ج8ص101
هذا معناه المصدري ، ويكون اسما للحروف المسطورة أيضا فلذا فال ، والمراد به القرآن على إرادة الخاص من العام ، وهو مجاز أيضا ، وقوله : أو ما كتبه الله فالكتاب بمعنى المكتوب كما مرّ تحقيقه ، وقوله : أو ألواح موسى بالرفع عطف على القرآن أو بالجرّ عطف على اللوح ، وهو الظاهر ، وقوله : أو في قلوب أوليائه معطوف على قوله في اللوح ، وكونه مكتوباً في القلوب استعارة لثبوت صورته فيها ، وقوله : أو ما تكتبه الحفظة معطوف على ما كتبه الله ، ولما كان ما في اللوح المحفوظ أزلياً عبر عنه بالماضي بخلاف ما تكتبه الحفظة فإنه مستمرّ في المستقبل ، ولذا عبر عنه بالمضارع. قوله : ( استعير لما كتب فيه الكياب ) إن أريد الاسنعارة اللغوية ، وهو الظاهر فهو مجاز مرسل كالمشفر وإلا فيشبه فيه ما يكتب فيه من الألواح وغيرها بالرق بعلاقة محلية الكتابة ، والأوّل أولى. قوله : ( وتنكبرهما ) أي تنكير كتاب ورق للتعظيم فإنه أحد مدلولاته كما بين في المعاني ،
والأشعار بأنهما ليسا من جنس ما تعاوفه الناس باعتبار أنّ التنكير يقتضي عدم التعيين ، وما هو متعارف معين ولو جعل هذا معنى آخر للتنكير كان أحسن ، وهذا إذا لم يكن المراد القرآن ظاهر أما إذا أريد ذلك فعدم تعارفه باعتبار أنه ليس من جنس كلام البشر بقطع النظر عن النقش أو الكتابة أو بالنظر إليها فالكتابة ليست الكتابة المعهودة بل كتابة الملائكة ونحوها ، وتفسيره بالكتابة في قلب الملك أو الرسول تعسف. قوله : ( وعمارنها بالحجاج والمجاورين ) عند. ، وهو مجاز معروف يقال مكان معمور بمعنى مأهول مسكون تحل الناس في محل هو فيه ، وقوله : أو الضراح بضم الضاد المعجمة بعدها راء مهملة ، ثم ألف وحاء مهملة ، وهو البيت المعمور سمي به لاشتقاقه من المضارحة ، وهي المقابلة يقال : ضارح صاحبك في الرأي أي قابله سمي بذلك لكونه مقابلاَ للكعبة ، ولذا سمي لحد القبر ضريحا كما قال المعري :
وقد بلغ الضراح وساكنيه ثناك وزار من سكن الضريحا
وقيل : هو من الضرح ، وهو البعد سمي به لارتفاعه وبعده عن الناس. قوله : ( وهو في السماء الرابعة ) وفي الكشف ما في الحديث الصحيح من أنه في السماء السابعة ( 11 لا ينافي هذا فقد ثبت أنّ في كل سماء بحبال الكعبة في الأرض بيتاً وأما الذي كان في زمن آدم عليه الصلاة والسلام فرفع بعد موته فهو في الرابعة كما نقله الأزرقي في تاريخ مكة فهذا هو المراد وما وقع في الحديث محمول على غيره فلا يعارضه كما توهم لتعدد البيت المعمور بمعنى الضراج الكائن في السماء فالقول بأنه لا يدفلأع التنافي مكابرة. قوله : ( وعمرانه كثرة غاشيتة ) هذا على التفسير الثاني ، والغاشية الطائفة الواردة عليه من الملائكة ، وقوله : المملوء سجر معناه ملأ وكونه البحر المحيط حينئذ ظاهر ، وجعل البحار نارالم 3 ) أي محلاً للنار فالبحر كالنهر في الأصل بمعنى الشق يطلق على الأرض المشقوقة ، وقوله : أو المختلط المراد تلاقي البحار بمياهها ،
واختلاط بعضها ببعض ، وقيل : المراد اختلاطها بحيوانات الماء وما له من دافع خبر ثان لأنّ أو صفة لواقع أو هو جملة معترضة. قوله : ( ووجه دلالة هله الأمور المقسم بها على ذلك ) أي على وقوع العذاب من غير دافع له بناء على أنّ القسم في أمثاله مثبت للمقسم عليه كما مرّ والدال على كمال القدرة السماء ، وا. ر والجبال المذكورة لا البيت المعمور ، وإن صح فلا حاجة إلى ما تكلف له من غير داع ، وكمال الحكمة يدل على ذلك أيضاً لما في عجائب تلك المصنوعات من الحكم المشاهدة ، وصدق إخباره لكون البيت معمورا كما أخبر بالحجاج ، والمجاورين إلى يوم الدين ، وضبط الأعمال لكتابتها في صحف الأعمال ، واللوح المحفوظ ، وهذا كله يدل على ما ذكر من الوقوع وأنه كائن غير مدفوع. قوله : ( تضطرب ) اضطراباً أي ترتج وهي في مكانها ، وقوله : والمور الخ هو أصل معناه ، والمراد به ما ذكر ، والتموّح حركة الموج ، وقوله : ويوم ظرف أي منصوب على الظرفية لأنه مفعول فيه وناصبه واقع أو دافع أو معنى النفي ، وإيهام أنه لا ينبغي دفعه في غير ذلك اليوم بناء على اعتبار المفهوم لا ضير فيه لأنه غير مخالف للواقع لأنه أمهلهم في الدنيا ، وما أمملهم. قوله : ( تسير عن وجه الآرض الخ ) كما في قوله : { وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا } [ سورة الواقعة ، الآية : 5 ] وقوله : إذا وقع ذلك يشير إلى أنّ الفاء فصيحة في جواب شرط(8/101)
ج8ص102
مقدّر ، وقوله في الباطل إشارة إلى أنّ الخوض في الأصل المشي في الماء فتجوّز به عن الشروع ، ثم غلب في الباطل كالإحضار حيث خص بالعذاب ، وإن كان وضعه عاماً ، وقوله : يدفعون أي يلقون ، ويطرحون ومعنى الدع ما ذكره ، وقوله : فيكون دعا حالاً بمعنى مدعوعين ، وهي حاك مقدّرة لأنّ الدفع بعد الدعوة ، وقيل : إنها مقارنة بإجراء قرب الوقوع مجرى المقارنة ، ولذا لم يقل المصنف مقدّرة ، وفيه نظر وهو على هذه القراءة وعلى القراءة السابقة كان مفعولاً مطلقاً. قوله : ( أو ظرف لقول مقدّر ) والمحكيّ بذلك المقدر قوله : هذه النار إلى قوله : تعملون فمحكيه مبتدأ خبره قوله هذه النار
الخ ، وقوله : كنتم تقولون الخ المصداق بالكسر ما يظهر به صدق الشيء كوقوع العذاب المصدق لما أخبر به الوحي ، وفيه إشارة إلى أنّ الفاء للسببية لتسبب هذا عما قالوه في الوحي. قوله : ( أم سدّت أبصاركم الخ ) كأنه لم يقل أي أم سدّت الخ بحرف التفسير كما هو المتبادر لأنه قصد أنه معادل لقوله : { أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ } على أنّ المعنى أسحرتم أم عميت أعينكم أم سدت فتأمّل ، وقوله : دخلوها إشارة إلى أنّ الصلي مجاز عن الدخول فيها ، وقوله : أي الأمران الخ فسواء خبر مبتدأ مقدر تقديره الأمران سواء ، والمراد بالأمرين الصبر ، وعدمه ، ولا يجوز كونه فاعلاً لأنّ ضمير المثنى لا يستتر كما لا يجوز كونه خبرا ، وسواء مبتدأ لما فيه من الأخبار عن النكرة بالمعرفة فمن قال : إنّ كلام المصنف محتمل لهذه الوجوه لم يصب. قوله : ( لما كان الجزاء واجب الوقوع ) أي متحتم الوقوع لسبق الوعيد به ، وقضائه به بمقتضى عدله فليس مبنياً على أنه يجب على الله تعذيب العصاة كما يتوهمه بعض القاصرين ، وقوله : في أية جنات الخ يعني أنّ التنوين للتعظيم. قوله : ( مخصوصة بهم ) على أنّ التنوين للنوعية إذ التنوين لا يفيد الاختصاص ، والقول بأنه أراد أنه عوض عن المضاف إليه أي جناتهم ونعيمهم ليس بقويّ عند أهل العربية لأنه إنما يجري في الظروف كيومئذ وكل ، وبعض وقوله : ناعمين اسم فاعل من النعيم لا من النعومة ، وقوله : متلذذين تفسير له. قوله : ( والظرف ) يعني قوله : في جنات ونعيم فإن كان مستقرّا ففاكهين حال من المضمر المستتر فيه فعلى هذه القراءة فاكهون خبره والظرف متعلق به لكنه قدّم عليه ، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ، وليس المراد بالظرف بما آتاهم الخ فإنه لغو على كل حال. قوله : " ن جعل ما مصدرية ا لأنها لو كانت موصولة خلا المعطوف على الصلة عن العائد إلى الموصول بحسب الظاهر المتبادر ، وقيل : يجوز أن يكون التقدير وقاهم به عذاب الجحيم على أنّ الباء للملابسة ، وقد يدفع فتأمّل. قوله : ( أو في جنات ) أي عطف على قوله في جنات إذا كان خبراً ، وقوله : من المستسكن في الظرف ، وهو ضمير المتقين المستتر فيه أو الحال أي حال من الضمير المستكن في الحال ، وهو فاكهين وفي نسخة
أو الحال في فاعل آتى أو مفعوله أو منهما من غير تعرض للحال من الحال. وقوله : أي أكلا الخ. فهنيأ منصوب على المصدرية لأنه صفة مصدر مقدّر أو على أنه مفعول به ، وعلى كليهما فقد تنازعه الفعلان ، وقوله : لا تنغيص فيه أي لا تكدير فيه. قوله : ( وقيل الباء زائدة الخ ) مرضه لأنّ زيادة الباء في غير فاعل كفى لم تعهد ، وهي مما لا يقاس يعني في ! النفي ، والاشفهام ، وأمّا زيادتها في مفعول علم ، وفي المبتدأ نحو بحسبك فغيروا رد لأنه ليس مما نحن فيه !إذ المراد زيادتها في الفاعل لا في مطلق الزيادة وعليه أيضاً يحتاج إلى تقدير مضاف أي جزاء ما كنتم الخ ، وهو تكلف. قوله : ( الباء لما في التزوبج الخ ) يعني أنه متعد بنفسه لمفعولين ، وعدّى بالباء لتأويله بما ذكر ، وفي المغرب قال ابن السكيت : تقول العرب زوجته إياها ، وتزوّجت امرأة وأمّا قوله تعالى : { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } فمعناه قرناهم ، وقال الفراء : تزوّجت بامرأة لغة أزد شنوءة وعليه استعمال الفقهاء انتهى ، والى ما ذهب إليه ! ابن السكيت أشار المصنف ، وعلى قول الفراء لا يحتاج إلى التأويل. قوله : ( من معنى الوصل والإلصاق ) يع!ني أنّ الباء للتعدية لتضمينه معنى الوصل والإلصاق ، وقوله : أو للسببية معطوف على قوله لما في التزويج الخ. فهي على هذا ليست للتعدية ، وأزواجا بمعنى مؤتلفين من ذكر وأنثى مشتهين ، وقوله : إذ المعنى الخ يعني أنّ التزويج على هذا ليس بمعنى الإنكاج بل بمعنى تصييرهم زوجين زوجين فلا يكون متعديا لاثنين. قوله : ( أو لما في التزويج من(8/102)
ج8ص103
معنى الإلصاق والقران ) قيل عليه إنه وقع في أكثر النسخ هكذا ، وظاهر تكراره مع ما مرّ إلا أن يحمل الأوّل على التضمين ، وهذا على كونه مجازا بعلاقة السببية ، ويؤيده قوله : أي قرناهم ، واستقامة العطف بكونه مجازاً لا بالتضمين لبقاء معنى الإنكاج فيه ، وفي بعض النسخ ، ولما في التزويج من معنى الإلصاق ، والقران عطف والذين الخ ، وهي أصح من الأولى ، ولا إشكال فيها لأنه توجيه للعطف فلا تكرار فيه ورد بأ " نه تصرّف لفظيّ لا مدخل له في حمل الأوّل على التضمين ، والثاني على التجوّز مع أنّ التضمين يقتضي بقاء معنى التزويج بالعقد ، وهو لا يناسب المقام إذ العقد لا يكون في الجنة لأنها ليست دار تكليف ، وقال الراغب بعد تفسيره بقرناهم بهن ، ولم يجىء في القرآن زوّجناهم حوراً كما يقال زوّجته امرأة تنبيها على أنه لا يكون على حسب المتعارف من المناكحة فكأنّ المصنف لما ذكره أوّلاً أراد تاخيره عن الوجه الآخر الذي حه ) ! فيه الباء على السببية ليتصل به قوله ، ولذلك عطف الذين آمنوا على ما حرّره ، وضرب بال!ا 10 على الأوّل فأثبته الناقل غلطا منه ، ولا يخفى ما فيه كله من التعسف ، وكذا ما قيل ال! / ا ، بالإلصاق هنا القران ، وهو غير الإلصاق السابق بمعنى الاتصال فالحق أن يقال إنه على الى هـ- ء "
المصححة لا إشكال فيه ، وكأنها الذي استقرّ عليه رأي المصنف وأما على الأولى فالمعنى أنه على الأوّل الباء للتعدية فيه لما فيه من معنى الوصل ، وهو يتعدى بها ، والأخير على أنّ الباء فيه للإلصاق فالإلصاق الأول ملاحظ في معنى الفعل ، والثاني معنى الباء. قوله : ( ولذلك ) أي لما فيه من معنى القرآن صح عطفه عليه لأنه لو أريد به معناه المتبادر منه لم يعطف عليه لعدم صحته معنى وقول أبي حيان : إنه تخيل أعجمي لا يقول به عربيّ تعصب منه كما فصله السمين فلا حاجة للتطويل بذكره وقوله : اعتراض للتعليل الخ أي لتعليل الحكم والمعنى الذين آمنوا التحقت بهم ذرّيتهم لأنّ الذزبة اتبعتهم بإيمان فكان لهم حكمهم كما يحكم بإسلامهم تبعا وجوّز عطفه على الصلة على هذا أيضاً ، وقوله : للمبالغة الخ لأنّ الذرية دالة على الكثرة فإذا جمعت كان فيه مبالغة ، وقوله : والتصريح أي بما ذكر من الكثرة ثم علله بقوله : فإنّ الذرّية الخ فإذا أفرد احتمل أن لا يراد الكثرة ، وهو ظاهر ، وفي نسخة بالباء الجارة على أنه صلة التصريح أو هي للسببية فتكون بمعنى الفاء ، وتتوافق النسختان وعلى جعله صلة المراد أنه يعلم من القراءتين أو من الجمع الذي هو بمعنى المفرد لأنّ الأصل توافق القرأآت في معنى ذلك ، واحتمال كونه جمع الجمع لقلته بعيد فما قيل إنه لا وجه له لا وجه له. قوله : ( وقرأ أبو عمرو وأتبعناهم ) بقطع الهمزة ، وفتحها واسكان التاء ونون بعد العين ، وألف بعدها ، والباقون بوصل الهمزة ، وتشديد التاء وفتح العين ، وتاء ساكنة بعدها ، وبقية القراآت مفصلة في كتب الأداء ، وقوله : في الإيمان أي في حكمه فالباء بمعنى في كما يشير إليه كلامه ، وقوله : وقيل بإيمان حال من الضمير الخ ، وفيه وجوه أخر تعلقه بما بعده على الاستئناف ، والمعنى أنّ إلحاقهم بسبب إيمان عظيم ، وهو إيمان الآباء أو هو متعلق بما قبله ، وهو الذي عوّل عليه المصنف ، والزمخشري مائل لغيره وإذا كان الحال من الضمير فهي مؤكدة ، وقوله : للتعظيم لأنّ المراد به إيمان الآباء كما مرّ ، وقوله : أو الإشعار الخ فالمراد إيمان الأولاد كما أنه في الأوّل إيمان الآباء ولا يرد على كونه حالاً منهما أنه جمع بين متنافيين حينئذ كما توهم ، وثنويته على هذا للتنكير ، وما قيل عليه من أنه لو نكر أفاد ما ذكر أيضا ، والظاهر أنّ المراد منه حقيقة الإيمان غفلة عن فهم مراده لأنّ المعنى حينئذ بإيمان ما مما يصدق عليه أنه إيمان ، ولو لم ينكر لم يفده فتدبر. قوله : ( لما روي الخ ) وهو
حديث مرفوع رواه البزار وغيره ، وظاهر الحديث أنّ الرنع بمعنى الإسكان معه لا اتصالهم أحياناً ، ولو للزيارة عليه ظاهر الأحاديث : ( المرء مع من أدبئ ) ولعله مخصوص ببعض دون بعض ، وقوله : لتقزبهم عينه قرّة العين كناية عن السرور كما هو مشهور في اللغة ، وقوله : وقرأ الخ أي بصيغة الجمع ، والنصب بالكسرة. قوله : ( فإنه كما يحتمل الخ ) فهو بإعطاء تلك المنازل تكرّما منه من غير نقص من ثواب آبائهم ، وقوله : واكتناهم بالمد من الأفعال ، وهو معطوف على قوله : قرأ ابن كثير بتقدير ، وقرئ الخ وقوله : ومعنى الكل واحد ، وهو التنقيص من الثواب هنا ، وقوله : فكها استعارة ، والمعنى خلصها من العذاب كما يخلص الرهن من يد مرتهنه ، ولذا قابله بقوله : أهلكها ، وضمير فكها للنفس المفهومة من السياق(8/103)
ج8ص104
وهو أقرب من كونه للرقبة ، وإن كان الفك شاع فيها لأنها مجاز عن النفس أيضاً فالتجوّز ، ثم التقدير تعسف وقوله : بعمله إشارة إلى أن ما مصدرية ، ومعنى كونه مرهونا عند الله على طريق التمثيل أن الكسب بمنزلة الدين ، ونفس العبد مرهونة به فإن عمل صالحاً أدّى ديته ، وفك رقبته من الرهن كما فصله في الكشف وفي الحديث الصحيح : ( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) وأما كونه إشارة إلى أق الكسب مخصوص بالعمل الصالح ، ونفس المؤمن مرهونة به لا تفك إلا بأداته فسيأتي تفصيله في سورة المدثر. قوله : ( أي وزدناهم الخ ) أصل معنى المد الجرّ ثم شاع في الزيادة واختص الإمداد بالمحبوب والمدّ بضدّه ، وكونه وقتاً بعد وقت من مفهوم المد نفسه ، وقوله : يتعاطون هم وجلساؤهم الخ أصل معنى التنازع تفاعل من النزع بمعنى الجذب ، ثم استعمل في التخاصم بجعل الأقوال وتراجعها بمنزلة تجاذب الأجسام ، وكذا في المجاورة يقال : تنازعنا الحديث إذا
تحادثوا في سمر ونحوه ، وهو استعارة كما في قوله :
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا
وما هنا استعير لتعاطي الكاسات أي إدارتها بين الندامى ، وأصله تفاعل من العطاء لأنّ النديم يعطيه الساقي فإذا شرب أعطاها له ، وقوله : بتجاذب تفاعل من الجذب إشارة إلى معناه الأصلي المستعار منه وقيل إنه إشارة إلى أنّ بينهما ملاعبة ، وتجاذبا لشدة سرورهم. قوله : ( ولذلك أنت الضمير ) ظاهره أنه لو لم يكن المراد به الخمر لم يكن مؤنثاً ، وهو غير مستقيم لأنّ الخمر كما أنه مؤنث سمافي كذلك الكأس مؤنث كما صرّح به الجوهريّ ، وغيبره من أهل اللغة ، والكأس لا تسمى كأساً إلا إذا امتلأت خمراً أو كانت قريبة منه وقد تطلق على الخمر نفسه مجازا لعلاقة المجاورة كما- ذكره المصنف ، ومثله شائبم ، وقوله : في أثناء شربها إشارة إلى أنّ الظرفية في قوله : فيها مجازية ، والمراد ما ذكر ، وقوله : ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله أي ما ينسب فاعله إلى الإثم لو فعله في الدنيا ، ودار التكليف فالتفعيل للتشبيه ، وقوله : مثل قوله تعالى : { لَا فِيهَا غَوْلٌ } أي في الاختصاص الماخوذ من التقديم لا أنّ معناهما واحد ، وقوله : بالكأس قدره بقرينة ما قبله ، والباء للملابسة أو التعدية وقوله : مخصوصون هو معنى اللام ، وقوله : سبقوهم أي ماتوا قبلهم لم يكونوا غلمانا. قيل ولم يقل غلمانهم لئلا يتوهم أنهم الخدم في الدنيا ، وأنهم خدم في الآخرة أيضا ، وليس كذلك ومرض كون المراد الاختصاص بالولادة لا بالملك لا لأنّ التنكير ينبئ عنه كما توهم بل لأنّ التعبير عنهم بالغلمان غير مناسب ونسبة الخدمة إلى الأولاد غير مناسب لمقام الامتنان ، وقوله : من بياضهم ، وصفائهم بيان لوجه التشبيه فمن سببية. قوله : ( خائفين من عصيان اللّه ) تقدم أنّ الإشفاق عناية مع خوف ، وأنه قد يلاحظ فيه كل من الطرفين على ما فصله الراغب ، وقوله : في أهلنا يحتمل أنه كناية عن كون ذلك في الدنيا كما قال بعده : من قبل تفنناً ويحتمل بيان أنّ خوف الله كان
فيهم ، وفي أهلهم لتبعيتهم لهم في العادة ، ولذا ذكر عموم الوقاية لهم فهو بيان لما من الله به عليهم من اتباع أهلهم لهم ، وأمّا القول بأن السؤال عما اختصوا به من الكرامة دون أهليهم أو إثبات خوفهم في سائر الأوقات بالطريق الأولى أو جعل هذا إشارة إلى الشفقة على خلق الله كما أن قوله إنا كنا من قبل ندعوه إشارة لتعظيم أمر الله ، وترك العاطف لأنه لعدم انفكاك كل منهما عن الآخر ادعى أنّ الثاني بيان للأوّل فليس بشيء لأنه لو قصد اختصاصهم بالكرامة لم يكن قوله : وقانا في محله ، وكونه يثبت غيره بالطريق الأولى ممنوع وكذا كل ما ذكره بعده من التكلف ، وقد ذكرنا ما فيه غنية عن مثل هذه التعسفات. قوله : ( عذاب النار النافذة في المسامّ ) فالسموم أطلق عليها لمشابهتها الريح السموم ، وهي الريح الحارة النافذة في المسامّ أيضاً وإن كان وجه الشبه في النار أقوى لكنه في ريح السموم لمشاهدته في الدنيا أعرف فلذا جعل مشبها به وليس مبنيا على قلب التشبيه كما يتوهم ، وقوله : بالفتح أي بفتح همزة أنه لتقدير لام الجرّ قبلها أي لأنه الخ. قوله : ( فأثبت الخ ا لقيامه بوظائف التذكير أوّله بما ذكر لتتم الفائدة ، وقوله : ولا تكترث من لوازمه وقوله : بحمد الله وأنعامه في هذا الجار ، والمجرور أقوال فقيل مو قسم جوابه ما علم من الكلام ، وهو ما أنت بكاهن ، ولا مجنون أو هو حال أي ملتبساً بنعمة ربك انتفى عنك هذا أو التقدير ما أنت حال إذ كارك لنعمته بكاهن ، ولا مجنون أو هو متعلق بمضمون الكلام ، والباء سببية أي انتفى عنك الكهانة ، والجنون بسبب نعمة(8/104)
ج8ص105
الله عليك كما تقول ما أنا معسر بحمد الله ، واغنائه وما ذكره المصنف أقرب إلى الوجه الأخير لكن الأنعام مأخوذ من نعمة ربك لأنّ المقصود نعمته عليك ، وهي تفيد الأنعام ، وذكر أنعام الله عليه مع اعترافه به هو عين الحمد فلذلك أدرجه فيه ، وأتى به على منوال المتعارف في قولهم ما أنا بحمد الله ، واحسانه كذا ، وأمّا احتمال القسم فبعيد عن مساقه ، وإن قيل به في النظم ، وأبعد منه ما قيل من أنّ النعمة مجاز عن الحمد بعلاقة السببية فانه تعسف ، وتكلف ظاهر. قوله : ( كما يقولون ) إشارة إلى أنه للردّ عليهم ، وابطال مقالهم فيه والا فلا امتنان عليه بانتفاء ما ذكر مع انتفائه عن أكثر الناس ، وقوله : ما يقلق النفوس من حوادث الدهر قال المرزوقي رحمه الله تعالى في شرح قول الهذلي :
أمن المنون وريبه تتوجع
المنون قد يراد به الدهر فإذا أريد به ذلك فالرواية وريبه لأنه مذكر ، وهو فعول من المن بمعنى القطع ، ومه حبل منين أي مقطوع وقد يراد به المنية فيؤنث ، وقد روي ريبها ، وقد يرجع
له ضمير الجمع كقول عدي :
من رأيت المنون عززن أم من ذا عليه من المنون خفير
. فقال : عززن لقصد أنواع المنايا وريبها نزولها حكي عن أبي عبيدة راب عليه الدهر أي نزل ، ويكون مصدر رابني الشيء ، والمراد به حدثان الدهر ، وصروفه ويقال : رابني ، وأرابني اهـ فقوله : ما يقلق على أنه مصدر رابه إذا أقلقه أريد به حوادث الدهر لأنها مقلقة فعبر عنها بالمصدر مبالغة فالمنون بمعنى الدهر ، وريبه صروفه وقوله ، وقيل : المنون الخ. يعني المراد به هاهنا الموت ، وإلا فهو مشترك بينهما كما عرفت ، ومرضه لأنّ الريب لا يلائمه ظاهراً على ما فسره به ، ولذا فسره المرزوقي بنزول المنية فلا غبار عليه ، وقوله في الكشف : إنه أنثه إذ أراد المنية ليطابق قوله شعوب أو على تأوبله بالمنية وبيت أبي ذؤيب :
أمن المنون وريبه تتوجع
وظاهره أنه الدهر اهـ لا يخفى أنه غفلة عما نقلناه لك. قوله : ( فعول من منه الخ ) أي
على المعنيين لأنّ الدهر يقطع الأعمار ، وغيرها والموت قاطع الأماني ، واللذات ، ولذا قيل المنية تقطع الأمنية ، وقوله : قل تربصوا تهكم بهم ، وتهديد بهم. قوله : ( بهذا التناقض الخ ) يعني أنّ وصفهم له بالكهانة ، والشعر المقتضيين للعقل التام والفطنة الوقادة مع قولهم إنه مجنون تناقض أعرب عن أنهم لتحيرهم ، وعصبيتهم وقعوا في حيص بيص حتى اضطربت عقولهم ، وتناقضت أقوالهم ، وكذبوا أنفسهم من حيث لا يشعرون وقوله : مغطى عقله لأنه يغلبه خلط سوداوي يمنع الإدراك فكأنه غطاه ، وقوله : مخبل إشارة إلى الشعر المنطقي والتخيل بغلب في الشعر العرفي أيضاً ولذا قيل أعذبه أكذبه. قوله : ( مجاز عن أدائها إليه ) قال الشارح الطيبيّ هو كقوله ة { أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ } [ سورة هود ، الآية : 87 ] الآية جعلت آمرة على الاستعارة المكنية فتشبه العقول بسلطان مطاع تشبيها مضمرا في النف! ويثبت له الأمر على طريق التخ!ل قيل ، وهو وجه آخر غير ما ذكره الشيخان فإنهما أرادا أنّ الأمر مجاز عن التأدية إلى الشيء بعلاقة السببية ، وهو وجه آخر صحيح في نفسه ، وليس كما قال فانّ الزمخشريّ قال : هو مجاز لأدائها إلى ذلك فقال الشراح : اللام للتعليل أي إسناد الأمر إلى الأحلام مجاز والمجوز أنّ أحلامهم مؤدية إلى ذلك كالأمر ، وهو ظاهر في الاستعارة ، وقد صرّح فيما نظرها به بذلك فتدبر. قوله : ( اختلقه ) بالقاف أي افتراه ، واخترعه بطريق الكذب من عند نفسه ، وضمير
المفعول القرآن ، وقوله : وعنادهم أي مع علمهم بأنه لا ريب فيه ، ولا فيما جاء به ، وأما علمهم بتناقضهم كما قيل فليس في الكلام ما يدل عليه ، وقوله : كثير ممن تحدوا أي وقع معهم التحدي ، والأمر بالمعارضة فلم عجزوا عنها ، وهو مبنيّ للمجهول والجار والمجرور صفة فصحاء قدم عليها فانتصب على الحال وفصحاء صفة كثير وفي نسخة المحشي ممن عدوا بالعين المهملة فعل معلوم أو مجهول من العدد ، والمراد بالمعدودين الشاعر ، والكاهن ، والمجنون الذين شوهد من حالهم ما يقتضي خلاف مدّعاهم ، والظاهر أنّ النسخة الأولى أصح ، وأنسب فتأمّل. فوله : ( فهو رد للأقوال المذكورة ) في حق النبيّ صلى الله عليه وسلم والقرآن بالتحدي فإذا اتحدوا وعجزوا علم ردّ ما قالوه وصحة المدعي ، وقوله : ويجوز الخ فإذا فسد مدعاهم في التقول علم غيره بطريق اللزوم مع ما مرّ من ظهور فساده ، وتناقضه وكون الكهانة المنسوبة إليه أظهر فسادا من التقول لأنها لم تعهد منه ، وقد نشأ بين(8/105)
ج8ص106
أظهرهم ، ولم يظهر شيئا من أمور الكهان إلى الآن فكونه صاو كاهناً أو مدعياً للكهانة هدّا أمر مستغرب جدا بخلاف الكذب فإنه مما تجوّزه العقول القاصرة فما قيل من أنه غير ظاهر وأنّ الأظهر أن يقال إنّ القول بالتقوّل أظهر بطلاناً ليس بشيء يلتفت إليه. قوله : ( أم أحدثوا وقدّروا الخ ) هذا إمّا من الجمع بين معنيي المشترك أو بين الحقيقة ، والمجاز لأنه تفسير للخلق ، وهو يكون بمعنى الأحداث ، والتقدير كما مرّ مرارا وهو جائز عند المصنف ، وهذا ليس محل الاختلاف لإرادة أحدهما ، وهو الأحداث بالأصالة ، والآخر بطريق اللزوم ، والتبعية فيكون كدلالة الشمس على الجرم ، والضوء ومن على هذا ابتدائية ، ثم إنّ الإضرابات الواقعة للترقي في تجهيلهم ، وتسفيه أحلامهم فلذا قال المصنف : أم أحدثوا الخ فنسب إليهم ما لا يجوز أن يكون لأنّ تعلق الخلق بالخالق من الضروريات فإذا أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بدون خالق فليس المراد أم حدثوا لكنه عبر بأحدثوا لمشاكلة النظم بل للإشارة إلى أنّ الحدوث من غير محدث في الاستحالة بمنزلة الخلق من غير خالق ، وهذا هو المراد ، والمشاكلة المذكورة ليست بشيء يعتد به هنا فتأمّل. قوله : ( أو من أجل لا شيء من عبادة ومجازاة ) إشارة إلى تفسير آخر مبنيّ على أن من للتعليل ، والسببية على معنى أم خلقوا من غير علة ، ولا لغاية ثواب وعقاب ، وفي تعبيره بما ذكر شيء ، وقوله : يؤيد الأوّل أي تفسيره الأوّل لقوله : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ } فأحدثوا ، وقدروا بلا محدث ومقدر لأنهم إذا خلقوا من غير خالق فقد خلقوا أنفسهم ، ولو كان معناه لم يخلفوا للجزاء لم تتم المقابلة لأنّ مقتضاه أن يقال لم يخلقوا للجزاء أم خلقوا له ويجازون بالثواب لا
بالعقاب مثلاً ، وقوله : ولذلك أي لكون معناه أم خلقوا أنفسهم ذكر بعده نسبة خلق الأرض ، والسماء إليهم لأنّ من يخلق نفسه يقدر على خلق غيره ، ولأنه لو لم يكن معناه ما ذكر بل على العموم لعدم ذكر مفعوله لم يصح مقابلته لما بعده ، ولم يقع الإضراب في موقعه. قوله : ( وأم في هذه الآيات منقطعة ) فتقدر ببل ، والهمزة على ما هو المعروف فلذا قال ، ومعنى الهمزة فيها لأنها تتضمنها إذ معناها بل أكان كذا وكونها منقطعة اختاره أبو البقاء ، وكثير من المفسرين ، ونقل عن الخليل أنها متصلة ، والمراد بها الاستفهام كذا قال المعرب ، وغيره وإذا كانت منقطعة فالإضرابات فيها واقعة على سبيل الترقي وتحقيقها على وجه أنيق بينه في الكشف جزاه الله خيراً بما لا مزيد عليه فمن أراد فهم النظم وما فيه من المعاني فلينظره. قوله : ( إذا سثلوا من خلقكا الخ ) يعني أنهم ، وإن أسندوا خلق السموات ، والأرض وخلق أنفسهم إلى الله إذا سئلوا عن الخالق لم يقولوه عن جزم ، ويقين إذ لو كان كذلك عبدوه إذ من عرف خالقه امتثل أمره وانقأد له ، وقوله : إذ لو أيقنوا الخ. بيان لأنّ إيقانهم جعل كلا إيقان ، وهو تعليل لمقدر إذ التقدير قالوا : الله من غير تيقن أو ولا إيقان لهم فليس حق التعبير حينئذ فقالوا : الله كما قيل. قوله : ( خزاءلن رزقه ) قيل إنه إشارة إلى تقدير المضاف في الوجهين ، والظاهر أنه بيان للمعنى المراد على أنه على طريق التمثيل ، وأنّ المراد أنّ التصمرف في الكائنات بأيديهم أو إحاطة عملهم بما في العالم حتى يختاروا للنبوّة من أرادوه ويرضوا لها من ارتضوه. قوله : ( الفالبون على الأشياء ) معنى سيطر قهر ، وغلب من سيطر عليه إذا راقبه لو ليس مصغراً كما يتوهم ، ولم يأت على هذه الزنة إلا خمسة ألفاظ أربعة من الصفات مهيمن ، ومبيقر ومسيطر ، ومبيطر وواحد من الأسماء وهو مخيمر اسم جبل ووقع في شعر امرئ القيس ، وقوله : صاعدين فيه يعني أنّ الظرفية على حقيقتها ، وليست في بمعنى على كما في قوله : { لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } [ سورة طه ، الآية : 71 ] كما قيل والجار والمجرور متعلقه خاص وهو حال أي صاعدين فيه ، وقيل إنه يشير إلى أنه مضمن معنى الصعود ، ولا حاجة إليه وقوله إلى كلام الملائكة إشارة إلى تقدير متعلقه ، وأنه يتعدى بأل كما يتعدى بنفسه لا بفي ، ولو جعل منزلاً منزلة اللازم أي يقع منهم الإسماع جاز ، وتوله : حتى يعلموا الخ إشارة إلى أنّ ما ذكر كناية عن علم
الكائنات ، وقوله : بحجة تفسير لسلطان ، وواضحة لمبين على أنه من أبان اللازم ، وقوله : تصدق الخ لأنه المراد من الإتيان بها. قوله : ) فيه تسفيه لهم الخ ) يعني أنّ هذا هو المقصود منه فالمعنى بل هم سفهاء لصدور مثله عنهم ، وقوله : يترقى بروحه الخ إشارة إلى ما للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الاتصال الروحاني الذي سماه الحكماء انسلاخا(8/106)
ج8ص107
وهو إشارة إلى ارتباط الآية بما قبلها من قوله أم لهم سلم الخ ، وقوله : من التزام غرم المغرم مصدر ميميئ بمعنى الغرم والغرامة ، وهو كما قاله الراغب : الضرر الماليّ من غير جناية منه تقتضيه ففيه مضاف مقدر كما أشار إليه المصنف ، وفسر المغرم في الكشاف بالتزام الإنسان ما ليس عليه فيكون هذا تفسيراً له من غير تقدير فيه والحق الذي تقتضيه اللغة هو الأوّل ، وقوله : محملون الثقل أي ملزمون بالمغرم الثقيل عليهم لأنه يشبه ما في الذمّة بالحمل حتى يقال : أثقله الدين ونحوه ، وقوله : فلذلك إشارة إلى السؤال أو المغرم ، وقوله : اللوح الخ فسره به لقوله : عندهم ، ولو قدر فيه مضاف أي علم الغيب صح ، وكيدهم بدار الندوة معلوم من السير ، وهذا من الأخبار بالغيب لأنّ السورة مكية ، وقصة دار الندوة وقعت في وقت الهجرة ، وكان نزول هذه السورة قبله كما ورد في الأثر. قوله : ( يحتمل العموم والخصوص الخ ) فإذا أريد الخصوص ، وهم كفرة قريش السابق ذكرهم المريدون لكيده كان الظاهر أن يقال فهم المكيدون فأقيم الظاهر مقام المضمر لما ذكره ، وقوله : وبال كيدهم المراد به جزاؤه فلذا قال ، وهو قتلهم الخ وقصة بدر في السنة الخامسة عشر من النبوّة قيل ولذا وقعت كلمة أم مكرّرة هنا خمس عشرة مرّة للإشارة لما ذكر ومثله لا يستبعد من المعجزات القرآنية وإن كان الانتقال لمثله خفياً ومناسبته أخفى ، وقوله : من كايدته فكدته يعني أنه من باب المغالبة ، وهو قصد كل غلبته على الآخر في الفعل المقصود لهما فيذكر الثلاثي للدلالة على تلك الغلبة كما بين في الصرف. قوله : ( عن إشراكهم ) على أنّ ما مصدرية ، وما بعده على أنها موصولة ، وقبله مضاف مقدر ،
والعائد محذوف ولذا أخره ، وقوله : قطعة فهو مفرد وقد قرئ في جميع القرآن كسفا ، وكسفا جمعاً وافرادا إلا هنا فإنه على الإفراد وحده ، وقوله : تراكم بعضه على بعض يعني ألقى بعضه على بعض للأمطار لا للعذاب وقوله : وهو جواب قولهم فأسقط الخ. حكاية لما قالوه بالمعنى ، ولم يقصد لفظ التلاوة حتى يتوهم أنّ الصواب ما في الكشاف من قوله : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا فإنّ ما ذكره المصنف محكيّ في سورة أخرى عن قوم شعيب لا عن قريش نعم ما في الكشاف أولى يعني أنهم لعنادهم بعدما قالوه لو أسقطناها عليهم قالوا : هذا سحاب مركوم ولم يصدقوا بنزول العذاب. قوله : ( وهو عند النفخة الأولى ا لقوله : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ } [ سورة الزمر ، الآية : 68 ] الخ وما قيل عليه من أنّ إبدال قوله يوم لا يغني الخ منه الدال على استعمالهم للكيد فيه طمعاً للانتفاع به يأبا. لأنّ النفخة الأولى لم يجر في مدافعتها كيد وحيل ليس بشيء لأنه على نهج قوله :
على لا حب لا يهتدي بمناره
فالمعنى يوم لا يكون لهم كيد ، ولا غناء ، وهو كثير في القرآن وباب من أبواب البلاغة ، والإحسان ، وقوله : شيئاً من الإغناء إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية. قوله : ( وهو عذاب القبر ) والبرزخ لأنّ المراد لهم عذاب مقدم على عذاب الآخرة فهو إما في الدنيا بالقتل أو في البرزخ ، وهذا جار على وجهي العموم ، والخصوص في الذين ظلموا ، ولا وجه لكونه لفا ، ونشراً مرتباً لهما فإنه لا مخصص! له ، والقحط هو المعروف في قصة الشعب ، والصحيفة ، وتوله : ذلك أي ما أعد لهم من العذاب المعجل. قوله : ( وإبقائك في عناء ) أي تعب بهم أي بسببهم ودعوتهم ، وقوله : في حفظنا يعني أنّ العين والجارحة لما كان بهما الحفظ ، والحراسة استعيرت لذلك ، وللحافظ نفسه كما تسمى الربيئة عيناً وهو استعمال فصيح مشهور ، وقوله : بحيث نراك ، ونكلؤك أي نحفظك ، ونحرسك من الكلاءة أي الحراسة بيان لعلاقة التجوّز ، وأنه كما يقال هو مني بمرأى ، ومسمع ولما جمعت العين هنا ، وأفردت في قصة الكليم احتاج ذلك لنكتة بينوها بعد ذكر أنه جمع هنا لما أضيف لضمير الجمع ، ووحد ثمة لإضافته لضمير
الواحد للمبالغة في الحفظ هنا حتى كان معه جماعة حفظة له بأعينهم لأنّ المقصود تصبير حبيبه على المكابد ، ومشاق التكاليف ، والطاعة فناسب الجمع لأنها أفعال كثيرة يحتاج كل منها! !ى حارس بل حراس بخلاف ما ذكر هناك من كلاءة موسى عليه الصلاة والسلام ، وإليه أشار المصنف بقوله ، والمبالغة. قوله : ( من أيّ مكان قمت ) هو متعلق بتقوم لا تفسير لحين تقرم فهو على ظاهره من العموم أو مخصوص بالقيام من المنام أو إلى الصلاة ، وما ورد في الحديث الصحيح من التسبيح الذي هو كفارة لما في كل مجلس ، وهو ( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله(8/107)
ج8ص108
إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ) فهو بيان لما أمر به على العموم ، وهو راجع إلى التفسير الأوّل لا وجه آخر كما توهم. قوله : ( فإنّ العبادة الخ ) يحتمل التعليل للتسبيح بخصوصه ، ويحتمل أنه تفسير للتسبيح بمطلق العبادة وقوله : أفرده بالذكر إشارة إلى دخوله في عموم ما قبله ، وقدمه في قوله من الليل للاعتناء به لما ذكر ، وقوله : وإذا أدبرت إشارة إلى أنّ المراد بإدبارها وقت الإدبار ، وهو آخر الليل ، وقوله : في أعقابها إشارة إلى أنّ المفتوج جمع دبر بمعنى عقب ، وقوله : إذا غربت إشارة إلى أنّ المراد بكونها على عقبها بعد ظهورها ، وهو إمّا بغروبها عن الأفق أو بخفائها لكونها تحت شعاع الشمس ، والحديث المذكور موضوع كما مرّ مراراً ( تمت ) السورة بحمد الله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه.
سورة النجم
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ) على الإطلاق ، وقيل : بعضها مدني كما في الإتقان ، وقوله : إحدى الخ الاختلاف في قوله : إلا الحياة الدنيا الخ ، وقوله : أقسم بجنس النجوم الخ إشارة إلى أنّ أصل النجم اسم جنس لكل كوكب ، ثم صار علماً بالغلبة للثريا ، وقدم العموم لأنه الأصل في الوضع ، وقوله : فإنه أي النجم ، وهو مذكر ، ولو كان بمعنى الثريا ولذا ذكر قوله : فيه لمشاكلته ، وجرياً على ظاهره ، وكان حقه أن يقول فيها. قوله : ( إذا غرب ( تفسير لقرله : إذا هوى ، وقد اختلفوا في متعلق إذا فقيل متعلق باقسم المقدر ، وأورد عليه أنه إنشاء والأفعال الإنشائية كلها دالة وضعاً على الحال ، وإذا للاستقبال فكيف يتلاقيان حتى قيل إنّ الزمخشري رجع عنه ، وجعله متعلقا بمصدر محذوف تقديره ، وهوى النجم إذا هوى ، وقيل : إذا جرّدت لمجرّد الوقت لاستواء الحال ، والاستقبال عنده تعالى ، وقيل : إنه متعلق بعامل هو حال من النجم ، وأورد عليه أز ، الزمان لا يكون خبراً ، ولا حالاً عن اسم جثة كما هنا ، وأنّ المستقبل كنف يكون حالا إلا أن تكزن مقدرة أو تجرّد إذ المطلق الوقت كما يقال بصحة الحالية إذا أفادت معنى معتدا به فليس ممنوعا على الإطلاق كما ذكره النحاة أو النجم لتغيره طلوعاً وغروبا أشبه الحدث كما يقال الورد في أيار ، وقد اختار في المغني تعلقها بإلقسم ، وأنها معه للحال خارجة عن الاستقبال ، وسيأتي تتمته إن شاء الله تعالى ، ثم إنه فسر الهوفي بوجوه كالغروب ، وهو غيبوبته عن مطلعه أو سقوطه من مقرّ. ، وهذا جار على تفسيري النجم كالطلوع ، وأمّا تفسيره بالانقضاض فهو على الوجه الأوّل وشمول النجم للشهب أيضا لا أن يخص النجم به كما قيل فإنه لم يذهب إليه أحد ، وتخصيص القسم بوقت الهوفي لدلالته على حدوثه الدال على الصانع ، وعظيم قدرته كما قال الخليل عليه الصلاة والسلام ، { لا أُحِبُّ الآفِلِينَ } [ سورة الأنعام ، الآية : 76 ] وقوله : فإنه الخ تعليل لتفسيره بما ذكر على الوجوه كلها. قوله : ( هوى هوياً الخ ) إشارة إلى أن هوى مشترك بين الصعود ، والهبوط وانه قد فرق بين
مصدريهما لا بين فعليهما ، وهذا مما اختلف فيه أهل اللغة على ما أشار إليه المصنف كصاحب القاموس فهوى يهوي كرمى يرمي هويا بالفتح في السقوط والغروب المشابه للسقوط ، وبالضنم للعلو والطلوع ، ويقال : أهوى بمعنى هوي ، وفرق بعض اللغويين بينهما أيضا بأن هوى إذا انقض لغير صيد ، وأهوى إذا انقض له ، وهذا ما ارتضاه المحققون من أهل اللغة على اختلاف فيه. قوله : ( أو بالنجم من نجوم القرآن ( معطوف على قوله : بجنس النجوم ، والنجم المقدار النازل من القرآن على النبيّ في ، وإذا هوى بمعنى إذا نزل عليه مع ملك الوحي جبريل صلوات الله وسلامه عليه ، وقوله : إذا سقط الخ على أنه من الهوى بالضم أو الفتح ، وقوله : على قوله كما هو في أكثر النسخ متعلق بقوله : أقسم بيان لأنه جواب القسم لا قوله : ما كذب الفؤاد كما قيل ، ووقع في بعضها على قواه فهو جمع قوّة متعلق بقوله : ارتفع ، وفيه تسمح ، والمراد القوى النامية ، وهوى من الهوى بالضمّ ، وقد صححه بعض المتأخرين. قوله : ( ما عدل ( أي عن الحق ، والدين القويم فهو استعارة ، وتمثيل لكونه على الصواب في أقواله وأفعاله ، وقوله : وما أعتقد باطلاً لأن الغيئ الجهل مع اعتقاد فاسد ، وهو خلاف الرشد(8/108)
ج8ص109
فيكون على هذا عطفه على قوله : ما ضل من عطف الخاص على العام اعتناء بالاعتقاد ، واشارة إلى أنه المدار وقوله ، والمراد أي بقوله : ما ضل وما غوى نفي ما كانت قريش تنسبه إليه من الضلال في ترك ما كانت عليه آباؤهم ، وأئمة الكفر منهم حتى كانوا يقولون لمن أسلم منهم صبا ، وقال صاحبكم : تأكيداً لإقامة الحجة عليهم لأنهم مصاحبون له فهم أعلم بحاله. قوله : ( وما يصدر نطقه الخ ( يعني أنّ الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره في قوله صاحبكم لا للقرآن كقوله : { هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ } [ سورة الجاثية ، الآية : 29 ] وأن تعديه بعن والمعروف نطق بكذا لتضمنه معنى الصدور وجعله نطقا مخصوصاً لقوله بالقرآن توطئة لأنه لا دليل فيه على عدم الاجتهاد والهوى كل ما تهواه نفسه وتشتهيه ، وقوله : ما القرآن جعل الضمير للقرآن لفهمه من السياق أو لما ينطق به مطلقا كما يدل عليه الفعل ، وقوله : يوحيه الله إشارة إلى أن الفاعل ترك للعلم به. قوله : ( واحتج به ) أي بما ذكر في النظم هنا من لم ير الاجتهاد جائزاً للأنبياء ، وفي نسخة من لا يرى الاجتهاد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهذا على الوجه الثاني ، وجعل ضمير هو لما ينطق لا للقرآن لأنه حينئذ في قوّة قياس هو جميع ما ينطق به وحي ، والاجتهاد ليس بوحي فلا شيء مما ينطق به باجتهاد ، وأجيب عن الاستدلال بالآية بعد تسليم أنّ الضمير لما ينطق به لا للقرآن كما رجحه المصنف بأنه إذا أذن له في الاجتهاد بوحي من الله كان
اجتهاده في أمر ، وما يترتب عليه وحي أيضا فصح ذلك منه ، ولم ينتقض به الحصر الواقع في الآية ، وحاصله منع الكبرى أي لا نسلم أن الاجتهاد الذي سوّغه الله ليس بوحي. قوله : ( وفيه نظر لآق ذلك الخ ) إيراد على الزمخشري فيما ذكره من الجواب السابق كما اعتر ضعليه أيضا بأنه يلزمه أن تكون الأحكام التي استنبطها المجتهدون وحياً. وردّ بأنّ النبيّ أوحى إليه أن يجتهد بخلاف غيره من المجتهدين واً مّا ما ذكره المصنف فقال في الكشف أنه غير قادج لأنه بمنزلة أن يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم متى ما ظننت كذا فهو حكمي أي كل مما ألقيته في قلبك فهو مرادي فيكون وحياً حقيقة لاندراجه تحت الأذن المذكور لأنه من أفراده فما قيل عليه من أن الوحي الكلام الحقيقي المدرك بسرعة فلا يندرج فيه الحكم الاجتهادقي إلا بعموم المجاز مع أنه يأباه قوله : علمه شديد القوى غير وارد عليه بعدما عرفت من تقريره فتدبره. قوله : ( شديد قواه ) إشارة إلى أنّ الصفة المشبهة مضافة لفاعلها ، وقوله : فإنه الواسطة الخ بيان لشدة قواه بما ثبت من آثارها ، وقوله : حصافة بفتح الحاء ، والصاد المهملتين مصدر بمعنى الاستحكام ، وهي مخصوصة بالعقل والتدبير ، وهذا بيان لما وضع له اللفظ لأنّ العرب تقول لكل قوقي العقل ، والرأي ذو مرّة من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله ، والا فوصف الملائكة بمثله غير ظاهر فهو كناية عن ظهور الآثار البديعة فأعرفه. قوله : ( فاستقام على صورته الحقيقية الخ ( فسر استوى باستقام ، وأشار إلى أنّ الاستقامة ليست ضد الاعوجاج بل كونه على خلقته الأصلية لأنها أتم صورة فهو من استوى الثمر إذا نضج وكون استوى يرد بهذا المعنى لا خفاء فيه ، وأنما الخفاء فيما عطف أو ترتب عليه هنا فإنه لم يبينه ، والذي يظهر أن في الكلام طيا لأن وصفه بالقوّة ، وبعض صفات البشر يدلّ على أنه رآه في غير هيئته الحقيقية ، وهذا تفصيل لجواب سؤال مقدر أي فهل رآه على صورته الحقيقية قيل نعم مرّة لما أراده منه فاستوى الخ وما قيل من أن الفاء سببية فإن تشكله بتسبب عن قوّته وقدرته على الخوارق أو عاطفة على علمه أي علمه على غير صورته الأصلية ثم استوى على صورته الأصلية لا يخفى أنه لا
يتم به التئام الكلام ، ويحسن به النظام. قوله : ( قيل الخ ) الحديث من رواية الترمذفي عن عائشة رضي الله عنها ، ولكنه ليس فيه أن أحدا من الأنبياء غيره صلى الله عليه وسلم لم يره على صورته الأصلية ، ولذا مرضه المصنف فإنّ الذي صح أنه وآه على صورته موّتين مرّة في السماء ، ومزة في الأرض بجياد ، وليس فيه نفي رؤية كيره من الأنبياء ، ولذا قال ابن حجر وحمه الله لم أجده هكذا في الكتب المعتمدة. قوله : ( وقيل استولى بقوّته الخ ) فاستوى بمعنى استولى كما في قوله تعالى : { اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } [ سورة الأعراف ، الآية : 54 ] في أحد تفاسيره ، وما جعل له ما أمر بمباشرته من الأمور ، وقوله في أفق السماء الأفق الناحية ، وجمعه آفاق ، والمراد الجهة العليا من السماء المقابلة للناظر لا مصطلح أهل الهيئة. قوله : )(8/109)
ج8ص110
فتعلق به الخ ( فالتدلي مجاز عن التعلق بالنبيئ بعد الدنوّ منه لا بمعنى التنزل من علو كما هو المشهور ، ومرجع ضمير دنا وتدلى واحد أو هو دنوّ خاص بحال التعلق فلا قلب ، ولا تأويل بأراد الدنوّ كما في الإيضاح ، وقوله : وهو ثمثيل لعروجه بالرسول الضمير لقوله : فتدلى بمعنى تعلق لأنّ تعلقه به عبارة عن رفعه من الأرض للعروج به ، وقيل : هو راجع لقوله : { ثُمَّ دَنَا } إلى قوله : أدنى ، وهو يقتضي أنه لما عرج به كان على هيئته الأصلية ، وقوله : وقيل الخ ففيه قلب على هذا ، ولدّا لم يرتضه ، وقوله : بأنه عرج أي جبريل به أي بالنبيّ بوو ، وقوله : غير منفصل عن محله الضمير المستتر في منفصل ، والمضاف إليه محله لجبريل أيضا ، ومحله الأفق الأعلى ، وقوله : لشذة قوّته لرفعه له ، وهو في محله ، وقوله : فإن التدلي الخ بيان للإشعار بما ذكر لحمل التدلي على معناه الأصلي وهو ما ذكره والاسترسال الاسترخاء ، والمذ ودلي رجله من السرير أي أرسلها ، وهو جالس عليه ، والثمر المعلق كعناقيد العنب ، ويخص بها في الأكثر.
قوله : ( كقولك هو مني معقد الإزار ( بفتح الميم ، وكسر القاف محل عقده بيان لما فيه
من التجوّز المصحح لحمل قاب قوسين على ضمير جبريل فإنه كناية أو مجاز عن لازمه ، وهو القرب أي هو قريب مني كقرب ما ذكر أو الضمير ليس لجبريل بل للمسافة بتأوللها بالبعد ونحوه ، وقاب القوس وقيبه ما بين الوتر ومقبضه ، والمراد به المقدار فإنه يقدر بالقوس
كالذراع ، ولذا قال مقدارهما ، وقد قيل : إنه مقلوب أي قابي قوس ، ولا حاجة إليه فإن هذا إشارة إلى ما كانت العرب في الجاهلية تفعله إذا تحالفوا أخرجوا قوسين ، ويلصقون إحداهما بالأخرى فيكون القاب ملاصقا للآخر حتى كأنهما ذوا قاب واحد ثم ينزعانهما معا ويرميان بهما سهماً واحداً فيكون ذلك إشارة إلى أنّ رضا أحدهما رضا الآخر ، وسخطه سخطه لا يمكن خلافه كذا قاله مجاهد ، وارتضاه عامّة المفسرين. قوله : ( على تقديركم ) يعني أو تكون للشك أو للتشكيك ، وكلاهما غير مناسب هنا أشار إلى أنه من جهة العباد كالترجي بلعل ، ونحوه فهو تمثيل لشدة القرب بأنه في رأي العين ، ورأي الواقف عليه يقال : هذا إمّا قاب قوسين أو أقرب منه كما مرّ في قوله : أو يزيدون فإنّ المعنى إذا رآهم الراتي يقول : هم مائة ألف أو يزيدون ، وخطاب تقديركم لكل من يصلح للخطاب من غير تعيين ، وقوله : والمقصود أي بما ذكر من قوله : ثم دنا الخ ، والمراد بملكة الاتصال قوة اتصال النبيّ صلى الله عليه وسلم بالملكة التي يعتمد عليها فأراد بالملكة لازمها ، ولا مانع من إرادة معناها المعروف أيضاً ، وقوله : بنفي متعلق بتمثيل ، وقوله : واضماره أي إضمار ما يعود على الله ، وقوله : كقوله : { عَلَى ظَهْرِهَا } أي حيث أتى بضمير الأرض ، ولم يجر لها ذكر في قوله تعالى { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا } ما ترك على ظهرها من دابة ، وقوله : وفيه تفخيم للموحي به أي إذا عاد لجبريل فإنه يصير كقوله : { فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } [ سورة طه ، الآية : 78 ] . قوله : ( وقيل الضمائر الخ ) مرضه لأنّ جمع القوى لا يناسبه ، وقوله : ودنوّه أي اللّه منه أي من النبيّ صلى الله عليه وسلم برفع مكانة النبيّ أي علوّ رتبته عند الله وقوله : جذبه بشراً شره أي بكليته بحيث لا يبقى له معين ، وهذا يقال له الفناء في الله عند المتألهين. قوله : ( ما رأى ببصره من صورة جبريل الخ ) ( 11 لم يقل من جبريل تصحيحا لاستعمال ما كما في شرح الكشاف وقوله : أو الله ينبغي أن يرفع بتقدير أو هو الله إذ لا وجه لإضافة الصورة لله سبحانه ، وهو إشارة إلى الخلاف في المرئيّ هل هو جبريل أو الله بالعين أو القلب ، وقوله : ما كذب بصره بما حكاه له بالنصب على أنّ المفعول محذوف للعلم به. قوله :
( فإنّ الأمور القدسية تدرك أوّلاً بالقلب الخ ) توجيه لكون الفؤاد مكذبا ومصدقا للبصر فيما يحكيه له فإنه يقتضي تقدم إدراك القلب على رؤية العين فكأنه لما شاهده بعدما عرفه وتحققه لم يكذبه فؤاده فيه بعد ذلك فإنك إذا عرفت الشمس بالحذ ، والرسم كان ذلك نوعا من المعرفة فإذا أبصرتها ، ثم غمضت عينك عنها كان نوعاً آخر منها فوق الأوّل فما في عالم الملكوت يعرف أوّلاً بالعقل فإذا شوهد ذلك بالحس علم أنه عين ما عرفه أوّلاً بعقله فلم يكذب القلب البصر فيه ، وما قيل من أنه تعليل لمقدمة مطوية معلومة مما قبله ، وهي أن الفؤاد يحكي مثله للبصر وأنه غير مسلم على المذهب السنيّ إذ يجوز تعلق الأبصار أوّلاً بذاته تعالى ، وبالملائكة فهو على زعم الفلاسفة من اتصال الأنفس البشرية بالمجرّدات ثم(8/110)
ج8ص111
تصوير المتخيلة ما أدركته منها بما يلائمه ، ثم ارتسامه في الحس المشترك كسائر المحسوسات ليس بشيء يعوّل عليه ، وأنت بما سمعته في غنية عنه فإنه بيان للواقع في أمثاله. قوله : ( ثم تتنقل منه ) أي مما يدركه القلب والعقل إلى المشاهدة المحسوسة بالبصر فإنه إنما يشاهد ما في عالم القدس من صفقت مرآته ، وصقلها بالإيمان بالغيب فلا غبار عليه. قوله : ( أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك الخ ) يعني أنه من قوله : كذب إذا قال كذباً فالمعنى ما قال الكذب ، وهو قوله : لما شاهده بصره في حظائر القدس لم أعرفك بعدما عرفه كما شاهده. قوله : ( أو ما رآه بقلبه ) معطوف على قوله : أوّلاً ما رأى ببصره يعني أنّ رأى في الوجوه السابقة بمعنى أبصر ، والرؤية فيها بصرية على الوجوه ، وعلى هذا هي قلبية ، والمعنى كما بينه أنّ ما أدركه قلبه ليس مثالاً كاذباً بل أمراً حقا متيقنا ، وقوله : ويدل عليه أي على الوجه الأخير ، وأنّ الرؤية فيه قلبية لا بصرية وهذا بناء على أنه في المعراج لم ير الله بعين بصره كما ذهبت إليه عائشة رضي الله عنها وقوله : ما كذب أي بالتشديد من التفعيل. قوله : ( واشتقاقه من مري الناقة ) إذا مسح ظهرها وضرعها ليخرج لبنها ، وتدرّبه فشبه به الجدال لأنّ كلا يطلب الوقوف على ما عند الآخر ليلزمه الحجة فكأنه استخرج درّه ، وقوله : فمريته يعني من باب المغالبة ، وقوله : لتضمين الفعل معنى الغلبة في الوجهين ،
وكان حقه التعدي بفي لأنه يقال ماريته في كذا. قوله : ) اقيمت مقام المرة ونصبت نصبها ( على الظرفية لأن المرة مصدر مرّ يمز ، ولشدة اتصال الفعل بالزمان عبر به عنه فالنزلة كذلك وقيل إنه منصوب على المصدرية للحال المقدرة أي نازلآ نزلة كما أشار إليه بقوله ، وقيل : تقديره الخ. وقيل : إنه منصوب على أنه مصدر لرأي من معناه فنزلة بمعنى رؤية ، وفيه نظر ، وقوله : إشعارا الخ يعني أنه لم يقل مرّة بل نزلة ليفيد أنها رؤية مخصوصة. قوله : ( والكلام في المرئتي والدنؤ ما سبق ( يعني هل المرئيئ رب العزة أو جبريل ، والدنوّ مكانيئ أو معنويّ لمكانته وشرفه كما مز تفصيله ، وقوله : والمراد به أي بما ذكر من الجملة القسمية المؤكدة ، أو المراد بالمصدر المؤكد للحال هنا نفي الريبة ، والشك عن المرة الأخيرة حيث كانت عند النزول ، وكمال الدنوّ فلم يكن فيها التباس لأن التأكيد بالمصدر يرفع الاحتمالات في مثله. قوله : ( التي ينتهي الخ ( فالمنتهى اسم مكان ويجوز كونه مصدرا ميميآ وانتهاء علم الخلائق أنه لا يعلم ما وراءها إلا الله ، وانتهاء الأعمال إنها تعرض على الله عندها ، وإضافة السدرة للمنتهى من إضافة الشيء لمحله كأشجار البستان ، وجوّز أن يكون المنتهى الله فهو من إضافة الملك للمالك أي سدرة اللّه الذي إليه المنتهى كما في قوله : { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى } [ سورة النجم ، الآية : 42 ، فهو من الحذف ، والإيصال ، وقول بعضهم هنا حذف المجرور والجار لا وجه له لأن المجرور لم يذكر إلا أن يريد بالحذف عدم النمكر ، . وقوله : لأنهم يجتمعون الخ يعني أنّ شجر النبق يجتمع الناس في ظله ، وهذه يجتمع عندها الملائكة فشبهت بها ، وسميت سدرة لذلك ، والنبق بكسر الباء وتسكن معروف فإطلاقها عليها بطريق الاستعارة وورد في الحديث : ( إنها عن يمين العرس ، وإنّ كل نبقة فيها كقلة من قلال هجر ) فهو على هذا حقيقة ، وهو الأظهر ، وقوله : التي يأوي الخ فالمأوى اسم صكان ، وإضافة الجنة إليه إضافة حقيقية لغايته أو هي من إضافة العام للخاص لا من قبيل مسجد الجامع كما توهم لأن اسم المكال! لا يوصف به. قوله : ( كعظيم وتكثير الخ ا لأنه للتعبير عنه بالموصول المبهم إشارة إلى أنه أمر لا يحيط به نطاق
البيان ، ولا تسعة أردان الأذهان وقوله ، وقيل : الخ ، والإبهام أيضاً لما ذكر ، وأنما مرضه للتعيين فيه من غير قرينة دالة عليه ، وقوله : ما مال وفي نسخة ما زال ، وقوله : مستيقناً بكسر القاف ، وفتحها على أنه حال من فاعل أثبت أو صفة إثباتا أو حال من مفعول أثبته ، وقوله : والله الخ قدره لاقتضاء اللام له ، وقوله : أي الكبرى من آياته فمن بيانية مقدّمة على المبين والجار والمجرور حال ، وقوله : المعنية أي المقصودة بما رأى في قوله ما كذب الفؤاد ما رأى فهي العجائب الملكية والملكوتية ، وقوله : على أنّ المفعول محذوف ، وهو شيئا لا من التبعيضية لأنها اسم أو مؤولة باسم ، وهو بعض لأنه لا يوافق قواعد النحو بغير تكلف مع أنه فيما ذكر الإبهام ، والتفصيل ، وما يفيد التعظيم كما مرّ ، وزبادة من في الإثبات مما جوّزه بعض النحاة. قوله : ( بنخلة ) هي اسم مكان معين(8/111)
ج8ص112
كما في قول المتنبي :
ما مقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهود
وقوله : وهي فعلة من لوى فأصلها لوية فخفف بحذف الياء ، وأبدلت واوه أو عوّضى
عنها تاء فصارت كتاء بنت وأخت ، ولذا وقف عليها بالتاء لا رعاية لصورة الكتابة كما قيل فإنه باطل إذ مثله سماعيّ لا نظراللخط من غير نقل ومن وقف بالهاء فهو ظاهر عنده ، وقوله : بالتشديد أي تشديد التاء على أنه اسم فاعل من لت يلت إذا عجن كما أشار إليه بقوله : على أنه سمي به الخ ، والحاج اسم جمع بمعنى الحجاج لا مفرد ، وقوله : سمرة بفتح السين المهملة ، وضم الميم شجر معروف وغطفان بالمعجمة وحركات قبيلة معروفة ، ومنه مني أي سميت مني لأنه يمني فيها أي ينحر القرابين. قوله : ( صفتان للتثيد ) فإنّ كونها ثالثة ، وأخرى مغايرة لما
تقدمها معلوم غير محتاج للبيان أو الثالثة للتأكيد والأخرى بيان لها لأنها مؤخرة رتبة عندهم عن اللات والعزى ، وقوله : وهذه الأصنام معطوف على المقول لا على القول لما سيأتي ، وقوله : هياكل جمع هيكل ، وهو البنية ، وتمثال الشيء ويطلق على الأصنام لأنها تماثيل لأمور أخر كما بين في محله ، وهو معطوف على قوله : استوطنها. قوله : ( وهو المفعول الثاني لقوله : أفرأيتم الخ ) قد مرّ مراهـ اً الكلام في أرأيت وأنها بمعنى أخبرني ، وفي كيفية دلالتها على ذلك واختلاف النحاة في فعل الرؤية فيه هل هو بصريّ فتكون الجملة الاستفهامية بعدها مستأنفة لبيان المستخبر عنه ، وهو الذي اختاره الرضي أو علمية فتكون في محل المفعول الثاني فالرابط حينئذ أنها في تأويل أهي بنات اللّه وهو كله ظاهر لا كلام فيه إنما الكلام في قول المصنف إنكار لقولهم : ( الملائكة بنات اللّه ) فإنه إذا أريد به ذلك يكون مغايراً للأصنام فلا يصح قوله : إنه في محل المفعول الثاني كما قيل ، ويدفع بأنه حينئذ إنكار لبنات الله كلها ، ومن جملتها ما حل في هذه ، وهو المقصود منها فكأنه عينها فالرابط حينئذ العموم في الخبر الشامل للمبتدأ فإنه أحد الروابط كما حققه النحاة. قوله : ( جائرة ) هو المراد ، وكذا إذا همزت على أنها من ضأره بمعنى ظلمه ، وقد اختلف فيها فقيل : ياؤها أصلية ، وقيل : مبدلة من واو على أنه واويّ. ، وقد تهمز ووزنه قيل : فعلى بضم الفاء كسرت لتسلم الياء على القول المشهور فيه ، ولم تجعل فعلى بالكسر ابتداء لأنّ مذهب سيبويه أنّ فعلى بالكسر لم يجىء عن العرب في الصفات فلذا جعله منقولاً عن المضموم فانه شائع فيها كحبلى ، ولذا قيل إنه مصدر كذكرى وصف به مبالغة ، وخالفه غيره متمسكا بأنه ورد صفة أيضا في ألفاظ أربعة حكاها ، وهي مشية حيكي ، وامرأة عزهى وسعلى وكيصى ، وردّ بأنه من النوادر فالحمل على الكثير المطرد في بابه أولى وأيضاً له أن يقول في حيكى ، وكيصى ماقاله في ضيزى ، وأمّا عزهى وسعلى فالمسموع فيه عزهاة ، وسعلاة عنده. قوله : ( كما فعل في بيض ) جمع أبيض فإنّ وزنه فعل بضم الفاء كحمر فكسرت فاؤه لتسلم الياء ، وقوله : فعلى بالكسر لم يأت وصفا عند سيبويه ، وأنما جاء اسم مصدر كذكرى ، واسما جامداً كدفلى وشعرى ، وجمعا كحجلى وغيره يقول إنه ورد نادراً أو هو جامد أو مصدر وصف به لتأويله بالوصف ، وقوله : مصدر نعت به أو هو مضموم عومل معاملة المعتل لأنه يؤول إليه فما قيل : من أنّ موجب التغيير غير موجود فيه فإنّ الضم لا يستثقل مع الهمزة استثقاله مع الياء الساكنة غير مسلم. قوله : ( باعتبار الألوهية ) أي باعتبار
إطلاق اسم الآلهة عليها أي ليس لها نصيب منها إلا إطلاق تلك الأسماء عليها ، وهذا راجع لما بعده ، ولذا قيل : إنّ الأولى تركه والمراد لا نصيب لها أصلاً ، ولا وجه لتسميتها بذلك ، ولو كانت الألوهية متحققة بمجرّد التسمية كانت آلهة فهو من نفي الشيء بإثباته أو هو ادعاء محض لا طائل تحته. قوو " : ( أو للصفة ( معطوف على قوله : للأصنام فضميرهي للصفة أي ليست الصفة المذكورة أو ليس صفتها المذكورة إلا مجرّد تسمية لا حقيقة لها ، والعكوف على عبادتها بمعنى مداومتها لأنها فعلة من لوى بمعنى طاف وما بعده ظاهر ، وقوله : سميتم بها لأنه يقال سماه بكذا ، وسماه كذا بمعنى ، وهو المراد هنا ، وقوله : بهواكم متعلق بسميتموها ، وقوله : وقرئ بالتاء كما هو مقتضى الظاهر ، والقراءة الأخرى على الغيبة التفاتا ، وقوله : ألا توهم الخ ، إشارة إلى أنّ الظن ليس بمعنى إدراك الطرف الراجح بل المرجوج ، وهو التوهم ، وقوله : تشتهيه أنفسهم إشارة إلى أن ما موصولة عائدها مقدر(8/112)
ج8ص113
ولو جعلت مصدرية سلمت من التقدير ، وقوله : الرسول أو الكتاب فالهدى بمعنى الهادي أو جعل هدى مبالغة ، وقوله : فتركوه يفهم من جعل هذه الجملة حالاً مقيدة لما قبلها ، وهو الظاهر لأنّ المعنى يتبعون الظن وهوى النفس في حال ينافي ذلك ، وهو أحسن من جعلها معترضة ، وتسمى هذه الحال الحال المقرّرة للأشكال. قوله : ( أم منقطعة ) فهي مقدرة ببل والهمزة ، والاستفهام المقدر معها للإنكار فهو في معنى النفي وهو متصل بما قبله من اتباع الظن ، وهوي الأنفس فالإضراب عنه لبيان أنه لا ينال ذلك ، وقوله والمعنى ليس له كل ما يتمناه فهو رفع للإيجاب الكليّ دون السلب الكليّ لأنّ قوله للإنسان ما تمنى بمنزلة إيجاب كليّ فإنكاره ، ورفعه رفع للإيجاب الكليّ وهو سلب جزئيّ ، وقوله : والمراد الخ بيان لموضوع السالبة الجزئية فتأمّل. قوله : ( وليس لأحد أن يتحكم عليه الخ ) إشارة إلى ما يفيده تقديم لله من الحصر لأنه إذا اختص بملكهما ، والتصزف فيهما لم يكن لأحد تصرّف فيهما ، والتحكم نوع من التصزف فلا يشفع ولا يشفع ما لم يرد الله ذلك ،
وقوله : وكثير تفسير لكم الخبرية. قوله تعالى : ( { لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا } الخ ) كلام وارد على سبيل الفرض أو هو من باب قوله :
على لا حب لا يهتدى بمناره
أي لا شفاعة لهم ولا إغناء بدون الإذن فلا يخالف قوله : { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ سورة البقرة ، الآية : 255 ] وفائدة إضافة الشفاعة إلى ضميرهم الإيذان بأنها لا توجد بغير إذن ولو من أهلها ، ولذا قيل : إنّ المناسب أن يكون من يشاء من الناس لا من الملائكة ليفيد أنّ الشفاعة لا توجد فيمن هو أهل لها إلا من بعد أن يأذن الله فيها لمن هو أهل لأن يشفع له فما ظنهم بالأصنام ، وشفاعتها لهم ، ولا أهلية للشافع والمشفوع له ، وفيه نظر. قوله : ( أي كل واحد منهم ) يعني أنه في معنى استغراق المفرد لأنه لو لم يكن كذلك كان الظاهر الإناث مكان الأنثى ، وهذا مبنيئ على أنّ تسمية الأنثى وفي النظم ليس على التشبيه فيكون التقدير يسمون الملائكة أنثى بتسميتهم إناثاً أي قولهم : إنها بنات الله لأنهم إذا قالوه فقد جعلوا كل واحد بنتا ، وهو على وزان كسانا الأمير حلة أي كسا كل واحد منا حلة ، والإفراد لعدم اللبس كما مز فما قيل من أنه ليس توجيها لأفراد الأنثى حتى يقال إنه تأويل قبل ظهور الاحتياج ، وأنّ الأولى تأويل الأنثى بالإناث فإنها اسم جنس يتناول الكثير ، والقليل ، والقول بأنه لرعاية الفاصلة ، أو المراد الطائفة الأنثى أو هو منصوب بنزع الخافض على التشبيه فلا تمس الحاجة إلى الجمعية ، وكذا ما قيل من أنّ الحمل على الاستغراق يوهم أنه مدار التشنيع مع أنه ليس كذلك ، وأنّ الأوجه أن يقال : إن تعريفه للجنس كله كلام لا طائل تحته لأنه استسمان لذي ورم ، ونفخ في غير ضرم لما عرفته. قوله : ) أي بما يقولون ) وهو التسمية المذكورة ، وفسره بما ذكر لتوجيه تذكير الضمير ، وقوله : لا يدرك إلا بالعلم أي حقيقة الشيء ، وما هو عليه إنما تدرك إدراكا معتداً به إذا كان عن يقين لا عن ظن ، وتوهم فسقط ما قيل من أنه من الجائز أن يكون المظنون ، والموهوم مطابقا للواقع ، وليس فيه دلالة على عدم اعتبار إيمان المقلد كما قيل لما بين في الأصول ، والمراد بالمعارف الحقيقية المطالب الاعتقادية التي يلزم فيها الجزم ، والوصلة إلى العمليات بالمسائل الفقهية ، وأصولها. قوله : ( فأعرض عن دعوته والاهتمام بشانه ) فيكون
أمراً له بترك القتال ، والآية منسوخة لأنها مكية ، ويكون كقوله في الكشاف : فأعرض عته ، ولا تقابله أو ولا تقاتله بالفوقية ، والتحتية لأنّ المقابلة والمقاتلة لا تتصوّر بدون دعوة فإذا انتفت الدعوة انتفى ما يلزمها فليس مخالفا له كما توهم ، وأنّ المصنف تركه لأنّ النسخ خلاف الأصل لا يرتكب من غير حاجة فإن أوّل فالتأويل بابه واسع يجري فيهما. قوله : ( من غفل عن اللّه الخ ( يعني ليس التولي عن ذكره ثعالى على ظاهره بل هو كناية عما ذكر ، وقوله : لا تزيده الخ خبر أن وقوله : أمر الدنيا فالإشارة لأمرها المفهوم منها لا لها ، ولذا ذكر اسم الإشارة ، وكونها شهية أي مشتهاة لهم مفهوم من قصر إرادتهم عليها ، وقوله : لا يتجاوزه علمهم تفسير لمبلغهم من العلم ، وأنّ المراد أنه منتهى علمهم لا علم لهم فوقه لدلالة البلوغ على الانتهاء ، وليس فيه إشارة إلى أنّ مبلغ اسم مكان ، وإن كان اسم مكان في الواقع مجازاً بجعله كأنه محل وقف فيه علمهم ادّعاء ، وقوله : والجملة اعتراض أي بين قوله فأعرض الخ ، وقوله : إن ربك الخ بين العلة ، والمعلل. قوله : ( أي إنما يعلم اللّه الخ ) قيل :(8/113)
ج8ص114
القصر من ضميري الفصل ، واعترض عليه بأن أعلم بمعنى عالم لا أفعل تفضيل ليصح كونه تعليلاً للأمر بالإعراض ، والضمير إنما يكون فصلاً إذا كان اسم تفضيل فالصواب إنه مبتدأ ، والقصر مأخوذ من السياق وبيان الحكم ، وبدفع بأنهم أجازوا فيه التفضيل وغيره كما ذكره السمين ، وأمّا صحة التعليل فلا تتوقف على كونه بمعنى عالم بل إذا كان أعلم على بابه فالتعليل أظهر كما لا يخفى على من له بصيرة. قوله : ( من يجيب ممن لا يجيب الخ ) قيل عليه الصواب تأخير الجلالة عن مفعول يعلم إذ المعنى لا يعلم من يجيب ممن لا يجيب إلا الله ، وعلى تقديمها يكون المعنى ما يعلم الله إلا من يجيب ممن لا يجيب ، وهو بمعزل عن الصواب إلا أن يقال : إنه قدم لئلا يتوهم أنه مفعول لا يجيب ، وهو على نية التأخير ، ولا يخفى أنّ ما ذكر من التقديم ، والتأخير لا يرضا. إلا ذو التقصير ، وعبارته في الكشاف إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب ، وأنت لا تعلم ، وتبعه المصنف مع اختصار مخل فيه ، والعلم في مثله بمعنى التمييز كما أشار إليه شراح الكشاف ، ولذا تعلقت به من ، وحينئذ يجوز أن يكون المعنى إنما يريد الله تمييز من يجيب من غيره وتمييز الضالّ من المهتدي لا تمييز السالك على الدعوة الحريص على اتباع من دعاه من غيره ، وحاصله ما عليك إلا البلاغ ، وهذا لا يخلو من التعقيد ، ولو قيل فيه تقدير ، وأصله إنما يعلمه الله ليتميز من يجيب ممن لا يجيب كان أسهل ، وباب التقدير باب واسع ، وقوله : يجيب ولا يجيب تفسير لضل واهتدى ، وعبر بالمضارع إشارة إلى أنه مستمرّ له ذلك في المستقبل ، وأنه
عبر عنه بالماضي في النظم لتحقق وقوعه كما هو العادة الجارية في أخبار الله تعالى كما مز مراراً. قوله : ( خلقاً وملكاً ) يعني أنه لحصر الاختصاص التام فيه تعالى ، وذلك كونه له من جميع الوجو. فلا يتوهم أنه من استعمال اللفظ في معنييه حتى يحتاج للاعتذار عنه ، وقوله : ليجزي الذين الخ. قيل : اللام متعلقة بقوله : لا تغني شفاعتهم ذكره مكيّ ، وهو بعيد لفظاً ومعنى ، وقيل : إنه متعلق بما دل عليه قوله { لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } أي له ملكهما يضل من يشاء ويهدي من يشاء ليجزي المحسن والمسيء ، وقيل : متعلق بمن ضل ، وبمن اهتدى واللام للصيرورة أي عاقبة أمرهم جميعا للجزاء بما عملوا ، وقيل : متعلق بما دل عليه قوله : بمن ضل أي حفظ ذلك ليجزي قاله أبو البقاء. قوله : ( بعقاب ما عملوا من السوء ( فالباء صلة الجزاء بتقدير مضاف إمّ عقاب أو مثل لقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها أو هي للسببية ، وقوله : وهو علة إشارة لما مرّ ، وقوله : أو ميز إشارة إلى ما مرّ من أنّ علمه بالفريقين كناية عن تمييز من يستحق الثواب ممن يستحق العقاب ليظهر جزاؤه فجملة ولله ما في السموات الخ جملة معترضة لتأكيد علمه وبيان إحاطته ، أو حال من فاعل أعلم سواء كان بمعنى عالم أو لا. قوله : ( بالمثوبة الحسنى الخ ) فالحسنى صفة بمعنى الحسنى وموصوفها مقدّر وهو المثوبة أي الجزاء الحسن ، والثواب والمراد به الجنة ، وما فيها من النعيم أو الحسنى تأنيث أحسن اسم تفضيل ، والباء عليهما صلة الجزاء ، وعلى الأخير هي سببية ، ولم يلاحظ في الأوّل زيادة كما توهم لأنه لا داعي له. قوله : ) ما يكبر عقابه الخ ( يعني وصفه بالكبر باعتبار كبر جزائه ، وهو ردّ على الزمخشريّ حيث قال الكبائر : ما لا يسقط عقابه إلا بالتوبة ، وقد اختلف في الكبائر أهل الأصول على أقوال كثيرة منها ما ذكره المصنف ، وهو ما توعد عليه الشارع بخصوصه أو ما عين له حد كالزنا ، وإذا أريد الجنس فعطف الفواحش عليه إمّا من عطف أحد المترادفين أو الخاص على العامّ ، واختاره المصنف كما أشار إليه بقوله : خصوصاً ، وقوله : ما قل الخ فاللمم الصغائر من الذنوب ، واصل معناه ما قل قدره ، ومنه لمة الشعر لأنها دون الوفرة ، وقيل : معنا. الدنوّ من الشيء دون ارتكاب له. قوله : ) والاستثناء منقطع ) على تفسيره بالصغائر ، وما قبله بالكبائر فيكون انقطاعه ظاهراً ، وقيل هو متصل ، والمراد مطلق الذنوب ، وقيل إنه لا استثناء فيه
أصلا ، والا صفة بمعنى غير إما لجعل المضاف إلى المعرف باللام الجنسية في حكم النكرة أو لأن غير أو إلا التي بمعناها يتعرف بالإضافة ، ولم يذكره المصنف كما في الكشاف لأنّ شرطه كونه تابعا لجمع منكر غير محصور عند ابن الحاجب إلا أنّ سيبويه جوّز وقوع إلا صفة مع جواز الاستثناء فهو لا يشترط ذلك ، وتبعه أكثر المتأخرين فلا يرد ما ذكر على الزمخشري إن كان هو الداعي لترك المصنف له نعم هو خلاف الظاهر فلا داعي لارتكابه. قوله : ) ومحل الذين الخ ) فهو صفة للذين قبله(8/114)
ج8ص115
لأنّ الذي يوصف ويوصف به ، وإذا نصب على المدح فهو بتقدير أعني أو أمدح ، ويجوز كونه عطف بيان أو بدلاً لجعل إحسان العمل بدون اجتناب المنهيات في حكم العدم المطروج ، ومن غفل عنه قال إنه لا حسن فيه ، وقوله : خبر محذوت لم يقل فيه على المدح كالذي قبله لا لاحتمال كونه استئنافاً لتعينه بل للتفنن في العبارة.
قوله : ( ولعله عقب به الخ ( أي ذكر قوله : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } بعد الوعد والوعيد
لما ذكر وهو رد على المعتزلة في قولهم : بعدم غفران الكبيرة من غير توبة ووجوب عقاب المسيء على الله بناء على الأصلح ، والكلام عليه مفصل في كتب الكلام ، وقوله : منكم قدره لما فيه من المبالغة البليغة ، ولو قدره من كل أحد كان جائزا أيضا. قوله : ( علم أحوالكم الخ ( { خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ } [ سورة الروم ، الآية : 20 ، تفسير لقوله : من الأرض كما أنّ قوله : { يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ } معنى قوله : أجنة الخ وقوله : فلا تثنوا الخ فالمراد به الثناء وأصله من الزكاء بمعنى الزيادة أو الطهارة وهذا إذا قصد التمذح والرياء فإن ذكرت لغير ذلك فلا ولذا قيل المسرّة بالطاعة طاعة ، وذكرها شكر لقوله : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [ سورة الضحى ، الآية : ا ا ] وقوله : الحافر اسم فاعل بمعنى من يحفر البئر بدليل فوله : فترك الحفر. قوله : ( ئزلت في الوليد ) ذكره الواحدي في أسباب النزول ، ولم أر له تخريجا في غيره والمراد بالأشياخ
رؤساء الكفار ، وقوله : بخل بالباقي ليس الذم فيه بالبخل فقط كما توهم لأن توليه عن الحق بالردة واعتقاده تحمل الغير لأوزاره واعطاءه في مقابلته ما أعطى ثم رجوعه المتضمن لبخله ، وكذبه كله قبيح مذموم ، والفاء في قوله : فهو يرى للتسبب عما قبله ، وقوله : أتمّ الخ تفسير لقوله : وفر من التوفير ، وهو التكثير فتكثيره لفعله ، وأمر الغير به أو لمبالغته في كيفيته. قوله : ( وتخصيصه ) أي إبراهيم بذلك أي بالوصف بالوفاء بما التزمه ، ونمروذ من الجبابرة معروف ، وقصته مع الخليل عليه الصلاة والسلام مشهورة ، وقوله : أمّا إليك فلا لأنه كان عاهد اللّه أن لا يسأل غيره فقال : فادع الله قال : حسبي من سؤالي علمي بحالي وذبح الولد أي عزمه على ذبحه إذ لم يقع الذبح كما هو مشهور ، وقوله : فإن وافقه أي إن وجده فوافقه على الذهاب معه ، وليس وافقه بمعنى وجده كما قيل ، وقوله : أكبر وقع في نسخة أكثر بالمثلثة ، وقوله : مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر ، ولا تزر خبرها ، وقوله : كأنه الخ يعني أنه استئناف بياني في جواب سؤال مقدر. قوله : ( ولا يخالف ذلك قوله الخ ( فإنّ هذه الآية تدل على أن أحدا لا يعاقب بوزر غيره مع أنّ الآية الأخرى تدل على أنّ القاتل لنفس عليه وزر من قتل بعده ، والحديث يدل على أنّ من سن سنة سيئة عذب بوزر من عمل بها بعده ، وكل ذلك وزر غيره فتتعارض هذه الآية ، والآية الأخرى ، والحديث هكذا يقرّر الإشكال ، وأشار إلى الجواب عنه بقوله : فإنّ ذلك للدلالة الخ يعني أن ما عذب عليه ليس هو وزر غيره بل وزر عمله نفسه ، وهو دلالته ، وتسببه الذي هو صفة قائمة به لا عمل غيره ، وهكذا يوفق بين ما ذكر
وقوله : { وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } [ سورة النجم ، الآية : 39 ] . قوله تعالى : ( { وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } الخ ) قد اختلف في تفسير هذه الآية على أقوال فعن ابن عباص رضي الله عنهما أنها منسوخة لقوله : ألحقنا بهم ذرياتهم كدخولهم الجنة بعمل آبائهم وقال عكرمة إنها في غير أمة محمد جميه ، كقوم موسى عليه الصلاة والسلام ، وقيل : إنها في الكفار لانتفاع المؤمنين بسعي غيرهم ، وعن الحسن أنه من طريق العدل لا من طريق الفضل ، وقيل : اللام بمعنى على أي ليس عليه غير سعيه وفيه نظر ، وقد قدمنا قبل ما يفيد الجواب أيضاً. قوله : ( إلا سعيه ) إشارة إلى أنّ ما مصدرية ولو جعلت موصولة صح ، ويرى في قوله : سوف يرى بصرية أو علمية مفعولها مقدر أي حاضرا ونحوه ، وقوله : كما لا يؤاخذ الخ إشارة إلى أنّ السعي مراد به الخير فيكون تتميماً لما قبله لا عام للتأكيد. قوله : ( وما جاء في الأخبار الخ ) جواب عما قيل من أنّ الحج عن الميت ، والصدقة عنه تنفعانه ، وليس ذلك من سعيه فكيف التوفيق بينه ، وبين الحصر الذي في هذه الآية بأنّ الغير لما نواه له صار بمنزلة الوكيل عنه القائم مقامه شرعاً فكأنه بسعيه ، وهذا لا يتأتى إلا بطريق عموم المجاز عندنا أو جواز الجمع بين الحقيقة ، والمجاز عند المصنف كما لا يخفى ، وقد أجيب أيضاً بأنّ سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنياً على سعي نفسه من الإيمان ، والعمل الصالح فكأنه سعيه ، وفيه نظر ، وكذا تضعيف الثواب كما في الكشاف(8/115)
ج8ص116
من أنه ينافي القصر على سعيه وحده ، والجواب عنه يعلم مما مرّ فتأمّله ، وأمّا قراءة القرآن للميت ، ونحوه فقال : جماعة لا يصل ثوابها له ، وقيل إنه يصل ، وقيل : يصل له إذا وهب ثوابه له فينبغي أن يقول : يعده اللهم إني وهبت ثواب ما قرأته لفلان اللهم فأوصله له ، ثم إن ما ذكر لا يطرد في الأعمال كلها ، والوارد في الأحاديث الصحيحة في الحج والصدقة واختلف في قراءة القرآن ولا يجري في الصلاة والصوم ، وما وقع في الهداية من كتاب الحج من إطلاقه في صحة جعل الإنسان ثواب عمله لغيره ، ولو صلاة وصوما وأنه مذهب أهل السنة فمحتاج إلى
التحرير ، وتحريره أنّ محل الخلاف في العبادة البدنية هل تقبل النيابة فتسقط عمن لزمته يفعل غيره سواء كان بإذنه أم لا يعد حياته أم لا فهذا واقع في الحج كما ورد في الأحاديث الصحيحة أمّا الصوم فلا وما ورد في حديث : ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) وكذا غيره من العبادات فقال الطحاوي في الآثار : إنه كان في صدر الإسلام ، ثم نسخ وليس الكلام في الفدية ، واطعام الطعام فإنه بدل ، وكذا إهداء الثواب سواء كان بعينه أو مثله فإنه دعاء وقبوله بفضله تعالى كالصدقة عن الغير فأعرفه. قوله : ( يجزي العبد سعيه بالجزاء الخ ) المراد بالعبد الإنسان المذكور في النظم ، وفي إعرابه وجهان أظهرهما أنّ الضمير المرفوع للإنسان والمنصوب للسعي ، والجزاء مصدر مبين للنوع ، والثاني أنّ الضمير للجزاء ، والجزاء مفسر له أو بدل منه كقوله : { وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ سورة الأنبياء ، الآية : 3 ] وأمّا قول أبي حيان : إنه إذا كان تفسيرا للضمير المنصوب فعلام ينتصب وأمّا إذا كان بدلاً ففيه إبدال الظاهر من المضمر ، والصحيح منعه فليس بشيء لأنّ انتصابه على أنه عطف بيان أو منصوب بأعني مقدرا ، وقد منع أبو البقاء من وصف الجزاء على المصدرية لأنه وصف بالأوفى ، وهو من صفة المجزي به لا الفعل لما يلزمه من تعدي يجزي لثلاثة مفاعيل الأوّل القائم مقام الفاعل ، والثاني الهاء التي هي ضمير السعي ، والثالث الجزاء الأوفى ، وأيضاً معناه غير منتظم إلا أن يقال الجزاء بدل من الهاء لكنه سماه مفعولاً تسمحاً ، وقوله : لا الفعل ممنوع بل هو من صفاته مجازاً كما يوصف به المجزي به إذ الحقيقة منتفية عنهما كذا في الدر المصون. قوله : ( فنصب بنزع الخافض ) وأصله يجزي الله الإنسان سعيه فالجزاء منصوب بنزع الخافض كما صرّح به المصنف وسعيه هو المفعول الثاني ، وهو يتعدّى له بنفسه نحو جزاك الله خيرا ، وجزاؤه سعيه بمعنى جزائه بمثله أو هو مجاز ، وقيل : المنصوب بنزع الخافض الضمير والتقدير بسعيه أو على سعيه كما في الكشاف ، والمصنف عدل عنه لما فيه من زيادة التقدير فتدبر. قوله : ( ويجوز أن يكون مصدرا ) قد علمت ما فيه ، وما أورده أبو البقاء وجوابه ، وما قيل عليه من أنه لا يدفعه لأنه ، وإن جوّز وصف الفعل به للملابسة فهو مجاز عقلي من غير ضرورة داعية له غير مسلم لأن وصف المجزي به كذلك ، ولو قيل بأنه حقيقة ففيه تجوّز آخر ، وهو زيادة الباء التي هي خلاف الأصل ، وأمّا تعديته إلى المجزي بنفسه فلا يفيد لأنّ المصنف خرجه على خلافه فهو صلح من غير تراض للخصمين والإبدالى على القول بجواز إبدال الظاهر من الضمير. قوله : ( انتهاء الخلائق ) إشارة إلى أنّ المنتهى مصدر ميمي ، وقوله : على أنه منقطع
الخ يعني أنه على قراءة الفتح داخل فيما في الصحف فإذا كسرت إنّ فليست مما فيها ، وهو جملة معطوفة على ما قبلها ، وقوله : لا يقدر الخ إشارة إلى الحصر المأخوذ من الضمير لتقدمه وتكرّر الإسناد فيه أو لأنه ضمير فصل على رأى ، وقوله : فإنّ القاتل الخ جواب عن أن القاتل أمات من قتل فكيف تنحصر الإماتة فيه تعالى بأنّ القاتل إنما نقض البنية الإنسانية ، وفرّق أجزاءها ، والموت الحاصل بذلك فعل الله تعالى على سبيل العادة في مثله ، ولم يتعرّض للحصر في الإضحاك ، والإبكاء لظهوره عندنا ، ولأنه لا يترتب عليه خلاف كغيره ، ولذا لم يذكر الضمير في قوله ، وأنه خلق الزوجين في النظم لأنه لا يتوهم نسبة الخلق لغيره كما في أفعال العباد. قوله : ( وقاء بوعده ) دفع لما يتوهم من لفظ عليه المقتضي للإيجاب الذي ذهب إليه بعضهم بأنه أوجبه على نفسه لوعده وعدا لا يخلفه فلذا قال عليه ، وقوله : مصدر نشأه الثلاثي لا المزيد فهو كالكفالة في المصادر الثلاثية. قوله : ( وهو ما يتأثل من الأموال ( أي يبقى ، ويدوم ببقاء نفسه أو أصله كالرياض ، والحيوان ، والبناء لأنّ المؤثل بمعنى الأصيل كما في قوله :(8/116)
ج8ص117
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
وتذكير ضمير القنية لرعاية الخبر ، وقوله : وإفرادها أي بالذكر مع دخولها في قوله :
اً غنى ، وأشف بمعنى أنفس وأشرف. قوله : ( أو أرضى ( أي معناه أرضى فإنه جاء في كلامهم بهذا المعنى كقوله :
فأقنيت حبي عفة وتكرّما
وقوله وتحقيقه الخ هو من كلام الراغب يعني أنه بهذا المعنى مجاز من القنية أيضا كأنه ادخر الرضا ، والصبر لأنه ذخر من لا ذخر له ، وقد يقال إنه مراد من فسره بأفقر ليظهر فيه الطباق كأضحك ، وأبكى كما نقل عن الأخفش وغيره ، وقيل : إنّ الهمزة فيه للسلب والإزالة ، وهو احتمال أيضاً ، ودلّه در القائل :
هل هي إلا مدّة وتنقضي مايغلب الأيام إلامن رضي
قوله : ( يعني العبور الخ ( الشعري علم مشترك بين كوكبين ، وهما الشعريان الشعري
العبور بفتح العين المهملة ، والباء الموحدة والراء المهملة بعد الواو ، والغميصاء بغين معجمة مضمومة وميم مفتوحة بعدها ياء مثناة تحتية وصاد مهملة ومد من العبور بمعنى الدخول ، والغمص! وهو ما يسيل من العين زعموا أنهما ذهبا خلف سهيل فعبرت العبور المجرّة ، وتخلفت الغميصاء فبكت ، وهو من تخيلات العرب الكاذبة ، وفسرها بالعبور لأنها المتبادرة عند الإطلاق ، وعدم الوصف ووجهه كما أشار إليه أنها أعظم ، وأكثر ضياء وأنها التي عبدت دون الله في الجاهلية فلذا خصت بالذكر تجهيلا لهم بجعل المربوب ربا. قوله : ) ولذلك كانوا يسمون الخ ) كانت قريش إذا ذكرت النبيئ صلى الله عليه وسلم في مقام مخالفته لهم للغض منه سموه بذلك كما في قول أبي سفيان لقد أمر أمر ابن أبي كبشة وغيره كما في الأحاديث الصحيحة ، وهو أحد أجداده عتي! من قبل أمه على أقوال مختلفة في اسمه هل هو وهب أو وخز بن غالب سيد حزاعة إلى غير ذلك ، وكانوا يشبهون النبيئ جمنن به لمخالفته لقومه في ترك عبادة الأوثان لعبادة الشعري لأنهم يزعمون أن كل صفة في المرء تسري إليه من أحد أصوله فيقولون نزع إليه عرق كذا ، وعرق الخال نزاع. قوله : ( وقيل عاد الأولى قوم هود الخ ) قاله الزمخشري : ومرضسه المصنف لما سيأتي في سورة الفجر كما قاله الواحدفي : أن ارم عاد الأولى وأنها المرادة بقوله : أهلك عاداً الأولى فلا وجه للاعتراض بأنه مخالف لما سيأتي في الفجر إلا أنّ هذه رواية ضعيفة أيضاً. قوله : ( وقرئ الخ ( قد وقع في هذه الكلمة هنا كلام مضطرب مطوّل في كتب القرا آت ، والإعراب ، وتلخيصه انّ ابن كثير وابن عامر ، والكوفيين قرؤوا عاداً بالتنوين لصرقه باعتبار الحي أو أنه كهند وكسر والتنوين وسكنوا اللام ، وحققوا الهمزة بعدها وصلا فإذا ابتدؤوا أثبتوا همزة الوصل مع سكون اللام ، وتحقيق الهمزة ، وقرأ قالون بإدغام التنوين في اللام ، ونقل حركة الهمزة إلى لام التعريف ، وهمز الواو وصلا لضم ما قبلها كمؤسى فإذا ابتدأ فله ثلاث وجوه أحدها : ما مرّ والثاني والثالث إثبات همزة الوصل ، وتركها وقرأ ورش كقالون إلا أنه أبقى الواو على حالها ، وقرأ أبو عمرو كورش وصلا وابتداء وتوجيه القرا آت ظاهر فإن أردت تفصيله فارجع إلى الدر ألمصون. قوله : ( لآنّ ما بعده ( وهو أبقى لا يعمل فيه لأن ما
النافية لها صدر الكلام قيل ، والفاء أيضاً مانعة فلا يتقدم معمول ما بعدها عليها ، وقيل هو منصوب بأهلك مقدر ، ولا حاجة إليه ، وقوله : بغير تنوين لمنع صرفه كما مرّ مرأرا ، وقوله : فما أبقى الفريقين بتقدير المفعول ، وقيل : التقدير فما أبقى عليهم ، وقيل : فما أبقى منهم أحداً وقوله : حراك بكسر الحاء المهملة مصدر ، وقيل : إنها مفتوحة والمراد به القدرة على التحرّك. قوله : ( ثعالى من قبل ) صرّح بالقبلية لأنّ نوحا عليه الصلاة والسلام آدم الثاني وقومه أوّل الطاغين والهالكين ، والمؤتفكة تقدم تفصيلها ونصبها بالعطف أيضا فأهوى جملة مستأنفة أو بأهوى ، وتقديمه للفاصلة ، وأهوى بمعنى ألقى من علو وطرح كما أشار إليه بقوله : بعد أن رفعها الخ. قوله : ( فيه ( أي في التعبير بالموصول ، وما ذكر تهويل أي تخويف بإبهامه للإشارة إلى أنه مما لا تحيط به العبارة ، وأن نطاق التعبير تفصيلا عنه قصير ، والتعميم لما أصابهم منه أيضاً لأنه من صيغ العموم فيشعر بأنه غشيها كل ما يمكن أن يغشى من العذاب سواء قلنا إنّ ما مفعول ثان ، والتضعيف للتعدية أو فاعل ، وهو(8/117)
ج8ص118
للتكثير والمبالغة ، ولش! التعميم من الإيقاع على ضمير القربة المقتضي لشموله لمن فيها بطريق اللزوم لأنه لو أريد هذا قيل لمن أصابهم ، وتأويله تعسف ، ولا إنه من حذف مفعول غشي لأنه متعين بقرينة ما قبله 0 قوله : ( تتشكك ) إشارة إلى أن التفاعل مجرّد عن التعدد في الفاعل ، والفعل للمبالغة في الفعل فلا حاجة إلى تكلف ما قيل إنّ فعل التماري للواحد باعتبار تعدد متعلقه ، وهو الآلاء المتماري فيها ، وقوله : والخطاب للرسول ، والمراد منه أمتة تعريضا كما قيل :
إياك أعني فاسمعي يا جاره
فلا وجه لاعتبار الالتفات ، وقوله : أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب فهو مجاز ، وقوله : والمعدودات أي الأمور المذكورة من قوله أم لم ينبأ الخ والنعم في الخلق ، والإحياء ، والإضحاك والإغناء ونحوه ، والنقم في الإهلاك ، والإبكاء والجزاء ونحوه ، والآلاء النعم خاصة جمع إلى فسمي الكل نعماً لما في النقم المذكورة من نعم لا تعد كما فصله المصنف ، والمقام غير مناسب للتغليب. قوله : ( هذا القرآن ) المدلول عليه بقوله : أم لم ينبأ فإنّ إنباءه بالوحي النازل عليه ، وقوله : إنذار كما في النسخ الصحيحة إشارة إلى أنّ النذير مصدر كما مرّ ،
وكذا في قوله : الإنذارات إشارة إلى أن النذر جمع نذير المصدر ، وقوله : أو هذا الرسول المخاطب قبله ، والمنذرين من سبق من الرسل ، والنذير على هدّا بمعنى المنذر كما يلوّح إليه كلام المصنف ، وقوله : الأوّلين إشارة إلى أنّ الأولى في معنى الأوّلين بتأويل الفرقة والجماعة الأولى لأن الجمع مؤنث ، ولرعاية الفواصل اختير على غيره. قوله : ( دنت الساعة الموصوفة بالدنو الخ ) يعني أنّ اللام في الآزفة للعهد لا للجنس لئلا يخلو الكلام عن الفائدة إذ لا معنى لوصف الفريب بالقرب كما قيل ، ولذا قيل : إنّ الآزفة علم بالغلبة للساعة هنا ، وفيه نظر لأن وصف القريب بالقرب يفيد المبالغة في قربه كما يدل عليه الافتعال في اقتربت فتأمّل. قوله : ( ليس لها نفس قادرة على كشفها ( أو حال كاشفة أو التاء للمبالغة كعلامة قيل ، والمقام يأباه لإيهامه ثبوت أصل الكشف لغيره تعالى ، وفيه نظر أو هو مصدر بني على التأنيث ، والكشف إمّا بمعنى العلم لحقيقتها أو التبيين كما في قوله : { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ } [ سورة الأعراف ، الآية : 87 ا ] أو بمعنى الإزالة ومن دون الله بمعنى غنر اللّه والا الله ، والمراد بكاشفة قادرة على الكشف لا إنها لم تكشف كما أشار إليه بقوله لكنه لا يكشفها ، والكشف على التفسيرالأوّل الإزالة ، وعلى الثاني بمعنى التأخير لأنه إزالة مخصوصة ، وقوله : كاشفة لوقتها أي مبينة ومعينة لوقوعها ، وقوله : من غيرالله تعالى لأنها من المغيبات. قوله : ( 1 نكارا ) قيده به لأنه قد يكون استحسانا ، وكذا قوله : استهزاء أي لا مسرة به ، والتحزن تكلف الحزن وهو في محزه هنا ، وقوله : لا هون أي عن تذكر ما فرطتم فلا وجه لما قيل إنّ المناسب تقديمه على قوله : ولا تبكون مع أنه مؤكد لقوله : تضحكون فلا يحسن الفصل بينهما بأجنبيّ كما لا يخفى ، وهذا مما لا ينغي ذكره وقوله : من سمد أي على الوجهين ، وقوله : دون الآلهة مأخوذ من لام الاختصاص ، والسياق ، والحديث المذكور موضوع ( تمت ) السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وسحبه.
سورة القمر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية وآيها خمس! وخمسون ) استثنى منها بعضهم إق المتقين الآيتين ، وبعضهم سيهزم الجمع الخ وسيأتي ما فيه ، وما له وما عليه. قوله : ( روي أنّ الكفار ( لا شك في أنه روي أنّ القمر انشق على عهده ع!ير وأنه من المعجزات الباهرة المنقولة في الأحاديث الصحيحة من طرق متعددة ، وأمّا كونه متواتراً فليس بلازم وقد قال الإمام الخطابي : إن معجزاته صلى الله عليه وسلم غير القرآن لم تتواتر ، والحكمة فيه أنها لو تواترت كانت عامة والمعجزة إذا عمت أهلك الله من كذبها كما جرت به العادة الإلهية ، والنبيّ ىلمج!ه بعث رحمة وأمّن الله أمّته من عذاب الاستئص!ال ، وأما القول بتواتره المذكور في شرح المواقف فقد سبقه إليه السبكي ، وقال في شرح مختصر ابن الحاجب إنه اختلف في تواتره ، والصحيح عندي ثبوته فلا وجه للاعتراض على ما في شرح الموافف ، والقول بأنه لعله ظفر بنفل فيه مع وجود النقول ، وأغرب(8/118)
ج8ص119
منه قوله : إنّ حديث ( من كذب على ( الخ قالوا : إنه غير متواتر مع أن رواه ستون من الصحابة فيهم العشرة المبشرة إذ لا يلزم مع تواتر هذا تواتر ذاك لجواز تخلف شرط فيه ، وسبب تعرّضهم للتواتر طعن بعض الملاحدة بأن القمر يشاهده كل أحد فلو انقسم قطعتين تواتر ، وشاع في جميع الناس ، ولم يخف على أحد ، والطبائع حريصة على إشاعة ما لم يعهد مثله ولا أغرب من هذا مع أنّ الملازمة غير لازمة لأنه في الليل ، وزمان الغفلة ولا يلزم امتداده ، ولا أن يرى إذ ذاك في جميع الآفاق لاختلاف المطالع ، وقد قيل إنه وقع مرتين أيضا. قوله : ( فانشق القمر ) قيل : لم يقل فشق إشارة إلى أنه فعل الله أظهره على يديه ولو قيل إشارة إلى أنه في ذاته قابل للخرق والالتئام رداً على ملاحدة الفلاسفة كان أحسن. قوله : ( وقيل الخ )
فالتعبير بالماضي لتحققه كما مرّ تحقيقه وقوله : ويؤيد الخ وجه التأييد إنها حينئذ جملة حالية فتقتضي المقارنة لاقترابها ووقوعه قبل يوم القيامة ، وكذا قوله : { وَإِن يَرَوْا } الخ فإنه يقتضي أنّ هذه معجزة رأوها وأعرضوا عنها ، وقيل أيضاً التعبير بالاقتراب في مقابله ، وهو الساعة / يقتضي وقوعه جسب الظاهر ، وفيه نظر لجواز وقوعه بعد بعد في المستقبل ، وقوله : قوله : وأن يروا الخ معطوف على فاعل يؤيد. قوله تعالى : ( { وَإِن يَرَوْا } آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمرّ ) وجه التأييد فيه كما في شرح الآثار للطحاوي أنه دليل على انشقاقه في الدنيا لأنّ الآيات إنما تكون قبل يوم القيامة لقوله ، وما نرسل بالآيات إلا تخويفا نعوذ بالله من خلاف الصحابة والاستكبار عن اتباع مذاهبهم كما قال تعالى : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ } [ سورة الأعراف ، الآية : 46 ا ] الآية انتهى ولو لم يكن الانشقاق من جنس الآيات لم يكن هذا القول مناسباً للمقام كما قيل وفيه بحث لأنه لو كانت هذه الجملة حالية والمعنى أنّ الساعة اقتربت ، وانشقاق القمر فيها دنا زمانه ، وظهرت آثاره والحال أنهم مصرّون على العناد كان منتظما أتم انتظام ولا ضير فيه سوى مخالفته للمنقول عن السلف في تفسيرها فتأمّل. قوله : ( مطرد ) فالاستمرار على هذا بمعنى الدوام ، وقوله : وهو يدل أي هذا الكلام على تفسير الاستمرار يدل على ما ذكر لأنّ النكرة في سياق الشرط تعمّ فكونهم كلما رأوا آية نسبوها إلى السحر دال على ترادف الآيات وتتابع المعجزات ، وأمّا كون استمراره بالإضافة إلى الأشخاص لما روي من أنّ المشركين استخبروا السفار والقادمين عن الانشقاق فلما أخبروهم برؤيته قالوا : سحر مستمرّ أي عام لنا ، ولغيرنا فلا ينافي هذا كما توهم لأنّ تعدد الآيات لا ينافي تعدّد من اطلع على آية منها. قوله : ( أو محكم ) تفسير آخر لمستمرّ من المرّة بالفتح والكسر بمعنى القوّة ، وهو في الأصل مصدر مررت الحبل مرّة إذا فتلته فتلاً محكماً فأريد به مطلق المحكم كما مرّ مجازا مرسلاً ، والمحكم بالفتح والمستحكم بالكسر لأنّ فتحه خطأ للزوم فعله بمعنى فالقول بأنّ الظاهر المستحكم مكان المحكم خطأ أو تحكم. قوله : ( أو مستبشع ) أي مستمرّ بمعنى مستبشع أي منفور عنه لشدة مرارته ، وهو مجاز أيضاً واستبشاعه في زعمهم ، وقوله : أو مارّ تفسير لمستمرّ وفسر المارّ بأنه ذاهب لا يبقى وهذا تعليل ، وتسلية لهم من أنفسهم للأماني الفارغة ، وأنّ حاله صلى الله عليه وسلم وما ظهر من معجزاته سحابة صيف عن قرب تنقشع ، { وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }
[ سورة التوبة ، الآية : 32 ] . قوله : ( وذكرهما بلفظ الماضي الخ ) مع أنّ أصل الشرط والجزاء الاستقبال فلا يعدل عنه بلا نكتة ، وما عطف عليه له حكمه فالعدول فيه مع تقدم التعبير عنه بالمستقبل محتاج لنكتة ، وهي ما ذكر فالقول بأنه لا دخل ليعرضوا فيه لا وجه له ، ولما كان الإعراض يستلزم التكذيب عبر في أحدهما بالماضي بعد التنبيه على استمراره في المستقبل بالمضارع فإن عطف هذا على اقتربت كان ما بينهما اعتراضاً لبيان عادتهم إذا شاهدوا الآيات. قوله : ( منته إلى غاية الخ ) ظاهره أنه على العموم لا مخصوص بأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم كما قيل لكنه هو المقصود منه رداً على الكفار في تكذيبهم له ، ويجوز تخصيصه بأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم دون غيره من الناس ، وعلى التعميم هو تذييل بما هو كالمثل ولو أبقى على عمومه للعقلاء ، وغيرهم كان وجها آخر وهو المذكور في الكشاف مقابلاَ لهذا ، وقوله : فإنّ اليء الخ بيان للتلازم بين الانتهاء ، والاستقرار حتى يكون الثاني كناية عن الأوّل لا مجازاً لصحة إرادة معناه الحقيقي فلا وجه لما قيل من أنه بيان للعلاقة(8/119)
ج8ص120
المصححة للتجوّز ، ولش! هذا منافياً لقوله :
وكل شيء بلغ الحدّ انتهى
فإنه مقام آخر غير ما نحن فيه فتدبر.
قوله : ( وقرئ بالفتح ) أي فتح القاف ، واختار المصنف أنه على هذه القراءة مصدر ، وحمله على كل أمر بتقدير مضاف فيه ، ولو لم يقدر وقصد المبالغة صح ، وجوّز الزمخشريّ كونه اسم زمان أو مكان ، وهو محتاج أيضا إلى تقدير مضاف لأنّ الأمر ليس عين الزمان أو المكان ، ولم يلتفت إليه المصنف لا لهما لا له كما توهم بل لظن أنه قليل الجدوى فيما قيل إذ كون كل أمر لا بد له من مكان أو زمان أمر معلوم لا فائدة فيه ، وفيه نظر لأنّ فيه إثبات الاستقرار له بطريق الكاية ، وهي أبلغ من الصريح فتأمّل. قوله : ( وكل ) بالرفع بغير تنوين على الحكاية أو منوّن لعدم قصد الحكاية ، وهو مبتدأ أو معطوف على محل اسم أنّ ، وهذا على هذه القراءة ، واعترض عليه بأنه يعيد لكثرة الفواصل ، وليس بشيء لأنه إذا دل عليه الدليل لا مانع منه وأمّا القول بأنه خبر جر على الجوار فلا يليق ارتكابه من غير ضرورة تدعو لمثله ، وقيل : كل مبتدأ خبره مقدر كآت أو معمول به أو نحوه وقيل خبره حكمة بالغة. قوله : ( من الأنباء ) هو حال من ما قدّم عليه رعاية للفاصلة ، وتشويقا لما بعده ومن للتبعيض أو للتبيين بناء على جواز تقديمه على المبين ، وفيه خلاف للنحاة ، وقال الرض : إنما جاز تقديم من المبينة على المبهم في نحو عندي من المال ما يكفي لأنه في الأصل صفة لمقدّر أي شيئء من المال ،
والمذكور عطف بيان للمبين المقدر قبلها ليحصل البيان بعد الإبهام ، وقوله : ازدجار فهو مصدر ميميّ ، وقد جعل اسم مكان ، ولكون ما فيه الازدجار لا موضع الازدجار لم يتعرّض له المصنف ولذا قالوا معنى ما فيه موضع الازدجار أنه نفس موضع الازدجار كقوله : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ سورة الأحزاب ، الآية : 21 ] أي هو أسوة لكم وهو من التجريد. قوله : ( من تعذيب أو وعيد ) بيان لما على تقدر مضاف أي نبأ تعذيب أو وعيد وأمّا كون النبأ بمعنى المنبأ به فهو وإن صح من غير احتياج لتأويل ما ذكر إلا أنه لا يناسب هنا لأنّ المتصف بالمجيء النبأ نفسه لا المنبأ به ، وفيه لف ونشر فالتعذيب راجع لكونه أنباء القرون الخالية والوعيد لكونه أنباء الآخرة ، وقوله : للتناسب متعلق بتقلب ، والمراد تناسب المخرج أو ليحصل التناسب لأن التاء مهموسة ، والحروف المذكورة مجهورة على ما بين في التصريف. قوله : ( غايتها ) مفعول لبالغة مقدر وفسر بلوغ الحكمة إلى غايتها بأنه لا خلل فيها إذ المعنى بلوغها غاية الأحكام فالخلل عدم مطابقتها للواقع أو جريها على نهج الحكم الإلهية وقوله : بدل أي بدل كل أو اشتمال وقوله : خبر لمحذوف تقديره هو أو هذه على أنّ الإشارة لما ذكر من إرسال الرسل ، وايضاح الدليل ، والإنذار لمن مضى من القرون أو إلى ما في الأنباء أو إلى الساعة المقتربة ، والآية الدالة عليها كما قاله الإمام ، وقوله : حالاً أو بتقدير أعني والصفة والصلة جملة فيه مزدجر ، وقوله : فيجوز نصب الحال عنها أي مع تأخرها وهو أمر مقرّر في النحو غنيئ عن البيان. قوله : ( فأيّ غناء تغني النذر ) يعني أنها على الاستفهام في محل نصب على أنها مفعول مطلق ، ويجوز أن تكون مبتدأ والعائد مقدر كما قاله ابن هشام. قوله : ) أو مصدر ) عطف على جمع نذير وفي نسخة أو المصدر بالتعريف عطف على المنذر قيل وتركه احتمال أن يكون جمع نذير بمعنى الإنذار على النسخة الأولى لأن حق المصدر أن لا يثنى. ولا يجمع وترك احتمال المصدرية على الثانية لاحتياج تأنيث الفعل حينئذ للتأويل ، ويؤيد الأولى قوله : بمعنى الإنذار دون أو الإنذار عطفاً على المنذر ، ويؤيد الثانية قوله في تفسير قوله : { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } [ سورة القمر ، الآية : 16 ] إن النذر يحتمل المصدر ، والجمع حيث لم يسكت عنه ثمة ، ولو قدمه هنا تركه هناك كما هو دأبه ، وفي القاموس أنذره أعلمه ، وحذره وخوفه والنذر بضم وضمتين هو الاسم منه فتأمّل. قوله : ( لعلمك بأنّ الإنذار لا يغني فيهم ( وفي نسخة عنهم وهو إشارة إلى أن الفاء للسببية ، والمسبب التولي أو الأمر به ، والسبب عدم
الإغناء أو العلم به فإن أريد بالتولي عدم القتال فهي منسو! ، وإن أريد ترك الجدال للجلاد فلا والظاهر الأوّل. قوله : ( ويجورّ أن يكون الدعاء ( أي للإعادة فيه كالأمر في قوله : كن للإبداء على أنه تمثيل ، والداعي حينئذ هو اللّه كما مرّ تفصيله في سورة ق ، وفي تفسير قوله : { كُن فَيَكُونُ } . قوله : ( وإسقاط الياء ) أي من الداعي تخفيفا واجراء(8/120)
ج8ص121
لأل مجرى التنوين لأنها تعاقبه ، والشيء يحمل على نظير. وضده ، وقوله : وانتصاب يوم أي على الظرفية والعامل فيه ما ذكر ، وإذا قدّر إذكر فنصبه على أنه مفعول به ، وقوله : بالتخفيف أي بتسكين الكاف أو هو الأصل فيه ، والضم للاتباع ولم ينصب يوم بقوله : فتول على أنّ المراد التولي في يوم القيامة عن الشفاعة لهم لأنه حيث ذكر في القرآن بعد الإنذار فهو في الدنيا ، والقرآن يفسر بعضه بعضا ، وقوله : قرئ نكر أي مجهول الثلاثي لأنه متعد كما في قوله : نكرهم. قوله : ( لأنها لم تعهد مثله ) وفي نسخة تشهد أي تشاهد أو تحضر ، وهما متقاربان ، وهو كناية عن شدة الفظاعة لأنه في الغالب منكر غير معهود ، وقد جوّز فيه أن يكون من الإنكار ضد الإقرار ، وقوله : يخرجون الخ جعل خاشعاً حالاً من فاعل يخرجون وفي إعرابه وجوه أخر ككونه مفعولاً به ليدعو أو حالا من ضمير عنهم أو من مفعول يدعو المقدر إذ تقديره يدعوهم كما فصله المعرب ، وقوله : لأنّ فاعله الخ الأوّل تعليل للأوّل ، وكلاهما تعليل للثاني ، وقوله : على الأصل وهو تأنيث الجمع ، وقوله : خشعا بضم فتشديد جمع خاشع ، وقوله : ولا يحسن الخ لأنّ فاعل الصفة إذا كان ظاهراً سواء كانت نعتا سببياً لجمع أولاً لا يجمع في اللغة الفصيحة جمع المذكر السالم بخلاف جمع التكسير كما سنفصله. قوله : ( لآنه ليس على صيغة تشبه الفعل الخ ( إشارة إلى ما فصله النحاة فيما إذا رفعت الصفة اسما ظاهراً مجموعا فإنها تجري مجرى الفعل في المطابقة ، وعدمها قال في التسهيل فإذا أمكن تكسيرها فهو أولى من أفرادها كمررت برجل قيام غلمانه هو أفصح من قائم غلمانه ، وهذا قول المبرد ومن تبعه والسماع شاهد له كهذه القراءة وقول امرئ القيس :
وقوفا بها صحبي عليّ مطيهم
ونحوه وقال الجمهور : الإفراد أولى ، والقياس معهم ، وقيل : إن تبع مفرداً كرجل قائم
غلمانه فالأفراد أولى ، وإن تغ جمعاً كرجال قيام غلمانهم فالجمع أولى ، وأمّا التثنية وجمع المذكر السالم فعلى لغة أكلوني البراغيث ، والمصنف مشى على مذهب المبرد ، والزمخشريّ مع الجمهور فقوله : على صيغة الخ يعني أنه إذا كسر اسم الفاعل لم يشبه الفعل لفظاً فحسنت فيه المطابقة بخلاف ما إذا جمع جمع مذكر سالم فإنه لم تتغير زنته وشبهه للفعل فينبغي أن لا يجمع على اللغة الفصيحة لكنه في الاسم أخف منه في الفعل كما قاله الرضي ووجهه ظاهر ويجوز أن يكون فيه ضمير مستتر والظاهر بدل منه. قوله : ( فتكون الجملة ( أي الأسمية حالاً مرتبطة بالضمير بغير واو وقد مرّ الكلام عليه في البقرة ، والأعراف وما فيه ، وقوله : في الكثرة بيان لوجه الشبه فهو تشبيه محسوس بمحسوس ، ووجه الشبه محسوس مركب من أمور متعدّدة لا متعدّد ، وقوله : والانتشار في الأمكنة إشارة إلى أنّ منتشر من الانتشار بمعنى التفرّق ، وقيل : إنه مطاوع نشره بمعنى أحياه فهو بيان لكيفية خروجهم من الأجداث ، وقد دبت فيهم الحياة ، وما ذكره المصنف أظهر ، وجملة كأنهم الخ. حالية بمعنى مشبهين الخ. قوله : ( مسرعين الخ ) كذا فسره الراغب ، وورد بهذين المعنيين في كلام العرب ، وأصل معنا. مد العنق أو مدّ البصر ، ثم كني به عن الإسراع أو النظر والتأمل ، ولبعضهم هنا كلام تركه أولى من ذكره. قوله : ( قيل قومك الخ ) الأولى تقديمه على قوم نوح ، وهذا الضمير ليس كالسوابق عليه عاما فيكون عودا إلى الأوّل ، وقوله : يوم يدعو الداعي اعتراض ، ويدخل فيهم هؤلاء دخولاً أوّلياً ، ولك أن تخص الضمائر فيها خاصة بهؤلاء أيضا ، وهذا تخويف لهؤلاء ، وتسلية له صلى الله عليه وسلم بأنّ هذه عادة الكفار ، وقد انتقم الله منهم ، وسينتقم من هؤلاء ، ولذا قال قبلهم ، والا فلا فائدة فيه ، وقوله : وهو تفصيل الخ ، ولما كانت مرتبة التفصيل بعد الإجمال مصدر بالفاء التعقيبية ، وفي الوجه الأول المكذب هو المكذب في الموضعين وفي الثاني المكذب بالكسر متعدد ، وفي الثالث المكذب بالفتح متعدد ومبني الأوّل على تنزيل كذب منزلة اللازم بمعنى فعل التكذيب ، والمراد تكذيب نوج عليه الصلاة والسلام ، ولم يجعل من التنازع لأنّ شرطه أن لا يكون الثاني تأكيداً ، وهو هنا كذلك ، ومبني الثالث على حذف المفعول ، وهو مطلق الرسل كما ذهب إليه الزمخشريّ ، والفاء سببية أو ما عدا نوحاً كما ذهب إليه المصنف ، والفاء تعقيبية ، وقوله : كلما خلا الخ ففيه اكتفاء بمرتبة ، ويجوز أن يكون معنى الأوّل قصدوا التكذيب ، وابتدؤه ومعنى الثاني(8/121)
ج8ص122
أتمو. ، وبلغوا نهايته كما قيل في قوله :
قد جبر الدين الإله فجبر
ولم يرتض المصنف ذينك الوجهين لأنّ الظاهر الاتحاد فيهما. قوله : ( وزجر عن التبليغ )
أي منع بشدة كالضرب ، والشتم عن تبليغ رسالته ، وهذا أخبار من الله بما قاساه نوح عليه الصلاة والسلام ، وعلى ما بعده فهو من مقول كفرة قوم نوح ، ولذا حمل الزجر فيه على مس الجن له لأنه المناسب لقولهم مجنون ، ولكونه غير ظاهر من قوله : ازدجر مرّضه كأنه لما مسه الجنون من الجن عدل عن مسلك العقلاء فشبه بمن زجرته الجن ، وصرفته عن طرق الصواب ففيه استعارة حينئذ ، ولا قرينة عليها ، وقال الراغب : الزجر طرد بصوت ولصياحهم بالمجنون إذا طردوه قيل لمن جن : ازدجر فليس الزجر بمعنى التكهين كما توهم. قوله : ( على إرادة القول ) بطريق التضمين ليعمل في الجمل ، وهدّا أحد القولين في مثله ، والآخر أنّ ما فيه معنى القول يحكي به الجمل من غير تقدير حملا له على ما هو بمعناه ، والمسألة مشهورة ، وقد تقدّم تقريرها مراراً. قوله : ( غلبني قومي ) فعصوني ، وهذا هو الظاهر ، وقيل : غلبتني نفسي حتى دعوت عليهم بالهلاك ، وما ذكره المصنف من الرواية لا تناسبه وخنقه من باب نصر معناه واضح ، وقوله : فانهم الخ أي الحامل لهم على فعلهم هذا غلبة الجهل بالله ورسله عليهم الصلاة والسلام عليهم. قوله : ( وهو ) أي قوله : ففتحنا الخ مبالغة لجعل أبواب السماء تفتحت ، وخرجت منها المياه كما تخرج من الترع ، والجسور المفتحة ، وجعل الماء لشدته هو الذي فتحها إن كانت الباء للآلة ، والاستعانة ، ولدّا رجح هذا على جعلها للملابسة ، ونسبته إلى اللّه بضمير العظمة ، وهذا أبلغ من قولهم جرت ميازيب السماء ، وفتحت قرب الجوّ. قوله : ( وتمثيل لكثرة الأمطار ( أي استعارة تمثيلية بتشبيه تدفق المطر من السحاب بانصباب أنهار انفتحت لها أبواب السماء ، وشق لها أديم الخضراء ، ولو أبقى على ظاهره من غير تجوّز لم يمنع منه مانع إذ ورد في الأحاديث أنّ السماء لها أبواب ، وأنّ بعض الأنهار يخرج منها كالنيل ، والفرات فلا مانع من حمله على الحقيقة أيضا ، وقوله : لكثرة الأبواب فالتفعيل لتكثير المفعول وهو أحد معانيه. قوله : ) وأصله وفجرنا الخ ) فالتمييز للنسبة ، وهو محوّل من
المفعول ، وقد يكون محوّلاً عن الفاعل ، وهو الأكثر ، ولذا جعل هذا منه على أنّ الأصل انفجرت عيون الأرض فإنه يكون محوّلاً عن فاعل الفعل المذكور أو فاعل فعل آخر يلاقيه في الاشتقاق ، وهو تكلف لا حاجة إليه ، وقوله : فغير أي عن المفعول إلى التمييز للمبالغة بجعل الأرض كلها متفجرة مع الإبهام ، والتفسير ، وقوله : ماء السماء ، وماء الأرض فالماء جنس شامل لهما بقرينة ما قبله ، ولأنّ الالتقاء يقتضي التعدد ، وقوله : لاختلاف النوعين أي ثني لقصد بيان اختلاف نوعيهما والا فالماء شامل لهما ، وقوله : بقلب الهمزة واوا لتطرفها بعد ألف وفيه إشارة إلى أنّ ماء الأرض فار بقوّة وارتفع حتى لاقى ماء السماء ففيه مبالغة لا تفهم من الأفراد. قوله : ( على حال قدرها الله الخ ) ذكر فيه وجوها الجار ، والمجرور حال فيها ، وعلى الأوّل القدر فيه مقابل القضاء ، والأمر واحد الأمور بمعنى الشأن أي التقت المياه واقعة على حال كانت معينة عليه في الأزل لا تتفاوت ، وقوله : أو على حال الخ هي كالوجه الأوّل في الأحوال كلها إلا أن قدر عين له مقدار فكل ما خرج أو نزل مقداره معين ، والثالث معنى قدر كتب في اللوح المحفوظ أو هو من التقدير كما في الوجه الأوّل إلا أنّ على فيه للتعليل ، والجارّ والمجرور يحتمل تعلقه بالتقى على هدّا ، وفيه ردّ على أهل النجوم إذ جعلوه لاجتماع الكواكب السبعة في برح مائيّ بأنه بمحض تقديره تعالى لما قدر إهلاك هؤلاء لا لما ذكروه فتأمّل. قوله : ( ومسامير ) هذا أحد الأقوال فيها ، وقيل هي أضلاعها ، وقيل : حبال من ليف تشدّ بها السفن ودسار بكسر الدال المهملة ، وقيل : إنها جمع دسر كسقف وسقف ، وقوله : وهو الدفع فسميت بها المسامير لأنها تدق فتدفع بشدّة ، وقوله : تؤدّي مؤذاها فالصفات أريد بها الكناية عن موصوفاتها كما يقال : كناية عن الإنسان طويل القامة عريض الأظفار بادي البشرة ونحوه ، ولذا كان من بديع الكلام ، وبليغه كما في الكشاف. قوله : ( بمرأى ) أي بمكان ترى ، وتشاهد فيه هذا أصل معناه ثم كني به عن الحفظ كما مرّ ، وقوله : فعلنا الخ يعني أنه مفعول له لفعل مقدر يعلم من جملة ما قبله من قوله : ففتحنا إلى هنا ، وقوله : لأنه نعمة الخ يعني(8/122)
ج8ص123
كفر من كفران النعمة فهو متعد بنفسه فيستعار لنوح النعمة بطريق الكناية ، وينسب له الكفران تخيلا أو حقيقة ، وقوله : على حذف الجاز على أنه من الكفر ضدّ الإيمان ، وأصله كفر به فحذف الجار واستتر الضمير فيه ، وعلى
قراءته مبنياً للفاعل فهو من الكفر أيضاً كما أشار إليه. قوله تعالى : ( { وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا } ) أي أبقيناها بناء على أنها أبقيت على الجودفي زمانا مديداً أو أبقينا خبرها أو أبقينا السفن ، وجنسها أو تركنا بمعنى جعلنا ، وقوله : الفعلة ، وهي إنجاء نوح ، ومن معه وإغراق غيرهم ، وقوله : على الأصل بذال معجمة بعدها تاء الافتعال ، وقوله : بقلب التاء ذا لا أي معجمة ، والقراءة الأولى بقلبها دالاً مهملة. قوله : ( والنذر ) بضمتين يحتمل أنه مصدر ويحتمل أنه جمع نذير بمعنى الإنذار بناء على نسخة المصدر بالتعريف كما مرّ في قوله : { فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ } [ سورة القمر ، الآية : 5 ] ولذا جعل النذير بمعنى الإنذار كما دلّ عليه قوله ، وانذاري بعده لا بمعنى المنذر ، ولا المنذر منه لأنّ الحمل على التأسيس أولى ، ولو كان على نسخة المصدر كان النذير بمعنى المنذر منه كما قيل ، والعطف لتغاير العنوان ، ومثله من قصور الإذعان فتدبر. قوله : ( أو هيأناه ) التهيئة رفع الموانع ، وإحضار الدواعي وقوله : من يسر ناقته هو الوجه الثاني ، ورحل بتشديد الحاء شذ الرحل على ظهر الناقة أو البعير والادكار كالاتعاظ لفظا ، ومعنى ، ويجوز تشديد كافه ، وقوله : متعظ إشارة إلى ترجيح الأوّل لأنه الأنسب ولذا لم يقل أو حافظ ، وتال كما قاله الإمام. قوله : ( كذبت عاد الخ ( لم يعطف هذا وما بعده إشارة إلى أنّ كل قصة مستقلة في القصد ، والاتعاظ ، وانذاري ، وفي نسخة وانذار بدون ياء وقد تقدم شرحه ، وعلى الوجه الأوّل العذاب ، والإنذار لعاد وعلى ما بعده العذاب لهم ، والإنذار لمن محداهم ، ولم يذكره أوّلا مع احتماله لأنه يفهم مما هنا جريانه فيهما فلا غبار عليه ، وقد مرّ ما في الصرصر في فصلت ، وغيرها فتذكره. قوله : ( استمرّ شؤمه أو استمرّ عليهم حتى أهلكهم ) الأوّل على كون مستمرّ صفة نحس والثاني على أنه صفة يوم ، وكلاهما على قراءة الإضافة التي قرأتها العامّة لا أنّ الثاني على قراءة التوصيف كما توهم ، وقوله : استمرّ شؤمه أي يستمرّ عليهم إلى الأبد فإنّ الناس يتشاءمون بآخر أربعاء في كل شهر ، ويقولون لها : أربعاء لا تدور قال الشاعر :
لقاؤك للمبكرفأل سوء ووجهك أربعاء لا تدور
إلا أنّ تشاؤمهم بالأربعاء التي لا تدور لا يستلزم شآمته في نفسه إلا أن ينبني على زعمهم ، وهو غير منالسب للمقام ( واعلم ) أنه روي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما كما
في الجامع الصغير ( آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمرّ ( وقال الحافظ ابن كثير في تاريخه من قال : إنّ يوم النحس يوم الأربعاء ، وأمثاله ففد أخطأ وخالف القرآن فإنّ في الآية الأخرى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } [ سورة فصلت ، الآية : 6 ا ] وهي ثمانية متتابعة فلو كانت نحسات في نفسها كانت جميع الأيام كذلك وهذا لم يقله أحد ، وأنما المراد أنها كانت نحسات عليهم اهـ فليتأمل وقوله : أو استمرّ عليهم أي زمان نحو ستة فاليوم بمعنى مطلق الزمان لأنه الذي يتصوّر استمراره سبع ليال وثمانية أيام فالاستمرار بحسب الزمان ، وقوله : حتى أهلكهم فيه تجوّز في إسناد الإهلاك إليه. قوله : ( أو على جميعهم الخ ) فالاستمرار الأوّل بحسب الزمان ، واستمرار هذا بحسب الأشخاص والأفراد وقوله : أو اشتد مرارته فمستمز بمعنى شديد المرارة وهو مجاز عن بشاعته وشدة هو له إذ لا طعم له وهو على هذا من المرارة في الطعم كما مرّ ، وقوله : وكان يوم الأربعاء آخر الشهر أي شهر شوّال أي كان ذلك اليوم الذي أرسل فيه الريح يوم الأربعاء لا أنّ إرسال الريح كان فيه فيوم اسم لا ظرف حتى يقال : أي ابتداؤه كان يوم الأربعاء كما قيل ، ولا يأباه قوله ، واستمرّ عليهم كما توهم فاسم كان ضمير اليوم لا ضمير الإرسال فتأمّل. قوله : ) فنزعتهم الريح الخ ) ضمير منها للشعاب والحفر لا للثلاثة لتكلفه وموتى حال من ضمير المفعول ، وقوله : منقلع تفسير منقعر لأنه بمعنى أخرج من القعر ، وتوله : وقيل الخ الفرق بينه وبين الأوّل أنه على هذا أشبهوا جثثا بدون رؤوس ، وفي الأوّل لم ينظر له ، والتذكير والتأنيث روعي في كل مكان للفاصلة. قوله : ) كرره للتهويل ( وللتنبيه على فرط عتوّهم ، وقوله : لما يحيق بهم في الآخرة فكان فيه(8/123)
ج8ص124
للمشاكلة أو للدلالة على تحققه على عادته تعالى في أخباره ، وقوله : بالإنذارات على أنه جمع نذير بمعنى إنذار أو منذر منه أو منذر فكل منها صحيح هنا قيل ، والأخير أظهر لاستلزامه ما عداه. قوله : ) من جنسنا أو
من جملتنا ) فالأوّل على أنه إنكار لإ ) . سال البشر دون الملك ، والثاني على أنه لإنكار إرساله دونهم مع أنهم أحق بالرسالة منه على زعمهم وقدم الأوّل لىلماء لترجيحه لعدم تكرّر. مع قوله : أألقي عليه الخ ، وقوله : على الابتداء ، والمسوّغ الاستفهام ، والتوصيف ، وقوله : للاستفهام لأنه يقتضي فعلاَ يدخل عليه في الأصل. قوله : ( منفردا لا تبع له ) جعل التغ واحدا أحسن من جعله جمعاً كخدم ، وقوله : دون أشرافهم يفهم من تنكيره الدال على عدم تعيته ، وكون خبر الواحد ليس بحجة لا مساس له هنا كما توهم ، وكذا تفسيره بما يعم البشر والملك ، وقوله : جمع سعير باعتبار الدركات أو للمبالغة والدلالة على الدوام ، وقوله : كأنهم الخ الداعي لاعتبار. في كلامهم أنهم منكرون للحشر ، وعذاب السعير فأشار إلى أنه ليس عن اعتقاد أنّ ثمة آخرة وسعير وإنما أرادوا تعكيس ما قاله والردّ عليه فقالوا : إن اتبعناك كنا كما نقول ، وقوله : وقيل الخ فهو اسم مفرد ومرّضه لأنه خلاف الظاهر ، ومسعورة بها شبه الجنون في حركاتها. قوله : ( حمله بطره الخ ) يعني أنّ الأشر البطر فوصف الكذاب به يدل على أنّ الداعي لكذبه بطره ، وقوله : عند نزول العذاب بهم فغدا لمطلق الزمان المستقبل ، وعبر به لتقريبه ، وقوله : حمله أشره على الاستكبار الخ هذا هو بعينه ما قدمه ، وبيناه لك فإنّ الترفع هو الاستكبار عن الحق ، وادعاؤه عين طلبه للباطل لكنه تفنق في العبارة ، ولعدم وقوف بعضهم عليه قال : لما سأل عن أنه كان ينبغي أن يتحد معنى الأشر فيهما أنه حمل الأشر على من حمله بطره على شيء منكر ، وهو معنى واحد مفصل إلى كونه الترفع في صالح ، والاستكبار في قومه فأعرفه. قوله : ( على الالتفات ) قال في الكشف أي هو كلام الله لقوم ثمود على سبيل الالتفات إليهم إمّا في خطابه لرسولنا صلى الله عليه وسلم نظير ما حكي عن شعيب في قوله : { فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ } بعد ما استؤصلوا هلاكاً وهو من بليغ الكلام ، وفيه دلالة على أنهم أحقاء بهذا الوعيد حتى كأنهم لحضورهم حول إليهم الوجه لبغي جناياتهم عليهم وأمّا في خطاب صالح عليه الصلاة والسلام ، والمنزل حكاية الكلام المشتمل على الالتفات ، وعلى التقديرين لا إشكال فيه كما توهم أن وفيه بحث فتأمّل. قوله : ( وقرئ الأشر ) أي بفتح الهـ كزة ، وضم الشين على أنه
صفة مشبهة حوّلت للضم للمبالغة كحذر وندس ، وهو من النوادر ، وقرى بضمتين على اتباع الهمزة للشين أيضاً ، وقوله : والأشرّ أي على أنه أفعل تفضيل ، وهو الأصل لكنهم لما تركوه إلى خير وشرّ ، والتزموا تخفيفه حتى لم يسمع على الأصل إلا نادرا عدوه مخالفاً للقياس كقوله :
بلال خير الناس ، وابن الأخير
وقال الجوهريّ : لا يقال الأشرّ إلا في لغة دريئة. قوله : ( مخرجوها وباعثوها ) إشارة إلى
أنّ الإرسال كناية عن الإخراج ، وأنّ المعنى الحقيقي الذي هو البعث مراد أيضاً وقدم الإخراج لأصالته في الإرادة ، وتقدمه في الوجود الخارجيّ ، وصاحب الكشاف عكس الترتيب لكون البعث أصل المعنى ، وتقدمه في الوجود الذهني ، ولأنه طول ذيل الإخراج بقوله : من الهضبة كما سألوا الخ ، والمراد الإخراج من الصخرة ، وبهذا التقرير اندفع ما أورد على الكشاف فتدبر. قوله : ( امتحاناً لهم ) يجوز أن تكون بمعناها المعروف ، والشرب كالنصيب من الماء ، وقوله : أو يحضر عنه غيره قيل معناه يمنع عن ذلك غير صاحبه ، وفيه أنّ الذي بمعنى المنع هو الحظر بالظاء لا بالضاد فلعله مبنيّ للفاعل أي بحضره صاحبه بنفسه أو يحضره غيره نائباً عنه ، وقيل : معناه يتحوّل عنه غير صاحبه ، وفي القاموس حضرنا عن ماء كذا أي تحوّلنا عنه فمن قال أو يحضر نائباً عنه فقدسها لأنّ المقصود ترديد كلام الله بين المعنيين لا بيان أنّ الحضور لا يختص بالحضور بنفسه بل جاز أن يحضر عنه نائبه كما لا يخفى وقيل أيضا يحضر مبنيّ للمفعول بمعنى يمنع عنه غير صاحبه لا على أنّ الحضور لغة المع حتى يقال : إنه تحريف من الحظر بالظاء بل على التجوّز بعلاقة السببية فإنه مسبب عن حضور صاحبه في نوبته ، وباب المجاز مفتوح لا سيما إذا اقتضاه المعنى أو هو مبنيّ للفاعل بالمع!نى المنقول عن القاموس ، ومن ذهب(8/124)
ج8ص125
عليه هذا ، وذاك قال ما قال ولو كان المراد ما ذكره لكفي أن يقول أو نائبه عطفاً على صاحبه اهـ ولا يخفى أنّ ما ذكره من الوجوه سائغ إلا أنّ ما نسبوه فيه إلى السهو ليس بصحيح لأنّ مراده بالنيابة ليست نيابة التوكيل حتى يكون الشربان واحداً بل صاحب النوبة الأخرى فيؤول إلى ما ذكروه فتأمّل.
