في الحرب. وقد تكون الوسوسة بالكلام المسموع، همس أو كلام خفي بينك وبين أحد بدليل أنه لما وسوس إبليس لآدم كان كلاماً باللسان (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) طه) سماها القرآن وسوسة ثم قال (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) الأعراف) قاسمهما أي حلف لهما بالله ولذلك لما رب العالمين عاتب آدم قال آدم: يا رب ما كنت أظن أحداً يحلف بك كاذباً.(1/96)
الوسوسة إذن تكون في الصوت المسموع أحياناً وبالصوت غير المسموع أحياناً.
سؤال: كلمة وسوس فيها هدوء وخفية وفيها تكرار مقطع (وس/وس) فهل هي مرتبطة بكلام سيئ أو خبيث؟ هكذا يبدو من استعمالها لماذا لا يظهر هذا الكلام إلا إذا كان هناك ما يريد أن يخفيه عن الآخرين؟.
*ما الفرق بين الاجتهاد والتأويل والتفسير؟(د.فاضل السامرائى)
الاجتهاد هو بذل الجهد والوسع في الوصول إلى الحكم في طلب الأمر. إجتهد أي بذل جهده للوصول إلى الحكم. يقولون المراد بها رد القضية التي تعرض للحاكم الذي يفتي بالقضية ويصل بها إلى الحكم الصحيح ويردّها عن طريق القياس إلى الكتاب والسُنّة ولا يقول من رأيه ويقول أنا اجتهدت. هنك شروط للمجتهد، ماذا ورد في الكتاب والسُنّة يحاول القياس عليها ويستخلص الحكم. الاجتهاد إذن بذل الجهد للوصول إلى الحكم (الحكم الشرعي) في رد الأمر عن طريق القياس إلى الكتاب والسُنّة ولا يرده إلى رأيه مباشرة. يُسأل ما حكم هذه؟ فالإجتهاد بذل الوسع والجهد في طلب الأمر للوصول إلى الحكم الصحيح عن طريق القياس بردّه إلى الكتاب والسُنّة فينظر ماذا ورد في الكتاب والسُنّة في أمر مشابه للمسألة فمثلاً يقيس حكم المحدرات على حكم الخمر.(1/97)
التأويل هو نقل ظاهر اللفظ إلى دلالة أخرى. ظاهر اللفظ شيء وأنت تنقله إلى شيء آخر لسبب من الأسباب. سورة النصر مثلاً تأويلها عند ابن عباس أنها نعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هذا أمر غير مصرّح به في الآية وإنما ينقله إلى معنى آخر لسبب من الأسباب. قوله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ (7) آل عمران) هذا للمتشابه ينقل ظاهر اللفظ إلى دلالة أخرى. يقال مثلاً لشخص: في بيتك فأر، لا يقصد به الفأر الحيوان وإنما في بيتك فاسق لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سمّى الفأر بالفويسقات. وتقول لشخص: يلغ في إنائك كلب وهو ما عنده كلب أصلاً لكنك تقصد شخص يدخل على بيته فيفعل كذا. لا بد أن تكون لها قرينة تفهم منها. المتكلم يضبط ولا يتأول كما شاء وله شروط ولا يمكن لأي كان أن يأوّل كيف يشاء. تأويل الأحلام يسمى تأويلاً (هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ (100) يوسف) أوّل الشمس والقمر إلى الأبوين والكواكب للإخوة، ينقل ظاهر الأمر إلى دلالة أخرى. هذا له ضوابط يعرفها أهل العلم.
التفسير كشف المراد عن اللفظ، كشف مفردات، ما معنى هذه الكلمة؟ تفسير عبارة غير واضحة لشخص تفسرها له، آية غير واضحة تشرحها وتفسرها. إذا كان المعنى العام لا يعرفه أو لا يعرف معنى مفردات نقول يفسر القرآن.
هل لهذه الكلمات مراتب؟ أهل الشأن يذكرون ضوابط خاصة لكل واحد منهم وليس لكل واحد أن يفسر هكذا. ومن أول الضوابط التبحّر في علم اللغة ويقولون ولا تُغني المعرفة اليسيرة، ثم يذكرون أموراً تتعلق بالحديث والسُنّة وأسباب النزول.
آية (102):
*ما الفرق بين قوله تعالى في سورة يوسف (ذلك من أنباء الغيب) وفي سورة هود (تلك من أنباء الغيب)؟(د.فاضل السامرائى)(1/98)
كلمة القَصص مذكر مثل كلمة عدد وكلمة قَصص مذكر وهي ليست جمع قصة وإنما القَصص هنا بمعنى السرد أي بمعنى اسم المفعول أي المقصوص. وقد جاء في سورة يوسف قوله تعالى في أول السورة (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ {3}) وهي قصة واحدة هي قصة يوسف - عليه السلام - فجاءت الآية باستخدام (ذلك) (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ {102})، أما في سورة هود فقد جاء فيها مجموعة من قَصص الأنبياء فاقتضى أن تأتي الآية باستخدام (تلك) (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ {49}).
آية (104):
*( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) الأنعام) (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)يوسف) متى تأتي (من أجر) ومتى تأتي (أجراً)؟(د.فاضل السامرائى)(1/99)
السؤال على آيتين إحداهما في الأنعام والثانية في سورة يوسف. نقرأ الآيتين: في الأنعام قال تعالى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)) تكلم عن الأنبياء السابقين (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (91))، آية يوسف (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)). من حيث اللغة (تسألهم عليه من أجر) آكد من (لا أسألكم عليه أجراً) لأنها دخلت (من) الإستغراقية على الأجر، دخلت على المفعول به تفيد استغراق النفي وهي مؤكدة. نظهر المفهوم النحوي أولاً ثم نضعها في موضعها، إذن من حيث التركيب اللغوي من دون وضعها في مكانها (من أجر) آكد من (لا أسألكم عليه أجراً) لوجود (من) الاستغراقية. يبقى لماذا وضعت كل واحدة في مكانها؟ إذن عندنا الحكم النحوي ثم لماذا وضعت؟ هذا سؤال بياني.(1/100)
آية الأنعام التي ليس فيها (من) آية واحدة ليس قبلها شيء في التبليغ ولا في الدعوة أما الآية الثانية فهي في سياق التبليغ (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)) يتكلم عن هؤلاء الكفرة والآية في سياق الدعوة. في سياق الدعوة والإنكار يستوجب التوكيد، هذا أمر، الأمر الآخر (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) الأنعام) ذكرى من التذكر (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) الفجر) (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (9) الأعلى) (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) الذاريات) هي نفسها تذكّر أو تدخل في التذكّر. الآية الثانية (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)) الذِكر هو الشرف والرفعة (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ (44) الزخرف) إذن الذكر شرف ورفعة والذكرى من التذكر. لما نقول سأرفعك وأعطيك منزلة ومكان أو تتذكر أيها التي تحتاج توكيد؟ الذي يرفع يحتاج لتوكيد، إذن (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) يوسف) لأن هذا يحتاج إلى أجر، (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) آكد من حيث السياق.(1/101)
آية (108):
*متى تثبت الياء ومتى تحذف كما في قوله (اتبعنى ،اتبعن)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى:(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) بالياء (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) آل عمران) بدون ياء. ننظر أي الذي يحتاج إلى اتّباع أكثر؟ الذي يدعو إلى الله على بصيرة أو مجرد أن يكون مسلماً فقط؟ لا شك أن الداعية ينبغي أن يكون متّبعاً أكثر في سلوكه وعمله لأنه داعية إلى الله ينبغي أن يكون مثلاً في سلوكه ومعرفته هذا يحتاج للياء (فاتبعوني). المتبعين ليسوا كالدعاة الذين يحتاجون لاتّباع أكثر لذا قال (ومن اتبعني) أما عموم المسلمين فلا يعرفون إلا القليل من الأحكام. إذن موطن الدعوة إلى الله على بصيرة تحتاج لمقدار اتّباع أكثر فقال (فاتبعوني) بالياء.
*النعيمى:(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) كلنا نقول نحن من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فإذن دعوة الناس لطاعة الله سبحانه وتعالى واجب من واجباتنا فالمؤمنين متّبعون الرسول، فهم دعاة إلى الله "بلّغوا عني ولو آية" "الساكت عن الحق شيطان أخرس" فالمسلم مفروض أن لا يسكت عن الحق وإنما يبلّغ ولكن بطريقة بحيث لا يؤدي ذلك إلى ما هو أسوأ من ما كان قد إرتكب. إزالة المنكر يكون بسبيل لا يؤدي إلى ما هو أسوأ منه.
آية (109):(1/102)
*ما دلالة ذكر وحذف (من) في قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك رجالاً) وقوله (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة يوسف (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {109}) وذكر (من) تفيد الإبتداء أي ابتداء الغاية وهو امتداد من الزمن الذي قبلك مباشرة أي من زمان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى زمن آدم. وليس هناك فاصل كما جاء في قوله تعالى (يُصبّ من فوق رؤوسهم الحميم) أي ليس هناك فاصل بين الرأس والصبّ حتى لا تضيع أية حرارةلأن العاقبة لهذا الصبّ أن يُصهر به ما في بطونهم.وكذلك قوله تعالى (والملائكة حافّين من حول العرش) أي ليس بينهم وبين العرش فراع. أما في سورة الأنبياء (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {7}) وهي تحتمل البعيد والقريب وكذلك في قوله (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ {48} ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ {49} الدخان) وهذا العذاب أخف من الأول (من فوق رؤوسهم).
وهذا الذكر او الحذف يعتمد على سياق الآيات فإذا كان السياق ممتد يأتي بـ (من) وإذا كان السياق لفترة محددة لا يأتي بها.
*ما سبب الاختلاف بين الواو والفاء (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ (21))غافر و(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ (109))يوسف؟(د.فاضل السامرائى)(1/103)
ينبغي أن نعلم الفرق بين الواو والفاء في التعبير حتى نحكم. الواو لمطلق الجمع، الجمع المطلق، قد يكون عطف جملة على جملة. الفاء تفيد السبب، هذا المشهور في معناها (درس فنجح) فإذا كان ما قبلها سبباً لما بعدها أي الذي قبل يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ولا يأتي بالواو لأنه لمطلق الجمع. هذا حكم عام ثم إن الفاء يؤتى بها في التبكيت أي التهديد. لو عندنا عبارتين إحداهما فيها فاء والأخرى بغير فاء وهو من باب الجواز الذِكر وعدم الذِكر نضع الفاء مع الأشد توكيداً. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء) ليس فيها فاء. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) محمد) لأنهم لا تُرجى لهم توبة. وفي الأولى هم أحياء قد يتوبون. لما لم يذكر الموت لم يأت بالفاء ولما ذكر الموت جاء بالفاء. النُحاة يقولون قد تأتي الفاء للتوكيد.
هناك أمران: الأول أن الفاء تكون للسبب (سببية) " درس فنجح" سواء كانت عاطفة "لا تأكل كثيراً فتمرض" يُنصب بعدها المضارع. ينبغي أن نعرف الحكم النحوي حتى نعرف أن نجيب. هذا المعنى اللغوي العام في القرآن (بلسان عربي). إذا كان ما قبلها يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ونضرب أمثلة ومنها السؤال عن الفرق بين أولم يسيروا وأفلم يسيروا.(1/104)
في سورة يوسف قال تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (109)) بالفاء (فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) ماذا قال قبلها؟ قال (أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (107)) ثم يقول (أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ) ما قبلها يفضي لما بعدها (أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ) ما ساروا في الأرض؟
في سورة غافر (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ (21)) (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر) ليس سبباً. لما يأتي بالفاء الفاء سبب، ما قبلها سبب يفضي لما بعدها أما الواو جملة إخبار. هذا خط عام وهذه اللغة والعرب كانت تفهم هذه المعاني.
سؤال:لماذا لا نفهم نحن القرآن الآن كما فهموه في السابق؟ لأنهم كانوا يتكلمون اللغة على سجيتها ونحن نتعلم لا نعرف النحو ولا البلاغة. علم اللغة نفسها لا نأخذه إلى على الهامش ولا نُحسن الكلام أصلاً. علم النحو مفيد في فهم نص القرآن الكريم. والعلماء يضعون للذي يتكلم في القرآن ويفسره شروطاً أولها التبحر في علوم اللغة وليس المعرفة ولا تغني المعرفة اليسيرة في هذا الأمر. النحو والتصريف وعلوم البلاغة من التبحّر فيها يجعلك تفهم مقاصد الآية فإذا كنت لا تعرف معنى الواو والفاء ولا تعرف ما دلالة المرفوع والمنصوب لن تفهم آيات القرآن.
آية (110):(1/105)
* ما دلالة كلمة (استيئس) في سورة يوسف(110)؟(د.فاضل السامرائى)
أحياناً الفعل استفعل يأتي بمعنى الثلاثي لكن يُراد فيه المبالغة مثل استيأس بمعنى يأس لكن فيه الشدة والمبالغة في الفعل كما في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) أي بلغوا درجة أكثر من اليأس. استفعل لها عدة معاني من الطلب وأمور كثيرة ومنها أن يكون بمعنى الثلاثي لكن يُراد به المبالغة والشدة والكثرة.
*ما الفرق بين استعمال جاء وأتى في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ {61 الحجر}) وقال تعالى (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً {43}مريم) وقال تعالى (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً {1} الإنسان).
إذا نظرنا في اقلقرآن كله نجد أنه لم تستعمل صيغة المضارع للفعل جاء مطلقاً في القرآن كله ولا صيغة فعل أمر ولا إسم فاعل ولا إسم مفعول وإنما استعمل دائماً بصيغة الماضي. أما فعل أتى فقد استخدم بصيغة المضارع.
من الناحية اللغوية: جاء تستعمل لما فيه مشقة أما أتى فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر ومنه الالمتياء وهي الطريق المسلوكة.(1/106)
قال تعالى في سورة النحل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {1}) وقال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)) هنا أشقّ لأن فيه قضاء وخسران وعقاب.
وكذلك في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110))يوسف وقوله (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)) تكذيب الرسل شيء معهود لكن الإستيئاس هذا شيء عظيم أن يصل الرسول إلى هذه الدرحة فهذا أمر شاق لذا وردت كلمة جاءهم في الآية الأولى أما في الثانية فالتكذيب هو أمر طبيعي أن يُكذّب الرسل لذا وردت أتاهم وليس جاءهم.
*(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) يوسف) ما هو تفسير الآية؟ ممن كُذِبوا؟ (د.فاضل السامرائى)(1/107)
قال سبحانه وتعالى (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا) طبعاً هنالك قراءة متواترة من السبعة من أكثر من قارئ (كُذِّبوا) ومن الأقوال المشهورة في تفسير هذه الآية استيأس الرسل من إيمان قومهم (استيأس مبالغة في اليأس) استيأسوا من إيمان قومهم وظنّ قومهم أن الرسل قد كذبوهم، ظن القوم أنهم قد كُبِوا فيما أخبر به الرسل، الرسل أخبروهم أنه إن لم تؤمنوا فسيحل بكم عقاب الله وعذابه وحذروهم وإذا آمنتم فهنالك نصر، هؤلاء لم يؤمنوا فاستيأس الرسل من إيمان قومهم، لم يحصل شيئاً بالنسبة للقوم إذن قالوا أنهم كُذِبوا يعني هؤلاء قد كذبوهم يعني استيأس الرسل من إيمان قومهم وقومهم ظنوا أنهم قد كُذبوا فيما أُخبروا به، الظنّ هنا للقوم وليس للرسل وهذا من أشهر ما قيل فيها أن استيأس للرسل والظن للقوم ويؤيد هذا الرأي أمران: قراءة (كُذّبوا) والأمر الآخر أن السياق الكلام عن عدم إيمان الأقوام، قال قبلها (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ (109)) السياق في عدم إيمان الأقوام. إذن هذا من مشاهير القول أن الرسل استيأسوا من إيمان قومهم ولم تنزل عقوبة بهم إذن ظن القوم أن الرسل قد كذبوهم، أنهم قد كُذِبوا، هذا من أشهر ما قيل، القوم كذبوا فيما أُخبروا يعني الرسل كذبوهم فيما أخبروهم، إذن (كُذِبوا) هنا تعود على القوم فيما وصل إليهم على لسان الأنبياء والرسل.(1/108)
وأيضاً هنالك رأي آخر أن الأتباع أي الرسل وعدوا أتباعهم المؤمنين بأن الله سينصرهم ويعذب الكافرين.
استطراد: هنا (كُذِبوا) تعود على أن ما وصل إلى أقوام الأنبياء على لسان رسلهم جاء كذباً وقراءة كُذِّبوا الرسل كُذِّبوا. والقراءتان متواتران فهي تجمع المعنيين.
سؤال: ألا يعتبر هذا تشتيت لفهم الدلالة داخل القرآن الكريم بتعدد القراءات ؟(1/109)
تعدد القراءات إما أن يوضح أو يعطي معنى آخر زيادة للمعنى الأول. على سبيل المثال في الفاتحة عندنا قراءة مالك يوم الدين وملك يوم الدين وربنا ملك ومالك، ملك يوم الدين هو مالكهم، الملِك غير المالك، المالك يتصرف غير تصرف الملك، أنت لك أن تبيع وتشتري وتهب، المالك له التصرف في مُلكه أما الملك فليس له الحق أن يملك أموال الناس والرعية. ليس كل ملك مالك ليس بالضرورة قد يكون ملكاً وليس مالكاً فهناك فرق بين الملِك والمالك. كلٌ له تصرفه المالك له تصرف والملِك له تصرف. والله تعالى يريد أن يجمع الأمرين فلا بد من قراءتين كما في قوله تعالى (مَالِكَ الْمُلْكِ (26) آل عمران) جمع الأمرين مالك من التملّك، والمُلك من الملِك ليس من التملك (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ (51) الزخرف) صاحب المُلك ملِك والمالك هو صاحب المِلك. هناك فرق بين مُلك ومِلك، المُلك الحكم (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) هو يحكمها والمِلك هو ما يملكه، يبيعه ويشتريه أو جاءه عن طريق ما. فصاحب المِلك مالك وصاحب المُلك مَلِك وربنا قال (مالك المُلك) المُلك مِلْكُه فجمع الدلالتين بهذا وهاتان القرآتان جمعتا ملك ومالك. التدبر في القراءات يوضح المعاني وتجمع أكثر من معنى. إذن كُذبوا وكُذّبوا لكل منها دلالة صحيحة. فإذن هذه الدلالة الأولى أن الأقوام ظنوا أن رسلهم قد كذبتهم وأنهم كُذِبوا فيما أُخبروا به وقسم قال الأتباع أتباع الرسل المؤمنين بهم طال الأمر وهم يعذَّبون ويفتنون ولم يحصل إلى الآن ما أخبر به الرسل بأن الله سينتقم من الكافرين أو ينصركم أو ينجيكم فدخل في بعض الظن هل يعقل أن الرسل قد كذبونا فيما أخبروا؟ الأتباع ظنوا أنهم قد كذبوا إلى درجة أن الأتباع ظنوا أنهم قد كُذِبوا، فجاءهم نصرنا إلى أن بلغوا حالة، استيأس الرسل من إيمان أقوامهم وظنت الأقوام التي لم تؤمن بالرسل أنهم قد كُذِبوا وأن ما أخبرهم به الرسل كذب. ((1/110)
جاءهم نصرنا) جاءهم تعود على الرسل.
سؤال: (ظنوا أنهم كذبوا) ألا يعود الضمير في ظنوا على الرسل؟
فعلاً قسم من المفسرين قال هم بشر دخل في نفوسهم شيء من الظن طارئ ليس يقيناً لكن يبدو أن السياق والقرآءة الأخرى ترجح ما ذكرناه أولاً. استيأس الرسل من إيمان قومهم لأنه ذكر قبلها الأقوام التي كذبت رسلهم وتتابع في ذكرها يعني لم ييأس الرسل من تبليغ رسالة الله ولكن استيأسوا من إيمان قومهم.
استطراد: لما يحذف ربما تكون هنالك قرينة سياقية تعين على تحديد دلالة معينة.
السياق واضح (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ (109)) السياق في هؤلاء الذين لم يؤمنوا أصلاً.
****تناسب افتتاح سورة يوسف مع خاتمتها****(1/111)
قال تعالى في أولها (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)) وقال في الخاتمة (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)) إذن هذا أحسن القصص (وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) هذا مرتبط. إذن هذا الترابط كانت الآية حينما تنزل يقول جبريل - عليه السلام - ضعها بين هذه الآية وتلك وهذا الترتيب توقيفي. الآية قد تنزل لسبب معين (أسباب النزول) وقد تنزل من ربنا سبحانه وتعالى المشرّع سواء سأل عنها السائل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ (222) البقرة) أو لم يسأل أو حادث معين (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) المجادلة) قد تنزل لسبب أو قد تنزل لحكمة يريدها الله سبحانه وتعالى لكن وضعها يكون في مكان مناسب لما قبلها وما بعدها ولذلك نلاحظ جبريل - عليه السلام - كان يعارض الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رمضان يعرض عليه ما نزل من القرآن وفي السنة الأخيرة عرضه عليه مرتين معناه كل آية وضعت في مكانها توقيفاً.
*****تناسب خاتمة يوسف مع فاتحة الرعد*****(1/112)
في خاتمة سورة يوسف قال تعالى:(مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)) ما هو هذا؟ هذا القرآن، بداية الرعد (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (1)) قال في يوسف (وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وفي الرعد (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ)، عموم وخصوص، المؤمنون قلة مع أنه تفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ولكن أكثر الناس لا يؤمنون، إذن الكلام متصل. في خواتيم سورة يوسف قال (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)) وذكر من هذه الآيات في بداية الرعد (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)) وكأيّن من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون، فصّل بعد إجمال. ((1/113)
وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ) وفي الرعد فصل الآيات رفع السموات ومد الأرض وجعل الرواسي وهذه كلها آيات لكنهم يمرون عليها وهم عنها معرضون.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة يوسف للدكتور فاضل السامرائي والدكتور حسام النعيمى والدكتور أحمد الكبيسى وغيرهم وقامت بنشرها أختنا سمر الأرناؤوط على موقعها إسلاميات جزاهم الله عنى وعن المسلمين خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/114)
سورة الرعد
تناسبها مع خاتمة يوسف ... آية (15) ... آية (33)
هدف السورة ... آية (16) ... آية (36)
آية (2) ... آية (17) ... آية (39)
آية (3) ... آية (19-22) ... آية (41)
آية (5) ... آية (23) ... آية (43)
آية (6) ... آية (25) ... تناسب أولها مع آخرها
آية (11) ... آية (31) ... تناسبها مع فواتح إبراهيم
آية (12) ... آية (32)
*تناسب خاتمة يوسف مع فاتحة الرعد*(1/1)
في خاتمة سورة يوسف قال تعالى:(مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)) ما هو هذا؟ هذا القرآن، بداية الرعد (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (1)) قال في يوسف (وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وفي الرعد (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ)، عموم وخصوص، المؤمنون قلة مع أنه تفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ولكن أكثر الناس لا يؤمنون، إذن الكلام متصل. في خواتيم سورة يوسف قال (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)) وذكر من هذه الآيات في بداية الرعد (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)) (وكأيّن من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون)، فصّل بعد إجمال. ((1/2)
وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ) وفي الرعد فصل الآيات رفع السموات ومد الأرض وجعل الرواسي وهذه كلها آيات لكنهم يمرون عليها وهم عنها معرضون.
**هدف السورة: قوة الحق وضعف الباطل**
سورة الرعد من السور المدنية التي تقرر وحدانية الله تعالى والرسالة والبعث والجزاء. وتدور السورة حول محور مهم هو أن الحق واضح بيّن راسخ وثابت والباطل ضعيف زائف خادع مهما ظهر وعلا على الحق ببهرجهه وزيفه. وعلينا أن لا ننخدع ببريق الباطل الزائف لأنه زائل لا محالة وبيقى الحق يسطع بنوره على الكون كله. وعرضت السورة للمتناقضات الموجودة في الكون في آيات عديدة حتى الرعد هو من هذه المتناقضات لذا ورد ذكره في السورة وسميت السورة به.
ولقد سميت السورة (سورة الرعد) لتلك الظاهرة الكونية العجيبة التي تتجلى فيها قدرة الله تعالى وسلطانه وهذا الرعد جمع النقيضين فهو على كونه مخيفاً في ظاهره إلا أنه فيه الخير كله من الماء الذي ينزل من السحاب الذي يحمل الماء والصواعق وفي الماء الإحياء وفي الصواعق الإفناء والهلاك وقد قال القائل:
جمعُ النقيضين من أسرار قدرته هذا السحاب به ماءٌ به نار
وتسير الآيات في السورة على النحو التالي:
? الكتاب: تبدأ السورة بقضية الإيمان بوجود الله ووحدانيته ومع سطوع الحق ووضوحه إلا أن المشركين كذبوا بالقرآن وجحدوا وحدانية الرحمن،. (المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ) آية 1(1/3)
? مظاهر الحق في الكون: جاءت الآيات تقرر كمال قدرة الله وعجيب خلقه في الكون كله وكيف يدبر الأمر ويفصل الآيات ويمد الأرض ويغشي الليل النهار فالله هو الحق وقرآنه حق واتّباعه حق وبعد إظهار كل هذا الحق يشكك المشركون بالبعث بعد الموت، فليتفكروا في عظيم خلق الله في الكون. (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَز* وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) الآيات 2 – 3- 4.
? المتناقضات الموجودة في الكون: جمعت الآيات 32 متناقضاً في الكون وعلينا أن نفكر أن الذي جمع كل هذه المتناقضات هو الحق ولا يتم ذلك إلا بإرادته سبحانه (اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) (سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) الآيات 8 – 10 – 12- 15 – 16 – 17 – 39 وحتى الرعد فيه متناقضات أنه موجب وسالب وأنه على ظاهره المخيف يحمل الخير والمطر الذي ينبت الزرع ويسقي الناس والبهائم.(1/4)
? الكون والقرآن: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) آية 31 القرآن هو الوحيد في الكون الذي يمكنه أن يحرك الدنيا ويحرك الأرض والكون من عظمته وقوة الحق فيه ولمّا وعى المسلمون السابقون هذا الأمر وصلت الأمة الإسلامية إلى أوجها وعمت الدنيا.
? قوة الحق: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ) آية 14 و(أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) آية 17 الحق قوي له دعوة والباطل زائف تماماً كالسيل يجرف معه على سطح الماء الأوساخ وأما الذي يبقى وهو الطمي هو المفيد للزرع، وكذلك عندما يصفى الذهب تصعد الشوائب للأعلى ويبقى الذهب الخالص في الأسفل. وهذا إشارة أن الباطل يكون على السطح لأنه ظاهر لكن الحق راسخ وقد يكون غير ظاهر للوهلة الأولى.(1/5)
? ختام السورة تشهد للرسول بالنبوة والرسالة وأنه مرسل من عند الله. (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) آية 43.
***من اللمسات البيانية فى سورة الرعد***
آية (2):
* على ماذا يعود الضمير في ترونها في آية سورة الرعد (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)؟(د.فاضل السامرائى)
القدامى جعلوا فيها احتمالين:
1. قالوا أنه يجوز أن تعود على العمد بمعنى (بغير عمد مرئية) .
2. ويجوز أن تعود على السماء بمعنى رفع السموات بغير عمد وهاأنتم ترونها مرفوعة بغير عمد.
فمن حيث التعبير يحتمل الاثنين وهذا جائز من حيث اللغة والفرّاء كان من اللغويين وليس من المفسرين ومع هذا وضع الاحتمالين فهي تجوز نحوياً وتُسمّى بالتعبيرات الاحتمالية وقد يكون هناك غرض للاحتمال كما هناك غرض للتحديد.
نأتي الآن إلى الناحية العلمية ونسأل هل هناك عمد غير مرئية كالجاذبية أو غيرها؟ أو هناك أمور أخرى يمكن أن يذكرها لنا العلماء؟ أنا شخصياً لا أفضّل رأياً على رأي إلا بعد أن يقول العلماء كلمتهم ويقطع العلم بأحد الشيئين فالآية تحتمل المعنيين فإذا قطع العلم بأحدهما آخذ به. والله تعالى أعلم إن كان هناك عمد غير مرئية فهو سبحانه يفعل ما يشاء (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) سورة الحج آية 65 . وقد يضع أسباباً في خلقه وإذا أراد خلق السبب وقد يكون أمسكها بدون عمد والله أعلم.
*قال تعالى في سورة لقمان (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) وفي سورة الرعد قال (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) فما الفرق بين رفع وخلق؟(د.فاضل السامرائى)(1/6)
كل تعبير مناسب لمكانه لو نظرنا في الرعد قال (المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (1) اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)) لما قال (وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ) الإنزال إنما يكون من فوق أي من مكان مرتفع فناسبها رفع السموات. ثم استوى على العرش (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) العرش فوق السموات إذن رفع السموات حتى تكون مرتفعة. ثم قال (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) وهي من الأجرام السمواية وهي مرتفعة إذن يناسب رفع السموات. أما في لقمان فليس فيها شيء من ذلك بعد هذه الآية في لقمان قال (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (11)) خلق الله مناسب لخلق السموات (خلق السموات) (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ). إذن السياق في الرعد يناسبه رفع السموات والسياق في لقمان يناسبه خلق السموات وبعدها (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ) فكل تعبير في مكانه.
آية (3):
* ما دلالة الآية (ألقينا فيها رواسي) ألم تكن الجبال مخلوقة من قبل وما الفرق بينها وبين (وجعلنا فيها رواسى)؟(د.فاضل السامرائى)(1/7)
قال تعالى في سورة الحجر(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)). هذا سؤال يجب أن يُوجّه إلى المعنيين بالاعجاز العلمي. لكن أقول والله أعلم أن الملاحظ أنه تعالى يقول أحياناً ألقينا وأحياناً يقول جعلنا في الكلام عن الجبال بمعنى أن التكوين ليس واحداً وقد درسنا أن بعض الجبال تُلقى إلقاء بالبراكين (جبال بركانية) والزلازل أو قد تأتي بها الأجرام المساوية على شكل كُتل. وهناك شكل آخر من التكوين كما قال تعالى في سورة المرسلات (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)) وسورة الرعد (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3))، وهذا يدل والله أعلم على أن هناك أكثر من وسيلة لتكوين الجبال. وكينونة الجبال تختلف عن كينونة الأرض فالجبال ليست نوعاً واحداً ولا تتكون بطريقة واحدة هذا والله أعلم.
*يقول تعالى (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ )ما معنى الآية؟(د.حسام النعيمى)
في كلام المفسرين (والجبال أوتاداً) لأن الوتِد (وتِد أفصح من وتَد) جزء منه في داخل الأرض أولاً ثم يكون مثبّتاً للخيمة.(1/8)
الجبال في دراسات طبيعة الأرض والعلماء يقولون أن تضاريس الأرض والجبال فيها هي التي تثبت اليابسة وإلا كانت تبقى زلازل وتطمرها المياه (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) الرعد) وهذا جاء موافقاً لكلام الله سبحانه وتعالى والذين يقولون ليسوا مسلمين كما أن الأوتاد تثبت أركان الخيمة الجبال تثبت اليابسة. (والجبال أوتاداً) ثبتناها حتى تبقى ممهدة جعلت هذه الجبال.
*مرة يقول تعالى (أن تميد بكم) ومرة لا يقولها فما اللمسة البيانية فيها؟(د.فاضل السامرائى)
((1/9)
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) أن تميد بكم أي كراهة أن تميد بكم أو لئلا تميد بكم كما يقول النحاة، المعنى لماذا ألقى الرواسي؟ لئلا تميد بكم يقولون كراهة أن تميد بكم أو لئلا تميد بكم (إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) هود) يعني لئلا تكون من الجاهلين، (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى (282) البقرة) كراهة أن تضل إحداهما أو لئلا تضل. إذن أن تميد بكم يعني لئلا تميد بكم. يبقى السؤال أحياناً يقول أن تميد بكم وأحياناً لا يقول أن تميد بكم (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ (3) الرعد) من دون أن تميد بكم. في مواضع قال أن تميد بكم أو تميد بهم وفي مواضع أخرى لم يقل هذا الشيء والسبب أنه إذا أراد بيان نعمة الله على الإنسان يقول أن تميد بكم وإذا أراد فقط أن يبين قدرة الله فيما صنع وليس له علاقة بالإنسان يعني إذا اراد بيان النعمة على الإنسان لهذا الأمر قال أن تميد بكم لماذا خلقها؟ فيها نعمة لئلا تميد بهم وإذا أراد مجرد بيان القدرة في الصنع وليس له علاقة بالإنسان لا يقول هذا لأن الكلام لا يتعلق بالإنسان وإنما يتعلق بصنع الجبال والرواسي. أن تميد بكم هنا لبيان نعمة الله على الإنسان هنا قال (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) هنا الغرض بيان نعمة الله على الإنسان في هذه الرواسي.
آية (5):
*ما دلالة استعمال (إذا) و(إن) في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
((1/10)
إذا) في كلام العرب تستعمل للمقطوع بحصوله كما في الآية: (إذا حضر أحدكم الموت) ولا بد ان يحضر الموت، (فإذا انسلخ الاشهر الحرم) ولا بد للأشهر الحرم من أن تنسلخ، وقوله تعالى: (وترى الشمس إذا طلعت) ولا بد للشمس من أن تطلع وكقوله: (فإذا قضيت الصلاة) ولا بد للصلاة أن تنقضي.
وللكثير الحصول كما في قوله تعالى (فإذا حُييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردوها). ولو جاءت (إذا) و(إن) في الآية الواحدة تستعمل (إذا) للكثير و(لإن) للأقلّ كما في آية الوضوء في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {6}) القيام إلى الصلاة كثيرة الحصول فجاء بـ (إذا) أما كون الإنسان مريضاً أو مسافراً أو جنباً فهو أقلّ لذا جاء بـ (إن).
وكذلك في سورة الرعد (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ {5} ).(1/11)
وقد وردت (إذا) في القرآن الكريم 362 مرة لم تأتي مرة واحدة في موضع غير محتمل البتّة فهي تأتي إمّا بأمر مجزوم وقوعه أو كثير الحصول كما جاء في آيات وصف أهوال يوم القيامة لأنه مقطوع بحصوله كما في سورة التكوير وسورة الإنفطار.
أما (إن) فستعمل لما قد يقع ولما هو محتمل حدوثه أو مشكوك فيه أو نادر او مستحيل كما في قوله تعالى (أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) هنا احتمال وافتراض، و (وإن يروا كِسفاً من السماء ساقطاً) لم يقع ولكنه احتمال، و(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الأصل أن لا يقع ولكن هناك احتمال بوقوعه، وكذلك في سورة (انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه) افتراض واحتمال وقوعه.
آية (6):
*ما الفرق بين المغفرة والغفران؟(د.فاضل السامرائى)
كلمة غفران لم ترد إلا في موطن واحد في قوله تعالى (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) في طلب المغفرة من الله تعالى. إذن كلمة غفران مخصصة بطلب المغفرة من الله تعالى، هذه دعاء أي نسألك المغفرة (غفرانك ربنا). إذن غفران تستعمل في طلب المغفرة ومن الله تعالى تحديداً. المغفرة لم تأت في طلب المغفرة أبداً وإنما جاءت في الإخبار وفي غير الطلب (وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً (268) البقرة) (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ (6) الرعد). في طلب المغفرة فقط يستعمل كلمة غفران ومن جهة واحدة وهي المغفرة من الله عز وجل. لم تأت المغفرة في الطلب وقد تأتي من غير الله سبحانه وتعالى كما في قوله (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) البقرة) قد تأتي من العباد. إذن المغفرة ليست خاصة بالله سبحانه وتعالى ولها أكثر من جهة ولم يستعملها القرآن في طلب المغفرة. الغفران مختصة بطلب المغفرة ومن الله تعالى تحديداً.
آية (11):(1/12)
*ما دلالة لفظ ربهم أو لفظ الجلالة؟(د.فاضل السامرائى)
ذكرنا في أكثر من مناسبة أن الرب هو المربي والقيم على الأمر والرازق والهادي ورب الشخص عادة يريد له هدايته وصلاحه وخيره والشخص إذا أصابه سوء أو فزع فزع إلى مالك الأمر والقائم عليه إذن رب الجماعة يريد لهم الخير هذا من ناحية ناسب ذكر الربّ. لكن هنالك في الحقيقة أمر في القرآن الكريم لم يرد إسناد فعل إرادة السوء أو الضر (أراد أو أريد) إلى الرب وإنما تسند إلى الله، فعل الإرادة. مثلاً لم يرد (أراد ربهم أن يهلكهم) مثلاً يقول (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا (17) المائدة) لم يقل ربهم، (وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ (11) الرعد) لم يقل الرب (قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا (17) الأحزاب) (أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً) الله تعالى ينسب إلى نفسه الرحمة والرشد وينسب إن أراد السوء والضر إن أراد. لكن فعل الإرادة بالذات لا يأتي إلا مع الله لا يأتي مع الرب وإذا أتى يأتي في السوء والضر. ((1/13)
قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا (11) الفتح) (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ (38) الزمر) إذا ذُكِر الرب لا يسند إليه إلا إرادة الخير والرشد (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ (82) الكهف) (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) الجن) يعني يسند احتمال إرادة العقوبات والسوء إلى الله كما أسند إليه إرادة الخير والرشد لكن ذكر الرب لا يسند إليه إلا إرادة الخير أقصد في فعل الإرادة خصوصاً أما في غير أفعال الإرادة قد يذكر الرب في عموم المقامات مع التفضل والعقوبات (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) البروج) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) هود) (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) الفجر) أقصد قعل الإرادة فقط هذا الكلام على هذا وهذا من خصوصيات الاستعمال القرآني، رب الإنسان يعاقبه لكن فعل الإرادة ماذا يريد؟ في القرآن لم يرد فعل الإرادة مع الرب إلا في الخير وهذا معناه أن الله تعالى لا يريد لنا إلا الخير. يأتي في العقوبات لكن فعل الإرادة بالذات يأتي بالخير أما مع (الله) يأتي كل شيء.
آية (12):
*ما دلالة وصف السحاب فى سورة الرعد بالثقال؟(د.حسام النعيمى)(1/14)
في سورة الرعد وصف الله عز وجل السحاب بالثقل قال تعالى(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)) وصفه بالثقل فقط لكن يُفهم من خلال السياق (هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً ) فالسحاب الثقيل تطمعون في نتاجه ولذلك ما قال (هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينشئ السحاب) السحاب وحده لا يخيف ولا يُطمِع لأنه قد يكون سحاباً خلّباً (أي الذي ليس فيه مطر)، حتى في الجيش هناك رصاص خُلّب أي الذي يطلق صوتاً وليس فيه بارود. سحاب خُلّب ليس فيه مطر، قد يبرق ويرعد لكن ما وراءه مطر فيسمى خُلّب. فلو قال في غير القرآن السحاب من غير وصف لا ينسجم مع كلمة الخوف والطمع لأن الخوف والطمع يكون في السحاب الثقال يكون فيه برق، هذا السحاب الثقال الذي يحمل الماء بطبقة متينة عالية فاكتفى بوصفه لأنه قال قبلها (يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينشئ السحاب الثقال) (ويسبح الرعد بحمده) لأن هذا السحاب الثقال يكون فيه عادة هذا التصادم أوالقضايا الكهربائية التي تكون بين أجزاء السحاب والاحتكاك فيكون هناك البرق والرعد. (ويسبح الرعد بحمده): هذا الصوت الذي تسمعه هو تسبيح الله سبحانه وتعالى لقوله (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) كل ما يصدق عليه كلمة شيء هو يسبح لله تعالى بطريقته، يقدّسه وينزّهه عن الشريك والضدّ وكل ما لا يليق به. فالرعد تسبيح لله تعالى والجمادات تسبح بطريقتها (وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)) هذا الخوف والطمع.
آية (15):
* ما الفرق بين استعمال من وما في قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والآرض) وقوله تعالى (ولله يسجد ما في السموات والأرض)؟(د.فاضل السامرائى)
((1/15)
من) تستعمل لذوات العقلاء وأولي العلم فقط أما (ما) فتستعمل لصفات العقلاء (ونفس وما سوّاها، فانكحوا ما طاب لكم من النساء) (وما خلق الذكر والأنثى) والله هو الخالق، (ونفس وما سوّاها) والله هو المسوي، وذوات غير العاقل (أشرب من ما تشرب) وهي أعمّ وأشمل. لكن يبقى السؤال لماذا الاختلاف في الاستعمال في القرآن الكريم فمرة تأتي (من) ومرة تأتي (ما)؟
ونستعرض الآيات التي وردت فيها (من) مع السجود : قال تعالى في سورة الرعد (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ {س}(15)) والطوع والكره من صفات العقلاء فاستعمل (من) وفي قوله تعالى () الكلام في العقلاء أيضاً فاستخدم (من).
أما في سورة النحل في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)) الدابة أغلب ما تستعمل في اللغة لغير العاقل وهي عامة وشاملة فاستعمل (ما) كما أنه في الآية جاءت كلمة (شيء) وهي أعمّ كلمة. وعليه فإنه من ناحية العموم ناسب استعمال (ما) ومن ناحية استعمالها لغير العاقل ناسب استعمال (ما) لأن الدابة كما أسلفنا تستعمل في الغالب لغير العاقل.(1/16)
ونلاحظ في القرآن أنه تعالى عندما يستعمل (من) يعطف عليها ما لا يعقل كما في قوله تعالى في سورة الحج (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ {س}(18)). أما عندما يستعمل (ما) فإنه يعطف عليها ما يعقل (ولله يسجد .. دابة والملائكة) وهو خط بياني لم يتخلف في القرآن أبدا والحكمة البيانية منه الجمع.(1/17)
وكذلك استعمال من مع فعل يسبّح كما في قوله تعالى في سورة الإسراء (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) وفي سورة النور (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)). واستعمال (ما) كما في قوله تعالى في سورة الحشر (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)) وسورة الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)) وسورة التغابن (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)) وسورة الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) والحكمة البيانية من ذلك جمع كل شيء.
*ما الفرق بين(كُرهاً) و (كَرهاً)؟(د.أحمد الكبيسى)(1/18)
في النساء (أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا (19)) بفتح الكاف و(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا (15) الأحقاف) بضم الكاف وفي آية أخرى (قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) التوبة) بفتح الكاف (وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15) الرعد) (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فصلت). كُرهاً يعني النفس تكرهه المرأة تتعب تعباً شديداً في الولادة والحمل والطلق وساعة الإنجاب فيسبب لها مشقة فالكُره ما فيه مشقة تشق عليك هذا كُرهاً. كَرهاً بفتح الكاف فيه إجبار من غيرك أكرهك على أن تفعل هذا (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (33) النور) فإن أكرهتها فهذه البغية تبغي كَرهاً لأن أحد الناس أكرهها فالفرق بين أن تصلي كَرهاً أحد أجبرك على الصلاة وأن تصلي كُرهاً أنت تكره الصلاة. هناك من يجاهد كَرهاً إجباري مثل التجنيد الإجباري وإلا يعدموك وكثير من الدول فيها تجنيد إجباري وهناك من هو اختياري وهو يكره ذلك. كَرهاً بإجبار وكُرهاً أنت لا تحب ذلك.
آية (16):(1/19)
*ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة (لله) بدل (الله) في قوله قوله تعالى (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ {87}) في الجواب على الآية في سورة المؤمنون(قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {86} ُ)وفي آية أخرى في سورة الرعد جاءت الآيات (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ {16})؟(د.فاضل السامرائى)
من حيث اللغة لو سألنا من صاحب هذه الدار؟ يكون الجواب لفلان أو فلان. فهي من حيث اللغة جائزة أن نقول الله أو لله. أما لماذا اختار الله تعالى (الله) مرة و(لله) مرة؟ لأن السياق في آية المؤمنون كان في السؤال عن الملكية (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) وقوله في نفس السورة أيضاً (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {88} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ {89} ) إذن السؤال عن الملكية فيكون الجواب (لله) ولأن السياق كله في الملكية جاء بلام الملكية.
أما في آية سورة الرعد (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {16}). فالسياق في مقام التوحيد وليس في مقام الملكية وإنما عن الذات الواحدة لذا جاء الجواب (الله).
*متى يأتي الضر قبل النفع في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)(1/20)
القدامى بحثوا في هذه المسألة وقالوا حيث يتقدم ما يتضمن النفع يسبق النفع وحيث يتقدم ما يتضمن الضر يقدم الضر. في تقديم الضر: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (49) يونس) هنا قدم الضر وقبلها قال تعالى (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ (11) يونس) هذا ضر، (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ (12) يونس) وبعدها قال (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا (50) يونس) تقديم الضر أنسب.
مثال آخر في الرعد (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا (16)) قبلها (وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15) الرعد). (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا (42) سبأ) قبلها قال (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ (39) سبأ) بسط الرزق نفع ويقدر ضر فقالوا حيث يتقدم ما يتضمن النفع يقدم النفع وحيث يتقدم ما يتضمن الضر يقدم الضر.
آية (17):
* ما معنى السماء في المدلول القرآني ؟(د.فاضل السامرائى)
السماء في اللغة وفي المدلول القرآني لها معنيان:
1ـ واحدة السموات السبع، كقوله تعالى: "إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ" ـ الصافات:6
2ـ كل ما علا وارتفع عن الأرض(1/21)
ـ فسقف البيت في اللغة يسمى سماء، قال تعالى: " مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ" ـ الحج:15 يقول المفسرون : (أي ليمد حبلا إلى سقف بيته ثم ليخنق نفسه) فالسماء هنا بمعنى السقف
ـ وقد تكون بمعنى السحاب: "أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا " ّالرعد:17
ـ وقد تكون بمعنى المطر : " ينزل السماء عليكم مدرارا" نوح
ـ وقد تكون بمعنى الفضاء والجو : "أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" النحل:79
ـ و ذكر هذا الارتفاع العالي : "فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125)
فالسماء كلمة واسعة جدا قد تكون بمعنى السحاب أو المطر أو الفضاء أو السقف .
آية (19-22):
*في سورة الرعد من الآية(19) إلى (22) ما اللمسة البيانية في استعمال الأفعال المضارعة في أول الآيات وآخرها واستعمل ثلاثة أفعال ماضية في وسط الأفعال المضارعة؟(د.فاضل السامرائى)(1/22)
نقرأ الآيات (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) الرعد) لو نظرنا في المسألة نجد أنه ما كان له وقت محدد عبّر عنه بالفعل الماضي (أقاموا الصلاة) الصلاة لها أوقات محددة وحتى الإنفاق الزكاة أو الإفطار في رمضان وما كان سابقاً لكل الأوصاف فعل ماضي، الصبر هو يسبق كل هذه الأوصاف لأنها كلها تحتاج إلى صبر فهو أسبق منها جميعاً فعبر عنه بالماضي وما عدا ذلك هو مستمر (يوفون بعهد الله) ليس له وقت، يخشون ربهم، ليس لها وقت هذه مستمرة أما تلك فإما أن يكون لها وقت أو هي سابقة وهذا ليس التعبير الوحيد في القرآن ولكن هناك تعبير نظيره (وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ (170) الأعراف) (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) فاطر) (إِِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ (18) فاطر) يخشون ربهم ليس لها وقت ولكن الصلاة لها وقت.(1/23)
أما الصبر فلم يأت في القرآن صلة بغير صيغة الماضي قال (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) الشورى) (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ (11) هود) (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ (22) الرعد) (الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) النحل) (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (96) النحل) (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا (35) فصلت) لم يرد صلة موصول إلا ماضي. هذه من خصوصيات التعبير والبيان القرآني. القرآن هزّ قلوباً استشعرت هذا البيان القرآني.
آية (23):
* هل هناك تفاضل بين الحركات الإعرابية؟ (د.فاضل السامرائى)
هي ليست هكذا ولكن عندنا الفتحة أخف الحركات تليها الكسرة والضمة أثقلها لاحظنا أن العرب تراعي كثيراً من هذه الأمور تجعل الثقيل للثقيل سواء في الحركات أو في اللفظ عموماً وليس فقط في الحركات وتناسب اللفظ والمعنى، لما يتحول الفعل إلى فَعُل يتحول إما للتعجب أو للمدح والذم أو المبالغة أو التحوّل مثل فقِه وفَقُه، فقُه صار فقيهاً أما فقِه فجزئية، عَسِر وعَسُر، عسِر عليه الأمر أما عسُر فالأمر هو عسير. خَطَب ألقى خطبة وخَطُب صار خطيباً. الحركة تغير الدلالة تماماً. (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ (23) الرعد) ما قال صلُح قال من صَلَح رأفة بالعباد . صلُح أي صار صالحاً إلى حد كبير من الصلاح والله تعالى من رحمته بعباده يكفيه أن يكون الإنسان صالحاً لا أن يبلغ ذلك المبلغ في الصلاح. هذه قاعدة عامة لكن السماع هو الذي يقطع بذلك أحياناً.
آية (25):(1/24)
*يقول تعالى(وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ {26} الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {27} البقرة) - (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد) فلماذا في النقض الأول في البقرة قال أولئك هم الخاسرون والنقض الثاني في الرعد قال أولئك عليهم اللعنة ولهم سوء الدار؟(د.أحمد الكبيسى)(1/25)
الخطاب في البقرة لبني إسرائيل وبنو إسرائيل من حقهم بل من واجبهم أن يتّبعوا سيدنا موسى وهم اتبعوا سيدنا موسى إلا أنهم حرّفوا في هذا الدين، المهم أنهم على شريعتهم وعلى ما أوجب الله عليهم من إتباع التوراة وما جاء به سيدنا موسى عليه السلام وعندما حرّفوا حرّفوا ضمن المشروع، ضمن هذا الدين فرب العالمين قال هؤلاء الذين نقضوا الميثاق. والميثاق هو الذي أخذ الله به على البشرية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} الأعراف) الميثاق الذي أخذه الله على كل بني آدم أنني أنا الله لا إله إلا أنا وقالوا بلى، فمن كفر بعد ذلك فقد نقض الميثاق. الميثاق الثاني للأنبياء جميعاً وأممهم أن يؤمنوا بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ {81} آل عمران) هذان هما الميثاق، جميع البشرية أخذ الله عليها هذا الميثاق، بعض البشرية حرّفوا ونقضوا هذا الميثاق إما كُلاً أو جزءاً، جزءاً هم بنو إسرائيل ولهذا الله قال أولئك هم الخاسرون نقضوا بعض ما جاء به سيدنا موسى ولم يتبعوه وحرفوه وإلى هذا اليوم هم يتّبعون هذا التحريف والله قال هم خاسرون لأنهم لا يزالوا أتباع سيدنا موسى، هذا في سورة البقرة.(1/26)
في سورة الرعد خطاب للمسلمين المسلمون إذا نقضوا العهد وتركوا الإسلام وحرفوه واتبعوا ما جاء به بنو إسرائيل (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) فانحراف بني إسرائيل جزئي، انحراف المسلم الذي يترك دينه ويتبع ما جاءت به التوراة في تعليماته في أوامرها في ولائه لهم في خدمته لهم (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) فاليهود الذين حرّفوا (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) لأنهم ضمن دينهم. المسلمون الذين حرّفوا تبعاً لإرادات اليهود ومشيئتهم وهذا في التاريخ كثير (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). هؤلاء اليهود صنعوا من المسلمين فرقاً فرقاً أعدى ما تكون للإسلام نفسه (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).
