ج8ص379
الله عنها لقدر أيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا الأسودان وأنشد :
ولقد أراني للرماح دريئة من عن يميني تارة وأمامي
قاله السمين في إعرابه. قوله : ( تهديدا وتحذيرا الخ ) التهديد من الخطاب والتحذير من
العاقبة من ذكر الرجوع إلى الله وقد جوّز كون الخطاب للرسول والتهديد والتحذير بحاله أيضاً ، وقوله : الرجعى مصدر فألفه للتأنيث. قوله : ( نزلت في أبي جهل الخ ) هو حديث صحيح ، وأن كان في ألفاظه تفاوت فقوله : ينهي عبدا بمعنى يمنع وعبر بالنهي إشارة إلى عدم اقتداره على غير ذلك ، وقال ابن عطية لم يختلف المفسرون في أنّ الناهي أبو جهل والعبد المصلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وماً في الكشاف رواية عن الحسن من أنه أمية بن خلف كان ينهي سلمان رضي الله عنه عن الصلاة فلم يلتفتوا إليه فإنه لا خلاف في أنّ إسلام سلمان كان بالمدينة بعد الهجرة فلا وجه لإيراده هنا. قوله : ( وأجنحة ) أراد ملائكة ذوي أجنحة وقد رآها الملعون ، ولم يميز كونها ملائهكة أم لا كذا في الكشف ، وبين أوّل كلامه وآخره تدافع يدفع بأدنى تأمل. قوله : ( ولفظ العبد وتنكيره ) يعني عدل عن قوله : ينهاك الأخصر الأظهر لما ذكر والظاهر أنه لف ، ونشر مرتب فقوله : في تقبيح النهي تعليل لذكر العبد لأن العبد شأنه عبادة مولاه فنهيه عنها أقبح قبيح ، وكمال العبودية من التنكير إما لأنه للتعظيم أو لدلالته على أنه لا يعرف بغير العبودية وقيل : إنه من إرخاء العنان في الكلام المنصف إذ قال : ينهي ولم يقل يؤذي وعبدا دون نبياً مختارا. قوله : ( أرأيت تكريرا للتأكيد باعتبار الظاهر من تكرر اللفظ فيها وإن قيد كل واحد بقيد يجعله مغايرا لما قبله لأنه يجوز عدم التكرار وعطف القيود أو ربطها بما يقتضيه النظام والخطاب في قوله : أرأيت عام لكل من يضلح للخطاب أو للإنسان كالخطاب في قوله : إلى ربك ويجوز أن يكون للكافر المفهوم من قوله : الذي ينهي أو للنبي صلى الله عليه وسلم إذ هو يختلف كما سيأتي ، وما تقدم هو الراجح لأنّ الذي ينهى عبداً يشمل النبي ، والكافر فخرجا عن الخطاب من هذا الوجه كما في الكشاف يعني أنّ السياق يقتضي لأن يكون المخاطب بالرؤية غير من وقعت عليه فكونه لا يوجب الخروج لأنه تصوير لحاله وحال خصمه بعنوان كل تعسف لا يخفى ، وأمّا وروده على الثالث فسيأتي بيانه مع أنه غير مقبول فوروده عليه مؤيد لتمريضه. قوله : ( وكذا الذي في قوله : أرأيت الخ ) أي هي أيضا تكرير لتأكيد الأولى مثل البانية وعن الزمخشري إنّ أرأيت الأولى وأختيها متوجهات إلى ألم يعلم ، وهو مقدر عند الأوليين ، وترك إظهاره اختصاراً كما في قوله : آتوني أفرغ عليه قطرا ومثاله أن تقول لرجل أخبرني عن زيدان ،
وفدت عليه أخبرني عنه إن استجزته أخبرني عنه إن توسلت إليه أما يوجب حقي ا هـ ، والمراد ما سمعته. قوله : ( والشرطية ) الأولى مفعول أرأيت الأول ، وهكذا الثاني وهذا على أنّ الرؤية علمية لا بصرية بناء على تجويز كل منهما لأنّ للنحاة فيها قولين ولذا ترى المصنف رحمه الله يختار هذا مرة وهذا أخرى وجعل الشرطية في موقع المفعول والجملة الاستفهامية في موقع جواب الشرط إمّا على ظاهره أو على أنهما لدلالتهما على ذلك جعلا كأنهما كذلك لسدهما مسد المفعول والجواب ، وبما ذكر صرّح الرضي والدماميني في شرح التسهيل في باب اسم الإشارة فما قيل من أنّ المفعول الثاني لا رأيت لا يكون إلا جملة استفهامية مخالف لما صرحوا بأنه مختار سيبويه فلا يلتفت إليه. قوله : ( وجواب الشرط ) الأوّل محذوف دل عليه جواب الشرط الثاني وهو قوله : { أَلَمْ يَعْلَمْ } الخ ، وقد جعلوا هنا جملة الاستفهام جواباً للشرط بدون الفاء ، وبه صرّج الزمخشري وارتضاه الفاضل الرضي واستشهد له بقوله تعالى : { إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ } [ سورة الأنعام ، الآية : 47 ] وقال الدماميني في شرح التسهيل إنه مشكل لعدم اقترانها بالفاء والاقتران بها في مثله واجب وقال في الكشف في تجويز كون الاستفهام جزاء الشرط بغير فاء بحث لأنّ ظاهر كلام المفصل وغيره وجوب الفاء في الجزاء الإنثائي والاستفهام وإن لم يبق على حقيقته لم يخرج من الإنشاء ، وفيه كلام كتبناه في حواشي الرضي ، وقوله : محذوف تقديره ألم يعلم أيضا. قوله : ( الواقع موقع القسيم له ) إشارة إلى أنه ليس بقسيم له حقيقة فلذا لم يعطف عليه بأو وإن كان في تقريره للمعنى عطفه عليه لمشابهته للقسيم أداء لحقي(8/379)
ج8ص380
الشبه وعدمه لأنّ تكذيبه وتوليه ليس بمقابل لأمره بالتقوى ، واهتدائه ولم يقصد به ذلك فلا يرد عليه ما قيل : إنّ الظاهر عطفه حينئذ وكون أرأيت تأكيدا لا يتوجه الاعتذار به له ، وقوله : في الكشف إن أرأيت الثالث يستقل به لأنه يقابل الأوّل لتقابل الشرطين أراد به أنه كالمستقل فلا ينافي كلام المصنف رحمه الله كما توهم حتى يقال : إن المصنف ذهب إلى أنّ التقابل لا يمنع تكرير التأكيد ، ولا يقتضي الاستقلال وأنما يستقل لو وقع على الشرطية ، وليس كذلك ولو استقل عطف والقول بأنه ترشيح للكلام المبكت وتنبيه على حقيقة الثاني ليس بذاك ا هـ ، ومن العجائب ما قيل : إنّ قول المصنف أو إن كان على التكذيب إشارة إلى أنّ أو محذوفة فتأمّل.
قوله : ) والمعنى أخبرتي الخ ) إشارة إلى أنّ أرأيت بمعنى أخبرني وقد مرّ تحقيقه وفي
كلامه إشارة إلى أنّ الخطاب لغير معين ، وأنه من إرخاء عنان الإنصاف والتبكيت كما مرّ ، وقوله : بعض عباد الله لا ينافي كون التنوين للتعظيم كما مز لأنّ التعظيم مأخوذ من الإبهام وهو المراد هنا لا أنّ تنوينه للتبعيض كما يتوهم ، وقوله : ذلك الناهي إشارة إلى أنّ اسم كان ضمير
الذي ، وقوله : كما يعتقده إشارة إلى أنّ انتفاء محقق وأنما أتى فيه بأن بناء على زعمه ، وقوله : كما تقول بتاء الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم أو بنون العظمة وقوله : ألم يعلم هو الجواب لا مقول القول فافهم. قوله : ( وقيل المعنى الخ ) يعني أنّ الضمير المستتر في كان للعبد المصلى ، وكذا في أمر والضمير في كذب وتولى ويعلم للذي ينهى وعلى الأوّل الضمائر كلها للذي ينهى وقوله : والمنهي على الهدى والناهي مكذب بيان لحاصل المعنى لا لأنّ الجملة الشرطية حالية والرؤية على هذا علمية أيضاً ، وقيل : إنها بصرية والجواب مقدر كما أشار إليه بقوله : فما أعجب من ذا بقرينة قوله : أرأيت فإنه يفيد التعجب ، وقوله : ألم يعلم الخ جملة مستأنفة حينئذ لتقرير ما قبلها ، وتأكيده لا جواب للشرط. قوله : ( وقيل الخطاب في الثانية مع الكافر ) وفي الثالثة للنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو المفهوم من كلام المصنف وإن جوّز الإمام كونه للكافر أيضاً وسكت عن الأولى فالظاهر أنها لغير معين فلا يرد ما مرّ في الكشف ، وقيل : إنه للنبيّ صلى الله عليه وسلم أيضاً فتدبر ، وقوله : أتنهاه يحتمل أنه جعله مفعولاً لا لرأيت ويحتمل أنه جواب الشرط ، وقوله : ودعاؤه الخ إشارة إلى أنّ أو تقسيمية بمعنى الواو هنا فتدبر. قوله : ( في التعجب الخ ) أراد قوله : إن كان على الهدى الخ ، وأنّ ما قبله مثله أيضا وقيل : هذا على الوجهين الأخيرين لأنّ مبني الأوّل على نهيه عن الصلاة والأمر والتعجب منه ومبني الثاني على التوبيخ على نهيه عنهما مع أنّ المذكور أوّلاً أحدهما وفيه نظر ، وقوله : ولم يعرّض الخ يعني لم يقل ينهاه إذا صلى أو أمر الخ وهو معطوف على قوله : ذكر أو. هو حال وقوله : لأنّ النهي الخ تعليل للمنفي لا للنفي ، وقوله : فاقتصر الخ بيان لأنه حذف من الأوّل بعض ما في الثاني اكتفاء بذكره فيه للاختصار ولما كان الاختصار يحصل بالاقتصار على كل منهما أشار إلى المرجح للاقتصار على الصلاة بأن الأمر بالتقو! دعوة قولية ، والصلاة دعوة فعلية والفعل أقوى من القول فاقتصر على الأقوى ، وكان الظاهر لأنها لكن ذكر بتأويل الدعاء أو باعتبار كونها فعلا أو لأنه مصدر وما قيل في بيانه فخص الصلاة بالذكر لاشتماله على أحد قسمي الدعوة بخلاف الأمر بالتقوى الظاهر أنه خطأ ، وأنما جعلت دعوة وأمرا لأن المقتدى به إذا فعل فعلاً في قوّة قوله : افعلوا هذا فهي أمر كما جعلها الله نهيا في آية أخرى ، فمن قال : المتحقق فيها الصلاة لا الدعوة لم يفهم المراد. قوله : ( أو لأنّ نهي العبد الخ ) وجه آخر للدفع أي المذكور أوّلاً ليس النهي عن الصلاة بل النهي حين
الصلاة وهو محتمل أن يكون لها أو لغيرها وعامّة أحوال الصلاة وجميعها لما انحصرت في تكميل نفس المصلي بالعبادة وتكميل غيره بالدعوة فنهيه في تلك الحال يكون عن الصلاة والدعوة معا ، ولذا ذكرا في التعجب أو التوبيخ فسقط ما قيل من أنه في بعض النسخ أحوالها والصواب أحواله كما في بعضها أي عامّة أحواله صلى الله عليه وسلم محصورة فيهما فيدل على النهي عنهما ، وفيه أن المتحقق منه الصلاة لا الدعوة فتأمّل. قوله : ( لتأخذنّ بناصيته الخ ) أي برأسه بيان لمعناه الوضعي ، وقوله : لنسحبنه هو المعنى الكنائيّ المؤمخمود منه وقوله : بنون مثددة هي رواية عن أبي عمرو ، وقوله : وكتبته بالكسر مصدر بمعنى الكتابة ، وقوله : على(8/380)
ج8ص381
حكم الوقف لأنه يوقف على النون الخفيفة بالألف تشبيها لها بالتنوين ، وقاعدة الرسم مبنية على حال الوقف والابتداء ، وقوله : والاكتفاء باللام أي في قوله : الناصية لأنها للعهد فالمعنى ناصيته ، وهو معنى كونها عوضاً عن الإضافة في مثله. قوله : ( وإنما جاز لوصفها ا لأن النكرة تبدل من المعرفة عند الكوفيين بشرطين اتحاد اللفظ ، ووصف النكرة واشترط ابن أبي الربيع الثاني دون الأوّل لئلا يكون المقصود أنقص من غيره فإذا جبرت النكارة بالوصف جاز فيه ذلك وأما البصريون فلا يشتوطون فيه غير الإفادة فلا وجه لما قاله أبو حيان هنا وقال ابن الحاجب إنه لم يقتصر على أحدهما فذكرت الأولى للتنصيص على أنها ناصية الناهي ، ثم ذكر الثانية لتوصف بما يدل على علة السفع وشموله لكل ما وجد فيه ذلك ، وهذا على مذهب البصريين. قوله : ( ووصفها ) مبتدأ خبره قوله : للمبالغة لأنها تدل على وصفه بالكذب بطريق الأولى ولأنه لثذة كذبه كان كل جزء من أجزائه يكذب ، وكذا حال الخطأ وهو كقوله : تصف ألسنتهم الكذب ووجهها يصف الجمال والتجوّرّ بإسناد ما للكل إلى الجزء كما يسند إلى الجزئي في كقولهم : بنو فلان قتلوا قتيلاَ والقاتل أحدهم كما مرّ. قوله : ( أهل ناديه ) يحتمل تقدير المضاف ، والإسناد المجازي واطلاق اسم المحل على من حل فيه ، وقوله : ينتدي فيه القوم أي يجتمعون فيه للحديث ولذا سمي ناديا وندياً ، وقوله : روي أن أبا جهل الخ رواه النسائيّ والترمذيّ وغير
وأصله في صحيح البخاري ، وقوله : ألم أنهك أي عن إظهار الصلاة عند الكعبة وقد قيل : إنّ ذلك في أوّل صلاة صلاها النبيّ ىلمجه بجماعة فالعبير بالنهي في الآية على ظاهره ، وقوله : أنا أكبر بالموحدة ويجوز فيه المثلثة والمراد بالوادي وادي مكة وحرمها. قوله : ( وهو في الآصل الشرط ) شرط كصرد أعوان الولاة وواحده شرطي كتركي وجهتيّ ، وقيل التحريك خطأ كما في الأساس. قوله : ( واحدها رّبنية ) بكسر فسكون واحد زبانية ، وقيل : واحده زبني بالكسر نسبة إلى الزبن بالفتح وهو الدفع ، ثم غير للنسب وأصل الجمع زباني فحذفت إحدى ياءيه وعوض عنها التاء كما ذكره المصنف وقال الأخفش : واحده زابن ، وقيل : لا واحد له كعباديد ولم يرسم كسندع بالواو في المصاحف باتباع الرسم للفظ أو لمشاكلة قوله : فليدع ، وقيل : إنه مجزوم في جواب الأمر وفيه نظر وقرئ استدعى الزبانية بالبناء للمفعول ورفع الزبانية ، وقوله : وهو أي الزبانية ، وقوله : كعفرية بكسر فسكون رلش على قفا الديك ويقال لها : عفارية ، وقوله : على النسب يعني وكسر على تغييرات النسب كما قيل : أمسيّ بكسر الهمزة وقوله : دم على سجودك هو على ظاهره أو مجاز عن الصلاة ، وقوله : أقرب الخ هو حديث صحيح في مسلم بلفظ وهو ساجد ، وقوله : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع ، وقوله : كإنما الخ أي كأجر من قرأ المفصل تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سورة القدر
اختلف في كونها مكية أو مدنية كما اختلف في أي القولين أرجح واختلف في عدد آياتها
هل هو خسى أو ست أيضاً.
بسم الله الوحمن الرحيم
قوله : ( الضمير ) يعني به الهاء في قوله : أنزلناه وهو ضمير أريد به القرآن هنا بالاتفاق كما
قاله الإمام ، وكأنه لم يعتد بقول من قال : إنه لجبريل عليه الصلاة والسلام أو غيره لضعفه فلا يرد عليه نقضاً ، فإن قلت كونه ضمير القرآن وهو من جملته يقتضي عوده على نفسه كما أن الإشارة في نحو ذلك الكتاب تقتضي الإشارة لذلك بذلك ، وتقتضي أيضاً الأخبار بجملة { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } عن نفسه قلت قال : أستاذ مشايخنا السيد عيسى قدس سرّه إنه لا محذور فيه لجواز قولك : أتكلم مخبرا به عن التكلم بقولك : أتكلم ، وفيه اختلاف أفرده الدواني بالتأليف أو يقال : يرجع الضمير للقرآن باعتبار وجملته وقطع النظر عن أجزائه فيخبر عن الجملة { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } ، وإن كان من جملته إنا أنزلناه المندرح في جملته من غير نظر له بخصوصه ، ولا بأس به وقيس الضمير(8/381)
ج8ص382
راجع له ما عدا قوله : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } ولا وجه له ولا حاجة في العربية لمثل هدّا التدقيق بل التضييق ، والجزء من حيث هو مستقل مغاير له من حيث هو في ضمن الكل ، ولذا قال الكرماني : الجزء قد يجعل علماً للكل كما يقال : قرأت { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أي السورة كلها. قوله : ( فخمه بإضماره ) أي بالتعبير عنه بضمير الغائب الذي لم يذكر قبله في السورة ما يعود عليه والضمائر المذكورة هنا كلها للقرآن غير الضمير في قوله إليه ، بقوله : فإنه لله والتفخيم بمعنى التعظيم هنا وأفاد ما ذكر تعظيمه لأنه يشعر بأنه لعلوّ شأنه كأنه حاضر عند كل أحد فيعود الضمير على ما هو في قوّة المذكور ، والنباهة الشهرة والشرف ، وقوله : عظم الوقت معطوف على قوله : عظمه أو أسند أو فخمه ولا بعد فيه ، وفي الكشاف عظم القرآن من ثلاثة أوجه أحدها : إنه أسند الدال إليه وجعله مختصاً به دون غيره ، والثاني : إنه جاء بضميره دون اسمه الظاهر شهادة له بالنباهة والاستغناء عن التنبيه عليه ، والثالث : الرفع من مقدار الوفت الذي أنزل فيه ، أن وقال الشراح في قوله : مختصاً به إنه من باب تقديم الفاعل المعنوي نحو أنا كفيت مهمك وردّه الفاضل اليمني بأنه إنما يصح في الضمير المنفصل إمّ المتصل كما في اسم إن هنا فلا يصح فيه ذلك فالحصر هنا ليس من التقديم كما توهموه بل من سياق الكلام ومفهومه ، وكان المصنف لهذا لم يتعرّض للاختصاصر ، لا لأنّ الاختصاص لردّ اعتقاد غيره وهو
غير ظاهر لأنه لا يلزم في كل حصر ما ذكر كما ذكره أهل المعاني ، وفيما ذكر. الفاضل أيضا بحث فإنهم لم يصرّحوا باشتراط ما ذكر فتدبر. قوله : ( كما عظمه بأن أسند إنزاله إليه ) بضمير العظمة لأنّ ما يصدر عن العظيم عظيم فلا يتوهم أنه إنما يفيد عظمة المتكلم دون غيره ، وما قيل إنّ المراد أنه أسند إلى ذاته الجليلة المعبر عنها بصيغة العظمة على طريق القصر إلا أنه اكتفى بذكر الأصل عن ذكر التبع انتهى لا وجه له لما عرفت من أن كلام المصنف لا يدل على ما ذكر بل على خلافه. قوله تعالى : ( { وَمَا أَدْرَاكَ } الخ ) عن سفيان بن عيينة أنّ كل ما في القرآن من قوله : { وَمَا أَدْرَاكَ } أعلم الله به نبيه صلى الله عليه وسلم وما فيه من ما يدريك لم يعلمه به ووجهه ظاهر ، وقوله : بأن ابتدأنا لإنزاله الخ فيه نظر لأنّ أوّل ما نزل من الآيات اقرأ أو كان بحراء نهارا ولذا ذكرت هذه السورة بعد تلك ، ولم ينقل نزوله في رمضان ليلاً ، وابتداء البعثة لم يكن في رمضان فانزلناه فيه على هذا تجوز في الإسناد لإسناد ما للجزء للكل أو أنزلنا بمعن أبتدأنا فهو مجاز في الطرف أو تضمين ، وقوله : أو أنزله الخ هو الأصح والسفرة الملائكة كما مرّ وقوله في ثلاث وعشرين سنة وهي مدة إرساله صلى الله عليه وسلم إلى ارتحاله لدار البقاء ، وقوله : خير من ألف شهر المراد به المبالغة في تفضيلها على غيرها مطلقا ، وقيل : المراد ألف شهر ليس فيها ليلة قدر حتى لا يلزم تفضيلها على نفسها فتأمّل. قوله : ( وقيل المعنى أنزلناه في فضلها ) ففيه مضاف مقدر أي في فضل ليلة القدر أو في بيانها أو حقها أو الظرفية مجازية كما في قول عمر رضي الله عنه خثيت أن ينزل فيّ قرآن ومثله كثير ففيه استعارة تبعية ، وقيل : في فيه مستعارة للسببية والضمير للقرآن بالمعنى الدائر بين الكل والجزء وبمعنى السورة ولا يأباه كون قوله : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } من السورة كما توهم لما مرّ ، وبجوز أن يراد به المجموع لاشتماله على ذلك فتدبر. قوله : ( وهي في أوتار العشر الأخير الخ ) كونها في العشر الأخير من رمضان وفي سابعه أشهر أقوال السلف وقد ورد في الحديث ، وقيل : إنها تنتقل فتكون في كل سنة في ليلة وبه جمع بين الأحاديث المتعارضة فيها ، وقيل : هي معينة لا تنتقل وقيل : هي في السنة كلها ، وقيل : في رمضان كله وقيل : في العشر الأوسط ، وقيل : في أوتاره وقيل : في أشفاعه ، وقيل :
إنها لم تعلم لأحد ، وقيل : إنها رفعت وقال الكرماني : إنّ هذا القول غلط قيل : وحكمة كونها في العشر الأخير أنه زمان ضعف فيزيد أجر عمله وقيل : إنه يتمّ فيه التصفية فيستعدّ الصائم لها فيه. قوله : ( والداعي الخ ) يعني أنه على القول بأنها أخفيت حكمة إخفائها كحكمة إخفاء ساعة الإجابة في الجمعة والاسم الأعظم من بين الأسماء ، وهو أن لا يعلمها كل أحد ويجتهد من يطلبها في العبادة في غيرها ليصادفها كان يحيي ليالي رمضان كلها كما كان دأب السلف. قوله : ( ولعلها السابعة. منها ) أي من ليالي العشر الأخير لعلامات دلت على ذلك ولأحاديث صحيحة وردت فيها قيل وفي السورة إشارة لذلك لأنّ ضمير هي لليلة القدر ، وهي سابعة عشرين من الكلمات الواقعة(8/382)
ج8ص383
في السورة ومجموعها ثلاثون. قوله : ( وتسميتها بذلك ) أي بليلة القدر فالقدر إمّا بمعنى التقدير لتقدير الأرزاق والآجال فيه والمراد إظهار تقديره للملائكة إذ التقدير أزلي أو القدر بمعنى الشرف لشرفها أو شرف المنزل فيها ، أو شرف الطاعة فيها أو شرف من يحييها ، وقوله : فيها يفرق الآية مرّ تفسيرها في سورة الدخان وهذا على أنّ المراد بالليلة المباركة ليلة القدر كما مرّ. قوله : ( لما روي الخ ) رواه ابن أبي حاتم مرسلا ، وقوله : فيه إسرائيلياً أي رجلا من بني إسرائيل قيل : إنه حزقيل ، وقوله : لبس السلاج أراد الدرع والسلاح فغلبها ، وقوله : تقاصرت إليهم أعمالهم أي ظهر لهم قصر أعمالهم بالنسبة لما أعطيت الأمم السالفة من طول الأعمار وكثرة الأعمال فعلى هذا الألف على ظاهرها ، وفي الوجه الأوّل المراد التكثير فإنّ الأعداد يكنى بها عن ذلك كثيراً ، وقوله : هي خير أي ثوابها مع قصرها أعظم من ثواب تلك السنين وهو تفضل وتكرم منه تعالى ، على هذه الأمّة بمضاعفة أجورهم ، ومن الغريب هنا ما رواه الترمذي وغيره وضعفه ابن جرير وقال غيره إنه منكر قال : قام رجل إلى الحسن رضي الله عنه لما بايع معاوية فقال : سوّدت وجوه المؤمنين فقال : لا تؤذني رحمك الله فانّ النبيّ ف قد رأى بني أمية على منبره وعددهم رجلا رجلا فساءه ذلك فنزلت : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } الخ فقوله : { أَلْفِ شَهْرٍ } أي تملكها بنو أمية
بعدك يا محمد فعددنا مذتهم فإذا هي كذلك لا تزيد ولا تنقص يوما ، وقد استدلّ به على أنّ السورة مدنية وقد عرفت ضعفه على أنه مشكل إذ لا يظهر وجه الدلالة فيه على المعنى الذى ذكره الح!سن رضي الله عنه فتأمّل. قوله تعالى : ( { وَالرُّوحُ } ) قال المعرب يجوز رفعه بالابتداء ، والجار والمجرور بعده خبره وأن يرتفع بعطفه على الملائكة وفيها متعلق بتنزل والضمير لليلة ، وعلى الأوّل للملائكة والجملة حالية والثاني أولى وأظهر وقوله : بيان أي استئناف بياني لا صفة شهر كما قيل : والروح جبريل أو ملائكة أخر أو جند من جنوده أو بمعنى الرحمة وقد مرّ تفصيله ، وقوله : وتنزلهم مصدر مبتدأ خبره قوله : إلى الأرض وقوله : تقربهم معطوف على الخبر يعني التنزل إمّا بمعنى النزول من السماء إلى الأرض ، أو بمعنى دنوهم من المؤمنين من أهل طاعته ، وهذا على أحد. تفسيري سلام الآتي لا على قراءة امرئ بمعنى إنسان كما توهمه من قال : تنزلهم على هذا عن مراتبهم العلية في الاشتغال بالله أو التنزل إلى الأرض والمقابلة باعتبار كون الأوّل من أجل أمر قدر وهذا باعتبار أنه في أجل كل إنسان فهو على قراءة كل امرئ. قوله : ( من أجل كل أمر قدّر ) فمن بمعنى اللام متعلقة بقوله : تنزل ، وهذا إعادة إلهية لحكمة خفية لا يعلمها إلا الله والا فلا حاجة لنزولهم للأرض وعلى هذا فالجار والمجرور متعلق بقوله : { تَنَزَّلُ } ، وقد قيل : إنه متعلق بقوله : سلام أي سلامة من كل أمر مخوف وهو إمّا على التوسع في الظرف فيجوز تقديمه على المصدر أو على تقديره بمقدر يفسره المذكور في الآية فالوقف على قوله : سلام ، وقيل : من بمعنى الباء أي تنزل بكل أمر من الخير والشرّ كقوله : يحفظونه من أمر الله أي بأمره ومعنى نزولهم لأجله نزولهم لأجل إنفاذه وأعلامه وقوله : من كل امرئ أي بهمزة في آخره. قوله : ( ما هي إلا سلامة ) يعني سلام مصدر بمعنى السلامة وهو خبر مقدم فيفيد الحصر كما في نحو تميمي أنا ، وقوله : لا يقدر الله فيها إلا السلامة بمعنى أنها جعلت عين السلامة وقال مجاهد : المعنى أنّ ليلة القدر سالمة من الشيطان ، وأذاه فالمعنى أنه لا يوجد ولا ينفذ تقدير. ويتعلق قضاؤه لأنّ التقدير أزلي لا معنى لطيّ الزمان فيه إلا باعتبار إيجاده وتعلقه ومن غفل عن هذا قال الأظهر لا يفعل الله فيها لأن قضاء كل أمر في السنة فيها فكيف يصح حصر المقدّر فيها في السلامة فتدبر. قوله : ( أو ما هي الإسلام الخ ) يعني أنّ السلام مصدر بمعنى التسليم ، وقوله : ما يسلمون ما مصدرية فيه أي لكثرة السلام والمسلمين فيها ، وجعلها عين السلام مبالغة أيضا. قوله : ( أي وقت مطلعه ) أي
طلوعه يعني أنّ المطلع هنا مصدر ميمي بمعنى الطلوع وقبله مضاف مقدّر بوقت لتتحد الغاية ، والمغيا فيكونا من جنى واحد وهذا على قراءته بفتح اللام كما يعلم من مقابلتة بقراءة الكسر ، وهي قراءة الكسائيّ وأبي عمرو في رواية(8/383)
ج8ص384
عنه والفتح قراءة الباقين ، ويحتمل أنه اسم زمان وما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى لأنّ قياس مفعل مما ضمت عين مضارعه أو فتحت فتح العين مطلقاً كما بينه النحاة فلا حاجة للتقدير فيه على هذه القراءة وأمّا على قراءة الكسر فهو شاذ أيضا لأنّ قياسه الفتح ، ولا حاجة إلى التقدير فيه أيضاً لتكلفه وعلى كل حال ففي كلام المصنف نظر لا يخفى ، والحديث الذي ذكره موضوع كغيره تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الكرام.