قوله : ( فنادوا صاحبهم ( نداؤه لما أرادوه من عقرها لأنه أجرؤهم لأنداء استعانة ، وقوله :
قدار بوزن فعال بالضم اسم عاقر الناقة ، وأحيمر ثمود تصغير أحمر لقبه ، والإضافة للتمييز قد
ترد في الإعلام ، وقوله : فاجترا الخ يعني التعاطي إن كان مفعوله القتل فهو مؤوّل بالجراءة ، والقصد ليصح تفريع فعقر عليه لأنه عينه لو لم يؤوّل على هذا التقدير ، وإن كان مفعوله السيف فهو على ظاهره ، وأما تنزيل التعاطي منزلة اللازم على أنّ معناه أحدث ماهية التعاطي فعقر تفسير له لا مترتب عليه فلا يخفى ركاكته ، وفوله : تناول الشيء بتكلف أصل معناه تفاعل من العطاء ، وفسره الراغب بالتناول مطلقاً فما ذكر كأنه معنا. عرفا فلينظر. قوله : ( كهشيم المحتظر ( تشبيه لإهلاكهم وافنائهم والحظيرة زريبة الغنم ونحوها ، وقوله : كهشيم الحظيرة فهو على الفتح اسم مكان ، والمراد به الحظيرة نفسها أو التقدير كهشيم الحائط المحتظر فهو اسم مفعول أو لا يقدر له موصوف فالمحتظر الزرب نفسه. قوله : ( ريحاً تحصبهم ) وتنكيره لتأويله بالعذاب أو لأنه لم يرد به الحدوث فهو كناقة ضامر ، ولو فسره بملك يرميهم بالحصباء ، والحجارة كما ذكره في غير هذا المحل كان أظهر ، وقوله : في سحر فالباء بمعنى في أو هي للملابسة أو المصاحبة ، واليه أشار بقوله : مسحرين أي داخلين في وقت السحر لأنّ الأفعال يكون للدخول في مصدر الثلاثي ، والجار والمجرور عليهما حال وقوله : إنعاماً فسرها به ليتحد فاعله ، وفاعل المعلل فيظهر نصبه على أنه مفعول له ، ويجوز نصبه على المصدرية بفعل مقدر من لفظه أو بنجينا لأنّ التنجية إنعام فهو كقعدت جلوساً. قوله : ( أخذتنا بالعذاب ) إشارة إلى ما فيه من معنى المرّة ، والوحدة وأنه باق على معناه المصدري ، وإن تبادر منه العذاب فإنه لا ينافي معناه الوضعيّ كما توهم ، وقوله : فكذبوا الخ إشارة إلى أنه ضمن معنى التكذيب أو حمل عليه لأنه بمعناه فعدى بالباء تعديته ، ولولاه تعذى بفي ، وقوله : قصدوا الفجور بيان لحاصل معناه وأصله الطلب من راد إذا جاء وذهب ، وهذا من إسناد ما للبعض للجميع كما مرّ ، وصفقهم ضربهم بكفه مفتوحة ، وقوله : فقلنا الخ إشارة إلى تقديره لينتظم الكلام وقوله : على ألسنة الملائكة يعني أنه مجاز لإسناده إلى اللّه وهو في الحقيقة للملائكة فأسند للأمر ، وقوله : أو ظاهر الحال فيكون القائل ظاهر الحال فلا قول ، وأنما هو تمثيل. توله : ( ولقد صبحها بكرة ) البكرة أخص من الصباح فليس في ذكرها بعده ف ادة ، وقوله : غير مصروفة
للعلمية والتأنيث ، وقوله : يستقرّ بهم أي يدوم حتى ينتهي بهم إلى النار ، ولو قيل معناه لا يدفع عنهم أو يبلغ غايته كما مرّ جاز. قوله : ( كرر ذلك في كل قصة ( أي قوله : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [ سورة القمر ، الآية : 7 ا ] بعد ذكر العذاب والنذر فإنه وقع كذلك في القصص كلها مع تغيير يسير حيث قال : فذوقوا مكان فكيف كان ، وهذا هو مقتضى ما بعده لا أنه تعليل لتكرير ، ولقد يسرنا وحده لا فذوقوا لأن الأوّل للطمس ، والثاني للتصبيح كما قيل إذ قوله : مقتض لنزول العذاب يقتضي أنّ { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } من جملة المعلل ، وقوله : واستماع كل قصة الخ تعليل لتكرير قوله : فهل من مذكر ، وقوله : واستئنافا الخ تعليل لتكرير قوله ، ولقد يسرنا القرآن الخ ولما معه ، وقوله : في كل قصة الكل إمّا إفرادي أو مجموعي فتدبر. قوله : ( وهكذا تكرير قوله : { فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ) استطراد لبيان ما سيأتي في سورة الرحمن يعني تكراره لما في كل جملة قبلها بما هو نعمة صريحة أو ضمنية فكرّر ذلك للتنبيه ، والإيقاظ قال علم الهدى في الدرر ، والغرر التكرار في سورة الرحمن إنما حسن للتقرير بالنعم المختلفة المعددة فكلما ذكر نعمة أنعم بها ، وبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره ألم أحسن إليك بأن خوّلتك في الأموال ألم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا ، وكذا فيحسن فيه التكرير لاختلاف ما يقرّر به ، وهو كثير في كلام العرب ، وأشعارهم كقول مهلهل يرثي كليبا :(8/125)
ج8ص126
على أن ليس عدلاً من كليب إذاما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلاً من كليب! !ار!ف اهـ 51 من الدبور
على أن ليس عدلاً من كليب إذا خرجت مخبأة ا!رور
على أن ليس عدلاً من كليب إذا ما أعلنت نجوى الأمور
على أن ليس عدلاً من كليب إذا!ف اهـ خسوف من ا!كور
على أن ليس عدلاً من كليب غداة تلاتل الأمص ا!كبير
على أن ليس عدلاً من كليب إذا ماخارجارالمستجير
ثم أنشد قصائد أخرى على هذا النمط لولا خوف الملل أوردتها فأعرفه من لطائف العرب. قوله : ( اكتفى بذكرهم الخ ا لأنه رأس الكفر والطغيان ومدعي الألوهية فهو أولى بالنذر ، وأمّا أنه إشارة إلى إسلامه فما لا يلتفت إليه. قوله : ( يعني الآيات التسع ) كذا في الكشاف مع أنه قال النذر موسى ، وهارون وغيرهما من الأنبياء لأنهما عرضا عليهم ما أنذر به المرسلون ، ولا يخفى أنّ المناسب حينئذ أن يراد آيات الأنبياء كلهم كما جوّزه في قوله ، ولقد أريناه آياتنا كلها. قوله تعالى : ( { أَخْذَ عَزِيزٍ } ) منصوب على المصدرية لا على قصد التشبيه ، وقوله : أكفاركم الخ الاستفهام إنكاريّ في معنى النفي فكأنه والله أعلم بمراده لما خوّف كفارهم بذكر ما حل بالأمم السالفة مما تبرق ، وترعد منه أسارير الوعيد يقول لهم لم لا تخافون أن يحلى بكم ما حل بهم أأنتم خير منهم عند الله أم أعطاكم الله براءة من عذابه أم أنتم أعز منهم منتصرون على جنود الله ، وقوله : الكفار المعدودين يعني هؤلاء الأمم ، وعند الله راجع لقوله : مكانة ، ودينا أو هو متعلق بقوله : خير فيرجع للجميع ، وهو أتم فائدة ولو تعلق بمكانة لقربه جاز ، ولا وجه لجعله توهما كما قيل أو المعنى أنّ المنكر كونهم كذلك عند الله لا عندهم على زعمهم فالخيرية ليست بالمعنى المتعارف ، وقوله : يا معشر العرب فالخطاب عامّ للمسلمين وغيرهم ، والا لقال أأنتم فتأمّل. قوله : ( أم لكم بيراءة في الزبر الخ ) الخطاب فيه عامّ أيضاً ، والمعنى أم لمن كفر منكم براءة ، وقيل : هو خاص بالكفار ، وهو لا يلائم كلام المصنف لكه اختاره غيره ، وقوله : جماعة أمرنا مجتمع تفسير لقوله : جميع ليفيد وقوعه خبراً إذ ليس تأكيداً لقوله : منتصر والا لقال جميعاً بالنصب ، ويحتمل أنه جعل جميع بمعنى مجتمع خبر مبتدأ مقدّر ، وهو أمرنا أو هو إسناد مجازيّ ، وليس من قبيل :
أنا الذي سمتني أمي حيدره
كما توهم. قوله : ) ممتنع لا يرام ) كناية عن عدم المغلوبية فإنّ المغلوب يرإم ، ويطمع فيه عدوّه ، ولذا فسر انتصر بامتنع يقال : نصره فانتصر إذا منعه فامتنع ، وقوله : أو متصر من الأعداء أي منتقم منهم فقوله : لا يغلب راجع للوجهين معاولاً يغلب كناية عن كونه غالبا وليس المراد أنّ الانتصار لا يوجب الغلبة بل يكفيه عدم المغلوبية كما قيل لأنه غير ملائم للمقام ، وقوله : ينصر بعضنا بعضا تفسير لقوله : متناصر ، وهو إشارة إلى أنّ الافتعال بمعنى التفاعل كالاختصام ، والتخاصم. قوله : ( والتوحيد ( أي في قوله : منتصر ، وكان المطابق لنحن
منتصرون لكنه نظر لجميع ، ورجح جانب لفظه عكس { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } لخفة الأفراد ، ورعاية الفاصلة فإنّ جميع مفرد لفظاً جمع معنى فروعي جانب لفظه لما ذكر ، وليس من مراعاة جانب المعنى في جميع أوّلاً ثم مراعاة جانب اللفظ ثانياً على عكس المشهور كما قيل. قوله : ( وإفراده لإرادة الجنس ) الصادق على الكثير ، وهذا مصحح والمرجح رعاية الفواصل ومشاكلة قرائنه وقوله : أو لأنّ كل واحد يولي دبره على حد كسانا الأمير حلة كما مرّ ، والمرجح ما مرّ ، وقوله : وهو من دلائل النبوّة لأنّ الآية مكية ففيها أخبار عن الغيب ، وهو من معجزات القرآن ففيه ردّ على من زعم أنّ هذه الآية مدنية لأنّ غزوة بدر بعد الهجرة كما مرّ ، وقوله : فعلمته أي المراد من هذه الآية وتأويلها ، وهذا الحديث صحيح متصل رواه الطبراني ، وغيره عن عكرمة ، وهو صريح فيما ذكره المصنف من أنها مكية من دلائل النبوّة كما صححه ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف فأعرفه. قوله : ( موعد عذابهم ) فهو المراد منه ، وهذا بيان لحاصل المعنى أو هو إشارة إلى تقدير مضاف فيه ، وقوله :(8/126)
ج8ص127
الأصليّ فسره بقوله ، وما يحيق أي يحيط بهم ، ويلحقهم طليعة له أي مقدّمة من طليعة الجيش ، وهي طائفة تتقدمه ، وقوله : والداهية إشارة إلى أنّ أدهى بمعنى أعظم داهية فتفسيره باشد بيان للمراد منه ، وقوله : لدوائه أي لما يزيله وينفع من نزل به فهو استعارة هنا ، وقوله : وأمرّ مدّاقا لم يفسره بأقوى على أنه من قولهم ذو مرّة أي قوّة لأنه يفهم من قوله : أشد قبله. قوله : ( عن الحق في الدنيا ) ذكر في الكشاف في الضلال ، والسعر وجهين أوّلهما في هلاك ، ونيران وثانيهما ما ذكره المصنف فكأنه رأى الأوّل لذكر النيران مخصوصاً بالآخرة لأنه لو كان على التوزيع كان عين ما بعده ، ولا مجال لكونه في الدنيا ، وعليه فذكر الهلاك ليس فيه كبير فائدة حيحثذ ، ولذا جوّزه في قوله ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً قيل : فيوم يسحبون منصوب بالقول المقدر في : ( ذوقوا م! سقر ) وفي انتصابه بمتعلق سعر تكلف كتعلق عند الله بخير قبيله ، والعجب لمن تغطن له هنا فلم يجوّزه أنه جوّزه هناك وقد جعل منصوبا بذوقوا فالخطاب لمن خوطب في قوله : كفاركم أي ذوقوا أيها المكذبون
محمداً صلى الله عليه وسلم يوم يسحب المجرمون المتقدمون ، والمراد حشرهم معهم والتسوية بينهم في الآخرة كما ساووهم في الدنيا ( قلت أليس هذا بمحل العجب لأنه فيهما جائز حيث تعلق بعامل في أمور ، وكان تعلقه باعتبار بعضها هنا ، وأئا ثمة فيجوز تعلقه بالجميع ، ولو سلم فهذا يدل على صحته بتكلف لا على منعه فالعجب من ابن أخت خالته لمن تدبر النظر في مقالته. قوله : ( ذوقوا حرّ النار وألمها ) في الكشاف مم!ق سقر كقولك : وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب لأنّ النار إذا أصابتهم بحرّها ولحقتهم بإيلامها فكانها تمسهم مسا بذلك كما يمس الحيوان ويباشر بما يؤذي أن فقيل : أراد أنها مكنية ، وقيل : كلامه يحتمل المكنية والمصرحة ، وقيل : إنه أراد أنّ سى سقر كمس الحمى وذوقوا مس سقر كذاق طعم الضرب واستعمال الذوق في المصائب بمنزلة الحقيقة فلذا لم يبيته كما بين المس ، وفي قوله : كما يمس الحيوان إشارة إلى اًنّ ألاستعارة في المس تحقيقية لا أنها في سقر بالكناية ، وفي المس تخييلية كما توهم اهـ والمصنف خالف فسكت عن استعارة الذوق لأنها مشهورة ، وجعل مس سقر مجازا مرسلاً بعلاقة السببية لألمها لأنّ الذوق متعلق بالآم ، والمؤلمات في الاستعمال ، وهو ظاهر فلا تشتغل بالقيل والقال. قوله : ( علاً لجهنم ) أعاذنا الله منها ببركة كلامه العظيم ، وعدم صرفها للعلمية والتأنيث ، وصقر بإبدال السين صاد الأجل القاف كما مرّ ، ولوّحته بالحاء المهملة تفعيل من التلويح ، وهو تغيير الجلد ، ولونه من ملاقاة حر النار أو الشمس. قوله : ( مرتباً على مقتضى الحكمة ) تفسير لقوله : بقدر فالقدر بمعنى المقدر الذي استوفى فيه مقتضى الحكمة أو الحكم المبرم المقارن للقضاء كما قاله الطيبي ، وقوله : ما بعده يعني به خلقناه ، وقوله : لا نعتا يعني لشيء لوقوع الجملة بعد النكرة ، وقوله : ليطابق المشهورة أي القرأءة المشهورة وهي قراءة النصب فإنّ السبعة اتفقوا عليها فالخبر أرجح لموافقته لمذهب أهل السنة في خلق الأفعال ، ومطابقته لمعنى الفراءة المشهورة فإنّ الأصل توافق القراآت فليس للاستدلال بها على الاعتزال وجه كما توهم. قوله : ( في الدلالة على أنّ كل شيء مخلوق ) بالرفع خبر أنّ ، وقوله : بقدر متعلق به لا خبر كما هو في الوجه المرجوح ، وقد قيل : إنه لا فرق من حيث المعنى بين النصب ، والرفع ولا بين كون خلقنا خبراً أو صفة لأنّ الشيء هنا المراد به المخلوق إذ ليس كل ما يطلق عليه الشيء مخلوقا كما لا يخفى فالمعنى على الخبرية كل مخلوق مخلوق بقدر ،
وعلى الوصفية كل شيء مخلوق كائن بقدر فلا فرق بينهما معنى ، وليس بشيء لأنّ الفرق مثل الصبح ظاهر فإنّ خلقنا ليس مبنياً للمفعول لإسناده لفميره تعالى فالمعنى على الخبرية كل مخلوق مخلوق لنا بقدر ، وعلى الوصفية كل شيء مخلوق لنا كأين بقدر ولا شك أن الأوّل يفيد المقصود ، والثاني : يوهم خلافه فافترقا افتراقا بينا فلا تمسك للمعتزلة بهذه الآية كما توهمه الزمخشري لا بمنطوقها ، ولا بمفهومها لأنّ الشيء يطلق على المعدوم عندهم فتدبر. قوله : ( ولعل اختيار النصب الخ ( يعني أن السبعة ، والقرا آت المتواترة اتفقت على النصب المحتاج إلى التقدير ، وترك فيها الرفع مع أنه لعدم احتياجه للتقدير أرجح بحسب الظاهر ، وليس من المسائل التي رجح فيها النصب في باب الاشتغال لأنه نص في المقصود فيرجح على الرفع الموهم لخلاف المراد كما ذكره ابن مالك ، وابن الحاجب فليس(8/127)
ج8ص128
مخالفا لكلام النحاة كما توهم لأنهم اختاروا النصب في مثله ، وقد بينا لك وجهه ، وكون النصب نصا في المقصود دون الرفع. قوله : ( إلا فعلة واحدة الخ ( فالأمر واحد الأمور بمعنى الشأن ، وقوله : بلا معالجة ومعاناة أي مشقة في العمل من العناء ، والمراد أن الوحدة بمعنى أنه على وتيرة واحدة ونهج متحداً والوحدة لصفة الإيجاد دون تعلقه ، وموجوداته ، وقوله : كلمة واحدة فالأمر مقابل النهي وواحد الأوامر ، وقوله : في اليسر الخ هو وجه الشبه وفيه وجه آخر مز في تفسير قوله ، وما أمر الساعة الخ فتذكره. قوله : ( أشباهكم الخ ( أصل معنى الأشياع جمع شيعة ، وهم من يتقوى بهم المرء من الاتباع ، ولما كانوا في الغالب من جنسى واحد أريد به ما ذكر إفا باستعماله في لازمه أو بطريق الاستعارة. قوله : ( وكل شيء فعلوه الخ ا لم يختلف في رفعه قالوا : لأنّ نصبه يؤدّي إلى فساد المعنى لأنك لو نصبته كان التقدير فعلوا كل شيء في الزبر ، وهو خلاف الواقع ، وأما الرفع فمعناه أنّ كل ما فعلوه ثابت فيها ، وهو المقصود فلذلك اتفق على رفعه ، وهو من دقائق العربية. قوله : ( مستطر ( بفتح التاء من السطر أي مكتتب ، وروي عن عاصم تشديد الراء بمعنى ظاهر من طرّ الشارب أو هو من الاستطار ، وشدد في الوقف على لغة معروفة فيه ، ثم أجرى الوصل مجراه ، وقوله : ونهر بفتح النون والهاء ، وهو مجرى الماء أو الماء نفسه ، وقوله ة واكتفى باسم الجنس المفرد أي مع إرادة معنى الجمع بدليل جنات لكنه أفرد لرعاية الفواصل ، وقوله : أو سعة أي المراد بالنهر سعة الرزق ، والمعيشة لأن
مادته وضعت لذلك كما في قول قيس في طعنة :
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها
أي وسعته ، وقوله أو ضياء على الاستعارة بتشبيه الضياء المنتشر بالماء المتدفق من منبعه
أو هو بمعنى النهار على الحقيقة ، وإليه يشير قوله من النهار ، وقوله : وقرئ بسكون الهاء هو بمعنى المفتوح لغة فيه ، وهي قراءة مجاهد وغيره. قوله : ( وبضم النون والهاء ) أي قرئ بذلك ، وهو جمع نهر المفتوح أو الساكن كرهن ، ورهن وكلام المصنف يحتملهما فإنّ أسد جمعه أسد بضم الهمزة والسين ويجوز تسكينها وقد قرئ بضم النون ، وسكون الهاء على أنه جمع نهر أيضاً ، وقيل : هو جمع نهار كسحب وسحاب والمراد أنهم لا ظلمة ، ولا ليل عندهم فيها كما قاله القرطبي. قوله : ( في مكان مرضئ ) فالصدق مجاز مرسل في لازمه أو استعارة ، وقيل : المراد صدق المبشر به ، وهو الله ورسوله أو المراد أنه ناله من ناله بصدقه وتصديقه للرسل فالإضافة لأدنى ملابسة ، وقوله : مقاعد هي قراءة عثمان البتي وهي تبين أنّ المراد بالمقعد المقاعد ، ومليك بمعنى ملك ، وليس إشباعاً بل هي صيغة مبالغة كالمقتدر كما أشار إليه بقوله تعالى أمره الخ ، وقوله : مقربين الخ ، إشارة إلى أنّ العندية للقرب الرتبي دون المكاني تعالى الله عنه لا أنّ متعلقه خاص ، وإن جاز وفيه إشارة إلى أنّ الظرف حال هنا ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر ، وصفة لمقعد صدق أو بدلاً منه. قوله : ( بحيث أبهمه دّوو الإفهام ) بفتح الهمزة ويجوز كسرها ، وهذه العبارة لا تخلو من ركاكة ، وقلاقة ولو قال على ذوي الإفهام كان أحسن لكن المراد منها معلوم كما يفهم من كلام الكشاف ، والمراد أنه أبهم العندية والقرب ، ونكر مليكاً ومقتدراً للإشارة إلى أنّ ملكه ، وقدرته لا تدري الإفهام كنههما ، وأنّ قربهم منه بمنزلة من السعادة ، والكرامة بحيث لا عين رأت ، ولا أذن سمعت مما يجل عن البيان ، وتكل دونه الأذهان ، وليس متعلقا بقوله تعالى : بل راجعاً لجملة ما قبله. قوله : ( عن النبتي صلى الله عليه وسلم الخ ) حديث موضوع ، والمناسبة فيه ظاهرة ، وقوله : في كل غب بالغين المعجمة المكسورة ، والباء الموحدة المشددة أراد أنه يقرؤها يوماً بعد يوم مستعارة من الغب في سقي الإبل يوماً ، وترك السقي يوماً ومنه الغب في الحمى تمت السورة بحمد الله ، وأنعامه والصلاة والسلام على أكرم رسله وعلى آله وصحبه.
سورة الرحمن
وتسمى عروس القرآن.
بسم الله الرحمن الرحيم(8/128)
ج8ص129
قوله : ( مكية الخ ) الأول قول ابن عباس ، والثاني قول مقاتل ، والثالث نقله في جمال القراء ، وقال : إنه استثنى منها بعضهم يسأله من في السموات الخ ، وانها ست أو سبع أو ثمان ، وسبعون على اختلاف في بعضها هل هو آية أو بعض آية على ما فصله في الإتقان مما ليس هذا محله. قوله : ( لما كانت السورة الخ ) مناسبة الرحمة للنعم ظاهرة ، والرحمن لنعم الدارين بناء على أنه عام إذ يقال : يا رحمن الدنيا ، والآخرة كما مر تفصيله في أوّل الكتاب ، وقوله : وقدم الخ بيان للنكتة فيما بدأ به وهو تعليمه للقرآن لأنّ المقصود الدين وأصله ، وأجله القرآن فلذا قدم لتقدّمه رتبة ، وإن تأخر تعليمه عن خلق الإنسان وجوداً ، وقوله : أساس الدين لأنه يعلم به ، ويؤخذ منه وبه يستدل ، وقوله : إذ هو الخ تعليل للأعظمية ، والأعزية وقوله : مصدّق الخ لف ونشر مرتب فتصديقه لنفسه لإعجازه لأنه يدل على أنه كلام الله ، وإذا ثبت ذلك ثبت حقية ما فيه ، وما طابقه فكان مصداقا لسائر الكتب السماوية. قوله : ( ثم أتبعه ) أي أتبع القرآن ، وتعليمه المقدم ك!فه أي ذكره على عقبه ، وقوله : إيماء مفعول له لتعليل ذكره بعده من غير فاصل ولقربه من معنى الإشعار عداه بالباء ، وكان الظاهر إلى ، وقوله : من البيان بيان لما ، وقوله : وهو التعبير الخ تفسير للبيان ، والضمير ما يضمر في القلب ، ويطلق عليه نفسه ، وكلاهما صحيح هنا ، وقوله : لتلقي الوحي الخ خبر لأنّ خلق البشر الخ. فإذا كان خلقهم إنما هو في الحقيقة لذلك اقتضى اتصاله بالقرآن ، وتنزيله الذي هو منبعه ، وأساس بنيانه فما قيل : إنّ قوله لتلقي الوحي متعلق بخلق البشر سهوا لا أن يريد للتعلق المعنوي وهو خلاف الظاهر. قوله : ( وإخلاء الجمل الخ أليس المراد بإخلائها عنه أنّ حق الثلاث أن تعطف حتى يرد عليه أنّ
الأولى لا يصح عطفها فكان عليه أن يقول إخلاء الجملتين كما قيل أو يتوهم أن الثالثة هي الشمس ، والقمر بحسبان بل المراد أنه لم يذكر عاطف فيها ، ولم تورد متعاطفة لا مقرون كل منها بعاطف كما توهم مع أن إخلاء الكل لا يستلزم استحقاق الكل ، وإذا ظهر المراد سقط الإيراد ، وقوله : لمجيئها على نهج التقدير هذا هو المصحح ، والمرجح الإشارة إلى أن كلآ منها نعمة مستقلة تقتضي الشكر ففيه إيماء إلى تقصيرهم في أدائه ، ولو عطفت مع شدة اتصالها ، وتناسبها ربما توهم أنها كلها نعمة واحدة ، وهذا بناء على أن الرحمن مبتدأ خبره ما بعده ، وقد قيل : إنه خبر مبتدأ أي الله الرحمن ، وما بعده مستأنف لتعديد نعمه وعلم من التعليم ، و!وله مقدّر أي علم الإنسان لا جبريل أو محمداً عليهما الصلاة والسلام ، وليس من العلامة من غير تقدير كما قيل : أي جعله علامة ، وآية لمن اعتبر لبعده ، وثم أتبعه عطف على قوله : قدم ، وأشار بثم إلى تفاوت الرتبة بينهما ، وقيل : لأن الشروع في الفعل بعد مضي مدة من تصور الغرض منه غالباً فجرى هذا على المنوال المعروف في أمثاله ، ولا يخفى بعده. قوله : ( يجريان بحساب معلوم الخ ) فسر الحسبان بوجوه منها أنه مصدر بمعنى الحساب كالكفران ، وقيل : هو جمع حساب كشهاب وشهبان ، وقيل : اسم جامد بمعنى الفلك من حسبان الرحا ، وهو ما أحاط بها من أطرافها المستديرة ، وهو غريب لكنه منقول عن مجاهد والجار ، والمجرور إمّا خبر بتقدير مضاف أي جري الشمس ، والقمر كائن أو مستقر بحسبان أو الخبر محذوف ، وهو متعلق به أي يجريان بحسبان ، وهذا ما اختاره المصنف ، والحسبان عليه محتمل للوجهين الأوّلين ، وعلى الأخير هو خبر من غير تقدير. قوله : ( والنبات ) فسروه به لأنّ اقترانه بالشجر يدل عليه ، وإن كان تقدم الشمس ، والقمر يتوهم منه أنه بمعناه المعروف ففيه تورية ظاهرة ، وقوله : ينقادان الخ إشارة إلى أنه استعارة مصرحة تبعية شبه جريهما على مقتضى طبيعته بانقياد الساجد لخالقه ، وتعظمه له. قوله : ) وكان حق النظم في الجملتين الخ ) هكذا وقع في النسخ بالعاطف في قوله ، وأجرى وقد قيل عليه إنّ الظاهر تركه لأنّ الكلام ليس في العطف ، وعدمه بل في ذكر ضمير يربطه كما في غيره من الجمل ، وليس الكلام في الإجراء وحده بل في كونه بحسبان فكان عليه أيضا أن يقول أجرى الشمس ، والقمر بحسبان وجعل النجم ، والشجر يسجدان فكأنه أشار بذكر العاطف إلى أنها خبر عن الرحمن فهي كالمعطوفة على الخبر فحقها ما ذكر ، وأمّا ترك قوله : بحسبان فلظهوره ، وهو أمر سهل فتأمّل. قوله : ( في
اتصالهما(8/129)
ج8ص130
بالرحمن ) بذكر ضمير يعود عليه ، وظاهر أنه خبر أيضاً لا مستأنف كما قيل ، وأنّ القطع لأنها مسوقة لغرض آخر وقوله : يغنيه عن البيان فهو مرتبط ارتباطا معنوياً به.
قوله : ( لاشتراكهما في الدلالة على أنّ ما يحس به ) كان الظاهر ترك قوله به لكنه ذكره لتضمنه معنى الشعور ، وهو توجيه لما يقتضيه العطف من التناسب فأشار إلى أنّ التناسب هنا باشتراكهما فيما ذكر ، وليس المراد أنّ الدلالة على ما ذكر تتحقق بكل منهما بل لكل منهما مدخل فيها فهي من مجموعهما كما يقال : هما مشتركان في العبد ، ونحوه : أو المراد تحقق الدلالة بكل منهما لأنّ كلاً منهما يعلم منه حال الآخر بالمقايسة فلا تسامح في كلامه كما قيل ، وليس حق العبارة لإشراكهما بالأفعال دون الافتعال كما توهم ، وفي الكشاف إنّ الشمس والقمر سماويان ، والنجم والشجر أرضيان فبينهما مناسبة بالتقابل ، وأيضا جري الشمس ، والقمر انقياد لإرادته كانقياد النجم ، والشجر المراد من السجود فالمناسبة بينهما بهذا الاعتبار ، ولكل وجهة. قوله : ( خلقها مرفوعة الخ ا لأنها لم تكن مخفوضة ، ثم رفعت بل المراد أنها وجدت ابتداء هكذا ، وليس من قبيل ضيق فم الركية السابق وقوله : فإنها منشأ أقضيته تعليل لكونه أعلى رتبة أي أشرف من الأرض كما مرّ والرفع المحلي مشاهد غنيّ عن البيان ، والرفع في النظم شامل للحسي ، والرتبي ، ولذا قال : محلاً ورتبة دون أو رتبة لأنه من عموم المجاز أو على مذهبه في جواز الجمع بين الحقيقة ، والمجاز فلا غبار عليه ، وقوله : ومتنزل أحكامه تفسير لقوله : منشأ أقضيته لأنّ ما قضاه الله يثبت في اللوح المحفوظ ، وأمّ الكتاب أوّلاً ويعلم به الله تعالى من في الملأ الأعلى ، ويأمرهم بتنفيذه وكله في السماء. قوله : ( وقرئ بالرفع على الابتداء ) ولا إشكال فيه لأنه جملة اسمية معطوفة على مثلها ، وأنما الكلام في النصب في أمثاله مما ولي العاطف فيه جملة ذات وجهين أي اسمية الصدر فعلية العجز هل يستوي فيه الرفع ، والنصب مطلقا او يرجح الرفع إن لم يصلح للخبرية ، وفيه خلاف للنحاة مفصل في المطوّلات ، وقد تقدم في سورة يس في قوله : { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } [ سورة بس ، الآية : 39 ] طرف منه. قوله : ( العدل بأن وفر الخ ) فالميزان مستعار للعدل استعارة تصريحية ، ولكونه أتثم فائدة قدمه ، وارتضاه ، وقوله في الحديث قامت السموات ، والأرض قيامهما بمعنى بقائهما ، والمراد بقا من فيهما من الثقلين إذ لولاه أهلك أهل الأرض بعضهم بعضا وأما الملأ الأعلى فهم لا يفعلون غير ما
يؤمرون ولا يجري بينهما ما يحتاج للحكم والعدل فذكر. للمبالغة ، وأنّ البقاء للعالم جميعه بالعدل ، ولذلك يجوز أن يقصد بقاؤهما في نفسهما فتأمّل. قوله : ( أو ما يعرف به الخ ) فهو أيضا مجاز من استعمال المقيد في المطلق فما قيل من أنّ قوله : ألا تطغوا في الميزان ، وأقيموا الوزن الخ أشذ ملاءمة له ، ولذا اقتصر عليه الزمخشريّ غير ظاهر لأنّ كلاً منهما لا يخلو من التجوّز ، وما ذكر إنما يؤيده لو أريد به الحقيقة ، وإن كان هذا أقرب في الجملة ، وقوله : كأنه لما وصف السماء الخ بيان لوجه اتصال قوله : وضع الميزان بما قبله على الوجه الثاني ، وقوله : التي هي مصدر الخ وصف للرفعة على أنّ المراد بها الرتبة السابقة كما بيناه. قوله : ( لئلا تطغوا فيه ) فهو على تقدير الجار وجعلها الزمخشريّ مفسرة لما في وضع الميزان من معنى القول لأنه بالوحي ، واعلام الرسل قيل ، وهو أحسن مما ذكره المصنف لأنه لا معنى لقوله : { وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ } إذ المناسب في الموزون ، ونحو. فلا وجه لما قيل : إن المصنف لم يذكر. لعدم تقدم جملة متضمنة لمعنى القول وهو شرطها فإنه غفلة ظاهرة. قوله : ( ولا تجأوزوا الإنصاف ) هذا جار على التفسيرين للميزان ، وإن كان المتبادر منه الوجه الأوّل مع. أنه للاقتصار عليه وجه وقوله : على إرادة القول بتقدير قائلاً ونحوه لا قل كما قيل ، ولا ناهية بدليل جزمه وعلى الأوّل نافية ولا ينافيه عطف أقيموا الإنشائي عليه لأنه لتأويله بالمفرد تجرّد عن معنى الطلب ، ويجوز كونها ناهية أيضاً ، وقوله من حقه أن يسوي ، ويعلم منه أنّ الزيادة غير ممنوعة بالطريق الأولى. قوله : ( وتكريره مبالفة في التوصية الخ ) أي تكرير لفظ الميزان بدون إضماره على مقتضى الظاهر ، ويحتمل تكرير الأوّل بالعدل في الوزن لدلالة الجمل الثلاث على معان متقاربة فهي مكرّرة معنى. قوله : ( على أن الأصل الخ ) متعلق بقراءة الفتح ، وهذا بناء على ما ارتضاه بعض أهل اللغة من أنه لم يرد منه إلا لازما هذا هو الذي أراده(8/130)
ج8ص131
الشيخان كما صرّح به بعض شراح الكشاف ، وأمّا ما قيل من أنه لا حاجة إلى ذلك لأنّ خسر جاء متعدياً كقوله : { خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ } [ سورة الأنعام ، الآية : 12 ] { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ } [ سورة الحج ، الآية : 111 والجواب عنه بأنه ليس هذا من ذاك فإنّ معناه وقوع الخسران بهما ، وأنهما معدومان ، وهذا المعنى غير مراد هنا إذ المراد لا تخسروا الموزون في الميزان ، وكذا إذا جعل
بمعنى النقص فلا محصل له لأنه إذا سلم أنه لا يكون إلا متعديا فلا حاجة للتقدير المذكور نهايته أنه يجعل الميزان مجازاً عما فيه أو يقدر فيه مضاف فتامله فإنه غير محرّر. قوله : ( للخلق الخ ) هو أحد معانيه في اللغة وقيل هو الجن ، والإنس وقيل ما على الأرض ، وقوله : ضروب مما يتفكه به أخذه من التنكير بمعونة مقام المدح كتمرة خير من جرادة ، وأيضاً هو اسم جنس فيشعر الاقتصار عليه باختلاف الأنواع. قوله : ( أو كل ما يكم أي يغطي الخ ) يقال : كمه يكمه بالضم كنصره ينصره ، وهذا أظهر مما قبله فإنّ ثمر النخل لا كم له كما لا يخفى إلا أن يراد أكمام طلعه قبل أن يصير بلحا ، والكم بكسر الكاف في الثمار ، وبضمها في القميص ، وقد يضم في الأوّل أيضاً كقوله :
نسيمه قد جرّ أذياله وزهره يضحك في كمه
والليف بكسر اللام معروف ، وسعفه بفتحتين أغصانه إذا يبست أو ما دام عليها الخوص
فإذا خلا عنه فهو جريد ، وكفريّ بضم الكاف وفتح الفاء ، وفتح الراء المشددة ، والقصر وعاء طلع النخل من الكفر ، وهو الستر وقوله : فإنه ينتفع به أي بما يغطي مما ذكر ، وهو بيان لفائدة توصيفه لقوله : ذات اكمام ، وقوله : كالمكموم متعلق بقوله : ينتفع أي كما ينتفع بالمكموم ، وهو ثمره وشحمه. قوله : ( كالجذع ) وهو خشبتها ، وجرمها القائم وهو مثال بعد مثال إشارة إلى الانتفاع بجميع ما فيها فهو بدل مما قبله ، ولو عطفه عليه كان أظهر ، وفي بعض النسخ كالجشع ، والحب والثمرة ، وفي بعضها كالجأع ، والجمار والثمرة ، والحب ذو العصف قيل ، وهو الصواب والنسخ مختلفة لكن المقصود منها ظاهر. قوله : ( يعني المشموم ) إما أن يراد به كل نبات له رائحة طيبة فيشمل الأزهار أو يراد به الريحان المعروف ، وإطلاقه على الرزق لأنه يرتاح له ، وقوله : أو أخص أي يقدر ناصبه أخص مقدراً ، واعترض عليه بأنه لم يدخل في مسمى الفاكهة ، والنخل حتى يخصه من بينها ، وأجيب عنه بأنه أراد إضمار هذا اللفظ لا الاختصاص الصناعي ، وقيل عليه لزوم دخول المنصوب على الاختصاص فيما قبله غير مسلم ألا ترى نحن معاشر الأنبياء ، وسبحانك الله العظيم ، وأمثاله انتهى ، وهذا كله من ضيق العطن فإنّ كونه ليس باختصاص صناعي ، وكون الاختصاص لم يشترطوا فيه ما ذكر مما لا شبهة فيه ، والمعترض إنما أراد أن ما قدره غير صحيح أو غير حسن بحسب المعنى لأنّ تقدير أخص قد يقتضي بحسب السياق أنّ الكلام فيه ما يشمله ، وغيره وما نحن فيه كذلك فتأمله. قوله :
( ويجورّ أن يراد وذا الريحان ) على أنّ الريحان بمعنى اللب ، وقوله : فحذف المضاف أي وأقيم المضاف إليه مقامه ، وقوله : بالخفض بالعطف على العفص والرفع بعطفه على فاكهة. قوله : ) وهو فيعلان من الروح ) هذا جواب عن اعتراض معروف بأنّ الظاهر أنه من الروح ، وهو واوي كما صرّح به أبو علي فلا وجه لقلب الواو ياء حينثذ بأنّ أصله ريحان بالتشديد ، وكان أصله ريوحان فقلبت الواو ياء لاجتماعها مع ياء ساكنة مقدمة ، وهو في مثله قياس مطرد لزوما ، ثم خفف بعد القلب بحذف إحدى الياءين ، وهو قياس مطرد وأمر حسن بحسب اللسان أيضا كهين ، وميت وكثير من أمثاله. قوله : ( وقيل روحان الخ ) أي أصله روحان بفتح الراء ، وسكون الواو فقلبت على غير القياس شذوذاً ، ولذا مرضه وهذا منقول عن أبي عليئ الفارسي ، وقد اعترض عليه بما مرّ واليه يشير كلام المصنف. قوله : ( المدلول عليهما ا لشمول الأنام لهما كما مرّ من تفسيره ، والثقلان يدل أيضا على أنّ ذلك هو المراد فلا يرد أنه لم يتقدم هنا فكيف يدل مع تأخر. ، والمراد بالدليل هنا الدليل المتعارف في لسان العرب ، وعرف البلغاء لا المنطقي حتى يورد عليه أنه عامّ والعامّ لا دلالة له على الخاص بشيء من طرق الدلالة. قوله : ) والفخار الخزف ( وهو ما أحرق منه حتى تحجر ، وقوله : فلا يخالف الخ جمع بين الآيات الوارد فيها ذلك بما ذكر ، وقوله : الجن الخ في تفسير الجان أقوال فقيل هو اسم جنس شامل للجن كلهم ، وقيل : إنه(8/131)
ج8ص132
اسم لأبيهم كآدم للبشر وهل هو إبليس أو غيره قولان أيضا ، وقوله : أبا الجن مفرد منصوب لا جمع أب ، وقوله : من الدخان متعلق بصاف لا بيان له. قوله : ( بيان لمارج الخ ) في الكشاف بيان لمارج كأنه قيل : من صاف من نار أو مختلط من نار انتهى ، وفي الكشف يعني أنه إن كان بيانا لمارج فالتنكير للمطابقة ، ولأن التعريف لكنه حقيقته ، وكأنه قيل : خلق من نار صافية أو مختلطة على التفسيرين ، وإن جعلت من ابتدائية فإنما نكر لأنه أراد نارا مخصوصة متميزة من بين النيران لا هذه المعروفة ا هـ ، والمصنف اختار أحد الوجهين فأعرفه. قوله : ( فإنه ني الأصل الخ ( بيان لأنه محتاج للبيان لعمومه لكل مضطرب ، ومنه الهرج ،
والمرج وقوله : أطوار خلقتكما المراد به النطفة فما بعدها ، وقوله : أفضل الخ المراد جميعها لأنّ الإنسان أفضل من الملك عندنا ، ولا يلزم تفضيل الجن عليهم أو المراد الحيوانات ، وغيرها مما في العالم السفلي بناء على أنّ المركبات لا تشمل الملك ظاهراً وهو الظاهر ، وقوله : أرسلهما أي أجراهما ، وهو لا ينافي ما مرّ من أنّ معنى المرج الاضطراب لأنه إذا جرى اضطرب. قوله : ( يتجاوران الخ ) يعني أنهما إذا دخل أحدهما في الآخر قد يجري فيه فراسخ ، ولا يتلاشى ويضمحل حتى يغير أحدهما طعم الآخر ، ولونه كما نشاهده ، وقد صرح به المصنف في آخر الفرقان ، ومرّ ما فيه أو بحري فارس والروم فإنهما يلتقيان في البحر المحيط ، وهو مروفي عن قتادة لكنه أورد عليه أنه لا يوافق قوله تعالى : { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ } هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج والقرآن يفسر بعضه بعضآ ، وقوله : خليجان أي شعبتان من الأصل من خلجه إذا شقه فقوله : يتشعبان منه تفسير له ، وقوله : يلتقيان حال مقدرة إن أريد إرسالهما إلى المحيط أو المعنى إيجاد أصلهما إن كان المراد إرسالهما منه ولكل وجهة فتأمل. قوله : ) حاجز من قدرة الله ) إن أريد بالبحرين العذب ، والملح أو من الأرض إن أريد بحرآ فارس ، والروم ففيه لف ونشر مرتب ، ومعنى يلتقيان على الثاني تجاور أحدهما للآخر بلا تماص ، وتلاصق بخلافه على الأوّل كما مرّ وكذا قوله : لا يبغي أحدهما الخ ناظر إلى الأوّل ، وقوله : لا يتجاوزان بالمعجمة ناظر للثاني ، وقوله : المرجان الخرز الأحمر ، وهو البسد ، وهذا هو المشهور المتعارف واللؤلؤ على هذا شامل للكبار ، والصغار والتمييز بينهما بالوصف ، وبه فسر ابن مسعود. قوله : ) وإن صح الخ ) هو مما لا شبهة في صحته فلو لم يعبر به كان أحسن ، وقوله : فعلى الأوّل أي التفسير الأول ، وهو أق اللؤلؤ كبار الدرّ والموجان صغاره فيشكل قوله : منهما لأنه خرج من أحدهما ، وهو الملح فإقا أنه لامتزاجهما يكون خارجا منهما حقيقة أو أنه نسب لهما ما هو لأحدهما كما يسند إلى الجماعة ما صدر من واحد منهم كما مز ، وفي الانتصاف
إنّ هذا هو الصواب ومثله لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وأنما أريد إحدى القريتين ، وكما يقال : هو من أهل مصر ، وأنما هو من محلة منها انتهى ، ولا يخفى أنّ هذا وإن اشتهر خلاف الظاهر فإمّا أن يكون ضمير منهما لبحري فارس ، والروم وهو الأصح أو يقال : معنى خروجه منهما ليس أنه متكوّن فيهما بل إنهما يحصلان في جانب من البحار انصبت إليها المياه العذبة كما قيل : إنّ الغوّاصين نقلوه أو الماء العذب هنا هو ماء الأمطار ، واللؤلؤ منه لأنّ الأصداف في شهر نيسان تتلقى ماء المطر بأفواهها فيتكوّن مته ، ومما يشاهد في الجدب قلة اللآلى ، والأسماك فالماء العذب كاللقاح ، والنطف لها كما ذهب إليه الجمهور ، وظاهر قوله : فعلى الأوّل أنه على الثاني غير محتاج للتأويل ، وليس كذلك فإن المرجان أيضاً لا يتكون إلا في البحر الملح ففي عبارته قصور آخر. قوله : ( أو لأنهما لما اجتمعا الخ ) أي هما لاجتماعهما ، وتلاقي سطحيهما صارا كشيء واحد فنسب الخارح إليهما حقيقة ، ولا يخفى أنّ هذا إنما يتم إذا كان تكوّنه في محل اجتماعهما وإذا ثبت هذا لم يحتج لتأويل أصلاً ، وقبل ثبوته لا يتم الجواب ، واعلم أنه لم يرد في كلام العرب مثل لؤلؤ إلا جؤجؤ بمعنى صدر ودؤدؤ وبؤبؤ. قوله : ( ورفع الراء ) أي إظهار الرفع على الراء ، وقد كان مقدرا على الياء التي في آخره لأنه منقوص فاذا حذفت لالتقاء الساكنين كانت مقدرة عليها أيضاً ، وقرأ أبو عمرو برفع الراء لأنّ المحذوف لما تناسوه أعطوا ما قبل الآخر حكمه ، وقد سمع هذا من العرب في الشعر المذكور فإنه أظهر فيه الرفع على نون ثمان ، وهو منقوص أيضا ، وقد مرّ بحثه في الأعراف ، والثنايا من الأسنان مقدمها(8/132)
ج8ص133
والشعر في وصف ثغر امرأة ، ومعناه واضح. قوله : ( المرفوعات الشرع ) بضم الشين ، والراء جمع شراع وهو القلع من أنشأه بمعنى رفعه أو المرفوعات على الماء ، ولم يذكره المصنف لقلة جدواه ، وكونه بمعنى المصنوعات أشهر لكنه لا فائدة فيه أيضا ، وقوله : الرافعات الشرع على الإسناد المجازي إلى المحل وانشاؤها للأمواج مجاز أيضا ، والمراد شقها للماء فهو ، وما بعده مجاز أيضاً. قوله : ( من خلق موادّ السفن الخ )
تفسير للآلاء بما يناسب ما قبله حتى لا يكون مكررا صرفا ، وضمير أخذها للموادّ ، وقوله : من للتغليب إذا أريد به مطلق الحيوان أو مطلق المركب بخلاف ما بعده ، ولذا قدم ذكره عليه ، وقوله : ذاته فالوجه مجاز مرسل بمعنى الذات ، وهو مجاز شائع ، وقد يخص بما شرف منها. قوله : ( ولو استقريت جهات الموجودات الخ ) هذا تفسير آخر على أنّ الوجه ليس بمعنى الجارحة مجازا عن الذات بل بمعنى الجهة التي تقصد ، ويتوجه إليها فإنه موضوع لهذا لغة أيضا لا بمعنى القصد ، والمراد المقصود كما توهم قال أسناذنا المقدسيّ قدس الله روحه : ما هو في حذ ذاته عدم فالأصل بقاؤه على ما هو عليه بحسب الذات إلا الجهة التي يليها الحق أي يتولاها بفضله ، ويفيضها عليه من عنده فالمعنى ما سوى الحق من الممكنات فإن أي قابل للفناء في حد ذاته لولا نظر الحق إليه ، وإفاضة خلع الوجود عليه لما حصل له تشريف الوجود ، ولبقي على ما كان عليه ، وهو مفقود فلم يبق بعد نظر الحق إليه على الفناء الذي كان ثابتاً له في حدّ ذاته ، وبالنظر إليه نفسه فيمكن أن يراد بالوجه العمل الصالح كما في بعض التفاسير ، ومعنى قوله : يلي جهته يمرّب به إليه ويقصد به الجهة التي أمرنا بالتوجه إليها ، وهو قد كان في حيز العدم فلما فعله العبد ممتثلاً أمره أبقاه له إلى أن يجازيه عليه ، ولك أن تقول هو بالقبول صار غير قابل للفناء لما أنّ الجزاء عليه قام مقامه ، وهو باق ، وقال بعض مشايخنا : ذلك الوجه الموصوف بعدم الفناء قيوميته تعالى للموجودات ، وهي صفة له تعالى غير قابلة للفناء في ذاتها ، وتؤمن بها كما أخبر الله ، وإن جرينا على مذهب السلف من أنّ الوجه ، واليد ونحوهما صفات نثبتها ، ولا نشتغل بكيفيتها ولا بتأويلها صح ، وصفها بأنها غير قابلة للفناء في حد ذاتها قال بعض العارفين : أبى المحققون أن يشهدوا غير الله لما حققهم به من شهود القيومية ، وإحاطة الديمومية ، وقال ابن عطاء : الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه فمن رأى الكون ، ولم يشهد فيه أو عنده أو قبله أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار ، وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار اهـ وعلى هذا فهو تفسير آخر لكن في سياقه تسمح لأنه ظاهر في خلافه أو نقول الوجه بمعنى الذات أيضاً لكنها ذات العبد ، والمخلوق ، واضافته للرّب ليست بيانية بل لامية ، والمعنى إلا الذات من حيث استقبالها لربها ، ووقوفها في محراب قربها ، وضمير ذاته لمن ، وهو تفسير واحد ، وهذا هو الأقرب والأشبه بمقاصده فافهم ، وقال بعض علماء العصر يريد بيان كون من عليها فانيا مع الاتصاف بالوجود ، وبيان فائدة لفظ الوجه ، وهو أنّ الموجودات الممكنة لها جهات ، ووجوه من ذواتها وصفاتها وأحوالها ، وتلك الجهات ، والوجوه كلها هالكة فانية في حذ ذاتها إلا الوجه الذي يلي جهته تعالى ، ويكون
منسوبا إليه فإنه الباقي وحده ، وذلك الوجه الباقي يطلق عليه لفظ الوجود لكونه مظهر النور الإلهي المنوّر له من الله الذي هو نور السموات والأرض ، وبهذا التقرير اندفع توهم التدافع بين تفسير الوجه أوّلاً بالذات وثانياً بالذي يلي جهته فتأمله فإنه من مزال الأقدام ، وقد طلع الصباح فأطفئ المصباح. قوله : ( ذو الاستنناء المطلق الخ ) فسره بما ذكر لأنّ الجلال العظمة ، وهي تقتضي ترفعه عن الموجودات ، وتستلزم أنه غنيّ عنها ثم ألحق بالحقيقة ، ولذا قال الجوهرفي : عظمة الشيء الاسنغناء عن غيره ، وكل محتاج حقير ، وأمّا الإكرام فظاهر وقال الكرماني : إنه تعالى له جهات عدمية مثل لا شريك له ، وتسمى صفات الجلال ، وصفات وجودية كالعلم والحياة ، وتسمى صفات الإكرام اهـ ، وفيه تأمّل. قوله : ) مما ذكرنا الخ ) تفسير للآلاء أيضاً ، وإبقاء ما لا يحصى إشارة إلى ما مز في تفسير وجه وبك ، وقوله : أو مما يترتب الخ بجعل الآلاء هي نفس الفناء لأنه مراحل البقاء وقيل : إنه كناية عما ذكر ، وخطاب ربك غير خطاب ربكما ، ولذا أفرد مع تثنيته إمّا لأن المخاطب النبيّ !ت أو هو عامّ لكل من يصلح للخطاب لعظم الأمر ، وفخامته واندراج الثقلين فيه اندراجا أولياً ، ولا كذلك(8/133)
ج8ص134
الثاني فلذا أبقاه على ظاهره ، وهو الذي ارتضاه الطيبي. قوله : ( في ذواتهم ا لاستناد وجودهم إليه تعالى بدأ وبقاء ، وقوله : نطقاً كان أي ما يدل على الحاجة ، وقوله : كل وقت الخ. قيل عليه إنه بحسب الظاهر مخالف لما مرّ في تفسير قوله : { وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ } [ سورة القمر ، الآية ت 50 ] لاقتضائه عدم التدريج ولذا قيل جف القلم فالتوفيق بينهما أنّ الأوّل باعتبار تقديره في الأزل وهذا باعتبار تعلق الإرادة باحداثه في وقته المعين له كما قيل إنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها وهذا معنى قوله : يحدث الخ. قوله : ( وفي الحديث الخ ) رواه ابن ماجه وابن حبان وغيرهما عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، وقوله : وهو
ردّ لقول اليهود الضمير لما في الآية من قوله : كل يوم وما في الحديث تفسير لها ، ولذا قيل : إنّ الآية نزلت في اليهود ، وقوله : مما يعسف تفسير للآلاء كما مرّ ، ومكمن العدم محل كونه أي اختفاؤه ، وهو استعارة حسنة ، وفيه إشارة لما قدمه. قوله : ) ستتجرّد لحسابكم وجزائكم الخ ( التجرّد بمعنى الفراغ ، ويقال : تجرّد للأمر إذا جد فيه لأنّ الجد في الأمر يلزمه ترك ما عداه وليس المراد أنه مجاز مرسل لاستعمال الفراغ في لازمه ، وهو التجزد كما توهم فإنّ التجرّد كالفراغ في أت تعالى لا يوصف به بل المراد أنه جعل انتهاء الشؤون إلى شأن واحد وهو جزاء المكلفين فراغا على سبيل التمثيل لأنّ من ترك أشغاله إلى شغل واحد يقال : فرغ له ، واليه فشبه حال هؤلاء وأخذ. تعالى في جزائهم فحسب بحال من فرغ له ، وجازت الاستعارة التصريحية أيضا لاشتراك الأخذ في الجزاء فقط والفراغ من جميع المهام إلى واحد في أنّ المعنيّ به ذلك الواحد كما في المفتاح كذا في شرح الكشاف ، وذلك إشارة إلى التجوّد لهما أو لهما باعتبار ما ذكر ، وكذا ضمير غيره أو هو للجزاء فإنه المقصود. قوله : ( وقيل تهديد الخ ( لما كان الفراغ يفتضي لغة سابقية عمل ، والفراغ للشيء يقتضي لاحقيته أيضاً استعمل الثاني للتهديد كأنه فرغ عن كل شيء لأجله فلا شغل له سواه فيدل على التوفر في النكاية ، وهو كناية فيمن يصح عليه ، ومجاز في غيره. كما فهما نحن فيه وليس الخطاب للمجرمين على هذا لأنّ توله : أيها الثقلان يأباه نعم المقصود يالتهديد هم ، ولا مانع من تهديد الجميع أيضاً ، وقوله : فإنّ المتجرّد الخ بيان لكون القول المذكور يدل على التهديد كما بيناه. قوله : ( أي سنقصد إليكم ) يعني أنه ضمن معنى القصد أو حمل عليه إذ هو يتعدى بإلى بخلاف الفراغ فإنه لا يتعدى بها ، وأمّا القراءة المشهورة فلا تحتاج لهذا كما توهم ، وإن كان الفراغ على ضربين فراغ عن شغل ، وقصد لشيء فتأمل. قوله : ( سميا " لك لثقلهما على الأرضر الخ ( لم يجعله من ثقل الدابة ، وهو ما يحمل عليها على طريق الاستعارة لأنه لا حاجة إليه فالقول بأنه أولى لا وجه له ، ورزانة الرأي ، والقدر مجاز كثقل اقكليس ، وقريب منه قول الحسن سميا ثقلين لثقلهما بالذنوب ، والثقل يقال : لكل ذي قدر وزنة صما يتنافس فيه ، ومنه الحديث ( إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي ) . قوله : ( إن قدرتم
الخ ) أصل الاستطاعة طلب طواعية الفعل ، وتأتيه ثم جعل نفيه بمعنى نفي الإرادة ، والقدرة فلذا فسره بما ذكر ، ثم إنه تعالى لما ذكر أنه لا محالة مجاز للعباد عقبه بقوله : إن اسنطعتم الخ. لبيان أنهم لا يقدرون على الخلاص من جزائه ، وعقابه إذا أراده فما قيل إنه غير مناسب لما قبله وما بعده مكابرة. قوله : " ن قدرقم أن تنفذوا الخ ) فالمراد بالنفوذ دخولهم في السماء بعد الصعود لها أو في الأرض ، وقوله : ببينة تفسير للسلطان فإنه يكون بمعنى الحجة كما يكون بمعنى القوّة والقهر ، وفي العروج على البينة استعارة مكنية ، وتخييلية لتشبيهها بالسلم. قوله : ( أي من التنبيه والتحذير الخ ) مبني على الوجه الأوّل وكون السلطان بمعنى القوّة ، وقوله : مما نصب الخ على الثاني ، وأنّ السلطان الحجة ، وجعل الأدلة العقلية مصاعد لما فيها من العلو ، والنقلية معارج تفننا ، واشارة لسهولتها. قوله : ( ودخان الخ ) ولما كان المعروف فيه المعنى الآتي بما ذكره ، والبيت للأعثى من قصيدة ، والسليط الزيت ، وما يوقد به المصابيح ، وقيل : ومنه السلطان لتنوير الوجود بعدله ، وضمير فيه للضوء ، ويجوز رجوعه للسراح ، والأوّل أولى ، وقوله : مذاب أخذه من قوله : يرسل بمعنى يصب ، والا فمعناه الصفر مطلقاً ، وفسر الشواظ باللهب مطلقاً ، وقيل : إنه اللهب الذي معه دخان ، وقيل : الصافي منه الأحمر ، وجملة يرسل الخ مستأنفة في جواب سؤال مقدر عن الداعي للفرار أو عما يصيبهم ومن في قوله : من نار ابتدائية لا بيانية حتى يلزم كون الشواظ في قراءة الجرّ مفسراً باللهب ، والدخان(8/134)
ج8ص135
معاً ، ولا حاجة أيضاً إلى تقدير موصوف أي شيء من نحاس كما توهم أو يقال هو معطوف على شراظ ، وجرّ للجوار فإنه تكلف ما لا داعي
له ، وقوله : أو صفر معطوف على دخان ، وقوله : نحس بضمتين جمع نحاس كلحف جمع لحاف ، ونون نحاس تكسر في لغة ، وبه قرمما أيضا. قوله : ( فإنّ التهديد لطف ) إذ به ينزجر الشخص عن المعاصي فيفوز بالنعيم المقيم فبهذا الاعتبار كان من الآلاء ، وهو بيان لكون ما ذيل به مناسبا له. قوله تعالى : ( { فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء } الخ ) إذا شرطية جوابها مقدر أي كان ما كان مما لا تطيقه قوّة البيان أو وجدت أمراً هائلاً أو رأيت ما يذهل الناظرين ، وهو الناصب لاذا ولهذا كان مفرّعا ومسبباً عما قبله لأنّ في إرسال الشواظ ما هو سبب لحدوث أمر هائل أو رؤيته في ذلك الوقت. قوله : ( حمراء كوردة ) فهو ثبيه بليغ وقوله : التجريد أي البديعي لأنه بمعنى كانت منها أو فيها وردة مع أنّ المقصود أنها نفسها وردة. قوله : ( ولئن بقيت الخ ) هو من قصيدة لقتادة بن مسلمة مذكورة في الحماسة وأوّلها :
نكرت عليّ من السفاه تلومني سفهاءتعجزبعلهاوتلوم
وقرله : ولئن وقع في الحماسة فلثن بالفاء ، وقوله : تحوي الغنائم أي تحوزها مضارع حوى ، وفي رواية نحو الغنائم بنصبه ظرفاً لأرحلن ، وقوله : أو يموت بالنصب أي إلا ان يموت كريم ، وعني بالكريم نفسه على طريق التجريد وهو محل الاستشهاد إذ لو لم يجرد من نفسه كريما لقال أو أموت. قوله : ( مذابة كالدهن ) فالدهان بالكسر بمعنى الدهن لأنه اسم آلة ، ومعناه ما يدهن به ، وفيه وجوه من الإعراب ككونه خبرا بعد خبر وصفة وردة ، وحالاً من ضمير كانت على رأي من أجازه ، وكلام المصنف رحمه ألله يحتملها ، وقوله : أو جمع دهن كرمح ورماح ، وإذا كاك بمعنى الأديم الأحمر فقيل : هو مفرد ، وقيل : هو جمع أيضاً كما فصله السمين ، وقوله : مما يكون بعد ذلك ، ولما لم يكن انشقاق السماء من الآلاء جعله من النعم باعتبار أنه مقدمة لدخول الجنة ، وما معه فتدبر. قوله : ( لآنهم يعرقونهم بسيماهم ) إشارة إلى أنّ قوله : يعرف
المجرمون الخ استئناف لتعليل انتفاء السؤال ، والمجرمون من وضع الظاهر موضع المضمر للإشارة إلى أنّ المراد بعض من الإنس ، وبعض من الجن كقوله : { لَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ } [ سورة القصص ، الآية : 78 ] وقوله : ذوداً ذودا الذود طائفة من الإبل ، واستعارة لهم تشبيهاً لهم بالبهائم ، وقوله : وأما قوله الخ توفيق بين الآيتين بأنه باعتبار المواقف فنفى السؤال عنهم في محل لا ينافي السؤال عنه في آخر ، وقد تقدم نظيره أو السؤال المنفيّ سؤال التعرّف ، والمثبت سؤال التوبيخ ، والتقريع وهذا جواب آخر غير ما ذكره المصنف رحمه الله فلا وجه لتفسيره به كما قنل ، وقوله : والهاء الخ ، ولو جعل للمذكور صح أيضاً ، وقوله : باعتبار اللفظ فإنه مفرد ، وتقدمه رتبة لأنه نائب عن الفاعل ، وهو بيان لما يصحح كونه مرجعا مع تأخره لفظا ، وقوله : في هذا اليوم بيان لارتباطه بما قبله ، وتوجيه لكونه من الآلاء ، والنعم وقوله : فيؤخذ بالنواصي الخ الباء كالتي في أخذت بالخطام فهي للآلة ، وقيل : إنها للتعدية لتضمينه معنى يسحبون ، ولا وجه له لأنّ سحب لا يتعذى بالباء فإن أراد ما ذكر فلا حاجة للتضمين ، وفيه كلام في الدر المصون والناصية مقدم الرأس ، وليست أل فيه عوضاً عن الضمير كما توهم. قوله : ( مجموعاً بينهما ) بغل ، ونحوه أو في الأخذ بعنف ، وقوله : وقيل : يؤخذون بالنواصي الخ فالواو بمعنى أو التي للتقسيم ولذلك مرضه لأنه خلاف الظاهر بالنواصي متعلق بيؤخذون كما في النظم ، ولا وجه لكونه بدل اشتمال من يؤخذون كما تيل. قوله تعالى : ( { هَذِهِ جَهَنَّمُ } الخ ( مقول قول مقدر معطوف على قوله : يؤخذ الخ. أو مستأنف في جواب ماذا يقال لهم لأنه مظنة للتوبيخ ، والتقريع أو حال من أصحاب النواصي ، وكان أصله التي كذبتم بها فعدل عنه لما ذكر للذلالة على استمرار ذلك ، وبيانا لوجه توبيخهم وعلته ، وقوله : يحرقون بها بيان للواقع أو بيان لما أريد من الطواف بينها ، وهو الظاهر. قوله : ( بلغ النهاية في الحرارة ( وهو اسم منقوص كقاض من أنى يأتي إذا غلى ، وقيل : إنه بمعنى حاضر وقد تقدم تفصيله في سورة الأحزاب ، وقوله : وقيل الخ فبين للتقسيم كما تقول هو بين الخوف وبين الرجاء. قوله : ( موقفه الذي يقف فيه الخ ( يعني أنّ مقام اسم مكان ، وهو المكان الذي يقف فيه الخلق للحساب لأنهم قائمون فيه لانتظار ما يراد بهم ويحل عليهم ، وإضافته للرب لامية لاختصاص الملك(8/135)
ج8ص136
يومئذ به تعالى بحسب نفس الأمر ، والظاهر لا أنه موقف مقام للزب لأنه منزه تعالى عن مثله فالإضافة اختصاصية لا لأدنى ملابسة كما توهم. قوله : ( أو قيامه على أحواله الخ ( هذا معنى ثان المقام فيه مصدر ميمي بمعنى القيام أي من خاف قيام ربه ، وقيامه بمعنى مراقبته له ، وكونه مهيمنا عليه حافظاً لأحواله كما في قوله
تعالى : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ سورة الرعد ، الآية : 33 ] . قوله : ) أو مقام الخائف عند ربه الخ ( أي المقام لمن خاف ، واضافته للرب لأنه عنده فهو كقول العرب ناقة رقود الحلب أي رقود عند الحلب فذهب الكوفيون إلى أنه بمعنى عند وزادوا الإضافة العندية ، والجمهور على أنها لامية كما صرّح به شزاح التسهيل ، وليس من الإضافة لأدنى ملابسة أيضا ، وقوله : بأحد المعنيين أراد به معنيي المقام ، وهو كونه اسم مكان أو مصدرا ولا فرق بينه ، وبين الأوّل إذا كان أسم مكان إلا في تخصيص المكان بالخائف ، وتغاير الإضافة على رأي الكوفيين وأما على الثاني فهو ظاهر لأنّ القيام على ظاهره لا بمعنى الحفظ ، والإضافة غير تلك الإضافة ، وقوله : تفخيما وتهويلا لأنّ العندية ، والمكانية محال في حقه تعالى فالمراد بها ذلك فما قيل : المراد أنه باحد المعنيين المذكورين ، وهو موقفه الذي يقف فيه للحساب ، ويحتمل أن يريد بأحد المعنيين أيهما كان لكن لا تخلو صحة المعنى الثاني عن تكلف كلام ناشئ من قلة التدبر. قوله : ( أو ربه ) أي التقدير خات ربه ، ومقام مقحم ، وليس المراد أنه زائد حقيقة بل زيادته بالنظر إلى أصل المعنى المراد ، وأنه يصح بدونه لأنه غير زائد بل هو ذكر لأنّ الكلام كناية عن خوف الرب ، واثبات خوفه له بطريق برهانيئ بليغ لأنّ من حصل له الخوف من مكان أحد يهابه ، وإن لم يكن فيه فخوفه منه بالطريق الأولى ، وهذا كما يقول المترسلون : المقام العالي ، والمجلس السامي ، وكما في الشعر المذكور ، واليه أشار المصنف بقوله : للمبالغة. قوله : ( كقوله الخ ) هو من قصيدة للشماخ مدح بها عرابة بن أوس الخزرجي أولها :
إلا نومي طوى لي وصل أروى ظنون آن مطرح الظنون
وماء قد وردت لوصل أروى عليه الطيركالورق اللجين
ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين
والقصيدة في ديوانه مشهورة ، ومعنى ما ذكر أنه يصف تبكيره للقاء محبوبته فقوله : وماء
البيت يعني به أنه ورده ، وهو خال من الناس قبل كل أحد ، واللجين بفتح اللام الذي خبط حتى تلجن أي تلزح ، وقوله : ذعرت به القطا الخ. خصهما لأن القطا أنكى الطيور ، والذئب أنكى السباع ، والشاهد في قوله : مقام الذئب فإذا لم يكن للذئب فيه مقام لزم أن لا يكون ذئب ، وقوله : كالرجل اللعين أي المطرود الذي خلفه من يطلبه فإنه لا ينام ويرد الميا. قليلا ، وتفسيره بما يتخذ في المزارع على هيئة رجل لتخويف الوحوس ، والطيور وطردها وإن ذهب إليه كثير ممن شرحه لكن الأوّل أظهر ، وأبلغ وضمير به وعنه للماء في البيت الذي قبله. قوله :
( جنة الخ ) بيان لوجه اختيار التثنية دون الإفراد والجمع ، وقوله : بعد مبنيّ على الضم أي بعد هذه الآية ، وقوله : ذواتا تثنية ذات بمعنى صاحبة فإنه إذا ثنى فيه لغتان ذاتا على لفظه ، وهو الأقي! كما يثنى مذكره ذوا والأخرى ذواتا بردّه إلى أصله فإنّ التثنية تردّ الأشياء إلى أصولها ، وليس تثنية الجمع كما يتوهم ، وتفصيله في باب التثنية من شرح التسهيل ، وهو صفة جنتان أو خبر مبتدأ مقدر أي هما ، وقوله : جمع فن ومعناه النوع ، ولذا استعمل في العرف بمعنى العلم. قوله : ( وهي الغصنة ) بكسر الغين المعجمة ، وفتح الصاد المهملة جمع غصن كقرط وقرطة فضمير هي للأفنان إذا كانت جمع فن أو للفنن ، وتأنيثه لتأنيث خبره ، والأفنان ما دق ، ولان من الأغصان كما قاله ابن الجوزي ، وتفسيره بالأغصان كما في القاموس تسمح على عادة أهل اللغة في التعريف بالأعم ، وفرع الشجرة ما قام على الساق من القضب الغليظة ، وأطرافها هي أفنانها فمن قال إنه الغصنة تأنيث غصن بالضم فقد تعسف مع ما فيه من الركاكة الغنية عن البيان. قوله : ( وتخصيصها ) أي الأفنان مع أنها ذوات قضب ، وأوراق وثمار إلى غير ذلك مما في الأشجار لأنّ في ذكرها ذكراً للأوراق ، والثمار والظلال المقصودة بالذات على طريق أخصر ، وأبلغ لأنه كناية كما في شروح الكشاف. قوله : ( حيث شأؤوا في الأعالي(8/136)
ج8ص137
والأسافل الخ ) إشارة إلى فائدة قوله : يجريان ، والقرينة عليه ما علم من وصف عيون الجنة فالقرينة خارجية وقوله : قيل الخ يعني أنهما سميا بهذين الاسمين ، وسيأتي معناهما ، وقوله : صنفان لأنّ الزوح يكون بمعنى الصنف كما مرّ ، وقكئين مدح للخائفين يعني هو إمّا حال من قوله : خاف ، وجمع رعاية لمعناه بعد الإفراد رعاية للفظه ، وقيل : عامله محذوف أي يتنعمون متكثين 6 والمراد بالمدح أنه منصوب باعني مقدراً لا أنه نعت مقطوع ولا منصوب على الاختصاص إذ لا وجه له ، وقوله : لأنّ من خاف في معنى الجمع راجع للوجهين. قوله : ( وجنى ) اسم أو صفة مشبهة بمعنى المجني ، وهو الثمر الذي يجني أي يؤخذ من أغصانه ، وكسر الجيم لغة فيه ، وقوله : فإنّ جنتان يدل على جنان لأنه يلزم من أنه لكل خائف جنتان أن
يكون فيها جنان ، ويساتين كثيرة فلا حاجة إلى قول الفراء أنّ العرب توقع ضمير الجمع على المثنى كما في الأشباه ، والنظائر النحوية. قوله : ( أو فيما قيهما الخ ) فضمير فيهن للبيوت ، والقصور المفهومة من الجنتين أو للجنتين باعتبار ما فيهما مما ذكر كما هو المعروف في أمثاله في الدنيا ، وقوله : أو في هذه الآلاء فضمير فيهن للألاء ، والظرفية مجازية كما يقال للمتنعم هو في النعيم ، وفي اللذات ، والمجموع ظرف مجازيّ فلا يتوهم أنّ المناسب للفرس على لا في مع أنه غير مسلم ، وقد قيل إنه شبه تمكنهم على الفرش بتمكن المظروف في الظرف ، وإيثاره للأشعار بأنّ أكثر حالهم الاستقرار عليها ، ولذا قيل : متكئين على فرس ولا يضرّه تقدّم { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } على ذكر الاتكاء على الرفوف فتأمّل. قوله : ( نساء قصرن الخ ) قال ابن رشيق في قول امرى القيس :
من القاصرات الطرف لو دلث محول من الذرّ فوق الأنف منها الأثرا
أراد بالقاصرات الطرف أنها منكسرة الجفن خافضة النظر غير متطلعة لما بعد ، ولا ناظرة
لغير زوجها ويجوز أن يكون معناه أنّ طرف الناظر لا يتجاوزها كقول المتنبي : وخصرتثبت الأبصارفيه كأنّ عليه من حدق نطاقا
اص فاسم الفاعل مضاف لمفعوله ، ومتعلق القصر محذوف للعلم به أي على أزواجهن أو المعنى قاصرات طرف غيرهن عن التجاوز لغيرهن. قوله : ( لم يمس الانسيات الخ ) ظاهر قوله : الإنسيات ، والجنيات أنها زوجات لا حوريات ، ولكنه سيصرّح بخلافه كما سيأتي ، والطمث الجماع ، وهو المراد بالمس ، وأصله خروج الدم ، ولذلك يقال : للحيض طمث ، ثم أطلق على جماع الأبكار لما فيه من خروج الدم ، ثم عم لكل جماع ، وقد يقال : إنّ التعبير به ل!شارة إلى أنها توجد بكرا كلما جومعت وقوله : دليل على أنّ الجن يطمثون أي يحيضون ، ويدخلون الجنة ، ويجامعون فيها كالإنس لبقائهم فيها منعمين كبقاء المعذبين منهم في النار ، وهو أصح الأقوال قال في الانتصاف : إنه ردّ على من زعم أن الجن المؤمنين لا ثواب لهم ، وأنما جزاؤهم ترك العقوبة ، وجعلهم ترابا اهـ كما قيل ذلك في سائر الحيوانات ، وهذا هو القول الثاني ، وقوله : بضم الميم هي لغة فيه ، وما ذكره من الدليل يؤخذ من السياق ، ومقام الامتنان. قوله : ) وبياض البشرة وصفائهما ) أي الوجنة ، والبشرة وهذا بناء على أنّ المرجان
صغار اللؤلؤ فتخصيصه بالتشبيه به لأنه كما في الكشاف أنصحع لونا وبياضا من كباره قيل ، ولا يخالفه قوله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } [ سورة الصافات ، الآية : 49 ] لأنّ بياضه مخالط لقليل من الصفرة ، وهو أحسن ألوان الأبدان كما قالوه ثمة لجواز كون المشبهات بالمرجان غير المشبهات بالبيض ، وفيه نظر فتأمّل. قوله : ( لمن دونهم من أصحاب اليمين ( قيده به لخروج من ليس من أصحاب اليمين عنها رأسا لكنهم دون هؤلاء في المرتبة ، والخوف حينئذ أشذه إذ لا يخلو مؤمن من خوف ربه. قوله : ( خضروان ( في تهذيب الأزهري الدهمة السواد ، وقيل : مد هامّة لشدة خضرتها ، ويقال : اسودّت الخضرة إذا اشتدّت خضرتها ا هـ ، واليه أشار المصنف رحمه الله بما ذكره ، وقوله : تضربان إلى السواد أي تميل إليه لأنّ الشديد الخضرة كذلك ، وقوله : وفيه أي ، وفي وصفهما بأنهما مد هامّتان إشعار بما ذكره لأنّ الأشجار توصف بأنها ذوات أفنان كما أنّ النبات يوصف بالخضرة الشديدة فالاقتصار في كل منهما على أحد الأمرين مشعر بما ذكر ، والتفاوت لأنّ الجنة الكثيرة الظلال ، والثمار ليست كغيرها فلا وجه لما قيل : يكفي في تحفق الدهمة النبات ، والرياحين ولا(8/137)
ج8ص138
محصل له. قوله : ( وهو أيضاً أقل ( لأن الفوران أقل من الجري فكما أنّ الجنتين دون الأوليين عيناهما دون عينيهما ، وأقل ماء منهما ، وقوله : وكذا ما بعده من قوله : فيهما فاكهة ، ونخل ورمان فإنه أقل من قوله : من كل فاكهة زوجان ، والمقصور في الخيام أدنى من القاصرات الموصوفة بما مرّ والاتكاء على الرفرف أقل من الاتكاء على الفرس. قوله : ( واحتج به أبو حنيفة رحمه اللّه الخ ( لأنّ الشيء لا يعطف على نفسه ، وأنما يعطف على غيره لكنه إن دل الدليل على أن عطفه لأفراده من جنسه تعظيما له كعطف جبريل على الملائكة ، ونحو ذلك لم يكن فيه دليل ، والى ذلك أشار المصنف رحمه الله بقوله : بياناً لفضلهما ، وبين ذلك بأنّ فيهما مع التفكه كذائية في ثمر النخل ، ودوائية في الرمّ ن كما بينه الأطباء ، والغذائية ، والدوائية بالنسبة لثمرات الدنيا ، والا فقد مرّ أنّ كل ما فيها متفكه به إذ لا حاجة فيها لدواء ، ولا غذاء. قوله : الا يجمع الخ ) لأنّ أصل اسم التفضيل ذلك
خصوصا إذا نكر ، وأمّا كون المراد أنه لا يجمع جمع سلامة كما قيل ففيه نظر لأنه يقال : الأكرمون والكبريات ، ونحوه وهو كثير في الكلام الفصيح إلا أن يريد جمع المؤنث ، وقراءته على الأصل مؤيد لأنه ليس اسم تفضيل. قوله : ( قصرن ) بالبناء للمجهول أي منعن ، والمخدرة هي التي لا تخرج من الخدر غالبا ، والخدر بيت الشعر في الأصل ، ثم عمّ ، وقوله : أو مقصورات الطرف الخ ، وهو على هذا دون قاصرات الطرف لما فيه من الأشعار بالقسر في القصر ، وأمّا على تفسيره الأوّل فكونه دونه ظاهر ، وإن لم يلاحظ كونها مخدّرة في الأوّل أو يجعل قوله كالياقوت ، والمرجان كناية عنه لأنه مما يصان كما قيل :
جوهرة أحقاقها الخدور
مع زيادة الصفات المادحة فتأمّل. قوله : ( كحور الأوليين الخ ) أي المعنى فيه المعنى في
حور الأوليين ، وهو أنه لم يمس الإنسيات إنس ، والجنيات جن كما مرّ ، وقوله وهم أصحاب الخ. فالضمير في قوله : قبلهم راجع إلى أصحاب هاتين الجنتين المدلول عليهما بذكرهما وفي بعض النسخ وهم لأصحاب الجنتين ، وهو أظهر ، وهو صريح في أن السابقة حوريات لكن قوله : الأنسيات ، والجنيات يأباه إلا أن يكون جعل ما للإنس إنسيا ، وما للجن جنيا ، ولا مانع منه فتأمّل. قوله : ( وسائد الخ ) الوسادة والمتكأ ، والمخدة والمسند بمعنى والنمارق جمع نمرقة ، وهي الوسادة الصغيرة ، والطنفسة والمراد الثاني إذ هو المغاير لما قبله ، ولا ينافيه الاتكاء ، وقوله : جمع رفرفة إن أراد الجمع اللغوي لم يناف كونه اسم جنس كتمر وتمرة أو اسم جمع كما ذهب إليه بعضهم ، والا فهو أحد الأقوال فيه ، واختاره لقوله : خضر. قوله : ( أو ذيل الخيمة ) كم أنه لا يعرف الاتكاء عليه لا يناسب الامتنان به ، وقد ذكره كثير من المفسرين كالراغب وغيره فإن كان مأثوراً فلعل خيام الجنة ، وأخبيتها يحشو بعض أذيالها ، وتدعم حتى تكون كالمساند لمن فيها فيعتمد عليها كما يعتمد على أسفل الجدران أو يقال : الاتكاء ، والامتنان ليس بها بل بها ، وبما يوضع عندها من الفرش ، والنمارق العبقرية فتأمّل. قوله : ( العبقريّ الخ ) فمعناه في الأصل كل عجيب غريب من الفرس وغيرها ، ولذا قيل في حق الفاروق لم أر عبقريا يفري فريه ، ولتناسي هذه النسبة قيل إنه ليس بمنسوب بل هو مثل كرسي ، وبختي كما نقل عن قطرب فلا منافاة بينهما كما توهم ، وقوله : ولذلك جمع حسان
وهو صفته فقد تطابقا بحسب المعنى المراد.
تنبيه : في الكشاف ، وعباقري كمدائني نسبة إلى عباقر في اسم البلد ، وروى أبو حاتم عباقري بفتح القاف ، ومنع الصرف ، وهذا لا وجه لصحته اهـ ، وفي المحتسب رويته عن قطرب عباقري بكسر القاف غير مصروف ، وعن أبي حاتم بفتح القاف غير مصروف أيضا ، وقال لو كسروا القاف ، وصرفوا لكان أشبه بكلام العرب كالنسب إلى مدائن مدائني ، وهو ما لا يستنكر شذوذه في القياس دون الاستعمال كاستحوذ ، وإذا كان قد جاء عنهم عناكيب ، وتخربوت وتخار بيت كان عباقرفي أسهل منه من حيث إنّ فيه حرفا مشدداً يجري مجرى حرف واحد ومع ذلك هو في آخر الكلمة كياء بخاتيّ وزرابي ليس لنا أن نتلقى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله إلا بقبولها ، والاعتراف بها اهـ قال ابن هشام ، ومن خطه نقلت ما محصله إنّ كونه من النسبة إلى الجمع شذوذا كمدائني باطل فانّ من قرأ بها قرأ فارف خضر يقصد المجانسة ، ولو كان كما ذكر كان مفرداً ، ولا يصح منع صرفه كمدائني ، والرواية صحيحة(8/138)
ج8ص139
عن النبيّ تخي! وهي بمنع الصرف فهو من باب كرسي وكراسي ، وهو من صيغة منتهى الجموع لكنها خالفت القياس في زيادة ما بعد الألف على المعروف كما ذكره السهيلي فقوله : لا صحة لها خطأ من وجهين لأنه صح روايتها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولأنه ظنها كمدائني ، وليس كذلك كما ذكره ابن جني وشرّاح الكشاف لم يحزرو. فاحفظه. قوله تعالى : ) { اسْمُهُ } الخ ) سيأتي في سورة تبارك ، وقد مرّ في سورة الفرقان أن تبارك يكون بمعنى تعالى ، ويكون بمعنى كثرت خيراته ، واختار المصنف رحمه اللّه الأوّل لأنه المناسب لما وصف به من الجلال والإكرام ، ولأنه ورد في الأحاديث تعالى اسمه ، وما قيل من أنّ الثاني أنسب بما قصد من هذه السورة ، وهو تعداد الآلاء والنعم ، ثم إنه لأبعد في إسناده لاسمه إذ به يستمطر فيغاث ، ويستنصر فيغاث على طرف التمام. قوله : ( وقيل الاسم بمعنى الصفة ا لأنها علامة على موصوفها ، ووجه تمريضه ظاهر ، وقوله : إلى الحول الخ ، هو للبيد وقد مرّ في أوّل الكتاب ، وقوله : وقرأ ابن عامر بالرفع ووصف الاسم بالجلال ، والإكرام بمعنى التكريم واضح ، وما قيل : إنه بالرفع كتبت مصاحف الشام ، من جملة الأوهام فإنّ النقط ، والشكل حدث بعد الصدر الأوّل حتى قيل : إنه في
المصحف بدعة ، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ موضوع ومعناه ظاهر تمت سورة الرحمن ببركة الرحيم المنان ، والصلاة والسلام على من أنزل عليه القرآن ، وعلى ا-له وصحبه زبدة نوع ا ل! نسان.
سورة الواقعة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ) استثنى منها بعض آياتها كقوله : { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } [ سورة الواقعة ، الآية : 75 ] الخ لما خرجه مسلم في سبب نزولها وسيأتي الكلام عليه في محله ، وآيها ست وتسعون ، وقيل : سبع وتسعون وقيل : تسع ، وتسعون. قوله : ( حدثت القيامة ( يعني وقعت بمعنى حدثت ، والواقعة اسم للقيامة أو لوقتها لئلا يلغو الإسناد إذ لا يقال : جاني جاء لدلالة كل فعل على فاعل له غير معين كما صرحوا به واليه أشار بقوله : سماها الخ فمن قال : إنّ كلام المصنف رحمه الله بيان لأنّ دلالة اسم الفاعل على الحال ، والقيامة مما ستقع في الاستقبال فقد خلط ، وخبط ، وأما قوله : لتحقق وقوعها فهو بيان لأنه علم بالغلبة أو منقول ، ووجهه ما ذكر واختيار إذا مع صيغة المضيّ للدلالة على ما ذكر فتأمّل. قوله : ( وانتصاب إذا الخ ) كان كيت ، وكيت إذا قدر جواب إذا والذي اختاره في الكشاف أنّ ليس هي الجواب ، وإذا متعلقة بها لأنّ تقدير اذكر إنما عهد في إذ ولأن إذا تخرج حينئذ عن الظرفية ، ولأنه كان المتبادر على الثاني عطف ليس إلا أن تقدر جملتها معترضة أو حالية فإن كان ترك المصنف رحمه الله لما قيل : إنّ ليس كما النافية لا دلالة لها على الحدث فلا تعمل في الظرف فغير وارد عليه لأنّ الصحيح عنده دلالة الأفعال الناقصة على الحدث كما ذكره الرضي ، وارتضاه الفاضل اليمني مع أنّ ما استدل به غير صحيح لأنّ ما النافية لتأويلها بانتفى يتعلق بها الظرف لأنه يكفي له رائحة الفعل ، ولا يلزم تجرّد إذا عن الظرفية هنا ، والا لوجبت الفاء كما توهم لأنّ لزوم الفاء مع الأفعال الجامدة إنما هو في جواب إن الشرطية لعملها كما صرّحوا به ، وأمّا إذا فدخول الفاء في جوابها على خلاف الأصل ، وقوله : كان كيت ، وكيت في إبهامه تهويل وتفخيم لأمرها ، ولذا رجح على غيره ، وكون العامل في إذا الشرطية جوابها أحد قولين مشهورين فلا غبار عليه. قوله : ( لا يكون الخ ) بيان لحاصل معناه على أن كاذبة اسم فاعل صفة نفس مقدّرة لتأنيثه لا مقالة ، وأن وصف الخبر بالكذب أيضا لكونه خلاف الأكثر فيه وليس مصدراً كالعاقبة بمعنى الكذب أو التكذيب كما جوّزه الزمخشريّ لأنّ مجيء المصدر على زنة الفاعل نادر ، والوقعة السقطة القوية ، وشاعت في وقوع الأمر العظيم ، وقد تخص بالحرب ، ولذا عبر بها هنا. قوله : ( أو تكذب في نفيها ) أي في نفي القيامة وقولها : لم
تكن أو لم تكوني كما في الكشاف ، ووقع في بعض النسخ نفسها بالسين فإن صح ، ولم يكن من تحريف الناسخ فهو إشارة إلى أنّ حذف متعلقه للتعميم على أنّ المعنى ليس في وقت وقوعها نفس كاذبة في حد ذاتها(8/139)
ج8ص140
من غير تخصيص لشيء من الأشياء ، وأما القول بأنه لا صحة له لقوله : { وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ سورة الأنعام ، الآية : 23 ] فغير متجه لما مرّ من أنه اختلف في صدور الكذب منهم يوم القيامة فتذكره. قوله : ) واللام مثلها الخ ( أي هي لام التوقيت كما في كتبته لخمس خلون ، ونحوه كما أشار إليه بقوله : حين تقع ، وقوله : أو ليس الخ فاللام للتعليل ، والمعنى أنها لتحقق وقوعها ، ومشاهدة نزولها لا تكون نفس كاذبة في الخبر عنها ثمة كما هو في الدنيا الآن. قوله : ( أوليس لها حينئذ نفس تحدّث صاحبها الخ ) هذا معنى آخر لكاذبة على أنه من كذبت نفسه ، وكذبته إذا منته الأماني ، وقربت له الأمور البعيدة التي لا يطيقها ، ولذا يقال للنفس الكذوب ، واللام على هذا للاختصاص كما يشير إليه قوله لها ، وقيل إنها للتوقيت ، وهو خلاف الظاهر ، وقوله : ثغريه عليها بالغين المعجمة والراء المهملة أي تحثه عليها ، وقيل إنه بالعين المهملة ، والزاي المعجمة أي تصبره ، وليس ببعيد أيضآ ، وقوله : في الخطب العظيم متعلق بقولهم : أو بكذبت بالتشديد والتخفيف. قوله : ( وهو تقرير لعظمتها ) على طريق الكناية لأنّ من شأن الوقائع العظام كتبدل الدول ، وظهور الفتن أنه يذل فيها من كان عزيزاً ، ويعز من كان ذليلا ، وقوله : أو بيان معطوف على تقرير فهو على حقيقته ، والمرفوع مرفوع ، والمخفوض مخفوض بخلافه فيما قبله ، وقوله : إزالة الإجرام أي السموات ، والأرض عن مقارّها أي محالها ، وفي نسخة محازها وهو مجاز أيضا عن مقارها اللائقة بها وأصله محل الحز ، والقطع يقال صادف كذا محزه أي ما يليق به وهو معطوف على خفض أعداء الله ، ونثر الكواكب إزالتها { وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ } [ سورة ا لانفطار ، الآية : 2 ] وتسيير الجبال { إِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ } وسيأتي بيانه ، وتفسيره. قوله : ( وقرئتا ) أي خافضة رافعة بالنصب على الحال قال ابن جني : هي قراءة الحسن واليزيدي والثقفي ، وأبي حيوة ، وقوله : ليس لوقعتها الخ. حينئذ حال أخرى قبلها لجواز تعدد الأحوال كالأخبار أو هي معترضة لتأكيد تحقق وقوعها ، وذو الحال إما الضمير في كاذبة أو وقعت أو الواقعة أو الضمير المضاف إليه في لوقعتها. قوله : ( والظرف متعلق بخافضة ) عدل عن قول
الزمخشريّ إنها متعلقة بخافضة رافعة لما يرد على ظاهره من توارد عاملين على معمول واحد وإن دفع بأنه أراد التعلق المعنوي ، وهو من باب التنازع فما ذكره المصنف اختيار للمذهب الكوفي في أعمال الأوّل ، وقد يقال : إنه جنح إلى أنه ليس من التنازع كما في بيت امركة القيس فتدبر ، وقوله : أو بدل الخ ، وجوز فيه كونه خبرا عن إذا الأولى مع وجوه في الدر المصون. قوله : ( فتتت ) بتاءين بمعنى كسرت ، وقوله : كالسويق إشارة إلى أنه استعارة على هذا ، وقوله : منتشرا تفسير للبث بالثاء المثلثة ، وقراءة النخعي منبتاً بنقطتين من فوق والمراد ما ذكر من البت ، وهو القطع فما قيل من أنّ معنى الآية ينبو عنه لا وجه له. قوله : ( وكل صنف يكون الخ ) تصحيح لإطلاق الزوج على الصنف قال الراغب : الزوح يقال لكل قرينين من الذكر ، والأنثى في الحيوان المتزاوج ، ولكل قرينين فيها وفي غيرها كالخف ، والنعل ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا انتهى. قوله : ) من تيمنهم بالميامن وتشاؤمهم ب لشمائل ) يعني إطلاقهما على أصحاب المنزلتين مأخوذ مما ذكر فإن العرب لما تيامنت باليمين ، وتشاءمت بالشمال كما في السانح ، والبارح ، وقالوا : للرفيع هو مني باليمين كما يقال للوضيع بالشمال تجوز به أو كني به عما ذكر. قوله : ( الذين يؤتون صحائفهم بإيمانهم الخ ) خبر قوله : أصحاب الميمنة فهو على حقيقته ، وقوله : أصحاب اليمن ، والشؤم فيس بمعنى الجهة بل بمعنى البركة وضدها لما عاد عليهم من أنفسهم ، وأفعالهم. قوله : ( والجملتان الاستفهاميتان خبران الخ ) قيل الذي يقتضيه جزالة التنزيل أن يكون قوله : أصحاب الميمنة خبر مبتدأ محذوف ، وكذا أصحاب المشامة والسابقون فإنّ المترقب عند بيان انقسام الناس إلى الأقسام الثلاثة بيان أنفس الأقسام ، وأمّا أوصافها وأحوالها فحقها أن تبين بعد ، والتقدير فأحدها أصحاب الميمنة ، والآخر أصحاب المشأمة ، والثالث السابقون إلا أنه لما أخر بيان أحوال القسمين الأوّلين عقب كلاً منهما بجملة معترضة منبثة عن ترقي أحوالهما في الخير ، والشرّ أنباء إجماليا مشعراً بأنّ لأحوال كل منهما تفصيلا مترقبا لكن لا على أنّ ما مبتدأ ما بعدها خبو على رأي سيبويه بل على أنها خبر فإنّ مناط الإفادة بيان أنّ أصحاب الميمنة(8/140)
ج8ص141
أمر بديع كما تفيده خبرية ما لا أنّ أمراً بديعاً أصحاب الميحنة كما يفيده كونها مبتدأ ،
وكذا ما أصحاب المشأمة ، وأمّا القسم الأخير فحيث قرن ببيان محاسن أحواله لم يحتج فيه إلى تقديم الأنموذح ، وقيل عليه أنه ليس في جعل جملتي الاستفهام ، وقوله : والسابقون الخ إخباراً لما قبلها بيان لأوصاف الأقسام وأحوالها تفصيلاً حتى يقال حقها أن تبين بعد بيان أنفس الأقسام بل فيه بيان الأقسام بلا حذف مع إشارة إلى ترقي أحوالهما في الخير والشرّ تعجباً منه وحثا على طلب مثله ، وأيضاً مقتضى ما ذكره أن لا يذكر ما أصحاب اليمين ما أصحاب الشمال في التفصيل ، ولو قيل إنه ترك في الأخير أعني السابقين لأنه يعلم من أصحاب الميمنة بالطريق الأولى أنهم أحق بالتعجب ، وقد يقال لما عقب الأوّلين بما يشعر بأن لها تفاصيل مترقبة أعيد للإعلام بأن الأحوال العجيبة هي هذه فلتسمع ، وفيه بحث لا يخفى. قوله : ( بإقامة الظاهر ) في قوله : ما أصحاب الخ فإنّ مقتضى الظاهر أن يقال ما هم ، وقيل : التقدير مقول فيهم ما أصحاب الخ على ما عرف في الجمل الإنشائية إذا وقعت خبرا فلا حاجة إلى جعله من إقامة الظاهر مقام الضمير ، وفيه نظر وقوله : التعجيب دون التعجب لاستحالته عليه تعالى فكأنه قيل أيّ شيء حالهم فتعجب منها. قوله : ( والذين سبقوا الخ ) إشارة إلى متعلقه المقدر والتلعثم بالمثلثة التوقف عن التكلم ، والتردّد حيرة ، والتواني المكث من الحيرة أيضاً ، وقوله : أو سبقوا في حيازة الخ الحيازة الجحع والسبق على هذا أفضل مما. قبله لأنه إلى العلوم اليقينية ، ومراتب التقوى الواقعة بعد الإيمان ، وأبتداء الإسلام ، وذلك سبق إلى الإسلام وقوله : مقدموا أهل الأديان لاقتدائهم بهم فلدا سموا سابقين على هذا ، وأبو النجم راجز معروف والمذكور من شعر طويل له منه :
أنا أبوالنجم وشعري شعري لله دري ما أحس صدري
تنام عيني وفؤادي يسري بين العفاريت بأرض قفر
الخ أوقع أبا النجم خبرا لتضمته لوصفه بالكمال واشتهاره به حتى يتبادر إليه الذهن ، وهو المراد بقوله في الآية من عرف حالهم ، وبلغك وصفهم ، وهو تفسير للسابقون الثاني على أنه خبر لا تأكيد في التفاسير السابقة كما في البيت فإنه عني أنا الموصوف بالكمال ، وشعري الموصوف بالفصاحة ، والبلاغة. قوله : ( أو الذين سبقوا إلى الجنة ) وعلى هذا هو أعم من التفسيرين السابقين ، وأخره لأنّ المقابلة فيه غير ظاهرة إلا أن يخص بما يميزه ، ولا قرينة عليه
وهو تأكيد على هذا ولم يرتضه الزمخشريّ قالوا : لما فيه من فوات المقابلة ولأنّ الأقسام عليه غير مستوفاة ولفوات المبالغة السابقة فيه مع أنّ السابقين أحق بالمدح والتعجيب ولفوات ما في الاستئناف بأولئك المقرّبون من الفخامة ، وإنما لم يقل ، والسابقون ما السابقون كالأوّلين لأنه جعله أمراً مفروغاً عنه مسلماً مستقلاً في المدح والتعجيب كما في الكشف. قوله : ( الذين قربت الخ ) بيان للمقرّبين وأل فيه موصولة والتعبير بالماضي لتحققه ، وقوله : هم كثير كثير معنى ثلة ، وهو خبر مبتدأ مقدّر كما أشار إليه بقوله : هم الخ ، وقوله : يعني الخ تفسير للأوّلين ، ولم يجعله مبتدأ خبره مقذو أي منهم ثلة الخ ، ولا خبراً أولاً لأولئك أو ثانياً مع أنه مما جوّزه المعربون لتبادر ما ذكره من عدم عطفه والا فلا تعين له ، وهذا على تفسير السابقين بغير الأنبياء كما لا يخفى. قوله : ( قوله عليه الصلاة والسلام : " إن أمتي يكثرون " ) بفتح الياء مضارع كثره إذا غلبه في الكثرة ، وباب المغالبة معروف ، وقوله : وتابعو هذه الخ فلا ينافي غلبة مجموع هذه الأمة كثرة على من سواها كقرية فيها عشرة من العلماء ، ومائة من العوام ، وأخرى فيها خمسة من العلماء ، وألف من العوام فخواص الأولى أكثر جمن خواص الثانية ، وعوام الثانية ، ومجموع أهلها أضعاف أولئك ، وقوله ، ولا يرده الخ فإنه يدل على كثرة الآخرين فينافي وصفهم بالقلة هنا ظاهراً ، وقوله : لأنّ كثرة الفريقين الخ توفيق بينهما بأنهما ، وصفا بالكثرت ، وهي غير منافية للأكثرية في أحدهما كما ذكره المصنف لكنه لا يخفى ما فيه لا! ما ذكر ثمة أصحاب الميمنة ، والكلام هنا في السابقين ، وهم إمّا غيرهم أو داخلون فيهم ، وعلى كل حال فلا مقتضى لتوافق النسبة أو تغايرها كما(8/141)
ج8ص142
لا يخفى فتأمّل. قوله : ( وروي مرفوعاً الخ ) فلا يرد
ما مرّ ، ولا حاجة للتوفيق فيه فالأوّلون الصحابة أو صدر هذه الأمّة ، والآخرون التابعون ومن تبعهم أو آخر هذه الأمّة ، وقوله : وهو القطع لأنها جماعة مقتطعة من غيرهم من الناس ، والمتواصلة بمعنى المتصلة ، والمراد التقارب لقوله : متقابلين ، وقوله : وهو نسج الدرع واستعير لمطلق النسج أو لنسج محكم مخصوص ، وقوله : حالان مترادفان أو متداخلان ، وقوله : في على فيه تسمح أي في الجار ، والمجرور وجملة يطوف مستأنفة ، وقوله : على هيئة الخ متعلق بمبقون وقوله : حال الشرب ، وغيره فالمراد أنهم دائماً في مقام الخدمة حاضرون مهيؤون ، والعروة ما يمسك منه والخرطوم ما يصب منه ، والإبريق معروف معرب أب ريع أي ما يصب به الماء ، وقوله : من خمر وتوصيفه بالمعين بمعنى أنه مرئي بالعين لأنه أهنأ ، ويخرج من عيون ، ولا يعصر كخمور الدنيا ، وقد مرّ تحقيقه. قوله : ( لا يصدّعون عنها الخ ) فيه تضمين أي لا يصدر عنها صداعهم لأجل الخمار كخمور الدنيا ، وقوله : ولا تترف عقولهم بالبناء للمجهول والمعلوم أي لا تذهب عقولهم بسكرها ، وهو إشارة إلى أن فيه مضافا مقدّراً ، وقوله : وقرئ لا يصدعون أي بالتشديد من التفعل كما أشار إليه ، وقوله : يختارون أي يرتضونه ، وأصله أخذ الخيار والخير. قوله : ( بالجرّ ) جعله المصنف في آية الوضوء من الجرّ الجواري ، والفصل يأباه ، ويضعفه فلذا لم يذكره هنا ، وقوله : عطفاً على جنات بتقدير مضاف الخ. قال أبو حيان : هو فهم أعجميئ فيه بعد وتفكيك للكلام المرتبط ، وهو تعصب لا وجه له فإنه معنى حسن سبق إليه ، وفيه تقدير مضاف كذا في الدر المصون ، وقوله : هم في جنات ومصاحبة حور الخ على تشبيه مصاحبة الحور بالظرف على نهج الاستعارة المكنية ، وقرينتها التخييلية إثبات معنى الظرفية بكلمة في فهي باقية على معناها ، ولا جمع بين الحقيقة ، والمجاز حتى يعتذر بأنه جائز عند المصنف كما توهم. قوله : ( أو على كواب الخ ( وحينئذ فإما أن يقال : يطوف بمعنى ينعمون مجازاً أو كناية على حذ قوله : وزججن الحواجب ، والعيونا وفيه ئاويلات أخر معروفة ، واليه ذهب المصنف تبعا للزمخشري ، ويجوز أن يبقى على حقيقته ، وظاهره وأنّ الولدان تطوف عليهم بالحور أيضا لعرض أنواع اللذات عليهم من المأكول ، والمشروب والمنكوح كما تأتي الخدام بالسراري للملوك ، ويعرضوهن عليهم ، والى هذا ذهب أبو عمرو ، وقطرب فلا وجه لقول أبي البقاء أنه معطوف على أكواب لفظاً لا معنى لأنّ الحور
لا يطاف بها. قوله : ( على ويؤتون ) أي يعطون حوراً يحتمل أن يقدر له ناصب ، وهو ما ذكر فالمراد على تقدير ويؤتون ، ويحتمل أنه أراد أنه معطوف على محل قوله : بأكواب ، وهو النصب لأنه بمعنى يعطون أكوابا فالتقدير على معنى ، ويؤتون وهما قولان ذكرهما المعرب ، وكلامه محتمل لهما فتدبر. قوله : ( في الصفاء والنقاء ) متعلق بيضرّ ولا وجه لتعلقه بأمثال كما قيل : إذ لم يعهد التشبيه باللؤلؤ في النقاء ، وقوله : بأعمالهم اختار في ما المصدرية ، ولا مانع من الموصولية فيها. قوله : " لا قيلا ) أي قولاً فهو مصدر مثله ، والاستثناء فيه منقطع وهو من التعليق بالمحال ، وتأكيد المدح بما يشبه الذم ، ولولا ذكر التأثيم هنا جاز جعل الاستثناء متصلاً حقيقة أو ادعاء كما فصل في المطول في فن البديع ، والتشبيه بما في الآية والأخرى لأنّ البدل هو المقصود بالنسبة فهو مستثنى معنى ، وقوله : صفته بتأويله بالمشتق أو هو مفعوله لأنّ المراد لفظه فلذا جاز وقوعه مفعولاً للقول كما ذكره النحاة ، وقوله : أو مصدر أي لفعل مقدر من لفظه ، وهو مقول القول ومفعوله حينئذ وقوله : للدلالة على فشوّ السلام أي شيوعه وكثرته لأنّ المراد سلاما بعد سلام كقرأت النحو بابابابا فيدل على تكرّره وكثرته. قوله : ( من خضد الخ ) فإذا كان خضد بمعنى قطع الشوك وقصد به ذلك هنا فهو حقيقة لا تجوّز فيه كما توهم وما بعده كناية عن كثرة الحمل ، وكلامه محتمل للإشارة إلى تقدير مضاف في النظم ومثثى بزنة مرميّ ، والظرفية مجازية للمبالغة في تمكنهم من التنعم ، والانتفاع بما ذكر والسدر شجر النبق ، وقوله : شجر موز هو شجر معروف ، وقوله : أم غيلان هو السمر ، وشجر الطلح قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب البيان العامّة تسمى الطلح أم غيلان ، وظاهره أنه مولد وكا! وجه التسمية فيه أنه(8/142)
ج8ص143
ينبت في القفار ، وهي محل الغيلان عندهم فلاجتماعهم عندها شبهت بالأمّ التي يجتمع عندها أولادها وقوله : وله أنوار بيان للانتفاع به الداعي للامتنان به ، والطلع بالعين معروف في النخل ، وقوله : لا يتقلص بالصاد المهملة من قلص الظل إذا انقبض ، وقوله ة أي شاؤوا الخ
هو من إطلاقه ، وقوله : أو مصبوب فالمراد سيلانه مطلقا. قوله : ( إشعارا بالتفاوت بين الحالين ) أي حال السابقين ، وأصحاب الميمنة كالتفاوت بين أهل المدن ، والبوادي المشابهة أحوالهم لأحوالهم فإنّ نعيم الأوّلين أبلغ ، وأعظم كما نشاهده ، وحال أهل المدن كونهم على سرر تطوف خدامهم عليهم بأنواع الملاذ كما مرّ ، وحال البوادي إذا تنعموا نزولهم أماكن مخصبة فيها مياه وأشجار ، وإليه الإشارة بقوله في سدر الخ. قوله : ( كثيرة الأجناس ) حمله عليه دون كثرة أفراد جنس أو نوع واحد لأنه أبلغ ، وقوله : رفيعة القدر فرفعها معنويّ بمعنى شرفها ، وقوله : منضدة أي بعضها فوق بعض فترتفع بذلك كما يشاهد في الدنيا ، وقوله : وقيل الفرس النساء فإن النساء تسمى فراشاً كما تسمى لباسا على الاستعارة ، وقوله : ويدل عليه قوله الخ وجه الدلالة فيه أنّ الضمير يعود على مذكور بخلافه على الأوّل فإنه يعود على ما فهم من السياق ، والفراس ، والاستخدام بإرجاع الضمير إلى الفرس بمعنى النساء بعد إرادة معناها المعروف منها كما ذكره البقاقي بعيد هنا كما لا يخفى ، والمحشي ذكره من عنده كأنه لم يره. قوله : ( أي ابتدأناهن ابتداء جديدا الخ ) أي إن أريد النساء التي ابتدأ خلقهن من الحور فالمعنى ابتدأناهن ابتداء جديداً من غير ولادة ولا خلق أوّل وهو المراد بالإبداء ، وإن أريد التي كن في الدنيا فالمراد أعيد إنشاؤهت من غير ولادة ، وهذا هو المراد بكونه جديدا أيضا ، وقوله : شمطا جمع شمطاء ، وهي المختلط سواد شعرها ببياضه تشبيهاً والرمص جمع رمصاء بالمهملات وهي التي في طرف عينها وسخ أبيض متجمد كما يرى في العجائز والشيوخ ، وقوله : على ميلاد أي متوافقة على ميلاد واحد ، وسن متحد فالميلاد اسم زمان وهو تفسير للأتراب ، ولذا لم يفسره فيما سيأتي وعلى هذا فقوله : فجعلناهن أبكارا على ظاهره ، والجعل بمعنى التصيير وأبكارا مفعول ثان ، وعلى الأوّل الجعل بمعنى الخلق ، وأبكارا حال أو مفعول ثان من قبيل ضيق فم الركية فتأمّل. قوله : ( جمع عروب ) كصبور ، وصبر وتسكيته للتخفيف ، وقوله : بنات ثلاث ، وثلاثين اختير هذا لأنه أتم السن ، والإنسان فيه أقوى لأنهم جرد مرد كما ورد في
لا يطاف بها. قوله : ( على ويؤتون ) أي يعطون حوراً يحتمل أن يقدر له ناصب ، وهو ما ذكر فالمراد على تقدير ويؤتون ، ويحتمل أنه أراد أنه معطوف على محل قوله : بأكواب ، وهو النصب لأنه بمعنى يعطون أكوابا فالتقدير على معنى ، ويؤتون وهما قولان ذكرهما المعرب ، وكلامه محتمل لهما فتدبر. قوله : ( في الصفاء والنقاء ) متعلق بيضرّ ولا وجه لتعلقه بأمثال كما قيل : إذ لم يعهد التشبيه باللؤلؤ في النقاء ، وقوله : بأعمالهم اختار في ما المصدرية ، ولا مانع من الموصولية فيها. قوله : " لا قيلا ) أي قولاً فهو مصدر مثله ، والاستثناء فيه منقطع وهو من التعليق بالمحال ، وتأكيد المدح بما يشبه الذم ، ولولا ذكر التأثيم هنا جاز جعل الاستثناء متصلا حقيقة أو ادعاء كما فصل في المطول في فن البديع ، والتشبيه بما في الآية والأخرى لأنّ البدل هو المقصود بالنسبة فهو مستثنى معنى ، وقوله : صفتة بتأويله بالمشتق أو هو مفعوله لأنّ المراد لفظه فلذا جاز وقوعه مفعولاً للقول كما ذكره النحاة ، وقوله : أو مصدر أي لفعل مقدر من لفظه ، وهو مقول القول ومفعوله حينئذ وقوله : للدلالة على فشوّ السلام أي شيوعه وكثرته لأنّ المراد سلاماً بعد سلام كقرأت النحو بابابابا فيدل على تكرّره وكثرته. توله : ( من خضد الخ ) فإذا كان خضد بمعنى قطع الشوك وقصد به ذلك هنا فهو حقيقة لا تجوّز فيه كما توهم وما بعده كناية عن كثرة الحمل ، وكلامه محتمل للإشارة إلى تقدير مضاف في النظم ومثثى بزنة مرميّ ، والظرفية مجازية للمبالغة في تمكنهم من التنعم ، والانتفاع بما ذكر والسدر شجر النبق ، وقوله : شجر موز هو شجر معروف ، وقوله : أم غيلان هو السمر ، وشجر الطلح قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب البيان العامّة تسمى الطلح أم غيلان ، وظاهره أنه مولد وكأنّ وجه التسمية فيه أنه ينبت في القفار ، وهي محل الغيلان عندهم فلاجتماعهم عندها شبهت بالأمّ التي يجتمع عندها أولادها وقوله : وله أنوار بيان للانتفاع به الداعي للامتنان به ، والطلع بالعين معروف في النخل ، وقوله : لا يتقلص بالصاد المهملة من قلص الظل إذا انقبض ، وقوله : أي شاؤوا الخ
هو من إطلاقه ، وقوله : أو مصبوب فالمراد سيلانه مطلقاً. قوله : " شعارا بالتفاوت بين الحالين ) أي حال السابقين ، وأصحاب الميمنة كالتفاوت بين أهل المدن ، والبوادي المشابهة أحوالهم لأحوالهم فإنّ نعيم الأوّلين أبلغ ، وأعظم كما نشاهده ، وحال أهل المدن كونهم على سرر تطوف خدامهم عليهم بأنواع الملاذ كما مرّ ، وحال البوادي إذا تنعموا نزولهم أماكن مخصبة فيها مياه وأشجار ، واليه الإشارة بقوله في سدر الخ. قوله : ( كثيرة الآجناس ) حمله عليه دون كثرة أفراد جنس أو نوع واحد لأنه أبلغ ، وقوله : رفيعة القدر فرفعها معنويّ بمعنى شرفها ، وقوله : منضدة أي بعضها فوق بعض فترتفع بذلك كما يشاهد في الدنيا ، وقوله : وقيل الفرس النساء فإن النساء تسمى فراشا كما تسمى لباسا على الاستعارة ، وقوله : ويدل عليه قوله الخ وجه الدلالة فيه أنّ الضمير يعود على مذكور بخلافه على الأوّل فإنه يعود على ما فهم من السياق ، والفراس ، والاستخدام بارجاع الضمير إلى الفرس بمعنى النساء بعد إرادة معناها المعروف منها كما ذكره البقافي بعيد هنا كما لا يخفى ، والمحشي ذكره من عنده كأنه لم يره. قوله : ( أي ابتدأناهن ابتداء جديدا الخ ) أي إن أريد النساء التي ابتدأ خلقهن من الحور فالمعنى ابتدأناهن ابتداء جديداً من غير ولادة ولا خلق أوّل وهو المراد بالإبداء ، وإن أريد التي كن في الدنيا فالمراد أعيد إنشاؤهن من غير ولادة ، وهذا هو المراد بكونه جديداً أيضا ، وقوله : شمطاً جمع شمطاء ، وهي المختلط سواد شعرها ببياضه تشبيهاً والرمص جمع رمصاء بالمهملات وهي التي في طرف عينها وسخ أبيض متجمد كما يرى في العجائز والشيوخ ، وقوله : على ميلاد أي متوافقة على ميلاد واحد ، وسن متحد فالميلاد اسم زمان وهو تفسير للأتراب ، ولذا لم يفسره فيما سيأتي وعلى هذا فقوله : فجعلناهن أبكاراً على ظاهره ، والجعل بمعنى التصيير وأبكارا مفعول ثان ، وعلى الأوّلى الجعل بمعنى الخلق ، وأبكاراً حال أو مفعول ثان من قبيل ضيق فم الركية فتأمّل. قوله : ( جمع عروب ) كصبور ، وصبر وتسكينه للتخفيف ، وقوله : بنات ثلاث ، وثلاثين اختير هذا لأنه أتم السن ، والإنسان فيه أقوى لأنهم جرد مرد كما ورد في
الحديث الصحيح وقوله : وهي أي ثلة الخ وعلى الأخير هي مبتدأ خبره الجار ، والمجرور المقدم عليه كما بيته المصنف إلا أنه قيل عليه إنّ معناه غير ظاهر لا طلاوة عليه ، وقد قيل : إنّ اللام عليه بمعنى من كما في قوله : ونحن لكم يوم القيامة أفضل ولا يخفى ما فيه ، وكذا تعلقه بأترابا لاحتياجه إلى تأويله بمساويات ليتعلق به ، وليس فيه كبير فائدة أيضاً فلذا لم يتعرّضوا له هنا ، وقوله : متناه الخ. التناهي من الصيغة ، والتنوين فإنه للتعظيم. قوله : ( يفعول ) أي بهذا الوزن ، وله نظائر وإن كان نادرا ، وقوله : من الحممة بضم الحاء المهملة ، وبعدها ميمين مفتوحتين تليهما تاء تأنيث هي القطعة من الفحم ، وتسمية الدخان ظلا على التشبيه التهكمي والاسترواج استفعال من الراحة ، وقوله : { لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ } صفتان لظل كقوله من يحموم ، ولا يضره تقدّم الجار والمجرور على الصفة المفردة فإنه جائز كما صرح به النحاة فلا حاجة إلى جعله صفة ليحموم كما قيل لا لعدم توازن الفاصلتين كما توهم بل لأنه لو جعل صفة ليحموم وهو الدخان كان لغوا بخلاف ما لو جعل صفة ظل كما ذكره المصنف ومنه يعلم وجه التقديم لما هو على خلاف الأصل. قوله : ( ولا نافع ) يدفع أذى الحر ، وقوله : الذنب العظيم إن كان تفسيرا للحنث بالذنب ، ووصفه بما وقع صفة له في النظم وافق كلام الجوهرقي ، وغيره من أئمة اللغة حيث فسروا الحنث بمطلق الذنب ، وإن كان تفسيرا للحنث بمجموع قوله الذنب العظيم كما في الكشاف لا ينافيه وصفه بالعظيم لأنه للمبالغة في وصفه بالعظم كما وصف الطود ، وهو الجبل العظيم به أيضا كما صرح به الراغب ، ويؤيده أنه في الأصل العدل الثقيل ، وفسره السبكي هنا كما نقله في الطبقات بالقسم على إنكار البعث المشار إليه بقوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ } وهو تفسير حسن لأنّ الحنث ، وإن فسر بالذنب مطلقاً أو الذنب العظيم فالمعروف استعماله في عدم البر في القسم ، وأما عطف(8/143)
ج8ص144
قوله تعالى وكانوا يقولون هنا عليه فلا يأباه لاقتضائه التغاير بينهما كما قاله أبو حيان لا لتحقيق
التغاير بأنّ الأوّل إنكار ، والثاني استدلال كما قيل لأنّ الاستدلال هنا على نفيه ، وهو إنكار ، وزيادة فلا يلزم مما ذكر عدم التكرار بل يثبته بدليله إذ المذكور هنا كما ينادى عليه كانوا يصرون ثباتهم على الكفر والعناد ، وتكرر الإنكار وتكرّر الاستدلال الظاهر الفساد مع أنه لا محذور في تكراره وهو توطئة ، وتمهيد لبيان فساده ، والحلم بضمتين سن البلوغ ، وتأثم ارتكب الإثم كتحنث ارتكب الحنث أو التفعل هنا للسلب كالأفعال ، وكلامه محتمل لهما فلا وجه لتعيين الثاني. قوله : ( كررت الهمزة الخ ) في قوله : أئذا وأئنا ، والإنكار المطلق من قوله : { أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } وقوله : خصوصاً مما قبله ، وفيه إشارة إلى أنّ تقديمه لاختصاص الإنكار به لا لإنكار الاختصاص ، وقد مز ما فيه في الصافات ، وقوله : كما دخلت العاطفة أي كما دخلت الهمزة الإنكارية على الواو العاطفة هنا فقوله : العاطفة منصوب بنزع الخافض ، وأصله على العاطفة وقوله : أشذ إنكارا لأنه ذكر للترقي إذ الإنكار الأوّل يغني عنه ، ولما كانت هذه الهمزة مكزرة لما ذكر لم يضر عمل ما قبلها فيما بعدها المانع عنه صدارتها لأنها مزحلقة ، وليست في مكانها ، وأمّا كون الحرف إذا كرّر للتأكيد فلا بد أن يعاد معه ما اتصل به أوّلاً أو ضميره فليس اطراده مسلماً لورود ككما يؤثفين ولا للما بهم أبداً دواء وأمثاله. قوله : ( وللفصل بها ( أي بالهمزة فإن العطف على الضمير المستتر أو المتصل لا بد فيه من تأكيد المعطوف عليه أو فاصل ما كما قاله ابن مالك ، وقد وجد الفاصل هنا وإن كان حرفا واحداً ، وقوله : سبق مثله أي في سورة الصافات ، وقوله : والعامل في الظرف الخ إشارة إلى أنّ إذا هنا ظرفية لا شرطية ، وما دل عليه مبعوثون نبعث ، وقوله : للفصل بأن والهمزة وكل منهما يستحق الصدارة المانعة عن عمل ما بعدهما فيما قبلهما. قوله : ( وقوله إلى ما وقت به الدنيا وحدّ ) إشارة إلى أنّ إلى للغاية والانتهاء ، وقيل : ضمن معنى مسوق فلذا تعدى بها ، ومعلوم كناية عن كونه معيناً عنده تعالى ، وقوله : من يوم معين إشارة إلى أنّ إضافة الميقات على معنى من كخاتم فضة فهي ) ضافة بيانية ، وقوله : من الأولى للابتداء أو تبعيضية وقيل : زائدة ، وقوله : والثانية للبيان فالجار ، والمجرور صفة شجر ، وقيل : إنه بدل من قوله من شجر فمن كالأولى. قوله : ( من شدّة الجوع ) فإنه الذي اضطرّهم ، وقسرهم على أكل مثلها مما لا يؤكل فلا معنى لما قيل أو
بالقسر ، وقوله : وتأنيث الضمير الخ الحمل على المعنى لأنه بمعنى الشجرة لقوله : { إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ } [ سورة الدخان ، الآية : 43 ] أو الأشجار إذا نظر لصدقها على المتعدد ، وللفظ لأنّ الشجر لفظه مذكر فيكون من اعتبار اللفظ بعد اعتبار المعنى على خلاف المتعارف ، ولذا قال في الانتصاف : لو أعاده على الشجر باعتبار كونه مأكولاً حتى يكون المعنى لآكلون من شجر من زقوم فمالؤون منها البطون فشاربون على أكلهم الزقوم من الحميم كان أحسن انتهى قيل : فيكون التأنيث ، والتذكير باعتبار المعنى دون اللفظ فلا يخالف المعروف ، ولا خفاء في أنه لا حاجة في التذكير إلى التأويل إنما الحاجة إليه في قراءة شجرة كما أشاروا إليه ، فأما قوله : في الكشف ذكره في قوله : فشاربون عليه نظرا إلى اللفظ ، والحمل على شاربون على أكله بعيد لأنّ الشرب عليه لا على تناوله مع ما فيه من تفكيك الضمائر انتهى فإن كان قصد به الرد على الانتصاف فمردود لأنه أعاد الضمير على المأكول كما نطق به قوله. لو أعاد. على الشجر باعتبار كونه مأكولاً ، وقوله : على أكلهم ليس على لفظ المصحدر بل هو بضمتين في الأصل كما في قوله : { كُلُهَا دَآئِمٌ } [ سورة الرعد ، الآية : 35 ] ثمر الشجر وكل مأكول كما في الصحاح فلا حاجة إلى توهم أنه من باب ضرب الأمير فلا بعد فيه ولا فك ، ولو سلم فمثله مجاز شائع يقال ة شربت على الريق ، وأكلت على الثغ ، وهو أكثر استعمالاً من شربت على المأكول مع أنّ المستعلي على المأكول هو المشروب لا المعنى المصدري ، وفك الضمائر غير موجود إذ هو احد أو اثنان ، ولو سلم فلا باس به إذا لم يلبس نعم قوله أحسن محل كلام ، وهو من الأوهام التي لا مساس لها بالمقام فتأمّل. قوله : ( فيكون التذكير للزقوم ) أي لأنّ الضمير عائد على الزقوم أو على الشجرة لأنّ المراد بها الزقوم ، وقوله : فانه تفسيرها صريح فيه. قوله : ( التي بها الهبام ) هو بضم الهاء على قياس أسماء الأمرإض فإنها على بناء فعال بالضم كالسعال ، والصداع(8/144)
ج8ص145
وهكذا ، وفسره بقوله : وهو داء الخ ، وقوله : كالهيماء أي الإبل ، أو الناقة الهيماء والصدى بالفتح ، والقصر شدّة العطش ، وقوله : يقضي عليها أي يقتلها أي لا يبرد حرارة عطشها فيشفيها ، ولا يميتها فتفوز بإحدى الراحتين وقوله : هيام بالفتح ، وقال ثعلب : بالضم فهو كقراد وقرد في جمعه ، وقوله : ما فعل بجمع أبيض من قلب الضمة كسرة لتسلم الياء ، ويخف اللفظ فكسرت الهاء لأجل الياء ، وهو قياس مطرد في بابه ، والبيت شاهد لورود الهيماء بمعنى الهيام المذكور ، وهو من قصيدة له أوّلها :
خليليّ عوجا حييارسادمنة محتها الصبا بعدي وطاد خيامها
قوله : ( وقيل الرمال الخ ) لأن الرمل يضرب به المثل في عدم الريّ مع كثرة الشرب لأنه
لتخلخله لا ينتقع فيه الماء ، ولا يظهر هو ، ولا أثر. عليه كغيره ، وإليه أشار المصنف بقوله : لا يتماسك ، ومن العجيب هنا قول الشارح الطيبي ، ومن تبعه إنّ شرب الهيم على هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف ، وإنّ الرمل لما اعتبر معنى السيلان فيه كالمائع جعل مشروباً تهكماً ، ونسب الشرب إليه مجازاً ، وهو مما لا ينبغي أن يصدر عن مثله. قوله : ( وكل من المعطوف الخ ) جواب عن أنه لم عطف شاربون على شاربون بالفاء ، والعطف بها يقضي مع المغايرة التعقيب ، وهما متحدان هنا بمنع الاتحاد فإنّ كلاً منهما أخص من الآخر من وجه لأنّ شارب الحميم قد لا يكون به داء الهيام ، ومن به داء الهيام قد يشرب غير الحميم ، والشرب الذي لا يحصل الريّ ناشئ عن شرب الحميم لأنه لا يبل الغليل أو لأن الإفراط بعد الأصلي لكن لا يخفى ما في كلام المصنف من القصور لأنه لا يدل على المراد دلالة تامة مع أنه أقرب مما في الكشاف ، وهو قوله : إن كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة ، وقطع الإمعاء أمر عجيب وشربهم له على ذلك كما تشرب الهيم الماء أمر عجيب أيضا فكانتا صفتين مختلفتين. قوله : ( بضنم الشين ) كما قرى بفتحها ، وقرى بالكسر أيضاً في الشواذ ، وتفسيرها معلوم من كتب اللغة ، وقوله : فما ظنك الخ إشارة إلى ما فيه من المبالغة لأنّ النزل ما يعد للقادم عاجلا ، إذا نزل ثم يؤتى بعده بما هو المقصود من أنواع الكرامة فلما جعل هذا مع أنه أمر مهول كالنزل دل على أنّ بعده ما لا يطيق البيان شرحه ، وجعله نزلاً مع أنه ما يكرم به النازل متكهماً كما في قوله :
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
وقوله : بالتخفيف أي تسكين الزاي المضمومة. قوله : ( بالخلق ) متعلق التصديق بقرينة قوله : نحن خلقناكم ولما كانوا مصدّقين به لقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ سورة العنكبوت ، الآية : 61 ] أشار إلى أنه منزل منزلة العدم ، والإنكار لأنه إذا لم يقترن بالطاعة ، والأعمال الصالحة لا يعد تصديقا أو التصديق بالجث لتقدّمه وتقدّم إنكاره في قوله : أئنا لمبعوثون. قوله : ( من مني النطفة بمعنى أمناها ) أي أسالها
بدفع الطبيعة ومني ، وأمنى بمعنى كما ذكره الجوهريّ وقوله : تجعلونه بشراً سوباً تام الخلقة فالمراد خلق ما يحصل منه ففيه تقدير أو تجوّز ، وقوله : أقتنا بالهمزة بمعنى وقتنا أي جعلنا له وقتا معينا ، وقوله : فيهرب من الموت أو يغير وقته يعني السبق هنا تمثيل لحال من سلم من الموت أو تأخر أجله عن وقته المعين له بحال من طلبه طالب فلم يلحقه وسبقه أو السبق مجاز عن الغلبة استعارة تصريحية أو مجاز مرسل في لازمه ، وظاهر قول المصنف من سبقته على كذا أنه حقيقة فيه إذا تعدى بعلى. قوله : ( على الأوّل حأل ) أي إذا فسر السبق بالسلامة من الموت أو تأخيره عن وقته ، والمعنى لا ينجو أحد من الموت حال كوننا قادرين أو عازمين على تبديل أمثالكم ، وصاحب الحال الضمير المستتر في مسبوقين ، وجملة وما نحن بمسبوقين حال أيضا فإذا كانت على تعليلية فهي متعلقة بقدرنا ، والجملة بينهما معترضة ، وقيل : قوله وما نحن بمسبوقين اعتراض جار على الوجهين ، وسياقه لا يساعده. قوله : ( جمع مثل ) أي بفتحتين بمعنى الصفة العجيبة ، وهو فيما قبله جمع مثل بكسر فسكون بمعنى شبه ، وقوله : في خلق بكسر الخاء ، وفتح اللام جمع خلقة ، وهو ما يكون عليه الإيجاد من الهيآت ، والأطوار ، والظاهر أنّ قوله : وننشئكم المراد به إذا بدلناكم بغيركم لا في الدار الآخرة كما توهم والصفات الأشكال ، وما ضاهاها وهما في هذه النشأة أو الأوّل إذا كانت الأمثال الأشباه ، والثاني(8/145)
ج8ص146
إذا كانت الصفات ففيه لف ، ونشر مرتب. قوله : ) أنّ من قدر عليها ) أي على النشأة الثانية بالإعادة هو الذي قدر على النشأة الأولى ، وهذه أهون بالنسبة إليكم لما ذكره ، وربما يتوهم أنه كان الظاهر في عبارته العكس ، وهو من سوء الفهم ، وقوله : وفيه دليل على صحة القياس لوقوعه هنا ، وارشاد الخلق بالدلالة على صحة الإعادة لصحة الإبداء. قوله : ( تبذرون حبه ) في عبارته تسامح ومعنى الحرث ما قاله الراغب من أنه تهيئة الأرض للزراعة ، وإلقاء البذر ، ولذا قال في الكشاف تبذرون حبه ، وتعملون في أرضه فليس حق التعبير فيه ما تبذرونه من الدبئ كما قيل ، وقوله : تنبتونه فالزرع إنبات ما ألقي من البذر ، ولا يقدر عليه إلا الله ولذا ورد في الحديث : " لا يقولن أحدكم زرعت
وليقل حرثت " كما رواه ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال القرطبيّ : إنه يستحب للزارع أن يقول بعد الاستعاذة ، وتلاوة هذه الآية الله الزارع ، والمنبت والمبلغ اللهم صل على محمد وارزقنا ثمره ، وجنبنا ضرره واجعلنا لأنعمك من الشاكرين قيل ، وقد جرب هذا الدعاء لدفع آفات الزرع كلها ، وانتاجه. قوله : ) هشيماً ) أي متكسراً لشدة يبسه ، وقوله : تعجبون من هلاكه أو يبسه بعد خضرته ، وقوله : على اجتهادكم فيه الذي ضاع وخسر ، والتنقل من النقل بالفتح والضم ، وهو أكل الفواكه ، ونحوها وأصله كان الأكل مع الشراب وقد يعم ، وقوله : فتتحدثون فيه ، والحديث ما مرّ بعد هلاكه لما غلب في الندم أو التعجب منه كني به عن التعجب والندم ، وقيل : التفعل فيه للسلب كتأثم وتحنث كما مرّ أي يلقون الفكاهة عنهم. قوله تعالى : ( { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } ) قرئ بالاستفهام ، والتحقيق وعليهما هو مقول قول مقدّر هو حال أي قائلين أو يقولون إنا الخ والمغرم هنا الذي ألزم الغرامة أو مهلكون بالمعاصي أو بهلاك رزقهم من الغرام بمعنى الهلاك قال :
أن يعذب يكن غراما وإن ي!!ط جزيلاً فإنه لا يبالي
واليه أشار المصنف بقوله : من الغرام أي بمعنى الهلاك. قوله : ) حرمنا رزقنا ) هذا إن
كان ما قبله من الغرامة فالمعنى إنا ملزمون غرامته بنقص أرزاقنا بل نحن محرومون الرزق بالكلية ، وقوله : أو محدودون بالمهملة من الحدّ بمعنى المنع ، ومجدودون بالجيم من الجد ، وهو البخت ، وهو ناظر إلى الثاني فالمعنى لما قال إنهم هالكون بهلاك رزقهم قال : بل هذا أمر قدر علينا لنحوسة طالعنا ، وعدم بختنا ففيه شبه لف ، ونشر. قوله : ( والرؤية إن كانت بمعنى العلم الخ ) فالجملة الاستفهامية في محل المفعول الثاني ، وإن كانت بصرية فهي مستأنفة لا
محل لها ، وفي تسمية مثل هذا تعليقاً شيء لأنّ المفعول الثاني في باب العلم يكون جملة في محل نصب ، ولو لم يكن استفهام وأنما يكون تعليقا ، وهو إبطال العمل لفظاً لا محلا لو دخلت على المفعولين والظاهر أنّ التعليق المعدى بالباء بمعنى العمل ، وليس هو المصطلح عليه فإنه يعدّى بعن كما سيأتي في سورة تبارك. قوله : ( ملحاً ) أي مالحاً ، والأجيج تلهب النار فعليه يكون كل ما يلذع الفم أجاجاً فيشمل المالح والمرّ والحار لكن المراد الملح هنا بقرينة المقام ولو أريد الأعمّ صح أيضاً. قوله : ( الفاصلة بين جواب ما يتمحض ) كان الثرطية ، والمراد بما يتضمن معناه هنا لو ، وفي عبارته تسمح لأنها لا تدخل كل ما تضمن معناه كمن ، وما كما لا يخفى ، وعلم السامع بمكانه ، والاكتفاء يقتضي تقديره ، وما بعده يقتضي خلافه ، وما يقصد لذاته الماكول لأنّ المشروب إنما تطلبه الطبيعة ليسهل طبخ الطعام ، ويعدل الحرارة ، ونحو ذلك مما قصد لغيره ، وفي المثل السائر أنّ اللام أدخلت في المطعوم دون المشروب لأنّ جعل الماء العذب ملحاً أسهل مكاناً في العرف ، والعادة والموجود من الماء الملح أكثر من الماء العذب ، وكثيرا ما إذا جرت المياه العذبة على الأراضي المتغيرة التربة أحالتها إلى الملوحة فلم يحتج في جعل الماء العذب ملحاً إلى زيادة تأكيد فلذا لم تدخل لام التأكيد المفيدة لزيادة التحقيق ، وأمّا المطعوم فإنّ جعله حطاما من الأشياء الخارجة عن المعتاد ، وإذا وقع يكون عن سخط شديد فلذا قرن باللام لتقرير إيجاده ، وتحقيق أمره انتهى. قوله : ( لمزيد التثيد ) كونها للتأكيد لا ينافي كونها فاصلة فإنّ الفصل ليس المعنى الموضوع له ، ولا تمانع بينهما ، وهما لا ينفكان كنها ، ويعلم من توجيه ذكرها أو لا وجه حذفها ثانياً ، وقوله : مزيد الخ أقحم المزيد لأنّ التأكيد(8/146)
ج8ص147
يعلم من تقديمه ، وترتيب قوله : فظلتم الخ عليه. قوله : ( أمثال هذه النعم ) جعله مرتباً على جميع ما مرّ من المطعوم ، والمشروب ، ولم يخصه بعذوبة الماء لأنّ هذا أفيد ، والضرورية هي التي لا بدّ للإنسان منها والزناد بكسر الزاي جمع زند وزندة للعود الذي يقدح منه النار لا مفرد كما يتوهم. قوله : ( ثبصرة في أمر البعث ) لأنّ من أخرح النار من الشجر الأخضر المضاد لها قادر على إعادة ما تفرقت موادّه وقد مر تقريره في ي! ، وقوله : أو في الظلام عطف على قوله في أمر البعث ، وهو شبه الاستخدام لأنّ الأوّل من البصيرة في الأدلة المثبتة وهذا من البصر ، والنظر فإنه يبصر بضوئها ، والاستخدام لا يلزم كونه بالضمير ققد يكون بالتمييز ، والعطف والاستثناء كقوله :
أبدأ حديثي ليس بالمنسوخ إلا في الدفاتر
فعليك بالتدبر فما قيل إنه غير لائح الوجه من عدم النظر الصحيح ، وكذا القول بأنها لا تختص بنار الزناد نعم التذكرة لا تكون بمعنى التبصرة المأخوذة من البصر فتذكر. قوله : ( أو ئذكير الخ ا لنار جهنم تنازعه التذكير ، والأنموذج ، والتذكر لأنه برؤيتها يخطر بباله ، والأنموذج لما في الحديث : " إنها جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم " وقوله : ينزلون القواء فهو كأصحر إذا دخل الصحراء فإنّ الأفعال يكون للدخول في معنى مصدر مجرّده. قوله : ( أو للذين خلت بطونهم الخ ) وهو على الأوّل حقيقة ، وعلى الثاني مجاز أو فيه مضاف مقدّر ، والأوّل أقرب ، وانتفاعهم بها لأنهم يطبخون بها ، ولشدة احتياجهم لها خصوا بالذكر مع انتفاع غيرهم بها وقوله : من أقوت الدار راجع للوجهين الأخيرين والمزاود جمع مزود وهو وعاء الزاد. قوله : ( فأحدث التسبيح بذكر اسمه الخ ) ذكر أحدث للإشارة إلى أنه منزل منزلة اللازم ، وإلى أنّ المأمور به تجديده لا إيجاده فإنه غير معرض عنه ، والفاء للتعقيب أي بعدما عددت من النعم فسبح ، وكذا فلا أقسم ، وهو إمّا بتقدير مضاف فيه ، وهو لفظ الذكر ، وأمّا لأنّ الاسم مجاز عن الذكر والمعنى نزهه إمّا بواسطة ذكر اسمه أو بواسطة ذكره قيل ، ولو أبقى على ظاهره من غير إضمار أو تجوّز جاز كما في { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } [ سورة الأعلى ، الآية : ا ] فإنه كما يجب تقديس ذاته يجب تنزيه الألفاظ الدالة عليه فلا يخالف الأدب ، وهو أبلغ لأنه يلزمه تقدي! ذاته بالطريق الأولى على نهج الكناية الرمزية ، وأورد عليه أنه إنما يتأتى لو لم يذكر الباء إلا أن تجعل زائدة ، وهو خلاف الظاهر. قوله : ( فإنّ إطلاق اسم الخ ) بيان لعلاقة السببية بين الاسم ، والذكر المصححة للمجاز ، وقوله : العظيم الخ يعني على الوجهين المذكورين ، وقوله : تعقيب الأمر بالتسبيح كما يدل عليه اقترانه بالفاء التعقيبية أي ذكر سبح بعد ما عدد من النعم ، وقوله : الكافرون لنعمته لأنّ التذكير بالنعم يستدعي تنزيهه فلذا عقب بالفاء فهي بمعناها " الحقيقي ، وقوله : أو للتعجب فإنّ سبحان ترد للتعجب مجازاً مشهوراً فسبح بمعنى تعجب ، وأصله : قل سبحان الله للتعجب ، وغمط النعم بالمعجمة احتقارها ، وعدم معرفة حقها. قوله : ( أو للشكر الخ ) لأنّ تنزيهه وتعظيمه بعد ذكر نعمه مدح له عليها فهو شكر للمنعم في الحقيقة ،
وقوله : ما عدها في النسخ بضمير المؤنث لما باعتبار معناها. قوله : " ذ الأمر الخ ( فلا نافية ، وقدمه لأنه المتبادر ، وزيادة لا للتأكيد ، وتقوية الكلام خلاف الظاهر أيضاً ، وقوله : إلى قسم أي لا يحتاج إلى قسم ما فضلا عن هذا القسم العظيم فلا يتوهم أنه يأباه تعيين المقسم به وتفخيمه ، وقوله : فحذف المبتدأ لم يورد عليه ما مرّ في طه من أنّ المبتدأ الداخل عليه لام التأكيد يمتنع أو يقبح حذفه لأنّ دخولها لتأكيده يقتضي الاعتناء به ، وحذفه يدل على خلافه اكتفاء بما قدمه هناك كما هو دأبه ، وقوله : لكلام يخالف الخ كقوله في القرآن إنه سحر ، وشعر وكهانة ، وقيده بكونه يخالفه ليكون ذكره قرينة عليه كما قيل :
وبضدها تتبين الأشياء
وقوله : فلاناً أقسم قدر المبتدا لأنّ لام الابتداء لا تدخل على الفعل ، ولا يصح أن تكون
لام القسم لأنّ حقه أن يؤكد بالنون. قوله : ( بمساقطها ) على أنّ الوقوع بمعنى السقوط والغروب ، وقوله : أو بمنازلها على أنّ الوقوع النزول كما يقال على الخبير سقطت ، وهو شائع ، والأوّل يستعمل بمن ، وهذا بفي أو على وقوله : مواقعها أوقات نزولها فموقع اسم زمان. قوله : ( والدلالة على وجود مؤثر الخ ) لأنّ زوال الأثر من سمات الحدوث ، والإمكان فيقتضي مؤثراً(8/147)
ج8ص148
موجوداً ليس له تلك السمة ، ولذا استدل الخليل عليه الصلاة والسلام بالأفول على وجود الصانع وأثر النجوم ظهورها ، واضاءتها. قوله : ( أو بمنازلها ومجاريها ) فانّ فيها من الدلالة على القدرة القاهرة والحكمة الباهرة ما لا يحيط به الوصف. قوله : ( لما في القسم ) وفي نسخة لما في المقسم به وهو المراد بالقسم فهما بمعنى فله تعالى في وقت غروب النجوم أفعال عظيمة دالة على قدرته وعظيم حكمته وهو وقت مناجاة المتهجدين ونزول الرحمة والرضوان على عباده الصالحين وليس فيه لف ونشر مرتب لوجوه مواقع النجوم لإمكان اعتبار الجميع في كلى منها كما لا يخفى. قوله : ( ومن مقتضيات رحمتة الخ ( السدي المهمل والمراد به هنا ترك تكليفهم بالأوامر ، والنواهي وبيان ما ينتظم به المعاس ، والمعاد ، وهذا توطئة لقوله : إنه لقرآن كريم ، وبيان لمناسبة المقسم به للمقسم عليه لتضمن القرآن جميع المصالح الدنيوية ، والأخروية وليس تخصيصا للوجه الثالث من تفسير مواقع النجوم بالإشارة إلى تحقق فرط الرحمة فيه لما فيه من الخفاء بمعنى أنّ استعبادهم بالأمر ، والنهي ، وأن لا يهمل أمرهم
اهتمام بشأنهم واستسعادهم كما قيل فإنّ بيانه للمرجوح دون غيره بعيد ، والخفاء فيه غير ظاهر فإنه من الظهور بمرتبة لا تخفى على ذي عينين. قوله : ) وهو اعتراض في اعتراض ( ضمير هو لما ذكر مع قطع النظر عن التعيين فالظرفية على حقيقتها أي ما ذكر مشتمل على اعتراض في ضمن آخر فلا حاجة إلى جعل في بمعنى مع كما في قوله : { ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ } [ سورة الأعراف ، الآية : 38 ] لأنّ لو تعلمون مظروف لا ظرف فإنه تخيل بارد ، ولا إلى ما قيل من أنه قلب ، والتقدير اعتراض فيه اعتراض ، والاعتراض الأوّل تعظيم للقسم مقرّر ، ومؤكد له ، والثاني ، وهو لو تعلمون تأكيد لذلك التعظيم. قوله : ( كثير النفع الخ ) الكرم لا يختص بكثرة الإحسان ، والبذل كما يتوهم بل هو صدور شيء مما يحمد من الأفعال ، والأوصاف ويوصف به اللّه تعالى ، والناس ، وغيرهم وقد خصه العرف بما ذكر أوّلاً فتفسير المصنف له بكثير النفع إتا لأنّ كثرته وصف محمود فهو بمعناه الحقيقي أو أنه مستعار من الكرم المعروف كما في شرح الكشاف ، وإذا فسر بالحسن المرضيّ فعلى أنّ الكرم الاتصاف بكل ما يحمد في بابه ، وترك ما قدره الزمخشريّ من أن المعنى أنه كريم على الله لأنه يرجع لما ذكر ، وفيه تقدير من غير حاجة. قوله : ( مصون ) أي محفوظ عن غير الملائكة أو مصون ما فيه فلا يمحى ، وقوله : لا يطلع على اللوح الخ. فالجملة صفة لكتاب المفسر باللوح المحفوظ ، ونفى مسه كناية عن لازمه ، وهو نفي الاطلاع عليه ، وعلى ما فيه ، والمراد بالمطهرين حينئذ جنس الملائكة فطهارتهم نقاء ذواتهم ، وخلقتهم عن كدر الأجسام ، ودنس الهيولى فهي طهارة ، وتقديس معنوي لهم صلوات الله ، وسلامه عليهم أجمعين. قوله : ( أو لا يمس القرآن الخ ) فالضمير للقرآن لا للكتاب بمعنى اللوح كما في الوجه الأوّل والطهارة المراد بها الشرعية عن الحدث الأصغر ، والاكبر فالجملة صفة قرآن أو مستاً نفة ، ورجح هذا بأنّ الكلام مسوق لتعظيم القرآن. قوله : ( فيكون نفياً بمعنى النهي ) والمعنى لا ينبغي ، ولا يليق مسه لمن لم يكن على الطهارة ، وهو استعارة أبلغ من النهي الحقيقي كما مرّ تقريره ، ولم يحمل على الأخبار لئلا يلزم الكذب في أخباره تعالى هذا ما اتفق عليه المفسرون ، ولم يجعلوها ناهية جازمة مع أنه محتمل كما يأتي لوجوه لأنه على التفسير الأوّل خبر بلا كلام فأبقى على حاله ، ولأنه أبلغ من صريح النهي ، ولأنّ المتبادر من الضمة أنها إعراب فالحمل على غيره فيه إلباس ، ولأنه قرئ ما يمسه وهو مؤيد لأنّ لا نافية ، ولأنه صفة ، والأصل فيها أن تكون جملتها خبرية ، وترك الأرجح من غير داع في قوّة الخطا فسقط ما قيل إنها ناهية جازمة ، ولو فك الإدغام ظهر الجزم نحو لم
يمسسهم سوء فلما أدغم ضمّ لأجل هاء الضمير المذكر ، ولم ينقل سيبويه فيه عن العرب غير الضم وإن اقتضى القياس جواز فتحه تخفيفاً ، وبعضهم ظنه لازما ، وما أورد عليه من أنه صفة لأنّ بعده تنزيل وهو صفة أيضاً والصفة لا تكون إلا جملة خبرية لا ناهية مردود بأنّ تنزيل يجوز كونه خبر مبتدأ مقدّر لا صفة ولو سلم فهذه صفة بالتأويل المشهور ، وهو تقدير مقول فيه لا يمسه الخ. قوله : ( أو لا يطلبه الخ ) فالمس كاللمس يكون مجازا عن الطلب كقوله : { أَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء } [ سورة الجن ، الآية : 8 ] كما مرّ والمقصود المدح له بأنه بأيدي كرام بررة والمطهرون بإبدال التاء طاء ، وادغامها والقراءة الأخيرة المطهرون بفتح الطاء ، وتشديد الهاء المكسورة(8/148)
ج8ص149
اسم فاعل من طهره فلذا قدّر مفعوله ، وقوله : الإلهام ناظر إلى تفسيرهم بالملائكة ، وهذه القراءة منقولة عن سلمان رضي الله عنه ، وقوله : صفة ثالثة إن كان لا يمسه الخ صفة لكتاب ، والأولى كريم ، والثانية في كتاب مكنون وكونها رابعة إذا كانت جملة لا يمسه صفة أيضاً وقد مرّ ما فيه واحتمال غيره. قوله : ( متهاونون به ) أصل الأدهان جعل الأديم ونحوه مدهوناً بشيء من الدهن ، ولما كان ذلك مليناً له لينا محسوساً أريد به اللين المعنوي على أنه تجوّز به عن مطلق اللين أو استعير له ، ولذا سميت المداراة والملاينة مداهنة ، وهذا مجاز معروف ، ولشهرته صار حقيقة عرفية فلذا تجوّز به هنا عن التهاون أيضاً لأنّ المتهاون بالأمر لا يتصلب فيه. قوله : ( أي شكر رزقكم ) بيان للمراد منه لأنه ورد في البخاريّ وغير. مفسراً بهذا ، ولذا لم يفسره بالمتبادر منه وهو حمل الرزق على النعمة مطلقا أو نعمة القرآن وعلى هذا ففيه مضاف مقدر أو الرزق مجاز عن لازمه وهو الشكر ، وقيل : الرزق من أسماء الشكر نقله الكرماني في شرح البخاريّ ، ولا يخفى بعده وقوله : بمانحه بالنون والحاء المهملة بمعنى معطيه ، وهو تقدير لمتعلق تكذبون وفسر تكذيبهم بقوله : تنسبونه الخ. قوله : ( وقرئ شكركم ) هي قراءة منقولة عن ابن عباس وعليّ رضي الله عنهم ، وقد حمله بعض شراح البخاريّ على التفسير من غير قصد للتلاوة ، وقوله : أي وتجعلون الخ فهو كقوله :
تحية بينهم ضرب وجيع
إذ جعلوا التكذيب مكان الشكر فكأنه عينه عندهم على ما مرّ من تفصيله ، وقوله :
وتكذبون أي قرئ تكذبون بالتخفيف من الكذب الثلاثيّ فهو معطوف على قوله : شكركم. قوله : ( إنه من الإنواء ) جمع نوء بفتح النون ، وسكون الواو والهمزة قال الخطابيّ : النوء الكوكب ، ولذا سموا نجوم منازل القمر أنواء وسمي النجم نوءا لأنه ينوء طالعاً عند مغيب مقابله في ناحية الغرب ، وكان من عادة الجاهلية قولهم : مطرنا بنوء كذا فيضيفون نعمة الله عليهم بالغيث ، والسقيا لغيره تعالى فزجرهم عنه ، وسماه النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( كفراً ( إمّا لأنه يفضي إلى الكفر إذا اعتقد أنّ الكواكب مؤثرة حقيقة ، وموجدة للمطر أمّا لو قاله من يعتقد أنه من فضله تعالى والنوء ميقات وعلامة له كما جرت به العادة فلا يكفر أو المراد كفران نعمه تعالى إذ أضافها لغير موجدها ، وقال ابن الصلاح : النوء مصدر ناء النجم إذا سقط أو غاب أو نهض ولهم ثمانية ، وعشرون نجماً معروفة المطالع في السنة ، وهي المعروفة بمنازل القمر يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة نجم منها في المغرب مع طلوع مقابله في المشرق ، وهم ينسبون المطر للغارب ، وقال الأصمعيّ : للطالع ، ثم سموا النجم نفسه نوءا. قوله : ( أي النفس ) تفسير لفاعل بلغت ، ولذا ذكر النفس لأنها مؤنثة وأراد بها الروح بمعنى البخار المنبعث عن القلب دون النفس الناطقة فإنها لا توصف بما ذكر ، وقوله : تنظرون حالكم كذ! في النسخ كلها ، وعبر به لأنهم يعلمون أنّ ما جرى عليه يجري عليهم فكأنهم شاهدوا حال أنفسهم ولولا قصد ذلك قال حاله ، وقوله : والواو للحال وذو الحال فاعل بلغت ، والاسمية المقترنة بالواو لا تحتاج في الربط للضمير لكفاية الواو فلا حاجة إلى القول بأنّ العائد ما تضمنه قوله حينئذ لأنّ التنوين عوض عن جملة. قوله : ( ونحن أعلم ) تفسير له لأنه مجاز مرسل ذكر فيه السبب ، وأريد المسبب كما بيته ، ولو أخره عن قوله إليه كان أولى ، وتعدبه بإلى باعتبار أصل معنا. لأنّ المجاز ينظر في صلته إلى أصله ، وقد ينظر للمعنى المجازي كما فصلوه في محله ، ولو جعل استعارة تمثيلية باستعارة مجموع أقرب إليه كان أحسن ، وجملة نحن أقرب معترضة لا حالية ، وإن جاز أيضا. قوله : ( لا تدركون كنه ما يجري عليه ) يعني نفي الأبصار مجاز عن نفي إدراك حقيقة ما يقاسيه فهي بصرية تجوّز بها عما ذكر للمبالغة بجعل أبصارهم كالعدم ، وليس بيانا لأنه من البصيرة دون البصر كما قيل ، وإن احتمل ، والاستدراك على قوله : تنظرون لأنّ ما بينهما اعتراض أي تشاهدون أنموذج حالكم لكنكم لا تدركون حقيقه ، وهذا هو المناسب للسياق ، وإن خفي على من قال الأقرب تفسيره بلا تدركون كوننا أعلم به منكم ، ولو لم يفسر.