*(أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} البقرة) – (لَعَنَهُمُ اللَّهُ (52) النساء) - (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ {87} آل عمران) - (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد) -(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {78} ص) ما الفرق بين هذه التعبيرات؟(د.أحمد الكبيسى)(1/27)
مرة أخرى البقرة أيضاً استدراك على ما مضى في الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159}البقرة) اللعنة هذه كما تعرفون اللعنة هي الطرد فلان ملعون لعناه الخ كل كلمة لعن ويلعن يعني طردته من حضرتك أنت ملك فصلت وزيراً يقال لعنه طردته من رحمتك من عطفك من ثقتك طرد، هكذا معنى اللعن. في القرآن مرة قال (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) فعل مضارع ومرة قال (لَعَنَهُمُ اللَّهُ (52) النساء) فعل ماضي ومرة قال (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ {87}آل عمران) تعبير آخر ومرة قال (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد) تعبير رابع ومرة قال (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {78} ص) مرة واحدة مرة واحدة قالها لإبليس لما رفض أن يسجد طرده ولعنه (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) هكذا، من أجل هذا عليك أن تعرف أن كل تعبير من هذه التعابير تعني أسلوباً في اللعن واللعن هذا أخطر ما يمكن أن يصادفه المخلوق سواء كان إنساً أو جناً أو ملكاً أو بشراً حتى الحيوان إذا لعنت نعجة لا تؤكل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا لعنت بعيراً لا يُركب إذا لعنت سيارة لا تُركب وإذا لعنت إنساناً فإذا كان يستحق اللعن لأنه ارتكب شيئاً يستحق عليه اللعن مما جاء في الكتاب والسنة خلاص هو ملعون وإذا كان لم يكن يستحق اللعنة تدور اللعنة في السموات والأرض فلا تجد أحد تصيبه فتعود إلى من لعن ولهذا (ليس المؤمن لعّاناً) المؤمن لا يلعن لأنها مصيبة وإذا عادت اللعنة ابتلي بعدم التوفيق في كل شيء.(1/28)
نعود إلى هذه الصيغ عندما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال يلعنهم فالقضية مستمرة إذاً، لماذا؟ في كل عصر هناك من يكتم الآيات البينات ويكتم الحق (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) في كل أدوار التاريخ ما من نبي جاء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام جميعاً إلا وابتلي ذلك الدين بواحد مفتي كاهن أو قس أو شيخ أو عالم أو مُلا أو مطوّع يعرف الحق تماماً هذه الآية واضحة وهذا الحديث واضح يلويه يغطيه لكي يصل إلى نتيجة دنيوية سيئة فينحرف بمجموعة. هذه المجموعة تبقى طيلة حياتها وطيلة عمر الدنيا تكيد لذلك الدين ولأهله تمزقه تنخر فيه وهذا في كل الأديان. وما عانت الأديان أكثر مما عانت من هؤلاء الذين ينحرفون عن الرسالة السماوية وما انحرفوا من اختيارهم هناك من أفتاهم، هؤلاء الذين يسمون رجال الدين العلماء الأحبار (إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ{34} التوبة) وهكذا علماء المسلمين وهكذا كل رجال الدين حتى رجال الدين الوثنيين هناك تحريفيون ولو أن ذاك التحريف فاضل. إذاً هذا الكتمان وهذا الانحراف موجود في التاريخ قال يلعنهم فعل مضارع والمضارع في الحال والمستقبل (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) حينئذٍ هذا الفعل المضارع كلما وجدته على ملعونين إعلم أن هذه القضية مستمرة ما انقطعت.(1/29)
إذا قال (لَعَنَهُمُ) شيء راح وانتهى ناس ارتدوا كفروا (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) حينئذٍ شيء يتكرر هكذا لعنهم. وحينئذٍ كلمة يلعنهم مضارع مستمرة كل من وما يستحق اللعن إذا هو مستمر يقول (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) إذا كان شيء انتهى أو كان في الماضي يقول (لَعَنَهُمُ) إذا كان قضية خطيرة واحد عمل مبدأ انحراف ونشأت عليه جماعة أو طائفة وكل الأديان الموجودة نحن عندنا ناس انسلخوا من الإسلام يعبدون الشيطان وناس تعبد قبراً وناس تعبد نعل النبي وأشكال اقرأ التاريخ سبعين فرقة عند المسيحيين سبعين فرقة وعند اليهود سبعين فرقة وعند المسلمين سبعين فرقة واحد أضلهم واحد! وهذا الواحد يقتل كل من انحرف بفتوى، هو سيدنا عمر سيدنا عثمان سيدنا علي سيدنا الحسين قُتِلوا بفتوى واحد قال هؤلاء مشركين اقتلوهم، تصور! وهؤلاء أنشأوا طائفة وإلى اليوم القتل مستحر في أيامنا نحن في هذا الزمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل) نشأنا أمة واحدة فعلاً عرب مسلمون طيبون توجد مذاهب إسلامية متعايشة عيشاً سلمياً رائعة وهذا من عظمة الإسلام المسألة الواحدة في الإسلام لها أربع خمس حلول حدّان حد أعلى وحد أدنى وأنت حرٌ بينهما (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا{187} البقرة) هذه خمسين في المائة (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا{229} البقرة) هذه بالمائة مائة وأنت حرٌ فيما بينها تأخذ ستين سبعين مقبول جيد جيد جداً أنت حر. إلى أن جاء واحد باعتقاده أن الذي لا يصل إلى المائة مائة فهو كافر واقتلوا اقتلوا وهكذا في زماننا كانت الأمة متجانسة يعني في الأربعينات الثلاثينات التي نحن وعيناها أمة واحدة حيثما ذهبت في العالم مهما كان مذهبك أو اختلافك اختلافات فقهية صحيحة كلها واردة عن رسول الله.(1/30)
النبي صلى الله عليه وسلم طبّق تطبيقات عديدة وكل واحد أخذ له رأي وهذا شيء جميل واتفق عليه المسلمون بأن هذا يجوز وهذا يجوز وهذا يجوز. وعينا على ناس قالوا نحن فقط صح وكلكم أنتم رجعيين يعني يُطلِق على من عداه رجعيون ويقتلهم وقد قتلوا وسحلوا وعلقوا ثلاثين عاماً. نعود إذاً إلى ما كنا نقول إن التعبير بـ (يلعنون) بالفعل المضارع لأمر أو جريمة أو دمٍ سيستمر مدى الدهر كما قلنا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) طيلة التاريخ كان هناك من يكتم الحق مع وضوحه هنا النقطة (مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ) بيان ظاهر قضية لا تقبل الخطأ. وحينئذٍ هذا الذي يخالف هذا ثم يُضل الناس ويكتم الحق عليهم هذا سوف يستمر وجوده إلى يوم القيامة (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) كما قلنا في زماننا كثير عناوين سياسية تقتل الآخر بحجة أنك رجعي جاءت ثلاثين عاماً بعدهم ثلاثين عاماً جاء من يقتل الآخر بحجة أنك أنت خائن وعميل إلى سنة الألفين ألفين وثلاثة أربعة من الآن فصاعداً هناك من يقتل الآخر لأن الآخر مشرك وكافر وهذا مستمرٍ إلى يوم القيامة.(1/31)
ما أن مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءت هذه الفرقة الخوارج كفّروا كل من عداهم واستحلوا دمائهم بأبشع صورة يعني لا يقتلون قتلاً عادياً لا، قتل مع التمثيل هذا مستمر ولم ينقطع من زمن موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وإلى يوم القيامة (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل حتى يقتل الرجل أخاه وجاره وابن عمه حتى لا يدري القاتل لما قتل ولا المقتول فيما قتل) نسمع الآن أن فلان قتل أخوه فلان قتل أبوه باعتباره مشرك هذا (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) لماذا؟ لأن هذا خالف قضية واضحة (أمرت أن أمر الناس حتى يقول لا إله إلا الله فإذا قالوه عصموا مني دماءهم) وهذا الذي يقتل الآن يصلي خمس أوقات وفي المسجد ويصوم رمضان وهو مسلم ابن مسلم يُذبَح لأنه مشرك حينئذٍ هذا مستمر الله قال (يَلْعَنُهُمُ) فعل مضارع. الشيء الآخر (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {86} أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {87} آل عمران) هذا قضية أصبحت يعني حُكم بها هؤلاء الذين ارتدوا بعد الإسلام بعد أن آمنوا بالله وقالوا محمد رسول الله ثم ارتد وهكذا فعلوا مع سيدنا موسى وهكذا فعلوا مع سيدنا عيسى على هؤلاء جميعاً (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وهذه من باب التهديد يعني هذا التعبير بالإسمين (إن واسمها وخبرها) فيه رائحة تهديد وفعلاً كيف يمكن أن تتعامل مع مرتد والارتداد مستمر منذ أن جاءت الرسل وإلى يوم القيامة.(1/32)
عندنا تعبير آخر (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) هذا أيضاً تعبير جديد يقول (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ {25} الرعد) مجموعة ذنوب كبيرة بعضها أكبر من بعض فاجتمعت فقال (لهم) هذه اللام للاختصاص وكأنه لا يلعن أحدٌ كما يلعن هؤلاء فرق بين أن أقول هذه لك وهذه عليك. هذه لك اختصاص (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) كأن اللعن ما خُلِق إلا لهؤلاء ينقضون عهد الله بالتوحيد ويقطعون ما أمر الله به طبعاً بعد ميثاقه فرب العالمين قال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى{172} الأعراف) أخذ علينا العهد (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} الأعراف) هذا نقض عهد الله هذا واحد، (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) يقطع الرحم وقد أمره بها أن توصل ويقطع النعمة ويقطع الخ يعني ما ترك شيئاً رب العالمين يريد أن يصله إلا قطعه (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) قتل وإبادة وتكفير وما إلى ذلك هؤلاء (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). فرق بين (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ) وبين (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ) وبين (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ (25) الرعد) يعني كأنها ما من أحد يُلعَن كما يلعن هؤلاء.(1/33)
أقوى هذه التعبيرات الرهيبة جاءت مرة واحدة في القرآن كل هذا جاء مرات مرة واحدة في القرآن الكريم رب العالمين لعن بها إبليس لما قال له (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ {77} وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {78} ص) أنا رب العالمين وتعرف رب العالمين إذا اختص وحده باللعنة هناك لعنة الله والملائكة والناس يعني لكن أنت إبليس عليك لعنتي وأنت تعرف وقد لا تعرف ماذا يعني أن أختص أنا وحدي بلعنك (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) هذا الفرق بين عدة التعبيرات لكلمة اللعن.
آية (31):
*ما الفرق بين كلمتى معاد و ميعاد؟(د.فاضل السامرائى)
المعاد غير الميعاد. المعاد هو بلد الرجل من العَوْد، نعاد إسم مكان بلد الرجل معاده لأنه يسافر ثم يعود. هناك فرق بين المعاد والميعاد: المعاد من عاد والميعاد من وعد (مفعال - موعاد) أصلها موعاد سكن حرف العلة وقبلها كسرة فيصير ميعاد. إذن المعاد من عاد من العوْد إسم مكان، المعاد هو البلد بلد الإنسان هو معاده، البلد الذي يعيش فيه لأنه مهما ذهب يعود إليه فهو معاده ، والميعاد من عاد، الميعاد هو الموعد (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) يعني لا يخلف الموعد ولا يصح أن يقال لا يخلف المعاد. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (81) هود) هذا موعد من ميعاد، (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (47) الحج). قسم قال المعاد هو الحشر والجنة باعتبار الناس يعودون أو الجنة لأنه تعود إليهم حياتهم. نقول نعود إلى المعاد في الميعاد.
آية (32):
*ما اللمسة البيانية في نسب الفعل لله عز وجل مع أن السمة العامة فى القرآن الكريم أنه تعالى ينسب لنفسه الخير؟(د.فاضل السامرائى)(1/34)
هناك خط عام في القرآن الكريم وهو أن الله تعالى لا ينسب الشرّ لنفسه مطلقاً (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) الإسراء) ولم يقل مسسناه بالشرّ وإنما ينسب الخير إلى نفسه، والخير يُقصد به الخير العام وليس شرطاً أن يكون الخير الفردي كما في قوله تعالى (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) الرعد) وأخذ الكافرين وإهلاكهم هو من الخير العام وهو نعمة على الناس أصلاً وهذا أيضاً ليعلّمنا الله تعالى أن الخير والشر مُقدّر من الله تعالى وهذا هو يقين العقيدة حتى لا يتبادر إلى ذهن الإنسان أن هناك إله للخير وإله آخر للشرّ كما كانوا يعتقدون قبل الإسلام.
آية (33):
*ما الفرق بين يضل ويضلل (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (34) غافر) (وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) الرعد)؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً كيف استعملهما؟ يُضلل مجزوم، أصل الفعل إذا كان بضم الياء معناه أضلّ (رباعي) كل فعل مضارع مضموم حرف المضارعة فهو رباعي قطعاً سواء كان مزيداً أم أصيلاً. هناك يُضِل ويَضِلّ (قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى (52) طه) يَضل الشخص نفسه ويُضل هناك من يُضلّه وهو في كلا الحالين (ضلّ). يُضلل يأتي في حالة الجزم لا يمكن أن يأتي لا في حالة الرفع ولا في حالة النصب، واجب الإدغام في حالتي الرفع والنصب وفي الجزم لك أن تفتح.
آية (36):
*ما الفرق بين (أوتوا الكتاب) و (آتيناهم الكتاب)؟(د.فاضل السامرائى)(1/35)
القرآن الكريم يستعمل أوتوا الكتاب في مقام الذم ويستعمل آتيناهم الكتاب في مقام المدح. قال تعالى (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ (145) البقرة) هذا ذم، (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) البينة) هذا ذم، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) النساء) ذم. بينما آتيناهم الكتاب تأتي مع المدح (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ (121) البقرة) مدح، (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ (36) الرعد) (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) القصص) مدح .هذا خط عام في القرآن على كثرة ما ورد من أوتوا الكتاب وآتيناهم الكتاب حيث قال أوتوا الكتاب فهي في مقام ذم وحيث قال آتيناهم الكتاب في مقام ثناء ومدح. القرآن الكريم له خصوصية خاصة في استخدام المفردات وإن لم تجري في سنن العربية. أوتوا في العربية لا تأتي في مقام الذم وإنما هذا خاص بالقرآن الكريم. عموماً رب العالمين يسند التفضل والخير لنفسه (آتيناهم الكتاب) لما كان فيه ثناء وخير نسب الإيتاء إلى نفسه، أوتوا فيها ذم فنسبه للمجهول (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا (5) الجمعة) (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) الشورى)، أما قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا (32) فاطر) هذا مدح.
آية (39):
*ما هو الفرق بين المشيئة و الإرادة ؟ (د.أحمد الكبيسي)(1/36)
إن الله يشاء وإن الله يريد، يشاء قد لا ينفذ (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ {39} الرعد) قال (لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا) لكنه لم يشأ وإذا أراد الله شيء لابد أن ينفذه (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ {107} هود) من أجل هذا قال يشاء الله ممكن يغير رب العالمين شاء أول مرة أن يعلم ليلة القدر ثم ألغى هذا خذ الآية (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ (152) آل عمران) شاء الله أن ينتصروا في أحد ثم غير هذا قال لا أنتم لا تستحقون (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ {152} آل عمران) .والأسباب التي تدعو إلى تغيير هذه المشيئة هذا باب طويل لا حصر له وأسباب من الداعي وأسباب من رب العالمين عز وجل وأسباب بالداعي نفسه بتغيير النية أو بمدى ساعة بقائه على ما كان عليه يعني أسباب طويلة (إن الدعاء والقضاء ليصطرعان) ولهذا استجابة الدعاء لها شروطها ورب العالمين قد يشاء أن يفعل لك كذا ثم يغير هذا الفعل (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ) وكذلك –بفتح اللام- وكذلك-بكسر اللام- معروفة هذه متصرفة ذلك ذلكما ذلكن حسب المخاطب.
آية (41):
*(أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا (41) الرعد) ما معنى النقصان هنا؟(د.فاضل السامرائى)
هناك أكثر ون رأى: قالوا نفتح الأرض شيئاً فشيئاً يأخذ من دار الكفر يفتحها ويلحقها بدار الإسلام، إنتشار الإسلام وانحسار الكفر. وقسم قال ينقصها بذهاب علمائها وكبرائها حتى آخر الزمن يأتي أناساً لا يعرفون شيئاً فيفتون بغير علم فيضلون (يقبض العلم بقبض العلماء) ورد في التفاسير:كالأرض تحيا إذا ما عاش عالمها فإن يمت عالم يمت طرف(1/37)
والطرف في اللغة معناها الكبير العالِم والطرف في اللغة الرجل الكبير. وقسم من المحدَثين أخذوها على أن فيها إعجاز علمي أن الأرض كرة بيضية الشكل مثل البيضة (يقال بيضية ولا يقال بيضاوية وهذه من الأخطاء الشائعة مثل وردة وردي وهناك أخطاء شائعة كثيرة هذه الأيام وليس صحيحاً ما يقال أنه خطأ شائع خير من صواب مهجور لأنه إذا زاد الخطأ تموت اللغة). قسم قال ننقصها يعني بتقلصها وانكماش حجمها لأنها دائماً هي في تقلص وقد كانت ضخمة في الأصل ثم تقلصت.
سؤال: هل معنى النقص يكون في الأمور الحسية أم في الجواهر والأعراض؟ الأمر يحتمل الاثنين.
* في سورة الرعد (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا {41} الرعد) وفي سورة الأنبياء (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا {44} الأنبياء). ماالفرق بين الحالتين؟(د.أحمد الكبيسى)
((1/38)
أَوَلَمْ) تتكلم عن الماضي، أنتم ما رأيتم كيف أن دولاً عظيمة هلكت؟ الدولة الرومانية والبيزنطية والفرعونية وكثير من الدول العظيمة ذهبت. وقبل كل شيء الأرض المقصودة هنا (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) الأرض أرض كل دولة الجنة هي أرض والنار هي أرض مصر هي أرض نقول أرض مصر أرض بريطانيا أرض أمريكا فكلمة الأرض تعني الموطن المراد الذي عليه الجماعة. فرب العالمين يقول أما رأيتم أن دولاً أراضي فيها مملكات عظيمة قوية ثم ذهبت (نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا). ومرة قال (أَفَلَا يَرَوْنَ) (أَوَلَمْ يَرَوْا) أنتم ما انتبهتم إلى تلك الحضارات القديمة كيف أن الله سبحانه وتعالى أذهبها رؤيا علمية، علماً يقيناً بالغيب ليست بصرية وإنما علماً.(1/39)
بينما هنا قال لا في زمانكم شوفوها رؤية بصرية أين قريش وغير قريش من القبائل العظيمة التي حاربتكم؟! الخ يعني انتهوا وصاروا قتلوا اللي راحوا وأصبح محمد صلى الله عليه وسلم يسيطر بدين الله عز وجل على كل المنطقة إذاً كلمة (أَفَلَا يَرَوْنَ) (أَوَلَمْ يَرَوْا) حديث عن الماضي وحديث عن الحاضر إلى يوم القيامة ماذا يقول رب العالمين؟ كأن هذا من قوانين الله يعني مقولة سيدنا علي (إذا دعتك قدرتك لظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك) يعني تصور هؤلاء بني إسرائيل عند فرعون ما كان لهم نصير أبداً يقتل أبنائهم ويستحيي نساءهم جاء لهم طوفان وقف الماء لم يعد مستطرقاً، قوم هود جاءهم سحاب أمطرتهم (قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا {24} الأحقاف) قوم عاد جاءهم هواء مثل الأعاصير التي بأمريكا تدمر كل شيء بثواني وما يعلم جنود ربك إلا هو فرب العالمين في هاتين الآيتين يلفت نظر عباده إلى أن هذا قانون من قوانين الله هذا عام بمسلمين بنصارى بيهود أهل الكتاب وثنيين الكل سواء من ظلم منهم فإن الله يذهبه ولهذا (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ {65} الأنعام) بالقحط والجوع والأمراض والأعاصير وكل شيء ولهذا على كل قويٍ أن يُحكِّم العقل والعدل بين الناس يدوم ملكه وإلا سيذهب ملكه كالإتحاد السوفييتي هذا في زماننا يعني الله قال (أَفَلَا يَرَوْنَ) أنتم يا أهل العالم في القرن العشرين أفلا ترون؟ ما قال (أَوَلَمْ يَرَوْا) أولم يروا الدول العباسية الأموية الخ بالتاريخ قال الآن أنتم لم تروا الإتحاد السوفييتي؟ الذي كان يملك نصف الكرة الأرضية وعنده من القنابل النووية ما يدمر الكرة الأرضية كلها بخمسين مرة، رعب بثواني انتهى لم ينتهي فقط بل ترك شعب تعبان وحكومة تعبانة يستجدون عِلَب العَلَف حتى يأكلون بعد(1/40)
ذلك الهيلمان الذي كان إذا وقف خروتشوف يهز الدنيا. (أَفَلَا يَرَوْنَ) وليس (أَوَلَمْ يَرَوْا) أفلا ترون، من أجل هذا هذه عبرة لكل من يملك ويحكم في الأرض عليك أن تحقق العدل بالعدل تقوم السموات والأرض. ولذلك إذا رأيت دولة كالإمارات مثلاً والعالم كله يعرف هذا ما من دولة اليوم على وجه الأرض فيها من العدل والأمن كما في هذه الدولة المباركة لماذا لم تحقق هذا دولٌ أخرى؟ ولماذا كانت هذه الدولة هي السباقة؟ حينئذٍ عليك أن تعرف أن هذا هو الذي يبقي الملك إلى أولاد الأولاد الأولاد إلى أن يأذن الله عز وجل أما دولة سبعين سنة يا أخي دول صغيرة عاشت أربعمائة خمسمائة سنة .الإتحاد السوفييتي عاش سبعين سنة هذه القدرة الجبارة وبالتالي على كل الناس يا أيها الناس اسمعوا إياكم أن تظلموا الناس لأن الله يأتي الأرض فينقصها وينقصها يعني يمحي الدولة بثواني فبالتالي رب العالمين يفرق بين ما حصل في التاريخ قال (أَوَلَمْ يَرَوْا) وما يحصل الآن قال (أَفَلَا يَرَوْنَ) هذا هو الفرق بين الآيتين وكقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ {1} الفيل) في الماضي.
آية (43):
*جاء في القرآن كله تقديم كلمة شهيد على بيني وبينكم كما جاء في سورة الأنعام (قل الله شهيد بيني وبينكم) وسورة يونس آية 29 والرعد آية 43 والإسراء آية 96 والأحقاف آية 8 أما في سورة العنكبوت فقد جاءت كلمة شهيد متأخرة عن بيني وبينكم في الآية 52 (كفى بالله بيني وبينكم شهيداً) فما سبب الإختلاف؟(د.حسام النعيمى)
مسألة التقديم والتأخير في القرآن الكريم تستدعي النظر في عموم التقديم والتأخير في اللغة بمعنى أن لغة العرب لماذا تقدم ولماذا تؤخر؟(1/41)
الأصل عندنا نظام للجملة العربية بشقّين: الفعل مع مرفوعه سوءا كان فاعلاً أو نائب فاعل ثم تأتي المتممات من مفعول به، حال، مفعول مطلق إلى آخره . والشق الثاني : المبتدأ والخبر ثم يأتي بعده المتممات. أحياناً بعض المتممات تتقدم على الخبر. الأصل مبتدأ وخبر أو فعل ومفعول في بعض الأحيان تكون هذه المتممات بينية تدخل بين المبتدأ والخبر (أركان الجملة الرئيسية) وفي بعض الأحيان حتى المتممات هناك نظام لها فالمفعول به يتقدم على غيره .
لكن نجد أنه بشكل عام التقدم يكون للإهتمام في الغالب إلا في بعض الأحيان. يكون التقديم لإقامة الجملة. مثلاً حينما يكون المبتدأ نكرة ولا مسوّغ للإبتداء به إلا تقدم الخبر وهو ظرف أو جار ومجرور .
فأحياناً يكون التقديم والتأخير واجباً وله مواطن وقوانين وأحياناً المتقدم هو المعني به وأحياناً يأتي بحيث تؤخر ما أنت مهتم به، لكلٍ قانونه ولكلٍ نظامه.
لما نأتي لنظام الفعل والفاعل : أكرم زيدٌ خالداً (زيد أعطى وخالد أخذ)، أكرم خالداً زيدٌ، لم يتغير المعنى الأساسي أيضاً زيد أعطى وخالد أخذ لكنك إعتنيت بالكرم وخالد أكثر من إعتنائك بزيد. فإذا قلت: خالداً أكرم زيدٌ، تكون عنايتك بخالد أكثر من الكرم وأكثر من زيد. العربية لأنها لغة معربة فيها هذه المرونة وهذه السعة.(1/42)
نأتي إلى الآية (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) العنكبوت) في غير القرآن يمكن القول: كفى بالله شهيداً بيني وبينكم. بل حتى في القرآن في آيات أخرى في خمس آيات وردت بهذه الصيغة (كفى بالله شهيداً بيني وبينكم) تأتي شهيداً بعد إسم الجلالة فلماذا ؟
جاء في الآية (51)) الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - (أنزلنا عليك) و (عليهم) إذن (عليك، عليهم) فناسب أن يقدّم (بيني وبينكم) لأن الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - : قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً) وإلا كان يمكن أن يقول (كفى بالله بينك وبينهم شهيداً) هذا شيء.
الأهم من هذا أنه عندنا كلمة (يعلم) هذه جملة فعلية هي وصف لكلمة (شهيداً) (شهيداً يعلم) يعني شهيداً عالماً فلما كان يعلم وصفاً لشهيدا فلو قدم شهيداً وجعله (وكفى بالله شهيداً بيني وبينكم يعلم) يكون هناك فاصلاً بين الصفة والموصوف يطول الكلام ويضعف. حينما تفصل الصفة وموصوفها يضعف الكلام من حيث التركيب سيتبعد الوصف عن صفته ويكون (بيني وبينكم) فاصلاً. فتفادياً لهذا الضعف - ولغة القرآن اللغة الأعلى والأسمى والأرقى- فتفادياً لهذا الضعف وإتّكاء على ذكر المخاطب والغائبين (عليك، عليهم) نوع من التنسيق، والأصل أن يتفادى الفصل بين الصفة والموصوف بكلام (بيني وبينكم) تطيل الفاصل والأصل في اللغة العليا أن لا يُفصل بين النعت ومنعوته. وهو قد يجوز أن تفصل لكن ليس هو الأفضل في اللغة العليا. لذلك جاء (كفى بالله بيني وبينكم شهيداً يعلم) لأن (يعلم) نعت لـ(شهيداً) فلا بد أن تتصل بها.(1/43)
الآيات الأخرى جاءت على الأصل يعني أن العامل تقدم على المعمول لأن (بيني وبينكم) معمولان لـ (شهيداً) تقدم على العامل. لكن لما يتقدم (شهيد) يأتي المعمول بعدها. الطبيعي أن يأتي العامل ثم يأتي المعمول (كفى بالله شهيداً بيني وبينكم) فما جاء على الأصل لا يُسأل عنه. كما تقول: كتب زيد رسالة، لا نقول لماذا تقدم الفاعل ؟ هذه رتبته هكذا يأتي قبله. إذا جاء الشيء على الأصل لا يُسأل عنه عندما يكون العامل مقدّماً على معموله فهذا هو الأصل. بيني وبينكم معمولان متعلقان بـ (شهيداً) لما يأتي (بيني وبينكم) بعد (شهيداً) لا يُسأل عنه لأن هذا الأصل. مع ذلك لو نظرنا في الآيات التي قد تأخر فيها الظرف نجد أن هناك أسباباً دعت إلى تأخيره ولا يمكن أن يتقدم ومن هذه الآيات قوله تعالى:(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) الرعد) الكلام على الرسالة.
*ما الفرق بين (علم من الكتاب)فى سورة النمل و(علم الكتاب)فى سورة الرعد؟ (د.أحمد الكبيسى)(1/44)
في هذه الحلقة عندنا آيتان في كلمة "علم الكتاب". تعرفون قضية بلقيس وسيدنا سليمان والعرش (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ {40} النمل) الآية الثانية (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ {43} الرعد) آية تقول أن هؤلاء الناس عندهم علم من الكتاب وليس كل الكتاب هذه الآية تقول عنده كل علم الكتاب (كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) آيتان لا بد من البحث والتقصي عن أسباب الاختلاف بين علم الكتاب وعلم من الكتاب ولا يمكن أن يكون هذا عبثاً وكفى بالله في هذا الكتاب العزيز حُكماً. طبعاً المفسرون لو تتبعتوهم ما من رأي يشبه رأياً فالقضية من اللامعقول وكل واحد يحاول أن يستنبط وأن يضيف وأن يقيس وأن وأن ومن فضل الله أن كل ما قالوه كان صحيحاً مع اختلافهم فيما قالوه.(1/45)
يعني مثلاً باختصار شديد: أولاً ما معنى الكتاب؟ ما هو الكتاب؟ الله قال (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا {32} الكهف) كل بناية في هذا العالم وكل مؤسسة وكل عاصمة وكل سيارة تشتريها تجد معها كتيباً يشرح لك هذه السيارة بكل تفاصيلها من ألفها إلى يائها هذا الكتاب له أسماء غربية كتالوج والخ لكن هو كتاب يشرح لك خفايا وأسرار وتفصيلات هذه السيارة أو هذه العمارة أو هذه المؤسسة أو هذه العاصمة، هذا الدليل من الناس من يعرفه كله لا يغمض عليه شيءٌ منه هو يعرف لغات وعنده خبرة هندسية فلما قرأ هذا الكتاب فهم السيارة من ألفها إلى يائها بحيث لم يعد يخفى عليه ولا جزء واحد هذا عنده علم الكتاب، كل الكتاب صار في علمه. هناك واحد مثلي أنا ومثلي كثيرون والله يمكن لا يعرف سطرين لا نعرف فقط تعرف أن تشغل السيارة وتمشي أما هذا الكلام والتفاصيل لا أفهم منها شيئاً لو أقرأها مائة سنة لا أفهم منها شيء في ناس تفهم شوي أكثر في ناس شوي أكثر نتفاوت في الفهم أما أن أفهم الكتاب كله هذا قمة.(1/46)
طبعاً المفسرون عندما فسروا (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ) أي أن الله سبحانه وتعالى هذا الكتاب الذي هو دليل الكون، يا أخوان هذا الكون كما في الدنيا ما في مؤسسة إلا فيها كتاب دليل يعلمك كيف تعرف أسرار هذه البناية، هذه المؤسسة، هذه السيارة، هذه الطيارة، هكذا رب العالمين عز وجل (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {59} الأنعام) لو تقرأ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ{36} التوبة) (وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {61} يونس) كل شيء في هذا الدليل (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {6} هود) الخ (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى {52} طه) (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ {75} النمل) (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ {11} فاطر) (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ {4} ق) (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ {77} فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ {78} الواقعة) (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ{22} الحديد).(1/47)
إذاً هناك نوعين من الكتب هناك لكل شيءٍ كتاب (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {103} النساء) كل ما في هذا الدين أجزاء متكاملة في كتاب (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا {145} آل عمران) كتاب الموت، هذه الكتب جميعاً وهي بالمئات بل بالآلاف التي تحوي أمر الله وقدرته وعلمه المتعلق بذلك الشيء بالكامل هذه كلها مجموعة في كتاب واحد سماه الإسلام اللوح المحفوظ. هذا اللوح المحفوظ كتاب الكتب، كل الكتب فيه. كل واحد من الناس قد يعرف كتاباً من الكتب وهذا في كل البشرية سواء كان يهوداً أو نصارى أو مسلمين كل من له نبيٌ ورسولٌ من السماء وله كتاب من الكتب المقدسة تجد فيهم واحد اثنين ثلاثة يسمونهم الأحبار، يسمونهم الرهبان، يسمونهم العلماء، يسمونهم العارفون بالله أنواع من التسميات أن هذا الإنسان له إلمام بالله عز وجل من حيث قدرته ومخلوقاته عندما يتأمل ويتفكر أصبح رجلاً يستطيع أن يشرح لك ما في كتاب هذا الكون والكون فيه كتاب كامل، دليل كامل. إذا كان دليل السيارة جزئي فاللوح المحفوظ هو الكتاب الكامل الذي فيه هذا الكون. من هو الذي يعرف بعض الكتاب والكتاب؟ آراء المفسرين كثيرة ناس قالوا هو سليمان نفسه وناس قالوا أحد وزرائه وناس قالوا لقمان الخ أشكال.(1/48)
وحينئذٍ كل هذا الكلام صحيح لأن كل واحد من هؤلاء الناس له علم من الكتاب سواء كان أنبياء أو رسل أو علماء صالحين أو ناس من أهل الله أو عارفون كل واحد له معرفة بالله اسمه العارف بالله، لكن الذي يعلم الكتاب كله واحد بعد الله عز وجل، بعد الله عز وجل واحد يعلم الكتاب طبعاً العلم هذا كلام أيضاً اجتهاد أنا لا أدعي أني وصلت إلى النهاية وما في غير هذا لا أنا أدلي بدلوي مع الذين أدلوا والذي اكتشفته أن كل الأسماء التي ذكروها حوالي عشرين ثلاثين إسم على أساس هؤلاء عندهم علم الكتاب كلهم صح لأن هؤلاء كثيرون والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن من أمتي أناس محدثين فإن يكن فعُمَر" عمر محدَّث. كل واحد يمكن أن يكون عنده علم من الكتاب إما عن طريق صلاح رب العالمين يقذف في قلبه علماً (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا {65} الكهف) (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا {113} النساء) هذا عام، أشكال وألوان في المسيحية في ناس، في اليهودية في ناس، في الإسلام في ناس، على مر العصور يعني إذا كان هذا الكتاب يعني الغيب والمستقبل وتفصيلات ما فينا واحد في يوم من الأيام إلا وقد رأى رؤيا في المنام تنبؤه عما سوف يحدث في المستقبل علم الغيب هذه قضية مسلَّم فيها كرؤيا العزيز، كرؤيا ملك مصر ورؤيا إبراهيم ورؤيا يوسف وهكذا حينئذٍ لما رأى أحد عشر كوكباً وفعلاً تطبقت بالضبط ما فينا واحد إلا رأى رؤيا ثم جاءت بعد أسبوع أسبوعين مثل فلق الصبح تخبره بما سوف يحدث له. إذا كان هذا يحدث في المنام فلا أن يحدث في اليقظة أفضل وأهمّ ولهذا رب العالمين ممكن أن يضع علمه في أي عبدٍ من عباده لكن جزئي. الذي عنده علم الكتاب كاملاً طبعاً منهم من قال محمد صلى الله عليه وسلم وطبعاً المصطفى على رأسي (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ).(1/49)
حينئذٍ نقول كثير من المفسرين قال فلان وفلان حقيقةً تقريباً كان كلهم يميلون إلى أنه "آصل البرقيه" أحد علماء سيدنا سليمان عليه السلام في زمانه وكأن الله سبحانه وتعالى علمه علم الكتاب فحينئذٍ هذا هو الذي في الحقيقة هو صح هذا الرجل يعلم علماً من الكتاب. وأبو بكر الصديق وعمر يعلمان علماً من الكتاب وكثير. مثلاً شخص دخل على سيدنا عثمان قال له: إني أرى في وجهك الزنا فذاك ذهل فقال له: أوحيٍ بعد رسول الله؟! هذا علم من الكتاب هذا علم الكتاب لا يتعلم هذا العلم لا يُتعلَّم وإلا العلم العام يتعلم العلم بالتعلم لكن هذا لا هذا يوهب من الله عز وجل بأنك ترى ما لا يرى غيرك هذا علمٌ من الكتاب أي شيءٌ من العلوم ليس كل الكتاب. وسيدنا الخضر أيضاً علمٌ من الكتاب لو كان الخضر يعلم كل علم الكتاب لكان النبي أولى النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة، كل ما يجري في هذا اليوم أحاديث صحيحة تخبر عنه (لا تقوم الساعة حتى يكون الروم أشد الناس عليكم) أي الغربيون، (لا تقوم الساعة حتى لا يدخل إلى العراق قفيزٌ ولا مدٌ..) يعني حصار كامل ويذهب وراح على سوريا وراح على فارس وأنت ترى الآن كل هذا.(1/50)
إذاً النبي صلى الله عليه وسلم عنده علم من الكتاب واسع الذي عنده علم الكتاب كامل - حسب رأيي كما قلت لكم - الله سبحانه وتعالى هذا مفروغ منه لكن من المخلوقين جبريل فقط لماذا؟ أنا كان يسرني أن أقول النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أنت لو تقرأ السنة كثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفسر من جبريل عن بعض الظواهر ما هذا يا أخي جبريل؟ يقول له كذا كذا، يعلمه والله أعلم طبعاً هذا مجرد اجتهاد ولا ألزم به أحد لكن لما تعرف أن جبريل ما سأل النبي عن شيء وجبريل كان أميناً كما قال تعالى في كتابه العزيز امتدحه مدحاً كاملاً أنه أمين والخ ومن أجل هذا الوحيد بعد الله عز وجل الذي يعلم علم الكتاب كاملاً لأنه موكل به. يقول بعض المفسرين إن لله ملكاً آخر اختصه الله، خلقه الله عز وجل للوح المحفوظ لكن ما قال اسمه ولا ما هو، على كل حال إذا صح فهذا عظيم أيضاً إذا كان خلق من أجل هذا والمفروض أن كتاب كهذا يحوي سفر الكون كله جدير بأن الله يخلق له ملكاً. لكن جبريل عليه السلام من وقائعه مع كل الأنبياء، مع سيدنا آدم والذين من بعده ومع سيدنا موسى وسيدنا عيسى ومع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتصرفاته كان ينهاهم ويصلحهم (أتدري يا محمد من فعل كذا من هؤلاء؟) إذاً يبدو أن هذا المخلوق العظيم إنما هو يعرف كل الكتاب بعد الله عز وجل.
سؤال:هل العلم يختاره الله لأشخاص معينين أم لجميع البشر؟ الإجابة: قطعاً لا يمكن أن يكون هذا العلم إلا باختيار الله لأن هذا العلم غير مكتسب لو كان مكتسباً لحاولنا كلنا ولكنه علمٌ موهوب.
****تناسب فاتحة الرعد مع خاتمتها****(1/51)
ربنا سبحانه وتعالى قال في أول سورة الرعد (المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)) وقال في آخرها (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)). إذن هو قال في أولها (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) وقال في آخرها (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا) يقولون لست مرسلاً ومن ثمّ لا يؤمنون به. ثم قال (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) يعني من عنده علم الكتاب يعلمون أن الذي أنزل إليه من ربه الحق (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) معنى ذلك أن من عنده علم الكتاب يعلمون أن الذي أُنزل إليه من ربه الحق، إذن ارتبط من ناحيتين: من ناحية ارتباط الذي أُنزل إليك من ربك الحق يعلمه من عنده علم الكتاب وقوله (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) مرتبط بقوله (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا).
*****تناسب خواتيم الرعد مع فواتح إبراهيم*****(1/52)
ربنا سبحانه وتعالى قال في خاتمة سورة الرعد (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)) وقال في بداية إبراهيم (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)) إذن أنت مرسل ولست كما يقول الذين كفروا. وقال في خواتيم الرعد (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)) وفي بداية سورة إبراهيم قال (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3))، قال في الرعد (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)) وفي إبراهيم (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)). قال في الرعد (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا) كيف مكروا؟ (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) مكروا على أنفسهم فإذن صار ارتباط في أكثر من موضع في خواتيم سورة الرعد ومفتتح سورة إبراهيم.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله(1/53)
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الرعد للدكتور فاضل السامرائي والدكتور حسام النعيمى والدكتور أحمد الكبيسى وغيرهم وقامت بنشرها أختنا سمر الأرناؤوط على موقعها إسلاميات جزاهم الله عنى وعن المسلمين خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/54)
سورة ابراهيم
تناسبها مع خواتيم الرعد ... آية (9) ... آية (25) ... آية (44)
هدف السورة ... آية (11) ... آية (26) ... آية (46)
آية (1) ... آية (12) ... آية (27) ... آية (48)
آية (2) ... آية (17) ... آية (31) ... آية (52)
آية (5) ... آية (18) ... آية (34) ... تناسب أولها مع آخرها
آية (6) ... آية (21) ... آية (35) ... تناسبها مع الحجر
آية (8) ... آية (22) ... آية (39)
*تناسب خواتيم الرعد مع فواتح إبراهيم*(1/1)
ربنا سبحانه وتعالى قال في خاتمة سورة الرعد (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)) وقال في بداية إبراهيم (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)) إذن أنت مرسل ولست كما يقول الذين كفروا. وقال في خواتيم الرعد (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)) وفي بداية سورة إبراهيم قال (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3))، قال في الرعد (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)) وفي إبراهيم (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)). قال في الرعد (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا) كيف مكروا؟ (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) مكروا على أنفسهم فإذن صار ارتباط في أكثر من موضع في خواتيم سورة الرعد ومفتتح سورة إبراهيم.
**هدف السورة: نعمة الإيمان ونقمة الكفر**(1/2)
تتحدث السورة عن مواجهة الرسل مع أقوامهم الرافضين لدعوتهم وتركّز السورة على أن أهم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإيمان وأشرّ نقمة هي الكفر. وقد يتخيل البعض أن النعم هي نعم الدنيا المادية ويتعلقون بها ويحرصون على كسبها والتنعم بها على حساب الآخرة. وتتحدث السورة أيضاً عن خطبة إبليس في جهنم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آية 22 وكيف يتبرأ ممن أغواهم. ثم تنتقل السورة إلى أعظم نعمة في الأرض (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) آية 24 وهذه الكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد وهي أفضل النعم لا النعم المادية من مال وبنين. مثلما يثمر شجر الدنيا بأطيب الثمار نأكلها فإن التوحيد يثمر في الآخرة جنة ونعيماً خالداً، أما الكفر فهو كالكلمة الخبيثة أي الشرك.
ثم تنتقل السورة إلى عرض نموذج سيدنا إبراهيم - عليه السلام - الذي عرف أن نعمة الله تعالى تتجلى في نعمة الإيمان (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) آية 39 – 40 ولذا سميت السورة باسمه لأنه خير نموذج لمن قدّر النعمة.(1/3)
ثم تختم السورة (العشر آيات الأواخر) باظهار خطورة الكفر (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) آية 42 إلى نهاية السورة، وكأنما السورة عرضت لنموذجين أحدهما عرف قدر نعمة الإيمان والوحيد والآخر كفر بالنعمة فكانت نقمة عليه وهذا هو هدف السورة ومحورها الذي دارت حولها الآيات.
***من اللمسات البيانية فى سورة إبراهيم***
آية (1):
*سورة إبراهيم (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ (2)) ما دلالة كسر (اللهِ)؟(د.فاضل السامرائى)
(اللهِ) هذه بدل مجرور، بدل من التوابع (العزيز الحميد).
آية (2):
*في الآية (اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ (2) إبراهيم) لماذا لم يقل (اللهُ)؟(د.فاضل السامرائى)
لأنه قال قبلها (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) اللهِ لفظ الجلالة بدل.
*ما دلالة الواو في قوله تعالى (وويل للكافرين من عذاب شديد)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة ابراهيم (اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ {2}) الواو هنا ليست للعطف وإنما هي إستئنافية.
آية (5):
* ما دلالة استخدام صيغة صبّار شكور ولماذا جاءت صبّار مقدّمة على شكور؟(د.فاضل السامرائى)(1/4)
أولاً كلمة صبّار الصبر إما أن يكون على طاعة الله أو على ما بصيب الإنسان من الشدائد. فالصلاة تحتاج إلى صبر وكذلك سائر العبادات كالجهاد والصوم. والشدائد تحتاج للصبر.
أما كلمة شكور: فالشكر إما أن يكون على النعم (واشكروا نعمة الله) أو على النجاة من الشّدّة (لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) فالشكر إذن يكون على ما يصيب الإنسان من النِّعَم أو فيما يُنجيه الله تعالى من الشِّدّة والكرب.
والآن نعود للسؤال لماذا قدّم الصبر على الشكر؟
إضافة إلى هذا فإنه إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه تعالى إذا كان السياق في تهديد البحر يستعمل (صبّار شكور) وإذا كان في غيره يستعمل الشكر فقط. ففي سورة لقمان مثلاً قال تعالى في سياق تهديد البحر (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)) وفي سورة الشورى (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33))
أما في سورة الروم فقد قال تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)) فجاء بالشكر فقط وكذلك في سورة النحل (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)).(1/5)
وهناك أمر آخر وهو أن كلمة صبّار لم تأت وحدها في القرآن كله وإنما تأتي دائماً مع كلمة شكور وهذا لأن الدين نصفه صبر ونصفه الآخر شكر كما في قوله تعالى في سورة ابراهيم (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)).
والآن نسأل لماذ استعمل صيغة صبّار على وزن (فعّال) وهذا السؤال يدخل في باب صيغ المبالغة وهو موضوع واسع لكننا نوجزه هنا فيما يخصّ السؤال.
صيغ المبالغة : مِفعال، فعّال وفعول كل منها لها دلالة خاصة.
مِفعال: (معطاء ومنحار ومعطار) هذه الصيغة منقولة من الآلة كـ (مفتاح ومنشار) فنقلوها إلى المبالغة، فعندما يقولون هو معطاء فكأنه صار آلة للعطاء، وقولنا امرأة معطار بمعنى زجاجة عطر أي أنها آلة لذلك.
والدليل على ذلك أن صيغة المبالغة هذه (مِفعال) تُجمع جمع الآلة ولا تُجمع جمع المذكر السالم ولا جمع المؤنث السالم، فنقول مثلاً مفتاح مفاتيح، ومنشار مناشير، ومحراث محاريث، ورجل مهذار ورجال مهاذير، فيجمع جمع الآلة، ولذلك لا يؤنث كالآلة
يا موقد النار بالهندي والغار هيجتني حزناً يا موقد النار
بين الرصافة والميدان أرقبها شبّت لغانية بيضاء معطار
فلا نقول معطارات وإنما نجمع معطار على معاطير، فنقول نساء معاطير ورجال معاطير، وامرأة مهذار رجال مهاذير..فهي من الصيغ التي يستوي فيها المذكر والمؤنث، ولا تجمع جمعا سالما، فلا نقول امرأة معطارة وإنما نقول امرأة معطار ورجل معطار ، ونجمعها جمع الآلة (معاطير) للرجال والنساء. هذه هي القاعدة(1/6)
صيغة فعّال: من الحِرفة. والعرب أكثرما تصوغ الحِرَف على وزن فعّال مثل نجّار وحدّاد وبزّاز وعطّار ونشّار. فإذا جئنا بالصفة على وزن الصيغة (فعال) فكأنما حرفته هذا الشيء. وإذا قلنا عن إنسان أنه كذّاب فكأنما يحترف الكذب. والنجّار حرفته النجارة. إذن هذه الصيغة هي من الحِرفة وهذه الصنعة تحتاج إلى المزاولة. وعليه فإن كلمة صبّار تعني الذي يحترف الصبر. وقد وردت هذه الصيغة في القرآن الكريم في صفات الله تعالى فقال تعالى (فعّال لما يريد) قوله تعالى غفّار بعدما يقول (كفّار) ليدلّ على أن الناس كلما أحدثوا كفراً واستغفروا غفر الله تعالى لهم (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) نوح).
صيغة فعول: مأخوذة من المادة (المواد) مثل الوقود وهو الحطب الذي يوقد ويُستهلك في الاتّقاد، والوضوء الماء الذي يُستهلك في الوضوء، والسحور ما يُؤكل في السحور، والسفوف وهو ما يُسفّ، والبخور وهو ما يُستهلك في التبخير. فصيغة فعول إذن تدل على المادة التي تُستعمل في الشيء الخاصة به. وصيغة فعول يستوي فيها المؤنّث والمذكر فنقول رجل شكور وامرأة شكور. ولا نقول شكورة ولا بخورة ولا وقودة مثلاً. وكذلك صيغة فعول لا تُجمع جمع مذكر سالم أو جمع مؤنّث سالم فلا نقول رجال صبورين أو نساء صبورات وإنما نقول صُبُر وشُكُر وغُفُر. وعليه فإن كلمة شكور التي هي على وزن صيغة فعول منقولة من المادة . فإذا قلنا صبور فهي منقولة من المادة وهي الصبر وتعني أن من نصفه بالصبور هو كله صبر ويُستنفذ في الصبر كما يُستنفذ الوقود في النار. وكذلك كلمة غفور بمعنى كله مغفرة ولذلك قالوا أن أرجى آية في القرآن هي ما جاء في سورة الزُمر في قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)).(1/7)
وهنا نسأل أيهما أكثر مبالغة فعول أو فعّال؟ فعول بالتأكيد أكثر مبالغة من فعّال ولذلك فكلمة صبور هي أكثر مبالغة وتعني أنه يفني نفسه في الصبر أما كلمة صبّار فهي بمعنى الحِرفة. ونسأل أيضاً أيهما ينبغي أكثر في الحياة الصبر أو الشكر؟ الشكر بالتأكيد لأن الشكر يكون في كل لحظة والشكر يكون على نعم الله تعالى علينا وهي نعم كثيرة وينبغي علينا أن نشكر الله تعالى عليها في كل لحظة لأننا في نعمة من الله تعالى في كل لحظة. وقد امتدح الله تعالى ابراهيم عليه السلام بقوله (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)) واستعمل كلمة (أنعُم) لأنها تدل على جمع القِلّة لأنه في الواقع أن نِعم الله تعالى لا تُحصى فلا يمكن أن يكون إنسان شاكرا لنعم الله، والإنسان في نعمة في كل الأحوال هو في نعمة في قيامه وقعوده ونومه .. الخ كما جاء في قوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) النحل). وعليه فإن الشكر يجب أن يكون أكثر من الصبر فالصبر يكون كما أسلفنا إما عند الطاعات وهي لها أوقات محددة وليست مستمرة كل لحظة كالصلاة والصيام أو الصبر على الشدائد وهي لا تقع دائماً وكل لحظة على عكس النِّعم التي تكون مستمرة في كل لحظة ولا تنقطع تنقطع لحظة من لحظات الليل أو النهار، وتستوجب الشكر عليها في كل لحظة فالإنسان يتقلب في نعم الله تعالى.(1/8)
ومما تقدّم نقول أنه تعالى جاء بصيغة صبّار للدلالة على الحِرفة وكلمة شكوربصيغة فعول التي يجب أن يستغرقها الإنسان في الشكر للدلالة على أن الانسان يستغرق في الشكر، ويكفي أن يكون الإنسان صبّاراً ولا يحتاج لأن يكون صبوراً. أما صيغة شكور فجاء بها لأن الانسان ينبغي أن يشكر الله تعالى على الدوام وحتى لو فعل فلن يوفّي الله تعالى على نِعَمه.