سورة البينة
ويقال سورة القيامة وسورة المنفكين وسورة البرية وسورة البينة وعدد آياتها ثمان ، وقيل :
تع واختلف فيها فقيل : مكية ، وقيل : مدنية وأيد الثاني بما ورد في الحديث من أنها لما نزلت قال جبريل للنبيّ صلى الله عليه وسلم : " إنّ اللّه يأمرك أن تقرئها أبيا " ، ولذا جزم ابن كثير رحمه الله بأنها مدنية وهو الأصح خلافا لمن رجح مقابله.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( فإنهم كفروا بالإلحاد الخ ) بيان لوجه تسمية أهل الكتاب كفارا قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم مع إيمانهم بكتابيهم ونبييهم بأنهم عدلوا عن الطريق المستقيم في التوحيد فكفروا بذلك فإنه قيل : إنّ اليهود مجسمة فيفهمون من السمع والرؤية في حقه تعالى ما يكون بالجارحة ، وكذا النصارى لقولهم : بالتثليث وهذا يقتضي كفر جميع أهل الكتاب قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والظاهر خلافه ، ولذا قال الماتريدي في التأويلات. إنّ من تبعيضية لأنّ أهل الكتاب منهم من آمن ومنهم من كفر والملكانية من الصارى قيل إنهم على الاعتقاد الحق ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ المراد بأهل الكتاب اليهود الذين كانوا بأطراف المدينة وهم قريظة والنضير وبنو قينقاع فالظاهر أنّ من لك للتبعيض لا للتبيين ، ولا يلزمه أن لا يكون بعض المشركين كافرين كما قيل لأنهم بعض من المجموع فتأمّل. قوله : ( وعبدة الآصنام ) المشركون من اعتقد لله شريكا صنما أو غيره والمصنف خصه مع عمومه لأنّ مشركي العرب عبدة أصنام ، والمقصود هنا هم ولو عممه كان أولى. قوله : ( عما كانوا عليه من دينهم الخ ) متعلق بقوله : منفكين ، والانفكاك المراد به المفارقة لما كان متصفا به ، وأصله افتراق الأمور الملتحمة وقد حمله المصنف على ظاهره من أنهم لا يفارقون ما هم عليه حتى يحبهم الرسول أو ما ذكرا ولم يفارقوا الوعد إلى ذلك الأوان والزمخشري جعله حكاية لما زعموه فإنهم كانوا يقولون لا نفارق ما نحن فيه حتى يبعث الله النبيّ المبشر به في كتبنا ، وقوله : وما تفرّق الذين الخ إلزام لهم على سبيل التوبيخ ، والتعبير والمصنف جعلهما إخبارا كما قيل ، وقيل : إنّ الثاني مآله للحكاية ، وله وجه وجيه
فتدبر والذي دعا الزمخشريّ إلى كونه حكاية ما في الغاية من الإشكال فإنها تقتضي أنهم بعد مجيء البينة انفكوا عن كفرهم ، وهو مخالف للواقع فإذا كان حكاية لزعمهم تمّ وانتظم ، وأما على ما ذكره المصنف فيحتاج إلى بيان أنّ المراد أنهم بعد مجيء البينة وتبيين نسخ دينهم ينفكون عن دينهم حقيقة ، ولما فيهما من الخفاء لأنه ليس في الكلام ما يدلّ على أنه حكاية ، ولا على ما ذكر قال الواحدي إنها أصعب آية في القرآن ، ولولا ما ذكر لم تتضح الصعوبة فافهم ترشد. قوله : ( فإنه مبين للحق ) توجبه لإطلاق البينة على كل منهما بأنها صفة بمعنى اسم الفاعل ، وقوله : أو معجز الخ تفسير آخر على أنّ البنية بمعناها المعروف ، وهو المثبت للمدّعي فالمراد بها حينئذ الأمر المعجز وهو إمّا في ذات الرسول عليه الصلاة والسلام بأخلاقه وصفاته كلها أو مجموعها الخارق للعادة كما قاله الغزالي واليه أشار في البردة بقوله :
كفاك بالعلم في الأمّيّ معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم
وبه يعلم كونه صلى الله عليه وسلم يتيما ، وقيل : إنه لئلا يكون لمخلوق عليه منة وأو في كلام المصنف
في قوله : أو القرآن الخ الخلوّ أو للتخيير في التفسير وفي قوله ، أو معجز لمنع الجمع لتباينهما لا لمنع الخلوّ كما توهم ومعجز(8/384)
ج8ص385
بالتنوين والرسول مبتدأ خبره قوله : بأخلاقه والقرآن مبتدأ خبره بإقحامه أي إعجاز. واسكاته ومن مفعوله ويجوز إضافته أيضا كما في بعض الحواشي ، والمعنى واحد فيهما.
قوله : ( بدل من البينة بنفسه ) إذا أريد به الرسول أو أريد القرآن على أنه بدل اشتمال أو
بدل كل من كل بتقدير مضاف أي بينة رسول أو وحي رسول أو معجز رسول أو كتاب رسول ، أو هو خبر مبتدأ مقدّر أي هي رسول أو مبتدأ لوصفه خبره ما بعده كما ذكر. المصنف والجملة مفسرة للبينة فليست بأجنبية كما توهم ، وقيل : إنها صفة ولا وجه له وقرئ رسولاً بالنصب على الحالية على قصد المبالغة بجعل الرسول بنية في نفسه كما في البدلية ، وقوله : صفته أو خبره على اللف والنشر المرتب. قوله : ( والرسول الخ ) يعني أنه على تقدير مضاف أي مثل صحف أو على جعل النسبة إلى المفعول مجازية لأنه لما قرأ ما فيها فكأنه قرأها وهذا أحسن ، وقيل : في ضمير يتلو استعارة مكنية أو الصحف مجاز عما فيها بعلاقة الحلول ففي الضمير في قوله فيها استخدام لعوده على الصحف بالمعنى الحقيقي وإذا كان المراد جبريل فالتلاوة على ظاهرها والمراد صحف الملائكة أو اللوح المحفوظ ، وليست التلاوة مجازاً عن وحيه كما قيل ، وقوله : إنّ الباطل الخ فتطهيرها كونها ليس فيها باطل على الاستعارة المصرّحة أو المكنية ،
وقوله : !انها الخ كان الظاهر عطفه بأو لأنّ تطهيرها على هذا بمعنى تطهير من يمسها ، وهو تجوز في النسبة والجمع بينهما وإن جاز فيه تكلف فتدبر. قوله : ( مكتوبات ) تفسير لكتب ومستقيمة تفسير لقيمة ، ثم بين المراد من استقامتها بنطقها بالحق وفي التيسير هي كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والقرآن مصدق لها فكأنها فيه. قوله : ( عما كانوا عليه ) هذا على تفسيره لمنفكين الأوّل وعممه بجعل الانفكاك عنه شاملا للتردد فيه ، وقوله : أو عن وعدهم على الثاني أي تفرّقوا عن وعدهم بإتباعهم للحق بسبب إصرارهم على كفرهم ورجوعهم عن وعدهم ، وقوله : بأن آمن متعلق بتفرّق وكذا قوله : بالإصرار ومعنى تفرقهم أنهم صاروا فرقا مختلفة على الأوّل وعلى الثاني بمعنى انفصالهم ومفارقتهم. قوله : ( فيكون ) المذكور هنا والبينة بمعناها السابق موافقا في المعنى لقوله تعالى : { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ } [ سورة البقرة ، الآية : 89 ] الآية وقد مرّ تفسيرها في سورة البقرة والظاهر أنّ هذا على الوجه الثاني ، وأن امكن جعله عليهما. قوله : ( وأفراد أهل الكتاب ) بالذكر هنا يعني في قوله : وما تفرّق الذين أوتوا الكتاب الخ بعد الجمع في قوله : من أهل الكتاب والمشركين ، وقوله : على شناعة حالهم وقباحتها في الجملة أو المراد حال من لم يؤمن منهم لأنهم علموا الحق المصرّج به في كتبهم وانكارهم له أشنع من إنكار من لم يعلمه أوّلاً من المشركين فاقتصر عليهم لأنهم أشد جرما ، وقوله : وأنهم الخ جواب آخر وهو المذكور في الكشاف ، وحاصله أنه يعلم حال غيرهم بالطريق الأولى فلا اقتصار فيه بل هو اكتفاء واختصار لا اقتصار ، وما قيل : من أنّ أفرادهم لاختصاص قوله. وما أمروا في كتبهم الخ بهم غير متجه لأنّ مقتضاه إفرادهم بعد هذا بأن يقال ، وما أمر أهل الكتاب الخ فتدبر. قوله : ( أي في كتبهم بما فيها ) بيان لأنّ صلة الأمر مقدرة ، واق الأمر بمعنى التكليف بما فيها فيعم النهي ، وقوله : إلا ليعبدوا الله الخ استثناء مفرغ من أعئم العلل أي ما أمروا بشيء من الأشاء إلا لأجل عبادة الله أي طاعته ، وقيل : اللام بمعنى أن والمراد ما أمروا إلا بعبادة الله ، وهو تكلف وقال الماتريدي : هذه الآية علم منها معنى قوله : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [ سورة الذاريات ، الآية : 56 ] أي إلا لأمرهم بالعبادة فيعلم المطيع من العاصي وهو كلام حسن دقيق. قوله : ( لا يشركون به ) تفسير لإخلاص الدين وأنه ليس بمعنى الإخلاص المتعارف هنا ، وقوله : مائلين لأنّ أصل الحنف لغة الميل ، والزائغة بمعنى الباطلة
وأصل معناها غير المستقيمة ، وقوله : ولكنهم حرّفوا وعصوا استدراك على ما سبق وبيان للمراد منه وهو معطوف على مقدر تقديره ما أتوا بما أمروا به ولكنهم الخ. قوله : ( دين الملة القيمة ) قيل : إنه قدّره لئلا يلزم إضافة الشيء لنفسه أو لصفته ، والملة والدين بينهما تغاير اعتباري يصحح الإضافة ، وقيل المراد أنّ القيمة بمعنى الملة وليس المراد أنّ موصوفة مقدر وهو أسلم من التكلف ، ولو قدر الأمّة القيمة أو الكتب القيمة لتقدمها في قوله : كتب قيمة فأعيدت بلام العهد كان أحسن ، والقيمة بمعنى المستقيمة والسالمة عن الخطأ ، وقيل : تقديره(8/385)
ج8ص386
الحجج القيمة. قوله تعالى : ( { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ } ) الشرك يطلق على مطلق الكفر كما في قوله : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [ سورة النساء ، الآية : 48 ] الخ ولذا استدل بهذه الآية على خلود الكفار مطلقا ، ولا حاجة إليه فإنّ هذه الآية صريحة في العموم ، ويكون الشرك أخص من الكفر وهو المراد هنا. قوله : ( أي يوم القيامة ) يعني أنّ قوله : في نار جهنم المراد به سيصيرون فيها لكنه لتحققه ترك التصريح به أو يقدر متعلقه بمعنى المستقبل فهو بمعناه الحقيقي ، وقوله : أو في الحال يعني المراد أنهم في حال كفرهم في الدنيا في النار على التجوّز في النسبة أو في الطرف بإطلاق نار جهنم على ما يوجبها مجازاً مرسلاً بإطلاق اسم المسبب على السبب ، ويجوز أن يكون استعارة. قوله : ) واشتراك الفريقين الخ ) جواب عن سؤال مقدر تقديره إنّ كفر المشركين أشذ من كفر أهل الكتاب ومقتضى الحكمة أن يزاد عذاب من زاد كفره على عذاب غيره ، وقد سوى بينهما في هذه الآية بحسب الظاهر ولا شبهة في تفاوت الكفر كما توهم. قوله : ( أي الخليقة الخ ) قرأ نافع وابن ذكوان البريثة بالهمز فيهما ، والباقون بياء مثذدة واختلف فيه ، فقيل الأصل فيه الهمزة وعليه كلام المصنف من برأ الله الخلق بمعنى ابتدأهم واخترع خلقهم فهي فعيلة بمعنى مفعولة ، والتزم تخفيفها عامة العرب كالذرّية وغيرها ، وقيل : إنه غير مهموز من البر المقصور بمعنى التراب فهو أصل بنفسه والقراءتان مختلفتان أصلا ، ومادة متفقتان معنى فلا يتوهم أنه يلزم انّ القراءة بالهمز خطأ كما قيل وقد يقال : إنّ المعنى متقارب لشمول الأوّلط الملائكة دون الثاني فتأمّل. قوله : ( فيه مبالغات ) يعني خلا عنها عديله وبينها بقولى : تقديم المدح الخ والمراد بالمدح قوله : أولئك هم خير البرية لا قوله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ } الخ لوقوع مثله في عديله ، وقوله : في مقابلة ما وصفوا به من الإيمان والعمل الصالح والخيرية أيضا ووقوعه في مقابلته ، لا ينافي كونه تفضلاً من الله والمبالغة في إظهار ما ذكر
والتصريح به والا فنار جهنم في مقابلة كفرهم أيضا وقوله : والحكم الخ ظاهره أنّ عند ربهم خير وهو جائز وإفادته للمبالغة لأنّ ما كان عند مليك مقتدر وسيد متفضل يكون إكراما عظيماً ووجه الجمع والتقييد غني عن البيان. قوله : ( ووصفا بما تزداد لها نعيماً وتثيدا لخلود بالتأييد ) ليس المراد بالوصف هنا النعت النحوي بل اللغوي لما مرّ من أنّ جنات عدن علم وكونها علماً هناك ، ونكرة هنا كما قيل بعيد جدّا فجملة تجري حال لا صفة وفاعل تزداد ضمير الجنات ونعيما تمييز وجعل التأكيد من المبالغات دون الخلود لاشتراكهما في ذكره. قوله : ( استئناف بما يكون لهم الخ ) الظاهر أنه إخبار لا استئناف دعاء وإن جاز لأنّ الدعاء من الله بشيء معناه إيجاده مع زبادة التكريم لاستحالة معنى الدعاء الحقيقي عليه تعالى وأيضا يبعده عطف قوله : ورضوا عنه عليه كما لا يخفى والاستئناف نحوي ويجوز أن يكون بيانياً كأنه قنل لهم : فوق ذلك أمر آخر فأجيب بأن لهم ما تقرّبه عيونهم ، ولا يلزم كونه للتعليل حتى يقال : يأباه قوله : ذلك الخ ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر أو حالاً بتقدير قد. قوله : ( ذلك أي المذكور الخ ) توجيه لأفراد اسم الإشارة وفيه إشارة إلى أن مجرّد الإيمان والعمل الصالح ليس موصلاَ إلى أقصى المراتب ، ورضوان من الله أكبر بل الموصل له خشية اللّه { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } [ سورة فاطر ، الآية : 28 ] ولذا قال الجنيد رحمه الله تعالى الرضا على قدر قوّة العلم والرسوخ في المعرفة فمن قال : إن الأظهر كون الإشارة لما يترتب عليه الجزاء من الإيمان والعمل الصالح فقد غفل عما ذكر وعن أنه لا يكون حينئذ لقوله : ذلك الخ كبير فائدة فتدبر. قوله : ( فإنّ الخشية ملاك الأمر ) المراد بالأمر السعادة الحقيقية والفوز بالمراتب العلية إذ لولا الخشية لم يترك المناهي والمعاصي ، وكل من عرف الله لا بدّ أن يخشا. ولذا قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } [ سورة فاطر ، الآية : 28 ] كما مرّ تحقيقه وقوله : من قرأ الخ حديث موضوع كما مرّت نظائره ، تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه وسلم.
سورة الزلزلة
آيها تسع أو ثمان وهي مدنية وقيل : مكية ورجح الأوّل في الإتقان.(8/386)
ج8ص387
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( اضطرابها المقدّر الخ ) الاضطراب تفسير للزلزال لأنه أريد به الحاصل بالمصدر أو
هو مصدر المبني للمجهول لتقدم الفعل المجهول عليه ، وأصل معناه التحريك وقوله : المقدر الخ توجيه للإضافة مع أنه كان الظاهر زلزالاً يعني أنّ الإضافة للعهد ، وكذا هي في الآخر لتخرج الزلازل المعهودة ، وقوله : الأولى أو الثانية رد على الزمخشري إذ جزم بأنها الثانية لأن خروج الأثقال عندها إذ لا يتعين كونهما في وقت واحد أو يعتبر الوقت ممتذا فلا وجه لما قيل : إن جزمه لا موجب له. قوله : ( أو الممكن لها ( إشارة إلى أن الإضافة للاستغراق لأن الأصل في إضافة المصادر العموم ، وفيه إشارة إلى أنه استغراق عرفي قصد به المبالغة. قوله : ( وقرئ بالفتح الخ ) اختلف النحاة فيه فقيل : هما مصدران ، وقيل المكسور مصدر والمفتوج اسم وهو الذي ارتضاه المصنف رحمه الله تعالى فلذا جعله على هذه القراءة اسماً للحركة فيكون انتصابه على المصدرية تجوزا لسده مسدّ المصدر. قوله : ( وليس في الأبنية ) أي أبنية الأسماء والمصادر لا ينقاس عليها فعلال بالفتح إلا في المضاعف فإنه يجوز فيه الفتح والكسر والأغلب فيه إذا فتح أن يكون بمعنى اسم الفاعل كصلصال ووسواس بمعنى مصلصل وموسوس وليس مصدرا عند ابن مالك وأمّا في غير المضاعف فلم يسمع إلا نادرا سواء كان صفة أو اسماً جامدا وأمّا بهرام وبسطام فمعزب إن فيل : بصحة الفتح فيه ، وقد قيل : إنه لم يسمع في غير أربعة ألفاظ وسيأتي تفصيله. قوله : ( جمع ثقل ) يعني بفتحتين قال في القاموس الثقل محركة متاع المسافر ، وكل نفيس مصون وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو المفى الثاني لأنّ متاع البيت من شأنه ذلك ، وهذا على الاستعارة ويجوز أن يكون يكسر فسكون بمعنى حمل البطن على التشبيه أيضاً لأنّ الحمل يسمى ثقلاَكما في قوله تعالى : { فَلَمَّا أَثْقَلَت } [ سورة الأعراف ، الآية : 189 ] قاله الشريف المرتض في الدرر وأشار إلى أنه لا يطلق على ما ذكر إلا بطريق الاستعارة فمن اعترض على المصنف رحمه الله تعالى بأنه بمعنى كنوز
الأرض ، وموتاها وهو الثقل بالكسر لا غير كما في القاموس والصحاح لم يصب ، وقوله : من الدفائن إذا كان ذلك عند النفخة الأولى لأنه من أشراط الساعة وقوله : أو الأموات هو عند النفخة الثانية ففيه لف ونشر مرتب وتخصيصه بالدفائن كما في الكشاف لا وجه له والظاهر أنّ الإخراج مسبب عن الزلزال كما ينفض البساط ليخرج ما فيه من الغبار ، ونحوه واختيرت الواو على الفاء تفويضا لذهن السامع كما قيل. قوله : ( لما يبهرهم ( أي يغلب عقولهم ، ويدهشهم وأصل معنى البهر الغلبة ويكون بمعنى العجب كقوله :
ثم قالوا تحبها قلت بهرا
والمراد ما ذكرناه وعلى هذا فالإنسان عام ولا يلزم من السؤال للدهشة إنكار البعث ، وقوله : وقيل الخ مرضه لأنه لشدتها قد يذهل عنها ولأنّ من الكفرة من لا ينكر البعث كأهل الكتاب فلا تلازم بين السؤال والكفر. قوله : ( تحدث الخلق بلسان الحال الخ ) إشارة إلى أن مفعول تحدث محذوف هنا لقصد العموم ولم يتعر ضلنصب أخبارها هل هو ينزع الخافض أو مفعول به لأن حدث ، ينصب مفعولين كنبا وخبر وسيأتي ، ولم يذكر المفعول هنا لأنه لا يتعلق بذكره غرض إذ الغرض تهويل اليوم ، وأنه مما ينطق فيه الجماد بقطع النظر عن المحدّث كائنا من كان ولسان الحال ما يعلم بالقرائن منها. قوله : ( ما لأجله رّلزالها وإخراجها ) بدل من أخبارها أو من الضمير المضاف إليه بدل اشتمال ، وقوله : وقيل الخ فالتحديث على حقيقته وعلى ما قبله هو أستعارة أو مجاز مرسل لمطلق الدلالة قال الإمام إلى الثاني ذهب الجمهور والمصنف رحمه الله تعالى لم يرتض به ولذا مرضه ، وقوله : بما عمل عليها بصيغة المجهول فالمحدث به ما وقع على ظهرها من العباد لا ما لأجله الزلزال ، والإخراج وهو قيام الساعة ، وقوله : وناصبها أي ناصب إذا وسابقه إن لم نقل بتقدير عامل للبدل ، وفي نسخة وناصبهما وهذا على أنّ إذا شرطية والعامل فيها جوابها. قوله : ( أو أصل ) معطوف على قوله : بدل أي غير تابع فهو منصوب بتحدث أصالة وإذا منصوب بمقدر على الظرفية كتقوم الساعة ، ويحشر الناس أو ما ذكر على أنه مفعول به فهي خارجة عن الظرفية والثرطية ، ويجوز أن تكون شرطية منصوبة بالجواب المقدر أي يكون مالاً يدرك كنهه ونحوه. قوله : ( أي تحدث بسبب إيحاء ربك الخ ) يعني أنّ الباء فيه سببية ، وهو متعلق بتحدث(8/387)
ج8ص388
وقوله : بأن أحدث الخ تفسير للإيحاء على أنه استعارة أو مجاز مرشل لإرادة لازمه ، وفيه لف ونشر مرتب فإن كان تحديثها دلالة حالها فالإيحاء إحداث ما تدل به ، وإن كان حقيقيا فالإيحاء إحداث حالة بنطقها كإيجاد الحياة
وقوة التكلم فقوله : أنطقها معطوف على قوله : دلت الواقع صلة ما ، وقوله : يجوز أن يكون بدلاً على أنّ الباء للتعدية فيبدل أحد المفعولين من الآخر بدل اشتمال. قوله : ( يقال حدثتة كذا وبكذا ) بيان لأن العرب استعملته بالباء ، وبدونها وهذا مما لا خلاف فيه فلذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى إنما الخلاف في نصب الثاني هل هو على نزع الخافض أو على أنه مفعول به ، وحدث وخبر ونبأ وأنبأ ملحقة بأفعال القلوب فتنصب مفعولين أو ثلاثة كحدّثت زيداً عمراً قائما كما ذهب إليه الزمخشري ، ونقل عن سيبويه وابن الحاجب خطأهم فيه ، وقال : إنما هو متعدّ لواحد وما جاء بعده لتعيين المفعول المطلق ، وقال : إذا قلت حدثته حديثاً أو خبر الإنزاع في أنه مفعول مطلق ورد بأنه لم يفرق بين التحدّث والحديث والأوّل هو المفعول المطلق دون الثاني كيف ، وهو يجر بالياء فتقول حدثته الخبر وبالخبر والمفعول المطلق لا تدخل عليه الباء ، والأوّل غير مسلم فإن أثر المصدر ومتعلقه بل آلته كضربته سوطاً قد يسد مسده والثيخ أبئ من أن يخفى عليه مثله وكذا الثاني فإنه يجعل ما دخلتة الباء غير المنصوب ، وفي الكشاف يجوز أن يكون المعنى يومثذ تحدّث بتحديث إن ربك أوحى لها أخبارها على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها تحديث بأخبارها كما تقول : نصحتني كل نصيحة بان نصحتني في الدين انتهى ، وتركه المصنف رحمه الله تعالى لخفائه ولا تكلف فيه لجمع الأخبار وكون الباء فيه تجريدية ، وليس بعفش بين والقرآن مصون عنه كما قاله أبو حيان وقوله : عفش بعين مهملة ، وفاء وشين معجمة كلمة عوامّ المغرب معناها ما يدنس المنزل من الكناسة ، ثم إن المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشريّ ذكر استعماليه ليصح إبدال أحدهما من الآخر لأنه يحل محله في بعض استعمالاته فيجوز إبداله منه ، وإن كان الأوّل منصوباً وهذا مجرور ولا يرد عليهما قول أبي حيان إن الفعل المتعذي بالحرف تارة وبدونها أخرى لا يجوز في تابعه إلا موافقته في إعرايه فلا يجوز اسنغفرت الذنب العظيم بنصب الذنب وجر العظيم على اعتبار قولهم من الذنب لأنه قياس مع الفارق لأن منع البدل من المنصوب اعتبار الحال جره بالباء لامتناع النعت في مثله لأنّ البدل هو الدقصود فهو في قوّة عامل آخر ، وحالة الجر هنا أصلية ومن لم يفهم مراده قال : إنه لا مساس له بالمقام وهو من الأوهام. قوله : ( واللام بمعنى إلى ) لأنّ المعروف تعدى الوحي بإلى كقوله تعالى : { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ } [ سورة النحل ، الآية : 68 ] أو هي لام التعليل أو المنفعة من غير تأويل بإلى لأنّ الأرض بتحدّثها مع العصاة يحصل لها تشف من العصاة لتفضيحها لهم بذكر قبائحهم فهي منتفعة بذلك ، وهذا على تفسير التحديث بالأخباو بأعمالهم واختار اللام للفاصلة والتشفي تفعل من الشفاء ، ومعنا. إزالة ما في النفس من الألم الذي هو كالمرض لها. قوله : ( من مخارجهم الخ ) فحمله على النفخة الأولى يقتضي اعتبار امتداده ، وأمّا تفسيره بصدورهم من مواقفهم إلى الى- ة ، أو ألى النار فلا يناسب