به لم يصادف الاستدراك محزه فتدبر. قوله : ( مجزيين الخ ) يعني أق أصله الانقياد ، ولذا عبر به عن الملك ، والتعبد لأنه لازمه ، وعن الجزاء كما في قوله : كما تدين تدان ، وهو ظاهر ، وقوله : ترجعون النفس الخ أي تردّونها ورجع متعد هنا ، ويكون لازماً أيضا(8/149)
ج8ص150
وقوله ، وهو أي قوله : ترجعون والظرف إذا في قوله : إذا بلغت ، وهو إشارة إلى أنها ظرفية غير شرطية.
قوله : ( والمحضض عليه بلولا الخ ( معطوف على قوله عامل الظرف أي ترجعونها هو العامل ، وهو المحضض عليه أيضاً فإن لولا هنا تحضيضية ، وقوله : الثانية تكرير مبتدأ وخبر ، وقوله : وهي أي لولا الأولى ، والشرط أن في قوله : إن كنتم صادقين ، وقوله : غير مملوكين الخ تفسير لمدينين بمعنييه كما بينه أوّلاً ، وقوله : كما دل الخ بيان للنفي الدال عليه غير ، وقوله : في تعطيلكم أي للصانع لما مرّ من نسبة المطر للإنواء ، وهو بيان لمتعلق صادقين ، وقوله : فلولا ترجعون الخ بيان لجواب الشرط المقدر مؤخراً وأن ما تقدّم دليله لا عينه ( واعلم ) أن ترتيب النظم فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين لأن لولا تحضيضية ، وطلبه رجع النفس منهم تهكماً بهم دماظهاراً لعجزهم وقيل : معنى لا تبصرون لا يمكنكم الدفع ، ولا تقدرون على شيء وأكده بقوله : ونحن أقرب الخ أي كيف تقدرون ، ونحن حاضرون وملائكتنا مشغولون بقبض روحه ، ولذا قيل المعنى ورسلنا القابضون روحه أقرب منكم ، ولكن لا تبصرونهم ، وكررت لولا لبعد الأولى ، وقد قيل : إنها غير مكزرة وفي الإعراب وجوه أخر ، وعلى التكرير فذكر قوله : { إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } [ سورة الواقعة ، الآية : 86 ] لبيان عجزهم ، وأنهم مقهورون معاقبون فكيف يقدرون على هذا ، ثم عقبه بقوله : إن كنتم صادقين لبعد صدقهم وأنه ممتنع كما تشير إليه كلمة إن فتدبر. قوله : ( إن كان المتوفى الخ ) فالضمير للمتوفى المفهوم مما مرّ ، وقوله : من السابقين تفسير لقوله : من المقزبين لقوله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } [ سورة الوأقعة ، الآية : 0 ا ] وقوله : فله استراحة فهو مبتدأ خبره مقدر مقدم ، وقوله : لأنها كالسبب بيان لأنه على هذه القراءة جعلت الرحمة روحا لأن كلاً منهما سبب لحياته فهو استعارة ، ويجوز كونه مجازاً مرسلا ، وكون الريحان بمعنى الرزق مر بيانه. قوله : ( ذات تنعم ( إشارة إلى أن الإضافة لامية لأن صاحب
النعيم له اختصاص به أو لأدنى ملابسة لا لأن النعيم للنسبة لأنه بمعنى النعمة والتنعم ، وقوله : يا صاحب اليمين يعني أنه التفات بتقدير القول ، ومن للابتداء كما يقال : سلام من فلان على فلان أي يقال له : سلام لك من إخوانك الذين يسلمون عليك بإرسال التحية لك ، وقوله : يعني أصحاب الشمال كما يدلّ عليه المقابلة ، وقوله : بأفعالهم هي الكذب والضلال ، وما أوعدهم به قوله فنزل الخ ، وما مرّ أيضاً. قوله : ) وذلك ما يجد في القبر الخ ( حمله على عذاب القبر دون ما بعده من عذاب القيامة ، وكذا ما قبله من الروح ، والريحان ، وابلاغ السلام لذكره في حال التوفي ، وعقب ذكر قبض الأرواح مقترنا بالفاء في قوله : فأفا الخ ، وليس هذا من النزل لقوله : سابقا نزلهم يوم الدين ، ولا من الفاء لدأخلة في الجواب حتى يقال إنها لا تدل على التعقيب بل لأنه المناسب هنا ، ويكون غير مكرّر لأنّ هذا حال البرزخ ، وذلك حالهم في القيامة وما بعدها نعم لفظ النزل والتصلية وهي من غير دخول يؤيده للمناسبة التامة بينهما وسموم النار حرارتها فلا يرد عليها شيء مما أورده الفاضل المحشي ، وقوله : في شأن الفرق يعني أصحاب الميمنة وقسيمه. قوله : ( حق الخبر اليقين ( وفسره في الكشاف بالثابت من اليقين واليقين العلم الذي زال عنه اللبس كما ذكره الزمخشري في الجاثية ، وهو تفسير له بحسب المعنى ، والإضافة فيه لامية كما بينه في الحاقة فهو كما تقول هو العالم حق العالم ، والمعنى كعين اليقين ، وهو كعين الشيء ونفسه وذكر في تفسير قوله : كلا لو تعلمون علم اليقين إنه بمعنى علم الأمر اليقين أي كعلم ما تستيقنونه لأنه معنى آخر يلائم ذلك المقام كذا أفاده المدقق في الكشف يعني أنه من إضافة العامّ للخاص وفيها خلاف فقيل : إنها لامية ، وقيل : إنها بيانية على معنى من ، وقريب مما فسر به اليقين ما قيل من أنه العلم الثابت بالدليل ، وقوله : إنه تفسير بحسب المعنى يعني به أنه لا يثترط فيه ذلك وإنما هو العلم المتيقن مطلقاً وما ذكر مأخوذ من المقام وحق على ما ذكره للتأكيد ، والمصنف جعل اليقين صفة الخبر المذكور في السورة أو في جميع القرآن ، والحق له معان كالحقيقة والثابت ، ومقابل الباطل وكلامه محتمل لها ، وما في الكشف من أن تقدير الموصوف لا يناسب هذا المقام غير متوجه ، ولذا لم يلتفت له المصنف فتدبر. قوله : ( فنزهه الخ ( قيل أو بذكره على ما مرّ من التقدير أو التجوّز فاكتفى بذكر أحدهما لعلم الآخر مما مز ولك أن تقول إنه أدرج الوجهين فيما ذكر قتأمّل. قوله : ( من قرأ سورة(8/150)
ج8ص151
الواقعة الخ ) هذا الحديث ليس بموضوع ، وقد رواه البيهقي ، وغيره لم يذكر في فضائل
السور حديثاً غير موضوع من أوّل القرآن إلى هنا غيره وغير ما مرّ في سورة يس والدخان ، ومناسبته للسورة ذكر الرزق فيها ومعناه واضح تصت السورة بحمد الملك العلام ، والصلاة والسلام على أفضل الرسل ، وصحبه الكرام.
سورة الحديد
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مدنية الخ ) فيها اختلاف ، ولا عبرة بقول النقاس إنها مدنية بإجماع المفسرين ،
وقد قال ابن عطية : لا خلاف في أنّ بعضها مدني وبعضها مكي ، وصدرها يشبه المكي ، واختلف في عدد آياتها أيضا فقيل : ثمان وقيل : تع وعشرون. قوله : ( إشعارا بأنّ من شأن ما أسند الخ ( كلام المصنف كما قاله بعض الفضلاء محتمل لوجهين الأوّل أنّ الاستمرار مستفاد من المجموع حيث دل الماضي على الاستمرار إلى زمان الأخبار والمضارع على الاستمرار في الحال ، والاستقبال فيشمل جميع الأزمنة ، والثاني ، وهو الظاهر المفهوم من الكشاف وشروحه أنّ كل واحد منها يدل على الاستمرار لعموم المقتضي ، وصلوح اللفظ لذلك حيث جرد كل منها عن الزمان ، وأوثر على الاسم لما في المضارع من الاستمرار التجدّدي ، والماضي من التحقق وعموم المقتضي ما أشير إليه بقوله : لأنه دلالة جبلية لاستدعاء الإمكان إلى واجب وجوده يستند إليه ، ووجوب الوجود يستدعي التبعيد عن النقائص في ذاته ، وصفاته وأفعاله وأسمائه وارتباط فاتحة هذه السورة بخاتمة ما قبلها ظاهر ومنه يعلم وجه التعبير بالأمر في { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } [ سورة الأعلى ، الآية : ا ] أيضاً وكان عليه أن يذكره. قوله : ( من شأن ما أسند إليه الخ ) المشتر في أسند للتسبيح ، وضمير إليه لما الموصولة ، وضمير تسبيحه لله وتفكيك الضمائر إذا اتضحت القرينة ، وأمن الليس لا ضير فيه خصوصاً في عبارات المصنفين ، وقوله : لأنه أي تسبيح ما في السموات ، والأرض. قوله : ( دلالة جبلية لا تختلف الخ ) عدم اختلافها في الحالات شامل للاستمرار الثبوتي ، والتجددي وإن كان ظاهره الثاني ، ولذا قيل : إنّ تخصيصه هنا لغلبة التجدد على ما في السموات والأرض ، وقوله : ومجيء المصدر في قوله : سبحان الذي أسرى بعبده مطلقاً عن الدلالة على أحد الأزمنة ، وعن ذكر المسبحين المذكورين هنا. قوله : ( يشعر بإطلاقه الخ ) يحتمل أنّ المراد أنه يشعر بكونه مطلقا على استحقاقه الخ ، وأنّ على صلة الإطلاق ، والباء صلة الإشعار ، وأنّ الباء للاستعانة أو السببية ، وعلى متعلقة بيشعر لأنه بمعنى يدل أي يدل بواسطة إطلاقه عن التعرض للفاعل ، والزمان
وضمير يشعر للمصدر أو المجيء ، وهذا أقرب وإن ادّعى بعض العصريين تعصبا منه على المحشي تعين الأوّل فتأمّل. قوله : ( وإنما عدى باللام الخ ( قيل عليه حق العبارة عطف قوله إشعارا بأو الفاصلة لأنّ قوله : مثل نصحت له يدل على أنّ اللام صلة أو زائدة ، وقوله : لأجل الله يدل على أنها تعليلية ، وبينهما تناف يتعسر أو يتعذر توفيقه ، وهو غير وارد على المصنف لأنّ التمثيل بما ذكر لدخول اللام على مفعول المتعدي بنفسه على أحد الأفوال فيه من أنه متعد بنفسه ، واللام مزيدة فيه أو غير زائدة لتأويله ، والثالث أنه يتعذى ولا يتعذى وهو على ما يقتضيه الظاهر ، والتوجيه المذكور بناء على التحقيق ، والنظر الدقيق فلا تنافي بينهما ، وقوله : معدى بنفسه لأنّ التضعيف فيه لتعدية سبح بمعنى بعد إلى المفعول كما في قوله : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } [ سورة الأعلى ، الآية : ا ] وهو المعروف في الاستعمال ، وقوله : إيقاع الفعل إشارة إلى أنّ سبح نزل منزلة اللازم ومعناه أوقع وأحدث التسبيح كما في الكشاف لا محذوف المفعول كما توهم. قوله : ( لأجل الله وخالصاً لوجهه الخ ) قيل : الإخلاص يستلزم الإدراك فهو ادّعائي ، وأمّا اعتبار التغليب فيأباه كون الدلالة جبلية كما مرّ ، وفيه بحث وكلامه في الكشاف لا يخلو أيضاً من الإشكال فتدبر. قوله : ( حال الخ ) فإنّ كونه تعالى غالباً على الإطلاق على جميع ما سواه ، وكون أفعاله المتقنة محكمة البناء على أساس الحكم منشأ لأن ينزهه عن جميع النقائص كل الموجودات لأنه إنما ينشأ من النظر في مصنوعاته الدالة على قدرته ، وبديع حكمته ، وقوله : فإنه(8/151)
ج8ص152
الموجد الخ بيان للحصر الدال عليه تقدم الجار ، والمجرور ولام الاختصاص ، وقوله : استئناف أي بياني أو نحويّ ، وقوله : من الأحياء ، والإماتة إشارة إلى أنه تذييل ، وتكميل لما قبله. قوله : ( تامّ القدرة ( إشارة إلى أن صيغة فعيل للمبالغة في الكيف إذ المبالغة في الكمّ تفهم من قوله على كل شيء ، وقيل : إنه من التنكير دون الصيغة ، وفيه نظر. قوله : ( من حيث إنه موجدها ومحدثها ) فسر الأوّل في الكشاف بالقديم الذي كان قبل كل شيء ، والآخر بالذي يبقى بعد هلاك كل شيء ، ولما كانت الأوّلية ، والتقدم ذاتية ، وزمانية وهو تعالى قبل الزمان ، ومنزه عن الزمان كما ينزه عن المكان فتقدمه ذاتي إذ هو الموجد لجميع الموجودات التي من جملتها الزمان فسره بما ذكر وجعله ذاتياً ، وغير عبارة الكشاف الموهمة ، والسبق الذاتي هنا سبق على الزمان وعلى كل سابق بالزمان ، وقوله : سائر الموجودات إمّا باقيها ، وهو الظاهر أو جميعها لأنّ الموجودات هنا الممكنة وهي ما سواه تعالى. قوله : ( الباقي
بعد فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها ( يعني أنّ أبدية بقائه ، وفناء كل موجود سواه لا ينافي كون بعض الموجودات إذا أوجدها اللّه تعالى لا تفني كالجنة ، والنار ومن فيهما كما هو مقرر مبين بالآيات ، والأحاديث لأن المرإد أنها فانية في حد ذاتها ، وإن كانت بالنظر إلى استنادها لموجدها باقية غير فانية كما مرّ تحقيقه في قوله : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [ سورة الرحمن ، الآية : 26 ] وأيضا فناء كل ممكن بالفعل ليس بمشاهد ، والذي يدل عليه الدليل إنما هو إمكانه فالبعدية في مثله بحسب التصوّر ، والتقدير. قوله : ( تبتدأ منه لأسباب وتنتهي إليه المسببات ) يعني أوّليته بمعنى أنّ الأسباب كلها لوجود الأشياء كلها منه لأنه موجدها إذ هو مسبب الأسباب ، وكونه : آخر الانتهاء المسببات كلها إليه فالأوّلية ذاتية ، والآخرية بمعنى أنه إليه المرجع والمصير بقطع النظر عن البقاء ، وأنه ثابت بأمر آخر ، وبهذا الاعتبار فارق ما قبله. قوله : ( أو الأول خارجاً والآخر دّهناً ) يعني أوّليته في الخارج لأنه أوجد الأشياء كلها فهو متقدّم عليها في نفس الأمر الخارجي وآخر بحسب التعقل لأنه يستدل عليه بالموجودات الدالة على الصانع القديم كما قالوا ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله بعده ، وقال حجة الإسلام في القصد الأقصى الأوّل يكون أوّلاً بالإضافة إلى شيء ، والآخر آخرا بالإضافة إلى شيء وهما متنافيان فلا يتصوّر كون شيء واحد من وجه واحد وبالإضافة إلى شيء واحد أولاً ، وآخرا فاذا نظرت إلى سلسلة الموجودات فالله تعالى بالإضافة إليها أوّل لأنها استفادت الوجود منه ، وهو موجود بذاته غير مستفيد للوجود من غيره فإذا نظرت في منازل السالكين فهو آخر ما ترتقي إليه درجات العارفين ، وكل معرفة مرقاة لمعرفته ، والمنزل الأقصى معرفة الله فهو آخر بالإضافة إلى السلوك أوّل بالإضافة إلى الوجود فمنه المبدأ واليه المصير. قوله : ( الظاهر وجوده الخ ) فالباطن بمعنى الخفي ، والظهور باعتبار أدلة وجوده والخفاء باعتبار الوقوف على كنهه وحقيقة ذاته فإنهم متفقون على أنه لا يعلم كنه ذاته سواه فلا دليل فيه الآية على أنه لا يرى في الآخرة كما لا يرى في الدنيا كما توهمه الزمخشريّ ، واليه يومئ كلام المصنف رحمه الله ، وقوله : تكتنهها أي تعلم كنهها وهو بهذا المعنى صحيح قال إمام اللغة الأزهريّ في تهذيبه : الكنه نهاية الشيء وحقيقته يقال : اكتنهت الأمر اكتناها إذا بلغت كنهه ا هـ ، وتبعه في القاموس فلا عبرة بما في شرح المفتاح من أنّ قولهم : لا يكتنه كنهه أي لا يبلغ نهايته كلام مولد. قوله : ( أو الغالب على كل شيء الخ )
فالظاهر بمعنى الغالب من قولهم ظهر عليهم إذا قهرهم وغلبهم ، والباطن بمعنى العالم بما في باطن كل شيء ولم يرتض هذا الزمخشريّ لفوات التقابل فيه ، ولأنّ بطته بمعنى علم باطنه غير ثابت في اللغة ، وأمّا توجيهه فإنّ القدوة كثيراً ما تذكر مع العلم لكونه من شرائطها كقوله : { وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } [ سورة إبراهيم ، الآية : 4 ] ولما كان ما قبله ، وما بعده في بيان القدرة تبادر ذلك في الجملة هنا فتدبر ، وقوله : والواو الأولى الخ يريد أنّ الواو الأولى ، والثالثة عطفت مفرداً على مفرد وأمّا الواو الثانية فإنها عطفت مجموع أمرين على مجموع آخر ، وهذه الواو في المفردات كالواو العاطفة قصة على قصة في الجمل لأنها لو عطفت الظاهر وحده على أحد الأوّلين لم يحسن لعدم التناسب بينهما ، والمجموع مناسب للمجموع في الاشتمال على أمرين متقابلين. قوله : ( يستوي عنده الظاهر والخفي ) هو من صيغة المبالغة فإنها ليست في الكمّ لأنّ قوله بكل شيء يغني عنه فهو بحسب الكيفية ، وقؤة العلم(8/152)
ج8ص153
لاستواء المعلومات عنده كما قال تعالى : { يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } [ سورة ادبقرة ، الآية : 77 ] ولذا قدم ما يسرّون فافهم. قوله : ( كالبذور ) تمثيل وخصه لظهوره وقوله : كالأمطار إشارة إلى أنّ السماء هنا بمعنى جهة العلو ، وقوله : لا ينفك علمه ، وقدرته الخ. فالمعية غير مكانية بل معنوية بمعنى ما ذكر وهو تمثيل ، وقيل : مجاز مرسل بعلاقة السببية وقوله : فيجازيكم إشارة إلى أنّ الاطلاع عليه كناية عن الجزاء. قوله : ( ولعل تقديم الخلق ) في هذه الآية بقوله : خلق السموات الخ. على العلم في قوله : يعلم ما يلج الخ مع أنّ الخلق ، والإيجاد من صفات الأفعال المتأخرة عن العلم الذي هو من صفات الذات فكان المناسب العكس إلا أنه عدل عنه لأنه دليله ، والدليل من شأنه التقدّم على المدلول لتوقفه عليه ، وتقدّم رتبته لأنا نستدل بخلقه ، وايجاده المصنوعات المتقنة على أنه عالم. قوله : ( ذكره مع الإعادة ) أي مع ذكر المعاد هنا الدال عليه قوله ، والى الله ترجع الأمور كما ذكره قبلى مع أمور المبدأ من الأحياء ، والإماتة الواقعين في الدنيا لأنه كالمقدمة لهما لأنّ اختصاص ملك جميع الأشياء به وكونه متصرّفاً فيها يصحح الأحياء ، والإماتة ، ويوجب كونه مرجعا للأمور دون غيره ، ودلالته على الإبداء ظاهرة ، وعلى الإعادة لأنّ من خلقها يقدر على إعادتها كما قال : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم } [ سورة يس ، الآية : 81 ] . قولى : ( فهي في الحقيقة له لا لكم ) فالخلافة إمّا عمن له التصرّف الحقيقي ،
وهو الله وهو المناسب لقوله : له ملك السموات والأرض ، أو عمن تصرّف فيها قبلهم ممن كانت في أيديهم فانتقلت لهم فالحث على الإنفاق ، وتهوينه على الأوّل ظاهر لأنه أذن له في الإنفاق من ملك غيره ، ومثله : يسهل إخراجه ، وتكثيره ، وعلى الثاني أيضا لأنّ من علم أنه لم يبق لمن قبله علم أنه لا يدوم له أيضا فيسهل عليه الإخراح :
وما المال والأهلون إلا ودإئع ولا بد يوما أن تردّ الودائع
قوله : ( وعد فيه مبالغات ) بينها بقوله : جعل الجملة اسمية لدلالتها على الدوام ، والثبات
الأبلغ من غيره ، وكان الظاهر أن تكون فعلية في جواب الأمر فيقال يعطوا أجراً كبيرا مثلاً ، والجعل مصدر مبدل من قوله : مبالغات بدل اشتمال ، واعادة ما ذكر إذ الظاهر أن يقال : فمن ذلك فله أجر كبير فاعيدا اهتماماً ، واعتناء بهما وتنكير الأجر يفيد التعظيم كوصفه بأنه كبير ، وهذا الوعيد فيه ترغيب لهم لا يخفى. قوله : ( وبناء الحكم على الضميرا لما كان المتبادر من هذه العبارة أن يجعل الضمير مبتدأ مخبراً عنه بجملة ، ونحوها ليتكرّر الإسناد وليس ما نحن فيه كذلك قيل : المراد أنه حكم بأنّ الأجر الكبير لهم بتقديم الضمير ، وقيل : إنّ الضمير محكوم عليه معنى لا لفظا لأنّ محصل المعنى هم مختصون بأجر كبير. قوله : ( وما تصنعون غير موّمنين الخ ) يعني أنّ جملة لا تؤمنون حال ، والعامل فيها معنى الفعل في مالكم كما قرّره النحاة ، وفصله الرضي في باب المفعول معه ، وما قيل من أنه لا منع من جعله حالاً من المجرور في لكم ، والعامل متعلق الظرف كلام فاسد لأنهم إنما اتفقوا على أنّ العامل فيه معنى الفعل المفهوم من الجار والمجرور إذ المراد به ما يصنع لأنّ المعنى يقتضيه والمسؤول عنه في مالك ، وما بالك وما شأنك وأمثاله هو الحال لأن معنى مالك قائماً لم قمت ، ولا يؤدي هذا المعنى إلا ما يصنع بالقيام ، ولو كان التقدير ما استقرّ لك في حال القيام كنت سائلا عما صدر منه في قيامه ، وليس بمراد وذو الحال على كل حال هو الضمير ، وكلامه يوهم أنه غيره على ما ذهب إليه المصنف رحمه الله فافهم ، وقوله : ما لك قائماً إشارة لما قرّرناه. قوله : ( حال من ضمير لا تؤمنون ( فهي حال متداخلة ، وقوله : أفي عدّر الخ إشارة إلى أنّ المسؤول عنه مضمون الحال كما قرّرناه ، ولام لتؤمنوا صلة يدعو أو تعليلية ، والى الأوّل ذهب المصنف رحمه الله كما أشار إليه بقوله : يدعوكم إليه فاللام بمعنى إلى لأنه يتعدى بها وباللام. قوله : ( قبل ذلك ) القبلية مأخوذة من جعله حال من أحد ضميري يدعو لتخالف الفعلين في الاستقبال ، والمضيّ وفي نسخة قيل بالمثناة التحتية مجهول القول ، وبعده وذلك الخ بالواو ، وهي صحيحة أيضا لكن المعنى مختلف فيهما ، والنسخة الأولى أصح رواية ودراية ، وقوله : بنصب الأدلة الخ يعني أنه تعالى لما نصب الأدلة على وجوب الإيمان وخلق فيهم قوّة النظر فيها كان كأنه أخذ عنهم مواثيق ، وعهوداً على الإيمان بما جاءتهم به الرسل ، وهو المراد بقوله : { وإذ أخذ ربك } الخ على أحد الوجوه وفيه قول آخر ويصح حمل ما هنا عليه كما قيل ، وقد مرّ تفصيله(8/153)
ج8ص154
فالكلام حينئذ تمثيل ، وقوله : من مفعول يدعوكم أو من فاعله أيضا ، وكونه من عطف الحال على الحال مع التخالف في الاسمية ، والفعلية خلاف الظاهر ، ولذا لم يتعرّض له المصنف رحمه اللّه مع ذكر الزمخشري له. قوله : ( بموجب مّا ) وفي نسخة لموجب مّا باللام ، وموجب بالكسر أو الفتح أي بدليل مّا أو بمقتضى دليل مّا وما مزيدة للتعميم ، وقوله : فإنّ هذا الخ بيان لمحصل الجواب بناء على أنّ ما قبله دليل الجواب ، ولو لم يؤوّله بما ذكر تناقض قوله : لا تؤمنون ، وقوله : إن كنتم مؤمنين ولذا قال الواحدي في تفسيره إن كنتم مؤمنين بدليل عقليّ أو نقليّ فقد بان وظهر لكم على يدي محمد ببعثه ، وإنزال القرآن عليه فما قيل إنّ قوله فإنّ الخ تعليل للحكم الشرطي لا تقدير للجواب فإنه المتقدم عليه بعينه أو ما يدل عليه فهذا لا يوافق مذهب البصريين ، ولا الكوفيين غفلة عن المراد ، وقيل : المعنى إن كنتم مؤمنين بموسى ، وعيسى فإنّ شريعتهما تقتضي الإيمان بمحمد لمجر أو إن كنتم مؤمنين بالميثاق المأخوذ عليكم في ظهر آدم عليه الصلاة والسلام في عالم الذر. قوله : ( من ظلمات الكفر الخ ) هو إشارة إلى أنّ الظلمات مستعار للكفر ، والنور للإيمان فلذا ذكره مضافا إضافة لجين الماء ، وقوله : حيث نبهكم الخ هو من صيغتي المبالغة في رؤوف ورحيم والرسل ، والآيات من قوله : هنا هو الذي ينزل على عبده ، والحجج العقلية من أخذ الميثاق على ما مرّ في تفسيره. قوله : ) في ألا تنفقوا ) إشارة إلى أن أن مصدرية لا زائدة كما ذهب إليه بعضهم ، وأنّ المصدر المؤوّل في محل نصب أو جرّ على القولين لأنّ قبله حرف جرّ مقذر ، وهو في وقد مرّ الكلام عليه في البقرة في ، وما لنا ألا نقاتل وقوله : فيما الخ يشير به إلى أنّ سبيل الله كل خير يقرّبهم إليه فهو استعارة تصريحية. قوله : ( ودلّه ميراث الخ ) هذا من أبلغ ما يكون في الحث على الإنفاق لأنه قرنه بالإيمان أولاً لما أمرهم به ، ثم وبخهم على ترك الإيمان مع سطوع براهينه ، وعلى ترك الإنفاق في سبيل من أعطاه لهم مع أنهم على شرف الموت ، وعدم بقائه لهم إن لم ينفقوه.
فوله : ( يرث كل شيء فيهما ) جعل ميراثهما مجازا أو كناية عن ميراث ما فيهما لأنّ أخذ الظرف يلزمه أخذ المظروف ، ولم يعممه لأنّ هذا يكفي في توبيخهم إذ لا علامة لأخذ السماء ، والأرض هنا فلا غبار عليه حتى ينقض ، وقوله : وإذا كان كذلك الخ. بيان لاتصال هذه الآية بما قبلها. قوله : ( بيان لتفاوت المنفقين الخ ) قوّة اليقين من إنفاق ما عندهم اتكالاً ملى الله قبل كثرة الغنائم ، وعلمهم بما في الشهادة من سعادة الدارين ، وتحرّي وقت الحاجة لشدّة احتياج الإسلام ، والمسلمين إذ ذاك ، وقوله : بعد الحث على الإنفاق أي مطلقا ، وهو يان لارتباطه بما قبله ، وتوطئة لما بعده من كونه استطراداً لعدم سبق ذكره في هذه السورة ، وقوله : دلالة ما بعده يعني قوله : من الذين أنفقوا من بعد والتقدير ، وغيره فهو اكتفاء لأنّ الاستواء يقتضيه ، وقوله : فتح مكة فتعريفه للعهد أو للجنس ادعاء ، وقوله : إذ عز الخ يومئ إله ، وقيل : إنه فتح الحديبية وقد مرّ وجه تسميته فتحاً في سورة الفتح ، وإفراد ضمير أنفق وقاتل رعاية للفظ من ، والجمع في أولئك رعاية لمعناه ووضع اسم الإشارة البعيد فيه موضع الضمير للتعظيم ، والإشعار بأنّ مدار الحكم هو إنفاقهم قبل الفتح ومنه يعلم التفاوت بين الإنفاق بعده ، وقبله وعدمه أيضا والتقييد بالظرف لا يأباه كما توهم لأنه يعلم التزاما وإن لم يفعل فاعل يستوي ضمير الإنفاق كما قيل فإنه تعسف كما بينه في الدر المصون. قوله : ( من كد الفتح ) إشارة إلى المضاف المقدر وأخره لأنّ القتال كان بعده ، ولو قدمه كان أحسن ، وقوله : وعد الله كلا إشارة إلى أنه مفعول مقدم ، وقوله : المثوبة أي الثواب ، وقدره كذلك لتأنيث وصفه ، وقوله : كل وعده إشارة إلى العائد المحذوف ، وقوله : ليطابق الخ لأنهما اسميتان لا فعلية ، واسمية كما في القراءة المشهورة ، وهي قراءة ابن عامر والمعطوف عليه أولئك أعظم الخ. وفيها حذف العائد من خبر المبتدأ والبصريون قالوا : إنه لا يجوز إلا في العر ، وهذه القراءة ظاهرة في الردّ عليهم إلا أن يدعوا أنه خبر مبتدأ مقدر أي أولئك كل ، وجملة وعد صفة كل بتقدير العائد ، وحذفه من الصفة ليس ضرورة عندهم فلذا تكلفوا هذا التوجيه مع ركاكته وزيادة الحذف فيه ، والصحيح ما ذهب إليه ابن مالك من أنه في غير كل ، وما ضاهاها في الافتقار ، والعموم فإنه فيها مطرد لكن ادّعى فيه الإجماع ، وهو محل نزاع.
قوله : ( والآية نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه الخ )(8/154)
ج8ص155
المراد بكونه أوّل من أنفق من الرجال فلا يرد خديجة رضي الله عنها أو هو أوّل مطلقاً لاختصاصه بمجموع ما ذكر بعده ، وهو الأظهر ، وكونها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ذكره الواحدفي في أسباب النزول عن الكلبي ، وأيده بحديث آخر أسنده عن ابن عمر قال بينا النبيّ صلى الله عليه وسلم جالس وعنده أبو بكر عليه عباءة قد خلها بخلال على صدره إذ نزل عليه جبريل عليه الصلاة والسلام فاقرأه من الله السلام فقال : محمد ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها على صدره بخلال قال : يا جبريل أنفق ماله قبل الفتح عليّ قال : فأقرئه من الله السلام ، وقل له : يقول لك ربك أراض عني في فقرك هذا أم ساخط فالتفت إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقال : " يا أبا بكر هذا جبريل يقرئك من الله السلام ، ويقول لك ربك : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط " فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال : أعلى ربي أغضب أنا عن ربي راض أنا عن ربي وأض قيل : والأظهر ما في الكشاف من أنّ المراد بهم السابقون الأوّلون من المهاجرين ، والأنصار الذين قال فيهم النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ، ولا نصيفه " وأيد بأنه المناسب لقوله تعالى : { أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ } لكن الصديق يدخل فيهم دخولاً أوّلياً ، وأمّا الاختصاص به فلا يوافقه والذي نقله الطيبي عن الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا أصحابي فلو أق أحدا أنفق مثل أحد ذهباً الخ " وفي الكشف أنه على هذا لا يختص بالسابقين الأوّلين وردّ بأنّ خطاب لا تسبوا ، وأحدكم يقتضي الحضور والوجود ، ولا بد من مغايرة المخاطبين للنهي عن سبهم فهم السابقون الكاملون في الصحبة.
( قلت ) إذا صح نزولها في الصدّيق فكل هذا مطروح على الطريق فإنه رضي الله عنه أنفق
قبل الفتح ، وقبل الهجرة جميع ماله ، وبذل نفسه معه كما أشار إليه المصنف رحمه الله ، وبلغ في ذلك إلى ما لم يبلغه أحد من الصحابة ، ولذا قال مجتي : " لبس أحد أمق علئ بصحبتة من أ.ممط بكر " وخصوص السبب لا يدل على تخصيص الحكم فلذا قال أولئك ليشمل غيره ممن
اتصف بذلك ، وكونه أكمل أفراده يكفي لنزولها فيه ، والخطاب في قوله : لا تسبوا ليس للحاضرين ، ولا للموجودين في عصره صلى الله عليه وسلم بل لكل من يصلح للخطاب كما في قوله : { وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ } [ سورة الأنعام ، الآية : 27 ] الآية والمقام ، لا يتحمل أكثر من هذا ، وسيأتي فيه كلام في قوله : { وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى } [ سورة الليل ، الآية : 17 ] . قوله : ( من ذا الذي الخ أليس الاستفهام على حقيقته بل هو للحث عليه ، والمعنى أن من ينفق ماله فيما يرضى الله رجاء لما عند. من الفضل ، والثواب رابح في عاقبته مصيب فيما قصده ، وقوله : فإنه كمن يقرضه الخ تعليل لما قبله مع الإشارة إلى أنّ القرض مجاز عن حسن إنفاقه مخلصماً في أفضل جهات الإنفاق ، وذلك إمّا بالتجوّز في الفعل فيكون استعارة تبعية تصريحية أو في مجموع الجملة فيكون استعارة تمثيلية ، كما مرّ في سورة البقرة ، ولكونها أبلغ اختارها في الكشف ، وأما كون كلام الزمخشريّ هنا غير نص فيها فأمر سهل ، والباء في قوله : بالإخلاص للملابسة ، والمصاحبة وتحرّى معطوف عليه. قوله : ( يعطي أجره أضعافاً اله كما مرّ في البقرة وقوله : أضعافا إما منصوب بيضاعفه ، أو حال من أجره ، وأما كونه مفعولاً ثانيا ليعطي فركيك لأنه يقتضي أنّ الأجر نفسه معطى ، والتجوّز غير مقصود فيه وما بعده لا يأباه كما توهم. قوله : ( وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف الخ ) إشارة إلى أنّ الأجر كما زاد كمه زاد كيفه ، وجملة له أجر كريم حالية لا معطوفة على قوله : فيضاعفه ، ولو عطف فالمغايرة ثابتة بين الضعف ، . والأجر نفسه كما في الكشف ، وكريم بمعنى محمود مرضيّ كما مرّ ، وقوله : كريم في نفسه يعني ليس أجر هنا مغايرا لما مرّ بل معناه أنه هو في نفسه كريم فجعل من باب التجريد كقوله : أو يموت كريم فتدبر. قوله : ) على جواب الاستفهام باعتبار المعنى الخ ) إشارة إلى ما قاله أبو عليّ الفارسيّ أنّ السؤال لم يقع عن القرض ، وأنما وقع عن فاعله وأنما ينصب في جواب الفعل المستفهم عنه لكن من قرأبه حمله على المعنى قيل وهو ممنوع لأنه ينصب بعد الفاء في جواب الاستفهام بالأسماء ، وإن لم يتقدم فعل نحو : أين بيتك فأزورك ومن يدعوني فأستجيب له ، وهذا ناشئ من عدم الوقوف على مرادهم ، والمسألة مبسوطة في شرح التسهيل فإنه نقل فيه من غير خلاف أنه يشترط فيه أن لا يتضمن وقوع الفعل احترازا من نحو لم ضربت زيدا فيجازيك لأنّ الضرب قد وقع فلا يمكن سبق مصدر مستقبل منه قالوا ، ومن أمثلة ما لا يتضمن(8/155)
ج8ص156
الوقوع هذه الآية ، ونحو من يدعوني فأستجيب له فإنّ المسؤول عنه بحسب اللفظ ، وإن كان
هو الفاعل لكنه في المعنى إنما هو الفعل إذ ليس المراد أنّ الفعل قد وقع السؤال عن تعيين فاعله كقولك من جاءك اليوم إذا علمت أنه جاءه جاء لم تعرفه بعينه ، وأنما أورد على هذا الأسلوب للمبالغة في الطلب حتى كان الفعل لكثرة دواعيه قد وقع وأنما يسأل عن فاعله ليجازي اهـ ما في شرح التسهيل فلذا ذهب الأكثر إلى رفعه على القياس نظراً لظاهره المتضمن للوكوع ، ومن نصبه نظر إلى المعنى ، وأنّ السؤال عن الفعل إنما عدل عنه لما ذكروه فما ذكر من الردّ خطأ ناشئ من عدم الوقوف على مرادهم ، والعجب إنما هو من المعرب لا ممن تبعه فتدبر. قوله : ( ظرف لقوله وله ) يعني أنه متعلق به ، والعامل الجار والمجرور أو متعلقه ، وقوله : ما يوجب فتدبر. قوله : ( ظرف لقوله وله ) يعني أنه متعلق به ، والعامل الجار والمجرور أو متعلقه ، وقوله : ما يوجب نجاتهم ، وهدايتهم بالنصب عطفاً على نجاتهم لا بالرفع عطفاً على ما يوجب ، وإن صح أيضاً إلا أنّ الأوّل أولى لمن عنده نور ، وإن كان كلام الإمام يقتضي خلافه فإنّ الاقتداء به هنا غير لازم ، وكلامه مجمل محتاج إلى التنوير فالظاهر أنه لا يعني أق المراد بالنور نور معنويّ على أنّ نجاتهم منصوبة ، والضمير المستتر عائد على ما بل نور حسيّ خصت به تلك الجهات لأن منها أخذت صحف الأعمال فجعل اللّه معها نوراً يعرف به أنهم من أصحاب اليمين ، ونجاتهم فاعل يوجب ، ومفعوله ضمير محذوف يعود على ما ، والمعنى نور توجبه نجاتهم ، وهدايتهم لأن الله جعله علامة لذلك ، وليس المراد به صحائف أعمالهم كما توهم ، وفي التفسير الكبير المراد به النور الحسي كما نقل عن ابن مسعود ، وغيره وقيل المراد ما يكون سبباً للنجاة ، وقيل المراد به الهداية إلى الجنة ا هـ ، وليس في كلام المصنف تخليط ، وجمع بين القولين. قوله : ( لآنّ السعداء الخ ) بيان لوجه اختصاصهما بالنور لا أنّ المراد بالنور صحائف الأعمال كما توهم ، وقوله : يقول لهم من يتلقاهم الخ يعني أنه بتقدير القول ، والمقدر إمّا معطوف على ما قبله أو حال أي ، ويقول الخ أو مقولاً لهم. قوله : ( أي المبسر به الخ ) أوّل التبشير ليصح الحمل ، وما بعده من تقدير المضاف لا يغني عن التأويل المذكور لأنّ التبشير ليس عين الدخول فلا فرق إلا أنّ المبشر به على الأوّل عين ، وعلى هذا معنى ، وقد قيل البشارة لا تكون بالأعيان ، وفيه نظر. قوله : ( الإشارة إلى ما تقدّم الخ ) هذا على أنه من كلام الله لا من كلام الملائكة المتلقاة لهم ، وكذا إن كان من كلامهم ، ولا يلزم على هذا كون الإشارة للجنات بتأويل ما ذكر أو لكونها نوراً كما قيل. قوله : ( انتظرونا الخ ) كان طلب
الانتظار منهم لرجاء شفاعتهم لهم أو دخولهم الجنة معهم لأنه قبل تبين حالهم ، وقوله : أو انظروا إلينا فهو على الحذف ، والإيصال لأنّ النظر بمعنى مجرّد الرؤية يتعدى بإلى فإن أريد التأمّل تعدّى بفي ، وقوله : فإنهم تعليل ليقول فيهما ، وقوله : فيستضيؤون الخ صريح في أنّ النور حسيّ فيؤيد ما ذهبنا إليه ، وفوله : أنظرونا بفتح الهمزة ، وكسر الظاء من الإنظار وهو التمهيل ، وإلاتئاد من التؤدة بمعناه أيضا ولذا فسره به المصنف وضمير يستضيؤون للمنافقين والمنافقات على التغليب ، وما عداه للمؤمنين والمؤمنات تغليبا أيضا. قوله : ( على أنّ اتئادهم الخ ) يعني أنّ اتئاد المؤمنين ، وتمهلهم ليلحق المنافقون بالمؤمنين إذا تمهلوا أو اتأدوا رجاء لما مرّ كأنه إمهال للمنافقين فوضع أنظرونا الذي هو بمعنى المهلة ، وإنظار الدائن المديون موضع اتئاد الرفيق في مشيه ، وتوقفه ليلحقه رفيقه على سبيل الاستعارة بعد تشبيه الحالة بالحالة مبالغة في العجز واظهار الافتقار. قوله : ( نصب منه ) هو محصل المعنى ، وأصله أخذ قبس أي جذوة من النار ، وقوله : إلى الدنيا لأنها صارت بمضيها كأنها خلفهم ، وقوله : بتحصيل الخ متعلق بالتمسوا ، والمراد بالنور النور السابق على ما فسرناه به ، وقوله : فإنه يتولد منها أي هي السبب فيه قريبا أو بعيداً ، ولو قال فإنه منها يتولد بالتقديم المفيد للحصر كان أولى ، وقوله : نورا آخر إثارة إلى أنه غير النور السابق ، وليس بمعناه كما في الوجهين قبله ، وقوله : أو هو تهكم الخ كذا في النسخ معطوفا بأو والفرق بيته وبين ما قبله أنه لا يقصد فيه وراء معين كما في الوجوه السابقة ، ولو قال وهو تهكم ليكون عائد الجميع الوجوه كان أحسن ، وقوله : من المؤمنين أو الملائكة أي التهكم ، والتخييب صادر منهم فهم القائلون ، وقوله : يدخل فيه المؤمنون فيكون باعتبار ثاني الحال ، وبعد الدخول لا حين الضرب كما قيل. قوله : ( كامتداد(8/156)
ج8ص157
العمر ) فإنه من أدانيهم الفارغة ، وقوله : هي أولى بكم أي أحق من النجاة ، وهو بيان لحاصل المعنى. قوله :
( كقول لبيد ) العامري الشاعر المشهور ، وهو من قصيدته المشهورة التي هي إحدى المعلقات السغ وأوّلها :
عفت الدياومحلها فمقامها بمنى تأبد غولها فرجامها
ومنها في تشبيه ناقته بالبقرة الوحثية في نفرتها ، وسرعة عدوها :
وتسمعت رز الأنيس فراعها عن ظهر غيب والأنيس سقامها
فعدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها
حتى إذا يئس الرماة فأرسلوا غضفا دواجن قافلاً أعصامها
إلى آخر القصيدة ، وقوله : فعدت بالعين المهملة في سرحها من عدا يعد ، وإذا أسرع في السير ، والذي في شروح الكشاف بالمعجمة ، وهما متقاربان معنى أي عدت البقرة الوخية لما نفرت لفزعها من الصياد لا تدري أذلك الصائد خلفها أم قدامها فتحسب كلا جانبيها من الخلف ، والإمام أحرى ، وأولى بأن يكون فيه الخوف والفرج موضع المخافة أي كلا الموضعين الذي يخاف منه في الجملة أو ما بين القوائم فما بين اليدين فرج وما بين الرجلين فرج ، وهو بمعنى السعة ، والانفراج ، وفسره بالقدام ، والخلف توسعاً أو بمعنى الجانب والطريق فعل بمعنى مفعول لأنه مفروج مكشوف ، وضمير أنه راجع لكلا باعتبار لفظه ، وخلفها وأمامها إمّا بدل من كلا ، وامّا خبر مبتدأ محذوف أي هما خلفها ، وأمامها وفيه وجو. أخر لا تخلو من ضعف ، والشاهد في قوله : مولى المخافة فإنه بمعنى مكان أولى ، وأحرى بالخوف. قوله : ( وحقيقتة ) أي حقيقة مولاكم هنا محراكم بالحاء ، والراء المهملتين أي المحل الذي يقال فيه إنه أحرى ، وأحق بكم من قولهم هو حريّ بكذا أي خليق ، وحقيق وجدير به كلها بمعنى ، وليس المراد أنه اسم مكان من الأولى على حذف الزوائد كما توهم وسترى معناه عن قريب. قوله : ( كقولك هو مئنة الكرم الخ ) يعني أنّ مولاكم اسم مكان لا كغيره من أسماء الأمكنة فإنها مكان للحدث بقطع النظر عمن صدر عنه وهذا محل للفضل على غيره الذي هو صقه فهو ملاحظ فيه معنى أولى لا أنه مشتق منه كما أنّ المئنة مأخوذة من أن التحقيقية ، وليست مشتقة منه إذ لم يذهب أحد من النحاة إلى الاشتقاق من اسم التفضيل كما لم يقل أحد بالاشتقاق من الحرف ، ومئنة الكرم وصف له به على طريق الكتابة الرمزية في قولهم الكرم بين برديه كما في شروح الكشاف. قوله : ( أو مكانكم عما قريب ) ما زائدة وعن بمه شى بعد أو للمجاوزة ، ولا
يخفى أنّ وضع اسم المكان لاتصاف صاحبه بمأخذ اشتقاقه ، وهو فيه وهذا ليس كذلك لأنّ الولي ، والقرب صفة الزمان أو صفتهم قبل الدخول فيه فهو من مجاز الجوار أو الكون أو الأول فتأمّله فإنه لم يصف من الكدر ، ولذا قيل : إنه لو فسر بمكان قربهم من اللّه على التهكم لم يبعد. قوله : ( أو ناصركم الخ ) فالمعنى لا ناصر لكم إلا النار كما أتا معنى البيت لا تحية لهم إلا الضرب على التهكم كما فصلناه في سورة البقرة ، والمراد نفي الناصر ، وقوله : متوليكم أي المتصرفة فيكم كتصرفكم فيما أوجبها ، واقتضاها من أمور الدنيا فالتصرف استعارة ل!حراق والتعذيب لا مشاكلة لبعدها هنا ، وقوله : النار هو المخصوص بالذم المقدر هنا. قوله : ( ألم يأت وقته ) لأنّ الأنا الوقت كما في قوله : { غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } [ سورة الأحزاب ، الآية : 53 ] وآن يئيئ كحان يحين لفظاً ومعنى ، وقوله : ألما بالهمزة ولما النافية الجازمة كلم والفرق بينهما مفصل في النحو ، وقوله : ففتروا أي كان فيهم فترة وكسل عما كانوا عليه قبل الهجرة من المجاهدة النفسية ، والخشوع فعلى هذا المقصود هنا الحث على العود إلى حالهم الأوّل ، واللام متعلقة بمحذوف للتبيين كما قاله أبو البقاء. قوله : ( عطف أحد الوصفين الخ ) بناء على أنّ ذكر اللّه ككلام الله بمعنى القرآن ، وكذا ما نزل من الحق ت تحدا والعطف لجعل تغاير الوصفين كتغاير الذاتين كما في قوله :
إلى الملك القرم وابن الهمام
وقوله : ويجوز أن يراد بالذكر الخ توجيه آخر لأنه على هذا يظهر تغايرهما حقيقة ، وما
نزل حينئذ معطوف على ذكر أو على الله ، وأنزل مبني للفاعل. قوله : ( عطف على تض ح الخ ) قرئ(8/157)
ج8ص158
بالغيبة جريا على ما قبله ، وبتاء الخطاب على الالتفات ، ويحتمل أن يكون منصوبا معطوفا على تخشع في القراءتين ، وأن يكون مجزوماً ولا ناهية ، وهو ظاهر على قراءة الخطاب ، ويجوز ذلك في الغيبة أيضاً ، ويكون انتقالاً إلى نهي أولئك المؤمنين عن تشبههم بمن تقدّمهم نحو لا يقم زيد وعلى النفي هو في المعنى نهي أيضا وروش! مصغر أحد رواة القرا آت
المتواترة. قوله : ( فطال الخ ا لو قدمه استغنى عن إعادة قوله : فقست قلوبهم ، وما بينهم وبين أنبيائهم لبعد العهد بهم ، وقرئ الأمدّ أي بتشديد الدال ، وهو رواية عن ابن كثير وقوله : من فرط القسوة كأنه يؤخذ من كون الجملة حالية فتأمّل. قوله : ( تمثيل لإحياء القلوب الخ ) أي استعارة تمثيلية ذكرت استطراداً لإرشادهم إلى إزالة ما يقسي قلوبهم بالإنجاء إلى الله الذي أحيا موات الجمادات بالنبات فإنه هو القادر على إحياء تلك القلوب الميتة بذكره ، وتلاوة كلامه فالمستعار له ما يمن به من الخشوع وزوال القسوة ، وعلى الوجه الثاني المستعار له إحياء الأموات ، والمقصود منه الترغيب في الخشوع بذكر الإماتة ، والإحياء ، والزجر لأنه إذا أحيا الموتى فكيف لا يرد قلوبكم إلى حالها الأولى فهما على الوجه الثاني ، وقيل : إنه لف ونشر مرتب فالترغيب ناظر لإحياء القلوب القاسية ، والزجر لإحياء الأموات ، ولا بعد فيه أيضا. قوله : ( كي تكمل عقولكم ) إفادة لعل التعليل مرّ في البقرة ، وفسر العقل بكماله لثبوت أصله ، وفيه إيماء إلى أنه بمنزلة العدم قبله ، وقوله : إن المصدقين الخ خفف صادهما ابن كثير وأبو عمرو ، وثقلها باقي السبعة فعلى الأوّل هو من التصديق أي صدّقوا الرسول فيما جاء به كقوله : { وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ } وصدق به ، وعلى الثاني من الصدقة ، وهو أنسب بقوله : أقرضوا ، وقد قيل : الأوّل أرجح لأنّ الإقراض يغني عنه. قوله : ( عطف على معنى الفعل الخ ) يعني أنه معطوف على اسم الفاعل لأنه صلة لأل حال محل الفعل فهو في مفاه كأنه قيل : الذين صدّقوا وأقرضوا ، وهذا مختار الزمخشري تبعاً لأبي عليّ الفارسيّ وغيره ، وقد ردّ بأنه يلزمه الفصل بين أجزاء الصلة بأجنبيّ ، وهو المصدقات المعطوف على المصدّقين قبل تمام الصلة ولا يجوز عطفه على المصدقات لتغاير الضمائر تذكيرا وتأنيثاً ، وفيه نظر وأجيب عنه بوجوه منها أنه محمول على المعنى إذ هو في معنى الناس الذين تصدّقوا ، وتصدقن وأقرضوا فهو معنى معطوف على الصلة من غير فاصل ، ولا يخفى أنه لا محصل له إلا إذا قيل إنّ أل الثانية زائدة لثلا يعطف على صورة جزء الكلمة وفيه بعد ، ومنها أنّ المصدّقات منصوب بمقدر ، وهو مع معموله معترض فلا يضر الفصل به ، والمصدقين شامل للمصدّقات تغليباً ثم خصصن يالذكر حثالهن على الصدقة كما ورد في الحديث : " يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكق كثر أهل
النار " وقيل عليه إنه تخريج للكلام المعجز على خلاف الظاهر ، ومنها أنه معطوف على مجموع صلة المصدقين ، والمصدقات لجعلهما بمنزلة شيء واحد قصد العطف عليه ولا يخفى بعده ، ونبؤ المقام عنه ، والقول بأنّ أقرضوا معترض بين اسم إن ، وخبرها أظهر ، وأسهل. قوله : ( لأنّ معناه الذين أصدقوا أو صدّقوا ( على القراءتين كما مرّ ، وهو أقرب إلى الجواب الأوّل وقوله ، وهو على الأوّل أي على التصدق ذكره بعد. مع أنّ المراد بالإقراض التصدق أيضا لما فيه من إفادة أنّ المعتبر الإخلاص المستفاد من قوله : قرضا حسنا فإنّ حسنه بكونه من أطيب ماله خالصا لوجهه. قوله : ( معناه الخ ( ما مرّ راجع للمعنى والقراءة ، وهو إشارة إلى ما في هذه السورة ، وما في سورة الفرقان ولذا قال غير أنه لم يجزم أي كما جزم ثمة ولو حذفه كان أولى إذ لا مقتضى للجزم هنا ، وقوله : إلى ضمير المصدر أي القرض أو التصدق كما صرّح به المعرب ، وليس المراد ضمير هذا الفعل المجهول فإنه صرح به الجاثية في قوله : ليجزي قوما بأنه ضعيف فمن توهم أنه المراد هنا ، وأنه معارض لما مرّ ، ثم وفق بينهما فقد وهم كما لا يخفى ، والذي أوقعه فيه تفسير بعضهم له بتضاعف الأقراض فتأمّل. قوله : ( أولئك عند الله ) أي في حكمه وعلمه ، وقوله : بمنزلة الصديقين فهو تشبيه بليغ ، وعند ربهم ليس متعلقا بالشهداء على هذا وقوله : أو هم المبالغون فهو على ظاهره ، وقوله : فإنهم الخ بيان لوجه المبالغة فيه ، وقوله : والقائمون بالشهادة تفسير للشهداء على الوجه الثاني ، وضمير لهم للرسل ، وقوله : يوم القيامة تفسير لقوله : عند الله على هذا(8/158)
ج8ص159
الوجه ، دماشارة إلى تعلقه بالشهداء على هذا ، وقوله : الذين استشهدوا معطوف على الأنبياء ، ولما أبقاه في الأوّل على ظاهره لزم أنه تشبيه بليغ إذ ليس بمجرّد الإيمان ينال درجة الصديقين ، والشهداء ، ولذا أوّله على الثاني فافهم فإنّ بعضهم لم يقف على مراده فقال ما قال ، وفيه الجمع بين معنيي المشترك على الأخير. قوله : ( مثل أجر الصدّيقين الخ ) هذا على الوجه الأوّل ، وأنّ ما قبله من التشبيه البليغ ،
وقوله : ولكن من غير تضعيف الخ. دفع لما يقال إنه كيف يتوهم ما ذكر مع التفاوت الكثير بأنّ المراد مساواة أجر هؤلاء مع أضعافه لأجر أولئك بدون الأضعاف فيندفع المحذور كما أشار إليه بقوله : ليحصل التفاوت ، وقوله : أو الأجر الخ فالضمائر كلها للذين آمنوا ، وعلى ما قبله الضميران هنا للشهداء والصديقين ، وما قبلهما للذين آمنوا وإذا لم يكن في تفكيك الضمائر لبس جاز ، وفيه نظر وأنما أوّله بأنّ المراد به الموعودان ليفيد الأخبار إذ بعد الإضافة لا فائدة في قوله لهم ، ونظيره ما في قوله : ومن خواصه الإسناد إليه. قوله : ( فيه دليل الخ ا لا حاجة إلى الاستدلال بهذا مع صريح آيات كثيرة فيما ذكره ، ووجه إشعار التركيب بالاختصاص على ما مرّ في أولئك على هدى من ربهم مع ما في اسم الإشارة المتوسط مع تعريف الطرفين ، وأنّ استحقاقهم لذاك بما تميزوا به من الكفر والكذب الذي صار بمنزلة المحسوس فيهم ، وقوله : والصحبة الخ يشير إلى أنّ معنى الخلود مستفاد من الصحبة العرفية ، وقد عرفت أنه لا حاجة إليه. قوله : ( حقر أمور الدنيا ( ليس المراد أنّ فيه مضافا قبل الحياة الدنيا بل إنّ الحياة الدنيا عبارة عما فيها من الأمور ، وقوله : أعني وفي نسخة ، وهي والمراد به تخصيص المحقر منها فإن ما يوصل منها للنور المذكور لا يخفى ودخل فيه المباج ، وقوله : بأن متعلق بحقر ، وقوله : أمور خيالية الخ من قوله لهو ، ولعب فإنّ مثله مما يتلهى به ، وتشتغل بمثله الصبيان كذلك وقوله ، ثم قرر عطف على قوله حقر الخ والعدد بفتح العين الكثرة ، والعدد بضمها جمع عذة ، وهو ما يعد ويذخر ونحوه. قوله : ( وهو تمثيل الخ ) أي قوله : كمثل الخ تمثيل للحياة الدنيا ، وقوله : في سرعة تقضيها السرعة مأخوذة من تشبيه جميع ما فيها من السنين الكثيرة بمدة نبت غيث وأحد فإنه في أقل من سنة فلا وجه لما قيل الأولى طرج السرعة فإن ثم لا تناسبه. قوله : ( أعجب به الحراث ) جمع حارث ككافر ، وكفار وهو تفسير للكفار بالحراث لأنه يقال للحارث كافر بمعنى ساتر لستره ما بذره في الأرض ، وأنما فسره به لأن التخصيص بالكفار لا وجه له
بحسب الظاهر. قوله : ( أو الكافرون الخ ) بإبقاء الكفار على ظاهره وتخصيصهم بالإعجاب لأنهم لقصور نظرهم على هذه الدار يعجبهم ما فيها ، ولا ينظرون لغيرها ، والمؤمن لا ينظر إليه لعلمه بفنائه فإذا نظر إليه أعجب بقدرة موجده ، ولذا قال أبو نواس في النرجس :
عيون من لجين شاهدات بأنّ الله ليس له شريك
والفرق بين الوجهين أن في الأوّل إثبات الإعجاب للمؤمن بخلاف الثاني ، وليس المراد بالمؤمن الكامل حتى تختل المقابلة إذ المراد أنه من شأنه ذلك ، وإن غفل بعضهم عنه أحياناً فتأمل ، والحطام ما يبس وتكسر وتفسير هاج بيب! فيه تسمح ، وكذا قول الراغب : إنه بمعنى اصفر فانّ حقيقته أنه يتحرّك إلى أقصى ما يتأتى له وقوله ، ثم عظم معطوف على قوله : حقر أوّلاً. قوله : ( تنفيرا عن الانهماك الخ ) كان ينبغي تأخيره إلى قوله ثم أكد الخ عن قوله : { وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ } فإنّ المفيد للحث ، والتأكيد إنما هو قوله : { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } الخ حتى قيل : إنه من الناسخ وقد يقال : إن ما ذكره يعلم مما ذكر دلالة والتزاما وما بعده مؤكد لمنطوقه ومفهومه فتدبر ثم إنه قابل العذاب والشدّة بالمغفرة والرضوان أو قابل العذاب الشديد بشيئين إشارة إلى غلبة الرحمة وأنه من باب لن يغلب عسر يسرين. قوله : ( لمن أقبل الخ ) تفسير لمجموعه أو الإقبال تفسير للمتاع ، وعدم طلب الآخرة بها للغرور ، والمضمار موضع طراد الخيل ، وهو المراد وقد يطلق على غايته وأصله مكان تضمر فيه الخيل ، وقوله : مسارعة المسابقين إشارة إلى أنه استعارة ، ويجوز أن يكون مجازاً مرسلاً مستعملاً في لازم معناه ، وأنما لزم ذلك لأنّ اللازم أن يبادر من يعمل ما يدخله الجنة لا أن يعمله أو يدخلها سابقا على آخر ، وقوله : موجباتها بناء على وعد من لا يخلف الميعاد ، والا فلا إيجاب عندنا(8/159)
ج8ص160
كما سيصرّح به. قوله : ( عرضها كعرضهما ) أي لو ألصق أحدهما بالآخر ، وقوله : وإذا كان العرض الخ يعني أنّ العرض أقصر الامتدادين فإذا كان موصوفا بالسعة دل على سعة الطول بالطريق الأولى فالاقتصار عليه أبلغ من ذكر الطول معه ، وقوله : وقيل المراد به البسطة أي السعة ، والامتداد ، ولذا وصف به الدعاء ، ونحوه مما ليس من ذوي الأبعاد ، وأتا تفسيرها بالطول فغير صحيح هنا.
قوله : ( فيه دليل على أنّ الجنة مخلوقة ( أي موجودة الآن لقوله : أعدت بصيغة الماضي ، والتأويل خلاف الظاهرة ، وقد صرّح بخلافه في الأحاديث الصحيحة ، وقوله : وأنّ الإيمان الخ لجعلها معدة للمؤمنين من غير ذكر عمل ، وهو رد على المعتزلة والخوارج ، !ثمادخال العمل في الإيمان المعدى بالباء غير مسلم ، وقوله : في استحقاقها بضمير المؤنث للجنة كما هو في النسخ المعروفة فمن قال إنه مذكر ، وتكلف لتأويله بأنه راجع للمؤمن المفهوم مما قبله أو للجنة بتأويل ما ذكر ، ونحوه أتى بما أغنى الله عنه. قوله : ( ذلك الموعود ( من الجنة وإعدادها للمؤمنين وغيره مما فهم مما قبله ، وليى الإشارة للجنة كما توهم حتى يقال حق التأويل ما وعد لأنها موعودة لا موعود أو يقال التذكير باعتبار الخبر ، وقوله : من غير إيجاب من جعله فضلاً ، وهو ردّ على من يوجب على الله ثواب المطيع كما تفرّر في الأصول ، وقوله : فلا يبعد إشارة إلى أنه تذييل لإثبات ما ذيل به ، وقوله : عاهة هي ما يصيب الزرع ونحوه ، والآفة ما يعرض من المؤلم غير الأمراض كالجرج ، والكسر وبه تصح المقابلة. قوله : ) والضمير للمصيبة الخ ) هذا هو الظاهر ، وكونها للجميع ، وأو لمنع الخلو تكلف ما لا داعي له ، وقوله : إنّ ثبته فالإشارة إلى المصدر المفهوم من متعلق الظرت ، وقوله : أثبت وكتب لكيلا الخ قيل : لو قال أخبر ، وأعلم كان أولى وأنسب بقوله : فإنّ من علم الخ لأنّ تهوينه من الإعلام لا من الكتابة ولا يخفى أنه غني عن اللوح وما فيه عالم بكل ما كان ، وما يكون فالإثبات فيه إنما هو لإعلام الملائكة ، والرسل بجفاف قلم القضاء فذكره كناية عنه ، وهو المراد لا الاكتفاء بالسبب المفضي إلى الإعلام فتأمّل. قوله : ( فإنّ من علم أنّ الكل مقدّر الخ ( كون الكل مقدراً لأنه لا قائل بالفرق فلا يرد أنّ المذكور هنا المصائب دون النعم ، وغيرها فكيف يعلم منه الكل ، وليس في النظم اكتفاء كما توهم ، وقوله : ليعادل ما فاتكم في إسنادهما لشيء واحد ، وكون الفاعل فيهما متحداً راجعا للنعم ، والعائد مرفوع فيهما بخلاف القراءة الأخرى كما لا يخفى. قوله : ( وعلى الأول ) أي القراءة الأولى ترك فيها التعادل للنكتة المذكورة ، وهو أنّ الفوات ، والعدم
ذاتيّ لها فلو خليت ونفسها لم تبق وأما إيتاؤها بالإيجاد والبقاء فهو لاستنادها إليه تعالى كما مرّ تحقيقه في قوله : كل شيء هالك الخ وهذا لا ينافي الإمكان لأنها لو كان مقضي العدم ذاتيا لها كانت ممتنعة فالمراد أنها ممكنة فلا بد لوجودها من سبب ، وعدم السبب سبب للعدم والمراد من تخليتها ، وطباعها عدم سبب وجودها فتدبر. قرله : ) والمراد به نفي الأسى ( والحزن الذي يتضمن الجزع ، وعدم التسليم ! لأمر الله ، وأما الحزن الطبيعي فلا يضرّ كما أن الفرج ، والسرور بما أنعم الله به من غير بطر كذلك ، وقوله : ولذلك أي لكون المراد ما ذكر لا مطلقاً وقوله : إذ قل الخ أيمما لا يسلم من الفرح والحزن أحد ولذا ورد في الحديث : " إنّ العين لتدمع لما لما مات إبراهيم ابق النبيّ-كت. قوله : ( بدل من كل مختال ( أي بدل كل من كل ، وقوله : فإن المختال الخ بيان لوجه كونه بدل كل من كل مع تغايرهما ظاهراً ، وقوله : خبره محذوف تقديره يعرضون عن الإنفاق فيما اللّه غنيّ عنه وقيل : إنه خبر مبتدأ مقدر ، ولا يصح كونه نعتا لمختال كما قيل ، وقوله : عنه وعن إنفاقه بيان لمتعلقه المقدر وقوله : محمود في ذاته بيان لأنه تعالى غنيئ عنه ، وعن شكره وتقرّبه له ، وقوله : وفيه تهديد أي لمن تولى ، وقوله : لمصلحة المنفق لا لما يعود عليه تعالى فإنه الغنيّ المطلق ، وقوله : فإنّ الله الغنيئ أي بدون هو كما وقع في بعض النسخ بغير هو. قوله : ( بالحجج والمعجزات ) راجع إلى كل من تفسيري الرسل ، ولذا ذكرهما في الكشاف مع اقتصاره على الأوّل لأن رسل الملائكة ترسل بالمعجزات كإرسالها بالقرآن لنبينا صلى الله عليه وسلم ، ولغيره أيضاً للأخبار بأنّ له معجزة كذا فلا اعتراض على الزمخشري ، وقيل : إن فسر الرسل بالملائكة يفسر البينات بالحجج ، وإن فسر بالأنبياء يفسر البينات بكل منهما أو بما يعمهما فتأمّل. قوله تعالى : )(8/160)
ج8ص161
{ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ } ( إن كان مرجع الضمير الرسل بمعنى الملائكة فلا إشكال فيه إلا أنه كان ينبغي الاقتصار عليه كما في الكشاف إذ على الثاني يحتاج إلى تأويل بتقدير متعلق لقوله معهم أو جعله حالاً من الكتاب ، والحال حينئذ مقدرة أو لاتصاله
به جعلت مقارنة تسمحاً ، ولا يخلو من تكلف فما في الكشاف أولى ، وقوله : ليبين الخ قيل إنه إشارة إلى جمعه لتكميل القوتين النظرية ، والعملية ، والظاهر أنه لبيان المناسبة بينه ، وبين الميزان المحسنة لعطفه عليه كما أشار إليه بقوله : لتسوي به الحقوق ، وقوله : يقام به العدل تفسير لقوله : { لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } وفيه إشارة إلى أنّ الباء للتعدية فلا حاجة لأخذها من خارج الكلام. قوله : ( وإنزاله إنزال أسبابه ) ولو بعيدة وهو جواب عن أنّ الميزان لم ينزل من السماء بأنّ أسبابه كالمطرقة ، ونحوها على قول منها أو المطر المنبت للكتان والقطن ، والخشب الذي هو مادته ، وأمر الناس باتخاذه مع تعليم كيفيته منها وهذا على تسليم أنه لم ينزل حقيقة ، وقوله : وقيل الخ منع له مع سنده وقوله : يراد به العدل الخ جواب آخر ، وهو أنه مجاز عن العدل ، ونزوله من السماء نزول الكتاب المتضمن له ، والوحي الآمر به ، والباء حينثذ للتعدية أيضاً ، ويجوز أن تكون للسببية ، وهو المناسب لقوله : ليقام به الخ فتأمّلى. قوله : ( ويدفع به الأعداء ) أي يدفع الحكام بالعدل عن الناس أعداءهم لإنصافهم منهم ، وأخذ حقوقهم واقامة الحدود عليهم ، وما قيل في تفسيره إنّ الظلم يفضي إلى هجوم الأعداء ، ولذا قيل الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم بعيد في نفسه. قوله : ( كما قال وأنزلنا الحديد الخ ) إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنّ الجمل المتعاطفة لا بد فيها من المناسبة ، وانزال الكتاب لا يناسب إنزال الحديد فكان الظاهر ترك عطفه بأنّ بينهما مناسبة تامّة لأن المقصود ذكر ما يتمّ به انتظام أمور العالم في الدنيا حتى ينالوا السعادة في الأخرى ، ومن هداه الله من الخواص العقلاء ينتظم حاله في الدارين بالكتب ، والشرائع المطهرة ، ومن أطاعهم وقلدهم من العامة بإجراء قوانين الشرائع العادلة بينهم ، ومن تمرّد وطغى وقسا يضرب بالحديد الرادّ لكل مريد ، والى الأوّلين أشار بقوله : أنزلنا الكتاب ، والميزان فجمعهم ، وأتباعهم في جملة واحدة ، والى الثالث أشار بقوله : { وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ } فكأنه قال أنزلنا ما يهتدي به الخواص ، وما يهتدي به أتباعهم ، وما يهتدي به من لم يتبعهم فهي حينئذ معطوفة لا معترضة لتقوية الكلام كما توهم إذ لا داعي له وليس في الكلام ما يقتضيه بل فيه ما ينافيه قال العتبي في أوّل تاريخه : كان يختلج في صدري أنّ في الجمع بين الكتاب ، والميزان ، والحديد تنافراً وسألت عنه فلم أحصل على ما يزيح العلة وبنقع الغلة حتى أعملت التفكر فوجدت الكتاب قانون الشريعة ، ودستور الأحكام الدينية يتضمن جوامع الأحكام ، والحدود قد حظر فيه التعادي ، والتظالم ودفع التباغي ، والتخاصم وأمر بالتناصف ، والتعادل ، ولم يكن يتم إلا بهذه الآية فلذا جمع الكتاب ، والميزان وأنما تحفظه العامة على اتباعها بالسيف ، وجذوة عقابه ، وعذب عذابه ، وهو الحديد الذي وصفه اللّه بالبأس الشديد فجمع بالقول الوجيز معاني كثيرة الشعوب متدانية الجنوب محكمة المطالع مقوّمة
المبادي ، والمقاطع اهـ وأنما نقلناه على ما فيه من الطول لأنه أحسن ما فيه من الفصول. قوله : ( فإن آلات الحروب الخ ) إشارة إلى أنّ السياسة العامة متوقفة عليه فلذا عطف على ما قبله مما يتضمن العدل ، والسياسة ، وقوله : باستعمال الأسلحة متعلق بينصره لبيان ارتباطه بما قبله ، وقوله : والعطف أي في قوله وليعلم الخ ، وقوله : فإنه حال الخ توجيه لدلالة ما قبله ، وهو قوله : فيه بأس شديد ، ومنافع فإنها جملة حالية محصلها لينتفعوا به ، وشمتعملوه في الجهاد وليعلم الله الخ ، وحذف المعطوف عليه إيماء إلى أنه مقدّمة لما ذكر ، وهو المقصود سنه ، والجملة الحالية ظرفية على أنّ المرفوع فاعل لقوله : فيه لاعتماده على ذي الحال لا اسمية لئلا ينافي ما مرّ مرارا من أنها لا بد فيها من الواو ، وقد مرّ ما فيه في سورة الأعراف فتذكره ، وقوله : أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الخ ، والجملة معطوفة على ما قبلها فحذف المعطوف ، وأقيم متعلقه مقامه وقد وقع في بعض النسخ معطوفاً بالواو أو أصح كما لا يخفى وقيل : قوله وليعلم معطوف على قوله : { لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } وهو قريب بحسب اللفظ بعيد بحسب المعنى. قوله : ( حال من المستكن ) أو من البارز كما مرّ تحقيقه في البقرة ، وقوله : بأن استنبأناهم(8/161)
ج8ص162
أي جعلناهم أنبياء ، وأصل الاستنباء طلب الخبر كما قال ويستنبؤنك أحق هو ، وهو تفسير لجعل النبوّة فيهم كما أنّ قوله : وأوحينا الخ بيان لجعل الكتب فيهم ، وقوله : وقيل الخ مرّضه لأنه خلاف الظاهر ، وإن كان الكتاب ورد بمعنى الكتابة في اللغة. قوله : ( خارجون الخ ( لأنّ أصل معنى الفسق الخروج ، ثم خص بخروج مخصوص ، وهو الخروج من ربقة الإيمان وطريق الهداية المستقيم فهو مساو للضلال ، وتبيين المقالة فيه أن يقال : فمنهم مهتد ومنم ضال فعدل عنه لأنّ ما ذكر أبلغ في الذمّ لأنّ الخروج عن الطريق المستقيم بعد الوصول إليها بالتمكن منها ومعرفتها أبلغ من الضلال عنها ، ولو قيل ومنهم الخ لم يفهم غلبة أهل الضلال على غيرهم فليست المبالغة لجعلهم محكوما عليهم بالفسق كما قيل فتدبر. قوله : ( أرسلنا رسولاً بعد رسول ( البعدية معنى التقفية لأنّ أصله أن يكون خلف قفاه ، وقوله : والضمير لنوح
الخ ) فالمعنى قفينا على آثار نوح ، وابراهيم ومن أرسلا إليهم من قومهما برسلنا ومن أرسلوا إليهم من أقوامهم فاكتفى بذكر الرسل عنهم كما اكتفى بذكر نوح ، وابراهيم عن ذكر من أرسلا إليه. قوله : ( أو من عاصرهما الخ ) قيل عليه لو عاصر رسول نوحا فإمّا أن يرسل إلى قومه كهارون مع موسى ، أو إلى غيرهم كلوط مع إبراهيم ، ولا مجال للأوّل لمخالفته للواقع وصرح به المصنف رحمه اللّه أيضاً في تفسير قوله ، وقوم نوح لما كذبوا الرسل ، ولا إلى الثاني إذ ليس على الأرض غير قومه ولا يخفى أنه توجيه لجمع الضمير وكون لوط مع إبراهيم كاف فيه وإن كان الكلام موهماً لخلافه وقوله : فإن الرسل المقفى بهم من الذرية ولو عاد الضمير عليهم لزم أنهم غيرهم أو اتحاد المقفي والمقفى به وتخصيص الذرّية الراجع إليه ضمير آثارهم بالأوائل منهم خلاف الظاهر من غير قرينة تدل عليه. قوله : ( وأمره أهون من أمر البرطيل الخ ) البرطيل بكسر الباء ، وقد تفتح حجر مستطيل ، واستعماله بمعنى الرشوة مولد مأخوذ منه بنوع تجوّز فيه كما بينه أهل اللغة يعني انّ البرطيل بكسر الباء عربيّ ففتح فائه إذا سمع فيه غير هين لأنّ فعليلاً بالفتح ليس من أبنية العرب فالعدول فيه عن سنن ألفاظهم غير سهل بخلاف إنجيل فإنه أعجمي على الصحيح المشهور فالعدول فيه عن أوزانهم سهل لأنهم يتلاعبون به ، ولأنه ليس من كلامهم في الأصل حتى يلتزم فيه أوزانهم ، والإنجيل كتاب عيسى عليه الصلاة والسلام ، ويكون بمعنى مطلق الكتاب وقيل هو عربيئ من نجلت بمعنى استخرجت لاستخراج الأحكام منه ، وقوله : فعالة أي بالفتح مصدر كالشجاعة. قوله : ( وابتدعوا رهبانية ( يعني أنه منصوب بمقدر يفسره ما بعده على نهج الاشتغال فجملة ابتدعوها لا محل لها من الإعراب ، وقول ابن الشجري أنه يشترط في منصوبه أن يكون مختصا يجوز وقوعه مبتدأ على فرض تسليمه هو موصوف معنى كما يؤخذ من تنوين التعظيم ، وكونه بمعنى أمر منسوب للرّهبان ، وفوله : رهبانية مبتدعة على أنّ ابتدعوها في محل نصب صفة رهبانية ، وهو معطوف على ما قبله من مفعول الجعل فلذا قال على أنها من المجعولات بناء على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله ، ولا ضير في اجتماع قادرين على مقدور واحد عندنا أهل الحق ولمخالفتها لمذهبهم قالوا : هنا ما قالوا كما بين في الكشاف وشروحه ، وفي مغني اللبيب لا بد من تقدير مضاف هنا مما في القلوب أي وحب رهبانية ، وهو غير ما ذهب إليه المصنف رحمه الله لكن قوله : بعده تبعا لصاحب الانتصاف إنما لم يحمل أبو عليّ الآية على ذلك لاعتزاله لا يخلو من الخلل ، وليس هذا محل الكلام عليه ، وقوله : وهي المبالغة الخ كونها بهذا المعنى في القلوب يحتاج لتقدير ، أو تأويل
كما أشرنا إليه. قوله : ( كأنها منسوبة إلى الرهبان ) والنسبة إلى الجمع على خلاف القياس فيحتاج إلى أن يقال إنه لما اختص بطائفة مخصوصة أعطى حكم العلم فنسبت له كالأنصار ، وعلى قول الراغب أنّ رهبانا بالضم مفرد أيضا الأمر واضح ، ولذا تردّد المصنف رحمه الله فيه ، وقيل : إنه لاحتمال أق الضم من تغييرات النسب كدهرفي. قوله : ( استثناء منقطع ) قدمه لأنه أنسب بقوله : ابتدعوها كما أشار إليه بقوله : لكنهم ابتدعوها ، ثم صرح به بعده فلا تكون مفروضة عليهم من الله ، وقوله : ما تعبدناهم بها أي جعلناها عبادة لهم سواء كانت فرضا أو مندوباً وأصل معنى تعبده صيره عبدا ، وعلى هذا معناه صيره عابدا ، وفي ثبوته بهذا المعنى كلام ، وقوله : يخالف قوله : ابتدعوها فإنه يقتضي أنهم لم يؤمروا بها أصلاً إلا(8/162)
ج8ص163
أن يقال الأمر وقع بعد ابتداعها أو يؤوّل ابتدعوها بأنهم أوّل من فعلها بعد الأمر ، وقوله : أتوا بها أوّلاً تفسير لقوله : استحدثوها ، وقوله : من تلقاء أنفسهم أي من جانب أنفسهم أو من ألقاء أنفسهم ذلك لهم. قوله : ( فما رعوها جميعاً ) إمّا تأكيد للضمير أو لقوله حق رعايتها مقدما عليه فعلى الأوّل هو إشارة إلى أنّ منهم من رعاها ، وعلى الثاني رعوا بعض حقوقها ، وقوله : بضم التثليث متعلق بالنفي ، والتثليث قولهم بأن الإله ثلاثة ، والاتحاد قولهم : إنّ الله متحد بعيسى حال فيه ، والسمعة الرياء وهو غالب عليهم ، وقوله : نحوها أي المذكورات ، واليها متعلق بضم ، وقوله : من المتسمين أي الذين لهم سمة ، وعلامة تدل على اتباع عيسى عليه الصلاة والسلام ، وقوله : بالرسل المتقدّمة فالمراد مؤمنو أهل الكتاب. قوله : الإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم وإيمانكم بمن قبله )
بيان لتحقق النصيبين لهؤلاء على أنّ المراد مطلق أهل الكتاب مع أنّ الملل الأولى منسوخة ، والمنسوخ لأثواب في العمل به فإن كان الخطاب للنصارى فملتهم غير منسوخة قبل ظهور الملة المحمدية ، ومعرفتهم بها فلا يحتاج إلى جواب عنه بما ذكر ، وأنما لم يرتض به قيل لأنها نزلت فيمن أسلم من اليهود كما ورد في الأحاديث الصحيحة كعبد الذ بن سلام وأضرابه ولذا بنى تفسيره أوّلاً عليه ، ولأنه لا دليل على التخصيص هنا ، والمراد من لم يؤمن منهم فلا يحتاج قوله : آمنوا إلى تأويل اثبتوا ، ونحوه كما في الكشاف. قوله : ( أو الهدى الخ ) فالنور استعارة تصريحية ، وقوله : يسلك به إشارة إلى وجه الشبه فيه ، والجار في قوله : لئلا الخ متعلق بالأفعال الثلاثة قبله على التنازع أو يقدر كفعل ، وأعلمهم ونحوه ، ولا مزيدة فإنه يجوز زيادتها مع القرينة كثيرا ، واختاره على عدم الزيادة لما فيه من التكلف الآتي ، وقوله : ليعلموا جمعه لظهور أنه ضمير أهل الكتاب ، وقد قيل إنه كان عليه أن يفرد الضمير أو يؤخره عن قوله : أهل الكتاب ، ولكنه أمر سهل. قوله : ( والمعنى أنه لا ينالون شيئاً الخ ) على أنّ المقدّر ضمير الشأن ، وفي نسخة أنهم على أنّ المحذوف ضميرهم ، وهو الأولى كما ذكره في المغني ، وقوله : مما ذكر من فضله يعني في النصيبين من الأجر وما معه ، وقوله : برسوله يعني به محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقوله : أو لا يقدرون الخ. على أنّ الفضل عامّ في كل فضل ، وقوله : لأنهم لم يؤمنوا صريح فيما مرّ من أنّ المراد من لم يؤمن منهم ، وقوله : وهو أي نيل ما ذكر ، وقوله : على شيء ليس عاماً حتى يكون فضلا في غير محزه بل تنوينه للتحقير ، وقوله تعالى : { يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء } خبر ثان أو هو الخبر ، وما قبله حال لازمة أو استئناف. قوله : ( والمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب الخ ) فضمير يقدرون والمقدر على أحد الوجهين للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وفي الوجه السابق لأهل الكتاب وعدم قدرتهم عليه أنهم لا ينالونه كما في أحد الوجهين أولآ ونفى النفي المراد به إثبات علمهم بنيل الرسول والمؤمنين لفضل الله ، ورحمته. قوله : ( فيكون وأنّ الفضل عطفاً الخ ا لا على أن لا يقدوون لفساد المعنى فالمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب أنّ النبيّ ، والمؤمنين به لا يقدرون على شيء من فضل الله ، ولا ينالونه بل هم الذين يقدرون على حصر فضل الله ، واحسانه على أقوام معينين أي فعلنا ما فعلنا لئلا يعتقدوا ، ولأنّ الفضل بيد الله فهو
من عطف الغاية على الغاية ، وهو دفع لما أورد على عدم الزيادة من أنه غير ممكن لأنه يقتضي أن يكون المعنى لئلا يعلموا أنّ الفضل بيد الله ، وهو باطل. قوله : ( وقرئ ليلا ) أي بلام مكسورة بعدها ياء ساكنة ، ثم لام مخففة وألف ، وقوله. ثم أبدلت أي اللام الثانية المدغمة التي كانت نوناً ، ثم قلبت وأنما أبدلت لثقل توالي الأمثال كما فعلوا في قيراط ، ودينار فإنّ أصله قرّاط ودنار فأبدل أحد المثلين فيه ياء للتخفيف ، وهذا وإن لم يكن كلمة واحدة بوزن فعال فإنّ أهل الصرف شرطوا فيه أن يكون اسماً جامداً بوزن فعال إلا أنهم شبهوه به ، وقوله : وقرئ ليلا أي بفتح اللام مع الإبدال كما في اسم المرأة بعينه ، وقوله : على أنّ الأصل الخ فأصل لام الجرّ الفتح كما سمع عن بعض العرب فتحها ، وكذا كل حرف مفرد على قول النحاة لكنها كسرت لتناسب حركتها عملها ، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ هو حديث موضوع ، وقوله : كتب المراد رزقه الله الأمن من سوء الخاتمة ، والا لم يكن ظاهرا تمت السورة بحمد الله ، ومنه والصلاة والسلام على أفضل رسله الكرام ، وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام.(8/163)
ج8ص164
سورة المجادلة
بفتح الدال وكسرها والثاني هو المعروف كما في الكشف وتسمى سورة قد سمع.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( وقيل العشر الأول الخ ( قيل عليه الظاهر العكس فإنّ القصة وقعت بالمدينة ، والقائل عطاء وقال الكلبي : مدنية ، إلا قوله : ما يكون من نجوى ثلاثة الآية ، وقوله : آيها الخ ، وقيل : أربع ، وعشرون والمذكور في كتاب العدد أنّ عددها إحدى ، وعشرون أو اثنتان وعشرون. قوله : ( خولة الخ ) هي صحابية من الأنصار ، واختلف في اسمها ، واسم أبيها فقيل اسمها خولة ، وقيل : خويلة بنت خويلد ، وقيل : بنت مالك بن ئعلبة ، وقيل : بنت ثعلبة بن مالك كانت تحت أوس بن الصامت وكان شيخا كبيراً ساء خلقه فغضب يوما ، وقال لها : أنت عليّ كظهر أمي ، ثم عاد وراودها فأتت النبيئ ع!فه إلى آخر القصة . قوله تعالى : ( { وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ } ) قال المعرب وتبعه المحشي : يجوز في هذه الجملة العطف على الصلة فلا محل لها من الإعراب وأن تكون حالاً في محل نصب أي تجادلك شاكية حالها إلى الله ، وكذا جملة { وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا } والحالية فيها أبعد معنى ، وعلى الحالية فالمبتدأ مقدر فيها لأنّ المضارعية لا تقترن بالواو في الفصيح بدون تقدير ، والزمخشريمما أجازه كما مرّ. قوله : ( وشكت إلى الله ) أي قالت : أشكو إلى الله فاقتي عند النبيئءلجب! كما صزج به في الحديث ، وقوله : وقد أي لفظة قد في الآية ، وقوله : يتوقع الخ التوقع مصروف إلى تفريج الكرب لا إلى السمع لأنه محقق أو إليه لأنه مجاز أو كناية عن القبول فيكون قوله : يفرج كالتفسير له ، وقوله : أو المجادلة عطفه الزمخشري بالواو وهو يقتضي تحقق التوقع منهما ، واختار المصنف ما هنا إشارة إلى كفاية أحدهما فيه فأو لمنع الخلو ، والداعي لما ذكر أنّ التوقع لا يجري على المتكلم
هنا فصرف إلى المخاطب كأمثاله ولو جعلت للتحقيق يم يحتج لتأويله ، وقوله : يتوقع أي ينتظر الوقوع لأنّ قد تدل على ذلك ، ولم يقل كان يتوقع لأن المراد بالمضارع الحال فلا حاجة لكان فيه ، ولو أتى بها جاز. قوله : ) وأدغم حمزة الخ ( وأظهر غيرهما ، وهو عربيئ فصيح أيضاً فلا عبرة بما نقل عن الكسائي من أنّ من أظهر فلسانه ليس بعربي فصيح كما قاله أبو حيان ، وغيره فإن كلاً منهما متواتر ، وقوله : تراجعكما لأنها من الحور ، وهو التردد فسمي المكالمة محاورة لتراجع القول بينهما يقال : كلمته فما رجع إليّ حوارا أي ما رد علي بشيء ، وقوله : على تغليب الخطاب لأنّ الخطاب هنا إنما هو للنبيئ صلى الله عليه وسلم لقوله : تجادلك ، وقوله : للأقوال ، والأحوال لف ، ونشر مرتب ، والمراد من قوله : سمع الله الخ قبل قولها : وأجابه كما في سمع الله لمن حمده مجازا بعلاقة السببية أو كناية وسمع متعد بنفسه ، وقد يتعدى باللام كنصحته ، ونصحت له كما مرّ تفصيله. قوله تعالى : ( { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ } الخ ) مبتدأ خبره مقدر أي مخطئون وأقيم دليله ، وهو ما هن مقامه أو هو الخبر نفسه ، وأما الذين الذي سيأتي فمبتدأ ، وقوله : فتحرير رقبة مبتدأ آخر خبره مقدّر أي فعليهم تحرير الخ أو فاعل فعل مقدر تقديره يلزمهم تحرير الخ أو خبر مبتدأ مقدر أي الواجب عليهم تحرير رقبة ، وعلى التقادير الثلاثة الجملة خبر المبتدأ دخلته الفاء لتضمن المبتدأ معنى الثرط. قوله : ) الظهار أن يقول الخ ( هذا هو أصله ، وهو متفق عليه فلا يرد عليه أنّ الصور الآتية غير داخلة فيه ، وقوله ة مشتق من الظهر الخ الظهر بمعنى الجارحة ، وهو اسم جامد لا يشتق منه فالاشتقاق على خلاف القياس أو بمعنى الأخذ وهو أعم من الاشتقاق وكون الظهر بمعنى العلو ليكون مصدرا فيجري ما ذكر على القياس يحتاج إلى إثباته بنقل من معتمدات كتب اللغة. قوله : ( بجزء أنثى محرم ( وفي نسخة بجزء محرم بدون أنثى ، وهو بالإضافة والتخفيف ، وفتح الميم ما يحرم عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة أي تشبيه امرأته بجزء محرم أي بعض منه أقي بعض كان ، وهو مذهب الثافعيئ فلا وجه للقول بأنّ المراد بجزء عضو يحرم النظر إليه كالبطن ، والفخذ كما قيل فإنه مذهب أبي حنيفة ، والمصنف شافعي المذهب ، وأما كونه بالتشديد وضم الميم ، والتوصيف دون الإضافة فقصور. في غاية الظهور لأنه يقتضي(8/164)
ج8ص165
أنّ كل أنثى كدّلك. قوله : ( وفي منكم تهجين الخ ( أي ذكر لفظ منكم لتقبيح عادة العرب في الجاهلية لا للتقييد به حتى يكون دليلاً على أن الظهار لا يصح
من الذمي كما ذهب إليه مالك استدلالاً بقوله : منكم إذ الكافر ليس منا ، ولا يصح إلحاقه بالقياس لأنّ الظهار جناية ترتفع بالكفارة ، والكافر ليس من أهلها لأنها عبادة يشترط فيها النية فلا تصح منه ، ولأنه لا يقدر عليها على رأي الشافعيّ المشترط إيمان الرقبة إذ هو لا يملكها فالذمي قيد الإيمان في حقه متعذر ، وما قيل من أنها عبادة في حق المسلم دون الكافر لا يفيد مع اشتراط النية فيها فإن قيل : افتقارها للنية ليس لأنها عبادة في حقه ، بل هو ضروريّ كما في كنايات الطلاق فهو قياس مع الفارق لأنها ثمة ليتعين أحد المحتملات ، ولا احتمال له هنا كما حققه ابن الهمام ، ولا خروج عن الظاهر في قصد التهجين فإنه كثير ففي كلام الفاضل المحشي هنا قصور في غاية الظهور لا حاجة للتطويل بدّكره من غير طائل هنا ، والعادة إشارة إلى ما يفيده المضارع من الاستمرار وقتا فوقتا. قوله : ( كالموضعات الخ ) فانّ الله قال : { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ } [ سورة النساء ، الآية : 23 ] وأزواجه أمهاتهم ، وهو من خصائصهءكيوو لحرمة النكاح كما يحرم نكاح الأمّ الحقيقية ومثل أزواج الرسولءلمجز كل أمة وطئها بالتسري فتخصيص الأزواج لأنه الواقع في القرآن ، ولو قال : ومنكوحاته كان أولى. قوله : ( وهو أيضاً على لغة من ينصب ) وهم أهل الحجاز الذين نصبوا خبرها فإنهم الذين زادوا الباء فيه أيضا ، وهذا بالاستقراء ، وأنّ زيادة الباء لغتهم في الأعمال لا لغة تميم كما صرّح به أبو عليّ الفارسي ، وتبعه الزمخشريّ ، والمصنف وقد قال أبو حيان أنه باطل لأنه سمع خلافه كقول الفرزدق ، وهو تميمي :
لعمرك مامعن بتارك حقه ولامنسئ معن ولامتيسر
والرفع عن عاصم في رواية وتأخير ذكره عن قوله : إنّ أمهاتهم لا ضير فيه لأنّ عادته تأخير اللغة ، والقراءة بعد تمام تفسير الآيات ، وتقديم ما يرتبط بعضه ببعض منها. قوله : ( محرفاً عن الحق فإن الزوجة لا تشبه الأمّ ) بيان لمعناه على وجه يبين اشتقافه أيضاً من الازورار وهو الانحراف ، ولم يقل كذبا كما في الكشاف بناء على أنه إخبار كاذب علق عليه الشارع الحرمة ، والكفارة لأنه خلاف الظاهر لأنه إنشاء لحرمة الاستمتاع في الشرع كالطلاق فكذبه باعتبار ما تضمنه من إلحاقها بالأمّ المنافي لمقتضى الزوجية كما مرّ في الأحزاب ، وقوله : مطلقاً على مذهب المصنف ، وأهل الحق ، ولذا قدمه ، وقوله : أو إذا تيب على مذهب المعتزلة ، وهو مجهول تاب وعنه نائب عن الفاعل ، وعذاه بعن حملاً له على العفو أو هو يتعدّى أيضا بعن ويحتمل أنه تقسيم للعفو ، وأنه قد يكون محض فضل وقد يكون مع التوبة. قوله : ( أي إلى قولهم ) فاللام بمعنى إلى ، وقد قال المعرب إنه ضعيف لأنّ العود يتعدّى
باللام ، وإلى وفي فلا حاجة لتأويله إلا أن يريد التفسير من غير قصد للتأويل وجعل ما مصدرية وهي تحتمل الموصولية ورجحه بعضهم هنا. قوله : ( بالتدارك ) متعلق بيعودون ، وهو إشارة إلى أحد الوجوه في المراد بالعود هنا فالعود التدارك مجازا لأنّ التدارك من أسباب العود إلى الشيء ، ولذا قال المصنف بالتدارك بالباء السببية إشارة إلى علاقة التجوّز فيه ، والتدارك معناه في الأصل تفاعل من الدرك ، واللحوق والمراد به تلافي ما صدر من التقصير بما يجبره ، ولذا فسره بقوله : وهو بنقض ما يقتضيه لأنّ ضمير هو للتدارك في عبارته أو للعود المفسر به ، والأوّل أولى ، وهو بينهما اعتراض فتداركهم المراد به ما اقتضاه قولهم الصادر عنهم في الظهار ، وهو الحرمة فإنّ تلافيه يكون بما ذكر. قوله : ( ومنه المثل عاد النيث على ما أفسد ) ، وأنما فصله بقوله منه لأنّ التدارك لا ينسب إلى الغيث إلا على طريق التمثيل ، والتجوّز والذي أورد. الميداني في المجمع عاد غيث على ما أفسد قال ، ويروى على ما خيل قيل إفساده إمساكه ، وعوده إحياؤه ، وأنما فسر على هذا الوجه لأنّ إفساده بصونه لا يصلحه عوده وقد قيل غير هذا ، وذلك إنهم قالوا : إنّ الص بث يحف ، ويفسد الحياض ، ثم يعفى على ذلك بما فيه من البركة يضرب في الرجل ، وفيه فساد ولكن الصحلاح أكثر انتهى. قوله : ( وذلك ) أي التدارك ، والنقض فإنّ المراد منهما ، ومن العود أيضا واحد فهو الإمساك المذكور ولا يرد عليه أنّ ، ثم تدل على التراخي الزماني(8/165)
ج8ص166
والإمساك المذكور معقب لا متراخ لأنّ مدة الإمساك ممتدة ، ومثله يجوز فيه العطف بثم ، والفاء باعتبار ابتدائه ، وانتهائه كما مرّ غير مرّة فلا حاجة إلى القول بأنها للدلالة على أنّ العود أشد تبعة ، وأقوى إثما من نفس الظهار حتى يقال عليه إنه غير مسلم ، ولا إلى قول الإمام أنه مشترك الإلزام فيمنع أيضاً لأنّ استباحة الاستمتاع عقب الظهار فورا نادرة فلا يتوجه على الحقيقة ما ذكر. قوله : ( زماناً يمكته مفارقتها فيه ) وفي نسخة يسعه فالعود عندهم إمساك عقب الظهار ، ولو لحظة وذلك أن لا يقطع نكاحها فإن مات أحدهما أو جن الزوح أو قطع بطلاق بائن أو رجعيّ من غير رجعة أو باشترائها ، وهي رقيقة أو باللعان منها عقيبه أو بالبدار إلى فعل كان قد علق عليه الطلاق من قبل فليس بعائد ، ولا كفارة هكذا في كتب ققه الشافعية المعتمد عليها كالوجيز. قوله : ( إذ التشبيه ) في قوله : كظهر أمي في الظهار يتناول حرمة الإمساك في النكاح لأنه يصح استثناؤه منه بأن يقول : أنت عليّ كظهر أمي إلا في حرمة الإمساك ، والأصل في الاستثناء الاتصال ، والدخول فيما استثنى منه فإذا تناوله لفظه ، وكان أقل ما ينقضه فالاقتصار عليه فيه أولى لأنه الأقل المتيقن فلذا اقتصر عليه من دون ما يتحقق به العود ، وقد أورد عليه أمور في شرح الهداية ليس هذا محلها. قوله : ( وعند أ!س حتيفة الخ ) أي النقض الذي العود عبارة عنه ، وبه يتحقق وجوب الكفارة عنده استباحة التمتع بها ،
وليس المراد به مجرّد عذه مباحاً من غير مباشرة بل مباشرته بوجه مّا ، ولا العزم عليه حتى يرجع لقول مالك رحمه الله مع أنّ ابن الهمام نقل عن المبسوط أنّ سبب وجوبها العزم على الوطء ، والظاهر شرطه هنا ، وهو بناء على أنّ معنى العود العزم على الوطء ، واعترض بأنّ الحكم يتكرّر بتكرّر سببه لا بتكزر شرطه ، والكفارة تتكرر بتكرر الظهار لا بتكرر العزم ، وكثير من مشايخنا على أنه العزم على الإباحة بتقدير مضاف في الآية أي يعودون لضد ما قالوا أو لتداركه بترك القول ، ويرد عليه ما مر وأنه بمجرد العزم لا تتقرر الكفارة عندنا كما نص عليه في المبسوط حتى لو أبانها أو ماتت بعد العزم لا تتقرر الكفارة فهذا دليل على أنها غير واجبة لا بالظهار ، ولا بالعود إذ لو وجبت لما سقطت بل موجب الظهار ثبوت التحريم فإذا أراد رفعه وجبت الكفارة لرفعه كما تقول لمن أراد صلاة نافلة يجب عليك إن صليتها تقديم الوضوء هذا محصل ما ذكره ابن الهمام مع تفصيل لطيف لكن المقام لم يصف للنظر من قذى الكدر فما قيل مآل كلام مالك ، وأبي حنيفة واحد ، ودفعه بأنه أخص منه ليس بشيء فتأمله. قوله : ( وعند الحسن بالجماع ) يعني الموجب للكفارة الجماع ، وهو المراد من العود لما قالوه لترتبه عليه بالفاء ، ولا يأباه قوله من قبل أن يتماسا المؤخر عن الكفارة لأنّ المراد عنده من قبل أن يباج التماس شرعاً ، وما ذكر أوّلاً حرام موجب للتكفير ، وهذا كما ورد في الحديث : " استغفر اللّه ، ولا تعد حتى تكفر " . قوله : ( أو يالظهار الخ ) معطوف على قوله : بالتدارك فالعود بمعناه الحقيقي ، وقوله : يعتادون من استمرار المضارع ، وقوله : إذ كانوا في النسخة الصحيحة بإذ وهو لتعليل ما قبله من الاعتياد لأنّ كان تدل على التكرار مع تعيين له وفي نسخ الحواشي أو العاطفة فيكون توجيهاً للمضارع في النظم بأنه إمّا للاستمرار أو هو لاستحضار صورة الحال الماضية ، ولا محذور في هذا القول للزوم الكفارة عليه بمجرد الظهار من غير عود ، وفقهاء الأمصار على خلافه لأنه إن كان الثوري ، ومجاهد نقل عنهما ذلك اجتهاداً فلا يلزمهما موافقة غيرهما فيه وهو المصرّج به في كتاب الأحكام ، وغيره وإن لم ينقل عنهما غير تفسير العود في الآية بما ذكر فيجوز أن يشترطا لوجوب الكفارة شيئا مما مز لكن لا يقولان إنه المراد بالعود في الآية ، وقوله : وهو قول الظاهرية يقولون لا بدّ في الظهار من تكرار اللفظ به أخذا بظاهر الآية ، وكان الفقه له فيه أنه ليس صريحاً في التحريم فلعله يسبق لفظه له من غير قصد لمعناه فإذا كرره تعين أنه قصده ، واما أنه لم يقل ، ويعودون له حينئذ ، وهو أخصر وأظهر فلأنه قصد به التأكيد فأظهر وعطف بثم لتراخي رتبة الثاني ، وبعده عن الأوّل لأنه الذي تحقق به الظهار وقد يرد بأنّ
قضية خولة ليس فيها لهكرار ، ولم يسأل عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأما كون عدم النقل ليس نقلا للعدم فاحتمال بمجرد. لا يفسر القرآن ، وإنن كان لفظ العود ، والقول فيه على حقيقته فتأمل.(8/166)
ج8ص167
قوله : ( أو معنى ) أي المراد بالعود التكرر معنى ، وأما قوله بأن يحلف على ما قال فالظاهر أنّ المراد به أن يحلف على الظهار فيقول والله أنت عليّ كظهر أمي فإن القسم لكونه مؤكداً للمقسم عليه عود ، وتكرار له معنى لكنه على هذا لا يلزم الكفارة في الظهار من غير قسم ، وهذا القول لا يعرف من قال به فإن صح فهو إلغاء للظهار معنى لأنّ الكفارة لحلفه على أمر كذب فيه ، وكذا ما قيل من أنّ معناه أن يقول هي علي كظهر أمي إن فعلت كذا ، ثم فعله فإنه يحنث ، وتلزمه للكفارة وبعد مباشرته ذلك الفعل تكريراً للظهار معنى ، وهو مع مخالفته لكلام الإمام ولظاهر كلام المصنف لا يساعده كلام الفقهاء ، وقد رأيت هذه المسألة مسطورة في فقه الشافعية فيما إذا قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي ، وعلق الظهار بالشرط على تفصيل فيها لا يسعه هذا المقام ، ولعل النوبة تفضي إلى تحريره. قوله : ( أو إلى المقول فيها الخ ) معطوف على قوله إلى قولهم : وهو يحتمل أنّ ما موصولة لكن فيه وقوعها على ما يعقل وهو خلاف الظاهر أو مصدرية كالأوّل لكن المصدر مؤوّل باسم المفعول كما قيل في ، وما كان هذا القرآن أن يفتري أنه بمعنى مفتري ، وقوله : !امساكها الخ لف ، ونشر مرتب إلى قول الشافعي ، وما بعد.. قوله : ( فعليهم الخ ) يعني هو مبتدأ خبره مقدر أو خبر مبتدؤه مقدّر كما مر واعتاق تفسير لقوله تحرير ، وقوله : للسببية لأنّ الجملة خبر للذين كما مرّ وقرن بالفاء لتضمنه معنى الشرط فيكون هذا كالجواب مسبباً عما قبله وهو الظهار مطلقاً أو بشرط العود أو هما وكلامه صريح في الأوّل ، وفيه كلام في شرح الهداية. قوله : ( تكرّر وجوب التحرير بتكرّر الظهار ( تكرّر الظهار إما مع تكرّر المظاهر منها كما إذا كان له زوجتان فظاهر كلاً منهما على حدة ، وأما مع اتحادها كان يكرر ظهار زوجة واحدة في صجلس واحد ، ولم يقصد التوكيد أو قصده في مجالس ، وفي شرح الوجيز للغزالي ما محصله لو قال : لأربع زوجات أنتن كظهر أمي فإن كان دفعة واحدة ففيه قولان فإن كان بأربع كلمات فأربع كفارات ، ولو كررها والمرأة واحدة فإما أن يأتي بها متوالية أو لا فعلى الأوّل إن قصد التأكيد فواحدة ، والا ففيه قولان القديم ، وبه قال أحمد واحدة كما لو كرر اليمين على شيء واحد ، والقول الجديد التعدد وبه قال أبو حنيفة ومالك : وإذا لم تتوال وقصد بكل واحدة ظهاراً أو أطلق ، ولم ينو التأكيد فكل مرة ظهار برأسه وفيه قول إنه لا يكون الثاني ظهاراً إز لم يكفر عن الأوّل وإن قال أردت إعادة الأوّل ففيه اختلاف بناء على أنّ المغلب في الظهار معنى الطلاق أو اليمين لما فيه من الشبهين اهـ ، والذي في التلويح لو ظاهر من امرأته مرتين أو ثلاثا في مجلس واحد أو مجالس متفرقة لزمه بكل ظهار
كفارة ا هـ ، ولا يصح على إطلاقه لما عرفت ، وإن اعتمده بعضهم فليحرر. قوله : ( والرقبة مقيدة بالإيمان الخ ) هذا مذهب الشافعي ، وعندنا لا فرق بين المؤمنة ، والكافرة والكلام عليه مبسوط في الفروع ، وكتب الأصول وليس هذا محله ، وقوله : قياسا الخ ، وقد قال فيها رقبة مؤمنة ، والفرق بينهما تقدم. قوله : ( لعموم اللفظ ) وهو التماس في الاستمتاع بأقسامه لأنه يشملها بدلالة النص ، ومقتضى التشبيه في قوله : كظهر أمي فإنّ المشبه به لا يحل الاستمتاع به بوجه من الوجوه فكذا المشبه ، وقوله : أو أن يجامعها ، والتماس كناية مشهورة في الجماع فيقصد منه ذلك ، وقوله : وفيه دليل على حرمة ذلك أي الاستمتاع أو المجامعة قبل التكفير لأنه أوجب التكفير قبله فلا يجوز تقدمه عليه سواء كان التكفير بالإعتاق أو غيره خلافا لمالك في الإطعام حيث لم يقيد بكونه قبل التماس في الظاهر. قوله : ( ذلكم الحكم الخ ) فذا إشارة للحكم ، والخطاب للمؤمنين أو للموجودين ، وغيرهم من الأمّة ، وقوله : لأنه يدل الخ تعليل لكون الحكم بالكفارة مما يوعظ به ويلين القلوب لأنه يدل على ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة فيرتدع مرتكبه ، وبخاف العقوبة ، ويتعظ ولا يعود لمثله. قوله : ( والذي غاب ماله واجد ) أي له حكم الواجد للمال ، وهو الغني فعليه الكفارة بالإعتاق لا بصوم ، واطعام وقوله تعالى : { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ } أطلقهما عن قيد الهلالي ، والشمسي فدل على صحة كل منهما فإذا ابتدأ من رأس شهر هلالي أجزأ ولو ناقصاً فله صوم ثمانية وخمسين يوماً ، والا فعليه تكميل الستين حتى لو أفطر في آخرها لزمه الاستئناف ، وقوله : لزمه الاستئناف لفوات التتابع المشروط بالنص(8/167)
ج8ص168
وهو قادر عليه عادة ، والخلاف عند الثافعية ، وقوله : المظاهر عنها احترز به عن غيرها فإنه لو جامعها ناسيا لم يستأنف أيضاً ، وقوله : خلافاً لأبي حنيفة لأنه اشترط فيه كونه قبل التماس نصاً فإذا تخلف شرطه انتقض فلم يعتذ به. قوله : ( شبق ) بفتح الشين المعجمة ، والباء وبالقاف شدة اشتهاء الجماع بحيث لا تتمالك نفسه عن الصبر عنه وقوله : فإنه الخ تعليل لكون الشبق عذراً فإنه المحتاج للبيان ، وقوله : أن يعدل أي عن الصوم للإطعام وفي نسخة أن يفدي أي بالإطعام ، وقوله : لأجله الضمير للشبق وهو إشارة إلى الحديث المذكور في التفاسير. قوله :
( لأنه أقل ما قيل في الكفارات الخ ) قيل : على قوله في الفطرة بتاء التأنيث أنه خطأ من الناسخ ، والصواب أن يسقط الهاء ، ويراد كفارة الفطر في رمضان ، وأما صدقة الفطر فهي صاع عند الافعية ، وهو خطأ منه فإنّ عبارة الشافعية هنا زكاة الفطر فلا احتمال لما ذكره ، والذي أوقعه فيما وقع فيه قراءته لفظ جنسه بالجر ، وهو مرفوع مبتدأ خبره المخرج في الفطرة يعني أنّ المجزئ للإطعام هنا من جنس ما يجزئ في زكاة الفطر وهو ما يقتاته الناس غالبا مما تجب فيه الزكاة كما فصلوه في كتبهم المعتبرة كالوجيز ، وليس بيانا لمقداره كيلا كما توهم. قوله : ( يعطي كل مسكين الخ ) الصاع أربعة أمداد فنصفه مدان كما في شرح الهداية ، وقوله : اكتفاء بذكره الخ لم يترك في الثاني اكتفاء بالأوّل لأنه يمكن وقوع التماس في أثنائه بخلاف العتق فلو لم يذكر معه ربما توهم أنّ تحريمه قبل الشروع فيه خاصة ، ولا يبقى إلى التمام ، وأما الإطعام فكالصيام كما قيل ، وفيه نظر. قوله : ( أو لجوازه في خلال الإطعام كما قال أبو حتيفة رضي الله تعالى عنه ) فيه أنّ أبا حنيفة لم يقل بالجواز ، وأنما قال إنه لو وقع في خلاله لم يستأنفه لأن النص فيه مطلق غير مقيد به كما في الإعتاق والصيام ، والمطلق لا يحمل على المقيد عنده مطلقا ، وأما الجواز من غير إثم فمنقول عن الثورفي ، وغيره في كتاب الأحكام فلو قال! : لأنه لا يبطله كان أحسن. قوله : ( ذلك البيان أو التعليم ) بنصبهما لأنهما صفتان مفسرتان لاسم الإشارة ، وهو مفعول به هنا كما صرح به بعيده فليس فيه إشارة إلى أنه مبتدأ حتى يتوهم أنه كان عليه أن يقول أو محله النصب لئلا ينافي أوّل كلامه آخره نعم هو صحيح أيضاً ، وكأنه تركه لظهوره أو ذلك إشارة إلى الأحكام المشروعة فتأئل. قوله : ( الذين لا يقبلونها ) كقوله : { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ } [ سورة البقرة ، الآية : 229 ] في الآية الأخرى فأطلق الكافر على متعدي الحدود تغليظا لزجره كما أنّ المراد بالكفر في قوله ، ومن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين بقرينة المقام من لم يطعه لا مقابل الإيمان ، والكفر الحقيقي. قوله : ( فإنّ كلاَ من المتعاديين الخ ) بيان لوجه إطلاق المحادة على المعاداة بأنها مفاعلة من الحد لأنّ كلا من المتعاديين في حد غير حد
الآخر أي في وجهته كما يقال : هو حديد فلان إذا كانت أرضه إلى جنب أرضه في جهة حده كما قيل للمعاداة مشاقة لأن كلا منهما في شق غير شق الآخر ، واليه أشار بقوله في حد الخ أو من الحدود بمعنى الأمور التي لا تتجاوز ، وهم إمّا واضعون لحدود الكفر ، وقوانينه كأئمة الكفر أو مختارون لها ، واليه أشار بقوله : أو يضعون الخ ، وتكلف بعضهم فجعل الوجوه هنا أربعة! قال الفاضل المحشي : وفيه وعيد عظيم للملوك ، وأمراء السوء الذين وضعوا أموراً خلاف ما حذه الشرع ، وسموها يسأ وقانونا ، وقد صنف العارف باللّه تعالى الشيخ بهاء الدين قدس الله روحه رسالة في كفر من يقول يعمل بالقانون ، والشرع إذا قابل بينهما ، وقد قال الله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ سورة المائدة ، الآية : 3 ] وقد وصل الدين إلى مرتبة من الكمال لا تقبل التكميل وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ولكن أين من يعقل ويسا بياء مثناة تحتية وسين مهملة وضع قانون للمعاملة ، ويقال : يسق لفظ غير عربيئ. قوله : ) أخزوا أو أهلكوا ( الخزي التذليل ، وعبارة المصنف في العطف بأو أحسن من عطفه بالواو كما في الكشاف ، والكب الإلقاء على الوجه ، وفوله : ما جاء به معطوف على صدق أو الرسول ، والمراد بصدقه كونه من عند الله ، وهذه العبارة أخصر من قول الزمخشري ، وصحة ما جاء به ، وأما ترجيح هذه بأنه ليس كل ما جاء به يوصف بالصدق فليس بشيء وقوله : يذهب عزهم الخ فهو مجاز إذ الإهانة لا تتصؤر منه. قوله : ( منصوب بمهين ( ولا وجه لنصبه بالكافرين إذ لا وجه لتخصيص كفرهم بذلك اليوم ، وفوله : بإضمار اذكر أي باذكر المضمر على إضافة(8/168)
ج8ص169
الصفة لموصوفها ، وقوله : كلهم فهو للتأكيد ، وإن انتصب على الحال كطرّ أو كافة ، وقاطبة وغيرها من ألفاظ التوكيد ، وقوله : أو مجتمعين فيكون حالاً غير مؤكدة ، وقوله : تشهير الخ يعني المقصود من أخبارهم بما عملوه ما ذكر زيادة في خزيهم ونكالهم ، والا فلا طائل تحته. قوله : ( كلياً وجزئياً ( يشير إلى ما يفيده الموصول من العموم ليكون على وفق قوله على كل شيء شهيد ودالاً عليه وانتصابه على الحالية أو المصدرية أي علماً كلياً الخ لا على الظرفية فإنه تعسف لا حاجة تدعو إليه. قوله : ( ما يقع من تناجي ثلاثة الخ ( يعني أنه مضارع كان التامة ، ونجوى فاعله وهو
مصدر بمعنى التناجي ، ومن مزيدة ، وقوله : يقدر مضاف تقديره ذوي نجوى الخ ونحوه أو يؤوّل نجوى المصدر بمتناجين جمع متناج كالنجيّ ، وفي القاموس النجوى السر والمسارون اسم ومصدر وعليه لا حاجة إلى التأويل وأنما أوّل ليتأتى استثناء قوله : إلا هو رابعهم من غير تكلف كما سيأتي ، وعلى هذين الاحتمالين ثلاثة صفة للمضاف المقدر أو لنجوى المؤوّل بما ذكر أو الموضوع له ، ويجوز أن يكون بدلاً أيضا. قوله : ( واشتقاقها الخ ) أي هي مأخوذة منها لأنّ السر بصونه عن الغير كأنه رفع من حضيض الظهور إلى أوج الخفاء على التشبيه ، وأقرب منه قول الراغب لأنّ المتسارّين يخلوان بنجوة من الأرض أو هو من النجاة. قوله : ( إلا اللّه ( يجعلهم أربعة يعني أنّ الرابع لإضافته لغير مماثله هنا بمعنى الجاعل المصير أي يجعلهم أربعة ، وقوله : والاستثناء الخ فهو استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال أي ما يكعونون في حال الأحوال إلا في حال تصيير الله لهم أربعة. قوله : ) نزلت في تناجي المنافق!ين الخ ) 11 ( يعني ، وكانوا على هذين العددين ، وقوله : وتر الخ يعني فلذا ذكر العددين من الأوتار ، وأما تخصيصهما فأشار إلى توجيهه بقوله ، والثلاثة الخ فخصها لأنها أوّل وتر من الأعداد ، وأما الواحد فليس بعدد كما تقرر في الحساب لأنهم عرّفوه بما ساوى نصف مجموع حاشيتيه ، وليس له حاشيتان ، وأيضاً هو لا يليق بالخلق أو لأنّ التناجي هنا للمشاورة ، وأقله ما ذكر لما ذكر ، وهذا إنما يعلم منه وجه ذكر الثلاثة دون الخمسة ، وأما مناسبتها للثلاثة في الوترية فلا يفيد وجه التخصيص إلا إذا ضمّ إليه ما يخصصه ككونه أوّل مراتب ما فوقه فذكر المشار بهما للأقل ، والأكثر ونحوه ، وقوله : يتناجون فهو حال من فاعله أو فاعل متناجين المستتر فيه. قوله : ( كالواحد ) فإنه يناجي نفسه أيضاً فيكون معهم في السر والعلانية ، وذلك إشارة إلى الثلاثة ، والخمسة وهو المقصود بما ذكر ، وقوله : على محل من نجوى لأنه فاعل ، ومن زائدة فيه ، وقوله : محل لا أدنى فيه تسمح لأنّ المحل لأدنى وحده ، وهو الرفع لأنه مبتدأ قبل دخول لا عليه ، وفيه نظر وجملة هو
معهم خبره ، وعلى قراءة العامة بفتح راء أكثر هو مجرور بالفتح معطوف على لفظ نجوى أو مفتوح لأنّ لا لنفي الجنس فهو كلا حول ، ولا قوّة إلا بالله على الوجوه فيه ، وقوله : بان جعلت الخ أي لا مشبهة يليس ، ولا مزيدة لتأكيد النفي كما في الوجه السابق. قوله : ( فإنّ علمه الخ ) إذ علمه ، وسائر صفاته الذاتية لا تتفاوت بتفاوت الأسباب ، ولذا عمّ علمه كما أشار إليه بقوله : فإنّ علمه الخ ، وقوله : تفضيحاً الخ إشارة لما قدمناه ، وقوله : بما هو إثم أوّله به لينتظم الكلام أي يتناجون بأمور يرونها ، وهي إثم ووبال عليهم ، وتعدّ على المؤمنين ، وتواص بمخالفة النبيّ صلى الله عليه وسلم وقوله : " فيقولون السام " هو بمعنى الموت عندهم بالعبرية أو دعاء بأن يسأموا دينهم فإذا سلموا عليه قالوه وأوهموا أنهم يقولون السلام ، وأنعم صباحا هي تحية الجاهلية ويقال عم صباحا كما قال امرؤ القيس :
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي
والكفار يكره بدؤهم بالسلام إلا لضرورة فإذا بدؤهم قيل في الردّ ، وعليك كذا في كتاب الأحكام هنا ، وقوله : وسلام على عباده الخ هو تفسير لما حياه الله به. قوله : ( هلا يعذبنا الله بذلك ) أي لو كان نبياً عذبنا الله بسبب ما قلناه في حقه ، وعدل عن قوله في الكشاف ما له إن كان نبياً لا يدعو علينا حتى يعذبنا الله بما نقول فإنه لا دلالة في النظم عليه ، وقوله : حسبهم الخ جواب من الله لهم ، وقوله : جهنم هو المخصوص بالذم المقدر ، وقوله : كما يفعله المنافقون فالخطاب لخلص المؤمنين ، ولا بد أن يكون هذا(8/169)
ج8ص170
تعريضا بالمنافقين إذ مثله لا يصدر عن المؤمنين ، ولذا قدّم الزمخشري كونه خطاباً للمنافقين ، وسماهم مؤمنين باعتبار ظاهر أحوالهم فلا وجه لترجيح مسلك المصنف ، وقراءة تنتجوا تقدم معناها ، وحمل التقوى على
اتقاء معصية الرسول بقرينة ما سبق ، وقوله : فيما تأتون الخ متعلق باتقوا.
قوله : ( أي النجوى بالإثم ) فالتعريف فيها للعهد كما وقع في بعض النسخ هنا ، واللام للعهد ، والقرينة عليه ما بعده فلا ينافي كون النجوى تكون في الخير ، وقوله : وتناجوا بالبر والتقوى قبله ، وقوله : فإنه المزين الخ أي المزين لهذه النجوى المخصوصة بالشر. قوله : ( بتوهمهم ( متعلق بيحزن أي حزن المؤمنين بما يتوهمون من تناجي اليهوديين ، والمنافقين وتغامزهم من أنه وقع بإخوانهم المؤمنين أمر كالهزيمة ، والقتل أو متعلق قوله : بتوهمهم مقدر أي توهمهم لأمر عظيم نزل بالمسلمين لأن النجوى كانت في نكبة نزلت بالمسلمين ، وأمر حل بهم كما في الكشاف كانوا يوهمون المؤمنين في نجواهم ، وتغامزهم أنّ غزاتهم قتلوا ، وأنّ أقاربهم قتلوا ، وفي عبارة المصنف قصور مّا ، ولذا قيل : لو أسقط اللام كان أحسن فإنّ القصور إنما جاء من زيادتها ، وما قيل إنها دعامة زائدة وفهم القصور من قصور الفهم من التعصب البارد. قوله : ( أو التناجي ) بصيغة المصدر ، وفي نسخة المتناجي والأولى أولى ، وفي الكشاف تجويز أن يرجع الضمير للحزن ، ولا غبار عليه لاً نه إذا قيل إنّ هذا الحزن لا يضرهم اندفع حزنهم فلا ينافي أنّ المقصود إزالة الحزن كما توهم ، وقوله : إلا بمشيئته تقدم بيانه فتذكره. قوله : ( افسح عني أي تنح ) فالتفسح في المجلس تنحي الناس بعضهم عن بعض توسعة له ، وهو ظاهر وارتباطه بما قبله لأنه لما نهى عن التناجي ، والسرار علم منه الجلوس مع الملا فذكر آدابه بعده وقوله ، والمراد الخ فيكون مطلقا شاملاً لكل مجلس فتعريفه للجنس أو المراد به مجلسه صلى الله عليه وسلم فتعريفه للعهد فجمعه لتعدده باعتبار من يجلس معه فإنّ لكل أحد منهم مجلساً وقوله : يتضافون بالتشديد أي يتلاصقون وبه بمعنى فيه ، والضمير للمجلس أو للرسول فالباء سببية. قوله : ( فيما تريدون ( متعلق بيفسح اللّه لكم والفسح في الرزق تكثيره ، وفي الصدر إزالة ما يحصل به الغم ، وضيق الصدر كناية عنه وغيرها كالقبر ، وقوله : ارتفعوا في المجال!
أي اجلسوا في صدورها ، وأعلاها فليس عن المجلس بأولى منه لأنه إنما يكون أولى إذا أريد محل جلوسه بخصوصه أما لو قصد مجموع النادي ففي أولى ، وقوله : بضم الشين ، وغيرهم قرأ. بالكسر وهما لغتان فيه ، وقوله : وايوائهم غرف الجنان فالرفعة فيه حسية وفيما فبله معنوية ، والجمع بينهما من عموم المجاز أو الجمع بين الحقيقة ، والمجاز وهو جائز عنده قال الواحدي سبب نزول هذه الآية أنه ى!ر كان في الصفة يوم الجمعة فجاء ناس من أهل بدر ، وكان يكرمهم وقد سبقوا فقاموا حيال النبيئ صلى الله عليه وسلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم فشق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم فقال لبعض من حوله : " قم يا فلان ، ويا فلان " فأقام نفرا مقدار من قدم فشق ذلك عليهم ، وعرف كراهية ذلك في وجوههم ، وقال المنافقون ما عدل بإقامة من أخذ مجلسه وأحب قربه لمن تأخر عن الحضور فأنزل الله هذه الآية . قوله : ( ويرفع العلماء منهم خاصة ) في الانتصاف في الجزاء برفع الدرجات مناسبة للعمل المأمور به ، وهو التفسح في المجالس ، وترك ما تنافسوا فيه من الجلوس في أرفعها ، وأقربها من النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم خص أهل العلم ليسهل عليهم ترك ما عرفوا بالحرص عليه من رفعة المجالس وحبهم للتصدير ، وهذا من مغيبات القرآن لما ظهر من هؤلاء في سائر الأعصار من التناف! في ذلك وفي كلامه إشارة إلى أنه من عطف الخاص على العام تعظيما له بعده كأنه جنس آخر كما في ملائكته وجبريل ، ولذا أعاد الموصول في النظم ، ويمكن اتحادهما فيكون من جعل تغاير الصفات بمنزلة تغاير الذات لأنّ المراد بالعلم علم ما لا بدّ منه من العقائد الحقة ، والأعمال الصالحة ، وتغايرهما بالذات على أنّ المراد بالمؤمنين من لم يصل لمرتبة هؤلاء ، ولكل وجهة ، وعلى الوجوه الثلاثة ليس فيه تقدير عامل للموصول الثاني إذ لا حاجة إليه ، وقول المصنف ، ويرفع العلماء الخ توضيح للمعنى لا إشارة للتقدير كما توهم ، والتشبث بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من ضيق العطن. قوله : ( للعمل الخ ) تعليل(8/170)
ج8ص171
لقوله : مزيد رفعة ، وقدمه عليه للاهتمام به وللحصر ، وقوله : ولذلك أي لمزيد رفعته ، وأنه لا ينفك عن العمل أو للاقتضاء المذكور لأنه لو لم يقارنه العمل لم يعتذ بأفعاله ، وقوله : مع علو درجته ، وفي نسخة
من علو درجته إشارة إلى أنّ شرفه الذاتي مقرّر لكن لا يقتدي بأهله ما لم يقارن العمل ، ولو قال لعلو درجته أو بعلو درجته صح لكنه معنى آخر فتدبر ، وقوله : في أفعاله لارتفاع شأنها لأنه يراعي حقوقها ، ويتحفظ فيها بخلاف العابد غير العالم. قوله : ) وفي الحديث الخ ) هذا الحديث رواه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أصحاب السنن الأربعة ، وأيراده هنا بيانا لرفعة العلماء على من سواهم لا لبيان العطف كما توهم ، وفوله : تهديد الخ فيه إيماء لما مرّ من أنّ الخبرة العلم بالظاهر ، والباطن فإنّ عدم الامتثال من الظواهر ، والاستكراه أمر باطني. قوله : ( فتصدّقوا تدّامها ) أي قبل النجوى ، وقوله : مستعار ممن له يدان يعني أنّ في قوله بين يدي نجواكم استعارة تمثيلية ، وأصل التركيب يستعمل فيمن له يدان أو مكنية بتشبيه النجوى بالإنسان واثبات أليدين تخييل ، وفي بين ترشيح ومعناه قبل ، وقوله : وفي هذا الأمر أي أمر المؤمنين بالتمذق قبل مناجاته ومكالمته تعظيم له صلى الله عليه وسلم بعد مناجاته أمراً عظيماً ، ونعمة تقابل بالشكر ، والتصدق وانفاع الفقراء أي فقراء الصحابة رضي الله عنهم أمر ظاهر إلا أنّ لفظ الإنفاع غير صحيح ، وقد استعمله المصنف في مواضع من كتابه هذا ، ولم يذكره أهل اللغة وكذا منتوج اسم مفعول إلا أنّ القياس لا يأباه كما في الملتقط والنهي ، والمنع مأخوذ من إيجاب الصدقة على المناجي ، وهي لا تتيسر في كل زمان فيلزم قلة المناجاة له وما عداه ظاهر ، والمقصود بيان الحكمة في الأمر المذكور. قوله : ) في أنه ) أي الأمر بالتصدق قبل المناجاة ، وقوله : لكنه
أي الوجوب ، ونسخه بقوله : أشفقتم الخ لأنّ قوله : { فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا } [ سورة المجادلة ، الآية : 13 ] فيه ترخيص في الترك كما سيأتي ، وقيل : نسخت بآية الزكاة ، وقوله : وهو وإن اتصل الخ جواب سؤال مقدر ، وهو أنه كيف يكون ناسخا ، وهو مقارن له والناسخ لا بدّ من تأخره عن المنسوخ ، وسيأتي بيان مدة بقائه ، وقوله : ما عمل بها أحد غيري لا يقتضي عدم امتثال غيره من الصحابة رضي ا الله عنهم لجواز أنهم لم يناجوه ، ولم يبدؤه بالمكالمة قبل نسخها خصوصاً إذا ى شت المدة ساعة ، واليه أشار بقوله ، وعلى القول بالوجوب الخ ، وقوله : فصرفته من الصرف المعروف أي بدله بدراهم الفضة ليتعدد إخراجه ، وتصدقه منه منافسة في مكالمته صلى الله عليه وسلم ، وقيل : إنه نسخ قبل العمل به بناء على جواز النسخ قبله ، ولكونه خلاف الظاهر لم يتعرض له المصنف ، وفيه خلاف لأهلى الأصول. قوله : ( وأطهر أي لأنفسكم من الريبة الخ ) الريبة بالراء المهملة والباء الموحدة كما في النسخ الصحيحة ، والمراد به الشبهة الحاصلة من ترك سؤاله ىيخييه لئلا يتصدقوا وترك الصدقة لحب المال ، وهذا أظهو من أن يخفى ، والعجب ممن ظنه الزينة بالمعجمة والنون ، وهو من بعض الظن ، ومن ليست داخلة على المفضل عليه بل متعلقة بأطهر كما في طهرته من النجاسة ، واشعاره بالندبية لأن التصدق إنما يكون خيرا من غيره ، إذا لم يكن واجباً ، وقوله : أدل على الوجوب لأنّ المغفرة تقتضي أنّ في الترك إثما وذنباً ، وقوله : أدل ويشعر إشارة إلى أنه ليس دليلا تاما في كلا الجانبين أما الأوّل فلأنّ المفضل عليه غير مذكور فيحتمل غير الترك من المندوبات أو الواجبات للترغيب فيه ، ولو حمل على الترك احتمل أنه على الفرض ، والتقدير كما في قوله خير مستقرّا ، وأما الثاني فلأنّ المغفرة لا تتعين أن تكون للمناجاة من غير تصدق. قوله : ( أخفتم الفقر الخ ( الأوّل على أنه محذوف ، وهو الفقر ، وقوله : أن تقدموا بتقدير لأنّ تقدموا فمن في قوله من تقديم الخ تعليلية ، وقوله : أخفتم التقديم على أنّ أن تقدموا مفعول من غير تقدير ، وخوف التقديم لما يترتب عليه من الفقر فهما بمعنى واحد ، وقوله : جمع صدقات توجيه للعدول عن صدقة ، وهو أخف وأخصر فإن كان بعضهم ترك المناجاة كما هو ظاهر ا!نظم فلا مخالفة فيه للأمر كما مرّ. قوله : ) بأن رخص لكم الخ ) متعلق بتاب ، وضمير تفعلوا لما ذكر ، وهو التصدق والمناجاة ، وقوله : مما قام مقام توبتهم هو الانقياد وعدم خوف الفقر ، وقوله : وإذ على بابها أي ظرف لما مضى ، والمعنى أنكم تركتم ذلك فيما مضى فتداركوه بإقامة الصلاة الخ. كما قاله أبو البقاء ، وقيل : إنها بمعنى
إذا الظرفية للمستقبل(8/171)
ج8ص172
الشرطية كما في قوله : { إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ } [ سورة غافر ، الآية : 71 ] وتفصيله في المغني أو هي بمعنى أن الشرطية ، والفرق بينها وبين إذا معروف. قوله : ( فلا تفزطوا في أدائهما ) في الكشاف فلا تفرطوا في الصلاة ، والزكاة وسائر الطاعات وفي قوله : سائر الطاعات إشارة إلى أنّ الصلاة ، والزكاة لجمعهما بين العبادة البدنية ، والمالية أريد بهما جميع الطاعات ، والعبادات كما مرّ ، وترك المصنف رحمه الله له لأنّ قوله بعده ، وأطيعوا الخ. مغن عنه ، ويحتمل أن يكون تفسيراً له أيضا ، وهو الظاهر قيل وهو إشارة إلى أنّ قوله : فأقيموا الخ جواب إذ لأنها بمعنى إذا أو أن ، وقال : لا تفرّطوا لأنّ الإقامة توفيه حقها ، وادامتها لا مجرّد إيقاعها ، ولذا مدح بالإقامة فيما حث الله على توفية حقه كأقاموا الصلاة ، وأقاموا التوراة والإنجيل وأقيموا الوزن وردّ بأنّ تشريكه في الكشاف بينهما ، وبين سائر الطاعات ، وقول المصنف رحمه الله تعالى في أدائهما بضمير التثنية يأباه إذ الإقامة مذكورة في الصلاة خاصة فتفسيره بالمنع عن التفريط إنما هو لما يلزمه من تحصيل الحاصل إذ المأمور مقيم للصلاة مؤدّ للزكاة فلذا أوّل الأمر بترك التقصير ، والأدأء وقد يجاب عنه بأنه توجيه لما في النظم من العدول عن صلوا وزكوا الأخصر الأظهر بأنه أمر برعاية حقوقهما لا بأصل الفعل وبينه في الإقامة لأنه أظهر ويعلم منه الإيتاء لأنه وإن كان معناه لغة الإعطاء إلا أنه خص في القرآن بدفع الصدقة كما قاله الراغب فهو الإعطاء على وجه مقبول ، وفيه نظر ، وقيل : إنّ فيه إشعاراً بتسببه عن قوله : فإذ لم تفعلوا كأنه قيل فلما قصرتم في ذاك فلا تقصروا في هذا وعدم التفريط إنما أخذ من التفريع على السابق لأنّ فيه نوع تفسير وأورد عليه ما مرّ ، وفيه ما فيه فتدبر ، وأمّا كون التفريع على ترك الفعل لا على التقصير فيرده أنّ ترك الفعل عين التقصير فليس بشيء ، وقوله : ظاهرا وباطناً مرّ تفسيره. قوله : ( والوا ) أي صادقوهم ، واتخذوهم أولياء فوادّوهم ، وهم أعداء الدين ، ومته أخذ الرازي رحمه الله كراهة نكاح الكتابيات ، وقوله : ما هم الخ ضمير الغيبة الأوّل للذين تولوا والثاني راجع لقوله : قوما ، وفي قوله : ألم تر تلوين للخطاب بصرفه عن المؤمنين إلى الرسول وكذا في قوله : منكم فإن كان غلب فيه خطاب الرسول فلا التفات فيه وكذا إن لم يغلب لأنه ليس فيه مخالفة لمقتضى الظاهر لسبق خطابهم قبله فمن قال فيه التفات لم يصب ، وقد قيل : إنه على رأي السكاكي وفيه نظر وجملة ما هم الخ. استئناف لا حال من فاعل تولوا لعدم الواو 4 وكونه بمعنى مذبذبين لا يفيد كما مرّ في الأعراف ويحلفون الخ عطف على هذه الجملة أو على
تولوا ، والمضارع لتعدّد الحلف فتأمّل. قوله : ) وفي هذا التقييد دليل الخ ) أي تقييده بقوله : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فيرد به مذهب النظام ، والجاحظ إذ على مذهبهما لا حاجة إليه ، وفيه بحث لأنه يجوز أن يراد بالكذب ما خالف اعتقادهم ، وقوله : وهم يعلمون بمعنى يعلمون خلافه فيكون جملة حالية مؤكدة لا مقيدة وكون التأسيس أصلا لا يعينه. قوله : ( وروي ) معطوف على ما قبله بحسب المعنى كعطف القصة على القصة لا على قوله ، وهو ادعاء الإسلام كما قيل ، والكذب المحلوف عليه عدم شتمهم له مج!ه ، وقوله : كمن يحلف الخ لما كان حلفهم على الحال ، والغموس على الماضي لم يجعلها غموساً وشبهها به ، وأما قوله : عبد الفه بن نبتل فهو بفتح النون ، وسكون الباء الموحدة ، وبعدها تاء مثناة من فوق ولام ، وهو كما في الإصابة عبد القه بن نبتل بن الحرث بن قيس إلى آخر نسبه أنصاريّ أوسيّ ، وذكره ابن الكلبي والبلادري في المنافقين ، وذكره أبو عبيد في الصحابة قال ابن حجر : فيحتمل أنه اطلع على أنه تاب ، وأمّا الحديث المذكور هنا فقال إنه لم يقف عليه في كتب الحديث ، وأمّا قوله : في القاموس عبد القه بن نبيل كأمير من المنافقين فلا أدري أهو هذا ، واختلف في ضبط اسمه أو غيره. قوله : ( تشتمني أنت وأصحابك ) قيل فيه تغليب وليس من التغليب المعروف بل هو من قبيل : { اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ } [ سورة البقرة ، الآية : 35 ] وفيه كلام لا يسعه هذا المقام ، وقوله : نوعا من العذاب متفاقما إشارة إلى أنّ التنوين للنوع ومتفاقما بمعنى عظيم شدّته. قوله : ( فتمزنوا ) أ! اتخذوه عادة ، والفاء للتفسير لأنّ كان تفيد في مثله التكرار ، وأنه معتاد لهم أو الفاء للتفريع إمّا باعتبار المجموع أو لأنّ التمزن وهو كونه صار جبلة لهم لا يفارقونها غير التكرار فلا وجه لما قيل من أنه لو حذفها كان أظهر وقوله ، وقرئ بالكسر هي قراءة شاذة منسوبة للحسن ، والعامّة قرؤ. بالفتح جمع يمين بمعنى القسم ، وقوله(8/172)
ج8ص173
الذي أظهروه لأنهم منافقون. قوله : ( فصدّوا الناس ) إشارة إلى أنه متعد مفعوله محذوف ، وهو الناس وقوله : في خلال أمنهم الضمير إمّا للمنافقين أو للناس لأنهم إنما يأتون ، وهؤلاء
إنما يصدون في زمان الأمن واطمئنان المسلمين لكون النبيّ لمجت ليس مجاهدا ، وقيل : إنه إشارة إلى أنّ المؤمن كسالك طريقاً لمقصوده آمنا ، والتحريش الإغراء ، والمراد إغراؤهم على المؤمنين لأذاهم ، والتثبيط التعويق عن الدخول في الإسلام لمن أراده بتنفيره عنه ، وقوله : وهذا عذاب الآخرة بقرينة ، وصفه بالإهانة المقتضية للظهور فلا تكرار حينئذ ، وقوله : سبق مثله يعني في سورة آل عمران ، وقد سبق الكلام عليه أيضاً فمن أراده فلينظر.. قوله : ( يوم يبعثهم الله الخ ) تقدّم الكلام عليه ، وقوله : تروج الكذب على الله بناء على جواز الكذب منهم في الآخرة وقد سبق الكلام فيه ، وقوله : البالغون الخ أخذه من أن وتعريف الطرفين ، واسمية الضمير المصدّر بإلا ، وقوله : يحلفون عليه أي على الكذب له تعالى. قوله : ( استولى عليهم ) أي غلب على عقولهم بوسوسته ، وتزيينه حتى اتبعوه فكان مستوليا عليهم ، وقوله : من حذت الإبل ، وأحذتها بالذال فيهما يعني أنه في الأصل بمعنى السوق ، والجمع ثم أطلق على الاستيلاء ، وورد من الثلاثي ، والأفعال بمعنى كما في القاموس الحوذ الحوط ، والسوق السريع كالأحواذ اهـ ، ومن قال فيه إنه حذتها ، وحزتها على أن الأوّل بالذال ، والثاني بالزاي ، والاشتقاق منه أكبر لم يصب ، وفي بعض النسخ حذتها ، وحذتها كقلتها رخفتها إشارة إلى أنّ ثلاثيه ورد من بابين كما ذكره الزجاج ، وهو أقرب إلى الصواب مما غرّه ، وأوقعه فيه غلط الكتاب. قوله : ( وهو ) أي استحوذ مما جاء على الأصل في عدم إعلاله على القياس إذ قياسه استحاذ كما سمع فيه قليلا فجاء مخالفا للقياس كاستنوق ، وأخواته وإن وافق الاستعمال المشهور فيه ، ولذا لم يخل استعماله بالفصاحة كما في شروح التلخيص ، وقوله : لا يذكرونه الخ. فعدم الذكر اللساني كناية عن لازمه القلبي فلا يرد عليه أنّ الذكر باللسان غير الذكر بالجنان فكيف يراد اًن بلفظ واحد مع أنّ الخطب فيه يسير ، وقوله : لأنهم فوتوا الخ. يعني أنّ الحصر لأن ما عداه كلا خسر لما ذكره ،
وقوله : في جملة الخ يعني أنهم معدودون منهم ، وهذا أبلغ من أولئك أذلون كما مرّ تحقيقه ، وقوله : أذل خلق الله لأنّ تقديره أذل من كل شيء ذليل لاقتضاء مقام الذم العموم. قوله : ( بالحجة ) إنما قيد. به ، ولم يقل وبالسيف لاطراد غلبة الحجة ، وقوّتها بخلافه فإنّ الحرب سجال ، ولو قدّر. لم يتخلف أبدا فيلزم الخلف هنا في خبره تعالى ، وقوله : لا ينبغي أن تجدهم الخ. يعني أنّ المراد من نفي وجدانه لهؤلاء أنه لا يليق به ذلك الوجدان لأنّ المودّة والوجدان قد وقعا فلو أبقى على ظاهره لزم الكذب فيه إلا أن يراد لا تجد قوما كاملي الإيمان على هذه الحال نالنفي حينئذ باق على حقيقته ، ولما كان عدم لياقة فعل الغير به مما لا وجه له أوّل هذا بأنه لا ينبغي لهم أن يوادّوهم فهو كناية عما ذكر بواسطة ، وهي أبلغ أو جعل ما لا يليق كالعدم لمشاركته له في عدم الاعتداد به ، وقوله : وادّين إشارة إلى أنّ المضارع لحكاية الحال الماضية ، وأنه مما صدر عنهم ، وثبت لا مما يثبت في المستقبل. قوله : ( ولو كان المحادّون الخ ) يعني ليس المراد بمن ذكر خصوصهم ، وأنما المراد الأقرب مطلقاً لكه قدم الآباء لأنه يجب طاعتهم على أبنائهم ، وثني بالأبناء لأنهم أعلق بهم لكونهم أكبادهم ، وثلث بالإخوان لأنهم الناصرون لهم ، وختم بالعشيرة لأنّ الاعتماد عليهم. قوله : ( أثبته فيها الخ ا لما كان الشيء يراد أوّلاً ثم يقال ، ثم يكتب عبر عن المبدأ بالمنتهى للتأكيد ، والمبالغة فيه ، وقوله. فإنّ جزء الثابت في القلب الخ هو بديهيّ غير محتاج إلى ترتيب قياس من الشكل الثاني كما قيل. قوله : ( من عند الله ) فمن ابتدائية داخلة على الفاعل الموجد له إذا ابتداؤ. منه ، ونور القلب ما سماه الأطباء روحا ، وهو الشعاع اللطيف المتكوّن في القلب ، وبه الإدراك فالروح حقيقة على هذا ، وإن أريد به القرآن ، وما بعد. فهو استعارة تصريحية ، وقوله : فانه سبب لحياة القلب إشارة إلى أنّ الروح على هذا بمعنى الإيمان ، وأنه على التجريد البديعي فمن بيانية أو ابتدائية على
الخلاف فيها ، وقوله : بخير الدارين من الإطلاق المفيد للعموم ، وقوله : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم هو موضوع اللهمّ اجعلنا ممن كتبته في حزبك المفلحين ببركة القرآن المبين(8/173)
ج8ص174
وببركة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وصحبه أجمعين.
سورة الحشر
وتسمى سورة النضير لما سيأتي وهي مدنية ، وآيها أربع ، وعشرون بلا خلاف.