آية (6):
*(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) البقرة) ومرة (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) إبراهيم) ما الفرق بين يذبّحون و (ويذبّحون)؟ (د.فاضل السامرائى)(1/9)
نقرأ الآيتين: في سورة البقرة قال تعالى (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)) وفي سورة إبراهيم قال تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)). في البقرة جعل سوء العذاب هو تذبيح الأبناء (بَدَل)، وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب، ما هو سوء العذاب؟ يذبحون أبناءكم، هذه بدل من يسومونكم، هذه الجملة بدل لما قبلها فسّرتها ووضحتها، البدل يكون في الأسماء والأفعال وفي الجُمَل، إذن (يذبّحون أبناءكم) تبيين لسوء العذاب فنسميها جملة بَدَل. في سورة إبراهيم قال (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ) إذن هنا ذكر أمران سوء العذاب بالتذبيح وبغير التذبيح، سيدنا موسى ? يقول لبني إسرائيل أن الله سبحانه تعالى أنجاهم من آل فرعون من أمرين: يسومونهم سوء العذاب هذا أمر والتذبيح هذا أمر آخر. كان التعذيب لهم بالتذبيح وغير التذبيح باتخاذهم عبيداً وعمالاً وخدماً فيعذبونهم بأمرين وليس فقط بالتذبيح وإنما بالإهانات الأخرى فذكر لهم أمرين. إذن يسومونكم سوء العذاب هذا أمر، ويذبحونكم أبناءكم هذا أمر آخر، إذن بالتذبيح وفي غير التذبيح، سوء العذاب هذا أمر ويعذبونهم عذاباً آخر غير التذبيح. موسى ? يذكِّرهم بنعم الله عليهم ( اذكروا نعمة الله عليكم) فيذكر لهم أموراً. ربنا تعالى قال في سورة البقرة (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ) وفي إبراهيم قال على لسان سيدنا موسى (إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أنجاكم ولم يقل هنا نجّاكم.(1/10)
هناك فرق بين فعّل وأفعل، نجّى يفيد التمهل والتلبّث والبقاء مثل علّم وأعلم، علّم تحتاج إلى وقت أما أعلم فهو إخبار، فعّل فيها تمهل وتلبّث. موسى ? يعدد النعم عليهم فقال (أنجاكم) فأنهى الموضوع بسرعة. كما قال (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (50) البقرة) لأنهم لم يمكثوا في البحر طويلاً فقال أنجيناكم. حتى في إبراهيم قال (فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ (24) العنكبوت) لم يقل نجّاه لأنه لم يلبث كثيراً في النار.
*عندما عدّد الله تعالى النعم على بني إسرائيل (إذ نجيناكم) معنى هذا أنه أمهلهم في العذاب فترة؟(د.فاضل السامرائى)
هم بقوا فترة وهذا واقع الأمر أما سيدنا موسى - عليه السلام - حينما كان يعدد قال (أنجاكم) يعني خلّصكم منها.
*ربما يقول قائل حينما تأتي الآية (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)) تقولون إنها بَدَل وعندما تأتي الآية (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)) تقولون إن هذه غير تلك؟(د.فاضل السامرائى)(1/11)
الواو عاطفة، وأظن أن الذي في الدراسة الابتدائية يعلم أن الواو عاطفة. ربما يقول أن السياق واحد وإنما التعبير مختلف وهذا لا يوحي بملاحظة أو علامة استفهام أمام هذا التغير. حتى في واقع الحياة أنت تذكر لشخص أموراً ولا تذكر أموراً أخرى، يعني تذكر أموراً لا تحب أن تشرحها كثيراً وفي موقف آخر تقولها. الآيات تتكامل مع بعضها وتضيف إطاراً آخر حتى تكتمل ملامح الصورة ولا تتعارض ولو تعارضت لقال لا يذبحون أبناءكم.
*ما دلالة استعمال كلمة بلاء بدل ابتلاء في قوله تعالى في سورة ابراهيم (وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6))؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً لم ترد كمة ابتلاء في القرآن الكريم أصلاً وإنما وردت (ليبتليكم، مبتليكم، ابتلاه)
والبلاء قد يأتي بمعنى الاختبار أو ما ينزل على الإنسان من شدّة أو ما يصيبه من خير كما في قوله تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة).
أما في الآية موضع السؤال فالكلام عن بني إسرائيل قبل أن يأتيهم موسى عليه السلام (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)). والبلاء هنا من باب البلاء القَدَري (أي ما يُقدّره الله تعالى على الناس) وليس من باب الاختبار الشرعي. فما أصابهم من ذبح واستحياء نسائهم لم تكن بناء على اختبار شرعي وإنما حدث لهم قبل أن يُرسل الله تعالى لهم موسى عليه السلام لأن لاختبار الشرعي يكون بأن يأمر الله تعالى بشيء ما فيفعله الإنسان أو لا يفعله، فالأمر مما يتعلق بالمطلوبات الشرعية وما يترتب عليه حسنات وسيئات. وبلاء بني إسرائيل كما جاء في الآية ابتلاء قدري من باب البلاء النازل على الإنسان قدَراً لا من الاختبار الشرعي فهو ليس من الابتلاء .(1/12)
وكلمة ابتلى هي أشد من (بلا) ويظهر فيها معنى الاختبار أكثر. والبلاء قد لا يكون بالضرورة سيئاً والابتلاء اختبار كما في قوله تعالى في سورة الفجر (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)).
آية (8):
* قال تعالى في سورة لقمان (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)) وقال في سورة ابراهيم (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8))ما الفرق؟(د.فاضل السامرائى)
في الآية الأولى أكدها بـ (إن) بقوله (فإن الله غني حميد) وغني نكرة وحميد نكرة. أما في الآية الثانية فأكذّ بـ (إن) واللام (فإن الله لغني حميد). وفي سورة لقمان أيضاً قال تعالى (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)) باستخدام الضمير (هو) والتعريف (الغني الحميد) أما في سورة الحج (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)) زاد تعالى اللام على الضمير المنفصل (لهو) لماذا؟
في الفرق بين آية لقمان الأولى وآية سورة ابراهيم نجد أن الثانية آكد من الأولى لأنه ذكر اللام. في آية سورة لقمان ذكر تعالى صنفين أي جعل الخلق على قسمين : من شكر ومن كفر، ومن كفر بعض من الناس. أما في آية سورة ابراهيم (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)) افترض كُفر أهل الأرض جميعاً لذا جاء قوله (فإن الله لغني حميد) أعم وأشمل.
نلاحظ الإختلاف بين التعبيرين في ثلاثة أمور:(1/13)
· أولاً في لقمان جرى على التبعيض (بعضهم مؤمن وبعضهم كافر باعتبار من يشكر ومن كفر) بينما في إبراهيم على الشمول شملهم كلهم ولم يستثني أحداً.
· ونلاحظ في لقمان قال (ومن كفر) بالماضي، في إبراهيم قال (إن تكفروا) بالمضارع،
· في لقمان فعل الشرط ماضي (ومن كفر) وفي إبراهيم فعل الشرط مضارع (إن تكفروا) والفرق واضح لأنه ذكرنا في حلقة ماضية أنه إذا كان فعل الشرط ماضياً إفتراض وقوع الحدث مرة وإن كان مضارعاً افتراض تكرر الحدث فهنا قال (إن تكفروا) يعني إذا داومتم واستمررتم على الكفر دلالة على تكرر الكفر وتجدده (إن تكفروا) يعني تستمرون على الكفر وتداوموا عليه وفي لقمان قال ومن كفر. ثم قال (جميعاً) جاء بالحال المؤكدة. إذن إفتراض كفر أهل الأرض بلا استثناء لم يجعلهم قمسمين ثم افتراض الكفر مستمر ثم أكد ذلك بـ (جميعاً) فاقتضى ذلك زيادة التأكيد في إبراهيم (فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) الله تعالى لا يحتاج إلى غني لما ذكر هذه الأمور افتراض ليكفر أهل الأرض جميعاً وليداموا على الكفر جميعاً هذه كلها مؤكدات. ربنا تعالى لم يؤكد غني في لقمان لأن الناس فئتان ولما كان الناس على ملة واحدة أكّد لأنه تعالى لا يحتاج إليهم حتى لو كانوا كلهم كفار ويداومون ويستمرون على ذلك. فائدة التأكيد هنا فائدة بلاغية أن الله تعالى غني عن العباد كلهم لو كفروا كلهم جميعاً واستمروا ربنا غني عنهم، تأكيد الغنى.
سؤال : هل نفهم أنه – والعياذ بالله - في لقمان ليس غنياً بدرجة غناه في سورة إبراهيم؟ هو التأكيد ليس معنى ذلك لكن الموقف يحتاج لهذا الشيء فالله تعالى يقول عن نفسه عالم ومرة يقول عليم ومرة يقول والله غفور رحيم، إن ربك لغفور رحيم، حسب ما يقتضي السياق وهو سبحانه وتعالى غني عن العباد في جميع الأحوال.
آية (9):
*ما الفرق بين النبأ والخبر؟(د.فاضل السامرائى)(1/14)
النبأ كما يقول أهل اللغة أهم من الخبر وأعظم منه وفيه فائدة مهمة (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) النمل) وفي القرآن النبأ أهم من الخبر (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) ص) (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) النبأ). والنبأ في اللغة هو الظهور وقد استعمل القرآن الكريم كلمة خبر مفردة في موطنين في قصة موسى (29) القصص) (7) النمل) وهناك فرق بين الخبر والنبأ العظيم. وفي أخبار الماضين والرسل استعمل القرآن نبأ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) ابراهيم).
والصيغة الفعلية للنبأ (أنبأ) أقوى أيضاً منها للخبر (أخبر) (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الكهف).
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب) في سورة هود آية 62 وقوله تعالى (وإن لفي شك مما تدعوننا إليه) في سورة ابراهيم آية 9؟(د.فاضل السامرائى)
في آية سورة هود الكلام في قصة صالح فجاء بلفظ (تدعونا) أما في سورة ابراهيم فالكلام عم مجموعة من الرسل لذا جاء قوله (تدعوننا).
الذي يبدو أنه عندما يأتي (إننّا) هو آكد ، إنا تأتي للتوكيد سواء كانت النون مشددة أو مخففة .
نون التوكيد قد تأتي في أول الأسماء (إننا) وفي آخر الأقعال للتوكيد (ولتكوناً) (ليذهبنّ) .(1/15)
وعندما نقول (إننا) تحتمل معنيين: في مقام التفصيل (إننا) وفي مقام التوكيد (إننا) فلو قرأنا القصتين في السورتين لوجدنا أن قصة صالح فصّل تعالى فيها كثيراً فاقتضى النفصيل استخدام (إننا) وكذلك التكذيب في قوم صالح كان أشدّ فجاء التوكيد بلفظ (إننا) إذن القصة في قصة صالح أطول والتكذيب أشدّ في سورة هود بينما الكلام في سورة ابراهيم موجز فاقتضى التوكيد في سورة هود بـ (إننا) ولم يقتضي التوكيد في سورة ابراهيم (إنا).
آية (11):
*ما دلالة استخدام الفعل للمؤنث في قوله تعالى (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ (11) إبراهيم )؟(د.فاضل السامرائى)
الفعل لما يأتي ويسند إلى جمع جمع القلة يأتي بالتذكير ولما يأتي لجمع الكثرة يأتي بالتأنيث. (وقال نسوة فى المدينة) فالنسوة جمع قلّة، كم واحدة قالت؟ قليل والأعراب كثير. فالقلة (قال نسوة) لأنهن قليلات هم جماعة الملكة وحاشيتها أما مع الأعراب قال (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا) فجاء بالتأنيث للدلالة على جمع الكثرة .فالعرب عندهم التأنيث يدل على عدد أكثر من التذكير (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ (11) إبراهيم).
آية (12):
*تقديم اللفظ على عامله: (د.فاضل السامرائى)
من هذا الباب تقديم المفعول به على فعله وتقديم الحال على فعله وتقديم الظرف والجار والمجرور على فعلهما وتقديم الخبر على المبتدأ ونحو ذلك. وهذا التقديم في الغالب يفيد الإختصاص فقولك (أنجدت خالداً) يفيد أنك أنجدت خالداً ولا يفيد أنك خصصت خالداً بالنجاة بل يجوز أنك أنجدت غيره أو لم تنجد أحداً معه. فإذا قلت: خالداً أنجدت أفاد ذلك أنك خصصت خالداً بالنجدة وأنك لم تنجد أحداً آخر.(1/16)
** ومثل التقديم على فعل الإستعانة قوله تعالى (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) ابراهيم) وقوله ( على الله توكلنا ربنا، الأعراف) وقوله (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) هود) فقدم الجار والمجرور للدلالة على الإختصاص وذلك لأن التوكّل لا يكون إلا على الله وحده والإنابة ليست إلا إليه وحده.
ولم يقدم مفعول الهداية على فعله قلم يقل : إيانا اهد كما قال إياك نعبد وذلك لأن طلب الهداية لا يصح فيه الإختصاص إذ لا يصح أن تقول اللهم اهدني وحدي ولا تهد أحداً غيري أو خُصني بالهداية من دون الناس وهو كما تقول اللهم ارزقني واشفني وعافني. فأنت تسأل لنفسك ذلك زلم تسأله أن يخصك وحدك بالرزق والشفاء والعافية فلا يرزق احداً غيرك ولا يشفيه ولا يعافيه.
آية (17):
*ما دلالة إستعمال الأفعال المسندة إلى الموت؟(د.حسام النعيمى)(1/17)
وجدنا أنه في أحد عشر موضعاً ورد الموت مع أفعال هي: الموت مع (حضر) ورد في أربعة مواضع، مع (جاء) ورد في موضعين، مع (يدرك) ورد في موضعين، مع (يأتي) ورد في موضعين، مع (يتوفى) ورد في موضع واحد. لما ننظر في الاستعمال القرآني لهذه الأفعال وما ورد في معجمات اللغة نرى أنها متقاربة المعنى يكاد يكون الذي يجمعها هذا القُرب. لما تقول جاء معناه صار قريباً، حضر معناه صار قريباً، أتى أيضاً معناها القرب، أدركه معناها القرب، توفاه أخذه كاملاً معناه قريب منه فلا يكون الأخذ إلا عن قرب، فيها معنى القرب لكن هل يصلح أن تكون كلمة مكان كلمة؟ لا، لأن كل كلمة لها معناها الخاص الجزئي فوق الإقتراب بالمعنى الذي جعلها خاصة في هذا الموضع دون موضع آخر. بصورة موجزة نقول لما ننظر في الآيات التي فيها كلمة حضر نجد معنى القرب لكن نجد المشاهدة والملامسة أحياناً، إقتراب إلى حد الملامسة، إقتراب شديد. لما نأتي إلى جاء وأتى مع فارق نجد معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع في جاء وفي أتي في موقع مع الفارق بينهما: جاء يكون العمل فيها أظهر والعربية أحياناً تراعي الصوت. لما ننظر إلى حروف (جاء) مكونة من جيم وألف وهمزة، لما ننظر إلى حروف (أتى) مكونة من همزة وتاء وألف فالمشترك بين الفعلين ألف وهمزة والمختلف جيم وتاء وكلاهما صوت شديد بالتعبير الحديث يقولون صوت انفجاري يحدث نتيجة إنطباق يعقبه إنفصال مفاجئ في نقطة معينة في المدرج الصوتي فكلاهما متقارب لكن الفارق أن الجيم مجهور والتاء مهموس. الجيم يهتز معها الوتران الصوتيان ويكون هذا الصوت أظهر وأنصع وأحياناً من مخرج واحد أحد الصوتين مجهور والآخر مهموس. التاء والدال من مخرج واحد لسانك يكون في نفس الموقع لما تقول (قد) تقلقل نجد نوعاً من الرنين لكن لما تقول (قت) التاء مهموسة ليس فيها الجهر. المجهور أقوى وأظهر ولذلك نقول جاء أظهر من أتى أو فيه شيء من الجهر والقوة أكثر من أتى.(1/18)
الإدراك يكون بمعنى القرب الشديد لكن فيه صورة تشعر بنهاية الفرار من شيء كأنما هناك فارٌّ ومن يلاحقه إلى أن يدركه فينتهي فراره وأيضاً فيها قرب لما يدركه ويوقف فراره. أدركه فيها معنى القرب وفيها صورة هارب وهناك من يلاحقه، من يدركه.
التوفّي: أخذ الشيء وافياً غير منقوص فيه معنى القرب لأن الأخذ يكون قريباً من ما يأخذ. هذه بصورة عامة.
حضر:
حضر يمكن أن تلمس فيها ما هو شديد القرب وشدة القرب ظاهرة في الآيات مثل:(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي (133) البقرة) حضره الموت وهو يتكلم معناه الموت صار قريباً منه، شارف على الموت لكن وقوعه لم يتحقق، لم يمت بعد بدليل أنه كان يكلم أبناءه ويوصيهم فالموصي لم يمت بعد ولم يفقد وعيه بعد. فالموصي إنما يذكر وصيته أو يؤكدها وهو يرى أنه شارف على الموت أو أن الموت قريب منه لكن وقوعه لم يتحقق بعد بدليل أنه يتكلم ويوصي.
وعلى هذا نقول أن كلمة (حضر) عندما تأتي مع الموت فيها معنى القرب والمشاهدة وكأنه فيها نوع من التجسيد للموت كأن الموت حيٌّ يحضر مع من يحضر حوله من أهل الذي ينازع فيشهد هذا الموت.
جاء:
أما (جاء) ففيه معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع. هذا الفعل استعمل في القرآن بهذه الصيغة.
قال تعالى في سورة الأنعام (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61)) مجيء الموت هنا معناه وصول عمر الحيّ إلى نهايته فكأن الموت يخبر بهذه النهاية وتقدير الكلام: إذا جاء قضاء الموت على الحيّ توفت روحه الملائكة أي أخذتها وافية غير منقوصة. (جاء أحدكم الموت) أي اقترب منه ووقع حدث الموت. استوفت الملائكة روحه فيه القرب الشديد وتحقق الوقوع.(1/19)
وفي سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)) قد يقول قائل هم يتكلم ما أدركه الموت، كلا. الكافر يقول رب ارجعون بعد قبض روحه، الرجوع إلى الدنيا يريد أن يرجع إلى الدنيا بعد أن يخرج من الدنيا فإذن هنا معناه (جاء أحدهم الموت) أي اقترب منه وتاله وفارقته الروح. عند ذلك لما يرى ما يرى من هول الحساب يبدأ يقول رب ارجعون. طلب الرجوع إنما يكون لمن فارق الحياة وليس لمن هو في هذه الدنيا. موضعان في القرآن ورد فيهما (جاء) فيهما معنى المفارقة، مفارقة الروح.
يدرك:
في سورة النساء (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ (78)) الآية كأنما تصور من ينتقل من مكان إلى آخر هرباً من الموت والموت يسعى وراءه حتى يدركه أينما كان ولو كان متحصناً في بروج مشيدة قوية الجدران محكمة الأبواب. لما يدركه يكون قريباً منه ويقبض بعد ذلك. يُفهم من الآية أنه يموت قطعاً. يدرككم أي لما يصل إليكم وسيكون نتيجته مفارقة الحياة. وفيه صورة الملاحقة والهارب الذي يلحقه شيء. حتى في المجاز تقول أدركت ما يريد فلان أي تتبعت عباراته بحيث وصلت إلى الغاية من عبارته.
يأتي:
في سورة ابراهيم (يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)) إتيان الموت المراد به إتيان أسبابه من وسائل العذاب لأن الكلام على المعذَّب بنار جهنم العذاب في جهنم بعد قيام الساعة (لا موت). (يأتي) هنا بمعنى إتيان أسباب الموت، أسباب التعذيب تصيبه وتلاحقه في كل مكان وتأتيه اسباب الموت لكن (وما هو بميت) لأنه في النار لا يوجد موت وإنما عذاب. الموت قريب منه بمحيء أسبابه لأن الإحراق من أسباب الموت لكن الإحراق بالنار يوم القيامة هو من أسباب الموت لكن لا يفضي إلى الموت فالموت قريب منه لكنه لا يقع.(1/20)
يتوفى:
ورد في موضع واحد في سورة النساء (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)) جعل الله تعالى لهن سبيلاً بالحدّ عندما نزلت الآيات وأخبر الرسول ? بحدّ مرتكبة الفاحشة. (يتوفاهن الموت) التوفي هو أخذ الشيء كاملاً غير منقوص. الموت لا يقوم بأخذ الشيء وافياً وإنما أُسند العمل إلى الموت على سبيل التوسع لعلاقة السببية لأن الموت معناه إنقضاء العمر الذي يؤدي إلى أن تؤخذ روحه وافية غير منقوصة، أنه يتوفّى. الموت ليس هو الذي يأخذ الروح لكن الموت إيذان بانتهاء العمر، ما بقي لهذا الإنسان من عمره شيء فهو ميّت.
آية (18):
*(لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا {264} البقرة) - (لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ {18} إبراهيم) ما الفرق بينهما؟(د.أحمد الكبيسى)(1/21)
نفس الاثنين الله يقول عن الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر يقول (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا {264} البقرة) ومرة ثانية يقول عليه (لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ {18} إبراهيم) يعني آيتين عجيبتين ما الفرق بينهما؟ وحينئذٍ رب العالمين يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {264} البقرة) على شيءِ مما كسبوا، في مكان آخر في آية أخرى (لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ) ما الفرق بينهما؟ أنا أقول لك أنت لا تملك شيئاً من مالك أو أقول أنت لا تملك من مالك شيئاً لغة أعجوبة. رب العالمين عندما اختار هذه اللغة العربية حسّنها ورقّاها حتى وصلت إلى قمة رقيها فنزل القرآن على تلك القمة وما كان للغة أخرى غير العربية أن تحمل هذا المطلق الإلهي والفهم النسبي. هذا الكلمة القرآنية تعطيك معنىً جديداً إلى يوم القيامة معبأة بمعانٍ لا تنضب وكل واحد على قدر ثقافته وفهمه وعقله وحضارته وعصره وحاجاته يستطيع من الجملة الواحدة من الآية الواحدة أن يستنبط فيها حكماً جديداً مدللاً عليه لم يخطر على بال الأجيال الذين سبقوه. لما نقول نحن لدينا كافر ومنافق كما قلنا قبل قليل أن هناك فرق بين الاثنين بين كافر وبين مؤمن لكن مؤمن منافق، الكافر لا يقدر على شيء مما كسب ليس لديه كسب يعني واحد يقول لا يوجد إله وفرضنا تصدق هل له أجر؟ الجواب لا.(1/22)
عمل مشروع عظيم ولكنه لا يؤمن بالله مثلاً هؤلاء الشيوعيين في روسيا الذين كانوا ينكرون وجود الإله عمل خدمات للبشرية اخترع شيئاً اخترع سيارة أو طيارة أو دواء ليس له فيها أجر أما أنا أؤمن بأن الله وهو رب العالمين إله الناس وهناك يوم القيامة وحساب وكتاب هذا له أجره عند الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) وشخص آخر قال لك لا يوجد إله أنا شيوعي هذا عمل أعمال صالحة لكن ليس له شيء فالذي هو يعتقد بأن الله موجود هذا انتهينا هذا يقدر على شيء مما كسب. المنافق والمشرك، المنافق تكتب حسناته نقول عنه مؤمن أنا مسيحي أنا يهودي أنا مسلم لكنه كاذب هو منافق، في الأعماق هو ملحد فهناك من الناس من ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أعلن الكفر وأعلن الإسلام وأخفى الكفر وارتدوا بعد ذلك فهذا كونه مسلم تكتب له وتسجل له أعمال حسنة لكن ليس له منها شيء. عنده فلوس وأموال لكن لا يستطيع أن يسحب ولا درهم محجور عليه هذا (لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ). ذاك الذي هو يقول لا يوجد الله هذا (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) ليس لديه كسب أصلاً ليس لديه كسب لا يستطيع أن يأتي بما فعل لكي يضعه في حسابه (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) يعني لا يمكن أن تأتي بهذه الحسنات يضعها في حسابه في بنك الرحمن عز وجل إذاً هو أصلاً كافر والكافر لا يحاسب على الفروع وليس له أي عمل، الإيمان شرط العمل. الثاني المنافق لا هو في الظاهر مؤمن هو مواطن. يعني نفترض جدلاً أن لدينا شخص مندس هنا وهو جاسوس للعدو لكن لديه جواز سفر وهو جالس هنا في الظاهر هو منتمي هذا في الظاهر يدخل ويخرج لا بأس لكن ليس له قدرة على أن يكون في أي مكان لأن الدولة تعرف أن هذا مندس.(1/23)
هذا الفرق بين الملحد وبين الكافر المشرك العلني فالمشرك (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) والمنافق الذي يعلن الإيمان والإسلام (لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ) هذا هو الفرق بين هاتين الآيتين.
آية (21):
*ما الفرق بين أتباع وأشياع؟(د.فاضل السامرائى)
الأشياع هم أتباع الرجل على جماعة واحدة والأتباع هم أنصار الرجل لكن ما الفرق؟ الأشياع أنصار أيضاً لكن الأشياع أعمّ قال تعالى (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (51) القمر) المخاطَب زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أشياعهم الأمم السابقة، نحن أشياع سيدنا محمد وأتباعه الذين معه وقتها. القرآن الكريم لم يستعمل التبع إلا من كان مع الرسول وقتها، كل أتباع الرجل من كان معه (فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا (21) إبراهيم). الأشياع ليس بالضرورة واستعملها الله تعالى للمتقدم والمتأخر، تكلم عن سيدنا نوح عليه السلام (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)) ثم قال (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) الصافات) أين إبراهيم من نوح ؟ من شيعته أي من شيعة نوح، صحيح الفروع مختلفة لكن أصل الرسالة واحدة. سيدنا نوح كان أسبق بكثير من إبراهيم. فالأشياع أعمّ من الأتباع، الأتباع من كانوا معه فقط ولا يستعمل للمتأخر. التبع يكون معه والأشياع عامة وفي القرآن يستعمل الأشياع أعمّ من التبع.
آية (22):
*متى تأتي (ليَ) كما في قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي (22) إبراهيم) ومتى تأتي (لي)؟(د.فاضل السامرائى)
هذا جائز في اللغة.(1/24)
السؤال أوسع من هذا. هذه مسألة ياء المتكلم فتح ياء المتكلم وعدم فتحها ولا تتعلق فقط بـ (ليَ ولي)، (ولييَّ، وليّ). عندنا مواطن وجوب الفتح وما عداها جواز وفي القرآن حسب النقل. عندنا مواطن وجوب الفتح يكون:
- بعد الاسم المقصور. (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) الأنعام) لا يمكن التسكين، (فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة). والاسم المقصور هو الإسم المُعرَب الذي آخره ألف لازمة (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا (18) طه) عصى منقوص أضفها إلى الياء فتقول (عصايَ)، هدايَ، محيايَ هنا الياء واجبة الفتح.
- بعد الاسم المنقوص. والاسم المنقوص هو الإسم المعرب الذي آخره ياء لازمة قبلها كسرة (معطي) تقول أنت معطيَ كذا، أنت مُنجيَّ.
- بعد المثنى (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ (28) نوح) لا بد من الفتح. (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ (27) القصص).
- جمع المذكر السالم (مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ (22) إبراهيم). وكما في الحديث "أومخرجيَ هم؟"
هذه المواطن التي يجب فيها الفتح. ثم كيف ورد في النقل هو الذي يحدد. أما الباقي فيجوز فيه السكون والفتح. يمكن أن تقول آتانيَ الله أو آتاني لكن النقل هو الذي يحدد. إن ولييَ الله يمكن أن تقول وليي الله. آتاني يجوز السكون لكن تحذف الياء في النطق.
*ما معنى قوله تعالى (مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ (22) إبراهيم)؟(د.فاضل السامرائى)(1/25)
صرخ وأصرخ صرخ يعني صنع فعل الصراخ استغاث وأصرخ بمعنى أغاثه وأزال الصراخ (مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ (22) إبراهيم) لا تستطيعون أن تعينوني وتزيلون صراخي ولا أنا أزيل صراخكم. الهمزة هي همزة السلب، أي تسلب الحكم الأول مثل جار بمعنى ظلم وأجار بمعنى رفع الجور،قَسَط بمعنى جار وظلم وأقسط أزال القسط وأزال الظلم.
آية (25):
*ما دلالة كلمة (حين) في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
في اللغة هناك ظروف محددة مثل (شهر، عام، أسبوع، حول) وظروف مبهمة. و(حين) هي من الظروف المبهمة بمعنى أنه ليس لها وقت محدد لكن قد يُعلم وقتها بما تُضاف إليه. كقوله تعالى في سورة الروم (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ {17}) وكذلك قوله تعالى في سورة ابراهيم (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25}) حسب الثمار.
*ما الفرق بين (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، ( لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (،( لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، ( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) في خواتيم الآيات ؟ وكيف نميز بينهم في الحفظ؟(د.حسام النعيمى)(1/26)
إبتداءً، حفظ القرآن الكريم يعتمد على المراجعة والتكرار بالدرجة الأولى. بمعنى أن الذي يحفظ كلام الله سبحانه وتعالى ينبغي أن يراجعه وقلنا أنه كان الأولون يقومون الليل بالقرآن الكريم بحيث في كل أسبوع، في كل أسبوعين يكون قد ختم القرآن فيبقى يراجع فلا ينسى لأنها وُصِفت الآيات بأنها كالإبل الشوارد التي تشرد فلا بد من تقييدها بالمراحعة. ومع ذلك يمكن أن يتلمس الإنسان بعض الروابط أنه يربط هذه الآية بخاتمتها تكون فيها المسألة الفلانية. طبعاً الآيات تكون أحياناً للخطاب (لعلكم تتقون) وأحياناً للغيبة (لعلهم يتقون) هذا أيضاً له جانب: متى يكون خطاباً ومتى يكون للغيبة؟ لأنه أحياناً القرآن يخاطب وفجأة ينتقل للغيبة ذلك عندما يكون الكلام عاماً عندما يريد الحكم أن يكون عامّاً مطلقاً يتحول من المخاطب إلى الغائب ليكون لجميع الغائبين وليس لهؤلاء الذين خوطبوا لجزئية معينة.
التقوى هي تجنّب الوقوع فيما لا يرضي الله سبحانه وتعالى .عندما يقول تعالى (لعلهم يتقون، لعلكم تتقون) يكون سياق الآية في طلب إما بأمر (إفعلوا) وإما بنهي (لا تفعلوا) أو بـ (كتب) بمعنى فرض بحيث أن على السامع أو على المؤمن أن يتجنب معصية الله سبحانه وتعالى أن يتّقي المخالفة (لعلكم تتقون) قالوا لعلّ بمعنى كي، أنا أخبركم بهذه الأمور كي تتقوا الوقوع في المخالفة. هذا فيما يتعلق بـ (لعلكم تتقون).
لما نأتي إلى (لعلكم تتفكرون) الكلام طلبٌ للتفكر إما بضرب مَثَل حتى يتأمل الإنسان هذا المثل وإما يكون جواباً عن سؤال حتى يتفكر في الإجابة عن السؤال.
((1/27)
لعلهم يتذكرون): التذكّر للإتّعاظ أنه تكون له عظة بذلك. فوجدنا أنه في سياق بيان مخالف لعُرفِهِم. يعني الأعراف عندهم بشيء معيّن ثم يأتي الحكم مخالفاً للعُرف الإجتماعي فعند ذلك يُطلب إليهم أن يكون لهم بهذا الكلام عظة وعبرة يتّعظون به فلا يخالفوه. مثل قوله تعالى(تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) إبراهيم) .
آية (26):
*هل أصل الفعل اجتثّت كما ورد في سورة إبراهيم (وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26)) إِجتث أو أُجتُثّ؟ ما هو ضبط الفعل وهل هو فعل خماسي؟(د.فاضل السامرائى)
الفعل مبني للمجهول مضموم الحرف الأول مثل أُستِمع وأُنطُلِق ضمّ الحرف الأول في المبني للمجهول وهو فعل خماسي (إفتعل) يُكسر ما قبل الآخر.
آية (27):
*لماذا جاءت الهداية بالاسم (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) الفرقان) والضلالة بالفعل(وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) ابراهيم)؟(د.فاضل السامرائى)
فعل الهداية والضلالة: (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27) ابراهيم) (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) الفرقان) (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) المائدة).
الهداية جاءت بالاسم والفعل أما الضلالة فجاءت بالفعل (ويضل الله من هو مسرف مرتاب) أما في الحديث عن الشيطان (إنه عدو مضل) (إنه يضل) (لأضلنّهم).(1/28)
صفة الله تعالى الثابتة والمتجددة هي الهداية (وكفى بربك هادياً ونصيرا) وهو يهدي حالته الثابتة والمتجددة هي الهداية ولا يضل إلا مجازاة للظالم. أما صفة الشيطان الثابتة والمتجددة هي الإضلال فجاءت مضلّ بالاسم الثابت وبفعل التجدد. ولم يقل تعالى عن نفسه مُضلّ
آية (31):
*هل يُضمر القول في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
أحوال القول والمقول يمكن أن نجمل أهم أحكامها في عبارات صغيرة.
الكثير أن يذكر القول والمقول هو الأصل (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) القول هو الفعل و(سمعنا وأطعنا) هو المقول.
يمكن أن يحذف فعل القول ويذكر المقول لا يقول قال أو يقول لكنه مفهوم وهذا كثير أيضاً مثال:(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) البقرة) هذا مقول القول ما قال يقولون ، حذف الفعل وأبقى المقول.
أحياناً يذكر فعل القول لكن يحذف المقول ولكنه ظاهر في السياق عكس الحالة السابقة مثل (قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) يونس) ما هو القول؟ هم لم يقولوا أسحر هذا ولا يفلح الساحرون وإنما هم قالوا هذا سحر، قول (أسحر هذا) هذا قول موسى وأضمر مقولهم هم وهو مفهوم من السياق.(1/29)
وهنالك حالة أخرى أن يذكر مقولان لقائلين مختلفين ويحذف فعل القول منهما الإثنين ويتصلان كأنهما مقولان لقول واحد لكن المعنى واضح يجري عليه السياق مثل (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) النحل) هم قالوا (ما كنا نعمل من سوء) والرد (بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون) هذا ليس قائلاً واحداً وإنما هذا قائل آخر وحذف فعل القول لم يقل قالوا ما كنا نعمل من سوء ولم يقل قال بلى مفهوم من السياق فحذف فعل القول من الاثنين وأدمج المقولين لكنه مفهوم من السياق.(1/30)
وهنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول ومقوله ويدرج معه قول لقائل آخر فيبدو كأنهما مقولان لشخص واحد لكن في الحقيقة لا، مثل (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) يوسف)، ويوسف قال (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)) هذا كلام يوسف، هي رمته بالخيانة (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25))، (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)) سيدنا يوسف يتحدث عن العزيز أنه لم يخن العزيز بالغيب، (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53)) هذا كلام يوسف أيضاً (ذلك) أي الكلام الذي قالته امرأة العزيز، كلامها هي (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) يوسف) وانتهى كلامها، ويوسف قال (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)). في قوله تعالى (يوسف أعرض عن هذا ()) يكلم شخصين لكن القائل واحد.
هنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول لكن لا يذكر المقول وإنما يذكر فحواه (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ (31) إبراهيم) قل هذا فعل القول والمقول لم يذكره وإنما ذكر الفحوى يقيموا الصلاة هذا فحوى قوله تعالى وليس هو القول لم يقل أقيموا الصلاة. فهذه أبرز أحوال القول في القرآن الكريم. ولكل حالة من هذه الحالات دلالتها وسياقها الذي تروى فيه.
آية (34):(1/31)
*ما الفرق بين ختام الآيتين (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) إبراهيم) (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)
هذا يتعلق بالسياق. سياق آية ابراهيم في وصف الإنسان وذكر صفات الإنسان فختم الآية بصفة الإنسان، آية النحل في سياق صفات الله فذكر ما يتعلق بصفات الله. في إبراهيم قال (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) الكلام كله في صفات الإنسان إلى أن يقول (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)) مناسب لما ذكر من صفات الإنسان.(1/32)
في النحل يتكلم عن صفات الله والنعم (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)) يتكلم عن صفات الله تعالى والنِعَم.(1/33)
إذن لما تكلم على صفات الله والنعم التي ذكرها قال (إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ولما تكلم عن صفات الإنسان قال (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) فكل فاصلة مناسبة للسياق الذي وردت فيه.
آية (35):
* ما دلالة التعريف والتنكير في كلمة بلد بين الآية في سورة البقرة )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا) وسورة إبراهيم )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا( ؟
د.فاضل السامرائى:
الآية الأولى هي دعاء سيدنا ابراهيم قبل أن تكون مكة بلداً فجاء بصيغة التنكير (بلداً) أما الآية الثانية فهي دعاء سيدنا ابراهيم بعد أن أصبحت مكة بلداً معروفاً فجاء بصيغة التعريف في قوله (البلد).
د.حسام النعيمى:
هاتان الكلمتان وردتا في آيتين في موضعين مختلفتين: الآية الأولى في سورة البقرة قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)). الآية الأخرى في سورة إبراهيم (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)).(1/34)
في الآية الأولى )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا) لو نظرنا في الإعراب: الإشارة هذا إلى أي شيء؟ (هذا) هو يشير إلى شيء. كلمة (هذا) صارت المفعول الأول لفعل (إجعل) و(بلداً) المفعول الثاني و (آمنا) صفته، أي صيّره بلداً إذن لم يكن بلداً (إجعل بمعنى صيّر) إذن هو أشار إلى موضع المكان أو الوادي الذي وصفه في آية أخرى (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)) فاجعل هذا بلداً، ثم وصف البلد بأنه آمن فكلمة (آمنا) ستكون صفة للبلد. فإذن ما كان بلدأً لأنه لو كان بلداً كيف يجعله؟ لم يكن فيه عناصر البلد. هذا كان في أول السُكنى في بداياته: إسماعيل ? كان قد شبّ حديثاً عن الطوق وبدأ الناس يجتمعون حول إسماعيل وأمه والماء الذي ظهر فما كان بلداً فكأنه قال: إجعل هذا الموضع بلداً.(1/35)
في الآية الثانية المكان صار بلداً وصار فيه ناس بل أكثر من ذلك جاء إليه من يعبد الأصنام وسكن مع هاجر ولذلك انظر إلى الآية الثانية (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا) صار بلداً. البلد صارت بدلاً من (هذا) المفعول الأول و(آمناً) صارت المفعول الثاني يعني جعلتُ البلد آمناً صار المفعول الثاني بعد أن كان صفة في الآية الأولى. (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) معناه أن هناك في البلد من القبائل أو من الأعراب الذين سكنوا مع هاجر كانوا يعبدون الأصنام فلا يريد أن ذريته يتأثرون بهؤلاء. فخلاصة الأمر إذن لما قال : إجعل هذا بلداً آمناً لم يكن قد تأسس البلد فلا بد أن يقول (بلد) وبعد أن أسس البلد وصار بلداً أشار إليه بالتعريف. الطلب في الآية الأولى أن يجعل هذا المكان غير ذي الزرع بلداً بصفة الأمن وفي الآية الثانية إنصب الطلبعلى الأمن ودفع عبادة الأصنام. ليس هذا فقط ولكن انظر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى أنه رب العالمين مؤمنهم وكافرهم يرُبّهم ويرعاهم لكن يُثيب المحسن يوم القيامة ويعاقب المسيء. إبراهيم ? أراد الرزق للمؤمنين (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) فبِمَ أُجيب؟ (قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير) حتى الكافر (فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّار). الله تعالى رحمته في الدنيا وكرمه شامل للمؤمنين ولغير المؤمنين لكن دلّهم على طريق الخير ودلهم على طريق الشر ثم يحاسبهم كل بحسب عمله فهذا سر إستعمال النكرة مرة والمعرفة مرة أخرى في موضعين مختلفين والله أعلم. كلمة بلد الموضع الذي يسكن فيه جمع من الناس غير كلمة قرية ومدينة.(1/36)
يمكن للقرية أن تسمى بلداً أو المدينة تسمى بلداً أي المكان الذي يجتمع فيه الناس.
آية (39):
*لماذا لا يُذكر سيدنا اسماعيل مع ابراهيم واسحق ويعقوب في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
أولاً هذا السؤال ليس دقيقاً لأنه توجد في القرآن مواطن ذُكر فيها ابراهيم واسماعيل ولم يُذكر اسحق وهناك 6 مواطن ذُكر فيها ابراهيم واسماعيل واسحق وهي:
· (133) (136) (140) البقرة(84) آل عمران(163) النساء.
· (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)) ابراهيم.
وكل موطن ذُكر فيه اسحق ذُكر فيه اسماعيل بعده بقليل أو معه مثل قوله تعالى (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) و(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)) مريم) إلا في موطن واحد في سورة العنكبوت (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)).
وفي قصة يوسف ? لا يصح أن يُذكر فيها اسماعيل لأن يوسف من ذرية اسحق وليس من ذرية اسماعيل .
وقد ذُكر اسماعيل مرتين في القرآن بدون أن يُذكر اسحق في سورة البقرة (125) (127)لأن اسحق ليس له علاقة بهذه القصة وهي رفع القواعد من البيت أصلاً.
آية (44):
*هل الإنذار خاص بالكافرين في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)(1/37)
الإنذار في القرآن الكريم لا يكون خاصاً للكفار والمنافقين وقد يأتي الإنذار للمؤمنين والكافرين. والإنذار للمؤمن ليس فيه توعد فهو للمؤمنين تخويف حتى يقوم المؤمن بما ينبغي أن يقوم به كما في قوله تعالى (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ {11} يس) وهذا ليس فيه تخصيص لمؤمن أو كافر. وقد يأتي الإنذار للمؤمنين (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ {214} الشعراء) (.. إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ {18}فاطر) وقد يكون للناس جميعاً (وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ {44} ابراهيم) (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {51}) .
آية (46):
*قى سؤال حول المكر في القرآن؟ (د.حسام النعيمى)(1/38)
لماذا وصف تعالى نفسه بقوله: (والله خير الماكرين): المكر هو التدبير وفيه نوع من الخفية والسرّية هو خير المدبرين أحسن من يدبر التدبير، هم تدبيرهم فاشل والتدبير الجيد من الله تعالى فأي التدبيرين أحكم وأفضل؟ تدبير الله عز وجل لذا قال (والله خير الماكرين) على سبيل المشاكلة. العرب قديماً فهموا معنى مكر الله تعالى هنا كما فهموا عمرو ابن كلثوم لما قال (لا يجهلن أحد علينا فنجهل) لا يقم أحد يتصرف تصرف الجاهلين فنعاقبه عقاباً شديداً ومع ذلك إستعمل (فنجهل فوق جهل الجاهلينا)، وكذلك (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) الله تعالى لا يرتضي العدوان لكن عملهم ليس عدواناً وإنما عملهم عقوبة على عدوان وردّ عدوان، كل استعمل اللفظ للمشاكلة. هذه سمة من سمات لغة العرب في بلاغتهم. القرآن وصف مكرهم صفة سيئة. هذا المكر من الله ليس تدبيراً سيئاً في ذاته وإنما هو سوء لهم أوسوء عليهم والأصل في غير القرآن : ويدبر الله لهم العقاب.
لماذا لا يتغير اللفظ حتى لا يظن الظانّ أن مكر الله شيء سيء؟
الله سبحانه وتعالى يخاطب العرب وهم لا يستطيعون أن يصنعوا شيئاً من غير إرادة الله تعالى وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال. (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) إبراهيم) الراجح أن هناك شرط محذوف : وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فهو عند الله تعالى فهم لا يستطيعون شيئاً من غير أمره جلّت قدرته (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) إبراهيم) الله تعالى لا يخلف ميعاده لعباده الصالحين. المكر استعمل للسوء واستعمله القرآن على سبيل المشاكلة وإذا رجعنا إلى الأصل اللغوي ليس فيه شيء وإنما المكر التدبير وهناك تدبير حسن وتدبير سيء.(1/39)
المكر في اللغة بمعنى التدبير أن يدبّر شيئاً أي يرتبه. ولكن عندنا في الإستعمال صار المكر سيئاً ويستعمل للخداع. نحن يجب أن ننظر للكلمة كما كانت تستعمل عند نزول القرآن.
*ما دلالة اللام في قوله تعالى (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال)؟(د.فاضل السامرائى)
الآية في سورة ابراهيم (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ {46}) واللام في (لتزول) هي لام الجحود وإن نافية بمعنى (وما كان مكرهم لتزول منه الجبال) تماماً كما في قوله تعالى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) في سورة الأنفال. وقد تكون اللام للتعليل وإن شرطية بمعنى (وإن كان مكرهم معدّاً لزوال الجبال).
آية (48):
*الجنة والحساب والعقاب هل سيكون في الأرض أو في السموات يوم القيامة لأنه ذكر أن جيء بجهنم ولم يذكر هذا في الأرض أنه جيء بها؟
د.فاضل السامرائى:
الله تعالى قال (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ (48) إبراهيم) وقال أيضاً (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (31) ق) يعني قُرِّبت.
د.حسام النعيمى:
هناك تبديل فالأرض الذي يورثها المؤمنون يتبوأون من الجنة هي ليست هذه الأرض وإنما هي أرض الآخرة التي قال تعالى عنها (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) إبراهيم).
آية (52):
*ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (هذا بلاغ للناس) سورة ابراهيم آية 52 و(بلاغ) سورة الأحقاف آية 35؟(د.فاضل السامرائى)(1/40)
كلمة بلاغ في سورة الأحقاف هي خبر لمبتدأ محذوف وتقديره هذا بلاغ. ففي سورة الأحقاف سياق الآيات التي قبلها والمقام هو مقام إيجاز لذا اقتضى حذف المبتدأ فجاءت كلمة بلاغ ولم يخبرنا الله تعالى هنا الغرض من البلاغ . أما في سورة ابراهيم فإن الآيات التي سبقت الآية (هذا بلاغ للناس) فصّلت البلاغ والغرض منه من الآية (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) آية 42.
****تناسب فاتحة إبراهيم مع خاتمتها****(1/41)
تبدأ (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)) إلى أن يقول (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)) وذكر في خاتمتها وصف عذاب هؤلاء (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)) هذا وصف العذاب الشديد الذي وصفه في بداية السورة (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)) إذن ارتبط الأول بالآخر من هذه الناحية وصف العذاب قال (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)) ثم وصف هذا العذاب (سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)).(1/42)
وقال في أولها (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)) وفي خاتمتها قال (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)) إذن في أولها قال (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)) وفي الآخر قال (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) البلاغ لإخراجهم. (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) وكأن البلاغ الذي وجه للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور. فإذن ذكر العذاب في أول السورة ووصفه في آخرها والآن ذكر البلاغ (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ). ثم قال في أول السورة (اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وفي الآخر قال (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) الذي له ما في السموات والأرض هو إله واحد حصراً له ما في السموات والأرض يعني ملكه وحده بالعموم والشمول والآخرين ليس لهم شيء. إذن ارتباط العذاب ووصفه ثم البلاغ والإنذار ثم وحدانية الله سبحانه وتعالى. هذا تناسب بين أول السورة وآخرها.
*****تناسب خاتمة إبراهيم مع فاتحة الحجر*****(1/43)
قال تعالى في خاتمة إبراهيم (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)) وفي الحجر قال (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1))، هذا بلاغ للناس – تلك آيات الكتاب، هذا بلاغ للناس أي القرآن وما قاله في القرآن لأنه ذكر عاقبة الكافرين كل هذا من القرآن فقال هذا بلاغ للناس، كيف بلّغهم؟ (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ) بلّغهم بالقرآن.
سؤال: نحن نفهم أن البلاغ ربما كان يتمحور حول الموضوع كان يتحدث فيه (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106))؟(1/44)
تلك في سورة الأنبياء (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)) أما في سورة إبراهيم فقال تعالى (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)) هذا هو البلاغ ذكره في القرآن كيف بلّغهم؟ بالقرآن، (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) من الذي ينذرهم؟ القرآن (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ).(1/45)
وقال تعالى في خاتمة إبراهيم (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)) وفي بداية الحجر قال (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)) والمفسرين قالوا هي في الآخرة وقسم قالوا هي في الدنيا (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) هذه أمنيتهم، هم يتمنون هذا عندما يرون ما يروا في الآخرة. (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) إبراهيم) (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) الحجر) كانوا يتصورون أنهم لا يزولون وإنما باقون خالدون إذن (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)، هذا أمل ذرهم فسوف يعلمون. يوضح ويضيف.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة إبراهيم كما تفضل بها الدكتور فاضل السامرائي والدكتور حسام النعيمى والدكتور أحمد الكبيسى وغيرهم وقامت بنشرها أختنا سمر الأرناؤوط على موقعها إسلاميات جزاهم الله عنى وعن المسلمين خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/46)
سورة الحجر
تناسبها مع خواتيم إبراهيم ... آية (14-15) ... آية (60) ... آية (92)
هدف السورة ... آية (19) ... آية (61) ... آية (98)
آية (1) ... آية (22) ... آية (68) ... تناسب أولها مع آخرها
آية (2) ... آية (26) ... آية (74) ... تناسبها مع فواتح النحل
آية (5) ... قصة ضيف إبراهيم ... آية (75-77)
آية (9) ... آية (53) ... آية (82)
آية (12) ... آية (59) ... آية (88)
*تناسب خواتيم إبراهيم مع فواتح الحجر*
قال تعالى في خاتمة إبراهيم (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)) وفي الحجر قال (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1))، هذا بلاغ للناس – تلك آيات الكتاب، هذا بلاغ للناس أي القرآن وما قاله في القرآن لأنه ذكر عاقبة الكافرين كل هذا من القرآن فقال هذا بلاغ للناس، كيف بلّغهم؟ (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ) بلّغهم بالقرآن.
**هدف السورة: حفظ الله لدينه**
السورة مكية ونزلت في وقت اشتد الأذى على الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين في مكة وتعرضوا للإستهزاء والإتهام كحال المسلمين الآن فجاءت هذه السورة وكأنها رسالة قرآنية من الله تعالى ليطمئن رسوله والمسلمين أن هذا الدين محفوظ من الله تعالى وما على المسلمين إلا الإستمرار في الدعوة والتركيز عليها وعدم الإنبهار بقوة اعدائهم او الإستشعار بالضعف والوهن والإنهزامية أمام الأعداء.(1/1)
الحجر هو مكان سكنت فيه ثمود الذين ابتعدوا عن منهج الله تعالى وكانوا قد نحتوه في الجبال ليختبئوا من الزلازل والصواعق بظنهم أنه مكان آمن لهم يقيهم ويحفظهم (وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ) آية 82 ، لكن الله تعالى أهلكهم بالصيحة التي دخلت آذانهم فتركتهم صرعى ولم ينفعهم كل ما احتاطوا له ومكثهم في الحجر ما منع قضاء الله وعذابه من أن يحلّ بهم (فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) آية 84. وفي هذا دلالة على أن الله تعالى هو الحافظ ولا يتم الحفظ او الحجر بالوسائل المادية وهذا حجر ثمود أكبر دليل على ذلك. ولقد سميت السورة بسورة الحفظ لأن كل آياتها تؤكد أن الله تعالى يحفظ كل شيء، ولذا جاءت فيها آية 9 (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) خاصة دون غيرها من سور القرآن.