ما بعده ، ومن الأولى ابتدائية والثانية بيانية والى متعلقة بيصدر والصدور الخروج للبعث ، ويومئذ منصوب بيصدر. قوله : ( جزاء أعمالهم ) إشارة إلى أنه على تقدير مضاف فيه لأنّ الرؤية بصرية والمرئي يومئذ جزاؤهم ، أو أعمالهم تجوز بها عما يتسبب عنها من الجزاء ، وقوله : تفصيل ليروا بالإضافة أو التنوين ، وقوله : ولذلك قرى الخ يعني قرى بره بصيغة المجهول من الإراءة فإنه ظاهر في التفصيل لأن الفاء ، وإن دلت على ذلك فقد تكون لمجرد التفريع ، وقوله : بإسكان الهاء من يره وصلا فيهما وباقي السبعة يضمها موصولة بواو وصلا وساكنة وقفا. قوله : ( ولعل حسنة الكافر الخ ) وقد ورد في الأحاديث ما يؤيده كما هو مشهور في حديث أبي طالب ، وفي الانتصاف كون حسنات الكافر لا يثاب عليها ، ولا ينعم بها صحيح وأما تخفيف العذاب بسببها فغير منكر وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن حاتماً يخفف الله عنه لكرمه لكنه قيل على المصنف رحمه الله تعالى أنه نسي ما قدّمه في تفسير قوله تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا } [ سورة الفرقان ، الآية : 23 ] وفي تفسير قوله : { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ سورة هود ، الآية : 6 ا ] وهو المصرّح به في قوله : فلا يخفف عنهم(8/388)
ج8ص389
العذاب وبه صرّج المصنف رحمه الله تعالى أيضاً لأن أعمال الكفرة محبطة قال في شرح المقاصد بالإجماع بخلاف أصحاب الكبائر إذا لم يتوبوا فإن الخلاف في إحباط عملهم بين أهل السنة ، والمعتزلة معروف ( قلت ) يرد عليه أن الكفار مخاطبون بالتكاليف في المعاملات ، والجنايات اتفاقا ، واختلفوا في غيرها ولا شك أنه لا معنى للخطاب بها الأعقاب تاركها وثواب ، فاعلها ثوابا وأقله التخفيف فكيف يدعي الإجماع على الإحباط بالكلية ، وهو مخالف لما صرّح به في سبب نزول هذه الآية والذي يلوح للخاطر بعد استكشاف سرائر الدفاتر أنّ الكفار يعذبون على الكفر بحسب مراتبه فليس عذاب أبي طالب كعذاب أبي جهل ولا عذاب المعطلة كعذاب أهل الكتاب ، كما تقتضيه الحكمة والعدل الإلهية ويعذب على المعاصي غير الكفر أيضاً وقد صرّح به الإمام في سورة الماعون مفصلاً ، وقوله : يضاعف له العذاب أي عذاب الكفر والمعصية لقوله : زدناهم
عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون فما يقابل الكفر من العذاب لا يخفف لأنه لا يغفر أن يشرك به أي بكفره ، وما في مقابلة غيره قد يخفف بالحسنات ، ومعنى الإحباط المجمع عليه أنها لا تنجيهم من العذاب المخلد كأعمال غيرهم وهذا معنى كونه سراباً وهباء ، وما في التبصرة وشرح المشارق وتفسير الثعلبي من أنّ أعمال الكفرة الحسنة التي لا يشترط فيها الإيمان كإنجاء الغريق ، واطفاء الحريق واطعام أبناء السبيل يجزي عليها في الدنيا ولا تدخر لهم في الآخرة كالمؤمنين بالإجماع للتصريح به في الأحاديث فإن عمل في كفره حسنات ، ثم أسلم اختلف فيه هل يثاب عليها في الآخرة أم لأبناء على أنّ اشتراط الإيمان في الاعتداد بالأعمال ، وعدم إحباطها هل هو بمعنى وجود الإيمان عند العمل أو وجوده ، ولو بعد لقوله في الحديث : " أسلمت على ما سلف لك من خير " غير مسلم ودعوى الإجماع فيه غير صحيحة لأن كون وقوع جزائهم في الدنيا دون الآخرة كالمؤمنين لأن ما في الدنيا كمؤنة السيد لعبده المطيع له ، وتعهده بلوازمه بخلاف عبده العاصي له فلا يلزمهم ذلك بمقتضى الفضل ، والكرم مذهب لبعضهم وذهب آخرون إلى الجزاء بالتخفيف وقال الكرماني : إنّ التخفيف واقع لكنه ليس بسبب عملهم بل لأمر آخر كشفاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم ورجائه وقال الزركشيّ من أنواع الشفاعة التخفيف عن أبي لهب لسروره بولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم واعتاقه لثويبة جاريته حين بشرته بذلك فاحفظه فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب ، ولذا رخينا له عنان البيان وبه سقط ما أورد على المصنف رحمه الله تعالى من تناقض كلامه فتدبر. قوله : ( وقيل الآية الخ ا لما كان الأوّل جواباً عما قيل : إنه كيف يرى كل أحد جزاء ذرات الأعمال خيرها وشرها ، وأعمال الكفرة محبطة وسيئات المؤمنين منها ما يغفر ، وهذا ينافي الكلية المذكورة دفعه أوّلاً بأن الإحباط بالنسبة للثواب والنعيم لا بالنسبة للتخفيف فالمراد برؤية جزاء السيئة ظهور استحقاقه له ، وإن لم يقع وعلى هذا العموم غير مقصود لأن فيه قيدا مقدرا ترك لظهوره ، والعلم به من آيات أخر فالتقدير { مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } إن لم يغفر أو الموصول الأول عبارة عن السعداء والثاني للأشقياء ، فلا ينافي ما ذكر أيضاً ومرضه لأنه خلاف الظاهر لا لما قيل من أنه لا يناسب مذهب أهل الحق لأنه لم يصرّح بأن الإحباط لأصحاب الكبائر حتى ينافي المذهب الحق لجواز إرادة الكفار بقرينة السياق فتأمل. قوله : ( لقوله أشتاتاً ) الظاهر أنه تعليل لكون المراد بمن الأولى السعداء ، وبالثانية الأشقياء فان الأشتات فسر بما محصله فريق في الجنة وفريق في السعير فالظاهر أن ترجع كل فقرة لطائفة ليطابق المفصل المجمل ولأن إعادة من تقتضي التغاير الحقيقي ، وقيل : إنه تعليل لقوله : تفصيل قبل ولو أريد برؤية الأعمال إنها تجسم لترى ظلمانية ونورانية ، أو ترى كتبها أو ترى نفسها لأنه يجوز رؤية كل شيء عرضاً وغيره فحين يراه حسنا أو مغفوراً يزداد سروره
وحين يراه غير ذلك يزداد حزنه ، وغمه وقد ورد في الحديث ما يؤيده فلا حاجة لما مر من الأجوبة ولا يخفى أنه خلاف الظاهر المتبادر من السياق. قوله : ( من قرأ سورة إذا زلزلت ) الحديث هو وإن كان مروياً بسند ضعيف في تفسير الثعلبيّ فيقوّيه ، ويعضده ما رواه ابن أبي شيبة مرفوعاً إذا زلزلت تعدل ربع القرآن فظهر أنه حديث صحيح ليس كغيره من أحاديث الفضائل ، تمت الس!ورة بحمد الله والصلاة والسلام على أعظم الرسل العظام ، وآله وصحبه الكرام.(8/389)
ج8ص390
سورة العاديات
لا خلاف في عدد آياتها وإن اختلف في كونها مكية أو مدنية فذهب إلى كل قوم من السلف ، وأيد الثاني بما رواه المصنف رحمه الله تعالى من أنه صلى الله عليه وسلم بعث خيلاَ الخ كما رواه الحاكم رحمه الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( أقسم بخيل الغزاة الخ ) هذا يناسب كونها مدنية لأنه لم يكن الغزو إلا بعد الهجرة ، ولذا نقل في الكشاف عن عليّ كرّم الله وجهه إنه لم يرتض هذا التفسير وفسرها بابل الحجاج لكنه لبعده عن اللفظ لم يذكره المصنف ، وقوله : عند العدو أي الجري بيان لاتساق النظم مع بيان أن العاديات واويّ تصرف فيه وليس المراد بالصوت السهيل بل قولها : أج أج كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما. قوله : ( نصبه ) أي ضبحاً بفعل مقدر من لفظه ، وهو مفعوله المطلق أي تضبح أو يضبحن والجملة المقدرة حالية ، وقوله : فإنها تدل بالالتزام فإذا ذكرت كانت في قوّة فعل الضبح فتعمل عمله ، وقوله : بمعنى ضابحة لأنّ الأصل في الحال أن تكون غير جامدة فلذا أوّلها باسم الفاعل. قوله : ( فالتي توري ) إشارة إلى أن أل موصولة وأنّ القدح هو الضرب والصك المعروف والإبراء يترتب عليه لأنه إخراح النار ، وايقادها كما أشار إليه المصنف وإيراؤها ما يرى من صدم حوافرها للحجارة ، وتسمى نار الحباحب وكون المراد به الحرب كما قيل بعيد ، وفي إعرابه الوجوه السابقة ، ويجوز أن ينصب على التمييز أي المورى قدحها وهو أحسنها. قوله : ( ينير أهلها على العدوّ ) يقال : أغار على العدوّ إذا هجم
لم أجده عند الحاكم أخرجه الواحدي في أسباب النزول 868 عن ابن عباس مرفوعا ، وذكر. الهثمي في المجمع 7 لم 142 وقال : رواه البزار وفيه حفص بن جميع وهو ضحعيف اهـ . وقال الحافظ في التقريب
ج1ص185 : حفص بن جميع ضعيف. وذكره أبن حبان في المجروحين 1 / 256. ولفظ الحديث " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلأ ، فأسهب شهراً لم يأته منها خبر. فنزلت : { وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا } ضبحت بمناحرها ، إلى آخر السورة. ومعنى أسهبت : أمعنت في ال!فوب ، وهي : الأرض الوأسعة ، جمع " شفب " .
بخيله عليهم بغتة لقتل أو نهب فالمغير صاحب الخيل وإسناده لها إما بالتجوّز في الإسناد أو بتقدير المضاف ، ولا يصح التجوّز في الطرف لأنّ جمع المؤنث يأباه ولو أريد أصحابها كان حقيقة بتقدير الطوائف المغيرات فتأمّل. قوله : ( في وقته ) إشارة إلى أنّ نصبه على الظرفية ، وقوله ة فهيجن لأن الإثارة تحريك الغبار ونحوه حتى يرتفع ، وضمير به للوقت والباء ظرفية وفيه احتمالات أخر ككونه للعدو أو للإغارة لتأويلها بالجري ونحوه والأوّل أحسن فالباء سببية أو للملابسة ، ويجوز كونها ظرفية أيضاً والضمير للمكان الدال عليه السياق ، وذكر إثارة الغبار للإشارة إلى شدة العدو وكثرة الكر والفر وتخصيص الصبح لأنّ الغارة كانت معتادة فيه ، والغبار إنما يظهر نهارا ، وأثرن فعل معطوف على اسم وهو العاديات أو ما بعده لأن اسم الفاعل في معنى الفعل خصوصاً إذا وقع صلة وتخالفهما للتصوير في النفس ، وفي الانتصاف وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسبة وبالمضارع بعد الماضي كقول ابن معد يكرب :
فإني قدلقيت الغول يهوي بشهب كالصحيفة صحصحان
فآخذه فاضربه فخرت صريعاً لليدين وللجران
ولا شذوذ فيه لأنه تابع فلا يلزمه دخول أل على الفعل فإنه ضرورة. قوله : ( غبارا ) هذا
هو المعروف ، ولذا قدّمه وكونه بمعنى الصياح ، ورد في قول عمر في النياحة ما لم يكن نقع أو لقلقلة على أحد التفاسير فيه فالمراد بالصياح صياح من هجم عليه ، وأوقع به لا صياح المغير المحارب ، وإن جاز على بعد فيه أي هيجن الصياح بالإغارة على العدوّ. قوله : ( فتوسطن ) إشارة إلى أن الثلاثيّ بمعنى التفعل كما قرك! به في الشواذ ، وقوله : بذلك الوقت إشارة إلى أنّ الضمير للصبح فالباء ظرفية كما مرّ وكما إذا كان للمكان ، وقوله : بالعدو فالضمير للمصدر المفهوم من العاديات والباء للسببية أو الملابسة أو هو للنقع والباء للملابسة أي توسطن الجمع ملتبساً به ، أو هي للتعدية إن أريد أنها وسطت الغبار والجمع مفعول به على الوجوه كلها فقول المصنف ملتبسات به راجع للأخير لا للجميع على البدل كما توهم. قوله : ( روي الخ ) قيل إنه لم يرو في كتب الحديث المشهورة ، وقوله : فنزلت أي تبشيرا له بظفر سريته ، وقوله : ويحتمل الخ هذا من البطون والإشارات الصوفية وهو على هذا تمثيل مركب أو استعارات متعدّدة ، وقوله : مثل أنواو القدس جمع مثال بفتحتين بالمثلثة أي صورها ، وكونه بمثناة تحتية
كما في بعض النسخ بعيد وفي نسخة بدله مبدأ ، وقوله : فوسطن الخ أي وصلن لمنازلهم وضمير به(8/390)
ج8ص391
للشوق ولبعده عن نهج التنزيل قال يحتمل. قوله : ( منه كند النعمة ( أي كفرها ولم يشكرها ، وقوله : بلغة كندة فيه تجنيس وقع اتفاقا ، وقوله : لربه متعلق بقوله : لكنود قدم للفاصلة لا للتخصيص ، وقوله : جواب القسم على التفاسير ، وقوله : وإن الإنسان الخ فالضمير للإنسان والإشارة للمصدر المفهوم من قوله : كنود والعلاوة للمعية هنا وفي موقعها لطف ظاهر. قوله : ( يشهد على نفسه ) هذا لا ينافي قوله على كنوده لأنه إذا شهد على كنوده فقد شهد على نفسه ، وقوله : لظهور أثره باللام والباء فالشهادة مستعارة لظهور آثار كفرانه وعصيانه بلسان حاله ، وقوله : إنّ الله فالضمير له تعالى ، وقوله : فيكون وعيداً وهو تمثيل أيضا ولقرب المرجع على الثاني جوزوه وإن كان الأوّل أرجح كما أشار إليه بتقديمه وبناء تفسيره عليه لما فيه من اتساق الضمائر وعدم تفكيكها فهو لم يسوّ بينهما كما قيل. قوله : ( المال ) وقد ورد في القرآن بهذا المعنى كثيرا وخصه بعضهم بالمال الكثير ، وقوله تعالى في آية الوصية : { إِن تَرَكَ خَيْرًا } كما مرّ ، وقوله : لبخيل تفسير لشديد واللام على هذا في قوله : لحب الخير للتعليل لأنه المناسب حينئذ بخلافه على ما بعده ، وقوله : مبالغ فيه المبالغة من !ميغة فعيل فإنها تفيد ذلك. قوله : ( بعثر ) تقدم تحقيق معنى البعثرة وفي العامل في إذا أوجه قيل إنه يعثر بناء على أنها شرطية غير مضافة وقيل : ما دل عليه خبر أنّ أي إذا بعثر جوزوا ، وقال الحوفي : هو يعلم وردّ بأنه لا يراد منه العلم والاعتبار في ذلك الوقت ، وإنما يعتبر في الدنيا ، ولذا قيل : إنّ المراد إنها على هذا مفعول به لا ظرفية ولا شرطية ، وقال أبو حيان : المعنى أفلا يعلم الآن ما له إذا بعثر الخ فمفعول يعلم المحذوف هو العامل ، ولا يجوز أن يعمل فيه لخبير لأنّ ما في خبران لا يتقدم عليها. قوله : ( وقرئ بحثر وبحث ) بالثاء المثلثة فيهما بمعنى استخرج ، وقوله : جمع محصلاً الخ لما كان أصل معنى التحصيل إخراج اللب من القشور كإخرأج البرّ من التبن والذهب من المعدن كما قاله الراغب وهو يستلزم إظهار. وجمعه وتمييزه فلذا فسر هنا بكل منها كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله : ( وتخصيصه لأنه الأصل ) أي أصل جميع الأعمال ما في القلب والفكر من الإرادة والنية ، ولذا كانت الأعمال بالنيات وكان أوّل الفكر آخر العمل فجميع ما عداه تابع له فيدلّ على الجميع صريحاً وكناية والمرأد بها العزائم المصممة. قوله
تعالى : ( { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ } الخ ) بهم متعلق بخبير قدم للفاصلة ، وقوله : بما أعلنوا لأنّ الخبير العالم بما بطن ويلزمه العلم بغيره بالطريق الأولى ، وقوله : فيجازيهم لأن علمه تعالى كناية عن المجازاة كما مرّ تحقيقه مراراً ، وقوله قال : ما التي هي لغير العقلاء فعبر بها في قوله ما في انقبور ، ثم قيل بهم : وهم ضمير العقلاء ، وقوله : في الحالين لأنهم في القبور أموات فألحقوا بالجمادات ، وإن كان لهم حياة ما في وقت مّا لكنه الظاهر المتبادر ، وأما في الحشر وبعد البعث فهم عقلاء محاسبون مسؤولون فلذا عبر بضمير العقلاء عنهم بعد ذلك. قوله : ( وقرئ أن ) بالفتح وخبير بلا لام لأنه مع وجود اللام علق فعل القلب عنها فكسرت فإذا سقطت لم تعلق عنه وهذه القراءة قراءة أبي السماك والضحاك وابن مزاحم وهي التي قرأ بها الحجاج ، فما قيل : إنه لجراءته على كلام الله لما فتح الهمزة أسقط اللام من غير علم له بالقراءة تحامل لا حاجة لنا بمثله ولا يلزم من عدم تكفير الحجاج إن تعطل جهنم وتخرب. قوله : ( عن النبتي صلى الله عليه وسلم الخ ) حديث موضوع ، وجمعا فيه اسم المزدلفة تمت السورة بحمد الله ومنه وصلى الله وسلم على نبيه الأكرم وآله وصحبه الأنجم.
سورة القارعة
اختلف في آياتها هل هي عشرة أو إحدى عشرة ولا خلاف في مكيتها.
بسم الله الرحمن الوحيم
قوله : ( سبق بيانه ) وإعرابه أيضاً ، وقوله : في كثرتهم هذا بناء على أنّ الفراس بمعنى الجراد كما ذكره في التأويلات ، وفي الدرّ المصون إنه قيل : إنه الهمج من البعوض والقراد وغيرهما ، ومثله معروف بالكثرة فما قيل عليه من أنّ الفراس لا يعرف بالكثرة حتى تشبه بها فيها إلا أن يفسر بصغار الجراد لا وجه له فكأنه(8/391)
ج8ص392
لم يسمع تفسيره به حتى تبرع به من عند.. قوله : ( وذلتهم ا لأنه يضرب به المثل في الذلة فيقال : أذل وأضعف من فرأشة ، وقوله : وانتشارهم هذا أيضاً بناء على أنه بمعنى الجراد لأنه المعروف به لقوله : كأنهم جراد منتشر وقوله : بمضمر الخ أي تقرعهم يوم الخ أو تأتي القارعة وقيل : إنه معمول للقارعة نفسها من غير تقدير وفيه نظر إلا أنه إذا تعلق بالثانية ، وقيل : ما بينهما اعتراض لم يمنع منه مانع ، وما قيل من أنه لا يلتئم معنى الظرف معه غير مسلم وقيل : مفعول به لا ذكر مقدّراً وقوله : كالصوف الخ مرّ تفصيله في سورة المعارج فتذكره ، وقوله : لتفرق أجزائها الخ بيان لوجه الشبه. قوله : ( بأن ترجحت الخ ) يحتمل أنه جمع موزون ، وهو العمل الذي له خطر ووزن عند الله أو جمع ميزان وثقلها رجحانها كما مرّ في الأعراف فلا يرد عليه أنها إعراض وما ذكر من صفات الأجرام ، وقد قيل : إنها تجسم بصور مناسبة لها ، ثم توزن فتذكر وتدبر. قوله : ( ذات رضا ) على أنها للنسب كلابن وتامر فلذا فسرها بقوله : أي مرضية لأنّ المرضية ذات رضا ، وفي نسخة أو مرضية فهو إشارة إلى أنه إسناد مجازي أو استعارة مكنية وتخييلية كما قرّر في كتب المعاني أو هي بمعنى المفعول على التجوّز في الكلمة نفسها.
تنبيه : ما كان للنسب يؤوّل بذي كذا فلا يؤنث لأنه لم يجر على موصوف فالحق
بالجوامد وقال السيرافي إنه يقدح فيما عللوا به عدم سقوط الهاء في عيشة راضية ، وفيه وجهان أحدهما : أن يكون بمعنى أنها رضيت أهلها فهي ملازمة لهم راضية بهم ، والآخر أن تكون الهاء للمبالغة كعلامة وراوية ووجه بأنّ الهاء لزمت لئلا تسقط الياء فتخل بالبنية كناقة مسلية وكلبة مجرية ، وهم يقولون ظبية مطفل ومشدن وباب مفعل ومفعال لا يؤنث وقد أدخلوا الهاء في بعضه كمصكة ا هـ ، ( أقول ) هدّا حقيق بالقبول محصله الجواب بوجوه أحدها إنه ليس من باب النسب بل هو اسم فاعل مجاز أريد به لازم معناه لأنّ من شاء شيئاً لازمه كما في حديث من بورك له في شيء فليلزمه فهو مجاز مرسل أو استعارة ، ويجوز أن يراد أنه مجاز في الإسناد وما ذكر بيان لمعناه ، الثاني إنّ الهاء للمبالغة ولا تختص بفعال ، ولذا مثل براوية الثالث أنه تجوّز في المعتل لحفظ البنية ومثله إما شاذ أو لتشبيه المضاعف بالمعتل ، وفي معنى الآية قلت :
إذا رضي الإنسان نعمة ربه وأظهرها تحتال في حلل المجد
أقامت لديه وهي راضية بما قرا!ا به من ! ، ا!كر وا!حمد
قوله : ( فمأواه النار ) فسمي المأوى إمّا على التشبيه تهكماً لأنّ أمّ الولد مأوا. ومقره ، وفي التأويلات قيل : المراد أمّ رأسه أي يلقي في النار منكوساً على رأسه. قوله : ( ماهية ) الأصل ما هي فأدخل في آخره هاء السكت وقفاً وتحذف وصلاً قيل ، وحقه أن لا يدرج لئلا تسقط لأنها ثابتة في المصحف ، وقد أجيز إثباتها في الوصل ، وقوله : ذات حمى مصدر كنصر ، ويقال : حمي وحمو كدلو وقد يشذد وحمله على النسب بناء على أنه من حميت القدر فأنا حام والقدر محمية فلذا حملها على النسب فانه قيل بأنه من حمى النهار والقدر فحامية على ظاهرها من غير تأويل إلا أن ما ذكره المصنف رحمه الله سبقه إليه الراغب فهو إمّا بناء على أنّ الثاني لم يثبت عند. أو هو غير كثير في الاستعمال. قوله : ( والهاوية من أسمائها ) إن أراد أنها علم لها كما في الصحاح ، وفي حواشيه لابن بري هاوية من أسماء النار فهي معرفة بغير ألف ولام ، ولو كانت علما لم تنصرف في الآية والهاوية المهواة قال :
يا عمرو لو نالتك أرماحنا كنت كمن أهوى به الهاوية
وبه علم جواب ما سبق ، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديث موضوع ( تمت السورة ) بحمد
الله ومنه والصلاة والسلام على سيد الرسل الكرام ، واكه وصحبه السادة العظام.