بسم الله الرحمن الرحبم
قوله : ( روي الخ ) هذا الحديث أصله في السير إلا أنه ليس بهذا اللفظ قال ابن حجر :
لم يوجد مسنداً في كتب الحديث المعتبرة ، وفيه مخالفة لما ثبت في الرواية كما سنبينه لك ، وبنو النضير بوزن أمير قوم من يهود خيبر معروفون ، وكذا بنو قريظة وهم من نسل هارون وجدّهم كان كاهناً ، ولذا لقب الحيان بالكاهنين ، وقيل : إنهم نزلوا في فتنة من بني إسرائيل ثمة لانتظار بعثة النبيّ في لتبشير كاهنهم به ، وقوله : ظهر بمعنى غلب ، وانتشر صيته ، وقوله : ارتابوا أي في كونه إياه ، وقوله ة نكثوا أي نقضوا صلحه ، وكعب بن الأشرف رجل من بني نبهان من طيئ ، وأمّه من بني النضير ، وكان شاعراً أكثر من أذية المسلمين ، وهجائهم والإغراء بهم ، ولذا أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقتله ، ومحالفة أبي سفيان على اتحادهم في محاربته وأضراره وأخو كعب رضاعاً ليس هو محمد بن مسلمة بفتح الميم الأنصاريّ كما توهم بل هو سلكان بن سلامة بن وقشي ، وهو أحد الخمسة الذين باشروا قتله كما فصله ابن سيد الناس في سيرته ، والغيلة بكسر الغين المعجمة قتل الرجل بحيلة ، وخدعة يخفيها ، ويظهر أنه لا يريد قتله. قوله : ( ثم صيحهم بالكتائب الخ ) ظاهره أنه عقب قتل كعب ، وليس كذلك فإنّ قتل كعب كان قبل أحد ، وهذا بعدها بأشهر على ما فصل في السير ، والحيرة بكسر الحاء المهملة اسم بلدة معروفة. قوله : ( في أوّل حشرهم من جزيرة العرب الخ ) أي إخراجهم منها ، وهو إشارة إلى أنّ اللام في قوله : لأوّل الحشر لام التوقيت كالتي في قولهم كتبته لعشر خلون ، ونحوه ومآلها إلى
معنى في الظرفية لكنهم لم يقولوا إنها بمعنى في إشارة إلى أنقا لم تخرح عن أصل معناها ، وأنها للاختصاص لأنّ ما وقع في وقت اختص به دون غيره من الأوقات ، ويل : إنها للتعليل ، وقوله : من جزيرة العرب الخ. هذا قيد لبيان الواقع لا للاحتراز حتى يتوهم أنّ لهم حشراً من غيرها كحشرهم من الشام إلى أرض العرب فيعترض عليه بأنه كان باختيارهم ، والأول مقابل للآخر لأنه أوّل إخراج وقع لهم في الإسلام أو لا يلزم أنّ تعتبو فيه المقابلة ، وجزيرة العرب معظم ديارهم المعروفة من اليمن إلى الشام ، والعراق ، وسميت جزيرة لأنها بين البحر الهندي ، وبحر الثأم ، ودجلة والفرات ، وتعيينها مذكور في تحديد البلدان ، وتقويم الأقاليم. قوله : ( إذ لم يصبهم هذا الخ ) توجيه لكونه أوّل ، وقوله : أو في أول حشرهم للقتال فالمراد بالحشر جمع أهل الكتاب للمقاتلة مع المسلمين فإنهم لم يجتمعوا له قبله ، وهذا إمّا بناء على وقوع قتال منهم أو جمعهم له ، وتهيؤهم لا يلزمه الوقوع فلا ينافي قوله : وقذف في قلوبهم الرعب ، وما في الكشاف من أنّ المراد حشر الرسول ، والمؤمنين لقتالهم لأنه أوّل قتال للمسلمين مع أهل الكتاب فوجه آخر تركه المصنف رحمه الله لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعزم على القتال ، ولذا ركب حماراً مخطوما بليف لعدم المبالاة بهم فلا وجه لما قيل إنه الظاهر فتدبر. قوله : ( أو الجلاء إلى الشام ) هذا بناء على أنه لم يقع منهم قتال ، وقيل : إنه اعتبر الأوّلية ، والآخرية بالنسبة إلى منتهى الجلاء ، ويمكن اعتبار مبدئه من أرض العرب ، وفيه نظر ، وقوله : هناك يعني بالشام فإنها أرض المحشر كما روي عن عكرمة وغيره ، وفاعل يدركهم ضمير القيام. قوله : ( أو في أوّل حشر الناس ) فتعريف الحشر على هذا للجنس ، وعلى ما قبله للعهد واعتبار خصوص المحشورين ، وقوله : أو إنّ ناراً الخ هو من أشراط الساعة ، وهذا بيان لآخر حشرهم فهو معطوف على قوله : إنهم يحشرون ، وأوّله حينئذ حشر الناس من غير تعيين لكن المقصود به ما مرّ أيضاً فتأمّل. قوله : ( إخراج جمع ) سواء كان من الناس لحرب أو لا فالمشروط فيه كون
.
المحشور جمعا من ذوي الأرواح لا غير ، وقوله : منعتهم بفتحتين مصدر أو جمع مانع كما مرّ وقوله ، وظنوا الخ. أي ظنا قويا بقرينة السياق لا لأنّ أن إنما يعمل فيها ما يدل على علم أو يقين كما توهم مع(8/174)
ج8ص175
أنه من التزام ما لا يلزم ، وقوله : من بأس الله ففيه مضاف مقدر. قوله : ( وتغيير النظم الخ ) أي كان الظاهر أن يقال : ظنوا أنّ حصونهم مانعتهم أو تمنعهم فعبر عما ذكر لما ذكر ، وهذا بناء على أنّ مانعتهم خبر مقدم وحصونهم مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر أنّ ، وفيه وجوه أخر ستأتي ، وقوله : للدلالة الخ يعني لما في التقديم من الاختصاص ، وما في نصب ضميرهم اسماً لأنّ من التقوّى تأتي الدلالة على ما ذكر كما قيل ، وفيه نظر فإن قلت كيف دل أنهم مانعتهم حصونهم على التقوّي ، وليس كزيد عرف في تكرّر الإسناد قلت : تكرر الإسناد كما يكون بتكرّر المسند إليه يكون بغيره كما تحوّل ضربت زيدا لزيداً ضربت ، ثم تقول زيد ضربته قال ابن جني : قدّموا المفعول لأنه المقصود فاعتنوا به ، ولم يقنعوا بذلك حتى أزالوه عن الفضلة ، وجعلوه رب الجملة فرفعو. بالابتداء وصيروا جملة ضربته ذيلاً له ، وفضلة ملحقة به كذا قال الشارح الطيبي : وهو مخالف للمنقول ، والمعقول أمّا الأوّل فلأن السكاكي ، والخطيب اشترطوا فيه أن يكون فاعلا معنويا ، وأما الثاني فلأنّ زيداً لم يتكرر الإسناد إليه في مثاله إلا أن يراد بالإسناد النسبة ، ولم يجدي نفعاً ، وما ذكره من كلام ابن جني لا يفيده أصلاً فتأمّل. قوله : ( ويجورّ أن تكون حصونهم فاعلاَ لمانعتهم ا لاعتماده على المبتدأ وقد كان خبرا مقدماً ولم يذكر كونه مبتدأ خبره حصونهم لما فيه من الأخبار عن النكرة بالمعرفة إن كانت إضافته لفظية ، والا بان يقصد استمرإر المنع فلأنّ المعنى ليس عليه ، وكون هذا الوجه أقوى بحسب العربية غير مسلم ، وأما تقدّم الخبر المشتق على المبتدأ المحتمل للفاعلية فلا يمتنع كالفعل ، وقد صرّج به النحاة ، والخلاف في مثله لا يلتفت إليه وتفصيل المسألة في حواشي التسهيل. قوله : ( أي عذابه الخ ) ففيه مضاف مقدر على الوجهين إمّا العذاب أو النصر ، ومرض الثاني لما فيه من البعد بسبب التفكيك ، وعلى الأخير فالمفعول محذوف لتعديه لاثنين وقوله العذاب أو النصر لف ونشر على الوجهين ، وقوله : لقوّة وثوقهم على الوجه الأوّل هو متعلق بلم يحتسبوا ، ويحتمل أنه على الثاني متعلق بأتاهم فيجري عليهم فتدبر. قوله : ( وأثبت فيها الخوف ) أصل القذف الرمي بقوّة أو من بعيد ، وأما اقتضاؤه لثبوت ما رمى فكأنه من العرف كما في قوله :
لدي أسد شاكي السلاح مقذف
أي رمى بحلم ثبت فيه فليس ذكر القذف مستغنى عنه والرعب الخوف الشديد لأنه يتصوّر فيه أنه ملأ القلب من قولهم رعبت الحوض إذا ملأته ، وقوله : آلاتها جمع آلة ، وهي الخشب والعمد وكل منهما صحيح هنا ، وأما الآلة بالمعنى المعروف فغير مراد هنا. قوله : ( وعطفها على أيديهم الخ ) يعنى أيدي المؤمنين ليست آلة لليهود في تخريبهم لبيوتهم ، وإنما الآلة أيديهم أنفسهم لكن لما كان تخريب أيدي المؤمنين بسبب أمر اليهود كان التخريب بأيدي المؤمنين كأنه صادر عنهم فقوله : يخربون حينئذ إما من الجمع بين الحقيقة ، والمجاز أو من عموم المجاز كما لا يخفى ، وقوله : نكاية أي فعل المؤمنين لأجل النكاية ، وهي فعل ما يغيظهم أشدّ الغيظ ، وقوله : عن بغضهم الضمير لليهود أي صادر عن عداوتهم للمؤمنين. قوله : ( أو تفسير للرعب ) فالجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب ، وعلى الحالية من ضمير قلوبهم هي في محل نصب ، ويجوز أن تكون مستأنفة جواباً عن سؤال تقديره فما حالهم بعد الرعب أو معه ، والتفسير باذء ، ء الاتحاد لأنّ ما فعلوه يدل على رعبهم إذ لولا خوفهم ما خرّبوها فلا غبار عليه كما يتوهم ، وقوله : التكثير في الفعل أو المفعول ، ويجوز أن يكون في الفاعل ، وقوله : التعطيل الخ فهو ما يكون بعد الهدم فيكون الإخراب أثر التخريب. قوله : ( فلا تغدروا ) كما غدر بنو النضير ، ولا تعتمدوا على غير الله كما اعتمد هؤلاء على حصونهم إشارة لوجه تفرّعه على ما قبله ، وقوله : استدل به المستدل به أكثر أهل الأصول كما هو مسطور فيها حيث قالوا : إنا مكلفون بالقياس سمعا لهذه الآية فإنا أمرنا بالاعتبار ، والاعتبار ردّ الشيء إلى نظيره بأن يحكم عليه بحكمه ، ولذا سمي الأصل الذي تردّ إليه النظائر عبرة ، وهذا يشمل الاتعاظ ، والقياس العقلي والشرعي ، وسوق الآية للاتعاظ فتدل عليه عبارة وعلى القياس إشارة فلا ينافي كونه دليلاَ على حجية القياس قوله : فاتعظوا ، واليه أشار بقوله : من حيث إنه الخ ، وفي التعبير بالمجاوزة إشارة إلى أنّ الاعتبار من العبور والحال الأولى هي حال الشيء الذي صار عبرة كحال بني النضير في غدرهم ، واعتمادهم على غير الله(8/175)
ج8ص176
الصائرة سبباً لتخريب بلدانهم ، ومفارقة أوطانهم فيتجاوز من هذه الحال إلى حال أخرى وهي حال المعتبر المتعظ إذا غدر فإنها تفضي به إلى نية ما أفضت الحال الأولى ، وقوله : وحملها بالجرّ معطوف على المجاوزة والضمير لحال الثانية ، وقوله : عليها الضمير لحال الأولى ، وقوله : في حكم هو
العقاب المترتب على الغدر ، وقوله : من المشاركة أي في جنس النوعين ، وضمير له للحكم المذكور ، والمراد بالكتب الأصولية المنهاج ومتعلقاته. قوله تعالى : ( { وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ } الخ ) أن مصدرية لا مخففة ، واسمها ضمير شان كما توهم ، وقد صرّح به الرضي ، وقوله : في الكشاف إنه كتب الخ تصوير للمعنى ، وهو الذي غر من قال بعدم المصدرية هنا وقوله : استئناف لم يجعلها حالية لأنها تحتاج للتأويل لعدم المقارنة ، وقوله : حاق بهم أي نزل بهم وهو الجلاء والتخريب ، وما هو معد لهم عذاب الآخرة. قوله : ( من نخلة ) فهي أي اللينة بمعنى النخلة مطلقاً وهو أحد الأقوال فيها ، وقيل الفحل منها ، وقيل : ما عدا العجوة والبرنية ، وهما أجوده ، وقيل : أجوده مطلقاً ومعناه النخلة الكريمة ، وقطع الكريمة لغيظهم ، وقطع غيرها لإبقاء الأحسن للمسلمين ، ولذا جعل القطع ، والترك جاريا على وفق مراد الله ، وقد صرّح به في الأثر ، وقوله : وجمعها أليان ، وفي نسخة ليان فعال ، وعليه قوله :
وسالفة كسحوق الليان أضرّم فيه القوي السعر
وفي أخرى لين كما في الكشاف. قوله : ( الضمير لما ) وهي اسم شرط هنا كما صرّح به المعربون كما أشار إليه المصنف فأيّ في كلامه شرطية لا موصولة كما قيل ، ولذا قدر الزمخشريّ فقطعها لإذن الله ليكون الجواب جملة ، وقوله : وقرى أصلها يعني بضمتين ، وأصله أصولها أو هو كرهن بضمتين من غير حذف وتخفيف ، وقوله : فبأمره فالإذن مجاز عن الأمر ، وقد يجعل مجازا عن الإرادة ، والمشيئة كما مر ، والمراد بأمر الله ظاهره أو أمر الرسول بأمر الله. قوله : ( أي وفعلتم أو وأذن لكم في القطع ) تقدم الكلام في أمثاله ، وأنه يقدر له متعلق معلل معطوف على ما قبله أو يحذف علة ما قبله ويعطف هذا عليه فالتقدير ما ذكره أو فب!ذن الله ليعز المؤمنين وينصرهم ، ويجوز أن يعطف على قوله بإذن الله إذ تعطف العلة على السبب كما ذهب إليه الزمخشري في قوله : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } [ سورة آل عمران ، الآية : 66 ا ] فلا حاجة إلى الحذف فيه كما مر ومفعول فعلتم مقدّر بقرينة ما بعده أي فعلتم القطع أو يجعل عاما أي كل ما فعلتم ، وتخصيص الأذن بالقطع لأنّ
الإخزاء فيه أظهر ، وقوله : بإذن الله متعلق بكلا الفعلين من القطع ، والترك لا بالقطع وحده كما في الكشاف قال في الانتصاف الظاهر أن الأذن عامّ في القطع ، والترك لأنه جواب الثرط المضمن لهما جميعا ويكون التعليل بإخزاء الفا- سقيبن لهما جميعا فإنّ القطع يخزيهم بذهابها ، والترك يخزيهم ببقائها للمسلمين. قوله : ( على فسقهم ) لأنّ التعليق بالمشتق يقتضي أنّ مأخذ الاشتقاق عله للحكم كما تقرّر في الأصول ، وقوله : ليخزيهم إشارة إلى أنه من وضع الظاهر موضع المضمر لما ذكر ، وقوله : واستدل به ال!خ أي استدل الفقهاء بهذه الآية ، وهذه القصة ، وفيه تفصيل في كتب الفقه ، والحاصل أنه إن علم بقاؤها في يد أهل الحرب فالتخريب والتحرلق أولى ، والا فالإبقاء أولى ما لم يتضمن مصلحة. قوله : ( فما بال قطع النخل وتحريقيا ) لم يتعرّض في النظم للتحريق لأنه في معنى القطع فاكتفى به عنه ، وأما التعرض للترك مع أنه ليس بفساد فلتقرير عدم كون القطع. فسادا لنظمه في سلك ما ليس بفساد إيذانا بتساويهما قي عدم الإفساد ، ومن لم يقف على ما فيه من المزية قال الترك يصدق ببقائها مغروسة أو مقطوعة ، ولذا قال قائمة ، ولم يدر أن العطف بأو يأباه ، ولما ذكرناه من نكتة التعرض للترك قدره الزمخشريّ فقطعها بإذن الله فخصى القطع بالذكر مع وجوب كون المحذوف صن الجزاء عبارة عن القطع ، والترك كليهما لتضمن الشرط لهما للإشعار بأنه المقصود بالييان والتعرّض للترك إنما هو لنكتة سنية تناسب المقام ذهبت على من قال ما قال ، وماذا بعد الحق ، إلا الضلال. قنوله : ( وما أعاده عليه الخ ) فالفيء ، والغيئة الرجوع إلى حالة محمودة قاله تعالى : { فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } [ سورة الحجرات ، الآية : 9 ] ومنه فاء الظل ، والفيء لا يقال إلا للراجع منه ، وقيل : للغنيمة التي لا يلحقها مشقة فيء قال بعضهم تشبيهاً له بالظل لأنه عرضى زائل قاله الراغب ، والمصنف أشار بقوله : أعاده الخ إلى أنه إمّا بمعنى الصيرورة أو بمعنى الرد(8/176)
ج8ص177
لما ذكره ، وهو معنى آخر غير ما ذكره الراغب ، وأشاو بقوله ، وما أعاده إلى أت ما موصولة ، ويجوز كونها شرطية فما أوجفتم الخ خبر أو جواب وردّه معطوف على صيره ، وتعديته بعلى لما فيه من معنى الردّ أو إبقاء له على أصله فلا تكلف فيه عليهما كما قيل. قوله : ( فهو جدير بأن يكون للمطيعين ) ظاهره أنه غير مخصوص به صلى الله عليه وسلم كما قيل ، ومن
خصه به قال هو رأس المطيعين فهو أحق به فتأمّل. قوله : ( او من الكفرة الخ ) المراد مطلق الكفرة يعني بني النضير ، وغيرهم أو المراد ما عدا بني النضير بناء على أنّ أموالهم كانت صفيا خالصاً له صلى الله عليه وسلم من غير تخميس لكنه يتصرف فيها ما يشاء ، وما عداها يخمس ، وقيل : إنّ الغنائم كانت محرّمة على الأمم قبلنا ثم أحلت للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة ، ثم نسخ ذلك بالتخميس ، وفي الأحاديث الصحيحة ما يؤيده ، ومن في قوله من خيل مقحمة صلة هنا ، وقوله : فما أجريتم الخ. فالمراد ما حصل بلا قتال وقوله : كما غلب الراكب الخ. فلا يقال : راكب لمن كان على فرس أو حمار ، ونحوه بل يقال : فارس ، ونحوه وهذا باعتبار الأكثر الفصيح ، وهو عام لغير. وضعاً. قوله : ( وذلك ) أي عدم أعمال الخيل ، والركاب لأنها كانت قريبة جدّاً من المدينة ، ولم يقع فيها من القتال إلا شيء يسير لم يعتدى به فجعل هو ، والمحاصرة كالعدم ، وقوله : ولذلك أي لقربها من المدينة ، وعدم القتال الشديد فيها لم يعط الأنصار لأنهم أهل المدينة في الحقيقة فلا مشقة عليهم في ذلك أصلاً ، وأمّا المهاجرون فلكونهم غرباء نزلت غربتهم منزلة السفر ، والجهاد. قوله : ( إلا ثلانة كانت بهم حاجة ( أي كانوا فقراء فيهم احتياح شديد فخصهم بما أعطاهم ، والثلاثة كما في الكشاف أبو دجانة سماك وسهل بن حنيف ، والحرث بن الصمة ، والذي في السير كما في سيرة ابن سيد الناس أنهما اثنان بدون ذكر الحرث ، وأنه أعطى سعد بن معاذ سيفاً لابن أبي الحقيق كان له ذكر عندهم. قوله : ( بقذف الرعب في قلوبهم ) خصه لأنّ ذكره عقب كونه ليس بأعمال المراكب ، والقتال اقتضى ذلك ، وقوله : بالوسايط الظاهرة كالجنود والقتال ، وغير الظاهرة كالرعب ، وقوله : بيان للأوّل أي لقوله : { مِمَّا أَفَاء اللَّهُ } السابق ، ولكونه بيانا له لم يعطف عليه لثذة الاتصال بينهما كما تقرّر في المعاني فلا حاجة إلى جعله معطوفا عليه بترك العاطف كما قيل لأنه مخالف للقياس لا يرتكب مثله من غير ضرورة داعية له. قوله : ( لظاهر الآية ) التي نحن فيها إذ ذكر فيها ستة وصرفه سهم
الله لما ذكر لشذة اختصاصها بالله ، وصرفها إلى العساكر هو الأصح عند الشافعية ، وقوله : والآن على الخلاف المذكور يعني في التخميس كما ذكره المصنف آنفاً ، وفي نسخة على خلاف المذكور يعني أخيرا لأنه للغزاة ، والعساكر. قوله : ( أي الفيء ) فالضمير راجع على مصدر ما أفاء ، وقوله : حقه أن يكون للفقراء مأخوذ من السياق ، وتعليل التقسيم بنفي دولة الأغنياء ، وقوله : ويدور الخ تفسير لقوله يتداوله الأغنياء ، وقوله : كما كان في الجاهلية من أخذ الرؤساء ، والأغنياء الغنائم دون الفقراء ، وهو معمول ليتداول أو يدور أو ليكون في النظم ، وق!وله : وقرئ دولة أي بالفتح ، وقوله : ذا تداول لأنه مصدر ومثله يقدر فيه المضاف إن لم يتجوّز فيه ولم يقصد المبالغة. قوله : ( أو أخذه غلبة تكون بينهم ) تفسير آخر للدولة معطوف على قوله : ما يتداوله فالدولة إما الأموال الدائرة بينهم أو أخذة القهر والغلبة ، وقوله : أي كيلا يقع دولة جاهلية تفسير لقوله : بين الأغنياء منكم كما مر. قوله : ( وما أعطاكم من الفيء ) فآني بالمد بمعنى أعطى ، والمراد ما أعطى من الفيء لأنّ المقام يعينه ، ويخصه به وقال الراغب الإيتاء مخصوص بدفع الصدقة في القرآن ، ولذا قدمه المصنف فليس ما بعده أولى كما توهم ، وقوله : أو من الأمر واحد الأمور فيعم الفيء ، وغيره أو الأوامر لمقابلة قوله ، وما نهاكم له لكن الأوّل أقرب لأنه لا يقال أعطاه الأمر بمعنى أمره إلا بتكلف كما لا يخفى إلا أنّ ما بعده من قوله : واجب الإطاعة يقتضي أنّ الثاني هو المراد. قوله : ( لأنه حلال لكم ا لف ، ونشر مرتب فهذا على أنّ المراد بما آتاهم الفيء ، وقوله : فتمسكوا به على أنّ المراد الأمر ، وكذا قوله عن أخذه الخ ، والعجب ممن ذكر هذا هنا مع تفسير الأمر بما مر فلا يخفى ما فيه من التخليط. قوله : ( بدل من لذي القربى الخ ا لا من الجميع فإنّ الرسول لا يسمى فقيرا ، وقوله : { وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } بعده يأبى دخوله فيهم أيضاً إباء ظاهراً ، وما اشتهر من قوله صلى الله عليه وسلم :
" لفقر فخري " ( 11 لا أصل له ، وكيف يتوهم مثله- ، والدنيا(8/177)
ج8ص178
كلها لا تساوي جناج بعوضه عند الله وهو أحب خلقه إليه حتى قال بعض العارفين : ولا يقال له صلى الله عليه وسلم زاهد لأنه تارك الدنيا ، وهو لا يتوج!ه إبحا!فضلاً عن طلبها اللازم لمحلترك فعليك بإمعان النظر في علوّ فقامه صلى الله عليه وسلم ، وما خصه الله به من إكرامه. قوله : ( ومن أعطى- أغنياء ذوي القربى ) كالشافعي وقوله : خصص الأبدال الخ لأنهم لا يشترط فيهم الفقر عنده أو يخص؟ الفيء المذكور!نا بفيء بني النضير ، وهو لم يعط الأغنياء منه مطلقاً وأبو حنيفة اشترط الفقر في ذوي القربى فجعله بدلاً منه وتفصيله في الأصول- وكتب الفزوع ، وشروح الكشاف مخانظبره ، وقوله : وأخذوا أمبرالهم إشارة إلى أنّ قوله ، وأموالهم كقوله : { تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ } [ سورة الحشر ، الآية : 9 ] وقوله : مقيدة لإخراجهم إشارة إلى أنه حال من نائب الفاعل ، وما يوجب تفخيم شأنهم لأنّ مفارقة الديار ، والأموال تقتضي الحزن ، واليأس ، وهذا يقتضي توكلهم التام ، والرضا بما قدره الله. قوله : ( الذين ظهر صدقهم الخ ) تصحيح للحصر الذي يدل عليه توسط الفصل ، وتعريف الخبر بأنّ المراد من ظهر صدقهم في إيمانهم لأنّ ابتغاء الفضل ، والرضوان مع الإخراج من الأموال ، والأوطان مما يظهر إيمانهم ظهوراً ليس لغيرهم ممن صدق ، وآمن. قوله : ( عطف على المهاجرين ) لاشتراكهم في أنهم يعطون من الفيء لفقرهم ، .واستحقاقهم ، وقوله : والمراد بهم أي بالذين تبوّؤوا ، وقوله : لزموا المدينة الخ إشارة إلى أنّ التبوّأ الترك في المكان ، ومنه المباءة للمنزل فنسبه إلى الإيمان لأنه مجاز مرسل لاهتعماله في لازم معناه ، وهو اللزوم والتمكن فيهما فالمعنى لزموا الدار ، والإيمان ، وتمكنوا فيهما ، ولو قال أو تمكنوا فيهما كان وجها آخر على تنزيلى الإيمان منزلة المكان الذي يتمكن فيه على أنه استعارة بالكناية ، ويثبت له التبوّأ على طريق التخييل ولفظ التمكن لأخذه من المكان أنسب حينئذ وفيه تورية ولطف هنا. قوله : ( وقيل المعنى الخ ) مرضه لما فيه من التكلف مع أنّ دار الهجرة ، ودار الإيمان متحدة حينئذ ،
وفي تعويض اللام تكلف آخر يغني عنه كون التعريف للعهد ، وقوله : وأخلصوا الإيمان بأن يقدر للثاني عامل معطوف على عامل الأوّل ، وهو أحد الوجو. المذكورة في أمثاله. قوله : ( وقيل سمي المدينة بالإيمان ) مجازا مرسلا لإطلاق اسم الحال على محله أو تسمية محل ظهور الشيء باسمه ، وهما متقاربان ، والوجوه أربعة لأنه إما بالتقدير أو بدونه ، والإيمان إما على حقيقته أو مجاز. ، ولو نظرت إلى التبوّي زادت الوجوه ، والتفصيل في شروح الكشاف ، ولا حاجة إلى توسيع دائرته إذ يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق منها ، وقول الطيبي طيب الله ثراه أنهم تمكنوا من الإيمان تمكن المالك في ملكه بلا منازع ، وقد كان المهاجرون بتقية الخوف لم يوجد لهم ذلك التمكن حتى استقروا في دار الهجرة قيل عليه إنّ خوفهم من المشركين على أنفسهم وهو لا ينافي تمكنهم في الإيمان ، وقد كان محققا معه فإما أن يبني على دخول العمل في الإيمان كما مر أو يقال التمكن يكون بالقدرة على التصرف في توابعه ، وروادفه ولم يكن قبل الهجرة ، ولا يخفى أنه غير وارد لأنه مناد على أنّ التمكن عدم المنازع والمعارض لمن أظهره ، وهو أمر آخر غير ما فهمه المعترض فتدبر. قوله : ( لأنها مظهرة ومصيره ) كونها مظهر الإيمان ظاهر ، وأما كونها مصيره أي محل رجوعه فلما ورد في الحديث أن الإيمان في آخر الزمان يرجع إلى المدينة ، ويستقرّ فيها ، وقد ورد أن الدجال لا يدخلها " وأن الإلمان يأرز إليها كما تأرز الحية إلى حجرها ) . قوله : ( من قبل هجرة المهاجرين ا لما كان ظاهر النظم أن الأنصار سبقوا المهاجرين إلى الإيمان ، والأمر بالعكس أوّلوه بوجهين الأوّل أنه بتقدير مضاف فيه كما ذكره المصنف ولا شك أنّ تمكن الأنصار في الإيمان ، والمدينة كان قبل هجرة المهاجرين ، ولا يلزم من سبق إيمانهم على هجرتهم سبق إيمانهم على إيمانهم ، والثاني أنّ فيه تقديماً ، وتأخيرا والتقدير تبوّؤوا الدار من فبلهم ، والإيمان ومرضه لأنّ القلب خلاف الظاهر وليس بمقبول ما لم يتضمن نكتة سرية ، وهذا ليس كذلك ، وأنما يحتاج إلى أحد هذين التأويلين في الوجه الأوّل ، والثالث دون الثاني والرابع وإما أنه يكفي في تقدم المجموع تقدّم بعض أجزائه فغير مسلم ، ولو قيل سبقوهم للتمكن في الدار ، والإيمان لأنهم لم ينازعوا فيه لما أظهروه كان وجها تاماً من غير تقدير ، ولا تقديم ولا تأخير. قوله : ( ولا يثقل عليهم الخ ) يعني أنّ المراد بمحبة(8/178)
ج8ص179
المهاجرين هنا مواساتهم ، وعدم الاستثقال ، والتبرم منهم إذا احتاجوا إليهم فالمحبة كناية عما ذكر كما قيل :
يا أخي واللبيب إن خان دهر يستبين العدوممن يحب
قوله : ( في أنفسهم ) يعني المراد بالوجدان الوجود في الذهن ، والتصور بأن لا يكون ذلك
في أنفسهم لأنها المدركة في الحقيقة فالصدور لكونها مقر القلوب التي بها الإدراك جعل ما في العقل ، والإدراك في الصدور مجازاً. قوله : ( ما تحمل عليه الحاجة ) فالحاجة هنا مجاز عما يتسبب عنها مما ذكر ، وقيل : إنه كناية حيث أطلق لفظ الحاجة على الغليظ ، والحسد والحزازة لأنّ هذه الأشياء لا تنفك عن الحاجة فأطلق اسم اللازم على الملزوم على سبيل الكناية ، وقد قدّمناه أولى من هذا ، وفي الكشاف لا يجدون لا يعلمون في أنفسهم حاجة مما أوتوا أي طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرون من الفيء ، وغيره والمحتاج إليه يسمى حاجة اهـ فسر الحاجة بالمحتاج إليه ، وبينه شيوع الاستعمال ، وجعل من بيانية أو تبعيضية ، وهي على ما ذكره المصنف تعليلية وأضمر الطلب ، والحاصل لا يعلمون في أنفسهم طلب ما أوتي المهاجرون مما يحتاج إليه الأنصار لأنّ الواجدان في النفس إدراك علمي ، وفيه من المبالغة ما ليس في يعلمون ، وفي حذف الطلب فائدة جليلة كأنهم لم يتصوّروا ذلك ، ولا مرّ في خاطرهم أنّ ذلك محتاج إليه حتى تطمح النفس إليه كذا حققه المدقق في الكشف ولكل وجهة وما قيل إنّ مسلك المصنف أولى منه فيه نظر إذ ما ذصب إليه الزمخشري ليس فيه إلا تقدير مضاف ، وهو أبلغ وأنسب بالمقام ، وأوفق لسبب النزول فالمراد بالطلب طلب ما يشق عليهم والحزازة بمعجمتين بعد الحاء المهملة المفتوحة أصله مرض في القلب ، ويكنى به عما يضمره الإنسان من الغيظ ، والعداوة وهو المراد والحسد معروف ، وهو تمني زوال النعمة ، والغبطة تمني مثلها من غير أن تزول وقد يكون مذموماً ، وقوله : نزل عن واحدة الخ أي طلقها ليتزوّجها الآخر ، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم آخى بينهم فكان لكل واحد من المهاجرين أخ من الأنصار كما قال ابن الفارض : نسب أقرب لي من أبوي
رضي الله عنهم أجمعين ، ونفعنا ببركاتهم آمين. قوله : ( من خصائص! البناء الخ ) يعني
أصله الخروق في البناء فكني به عن الاحتياج ثم صار حقيقة فيه ، وقوله تعالى : { وَمَن يُوقَ } الخ أفرد أوّلاً ثم جمع رعاية للفظ من ، ومعناها ، وإيماء إلى قلتهم في الواقع عدداً وكثرتهم معنى :
فالناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنا
قوله : ( هم الذين هاجروا الخ ) فالمراد مجيئهم ، إلى المدينة بعد مدة ، والمجيء حسي ، وقوله : أو التابعون ليس المراد به مصطلح المحدثين ، وهو من لقي الصحابي بل معناه اللغوي ، وهو من جاء بعد الصحابة مطلقاً كما صرّح به بقوله : { هُمُ الْمُؤْمِنُونَ } الخ فالمجيء إما إلى الوجود أو إلى الإيمان ، وجملة يقولون حالية ، والمراد بدعاء اللاحق للسابق ، والخلف للسلف إنهم متبعون لهم أو هو تعليم لهم بأن يدعوا لمن قبلهم ، ويذكروهم بالخير ، وقوله : فحقيق الخ. بيان لارتباطه بما ذيله أتم ارتباط ، وقوله : لإخواننا الخ كأنه لم يؤخره عن قوله : للذين آمنوا لأنه تفسير له ، ولم يقدمه على قوله ، ولا تجعل إيماء إلى أنّ الدعاء للإخوان السابق ذكرهم من غير حاجة إلى قوله : للذين آمنوا وإن وضع فيه الظاهر موضع المضمر لمدحهم بصفة الإيمان ، وبيان لمقتضى الأخوّة فتأمّل. قوله : ( أو الصداقة الخ ) الأوّل على أنّ الأخوّة أخوّة دين ، واعتقاد ، وهو مستعار من أخوّة النسب ، والثاني على أنه بمعنى الصداقة لأنّ الأخ في النسب يجمع على أخوة ، وفي الص!داقة على إخوان في الأكثر. قوله : ( في قتالكم أو خذلائكم ) تفسير لقوله فيكم لأنّ المراد في شانهم ، وما يتفق منه ، وعدم إطاعة الرسول ، والمؤمنين مخالفة أمرهم ، ونهيهم وأمرهم بالقتال ، ونهيهم عن نصرهم ، وهو الخذلان ، وقد ذكر. المصنف تبعاً للزمخشريّ بعد قوله : لا نطيع فيكم ، وهو في محله ومحز. ، ولا سهو فيه كما توهم ، وليس محله بعد قوله : لننصرنكم ، وليس المعنى لا نطيع في ترك موافقتكم في الخروح معكم فإنه زائد بعد قوله : لنخرجن معكم فلا وجه لتكثير السواد بمثله. قوله : ( قإنّ ابن أبئ ) يعني ابن سلول رأس المنافقين ، وقوله : وفيه دليل الخ لما فيه من الأخبار بالغيب ، وهو من أدلة النبوّة وأحد وجوه الإعجاز أيضاً ، وهذا بناء على أنّ السورة نزلت قبل وقعة بني النضير ، وكلام أهل(8/179)
ج8ص180
الحديث والسير يدل على خلافه ، وإن قيل : إنّ النظم دال عليه وفيه نظر.
قوله : ( على الفرض والتقدير ) كما هو مقتضى أن الشرطية ، ولولاه نافي قوله : لا ينصرونهم قبله ، وقوله : أو نفاقهم هذا على أن الضميرين للمنافقين وعلى ما قبله هو لليهود ، وقوله : ضمير الفعلين يعني الضمير الظاهر في قوله : يولن وينصرون ، وكونه مستترا سهو غير مستتر ، وقوله : مصدو الخ لأنّ المؤمنين مرهوب منهم لا راهبون.
قوله : ( فإنهم كانوا يضمرون الخ ) فسكونها في الصدور كناية عن الإضمار ، وقوله : على
ما يظهرونه لا أنه فإنّ كونه أشد من رهبة الله يقتضي أن في نفوسهم رهبة من الله فأشار إلى أنه بناء على ما يظهرونه لا أنه كذلك في نفس الأمر ، ولو أبقى على ظاهره وحقيقته لم يمنع منه مانع- قوله : ( فإن استبطان رهبتكم ( أي إخفاء الخوف منكم سبب لإظهار الخوف من الله ، والإسلام وهو بيان لوجه الأشدية ، وقوله : حتى يخشونه رفعه لوقوعه بعد النفي ، ويجوز نصبه كما وقع في عبارة الزمخشري ، وكلاهما مذهب مشهور للنحاة ، وقوله : بالدروب جمع درب بالدالى المهملة وهو الباب الكبير معرّب در كما قيل ، والخنادق جمع خندق ، وهو معرب أيضاً ، ومعناه معروف وقراءة أبي عمرو جدار بإقامة المفرد مقام الجمع لقصد الجنس أو لأنّ المراد السور الجامع للجدر ، والحيطان. قوله : ) وليس ذلك الخ ( هذا هو بعينه ما في الكشاف مع زيادة ، ولا مغايرة بينهما كما توهم ، وقوله : إذا حارب الخ إيماء إلى أنّ بينهم متعلق بشديد قدم للحصر ، وعبارته في الكشاف يعني أن البأس الشديد الذي يوصفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس ، والشذة لأنّ الشجاع يجبن ، والعزيز يذل عند محاربة الله ورسوله عتتن انتهى فلا غبار عليه. قوله : ( مجتمعين ا لم يجعله مؤكداً لعدم صحته هنا ، وقوله : لاختلاف عقائدهم الخ لأنّ طرق الضلال متسعة ، وطريق الهدى واحد مستقيم كما مرّ تحقيقه في قوله : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }
[ سورة الأنعام ، الآية : 153 ] وقوله : يوهن قواهم أي يضعف قوّتهم المركوزة فيهم بحسب الخلقة. قوله : ( أو بني قينقاع ( بفتح القاف وتثليث النون ، وهم شعب من اليهود الذين كانوا حوالى المدينة ، وايقاع النبيّ صلى الله عليه وسلم بهم واجلاؤهم لأذرعات مشهور في السير ، وقوله : إن صح الخ قال ابن سيد الناس غزوة بني قينقاع كانت يوم السبت على رأس عشرين شهرا من الهجرة في شوّال ، وغزوة بني النضير كانت على رأس خمسة أشهر أو ستة وثلاثين من وقعة أحد وأحد كانت على رأس اثنين وثلاثين شهراً من الهجرة ، ولم يحك غير هذا فيها فتكون قبل النضير بلا كلام فقوله : إن صح ليس بظاهر ، وقوله : في زمان قريب فنصبه على الظرفية. قوله : ( وانتصابه بمثل الخ ) يعني انّ العامل في الظرف أعني قريبا ، والناصب له لفظ مثل ، ولا يخفى ركاكته فإنه إن قصد أنّ فيه مضافا مقدرا عمل المضاف إليه لقيامه مقامه كما قيل فلا يخفى أنّ المعنى ليس عليه لأنه قصد تشبيه المثل بالمثل أي الصفة الغريبة بمثلها لا بالوجود ، وكونه لا يجب إضافة المثل ، ودخول الكاف على المشبه به وكونه من إضافة الصفة لموصوفها أي المثل الموجود لا يدفع الركاكة ، وإن صححه فإن أريد أنّ العامل التشبيه أو متعلق الكاف لأنه يدل على وجوده كانت العبارة نائية عنه ، وقيل : عامله ذاقوا وعلى الأوّل فقوله : ذاقوا الخ مبين للمثل وهو جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب. قوله : ( أو المهلكين الخ ( ينبغي على هذا أن ينتصب قريباً بذاقوا لئلا يفسد المعنى فما ذكره المصنف على الرأجح عنده ، وقوله : سوء عاقبة كفرهم الخ سوء العاقبة هو معنى الوبال ، والكفر معنى الأمر ، وكونه في الدنيا مأخوذ من السياق ومما بعده ، وقوله : كمثل الأوّل خبر مبتدأ تقديره مثلهم كمثل الذين الخ وقوله : كمثل الشيطان الخ بدل من قوله : كمثل أولاً لأنه مبين له فهو المقصود أو خبر آخر للمبتدأ المقدر الذي هو مثلهم على أنّ الضمير لليهود والنصارى جميعا ، وكلام المصنف لا يوافقه فعليه ينبغي اًن يقدر لكل منهما مبتدأ على حده على أنّ الضمير المضاف إليه مثلهم الأول لليهود ، والثاني للمنافقين ، ولا يكون كما قيل بدلاً ، والضمير في مثلهم المقدر في المثلين للطائفتين ، ولا يأباه كلام المصنف لأن المراد مثل اليهود مع المنافقين لأنه كلام مختل ، وليس البدل فيه واحدا من أقسام الأبدال المذكورة في النحو. قوله : ( أغراه على الكفر الخ ) فهو تمثيل ، واستعارة وقوله : تبرأ عنه(8/180)
ج8ص181
لو ذكره بعد قوله : إني أخاف الله الخ كان أحسن ،
وقوله : وقيل أبو جهل فقوله : له اكفر أوّلاً أو الآن ، ولا حاجة لتأويله بدم على الكفر لأنه تمثيل كما مرّ ، وعلى هذا فمثلهم أولاً المراد منه أهل بدر هنا ، ومثل الشيطان شيطان بدر أيضاً فتناسبا أشد التناسب ، وقوله : وقيل : راهب حمله أي الشيطان على الفجور أي الزنا بامرأة وهو إشارة إلى قصة برصيصا الراهب ، وهي مذكورة تفصيلاً في الإسرائيليات ، ومشهورة في القصص. قوله : ( وفي النار لغو ) على هذه القراءة متعلق بقوله : خالدان وقدم للاختصاص ، وقوله : فيها تأكيد له وأعاده بضميره كما مرّ في ففي الجنة خالدين فيها أو قوله : خالدان فيها خبر ثان. قوله : ( سماه به لدنوّه ) دنو الغد من أمسه فهو استعارة مصرّحة ، وكذا ما بعده لكن وجه الشبه فيه مختلف لأنه على التشبيه به لأنه يعقبه ويكون فيه أحوال غير الأحوال السابقة كما في المثل إنّ مع اليوم غدا ، وقوله : للتعظيم لما فيه من الشدائد والأهوال ، والمراد بالاستقلال عد. قليلاً فالتنوين للتقليل فيه كما ستراه. قوله : ( كأنه قال فلتنظر نفس واحدة في ذلك ) فتنوينه للتقليل حتى كان الناظر نفس واحدة قال في الكشف وفيه حث عظيم على النظر ، وتعيير بالترك وبأنّ الغفلة قد عصت الكل فلا أحد خلص منها ، ومته ظهر أنّ جعله من قبيل علمت نفس ما أحضرت غير مطابق للمقام فهو كما في الحديث : " الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة ) ( 11 لأنّ الأمر بالنظر ، وإن عئم لكن المؤتمر الناظر أقل من القليل ، والمقصود بالتقليل هو هذا لأنّ المأمور لا ينظر إليه ما لم يأتمر فما قيل الأمر بالنظر يعتم الكل ، وهو مقصود في المقام فجعله من قبيله أوجه ، وأصح ليس بصحيح فضلاَ عن كونه أصح ، وقوله : فلتنظر بالفاء مع أنّ ما في النظم بالواو قيل إنه إشارة إلى ترتبه على ما قبله ، وانه ترك ما في النظم تعويلاً على فهم السامع ، واعتمادا على أقوى الدليلين. قوله : ( لأنه مقرون بالعمل ) الدال عليه ما قدمت بخلاف ما قرن به الثاني مما جرى مجرى الوعيد ، وهو قوله إنّ الله خبير الخ ولذا قال في الكشف إنّ
هذا أرجح لفضل التأسيس على التأكيد ، وفي ورودهما مطلقين فخامة ظاهرة وأمّا كون التقوى كما مرّ شاملة لترك ما يؤثم ، وفعل ما يلزم فلا وجه للتوزيع ، والتأكيد أقوى ، وأنسب بالمقام فغير مسلم خصوصاً ، وما قدم المتبادر منه أعمال الخير ، وقد اعترف به هذا القائل فكيف يزعم أنّ العموم فيه مقتضى المقام. قوله : ( الكاملون في الفسق ) توجيه للحصر كما تقدم أمثاله ، وقوله : الذين استكملوا نفوسهم أي صيروها كاملة بالإيمان فاستحقوا بذلك الجنة ، واستمهنوها أي صيروها ذليلة ممتهنة بالكفر ، والعصيان حتى استحقوا العذاب ، والعقاب ، وفيه إشارة إلى أنّ الاستواء المنفي شامل للدّنيا ، والا* خرة لا مخصوص بالآخرة كما في الكشاف ، وهو توطئة لاستدلال الشافعية به على أنه لا يقتل المسلم بالكافر كما ستسمعه. قوله : ( واحتج به أصحابنا الخ ا لأنه نفي الاستواء بينهم مطلقاً فيقتضي أن لا تتساوى دماؤهم ، وقد ردّ بأنّ المراد نفي الاستواء في أحكام الآخرة بدليل أنه قال أصحاب الجنة والنار دون أصحاب التقوى ، والعصيان والقصاص مبنيّ على التساوي في العصمة ، وحقن الدماء ، وهي موجودة لأنّ لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وفيه كلام في الفروع والأصول ، وهل يعم لا يستوي جميع الأحكام أم لا فيه كلام مفصل في الكتب الأصولية. قوله : ( تمثيل وتخييل الخ ) يعني أنه استعارة تمثيلية تخييلية كما مرّ تفصيله ، والردّ على من قال إنه ليس تمثيلاً مصطلحاً ، والمعنى أنّ الجبال لو ركب فيها العقول ، وخوطبت بهذا الكلام لخضعت لمهابة قائله وتهدمت من خشيته ، وقوله : ولذلك إشارة إلى كونه تمثيلاَ وتخييلاً وكذا قوله : فإنّ الإشارة الخ. تعليل له فالإشارة بقوله : تلك إلى قوله : لو أنزلنا الخ ، ولما كان مثلاً واحداً قال : والى أمثاله ليتضح الأخبار بالجمع عنه ففيه تقدير أي ونوع تلك أو المراد تلك وأشباهها ووجه التعليل أنّ الأمثال في الأغلب تمثيلات متخيلة كما مرّ تحقيقه فإن أردته فارجع إليه ووجه التوبيخ فيه ظاهر. قوله : ( ما غاب عن الحس الخ ) تفسير للغيب بمعنى الغائب وقوله : من الجواهر بيان لما والمراد بالجواهر هنا المجرّدات ، ولذا قابله بالإجرام ، وهي المجسمات ، وتقدمه على هذا بحسب الوجود ظاهر ، وقوله : وتعلق العلم بالجرّ معطوف على الوجود فإنّ علمه تعالى قديم ، وتعلقه بالموجود حين وجوده لأنه
نسبة تتوقف على وجود(8/181)
ج8ص182
الطرفين فإذا تقدم وجوده لزم تعلق علمه به أيضاً ، وهما هنا وقعا مفعولين ومتعلقين للعلم فتقديمه هنا لتقدّم وجوده ، وتقدّم تعلق العامل به فهو وجه آخر لا يغني عنه ما عطف عليه ، وقوله : أو المعدوم فالغيب ما غاب عن الحس أيضا لغيبته عن الوجود ، وتقديمه ظاهر مما قبله. قوله : ( أو السرّ والعلانية ) فتقديمه لأنه أهئم وأقدم أيضا ، وتعلق العلم به أسبق ، وله نكتة خاصة به هنا وهي بيان سعة علمه ، وأنه يستوي عنده السرّ والعلانية. قوله : ( البليغ في النزاهة الخ ا لنزاهة مدلول مادته لأنّ التقدس التنزه ، والتطهر ، والصون عما لا يليق والبلاغة من الصيغة فإنها صيغة مبالغة ، والقراءة بالفتح ، وإن كانت لغة لكنها نادرة فإنّ فعول بالضم كثير وأمّ بالفتح فيأتي في الأسماء كسمور ، وتنور وهبود اسم جبل باليمامة ، وأمّا في الصفات فنادر جدا ، وقوله : ذو السلامة إشارة إلى التأويل المشهور في أمثاله. قوله : ( وقرئ بالفتح الخ ) على الحذف ، والإيصال كاختار موسى قومه ، وإذا كانت قراءة ، ولو شاذة فلا يصح قول أبي حاتم أنه لا يجوز إطلاقه عليه تعالى لإيهامه ما لا يليق به تعالى إذ المؤمن المطلق من كان خائفاً ، وأمنه غيره فإنّ القراءة ليست بالرأي. قوله : ( الرقيب الحافظ ) هو معنا. المراد منه ، وميمه الثانية مكسورة ، وقد تفتح وهو مفيعل من الأمن ، وأصله مؤأمن بهمزتين فقلبت الثانية ياء ، والأولى هاء كما قيل في أراق هراق ، وهو قول المبرد على أنه مصغر ، وقد خطئ فيه فإنه لا يجوز تصغير أسمائه تعالى ، وقال غيره هو اسم من هيمن كبيطر ، وليس مصغراً ، وتعدى بعلى لتضمنه معنى الاطلاع. قوله : ( الذي جبر خلقه على ما أراده ) أي قسرهم وأكرههم وجعله من الثلاثي لأنّ أكثر النحاة على أنّ أمثلة المبالغة لا تصاغ من غير الثلاثيّ ، وقيل : إنها تكون من غيره أيضاً ، وقال الفراء : لم أسمع فعالاً من أفعل إلا في جبار من أجبر ودراك ، من أدرك واستدركوا عليه سآر من أسأر ، وقيل إنه من جبره بمعنى أصلحه ، وما تقدم في سورة المؤمن أنه من أجبره قول ، وهذا قول فلا يقال بين كلاميه تعارض كما توهم ، وجبر بمعنى أجبر لغة أيضاً وفيه كلام في اللغة ، وقوله : تكبر الخ أي تعالى وارتفع وتنزه عنه وقوله. إذ لا يشاركه الخ الضمير المستتر لما في قوله عما والبارز لله تعالى. قوله : ( الموجد لها بريئاً من التفاوث ) المراد تفاوت ما تقتضيه هي بحسب الحكمة ، والجبلة ، وفسره
به ليفيد ذكره بعد الخالق ، وقوله : الموجد لصورها على قراءة الكسر وقد فتحت في الشواذ هنا على أنها مفعول للبارئ فما في قاضيخان من أنّ قراءة المصوّر بفتح الواو هنا تفسد الصلاة فيه نظر ، وقد أتسإر إليه بعض المتأخرلجن وقوله : لتنزهه عن النقائص الخ فلا تجد الكاكنات اشائبة نقص له فلا جرم أنها نزهته وقدسته. ص قوله : ( الجامع للكملات بأسرها الخ ) قيل إنه فسره به للإشارة إلى وجه اتصاله بما قبله ليكون كالعلة المستلزمة له !فإن استجماعه لجميع الكمالات يستلزم تنزهه عن جميع النقائص ضرورة امتناع اجتماع المتقابلين فتأمّل. قوله : ( إلى الكمال في ! القدرة ) هو من قوله : العزيز لأنه الذي لا يغالب فيستلزم كمال القدرة والعلم من قوله الخكيم فإنه الفاعل بمقتضى الحكمة فيكون كاملا العنلم كما مرّ ، وقوله عن " التبيّ صلى الله عليه وسلم الخ هذا الحديث رواه الثعلبي عن أنس رضي إلله عنه ولم يقل ابن حجر أنه موضوع كغيره من ا!لأحاثميث الموضوعة في فضائل السور تمت السورة ، والحمد لله وحده والصلاة والسلام على أفضل رسله سيدنا محمد ، وآله ثوصحبه.
سورة الممتحنة
لم يذكروا خلافا في مدنيتها ولا في عدد آياتها المذكورة مع أنّ قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } الخ سيأتي أنها نزلت يوم فتح مكة فهو إمّا تغليب أو بناء على أنّ المدتي ما نزل بعد الهجرة وقوله : الممتحنة بفتح الحاء وقد تكسر فعلى الأوّل هي صفة المرأة التي نزلت فيها وعلى الثاني صفة السورة كما قيل لبراءة الفاضحة كذا في الأعلام وفي جمال القراء أنها تسمى سورة الامتحان وسورة المودّة.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( نزلت في حاطب الخ ) حاطب بحاء وطاء مهملتين وباء موحدة وبلتعة بفتح الباء الموحدة ولام(8/182)
ج8ص183
ساكنة بعدها مثناة فوقية مفتوحة وعين مهملة قال السهيليّ هو مولى عبد القه بن حميد بن زهير بن سد بن عبد العزى وبلتعة اسمه عمرو وصورة ما في كتابه أنّ رسول الله يك!برو توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم باللّه لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم فإنه منجز له وما وعده قيل : وفي الخبر دليل على جواز قتل الجاسوس لتعليقه المنع بشهود. بدراً وسارة اسم امرأة هي مولاة بني المطلب ومعتقتهم وقيل : مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم وخاخ بخاءين معجمتين وقيل بحاء مهملة وجيم وقد روي في البخاريّ كذلك لكنه نسب للسهو وهو مكان بين مكة والمدينة يجوز صرفه وعدمه والظعينة بالظاء المعجمة والعين المهملة
المرأة ما دامت في هودجها وتطلق على المرأة مطلقا وقوله : فهموا بالرجوع وقع في بعض النسخ ولم يذكره المحدثون ولذا قيل : كيف يهمون به وقد أمرهم صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها فكأنهم فهموا أنّ الأمر ليس للوجوب وقوله : فبعث علياً الخ الذي وواه ابن إسحاق علياً والزبير وروي غيره والمقداد والعقيصة ضفيرة الشعر وقوله : عذره أي قبل عذره وقوله : آخذ بالمد أي بمعنى اتخذ وأجعل وقوله : ولا غششتك منذ نصحتك هكذا رواه المحدثون ونصيحة النبيّءلمجييه تصديقه والانقياد له كما في النهاية وورد في الحديث : " الدين النصيحة لله ورسوله " وفي نسخة صحبتك من الصحبة والأولى أصح رواية ودراية وقوله : ما كفرت أي لا ظاهرا ولا باطناً ليشمل النفاق فإنه المراد. قوله : ( نفضون إليهم المودّة ) قال في الأساس أفضيت إليه بشقوري وأفضى الساجد بيده إلى الأرض مسهماً فجعله متعديا بالباء وكلام المصنف يخالفه فلو قيل : تلقون تعدى بها لكونه بمعناه كان وجها أيضا وقوله : والباء مزيدة أي في المفعول كما في قوله : ولا تلقوا بأيديكم. قوله : ) أو أخبار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ) يعني مفعوله مقدّر تقديره ما ذكر وأخبار بفتح الهمزة جمع خبر والباء المسببية والقاء الأخبار إيصالها وارسالها مجازاً كإلقاء المودّة لإظهارها وجوّز في الباء أيضا تعلقها بالمصدر الدال عليه تلقون ولم يذكره لما يلزمه من حذف المصدر مع إبقاء معموله وفيه خلاف للبصريين وقوله : الجملة حال أي جملة تلقون الخ ويجوز أن يكون تفسيرا للموالاة أو لاتخاذها فلا محل لها من الإعراب أو مستأنفة قيل وهذا أولى من الحالية والوصفية لإيهامهما أنه تجوز الموالاة عند عدم الإلقاء فيحتاج إلى القول بأنه لا مفهوم له للنهي عن الموالاة مطلقاً في غير هذه الآية أو الحال والصفة لازمة ولذا كانت مفسرة. قوله : ( ولا حاجة فيها إلى إبراز الضمير الخ ) بأن يقال : تلقون إليهم أنتم بالمودّة اعلم أنّ الصفة إذا جرت على غير من هي له يجب إبراز فاعلها نحو زيد هند ضاربها هو وهل هذا الضمير فاعل أو الفاعل مستتر وهذا تأكيد له قولان للنحاة وفي شرح التسهيل لابن مالك المرفوع بالفعل كذلك إذا حصل الإلباس نحو زيد عمرو يضربه هو فتقييده بالصفة غير مسلم وإطلاق المصنف مردود بجواز زيد قائم أبواه لا قاعدان فقد جرت على غير من هي له ولم ينفصل الضمير وأجيب عنه بأنهم إنما قيدوه بالصفة لأنّ الإبراز فيها واجب مطلقا سواء ألبس أم لا وما ذكر تابع يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره مع أنّ المانع مطلقاً وهم البصريون لا يقولون بصحته وهذا الحكم لا يختص بالصفة بل هو جار في الصلة والحال والخبر ووجهه أنها ضعيفة
فلا تتحمل ضميراً. قوله : ( حال من فاعل أحد الفعلين ) فإن كان حالاً من الأوّل فهي حال مترادفة إن كانت جملة تلقون حالية أيضاً والط كان من الثاني فهي متداخلة أيضا وقد قيل إنها مستأنفة أيضا ولم يذكروا كونها حالاً من المفعول ولا مانع منه أيضاً ، وضله : حال من كفروا أي من فاعله وقوله : لبيانه بادعاء أنه عين الكفر والمضارع لحكاية الحال الماضية وأمّا الاستمرار فغير مناسب للمعنى فتأمّل. قوله : ( بأن تؤمنوا به ) أي بسبب الإيمان وجعله السمين مفعولاً له وناصبه يخرجون أي يخرجونكم لإيمانكم أي كراهة إيمانكم وهو أحسن مما ذكره المصنف وقوله : وفيه تغليب للمخاطب وهم المؤمنون غلبوا على الرسول والالتفات من / التكلم إلى الغيبة بالاسم الظاهر إذ لم يقل بي وقوله : للدّلالة على ما يوجب الإيمان وهو كونه معبوداً بحق وربا فما ذكر يدل على استجماعه للصفات الكمالية عموما وعلى اتصافه بربوبيته خصوصا إذ المراد الدّات والصفات ولا دلالة في ضمير المتبهلم على الثاني. قولى : ( إن كتتم(8/183)
ج8ص184
خرجتم كن أوطانكم ) إن أريد الخروج للغزو فظاهر وإن أريد الهجرة فالخطاب للمهاجرين خاصة لأن القصة صدرت منهم وهذا هو الظاهر الموافق لسبب النزول السابق. قوله : ( علة للخروج الخ ) يعني أنّ المعلق عليه عدم الاتخاذ ليس مطلق الخروج بل الخروج المعلل بهذين وقدر جواب الشرط والزمخشري جعله لا جواب له وحالاً من فاعل تتخذوا أي لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء والحال إنكم خرجتم مرر أوطانكم لأجل الجهاد رضا لئه والمصنف لم يرتضه لأنّ الشرط لا يقع حالاً بدون جواب في غير أن الوصلية وهي لا بد لها من الواو وإن ترد حيث يكون ضد المذكور أولى بالوقوع نحو أحسن إلى زيد وإن أساء إليك وما نحن فيه ليس كذلك إلا أنّ ابن جني جوّزه وارتضاه الزمخشري هنا لأنّ البلاغة وسوق الكلام شاهدان له كقولك لا تخذلني إن ك!ت عمديقي حيث يقوله المدلي بأمره المتحقق صحبته من غير قصد للتعليق والشك وأنما يبرز تهييجاً للحمية وهو أحسن وأملأ بالفائدة وإن خالف المشهور. قوله : ( بدل من تلقون الخ ) " بدل كل من كل إن أريد بالقائها الإلقاء خفية أو بدل بعض إن أريد الأعثم لأنّ منها السرّ والجهر وقيل : بدل اشتمال لبيانه وقوله : أو استئناف أي بيانيّ في جواب سؤال لأنّ قوله : إن كنتم الخ يدل على معاتبة فلذا أوثر أن على إذا فكأنهم سألوا ما صدر عنا حتى عوتبنا كذا في الكشف. قوله : ( ومعناه أيّ طائل لكم الخ ) فسره بالاستفهام لأنّ الجملة مسوقة للإتكار عليهم حيث أسروا على من استوى عنده السرّ والجهر وقد أعلم رسوله بالوحي فأفاد أنه لا طائل تحته أيضا
وقوله : في أسرار المودّة إشارة إلى زيادة الباء فيه هنا كما في المبدل منه وقوله : أو الأخبار الخ إشارة إلى خذف المفعول على أنّ الباء سببية وهو الوجه الثاني أو هي لتضمينه تخبرون والاقتصار على الأخير لأنه أدل على الإنكار. قوله : " ي منكم ) إشارة إلى أنّ أعلم اسم تفضيل حذف المفضل عليه وقوله : والباء مزيدة الخ وقد قيل : إنّ علم قد يتعدى بالباء كما يقال هو عالم بكذا وبه ورد الاستعمال لكنه غير مشهور والوجهان على الوجهين وذكر عا أعلنتم مع الاستغناء عنه إشارة إلى تساويهما في علمه ولذا قدم ما أخفيتم وقوله : يفعل الاتخاذ على أنه ضمير المصدر الذي في ضمن الفعل وجعله في الكشف للأسرار لقربه. قوله : ( ضل سواء السبيل ( من إضافة الصفة للموصوف أي الطريق المستوي وضل يتعدى كأضل فالسبيل مفعوله فإن لم يتعد فهو ظرف كقوله :
كما عسل الطريق الثعلب
والأوّل أولى ولذا اقتصر عليه المصنف وقوله : يظفروا بكم لأنّ المثاقفة الأخذ بدربة وحذق فأريد به الظفر هنا مجازاً كما ذكره. قوله : ( ولا ينفعكم إلقاء المودّة الخ ) لأنّ العداوة سابقة على الظفر المقدّر كما ينطق به قوله : لا تتخذوا عدوّي الخ فالمراد هنا اللازم والثمرة وهو ظهور عدم نفع التودّد ليظهر فائدة جعله جوابا وتوقفه على الشرط المذكور وقوله : ويبسطوا من العطف التفسيري أيضاً لا مستقل بالجزائية كما في شرح المفتاح الشريفي فتدبر. قوله : ( وتمنوا ارتدادكم ) لأنّ المودّة هنا بمعنى التمني فإنه يرد بمعناه كثيرا كما في قوله :
يود لو يهو! العذول ويعشق
وكفر المؤمنين إنما يتصوّر بالردّة إلا أن يراد بقاؤهم على حالهم الأوّل وقوله : ارتدادكم
إشارة إلى أنّ لو مصدرية. قوله : ( للإشعار بأنهم ودوا ذلك قبل كل شيء الخ ) كما في الكشاف إنّ الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب فإنّ فيه نكتة كأنه قيل : وودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم يعني أنهم يريدون أن يلحقو! بكم مضار الدنيا والدين جميعا من قتلى الأنفس وتمزيق الأعراض وردكم كفاراً وهذا الردّ أسبق المضار عندهم وأوّلها لعلمهم أنّ الدين أعز عليكم من أرواحكم لأنكم بذالون لها دونه والعدوّ أهم شيء عنده أق يقصد أعز شيء عند صاحبه انتهى وقد أورد عليه في المعاني أنه إذا كانت الودادة قبل ذلك لا تصلح جوابا للشرط لأنه يترتب عليه ويتأخر عنه ولذا ذهب بعضهم إلى أنّ الجملة معطوفة
على مجموع الشرط والجزاء أو حال بتقدير قد وقال الخطيب : إنه لا فاثدة لتقييد ودادتهم بالظفر والمصادفة وهي أمر مستمرّ لا يختص بأحد النقيضين فالأولى عطفه على الشرط والجزاء حتى لا يتقيد بالظفر وأورد عليه أنّ مثله يتجه على قوله يكونوا لكم أعداء لثبوت عداوتهم ظفروا أولاً ولا يمكن فيه هذا التوجيه فالوجه أن يراد إظهار الودادة إجراء ما تقتضيه(8/184)
ج8ص185
وكذا الحال في كونهم أعداء وهذا ما نحاه المصنف تبعاً للعلامة وتحقيقه أنّ أصل الودادة حاصلة لهم قبل كل شيء فهو غير مترتب على الشرط والمترتب عليه إنما هو الودادة المتفرّعة على الجد والاجتهاد في طلب ارتدادهم فهي سابقة بالنوع متأخرة بالنظر إلى بعض الأفراد فعبر بالماضي نظراً للأوّل وجعلت جوابا متأخراً نظراً للثاني فمن توهم أنّ المصنف يريد الحالية أو العطف على المجموع كصاحب الإيضاح فقد فسره بما لا يرضاه ولم يدر أنّ قوله مجيئه وحده بلفظ الماضي يأباه فإنه صريح في أنه مستقبل معنى كما قاربه من أجوبة الشرط ويقرب منه ما قيل إنّ ودادة كفرهم وعداوتهم بعد الظفر لما كانت غير ظاهرة لأنهم حينثذ سبي وخدم لا يعتذ بهم فيجوز أن لا يتمنى كفرهم فيحتاج إلى الأخبار عنه بخلاف الودادة قيل الظفر فيكون للتقييد فائدة لأنها ودادة أخرى متأخرة واعلم أنّ المعطوف على الجزاء والعلة في كلام العرب على أنحاء الأوّل أن يكون كل منهما جزاء وعلة نحو إن تأتني أو نسك وأعطك الثاني أن يكون الجزاء أحدهما وأنما ذكر الآخر لثدة ارتباطه به لكونه سبباً له مثلا نحو إذا جاء الأمير استأذنت وخرجت لاستقباله ونحوه حبست غريمي لأستوفي حقي وأخليه الثالث أن يكون المقصود جمع أمرين وحيئ!ذ لا ينافي تقدّم أحدهما كخرجت مع الحجاج لأرافقهم في الذهاب ولا أرافقهم في الإياب والنظم هنا محتمل للأوّل لاستقبال الودادة لإرادة الغزو المحتاج للبيان أو إظهارها وعبر بالماضي لتقدمه رتبة والثالث لكون المراد المجموع بتأويل يريدون لكم مضار الدنيا والآخرة وفي الكشاف إشارة ما إليه فالأوّلية على هذا زمانية وعلى الثاني رتيبة وجعلها الطيبي زمانية وذكر وجهاً آخر وهو أنّ المجموع مجاز من إطلاق السبب وارادة المسبب وهو مضار الدارين وفي المفتاح ترك يودّ إلى ودّ الماضي إذ لم يحتمل ودادة كفرهم من الشبهة ما احتمل العداوة لباسطي الأيدي والألسنة يعني الودادة أو إظهارها لتحققها عند المؤمنين عبر عنها بالماضي ولا يخفى مغايرته لما في الكشاف فمن حاول التوفيق فقد حاد عن سواء الطريق.
قوله : ( قراباتكم ) القرابة تكون مصدراً واسما بمعنى القريب كما تقول هو قرابتي كما قال
ابن مالك ولا تلتفت لإنكار الحريري له في درّته وهو محتمل لهما هنا بأن يراد بالأرحام ظاهرها أو يقدر ذوو أرحامكم بدليل عطف الأولاد عليه أو يجعل مجازاً كرجل عدل. قوله : ( الذين توالون ) إشارة إلى ما في سبب النزؤل وقوله : بما عراكم بمهملتين أي عرض لكم وحل بكم وقوله : فما لكم ترفضون هو بيان لارتباط هذه الآية بما قبلها وقوله : وقرأ حمزة والكسائيّ بكسر الصاد والتشديد أي قرأ بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد مشددة وابن عامر كذلك إلا أنه
يفتح الصاد وما ذكر من أنه قرإءة ابن عامر عزاه غيره لابن ذكوان لكن الأوّل هو الذي في الشاطبية وفوله : وهو بينكم الضمير للمفعول وفيه شبه استخدام وبينكم حينئذ مبني لإضافته للضمير المبني وقيل نائب الفاعل ضمير المصدر وهو الفصل وقوله : وقرأ عاصم يفصل أي بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد وتخفيفها. قوله : ( قدوة الخ ) القدوة والأسوة بالضم والكسر فيهما بمعنى وهما يكونان مصدراً بمعنى الاقتداء واسماً لما يقتدى به يعني أنه اسم مصدر أطلق على الحاصل به لا صفة لمنعه من عمله بعده وقوله : في إبراهيم تجريد وقد تقدم الكلام عليه في الأحزاب وقوله : ولكم لغو لم يبين متعلقه وهو كان عند من جوز تعلق الظرف بها من النحاة على الخلاف المعروف فيه وقوله : لأنها وصفت يعني وهي مصدر أي اسم مصدر والمصدر واسمه إذا وصف لا يعمل لأنّ الوصف يضعف شبهه بالفعل فإن لم يكن مصدرا أو قلنا يعتفر عمله وإن وصف في الظرف جاز ذلك وجوّز في لكم أن يكون مستقرّا مبيناً كسقيا له. قوله : ( ظرف لخبر كان ) أي على الوجهين والعامل الجار والمجرور أو متعلقه أو لكان نفسها كما مرّ أو بدل من أسوة وقوله : كظريف وظرفاء على القراءة المشهورة وفيها قراآت أخر. قوله : ( أي بدينكم أو بمعبودكم ) يعني أنه على تقدير مضاف فيه لأنّ تعلق الكفر بهم محتاج إلى التأولل إذ المكفور به إمّا الدين أو الكتاب أو من جاء به لا من جاء له من القوم فيؤوّل بما ذكر وقوله : أو بكم وبه ضمير به للمعبود فقوله : بكم المراد منه القوم ومعبودهم بتغليب المخاطبين لأنه بيان(8/185)
ج8ص186
لقوله : إنا برآ منكم ومما تعبدون من دون الله فلا بد من اشتماله على جملة ما تعلق به برآء وهو معنى قوله : في الكشاف ومعنى كفرنا بكم وبما تعبدون من دون الله إنا لا نعتد بثأنكم ولا بشأن آلهتكم وما أنتم عندنا على شيء وقولهما : لا نعتد إشارة إلى أنّ الكفر بالقوم ومعبودهم مجازاً وكناية عن عدم الاعتداد بهم ليعمهم وآلهتهم فهو تفسير له وما ذكرناه من التغليب أولى مما قبل إنه إشارة إلى أق فيه معطوفاً على الجار والمجرور محذوفا وفي الكشف ما حاصله أنه إنما ذكر كذلك وفي الكتاب كفرنا بكم تنبيها على أنّ الأصل كفرنا بما تعبدون ثم كفرنا بكم وبما تعبدون لأنّ من كفر بما أتى به النبيّ فقد كفر به ثم اكتفى بكفرنا
بكم لتضمنه الكفر بجميع ما أتوا به وما تلبسوا به لا سيما وقد تقدمه إنا برآ الخ وفسره بأنا لا نعتدّ الخ تنبيهاً على أنه تهكم به فإنه ليس كفراً لغة وعرفأ " وانما هو مثاكلة وتهكم انتهى وهو غير موافق لما عناه الزمخشري وقوله : لأنّ من كفر الخ ليس مما نحن فيه في شيء إلا أن يذكره على طريق التنظير وقوله : آلهتكم إشارة إلى أنّ الصغبود وإن كان لفظه مفردا هو جمع !عنى. قوله : ( استثناء من قوله : أسوة حسنة ) وهو محتمل للانقطاع والاتصال وقول الد!ضنف فإنّ استغفاره الخ إشارة إلى أنه منقطع عنده لأنه ليس مما يؤتسى به وقال الإمام : الآية تدل على أنه لا يجوز لنا بإ- التأسي في ذلك ولا تدل على أن ذلك كان معصية فإنّ كثيراً من خواص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يجوز التأسي به مما أبيح لهم وفي التقريب نفي اللازم ممنوع فإنّ استثناء عما وجب فيه الأسوة إنما يدل على أنه غير واجب لا على أنه غير جائز ومنكر وقوله : كان لكم لا يدل على الوجوب وقال الطيبي : ما حاصله لما أجاب إبراهيم قول أبيه لأرجمنك واهجرني ملياً بقوله : سأستغفر لك ربي رحمة ورأفة به ولم يكن عارفاً بإصراره على الكفر وفى بوعده وقال : واغفر لأبي فلما تبين إصراره ترك الدعاء وتبرأ منه فظهر أنّ ا " ستغفاره له لم يكن منكراً وهو في حياته بخلاف ما نحن فيه فإنه فصل عداوتهم وحرصهم على قطع أرحامهم بقوله : لن ينفعكم الخ وسلاهم عن القطيعة بقصة إبراهيم ثم استثنى منها ما ذكر كأنه قال : لا تجاملوهم ولا تبدوا لهم الرأفة كما فعل إبراهيم لأنه لم يتبين له كما تبين لكم انتهى فلا يتجه عليه أنّ المذكور في النظم الوعد بالاستغفار دونه حتى يقال إنه كناية عن الاستغفار فإنّ عدة الكريم خصوصا مثل إبراهيم لا سيما إذا أكدت بالقسم يلازمها الإنجاز فتأمّل وقد تقدم في سورة التوبة تفصيله. قوله : ( فإنه كان قبل النهي الخ ا لفظة إياه بالمثناة التحتية أو بالموحدة كما قرئ به في سورة براءة لوعد أبيه الإيمان يعني أنه لم ينه عن الاستغفار للكفار ولا قبح قبله لأنه إنما يعلم من الشرع أو نهي عنه بعد تبين إصراره على الكفر وموته عليه والموعدة كانت قبل ذلك لقوله : فلما تبين له الآية فلا وجه لما قيل إنه بمعزل عن السداد لابتنائه على تناول النهي لاستغفاره له وأنبائه عن كونه مؤتسى به لو لم ينه عنه وكلاهما بين البطلان لما أنّ مورد النهي هو الاستغفار بعد تبين الأمر وقد عرفت أنه كان قبله وأنّ ما يؤتسى به ما يجب الائتساء به لا ما يجوز في الجملة وتجويز كون استغفاره بعد النهي مما لا مساغ له فتأمّل. قوله : ( ولا يلزم من استثناء المجموع ) جواب عن سؤال تقديره أنّ كونه لا يملك شيئا من الله أمر محقق ينبغي لكل أحد أن يقوله : واستثناؤه هنا يقتضي أنه مما لا يقال ولا يؤتسى بقائله وحاصله أنه لا يلزم من إخراح المجموع إخراج جميع أجزائه فالمخرج هنا ما قبله دونه كأنه قيل : لا تأتسوا به في الاستغفار مع أنكم لا تقدرون على ما سواه والجملة حالية فالمنفي المقيد دون قيده
فتأمّل. قوله : ( متصل بما قبل الاستثناء الخ ا لا على أنه من جملة الأسوة ومقول القول كما توهم إذ المراد أنه جملة مستأنفة متصلة بحسب المعنى بما مرّ من أوّل السورة إلى الاستثناء بيانا لحالهم في إظهار عداوة أعداء اللّه والالتجاء إلى الله في كفاية شرّهم وأنّ ما صدر منهم لله لا لحظ نفسي وقيل : إنه بتقدير قول معطوف على لا تتخذوا أي وقولوا ربنا الخ وكلام المصنف لا يحتمله كما توهم لأنه لو كان كذلك كان متصلاً بما قبله على الوجهين. قوله : ( ربنا لا تجعلنا الخ ) الظاهر أنه دعاء متعدد لا ارتباط لكل بسابقه كالجمل المعدودة وليس ما بعده بدلاً مما قبله كما قيل لعدم اتحاد المعنيين كلا وجزءا ولا ملابسة بينهما سوى الدعاء الخ. قوله : ( فيفتنونا الخ )(8/186)
ج8ص187
فالفتنة مصدر بمعنى المفتون أي المعذب من فتن الفضة إذا أذابها وقوله : ما فرط بالتخفيف أي سبق منا وقوله : ومن كان كذلك الخ بيان لوجه اتصاله بما قبله ووقوعه تذييلا له وقوله : تكرير الخ إن لم ينظر لقوله : إذ قالوا فإنه قيد خصصه فإن نظر له فهو تعميم بعد تخصيص وفيه تكرير للخاص في ضمن العام أيضا ، وقوله : ولذلك أي لأجل مزيد الحث وقصده. قوله : ( وأبدل قوله لمن كان يرجو الله الخ ) قد مر في سورة الأحزاب أنه قال : قيل : إنه بدل من لكم والأكثر على أنّ ضمير المخاطب لا يبدل منه فمرّضه ثمّ لمخالفته لقول الجمهور وذكره هنا على وجه ألارتضاء له فبين كلاميه تناف في الجملة لكن ابن الحاجب قال في شرح المفصل يبدل من ضمير الغائب دون المتكلم والمخاطب وليس هذا على إطلاقه لأنه مخصوص ببدل الكل من الكل ويجوز في الاشتمال والبعض وأجازه سيبويه في الأوّل أيضا وهو مخصوص أيضا بما لا يفيد إحاطة كقوله : تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا فإمّا أن يقال : رجح ثمة مذهب الجمهور ورجح هنا مذهب سيبويه أو يقال : ذهب هنا إلى أنه مما يفيد الإحاطة وليس محلاً للخلاف وقوله : فإنه يدل الخ فيه إيماء إليه وقوله : ولذلك أي لإيذانه بسوء العقيدة الخ ووجه الإيذان أنه يدل على أن من لا يأتسى به لا يرجو الله واليوم الآخر ومثله كافر وقوله : الغني الحميد مما خوطب بمثله الكفرة للتهديد. قوله : ( لما فرط منكم في
موالاتكم الخ ) فسره في الكشاف بغفور لمن أسلم من المشركين وهو مع قلة فائدته هنا ما ذكر أنسب بالمقام منه ولم يفسروا الرحيم لظهوره هنا إذ رحمته بضم شملهم وردهم إلى أقربائهم واستحالة الخيانة ثقة وانقلاب المقت مقة وقيل : قوله : لما بقي في قلوبكم تفسير له إذ معنا. لما في قلوبكم من الرحمة الغريزية لهم رحمكم رحمة عظيمة وقيل إنه من تتمة تفسير الغفور وقوله : لا ينهاكم الخ ليس المراد أنّ فيه مضافا مقدراً كما توهم لأنه يلغو البدل والبدل منه غير صحيح بل هو بيان للمقصود منه والمعي المراد فلو أخره عن البدل كان أولى وقوله : تفضوا الخ يعني أنّ تقسطوا ضمن معنى الإفضاء فعدى تعديته كما مر. قوله : ( روي أن قتيلة ) بالقاف والتاء بزنة المصغر وسبب النزول المذكور هنا هو المذكور في البخاري فلذا ذكره المصنف دون ما في الكشاف وفي الدر المنثور أنّ هذه الآية منسوخة بقوله : اقتلوا المشركين الآية وفي عز وقتيلة لأبيها دون زوجها هنا رعاية أدب من المصنف وقوله : بدل اشتمال ومثله ما قبله. قوله تعالى : ( { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } الخ ) فيها قولان فعن قتادة أنه حكم حكمه الله ثم نسخ في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده وقال السهيلي : هي مخصوصة بنساء العهد والصلح وأمّا إخراج النساء مما عاهدوا عليه فاختلف فيه وسيأتي وسماهن مؤمنات نظر الظاهر الحال وقوله : بما يغلب الخ إن خفف فالعائد محذوف أي به وإن شدد من التفعيل فلا حذف فيه وقوله : أعلم أي من كل أحد أو منكم وقوله : فانه المطلع أي لا أنتم فإنه غير مقدور لكم. قوله : ( العلم الذي يمكنكم تحصيله الخ ) فالعلم هنا مستعار استعارة تبعية للظن الغالب المشابه
لليقين في القوّة وفي وجوب العمل به أو مجاز مرسل لمطلق الإدراك والأوّل أنسب هنا وكان الظاهر أن يفسره بالظن ففي عبارته تسمح لا يضر مع اتضاح المقصود مما بعده. قوله : ( بالحلف ) كانت المهاجرة تستحلف أنها ما هاجرت ناشزة ولا هاجرت إلا لله ورسوله فإذا حلفت لم تردّ وقوله : إلى أزواجهن لأنه لو لم يرد ذلك لم يكن لقوله : لا هن حسن لهم ولا هم يحلون لهن فائدة وقوله : والتكرير للمطابقة الخ أصل المطابقة من طابق الفرس إذا وضحع رجله مكان يد. قال :
مطابقا يرفع رجلا عن يد
ومنه المطابقة البديعية وهي الجمع بين المتضادين وأراد المصنف بها هنا كبعض البديعيين
ما سما. في التلخيص بالعكس والتبديل وهو وضعأحد لفظين وقعا في كلام بالتقديم والتأخير على عكس ما سبق كقوله تعالى : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } وليس المراد بها المطابقة المعروفة على أنها بين المذكر والمؤنث لتضادهما كما توهم لأنه حاصل بالجملة الأولى ولما كانت من المحسنات المعتبرة بعد المطابقة للحال ومقتضاه ذكر ما فيه من المبالغة لنفي الحل من الطرفين وهو أشذ في الفرقة وقطع العلاقة وقوله : أو الأوّل الخ يعني لا تكرار فيه لأنه على خلاف الأصل والأوّل محمول على الفرقة الثابتة لأنّ الاسم يدل على الحال والثاني على ما يستأنف ويستقبل لدلالة الفعل على الاستمرار التجدّدي.(8/187)
ج8ص188
قوله : ( لحصول الفرقة ) فيه نظر قال في الهداية وإذا خرج أحد الزوجين إلينا من دار الحرب وقعت البينونة بينهما وقال الشافعيّ لا تقع انتهى فهذا لا يوافق مذهبه بحسب الظاهر لأنّ الفرقة عنده بالإسلام ودخول دار الإسلام لا بمجرّد دخول دارنا فينزل هذا عليه وحينئذ لا تكون الآية دليلاً لأبي حنيفة رحمه الله وقوله : لأنّ صلح الحديبية الخ وفي كتب الحديث : أنه صلى الله عليه وسلم أمر عليا كرم اللّه وجهه أن يكتب بالصلح فكتب باسمك اللهم هذا ما صالح عليه محمد بن عبد القه سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين تأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض على أن من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه ردّه عليه ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يرذو. عليه وأنّ بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا إسلال ولا إغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه اهـ . قوله : ( لورود النهي عنه ) يعني قوله : فلا ترجعوهن وهذا كما قيل من تخصيص العام عند الشافعية فمانهم يجوّزونه مع التراخي
ومن نسني الستة بالكتاب عند الحنفية وفيه أنه إن كان ما مرّ في كتاب العهد وقع على الرجأل فقط كما ذهب إليه البعض فلا تخصيص ولا نسخ والا فلا بد من القول بما ذهب إليه الشافعيّ والاً لزم نقف العهد. قوله : ( لزمه ردّ مهورهن ) قيل لأنه بدل بضعهن ولما لم يتمش هذا التعليل على تقدير تسليم صحته إلا في غير المدخولات فإن المدخولات استوقيت منافع بعضهن وأنما يعلم مثل هذا من الشارع قال المصنف : إذ روي الخ لتعلقه بلزم فبين اللزوم بفعل الشارع وما أعطى زوجها هو المهر بالاتفاق اهـ وقد عرفت أنّ الآية إمّا مخصوصة أو منسوخة إذ هذا الحكم لا يتمشى في المدخولات ولا في غيرها لأنّ من أتت مسلمة من دار الحرب لا يلزمها شيء بالاتفاق فما ذكر لا وجه له قتدبر. قوله : ( بعد ( أي بعد الصلح وقوله : إذ جاءته بدل منه وليست فجائية لما فيه من التكلف وقوله : سبيعة بصيغة المصغر مخالف لما في السير وكتب الحديث من أنها أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط فإنها هاجرت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فخرج أخوها عمارة والوليد في ردّها بالعهد فلم يفعله جمر ونزل قوله تعالى : { إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ } الآية إلا أن يقال : بتعدد سبب النزول فإنه جائز قال البغوي : اختلف في رد مهر من أسلمت من !النساء إلى أزواجهن أكان واجبا أو مندوبا وأصله أن الصلح لم يقع على ردّ النساء بل على الرجال لأنه لا فتنة في ردّ الرجال ولإصابة المشرك لهت ولأنه لا يؤمن من ردّتهن بتخويف واكراه ولا تهتدي إلى التقية فلذا قيل كان واجبا واختلفوا في أنه هل يجب العمل به اليوم في رد المال إذا شرط في الصلح فقيل : لا والآية منسوخة وقيل : يرد. قوله تعالى : ( { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ } ( استدل به أبو حنيفة على عدم العدة في الفرقة بخروجها إلينا من دار الحرب مسلمة إلا في الحاملى لأنه وإن كان زيادة على النص وهي لا تجوز بالظني لكنه ثبت بحديث : " من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره "
وهو حديث مشهور تجوز بمثله الزيادة على النص قيل وفيه نظر فإنه لا يمنع من النكاج كالحبل من الزنا وفي الهداية قول أبي حنيفة إذا كان معتاتدهم العدة قلت هذا قياس مع الفارق وفي الحديث إشارة إلى عدم اعتبار حبل الزنا فإنه شبهه بالزرع فالزنا زرع في أرض مغصوبة ومثله يقلع لأنه لا حرمة له ووجه الاحتجاج أنه نفي الجناج بعد إيتاء المهر من غير تقييد بمضيّ عدة فلولا أن الفرقة بمجرّد الوصول لدار الإسلام لكان الجناج ثابتا وقد أجابوا عنه بأنّ عدم التعرّض ليس معرضا للعدم فتأمل. قوله : ( شرط إيتاء المهر الخ ا ليس! المراد بالإيتاء الإعطاء بالفعل بل التزامه وتعهده والشرطية من تقييده بوقت الإيتاء لا لأن إذا هنا شرطية جوابها مقدر بدليل ما قبله كما توهمه عبارة المصنف وإن كان صحيحا في نفسه وقوله : إيذاناً الخ وجه الإيذان ظاهر لذكر الإيتاء في الآية مع تغايرهما بجعل الأوّل ما أنفقه الأزواج وهذا أجر لهن. قوله : ) بما يعتصم به الكافرات ) إشارة إلى أنّ العصمة اسم لما يعتصم به وأن الكوافر جمع كافرة لاطراد جمع فاعلة عليه وهو نهي للمؤمنين عن أن يكون بينهم وبين الزوجات المشركات الباقية في دار الحرب علقة من علق الزوجية أصلا حتى لا يمنع إحداهن نكاج خامسة أو نكاح أختها في العدة إذ لا عذة لهن وقوله :(8/188)
ج8ص189
وسبب أي من أسباب النكاح ، وفي نسخة نسب بالنون ، وهو من تحريف الناسخ ، وقوله : من مهور الخ لأنّ الصلح وقع عليه ، وهو منسوخ كما مرّ. قوله : ) على حذف الضمير ( العائد إلى ذي الحال ، والتقدير لحكمه وهذا الضمير مفعول مطلق لا مفعول به كما في شرح الكشاف أو العائد الضمير المستتر فيه بجعل الحكم حاكماً مبالغة كان الحكم لقوّته ، وظهوره غير محتاج لحاكم آخر ، وقوله : وإن سبقكم الخ يعني المراد!ت الفوات مجازاً لحوق النساء هاربة بدار الحرب من الأزواج. قوله : ( وإيقاع شيء موقعه ( أي موقع أحد كما هو مقتضى الظاهر لأنّ شيئاً ، وإن وقع على الذوات من أولي العلم كأحد إلا أنه غلب استعماله إذا أريد التعميم في العقلاء ، وغيرهم أو التحقير في العقلاء ، ولذا عاب في دلائل الإعجاز على المتنبي في قوله :
لوالفلك الدوّارأبغضت سعيه لعوّقه شيء عن الدوران
وهنا قصد تحقير ما فات من الزوجات ، وعده من غير ذوي العقول لاختياره الكفر على الإسلام ، وتعميمه فهو أحسن من لفظ أحد هنا ، ولا حاجة إلى اعتبار عموم النكرة مع الشرط ، وإن كان من محسناته أيضاً. قوله : ( أو شيء من مهورهق ) مبنيّ على ظاهره ، ومن في قوله من أزواجكم ابتدائية لا بيانية كما في الوجه الأوّل. قوله : ( فجاءت عقبتكم الخ ( فعاقب مفاعلة من العقبة لا من العقاب ، وهي النوبة في ركوب أحد الرفيقين على دابة لهما ، والآخر بعده والمراد لزوم أداء المهر كما لزم الكفار فليس المعنى على معاقبتهم لغيرهم بل على معاقبتهم في الأداء ، وهو لا يقتضي المشاركة كما يقال : للإبل معاقبة إذا رعت الحمض تارة والخلة أخرى ، وإن لم تعاقب غيرها من الإبل ، واليه أشار المصنف بقوله : من أداء المهر ، وقوله : شبه الحكم إشارة إلى أنه استعارة تبعية أو تمثيلية فشبه لزوم الأداء لكل من هؤلاء ، وهؤلاء بتعاقب رفيقين على أمر واحد وجعل المصنف المشبه الحكم ، وفي الكشاف إنه المحكوم به ، وهو أداء المهر ، ولا تسامح فيه لأنه كما اتحد الحكم اتحد المحكوم به نوعا فتأمّل. قوله : ( وقيل معناه إن فاتكم الخ ) فالعقبى مجاز بمعنى الغنيمة ، وتأويله كما قال الزجاج : كانت العقبى لكم أي الغلبة حتى غنمتم فهو من إقامة السبب مقام المسبب لأنّ الغنيمة مسببة عن الغلبة إذ المعنى أصبتموهم بعقوبة حتى غنمتم ، وقوله : يبايعنك حال مقدرة. قوله : ( نزلت يوم الفتح ) بيان لوقت النزول ، وسببه كما هو شأن المفسرين ، وليس! هذا مأخوذا من النظم كما توهم حتى يقال : لا دلالة فيه على ذلك إلا بضم ضميمة ، وما ذكره المصنف عليه الأكثر إلا البخاريّ فإنه أوردها في بيعة الرجال ، ولا يساعده النظم ، وقوله : يريد وأد البنات يعني بالقرينة الخارجية ، وإن كان الأولاد أعمّ منهن. قوله تعالى : ( { يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } ( في شرح البخاريّ للكرماني ما معناه لا تأتوا ببهتان من قبل
أنفسكم ، واليد والرجل كناية عن الذات لأنّ معظم الأفعال بهما ، ولذا قيل للمعاقب بجناية قولية هذا ما كسبت يداك أو معناه لا تنشؤه من ضمائركم ، وقلوبكم لأنه من القلب الذي مقرّه بين الأيدي والأرجل ، والأوّل كناية عن إلقاء البهتان من تلقاء أنفسهم ، والثاني عن كونه من دخيله قلوبهم المبنية على الخبث الباطني ، وقال الخطابيّ : معناه لا تبهتوا الناس كفاحا ، ومواجهة كما يقال للآمر بحضرتك إنه بين يديك ، ورد بأنهم وإن كنوا عن الحاضر يكون بين يديه فلا يقال بين أرجله ، وهو وارد لو ذكرت الأرجل وحدها أما مع الأيديّ تبعاً فلا فالمخطئ مخطئ ، وهو كناية عن خرق جلباب الحياء ، والمراد ، النهي عن القذف ، ويدخل فيه الكذب والغيبة انتهى ، وفي الكشاف كانت المرأة تلتقط المولود ، وتقول لزوجها هو ولدي منك فكني بالمفتري بين يديها ، ورجليها عن ذلك الولد لأنها تحمله في بطنها كذلك ، وهو غير الزنا فلا تكرار فيه. قوله : ( في حسنة تأمرهن بها ) يعني المراد ما عرف حسنه من قبل الشرع وفي النهاية المعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة اللّه ، والإحسان إلى الناس ، وكل ما أمر به الشرع ونهى عنه اهـ . قوله : ( والتقييد بالمعروف الخ ) يعني إذا جاز مخالفة الرسول إذا أمر بغير المعروف أي الحسن شرعاً مع عظم شأنه ، وكونه لا يأمر بغير معروف فما ظنك بغير. ، وهو زجر عما يتخيله بعض الجهلة من أنّ إطاعة أولى لأمر لازمة مطلقاً. قوله : ( بضمان الثواب الخ ) متعلق بقوله : بايعهن ، وقولى : على الوفاء(8/189)
ج8ص190
متعلق بالثواب وبهذه الأشياء متعلق بالوفاء ومبايعة الناس للإمام بعهد الإطاعة لأوامره ونواهيه ومبايعة الإمام قبول ذلك منهم واثابتهم عليه. قوله : ( أو اليهود ( لأنهم عبر عنهم في غير هذه الآية بالمغضوب عليهم وقوله : لكفرهم الخ لف ونشر مرتب فالأوّل ناظر لأنّ المراد بالقوم عامّة الكفار وقوله : أو لعلمهم الخ ناظر لقوله : أو اليهود الخ. قوله : ( أن يبعثوا الخ ( بدل اشتمال من أصحاب القبور متعلق بقوله : يئس. قوله : ( أو يثابوا أو ينالهم خير منهم ( فالمعنى أن يأس هؤلاء من الآخرة كيأس الكفار الذين ماتوا وسكنوا القبور وبينوا أنهم لا حظ لهم في الآخرة من الثواب أو أنهم لا ينالون خيراً من هؤلاء الأحياء فليس المراد بالكفار قوماً غضب الله عليهم وقوله : من أصحاب القبور بيان للكفار فهو ظرف مستقرّ حينئذ وهذا هو التفسير الثاني. قوله : ( وعلى الأوّل ( أي على التفسير الأوّل وا! المراد بالكفار قوم غضب الله عليهم
يكون من وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا لكفرهم وبياناً لما اقتضى الغضب عليهم أو لما حصل لهم اليأس واليه أشار بقوله : للدلالة الخ. قوله : ( عن النبئ صلى الله عليه وسلم ) هو من حديث أبيّ المشهور وهو موضوع كأكثر الأحاديث التي ذكرت في فضائل السور ووجه ما فيه أنه ذكر فيه أحوال المؤمنين والمؤمنات من الصحابة والمهاجرين والمهاجرات كما مرّ تصت السورة الكريمة بحمد الله ومنه ويمنه والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والرسل الكرام وعلى من اتبعه من الأصحاب والآل والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة ما تعاقبت الليالي والأيام.
سورة الصف
وتسمى سورة الحواريين ولا خلاف في عدد آياتها وأنما الخلاف في كونها مدنية وعليه الجمهور أو مكية واليه ذهب الحسن وبعض الصحابة وسيأتي ما فيه إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( روي الخ ) رواه الحاكم وهو سبب النزول وقوله : إنّ اللّه يح!ث الذين الخ وجه الدلالة على أنهم أحب إلى الله تعالى وأعمالهم أحب الأعمال عنده مع أنّ المذكور فيها أنه يحبهم فقط أنّ تخصيصهم في مقام المدح يقتضي اختصاصهم بمحبة الله دون غيرهم من المؤمنين الذين لم يقاتلوا فلو كان على ظاهره اقتضى أنّ غيرهم مبغوض له فحمل على الأحبية لقيام القرينة العقلية عليه فلا يتوهم عدم المطابقة فيه وقوله : يوم أحد مما يدل على أنها مدنية. قوله : ( لكثرة استعمالهما معاً ) فلذا استحق التخفيف دون غيره واثبات الكثرة فيه أمر عسير وسيأتي فيه كلام وقوله : واعتناقهما بالجر معطوف على كثرة لا على ما أضيف إليه فإن قلت : كل حرف جر مع مجروره كذلك فلا وجه للتخصيص المذكور قلت الظاهر أنه يعني إنّ قولك لم فعلت مثلاً المستفهم عنه علة الفعل فهو كالمركب من العلة والفعل والعلة مدلول اللام والفعل مدلول ما لأنها بمعنى أفي شيء والمفيد له مجموع الحرف ومدخوله فقد اعتنقا في الدلالة على المستفهم عنه إذا دخله الحرف وعند عدمه المسؤول عنه الفعل وحده وما قيل إنّ كليهما متعلق به الحرف لفظاً ومعنى وما الاستفهامية معنى فكانا من هذه الجهة ككلمة واحدة لا
محصل له وقول النحاة إنه للفرق بين الخبر والاستفهام مع ما فيه أظهر من هذا. قوله : ( ونصبه ) أي مقتا وقوله : للدلالة ليس علة لنصبه على التمييز كما لا يخفى على من له أدنى تمييز وإن كان ظاهره كذلك بل لذكره منصوبا بحسب المعنى موصوفا بما ذكر لكنه تسمح فيه اعتمادا على ظهور المراد الدافع للإيراد وقيل : إنّ نصبه تمييزا للنسبة يقتضي كونه بمعنى الفاعل ومتحدا معه ويلزمه أن الفاعل وهو القول مقت خالص من شائبة تشوبه وقوله : كبر الخ إشارة إلى فائدة قوله : عند الله وقد مرّ الكلام على كبر وافادته التعجب ونصب التمييز بعده في الكهف وقوله هذا بدل من قولهم ومقت خبر أنّ وقوله : خالص الخ من كونه كبيرا عند الله لما ذكره وقوله : يحقر إما تفعيل واما ثلاثي بكسر القاف وضمها من باب ضرب وكرم وقوله : مبالغة تعليل للدلالة وقوله : مصطفين إشارة(8/190)
ج8ص191
إلى أنه حال مؤوّل بالمشتق ، وقوله : في تراصهم الخ بيان لوجه التشبيه بالبنيان المرصوص ، ويفهم أنهم يقاتلون مشاة لأنّ التراص ظاهر فيهم كما قيل. قوله : ( حال الخ ) أي من المستكن في الحال الأولى ، وهو صفا لتأويله بالمشتق ، وهذا بيان لقوله في الكشاف صفا كأنهم بنيان الخ. حالان متداخلتان كما في الإنصاف ، ولم يرتض قوله في الانتصاف أنّ معنى التداخل أنّ الحال الأولى مشتملة على الحال الثانية فإنّ هيئة التصاف هي هيثة الارتصاص فإنه خلاف المعروف من التداخل في اصطلاح أهل العربية وكون التصاف مشبهاً بالتراص لا يأباه كما توهمه الطيبي. قوله ( مقدّر باذكر الخ ( يعني هو مفعول به لا ذكر مقدّر كما مرّ أو هو ظرف متعلق بفعل مقدّر يدل عليه ما بعده كزاغوا ونحوه والجملة معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة ، والعصيان مخالفة أمره ، والإدرة بضم الهمزة ، وسكون الدال المهملة وبراء مهملة مرض يكبر منه الخصاء ، وكان موسى عليه الصلاة والسلام لحيائه إذا اغتسل بعد عن الناس فقالوا : إنّ له أدرة في القصة المشهورة. قوله : ( بما جئتكم من المعجزات ) إمّا متعلق بتعلمون ، والباء للاستعانة أو برسول والباء للتعدية وقوله : مقرّرة للإنكار الدال عليه قوله : لم تؤذونني فإنه استفهام إنكاري والتقرير لأنّ من علمت نبوّته كان حقه التوقير لا الأذية ، وقال بنبوّته دون رسالته كما في النظم إما لأنه إذا لزم من نبوّته هذا لزم من رسالته بالطريق الأولى أو المراد به الرسالة ، وعدل عنها لأنها محتملة لغير المراد وقوله ، وقد لتحقيق العلم أي لا للتقليل ، ولا للتقريب لعدم مناسبته للمقام. قوله : ( صرفها عن قبول الحق ) زاد القبول هنا ليصح كونه جواباً للما مترتباً على زيغهم لأنه كان الظاهر العكس ، وأن يقال : لما
أزاغ اللّه قلوبهم زاغواه ، وبهذا يظهر الترتب ، وقوله : هداية موصلة يعني لا مطلق الدلالة فإنها واقعة غير منتفية بل عامّة. قوله : ( ولعله لم يقل يا قوم الخ ) المراد بكونه لا نسب له فيهم النسب المعروف المعتاد ، وهو ما كان من قبل الأب والا فأمه مريم من أشرفهم نسباً ، وقيل : إنه للاستعطاف وفيه أنه لو قال : يا قومي كان الاستعطاف فيه أظهر وكأنه إنما لم يقل ذلك إشارة إلى أنه عامل بالتوراة وأنه مثلهم في أنه من قوم موسى هضما لنفسه بأنه لا اتباع له ، ولا قوم ولعل هذا أحسن وأظهر ، وكأنّ القائل عناه ولكنه لم يفصح عنه. قوله : ( والعامل في الحالين ) يعني مصدّقا ومبشرا فإنهما حالان من الضمير المستتر في برسول فيعمل فيهما لأنه في معنى الفعل لا الجارّ ، وهو قوله : إليكم لأنه ظرف لغو لتعلقه بالرسول ، والجارّ قد يعمل في الحال وش!مى عاملاً معنويا لكنه إذا كان مستقرّاً لأنه لنيابته عن متعلقه يعمل عمله. قوله : ( يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ) ذكره بأشهر أسمائه إشارة إلى أنه أكثر الأنبياء حامدا ومحموداً لأنّ أحمد وإن احتمل كما قيل كونه اسم تفضيل من الحامدية والمحمودية فإنّ الأشهر المقيس هو الأوّل كما ذكره النحاة نعم هو سمع فيه بالمعنى الثاني نحو العود أحمد فلا بأس بالتخريج عليه بعد الورود عن العرب. قوله : ( فذكر أوّل الكتب المشهورة الذي الخ ) هو وصف أوّل منصوب محلاً ، والنبيّ معطوف على أوّل يعني أنه جعل الأوّل ، والآخر كناية عن الجميع كالصباح ، والمساء إذ جعل عبارة عن الأيام فلذا خصهما بالذكر. قوله : ( الإشارة إلى ما جاء به ( إشارة إلى أنّ التنكير مع تأنيث البينات لتأويله بما جاء به ، وقوله : أو إليه يعني إلى عيسى عليه الصلاة والسلام فتذكيره ظاهر. قوله : ( لا أحد أظلم الخ ) لأنّ الاستفهام إنكاريّ وهو نفي معنى ونفي الأظلمية صادق بنفي المساوأة أيضا كما مرّ مراراً ، وقوله : ممن يدعي الخ بيان لوجه التقييد بالجملة الحالية هنا ، وأنّ لها مدخلا عظيما في الأظلمية كقولك : أتهين زيداً وهو صديقك القديم ، وضمير المقتضى له راجع لمن يدعي إلى الإسلام وقوله : فإنه أي الافتراء على الله ، وقوله : يعم إثبات المنفيّ الخ الظاهر أنه لف ونشر مشوّس فإثبات المنفيّ إثبات السحر
للآيات ، وهو منفي عنها ونفي الثابت نفي رسالته الثابتة بالمعجزات ، والآيات الحقة في الواقع ويصح كونه مرتبا فإثبات المنفيّ إثبات كذب الرسول المنفي عنه ، ونفي الثابت نفي حقية الآيات بجعلها تخيلا وسحرا ، والأوّل أولى. قوله : ( يقال دعاه وادّعاه ) بمعنى كلمسه ، والتمسه فيجوز أن يكون تفسيراً(8/191)
ج8ص192
وتمثيلاً لأنه بمعنى الطلب أيضاً ، وقوله : لا يرشدهم مرّ توجيهه قريبا. قوله : ( واللام مزيدة الخ ) في هذه اللام مذاهب للنحاة أحدها أنهار زائدة والفعل منصوب بأن مقدرة بعدها وزيدت لتأكيد معنى الإرادة لما في لام العلة من للإشعار بالإرادة ، والقصد فإنك تعني إذا قلت : جئتك كرمك أردت أنّ قصدي بالمجيء إكرامك كما زيدت بين الأسماء لتأكيد معنى الإضافة فيها في نحو لا أبا لك فإنها لو لم تكن زائدة لم يعرب أب بالحروف لاختصاصه بالإضافة ، والإضافة كاللام تدلّ على الاختصاص فلذا أكدتها لكنه لم يعامل معاملة المضاف للضمير ، ونحوه من كل وجه لأنّ اسم لا لا يكون معرفة فيسقط استشكاله بما ذكر. قوله : ( أو يريدون الافتراء ليطفؤوا ( هذا هو المذهب الثاني ، وهو أنه! غير زائدة للتعليل بل ومفعوله محذوف وهو الافتراء كما ذكره المصنف ، والثالث أنّ حال محل المصدر مبتدأ والمجرور بلام التعليل خبره أي إرادتهم كائنة للإطفاء ، وهو ضعيف لتأويل الفعل بالمصدر من غير سابك ، والرابع مذهب الفراء وهو أنّ اللام مصدرية بمعنى أن من غير تقدير ، وهو مفعول به ويكثر ذلك بعد فعل الإرادة والأمر ، والخامس أق يريدون نزل منزلة اللازم لتأويله بيوقعون الإرادة قيل : وفيه مبالغة لجعل كل إرادة لهم للإطفاء ، وفيه كلام في شرح المغني وغيره. قوله : ( يعني دينه الخ ) فنور الله استعارة تصريحية والإطفاء ترشيح ، وقوله : بأفواههم فيه تورية حينئذ ، وكذا قوله : نوره لكن قوله : متم تجريد لا ترشيح له ، وقوله : بالإضافة أي إضافة متم لنور. وجعله في الكشاف استعارة تمثيلية تمثيلا لحالهم في اجتهادهم في إبطال الحق بحال من ينفخ الشمس بفيه ليطفئها تهكما وسخرية بهم كما يقول الناس هو يطين عين الشمس ، وهو أبلغ وألطف مما اختاره المصشف. قوله : ( إرغاماً لهم ) مفعول له وتعليل لقوله. متم نوره والإرغام التخييب والتذليل وأصله إلصاق الأنف بالرغام وهو التراب ، وقوله : بالقرآن أو
المعجزة بجعله نفس الهدى وهو هاد مبالغة فهو مجاز فيه ، وقولى : لما فيه متعلق بقوله : كره. قوله : ) استئناف الخ ( كأنه جواب سؤال تقديره ما هذه التجارة دلنا عليها ، وقوله : وهو الجمع الضمير للتجارة وذكره مراعاة للخبر وهو الجمع وإنما فسره به لأنهم مؤمنون فلا يفيد وصفهم أو أمرهم بالإيمان فلذا أشار إلى أنّ المراد يجمعون بين الإيمان والجهاد وبين تكميل النفس والغير ، وقد أوّل أيضاً بيثبتون ويدومون على الإيمان أو بجعل الخطاب للمؤمنين ظاهرا فالمراد تخلصون الإيمان وقوله : المؤذي إلى كمال غيرهم صفة الجهاد لأنه يحملهم على الإسلام ، وليس المراد به إعطاء المال لمن يجاهد فإنه غير مراد له كما توهم. قوله : ( والمراد به الأمر الخ ) يعني المراد آمنوا وجاهدوا لكنه عبر عنه بالمضارع الدال على تجدد وقوعه مستمراً والله تعالى أخبر عنه ، وخبر الصادق لا يتخلف وهذا جار في كل خبر أريد به الأمر أو الدعاء كرحمه الله كما حققه العلامة في أماكن كثيرة ولا يلزم أن يكون مذكوراً للتعليم والأصل فيه الأمر والنهي كما توهم ، وأضعف من هذا اذعاء أنه في تأويل مفرد وأصله أن تؤمنوا فلما حذفت إن ارتفع الفعل لأنه يوهم من قوله : الأمر أن لفظ الأمر مقدر فيه ، وهو وهم غريب منه غرّه ظاهر كلام شراح الكشاف. قوله : ( يعني ما ذكر ( توجيه لأفراد اسم الإشارة ، وقوله : إن كنتم من أهل العلم إشارة إلى تنزيل يعلمون هنا منزلة اللازم أو لا حاجة إلى تقدير مفعول له ، وهذا أخصر وأبلغ مع أنّ تقديره إن كنتم تعلمون أنه خير لكم لا وجه له إذ هو خير لهم على كل حال علموا أو لا ، ولذا تركه المصنف ، وقوله : إذ الجاهل لا يعتد بفعله حتى يوصف يالخيرية لا لأنه لا يثاب فإنه باطل. قوله : ( ويبعد جعله جوابا لهل أذلكم ) كما قاله الفراء فإن مجرّد دلالة الله لهم على ما ينفعهم لا يوجب المغفرة لهم إنما الموجب لها الإيمان والجهاد ، ولذا أوّله الزمخشري ، وقال : لما كان متعلق الدلالة التجارة المفسرة بالإيمان والجهاد فكأنه قيل هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم وفي الانتصاف لا حاجة إلى هذا التأويل فإنه كقوله : { قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ } [ سورة إبرأهيم ، الآية : 31 ] لأنّ الأمر الموجه للمؤمن الراسخ في الإيمان لما كان مظنة لحصول الامتثال جعل كالمحقق ، وقوعه والدلالة لما كانت مظنة لذلك نزلت منزلة المحقق ، ويؤيده قوله : إن كنتم تعلمون لأنّ من له عقل إذا دله سيده على ما هو خير له لا يتركه ، وادّعاء الفرق بين المقامين لما ثمة من الإضافة التشريفية
وهنا من المعاتبة(8/192)
ج8ص193
غير ظاهر فتدبر. قوله : ( الإشارة إلى ما ذكر الخ ) توجيه لأفراد اسم الإشارة أيضا ، وقوله : ولكم إلى هذه النعمة أي مضمومة إليها فأخرى صفة لمبتدأ مقدر ، وخبره محذوف وهو لكم ولعل هذه الجملة حالية لا معطوفة على يغفر الخ بحسب المعنى ، وقوله : منصوبة بإضمار يعطكم كقوله :
علفتها تبناً وماء باردا
وقوله : أو تحبون أي أخرى فهو مفعول لمقدر يفسره ما بعده على شريطة الاشتغال ، وقوله : وهو أي نصر والأولى كونه مبتدأ خبر. مقدر ، وقوله : على البدل أي على وجوه النصب والمراد بالاختصاص نصبه بأعني مقدراً لا مصطلح النحاة ، وقوله : أو المصدر أي تنصرون نصراً. قوله : ( عطف على محذوف ( وهو قل المقدر قبل قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ } [ سورة الصف ، الآية : 0 ا ] الآية كما أشار إليه ، وقوله : فإنه في معنى الأمر كما مز وقدره الزمخشريّ آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم وبشر المؤمنين ، وقدره بما ذكر ليبين أن الفواصل غير أجنبية وفي الإيضاح فيه نظر لأنّ المخاطب بتؤمنون المؤمنون وببشر النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم إنّ قوله : تؤمنون بيان لما قبله وبشر لا يصلح لذلك ، وأجيب بأن تؤمنون شامل للنبيّ-!ر وأمّته ما تقرّر في الأصول وإذا فسر بامنوا وبشر دل على تجارته صلى الله عليه وسلم الرابحة وتجارتهم الصالحة وقدم آمنوا لأنه فاتحة الكل ولو سلم فلا مانع من العطف على الجواب ما هو زيادة عليه إذا ناسبه وهذا أولى الوجوه عند صاحب الكشف كتقدير أبشر يا محمد وبشر وتقدير قل ، وجعل بشر أمرا بمعنى الخبر كما في قوله : أبطئي أو أسرعي ، وسبق النداء على الأمر ليس بلازم إذا لم يكن لبس كقوله : { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي } [ سورة يوسف ، الآية : 29 ] كما مرّ فلا يلتفت لما هنا من القيل والقال. قوله : ( بعض أنصار الله ) فالتنوين للتبعيض لا للتعظيم ، وقوله : ليطابق الخ يعني إلى بمعناها لتضمينه ما ذكر لا بمعنى مع لأنّ ما بعده إنما يطابقه معنى على الأوّل اللهم إلا أن يقدر نحن أنصار نبيّ الله كما قيل. قوله : ( والإضافة الأولى ) أي إضافة
أنصاري والاشتراك هنا في النصرة والتوجه إلى اللّه ، وقوله : لما بينهما من الاختصاص لأنهما لما اشتركا في نصرة الله كان بينهما ملابسة تصحح إضافة أحدهما للآخر وأمّا الاختصاص! الإضافي الحقيقي فغير موجود فيهما ففي عبارته قصور مّا ، وقوله : والثانية يعني أنصار الله فإن معناه ننصر الله. قوله : ( والتشبيه الخ أليس التشبيه على ظاهره من تشبيه كون المؤمنين أنصار اللّه فقول عيسى إذ لا وجه لتشبيه الكون بالقول بل مؤوّل بما ذكر وجعل التشبيه باعتبار المعنى على تقدير قل لظهوره فيه وانصباب الكلام إليه ، وقوله : أو كونوا الخ فما مصدرية وهي مع صلتها ظرف والأصل ككون الحواريين أنصارا وقت قول عيسى ، ثم حذف المظروف ، وأقيم ظرفه مقامه وقد جعلت الآية من الاحتباك والأصل كونوا أنصار الله حين قال لكم النبيّ من أنصاري إلى الله كما كان الحواريون أنصار الله حين قال لهم : عيسى من أنصاري إلى الله فحذف من كل منهما ما دل عليه المذكور في الآخر وهو كلام حسن. قوله : ( من الحوار وهو البياض ) وفي نسخة الحور بغير ألف وقد مرّ في آل عمران أنهم سموا به لنقاء ظاهرهم وباطنهم ، وقيل : كانوا يلبسون البياض ، وقيل : كانوا قصارين وقيل الحواريون المجاهدون ، وقوله : ( عن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ ) الحديث موضوع تمت ، السورة والحمد لله على نعمائه ، والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه وعلى آله وأصحابه وأحبائه.
سورة الجمعة
مدنية والقول بأنها مكية غلط لأن الجمعة وأمر اليهود لم يكن إلا بالمدينة ولا خلاف في
عدد آياتها المذكور.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( لآنّ كثرهم الخ ) قيد به لأنّ منهم من قرأ وكتب ومن أطلق أراد ذلك أيضاً ، وقوله : من جملتهم بيان لأنّ من تبعيضية والبعضية إما باعتبار الجنس فلا تدل على أنه أمّيّ أو باعتبار الخاصة المشتركة في(8/193)
ج8ص194
الأكثر فتدل على ذلك ويزكيهم بمعنى يطهرهم ، وقوله : من خبائث متعلق به والشريعة تفسيير للحكمة لأنها فسرت بعلم الشرائع والشريعة ، وقوله : من المنقول والمعقول بيان للكتاب والحكمة على اللف والنشر المرتب والمراد بالمعالم نفس الأمور العقلية والنقلية التي يعلم بها الدين جمع معلمة ، وهو المحل الذي يعلم منه الشيء كالمسألة محل السؤال مجاز إلا الأدلة فإنه غير مناسب هنا فالكتاب والحكمة كناية عن جميع العقليات والنقليات كالسموات والأرض لجميع الموجودات والأنصار والمهاجرين لجميع الصحابة ، وقوله : سواه أي سوى ما ذكر كما قال في البردة :
كفاك بالعلم في الأ!ي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم
قوله : ) وإرّاحة الخ ( هذا وما قبله مأخوذ من قوله : هو الذي بعث إلى هنا ، ولم يبين أنّ
نسبة الضلال إليهم باعتبار الأكثر اعتماداً على ما مز فلا يرد أن منهم مهتد كورقة وأضرابه كما توهم ، وتوله : وإن هي المخففة لا شرطية ولا نافية واللام تختص بها ، ولذا سميت الفارقة وآخرين جمع أخرى بمعنى غير وقوله : منهم التخصيص بالذكر للعرب أو للأميين منهم لا ينافي عموم رسالته ، ودعوته صلى الله عليه وسلم سواء قلنا باعتبار المفهوم أولاً لأنّ المذكور هنا قومه وجنسه
الذين بعث فيهم ، وهو خاص بلا كلام والعامّ المبعوث إليهم ولم يتعرض له هنا نفيا واثباتاً فلا وجه لما تكلفوه هنا مما لا يرد رأسا فيحتاج للدفع كما توهم ، وقوله : فإنّ دعوته إذا عطف على الأقيين وتعليمه على ما بعده ففيه لف ونشر مرتب. قوله : الم يلحقوا بهم بعد ( أي إلى الآن وسيلحقون وهو إشارة إلى أنّ لما نافية جازمة كلم إلا أن نفيها يستمرّ إلى الحال ، ويتوقع وقوعه بعده وهو الفرق بينه وبين منفي لم كما ذكره النحاة ، وقوله : الخارق للعادة يعني جمعه للعلوم بالشرائع وغيرها وهو أمي بين قوم أميين وهو بيان لارتباطه بما هو دليل له ، وقوله : عن أقرانه يعني من قومه وأهله وهذا أولى أو من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لامتيازه عليهم بما أوتيه من العلم لا بعموم دعوته لما مرّ من أنه لم يتعرض له هنا. قوله : ( علموها ( بالمجهول من التفعيل ، والتحميل في هذا شائع يلحق بالحقيقة ، وقوله : لم يعلموا الخ لتحريفهم وتعطيلهم لكثير من أحكامها ومن ذلك ذكر خاتم الرسل ونعته والتبثير به ، وقوله : حال لتعريفه وكون المضاف عاملاً فيه ، وقوله : أو صفة لا! تعريفه ذهني فهو معنى نكرة فيوصف بما توصف به ، وقوله : أي مثل الذين كذبوا الخ يعني أن مثل القوم فاعل بئس والذين كذبوا هو المخصوص بالمدح بتقدير مضاف كما ذكره فيتحد الفاعل والمخصوص ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وإذا كان صفة للقوم فالمخصوص بالمدح محذوف والتقدير مثلهم أو هو وتهادوا وتهوّدوا بمعنى صاروا يهودأ. قوله : ) إذ كانوا يقولون نحن أولياء الله وأحباؤه ) تفسير لقوله : زعمتم وفيه إشارة إلى انّ قولهم : ذلك محقق فاستعمل فيه إن التي
للشك إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يجزم به لوجود ما يكذبه ، وقوله : وأحباؤه عطف تفسير بيانا لأنّ المراد بالأولياء هنا الأحباء ، وقوله : إن كنتم صادقين لأنّ الحبيب يتمنى لقاء من يحب ولا يفر منه. قوله : ( والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط ) أراد بالاسم اسم إن وهو ردّ على من زعم أنّ الفاء إنما تدخل الخبر إذا تضمن المبتدأ معنى الشرط ، والمتضمن له الذي وليست بمبتدأ بأنه صفة اسم إنّ الذي هو بحسب الأصل مبتدأ والصفة ، والموصوف كالشيء الواحد ولأن الذي يكون في الأغلب صفة ، وإذا لم يذكر لموصوف تدخله الفاء فكذا إذا ذكر وهو كلام حسن. قوله : ( وكان فرارهم يسرع لحوقه ) أي الموت بهم هو من الفاء في قوله فإنه ملاقيكم فإنها نفيد تعقيب ملاقاته المفسرة باللحوق فيما مرّ وليست هذه الفاء لازمة كالتي في الجواب الحقيقي فإقحامها لنكتة تليق بالمقام ، وهي ما ذكر فكان الفرار الذي أعدوه سببا للنجاة سبباً للهلاك تعكيساً للحال ، فما قيل من أنّ الأولى أن يقال. كان فرارهم يلحقه بهم والتشبيه في الترتب لا محالة ولا تظهر دلالته على الإسراع إلا إذا قيل الفاء الجزائية تدل على التعقيب ، وفيه ما فيه ليس بشيء لما عرفته مع أنّ الترتب صادق بالسرعة فيحمل على أكمل الإفراد. قوله : ( ويجوز أن يكون الموصول الخ ) والتعقيب بحاله والمعنى ما مرّ من أنّ الفرار مستعقب لموتهم ملحق له بهم ، وقوله : أذن لها(8/194)
ج8ص195
أطلقه ولها أذانان أذان خارح المسجد ، وأذان بعده بين يدي المنبر إذا جلس الخطيب ، وفي الكشاف أنّ الثاني هو المراد ويعينه أنّ الأوّل لم يكن على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم وإنما أحدثه عثمان رضي الله عنه كما صرحوا فكيف يقال المراد الأوّل في الأصح لأنّ الإعلام به ، وأمّا كون الثاني لا إعلام فيه فلا يضر لأنّ وقتة معلوم تخميناً ولو أربد ما ذكره وجب بالأوّل السعي ، وحرم البيع وليس كذلك وفي كتاب الأحكام روي عن ابن عمر والحسن رضي الله عنهم في قوله : إذا نودي الخ قال : إذا خرج الإمام وأذن المؤذنون فقد نودي للصلاة ، أن فهو التفسير المأثور فلا عبرة بغيره.
قوله : ( بيان لإذا ) من هذه تحتمل التبعيض وأن تكون بمعنى في كما ذهب إليه أبو البقاء
فإن أراده المصنف رحمه الله فالبيان لغوي لأنّ تعيين اليوم الذي فيه ذلك الوقت تعيين له ، ولا لبس فيه لأنّ المعاني متقاربة ومثله يسمى إجمالاً لا لبساً لأنّ الليس باحتمال ما لا يصح كما ذكره ابن الحاج في المدخل ، وظاهره أنه أراد البيان المشهور لكن أورد عليه أنّ شرط من
البيانية أن يصح الحمل فيها ، وهو منتف هنا لأنّ الكل لا يحمل على الجزء ، واليوم لا يصح أن يراد به هنا مطلق الوقت لا لأنّ قوله تسميه العروبة يمنعه لأنه يجوز فيه الاستخدام بل لأنّ يوم الجمعة علم لليوم المعروف لا يطلق على غيره في العرف ، ولا قرينة عليه هنا. قوله : ( وإنما سمي جمعة لاجتماع الناس فيه ) هذه عبارة اللغويين وظاهر. أنّ الجمعة وحدها من غير يوم علم ولا مانع منه ، واضافة العامّ المطلق إلى الخاص جائزة مستحسنة إذا خفي معنى الثاني أو كان مثتركاً بينه وبين غيره كمدينة بغداد وشجر الإرأك بخلاف إنسان زيد فإنه قبيح وما نحن فيه من الأوّل لأنّ التسمية حادثة ، وإن اختلف أهل اللغة فيها هل حدثت في الإسلام أو قبله فلا حاجة إلى تقدير المضاف هنا إلا أن يقال العلم مجموعه وهو محتمل أيضا. قوله : ( وكانت العرب تسميه العروبة ) هذا بناء على أنّ هذا الاسم حدث في الإسلام وأوّل من استعمله الأنصار ، وقيل : إنه جاهليّ وأوّل من سماه كعب بن لؤي مصغرا تصغيرا لأي وعروبة علم جنس يستعمل بال وبدونها ، وقيل : أل لازمة والأصح الأوّل وأوّل جمعة مبتدأ وجمعها صفة جمعة ، وقوله : في دار لبني سالم خبره ، وقوله : إنه لما قدم بالفتح وقبله لام أو باء مقدرة ، وهو مقدم من تأخير ويجوز الكسر على أنها جملة معترضة وفي العبارة نوع من الخفاء لا يخفى مثله وما ذكر. من أنّ أوّل جمعة صلاها النبيّ صلى الله عليه وسلم وأوّل جمعة فعلت في الإسلام قبل قدوم النبيّ صلى الله عليه وسلم للمدينة صلاها ابن زرارة وبه يلغز في صلاة مفروضة صلاها الناس قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقوله : وأوّل جمعة أطلق الجمعة على الصلاة مجازاً كما تطلق مجازاً على أيام الأسبوع أو فيه مضاف مقدر أي صلاة جمعة. قوله : ( قصدا ) المراد بالقصد هنا الاعتدال لا التعمد فإنه مشترك بينهما وقوله : فإنّ السعي الخ تعليل لكون المراد بالسعي عدم الإفراط في السرعة ، وهو المعروف في اللغة وتفسيره في القاموس بعد ألا يخلو من شيء ، وقوله : والذكر الخطبة مجازا من إطلاق البعض على الكل كإطلاقه على الصلاة أو لأنها كالمحل له ، وقوله : والأمر بالسعي إليها الخ الظاهر عود ضمير إليها للخطبة لأنّ إطلاقها على الصلاة ممرض غير مرضي له ولأنه المحتاج للدليل ، وقيل : إنه يجوز عوده لكل واحد منهما. قوله : ( واتركوا المعاملة ( فالبيع مجاز عن مطلق المعاملة بيعاً وشراء واجارة وغيره أو هو دال على ما عدا. بدلالة النص وقوله : فإن نفع الآخرة خير إشارة إلى أنّ التفضيل فيه مراد لأنّ الخيرية تعم الثواب ، وغيره فهي مطلق
النفع. قوله : ( أو إن كنتم من أهل العلم ) فمفعوله محذوف أو لا مفعول له لتنزيله منزلة اللازم واقتصاره على الثاني في الصف كما مرّ قيل : لأنه في مقام العتاب ، وهو المناسب له وقوله : فرغ منها إشارة إلى ما في التنقيح وغيره من كتب الأصول من أنّ القضاء يكون بمعنى الإتمام كما مرّ في قوله : { فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ } [ سورة البقرة ، الآية : 200 ] وله معان أخر وقوله : إطلاق لما حظر أي منع فهو إباحة للمعاملة بعد الفراغ منها ، وقد كانت ممنوعة وهذا توطئة لما بعده. قوله : ( واحتج به من جعل الأمر الخ ( الأمر هنا للإباحة على الأصح وفي شرح البخاري للكرماني أنه متفق عليه وفيه نظر لأنه قيل : إنه للوجوب كما نقله السرخسي ، وقيل : إنه للندب كما نقل عن سعيد بن جبير وهو الأقرب لما فيه من عدم التشبه بأهل الكتاب في تعليل يوم السبت والأحد ، وهذا اليوم لنا بمنزلته ، واختلف(8/195)
ج8ص196
الأصوليون في الأمر الوارد بعد المنع ، فقيل : للإباحة استدلالاً بما هنا فإنه لم يذهب أحد من أصحاب المذاهب المشهورة إلى أنه للإيجاب ، وهذا عائد بالنقض في دليله ومدلوله ، أمّا في دليله فلأن الأصل بقاء الأمر على أصله من الإيجاب أو الندب ، وهذا مثال جزئيّ لم يحمل عليه ، لأنّ الاتفاق على خلافه قرينة مانعة عن إرادته ، ولأنّ المعاملات حق شرع للعبد رفقا به ، فلو أوجب أو طلب كان مشقة لا رفقا به ، وأشار المصنف رحمه الله إلى دفعه بالحديث أيضا ، فإنه دل على أن المأمور به أمر أخروي لا دنيوي ، فهو باق على الندبية ، ولا دليل فيه لهم على الإباحة وتفصيله في الأصول. قوله : ( واذكروه في مجامع أحوالكم ) أي في كل مكان لكم جامع لأحوالكم ، وعدم الاختصاص مفهوم من عدم تقييده بحال ، ومكان وزمان ، والأمر للندب ، وقوله : فمرّت عليه عير بكسر العين أي إبل محملة بأنواع المأكولات المجلوبة كالبر ، وقوله : إلا اثني عشر رجلا من الصحابة رضي الله عنهم ، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجرّاج وسعيد بن زيد وبلال وعبد القه بن مسعود ، وفي رواية عمار بن ياسر بدل ابن مسعود ، وعد في مسلم منهم جابراً. قوله : ) وأفراد التجارة برد الكناية الخ ) يعني كان مقتضى الظاهر إليهما لسبق شيئين ، أو إليه بعود الضمير على
ما ذكر ، وعوده على الرؤية المفهومة من رأوا خلاف الظاهر المتبادر ، والكناية هنا بمعنى الضمير اصطلاح النحاة والمشهور هو اصطلاح أهل المعاني ، وقوله : لأنها المقصودة ، يحني فاكتفى بالأهمّ كما قرّرناه ، وفيه نظر لأنه بعد العطف بأو لا يثنى الضمير ، ولا الخبر ولا الحال ولا الوصف لأنها لأحد الشيئين حتى تأوّلوا إن يكن غنيا أو فقيراً فالله أولى بهما ، كما مز وتفصيله في إعراب السمين ، فالظاهر أن يقال : وحد الضمير لا! العطف بأو واختير ضمير التجارة دون اللهو ، لأنها الأهم المقصود وقد يقال : إنه المراد فتدبر ، وقوله : فإنّ المراد الخ بيان لأنه الأهمّ. قوله : ( والترديد الخ ) يعني العطف بأو للدلالة على ما ذكرنا ، إذ لو عطف بالواو اقتضى أن الانفضاض لهما معا ، وحينئذ فعدم ذكره لعدم الاعتداد به ، ولا تغليب فيه كما توهم ، وقوله : أو للدلالة عطف على قوله للدلالة قبله ، لا على قوله لأنها المقصودة ، كما قيل لأنه يتراءى في بادئ النظر إنه علة لتخصيصه بإرجاع الضمير إليه ، وهو ظاهر ، لكن وجه ما قلناه ، وهو المتبادر من السياق أنه سوّى بينهما وذثم الانفضاض إلى التجارة دونه اعتماداً على شذة الظهور فيه ، وأنه يعلم بالطريق الأولى فتأمّل. قوله : ) وقيل تقديره الخ ( ووجه تمريضه ما مرّ من أنه بعد العطف بأو لا يحتاج إلى الضمير لكل منهما ، بل يكفي الرجوع لأحدهما ، فهو تقدير من غير حاجة. قوله : ( بخلاف ما يتوهمونه من نفعهما ( إشارة إلى أن التفضيل عليهما ، واثبات الخبرية لهما بناء على زعمهم وتوهمهم وإلا فخيرية اللهو متوهمة لا حقيقة لها ، وخيرية التجارة غير باقية ، كما في سائر أمور الدنيا وتقديم اللهو ليس من تقديم العدم على الملكة ، كما توهم بل لأنه أقوى مذمة فناسب تقديمه في مقام الذمّ ، وقوله : وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع ، وخص الأمصار لأنها إنما تلزم فيها على ما عرف في الفقه ، تمت السورة والصلاة والسلام على المنزلة عليه وعلى آله وصحبه الكرام.
سورة المنافقون
مدنيتها وعدد آياتها لم يختلف فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( الشهادة إخبار عن علم ) هو تفسير له اتكالاً على فهم السامع ، لا تعريف حتى
يقال : إنه تعريف غير تامّ ، والتعريف التامّ هو أنها أخبار بحق للغير على آخر عن يقين ، وأمّا هذا فمنقوض بالدعوى والإقرار ، وغيره من الأخبار عما يشاهد ، وكونها بالمعنى اللغوي لا يقابل ما ذكر ، أو التعريف بالأعم جائز عند الفقهاء واللغويين مما لا حاجة إليه ، وقوله : من الشهود أي مشتقة أو ماخوذة منه ، وقوله : ولذلك أي لكون معنى الشهادة ما ذكر. قوله : ( صدّق المشهود به الخ ) المعلل في الحقيقة تكذيبهم في إخبارهم عن(8/196)
ج8ص197
أنهم شهدوا وهم لم يعتقدوا ما شهدوا به ، وأمّا تصديق المشهود فلتحقيق أنه مخالف للعلم دون الواقع ، فلا يرد ما قيل إنّ كون الشهادة ما ذكر لا يوجب تصديق المشهود به ، وإنما هو سبب لتكذيبهم في الشهادة. قوله : ( لأنهم لم يعتقدوا الخ ) متعلق بقوله : كذبهم ، يعني أنّ إخبارهم بما ذكر ليس عن علم ، فاندفع تمسك النظام بهذه الآية لما اذعاه ، من أنّ معنى الصدق والكذب مطابقة الحكم لاعتقاد المخبر وعدمها لأنه علق فيها التكذيب ، بقوله : إنك لرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو مطابق للواقع دون الاعتقاد ، فيلزم أن يكون الكذب عدم مطابقة الخبر للاعتقاد ، ولا قائل بالفصل ، فالصدق مطابقته للاعتقاد أيضا لأنا لا نسلم أنّ تكذيبهم في هذا القول ، وهو إنك لرسول الله ، بل في قولهم نشهد ، لأنّ معنى الشهادة ما مز ، فإطلاق الشهادة على الزور مجاز ، ك!طلاق البيع على الباطل ، ومن عمم الشهادة للزور يقول التكذيب في ادّعائهم صدق الرغبة ووفور النشاط في أخبارهم ، وأنه صادر عن صميم القلب وخلوص الاعتقاد ، كما تدل عليه الجملة الاسمية المؤكدة ، أو التكذيب لقولهم : نشهد الخ. لتأكيد المشهود به بما يدل على أنه مواطئ لما في القلب ، وبه رجع إلى عدم مطابقة الواقع ، وهذا الأخير ما اختاره الزمخشريّ ، وقد تقدم فيه كلام في سورة البقرة. قوله : ( حلفهم الكاذب ) كونه : كاذباً يفهم من الإضافة ، وعلى هذا هو استئناف لتعديد قبائحهم ، وقوله : أو شهادتهم هذه أي المراد بإيمانهم ، قولهم : نشهد هنا ،
والجمع باعتبار تعدد قائليه فهو استثناف لبيان ما في قلوبهم ، وقوله : فإنها أي هذه الجملة تجري مجرى الحلف ، توجيه لتسمية ما ذكر يمينا بأنّ الشهادة ، وأفعال العلم واليقين أجرتها العرب مجرى القسم ، وتلقته بما يتلقى به القسم ، كقوله : إنك لرسول الله وقوله : ولقدعلمت لتأتين منيتي إنّ المنايالاتطيش سهامها
فشبهت اليمين المقررة للدعوى بالشهادة المثبتة له ، واستعير اسمها له ، أو هو مضمن له فيؤكد بها الكلام ، كالقسم ، وقوله : وقرئ إيمانهم أي بكسر الهمزة ، وقراءة العامّة بفتحها جمع يمين. قوله : ( صذّا أو صدودا ) يعني أنّ الفعل متعد فمفعوله محذوف أي الناس ، أو لازم ، لأنّ الفعول غلب في مصدر اللازم كالجلوس ، وعلى الأوّل معناه المنع وعلى الثاني الأعراض قيل : والأوّل أظهر لأنّ إعراضهم أمر مستمر غير مسبب عن اتخاذ الإيمان جنة ، وفيه نظر لأنّ المنع لا يظهر تسببه عما قبله ، وهو مستمر أيضا فلا بد من التأويل فيه أيضاً ، وقوله : اتخذوا جواب إذا ، وقيل الجواب قالوا وقيل هو مقدّر ، وقوله : والله يعلم جملة معترضة ، لدفع إيهام أنّ كذبهم في مضمون الخبر ، وظاهره فيه تتميم لطيف كقوله :
فسقي ديارك غيرمفسدها صوب الحياء وديمة المطر
وهو من حشو اللوزينج كقول المتنبي :
وتحتقر الدنيا احتقار مجرّب يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا
قوله : ( من نفاقهم وصدّهم ) الدال عليه ما مرّ ، وقوله : أي ذلك القول يعني قوله : ساء ما
كانوا يعملون ، والإشارة بالبعيد لتقضي ذكره كما مرّ في أوّل سورة البقرة ، وقوله : أو إلى الحال المذكورة ، لو قال ما ذكر كان أحسن لما فيه من توجيه الأفراد والتذكير في اسم الإشارة ، وقوله : بالإيمان بكسر الهمزة وفتحها ، وقوله : ثم كفروا سرّاً لأنهم منافقون لا يظهرون الكفر ، ولذا أوّل ليناسب ما نحن فيه ، وثم على هذا لاستبعاد ما بين حالي الكفر والإيمان أو المراد ثم ظهر إسرارهم الكفر كما في شرح الكشاف ، وحينئذ يجوز في ثم إن تكون على حقيقتها. قوله : ( أو آمنوا إذا رأوا آية الخ ( هذا أيضا وصف المنافقين ، ويكون
إيمانهم وكفرهم فيما بينهم وبين شياطينهم ، وقيل : هذا بناء على أنّ المراد بهم أهل الردّة ، وعلى الوجه الثاني في الكشاف ، ولا يخفى أنه ليس في كلام المصنف ما يدل عليه ، وقوله : تمرنوا أي صار معتاداً لهم ، وقوله : حقية الإيمان ، وفي نسخة حقيقة الإيمان ، والأولى أصح ، وقوله : صباحتها بالفتح أي حسنها وجمالها ، وقوله : لذلاقتهم بفتح الذال المعجمة وهو انطلاق ألسنتهم وحدتها. قوله : ( فيعجب بهياكلهم ) بالبناء للمجهول ، وكذا ما بعده لأنه عليه الصلاة والسلام لا يعجبه مثل هؤلاء الصور الفارغة ، والهيكل في الأصل البناء المشرف ، والحكماء تستعمله للبناء(8/197)
ج8ص198
المعد للأصنام ، ويراد به مجازاً الأجسام القوية ، والضخم من كل شيء. قوله : ( حال من الضمير الخ ) في الكشاف وموضسع كأنهم خشب رفع على هم ، كأنهم خثب ، أو هو كلام مستأنف لا محل له ، ولم يرد بالاستثناف ما هو جواب السؤال ، ولم يحمله على أنه حال من الضمير كما قاله أبو البقاء ، وتبعه المصنف رحمه الله كما في قوله :
فقلت عسى أن تبصريني كأنما بنيّ حواليّ الأسود الخوادر
لأنّ الحالية تفيد أنّ سماع قولهم لأنهم كالخشب المسندة ، وليس كذلك ، ولقائل أن
يقول لا وجه لحمله على حذف المبتدأ ، لأنه مع حذفه أيضا مستأنف ، وهو صالح لذلك من غير اعتبار المبتدأ وتقديره فتدبر. قوله : ) في كونهم أشباحا الخ ) فيه تسمح لأنه بيان لوجه الشبه المشترك بينهما ، فكأن الظاهر أن يقول خالية عن الفائدة ، لأنّ الخشب تكون مسندة إذا لم تكن في بناء أو دعامة لشيء آخر ، كما بسطه في الكشاف. قوله : ) وقيل الخشب جمع خشباء ( وعلى الأوّل هي جمع خشبة كثمرة وثمر ، ومعناها معروف ومرّض هذا القيل لأنه خلاف المتبادر ، ولأنه لا تساعده القراءة بضمتين ، لأنّ فعلاء لا يجمع على فعل بضمتين ، بل على فعل ساكناً كحمراء وحمر ، ولذا قدمه المصنف على ذكر قراءة التسكين ، ومن غفل عنه قال : حقه أن يذكره بعد قراءة من قرأ بسكون الشين ، فإنّ هذا القول منقول عن اليزيدفي في تلك القراءة ، لأنّ قرأءة الأكثر بالضم تدل على أنّ هذه مخففة منها ، إذ الأصل توافق القرا آت ، ففيه ردّ ضمنيّ لليزيديّ أيضا ، وقوله : نخر بالنون والخاء المعجمة والراء المهملة بمعنى تفتت وبلي ، وفي نسخة دعر بمهملات كفرح بمعنى فسد ، وهو كذلك في الكشاف ، وقوله : قبح المخبر أي الباطن والخفي مما يحتاج معرفته إلى الاختبار ، وقوله : على التخفيف أي تسكين المضموم ليخف في التلفظ به ، وقوله : كبدن أي في أن سكونه أصلي وفيه ما مرّ فتدبر. قوله :
( لجبنهم ) أي شدة خوفهم لما في طبائعهم من الجبن ، وهو ضد الشجاعة ، وقوله : اتهامهم أي اتهامهم لأنفسهم بمعنى علمهم بأنهم محل تهمة للنفاق ، ونحوه مما يخشونه فهم منتظرون للإيقاع بهم ، فالاتهام افتعال من التهمة وهي معروفة ، وقوله : ويجوز أن يكون صلته أي صلة صيحة لتعلقه به لأنه يقال : صاح عليه ، وهو أحد الوجوه في إعراب السمين ، ومن لم يفهم المراد منه ، قال المراد أنه صلة يحسبون ، وفيه تسامح لأن المراد أنه نعت للمفعول الأوّل ، ولا يخفى ما فيه من الخبط والخلط. قوله : ( وعلى هذا يكون الضمير ) وهو قوله هم ، فحينئذ كان الظاهر إفراده بأن يقال : هو أو هي ، لكنه أتى بضمير العقلاء المجموع لمراعاة معنى الخبر وهو مما جوزه النحاة ، وهذا بناء على أنّ العدوّ يكون جمعاً ومفردا ، وهو هنا جمع وهذا وإن كان خلاف المشبادر لكن في معناه من البلاغة واللطف ما لا يخفى ، وهو كقول جرير :
مازلت تحسب كل شيءبعدهم خيلاتكرّعليهم ورجالا
ومنه أخذ المتنبي قوله :
وضحاقت الأرض حتى كان هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
ولبعض المتأخرين في نديم له :
لكل شيءرآه ظنه قدحا وكل شخص رآه ظنه الساقي
قوله : ( لكن ترتب قوله الخ ( لا! التحذير منهم يقتضي وصفهم بالعداوة لا بالجبن ، كما
يفيده ما قبله على الوجهين والترتب من الفاء الدالة على التعقيب ، وهذا الضمير للمنافقين بلا شبهة ، فإذا عاد ما قبله على العدوّ لزم تفكيك الضمائر ، وفي اتصال قوله : للمنافقين بقوله : قاتلهم الله إيهام لطيف لا يخفى لطفه. قوله : ) وهو طلب ( لأنه دعاء والدعاء من أقسام الطلب ، والمطلوب منه في الدعاء هو الله فيكون طالباً من نفسه لعنهم ، ويكون كما في قولك أستاذك يقول لك كذا ، وهو معدود من التجريد فلا يكون من إقامة الظاهر مقام الضمير ، لأنه يفوت به نضارة الكلام كما لا يخفى ، وقوله : أن يلعنهم الخ إشارة إلى أن قاتل بمعنى لعن وطرد ، وعلى هذا فلا طلب ، وأنما المراد أن وقوع اللعن بهم مقرر لا بد منه ، وقوله : أو تعليم فتقديره وقولوا الخ. قوله : الؤوا رؤوسهم ) هو كناية عن التكبر والأعراض ، وقوله : عن ذلك الإشارة إلى القول المذكور ، أو الإتيان أو(8/198)
ج8ص199
الاستغفار ، والظاهر الأوّل لتقييد الصد بقوله : عن الاستغفار ، وقوله : الخارجين الخ ، فسره به لأنّ الفسق أصل معناه الخروج ، وحمله على المتبادر منه لا
يعد ذمّاً لهم. قوله : ( أي للأنصار ( فضميرهم للمنافقين ، والمقول لهم الأنصار كما يقتضيه سبب النزول المذكور في الكشاف ، ومن افتتان بعض موالي المهاجرين مع مولى لابن أبيّ رأس المنافقين ، فقال لقومه : لو أمسكتم عن هؤلاء الطعام لم يركبوا رقابكم الخ ، فإنه لم يخص الخطاب بالمنافقين ، فلا وجه لما قيل هنا من أنّ الظاهر أن يقول المصنف رحمه الله للمنافقين بدل قوله للأنصار. قوله : ( هم الذين يقولون لا تنفقوا الخ ) تعليل لرسوخهم في الفسق لا لعدم المغفرة لأنه معلل بما قبله ، وقوله : على من عند رسول الله الظاهر أنه حكاية ما قالوه بعينه ، لأنهم منافقون مقرّون برسالته ظاهرا ، ولا حاجة إلى أنهم قالوه تهكماً أو لغلبة عليه حتى صار كالعلم ، كما قيل : ويحتمل أنهم عبروا بغير هذه العبارة ، فغيرها اللّه إجلالاً لنبيه صلى الله عليه وسلم واكراماً ، وقوله : القسم بكسر القاف جمع قسمة وهي النصيب. قوله : ( روي أق أعرابياً ) هو جهجاه بن سعيد ، وهو أجير لعمر رضي الله عته ، والأنصاري سنان الجهني حليف بن أبيّ رأس المنافقين ، وبعض الغزوات هي غزوة بني المصطلق ، والماء يسمى المريسيع ، كما بينه أصحاب السير ، وقوله : فضرب الأعرابيّ الخ ، فيه مخالفة لما في الكشاف لا تضر ، وقوله : فشكى إلي ابن أبيّ لأنه مولا. وحليفه ، وقوله : فقال أي ابن أبيئ. قوله : ( ونصب الأعز والأذل على هذه القراآت الخ ) القراءة المشهورة بضم الياء وكسر الراء مسندا إلى الأعز والأذل مفعول به ، والأعز بعض المنافقين ، والأذل المؤمنون بزعمه ، وقرأ الحسن وابن أبي عبلة لنخرجن بنون العظمة ، ونصب الأعز على المفعول به ، وغيره بالغيبة بفتح الياء وضم الراء ، وآخرون بضم الياء وفتح الراء بالبناء للمجهول ، وتخريج هذه القراآت ما ذكره المصنف رحمه الله ، فإن قدر فيه مضاف هو مصدر قام هذا مقام حذفه ، فالنصب على المصدرية ، أو قدر مثل فالنصب على الحالية. قوله :
( مصدرا لقيامه مقامه بعد حذفه. قوله : ( أو حال ) إمّا بناء على جواز تعريف الحال ، أو أل فيه مزيدة على حد أرسلها العراك ، وادخلوا الأوّل فالأوّل ، وجوّز أبو البقاء نصبه على أنه مفعول به لحال محذوفة ، أي مشبهاً إلا ذلّ أو بتقدير مثل فيه ، وهذا الأخير هو الذي ذكره المصنف رحمه الله ، فتقدير المضاف جاو على الوجهين في كلامه. قوله : ( خروج أو إخراج ا لف ونشر مرتب فتقدير خروج على قراءة يخرجن بفتح الياء ، وتقدير إخراج على القراءتين بعدها وهو ناظر إلى المصدر ، وتقدير مثل ناظر للحالية على القرا آت الثلاث. قوله تعالى : ( { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ } الخ ) قيل : إنّ العطف هنا معتبر قبل نسبة الإسناد ، فلا ينافي تقديم الخبر المفيد للحصو ، ولا يضرّه إعادة الجار لأنها ليست لإفادة الاستقلال في النسبة ، بل لإفادة تفاوت ثبوت العزة ، فإنّ ثبوتها له تعالى ذاتيّ ، ولالرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة الرسالة ، وللمؤمنين بواسطة الإيمان فتدبر. قوله : ) ولمن أعزه الخ ) فيه توجيه للحصر أيضاً ، وقوله : كالصلاة الخ ، فالذكر مجاز عن مطلق العبادة ، وقوله : المذكرة للمعبود بيان لعلاقة المجاز فيه ، وهي السببية ، لأنّ العبادة سبب لذكره وهو المقصود في الحقيقة منها. قوله : ) والمراد نهيهم عن اللهو بها ) يعني اللهو المنهي عنه مسند لما ذكر فهو منهيّ بحسب الظاهر ، لكن المقصود نهي المؤمنين عن الاشتغال بها وتدبيرها. قوله : ( وتوجيه النهي إليها للمبالغة ا لأنها لقوّة تسببها اللهو وشدة مدخليتها فيه جعلت كأنها لاهية ، وقد نهيت عن اللهو فالأصل لا تلهوا بأموالكم الخ ، فالتجوّز في الإسناد وهو الظاهر وقيل : إنه تجوّز بالسبب عن المسبب ، كقوله : { فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ } [ سورة الأعراف ، الآية : 2 ] والمجاز أبلغ من غيره. قوله : ( ولذا ) أي لكون المقصود نهيهم ، قال ومن يفعل فأوعد من يفعله من المؤمنين ، ليدل على أن النهي لهم ، أو للمبالغة في النهي ذكر بعده ذلك ، لأنّ فيه مبالغة من وجوه كالتعريف بالإشارة والحصر للخسار فيهم ، وتكرير الإسناد وتوسبط ضمير الفصل. قوله : ( أي اللهو بها ) جعل الإشارة لإلهائها ، وهو أبلغ مما لو قيل بدله ، ومن تلهه تلك وإيثارها لأنّ ما في الدنيا تابع لها ، كما قال : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [ سورة الكهف ، الآية : 46 ] وقوله : وهو الشغل فليس المراد به اللعب هنا ، وقوله : بعض أموالكم ، فمن تبعيضية ، ولا يخفى ما في جعل الإنفاق ادخاراً من البلاغة والحسن. قوله : ( أي يرى دلائله ) يعني أن فيه
مضافا مقدرا ، والمراد بدلائله أماراته ومقدماته ، فالتقدير يأتي أحدكم(8/199)
ج8ص200
مقدمات الموت ، ولا بد من هذا التقدير ليصح تفريع قوله ، فيقول الخ عليه ، وأمّا ا حمله على ظاهره من غير تقدير ، وجعل قوله : لولا أخرتني الخ ، سؤالاً للرجعة فبعيد متكلف ، ولذا تركه المصنف رحمه الله. قوله : ( وجزم كن للعطف على موضع الفاء الخ ( نصبه أبو عمرو وجزمه الباقون ، فذهب الزمخشري إلى أنه عطف على محل قوله ، فأصدق لأنه في معنى إن أخرتني أصدّق ، كما قاله أبو عليّ الفارسيّ ، والذي ذهب إليه سيبويه والخليل أنه عطف على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني ، لأنّ الشرط غير ظاهر ولا مقدر حتى يعتبر العطف على الموضحع ، كما في قوله : { مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ } [ سورة الأعراف ، الآية : 186 ] لكن عبارة التوهم غير مناسبة لقيح لفظها هنا ، والفرق بين العطف على الموضع ، والعطف على التوهم ، كما قاله أبو حيان أن العامل في العطف على الموضمع موجود ، وأثره مفقود ، وفي التوهم هو مفقود ، وأثره موجود ، والظاهر أن الخلاف فيه لفظي ، فمراد أبي على العطف على الموضع المتوهم ، أو المقدر إذ لا موضع هنا في التحقيق ، لكنه فر من إيهام العبارة ، وأمّا التوفيق بأنّ المصدر المسبوك من أن وصلتها في قوله : فأصدق مبتدأ محذوف الخبر ، والجملة جواب شرط مقدر ، أي إن أخرتني فتصدقي ثابت ، فالفاء رابطة لا عاطفة للمصدر المؤوّل على المصدر المتوهم ، كما ذهب إليه الجمهور فمما لا مجال له ، لأنه لو ظهر كان النظم هكذا لو أخرتني إلى أجل ، إن أخرتني إلى أجل ، ولا يخفى ركاكته ، وأنه غير مناسب للبلاغة القرآنية. قوله : ( وقرئ بالرفع على وأنا كون الخ ) النحويون وأهل المعاني قدروا المبتدأ في أمثاله من الأفعال المستأنفة ، لا لأنّ الفعل لا يصلح للاستئناف مع الواو الاستئنافية كما هنا ، وبدونها فإنه لم يذهب إليه أحد من النحاة ، وقد صرح المحقق السعد بأنه مما لم يظهر له وجهه ، وقد جوز في الرفع أيضاً عطفه على أصدق لأنه في محل رفع ، أو لتوهم رفعه كما في الجزم بعينه ، وليس ببعيد. قوله تعالى : ( { وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا } ) هذه السورة الثالثة والستون ، ولذا قيل : إنه إشارة إلى موت النبيئ لمجي! ، وسن عمره ، وقوله : عن النبي صلى الله عليه وسلم موضوع ، تمت السورة والحمد دته ، أوّلاً وآخرا والصلاة والسلام على النبيّ واكه وصحبه أجمعين.