بداية السورة ونهايتها تتحدث عن حفظ الله تعالى للكون
((1/2)
الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ) آية 1 و(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) آية 97،98،99. وكأن الآيات الآخيرة هي الحل والتوجيه حتى يحفظنا الله تعالى. يحفظ القرآن (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) آية 9 ،والسموات والأرض (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ) آية 16 و 17،والرزق (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) آية 21 ،والمؤمنون وقد تحدثت الآيات عن الشيطان كيف واجه ربه بأنه سيغوي عباد الله إلا الذين حفظهم الله تعالى (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) آية 40 وقال تعالى (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) آية 42. وقد جاءت جزئية قصة إبليس عندما قال لربه (قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) آية 39 في هذه السورة خاصة بمعنى أنه سيحاول أن يخدع المسلمين ويغويهم بالباطل لذا جاءت الآية بعدها (لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) آية 88. فالسورة كلها تؤكد للمسلمين أن الله حافظهم والمؤمنون حقاً هم الذين يحفظهم الله تعالى من الشيطان ونزغه (إلا عبادك منهم المخلصين).
***من اللمسات البيانية فى سورة الحجر***
آية (1):(1/3)
*ما الفرق بين دلالة كلمة الكتاب والقرآن؟ وما دلالة التقديم والتأخير في قوله تعالى (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1) الحجر) و(طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) النمل) وما وجه الاختلاف بينهما واللمسات البيانية فيهما؟(د.فاضل السامرائى)
كلمة قرآن هي في الأصل في اللغة مصدر الفعل قرأ مثل غفران وعدوان. (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {18} القيامة) ثم استعملت علماً للكتاب الذي أُنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - (القرآن).
أما الكتاب فهي من الكتابة وأحياناً يسمى كتاباً لأن الكتاب متعلق بالخط، وأحياناً يطلق عليه الكتاب وإن لم يُخطّ (أنزل الكتاب) لم يُنزّل مكتوباً وإنما أُنزل مقروءاً ولكنه كان مكتوباً في اللوح المحفوظ قبل أن ينزّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هذا من ناحية اللغة أما من ناحية الإستعمال فيلاحظ أنه يستعمل عندما يبدأ بالكتاب يكون يتردد في السورة ذكر الكتاب أكثر بكثير مما يتردد ذكر القرآن أو قد لا تذكر كلمة القرآن مطلقاً في السورة. أما عندما يبدأ بالقرآن يتردد في السورة ذكر كلمة القرآن أكثر الكتاب أو قد لا يرد ذكر الكتاب مطلقاً في السورة وإذا اجتمع القرآن والكتاب فيكونان يترددان في السورة بشكل متساو تقريباً بحيث لا يزيد أحدهما عن الآخر بأكثر من لفظة واحدة ونأخذ بعض الأمثلة:
في سورة البقرة بدأ بالكتاب (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2}) وذكر الكتاب في السورة 47 مرة والقرآن مرة واحدة في آية الصيام (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).(1/4)
في سورة آل عمران بدأ السورة بالكتاب (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {3}) وورد الكتاب 33 مرة في السورة ولم ترد كلمة القرآن ولا مرة في السورة كلها.
في سورة الحجر بدأ (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ {1}) ورد ذكر القرآن 3 مرات والكتاب مرتين.
في سورة النمل بدأ (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ {1}) ورد ذكر القرآن 3 مرات والكتاب أربع مرات.
وفي هاتين السورتين أي الحجر والنمل قدم الكتاب على القرآن في سورة الحجر وأخره في سورة النمل وذلك لأن تقديم الكتاب في سورة الحجر يأتي بعد الآية ذكر أهل الكتاب مباشرة (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ {4}) فهي مرتبة ترتيباً في غاية الدقة أما في سورة النمل فيأتي بعد الآية ذكر أهل القرآن (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِن َ {2} الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {3}).
آية (2):
*ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (ربََمَا يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين) بتخفيف الباء في كلمة (ربما)؟وما دلالة استخدام ربما في هذا الموقف مع أنها للشك؟(د.فاضل السامرائى)(1/5)
أولاً رُبّ ليست للشك وإنما هي للتقليل أو التكثير وهذا مقرر في علم النحو واللغة. النحاة يذكرون هذا الأمر ابتداء من سيبويه الذي يقول هي للتكثير وكثير من النحويين يقول هي للتكثير. هم اختلفوا بين التكثير والتقليل وليس في مسألة الشك لا أحد يقول هي للشك ولكن يقولون هي للتكثير أو التقليل وفي الحديث (رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)، رب أخ لم تلده لأمك، قيل أنها للتقليل (ألا رب مولود وليس له أب) وقيل هي بحسب السياق وهو أرجح الأقوال السياق هو الذي يقضي بها مثل (قد) التي تدخل على المضارع قد تكون للتقليل (قد يصدق الكذوب) أو التكثير (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء (144) البقرة) للتكثير، (قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ (64) النور) تكثير. فإذن قسم قالوا (رُبّ) للتكثير وقسم قالوا للتقليل وقسم وقفوا وقالوا هي بحسب سياقها وقد ترد للتكثير وقد ترد للتقليل وهي ليست في الشك. (ربما) هي (رُبّ) حرف جر زائد و (ما) قد تكون زائدة. يبقى أن فيها قراءتان متواترتان (ربَما) و(ربّما). المشددة آكد من المخففة التشديد آكد (ربّ) آكد من (رُبَ) مثل إنّ المخففة وإنّ الثقيلة الثقيلة آكد من المخففة ومثل نون التوكيد الثقيلة والخفيفة (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) لما أرادت السجن أكّدت على السجن وخففت في الثانية. ربّما آكد من ربَما فكيف نفهمها؟ قيل هذا في الدنيا عندما يرى الكفرة الغلبة للمسلمين والغنائم التي يحصلون عليها يتمنون أن لو كانوا مسلمين هذا بحسب رغبة الناس فيها، قسم رغبته فيها شديدة تأتي (ربّما) وقسم رغبته أقل (ربَما) فقراءتان تشمل كل الراغبين في الدنيا من له رغبة شديدة ومن له رغبة قليلة القراءتان تشملهم كلهم من له رغبة شديدة ومن رغبته دون ذلك.(1/6)
وقسم قال هي في الآخرة عندما يُعطى المسلمون الأجور العظيمة فيتمنى الكافرون لو كانوا مسلمين وهنا تأكيد على تمنيهم لأنهم رأوا أجر المسلمين. تكون (ربّما) ولكن القراءة المعتمدة عندنا (ربَما) مخففة ولا تعارض بين القراءتين. وهذان الإحتمالان التمني القليل والتمني الكثير لا يمكن أن يُعبّر عنهما إلا باستخدام القراءتين التين وردتا في الآية (ربّما المشددة) و(ربما المخففة) فشمل كل الإحتمالات في جميع المواقف في الدنيا وفي الآخرة.
آية (5):
*ما دلالة تقديم يستأخرون في آية سورة النحل وتأخيرها في آية سورة الحجر؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة الحجر (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)) وإذا استعرضنا الآيات في السورتين نجد أنه في سورة النحل قال تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) (61)) فناسب تأخير الأجل في هذه الآية تقديم يستأخرون في الآية موضع السؤال ثم إن الناس يرغبون بتأخير الأجل وبخاصة الظالم يرغب بتأخير أجله. أما في سورة الحجر فقد قال تعالى (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)) وقال بعدها (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8)) فكأنهم عندما طلبوا إنزال الملائكة أرادوا استعجال أجلهم لأنه تعالى لو أنزل الملائكة لأهلكهم فاقتضى أن يُقدّم (ما تسبق) في آية سورة الحجر ليدلّ على أنهم استعجلوا الأجل كأنما أرادوا أن يسبقوا الأجل.(1/7)
وإذا لاحظنا الآيات في القرآن نجد أن تقديم (ما تسبق من أمة إجلها) على (وما يستأخرون) لم تأت إلا في مقام الإهلاك والعقوبة.
آية (9):
*(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا) في هذه الآية ذكر تعالى (عليك) وفي آية سورة الحجر قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) فما دلالة (عليك) في آية سورة الإنسان؟ (د.فاضل السامرائى)
لو نلاحظ ما جاء بعد هذه الآية لوجدنا أن الكلام موجه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالأوامر والنواهي (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)) وهناك أمور تتعلق بالرسول المخاطب لذا استخدم (عليك). أما في آية سورة الحجر فلم يرد في الآيات التي سبقت أو تلت ما يتعلق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن الكلام متعلق بالقرآن (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)) وكل الكلام عن الذكر وليس عن الرسول.
*لماذا جاء ذكر كلمة (القرآن) في آية سورة الإنسان وكلمة (الذكر) في آية سورة الحجر؟ (د.فاضل السامرائى)
إسم الكتاب المنزّل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو (القرآن) ولم يرد في سورة الإنسان له ذكر إلا في هذه الآية (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا)، أما في سورة الحجر فقد ورد ذكر القرآن والذكر والآية في سورة الحجر (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)) ثم قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) فلمّا سماه كفار قريش ذكراً ردّ عليهم اللته تعالى بكلمة (الذكر) ولهذا فهي أنسب للآية التي قبلها من استعمال كلمة القرآن رغم أنها وردت في سورة الحجر كثيراً.(1/8)
* ما رد الدكتور فاضل على من يقول أن قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) أنها تدل على أن الله تعالى تعهد بحفظ القرآن ولم يتعهد بحفظ اللغة العربية؟(د.فاضل السامرائى)
ربنا تعالى قال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) السؤال هل تكفل بحفظ العربية؟. الصلاة، التسبيحات المسنونة، الأدعية المسنونة في الصلاة هي من اللغة العربية إذن اللغة العربية ستبقى، تفسير القرآن ما دام القرآن موجوداً يكون بمعرفة اللغة العربية فطالما هناك قرآن يقتضي تفسيره والقرآن باللغة العربية وهذا يقتضي معرفة اللغة العربية وبيان أحكام القرآن فالقرآن يحتاج إلى بيان أحكامه وهو باللغة العربية وهذا لا يكون إذا لم يعرف اللغة العربية. الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" كيف تكون الأمة ظاهرة على الحق وهي لا تعرف اللغة العربية والحق هو كتاب الله وسنة رسوله وهما باللغة العربية؟. ما دام تكفل الله بحفظ القرآن يقتضي هذا حفظ اللغة العربية. فحفظ اللغة العربية كحفظ القرآن، حفظ القرآن هيّأ له أسبابه وجعل له كتّاب وأيضاً اللغة العربية يكون حفظها بتهيئة أسبابها هنالك أسباب ينبغي أن تتهيأ لتحفظ اللغة العربية كما تهيأت أسباب لحفظ القرآن ولذلك ما دام ربنا سبحانه وتعالى تكفل بحفظ القرآن فاللغة العربية هي محفوطة أيضاً بحفظ الله سبحانه وتعالى.
آية (12):
*ما الفرق بين قوله تعالى (كذلك سلكناه) في سورة الشعراء و(كذلك نسلكه) في سورة الحجر؟(د.فاضل السامرائى)(1/9)
قال تعالى في سورة الشعراء (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)) وقال في سورة الحجر (كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)) ننظر في السياق الذي وردت فيه الأيتين في السورتين: في سورة الحجر السياق في استمرار الرسل وتعاقبهم من قوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12)) فجاء بالفعل الذي يدل على الاستمرار وهو الفعل المضارع. بينما في سورة الشعراء السياق في الكلام عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحده من قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)) والسورة كلها أحداث ماضية والآية موضع السؤال تدل على حدث واحد معيّن ماضي فجاء بالفعل الماضي.
آية (14)-(15):
* ما اللمسة البيانية في قول "فتح الله لك" وليس "فتح الله عليك"؟(د.فاضل السامرائى)(1/10)
يقال فتح لك وفتح عليك لكن فتح عليك يكون من فوق قد يكون في الخير والشر (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) الحجر) (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) المؤمنون) (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ (96) الأعراف) (قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (76) البقرة) إذن فتح الله عليك تأتي في الخير والشر لكن تأتي من فوق.
*بالنسبة للشرط وجواب الشرط أحياناً نسمع الشرط فيه أداة (لو) وجواب الشرط فيها (ما) للنفي أو (اللام) للتأكيد مثل (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ (14) فاطر) وأحياناً الجواب يكون (لما) هذه لم ترد في القرآن فأرجو أن تبينوا هذه الأداة (لما) في الحكم النحوي؟(د.فاضل السامرائى)(1/11)
في اللغة العربية اللام تأتي حكماً في الغالب مع المُثبَت (لو كان كذا لكان) يعني مع غير المنفي، إذا كان الجواب منفياً (لو زارني لأكرمته) (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا (15) الحجر) مع المثبت يمكن أن نأتي باللام للتوكيد (لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا (65) القارعة) (لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا (70) القارعة). أما المنفي إما أن يكون بـ (ما) أو (لم) مثل لو فعل كذا ما أعطيته، لو فعل كذا لم أعطه، إذا كان الجواب بـ (ما) فالأكثر عدم اقترانه باللام مثل لو زارني ما أكرمته ، أو ما أكرمه ولا نقول لما أكرمته إلا ما ورد قليلاً. إذا كان الجواب (لم) لا تقترن به اللام مثل لو لم يخف الله لم يعصه، إذن اقتران اللام هو مع المثبت إذا كان الجواب مثبتاً يمكن أن تقترن باللام وممكن الا تقترن حسب التوكيد، إذا كان الجواب منفياً بـ (ما) فالأكثر ألا يقترن الجواب باللام إلا ما ورد قليلاً وإذا كان الجواب بـ (لم) لم تقترن به اللام قولاً واحداً.
*من الإعجاز العلمى للآية:(1/12)
قال تعالى:"وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14)لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ". فالإنسان إذا خرج من جو الأرض انتقل إلى ظلام فلا يبصر، وبهذا تكون السموات جزءا من السماء ، لأن السماء كل ما علا وارتفع مما عدا الأرض، والسموات جزء منها بهذا المعنى الواسع الذي يشمل الفضاء والسقف والمطر والسحاب، فإن (السماء) تكون أوسع من (السموات) فهي تشملها وغيرهاوالعلم التجريبي يؤكد على أن هناك طبقة من النور حول الأرض هي طبقة لا تتعدى 200 كم ، و هي في النصف المواجه للشمس ، وإن باقي الكون ظلام دامس ، و عندما يتخطى الإنسان هذه الطبقة فإنه يرى ظلام دامس .و لما تخطى أحد رواد الفضاء الأمريكيون هذه الطبقة لأول مرة قال عن شعوره في تلك اللحظة "I have almost lost my eye sight or something magic has come over me." كأني فقدت بصري ، أو اعتراني شيء من السحر" .وهو تماماً تفسير للآية الكريمة. أما قوله تعالى " و لو فتحنا عليهم باباً" و الباب لا يفتح في فراغ أبدا ، و القرآن يؤكد أن السماء بناء أي أن السماء بناء مؤلف من لبنات أي لا فراغ فيها . يقول علماء الفلك : إنه لحظة الانفجار العظيم امتلأ الكون بالمادة و الطاقة ، فخلقت المادة و الطاقة كما خلق المكن و الزمان ، أي لا يوجد زمان بغير مكان و مكان بغير زمان و لا يوجد زمان و مكان بغير مادة و طاقة ، فالطاقة تملأ هذا الكون . " يعرجون " أي السير بشكل متعرج ، و قد جاء العلم ليؤكد أنه لا يمكن الحركة في الكون في خط مستقيم أبداً ، وإنما في خط متعرج .
آية (19):
*ما دلالة الآية (ألقينا فيها رواسي) ألم تكن الجبال مخلوقة من قبل؟(د.فاضل السامرائى)(1/13)
قال تعالى في سورة الحجر(وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19)) وفي سورة النحل (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)). هذا سؤال يجب أن يُوجّه إلى المعنيين بالاعجاز العلمي. لكن أقول والله أعلم أن الملاحظ أنه تعالى يقول أحياناً ألقينا وأحياناً يقول جعلنا في الكلام عن الجبال بمعنى أن التكوين ليس واحداً وقد درسنا أن بعض الجبال تُلقى إلقاء بالبراكين (جبال بركانية) والزلازل أو قد تأتي بها الأجرام المساوية على شكل كُتل. وهناك شكل آخر من التكوين كما قال تعالى في سورة النمل (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)) وسورة المرسلات (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)) وسورة الرعد (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3))، وهذا يدل والله أعلم على أن هناك أكثر من وسيلة لتكوين الجبال. وكينونة الجبال تختلف عن كينونة الأرض فالجبال ليست نوعاً واحداً ولا تتكون بطريقة واحدة هذا والله أعلم.
*من الاعجاز العلمى للآية:
*كيف تكون الأرض ممدودة ؟ و ما معنى ذلك ؟(1/14)
معنى ذلك أننا مهما سرنا فيها فستبقى ممدودة أمامنا ، لن تنتهي فيها إلى حاجز يحول دون ما وراءه ، أو هوة أبدية نقف عندها عاجزين .فلنسر في أي اتجاه نريد، و لنسر العمر كله ، و سنبقى نسير و ستبقى ممدودة ، ولا يوجد شكل من الأشكال الهندسية تتحقق فيه هذه الحالة إلا الشكل الكروي ، فحيثما سرت عليه يبقى ممدداً أمامك، و أي شكل آخر لا يمكن أن يحقق معنى هذه الآية ".
و لقد أشار كثير من المفسرين و الفقهاء المسلمين إلى كروية الأرض مم فهموه من كتاب الله عز و جل من ذلك : أشار ابن قيم الجوزية في كتابه : التبيان في أقسام القرآن " أن الأرض كروية .وأوضح كذلك الإمام الفخر الرازي في تفسير مفاتيح الغيب : إلى كروية الأرض قال : إن مد الأرض هو بسطها إلى ما لا يدرك منتهاه ، و قد جعل الله حجم الأرض عظيماً لا يقع البصر على منتهاه ، و الكرة إذا كانت في غاية الكبير كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح المستوي الامتداد ". و كذلك ابن تيمية : في كتاب " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " قال : أعلم أن الأرض قد اتفقوا إلى أنها كروية الشكل و ليست تحت وجه الأرض إلا وسطها و نهاية التحت المركز و هو الذي يسمى محيط الأثقال ".
و لم يشاهد الإنسان الأرض في شكلها الكروي و هي تسبح في الفضاء السماوي إلا عندما اطلق الروس القمر الصناعي الأول " سبوتنيك " في مداره حول الأرض في أكتوبر 1957م و استطاع العلماء الحصول على صور جيدة لكوكب الأرض بواسطة آلات التصوير التي كانت مثبتة في القمر الصناعي و في عام 1966 م هبط القمر الصناعي " لونيك 9" بأجهزته المتطورة على سطح القمر ، وأرسل لمحطات الاستقبال على الأرض صوراً عن كوكب الأرض .
آية (22):
* ما الفرق بين كلمة ريح ورياح في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)(1/15)
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات كما في قوله تعالى في سورة الأعراف (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {57}) وسورة الحجر (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ {22}).
وفي سورة سبأ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ {12}) استعملت كلمة ريح مع سليمان لكنها لم تُخصص لشيء فجاءت عامة قد تكون للخير أو للشر لأن الله سخّرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.
*من الإعجازالعلمى للآية:
وجه الإعجاز في الآية الكريمة هو إشارتها إلى أن الرياح تقوم بعملية التلقيح الريحي للنباتات، فقال تعالى:(وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) وهذا ما كشف عنه علماء النباتات في القرون الأخيرة
التفسير اللغوي:
جاء في مختار الصحاح في مادة لقح:
لقح: ألقح الفحل الناقة والريح السحاب ورياح لواقح ولا تقل ملاقح وهو من النوادر وقيل الأصل فيه مُلقحةٌ ولكنها لا تلقح إلا وهي في نفسها لاقح كأن الرياح لقحت بخير فإذا أنشأت السحاب وفيها خير وصل ذلك إليه.(1/16)
قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح}؛ قال: لواقح للشجر والسحاب. وهو قول الحسن وقتادة والضحاك من التابعين. وذكر هذا القول أيضاً الطبري والقرطبي.
وقال طائفة من المفسرين: لواقح جمع لاقح، أي: حاملة للسحاب والخير، وضدها الريح العقيم.
فعلى الأول: تكون لواقح جمع ملقحة.وعلى الثاني: تكون جمع لاقح.
ولا معارضة بينهما، فلقد صوب إمام المفسرين الطبري كِلا القولين جميعاً، ذلك بأن الرياح تُلقَّحُ بمرورها على التراب والماء والشجر فيكون فيها اللقاح، وهي بذلك لاقحة نفسها. كما أنها ملقحة لغيرها، وإلقاحها السحاب والشجر هو عملها فيهما.
حقائق علمية:
التلقيح الريحي ضروري في عملية الإخصاب وخاصة للنباتات ذات الأزهار الفاقدة لجاذبية الحشرات.
التفسير العلمي:
أصبح من المقرر عند علماء النبات أن التلقيح عملية أساسية للإخصاب وتكوين البذور، حيث تنتقل حبيبات اللقاح (Pollen Grain) من العناصر الذكرية للزهرة (Anthers) إلى العناصر الأنثوية فيها (Stigmas) حيث يتم الإخصاب.
والتلقيح قد يكون بين العناصر الذكرية والأنثوية للزهرة الواحدة أو النبتة الواحدة ويسمى عندئذ بـ "التلقيح الذاتي" (Self Pollination) وقد يكون بين نبتتين منفصلتين ويسمى حينئذ بـ "التلقيح المختلط" (Cross Pollination) .
تختلف طرق انتقال حبيبات اللقاح باختلاف نوع النبات، فهناك فضلاً عن التلقيح بواسطة الإنسان - ثلاثة طرق أخرى:
- التلقيح بواسطة الحيوانات: كالحشرات (Insect Pollination) والطيور (Bird Pollination).
- التلقيح بواسطة المياه (Water Pollination).
- التلقيح بواسطة الرياح (Anemophily).
إنّ للرياح، كما تذكر الموسوعة العالمية دوراً هاماً في عملية نقل اللقاح في النباتات التي تفتقد الأزهار ذات الرائحة والرحيق والألوان الجاذبة للحشرات حيث تقوم الرياح بنشر اللقاح على مسافات واسعة قد تصل إلى 800 كيلومتر.(1/17)
كما جاء في الموسوعة البريطانية الجديدة أن مما يسهل انتشار اللقاح بواسطة الرياح، كون عناصر الزهرة الذكرية التي تتولى إنتاج اللقاح معرضة للهواء بحيث يسهّل انتشار اللقاح. وكون الزهرة ما أورقت بعد، أو كونها في أعلى الشجرة أو النبتة.
أوَ ليست هذه الحقائق العلمية هي تأكيدات لما جاء في كتاب الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}؟ فهل كان محمد صلى الله عليه وسلم عالِم نبات ليصدر عنه مثل هذا القول وهو النبي الأمي؟ أم هل كانت عنده دراسات حول النباتات وهو قاطن الصحراء منذ أكثر من أربعة عشر قرناً؟
مراجع علمية:
*جاء في الموسوعة العالمية:
"إن التلقيح الريحي هو خاصية للنباتات ذات الأزهار غير المميزة والتي تفتقد –عادة- الأريج والرحيق الجاذب للحشرات حيث أن كمية وافرة من اللقاح الجاف الخفيف الوزن ينتج فتحمله الرياح عابرة به مسافات شاسعة إلى العنصر الأنثوي.
ثم إن تلك الكميات الموجودة في الهواء من ذلك اللقاح هي السبب الرئيسي للحمّى المعروفة بـ "حمّى القش" والتي تصيب الأشخاص ذوي الحساسية المفرطة".
*كما ذكرت الموسوعة البريطانية الجديدة:
"ولتسهيل التعرض للريح، تزهر الزهرة –غالباً- قبل نمو الأوراق في الربيع، أو قد تنمو الزهرة في أعلى الشجرة أو النبتة، ويغلب أن تكون المياسم طويلة ومقوسة لمنح مساحة أوسع لالتقاط حبيبات اللقاح".
آية (26):(1/18)
*(وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور) وفي الحجر (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26)) ما وجه التوافق بين الآيتين؟(د.فاضل السامرائى)
ما هو الصلصال؟ الصلصال هو طين يابس، ما هو الطين؟ الطين هو ماء وتراب، إذن هذا الماء. الصلصال هو الطين اليابس والطين هو التراب والماء، إذن الماء أولاً. إذن هذه مراحل الخلق، يضع الماء على التراب يصير طيناً ثم يكون طين لازب ثم حمأ مسنون ثم صلصال كالفخار، إذن لا تعارض بين مراحل خلق الإنسان.
آية (51-56):
*ما الفرق بين قصة ضيف إبراهيم في سورتي الذاريات والحجر؟(د.فاضل السامرائى)(1/19)
قال تعالى في سورة الذاريات (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ {24} إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ {25} فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ {26} فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ {27} فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ {28} فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ {29} قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ {30} ) وقال تعالى في سورة الحجر (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِ بْراَهِيمَ {51} إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ {52} قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ {53} قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ {54} قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ {55} قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {56}).
في سورة الذاريات جاء وصف ضيف ابراهيم - عليه السلام - بالمكرمين وهذا له معنى في سياق الآيات في السورة وعدم ذكر صفة الضيف في آية الحجر يُبنى عليه المعنى. وإذا استعرضنا سياق الآيات في السورتين يتبيّن لنا لماذ ودت الصفة في سورة ولم ترد في الأخرى:
سورة الذاريات ... سورة الحجر
سلام ورد التحية وردّ التحية من الإكرام (فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ) ... لم يذكر ردّ التحية ولم يرد الإكرام هنا (فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ)(1/20)
ثم إن ضيف إبراهيم قالوا (سلاماً) أي حيّوه بجملة فعلية وهو حيّاهم بجملة إسمية والجملة الإسمية أقوى لغوياً وأثبت للمعنى وأبلغ إذن فسيدنا ابراهيم ردّ التحية بخير منها وهذا من مظاهر الإكرام أيضاً. ... لم يرد في سورة الحجر أي مظهر من مظاهر الإكرام كما ورد في سورة الذاريات إن من حيث عدم ردّ التحية أو تحضير الطعام أو دعوتهم إليه وغيرها.
قال (قوم منكرون) ولم يقل إنكم قوم منكرون لكن عندما رآهم قال قوم غرباء بشكل عام ولم يوجّه الخطاب لهم مباشرة وهذا من باب التكريم، وهذا يختلف عما جاء في قصة لوط عندما قال (إنكم قوم منكرون) لمّا جاءه الرسل لأنه كان في حالة أزمة.
(فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ) والعجل السمين من مظاهر الإكرام وراغ معناها أنه ذهب بخفية ولم يرد أن يظهر أنه ذهب وهذا من إكرام الضيف.
(فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) وهذا أيضاً من باب الإكرام أن قرّب لهم الطعام وقال ألا تأكلون.
(فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) لم يرد ابراهيم أن يطلعهم على خوفه وهذا من مظاهر التكريم ولم يقل هنا أوجس في نفسه كما جاء في قصة موسى لأن الخوف قد يظهر وقد لا يظهر وفي قصة موسى لم يُرد أن يُظهر خوفه لأنه في مواجهة فرعون وقومه. ... (قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ) ظهر عليه الخوف هنا وعمّ الخوف أهل البيت جميعاً.
(وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) لم يعترض ابراهيم هنا لأن الإعتراض ليس من مقام الإكرام فلم يشك في قولهم ولا اعترض عليهم ... (قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) واجههم بالخوف وأجهروا بالبشرى فكما قال لهم إنا منكم وجلون قالوا له إنا نبشرك بغلام عليم، واعترف ابراهيم أنه يشك فيهم مما بلغه من الخوف فقال (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ)
((1/21)
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) لم تكن خائفة أو وجلة إنما خرجت لمواجهتهم. ... لم يذكر امرأة ابراهيم لأن الخوف هنا كان طاغياً على البيت كله وأهله ولهذا لم تظهر امرأته لمواجهتهم.
*ما الفرق بين سلاماً وسلام؟ (د.أحمد الكبيسى)
قال تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ {24} إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ {25} الذاريات) وقال تعالى (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِ بْراَهِيمَ {51} إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ {52} الحجر) الأولى منصوبة والثانية مرفوعة؟
يدخل هذا في حيّز ما ذكرناه، سلامٌ هو جزء من جملة اسمية (سلام) إما مبتدأ لخبرمحذوف (سلامٌ عليكم) أو خبر لمبتدأ محذوف.
القاعدة: المرفوع يفيد الاسمية والمنصوب جزء من جملة فعلية .إذا قلنا (ويلٌ) فهي جملة إسمية (ويلٌ له) وإذا قلنا ويلاً فهي جملة فعلية. قال تعالى (فضربَ الرقاب) جملة فعلية.
قالوا سلاماً أي حيّوه بالجملة الفعلية وابراهيم ردّ التحيى بخير منها عن طريق الجملة الاسمية قال سلام السلام الثابت الشامل الدائم ولذلك قال تعالى أن تحية أهل الجنة سلام يحيّون فيها بالجملة الاسمية (سلام عليكم بما صبرتم) وقال تعالى (وإذا حُييتم بتحيةٍ فحيّوا بأحسنَ منها أو رُدُّوها)إبراهيم لم يردّها وإنماحيّاهم بأحسن منها.
آية (53):
*ما اللمسة البيانية في وصف الله تعالى لإسماعيل بالحليم واسحق بالعليم؟ (د.فاضل السامرائى)
(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) سورة الصافات آية 101 و (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) سورة الذاريات آية 28 و(قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) سورة الحجر آية 53.(1/22)
الحلم هو أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب وهذا يظهر في علاقته مع الآخرين إذا غضب. وربنا تعالى لما ذكر اسماعيل وذكر علاقته مع أبيه والآخرين في سورة الصافات ذكر في الآية بعدها (قال با أبت افعل ما تؤمر) بعد أن أخبره أبوه بأنه أوحي إليه أن يذبحه وكذلك الحلم في علاقته مع أبيه في بناء البيت (وإذ يرفع ابراهيم البيت واسماعيل). وقد ذكر الله تعالى اسماعيل بأنه رسول نبي وأنه كان صادق الوعد كما في سورة مريم (واذكر في الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا) آية 54، فكان صادق الوعد في التبليغ للآخرين وفي الرسالة. ولم يذكر تعالى مع اسحق علاقته بالآخرين في القرآن كله مطلقاً لكنه تعالى بيّن العلم فقط وهذا لا يتعلق بالعلاقة مع الآخرين إذن صفات اسماعيل التي ذُكرت في القرآن تقتضي الحلم.
والأمر الآخر أن الله تعالى لمّا يذكر صفات الأنبياء يذكر صفة بارزة لكل نبي منهم لكن هذا لا ينفي باقي الصفات عن كل نبي فإذا ذكر الحلم فلا ينتفي العلم، وقد وصف تعالى ابراهيم - عليه السلام - بأنه أواه منيب وحليم ومع هذا لم ينفي صفات الإنابة عن غيره من الأنبياء فهم جميعاً منيبون إلى ربهم ويدعونه. والصفة البارزة في اسماعيل - عليه السلام - هي الحلم وقد أخذها عن أبيه ابراهيم أما صفة اسحق فهي ليست كذلك.
والأمر الآخر أنه في تبشير ابراهيم باسماعيل جاءت البشارة مباشرة من الله تعالى كما ورد في آية سورة الصافات (فبشرناه بغلام حليم) أما في البشارة باسحق فهي جاءت على لسان الملائكة ولم تكن مباشرة من الله تعالى لإبراهيم كما في الآيتين في سورة الذاريات (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) وسورة الحجر (قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيم).
آية (59):(1/23)
* بعض الآيات التي تتكلم عن لوط تأتي (قوم لوط) أو (إخوان لوط)أو(آل لوط) فماالفرق بين قوم وإخوان وآل؟(د.حسام النعيمى)
الفرق اللغوي:قوم الرجل هم أهله بالصورة الواسعة يقال فلان من قوم كذا، وقد يكون القوم أوسع من القبيلة، العرب قوم.والقوم إسم جمع مثل شعب وجيش ليس له مفرد من جنسه .الآل هم الأهل المقربون الذين هم أقرب الناس ومن معانيه الزوجة و الأتباع، الذرية أوالأقارب ، لكن قوم أوسع.الإخوان أقرب من الآل لأن الآل قد يكون فيها الأتباع (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) غافر) أي أتباعه.
بالنسبة لآل لوط لم تستعمل إلا في الثناء عليهم فقط، لما يثني عليهم لا يستعمل كلمة قوم.
القرآن الكريم يستعمل كلمة قوم وأحياناً كلمة آل وأحياناً كلمة إخوان. مثلاً عندنا قوم نوح وقوم فرعون وقوم موسى وقوم ابراهيم وقوم اسماعيل وقوم هود وقوم لوط وقوم صالح وقوم تُبّع، وورد أخاهم هوداً وأخاهم صالحاً وأخاهم شعيباً وعندنا أخوهم نوح وهود وصالح ولوط، وعندنا إخوان لوط، إخوة يوسف، إخوان الشياطين. كل واحدة في مكانها. الإخوة ذكرت لشعيب وهود وصالح ولوط ونوح في حال الرفع والنصب.
آية (60):
*ما اللمسة البيانية في الاختلاف بين قوله تعالى في سورة النمل (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)) وفي قوله في سورة الحجر (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) في قصة امرأة لوط؟
د.فاضل السامرائى:(1/24)
لونظرنا إلى آية سورة الحجر (إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) لوجدنا فيها ستة مؤكدات هي: (إنّا، اللام في لمنجوهم، منجوهم (إسم)، أجمعين، إنّ في إنها واللام في لمن الغابرين) ثم أننا إذا نظرنا في السورة كلها أي سورة الحجر لوجدنا فيها 20 مؤكد في قصة لوط بينما في سورة النمل ففيها ثلاثة مؤكدات فقط في القصة كلها (أئنكم، لتأتون، وإنهم أناس يتطهرون). هذا الجو العام في السورتين والوضع الوصفي فالآية في سورة الحجر أنسب مع الؤكدات في القصة من آية سورة النمل. وقد يسأل السائل لماذا؟ نلاحظ أنه تعالى وصف قوم لوط في سورة الحجر بالإجرام (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58)) أما في النمل فوصفهم بالجهل (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)) والمجرمون أشد من الجاهلين فالوضف أشدّ وهذا الوصف الأشدّ يقتضي عقوبة أشدّ ول نظرنا إلى العقوبة في كلتا السورتين لوجدنا أن العقوبة في سورة الحجر أشدّ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)) وفي سورة النمل (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)) والمطر قد يكون ماء أما الحجارة في سورة الحجر فهي بالطبع أشدّ. إذن العقوبة أشدّ والوصف أشدّ ثم إن القصة في سورة الحجر (19 آية من الآية 58 إلى 76) أطول منها في سورة النمل (5 آيات فقط) فإذا نظرنا إلى القصة من جهة التوسع والإيجاز فآية سورة الحجر أنسب ومن حيث التوكيد والعقوبة والطول أنسب ولا يناسب وضع الآية مكان الأخرى. القرآن الكريم يراعي التعبير في كل مكان بصورة دقيقة ويراعي التصوير الفني للقصة.
د. حسام النعيمى:(1/25)
في قوله تعالى في سورة الحجر الكلام كان على لسان الملائكة (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51)إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)) الجو العام جو وجل وخوف من إبراهيم وتشكك، (قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)) لا تيأس من رحمة الله (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)) (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) لاحظ التأكيدات هو يحتاج لمؤكدات لأنه وجل وشاك من الملائكة. تأكيد بإنّ وباللام. كلام الملائكة لاحظ كلمة(قدرنا) هم لا يقدرون ولكن لأنهم وسيلة تنفيذ قدر الله سبحانه وتعالى رخصوا لأنفسهم أن يقولوا قدرنا ولكن ما قالوا قدرناها لم يربطوا الضمير بالتقدير، بأنفسهم لذلك أبعدوها مع وجود إنّ المؤكدة. فإذن كلام الملائكة يحتاج إلى تأكيد وإبتعد ضمير المفعول به في الأصل. الأصل هي قدرنا لكن أدخلوا إنّ فأبعدوها عن التقدير.(1/26)
الآية الثانية هي من كلام الله سبحانه وتعالى المباشر في سورة النمل (فما كان جواب قومه فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) النمل) (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ) خبر، (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ) ما قال قدرنا إنها،ما احتاج إلى تأكيدات لأن الله سبحانه وتعالى يخبرنا بأمر: بأن قوم لوط أجابوا بهذه الإجابة فالله سبحانه أنجاه وأهله إلا امرأته قدرها رب العزة من الغابرين. وأُنظر كيف ربط الضمير بالفعل مباشرة ما أبعده (قدرناها) لأن هذا قدره سبحانه وتعالى فما إحتاج إلى إبعاده. الغابرين قالوا بمعنى الباقين الهالكين الذين بقوا في الهلاك. نهاية الآية تفسر لنا كلمة (كانت) لما قال (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58) )انتهى الكلام على ذكر الأمم، كان آخر شيء في ذكر الأمم يعني لم تكن هناك حكاية ورواية لأمور وإنما رواية لهذه المسألة. النهاية كانت (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)) لم يذكر أمة أخرى وراءها. هو لا يتحدث حديثاً تاريخياً متواصلاً وإنما إنقطع الكلام هنا.
آية (61):
*ما الفرق بين استعمال جاء وأتى في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ {61 الحجر}) وقال تعالى (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً {43}مريم) وقال تعالى (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً {1} الإنسان).(1/27)
إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه لم تستعمل صيغة المضارع للفعل جاء مطلقاً في القرآن كله ولا صيغة فعل أمر ولا إسم فاعل ولا إسم مفعول وإنما استعمل دائماً بصيغة الماضي. أما فعل أتى فقد استخدم بصيغة المضارع.
من الناحية اللغوية: جاء تستعمل لما فيه مشقة أما أتى فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر ومنه الالمتياء وهي الطريق المسلوكة.
*ما دلالة الحروف (بما) و(لوما) في الآيات القرآنية؟(د.فاضل السامرائى)
(بما) للسبب وتقال للقسم أيضاً والسبب أظهر كما قال تعالى (رب بما أغويتني) أي بسبب ما أغويتني.
(لوما) إما أن تكون حرف امتناع لوجوب عندما تدخل على الأسماء أو يكون من حروف التحضيض عندما تدخل على الأفعال (لوما يأتينا بآية).
*هل يحق لنا استخدام كلمة (لعمري) الذي استخدمت في القرآن (لعمرك)؟ (د.فاضل السامرائى)
القسم بغير الله لا يجوز لكن يُسأل عن هذا السؤال فقيه لأنه من باب الحلال والحرام. وفي الحديث لا يجوز القسم بغير الله من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك.
آية (68):
*في سورة الحجر (قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ (68)) وفي الذاريات (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)) كلمة ضيف جاءت بالمفرد مع أن الملائكة مكرمين يعني جمع؟ (د.فاضل السامرائى)(1/28)
كلمة ضيف تقال للمفرد وللجمع في اللغة مثلها كلمة خصم تقال للمفرد وللجمع (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) ص) وهذه ليست مختصة بالإفراد. وكذلك كلمة طفل تأتي للمفرد وللجمع عندنا كلمات في اللغة تأتي للمفرد وللجمع. وكذلك كلمة بشر (فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ (24) القمر) مفرد (بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ (18) المائدة) جمع. عندنا كلمات تكون للمفرد وللجمع منها كلمة ضيف تكون للمفرد وللجمع. عندنا ضيوف وأضياف وعندنا خصم وخصوم وطفل وأطفال ورسول أيضاً تستعمل مفرد وجمع، ورسل، رسول جمع أيضاً تستعمل للمفرد والمثنى والجمع والمصدر أيضاً وهذا يسمى في اللغة إشتراك. الرسول تأتي بمعنى الرسالة والإرسال، المبلِّغ هذا الأصل فيها (فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) الشعراء) (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ (47) طه) فإذن ضيف تأتي مفرد وجمع.
آية (74):
*ورد وصف عذاب قوم لوط مرة أنه وقع على القرية ومرة على القوم (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) هود) (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) الحجر) فما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)(1/29)
في الحجر (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ) وفي هود (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا) عليها يقصد بها القرية وعليهم يقصد بها الناس والقوم.عليهم يعني القوم وعليها يعني القرية يبقى سبب الاختيار. لا شك أنه لما قال عليهم معناها القوم وعليها يعني القرية يبقى سبب الاختيار هذا هو السؤال. لو لاحظنا الكلام على القوم في الموطنين كيف كان يتحدث حتى نفهم سبب الاختيار سنلاحظ أن الكلام على القوم في الحجر أشد مما في هود ووصفهم بصفات أسوأ مما في هود وذكر أموراً تتعلق بهم أكثر مما في هود: قال في الحجر على لسان الملائكة (قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (58)) وفي هود (إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70))، وفي الحجر قال (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ (66)) وفي هود (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)) العذاب هنا لا يقتضي الإستئصال أما في الحجر فهناك استئصال فما في الحجر إذن أشد مما في هود. أقسم على حياة الرسول في الحجر على هؤلاء فقال (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)) ولم يقسم في هود. إذن ما ورد في الحجر في قوم لوط أشد مما ورد في هود وصفهم بالإجرام وأنه سيتأصلهم وأنهم في سكرتهم يعمهون فذكرهم هم (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً) ذكرهم هم ولم يذكرهم في هود فلما ذكرهم هم قال وأمطرنا عليهم ولما لم يذكرهم قال وأمطرنا عليها هذه أخف. أمطرنا عليهم أشد من أمطرنا عليها ذكر فأمطرنا عليهم في مقام الشدة والصفات السيئة.
*هل الماء والغيث كلاهما مطر؟ (د.فاضل السامرائى)(1/30)
المطر يستعمله الله سبحانه وتعالى في العقوبات (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) الأعراف) لم يستعمل القرآن المطر إلا في العقوبة (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (40) الفرقان) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) الحجر) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (173) الشعراء) أما الغيث فيستعمله في الخير. هذا في الاستعمال القرآني أما في الحديث فاستعمل المطر للخير ولكن للقرآن خصوصية في الاستعمال اللغوي نخصص لها إن شاء الله تعالى حلقات لنتحدث عنها لأنه موضوع كبير. والعرب فهمت هذا الفرق من الاستعمال. (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) الشورى). إذن في القرآن الكريم يذكر المطر للعذاب.
آية (75)-(77):
*قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75) و( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ (77) ما الفرق بين استخدام الجمع في الأولى والمفرد في الثانية. ثم انتقل إلى المثنى بعد الجمع(فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ (79)؟(د.فاضل السامرائى)
((1/31)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75)) هذه ذكرها تعقيباً على قوم لوط وذكر فيها عدة أمور قال (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)) هذه آية، (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا (74)) هذه آية أخرى، (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ) هذه آية أخرى إذن هي آيات وليست آية واحدة لأن كل واحدة منها آية. والآية يعني العلامة والمتوسمين هم المفكرين المتفرسين والمعتبرين. في سياق القصة ذكر عدة أمور وعدة آيات وليست آية واحدة ذكر الصيحة وذكر عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة ثم قال (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ (76)) أي الآن الآثار فقال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ (77)) عندما تكلم عن الآثار هي آية واحدة (لآية) أما تلك فهي آيات. أما قوله تعالى (وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ (79)) تكلم بعدها عن أصحاب الأيكة، إنهما أي قوم لوط وأصحاب الأيكة في طريق واحد تمرون عليهم. إمام أي طريق، تمرون عليهم بعد سنين أصحاب الأيكة وقوم لوط.
آية (82):
*(وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) الحجر) (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) الشعراء) ومرة ينحتون الجبال (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا (74) الأعراف)؟ فمتى نستخدم (من) ومتى لا نستخدمها؟ (د.فاضل السامرائى)(1/32)
نقرأ الآيتين إحداهما في الأعراف والأخرى في الشعراء، قال في الأعراف (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)) هؤلاء قوم صالح، في الشعراء قال (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150)) نلاحظ في الأعراف مذكور فيها التوسع في العمران (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا) بينما في الشعراء الكلام عن الزرع وليس عن البناء، الكلام يدل على الزراعة أكثر (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148)) إذن في الأعراف السياق في العمران أكثر وفي الشعراء السياق في الزراعة فلما كان السياق في الأعراف في العمران ذكر (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا) ذكر القصور وقال (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) كأنها كل الجبال ينحتونها بيوتاً فتصير كثرة بينما لما كان السياق في الشعراء عن الزراعة قال (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)) صار أقل (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ) أقل من (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) لذلك قال في آل عمران (فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)) إذن التوسع في العمران في الأعراف أكثر فلما كان التوسع في العمران أكثر جاء بما يدل على التوسع قال (وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا) ولما لم يكن السياق في التوسع في العمران قال (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)).
آية (88):(1/33)
*ما الفرق بين فعلى الأسى والحزن؟ (د.فاضل السامرائى)
كِلا الفعلين يدل على الحزن عندنا حزِن يحزَن وحزَن يحزُن، حزِن يحزَن فعل لازم ليس متعدياً تقول حزِن عليه و(وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ (88) الحجر)، (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ (76) يس) (الكاف مفعول به).حزِن يحزُن متعدي، حزنني وأحزنني (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ (13) يوسف). اللغة العليا حزَن يحزُن وتستعمل أحزن أيضاً، أحزن من حَزَن. الفعل أسي يأسى يسمونه الباب الرابع (لكيلا لا تأسوا) وأسى بمعنى حزن أيضاً (فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) الأعراف) هي أأسى، فهو أسي يأسى، كلاهما يفيد الحزن لكن الفارق بين لكيلا تحزنوا ولكيلا تأسوا في الحزن مشقة أكثر وشدة لأنه قريب من معنى الحزْن الذي هو الغلظ والشدة في الأرض (اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزْن إذا شئت سهلاً) الحزْن أي الصعب وتقال للأرض الصعبة. إذن الحزن فيه غِلظ وشدة في الأرض والحُزن هو الغلظ والشدة في النفس. أيهما أثقل؟ الحُزن أثقل على النفس من الحزْن ، الحزْن تجتازه وانتهى الأمر أما الحُزن فيبقى في النفس. الحَزن فتحة والحُزن ضمة فاختاروا الضمة لما هو أثقل لأنها تتناسب اللفظة مع مدلولها أو المعنى .
آية (92):
*كيف نوفق بين الآيتين(فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) الرحمن) (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) الحجر)؟(د.فاضل السامرائى)
هذه مواقف مختلفة يوم القيامة الموقف الأول أنهم لا يُسألون مطلقاً ثم يصير السؤال، الموقف الأول خمسين ألف سنة لا يُسألون هذا الموقف قبل الحساب ثم يكون الحساب والسؤال (لنسألنهم أجمعين).
آية (98):
*د.فاضل السامرائى:(1/34)
في القرآن نلاحظ أن الله تعالى يأمر بالإكثار من التسبيح والذكر في المواطن التي تحتاج إلى صبر وفي الأزمات (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) الحجر) وأمره بالتسبيح في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) الأنفال) ومداومة التسبيح تفرّج الكروب كما جاء في قصة يونس وهو في بطن الحوت (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) الصافات) فالذي نجّى يونس من بطن الحوت هو مداومته على التسبيح (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)) والتسبيح وذكر الله هي أزكى الأعمال وأرفعها عند المليك. فهو ترتيب منطقي جداً بعدما تضيق الصدور والقلوب نذكر اسم ربنا.
****تناسب بداية الحجر مع خاتمتها****(1/35)
قال تعالى في أولها (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1)) وفي خاتمتها قال (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91)) ذكر القرآن في أولها وآخرها. قال في أولها (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)) وفي الآخر قال (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)) الذين يقولون إنك لمجنون أليس هذا استهزاءً؟ إذن ذكر أنهم استهزأوا به أولاً (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)) هذا استهزاء وفي آخر السورة ذكر المستهزئين (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)) هم قالوا في الأول إنك لمجنون وهو يعلم بما يقولون وفي الآخر قال إنا كفيناك المستهزئين.
*****تناسب خواتيم الحجر مع فواتح النحل*****(1/36)
قال تعالى في خواتيم الحجر (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)) وبداية النحل (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)). في خواتيم الحجر قال (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ (85)) وفي بداية النحل (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)). في خواتيم الحجر (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ (85)) وفي بداية النحل (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ (1)) ذاك إخبار أن الساعة لآتية في المستقبل والآن أتى أمر الله، آتية، ستأتي، أتى أمر الله فلا تستعجلوه. هنا تغيّر الصيغة الفعلية من فعل أو مصدر أو إسم مجرد طيّ للزمن وكأنها حدثت بالفعل ووقعت.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة الحجر للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.(1/37)
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/38)
سورة النحل(سورة النِّعَم)
تناسبها مع خواتيم الحجر ... آية (17) ... آية (48) ... آية (67) ... آية (92) ... آية (120)
هدف السورة ... آية (18) ... آية (50) ... آية (69) ... آية (95) ... آية (121)
آية (1) ... آية (26) ... آية (56) ... آية (70) ... آية (97) ... آية (124)
آية (8) ... آية (27) ... آية (59) ... آية (78) ... آية (99) ... آية (125)
آية (9) ... آية (28) ... آية (61) ... آية (79) ... آية (102) ... آية (127)
آية (10-13) ... آية (34) ... آية (63) ... آية (80) ... آية (103) ... آية (128)
آية (14) ... آية (36) ... آية (64) ... آية (84) ... آية (109) ... تناسب أولها مع آخرها
آية (15) ... آية (39) ... آية (65) ... آية (89) ... آية (111) ... تناسبها مع فواتح الإسراء
آية (16) ... آية (44) ... آية (66) ... آية (90) ... آية (112)
*تناسب خواتيم الحجر مع فواتح النحل*
قال تعالى في خواتيم الحجر (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)) وبداية النحل (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)). في خواتيم الحجر قال (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ (85)) وفي بداية النحل (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)). في خواتيم الحجر (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ (85)) وفي بداية النحل (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ (1)) ذاك إخبار أن الساعة لآتية في المستقبل والآن أتى أمر الله، آتية، ستأتي، أتى أمر الله فلا تستعجلوه. هنا تغيّر الصيغة الفعلية من فعل أو مصدر أو إسم مجرد طيّ للزمن وكأنها حدثت بالفعل ووقعت.
**هدف السورة: الشكر على النعم**
هي من السور المكية وهي سورة مليئة بنعم الله تعالى وبشكر النعم.(1/1)
ونعم الله في الكون إما أن تكون نعم ظاهرة يراها الإنسان في حياته ويدركها بحولسه وهي صور حيّة مشاهدة دالة على وحدانية الله تعالى وناطقة بآثار قدرته التي أبدع بها الكائنات من البحار والجبال والسهول والوديان والسماوات والأرض والمطر والزرع والفلك التي تجري في البحر والنجوم التي يهتدي بها السالكون في ظلمات الليل والأنعام والخيل والبغال والحمير ونعمة خلق الإنسان ونعمة الغذاء ، وإما أن تكون نعم في الكون لا نراها ولا ندركها بأسماعنا وأبصارنا لكنها موجودة في الكون نستفيد منها بدون أن نلمسها مثل المخلوقات الموجودة في أعماق البحار وما تحويه الأرض من خيرات لا ندركها وقوانين الجاذبية وغيرها من القوانين التي يسير بها الكون أو تعمل بها أجسادنا أو ما حولنا من مخلوقات الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * ...* وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) الآيات من 3 إلى 16. وهناك نعمة أخرى هي نعمة كيف يخرج الله تعالى هذه النعم (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ)آية 66 و (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) آية 78. فنعم الله تعالى كثيرة جداً مصداقاً لقوله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) آية 18. وأهم من هذه النعم كلها وهي ما ابتدأت به السورة هي نعمة الوحي (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) آية 2.(1/2)
وقد جاء ترتيب نعمة الوحي ثم نعمة نزول المطر لأن الوحي ينزل على القلوب فيحييها والمطر ينزل على الأرض فيحييها وهذا الربط بين سورة ابراهيم وسورة النحل، فسورة ابراهيم تحدثت عن نعمة الوحي والإيمان وسورة النحل تتحدث عن باقي نعم الله في الكون.