سورة التكاثر
لا خلاف في عدد آياتها وأنما الخلاف في كونها مكية أو مدنية ، واستدل لكونها مدنية
بما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنها نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار تفاخروا ، وأخرج البخاري عن أبيّ بن كعب(8/392)
ج8ص393
قال : كنا نرى هذا من القرآن يعني لو كان لابن آدم واديان من ذهب حتى. نزلت ألهاكم التكاثر . !وإلى الثاني ذهب الأكثرون ، ورجحه صاحب الإتقان وهو الحق.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( شنلكم الخ ) يعني أنّ اللهو في أصل وضعه وضع للذفلة ، ثم شاع في كل شاغل
وهو المراد هنا والعرف خصه بالتشاغل الذي يسرّ المرء وهو قريب من اللعب ولذا ورد بمعناه كثيرا ، وقال الراغب : اللهو ما يشغلك عما يعني ويهم ، وقوله : التباهي أي التفاخر بها بأن يقول : هؤلاء نحن أكثر وهؤلاء نحن أكثر ، وقوله : وأصله الخ لم يحمله على أصله لأنه غير مناسب للمقام وإن غفل عنه بعضهم. قوله : ( إذا استوعبتبم الخ ) هو تفسير للتكاثر على هذا لا تقدير لما ذكر في النظم ، وقوله : عبر الخ فهو إما كناية أو مجاز والأحسن جعله تمثيلا وجعله الزمخشري تهكماً ولخفاء التهكم فيه تركه المصنف رحمه اللّه ووجهه أنه كأنه قيل : أنتم في فعلكم هذا كمن يزور القبور من غير غرض صحيح ، وقيل : وجهه أنّ زيارة القبور للاتعاظ ، وتذكر الموت وهم عكسوا فجعلوها سبباً للغفلة ، وقوله : * صرتم إلى المقابر أي انتقلتم لذكر من فيها فالغاية داخلة في المغيي على هذا أقول لو قيل : التهكم في التعبير بالزيارة كان وجهاً وجيها. قوله : ( فكثرهم بنو عبد مناف ) أي غلب بنو عبد مناف في الكثرة بني سهم وهو من باب المغالبة يقال : كاثرته فكثرني على ما هو معروف عند النحاة ، وقوله : إن البغي الخ أراد به التعدي والتجاوز عن الحذ في !الحروب ، وقوله : فكثرهم بنو سهم الفاء فيه فصيحة أي فعدوا
الأحياء والأموات فزادوا عليهم كثرة. قوله : ) وإنما حذف الملهى عنه ) فلم يقل : ألهاكم عن كذا ، وقوله : وهو ما يعنيهم يعني الملهى عنه لو ذكر هنا ما كان يعنيهم أن يهمهم من أمر الدين فيقال : ألهاكم التكاثر عن أمر دينكم ، وقوله : للتعظيم المأخوذ من الإبهام بالحذف فإنه يفيده كما يفيده الإبهام الذكري في نحو غشيهم ما غشيهم مع ما فيه من الإشارة إلى أنه خارج عن حدّ البيان وأنه لشهرته غني عن الذكر والمبالغة لما فيه من الإشارة إلى أنّ كل ما يلهى مذموم فضلا عن أمر الدين ، وقيل : المبالغة من ذهاب النفس كل مذهب وفيه نظر. قوله : ( إلى أن متم وقبرتم الخ ) فصيغة الماضي لتحققه أو لتغليب من مات أوّلاً أو لجعل موت آبائهم بمنزلة موتهم ، وقوله : عما هو أهمّ الخ إشارة إلى أن الملهى في هذا الوجه مما يهتمّ أيضا ، وإن كان الملهى عنه أهمّ بخلاف الوجه السابق فإنه لوحظ فيه عدم أهمية الملهى رأساً. قوله : ( فتكون رّيارة القبور عبارة عن الموت ) مع الإشارة إلى تحقق البعث لأنّ الزائر لا بد من انصرات عما زاره ، ولذا قال بعض الأعراب لما سمعها بعثوا ورب الكعبة ، وقال ابن عبد العزيز : لا بد ل!عئ زار أن يرجع إلى جنة أو نار وسمي بعض البلغاء القبر دهليز الآخرة. قوله : ( رح وثنبيه على أن العاقل الخ ) ففيه ردّ لما قبله وتنبيه على ما يأتي بعده وهو متصل بما بعد. ، وما قبله كما قاله الإمام وهو لا يخالف ما نقل في المفصل عن الزجاح من أنها رح عن الاشتغال بما لا يعنيه عما يعنيه وتنبيه على الخطا فيه كما قيل. قوله : ( خطأ رأيكم الخ ) بيان لحاصل المعنى ، وقيل : إنه للإشارة إلى أنّ العلم متعد لمفعول واحد لأنه بمعنى المعرفة لأنّ تقليل التقدير ما أمكن أول والمراد بما وراءهم وما بين أيديهم هنا واحد وهو الآني من أمور الآخرة ، وكونه بمعنى الخلف هنا لا وجه له لأنّ قوله : وهو إنذار يأباه كما لا يخفى. قوله : ( تكرير للتثيد ) والمؤكد قد يعطف كما صرح به المفسرون والنحاة وتصريح أهل المعاني بمنعه لما بينهما من شدة الاتصال
مخالف له بحسب الظاهر ، وفي قول المصنف رحمه الله كغيره على أنّ الثاني أبلغ من الأوّل إشارة إلى التوفيق بين الكلامين لأنه لكونه أبلغ ثزل منزلة المغاير فعطف والأبلغية لما فيه من التأكيد ، ونحوه مما يشعر به مقامه كما يقول العظيم لعبده أقول لك ، ثم أقول لك لا تفعل. قوله : ( أو الأوّل الخ ) فلا تكرير في الإنذار والردع لتعلقه بما بعده كما مرّ والعطف ، والتراخي على ظاهره ، وقوله : { مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ } الخ مرّ بيانه ، وقوله : علم الأمر اليقين فالعلم مصدر مضاف للمفعول واليقين بمعنى المتيقن صفة لمقدو ، وليس من إضافة العامّ للخاص كما قيل ، وقوله : ( كعلمكم ) الخ بيان لعلم الأمر المتيقن ولفائدة الإضافة يعني لو علمتم ما بين أيديكم كما استيقنتموه شغلكم ذلك عن التباهي. قوله : ( فحذف(8/393)
ج8ص394
الجواب ) وهو ما ذكر. المصنف رحمه الله ، وقوله : للتفخيم مرّ وجهه قريبا وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله : عن غيره ، وقوله : لا يوصف ولا يكتنه وقوله : محقق الوقوع ، وجواب لو الامتناعية لا يكون كذلك والقول بأنه جواب والمضارع للمضيّ هنا أي لو كنتم ممن يعلم علمتم وتحققتم وجود العذاب ، العقاب وستشاهدونه خلاف الظاهر اللائق بنظم القرآن العظيم ، وقوله : أكد به أي بالقسم فالوعيد ما تضمنه جوابه أو الضمير لما ذكر من القسم وجوابه فالوعيد ما مرّ ، وقوله : منه متعلق بأنذرهم يمعنى خوفهم والضمير المجرور راجع لما ، وقوله : بعد إبهامه أي إبهام المنذر به المحذوف. قوله : ( تكرير للتثيد ) والعطف كما مرّ وقوله : إذا رأتهم أسند الرؤية لها موافقة لنظم وتفننا في تحقيق التغاير ، وعلى هذا يحتمل التنازع في قوله : عين اليقين ولا يمنعه قوله بعده ، ثم لتسألن الخ كما قيل لجواز حمل ، ثم على الترتيب الذكري أو جعل سؤالهم بعد الورود لأنه للتوبيخ والتقريع بالسؤال عن النعيم في الجحيم لكنه أبعد من التأكيد بمراحل. قوله : ( أو المراد بالأولى الخ ) قيل : إنه بيان لقوله في الكشاف ، ويجوز أن يراد بالرؤية العلم والأبصار ، لا أنّ الأبصار عطف تفسيري للعلم ، ولا أنه ابتداء كلام غير مقابل للوجه السابق كما ذكره شراحه وفيه نظر فإنه كلام بعيد مما ذكر فلينظر فيه. قوله : ( أي الرؤية التي هي نفس اليقين ) إشارة إلى أنّ العين هنا بمعنى النفس كما في نحو جاء زيد عينه أي نفسه وقوله : فإن علم المشاهدة الخ تعليل لكون الرؤية نفس اليقين دون غيرها من العلوم فإنّ الانكشاف بالرؤية والمشاهدة فوق سائر الانكشافات فهو أحق بأن يكون عين اليقين ، فاندفع ما أورد عليه من أنّ أعلى اليقينيات الأوليات دون المشاهدات كما تقرّر في محله وقد مر في البقرة ما يتعلق بهذا المقام فعين اليقين صفة مصدر مقدر ، وهذا جار على الوجو. الثلاثة. قوله : ( الذي ألهاكم ) خصه به للقرائن الدالة على تخصيصه كما أشار إليه بقوله : والنعيم الخ والعجب أنه مع تصريحه بما قلناه قيل : إنه بناه على الوجه الممرض في أوّل السورة ، وهو غفلة منه فقوله : والخطاب الخ أي في هذا المحل ،
وقوله : والنعيم بما يشغله أي مخصوص هنا بما يشغله عن طاعة الله ، وقوله : للقرينة هي اختصاص الخطاب في ألهاكم وزرتم والنصوص صريحة في أنّ الرزق الطيب لا يسئل عنه للأمر با!ل منه. فوله : ( وقيل يعمان ) أي ما ذكر وغيره وقوله : إذ كل يسأل فالسؤال ليس سؤال توبيخ كما في الوجه السابق ، ويؤيده ما في الحديث الصحيح من أنه قال ، وقد أكل مع أصحابه رطباً وشرب ماء باردا ، والذي نفسي بيده هذا من النعيم الذي تسالون عنه يوم القامة . قوله : ( عن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ ) أوّله موضوع ، وآخره له شاهد في سنن الحاكم والبيهقي ولفظه ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألهاكم التكاثر ( تمت السورة ) والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.
سورة والعصر
روي عن الشافعيّ رحمه الله تعالى أنه قال : لو لم ينزل غير هذه السورة لكفت الناس
لأنها شملت جميع علوم القرآن ولا خلاف في عدد آياتها وإنما الخلاف في كونها مكية أو مدنية فقد ذهب إلى كل منهما بعض السلف.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( أقسم بصلاة العصر لفضلها ) وفي نسخة لفضيلتها وفضيلتها لأنها الصلاة الوسطى
عند الجمهور ولم يذكر أنه أقسم بوقت العصر نفسه لأنه لا وجه لتخصيصه ، وقيل : إنه خص لفضيلة صلاته أو لخلق آدم أبي البشر فيه ، وقد ورد في الحديث : " إنّ من فاتته فكأنما وتر أهله " . قوله : ( أو بعصر النبوّة ) فانه أشرف الإعصار لتشريف النبيّ !ز له ، ولم يبينه لظهوره بخلاف فضل صلاة العصر على غيرها من الصلوات فإنه إنما يعرف من جهة السمع فلا وجه لما قيل في توجيهه من أنه فيما مضى من الزمان مقدار وقت العصر من النهار ، وهو يقتضي أنه غير خاص بوقت حياته !ز فيعمه وما بعده إلى يوم(8/394)
ج8ص395
القيامة وهو محتمل أيضاً. قوله : ( أو بالدهر ) أخر. لأن استعماله بهذا المعنى غير ظاهر ، وقوله : لاشتماله الخ اشتماله على ذلك لا كلام فيه ، ولذا قيل له أبو العجب إنما الكلام في كونه وجه القسم فإنه يذكر بما فيه من النعم وأضدأدها لتنبيه الإنسان لأنه مستعد للخسران والسعادة ، وقوله : ما يضاف إليه لأنّ الناس تضيف كل شيء له ولذا ورد " لا تسبوا الدهر " على ما بين في شرحه ، ونفيه عنه لأنّ اللّه لما أقسم به ، وعظمه علم إنه لا خسران له ولا ذخل له فيه وإضافته للإنسان تشعر بأنه صفة له لا للزمان كما قيل :
يعيبون الزمان وليس! فيه مغايب غير أهل للزمان
قوله : ) في مساعيهم وصرف أعمارهم ) إشارة إلى أنه لا يخلو منه إنسان ولو لم يكن له
غير صرف عمر. كفاه كما قيل :
زيادة المرء في دنياه نقصان
وقوله : والتعريف يعني في الإنسان والجنس شامل للاستغراق هنا بقرينة الاستثناء ، وقوله : والتنكير يعني في خسر إذ المراد خسر عظيم ويجوز أن يكون للتنويع أي نوع من الخسران غير ما يعرفه الإنسان. قوله : ( فإنهم اشتروا الخ ) الباء دأخلة هنا على المتروك بقرينة ما بعد. ، والسرمدية بمعنى الدائمة ، وقوله : بالثابت أي في نفس الأمر والواقع بحكم الشرع والعقل بحيث لا يصح نفيه بمقتضاهما ولا وجه لتخصيصه بالأوّل لأنه يخرج منه إثبات الواجب به. قوله : ( عن المعاصي ) هو وما بعده متعلق بالصبر ، وفيه إشارة إلى استعماليه من تعديه بعن وعلى ، وقوله : ما يبلو الله أي يبتليهم من المصائب ، وهو معطوف على الحق والمعنى حينئذ كقوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ } إلى قوله { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [ سورة البقرة ، الآية : 155 ] وقوله : وهذا الخ يعني عطف قوله : { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } على ما قبله : لا عطف قوله : { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } وحده لأنّ ما بعده يأباه كما لا يخفى. قوله : ( للمبالغة ا لأنه يدل على أنّ الخاص لكماله بلغ إلى مرتبة خرج بها عن الاندراج تحت العامّ على ما عرف في أمثاله ، وقوله : ( إلا أن يخص ) الخ فيكون المراد بالعمل عملاً خاصا وهو ما به كمال العامل ، أو الإنسان في حد ذاته كعبادته وعقائد. الفاضلة فيخرج عنه الفواضل والأعمال المتعدية هي بنفسها أو أثرها إلى الغير فيخرج عنه التواصي بالأمرين المذكورين لأنهما تكميل للغير ، وهو متعد غير قاصر عليه ويكون من عطف المتغايرات. قوله : ( ولعله سبحانه وتعالى إنما ذكر الخ ) أي ذكر سببه صريحاً وهو مجموع الأمور الأربعة واعترض عليه بأنه ليس صريحا بل ضمنا ، وقد ذكر سبب الخسران ضمناً أيضاً وهو غير ما ذكر وأضداده كما لا يخفى ، وهو ناشئ من عدم الفرق بين السبب وسببيته وجعل الأوّل كالثاني ، وهو وهم لا يخفى. قوله : ( اكتفاء ببيان المقصود ( أي وهو الربح بما به الفوز والحياة الأبدية والسعادة وأهلها ، وقوله : إشعارا بأن ما عدا ما عد الخ يعني أنه لإشعاره بأنّ سبب الخسر ما عدا المذكور لم يذكر إذ لو ذكر جميعه طال الكلام جدا ، ولو ذكر بعض منه دون بعض أخل بالمقصود وفي كلامه نوع خفاء. قوله : ( أو تكرماً الخ ا لترك ذكر مثالبهم ، ومواجهتهم بالذم
ولأنه كالستر لقبائحهم وإيهام أنها لا يترتب عليها العقاب ، وفي التفسير الكبير لم يذكر سبب الخسران لأنّ الخسر يحصل بالفعل كالزنا والترك كترك الصلاة بخلاف الربح فإنه إنما يكون بالفعل يعني أنّ سببه متعدد فيكون فعلا وتركا بخلاف سبب الربح فإنه لا يكون إلا فعلاً ، وما عداه راجع إليه فيكون أقرب إلى الضبط لأنه يعلم منه أنّ سبب الخسران ما عدا هذا المذكور ، وهو قريب مما قدمه المصنف في قوله : إشعارا بأنّ ما عدا ما عد الخ فلا يرد عليه ما قيل : إن امتثال النهي بترك المنهي عنه ، وهو من أسباب الربح ولو سلم فليذكر الفعل الخ وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع ( 1 " تمت السورة ) بحمد الله وعنه ومنه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة الهمزة
لا خلاف في كونها مكية ولا في عدد آياتها.
بسم الله الرحمن الرحياً(8/395)
ج8ص396
قوله : ( فشاعا في الكسر الخ ) وأصله كان استعارة لأنه لا يتصوّر الكسر والطعن الحقيقي
إلا في الأجسام ، ثم صار حقيقة عرفية فيه ، وفي هذه الآية دليل على أنّ الكفار مكلفون بالفروع لذمّهم بما ذكر فلا يرد أنه كيف يذم الكافر بما ذكر وفيه ما هو أقبح منه. قوله : ( وبناء فعلة ) بضم الفاء وفتح العين ، والفرق بين المفتوح والساكن ما ذكر وأيضاً المفتوح صيغة مبالغة بمعنى اسم الفاعل والساكن بمعنى المفعول كما في أدب الكاتب ، وكأنه كثري لأن من كلامهم لقطة بالفتح ، وهي بمعنى المفعول وسمع الساكن أيضا بمعنى الفاعل ، وقوله : على بناء المفعول أي على البناء الذي وضع لمعنى مفعول كما قاله ابن قتيبة : وقوله فيضحك مته ، ويشتم بصيغتي المجهول وهذا أصل وضعه ، ثم عم لكل من يكثر الغيبة وإن لم يكن كذلك ولا يلزم أن يكون هذا بمحضر منه.
فقد أجلك من يرضيك ظاهره وقدأطاعك من يعصيك مستترا
فلا يرد أن ما ذكر ينافي نزول الآية في الرجلين المذكورين ، وهما من عظماء قريش وتوله : الذي يأتي بالأضاحيك صفة كاشفة للمراد بالمسخرة بالفتح. قوله : ( 1 لأخنس بن شريق ) بفتح الشين بزنة فعيل اسمه أبيّ بن عمرو الثقفي حليف بني زهرة ، ولقبه به أبو سفيان لما رجع ببني زهرة عن بدر ثم أسلم وكان من المؤلفة على ما صححه ابن حجر في الإصابة وهو يقتضي أن لا يصح ما ذكره المصنف لقوله : لينبذنّ في الحطمة. قوله : ( منتابا ) بالكسر كمنحار بمعنى كثير الغيبة ، وقوله : اغتيابه بالجر معطوف على الوليد ، وقوله : ما لا تنكيره للتكثير أو للتقليل ، والتحقير باعتبار أنه عند اللّه أحقر شيء. قوله : ( بدل من كل الخ ) بدل كل من كل وقيل : بدل بعض من كل ولم يجعله صفة لكل كما قيل لأن النكرة لا توصف بالمعرفة ، وكون كل همزة معرفة كما قاله الزمخشري في كل نفس في سورة ق ، مما لا وجه له والاشتغال بتوجيه مثله
مما لا ينبغي وقد مر ثمة ما فيه وقوله : عدّة بالضم أي معداً ومدخراً والنوازل المصائب النازلة على الناس ، وقوله : عدّة مرّة الخ لا محصل له معتد به ، وقوله : ويؤيده أي يؤيد أنه من العدد لا من العئه بالضم فإنّ هذه القراءة دالة على ما ذكر وهو اسم معطوف على قوله : مالاً والضمير للمال ، ومعنى كونه جمع عدة أنه أحصاه وضبطه فإن سلم أنه يقال جمع العدد بمعنى ضبطه فبها ونعصت والا فهو كقوله :
علفتها تبناً وماء باردا
وفي التأويلات أنه بمعنى جعله أصنافاً وأنواعاً كعقار ومتاع ونقوداً وهو للذي والمراد بعدده أتباعه وأنصاره كما يقال : فلان ذو عدد وعدد وقيل : إنه فعل ماض وفك إدغامه على خلاف القياس كما في قولى :
إني أجود لأقوام وإن ضننوا
وهو متكلف لفظاً ومعنى وقول المصنف على فك الإدغام ظاهر فيه لأنه لو كان اسما لم
يكن فيه إدغام حتى يفك ، وفيه نظر لأنه يقال : عد بمعنى عدد والأصل في كل مثلين التقيا الإدغام فلا حاجة إلى تكلف أنّ المراد بفك الإدغام تركه ابتداء. قوله : ( تركه خالدا ) خلوداً لا يتناهى أو مكثاً طويلا لأنّ مدخراته ، وتداركه لمثله وبناءه وغرسه مقتض لذلك وهو استعارة تمثيلية لما ذكره من شدة محبته له أو غفلتة وطول أمله ، وقوله : وفيه تعريض يعني على الوجوه كلها لا على ما عدا الأوّل كما قيل والزمخشري جعل التعريض وجها مستقلا وكأنّ المصنف لم يرتض به ، وقوله : عمل من لا يظن الموت كالبناء المشيد وغرس الأشجار واجراء الأنهار ونحوه. قوله : ( ردع له عن حسبانه ا لا عن همزه ولمزه كما توهم لبعده لفظاً ومعنى ، وقوله : تحطم أي تكسر ففي الحطمة مماثلة لعمله لفظاً ومعنى ، وقوله : تعلو أوساط القلوب على أنّ
معنى الفؤاد وسط القلب ويستعمل بمعنى القلب ففسه وضمير عليها للقلوب لأنها إذا وصلت لوسطه اشتملت عليه وعلى جميع الجسد ، وقوله : وتخصيصها الخ فعلى الأوّل هو بيان لشدّة عذابهم ، وعلى الثاني أحرقت الأفئدة لأنها محل العقائد الفاسدة وقوله : تحن الخ الأجبال بالهمزة جمع جبل كأجبل ومحل الشاهد فيه ظ!اهر. قوله : ( أي موثقين في أعصد! ممدودة ) إشارة إلى أنّ قوله في عمد ممددة حال من ضمير عليهم ، والمقاطر جمع مقطرة بالفتح وهي جذع كبير فيه خروق يوضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص ، ونحوهم وقوله : تقطر أي يجعل كل بجنب آخر ، والحديث المذكور موضوع قمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ا-له وصحبه.(8/396)
ج8ص397
سورة الفيل
لا خلاف في كونها مكية ولا في عدد آياتها.
بسم الله الوحمن الرحيم
قوله : ( وهو وإن لم يشهد الخ ) الوقعة الحادثة العظيمة والحروب وجعل الرؤية هنا بصرية
تجوز بها عن العلم على الاستعارة التبعية أو المجاز المرسل لأنها سببه ، وكلام المصنف ظاهره الأوّل ولم يجعلها ابتداء علمية وإن لم يمنع منه مانع لأنّ هذا أبلغ ، ولأنّ ألم تر حيث لم يعلق في القرآن عدى بإلى نحو ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم فهي بصرية فينبغي حمله على نظائره فتأمّل. قوله : ( تذكير ما فيها من وجوه الدلالة ) إشارة إلى ما قاله الإمام من أنّ الأسماء لها ذوات ، وكيفيات والكيفيات يسميها المتكلمون وجه الدليل واستحقاق المدح برؤية الكيفيات لا برؤية الذوات ، ولذا قال تعالى : { أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا } [ سورة ق ، الآية : 6 ] وما الدالة على الوصفية والتعجب فيما مرّ هي الموصولة لا الاسنفهامية كما قيل ، والظاهر أنّ مراد المصنف أنّ كيف للسؤال عن الأحوال على وجه العموم فالمراد هنا التنويه ، والتعجيب مما في تلك القصة من الشؤون والأحوال الدالة على ما ذكر. ، وما وإن استعملت للوصف في نحو ما زيد وللتعجب في نحو ما لي لا أرى الهدهد كما صرحوا به غير مناسب للمقام فما ذكر من أنه مخصوص بالموصولة لا وجه له. قوله : ( فإنها من الإرهاصات ) الضمير للوقعة ، وهو تعليل لكون هذه الواقعة فيها شرف للرسول صلى الله عليه وسلم والإرهاص ما يتقدم النبوّة ودعوى الرسالة مما يشبه المعجزة من الرهص! وهو أسفل الجدار وقيل : هو الترصد. قوله : ( إذ روي أنها وقعت الخ ) لأنّ مولده صلى الله عليه وسلم كان في ربيع الأوّل على الأشهر ، وقيل : كان في رمضان وذكروا أنّ الفيل أتى مكة في المحرّم وولادته صلى الله عليه وسلم كانت بعد مجيئه بخمسين يوما ، فإن قلت إنما هذا لشرف البيت ودعوة الخليل عليه الصلاة والسلام ، ومصادفتة لحمله وقرب مولده صلى الله عليه وسلم اتفاقي قلت : لا مانع من الجمع بينهما ويؤيد كونه إرهاصاً قصة القرامطة وذي السويقتين ، وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديبية لما بركت ناقته وقال الناس : ( خلأت أي حرنت فقال ما خلات ، ولكن حبسها حاب!
الفيل ) الحديث فليس فيه ما ينافي الإرهاث كما توهم فتدبر. قوله : ( وقصتها الخ ) أبرهة بفتح الهمزة وسكون الموحدة التحتية والراء المهملة وهاءين قال السهيلي : معناه بالحبشة الأبيض الوجه ، وهو مؤيد لقول من قال : إنّ أبرهة هذا هو أبرهة بن الصباج الحميري ، وليس بأبي كيسوم الحبشي والصباح بفتح الصاد المهملة وتشديد الباء الموحدة والحاء المهملة والأشرم المشقوق الأنف أو الشفة ، وقوله : ملك اليمن ماض أو اسم بكسر اللام مضاف ، وقوله : قبل بكسر القاف وفتح الباء الموحدة بمعنى جانب وجهة ، وأصحمة بالصاد والحاء المهملتين ، والنجاشي علم في الأصل ، ثم جعل لقباً لكل من يملك الحبشة. قوله : ( سماها القليس ) قال مغلطاي هو بقاف مضمومة ولام مشددة مفتوحة وبعدها مثناة تحتية ساكنة ثم سين مهملة كما في ديوان الأدب ، ونقل عن القسطلي أنه بضم القاف ، وفتح اللام المخففة وأمّا القليس بفتح القاف وكسر اللام المخففة فاسم قصر بصنعاء بناه القليس بن شرحبيل وضعبطه السهيلي بالنون ، وقال معناه المرتفع كالقلنسوة ولم يزل باقيا حتى هدمه السفاح وليس هو الذي هدمه حمير كما قيل. قوله : ( فقعد فيها ) أي تغوط وفي شرح السيرة القعود الجلوس ويكون بمعنى الحدث ، ومنه : ( النهي عن القعود على المقابر ) في الحديث كما فسره به الإمام مالك رحمه الله وهو كناية في الأصل وقوله : فيلة بكسر الفاء وفتح الياء بزنة قردة جمع فيل ، وكانت ألفاً وقيل غير ذلك وقوله : عبى جيشه يقال : عبيت الجيش بغير همز هيأته ، وعبات المتاع بالهمز وحكي عبأت الجيش بالهمز قال السهيلي وهو قليل ، وقوله : فخرح بجيشه الباء للملابسة أو للتعدية. قوله : ( برك ) كذا روي لكن قال السهيلي : الفيل لا يبرك فبروكه إمّا بمعنى سقوطه على الأرض بأمر الله ، أو المراد لزم مكانه كما يفعله البارك ، وقيل :(8/397)
ج8ص398
من الفيلة صنف
يبرك كما تبرك الجمال انتهى ، وقوله : هرول بمعنى أسرع وقوله : الحمصة هي حبة معروفة وهو بكسر المميم المشذدة وفتحها ، ولم يذكر أبو حنيفة إلا الكسر كجلق وليس للكسر نظير في الأبنية إلا الحلز وهو القصير على رواية فيه فقوله : في الكشف الكسر أفصح غير مسلم وقد روي أنها كانت كبارا تكسر الرؤوس ، وقوله : فترميهم الخ عبر بالمضارع لحكاية الحال واست! او تلك الصورة البديعة. قوله : ( وقرئ ألم تر جدا في إظهار أثر الجازم ا لأن جزمه بحذف آخره فإسكان ما قبل الآخر للاجتهاد في إظهار أثر الجازم ونظيره قوله : ألم أبل كما
واذا السعادة لاحظتك فلا تبل
قيل : والسر فيه الإسراع إلى ذكر ما يهم من الدلالة على أمر الألوهية والنبوّة أو الإشارة ،
إلى الحث على تفجيل الرؤية وإن من لم يسرع لها لم يدركه حق إدراكه ولا يخفى بعده فإن تقليل البنية يدل على قلة المعنى ، وهو الرؤية لا على قلة زمانه وهذا كما مرّ في صفد وأصفد. قوله : ( وكيف نصب بفعل الخ ( ونصبه على المصدرية أو الحالية ، واختار الأول ابن هشام في المغني والمعنى أقي فعل فعل الخ وأمّا الحالية من الفاعل فممتنعة لأنّ فيه وصفه تعالى بالكيفية ، وهو غير جائز وأمّا نصبه بتر لانسلاخ معنى الاستفهام عنه كما في شرح المفتاح الشريفي فقد صرّح أبو حيان بامتناعه لأنه يراعي صدارته إبقاء لحكم أصله ، وهو الظاهر كما أشار إليه المصنف رحمه اللّه. قوله : ( في تعطيل الكعبة ) لأنّ مقصودهم من بناء الكنيسة تعطيل الكعبة من الزوار وصرفهم للكنيسة ، وقوله : وابطال عطف تفسير لقوله : تضييع لأنه من ضل عنه إذا ضاع استعير هنا للإبطال ، ودمّرهم أهلكهم وأنما سماه كيداً وهو قصد المضرّة خفية وهو مظهر لقصد تخريبه لأنّ سببه حسد سكان الحرم وقصد صرف شرفهم له وهو خفي فسمي كيداً لذلك فتدبر. قوله : ( جمع إبالة ) بكسر الهمزة وتشديد الموحدة ، وهي حزمة الحطب فاستعير لجماعة الطير ، والعباديد الفرق من الناس الذاهبون في كل وجه والشماطيط القطع المتفرّقة ، والثوب المشقق واحده شمطيط أو لا واحد له على ما فصل في اللغة والنحو وقياس مفرده فعليل أو فعلول أو فعلال ، وقوله : في تضامها أي اجتماعها ، وقوله : قرئ بالياء هي قراءة أبي حنيفة لكن قد مرّ قول صاحب النشران أبا حنيفة لا قراءة له دمانّ القرا آت المنسوبة له
موضوعة ، وقد أثبت العلماء وضعها ، وقوله : لأنه اسم جمع أي وهو لازم التذكير كما في شرح الألفية فتأنيثه لتأويله بالجماعة لا لأنه اسم جمع أي وهو لازم التذكير كما في شرح الألفية فتأنيثه لأويى بالمجماعة لا لأنه يجوز فيه الأمران كما قيل. قوله : ) معرب سنك كل ) وهو تركيب معناه متحجر ، وقوله : من السجل بالكسر أي السجيل مأخوذ منه ، وهو الدلو العظيمة إذا كانت مملوءة بالماء أو قريبة من الملء والسجل والسجيل مذكر بمعنى الدلو المذكور فمن ابتدائية ، ومعنى كون الحجارة من الدلو أنها متتابعة كثيرة كالماء الذي يصبّ من الدلو ففيه استعارة مكنية وتخييلية كقوله : { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } [ سورة الفجر ، الآية : 13 ] وكذا كونه من الأسجال بمعنى الإرسال أيضاً ، والمعنى من مثل شيء مرسل كما مرّ في سورة هود وعلى هذا هو عربي لا معرب. قوله : ( أو من السجل ) وهو علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار فذلك من جملته وبعض منه فقوله : ومعناه يعني على هذا الوجه الأخير ، وقوله : الآكال بالضم والكسر كغراب وكتاب وهو التآكل وقوله : أو أكل حبه بتقدير مضاف أو بالإسناد المجازي فالتشبيه به لذهاب أرواحهم ، وبقاء أجسادهم أو لأن الحجر بحرارته يحرق أجوافهم. قوله : ( أو كتبن الخ ) معطوف على قوله : كورق ، وقوله : وراثته جعل الروث مأكولاً باعتبار ما كان ولم يذكر الروث لهجنته فجاء على الآداب القرآنية فشبه تقطع أوصالهم بتفرّق أجزاء الروث ففيه إظهار تشويه حالهم ولما في القصة من هدم الكعبة ناسب إهلاكهم بالحجارة ، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع ، وقوله : أعفاه بمعنى يراه وليس من العفو لأنه لا يتعدّى بالهمزة كما في كتب اللغة تصت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وصحبه.