سورة التغابن
لا خلاف في عدد آياتها وأنما الخلاف في كونها مكية أو مدنية ، أو بعضها مكي ، وبعضها مدني كقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ } ، وعلى أقوال ثلاثة واليه الإشارة بقوله : مختلف فيها.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( بدلالتها على كماله ) أي بدلالة الموجودات بأسرها على كمال صانعها سبحته ونزهته عما لا يليق به ، فالباء سببية أو للاستعانة ، وأنث الضمير لتأويل ما بالموجودات ، واختاره ليتميز الدال من المدلول عليه. قوله : ( قدّم الظرفين ) أراد بالظرف الجار والمجرور ، وهو له الواقع خبراً هنا فيهما ، والمراد بالأمرين الملك والحمد ، وقوله : للدلالة على اختصاص الأمرين ، إما بناء على أنّ هذه اللام للاستحقاق ، وهو أحد معانيها وقد مثل له ابن هشام في المغني بهذه الآية ، أو للاختصاص ، والاختصاص المدلول عليه باللام ليس بمعنى الحصر أو بمعناه ، ولا ينافي دلالة التقديم عليه لجواز اجتماع الأدلة على مدلول واحد ، فلا حاجة لتقدير مضاف فيه لتصحيحه ، كما قيل إق التقدير على تأكيد اختصاص الأمرين ، لأن أصل الاختصاص تدل عليه اللام ، إلا أن يقال مدلول اللام لاختصاص في الإثبات ، ولذا سوي في المفتاح بين قولنا : السماحة لابن الحشرج ، وسمح ابن الحشرج وهو المراد ليستغني عن التقدير ، وفيه نظر لأنه في المفتاح إنما سوى بينهما في كونهما طريفاً لتخصيص الصفة بالموصوف صريحا ، والمراد بالتخصيص التخصيص في الإثبات أي إثبات الصفة للموصوف ، وتقييدها به سواء قصد الحصر أولاً ، كما صرح به الشريف في شرحه ، فلا تنافي هذه التسوبة قصد الحصر كما يتراءى في النظرة الأولى فتدبر. قوله : ( من حيث الحقيقة ( لأنه المبدئ المبدع لكل شيء ، المالك له في الحقيقة ، وملك غيره تسليط منه تعالى للعبد فهو له بالذات ، ولغيره بالعرض ، واذا كان كل شيء له فأصول(8/200)
ج8ص201
النعم وفروعها له ، وأمّا العبد فلجريان إنعامه تعالى على يد. ، يعد منعما فالحمد لله بالحقيقة ولغيره بحسب الصورة ، ومنه تعلم ما في تقديم قوله : له الملك ، لأنه كالدليل لما بعده من الحسن الظاهر. قوله : ( لأن نسبة ذا-له الخ ) لأنّ ذاته مقتضية لقدرته فلا تنفك عنها ، وتكون نسبتها إلى جميع الأشياء على سواء ، فلا
يتصوّر كون بعضها مقدوراً له دون بعض ، بل هو قدير عليها كلها ، وقوله : ثم شرع الخ ، المدعي هنا كونه قادراً على كل شيء من الذوات والصفات ، كالكفر والإيمان ، فقال هو الذي خلقكم الخ ، كما سنقرره ، وقوله : إلى الكل متعلق بنسبته. قوله تعالى : ( { فَمِنكُمْ كَافِرٌ } الخ ) ظاهر تقريرهم أنه معطوف على الصلة ، ولا يضره عدم العائد لأنّ المعطوف بالفاء يكفيه ، وجود العائد في إحدى الجملتين ، كما قرّروه في نحو الذي يطير الذباب فيغضب عمرو ، أو يقال فيها رابط بالتأويل لأنها بمعنى وقد كفرتم الخ ، وفي كلام المصنف إشارة مّا إليه ، أو نقول هي معطوفة على جملة هو الذي الخ. قوله : ( مقدّر كفره ) بصيغة المفعول وبجوز كونه بصيغة الفاعل ، وكذا موجه وسيأتي بيانه ، ومعنى التوجيه إليه خلقه مستعدّا ومتهيأ لما خلق له فالفاء للتفصيل مع التعقيب أيضاً ، لأنّ التوجيه المذكور بعد الخلق باعتبار الوقوع ولا مخالفة فيه لما ني الكشاف ، وما قيل من إنها تفصيلية كقوله : { خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ } [ سورة النور ، الآية : 45 ] الآية لأنّ كونهم كافرين ومؤمنين مراد من قوله : خلقكم الخ ، وكونه تقريراً لما ادعاه يدل عليه ، وجعلها الزمخشريّ للترتيب والعاقبة ، ولا يناسبه السياق ، وأنّ الآية واردة لبيان عظمته في ملكه وملكوته ، واستبداده فيهما ليس بشيء ، لأنّ قصده بما ذكر هو الرد على المعتزلة ، في أنّ الكفر والإيمان ليس مخلوقاً له تعالى ، ولذا عدل المصنف عما في الكشاف ، كما يظهر لمن نظره فالفاء تفصيلية عندهما ، وقد جعلها الزمخشريّ ، كقوله : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [ سورة الحديد ، الآية : 26 ] وتفيد الترتيب لأنّ توجيه ما يحمله عليه ، وتوفيقه يكون بعد الخلق ، وكون كلام الزمخشري غير مناسب للسياق مكابرة لمن تأمّله ، وكونها واردة لما ذكر لا يأباه ، مع أنه قيل إنها ليست واردة له ، بل لما يتوقف عليه الوعد والوعيد بعده من القدرة التامّة والعلم المحيط بالنشأتين ، والذي أوقعه فيما وقع فيه كلام الطيبي فتدبر. قوله : ( بالحكمة البالنة ) أي العظيمة إذ أصله البالغة أقصى ما يتصوّر منها ونحوه ، وفسر بما ذكر لأن المراد به مقابل الباطل هنا ، فيراد به الفرض الصحيح الواقع على أتم الوجوه ، وقوله : ثم زينكم الخ ، وفي نسخة حيث زينكم الخ ، يعني أنه تعالى جعل الإنسان معتدلى القامة على أعدل الأمزجة ، وآتاه العقل وقوّة النطق والتصرّف في المخلوقات ، والقدرة على أنواع الصنائع ، وجعل فيه الروح ليكون ملحاقاً بعالم المجرّدات ، والبدن المادي ليجمع بين العالم
العلوي والسفلي ، فلذا كان أنموذجا كما قيل :
وتزعم أنك جرم صنن وفيك انطوى العالم الأكبر
وقوله : { وَأَحْسِنُوَاْ } إشارة إلى وجه اتصال ، قوله واليه المصير بما قبله ، والمسخ بالخاء المعجمة أريد به التغيير وهو ظاهر. قوله : ( فلا يخفى عليه الخ ) تفسير لقوله : { عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } ، وبيان لأنه ذكر تعليلا لما قبله ، وهو كالدليل عليه ، لأنه إذا علم السرائر وخفيات الضمائر لم يخف عليه خافية ، من جميع الكائنات الكليات والجزئيات ، وقوله : لأنّ نسبة الخ ، استدلال على إحاطة علمه تعالى ، كما مرّ في القدرة لأنه ذاتي ، وما هو بمقتضى الذات لا يتفاوت ولا يختص ببعض المعلومات. قوله : ( وعلى علمه بما فيها ) وفي نسخة لما فيها ، لأنّ ا أ!ال على علمه إما اتقان مصنوعاته لأنّ مثل هذه المتقنات لا تصدر إلا عن علم كمل بها ، ويكفيه إيجادها أو اختيار بعض أحوالها دون بعض ، فإنه يدلّ عليه أيضا ، وللمتكلمين في إثباته وجهان كما ذكرناهما ، واليه أشار المصنف بقوله : من الإتقان ، وقوله : والاختصاص الخ ، فتأمّل. قوله : ( أيها الكفار ) جعل الخطاب للكفار لدلالة ما بعده عليه ، قيل : إنه إشارة إلى أنه خطاب لأهل مكة ، وقوله : في الدنيا متعلق بذاقوا ، أو بكفرهم ، وقوله : أصله الثقل ، واستعمل للضرر لأنه يثقل على الإنسان ثقلا معنويا ، وقوله : الثقيل القطار من إضافة الصفة المشبهة لفاعلها ، وهو بزنة كتاب جمع قطر ، وقوله : المذكور توجيه لأفراد ذلك لتأويله بالمذكور ، ولو قال : ما ذكر كان أحسن ، وقوله : بسبب الخ فالباء سببية ، والضمير شأني ، وقوله : وتعجبوا لأحسن ، أو تعجبوا ، وقوله : للواحد الخ دفع لما يتوهم من أنه كان الظاهر يهدينا. قوله : ( واستغنى الخ ) معطوف على ما قبله ولا حاجة إلى جعله حالاً(8/201)
ج8ص202
بتقدير قد ، واستغنى بمعنى أظهر الغنى لأنه يلزم الطلب ، أو هو للمبالغة أو بمعنى الثلاثي ، والأوّلي أنسب بما بعده. قوله : ) يدل على حمده كل مخلوق الخ ( كل مخلوق مرفوع على أنه فاعل يدل ، فالمعنى أنه محمود وجميع المخلوقات دالة على أنه المحمود منادية على ذلك بلسان الوجود ، لأنّ حقيقة الحمد إظهار
صفات المحمود الكمالية ، وكل مخلوق مظهر لكمال خالقه ، ويجوز نصبه والمعنى لأنه المرشد لحمده والمعلم لعباده أن يحمدوه ، والأوّل أولى ، وقوله : ولذلك أي لما فيه من معنى العلم ، وقوله : أي بما في حيزه وهي مخففة لا مصدرية ، لئلا يتوالى ناصبان ، ولأنها تدخل على الجمل فتسد مسدا لمفعولين ، وقوله : بلى تبعثون لأنّ بلي لإيجاب النفي ، كما مز تقريره. قوله : ( لقبول المادّة الخ ( يعني ذلك إشارة للبعث وتعسره على الفاعل المختار إما لعدم قبول مادته للإيجاد ، أو لعدم قدرة الفاعل ، أو لنقصها ، وكلاهما منتف أما الأوّل فلعدم اقتضاء الموادّ الممكنة للعدم ، وأما الثاني فلثبوت قدرته سبحانه وتعالى عن إنشائها ، وانشاء ما هو أعظم منها. قوله : ( فإنه بإعجارّه الخ ) عرفوا النور بأنه هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره فاستدل بثبوت الحد على ثبوت المحدود ، فيعلم منه وجه إطلاق النور عليه والمشابهة بينهما فإن فهمت فهو نور على نور وضمير فيه للقرآن ، وما بعده لما وقوله : فمجاز عليه مرّ بيانه ، وهو أحسن من تفسير الزمخشريّ له بمعاقبكم لأن هذا شامل للوعد والوعيد الدال عليهما ما قبله من الأمر بالإيمان ، وقوله : ظرف لتنبؤون بتنوين ظرف وكسر اللام بعده أو بإضافته وفتحها وحينئذ فما ذكر وجه لاختصاصه بذلك اليوم وما بينهما اعتراض ، وأما تعلقه بخبير فلا وجه له ويجوز تعلقه بمحذوف بقرينة السياق أي يكون من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به المقال ، وقوله : أو مقدر باذكر لا وجه لما قيل الظاهر اذكروا ليوافق بجمعكم. قوله : ( لآجل ما فيه ( فاللام تعليلية وفيه مضاف مقدر ، وقيل : اللام بمعنى في فلا تقدير فيه ، وقوله : يغبن فيه بعضهم بعضا فالتفاعل على ظاهره وهو كما في الكشاف مستعار من تغابن التجار وفيه تهكم بالأشقياء لأنّ تلك المنازل نافعة لهم أو جعل تغابنا مبالغة على طريق المشاكلة ، وقوله : واللام فيه الخ يعني تعريف التغابن المفيد للحصر بتعريف الطرفين كما في زيد الشجاع ، والتعريف للجنس والمعنى أنه لا يوم للتغابن غيره. قوله : ( 1 لإشارة إلى مجموع الأمرين ) المراد بالأمرين تكفير السيئات
وهو الدافع للمضار ودخول الجنات وهو النافع لا الإيمان والعمل الصالح وقوله : ولذلك الخ أي لكونه جامعا لهما ، والعظيم أبلغ من الكبير لما سيأتي في سورة البروج إنه يجلب المنافع لا غير وفيه نظر. قوله : ( بيان للتغابن الخ ( لاحتوائهما على منازل السعداء والأشقياء ، وهو ما وقع فيه التغابن كما مز ، وقوله : كأنها قال كأن تأدباً على عادته في عدم الجزم بمراد الله لأنّ الواو تأبى البيان كما عرف في المعاني لأنّ قوله : وتفصيل له إشارة إلى وجه العطف لأنه لما فيه من التفصيل ينزل منزلة المتغايرين فيعطف على ما بينه كما فصله في المطول في قوله : { يَسُومُونَكُمْ } الآية ، واذن الله مرّ تحقيقه مرارا. قوله : ( والاسترجاع عند حلولها ) أي الصبر ، وقوله : { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } [ سورة البقرة ، الآية : 156 ] إذا حلت به مصيبة ، وقوله : على طريقة سفه نفسه يعني أنه منصوب بنزع الخافض والتقدير يهد في قلبه أو إلى قلبه كاهدنا الصراط المستقيم كأنّ المؤمن واجد لقلبه مهتد له وغيره فاقد له ضالّ عنه فهو كقوله : لمن كان له قلب أو هو تمييز بناء على أنه يجوز ثعريف التمييز وقد مرّ تفصيله في هذه الآية المذكورة فتذكره. قوله : ( ويهدأ بالهمزة الخ ) لأنّ في الإيمان اطمئنان القلب وفي غيره قلقه واضطرابه ، وأنما فسر الهداية بالثبات والاسترجاع لأنّ المؤمن مهتد فلو أبقى على ظاهره لم يفد. قوله : ( فلا بأس عليه الخ ) يعني أنه من حذف الجزاء واقامة دليله مقامه أو من إقامة السبب مقام المسبب كما مرّ في سورة النحل ، وقوله : ( لآنّ إيمانهم الخ ( ليس في الآيات لمن تأمل في الحث على التوكل أعظم من هذه الآية لإيمائها إلى أنّ من لا يتوكل ليس بمؤمن ، وقوله : ( يشغلكم ( الخ بناء على أنّ سبب النزول أن عوفا الأشجعي كان إذا أراد الغزو تعلق أهله به وبكوا فرجع ، وقوله : ( أو يخاصمكم ) الخ بناء على أن سببها ما ذكروه من منع أولاده عن الهجرة والتفقه في الدين كما فسره الزمخشري ، وقوله : ( غوائلهم ) بالغين المعجمة جمع غائلة ، وهو الضرر المترتب على بعض الأمور ، وقوله : ( التثريب ) هو التوبيخ. قوله : ( يعاملكم
بمثل(8/202)
ج8ص203
ما عملتم الخ ) إمّا مرفوع على أنه مستأنف إشارة إلى أنّ قوله : فإن الخ جزءا باعتبار الأخبار كأنه قيل : إن فعلتم ذلك فاعلموا أن الله غفور الخ أو مجزوم بناء على أنه جزاء باعتبار أن يراد به مسببه ، وقوله : ( على محبة الأموال ) الخ إشارة لاتصاله بما قبله ، وقوله : ( في وجوه الخير عمومه من الإطلاق ) وكونه خالصا لأنّ الخيرية لا تتأتى دونه ، وقوله : ( أي اقعلوا ( فهو مفعول لفعل مقدر وقوله : ( تثيد للحث ) الخ لأنه جعل خاتمة لها مشيرة لترجيحها على ما اعتقدوا خيريته من الأموال والأولاد ، وقوله : ( جواباً للأوامر ) وتقديره يكن ذلك خيراً لأنفسكم. قوله : { إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ } تقدم أنه استعارة مكنية ، وقوله : ( فيما أمره ) على الحذف والإيصال أي أمر به كقوله :
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
وقوله : يعطي الجزيل بالقليل يشير إلى أن في صيغة فعول مبالغة وأن الشكور في حقه تعالى معناه معطي الثواب الكثير بالعمل القليل ، وحقيقة الشكر الاعتراف بنعمة المنعم ، وقوله : ) عن النبئ صلى الله عليه وسلم ) حديث موضوع وآثار الوضع فيه ظاهرة ومناسبته للسورة لما ذكر فيها مما يجلب المنافع ، ويدفع المضار وأنّ ثل مصيبة بإذنه وارادته فتأمّل تمت السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
سورة الطلاق
وتسمى سورة النساء القصرى وهي مدنية بالاتفاق ، واختلف في آياتها فقيل : اثنتا عشرة ،
وقيل : إحدى عشرة والاختلاف في ثلاث آيات من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، ويجعل له مخرجا ويا أولي الألباب كما قاله الداني في كتاب العدد.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( خص النداء وعم الخطاب الخ ( خص وعم إن كانا مجهولين فالنداء والخطاب مرفوعان بالنيابة عن الفاعل وإن كانا معلومين فهما منصوبان وضمير الفاعل له تعالى ، يعني كان حقه أن يقال : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ } فخص النداء به مع أنّ الكلام معهم جميعا والحكم عام له صلى الله عليه وسلم ولهم لأنه مقتداهم فنداؤه كندائهم كما يقال لكبير القوم : يا فلان افعلوا كيت وكيت فتخصيصه صلى الله عليه وسلم لرفعة شأنه ، ولذا اختير لفظ النبيّ لما فيه من الدلالة على علو مرتبته ، وقوله : بالحكم متعلق بالخطاب والمراد بالحكم الحكم الذي في الجملة الشرطية أو هو الحكم الشرعي ، وهو التطليق لعدتهن وقوله : فنداؤه كندائهم لأنه منزل منزلتهم فيما لا يكون من خصائصه ، وقوله : الحكم يعمهم ففيه تغليب للمخاطب على الغائب تقديره إذا طلقت أنت وأمتك ، وقد قيل : إنه بعد ما خاطبه صرف الخطاب عنه لأفته تلوينا له لما في الطلاق من الكراهة فلم يخاطب به تعظيما له ، وقيل : تقديره ( يا أيها النبئ قل لأمتك إذا طلقتم ) الخ وهو من المجاز قالوا : والا فلا معنى له إن اتحد الشرط والجواب لما فيه من تحصيل الحاصل أو يكون المعنى إذا طلقتم النساء قط لقوهت مرّة أخرى وهو غير مراد وجعله المصنف تبعا للزمخشريّ من المشارفة كقوله : " من قتل قتيلاَ فله سلبه " فقيل : عليه الأظهر أنه من ذكر المسبب وإرادة السبب ، وفيه نظر لأنّ المراد ما ذكر لكن المراد أنه لم يتجوّز بالفعل
عن إرادته مطلقا بل عن الإرادة المقارنة له ، ويتبعها تشبيه المشارف للفعل بالمتلبس به ففيه مكنية أو شبهها وهو أبلغ وأنسب بالمقام والمعترض لم يتنبه لمراد الشيخين هنا فافهم ، ثم إنهم اتفقوا هنا على أنه لولا التجوّز لم يستقم الكلام ولك أن تقول إنه لا حاجة إليه ، بل هو من تعليق الخاص بالعام وهو أبلغ في الدلالة على اللزوم كما يقال إن ضربت زيداً فاضربه ضربا مبرحاً لأنّ المعنى أن يصدر منك ضرب فليكن ضرباً شديداً وهو أحسن من تأويله بالإرادة فتدبر. قوله : ( أي في وقتها ) فاللام للتأقيت كالداخلة في التاريخ نحو لخمس خلون ، وفسر وقت العدة بالطهر والمراد وقته ففيه مضاف مقدر وقوله : فإن اللام في الأزمان الخ بيان لكونها للتأقيت هنا ، والمراد بالتأقيت أنها بمعنى في إذا لم تقم القرينة على خلافه كما في قوله : { لِيَوْمِ الْجَمْعِ } [ سورة التغابن ، الآية : 9 ] فإنّ اللام فيه تعليلية كما مرّ وما قيل : من أن ما ذكر فيما يشبهها صحيح وأما(8/203)
ج8ص204
في الأوقات نفسها فلا لأنه يلزمه تكرير الوقت لأنه معنى اللام ومعنى مدخولها ، وفيه أيضا تخيل فاسد لأنّ المراد بالتأقيت أنها بمعنى في وهي تدخل على الظرف وما ضاهاه لتعيين المراد منه. قوله : ) ومن عد العدة بالحيض ) بفتح الحاء وسكون الياء أو بكسر ، ثم فتح جمع حيضة وهو مذهب أبي حنيفة ، وقوله : علق اللام الخ إشارة إلى ترجيح مذهبه لأنها عنده تأقيتية متعلقة بطلقوهن من غير احتياج للتقدير لكنه أيد المذهب الآخر بالقراءة المنسوبة للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهي قبل عدتهن وبالأدلة الدالة على إرادة الحيض من القرء كما في الكشاف ، ولذا أسقطه المصنف رحمه الله تعالى لمخالفته لمذهبه ، وفيه كلام في الانتصاف وغيره حيث ادعوا عدم دلالة تلك القراءة على مدعاه بل هي دالة على خلافه ، وليس هذا محل تفصيله. قوله : ) مثل مستقبلات ) كما قدرت في قولهم : كتبته لليلة بقيت من المحرم فإن تقديره مستقبلاً لها ، وحينئذ يكون ابتداء العذة من الحيض لأنّ الطلاق الواقع في الطهر قبلها مستقبل لها ، ومستقبلات المقدر حال ، وقوله : وظاهره أي ظاهر النظم مؤيد لمذهبه وإن العدة بالإطهار لا بالحيض لأنّ الطلاق السني المامور به إنما يوقع في الطهر ، وقد جعل في العدة في الآية فيكون الطهر عدة وما قدروه خلاف الظاهر ، وقوله : وإن طلاق المعتدة الخ يعني يلزمه أن يفسر الإقراء بالأطهار بالحيض. قوله : ( ينبغي أن يكون في الطهرا لم يقل يجب أن يكون في الطهر لأنّ إيقاع الطلاق في الطهر لم يقل أحد بوجوبه لكنه إذا جزم بإيقاعه ينبغي له أن يوقعه في الطهر ، ولما كانت هذه العبارة موهمة لجوازه مع الكراهة في الحيض دفعه بقوله : عقبه وأنه يحرم في الحيض ، ومن لم يتنبه له قال : الأولى أن يقول : يجب بدل قوله : ينبغي ، وهو مما صرحوا به. قوله : ) من حيث إن الآمر الخ ) المسألة طويلة الذيل في الأصول لا حاجة لنا هنا في ذكرها ، وإنما ذكر المصنف رحمه الله تعالى هذا لأنّ المراد من الأمر هنا تحريمه في
الحيض ، لا إيجابه في الطهر كما عرفت ، وقوله : ولا يدل الخ معطوف على قوله : يستلزم لقربه وظهوره ، ولأنّ قوله : بعده إذ النهي الخ ، داق عليه أو على قوله : يدل دفع للسؤال المقدر ، لأنه إذا كان نهيا عن ضده وعن إيقاعه في الحيض ، ربما يوهم أنه لو طلق فيه لا يقع ، وضمير وقوعه للطلاق في الحيض ، وفاعل يدل ضمير يعود على النهي ، أو على قوله : ظاهره. قوله : ) إذ النهي لا يستلزم الفساد ( سواء رادف البطلان أو لا ، وعلى الخلاف بين الشافعية والحنفية فيه ، كما فصل في الأصول ، قال المصنف رحمه الله تعالى في منهاج الأصول : النهي شرعا يدل على الفساد في العبادات ، وفي المعاملات ، إذا رجع إلى نفس العقد ، أو إلى أمر داخل فيه ، أو لازم له ، فإن رجع إلى أمر مقارن كالبيع وقت النداء فلا انتهى ، وما نحن فيه لأمر مقارن ، وهو زمان الحيض فلا يقتضي الفساد عند الشافعية ، وفي هذه المسألة خلاف لهم أيضا ، وقال أبو حنيفة رحمه الله : النهي مطلقاً لا يفيد الفساد كما فصل في جمع الجوامع وشروحه . قوله : ( كيف وقد صح أق ابن عمر الخ ) تأييد لوقوعه ، لأنه لو لم يقع لم يأمره بالرجعة ، والحديث مرويّ من طرق في السنن ، وفيه كلام ذكره ابن حجر. قوله : ( وهو سبب نزوله ) أي ما ذكر من تطليق ابن عمر رضي الله عنهما ، وأمر النبيّءلمجفه سبب نزول هذه الآية على قول وقيل السبب تطليق النبي-لمجي! حفصة رضي الله عنها ، وقيل غيره ، وقال القرطبي : نقلا عن علماء الحديث إنّ الأصح أنها نزلت ابتداء لبيان حكم شرعي ، وكل ما ذكر من أسباب النزول لها لم يصح. قوله : ( واضبطوها الخ ( أصل معنى الإحصاء العد بالحصى ، كما كان معتادا قديما ، ثم صار حقيقة فيما ذكر. وقوله : في تطويل العدة الخ ، بيان لحكمة كون الطلاق إذا أريد ينبغي إيقاعه في الطهر ، وقوله : باستبدادهن ، أي استقلالهن بالخروج من غير إخراج أحد لهن ، وقوله : مساكنهن الخ إشارة إلى أن الإضافة ليست للتمليك بل للسكنى المخصوصة. قوله : ) إمّا لو اتفقا على الانتقال الخ ) قيل : إنه مذهب الشافعيّ ، والحنفية لا
يجوّزونه ، وفيه نظر ، وقد ذكر الرازي في الأحكام ما يدل على خلافه ، وأنها كالنفقة تسقط بالإسقاط فليحرر ، وقوله : دلالة على استحقاقها السكنى ، وهو من قوله : لا تخرجوهن ، وقوله : لزومها بالجر عطف على ايتحقاقها ، وهو مصدر مضاف لمفعوله ، وملازمة بالرفع فاعله ، وهذا من قوله : ولا يخرجن الخ.(8/204)
ج8ص205
قوله : ( مستثنى من الأول ) أي من قوله : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ } وقوله : ( إلا أن يبذون ) أي النسوة ، وفي نسخة إلا أن تبذوا أي المرأة ، ووحده كما في قوله : تزني الآتي ، لأنه إنما يصدر عن البعض دون الجميع ، والأوّل أصح ، وإلبذاء بالذال المعجمة والموحدة هو الكلام القبيح كالشمّ ، فإذا أطالت لسانها على الزوج ، أو إحمائه كانت كالناشزة ، فيسقط حقها في السكنى ، فالفاحشة المتكلمة بالكلام الفاحش القبيح. قوله : ( أو إلا أن تزتي الخ ) فالفاحشة الفعلة ، الفاحشة وهي الزنا ، وعلى هذا يصح استثناؤه من كل منهما ، وقوله : فتخرج مضارع الخروح ، أو الإخراج ، ولا يتعين أن يكون من الأوّل ، كما يوهمه كلام المصنف رحمه الله تعالى ، وقوله : للمبالغة في النهي لأنّ استثناء منه يدل على أنه غير منهيّ عته ، فإذا أريد بالفاحشة الخروج نفسه يكون أقوى في النهي ، لإشعاره بعدم ارتداعه بالنهي ، فهو مستحق لما هو أشد منه. قوله : ( بأنّ عرضها للعقاب ) فسره بعضهم بأضرها ضررا دنيوياً ، وقال : إنّ التفسير بتعريضها للعقاب يأباه ، قوله : لعل اللّه الخ ، لأنه مستأنف لتعليل الشرطية ، وقد قيل : ما يحدثه تقليب قلبه إلى خلاف ما هو عليه ، فلا بد من كون الظلم ضرراً دنيويا لا يمكن تلافيه ، أو عامّا دنيوي ، والأخروي ، والتعليل بالدنيوي لأنّ الضرر به أشد عندهم وهم بدفعه أعني ، وقد رد بأن الضرر الدنيوي غير محقق فلا ينبغي تفسير الظلم هنا به ، وقوله : لعل الله الخ ، ليس تعليلا لما ذكر بل ترغيباً للمحافظة على الحدود بعد الترهيب وفيه نظر. قوله : ( أو المطلق ( أي الذي تضمنه قوله : طلقتم ، وقوله : برجعة متعلق بالرغبة ، وقوله : أو استئناف أي لعقد النكاح إذا لم تكن رجعة فهو شامل للبائنة ، وقوله : فراجعوهن بعده لا ينافي عموم صدره لأنه من ذكر الخاص بعد العامّ ، وقوله : ( شارفن ) الخ ، فهو من مجاز المشارفة بقرينة ما بعده ، لأنه لا يؤمر بالإمساك بعد انقضاء العدة ، وقوله : وانفاق مناسب يعني لحال اك وجين ، وقوله : مثل الخ ،
تمثيل للضرار. قوله : ( على الرجعة أو الفرقة ) أو لمنع الخلو ، واختارها لمناسبة المفسر ، وهو قوله : { أَوْ فَارِقُوهُنَّ } فليست الواو أولى من أو هنا ، وقوله : ( تبرئا عن الريبة ا لف ونشر مرتب ، فإنه لو لم يشهد على الرجعة قد يتهم بالزنا ، وامساكها بعد الطلاق ، وقطع النزاع بالإشهاد على الفرقة ، ويجوز كونه تعليلاَ لهما لأنّ المرأة قد تنكر الرجعة ، وربما يموت أحدهما بعد الفرقة فيدعي ثبوت الرجعة للإرث ونحوه ، وقوله : وعن الشافمي الخ ، هو قوله القديم ، والأول قوله الجديد المفتى به عندهم. قوله تعالى : ( { وَأَشْهِدُوا } الآية ( فيه دليل على إبطال قول من قال : إنه إذا تعاطف أمران لمأمورين يلزم ذكر النداء ، أو يقبح تركه نحو : اضرب يا زيد ، وقم يا عمرو ، وعلى من خص جوازه باختلافهما ، كما في قوله : { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ } [ سورة يوسف ، الآية : 29 ] بأن المأمور بقوله : ( أشهدوا للمطلقين ) ، وبقوله : ( أقيموا الشهادة للشهود ) ، وقوله خالصا لوجهه تفسير لقوله الله ، وقوله : ( فإنه المنتفع ( الخ ، بيان لوجه تخصيص قوله : { مَن يُؤْمِنُ } ا!ث ، مع أنه عام في نفسه. قوله : ( جملة اعتراضية ) أي بين المتعاطفين ، وهي قوله : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ } ، وقوله بالوعد متعلق بقوله مؤكدة والمنهي عنه صريحا الخروج ، والإخراج وضمناً ما علم من الأمر ، وقوله؟ ( من الطلاق ) الخ ، بيان لما والإضرار تطويل العذة كما مر وهو ضمني ، واخراجها هو الصريح كما مر ، وتوقع جعل بضم الجيم أي أجرة أو رشوة معلوم من قوله لله ، وقوله : بأن يجعل متعلق بالوعد ، وقوله : من وجه أي من جهة أخرى لم تخطر بباله. قوله : ( أو بالوعد ) معطوف على قوله : بالوعد السابق ، فقوله : { وَمَن يَتَّقِ } الخ على الأول وعد خاص بمن اتقى عما نهى عنه صريحا أو ضمنا كما مر من الأزواج والزوجات ونحوهم وعلى هذا عامّ لكل متق عن المنهيات والمخرج في الأول من المضار المتعلقة بالتزاوج ، وعلى هذا عن مضار الدارين مطلقاً. قوله : ( أو كلام جيء به للاستطراد الخ ) وهو معترض أيضا خلافا لمن توهم خلافه لكنه على الأول
مسوق لتقوية الحكم السابق بخصوصه أو بعمومه وعلى هذا لما ذكر المؤمنين استطرد لذكر بعض من أحوالهم ، وأنه تعالى متكفل لأمورهم. قوله : ( وعتة الخ ) هو مؤيد للقولين الأخيرين ، ولأنّ المراد العموم لا خصوص من سبق ، وهذا الحديث ضعيف ، وقال بعضهم إنه موضوع كما نقله السيوطي ، وقوله : وروي الخ ذكره ابن مردويه في تفسيره ، وقوله : فشكا أبوه لأنهم كلفوه ما لا يطيقه من الفداء ، كما صرح به في الرواية ، وقوله : وأكثر الخ روي أنه قال له ابعث إلي(8/205)
ج8ص206
ابنك ليكثر من لا حول الخ ، وقوله : غفل عنها في نسخة تغفل عنها ، فيكون متعدياً من تغفلت الرجل عن كذا ، إذ! أخذته على غفلة منه. قوله : ( يبلغ ما يريده ) فأمره مفعول بالغ والإضافة للملابسة ، والمراد بأمره ما أراده من الأمور ، وقوله : بالإضافة أي للمفعول أيضاً ، وقوله : بالغ أمره على أنّ أمره فاعل أو مبتدأ خبره مقدم ، والجملة خبر ، وقوله : على أنه حال لا خبر على نصبها للجزأين في لغة لأنها ضعيفة ، والحال من فاعل جعل مقدمة من تأخير لا من المبتدأ فإنهم لا يرتضونه ، وقوله : تقديرا ، فالمراد تقديره قبل وجوده ، أو هو مقدار بقائه أو نهايته ، وقوله : بيان لوجوب التوكل الخ ، لأنه إذا علم أنّ كل ما يكون بتقديره في وقت معين ، لا يتخلف عنه وجب التوكل ، ولزم العاقل ذلك كما قيل :
لاتأس فإنّ حملك الهمّ جنون ما قدرأن يكون لا بدّيكون
قوله : ( وتقرير لما ثقدم الخ ( فإنه تعالى إذا جعل لكل شيء مقدار أو زمانا ، كان الطلاق كذلك ، فلزم إحصاؤه وضبطه. قوله تعالى : ( { وَاللَّائِي يَئِسْنَ } الخ ) قالوا : إنه مبتدأ خبره جملة
فعدّتهن الخ ، وإن ارتبتم جوابه محذوف تقديره فاعلموا ، أنها ثلاثة أشهر ، والشرط وجوابه المقدر جملة معترضة ، ويجوز كون قوله : { فَعِدَّتُهُنَّ } الخ ، جواب الشرط باعتبار الأخبار والأعلام ، كما في قوله : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ } [ سورة الخل ، الآية : 53 ] والجملة الشرطية خبر من غير حذف وتقدير ، وقوله : روي الخ إشارة إلى أنّ الشرط لا مفهوم له ، لأنه بيان للواقعة التي نزل فيها من غير قصد للتقييد. قوله : ( أي جهلتم ) قيل : لأمنع من إبقاء الشك على ظاهره وحقيقته ، ويؤيده الرواية المذكورة ، لأن السؤال لترددهم في العدة ولا يخفى إبقاؤه على ظاهره ، ولذا فسره أوّلاً بقوله : شككتم ثم بين أنّ شكهم ناشئ من جهلهم ، وسبب النزول مناسب للجهل والشك معا ولا ضير فيه ، وقوله : { لَمْ يَحِضْنَ } ، وفي نسخة لا يحضن وهما بمعنى ، وقوله : ( مشهى عدّتهق ا لأن الأجل يطلق على المدة كلها ، وعلى غايتها ، والثاني هو المراد هنا ، وقوله : لم يحضن بعد يعني الصغار ، وقوله : كذلك هو الخبر المقدّر ، وهو أحسن من تقدير فعدتهن ثلاثة أشهر وأخصر كما في الكشاف ، ولو عطف على قوله : { وَاللَّائِي يَئِسْنَ } ، وجعل الخبر لهما من غير تقدير جاز. قوله : ( والمحافظة على عمومه الخ ) أي عموم الواقع هنا للمطلقة ، والمتوفى عنها ليكون عدتهما بالوضحع مطلقا أولى من إبقاء آية الوفاة على عمومها للحامل ، وغيرها خلافا ، لما روي من مذهب بعض الصحابة من أنه آخر الأجلين ، ورجح إبقاء هذه على عمومها بقوله بالذات ، لأنه جمع معرّف ، فيعم بخلاف قوله : أزواجا فإنه جمع منكر ، فمن قال بعمومه قال : لأنه وقع في الصلة ، والموصول يعم فيعم ما في صلته ، فلذا كان بالعرض لا لأنّ الجمع المنكر قد يعم ، وتقديره بأزواج الذين يتوفون غير متعين ، مع أنه لو سلم فعموم المصرّج أقوى ، وأولى من عموم المقدرة فلا يضرنا أيضا. قوله : ( والحكم معلل هاهنا ) يعني أنّ قوله : وأولات الأحمال من تعليق المشتق الدال على علية مأخذ الاشتقاق لأنه في معنى ، والحاملات أجلهن أن يضعن الخ ، والحمل باعتبار شغل الرحم وفراغه عنه
صالح للعلية فحكمه أقوى من غيره لقوة المعلل على غيره ، فيبقى على عمومه للمطلقة والمتوفى عنها بخلاف قوله : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ } [ سورة البقرة ، الآية : 234 ] فإنّ الوفاة لا تصلح للتعليل هنا. قوله : ( ولآنه صح الخ ) هو مروي في البخاري ، وهو حديث صحيح ، وقوله : بليال وقع في البخاري أربعين ليلة ، وقوله : ولأنه متأخر النزول كما رواه البخاري ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : لما بلغه الخبر أنّ علياً قال عدتها آخر الأجلين ، قال من شاء لاعنته إنّ سورة النساء القصرى ، وآيتها نزلت بعد التي في البقرة ، والعمل بالمتأخر لما سيأتي. قوله : ( فتقديمه في العمل الخ ) أي تقديم قوله : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا } ، وترجيح العمل به للمحافظة على عمومه ، وترك العمل بهذه في حق ما تناولاه يكون بناء للعام على الخاص ، ولو قدمنا هذه الآية في العمل والمحافظة على عمومها فهو تخصيص لعموم الآية الأخرى ، لأنّ هذه الآية خاصة من وجه ، كما أنّ تلك خاصة من آخر ، فالعمل بهذه الآية المتأخرة في مقدار ما تناولاه ، أعني الحامل المتوفى عنها زوجها تخصيص لها بما وراء الحامل المتوفى عنها زوجها ، والخاص المتاخر يخصص العامّ المتقدم ، وهذا على مذهب المصنف رحمه اللّه تعالى في جواز تراخي المخصص ، وعند الحنفية هو يكون نسخاً(8/206)
ج8ص207
لا تخصيصا ، ولا من حمل العامّ على الخاص الغير المتصل ، وتفصيل المسألة في مفصلات الأصول فقوله : للوفاق عليه فيه نظر يندفع بالتأمل فيه لأنّ مراده الاتفاق على العمل بالمتأخر سواه قلنا هو مخصص أو ناسخ ، ولا حاجة إلى التجوّز في التخصيص ، كما قيل ويؤيده كما في شرح التحرير ما في البخاريّ عن ابن الزبير أنه قال لعثمان رضي الله عنه والذين يتوفون الخ نسختها الآية الأخرى فنكتبها ، أو ندعها ، قال : يا ابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه ، وفيه تسليم عثمان للنسخ ، وتقدم الناسخ على منسوخه في ترتب الآي من النوادر ، وللمحشي هنا كلام لا يخلو من الخلل فتدبر. قوله : ) بناء للعامّ على الخاص ) يعني لو قدمت هذه بأن عمل بها كان فيها تخصيص لقوله : أزواجا في تلك بغير الحاملات ، وتقديم تلك في العمل بها يلزمه بناء العامّ ، وهو قوله : { وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ } الشامل للمطلقات ، والمتوفى عنها على الخاص ، وهو المتوفى عنها ثمة ، والمراد بالبناء كما ثاله بعض الفضلاء هنا أن يراد بالعامّ الخاص من غير مخصص له ، إذ المتقدم لا يصح لأن يكون مخصصا للمتأخر والبناء بهذا
المعنى لم نره لغيره فهو محتاج للتحرير ، وقوله تعالى { مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } قدم فيه البيان على مبينه للفاصلة ، أو من فيه بمعنى في ، أو تعليلية واليسر الثواب ، أو السهولة فتأمّل. قوله : ( أي مكاناً من مكان سكناكم ) يعني أنّ من للتبعيض ومبعضها محذوف ، وقوله : عطف بيان الجار والمجرور عطف بيان للجارّ والمجرور لا المجرور فقط ، حتى يقال : إنّ إعادة الجار إنما عهد في البدل لا في عطف البيان مع أنه لا يبرد له بسلامة الأمير حتى يقال الوجه أن يكون بدلاً مع أنه لا فرق بينهما ، إلا في أمر يسير كما ذكره النحاة. قوله : ( فتلجؤهن إلى الخروج ( لشغل المكان أو بإسكان من لا يردن السكنى معه ونحوه ، وقوله : وهذا يدل الخ ، وهو مذهب الشافعيّ ومالك ، وأمّا عند الحنفية فلكل مطلقة حق النفقة والسكنى ، ودليله أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لها النفقة والسكنى ) وأنه جزاء الاحتباس ، وهو مشترك بينها وبين غيرها ، ولو كان جزاء للحمل لوجب في ماله إذا كان له مال ، ولم يقولوا به وغير ذلك من الأدلة العقلية والنقلية ، والدليل المذكور مبني على مفهوم الشرط ، ونحن لا نقول به ، مع أنه ذكر أنّ فائدة الشرط هنا أنّ الحامل قد يتوهم أنها لا نفقة لها لطول مدّة الحمل ، فأثبت لها النفقة ليعلم غيرها بالطريق الأولى كما في الكشاف ، فهو من مفهوم الموافقة. قوله : ( والأحاديث تؤيده ) قيل الجمع لتعدد طرقه ، إذ المرويّ فيه حديث فاطمة بنت قيس ، وقد طعن فيه الصحابة كعمر وعائثة وأسامة وغيرهم من كبار الصحابة ، فهو دليل عليه لا له ، ويؤيد الطعن القياس وقراءة ابن مسعود أنفقوا عليهن ، وفيه نظر. قوله : ( وليأمر بعضكم بعضاً الخ ) يشير إلى أنّ الافتعال بمعنى التفاعل فالائتمار بمعنى التآمر ، كالاشتوار بمعنى التشاور ، وقد نقل أهل اللغة أنه يقال : ائتمروا إذا أمر بعضهم بعضاً. قوله : ( تضايقتم ) يعني ضيق بعضكم على الآخر بالمشاحة في الأجرة ، أو طلب الزيادة ونحوه. قوله : ( وفيه معاثبة للامّ الخ ا لأنه كقولك لمن تستقضيه حاجة فتتعذر منه سيقضيها غيرك ، أي ستقضي
وأنت ملوم كذا بينه في الكشاف ، وفي الانتصاف لأنّ المبذول من سجهتها لبن غير متمول ، ولا يضن به لا سيما على الولد بخلاف ما يبذل من الأب فإنه مال يضن به عادة ، فإن قلت المذكور المعاشرة ، وهي فعل الأب والأمّ فكيف يخص الأمّ بالذكر ، في الجزاء ، قلت : هما مذكوران فيه ، لكن الأمّ مصرح بها ، والأب مرموز إليه لأنّ معنى سترضع له أخرى فليطلب له الأب مرضعة أخرى ، لئلا يلزم الكذب في كلام اللّه ، فمعاسرة الأب مذكورة أيضاً ، لكنها غير فصرح بها ، فظهر الارتباط بين الجزاء والشرط ، وكون المعاتبة للأم كما حققه بعض شراح الكشاف ، ولا حاجة إلى تكلف ما قيل إنّ الأب لما أسقط عن درجة الخطاب وبين أنّ معاسرته لا تجدي ، إذ لا بد من مرضعة أخرى بأجر ، وهذه أشفق منها ، كان في حكم المعاتب المذكور في الجواب فتدبر. قوله : ( فلينفق كل الخ ) ترك الفاء أولى لأنه تفسير لقوله : لينفق ، وقوله : وفيه تطييب لقلب المعسر أي تسلية له ، واستمالة لأنّ ما ذكر هنا ، وأنّ شملهما لكنه للإعسار أقرب ، ويؤيده عبارة آتاه الخاصة به قبله ، وذكر العسر بعده كما أشار إليه بقوله ، ولذلك الخ وقوله : وعدله أي للمعسر من فقراء الأزواج بقرينة السياق ، أو لمطلق الفقراء ويدخل فيه هؤلاء دخولاً أوليا ، كما جوز. الزمخشري. قوله : ( عاجلاَ(8/207)
ج8ص208
أو آجلاَ ) أخذه من عموم التنكير ، وقوله : أهل قرية بتقدير المضاف ، أو التجوز في القرية أو في الإسناد كما مرّ ، وقوله : أعرضت عنه يعني أنه ضمن العتو ، وهو التجبر والتكبر معنى الإعراض ، فلذا عدى بعن ، وقوله : بالاستقصاء أي طلب أقصاه وغايته ، والمراد التشديد والدقة فيه ، وهو المراد بالمناقشة ، وأصل المناقشة إخراج شوكة بشوكة أخرى ثم صار حقيقة فيما ذكرناه ، وقوله : لا ريح فيه أصلاً هو من تنوين التعظيم فيتضح تخصيصه بالعاقبة. قوله : ( تكرير للوعيدا لأنّ ما مر وعيد عبر عنه بالماضي لتحققه ، وقوله : ويجوز الخ فيكون الماضي السابق على حقيقته ، وقوله : عتت وما عطف عليه صفة قرية ، وأعد اللّه خبر كأين أو الخبر ، وأعد الله استئناف لبيان أنّ ما أعد لهم غير منحصر فيما ذكر ، بل لهم بعده عذاب شديد ، وليس فيه تكرير للوعيد أيضا ، على هذا.
قوله : ( الذين آمنوا ) منصوب بأعني المقدر ، أو هو بيان للمنادى ، أو نعت له لا بدل لعدم حلوله محل المبدل منه ، وقوله : لكثرة ذكره فهو وصف بالمصدر مبالغة كرجل عدل ، وقوله : أو لنزوله الخ ، فتسميته به مجاز لما بينهما من الملابسة المشابهة للحال والمحل ، وقوله : أو لأنه مذكور فهو مجاز كدرهم ضرب الأمير ، وقوله : أو ذا ذكر ، لم يقل ذو ذكر لعطفه على مذكور صثناكله للمفسر به. قوله : . ( أو محمدا ) معطوفي على قوله : جبريل ، وهو من التسمية للفاعل بالمصدر ، أو مجاز بالملابسة المازة ، أو لشرفه وقوله : وعبر الخ ، بيان لوجه قوله : أنزل على هذا مع أنه كان الظاهر أن يقول بدله أرسل ، وقوله : ترشيحاً أي للتجوّز عن محمد بالذجمر ، ولا يلزم أن يكون استعارة لأنّ الترشيح يجري في المجاز المرسل أيضاً. ، ! كما صرّحوا به ، وقوله : أو لأنه أي إرساله مسبب فيكون أنزل مجازاً مرسلا ، وإذا كان ترشيحا فهو على حقيقته ، وقوله : وأبدل الخ ، هو على الوجهين لا على الثان!د لأنّ قوله : عبر يعينه كما توهم ، وقوله : للبيان ! أي هو عطف بيان بناء على تجويزه في النكرات ، وقوله : أو أراد الخ ، لم يقل أو القرآن عطغا على جبريل لبعد العهد وخوف اللبس ، وهو معطوف على قوله يعني. قوله : ( ورسولاً منصوب بمقدّر ) يعني على هذا الوجه ، إذ لا حاجة إلى التقدير على ما قبله ففيه رد على الزمخشري ، وقرله : أو ذكرا مصدر قيل معطوف على القرآن ، أي أراد بالذكر ذكرا يعني نفسه بالمعنى المصدري ، ولا يخفى ما فيه من التعسف ، وقيل : إنه معطوف على قوله : بمقدر. قوله : ( ورسولاً مفعوله ) قيل : ولا يمنع إرادة القرآن من الذكر بالمعنى المصحدري عن أعماله في المفعول ، كما ظن فإنّ إرادته منه بعد الأعمال ، فالقرآن هو ذكر الرسول لا الذكر وحده ، ولا يخفى ما فيه من التعسف مع أنه يصير قوله ، ورسولاً مفعوله مستدركا مع ما في قوله ، أو بدله من جعل البدل منصوبا بالمبدل منه ، ولو كان المراد ما ذكره ، قال أو ذكرا أو بدل منه ، وأيضاً القرآن كما أنه ليس مرسلاً ، ليس رسالة بل مرسل به ، فإن فتح باب التأويل لم يبق حاجة إلى جعل الرسول بمعنى الرسالة ، وقيل : ذكر بلفظ الفعل ، وقوله : ورسولاً ، مفعوله معطوف على قوله : أراد به القرآن بحسب المعنى ، وكله من التعسفات الباردة والوجه الأوّل أقر بها. قوله : ( حال من اسم الله ) فنسبة التلاوة إليه مجازية كبنى الأمير المدينة ، وآيات الله من
وضع الظاهر موضع الضمير ، وقوله : والمراد بالذين آمنوا في قوله : ليخرج الخ ، هكذا هو في النسخ الصحيحة المعتمدة ، يعني أنّ الذين آمنوا قد خرجوا بالإيمان من الظلمات ، فكيف تكون التلاوة عليهم لإخراجهم منها ، فأجاب أوّلاً بأنّ قوله : ليخرج متعلق بقوله : أنزل لا بيتلو ، وقوله : بعد إنزاله إشارة إلى أنّ معنى آمنوا بالنظر إلى نزال هذه الآية ، وأما بالنظر إلى إنزال القرآن فالظاهر تؤمنون ، وقوله : ليخرج إشارة إلى أنّ المراد تؤمنون في المستقبل ، والمضيّ باعتبار علمه وتقديره الأزلي ، ووقع في بعض النسخ ، والمراد بالدين ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، أي ليحصل الخ فقيل إنه سهو من الناسخ ، وقيل : مراده بقوله : بالدين بالدال المهملة أنه ملتيس به فيكون يتلو عليكم آيات اللّه ، قائما مقام متلبساً بالدين ، كقوله : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ } [ سورة الفتح ، الآية : 28 ] فتأمّل. قوله : ( فيه تعجيب وتعظيم الخ ) إنما جعله للتعجيب ، لأنه لم جعله خبراً لم يكن في ذكره فائدة ، لأنّ المراد ما ذكر هنا وحسنه معلوم ، والتعظيم إما من التعجيب لأنه لو يجعل عجيبا إلا لكونه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، أو من تنوين رزقاً. قوله : ( أي وخلق مثلهق في العدد ) يحتمل أنه بيان لحاصل المعنى ، وهو معطوف على قوله : سبع سموات ، والفصل بين الواو(8/208)
ج8ص209
والمعطوف بالجار والمجرور جائز ، ويحتمل أن يكون قدر له عاملاً لئلا يلزم المحذور المذكور ، وهو الظاهر ، وقوله : في العدد إشارة إلى أنّ الأرض كالسماء سبع طبقات متميزة متفاصلة ، وهو المعروف في الأحاديث الصحيحة كقوله : ( رب الأرضين السبع وما أقللن ) وقيل : هي الأقاليم السبعة ، وهذا يستدعي أن تحمل الأرض على السفليات مطلقا ، وليست هذه المسألة من ضحروريات الدين حتى يكفر من أنكرها ، أو تردّد فيها والذي تعتقده إنها طبقات سبع ، كالسموات ولها سكان من خلقه يعلمهم الله ، واليه الإشارة بقوله : يجري أمر الله وقضاؤه الخ. قوله : ( أو مضمر يعمهما ) كفعل ما فعل لتعلموا الخ ، أو أخبرتكم وأعلمتكم الخ ، والحديث المذكور موضوع ، تصت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه العظام وآله وصحبه الكرام.
سورة التحريم
وتسمى سورة النبيّ وعدد آياتها متفق عليه وهي مدنية وقيل : إلا آيتين من آخرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( روي أفه عليه الصلاة والسلام ) اختلف في سبب النزول فقيل : قصة مارية ، وقيل : قصة العسل ، وقال في شرح مسلم الصحيح أنها في قصة العسل ، لا في قصة مارية المروية في غير الصحيحين ، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح ، ومارية جاريته صلى الله عليه وسلم التي أهداها له المقوقس ملك مصر ، وهي أمّ إبراهيم ، ( وقوله عند حفصة ( وقيل : عند زينب بنت جحش ، وقيل : عند سودة ، وفي شرح مسلم للنووي الصواب أنّ شرب العسل كان عند زينب رضي الله عنها ، وقوله : نشتم ، وفي نسخة نشم من باب علم ونصر. قوله : ( ريح المنافير ) بفتح الميم وغين معجمة وفاء ، وبعد الفاء ياء ثم راء مهملة ، وفي بعض نسخ مسلم مغافر بلا ياء ، وقال القاضي عيا ضالصواب إثباتها لأنه جمع مغفور بضم الميم ، وهو صمغ حلوله رائحة كريهة يكون بشجر يسمى العرفط ، وقيل : هو نبات له ورق عريض. قوله : ( تفسير لتحرّم الخ ) بيان للنكتة في ترك عطفه لأنه تفسير لتحرم بجعل أبتغاء رضاهن عين التحريم ، مبالغة في كونه سبباً له ، وقوله : استئناف الظاهر أنه استئناف نحوي ويجوز أن يكون بيانيا في جواب سؤال ، تقديره لم أنكرت يا رب عليّ هذا ، وقد وقع مثله من الأنبياء كما قال : { إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ } [ سورة آل عمران ، الآية : 93 ] وقوله : لبيان الداعي إليه أي إلى التحريم ، وليس هذا بيانا لمنشا السؤال لأنه لا يصح ، تقديره ، ما الداعي لتحريمه ، فإنه يعلمه أو المراد الداعي لما ذكر من الإنكار فلا يرد عليه شيء. قوله : ( لك هذه الزلة الخ ) تبع فيه الزمخشريّ
وقد ردّه في الانتصاف ، وشن الغارة في التشنيع عليه ، لأنّ تحريم الحلال مطلقا أو مؤكداً بيمين بمعنى الامتناع منه ليس بزلة ، وكم من مباح يتركه المرء باختياره ولا يلحقه منه شيء ، وأمّا اعتقاد الحرام حلالاً وعكسه مما يلحق به الإثم ، فلا يصدر عنه صلى الله عليه وسلم وحاشاه من نسبة مثله ، وأجاب عنه في الكشف بأنه أراد به ترك الأولى ، وهو بالنسبة لعصمته صلى الله عليه وسلم وعلوّ مرتبته ، وقد يقال له ذنب وإن لم يكن ذنباً في نفسه ، ولذا عقبه بقوله : والله غفور رحيم ، وقوله : لا يجوز ينبئ عنه. قوله : ( قد شرع لكم تحليلها ) إشارة إلى أنّ التحلة مصدر بمعنى التحليل ، وا! التحليل في الأصل لحفعيل من الحل بالفتح وهو ضد العقد فكأنه باليمين على الشيء لالتزامه عقده عليه ، فإذا استثنى أو كفر فقد حل ما عقده ، وقوله : عقدته إن كان بضمير الخطاب فهو الفاعل ، وإن كان بتاء التأنيث ففاعله ضمير مستتر للإيمان ، والبارز لما وبالكفار متعلق بحل. قوله ة ( واحتج به ) أي بما في هذه الآية من فرض تحليلها بالكفارة إن لم يستئن ، وقوله : مطلقاً أي تحريم المرأة أو غيرها مما يملكه ، وهو مذهب أءي حنيفة ، وخالفه فيه الشافعى- ، ودليله أنه لو لم يكن يمينا لم يوجب اللّه فيه كفارة اليمين هنا ، وأجاب عنه المصنف رحمه الله تعالى بأنه لا يلزم من وجوب الكفارة كونه يمينا ، لجواز إشتراك الأمرين المتغايرين في حكم واحد ، فيجوز أن تثبت الكفارة فيه لمعنى آخر ، ولو سلم أق هذه الكفارة لا تكون إلا مع اليمين ، فيجوز أن يكون أقسم مع التحريم ، كأن يقول في قصة مارية والله لا أطؤها ، والله(8/209)
ج8ص210
لا أشربه ، وقد رواه بعضهم عنه ، كما في شرح مسلم ، فالكفارة لذلك اليمين لا للتحريم وحده ، فما ذكر وجهان لا وجه واحد ، محصله أنه أتى باليميق والكفارة ، فإنه مخالف لسياقه من غير داع له.
قوله : ) أو العسل ) قد عرفت أنّ هذا هو الصحيح ، إلا أنه لم يكن عند حفصة على الصحيح ، وأنما كان عند زينب كما مرّ ، وأما كون أو هنا لمنع الخلو ليصح التبعيض ، فلا أرى له وجها فتدبر وأسرار أمر الخلافة ذكره ابن حجر عن الطبراني- ، وفي عبارته طسامح فإنها تشعر بالحصر ، وليس بمراد ، وقوله : أي على إفشائه فهو على التجوّز ، أو تقدير مضاف
فيه ، ولم يجعله لمصدر نبأت مع أنه بمعنى الإفشاء لئلا تنتشر الضمائر. قوله : ( ويؤيده قراءة الكسائتي بالتخفيف الخ ) فإنه على هذه القراءة لا يحتمل معنى العلم ، لأن العلم تعلق به كله بدليل قوله : أظهره ، وقوله : أعرض الخ فتعين أن يكون بمعنى المجازاة ، لا بمعنى الإقرار كما في القاموس فإنه لا وجه له هنا ، قال الأزهري في التهذيب من قرأ عرف بالتخفيف ، يعني غضب من ذلك ، وجازى عليه ، كما تقول للرجل يسيء إليك والله لأعرفن لك ذلك ، قال الفراء وهو حسن ، انتهى وقد وردت المعرفة والعلم بمعنى المجازاة كثيرا في القرآن ، لأنها لازمة لها إذ ما لا يعرف لا يجازي عليه. قوله : ( لكن المشذّد الخ ) ويجوز أن يكون العلاقة اللزوم أيضاً ، والسببية إذ المجازاة بالتطليق مثلاً سبب لتعريفها بالجناية ، والمخفف بالعكس. قوله : ( على الالتفات ) من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة ، فإنّ المبالغ في العتاب يصير المعاتب مطروداً بعيدا عن ساحة الحضور ، ثم إذا اشتد غضبه توجه إليه وعاتبه بما يريد. قوله : ) فقد وجد منكما الخ ) يعني أنّ قوله : { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } لا يصح أن يكون جوابا للشرط إلا بهذا التأويل ، أي إن تتوبا فلتوبتكما موجب وسبب ، كقوله : { مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ } [ سورة البقرة ، الآية : 97 ] أي فلمعاداته سبب وموجب ، أو التقدير حق لكما ذلك فقد صدر ما يقتضيها ، وقال ابن هشام هذا كقوله : إن تكرمني اليوم فقد أكرمتك أمس ، وفيه إشكال من وجهين ، أحدهما أنّ الإكرام الثاني سبب للأوّل ، فلا يستقيم أن يكون مسببا عنه ، والثاني أنّ ما في حيز الشرط مستقبل ، وهذا ماض ، ولذا قال ابن الحاجب توهم كثير أنّ جواب الشرط يكون سبباً ومسبباً وهو فاسد ، وتوجيهه أنه سبب للإخبار بقوله : صغت قلوبكما فإن قلت الآية سبب للتحريض على التوبة فكيف تجعل سبباً لذكر الذنب ، قلت : ذكر الذنب متسبب عنه ، وهو لا ينافي التحريض ، وقيل الجواب محذوف تقديره يمسح إثمكما ، وقوله : فقد صغت الخ ، بيان لسبب التوبة فإن قلت : ما قدره في الكشف لا يتسبب عن الشرط ، بل الأمر بالعكس ، فإن اعتبر الإعلام فليعتبر ابتداءكما ، فعله ابن الحاجب وإلا فحقه أن تقديره فقد أديتما ما يجب عليكما ، أو أتيتما بما يحق لكما ، ويجعل ما ذكر دليلاً على الجواب المقدر حينئذ ( قلت ) هذا جواب آخر غير ما ذكره ابن الحاجب ، وهو نظير ما قاله النحاة في قوله :
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة
فإنه بتاويل تبين أني لم تلدني لثيمة ، والمعنى هنا فقط ظهر أنّ ذلك حق لكم ، فليس
مآله إلى ما قاله ابن الحاجب ، لكنه أقرب إلى التأويل مما ذكره كما قيل. قوله : ( وهو ميل قلوبكما ) الدال عليه صغت ، وقال عن الواجب دون إلى الواجب ، والحق أو الخير حتى يصح جعله جوابا من غير احتياج إلى الإضماو ، فإنه يقال : صغا إليه إذا مال ورغب ، كما في الأساس لأنه الماضي ، وقد قرأه ابن مسعود زاغت ، وتكثير المعنى مع تقليل اللفظ يقتضي ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى ، كما قيل لكنه إنما يتمشى على ما ذهب إليه ابن مالك ، من أنّ الجواب يكون ماضياً ، وإن لم يكن لفظ ، كان فيه نظر. قوله : ( من مخالقة رسول الله ) بالخاء المعجمة واللام والقاف أي موافقة أخلاقه والتخلق بها وهو بيان للواجب ، والفاء تحريف من الناسخ ، وقوله : تتظاهرا أي تتفقا وتتعاونا عليه ، وقوله : فلن يعدم من باب علم أي يفقد من يظاهره ويعينه ، وهو إشارة إلى أنّ ما ذكر دليل الجواب وسببه أقيم مقامه ، أو هو مجازا وكناية عما ذكر ، فيكون جوابا بنفسه ، وقوله : صلحاء المؤمنين إشارة إلى ما سيأتي ، من أنّ صالح في معنى الجمع كما ستسمعه عن قريب. قوله : ( رئيس الكروبيين ) في الفائق الكروبيون سادة الملائكة كجبرائيل وإسرافيل ، وهم المقربون من كرب إذا قرب ، وقال ابن مكتوم في تذكرته إنّ الكروبين بفتح الكاف وتخفيف الراء من كرب إذا قرب قال :
كروبية منهم ركوع وسجد
وقد تقدم تفصيله. قوله : ( ناصره ا للمولى معان كما مرّ ، فكون اللّه مولاه(8/210)
ج8ص211
بمعنى ناصره ، وكون جبريل مولاه بمعنى قرينه ، وهو قريب من معنى الناصر ، وكون المؤمنين مولاه بمعنى أتباعه والظاهر أنه قدّر لكل منهما خبراً على حده ، ويجوز جعل مولاه خبرا عن الجميع لكنه يلزمه استعماله في معانيه ، والأوّل أولى وفيه بحث. قوله : ( متظاهرون ) إشارة إلى أنّ ظهير بمعنى الجمع ، واختير الإفراد لجعلهم كشيء واحد ، وظاهر كلامه أنّ ظهير خبر الملائكة ، وقد جوّز كونه خبرا لجبريل ، وما عطف عليه وأن يكون خبراً له ، وخبر ما بعده مقدر كقوله : وإني وتياربها لغريب
ولو قال بدل قوله : متظاهرون مظاهرون كان أظهر. قوله : ( والمراد بالصالح الجنس ) الشامل للقليل والكثير ، والمراد به الجمع هنا كالحاضر والسامر ، ولذا عم بالإضافة لأنّ الجمع
المضاف من صيغ العموم ، ولذا لم يحمل على العهد هنا ، وإن روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : " انّ صالح المؤمنين هنا أبو بكر وعمر ، ورفع ذلك إلى النبئ صلى الله عليه وسلم ) وقد ذهب إليه قتادة وعكرمة ، وهو مناسب لذكر جبريل والملائكة عليهم الصلاة والسلام ، فإنّ المراد دخولهما بالطريق الأولى لا التخصيص. قوله : ( بعد ذلك ثعظيم لمظاهرة الملائكة ) لأنّ موقع بعد ذلك هنا موقع ، ثم في قوله تعالى : { ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا } [ سورة البلد ، الآية : 17 ] في إفادة التفاوت الرتبي كما بينه الزمخشريّ في قوله : { بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [ سورة القلم ، الآية : 13 ] ولما أوهم هذا أنّ نصرة الملائكة أعظم من نصرة الله تعالى وهو محال ، دفعه بأنّ نصرة الله على وجوه شتى من أعظمها نصرته بالملائكة ، فتعظيم نصرة الملائكة لكونها نصرة الله يتضمن تعظيم نصرته تعالى ، واليه أشار بقوله من جملة ما نصره الله به ، وليس في هذا تعرض لتفضيل الملك على البشر بوجه ، حتى يتصد! لدفعه. قوله : ) على التغليب ) في خطاب الكل ، مع أنّ المخاطب أوّلاً اثنتان منهن ، وفي لفظة إن الشرطية أيضاً الدالة على عدم وقوع الطلاق ، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم طلق حفصة رضي اللّه تعالى عنها فغلب ما لم يقع من الطلاق على الواقع. قوله : ( أو تعميم الخطاب الخ ) يعني لجميع زوجاته صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، فيكون التفاتا إلى الجميع وخطابهن لأنهن في مهبط الوحي وساحة العز والحضور فيصلحن لذلك ، فلا تغليب لا في الخطاب ، لأنه قصد خطاب الجميع ، ولا في أن لأنّ طلاق الجميع لم يقع ، ولذا عقب بقوله وليس فيه الخ ، قوله : ( والمعلق بما لم يقع الخ ) يعني أنه علق إبدال خير منهن بتطليق الجميع ، وهو لم يقع فلا يقع الإبدال ولا الخيرية ، ولا يلزم أن يكون في الدنيا ، أو في عصره
صلى الله عليه وسلم من هو خير من أمهات المؤمنين ، حتى يتكلف لدفعه. قوله : ( وقرأ نافع وأبو عمرو بالتشديد ( هكذا وقع في النسخ وفي بعضها بالتخفيف ، وهو سهو من الناسخ كما يعلم من كتب القرا آت. قوله : ( مقرات ) هو معنى مسلمات ومخلصات ، معنى مؤمنات لأنه يعتبر فيه تصديق القلب ، وهو لا يكون إلا مخلصاً فلا تكرار في الجمع بينهما هنا ، أو الإسلام بمعنى الانقياد ، وهو معناه اللغوي فيفيد ذكره مع المؤمنات ، وقوله : مصليات الخ ، على أنّ القنوت بمعنى الصلاة أو الطاعة المطلقة ، وقوله : أو متذللات لأن التعبد يكون بمعنى التذلل كما مرّ ، وقوله : صائمات الخ أصل السياحة الذهاب في الأرض للعبادة ، ولذا سمي المسيح مسيحا في قول ، ثم إنه ورد بمعنى الصائم تشبيها له بأهل السياحة للعبادة في عدم الزاد نهاراً ، أو المراد بها الهجرة لأنها سياحة الإسلام. قوله : ( وسط العاطف بينهما الخ ) يعني ليست هذه الواو واو الثمانية كما توهم ، وأنما هي كالواو في قوله تعالى : { الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ } [ سورة التربة ، الآية : 12 ا ] حيث ترك عطف ما سواها ، لأنها صفات مجتمعة في شيء واحد بيتها شدة اتصال تقتضي ترك العطف ، وهاتان بينهما تقابل بحيث لا تجتمعان في ذات واحدة ، فلذا خصتا بالعطف للدلالة على تغايرهما وعدم اجتماعهما ، فإن قلت فحينئذ كان العناسب ألعطف بأو الفاصلة دون الواو الواصلة ، قلت هو من وصف الكل بصفة بعضه ، وهما مجتمعان في الكل فكأنه قيل : أزواجاً بعضهن ئيبات ، وبعضهن أبكار فتأمّل. قوله : ( ولأنهما في حكم صفة واحدة ) يعني أنهما هنا كشيء واحد لأنّ المراد إحدى هاتين الصفتين ، فالعطف للدلالة على ذلك فتدبر. قوله : ( عطف على واو قوا ا لوجود الفاصل بينهما ، فإنه لا يشترط فيه أن يكون تأكيدا ، وقوله : فتكون أنفسكم الخ يعني أنّ أصله قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم ، وأنفسهم بأن بقي ويحفظ كل نفسه عما يوبقها ، فقدم الأنفس وغلب أنفس المخاطبين على أنفس أهليهم ، فشملهم الخطاب جميعاً ، والتغليب في كم ، وفي قوا أيضاً ، والمراد بالقبيلين هم وأهلوهم. قوله :(8/211)
ج8ص212
( وقودها الناس الخ ( مرّ تفسيره في البقرة ، وقوله : ناراً الخ يعني أنّ تنوينه للتنويع ، وقوله : تلي أمرها فمعنى عليها أنهم موكلون عليها ، وهم الزبانية التسعة عشر ، وقوله :
غلاظ الأقوال فالغلظة مستعارة هنا ، وفيما بعده حقيقة. قوله : ( فيما مضى ) قيد للعصيان والأمر على التنازع ، كقوله : فيما يستقبل وهو إشارة إلى دفع التكرار في قوله تعالى { لَا يَعْصُونَ } الخ ويفعلون الخ بوجهين وقوله : لا يعصون على الوجه الثاني للاستمرار مثلى يفعلون ، وعلى الأوّل لحكاية الحال الماضية ، أو للاستمرار فيما مضى ، وقد دفع أيضا بوجوه منها أنّ الجملة الأولى لبيان استمرار إتيانهم بأوامره ، والثانية لأنهم لا يفعلون شيئا ما لم يؤمروا به كقوله تعالى : { وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } فإنّ استمرارهم على فعل ما يؤمرون به يفيده فلا تكرار وما فيما يؤمرون موصولة عائدها مقدر وهو به ومحصله على الثاني أنهم يوافقون الأمر في الباطن والظاهر وقيل : إنه من الطرد والعكس وهو يكون في كلامين يقرر منطوق أحدهما مفهوم الآخر وبالعكس ( وهاهنا بحث ( وهو أن الجار والمجرور هنا ليس من القرآن والتنازع إنما يكون في مذكور لا مقدر والمقدرات القرآنية ليست منه كما تقدم في سورة الفاتحة وما في التسهيل من أنّ نحو ما قام وقعد إلا زيد من التنازع عند الكسائي لا يقتضيه لأن فيه ما يقوم مقام المقدر وما نحن فيه ليس كذلك فليحرر فإنه من المباحث المهمة. قوله : ( أي يقال لهم الخ ) إشارة إلى أنه على تقدير القول والمراد باليوم وقت دخول النار فتعريفه للعهد وقوله : لا عذر لهم أصلا فنفي الاعتذار كناية عن نفي العذر وليس المراد أنه نهى عن الإتيان بما هو عذر بحسب الصورة وحسبانهم كما قيل لأنه يرجع لما بعده حينئذ وقوله : من الذنب صلة التائب لأنه يتعدّى بمن فليست تعليلية وبالغة إشارة إلى دلالة صيغته على المبالغة والإسناد المجازي لأنّ النصوح صاحبها ، وقوله : ذات نصوح فهو صفة بتقدير مضاف ، وتنصح نصوحا فهو مصدر فعل جملته صفة ، وقوله : توبوا نصوحا فهو مفعول له وهذا كله على قرإءة الضم. قوله : ( وسئل علي رضي اللّه تعالى عنه الخ ) هذا منقول عن يعسوب المؤمنين ، وهو كمال التوبة عند الخواص لا إنه يشترط ذلك في تحققها حتى يخالف مذهب أهل السنة في أنه يكفي لتحقق التوبة الندم
والعزم على أن لا يعود والمذكور شروطها عند المعتزلة كما في شرح المواقف ، واعادة الفرائض أن يقضي منها ما وقع في زمان معصيته كشارب الخمر يعيد صلاته قبل التوبة لمخامرته للنجاسة غالبا ، وتربية نفسه تدريجها في فعل الطاعة حتى يتم إلفه لها. قوله : ( بصيغة الآطماع ) بكسر الهمزة وهي عسى ولعل ونحوهما ، وقوله : جرياً على عادة الملوك الخ فإنهم إذا أرادوا فعلاً قالوا : عسى أن نفعل كذا ، وقوله : غير موجب خلافا لبعضهم في الإيجاب بها وكونه بين الخوف والرجاء لا ينافي غلبة الرجاء واحمادا بمعنى جعلهم محمودين عند الله وناواهم بمعنى عاداهم كما وقع في نسخة من النوى وهو البعد ففيه تعريض لأعدائهم بالخزي وفيه إشارة لترجيح العطف وقد جوّز كون الخبر معه والمراد بالإيمان فرده الكامل هنا ، وقوله : طفئ كسمع ذهب نوره فأظلم مكانه وأتمم بمعنى أدمه إلى أن يصلوا إلى الجنة ، وقوله : وقيل الخ فالإتمام الزيادة وهو معطوف بحسب المعنى على قوله : إذا طفئ الخ وعلى هذا لا يلزم أن يكون هذا من باب بنو فلان قتلوا قتيلاً كما توهم. قوله : ( إذ بلغ الرفق مداه ) وفي نسخة إذا وهي الصحيحة يعني إذا رفقت غاية الرفق فلم يفد ذلك أغلظ عليهم حينئذ فإن من لا يصلحه الخير يصلحه الشرّ ، وقوله : جهنم أو مأواهم هو المخصوص بالذم المقدّر فيه قيل ، وهو من عطف القصة على القصة. قوله : ( مثل اللّه تعالى حالهم ) أي الكفرة ، وقوله : يحابون بالحاء المهملة والموحدة من المحاباة في البيع والمراد هنا مجازا الرعاية وفعل الجميل وقوله : بما متعلق بيجابون ، وقوله : بحالهما متعلق بمثل ، وقوله : تعظيم نوح من مدح الله لهما بقوله : عبدين الخ وكان مقتضى الظاهر تحتهما فإن تعظيم السيد لعبده ومدحه يكفي فيه مثله فلا يتوهم أن لا تعظيم في وصف الأنبياء بالصلاح ، ولذا أضيف لضمير العظمة فافهم ، وفيه أيضاً تعريض
لأمّهات المؤمنين وتخويف لهن بأنه لا يفيدهن كونهن تحت نكاح النبيّ صلى الله عليه وسلم. قوله : ( إغناء مّ ( فثثا منصوب على المصدرية ، ويجوز أن يكون مفعولاً به أي شيئاً من العذاب وما إشارة إلى العموم من النكرة(8/212)
ج8ص213
في سياق النفي ، وقوله : أو يوم القيامة وعبر بالماضي لتحققه ، وقوله : الذين لا وصلة الخ إشارة إلى فائدة قوله : مع الداخلين وقوله : ظرف للمثل الخ إذ هو بتقدير مثل امرأة فرعون حين قالت هذا المقال. قوله : ( قريباً من رحمتك الخ ) هو تفسير لقوله : عندك فإنه تعالى منزه عن المكان والحلول ومجاورة غيره فحمل الجوار هنا على القرب من رحمته فعندك حال من ضمير المتكلم أو من بيتا لتقدّمه عليه ، وكان صفة لو تأخر وفي الجنة بدل أو عطف بيان لقوله : عندك أو متعلق بقوله : ابن وقدم عندك هنا كما في الفصوص للشيخ لنكتة ، وهي الإشارة إلى قولهم : الجار قبل الدار ، أو هو بمعنى أعلى الدرجات لأنّ ما عند الله خير ولأنّ المراد القرب من العرش وعندك بمعنى عند عرشك ومقر عزك وعندك على الاحتمالات في إعرابه ولا يلزم كونه ظرفا للفعل. قوله : ( تسلية للأرامل ا لجمعه في التمثيل بين من لها زوج ومن لا زوح لها للتسلية لهن وتطييب قلوبهن ، والأرامل جمع أرملة وهي التي لا زوج لها وقوله : فنفخنا الخ تقدم الكلام عليه مفصلاً في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقوله : أو الحمل يعني عيسى كما مر في سورة الأنبياء وفي نسخة الجملة وهو تحريف من الكاتب. قوله : ( من روح خلقناه بلا توسط أصل ) فالإضافة للتشريف لا لأدنى ملابسة ، وقوله : بصحفه المنزلة هو الظاهر وكونه بمعنى كلامه القديم القائم بذاته بعيد هنا جداً ، وقوله : جنس الكتب فالإضافة تعمها إذ ليس المراد العهد وقوله : بعيسى لأنه سمي كلمة كما مرّ شرحه في قوله : وكلمة من الله وجوّز فيه أن يراد كلمة التوحيد وجنس الكتاب أيضا. قوله : ( من عداد
المواظبين ) أي عدت من الرجال المداومين على العبادة ومن للتبعيض ، والتذكير للتغليب إذ لم يقل من القانتات ، وقوله : عدت من جملتهم بإدخالها في عبادتهم وجعلها ممن يكون من سدنة القدس ، ومثله فيه مبالغة فهو أبلغ من قانتة مع أنه أخصر وأظهر لدلالته على معناه وزيادة أنها من قوم قانتين كما في شرح المفتاح. قوله : ( أو من نسلهم الخ ) معطوف على قوله من عداد المواظبين وعلى هذا فلا تغليب فيه. قوله : ( كمل من الرجال الخ ) هو حديث صحيح ( أقول ) قال خاتمة المحققين شيخ مثايخنا السيد عيسى روى أحمد في مسنده سيد نساء أهل الجنة مريم ثم فاطمة ، ثم خديجة ثم آسية ثم عائثة دمانما وصفن بالكمال لأنهن كن في زمان شرك وجاهلية ووصف عائشة بالفضل لأنها أعلمهن حتى قيل ربع الشريعة مروي عنها ، ولذا شبهها بالثريد لأنه فيه نفع وقوّة للبدن وهو أنفع الأطعمة وهو خبز يجعل في مرق وعليه لحم كماقيل :
إذاما الخبرتأدمه بلحم فذاك أمانة الله الثريد
والحديث الذي ذكره المصنف صحيح رواه البخاري ، وقوله : وعنه ع!رو الخ حديث موضوع تمت السورة والصلاة والسلام على أفضل الأنام وعلى آله وصحبه الكرام.
سورة الملك
وتسمى سورة تبارك والمانعة أيضاً وآياتها إحدى وثلاثون في المدني الأخير وثلاثون في
غيره كما قاله الداتي فقول المحشي بالاتفاق لا وجه له وهي مكية على الأصح ، وكيل غير ثلاث آيات منها وقيل إنها مدنية وهو غير مشهور.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : ( { تَبَارَكَ } ) مرّ تحقيقه في الفرقان ، وقوله : بقبضة قدرته الخ القبضة بالفتح
تطلق على أمور فتكون بمع!نى المقدار المقبوض بالكف ، ويقال له : قبضة بالضم أيضاً وهذا من التسمية بالمصدر وفي العرف شاعت في الكف والأصابع مما به القبض والبسط ، وهو المراد هنا لأنّ اليد تطلق عليه كما في قوله تعالى : { فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } [ سورة المائدة ، الآية : 38 ] وتطلق عليها مع ما فوقها إلى الإبط كما في قوله : { فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } [ سورة المائدة ، الآية : 6 ] ولذا كانت الغاية غاية إسقاط فيه فعنى المصنف أنّ اليد مجاز منقول من الأوّل ، إلى القدرة فإضافة قبضة قدرته كلجين(8/213)
ج8ص214
الماء واليد بمعنى القبضة مجاز عن القدرة ، وهذا مما لا شبهة فيه إلا أنه خفي عليهم معنى القبضة هنا فقالوا : ما قالوا مما تركه أتمّ من ذكره والباء في قوله : بيده ظرفية بمعنى في ، وهو ظاهر وبما مر علصت أن كون قبضة قدرته استعارة مكنية وتخييلية غير مناسب للمقام إذا دققت النظر فيه فتدبر. فوله : ( التصرف في الأمور كلها ) قيل إنها تفشر للملك على أنّ تعريفه للاستغراق فيشمل عالم الأجسام وعالم الأرواح والغيب والشهادة فإنه قد يخص بعالم الشهادة ، ويقابله الملكوت وليس بمراد هنا ، ويجوز بقاء الملك على ظاهره وأنه ترك تفسيره لظهوره والتصرف معنى كونه في يده بطريق المجاز أو الكناية لكنه غير موافق لكلام المصنف ، وإن كان في نفسه صحيحاً لأنه حينئذ لا يحتاج إلى جعل اليد مجازاً عن القدرة لأنّ التقدير في قدرته الموجودات كلها ولا يخفى ركاكته وأمّا الاعتراض على الأوّل بأنه لم يدر أن كون جميع التصرفات لله غير كون التصرف في جميع الأمور له ، وغير مستلزم له واللازم مما ذكره هو الأوّل دون الثاني ، ولو سلم فبملاحظة مقدّمة أجنبية هي أنّ التصرف في الجميع واقع فخزازة ودقة في غير محلها فإنه لا فرق بينهما لمن له طبع سليم. قوله : ( على كل ما يشاء قدير ) فسره بالمشيء ، ولم يرتض ما في الكشاف من قوله على كل ما
لم يوجد مما يدخل تحت القدرة فإنه خص كل شيء بما لم يوجد وقد قيل عليه إنه لا يظهر له وجه لأنّ الشيء إمّا أن يختص بالموجود أو يشمل الموجود والمعدوم ، وأمّا تخصيصه بالمعدوم فلا وجه له إلا أن يقال إنه ليغاير ما قبله إذ الملك في العرف يختص بالموجود إلا أنّ اليد مجاز عن القدرة عند. فإن خصت القدرة بالمعدوم كما هو مذهبه اختص الأوّل بالمعدوم ، وإن لم يختص لم يختص هذا أيضا وإن ردّ بأنّ تخصيصه بما لم يوجد لاستغناء الموجود عن الفاعل عند الزمخشريّ كاكثر المتكلمين ، ومن جعل علة الاحتياج الإمكان من المحققين فلأنّ الاختيار يستدعي سبق العدم فجيء بهذا القرين تكميلا لأنّ الاختصاص بالموجود فيه إيهام نقص ، وأورد عليه إنّ المستغني على زعمهم هو الباقي لا الموجود وبينهما فرق مع أنّ المعدوم مستغن عندهم ، وكونه ليس مذهبه ممنوع واستدعاء الاختيار سبق العدم ممنوع أيضاً على ما قرره الآمدي مع أنّ الاختصاص بمسبوق العدم غير الاختصاص بالمعدوم ، وردّ بأن مراد القائل استغناء الموجود عن الفاعل في الزمان الثاني وهو زمان البقاء لا زمان ابتداء الوجود ، وقوله : مع أنّ المعدوم الخ في غاية السقوط لأن استغناءه في عدمه وهو لا ينافي احتياجه بعده مع أن اللازم مما ذكر عدم جواز تعلق القدرة بما يتصف بوجود هو أثر ذلك التعلق قبله لا عدم تعلقه إلا بما يتصف بالوجود أصلاً حتى يجب تعلقها بالمعدوم لجواز كون التعلق ، والمتعلق قديمين وما قالوه من أنّ أثر المختار لا يكون إلا حادثاً لاستدعاء الاختيار سبق العدم مدفوع بان تقدم الإيجاد الاختياري على وجود المعلول كتقدّم الإيجاد الإيجابي عليه في كونه ذاتيا لا زمانياً فأثر المختار كالموجب يجوز أن يكون قديما ، فإن قلت إنا نعلم بالبديهة أنّ القصد إلى إيجاد الموجود محال فلا بد أن يكون مقارنا لعدم الأثر قلت : تقدم القصد على الإيجاد كتقدّم الإيجاد على الموجود في كونهما بالذات فيجوز مقارنتهما للوجود زماناً لأنّ المحال هو القصد إلى إيجاد موجود بوجود قبل لا بوجود هو أثر لذلك الإيجاد ويمكن دفع السؤال بأنّ مراده. بما لم يوجد الأعمّ من المعدوم لأنّ الموجود الثاني متصف بالوجود في كل آن وأثر الفاعل كما يكون ابتداء الوجود يكون الوجود في الزمان الثاني ، وإن كان الموجود فيهما واحداً ففي كل آن متصف بوجود لم يحصل في آن سابق عليه فيصدق عليه في كل آن أنه لم يوجد في آن يليه أي لم يحصل اتصافه به في ذلك الآن لعدم مجيئه بعد فالمقصود أنّ أثر القدرة يجب أن لا يحصل قبل التعلق ، فظهر وجه التخصيص بما لم يوجد وأن انهدم به قاعدة القدرة والمشيئة ) أقول ) ما ذكره من أنّ المراد الزمان الثاني مقبول ، وكذا ما بعده وأمّا ما ذكره مما ادعى إمكان الدفع به فلا وجه له وهو تعسف لحمله الكلام على ما لا يحتمله ( بقي هاهنا بحث ) وهو أنهم ادّعوا مخالفة كلام المصنف لما في الكشاف حتى قالوا ما قالوا ، وهو غير صريح فيه لأنّ ما شاءه يجوز أن يريد به ما لم يوجد لأنّ تعلق المشيئة والإرادة في المستقبل يقتضي عدم وقوعه في الماضي ، والحال وإنما عدل عن عبارة الزمخشريّ للإشارة(8/214)
ج8ص215
إلى أنه بمعنى المشيء لا الشائي
كما فصله في البقرة لأنّ المشيثة معتبرة في مفهوم القدرة. قوله : ( قدّرهما الخ ا لما اختلفوا في الموت هل هو أمر عدمي ، وهو زوال الحياة عما هي من شأنه أو وجودي ، وهو كيفية تضاد الحياة كما ذهب إله كثير من أهل السنة حتى زعم بعضهم أنّ من عرفه بزوال الحياة عرفه بلازمه دون حقيقته ، أشار المصنف إلى تفسيره على القولين وقدم اعتبار العدم لأنه المتبادر الأقرب فاذا كان عدمياً لا يكون مخلوقاً فيفسر الخلق هنا بالتقدير ، وهو يتعلق بالوجودي والعدمي فلا يتم الاستدلال بهذه الآية على أنه وجودي كما وقع في كتب الكلام.
قوله : ( أو أوجد الحياة وأرّالها حسبما قدره ) قيل : إنه أراد أنّ الموت ليس عدما مطلقا
صرفا بل هو عدم شيء مخصوص ، ومثله يتعلق به الخلق والإيجاد لأنه إعطاؤه الوجود ولو لغيره وكونه معنى حقيقياً للخلق بعيد لأنّ الظاهر أنّ المعتبر فيه وجوده في نفسه ، وقد قيل : إنه على تقدير مضاف أي خلق أسباب الموت ، وقيل : الخلق يكون بمعنى الإيجاد وبمعنى الإنشاء والإثبات ، وهو بالمعنى الثاني يجري في العدميات ، وهو معنى مجازي شامل للمعنى الحقيقي ، وهو مراد المصنف ولا يخفى بعده عن عبارته ، وقيل : إنه أراد بهذا أنه وجودي لكنه عبر عنه بإزالة الحياة لأنه لازم له ولا يخفى ما فيه من التكلف ، وأمّا القول بأنه غلب الخلق على الإزالة هنا فلا معنى له ، وقوله : حسبما قدره حسب بمعنى قدر وما مصدرية أو موصولة عبارة عن زمان تفديره ، وليس هذا إشارة إلى أنّ التقدير معتبر في مفهوم الخلق كما توهم فالظاهر أنه أراد أنّ المراد بخلقهما خلق زمان ومدة معينة لهما لا يعلمها إلا اللّه فإيجادهما عبارة عن إيجاد زمانهما مجازاً. قوله : ( وقدّم الموت الخ ) إشارة أنّ الموت إن كان العدم مطلقاً سواء كان سابقا أو لاحقاً كما هو أحد الوجوه في تلك الآية فتقدمه ظاهر لسبقه على الوجود ، وهو عدم الحياة عما هي من شأنه فإن أريد به العدم اللاحق لأنه عدم الحياة عمن اتصف بها فتقديمه لأنّ فيه عظة وتذكرة وردعا عن ارتكاب المعاصي وهذا أحسن من جعله مبنيا على الأوّل ، وأنه لما تعلق الخلق به خص بالعدم الطارئ لأنه تكلف ما لا حاجة إليه ، وكذا إرادة الثاني وأنه يكفي لتقدمه تقدم نوع العدم إذ لا تمايز فيه. قوله : ( أدص إلى حسن العمل ا لما بينا من أنه عظة وتذكرة ، ولذا ورد أكثروا من ذكرها ذم اللذات وفي الحياة أيضا داعية له لأنّ من عرف أنها نعمة عظيمة ، وكان ذا بصيرة دعته إلى العمل أيضا فلا يتوهم أنها لا داعية فيها وأنما ذكرها باعتبار توقف العمل عليها. قوله : ( ليعاملكم معاملة المختبر الخ ) يعني أنّ البلاء بمعنى الاختبار يقتضي عدم العلم بما اختبره فهو غير صحيح في حقه تعالى ، ولذا جعلو. هنا استعارة تمثيلية أو تبعية على تشبيه حالهم في تكليفه تعالى لهم بتكاليفه ، وخلق الموت والحياة لهم واثابته لهم وعقوبته بحال المختبر مع من اختبره وجربه لينظر إطاعته وعصيانه فيكرمه ، ويهينه والمختبر بفتح الباء ويجوز كسرها ، ولذا اختاره من قال بين التشبيه في جانب المختبر بالفتح دون الكسر
لأنه أقرب لرعاية الأدب ، ومن قال إنه لا رعاية فيه للأدب لوجوب كون معنى الآية الكريمة ذلك لم يأت بشيء غير إساءة الأدب. قوله : ( بالتكليف الخ ) يجوز تعلقه بيعاملكم وبالمختبر ولا يرد عليه ما قيل : من أنه يقتضي وجود مختبر بالتكليف الإلهي اختبارآحقيقيا ، ولا وجود له إذ الموجود مكلف غير مختبر لأنه لا يتعين إرادة التكليف الإلهي ولو سلم فيكفي فرض وجوده لصحة التشبيه به ، وقوله : يا أيها المكلفون إشارة إلى تخصيص المخاطبين بهؤلاء لأن غيرهم لا يجري عليه ذلك والمخصص له هنا العقل كما لا يخفى. قوله : ( أصوبه وأخلصه ) الضميران للعمل والصواب ما كان على وفق ما ورد عن الشارع والخالص ما كان لوجه الله سالما عن الرياء وأتى باسم التفضيل ، وإن عم الخطاب جميع المكلفين تحريضا على اجتناب القبيح ، وأنه لا يعبأ به أصلاً وإنما النظر إلى المحاسن على مراتبها ، والحديث المذكور مز في سورة هود مرفوعا مع بيانه وهو على هذا شامل لعمل القلب والجوارج. قوله : ( المتضمن معنى العلم الخ ) توصيف متضمن للتعليل فإنّ فعل البلوى لا ينصب مفعولين بلا واسطة ، وقوله : ليس هذا من باب التعليق الخ وقد ذكر في سورة هود أنه تعليق ، وهو مما يسئل عنه قديما لما بين المحلين من التعارض ، وقد تقدم الكلام فيه مفصلا فتذكره ، وقوله : لأنه يخل به هكذا هو في(8/215)
ج8ص216
بعض النسخ وفي بعضها بها فقيل : عليه الوجه تذكيره ولا حاجة إليه ، وقولى : وقوع الجملة خبراً أي في الأصل لأن الفعل من النواسخ. قوله : ( الذي لا يعجزه الخ ( بيان لارتباطه بما قبله لكنه قيل عليه إنه إنما يناسب كون الغرض من البلوى تمييز من أحسن ممن أساء حتى يكون تذييلا ، وفيه نظر لأنه قد يوجه بأنّ ما مرّ لذكر الأحسن والحسن عملا ، ثم تكميله بأنه لا يعجزه عقاب المسيء ، وقوله : { لِّمَن تَابَ } منهم قيل : إنه تبع فيه الزمخشري ، وهو مناسب لمذهب أهل السنة والمناسب له أن يقول لمن شاء ويدفع بأنه إنما خصه لأنه المناسب للمقام والمغفرة لمن تاب لا تنافي المغفرة لغيره إذا شاء ، وقوله : تاب منهم الضمير لمن أساء وجمع نظراً لمعناه أو هو للناس المعلوم من السياق. قوله : ( مطابقة ) بفتح الباء إشارة إلى أن المصدر بمعنى اسم المفعول أو بيان لحاصل المعنى ، وقوله : بعضها فوق بعض مبتدأ وخبر والجملة مفسرة لقوله : مطابقة ، وكون بعضها مرفوعا بقوله : مطابقة سهو لأنه لو كان
كذلك قيل : مطابقاً وكذا جعل نرق منصوبا بنزع الخافض متعلقاً بمطابقة ، ويجوز كونها جملة حالية وما ذكرناه أسهل اوأولى وكون مطابقة مصدراً على أنه تفسير لمصدر آخر وقوله : بئ ا خصفتها بفتح التاء على ما عرف والخصف كالخياطة في الجلد وقوله : وصف به فهو بتقدير مضاف ، أو مجاز لغوي إن لم يقصد المبالغة والموصوف سبع وكون الوصف للمضاف إليه العدد ليس بلازم بل أكثري ، وقوله : أو ذات طباق على أنه جمع فإفه اسم جامد لا يوصف به ، وأيضاً الطبقة المرتبة والسموات ذات مراتب لا نفس المراتب ومن لم يفهمه قال : خق العبارة أو جمع طبق إذ لا تمس الحاجة إذا جعل جمعاً إلى التقدير وأنما المحوج له المصدرية ولا غبار عليه في التخصيص أيضاً وقوله : طوبقت طباقاً فهو مفعول مطلق والجملة صفة ، وما قيل من أنه يجوز نصب طباقا على الحالية لأنّ سبع سموات معرفة لشمولها للكل مما لا وجه له لأنّ كونه شاملا للسموات كلها وليس غيرها لا يصيرها معرفة فإنها كالشمس لا فرد لها ، ولا يجوز نصب الحال المتأخرة عنها كقولك : طلعت علينا شمس مشرقة. قوله : ( كرحبة ) بفتح الحاء وهي الساحة لا بسكونها حتى يكون سهواً لأنه لم يسمع طبقة بسكون الباء كما توهم ، وقوله : فإنّ كلا الخ وفي نسخة كان أو كما قيل بعضه يفوت بعضا والأمر فيه سهل. قوله : ( صفة ثانية ) والأولى قوله : طباقاً أو الجملة ، وهي طابقت طباقا كما مرّ ولا يلزم الاقتصار على الأوّل كما توهم. قوله : ( موضع الضمير ( وهو فيهن فإن قلت : قال ابن هشام في الباب الرابع من المغني الجملة الموصوف بها لا يربطها إلا الضمير إما مذكوراً ، أو مقدراً قلت ليس كلام ابن هشام نصا يلزم المصنف اتباعه والتوفيق بينهما بأنه إذا لم يقصد التعظيم كما قاله بعض المتأخرين ليس بشيء لأنه لا بد له من نكتة سواء كانت التعظيم أو غيره. قوله : اللتعظيم ( لإضافته لاسمه تعالى إضافة تشريف ، والإشعار المذكور ناظر لخصوصية الرحمن وكونها نعما لأنّ السفليات مستمدة من العلويات على ما تقرّر في الحكمة مع ما فيها من الأجرام المنوّرة ، وكونها أدلة للسارين ومواقيت إلى غير ذلك قيل وفيه إشارة إلى قياس تقديره ما ترى فيها+ من تفاوت لأنها من خلقه تعالى ، وما ترى في خلقه من تفاوت ومثله في النكت فلا وجه لما ورد عليه فلا نطول بإيراده ، ودفعه فتأمّل والمراد بالتفاوت كما قاله الإمام : تفاوت يورثه نقصا كما قاله السدي. لا مطلق اختلاف الخلقة وبه يندفع الاعتراض على القياس. قوله : ( متعلق به ( أي بما قبله تعلقاً معنويا كما أشار إليه بقوله : على معنى التسمبب أي عن الأخبار بما قبله فإنه سبب
للأمر بالرجوع لما يعتري بعض السامعين من الشبهة فيه ، وربما يقع الغلط بالنظرة الواحدة فهو في المعنى جواب شرط مقدّر أي إن كنت في ريب منه فارجع الخ فلا خلط في تقديره بعد ذكر التسبب السابق فتأمّل. قوله : ( أي قد نظرت إليه مرارا ) هذا مستفاد من فوله : فارجع الدال على سبق النظر وكونه مراراً من المضارع فإنه يدل على التجدد الاستمراري ، ومن غفل عن هذا قال : إنه من الواقع لا من مقتضى الكلام فإنه لا يفيد كونه مراراً فافهم ، وقوله : ما أخبرت به بصيغة المجهول والخطاب أو المعلوم والإسناد إلى ضمير المتكلم. قوله : ( أي رجعتين أخريين ) هو بيان لمنطوقه بحسب ظاهر اللغة ، ثم بين المراد بقوله : والمراد الخ ، وقوله : ولذلك أي(8/216)
ج8ص217
لكون المراد التكثير فإنّ الخسوء لا يقع بالمرتين فقط والجوابية تقتضي الملازمة ولا يلزم ذلك من المرتين غالباً ولذا نفاه بعضهم فلا يرد عليه أنه قد يقع لبعض الأفراد لا سيما بعد دقة النظر على ما يقتضيه سياق فارجع البصر وهل. قوله : ( بعيدا عن إصابة المطلوب ) قال في الصحاح خسأت الكلب خسأ طردته وخسأ الكلب بنفسه يتعدى ولا يتعدى ، وانخسأ الكلب أيضاً وخسأ بصره خسا وخسوأ أي سدر اهـ ، ولو فسر بالسدر ، وهو تحير النظر كان مكرراً مع قوله : وهو حسير لأنّ ما-لهما واحد فلذا لم ينظر إليه المصنف مع أنه أقرب ومن غفل عنه اعترض عليه بما ذكر مع أنّ فيما اختاروه مبالغة ، وبلاغة ظاهرة فلذا أخذوه من خسأ الكلب المتعدي على أنه استعارة كما أشار إليه بقوله : كأنه الخ والصغار بالفتح الذل فهو استعارة لذل الخيبة فافهم. قوله : ( أقرب السموات إلى الآرض ) إشارة إلى أنّ الدنيا هنا صفة من دنا بمعنى قرب وقوله : بكواكب مضيئة فالاستعارة في الجمع ابتداء أو في المفرد ، ثم جمع وكل منهما صحيح فلا وجه لتعيين أحدهما لما في الاقتصار من القصور وكأنّ من اقتصر على الأوّل نظر إلى أنّ الرتبة بالمجموع واختلاف مراكزها مبين في علم الهيئة ، وأهل الشريعة لا يلتفتون لمثله نلذا حملوه على ظاهره ، ومن خالفهم أوّله بما ذكر. قوله : " ذ التزيين بإطهارها عليها ) خص التزيين بها لأنها إنما ترى عليها ولا يرى جرم ما فوقها فلا حاجة إلى القول بأنه على مقتضى إفهامهم لعدم التمايز بينهما فإنها ترى عليه كجواهر متلألئة على بساط الفلك الأزرق الأقرب ، وقوله : والتنكير أي في مصابيع أي مصابيح ليست كمصابيحكم التي تعرفونها ، ولم يجعله
للتنويع لأنّ هذا أنسب بالمقام ، واعلم أنّ قوله : إضحاءة السرج فيها الظاهر أن ضمير فيها راجع للمصابيح كما صرّح به في بعض الحواشي بناء على أنّ المصباح مقرّ السراج لا السراج نفسه كما في الصحاح إذ لو أريد ذلك لم يحتج إلى قوله فيها وحينئذ فالمصابيح مجاز عما حل فيها ، وهو السراج والسرج مجاز عن الكواكب ففيه تجوّز على تجوّز ولا حاجة إليه مع تصريح أهل اللغة بأنّ المصباح السراج أيضاً ، واعادة ضمير فيها على الليل بعيد جدا ولو رجع ضمير فيها للسماء استغنى عن هذا التكلف والظاهر أنه المراد فتدبر. قوله : ( بانقضاض الشهب المسببة عنها الخ ) هذا بناء على ما قرّره الحكماء من أنّ الكواكب نفسها غير منقضة ، وإنما المنقض شعل نارية تحدث من أجزاء متصاعدة لكرة النار لكنها بواسطة تسخين الكواكب للأرض فالتجوّز في إسناد الجعل إليها ، أو في لفظها وهو مجاز بوسايط ولا مانع من جعل المنقض نفسه من جنس الكواكب وإن خالف اعتقاد الحكماء ، وأهل الهيئة ولكن في القصوص الإلهية ما فيه رجوم الشياطين. قوله : ( وقيل الخ ) مرضه لأنه خلاف الظاهر المأثور والرجم يكون بمعنى الظن مجازاً معروفا ، وقوله : المنجمون المراد به من يعتقد تأثير النجوم ويجزم بما ينسبه لها من الأحكام لأنه المحرم وأما غيره فليس بمحرم ، وقوله : جمع رجم وقيل : إنه مصدر هنا بمعنى الرجم أيضا ، وقوله : سمي به الخ فصار له حكم الأسماء الجامدة ولذا جمع وإن كان الأصل في المصادر أنها لا تجمع. قوله : ( من الث! ياطين وغيرهم الخ ) إشارة إلى أنه تعميم بعد التخصيص لدفع إيهام اختصاص العذاب بهم ولا تكرار فيه كما توهم نعم لو حمل على غير الشياطين ليخلو من شبهة التكرار ، ويوافق قراءة النصب معنى كان حسناً أيضا. قوله : ( صوتاً كصوت الحمير ) فهو استعارة تصريحية وقوله : لها إمّا على ظاهره والمراد لها نفسها أو لأهلها بتقدير المضاف ، أو التجوّز في النسبة وتشبيه أصواتهم أو صوتها بصوت الحمير في قباحته وكونه صوتاً منكرا ولا مكنية فيه بأنّ تشبه هي أو هم بالحمير فإنه لا حسن له هنا لأنه إنما يشبه به في الجهل ، والبلادة وليس هذا محله كما توهم وفي الكشاف سمعوا لها شهيقا إمّا لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها أو من أنفسهم كقوله : { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } [ سورة هود ، الآية : 06 ا ] وأمّا للنار تشبيهاً لحسيسها المنكر الفظيع بالشهيق واعترض بأنه قد مرّ في قوله : { اخْسَؤُوا فِيهَا } [ سورة المؤمنون ، الآية : 108 ] أن أهلها بعدما وقع منهم المتاركة ستة آلاف سنة يقال لهم : اخسؤوا فيها ، ثم لا يكن لهم إلا زفير وشهيق فهما إنما يكونان لهم بعد القرار في
النار وبعد ما قيل لهم اخسؤوا فيها فلا يتسنى كون الشهيق هنا لأهلها ، وردّ بأن ما ذكر ثمة إنما يدل على انحصار حالهم بعد ذلك في الزفير والشهيق لا على عدم وقوعهما منهم قبل ، وأما كونه غير ثابت السند فلا يدفع الاعتراض(8/217)
ج8ص218
على الزمخشريّ ، وكونه ليس عقب الإلقاء لأنّ الزمان الدال عليه إذا يتسع جدا ككون المراد منه نفي الشهيق فإنه كله تعسف ، والمرجل القدر. قوله تعالى : ( { مِنَ الْغَيْظِ } ) الغيظ كما في الصحاح الغضب للعاجز وقيل : المراد أنه على العاجز يقال : غضب عليه له ولكن لا يوافقه قوله : والكاظمين الغيظ إلا أن تجعل مجازا من قبيل المشفر سواء كان الوصفان لشخص أم لا ، والتحقيق ما في شرح الفصيح للمرزوقي إنه الغضب أو أسوؤه وقوله : تتفرّق تفسير للتميز هنا وأنّ المراد به التفرّق والتقطع كما يقال تقطع وتمزق غضباً. قوله : ( وهو تمثيل لشدّة اشتعالها ) يعني شبه اشتغال النار بهم في قوّة تأثيرها فيهم وايصال الضرر إليهم باغتيار المغتاظ على غيره المبالغ في إيصال الضرر إليه فيكون استعارة تصريحية ، والتمثيل بمعنى التشبيه في كلامه ، ويجوز أن تكون المصرحة هنا تخييلية تابعة للمكنية بأن تشبه جهنم في شدة غليانها وقوّة تأثيرها في أهلها بإنسان شديد الغيظ على غيره مبالغ في إيصال الضرر إليه فتوهم لها صورة كصورة الحالة المحققة الوجدانية ، وهي الغضب الباعث على ذلك واستعير لتلك الحالة المتوهمة الغيظ كما في شرح المفتاح الشريفي ، وأما ثبوت الغيظ الحقيقيّ لها بخلق اللّه فيها إدراكا فبحث آخر لكنه قد قيل هنا إنه لا حاجة إلى ادّعاء التجوّز فيه لأنّ تكاد تأباه كما في قوله : { يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ } [ سورة النور ، الآية : 35 ] وقد صرّح به علماء المعاني في بحث المبالغة والغلوّ ودفعه ظاهر فتدبر. قوله : ( ويجوز أن يراد غيظ الزبانية ) فلا تمثيل فيه لكنهم قالوا : الإسناد فيه مجازي ، أو هو على تقدير المضاف سواء كان الشهيق لجهنم أو لأهلها أو للزبانية ، وأمّا الفوران فليس إلا لجهنم والمراد إسناد تكاد تميز لا الغيظ كما توهم حتى يقال إنه لم يسند لهم صريحا ولا لضميرها لأنه مصدر لا يتحمل الضمير ولا حاجة إلى تكلف إنّ أصله غيظها. قوله : ( جماعة من الكفرمما مطلقاً غير الشياطين لقوله : فكذبنا ولا حجة فيها لمن قال : من المرجئة لا يدخل النار غير الكفرة كقوله : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا } الخ على قراءة الرفع فإنّ الحصر فيه إضافيّ بقرينة النصوص الواردة في تعذيب العصاة ، وقوله : ( يخوفكم ) الخ إشارة إلى معنى الإنذار والنذير وحمل النذير على ما في المعقول من الأدلة خلاف الظاهر. قوله تعالى : ( { سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا } الخ ) السؤال هنا ليس سؤال استعلام كما أشار إليه المصنف بقوله : وهو توبيخ ، وورود قال بدله في الزمر لا يدل على أنه حقيقي كما أنّ ورود الاستفهام بعده لا يدل على أنه سؤال غير
حقيقيّ كما توهم وهو غنيّ عن البيان لمن له أدنى إذعان. قوله : ( فكذبنا الرسل الخ ) وأفرطنا في التكذيب فيه إشارة إلى أنّ النذير هنا في معنى الجمع أو هو بيان لحاصل المعنى بعد المقاولة كما سيأتي ، وقوله : نفينا الإنزال والإرسال رأسا هو تفسير لقوله : ما أنزل الله من شيء ورأساً بمعنى بالكلية كما في المكمل شرح المفصل ، وقوله : بالغنا في نسبتهم إلى الضلال أي حيث قصروا عليه حالهم وجعلوهم مستغرقين فيه كأنه أحاط بجميع جوانبهم ثم وصفوه بالكبر ، وقوله : فالنذير قرنه بالفاء التفريعية لأنه فهم من تفسيره السابق فمن قال : إنّ الفاء ليست في محزها لم يصب ، وقوله : بمعنى الجمع لأنه فعيل وهي صيغة يستوي فيها الواحد وغيره فيوافق قوله : أنتم على الجمع قيل : ولم يجعل جمعاً كالعبيد لأنه لا يعرف له مفرد يصلح أن يكون هذا جمعاً له وفيه نظر ، وقوله : أو مصدر الخ فهو بحسب الأصل يطلق أيضا على الجمع لأنه يلزم الإفراد والمضاف المقدر معه في معنى الجمع أيضاً لإطلاقه على ما يعم القليل ، والكثير فيغني غناء الجمع فهما وجهان معنى ، والمبالغة لجعله عين الإنذار ومنعوت معطوف على مقدّر. قوله : ) أو الواحد ) معطوف على الجمع ، وقوله : والخطاب الخ توجيه لأنتم على هذا التقدير ، وقوله على التغليب وأصله أنت وأمثالك فأدخلوا في الخطاب تغليباً لأنّ النذير واحد ، وأمّا عدم اطراده لأنه لا يشمل حينئذ أوّل فوج أرسل إليهم وثانيهم ولا من كذب رسوله دون من قبله فيعلم دفعه مما مرّ. قوله : ( أو إقامة تكذيب الواحد الخ ) فيكون واحدا لكنه جعل جمعاً ادّعاء والظاهر أنه في الحكاية ، وقيل الرسول واحد تأويلا كثير تحقيقاً فروعي فيه الحالان ، وقوله قالت : الأفواج الخ لا يخفى بعده لأنّ السؤال جواب كلما وهذا جوابه فيلزم وقوعه مع كل فوج على حدة ، واذعاء تأخر الجواب إلى اجتماع الكل في جهنم لا يلائم السياق. قوله : ( جاء إلى كل فوج منا ) هو بيان للمعنى المراد حينثذ لا أنه على حذف(8/218)
ج8ص219
المضاف ونزع الخافض كما قيل : وقوله : يجوز أن يكون الخ هذا على تقدير كون النذير واحداً لأنه تأويل مخالف للظاهر فلا يرتكب من غير داع له وإن صح في الأوّل أيضاً ، وقوله : على إرادة القول أي قالت لهم : الزبانية بعد اجتماعهم وأنما قدره ليرتبط بما قبله ، وقوله : فيكون الضلال الخ وهو على الأوّل من مجاز الكون لأنهم ليسوا الآن في الضلال وعلى الثاني تجوز بالسبب عن المسبب ، ولذا أضافه لضميره وأمّا كونه بمعنى الهلاك المذكور في الكشاف فمعنى
آخر غير ما ذكر. المصنف فمن أدرجه في كلامه فقد سها كما قيل : ولا يخفى أنّ للحمل عليه مجالاً وإن كان بعيداً فعده سهوا تعسف من قائله. قوله : ( فنتقبله الخ ) إشارة إلى أنّ السماع والعقل هنا بمعنى القبول والتفكر لقوله : لو كنا إذ لو كان على ظاهره كان واقعاً فالفاء في كلامه للتفصيل ، والتفسير وأو للترديد لأنه يكفي انتفاء كل منهما لخلاصهم من السعير أو للتنويع فلا تنافي الجمع ، وقيل : إنه إشارة إلى قسمي الإيمان التقليدي والتحقيقي أو إلى الأحكام التعبدية وغيرها ، وهو تعسف بعيد ، وقوله : في عدادهم الخ لأنهم إذا دخلوا معهم كانوا من جملتهم وليس فيه إشارة إلى أنّ السعير إنما أعدّت للشياطين كما قيل. قوله : ( حين لا ينفعهم ) أي اعترافهم بذنبهم واللام في قوله : لأصحاب السعير للتبيين كما في هيت لك ، وسقيا له فأتى به مبهماً ثم فسره لأنه أوقع وأرسخ في النفس ، وقوله : فأسحقهم الله سحقاً جعله مصدر أسحق بحذف الزوائد ولم يفسر. بسحقوا سحقاً مع أنه الظاهر ليفيد أنه تعالى جازاهم بذلك على منع فعلهم ، وما قيل من أنه لم يفسره بسحقهم الله مع استعماله لقلته رد بأنه لم يجىء سحق بمعنى بعد إلا لازما وفيه نظر وقوله : بالتثقيل أي ضم الحاء لأن الضمة ثقيلة بالنسبة إلى السكون. قوله : ( والتغليب للأيجاز والمبالنة والتعليل ) قيل : إنّ المراد أنّ أصحاب السعير وهم الشياطين غلبوا على الكفرة إذ الظاهر أن يقال : فسحقاً لهم أي للقائلين بلى قد جاءنا الخ ولأصحاب السعير الذين هم الشياطين فغلب للإيجاز ، وهو ظاهر والمبالغة في إبعاد الأوّلين إذ لو أفرد بالذكر أمكن تفاوت الإبعاد بأن يكون إبعادهم دون إبعاد الثياطين لجعلهم الشياطين عن إبعاد أصلاً وأنفسهم ملحقة بهم في ما كنا في أصحاب السعير فلما ضموا إليهم دل على أنّ إبعادهم لا يقصر أولئك وفي جعلهم من أصحاب السعير مع أنهم ليسوا منهم على الحقيقة ، والتعليل للإشعار بأنّ الإبعاد لكونهم أصحاب السعير لترتب الحكم على الوصف المشعر بعليته لا من الفاء الدالة على أنّ تبعيدهم عن رحمته لاختيارهم للمعاصي المدخلة لهم السعير كما توهم ، وأورد عليه أنّ اختصاص أصحاب السعير بالشياطين غير صحيح لأنّ سائر الكفرة يدخلونها وليس المراد من كونهم أصحابها إلا ذلك كما قال تعالى : { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [ سورة فاطر ، الآية : 6 ] وكونه إعداداً للشياطين خاصة ممنوع لقوله تعالى : { فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا } [ سورة الفتح ، الآية : 13 ، ونحوه وقوله : أعتدنا لهم عذاب
السعير لا يدل على الاختصاص وقول المصنف في عدادهم الخ صريح في خلافه وأيضا فالكفرة إذا لم يكونوا من أصحاب السعير حقيقة فكيف يفيد درجهم فيهم التعليل ، وردّ هذا الردّ بأنه لا يلزم مما ذكر اختصاص السعير بالشياطين بل يكفي كونهم أصلاً في دخولها ألحق بهم الكفار كما يدل عليه قول المصنف في عدادهم ، وجملتهم فالداخل في السعير قسمان ومقتضى الظاهر ذكرهما في الدعاء معاً فعدل عته ، وغلب أصحاب السعير الدال على الأصالة كما يشهد به الذوق وهذا لا محصل له وإن تبجح به قائله فالظاهر أن يقال أصحاب السعير له معنى في اللغة ، وهو كل من دخل نارا مسعرة مطلقا أو لازمها كما تفيد. الصحبة في عرف اللغة ومعنى في عرف الشرع فإنه ورد أنّ جهنم سبع طباق لكل طبقة منها اسم يخصها والسعير واحدة منها مخصوصة ، وقد صرّح به المفسرون وورد في الأحاديث وذكره المصنف في سورة الفتح حيث قال : وقيل السعير نار مخصوصة فهي الطبقة المعدة للشياطين فحيث قامت القرينة على إرادة معناه اللغوي أو العرفي يعمل بها ويكون هذا كالدابة وهنا ما قبله دل على أنّ المراد منها الطبقة المخصوصة فيكون مجازا في الأخرى ، والتغليب وغيره ظاهر كما فسروه بذلك وهو الذي أراده هذا القائل وحينئذ فلا إشكال عليه أصلاً وهذا كلام لا غبار عليه ، وأما التعليل فإنهم لاتباع أصحاب السعير عدوا من جملتهم ومثله يكفي له وإن لم يكونوا منهم حقيقة ، وقيل : مراده تغليب الكفرة على الفسقة(8/219)
ج8ص220
والأصل سحقا لهم ولسائر أصحاب السعير فغلب الأكثر على الأقل ورد بأنّ فسقة المؤمنين لا يطلق عليهم أصحاب السعير لإفادته التأبيد والخلود في عرف القرآن ، وأيضا لا تجوز فيه حينئذ والتغليب كله مجاز وأيضا المؤمنون لا يستحقون الدعاء بالإبعاد عن الرحمة إلا أن يرأد بالتغليب تعميم الحكم بالجمع في لفظ واحد وبالجملة فإنّ هذا من مشكلات هذا الكتاب ، وقد أكثر علماء الروم الكلام فيه وحكم بعضهم بعدم صحة نسخة التغليب ، وقال الصحيح التغيير بالرإء يعني أنّ الأصل ذكر الفعل والضمير فغير الأسلوب وحذف الفعل للإيجاز وهو ظاهر وللمبالغة لذكر المستحق مبهمآ من غير بيان من هو ، وما يستحقه وجاء بقوله : لأصحاب السعير بياناً له ولو ذكر هذا الفعل فات هذا المعنى وعدل عن الضمير للتعليل فإنّ علة اللعن كونهم من أصحاب السجر باختيارهم الكفر ، والتكذيب لاعترافهم بذنوبهم ، وقيل على ما ذكره في هذا القيل أصحاب السعير الكفرة لأنهم الأكثر المغلبون كما صرح به القائل فتأتي كونهم أصحابا باعتبار اكثر ولا يلزم منه خلود الفسقة إلا أنه يرد عليه أنه لا تجوّز فيه أيضاً ، وليس بشيء لأنه مجاز بحسب المعنى العرفي ، وهو كاف لصحته وأيضا قيل : إنّ مثله من التغليب ينسب فيه ما للأكثر مما يختص به لغيره كما في قوله : { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } [ سورة الأعراف ، الآية : 88 ] وهو لا يتيسر هنا لأنّ الوصف المذكور للعصاة أيضاً ولا يخفى فساده لأنه للتأكيد فكيف يكون لهم ، وما أورده غير وارد لأنه إذا كان
من التغليب لا يكون أصحاب السعير وصفاً للفسقة حقيقة فيكون مجازا ولا يخفى ما فيه من الخبط والخلط ، وقيل : في توجيهه إنهم لما جعلوا الشياطين في صحبة السعير أصلا وأنفسهم دخيلا واقتضى ذكر الأشقياء بأسرهم تعميم دعاء اللعن لجميعهم كان الظاهر أن يقال : سحقا لهم أي للقائلين بل الخ ، ولأصحاب السعير الذين هم الشياطين فقط على زعمهم إلا أنه غلب الثاني فعبر عن جملتهم بأصحاب السعير تجوّزا على زعمهم لفوائد الإيجاز ، وهو ظاهر والمبالغية في إبعاد الأوّلين إذ لو أفرد بالذكر أمكن أن يكون إبعادهم دون الشياطين فلما سوّى بينهم في العبارة دل على أنّ إبعادهم ليس أدون من إبعادهم ، والتعليل لما مرّ وحصول الكل منها بدون التغليب لا ينافي جعل الكل فائدة ولم سلم حصول الكل بدونه فالمقصود بيان فوائد التغليب ولا حاجة في ص!حته لنكتة ، وقيل : سياق الكلام يقتضي أن يقال فسحقا لهم ولغيرهم من أصحاب السعير لأنّ ترتب ا السحق إنما كان على المعترفين بذنبهم وهم من جملة أصحاب السعير فترتيب السحق على جميع أصحاب السعير تغليبا من إسناد حكم البكض للكل كما في لتعودنّ في ملتنا والتغليب كما يكون مجازاً لغويا يكون عقلياً كما هنا ، أمّا الإيجاز فظاهر لأنه أوجز من لهم ولغيرهم من أصحاب السعير فإن مساقه وإن لم يقتض إسناد السحق للمعترفين بذنبهم فقط لكن مقفحى البلاغة التعميم لمن عداهم أيضا فإذن إسناد السحق إلى الجميع بعبارة أوجز مما ذكروه ، وكذا المبالغة إذ إسناد السحق إلى الجملة في مقام الإسناد إلى البعض فيه مبالغة ظاهرة والتعليل لأنه يعلم أنّ استحقاقهم السحق لكونهم من أصحاب السعير ، وقيل : التغليب هنا غير المصطلح لأنّ المراد به هنا تعميم الحكم وهو سخيف لوجود التعميم بدون هذه الأمور إلا أن يراد التعميم بطريق مخصوص ، وبقيت هنا كلط ت لا طائل تحتها تركناها خوف الملل.
قوله : ( يخافون عذابه الخ ( هو بيان لحاصل المعنى أو إشارة لتقدير المضاف أو للتجوّز
في الن!سبة ، وقوله : غائبا يعني أن قوله : بالغيب ظرف مستقرّ حال من المفعول المذكور أو المحذوف أو الفاعل والغيب بمعنى الغائب وقيل : بمعنى الغيبة والخفاء ، وتفسيره بغائبا لتوضيح الحال لا لأنّ الغيب بمعنى الغائب ولا وجه له أو هو صلة يخشون والغيب بمعنى الغائب أيضا أو هو تسمية بالمصدر أو مخفف غيب كلين والباء للاستعانة وأل موصولة أو معرفة والغيبة عن عذابه ظاهرة وعن أعين الناس بمعنى عدم الرياء ، ولو أبقى على ظاهره صح ومعنى غيبته عنهم كونه لا يدركه الحس ولا تقتضيه بديهة العقل كما مرّ في البقرة مثله فتدبر. قوله : الذنويهم ) بيان لمتعلق المغفرة لا لتقديره مضاف في لهم لأنّ عطف قوله : وأجر كريم ياباه ، وقوله : تصغر دونه لذائذ الدنيا لأنّ كبر الآخرة بالنسبة لما يقابلها وهو أجر الدنيا وجملة :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ } الخ مستأنفة في جواب سؤال مقدر نشأ من ذكر الكفرة وهو إما حال من أحسن عملاً ، وقوله : { وَأَسِرُّوا } الخ معطوف على مقدر تقديره فاتقوه(8/220)
ج8ص221
في السر والعلن وأسروا الخ ، وقوله : بالضمائر الخ فيدل على استواء السر والجهر عنده لأنه يعلمها قبل التعبير عنها فكيف بعده فسواء السرّ والجهر. قوله : ( سرّا وجهرا ( وفي نسخة أو جهراً وهو منصوب بنزع الخافض أو هو تمييز وكون نسبة التعبير لا إيهام فيها مكابرة والتقدير سرّاً!لان أو جهراً ، وقوله : من أوجد الأشياء أي جميعها حتى السرّ والجهر فكيف لا يعلمه والخلق يستلزم العلم ، وقوله : السر والجهر إشارة إلى أنه المفعول المقدر بقرينة ما قبله وأنه حذف لمجرد الاختصار دون قصد العموم لأنّ المقصود استواء السرّ والجهر لديه ، ولذا قدر مفعول خلق عاما إشارة إلى أنه من مقدّمات الدليل ، وهو اللطيف الخبير مسوق لبيان استلزام الخلق للعلم فلو قدر مفعول العلم خاصا كان خلواً عنها فيكون مستغنى عنه ، وإن خص بالسرّ والجهر كان لغواً غير مفيد فتأمّل. قوله : ( المتوصل علمه الخ ) فيكون علمه محيطا بالجزئيات والكليات فكيف لا يعلم السرّ والجهر من هذا شأنه قال الغزالي : إنما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق الأمور وغوامضها وما لطف منها ، ثم يسلك في إيصال ما يصلحها سبيل الرفق دون العنف والخبير هو الذي لا يعزب عن علمه الأمور الباطنة فلا تتحرك في الملك والملكوت ذرّة ولا تسكن ، أو تضطرب نفس إلا وعنده خبرها وهو بمعنى العليم وقوله : ( ولا يعلم الله من خلقه ) يعني أن من مفعول والعائد مقدر حينئذ ولا يصح أن يكون خلق عاما لأنه لو قصد العموم قيل ما خلق فلا يرد أنه تقييد للشيء بنفسه ، ولا عبارة عن السر والجهر لأنّ من لما يعقل فلا وجه لتوهم مثله. قوله : ( يستدعي أن يكون ليعلم مفعول ) أي خاص كما قيدوه ليفيد لأنه لو لم يكن له مفعول خاص بأن يقدر عاما أو لا يقدّر لأنه في معنى العام المقدر ، وكانت الجملة خالية يكون تقييداللشيء بنفسه لأنه علم ماظهر وما بطن بمعنى علم كل شيء فالمعنى ألا يعلم كل شيء ، وهو العالم بكل شيء وهو لغو غير مفيد فإن قلت : إذا نزل منزلة اللازم من غير قصد للعموم يكون المعنى أن لا يثبت له أصل العلم ، وهو العالم بظواهر الأمور وبواطنها أفاد فما المانع منه قلت لأنه في المقام الخطابي يفيد العموم كما ذكره السكاكي ، ولو ادّعى أنّ هنا قرينة معنوية على عدم إرادته وهو عدم استقامته فالمقصود هنا أيضا ليس إثبات أصل العلم فإنه لم ينكره احد فكيف يثبت له مع الاستفهام الإنكاري ، وذو الحال فاعل يعلم أو خلق إذ لا تفاوت بينهما كما قيل : وقد جوّز فيه كونه معطوفاً على الصلة فتأمّل. قوله : ( لينة الخ ) المراد باللين هنا ليس
ضد الخشونة بل ضد الصعوبة من قولهم : للدابة لينة الشكيمة إذا كانت منقادة غير صعبة من الذل بالكسر ، وهو سهولة الانقياد كما ذكره الجوهريّ فهو استعارة كما صرح به الزمخشريّ وسيأتي بيانه ، وقيل إنه تشبيه بليغ لذكر المشبه وهو الأرض وفيه نظر. قوله : ( في جوانبها أو جبالها ) فالمناكب استعارة تصريحية تحقيقية وهي قرينة للمكنية في الأرض حيث شبهت بالبعير ففيه استعارة تحقيقية ومكنية فإن قلت كيف تكون مكنية ، وقد ذكر طرفها الآخر في قوله : ذلولاً قلت : هو بتقدير أرضاً ذلولاً فالمذكور جنس الأرض المطلق والمشبه هو الفرد الخارجي ، وهو غير مذكور فيجوز كون ذلولاً استعارة والمكنية حينئذ هي مدلول الضمير لا المصرح بها في النظم والمانع من الاستعارة ذكر المشبه بعينه لا بما يصدق عليه كما مرّ في سورة يوسف فتذكره ، وقد غفل عنه بعضهم هنا. قوله : ( وهو مثل الخ ) هكذا هو في الكشاف وقد بين هو مراده في شرح مقاماته فقال : المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل ورضح معنى الذل! بوطء المناكب والتقلب فيها كما ذكرناه في الكشاف ، اهـ فالمعنى أنه ليس هنا أمر بالمشي حقيقة وأنما القصد به إلى جعله مثلاً لفرط التذلل سواء كانت المناكب مفسرة بالجوانب أو الجبال وسواء كان ما قبله استعارة أو تشبيهاً ، ومن لم يقف على المراد منه قال : الواو بمعنى أو فإنه إذا جعل مثلا لم تكن المناكب مستعارة للجوانب ، والجبال بل تشبه الأرض بالبعير على نهج الكناية ويثبت لها المناكب تخييلا وزاد فيه من قال : المراد تذلل الأرض لا تذلل البعير كما توهم فاعترض عليه بما مر حتى احتيج إلى القول بأن الواو بمعنى أو والمراد هو مثل إن لم تحمل المناكب على الجوانب والتمثيل أيضاً مناف لجعل الأرض والمناكب استعارة مكنية ، وتخييلية فالجمع بينهما خطأ وهو كله من ضيق العطن ، وقلة الفطن فتدبر(8/221)
ج8ص222
وقوله : لفرط التذليل لو قال المصنف : لفرط التذلل كان أحسن ليظهر التفريع بالفاء ، ثم إنّ المراد به مطلق التسهيل لهم بقطع النظر عن كونه تذليل البعير أو الأرض كما توهم ، وقوله : فإنّ مناكب البعير الخ سواء استعير للجوانب أو للجبال ، وقوله : في الذل بكسر الذال أي السهولة. قوله : ( والتمسوا الخ ) فاحل والرزق أريد به طلب النعم مطلقاً وتحصيلها أكلاً وغيره فهو اقتصار على الأهم الأعم على طريق المجاز أو الحقيقة ، وأنت إذا تأمّلت نعيم الدنيا وما فيها لم تجد شيئاً منها على المرء غير ما أكله وما سواه متمم له أو دافع للضرر عنه وتفسيره بالالتماس هو المناسب لقوله : امشوا فقوله : ما أنعم عليكم شامل لتذليل الأرض وتمكينهم منها والتماس الرزق في مناكبها. قوله : ( على تأويل من في السماء أمره وقضاؤه ) يجوز أن يريد أنه من التجوّز في الإسناد ففيه
مجاز عقلي وأن يريد أنّ فيه مضافاً مقدّراً وأصله من في السماء سلطانه فلما حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ارتفع واستتر فليس فيه حذف للعائد المجرور ولا للفاعل كما توهم ، وقوله : أو على زعم العرب تركه أولى من ذكره فإنّ بناء الكلام على زعم بعض الجهلة غير مناسب. قوله : ( وعن ابن كثير الخ ) مذاهب القراء في الهمزتين المفتوحتين إذا اجتمعتا مفصل في علم القراءة فمنهم من أبدل الهمزة الأولى واواً هنا في الوصل لضم ما قبلها وهو راء النشور فاذا ابتدأ حققها وأمّا الهمزة الثانية فمنهم من سهلها بين بين ، ومنهم من أبدلها الفاء وقد مرّ تحقيقه في البقرة في قوله : { أَأَنذَرْتَهُمْ } إلا أن من أبدل وهو قنبل يسهل الهمزة وصلا. قوله تعالى : ( { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ } ) قال الراغب يقال : خسفه الله وخسف هو قال تعالى : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ } [ سورة القصص ، الآية : 81 ] اهـ ولذا قيل إنّ الباء هنا للملابسة والخسف قد يتعدّى فمن خطأه وقال : بلزوم لزومه في هدّا المعنى وإن نصب الأرض بنزع الخافض فالمخطئ ابن أخت خالته ، والفاء في قوله : ( فيغيبكم ( فيها تفريعية أو تفسيرية وهو تفعيل من الغيبة ، وقوله : بدل أو منصوب بنزع الخافض وهو من الإجارة ، وقوله : التردّد في المجيء والذهاب هو أصل معناه ، والمراد به أنها حين الخسف زرتج وتهتز هزا شديداً كما بينه أوّلاً فليس المراد أنها تنكشف وتنقبض كما توهم ، وقوله : ح!ه باء بالمدّ هو الحصا. قوله : ( كيف إنذاري ) إشارة إلى أنّ النذير مصدر وأنّ الياء محذوفة والقراء مختلفون فيها فمنهم من حذفها وصلاً وأثبتها وقفاً ومنهم من حذفها في الحالين اكتفاء بالكسرة ، وكذا الحال في نكير أي ستعلمون ما حال إنذاري وقدرتي على إيقاعه وعدمه ولا حاجة إلى تعيين المنذر به حتى يقال : إنّ الخسف لم يقع وإنّ المنذر به عذاب الآخرة وما بينهما اعتراض فإنه تكلف ما لا داعي له. قوله : ( بإنزال العذاب ) متعلق بكان أو بإنكاري فإنّ المراد من إنكار الله عليهم تعذيبهم مجازا ، وقوله : وهو تسلية أي قوله : ولقد كذب الخ ، أو قوله : فستعلمون الخ لأنهم سيرون جزاء تكذيبهم وتشتفي النفوس منهم. قوله تعالى : ( { وَالصَّافَّاتِ } ) حال من الطير أو من فوقهم فإذا كان حالاً فهي متداخلة أو هو ظرف لصافات أو ليروا أو قوله : إ باسطات أجنحتهق ( فمفعوله محذوف وهو الأجنحة والصف البسط ولم يجعل مفعوله القوادم جمع قادمة ، وهي
مقدم ريش الجناح لأنه في مقابلة يقبضن والقبض للأجنحة ، وقوله : يقبضن من عطف الفعل على الاسم لأنه بمعنى يصففن أو قابضات فحمل على المعنى. قوله : ) إذا ضربن بها جنويهن الخ ) يعني مفعول يقبضن الأجنحة أيضا كما قدره في صافات ، وقوله : وقتاً بعد وقت إشارة إلى أنّ الأصل في الطيران حالة الصف وهي الأغلب فيه والقبض يفعل في بعض الأحيان للتقوى بالتحريك كما يفعله السابح في الماء يقيم بدنه أحيانا ولتجدده عبر عنه بالفعل إشارة إلى أنه أمر طارئ على الصف بخلاف البسط والصف وأما الضم بدون تحريك فلا يكون في الطيران كما توهم ، وقوله : ولذلك عدل الخ بيان لاختيار إلاسم في صافات لأنه الأصل الثابت في حال الطيران والفعل في يقبضن لأنه طارئ عليه متجدد. توله : ) على خلاف الطبع ) لأنّ طبيعة الأجسام لما فيها من العناصر الثقيلة النزول إلى الأرض والانجذاب إلى جهة السفل كما يشاهد في الأجسام كلها والنزول فيه إلى قول أهل الطبيعة كما قيل : لا ضير فيه لأنه من الأمور المحسوسة. قوله : ( الشامل رحمته كل شيء ) فسره لما في صيغته من المبالغة كما مز تقريره ، وقوله :(8/222)
ج8ص223
( بأن خلقهن ) الخ متعلق بيمسكن لبيان وجه الإمساك برحمته وسببه من خلقهن على هيئة من إحاطة الريش وخفته بحيث يصعد في الهواء ويجري فيه فلا وجه لما قيل من أن ذكر الرحمن دون غيره للإشارة إلى علة الإمساك بعد خلقهن على أشكال مخصوصة هيأتهن للجري في الهواء وهي رحمته إذ لولاها لسقطن وهلكن لأنه دعوى بلا دليل ، وقوله : بكل شيء تقديمه للفاصلة أو للحصر ردّا على من زعم أنه لا يعلم الجزئيات ، والبصر دقة في العلم يقال له : بصر في كذا أي حذف كما قاله الإمام. قوله : ( عديل لقوله : { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } الخ ) جعل أم متصلة ، وقال أبو حيان كغيره من المعربين إنها منقطعة بمعنى بل لأن بعدها اسم استفهام وهو من لكنهم لم يبينوا وجه منع وقوع الاستفهام بعدها من الاتصال فإن كانا استفهامين فما المانع منه إذا قصد التأكيد ، واعلم أنّ مساق الآية إمّا لإنكار أن يكون للمخاطبين ناصر ورازق سوى الرحمن وأمّا لإنكار كون الأصنام تنصرهم وترزقهم وعلى هذا اقتصر المصنف وعلى الأوّل الاستفهام الإنكار ويقدر بعده يقال وعلى الثاني للتحقير ولا يحتاج إلى تقدير القول لأنّ المشار إليه مشاهد بخلافه على الأوّل فإنه لا يصح بدون تقدير كما قيل وفيه نظر فإنّ التقدير ليس لهذا فتأمّل. قوله : ( على معنى أو لم تنظروا الخ ) والصنائع القبض والبسط والإمساك وما شاكله مما يدل على كمال القدرة ولا حاجة إلى جعل الإمساك بمنزلة الصنائع ، وقوله : ( فلم تعلموا ) الخ
إشارة إلى أنّ قوله : ألم بروا للاستدلال على قدرته على الخسف والحصب ، وقوله : أم لكم جند ففيه التفات كما يشير إليه كلام المصنف ونكتته المبالغة في التهديد 0 قوله : ( إلا أنه أخرج مخرج الاستفهام الخ ) إشارة إلى ما قدمناه من أنّ أم المتصلة استفهامية فلا وجه لا يراد من الاستفهامية بعدها لأنّ كونها موصولة كما قيل : خلاف الظاهر ووجهه بأنه عدل عن مقتضى الظاهر لنكتة وهو أنهم لاعتقادهم نصر آلهتهم لهم أتى باسم الاستفهام بعدها تهكماً بهم كان النصرة مقررة وأنما الكلام في تعيين الناصر لهم ، وقوله : فهو كقوله الخ لم يجعله على التقدير والفرض كما في الكشاف لتكلفه ولذا اختار هذا الوجه. قوله : ( ومن مبتدأ وهذا خبره ) وهي عنده استفهامية لا موصولة وهذا مذهب سيبوبه وفيه الأخبار عن المعرفة بالنكرة وهو جائز عنده إذا كان المبتدأ اسم استفهام أو أفعل تفضيل كما بين في محله ، وغيره يجعل هذا مبتدأ ومن خبره وجوّز في من أن تكون موصولة مبتدأ أيضاً وهذا مبتدأ ثان والذي خبره والجملة صلة بتقدير القول أي أم الذي يقال في حقه هذا الخ فأم متصلة أو منقطعة والمعنى أمن له هذه الصفات العظيمة ينصركم وينجيكم من الخسف والحصب إن أصابكم أم الذي يقال فيه هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الله ، وقوله : محمول على لفظه وهو الإفراد ولو روعي المعنى قيل : ينصرونكم. قوله : الا معتمد لهم ) أي غير تغرير الشياطين ، وهو في حكم العدم بيان لمعنى الحصر فيه ، وقوله : أم من يشار إليه ويقال : الخ يشير إلى أنّ من هنا موصولة وأنّ هذا الذي مبتدأ وخبر وهو صلة بتقدير القول ، وأنما قدر القول لاستهجان أن يقال الذي هذا الذي هو جند لكم ومن مبتدأ خبرها مقدر أي رازق لكم وجعل الذي خبراً عن الذي سمج جدا وقد صرّح في من السابقة بأنها استفهامية فذكر في كل منهما وجهاً للإشارة إلى صحة كل منهما كما جعل أم متصلة ، ثثم ومنقطة هنا وأمّا دخول الاستفهام على الاستفهام فدفعه أنّ أم هنا بمعنى بل بدون استفهام في قوله أمّا ذا كنتم تعملون ، وقد مرّ أنه لا مانع من اجتماع استفهامين فمن قال : إنه يلزم المصنف حكاية المفرد بالقول ، وإنه يجوز إذا أريد بالمحكي لفظه أو كان من قال بمعنى تكلم فينصب المفرد فقد غفل عما أراده المصنف ومعنى يقال في شأنه هذا أنه يشار إليه بهذا تحقيراً له فتأمّل. قوله تعالى : ( { أَفَمَن يَمْشِي } الخ ) حال الهمزة معلوم فلا يفيد تقدمها الاستفهام عن السبب كما توهم ومن موصولة مبتدأ ويمشي صلته ومكبا حال من الضمير
المستتر فيه وعلى وجهه ظرف لغو متعلق بمكبا أو مستقرّ حال ، والأوّل أولى وأهدى بمعنى أرشد خبر من. قوله : ( وهو من الغرائب ا لأنه على عكس المعروف في اللغة من تعدى لأفعال ولزوم ثلاثيه ككرم وأكرمت ، وله نظائر في أحرف يسيرة كأنسلى ريش الطائر ونسلته وأنزفت البئر نزفتها ، وأمرت الناقة درت ومرتها وأشتف(8/223)
ج8ص224
البعير رفع رأسه وشفقته وأقشع الغيم وقشعته الريح أي إزالته وكشفته ، وقد حكى ابن الأعرابي كبه الله وأكبه بالتعدية فيهما على القياس ، وحكاه في القاموس فالاعتراض عليه غير متوجه. قوله : ( والتحقيق أنهما من باب انفض ( يقال : انفض القوم بالفاء والضاد المعجمة إذا فني زادهم وقد يكنى به عن الهلاك أيضا فالهمزة فيه للصيرورة كألام إذا صار لئيما وانفض إذا صار نافضا لما في مزودته لفنائه وليست الهمزة فيه للمطاوعة وأك!ث مطاوع كب كما ذهب إليه ابن سيده في المحكم تبعاً لبعض أهل اللغة كالجوهريّ وتبعه ابن الحاجب وأكثر شراح المفصل إلا أن بعض المدققين قال معنى كون الفعل مطاوعا كونه دالاً على معنى حصل عن تعلق فعل آخر متعد به كقولك : باعدته فتباعد ، فالتباعد معنى حصل من المباعدة كما يفهم من كلام شراح المفصل ، والشافية ومباينة المطاوعة للصيرورة غير مسلمة وفي شرح الكشاف للشريف الائتمار معنى صيرورته مأمورا وهو مطاوع الأمر فسوى بين المطاوعة والصيرورة مع أنه ذكر ما هنا بعينه في بحث القلب من شرح المفتاح فليحرّر هذا. قوله : ( يعثر كل ساعة ويخرّ على وجهه ( الخرور السقوط على وجهه ، وهو معنى الانكباب ، وكونه : كل ساعة عبارة عن دوامه في حال مشيه وهو مستفاد من كونه حالاً من الفاعل هنا ومقارنا له مع معونة المقام ، وهو معناه هنا لا في كل محل وقوله : لوعورة طريقه أي صعوبة المشي فيه لما فيه من الحجارة الكثيرة الكبيرة ، وهو بيان لعلة السقوط والعثار ، واختلاف أجزائه بانخفاض بعض وارتفاع بعض آخر فليس تفسيراً لما قبله كما توهم. قوله : ( قائماً سالماً من العثار ) اختار هذا التفسير لأنه بمعنى مستو والمستوي هو المنتصب القامة فلذا فسره بقائما وأمّا سلامته من العثار فمن وقوعه حالاً كما مرّ فإنه إذا دام انتص به لزم أنه سالم من العثار ، وأمّا تفسيره بمستوى الجهة قليل الانحراف على أنّ المكب المتعسف الذي ينحرف هكذا وهكذا فغير مناسب هنا لأنّ قوله : { عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يصير مكزرا وليس في كلام المصنف اختلاط الأمن سوء الفهم. قوله : ) مستوى الأجزاء ( لأنه إذا لم تستو أجزاؤه لم يستقم سطحه وعدم استواء الأجزاء اختلافها ارتفاعا وانخفاضا. قوله : ) والمراد تمثيل المشرك الخ ( تعريف السالكين للعهد وهما المكب والسوي والمسكين الطريق المستقيم ، ومقابله فهما
تمثيلان لا أربعة كما يتوهم وفي كل منهما استعارة تمثيلية ، وقوله : ولعل الخ إشارة إلى أنه ذكر المسلك في الثاني دون الأوّل اكتفاء بما يفهم من قوله : مكبا من أنّ طريقه غير مستو كما أشار إليه أوّلاً بقوله : لوعورة طريقه الخ وقوله : للإشعار الخ هو المرجح لتركه في الأوّل دون الثاني. قوله : ( لا يستأهل الخ ) تقدم أن يستأهل بمعنى يستحق ويصير أهلاً ورد في كلام المغرب ، وهو لفظ صحيح فصيح وانكار الحريري له في درة الغواص وهم كما بيناه في شرحها فلا عبرة بمن اتبعه هنا واعترض على المصنف. قوله : ( كمشي المتعسف ) هو الذي يمشي في غير الطريق ويرتكب ما لا يليق فإنه لا يسمى مسلكه طريقا لأن أصل الطريق ما تطرقه الأتدام ، وهذا ليس كذلك وفي عبارته تسامح لدخول الكاف على غير الممثل به إذ المشي لا يصلح مثالاً للطريق وفي بعض النسخ كممشى بميمين اسم مكان فلا تسامح فيه فلعل إحدى الميمين سقطت من قلم الناسخ والتعسف المشي في غير الطريق ، وقوله : متعاد تفاعل من العداوة وهو مجاز بليغ لأن المراد مختلف الأجزاء أرتفاعا وانخفاضا فكأن بعض أجزائه معاد لبعض ، ويقال : لضده متناصف كأنّ بعضه ينصف بعضاً ، وقوله : وقيل المراد بالمكب الأعمى الخ وهو كناية أو مجاز مرسل جعل بعد ذلك تمثيلا لمن ذكر إذ هو لا ينافي التجوّز في بعض مفرداته قبله ، وقوله : وقيل الخ فلا تمثيل فيه. قوله تعالى : ( { قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ } ) تقدم مثله وأنّ قليلاً صفة مصدر مقدر أي شكراً قليلا وما مزيدة لتأكيد التقليل والجملة حال مقدّرة والقلة على ظاهرها أو بمعنى النفي كان الخطاب للكفرة ، وجوز في الجملة أن تكون مستأنفة والأوّل أولى وقوله : باستعمالها أي هذه الأعضاء المذكورة وهي السمع وما معه ، وقوله : فيما خلقت لأجلها أنث الضمير الراجع لما رعاية لمعناها لأنها بمعنى الأشياء وما خلقت لأجلها هو ما أشار إليه من استماع المواعظ وما بعده ، ويجوز أن يراد بما ذكر تعداد النعم. قوله : ( للجزاء ) قيده به لئلا يتكرّر مع قوله : { أَنشأكُم } ولأنه المناسب لقوله : { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } ، وقوله : ( أو ما وعدوا ) الخ لا يضرّه كونه لم يقع إذ تخلف الوعيد لا ضير(8/224)
ج8ص225
فيه وقد أشار إليه المصنف بقوله : والإنذار يكفي له الخ مع أنه قد يقال : إنه وقع والخسف والحصب بمعنى التذليل وومنه الحصى في وجوههم كما قال :
ولا يقيم على خسف يراد به إلا الأذلان غير الحيّ والوتد
قوله : ( علم وقته ا لأن علمه إجمالاً قد علم من التهديد به ، وقوله : لا يطلع عليه هو من
كلمة إنما وفوله : بل الظن الخ هو ناظر إلى كون الموعود به الخسف وقرينه مع أن وقوعه معلق بشرط كالبقاء على الكفر ، وقد آمن أكثرهم وهكذا كل وعد ووعيد عند من يقول بأنه خبر لئلا يلزم الكذب إذا تخلف ، وأمّا كون الظن بمعنى الطرف الراجح أو هو من قبيل هذا كذا في ظني فتكلف لا حاجة إليه فلا يشكل الأمر بأن قوله : { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } إخبار بوقوعه فإذا أريد الخسف والحاصب لزم المحذور كما توهم. قوله : ( ذا رّلفة ) هو منصوب على الحال أو الظرفية وأنما يحتاج إلى التقدير إذا كان بمعنى القرب أما بمعنى القريب فلا وقوله : بأن علتها الكآبة أي ظهر عليها آثارها فإن الكآبة الغم والانكسار والحزن والضمير للوجوه ، وقوله : ساءتها الخ إشارة إلى فاعله المقدر ولا يلزم أن يكون فاعلاً حقيقياً. قوله : ( تطلبون وتستعجلون الخ ) أراد أن طلبهم نفس الاستعجال لا أنه ضمن معناه كما قيل فالباء صلة الفعل كما في قوله : يدعون فيها بكل فاكهة فإذا جعل من الدعوى فالباء سببية أو للملابسة باعتبار ذكره ، ويؤيد الأوّل قراءة تدعون بالتخفيف ، ولذا قدمه وسيأتي أنه يقال : دعاه إذا استدعاه وفي تهذيب الأزهري مخففا ومشددا وفسره الحسن بتكذبون من قولك يدعي الباطل ، ويدعي ما لا يكون ، وقال الفراء : يجوز أن يكون تدعون بمعنى تدعون ومن قرأ تدعون مخففا فهو من دعوت أدعو والمعنى هذا الذي كنتم به تستعجلون ، وتدعون الله بتعجيله يعني قولهم : إن كان هذا هو الحق من عندك الخ ذكره يونس والزجاج ، وقال : يجوز أن يكون يفتعلون من الدعاء من الدعوى. قوله : ( فمن يجير الكافرين ) أقيم الظاهر مقام الضمير إظهارا لعلته ، وقوله : لا ينجيهم لأن الاستفهام الإنكاري نفي معنى وقوله : نتربصى الخ تقدم تفسير. ، وقوله : الذي أدعوكم تفسير للضمير ومولى النعم تفسير للرحمن ، وقوله : للعلم بذلك أي بكونه المنعم الحقيقي إشارة إلى أن ذكره عقبه لأنه معلوم منه ، وقوله : لا يضرّ ولا ينفع إشارة إلى وجه الحصر المستفاد من تقديم عليه وقوله ، والإشعار به أي بان غيره لا يضرّ ولا ينفع. قوله : ( فستعلمون الخ ) هو من
الكلام المصنف وقوله : بالياء ففيه التفات على أحد الوجوه والاحتمالات ، وقوله : غائراً إشارة إلى أنه مصدر مؤوّل باسم الفاعل ، ووصف به مبالغة والدلاء بالمد جمع دلو. قوله : ( جار الخ ) إشارة إلى أنه فعيل من معن أو مفعول من عين وكونه سهل المأخذ لوصول الأيدي إليه ، وقوله عن النبيّءلمجح! الخ حديث موضوع وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة صحيحة فلو أورد بعضها كان أولى. تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سيد الأنام وآله وصحبه الكرام.