وتأتي في السورة آية محورية هي محور السورة (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) آية 18 وفيها تذكير بأن نعم الله على الخلق أكبر من أن تعد أو أن تحصى.(1/3)
ثم تنتقل السورة إلى التحذير من سوء استخدام هذه النعم: فما أكثر ما يستخدم الإنسان نعم الله في معصيته أو فيما يعود عليه بالضر والإفساد له أو اغيره أو للكون (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) آية 26 و (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) آية 55 و(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) آية 58، 59 و(وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) آية 67 و(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) آية 83. وتأتي فواصل في السورة دائماً تذكر بأن النعم هذه هي من عند الله تعالى (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) آية 53. والنعمة قيدها الشكر لذا يجب أن يعرف الإنسان عظمة نعم الله عليه ثم يشكره عليها بأن يوجهها لطاعة الله ويحذر من استخدامها في معصيته كما في مثل القرية المطمئنة (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) آية 112.(1/4)
سميت السورة بسورة النحل (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) آية 68 - 69 وهي نعمة من الله تعالى أيضاً فقد أمر الله تعالى النحل (إتخذي، اسلكي، كلي) فلمّا نفّذت النحل أوامر الله تعالى أخرج سبحانه من بطونها غذاء نافع مفيد هو العسل. وهذا توجيه للعباد بأن عليهم أن ينفذوا أوامر الله تعالى وويتبعوا الوحي حتى يخرج الله تعالى للمجتمع خيراً نافعاً مثلما أخرج العسل من النحل. ولهذا نزلت آية النحل في هذه السورة خاصة لأنها من نعم الله تعالى. فلو استعملنا نعم الله في مرضاته أخرج لنا من الخير كله ويزداد الخير في المجتمع.
***من اللمسات البيانية فى سورة النحل***
آية (1):
*ما دلالة استعمال صيغة الفعل الماضي في أول سورة النحل؟(د.فاضل السامرائى)(1/5)
قال تعالى في بداية سورة النحل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {1}). الفعل الماضي في اللغة العربية ليس بالضرورة أن يكون لما قد حصل فقد يكون لما شارف الوقوع وقد يكون للمستقبل الذي سيقع بعد قرون كذكر أحداث يوم القيامة في القرآن ، وأحياناً يُستعمل الفعل المضارع للماضي البعيد كقوله تعالى (فلم تقتلون أنبياء الله). الزمن في اللغة العربية ليس بالبساطة التي نتصورها فالفعل الماضي له 16 زمناً في اللغة. فما المقصود بقوله تعالى (أتى أمر الله)؟ هو ليس بالضرورة يوم القيامة فقد يكون النصر الذي أشرف على المجيء فلا تستعجلوه ولكنه تأكيد بأنه سيقع. يذكر الماضي للدلالة على التيقن من وقوعها كما يصف أحداث يوم القيامة فالأحداث المستقبلية هي بدرجة تحققها مثل الأحداث التي حصلت فليس في الفعل الماضي شك فهي بمنزلة ما مضى من الأحداث وهو حاصل وآتٍ آت قد يكون اقترب أو شارف على الوقوع وقد يحتمل أن يكون النصر وقد يحتمل القيامة. كما نقول قد قامت الصلاة في أذان الإقامة.
*لم بدأت السورة بالفعل أتى و ليس جاء؟
إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه لم تستعمل صيغة المضارع للفعل جاء مطلقاً ولا صيغة فعل أمر ولا إسم فاعل ولا إسم مفعول وإنما استعمل دائماً بصيغة الماضي. أما فعل أتى فقد استخدم بصيغة المضارع.
من الناحية اللغوية: جاء تستعمل لما فيه مشقة أما أتى فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر ومنه الالمتياء وهي الطريق المسلوكة.(1/6)
قال تعالى في سورة النحل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {1}) وقال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)) هنا أشقّ لأن فيه قضاء وخسران وعقاب.
((((أتى أمر الله فلا تستعجلوه) سورة النحل آية 1 الأمر أتى من الله وهو في طريقه للوصول ثم تحقق وجاء بعد سنوات))) من برنامج الكلمة وأخواتها.
*ما الفرق بين قوله تعالى (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ (1) النحل) وقوله (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78) غافر) ؟(1/7)
هناك لم يأت بعد (أَتَى أَمْرُ اللّهِ) فلا تستعجلوه هو قَرُب، أتى يدل على الماضي أنه اقترب لم يصل بعد فلا تستعجلوه، (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ) هنا الأمر واقع لأن فيه قضاء وخسران أي المجيئين أثقل؟ (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ) أثقل، يصور مشهداً واقعاً أما في الآية الأولى لم يأت بعد ولم يقع بعد فمع الذي لم يأت بعد استعمل أتى ولما حصل ما وقع وما فيه من قضاء وخسران استعمل جاء. إذن الإتيان والمجيء بمعنى لكن الإتيان فيه سهولة ويسر أما المجيء ففيه صعوبة وشدة ويقولون السيل المار على وجهه يقال له أتيّ مرّ هكذا يأتي بدون حواجز لأنه سهل. (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ (17) النمل) ليس هنا حرب، (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) يوسف) هذه فيها قتل. إذن هنالك فروق دلالية بين جميع كلمات العربية سوءا علمناها أو لم نعلمها. رأي الكثيرين من اللغويين قالوا ليس هناك ترادف في القرآن إلا إذا كانت أكثر من لغة (مثل مدية وسكين) ولا بد أن يكون هناك فارق.
آية (8):
* لماذا لم يرد ذِكر الجِمال في قوله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)) ؟(د.فاضل السامرائى)(1/8)
ذكر الله تعالى في هذه الآية سبل المواصلات لكنه ذكر الجمال في الآية التي سبقتها فقال تعالى (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)) وفي هذه الآية ذكر ما يُستعمل للركوب والأكل والجمال تدخل في الأنعام ثم ذكر بعدها ما يُستعمل للركوب والزينة في قوله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)) وهذه كلها ليست للأكل. ففي تريتب الذكر في الآيات ذكر أولاً ما هو للركوب والأكل ثم أتبعها بما هو للركوب والزينة.
* (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) طه) يجادل بعض المسلمين ويقولون هل انتهت عملية الخلق أم أنها مستمرة باستمرار علماً أن هناك آية أخرى (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)(1/9)
لا أدري كيف يُفهم هذا الشيء؟ في الأصل سؤال لفرعون لموسى (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى (49))، يسأل أحدنا من ربك؟ يقول ربي الذي خلق السموات والأرض ووضع الجبال وسخر الأنهار، لا يقول سيخلق وإنما خلق. السؤال من ربكما يا موسى؟ فذكر له موسى أموراً واقعاً لم يقل سيفعل كذا. أعطى كل شيء خلقه ثم هدى فهذه الآية لا تدل على انتهاء الخلق وإنما إجابة على السؤال. حتى هذه الآية فيها معنى آخر يذكره اللغوييون وهو ربنا الذي أعطى خَلْقه كل شيء أي صورته لأنه خلقه سبحانه وصوّره فأعطاه كل شيء يحتاج إليه. فعل أعطى ينصب مفعولين الأول (كلَّ) مفعول أول و(خلْقَه) مفعول ثاني والأول يصلح أن يكون فاعلاً درهماً مثل: أعطيت محمداً درهماً (محمداً مفعول به يصلح أن يكون فاعلاً) تقدم المفعول الثاني أو تأخر. في مثل هذه الآية (أعطى كل شيء خلْقَه) أعطى خلقه كل شيء، الخلق أخذوا إذن هم الذين استفادوا فاصروا هم المفعول الأول و(كل شيء) صار المفعول الثاني تقدم أو تأخر. والإجابة على هذا السؤال أن ربنا الذي فعل هذا وليس الذي سيفعل هذا. هذا لا يدل على انتهاء الخلق وإذا كان بالمعنى الآخر يحتمل احتمالاً قوياً أنه أعطى خلقه كل شيء يحتاجون إليه. (يَخْلُقُ مَا يَشَاء سُبْحَانَهُ (4) الزمر) (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) النحل).
*ما الفرق بين استخدام القرآن الكريم لكلمتى الحمير والحمر؟(د.فاضل السامرائى)(1/10)
فى سورة لقمان قال تعالى (إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) استخدم الحمير في الآية مع أنه في مكان آخر استخدم (حُمُر) كلاهما جمع حمار، لكن القرآن استعمل كلمة الحمير للحُمُر الأهلية والحُمُر للوحشية هكذا خصصها. قال (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) النحل) خصص هذا الجمع بالحُمُر الأهلية والحُمُر خصصها بالوحشية (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (51) المدثر) هذه الوحشية التي في الغابة. اللغة العربية لا تفرق بين الكلمتين ولكن هذا من خواص الاستعمال القرآني. في القرآن كثيراً من الأمور خصصها بالجمع مثل الأعين والعيون، العيون عيون الماء والأعين استعملها للعين الباصرة أو الرعاية، واستخدام الموتى والأموات والميتون، الموتى للميّت حقيقة والميّتون لمن لم يمت بعد (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) الزمر). كذلك القعود والقاعدين القعود استخدمها في القعود الحقيقي نقيض القيام والقاعدون في القاعدون عن الجهاد فقط هذا من خواص الاستعمال القرآني. اللغة العربية قد تخصص مثلاً تخصص الخال وهي مشتركة بين الشامة وأخ الأم، تستخدم خيلان جمع خال الشامة وأخوال لجمع حال أخو الأم. الركاب والركبان، الركاب عامة للسفينة والخيل وغيرها أما الركبان فللإبل فقط، هذا تخصيص العرب والقرآن يخصص في الاستعمال. فالحُمُر للوحشية والحمير للأهلية المستأنسة.
آية (9):
*ما الفرق بين استخدام وحذف اللام فى قوله تعالى(وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) النحل)، (أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ (47) يس) ؟(د.فاضل السامرائى)(1/11)
لا شك أن اللام في جواب لو تفيد التوكيد وهي آكد من حذفها وربنا سبحانه تعالى يضع اللام في جواب لو عند ما هو آكد (وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) النحل)، (أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ (47) يس) لم يقل لأطعهم لأنه يمكن أن تطعم من تشاء لكن لا يمكن أن تهدي الناس أجمعين لأنه قد يتعبك أحدهم طول العمر ولا يهتدي.
آية (10-13):
*ما الفرق بين نهايات الآيات في سورة النحل (10) - (13) وما دلالة الجمع والإفراد في كلمة آية وآيات؟ (د.فاضل السامرائى)
نقرأ الآيات ليتضح لنا السؤال. الآيات متتابعة (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)). الآية الأولى ذكر وعدّد أموراً واضحة: الزرع والزيتون والنحيل والأعناب والثمرات وفي الثانية ذكر أموراً عددها: الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والآية الثالثة قال (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه) لم يعدد شيئاً فسوف تتذكر أنت حتى تعدد ولذلك قال تعالى في ختامها (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)). في الأولى ذكر الزرع والزيتون وغيرها وفي الآية الأخرى ذكر الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم. وفي الثالثة اُذكر أنت فسوف تتذكر ثم تذكر لذا ختم الآية بـ (يذّكرون).(1/12)
الآية الأولى (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) تنبت في الأرض وجزء من الأرض فإنه ذكر ما يتعلق في الزرع والآية (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ) في الأرض فالآيتين في الأرض وجزء من الأرض. الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم أكثر إذن الأرض آية وهذه آيات. لما ذكر ما يتعلق بالأرض أو جزء منها قال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً) ولما ذكر الشمس والقمر والليل والنهار والنجوم قال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ). جزء من الأرض، شيء من الأرض قال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً). الشمس آية والقمر آية والنجوم آيات لذا قال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ). لما ذكر جزءاً من الأرض جعلها آية ولما ذكر ما هو أكثر من الأرض جعلها آيات.(1/13)
هذا أمر وعرفنا استعمال يذّكرون وعرفنا الفرق بين آية وآيات. الأمر الآخر أنه لما ذكر الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم هذه يكفي العقل فيها فقط لمعرفة الله تعالى، العقل وليس العلم. العقل وحده كافٍ لأنه الذي يفرق بين العاقل والمجنون ولأن هذه أشياء يومية يراها العاقل. هذه آيات للذي عنده عقل. الباقي يحتاج إلى فِكر (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) كيف ينزل في الأرض وكيف ينبت به لذا كل آية تتناسب خاتمتها مع ما فيها. (يتفكرون) بمعنى الفِكر يُعمِل فكره، ويعقلون مجرد العقل. التفكير أكثر من العقل. كونك عاقلاً يعني تعرف أموراً والفرق بين العاقل والمجنون أن العاقل يعقل الأمور. وهناك فرق بين يعقل ويعلم: اذي يعلم ينبغي أن يكون عاقلاً لكن العاقل ليس بالضرورة أن يكون عالماً. إذن المرحلة الأولى العقل لأنه مناط التكليف وليس بالضرورة أن يكون عالماً لأن مناط التكليف العقل. والمرحلة الثانية التفكر يُعمِل فكره في أشياء أخرى.
*ما دلالة الواو في قوله تعالى (والنجوم مسخّرات بأمره) في سورة النحل؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {12}) الواو إما عطف جملة على جملة وإما إستئنافية.(1/14)
اسم الإشارة جاء بالإفراد (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)لأن المقام مقام إيجاز.لأن (ذلكم) أكثر من (ذلك) من حيث الحروف إذا كان المقام كله مقام إطالة يأتي بكل ما يفيد الإطالة لغة وإذا كان في مقام الإيجاز يأتي بكل ما في الإيجاز لغة، مثال (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) الأنعام) فيها تفصيل فقال (إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، صار توسع في المعنى لما عدّد أشياء كثيرة إذن صار إطالة وتوسّع فجمع (ذلكم) حتى تتلاءم مع ما قبلها.
آية (14):
* في سورة النحل الآية (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)) أما في سورة فاطر (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)) فما دلالة التقديم والتأخير واستخدام الواو وعدمه؟
د.فاضل السامرائى:(1/15)
نقرأ الآيتين آية النحل وآية فاطر، قال سبحانه وتعالى في سورة النحل (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)) وقال في سورة فاطر (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)) السياق يوضح لنا الكثير من الإجابات. تقدم هذه الآية في سورة النحل تقدم الكلام على وسائط النقل، ذكر الأنعام قال (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)) (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7)) ثم ذكر الخيل البغال والحمير قال (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا (8)) هذه وسائط نقل برية، ثم ذكر الفلك وهي واسطة نقل بحرية قال (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ (14)) فلما ذكر وسائط النقل وذكر الفلك في سياق وسائط النقل قدّم صفتها على البحر، (فيه) متعلق بالبحر إذن لما كان السياق في وسائط النقل قدّم صفة وساطة النقل (مواخر) يعني ألحق الصفة بالموصوف ليس الكلام على البحر وإنما الكلام على وسائط النقل فأخّر ما يتعلق بالبحر.(1/16)
أما في آية فاطر فالكلام على البحر وليس على وسائط النقل (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ (12)) كل الكلام على البحر (وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) فقدّم (فيه) (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) وقبلها قال (وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ (11)) الكلام ليس في وسائط النقل أما في آية النحل في وسائط النقل فقدم صفة واسطة النقل وهنا الكلام على البحر فقدم ضمير البحر (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) هذا بالنسبة للتقديم.
بالنسبة للواو (لتبتغوا) و(ولتبتغوا):(1/17)
قال (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ) لتأكلوا وتستخرجوا، هذه عطف وقال (وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ) هذه عاطفة، (سخر البحر لتأكلوا وتستخرجوا ولتبتغوا) وآية فاطر ليس فيها عطف (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). في آية النحل عطف عِلّة على عِلّة (لتأكلوا) لام التعليل، وتستخرجوا تعليل معطوفة على ما قبلها (ولتبتغوا) تعليل لام التعليل. في آية فاطر ليس هناك تعليل (وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) ليس فيها لام التعليل (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). العبرة هنا بالتعليل (ولتبتغوا) لام التعليل (لتأكلوا ولتبتغوا). (لتبتغوا) في آية فاطر أيضاً لام التعليل لكنها ليست معطوفة ليس هناك قبلها تعليل فكيف نعطفها؟ إذن وكأن دلالة السياق تتوقف عند (وترى الفلك فيه مواخر) لا تعليل قبلها حتى يعطف (لتبتغوا) عليها ليس هناك عِلّة قبلها مثلها ولو قال (ولتبتغوا) تصبح معطوفة على علة مقدّرة. (ولتبتغوا) الأولى التي ذكرنها المشهور فيها ما ذكرناه أنها معطوفة على ما قبلها لكن هناك من أعرب الواو أنها معطوفة على عِلّة مقدّرة في آية النحل، قالوا معطوفة على علة مقدرة لتنتفعوا، لماذا؟ الأمر الأول ظاهر معطوفة عطف ليس فيها إشكال.
*هناك سؤال آخر لماذا قال (وتستخرجوا) من دون لام التعليل (ولتبتغوا) مع لام التعليل؟(1/18)
العطف يفيد حتى في الدلالة المعطوف على ما قبله له حكم ما قبله المعطوف على المبتدأ مبتدأ والمعطوف على الخبر خبر والمعطوف على المجرور مجرور، المعطوف على الحال حال والمعطوف على الظرف ظرف والمعطوف على المفعول به مفعول به، لا يجوز أن نعطف مفعول به على حال. (وتستخرجوا) حذف لام التعليل لكن يبقى السؤال لماذا حذف لام التعليل في تستخرجوا؟ نحن عندنا قاعدة "الذكر آكد من الحذف"، (لتأكلوا) هذه عِلّة وعندنا أمرين: تستخرجوا حلية تلبسونها ولتبتغوا أيها الأكثر والآكد؟ إستخراج الحلي من البحر أو السفر لغرض التجارة وغيرها؟ لما تسافر في البحر هل هو لغرض التجارة أو تستخرج الحلى؟ السفر في البحر أكثر ويكون لأغراض أخرى للسفر أو للتجارة، غير استخراج الحلى وهذا مقصور على أناس متخصصين يمتهنون هذه المهنة وليس عموم المسافرين في البحر إذن السفر في البحر لأغراض أخرى أكثر إذن (لتبتغوا من فضله) أكثر من استخراج الحلي فهو آكد. (وترى الفلك مواخر فيه) دلالة على أن مواخر صفة للفلك فألصقها بها وأخّر البحر لأن الكلام على أن استخدام البحر كوسيلة نقل وبالتالي هي آكد من استخراج الحلي. (ولتبتغوا من فضله) آكد من استخراج الحلية، ذكر اللام فهي آكد. في فاطر قال (لتبتغوا) هذه ليس فيها عطف أصلاً. (ولتبتغوا من فضله) معطوفة على (وتستخرجوا). الواو في (وترى الفلك) هذه ليست عطف علة على علة. في آية النحل (ولتبتغوا من فضله) معطوفة.(1/19)
ونذكر مسألة أخرى: هنالك رأي آخر أن الواو عطف على عِلّة محذوفة (ولتبتغوا) جوّز بعضهم أن تكون معطوفة على علة محذوفة لتنتفعوا ولتبتغوا. ليست معطوفة على (وترى) لأن هذه مرفوعة. قسم جوّز أن يكون فيها وجه آخر يعني ليس فقط المعطوف على تستخرجوا ولتأكلوا وإنما عطف عل علة مقدرة أيضاً يجوز، هنالك أمر مقدر نعطف عليه هذا يجوز في اللغة والسياق في الآية يحتمل.(1/20)
الآن يبقى السؤال (ولتبتغوا) على الوجه الأول ليس فيها إشكال ولتبتغوا معطوفة على لتأكلوا وتستخرجوا لكن لو كانت على الوجه الثاني لماذا لم يقل في آية فاطر (ولتبتغوا) ويكون عطف على علة مقدرة؟ في اللغة موجود لكن من الناحية البيانية سياق آيات النحل في الكلام على نِعَم الله وذكرنا أن قسم من المفسرين يقولون أن سورة النحل سورة النِعم (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا(1/21)
وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)) فهنا لما كان السياق في ذكر النعم وتعداد النعم قال (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يعني وهنالك نعم أخرى ما ذكرناها ولتبتغوا من فضله، هنالك نعم أخرى ومنافع أخرى ما ذكرناها وما عددناها يطول ذكرها فلما كان السياق في ذكر النعم وتعدادها فأراد أن يقال (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) وهنالك منافع ونعم أخرى لكن أشرنا (ولتبتغوا من فضله) أما السياق في فاطر فليس في تعداد النعم. وهذا في القرآن كثير عندنا العطف على مقدر موجود في القرآن كثيراً.
د.أحمدالكبيسى:
عندنا آية (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {14} النحل) وآية أخرى تقول (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {12} فاطر) هذا ليس نفس المعنى ففي قوله (الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ) هنا رب العالمين يلفت نظرك إلى آيات الله في الملاحة في الفلك نفسها في البوارج والسفن الحربية والتجارية وكيف أن الله سبحانه وتعالى أنزل قوانين لهذه الملاحة عندما يقول (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) تلك (مَوَاخِرَ فِيهِ) هنا (فِيهِ مَوَاخِرَ) قدّم البحر عليك أن تتأمل في آية الله في البحر نفسه وقوانينه هذه واحدة.(1/22)
* متى يقترن الصبر بالشكر ؟(د.فاضل السامرائى)
إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه تعالى إذا كان السياق في تهديد البحر يستعمل (صبّار شكور) وإذا كان في غيره يستعمل الشكر فقط. ففي سورة لقمان مثلاً قال تعالى في سياق تهديد البحر (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)) .
أما في سورة النحل (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)) لم يذكر صبّار لأن الآية كلها نعم فجاء بالشكر فقط.
وهناك أمر آخر وهو أن كلمة صبّار لم تأت وحدها في القرآن كله وإنما تأتي دائماً مع كلمة شكور وهذا لأن الدين نصفه صبر ونصفه الآخر شكر كما في قوله تعالى في سورة ابراهيم (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)) وفي سورة سبأ (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)).
والآن نسأل لماذ استعمل صيغة صبّار على وزن (فعّال) وهذا السؤال يدخل في باب صيغ المبالغة وهو موضوع واسع لكننا نوجزه هنا فيما يخصّ السؤال.(1/23)
إذا لم يذكر تهديداً ذكر الشكر وحده وإذا ذكر التهديد قرن صبّار مع شكور في جميع القرآن وقدّم صبار على شكور.
آية (15):
* قال تعالى:(وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ (15) النحل) ما دلالة أن فى الآية؟(د.فاضل السامرائى)
النحاة البصريون والكوفيون يقدروها تقديرين لكن المعنى العام واحد. إما كراهة أن تميد بكم أو الكوفيين يقولون لئلا تميد بكم وسيكون المؤدّى واحد لئلا تميد بكم أو كراهة أن تميد بكم.
* ما دلالة الآية (وألقي في الأرض رواسي) ألم تكن الجبال مخلوقة من قبل؟ (د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة النحل (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)) أقول والله أعلم أن الملاحظ أنه تعالى يقول أحياناً ألقينا وأحياناً يقول جعلنا في الكلام عن الجبال بمعنى أن التكوين ليس واحداً وقد درسنا أن بعض الجبال تُلقى إلقاء بالبراكين (جبال بركانية) والزلازل أو قد تأتي بها الأجرام المساوية على شكل كُتل. وهناك شكل آخر من التكوين كما قال تعالى في سورة الرعد (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3))، وهذا يدل والله أعلم على أن هناك أكثر من وسيلة لتكوين الجبال. وكينونة الجبال تختلف عن كينونة الأرض فالجبال ليست نوعاً واحداً ولا تتكون بطريقة واحدة هذا والله أعلم.
آية (16):
*(د.فاضل السامرائى):(1/24)
الهدى قسمين قد يكون ظاهراً وقد يكون باطناً، ظاهراً في الكتب ورب العالمين سمى الكتب هدى التوراة والنجيل والقرآن هدى ورحمة، والهدى الظاهر أدلاء الطريق (إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) طه) من يهديه وذكر النجوم (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) النحل) هذا هدى ظاهر والهدى الباطن هو توفيق الله وما يقذفه من نور في قلب الإنسان (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) الكهف) (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى (76) مريم) (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا (13) السجدة).
آية (17):
*ما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟ (د.فاضل السامرائى)(1/25)
ذكرنا في أكثر من مناسبة في القرآن ضابط ليس فقط في هذين الفعلين وإنما تعبير عام وذكرنا في حينها أنه يحذف من الفعل مثل استطاعوا واسطاعوا للدلالة على أن الحدث أقل مما لم يحذف منه، إذا حذف معناه أن الزمن المحذوف منه أقصر يقتطع للدلالة على الاقتطاع من الحدث. وإذا كان المقام مقام إيجاز يوجز وإذا كان المقام تفصيل يقول تتذكرون. نأتي إلى أصل السؤال وفق هذه القاعدة أنه إذا كان الحدث أطول تأتي تتذكرون وإذا كان أقل يقتطع من الفعل أو إذا كانت في مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التفصيل يفصل. مثال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) لو سألنا أي واحد مهما كانت ثقافته تقول له هل الأعمى يستوي مع البصير؟ والأصم هل يستوي مع السميع؟ سيقول مباشرة لا، إذن لا يحتاج إلى طول تذكر وإنما يجيب مباشرة. هل يستويان؟ لا، هذا لا يحتاج إلى طول تذكر فقال (أفلا تذكرون). (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر) هنا صار إيمان وعمل صالحات، إيمان وعمل صالح (قليلاً ما تتذكرون) لأن دخل به إيمان وعمل صالح والمعنى أنه الذي لم تؤمن ولم تعمل صالحاً هذه قضية أخرى، هذه أطول من تلك تحتاج إلى تأمل وتفكير والرسول يدعو طويلاً إلى الإيمان والعمل الصالح واتهموه بالجنون، إذن هذه تتذكرون لأنها تحتاج إلى طول تذكر. ((1/26)
أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل) سل أي واحد سيقول لا هذه لا تحتاج إلى تذكر، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية) ختم على سمعه وبصره غشاوة وأضله على علم لا تحتاج إلى طول تفكر.
آية (18):
*ما الفرق بين كلمة النِعمة والنَعمة في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى) نِعمة بالكسر جاءت في مواضع كثيرة في القرآن منها في سورة النحل (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {18}) دائماً تأتي في الخير في القرآن.
نَعمة بالفتح وردت في سورة الدِخان (وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ {27}) وفي سورة المزمل (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً {11}) لم ترد في القرآن كلّه إلا في السوء والشر والعقوبات.
* ما دلالة إستخدام كلمة (نعمة) بالإفراد (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18) ؟(د.فاضل السامرائى)(1/27)
المفرد له قد يكون يدل على الجنس أو على الواحد. مثلاً تقول: الحصان أسرع من الحمار، هل تعني به واحداً؟ أو الجنس عموماً؟ تعني كل الجنس. الأسد أقوى من الكلب، لا تعني به أسداً واحداً وإنما الجنس. إذن قد يؤتى بالواحد للدلالة على الجنس. فالنعمة قد يراد بها جنس النعمة والعرب أحياناً تأتي بالمفرد للتكثير والكسائي نقل لنا: أتينا فلان فكنا عنده في لحمة ونبيذا، يعني أكل كثيراً. إذن هي للجنس والجنس أكثر من الجمع أحياناً. نعمة أكثر من نِعَم وأنعم. مثال: نقول: لا رجل في الدار، لا رجلين في الدار، (لا رجل) نفيت كل الجنس أي لا واحد ولا اثنين ولا أكثر، لكن لما تقول لا رجلين في الدار فأنت تنفي العدد فقط يمكن أن يكون هناك واحد أو ثلاثة، لا رجال في الدار قد يكون هناك واحد أو اثنين. (لا رجل) تعني لا واحد ولا اثنين ولا أكثر. الجنس يجمع وهو أعم وأشمل. هذا احتمال. رب العالمين في القرآن يذكر الجنة ويذكر فيها الفاكهة يقول (فاكهة) ويذكر الدنيا ويقول (فواكه) فاكهة مفرد وفواكه جمع. فإذن إذا أريد الجنس يستعمل المفرد لأنه أعم وأشمل. النُحاة يضربون مثلاً نحن نعدّله نقول الرجل أقوى من المرأة الرجل لا يقصد به رجل بعينه وإنما الجنس.(1/28)
الوجه الآخر أن النعمة الواحدة لا تُعدّ. لو جئت أن تعد نعمة الأكل إحصِ من خلق المادة الأولى وكيف كانت مزروعة ؟ومن زرعها ومن حصدها ومن طحنها وكم من الأيادي بعد الخلق الأول عملت بها إلى أن جاءت عندك؟ ثم لما هُيأت لك كيف تأكلها؟ بالأسنان والمعدة والعصارات الهاضمة، هذه نعم لا تحصى. الإحصاء هو العدّ. مفردات النعمة الواحدة لا تُعدّ ومن الصعب أن تعدها. نعمة البصر أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما بكى الرجل العابد فقال تعالى أدخلوه الجنة برحمتي قال بل بعملي قال تعالى برحمتي قال بل بعملي فقال تعالى زنوا له نعمة البصر فوضعوها في كفة وسائر أعمال الرجل في كفة فرجحت كفة نعمة البصر فقال الرجل لا بل برحمتك. كم في نعمة البصر من تهيئة النور واستقبالها والأعصاب وغيرها! إذن لا تحصى مفردات النعمة الواحدة فكيف بالنِعَم؟ (وإن تعدوا نعمة الله) تعدوا أي أن تحاولوا إحصاءها. موجودة في القرآن نعمة ونعِم وأنعم. أنعم جمع قلة من أفضل (من 3 إلى 10) في اللغة فإذا صارت عشرة تدخل في الكثرة. في القرآن الكريم وردت نِعَم ونعمة وأنعم، نعمة وردت في الإفراد وقد يكون هذا الجنس والله أعلم إبراهيم - عليه السلام - قال (شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121) النحل) لأنه لا يمكن أن يشكر الإنسان نعم الله تعالى فأتى بجمع القلة. وقال تعالى (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20) لقمان) بالكثرة لأن النعم كثيرة الظاهرة والباطنة لكن لا يمكن أن نقول (شاكراً لنعمه)، نحن نشكر الله تعالى ونحمد الله بما نستطيع كما ينبغي لجلال وجهه والله تعالى أثنى على إبراهيم (شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121) النحل).(1/29)
* ما الفرق بين ختام الآيتين (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) إبراهيم) (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)
هذا يتعلق بالسياق. سياق آية ابراهيم في وصف الإنسان وذكر صفات الإنسان فختم الآية بصفة الإنسان، آية النحل في سياق صفات الله فذكر ما يتعلق بصفات الله. في إبراهيم قال (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) الكلام كله في صفات الإنسان إلى أن يقول (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)) مناسب لما ذكر من صفات الإنسان.(1/30)
في النحل يتكلم عن صفات الله والنعم (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)) يتكلم عن صفات الله تعالى والنِعَم.(1/31)
إذن لما تكلم على صفات الله والنعم التي ذكرها قال (إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ولما تكلم عن صفات الإنسان قال (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) فكل فاصلة مناسبة للسياق الذي وردت فيه.
آية (26):
*(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (26) النحل) ما مقام ودلالة (من فوقهم) مع أنه معلوم أن السقف يخر من فوقهم؟(د.فاضل السامرائى)
خر عليهم السقف يعني انهدم ووقع. الخرّ الوقوع، من فوقهم يعني هم تحته يعني وقع فوق رؤوسهم، وقع عليهم. لو كان ناس في غرفة ووقع سقف الغرفة لكن لم ينلهم لم يقع عليهم نقول خرّ عليهم السقف لكن ليس من فوقهم. وقع علينا حائط ليس بالضرورة أنه وقع عليهم وإنما انهدم في ملكه ولا يقتضي أن يكون وقع على رؤوسهم، يقال وقع علينا حائط وهم في غرفة أخرى ليس شرطاً أن يكونوا تجته. من فوقهم يعني وقع عليهم تحديداً، هم كانوا تحته، وقع فوق رؤوسهم. إذا وقع جزء من السقف في غرفة وهم نائمين في الغرفة تقول خرّ عليهم السقف، وقع السقف عليهم لكنهم كانوا في جانب آخر من الغرفة. من فوقهم يعني هم تحته فوقع عليهم هم. هناك اختلاف بين خرّ السقف عليهم وخرّ السقف عليهم من فوقهم، خرّ السقف هذا عام، خرّ السقف عليهم هذا في ملكهم أما خرّ السقف من فوقهم يعني عليهم هم. والله تعالى أراد أن يجسد هذا المعنى هذا تكون المصيبة أكبر. وعندنا التوكيد تقول رأيته بعيني وسمعته بأذني وعملته بيديّ هاتين، هذا نوع من التوكيد (وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ (38) الأنعام) بماذا يطير الطائر؟ الطائر يطير بجناحيه، هذا توكيد للمعنى.
*ما دلالة ذكر (من) في قوله تعالى (قد مكر الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ )؟(د.فاضل السامرائى)(1/32)
قال تعالى في سورة النحل(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ {43})وذكر (من) تفيد الإبتداء أي ابتداء الغاية وهو امتداد من الزمن الذي قبلك مباشرة أي من زمان الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى زمن آدم. وليس هناك فاصل كما جاء في قوله تعالى (يُصبّ من فوق رؤوسهم الحميم) أي ليس هناك فاصل بين الرأس والصبّ حتى لا تضيع أية حرارةلأن العاقبة لهذا الصبّ أن يُصهر به ما في بطونهم.وكذلك قوله تعالى (والملائكة حافّين من حول العرش) أي ليس بينهم وبين العرش فراغ. أما في سورة الأنبياء (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {7}) وهي تحتمل البعيد والقريب وكذلك في قوله (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ {48} ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ {49} الدخان) وهذا العذاب أخف من الأول (من فوق رؤوسهم).
وهذا الذكر او الحذف يعتمد على سياق الآيات فإذا كان السياق ممتد يأتي بـ (من) وإذا كان السياق لفترة محددة لا يأتي بها. في سورة النحل كل الآيات فيها (من) لأن الحديث كله عن سلسلة الأنبياء (مستمرة) أما في سورة الأنبياء (مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ {6}) فهي قائمة على التبليغ فناسب حذف (من).
آية (27):
*ما الفرق بين يشاقق ويشاق؟ (د.حسام النعيمى)(1/33)
قال تعالى : (ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركاءى الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم ان الخزى اليوم والسوء على الكافرين)27) كلمة يشاقق هي فعل مضارع لما تكون مجزومة فُكّ إدغامها، شاقّّه يشاقّّه بالإدغام، لما يأتي الجزم للعرب لُغتان منهم من يُبقي الإدغام ويفتح لالتقاء الساكنين، وهما لغتان فصيحتان تكلم بهما القرآن. هنا في الآية (ومن يشاقق) فك الإدغام. وعندنا في بعض الآيات أبقى الإدغام. فالعلماء وقفوا لما يكون ذكر لاسم الجلالة وحده يبقى الإدغام، المشاقّة هي أن تكون في شق والثاني في شق ومع الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن تكون في شق والله عز وجل في شق فأُبقي الإدغام. وهذا جاء في القرآن الكريم كله هكذا.
قال تعالى:(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شق وهو في شق.
آية (28):
* ما اللمسة البيانية في استعمال توفّاهم وتتوفّاهم في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
نلاحظ في القرآن كله وليس فقط في هذه الآية الحذف كما جاء في القرآن مثل (تنزّل وتتنزّل، تبدّل وتتبدّل) وهذا الحذف في عموم القرآن وحيث ورد مثل هذا التعبير في القرآن سواء في الفعل أو غيره يكون لأحد أمرين:
للدلالة على أن الحدث أقلّ. أو أن يكون في مقام الإيجاز.
قال تعالى في سورة النحل ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28))) وقال في سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)).(1/34)
وهؤلاء المستضعفين في آية سورة النساء هم قسم من الظالمين وليس كلهم فهم أقل أما الآية الثانية (ظالمي أنفسهم) فالذين ظلموا أنفسهم أكثر من المستضعفين لأنهم عموم الظالمين. فلمّا خصّ بقسم من الظالمين (المستضعفين) قال تعالى توفّاهم ولما كثُر العدد قال تتوفاهم. وهذا الحذف هو جائز من حيث اللغة للتخفيف.
*هل يُضمر القول في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
أحوال القول والمقول يمكن أن نجمل أهم أحكامها في عبارات صغيرة.
الكثير أن يذكر القول والمقول هو الأصل (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) القول هو الفعل و(سمعنا وأطعنا) هو المقول.
يمكن أن يحذف فعل القول ويذكر المقول لا يقول قال أو يقول لكنه مفهوم وهذا كثير أيضاً مثال (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون (127) التوبة) ما قال يقولون هل يراكم من أحد لم يذكر القول وإنما ذكر المقول.
أحياناً يذكر فعل القول لكن يحذف المقول ولكنه ظاهر في السياق عكس الحالة السابقة مثل (قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) يونس) ما هو القول؟ هم لم يقولوا أسحر هذا ولا يفلح الساحرون وإنما هم قالوا هذا سحر، قول (أسحر هذا) هذا قول موسى وأضمر مقولهم هم وهو مفهوم من السياق.(1/35)
وهنالك حالة أخرى أن يذكر مقولان لقائلين مختلفين ويحذف فعل القول منهما الإثنين ويتصلان كأنهما مقولان لقول واحد لكن المعنى واضح يجري عليه السياق مثل (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) النحل) هم قالوا (ما كنا نعمل من سوء) والرد (بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون) هذا ليس قائلاً واحداً وإنما هذا قائل آخر وحذف فعل القول لم يقل قالوا ما كنا نعمل من سوء ولم يقل قال بلى مفهوم من السياق فحذف فعل القول من الاثنين وأدمج المقولين لكنه مفهوم من السياق.
وهنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول ومقوله ويدرج معه قول لقائل آخر فيبدو كأنهما مقولان لشخص واحد لكن في الحقيقة لا، مثل (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) يوسف)، ويوسف قال (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)) هذا كلام يوسف.هنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول لكن لا يذكر المقول وإنما يذكر فحواه (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ (31) إبراهيم) قل هذا فعل القول والمقول لم يذكره وإنما ذكر الفحوى يقيموا الصلاة هذا فحوى قوله تعالى وليس هو القول لم يقل أقيموا الصلاة، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء) هذا ليس هو نص القول وإنما فحواه. فهذه أبرز أحوال القول في القرآن الكريم. ولكل حالة من هذه الحالات دلالتها وسياقها الذي تروى فيه.
*ما الفرق بين سلام والسلام ؟(د.فاضل السامرائى)(1/36)
السلام معرفة والمعرفة هو ما دلّ على أمر معين، وسلام لك والأصل في النكرة العموم إذن كلمة سلام عامة وكلمة السلام أمر معين. لما نقول رجل يعني أيّ رجل ولما نقول الرجل أقصد رجلاً معيناً أو تعريف الجنس. الأصل في النكرة العموم والشمول. إذن (سلام) أعم لأنها نكرة وربنا سبحانه وتعالى لم يحييّ إلا بالتنكير في القرآن كله مثل (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) حتى في الجنة (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) حتى الملائكة (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (سلام عليكم ادخلوا الجنة) ربنا تعالى لم يحييّ هو إلا بالتنكير لأنه أعم وأشمل كل السلام لا يترك منه شيئاً. (سلام عليه) هذه تحية ربنا على يحيى والآية الأخرى عيسى - عليه السلام - سلم على نفسه وليس من عند الله سبحانه وتعالى، سلام نكرة من قبل الله تعالى والسلام من عيسى - عليه السلام - وليس من الله تعالى والتعريف هنا (السلام) أفاد التخصيص. ويقوون تعريض بالذين يدعون أن مريم كذا وكذا فقال (والسلام علي) رد على متهمي مريم عليها السلام.
آية (34):
*ما دلالة استخدام (ما عملوا ) و ليس ما كسبوا كما فى سورة الزمر؟(د.فاضل السامرائى)
تردد الكلمات في القرآن تأتي حسب سياق الآيات وفي الآيات المتشابهة يجب أن نرى الكلمات المختلفة فيها وعلى سبيل المثال:
(فأصابهم سيئات ما عملوا) في سورة النحل تكرر العمل 10 مرات والكسب لم يرد أبداً. أما في سورة الزمر (فأصابهم سيئات ما كسبوا) تكرر الكسب 5 مرات والعمل 6 مرات.
آية (36):(1/37)
*يقول تعالى(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {11} الأنعام) في النحل (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {36} النحل) كلاهما عاطفة، لكن لماذا الاختلاف؟(د.أحمد الكبيسى)
لا بد أن يكون هناك معنىً مختلفاً. ونحن نعلم بأن هذا الحرف في القرآن الكريم والحركة هي آية كاملة ولهذا إن الله يعطي عليها عشر درجات (ألم) يعني ثلاثين درجة ثلاثين حسنة. هاتان الآيتان تتكلمان عن الآثار وعلى قيمتها وأهميتها في الإيمان (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) من حيث أن هذا السير (سيروا في الأرض) نوعان هناك أمرٌ بأن نسير خصيصاً لكي نتّبع آثار الظَلَمة والدول القاسية الملحدة المستعمرة التي أذاقت الناس الهوان كفرعون وثمود وعاد وأنتم تعرفون كم كانت دولاً عظيمة ثم صارت أنقاضاً وأطلالاً حينئذٍ السفر لكي ترى آثار الدول التي أهلكها الله وبطش بها من أجل أنها ظالمةٌ تسوم الناس خسفاً وتكذب بالله وآياته لكي يكون ذلك عبرة . هاتان الآيتان وحدة تتكلم عن السياحة أنت ستسير إما أن تكون سائحاً لغرض ليس للعبث والمجون والخمر وما شاكل ذلك لا، لا بد أن تكون سياحتك لهدف حضاري كما يفعل الغربيون ونحن لا نفعل مع الأسف الشديد الغربيون يسيحون في الأرض لكي يتعلمون يدرسون ينقبوا عن الآثار يدرسون طبائع الأمم ونحن نذهب لكي نلهو. رب العالمين قال لا ليس السفر للهو السفر مدرسة ولهذا السير في الأرض من أعظم أسباب المعرفة ومصادرها ومنابعها.(1/38)
فرب العالمين قال ربما تكون أنت مسافر لحاجات كالتجارة أو الدراسة أو تزور قريباً رحل إلى أمريكا إلى مصر إلى بابل في العراق في كل مكان فيه آثار الأمم التي أهلكها الله بظلمها أنت بعد ما تنتهي من شغلك إذهب وانظر إليها (ثُمَّ) هذا خطاب لمن يسير في الأرض لهدفٍ آخر ولكن رب العالمين يقول دع لك فرصة يوم، نصف يوم إذا كنت في مكان فيه آثار الظلمة اذهب وشوفها هذا (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا) أنهي شغلك تجارتك ثم انظروا, الفريق الثاني ليس لديه شغل. إذاً الفرق بين فسيروا وثم سيروا (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا) (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) يعني الأمر بالسير هذا السير مرة يقول ثم انظروا بعد السير أو فانظروا بعد السير إذا كنت مسافراً للسياحة من أجل ذلك فانظر رأساً (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) أنت رايح لهدف معين لكي ترى عاد وثمود وفرعون وكل الظلمة والقتلة الذين ملأوا التاريخ ، وحينئذٍ أي عبرة هذه وأي عظة! كلما ذهبت إلى مصر ورأيت الأهرامات وعظمتها وعظمة الآثار وعظمة القصور وعظمة المُلك كيف زال هذا المُلك؟! حينئذٍ أنت انظر (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) انظر إلى الحضارة الرومانية سواء كانت بسوريا أو بالأردن أو في أماكنها ما هذا؟ ما هذا؟ وحينئذٍ هناك بالقرب من الموصل من نينوى في العراق أيضاً مدينة الحَضَر مدينة عظيمة جداً جداً لما تدخل إليها يعني أي حضارة كانت في هذه المدينة؟! ذهبت لأنهم كانوا ظلمة والعكس صحيح. ولهذا رب العالمين قال (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا) (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) أنت يجب أن تسير (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) مرة قال (فَانْظُرُوا) أنت ذاهب متعمد لكي ترى (ثُمَّ انْظُرُوا) لا أنت في الحقيقة رايح تجارة دراسة إذا صار عندك فرصة بعد ذلك اذهب إلى هذه الآثار، هذا هو الأمر.(1/39)
* ما الفرق بين (كان عاقبة) و (كانت عاقبة)؟(د.فاضل السامرائى)
القرآن أحياناً يستعمل معنى الكلمة فيذكر ويؤنث بحسب المعنى. كلمة العاقبة يستعملها مرة مذكرة ومرة مؤنثة (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) الزخرف) (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ (135) الأنعام). إذا أنّث العاقبة تكون بمعنى الجنة لأن الجنة مؤنثة (من تكون له عاقبة الدار). لم يذكِّر العاقبة إلا بمعنى العذاب (فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) النحل) ليس بمعنى جهنم وإنما بمعنى العذاب والعذاب مذكر تكون مذكر. في جميع القرآن حيث أنّث العاقبة فهي الجنة وحيث ذكّر العاقبة فهي العذاب لم يتخلف موضع واحد في القرآن.
آية (39):
* كلمة يختلفون وتختلفون وردت في القرآن في مواضع كثيرة (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ (39) النحل) ما كُنه الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)
الآية توضح في القضاء والفصل فصل في القضية (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هذا حكم، قال (فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي في الذي كانوا فيه يختلفون. إما يقول قضي بينهم أو يحكم بينهم ولما يقول يحكم بينهم وقضي بينهم يستعمل فيه. أما كانوا وكنتم فالأكثر لما يقول (كانوا) الكلام عن يوم القيامة والاختلاف كان في الدنيا الاختلاف في الدنيا. (وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) يونس) هذه الآن وليس في يوم القيامة (فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) لأنها تقصد الدنيا.
آية (44):(1/40)
* (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل) (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) النحل) (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) النحل) ما الفرق بين نزّلنا وأنزلنا وبين إليك وعليك؟ (د.فاضل السامرائى)(1/41)
هذا يستدعي أن ننظر في الفرق بين أنزل ونزل وبين إليك وعليك. أنزل ونزّل قسم غير قليل يفرق بينهما أنه نزّل تفيد التدرج والتكرار وأنزل عامة ويستدلون بقوله تعالى (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) آل عمران) وقالوا لأن القرآن نزل منجماً مفرقاً والتوراة والانجيل أنزلتا جملة واحدة فقال أنزل. ردوا التدرج بقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (32) الفرقان)لأن أنزل عامة سواء كان متدرجاً أو غير متدرجاً، كلمة أنزل لا تختص بالتدرج ولا بدون تدرج. السؤال يقولون الإنزال عام لا يخص التدرج أو غير التدرج لكن التنزيل هو الذي يخص التدرج، نزّل الذي فيه التدرج (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) القدر) أنزلناه من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة واحدة، هناك مراحل لنزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل منجماً. ردوا التدرج في نزّل التدرج في نزّل وقالوا (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (32) الفرقان) هذا ليس فيه تدريج (لولا هنا من حروف التحضيض). لكن الذي يبدو أن الفرق بين نزّل وأنزل أنه نزّل تفيد الاهتمام نظير وصى وأوصى وكرّم وأكرم ففي المواطن التي فيها توكيد واهتمام بالسياق يأتي بـ (نزّل) والتي دونها يأتي بـ (أنزل).(1/42)
نضرب أمثلة: قال تعالى في الأعراف (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71)) وقال في يوسف (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40)) وقال في النجم (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى (23)). ننظر السياق في الأعراف فيها محاورة شديدة حيث قال (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)) فيها تهديد، كلام شديد من أولئك كيف تتركنا نترك آلهتنا ونعبد الله فقال (نزّل).(1/43)
في سورة يوسف قال تعالى (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40)) لم يردّ عليه السجينان وليس فيها تهديد إذن الموقف يختلف عن آية سورة الأعراف فقال أنزل. في النجم (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)) لم يردّوا عليه ولم يكن هنالك محاورة ولا تهديد، إذن الأشد (نزّل)، هذا أمر. إذن نزّل آكد وأقوى في موطن الاهتمام أشد من أنزل.(1/44)
و(على) أقوى من (إلى) وتأتي (على) في الغالب في العقوبات (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) الذاريات) وفيها معنى الاستعلاء هي استعلاء ولذلك كان فيها معنى الشدة والقوة، أما (إلى) فليست كذلك وإنما تفيد منتهى الغاية فقط. ربنا لما يقول مرة (لولا أنزل عليه ملك) (لولا أنزل إليه ملك) نلاحظ أن السياق يختلف وهناك فرق بين إليه وعليه، قال (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ (8) الأنعام) فيها تهديد، (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) الفرقان) ليس فيها تهديد. الأقوى (على) إذن نزّل أقوى من أنزل وعلى أقوى من إلى.
الآن ننظر الآيات موضع السؤال:
((1/45)
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل) (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) النحل) أنزلنا إليك وأنزلنا عليك، الفعل أنزل واحد ولكن اختلف حرف الجر. ننظر أي الموطنين أقوى؟ (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل) و (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) النحل) هنا عندنا (ما) و(إلا) هذه أقوى، والثانية فيها هدى ورحمة إذن (ما وإلا وهدى ورحمة) أيهما أولى بـ (عليك) من حيث منطوق اللغة؟ الآية الثانية التي فيها (عليك). الآية الأخرى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) النحل) قال عليك. وفي الآية الثانية قال (اخْتَلَفُواْ فِيهِ) وهنا قال (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) في الآية الثانية التبيان في الذي اختلفوا فيه وفي هذه الآية التبيان لكل شيء إذن يستعمل معها نزّلنا عليك. هناك قال (وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وهنا قال (وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) فنضع نزّلنا مع الآية الثالثة.
آية (48):
* آية السجدة في سورة النحل لماذا أفرد الحق تعالى كلمة اليمين وجمع كلمة الشمال (أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48))؟(د.فاضل السامرائى)(1/46)
هذه المسألة بحثها القدامى وقالوا اليمين عندهم جهة المشرق والشمال جهة المغرب، فيقولون في جهة المشرق الظل يضمحل إلى أن يصير وقت الزوال وبعد الزوال في الجهة الأخرى الظل يزيد، العصر يصير ظل الشيء مثله ويزيد. قال (عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ) ففي اليمين كأنه ظل واحد ينقُص والشمائل زيادة في جهة زيادة في جهة الشمال، هذا ينقص منه وهذا يزيد منه فكأنما صارت أكثر من جهة. اليمين عند العرب يُقصد بها جهة اليمين جهة طلوع الشمس والشِمال جهة المغرب (هذه شِمال والشَمال هي الريح) الظل ينقص جهة اليمين والجهة الأخرى الظل يزداد فتصير شمائل. ثم قالوا اليمين هو جهة مطلع الشمس أي المشرق والمغرب جهة الظلمة فكما أن الله تعالى في القرآن أفرد النور حيث وقع وجمع الظلمة حيث وقعت يقول النور والظلمات أفرد اليمين وجمع الشمائل. ثم التفتوا وقالوا جهة النور واحدة لأنه ليس هناك إلا نور الله أما الظلام فهو كثير مثل النفس والشيطان والهوى. ثم يقولون سجداً مع الشمائل (سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ) ويأتون بمناسبة لطيفة ويقولون جهة اليمين مطلع الشمس ليس فيها حُكم شرعي يتعلق بالصلاة ليس هناك صلاة واجبة من طلوع الشمس إلى الظهر وفي الشمائل يكون هناك صلوات تبدأ من الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء فإذن السجود سجداً لن يكون باليمين ولذا قال سجداً بالشمائل.