سورة قريش
ويقال : سورة لئيلاف قريش كما في الحديث المذكور في آخر السورة ولا خلاف في
عدد آياتها ، واختلف في كونها مكية أو مدنية والجمهور على الأوّل.(8/398)
ج8ص399
بسم الله الرحمن الرحبم
قوله تعالى : ( { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ } ) إيلاف مصدر ألفت الشيء وآلفته من الألف المعروف ،
قال الهروفي في الغريبين : الإيلاف عهود بينهم وبين الملوك فكان هاشم يؤالف إلى ملك الشام والمطلب إلى كسرى وعبد شمس ، ونوفل يؤالفان ملك مصر والحبشة قال : ومعنى يؤالف يعاهد ويصالح وفعله ا-لف على وزن فاعل ومصدره الأف بغير ياء بزنة قتال أو ألف الثلاثي ككتب كتاباً ويكون الفعل منه أيضاً آلف على وزن أفعل مثل آمن ومصدره إيلاف كإيمان ومنه يعلم وجه القراءة بالياء وعدمها. قوله : ( متعلق بقوله : { فَلْيَعْبُدُوا } الخ ) ولما لم تكن الفاء في جواب شرط محقق كانت في الحقيقة زائدة فلا يمتنع تقديم معمول ما بعدها كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى ، وقوله : لأجل إشارة إلى أنّ اللام تعليلية وقوله : رحلة الشتاء الخ إن كان الآلاف من الألفة فهو مفعول به ، وإن كان بمعنى المعاهدة فهو منصوب على نزع الخافض أي على أو لأجل وأفراد الرحلة لا من اللبس وظهور المعنى وأصله رحلتي الشتاء ، والصيف كقوله :
كلوا في بعض بطنكمو تعفوا
واعترض عليه أبو حيان بأنه عند سيبويه مخصوص بالضرورة ، وفيه نظر وقوله :
( فيتمارون ) بمعنى يشترون الميرة وهي الطعام. قوله : ( أو بمحذوف ) معطوف على قوله : فليعبدوا والتقدير كما يدلّ عليه السياق أعجبوا { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ } الخ ، وتركهم عبادة الله الذي أعزهم ورزقهم وآمنهم فلذا أمرهم بعبادة ربهم المنعم عليهم بالرزق والأمن عقبه ، وقرنه بالفاء التفريعية وقال مثل ليشمل تقدير فعلنا ذلك ونحو : فلا وجه لعده وجهاً آخر كما توهم. قوله : ( أو بما قبله الخ ) التضمين في الشعر هو أن يتعلق معنى البيت بما بعد. ويتوقف فهم معناه عليه
وهو معيب عند الأدباء فينبغي أن لا يشبه هذا به إلا أن يريد ردّه أو يريد أنه يشبهه في مجرّد التعلق ، وإن لم يتعلق فهم معناه عليه فتأمّل. قوله : ( فجعلهم كعصف مثول لئيلاف قريش ) وعلى هذا فلا بدّ من تأويله فالمعنى أهلكهم ، ولم يسلطهم على أهل حرمه ليبقوا على ما كانوا عليه ، أو أهلك من قصدهم ليعتبر الناس ولا يجترى عليهم أحد فيتمّ لهم إلا من في الإقامة ، والسفر وهذا لا ينافي كون إهلاكهم لكفرهم أيضا أو هي لام العاقبة ، وقوله : وقرى ليألف بكسر اللام ونصب الفاء وجزمها على أنها لام الأمر بفتح اللام على لغة من فتح لام الأمر ، وكلام المصنف رحمه ألله محتمل لهذه القراآت كلها. قوله : ( وقريش ولد النضر الخ ) قال أهل السير النضر بن كنانة هو قريش ، وقيل : هو فهر وقريش اسمه وفهر لقبه ، ومن لم يلد فهر فليس من قريش وعليه النساب ومن جاوز فهرا فليس من قريش أيضاً وخالف فيه الكلبيّ ، وقوله : قريش هو مخلد بن النضر وهو الذي ذكره المصنف رحمه الله وسمي قريشا من التقريش ، وهو التفتيش لأنه كان يفتش عن أرباب الحوائج ليقضي حوائجهم قال الحرث بن حلزة :
أيها الناطق المقرّس كأ ا عندعمروفهل له إبقاء
وقيل : لتجمعهم والتقرّس التجمع ، وقيل : التقرش التجارة فسموا به لتجارتهم. قوله :
( من تصغير ترس ) بفتح القاف والعامّة تكسر. وهي سمكة عظيمة ، وقوله : تعبث الخ أي تتعرّض لها وتريد إغراقها لتأكل من فيها وقوله : فلا تطاق يعني تشعل النار فتذهب للخوف منها كما أنّ الأسد يخاف النار ، ويهرب منها والنسبة له قرشيّ ، وقريشي كما في القاموس. قوله : ( وإطلاق الإيلاف الخ ) وجه التفخيم ما فيه من الإبهام ، ثم التبيين وتقييده بالمفعول كما مرّ في وجهي إعرابه ، وقوله : وقرأ ابن عامر الخ قد عرفت وجه إثبات الياء وتركها فيما مرّ وكان الأحسن أن يذكر. مقدما مع القراآت الأخر قال السمين ومن الدليل على أنّ القرّاء يعتدون بالرواية سماعاً دون رسم المصحف أنهم اختلفوا هنا في ثبوت الياء وسقوطها في الأولى مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطأ واتفقوا على إثباتها في الثانية مع اتفاق المصاحف على سقوطها ، وقد يقال : إنها رسمت في الأولى على الأصل وتركت في الثانية اكتفاء بالأولى فأشير فيهما إلى الوجهين فتدبر. قوله تعالى : ( { مِّن جُوعٍ } ) من تعليلية أي أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم فعلى التعليل يقدر فيه مضاف أو هو علة باعثة عليه فلا يرد عليه أنّ الإطعام لا يجامع الجوع كما تيل ، وقيل : هي بدلية وهذا ببركة دعوة الخليل عليه(8/399)
ج8ص400
الصلاة والسلام كما
مرّ ، وقوله : بالرحلتين متعلق بقوله. أطعمهم ، وقوله : أو الجذام هو مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك وهو فضل منه كما حماه عن الطاعون ، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم هو حديث موضوع ، تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.
سورة الماعون
وتسمى سورة أرأيت والدين والتكذيب وعدد آياتها ست وقيل سبع وهي مكية وقيل :
مدنية وقيل : نصفها الأوّل مكيّ والثاني مدنيئ ورجحه بعض المفسرين والمحدّثين.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( أرأيت ) قال المعرب هي بصرية متعدّية لواحد وهو الموصول أو إخبارية متعدية لاثنين ثانيهما تقديره أليس مستحقاً للعذاب أو من هو بدليل قراءة أرأيتك فإن كاف الخطاب لا تلحق البصرية ، ولا يخفى ما فيه من الخلل لأنّ حقه أن يقول أو علمية لأنّ كونها بمعنى أخبرني معنى مجازي يصح فيه كون الرؤية المتجوّز بها بصرية وعلمية كما اختلف فيه النحاة وكونها علمية لا يستلزم تعديها لاثنين لجواز كونها بمعنى عرفت متعدية لواحد وفي مغ لحوق الكاف لرأي البصرية بعد نقلها لمعنى أخبرني نظر والجملة الاستفهامية المقدّرة هنا تحتمل الاستئناف ، وسدها مسد المفعول الثاني. قوله : ( إلحاقاً بالمضارع ) يعني حمل الماضي في حذف همزته على مضارعه المطرد فيه حذفها لأنّ بعض الأفعال قد يتبع غيره في إعلاله كما ألحق تعد بيعد وهذا أحسن مما قيل من أنّ الأولى إلحاقه بأرى ماضي الأفعال ، وهذا بقطع النظر عن الهمزة في أوّله. قوله : ( ولعل تصديرها ) أي أرأيت بحرف الاستفهام هنا ، وهو الهمزة سهل أمر الحذف فيها لمشابهته للفظ المضارع المبدوء بالهمزة لأنه كثر فيها ذلك في كلامهم حتى شابه المقيس المطرد كما صرّج به أبو حيان في شرح التسهيل فسماعها نادراً بعد غير الهمزة من أدوات الاستفهام لا ينافيه كقوله :
صاح هل رأيت أو سمعت براع ردّ في الضرع ما قرى في الحلاب
كما قيل : إنّ مشابهة المضارع بدخول حرف الاستفهام عليه مطلقاً لما في الطلب من معنى الاستقبال. قوله : ( بزيادة الكاف ا لأنها حرف خطاب هنا زيد لتأكيد التاء لا مفعول ، وقوله : بالجزاء لأنه أحد معاني الدين ومنه كما تدين تدان ، وقوله : الذي أراد به لفظه ، وقوله : يؤيد الثاني لأنّ اسم الإشارة يقتضي أنه فرد معين وأيضاً ليس كل كافر منكراً للبعث من صفته
ح اليتيم وعدم الحض ، وحمل الفرد على الجنس بجعله عينه ادّعاء ومبالغة كما يقال الرجل زيد خلاف الظاهر ، ولذا قال : يؤيد دون يدل كما أنه يحتمل أنّ المراد أنّ هذا من شأنه ولوازم جنسه ، وقوله : وهو أبو جهل استئناف لتفسيره على العهدية أو جملة حالية ، وقوله : أو منافق الخ هو على أنّ السورة مدنية وما قبله على أنها مكية ، وقوله : قرئ ياع أي بتخفيف العين وفيه تقدير على هذا أي يترك الشفقة عليه ونحوه. قوله : ( أهله وغيرهم ) خصه بالأهل في سورة الفجر وعممه هنا إمّ إشارة في كل محل إلى وجه ليكون إفادة بلا إعادة ، أو لأنه ثمة ذكر بعد قوله : ولا يكرمون اليتيم ونفي الإكرام دون الدفع المذكور هنا فيكون ذمّاً له بمنعه بنفسه ، واتباعه وهذا بعموم المنع الذي هو أشد البخل فلا يعترض عليه بأنه كان عليه أن يوافق ما قدّمه هنا بناء على أنه يعلم من عدم حض أهله عدم حض غيرهم بالطريق الأولى مع أنه غير مسلم. قوله : ( { عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } ) إن كان الطعام بمعنى الإطعام ، كما قاله الراغب : فهو ظاهر والا ففيه مضاف مقدّر أي بذل طعام المسكين ، واختياره على الإطعام للإشعار بأنه كأنه مالك لما يعطي له كما في قوله : { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } [ سورة الذاريات ، الآية : 19 ] فهو بيان لثذة الاستحقاق وفيه إشارة للنهي عن الامتنان. قوله : ( لعدم اعتقاده بالجزاء ) يعني أنّ فعله لما ذكر ناشئ من إنكاره للبعث وهذا إن كان تعليلاً لما قبله من دفع اليتيم وعدم الحث على إطعامه فهو بيان لأنه جعل ما ذكر من إيذاء الضعيف ، وعدم بذل المعروف علامة عدم الإيمان بالجزاء ، وقسوة القلب مع الشح ولو بمال الغير أدل دليل عليه وهو المناسب(8/400)
ج8ص401
لما بعده ولما في الكشاف وإن كان تعليلاً لعدم الحض إذ ذمّ به ورتب على الكفر مع أنه قد يصدر عن كثير ولا يعد إثماً كما قيل ويرد عليه إنه عبارة عن البخل وهو مذموم موبخ على مثله فتأمّل. قوله : إ ولذلك رتب الجملة الخ ) أي لكون ما ذكر ناشئاً عن إنكار الجزاء رتبه بالفاء الدالة على السببية ، وتفرّع ما بعدها على ما قبلها ولم يتعرّض لكونها عاطفة أو في جواب شرط مقدر كما جوّزهما المعربون ، وهو على العطف من عطف الذات على الذات أو الصفة على الصفة ، وامّا كون اللام التعليلية تنبو عن الجزائية للزوم الدور فإنّ المكذب يعرف به فليس بشيء لمن تأمّله. قوله : ( غافلون غير مبالين ) ولذا قال عن صلاتهم دون في صلاتهم والسهو يقع فيها للخواص ولا يذمّ به لأنه ليس بأمر اختياري فلذا فسر بما ذكر فإن قلت محصل تفسيره إنهم تاركون لها كما في الكشاف فكيف قيل للمصلين ، قلت : المراد المتسمين بسمة أهل الصلاة أو المصلى في وفت صلاة لا ينافي ترك غيرها فتأمل. قوله : ) يرون الناس أعمالهم ) إشارة إلى توجيه
المفاعلة فيه وهذا بعينه ما في الكشاف ، وقد أورد عليه إنه أخذ المفاعلة وهي المرأة من الإراءة والأفعال المزيد ولا نظير له وإن الفاعل والمفعول في المفاعلة لا بدّ من اشتراكهما في المفعول الثاني ، وفي هذا لكل منهما مفعول على حدة وأيضاً الثناء لا يرى بالبصر ففيه الجمع بين الحقيقة والمجاز إلا أن تفسر الرؤية هنا بالمعرفة ، أو تجعل من عموم المجاز ولا يخفى أنّ المراد إنه مفاعلة ، وأصل معناه أن ترى غيرك ويراك وأريد به العمل عند الناس ليثنوا عليهم فهو بيان للمراد منه ، وما ذكر لإظهار المناسبة بينه وبين ما وضع له في الجملة. قوله : ( او ما يتعاور في العادة ) أي ما اعتاد الناس تداوله بينهم وأخذه بطريق الاشتراك فيه كالفأس ، والدلو وهو إمّا فاعول من المعن بمعنى الشيء الحقير يقال : ما له معنة قاله قطرب : أو هو مفعول من أعانه فغلب وتصرّف فيه وتفصيله في الدرّ المصون. قوله : ( والفاء جزائية ) أي في قوله : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } وقوله : والمعنى الخ بيان له على الجزائية وقوله : إذا كان الخ هو الشرط المقدر المفهوم من أوّل السورة إلى قوله : فويل ، وعدم المبالاة من ح اليتيم وكونه من ضعف الدين يؤخذ من تفريعه على التكذيب بالدين كما مرّ والذمّ والتوبيخ هو المقصود من ذكرهما كما مرّ تقريره ، وقوله : نالسهو الخ هو الجواب والجزاء الذي هذا تفسير له فقوله : فويل الخ ترق لما هو أقو! أي إذا كان ما ذكر بهذه المثابة فما بال الغافل عن صلاته الخ ، ولذا قال أحق بذللث وكون هؤلاء غير المكذبين ذكروا اسنطراداً كما قيل ليس في كلام المصنف رحمه الله ما يدل عليه إلا أنه لا يأباه وكون الصلاة عماد الدين لأنها من أعظم شعائره الظاهرة وبها يعلم إسلام المصلي ، وكون الزكاة قنطرة الإسلام الموصلة له يبدلها الدال على الانقياد التامّ وباسنعطاف المبذول له بها فقد يوصله للإخلاص. قوله : ( ولذلك ) أي لكون هذه المذكورات أحق بالذمّ ، والتوبيخ رتب الويل عليها لأنّ التعليق للحكم بالمشتق يدلّ على أنّ مأخذ الاشتقاق علته فعلة الويل السهو عن الصلاة والرياء والمنع. قوله : ( أو للسببية ) معطوف على قوله : الفاء جزاثية ، وليس فيه ردّ على الزمخشريّ كما قيل لإجراء الوجهين على أنه من عطف الصفة على الصفة والزمخشريّ خصه بالثاني إذ ليس في كلامه تصريح ولا إيماء له فتأمّل. قوله : ( وإنما وضع المصلين موضع الضمير ) وهو ما أشار إليه بقوله لهم : وفيه إشارة إلى اتحاد المصلين ، والمكذبين ولا يلزم أن يراد بهم هنا المنافقون لأنه يصح أن يراد المكلفون بالصلاة ولو كفارا ، ولذا استدل بها على خطاب الكفار بالفروع وهذا على السببية أو على الوجهين ومعاملتهم مع
الخالق من السهو ، والرياء ومنع الزكاة ومع الخلق بدع اليتيم وعدم الحض ، وقوله : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ موضوع كأخواته تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الكرام.
سورة الكوثر
وتسمى سورة النحر ولا خلاف في عدد آياتها وفي كونها مكية أو مدنية اختلاف نقله في الروض الأنف مبني على الاختلاف في سبب نزولها على أقوال نقلها فقيل : نزلت لما قيل أبو جهل لعته الله : أنّ محمداً أبتر وقيل قاله(8/401)
ج8ص402
العاصي بن وائل فعل هذا هي مكية وهو المشهور ، وقيل : قاله كعب بن الأشرف فنزلت ، وقيل : نزلت لما مات القاسم ابن النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال العاص أصبح محمد أبتر فعلى هذين هي مدنية ، وستسمع له تتمة.
يسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ) في النشر في مسلم وأبي داود والنسائي عن أنس بن مالك قال : أغفى النبي
صلى الله عليه وسلم! !اءة فر!ح رأسه متبسما إما!ال لهم : أو قالوا لى : لم ضحكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني نزلت علي آنفاً سورة فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ } ) الخ حتى ختمها فقال : " هل تدرون ما الكوثر قالوا : اله ورسوله أعلم قال : نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمّني يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول : يا رب إنه من أمتي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) ، وهو حديث صحيح يدل على أنّ البسملة نزلت مع السورة وعلى أنّ السورة مدنية ، وقد أجمع من يعرفه على أنها مكية اهـ وما ذكوه من الإجماع غير صحيح لما سمعته لكن الصواب أنها مدنية ( أقول ا لبعضهم هنا تأليف صحح فيه أنها نزلت مرّتين وحينئذ فلا إشكال. قوله : " نطيناك ) بنعنى أعطيناك في لغة بني تميم وأهل اليمن أيضاً ولا حاجة إلى قوله في البحر رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ كل قراءة كذلك. قوله : ( الكوثر الخير الخ ) فوزنه فوعل وهو يكون اسماً كجوهر وصفة ككوثر وصيغته للمبالغة ، وموصوفه مقدر وهو الخير كما ذكره المصنف رحمه الله وسيأتي في الحديث بعده ما يؤيده ، وقوله : روي الخ هو حديث صحيح وأوّله في مسلم وبقيته في الحاكم ، وقوله : نهر في
الجنة هو لا ينافي تفسيره بالخير الكثير كما ذكره المصنف رحمه اللّه حتى يقال إذا صح هذا الحديث فكيف يصح تفسيره بغيره لأنّ المفسرين يجعلون ما ذكر تمثيلا وقد بينه ابن عباس رضي الله عنهما لما فسره بالخير الكثير فقيل له : إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم فسره بالنهر المذكور ، فقال : وهو من الخير الكثير أيضاً ومثله لا يقال من قبل الرأي. قوله : ( أبيض من اللبن ) إن صح بهذا اللفظ فهو شاذ أو هو لغة كما هو مذهب الكوفيين في تجويز بناء أفعل التفضيل من الألوان ، وقوله : ألين من الزبد وصف الماء باللين مستدرك بل لا يصح لأن السيلان مرتبة فوق اللين ووصف محله وجوانبه به غير محمود فالمراد به كونه سائغا سلسالاً يشرق به شاربه ، وقوله : حوض فيها أي في الجنة مرضه لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة التي فسرت بالنهر والتخصيص به لا داعي له هنا فيما قيل والظاهر أن المراد به ما مرّ بعينه. قوله : ( وقيل أولاده الخ ا لم يعد لفظ قيل مع قوله : علماء لاشتراك التفاسير في كون المراد بالكوثر العقلاء من الأثة بخلافه فيما مرّ فاندفع ما قيل عليه من أنّ ظاهره يدل على اتحاد قائل تلك الأقوال وليس كذلك فكان عليه تكرير لفظ قيل مع كل منها ، فإن قلت على هذا تتضح موافقة النظم في سبب النزول وعلى غيره لا يظهر وجهه ، قلت : معنى الكرثر موجود له في الدنيا لكثرة أتباعه فيها ممن غذيت أرواحهم بماء الحياة من علمه ، وفي الآخرة ممن يشرب من حوضه المورود ما فيه الحياة المؤبدة ، وعدوّه هو الأبتر المقطوع ذنبه وأتباعه فلذا قوبل تعبيره له بالبتر بما يضاده فإنّ الكثرة تضاد القلة ، ولو قيل : إنا أعطيناك حوضاً أو نهراً صفته كذا لم يطابقه ، ويشاكله فلذا. جيء باسم يتضمن الخير الكثير والجمّ الغفير المضاد للبتر مما له في الدنيا والآخرة مما يجمعه لفظ الكوثر وبشمله كما فصله في الروض الأنف فللّه دره. قوله : ( فدم على الصلاة ) أوله لما عرفت أمثاله من أمر المتلبس بالفعل وتأويله بالدوام والثبات ، أو بالزيادة لئلا يلزم تحصيل الحاصل وهو مجاز ، وقد مرّ تحقيقه في سورة البقرة ، وقوله : خالصاً أخذ الخلوص من السياق أو من تقديره متعلقاً للأمر ، وقيل : هو من لام الاختصاص المصطلح وفيه نظر ، وقوله : خلاف الساهي منصوب على الحال أي مخالفا للساهي أو بنز الخافض والتقدير بخلاف الساهي ، وهو متعلق بدم ومأخوذ منه كما أنّ قوله : المرائي مأخوذ من كونه خالصاً أو هو إشارة إلى اتصال هذه السورة بما قبلها وأنّ هذا ناظر لقوله : فويل للمصلين الآية كما سيأتي. قوله : ( شكراً لآنعامه الخ ) إشارة إلى وجه ترتبه على ما قبله بالفاء ، والشكر تعظيم المنعم لأنعامه سواء كان حمداً باللسان أو خدمة وعبادة بالأركان أو محبة ، واعتقاد بالجنان ، وكل منها يطلق عليه(8/402)
ج8ص403
الشكر
كما في الفاتحة فكونها أقساما للشكر غير محتاج إلى القول بأنّ القسم يطلق على الجزء كما في تقسيم الكل إلى أجزائه كما توهم ، وجمعها لما ذكر ظاهر لما فيها من النية والقراءة والذكر والقيام ونحوه. قوله : ( وانحر البدن التي هي الخ ) بيان لوجه تخصيصها بالتقدير لا لوجه تخصيص النحر بالذكر كما توهم ، والبدن بضم فسكون جمع بدنة ، وهي ناقة أو بقرة تنحر نسكاً والمحاويج جمع محواج وهو كثير الحاجة لا محتاج على خلاف القياس ، وقوله : لمن يدعهم بالتشديد أي يدفعهم وقد مرّ بيانه ، وقوله : فالسورة الخ أي إنها متصلة بها ، وقد ذكر في هذه ما يخالف ما ذكر في الأخرى ويقابله فالكوثر بمعنى الخير ا الكثير الشامل للأخروي يقابل تكذيب الدين لما فيه من إثباته ضمناً وكذا إذا كان بمعنى الحوض ، والنهر ومقابله غير ظاهر مما ذكره المصنف رحمه الله هنا وفي تفسير قوله : فصل لربك كما أشار إليه بقوله : الساهي والمرائي فما قيل من أنه لا يتم فيه المقابلة إلا إذا أريد بالكوثر الإسلام تعسف غني عن الرد. قوله : ( وقد فسرت الصلاة الخ ) هذا يناسب كونها مدنية ولا يناسب كونها مكية كما جزم به المصنف رحمه الله إلا بالتكلف المعروف في مثله. قوله : ( من أبغضك ( جعل اسم الفاعل بمعنى المضيّ ليظهر كونه معرفة فيكون الأبتر خبره ، وإذا كان المضي وغيره بالنسبة لزمان الحكم على الأصح لا لزمان التكلم وغيره وبغضه سبب لكونه ، أبتر متقدم عليه ولو بالذات لم يحتج إلى أن يقول إنّ الأولى أن يجعل للاستمرار فإن من أكابر الصحابة من كان يبغضه فلما هداه الله للإيمان وذاق حلاوته كان أحب إليه من نفسه ، وأعز عليه من روحه كما شوهد ذلك وعرف ، وقوله : لبغضه إشارة إلى أنّ النسبة إلى المشتق تفيد عليه مأخذه فتكون أبتريته المعللة بالبغض زائلة بزواله فلا يرد أنّ من الصحابة من أبغضه في الماضي قبل إسلامه ، ولم يكن أبتر فلا حاجة إلى التصدّي لدفعه. قوله : ( الذي لا عقب له الخ ) فهو استعارة شبه الولد والأثر الباقي بالذنب لكونه خلفه فكأنه بعده أو عدمه بعدمه وقد انقطع نسل كل من عاداه صلى الله عليه وسلم حقيقة أو حكماً لأنّ من أسلم منهم انقطع انتفاع أبيه منه بالدعاء ونحوه لأنه لا عصمة بين مسلم وكافر ، وما في بعض التفاسير من أنها نزلت في أبي جهل لما قال وقد مات إبراهيم ابن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ محمداً أبتر سهو أو خطأ من الناسخ فإنّ أبا جهل مات قبل وفاة إبراهيم رضي الله عنه وفي الآية دليل على أنّ أولاد البنات من الذرية كما مرّ في الأنعام إذ جعل عيسى عليه الصلاة والسلام من ذرية نوح صلى الله عليه وسلم. قوله : ( وأمّا أنت الخ ) إشارة إلى ما يفيده الضمير والتعريف من الحصر هنا فالمعنى هو الأبتر لا أنت لبقاء ذكرك ونسلك إلى القيامة ، وقوله : ولك في الآخرة الخ هو من قوله : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } وفيه إشارة إلى ارتباط قوله : { إِنَّ شَانِئَكَ } بما قبله
لأنّ مآلها لك رفعة في الدنيا والآخرة ، وقوله : ءق النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ موضوع وقربان بالضم ما يتقرّب به إلى الله اللهمّ اجعلنا ببركة القرآن العظيم ، ممن يرد حوض نبيك الكريم عليه وعلى اكه أفضل صلاة وتسليم والحمد لله وحده.