سورة ن
لا خلاف في عدد آياتها وكونها مكية إلا أنه قيل باستئناء بعض آياتها.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( من أسماء الحروف ) والمراد ما بيناه في أوّل البقرة وقدمه لأنه الظاهر ، وقوله :
وقيل الخ وجه تمريضه ظاهر خصوصا إذا أريد به الجنس سواء كان بمعنى الجميع أو الفرد غير المعين فإنه لا معنى للقسم به ولا مناسبة بينه وبين القلم ، واليهموت بفتح الياء المثناة التحتية وسكون الهاء وما اشتهر من أنه بالباء الموحدة غلط على ما ذكره الفاضل المحشي ، وإذا أريد هذا فوجهه إنه مما خلق أوّلاً قبل الأرض ، ثم وضعت عليه كما في المعالم. قوله : ) أو الدواة الخ ) أنكر الزمخشريّ ورود النون بمعنى الدواة في اللغة أو في الاستعمال المعتد به والردّ عليه إنما يتأتى بإثباته عن الثقات لا بالتشهي وسلامة الأمير ، فما قيل من أن المصنف قصد الردّ عليه بقوله : فإن بعض الحيتان الخ على أنه أطلق على الدواة مجازاً بعلاقة المشابهة لا يخفى ما فيه من السماجة فإنه لم يشتهر حتى يصح جعله مشبها به ، والنقس بالسين المهملة كالحبر لفظا ومعنى. قوله : ( ويؤيد الأول(8/225)
ج8ص226
( أي كونه من أسماء الحروف هنا لأنه لو كان اسم جنس أو علما أعرب منوّنا أو ممنوعاً من الصرف وكتب كما يتلفظ به ، وإن كان خط المصحف لا يقاس لأنه لا يرتكب ما أمكن إجراؤه على القياس! ، وكونه بنية الوقف واجراء الوصل مجراه على خلاف الأصل أيضا ، ولذا قال : يؤيد دون يدل لهذا الاحتمال وأيضا يحتمل أنه اكتفى ببعض حروف الكلمة كقوله :
قلت لها قفي قالت قاف
وبينه وبين القلم غاية المنافرة. قوله : ( الذي خط اللوح ) المحفوظ فالتعريف فيه عهدفي ، وفيما بعده جنسيّ وقوله : وأخفى ابن عامر الخ الإخفاء لغة الستر ، وفي اصطلاح القرّاء صفة
للحرف بين الإظهار والإدغام عار من التشديد مع بقاء الغنة في الحرف الأوّل ومنه ظهر مفارقته للإدغام ، والإخفاء للنون يكون مع غير الباء والألف ، وغير أحرف الحلق الستة وأحرف يرملون الستة فهو عند خمسة عشر حرفا غير هذه ، والنون تدغم مع الغنة وعدمها في حروف يرملون إذا عرفت هذا ظهر لك ما في كلام المصنف من الخلل ، وإن حمل قوله : أخفى على معنى أدغم لأنه إخفاء لغوي لا اصطلاحي ، وإن كان أولى من إبقائه لأنه أقل فساد أو هو المنقول في كتب الأداء عن هؤلاء أيضا فغير ظاهر إلا أن قوله : إجراء للواو المنفصل الخ لا وجه له فإنه إن أراد انفصالها بحرف آخر فليس بصحيح وإن أراد الانفصال عن الكلمة بأن تكون في كلمة أخرى فليس كونهما من كلمة واحدة شرطا عند أحد من القراء ، وقوله : مع حروف الفم يعني الشفوية غير صحيح أيضا سواء أريد بالإخفاء الإدغام أو المعنى المصطلح كما عرفته ، وأمّا إرادة ما يعمه ويعم القلب كما قيل فأشد فساداً ، والعذر في مثله أقبح من الذنب ، وقوله : كص وتوجيهه مفصل فيها. قوله : ( على التعظيم ا لأنه واحد فالتعبير عنه بضمير الجمع تعظيما له وأما على الثاني وأرادة جنس ما به الخط فهو متعدد لكنه ليس بكاتب حقيقة بل هو آلة للكاتب فالإسناد إليه إسناد إلى الآلة مجازاً والتعبير عنه بضمير العقلاء لقيامه مقام العقلاء وجعله فاعلا ، وقوله : لأصحابه معطوف على قوله : للقلم فالضمير راجع إلى الكتبة أو الحفظة المفهومين من القلم لا لأنه أريد بالقلم أصحابه تجوّزاً أو بتقدير مضاف معه ، وأصحابه المؤمنون ، وإذا أريد الحفظة لا يتعين أن يراد بالقلم ما خط اللوح كما توهم ، وكونه لما وهي بمعنى من تكلف بارد. قوله : ( والمعنى ما أنت الخ ) أي انتفى عنك ذلك في حال كونك منعما عليك بأعظم النعم وقريب منه جعل الجار والمجرور متعلقاً بالنفي كالظرف اللغو ، والحصافة بالحاء والصاد المهملتين الاستحكام والجزالة ، وقد جوّز فيه كونه قسماً متوسطاً في الكلام لتأكيده من غير تقدير جواب أو يقدّر له جواب يدلّ عليه الكلام المذكور كما ذكره في سورة الطور. قوله : ( وقيل مجنون ) أي العامل في الحال مجنون كما ذكره الزمخشري وقوله : والباء لا تمنع الخ لأنّ معمول المجرور سواء كان بالحرف أو بالإضافة لا يتقدم عليه كما ذكره النحاة لكنها لكونها زائدة هنا لم تعد مانعا ، وقوله : وفيه نظر اعتراض عليه فيما اختاره لأنه يقتضي أن انتفاء الجنون عنه في هذه الحالة ، وقد لا ينتفي في غيرها وكونها حالاً لازمة كما ذكره المعرب لا يدفع الإيهام ولا يخفى أنه وارد على ما اختاره المصنف أيضا ، وقيل في وجه النظر إنه نفي داخل
على مقيد فإئا أن يكون لنفي القيد فقط أو مع المقيد وأما كونه لنفي المقيد فقط فلم يرد في كلامهم فيقتضي نفي الجنون والإنعام عليه ، أو نفي الانعام وثبوت الجنون وكلاهما غير صحيح هنا ، وقد قيل عليه إنّ المتبادر من نحو ما زيد بقائم ضاحكا نفي القيام في هذه الحالة لا نفي تلك الحالة في غير القيام فيجوز قيامه في غيرها فإذا كان المحكوم به لازما لتلك الحالة لزم من نفيه نفيها والجنون غير لازم للنعمة إلا أن المتبادر في المثال ثبوت القيام مع نفي الحال ولا يمكن اعتباره هنا لأن نفي الجنون في حالة النعمة ، وهي لا تنفك عنه فيلزم انتفاء الجنون ضرورة اهـ ، ولا يخفى أنه كلام مضطرب لا حاصل له وقد مرّ تحقيقه وأن الجملة الحالية والحال مطلقا إذا وقعت بعد النفي إنما يلزم انتفاء مقارنتها لذي الحال لا نفيها نفسها لأنه لا يلزم من نفي الشيء في حال نفي تلك الحال ألا تراك تقول ما جاءني زيد وقد طلع عليه الفجر فقد نفيت مجيئه مقارنا لطنوعه ولا يقصد نفي طلوعه ، وكذا إذا اعتذرت عن ترك زيارة صديق لما في الحال من الضيق فقلت : لا أزورك مملقا ولا أراه يشتبه على أحد حاله ، وفي الكتاب المجيد { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }(8/226)
ج8ص227
[ سورة الأنفال ، الآية ت 33 ] وقد مرّ لنا فيه كلام في سورة البقرة والأنفال فتذكره وقوله : على الاحتمال يعني احتمال أذى المشركين ، والإبلاغ تبليغ أمانة الرسالة وتحمل أعبائها ، وقوله : من الناس رد على الزمخشري في جعله غير ممنون عليه من الله لأنه استوجبه بعمله وهو ظاهر. قوله : ( ما لا يتحمله أمثالك ( يعني من أولي العزم من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وقوله : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } هي اسم السورة ، وهو بدل من القرآن بدل بعض من كل فالعائد مقدر معه ولم يقع هذا في أكثر الروايات قال ابن حجر : وله قصة طويلة وهذا اللفظ رواه الحاكم ، وقال السيوطي : هو في رواية البخاري في الأدب أيضاً ، وقال العارت بالله المرصفي أرادت تخلقه بأخلاق الله ولكنها لم تصرّج به تأدّبا منها وهو كلام حسن لولا ما في هذه الرواية ، ومعنى ما قالته عائشة إن الآية الأولى تضمنت خلقه جمي! إجمالاً. قوله : ( والباء مزيدة ( أي في المبتدأ كما جوّزه سيبويه وقوله : أو بابكم الجنون فالباء للملابسة ، وهذا بناء على أن المصدر يكون على وزن المفعول كما جوّزه بعضهم ، وقوله : أي في أيهما الخ إنما أوّله بالفريقين على
أن خطابهءج!ر خطاب لأضته أيضا دفعاً لما يرد عليه قال ابن الحاجب في شرح المفصل : يضعف جعلها غير زائدة بمعنى في والمفتون صاحب الفتنة ، والخطاب له ولهم أنه لا يستقيم أن يقال لجماعة وواحد في أيكم زيد فلا بد من تقدير الفريقين فإن قلت هذا بعينه ، وارد إذا كان المفتون بمعنى الفتنة أيضاً قلت : ليس كذلك لأنه يصح أن يقال لاثنين بأيهما الفتنة لأنه يصح قيامها بكل واحد منهما فيصح الاستفهام عن محله وصاحب الفتنة لا يستقيم أن يجعل محل الفتنة ، اهـ . قوله : ( وهم المجانين الخ ) توضيح لارتباطه بما قبله حيث ذكر أنه سيعلم المجنون من غيره ، وقد ذكرت هذه الجملة مؤكدة بعده مستأنفة لتبيينها فكان الظاهر أن يقال : إنه أعلم بالمجانين والعقلاء فعدل عنه للدلالة على أن الضلال عن سبيله هو الجنون ، والاهتداء عين كمال العقل. قوله : ( تهييج ا له !ييه حيث نهاه عن إطاعتهم وهو أمر لم يقع منه ولا يتصوّر فالمراد حثه على تصميمه في عزمه ، ومعاصاتهم بمعنى عصيانهم يقال : عاصاه وعصاه بمعنى ، وقوله : تلاينهم أي تعاملهم باللين والمداهنة لهم بترك نهيهم أو موافقتهم فيما هم عليه أحيانا ، وقوله : والفاء أي في قوله : فتدهنون للعطف على تدهن وتعقيب مداهنتهم على مداهنته ويكون كل منهما داخلا في حيز التمني على هذا ، ولذا فسره بقوله : ودوا التداهن ، وقوله : لكنهم الخ توجيه للعطف بالفاء ولا تسامح فيه كما قيل وقوله : وتمنوه تفسير فإنه يقال وذ كذا ويوذ كذا إذا تمناه وهو معنى حقيقي كما في كتاب الفصيح. قوله : ( أو للسببية ) أي الفاء ليست عاطفة بل داخلة على جملة متسببة على ما قبلها ، وقدر المبتدأ ليصح كونها عاطفة وتتضح السببية فيها أي إنهم لتمنيهم أن يداهنهم يداهنوه والفرق بين التقديرين في كلامه من وجهين لأنه على الأوّل المعنى أنهم تمنوا لو تدهن فتترتب مداهنتهم على مداهنتك ففيه ترتب إحدى المداهنتين على الأخرى في الخارج ، ولذا قال : حينئذ أي حين إذ داهنتهم ولو فيه غير مصدرية وعلى الثاني لو مصدرية ، والترتب ذهني على ودادتهم وتمنيهم ولذا قال الآن. قوله : ( على أنه جواب التمني ) فالمعنى ليتك تدهن فيدهنوا ، وقد خرجت هذه القراءة على أنها عطف على التوهم بناء على أن لو مصدرية فيوهم وقوع أن موقعها ونصب الفعل بها والتمني من ، وذوا لو وقيل : جواب لو مقدر أي لو تدهن لسروا بذلك ومفعول وذوا مجذوف ، وهو التداهن ولا يخفى ما فيه من التكلف. قوله : ( كثير الحلف ) فكثرته مذمومة ولو في الحق لما فيه من الجراءة على اسم الله ، وطعان بمعنى عياب لأن الطعن يعيب الخلق وقوله : على وجه السعاية
أي الإفساد والضرر ، وأصل السعاية أن يمشي بالناس عند الحكام والأثام كالوبال لفظاً ومعنى أو بالمد جمع آثم. قوله : ( بعدما عد من مثاليه ) بالمثلثة ، والباء الموحدة بمعنى القبائح إشارة إلى أن الإشارة لجميع ما قبله لا للأخير فقط ، وهي للدلالة على أن ما بعده أعظم في القباحة فبعد هنا كثمّ الدالة على التفاوت الرتبيّ كما مرّ في قوله : { بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [ سورة التحريم ، الآية : 4 ] والدعيّ الملحق بقوم ليس منهم كما مرّ في قوله : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ } [ سورة الأحزأب ، الآية : 4 ] والزنمة بفتحات ما يتدلى في حلق المعز والفلقة من أذنه تثق فتترك معلقة فشبه من انتسب لغير أبيه بذلك ، والأخنس بالخاء المعجمة والسين المهملة بينهما نون رجل(8/227)
ج8ص228
معروف من العرب ، وشريق بالقاف بوزن شريف اسم أبيه وهو من قبيلة تثقيف فالتحق ببني زهرة حتى كان يعد منهم في الجاهلية. قوله : ( لآن كان الخ ) إشارة إلى أنّ قبل أن المصدرية لام جرّ مقدرة ومستظهراً بمعنى متقؤيا ، وقوله : مدلول قال صادق بتقدير مثلها وتقدير كذب لأنّ قوله : هنا مكذب يدل عليه ، وقوله : ما بعد الشرط الخ إشارة إلى أنّ إذا هنا شرطية لا ظرفية ، وإن صح أيضا لتبادر من السياق ، وقيل : لأنّ قوله : قال الخ جواب ولا محوج لإخراجه عنه وفيه أن عدم التقدير محوج له فينبغي جواز الوجهين ، وقوله : على الاستفهام ، وحيمئذ فلهم فيه الوجوه المعروفة إذا اجتمعت الهمزتان ، وقوله : كذب متعلق اللام المقدرة الدال عليه قال : وما بعده يدل عليه لا تطع وقدره لأنّ ما قبل الهمزة لا يعمل فيما بعدها ، وقوله على أنّ شرط الغني الخ يعني ليس لتفييد النهي به كما أنّ النهي عن الوأد في قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ } [ سورة الإسراء ، الآية : 31 ] منع عنه غير مقيد بذلك لأنّ النهي عنه في غير ذلك يعلم باً لطريق الأولى فيثبت بدلالة لنص والشرط والعلة في مثله مما
لا مفهوم له كما تبين في الأصول. قوله : ( أو أن شرطه للمخاطب الخ ) أراد به تطبيق المعنى في القراءتين لإفادة الشرط السببية ، وهو بمعنى قريب من التعليل فنزل المخاطب المطيع لما ذكر منزلة من اشترطه كما ذكره المصنف وقوله : شارطاً يساره بيان لحاصل المعنى لا تقدير إعراب حتى يرد عليه أنّ الشرط المحض لا يقع حالاً كما قيل. قوله : ( على الأنف ) أصل الخرطوم للخنزير والفيل فإطلاقه على أنف الإنسان مجاز كإطلاق المشفر ، وقوله : يوم بدر اعترض عليه بأن الوليد بن المغيرة من المستهزئين ، وكلهم ماتوا قبل بدر وقد مرّ في سورة الحجر وقوله : يذله الخ يؤيده لفظ الخرطوم والعرب تقول وسمته بميسم السوء يريدون أنه ألصق به من العار ما لا يفارقه كما قال جرير رحمه الله تعالى :
لما وضعت على الفرزدق ميسمي وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل
وجدع بالدال المهملة مجهول بمعنى قطع ورغم أصله الصادق الرغام وهو التراب ، وقوله : سيما أصله لا سيما فحذفت منه لا وقد قيل : إنه لحن ، وقوله : أو يسود وجهه أصل معنى الوسم الكي فتفسيره بسواد الوجه مجاز ، ولا وجه لقوله : على الخرطوم حينئذ. قوله تعالى : ( { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ } ) أي أصبناهم ببلية ، وقوله : كما بلونا في محل نصب صفة مصدر مقدر أي ابتلاءكما الخ ، والصرام بالكسر قطع الثمار بعد استوائها والحصاد والمنجل بكسر الميم معروف وقوله : خفية عن المساكين أي ليخفي عنهم ذلك حتى لا يطلبوا ما كانوا يأخذونه تصدقا قبله. قوله : ) ولا يقولون إن شاء الله ) الظاهر عطفه على أقسموا فمقتضى الظاهر أن يقال ، وما استثنوا والعدول عنه لا يظهر له وجه فلذا فيل : إنه استئناف أو حال لكنه خلاف الظاهر مع أنّ الأحسن ترك الواو ، ولو كان حالاً وأصل الاستثناء استفعال من الثني وهو التكرار أو الرجوع ، ثم أطلق على إخراج بعض ما دخل في عموم ما قبله سواء كان بألا وأخواتها أو لا كالتقييد بالشرط وتخصيصه بالأوّل اصطلاح فليس المراد أنّ إطلاقه على إن شاء الله ونحوه
يحمله على باب إلا كما يتوهم فإنه ورد في اللغة بهذا المعنى وعليه يحمل كلام المصنف فأعرفه ، وقيل : معناه لا يستثنون عما هموا به من منع المساكين. قوله : ( غير أن المخرج به الخ ) يعني إنك إذا قلت قام القوم إلا زيداً فالمخرج قيام زيد وهو مذكور لدخوله فيما قبله ، وإذا قلت افعل كذا أو لا أفعله إن شاء الله فالمعنى إن شاء الله فعله أو عدمه لأنّ مفعول المشيئة مصدر متصيد مما قبله والمقصود إخراج ما لم يشأه اللّه عما قصد به وهو غير مذكور أو المذكور ما شاءه ، ولا يرد عليه الاستثناء المنقطع فتدبر. قوله : ( أو لأنّ معنى الخ ) مبني الوجه الأوّل على أنّ الاستثناء معناه الإخراج من الكلام مطلقا فإطلاقه عليهما حقيقة لغوية ، كما أشار إليه الراغب وغيره والذي اصطلح عليه النحاة تخصيصه بالمخرج بألا وأخواتها ومبني الثاني على أنه حقيقة فيما اصطلح عليه النحاة ، !اطلاقه على الثرط المذكور لمشابهته له معنى فلا كلام فيه حيث قيل إنه كيف يخرج كلام الله على اصطلاح النحاة الحادث. قوله : ( ولا يستثنون الخ ( فهو بمعنى الإخراج الحسي وحينئذ هو معطوف على قوله : ليصر منها ومقسم عليه ، او على قوله : مصبحين الحال كما مرّ وهو معنى لا غبار عليه ، وقوله : لا كستثنون معطوف على قوله : ولا يقولون إن شاء الله. قوله :(8/228)
ج8ص229
( بلاء طائف ( أي محيط بها وطاف بمعنى نزل والبلاء بالمد وطائف صفته ، وقيل الطائف ملك اقتلعها وطاف بها حول الكعبة ، ثم وضعها بقرب مكة وهي البلدة التي تسمى طائفا كما في القاموس وغيره ، وقوله : مبتدأ منه فمن ابتدائية ، وقوله : صرم ثماره أي قطع وقوله : باحتراقها واسودادها ليى عطفاً تفسيرياً كما توهم نعم وجه الشبه بين الليل والمحترق الاسوداد ، وقوله : سميا أي الليل والنهار ، وقوله : كالرمال لأنها تسمى صريما أيضاً إذا كانت منقطعة عن غيرها. قوله : ( أي أخرجوا ) يعني أنّ أن تفسيرية بمعنى أي واغدوا بمعنى اخرجوا مطلقا أو غدوة ، وقوله : أو بأن اخرجوا يعني أن إن مصدرية قبلها حرف جز مقدّر لأنها يجوز أن توصل بالأمر ، وقوله : بغدو العدو الخ لأنه يقال غدا عليهم إذا أغار فشبه غدوه لقطع الثمار بغدو الجيش للغارة فيكون استعارة تبعية أو تمثيلية ، وهذا بناء على انّ غدا يتعدى بعلى واستشهد له بشاهد وفيه نظر. قوله : " ن كنتم الخ ( جوابه مقدر بقرينة ما قبله أي فاغدوا الخ ، وقوله : يتسارون أي
سرّاً ، وقوله : خفي بفتح الفاء من خفي بمعنى كتم وكسرها ، وخفت بالمثناة بمعنى اخفي نفسه وصوته وسمي الخفاس خفدوداً لكونه يخفي بالنهار. قوله : ( إن مفسرة ا لم يجوز فيها المصدرية ، وإن لم يكن منها مانع لأنّ طرحها مؤيد لكونها مفسرة ، وقوله : على إضمار القول أي ويقولون الخ أو على أعمال يتخافتون فيه لتضمنه معنى القول ، وهو المذهب الكوفي فيه وفي أمثاله ، وقوله : المبالغة لما فيه من الكناية كما مرّ تحقيقه في أوّل الأعراف وقوله : على نكد بفتح الكاف تفسير للحرد وقوله : لا غير إشارة إلى أنّ تقديمه على متعلقه للحصر ورعاية للفاصلة أيضاً والدر اللبن ، وقوله : يتنكدوا على المساكين لو قال : ينكدوا كان أحسن يعني أنهم انعكس عليهم وحل بهم ما نووه للغير. قوله : ) أو غدوا الخ ( يعني أنهم غدوا للانتفاع واختصاصهم به فلم يحصل لهم غير الحرمان والحصر على الأوّل حقيقي وعلى الثاني ادّعائيّ والنكد ثمة عامّ لنكد المساكين ونكدهم في أنفسهم من غير تهكم بهم ، وفي هذا القصر بالنسبة إلى انتفاعهم من خبثهم والنكد خاص بهم وجعل حرمانهم انتفاعا مقدوراً مكسوباً لهم تهكماً فالفرق بين الوجهين من وجوه. قوله : ( وقيل الحرد بمعنى الحرد ) يعني أنّ الساكن بمعنى المفتوح ومعناه الغيظ أي لم يقدروا على غير إغضاب بعضهم لبعض فهو بمعنى قوله : أقبل بعضهم على بعض يتلاومون ، وقوله : حنق بفتحتين الغيظ أو أشده ، وهو مضاف لبعضهم ويجوز رفعه على أنه فاعل للمصدر والقصر حقيقي ادّعائي أو إضافيّ كما مرّ ، وقوله : وقيل القصد معطوف على الحرد أي قيل : الحرد الساكن بمعنى القصد والسرعة. قوله : ( أقبل سيل الخ ) أثبت به كون الحرد بمعنى القصد والسرعة ، وهو بيت من الرجز وقوله : من أمر الله بخلاف الألف للضرورة كقوله :
ألا لا بارك الله في سهيل
وقال أبو عبيد : إنه في الوقف جائز وقد مرّ تحقيقه ، والجنة البستان والمغلة الكثيرة الثمار
والنبات والأشجار ويحرد حرد الجنة أي يقصد جانبها وجهتها وهو محل الاستشهاد ، وقوله : بسرعة يشير إلى أنّ معنى كونهم على حرد تلبسهم به فهو حال معنى وقوله : عند أنفسهم وعلى زعمهم إنما قيده به لأن ثمارها هالكة فلا قدرة لهم على جذاذها وقد فنيت وعلى تأويلها بما ذكر فهي حال حقيقة لا مقدرة كما توهم ولا دخل فيه للقول بأنّ القدرة مقارنة للفعل عند أهل السنة أو متقدمة عليه عند المعتزلة فإنه أمر آخر ، وقوله : علم للجنة أي قادرين على تلك الجنة وصرامها عند أنفسهم أو مقدّرين ذلك فهو تفسير رابع للحرد إلا أنه بعيد.
تنبيه : ذكر القالي في أماليه للحرد معاني القصد والقلة والمنع والغضب والحقد اهـ .
قوله : ( أوّل ما رأوها ) فسره به لأنه المراد وإن كان برهان الرؤية ممتدا ليصح مع قوله : بل نحق
محرومون ، وقوله : ما هي بها ما نافية أي ليست هي الجنة بعينها أو موصولة والباء ظرفية أي
والبقعة التي هي فيها وهو معطوف على طريق ، وقوله : رأيا على أنّ الأوسط بمعنى الخير
والأحسن وما بعده على أنه بمعناه المعروف. قوله : ( لولا تذكرونه الخ ) يعني أنّ لولا فيه
تحضيضية والمراد بالتسبيح التوبة وذكر الله ، وقوله : ويدل على هذا المعنى إنما دل عليه لأنّ
سبحان ربنا ذكر الله ، وقوله : { إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } ندامة واعتراف بالذنب فهو توبة. قوله : ( أو
لولا ثستثنون الخ ) أي تقولون : إن شاء الله وكان حثهم على قوله ، وقوله : لتشاركهما لأن
التسبيح تنزيه له عما لا يليق بجلاله ، وهو تعظيم وإن شاء(8/229)
ج8ص230
الله تفويض للأمور إليه وهو تعظيم
وتوقير له فاستعير أحدهما للأخر فمعنى تسبحون تفولون : إن شاء اللّه وقوله ، أو لأنه تنزيه الخ
لأن معنى التعليق أنه لا يقع شيء لا يريده ، وهو في المعنى تنزيه فهو حقيقة. قوله : ( وقرئ
يبدلنا بالتخفيف ( كذا في بعض النسخ ، واعترض عليه بأنه مخالف لعادته فإنه يذكر الشواذ
بصيغة المجهول ويقدم المشهور ، وليس كما قال : فإنك لو جمعت ما ذكر هذا القائل إنه
مخالف لعادته وجدته ضعفاً لغيره فلا ينبغي تكثير السواد بمثله. قوله : ( راجون العفو الخ ا لما
أضاف الرغبة إلى الله من غير تعيين للمرغوب فيه شمل ما ذكر ، وقوله : لانتهاء الرغبة وهو قريب من التضمين أيضا ، وقوله : { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } أي من ذوي العلم والإدراك ، وقوله : ( لاحترزوا ) الخ بيان للجواب المقدّر هنا لأنه ليس قيداً لما قبله إذ لا مدخلية لعلمهم في كون العذاب أكبر. قوله : ( في الآخرة الخ ا لما كان تعالى منزهاً عن المكان فسرت العندية في كل مكان بما يناسبها فهي هنا إمّا عبارة عن الآخرة لاختصاصها به تعالى إذ لا يتصرف فيها غيره أو المراد القرب من عرشه وملائكة قدسه. قوله : ( ليس فيها إلا النعيم ) الحصر مأخوذ من اختصاص الإضافة والخاص توكيد للحصر أي ليس نعيمها كنعيم الدنيا مشوباً باكدار كما قيل :
خلقت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذار واكدار
قوله : ( التفات فيه تعجب الخ ) أي من الغيبة إلى الخطاب لأنّ ضمير لكم للمجرمين ، وقوله : إشعار الخ الإشعار من قوله : ما لكم لأنّ معناه أي شيء حصل لكم من خللى الفكر وفساد الرأي لا من المقام فقط كما قيل ، وقوله : اختلال ذكر المراد به الفكر فهو بالضم ، وفي اعوجاج الرأي استعارة ظاهرة. قوله تعالى : ( { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ } الخ ) هو مقابل لما قبله نظراً لحاصل المعنى إذ محصله أفسد عقلكم حتى حكمتم بهذا أم جاءكم كتاب فيه تخييركم وتفويض الأمر إليكم فقوله : فيه متعلق بتدرسون والضمير للكتاب أو هو متعلق بما قبله والضمير للحكم والأمر وتدرسون مستأنف أو حال من الضمير ، وقوله : لأنه المدروس يعني أنه مفعوله فهو واقع موقع المفرد فلولا اللام لزم فتح إنّ فلما دخلت علقته عن العمل وحينئذ لا بدّ من تضمين تدرسون معنى العلم ليجري فيه معنى العمل في الجمل والتعليق فتدبر. قوله : ( ويجورّ أن يكون حكاية للمدووس الخ ) فيكون هذا بعينه لفظ الكتاب من غير تحويل من الفتح للكسر ، ولم يبين الضمير فيه وهو على الأوّل للكتاب وأعيد للتأكيد وعلى هذا يعود لأمرهم أو للحكم فيكون محصل ما خط فيه أنّ الحكم والأمر مفوض لهم فسقط ما قيل إنّ الفرق بين هذا وما قبله عسير وأنّ فيه ما ينبو عنه ، ولا حاجة لما تكلف من أنه كقول المؤلف ترغيبا في كتابه
إنّ في هذا الكتاب كذا وكذا وكذا إرجاع ضمير فيه ليوم القيامة بقرينة المقام أو للمكان المدلول عليه بقوله : عند ربهم فإنه كله تعسف بارد وإذا كان استئنافا فالضمير للحكم أيضاً ، ويجوز الوقف على تدرسون ، وقوله : أخذ خيره هو معناه بحسب الاشتقاق ثم عم لأخذ ما يريده مطلقاً. قوله : ( عهود مؤكدة الخ ) فأريد بالإيمان المعهود وهو من إطلاق الجزء على الكل أو اللازم على الملزوم كما أشار إليه المصنف رحمه الله وقوله : متناهية هو معناه المراد منه وأصله بالغة أقصى ما يمكن فحذف منه اختصار أو شاع في هذا المعنى ، وقوله : أحد الظرفين أي لكم أو علينا فهو حال من الضمير المستتر لا من إيمان لتخصيصها بالوصف لأنه بعيد. قوله : ( لا نخرج عن عهدتها الخ ( بيان للغاية ، وقوله : تبلغ ذلك اليوم أي هي يمين مؤكدة لا تنحل إلى يوم القيامة وليس تأجيلا للمقسم عليه كما في الوجه السابق فإنه كقولك له عليّ يوم إلى رمضان كذا فرق بينهما ، وقوله : جواب القسم الخ فيه مخالفة ما لكون الإيمان بمعنى العهود ويدفع بأنّ العهد كاليمين من غير فرق فيجاب بما يجاب به القسم فتأمّل. قوله : ( قائم يدعيه ويصححه ( تفسير للزعيم لأنّ معناه الكفيل أو رئيس القوم الذي يتكلم في أمورهم وهو العريف فلما أريد هنا الثاني جرد للدعوى وتصحيحها وصار معناه ما ذكر من المصحح للدعوى. قوله : ( إذ لا أقل من التقليدا لمن شاركهم في قول مثل ما قالوه ، وهو معنى قوله : أم لهم شركاء ، وقوله : يتشبثوا به وفي نسخة لدعواهم أي يتعلقوا به في إثبات مدعاهم ، وقوله : من عقل أي يدل عليه الدليل العقلي كما نبه عليه بقوله : { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [ سورة القلم ، الآية : 36 ] وقوله : أو نقل وهو قوله : أم لكم(8/230)
ج8ص231
كتاب فيه ، وقوله : يدل عليه راجع لكل منهما لأنّ الدليل إمّا عقليّ أو نقلي ، وقوله : لاستحقاق إلى قوله : أو محض الخ وقع في بعض النسخ ، وهو تعليل لما ادّعوه من كونهم أحسن حالاً في الآخرة أو لتشبثهم ، وقوله : أن يتشبثوا المأخوذ من قوله : أم نجعل المسلمين كالمجرمين لأنّ وصولهم لذلك إما باستحقاق له أو لأن اللّه وعدهم به ووعد الكريم دين ، وهو من قوله : { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ } [ سورة القلم ، الآية : 39 ] ومن لم يفهمه زعم أنّ الوجه تركه ، وقوله : أو محض تقليد من قوله : أم لهم شركاء لأنّ المراد من شاركهم في هذه المقالة وسبقهم لها كما مرّ وهو معطوف على عقل وكونه على الترتيب معلوم من تقريرنا له ، وقوله : مراتب النظر من الدليل العقلي ، ثم النقلي ثم تقليد ممن يعتقد فيه صحة دليله ولم يعد في لنظر
تغليبا كما توهم فليتأمّل. قوله : ( تزييفاً ) أي إبطالاً وهو مستعار من بيان الناقد للرائج من الزيف المغشوش ، والسند هنا ما يستند له من الدليل وما يقرب منه كتقليد من يصح تقليده وليس المراد به مصطلح أهل الجدل وهو ما يدل على المنع فقط ، وإن صح هنا بنوع تكلف فيه إذا عرفت هذا من غير تعسف علمت فساد ما هنا لأرباب الحواشي كما قيل : إن في قوله : من عقل الخ لفا ونشراً مرتباً فالأوّل بيان لما يتشبث به عقلاً والثاني لما يتشبث به نقلا ، وهو أن يكون لهم كتاب يدرسونه فيه أن لهم ما يشتهون أو أن يكون إيمان بالله عليه تعالى بالغة إلى يوم القيامة ، وقوله : أو محض الخ عطف على وعد على أن يكون التقليد من المتشبثات النقلية أو عطف على قوله : أو نقل على أن يكون متشبثا آخر غير مسمى. قوله : ) وقيل المعنى الخ ( فالمراد بالشركاء على الأوّل من قال : بمثل مقالتهم فشاركهم فيها وعلى هذا الآلهة التي عدوها شركاء في الألوهية ، وقوله : يوم يكشف الخ على الثاني متعلق بقوله : فليأتوا وكذا على الأوّل ويجوز تعلقه بمقدر كاذكر أو كان كيت ، وكيت وقيل بخاشعة وقيل : ترهقهم. قوله : ( وكشف الساق مثل في ذلك ) أي في شذة الأمر والخطب فهو استعارة تمثيلية لما ذكر ، وقد كان كناية والمراد به يوم القيامة وإنما فرضه في المخدرات الهاربة من العدوّ إذا وقعت الحروب لأنها تصعب عليها كشف ساقها فلا تفعله إلا إذا جدت في الهرب فذهلت عن التستر بذيل الصيانة فالساق ما فوق القدم ، وهو والكشف في معناه الحقيقي والفاعل غير منظور إليه أو هو المخدرات كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله : ( أخو الحرب الخ ) هو من شعر لحاتم الطائي ومعنى أخو الحرب أنه ملازم لها لا ينفك عنها في الشدائد كما لا ينفك الأخ عن أخيه وقوله : عضت الخ أي إذا اشتدت وكثر الضرب ، والطعان صبر لها وأبدى النجدة والضرب والطعن للأقران فسمي صبره وفعله عضا مشاكلة وهو شاهد على أن كشف الساق ، وتشميره عبارة عن تفاقم الأمور وإن لم يتصوّر ساق ولا تشمير. قوله : ) أو يوم يكشف عن أصل الأمر الخ ( فالكشف بمعنى الاظهار واليه أشار بقوله : يصير عيانا والساق بمعنى الحقيقة وأصل الأمر استعارة من ساق الشجرة ففيه استعارة تصريحية وفي الكشف تجوّز آخر أو هو ترشيح له ولا حاجة إلى جعل العوارض كالفروع هنا وساق الشجر أصلها النابت عليه فروعها وساق الإنسان لقيامه عليه جعل كالأصل هنا. قوله : ( وتنكيره للتهويل الخ ) أي على الوجه الثاني تنكيره
للتعظيم بخلافه على الأوّل فإنه تمثيل لا نظر فيه للمفردات أصلا ، وقيل : التهويل على الأوّل والتعظيم على الثاني ، وقوله : للساعة المعلومة من ذكر يوم القيامة والحال يعلم من دلالة الحال! وليس المراد حال النزع ، ثم إنه قيل. إنّ التاء على البناء للمفعول لا تخلو عن حزازة إذ هو نظير تصرّف عن هند وجعل الفعل للساعة أو الحال على تقدير البناء للفاعل لا المفعول إذ ليس معناه تكشف الساعة عن ساق والكشف عن الساق عبارة عن الشدة أراد أنك إذا قلت كشف الله الساعة عن ساقها لم يستقم لاستدعائه إبداء الساق واذهاب الساعة كما تقول : كشفت عن وجهها القناع فالساعة ليست ستراً على الساق ، وأجيب بانها جعلت ستراً مبالغة لأنّ المخدرة تبالغ في الستر جهدها فكأنها نفس الستر فقيل : يكشف الساعة عن ساقها كما تقول كشف زيد عن جهله إذا بالغت في إظهار جهله فكأنه ستر على جهله بستر معايبه فأثبته ، وأظهرته حتى لا يخفى على أحد وهذا وجه السؤال والجواب لا ما توهمه ، وقيل عليه حاصله أنّ الإذهاب ادعائيئ ولا يخفى ما فيه من التكلف ولا عبرة بما ذكر من المثال المصنوع ، وأقل تكلفاً منه جعل عن ساق بدلآمن الضمير المستتر(8/231)
ج8ص232
في الفعل بعد فزع الخافض منه وليس هذا بشيء لأنّ إبدال الجار والمجرور من الضمير المرفوع لا يصح بحسب قواعد العربية فهو ضغث على إبالة وتكلف على تكلف. قوله : ( توبيخاً على تركهم السجود الخ ) يعني إن كان اليوم يوم القيامة ولا تكليف فيه فالمراد من دعوثهم له التوبيخ على ما فرطوا فيه فان أريد باليوم ، وقت النزع قبل خروج الروح في دار التكليف فهو على ظاهره والمراد منه أيضاً التنديم ، وإن قلنا إنهم مكلفون بفروع الشريعة أيضاً. قوله : ( لذهاب وقته الخ ) الأوّل على أنّ المراد يوم القيامة ، والثاني على أنه وقت النزع فهو لف ونشر مرتب والاستطاعة في الأصل استدعاء الطواعية وهي الإرادة والقصد ونفيها قد يكون لانتفاء القدرة وقد يكون نفياً للإرادة لوجه ما كالكراهية ، وإن كان قادراً كما في قوله : { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً } [ سورة الماثدة ، الآية : 112 ] قاله ابن هشام في تذكرته ومن خطه نقلت وما هنا ناظر له فانه في الأوّل لم تنتف القدرة فيه وأنما انتفى وقت التكليف وفي حالة النزع انتفت القدرة للمرض ، وكذا قوله في الدنيا أو زمان الصحة وكدّا قوله : متمكنون الخ لكنه لف ونشر غير مرتب ، ومزاحو العلل أي مرفوعة عنهم العلل في الدنيا لأنهم مكلفون فيها فما قيل إنّ كلامه يشعر بأن الاستطاعة المنفية القدرة الشرعية وما بعده يدلّ على أنّ المراد القدرة الحقيقية فيه ثأمّل بل سلامة الأسباب والآلات. قوله : ( كله إلئ ) أي أتركه وأمره إليّ فإني كاف له وهذا من بليغ الكناية ، وقوله : درجة درجة أي درجة بعد
درجة وهذا من الاستفعال فإنه قد يدلّ على التدريج ، وقوله : وهو أي الاستدراج والمراد بالأنعام ما يشمل الإمهال وادامة الصحة وزيادة النعم فلا ينافي ما قبله وقوله : لأنهم حسبوه بيان لاستدراجهم للهلاك وكيفيته. قوله : ( وإنما سمي إنعامه استدراجاً ( أي أطلق مجازا على أنعامه لأجل الاستدراج كيداً لأنّ ذلك الأنعام لما ذكر في صورة الكيد لأن حقيقة الكيد ضرب من الاحتيال ، والاحتيال أن تفعل ما هو نفع وحسن معاملة ظاهرا وتريد به ضده وما وقع من سعة أرزاقهم وتطويل أعمارهم إحسان عليهم ، ونفع ظاهرا والمقصود به الضرر لما علم من خبث جبلتهم وتماديهم في الكفر والكفران فذلك موقع لهم في ورطة التهلكة ، وهو المراد منه. قوله : ( اللوح ) وأطلق عليه مجازا لأنه محل لصور المغيبات والقرينة قوله : فهم يكتبون ، وقوله : ما يحكمون أي به وقوله : في الضجر هو وجه الشبه فهو متعلق بالتشبيه ويجوز تعلقه بما قبله ، وقوله : فتبتلي جواب النهي ، وقوله : تذكير الفعل أي تداركه ، وقوله : وتداركه أي قرئ تداركه بفتح التاء وتشديد الدال وأصله تتداركه فأبدل وأدغم كما هو مبين في التصريف وقوله : على حكاية الحال لأنه حقه أن يعبر عنه بالماضي لمضيه. قوله : ( بمعنى لولا إن كان يقال فيه الخ ) إنما أوّله بما ذكر لأنه لا يتأتى بحسب الظاهر هنا إرادة الحال مع وجود أن فيه فلا بد من تأويله بما ذكر ليتصوّر كونه حالاً ثم يحكي إذ حكاية الحال أن تقدر أنّ القصة الماضية عبر عنها حال وقوعها بالمضارع الدال على الحال كما هو حقها ، ثم حكى بعد المضي فكيف يحكي مع أن التي هي علم الاستقبال ، وقيل : إن لولا تقتضي امتناع الثاني لتحقق الأوّل ودخول أن الاستقبالية فيه ينافي تحققه فلذا قدر دخولها هنا على الماضي ، وهي لا تخلصه خصوصا لفظ كان فلا تنافي تحققه وهذا يقتضي امتناع دخول لولا على أن المصدرية والمضارع مطلقاً بدون تأويل ، ولا تعلق له بحكاية الحال وقد مرّ مثله في تقديره لقوله : أم من هذا الذي يرزقكم. قوله : ( الخالية عن الأشجارا لأن كونها ذات أشجار رحمة به لتقيه حر الشمس ونحوه كما مر والمليم والمذموم بمعنى وطرده عن الكرامة والرحمة لأنه بمعنى مستحق وجدير بالذم. قوله : ( وهو حال يعتمد عليها الجواب ) يعني لولا تقتضي نفي جوابها وهو هنا غير منفي
لثبوته ، وأنما المنفي هذه الحال لأنها قيد والمقصود بالنفي والإثبات هو القيد فإذا لم يوجد النبذ على هذه الحالة لم يناف وجوده على غيرها وقوله : استنبأه أي جعله نبياً وكان الظاهر أن يقال : أو استنبأه وقوله : من الكاملين الخ لأنه نبيّ معصوم ، وقوله : ما تركه أولى إشارة إلى أنه لم يذنب وأنما ترك الأولى لضجرته. قوله : ( وفيه دليل على خلق الأفعال ا لأن جعله صالحاً بجعل صلاحه ، وخلقه فيه وهو من جملة الأفعال ولا قائل بالفرق وهو رد على المعتزلة وتأويل مثله مشهور لكنه بجعله تجوّزا على خلاف الظاهر ، والأصل غيره وقوله : أن يدعو على ثقيف(8/232)
ج8ص233
أي لما آذوه حين عرض نفسه على القبائل بمكة ، وهو مشهور فإن كانت في قصة أحد فالآية مدنية كما مرّت الإشارة إليه في أوّل السورة. قوله : ( واللام دليلها ا لأنها لا تدخل بعد النافية ، ولذا تسمى الفارقة على ما عرف عند النحاة والشزر بشين وزاي معجمتين ثم راء مهملة نظرا لغضبان بمؤخر عينه وهو معروف وقوله : يزلون قدمك أي يزيلون ثباتها ويرهقونها وهو من أبلغ المعاني وألطفها كقوله :
يتقارضون إذا التقوا في موطن نظراً يزل مواطئ الأقدام
قوله : ( عيانون ) أي كثيرون في الإصابة بالعين يقال : عانه يعينه إذ نظر إليه فأثر نظره فيه ،
وقد قيل : إنّ قراءة هذه الآية تدفع ضرر العين وقوله وفي الحديث الخ هو حديث صحيح ذكره السيوطي في الجامع الصغير من عدة طرق وقوله : لتدخل الخ عبارة عن إهلاك كل ما أصابته وفي العين وكونها حقا وردت أحاديث كثيرة. قوله : ( ولعله يكون من خصائص بعض النفوس الخ ) هو لا ينافي مذهب أهل السنة من أن الإصابة بمحض خلق الله كما توهم فإنه لا مانع من خلقها في بعض دون بعض ، وجعله مختصاً به بمحض خلقه كما خص السم بالعقرب والحية ، وفي كتاب الروح تأثير النفس لا ينكر لا سيما عند تجرّدها من علائق البدن كمن نظر
إلى حجر عظيم فشقه أو إلى نعمة فأزالها وهو مما يشاهد على اختلاف الأعصار ، ويضيفونه إلى العين باعتبار أن النفس تؤثر بواسطتها غالبا وقد لا يكون بواسطة كان يوصف له شيء فتتوجه له نفسه فتفسده انتهى ولا عبرة بإنكار بعض المبتدعة له ، وقال بعض أصحاب الطبائع : إنه ينبعث من العين قوّة سمية تؤثر فيما نظره كما فصل في شرح مسلم ، وقالط القاضي عياض يجتنب من عرف بذلك وينبغي للإمام حبسه ومنعه عن مخالطة الناس كفا لضرره فيرزقه من بيت المال ، وقوله : ليرهقونك يحتمل الإهمال والإعجام وقوله : حيرة الخ أي لا جهلا به فإنهم يعلمون أنه أعقل الناس ، وقوله : وما هو الخ جملة حالية من فاعل يقولون والرابط الواو فقط أو من عموم العالمين الشامل لهم ، وقوله : جننوه أي نسبوه للجنون بواسطة تسليط الجن عليه بزعمهم لأجل نزول القرآن ، المعجز عليه لقولهم : إنه كهانة والقاء عليه من الجن وقوله : بين الخ إشارة إلى أنه تكذيب من الله لهم ، قوله وعن النبي حديث موضوع. تمت السورة والحمد لله وأفضل صلاة وسلام على أفضل الأنام وآله وصحبه الكرام.
سورة الحاقة
لم يختلف في نزولها وعدد آياتها.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( أي الساعة ) والقيامة المعروفة لأنها تسمى ساعة فهي اسم جامد ، وقوله : أو الحالة التي يحق بكسر الحاء وضمها من باب ضرب وكتب ومعناه يتحقق ويجب فهي صفة لموصوف مقدر ، وتفسيرها هنا بيليق لا يليق وكذا معنى قوله : تحق فيها الأمور أي تتحقق بصيغة المعلوم والمجهول من حققته إذا عرفت حقيقته وهو على الأوّل لازم على الأخير متعد. قوله : ( أو يقع فيها حواق الأمور ) أي ثوابتها وواجباتها ، وقيل أوساطها وهو عطف على قوله تعرف حقيقتها ولم يذكره عقب الأوّل لاشتراكهما في كون الحاقة من حق الشيء اللازم إذا ثبت ليظهر تعلق قوله : على الإسناد المجازي به أيضا ولا يتوهم اختصاصه بالثاني كما في انكشاف ، ولم يلتفت لنقدير المضاف فيه على الثاني أي ذو الحاقة لأنه ليس من تسمية الشيء باسم ملابسه فإنه ذا الحاقة هو الله تعالى وتقليل التأويل أولى ، وما قيل من أنه جعل الفعل للساعة مجازاً وهو لأهلها على الوجه الأخير وعلى الثاني يحتمل الإسناد المجازي أيضا لأن الثبوت والوجوب لما فيها فالإسناد إلى الزمان مجازي ، ويحتمل أن يراد ذو الحاقة بتسمية الشيء باسم ملابسه وهذا أرجح لأنّ الساعة وما فيها سواء في وجوب الثبوت فتضعف قرينة الإسناد المجازي والتجوّز فيه تصوير ومبالغة فقيل : إنه جعله أرجح لأنّ ظاهر ما ذكره يمنع من الحمل على الإسناد المجازي لأنّ المساواة الواقعية لا تنافي قصد المبالغة في أحد المتساويين لداع(8/233)
ج8ص234
فتجوز إرادة المبالغة في ثبوت ما اشتملت عليه الساعة من الأمور وصدقه والتصوير بأنه بلغ مرتبة في الثبوت سرت لظرفه ، ولو فرض عدم وصفه به ولا يخفى توجه مثله إلى الوجه الذي رجحه فإنّ الساعة توصف بالوجوب ، والثبوت في نفسها فما الداعي لتقدير المضاف وتسمية الشيء باسم ملابسه وما القرينة عليه فقد ردّ بأنّ المقام مفام مبالغة فيعد داعياً وترينة للتجوّز لما فيه من التصوير ، والمبالغة وما في الساعة لكونه مساوياً لها في وجوب الثبوت لم يكن محلاً لاعتبار المبالغة في اتصافه بالثبوت على الإسناد المجازي نعم يجوز أن يقال ة إنّ الساعة وما فيها ، وإن استويا في وجوب الثبوت ونفس الأمر إلا أنّ ثبوتها لما كالن يثبت فيها ما فيها جعل الثبوت كأنه وصف بحا فيها فوصفت به الساعة على الإسناد المجازي مبالغة في اتصاف ما فيها
به فلذا قال : ما قال فتدبر. قوله : ( على التعظيم لشأنها ) لأنّ الظاهر يوضع موضع الضمير لذلك سواء كان الظاهر دالاً على ذلك أولاً وأهول أفعل تفضيل من الهول ، وهو الخوف والفزع والمعنى أعظم في التخويف منها ، وضمير لها للحاقة كأنها لعظمتها لا يقف أحد على حقيقتها. قوله : ( وأي شيء أعلمك ما هي الخ ( يعني أنه كني بالاستفهام فيه عن لازمه وهو أنها لا تعلم ولا تصل إليها دراية دار وجملة ما الحاقة علق عنها الفعل وهو إدراك لما فيه من معنى العلم وقوله : أعظم من أن يبلغها كقولهم أكثر من أن يحصى فالمعنى أعظم من كل ما تبلغه الدراية أو ضمن معنى المباعدة أي متباعدة من بلوغها كما تقرّر في محله ، وقوله : ما مبتدأ خصه بالذكر لأنها فيما بعده يحتمل أن تكون خبراً. قوله : ( بالحالة التي تقرع الناس الخ ( القرع ضرب شيء بشيء والقارعة القيامة ، والداهية الفاجئة كما في القاموس فالمراد بالحاقة في كلام المصنف القيامة لا ما يحل بهم من العذاب الذي أوعدوا به وتقرع في كلام المصنف مضمن معنى تفجأ والباء للتعدية لا للآلة المجازية كما توهم والإجرام بمعنى السموات ، وما فيها من الكواكب والانفطار الانشقاق والانتثار سقوط الكواكب إذا قامت القيامة ، وقوله : في وصف شذتها لما في القرع من المعنى الذي لا تفيده الحاقة. قوله : ( بالواقعة المجاوزة للحدّ ( فإنّ الطغيان معناه تجاوز الحذ فسمي به ما ذكر لزيادة شدته ، وقوله : بالقارعة يعني به القيامة وقوله : وهو لا يطابق الخ قال في الكشف : في الآية جمع وتفريق فلو قيل : أهلك هؤلاء بالطغيان على أنه سبب جالب وهؤلاء بالريح على أنه سبب إن لم يتناسقا حتى يجري على نهج التفريق ، وليس المراد إنّ أحدهما عين والآخر حدث ، وقوله : بالصيحة لقوله في هود : { وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ } [ سورة هرد ، الآية : 67 ] لقوله في ا لأعراف : { فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ } [ سورة الأعراف ، الآية : 78 ] وهي الزلزلة المسببة عن الصيحة فلا تعارض بين الآيات لإسناده إلى السبب القريب أو البعيد وأما الصاعقة المذكورة في حم السجدة ففسرت بالصيحة فلا تغايرهما ولذا لم يتعرض لها المصنف رحمه الله. قوله : ( من الصرّ أو الصرّ ( لأن الصرّ بالفتح الصوت وبالكسر البرد وأصله العقد وقوله : في صرة فسر بالصيحة كما مرّ ومنه الصرير ، وقوله : كأنها
عتت الخ إشارة إلى أنه اسنعارة تبعية لا تمثيلية ويجوز أن يكون تشبيها بليغا من العتو وهو الخروج عن الطاعة وخزانها الملائكة الموكلون بها ، وقوله : يقدروا ضمن معنى يطيقون فتعدى بنفسه دون على وقوله : جيء به جار على الوجهين وقوله : من اتصالات الخ المراد اقتران بعض الكواكب ببعض ، ونزولها في بعض المنازل وهو نفي لكون ذلك بتأثير الكواكب استقلالاً بمقتضى اتصالاتها كما أشار إليه بقوله إذ لو كانت أي الاتصالات المقتضية لبعض الحوادث كان ذلك بتقديره وتسبيبه تعالى لا من ذاتها استقلالاً فكانت تامّة بمعنى وجدت أو ناقصة خبرها مقدّر أي مقتضية لما ذكر. قوله : ( سلطها ( قيل : التسخير نوعان تسخير رحمة كسخر لكم الليل والنهار ويفسر بالتذليل وتسخير عذاب ويفسر بالتسليط قوله : متتابعات فهي مجاز مرسل من استعمال المقيد ، وهو الحسم الذي هو تتابع الكي لمطلق التتابع أو استعارة بتشبيه تتاييم الريح المستأصلة بتتابع الكي القاطع للداء. فوله : ( نحسات الخ ) فحسوماً بمعنى قواطع ومعموله مقدر وهو الخير أي قاطعات للخير بنحوسها فهو حقيقة لا استعارة والجمع باعتبار الأيام لا باعتبار الخير المحسوم فانه تجوّز بلا مقتض له ، وقوله : مصدراً كالخروج والمحسوم الخير أو دابرهم ولم يذكره لأنه يعلم مما قبله وقوله : على العلة أي مفعول له وجملة تحسمهم حالية ، وهي حال مقدرة ففي(8/234)
ج8ص235
قوله : المقدرة حالاً إيجاز حسن ، وقوله : بالفتح أي بفتح الحاء فإنه يتعين إفرادها وهي شاذة نقلت عن السندي.
قوله : ( وهي كانت أيام العجوز ) وهي أيام في آخر الشتاء مشهورة معروفة سميت بها لأن عجوزاً كاهنة أخبرت ببرد شديد يهلك المواشي فلم يكترثوا بقولها : وجزوا غنمهم لما قرب الربغ فوقع برد شديد أهلك المواشي فسميت بذلك هي ، وكل ما وافقها في كل سنة وإليه أشار المصنف بقوله : أو لأنّ عجوزاً الخ ، وقيل الصواب أيام العجز بدون واو أي آخر الشتاء ، والصحيح الأوّل وقوله : لأنها عجز الشتاء فعجوز بمعنى عجز واختلف في عددها فقيل : خمسة ، وقيل : سبعة وقيل : ثمانية وهي المختار هنا وقوله : الأربعاء الآخر بفتح الخاء وكسرها وهو الظاهر أي الواقع في آخر الشهر أو السنة ويقال له : أربعاء لا يدور كما وقع في الحديثأ1 ( ، وقوله : توارت في سرب هو بفتح السين والراء المهملتين حفير تحت الأرض ،
وتوارت بمعنى اختفت عند هلاك عاد لظنها أنها تنجو من عذاب الله. قوله : ( إن كنت حاضرهم ) يعني أنّ الخطاب فيه فرضيّ ، وقوله : أو في الليالي والأيام كان ينبغي تقديمه لأنه الأولى لذكره صريحا ، وقوله : من بقية فهو منقول والتاء للنقل إلى الاسمية أو المراد جماعة باقية ، وقوله : أو نفس باقية فالتاء للتأنيث والموصوف مقدر وقوله : أو بقاء فهو مصدر كالطاغية والكاذبة ، والتاء للوحدة. قوله : ( ومن تقدّمه ( على قراءته بقبل الظرفية فهو تعميم بعد التخصيص كالمؤتفكات فإنّ ممن قبله عادا وثمود ، وقوله : ومن قبله بكسر القاف وفتح الباء وقبل بمعنى جهة وجانب فلذا فسره بما ذكر ، وقوله : ويدلّ عليه أي على أنّ المعنى ما ذكر وقراءة من معه شاذة منقولة عن أبي وابن مسعود وقوله ، والمراد أهلها مجازاً بإطلاق المحل على الحال أو بتقدير مضاف فيه أو على الإسناد المجازي ، وكلام المصنف يحتملها والقرينة عطفه على من يتصف بالمجيء. قوله : ( بالخطأ ) فهو مصدر على زنة فاعلة بمعنى ضد الصواب ، وقوله : ذات الخطأ على أنه للنسبة لأنّ الخاطئ أصحابها ويجوز أن يكون مجازا في النسبة كعيشة راضية. قوله : ( كل أمة رسولها ) الظاهر أنه إبقاء لإفراد الرسول على ظاهره وتأويل عصوا بكل طائفة على عادته في الاكتفاء ببعض التأويلات في بعض المواضع ، ولذا قيل إنه اختاره من بين الوجوه المذكورة في الشعراء لأنه الظاهر من قوله : فأخذهم ، ويجوز أن يكون الرسول جمعاً أو مما يستوي فيه الواحد وغيره لأنه مصدر في الأصل ، وأريد منه التكثير لاقتضاء السياق له فهو من مقابلة الجمع المقتضية لانقسام الآحاد أو أطلق المفرد عليهم لاتحادهم معنى فيما أرسلوا به ، وقد حمل على هذا كلام المصنف فيكون بيانا لحاصل المعنى ، وأنه من مقابلة الجمع بالجمع وفيه نظر. قوله : ( زيادة أعمالهم في القبح ) يعني أنه باستحقاق ومن جنس عملهم ، وقوله : وذلك الخ هو على الوجهين وطغيانه على خزانه على أنه
استعارة ولا وجه لكونه حقيقة إلا بتكلف ما لا حاجة إليه والفرق بين الوص 0 ايخن أن تجاوز الحد قد يكون بالنسبة للغير وقد لا يكون مع الاشتراك في الاستعارة والمستعارص ما تجاوز المرء حده والمستعار له كثرة الماء ، ويجوز كونه تمثيلاً ، وقوله : وهو يؤيد من قبله ة تح القاف وسكون الباء أي يؤيد هذه القراءة لأنّ الطوفان قبل فرعون وهذه جملة مستأنفة لى ، ن أحوال من ذكر أوّلاً ، ثم إنه أشار بقوله : أي آباءكم وأنتم في أصلابهم إلى الارتباط علي القراءتين والمراد تقدير مضاف في النظم لا التجوّز في المخاطبين بإرادة آبائهم المحمولين ت !لاقة الحلول كما قيل لبعده غاية البعد سواء كان الخطاب لفرعون ، ومن قبله التفاتا أو للص ر!حرين وقت النزول من غير التفات فتدبر. قوله : ) وعن ابن كثير ( لم ينسب هذه القراءة م ب كتب الأداء له ، والمذكور فيها أن العامّة على كسر العين وتخفيف الياء بالفتح عطفاً على نب إؤللها ، وابن مصرف وأبو عمرو في رواية هارون عنه ، وقنبل بإسكانها تشبيها لها برحم من فعل بر-جلقى العين وروي عن حمزة إخفاء الكسرة في رواية شاذة وما روي عن عاصم من تشديد سياء إجراء للوصل مجرى الوقف قيل : إنه غلط وروي عن حمزة أيضا تسكين الياء كما في لدر المصون وهي شاذة أيضا- قوله : ( من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظها ( الضمير لما باعتبا ا المعنى لأنها عبارة عن الأمور المسموعة أو للأذن والعائد محذوف أي له أو هو المضاف إليد في قوله : بتذكره ، وجعله الأذن حافظة ومتذكرة ومستمعة ومتفكرة وعاملة تجوز لأنّ الفاعل لا أك صاحبها لا هي(8/235)
ج8ص236
ولا ينسب لها حقيقة غير السمع وأنما أتى به مشاكلة لقوله واعية في النظ إه. قوله : ( والتنكير الخ ) فإنه مع الإفراد المتبادر منه التقليل والعموم في الإثبات في نحو ولتنظما؟ نفس نادر لا يقاس عليه ، وقوله : تسبب الخ لأنه جعل وعي هذه الأذن علة لإنجائهم وانجا- أبائهم لعطفه على العلة ، وقوله : بالتخفيف يعني سكون الذال. قوله : ) تفخيماً لشأنها ( تعليل " للفعلين لأنّ تهويل أمرها وتهديد المكذب بها يفيد تفخيما لها وقوله : وتنبيهاً على مكانها يعظ ، كونها عظيمة لأن المكان والرتبة يستعاران للرتبة وفي نسخة بدل مكانها إمكانها ، وهي ظاه ا ة أيضا لأنها لو لم تكن ممكنة لم يعد التكذيب بها ذنباً عظيماً يتوعد صاحبه. قوله : ( وإنماص ؤن إسناد الفعل الخ ) لما كان الفعل دالا على المصدر لم يكن في الإسناد إليه فائدة وقد مبم مه السبكي وكلام المصنف رحمه الله يشير إلى جوازه مع قبح إن لم يقيد بأمر زائد فإن قيد 414 حسن وقد قيدها
بتاء الوحدة وهي وصف معنى وبصريح الوصف فأفاد فائدة تامّة ومن اقتصر على أحدهما فقد قصر ، وقوله : وحسن تذكيره أي الفعل يعني أنّ المجوّز له كونه اسما ظاهراً وقد انضم له أمور حسنته كالفصل ، وكونه غير جمع حقيقي التأنيث ومصدرا فإنّ تأنيثه غير معتبر لتأويله بأن والفعل كما ذكره الجاربردي في شرح الشافية. قوله : ( والمراد بها النفخة الأولى ) كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما واختاره على الروأية الثانية من أنها النفخة الثانية لأنه المناسب لما بعده ، وإن كانت الواو لا تدل على الترتيب لكن مخالفة الظاهر من غير داع مما لا حاجة إليه. قوله : ( أو بتوسط زلزلة ا لم يجعل الزلزلة حاملة حتى يقال عليه إن الزلزلة لا حمل فيها ، ويعتذر بأنه من مقدماته كما ترى من يريد حمل شيء ثقيل يحركه ثم يرفعه ، وقوله : فضربت الجملتان أي جملة الجبال بجملة الأرضين ضرب أحدهما بالآخر فتفتت وانتثر وصارا أرضا مستوية يعني أنّ أصل الدك الضرب على ما ارتفع لينخفض ، ويلزمه التسوية غالبا فلذا شاع فيها حتى صار حقيقة ومعنى لا عوج فيها ولا أمتاً لا ارتفاع ولا انخفاض كما مرّ في الكهف ، وقوله : ولذلك أي لكونه سبباً للتسوية وهذا لا ينافي عد الزمخشريّ له في قسم الحقيقة من الأساس لما عرفته ، ومنه الدكان للصفة المستوية. قوله : ( فحيئذ ) يعني المراد باليوم هنا مطلق الوقت ، وقوله : لنزول الملائكة فسره به لقوله : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ } [ سورة الفرقان ، الآية : 25 ] الآية فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضا ولا ينافي هذا ما في تفسير قوله : { السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ } [ سورة المزملى ، الآية : 18 ] من أنه لشدة ذلك اليوم وهو له كما قيل فإنّ الأمر قد يكون له علل شتى ، وقوله : ضعيفة هو حقيقته ، وقوله : مسترخية تفسير لضعيفة فإنه المراد منه. قوله : ( ولعله تمثيل لخراب السماء ) يعني قوله : { وَانشَقَّتِ السَّمَاء } إلى هنا تمثيل لما ذكر إنما حمله على التمثيل لأنّ الله يفني الملائكة قبله حتى لا يبقى غير الملك القيوم ، وهو حين تجليه قائلاً لمن الملك اليوم لأنّ الملائكة يموتون بعد النفخة الأولى فإذا كان تمثيلا لم يناف ما ذكر فإن أبقى على ظاهره فذهاب الملائكة يكون عقب ذهاب هذا اليوم ، وهو الفرق بينهما والمراد التوفيق بين النصوص وقوله : انضواء أهلها بالضاد المعجمة بمعنى التجائهم وذهابهم للأطراف وضمير أهلها للبنيان وأنثه لتأويله بالأبنية لأنه مصدر وحواليها بفتح اللام
بمعنى الجوانب. قوله : ( فوق الملانكة ) المدلول عليهم بالملك لأنّ المراد به الجنس كما مرّ فالفوقية على ظاهرها من العلو الحسي ، وهم الحملة غير ملائكة الأرجاء ، وقوله : لأنها في نية لتقديم لأنها فاعل رتبته التقديم فيجوز عود الضمير المتقدم عليه لتأخره لفظا لا رتبة كما لا يخفى إلا أنّ هذا فيه تكلف لأنهم حينئذ فوق أنفسهم والمحمول وإن لم يلزم بأن يكون فوق الحامل كما في اليد والجنب إلا أنه يلزم مغايرته له فكأنه أعاده عليه بمعنى الحملة مطلقاً فالفوقية معنوية بمعنى زيادة العدد ، ويؤيده قوله : لما روي وإن كان دليلاً لكون الثمانية إملاكا لا صفوفا ونحوه فتأمّل. قوله : ( ولعله أيضاً تمثيل الخ ) فجملة تعرضون مستعارة لتحاسبون كما أن حمل العرض والإتيان به عبارة عن تجليه بصفة العظمة وهو وجه حسن فالاعتراض به بأنه تجوّز مع إمكان الحقيقة ومثله لا وجه له غير متجه. قوله : ( وهذا ) أي العرض والحساب وحمل العرس ، وهو دفع لما يرد عليه من أنّ مقتضى النظم وقوع هذا بعد هذه النفخة وهي الأولى كما مرّ مع أنه بعد الثانية كما وردت به الأحاديث بأنّ يومئذ المذكور المراد به زمان متسع شامل(8/236)
ج8ص237
لجميع ما ذكر وقوله : سريرة تفسير لخافية وفي نسخة ذكر منكم بعده إشارة إلى أنه في نية التأخير صفة لخافية لما قدم للفاصلة صار حالاً ويصح تعلقه بخافية ، ولذا قيل : إنه من التجاذب المذكور في شرح المفتاح وهو نوع من البديع ، وهو أن يقع في الكلام لفظ يصح تعلقه بما بعده وما قبله ، وهو في علم النحو من التنازع فيما توسط فأعرفه وقوله : للفصل مرجح كما مرّ ، وقوله : تبجعاً بتقديم الجيم على الحاء ومعناه الافتخار على
وجه المسرّة بما افتخر به. قوله : ( وفيه لغات الخ ) ها تكون فعلا صريحا واسم فعل ومعناها في الحالين خذ فإذا كانت اسم فعل ففيها لغتان المدّ والقصر ، وهي كذلك مع المذكر والمؤنث والمفرد وغيره ، ويتصل بها كاف الخطاب اتصالها باسم الإشارة وإذا كانت فعلا صريحا اتصلت بها الضمائر البارزة المرفوعة وفيها حيحئذ لغات إحداها أن تكون بوزن عاطي يعاطي فيقال : هاء يا زيد وهائي يا هند وهائيا يا زيدان ويا هندان ، وهاؤا يا زيدون وهكذا والثانية أن تكون مثل هب ، والثالثة : أن تكون كخف وهي متعدية بنفسها كخذ وقيل؟ بإلى كتعال وتفصيله في كتب العربية. قوله : ( أجودها هاء يا رجل ) أي أفصح لغاتها أن تستعمل كما ذكرها لمصنف وهو المذكور في كتاب سيبويه وهاؤم بالميم قيل : مخفف من أمّوا بمعنى اقصدوا وقيل : الميم ضمير جماعة الذكور ، وفيه كلام في محله ومرّ في الكهف طرف منه. قوله : ( لآنه أقرب العاملين ) فيرجح لقربه وهو أحد المذهبين وبهذا استدل من رجحه لأنه لو أعمل الأوّل أضمر في الثاني لأنّ الأولى إظهار الضمير إذا أمكن كما هنا ، وإنما لم يظهر في الأوّل لأنه على اللغة الجيدة اسم فعل فلا تتصل به الضمائر كما مرّ. قوله : ( والهاء فيه وفي حسابيه وماليه وسلطانيه للسكت ا لا ضمير غيبة فحقها أن تحذف وصلا وتثبت ، وقفا لتصان حركة الموقوف عليه فإذا وصل اسنغنى عنها ومنهم من أثبتها في الوصل لإجرائه مجرى الوقف أو لأنه وصل بنية الوقف والقراآت مختلفة فيه على ما فصل في كتب الأداء واثباتها وصلا قراءة صحيحة ولا يلتفت لقول بعض النحاة إنها لحن وقوله : في الإمام هو مصحف عثمان رضي الله عنه ، وقوله : ولذلك أي إثباتها في الإمام تبع فيه الزمخشريّ حيث قال : قرأ جماعة لإثباتها وقفاً ووصلا اتباعاً للمصحف قال في الانتصاف تعليل القراءة باتباع المصحف عجيب مع أنّ المعتقد الحق أتا لقرا آت بتفاصيلها منقولة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأطال في التثنغ عليه وهو كما قال. قوله : ( ولعله عبر عنه بالظن الخ ) بناء على أنّ الظاهر من حال المؤمن الكامل تيقن أمور الآخرة من الحشر والحساب ، ونحوه فالمنقول عنه في مدحه ينبغي أن يكون كذلك لكن الأمور النظرية لكون تفاصيلها لا تخلو عن تردّد مّا في بعضها مما لا يفوت اليقين فيه كشدة الحساب وسهولته مثلا عبر عنه بالظن مجازا للإشعار بذلك وليس مراده أنه مما يلزم الإيمان به ، وتيقنه كما قيل فإنه لا يلزم ذلك إذ من المؤمنين من يكرمه الله لأنه لا يحاسب فكيف يكون تيقنه لازما حتى يورد عليه
أن إيمان المقلد معتبر والظن الذي ليس معه احتمال النقيض كاف في الإيمان ، ويجاب بأنّ المراد حسابه اليسير أو المراد ظننت أني ملاق حسابي مع الثدّة والمناقثة ونحو. مما لا داعي له ، ثم هذا بناء على أنّ الظن لا يستعمل بمعنى العلم إلا مجازا وهو المصرّح به في كتب اللغة ، وقيل : إنه يطلق عليه حقيقة وهو ظاهر كلام الرضي في أفعال القلوب وفيه نظر. قوله : ( ذات رضا على النسبة بالصينة الخ ) يعني أنّ النسبة على قسمين نسبة بالصيغة كلابن وزرّاد وبالحرف كروميّ وزنجيّ ، والمراد هنا النسبة بالصيغة فهي بمعنى ذات رضا أي ملتبسة بالرضا فيكون بمعنى مرضية وهو المراد إلا أنه أورد عليه أنّ ما أريد به النسبة لا يؤنث كما صرّح به الرضي وغيره فكيف يصح هذا التاويل مع تأنيثه إلا أن يقال : التاء فيه للمبالغة كعلامة كما ذكره بعض المتأخرين ولا يخفى ما فيه ، والحق كما يفهم من شراح الكتاب أنّ المراد أنّ ما قصد به النسبة لا يلزم تأنيثه وإن جاء فيه على خلاف الأصل الغالب أحياناً وليس هذا محل تفصيله. قوله : ( أو جعل الفعل لها مجازا ) يعني أنه مجاز في الإسناد وأصله راض صاحبها فأسند الرضا إليها لجعلها لخلوصها دائما عن الشوائب كأنها نفسها راضية ، ويجوز أن يكون فيه استعارة مكنية وتخييلية كما فصل في المطوّل. قوله : ( أو الدرجات الخ ) فوصفها بالعلو مجاز لعلو درجاتها وما فيها من بناء ونحوه وهو على الأوّل حقيقة ، وعلى الأخيرين مجاز عقليّ أو بتقدير(8/237)
ج8ص238
مضاف وليس المراد أنها صفة جرت على غير من هي له فإنه لا يوافق كلام النحاة إلا أن يريد ما ذكرناه ولا يخفى ما فيه. قوله : ( جمع قطف الخ ) جعله جمع المكسور لأنّ المصدر لا يطرد جمعه ، وقوله : وهو ما يجتني بسرعة السرعة لا بدّ منها في القطف لأنها من شأنه ومن لم يذكره تركه لظهوره فمن اعترض عليه بأنّ أهل اللغة لم يصرحوا به غفل عما ذكر ، وقوله : يتناولها القاعد لم يقل والمضطجع لأنّ مراده التمثيل فلا وجه لاستدراكه. قوله : ( بإضمار القول ) أي مقولاً فيها ، وقوله : وجمع الضمير الخ مع أنّ ما قبله من قوله : إني ظننت الخ يقتضي الإفراد لكنه وإن كان مفردا لم يرد به معين فهو جمع معنى فلذا روعي فيه جانب المعنى نظر المعنى من ، وقوله : أكلا الخ بفتح الهمزة وضمها وشربا بضم الشين وكسرها يعني أنه منصوب على أنه مفعول به لكونه صفة المفعول وجعله صفة لهما لأنّ فعيلا يستوي فيه الواحد فما فوقه لا لأنّ المصدر يتناول المثنى لأنه ليس بمصدر على هذا فمن قاله لم يصب أو على المصدر لأنّ فعيلاً من صيغ المصادر كما مز فهو مصدر لفعل وقع حالاً والهنيء ما لم ينغص وهنئتم مبنيّ للمجهول. قوله : ( من أعمار الدنيا ) الإضافة على معنى اللام لأنه بمعنى مدة
الدنيا ، ويجوز أن تكون على معنى في وما في بعض النسخ من أعمال الدنيا باللام من تحريف الكتبة ، وقوله : الموتة التي منها فالضمير راجع على ما علم من المقام وإن لم يسبق ذكره ، وقوله : أمر من الموت الخ لأنه كما قيل أشد من الموت ما يتمنى فيه الموت. قوله : ( أو يا ليت حياة الدنيا ) فالضمير للحياة المفهومة من السياق أيضاً ، وقوله : كانت الموتة تفسير للقاضية لأنها اشتهرت في الموت فلا يرد عليه أنّ القاضية تقتضي تجدّد أمر ولا تجدّد في الاستمرار على العدم كما قيل نعم لا يخلو من البعد ، وقوله : ما لي من المال جعل ما موصولة صلتها الجار والمجرور ولم يجعل مال مضافاً لياء المتكلم لأنه أشمل والتفسير به أتمّ فهو شامل للتبع والمال ، وغيرهما ولو حمله على المال وأنّ ما ذكره لازم له صح ففيه تورية ، وقوله : ما أغنى عني ماليه هلك.
تنبيه : قال في شرح التوضيح هاء السكت لا تدغم لأنّ الوقف عليها محقق أو مقدر وعن ورس إدغام ماليه هلك وهو ضعيف قياسا ( قلت ) هذا مروفي عن أبي عمرو في رواية شاذة والمرويّ عن ورس إنما هو النقل في كتابيه أني. قوله : ( والمنهـ س ل محذوف ) تقديره شيئا وما الموصولة فاعله ، وقوله : أو حجتي الخ فسره به أكثر السلف ورجح بأنّ من أوتي كتابه بشماله لا يختص بالسلاطين لكن ما بعده أشد مناسبة للأوّل ، وقوله : يقوله الله فهو بتقدير القول ، وقوله : ثم لا تصلوه الخ الحصر من تقديم المفعول ، وقوله : لأنه كان يتعظم الخ فالمناسب تعظيم عذابه وهذا على اختصاص ما قبله بالسلاطين والقرينة عليه تعظيم أمره وتنصيص الله على تعذيبه فلا وجه للتوقف فيه فإنه لا ضير في كونه بيانا لحال بعض من أوتي كتابه بشماله كقوله : { وَلَا يَحُضُّ } [ سورة الماعون ، الآية : 3 ] الخ فكم فيهم من لم يحض على الطعام من أهل الشمال ، وقد مرّ أنّ الجحيم اسم طبقة منها. قوله : ( طويلة ) لأنّ السبعين كثرت في المبالغة والتكثير وحمله عليه هنا أبلغ من إبقائه على ظاهره وأن جاز ، وقوله : بأن تلفوها الخ بيان لإدخاله في السلسلة فإنه يكون بلفها عليه حتى يكون داخلها ، وقوله : مرهق بزنة اسم
المفعول بمعنى مضيق عليه من أرهقه عسرا إذا كلفه إياه أو بمعنى مغشى بها ، وقوله : كتقديم الجحيم الخ فإنه كقرينه يقدر مقدما على عامله فلا يرد ما قيل إنّ قوله : في سلسلة ليس معمول فاسلكوه لئلا يلزم الجمع بين حرفي عطف ، ثم والفاء فلا بد من تقدير عامل له فقد يقدر مقدماً وستأتي تتمته وما فيه. قوله : ( لتفاوت ما بينها في الثدّة ) أي بين أنواع ما يعذبون به من الغل والتصلية ، والسلك وفي نسخة بينهما أي بين المعطوف والمعطوف عليه والأولى أوفق لما في سورة نوج كما سيأتي ولم يجعلها للمهلة إذ مقام التهديد لا يناسبه ذكر تفرق العذاب ، ثم إنه قيل : إنّ ثم الثانية لعطف قول مضمر على ما أضمر قبل خذوه إشعارا بتفاوت ما بين الأمرين وفاء فاسلكوه لعطف المقول على المقول لئلا يتوارد حرفا عطف على معطوف واحد وأورد عليه أنه يلزمه أن يكون تقديم السلسلة على الفاء بعد حذف القول لئلا يلزم التوارد المذكور ، ومبني هذا التكلف البارد الغفلة عن أنّ الفاء جزائية في وربك فكبر فالتقدير ما يكن من شيء فاسلكوه في سلسلة الخ فقدم الظرف وما معه عوضاً عن المحذوف ولتتوسط الفاء كما هو حقها وليدل على التخصيص وعلى الأخير اقتصر المصنف لأنه مقتضى المقام ، ويجوز(8/238)
ج8ص239
أن يكون التقدير هكذا ، ثم ما يكن من شيء ففي سلسلة ذرعها سبعون ذراعا اسلكوه ففيه تقديمان تقديم الظرف على الفعل للدلالة على التخصيص ، وتقديمه على الفاء بعد حذف الشرط للتعويض ، وتوسيط الفاء وحينئذ ، فمراد المصنف بقوله : وتقديم السلسلة التقديم الأوّل وهو الفائدة التي ذكرها المصنف ليس إلا فتدبر. قوله : ( على طريقة الاستئناف ) فإنه يفيد التعليل لوقوعه في جواب لم أستحق هذا فقيل إنه الخ وقوله : للمبالغة لأنّ السؤال المقدّر فيه تكثير للمعنى مع تقليل لفظه ، وقوله : فمن تعظم فيها أي في الدنيا وقوله : على بذل طعامه يريد أنّ الحث إنما يكون على الفعل ففيه مضاف مقدّر وهو بذل أو الطعام بمعنى الإطعام بوضع الاسم موضع المصدر كالعطاء بمعنى الإعطاء ، وقوله : فضلاً الخ على الوجهين ، وقوله : تارك الحض لأنّ حض الغير ليس بلازم فالعقال عليه يدل على العقاب على غيره بالطريق الأولى فتدبر. قوله : ( وفيه دليل الخ ا لأنه عذب على عدم إطعام المسكين ، وترك الخير فلو لم يؤمر به لم يعاقب عليه ، وقوله : الكفر بالله في قوله : لا يؤمن بالله الخ والبخل منءا- م بذل الطعام والقسوة من
منع المسكين الذي هو محل المرحمة يريد أنه جمع بهذين أقبح العقائد وأقبح الأعمال فدل على ما عداهما بالطريق الأولى ، وقوله : وصديدهم عطف تفسير للغسالة بالضم لأنّ هذا الوزن للفضلات ، وقوله : فعلين هو من أوزان الأسماء كصفين. قوله : ( من الخطأ المضاذ للصواب ) لا ضدّ العمد ، وقوله : الخاطون بطرحها بعد إبدالها ياء وقيل إنه من خطأ يخطو كأنه يخطو من الطاعة إلى العصيان ومن الحق إلى الباطل كقوله : { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ } [ سورة الطلاق ، الآية : ا ] فيكون كناية عن الذنب أيضاً وقوله : فلا أقسم الخ تقدّم الكلام عليه في الواقعة والقول بأنّ أصله فلانا أقسم فتذكره ، وقوله : لظهور الأمر الخ ، ولذا لم يعين ما في المقسم به وقيل : إنّ بما تبصرون الخ تعيين له لأنه شامل لكل شيء وله وجه ، وقوله : فإنّ الرسول الخ يعني أنّ الإضافة اختصاصية وأنما يكون القول خاصا برسل الله إذا بلغوه عن الله وليس دفعاً لما يرد من أنه كلام الله لا كلام الرسول فكيف أضيف له. قوله : ( وهو محمد ) قدمه لأنه الظاهر وعليه الأكثر لأنّ قولهم شاعر أو كاهن إنما كان في حقه عليه الصلاة والسلام لا في حق جبريل عليه الصلاة والسلام لما تحداهم وأعجزهم ، وأمّا القول الآخر فمرجعه لهذا أيضا كما سترى ، وقوله : أو جبريل هو قول مقاتل وبعض المفسرين وفسروه بأنه قول يلقيه جبريل عن الله لا من تلقاء نفس النبيّ عليه الصلاة والسلام لا أنه شاعر أو كاهن كما زعمتم ، والمقصود إثبات حقية القرآن على القولين. قوله : ( تصدّقون الخ ) يعني نصب قليلاً على أنه صفة للمفعول المطلق ، وأنّ القلة بمعناها الظاهر لا بمعنى العدم والنفي كما قاله الزمخشريّ : لأنهم لظهور صدقه لهم لزم تصديقهم له في الجملة ، وإن أظهروا خلافه عناداً وأبوة تمرداً بألسنتهم وكذا قليلا ما تذكرون لأنه خلاف الظاهر ، وأمّا قول أبي حيان إنّ قليلاً إذا نصب لا يكون بمعنى النفي وإنما يكون بمعناه إذا رفع كقوله :
قليل بها الأصوات إلا بغامها
فدعوى لا تسمع على مثل الزمخشري بغير دليل وقد يجعل قليلا صفة زمان مقدر وقال
ابن عادل : نعت لمصدر أو زمان مقدّر أي إيمانا أو زماناً والناصب تؤمنون أو تذكرون وما
زائدة ، وقال ابن عطية يحتمل أن تكون نافية ومصدرية. قوله : ( أمر بين لا بنكره إلا معاند ) فلا عذر لقائله في ترك الإيمان وهو أكفر من حمار وأما مباينته للكهانة فيتوقف على تذكر ما لأنه يأخذ جعلا ويجيب عما سئل عنه ويتكلف السجع ، ويكذب كثيرا وإن التبس على الحمقى لإخباره عن بعض المغيبات بكلام منثور ، وقوله : بالياء التحتية في تؤمنون وتذكرون على الالتفات كما فصل في كتب الأداء. قوله : ( سمي الافتراء ) يعني الكذب والتفعل على التكلف كتحلم ، وقوله : والأقوال المفتراة أقاويل الخ أما إطلاق الأقاويل عليها تحقيرا فلا كلام فيه وأنما الكلام في وجهه فقيل لأنه جمع أقوولة لأنّ وزن أفعولة مختص بالأمور المستغربة كأضحوكة ، وأعجوبة ورده صاحب الانتصاف بأن أفعولة من القول غريب عن القياس التصريفي ، ويحتمل أن يكون جمع الجمع كأناعيم جمع إنعام وهو غير وارد لأنّ مراده أنه جمع لمفرد غير مستعمل لأنه لا وجه لاختصاصه بالافتراء غير ما ذكر والأحسن في توجيهه أن يمنع اختصاصه وضعاً وإنه جمع قول على غير القياس أو جمع الجمع ، ودلالته على ما ذكر بقرينة السياق لا تضر كما يقال في التحقير(8/239)
ج8ص240
بعض ألناس ولذا قال الشاعر :
وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة وأنت كل الناس
وأمّا لزوم أن يعاقب بما دون ثلاثة أقوال فغير وارد لأنّ الألف واللام أبطلت جمعيته كالعالمين فتدبر. قوله : ( لأخذنا منه ) أي لأمسكناه وقوله : باليمين بعده بيان بعد الإبهام كما في قوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [ سورة الشرح ، الآية : ا ] لأنه تفصيل بعد الإجمال ، وقوله : بأفظع يعني أشد وأقبح فهو بفاء وظاء معجمة والفتاك بالفاء والكاف أو بالقاف واللام وهو المباشر للقتل ، وقوله : يكفجه بالفاء والحاء المهملة يعني يواجهه بالسيف لأنّ الآخذ باليمين يقتله بعد مواجهته بالسيف ونظره له أشد عقوبة ومن يضرب عنقه من غيره مواجهة يأخذه من يساره فلذا قال بيمينه لبيان أنه يعاقب بأشد العقوبة أو اليمين بمعنى القوّة فالمراد أخذه بعنف ، وشدة ومرضه لأنه يفوت فيه التصوير والتفصيل والإجمال ويصير قوله : منه زائداً من غير فائدة ، ويرتكب المجاز من غير فائدة أيضاً. قوله : ( عن القتل ) فالمعنى لا يمنع أحد عن قتله أو لا يحول أحد بيننا وبينه ، وهو المقتول لأنّ الحجز المنع ومنه الحجاز لأنه بين تهامة ونجد ،
وقوله : وصف لأحد أو خبر له وجمع وصفه أو خبره لأنه أحد الوجوه في إعرابه وما حجازية أو تميمية رعاية للمعنى لأنه نكرة في سياق النفي فيعم وفيه تفصيل في الدر المصون. قوله : ( لأنهم المنتفعون به ) توجيه للتخصيص ، وقوله : فيجازيهم مرّ تحقيقه مراراً ، وقوله : اليقين الذي لا ريب فيه قد مرّ فيه في الواقعة كلام وأنّ إضافته لامية أو على معنى من أو هو من إضافة الصفة للموصوف وأصله اليقين الحق وفي كلام المصنف رحمه اللّه ميل إليه ، وتفصيله في الكشف ، وقوله : فسبح الله تقدير لمفعوله المحذوف بيان لاتصاله بما قبله ، وقوله : عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سيد الرسل واكه وصحبه الكرام.
سورة المعارج
وتسمى سورة سأل وهي مكية بالاتفاق وآيها أربع أو ثلاث وأربعون على قولين فيها.
بسم الله الرحمن الرحباً
قوله : ( أي دعا داع به الخ ا لما كان السؤال يتعدى بنفسه أو بعن في الاستعمال المعروف
وهنا تعدى بالباء اختلفوا في توجيهه على وجوه منها ما ذكره المصنف رحمه الله ، وهو أنّ السؤال بمعنى الدعاء فعدى بالباء والمراد به الاستدعاء والطلب ، وهو بهذا المعنى يتعدى بالباء كما في قوله : { يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ } [ سورة الدخان ، الآية : 55 ] وليس تضميناً وقيل : إنها زائدة وقيل : إنها بمعنى عن كما في قوله : فاسأل به خبيرا واختلف في السائل على أقوال منها ما ذكره المصنف رحمه الله . قوله : ( فأمطر علينا الخ ) قد مرّ تفسيره وجعله واقعا على هذا وعلى ما بعده إمّ لأنّ جنسه واقع في الدنيا أو في الآخرة وعبر بما ذكر لتحققه فيهما من غير فرق بينهما ، وقوله : استهزاء لأنه لا يريد عاقل حلول العذاب به. قوله : ( استعجل بعذابهم ) أي دعا عليهم ، وقوله : وقرأ نافع وابن عامر الخ هو في هذه القراءة سال كقال وتبع فيه الزمخشري إذ قال : إنّ لغة قريث! فيه إنها تجعله أجوف واوياً وغيرهم يجعله مهموزا وباللغتين جاء القرآن على القراءتين فقوله : من السوال بالواو الصريحة بكسر السين وضمها كما في القاموس ، وكون الواو فيه أصلية وهو لغة قريش فيه نظر لأنّ المصرّح به كتب اللغة والعربية خلافه وفي كتاب سيبوبه إنّ لغة أهل الحجاز همزه وتحقيق الهمزة فيه حتى قال : إنّ الألف مبدلة من الهمزة وإنه على خلاف القياس المقصور على السماع ، وكيف لا والقرآن ورد بخلافه وهو فد نزل على لغة قريش إلا ما ندر والحاصل أنه اختلف في لغة سال بالف هل هي مخففة على خلاف القياس ،
وفيه ما علصت ولا وجه لقول المحشي أنه مردود بعد السماع ، وقيل : إنها لغة فيه واختلف هل هي منقلبة عن ياء أو واو وفي الكشاف هو من السوال ، وهو لغة قريش يقولون : سلت تسال وهما يتسايلان قال الجاربردي : يعني هو من السؤال المهموز يعني لا اشتقاقا فلا ينافي قوله : يتسايلان والصواب من السوال بالواو ويتساولان كما في الحجة ، اهـ فألفه منقلبة(8/240)
ج8ص241
عن واو كخاف ، وحكى أبو عليّ أنه سمع من العرب من يقول : يتساولان وبه صرّح ابن عادل وأهل اللغة ، وأمّ قول بلال بن جرير :
إذاضفتهم أوسوايلتهم وجدت لهم علة حاضرة
فهو جمع بين اللغتين ووزنه فعايلتهم. قوله : ) سالت الخ ) البيت من شعر لحسان يهجو
به هذيلا لما سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يبيح لهم الزنا ، ومعناه ظاهر وقيل : سالت في البيت معناه طلبت سولاً منه وليس من السؤال في شيء ، وقوله : قرئ سال سيل كباع بيع وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنه ، وهو من السيل المعروف في الماء وأصله مصدر كالسيلان بمعنى الجريان ، وقوله : سال واد يعني السيل بمعنى السائل وهو الماء الجاري فالظاهر أنه تسمح في التعبير عنه بالوادي ، وأراد ما فيه كما يقال : جرى النهر وفي الكشاف وشروحه هنا كلام لا حاجة لنا به. قوله : ( ومضتي الفعل الخ ) هو على الأوّل حقيقة والتجوّز في قوله : واقع وعلى الأخير مجاز لا! العذاب لم يحل بهم ، وقوله : قتل بدر وقد قتل فيها النضر وأبو جهل والسورة مكية وهو وقع بعد ذلك فيكون مجازاً من الأخبار بالغيب. قوله : ( أو صلة لواقع ( واللام للتعليل أو بمعنى على وقد قرأ به أبيّ في الشواذ ، وقوله : وإن صح أن السؤال في قوله : سأل سائل المراد به السؤال عمن يحل به العذاب المتوعد به كما روي عن قتادة والحسن لأنّ أهل مكة قالوا : لما خوّفهم النبيّ بعذاب الله اسألوا محمدا عنه فسألوه فنزلت كما في تفسير البغوي فيكون قوله : للكافرين جوابا لذلك السؤال ، والمعنى أنهم سألوا عن العذاب الواقع على من يقع ، ولمن هو فأجيبوا بما ذكره فتقديره هو للكافرين فقوله : ليس له دافع جمله مؤكدة لقوله : هو للكافرين لا محل لها حينئذ ، ولك أن تقول لها محل لأنها تأكيد معنوقي إلا أنهم لم يذكروه في الجمل. قوله : ( والباء على هذا لتضمن سأل معنى اهتم ) وقيل : إنّ الباء
بمعنى عن كما في قوله : فاسأل به خبيراً وعليه صاحب القاموس وذكره في المغني ، ولم يرتض به المصنف رحمه الله كبعض النحاة وجعلوا الباء فيه تجريدية أو سببية أو التجوّز والتصرّف في الفعل لأنه أقوى من الحرف فيجعل مجازا أو مضمنا معنى الاهتمام والاعتناء ، وقوله : من جهتة فمن ابتدائية متعلقة بدافع لقربه لا بواقع وما بينهما اعتراضى لبعده لفظا ومعنى وقوله : يصعد فيها الكلم ليس المراد به السموات ، ولا طرقها لأنه وجه آخر سيأتي بل المراد مقامات معنوية تكون فيها الأعمال والأذكار كما أنه فيما بعده مراتب في السلوك معنوية أو في منازل الآخرة ، وقوله : مراتب الملائكة معطوف على قوله : الدرجات ، وكذا السموات وضمير فيها للسموات. قوله : ( استئناف الخ ) وضمير إليه لله أو للمكان المنتهى إليه الدال عليه السياق ، وقوله : على التمثيل والتخييل على الوجو. كلها لأنّ المراد أنه في غاية البعد والارتفاع المعنوي كما في بعض الوجوه كمراتب السالكين أو الحسي لكنه ليس المراد به التحديد كما أشار إليه بقوله والمعنى ، وقيل : إنه إنما يظهر إذا فسرت المعارح بغير السموات فتأمّل. قوله : ( وقيل معناه تعرج الخ ) فالضمير راجع لله بتقدير مضاف فيه وهو عرس ، وقوله : يقطعون فيه أي في ذلك اليوم ضمير فيها للمدة وهي خمسون ألف سنة ، وقوله : لو فرض أي قطع الإنسان لها وسيره فيها إلا أنه يسير الملائكة فإنه ما سيذكره وهو خمسة آلاف سنة ، وقوله : لا أن بلا النافية وأنّ المشدّدة ووقع في نسخة لأنّ وهو من غلط الناسخ فتدبر ، وقوله : إلى محدب السماء فخمسمائة منها مسافة ما بين المقعر والمحدب وتقدم في السجدة إنه مسافة الذهاب والإياب في قول مع وجوه أخر مرّت مع ما فيها. قوله : ( وقيل في يوم الخ ) وقد كان متعلقا بيعرج فيما تقدم ، وقوله : إذا جعل من السيلان فإنه يدل على وصول العذاب لهم في ذلك اليوم بخلاف ما إذا كان من السؤال فإنه لا يتعلق به لأنّ السؤال لم يقع فيه. قوله : ( والمراد به يوم القيامة ( يعني على هذا التفسير وقد صححه القرطبي وقال : إنه ورد في الحديث وهو أقرب الوجوه ،
وقوله : واستطالته الخ يعني ليس المراد بالعدد المذكور حقيقته بل مجرّد الاستطالة على هذا الوجه وهكذا كل زمان شدة كما قيل :
تمتع بأيام السرور فإنها قصار وأيام الغموم طوال
قوله : ( أو لكثرة ما فيه ) بحيث لو وقع من غير أسرع الحاسبين وفي الدنيا طال إلى هذه المدة فهو مجاز عما(8/241)
ج8ص242
يلزمه من كثرة ما وقع فيه أو كناية ، وقوله : كذلك أي طويل حقيقة ، وقوله : وافراده اًي بالذكر مع دخوله في الملائكة. قوله : ( وهو متعلق بسأل ) أي متفرّع عليه ومتعلق به تعلقاً معنويا ، وقوله : عن استهزاء أي على أنّ السائل النضر أو أبو جهل ، وقوله : أو تعنت أي إن كان السؤال عمن وقع به العذاب والسائل كفار مكة والتعنت تفعل من العنت وهو المكابرة عنادا ، وقوله : يضجره أي النبيّ صلى الله عليه وسلم إن كان هو السائل استعجالاً كما مرّ ، وقوله : أو يسال بالألف على القراءة به مع سائل وسيل في الوجهين لأنّ معناه حينئذ قرب وقوع العذاب فيظهر تفريع الأمر بالصبر عليه ، والحاصل أنه متعلق به على القراآت كلها وقد أورد على قوله : لأنّ المعنى قرب الخ أنّ المناسب لهذا أن يكون صيغة المضي لاقتراب الوقوع لا للتحقق كما مرّ ويدفع بأنه أشار يخما مضى إلى وجه وهنا إلى آخر أو هما متقاربان فتأمّل. قوله : ( أويوم القيامة الخ ) في الكشاف فيمن علق في يوم بواقع لأنّ المراد به يوم القيامة ويصح وصفه بالقرب والبعد وأمّا إذا علق بتعرح فليس المراد به يوم القيامة ، ولا يوصف بالقرب والبعد معنى لأنّ استبعادهم إياه لاستحالتهم له وهم يستحيلون يوم العذاب لإنكارهم له لا يوم عروج الملائكة لأنه لم يقرع أسماعهم فمن قال : يجوز إرادته إذا تعلق بيعرج أيضا لأنّ واقع يدل عليه في أحد الوجهين لم يقف على مراده لأنّ مراده أنه لا يعود إلى يوم المذكور ، وعلى ما ذكره يرجع إلى ما فهم من الكلام وهو شيء آخر. قوله ة ( من الإمكان ) فالمراد بالبعد البعد عن الإمكان وبالقرب القرب منه ، ولا شك أنّ العذاب أو يوم القيامة ممكن ولا معنى لوصف الممكن بالقرب من الإمكان لدخوله في حيزه إلا أن يكون للمشاكلة والمراد ، وصفه بالإمكان وهم يحيلونه لقولهم من يحي العظام وهي رميم. قوله : ( أو من الوقوع ) قدره في الثاني دون الأوّل لأنه لو تعلق به أفاد إمكانه عندهم وهم يحيلونه كما سمعت فيصير المعنى أنهم يرونه بعيداً من الإمكان ، ونحن نراه قريباً من الوقوع فضلاً عن الإمكان وهو أحسن من تقدير الإمكان فيهما فمن قال : الأوّل في إيفاء حق البلاغة أظهر ، وتعليق الثاني ببعيداً فيه إيهام اعتقادهم لإمكانه لم
يصب. قوله : ( يمكن يوم تكون ) بيان لحاصل المعنى وفيه إشارة إلى ما قلنا من أنّ المراد بالقرب من الإمكان الإمكان وعبر به إما مشاكلة أو إرخاء لعنان المساهلة ، والمراد أنه ليس في ذلك اليوم ما يحيله فهو باق على إمكانه ، والا فالإمكان متحقق في كل زمان فلا معنى لتقييده به ، وقيل : المراد يظهر إمكانه فيه. قوله : ( دل عليه واقع ) وهو يقع وقوله : من في يوم إن علق به أي بواقع لأنه يكون المراد به يوم القيامة فيجوز إبداله منه بخلاف ما إذا علق بتعرج فإنه غير هذا اليوم وهو إبدال من المحلى لنصبه ، وقول أبي حيان في ردّه إنّ مراعاة المحل إذا كان الجارّ زائداً أو شبيهاً بالزائد كرب فإن لم يكن كذلك لم يجز فلا يقال : مررت بزيد الظريف بالنصب غير وارد لأنّ اشتراط ما ذحص غير صحيح عندهم كيف لا وقد مرّ في قراءة وأرجلكم مراعاة المحل وليس كذلك ، وأنما هو يتغنى ويضطرب وعلى التقادير الثلاثة المراد بالعذاب عذاب القيامة أما إذا أريد عذاب الدنيا فالمتعلق مقدر تقديره يكون كيت ، وكيت فكان على المصنف أن يذكره مقدما لتاليه على الوجوه كتقدير اذكر ونحوه كما أشار إليه الزمخشري. قوله : ( المذاب في مهل ) أي ما تقع إذابته في زمان ممتذ لا ما يذاب بسرعة كالسمن والفلزات جمع فلز بكسر الفاء واللام ، وتشديد الزاي المعجمة وفيه لغات هذه أفصحها وهو نوع من المعادن أشهر الأقوال فيه أنه ما يقبل السبك ، والدق بالمطارق وقيل : ما ينفيه الكير والدرديّ بضم الدال وتشديد الياء ما يتجمد في قعره. قوله : ( فإذا بست ) أي فتتت وطيرت في الهواء ومشابهة العهن في التطير ، واختلاف الألوان ، وقوله : لا يسال قريب أي لاشتغاله بحاله عن غيره فمفعوله الثاني محذوف تقديره عن حاله مثلا وعلى قراءة ابن كثير في إحدى الروايتين عنه لا حذف ولا تقدير فيه ومعناهما متقارب. قوله : ( يبصرونهم ) أي يشاهدونهم وفي الجملة وجوه لاحتمال أن تكون مستأنفة لا محل لها كانه لما قيل ، ولا يسأل الخ قيل : لعله لا يبصره فقيل : يبصرونهم أو هي صفة حميم أو جمع الضمير نظر المعنى العموم فيه قيل ، وهو أولى من الحالية لتنكير صاحبها وأن كان العموم فيه مسوّغا له ، وهو حينئذ إما حال من الفاعل أو المفعول أو من كليهما ، وهو ذهول عما نظر إليه المصنف من أنّ الحالية أقعد معنى لأنّ(8/242)
ج8ص243
التقييد بالوصف في مقام الإطلاق ، والتعميم غير مناسب بخلاف الحالية كما ذكره فتدبر ، وقوله : تدل على وجه الدلالة ظاهر وهو جار على الوجهين ، وقوله : ما يغني عنه معطوف على التشاغل
والضمير للسؤال. قوله : ( حال من أحد الضميرين ) أي من ضمير الفاعل على فرض أن يكون هو السائل فإنّ فرض السائل المفعول فهو حال من ضميره لأنّ هذه الودادة إنما تمنع عن كونه سائلا لا مسؤولاً عنه ، والتقدير يوذ المجرم منهم ، وقيل الظاهر أنه حال من ضمير الفاعل لأنه المتمني. قوله : ( فضلاَ أن يهتم الخ ) انتصاب فضلا على المصدرية ، وفي استعماله كلام طويل في شرحي الكشاف والمفتاح وقد أفرده ابن هشام برسالة فلا يسع المقام بيانه ، إنما الكلام في أنه اشترط فيه أن يقع بعد نفي صريح أو ضمنيّ على كلام فيه ، وعلى تسليمه فالتقدير هنا يتمنى أن لا يبقى أحد منهم إلا وقد قربه لعذابه فضلاً عن اهتمامه به واعتنائه لأنّ له في خويصة نفسه ما يعنيه ، وهذا أحسن من جعل قوله : يتمنى الخ بمعنى ما يبالي بهم. قوله : ( بفتح ميم يومئذ ) لأنه مبنيّ على الفتح لإضافته لغير المتمكن المبنيّ كما مز ، وقوله : عشيرته الذين فصل عنهم أي آبائه أو أقربائه الأدنين الذين ولدوه ، وقوله : في النسب الخ تفسير للإيواء وهو الجمع والضم بضم نسبه لنسبهم أو ضمه نفسه لهم عند احتياجه والثقلين الإنس والجن والخلائق جميع المخلوقات الشامل لهم ولغيرهم ، وقوله : ينجيه الافتداء فالضمير راجع للمصدر الذي في ضمن الفعل ، ويجوز عوده إلى المذكور أو إلى من في الأرض وهو ظاهر. قوله : ( على أنّ الافتداء لا ينجيه ) يعني لو كان ابتداء أو هو من قبيل قوله :
على لا حب لا يهتدي بمناره
أي لا نجاة ولا افتداء. قوله : ( الضمير للنار ( المفهومة من العذاب وكونه مبهما يعود
على متأخر مرّ تفصيله في البقرة ، وقوله : وهو خبر أي على الوجهين ، وقوله : أو بدل لأنه علم شخص لجهنم ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث أو العدل عن المعرف باللام ولذا لم ينون كما قاله الراغب : لا علم جنس للنار كما قيل ولا يرد عليه إبدال النكرة غير منعوتة من المعرفة لأنّ أبا علي وغيره من النحاة أجازوه إذا تضمن فائدة كما فصله النحاة وعليه كلام المصنف رحمه اللّه في الوجه الأوّل الذي اختاره فلا وجه لتخريج كلامه على العلمية كما قيل مع أنه قيل : إنّ نزاعة حينئذ صفة لظى لأنه بمعنى النار ، وقوله : للقصة معطوف على قوله للنار
وقوله : ولظى مبتدأ يعني على الوجه الأخير ، وقوله : وهو أي لظى اللهب الخالص من الدخان لشدة احتراقه وهذا بناء على أنه غير علم لكنه يأباه اتفاق القراء على عدم تنوينه فإنه مقتض لمنع الصرف ظاهرا ، وقوله : وقيل علم للنار فهو علم جنس منقول لا علم بالغلبة لتخلف شرطه والأحسن كما مرّ أنه علم شخص وكلامه محتمل له لأنّ النار قد يراد بها جهنم أيضاً. قوله : ( على الاختصاص ) يعني به تقدير أعني أو أخص لا مصطلح النحاة ، والمصنف رحمه الله كالزمخشري يستعمله بهذا المعنى كثيراً ، وقوله : المؤكدة لأنه لا ينفك عنها التلظي ، وقوله : أو المنتقلة لانفكاكه بالزمهرير ومخالطة الدخان وقوله : على أن لظى بمعنى متلظية فالحال من الضمير المستتر فيها لا من لظى لأنها نكرة أو خبر وفي مجيء الحال من مثله ما فيه ، وليس المراد بالمؤكدة مصطلح النحاة والعامل أحقه مقدراً أو الخبر لتأويله بمسمى أو المبتدأ لتضمته معنى التنبيه أو معنى الجملة فإنه لا يوافق شيئاً منها كلامه ، وقوله ة على أن لظى بمعنى متلطية أو ملتظية الظاهر أنه غير علم وليس مخصوصا بكونها منتقلة كما توهم فإنه لا وجه لجعله علماً منقولاً ثم نأويله بما نقل عنه ففي كلامه لف ، ونشر وهو مشوّس. قوله : ( والشوي الآطراف ) يعني أطراف الأعضاء كاليد والرجل ، وقيل : الأعضاء التي ليست بمقتل ولذا يقال : رمى فاشوي إذا لم يقتل ، وقوله : تدعو خبر مبتدأ مقدر أو حال من لظى أو نزاعة أيضاً ، وفسره بقوله : تجذب من الجذب وهو سحبه إلى جانبه وتحضر مضارع أحضره إذا أتى به إليه واستشهد لورود تدعو لهذا المعنى بهذا البيت المذكور كما ستراه. قوله : ( تدعو أنفه الريب الخ ) هو من قصيدة طويلة لذي الرمة مطلعها :
مابال عينك منها الماءينسكب كأنه من كلامقريه ينسرب
وهو من قصيدة ذكر فيها بقر الوحش وثورها فقال في وصف الثور :
أمسى بوهبين مجتازا لمرتعه من ذي الفوارس تدعو أنفه الربب(8/243)
ج8ص244
ووهبين وذو الفوارس علمان لموضعين ، ومجتازا لمرتعه أي مارا بمحل يرتع فيه والربب
بالراء المهملة والباءين الموحدتين بزنة عنب جمع ربة بالكسر والتشديد ، وهو النبت الذي يرعى بالصيف وليس نبتا معيناً كما في شرحه وبه فسره في المجمل أيضا ، وتدعو فيه بمعنى تجذب وتحضر في الأصل وتجوّز به عن كونه نبتاً حسناً لا تفارقه البقر إذا رأته فجعل ذلك كأنه يدعوها على أنه استعارة تمثيلية أو تبعية ، ولذا قال : مجاز من جذبها الخ. وقوله : لمن فرّ الخ ، متعلق باحضارها وذكره إشارة إلى أنّ ما في الآية أيضا استعارة بتشبيه استحقاقهم للدخول
فيها بالدعوة لهم ولذا استشهد له ييت ذي الرمّة. قوله : ( تدعو رّبانيتها ) أي تجذبهم وتحضرهم لها فهو على حقيقته ، والتجوّز في الإسناد أو يقدر فيه مضاف ودعاه بمعنى أهلكه الظاهر أنه حقيقة أيضاً ، وهو خلاف المشهور في استعماله وإن ورد في كلامهم كقوله : دعاك الله من رجل يافعي وقوله : حرصاً وتأميلاً أي طول أمل وكل منهما علة لكل منهما ، وكونه على اللف والنشر بعيد معنى. قوله : ( شديد الحرص الخ ) لأنّ سرعة الجزع إذا مسه المكروه ، وسرعة المنع إذا ناله الخير فهي صفة مفسرة له ، وقال ثعلب : إنّ الله فسر. بتفسير لا يكون تفسير أوضح منه فكان إذا سئل عنه قرأ هذه الآية وقال هو كقوله في الألمعي :
الألمعي الذي يظن بك الظن كان قد رأى وقد سمعا
وهو كلام حسن يناسب كون جزوعاً ومنوعا صفتين كاشفتين لهلوعاً كما قيل ، ولا ينافيه
ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من الحالية فإنها قد تكون مفسرة وإن كان الأول أولى ، وقوله : الضرّ بفتح الضاد المراد به ضيق المعيشة بدليل ما يقابله. قوله : ( أحوال مقدّرة الخ ) لأنه في حال الخلق لم يكن كذلك وأنما حصل له ذلك بعد تمام عقله ودخوله تحت التكليف إن أريد اتصافه بذلك بالفعل فإن أريد مبدأ هذه الأمور من الأمور الجبلية والطبائع الكلية المندرجة فيها تلك الصفات بالقوة كانت الحال غير مقدرة بل محققة ، وهذا الوجه الثاني هنا هو بحسب المآل ما ذكره في الكشاف بعينه إلا أنه قال : إنّ الإنسان لإيثاره الجزع والمنع ورسوخهما فيه كأنه مجبول عليهما مطبرع ، وكأنه أمر خلقي ضروري غير اختياري كقوله تعالى : { خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ } [ سورة الأنبياء ، الآية : 37 ] فجعله استعارة لا أنه خلقي فيه حقيقة بناء على مذهبه كما بيته وزيفه في الانتصاف والمصنف رحمه الله تعالى جعله حقيقة بناء على قاعدة أهل الحق قصداً للرد عليه ضمنا فيما زعمه من أنّ الخلق على هذه الصفة قبيح لا يصح إسناده إلى الله تعالى كما سيأتي ، ثم إنه بعد كونه مطبوعا عليها هل تزول أم لا اختلف فيه في علم الأخلاق فقيل : إنها تزول بالمعالجة ، ولولاه لم يكن للمنع منها والنهي عنها فائدة فإنها ليست من لوازم الماهية فالله كما خلقها يزيلها وقيل : إنها لا تزول وأنما تستر ويمتنع المرء عن آثارها الظاهرة كما قيل :
والطبع في الإنسان لا يتغير
قوله : ( أحوال مقدّرة أو محققة الخ ) شروع في الرد لما في الكشاف من الانتصار لمذهبه
لما رأى الآية مخالفة له حيث قال إنه استعارة لشدّة تمكن الهلع ورسوخه حتى كأنه أمر طبيعي
وأيده بأنه في البطن والمهد لم يكن به هلع وانه ذم والله لا يذم فعله ، والدليل عليه استثناء المؤمنين المجاهدين لأنفسهم بترك الشهوات حتى لم يكونوا مانعين ولا جازعين يعني أنه ليس بخلق الله لأنه قبيح لا يصدر عنه مثله ، والدليل عليه أنه لو كان خلقياً ظهر في المهد والبطن وكان الله ذم ما هو فعل له ولم يذمهم والواقع بشهادة العقل خلافه فلذا صح استثناء المصلين الموصوفين بما ذكر منهم بخلاف ما إذا أريد ما جبلوا عليه لاستوائهم معهم ، وعدم مخالفتهم لهم في الأمور الجبلية وما يكون لنوع الإنسان في الطفولية فذكر ثلاثة أدلة لنصرة مذهبه ، وتأويله الآية بما ذكره فيها فرد المصنف رحمه الله تعالى الأول بأنها طبائع حقيقة لا مستعارة كما تكلفه وعدم ظهورها في البطن والمهد غني عن الرد لأنّ ما في البطن لا يعلمه إلا الله واسم الإنسان إنما وقع عليه بعد الوضع فذكر ما قبله لا وجه له ، وفي المهد هو متصف به بلا شبهة حتى لو نزع الثدي منه أو أبطأ لحظة كان في غاية الجزع والهلع وامّا أنه لا يذم فعله فمسلم لأنه ذم لما قام بالعبد منه باعتبار قيامه به وكسبه لا باعتبار إيجاده كما حقق في الكلام ، والجواب عن الاستثناء سيأتي قريبا والحكمة(8/244)
ج8ص245
وفي خلقه مجبولاً عليها أنه ينازع نفسه فيها ، ويمانعها فيظهر قوّة عقله ويتم له ما يستحق به الثواب والعقاب وزوالها وعدم زوالها قد ذكرناه ،
قوله : ( استثناء الخ ) ردّ لما في الكشاف من أنّ الاستثناء لا يصح ، لو كانوا مجبولين عليه لاقتضلأفه تحققه في المهد بل قبله وهم كغيرهم في حال الطفولية ، ولذا خصه بالمطبوعين لأنه المذكور في الكشاف ، ولأنه المشكل لا لترجيح الوجه الثاني كما توهم لأنه يخالفه ما ذكره قريباً ولم يبين أنه متصل أو منفصل ، وقد جوز فيه الانقطاع لأنه لما وصف من أدبر وتولى معللاً بهلعه ، وجزعه قال : لكن المصلين في مقابلتهم أولئك في جنات الخ ثم كر على السابقين بقوله : { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا } [ سورة المعارج ، الآية : 36 ] تخصيصا بعد تعميم عودا على المستهزئين الذين استفتح السورة بسؤالهم أو هو متصل على معنى إنهم لم يستمر خلقهم على لهلع فإنّ الأوّل لما كان تعليلا كان معناه خلقاً مستمرا على الهلع والجزع إلا المصلين فإنهم لم يستمر خلقهم على ذلك ، وعلى الثاني حمل كلام المصنف رحمه الله تعالى ، وهو وإن لم يصرّج به فإنه عند التأمّل كالصريح فيه فتدبر. قوله : ( بالصفات المذكوررة ( في قوله : { إِلَّا الْمُصَلِّينَ } الخ ، وقوله على الأحوال المذكورة قيل في جعله هلوعا جزوعا منوعاً ، وقوله : لمضادّه تلك الصفات متعلق باستثناء وضمير لها للأحوال ، وقوله : من حيث إنها أي الصفات المذكورة وقوله : الحق المراد به الله والاستغراق في طاعته معنى قوله : { عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ } والإشفاق الخ معطوف على الاستغراق ، وهو من قوله : في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والإيمان بالجزاء من قوله : { وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ } [ سورة المعارج ،
الآية : 26 ] فإنّ الدين بمعنى الجزاء ، والخوف من العقوبة من قوله تعالى : { مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ } الخ وكسر الشهوة من قوله تعالى : { لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } . قوله : ( وإ-شار الآجل ( أي تقديم أمور الآخرة على العاجل من الدنيا هذا معلوم من جميع ما ذكر ومن بذل أموالهم واستغراقهم في الطاعة ، وقوله : وتلك أي الأحوال من الهلع ورفيقيه ، ولما كان المراد بقوله : العاجل الدنيا أنث الضمير الراجع إليه فقال عليها لأنها المراد منه ، ولو قال عليه استغنى عن التأويل. قوله : ( كالزكوات والصدقات الموظفة ( ترك قول الزمخشري لأنها مقدرة معلومة واقتصر على قوله : موظفة ، ومعناه تعيين زمانها فقط لأن السورة مكية والزكاة إنما فرضت وعين مقدارها بالمدينة ، وكانت قبل ذلك مفروضة من غير تعيين لكن في كون زمانها موظفا معلوما أيضا نظر فليحرر. قوله : ( والذي لا يسأل فيحسب الخ ) يعني معنى المحروم هنا بطريق الكناية المتعفف عن السؤال لأنه من شأنه أن يحرم إذ لو أريد من يحرموه بأنفسهم كان أوّل الكلام مناقضاً لآخره. قوله : ( تصديقاً بأعمالهم ( هو مصدر لقوله : { يُصَدِّقُونَ } ولم يرد بذكره أنه مقدر بل أراد تفسير التصديق ، وبيان أن المراد به أكمله وهو ما فاض من الباطن على الظاهر لأنّ التصديق القلبي عام لجميع المسلمين لا امتياز فيه لأحد منهم ، وأمّا كونه مصدراً مؤكداً لا يعمل أو هو عامل وذكر لئلا يتعلق حرفا جر بمتعلق واحد كما قيل فليس مراداً له ، وإنما هو إلزام له بما لم يلتزمه ، وقوله : وهو أي التصديق بالأعمال وجعله عين الأتعاب مبالغة ، والمراد بالأتعاب الجد في الأعمال الدينية. قوله : ( ولذلك ذكر الدين ) الإشارة إفا للتصديق بالأعمال فذكر الدين لأنه في الأصل الطاعة والانقياد فيناسب العمل أو للطمع في المثوبة لأنّ الدين بمعنى الجزاء. قوله : ( اعتراض يدل على أنه الخ ( بيان لوجه الاعتراض بين المتعاطفين هنا وقوله : لأحد العموم من عدم ذكر الآمن وقوله ، وإن بالغ في طاعته من جعل هؤلاء خائفين مع ما وصفوا به من الطاعة ، وقوله : حافظون لأن أصل معنى الرعي حفظ الحيوان بما به بقاؤه ، ثم شاع لمطلق الحفظ. قوله : ( يعني لا يخفون ولا ينكرون ) وقع هنا في النسخ اختلاف ،
وأظهرها وأصحها ما ذكر فإن القيام بالشهادة وحقوقها عدم الإخفاء والإنكار لها أو لشيء منها ، وفي نسخة سقطت لا وذكر يحقودط بالحاء المهملة والقاف وفي نسخة يحنون بنون بدل الفاء وفسر بلا يضيعون ، وقيل : إنها أولى لشمولها للعهد والظاهر أنها كلها تحريف والصواب هو الأوّل ، وقوله : أو لا يخفون ما علموه تفسير للقيام بالشهادة وتعميم لها بما يشمل حقوق اللّه وحقوق العباد ، وقوله : لاختلاف الأنواع إذ لم يقصد هذا أفرد لأنه مصدر شامل للقليل والكثير. قوله : ( فيراعون شرائطها الخ ا لأن الحفظ عن الضياع استعير للإتمام والتكميل(8/245)
ج8ص246
للأركان والهيآت وهذا توطئة لدفع توهم التكرار ، وقوله : أولاً وآخراً أي في أول هذه الصفات وآخرها وقوله : باعتبارين هما ما صرّج به من اعتبار المداومة وانحبار التكميل ، وانافتها بمعنى شرفها وعلوّ قدرها لأنها معراج المؤمنين ومناجاة الرحمن ومبالغات هذه الصلاة قد مر في المؤمنين بعضها ، وهي من جهة ما يفيده الموصول من أنّ صلته أمر محقق معلوم ، وتقديم هم المقوي للحكم وتقديم على صلاتهم الدال على أنّ محافظتهم لأمور الآخرة لا يتجاوزها لأمور الدنيا ، وصيغة المفاعلة مع ما يعرف من تعظيم الموصوف لمن له ذوق سليم. قوله : ( أولئك في جنات الخ ) إيثاره على هؤلاء إمّا لبعد المشار إليهم في الفضل أو في الذكر باعتبار مبدأ الأوصاف المذكورة ، وقوله : ( مسرعين ) يعني للحضور عنده ليظفروا من استماعه بما يجعلونه هزأ وعزين حال من الذين كفروا أو من الضمير في مهطعين على التداخل ، وعن اليمين إمّا متعلق بعزين لأنه بمعنى متفرقين أو بمهطعين أي مسرعين عن ارجهتين أو هو حال أي كائنين عن اليمين. قوله : ( جمع عزة ) وهي الفرقة من الناس ، وقوله : ل أصلها عزوة فلامها واو من عزوته بمعنى نسبته وأصل العز والضم لأنّ المنسوب مضموم لطمنسوب إليه وقيل : لامه ياء وقيل هاء وقوله : يحلقون حول رسول الله ىشببرو أي يجتمعون ، وقوله : حلقاً حلقاً قيل : إنه بفتح الحاء وكسرها ، وقيل : فتحها في الدرع وكسرها في الناس ، وفي القاموس حلقة الباب والقوم وقد فتح لامها وتكسراً ، وليس في الكلام حلقة محرّكة إلا جمع حالق أو لغية ضعيفة جمع حلق محرّكة وكيد انتهى. قوله : ( تعليل له ) أي للرح المذكور ، وقوله : والمعنى الخ كان
الظاهر أن يقول إنهم بالغيبة فكأنه عدل عنه إلى الخطاب إشارة إلى أنه أمر مشاهد محسوس لأنه المراد بقوله : مما يعلمون وقوله : لا تناسب عالم القدس ليس فيه مخالفة لمذهب أهل الحق وأهل السنة كما قيل ، وقوله : لم يستعد دخولها ضمته معنى يستحق فعداه بنفسه ، ولولاه كان الظاهر أن يقول لدخولها فإنه يتعدى باللام فالمراد على هذا بما يعلمون النطفة ومن ابتدائية ، وضمير دخولها للجنة. قوله : ( أو إنكم مخلوقون من أجل ما تعلمون ) فمن تعليلية وما الموصولة عبارة عن العلم والعمل مما يكملهم فهو كقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [ سورة الذاريات ، الآية : 56 ] . قوله : ( أو الاستدلال بالنشأة الأولى لخ ) كان الظاهر تنكيره وأن يقول أو استدلال لأنه معطوف على قوله : تعليل ، وقد وقع في بعض النسخ كذلك وقوله : بعد ردعهم متعلق بقوله : استدلال وضمير عنه للطمع وأخره المصنف رحمه الله تعالى إشارة إلى ما فيه من الخفاء كما لا يخفى ، وأراد به أنّ فيه ردعا عن الطمع معللا بإنكارهم البعث لأنّ ذكر الدليل إنما يكون مع المكر فأقيم علة العلة مقام العلة مبالغة لما حكى عنهم طمع دخول الجنة ، وهو مناف لحالهم في عدم إثباتها فكأنه قيل : إنّ من ينكر البعث أنى يتجه طمعه في دخول الجنة فاحتج عليهم بخلقهم أوّلاً وبقدرته على خلق مثلهم ثانياً وفيه تهكم وتنبيه على مكان مناقضتهم فإنّ الاستهزاء بالساعة ، والطمع في دخول الجنة مما يتنافيان ، وهذا هو الوجه كذا قرّره في الكشف فتأمّله. قوله : ( أو نعطي الخ ) معطوف على قوله : نأتي وقوله : بمغلوبين الخ لأنّ السبق يكون بمعنى الغلبة وهو حقيقة أو مجاز مشهور ، وقوله : مر في آخر سورة الطور يعني قوله : فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ، وقد قال : المصنف رحمه الله تعالى فيه هو عند النفخة الأولى فهو المراد هنا أيضا لا النفخة الثانية كما توهم ، وهو لا يناسب ما بعده أيضاً وقوله : مسرعين إشارة إلى أنه حال وهو جمع كظريف وظراف. قوله : ( منصوب للعبادة ) يعني النصب الصنم المنصوب للعبادة ، أو العلم وهو المنصوب على الطريق ليهتدي به السالك ، وقيل : ما ينصب علامة لنزول الملك وسيره فهم يسرعون إسراع عبدة الأصنام نحو صنمهم أو إسراع من ضل عن الطريق إلى أعلامها ، وقيل : ما ينصب علامة ليرد الجند للملك وقوله : يسرعون لأنّ أوفض بمعنى أسرع ، وقيل : بمعنى انطلق وقيل : استبق.
قوله : ( بضم النون والصاد الخ ( فيه قراآت والجمهور على الفتح والإسكان وابن عامر وحفص على ضمتين ، وقراءة مجاهد بفتحتين وقتادة بضم فسكون فالأولى على أنه اسم مفرد بمعنى العلم المنصوب ليسرع نحوه ، وقيل هو الشبكة لأنّ الصائد يسرع لها إذا وقع فيها الصيد لثلا ينفلت ، والثانية يحتمل أنه مفرد بمعنى الصنم المنصوب للعبادة قال الأعشى :(8/246)
ج8ص247
وذا النصب المنصوب لاتعبدنه لعاقبة والله ربك فاعبدا
أو هو جمع نصاب ككتاب وكتب أو جمع نصب كرهن وسقف جمع على رهن وسقف ، والثالثة فعل بمعنى مفعول والرابعة تخفيف من الثانية أو جمع كحمر. قوله : ( أو جمع ) وفي نسخة أو جمع نصب أي بفتح الصاد كولد في جمع ولد لا بسكونها فإنه لم يسمع فعل بالضم جمعاً لفعل بالفتح ، وتشبيهه للتخفيف في التفسير الكبيريسقف بالسكون في جمع سقف لا أصل له كما قيل ، وكلاهما من قلة التتبع فإنه سمع في جمع ورد ورد بالضم وسقف بالسكون في متن التسهيل قال الشارح الدمامينيّ : قالوا في جمع سقف سقف بإسكان القاف أيضاً وبعضهم قال سقف جمع سقيف فهو على القياس انتهى ، وقوله : عن النبيّءسبرو الخ حديث موضوع تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
سورة نوح عليه السلام
مكية بالاتفاق وفي عدد آياتها خلاف فقيل ثمان وعشرون وقيل : تسع وعشرون وقيل : ثلاثون كما في كتاب العدد للداني واقتصر المصنف رحمه الله تعالى على الأولين.
بسم الله الرحمن الرحبم
قوله : { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا } هو اسم أعجمي وصرف لعدم زيادته على الثلاثة مع سكون وسطه قال الكرماني : معناه بالسريانية الساكن ، وهو أطول الأنبياء عمراً بل الناس وأوّل من شرعت له الشرائع ، وسنت السنن وأوّل رسول أنذر على الشرك وأهلكت أمّته والإنذار إخبار بما فيه تخويف ضد البشارة. قوله : ( بأن أنذر ) أي بالإنذار يعني أنّ أن مصدرية ، وقبلها حرف جر مقدر وهو الباء ويجوز تقدير اللام ، وفي محله بعد الحذف من الجر أو النصب قولان مشهوران ورد أبو حيان كونها مصدرية فيما نحن فيه زاعما أنّ كل ما سمع من أن التي بعدها فعل أمر ، ونحوه من الإنشائيات فإنه فيه تفسيرية للزوم فوات معنى الطلب على المصدرية ، ولعدم صحة أعجبني أن قم مع صحة أعجبني إن قمت وكرهت أن تقوم وليس بشيء لأنّ فوات معنى الطلب كفوات معنى المضي والاستقبال ، وأما عدم صحة أعجبني أن قم ونحوه فلأنه لا معنى لتعليق الإعجاب والكراهة بما فيه معنى الطلب ، وقد منع فوات معنى الطلب لا بإضمار القول كما قيل : فانه لا وصل حينئذ بالإنشاء ولا بالإخبار حقيقة بل بتأويله بما يدلّ على الطلب فيؤول كتبت إليه بأن قم بالأمر بالقيام ولا نقض بنحو أمرته أن قم إذ جوازه فيما لا يمنعه خصوصية الكلام كاف ، ولا حاجة إلى حمله على المبالغة بتقدير أمرته بأن يأمر نفسه بالقيام أو يجعله من التجريد اللهمّ إلا إذا تعين مصدرية أن مع دخولها تحت فعل الأمر كما في قوله تعالى : { َأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ سورة يونس ، الآية : 104 ] وأن أقم وجهك فيوجه بالأوّل ، والمعنى أرسلناه إلى قومه بإنذاره إياهم أو بالأمر بإنذاره إياهم ووضع قومك موضع ضميرهم لرعاية جانب المحكي والإشعار بكيفية الإرسال وضمير الخطاب يتحول ضمير غيبة عند تأوّل صيغة الأمر مع أن بالمصدر وإن أريد بقاء تلك الصيغة وضمير الخطاب على أصلهما قدر القول كما في قراءة أنذر بدون أن أي أرسلناه بأن قلنا له أنذر قومك ( وهاهنا بحث ) فيما ذكروه من فوات معنى الطلب فيه فإنه كيف يفوت ، وهو مذكور صريحا في أنذر ونحوه وتأويله بالمصدر المسبوك تأويل لا ينافيه لأنه مفهوم منه أخذوه من موارد استعمالهم فكيف يبطل صريح منطوقه ، وهذا مما لا وجه له وإن اتفقوا عليه فأعرفه. قوله : ( أو بأن قلنا له أنذر ) قد
عرفت إنّ هذا على المصدرية ، وأنّ تقدير القول لئلا يفوت معنى الطلب كما قيل ، والظاهر ما في بعض شروح الكشاف من أنه لأنّ الباء للملابسة وإرسال نوح لم يكن ملتبساً بإنذاره لتأخره عنه إنما التبس بقول الله له أنذر وقول الله له أنذر طلب للإنذار فلذا قال : بعده أي أرسلناه بالأمر بالإنذار ، ولو كان كما قالوه اكتفى بالأوّل وله وجه آخر سمعته ، وفيه كلام سلف لنا فتذكره ، وقوله : لتضمن الإرسال الخ بيان لوجود شرطها ، وقوله : بغير أن وفي نسخة بغيرها وهما بمعنى وقوله : على إرادة القول فيقدر قائلين أو وقلنا لا قائلا لعدم مطابقته لنون العظمة.(8/247)
ج8ص248
قوله تعالى : { لَكُم } اللام فيه للتقوية أو للتعليل أي لأجل نفعكم من غير أن أسألكم ص ليه أجراً ، وقوله وفي أن يحتمل الوجهان ، وفي نسخة الوجهين يعني المصدرية والتفسيرية كما بيناه ، وقوله : وهو ما سبق الضمير للبعض لأنه تفسير له بجعل من تبعيضية لا زائدة ولا مبينة لمقدر كما قيل ، وتفسير البعض بأنه ما سبق لأنّ الإسلام يجب ما قبله أي يقطعه بمغفرته كما ورد في الحديث أو المراد به حقوق الله دون المظالم كما ذكره المصنف في غير هذه الآية ، وهو المراد بما يجبه الإسلام وإن فهم منه الإطلاق في بعض المواضع فكان فيه اختلاف فتدبر. قوله : ( هو أقصى ما قدّر لكم الخ ) يعني أنه أجل معلق بالإيمان بأن يكتب في اللوح المحفوظ إنهم إن آمنوا يمتد عمرهم إلى مدة كذا ، والا استؤصلوا وأهلكوا قبله وقد علم الله من يؤمن فيمتد عمره ومن لم يؤمن فيهلكه ، وما علمه لا يتغير وهو قوله : إنّ الأجل الذي قدره الخ. قوله : ( وقيل إذا جاء الأجل الأطول الخ ) هذا ما ارتضاه الزمخشري ، ولم يقبله المصنف وهاهنا أمران الأوّل أنه تال : أوّلاً يؤخركم فدل على أنّ الأجل قد يؤخر ، ثم قال بعده : إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخر فدل على خلافه ، وبينهما تناقض بحسب الظاهر ودفع بأنّ الأجل أجلان قريب غير مبرم وبعيد مبرم وهو الأجل المسمى والمحكوم عليه بالتأخير على تقدير العبادة هو الأوّل والمحكوم عليه بامتناع التأخير هو الثاني لأنّ أجل الله حكمه المعهود ، والمعهود هو الأجل المسمى فلا تناقض الثاني أنّ قوله : إنّ أجل الله الخ جملة مستأنفة للتعليل ، والكلام في المعلل به فعند المصنف هو تعليق تأخيرهم إلى الأجل المسمى على العبادة أي أنّ الأجل الذي قدره
الله تعالى لا يؤخر فإذا لم يعبدوه لم يتجاوزوا الأجل إلا قصر إلى الأقصى وعند الزمخشريّ هو تعليل لما فهم من تغيبة التأخير بالأجل المسمى ، وهو عدم تجاوز التاخير عنه ورجح الأوّل بأنه أنسب بمقام الوعيد وتوضيحه إنّ الذي يؤخر عنه والذي لا يؤخر الأجل الأقصر لكن التأخير عنه على تقدير انتفاء شرطه ، وعدم التأخير على عدم تحققه فلا حاجة إلى حمل أنّ أجل الله على الأطول على أن يكون إظهارا في موضع الإضمار كما ذهب إليه الزمخشريّ بناء على أنّ هذه الجملة تعليل لما يفهم من تغيية التأخير الموعود بالأجل المسمى ، وهو أنهم لا يجاوزونه بل لا بدّ من الموت فيه بعد النجاة من الموت بعارض يستأصلهم كما قيل :
ولم أسلم لكي أبقى ولكن سلمت من الحمام إلى الحمام
وهو عن المساق بمراحل ، وعليه فقوله : ( إذا جاء ) الخ بيان للواقع ، ويكون ما بين الأقصر والأطول من أوقات الإمهال والتأخير ، وفساده غير محتاج للبيان والتقرير فتدبر. قوله : ( فبادروا في أوقات الامهال والتأخير ) هو على الوجهين لا على الأخير كما قيل لاحتياجه على الأوّل إلى انضمام أمر آخر وفيه بحث. قوله : ( لو ك!م من أهل العلم والنظر ) قال بعض فضلاء العصر : جمع بين صيغتي الماضي والمضارع للدلالة على استمرار النفي المفهوم من لو ونفى العلم عنهم بجعلهم كالأنعام وحذف جواب لو لاحتمال تعلقه بآخر الكلام وأوّله أي لو كنتم تعلمون شيئاً إن حذف مفعوله لقصد التعميم ، أو إن كنتم من أهل العلم إن نزل الفعل منزلة اللازم كما اختاره المصنف لعدم احتياجه للتقدير ، وقوله : والنظر إشارة إلى أنّ المنفي هو العلم النظري لا الضروري ولا ما يعمه فإنه مما لا ينبغي. قوله : ( لعلمتم ذلك ) هو جواب لو المقدرة والإشارة إلى عدم تأخير الأجل إذا جاء وقته المقدر وهذا على تعلقه بآخر الكلام كما هو المتبادر ، فإن تعلق بأوّله فالتقدير لسارعتم لما أمركم به لكنكم لستم من العلم في شيء فلذا لم تكونوا كذلك ، وقوله : وفيه إنهم الخ يعني أنّ الجوأب تقديره لو علموه لعلموا ذلك فعملوا للنجاة منه ، وهو مع ظهور. خفي على من اعترضى عليه بأنّ المشار إليه بذلك في قوله : لعلمتم ذلك ما مرّ من أنه عدم تأخير أجل الله عن وقته المقدر ولا يلزم من الشك فيه الشك في الموت نفسه ، وقيل المراد الموت في وقت مجيء الأجل الأطول لا في الموت مطلقاً إذ السياق لا يساعده فتدبر. قوله تعالى : ( { قَالَ رَبِّ } ) استئناف للجواب عما علم مما قبله ، وقوله : دائماً لأنّ مثله كناية عن الدوام ، ولم يقل : أنذرت كما هو مقتضى ما قبله لأنّ الفرار من الدعوة لا عذر لهم فيه بخلاف الفرار من الإنذار. قوله : ( وإسناد الزيادة إلى الدعاء ) فإسناده مجاز إلى السبب وليس له فاعل حقيقي هنا أو هو(8/248)
ج8ص249
الله على ما عرف في نحو سرتني رؤيتك وفي الآية مبالغات بليغة ، وكان أصله فلم يجيبوني ، ونحوه فعبر بالزيادة المسندة للدعاء وأوقعت الزيادة
عليهم مع الإتيان بالنفي والإثبات وفراراً تمييز ، وقيل إنه مفعول ثان بناء على تعدي الزيادة والنقص إلى مفعولين ، وقد قيل : إنه لم يثبت وإن ذكره بعضهم. قوله تعالى : ( { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ } الخ أليس من عطف المفصل على المجمل كما توهم حتى يقال الواو من الحكاية لا من المحكي ، وقوله : إلى الإيمان إشارة إلى حذف متعلقه ويصح جعله منزلاً منزلة اللازم أيضا ، وقوله : ( سدّوا مسامعهم ( الخ فهو كناية عما ذكر ولما فيه من المبالغة البليغة اختاره وإن أمكن إبقاؤه على أصله وحقيقته كما يعرب عنه نسبة الجعل إلى الأصابع وهو منسوب إلى بعضها ، وايثار الجعل على الإدخال على ما مرّ في سورة البقرة تفصيله. قوله : ( تغطوا الخ ) بيان للمعنى المراد منه ، وقوله : كراهة النظر الخ ولفرط كراهتهم عموا بالستر آلة الأبصار ، وغيرها من البدن مبالغة في إظهار ذلك ، ولذا أتى بالاستفعال وسين الطلب فكأنهم طلبوا الستر من ثيابهم للمبالغة فيه أو لأنّ من يطلب شيئا يبالغ فيه فأريد لازمه فالمبالغة بحسب الكيف ، ولكم فلا يقال الكراهة إنما تقتضي ستر عيونهم دون غيرها ، وقوله : أو لئلا أعرفهم فأدعوهم أخره لضعفه فإنه قيل عليه إنه يأباه ترتبه على قوله : كلما دعوتهم اللهم إلا أن يجعل مجازاً عن إرادة الدعوة ، وهو ئعكيس للأمر وتخريب للنظم. قوله : ( وأكبوا على الكفر والمعاصي ) يعني انهمكوا وجدوا فيها ، وكونه مستعارا مما ذكر في أصل اللغة ، وقد صار حقيقة عرفية في الملازمة للانهماك في الأمر ، وقوله : الحمار أراد الحمار الوحشي الذكر والعانة بالعين المهملة والنون جماعة الحمر والأتن الوحشية أيضا والصرفي الأصل الربط وصر الأذنين رفعهما ونصبهما مستويتين كما تفعله الحيوانات إذا أسرعت ، وجدت في عض بعضها في مخاصمته أو سوقه للأتان ونزوه عليها للجماع ، وفيه إيماء إلى أنّ المنهمك في مثله قبيح رذل ملحق بأحمق الحيوانات لتشبيهه بالحمار في أقبح حالاته وأسوئها. قوله : ( عظيما ( هو من المصدر المؤكد المنكر فإنّ تنكيره للتعظيم وهو أولى من كونه للتنويع والاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق له ، وقوله : مرّة بعد أخرى يفهم من ذكره مكرّراً ، وقوله : كرة بعد أولى أي رجوعا لكرة بعد البدء بمرة أولى. قوله : ( على أفي وجه أمكنني ) إشارة إلى وجه التكرير وإنه لتعميم وجوه الدعوة بعد تعميم وجوه الأوقات كما أشار إليه بفوله وثم الخ فإنّ العطف للدلالة على تفاوتها رتبة ، وقوله : أغلظ من الأسرار يقتضي أنّ الأوّل سر فقط ، وليس في النظم ما يقتضيه فكأنه
أخذه من المقابلة ، ومن تقديم قوله : ليلا وذكرهم بعنوان قومه ، وقوله : فراراً فإنّ القرب ملائم له وقوله : والجمع الخ فإنه شأن المجتهد في أمر كما قالت الخنساء :
لها حنينان إعلان وأسرار
قوله : ( أو لتراخي بعضها عن بعض ) فهي بمعناها الحقيقي لتراخي الزمان إلا أنه لئلا
ينافي عموم الأوقات السابق قيل : إنه باعتبار مبدأ كل من الأسرار والجهار ومنتهاه إذ لا ترجيح لاً حد الطرفين على الآخر فيهما فيدل على امتداد كل منهما وباعتبار منتهى الجمع بينهما لأنه المحتاج للبيان فيدل على أنه ممتد أيضا فثم الثانية محتملة للوجهين كما في قوله : { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى } [ سورة البقرة ، الآية : 262 ] لا أنها على الثاني تفيد التأكيد إذ اعتبار تراخي المعطوف فيه باعتبار الانتهاء للإيذان بلزوم الاستمرار على عدم اتباعهم المن والأذى في استحقاق الأجر الموعود يفيده لا يتبعون لاستمرار النفي فيه بخلاف ما نحن فيه ، ولذا ذكر المصنف الوجهين هنا وإقتصر على أحدهما ثمة فلا وجه للاعتراض عليه بما في الاقتصار من التقصير ، ولك أن تقول عموم الأوقات عرفي كما في قوله : لا يضع العصا عن عاتقه فتدبر. قوله : ( أحد نوعي الدعاء ) فينتصب على المصدرية انتصاب قعدت القرفصاء وقوله : مجاهراً به بفتح الهاء اسم مفعول صفة للدعاء لأنه مجهور به وإذا كان حالاً فهو مؤوّل بمجاهر على زنة اسم الفاعل ، وقوله : بالتوبة عن الكفر فإنه لا يغفر أن يشرك به وقال ربكم تحريكاً لداعي الاستغفار ولما كان هذا ملوحا لغفاريته نزلهم منزلة السائلين فقال إنه كان غفاراً. قوله : ( وكأنهم لما أمرهم الخ ) توجيه لذكر الأمر بالاستغفار والمنح العطاء جمع منحة ، وقوله : ولذلك وعدهم أي لكون المقصود بما ذكر إزالة شبههم ، ودفع ما يغيظهم وعدهم على الاستغفار بأمور هي(8/249)
ج8ص250
أحب إليهم وهو قوله : { يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا } الخ لأنه جواب الأمر فكانه قيل : إن يستغفروه يعطكم ما ذكر فهو وعد وأحبيتهم له لما جبلوا عليه من محبة الأمور الدنيوية :
والنفس مولعة بحب العاجل
فلذا لم يجعل الجواب يغفر لكم ويرحمكم ونحوه من أمور الآخرة.