*ما الفرق بين استعمال من وما فى قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والآرض) وقوله تعالى (ولله يسجد ما في السموات والأرض)؟(د.فاضل السامرائى)
(من) تستعمل لذوات العقل وأولي العلم فقط أما (ما) فتستعمل لصفات العقلاء (ونفس وما سوّاها) (وما خلق الذكر والأنثى) والله هو المسوي والله هو الخالق ، وذوات غير العاقل (أشرب من ما تشرب) وهي أعمّ وأشمل.
لماذا الاختلاف في الاستعمال في القرآن الكريم فمرة تأتي (من) ومرة تأتي (ما)؟(1/47)
من الآيات التي وردت فيها (من) مع السجود :
قال تعالى في سورة الرعد (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)) والطوع والكره من صفات العقلاء فاستعمل (من).
أما في سورة النحل في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)) الدابة أغلب ما تستعمل في اللغة لغير العاقل وهي عامة وشاملة فاستعمل (ما) كما أنه في الآية جاءت كلمة (شيء) وهي أعمّ كلمة. وعليه فإنه من ناحية العموم ناسب استعمال (ما) ومن ناحية استعمالها لغير العاقل ناسب استعمال (ما) لأن الدابة كما أسلفنا تستعمل في الغالب لغير العاقل.
ونلاحظ في القرآن أنه تعالى عندما يستعمل (من) يعطف عليها ما لا يعقل كما في قوله تعالى في سورة الحج (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ (18)). أما عندما يستعمل (ما) فإنه يعطف عليها ما يعقل (ولله يسجد .. دابة والملائكة) وهو خط بياني لم يتخلف في القرآن أبدا والحكمة البيانية منه الجمع.(1/48)
وكذلك استعمال من مع فعل يسبّح كما في قوله تعالى في وفي سورة النور (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)). واستعمال (ما) كما في قوله تعالى في سورة الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)) والحكمة البيانية من ذلك جمع كل شيء.
آية (50):
* ما الفرق بين الخشية والخوف والوجل؟ (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ (50) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)
الخوف توقع أمر مكروه يخاف من شيء أي يتوقع أمر مكروه لأمارة معلومة فيخاف شيئاً. الخشية خوف يشوبه تعظيم ولذلك أكثر ما يكون ذلك إذا كان الخاشي يعلم ماذا يخشى ولذلك قال تعالى (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء (28) فاطر) أكثر من يكون الخشية عن علم مما يخشى منه، الخشية أشد الخوف، وفي بعض السياقات تحتمل الخوف الذي يشوبه تعظيم والسياق هو الذي يحدد.
الوجل يقولون هو الفزع ويربطونه باضطراب القلب تحديداً كضربة السعفة (سعفة النخل) كما قالت عائشة رضي الله عنها "الوجل في قلب المؤمن كضربة السعفة" ويقولون علامته حصول قشعريرة في الجلد. وقالوا الوجل هو اضطراب النفس ولذلك في القرآن لم نجد اسناد الوجل إلا للقلب. إما للشخص عامة (قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52) الحجر) أو للقلب خاصة (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (35) الحج) فقط أسند للقلب في حين أن الخوف والخشية لم يسندا للقلب في القرآن كله. الوجل في اضطراب القلب تحديداً (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ (60) المؤمنون). وترتيب هذه الكلمات هو: الخوف، الخشية، الوجل.
آية (56):(1/49)
*ما دلالة القسم بحرف التاء في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
التاء حرف قسم مثل الواو لكن التاء تكون مختصّة بلفظ الجلالة (الله) وتستعمل للتعظيم وقد وردت مرتين في سورة النحل (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ {56}) (تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {63}). أما الواو فهي عادة تستخدم مع غير لفظ الجلالة مثل الفجر والضحى والليل والشمس وغسرها مما يقسم الله تعالى به في القرآن الكريم. والتاء في أصلها اللغوي مُبدلةٌ من الواو.
آية (59):
*ما الفرق بين هونا وهُون في القرآن؟(د.فاضل السامرائى)
الهَون هو الوقار والتؤدة كما فى قوله تعالى في سورة الفرقان (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً {63}) أما الهُون فهو الذلّ والعار كما في سورة النحل (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ {59}).
آية (61):
* ما دلالة تقديم يستأخرون في آية سورة النحل وتأخيرها في آية سورة الحجر؟(1/50)
قال تعالى في سورة النحل (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)) وقال تعالى في سورة الحجر (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)) وإذا استعرضنا الآيات في السورتين نجد أنه في سورة النحل قال تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) فناسب تأخير الأجل في هذه الآية تقديم يستأخرون ثم إن الناس يرغبون بتأخير الأجل وبخاصة الظالم يرغب بتأخير أجله.
آية (63):
انظر آية (56).???
آية (64):
*انظر آية ( 44).???
* ما الفرق بين قوله تعالى (هدى ورحمة لقوم يؤمنون) (هدى وبشرى للمسلمين) و (هدى ورحمة وبشرى للمسلمين)؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة النحل (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)) و (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)) و (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89))
في الآية الأولى قال تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)) ونسأل هل إنزال الكتاب علينا ينحصر فقط لغرض تبيان الذين اختلفوا فيه؟ لا قال تعالى وهدى ورحمة.(1/51)
في الآية الثانية (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) هل نزل القرآن لهذا الغرض فقط؟ أي ليثبت بالطبع لا.
وفي الآية الثالثة (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)) نزل القرآن تبياناً لكل شيء فجمعها كلها عندما عمّم وعندما كانت حالة جزئية كما في الآيتين الأولى والثانية في سورة النحل جزّأ.
*لماذا جاءت هدى ورحمة لقوم يؤمنون في الأولى؟
ننظر إلى السياق في الآيات التي بعدها جاءت فنجده في مظاهر الرحمة التي رحم الله تعالى عباده بها (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) ) فناسب قوله تعالى هدى ورحمة السياق في الرحمة.(1/52)
وفي الآية الثانية السياق قبلها فيه بشرى (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ) فناسب السياق هنا ذكر البشرى في الآية وناسب الجمع في آية التبيان.
آية (65):
*ما الفرق بين قوله تعالى (نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا) في سورة العنكبوت و(َنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)النحل؟
د.فاضل السامرائى:
قال تعالى في سورة العنكبوت (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ {63}) وفي القرآن كله وردت (بعد) بدون (من) كما في سورة النحل (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {65}).
وآية سورة العنكبوت هي الموطن الوحيد الذي وردت فيه (من بعد موتها) ، واستعمال (بعد) فقط يحتمل البعدية القريبة والبعيدة، أما (من بعد) فهي تدلّ على أنها بعد الموت مباشرة أي تحتمل البعدية القريبة فقط دون البعيدة. وإذا استعرضنا الآيات في سورة العنكبوت قبل الآية نجد أن الإحياء كان مباشرة بعد موتها وبدون مهلة ومجرّد العقل كان سيهديهم إلى أن الله تعالى هو القادر على إحياء الأرض من بعد موتها.
د.أحمد الكبيسى:(1/53)
اليوم نتكلم في موضوع جديد الفرق بين أنزل ونزل كما قال تعالى (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا {65} النحل) أنزل غير نزل أنزل هنا وبعد موتها بدون من، الآية الأخرى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا {63} العنكبوت) الآية الأولى أنزل وبدون من والآية الثانية في العنكبوت (مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) وهذا في الحقيقة وارد في عد أماكن في كتاب الله بين الإنزال والتنزيل. رب العالمين يقول لبني إسرائيل (وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى {57} البقرة) هذا في البقرة، في طه قال (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى {80} طه) ولا يمكن أن يكون هذا عبثاً، في الفرقان يقول (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا {48} الفرقان) في ق (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا {9} ق) وعن الملائكة (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ {111} الأنعام) نزلنا آية أخرى (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا {8} الأنعام) وهكذا إذاً سنبحث في هاتين الآيتين في تنزيل الماء ومرة أخرى أو ثانية أو ثالثة أكرر أن هذا الموضوع المتشابه في كتاب الله يحتمل كل من ينقدح ذهنه في فرق بين الآيتين ولن تضيق هذه الآيات بتأويل حتى لو بلغ ألف تأويل.(1/54)
من أجل ذلك لا تتقيد بما قاله المفسرون، ربما تجد مفسراً من المفسرين قال فرقاً واحداً وقال الآخر فرقاً آخر ولكن هذا ليس اختلافاً كما قلنا وإنما هي وجوه أخرى وهذه سنة في هذا الكتاب العزيز استجابة أو استفادة من قوله عليه الصلاة والسلام (هذا الكتاب لا تنقضي عجائبه) ومن عجائبه أن الكلمة القرآنية تعطي عطاءً جديداً في كل جيل على وفق معارف ذلك الجيل وحضارتهم وعلومهم وحتى يوم القيامة عندما نطّلع على التأويل النهائي سنجد أننا كنا بعيدين عن هذا البحر المتلاطم وإنما كنا نسبح على شاطئه فقط فلا يضيقن أحدٌ بأحدٍ إذا أبدى رأياً جديداً وإنما هي آراء تتراكم وفي الغالب كلها صحيحة.
إذاً آيتان (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا). مقدماً نقول الفرق بين أنزل ونزّل عدة علماء تكلموا فيها وربما يكون كل ما تكلموا فيه صحيحاً. نضيف إلى هذا رأياً آخر لا يتعارض مع الآراء الأخرى وهو أنزل مرة واحدة يعني دفعة واحدة أنزلت الشيء، نزّلته باستمرار يعني أنزل الله الماء دفقة مطر مطرت يوم يومين ثلاث أيام هذا أنزله، تأمل لو أن المطر بقى عشرين عاماً ينزل فرضنا هذا يعني الآن في بعض الدول الغربية على مدار السنة هذا نزّل وهكذا. أنزل القرآن ليلة القدر ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (أنزل الله القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر) الله تعالى قال (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1}القدر) (ثم نزِّل) انظر إلى دقة المصطفى صلى الله عليه وسلم (ثم نزِّل بعد ذلك في عشرين سنة) لم يقل أنزل لما أنزل مرة واحدة دفعة واحدة قال أنزل ولما باستمرار على مدى 23 سنة باستمرار قال نزِّل هكذا وهذا رأي آخر يضاف إلى آراء أخرى أحببت أن أختار منها هذا لأنه يخدم قضيتنا اليوم في هاتين الآيتين.(1/55)
إذاً رب العالمين عز وجل يتكلم بالآية الأولى عن الأمطار التي تنبت الزرع الموت الموسمي الأرض الآن تموت بالصيف والشتاء وبالربيع تحيا وكل سنة مكان عشب ثم يموت العشب ثم تموت الأرض ثم في العام القادم وهكذا هذه كلمة أنزل يأتي مرة واحدة مرة واحدة في السنة في فصل الربيع مثلاً وهكذا كل كلمة أنزل يعني تأتي إما دفعة واحدة أو مرة واحدة على الوجه المعتاد مثل أغلق وغلّقت، أغلق الإغلاق المعتاد وغلقت اتخذت كل الوسائل والأسباب. وحينئذٍ كلمة أنزل معروف أن الأرض يأتي المطر ثم تخضر ثم ينتهي الموسم تعود ميتة مرة ثانية وانتهى الأمر وحينئذٍ الآية الأخرى (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) هذا يتكلم عن إحياء مطلق لموتٍ كان مطلقاً أيضاً. في هذه الآية على كثرة ما تناولها المفسرون بالتأويل وربما لم يفرقوا والغالبية العظمى لم يفرقوا بين هذه وهذه، يعني عنده (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) مثل (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) وما انتبه إلى هذا وقلنا هذا ليس عيباً فيهم لكن هذا مسألة عصر. والقليل الذي قال هناك فرق قال نزّل للتشديد والتكثير.(1/56)
لو تأملنا في الآيات ودائماً نحن نعرف بأن التفسير بالمأثور (أوتيت القرآن ومثله معه) والله تعالى قال (إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ {19} القيامة) وقال ? (إن هذا القرآن لا تقضي عجائبه) وفي كل جيل تتبع كل التفاسير ترى أن كل عصر تتطور النظرة إلى الآيات أبعد قليلاً مما سبقهم في الجيل السابق وهذا كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم وكما أخبر القرآن بنفسه أن هذا من طبيعة هذا القرآن (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ {53} فصلت) يعني هذا القرآن في كل جيل فيه معجزات، كل جيل يأتي مفسرون أو مأوِّلون يجدون في هذا القرآن معجزةً جديدة تتلاءم وظروف هذا العصر يعني كم الآن في القرآن الكريم عرفنا عن قضايا الفلك وقضايا الأقمار الصناعية وما يأتي من اكتشافات وقد أسلم بعض العلماء الكبار لأنهم وجدوا أن هذا الكلام لا يمكن أن يقوله بشر وهذا سوف يجري ويتم إلى يوم القيامة. نقول في هاتين الآيتين (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) ونزل المطر وماتت الأرض مرة ثانية وهكذا بشكل عام.(1/57)
الأرض عندما خلقها الله عز وجل خلقها ميتة ما فيها لا عمران ولا شيء والآية رب العالمين يقرأها علينا كيف أن الله خلقها بسبعة أيام ولكن خلق فيها أقواتها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام هذه معروفة أن الله سبحانه وتعالى خلق الأرض على هذا الأساس ثم تطور الأمر يوماً بعد يوم قال (وَبَارَكَ فِيهَا {10} فصلت) رب العالمين قال (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا {12} فصلت) لكن كلمة وبارك فيها (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ {10} فصلت) أقواتها معروفة ما هي البركة؟ البركة يحدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن بركتين عظيمتين هما أساس إحياء الكرة الأرضية زراعة وصناعة وحضارة وعلماً وأدياناً وفلسفات هذا الموت الحقيقي هناك (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) هذا موت موسمي، هنا (نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا) من بعد موتها أي من بداية الأرض كانت ميتة بلا فلسفة ولا حضارة ولا أنبياء ولا أديان ولا ولا الخ، فرب العالمين نزل ماءً مستمراً متدفقاً إلى يوم القيامة وليس هذا فقط أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الماء ينبت وينبع من الجنة.(1/58)
تأمل أن في هذه الأرض نهران أساسهما ومنبعهما من الجنة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم والعجيب الذي وجدته أن نفس هذا الحديث موجود في الإنجيل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم والحديث جاء في الصحيح صحيح مسلم والبخاري وهذا طبعاً متفق عليه والمتفق عليه قضية لا يناقش فيها، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفرات والنيل هما من أنهار الجنة وقد جاء في كتاب بدء الخلق في صحيح البخاري ومسلم في باب ذكر الملائكة (رُفِعت إلى سدرة المنتهى منتهاها في السماء السابعة نبْقُها مثل قلال هَجَر وورقها مثل آذان الفيلة فإذا نهران ظاهران ونهران باطنان فأما الظاهران فالنيل والفرات) وأحاديث كلها بهذا كما ذكرها مسلم وغيره. والأحاديث الواردة في الفرات نفسها في التوراة في المسيحية وبحسب رواية الكتاب المقدس (إن الفرات يُعدُّ أحد أنهار الجنة جنة عدن جناتٍ عدنٍ يدخلونها) أضاف الإنجيل وطبعاً العهد الجديد والقديم أضاف أنه ليس فقط في الجنة وإنما من جنة عدن لكنه تكلم عن الفرات وحده. إذاً لو رب العالمين أراد أن يحدثنا أن هذه الأرض عندما خلقها خلقها ميتة من العلوم والأديان والحضارات وما الذي أحيا هذه العلوم التي تملأ الآن الأرض؟ وهؤلاء الأنبياء الكرام الذين جاءوا بالرسالات؟ وهذه الأديان التي رشدت البشرية؟ وهذه الفلسفات والقيم والمدنيات التي نعرفها جميعاً؟ ينص الحديثان كما تشير هذه الآية إلى أن الإحياء جرى في هذين الواديين وادي الرافدين ووادي النيل.(1/59)
خطر ببالي خاطر قلت إذاً لماذا اليهود ادّعوا أن أرضهم الموعودة من الفرات إلى النيل وهؤلاء في كتبهم المقدسة أن الفرات من أنهار الجنة أما كيف ينبع من الجنة هذه قضية لو تأملت فيها تبدو صعبة هذه كل الكرة الأرضية لا توازي أنملة في عالم الجنة حينئذٍ ليس من الصعب ورب العالمين أنزل الكثير أنزل الحجر الأسود وأنزل العلوم وأنزل رسل وأنزل رسالات وأنزل خيرات وأنزل ملائكة إلى هذه الأرض هذه قضية تأمل فيها تراها سهلة عند الله عز وجل حينئذٍ كون اليهود يدعون أن بلادهم من الفرات إلى النيل هذا يعني أنهم يريدون أن يقولوا إننا نحن أي اليهود أو اليهودية مصدر كل الحضارات والأفكار الصحيحة وكل ما عداها باطل والجنة مخصوصة بنا والجنة يوم القيامة لنا وحدنا وأن كل الناس في النار الخ هذا معروف عنهم. في حين أن الله عز وجل يقول أنه أحيا بهذين الواديين الكرة الأرضية كلها، كل الكرة الأرضية التي كانت ميتة من أي قيمة من القيم أو دين من الأديان أو حضارة من الحضارات كلها تغرف من هذين الواديين كل حضاراتها وأديانها وفلسفاتها وقيمها وعدلها وسلامها والتاريخ كله شاهدٌ على ذلك. كل الأنبياء حركتهم ما بين وادي الرافدين وما بين وادي النيل، بداية الخلق ابتداءً من العراق وهي بابل فهذه المنطقة المأهولة كلها، جميع المنطقة المأهولة أول ما خلق الله الأرض هذه المنطقة نينوى إلى الكوفة وإلى أربيل هذا مثلث عراقي معروف هناك هبط سيدنا آدم وهناك نوح وطوفان نوح والشلالات والتنور وكل ما جاء في كتاب الله عز وجل تلك هي الحركة ثم يتحرك الرسل من هناك إلى هذا الطريق إلى مكة إلى الشام إلى فلسطين إلى النيل. إذاً هذان الرافدين أو النهرين (وادي النيل ووادي الفرات) هما أساس الحياة في هذه الكرة الأرضية كلها قرون طويلة وآلاف السنين وليس في الأرض حضارة ولا علمٌ ولا دينٌ ولا رسلٌ ولا أنبياء إلا بعد أن فعل الله ذلك كله في هذين الواديين حصراً.(1/60)
من أجل هذا تجد هذين الواديين بعد أن أفرغ الله فيهما علمه وخيراته ورحماته كما في الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف حول الكعبة وتعرفون الكعبة كانت أركاناً الركن اليماني والركن الحجازي والركن الشامي الخ ولكل ركنٍ دعاء فكان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف في الكعبة ويدعو مع كل ركنٍ بأهله "اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا" الخ فخلفه رجل يقول يا رسول الله وعراقنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه إلى أن سأله أعراقيٍ أنت قال نعم قال: (إن إبراهيم عندما أحرقه العراقيون أراد أن يدعو الله عليهم فأرسل الله له جبريل قال يا إبراهيم ربك يقول لا تدعو على أهل العراق فقد جعلت فيهم خزائن رحمتي وخزائن علمي) خزائن رحمتي يعني الخير وفعلاً هذين الرافدين على خلاف مصر التي فيها من العلوم والفلسفات والأديان هل تعلمون أن في مصر بعض العوائل الفرعونية أول من وحّد الله عز وجل من الأمم التي لم يأتها نبي يعني وحدوا الله عز وجل اعتماداً على فكرهم وعلى التأمل في الحياة يعني أهل فلسفات وأهل حضارات. العراق جعل الله فيه كل خير الدنيا من أجل هذا وبعد أن نشأت الحضارات وامتدت في العالم كله وأصبحت هناك أمم عظيمة هذا العراق ما قويت أمة إلا وطمعت فيه من الروم والتتار والفرس وطبعاً في العصر الحديث الإنجليز والآن الأمريكان وكل العالم يطمع في هذا البلد وكل العالم عينه على هذا البلد لأن الله جعل فيه علمه ورحمته.(1/61)
إذاً هذان الواديان متآخيان من حيث أنهما هما قلب الكرة الأرضية وهما قلب هذه الحضارة الدنيا (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ {63} العنكبوت) حينئذٍ هذان الواديان في العراق كان العرب أصل الحضارة وفي مصر كان الفراعنة أصل الحضارة ثم تطورت العراقيون العرب مع الفراعنة إلى أن أصبحت الأمم على ما هم عليه إلى أن دخل الإسلام وقبل الإسلام كانوا اليهود. طبعاً لا ننكر أن اليهود كانوا نصف العالم من حيث الدين الأول وحيٍ مجردٍ ينزل بكتاب هو التوراة وقبل التوراة كانت وريقات أوراق وصحف الخ. أول وحيٍ مجرد يأتي الوحي مع جبريل عليه السلام هو على بني إسرائيل. وبنو إسرائيل كما تعرفون هم الثقل الكبير في وادي النيل وفلسطين كما هو معروف كما هو في القرآن الكريم. والقرآن الكريم يتحدث عنهم من الصفحة السابعة في الأول إلى الصفحة السابعة في النهاية ولا ينكر تأثيرهم ولكن الله سبحانه وتعالى أخبر العالم كله بمن هم هؤلاء القوم والقرآن مليء بذلك وستأتي بعض الآيات التي تشير إلى هذا مما فيها متشابه. من أجل ذلك يبقى هذان الواديان مرتبكان ليس فيهما استقرار لكثرة ما فيهما من مطامع والتاريخ المعاصر شاهدٌ على ما نقول إضافةً إلى التاريخ الماضي الذي امتدت حدود المصريين إلى عدة مساحات حولهم في إفريقيا وفي سوريا وفي فلسطين، والعراق وبابل تعرفون أيضاً تاريخ العباسيين الخ. حينئذٍ نقول هذا الذي نقول به يطمئننا إلى أن الله سبحانه وتعالى له في هذين الواديين شأن وكل الأنبياء حصراً في هذين الواديين حركة وتشريعاً ودعوة وفي هذين الواديين نبتت كل حضارات الأرض وما من حضارة على وجه الأرض إلا وأصولها في هذا الوادي أو في هذا الوادي.(1/62)
حينئذٍ نقول أن كل هذه الحضارات والعلوم التي بدأت في هاتين الحضارتين يُعتبر هذان الواديان مبدأ تحضّر العالم ومن هنا كم هي الجريمة تتضاعف وتبدو همجية جداً عندما يأتي جيشٌ يدّعي أنه متحضر ثم يمسح هاتين الحضارتين مسحاً كما حصل في التاريخ لمصر من الفرنسيين وغيرهم وكما حصل للعراق أيضاً من الإنجليز وغيرهم الآن هذا الاحتلال الهمجي الذي نقض هذه الحضارة حجراً حجراً وشبراً شبراً. طبعاً علم الحضارة من يقرأ التاريخ ويقرأ عن عناصر الحضارة في هذا البلد في هذا الوادي وادي النيل ووادي الفرات يرى عجباً. أما إبداعاتهم الأدبية والتاريخية والفنية والعمرانية والأخلاقية والفلسفية قضية إلى الآن لم يصل العالم إلى أدنى مستوياتها ولكن القوة غلبت، قوة السلاح وقوة الجيش ثم الخلل الذي أصاب هاتين الحضارتين على امتداد التاريخ في بعض مفاصل هذه الحضارة أثر تأثيراً مؤقتاً ولكن الحضارة الأصيلة كحضارة هاذين الواديين لا يمكن أن تنقطع وإنما لله فيها شأن يمكن أن تستمر إلى يوم القيامة كما تخبرنا النصوص أنه إلى يوم القيامة هناك أثرٌ قادمٌ لهاتين الحضارتين في إصلاح الدنيا. إذاً هذا الذي جرى كلمة نزّل الاستمرار إنزال النيل والفرات بل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لو أن أحدكم وضع إصبعيه في أذنيه لسمع هدير هذين النهرين.
آية(66):
*ما الفرق بين كلمة (بطونه) في آية سورة النحل و (بطونها) في آية سورة المؤمنون؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ(66)) .
وقال تعالى :(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُون) (المؤمنون:21) .(1/63)
آية النحل تتحدث عن إسقاء اللبن من بطون الأنعام واللبن لا يخرج من جميع الأنعام بل يخرج من قسم من الإناث.
أما آية المؤمنون فالكلام فيها على منافع الأنعام من لبن وغيره وهي منافع عامة تعم جميع الأنعام ذكورها وإناثها صغارها وكبارها فجاء بضمير القلة وهو ضمير الذكور للأنعام التي يستخلص منها اللبن وهي أقل من عموم الأنعام وجاء بضمير الكثرة وهو ضمير الإناث لعموم الأنعام وهذا جار وفق قاعدة التعبير في العربية التي تفيد أن المؤنث يؤتى به للدلالة على الكثرة بخلاف المذكر وذلك في مواطن عدة كالضمير واسم الإشارة وغيرها.
آية (67):
* ما دلالة قوله تعالى (أفلا يعقلون) في الآية 67 من سورة النحل؟ وهل يعقل السكران؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة النحل (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)) وهذه الآية مكيّة وليست مدنية أي نزلت قبل تحريم الخمر. والسَكَر في اللغة من أشهر معانيها الخمر وقسم قال أن من معانيها الخلّ لكن الأشهر هو الخمر. وقد قال تعالى (سكراً ورزقاً حسنا) ودلّ في هذا على أن ما يتخذه الإنسان من ثمرات النخيل والأعناب يكون إما سكراً (وهو ليس بالرزق الحسن) والرزق الحسن. ففي هذه الآية أول إشارة إلى أن الخمر أو السكر ليس من الرزق الحسن مع أنه لم يكن قد نزل تحريمها لكنه أول تقسيم في مكة . والأمر الآخر أنه لم يقل في الآية لعلكم تشكرون لأنه لم يجعل السكر من باب النعم حتى لا يشمل الشكر الخمر. وثالثاً أن استخدام كلمة (يعقلون) فيه تعريض بالخمر لأنه يزيل العقل فكأن الذي يعقل ينبغي أن ينتهي عنه. والأمر الآخر أن الخطاب في الآية لم يأت للمؤمنين وإنما فيما يتخذه الإنسان من ثمرات النخيل والأعناب (السكر والرزق الحسن).(1/64)
والتعريض بالضدّ في اللغة فهذا سكران فهل يعقل؟ هذا للسخرية وأحياناً نعرّض الشيء بعكسه على سنن العربية والسياق هو القرينة التي تُعين على الفهم لأن أهل البلاغة واللغة والذيت يتكلمون في علوم القرآن يجعلون السياق من أهم وأعظم القرائن للتعبير كما جاء في قوله تعالى (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) هود) فالتعبير (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) هو في الأصل مدح لكن إن وضعناه في سياق الآيات فهي استهزاء. وكذلك قوله تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) الدخان) فالتعريض بهذه الأشياء يمثّل خطّاً في القرآن الكريم.
آية (69):
*ما معنى (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (69) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)
القرآن الكريم لم يستعمل الفعل سلك في الآخرة إلا في النار ولم يستعمله في دخول الجنة. سلك بمعنى دخل وأدخل لكن القرآن لم يستعمل سلك أو يسلك في دخول الجنة مطلقاً وإنما استعملها فقط في النار. هذه من خصوصيات الاستعمال القرآني لأن سلك يعني دخل (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) المدثر) لم يستعمل سلك في دخول الجنة لكن ربما - والله أعلم - السلوك هو أيسر "حُفّت الجنة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات" فكأن الدخول إليها أيسر فاستعمل سلك التي هي أيسر، سلك فيها سهولة ويُسر (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً (69) النحل) أي مذللة. (يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) الجن) يعني يدخل العذاب بما كان يصنعه لأنها حفت بالشهوات فارتكبها فيسّر الدخول لها، هذا والله أعلم.
آية (70):
*ما الفرق بين جعل وخلق ؟ (د.حسام النعيمى)(1/65)
ذكر الزمخشري في أساس البلاغة أن أصل فِعل (خلق) هو التقدير ولذلك يقال: خلق الخيّاط الثوب بمعنى قدّر أبعاده قبل أن يقصه. ثم قال: هذا الإستعمال: خلق الله الخلق على سبيل المجاز بمعنى أوجده على تقدير أوجبته حكمته سبحانه وتعالى. هذا هو الأصل.أما (جعل) لفظ عام في الأفعال وهو أعمّ من فَعَل وصَنَع.الخلق هو الإيجاد على تقدير توجيه حكمة الله سبحانه وتعالى ، الأصل الإيجاد على تقدير من غير مثال سابق. والجعل فعل عام يحمل معاني كثيرة منها الصُنع وإيجاد الشيء من الشيء والتبديل والإعتقاد والظنّ والشروع في الشيء (جعل يُنشد قصيدته) يعني شرع وبدأ، الحكم بالشيء على الشيء والنسبة والتشريف أيضاً وفيها معنى الإيجاد. معاني كثيرة يذكرها أصحاب المعجمات.والذي رأيناه أن كلمة خلق وجعل إجتمعتا في أسلوب القرآن الكريم في أربعة عشر موضعاً. حيثما إجتمعتا تقدّم الخلق على الجعل لأن الخلق إيجاد والجعل شيء من شيء فهو من الخلق. لذلك في القرآن إذا بدأ الكلام يبدأ بالخلق (خلق) وإذا بنى عليها شيئاً يبني بـ (جعل) إلا في موضع واحد فى سورة النساء .
في سورة النحل (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)) ثم قال بعدها (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)).ولما يكون الخلق مجرّداً (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) النجم) يذكر الخلق بدون الجعل.
*ما دلالة كتابة كلمة (لكي لا) منفصلة مرة في آية سورة النحل و(لكيلا) موصولة في آية سورة الحج؟ (د.فاضل السامرائى)(1/66)
قال تعالى في سورة النحل (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)) وقال في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)) .أولاً خط المصحف لا يقاس عليه أصلاً لكن يبدو في هذا الرسم ملحظ بياني والله أعلم في أكثر من موطن. فمرة تكتب (لكي لا) مفصولة ومرة (لكيلا) موصولة. وأقول أن هذا ليس فقط للخط وإنما لأمر بياني هو كما ذكرنا سابقاً عن الفرق بين من بعد علم وبعد علم وقلنا أن (من) هي ابتداء الغاية أما بعد علم فقد يكون هناك فاصل بين هذا وذاك وذكرنا أمثلة (من فوقها) أي مباشرة وملامسة لها أما فوقها فلا تقتضي الملامسة بالضرورة. فمن حيث المعنى:لكي لا يعلم بعد علم تحتمل الزمن الطويل والوصل أما قوله لكي لا يعلم من بعد علم فهي مباشرة بعد العلم فلمّا احتمل الفاصل فصل (لكي لا) وعندما وصل بينهما وصل (لكيلا).
*د.أحمد الكبيسى:(1/67)
يقول الله عز وجل (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا{70} النحل) آية أخرى وهي آية الحج (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا{5} الحج) إذاً (لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) يقولون هذه (من) زائدة! كيف (من) زائدة؟ هذه (من) الـ (من) بيانية حينئذٍ هذه تغير المعنى كاملاً الإنسان يبدأ ويتعلم ويستوعب العلم الخ فصار عنده علم عندما يبلغ من الكبر عتياً في الخمسين في الستين في السبعين (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا) الآن لا يستطيع أن يتعلم معلومات جديدة بالسبعين بالثمانين تحاول تعلمه لكن دون فائدة. (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) هذا عندما يصبح بالمائة والمائة والعشرين حتى الذي تعلّمه بالسابق نسيه، في الأولى ما نسي ومعروف طبياً أن الذي عمره في السبعين ثمانين تسعين قد لا يتعلم لكن يتذكر أيام الشباب والطفولة والعلم الذي أخذه من الجميع إلى أن يكبر فإذا كبر نسي الجميع (لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) إذاً هذه الـ (من) ليست زائدة وإنما هذه المن تغير الصورة بالكامل.
آية (78):
*انظر آية (1) . ???
آية (79):
* ما الفرق بين استخدام كلمة الله وكلمة مسخّرات في سورة النحل وكلمة الرحمن وصافّات في سورة الملك؟ (د.فاضل السامرائى)
*لفظتى (الله) و (الرحمن):(1/68)
قال تعالى في سورة النحل (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)) وقال في سورة الملك (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)). *أولاً وللعلم أن كلمة الرحمن لم ترد في سورة النحل كلها (128 آية) بينما وردت أربع مرات في سورة الملك (30 آية). وكلمة الله في سورة النحل وردت 84 مرة بينما وردت في الملك ثلاث مرات ،هذا من حيث السمة اللفظية.
*وللعلم أيضاً لم يرد إسناد الفعل سخّر في جميع القرآن إلى الرحمن وهذا هو الخط العام في القرآن وإنما ورد (سخرنا، ألم تر أن الله سخر) ولهذا حكمة بالتأكيد.
*الأمر الآخر أن السياق في سورة المُلك هو في ذكر مظاهر الرحمن (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)) حتى لمّا حذرهم حذّرهم بما أنعم عليهم من قبل (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)) ولم يقل فكيف كان عقاب كما جاء في آية سورة الرعد (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)) وهذا من مظاهر الرحمة (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)) (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)) فالسياق في السورة إذن في مظاهر الرحمن.(1/69)
أما في سورة النحل فالسياق في التوحيد والنهي عن الشرك (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)) حتى ختم آية النحل (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ولفظ (الله) مأخوذ من العبادة فهو الأنسب هنا.
*لفظتى (مسخرات) و (صافات):
هذا أمر والأمر الآخر قال في سورة النحل (مسخّرات) من باب القهر والتذليل ولا يناسب الرحمة وليس من باب الإختيار. بينما في سورة الملك جعل اختيار (صافّات ويقبضن) من باب ما يفعله الطير ليس فيها تسخير وإعطاء الإختيار من باب الرحمة ثم ذكر حالة الراحة للطير (صافّات) وهذا أيضاً رحمة. إذن لفظ (الرحمن) مناسب لسورة الملك ولفظ (الله) مناسب لسورة النحل. آية (80):
*ما دلالة الجمع في قوله تعالى (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) النحل) وهل هو جمع نوعي؟(د.حسام النعيمى)(1/70)
الصوف جنس مثل الماء. لما نقول ماء العراق عذب، تعني ماء العراق جميعاً. ولما نقول مياه العراق عذبة، المتحصل النهائي هو هو، لكن الصورة إختلفت: عندما تسمع كلمة مياه تعطي صورة الكثرة. هنا الصوف مثل الماء. كان يمكن في غير القرآن أن يقول من صوفها ووبرها وشعرها لكن لا تأتي هذه الصورة لأن وفي موطن بيان نعمة الله تعالى وبيان فضله على هؤلاء الناس. الجموع متواترة منذ البداية قال تعالى (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ (80) ما قال جلد لأنها هنا لغرض بيان عظيم فضل الله سبحانه وتعالى بإستعمال صيغة الجمع. فهذه نعمة يحسّها العربي حينما كان يأخذ من الجلود وهي خفيفة ويضعها على الجمل وحيثما وقف ربط بعضها ببعض وصنع بيتاً يقيه الشمس والبرد والمطر هذه نعمة عظيمة بالنسبة له.والصوف ليس للبيوت فقط لأنه أثاثاً ومتاعاً إلى حين، هو للأثاث والمتاع وحتى الملابس تتمتع بها تكون جزءاً من المتاع فإذن هو إختار أن يستعمل الجمع في معرض الكلام على فضل الله سبحانه وتعالى على البشر وعلى كثير إنعامه.
آية (84):
*(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ {41} النساء) - (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا {84} النحل)ما الفرق؟(د.أحمد الكبيسى)(1/71)
في سورة النساء (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا {41} النساء) جئنا من كل أمة في آية أخرى يقول في كل أمة (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا {84} النحل) في سورة أخرى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ {89} النحل) ما الفرق بين نبعث من كل أمة شهيداً ونبعث في كل أمة شهيداً؟ لما يقول نبعث من كل أمة شهيداً هذا يتكلم عن الأمم السابقة ما قبل الإسلام الذين سوف يبعث الله عليهم نبيهم شاهداً، سيبعث سيدنا عيسى على قومه شهيداً وسيبعث سيدنا موسى على قومه شهيداً وسيدنا إبراهيم يعني كل الأنبياء والرسل سوف يشهدون على أنفسهم على أممهم هذا (نَبْعَثُ مِنْ) من منهم من بعضهم. لما قال (نَبْعَثُ فِي) هذا من غيرهم من خارجهم وهؤلاء المسلمون فقط من حيث أن المسلمين سوف يشهدون على كل الأمم لماذا؟ لأن المسلمين الأمة الوحيدة التي تؤمن بجميع الرسل والرسالات حصراً لا تفرِّق بين أحد من رسله ولا تستثني رسولاً ولا رسالة وهذا من فضل هذه الأمة ولا تجده عند غيرها مطلقاً إلا استثناءات قليلة هناك فئات محدودة هناك فئة قليلة من اليهود جداً تكاد تندثر موجودة والله وهناك فئة من النصارى أيضاً موجودة يقولون جميع الأنبياء بما فيهم محمد رسول أيضاً هذا قلة الغالبية العظمى يقولون لا، المسلمون ليسوا أهل دين.(1/72)
المسلمون صغيرهم وكبيرهم تقيهم وفاسقهم وكل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول لهذا كما قال تعالى (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا{143} البقرة) فكل المسلمون سوف يشهدون أن هذا فلان الفلاني كان لا يفرِّق بين أصحاب الرسالات وفلان الفلاني كان يفرِّق، كل واحد إذا عرف واحد من اليهود أو من النصارى ما كان يفرِّق بين أصحاب الأديان ولا يتعالى على غيره يقول يا ربي هذا كان كذا (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) وقال (نَبْعَثُ فِي كُلِّ) من غيرهم من خارجهم، (نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ) من تلك الأمة نفسها، هذا الفرق بين (نَبْعَثُ فِي كُلِّ) و (نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ).
آية (89):
*انظر آية (44).???
* انظر آية ( 64).???
*انظر آية (84).???
*في قوله تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ {89} النحل) (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) وقوله (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) ما الفرق بينهما؟(د.أحمد الكبيسى)(1/73)
إذا قال (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) لبيان عظمة النبي عليه الصلاة والسلام ومدى نفوذه يوم القيامة، له نفوذ على كل الأمم وهذه قضية عقائدية وهذا منطقي جداً باعتباره خاتم الرسالات قال (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) إذاً الإبراز وبيان الفضل للشهيد بغض النظر من هم المشهود عليهم. لما قال (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) بيان قباحة الأمة التي ذكرها القرآن بأنهم أشركوا وغيّروا وحرّفوا قال وجئنا بك على هؤلاء الذين انحرفوا شهيداً فلما يقدّم المقدم إذا كان قدّم الشهيد فلبيان فضله إذا قدّم المشهود عليهم فلبيان مدى جرمهم، هذا هو الفرق بين (وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) أو (عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) هذا هو الفرق بينهما.
آية (90):
* قال تعالى في سورة النحل (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى (90)) وفي النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ (135)) ما خصوصية استعمال القرآن لكلمتي العدل والقسط؟(د.فاضل السامرائى)(1/74)
أصل القسط الحظ والنصيب، القسط نصيب ولذلك في القرآن الكريم لم يستعمل مع الوزن إلا القسط (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ (9) الرحمن) (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ (85) هود). العدل معناه المساواة في الأحكام. (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (35) الإسراء) القسطاس هو ميزان العدل أصل كلمة قسطاس عدل فسموا الميزان قسطاس لأنه عدل. عندنا عَدل وعِدل العِدل فيما يُبصر من الأشياء هذا عِدل هذا مثل حملين متساويين يقال هذا عِدل هذا أما العَدل فهو أحكام ومساواة في الحكم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ (95) المائدة) ذوا قسط (أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا (95) المائدة) الصيام لا يُبصر (وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا (70) الأنعام) لم يقل كل قسط، (وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ (123) البقرة). إذن القسط هو الحظ والنصيب والقرآن لم يستعمله إلا مع الموازين وهذا من خصوصية الاستعمال القرآني والقسط يستعمل مع غير الميزان لكن القرآن يستعمله مع الميزان ولا يستعمل العدل مع الميزان. القسط قد يكون في القسمة وفيه ارتباط بالآلة (قسطاس).
* قال أحد العلماء لو أن الله تعالى لم ينزل سوى هذه الآية لكفى وهي قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)(1/75)
لو لاحظنا هذه الآية ذكر فيها مقومات المجتمع وعوامل دوامه واستمراره وهذه كلها صفات اجتماعية العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى كلها صفات بناء المجتمع ودوامه واستمراره وذكر صفات تخريبه وزواله وعناصر إفساده وتفكيكه وهي الفحشاء والمنكر والبغي. إذن فيها عناصر بناء المجتمع والنهي عن تخريبه وتفكيكه. عناصر بناء المجتمع ذكر ثلاثة أشياء: العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وبدأ بالعدل لأن العدل واجب فرض، والإحسان ليس بمنزلة العدل والإحسان فيه وفيه وهو فوق العدل أن تحسن إلى الآخرين، إيتاء ذي القربى هذه تمتين العلاقات بين الأفراد وهي اللبنة الأولى للمجتمع. فإذن بناء المجتمع متكامل من اللبنة الأولى إلى عموم المجتمع. العدل والإحسان وهو فوق العدل. العدل هو الإنصاف أن يأخذ كل حقه والإحسان قد يكون شيئاً فردياً إحسان العادة والإحسان إلى الآخرين، إحسان العمل والإحسان إلى الآخرين وهو فوق العدل (وجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا (40) الشورى) هذا عدل (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ) هذا من الإحسان. (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هذه مرتبة أعلى. الإيتاء العطاء وهذا لتمتين العلاقة. الآن ذكر عناصر بقاء المجتمع ودوامه واستمراره ونهى عن عناصر تفكيك المجتمع الفحشاء والمنكر والبغي هذه تهدم المجتمع ثم هذا المجتمع مؤمن بالله والرسول لأنه قال إن الله يأمر بالعدل يعني هذا أطاع ما أمر الله به عن طريق الرسول إذن هذا المجتمع مؤمن بالله وبالرسول وهذه صفاته يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى التي هي عناصر بناء المجتمع ودوامه واستمراره وبقاءه وينهى عن عناصر التفكيك والتخريب هذه كافية في بقاء المجتمع. في نقض المجتمع وهدمه لم يأت بنقيض العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى.(1/76)
الفحشاء عامة والمنكر أوسع، الفحشاء هو الإفراط في اتباع الشهوات عموماً والمنكر ما أنكره الشرع وما أنكره العقل السليم وهذه أوسع من الفحشاء والبغي خداع الآخرين. في الأمر قدم العدل وفي النهي أخر البغي وقدم ما هو أعم وهو الفحشاء ويدخل فيه البغي. مناط المحاسبة عند الله تعالى العدل. إذن الترتيب مقصود لذاته فالعدل واجب يشمل الجميع (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8) المائدة) والإحسان مرتبة أخرى.
آية (92):
*كلمة يختلفون وتختلفون وردت في القرآن في مواضع كثيرة (إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) النحل) ما كُنه الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى)
كنه الاختلاف هنا هو الاختلاف في أمر العقيدة بين الملل المختلفة أو بين أهل الملّة الواحدة.
آية (95):
*ما دلالة وصف الثمن بالقليل وليس بالبخسً؟(د.حسام النعيمى)
الثمن القليل جاء حيثما ورد في الكلام عن حق الله سبحانه وتعالى ومعنى ذلك أن العدوان على حق الله سبحانه وتعالى مهما بلغ فهو ثمن قليل. قال تعالى : (وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) النحل) . حيثما ورد الكلام عن آيات الله وعن عهد الله سبحانه وتعالى كله ثمن قليل لا يقابل. فأياً كان الثمن فهو قليل.
في تسع آيات وصف الثمن بأنه قليل تحقيراً لشأنه وتهويناً من قدره، إما أن ينهاهم عن ذلك أو يثبته لهم بأنهم فعلوا ذلك فى مقابل ما لا يستحق. أما في قضية الوصية والشهادة فتركه مجملاً (ثمناً) ليشمل كل الأشياء المادية والمعنوية وحتى لا يكون هناك نوع من التحايل.أما البخس دون قدر الشيء والقلة هو القليل الذي هو ثمن لا قيمة له قليل في ذاته. (بثمن بخس) أي لا يناسب قدره.(1/77)
ألا يمكن أن يتعاور الوصف بالبخس والقليل مع بعضهم البعض؟ يمكن إذا أُريد بالبخس ما هو ليس من قدر الشيء الذي بيع، ولا يستقيم مع آيات الله. ليس هناك شيء بقدر الآيات لذلك لا يستقيم إلا القلّة.
آية (97):
* (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97) النحل) هل المقصود حياة طيبة في الدنيا أو في الآخرة أو في الدنيا والآخرة معاً؟(د.فاضل السامرائى)
قسم قال هي حياة الجنة وقسم قال هي مطلقة في الدنيا والآخرة لكن يجب أن نفهم ما الحياة الطيبة؟ قد ترى مؤمناً صالحاً يعيش في ضنك فما المقصود بالحياة الطيبة؟ في الدنيا هي الرضا بقضاء الله تعالى وقدره يرضى بقضاء الله وقدره ويستقبل قضاء الله وقدره بنفس رضية خاصة إذا علم أن هذا يدخل في قائمة حسناته. إذا وقع عليه شيء مما يكره واستقبله بصبر فهذا يدخل في قائمة حسناته لذا قسم من الناس كان يدعو الله تعالى أن يمتحنه لأنه يعلم بأن الله تعالى يمتحن الناس ويعطي الممتَحنين في الآخرة أموراً يتمنى الناس أن لو امتحنوا في حياتهم كلها. ففي هذه الحالة الرضا بقضاء الله وقدره واستقبال ذلك بنفس رضية فرق عن الآخر الذي لا يؤمن بالله يكون قلقاً
ثم هو الإيمان الذي هو من الأمن النفسي والأمن مشتقة من الإيمان، الذي يؤمن بالله هو في أمن نفسي ليس قلقاً بل هو في اطمئنان وكثير من الأمراض النفسية هي نتيجة القلق. لو أخذنا بهذه الدلالة الواسعة ستكون حياة طيبة في الدنيا والآخرة. لأن الإنسان لا بد أن يصيبه شيء فإذا كان مؤمناً سيستقبله بنفس رضية وسيكتبه تعالى له في ميزان حسناته والآخر يستقبله بقلق وشدة فيقلق. إذا أخذناها في هذا المعنى ستكون حياة طيبة في الدنيا والآخرة وحياة طيبة في الجنة.
الفرق بين الحياة والمعيشة أن الحياة عامة والمعيشة رزق.(1/78)
*(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97) النحل) (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) طه) لما عبّر عن المؤمن الذي عمل صالحاً قال حياة طيبة ولما عبّر عن الذي أعرض عن ذكر الله تعالى قال معيشة ضنكاً، عبّر بالمعيشة ولم يقل حياة فما اللمسة البيانية والفرق بين الحياة والمعيشة؟(د.فاضل السامرائى)(1/79)
من حيث اللغة المعيشة أو العيش هي الحياة المختصة بالحيوان أما الحياة فتستعمل للأعمّ والله تعالى يقول نبات حيّ ونبات ميّت. إذا أردنا أن نصف النبات بأنه حيّ نقول حيّ ولا نقول عائش، ربنا يوصف بأنه حيّ (الحي القيوم). إذن المعيشة الحياة المختصة بالحيوان هو أخص من الحياة أما الحياة أعمّ للحيوان والنبات وتستعمل في صفات الله سبحانه وتعالى. المعيشة خاصة بالحيوان فقط أما الحياة فعامة وتستعمل للحياة المعنوية المقابل للضلال (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ (122) الأنعام). المعيشة هي لما يُعاش به (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (32) الزخرف) ليس حياتهم وإنما ما يُعاش به من طعام وشراب (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (10) الأعراف) أي ما تأكلون. عرفنا الفرق بين معيشة وحياة من حيث اللغة. يبقى كيف استعملها؟ في سورة طه لما ذكر الجنة وطبعاً الخطاب لآدم قال (فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)) يعني أسباب المعيشة أكل وشرب ولباس، إذن هذا سيكون مناسباً لذكر المعيشة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا (124)) سيتعب حتى يحصّل المعيشة على أساس أن الله تعالى ذكر معيشة أبينا آدم قبلاً فهذه مقابل تلك. وقسم يقول المعيشة الضنك هي حياة القبر (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي) من أعرض عن ذكر الله، وقسم قالوا المعيشة الضنك هي الحرص على الدنيا والخوف من فواتها الذي يعرض عن ذكر الله يكون متعلق بالدنيا ويخشى أن تزول مهما كان في نعمة يفكر في زوالها ولا يستمتع بها إذن سيكون هناك ضنك بمعنى ضيق.(1/80)
لو كان أنعم الناس ولكنه يعلم أنه سيفارقها وأنها تزول منه يعيش في ضنك، الحرص على الدنيا فهي مناسبة من حيث ما ذكرنا أنها جاءت بعد ذكر الجنة (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)) فناسب فيها المعيشة. أما الآية الأخرى قال لم يذكر فيها أسباب المعيشة وإنما ذكر الإيمان والعمل الصالح (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97) النحل) قسم قال الحياة هي حياة الجنة. (فلنحيينه) الفاء هنا جواب الشرط لأن نون التوكيد تفيد الاستقبال. فقسم قالوا هي الجنة وقسم قالوا هي الرضى بقضاء الله وقدره يعني يستقبل كل ما يقع وما يأتي عليه بنفس راضية مطمئنة خاصة إذا علم أن هذا سيكون في ميزان حسناته.
* لو قلنا أن (فلنحيينه)متعلقة بالدنياوالمعيشة الضنك متعلقة بالدنيا أيضاً هل يكون هنالك وجه خصوصية أو عموم استعمال بين الكلمات؟(د.فاضل السامرائى)
(فلنحيينه) هذه عامة لأن الله تعالى يستعمل الحياة للهدى (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ (122) الأنعام) هو لم يذكر الآن ما يعاش به وإنما قال (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) حتى الإيمان اشتقاقاً من الأمن النفسي والاطمئنان وكأن هذا شرط للحياة الطيبة الإيمان والعمل الصالح في الدنيا والآخرة لا يكون قلقاً ولا شديد التأثر بما سيحصل له في المستقبل والقلق سبب كثير من الأمراض النفسية فإذا كان مؤمناً راضياً بقضاء الله وقدره ستكون حياته طيبة مستقرة آمنة وهادئة. في كلامنا الطبيعي عندما نسأل عن أحدهم كيف حاله فيقول عايش هذا خطأ تعني يأكل ويشرب فقط لأن المعيشة خاصة بالحيوان.