سورة الكافرون
وتسمى سورة العبادة والإخلاص والمقشقشة من قشقش المريض إذا صح أي المبرئة من الشرك ، والنفاق وهي مكية وقيل : مدنية ولا خلاف في عدد آياتها.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( يعني كفرة مخصوصين الخ ) بقرينة جمع القلة بحسب أصله واسم الفاعل الدال
على الثبوت بحسب الاسمية ، وإنما فسره بما ذكر لئلا يلزم الكذب في إخباره تعالى بقوله : { وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } لأنّ منهم من أسلم فلو لم يحمل على هذا لزم أن يراد النفي في الحال أو التبري من دينهم أو مخالفة ما هو عليه لما هم عليه في الجملة ، قيل : ونداؤه كر لهم في موطنهم وقوة شوكتهم بما ذكر مما يكرهونه ، ووصفهم بالقلة والمراد بها الذلة دليل على أنّ الله عصمه منهم ففيه علم من أعلام النبوّة ولا بعد فيه. قوله : ( روي أنّ رهطاً الخ ) الرهط جماعة من الرجال وقد يخص بعدد كما دون العشرة أو غيره على ما في كتب اللغة وقد مرّ ، وقوله :(8/403)
ج8ص404
نعبد خبر يراد به الأمر وعبر به لأنه أقرب إلى الإجابة ولجعله كأنه أمر محقق يخبر عنه ، وقوله : فيما يستقبل متعلق بلا أعبد ، وقوله : فإن لا لا تدخل الخ هذا قول للنحاة وهو ظاهر كلام سيبويه في الكتاب وهو أغلبي أو مقيد بعدم القرينة القائمة على ما يخالفه أو هو كليّ ولا حجر في التجوّز والحمل على غيره لمقتض فلا يرد اعتراض أبي حيان ، وقوله : إنه غير صحيح ونقضه ببعض الشواهد والتوفيق بينها بعد ما مرّ من الزوائد فإن أردته فراجع كتب النحو المفصلة. قوله : ( أي فيما يستقبل لأنه ورّان لا أعبد ) وفي نسخة في قران بدل وزان أي واقع في مقابلته أو مقارن له في النظم لفظا ومعنى لأنّ المقصود أنه في المستقبل لا يعبد معبوداتهم كما أنهم في المستقبل لا يعبدون معبوده لعدم الاعتداد بعبادتهم لله مع الإشراك المحبط لها وجعلها هباء منثوراً كما قيل :
إذا صافى صديقك من تعادي فقد عاداك وانفصل الخصام
وانما جعل المقابلة قرينة على إرادة الاستقبال لأنها داخلة هنا على الاسم وهي معه لا
تتقيد بزمان. قوله : ( أي في الحال أو فيما سلف ( قيل عليه إنّ اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل إلا عند الكسائي وهو هنا عمل في ما وهو وارد على الزمخشري لا على المصنف رحمه الله فإنه جعله من المحتملات ، ولم يجزم به فيرد عليه إلا أن يقال إنه منصوب بفعل مقدر مستأنف أو هو من حكاية الحال الماضية كباسط ذراعيه ، ومعناها أن تقدر نفسك كأنك موجود في ذلك الزمان أو تقدر ذلك الزمان كأنه موجود الآن وفسرها الزمخشري بأن تقدر إن ذلك الفعل الماضي واقع حال التكلم ، وقال إنما يفعل هذا في الماضي المستغرب يحضر في تصوّر المخاطب ليتعجب منه وليس هذا بظاهر هنا إلا أن يقال : إن ترك عبادة ما اتفقوا على عبادته ممن نشأ بينهم مستغرب يتعجب منه ، وأنما يحتاج إلى هذا إذا اشترط فيه ذلمك وكلام أهل العربية خال عنه مع أنه قد يقال : يكفي الاستغراب المقرر في قوله : { وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ } وهذا أتى به وسوغه مشاكلته ، وإن لم يقصد به الاستغراب مع أن عبارة الزمخشري هكذا ما كنت قط عابدا فيما سلف ما عبدتم يعني لم تعهد مني عبادة صنم في الجاهلية فكيف ترجى مني في الإسلام انتهى ، وهو صريح في الاستمرار فليس بماض صرف وما أجاب به أوّلاً عبارته إن لم تنب ع!نه لا تلائمه. قوله : ( أي وما عبدتم في وقت مّا ) عبادة معتدا بها خالية عن الإشراك كما مرّ وكان المناسب لوزان ما قبله وقرانه أن يقول : ما عبدتم في الحال أو فيما سلف لأن هذه العبارة صريحة في الاستمرار وأنما عبر بها الزمخشري لما مرّ لأن طريقته مخالفة للمصنف رحمه الله وكأنه فسره بتفسير مجمل اعتماداً على ما قبله. قوله : ( ويجوز أن يكونا ) أي الجملتان في قوله ، { وَلَا أَنَا عَابِدٌ } الخ تأكيدين لجملتي لا أعبد المتقدمتين وقوله : على طريقة أبلغ حيث عدل إلى الاسمية الدالة على الثبوت فتدل على ثبوت الانتفاء عنه وعنهم دائماً بعدما كان في المستقبل فلا وجه لما قيل إنه من التغليب لأنّ الأبلغية إنما هي في التأكيد الأول حيث عدل فيه إلى الاسمية ، ولمغايرته له بما فيه من الاستمرار جاز عطفه بالواو فلا يرد عليه إنّ التأكيد لا يكون مع عاطف غير ثم كما قيل. قوله : ( وإنما لم يقل ما عبدت الخ ) قوله : ليطابق تعليل للمنفي ، وقوله : لأنهم الخ تعليل للنفي وقوله : ( كانوا موسومين ) أي معروفين مستعار من السمة وهذا مأخوذ من إيقاع العبادة صلة موصول دالة على أنه معهود مقرر وكون عبادة الأصنام سمتهم لا كلام فيه ، وقوله : لم يكن موسوماً بعبادة اللّه أراد العبادة البدنية الثبوتية المخالفة لشعائرهم الظاهرة كما يدل عليه جعله سمة فلا يرد كونه موحداً غير متبع لما هم عليه متجنبا لأصنامهم ورجسهم ، ولا حجة في طوافه ونحوه وأتباعه شعائر إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنها كانت من المكارم الغريزية عندهم ، وأن كان " !حوو يتقرب بها لأنهم لا يطلعون
على ما في ضميره فلا ينافي هذا كونه متعبداً بشرع قبل البعثة على القول به كما توهمه أبو حيان ، وغيره ولا مخالفة بين كلام الزمخشري وكلام المصنف رحمه الله كما توهم. قوله : ( وإنما قال ما دون من الخ ( أطلق السؤال ، وإن كان المحتاج للتأويل قوله : ما أعبد فقط لاستتباع أحدهما للآخر مع أنه أخصر وأتم ، وقوله : الصفة أي المعبود بحق والمعبود بباطل ، وما إذا أريد بها الصفة تطلق على ذوي العلم وغيرهم كما مرّ والى ما ذكر أشار بذكره الباطل وقرينه ، وقوله : أو للمطابقة أي المشاكلة فإن الشيخين يريدان بها ذلك ، وإن(8/404)
ج8ص405
ذكرت في البديع بمعنى آخر ووجهه أن إطلاق ما على الأصنام في محزه فأطلقت على المعبود للمشاكلة وقوله : إنها مصدرية فلا تحتاج للتوجيه فهي في محل نصب على أنها مفعول مطلق. قوله : ( وقيل الأوليان الخ ) جعل ما في الأخيرين مصدرية لئلا يطلق على الله ووجه تمريضه أنه خلاف الظاهر لفظا ومعنى ، وقوله : لا أرفضه أي أتركه وعبر به تفننا ، وقوله : فليس فيه إذن الخ لأنه إخبار عنهم بأنهم مصرون على الكفر مستحقون للقتال والقتل ، وهو إخبار عن الغيب وعلم من أعلام النبوة ، وقوله : إذا فسر بالمتاركة ففيه حينئذ كف عن الجهاد لا إذن بالكفر فهو منسوخ. قوله : ( وتقرير كل الخ ) مجرور معطوف على المتاركة ، وهو إشارة إلى ما في التقديم من الاختصاص على معنى دينكم مقصور على الحصول لكم لا يتجاوزه إلى الحصول لي وديني مقصور على الحصول لي لا يتجاوزه إلى الحصول لكم فالقصر للإفراد كما قرّر في محله ، وقوله : وقد فسر الخ وبعضها مناسب للمتاركة وبعضها لغيره. قوله : ( عن النبتي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة الكافرون فكأنما قرأ ربع القرآن " ) هذا صحيح لأنه مروي في الترمذي وغيره بمعناه وهي تعدل ربع القرآن وأما بقيته فلم يصح بل قالوا إنه موضوع ، وقد يقال : إنه مدرج في الحديث للتفسير كما ستراه ، فإن قلت : فما وجه كونها تعدل ربع القرآن قلت : قال الإمام رحمه الله : القرآن مشتمل
على أمر ونهي وكل منهما متعلق بالقلوب وأفعال الجوارح ، وما فيها نهي عما يتعلق بأفعال الجوارح فلذا عدلت الربع وقيل : مقاصد القرآن أربعة توحيده تعالى ونفي عبادة غيره والأحكام ، وأحوال المعاد وهي مشتملة على الثاني ، ورد بأنها مشتملة على الأوّل أيضاً فكان ينبغي أن تكون نصفاً ، وقيل مقاصده صفاته تعالى والنبوات والأحكام والمواعظ وهي مشتملة على أساس الأوّل وهو التوحيد ، وقوله : مردة جمع ما ردوهم الطغاة من الشياطين ، تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سدنا محمد واكه وصجه.
سورة النصر
وتسمى سورة التوديع وسورة إذا جاء ولا خلاف في عدد آياتها وهي مدنية على القول الأصح نزلت في منصرفه من خيبر وقيل : بمنى في حجة الوداع وهي آخر سورة نزلت في رواية عن ابن عباس رضي ألله عنهما.
بسم الله الوحمن الرحيم
قوله : ( { إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ } ) العامل فيها إمّا شرطها أو جوابها ولا يمنع منهما الإضافة
هنا إن قلنا بها ولا الفاء كما فصله النحاة ، وقوله : إظهاره الخ المراد إظهار أمره أو نصره له نصرا عزيزا وهذا أقعد. قوله : ( وفتح مكة الخ ) إن كانت نزلت قبله فظاهر وإن كانت بعد. كما رواه ابن عمر رضي الله عنهما فإذا بمعنى إذ كما في التأويلات ومجيئها بمعنى إذ كثير وهي متعلقة بمقدر على هذا ككمل الأمر ، وأتمّ الله النعمة على العباد مثلاً فلا يقال كيف يصح قوله : فسبح حينئذ ولا يحتاج لما في الكشف ، وغيره فتأمّل والتعريف على هذا للعهد وعلى ما بعده للجنس ، وقوله : وقيل : مرضه لأنّ الأصل في الإضافة العهد دون الاستغراق ، والجنس وإن وردت لمعاني اللام. قوله : ( وإنما عبر الخ ) يعني أنه مستعار لأنّ المقدر متوجه من الأزل لوقته فكانه سائر نحوه لكن قول الراغب لمجيء الحصول ويكون في المعاني والأعيان يقتضي خلافه ، وقوله : شيئاً فشيئاً أي على التدريج بحسب الاستعداد والأسباب العادية ، وقوله : منها أي الأوقات ، وقوله : وقد قرب الخ جملة حالية واقتصر على النصر اكتفاء أو أراد به ما يشمل الفتح. قوله : ( جماعات كثيفة ) استعارة والمعنى كثيرة كما في بعض النسخ ، وقوله : كاهل مكة الخ إشارة إلى أنّ المراد بالناس العرب فال عهدية أو المراد الاستغراق العرفي والمراد عبدة الأصنام منهم لأنّ نصارى تغلب لم يسلموا في حياته صلى الله عليه وسلم وأعطوا الجزية ، وقوله : ويدخلون الخ ترك كون رأيت بمعنى عرفت كما في الكشاف لأنه غير مثبت أو نادر. قوله : ( فتعجب الخ )
تيل : فالتسبيح مجاز عن التعجب بعلاقة السببية فإنّ من رأى أمراً عجيبا يقول : سبحان الله ، وفي الكشاف فتعجب وأحمده فقيل : إنه يدل على أن التعجب تعجب متأمل شاكر يصح أن يؤمر به وليس(8/405)
ج8ص406
الأمر بمعنى الخبر ورد بأنّ ماكه إلى جعل الأمر بمعنى الخبر لكنه بوجه آخر ، واعلم أنه قال في الانتصاف إنّ التعجب ليس مما يؤمر به حقيقة فالمراد الإخبار بأنّ هذه القصة من شأنها أن يتعجب منها كما أشار إليه الزمخشري انتهى ، فرده المدقق بأن عطف قوله : أحمده عطف تفسيري دال على أن الأمر بالتعجب أمر بالشكر لمن تأمّل فليس كما توهمه القائل خبراً آخر فإنه كلام من لا خبر له فتدبر ، وقوله : بحمد ربك الباء للملابسة ، وهو حال واليه إشار المصنف بقوله : حامداً له عليه وقد مر الكلام على وجه استعمال التسبيح في التعجب فتذكره. قوله : ( أو فصل فسبح على الأوّل مجاز عن التعجب وعلى هذا عن صل ا لأن التسبيح من أجزائها كالسجود ، وقوله : فنزهه على أنه على ظاهره وحقيقته من غير تأويل بما تقدم ، وقوله : وصلى ثمان ركعات قيل : هي صلاة الضحى وبه استدل من أثبتها ، وقيل : هي صلاة الفتح وهي سنة أيضا إلا أنّ قوله : ( فدخل الكعبة قال ابن حجر : يقتضي أنه صلاها في داخل الكعبة ) والذي في الصحيحين ، والسنن إنه صلاها في بيت أم هانئ وهو الصحيح فما ذكره المصنف رحمه الله تبعاً للزمخشري لم يثبت. قوله : ( أو فأثن على اللّه الخ ) هذا هو التوجيه الرابع ، وهو أعم مما قبله وصفات الجلال هي السلبية ككونه لا شريك له وصفات الإكرام غيرها كالعلم والقدرة والحمد على صفاته لتنزيلها منزلة الأفعال الاختيارية لاستنادها للذات أو باعتبار آثارها كما مر. قوله : ( هضماً لنفسك ( أي كسراً للنفس بتذليلها وجعلها مذنبة محتاجة للاستغفار وأصل معنى الهضم الكسر ومنه هضم الطعام وهو صلى الله عليه وسلم معصوم عقفور له فقوله : " استغفر الله وأتوب إليه في اليوم والليلة كثر من سبعبن مرة " 31 ( كما
في البخاري وقريب منه ما رواه المصنف رحمه الله إما تعليماً لأمّته أو من تركه للأولى أحيانا أو تواضمعا كما أشار إليه المصنف بقوله : هضماً الخ ، أو عما كان من سهو ولو قبل النبوّة ، وقيل : اشتغاله بالنظر في مصالح الأتة كمحاربة الأعداء وتأليف المؤلفة شاغل له عن مراقبة الله ، ومطالعة أسراره وفراغه عما سواه فيعده كالذنب ، وإن كان طاعة لمرضاته فيتنزل ويستغفر منه ، وقيل : كان دائما في الترقي فإذا ترقى عن مرتبة استغفر لما قبلها ، وقيل : للطبائع غفلات مفتقرة للاستغفار قاله الكرماني. قوله : ( وقيل : استئفره لأمتك ) قيل ولو جعل خطاب أرأيت لكل واقف عليه تأتي أمر الاستغفار بغير تأويل وفيه تكلف لا يخفى ، وقوله : وتقديم التسبيح الخ هو على جميع الوجوه في تفسير سبح واستغفر وإن كان في بعضها أظهر من بعض فلا يغرك ما قيل من أنه على الوجهين بل على الأخير فإنه أظهر والنزول في الحمد لأنه بملاحظة آثار الصفات كما مر تفصيله فتذكره. قوله : ( ما رأيت شيئاً الخ ) فإنه يراه العارف في كل شيء وجميع الموجودات مرآة لتجليه فهو يشاهده أوّلاً ، وبالذات ثم يرى المرآة ثانيا وبالعرض ومنهم من يراه قبل كل شيء ومنهم من يرا. معه ومنهم من يراه بعده والنزول- لأنّ التسبيح بحمده توجه لكمال الخالق والاستغفار توجه لحال العبد وتقصيراته. قوله : ( لمن استغفر الخ ) إشارة إلى أنه تعليل لما قبله ولا وجه لجعله احتباكا وقوله : مذ خلق المكلفين ، قيل : إنه رد لقوله ة في التأويلات معناه كان ولم يزل تواباً لا أنه تواب بأمر اكتسبه وأحدثه على ما يقوله : المعتزلة إنه صار تواباً إذا نشأ الخلق فتابوا فقبل توبتهم ، وأما قبل ذلك فلم يكن توابا ووجهه أنّ قبول التوبة من الصفات الإضافية ولا نزاع في حدوثها واختيار تواب على غفار إشارة إلى أن الاستغفار إنما ينفع مع التوبة والندم. قوله : ( واكثر الخ ) فإذا على حقيقتها ، وقيل : نزلت بعده بمنى في حجة الوداع فإذا بمعنى إذ كما مرّ وقد ذكره في المغني ، فلا حاجة لما قيل لا بد من أن يجعل على هذا شيئاً منه مستقبلاً مترقبا باعتبار أنّ فتح مكة كان أمّ الفتوج والدستور لما يكون من بعده فهو مترقب باعتبار ما يدلّ عليه ، وإن كان متحققا باعتباره في نفسه وهذا أمر لا بد منه تصحيحا للنظم فإنه تكلف لا حاجة إليه ، ونعى مصدر كضرب ونعى كصهيل خبر الموت فقوله : نعى لرسول اللهءسنن أي أخبار له بقرب موته. قوله : ( لدلالتها على تمام الدعوة ( أي مشارفة التمام وقربه وما قارب الشيء له حكمه فهو كقوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ سورة المائدة ، الآية : 3 ] لأنّ أمره صلى الله عليه وسلم بالاستغفار تنبيه على ذلك وكذا الأمر بالتسبيح ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : إذا
قام من(8/406)
ج8ص407
المجلس سبحانك اللهمّ وبحمدك أسنغفرك وأتوب إليك ، ولذا سميت سورة التوديع فإن قلت إذا سلم أنّ مجيء النصر والفتح والأمر بالتسبيح والاستغفار يدل على ذلك لكنها معلقة فكيف تدل عليه ، قلت : هما وإن علقا وقعا في معرض الوعد ووعد الكريم يدل على قرب الموعود به لأنّ أهنأ البر عاجله ، ولذا قال بعض البلغاء جعل الله عمر عداتك كعمر عداتك فسقط ما قيل من أنه إن أراد أن الأمر دال على النعي فهو معلق هنا ، وإن أراد أنّ السورة دالة كليه فلا نسلمه. قوله : ( وعنه عليه الصلاة والسلام الخ ) موضوع والحمد لله على التمام ، وعلى رسوله وآله وصحبه أفضل صلاة وسلام.