قوله : ( وقيل لما طالت دعوتهم الخ ) فيظهر وجه تخصيص ما ذكر بالجوابية ، وقوله :
بذلك متعلق بوعدهم والباء صلة ، وقوله : بقوله الباء آلية أو ظرفية بمعنى في فلا يتعلق حرفا جرّ بمعنى بمتعلق واحد كما لا يخفى ، وقوله : ولذلك الخ أي لوعد الله بالمطر على الاستغفار صار مشروعا فيه وليس الاستغفار مجرّد قول أستغفر الله بل الرجوع عن الذنوب وتطهير الألسنة والقلوب وقوله : والسماء الخ قيل عليه ذكر المطر أيضاً فإنه المدرار حقيقة ، وقيل : إنه تركه لظهوره ولاعتماده على أنه فسره به في قوله : { يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا } [ سورة الأنعام ، الآية : 6 ] في الأنعام وفيه نظر ، والدر السيلان ولذا سمي اللبن دراً لسيلانه وقوله : يستوي الخ وكذا صيغ المبالغة كلها كما صرح به سيبويه وما خالفه فهو على خلاف القياس وهذا يقتضي أنّ السماء مؤنثة وهي تذكر وتؤنث واقتصر على توجيهه إذا أنث لأنه المحتاج للتوجيه وأخر البنون عن الأموال لأنّ بقاء الأموال بالبنين كما أنّ بقاء الجنات بالماء المعين فلذا أخرت الأنهار أيضاً. قوله : ( والمراد بالجنات البسأ-لين ) يشير إلى أنّ المراد جنات الدنيا ليكون مما وعدوا به عاجلا وأعاد فعل الجعل دون أن يقول يجعل لكم جنات وأنهاراً لتغايرهما فإنّ الأوّل مما لفعلهم مدخل فيه بخلاف الثاني ولذا قال : يمددكم بأموال وبنين ، ولم يعد العامل فإن كانت الجنات والأنهار ما في الآخرة كما قاله البقاعي فتأخيره ظاهر. قوله : ( لا تأملون له توقيرا ( الرجاء يكون بمعنى التأميل وبمعنى الخوف وكلاهما جائز هنا وبدأ بالأوّل لأنه الأصل المعروف فيه والوقار حينئذ بمعنى التعظيم من الله لعباده أي لم لا تأملون أن تكونوا موقرين عنده تعالى ومعظمين وهو في الحقيقة استفهام وطلب لما هو سببه وهو الطاعة ، والعبادة إما مجازاً أو كناية فالوقار بمعنى التوقير كالسلام بمعنى التسليم ويمكن أن يكون هذا من إزالة الشبهة في قولهم فكيف يقبلنا ويلطف بنا الخ ، وقوله : وقد خلقكم إلى قوله : فجاجا للدلالة على أنه لا يزال ينعم عليكم مع كفركم فكيف لا يلطف بكم ويوقركم إذا آمنتم ورد بأنّ الإعادة في الأرض ليست من النعم عندهم وإن خلقهم أطواراً ليس في حال الكفر إلا أن تفسر الأطوار بما يعتري الإنان في أسنانه من الأموو المختلفة فيكون بعضها في هذه الحال لكن القائل لم يتعرض لهذا التفسير. قوله : ( ولله بيان للموقر ) بزنة اسم الفاعل كما تقول سقيا له فهو خبر مبتدأ محذوف أو متعلق بمحذوف يفسره المذكور فالتقدير إرادتي دلّه أو الوقار لله وقوله : ولو تأخر لكان صلة للوتار فلما تقدم امتنع كونه صلة له بناء على امتناع تقدم معمول المصدر عليه ولو ظرفا وإن كان فيه خلاف للنحاة لأنه ارتكاب لأمر مرجوح وترك الراجح بجعله متعلقاً
بمقدر من غير اختلاف مع ما فيه من التفسير بعد الإيهام ، وهو أبلغ كما أنه إذا تأخر كان جعله صلة أولى من جعله مستقرا على أنه صفة لما فيه من تقليل التقدير فاندفع ما قيل : إنّ الظرف يجوز تقديمه لتوسعهم فيه مع أنه لا يلزم من تأويل شيء بشيء أن يعطي حكمه ، وأيضا إذا تأخر يجوز أن يكون صفة لا صلة فإذا تقدم صار حالاً ولما جعله الزمخشريّ صلة لو تأخر اعترض عليه المعرب بأنه يكون التوقير منهم لله وهو عكس مقصوده ، ورد بأنه إذا قيل ضرب لزيد يجوز أن تكون اللام داخلة على الفاعل أو المفعول والتعيين للقرينة وفيه نظر ، ثم اعلم أنّ الوقار إذا وصف به الله فهو بمعنى التعظيم أو العظمة وأما المقترن بالحلم فإنه يفهم منه لغة السكون وطمأنينة الأعضاء والأناة والتؤدة ونحوه فلا يطلق عليه تعالى إلا بتوقيف ، ونقل وما هنا بمعنى التعظيم أو العظمة كما صرح به صاحب الانتصاف في سورة الحج وهو مخالف للزمخشريّ ، والراغب وغيره فإنهم جوّزوا إطلاقه عليه تعالى بمعنى الحلم أو العظمة لأنّ الوقور معظم في نفس الأمر أو في النفوس ، وقد أطلقه عليه الزمخشريّ في الحج فاحفظه. قوله : ( أو لا تعتقدون له عظمة الخ ( فالوقار بمعنى العظمة لأنه ورد في صفاته تعالى بهذا المعنى ابتداء كما ذهب إليه في الانتصاف أو لأنه بمعنى التؤدة لكنها غير مناسبة له تعالى فأطلقت عليه باعتبار غايتها وما يتسبب عليها من العظمة في نفس الأمر أو في نفوس الناس كما عرفته ، وقوله : وأنما عبر عن(8/250)
ج8ص251
الاعتقاد الخ يعني أنّ الرجاء للشيء تابع للظن فإنه لو لم يظن لم يرج فالمقصود بنفيه هنا نفي لازمه ، وهو الظن فإذا نفي على طريق الإنكار لزم نفي الاعتقاد بطريق أبلغ وأولى ، ويجوز أن يكون الرجاء بمعنى الخوف أي ما لكم لا تخافون عظمة الله ، وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد ورد كثيرا في كلامهم بهذا المعنى كقوله :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
كما مرّ وهو أظهر. قوله : ( حال ) من فاعل لا ترجون وقوله : مقرّرة للإنكار المستفاد من الاستفهام هنا فإنّ المنعم الخالق حقيق بالرجاء فقوله : من حيث الخ أي لأنّ هذه موجبة له فهو للتعليل لأن قيد الحيثية يراد به التعليل والتقييد والإطلاق في كلام المصنفين وقوله : أي تارات ليست التارات هنا بمعنى المراتب كما توهم بل حالات خلق عليها كما في قول ابن عباس وقد قيل إنّ العزل وأد لا يكون وأدا حتى تأتي عليه التارات السبع فهذه العبارة مأثورة هنا ، وقوله : مركبات تغذي هي المأكولات والأخلاط هي البلغم والسوداء والدم والصفراء ، وقوله : إذ خلقهم ليس بمعنى فدرهم بل بتقدير مضاف أي خلق ماذتهم أو هو مجاز بجعل خلق أصلهم
خلقاً لهم تنزيلا لما هو بالقوّة منزلة ما بالفعل ، وقوله : فيعظمهم أي فيعطيهم درجات بيان لمعنى ترجون وقاراً فيه لارتباطه به. قوله : ( ثم أتبع ذلك ) أي ما ذكر من آيات الأنفس الدالة على كمال صفاته وصفات كماله وهو معطوف على ما قبله بحسب المعنى وأتى بثم للدلالة على تفاوتهما ، وبعد أحدهما عن الآخر رتبة ، ولذا لم يعطف وقطع فكأنه قيل ذكر آيات الأنفس ثم أتبعها آيات الآفاق ، وقوله : وهو أي القمر في الدنيا أي في السماء الدنيا وهي السابعة المواجهة للأرض فجعل فيهن وهو في إحداهن كما يقال زبد في مصر وهو في بقعة منها والمرجح له الإيجاز والملابسة بالكلية والجزئية وكونها طباقا. قوله : ( مثلها به ) إشارة إلى أنها تشبيه بليغ ، وقوله : لأنها الخ بيان لوجه الشبه فإن كلا منهما يزيل ظلمة الليل وإن كان أحدهما بإنارته والآخر بمحو آيته ، وقوله : عما حوله إشارة إلى أنه في المشبه أقوى ولكن لكون السراج أعرف وأقرب جعل مشبهاً به. قوله : ( أنشثيم منها ) يعني أن الإنبات يراد به الخلق ومن ابتدائية وهي داخلة على المبدأ البعيد كما بينه أوّلا ، وقوله : فاستعير إشارة إلى أنه استعارة تبعية ، وقوله : أدل على الحدوث لأنه محسوس وقد تكرر إحساسه فكان أظهر في الدلالة على الحدوث والتكوّن من الأرض لأنه بغير واسطة وهم ، وإن لم ينكروا الحدوث جعلوا بإنكار البعث كمن أنكر.. قوله : ( فاختصر اكتفاء بالدلالة الالتزامية ا لأن النبات يدل على الإنبات ونبتم التزاما فضاهى قوله : فانفجرت ، وهو من بديع البلاغة حيث بني على غير فعله للتنبيه على تحتم القدرة وسرعة نفاذ حكمها حتى كان إنبات الله نفس النبات فقرن أحدهما بالآخر للدلالة على ما ذكر مع الإيجاز اللطيف فالدلالة الالتزامية هي دلالة نباتاً على إنباتا ونبتم للزوم الإنبات وكونهم نبتوا له عقلاً وصناعة ولا يضره دلالة أنبتكم على الإنبات تضمنا فإنه لا يأباه بل يقوي الدلالة عليه ، ولو جعل من الاحتباك كان له وجه لكن ما ذكره المصنف أبلغ. قوله تعالى : ( { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ } الخ ) عطفه بثم لما بين الإنشاء والإعادة من الزمان المتراخي الواقع فيه التكليف الذي به استحقوا الجزاء بعد الإعادة ، وعطف يخرجكم بالواو دون ، ثم مع أنه كذلك لأن أحوال البرزخ والآخرة في حكم شيء واحد فكأنه قضية واحدة ولا يجوز أن يكون بعضها محقق الوقوع دون بعض بل لا بد أن تقع الجملة لا محالة ، وإن تاخرت عن الإبداء كما
أشار إليه المصنف. قوله : ( تتقلبون عليها ) إشارة إلى وجه التشبيه بالبساط وهو الكون عليه والتقلب فوقه وانه ليس فيه دلالة على أنّ الأرض مبسوطة غير كرية كما قيل لأن الكرة العظيمة يرى كل من عليها ما يليه مسطحا واثبات الكرية ونفيها ليس بأمر لازم في الشريعة. قوله : ( واسعة ) إشارة إلى أنّ الفج صفة مشبهة فهو نعت لسبلاً فإن كان اسما للطريق الواسعة فهو بدل أو عطف بيان ، ولم يقل واسعات لأن المفرد المؤنث يوصف به الجمع فلا حاجة لتكلف نكتة له ، وقوله : لتضمن الفعل يعني لتسلكوا وهو يتعدى بفي لتضمنه معنى الاتخاذ وهو ظاهر. قوله : ( اتبعوا رؤساءهم الخ ) يعني أن زيادة المال والولد كناية عن الرآسة الدنيوية ، ولذا وقع صلة لجعله سمة عرفوا بها ، وقوله : بحيث صار ذلك أي النظر أو ما ذكر من الأموال والأولاد ، وقوله : وقرأ(8/251)
ج8ص252
الخ هو في رواية وليس فيما ذكر مخالفة لعادته في جعل إحدى القراءتين أصلا ، وقوله : أو جمع قال في القاموس هو بالضم والكسر واحد وجمع. قوله : ( عطف على لم يزده الخ ) اختاره لأنه أنسب لدلالته على أنّ المتبوعين ضموا إلى الضلال الإضلال وهو الأوفق بالسياق فان المتبادران ما بعده ، وهو قالوا الخ من صفة الرؤساء أيضا وأمّا عطفه على عصوني على أن المعنى مكر بعضهم بعضاً ، وقال بعضهم لبعض : فهو خلاف المتبادر ، وقوله : أبلغ فن كبار أي المخفف ، وقوله : وذلك الإشارة إلى مكرهم وتحريش بالحاء المهملة والشين المعجمة بمعنى الإغراء والتحريض ، وقوله : احتيالهم في الدين أي في أمور الدين أو في إبطال الدين. قوله : ( لا تذرنّ هؤلاء خصوصاً ) يعني خصت هذه الأصنام بعد قوله : آلهتكم مطلقا اعتناء بشأنها لأنها كانت أعظم أصنامهم ، وقوله : صوروا بالمجهول أي نقلت صورهم ورسمت وكلب اسم قبيلة ، وكذا ما بعده وهمدان بسكون الميم قبيلة باليمن وأما اسم البلدة فهو بفتح الميم كما في شرح المقامات ومذحج كمسجد بتقديم الحاء على الجيم وبالذال المعجمة هي في الأصل اسم أكمة باليمن ، ولدت عندها امرأة فسميت باسمها ، ثم
سميت بها قبيلة باليمن من نسلها ويجوز فيها الصرف ، وعدمه وحمير بكسر فسكون أهل اليمن وأفرد يعوق ونسر عن النفي لكثرة تكرار لا وعدم اللبس ، وقوله : انتقلت إلى العرب أي انتقل مضاهيها اسما وصورة لاهى بعينها كما قيل فإنه يبعد بقاؤها بعد الطوفان ، وفي أصحابها اختلاف فقيل في قوله : لهمدان إنه لهذيل وفي قوله : لمذحج قيل لمراد ، وقوله : مراد كغراب أبو قبيلة سمي به لتمرده فالميم أصلية ، وقيل : أصله من الإرادة وقيل : إنه لهمدان وقيل لحمير ، وقيل : لذي الكلاع من حمير. توله : ( للتناسب ) فإنه من المحسنات ، وهو نوع من المشاكلة ، وهذا أحسن من القول بأنه جاء على لغة من يصرف غير المنصرف مطلقا فانها لغة غير فصيحة لا ينبغي التخريج عليها ، وقوله : للعلمية والعجمة أو وزن الفعل وهو المناسب لصرف سواع وقوله : أو للأصنام أخره لأنّ مقتضاه أن يقال أضللن فضمير العقلاء لتنزيلها منزلة العقلاء عندهم وعلى زعمهم. قوله : ( عطف على رب إنهم عصوني الخ ) وفيه عطف الإنشاء على الخبر ، ولذا قيل : إن الواو من الحكاية لا من المحكي وأما جعله معطوفا على مقدر أي فأخذلهم ، ولا تزد الخ على أنّ الواو من المحكي فأمر آخر والظاهر إنّ قوله : { رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي } [ سورة نوح ، الآية : 21 ] الخ ليس المقصود به إخبار علام الغيوب بل الشكاية والإعلام بعجز. ويأسه منهم فهو طلب للنصرة عليهم كما في قوله. { رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } [ سورة المؤمنون ، الآية : 26 ] ولو لم يقصد هذا تكرر مع ما مز فحينئذ يكون كناية عن قوله : أخذلهم وانصرني وأظهر دينك ونحوه فهو من عطف الإنشاء على الإنشاء وما مرّ كله تكلف ويشهد له أنّ الله سمي مثله دعاء حيث قال : فدعا ربه إن هؤلاء قوم مجرمون فتدبر. قوله : ( ولعل المطلوب الخ ( أوّله بما ذكر لأن طلب الضلال وزيادته ونحوه إما غير جائز مطلقا أو غير جائز إذ ادعى به على طريق الرضا والاستحسان ، وبدونه وإن كان جائزاً كقول موسى عليه الصلاة والسلام واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا لكنه غير ممدوج ولا مرضي والقول بأنه بعدما أوحى إليه إنه لن يؤمر من قومك إلا من قد آمن فلما تحقق موتهم على الكفر دعا عليهم بزيادته لأنّ مآله الدعاء بزيادة عذابهم دعوى بلا دليل لعدم القرينة عليه ، ومعنى الضلال في ترويج مكرهم أنهم لا يهتدون لطريقه ولا لطريق السداد في أمور دنياهم فيكون دعاء عليهم بعدم تيسير أمورهم وهو وجه وجيه فإن كان الضلال بمعنى الهلاك فالمعنى أهلكهم ، وهو أظهر وهو مأخوذ من الضلال في الطريق لأنّ من ضل فيها هلك فلا يرد أن الدعاء بالضلال لا يليق بالنبيّ المبعوث للهداية. قوله : ( من أجل خطيآتهم الخ ( يعني أن من تعليلية وما زائدة لتعظيم الخطايا
في كونها من كبائر ما ينهي عنه ، وقوله : والتعقيب يعني إن أريد عذاب الآخرة فلعدم الاعتداد بما بينهما جعل تعقيبا استعارة بتشبيه تخلل ما لا يعتد به بعدم تخلل شيء أصلا ، وليس هذا معنى قولهم : تعقيب كل شيء بحسبه كما توهم ، وقوله : أو لأن المسبب الخ فاستعيرت فاء التعقيب للسببية لأنه من شأنه أن يعقبه ما لم يحل حائل كما ذكره ، وقوله : للتعظيم وعلى ما بعده للتنويع. قوله : ( تعريض لهم الخ ) أي فهو تهكم بهم ، ولذا قيل : أنصاراً دون ناصراً وقوله : أحداً تفسير للمراد منه وهو للعموم ويختص بالنفي كألفاظ أخر عدها ال!نحاة لم ترد في الإثبات ، وقوله : من الدر أو الدور يعني(8/252)
ج8ص253
الملاحظ في معناه هذا أو هذا ، فعلى الأوّل معناه لا تدع فيها من يسكن داراً ، وعلى الثاني من يدور ويتحرّك على الأرض ، ومن لم يفهم المراد منه ، قال الدار أيضا مشتقة من الدور ، فإنه اسم لما أدير عليه حائط من الأرض ، وما فعل بسيد قلب الواو ياء لاجتماعها مع ياء ساكنة ، كما هو معروف في التصريف. قوله : ( لأفعال وإلا لكان دوارا ) إذ لا داعي للقلب حينئذ ، وكذا وزن تدير تفيعل لا تفعل ، ولما ذكره في المفصل خطئ فيه ، وفيه كلام مفصل في شروحه ، وقول نوح لا تذر على الأرض الخ ، لا يردانه يقتضي عموم بعثته لأهل الأرض ، وقد ثبت في الأحاديث أنّ عموم الرسالة مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم ، لأنه ليس كعموم بعثة محمد-ش!ر ، بل لانحصار أهل الأرض إذ ذاك في قومه كانحصار دعوة آدم عليه الصلاة والسلام لأولاده ، فهو ضروري وليس عموما من كل وجه ، وفيه كلام مفصل في شرح البخاري. قوله : ( إلا فاجراً كفارا ) من جبل على الكفر ، أو هو من مجاز الأول وقوله : لما جرّبهم الخ ، وقيل علمه بوحي كقوله : { أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } [ سورة هود ، الآية : 36 ] وقوله : لمك بفتح اللام والميم ، وفي جامع الأصول والإتقان إنه ساكن الميم ، وفيه لغة أخرى لامك كهاجر ، ومتوشلخ بضم الميم وفتح التاء الفوقية وفتح الواو وسكون الشين المعجمة وكسر اللام وبالخاء المعجمة كما في جامع الأصول ، وفي الإتقان إنه بفتح الميم وتشديد التاء المضمومة وسكون الواو وفتح الشين واللام ، وقوله : شمخا الخ هي أمه وهي بالشين والخاء المعجمتين بوزن سكري ، وأنوس بالإعجام بوزن فعول ، وقيل : إنه
استغفر ربه لما دعا عليهم لأنه انتقام منهم ، ولا يخفى أنّ السياق يأباه ، وقوله : كأنا مؤمنين أي أبواه ، ولولا ذلك لم يجز الدعاء لهما بالمغفرة ، وقوله : وعن النبي الخ ، هو حديث موضوع تمت السورة رب اغفر لي ببركتها ولمن دخل بيتي من المؤمنين والمؤمنات ، وآدم نوامي صلواتك وسلامك على محمد وآله وصحبه في البكر والعشيات.
سورة الجن
وتسمى قل أوحي إليئ ولا خلاف في كونها مكية ولا في عدد آياتها.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( وقرئ احي الخ ) يقال : وحي وأوحى بمعنى ، وقلب الواو المضمومة أو المضموم
ما قبلها همزة مقيس مطرد ، وقد يرد في المكسورة كوشاح وأشاج ، والمفتوحة كوحد واحد ، وقوله : فاعله يعني نائب فاعله لأنه يسمى فاعلاً أيضا. قوله : ( والنفر ما بين الثلاثة إلى العشرة ( هذا هو المشهور ، وهو باعتبار الأغلب فإنه يطلق على ما فوق العشرة في الكلام الفصيح ، وذكره صاحب القاموس وغيره من أهل اللغة ، وفي كلام الشعبي حدثني بضعة عشر نفرا ، ولا يختص بالرجال بل ولا بالناس لإطلاقه على الجن هنا ، وفي المجمل الرهط والنفر يستعمل إلى الأربعين وقد أشبعنا الكلام فيه في شرح الدرة ، فما قيل من أن قوله في السراجية أصحاب هذه السهام اثنا عشر نفراً تجوّزا وسهو من قلة التتبع وقصور النظر. قوله : ( والجن أجسام الخ ( واحد الجن جني كروم ورومي ، وقوله : خفية أي قابلة للخفاء ، وهر من شأنها إلا أنها لا ترى أصلا حتى يخالف مذهب أهل الحق ، ومرض القولين الأخيرين لضعفهما ومخالفتهما لأقوال السلف ، وظاهر الآيات والأحاديث ، وقوله النارية لقوله تعالى : { مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } [ سورة الرحمن ، الآية : 15 ] . قوله : ( وفيه ( أي فيما ذكر هنا دلالة على أنه-لمجي! ما رآهم ، ووجه الدلالة على عدم رؤية هؤلاء المذكورين هنا ظاهر للتصريح بأنه علم استماعهم له بالوحي لا بالمشاهدة ، وقد وقع في الأحاديث إنه رآهم ، وجمع بين ذلك بتعدد القصة ، قال في آكام المرجان ما محصله في الصحيحين في حديث ابن عباس ما قرأ رسول الله-شح! على الجن ولا رآهم ، وإنما انطلق بطائفة من الصحابة لسوق عكاظ ، وقد حيل بين الجن والسماء بالشهب ، فقالوا : ما ذاك إلا لشيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فمرّ من ذهب لتهامة ، منهم به صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الفجر فلما استمعوا له ، قالوا : هذا الذي حال بيننا وبين السماء ، ورجعوا إلى قومهم ، وقالوا : { يَا قَوْمَنَا } ( 1! الخ ، فأنزل الله عليه : { قُلْ أُوحِيَ } الخ ، ثم قال : ونفى(8/253)
ج8ص254
ابن عباس إنما هو في هذه القصة واستماعهم تلاوته في الفجر في هذه القصة لا مطلقاً ، ويدلق عليه قوله تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ } [ سورة الأحقاف ، الآية : 29 ] الخ ، فإنها تدل على أنه كلمهم ودعاهم ، وجعلهم رسلاَ لمن عداهم ، كما قاله البيهقي وروى أبو داود عن علقمة عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " أتاتي داعي الجن فذهبت معه وقرأت عليها القرآن قال : وانطلق بثا وأرانا آثارهم وآثار نيرانهم " الخ وقد دلت الأحاديث على أنّ وفادة الجن كانت ست مرات ، وقال ابن تيمية أنّ ابن عباس علم ما دل عليه القرآن ، ولم يعلم ما علمه ابن مسعود وأبو هريرة من إتيان الجن له ، ومكالمتهم له ، وقصة الجن كانت قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقال الواقدي كانت سنة إحدى عشرة من النبوّة ، وابن عباس ناهز الحلم في حجة الوداع فقد علمت أنّ قصة الجن وقعت ست مرّات ، وفي شرح البيهقي من طرق شتى عن ابن مسعود أنّ النبئ صلى الله عليه وسلم صلى العشاء ثم انصرف فأخذ بيدي حتى أتينا مكان كذا فأجلست ! وخط علئ خطاً ثيم قال : " لا تبرح عن خطك " فبينما أنا جالس إذ أتاتي رجال منهم كأنهم الزط فذكر حديثاً طويلا وإنه صلى الله عليه وسلم ما جاءه إلى السحر قال وجعلت أسمع الآصوات ثم جاء فقلت : أين كنت يا رسول اللّه فقال : " أرسلت إلى الجن " فقلت : ما هذه الآصوات التي سمعت قال : " هي أصواتهم حين ودعوني وسلموا علئ " وفي الكشاف أنّ هؤلاء الجن من قبيلة هي أكثرهم وتسمى الشيصبان. قوله : ( كتابا ) فسره به للإشارة إلى أن ما ذكروه وصف له كله دون المقروء منه فقط ، والمراد أنه من الكتب السماوية ، وقوله : وهو مصدر يعني عجباً ، وقوله : على ما نطق به الدلائل أراد المذكورة في هذا القرآن ، أو مطلق الأدلة ، وقوله : على التوحيد متعلق بالدلائل. قوله تعالى : ( { وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } ا لم يعطف بالفاء لأنّ نفيهم هنا للإشراك ، أمّا لما قام عندهم من الدليل العقلي كما هو ظاهر إطلاق المصنف لا السمعي ، فحينئذ لا يترتب على الإيمان بالقرآن ، فإن قلنا هو سمعي مأخوذ مما تلي عليهم كما يدلّ عليه قول المصنف ، كأنهم سمعوا من القرآن ما ينبههم على خطأ ما اعتقدوه في الشرك ، فيكفي في ترتبهما عليه عطف الأوّل بالفاء خصوصاً والباء في قوله ، به تحتمل السببية فيعم الإيمان به ، الإيمان بما فيه ، فإنك إذا قلت ضربتة فتأدب وانقاد لي فهم ترتب الانقياد على الضرب ، ولو قلت فانقاد لم يترتب على الأوّل ، بل على ما قبله ، فما قيل من أنه عطف بالواو لتفويض الترتب إلى ذهن
السامع ، وقد يقال إنّ مجموع قوله : فآمنا به ولن نشرك مسبب عن مجموع قوله : { إِنَّا سَمِعْنَا } الخ ، فكونه قراناً معجزاً يوجب الإيمان به ، وكونه يهدي إلى الرشد يوجب قلع الشرك من أصله ، وفي تقرير المصنف إيماء إليه لا يخلو من الخلل فتدبر. قوله : ( قرأه ابن كثير والبصريان بالكسر الخ ) قيل : كلامه هنا في تفصيل القراآت لا يخلو عن خبط ، وتحريره ما في النثر وهو أنهم اختلفوا في ، وأنه تعالى وما بعده إلى قوله : وانا منا المسلمون ، وتلك اثنتا عشرة همزة فقرأها ابن عامر وحمزة والكسائيّ وخلف وحفص بفتح الهمزة فيهن ، ووافقهم أبو جعفر في ثلاثة ، وأنه تعالى ، وأنه كان يقول وانه كان رجال ، وقرأ الباقون بكسرها في الجميع ، واتفقوا على فتح أنه استمع ، وأنّ المساجد لله ، لأنه لا يصح أن يكون من قولهم ، بل هو مما أوحي بخلاف الباقي فإنه يصح أن يكون من قولهم ومما أوحى ، واختلفوا في وأنه لما قام فقرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة والباقون بفتحها انتهى ، وتلخيصه إن أن المشدّدة في هذه السورة على أقسام ، فقسم ليس معه واو العطف ، ولا خلاف بين القراء في فتحه أو كسره حسبحا اقتضته العربية ، فلا خلاف في فتح أوحى إليّ أنه استمع ، لأنه مصدر نابط عن الفاعل ، وقوله : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا } لا خلاف في كسره ، لأنه محكي بالقول ، وقسم مع الواو وهو أربع عشرة ، إحداها لا خلاف في فتحه ، وهو وأنّ المساجد ، والثانية وانه لما قام كسرها ابن عامر وأبو بكر ، وفتحها الباقون ، والاثنتا عشرة ، وهي وأنه تعالى جد الخ وإنه كان يقول ، وانا ظننا ، وانه كان رجال ، وانهم ظنوا ، وانا لمسنا السماء ، وانا كنا ، وانا لا نا- ري ، وأنا منا الصالحون وأنا 0 ظننا وأنا لما سمعنا وأنا منا المسلمون وهي مقروءة بالو- كين والكلام في توجيهها كما ستسمعه. قوله : ( من جملة الموحى به ) فيعطف على أنه استمع ، وقوله : إلا في قوله : إنه لما قام فكسراه ، وقوله : على أن ما كان من قولهم الخ ، احترز به عن العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ، لأنه لا يجوز في فصيح الكلام ، ولو(8/254)
ج8ص255
قيل إنه بتقدير الجارّ ، لاطراد حذفه قبل أنّ ، وأن لكان سديداً كما في الكشف.
قوله : ( كأنه قيل صدقناه وصدقنا إنه تعالى جدّ ربنا ( قد اختلف في توجيه الفتح على القراءة
به ، فقال أبو حاتم : هو معطوف على نائب فاعل أوحى ، فهي كلها في محل رفع ، وردّه المعربون بأن أكثره لا بصح بحسب المعنى عطفه على ما ذكر ، كقوله : إنا لمسنا السماء ، وانا كنا ، وانا لا ندري ، وأخوات له ، فإنه لا يستقيم معناه ، فلذا ذهب اكثر إلى أنه معطوف على محل به في آمنا به ، كأنه قيل : صدقناه ، وصدقنا إنه الخ ، إلا أن مكيا ضعفه ، وقال فيه بعد في المعنى لأنهم لم
يخبروا إنهم آمنوا بأنهم لما سمعوا الهدى آمنوا به ، ولم يخبروا إنهم آمنوا بأنه كان رجال ، إنما حكى الله عنهم أنهم قالوا ذلك مخبرين عن أنفسهم لأصحابهم ، فالكسر أولى بذلك ، ورد بأنه سبق الزمخشريّ إلى هذا الفراء والزجاج ، وقد رأوا ما يرد عليه فدفعوه بأن الإيمان والتصديق يحسن في بعض ما قبح فيمضي في البواقي ، ويحمل على المعنى على حد قوله :
وزججن الحواجب والعيونا
فيخرج على ما خرج عليه أمثاله ، فيؤوّل صدقنا بما يشمل الجميع ، أو يقدر مع كل ما يناسبه ، وأوّله بصدقنا لأن آمن يتعدى بالحرف ، فلو عطف على معموله لزم العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار ، فلذا عطفه على محله المنصوب ، وقد مرّ له توجيه آخر كما عرفته ، وفيه إشارة إلى دفع ما يقال : من أنّ شرط العطف على المحل أن يصح إظهاره في الفصيح فإنه يكفي إظهاره ولو مع مرادفه كما ذكر. قوله : ( أي عظمتة ) فالمعنى عظمت عظمته ، كقوله : جد جده ، وفيه من المبالغة ما لا يخفى ، وقوله : مستعار الخ ، راجع إلى الوجوه كلها ، والبخت معروف وهو غير عربي فصيح ، وقوله : بيان لذلك أي لقوله تعالى جذ ، فهو مفسر له ، ولذا لم يعطف عليه ، وقوله : صدق ربوبيته ، قيل ظاهره أنه مضاف على قراءة الكسر ، والذي ذكره المعرب أنه منون على هذه القراءة وكانه مراده ، واكتفى بقوله : قبله جداً بالتمييز عن التصريح به ولا بعد فيه ، وفسره بالصدق وهو في الأصل ضد الهزل. قوله : ) كأئهم سمعوا الخ ( لأن تفريع الإيمان ونفي الشريك والصاحبة والولد عليه يدل على ما ذكر ، وقوله : مردة الجن جمع ما رد ككاتب وكتبة ، وعلى هذا فالمعنى سفهاؤنا والإضافة للجنس ، وقوله : ذا شطط الخ ، يعني أنه مصدر بمعنى البعد ، والمراد به مجاوزة الحذ صفة لقول مقدر ، فهو بتقدير مضاف ، أو جعله عين الشطط مبالغة فيه ، وقوله : ما أشط فيه أي أبعد وتجاوز الحد بيان للمبالغة فيه. قوله : ( اعتذار الخ ) بظنهم متعلق بالاعتذار لأنه المعتذر به ، وقوله : نصب على المصدر كقعدت القرفصاء ، أو هو وصف لأنه يكون وصفا كما يكون مصدراً ، ويوصف به القول كما يوصف به القائل ، فيقال : رجل كاذب ، وقول كاذب ، و!و بمعنى مكذوب فيه لأنه
لا يتصوّر صدور الكذب منه ، وإن اشتهر توصيفه به ، فلا يقال : إن ما ذكره المصنف تطويل للمسافة ، ولو جعله من الوصف بالمصدر مبالغة ، على أن المبالغة في النفي لا في المنفي لأنه غير مقصود صح. قوله : ( ومن قرأ أن لن تقوّل ) وهو الحسن وغيره ، وأصله تتقوّل بتاءين فحذفت إحداهما ، وقوله : جعله مصدراً من غير لفظه كقعدت جلوسا لا وصفاً للقول ، وقوله : بقفر أي أرض خالية ، وهم يعتقدون إنها مقرّ الجن ورؤساؤهم تحميهم منهم ، وقوله : فزادوا الضمير المرفوع للإنس المستعيذين برؤساء الجن ، على هذا بخلافه في الوجه الثاني ، الآتي كما سيأتي. قوله : ( أو فزاد الجن الإن! غياً ) فالفاعل الأوّل للتعقيب ، وعلى الثاني قيل إنها للترتيب الإخباري ، وذهب الفراء إلى ما بعد الفاء قد يتقدم إذا دلّ عليه الدليل ، كقوله : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا } [ سورة الأعراف ، الآية : 4 ] وجمهور النحاة على خلافه ، وأن ما يخالف المشهور مؤوّل ، وليس الترتيب الذكري مخصوصا بعطف المفصل على المجمل كما توهم ، وقيل هنا مقدر على الثاني ، أي فاتبعوهم فزادوهم الخ. قوله : ( والرهق في الأصل غشيان الشيء ) كما في قوله : { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } [ سورة عبس ، الآية : 41 ] فإنّ المعنى يعرض لها ويغشاها ، فحص بما يعرض من الكبر والضلال والعتو ونحوه ، ولذا فسره الزمخشري بغشيان المحارم ، فلا مخالفة فيه لما ذكر. قوله : ( والآيتان ) يعني وأنه كان رجال ، وإنهم ظنوا من كلام الجن ، والخطاب لهم ، وإذا كان استئنافاً فالخطاب للإنس ، وكذا فيما بعده ، والبعث في الآية بعث الرسل ، وهو الظاهر ، ويحتمل بعث الموتى ، وقوله : جعلهما من الموحى به ، لم يرتضه في الكشف ، لأنّ قوله :(8/255)
ج8ص256
وانا لمسنا السماء من كلام الجن ، أو مما صدقوه على القراءتين ، لا من الموحى إليه فتخلل ما تخلل بينهما ، وليس اعتراضاً غير جائز ، إلا أن يؤول بما يجري مجرا. لكونه يؤكد ما حدث عنهم من تماديهم في الكفر ، ولا يخفى ما فيه من التكلف. قوله : ( ساد مسد مفعولي ظنوا ) وإن مخففة من الثقيلة ، ويجوز تقدير المفعول الثاني محذوفا ، واعمل الثاني دمان خالف المختار ، لأن ظنوا هو المقصود هنا ، فجعل المعمول له أحسن ، وأما كما ظننتم فمذكور بالتبعية ، ومن لم يتنبه له قال إنه على خلاف المختار. قوله : ) واللمس مستعار من المس للطلب ( ظاهر كلامه ترادف اللمس : المس وقد مرّ تفصيله في الأنعام ، وللطلب
متعلق بمستعار ، والظاهر أنّ الاستعارة هنا لغوية ، لأنه مجاز مرسل لاستعماله في لازم معناه ، وجعل حرسا اسم جمع كرصد ، لأنه على وزن يغلب في المفردات كبصر وبطر ، ولذا نسب إليه فقيل : حرسي وذهب بعض النحاة إلى أنه جمع ، والصحيح الأوّل ولذا وصفه بالمفرد ، فقيل : حرسا شديدا ، ولو روعي معناه جمع ، إلا أن يكون نظر الظاهر وزن فعيل ، فإنه قد يستوي فيه الواحد وغيره ، وملئت حال إن كان وجد بمعنى صادف ، ومفعول ثان إن كان من أفعال القلوب ، وقوله : المتولد من النار بناء على أنه غير كوكب على ما قرره الحكماء ، وفد مر تفصيله. قوله : ( وإنا كنا نقعد الخ ) قيل : إنّ الرجم حدث بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم ، وانه إحدى آياته ، والصحيح أنه كان قبله كما ورد في الأحاديث ، وقد وقع ذكره في أشعار الجاهلية ، لكنه كثر بعد البعث وزاد زيادة ظاهرة للإنس والجن ، ومنع الاستراق رأسا ، وعن معمر قلت للزهري أكان يرمي بالنجوم في الجاهلية ، قال : نعم ، قلت : أرأيت قوله : وانا كنا نقعد ، فقال : غلظت وشدد أمرها بعد البعثة ، وفي قوله : ملئت ، دليل على أنّ الحادث الكثرة ، وكذا قوله : مقاعد كما فصله الزمخشريّ ، وقوله : وللسمع الخ ، فيه لف ونشر للتفسيرين ، ويصح جعل كل لكل. قوله تعالى : ( { فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ } ) في شرح التسهيل الآن معناه هنا القرب مجازاً فيصح مع الماضمي والمستقبل ، وقوله : شهابا راصدا يعني أنه على الإفراط صفة لشهاباً ، ويجوز كونه مفعولاً له ، وقوله : ولأجله تفسير لقوله له ، أو هو إشارة لذلك ، وإذا كان مفرداً صفة لشهاب فهو ظاهر ، وأما إذا كان كحرساً فوصف المفرد بالجمع مع اشتراط النحاة التطابق في الإفراد وغيره ، لأنّ الشهاب لشدة منعه ، واحراقه جعل كأنه شهب فوصف بالجمع ، كما وصف المعي ، وهو واحد الأمعاء بجياع في قوله :
كأنّ قتودرحلي حين ضمت حوالب غرزا ومعي جياعا
كما قال الزمخشري وغيره إنه جعل المعي لفرط جوعه بمنزلة أمعاء جائعة ، فجمع النعت
مع توحيد المنعوت ، وهذا وإن كان بعيدا من جهة العربية فهو أقرب بحسب متانة المعنى من تقدير ذوي شهاب ، كما قيل في الآية والبيت. قوله تعالى : ( { وَأَنَّا لَا نَدْرِي } الخ ا لا يخفى ما
فيه من الأدب حيث لم يصرح بنسبة الشر إلى الله كما صرح به في الخير ، وإن كان فاعل الكل هو الله ، وقوله : في الانتصاف إنه من عقائد الجن الجامع بين الأدب وحسن الاعتقاد ، مراده به التعريض بالزمخشريّ ، والا فجعله من عقائد الجن لا وجه له كما لا يخفى. قوله : ( المؤمنون ) فسر الصالحين بالأتقياء الأبرار ، ومن دونهم بالفسقة ، وهو المراد بقوله : المقتصدون ، وإن كان المقتصد المعتدل ، وإن أمكن جعل دون بمعنى غير ، وغير الصالحين شاملا للكفرة ، لئلا يتكرر مع قوله : منا المسلمون ومنا القاسطون ، وإن قيل إنّ التقسيم الثاني للناجي وغيره ، وهذا للتقي وغير. ، وهو مغاير له بالاعتبار ، وحذف الموصوف بدون صفته ، لأنه يطرد حذفه إذا كان بعض اسم مجرور بمن تقدم عليه ، والصفة ظرف أو جملة ، كما صرّح به النحاة ، وفسر الطرائق بالمدّاهب ، كما يقال طريقته كذا لمعتقده ، وما هو حاله ولم يجعله منصوباً على الظرفية بتقدير في لأنه اسم خاص لموضع يستطرق فيه ، فلا يقال للبيت والمسجد طريق على الإطلاق ، وأنما يقال جعلت المسجد طريقا فلا ينتصب مثله على الظرفية إلا في الضرورة عند سيبويه هذا ، وقال بعض النحويين هو ظرف لأنّ كل موضع يستطرق طريق كما في شرح الكتاب. قوله : ( وهم المقتصدون ) الذي في النسخ هم بضمير الجمع ، وفي بعضها هو على أنه ضمير الموصوف ، ولا وجه له رواية ودراية ، وما قدره قبل طرائق ليصح الحمل لأنه ليس محل المبالغة ، وقوله : أو كانت طرائقنا(8/256)
ج8ص257
طرائق كونه من تلقي الركبان ، والتأويل قبل الحاجة إليه لا يلتفت لمثله حتى يعد اعتراضا أو مانعاً ، وقوله : من قد إذا قطع حتى كان كل طريق لامتيازها مقطوعة من غيرها ، وقوله : علمنا تقدم الكلام عليه. قوله : ) أن لن يعجز الله في الأرض ) حمل المصنف رحمه الله تعالى الأرض هنا على العموم ، لقوله أينما كنا ، ولما وقع قوله ولن نعجز. هرباً في مقابلته لزم أن يكون الهرب إلى السماء ففيه ترق ومبالغة ، كأنه قيل لا نعجزه في الأرض ولا في السماء ، وأمّا في الثاني فلم ينظر فيه إلى عموم ولا خصوص ، وجعل الفوت على قسمين أخذا من لفظ الهرب ، كأنه قيل إنّ طلبنا لم نفتة ، وإن هربنا لم نخلص منه ، وذكر الأرض لتصوير أنها مع سعتها ليس فيها منجي منه ولا مهرب لشدّة قدرته وزيادة تمكنه منه كقوله :
وانك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع
وهذا أحسن مما قيل ، إنّ فائدة ذكر الأرض تصوير تمكنهم عليها وغاية بعدها عن محل استوائه ، فإنه غير مناسب للمقام ، وهربا كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى حال !معنى هاربين ، وكذا قوله في الأرض أو تمييز ، وفسر الهدى بالقرآن ، لاقتضاء قوله : سمعنا له ، ولأنه المناسب لسبب النزول. قوله : ( فهو لا يخاف ) قدر هو ليحسن دخول الفاء فيه ، لا! جواب الشرط المنفي بلا يصح فيه دخول الفاء وتركها ، كما صرح به في شرح التسهيل ، وفي كلام الزمخشريّ ، وابن مالك إشارة إليه فما قيل إنه لتصحيح دخول الفاء غير صحيح ، وعلى قراءة الجزم لا ناهية ، لا نافية لأنّ الجواب المقترن بالفاء لا يصح جزمه. قوله : ( والأوّل ) يعني الرفع ، وتقدير المبتدا لأنه من قبيل هو عرف ، وهو يفيد التقوى ، ويدلّ على الاختصاص عند الزمخشريّ ، وفي النهي أيضا دلالة لأنه علق الحكم بمن يؤمن ، وتعليق الحكم بالمشتق وما هو في حكمه يفيد علية مأخذ الاشتقاق ، وهي تستلزم ما ذكر ، وفي نسخة المؤمنين وبهم ، وفي أخرى المؤمن وبه بالإفراد وقوله : والأوّل أدل بأفعل التفضيل ، لأنه خبر يدلّ على تحقق مضمونه. قوله : ( نقصا في الجزاء ولا أن ترهقه ذلة ) فسر الرهق بغشيان الذلة ، وأصل معناه مطلق الغشيان لقوله تعالى : { وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } [ سورة يرنس ، الآية : 27 ] والقرآن يفسر بعضه بعضاً ، وقوله : أو جزاء نقص ، أي ورهق ظلم ففيه اكتفاء ، كسرابيل تقيكم الحرّ الخ بقرينة ما بعده من قوله : لأنه الخ ، فاندفع ما قيل عليه من أنّ الصواب أن يقول : جزءا نقص! ولا رهق كما في الكشاف حتى لا يبقى التعليل بقوله : ولم يرهق بلا معلل ، وهذا إمّا على إضمار الجزاء بأن يقدر فيه مضاف ، أو هو بيان لحاصل المعنى ، وأنّ ما ذكر في نفسه مخوف فإنه يصح أن يقال : خفت الذنب وخفت جزاءه ، لأنّ ما يتولد منه المحذور في نفسه محذور ، وفيه دلالة على أنّ المؤمن لاجتنابه البخس والرهق لا يخافهما ، فإن عدم الخوف من المحذور إنما يكون لانتفاء المحذور ، وقوله : لأنه لم يبخس إشارة إلى ذلك ، ويجوز أن يكون من وضع السبب موضمع المسبب والأوّل أظهر ، وأقرب مأخذا كما رجحه المدقق في الكشف فتدبر. قوله : ( لأنّ من حق المؤمن بالقرآن أن يجتنب دّلك ( وفي نسخة من حق الإيمان وهو إشارة لما مر. قوله : ( فمن أسلم ) من كلام الله أو الجن ، وفي الكشاف زعم من لا يرى للجن ثواباً أنه تعالى أوعد قاسطهم ، وما وعد مسلمهم وكفى به وعدا إن قال فأولئك تحروا رشداً ، فذكر سبب الثواب
وموجبه ، والله أعدل من أن يعاقب القاسط ، ولا يثيب الراشد ، فتحرى الرشد مجاز بعلاقة السببية عن الثواب ، كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بفوله : ( يبلغهم ( الخ ، والتوخي التحري ، وهو القصد ، وقوله : بكفار الإنس إشارة إلى أنهم في التكليف مثلهم ، وتوله : إنّ الشأن إشارة إلى أنّ أن مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن مقدر ، والضمير لما ذكر وقوله : على الطريقة المثلى تأنيث الأمثل ، بمعنى الأفضل يشير إلى أنها جعلت طريقة ، وما عداها ليس بطريقة يفهم منه كونها مفضلة على ما سواها ، أو هو إشارة إلى أق التعريف فيه للعهد ، والمعهود طريقة الجن المفضلة على غيرها. قوله : ( لوسعنا عليهم الرزق ) على التجوّز بما ذكر عن الرزق الواسع ، أو الاكتفاء به لأن غيره يعلم منه أولوية ، وقوله : والسعة عطف على المعاش ناظر إلى كثرة الماء ، كانه قال : لأنّ أصل الماء أصل المعاس ، وكثرته أصل السعة ، فلا وجه لما قيل من انّ السعة عطف تفسير للمعاش ، والا فأصل المعاش هو اصل الماء لا كثرته ، وغدقا بفتح الدال وتكسر وبه قرئ في الشواذ. قوله : ( لنختبرهم كيف يشكرونه ) فالفتنة في الماء الاختبار في شانه(8/257)
ج8ص258
هل يشكر أم لا ، وقوله : وقيل الخ ، مرضه لأنه مخالف للظاهر من وجوه ، ومن استعمال الاستقامة على الطريقة في الاستعمال على الكفر ، وكون النعمة المذكورة استدراجا من غير قرينة عليه ، وقال الطيبي إنّ التذييل بقوله : ومن يعرض الخ ، يؤيد هذا وفيه نظر ، وقيل : إن استعارة الاستقامة على الطريقة للكفر في غاية البعد ، وقوله : لنوقعهم في الفتنة ونعذبهم إشارة إلى أنّ الفتنة على هذا بمعنى العذاب لا بمعنى الاختبار كما في الوجه الأوّل ، وقوله عن عبادته فالذكر مصدر مضاف لمفعوله فتجوز به عن العبادة ، وإذا فسر بالموعظة فهو بمعنى التدّكير ، وهو مضاف لفاعله ، وكذا إذا كان بمعنى الوحي أيضاً. قوله : ( يدخله ( إشارة إلى أن سلك يتعدى إلى المفعول الثاني بفي ، فعدى له بنفسه هنا لأنه ضمن معنى يدخله ، كما في الكشاف ، وقوله : شاقاً تفسير للمراد منه ، وقوله : يعلو الخ ، بيان لمعناه الحقيقي ، وأن العلو تجوز به عن الغلبة ، كما في قول عمر رضي الله عنه تصعدتني خطبة النكاح ، أي غلبتني وشقت علي كما وضحه الزمخشري ، وقوله : مصدر يعني صعدا هنا مصدر وصف به مبالغة ، أو تأويلاَ كما عرف في أمثاله. قوله : ( ومن جعل الخ ) هو منقول عن الخليل بن أحمد ، وقوله : علة للنهي في قوله : فلا تدعو ، فتقديره لا تدعوا مع الله أحدا لأنّ المساجد له على أنّ المساجد بمعناها المعروف ، وقوله : فلا تعبدوا فيها غيره تقدير فيها
هنا لا بد منه ليرتبط الكلام بعضه ببعض ، كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى ، وقوله : ألغى فائدة الفاء أي لزمه أي يجعل الفاء لغوا لأنها للسببية ومعناها مستفاد من اللام المقدرة ، وكونها للإشعار بمعناها ، وأنها مقدرة ، أو تأكيد لها ، كما قيل : لا يخلو من شيء ، وقد مر فيه كلام في البقرة ، وأن الفاء هنا لا يصح فيها أن تكون عاطفة ، فإن جعلت جزائية على أنّ فيه شرطا مقدراً أو متوهماً ، كما سيأتي في قوله : وربك فكبر ، لا يلزم اللغوية التي ادعاها المصنف رحمه الله تعالى ، ولذا اعترض عليه بأنها معنى الشرط ، والمعنى أن الله يحب أن يوحد ولا يشرك به ، فإن لم يوحدوه في سائر المواضع فلا تدعوا مع الله أحداً في المساجد لأنها مختصمة به ، فالإشراك فيها أقبح القباح ، فتأمّل. قوله : ( وقيل المراد بالمساجد الأرض الخ ) إشارة إلى ما في الحديث الصحيح : " جعلت الآرض مسجدا وطهورا " قال القاضي عياض : إنه من خصائص هذه الأمّة لأنّ من قبلنا كانوا لا يصلون إلا في موضع تيقنوا طهارته ، ونحن خصصنا بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنا نجاسته ، وقال القرطبي وهو المشهور في كتب الحديث إن هذا مما خص به نبينا صلى الله عليه وسلم ، وكانوا قبله إنما تباج لهم الصلاة في البغ والكنائس ، وفيه أشكال مشهور ، وهو أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام كان يكثر السياحة ، وغير. من الأنبياء لجهم الصلاة والسلام ، كافوا يسافرون فإذا لم تجز لهم الصلاة في غير الكنائ! ، لزم ترك الصلاة في كثير من الأوقات وهو بعيد ، ولذا قيل المخصوص بهذه الأمة كونها مسجداً وطهوراً في التيمم واختصاص المجموع به لا يضر وقد يقال إنه مخصوص بالحضر فتدبر. قوله : ( لأنه قبلة المساجد ) توجيه لإطلاق الجمع عليه بأنه لكونه قبلة لها ، يعني كل قبلة متوجهة نحوه :
كإنما هو مغناطي! أنفسنا فحيثما كان دارت نحوه الصور
جعل كأنه جميع المساجد مجازاً ، وظاهره أنّ المراد به الكعبة نفسها لا الحرم كله ، وان
صح أيضا ، وتوله : ومواضع السجود عطف على قوله : المسجد الحرام ، أي قيل المراد به مواضمع السجود مطلقاً ، فهو جمع مسجد بمعنى مكان السجود مطلقا ، والواو فيه بمعنى أو وفي نسخة ، أو بدلها وهي ظاهرة. قوله : ( على أنّ المراد النهي الخ ا لو أخره لأنه صالح لها كلها كان أولى ، والآراب بالمد جمع أرب وهو العضو ، والسبعة القدمان والركبتان والكفان والوجه أي الجبهة والأنف ، وقوله : تجمع مسجد أي بفتح الجيم وهو مصدر ميمي كما قيل وهو مبني على تعلقه بقوله ، أو السجدات فقط ، وليس كذلك بل هو متعلق به ، وبما قبله من قوله :
مواضع السجود أيضا ، فإن المساجد على كلا الاحتمالين جمع مسجد بالفتح. قوله : ( فإنه واقع موقع كلامه عن نفسه ) أي أنه على جعله من الموحى إليه فالقراءة بالفتح ، إذ كان أصله ، وإني لما قمت فهو تعبير عن نفسه ، فلذا قال عبد اللّه تواضعاً منه ، وعلى القراءة الأخرى هو للإشعار فقط ، وقوله : والإشعار الخ ، فإنّ المقتضي للقيام للعبادة(8/258)
ج8ص259
هو العبودية وفي كلامه إيهام لتعلق يدعو لقيامه ، على أنّ المعنى قيامه للعبادة. قوله : ( كاد الجن الخ ) الضمير يحتمل عوده للجن أو للإنس ، أو للكل ، فعلى قراءة الفتح ، وجعله من الموحي الضمير للجن ، أي أوحى إليه حالهم لما رأوه يصلي ، وعلى الكسر فالضمير للمقتدين به من الأصحاب ، وهو من مقول الجن ، وقوله : متراكمين تفسير لقوله : لبداً ، أي مجتمعين مزدحمين حوله. قوله : ( أو كاد الإنس والجن ) على أنّ الضمير عامّ للفريقين ، واجتماعهم لإبطال أمره ، ويدعو من الدعوة لا بمعنى العبادة على هذا ، وهذا على قراءة الكسر ، وكونها جملة مستأنفة إبتداء إخبار منه تعالى عن حال رسوله تمهيداً لما بعده ، وتوكيداً لما قبله ، مقابلاً لقوله : وإنّ المساجد دلّه ، كأنهم لما نهوا عن الشرك ودعوا للتوحيد قابلوه بالعداوة والجد في نقض أمره ، وقوله : لبدة بكسر اللام وسكون الموحدة ، وتلبد بمعنى اجتمع ، ولبدة الأسد الشعر المجتمع بين كتفيه ، وقوله : وعن ابن عامر الخ ، أي قرأها بضم اللام وفتح الباء ، جمع كزبرة وزبر ، وهي لغة في جمعه ، وروي عن ابن عامر الكسر أيضا ، وكلاهما صحيح كما في الن!ثر ، وقوله : لبداً كسجد بالضم والتشديد ، وقوله : لبد بضمتين ، والقراآت فيه مبينة مفصلة في النشر. قوله : ( يوجب تعجبكم ) هذا على كون الضمير للجن ، وقوله : أو إطباقكم على مقتي وبغضي ، على أن الضمير للجن والإنس جميعا ، وقوله : عاصم وحمزة هو رواية عن أبي عمرو أيضاً ، وقوله : ولا نفعاً فسر الرشد بالنفع لوقوعه في مقابلة الضر ، وكذا تأويل الضرّ بالغيّ لوقوعه في مقابلة الرشد ، فلا بد من تاويل الأوّل أو الثاني. قوله : ( عبر عن أحدهما الخ ) يعني إمّا أن يراد بالرشد النفع تعبيرا باسم السبب عن المسبب ، أو يراد بالضرّ الغي تعبيرا باسم المسبب عن السبب ، ففيه لف ونشر مرتب ، ووجه إشعاره بالمعنيين أنّ السبب يشعر بالمسبب كعكسه ، ويجوز أن يجرد من كل
منهما ما ذكر في الآخر ، فيكون احتباكا ، فالتقدير لا أملك لكم ضرا ولا نفعاً ولا غبار ولا رشداً ، وقوله : منحرفا هو معناه الحقيقيّ ، وملتجأ هو المجازي المراد ، وقد جوّز فيه الراغب كونه اسم مكان ومصدرا. قوله : ( استثناء من قوله : لا أملك الخ ) يعني أنه استثناء من مفعوله ، أعني ضراً ورشدا لأنه في معنى لا أملك شيئا كما في الكشف ، وهو متصل ، وظاهر قول المصنف رحمه الله تعالى ، فإن التبليغ الخ ، أنه مستثنى من رشد أوحده ، والاستثناء من المعطوف دون المعطوف عليه جائز ، والأوّل أولى ولفظ الإنفاع خطأ كما مرّ ، لأنه لم يسمع له مزيد ، وقوله : اعتراض الخ دفع للاعتراض بكثرة الفصل المبعدة له ، والاستطاعة تؤخذ من توله : لا أملك لأنه بمعنى أقدر وأستطيع ، وقوله : أو من ملتحداً فالاستثناء منقطع لأن البلاغ من الله ، وقيل : إنه من التعليق بالمحال ، كقوله : { إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى } [ سورة الدخان ، الآية : 56 ، وجوّز صاحب الكشف في الأوّل إن لم يؤوّل شيئاً أن يكون كقوله :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم
الخ. قوله : ( ومعناه أن لا أبلغ الخ ) وفي الكشاف معناه أن لا أبلغ بلاغا ، كقولك : إلا
قياماً فقعودا ، وظاهره أنّ المصدر سد مسد الشرط كمعمول كان ، والأكثر على أنّ حذف جملة الشرط مع بقاء الأداة جائز ، وذهب أبو حيان وغيره إلى أنه لا يحذف إلا مع بقاء لا النافية ، كقوله :
وألا يعل مفرقك الحسام
وان اختار في شرح التسهيل الجواز مطلقاً ، واعترض بأنه كيف يقع الخلاف فيه ، واشتراط بقاء لا مع ورود مثل قوله : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ } [ سورة التوبة ، الآية : 6 ] والناس مجزيون بأعمالهم إنّ خيراً فخيرا ، لا أن يراد حيث يكون الشرط منفياً بها ، إلا أنه لا يحذف إلا حيث ينفي بها مطلقاً فيسهل الأمر حينئذ ، وليس بشيء فالظاهر أن اطراد حذفه مشروط ببقاء لا ، ما لم يسد مسد شيء من معمول أو مفسر ، وهو مراد النحاة فلا يرد ما ذكره. قوله : ( وما قبله دليل الجواب ا لا اعتراض كما قيل ، وفي منافاته للاعتراض نظر ، وقوله : عطف على بلاغاً لا ينبغي تقدير المضاف فيه ، أي بلاغ رسالاته ، فإنه يكون من عطف الشيء على نفسه إلا أن يوجه ، بأن البلاغ من الله فيما أجد عنه بغير واسطة ، والبلاغ ما هو بها وهو بعيد غاية البعد. قوله : ( في الأمر بالتوحيد الخ ( إن كان المراد بالرسول رسول البشر وهو الظاهر ، فالمعنى في شأن الأمر بالتوحيد وأمثاله ، وإن كان رسول الملائكة فالمراد أن لا يبلغ
كما وصل إليه ، وقوله : إذ الكلام الخ ، يعني أنه مخصوص بقرينة المقام ، فلا يصح استدلال المعتزلة به على تخليد العصاة في النار ، وقوله : وقرئ فإنّ أي بفتح الهمزة ، وقوله : على فجزاؤ. أن أي يجعل خبر مبتدأ مقدر تقديره(8/259)
ج8ص260
جزاؤه وإن الخ ، خبره وقوله : جمعه للمعنى أي لرعاية معنى من ، ولو راعى لفظه قال : خالدا.
قوله : ( والغاية لقوله يكونون الخ ( يعني إن فسر باً لتجمع للعداوة ، فهو غاية له وعلى
الوجه الآخر متعلق بمحذوف دلت الحال عليه ، كأنه قيل : لا يزالون يستضعفونه ، حتى إذا رأوه ما يوعدون تبين لهم المستضعف من هو ، وأمّا جعله غاية لقوله : نار جهنم ، فركيك جداً مع أنه يأباه ما بعده وما قبله ، وأمّا استعباده بطول الفصل فليس بشيء كما توهمه أبو حيان ، فإنه لا مانع من تخلل أمور غير أجنبية بين الغاية والمغيا ، وقوله : ما أدري بيان لأنّ إن نافية هنا. قوله : ( غاية تطول مدّتها الخ ا لما كان التقابل يقتضي أن يقال : أقريب أم بعيد ، أو أله أجل وأمد أم لا ، أوّله المصنف رحمه الله تعالى بالأمد البعيد بقرينة المقابلة ، وإن كان الأمد وضعا شاملا لهما ، ولذا وصف بقوله تعالى : { تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } [ سورة آل عمران ، الآية : 30 ] وفي الكشاف المعنى ما أدري أهو حال متوقع في كل ساعة أم مؤجل له غاية مضروبة ، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى أولى وأقرب. قوله : ) هو عالم الغيب ( يعني هو خبر ضمير محذوف ، واضافته محضة لقصد الثبات فيه ، فيفيد تعريف الطرفين فيه التخصيص لأنّ الكلام وقع تعليلاً لنفي الدراية ، كأنه قيل : ما أدري قرب ذلك الموعد وبعده ، إلا أن يطلعني اللّه عليه ، لأن علم الغيب مختص به وقد يطلع عليه بعض خلقه. قوله : ( على الغيب المخصوص به علمه ا لإفادة الإضافة الاختصاص واختصاصه به تعالى لأنه لا يعلمه بالذات والكنه علماً حقيقيا يقينيا بغير سبب ، كاطلاع الغير إلا الله ، وعلم غيره لبعضه ليس علما للغيب ، إلا بحسب الظاهر ، وبالنسبة لبعض البشر كما ذكره بعض المحققين فلا منافاة ، لقوله : بعده لعلم بعضه ، حتى يقال عليه إنه بعد ما حمل الغيب على الغيب المخصوص به علمه كيف يقول لعلم بعضه حتى يكون له معجزة ، وتكلف بعضهم الجواب عنه ، بأنّ المراد بالغيب المخصوص به ما لم ينصب عليه دليل ، ولا يقدج في هذا الاختصاص كونه معلوما للغير بإعلامه تعالى إذ الاختصاص إضافيّ بالنسبة إلى من عدا المستثنى. قوله : ) 1 لا من ارتضى ( يصح في هذا الاستثناء الاتصال ، وهو الظاهر ، والانفصال بناء على التخصيص أو عدمه كما في
بعض الحواشي. قوله : ( واستدل به على إبطال الكرامات ) فيه كلام من وجهين الأول إنه لا دلالة فيه إلا على إبطال كرامة علم الغيب لا غير ، والقول بأنه لا قائل بالفصل لا يتمشى في أمثال هذه المطالب ، وادعاء دلالة النص ليس بشيء ، لأن الخارق للعادة ليس مساويا لإظهار الغيب بل أقوى منه ، إذ الأوّل قد يعرف بحدس ونحو. ، وفي شرح المقاصد ليس هذا بقادج في حكم المقام ، لأن مدعي أهل السنة حقية كرامات الأولياء جميعها ، وأدلة الخصم بعضها يدل على إبطال الجميع ، وبعضها على إبطال البعض ، وهو الإخبار بالغيب إذ به يحصل بطلان ما ادعيناه من حقية جميعها ، فلا يرد عليه إنه لا دلالة فيه إلا على إبطال كرامة علم الغيب لا غير فتأمله. الثاني إن كلامه لا يخلو من أن يكون مبنياً على جوابين كما في التفسير الكبير ، حيث قال : الغيب مخصوص بوقت وقوع القيامة بدلالة السياق ، والرسول بالملك فإنه تعالى يطلع الملائكة عليه يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً ، ويجاب أيضاً بتخصيص الإظهار بما يكون بغير واسطة ، ويرد على الأول إنه كيف يصح هذا بعد قوله : ليكون معجزة ، والمعجزة إنما هي لرسل البشر دون الملائكة ، وأجيب بأنه غير مرضي له ، وأنما قدّم لإيجازه وليفرغ منه إلى الأهم عنده كما هو دأب المصنفين ، وقيل : كلاهما ليس بمرضي له ، وأنما المرضي له ما أشار إليه في أثناء تفسير النظم من تخصيص الغيب ، وحمل الرسول على المتعارف لدلالة السباق والسياق عليه ، وأما هذا فالعهدة فيه على القوم ، وأورد على الثاني أن الرسل لا يطلعون بغير واسطة ، وقصة المعراح ، وتكليم موسى عليه الصلاة والسلام يرده ، أو جواباً واحداً كما ارتضاه البعض ، وهو الظاهر من عطفه بالواو ، وقيل : وهو مخالف لقوله : حتى يكون معجزة ، ومقتضى لزوم الواسطة للإظهار للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو غير صحيح لقصة المعراج وغيرها ، ولا يرد عليه أنه وارد على الجواب الأول عند القائل بالتعدد لأنه غير مرضي له ، لا يقال : إذا خصص الغيب بالقيامة أو بغيرها مما يتعلق بذاته لا يرد المعراج ونحوه ، لأنا نقول حينئذ لا يصح الاستدلال ولا يحتاج إلى الجواب ، وهذا معنى ما قيل إنّ كلامه لا يخلو من الخلل والإخلال ، ولبعض أهل العصر هنا كلام طويل بلا طائل. قوله : ( وكرامات الأولياء الخ ) يرد(8/260)
ج8ص261
عليه إن الإمام الغزالي رحمه تعالى قال : الفرق بين الولي والنبيّ نزول الملك فإنّ الولي يلهم والنبيّ ينزل عليه الملك مع كونه يكون ملهماً فإنه جامع بين النبوّة والولاية ، وتنبه له بعض أرباب الحواشي ففسر التلقي من الملك بالإلهام لأنه من نفث الملك بالروع وهو خلاف الظاهر ووده الشيخ الأكبر في الفتوحات ، وقال : إنه غلط من قائله دال على عدم ذوقه والفرق بينهما إنما هو فيما ينزل به الملك لا في نزوله فإنه ينزل على الرسول والنبيّ بخلاف ما ينزل به على الولي التابع ، وقد ينزل عليه بالبشرى والفوز والأمان في الحياة الدنيا كما قال : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ } [ سورة
فصلت ، الآية : 30 ] إلى آخر ما فصله فأعرفه. قوله : ( ليعلم المرتضي ) فسره بما يشمل الوجهين وكذا ما بعده محتمل لهما خلافاً لمن قصر بعضها على بعض. قوله تعالى : ( { وَأَحَاطَ } ) قيل : هو معطوف على أبلغوا إن كان ضمير ليعلم للنبيّ الموحى إليه وأما إن كان الضمير لله فهو عطف على لا يظهر أي عالم الغيب فلا يظهر وأحاط بما عند الرسل وأحصى كل شيء عددا ويجوز هذا أيضاً على التقدير الأوّل وقيل : جملة أحاط حالية بتقدير قد وفيها دفع للتوهم الناشئ من الكلام السابق ، وقوله : ليتعلق به علمه إشارة إلى أنّ علمه قديم ، والمقترن بالزمان تعلقه بالمعلوم وإن تعليل هذا بالعلم الأزلي غير مراد بل هو معلل بتعلقه الحادث واظهاره ليتعلق به الجزاء كما في قوله : { نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ } كما مرّ تحقيقه وقوله : كما هي أي من غير تغيير وتبديل ، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع تمت السورة.
سورة المزمل صلى الله عليه وسلم
هي مكية بجميعها ، وقيل : إلا آيتين منها واصبر على ما يقولون وما يليها وقيل ، وقوله :
{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ } إلى آخر السورة وآياتها فيها اختلاف كما ذكره المصنف وقيل : هي ثمان عشرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( وقد قرئ به ( هي قراءة لأبيئ على الأص! وهي شاذة وقوله : وبالمزمل أي بتخفيف الزاي على أنه اسم مفعول أو فاعل من زمل بزنة فعل والكسر قراءة عكرمة ، وقوله : الذي زمله غيره هو بيان له على قراءة الفتح وقوله : أو زمل نفسه على قراءة الكسر لأن ذكر الفاعل دون المفعول يدل على أنه حذف مفعوله للعلم به أو نزل منزلة اللازم فلذا لم يبن للمفعول ففيه لف ، ونشر مرتب وما قيل من أنه متجه على القراءتين لا وجه له وكذا ما قيل إنه متعبر في الثاني ضرورة فإن تلت : لا بد من أن يكون زمل نفسه أو زمله غيره فأحدهما متعين ، والقرا آت كلها متواترة فكيف اجتمعا قلت : هو زمل نفسه من غير شبهة فإن نظر إلى أن كل أفعاله من الله فقدر زمله غيره فلا يرد هذا كما توهم حتى يقال : إنه زمل نفسه ، أولاً ثم نام فزمله غيره أو يعكس ولو ترك مثله رأساً كان أحسن ، وقوله : سمى به النبيّ-لمجي! أي أطلق عليه في القراآت كلها. قوله : ( تهجينا لما كان عليه ( التهجين التقبيح وقد تبع في هذه العبارة الزمخشريّ ، وشنع عليه صاحب الانتصاف فيها ، وقال : إنّ فيه سوء أدب وهو كما قال : واما اعتذاره عنه في الكشف بأنه من ليطف العتاب الممزوج بالرأفة وقد خوطب بما هو أشد منه في قوله : { عَبَسَ وَتَوَلَّى } فليس بشيء لأنّ الله له أن يخاطب حبيبه بما شاء ونحن لا نجري على ما عامله به بل يلزمنا الأدب والتعظيم لجنابه الكريم ، ولو خاطب بعض الرعايا الوزير بما خاطبه به السلطان طرده الحجاب وربما كان العقاب هو الجواب ، والحق ما قاله السهيلي رحمه الله تعالى : من أنه تأنيس له وملاطفة على عادة العرب في اشتقاق اسم للمخاطب من صفته التي هو عليها كقوله-!فه لعلي كرّم الله وجهه : " قم يا أبا تراب " قصدا لرفع الحجاب وطيّ
بساط العتاب وتنشيطاً له ليتلقى ما يرد عليه بلا كسل :
وكل ما يفعل المحبوب محبوب
قوله : ( لما كان عليه ( متعلق بتهجينا ، والمراد نومه متزملاً كما يفعله من لا تهمه الأمور والثؤون على ما في الكشاف وفيه ما فيه ، وقوله : أو مرتعداً على ما روي في حديث بدء الوحي ، وقوله : دهشة قيل الصواب أدهشه لأن دهش كفرح لازم بمعنى تحيروا أما دهش فهو مدهوش فوضع على صيغة المجهول كزهي ومن ضبطه بالتشديد من التفعيل فقد تعدى المعروف في استعماله(8/261)
ج8ص262
والمصنف كثيرا ما يتسامح في أمر التعدية فلو قيل : إنه ضمنه معنى حير فعداه لم يبعد. قوله : ( أو تحسيناً له ( هذا أيضاً غير ملائم للسياق لأنه لو استحسنه لم يقل له : قم بل يقول كما قال :
أيها الراقد في لذاته نم هنيئا إنّ عيني لم تنم
وقوله : إذ روي الخ هذا لم يصح وحديث مرط عائشة في ليلة النصف من شعبان بالمدينة لا في بدء الوحي ، وقد اعترض عليه في الانتصاف بأن السورة مكية وبناؤه صلى الله عليه وسلم على عائثة كان بالمدينة ، وإنما كان ذلك في بيت خديجة كما ورد في الأحاديث الصحيحة والتصدي لتوجيهه بما في جامع الأصول من أنه-شي! تزوج عائشة بمكة قبل الهجرة بثلاث ، ودخل عليها بالمدينة فيجوز أن يبيت ليلة في بيت الصديق بعد العقد ويتغطى ببرد لها وباقيه عليها فحكته بعد ذلك أم المؤمنين رضي الله عنها تكلف لا يتأتى مع مخالفته الأحاديث الصحيحة ، ومثله لا يكفي فيه مجزد الاحتمال وقد عرفت أنّ هذا الحديث المذكور لم يقع في الكتب الصحيحة كما قاله ابن حجر قال أبو حيان : إنه كذب صريح فترك الاشتغال بالقيل ، والقال فيه هو الصواب وقوله : مفروش على عائشة الأحسن أن يقول مطروج ، ونحوه إذ القرس يكون على الأرض وما ضاهاها والمرط بكسر الميم كساء من صوف. قوله : ( أو تشبيها له في تثاقله الخ ) يعني أنه استعارة فشبه عدم التمرن فيما ذكر بالنوم على فراش مغطى ووجه الشبه تعطيل الأمور أو التثاقل فيها وحمله على التجوّز مع صحة الحمل على المعنى الحقيقي كما مز
لأنّ القرينة غير قطعية ، ولو جعل كناية كان أنسب بقواعد المعاني والأحسن تركه لما فيه من سوء الأدب كالوجه الأوّل مع مخالفته للقواعد أيضا. قوله : ( أو من تزمل الزمل ) بالكسر كالحمل لفظا ومعنى فهو استعارة أيضا لكن وجه الشبه فيه مختلف ففي الأول ما مر ، وفي هذا شبه إجراء التبليغ بتحمل الحمل الثقيل ، ووجه الشبه ما فيهما من المشقة وهذا أحسن مما قبله لكن يرد عليه إنه مع صحة المعنى الحقيقي واعتضاده بالأحاديث الصحيحة لا وجه لادعاء التجوّز فيه وسيأتي في أول المدثر تحقيقه إن شاء الله. قوله : ( أي قم إلى الصلاة ) هذا على غير وجه التحسين له إذ قام يصلي وفوله : أو داوم عليها على ذلك الوجه ولا وجه لتخصيص الأول بالأوّل والثاني بالثاني كما قيل ، والظاهر أنّ معمول قم مقدر عليهما والليل منصوب على الظرفية أو على التوسع والإسناد المجازي ، وكسر ميم قم عند الجمهور لالتقاء الساكنين وقرأها أبو السماك بالضم اتباعا لحركة القاف وفتحت أيضاً للتخفيف. قوله : ( ونصفه بدل من قليلاَ الخ ) ذكروا فيه وجوهاً أربعة كما في الكشاف مع كلام فيه فالأول هذا ، وهو أن يكون الاستثاء من الليل ونصفه بدلاً من قليلا وهو الوجه الثاني في الكشاف وقدمه المصنف لظهوره وسهولة مأخذه ، وموافقته لقراءة النصب ومعناه التخيير بين قيام الضف وما فوقه وما دونه ، وضمير منه وعليه حينئذ للنصف بلا كلام إنما الكلام في ضمير نصفه فإن أبا حيان أورد عليه إنه لا يخلو من عود. على المبدل منه أو على المستثنى منه ولا يجوز الأول لأنه يكون استثناء مجهول من مجهول إذ التقدير إلا قليلاً نصف القليل ولا الثاني لأنه يلغو فيه الاستثناء إذ لو قيل : قم الليل نصفه أو زد عليه ، أو انقص أفاد معناه على وجه أوضح وأخصر وأبعد من اللبس وقد رده المعرب بأن قوله : استثناء مجهول من مجهول غير صحيح لأنّ الليل معلوم ، وكذا بعضه من النصف وما دونه وما فوقه مع أنه لا ضير في استثناء المجهول من المعلوم نحو فشربوا منه إلا قليلا فالصواب إبدال مجهول من مجهول مع أنه لا محذور فيه كجاءني جماعة بعضهم مشاة فمن ظنه محذوراً حتى عين الثاني لم يصب وعلى الثاني ليس الاستثناء لغواً لأن فيه تنبيهاً على تخفيف القيام ، وتسهيله لأن قلة أحد النصفين تلازم قلة الآخر وتنبيهاً على تفاوت ما اشتغل بالطاعة وما خلا منها لإشعاره بأنّ البعض المشغول بذكر الله بمنزلة الكل مع البيان بعد الإبهام الداعي للتمكن في الذهن وزيادة التشويق ، وقد استدل به من قال : يجوز استثناء النصف وما فوقه على ما فصل في الأصول. قوله : ( وقلته بالنسبة إلى الكل ) جواب عما يرد عليه من أن النصف كيف يكون قليلاً ، وهو مساو للنصف الآخر بأن القلة بالنسبة إلى الكل لا إلى عديله والتزامه بجعل النصف المتحلى بالعبادة لما عف ثوابها كأمثالها وزيادة زيادة على الآخر فلذا
جعل قليلاَ خلاف الظاهر(8/262)
ج8ص263
ولذا لم يعرج المصنف عليه لأن القلة تعتبر في كمية الزمان ولا زيادة فيها والكيفية زيادة ونقصها لا يسمى قلة وكثرة حقيقة بل قوّة وضعفا كما لا يخفى. قوله : ( أو نصفه بدل من الليل ) بدل بعض من كل وهذا هو الوجه الثاني فهو على نية التقديم ، والتأخير وضمير منه وعليه للأقل من النصف المفهوم من مجموع المستثنى والمستثنى منه لأن تقديره قم نصف الليل المخرح قليل منه ، وهو الأقل والأقل من النصف الثلث مثلا ، والنقص منه بقيام الربع والزيادة على الأقل بقيام النصف وما فوقه فالتخيير على هدّا بين النصف وبين الأقل والأكثر من الأقل ، وهو النصف يعني بين الأقل من النصف والأقل من الأقل والا زيد منه وهو النصف بعينه والفرق بينه ، وبين الأوّل من وجهين اختلاف مرجع الضميرين وإن الزائد على النصف في الوجه الأوّل داخل في التخيير وفي هذا خارج لأنّ ما-له إلى التخيير بين النصف والثلث والربع وخالف الزمخشريّ في هذا الوجه حيث جعل التخيير فيما وراء النصف والداعي لمخالفته إنه يوافق قوله : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى } [ سورة المزمل ، الآية : 20 ] الآية في قراءة الجر في نصفه وثلثه وفيه تكلف ، وإن وجهه صاحب الكشف بما فيه دقة فليحرر 0 قوله : ( أو للنصف ) هذا هو الوجه الثالث ، وهو على التقديم والتأخير أيضاً لكن ضمير منه وعليه فيه للنصف لا للأقل منه كما في الوجه الذي قبله ، وقوله : والتخيير الخ في الكشف وللاعتناء بشان الأقل لأنه الأصل الواجب كرره على نحو أكرم إمّا زيداً وامّا زيداً أو عمراً ، وفيه تكلف لأنّ تقديم الاستثناء على البدل ظاهر في أنّ البدل من الحاصل بعد الاستثناء لأنّ في تقدير تأخير الاستثناء عدولاً عن الأصل من غير دليل ولأنّ الظاهر على هذا رجوع ضمير منه ، وعليه إلى النصف بعد الاستثناء لا للنصف المطلق كما في الوجه الآخر ، وأيضا الظاهر إنّ النقصان رخصة لا أنّ الزيادة نفل والاعتناء بشأن العزيمة أولى انتهى ، وقد قيل عليه إنّ ما ذكره أولاً يرد على الوجه الثاني ، وقوله : الظاهر أن النقصان رخصة محل نظر إذ الظاهر إنه من قبيل فإن أتممت عشراً فمن عندك فالتخيير ليى على حقيقته ولو سلم فالأصل لأصالته واشتماله على تخفيف المشقة أولى بالاهتمام به ، وفيه بحث وقد قيل هنا وجه آخر ، وهو أن يكون نصفه بدلاً من الليل الذي استثنى منه القليل ، والتقدير قم الليل إلا قليلا قم نصف الليل أو أنقص! من النصف قليلاً أو زد على النصف فعلى هذا هو كالوجه الأول أيضا التخيير فيه بين قيام النصف والزائد عليه والناقص عنه ، ويكون قوله : أو أنقص عطفا على قم المسلط على نصفه والقليل المستثنى مقدار ما تستريح النفس بالنوم فيه وتنشط للتهجد وذلك القليل بالنسبة إلى الكل إمّا النصف أو أكثر منه بقليل أو أقل منه على ترتيب المخير فهي فتأمل. قوله : ( أو الاستثناء من
إعداد الليل ا لا من أجزائه فإن تعريفه للاستغراق إذ لا عهد فيه ، وقوله : والتخيير بين قيام النصف الخ فالضمير راجع إليه باعتبار الأجزاء ففيه استخدام حينئذ أو شبهة فتدبر ، وقد قيل : إنّ قيام الليل كان فرضا في صدر الإسلام قبل الصلوات الخمس فلما فرضت نسخ هذا كما فصله الزمخشري. قوله : ) على تؤدة ) بضم المثناة وفتح الهمزة وهو التمهل ، وقوله : رتل بسكون التاء ورتل بكسرها واما رتل بفتحتين فمصدر كما في القاموس فضبطه به هنا سهو والمفلج بتشديد اللام اسم مفعول من الفلج وهو أن لا تكون الأسنان متصلة وهو ممدوج لأنه أزين وأنقى للفم. قوله : ( إذ كان عليه الخ ( هذا هو الصحيح الموافق لما في الكشاف وفي نسخة إذا وهي تحريف ، ويجوز أن يكون احترازاً عن القصص والخصائص ، وقوله : والجملة تعريفه للعهد يعني إن قوله : إنا سنلقي معترضة بين المعلل ، وهو الأمر بقيام الليل والمعلل وهو إن ناشئة الليل الخ ، وقيل : هي قوله : ورتل القرآن وهذه قال الطيبي وهو الأظهر لأنها اعترضت بين كلامين متصلين وفي الكشف إنه لا وجه له ، وقوله : يسهل التكليف الخ بيان لفائدة الاعتراض وقوله : بالتهجد متعلق بقوله : بالتكليف يعني إنه سيرد عليك في الوحي المنزل عليك تكاليف شاقة هذا بالنسبة إليها سهل فلا تبال بهذه المشقة وتمرن بها لما بعدها ، وقوله : ويدل على أنه أي التهجد فهو ثقيل على النفس لأنها تألف نوم الليل والهدو فيه فبينه وبين القرآن مناسبة في ثقل كل منهما على النفوس ، وقوله : مشق قيل إنه لم يسمع له فعل مزيد من الأفعال فالأولى أن يقول شاق ، وقوله : مضاذ للطبع أي لمقتضاه وهو بالضاد المعجمة وكونه بالمهملة(8/263)
ج8ص264
مفاعلة من الصد كما قيل : لا يلتفت إليه. قوله : ) أو رصين لررّانة لفظه ( معطوف على قوله : ثقيل ، وهو تفسير آخر له فمعنى كونه : ثقيلآ إنه لأحكام لفظه وقوة معانيه أطلق عليه ثقيل بمعنى راجح على ما عداه لفظا ومعنى لأنّ الراجح من شأنه ذلك فتجوز به عنه ، وقوله : أو ثقيل على المأمل الخ هو مجاز أيضا عن المشقة كما في الوجه الأول ، وتصفية السر بمعنى الإخلاص وتوجيه الذهن ، وقوله : في الميزان عبارة عن كثرة ثواب قارئه فهو تجوز أيضا باستعماله في لازمه ، وقوله : على الكفار أي صعب. قوله : ) أو ثفيل تلقيه ( يعني يثقل عليه نزوله والوحي به بواسطة الملك فإنه كان يوحي إليه على أنحاء منها أن لا يتمثل له الملك ، ويخاطبه بل يعرض له حال كالغشي لشدة انجذاب روحه للملأ الأعلى بحيث يسمع ما
يوحى به إليه ويشاهده ، ويحسه هو دون من معه وفي هذه الحالة كان يحس في بدنه ثقلا بحيث إن وركه كان على فخذ بعض الصحابة في تلك الحالة فكادت تكسرها ، وهذا لا يعلم حقيقته بالتقرير ، وقوله : فيفصم من أفصم إذا أقلع ومعناه يفارقه ، وقوله : يرفض بالفاء والضاد المعجمة بمعنى يسيل. قوله : ( وعلى هذا ) أي على هذا الوجه دون الوجوه المتقدمة يجوز كونه صفة للمصدر فينتصب انتصابه لقيامه مقامه ، والتقدير إلقاء ثقيلاً فليس صفة قول حينئذ ، وقوله : والجملة أي جملة إنا سنلقى أيضاً على هذه الأوجه ظاهره إنه على جميعها ما عدا الأول فإنها فيه معترضة كما صرّح به وهو كذلك لأنّ أحكامه ومتانة معانيه تناسب قراءته ليلا في التهجد ليتدبرها ، وكذا ما بعده في احتياجه للتأمل وكذا كثرة ثوابه تخفف ثقله ومشقته ، وكذا صعوبته على الكفار تقتضي قراءته ليلاً لئلا يؤذوه وهو حكمة الأسرار في صلاة النهار أوّلاً وكذا ما بعده ، فما قيل من أنه لا يتمشى في بعض الوجوه فهو تغليب كلام ناشئ من قلة التأنل فيه ، وقوله : مستأنف خبر وكان الظاهر أن يقول مستأنفة ، وقوله : للتعليل متعلق به أو خبر أوّل. قوله : ( من نشأ من مكانه إذا نهض وقام ( وفي شرح البخاري للكرماني نشأ بمعنى قام لغة حبشية عرّبوها والذي ذكره اللغويون إنه عربي من نشأت السحابة إذا ارتفعت ، والمراد به النفس القائمة كما بينه المصنف رحمه الله ، وقوله : نشأنا البيت لا أعرف صاحبه ، وقوله : نشأنا بمعنى قمنا ونهضنا ، وخوص جمع خوصاء وهي الناقة الغائرة العينين من الهزال وهو المراد هنا ، وقيل : الناقة الضخمة وتوصف به الأعين وقد تلطف بعض المتأخرين في قوله :
لطيبة قدحثتنا النوق نسري وأعينهن نحوالنخل خوص
وبري بمعنى أذهب مستعار من بري العود والقلم وألصق بمعنى نكس وخفض ونيها بفتح
النون بمعنى شحمها وصحح الفتح في الكشف ، والذي في القاموس الكسر وبعدها مثناة تحتية مشذدة ، والمشرفات العالية والقماحد جمع قمحدة وهي ما خلف الرأس يقول : قمنا إلى نياق هزلت من كثرة السير ، وقوله : أو قيام الليل فهي مصدر من نشأ بمعنى قام كالكاذبة ، وقوله : على أنّ الناشئة له أي لليل يعني مسندة إليه مجازا كما يقال : قام ليله وصام نهاره وليس المراد إنها موضوعة له كما توهم ، وقيل المراد إنّ إضافته على معنى اللام وقوله : أو العبادة التي تنشأ بالليل على أنّ الإضافة اختصاصية أو بمعنى في أو هو كمكر الليل على التجوّز في النسبة ، واذأ
كان بمعنى الساعات فالإضافة اختصاصية ، وقوله : تحدث واحدة بعد أخرى أي متعاقبة فلا يرد عدم شأوله للساعة الأولى مع أنه على التغليب فلا حاجة لتعميمه لآخر ساعات النهار كما قيل. قوله : ( هي أشدّ وطأ ) من مقابلها على التفاسير السابقة ووطأ منصوب على التمييز ، وقوله : كلفة أي تكليفا ومشقة تفسير لوطأ على أنه من قوله : اللهمّ اشدد وطأتك على مضر كما مرّ تحقيقه في سورة الفتح فيكون على هذا أفضل ، وإذا كانت بمعنى الثبات فهي من وطئ الرجل الأرض فيكون أفضل ، وأوفق بمبادي حاله فإذا أريد الساعات كلها أو بعضها يكون المراد القيام فيها ، وقوله : وقرأ أبو عمرو الخ بكسر الواو وفتح الطاء والمذ بعده على أنه مصدر واطا وطاء كقاتل قتالاً. قوله : ( لها أو فيها ( الأوّل على أنّ المراد بالناشئة النفس أي أشد وطأ لمواطأة القلب ، وقوله : فيها على إنّ المراد بالناشئة القيام أو العبادة أو الساعات أي أشدّ وطأ لمواطأة قلب القائم فيها لسانه والإسناد على هذا مجازي. قوله : ( أو موافقة ) معطوف على قوله : مواطأة القلب ، والمواطاة(8/264)
ج8ص265
الموافقة فيهما إلا أنه على الأوّل اعتبر التوافق بين القلب واللسان وعلى هذا بين الحال ، والمراد لله وهو على الوجوه كلها ولا يخفى أن الخضوع والإخلاص في الليل أقوى منه في النهار ، وقوله : وأسد مقالاً من السداد بالسين المهملة وأحسن في تفسير مقابل الأشدّ بالأمد وقيلا فيهما مصدر لكنه في الأوّل عامّ للأذكار والأدعية وفي الثاني مخصوص بالقراءة ، وحضور القلب مجاز عن عدم تشتيت الأفكار وهدّوا لأصوات بالدال المهملة سكونها وكل منهما راجع لكل مما قبله لا أنه لف ونشر إذ لا داعي للتخصيص فيه. قوله : ( تقلباً في مهماتك ) جمع مهمّ وأصل السبح المرّ السريع في الماء فاستعير للذهاب مطلقاً كما قاله الراغب وقوله : قرئ سبخا أي بالخاء المعجمة والنفش بالنون والفاء والشين المعجمة تفريق أجزاء ما ليس بعسر التفريق كالقطن والصوف فقوله : ونشر أجزائه تفسير له. قوله : ( ودم على ذكره ) فسره به لأنه لم ينسه حتى يؤمر بذكره والمراد الدوام العرفيّ لا الحقيقي لعدم إمكانه ، وقوله : ليلاً ونهارا مأخوذ من ذكره مطلقا بعد تقييد ما قبله ولأنّ مقتضى السياق أنه تعميم بعد تخصيص ، وقوله : كل ما يذكره من التذكير ، وفي نسخة يذكر به وهي تحتمل التخفيف والتشديد ، وقوله : دراسة علم يعني به العلوم الشرعية لأنها هي المذكرة بالله. قوله : ( وانقطع الخ ) لأنّ البتل القطع ، ومنه البتول للمنقطعة عن الرجال ، وقوله : جرد نفسك المراد
تفريغها عن غيره وفيه إشارة إلى ما مرّ في قوله : { أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا } فتذكره :
فما بالعهد من قدم
حتى يحتاج للإعادة وقوله : ولهذه الرمزة الخ يعني كان مقتضى الظاهر أن يقال : تبتل تبتلا فعدل عنه لما ذكر لمراعاة الفاصلة ، وليدل على أنه ينبغي له تجريد نفسه عما سواه ومجاهدته فلذا ذكر التبتيل الدال على فعله بخلاف التبتل فإنه لا يدل إلا على قبول الفعل كالانفعال وهذا أحسن ما في الكشاف. قوله : ( وقيل بإضمار حرف القسم ) وجه ضعفه ظاهر لأنّ حذفه من غير ما يسدّ مسده وابقاء عمله ضعيف جداً كما بين في العربية مع أنه خص بالجلالة الكريمة نحو الله لأفعلن كذا ، وقد نقل هذا التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال أبو حيان إنه لم يصح عنه لأنّ إضمار الجارّ لم يجزه البصريون إلا مع الجلالة خاصة ، ولأنّ الاسمية المنفية في جواب القسم تنفي بما لا غير ، وتنفي بلا الفعلية وردّه العرب بأنّ ابن مالك أطلق في وقوع الجملة المنفية اسمية أو فعلية جوابا للقسم سواء كانت منفية بما أو لا أو إن وهو غير صحيح لأنّ كلامه في التسهيل ، وإن كان ظاهره الإطلاق إلا أنه قال في شرح الكافية أنّ الجملة تقع جوابا للقسم مصدرة بلا النافية لكن يجب تكرارها إذا تقدّم خبرها أو كان المبتدأ معرفة نحو والله لا في الدار رجل ، ولا امرأة ووالله لأزيد في الدار ولا عمرو فقال ثمة أبو حيان ردّا عليه إنه غلط فإنّ النحاة لم يذكروا وقوع الاسمية منفية بلا في جواب القسم فكيف يرد عليه بما يعتقده ، وهما وغلطا ومن الناص! من اغتر به هنا. قوله : ( مسبب عن التهليل ) أي قوله : لا إله إلا هو ، ولذا قال : بعده فإن توحده الخ لا يقال إنّ هذا مقتضى ألوهيته لا مقتضى الوحدانية فإنّ مقتضاها أن لا يوكل إلا إليه لأنه لو كان له سبحانه شريكا لم يستلزم ذلك أن يفوّض له الأمور لجواز تفويضها لغيره من الآلهة ، وقيل المراد الاتكال النافع وهو لا يكون إلا بالتوحيد فتأمّل. قوله : ( بأن تجانبهم وتداريهم ا ليست المجانبة مخصوصة بالقلب فإنّ الآية مكية قبل الأمر بالقتال والمكافأة المجازاة على فعلهم وكفرهم ، وقوله : تكل الخ إشارة إلى اتصاله بما قبله وقوله : { ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ } [ سورة المزمل ، الآية : 11 ] هو معطوف أو الواو للمعية. قوله : ( وكل إلئ أمرهم ) قدم الجارّ والمجرور للتخصيص كما أشار إليه بقوله : فإنّ بي غنية عنك الخ يعني أنّ قول القائل : ذرني واياه في مقام الأمر بالاستكفاء فيه
مبالغة لأنه أمر بالترك المقتضي لعدم المنع فجعل ترك الاستكفاء منعاً وانه لو لم يكن ذلك لحصلت الكفاية قيل للإشارة إلى أنه في غاية الاقتدار عليه فقوله : ذرني والمكذبين كناية عما ذكر والتنعم الترفه ، والتقلب في أنواع النعم. قوله : ( زماناً الخ ) يعني نصب قليلاً إمّا على الظرفية أو المصدرية وذكره للإشارة إلى أن التفعيل ليس للتكثير في الفعل ولا للتدريج بل لتكثير المفعول ، وقوله : تعليل للأمر يعني لقوله : ذرني وما عطف عليه فكأنه قيل : فؤض أمرهم إليّ لأنّ عندي ما انتقم به منهم أشذ الانتقام ، وقوله : الئكل بالكسر والفتح القيد الثقيل وقيل الشديد ، وعن الشعبي إذا ارتفعوا استقل بهم ، وقوله : طعاما ينشب في الحلق أيمما يتعلق به فلا(8/265)
ج8ص266
يسوغ. قوله : ( ونوعا آخر من العذاب ( فسره به لأنّ تنوينه للتنويع ولأنه يعلم من المقابلة أيضا ، وقوله : لا يعرف كنهه إلا الله من إيهامه وتنكيره. قوله : ) ولما كانت العقوبات الأربع ) هي النكال وما بعده وشرع في بيان اشتراكها بقوله : فإن الخ والانهماك زيادة التقيد في الاستكثار من الشيء ، وقوله : تبقى مقيدة الخ ضمير حبها وبها للشهوات وهو بيان لاشتراكهما في الإنكال والقيود فقيد الأجسام حديد وقيد الأرواح عدم التجريد والبدن لمنعه لها عن الاتصال بعالم القدس والقيود والأغلال ، وترك بيان ذكر قيد الجسد لظهوره ، وقوله : متحرّقة بالتاء الفوقية أو النون بيان لجحيم الروح ، وهو بعدها عن عالم القدس وجحيم البدن معلوم ، وقوله : غصة الهجران بيان لما للروح من طعام الفجار وأمّا طعام أولئك في النار فظاهر ، وقوله : معذبة بالحرمان إشارة إلى نصيبها من العذاب المبهم ، وقد اقتدى بالإمام فيما ذكره فيكون الإنكال وما بعده مشتركاً بين عذاب الروج والبدن ، وهو مجاز في الثاني حقيقة في الأوّل فيلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز أو عموم المجاز من غير قرينة ، وليس في الكلام ما يدل عليه بوجه من الوجوه. قوله : ( فسر العذاب ( في قوله : عذابا أليما بالحرمان وهذا جواب لما ، وقد أشار لتفسيره بما ذكر قبيله يعني ، والحرمان عن لقائه مما يعذب به الأرواح لبعدها وحجبها عمن تحب والأشباج لعدم نظرها وتمتعها بلقاء من تحب ، ولما كان الرضوان أعظم ثوابا كان الحرمان أشذ عقابا ، ومن العجب ما قيل هنا إنه علق تفسير العقوبة الرابعة بالحرمان عن لقائه على كون العقوبات مشتركة ، ومن جملة ذلك كونها معذبة بالحرمان ، وفيه رائحة دور وتحير في جوابه ، ثم اعترف بأنه تشوّس عليه فهمه ، ولا يخفى أن الحرمان الذي جعله مشتركا هو الحرمان من الأنوار القدسية بحيث تبقى في ظلمة الضلال ، والغضب والمقت ولا شك في
مغايرته للحرمان عن لقائه تعالى فحديث الدورّ باطل ووجه وقوعه جواباً أنه لما علم أن ما ذكر أمور اشتركت فيها الأرواح والأجساد ، ودلّ تنكير العذاب وتهويله على أنه أعظم أنواع العذاب المشترك ولا أشذ مما ذكر فسر به كما أشرنا إليه أوّلاً لكن المدعي محتاج إلى التنوير فتدبر. قوله تعالى : ( { يَوْمَ تَرْجُفُ } الخ ) فيه وجوه فقيل إنه متعلق بذرني ، وقيل : صفة عذابا وقيل متعلق بأليماً والذي اختاره المصنف رحمه الله إنه منصوب بالاستقرار الذي تعلق به لدينا أي استقر ذلك العذاب لدينا ، وظهر يوم ترجف الخ وترجف مبنيّ للفاعل ، وقرئ مبنياً للمجهول من أرجف في الشواذ. قوله : ( رملاَ مجتمعاً ) فهو تشبيه بليغ ، وقوله : فعيل بمعنى مفعول أي في الأصل ، ثم غلب حتى صار له حكم الجوامد ، وقوله : لأنه وفي نسخة كأنه وهي المتداولة ، وأنما قال : كأنه لأنّ الظاهر إنه اسم وضع له ابتداء وليس بصفة مشبهة ، فما قيل : إنه لا يعرف لإيراد كأنه وجه لا يعرف له وجه وكونها رملا يترتب على الرجفة لكنه ترك فيه ذكر حرف التعقيب ، وعبر بالماضي مع أنّ ما تسبب عنه مضارع لتخييل أنه سبق الرجفة فكأنه حصل المسبب قبل السبب مبالغة في عدم تخلفه عنه ، واتصاله به حتى يتوهم أنه كان قبله كما قاله بعض الفضلاء ، وقوله : منثورا أي صارت ككثيب انتثر وكونه كثيبا باعتبار ما كان عليه قبل النثر فلا تنافي بين كونه مجتمعا ومنثورا وليس المراد إنها في قوّة ذلك ، وصدده كما توهم ولا فرق بيته وبين تفسيره بما يطرج تحت الأرجل كما قيل. قوله : ( من هيل هيلاَ إذا نثر ) كلاهما فعل مجهول ، وقوله : يا أهل مكة فيه التفات من الغيبة في قوله : فاصبر على ما يقولون والمكذبين إن كان الخطاب لهؤلاء ، والمراد بهم المكذبون من أهل مكة فإن كان هذا عاما فالظاهر أنه ليس من الالتفات في شيء ، وقوله : بالإجابة والامتناع عدل عما في الكشاف من قوله : يشهد عليك بكفركم وتكذيبكم لأنّ أهل مكة شامل للمؤمنين والكافرين وتخصيصه لأنه المناسب للمقام فليس ما هنا أولى منه ، وقوله : لأن المقصود الخ إذ المقصود ذكر من تكبر على الرسل وعاقبته وقد يقال : لم يعين لأنه معلوم غنيّ عن البيان. قوله : ( عرقه لسبق ذكره ( ولو نكر أوهم مغايرته له وليس بمراد فالتعريف فيه للعهد الذكري ، وقوله : لا يستمرأ أي لا يعد مريئا لذيذاً ، وقوله : للمطر العظيم أي العظيم قطره. قوله : ) فكيف تتقون أنفسكم ( لا يخفى ما فيه فإن اتقى لا يتعدى لمفعولين حتى يقدر له مفعول آخر وأنما الذي غرّه قول الزمخشري في تفسيره فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة ، وهوله إص وقد ناقشه(8/266)
ج8ص267
أبو حيان بأن اتقى
متعد لمفعول ووقى لاثنين فكيف يفسر به ولا وجه له وما قيل اعتذاراً للمصنف بأنه جعل يتقون بمعنى يقون فعداه لمفعولين كما فسره به جار اللّه خطأ صريح كما أنّ ما قبله تعصب قبيح. قوله : ( عذاب يوم ) يشير إلى أنه مفعول به بتقدير مضاف فيه لأنّ المخوف عذابه لا هو ، ولو جعل نفسه مخوفاً لم يبعد ، ويكون هذا بيانا لحاصل المعنى وفي الكشاف يجوز في يوما أن يكون ظرفاً أي كيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا ، ويجوز أن ينصب بكفرتم أي كيف تتقون اللّه ، وتخشونه أي جحدتم يوم القيامة والجزاء ، وقوله : وهذا على الفرض والتمثيل بالعطف بالواو في بعض النسخ على أنه وجه واحد ، والمعنى أنه شبه يوم القيامة وما فيه من الأهوال بيوم يسرع فيه التسبب لهجوم الهموم والأحزان ، ثم أطلق لفظ المشبه به على المشبه وشاع فيه حتى صار مثلا إذ لا يصير الولدان شيباً حقيقة فهو تمثيل بيوم مفروض إذ لا نظير له في الخارج ، وأمّا على النسخة المشهورة وهي العطف بأو الفاصلة فقيل عليه إنه لا يعرف له وجه فليتأمّل. قوله : ( وأصله أنّ الهموم الخ ا لأن الروج ينقبض إلى داخل فتنطفئ الحرارة الغريزية ولا تنضج الغذاء فيستولي البلغم على الأخلاط ، وهو موجب لابيضاض الشعر بتقدير العزيز الحكيم ، ولذا قيل :
فإنّ الشيب نوار الهموم
قوله : ( ويجوز أن يكون وصف اليوم بالطول ( لتعارفه أولاً فيما بينهم فإذا وصفوا يوما
بأنه طويل يقولون فيه ذلك فكان مقدار أيام لو عدت كانت سنين يبلغ بها الطفل سن الشيخوخة ، وورد هذا على ما تعارفوه كقولهم : ما لاح كوكب ، ونحو. فلا يرد ما في الكشف من قوله فيه ضعف لأنه أطول من ذاك وأطول فليس المراد على هذا وصفه بالشذة بل هو كناية عن طوله ، وليس المراد به التقدير الحقيقي. قوله : ( والتذكير ) إن قلنا إنه مؤنث سماعي فإن كان يجوز تذكيره وتأنيثه من غير تأويل كما تقل عن الفرّاء فلا حاجة لتأويله والا فيؤوّل بما ذكر ، وقيل : هو للنسب أي ذات انفطار ، وفيه نظر. قوله : ( بشدّة ذلك اليوم ) وقع في نسخة باللام ولفظ به متصل بمنفطر وفي غيرها بالباء مع تأخر لفظ به عند. فهو تفسير له ، وقوله : على عظمها الضمير للسماء ولم يذكره لإيهامه العود على اليوم وهو متعلق بمشتق ، وقوله : الباء للآلة على جعله آلة للشق مبالغة في شدّته. قوله : ( الضمير لله عز وجل ا لعلمه من السياق ، وهو مصدر مضاف لفاعله كما أشار إليه المصنف ، وقوله : الموعدة بزنة اسم الفاعل مخففا ومشدّداً وجوّز الفتح فيه على معنى موعد بها ، وهو تكلف ومعناه الناطاقة
بالوعيد والمراد الآيات القرآنية ، وقوله : إن يتعظ قدره به لمناسبة ما قبله وهو قوله : إنّ هذه تذكرة أي عظة والمعروف في مثله أن يقدر من جنس الجواب أي فمن شاء اتخاذ سبيل لله فل ، والمراد أنه يستقيم ويحكم عليه بأنه اتعظ إلا أن يراد بمشيثته الاتعاظ الاستطاعة المقارنة للفعل وفيه نظر. قوله : ( أي يتقرّب إليه ) يعني اتخاذ السبيل سبب للتقرب فذكر السبب وأريد مسببه فهو الجزاء في الحقيقة فالمعنى من نوى أن يحصل له الاتعاظ تقرّب إلى الله فقربه سبب لتقربه له كما يدل عليه عقد الشرطية ، وهو سبب بعيد. قوله : ( استعار الأدنى الخ ) يعني أنه في الأصل اسم تفضيل من دنا إذا قرب فاستعير للقلة بتشبيه أحدهما بالآخر وظاهر كلام المصنف أنه مجاز مرسل ، واستعارة لغوية لأن القرب قلة الأحياز بين الشيئين فاستعمل في لازمه وفي مطلق القلة. قوله : ( وقرأ ابن كثير الخ ) في الكشاف قرئ بالنصسب على إنك تقوم أقل من الثلثين وتقوم النصف والثلث ، وهو مطابق لما مرّ من التخيير بين قيام النصف بتمامه وبين قيام الناقصى منه ، وهو الثلث وبين قيام الزائد عليه وهو الأدنى من الثلثين ، وقرئ بالجرّ أي تقوم أقل من الثلثين ومن النصف والثلث ، وهو مطابق للتخيير بين النصف وهو أدنى من الثلثين والثلث وهو أدنى من النصف والربع وهو أدنى من الثلث وهو الوجه الأخير ا هـ ، وفيه إشارة إلى أنّ الاعتماد على الوجه الثاني والأخير وما سواهما احتمالات كما قيل ، والتفاوت بين القراءتين معلوم له تعالى وإن لم يجتمعا لأنّ الاختلاف بحسب الأوقات فوقع هذا في وقت ووقع هذا في آخر فكانا معلومين له والأمر إن كان وارداً كالأكثر لزم إمّا مخالفة النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أمر به أو اجتهاده والخطأ في موافقة الأمر ، وكلاهما غير صحيح أما الأوّل فظاهر وأما الثاني فلأنّ من جوّز اجتهاده وخطأه فيه يقول : إنه لا يقرّ على الخطأ كما(8/267)
ج8ص268
ذكره البزدوي فالصواب إنه وارد بالأقل لكنهم زادوا حذرا من الوقوع في المخالفة كما روي وفي كلام المصنف فيما بعده إشارة إليه هذا حاصل ما في بعض الحواشي ، وفيه يحث. قوله : ( ويقوم ذلك جماعة الخ ) إن لم نقل بفرضية قيام الليل مطلقاً أو على غير النبيّ صلى الله عليه وسلم من المؤمنين بأن يجب عليهم دونهم فلا كلام فيه وإن قلنا بالفرضية في صدر الإسلام على الكل ، فالآية لا تخالفه أيضاً بناء على ما يتبادر من التبعيضية فإنه لا يتعين كونها تبعيضية بل تجعل بيانية ، وأما احتمال الفرضية على الجميع وأن يقوم البعض في بيته والبعض معه !لئبعيض باعتبار المعية فيأباه ظاهر النظم ، وكلام المصنف ولا حاجة إلى دعوى ظهور فساده لما فيها من الفساد. قوله : ( كما هي إلا الله ( زأد كما هي ليصح الحصر وهو توطئة لما بعده ،
وقوله : يشعر بالاختصاص إشارة إلى أنه لا يتعين فيه ذلك كما في الكشاف ، فإنه مخالف لما بينه السكاكي من عدم إفادة هو عمرو وأمثاله الحصر فإن اختص بالجلالة الكريمة ، وبناء فعل من أفعاله تعالى عليها لا يجري في جميع ما ذكر ونقل المخالفة فيه بينهما كما ذهب إليه بعض شراح الكشاف وفي كلام المصنف إشارة مّا إليه ، وقوله : ويؤيده أي يؤيد أنّ المراد الحصر فيما ذكر ، وقوله : لن تحصوا عدد الأوقات إشارة إلى أنّ الضمير عائد لمصدر مقدّر كاعدلوا هو ولذا أفرد وذكر ولم يقل بخصوصهما لاحتماله لغير المراد منه يعني أنه تعبير لتفاوت مقادير الأيام والليالي ، ففرض مقدار معين منه دائما يشق عليهم. قوله : ( بالترخيص! في توك القيام الخ ) إشارة إلى أنّ المراد بقوله : تاب عليكم ليس قبول التوبة فإنه غير مناسب هنا كما في غير. بل هو استعارة للترخيص وعدم المؤاخذة كما أنّ من قبلت توبته لا يؤاخذ فسببه الترخيص بقبول التوبة في رفع التبعة واستعمل لفظ المشبه به في المشبه كما في قوله : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ } [ سورة البقرة ، الآية : 187 ، والتبعة بفتح التاء المثناة وكسر الموحدة الإثم والمؤاخذة به ، وقوله : المقدر أي هنا وفيما تقدم من قوله : قم الليل. قوله : ) كما عبر عنها الخ ) يعني أنه مجاز ذكر فيه البعض وأريد الكل ، وقوله : على التخيير المذكور كما فصله ، وقوله : فنسخ به أي بهذا الترخيص في عدم تعين مقدار معين منه ووجوب مقدار مّا منه ، ثم نسخ بالصلوات الخمس! وفي بعض الشخ ترك قوله : فنسخ به فكأنه لم يجعل رفع التقدير مع بقاء الوجوب نسخاً وفيه نظر.
تنبيه : في شرح البخاري لابن حجر ذهب بعضهم إلى أنّ صلاة الليل كانت مفروضة ،
ثم نسخت بقيام بعض الليل مطلقاً ، ثم نسخ بالخمس وأنكره المروزي وذهب بعضهم إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة اهـ ، وقوله : أو { فَاقْرَؤُوا } الخ فالأمر بالقراءة على ظاهره من غير تجوّز فيه فيكون رخص لهم في ترك جميع القيام ، وأمروا بقراءة شيء من القرآن ليلا من غير مشقة عليهم لينالوا ثوابه بالأحياء بالقراءة والأمر للندب وفيما قبله للإيجاب. قوله : ( يبين حكمة أخرى ( يعني غير ما تقدم من عسرة إحصاء تقدير الأوقات ، وقوله : ولذلك أي لكون هذا حكمة للترخيص كرّر الحكم بقوله : فاقرؤوا ما تيسر منه وفي قوله : مرتبا عليه أي على الاستئناف إشارة إلى أن اختلات المرتب عليه فيهما بحسن
التكرار ، وقوله : وقال هكذا هو بالواو فيما رأينا من النسخ وفي بعضها بالفاء فقال : والأولى أصح لما في هذه من الإبهام لغير المراد وإن أمكن أن يبين لها وجه آخر كما قيل : إنّ المراد تكرير الحكمة المقتضية مع الحكم ، ولذا قال فقال الخ وكرّر فعل العلم للإيذان بأنّ كلا منهما حكمة مستقلة في الترخيص. قوله : ( والضرب في الأرض ) وحقيقته السير والسفر وفي الآية الإشارة إلى أت السفر لكسب الحلال ونحوه فيه أجر كأجر المجاهد لما قرنه به مع ما فيه من المخاطرة واحتمال الهلاك المقرب له منه وقوله : الصلاة المفروضة فيه بحث لأنه إن أريد بها ما مرّ ينافي الترخيص ، وإن أريد بها غيرها فهو لم يفرض حين نزول الآية فليتأمل. قوله : ( وآتوا الزكاة الواجبة ) هذا إمّا بناء على أنّ هذه الآية مدنية لأنّ الزكاة لم تفرض بمكة أو فرضت من غير تعيين للانصباء والذي فرض بها تعيين الانصباء ، والقول بتقدم النزول على الحكم لا وجه له مع أنّ القائل قد صرّج بما ذكر في غير موضع ، وقوله : المفروضة والواجبة تفنن في العبارة لأنّ الشافعية لا ي!فرقون بين الفرض والواجب. قوله : ( أو بأداء الزكاة على أحسن وجه ( بكونها من أطيب ماله واعطائها للمستحق من غير تأخير لأن القرض لما كان يعطى بنية الأخذ لا يبالي بأقي(8/268)
ج8ص269
شيء وأيّ مقدار يعطي منه ولكونه محقق الرجوع إليه دل التعبير به على تحقق العوض هنا ، والترغيب بالنصب معطوف على الأمر والضمير للإنفاق أو للأداء ، وقوله : أو متاع الدنيا بالجر عطف على الذي تؤخرونه وهو مفضل عليه باعتبار الخيرية أو على الفرض ، أو المراد ما ينفق منه ووقع في بعض النسخ من أجر الذي الخ وقوله : أجراً في النظم لا ينافيه كما توهم نعم إسقاطه أحسن. قوله : ( وهو تثيد ) أي لضمير تجدوه وإن كان بصورة المرفوع والمؤكد منصوب لأنّ هو يستعار لتأكيد المجرور والمنصوب ، كما ذكره الرضي وقوله : أو فصل يعني ضمير فصل وهو في الأصل للفصل بين الصفة ، وغيرها ولذا اشترط النحاة وقوعه بين معرفتين ومنعوا اطراده في غير ذلك إلا أفعل التفضيل فإنه يشبه المعرفة كالعلم في امتناع دخول أل عليه فأعطى حكمها في ذلك كما أشار إليه المصنف ، وقوله : على الابتداء والخبر يعني والجملة مفعول ثان ، وقوله : في مجامع
أحوالكم أي جميعها ، والحديث المذكور موضرع تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وا-له وصحبه أجمعين.
سورة المدثر صلى الله عليه وسلم
مكية على الأصح لا بالإجماع كما قيل لأنّ منهم من استثنى منها آية وما جعلنا عدتهم
الآية وآياتها خمس أو ست وخمسون على اختلاف.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( المثدثر ) يعني هذا أصله فأدغم ، وقوله : لابس الدثار بكسر الدال وهو ما فوق القميص الذي يلي البدن ويسمى شعاراً لاتصاله ببشرته وشعره ، وقوله : بحراء بكسر الحاء والمد جبل معروف بقرب مكة ويجوز صرفه وعدمه ، ويقال : حرى كعلى في لغة غريبة ، وقوله : على العرش في نسخة قاعد على العرش وتوله : فرعبت معلوم كمنعت كما في القاموس وككرصت كما في شرح البخاري وهو لازم متعدّ ولا يلزم في اللازم ضم العين كما توهم ومجهول بضم أوّله وكسر ثانيه ، كما روي في الحديث وذكره أهل اللغة ومعناه فيهما فزعت وخفت. قوله : ( ولذلك قيل هي أوّل سورة نزلت ) أي لما وقع في هذه الرواية فإنها تدل على أنه لم يعرف الوحي وجبريل قبله ووجه تمريضه ظاهر فإنه لا دلالة فيه على أنه أوّل وحي لأنّ ارتعاده وحما. لرؤيته له على صورة مهيبة لم يرها قبل ، وقيل : لغير ذلك على وجوه. في شرح البخاري ولا يجاب عما أورد عليه كما روي من أنّ أوّل نازل { اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ } بأن هذه أوّل سورة نزلت بتمامها ، وتلك أوّل آيات نزلت منها لأنه غير مسلم أيضا لأن أوّل سورة نزلت الفاتحة كما مرّ واتفاقهم على نزول ذرني ومن خلقت الآيات في الوليد يقتضي أنها لم تنزل بتمامها إذ هذه الآيات نزلت بعد محاورة ، وأمر جرى بعد الدعوة والتحدي فتتأخر عن بدء البعثة. قوله : ( وقيل تأذى من قريش الخ ( وهذا كما يفعله من يريد التوجه لما فكر فيه فيستر
نظره ليجتمع خاطره أو هذا كما يفعله المغموم ، وقوله : المتدثر بالنبوّة إمّا أن يراد المتحلى بها والمتزين كما إنّ اللباس الذي فوق الشعار يكون حلية لصاحبه وزينة ، ولذا يسمى حلة فلا يرد أنّ تشبيه الكمالات النفسية بالشعار أولى ، وأمّا القول بأن التشبيه بالدثار في ظهورها ففيه قصور لأنّ الأمر النفساني لا يظهر والظاهر آثاره ومآله لما ذكرناه وكذا القول بأنه شبه به في الإحاطة. قوله : ( أو المختفي الخ ) لأنّ الدثار يواري البدن فيخفيه فأطلق المدثر وأراد به الغائب عن النظر على الاستعارة ، والتشبيه لأنه كان بغار حراء كذلك فما قيل من أنه لم يوجد في اللغة المدثر بمعنى المختفي سهو لأنه ليس! معنى حقيقيا حتى يذكره أهل اللغة ، والذي أوقعه في الغلط قول المصنف كالمختفي لأنه توهم أنه المشبه به ، وليس بمراد له لكنه تسمح في العبارة لأنّ المختفي من يقصد إخفاء نفس!ه خوفا من الناس فجعله مختفيا أوّلاً بمعنى الغائب عن النظر ، والثاني بالمعنى المتعارف والحاصل أنه شبه أحد فرديه بالآخر وقد وقع للقائل خبط هنا ، وقوله : على سبيل الاستعارة التبعية في الوجهين. قبله : ( وقرئ المدثر ( يعني بتخفيف الدال وتشديد الثاء المكسورة(8/269)
ج8ص270
أو المفتوحة على زنة الفاعل أو المفعول ، وهي قراءة شاذة تنسب لعكرمة وكلام المصنف ينزل عليهما سوأء كان دثر معلوماً أو مجهولاً وهو الظاهر والمعنى أنه معوّل عليه فالعظائم من الأمور منوطة به ما جل منها والحل والعقد مربوط به فكأنه قيل يا من توقف أمور الدنيا عليه لأنه وسيلتهم عند الله ، وقوله : عصب به الضمير راجع للإنسان المنوط به الأمر ونائب الفاعل ضمير الأمر المستتر ودثر هذا الأمر هذا فيه نائب الفاعل وليس منصوبا على نزع الخافض كما توهم فإنه من الخطا في فهمه ، وفي الأساس الأمور تعصب برأسه وقال النابغة :
حتى تمرّوه معصوباً بلمته نفع القبائل في عرنينه شمم
فافهم ، وقوله : عصب يعني سد لا أحيط كما توهم وأنما حمله على هذا لأنه أبلغ وقراءة الكسر لا تلائم المعنى الأوّل والظاهر أن يراد بالمزمل والمدثر الكناية عن المستريح الفارغ لأنه في أوّل البعثة فكأنه قيل له : قد مضى زمن الراحة وجاءتك المتاعب من التكاليف ، وهداية الناس لقوله : فإذا فرغت فانصب وهو لا ينافي إرادة الحقيقة فتأمّل. قوله : ( قم من مضجعك ( هو على التفسير الأوّل والثاني والثالث وما بعده لما بعده وقال أبو حيان : إنها هنا من أفعال الشروع كقولهم : قام زيد يفعل كذا وهي من أخوات كان ، ولا يخفى بعده هنا لأنه استعمال غير مألوف وورود الأمر منه غير معروف مع احتياجه إلى تقدير الخبر فيه وكله تعسف. قوله : ( فأنذرا لم يقل وبشر لأنه كان في ابتداء النبوّة والإنذار هو الغالب لأن البشارة لمن دخل في
الإسلام ولم يكن إذ ذاك أو هو اكتفاء لأنّ الإنذار يلزمه التبشير ، وقوله : مطلق للتعميم أي ينزل منزلة اللازم ولا يقدر له مفعول لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح أو التقدير بغير حاجة إذ لم يقصد منذر مخصوص ، وما قيل : إنّ المراد أنه مطلق عن التعلق بمفعول معين بلفظ خاص أو عام أو مطلق عن قرينة تدل على تقدير مفعول معين ويبعد أن يراد تنزيله منزلة اللازم للتعميم في مصدره خطأ ، وخبط عظيم ولا يلائمه ما بعده ، وقوله : دل عليه قوله : وأنذر يعني خاصا لمناسبته لابتداء الدعوة في الواقع أو عام لقوله : إلا كافة الخ والى الوجهين أشار المصنف. قوله : ) وخصص! ربك الخ ) فتقديم مفعوله للتخصيص والكبرياء بالمذ العظمة ، وقوله : عقدا يعني به الاعتقاد بقلبه والاعتقاد افتعال من العقد أيضا وهذا وارد بمعناه ، وقوله : روي الخ الأولى تركه لأنه يقتضي تشككه أوّلاً وقوله : وأيقن أنه الوحي وقع في نسخة وعلم فقيل : هو على صيغة المجهول أي علمت خديجة أو المعلوم أي علم النبيئ-شب! ، وهو الظاهر لموافقته معنى للنسخة الأخرى وعكس الترتيب بين كبر وعلم سهل. قوله : ( والفاء فيه وفيما بعده الخ ( يعني أنها دخلت في الكلام على توهم شرط أو تقديره فيه ، وهو قريب من قول النحاة في زيدا فاضرب قالوا تقديره تنبه فاضرب زيداً فالفاء في جواب الأمر المضمن معنى الشرط أو في جواب شرط محذوف وقد تقدم فيه كلام في سورة البقرة ، وقوله : لإفادة معنى الشرط لم يصرّج بالتقدير لما عرفت ، وقوله : وما يكن وفي نسخة من شيء بعده وما شرطية وكان المقدرة هنا تامّة بمعنى وجد وحدث والفاء جزائية ، وهي مزحلقة فلا يضر عمل ماً بعدها فيما قبلها. قوله : ( أو الدلالة على أنّ المقصود الخ ( معطوف على إفادة وهو يعني به أنها للتعقيب والترتب من غير مهلة وتكبيره ، وتعظيمه كناية أو مجاز عن التنزيه عن الشريك فالأمر بالتكبير نهي عما ذكر والنهي بحسب الظاهر للنبيّ ىلمجي! والمقصود نهى ما عداه بطريق التعريض هكذا قرّره أرباب الحواشي وليس في كلامه ما يفيد ما ذكر لأنها إذا كانت لإفادة التعقيب على القيام تكون عاطفة عليه قالوا ، وحينئذ لا وجه له فالظاهر الواو بدل أو فإن ما قبله لا ينافي ما ذكر فتدبر وقوله : تنزيهه أي عما ذكر أو عن كل ما يجب التنزيه عنه فيدخل فيه ما ذكر دخولاً أوّلياً وقوله : كانوا مقرين لقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ سورة
الزمر ، الآية : 38 ] ولكنهم كانوا مشركين مشبهين وحينئذ فأوّل ما يجب عليهم التكبير وتنزيهه عما ذكر. قوله : ( بتقصيرها ) وفي نسخة لتقصيرها وفي أخرى كتقصيرها والأولى أصح رواية ودراية فالأمر بتطهيرها كناية عن الأمر بتقصيرها والأمر الحقيقيّ مراد أيضا ، أو هو مجاز عنه للزومه له وقد جمع مع الحقيقة لجوازه عند المصنف ، والعادات المذمومة عند العرب أو الناس كلهم ، وقوله : أو طهر نفسك الخ فتطهير الثياب كناية عن تطهير النفس عما تذم به وتهذيبها لأن من(8/270)
ج8ص271
لا يرضى نجاسة ما يماسه كيف يرضى بنجاسة نفسه يقال : فلان طاهر الثياب وطاهر الجيب ونقي الذيل والأردان إذا وصف بالسلامة من العيوب والأخلاق الرديئة. قوله : ( فيكون أمرا باستكمال القوّة العملية الخ ) استكمال القوّة من وثيابك فطهر على هذا التفسير فإنّ تطهير النفس عن المذمة لا يتيسر بدون الأعمال الشاقة والمجاهدة والرياضة حتى يتصفى عنه كما بين في علم الأخلاق ، وقوله : باستكمال القوّة النظرية هو من قوله : وربك فكبر لأنّ تعظيمه بنعوت الجلال وتنزيهه عما لا يليق بكبريائه إنما يظهر لمن كان تام العقل كاملا في قوّة النظر ، ولذا قال : بعد أمره فتدبر. قوله : ( فطهر دثار النبوّة الخ ) هذا على تفسير المدّثر بالمتدثر بالنبوّة والكمالات النفسانية كما في بعض الحواشي ، ولذا أخره المصنف فالثياب هي الدثارات يعني آثار صفاته النفسانية الظاهرة عليه وأنوار النبوّة الساطعة من مشكاة ذاته ومن لم يفهم مراده اعترضر عليه بأنه لا يلائمه جمع ثيابك لأنّ الثياب حينئذ الصفات الملتبسة به التباس الثياب بلابسها فافهم. قوله : ( واهجر العذاب الخ ) فالمراد بالرجز هنا العذاب ، وهجره عبارة عن هجر ما يؤدّي إليه من الشرك والمعاصي ولما كان المخاطب به النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بريء عن ذلك كان أمراً لغيره بطريق التعريض كقوله :
إياك أعني فاسمعي يا جارة
أو المراد الدوام على هجره وهو الذي عناه المصنف بقوله : بالثبات الخ فالرجز مجاز
وقد أقيم مقام سببه ، أو هو بتقدير مضاف أي أسباب الرجز أو التجوّز في التشبيه. قوله : ( وقرأ يعقوب وحفص! والرجز بالضتم ) يعني بضم الراء وهي لغة في المكسور وهما بمعنى ، وهو العذاب وعن مجاهد أنه بالضم بمعنى الصنم وبالكسر العذاب. قوله تعالى : ( { وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } ) فيه تفاسير للسلف فعن ابن عباس لا تعط عطية لتعط ! أكثر منها ، وعن الحسن
والربيع لا تمنن بحسناتك على الله مستكثراً لها فتنقص عند الله وعن مجاهد لا تضعف عن عملك مستكثرا لطاعتك ، وعن غيره لا تمنن بما أعطاك الله من النبوّة والقرآن مستكثراً به الأجر من الناس قال الرازي : وهو محتمل لها كلها فالوجه حمله على معنى عام شامل لها ، وفيه نظر فقوله : ولا تعط مستكثراً على أنّ النهي عن المن بمعنى الإعطاء من من بمعنى أنعم والاستكثار على ظاهره والسين للطلب أي طالبا أكثر مما تعطي ، وهذا هو تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو المتبادر منه فلذا قدّمه لأنه أقوى رواية ودراية ، وقوله : نهى بصيغة المصدر وهو أولى أو الماضي المجهول والاستغزار استفعال من غزر بالغين والزاي المعجمتين ، ثم راء مهملة بمعنى كثروا لاستغزار كما ورد في الحديث أن يهب هبة يريد بها عوضاً أكثر منها وهو مكروه وقد نهى عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقوله : وهو الخ تفسير له ، وقوله : في عرض المراد به متاع وشيء من أمور الدنيا. قوله : ( نهي تنزيه ) أي لا تحريم فإن كان النهي خاصاً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فالنهي للتحريم لأنّ الله تعالى اختار له أكمل الصفات ، وأشرف الأخلاق فامتنع عليه أن يهب لعوض أكثر وهذا لم يصدر عنه حتى ينهى ، ويحرم عليه فهو بعيد ولذا أخره المصنف رحمه الله ، وقوله : لقوله الخ فإنه يدل على عدم النهي فما ورد يكون نهياً له خاصة ، وهذا الحديث موقوف على شريح رواه ابن أبي شيبة ، وقوله : الموجب له أي المقتضي للنهي عن الاستغزار ما ذكر والحرص ظاهر للطلب المذكور والضنة بكسر الضاد البخل لأنه لو كان كريماً لم يقصد بهبته عوضا. قوله : ( أو لا تمنن على الله تعالى بعبادتك الخ ( فمتعلقه مقدر وهو بعبادتك ، والمن بمعنى تعداد الجميل من من عليه إذا ذكر صنيعه معه وا!جمن على هذا ليست للطلب بل للوجدان والمعنى وجده وعده كثيراً فإن أريد به استكثار الأجر فهي للطلب والأجر كالأجرة النفع الدنيوي. قوله : ( وقرئ تستكثر بالسكون ) وهو حال كما أشار إليه المصنف فالسكون للوقف حقيقة أو بإجراء الوصل مجراه ، وقيل : تسكينه للتخفيف وليس جزما أو هو جزم على البدلية من تمنن المجزوم بلا الناهية ، وهو بدل اشتمال لأنّ المن بمعنى الإعطاء أو تعداد الجميل يشتمل على عد. أو وجدانه كثيراً وأمّا كونه بدل كل من كل على اذعاء الاتحاد فتكلف مستغنى عنه. قوله : ( على أنه من من بكذا الخ ) كان عليه أن يفسره ، والمراد أنه من المن بمعنى الاعتداد بما أعطى لا الإعطاء نفسه ، وفيه لطف لأنّ الاستكثار مقدّمة المن فكأنه قيل :
لا تستكثر فضلا عن المن كما في الكشف. قوله : ) وبالنصب على إضمار أن )(8/271)
ج8ص272
وأصله لا! تستكثره فقدر فيه أنّ واللام ، وأنما صزج بإضمار أن لأنّ إضماره في مثل هذا على خلاف القياس فالمن بمعنى الإعطاء ، وقوله : قرئ بها أي بأن ظاهرة وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه والرفع إذا كان بحذفها لا تكون الجملة حالية ، وقوله : أحضر الوغى من بيت وهو :
ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى وإن شهد اللذات هل أنت مخلدي
وقد تقدم ، وإن أحضر روي بالرفع والنصب ، وقول أبي حيان أنه لا يجوز إلا في الشعر
وفي صحة الحالية مندوحة عنه غير صحيح فإنّ المخالف للقياس بقاء عملها ، وأمّا الحذف والرفع فلا محذور فيه ، وقد أجازه النحاة. قوله : ( ولوجهه أو أمره فاصبر ) الظاهر أنّ الوجه هنا ليس بمعنى الذات إذ لا وجه لإقحامه بل المراد به التوجه إلى الله وقصد جهته وجانبه ، وقوله : أمره أي لامتثال أمره ، وقوله : فاستعمل الصبر إشارة إلى أنه هنا منزل منزلة اللازم والصبر تعريفه للجنس لا للاستغراق كما قيل لأنّ المصدر الذي يدل عليه الفعل لا عموم له كما صزج به في الأصول إلا أنّ عدم تقدير المتعلق يفيد العموم ، إذ لو قصد تعلقه بأمر خاص قدر ، وقوله : أو فاصبر الخ على تقدير متعلق له خاص به ولا عموم فيه كما توهم. قوله : ( وأصله القرع الخ ) يعني أنّ هذا أصله ومنه منقار الطائر لأنه يقرع به ولما كان الصوت يحدث بالقرع تجوّز به عنه ، وأريد به النفخ لأنه نوع من الصوت ، وقوله : لقاء للسببية لأنّ عسر ذلك اليوم ويسره سببه صبره على أذاهم فإنه يفضي إلى عسر ذلك اليوم على الكافرين ، ويسره على المؤمنين في الخارج كما أشار إليه المصنف رحمه الله لا بحسب الوجود الذهني كما قيل. قوله : ( اصبر على زمان صعب ) صبر يتعدى بعلى كما في قوله تعالى : { الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء } [ سورة البقرة ، الآية : 177 ] ومن غفل عنه قال : إن على فيه تعليلية وإن الأظهر أن يقول : بدله إلى زمان الخ والمراد بالزمان الصعب زمان مقاساة الأعداء في الدنيا ، قال! في الأساس صبرت على ما أكره وصبرت عما أحب وصابرته على كذا انتهى. قوله : ( وإذا ظرف لما دل عليه قوله فذلك الخ ) فالمعنى إذا نقر في الناقور عسرت الأمور فإنّ ذلك اليوم عسير غير يسير ، وقوله : وقت النقر يعني المفهوم من قوله : فإذا نقر ، وقوله تعالى يومئذ بدله أي بدل من ذلك الواقع مبتدأ ولكنه مبنيّ على الفتح لإضافته للمبني فلذا لم يظهر أثر الإعراب فيه ، وقوله : أو ظرف
لخبره يعني يوم عسير خبر ذلك ويومئذ ظرف مستقر صفة للخبر فلما تقدم عليه صار حالاً فالتقدير كائنا يومئذ. قوله : ( فذلك الوقت الخ ) قيل إنه قدره هكذا ليصح كونه ظرفاً للخبر لئلا يكون الزمان ظرفاً للزمان فلذا قدّر مصدراً هو المظروف ، وهو الوقوع والظاهر أن هذا تصوير للمعنى ببيان محصل المراد مته ، وإن الوقت مرفوع صفة ذلك لأنه إشارة لوقت النقر كما صرّح به ، وقوله : وقت وقوع الخ توجيه لتعلق يومثذ بالخبر لا أن فيه مضافا مقدراً ، وقيل : إن المعنى ذلك بعد الظرفية والوقت منصوب على الظرفية ويومئذ عبارة عن وقت النقر والتصريح بلفظ الوقوع لإبراز المعنى والتفصي عن جعل الزمان ظرفا للزمان برجوعه إلى الحدث لا تقدير له في الكلام حتى يرد أن المصدر لا يعمل فيما قبله هذا ما قالوا ، ولك أن تقول المراد بيومئذ يوم القيامة ، وهو ممتد غير متناه ووقت النقر جزء منه فالمعنى ، وذلك وقت النقر يوم عسير حال كونه في يوم القيامة فالظرفية من ظرفية الجزء في الكل فلا حاجة للفظ الوقوع انتهى وفيه نظر. قوله : ( تثيد يمنع الخ ا لأنه لو لم يؤكد اقتضى ثبوت عسره في الجملة ، ولو من وجه وهذا كما قرّره في قوله : { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا } [ سورة الكهف ، الآية : ا ] وقوله : يشعر بيسره على المؤمنين لأنّ قوله : على الكافرين خصوصاً إن جعل متعلقاً بيسير يفهم منه أنّ عسر. وشدته مخصوص بالكفرة ، ولا حاجة إلى جعل على الكافرين متعلقا بيسير والاعتذار عن تقدم معمول المضاف إليه على المضاف بجوازه في غيره حملاً على لا ونحوه كما قيل. قوله : ( نزل في الوليد بن المغيرة ) قيل : من غير اختلاف فيه ، وقوله : وحدي مأخوذ من السياق وهو إشارة إلى ما مرّ في قوله : ذرني والمكذبين ، وقوله : معه بيان للمراد وايماء إلى كون الواو في قوله : ومن خلقت يجوز فيها العطف والمعية كما مرّ ، وقوله : لم يشركني الخ أي لم يشاركني ويشرك من باب علم يعلم ، والمقصود من ذكر تفرّده بخلقه إنه كاف للانتقام منه لما عرفت من كمال اقتداره ، وقوله : ذم أي منصوب بأذم ونحوه مقدراً وقوله : كان ملقبا به أي لا إنه حدث له ذلك اللقب(8/272)
ج8ص273
بعد نزول الآية كما هو أحد وجهيه ، وقوله : إرادة بالنصب معطوف على قوله : تهكماً ، وقوله : فإنه كان زنيماً أي دعيا لم يعرف نسبه للمغيرة حقيقة كما مرّ في سورة نون كما قيل : فأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
وقوله : مبسوطاً كثيراً يعني أنّ الممدود تجوّز به عن الكثرة وهي إما له مع قطع النظر عن
النماء كما في الوجه الأوّل أو بالنظر إليه كما في الثاني ، وهذا هو الفرق بين الوجهين ، والضرع أصل معناه الثدي ، والمراد به الحيوانات التي تقتنى إما مجازا أو بتقدير ذوات الضرع. قوله : ) حضورا الخ ( فشهودا جمع شاهد بمعنى حاضر ، والمراد إمّا الحضور مع أبيهم لعدم احتياجهم للسفر فيكون كناية عن كثرة النعم ، ووفرة التبع والخدم أو مع الناس في المحافل فهو عبارة عن راسة بنيه كابيهم ، وقوله : أسلم منهم ثلاثة خالد وعمارة وهشام تبع فيه الزمخشري ، وهو غلط سبقهم إليه كثير من المحدثين والمفسرين قال ابن حجر في الإصابة عمارة بن الوليد بن المغيرة ابن عبد الفه بن عمر بن مخزوم استدركه ابن فتحون وعزاه لمقاتل فإنه قال في تفسيره في قوله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } [ سورة المدثر ، الآية : 11 ] قال نزلت في الوليد بن المغيرة كان له من الولد سبعة فأسلم منهم ثلاثة خالد وعمارة وهشام كدّا قال : وأورده الثعلبيّ في تفسيره عن مقاتل ، والصواب خالد وهشام والوليد فإما عمارة فإنه مات كافراً لأنّ قريشا بعثوه للنجاشي فجرت له معه قصة فأصيب بعقله وهام مع الوحش وقد ثبت أنه ممن دعا النبيئ لمجيرو عليهم من قريش لما وضع عقبة بن أبي معيط سلى الجزور على ظهره ، وهو يصلي انتهى. قوله : ( حتى لقب ريحانة قريش ) يعني أنّ التمهيد في الأصل التسوية والتهيئة ، ويتجوّز به عن بسطة المال والجاه وهو المراد هنا كما يقال : زاد الله تأبيده ، وتمهيده لأنّ الوليد كان كذلك ، ولذا كانت العرب تسميه ريحانة قريش لأنّ الريحان في الأصل نبت حسن طيب الرائحة وتجوز به عن الرزق الطيب ، والولد الحسن فأمّا تسمية الوليد بريحانة فكناية عن كثرة غناه ونضارة حاله الرائقة في الأعين منظراً ومخبرا ، وريحانة منصوب بنزع الخافض والوحيد معطوف عليه. قوله : ( أي باستحقاق الرياسة ) يعني مرادهم بالوحيد الملقب المنفرد بما ذكر ، وأنما فسره به لئلا يتوهم بوحده في الشرارة وكونه دعيا كما مرّ تريبا. قوله : ( وهو استبعاد لطمعه ) يعني ثم ليست للتراخي هنا لأنّ طمعه في حال التمهيد وما معه لا بعده بمدة ، والاستبعاد غير التفاوت الرتبي بل عد الشيء بعيدا غير مناسب هنا لما عطف عليه كما تقول : تسيء إليّ ثم ترجو إحساني فتنزل البعد المعنوي منزلة البعد الزماني ، ومثله كثير وضمير لأنه للشأن واستبعاده وكونه غير لائق إما لزيادة ما أنعم الله به عليه أو لكفره وكفرانه فإنّ كلا منهما مناف لطلب
المزيد لأنه إمّا من قلة أو بالشكر ، وقوله : ولذلك إشارة إلى الوجه الثاني فإنه يؤيده دون الأوّل فإنه لا يناسبه ، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بعينه ما في الكشاف لا فرق بينهما كما توهم ، وقوله : لا مزيد على ما أوني لأنه بلغ النهاية فلا يقبل الزيادة بالنسبة لحاله ، وحال أمثاله لا أنه كذلك حقيقة أو كناية عن الغنى التام ، وقوله : لأنه الضمير للطمع. قوله : ( ردع له عن الطمع ا لأنها حرف ردع وزجر عند سيبويه والخليل وجمهور النحاة وما بعده جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لتعليل ما قبله لا نحوبا كما توهم كأنه قيل : لم زجر عن طلب المزيد وما وجه عدم لياقته ، وقوله : بمعاندة آيات المنعم متعلق بقوله : تعليل ، والآيات إما دلائل توحيده أو الآيات القرآنية ، والمناسبة وما بعده صفة لمعاندة ، وقوله : قيل الخ تأييد لما قبله من المنع عن الزيادة ومناسبة الزوال. قوله : ( ساغشيه الخ ) بيان لمنطوق اللفظ ، وحقيقته وقوله : وهو مثل الخ بيان للمعنى المراد منه ، وقوله : ساغشيه أي أجعله غاشيا لها أي آتياً من غشاه إذا أتاه ، وأغشيه أفعال أو هو بالتشديد من التفعيل ، ومعنى كونه مثلاً أنه شبه ما يسوقه الله له من المصائب بتكلف الصعود في الجبال الوعرة الثاهقة وأطلق لفظه عليه فهو اسنعارة تمثيلية. قوله ة ( وعنه الخ ) رواه الترمذيّ والحاكم وقوله : سبعين خريفاً أي عاماً ونقل عن الزمخشريّ أنّ الخريف آخر السنة فيه تثمر الثمار ، وتدرك ولهذا سمي خريفا كالإنسان إذا بلغ آخر عمره فإنه قد يخرف يعني إنه سمي به آخر السنة تشبيها له بآخر العمر الذي من شأنه أن يقع فيه الخرف ، وفيه تشبيه ضمنيّ للحواس الظاهرة ، والباطنة بثمار الرياض المنتفع(8/273)
ج8ص274
بها ومن لم يفهم المراد منه اعتراض عليه بعدم المناسبة بين الخرف ، وهو فساد العقل واختراف الثمار بمعنى اقتطافها وهذا بناء على أنّ زمن الشتاء ابتداء السنة وأهل النجوم يعتبرونه من الربيع ، وقوله : يصعد بصحيغة المجهول من التفعيل لما في القاموس من أنه يقال : صعد في الجبل وعليه تصعيداً ، ولا يقال : صعد في الجبل مخففاً بل صعده وهذا خلاف ما يتبادر من تعدي المخفف ولزوم المشدد ، وقوله : ثم يهوي أي يسقط أو ينزل وقوله : كذلك أي سبعين خريفاً أي عاما ، وقوله : أبداً قيد للصعود والنزول. قوله : ( تعليل للوعيد ) هو قوله : سأرهقه فتوعده لما ذكر
وقوله : أو بيان للعناد جملة مفسرة له فلا محل لها من الإعراب ، وما بينهما اعتراض وتفس!ر بالبدل خلاف الظاهر ، وقوله : فيما يخيل طعناً أي ما يوهم الناس من طعن فيه فطعنا تمييز أو مفعول له ويخيل بصيغة المعلوم أو المجهول. قوله : ( تعجب من تقديره استهزاء به ) التعجب من كيف لأنّ الاستفهام يكون له كما في قوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ } [ سورة البقرة ، الآية : 28 ] ومن قتل لأنه كقولهم قاتله الله دعاء في الأصل تجوّز به للتعجب ، وقوله : استهزاء به يعني أن التعجب للاستهزاء ، والتهكم لأنّ التعجب يكون لحسن الشيء وضده وقوله : أو لأنه أصاب الخ فيكون تعجباً من إصابته لغاية ما يمكن أن يقال من مثله ، وقوله : بلغ في الشجاعة الخ هذا وجه استعماله ، وهو دعاء عليه في التعجب فهو كناية. قوله : ( فإن له الحلاوة الخ ) تعليل لكونه غير مجانس لكلام الإنس ولا لكلام الجن والحلاوة واستعارة لفصاحته وأنسجامه والطلاوة مثلثة الطاء الرونق والحسن الداعي للقبول ، وقوله : أعلاه لمثمر يعني به أنّ لفظه فصيح على تشبيه اللفظ بما على الرياض والأشجار من الأوراق والثمار والقضبان التي تظهر عليه ، وأسفله معناه المستتر تحته ومعنى مغدق أصابه الغدق وهو المطر لأنه إذا كثر سري لعروقه ، وهو غاية النهاية في الريّ الموجب لكونه نضرا مورقا مثمراً أو المراد بأعلاه ما يتبادر منه لفظا ومعنى وبأسفله ما يترتب عليه من السدإد والصلاج لكونه حقا ، ولذا قال : ليعلو ولا يعلى لأنه صفة الحق أي يفوق كل كلام ولا يفوقه كلام أبدا ، ويجوز أن يكون استعارة تمثيلية لتشبيه القرآن ومعناه برياض مورقة مثمرة جادها الغيث أو بشجرة فيكون ناظرا لقوله : { كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء } [ سورة إبراهيم ، الآية : 24 ] الآية. قوله : ( صبأ ) بالهمزة معناه خرج من دين إلى آخر وكانت قريش تقوله لكل من أسلم وقوله : أكفيكموه ضمير
الخطاب المجموع لقريش ، وضمير الغيبة للوليد أي أرده وأمنعه عن ميله الإسلام لأنهم خافوا أن يسلم فتتبعه قريش كلها ، وقوله : بما أحماه بالمهملة أي أغضبه لما في الغضب من ثوران الحرارة الغريزية ، وقوله : فقام أي الوليس من عند أبي جهل ، وقوله : فناداهم أي نادى الوليد قريشاً وقوله : يخنق أي يصرع من الجنون فإنهم كانوا يتوهمون أن الجن تخنقه وقوله : يتكهن يعني فعل إفعال الكهنة ويقول : أقوالهم فإنّ لهم طريقة معروفة عندهم ، وقوله : يفرق بين الرجل وأهله لأنه يوهم مفارقة من ذاق حلاوة الإيمان لأهله وماله ووطنه بسحر منه ، وقوله : متعجبين منه أي مما قاله الوليد لأنه أزال الشبهة وأتى بما هو الغاية عدهم. قوله : ( تكرير للمبالغة ) في التعجب منه كما هو معتاد ممن أعجب غاية الإعجاب أنه يكثر من التعجب ويكزره ، وقوله : على أنّ الثانية أبلغ من الأولى أي الجملة الثانية أبلغ في التعجب من الأولى للعطف بثم الدالة على تفاوت الرتبة فكأنه قيل : قتل بنوع ئا من القتل لا بل قتل بأشده وأشده ، ولذا ساغ العطف فيه مع أنه تأكيد ، وقوله : على أصلها أي مستعملة في معناها الوضعيّ ، وهو التراخي الزماني مع مهلة. قوله : ( في أمر القرآن ( بقرينة قوله : قبله لآياتنا ، وقوله : مرّة بعد أخرى لأنّ النظر هنا بمعنى الفكر وقد تقدم أنه فكر فيه فيفيد هذا تكرير. ، وقوله : قطب وجهه أصل معنى قطب جمع يقال : قطب ما بين عينيه ولما كانت هيئة المعبس كذلك قيل له : مقطب ، وقوله : اتباع لعبس يعني أنه مؤكد له كما يؤكد الاتباع في نحو حسن بسن ما أتبع به بناء على أنّ البسور إظهار العبوس ، أو أشدّه من بسر إذا تجض ما بين عينيه كراهة للشيء حتى اسوذ وجهه منه هذا غاية ما يمكن في توجيهه إذ ليس من الاتباع المصطلح في شيء لتغاير معنييهما مع العطف ، وقد صرّحوا بأنه لا يكون مع العطف لأنه نوع من التأكيد وقيل : البسور استعجال الشيء قبل أوانه ومنه البسو. قوله : ( عن الحق ) على الوجه الأوّل في تفسير نظر وعبس(8/274)
ج8ص275
وقوله : أو الرسول على الوجه الثاني ، وقوله : عن اتباعه أي الحق أو الرسول على الوجهين ، وقوله : يروي ويتعلم لقوله : أخنه من سحرة بابل ، وقوله : عن غير تلبث أي توقف وفي نسخة تثبت وهما بمعنى فالفاء للتعقيب من غير مهلة ولا مخالفة فيه لما مر من الرواية كما توهم حتى يحتاج إلى توجيه. قوله : ( كالتثيد للجملة الأولى ) لأنّ المقصود منهما نفي كونه قرآناً ومن كلام الله وإن اختلفا معنى ، ولذا لم يجعلها تأكيدا ، وقولة : بدل من سأرهقه الخ على
المعنيين ، وهو بدل اشتمال لاشتمال سقر على الشدائد وعلى الجبل من النار فلا إشكال فيه على الثاني كما قاله المعرب : وقوله : تفخيم أي تهويل وتعظيم لشأنها كما يفيده الاستفهام الدال على أنها مما لا يدرك حقيقته ويفهم مثله ، وقوله : بيان لذلك الإشارة لتفخيم شأنها أو لشأنها فالجملة مفسرة أو مستأنفة. قوله : ( والعامل فيها معنى التعظيم ) أي أعظم سقر وأهوّل أمرها حالة كونها مفنية لكل ما يلقى فيها وأنما جعل العامل معنويا مأخوذا من الكلام كما ذهب إليه أبو البقاء لأن سقر مبتدأ أو خبر ولا تجيء الحال منه لأنه الابتداء عامل ضعيف لا ينصب الحال ، وأنما يجوزون مجيء الحال منه في مثل هذا فتدبر وقوله : لا تبقى على شيء يلقى فيها يشير إلى أن المفعول محذوف أي لا تبقى ما يلقى فيها ، ولا تذره أي تفنيه وتهلكه. قوله : ( مسوّدة لأعالي الجلد ) على أنه من لوّحته الشمس إذا سودت ظاهره وأطرافه قال :
يا ابنة عمي لاحني الهواجر
والبشر إمّا اسم جنس بمعنى الناس أو جمع بشرة وهي ظاهر الجلد والى الثاني يشير تفسير المصنف رحمه الله تعالى له بأعالي الجلد أو من لاح بمعنى ظهر والبشر بمعنى الناس لا غير كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى ، وعلى الأول يحتمل أيضا أن يكون البشر بمعنى الناس ، ولو فسر به كلام المصنف رحمه الله تعالى على أنه بيان لحاصل المعنى صح أيضا لكنه خلاف الظاهر قيل : والصواب أن يفسر بالثاني لأنه لا يصح وصفها بتسويدها لظاهر البشرة مع قوله : { لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ } الصريح في الإحراق والإفناء لما يلاقيه وأجيب بأنها في أول الملاقات تسوّده ، ثم تحرقه وتهلكه أو الأوّل حال من دخلها وهذا حال من يقرب منها فلا منافاة بينهما ، وأمّا القول بأنه لا دلالة على أنها تفنى بالكلية أو الإفناء بمعنى التسويد فمما لا ينبغي أن يسود به وجه الطرس ، وقوله : على الاختصاص فنصبه بأخص أو أعني مقدراً ، ويجوز أن يكون حالاً مؤكدة من ضمير تبقى أو تذر ومن سقر والعامل ما مرّ. قوله : ( ملكاً الخ ) فالمعدود أفراد أو صنوف أو صفوف ، والأول هو الظاهر الموافق لسبب النزول ، وقوله : والمخصص لهذا العدد إن لم نقل إنه مما لا يعلم حكمته إلا الله فلا يبين ولا يسئل عنه كالأمور المشتبهة وهو الظاهر لأنّ ما ذكر تكلف وهو مأخوذ من التفسير الكبير ، وقوله : في النظر يعني به الإدراك والعمل ما يصدر عنه مطلقاً. قوله : ( القوى الحيوانية الخ ) الحيوانية ما تختص بالحيوان وهي قسمان مدركة وفاعلة فالمدركة ، وهي ما له دخل في الإدراك الحواس
الخمس الظاهرة والحواس الخمس الباطنة المفصلة في محلها والفاعلة إمّا باعثة كالغضبية والشهوية ، أو محركة وبهما تتم اثنتا عشرة والطبيعية التي لا تختص بالحيوان ثلاث مخدومة وهي الغادية والنامية والمولد ، وأربع خادمة وهي الجاذبة والهاضمة والدافعة والماسكة على ما بين في الطبيعيات من الحكمة ، والمصورة مندرجة في المولدة وليستا مستقلتين وليس هذا محل تفصيله ، وكان على المصنف رحمه الله تعالى أن لا يذكر هذا لابتنائه على الفلسفة فلا يليق تفسير كلام الله تعالى بمثله ولكنه كثيرا ما يقتدى بالإمام ، وقوله : اختلال النفوس الخ أراد بالاختلال فساد العقائد وبطلان الأعمال. قوله : ( يعذب بترك الاعتقاد الخ ( فتضرب هذه الثلاثة في الستة تصير ثمانية عشر ، وهي مع ما للمسلمين تسعة عشر وقوله : ملك أو صنف لف ونشر على التفسيرين للعدد السابق. قوله : ( خمسة منها الخ ) فلم يخلق في مقابلتها زبانية ببركة الصلاة الشاملة لمن لم يصل فلا يلزم اختصاص العدد بالمصلين كما توهم ، وقوله : بأنواع من العذاب متعلق بقوله : يؤاخذ وقوله : يتولاها صفة أنواع ، ويؤاخذ به أي بسببه هو الذنوب. قوله : ( بسكون العين ) هو لغة فيه وجهها ما ذكر وقوله : كل بالتنوين وعشير جمع بالإضافة أي نقيب جماعة من الملاثكة وقوله : يستروحون إليهم يقال : استروح ، واستراح بمعنى وجد راحة أي لا يستريحون بالركون إليهم ، وقوله : فنزلت أي للدلالة على أنهم ليسوا بما يعرفون ، ويقدرون على مقاومتهم(8/275)
ج8ص276
والمراد يسكنون ويطمئنون. قوله : ( وما جعلنا عددهم الخ ) أي ما جعلنا عدد أصحاب النار المحتمل لأن يكون تسعة عشر فلا يلزم الفساد لحصر الشيء في نفسه ، وكون مفعولي الجعل شيئا واحداً وهما متغايران لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر فالجعل باعتبار تحقق العامّ في ضمن الخاص وسقط أيضاً ما قيل : إن الجعل من دواخل المبتدأ والخبر فما يترتب عليه يترتب عليه باعتبار نسبة أحد المفعولين للآخر كقولك : ما جعلت الحديد إلا فأساً لأقطع به فكيف يصح جعل عدتهم فتنة للاستيقان ، والازدياد لأنّ المراد ما جعلنا عدتهم تسعة عشر إلا أنه عبر عنه بأثره فافهم. قوله : ( فعبر بالأثر عن المؤثر )
الأثر هنا عبارة عن الفتنة والمؤثر خصوص التسعة عشر لأنه سبب لافتنانهم بما ذكر وقوله : تنبيها الخ يعني أنّ الأثر هنا لعدم انفكاكه عن مؤثره لتلازمهما كانا كشيء واحد يعبر باسم أحدهما عن الآخر لأنه المتبادر منه ، وإن كان إفضاؤه إليه في الجملة كافياً في صحة التجوز فلا يرد عليه أنه ليس عدم الانفكاك شرطا فكيف يحصل التنبيه منه. قوله : ( ولعل المراد الجعل بالقول الخ ) فإنّ الجعل يكون بمعنى التسمية والإطلاق كقوله : { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا } [ سورة الزخرف ، الآية : 19 ] وأنما أخرج الفتنة عن الظاهر ليصح تعلق قوله : ليستقين بجعلنا ومعنى الفتنة في الحقيقة الجعل على هذا العدد لا العدد فنسبته إليه مجازية ، وقوله : ليحسن تعليله دون ليجوز إشارة إلى صحته لو أبقى على ظاهره لأنّ سبب ما ذكر القول وسبب القول جعلهم كذلك وتصييرهم فهو السبب البعيد ، والشيء كما يسند لسببه البعيد يسند لسببه القريب لكن الثاني أولى ، وأما كون اللام ليست على حقيقتها عند أهل السنة فغير صحيح عند أهل الحق. قوله : ( ليكتسبوا اليقين ) يعني أنّ السين في الأصل للطلب تجوّز بها هنا عن الكسب لأنّ الطالب للشيء كالمكتسب له فيطلق ما يدل على أحدهما على الآخر بطريق الاستعارة فليس فيه إشارة إلى أنّ السين للطلب كما قيل ، وقوله : لما بفتح اللام وتشديد الميم أو بكسرها. وتخفيف الميم على أنّ ما مصدرية. قوله : ( بالإيمان ( متعلق بيزداد يعني الإيمان بما تضمنته الآيات من عدتهم فإنهم يصدقون بكل ما جاء به القرآن فهذا زيادة في إيمانهم التفصيلي ، أو إذا رأوا تصديق أهل الكتاب زاد إيمانهم قالوا : وهو في الأول زيادة في الكم وفي هذا زيادة في الكيف. قوله : ( وهو تثيد للاستيقان ) لأنّ من استيقن وزاد إيمانه لا يرتاب وللتنصيص على ذلك لم يقل ، ويرتابوا لاحتمال عوده على المؤمنين فقط وقوله : ونفى الخ يعتي أنّ اليقين قد يكون المقدمات دقيقة ، وأمور ربما غفل عنها المتيقن فاعترته شبهة ما فلذا أكد بهذا نفيا لهذا الاحتمال أي هو يقين وايمان جازم لا يعتريه شبهة أصلا ولما فيه من هذه الزيادة جاز عطفه على المؤكد بالواو لمغايرته له في الجملة على ما قرّر في المطول في قوله : { وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ } [ سورة إبراهيم ، الآية : 6 ] فسقط ما قيل من أنه لا وجه للعطف إلا أن يحمل على أنّ المراد أنه كالتأكيد فإنه من باب الطرد والعكس وهو كل كلامين يقرّر منطوق أحدهما مفهوم الآخر وبالعكس ، وقوله : حيثما إما للظرفية أو للتعليل. قوله تعالى : ( { وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } )
أعاد اللام فيه للفرق بين العلتين فإنّ الأوّل من الهداية المقصودة بالذات وهذه بالعرض الناشئ من سوء صنيع الضالين ، وتعليل أفعاله تعالى بالحكم والمصالح جائز عند المحققين وإن قيل في هذه اللام إنها للعاقبة أيضا ، وقوله : فيكون إخباراً الخ وهذا على الوجه الثاني جواب عما يقال : إن هذه السورة مكية والنفاق إنما حدث بالمدينة فكيف يذكر فيها بأنه إخبار عما سيحدث من المغيبات. قوله : ( ماذا أراد الله ) ذا موصولة وما استفهامية أو ماذا مجموعه اسم استفهام ويبنى عليه الوجهان في إعرابه كما مرّ تفصيله وعلى الثاني كلام المصنف هنا ، والمثل له معنيان أيضا ما شبه مضربه بمورده أو الأمر المستغرب ، وكل نهما جائز كما ذكره المصنف وقوله : أراد الله إما من الحكاية وهم قالوا : ما أريد ونحوه أو من المحكي ، ونسب لله استهزاء وتهكما منهم ، وقوله : وقيل الخ مرضه لأنه يقتضي أنهم نسبوه لله حقيقة وهو بعيد جدا كما قيل ، وفيه نظر لجواز كونه عدوه مثلا لاستغرابه ونسبته لله تعالى على ما مرّ. قوله : ( مثل ذلك المذكور من الإضلال ( يعني أن المقصود تشبيه ما مرّ من الإضلال بهذا في طريقته العجيبة وقس عليه الهدى ، ويجوز أن تكون الإشارة لما بعده كما في قوله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ } [ سورة البقرة ، الآية : 143 ] لما مرّ تحقيقه في البقرة فتذكره.(8/276)
ج8ص277
قوله : ( جموع خلقه على ما هم عليه ) بأن يعلم تفاصيل أحوالهم ، وأنما فسره به ليفيد ا.لحصر ويتضح معناه ولذا فسره الزمخشري أيضاً بقوله : ما يعلم ما عليه كل جند من العدد الخاص به ، وكونه من العقود التافة أو الناقصة ، وهكذا كل المقادير التي قدّرها في الحدود وغيرها وهو أنسب بما قبله والمصنف لم يذكره لأنه مخالف لمذهبه في المقادير الشرعية إذ ينبني عليه عدم جري القياس فيها ، وهو مذهب الإمام الأعظم. قوله : ( إذ لا سبيل لآحد الخ ) بيان لأنّ حصر علمها فيه باعتبار مخصوص لا مطلقا لأنّ الناس يعلمون بعض جنود ما ، وقوله : وما يوجب اختصاص كل منها بما يخصه أي بحمسب ما قدره الله ، وما اقتضته حكمته أو بحسب ما جرت به الأمور العادية إذ لا شرطية ولا علية بين الموجودات ، وقوله : من كم ككون الزبانية تسعة عشر ، وكيف كطبائع الأشياء حرارة وبرودة ونفعاً وضرّا والاعتبار قيل إنه الصفات العدمية والنسبة الصفات النسبية ، وكان حقها أن تقدم ولا حاجة لتفسيره الاعتبار بما ذكر إذ لك أن تفسره بكل ما يعتبر في الأشياء من الأمور الطارئة عليها مطلقا. قوله تعالى : ( { وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } ( بينه وبين البشر السابق تجنيس تام لأنه جمع بشرة ، وقد قال
في الإتقان لم يقع في القرآن إلا في مواضع ، ولم يعد هذا منها فاعرفه ، وقوله : وما سقر قيل : هو معطوف على قوله : سأصليه سقر ، وما بينهما اعتراض ردّ الطعن الكفرة وقوله : أو عدة الخزنة ووجه التذكير فيها والعظة أنه تعالى في خلقه ما هو في غاية العظمة حتى يكون القليل منهم معذباً ومهلكاً لما لا يحصى تأبيده فما بالك بعظمة ذاته جل ، وعلا والتذكير في السورة ظاهر. قوله : ( رع لمن أنكرها ) أي سقر أو العدّة أو السورة بإنكار كونها كلام الله تعالى ، وقوله : أو إنكار الخ على أنه رد لقوله ذكرى للبشر ولا يناقض ما قبله من إثبات التذكرة لها على جهة الحصر كما قيل : لا لأنها ذكرى لبعضهم وبعضهم يعرض عنها باختيار. كما قال : فما لهم عن التذكرة معرضين بل لأنّ شأنها أن تكون مذكرة لكل أحد ، ومن لم يتذكر لغلبة الشقاء عليه لا يعد من البشر ولا يلتفت لعدم تذكره كما أنّ حلاوة العسل لا يضرها كونها مرة في فم منحرف المزاج المحتاج إلى العلاج فتذكره. قوله : ( كقبل بمعنى اقبل ) والمعروف فيه المزيد ولكن الثلاثي حسن هنا لمشاكلة الفواصل ، وقوله : على المضي لأنّ إذ ظرف لما مض فهي المناسبة للفعل الماضي وإذا للمستقبل والماضي هنا للتحقق أو هي تقلبه مستقبلاَ. قوله : ( البلايا الكبر ) أي العظيمة الكثيرة وهذه واحدة منها يعني ما لهم غير محصور فيها بل تحل بهم بلايا غير متناهية أو هذه أعظمها كما يقال أحد الأحدين ، وهو واحد الفضلاء أو إحدى دركات النار الكبر السبع لأنها جهنم ولظى ، والحطمة وسقر والسعير والجحيم والهاوية ، واختار المصنف الأوّل والزمخشريّ الثاني ، وصاحب التيسير الثالث قيل : والأوّل أرجح وأنسب بالمقام. قوله : ( إلحاقاً لها بفعلة ) لأنّ المطرد جمعه على فعل فعلة دون فعلى فنزلت الألف منزلة التاء ، والقاصعاء بالمدّ حجر اليربوع وفاعلة تجمع على فواعل باطراد فحمل فاعلاء عليه لاشتراك الألف والتاء في الدلالة على التأنيث وضعا ، وقوله : جواب القسم وهو والقمر الخ أو القسم لمجرّد التأكيد غير محتاج للجواب أو جوابه مقدر يدل عليه كلا. قوله : ( أو تعليل لكلا ) قيل : القسم على كون كلا إنكاراً لأنّ يتذكروا بها والتعليل على أنه رح لمن أنكر قيل ، وفيه إنّ قوله : إنها لإحدى الكبر كيف يكون تعليلاً لرح من ينكر أنها إحدى الكبر ، وليس بشيء وإن ظن إنه وارد على الكشف لأنه منكر لذاتها لا لوصفها بما ذكر فتأمّل ، وقوله : لإحدى الكبر إنذار إشارة إلى أنّ النذير على هذا بمعنى
الإنذار مصدر ، وقوله : عما دلت عليه الجملة لم يجعله منها لما في مجيئها من المبتدأ والخبر عند النحاة وهو مصدر مؤوّل بالوصف أو وصف بمعنى منذرة ، ولم يؤنث لما مرّ في أنّ رحمة الله قريب من المحسين. قوله : ( بدل من للبشر ) أي الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور لا المجرور مبدل من المجرور لإعادة الجار لأنه تكلف مستغنى عنه وقوله : للمتمكنين الخ أوّل به لأنّ الإنذار غير مناسب لمن يتقدم والمراد المتمكنين من فعل الخير وتركه قبل مباشرته ، وقوله : أو لمن شاء خبر الخ فالمعنى لمن شاء التقدّم والتأخر أي السبق للإيمان ، والتخلف عنه فيكون بمعنى الآية المذكورة ، وفيه بعد ولذا أخره المصنف ، وقول أبي حبان إنّ اللفظ لا يحتمله غير مسلم. قوله :(8/277)
ج8ص278
( كالرهن ) فإنه مصدر بمعنى المفعول في أكثر استعمالاته ، وقوله : لقيل رهين لأنّ فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر ، والمؤنث في الأصل واختير المصدر مع موازنة الرهين لليمين ، وكونه حقيقة غير محتاج للتأويل لأنّ المصدر هنا أبلغ فهو أنسب بالمقام فلا يلتفت للمناسبة اللفظية فيه ، وكون فعيل صفة على خلاف القياس أو مما غلب عليه الاسمية كالنطيحة أمر آخر ، ولكل أن يختار ما يختار فلا وجه لاعتراض أبي حيان على الزمخشري به ، وقوله : أطلقت ظاهر وفي نسخة أطلق باعتبار المصدر. قوله : ( وقيل هم الملانكة ) فإنهم غير مرهونين بديون التكاليف كالأطفال ، ومرضه لأنّ إطلاق النفس على الملك غير معروف ولأنهم لا يوصفون بالكسب أيضا ، وقيل : لأنه يقتضي اختصاصهم باليمين والأول أولى ، وقوله : فإنهم الخ إشارة إلى أنه استثناء متصل وعلى الأخير يجوز في الاستثناء الاتصال والانفصال بناء على أنّ الكسب مطلق العمل أو ما هو تكليف ، وفي قوله : أو الأطفال مقدر أي ، وقيل : وتركه لظهور أنه ليس مع ما قبله قولاً واحداً فلا غبار عليه. قوله : ( لا يكتته وصفها ) يشير إلى أنّ تنوينه للتعظيم ، ويكتنه بمعنى يدرك كنهه ، وقد تقدم أنه غير مولد وأنه ثابت في اللغة ، وقوله : أو ضميرهم فقدّم للفاصلة وقوله : أي يسأل بعضهم بعضا فالمفاعلة على ظاهرها والبعض إمّا عبارة عن شخص أو جماعة والظاهر أنه غير منظور فيه لذلك ، وقوله : أو يسألون غيرهم الخ فليس للمفاعلة الحقيقية ، ولكنه أريد به الدلالة على كثرة المسند إليه وتعدده فإنّ التفاعل يرد
للتكثير أيضاً واليه أشار بقوله : كقولك تداعينا وهو منقول عن الزمخشريّ في شرح الكشاف. قوله : ( بجوابه ) بيان لارتباطه بما قبله أي هذا سؤال بجوابه ، وقع حكاية لما جرى بين المؤمنين المسؤولين والمجرمين أجاب بعضهم بعضا بها أي لما سألوا أصحابهم عن حال المجرمين قالوا لهم نحن سألنا المجرمين عن ذلك ، وقلنا لهم : ما سلككم في سقر فقالوا لنا في الجواب لم نك من المصلين وكان يكفي أن يقال حالهم كيت وكيت لكن هذا أثبت للصدق ، وأدل على حقيقة الأمر ففيه مقدر ومثله من الإيجاز كثير في القرآن ، والتقدير ظاهر قيل : والأظهر أنه بيان للتساؤل والتقدير يتساءلون المجرمين عنهم لا يتساءلون عن حال المجرمين ، وهو أقرب من إضمار القول من غير قرينة ، ولا يخفى تكلفه وبعده وأقرب من هذا كله أن يقدر قائلين بعد ذلك للمجرمين وكونها حالاً مقدرة إن لم يعتبر امتداد زمان التساؤل سهل ، وتقدير ويقولون لا يناسبه قالوا في الجواب لما فيه من الركاكة الظاهرة. قوله : ( ما يجب إعطاؤه ( إشارة إلى أن المراد بالإطعام الإعطاء وأنه مخصوص بالواجب لأنه الذي يقتضي تركه العذاب ، وقوله : مخاطبون بالفروع المراد بالفروع ما عدا الإيمان من العمل لأنهم مخاطبون به بلا خلاف كالعقوبات ، والمعاملات أما العبادات فاختلف فيها فالدّاهبون إلى أنهم مخاطبون بها استدلوا بهذه الآية فإنهم جعلوا عذابهم لترك الصلاة فلو لم يخاطبوا بها لم يؤاخذوا وتفصيل المسألة في أصول الفقه ، فإن قلت إنه لا خلاف في المؤاخذة في الآخرة على ترك الاعتقاد فيجوز أن يكون المعنى من المعتقدين للصلاة ووجوبها فيكون العذاب على ترك الاعتقاد ، وأيضاً المصلين يجوز أن يكون كناية عن المؤمنين وأيضا هو من كلام الكفرة فيجوز كذبهم أو خطؤهم فيه ، قلت : ما ذكرت عدول عن الظاهر يأباه قوله ، ولم نك نطعم المسكين الخ والمقصود من الآية تحذير غيرهم فلو كان كذباً أو خطأ لم يكن في ذكره فائدة. قوله : ( نشرع في الباطل الخ ( إما على أنه من استعمال المقيد في المطلق أو الاستعارة لأنّ الخوض ابتداء الدخول في البحار والأنهار ، وقوله : أخر. لتعظيمه الخ جواب عن أنه كان ينبغي تقديمه لأنه أعظم الذنوب بأنه أخره لتعظيمه فإنّ المعظم قد يؤخر كما في قوله : { ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا } [ سورة البلد ، الآية : 17 ] والمعنى كنا بعد ذلك كله مكذبين بيوم القيامة ، وقوله : الموت الخ ويجوز أن يراد العذاب الموعود به ، وقوله : لو شفعوا لهم يعني أنه على الفرض ، ولا شفاعة وقد تقدم أنه من قبيل :
ولا ترى الضب بها يحجر
وحمل تعريف الشافعين على الاستغراق لأنه أبلغ وأنسب بالمقام. قوله : ) معرضين عن التذكير ) إشارة إلى أنّ التذكرة مصدر بمعنى التذكر وأنّ الجار والمجرور مقدم من تأخير
للفاصلة ، والحال هنا من الضمير في الخبر وهي لازمة وهي المقصودة من الكلام ولها مع الاستفهام في ماله وما باله شأن خاص وجملة كأنهم حالية أيضا ، وقوله :(8/278)
ج8ص279
بحمر جمع حمار والمراد حمار الوحش لأنه موصوف بالنفار وشذة الفرار لا سيما من الأسد ، وقوله : وهو القهر لغيره لشذة افتراسه ، وقوله : نافرة بيان لحاصل معناه وقيل : فعل بمعنى استفعل كعجب واستعجب والأحسن أنه للمبالغة كأنها لشدة العد وتطلب النفار من نفسها كما في الكشاف. قوله : ( قراطيس تنثر وتقرأ ) يشير إلى أنّ المراد بكونها منشورة أن تفتح لتقرأ لا بمعنى غضة طرية كما قيل : ولا مفرقة ، وقوله : لا لامتناع إيتاء الصحف يعني يرون أن إعراضهم لعدم مقترحهم فردّه اللّه به بأنه ليس كذلك بل لعدم الخوف المذكور ، وقوله : فمن شاء أن يذكره إشارة إلى أنّ مفعول المشيئة مقدر من جنس الجواب ، وقوله : وأي تذكرة إشارة إلى أن تنكيره للتعظيم والتفخيم. قوله : ( وهو تصريح بأن فعل العبد بمشيئة اللّه ( بالذات أو بالواسطة وهو رد على المعتزلة ، وحملهم ذلك على مشيئة القسر والإلجاء خروج عن الظاهر ، وقوله : بالتاء أي على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب وهي رواية شاذة عنه ، وقوله : بهما وفي نسخة بها أي بتشديد الذال والكاف من باب التفعيل ، وقوله : حقيق بأن يتقي فالتقوى مصدر من المبني للمفعول بخلاف المغفرة وضمن يغفر معنى يكرم فلذا عداه بنفسه دون اللام ، وقوله : سيما المتقين منهم أشار به إلى الجواب عما في الكشاف ، وقوله : وعن النبيئ عتيرر حديث موضحوع ، وقوله : بمكة لنزولها بها تمت السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على أفضل مخلوقاته وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سورة القيامة
لم يختلف في مكيتها واختلف في آياتها فقيل : أربعون وقيل : تسع وثلاثون.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( إدخال لا النافية ) بحسب الوضع وإن كانت زائدة على احتمال هنا للتأكيد كما
ذكره المصنف رحمه الله وهذا بناء على أنها تزاد مطلقاً أو مع القسم في ابتداء الكلام والجملة وقد قيل إنها لا تزاد ، إلا في حشو الكلام ووسطه ، ورد بأنّ السماع على خلافه فإنها زيدت في أوائل القصائد كثيراً فلا حاجة إلى الجواب عما هنا بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة وفيه وجوه أخر مرّت مفصلة. قوله : ( فلا وأبيك ابنة العامريّ لا يدعي القوم إتي أفر ) هو لامرى القيس من قصيدة وبعد. :
تميم بن مر وأشياعها وكندة حولي جميعاصبر
وقوله : لا أقسم على أن اللام لام ابتداء وأقسم خبر مبتدأ محذوف أي لأنا أقسم وقد
تقدّم ما فيه أيضاً فتذكره. قوله : ( بالنفس المتقية ( فسرها بالنفس المتقية لأنّ القسم بشيء خصوصاً من الله يقتضي تعظيمه والنفس الفاجرة لا وقع لها فلا يقسم بها ، وقوله : تلوم النفس إشارة إلى أن التشديد فيه للمبالغة بكثرة المفعول فهي في الكم ، وقوله : تلوم نفسها أبدا أشار بقوله : أبداً إلى أن المبالغة في الكيف باعتبار الدوام ، وقوله : المطمئنة تفسير آخر للوّامة وفيها وجوه أخر بعضها من اصطلاح الصوفية فقيل : هي فوق المطمئنة ، وهي التي ترشحت لتأديب غيرها وقيل : هي الإمارة وكل نفس عبارة عن نفس الإنسان ، وهو يتصف بصفتها وقد يثبت لإنسان واحد أنفساً بجعل تغاير الصفات بمنزلة تغاير الذات. قوله : ( او بالجنس! ) أي القسم
بجنس النفس الشامل للتقية والفاجرة ، والقسم بها حيحئذ بقطع النظر عن صفاتها لأنها من حيث هي شريفة لأنها بمعنى الروح ، وهي من عظيم أمر اللّه فلا يرد عليه ما قيل من أنه لا يناسب إدخال النفس الفاجرة في المقسم به والإقسام يقتضي الإعظام وهو غير مناسب لها ، وقوله : لم تزل تلوم أي تلوم نفسها وفي نسخة تتلوّم بالتشديد وهي للمبالغة في لوم النفس أيضا ، وفي الأساس تلوم نفسه أنحى عليها باللائمة ويكون بمعنى التربص ، والتمكث أيضاً فمن قصره عليه واعترض بأنه غير مناسب هنا فقد قصر ، وقوله على ما خرجت به من الجنة أي على الفعل الذي خرجت به من الجنة. قوله : ( وضمها ) أي النفس في الذكر إلى يوم القيامة بالعطف المقتضي للمناسبة ، وبينهما مناسبة لأنها دار الجزاء وهي المجازاة. قوله : ( لآن فيهم من(8/279)
ج8ص280
يحسب ) فالإسناد إلى الجميع مجازي لوقوعه من البعض ، وتقدم فيه كلام وانه هل يجوز ذلك مطلقاً أو يشترط فيه شيء ككثرة من صدر منه أو رضا الباقين ، وقوله : أو الذي نزل فيه فالتعريف للعهد وعلى ما قبله للجنس ، وقوله : عدي بن أبي ربيعة كذا في النسخ ، وهو الموافق للكشاف وغيره وهو كما ذكره ابن حجر عدي بن أبي ربيعة ختن الأخن! بن شريق وهما اللذان كان صلى الله عليه وسلم يقول فيهما : " اللهم اكفني جاري السوء " ووقع في بعضها عدي بن ربيعة وكأنه من تحريف الكاتب ، وقوله : أو يجمع اللّه هذه العظام بفتح همزة الاستفهام والواو العاطفة ابتداء كلام للإنكار أي كيف يجمع اللّه عظاما بالية ، وفي بعض النسخ بأو العاطفة بسكون الواو ، ونصب يجمع بعدها أي لن أصدقك إلا أو إلى أن يجمع الله هذه العظام وأشاهدها كذلك وحينئذ أصدقك ، وهو تعليق بالمحال على زعمه.