آية (97-99):
*الاستعاذة: (د.حسام النعيمى)(1/81)
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)).
(من) عامة تستعمل للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع والمثنى ولفظ (ذكر أو أنثى) يفيد الجنس أي كل الذكور والاناث باختلاف أعمارهم.
(وهو مؤمن) الكلام على الافراد ويشار بصيغة المذكر بتغليب المذكر لجماعة فيها ذكور وإناث وهذه لغة العرب. (فلنحيينه) خطاب بالفردية (حياة طيبة): هذه لمسة للانسان يريد أن يحيا حياة طيبة والجزاء جزاء جماعي (ولنجزينهم أجرهم) ففي الآيات مزاوجة بين الفردية والجماعية.
ثم قال تعالى (فإذا قرأت القرآن) الفاء رابطة ترتب على شيء من الآية التي قبلها (أحسن ما كانوا يعملون) فالقرآن يدل الانسان على أحسن الأعمال. (القرآن) الذي هو المرشد. استعمال (إذا) ظرف تحقيق(إذا جاء نصر الله والفتح). وهناك فرق بين استعمالها ومعناها واستعمال (إن) التي تستعمل عندما يكون الاحتمال قليل وتفيد الترجيح والشك (فإذا قرأت القرآن) يعني أنت تقرأ القرآن ولو قال (فإن قرأت القرآن) فكأنما يرخّص بعدم قراءة القرآن.. هذا الخطاب لكل مخاطب
((1/82)
فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) الفاء هنا (فاستعذ) جواب الشرط الأمر بالاستعاذة وفيها معنى اللجوء والاندفاع الى حصن حصين الى الله تعالى والأمر عندما يكون للرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو من باب أولى للمسلمين كما علّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في احاديث الاستغفار كان - صلى الله عليه وسلم - يستغفر الله تعالى في اليوم أكثر من سبعين مرة لم يكن يستغفره لذنب ولكن لكي يعلّم أمته الاكثار من الاستغفار. صيغة فعل الأمر على وزن (استفعل) فيها معنى الطلب والجهد وتعني أنك تبذل جهداً في تفريغ قلبك باللجوء الى الله تعالى تخلصاً من الشيطان الرجيم. ولم تأتي بصيغة (قل أعوذ بالله) لأن هذا القول تلقين وليس فيه جهد.
لماذا استخدم فعل (استعذ) ولم يقل الجأ أو اجأر أو احتمي؟
الاستعاذة فيها جانب مادي ومعنوي ومع الله تعالى نأخذ الجانب المادي وعندما تعوذ بشيء مثلاً إذا رُمي الانسان بسهم يعوذ بشجرة وهذا أمر مادي ونحن نستحضر قوة الله تعالى ولفظ تستعيذ يختلف عن معنى أية كلمة أخرى والعربي يعرف معنى كلمة الاستعاذة ولهذا عندما سمع (فاستعذ) قال: أعوذ بالله ولم يقل استعيذ التي فيها معنى الطلب والجهد وبذل الجهد في أن أعوذ بالله وليس هذا هو المطلوب وإنما المطلوب أن تكون في عملية عوذ (أعوذ) يدل على الحال والاستقبال والله تعالى يريد لك أن تكون تعوذ فعندما يقول تعالى فاستعذ بالله قالوا أعوذ بالله أو نعوذ بالله اي نحن الآن في حالة عوذ وهذا اختيار بلاغي دلالي.
(بالله) لم يقل بالرحمن أو بأية صفة أخرى من صفات الله تعالى أو اسمائه الحسنى لأن الاستعاذة تحتاج لقوة واسم الله تعالى (الله) هو الاسم الوحيد الذي انفرد به تعالى والباقي هي صفات واستخدام لفظ الجلالة مع الاستعاذة حتى يكون الله تعالى بكل صفاته وبكل ما فيها وعندما تستعيذ بالله تشعر بضعفك وتستعيذ من الشيطان الذي أقسم أن يغوي الناس إلا عباد الله المخلَصين(1/83)
لماذا استخدام لفظ الشيطان بدل ابليس مثلاً؟
يقولون ابليس من البَلَس الذي هو نوع من الخنس والاختباء وهذا المعنى لا ينسجم مع المعنى في الآية أما كلمة الشيطان فهي من الشطن والامتداد فكأنه يمتد اليكم وليس خائفاً خانعاً مبلساً ولهذا نقول دائماً كل كلمة في كتاب الله تعالى مرادة مقصودة لذاتها.
لماذا جاء الوصف هنا بالرجيم؟
التخويف من الشيطان يجعل قلب المسلم في هيبة كبيرة من هذا المخلوق فأنت لجأت الى الله وعُذت به لكن لا تتصور أن الشيطان بهذا الجبروت تُرِك على جبروته فهو ذليل مرجوم. وبالعودة الى اوصاف الشيطان في القرآن كلها لا تنسجم مع معنى آية الاستعاذة. فنجد صفة الكفور ولم تستعمل هنا لأن الكفور قد يكون متجبراً وكافراً لكن ليس فيه اذلال وجاءت صفة أنه عدو مبين وللرحمن عصياً (صفة العاصي) وللانسان خذولا (مارك متمرد ومريد) وكل هذه الصفات لا تعطي صورة الإذلال والضرب بالحجارة من السماء أي الرجم (وجعلناها رجوماً للشياطين) فاختيار كلمة الرجيم لتقليل شأن الشيطان وإذلاله حتى لا تكون للشيطان منزلة مخيفة وأكذّ على ذلك قوله تعالى في الآية التي تلت (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)) .
وأكّد على ضعف الشيطان في الآية بعدها حيث يعود للجمع (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) فالمناوبة بين الإفراد والجماعة هي مناوبة والتفات لغاية وحكمة أن الحياة الطيبة يريدها الانسان وجزاء الجنة جزاء جماعي لا فردي والاستعاذة من الشيطان أمر فردي لكن جعلك جزءاً من مجموع لا يقدر عليهم الشيطان (الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون).(1/84)
نقف عند المناوبة بين الفردية والجماعية في آيات سورة النحل: الفردية(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا )( وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ ) ثم الجماعية (ولنجزينهم) ثم انتقل الى الفردية (فإذا قرأت القرآن) ثم الجماعية (الذين آمنوا وعملوا الصالحات وعلى ربهم يتوكلون) الفردية في الحياة الطيبة للإنسان والجماعية أن دخوله الجنة والجزاء لن يكون فرداً وإنما يكون في جماعة وفي زمرة ثم اللجوء الى الله تعالى والاستعاذة والاتكال عليه تخلصاً من كيد الشيطان فردية لأنه ينبغي على المسلم أن يلجأ بمفرده الى ربه.
ومن اللطائف أن القرآن الذي تحدث في هذه الآيات وفي غيرها (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى) التي تظهر مكانة المرأة في الاسلام ذكر الدكتور مصطفى السباعي في كتابه المرأة بين الفقه والقانون أنه في الغرب عقدت مؤتمرات في الوقت الذي تحدث القرآن عن مكانة المرأة تبحث في مسألة إذا كانت المرأة انسان أوغيرانسان ثم توصلوا إلى أنها انسان لكنها خُلِقت لخدمة الرجل وفي بلدآخر صدر قانون في 1830م يمنع الرجل من بيع زوجته فلننظرمن كرّم المرأة؟ القرآن أم الغرب الذين يتحدثون عن حقوق المرأة وينتقدون الاسلام!المرأة في الاسلام مكرّمة.
آية (102):
*انظر آية (64).???
آية (103):
*د.حسام النعيمى:(1/85)
أحد الفلاسفة وجد أعرابياً يصلي قال: أنت تعبد الله؟ قال الأعرابي: نعم فقال :عندك دليل على وجودالله حتى تعبده؟ فنظر الأعرابي في الكون فقال : لمذا أبحث عن دليل؟ قال: أما أنا فعندي مئة دليل على وجود الله فقال الأعرابي: لأن في قلبك مئة شك فتّشت عن مئة دليل. هذا الكون يقول لا إله إلا الله. هذا القرآن العرب الفصحاء الذين كان ينهي الاسلام عندهم أن يجدوا خطأ في لغتهم (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) النحل) كانوا يقولون لا أعجمي. هذا ذكر لأبنائنا ممن لا يتعمق في اللغة العربية.
آية(109):
*ما دلالة اختلاف الفاصلة القرآنية بين(لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ (22) هود) (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ (109) النحل) ؟(د.فاضل السامرائى)(1/86)
الأخسرون أشد خسارة. آية هود التي ذكر فيها الأخسرون هي فيمن صدوا عن سبيل الله وصدوا غيرهم أما آية النحل فهي فيمن صد هو ولم يصد غيره. في هود قال (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)) في النحل قال (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)) لو لخصنا ما في هود وما في النحل قال في هود يصدون عن سبيل الله، يبغونها عوجاً، وهم بالآخرة هم كافرون، ما كان لهم من دون الله من أولياء، يضاعف لهم العذاب، ما كانوا يستطيعون السمع، ما كانوا يبصرون، يفترون على الله، في النحل قال استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، إن الله لا يهدي، طبع الله على قلوبهم وأبصارهم. فبسورة هود ذكر معاصي أكثر من سورة النحل فاستعمل الأخسرون مع الكثير من المعاصي والخاسرون مع المعاصي الأقل.
آية (111)-(112):
* ما وجه الإعجاز البلاغي في الآيتين (111) - (112)) في سورة النحل ؟(د.فاضل السامرائى)
نحن لا نتكلم في الاعجاز البلاغي وإنما نتحدث في اللمسات البيانية لأن الإعجاز فهو فوق ما نستطيع نحن نذكر بعض الأمور البيانية في القرآن الكريم.(1/87)
الآيتان هما (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (111)) قال وتوفى كل نفس ما عملت وفي آيات أخرى قال (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ (281) البقرة) وآل عمران (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ (25)). في آية النحل قال ماعملت. في سياق الأموال يقول (ما كسبت) وفي سياق العمل يقول (ما عملت). في آل عمران (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (161) آل عمران) الغل هو الأخذ من المغنم قبل اقتسام الغنائم، وهو متعلق بالأموال والكسب فقال (ما كسبت)، في البقرة في سياق الأموال (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ (281) البقرة) وقبلها أمور مادية من ترك الربا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) البقرة) الربا كسب حرام، آية المعسِر (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (280))، آية الدين ((282) البقرة) في سياق الأموال فناسب ذكر الكسب أما آية النحل ليس لها علاقة بالكسب وقال قبلها (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (110) النحل) ليس فيها كسب فالجهاد والفتنة والصبر ليست كسباً. ففي سياق الأموال قال كسب وفي سياق الأعمال قال عمل.(1/88)
في الآية الأخرى (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)) نلاحظ قدّم أول مرة الأمن على الرزق قال (قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ) وبعدها مباشرة قدم الجوع على الخوف أي الرزق على الأمن فقال (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) ليستا على نسق واحد ولو كانت على نسق واحد لقال الخوف والجوع. فيما يظن أن السياق يقتضي أن يمشي في الآية كما في الأول لكنه قال (كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا) الرزق لا يأتي إلا إذا كانت السُبُل آمنة والمدينة آمنو فإذن لما قال يأتيها رزقها رغداً من كل مكان ويسبق هذا الإتيان الأمن وإلا لا يمكن أن تصل إذا لم تكن السبل والمدن آمنة ولذلك هذا أمر طبيعي فقدم الأمن على الإتيان. (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) الإنسان يحتاج إلى الطعام أكثر من الأمن لأنه يموت من غيره حتى لو كان خائفاً فقدّم ما هو أولى وما به دوام حياته وما يحتاجه الإنسان. في كلا الموضعين قدّم الأَوْلى. ثم نلاحظ قال (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ) لم يقل نِعَم الله أنعم جمع قِلّة ونِعم جمع كثرة، كفران أنعم الله يؤدي إلى هذا فكيف لو كفر الإنسان بالنعم؟! عندما كفروا بالقليل أذاقهم الله تعالى لباس الجوع والخوف فما بالك لو كفروا بالكثير؟!. قال (فأذاقها) للدلالة على المباشرة لأن الإذاقة مباشرة الشيء. ثم قال (لباس) لأن اللباس يشتمل (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) أي شملهم الجوع والخوف كما يشتمل اللباس على الإنسان.(1/89)
قال في آية أخرى (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4) قريش) هذا من باب ذكر النعم وليس من باب كفران النعم. ثم قال (بما كانوا يصنعون) قال يصنعون ولم يقل يعملون أو يكسبون لأن الصنع هو إحسان العمل فهم كانوا يصنعون السوء صناعة وراسخون في هذه الصنعة ولذلك لم يقل يعملون ولكن شملهم العذاب كما يشملهم الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. الفرق بين العمل والصنع أن الصنع هو إحسان العمل. و (بما) تحتمل أمرين المصدرية والموصولة (بما) لم يقل بما كانوا يصنعونه لو قال بما كانوا يصنعونه لكانت إسم موصول (بالذي كانوا يصنعونه) يذكر العائد لكن لما قال (بما كانوا يصنعون) تحتمل أمرين: بصنعهم وبالذي يصنعونه، بعموم الصنع وبالأشياء التي يصنعونها. إذن ذكر جملة أمور أدت إلى ما هم فيه.
في الاية قبلها قلنا أن الكسب منوط بالمال في الغالب ولهذا يقول تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ (134) البقرة) جعلها كالأموال وككسب الإنسان.
*ما دلالة تأنيث الفعل فى قوله تعالى(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا (111) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)
في التركيب الإضافي يجوز التذكير والتأنيث لكن بشرط في مواطن، بشرط أن يكون المضاف جزء أو كالجزء في الاستغناء عنه (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا (111) النحل) كلّ مذكر ونفس مؤنث فقال تأتي.
*قال تعالى في سورة النحل (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)) هل لهذا الترتيب وجه بلاغي؟(د.حسام النعيمى)(1/90)
هذا ورد في ثلاث آيات بإختلاف: في سورة البقرة قدّم (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)) السبب في هذا أن الآية تتكلم عن قتل وقتال فالخوف قدم على الجوع.
في سورة النحل (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)) الكلام عن الرزق فالرزق يناسبه الجوع فقدّم الجوع .
في سورة قريش (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)) الكلام على التجارة والأموال والتجارة طعام وأصلاً تجارتهم كانت طعاماً فقدّم الجوع (فأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).
*ما دلالة إستخدام المفرد ثم الجمع في الآية (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) النحل)؟(د.حسام النعيمى)(1/91)
الكلام على قرية ثم قال كانت آمنة مطمئنة، الحديث على مفرد مؤنث، يأتيها رزقها، فكفرت، فأذاقها الله، ثم قال (بما كانوا يصنعون). لم يقل بما كانت تصنع وهذا نوع من الإلتفات لأن هذا الصُنع الذي عوقبوا بسببه هو لم يكن من صُنع القرية بعامّتها. لما قال (كانت آمنة) يريد أن يشير إلى القرية بكاملها فيها أمان، شوارعها آمنة وحيواناتها آمنة وكلها في أمان، ليعطي صورة الأمن العام. ذكر القرية لأنه معلوم أن أهلها كانوا آمنين كما قال في موضع آخر (واسأل القرية) أي إسأل أهل القرية، الكلام على أهل القرية لكن بدأ بهذا العموم حتى يبيّن الخير الشامل واستمر الكلام. لما ورد إلى سبب الخسران وسبب المعصية (بما كانوا يصنعون)الباء للسببية أي بسبب. لو قال بما كانت تصنع يبقى الكلام عاماً لنسب الكفران إليها جميعاً لكن أراد أن يبين أن الذين يحاسبون هم أهل القرية لأن هذه الواو في (تصنعون)واو جماعة العقلاء فحتى يبين أن المراد هنا سكان القرية إلتفت في الآخر وذكرهم.
القرية كانت آمنة بكليّتها يشملها الأمن مطمئنة هذا الإطمئنان العام، يأتيها رزقها رغداً والروق يأتيها عاماً لكل من في القرية، فكفرت بأنعم الله نسب الكفران إليها وهو حقيقة لهؤلاء العقلاء الذين صرّح بهم بعد ذلك. هو نسب الكفران إليها (فكفرت بأنعم الله) إستمراراً للسياق، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف لأن الكل ذاق.(1/92)
ما قال فكفروا فأذاقهم لأنه سيصير هناك نوع من الخلل، يصير أذاقهم للعقلاء فقط بينما لباس الجوع والخوف أصاب القرية كلها حتى حيواناتها. كفرت بعقلائها لأن غير عقلائها لا ينسب إليهم الكفر لكن هنا كفرت. لو قال كفروا لا يستطيع بعدها أن يقول فأذاقها وإنما سيقول فأذاقهم وعند ذلك غير العقلاء ذاقوا أيضاً الجوع والخوف فبقي الكلام مستمراً. الغضب عندما ينزل يعمّ وينزل على المطيعين وعلى العصاة لكن الكفران هو للعقلاء فبيّن ذلك فيما بعد لما انتهى الكلام ورسم الصورة. قرية آمنة مطمئنة، كفرت، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ثم قال بما كانوا يصنعون ما قال بما كانت تصنع لأن الصناعة التي أدت إلى غضب الله سبحانه وتعالى خاصة بالعقلاء فيُفهم من جميع الكلام الذي يدور على التأنيث هو أهل هذه القرية لكن المظلة العامة شملت الأحياء الذين فيها بعقلائها وغير عقلائها، بحيواناتها لأن الخير الذي كان يأتيهم كان يأتي لكل من في القرية، وفي الآخر إلتفت ليبين السبب الحقيقي فيما أصاب القرية. والإلتفات هو التحول من صورة إلى صورة.
* ما الفرق بين (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) النور) و(وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) النحل)؟(د.فاضل السامرائى)(1/93)
قراءة الآيتين يوضح الأمر: آية النور (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) النور) وآية النحل (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)) هذه قرية قديمة وبائدة كانت تفعل هذا فهو تاريخ أما آية النور فحالة مستمرة إلى قيام الساعة وليست مثل تلك القرية القديمة التي كانت. لا ينفع أن نقف على جزء من الآية وإنما نأخذها في سياقها هل يتكلم عن أمر ماضي أو مستقبل. إذن بما كانوا يصنعون في الماضي والثانية (خبير بما يصنعون) في الحال.
آية (120):
*ما المقصود بكون إبراهيم أمة في الآية (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)؟(د.حسام النعيمى)
الأمّة في اللغة لها أكثر من معنى، من معانيها الجماعة من الناس الذي هم على فكر واحد أو على إعتقاد واحد يسمون أمة ولذلك قال تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) آل عمران) يعني بدخولكم هذا الدين تكونون من أمة الإسلام، ومن معانيها الأمة الرجل المتفرد في علمه، في خلقه. أو الرجل المُتّبَع. فكِلا هذين المعنيين يصلح على إبراهيم عليه السلام الرجل الذي لا نظير له والإمام المتّبع. ومنه قوله تعالى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا) قال أبو عبيدة كان أمة أي إماماً لقومه. كان منفرداً عن سواه بالرسالة، بالنبوة، هولا نظير له بينهم.
آية (121):
* ما الفرق بين أنعُم ونِعَم؟(د.فاضل السامرائى)(1/94)
قال تعالى في سورة النحل (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)) شاكراً لأنعمه وفي سورة لقمان (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)) نِعمه هل هي نِعَم واحدة؟
أنعم جمع قِلّة على وزن أفعُل، نِعم جمع كثرة. ونعم الله تعالى لا تحصى ولا يمكن أن تُشكر ولا نستطيع شكرها فالله تعالى مدح ابراهيم على أنه شكر الأنعم أي القليل من النِعم فمدحه على ذلك لأنه لا يمكن لأحد أن يشكر نِعَم الله تعالى التي لا تُحصى فأثنى على ابراهيم لأنه كان شاكراً لأنعم الله تعالى. والله تعالى لم يسبغ علينا أنعماً ولكنه أسبغ نعماً ظاهرة وباطنة لا تُحصى. والاسباغ هو الإفاضة في ذكر النِِعم. قال تعالى في سورة الإنسان (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)) شاكراً اسم فاعل والكفور مبالغ في الكفر. وتوجد نِعم مستديمة منها ما نعلم ومالا نعلم والله تعالى أفاض علينا بالنعم الكثيرة ولو شكرنا نشكر باللسان وهو بحد ذاته نعمة.
آية (124):
* آية تتكرر كثيراً (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) الأنعام) مرة تأتي بإضافة يحكم بينكم ومرة يعملون (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7) الزمر)؟ وما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)(1/95)
لم يقل مرة يحكم فيما كانوا يعملون فقط ذكر الاختلاف قال (فيماهم يختلفون) فقط لم يذكر شيئاً آخرلم يقل يعملون ولا يصدفون وإنما قال يختلفون إذن الشق الأول من السؤال غير صحيح.
نأتي للفرق بين الحكم والفصل، الحكم القضاء والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما، أن يكون بينهما فاصل حاجز إذن الفصل أشد فإذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، نضرب أمثلة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هؤلاء يذهبون معاً إلى جهة واحدة اليهود والنصارى كلاهما ليس أحدهما إلى الجنة والآخر إلى النار فليس فيه فصل. (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معاً إلى جهة واحدة مع بعض. (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) كلهم يذهبون إلى جهة واحدة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل.(1/96)
الفصل يتضمن الحكم حكم وفصل فيكون أشد. ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) قالوا الفصل بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والمشركين. فإذن الفصل حكم لكن فيه بَوْن كل جهة تذهب إلى مكان لذا قال في سورة ص (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ (22)) هذا حكم قضاء.
آية (125):
* ما الفرق من الناحية البيانية بين (بمن ضلّ) و(من يُضلّ) فى قوله تعالى:(إن ربك هو أعلم من يضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) سورة الأنعام والآية (إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله)(125) سورة النحل؟(د.فاضل السامرائى)
(مَن) استفهامية وهي من باب التعليق ومعلّقة والجملة في محل نصب مفعول به لفعل مقدّر.
(بِمَن): موصولة ومعناها هو أعلم بالذي ضلّ عن سبيله.
آية (127):
*ما اللمسة البيانية في حذف نون (تكن) في قوله تعالى (ولا تك في ضيق مما يمكرون)؟(د.فاضل السامرائى)
الحكم النحوي: جواز الحذف إذا كان الفعل مجزوماً بالسكون ولم يليه ساكن أو ضمير متصل. متى ما كان الفعل (كان) مجزوماً ويليه حرف متحرك ليس ساكناً على أن لا يكون ضميراً متصلاً يجوز فيه الحذف (يمكن القول لم يكن ولم يك) فتحذف النون تخفيفاً.
إما إذا كان ما بعده ساكناً فلا يجوز الحذف (لم يكن الرجل) لا يمكن القول لم يك الرجل.
ولا يجوز الحذف أيضاً لو كان ضمير متصل (لم يكن هو) لا يجوز قول لم يك هو.
إذن من حيث الحكم النحوي يجوز حذف النون(1/97)
أما السبب البياني: على العموم سواء في (يكن) أو في غيرها من الحذوف (تفرّق وتتفرق) (اسطاعوا واستطاعوا) (تنزّل وتتنزّل) في القرآن الكريم يوجد حذوف كثيرة يجمعها أمرين : هل هي في مقام إيجاز وتفصيل أو هل الفعل مكتمل أو غير مكتمل. عندما يأتي بالصيغة كاملة يكون الحذف أتمّ. إذا كان الشيء مكتملاً لا يُقتطع منه وإذا كان غير مكتمل يُقتطع منه.
والآن نستعرض مثالين وردا في القرآن الكريم الأول في سورة النحل (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126} وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127}) والثاني في سورة النمل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ {69} وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {70})
آية سورة النحل نزلت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعدما مثّل المشركون بحمزة عمّ الرسول في غزوة أُحُد فحزن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليه حزناً شديداً وقال لأمثّلن بسبعين رجلاً من المشركين فنزلت الآية تطلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعاقب بمثل ما عوقب به وأراد أن يُذهب الحزن من قلبه ولا يبقى فيه من الحزن شيء، وقوله تعالى (ولا تك في ضيق) بمعنى احذف الضيق من نفسك ولا تبقي شيئاً منه أبدا أي أن المطلوب ليس فقط عدم الحزن لكن مسح ونفي أي شيء من الحزن يمكن أن يكون في قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فحذفت النون من الفعل. أما في آية سورة النمل فالآيات في دعوة الناس للسير في الأرض والتفكّر والمقام ليس مقام تصبير هنا فجاء الفعل مكتملاً (ولا تكن في ضيق).
*فى إجابة أخرى للدكتور فاضل السامرائى :(1/98)
في النهي عندما تقول لا تك أي تطلب منه النهي بقوة على أن لا يحصل من الفعل شيء مثال: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل) هذه الآية معروفة أنها نزلت بعد معركة أُحد عندما مرّ - صلى الله عليه وسلم - بحمزة وقال والله لأمثلن بسبعين فأنزل الله تعالى الآية (ولا تك) أي إمسح هذا الأمر من نفسك تماماً ولا تفكر به ولا تبقي منه شيئاً وهذا تهوين له إحذف هذا الأمر من نفسك تماماً. قال تعالى في آية أخرى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (70) النمل) تمشي في الأرض هذا ليس مثل حمزة عم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا يكون النهي بتلك المنزلة. هناك طلب أن لا يحصل لتهوين الأمر وتخفيفه عليه. حتى في النفي لما يوغل في حصول النفي بحيث لم يحصل منه شيئاً يقول (تك) قول مريم (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) مريم) أي لم يحصل شيء من هذا، الفعل لم يتم أصلاً، نفي تماماً لم يحصل منه شيء لا مقدمات ولا معقبات ولا بوادر ولا شيء، الأمر برمّته منفي. مع زكريا قال (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) مريم) ليست بمثل تلك نحن لا نعلم عندما كان يدعو هل كانت تأتي كلها مائة بالمائة أم يأتي قسم منها هي ليست مثل تلك. ((1/99)
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) النحل) وقال (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) القيامة) هذا في طور التكوين لم يكتمل الفعل، لما قال تعالى على الإنسان (ألم يكن نطفة) ما صار بعد وإنما يحتاج ليلتقي بالبويضة ليصير مضغة، لم يك أي هو قسم فقط لأن النطفة ماء الرجل فقط، لم يكتمل بعد ولا يكتمل إلا إذا التقى البويضة، إذا اكتمل الخلق اكتمل الفعل. (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) لقمان) في الأولى قال (تك) بحذف النون وأثبتها في الثانية (فتكن). الأولى لم يذكر لها مكان بينما الثانية ذكر لها مكاناً واستقرّت فاستقرّت النون.
آية (128):
*ما دلالة استخدام الصيغة الإسمية مرة والفعلية مرة في قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {128} النحل؟(د.فاضل السامرائى)
هذه الآية فيها احتمالات ونسأل لماذا لم يقل: (ومع الذين هم محسنون) أو (مع الذين اتقوا الذين هم محسنون)؟
لم يقل (ومع الذين هم محسنون) لأن هذا يدلّ على أنهما صفتان مختلفتان.
ولم يقل (مع الذين اتقوا الذين هم محسنون) فهذا يدل على أنهما صنف واحد.(1/100)
لكن جاءت (إن الله مع) وإذا نظرنا في الآية التي سبقتها (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126}) فقوله تعالى (بمثل ما عاقبتم) بمعنى من عاقب يمثل ما عوقب به فقد اتقى، وقوله (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) هذه أفضل من (وإن عاقبتم) والصبر هو من الإحسان. والتقوى هي أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك. فالذين هم محسنون هم حالة أعلى من الذين اتقوا فجاء بالجملة الإسمية الدالة على الثبوت في صفة المحسنين.
****تناسب فواتح النحل مع خواتيمها****(1/101)
قال تعالى فى أولها (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)) في آخرها (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)). (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) وآخرها قال (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)) فى تستعجلوه يعني اصبروا، وبعدها واصبر وما صبرك إلا بالله. فلا تستعجلوه حثٌّ على الصبر وطلبه صراحة في النهاية (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ). قال (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)) الله أعلم بالذين أشركوا. قال في الأول (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)) كيف ينذر؟ (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) علّمه كيف ينذر وكأن الإنذار هو الحكمة والموعظة الحسنة، توضيح كيفية الإنذار، بيّن كيفية الإنذار بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.(1/102)
نهاية الآية الثانية (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)) أمرهم بالتقوى وفي الآخر قال (اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)) كأن الله تعالى أمرهم بالتقوى في أوائل السورة ليكون معهم في النهاية، هذا تناسب وترابط جميل.
*****تناسب خواتيم النحل مع فواتح الإسراء*****
خاتمة النحل (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)) أعلى المعية أن يقرِّبهم منه وفي بداية الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (1)) هذه أعلى المعية إذن هذا يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - أعلى الذين اتقوا وأعلى الذين هم محسنون. هذه أعلى معية أنه تعالى جاء به وقرّبه إليه. في ختام النحل تكلم على بني إسرائيل (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)) وفي بداية الإسراء قال (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)) هناك ذكر جانب وهنا ذكر جانباً آخر وكأنها استكمال لما حصل لهم.
تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله تم بحمد الله(1/103)
تم بحمد الله وفضله ترتيب هذه اللمسات البيانية في سورة النحل للدكتور فاضل صالح السامرائي والدكتور حسام النعيمى فى برنامج لمسات بيانية وفى محاضرات وكتب الدكتور فاضل السامرائى زادهما الله علما ونفع بهما الاسلام والمسلمين وجزاهما عنا خير الجزاء وإضافة بعض اللمسات للدكتور أحمد الكبيسى وقامت بنشرها الأخت الفاضلة سمر الأرناؤوط فى موقعها إسلاميات جزاها الله خير الجزاء .. فما كان من فضلٍ فمن الله وما كان من خطأٍ أوسهوٍ فمن نفسى ومن الشيطان.
أسأل الله تعالى ان يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا بهذا العلم فى الدنيا والآخرة ويلهمنا تدبر آيات كتابه العزيز على النحو الذى يرضيه وأن يغفر لنا وللمسلمين جميعاً يوم تقوم الأشهاد ولله الحمد والمنة. وأسألكم دعوة صالحة بظهر الغيب عسى الله أن يرزقنا حسن الخاتمة ويرزقنا صحبة نبيه الكريم فى الفردوس الأعلى.
الرجاء توزيع هذه الصفحات لتعم الفائدة إن شاء الله وجزى الله كل من يساهم في نشر هذه اللمسات خير الجزاء في الدنيا والآخرة.(1/104)
سورة الاسراء(سورة بنى إسرائيل)
تناسبها مع خواتيم النحل ... آية (11) ... آية (32) ... آية (59) ... آية (88) ... آية (101)
هدف السورة ... آية (12) ... آية (35) ... آية (60) ... آية (89) ... آية (102)
أسئلة عامة ... آية (15) ... آية (36) ... آية (62) ... آية (90) ... آية (104)
آية (1) ... آية (16) ... آية (41) ... آية (69) ... آية (91) ... آية (105)
آية (3) ... آية (18) ... آية (44) ... آية (70) ... آية (93) ... آية (106)
آية (4) ... آية (23) ... آية (47) ... آية (80) ... آية (96) ... آية (111)
آية (5) ... آية (25) ... آية (49) ... آية (83) ... آية (97) ... تناسب أولها مع آخرها
آية (7) ... آية (27) ... آية (53) ... آية (84) ... آية (98) ... تناسبها مع فواتح الكهف
آية (9) ... آية (31) ... آية (55) ... آية (85) ... آية (100)
*تناسب خاتمة النحل مع بداية الإسراء*
خاتمة النحل (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)) أعلى المعية أن يقرِّبهم منه وفي بداية الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا (1)) هذه أعلى المعية إذن هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أعلى الذين اتقوا وأعلى الذين هم محسنون. هذه أعلى معية أنه تعالى جاء به وقرّبه إليه. في ختام النحل تكلم على بني إسرائيل (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)) وفي بداية الإسراء قال (وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)) هناك ذكر جانب وهنا ذكر جانباً آخر وكأنها استكمال لما حصل لهم.
**هدف السورة: قيمة القرآن**(1/1)
سورة الإسراء من السور المكية التي تعنى بشؤون الدين والعقيدة والوحدانية لكن تميزت هذه السورة بأنها تتكلم عن القرآن بشكل تفصيلي لم يرد في باقي سورة القرآن. وقد تعرّضت السورة لمعجزة الإسراء التي كانت مظهراً من مظاهر التكريم الإلهي لنبيه الكريم بعد ما لاقاه من أذى المشركين. وهي قصة إسراء النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المسجد الأقصى حيث التقى بجميع الأنبياء من آدم إلى عيسى عليهم جميعاً وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام، وتقدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال له جبريل: "تقدم يامحمد فصلّ بالأنبياء إماما". وهذه معجزة ليس لها مثيل في تاريخ البشرية ولم تأتي مصادفة أو عبثاً وإنما هدفها كان تسليم الرسالة التي تناقلها الأنبياء من قبل إلى رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وأمته الذين سيحملون هذه الرسالة الخاتمة إلى يوم القيامة. فكأن تسمية السورة تفيد انتقال الكتاب من بني إسرائيل إلى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وكذلك أن كل أنبياء بني إسرائيل صلّوا خلف الرسول - صلى الله عليه وسلم - . وهذه السورة هي أكثر سورة ورد فيها ذكر القرآن (11 مرة). وكما سبق فإن هذه السورة ركّزت على قيمة القرآن وعظمته كما لم يرد في أي من سور القرآن الكريم.(1/2)
إذن قيمة القرآن هو محور السورة وقد جاء الحديث الشريف ليؤكد هذا المحور :"قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ألا إنها ستكون فتنة فقال الإمام علي فما المخرج منها؟ قال كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبّار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضلّه الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يبلى من كثرة الردّ ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم ينته الجنّ إذ سمعوه إلا أن قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجبا هو الذي من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم."
والآيات في السورة تعرض المحاور التالية:
· انتقال الكتاب إلى الأمة الجديدة: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) آية 1
· إنتقال الكتاب عبر الأمم (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) آية 2 و3.
· تفريط بني إسرائيل بالكتاب (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ... ) آية 4
· وصول القرآن إلى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) آية 9(1/3)
· قيمة الكتاب وأوامره: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا*....* كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) الآيات من 23 إلى 38.ربع كامل تقريباً يتحدث عن هذه الأوامر التي هي أوامر الفطرة البشرية مثل: بر الوالدين، إيتاء ذوي القربى واليتامى، عدم التبذير وعدم البخل، عدم قتل الأولاد، الإبتعاد عن الزنى، عدم قتل النفس، عدم أكل أموال اليتامى، الوفاء بالعهود، القسط في الكيل والميزان، التواضع وعدم الخيلاء.
· التعقيب: قيمة هذا الكتاب: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا) آية 39 و (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا ) آية 41
· قيمة القرآن: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا) آية 45، (وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) آية58، (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا) آية 60، و(وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) آية 73(1/4)
· حلاوة القرآن: هو الشفاء والرحمة (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) آية 78 و79 (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) آية 82
· عظمة القرآن: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا) آية 88 و 89.
· دور القرآن: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) آية 105 و 106
· ختام السورة: أحباء القرآن: (قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) الآيات من 107 إلى 109(1/5)
وكأن السورة كلها تدعو لعدم التخلي عن القرآن كما فعلت الأمم السابقة، لمّا تخلوا عن الكتاب استبدلهم الله بأمم أخرى تحافظ على الكتاب. وهذا القرآن هو الذي يخرج من الظلمات إلى النور وعلينا أن نتمسك به كما وصّانا - صلى الله عليه وسلم - : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وسنتي" والحرف فيه بحسنة لا أقول ألم حرف وإنما أقول ألف حرف، لام حرف وميم حرف.
وهذه السورة تقع في وسط القرآن وكأنما هي تذكير أن القرآن هو كتاب هذه الأمة التي جعلها تعالى أمة وسطا. وآخر السورة فيها سجدة حتى نسجد ونستشعر قيمة هذا القرآن العظيم الذي كان الذين أوتوه من قبلنا إذا سمعوه يخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا وفي هذا توجيه للمسلمين أن يحافظوا على هذا القرآن ويستشعروا عظمته ويحرصوا على تطبيق تعاليمه حتى لا ينزع من هذه الأمة كما نزع ممن سبقها.
سورة الإسراء تحدثت عن القرآن وتبدأ سوة الكهف مباشرة بعدها بقوله تعالى (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) فسبحان الله العلي القدير.
***من اللمسات البيانية فى سورة الإسراء***
*أسئلة عامة :
*لماذا جاء الخطاب في سورة الإسراء لـ (بني إسرائيل) وليس لليهود؟(د.فاضل السامرائى)
لأن بني إسرائيل هم أبناء يعقوب(وهوإسرائيل)وهم المعنيّون بالأمر وليس اليهود عموماً هم المقصودون في الآية.
* ذكر أن الأنبياء لا يتكلمون اللغة العربية وفي رحلة الإسراء والمعراج قال الأنبياء للرسول صلى الله عليه وسلم أهلاً بالأخ الصالح والنبي الصالح؟(د.حسام النعيمى)(1/6)
هذا خارج حياة الأرض في العالم الآخرعالم الغيب لأن الله سبحانه وتعالى طوى لحبيبه محمد - صلى الله عليه وسلم - الزمان بحيث عرض عليه ما بعد قيام الساعة، عرض عليه أناساً يعذبون وهو رآهم حقيقة وليس مجازاً. رأى الجنة وما فيها ورأى النار وما فيها وهذا شيء غيب خارج قوانين الأرض. ونحن عندنا إشارات أن كلام أهل الجنة وكلام الآخرة سيكون بالعربية. أسماء الملائكة عربية: لما يتحدث القرآن عن النار خازنها مالك ومالك إسم عربي وخازن الجنة رضوان ورضوان إسم عربي. أول ما يموت الإنسان اللذان يوقظانه ويحاسبانه منكر ونكير أسماء عربية. هذه مؤشرات وعندنا حديث لا أدري إن كان ضعيفاً : " أُحبّ العرب لثلاث لأني عربي، كلام أهل الجنة عربي، والمسلمون يحبون العرب" الحديث الضعيف غير الموضوع يؤخذ منه لأنه لما يكون الحديث ضعيفاً أي هناك إحتمال خمسين في المئة أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاله أما الموضوع فهو كذب. الضعيف عليه إشكال معناه صحيح لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عربي والمسلمون يحبون العرب فكان العربي إذا ذهب إلى باكستان وتركيا يتمسحون به ويتبركون به .
*فى قضية الإسراء أكان بالروح ام بالجسد؟(د.حسام النعيمى)
أبو حيان الأندلسي لما جاء ليبحث في مسألة الإسراء أكان بالروح والجسد أو كان بالروح؟ ذكر إثنين من الصحابة قالا الإسراء كان بالروح، قال إن صح الكلام، النقل عنهما لأنهما لو يقولا حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه كان إجتهاد منهما قالا الإسراء بالروح قال إن صحّ فلا يعتدّ به لأن فلان في أيام الإسراء كان كافراً لو قال حدثني فلان من الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقبل كلامه لكن هذا رأيه، وفلان كان صغيراً. لما يأتينا رأي إذا كان صحابي ينسبه للرسول - صلى الله عليه وسلم - فلا مجال للمشاحة فيه.(1/7)
*في سورة الإسراء قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) هذه الآيات ختمت بالسميع البصير مع أنه من المعروف أن الإسراء والمعراج يدل على قدرة الله فلماذا لم تختم الآية مثلاً وأنه على كل شيء قدير أو إنه هو السميع العليم؟ وما دلالة قوله تعالى (ليلاً) مع أن السُرى هو المشي ليلاً؟ (د.فاضل السامرائى)(1/8)
الآية الكريمة (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) من الناحية البيانية وضع هذه الآية بالنسبة لما قبلها وما بعدها من الملاحظ أن سورة الإسراء حفت بالتسبيح والتحميد يعني بداية السورة التي قبلها (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل) وبداية السورة التي بعدها (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) الكهف) إذن هذه السورة هي كسورة حفت بالتسبيح قبلها والتحميد بعدها. والسورة نفسها أي آيات سورة الإسراء حفت بالتسبيح والتحميد بدأت بالتسبيح (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) وانتهت بالتحميد (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)) السورة وآياتها هكذا. ثم من الملاحظ أنها سُبقت بالمعية مع الله تعالى في آخر السورة قبلها قال (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128) النحل) أعلى المعيّة هي المصاحبة وأعلى المعية أن يُعرج به إليه لا معية أعلى من ذلك فدلّ على أنه - صلى الله عليه وسلم - أعلى الذين اتقوا وأعلى الذين هم محسنون، لا معية أعلى من ذلك ولن تحصل لنبي مثل هذه المعية. هذه وضع السورة.(1/9)
نلاحظ في هذه الآية المباركة فيها آثار تعبيرية كثيرة: بدأت السورة بقوله (سبحان) وسبحان في اللغة إسم مصدر ويقولون علم على التسبيح أو إسم مصدر بمعنى التسبيح يعني ننزهك يا رب عن كل نقص. ورد التسبيح في القرآن بصور شتى ورد بفعل ماضي (سبح لله)، مضارع (يسبح لله) وأمر (سبِّح باسم ربك العظيم) وبالمصدر أو اسمه (سبحان) (سبحان ربي) حتى يشمل كل أحوال التسبيح، يستغرق كل أحوال التسبيح.
سؤال: إذن التنوع اللفظي من حيث الصيغ الصرفية والصيغ النحوية التي جاءت للدلالة على الشمول والعموم؟(1/10)
كل الأحوال وكل الأزمان الماضي والحال والاستقبال والأمر والمصدر. ثم هنا في سورة الإسراء بالذات قال (سبحان) بدأ بالمصدر بدون ذكر لفاعل التسبيح ولا الزمن لأن المصدر هو حدث مجرد غير مقيد بفاعل ولا بزمن. بدأت السورة بكلمة (سبحان) المصدر أو إسم المصدر الذي هو لم يقيد بفاعل ولا بزمن لغرض الإطلاق يعني هو أهل التسبيح هو يستحقه سواء كان هنالك من يسبحه من خلقه أو لم يكن. لو كان هناك فاعل لربط التسبيح به لكن عندما أطلقه (سبحان) لم يقيده بفاعل ويقتضي التسبيح بحد ذاته بغض النظر عن الذي يقوم بفعل التسبيح ولا بزمنه لأن المصدر حدث مجرد ولو اقترن بزمن أصبح فعلاً. إذن هو إطلاق التسبيح من أي زمن قبل الخلق بعد الخلق قبل وجود أي كائن وبعده سواء كان هنالك من يسبحه أو لم يكن (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً)، هذا أمر. نلاحظ أن افتتاح السورة بالتسبيح طبع السورة بالتسبيح فشاع فيها التسبيح إلى حد كبير فقال (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)) (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) هذا أعظم إطلاق في التسبيح (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ) هذا أعظم إطلاق لا ملائكة ولا عاقل ولا غير عاقل (سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً (93)) (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108)) ولا أعلم أن هناك سورة تدانيها في التسبيح وكثرته بدأت بالتسبيح وليست هنالك سورة تدانيها في شيوعها ولعل هذا إشارة في نقله - صلى الله عليه وسلم - إلى عالم التسبيح. هذا أمر.(1/11)
ثم قال (بعبده) لم يقل بمحمد ولم يقل بالرسول ليدل على أن الإنسان مهما عظم ومهما كبر فلا يعدو أن يكون عبداً لله. هذا مقام تشريف ولا ينبغي لأحد أن يتعالى ويدّعي أنه أرفع من سائر العباد ولئلا يعظم محمد على غير ما ينبغي فيُدعى له منزلة أعلى من العبودية فهو عبد ثم العبودية أعلى وسام، أعلى وسام للخلق هو مقام العبودية، ربنا تعالى لما أثنى على نوح قال (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء) وعلى أيوب قال (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص). نلاحظ أولاً أنه لما ذكر ربنا موسى ? عند المناجاة فقال (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ (143) الأعراف) ذكره باسمه ولم يقل عبدنا موسى ولا الرسول موسى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) كان عاقبة ذلك أن خر موسى صعقاً لو قال عبدنا كيف يخر صعقاً؟ مناسبة المقام، قال موسى بامسه العلم (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا (143) الأعراف) لم يقل وخر عبدنا موسى هذه ليست مناسبة للتكريم. ذكر عبد أقوى من ذكر الإسم المجرد (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) هذه العبودية الاختيارية هي أعلى وسام.
سؤال: في نفس السورة قال تعالى (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ (5)) هذا مجال تشريف لهؤلاء العباد؟(1/12)
العبودية قسمان إختيارية وقسرية، القسرية ليس فيها فضل كلنا عبد لله شاء أم أبى (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) مريم) ليس فيها فضل الفضل هو في الاختيار كلما عبد وذلل الإنسان نفسه لله ازداد تقرباً إليه وزاد رفعة عنده، هذه العبودية الاختيارية.
ثم السؤال قال لماذا قال (ليلاً) مع أن الإسراء والسُرى يكون ليلاً. نحن عندنا عموماً الظروف قسمان ظرف مؤسِس وظرف مؤكد والحال عندنا حال مؤسِسة وحال مؤكِّدة والصفة صفة مؤسِسة وصفة مؤكِّدة. ضبط المؤكد كأن تقول سريت ليلاً. المؤسس تأتي بشيء جديد والمؤكد يؤكد المعنى الذي قبله، مكثت زمناً المكث يجب أن يكون زمناً إذن هذا ظرف مؤكِّد لم يؤسس معنى جديداً. في اللغة عندنا الظرف والحال والصفة مؤسسة ومؤكدة. ليدلنا على أن كل هذا الذي حصل هو في جزء من الليل. ولو قال (أسرى) لا يعني جزء من الليل وإنما قد يكون بدأ بالإسراء في الليل، لا نعلم ولو قال أسرى ليس بالضرورة أن ينتهي بالليل وإنما يبدأ بالليل، قد يكون ستة أشهر لأن الليل مدة بعيدة . قال (أسرى بعبده ليلاً) يعني تمت هذه بجزء من الليل ذهاباً وإياباً، ليس فقط التوكيد وإنما أراد ربنا أن يعلمنا أن الأمر كله تم واكتمل بجزء من الليل. لو قال أسرى قد يكون استغرق الليل كله ولكنه قال ليلاً يعني بجزء من الليل.
سؤال: هل هنالك فرق بين ليلاً والليل؟(1/13)
نعم وقد نص على ذلك النحاة وسيبويه إذا عرّفته بـ (أل) استغرقته يعني لما تقول صحوت الليل يعني كل الليل، حدثته الليل يعني كل الليل لكن حدثته ليلاً يعني جزء من الليل، قال تعالى (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء) لم يقل ليلاً ولو قال ليلاً يعني بجزء من الليل، (يسبحون الليل والنهار) اي طول الليل والنهار أكدها قوله تعالى (لا يفترون). كل ما حصل في جزء من الليل.
هذه دقائق تجدها في كتب اللغة.
ثم قال (من المسجد الحرام) للدلالة على قدرته أن الإسراء من هذا المكان إلى المسجد الأقصى. وفي بعض الروايات دلالة شرعية وكثير من العلماء يقولون أن الإسراء كان من بيت أم هانئ وهذا البيت هو خارج المسجد الحرام لكن هذه إشارة على أن مكة كلها حرم وكلها مسجد حرام وما دخل فيه من التوسعة هو مسجد حرام حكمه حكم المسجد الحرام وما دخل فيه هو من المسجد الحرام. هل المسجد الحرام الآن كما كان في زمن الرسول أو توسع؟
سؤال: المسجد في اللغة ربما يدل على بناء معين؟
ولذلك قالوا هذه فيها إشارة شرعية إلى أن مكة كلها تدخل في الحرم. لو قال بهذا الرأي قال هذاد]ليل على أنه كل مكة هي جزء من البيت الحرام وعلى أي حال الله أعلم بهذا.
ثم قال (إلى المسجد الأقصى) لم يكن ثمة مسجد بمعنى مسجد كان هناك بيت المقدس ليس هنالك مسجد بمعنى المسجد تقام فيه الصلاة كما نعرفه الآن وقال المسجد دلالة على أنه سيكون وهم كانوا يعرفون أن المقصود بيت المقدس لأنه بُني للعبادة بعد الكعبة بأربعين سنة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) آل عمران).(1/14)
نلاحظ أنه قال (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) حول المسجد الأقصى طبعاً بإسناد فعل المباركة إلى الله تعالى (باركنا) ولم يقل بورك حوله مع أنه في بدابة الآية لم يكن الضمير ضمير المتكلم (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) ليدل على أن المتكلم هو الله وليس نقلاً عنه هو الذي باركه. لو قال بارك حوله يعني يتكلم عن غائب.
سؤال: قد يسأل سائل لماذا لم يتكلم ربنا تعالى بضمير المتكلم في حال الإسراء؟
ماذا يقول سبحاني؟!
وقال (باركنا حوله) ولك يقل باركناه لتشمل المباركة المسجد وما حول المسجد ولو قال باركناه يعني فقط المسجد. هذا حكم آخر مكة كلها حرم. بارك المسجد وحول المسجد لم يقل إذن باركناه ويكفيه بركة أنه مسجد (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ (18) الجن).
سؤال: باركنا حوله هل توحي بالضرورة أن المسجد مبارك؟
هو المباركة حوله جاءت بسبب المسجد ثم ربنا تعالى ينسب المساجد إليه (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ (18) الجن) (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ (18) التوبة) وفي الحديث "أحب البقاع إلى الله المساجد" والمساجد بيوت الله في الأرض، حتى في الجاهلية لما قال زهير: فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله، هذا تعظيم للبيت.
ثم لاحظ أنه أطلق المباركة (باركنا) لم يقل باركناه بكذا. بارك قد تكون معنوية من البركة أما (باركنا حوله) عامة روحانية ومعنوية ومادية كلها مباركة مطلقة. ثم نلاحظ أنه قال (باركنا حوله) ولم يقل (باركنا ما حوله) حتى تبقى المباركة دائمة لأنه لو قالها ستخص الأشياء المعينة التي حوله وإذا زالت تزول المباركة أما (باركنا حوله) لا بد للمسجد أن يكون له حول فباركه. لو قال باركنا ما حوله يعني بارك الأشياء المعينة التي حوله إذا زالت تزول المباركة أما باركنا حوله بقيت المباركة ببقاء حوله.(1/15)
ثم قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لما قال (باركنا حوله) يعني إلتفت إلى المتكلم ليدل على أن المتكلم هو الله قال (لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لماذا أسرى؟ (لنريه) تعليل وهذه لام العِلة يعني إذن تدل على أن أفعاله سبحانه معللة لحكمة ومعنى ذلك أن هنالك منهجاً لهذه الرحلة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) حتى يرى من آياتنا، وقال (من آياتنا) وليس آياتنا (من للتبعيض) يعني هناك أمور محددة (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) لا يراها كلها وإنما جزء. إذن هي معللة ولحكمة. الآيات بمعنى مخلوقات الله العظيمة والمعجزات.
سؤال: إذن رحلة الإسراء والمعراج كلها ليرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من آيات الله؟
نعم من آيات الله.