سورة تبت
وتسمى سورة المسد ولا خلاف في عدد آياتها ولا في كونها مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( والتباب خسران يؤدّي إلى الهلاك ) كذا فسر به السلف كما في البخاري ، ومادّته
تدور على القطع وهو مؤذ إلى الهلاك وقال الراغب : التباب الاستمرار في الخسران ، ويقال : استتب له كذا أي استمرّ وما قيل : من أنه لم يوجد تقييده بالخسران في اللغة مما لا يلتفت إليه. قوله : ( نفسه ) فاليدان إمّا كناية عن الذات والنفس لما بينهما من اللزوم في الجملة أو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل كما قاله : محيي السنة وودّه بأنه يشترط فيه أن يكون الكل يعدم بعدمه كالرأس ، واليد ليست كذلك غير مسلم وإن ذكر في الأصول لتصريح من يقتدي به بخلافه هنا ، وفي قوله : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [ سورة البقرة ، الآية : 195 ] كما مرّ في سورة البقرة أو المراد بذلك الشرط أنه يعدم حقيقة أو حكماً كما في إطلاق العين على الربيثة واليد على المعطي أو المتعاطى لبعض الأفعال فإنّ ذاته من حيث اتصافها بما قصد اتصافها به تعدم بعدم ذلك العضو إذ لا تكون رؤية بدون عين كما لا يكون معطياً بغير يد فتدبر. قوله : ( وقيل إنما خصتا الخ ) قدّم اليدين لرميه بهما ، وهذا هو المصحح للمجاز كما عرفت والجملتان دعائيتان فالأولى دعاء على يديه والثانية على نفسه ، وقيل : إنه كان يحسن إلى قريش والى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ويقول : إن كان الأمر لمحمد فلي عنده يد وإن كان لقريش فكذلك فاليد بمعنى النعمة ، وقد أخبر بخسرانه في يده عند النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعند قريش والحديث المذكور صحيح رواه الشيخان وضعف كون المراد به الدنيا والآخرة لبعد. ، ولذا قيل : إنّ المراد باليد حينئذ العمل لأنها سببه وآلته وهو إمّا للدنيا أو الآخرة. قوله : ( والتكنية تكرمة الخ )
لجري العادة على أنّ من يعظم لا يخاطب باسمه فلا ينافي كون بعض الكنى مشعراً بالذم كأبي جهل ، وقول أبي حيان الاسم أشرف من الكنية ولذا تركت التسمية هنا تنقيصا له ، ولذا لم تكن الأ!ا- في القرآن تطيين لعين الشمس ، وعدم تكنية الأنبياء في القرآن لأنه مقام عظمة وكبرياء كسما لا يخفى ، وقوله : لاشتهاره الخ يعني ليس المراد تكريمه بل تشهيره. قوله : ( كانت الكنية أوفق الخ ) الأوفقية باعتبار ما قصد بها الآن كما قرر في المعاني في التعريف بالعلمية فلا ينافيه قول مقماتل إنه كني بأبي لهب لحسنه واشراقه ، والأب الصاحب للشيء والملازم له كما يقال أبو ا!خير فهو يدل على كونه جهنميا إمّا لأنه يعتبر في الأعلام معانيها الأصلية ، وهو ملازم اليب الحقيقي فلوحظ هنا لينتقل منه إلى ملزومه وهو كونه جهنمياً أو أنه لما اشتهر بهذا الاسم ، وبكونه جهنمياً دلّ اسمه على كونه جهنمياً دلالة حاتم على أنه جواد فإذا أطلق وقصد ، الانتقال إلى هذا المعنى يكون كناية عنه بلا اعتبار لمعناه الأصلي ، وقوله : أو ليجانس الخ أي لوافقه لفظاً ومعنى والقول بأنه ليس بتجنيس لفظي لأنه ليس في الفاصلة وهم فإنهم لم يشترطو. فيه ، وقراءة أبو بالواو لحكاية الرفع الذي هو أشرف أحوال اللفظ وأسبقها ، ولذا حوفظ عليه واشتهر الاسم به وأمّا تسكين الهاء في قراءة ابن كثير فلأنهما لغتان فيه نهر ، ونهر !!ا شاله أبو البقاء ، وغيره أو لأنه مقيس في العين الحلقية ، واتفقوا على فتحه في ذات لهب لأف في الفاصلة ، وقال الزمخشريّ هو من التغيير في الإعلام لئلا يلتبس بمعناها الأصلي كما قالوا في شمس بن مالك شمس بضم الشين.(8/407)
ج8ص408
قوله : ( إخبار بعد دعاء ) أي إذا كانت يداه بمعنى !سلى عون قوله : وتب مكرّراً ولا وجه له إلا التأكيد والعطف بالواو يأباه فدفعه بأن الأولى دعائية ، وهذه إخبارية عما سيحقق له في الدنيا والآخرة وعبر عنه بالماضي لتحققه كما نقل عن الفراء ، والظاهر إنّ هذه الجملة حالية وقد مقدّرة كما قرئ به ، وقوله : جزاني البيت للنابغة ، والعاويات بالواو من عوى الكلب إذا صاح وروي العاديات بالدال المهملة من عدا عليه بمعنى بغي أو من عدا بمعنى أسرع ، وقوله : ويدلّ عليه الخ لأن قد لا تدخل على أفعال الدعاء ، وقوله : أو الأوّل الخ جواب آخر ببيان أنه غير مكرّر لأنّ الأوّل المراد به خسرانه فيما كسبه وعمله بيديه حيث لم يفده ، ولم ينفعه وما بعده عبارة عن خسرانه في نفسه وذاته لأن سعي المرء لإص!ح نفسه ، وعمله فأخبر بأنه محروم منهما فقوله : { مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } إشارة لهلاك عمله ، وقوله : { سَيَصْلَى } الخ لهلاك نفسه. قوله : ( ومحلها النصب ) أي محل ما
إذا كانت استفهامية نصب على أنها مفعول به أو مفعول مطلق أي إغناء أو أي شيء ، وما في ما كسب مصدرية أو موصولة بتقدير العائد ، واليهما أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله كسبه أو مكسوبه ، وجوّز أبو حيان كونها استفهامية وعصام كونها نافية أي ما كسب ما بنفعه. قوله : ( بماله من التتائج الخ ) ما موصولة وله صلته ومن بيانية فسره على وجه يغايره ما قبله ليسلم من التكرار لجواز كون المال مكسوباً ، والنتائج على أنّ المال بمعنى المواشي لأنه شاع عند العرب بهذا المعنى ، والأرباج على أنه بمعناه المعروف ، وما بعده على العموم والوجاهة الشرف والرفعة في المراتب الدنيوية. قوله : ( أو ولده عتبة وقد افترسه أسد في طريق الشام الخ ) قال ابن حجر رحمه الله : كان تحت عتبة بن أبي لهب بنت للنبيّ صلى الله عليه وسلم فلما أراد الخروج إلى الشام قال : لآتين محمدا وأوذينه فأتا. ، وقال له : يا محمد إني كافر بالنجم إذا هوى وبالذي دنى فتدتى ثم تفل في وجهه صلى الله عليه وسلم ورد ابنته وطلقها فقال صلى الله عليه وسلم : " اللهم سلط عليه كلباً من كلابك " وكان أبو طالب حاضرا فكره ذلك وقال له : ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة فرجع إلى أبيه ، ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلاً فأشرف عليهم راهب من دير ، وقال لهم : إنّ هذه أرض مسبعة فقال أبو لهب : أغيثوني يا معشر قريش في هذه الليلة فإني أخاف على ابني دعوة محمد فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم ، وهو معنى قول المصنف رحمه الله تعالى ، وقد أحدق به العير بكسر العين أي أحاطت به الجمال خوفا من الأسد فجاء أسد يتشمم وجوههم حتى أتى عتبة فقتله كذا رواه أبو نعيم والبيهقي والطبراني وأهل المغارّي يقولون : عتبة أو عتيبة مصغرا ، وقيل : اسمه لهب وبه كني أبو لهب وقال الطيبي إنه موضوع وضعه بعض الشيعة فإن ابن عبد البرّ في الاستيعاب ، وابن الأثير في جامع الأصول قالا : إنّ عتبة بن أبي لهب أسلم هو وأخو. أسلما يوم الفتح ، وسر النبيّ صلى الله عليه وسلم بإسلامهما ودعا لهما ، وشهدا حنينا والطائف ورد بأنه لم يقف على رواية أبي نعيم ، وهو ثقة إلا أنه لا يبعد الوهم في تسميته عتبة ، وذكر تزوّجه ببنته صلى الله عليه وسلم ويكون صاحب القصة غيره وبه يتم التوفيق اهـ ) قلت ( لأبي لهب ثلاثة أولاد أحدهم أكيل السبع صاحب القصة ، وفيه يقول حسان رضي الله عنه :
من يرجع العام إلى أهله !ا أكيل السبع بالراجع
والذي صححه أهل الأثر أنّ أولاده لعنه الله ثلاثة معتب وعتبة ، وهما أسلما وعتيبة مصغراً وهذا هو الذي دعا عليه النبيّ-يخفه لما طلق ابنته وفي ذلك يقول صاحب كتاب الألباب رحمه الله :
سور 3 تبت / ا لآيان : 3 و 4
كرهت صتيبة إذ أجرما وأحببت عتبة إذ أسلما
كذامعتب مسلم فاحترز وخف أن تسبّ فتى مسلما
ولهب هو أحد هؤلاء فيما قيل ، وقال الثعالبي ومته يعلم أنّ الأسد يطلق عليه كلب ولما
أضيف إلى الله كان أعظم أفراده ، وهو كلام حسن. قوله : ( ومات أبو لهب الخ ) قال ابن سيد الناس في السيرة إنهم ليم يحفروا له وإنما أسندوه لحائط وقذفوا عليه الحجارة من خلفه حتى واروه وقال الطبري : إن العدسة قرحة كانت العرب تهرب منها لأنها بزعمهم تعدى أشد العدوى فلما مات بها تركوه ثلاثة أيام فلما خافوا العار حفروا له(8/408)
ج8ص409
حفرة ودفعوه بعود حتى وقع فيها فقذفوه بالحجارة من بعد حتى واروه لعنه الله ، وما ذكره المصنف رحمه الله رواية أخرى وتسميتها عدسة على التشبيه بها ويقال لمن أصابته معدوس ، وقوله : فهو أي ما ذكر من أنه هالك هلاك مذلة لا يفيده ماله وولده ، وكسبه شيئاً حتى لم يكفن ولم يحمل جنازته أحد من أتباعه. قوله : ( وليس فيه ) أي فيما ذكر هنا ما يدل على أنّ أبا لهب لا يؤمن الخ إشارة إلى ما قرّر في الأصلين في جواز التكليف بالمحال وما لا يطاق من الاستدلال بهذه الآية وأمثالها فإنّ أبا لهب وأضرابه كأبي جهل مكلفون بالإيمأن ، وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به ومن جملته أنهم من أهل النار لعدم إيمانهم بما جاء به ، وهو جمع بين النقيضين في زمان واحد خارج عن حذ الإمكان وليس في وسع أحد ، ومثله قوله تعالى : { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ }
[ سورة ي! ، الآية : 10 ] الآية وقوله : { لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } الخ على وجه في تفسيرها فأجاب المصنف عما هنا بأنّ تعذيبه لا يستلزم عدم إيمانه حتى يكون تكليفاً بالمحال ، ولا دلالة في الآيات الآخر على استغراق الأزمان المستقبلة بل ليس نصاً في الاستقبال ، وتعيين الأشخاص وما في كتب الكلام من أنهم مخاطبون بالإيمان الإجماليّ دون التفصيليّ لا يرد عليه أنه لا يجدي بعد المخاطبة بالتفصيليّ ، وعلمه كما توهم لأنهم لو علموا حالهم تفصيلاَ سقط عنهم التكليف بالكلية لأنّ فائدته العزم على الفعل والترك للثواب ، والعقاب فإذا علموا أنّ الفعل لا يصدر عنهم بإخباره تعالى لم يتأت منهم العزم عليه ، والتكليف بمثله غير واقع وإن جاز كما قرّره الأبهري في شرح العضد. قوله : ( يعني حطب جهنم الخ ) يعني أنّ الحطب هنا مستعار للخطايا والأوزار لأنها فسرت به كما نقله البغوي عن ابن جبير هنا ووجهه أنّ كلاَ منهما مبدأ للإحراق فلذا استعار له المصنف قوله : حطب جهنم ، وفسره بقوله : فإنها الخ فما قيل من أنّ في دلالته على حملها حطب جهنم خفاء فالظاهر الإخلاء عن هلا ا التعليل غفلة عن مراده ،
وقوله : على إيذائه مرّ أنه مصدر جممعنى الأذى وإن من أنكر. مخطئ. قوله : ( أو النميمة فانها توقد نار الخصومة ) استعارة لطيفة كاستعارة حطب جهنم للأوزاو فالحطب مستعار للنميمة كما
ولم يمش بين الحيّ بالحطب الرطب
وفي وصفه بالرطب بلاغة عجيبة فإنه يعسر إيقاده ويكثر دخانه يقال : فلان يحطب على
فلان إذا أغرى به ، وهو استعارة مشهورة وبه فسر قتادة ومجاهد والسذي. قوله : ( حزمة ( هي بضم وسكون ما يجمع ، ويربط والحسك بحاء وسين مهملتين مفتوحتين وكاف شوك كبير وعلى هذا فهو حقيقة ، وقوله : بالنصب على الشتم والذمّ فهو منصوب بمقدر كأذم ونحوه ويجوز أن يكون حالاً ، وعلى القراءة المشهورة هو نعت لأنّ إضافته حقيقية إذ هو ماض أو صيغ المبالغة صفة مشبهة أو عطف بيان أو بدل أو خبر إن كان امرأته مبتدأ. قوله : ( { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } ) في الروض الأنف لم يقل في عنقها والمعروف أن يذكر العنق مع الصفع ، والغل قال تعالى : { فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً } ، [ سورة يى ، الآية : 8 ] والجيد مع الحلي كقوله :
وأحسن من عقد المليحة جيدها
ولو قال عنقها كان غثاً من الكلام لأنه تهكم نحو فبشرهم بعذاب أليم أي لا جيد لها فيحلي ، ولو كان لكانت حليته هذه ولتحقيرها قيل : امرأة ولم يقل زوج اه ، وهو بديع جداً ولذا فسر. قتادة وابن جبير بالقلادة. قوله : ) رجل ممسود الخلق ( بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام أي ممشوق غير ممتزج الجلد كأنه جدل ، وفتل. قوله : ( وهو ترشيح للمجارّ ) يعني على الوجه الأوّل والثاني لا الثاني فقط كما توهمه بعضهم بناء على ما مرّ منه في الوجه الأوّل وقد عرفت. حاله ، وضمير هو راجج إلى قوله : { فِي جِيدِهَا } الخ لا إلى قوله : { مِّن مَّسَدٍ } فقط على معنى أنّ الحبل مجاز عن السلسلة ، وكونه من مسد أي مفتول ترشيح لأنه يناسب الحبل كما توهمه بعضهم. قوله : ( أو تصوير لها بصورة الحطابة ) بالفتح والتشديد أي صاحبة الحطب ، وحاملته فهو على هذا حقيقة إن كان على الوجه الثاك كما اقالوه ويحتمل الاستعارة التمثيلية ، وحينئذ بجواز إجراؤه على الوجوه الأخر فتدبر. قوله : ) أو بياناً لحالها ) فهو على هذا حقيقة أيضاً ، وقوله : كالزقوم الخ تمثيل أو تبيين لحطب جهنم ، وقوله : سلسلة من النار فه!هـ استعارة شبه فيها سلسلة النار بالحبل المفتول ، وقوله : من مسد ترشيح له ، وقوله : وألظرف
الخ يعني قوله : { فِي جِيدِهَا } الخ وصاحب الحال امرأته على العطف ، والضمير المستتر في حمالة على خلافه أو هو خبر وحبل فاعل للظرف لكونه(8/409)
ج8ص410
معتمدا ، ويجوز أن يكون مبتدأ أو الظرف خبره والجملة حال أو خبر ثان ، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم موضوع ، تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه.
سورة الإخلاص
سميت بها لما فيها من التوحيد ، وتسمى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وسورة الأساس لاشتمالها
على أصول الدين وتسمى هي والكافرون المقشقشتين أي المبرئتين من الشرك ، لأنهما بمنزلة كلمة التوحيد في النفي والإثبات واختلف في كونها مكية أو مدنية وفي عدد آياتها هل هو أربع أو خمس.
بساً الله الرحمن الرحبم
قوله : ( 1 لضمير للشأن الخ ) فإن قلت : كيف يكون ضمير شأن مع قوله : في دلائل الإعجاز أن له مع أنّ حسنا بل لا يصح بدونها قلت ، هو غير مسلم منه ، وما قيل من أنه مختص بالجمل الشرطية بالاستقراء مردود بأنه مثل له بقوله تعالى : { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } ، وقيل مراده إذا أخبر عنه بجملة شرطية أو فعلية وفيه نظر لا يخفى فإن قلت المأمور بقل من شأنه إذا امتثل أن يتلفظ بالمقول وحده فلم كانت قل من المتلو فيه ، وفي نظائره في القراءة المشهورة ، قلت؟ المأمور به سواء كان معيناً أم لا مأمور بالإقرإر بالمقول فأثبت القول ليدل على إيجاب مقوله ولزوم الإقرار به على مرّ الدهور فتأمّل. قوله : ( لأنها هي هو ) أي الخبر فيه عين المخبر عنه فلم يحتج للعائد كما قرّره النحاة ، وضمير أنها للجملة وهي تأكيد له بما هو في صورة المرفوع ، وهو راجع للضمير ، وقيل : ضمير أنها ضمير القصة وهي هو خبره والأوّل للجملة والثاني للضمير ، وقوله : إذ روي الخ تصحيح لعود الضمير على ما علم من السؤال لجري ذكره في كلام آخر ، وفي التاويلات إنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عن نسبة الله فنزلت
عليهم بأنّ المنزه عما ذكر كيف يكون له نسبة يسأل عنها ، ولذا ورد في الحديث أنّ لكل شيء نسبا ونسبتي { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، وإن قال في الميزان إنه موضوع ، وقوله : أو ما سئل الخ عطف على قوله للشأن. قوله : ( وأحد بدل أو خبر ثان ) هذان على كون الضمير لما سئل عنه لا على أنه للشأن كما لا يخفى والإبدال على المختار في جواز إبدال النكرة من المعرفة مطلقاً إذا كان فيه فائدة ، ويجوز كون الله بدلاً من هو وأحد خبره أيضاً. قوله : ( يدل على مجامع الخ ( صفات الجلال السلبية وصفات الكمال الثبوتية ، وفي نسخة وهي الثبوتية كما مرّ ومجامع جمع مجمع لا مجموع أو مجموعة ، وما قيل عليه من أنّ الإلهية جامعة لجميع صفات الجلال والإكرام بل كل واحد مما ذكر ومن الأسماء الحسنى لأنّ الهوية الإلهية لا يمكن التعبير عنها لجلالتها ، وعظمتها إلا بأنه هو هو وشرح تلك الهوية بلوازم منها ثبوتية ومنها سلبية ، واسم الله متناول لهما جميعا فهو إشارة إلى هويته والله كالتعريف لها فلذا عقبه به ورد بأنّ لفظ اللّه مستجمع للصفات الثبوتية دون السلبية كما ذكره الرازي ، والا لما أشرك به من يسميه بهذا الاسم ليس بشيء إذ لا يخفى أن الله قبل العلمية معناه المعبود ونحوه مما مرّ فيدل على معنى مخصوص ، وبعد العلمية يدل بالذات على الذات ولما لم تكن معروفة بالكنه لوحظت بصفات هي لها كالمشخصات لسائر الأعلام فسواء أريد جميعها كما ذهب إليه المعترض أو الثبوني منها كما ذهب إليه غيره إنما يلاحظ ذلك إجمالاً فلا وجه لما استدل به من عدم الإشراك ، إلا أنه إن سلم الثاني اندفع الأشكال والإيغال في كنه الأحدية ، وقوله : لم يلد الخ قرينة على أنه لوحظ فيه صفات الإكرام وحدها. قوله : ( 1 ذ الواحد الخ ) متعلق بقوله : يدل وفيه إشارة إلى أنّ همزته مبدلة من الواو لأنّ ما همزته أصلية لم يرد إلا في النفي أو مع كلمة كل ، وانه ليس المراد به الواحد العددي لخلوه عن الفائدة إذ لا مثل له كما قيل ، وفيه نظر وهذا بناء على عدم الفرق بين الأحدية ، والواحدية وقد فرق بينهما بأنّ الأحدية تفرد الذات ، والواحدية تفرد الصفات. قوله : ( ما يكون منزه الذات الخ ) أنحاء التركيب أقسامه من التركيب الخارجي ، والذهني وهو جمع نحو بمعنى طريق فتجوّز به عما ذكر ، والتعدد أيضاً إمّا خارجي أو عقلي كتعدد الكلي فهو مانع نفس تصموره عن قبول التعدد فالأحدية تقتضي عدم القسمة مطلقا سواء كان للأجزاء ، أو الجزئيات وهي(8/410)
ج8ص411
مختصة به تعالى وقوله : وما يستلزم الخ معطوف على أنحاء ، وقوله : كالجسمية والتحيز مثال لما يستلزم التركيب ، وما بعده لما يستلزم التعدد ، ويجوز جعله أيضاً لما يستلزم التركيب العقلي إن جعل التعين والتشخص داخلا في حقيقة الإفراد كما لا
يخفى ومن جعل هذا قسماً من السلوب مستقلا فقدسها. قوله : ( كوجوب الوجود الخ ) القدرة الذاتية التي لم تكتسب من شيء ولا بشيء ، والحكمة اتقان العلم والعمل بحيث لا يحوم حوله نقص ، وقوله : المقتضية صفة للأمور الثلاثة ، وفيه إشارة إلى أنّ الصفات زائدة على الذات كما هو عند الأشاعرة ويلزم من عدم المشاركة في خواص الألوهية عدم المشاركة فيها أيضا ، وفيه ردّ لكون الوجوب ، والقدرة معللين بالألوهية كما قيل. قوله : ( بلا قل ) كما قرئ به في المعوّذتين أيضا ، وقوله : مشاقة الرسول أي مفارقته لهم مع كونه في سوادهم في أجر ، وهذا على ما فسر به أوّلاً وموادعته على أنه متاركة وجعلها عين ما ذكر مبالغة فلو قال : أو موادعته كان أولى لئلا يخالف ما مر بحسب الظاهر ، ومثله سواء كان متاركة أو لا إنما يكون من الله لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالإنذار والجهاد بخلاف معاتبة أبي لهب فإنه على خلق عظيم وأدب جسيم ، ولو أمر بذلك لزم مواجهته به وأمّا التوحيد والعود. والرقي فما يقولوه تارة ، ويبلغه أخرى فلذا وردت بهما فسقط ما قيل من أنّ قل لا تدل على أنه منه بل من اللّه فلا يلزم المواجهة به ، وما قيل من أنه لا يصح من الله لا أعبد ما تعبدون فلا بد فيها من قل ليس بشيء لأنه لا يلزم ذكره بهذا اللفظ ، ثم إنّ قوله : فلا يناسب الخ بيان لهما لأنّ الأوّل لا يناسب أن يكون منه بل من الله وهذا لا يناسب صدوره عنه لكثرة أدبه وحيائه فلدّا لم يؤمر به كما بيناه فليس في الأوّل حذف للنتيجة للقرينة اختصاراً فتقدر وكل ما هو كذلك يناسب أن يكون منه كما قيل فتدبر. قوله : ( السيد المصمود إليه ) فهو فعل بمعنى مفعول ، وصمد بمعنى قصد فيتعدّى بنفسه ، وباللام والى فقوله : المصمود تفسير له لا إشارة إلى الحذف والإيصال والسيد يطلق على الله تعالى كما في الحديث ) السيد الله ( خلافا لمن توهم منعه ، وقال : السهيلي لا يطلق عليه تعالى مضافاً لا يقال سيد الملائكة ، والناس ومعناه أنه محتاج إليه وهو الغنيّ المطلق ، وقوله : وهو أي الله الموصوف بكونه صمداً والمراد بالوصف الوصف اللغوي لا الحمل كما قيل وإن كان هنا كذلك ، وقد فسر الصمد بما لا جوف له وما لا يأكل ولا يشرب. قوله : ( وتعريفه لعلمهم
بصمديته بخلاف أحديته ) قال المحقق الدواتي : هذا لا يخلو عن كدر لأن علم المخاطب بمضمون الخبر لا يقتضي تعريفه بل إنما يقتضي أن لا يلقى إليه إلا بعد تنزيله منزلة الجاهل لأنّ إفادة لازم فائدة الخبر بمعزل عن هذا المقام فالأولى أن يقال التعريف لإفادة الحصر كقولك : زيد الرجل اكل ، وهو يقتضي أن الخبر إذا كان معلوماً للمخاطب لا يخبر به إلا بتنزيله منزلة الجاهل ، أو إفادة لازم فائدة الخبر أو إذا قصد الحصر ، وهو ينافي ما تقرر في المعاني من أنّ كون المبتدأ والخبر معلومين لا ينافي كون الكلام مفيدا للسامع فائدة مجهولة لأنّ ما يستفيده السامع من الكلام هو انتساب أحدهما للآخر ، وكونه هو هو لأنهم يعرفون الله بوجه مّا ويعرفون معنى المصمود سواء كان هو الله أو غيره عندهم ، ولكن لا يعرفون أنه هو سواء كان بمعنى الفرد الكامل المعهود منه أو الجنس فعينه الله تعالى لهم على أنه إذا قصد الحصر فقد أفاد فائدة الخبر وإلا لاختل كلام أهل المعاني فيه ، ومن لم يتنبه لهذا قال : إنه يلزم المصنف رحمه الله خلو الخبر عن الفائدة الا أن يقال التعريف لإفادة القصر ، ولا حاجة إليه في الجملة السابقة فإنّ مفهوم أحد على تفسير المصنف رحمه الله مغن عنه مع أنهم لا يعرفون أحديته ولا يعترفون بها ، وقيل : أحد في غير النفي والعدد لا يطلق على غيره تعالى بخلاف الصمد فلذا عرف فتدبر. قوله : ( للإشعار بأنّ من لم يتصف الخ ) أخذه من إفادة تعريف الطرفين للحصر كما صرح به الدواني فيشعر بأن من لم يتصف بالصمدية لا يستحق الألوهية لا لأنّ تعليق الصمد بالله يشعر بعلية الألوهية للصمدية بناء على أنه في الأصل صفة ، وإذا كانت الصمدية نتيجة الألوهية لم يستحق الألوهية من لم يتصف به لأنه يرد عليه أنّ الألوهية للصمدية لأنه إنما يعبد لكونه محتاجاً إليه دون العكس إلا أن يقال : المراد بالألوهية مبدؤها لا لكونه معبوداً بالفعل ، ولم يقل الله أحد الصمد للتنبيه على أنّ كلا من الوصفين مستقل. قوله : ( لأنها كالنتيجة للاولى الخ ) فهي جملة مستأنفة أو مؤكدة ، وإن كانت من وجه تشبه النتيجة ومن وجه(8/411)
ج8ص412
تشبه الدليل أمّا الأوّل فلأن الإلهية والأحدية توجب احتياح جميع ما سواه له فأشبه النتيجة في اللزوم لما قبله ، وأمّا الثاني فلأنّ من كان غنياً لذاته محتاجا له ما سواه لا يكون إلا واحداً وما سواه لا يكون إلا ممكنا محتاجاً إليه فلعدم الانفكاك كان كالدليل له ، ولذا قال : كالنتيجة ولم يقل نتيجة لأنها تعطف بالفاء كما تقول العالم متغير ، وكل متغير حادث فالعالم حادث ، والدليل معطوف عليه النتيجة لا معطوف وهذا بناء على أنّ الصمدية توجب الأحدية فهي من وجه نتيجة ومن آخر دليل ، ووجهه أنّ الغني المطلق يلزم الأحدية لأنّ المركب محتاج إلى ما تركب منه ، وهذا كله على أن الدليل مجرور معطوف على النتيجة ، ويصح أن يرفع على الابتداء وخبره لم يلد الخ ويكون وجهاً لعدم عطف لم يلد لأن من لا مجانس له ولا مماثل له يلزمه أن يكون غنياً مطلقاً منفرداً في ذاته وألوهيته. قوله : ( لأنه لم يجانس الخ ) يجانس فعل مجهول أو معلوم
يعني نفي الولد لأنه من جنس أبيه ولا يجانسه أحد لأنه تعالى واجب وغيره ممكن ولأنّ الولد يطلب إمّا لإعانة والده أو ليخلفه بعده ، وهو لا يفني وغير محتاج إلى شيء منهما كما نبه عليه بقوله : لامتناع الحاجة الخ على طريق اللف والنشر وليس هذا إشارة إلى أن لم يلد كالنتيجة لما قبله ولذا لم يعطف كما توهم. قوله : ( ولعل الاقتصار الخ ) أي اقتصر على الماضي لأنه المحتاج إليه في الردّ على الكفرة فلذا لم يقل ، ولن يلد وقدّم ، وإن كانت المولودية في المخلوقات أسبق أو العراد الاستمرار وعبر به لمشاكلة قوله لم يولد. قوله : ( وذلك ) إشارة إلى كونه غير والد ولا مولود وما بعده لف ونشر فكونه لا يفتقر تعليل لكونه لم يلد كما مر ، وكونه لا يسبقه أحد تعليل لكونه لم يولد وفي نسخة عدم بدل قوله : أحد كما هو المعروف في المواليد ، وقيل : ذلك إشارة إلى كونه غير مولود ، وقوله : يماثله تفسير لقوله : يكافثه ، وقوله : من صاحبة أو غيرها إشارة إلى عمومه وتضمنه لنفي الزوجية المستلزمة لنفي الولد ، وأنه يحتمل أن يكون من الكفاءة المعتبرة بين الأزواج كما في الكشاف. قوله : ( وكان أصله أن يؤخر الظرف ) إشارة إلى ما ذكره سيبويه ومن تبعه من النحاة من أنّ المتعارف في كلام فصحاء العرب في مثله تقديم الظرف إذا كان مستقرا وخبرا وتأخيره في غيره ، وهنا قد تقدّم وليس كذلك قال السيرافي في شرح الكتاب فإن قال قائل : قد اختار سيبويه أن لا يقدم الظرف إذا لم يكن خبراً وكتاب الله أولى بأفصح اللغات قيل له : قوله له : وإن لم يكن خبراً فإن سقوطه مبطل معنى الكلام لأنك لو قلت : لم يكن كفؤاً أحد لم يكن له معنى فلما احتيج إليه صار بمنزلة الخبر فحسن فيه ذلك انتهى ، وهذا معنى قول المصنف وكان أصله الخ ، وفال ابن الحاجب إنه قدم للفواصل ورعايتها ولم يقدم على أحد فقط لئلا يفصل بين المبتدأ وخبره ، وفيه نظر وقوله : صلة أي لغو متعلق بمذكور وهو كفؤاً لا بيكن نتدبر. قوله : ( ويجوز أن يكون حالاً الخ ) فعلى هذا هو مستقر وتقديمه جار على القاعدة مع أنه لو أخر التبس بالصفة أو الصفة فحسن تقديمه من وجوه. قوله : ( أو خبرا ويكون كفؤا حالاً من أحد ) وجوّز تقديمه عليه ، ولو تاخر كان صفة له ويجوز كونه حالاً من الضمير في الظرف الواقع خبرا وهذا الوجه نقله أبو علي في الحجة عن بعض النحاة ورد بأنه ظرف ناقص لا يصح ، أن يكون خبرا فإن قدو له متعلق خاص ، وهو مماثل ونحوه مما تتم به الفائدة يكون فوله : كفوا زائدا فتأمّل. قوله : ( ولعل ربط الجمل الخ ) أي وقوع الجمل الثلاث ، وهي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا متعاطفة دون ما عداها من
هذه السورة لأنها سيقت لمعنى وغرض واحد وهو نفي المماثلة والمناسبة عنه تعالى بوجه من الوجوه ، وهذه أقسامها لأن المماثل إمّا ولد أو والد أو نظير فلتغاير الأقسام " واجتماعها في المقسم لزم العطف فيها بالواو كما هو مقتضحى قواعد المعاني ، وقد أشار أولاً لوجه ترك العطف فيما قبله !لأنّ الله الصمد محقق لما قبله ومبين !له " وكذا " لم يلد مؤكد ومحقق للصمدية لأن الغنيّ عن كل شيء المحتاج إليه كل ما سواه لا يكون والداً ولا- مولودا ، وقوله. : !منبه اشم فاعل من التنبيه وفي نسخة مبينة اسم فاعل من البيان ، وعدى بعلى لتضمنه معنى الدلالة وفي بعضها مبنية من البناء والأولى أولى ، وتوله : بالتخفيف أي التسكين وهو في مقابلة الضم النقيل وهو المراد بقوله بالحركة ، وقولة : غلى. جميع !المعارف الإلهية هو بطريق أفإيماء " لا صريحا ولذا قيل إنها تدل على علم الأصول الدينية وأن تعليمه وتعلمه مشروع ، وقوله : والردّ على من(8/412)
ج8ص413
ألحد من المشركين بما نسبه لله من الولد والشريك صراحة وعلى غيره دلالة. قوله : ( جاء في الحديث أنها تعدل ثلث القرآن ) وهو حديث صحيح مروي من طرق ، وفي رواية تعدل نصفه ، وما في الكشاف من أنها تعدل القرآن كله قال الدواني : لم أره في شيء من كتب الحديث والتفسير ، ثم أورد هنا إشكالاً وهو أنّ الأحاديث دالة على أنه يكتب لقارئ القرآن بكل حرف عشر حسنات فيكون ثواب قراءة القرآن بتمامه أضعافا مضاعفة بالنسبة لثواب قراءة هذه السورة ، وأجاب قدس سره بأن للقارئ ثوابين تفصيليا بحسب قراءة الحروف والعمل ، وآخر إجمالياً بسبب ختمه القراءة فثواب { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } يعدل ثلث ثواب الختم الإجمالي لا غيره ونظيره إذا عين أحد لمن بني له داراً في كل يوم دينارين ، وعين له إذا أتمه جائزة أخرى!غير أجرته اليومية وعلى هذا القياس ، وفي شرح البخاري للكرماني فإن قلت : المشقة في قراءة الثلث أكثر منها في قراءتها فكيف يكون حكمه حكمها قلت : يكون ثواب قراءة الثلث بعشر ، وثواب قراءتها بقدر ثواب مرة منها لأنّ التشبيه في الأصل دون الزوائد وتع منها في مقابلة زيادة المشقة ، وفي الفقه الأكبر وشروحه إنّ آيات القرآن كلها مستوية في الفضل إلا أنّ لبعضها فضيلة الذكر والمذكور كآية الكرسي ولبعضها فضيلة الذكر فقط كقصص الكفار وما ورد من فضائلها راجع إلى الدلالة ولذا لم يكن تعارض بين كونها ربعاً ونصفاً ، وغيره وقيل : إنه من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله هذا محصل ما تيل في دفع السؤال ، وليس فيه ما يثلج الصدر ويطمئن له البال ، والذي عندي فيه إنّ للناظر في معنى كلام اللّه المتدبر لآياته ثواباً وللتالي له ،
وان لم يفهمه ثواب آخر فالمراد أنّ من تلاها مراعيا حقوق آدا.بها فاهماً دقيق معانيها كانت تلاوته لها مع تأملها ، وتدبرها تعدل ثواب تلاوة ثلث القرآن من غير نظر في معانيه ، أو ثلثا ليبس فيه ما يتعلق بمعرفة الله وتوحيده- ولا بدع في أشرف المعاني إذا ضم لبعض من أشرف الألفاظ أن يعدل من جنس تلك الألفاظ مقدارا كثيرا كلوح ذهب زنته عشرة مثاقيل مرصع بانفس الجواهر يساوي ! ألف مثقال ذهب فصاعدا. قوله : ) فإن مقاصده الخ ) إشارة إلى احتوائه على أمور أخر كالدعاء والثناء ، وقوله : ومن عدلها بكله الخ إشارة إلى ما في الكشاف ، وقد مر ما في! وجعلها مقصودة بالذات لأن المقصود بالذات معرفة الله تعالى بذاته وصفاته وهي محتوية على ذلك ، وقولى : وعنه صلى الله عليه وسلم الني ليس بموضوع بل رواه الترمذي والنسائي وفي الحديث الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاَ يقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت- الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد فقال : والذي نفسي بيده لقد سأل الله بالاسم الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أمطى ) 2 يم- تحت السورة بحمد الله وعونه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سورة الفلق
مختلف فيها والصحيح أنها مدنية لأن سبب نزولها سحر اليهود كما سيأتي ، وهم بالمدينة
كما في البخاري وغيره فلا يلتفت لمن صحح كونها مكية وكذا سورة الناس ولا خلاف في عدد آياتها.