نلاحظ قال (لنريه) ولم يقل ليرى ولم يقل ليُرى. (ليرى) من تلقاء نفسه وإنما هذه رحلة فيها منهج. لما قال (لنريه) من الذي يُريه؟ الله سبحانه وتعالى، لو قال ليُرى لا نعلم من الذي أراه لكن قوله (لنريه) ذكر الفاعل هو الذي يريه بإرادته وهذا تعظيم لله وللرسول، الله تعالى هو الذي يريه بإرادته هذه.
سؤال: بعد ذلك قال (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم)؟
هذه بعد أن أراه ربه، أراه فرأى إنما بداية الرؤية من قِبَل الله سبحانه وتعالى. إذن وأضاف الآيات إلى نفسه سبحانه (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) وليس من الآيات، كلها تعظيم.
سؤال: جمع آيات هنا هل له دلالة خاصة؟
هي ليست آية واحدة وإنما جمع من الآيات.
((1/16)
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) رجع للإفراد بعد أن قال (من آياتنا، لنريه، باركنا) قال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ليدل على أنه واحد لا شريك له منزه عن الشرك وذكرنا في أكثر من مناسبة أن هذا أسلوب مضطرد في القرآن الكريم أنه حيث يذكر ضمير التعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على أنه واحد لا شريك له. وقال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ولم يقل إنه سميع بصير، (هو) ضمير الفصل الإعلان له الكامل في ذلك وأنه مختص به سبحانه. يأتي السؤال لماذا قال (السميع البصير) وكان المضمون أن يأتي بما يدل على القدرة؟
سؤال: هل هناك فرق في النحو بين (إنه هو السميع البصير) و(إنه السميع البصير)؟(1/17)
إنه هو السميع البصير آكد. مع أنه وردت في القرآن (والله سميع عليم) هذه حسب السياق الذي يأتي بها والضمير (هو) للتأكيد، آكد والكمال في ذلك، لم يقل على كل شيء قدير، هكذا كان المضمون، هو أفاد القدرة لما قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) دل على قدرته ولو قال كل شيء قدير هو مفهوم مما سبق لم يضف شيئاً جديداً وإنما هو معلوم مما مضى ولكنه أراد أن يذكر ملحظاً آخر: هو أولاً لماذا أسرى به؟ ليرى ويسمع وليدل على أن ما يراه يراه ربه وأن ما يسمعه يسمعه ربه. إذن هو اختيار لأنه أراد ربه أن يرى ويبصر ويسمع قال (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فما يسمعه يسمعه ربه وما يبصره يبصره ربه. قد تسأل لماذا لم يقل السميع العليم مع أنه سبحانه قالها في مواطن؟ الذي يسمعك ويبصرك هو عليم بك، الذي يعلم ليس بالضرورة أن يبصرك إذن هنا ما هو أدل على العلم لأن العليم قد يكون غائباً عنك إذن هنا السميع البصير شمل العلم والرؤية والسمع هذا أمر. تقول ربنا قال في مواطن السميع العليم قال (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف) (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وقال (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) غافر) لماذا؟ لما قال (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ) لما ذكر الشيطان الذي لا يُرى ولا تُرى وساوسه وإنما تُعلم قال (السميع العليم) لكن لما قال (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) غافر) هؤلاء يُبصر بعضهم بعضاً.(1/18)
لماذا قدم السمع على البصر في الآية (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ؟ في الأكثر وليس الغالب يقول السميع العليم لأنه من يسمعك أقرب إليك ممن يراك.
نلاحظ أنه ذكر في هذه الآية جملة من صفات الله سبحانه، ذكر الحياة لما يقول (سميع بصير، أسرى بعبده) معناه أنه حيّ، الحياة والقدرة في الإسراء والحكمة (لنريه من آياتنا) والسمع والبصر، يعني لا شك أن السميع البصير القدير يكون حيّ، من يفعل العلّة فهو حكيم وذكر صفة الخلق تضمناً (لنريه من آياتنا) إذن ذكر أبرز صفات الألوهية الحياة والخلق والملك والقدرة والحكمة والسمع والبصر. ذكر هذه الأمور تعريض بآلهة الكفار التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل وهي عاجزة. نلاحظ أنه ذكر الكمال فيما ذكر من صفات الله، ليس فقط ذكرها وإنما ذكر الكمال فيها، ذكر الكمال في القدرة والسمع والبصر والحكمة، أي شخص قد يكون سميع بصير ولكنه أحمق متهور فتكون هذه الصفات عيباً فيه، ربنا نفى هذا بقوله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) نزّه نفسه عن صفات النقص وما لا يليق إذن كان كاملاً في هذه الصفات كلها منزهاً عن العيوب فاستحق الثناء هذا علاوة على أن قوله (سُبْحَانَ) يفيد تنزيهه عما كان يصفه أهل الجاهلية (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) الإسراء).
آية (1):
*انظر ???.
*لمسات بيانية في الإسراء والمعراج للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي *
جاء ذكر حادثة الإسراء صريحاً في الآية الأولى من سوة الإسراء أما المعراج فجاء ذكر أحداثه في سورة النجم في آيات متتالية من الآية 1 إلى الآية 18.
{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }(1/19)
حُفّت السورة كلها بالتسبيح والتحميد قبلها وبعدها ولعلّ في هذا إشارة إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - سينُقل إلى مكان وعالَم كله تسبيح: سورتي النحل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) وسورة الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا )، وآياتها حُفّت بالتسبيح والتحميد في بدايتها بالآية 1 وفي آخرها (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) آية 111. وقد سُبقت السورة بالمعيّة في أواخر سورة النحل (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ) آية 128 ومن أعلى أنواع المعيّة أن يُعرج به - صلى الله عليه وسلم - إلى حيث من يُحبه بعدما لاقى من الأذى ما لاقاه من قومه وهذه أعلى معيّة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وكأنه هو أعلى من الذين اتقوا والذين هم محسنون.
بداية السورة: سبحان: كما هو معروف لغوياً سبحان هي إما إسم مصدر أو عَلَمٌ على التسبيح. ولقد ورد التسبيح في القرآن الكريم في سور شتّى فورد بصيغة الفعل الماضي (سبّح لله ) وفعل مضارع (يُسبح لله) أو فعل أمر (فسبّح باسم ربك) وورد بتعدية الفعل نفسه (سبّح اسم ربك الأعلى) (وتسبّحوه بكرة وأصيلا) وبالباء (فسبّح باسم ربك) وورد بلفظ تسبيح وتسبيح اسمه (سبّح اسم ربك) فنحن نسبّحه ونسبّح له ونسبّح باسمه ونسبّح بحمده (فسبّح بحمد ربك ولستغفره) وباللام.(1/20)
سبحان الذي أسرى: المجيء بالمصدر يفيد الإطلاق بدون تقيّد بزمن أو بفعل أو بفاعل تسبيح مطلق قبل تسبيح أحد لا بفاعل معين ولا بزمن معين قبل خَلق المسبّحين أصلاّ. والإفتتاح بسبحان طبع السورة بجو التسبيح وشاع فيه ذكر التسبيح (سبحانه وتعالى عمّا يقولون علواً كبيرا) (تسبح له السموات السبع والأرض) (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) وهي أوسع وأشمل توسيع على الإطلاق.
الفعل عادة مقيّد بزمن ومقيّد بفاعل فعندما قال تعالى (سبحان الذي أسرى) كان مطلقاً قبل وبعد تسبيح المسبّحين لا بفاعل معين وزمن معيّن إنما له التسبيح المطلق قبل أن يخلق المسبحين أصلاً. فالإطلاق في التسبيح في السورة متناسب جداً مع ما جاء في أول السورة (سبحان الذي) وهو التسبيح المطلق. وليس هناك في القرآن كله سورة شاع فيها التسبيح كما شاع في سورة الإسراء ولا توجد سورة تضاهيها في التسبيح ولعلها إشارة إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سينتقل إلى عالم وجو مليء بالتسبيح (الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون) فالسورة إذن مشحونة بالتسبيح. وأسرى تفيد المشي ليلاً وقد يكون من معانيها التسرية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعدما لاقاه في عام الحزن وما حصل له في الطائف فأراد الله تعالى أن يُسرّي عن رسوله ويريه كيف تكون حفاوته في السماء بعد أن هان على الكفّار في قريش والطائف فآذوه ولم ينصروه هذا والله أعلم.(1/21)
بعبده: لم يقل برسوله ولا بمحمد وإنما قال بعبده. الإختيار لكلمة (بعبده) له جملة معاني أولها: أن الإنسان مهما عظُم لا يعدو أن يكون عبداً لله تعالى لا ينبغي لأحد أن يدّعي مقاماً ليس للآخرين وحتى لا يًعظّم أكثر مما ينبغي (كما فعل النصارى بعيسى - عليه السلام - ) فاختيار كلمة عبد حتى لا يُدعى له مقام غير مقام العبودية. فمقام العبودية لله هو أعلى مقام للخلق وأعلى وسام يُنعم الله تعالى به على عباده الصالحين تماماً كما وصفت الآيات نوح - عليه السلام - (إنه كان عبداً شكورا) وأيوب (نعم العبد إنه أوّاب) والرسول - صلى الله عليه وسلم - (وإنه لمّا قام عبد الله يدعوه). والعبودية نوعان: قسرية واختيارية، فالعبودية القسرية تتحقق شاء أم أبى (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا) سورة مريم أما العبودية الإختيارية فهي أعلى مقام العبودية ولمّا ذُكر موسى - عليه السلام - ذكره الله تعالى باسمه وأعلى مقام لموسى كان في المناجاة (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) إلى قوله (خرّموسى صعقا) لم يكن ليقل خرّ عبدنا موسى أو جاء عبدنا موسى فلا يجوز أن ينسب العبودية له ثم يخرّ صعقاً هذا لا يحدث ولا يجوز أصلاً، أما الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما ذكر بصورة العبودية أعقبها أنه عُرِج به إلى السماء وإلى سدرة المنتهى وخاطبه ربه بمقام لم يصل إليه أحد إلاّ هو - صلى الله عليه وسلم - فلذا كان استعمال كلمة (بعبده) دلالة على زيادة التشريف له - صلى الله عليه وسلم - والباء أيضاً إضافة تشريف وهي تدلّ على الرعاية والحفظ مثل قوله تعالى (فأوحى إلى عبده).(1/22)
ليلاً: كلمة أسرى معناها ليلاً لأن الإسراء لا يكون إلا ليلاً (ظرف مركّب) حتى نفهم أن الرحلة الطويلة من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى والعروج إلى السماء كانت كلها في جزء من الليل وقد جاءت كلمة (ليلاً) بدل الليل لأن الليل تدل على الليل كله أما الإسراء فقد تم في جزء من الليل فقط وليس الليل كله.
من المسجد الحرام: أي من عين المكان ويكفي تسمية المسجد الحرام يعني أن لا يحدث فيه سوء. أكثر العلماء يقولون أن الإسراء لم يتم من المسجد الحرام وإنما من بيت أم هانئ وفي هذا التفاتة إلى أن مكة كلها حرم.
المسجد الأقصى: لم يكن آنذاك مسجداً لكن هذا إشارة إلى أنه سيكون مسجداً.
باركنا حوله: أسند تعالى المباركة لنفسه للدلالة على التعظيم ولم يقل بورك حوله والنون للعظمة لم يقل باركناه بل قال باركنا حوله لآنه لو قال باركناه لانحصرت المباركة بالمسجد فقط أما باركنا حوله فهو يشمل كل ما حوله وهو تعظيم للمسجد نفسه ولكنه إشارة أن المباركة حول المسجد أيضاً. ولم يقل باركنا ما حوله لأنها عندئذ تعني الأشياء فإذا زادت الأشياء زادت المباركة وإذا ذهبت ذهبت المباركة لكن المباركة كانت مطلقة تشمل أشياء معنوية وماديّة وروحانية بما أودع الله تعالى من رزق وخير وإرسال الرسل ولا تختص المباركة بشيء معين واحد وإنما تشمل كل هذه الأشياء.
لنريه: إلتفات لأسلوب المتكلم بعد أن ابتدأ بالغائب (سبحان الذي أسرى) إلتفت سبحانه للمتكلم ليدلّ على أن المتكلّم هو الله تعالى وليس شخصاً يُخبر عنه إنما كان من الله تعالى مباشرة. وكلمة (لنُريه) تدلّ على أن أفعاله سبحانه معلّلة ولغرض معيّن ولحكمة قد يذكرها وقد يخفيها عنّا سبحانه وكأن هذه الرحلة معدّ لها.(1/23)
من آياتنا: أي مقرر ومُعدّ أن يرى بعض الآيات وليس كلها ولنريه: إسناد الفعل لله تعالى وشدة احتفائه برسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل ليرى أو ليُرى إنما جاءت (لنُريه) وهذا إكرام وتشريف آخر من الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الرحلة. وإضافة الآيات إلى نفسه تعالى تأتي من باب الإحتفاء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - .
إنه هو السميع البصير: عودة إلى الإفراد والوحدانية. ضمير التعظيم يأتي بعد أو قبل ضمير الوحدة في القرآن الكريم وهذا حتى لا يلتبس على السامع ويُشرك مع الله أحدا والأمثلة على ذاك كثيرة في القرآن الكريم تماما كما في سورة الكوثر (إنا أعطيناك الكوثر* فصلّ لربك وانحر) إنا تفيد التعظيم والكاف تفيد الوحدانية لأن الربّ واحد لا شريك له. وهي تدل على أنه سبحانه في الحقيقة هو المتفرّد بهذه الصفات ولقصر الصفات له سبحانه جاء بالضمير (هو) .
لماذا خُتمت الآية بـ (السميع البصير)؟ ما دلالة السمع والبصر هنا؟ سياق الآيات تقتضي ذكر قدرة الله تعالى الحقيقة أنه لو قال إنه هو القدير أو إنه على كل شيء قدير لا يزيد شيئاً على معنى الآية لأن ما في الآيات اثبات لقدرة الله تعالى والرسول - صلى الله عليه وسلم - أُسري به ليسمع ويرى أشياء لم يسمعها ولم يرها من قبل لذلك ناسب سياق الآيات أنه ما يراه الرسول - صلى الله عليه وسلم - يراه ربّه وما يسمعه يسمعه ربّه لذلك إنه هو السميع البصير.(1/24)
فلماذا لم تأتي الآيات (السميع العليم) مثلاً كما وردت في آيات أخرى في القرآن؟ الذي يسمع ويرى هو عليم ولكن إذا قيل عليم قد يكون غائب عنك فالعليم ليس فيه حضور أما السميع البصير ففيه حضور. ولقد وردت (السميع العليم) في آيات أخرى لأن المقام في تلك الآيات اقتضى ذلك (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة الأعراف آية 200 عندما ذكر نزغات الشيطان، والشيطان لا يُرى ووساوسه لا تُرى كذلك لذلك جاءت الآية (سميع عليم). أما عند ذكر البشر في آية أخرى تأتي ختام الآية بـ (السميع البصير) (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سورة غافر آية 56.
لماذا قدم السمع على البصر؟
1. لأن من يسمعك أقرب ممن يراك فالشخص الذي تسمعه أنت أقرب إليك من الذي تراه وهذا يُشعر بالطمأنينة والأمن والقرب.
2. السمع هو أهمّ من البصر في مجال الدعوة فاقد البصر يمكن أن يبلّغ في مجال الدعوة أما فاقد السمع فيصعب تبليغه.
3. الإسراء في الليل والليل آيته السمع. وفي القرآن عندما يأتي ذكر الليل تأتي الآيات بـ (أفلا يسمعون) وعند ذكر النهار تأتي (أفلا تبصرون) فكلّ آية تناسب وقتها فالليل للسمع والنهار للإبصار.(1/25)
4. قُدّم السمع على البصر في القرآن إلا في مواطن قليلة منها في سورة الكهف (أبصر به وأسمع) لأن السياق يقتضي ذلك، فقد خرج أهل الكهف فارّين حتى لا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في ظلمة الكهف وفي تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. وفي سورة السجدة (ربنا أبصرنا وسمعنا) قدّم البصر هنا لأنهم كانوا يسمعون في الدنيا ويكذبون في الآخرة وأبصروا العذاب والحقيقة وقولهم يعني انهم موقنون واليقين لا يتأتى إلا بالإبصار وليس بالسمع (عين اليقين) لأنهم رأوا العذاب عين اليقين.
لفتة: وردت كلمة سميع والسميع في القرآن الكريم 46 مرة ووردت كذلك كلمة بصير والبصير 46 مرة.
خلاصة:
1. أن الحياة والقدرة والسمع والبصر والحكمة وصفة الخلق كلها صفات وردت في هذه الآية ثم ذكر الكمال في هذه الصفات بكلمة واحدة هي (سبحانك) فالفرد قد يكون سميعا وبصيرا وذا قدرة ولكن قد يكون أحمقا أما كلمة سبحانك فجاءت نفياً وتنزيهاً لله تعالى عمّا يصفه أهل الجاهلية.
2. ارتباط أوّل السورة بآخرها فقد بدأت بالتسبيح وختمت بالتحميد. نعمة الإسراء نعمة عظيمة جليلة فجاء في ختام السورة قوله تعالى (وقل الحمد لله) حمداً لله على نعمة الإسراء.
3. ختمت السورة بالباقيات الصالحات (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) وبعد هذه الآية تبدأ سورة الكهف استجابة لهذا القول (قل الحمد لله فافتتحت سورة الكهف بالآية (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) وفي قوله في سورة الكهف في آية 4 (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) رد على آخر سورة الإسراء أنه سبحانه ليس له شريك في الملك.(1/26)
*ما معنى كلمة التسبيح؟ وهل له أنواع؟(د.فاضل السامرائى)
التسبيح هو التنزيه عما لا يليق، أصل التسبيح هو التنزيه (سبّح لله) أي نزّهه هؤلاء كلهم بما نفقه وبما لا نفقه من تسبيحهم (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء) الطير تسبّح والأشجار تسبّح وكل شيء يسبح (وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15) الرعد) لا نفقه تسبيحها. التسبيح هو التنزيه عن كل ما لا يليق، عن كل نقص، أن تقول لله ولد أو تشبهه بخلقه أو أي شيء لا يليق بذاته. التسبيح ورد في صور شتّى: ورد التسبيح بالفعل الماضي (سبّح) وورد بالفعل المضارع (يسبح) وورد بفعل الأمر (فسبِّح) (سبِّح اسم ربك) وورد بإسم المصدر (سبحان الذي أسرى بعبده) كل هذا ورد فيه، لماذا؟ سبّح للزمن الماضي، يسبح مضارع للحال والاستقبال (المضارع للاستقبال كما في قوله تعالى (إن الله يفصل بينهم) هذا في يوم القيامة) حتى أن بعض النحاة قالوا هو للإستقبال أولاً ثم للحال. (سبِّح) الأمر وهو يدل على أن تبدأ به وتستمر، سبحان إسم مصدر. إسم المصدر قريب من المصدر، سبحان معناه علمٌ على التنزيه.نلاحظ أن الفعل مرتبط بزمن وبفاعل حتى يكون فعلاً، المصدر هو الحدث المجرّد الذي ليس له زمن ولا فاعل. إذن صار التنزيه إستغراق الزمن الماضي (سبح) والحال والمستقبل (يسبح) والأمر بالتسبيح ومداومته (سبّح) وسبحان التسبيح وإن لم يكن هناك من لم يسبح في السموات والأرض قبل الزمان وبعد الزمان إن كان أحد أو لم يكن فهو يستحق التنزيه سبحانه سواء كان هناك من يسبح بفاعل أو بدون فاعل فاستغرق جميع الأزمنة وقبل الأزمنة وبعد الأزمنة واستغرق الخلق وما قبل الخلق وما بعد الخلق.(1/27)
ليس هذا فقط إنما لاحظ كيف ورد التسبيح؟ ورد التسبيح (سبِّح اسم ربك الأعلى) ذكر الإسم، و(سبّحوه بكرة وأصيلا) لم يذكر الإسم وذكر المفعول به مباشرة، (سبّحه) (سبِّح اسم ربك الأعلى) متعدي وسبّح بإسمه متعدي بالباء، متعدي بنفسه والتعدية بالإسم وبالحمد (فسبح بحمد ربك)، (سبّح) هو في الأصل فعل متعدي. الفعل اللازم هو الذي يكتفي بفاعله ولا يأخذ مفعول به مثل ذهب ومشى ونام، الفعل المتعدي يتعدى إلى مفعول به مثل أعطى، وأحياناً يستعمل المتعدي كاللازم بحسب الحاجة مثلاً أحياناً يكون متعدياً إلى مفعوليم أو يذكر مفعولاً واحداً مثلاً (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) الضحى) ماذا يعطيك؟ أطلق العطاء ولم يقيّده بأمر معيّن. وقالوا يستعمل إستعمال اللازم كما في قوله تعالى (حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) التوبة) وأحياناً لا يذكر المفعول به أصلاً (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) يونس) (يفقهون) فعل سمع متعدي (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) النمل) علم تأخذ مفعولين ما ذكرها لأنه أراد الفعل بالذات ولم يُرِد المتعلق. قد نستعمل المتعدي كاللازم نريد الفعل وليس مرتبطاً بالمفعول به كما تقول مثلاً: فلان يعطي ويمنع، ماذا يعطي؟ وماذا يمنع؟ (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) طه) هو يسمع ويرى ولا يقيّد بشيء معين.
*ما دلاله وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبد فى قوله تعالى(بعبده)؟(د.فاضل السامرائى)(1/28)
اختار كلمة عبد وأضافه إلى ضميره الإنسان لما يقول عن نفسه أنا عبد الله هذا تواضع والله تعالى لما يقولها عن عبد يكون تكريماً وهذا فيه تكريمان: الأول إختيار كلمة (عبد) لأن الله تعالى في القرآن الكريم لما يذكر (عبد) يذكره في مقام التكريم لأن العبودية نوعان في القرآن الكريم: العبودية الإختيارية والعبودية القسرية. العبودية الإختيارية هي أن الإنسان يختار أن يكون عبداً لله مطيعاً له وبهذا يتفاضل المؤمنون. ففي مقام مدح نوح ? قال تعالى (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء) أثنى على نوح وصفه بالعبودية. وقال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً (1) الإسراء) وصفه بالعبودية (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) الجن). أما العبودية القسرية فليس فيها فضل لأنه رغم عن الإنسان نحن كلنا عباد الله شئنا أم أبينا (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) مريم) عبادة قسرية رغماً عنا، الله تعالى يرزقنا ويختار لنا المكان الذي نولد فيه ويختار الأبوين ويعطينا إمكانيات ونعيش في السنن التي وضعها لا نتجاوزها هذه عبادة قسرية شئنا أم أبينا ليس فيها فضل وكل الناس هكذا (أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) الفرقان) هذه عبودية قسرية ليس فيها فضل وقمة العبودية هي العبودية الإختيارية وحتى الأنبياء يتفاضلون في عبوديتهم لله سبحانه وتعالى (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) ص). فكلمة عبد وسام للشخص من الله تعالى فإذا أضافها إلى ضميره (عبده) نسبه إليه إذن فيها تكريمان لأنه لما ينتسب العبد إلى الله تعالى يكون في حمايته.(1/29)
ولذلك لاحظ يقولون لما قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) لما ذكر كلمة عبد عرج به إلى السموات العلى وإلى سدرة المنتهى ولما ذكر موسى بإسمه قال (وَخَرَّ موسَى صَعِقًا (143) الأعراف) إذن وكأن مقام العبودية عند الله سبحانه وتعالى مقام عظيم.
*السُرى هو السفر ليلاً فما دلالة ذكر (ليلاً) في آية الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً (1))؟(د.فاضل السامرائى)(1/30)
في الحلقة الماضية تعرضنا إلى أن هناك ظرف مؤكد وظرف مؤسس. الظرف المؤسس يعطيك معلومة جديدة لم تستفدها من الجملة السابقة للظرف كأن تقول سافرت يوم الجمعة، يوم الجمعة لم تستفدها إلا بعد أن ذكرت الظرف. أولاً (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) ليلاً: ظرف مؤكد لأن الإسراء لا يكون إلا بالليل. والتوكيد في الظروف وغير الظروف أسلوب عربي وجائز. في الصفات كقوله تعالى (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) الحاقة) هي نفخة واحدة وقال تعالى (وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ (51) النحل) الإلهين يعني اثنين. إذن عندنا تأسيس وتأكيد في الحال والصفات والظروف. إذن ليلاً هو ظرف مؤكد، هذا أمر. والأمر الآخر أن كلمة ليلاً أفادت معنى آخر غير كونها ظرف مؤكد وهو أن الإسراء تم في جزء من الليل. لما تقول سافرت ليلاً أي سافرت في هذا الوقت لا يعني أنك قضيت الليل كله لكن لما تقول سافرت الليل أي قضيت كل الليل سفراً. عندما تأتي بالألف واللام سافرت الليل أو الليل والنهار أو مشيت الليل والنهار أي كله لأن هذا جواب (كم؟). لما تقول سافرت ليلاً فهو توقيت وجواب عن متى؟ قد تكون سافرت في جزء منه، أما لما تقول سافرت الليل تكون قد استغرقته كله كما في قوله تعالى (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء) هذا يستغرق استغراقاً لا يفترون. (ليلاً) أفاد أن هذه الحادثة كلها، الإسراء تم في جزء من الليل وهذا دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى أن تستغرق الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى التي تستغرق شهوراً والمعراج وما فيه كل هذا في جزء من الليل. إذن كلمة ليلاً أفادت معنيين الأول أنها ظرف مؤكد للإسراء والأمر الآخر أن هذه الحادثة استغرقت جزءاً من الليل. (أسرى بعبده) كم استغرق؟ لا نعلم.(1/31)
كلمة أسرى وحدها لا تدل على جزء محدد من الليل، الإسراء هو المشي بالليل فقط ولو لم يقل ليلاً لما دل على أن هذا تم في جزء من الليل. فكلمة ليلاً إذن أفادت أمرين الظرف المؤكد وأن هذه الحادثة لم تستغرق إلا جزءاً من الليل.
لا توجد كلمة زائدة في القرآن أو حشو وإنما كل كلمة لها دلالة. في القرآن يقولون حرف جر زائد وهذا مصطلح لا يعنون به الزيادة التي ليس لها فائدة وإنما وقوعها بين العامل والمعمول لغرض وهو الزيادة للتوكيد كما في قوله (وما ربك بظلام للعبيد)، هو من حيث وقوعها بين العامل والمعمول تسمى زيادة فهذا مصطلح والمعنى العام هو باقٍ لكن وقعت بين العامل والمعمول وأكّدت والتأكيد أمر موجود في اللغة وقد يستدعي السياق التأكيد فكلمة زائدة عند النُحاة لا تعني أنه ليس لها فائدة، هذا قطعاً ليس هو المقصود وإنما في الغالب تفيد التوكيد وأقول في الغالب لأنه قد تفيد الزيادة شيئاً آخر غير التوكيد.
سؤال: الإسراء من – إلى، ألا يقتضي المنطق أن الظرف يأتي بعد (من – إلى) يعني أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليلاً؟
العامل هو أصلاً متقدم (أسرى) وبعبده وليلاً متعلقة بهذا العامل وهي معمولات لهذا العامل. يبقى الترتيب لما هو أهمّ: بدأ بالزمان (ليلاً) ثم المكان (من المسجد الحرام) كلها حصلت في جزء من الليل وهذا أمر مستغرب أنه من هذا المكان إلى ذلك المكان أن يكون في جزء من الليل، ليس مستغرباً أن تذهب من هذا المكان إلى ذلك المكان لكن المستغرب والمستبعد أن يتم ذلك في جزء من الليل لذلك هم قالوا نضرب إليها أكباد الإبل ستة أشهر ذهاباً ومجيئاً. هم لم يستغربوا من الذهاب والإياب لأنهم يذهبون ويأوبون ولكن استغربوا من الاستغراق للوقت فقط. لو لم يقل ليلاً لما فهمنا أنه تم في جزء من الليل.
سؤال: هل نقول المعراج أو العروج؟ المعراج هو الآلة والعروج هو المصدر، هو الحدث. نقول الإسراء والمعراج.(1/32)
* ما دلالة كلمة (ليلا )؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ًمن المسجد الحلاام الى المسجد الأقصى )والتوكيد باب كبير في اللغة وليس هناك باب لا يدخل فيه التوكيد مثلاً التوكيد بالجار والمجرور كما في قوله تعالى (ولا طائر يطير بجناحيه) المعلوم أن الطائر يطير بجناحيه ومع هذا جاءت كلمة بجناحيه للتوكيد, والظرف المؤكّد كما في قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) الإسراء يكون ليلاً .
*ما دلالة كلمة (لنريه) في سورة الإسراء؟(د.فاضل السامرائى)
قد يحتمل المعنى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أُعطي الرؤية الإلهية وتعطلت الرؤية البشرية وربما يكون سبحانه وتعالى قد أعطاه رؤية قوية أكثر من قدرة البشر بدليل أنه رأى القافلة ورأى موسى وهو يصلي في قبره ورأى جبريل عليه السلام. والله أعلم.
كلمة عبد في اللغة تعني إنساناً سواء كان مملوكاً أو حُرّاً. فلما يقول في القرآن (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) ما قال بشراً أو إنساناً لأنه يريد أن يربطه بالعبودية لله تعالى وهي أسمى المراتب للبشر ففى أروع المواطن سمّاه عبداً. كلمة عبد لها أكثر من عشرين جمعاً ونظمها أكثر من واحد.
آية (3):
*هل يقترن الصبار مع الشكور دائماً؟(د.فاضل السامرائى)
الصبار لم يرد في القرآن كله إلا مع الشكور بينما الشكور قد تأتي منفردة (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء) (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) فاطر) الشكور تأتي منفردة وغير منفردة أما الصبار فلم تأتي في جميع القرآن وحدها وإنما مقترنة بالشكور. إذا لم يذكر تهديداً ذكر الشكر وحده وإذا ذكر التهديد قرن صبّار مع شكور في جميع القرآن وقدّم صبار على شكور.
آية (4-7):
*د.حسام النعيمى:(1/33)
القرآن الكريم لم يُشِر فيما يتعلق بالنصارى أنهم يوقدون نار الحرب ويسعون في الأرض فساداً وإنما أشار إلى خلاف فيما بينهم يؤدي إلى أذى شديد يؤذي بعضهم بعضاً وهذا الذي وقع في التاريخ.ولو فتشت عمن وراء جيوش دول ليست يهودية تعتدي على دول إسلامية وتحدث حروباً فستجد هؤلاء أحفاد القردة والخنازير وراءهم على وجه اليقين. وكلما حدثت مشكلات لما تبحث فيها البحث العلمي الدقيق تجد هؤلاء وراءها. وهذا مصداق لقوله تعالى (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4)) لكن نحن نأمل بإذن الله تعالى أنه يأتيهم من جاءهم في الماضي ويتبّر ما علوا تتبيرا (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)).
آية (5)-(7):
*في سورة الإسراء عبّر عن الوعدين بفعل جاء (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5)) و (فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا (7)) مع أن وعد أولاهما جاء ووعد الآخرة لم يأت بعد؟(د.فاضل السامرائى)
هل الآخرة في الآية يقصد بها يوم القيامة؟ لم لم يقل أخراهما كما قال أولاهما؟ كلا لا تحتمل لأن الآخرة لها معاني كثيرة.(1/34)
من يقول أن الأول جاء بالماضي والأخر بالمستقبل؟ نبدأ الآية من أولها: قال تعالى (وقضينا) ربنا تعالى هكذا قدّر وهكذا قضى وقرّر. إذن هذه الأمور كلها بعد القضاء والتقدير. قيضنا أي قدّرنا. وقضينا إلى بني إسرائيل لتفسدن في الأرض مرتين هذا كله مستقبل، يتكلم عن أمر سيقع في المستقبل (لتفسدنّ) نون التوكيد تحوّل المضارع إلى استقبال، تخصصه للإستقبال. القضاء هو ماضي قدر الله تعالى في الأزل في علمه أن سيكون ذلك. ماذا قدّر؟ قدّر أن بني إسرائيل سيفسدون في الأرض مرتين (فإذا جاء وعد أولاهما) إذن هذا المجيء مستقبل بالنسبة للقضاء والتقدير الذي كتبه ربنا سبحانه وتعالى وهو ماضي وهذه الأمور ستقع تحقيقاً لما قضى ربنا. فإذن قضينا أي الذي قدّره ربنا تعالى وحكمه وقرّره ثم تأتي الأمور مستقبلية تصدق ما قضى به ربنا فلما قال (فإذا جاء وعد أولاهما) (فإذا جاء وعد الآخرة) كلها مستقبل بالنسبة للقضاء والتقدير فإذن ليس هنالك إشكال، هذا أمر. والأمر الآخر أنه يأتي بعد (إذا) ماضي ومستقبل صحيح أن (إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان وقد تكون للماضي كما في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ (90) يونس) هذا ماضي، (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ (90) الكهف) هذا ماضي، (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا (11) الجمعة) نزلت هذه الآية بعد الحادثة.(1/35)
إذن (فإذا جاء وعد أولاهما) من الناحية اللغوية أن هذا مستقبل لما قدّر ربنا قد يكون حصل أو لم يحصل بعد، هذا أمر آخر لكن كلاهما مستقبل لما قدّره ربنا سبحانه وتعالى. النُحاة يقولون – وإن كان لدي جزئية أخالفهم فيها – أن الشرط هو مستقبل لا ينصرف إلى الماضي، تأتي بالفعل المضاي لكن يُراد به الاستقبال (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا (8) الإسراء) هذا للمستقبل، (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)) جواب الشرط عند النحاة أن الشرط استقبال والماضي في الشروط هو مستقبل. وأنا أرى أنه في الغالب هذا صحيح ولكنه ليس قاعدة عامة بدليل قوله تعالى (قل إن افتريته فعليّ إجرامي) وهو ما افتراه، فليس بالضرورة أن يكون الشرط للمستقبل. موجود في القرآن وفي الشعر العربي ما يخالف ما قاله النُحاة كما في قول الشاعر وهو يرثي أبناءه، هو على قبرهم يرثيهم يقول:فإن يهلك بنيّ فليس شيء على حال من الدنيا يدوم
ونقول: إن كنت عاهدته فأوفِ عهده، ويقول تعالى (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ (26) يوسف). شرط متعلق بماضي لكن الأكثر كما يقول النحاة وهذا فيما أرى هم لهم اجتهادهم ويبدو لي - وأنا طالب علم أمام هؤلاء العلماء –أن بعض الأمور تحتاج للتعديل والتدقيق.
*انظر آية (15).???(الفرق بين البعث والإرسال)
*(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا (7) الإسراء) ما دلالة استخدام لها مع أنه في القرآن يستعمل عليها (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا (46) فصلت)؟(د.فاضل السامرائى)(1/36)
هذه ليست في سياق الإثم وما يقع عليه هو وإنما إساءتكم راجعة إلينا. واحد يقول لقد أسأت لأبيك في هذا، أنت لم تحسن إليه، لم يقل أسأت عليه ليس المقصود لإثم يقع عليه يعني لقد أسأت إلى فلان يعني رجعت الإساءة له، تقول لقد أسأت إلى نفسك قبل أن تسيء إلى نفسك. تلك في مقام العقوبة والإثم وقوع الإثم عليه نأتي بـ(على) أما أحياناً نحن لا نستعمل هذا الشيء دائماً نقول لقد أسأت إلى نفسك لكن هذا ليس في سياق العقوبة. في سياق الإثم مثل سياق العقوبة (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا (7) الإسراء) وقال (فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ (7) الإسراء). نلاحظ آيات أخرى على سبيل المثال (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (46) فصلت) معناه أنه سيوقع عليه عقوبة الإساءة لكن ليس بالذُلّ يعني رجعت الإساءة عليه وتحمل إثمها فربنا يعاقبه عليه وليس ظالماً له (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) الإثم عاد عليه، هذا في مقام حساب. وفي آية أخرى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) الجاثية) يعني سيحاسبكم على ما قدمتم من إساءة وإحسان. نحن نستعملها فنقول لقد أسأت إلى نفسك قبل أن تسيء إلى الآخرين، لقد أسأت إلى أبيك ما كان عليك أن تفعل هذا.
آية (9):
*ما دلالة استخدام إسم الإشارة في الآية(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) الإسراء) و(ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة)؟(د.فاضل السامرائى)(1/37)
إسم الإشارة نفس الإسم أحياناً يستعمل في التعظيم وأحياناً يستعمل في الذم والذي يبين الفرق بينهما هو السياق. كلمة (هذا) تستعمل في المدح والثناء "هذا الذي للمتقين إمام" ويستعمل في الذم (أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) الفرقان) (ذلك) تستعمل في المدح (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (32) يوسف) تعظيم، وأحياناً يكون في الذم تقول هذا البعيد لا تريد أن تذكره فهنا الذي يميز بين ذلك الاستعمال والسياق. (ذلك الكتاب لا ريب فيه) هنا إشارة إلى علوه وبعد رتبته وبعده عن الريب وأنه بعيد المنال لا يستطيع أن يؤتى بمثله (ذلك الكتاب لا ريب فيه) دلالة على البعيد والله تعالى قال في نفس السورة (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ (24)) هذا الأمر بعيد عن المنال أن يؤتى بمثله. إذن ذلك الكتاب إشارة إلى بعده وعلو مرتبته. والقرآن يستعمل (هذا) لكن في مواطن (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) الإسراء) عندما قال يهدي للتي هي أقوم يجب أن يكون قريباً حتى نهتدي به لكن لما قال ذلك الكتاب هو عالي بعيد لا يستطاع أن يؤتى بمثله. ثم إنه لم يذكر القرآن إلا بـ (هذا) ولم يقل (ذلك) كلما يشير إلى القرآن يشير بـ (هذا) (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) لأن القرآن من القراءة وهو مصدر فعل قرأ وكلمة قرآن أصلاً مصدر، قرأ له مصدرين قراءة وقرآناً (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) القيامة). لما تقرأ تقرأ القريب إذن هذا هو القرآن.(1/38)
الكتاب بعيد ليس قراءة وإنما قد يكون في مكان آخر وهو في اللوح المحفوظ يسمى كتاباً. هناك فرق بين الكتاب والقرآن فالكتاب فيه بعد متصور أما القرآن فيكون قريباً حتى يُقرأ. حتى في كلمة الكتاب لما يقول أنزلنا يقول كتاباً (وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا (12) الأحقاف) (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (92) الأنعام).
* في سورة الحديد قال تعالى (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) وفي سورة الإسراء (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)) أكّد في الإسراء ولم يؤكد في الحديد لماذا؟(د.فاضل السامرائى)(1/39)
أولاً: فواصل الآيات هي أنسب مع كل واحدة لأن الإسراء فيها مدّ (أليما، عجولا) لكن ليس هذا هو السبب الأول أو الوحيد أي ليست مناسبة خواتيم الآيات هو السبب الأول وقد يكون سبباً مكملاً يأتي بعد السبب الأول. المعنى هو السيد وليست الفاصلة. وقد يأتي بسورة كاملة ثم يأتي بآية لا توافقها أي آية ففي بداية سورة الإسراء قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)) ولا تجد مثل هذه الفاصلة في جميع السورة وإنما كلها مدّ. فالمعنى هو الأول لكن قد يأتي مع تمام المعنى ما يناسب الفاصلة. نذكر لماذا أكدّ ولماذا لم يؤكد والنتيجة أنه كل آية مناسبة لفواصل الآيات. في آية الحديد قال تعالى (فالذين آمنوا) بصيغة الفعل أما في الإسراء فقال تعالى (ويبشر المؤمنين) بالإسم. معلوم كما هو مقرر في البلاغة وفي اللغة أن الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد والإسم أقوى من الفعل، هناك فرق بين أن تقول هو متعلم أو هو يتعلم وهو يتثقف وهو مثقف، هو يتفقه وهو فقيه، هو حافظ أو هو يحفظ من الثوابت في اللغة أن الإسم يدل على الثبوت في اللغة حتى لو لم يقع. في البلاغة عموماً يذكر أن هذا أمر ثابت تذكره بالصيغة الإسمية قبل أن يقع، تسأل مثلاً هل سينجح فلان؟ فتقول: هو ناجح قبل أن يمتحن لأنك واثق أنه ناجح كما قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة) (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37) هود) لم يقل سأغرقهم. هذا في التعبير أقوى دلالة من الفعل. الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد.(1/40)
فإذن في سورة الحديد قال (فالذين آمنوا) صيغة فعل وفي الإسراء (ويبشر المؤمنين) فالصيغة الإسمية أقوى.
ثانياً: الإيمان في سورة الحديد خصصه الله تعالى بالله ورسوله (آمنوا بالله ورسوله) إذن الإيمان مخصص، أما في الإسراء أطلقها (ويبشر المؤمنين) لم يخصص الإيمان بشيء، جعله عاماً في كل متطلبات الإيمان ليست مختصة بالله ورسوله فالإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كل أركان الإيمان أطلقها ولم يقيدها فجعلها أعمّ أما في الحديد فالإيمان مخصص بشيئين: الإيمان بالله ورسوله. في الإسراء مطلق لم يخصصه (ويبشر المؤمنين) هذه في الإسراء أعمّ من آية سورة الحديد.
ثالثاً: في سورة الحديد ذكر الإنفاق (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) ولم يذكر غيره من العمل الصالح أما في آية الإسراء فقال (الذين يعملون الصالحات) الذين يعملون الصالحات أعم، الإنفاق هو شيء من العمل الصالح فالذين يعملون الصالحات أعمّ من الذين أنفقوا. إذن أولاً كونهم مؤمنين أثبت من الذين آمنوا ثم أطلق الإيمان بكل مقتضيات الإيمان (مؤمنين) ولم يقيده والعمل أطلقه ولم يقيده بشيء لم يقيده بإنفاق (يعملون الصالحات) فلا شك أن آية الإسراء أعمّ فلما كان أعمّ إذن المغفرة والأجر الكبير تُؤكّد للأعمّ الثابت لا للجزئية. مؤمنين أعمّ وأثبت، مؤمنين عامة على الإطلاق وليس فقط بالله والرسول، العمل بإطلاق، عموم العمل وليس فقط الإنفاق إذن توكيد الأجر الكبير أنسب مع الذين ذكرهم في آية الإسراء مع من هو أعمّ في العمل والإيمان وأثبت في الإيمان. إضافة إلى الفاصلة التي في كل آية لكن لو سألنا شخصاً لا يعلم بالبلاغة نقول له أنت عندك آيتان كالتي معنا فأين تؤكد الأجر؟ يقول في الإسراء. بلاغة القرآن كالقوانين الرياضية الثابتة.
*ما الذي يحدث لو لم يؤكد في الإسراء؟(1/41)
لو كان كلاماً عادياً لا يؤكد لكن لما تأتي في البلاغة ويأتيك موطنين كل واحد في مكان. البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال بمعنى ماذا يحتاج الحال؟ هل يحتاج توكيد؟ أنت رأيت إنساناً مُنكِراً تؤكد له، غير منكر لا تؤكد له، إنسان منكر إنكار كبير تقسم له هذا ما يقتضيه الحال. أي الحالين يقتضي توكيد الأجر الكبير؟ لو كان كلام متكلم عادي يتكلم بما يشاء لكن هل هو على حد البلاغة أن يكون كلام في مكانين وواحد منهم فيه أمور أرسخ من الآخر وأوسع وأعم تجعلهما بشكل واحد؟!.
آية (11):
*مسألة الزمن (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11) الإسراء) ما دلالة (كان) ؟(د.فاضل السامرائى)
ذكرنا في وقت سابق أن (كان) يفرد لها النُحاة بكلام في زمنها: أولاً الزمان الماضي المنقطع كأن تقول كان نائماً واستيقظ، كان مسافراً ثم آب. وفي الماضي المستمر (كان الإستمرارية) بمعنى كان ولا يزال (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11) الإسراء) (وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا (100) الإسراء) (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) الإسراء) (إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) النساء) يسمونها كان الإستمرارية أي هذا كونه منذ أن وُجِد. ليس في الماضي المنقطع (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) الإسراء) لا تعني كان عدواً والآن أصبح صديقاً وإنما كان لا يزال عدواً. و (كان) تفيد الإستقبال (وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) النبأ) أي صارت في المستقبل. (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) الواقعة) أي صرتم، أصبحتم. (كان) في كلام كثير عند النُحاة غير كان التامة والناقصة من حيث الزمن ليس مثل ما يظن بعض من عندهم معرفة قليلة باللغة وهؤلاء عليهم أن يراجعوا قواعد اللغة.
آية (12):(1/42)
*قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا (6)) عطف بدون اللام مع أنه في موضع آخر في القرآن عطف باللام مثل في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً (12) الإسراء) فما اللمسة البيانية في هذه الآية؟(د.فاضل السامرائى)
لماذا لم يكرر اللام في (يتخذها)؟ المعلوم المقرر في قواعد النحو أن التكرار آكد من عدم التكرار مثلاً عندما تقول مررت بمحمد وبخالد أقوى من مررت بمحمد وخالد الذكر أقوى هذه قاعدة وآكد. إذن عندنا هنا أمران: هو لماذا يشتري لهو الحديث؟ ذكر أمران: ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزواً هل هما بمرتبة واحدة؟ الغرض الأول هو ليضل عن سبيل الله أما إتخذت الهزو فليس بالضرورة أن يذهب فيشتري فالهزو يهزأ في مكانه السخرية لا يحتاج أن يذهب ويتاجر ويشتري لا يحتاج إذن هما ليسا بمرتبة واحدة، إذن ليضل عن سبيل الله وهو الشراء في الأصل ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزوا تأتي بعدها وليسا بنفس القوة وهذا الترتيب له غرض. إذن عندنا أمران بعضهما أقوى من بعض وآكد من بعض، الأول (لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) والثاني دونه في التوكيد (وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا) فحذف اللام.(1/43)
أما في الآية (لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) ذكر أمران كلاهما له مكانة في الأهمية (لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) هل يمكن أن نعيش بدون معرفة السنين والحساب؟ والابتغاء؟ كلاهما مهمان في الحياة علم السنين والحساب ضروري في الحياة وفي خارج القرآن لو قال في الآية لتبتغوا فضلاً من ربكم وتعلموا عدد السنين والحساب تصبح دونها في التوكيد والأهمية وهذه قاعدة. مررت بمحمد وبخالد آكد من مررت بمحمد وخالد وآكد منهما مررت بمحمد ومررت بخالد. هذا يدرس في علم البلاغة في غرض التوكيد الذكر والحذف، يذكر لعِلّة ويحذف لعِلّة. عطف بدون تكرار للحرف الأول وعندنا قاعدة الذكر آكد من الحذف.
آية (15):
* ما الفرق بين البعث والإرسال (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا (44) المؤمنون)؟(د.فاضل السامرائى)(1/44)
بعث فيه معنى الإرسال تقول بعثت شخصاً فيه معنى الإرسال لكن في بعث أيضاً معاني غير الإرسال. الإرسال أن ترسل رسولاً تحمّله رسالة لطرف آخر. البعث قد يكون فيه إرسال وفيه معاني أخرى غير الإرسال أي فيه إرسال وزيادة. تبعث بارِك أي الجمل، تبعث الموتى ليس بمعنى إرسال ولكن يقيمهم، فيه إثارة وإقامتهم (إن للفتنة بعثات) أي إثارات، فيها تهييج. (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا (247) البقرة) أي أقامه منكم. ولذلك عموماً أن البعث يستعمل فيما هو أشد. حتى لما يتكلم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) الجمعة) (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) التوبة) لم يذكر شيئاً آخر الله تعالى يظهر على الدين كله، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) الفتح) انتهت، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) الصف) أما آية(2)(الجمعة) فيها عمل للرسول - صلى الله عليه وسلم - .(1/45)
فالبعث هو أشد وفيه حركة أما الإرسال فلا، فالبعث هو الإرسال وزيادة ولهذا قال تعالى (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5) الإسراء)) فيه قوة وقسوة وعمل.
آية (16):
*(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) الإسراء) فيها قراءتان أمرنا وأمّرنا فما الفرق بينهما؟(د.فاضل السامرائى)
أمرناهم بالطاعة (قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء (28) الأعراف) ففسقوا كما تقول أمرتك فعصيت لا تعني أمرتك بالمعصية. أمرتك فعصيت أي أمرتك بالطاعة فعصيت. (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) (مترفيها يعني علية القوم) أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا فيها مثل أمرتك فعصيت. (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) (أمر) في اللغة فيها معنى آخر وهو كثّر، أمر القوم كثُروا وأمرت القوم كثّرتهم. وعلى هذا المعنى تسير الآية أيضاً كثر المترفين ففسقوا فيها وفي قراءة ليست متواترة (أمّرنا) ليست من القراءات المتواترة. الله تعالى أمرهم بطاعته فعصوا كما يقال في اللغة أمرتك بالطاعة فعصيت ليس فيها إشكال وتحتمل في اللغة كثّرنا فيها المترفين ففسقوا فيها.
*ربما كانت هذه الآية مشكلة في فهمها بدليل (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) هنالك إرادة من الله بإهلاك قرية ما فأمر المترفين، يعني كثير يفهم كيف يأمر الله الأغنياء والمترفين فيفسقوا فيها؟(1/46)
هو لم يأمرهم بالفسق. (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) فيها ناس مفسدين مترفين فهؤلاء كيف يهلكهم الله؟ أن ينزل عليهم أوامر يخالفوه فمخالفته استحقت لأنه إذا كان جاهلاً أو غير عالم بالأمر ليس عليه حجة لكن حتى يقيم عليه الحجة في الهلاك يأمر هؤلاء، هؤلاء هم فاسقين فيها ينهاهم عن ذلك، يأمرهم بالطاعة فيزدادوا فسقاً فيهلكهم.
آية (18):
*ما اللمسة البيانية في استعمال صيغة المضارع مرة وصيغة الماضي مرة أخرى في قوله تعالى (من كان يريد الآخرة) و (من أراد الآخرة)؟(د.فاضل السامرائى)
استعمال فعل المضارع مع الشرط يكون إذا كان مضمون أن يتكرر. أما استعمال فعل الماضي فالمضمون أن لا يتكرر أو لا ينبغي أن يتكرر. كما نلاحظ أيضاً في قوله تعالى (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد) ينبغي تكرار الشكر لذا جاء بصيغة الفعل المضارع (يشكر) أما الكفر فيكون مرة واحدة وهو لا ينبغي أن يتكرر فجاء بصيغة الماضي في قوله (كفر). كذلك في قوله تعالى (من قتل مؤمناً خطأ) المفروض أن القتل وقع خطاً وللمفروض أن لا يتكرر أما في قوله تعالى (من يقتل مؤمناً متعمداً) هنا تكرار للفعل لأنه قتل عمد.
*(مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ (18) الإسراء) هو يريد العاجلة فما دلالة ما نشاء في ختام الآية؟(د.فاضل السامرائى)
ما يشاء ربنا لا ما يشاء هو.
ما نشاء يعني ما يشاء الله تعالى لمن يريد بالقدر الذي يريده للأشخاص الذين يريدهم، ما نشاء يعني القدر الذي نريده ومن نريده من الناس لا من يريده هو، ما يشاء الله تعالى لمن يريد من الأشخاص بالقدر الذي يريد.
آية (23):
*(فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) الإسراء) ما دلالة كلمة أف هل هي كلمة أو حرف؟(د.فاضل السامرائى)(1/47)