بسم الله الوحمن الرحيم
قوله : ( ما يفلق عنه ) أي يشق وبفرق فهو فعيل بمعنى مفعول صفة مشبهة كقصص بمعنى مقصوص ، وجعله بمعنى ألمفلوق عنه لا على الحذف ، والإيصال في الفلق كما توهم فإنه لم يسمع فلق عنه لمناسبتة معنى التربية وإن كان من جعله مفسراً بالمفلوق كالزمخشري لاحظ فيه ذلك أيضاً حيث قال : كل ما يفلقه الله كالأرض عن النبات الخ. قوله : ( يعم جميع الممكنات ) أي الموجودات بقرينة ما بعده لأنّ مجرّد الإمكان لا يكفي في الفرض ، والمراد بقوله : عرفا عرف اللغة والعرب فلا يتوهم إنه كيف يكون عرفياً ، وقد ذكره أهل اللغة وفسر به ، وقوله : عنها أي عن الممكنات التي في علمه تعالى وقوله : ظلمة العدم فهو كلجين الماء ، والفلق بمعنى الإظهار مجازاً لا تخييلا كما قيل. قول! : ( سيما ما يخرج من أصل الخ ) فإنّ الفلق بمعنى الإظهار فيه أظهر(8/413)
ج8ص414
لتحققه فيه بالمعنى الحقيقي أيضاً كالعيون من الجبال والأمطار من السحاب والنبات من الأرض والأولاد من الأرحام ، وقوله : يخص معطوف على قوله : يعم والضمير المستتر فيه للفلق ، وقوله : ولذلك أي لاختصاصه به عرفاً ، وقوله : وتخصيصه أي الصبح على هذا التفسير. قوله : ( لما فيه من تغير الحال الخ ) مناسبة تغير الأحوال وتبدّلها لحال المستعيد الطالب لزوال ما ألئم به من الألم ظاهرة لأنّ البيوت كالقبور والنوم أخو الموت والخارجون من منازلهم صباحا منهم من يذهب لنضرة وسروو ، ومن يكون في مطالبة ديون وغموم وشرور وهكذا مما للعباد ، مما هو أنموذج المعاد ، والمناسبة بين هذه الحال وحال المستعيذ ظاهرة لأنها تدل على قدرة من التجأ إليه ففيها تبشير بأنه يعيذه وأيضاً من أوجده بعد العدم كيف لا يسلمه من الألم فلا وجه لما قيل من أنّ القصد للاستعاذة لا للدلالة على يوم القيامة فلا مناسبة له بالمقام ، والمراد بفاتحة يوم القبامة البعث. قوله : ( والإشعار بأن من قدر
الخ ) مع ما بين الظلمة والمكاره من المناسبة وكون الأفكار والخوف في الليل أكثر.
ولرب ليل للهموم كدمل صابرته حتى ظفرت بفجر.
وقوله : ولفظ الرب هنا أوقع أي أنسب وأحسن موقعاً من غيره من الأسماء كالخالق ،
وغيره وهو على تعميم الفلق لسائر الممكنات ظاهر لشموله للمستعيذ ، والمستعاذ منه وعلى تخصيصه بالصبح أيضاً لأنه مشعر بأنه قادر مغير للأحوال ومقلب القلوب والأطوار ، فيزيل الهموم وا!دار ، فلا يتوهم أنه أضيف إلى الفلق فكيف يدل على ما ذكر. قوله : ( من سائر أسمائه ) قيل : المراد أسماؤه التي يجوز إضافتها للفلق كالخالق ، والموجد فلا يرد أنّ الإعاذة رأفة ورحمة أيضا ، وأمّا المالك وإن جاز إضافته فالرب أنسب أيضاً لأنّ المالك قد لا يريد التربية كمشتري الشاة للضحية ، وقوله : لأنّ الإعاذة الخ جعلها نفس التربية مبالغة والمراد أنها من لوازمها ومتمماتها. قوله : ( خص عالم الخلق الخ ) عالم الخلق هو المجسمات والمشاهدات وعالم الأمر ما يقابله لأنه أوجد بمجرّد أمركن من غير مادة ونحوها ، ويقال : عالم الشهادة وعالم الغيب والمراد بكونه خيراً كله أنه لا يصدر عنه شرفان مصدر بأمره تعالى كما يفعله ملائكة العذاب ، فلم يصدر إلا الامتثال الأمر لا لقصد الشر من حيث هو شرّ فلا وجه لما قيل من أنه يجوز أن يكون ما يتوجه إلى الشخص من عالم الغيب شرّا ، ولا بعد في فهم عالم الخلق من قوله : ما خلق كما قيل لأنه وإن اشتهر في كلام المشايخ والحكماء لا تأباه اللغة لأنّ غايته تخصيصه ببعض أفرأده المحسوسة ، وبه فسر قوله تعالى : { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ } [ سورة الأعراف ، الآ- : 54 ] فلعله ورد في لسان الشرع وعرفه. قوله : ( وشرّه أختياري الخ ) اللازم ما لا ينتقل عن محله والموصوف به والمتعدّي ما يقابله ومثل للأوّل بالكفر وللثاني بالظلم والمستعاذ منه الأقسام كلها فاشعاذ من أن يتصف بشيء من ذلك في نفسه أو بواسطة سريانه كما يقال طباع الشرّ تعدي ، وما قيل من أنه لا يلزم من هذا التقسيم أن يكون الشرّ اللازم مستعاذا منه ليخالف ما سياتي من أنّ الاستعاذة ني هذه السورة من المضار البدنية لأنّ التقسيم ليس للمستعاذ منه ، ولا معنى للاستعاذة من شرّ لا تعدى إلى المستعيذ ، ولو سلم فليكن المراد مما سيأتي أنّ الاستعاذة فيها لا تختص بالإضرار العارضة للنفوس البشرية بل تعم المضار البدنية تكلف مستغني عنه وسيأتي تحقيقه. قوله : ( كالكفر ) مثال للاختياري اللازم وأمّا كون الكافر يستتبع ولده كما في حديث : " يهوّدانه وبنصرانه ) فلا يرد لأنّ كفر الأب لم يتعدّ له ،
لمانما تعدى له حكمه أو تعليمه له والمراد بالطبيعي ما خلقه الله في طبيعته فلا يقال إنه لا يوافق المذهب الحق كما توهم. قوله : ( ليل الخ ) فنسبة الشرّ إليه مجازية كنهاره صائم وغسق من باب ضرب وعلم ، وقيل : على قوله وقيل : الشلان إنه مرضه لأنه لا يناسب ما مر في سورة ص وعم في تفسير قوله : { حَمِيمًا وَغَسَّاقًا } [ سورة النبأ ، الآية : 25 ] بما يسيل من صديدهم؟ ولا شك أنه مناسب ثمة لعطفه على الحميم ، وما ذكر هنا هو معنى أصل هذه المادّة وما وضعت له وهو لا ينافي استعماله فيه للمناسبة التامّة بين الامتلاء والسبيلافي فتأمّل. قوله : ( انصباب ظلامه ( إشارة إلى إنه استعارة هنا ، وكذا هو في الامتلاء أيضاً وقوله : دخل ظلامه أصل معنى الوقب النقرة ، وقد فسر بالمجيء أيضاً وكلام المصنف قريب منه ، وقوله : وتخصيصه أي الليل مع اندراجه في عموم ما خلق ، وقوله : لأنّ المضارّ(8/414)
ج8ص415
الخ فكأنه جنس آخر كما مر. قوله : ( الليل أخفى للويل ) هو مثل أوّل من قاله سارية العقيلي ، والمعنى أفعل يخيه ما تريد فإنه أسترا لسرك وأخفى أفعل تفضيل من الإخفاء المزيد على خلاف القياس ، ولخفائها تعسر هي ودفعها فيه ، وقوله : ولذلك أي ما ذكر وقوله : فيغسق بكسر السين ، وفتحها أي يظلم لذهاب ضوئه المستفاد من الشصس لأنه كمد اللون في نفسه أو لأنه يمتلئ- على ما قيل ، أو يسرع بسير. على أنّ الغسق مستعار من السيلان ، وقيل : وقوب القمر دخوله في المحاق.
قوله : ( ومن شرّ النفوس ) جعله صفة للنفوس ليصح تأنيثه ، وقوله : أو النساء أخره إشارة لترجيح الأوّل وأنه أولى ليشمل الرجال ويطابق سبب النزول كما سياتي والسواحر صفة لكل من النفوس والنساء على البدل وفي الروض الأنف إن عقد السحر التي سحر النبيءسوو بها إحدى عشرة عقدة فانزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية فانحلت بكل آية عقدة واليه أشار المصنف قال ، وقال : النفاثات وكان الذي سحره رجلاَ وهو لبيد بن الأعصم اليهودي لأنّ زينب اليهودية أعانته على ذلك ، والأخذة غالباً من عحل النساء وكيدهن ، ولذا غلب المؤنث على المذكر هنا وهو جائز كما فصلناه في شرح الدرّة فلا يرد عليه أنّ سبب النزول لا بد من دخ!وله في النظم ، وقال أبو عبيدة إنه قال النفاثات والسحر قد يكون من الذكور لأنّ جواري لبيد سحرته صلى الله عليه وسلم ورد بأنّ الصحيح رواية غيره فالحق أنه / أنث لأنه صفة للأنفس لأنّ تأثير السحر إنما هو من جهة الأنفس الخبيثة والأرواح الشريرة وسلطانه منها وينفثن مضم الفاء وكسرها.
قوله : ( والنفث النفخ مع ويق ) كذا في الكشاف ، وفي النشر النفث شبه النفخ يكون في الرقية ولا ريق معه فإن كان معه ريق فهو التفل ، وهو مخالف له والأوّل هو الأصح لما نقله ابن القيم من أنهم إذا سحروا استعانوا على تأثير فعلهم بنفس يمازجه بعض أجزاء أنفسهم الخبيثة ، واليهودي هو لبيد بن الأعصم كما مرّ ، والمعوّذتان بكسر الواو والفتح خطأ والبئر تسمى بئر ذروان كما في البخاري ، وقوله : فأخبره جبريل الخ الذي في البخاري أنه رأى في منامه ملكين عنده وأحدهما يخبر الآخر بذلك ، وقد يجمع بين الروايتين بأنّ أحد الملكين جبريل صلوات الله وسلامه عليه ، وقد روي أنّ ذلك لم يخرج من البثر لئلا ينتشر شره ، وقد كفاه الله ذلك. قوله : ( ولا يوجب ذلك صدق الكفرة ) في فولهم : إنه مسحور وقد كذبهم الله فيه ، ولذا نقل في التاويلات عن أبي بكر الأصم أنه قال إنّ حديث السحر المروي هنا متروك لما يلزمه من صدق قولهم وهو مخالف لنص القرآن فأجاب المصنف عنه بأن الحديث صحيح وهو غير مراغم للنص لأنّ الكفار أرادوا بقوله : مسحور مجنون كما مرّ ولو سلم إرادة ظاهره فهو كان قبل هذه القصة أو مرادهم أنّ السحر أثر فيه ، وإن ما يأتيه من الوحي من تخيلات السحر ، وهو كذب أيضا لأنّ الله عصمه فيما يتعلق بالرسالة ، وأنما كان يخيل له ذلك في إتيان أهله وأمر النساء خاصة ولا ضير فيه والسحر حق خلافاً لمن أنكره ، ويجوز أن تسحر الأنبياء أيضا خلافا لمن قال : إنّ لسحر لا يجري عليهم فإنهم بشريجري عليهم ما يجري على البشر ، ولا أعظم من القتل وأنما الممنوع تأثيره في خلل العقل وأمر النبوّة. قوله : ( مستعار الخ ) فشبه العزائم بعقد معقودة ، والتحيل في إبطالها بالنفث للحل فهما استعارتان مصرحتان ويصح أن تكون تمثيلية ، وقوله : وأفرادها الخ فتعريفها للاستغراق ولا ينافيه خصوص السبب لدخوله فيها دخولاً أوّلياً وكون كل ظلام ليس شراً ظاهر.
وكم لظلام الليل عندي من يد تخبرأنّ المانوية تكذب
وكون كل حسد كذلك لأنه إنما يكون شراً بإظهاره وتأثيره وليس كل حسد كذلك كما
أشار إليه المصنف والمراد تخصيصها بالتعريف من بين ما أضيف إليه الشر ، وكان مما يصح دخول أل عليه فلا يرد عليه أن ما خلق معرفة أيضاً. قوله : ( إذا أطهر حسده ) أوّله به ليتضح وجه تنكيره ، ولثلا يكون قوله إذا حسد مع حاسد لغوا ، وقوله : بل يخص به كما قال علي كرّم الله وجهه لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله وقال ابن المعتز رحمه الله تعالى : اصبرعلى حسدالحسو د فإنّ صبرك قاتله(8/415)
ج8ص416
فالنارتأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
ولم يذكر ما في الكشاف من قوله : رب حسد محمود ، وهو الحسد في الخيرات ومنه
( لا تحسد إلا في اثنتين ) الحديث لأنه غبطة وإنما يسمى حسدا مجازا ، والفرق بينهما أنّ الغبطة تمني مثل ما لغيرك مع عدم محبة زواله عنه والحسود يتمنى زوال نعمة المحسود ، ولذا كان مذموماً. قوله : ( وتخصيصه ) أي ما ذكر من الغاسق والنفاثات والحاسد مع أنها مندرجة تحت ما خلق لأنّ ذلك هو العمدة في إضرار الإنسان ، وغيره لأنّ الظلام يقع فيه المضار للإنسان وغيره من حيث لا يشعر ، وكذا التحاسد يكون سبباً لمضار الإنسان وهو ظاهر ولمضار غيره فإن الحيوان إذا رأى واحدا من جنسه سبقه لشيء من المأكول أو المنكوح ربما قتله ، والسحر قد يؤثر في غير الإنسان إذا رأى واحداً من جنسه سبقه لشيء من المأكول أو المنكوح ربما قتله ، والسحر قد يؤثر في غير الإنسان أيضاً ولو جعل ضمير تخصيصه ، وأنه للحسد وحده كان أظهر ويكون هذا توجيهاً لإنراد الحسد بالذكر وما بعده توجيه لتخصيص هذه الثلانة ، وهذا أحسن وأسلم من التكلف عندي وإن اختار الأوّل أرباب الحواشي. قوله : ( ويجورّ ان يواد بالفامق الخ ) المراد بالقوى النفسانية شبهها بالنور لأن الإدراك ونحوه بها والخالي منها المعدنيات ، واستعيرت النفاثات للقوى النباتية ، والمراد نفسها وكني بالحاسد عن الحيوان لأنّ المراد بالمذكورات على هذا المواليد الثلاثة ولا يخفى ما فيه من التكلف المبني على الحكمة الباردة فتركه أولى من تنزيل التنزيل عليه. قوله : ( ولعل أفرادها ) أي هذه الثلاثة ،
وهذا تكلف آخر فإنها سبب للشر لا شر على ما ذكره ، وقوله : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ هو حديث صحيح رواه مسلم وابن حيان وقد أحسن المصنف هنا إذ ذكر الحديث الصحيح ، وترك الحديث الموضوع الذي ذكره الزمخشريّ.
سورة الناس
وتسمى مع ما قبلها بالمعوذتين والمقشقشتين والصحيح أنها مدنية وآياتها ست لا سبع
وان اختاره بعضهم ولا مكية لما مرّ.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( ونقل حركتها ) وهي الفتحة كما قرئ خذ أربعة ، وقوله : في السورتين تنبيه على
ما في الكشاف من اختصاصها بهذه السورة. قوله : الما كانت الاستعاذة الخ ) إشارة إلى ما رجحه ثمة من شمول الفلق لجميع الممكنات كما مرّ ، وهو لا ينافي كون الاستعاذة من المضار البدنية العارضة للبدن بواسطة كل شيء من الموجودات فإن المستعيذ هو النبيّ-شح! فيما شاهده من ف!رة لحقت جسمه الشريف على ما علم من سبب النزول فليس هذا مخالفاً لما قدمه كما توهمه بعضهم وخبط فيه آخرون ، وقوله : من الأضرار جمع ضرر وكان الأحسن فيه الأفراد وكسر الهمزة بعيد ، وقوله : تعرض للنفوس البشرية ، وهي الوسوسة وما قيل : إن شرها يلحق البدن أيضا هو من شر الوسواس أيضاً ، وقوله : وخصصها بالناس لاختصاص الوسوسة بهم. قوله : ( ، لذي يملك أمورهم ) إشارة إلى قوله : ملك الناس ، وقوله : ويستحق عبادتهم إشارة إلى قوله : { إِلَهِ النَّاسِ } . قوله. ( عطفاً بيان ( أي لرب الناس قال أبو حيان : المشهور أن عطف البيان يكون في الجوامد والمعطوف عليه واحد ، وقوله : ( فإنّ الرب ( الخ إشارة إلى تغايرهما مفهوما كما في رب الناس وملكهم وأتى بقد للاقتصار على أقل ما يتحقق به التغاير فلا حاجة إلى أن يقال : قد في الثاني للتكثير فإن الظاهر أنهما على نمط واحد وإن جاز تغايرهما وكون الرب لا يكون ملكاً كرب العبد ، وكون الملك غير إله كما في سائر ملوك الدنيا. قوله : ) وفي هذا النظم الخ ( كونه حقيقياً بالإعادة من الربوبية لأنّ المربي يحفظ ما يريبه والقدرة من كونه ملكا وكونه غير ممنوع من الإلهية لأنه لو عجز عن دفع الموانع لم يكن إلهاً إذ الإله منزه عن العجز ، وقوله : إشعارا معطوف على قوله : دلالة ، وكذا قوله تدرّج وضمنه معنى الاطلاع ولذا
عدا. بعلى. قوله : ( الناظر في المعارف ) أي المتوجه لمعرفة خالقه ، وقوله : إن له ربا أي سيدا متفضلاً عليه وقوله : يتغلغل أي يتعمق ويدخل وأصل التغلغل دخول الماء الجاري بين النبات ، والأشجار وكان أصله(8/416)
ج8ص417
تغلل فأبدلت إحدى لاميه غينا وفي التعبير به إشارة إلى ما في النظر من التدبر بلطف ، وقوله : غني عن الكل الخ الغني من كونه ملكا عظيما ، ومصارف جمع مصرف وهو مصدر ميمي بمعنى الصرف ، وقوله : المستحق الخ من كونه إلها. قوله : ( في وجوه الاستعاذة الخ ) المعتادة صفة لوجوه فإن عادة من ألنم به مهمّ أن يرفع أمره لسيده ومربيه كوالد به فإن لم يقدرا على رفعه رفعه لملكه وسلطانه فإن لم يزل ظلامته شكاه إلى ملك الملوك ، ومن إليه المشتكي والمفزع ونزل اختلاف الصفات منزلة اختلاف الذوات فلذا لم يكتف بواحد منها ، وتدرج فيها كما عرفت ولولا هذا التنزيل لم يتحقق التدرج المذكور ، وما قيل من أن الإتيان بصورة التعداد وترك العاطف دلالة على هذا لا يلائم كلام المصنف ، وعطف البيان فإنه ينافي التعدّد وليس مثله بمحل العطف حتى يدعي تركه لما ذكر ، وفيه إشارة إلى عظم المستعاذ منه وأنّ الآفة النفسانية أعظم من المضار البدنية حيث لم يكرر ذلك المستعاذ به ثمة وكرره هنا إظهارا للاهتمام في هذه دون تلك. قوله : ( وتكرير الناس الخ ) فإنّ الإظهار أنسب بالإيضاح المسوق له عطف البيان وأدل على شرف الإنسان فإن الإظهار في مقام الإضمار يدل على التعظيم ، والتفخيم وإن لم يكن في لفظ المظهر إشعار بذلك كما صرح به الإمام المرزوقي في أوّل شرح الحماسة ، وقيل : لا تكرار هنا فإنه يجوز أن يراد بالعام بعض أفراده فالناس الأوّل بمعنى الأجنة والأطفال المحتاجين للتربية والثاني الكهول والشبان لأنهم المحتاجون لمن يسوسفم ، والثالث الشيوخ لأنهم المتعبدون المتوجهون لله وفيه تأمّل. قوله : ( الوسوسة ( قال ابن مالك فعلل ضربان صحيح كدحرج وثنائي مكرر نحو كبكب وصلصل ولهما مصدران مطردان فعللة وفعلال بالكسر كزلزال ، وهو أقي! فيه وامّا الفتح فإن ورد فيه فشاذ لكنه كثر في المكرر كتمتام ، وفأفاء وهو للمبالغة كفعال في الثلائي كما قالوا : ثرثار للمكثر ووطواط للضعيف والحق أنه صفة وجعله مصدراً كوسواص أريد به الموسوس ، ونحوه تجوّزاً عن الشيطان أو بتقدير ذي مما لا داعي له كما جنح إليه الزمخشريّ وتبعه المصنف ، وليس في الكلام فعلال بالفتح في غير المضاعف غير خزعال بمعجمتين ناقة بها ظلع ، وزاد ثعلب قهقاراً وقال : غيره هو جمع وقيل : صوابه قهقر وزاد غيره قسطال ، وهو الغبار وفي التسهيل فعوال
بالكسر يكون مصدر فوعل كحيقال وظاهر كلام المصنف أنه اسم مصدر والفرق بين المصدر واسم المصدر أنّ اسم الحدث إن اعتبر فيه صدوره من الفاعل فمصدر والا فهو اسم مصدر ، وقال الرضي : اسم المصدر ما بدئ بميم زائدة كمقتل أو كان اسم عين استعمل بمعنى المصدر وفيه كلام ليس هذا محل بسطه. قوله : ( الخناس ) هو صيغة مبالغة أو نسبة ، وقوله : وذلك كالقوّة الوهمية تنظير لا تفسير وتمثيل فإنّ السياق لا يساعده ، وكذا قوله من الجنة وما قيل من أنّ التشبيه في الخنوس والوسوسة ، كما قيل : فإنّ الوهم شيطان رجيم لا محصل له ، وقوله : بيان للوسواس بمعنى الموسوس ، وقوله : من جهة الجنة إشارة إلى أن من ابتدائية كما في الكشاف ، وإذا قدر قطعه رفعاً ونصباً حسن الوقف على الخناس وجوّز فيه الحالية من ضمير يوسوس والبدلية من قوله : من شر بإعادة الجار وتقدير المضاف والبدلية من الوسواس على أنّ من تبعيضية والوسوسة من جهة الجنة بان يلقى في قلبه علمهم بالغيب ونفعهم وضرهم ومن جهة الناس كذلك بالكهانة والتنجيم. قوله : ( وفيه تعسف ( لأنه بناء على ما نقل عن الكليّ من أنه يقال : ناس من الجن والمعروف خلافه مع ما فيه من جعل قسم الشيء قسيماً له ، ومثله لا يناسب بلاغة القرآن ، وإن سلم صحته والتعسف سلوك غير الجادة والمراد به التكلف بلا طائل. قوله : ( إلا أن يراد الخ ) فيكتفي بالكسرة عن الياء ، وهذا مع تكلفه أقرب مما قبله ، وقد قرى قوله تعالى من حيث أفاض الناس بكسر الناس شذوذاً ، ثم إنه قيل : إنّ حروف هذه السورة غير المكرر اثنان وعشرون حرفا وكذا حروف الفاتحة بعدد السنين التي نزل فيها القرآن ، وهو سر بديع كما قيل إنّ الحروف فيه أو لها باء وآخرها سين فكأنه قيل بس لأنه كاف عن كا! ما سواه إشارة إلى قوله : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } [ سورة الأنعام ، الآية : 38 ] ومثله من الرموز كثير لكن لا ينبغي أن يقال إنه مراد الله تعالى ، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع. اللهم إنك تعلم أني مخضت أيامي عن بذرتها وأعلمت مطايا الجدّ وجياد النظر في ميادين حلبتها(8/417)
ج8ص418
حتى بيض نسخة عمري المشيب ، وأبلي بلبسه بردى القشيب ، ونثر خريفه خضر أوراقي ، وأشغل الرأس شيبا واستنارت به آفاقي ، فرأيت ما ضاع من متاع حياتي ، وقمت
لألتقط ما انتثر من در الأوقاف وندمت على ترك التجارة ، وناهيك بعدم الربح من خسارة لولا برهة جاد بها أبو العجب على ما به من فتنة وفينة بعد فينة في خدمة الكتاب والسنة :
فإن كان هذا الدمع يجري صبابة على غيرسعدي فهودمع مضيغ
وما تفيد الجواهر ضالاً في يباب ، سكانه سعال وضباب ، وقصوره صمّ الصخور وأنهاره السراب وما ينفع البذر على صفوان المسيل ، وما يغني عرق الجبين من أتى السوق بنقضه بعد الأصيل ، غير أني أتوسل إلى الكريم ، بكلامه القديم ورسوله العظيم أن يعزني بعز. الذي لا يضام ، ويدخلني حصن حفظه الذي لا يرام ، ويغنيني عما سواه ، ويشرح صدري لكل ما يرضاه يا ظاهراً إليه مرجع ضمائرنا ، اجعل القرآن ربغ قلوبنا ونور أبصارنا وبصائرنا.
وليس يخيب من يرجو كريماً
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.(8/418)