قوله : ( بعد تفرّقها ا لأن الجمع لا يتصوّر إلا بعد التفرّق ، وقوله : وقرئ أن لن تجمع
بالتاء الفوقية ، وقوله : سلامياته جمع سلامى كحبارى وهي ما صغر من عظم الأطراف كاليدين
والرجلين ففيها جهتان الصغر ، وكونها في الأطراف وكل منهما يقتضي صعوبة الجمع ، وثبوته لغيره بالطريق الأولى والبنان اسم جنس جمعي كالتمر فلذا ، قال الذي هو أطرافه ، وقوله : فكيف بغيرها لأنّ القادر عليها قادر على غيرها بالطريق الأولى ، وقوله : وهو أي قادرين والفعل المقدر بعده نجمعها وفي تفسير محيي السنة البغوي هنا كلام مغلق نقله عن الفرّاء ، وقال قادرين منصوب على الخروج ، وهو مما خفي على كثير من الفضلاء لولا ضيق المحل أوردناه مشروحاً. قوله : ( عطف على أيحسب ) فيه تسمح لأنه إذا كان استفهاما لم يكن معطوفاً على أيحسب ، بل على يحسب وحده كما صرح به في قوله : يكون الإضراب الخ فإنه على اللف والنشر ، فلا يرد أنه إذا كان استفهاما عطف على يحسب ، وإذا كان إيجاباً عطف على أيحسب وهو الأولى ، والأبلغ ولا حاجة إلى أن يقال هو فيهما معطوف على أيحسب بتقدير همزة أو بدونه ، وقال أبو حيان : إنها للإضراب الانتقالي بلا إبطال عن قوله : نجمعها قادرين إلى ما عليه الإنسان. قوله تعالى : ) { بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } ) هو كقوله : { يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } [ سورة النساء ، الآية : 26 ] وفي المغني أنه قد اختلف فيه فقيل : المفعول محذوف أي يريد الله التبيين ليبين لكم ، وقال الخليل وسيبويه ومن تبعهما : الفعل في ذلك مقدر بمصدر مرفوع بالابتداء ، واللام وما بعدها خبر أي أراده الله ليبين لكم وعلى هذا فلا مفعول للفعل انتهى ، وقيل : إنه منزل منزلة اللازم ومصدره مقدر بلام الاستغراق أي يوقع جميع إرادته ليفجر أو مفعوله محذوف يدل عليه ليفجر أي يريد شهواته ومعاصيه كما قدّره المعرب ، وهو مخالف لكلامهم في نظائره فليحرّر. قوله : ( ليدوم على فجوره فيما يستقبله من زمان ( فسره به لأن إمامه ظرف مكان استعير هنا للزمان المستقبل فيفيد الاستمرار ، والضمير للإنسان كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى ، وقيل : هو ليوم القيامة ، ونقل عن ابن عباس وقيل : الدوام والاستمرار لأنه خبر عن حال الفاجر بأنه يريد ليفجر في المستقبل على أنّ إرادته وحسبانه هما عين الفجور وفي إعادة المظهر ما لا يخفى من التهديد ونعي قبيح ما ارتكبه ، وأن الإنسانية تأباه ، وقيل : حمله على الاستمرار ليصح الإضراب ويصير المعنى بل يريد الإنسان أن يستمر على فجوره ، ولا يتوب فلذا أنكر البعث. قوله : ( يسأل ( استئناف أو حال أو تفسير لقوله : يفجر أو بدل منه والاستئناف بياني كأنه تيل : لم يريد الدوام على الفجور قيل : لأنه أنكر البعث واستهزأ به ، وقوله : تحير فزعاً هو المعنى المجازي ، وقوله : فدهش بصره هو المجازي فهو استعارة أو مجاز مرسل لاستعماله في لازمه أو في المطلق ، وبرق بمعنى نظر البرق كقمر نظر
القمر ، وقوله : أو من البريق عطف على قوله : من برق ، وقيل : إنه معطوف على قوله : وهو لغة ، وقوله : شدّة شخوصه أي فتح عيته من غير أن تطرف وبلق بمعنى فتح ، وقيل : إنه يكون بمعنى أغلق فهو من الأضداد واللام فيه أصلية ، وقيل : بدل من الراء كما قيل في نثر نثل وقد قالوا : إنه سمع برق بمعنى فتح عينه. قوله : ( بلق الباب ) أي انفتح- فهو لازم والذي في القاموس إنه متعد فبلق الباب كفتحه. قوله : ( في ذهاب الضوء ) فاجتماعهما في التساوي صفة والجمع مجاز عنه ، وقوله : والطلوع فالجمع بمعنى طلوعهما من سمت واحد وقوله : ولا ينافيه(8/280)
ج8ص281
أي جمعهما المذكور لا ينافيه الخسوف السابق لأنّ الخسوت كما تقرّر يكون إذا تقابلا وحالت الأرض بينهما ، ولذا كان في أواسطه فلا يتأتى مع اجتماعهما لأنه إنما ينافيه إذا أريد مصطلح أهل الهيثة أمّا لو أريد به ذهاب الضوء كما مر وذلك باستتاره ، وهو المحاق بتثليث الميم فلا منافاة بينهما حتى يقال يجوز أن يكون الخسوف في وسط الشهر والجمع في آخره إذ لا دلالة على اتحاد وقتيهما في النظم ، وإن صح ذلك أيضاً. قوله : ( ولمن حمل ذلك ) أي قوله : برق البصر على شخوصه عند النزع والاحتضار لأنه ينكشف له الأمر حينئذ فيعلم حقية ما أخبر به ، ولذا اتصل بما قبله والخسوف حينئذ بمعنى ذهاب نور البصر منه ، لأنه المناسب له وجمع الشمس ، والقمر حينئذ استتباع الروح حاسة البصر فيعبر بالشمس عن الروج وبالقمر عن حاسة البصر على نهج الاستعارة فانّ نور البصر بسبب الروج كما أنّ نور القمر بسبب الشمس ، وقوله : في الذهاب أي ذهاب الروح بزهوقها وذهاب إحساس الحاسة وجميع الحواس بذهاب الروج. قوله : ( أو بوصوله إلى من كان الخ ( الضمير للروح وإن كان مؤنثاً لتأويله بمذكر وقوله : من سكان جمع ساكن بيان لمن وفي نسخة لمكان فقوله : من سكان متعلق بقوله : يقتببس على أنه بدل من قوله منه وهو معطوف على قوله : باستتباع أي فله أن يفسر الجمع بوصول الروح الإنسانية إلى محل أو إلى من كان يقتبس الروج منه نور العقل ، وهم سكان القدس أي الأرواح المقدسة المنزهة عز النقائص المتقدمة عن نور الأنوار فالقمر مستعإر للروح والشمس لسكان الملأ الأعلى لأنهم يقتبس منهم اقتباس القمر من الشمس. قوله : ( وتذكير الفعل ( وهو جمع لتقدّمه هو المصحح لأنه إنما يجب إذا تأخر وتغليب المعطوف المذكر ، وهو القمر هو المرجح وليس التغليب هنا اصطلاحيا حتى يعترض بأنهما لم يجتمعا في تعبير واحد بل المراد به جعل حكمه من التذكير معتبرا غالباً على الشمس فلا وجه للاعتراض بأنه لا يجوز قام هند وزيد على التغليب ، والجواب بأنه ليس وجها مستقلاً بل لا معنى له. قوله : ) أين
الفرار ) فهو مصدر ميمي وقوله : قول الآيس لعلمه بأنه لا فرار حينئذ وحمله على حقيقته على توهمه ذلك لدهشته ، والمتمني مفعول لوجدانه ، وقوله : وقرئ بالكسر أي كسر الفاء على القياس في اسم المكان لأنّ مضارعه يفسر بالكسر ومن ظنه بكسر الميم فقدسها وجوّز في المكسور أن يكون مصدراً كالمرجع أيضا. قوله : ( رع عن طلب المفر ) المراد بطلب التلفظ بما يدل على طلبه عند اليأس ، أو بناء على ظاهره فلا يعترض عليه بأنه لا يناسب ما تقدم من أنه قول الآيس كما قيل. قوله : ( مستعار من الجبل ) لأنّ الوزر الجبل المنيع ، ثم شاع وصار حقيقة لكل ملجأ فلا ينافي هذا قوله في الكشاف كل ما التجأت إليه من جبل أو غيره وتخلصت به فهو وزرك كما قيل. قوله : ( إليه وحده استقرار العباد ) فالمستقر مصدر ميمي ، واليه قدم لإفادة الاختصاص لا بناء على جواز تقدم معمول المصدر إذا كان ظرفاً لتوسعهم فيه بل لأنه خبر ومعنى كون استقرارهم إليه لا منجا ولا ملجأ غيره ، وقوله : أو إلى حكمه الخ لأنه مالك الملك ومصير أمرهم إليه والى حكمه في القيامة ، وقوله : أو إلى مثيئته على تقدير مضاف فيه كما في السابق أو هو محصل المعنى المراد منه ، والمستقر على هذا اسم موضع وهو مقرهم بعد الحشر في دار الخلود فإنه مفوض لإرادته. قوله تعالى : ( { يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ } الخ ) فصله عما قبله لاستقلال كل منه ومن قوله : يقول الخ في الكشف عن سوء حاله ، وقوله : بما قدم من عمل عمله الخ فما قدم كناية عما عمل ، وما أخر ما تركه ولم يعمله وهو مجاز مشهور فيما ذكر أو ما قدمه ما عمله وما أخره عمل من اقتدى به بعده عملاَ له كأنه وقع منه ، وبقية المعاني ظاهرة. قوله : ( حجة بينة ) تفسير لقوله : بصيرة فهو مجاز عن الحجة الظاهرة أو بصيرة بمعنى بينة وهي صفة لحجة مقدرة وجعل الحجة بصيرة لأن صاحبها يبصر بها فالإسناد مجازي أو هي بمعنى دالة مجازا أو هو استعارة مكنية ، وتخييلية وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله والإنسان مبتدأ وبصيرة خبره وعلى متعلق به ، والتأنيث للمبالغة أو لكونه صفة حجة كما مرّ ، وقوله : على أعمالها أي أعمال النفس فهو بتقدير مضاف فيه أو هو المراد منه. قوله : ( لأنه شاهد بها ) أي بالأعمال في يوم القيامة حيث تنطق أعضاؤه بما عمل ، وقوله : أو عين بصيرة بها عطف على قوله : بينة وبها متعلق بمقدر أي(8/281)
ج8ص282
يبصر بها وقوله : فلا يحتاج إلى الأنباء هو على الوجهين وفيه شائبة من التجريد كما في شرح الكشاف ، وقوله : على المجاز لما مرّ لا لأنه
للأعضاء كما توهم. قوله : ( ولو جاء الخ ( فشبه المجيء بالعذر بإلقاء الدلو في البئر للاستقاء به فيكون فيه تشبيه لذلك بالماء المروي للعطش ، وقوله : على غير قياس لأن قياسه معاذر بغير ياء ، وهو المراد من قول الزمخشريّ اسم جمع لأنه يطلقه على الجموع المخالفة للقياس كما مرّ غير مرة ، ومن غفل عنه اعترض عليه بأنه ليس من أبنية اسم الجمع ، وقوله : وذلك أولى أي كونه جمع معذار لجريه على القياس إلا أنّ في ثبوت المعذار بمعنى العذر نظر لأنه لم يسمع من الثقات أو سمع بمعنى الستر كما روي عن الضحاك ، والجمع يحتمل أن يكون لمعذرة وأشبعت حركته فمد لذلك ، والمعذرة مثلث الدال العذر وقيل معنى قوله وذلك أولى إن جمع معذرة على معاذير أولى من جمع منكر على مناكير لأنّ التغيير فيه أقل ، وليس بشيء ولم يتعرضوا لجوإب لو هنا فإمّ أن يكون معنى الشرطية منسلخاً عنها كما قيل ، أو يدل عليه ما قبله والظاهر الأوّل. قوله : ( لتأخذه على عجلة ) إشارة إلى أنّ الباء للتعدية وعن الشعبي عجل به من حبه إياه وهو لا ينافي ما ذكر ، وقوله : وهو تعليل الخ يعني قوله : إن علينا جمعه ، وهو ظاهر وقوله : بلسان جبريل عليك يشير إلى أنّ الإسناد مجازي هنا ، وقوله : قراءته إشارة إلى أنه مصدر لا بمعنى المقروء ، وقوله : وتكرر فيه فالاتباع عبارة عن قراءته كما قرأه جبريل والتكرار من المقام بقرينة السياق. قوله : ( بيان ما أشكل عليك من معانيه الخ ) التأخير من لفظ ، ثم وأوّل من استدل بهذه الآية على ما ذكر القاضي أبو الطيب وهو إنما يتم إذا فسر البيان بتبيين المعنى ، وقد قال الآمدفي يجوز أن يراد بالبيان الإظهار لا بيان المجمل ، ويؤيده أنّ المراد جميع القرآن والمجمل بعضه وما ذكره الآمدي هو المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه قال في تفسيره إنّ علينا أن نقرأه يريد ما ذكر. قوله : ( اعتراض ( يعني أنّ قوله : لا تحرك الخ كلام وقع معترضاً في أثناء أمور الآخرة توبيخاً على ما جبل عليه الإنسان.
والمرء مفتون بحب العاجل
حتى جعل مخلوقا من عجل ومن محبة العاجل وايثاره على الآجل تقديم الدنيا الحاضرة
على الآخرة الذي هو منشأ الكفر ، والعناد المودي إلى إنكار الحشر والمعاد فالنهي عن العجلة في هذا يقتضي النهي فيما عداه على آكد وجه ، وهذه مناسبة تامّة بين ما اعترض فيه وبينه يندفع بها إنكار بعض الزنادقة للمناسبة فيه بوجه من الوجوه حتى تشبث به لأنه وقع في القرآن تغيير وتحريف ممن جمعه :
وما عليك إذا لم تفهم البقر
وقيل : قوله : بل يريد الإنسان ليفجر إمامه في معنى تحبون العاجلة فتظهر مناسبته لما قبله ، وتوكيده له فلا حاجة إلى أن يقال : أراد بالاعتراض هنا الاستطراد كما قيل فإنه الوجه الآتي. قوله : ( أو بذكر ما اتفق في أثناء نزول هذه الآيات ) من عجلته لمجي! في تلقيها عن جبريل عليه الصلاة والسلام فقيل له : لا تحرك الخ نهياً له عما صدر منه في ذلك الحين كما يقول المرء وهو يتكلم لمخاطبه إذا التفت لا تلتفت يميناً وشمالاً ، ثم يعود لما كان فيه من الكلام فالمناسبة لما وقع في الخارج لا لمعنى الموحى به فهو استطراد واعتراض بالمعنى اللغوي لا الاصطلاحي حتى يرد عليه إنه لم يفد ما اعترض فيه توكيد أو لا بد منه في الاعتراض. قوله : ( وقيل الخطاب مع الإنسان المذكور ) في قوله : أيحسب الإنسان فهو المخاطب بقوله : لا تحرك الخ كما فصله المصنف رحمه الله ولبعده مرضه المصنف رحمه الله تعالى ، وإن ارتضاه غيره وقدمه على الوجه السابق ، وهو مخالف للمأثور في تفسير الآية وقوله : رح للرسول الخ لف ونشر على التفسيرين ، ويحتمل عود كل منهما إلى الجميع وقوله : للمعنى لأنه مفرد لفظا مجموع معنى وقوله : ويؤيده الخ لأنه على الغيبة ظاهر في أن الضمير للإنسان وعلى ما قبله غلب فيه النبيّ على غيره فلا التفات فيه وقوله : بهية أي حسنة ، وقوله : متهللة أي منيرة مثرقة كالهلال من المسرة. قوله : ( ولذلك ) أي لكون المعنى ما ذكر قدم متعلقه ، وهو قوله : إلى ربها ليدلّ على الاختصاص وعدم النظر لما سواه ، وقوله : وليس
هذا الخ ردّ على الزمخشريّ حيث ادعى نصرة لمذهبه في إنكار الرؤية أنه لو كان النظر بمعناه المعروف لم يصح الحصر لأن قصر النظر غير واقع كما لا يخفى على من له نظر بأنه في وقت ما لا في جميع الأوقات لأنه لا يراه دائما مع أنه قد يجعل رؤية ما سواه عدما أو يقال : التقديم لرعاية الفاصلة ، لا للحصر هنا أو للاهتمام لأنه المقصود(8/282)
ج8ص283
بالإفادة إذ أصل النظر معلوم غني عن البيان. قوله : ( وقيل منتظرة أنعامه ) هو ما ارتضاه الزمخشري لتأييد مذهبه في إنكار الرؤية لأنّ النظر يكون بمعنى الانتظار ، وقوله : إلى الوجه لأنه يقال : وجه زيد منتظر وارادة الذات يأباها قوله : ناظرة لأن المتبادر وصف الوجوه الحقيقية به ، وقوله : لا يتعدى بإلى يعني بل بنفسه ، وما قاله الشريف المرتضى في الدرر من أنّ إلى هنا اسم بمعنى النعمة واحد الآلاء بعيد جدا وأورد عليه أنّ الزمخشري لم يقل هنا النظر بمعنى الانتظار حتى يرد ما ذكر إنما قال إنه نظر العين للوجه وهو كناية عن توقع الإحسان ورجائه فالصواب أن الانتظار ، والتوقع لا يلائم المقام والمناسب للمدح لهؤلاء ذكر ما أفاض عليهم من الأنعام وما أجيب به من أنه ليى ردا على الزمخشري بل على غيره من مشايخ العدلية الذاهبين إلى أنه هنا بمعنى الانتظار كما نقل في الكتب الكلامية خلاف ما يقتضيه سياق كلامه ، فإنه بعينه ما في الكشاف ، والقول بأنه ذهاب إلى الكناية وترك الحقيقة من غير داع لا وجه لأنه أي داع أقوى من كون الرؤية غير واقعة عنده وابطال المذهب أمر آخر. قوله : ( وإدّا نظرت إليك من ملك ) البيت لا أدري قائله يعني أنه استشهد بهذا البيت على أن النظر بمعنى الانتظار ورده بأن الانتظار لا يستعقب العطاء والمراد به هنا السؤال ، وأنت خبير بأن ما في الكشاف إنه من قول الناس إنا إلى فلان ناظر ما يصحنع بي يريد معنى التوقع والرجاء ومنه قول القائل ، وإذا نظرت الخ فهو ما عرفته من أنه كناية عن التوقع وهو يعقب العطاء ، وليس فيه ذكر للانتظار لأنه مغاير للتوقع وغير ملازم له أيضا وأيضاً كون الانتظار لا يعقب العطاء ، غير مسلم نعم لا يطرد فيه ذلك فقد يجعل هنا ادعائياً ولا بد منه في السؤال أيضا وكون النظر بمعنى السؤال بعيد ومن في قوله : من ملك تجريدية كرأيت منك الأسد ، وقوله : والبحر دونك أي حائل بيني وبينك يعني أنه مع بعده عنه لا يزال يتقلب في نعمه أو المعنى والبحر في الجود لا يصل إلى كرمك وهذا أظهر وعليه فلا يرد ما ذكر رأساً لأنّ هذه الجملة حالية. قوله : ( والباسل أبلغ من الباسر الخ ) يعني كل منهما يدلّ على شدّة العبوس والباسل يدلّ على زيادة أقوى منه ، وعدل عن الأبلغ لإيهامه غير المراد فقوله : لكنه الخ جواب من سؤال مقدر والكلوح بضم الكاف ما يظهر على الوجه في حال العبوس ،
وقوله : تتوقع أربابها إشارة إلى أنّ الظن هنا بمعناه الحقيقي وأنّ الضمير راجع إلى الوجوه بتقدير مضاف فيه ، وكونه للوجه بمعنى الذات استخداما بعيد ، وقيل : الظن هنا بمعنى اليقين كما مرّ وأيد بأن مقتضى مقابلة النضرة والنعم تحقق سوء المنظر والنقم لا ظته وتوقعه ، وأجيب بأنّ المراد إنها مع ما هي فيه من البلاء المحقق متوقعة لما هو أشد منه بعده فهو عبارة عن عدم تناهي الثدائد ، وفيه نظر ولا ينافي ما ذكره المصنف رحمه اللّه تعالى كون أن مخففة من الثقيلة فإن المنافي له ما يدل على التحقق الصرف ، وأمّا أفعال الظن فتقع بعدها المصدرلة والمخففة كما صرحوا به. قوله : ( داهية ) هو معناه الوضعي وقوله : تكسر الفقار ، وهو عظم الظهر بيان لمأخذه واشتقاقه ، وقوله : عن إيثار الدنيا الخ فهو ناظر إلى قوله : يحبون العاجلة ، وقوله : أعلى الصدر لأنّ التراتي جمع ترقوة وهي عظم وصل ما بين ثغرة النحر والعاتق ، وقوله : إضمارها يعني النفس فإن الضمير لها وهي معلومة من الإنسان ، وقوله : الرقية بالضم كالعوذة ما يتكلم به عند الملسوع والمريض من آيات الشفاء ونحوها. قوله : ( أو قال ملالكة الموت الخ ) قيل : إنّ قوله : ملائكة الرحمة لا يناسب ما بعده من قوله : فلأصدّق الخ ويدفعه أنّ الضمير للإنسان والمراد به الجنس وكذا ما قبله من تقسيم الوجوه إلى الناضرة والباسرة والاقتصار بعده على أحوال بعض الفريقين لا ينافي عموم ما قبله ، والاستفهام في هذا الوجه حقيقي ، وكذا في الوجه الأوّل إلا أنه محتمل للإنكار على أنّ المعنى لا راقي له بعد هذه الحالة ، وقوله : من الرقي بضم الراء مصدر بمعنى الصعود ، وقوله : محابها بمعنى محبوباته منها. قوله : ( التوت ساته بساقه ) فالساق بمعناه الحقيق وال فيه عهدية أو عوض عن المضاف إليه ، وقوله : أو شدّة الخ على أنّ الساق عبارة عن الثذة كما مر في سورة القلم ، والتعريف للعهد أيضا فإن قلت : ما مر ، هو الكشف عن الساق ووجهه ظاهر لأنّ المصاب يكشف عن ساقه فكيف ينزل هذا عليه ، قلت : الأمر كما ذكرت لكنه(8/283)
ج8ص284
شاع فيه ففهم ذلك من الساق وحده حتى صار عبارة عن كل أمر فظيع كما أشار إليه الراغب فتدبر. قوله : ( سوقه إلى الله وحكمه ) يشير إلى أنّ المساق مصدر بمعنى السوق ، وإن فيه مضافاً مقدراً وتقديم الخبر كما مرّ. قوله : ( ما يجب تصديقه ) على أنّ صدّق ماضي التصديق ، وما بعده على أنه من التصدق ، ودخلت فيه لا على الماضي كما في قوله :
وأفي عبد لك لا الما
وله شواهد أخر فإن قلت : على أنه من التصدق الاستدراك ظاهر لأنه لا يلزم من نفي التصدق والصلاة التكذيب والتولي كما في كثير من عصاة المؤمنين ، وأما إذا كان من التصديق فيلزم التكرار ووقوع لا بين أمرين متوافقين ، وهو لا يجوز كما قاله أبو حيان : قلت ما ذكره غير مسلم فإنه معطوف على قوله : يسأل أيان يوم القيامة ، وهو سؤال استهزاء واستبعاد كما مرّ فالمعنى استبعد البعث وأنكره فلم يأت بأصل الدين الذي هو التصديق بالله ولا بأهم فروعه ، وهو الصلاة ثم أكد ذلك بذكر ما يضاده بقوله ، ولكن كذب الخ نفيا لتوهم السكوت أو الشك أي ومع ذلك أظهر الجحود والتولي عن الطاعة فكونهما متوافقين غير مسلم ولا استدراك للاستدراك كما توهمه. قوله : ( والضمير فيهما للإنسان الخ ) إشارة إلى أنه معطوف على قوله : يسأل أيان يوم القيامة كما مرّ ، وبه صرح الإمام فهو لا بعد فيه معنى وإن بعد لفظا فإنكار أبي حيان له غير مسلم ، وقوله : أيحسب الإنسان بعده تكرير للإنكار ، وقرينة مقربة له وفيه نظر فإنّ إنكار بعده مكابرة لا تخفى. قوله : ( فإنّ المتبختر يمدّ خطاه ( بيان لوجه إفادته لما ذكر قال الإمام : هذا ذكر لما يتعلق بدنياه بعد ذكر ما يتعلق بدينه قيل ، وثم للاستبعاد لأنّ من صدر عنه مثل ذلك ينبغي أن يخاف من حلول غضب الله به فيمشي خائفا متطامناً لا فرحاً متبخترا ، وقوله : أصله يتمطط فأبدل بعض حروف المضارعة ياء كما قيل في قصصت أظفاري قصيت ونظائره كثيرة ، وقوله : أو من المطا فهو معتل بحست الأصل. قوله : ( ويل لك ) هذا محصل معناه المراد منه فإنه مثله فيرد للذعاء عليه أو للتهديد والوعيد ، وعن الأصمعيّ إنها تكون للتحسر على أمر فات هذا هو المعنى المراد بها ، والكلام في لفظها فقيل : هو فعل ماض دعائيّ من الولي واللام مزيدة أي أولاك اللّه ما تكرهه أو غير مزيدة أي أدنى الهلاك لك كما ذكره المصنف رحمه الله وقريب منه قول الأصمعي إن معناه قاربه ما يهلكه أن ينزل به واستحسنه ثعلب ، وقيل : إنه اسم وزنه أفعل من الويل فقلب وقيل : فعلى ولذا لم ينوّن ومعناه ما ذكر وألفه للإلحاق لا للتأنيث وعلى الاسمية هو مبتدأ ولك الخبر ، وقيل : إنه اسم فعل مبنيئ ومعناه وليك شرّ بعد شرّ ونقل الزمخشري عن أبي علني أنه علم لمعنى الويل وهو غير منصرف للعلمية ووزن الفعل ، وقيل عليه إن الويل غير متصرف ومثل يوم أيوم غير منقاس ولا بفرد عن الموصوف ، واذعاء القلب من غير دليل لا يسمع وعلم الجنس خارج عن القياس ما ذكر بعيد من وجوه عدة وقيل : فالأحسن أنه أفعل تفضيل خبر لمبتدأ يقدر كما يليق بمقامه فالتقدير هنا
النار أولى لك يعني أنت أحق بها وأهل لها. قوله : ( أي يتكرّر ذلك عليه الخ ) إشارة إلى مكرّر للتوكيد ومرّ تحقيقه والكلام في عطفه ، وقوله : وهو يت!ضمن تكرير إنكاره الخ إشارة! فائدة ما ذكر بعد قوله : أيحسب الإنسان سابقا بأمرين ، أحدهما : أنه في مقابلة تكريره للإنكا وثانيهما : دلالته على وقوع البعث لأنّ الحكمة في خلق الإنسان تقتضي التكليف ، ثم الجر لئلا يكون عبثاً وهو قد لا يكون في الدنيا فلزم ذلك وقوله : استدلال آخر أي بعد الاستدلا بقوله : أيحسب الإنسان أن يترك سدى. قوله : ( كان إذا قرأها الخ ) قال ابن حجر رواه أبو دا والحاكم وهذا كما روي أنه جمنن كان يقول في آخر تبارك اللّه رب العالمين كما في تفسر الجلالين ، وقوله : من قر " 2 ( الخ حديث موضوع تمت السورة بحمد اللّه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.
سورة الإنسان
وتسمى سورة الدهر ، والأمشاج وهل أتى ولا خلاف في عدد آياتها وهي مكية عند الجمهور ، وقالط ابن عادل إنها مدنية عند الجمهور وهو مخالف لما قاله الفاضل المحشي ، وقيل : مدنية مطلقاً وقيل : إلا قوله فاصبر الخ(8/284)
ج8ص285
وقيل إلا قوله ولا تطع منهم آثماً أو كفورا.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( استفهام تقرير وتقريب ) تقريب بالرفع عطف على استفهام أو بالجرّ عطف على تقرير ، والتقرير الحمل على الإقرار بما دخلت عليه والمقرّر به من ينكر البعث ، وقد علم أنهم يقولون نعم قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه فيقال لهم : فالذي أوجدهم بعد أن لم يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم ، وهذا معنى الهمزة المقدرة معها ، والتقريب تقريب الماضي من الحال وهو معنى قد وهل المرادفة لها فلما سدت مسد الهمزة دلت على معناها ومعنى الهمزة معاً ، ثم صارت حقيقة في ذلك فقوله ، ولذلك أي لدلالتها على ما ذكر كما عرفته ، وقوله : فسر بقد كما فسرها به ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من النحاة كالكسائيّ وسيبوبه والمبرّد والفرّاء ، وردّه ابن هشام في المغني وقوله : وأصله أهل على ما قرّرناه. قوله : ( كقوله ) القائل هو زيد الخيل قاله : في غارة أغارها على بني يربوع وهم قبيلة مغروفة أغار عليهم فأصاب منهم وقتل وسبى فقال في ذلك شعرا وهو :
سائل فوارس يربوع بشذتنا أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم
أم هل تركت نهيكافيه دامية ملاسة تنفث الطلاء بالقدم
والحرث بن هشام عند معترك رهن المقامة للعرجاء والرخم
إنا كذاك إذا ما غارة لحقت نفضي لكل رقيق حذه خدم
وكل مشترف من نسل سلهمة يلتحن عند اعتراك الموت باللجم
وهذه جميع الأبيات قال السيوطي في شرح شواهد المغني والذي رأيته في نسخة قديمة
من ديوانه فهل رأونا وقال السيرافي الرواية الصحيحة أم هل رأونا وأم منقطعة بمعنى بل فلا
دليل فيه لما قاله الزمخشري ، ومن تبعه لأنّ الحرف لا يدخل على مثله ولم يجعله المصنف رحمه الله دليلاَ كما في الكشاف لاحتمال أنه جمع بينهما للتوكيد كما في قوله :
ولا للما بهم دواء
مع أنّ هذا أقرب لعدم اتحادهما لفظاً ، والسفح أسفل الجبل ينفسح فيه الماء ، والقاع الأرض المنخفضة وا!م جمع أكمة وهي ما علا من الأرض دون الجبل والشدة بالفتح الحملة أو بالكسر القوّة والباء فيه لتضمين سائل معنى أهيم أو للسببية ، وقوله : أهل الخ كناية وتعريض معناه أهل كنا غالبين أم هم وفيه تعريض بأنهم كانوا في الحضيض كذا في الكشف وعندي إنه كناية عن انهزامهم لأنّ من شأن المنهزم الالتجاء إلى جبل. قوله : ( طائفة محدودة ) أي مقدرة ، وهو تفسير للحين وهو شامل للكثير والقليل لأنها إمّا مدة الحمل إن أريد النطفة أو هي مدّة مادة آدم المخمرة طيناً على الخلاف فيها هل هي أربعون سنة أو مائة وعشرون كما في الآثار إن أريد العنصر ، وقوله : الزمان الممتدّ الغير المحدود تفسير للذهر فإنه عند الجمهور يقع على مدة العالم جميعها وعلى كل زمان طويل غير معين والزمان عامّ للكل ، وتوقف أبو حنيفة في معنى الدهر كما ذكر في كتاب الإيمان يعني في المراد به عرفا حتى يقال : بماذا يحنث إذا قال : لا أكلمه الدهر. قوله : ( غير مذكور بالإنسانية ( إشارة إلى أنّ النفي راجع للقيد أي غير معروف بها والمراد أنه معدوم لم يوجد بنفسه إذ كان الموجود أصله مما لا يسمى إنساناً ولا يعرف بعنوان الإنسانية كالعناصر الأربعة جملتها أو بعضها المخلوق منها آدم عليه الصلاة والسلام ، أو النطفة المتولدة من الأغذية المخلوقة من العناصر ، وقوله : حال من الإنسان فأطلق على مادّته الإنسان مجازاً بجعل ما هو بالقوة منزلاً منزلة ما هو بالفعل أو هو من مجاز الأول وقوله : بحذف الراجع أي العائد وتقديره فيه كما في قوله : { وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } [ سورة البقرة ، الآية : 48 ] . قوله : ( والمراد بالإنسان الجنس ) الشامل لآدم وبنيه لا آدم كما ذهب إليه بعض المفسرين وسيأتي لأنه أعيد معرفة في قوله : لقد خلقنا الإنسان من نطفة فيكون عين الأوّل ، وآدم غير مخلوق من نطفة فإذا أريد الجنس فإمّا أن يكون جنس بني آدم وهو خارج ، أو داخل بتغليب غيره عليه أو بجعل ما للأكثر للكل مجازاً في الإسناد أو الطرف فلذا قال : لقوله الخ فجعل هذا دليلاَ لتفسيره(8/285)
ج8ص286
بالجنس بناء على الظاهر المتبادر. ترله : ( أو آدم ( أي المراد به في قوله : على الإنسان آدم عليه الصلاة والسلام ، وقوله : بين أوّلاً خلقه أي ما خلق منه ، ومادته لأنّ الشيء الذي لم يذكر المراد به العناصر أو التراب وهو وإن أبهم معلوم من القرائن الخارجية فما قيل : إنه بطريق الإشارة لا وجه له إلا أن يريد ما ذكر على أنّ الإشارة غير
المصطلحة فقوله : سابقا كالعناصر ، والنطفة المراد المجموع بالنظر إلى المجموع أو التوزيع على الوجهين في المراد بالإنسان وليس نظراً للتقريب في الاستفهام ، وعدمه لأنّ مرتبة العنصرية بعيدة كما توهم لأنّ التقريب فيهما نسبي تقريبي. قوله : ( أخلاط ) جمع خلط بمعنى مختلط ممتزج ، وقوله : مشج بفتحتين كسبب وأسباب أو بفتح فكسر ككتف وأكتاف ومشيج فعيل فإنه يجمع أيضا على أفعال كشهيد وأشهاد ونصير وأنصار وإن قال في التسهيل إنه غير مقيس ، وقوله : وصف النطفة وهي مفردة بها أي بأمشاج وهو جمع لأن المراد بها مجموع ماء الرجل ، والمرأة والجمع ققد يقال على ما فوق الواحد أو باعتبار الأجزاء المختلفة فيهما رقة وغلظا وصفرة وبياضا وطبيعة وقوّة وضعفا حتى اختص بعضها ببعض الأعضاء على ما أراده الله بحكمته وعلمه بقدرته فهذا في المعنى جوابان ، والحاصل أنه نزل منزلة الجمع ووصف بصفة أجزائه ، وقوله : ولذلك أي لأجل التفاوت والاختلاف المذكور وخلقها متفاوتة كذلك باختياره تعالى فلا يتوهم أنه مخالف للمذهب الحق من أنه باختياره تعالى ، وإن جاز أن يقال إنه وقع كذلك ابتداء باختياره تعالى فتدبر. قوله : ( وقيل مفرد ) أي أمشاج هنا مفرد بناء على أنّ أفعالاً يكون في المفردات نادراً وقد عدوا منه ألفاظا مذكورة في كتب اللغة واليه ذهب سيبوبه في لفظ أنعام كما مرّ فالقول بأنه لم يذهب إليه غير صحيح وقد مرّ ما فيه ، وقولهم : برمة أعشار أي متكسرة كأنها صارت عشر قطع والبرمة القدر وا!ياس بكاف وياء تحتية مثناة وشين معجمة ثوب غزل غزله مرّتين ، وقيل : الثوب اكياس ، من ملابس ا!ياس. قوله : ( وقيل ألوان ) معطوف على قوله : أخلاط على أنه مفسر بذاك أو بهذا ، وقوله : اخضرّا لتغيرهما بالمكث في قعر الرحم كما يخضرّ الماء بالمكث ، وهو حال أي من فاعل خلقنا أو من مفعوله وقوله : بمعنى مريدين إختباره يشير إلى ما يرد عليه من أنّ الابتلاء بمعنى الاختبار بالتكليف ، وهو يكون بعد جعله سميعاً بصيراً لا قبله فكيف يترتب عليه قوله : فجعلناه الخ فأجاب بأنه إمّا حال مقدرة مؤولة بقوله : مريدين الخ أو الابتلاء ليس بمعنى الاختبار المذكور بل هو مجاز مستعار لنقله من طور وحال إلى طور ، وحال آخر لأنّ المنقول يظهر في كل طور ظهوراً آخر كظهور نتيجة الامتحان بعده وليس هذا على تفسير الأمشاج بالأطوار كما يتوهم ، وأما كون نبتليه في نية التأخير أي فجعلناه سميعا بصيراً نبتليه فتعسف ، ولذا لم يعرج عليه المصنف. قوله : ( فهو
كالمسبب الخ ) أي جعل اللّه الإنسان ذا سمع وبصر كالمسبب عن الابتلاء لأنّ المقصود من جعله كذلك أن ينظر الآيات الآفاقية والأنفسية وشممع الأدلة السمعية ، ولذا خص هاتين الصفتين وقال كالمسبب لأنّ أفعاله تعالى لا تحتاج إلى الأسباب والعلل أو لأنه مسبب عن إرادة الابتلاء لا عن الابتلاء نفسه ، وقوله : ولذلك أي لأجل أنه كالمسبب عطف بالفاء ورتب عليه ما بعده لأنه مسبب وما بعده عفة له ، وقوله : ورتب عليه الخ لأنها جملة مستأنفة تعليلية في معنى لأنا هديناه أي دللناه على ما يوصله من الدلائل ، وهو إنما يكون بعد التكليف والابتلاء به ، وقوله : إنزال الآيات إشارة إلى الدلائل السمعية. قوله : ( وإفا للتفصيل ) باعتبار تعدد الأحوال مع اتحاد الذات ففصلت حالاته إلى الشكر والكفران كما أشار إليه بقوله : في حاليه والتقسيم للناس باختلاف الذوات والصفات باعتبار أن بعضهم كذا وبعضهم كذا ، والشكر الاهتداء للحق وطريقه والكفران ضده فالمعنى إنا دللناه على الهداية ، والإسلام فمنهم مهتد مسلم ومنهم ضال كافر. قوله : ( أو من السبيل الخ ( عطف على قوله من الهاء ، وقوله : على حذف الجواب الخ وتقديره إمّا شاكراً فتوفيقنا له واقا كفوراً فبسوء اختياره ونحوه مما يناسب المقام ، وقيل : إنها إمّا العاطفة وفتح همزتها لغة فيها ، وقد تبدل ميمها ياء كما في قوله :
إيماء إلى جنة إيماء إلى نار
وقوله : ليطابق قسيمة تعليل للمنفي ، ومحافظة تعليل للمنفي وقسيمه شاكرا ، وقوله : التوغل فيه أي المبالغة والزيادة فيه الذي تفيده صيغة فعول ، والكفران ترك(8/286)
ج8ص287
الشكر وقلما يخلو منه أحد فحينئذ يلزم عدم الفرق بين المؤمن ، وكيره ولا تتأتى المقابلة لأنّ كل شاكر كافر وقد يجتمعان ، والمبالغة بحسب الكيف أو الكم لشموله الجميع. قوله : ( وتقديم وعيدهم ) هنا على الوعد للمؤمنين مع تأخر ذكرهم في التقسيم بقوله : { إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [ سورة الإنسان ، الآية : 3 ] لأنّ الإنذار أنسب بالمقام وحقيق بالاهتمام وليكون أوّل الكلام وهو شاكراً ، وآخره من أوصاف المؤمنين وأيضاً هو لف ونشر مشوس ، وهو أرجح لما فيه من اتصال أحد القسمين ، وقوله : وقرأ نافع الخ ورويت عن غيره كما فصل في النشر ، وقوله : للمناسبة يعني تنويته كما نوّن ما بعده وللمشاكلة يجوز صرف ما لا ينصرف ، وذكر له وجو. أخر في الكشاف
هذا أحسنها وأشهرها مع ما يرد على غيرها كما يعلم من شروح الكشاف ، وقوله : جمع بر كأرباب جمع رب بناء على أن فاعلا لا يجمع على أفعال وما بعده بناء على القول بجوازه كصاحب ، وأصحاب وكما في المثلى أحبارها أبناؤها والخلاف فيه مشهور ، وقد مرّ والبر المطيع ، وعن الحسن البر الذي لا يؤذي الذر ولا يضر البشو. قوله : ) من خمر ( فهو مجاز بعلاقة المجاورة ، وقوله : تكون فيه إشارة إلى أنه مما وضع بقيد كالذنوب للذلو فيها ماء ونحوه ، وقوله : ما يمزج بها كالحزام لما يحزم به فهو اسم آلة ، وقوله : لبرده وحرارة الخمر فيعدلها وعذوبته وطعمها مز والكافور الحيّ ، كذلك وهو طري وقيل : كافور الجنة مخالف لكافور الدنيا ولو ذكر بياضه كان أولى ليكون تركيبا بما عرف فيه ، وطيب عرفه بالفتح أي رائحته وهذا تعليل للمزج به دون غيره بناء على أنّ الكافور بمعناه المعروف ، وقوله : اسم ماء وعلى هذا فالمزج به ظاهر وعلى القول بأنه خمر الجنة فيه أوصاف الكافور الممدوحة فجعله مزاجا مجاز في الاتصاف بذلك. قوله : ( أو من محل من كأس الخ ) أي ماء عين أو خمر عين على الوجهين السابقين بناء على أن ما يجري منها خمر أو له فعل الخمر قيل : إنه لا حاجة لتقدير المضاف على هذا على أنه مجاز في النسبة والنصب على الاختصاص يعني بتقدير أعني أو أخص ، وقوله : أو بفعل يفسره ما بعدها لا أنه صفة عيناً ولذا أورد عليه أنه إذا كان صفة عيناً فلا يفسر أيضا وإلا فيجوز نصبه بنفسه من غير تقدير ، وفيه وجوه أخر ذكرها المعرب. قوله : ) ملتذا ( هذا بناء على كون عينا بدلاً من قوله : من كاس وما بعده على إبداله من كافورأ ، وهو إشارة إلى أن يشرب لا يتعدى بالباء فهي متعلقة بمحذوف يدل عليه ما ذكر ، وقوله : مبتدأ منها لأنّ العين المنبع وقوله : كما هو كأنه اكتفاء أي كما هو مبتدأ من الكأس في قوله : من كأس وترك الخبر لظهوره ، وقيل : الكاف للبقاء على حاله وما موصولة ، وهو مبتدأ وهو ضمير العين ذكر لتأويله بالمشروب وخبره محذوف تقديره عليه أي على الوجه الذي هو عليه ، وبهذا الوجه أعرب قولهم كما أنت وفيه نظر. قوله : " جراء سهلاَ ) فتنكيره للتنويع أو هو من التفجير لأن الفجر الشق الواسع كما قاله الراغب : فيفيد ما ذكر وقوله : ببيان ما رزقوه لأجله ضمير رزقوه المنصوب للمذكور والمجرور لما أي بيان البرّ الذي رزق الأبرار ما ذكر لأجله فإن ترتب الحكم على وصف البرّ يشعر بعليته ، وكان الموافق لقوله : يشرب أن يقول ما يرزقونه وكأنه آثر
صيغة الماضي للدلالة على التحقيق كقوله : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ } [ سورة القمر ، الآية 10 ] ونحوه ، وقوله : كأنه سئل عنه أي قيل بما استحقوا هذا النعيم ، وقوله : وهو أبلغ الخ أي أنّ قوله : يوفون بالنذر كناية عن أن يؤدّوا الواجبات كلها العلم ما عداه بالطريق الأولى وإشارة إلى النص كما ذكره. قوله : ( شدائده ) التعميم مستفاد من الإضافة إلى اليوم فإنه يشمل كل ما فيه ، وفاشيا بمعنى ظاهرا ومنتشرا أي عام اللحوق والإصابة واستطار الحريق بمعنى انتشر وظهر كنور الفجر ، وقوله : أبلغ من طار لأنّ زيادة البنية تدل على زيادة المعنى وللطلب زيادة دلالة عليه لأنّ ما يطلب من شأنه أن يبالغ فيه وقوله : وفيه إشعار الخ حسن العقيدة لأنّ خوف يوم القيامة بعد الإيمان بالله ، والحشر والنشر وما تبعه واجتناب المعاصي لأنّ من خاف العذاب خوفاً استحق به أن يمدحه الله بأنه اجتنب مقتضى الخوف كما لا يخفى. قوله : ( حب الله ا لا ضعف فيه كما قيل لأنه يغني عنه قوله لوجه الله وغير مناسب لقوله : حتى تنفقوا مما تحبون لأنّ ما ذكر مؤيد له لا مناف له وعدم المناسبة غير ضارة ، وهو أحسن من حب الطعام بخلاف حب الإطعام فتأمّل. قوله : ( فإنه صلى الله عليه وسلم الخ ) قال ابن حجر رحمه الله : إنه لم يذكر ممن يعتمد عليه من(8/287)
ج8ص288
أهل الحديث وكذا ما بعده والأسير المؤمن هو المملوك وسمي أسيراً باعتبار ما كان وتسمية المسجون أسيراً مجاز لمنعه عن الخروج ، وقوله : وفي الحديث : " غريمك أسيرك " فيه تشبيه بليغ أي كأسيرك ، وهذا كقول عليّ كرم الله وجهه أحسن إلى من شئت تكن أمنره. قوله : ( على إرادة القول ) بتقدير قائلين ، وهذا إما قول باللسان لدفع الامتنان وتوهم توقع المكافأة أو بلسان الحال لما يظهر عليهم من أمارات الإخلاص ، وقوله : إنها تبعث بالصدقة أي كانت تبعث بها ،
وقوله : شكرا إشارة إلى أنه مصدر كالدخول ، وقوله : فلذلك نحسن الخ إشارة إلى أنه تعليل لما قبله من قوله : إنما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاء ، وقوله : عذاب يوم بتقدير المضاف أو لأنّ خوفه كناية عن خوف ما فيه. قوله : ( تعبس فيه الوجوه ) فوصفه بالعبوس مجاز في الإسناد كقوله : نهار. صائم أو فيه استعارة بالكناية على تشبيه اليوم بأسد مفترس ، واثبات العبوس له تخييل وأخر. لأنّ العبوس ليس من لوازم الأسد ففي جعله تخييلية ضعف مّا لكنه لشهرة ، وصفه به صح في الجملة وقيل إنه تشبيه بليغ ، والضراوة بوزن الطراوة بالضاد المعجمة الاعتياد للصيد والافتراس وفي نسخة ضرره وهذه أصح. قوله : ( كالذي يجمع ما بين عينيه ) لأنه من قمطة إذا شده ، وجمع أطرافه وقوله : وجمعت قطريها أى جانبيها لتضع حملها وقوله : والميم مزيدة فاشتقاقه من قطر بالاشتقاق الكبير وقوله : بدل عبوس الفجار المعلوم من قوله : وجوه يومئذ باسرة ، وهو لشهرته فيه غنى عن ذكر مأخذه أو هو مص ت قوله : يوما عبوسا بناء على أرجح الوجهين فيه كما مرّ ، وقوله : وايثار الأموال فيه مضاف مقدر أي إيثار بذل الأموال على اقتنائها ، ولو قال : إيتاء الأموال كان أظهر والقياس دال على ما ذكرناه. قوله : ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما الخ ( هو حديث موضوع مفتعل كما ذكره الترمذقي ، وابن الجوزي وآثار الوضع ظاهرة عليه لفظا ومعنى فليت المصنف يترك إيراد مثله مع أنه يقتضي كون السورة مدنية لأنّ تزوّج علي بفاطمة رضي اللّه عنهما كان بالمدينة والسورة عند المصنف مكية ، وقوله : فضة بلفظ أخت الذهب اسم جارية له ، وأصوع جمع صاع وهو معروف وهو يؤنث ، ولذا قال
ثلاث أصوع وقوله : هنأك الله دعاء له بجعلهم قرّة لعينه لما لهم من الزهد. قوله : ( حال من هم ) وخص الجزاء بهذه الحالة لأنها أتم حالات المتنعم ولا يضر الحالية فوله : بما صبروا لأن الصبر في الدنيا وما تسبب عليه في الآخرة ، ولو كان حالاً من ضمير صبروا ورد ذلك عليه إلا أن يجعل حالاً مقدرة ، وقوله : أو صفة لجنة هذا على مذهب مرجوج عند النحاة فإن الصفة إذا جرت على غير من هي له يجب إبراز الضمير البارز فيها سواء ألبس إضماره أم لا فمقتضاه أن يقال هنا متكئين هم فيها ، وهل الضمير البارز في مثله فاعل أو مؤكد للفاعل المستتر وارتضى الثاني الرضى ، وتفصحيله في شرح التسهيل. قوله : ( يحتملهما ) أي الحالية من ضمير جزاهم ، وكونه صفة جنة ، وقوله : والمعنى الخ لأنها إذا لم يكن بها شمس لم يكن فيها هواء حار فقصد بنفي الشمس نفيها ، ونفي لازمها معاً لقوله : ولا زمهريراً فتحسن المقابلة فكأنه قيل : الا حر ، ولا قر ) كما ورد في وصف هواء الجنة في الحديث وقوله : محم اسم فاعل من أحماه صيره شديد الحرارة والمراد مسخن لما لاقاه ، وقوله : وقيل الخ لتظهر المقابلة والمعنى ما سيأتي. قوله : ( وليلة ظلامها البيت ا ليلة مجرورة على تقدير رب وجملة ظلامها الخ صفتها واعتكر إشتدت ظلمته وتراكم بعضه على بعض ، وقوله : ما زهر بمعنى أضاء وأشرق وهذا هو القرينة على أنّ الزمهرير في البيت القمر وقطعتها أي بالسير وجملة والزمهرير حالية. قوله : ( حال الخ ( هذا على قراءة النصب فهي حال أي معطوفة على محل الجملة الحالية ، وهي لا يرون أو على متكئين الحال أو صفة معطوفة على الصفة السابقة بالوجهين ، وقوله : أو عطف على جنة أي بتقدير موصوف وهو جنة وقوله : على أنها خبر ظلالها لا على أنهار رافعة له على الفاعلية حتى يستدلّ به على أعمال اسم الفاعل ، من غير اعتماد كما ذهب إليه الأخفش مع أنه يجوز أن يكون خبرا لمبتدأ مقدّر فيعتمد إذ لا يتعين كونه مبتدأ فيستغني بفاعله عن الخبر ، وقوله : والجملة حال قالوا وامّا عاطفة أو حالية ، وإذا كان صفة فالجملة أيضاً معطوفة على الصفة أو
صفة والواو للإلصاق على مذهب الزمخشري. قوله : ( معطوف على ما قبله الخ ) على الرفع وجعلت فعلية للإشارة إلى أن التظليل أمر دائم لا يزول لأنها(8/288)
ج8ص289
لا شمس فيها بخلاف التذليل فإنه أمر متجدّد وقوله : حال من دانية أي من الضمير المستتر فيه ، وقوله : على قطافها بضم القاف ، وتشديد الطاء جمع قاطف وكيف شاؤوا أي جلوساً وقياما. فوله : ( أي تكوّنت ) أي أوجدت وخلقت وهو إشارة إلى أن كان هنا تامّة وقوارير حال ، وإفادة ما ذكر لأنّ القارورة من الزجاج وهو على التشبيه البليغ أي كالقوارير في كونها شفافة صافية اللون ، وقوله : نوّن قوارير أي فيهما وهي قراءة وقرئ بتنوين قوارير الأولى دون الثانية لوقوعها في الفاصلة وآخر الآية فنوّن ووقف عليه بالألف مشاكلة لغيره من كلمات الفواصل ، وهو مراد المصنف بقوله : رأس الآية أي نهايتها فأطلق الرأس على النهاية ، وإن كانت آخراً كما في قولهم رأس السنة لآخرها وقوله ، وقرئ قوارير أي برفع قوارير الثانية على أنها خبر مبتدأ مقدر وفي الوقف بالألف ودونها هنا روايات مفصلة في النشر. قوله : ( فجاءت مقاديرها الخ ) فعلى الأوّل معناه أنها كما تمنى الشاربون وأحبوا صورة وقدرا فهو كقول الطائي :
ولو صوّرت نفسك لم تزدها على ما فيك من كرم الطباع
ولا يحتاج هذا إلى قرينة المقام لأنّ المرء ما يقدر في نفسه ما يجيء له إلا على ما يحب
كما دل عليه بيت الطائي ، وعلى الثاني إنّ السقاة أتوابها على مقدار يسع مقدار ما يكفي الشارب من غير زيادة ولا نقص وهو أهنأ وأمرأ ، وقوله : وقرئ قدروها أي ببناء المجهول ، وقوله : شرابها بالنصب مفعول قدر فعليه في الآية مضاف مقدر أو مضافان أحدهما مقدر هنا أي كفاية شرابها. قوله : ( جعلوا قادرين لها الخ ( يعني أنه من قدرت " الشيء بالتخفيف أي بينت مقداره فإذا نقل إلى التفعيل تعدى لاثنين ومعناه تصييره مقدارا له واحد المفعولين هنا الضمير النائب عن الفاعل ، والثاني ها وقال أبو حيان أقرب من هذا ما نحاه أبو حاتم ، وهو إن أصله
قدّر ريهم منها تقديرا والري ضدّ العطش فحذف المضاف ، وحرف الجر وأوصل الفعلى له بنفسه وفي كونه أقرب منه نظر فإنه أكثر تكلفاً ولكن كل حزب بما لديهم فرحون. قوله : ( ما يشبه الزنجبيل ) ما يجوز فيه المذ على أن يشبه صفته ، والقصر ويشبه صلته وعلى التقديرين عينا بدل من زنجبيلا فإن كان زنجبيلا على حقيقته فعينا بدل من كأسا أي يسقون فيها كأساً كأس زنجبيل وقوله : وكانت العرب الخ إشارة إلى أنه ورد على ما تعارفوه ، وإن كان ثمة ما يفوق لذته المستلذات كما يعرف بالذوق السليم. قوله : ( لسلاسة انحدارها في الحلق ) لأنّ أهل اللغة كما قال الزجاج : فسروه بما كان في غاية السلاسة يقال : شراب سلسل وسلسال وسلسبيل أي سهل الانحدار في الحلق ومساغها مصدر ميمي ، وتوله : حكم بزيادة الباء تبع فيه الزمخشريّ ، وقد قال أبو حيان عليه إنّ عني الزيادة الحقيقية فليس بجيد لأنه لم يقل أحد بأنّ الباء من أحرف الزيادة وإن عني إنها حرف في أصل الكلمة ، وليس في أصل مرادفها من سلسل وسلسال على أنه مما اتفق معناه ، واختلفت مادته صح وفيه نظر وقد قيل : إنه أراد به أنه من الاشتقاق اكبر. قوله : ( والمراد به أن ينفي عنها الخ ) اللذع بى العين المهملة لا بالمعجمة لأنّ أهل اللغة يفرقون بينهما ، والأوّل في النار والأجزاء الحارّة ونحوها ونقيضه كونه سهل البلع. قوله : ( وقيل أصله سل سبيلا ) نقل هذا عن عليّ وهو افتراء عليه فإنه من تلفيق التجنيس كقول ابن مطران الشاشي :
سل سبيلافيها إلى راحة النف ص براج كأنها سلسبيل
وقوله : فسميت من التسمية ، وهي وضع الاسم العلم وهو معنى قوله : تسمى في النظم
على هذا ، وعند غيره التسمية إطلاق الاسم علمماً أو غيره وعلى هذا هو علم منقول من الجملة محكى على أصله ، وقوله : لأنه الخ توجيه للتسمية به وانها كانت في المنقول عنه استعارة أو مجازا مرسلا للعمل المؤذي إليها وغير هؤلاء لا يقولون بالعلمية لأنها تقتضي منع الصرف ولم يقرأ به في العشرة ، وإن قرأ به طلحة في الشواذ إلا أن يقال إنه صرف على لغة أو لمشاكلة الفواصل ونحوه من الوجوه السابقة وقوله : رأيتهم الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل واقف عليه. قوله : ( وانبثاثهم في مجالسهم ) أي تفرقهم كاللؤلؤ المنثور وانعكاس الشعاع ليس من لوازم اللآلئ المنثورة فكأنها إذا كان جرمها كبيراً جدا كانت مضيئة كذلك فتأمّل. قوله : ( لأنه عام
معناه إن بصرك(8/289)
ج8ص290
الخ ) أراد بالعموم أنه منزل منزلة اللازم ، وترك مفعوله فيفيد العموم في المقام الخطابي إذ تقدير أحد المفاعيل دون غيره ترجيح بلا مرجح فيلزم العموم هذا مراده ، وهو أظهر من أن يخفى والعجب ممن ادّعى هنا أنه يقدر له مصدر معرف بلام الاستغراق بمعونة المقام ، وانه بمعنى كونه عاماً وحينئذ فقوله : معناه على ظاهره ولا حاجة إلى جعله مال المعنى كما قيل ، وثم ظرف بمعنى هناك نصب محلا على الظرفية. قوله : ( واسعاً ) فالكبر مستعار من عظم الحجم لسعة المسافة وأيده بالحديث المذكور :
والجود أعظم والمواهب أوسع
وقوله : يرى أقصاه كما يرى أدناه أي أقربه إليه لما يعطي من حدة النظر أو هو من خصائص الجنة. قوله : ( هذا ) أي الأمر هذا ، والشان كما ذكر والحال أن للعارف بالله ما هو أعظم وأوسع من ذلك ، وهو ما له في مدينة العلم من منازل العارفين التي تسافر فيها أبصار البصائر فلا تنتهي إلى حد وهو معاني العوالم التي هي لذة الأرواح ، والمراد بالملك عالم الشهادة فلذا أضاف له الجلايا والملكوت عالم الغيب ، ولذا أضاف له الخفايا ، وأنوار القدس العلوم الحقيقية واضافته للجبروت ، وهو العظمة لأنها المقتضية لتنزهه عما لا يناسبه جل وعلا وهذا مأخوذ من التفسير الكبير ، وحاصله أن ما ذكر في المحسوسات ولهم من المعقولات ما وراء ذلك مما هو أعظم وأعظم فتدبره. قوله : ( ما رق منها وما غلظ ا لف ونشر مرتب فما رق السندس ، وما غلظ الاستبرق فإنه معرب استبر ، وهو الغليظ منه وفي كلامه إشارة إلى أن خضراوان توسط فهو لهما ، وقوله : أو حسبتهم الخ ما قيل عليه من أنه يلزمه تفكيك الضمائر لأنّ بعضها للطائف وبعضها للمطوف عليه ردّ بأنه مع القرينة المعينة لا بأس به مع أنّ كون ضمير حلواً وسقاهم للمطوف عليه غير مسلم فإنه يجوز كونه للطائفين كما ذكره المصنف ، وقوله : أو ملكاً أي من المضاف قبل قوله : ملكاً لقربه ، ويجوز أن يكون من المقدر قبل قوله :
نعيماً كما ذهب إليه غيره وقوله : بالرفع أي وتقديره على الياء مع كسر الهاء ، ومن نصبه ضمها وأخبر به عن النكرة لأنه نكرة واضافته لفظية كما أشار إليه بقوله : في تفسيره يعلوهم ، وهو أحسن من جعله منصوبا بفتحة مقدرة لأنه شاذ أو ضرورة فلا ينبغي أن يخرج عليه القراءة المتواترة كما فعله أبو البفاء هذا ، والأحسن لفظا ومعنى كما في بعض الحواشي أن يعرب عاليهم مبتدأ وثياب خبره فتأمّل. قوله : ( حملا على سندس بالمعنى ا لأنه وإن كان مفرداً لفظا جمع معنى ، واما جعل جره للجوار لتتوافق القراءتان معنى فلا يلتفت إليه لأنه شاذ لا يخرج عليه من غير ضرورة ، وقوله : فإنه اسم أي اسم جنس جامد شائع في أفراده فيجوز أن يوصف بالجمع ولا يخلو كلامه من الخفاء. قوله : ( استبرق بالرفع ) أي قرئ به وقوله : بالعكس أي بجر استبرق عطفاً علي سندس ، ورفع خضر على أنه صفة ثياب فيدل على خضرة الاستبرق أيضا كما أشار إليه المصنف في تفسيره أوّلاً ، وقوله : والفتح أراد به فتح القاف على أنه علم جنس منقول من الفعل ، وحكي فتحه أو المسمى به الجملة من الفعل والضمير المستتر ، وقد رد الزمخشريّ هذا القول بأنه معرب من غير شبهة فيه وما ذكر في الحقيقة تكلف ضعيف رواية ودراية ، وأضعف منه ما قيل إنه باق على فعليته والضمير المستتر فيه راجع للأخضر المفهوم من خضر أو للسندس ، إشارة إلى خلوص خضرته وأنها لا يعلوها سواد كخضرة الدنيا وكله أو هي من بيت العنكبوت.
تنبيه : للأئمة المعتمد عليهم في استبرق اختلاف كثير لأهل اللغة والعربية والتفسير هل
هو عربي أو معرب وهل هو نكرة أو علم جنس مبنيّ أو معرب مصروف أو ممنوع من الصرف كلها أقوال مصرح بها وهمزته همزة قطع أو وصل والصحيح منها أنه نكرة معرب مصروف مقطوع الهمزة لأنه الثابت في السبعة المتواترة ، وعدم قطع همزته ثبت في قراءة شاذة إما بناء على أنه عربي أو لمشابهته للاستفعال ، وقول المصنف علماً يأباه صرفه لا دخول أل لأنه لم يثبت بناؤه على الفتح كما في المحتسب بناء على أنه منقول من جملة فعل وضمير مستتر وهو معرب استبر على الصحيح وعند ابن دريد معرب استروه ، وتبعه في القاموس ، ومعناه كل غليظ ثم خص بالديباج وفي تصغيره ومادته اختلاف لأهل اللغة ، وهذا مما ينبغي المحافظة عليه. قوله : ( عطف على ويطوف الخ ) واختلافها بالماضوية والمضارعية لأنّ الحلية مقدمة على
الطواف المتجدد ، وقوله : لإمكان الجمع بتعدد الأساور لكل والمعاقبة بلبس الذهب تارة ، والفضة أخرى(8/290)
ج8ص291
والتبعيض بأن تكون أساور بعض ذهبا وبعض فضة ، وقوله : فإن الخ تبعيض للتبعيض ، وقوله : وأسواراً جمع لسوارة وفي نسخة بدله أنواراً على أنه استطراد ، وقيل : إنه لدفع ما يتوهم من أنّ تلك الحلي للنساء بأنّ المراد بها الأنوار الفائضة عليهم المتفاوتة تفاوت الذهب والفضة ، والتعبير عنها بأساور الأيدي لأنها جزاء ما عملته أيديهم ، ولا يخفى ما فيه فإنّ ما ذكره وهم مبناه المتعارف اليوم فإما في الجنة فالأمر على خلافه ، ولو كان كما ذكره لم يكن ثمة تعارض أصلاَ ، وقوله : تتفاوت الخ إشارة إلى أنها ليست من جنس معدنيات الدنيا. قوله : ) أو حال الخ ) عطف على قوله : عطف ، وعلى هذا التقدير يجوز أن يكون التحلي بأساور الفضة للخدم وأساور الذهب في غير هذه الآية للمخدومين فلا يخالف ما هنا المذكور ثمة ، وذلك بأن يكون عاليهم حال من ضمير حسبتهم لكنه يرد عليه ما قيل من أنه يصير داخلا تحت الحسبان ، وكيف يكون ذلك وهم لابسون السندس حقيقة بخلاف كونهم لؤلؤا فإنه على طريق التشبيه المقتضي لقرب شبههم باللؤلؤ أن يحسبوا لؤلؤا ويمكن تصحيحه بتكلف ا هـ ، وهو غير وأرد لأن الحسبان في حال من الأحوال لا يقتضي دخول الحال تحت الحسبان فتأمل. قوله : ( يفوق على النوعين المتقدّمين ) وهما ما مزج بالكافور وما مزج بالزنجبيل وهو مأخوذ من كلام طويل للإمام وأسنده إلى رواية فيها إنه تقدّم لهم الأطعمة ، والأشربة فإذا فرغوا أتوا بهذا الشراب الطهور فإذا شبوا منه طهر بطونهم ورشح منه عرق بريح المسك وهو نوع من الشراب آخر ، وقوله : يطهر شاربه يشير إلى أن الطهور بمعنى المطهر ، وفيه كلام تقدّم ، وقيل : إنه يعني به الشراب الروحاني لا المحسوس كالريحاني ، وهو عبارة عن التجلي الرباني الذي يسكرهم بالذهول عما سواه وهو الذي عناه ابن الفارض رحمه الله تعالى بقوله :
سقوني وقالوا لاتغيبن ولو سقوا جبال حنين ما سقوني لغابت
قوله : ( على إضمار القول ) أي ويقال لهم الخ قيل ، ويجوز أن يكون خطابا من الله في
الدنيا للأبرار وهو لا يغني عن التقدير ليرتبط بما قبله ، وقوله : ما عد من ثوابهم توجيه لأفراده وقوله : مجازي عليه الخ فالمشكور مجاز عما ذكر وقوله : مفرقاً بناء على أنّ التنزيل للتدريج
وقد مرّ مراراً. قوله : ( وتكرير الضمير الخ ) أراد أنّ نحن نزلنا يفيد الاختصاص كما مرّ في نظائره ، وتكرير الضمير مع أنه تأكيد لهذا الاختصاص سواء كان نحن بعده تأكيدا أو مبتدأ أو فصلا ولذا قال : مزيد لاختصاص ليتمكن في الذهن أنه هو المنزل لا غيره ، وقد علم أنّ كل ما صدر منه على وفق الحكمة ومقتضاها الأمر بالصبر والمكافأة وسيأتي زمان القتال بعده وقوله : بتأخير نصرك متعلق بحكم. قوله : ( أي كل واحذ من مرتكب الإثم الخ ) اعلم أنه قال في الكشاف : إنّ أو لأحد الشيئين ، وانه إذا قيل : لا تطع أحدهما فالنهي عن طاعتهما جميعا انتهى قيل ، وهو فاسد لاحتمال أن يكون المطلوب ترك واحد منهما ، أي : واحد كان لا ترك كل واحد فالصحيح إنها في الإثبات لأحد الأمرين وفي النفي لكليهما وأما توهم إنه لو أتى بالواو زال الوهم بالكلية فليس بشيء ، وتقريره ما قيل من أنّ أو ليست للتخيير حتى يرد ما ذكر بل للإباحة ، والمقام للمبالغة في النهي عن طاعتهما مجتمعين ومنفردين ، ولو قيل : لا تطعهما أو هم النهي عن طاعتهما مجتمعين فلذا قيل لا تطع أحدهما ليدل منطوقه على النهي عن طاعة أحدهما ، وفحواه على النهي عن طاعتهما بالطريق الأولى ، ولذا قال الزجاج : أو هنا أوكد من الواو وعلم منه أن أو في الإباحة كجالس الحسن أو ابن سيرين تدل على استحقاق كل منهما ذلك بالفضل ، والمزية ليدل على الاجتماع بالطريق الأولى والإباحة من خارج ، وهو موافق لقول ابن الحاجب أو لإثبات الحكم لأحد الأمرين وضعا فإن قامت القرينة على عدم المنع عن المعية فهي للإباحة ، وقال بعض الفضلاء أو في الإثبات لأحد الأمرين وفي النفي لكليهما فمراد السائل أنّ أو لأحد الأمرين فيحتمل إرادة النهي عنهما وجواز طاعة أحدهما بشرط ترك طاعة الآخر ، والمحرم المجموع فلم لم يأت بالواو ليدلّ على النهي عن كل منهما وقوله : الناهي عن أحدهما النهي عنهما لا يدفعه ، والجواب أنه أتى بأو ليفيد نفي كل واحد واحد لأنها في النفي لكل منهما لأن نقيض الإيجاب الجزئي السلب الكلي ، والواو لا تفيد هذا لأنها في الإثبات للجمع ونفيه يحتمل(8/291)
ج8ص292
أن يكون بنفي أحدهما فتشبيهه بالنهي عن التأفيف لا يصح ، ويرده إنه لا شك إنّ أو في جميع مواقعها لأحد الشيئين ، ويعرض لها معان أخر كالشك والإباحة ، وغير ذلك فإذا قلت : اضرب زيداً أو عمراً فالمعنى اضرب أحدهما فقط وإذا قلت لا تضرب زيداً أو عمرا فالأصل أنّ معناه لا تضرب أحدهما واضرب الآخر كما في الأمر لكنه بمعنى لا تضرب أحدهما والأحد الأغلب عليه في غير الإثبات العموم فمعناه لا تضرب زيداً ولا عمراً ، واحتمال غيره مرجوح والقرينة هنا دافعة له لوصفه بآثما وكفورا إذ المعنى لا تطع من كان فيه أحد هذين الوصفين فالنهي عمن اجتمعا فيه يعلم بالطريق الأولى ، ولذا رد القول بأن أو هنا
بمعنى الواو انتهى محصله إذا عرفت هذا فقوله : كل واحد أتى بكلمة كل لأنه لو قال لا تطع واحدا لم يفد ما أراده من عموم النهي هنا وليس الواحد كالأحد في العموم فما قيل من أنّ الأولى طرح كل لإيهامها خلاف المقصود هنا لا وجه له وقوله : الداعي لك إليه إشارة إلى أنّ تعليق النهي بالموصوفين ليس لمجرد الدلالة على الاتصاف بهذين الوصفين بل للدلالة على ارتكاب ذلك ، والدعوة إليه فإنه إذا قيل لا تطع الظالم فهم منه لا تتبعه في الظلم ، ولولاه كان ذكر الآثم لغوا كما في الكشاف ، وقوله : الغالي في الكفر من صيغة فعول. قوله : ( وأو للدلالة على أنهما سيان ) كذا في بعض النسخ بالواو العاطفة قبل أو فهو وجه واحد مع ما قبله وفي بعضها أو من غير واو فهما وجهان كما في بعض الحواشي ، وهو ظاهر ودلالتها على الاستواء فيما ذكر لما عرفت أنها وضعت للدلالة على أنّ الحكم لأحد الشيئين من غير ترجيح لأحدهما على الآخر ، وما عداه من المعاني بواسطة القرائن الخارجية فليس فيه إشارة إلى أنها للإباحة كما توهم فالمقصود الدلالة على ما ذكر لا لأنه نهي عن إطاعة أحدهما دون الآخر حتى تكون الواو أولى هنا. قوله : ( والتقسيم الخ ) دفع لما يقال كلهم كفرة فما معنى التقسيم فيه بأنّ التقسيم ليس باعتبار ذواتهم حتى يكون بعضهم آثماً وبعضهم كفورا بل باعتبار ما دعوه له فإن منهم من دعاه ل!ثم ومنهم من دعاه للكفر ، وقوله : فإن ترتب الخ أي ترتب النهي على الوصفين باعتبار أنّ الحكم على مثتق يقتضي أنّ مأخذ الاشتقاق علة له فقوله : بأنه أي النهي لهما أي الوصفين المذكورين وقوله : يستدعي أن تكون المطاوعة الخ أي المطاوعة المنهيّ عنها ، وفي نسخة أن لا تكون فالمراد ضدّها والإثم إذا أطلق يراد به غير الكفر وهو المراد. قوله : ( وداوم على ذكره ) إشارة إلى شيئين الأوّل أنّ الأمر للدوام لأنه لم يترك ذكره حتى يؤمر به ، والثاني أنّ قوله : بكرة وأصيلا كناية عن الدوام ، وقوله : فإنّ الأصيل الخ أما تناوله للعصر فظاهر وأما تناوله للظهر فباعتبار أواخره إذ الزوال وما يقرب منه لا يسمى أصيلا وما قيل إنه قد يسمى ذلك أصيلاَ لو سلم فهو ارتكاب لغير المعروف من غير ضرورة تدعو له ، والذي غرّه إنهم فسروه بالعشية وهي تطلق على ما ذكر وهذا يقتضي أن هذه السورة نزلت بعد فرض الصلوات الخمس ، وهو الظاهر. قوله : ( وبعض الليل ا لأن من تبعيضية ، وقوله : فصل لأنّ السجود مجاز عن الصلاة بذكر الجزء وارادة الكل ، وقوله : صلاة المغرب والعشاء ليتضمن
الكلام الصلوات كلها ، وقوله : وتقديم الظرف الخ يعني للاعتناء والاهتمام بظرفها وتشريفه الدال على أنها كذلك بالطريق الأولى وليس للحصر كما لا يخفى والكلفة المشقة لأنه زمان الاستراحة من الأعمال والفراغ ، والخلوص لبعده عن الرياء والفاء على معنى الشرطية فالتقدير ما يكن من شيء فصل من الليل ، وهو يفيد أيضا بتأكيده الاعتناء التامّ. قوله : ( وتهجد له طائفة طويلة ) حمله على التهجد لذكره بعد الصلوات كلها على تفسيره السابق إذ صلاة الليل غيرها كذلك وأصل التسبيح التنزيه ، ويطلق على العبادة القولية والفعلية فلذا فسر المسبحين بالمصلين كما ذكره الراغب وفي تأخيره ، وتأخير ظرفه ما يدل على أنه ليس بفرضى ، وأما كونه معبراً عنه بالتسبيح فلا دلالة له على ما ذكر كما قيل ، وقوله : طائفة الخ إشارة إلى أن التنوين للتبعيض كما مرّ في قوله ليلا من المسجد الحرام فيفيد أن تهجده من بعض ، ومقدار طويل من الليل فقد وصف بعض الليل الواقع ذلك فيه بالطول فيفيد ما ذكر من غير تكلف ما قيل إنّ توصيف الليل بالطويل ليس للاحتراز عن القصير لعموم زمان التهجد بل لتطويل زمان التسبيح. قوله : ( أمامهم ) لأنّ يوم القيامة كذلك وجعله خلف ظهورهم بمعنى عدم(8/292)
ج8ص293
الالتفات له والاستعداد ، ولذا قيل : إنه على الأوّل حال من يوماً وعلى الثاني ظرف لقوله : يذرون ، ولو جعل على وتيرة واحدة في التعلق صح أيضاً ، وقوله : الباهظ بالموحدة والظاء المشالة تفسير للثقيل لكنه تفسير بما هو أخفى يقال : بهظه الحمل إذا أثقله فعجز عنه أو شق عليه حمله ، فكأنه توصيف له بما يفيد أنّ في فعيل مبالغة في الثقل وفي نسخة من الثقل الباهظ وهي أحسن والاستعارة تصريحية أو مكنية وتخييلية والكل ظاهر. قوله : ( وهو كالتعليل لما أمر الخ ) يعني في قوله : ولا تطع إلى هنا فكأنه قيل : لا تطعهم ، واشتغل بالأهم من العبادة لأنّ هؤلاء تركوا الآخرة للدنيا فاترك أنت الدنيا ، وأهلها للآخرة وإن هذا يفيد ترهيب مجيء العاجل وترغيب مجيء الآجل والأوّل علة للنهي عن طاعة الآثم والكفور والثاني علة للأمر بالطاعة. قوله : ( وأحكمنا ربط مفاصلهم الخ ) يعني الأسر معناه في اللغة الشد والربط ويطلق أيضاً على ما يشدّ ويربط به ، ولذا سمي الأسير أسيراً بمعنى مربوط فشبهت الأعصاب بالحبال المربوط بها ليقوي البدن بها أو لإمساكها للأعضاء ، ولذا سموها رباطات أيضا والعارف يقول فمن كان أسره من ذاته وسجنه دنياه في حياته فليبك مدة عمره ويتأسف على وجوده بأسره ، وقوله : شذة الأسر أي قوّة أعصابهم وبدنهم. قوله : ( يعني النشأة الثانية ( يعني المراد بالتبدل إيجادهم في النشأة الثانية بعد الموت وقوله : ولذلك أي لأنّ المراد النشأة الأخرى المحققة عبر بإذا الدالة على التحقق وجعل فيه
تبديل الصفات بمنزلة تبديل الذوات فكان ذكر المشيئة على هذا لإبهام وقته ، ومثله شائع كما يقول العظيم لمن يساله الأنعام إذا شئت أحسن إليك وقوله : وإذا التحقق القدرة وفي نسخة لتحقيق القدرة وهما بمعنى يعني أنّ إبدال الناس بعد إعدام جنسهم وهو تبديل في الذوات لم يثأه الله ولم يقع فلو أريد هذا كان المناسب أن بدل إذا كما في قوله : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } [ سورة النساء ، الآية : 133 ] لكنه لتحقق قدرته عليه وتحقق ما يقتضيه من كفرهم المقتضي لاستئصالهم جعل ذلك المقدور المهذد به كالمحقق ، وعبر عنه بما يعبر به عن المحقق وهو إذا المناسبة للمقام ، وهذا معنى ما نقل عن الزمخشري من أنه إنما جاز ذلك لأنه وعيد جيء به على سبيل المبالغة حتى كان له وقتا معينا فلا وجه لقوله في الكشف لا إخال نسبته إليه صحيحة وقد جاء في نظيره في التنزيل وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم لأنّ النكات لا يلزم اطرادها ، وما قيل من أنّ كلمة الشك دخلت فيما تلاه على التولي لا على الاستبدال فإنه مقطوع على تقدير وقوع الشرط لا يخفى ما فيه من الخبط والخلل فتدبر. قوله : ( تقرّب إليه بالطاعة ) يعني أن اتخاذ السبيل إليه تعالى يكون بالطاعة الموصلة لقربه إيصال السبيل للمقاصد فهو تمثيل هنا ، وقوله : إلا وقت الخ يعني أن يشاء الله في محل نصب على الظرفية بتقدير المضاف الذي سد مسده ، وقوله تعالى : { وَمَا تَشَاؤُونَ } الآية قال بعض الفضلاء : معناه ما تشاؤون شيئآ أي ما تشاؤون اتخاذ سبيل إلى الله بدليل قوله : { فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا } [ سورة الإنسان ، الآية : 29 ] أي لا تتخذون السبيل بمشيئتكم إلا أن يشاء الله اتخاذكم والمقصود أنّ مشيئة العبد في أفعاله الاختيارية غير كافية بل لا بد مع ذلك من مشيئة الله تعالى بلا استقلال للعبد ولا جبر من السيد بل أمر بين أمرين يتحقق بالمشيئتين فيكسب العبد ويخلق الرب ، وقوله : عليما أي يعلم ما يتعلق به مشيئة العباد من الإيمان والتقوى وخلافه حكيما لا يشاء الأعلى وفق حكمته ، وهو أن يشاء العبد فيشاء الرب لا العكس ليتأتى التكليف من غير انفراد لإحدى المشيئتين عن الأخرى فخير الأمور أوسطها اهـ . فوله : ( مشيئتكم ) رد على الزمخشري حيث قال : إلا أن يشاء الله يقسرهم عليها فإنه تحريف من غير دليل والظاهر ما ذكره المصنف فإنّ مفعول المشيئة يقدر من جنس ما قبله وزيادة القسر هنا تعسف كما بينه شراح الكشاف. قوله : ( بما يستأهل ( بالهمزة ويجوز إبدالها ألفاً أي بما يستحق وأصل معناه يصير أهلا وقد!رّ تحقيقه ، والقول بأنه لا يلائم المذهب الحق غير سديد فإن علمه باستحقاق كل أحد ومجازاته كما يستحق لا يقتضي الوجوب عليه كما توهمه القائل فتدبره بعين الأنصاف. قوله : ( مثلاَ أوعد
أو كافأ ) بالهمز في آخره بمعنى جازى ، ولم يقدر المذكور بعينه لأنه لا يتعدى بنفسه بل با كما يقدّر في نحو زيداً مررت به جاوزت زيداً مررت به ، وقوله : ليطابق الخ دفع لما يقال أنه لو رفع استغنى عن التقدير فلم كانت القراءة المشهورة بالنصسب لأنّ المعطوف عليه و يدخل من(8/293)
ج8ص294
يشاء جملة فعلية ولو رفع كانت جملة اسمية فتفوت المطابقة بين المتعاطفين و أحسن ، وقوله : وقرئ بالرفع في الشواذ وهي قراءة منسوبة لابن الزبير وحسنت لتأكيد الو بالاسمية فانه يسهل فوات المطابقة وإن كانت قراءة الجمهور أحسن لما مر ولأنّ الأمر بالعكس لو حقق لسبق الرحمة الغضب. قوله : ( عن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ ) هو حديث موضوع اللهم ارر جنة وحريراً ، وحررّنا تحريراً وصل وسلم على أشرف مخلوقاتك وآله وصحبه الذين طهر- من دنس المعاصي تطهيرا ، ونوو قلوبنا بحبهم وذكرهم تنويراً تمت السورة بحمد الله وعونه.
سورة المرسلات
وتسمى سورة العرف ولا خلاف في عدد آياتها ولا في كونها مكية إلا أن بعضهم استثنى
منها آية وهي : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ } .
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( أقسم بطوائف الخ ) هو المراد بالمرسلات وكل طائفة مرسلة ، وقوله : متتابعة معنى قوله : عرفا كما سيأتي تحقيقه ، وعلى هذا فالجموع المذكورة كلها صفات للملائكة ، وقوله : بأوامره الخ هو جمع مخصوص بالأمر مقابل النهي ففيه اكتفاء كتقيكم الحرّ ، وخص لأنه أهم لا لأنّ النهي يتضمن معناه وهوح مثلا وتفسير. بالعذاب على أنّ الإرسال به بمعنى إنفاذه وتأييده فإنه لا وجه للتخصيص على ما مرّ كما قيل فيه بحث وأذا كان الأمر موحى به ، فالباء في قوله : بالأوامر للتعدية من أرسلته بالهدية ونحوه لا للملابسة كما قيل ويجوز أن تكون للملابسة بمعنى أنه أمرها بالذهاب ، والمرسل غير مذكور وحينئذ لا يكون من باب الاكتفاء أو الأمر بمعنى العذاب المأمور به على ما اختاره الزمخشريّ لكن كلام المصنف رحمه الله تعالى لا يوافقه فمن ظنه موافقاً له فقد خلط فتأمّل ، وقوله : فعصفن هو معنى العاصفات على أنه استعارة بمعنى المسرعات سرعة الرياح ولعدم انفصال السرعة عن الإرسال عطف بالفاء. قوله : ( ونشرن الشرائع الخ ) تفسير للناشرات وعطف بالواو لعدم ترتبه بسرعة على ما قبله لأنّ النشر على هذا بمعنى الإشاعة للشرائع وهو يكون بعد الوحي والدعوة ، والقبول ويقتضي زمانا فلذا لم يقرن بالفاء التعقيبية وإذا حصل النشر ترتب عليه الفرق من غير مهلة كما فصله الإمام ولا يتوهم أنه كان حقه ، ثم حينئذ لأنه لا يتعلق القصد هنا بالتراخي ولم يقدر لكل موصوفاً على حدة كما في الكشاف لعدم الحاجة إليه لاتحاد المتعاطفات في الذات والعطف إنما هو لتنزيل تغاير الصفات منزلة تغاير الذات كما في قوله :
يا لهف زيابة للحرث الصابح فالغانم فالآيب
وقد مرّ في الصافات ولم يفسر النشر بنشر الأجنحة لأنّ حقه التقديم على العاصفات فإن
أريد به إرادة العصف فحقه العطف بالفاء فتأمّل. قوله : ( أو نشرن النفوس الموتى بالجهل الخ )
بالجهل متعلق بالموتى والنشر على هذا بمعنى الإحياء وفيما قبله بمعنى الإشاعة ، وقوله : بما أوحين متعلق بقوله : نشرن ، ويجوز تعلقه بالجهل وتنازعهما فيه ، وقوله : فألقين الخ قيل : فالفارقات بمعنى المريدات للفرق ، ولو لم يؤوّل بهذا كان الإلقاء مقدما عليه ، وقد يجاب بأن نفس الفرق مقدم على الإلقاء لأنه يحصل بمجرد نزول الوحي الذي هو الحق المخالف للباطل الذي هو الهوى ، والمتأخر عن الإلقاء هو العلم بالفرق فلا حاجة للتأويل بالإرادة ، وقيل عليه إنه على تسليم صحته لا يدفع احتياج الناشرات للفاء على ما فسره به ، اهـ وقيل عليه إذا أوّل النثر بإرادته كان اللائق أن يقال بدل قوله : يستدعي مهلة تجامعه ، وهو أن يكون الفرق نفس نزولهم بالوحي الذي هو الحق المخالف للباطل ، والفرق بهذا المعنى مقدم على الإلقاء والمتأخر هو العلم به فلا حاجة للتأويل ويكون وجهاً للعدول إلى الواو بخصوصها بغير ضميمة ، ثم إن ترتب إرادة الفرق على إرادة نشر الشرائع محل تردد إذ الظاهر العكس ، وأنما يحتاج لما ذكر إذا أريد بالعذر(8/294)
ج8ص295
والنذر مطلق الوحي فليحرّر. قوله : ) أو بآيات القرآن الخ ( عطف على قوله : بطوائف لأنه تفسير آخر فالمرسلات صفة الآيات والعرف على هذا بمعنى المعروف ، وقوله : بكل عرف بيان لحاصل المعنى لا تفسير إعراب حتى يكون منصوبا بنزع الخافض كما توهم فإنه مناف لكلامه الآتي في إعرابه ، ويجوز أن يكون بمعنى المتتابع لنزوله منجماً كما لايخفى.
قوله : ) النسخ ) متعلق بعصفن لأنه بمعنى أذهبن مجازاً مرسلاً أو استعارة ، وقوله : ونشرن
الخ من النشر بمعنى الإشاعة ، وقوله : وفرقن لو قال ففرقن بالفاء كان أولى وقوله : فألقين الخ فالإلقاء التثبيت والرسوخ لأنه يكون في الأمور الثقيلة غالباً. قوله : ) أو بالنفوس الخ ( فالمرسلات صفة النفوس ، والمراد بكونها كاملة إنها مخلوقة على صفة الكمال والعقل الهيولاني والاستعداد لقبول ما كلفته وما خلقت لأجله فما قيل : إنه يلزمه أن نفوس الأنبياء والأولياء كملها اللّه قبل تعلقها بأبدانها وتأباه حالة الطفولية فالمراد أنها مشارفة للكمال لا ينبغي أن تسود به وجوه الطروس ومن عرف أنّ الأرواح جنود مجندة عرف حقيقة ما قلناه ، وقوله : لاستكمالها الضمير للنفوس ، ويجوز رجوعه للأبدان والأوّل أولى وهذا إشارة لمعنى قوله : عرفا واعرابه. قوله : ( فعصفن ما سوى الحق ( أي أذهبته بالنظر في الأدلة الحقة ، وقوله :
ونشرن الخ تفسير للناشرات وذلك إشارة إلى العصف أو إلى ما سوى وأثره ما يتصف به البدن من العبادة والأعمال ، وقوله : بين الحق بذاته أي المتحقق بذاته لا بغيره وهو واجب الوجود والباطل في نفسه أي المعدوم بقطع النظر عن استناده لواجب الوجود لأنّ عليه الاحتياج الإمكان لا الوجود عند المحققين وهو معنى كل شيء هالك إلا وجهه ، وقوله : فيرون الخ مترتب على الفرق المذكور وجعله تفسيراً له ناشئ من عدم الفرق. قوله : ( بحيث لا يكون في القلوب الخ ) فمعنى إلقائه تمكينه في القلوب والألسنة أو طرج ما عداه ، وقوله : أو برياح الخ فالمرسلات الوياح المرسلة للعذاب لا! الإرسال شاع في العذاب كما مر وهذا على تعدد الموصوف في المرسلات والناشرات ، وقوله : ففرقن أي فرقن السحاب على البقاع وقوله : تسببن الخ فالتجوّز في إسناده. قوله : ) وعرفا الخ ( فالعرف المعروف من الجميل والإحسان والنكر المنكر مما يستقبح عقلا أو شرعا وهذا التفسير راجع إلى الوجوه كلها بجعل كل مع مناسبه لا للأخير كما لا يخفى فمن ذهب عليه ذلك فقد ارتكب شططا ، وقوله : على العلة أي مفعول له ، وقوله : من عرف الفرس عرف الدابة ما على قفاها من الشعر ومنه أخذ معنى التتابع ، ثم صار حقيقة عرفية قال : البطليوسي يقال : طار القطا عرفا عرفا أي بعضه وجاء القوم عرفاً عرفا كذلك ، وقوله : أرسلن للإحسان اقتصر عليه لأنه الأغلب وغيره يعلم بالقياس عليه ، وقيل : لأنّ عذاب الأعداء إحسان للأولياء. قوله : ( محا الإساءة ) أي أزالها هو تفسير له بلازمه ، وقوله : أنذر قياس مصدره الأفعال وهذا على خلاف القياس وقيل إنه اسم مصدر لا! فعلا لم يعهد في مصدر الأفعال وقيل : مصدر نذر بمعنى أنذر وفيه نظر ، وقوله : بمعنى المعذرة وهو مصدر ميمي وعبر به ليظهر مغايرته للعذر ، وقوله : أو بمعنى العاذر الخ أي صفة بمعنى الفاعل. قوله : ( ونصبهما على الأوّلين الخ ) الأولان كونه مصدراً أو جمعاً لفعيل المصدر ومآلهما للمصدرية فلذا كان نصبه على العلية فهو مفعول لأجله أو بدل من مصدر وعلى الأوّل العامل فيه الملقيات ، أو ذكراً قيل : وهو على الثاني معذرة لأنه سبب النجاة أو هو بمعنى الداعي للمعذرة وفيه نظر. قوله : ( أو البدلية من ذكرا الخ ( إنما أوّله بما ذكر لتصح البدلية فإذا فسر بالوحي كان فيه إعذار وإنذار فهو بدل بعض لأنّ الوحي يعمه وغيره فإذا فسر الذكر
بالمذكور العام لما ذكره كان بدل كل من كل لأنّ التوحيد والإيمان إعذار والشرك والكفر إنذار فهو بدل كل من كل والظاهر حينئذ أنّ الذكر بمعنى التذكير والعظة بالترغيب والترهيب. قوله : ( بالحالية ) يعني من الملقيات أو الضمير المستتر فيها ، وظاهره أنه على الأوّلين غير جائز ولا مانع منه فإنّ المصدر يكون حالاً بالتأوبل المعروف في أمثاله وقد صرح به المعرب أيضا لكنه على خلاف القياس فكأنه عني أنه لا يجوز إذا جرينا على وفق القياس ، وقوله : بالتخفيف أراد به سكون الذال وما عدا هؤلاء منهم من ضمهما ، ومنهم من خففهما ومنهم من ثقلهما كما فصل في النشر. قوله : ( جواب(8/295)
ج8ص296
القسم ) وهو قوله والمرسلات ، وقوله : ومعناه إنّ الذي توعدونه الخ يشير إلى أنّ ما موصولة وإن كتبت متصلة وفسرها بما ذكر ، وقوله : كائن لا محالة الخ التأكيد فيه من اسم الفاعل لأنه حقيقة في الحال فيفيد التعبير به التحقق كالماضي. قوله : ( بحيث إذا ذهب نورها ) وفي نسخة محقت أو أذهب نورها فعلى الأولى المقصود من محوها ذهاب نورها وهو تفسير واحد ، وعلى الثانية إمّا أن يفسر بالمحق وهو إذهابها بالكلية وإعدام ذاتها أو بذهاب النور فله تفسيران ، وقوله : صدعت أي شقت والصدع والفرج بمعنى الشق وقوله : ينسف بالمنسف بكسر الميم آلة النسف وهو التفريق والإزالة ، قال تعالى : { فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا } [ سورة طه ، الآية : 05 ا ] . قوله : ( عين لها وقتها ) فسر الزمخشري التوقيت هنا بتبيين الوقت الذي فيه شهادة الرسل على الأمم قال : والوجه أنّ معنى أقتت بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره ، وهو يوم القيامة وتحقيقه أنّ التوقيت إذا كان بمعنى التعيين والتحديد للوقت لا يوقع على الذوات إلا بإضمار لأنّ الوقت الحدث لا الجثث ويجيء بمعنى كونه منتهيا إلى وقت محدود فيقع عليها دون إضمار إذا كان بينهما ملابسة ، وجعل هذا هو الوجه لأنّ القيامة وقت شهادة الرسل لا وقت يبين فيه وقت شهادثهم وحضورهم ، وإذا الرسل الخ يقتضي ذلك لأنّ إذا أكرمتني أكرمتك زمان إكرام المخاطب مدلول إذا سواء كان معمول الجزاء أو لا هذا زبدة ما في الكشف وبه يعلم تحقيق كلام المصنف رحمه الله تعالى ، وذكره الحضور والشهادة في الأوّل دون الثاني إشارة إلى الاحتياح فيه إلى الإضمار وقوله : بحصوله أي الوقت متعلق بعين للإشارة إلى أن تعيينه فيه بوقوعه لأبان يعين فيه وقت غير. لذلك فالتعيين هو الحصول وبيانه بما يميط عن وجهه لثام الأوهام أنّ بلوغ الوقت أمر نسبي بين البالغ ونهاية الميقات التي هي وقت ، وليس عين الوقت ولا صفته فيوصف به ويسند إلى الحدث والجثث من غير تقدير كبلغت الرسل ميقاتها ، وهي بالغة له ومدركته بخلاف تعيين الوقت وتبيينه فإنه باعتبار المعين بالفتح صفة الوقت والوقت وصفته لا يحمل على الجثث بدون تقدير فما قيل من أن عدم
احتياج الثاني للتقدير محل بحث لا يلتفت إليه لأنه ناشئ من قلة التدبر فافهم. قوله : ( فإنه لا يتعين لهم قبله ا لأنه من المغيبات ولا بعده كما علم من قوله : بحصوله ، وقوله : بلغت بالتشديد وصيغة المجهول أو بالتخفيف ، والمعلوم وهو الوجه الثاني وقد عرفت تحقيقه ووجه ترجيحه لما فيه من عدم الإضمار وشائبة كون الشيء ظرفا لنفسه كما قيل وقوله : على الأصل لأنّ الهمزة مبدلة من الواو المضمومة ، وهو أمر مطرد كما بين في محله. قوله : ( يقال الخ ) يعني لأي يوم متعلق باجلت والجملة مقول قول مضمر هو جواب إذا أو حال من مرفوع اقتت ، والمعنى ليوم عظيم أخرت أمور الرسل ، وهو تعذيب الكفرة واهانتهم وتعظيم المؤمنين ورعايتهم ، وظهور ما كانت الرسل تذكره من أحوال الآخرة وأهوالها ولذا عظم شأن اليوم وهوّل الأمر بالاستفهام كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله : ( وهو ثعظيم ) الخ. قوله : ( بيان ليوم التأجيل ) يعني أنه بدل منه مبين له وقيل متعلق بمقدر تقديره أجلت ، وقيل : لامه بمعنى إلى وقوله : ومن أين الخ كناية عن تعطمه وتهويله وقوله بذلك الإشارة ليوم الفصل والتكذيب به إنكار البعث. قوله : ( مصدر الخ ) ومعناه هلاك وكان حقه النصب بفعل من لفظه أو معنا. فرفع على أنه مبتدأ أو سوغ الابتداء به ، وهو نكرة أنه للدعاء نحو سلام عليكم وهو من المسوّغات كما بين في النحو وفائدة العدول ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من الدلالة على الثبات والدوام ولم يجعل المصنف رحمه الله تعالى ما ذكر مسوّغا كما في الكشاف بل وجهاً للعدول ، إشارة إلى الاعتراض عليه ، وقوله : ظرفه أي يتعلق به لأنه مصدر أو صفته لوقوعه بعد نكرة وهو ظاهر ، وقوله : وقرئ الخ هي قراءة شاذة قرأ بها قتادة ، وهلكه بمعنى أهلكه مخالف للمشهور استعمالاً. قوله : ( ثم نحن نتبعهم الخ ) قدر المبتدأ ليتضح به الاستئناف على العادة في أمثاله ، وقد قيل إنه لا حاجة إليه ، ويجوز عطفه على قوله تعالى : { أَلَمْ نُهْلِكِ } الخ وكونهم كفار مكة معلوم من المضارع فيكون تهديدا واخبارا عما يقع بعد الهجرة كبدر ، وقوله : فيكون الآخرين الخ لأنه لم يقع إدراك هلاك كفار مكة فالمراد بهم بعض أمم الأنبياء السالفة أيضاً كما بينه المصنف رحمه الله تعالى ، وقوله : مثل ذلك الفعل الإشارة لما قبله أو لما
بعده ، وقوله :(8/296)
ج8ص297
بكل من أجرم إشارة إلى ما في الجمع المعرف من العموم. قوله : ( فليس تكريرا ا لاختلاف متعلقهما كما ذكره أو يحمل أحدهما على الاخرة والآخر على الدنيا مع أن التأكيد أمر حسن لا ضير فيه وقوله : مقدار معلوم ، هو مدة الحمل المعلومة ، وقوله : نحن هو المخصوص بالمدح ، وقوله : بقدرتنا إشارة إلى ما مر من عدم التكرير بتغاير المتعلق ونحوه. قوله : ( اسم لما يكفت ) أي يضم يقال : كفته الله إليه أي قبضه ولذلك سميت المقبرة كفتة وكفاتا والمراد بالاسم اسم الجنس أو أسم الآلة لأنّ فعالا كثر فيه ذلك كما مر تحقيقه في إمام ، وقوله : أو مصدر كقتال أوّل بالمشتق ونعت به كرجل عدل ، وهو معطوف على قوله : اسم ، وقوله : كافت أي قطر كافت كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى فمن قال على تأويل الأرض بالمكان أو النسب لم يصب ، وقوله : أو كفت بكسر الكاف وسكون الفاء كقدج وقداج ، وقوله : وهو الوعاء لا ينافي كون الكفات بمعنى الوعاء أيضاً مع أنّ ما في القاموس ليس معنى الوعاء كما توهم ، وقوله : أجرى على الأرض لأنه مفعول ثان ، وهذا توجيه له على وجهي الجمع والأرض مفردة. قوله : ( منتصبان على المفعولية ( الظاهر أن ناصبه كفاتا وهو ظاهر على المصدرية ، وكونه جمع كافت لا على كونه اسم آلة فإنه لا يعمل كما صرّج به النحاة وحينئذ فيقدر فعل ينصبه من لفظه كما صرّج به ابن مالك في كل منصوب بعد اسم غير عامل وقوله : للتفخيم بجعل التنوين للتعظيم والتكثير أي أحياء وأمواتا لا تعد ولا تحصى ، ولو عرف باللام الاستغراقية جاز وهذا يحتمله أيضا ، ولا ينافيه أو يقال تنوينه للتقليل أو التبعيثض لأنّ المراد بهم الناس وهم بالنسبة لغيرهم من الحيوانات والجن غير كثير كما لا يخفى. قوله : ( من مفعوله المحذوف ا لأن تقديره كفاتا إياهم أو إياكم أو كفاتا للإنس لأنهم المقبورون دون غيرهم. قوله : ) أو بنجعل ( على أنه مفعول ثان بتقدير مضات أي ذات أحياء وأموات ، وقوله : أو الحال وفي نسخة أو الحالية ، وقوله : فيكون المعنيّ الخ أي على هذين الوجهين الأخيرين ،
وقوله : ثوابت طوالاً لف ونشر لرواسي شامخات ، وقوله : ما لم يعرف الخ كما في الأراضي التي لم تعمر والجزائر الغامرة ، ولا حاجة إلى جعل ضمير فيها للجبال وتفسير ما لم يعرف بالجبال السماوية فإنه تفسير بما لم يعرف. قوله : ( أي يقال لهم انطلقوا ) قدر القول ليرتبط بما قبله فيقدر مقولاً لهم ونحوه وضمير لهم للمكذبين ، وقوله : من العذاب بيان لما ، وقوله : عن يعقوب هو أحد الروايتين عنه ، وقوله : على الأخبار أي بصيغة الماضي لا الأمر وهو استئناف بياني كأنه قيل : فما كان بعد الأمر فقيل : انطلقوا الخ فسقط قول السمين إنه كان الظاهر أن يقترن بالفاء كما تقول قلت له : اذهب فذهب فتركها ليس بواضح وقوله : خصوصا يعني الثاني ليس تكريراً للأوّل لتقييده بقيود ليست فيه ففيه رد على الزمخشري في قوله : إنه تكرير للأرّل ، ومنه يعلم وجه اختيار الاستئناف على الإتيان بالفاء الدالة على امتثال الأمر لأنه كان يقتضي الاقتصار على ذكر المأمور به فالقول بأنه موضع الفاء سهو مع أنه قد يقال إن تجريده من الفاء أدلّ على الامتثال لإيهامه تقدمه على الأمر فتدبر. قوله : ( نئ دخان جهنم ( فهو استعارة تهكمية لتشبيه ما يعلو من الدخان بالظل ، وفيه إبداع لأنّ الظل لا يعلو ذا الظل ، وقوله : تفرق الذوائب أي كتفرق الذوائب ففيه تشبيه بليغ ، وقوله : لأن حجاب النفس الخ المراد بالحس الحواس الظاهرة أو الحس المشترك أو ما يشملهما ، والمراد بالخيال القوّة المتخيلة يعني فلكون الحجب ثلاثة جعلت الشعب بعددها وتحقيق هذه الحواس مفصل في الحكمة ، وتفسير القرآن بمثله تعسف اقتدى فيه بالإمام ، وقوله : فوق الكافر وهي الواهمة لأنها في الدماغ وما بعده العصبية ، والشهوية وهو ظاهر. قوله : ( تهكم الخ ) لأنّ الظل لا يكون إلا ظليلا أي مظللا فنفيه عنه للدلالة على أنّ جعله ظلا تهكم بهم ولأنه ربما يتوهم إنّ فيه راحة لهم فنفي هذا الاحتمال بقوله : لا ظليل كما مر في قوله : { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ } [ سورة الواقعة ، الآية : 44 ] وقوله : غير مغن الخ إشارة إلى أنه صفة لظل أيضا ومغن بمعنى مفيد ومجد وعدى بعن
لتضمنه معنى مبعد. قوله : ( كل شررة كالقصر ) إشارة إلى أنّ شرر اسم جنس جمعيّ واحد شررة ، وهو مؤول هنا أي كل واحد منه كالقصر وحمله على ذلك لدلالة ما يعده عليه ولأنه أبلغ وأنسب بالمقام ، وقوله : ويؤيده الخ الظاهر أنه بفتح الشين جمع لا مفرد وهي. قراءة عيسى(8/297)
ج8ص298
لأنها تدلّ عل أن المشبه بالقصر واحده كما في القراءة المشهورة ، ويحتمل أنه بكسر الثين كما قرأه ابن عباس فإنه جمع أيضاً لشررة كرقبة ورقاب وإن احتمل جمع شرّ أيضاً كما ذكر المعرب ، ومن قال : إنّ هذا متعين فقد ادّعى ما لم يقم عليه دليلاً. قوله : ( وقيل هو جمع قصرة ) فهو كتمر وتمرة فهو حينئذ من تشبيه الجمع بالجمع من غير احتياج للتأويل بما مر وكذ ما بعده ، وقوله : كالقصر بضمتين كرهن وادعاء أنه مقصور من القصور مخالف للظاهر لأن مثله ضرورة أو شاذ نادر ، وقوله : وكالقصر بكسر ، ثم فتح جمع قصرة بفتحتين وحوج بكسر الحا وفتح الواو مخالف للقياس ، ومقتضاه حيج كقيم فورد على الأصل شاذاً ، وقوله : والها للشعب أي في قوله : إنها وقيل : لجهنم لعلمه من السياق ، وقال ابن السيد في مثلثاته القصر بفتحتين أصول النخل ، وقيل : أعناقها وبذلك فسرت قراءة من قرأ بفتح الصاد اهـ ، وفي كتاب النبات الحبة لها قشرتان التحتية تسمى حشرة والفوقية قصرة ، وقوله : كالقصر فشبه الشرر بما يطابق من تلك القشرة انتهى وهو غريب. قوله : ( جمع جمال ) فهو جمع جمع وجمالة بالكسر جمع جمل أو اسم جمع له ، وقوله : سود مرّ الكلام عليه في البقرة ، وقوله : الكثرة من جمع الجمع ، وقوله : بما يستحق بصيغة المجهول أو المعلوم والتقدير بما يستحق التقوه به الإصغاء له فلا ينافي ما ورد في غير هذه الآية من النطق لأنهم نطقوا لكن نطقهم جعل كالعد لعدم ئفعه ، أو المراد نفي النطق حقيقة لكن المواقف متعددة ففي بعضها ينطقون ، وني نجعضها لا ينطقون ومثله كثير ني القرآن. قوله : ( وقرئ بنصب اليوم ) أي في قوله : هذا يوم لا ينطقود والقراءة المتواترة هنا الرفع على الخبرية ونصب في بعض الشواذ إما على أنه خبر لكنه بني على الفتح لإضافته للجملة ، ولما حقه البناء أو منصوب على الظرفية وهذا إشارة ما ذكر والخبر مقدّر والتقدير هذا الذي ذكر من الوعيد واقع في يوم لا ينطقون ، والى الثاني أشار المصنف
رحمه الله تعالى ، وقد مر الكلام فيه في آخر المائدة وقرئ هناك بالفتح لكنه متواتر ثمة وهنا شاذ. قوله : ( عطف فيعتذرون الخ ) يعني لم ينصب في جواب النفي ليفيد نفي الاعتذار مطلقاً إذ لا عذر لهم ولا يعتذرون ولو جعل جوابا دل على خلافه فلا وجه لما قيل بعدم الفرق بينهما ، وأنما قرئ بهذا للمحافظة على رؤوس الآي كما بينه السمين ، فإن قلت هذا ينافي ما في سورة غافر كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في قوله : { يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } [ سورة غاقر ، الآية : 52 ] من أنهم يعتذرون ولا ينفعهم العذر أو لا يعتذرون لعدم الأذن قلت : إن لم يوفق بينهما فليحمل هذا على قوم وذاك على آخرين وليس التعقيب المذكور هنا في مجرد الأخبار كما قيل لأنّ المراد لا يؤذن لهم في النطق مطلقاً أو في الاعتذار ، والنفي الثاني مترتب على الأوّل في الواقع وفيه نظر. قوله : ( تقرير وبيان للفصل ا لأنه لا يفصل بين المحق والمبطل إلا إذا جمع بينهم وقوله : تقريع الخ لأنه كقولك اصنع ما شئت ، وقوله : في مقابلة المكذبين يعني لم يحمل المتقين على غير العصاة بل على ما يشملهم لوقوعه في مقابلة المكذبين بيوم الدين وهم كفرة المشركين هنا ، وفيه ردّ على المعتزلة القائلين بخلود العصاة فإنهم استدلوا بظاهر هذه الآية وما شاكلها. قوله : ( مستقرون الخ ) قدره لأنه مستقر خبر وللإشارة إلى أنه حقيقة لا كظلال المكذبين ، وأنه كناية عن جميع أنواع الرفاهية ، وقوله : أي مقولاً الخ يعني أنه حال من ضمير المتقين في الخبر بتقدير القول كما ذكر وقوله : في العقيدة فسره به ليعمّ المؤمنين فيكون على وفق ما فسر به المتقين ، وقوله : تمحض بصيغة الماضي أو بالمضارع ، والنون للعظمة فيه وهو بيان للمراد بالهلاك المدعو به عليهم هنا بأنه هلاك ، وعذاب مؤبد وقيل : إنه كلام مستأنف وفيه زظر ، وقوله : ولخصومهم الخ من قوله : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ } [ سورة الصافات ، الآية : 80 ] . قوله : ( تذكيرا لهم بحالهم الخ ) فيكون الأمر بفرض أنه قيل لهم في الدنيا ذلك ، والا فلا تمتيع لهم ثمة فكيف يؤمرون به ، وقيل : إنه يقال لهم في
الدنيا فيكون على ظاهره لكنه لا يرتبط بأطرافه حينئذ ولذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله تعالى ، وقوله : إنكم مجرمون في الكشاف إنه تعليل لما تقدّمه يدلّ على أنّ كل مجرم نهايته تمتع أيام قليلة بالأكل ثم يبقى في عذاب ، وهلاك أبداً ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى : بعده حيث عرضوا الخ. قوله : ( أطيعوا الخ ) فما ذكر كناية عن الانقياد أو الخضوع لا! الخطاب للكفرة فيناسب تفسيره بما ذكر أو هو على ظاهره لما رواه من الحديث المذكور ، وقد رواه أبو داود والطبرانيّ وغيرهما وهذا(8/298)
ج8ص299
إما أن يتصل بقوله : للمكذبين كأنه قيل : ويل يومئذ للذين كذبوا والذين إذا قيل لهم اركعوا الخ أو بقوله : إنكم مجرمون على الالتفات كأنه قيل : هم أحقاء بأن يقال لهم : كلوا وتمتعوا ، ثم علله بكونهم مجرمين وكونهم إذا قيل لهم صلوا لا يصلون كذا في الكشف نقلا عن الحواشي. قوله : ( لا نجبي ( كذا صح رواية في الحديث من التجبية بالجيم ، والباء الموحدة وهي الانحناء على هيئة الراكع أو الساجد ووقع في بعض النسخ لا ننحني بنونات وحاء مهملة ولكن الذي رواه الزمخشري هو الأوّل ، وقوله : فإنها الضمير للهيئة أو للفعلة أو للتجبية المفهومة من الفعل ، وقوله : مسبة أي عار يستحق فاعله السب كما في قولهم : الولد مجبنة. قوله : ( واستدل به الخ ) إذ لو لم يكن للوجوب لم يذموا بالترك مطلقا وعدم الامتئال ، ودلالته على المخاطبة بالفروع لأنهم أمروا الصلاة وذكر تعذيبهم بتركها فلو لم يخاطبوا وتجب عليهم ما عذبوا وعوقبوا على تركها والكلام عليه مفصل في الأصول ، وقد مرّ الكلام عليه أيضاً. قوله : ( بعد القرآن ) قالوا إنه على أسلوب بعد ذلك تنبيها على أنه لا حديث يساويه في الفضل أو يدانيه فضلاً عن أن يفوقه ، ويعلوه فلا حديث أحق بالإيمان منه يعني البعدية للتفاوت في الرتبة كثم هنا ، وقوله : من قرأ سورة والمرسلات الخ حديث موضوع كغيره مما مر تمت السورة بحمد الله والصلاة والسلام على سيد الأنبياء العظام وآله وصحبه الكرام.
سورة النبأ
وتسمى سورة عم يتساءلون وهي مكية بالاتفاق وآياتها أربعون أو إحدى وأربعون.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( أصله عما قحذف الألف ) وقد قرئ به على الأصل في الثواذ وهو مخالف للاستعمال ، واختلفوا في الداعي له والعلل النحوية حالها في الضعف معلوم فقال الزجاج : لأنّ الميم فيها غنة فشارك الأنف مخرجها في ذلك فكأنها حرف مكرر فتحتاج للتخفيف ، وهذا يقتضي حذفها من ما الموصولة واً جيب بأنها تحصنت بالصلة ، ولذا لم تحذف من ماذا المركبة ، وقيل : لما خرج عما هو حقه من الصدارة ضعف فطرأ عليه التغيير ولتركبه مع الجار ثقل فاقتضى التخفيف ، وقيل : حذفت تفرقة بينها وبين الموصولة ، وخص بالجز لشدة الاتصال وقيل : لكثرة الدوران ، وأورد عليه أنّ التفرقة تحصل بالعكس فلا بد من ضميمة لكثرة الدوران فلا يستقل الأوّل وجها ، واثبات الكثرة فيه دون غيره دونه خرط القتاد وقيل : اختص لتقدمه لأنّ الشيء يسئل عنه ، ثم يخبر فخص بالتصرف لتقدمه وفيه نظر وقد تقدم في الصف ما فيه. قوله : ( لما مر ) قد تقدّم ما فيه إلا أنه قيل : حذف منه الألف إما فرقا بين ما الاستفهامية وغيرها أو قصداً للخفة لكثرة استعمالها انتهى وفيه إن حذف الألف من ما الاستفهامية عند دخول حرف الجر عليها لازم واجب كما في الكشاف ، ثم قال : ولم تحذف من غيرها للفرق ودفع الالتباس وحصول التخفيف ، ولم يعكس لكثرة استعمال ما الاستفهامية فما فيه أحسن من عبارة هذا القيل فتأمله. قوله : ( ومعنى هذا الاستفهام تفخيم شأن ما يتساءلون عنه ) يعني أنّ الاستفهام لصدوره عن علام الغيوب لا يمكن حمله على حقيقته فجعل مجازا عما ذكر ، وقيل عليه إنه لا يليق بشأنه أن يكون شيء عظيم مشبهاً بما يخفى عليه وهو لا يخفى عليه خافية ، ورد بأنه ورد على طرز مخاطبات العرب فالاستفهام أو التشبيه بالنسبة إلى الناس ، ولذا قال بعض المتأخرين إنه جاء على نهج الاستفهام إشعاراً بأنه خارج عن دائرة علوم الخلق لعظمته فحقه أن يعتني به ، وسعأل عنه فلا حاجة إلى أن يقال : أنّ الاستفهام جرد للتفخيم بقطع النظر عن الخفاء وغيره ولا يرد ما توهمه بعض فضلاء العصر من أنه حينئذ يمكن إبقاؤه على معناه الحقيقي حتى يجاب بأنه عدل إلى المجاز لأنه أبلغ فتدبر. قوله : إكأنه لفخامته خفي جنسه ) قد علمت ما يرد عليه ، ودفعه فهو استعارة
تبعية فشبه الأمر المحقق شأنه بما يخفى جنسه على الناس لا على السائل والمتكلم فيسأل عنه لانتفاء نظيره ويستعمل لفظ المشبه به في المشبه كما أوضحه المصنف رحمه الله تعالى. قوله : ( والضمير لأهل مكة الخ ) وإن لم يسبق ذكرهم للاستغناء عنه بحضورهم حسا(8/299)
ج8ص300
قيل : مع ما في الترك من التحقير والإهانة للإشعار بأنه مما يصان عنه ساحة الذكر الحكيم ، ولا يتوهم العكس لمنع المقام عنه فلا يرد أنّ في تركه إيهام فخامته وتعيينه لعظمته ، وعلو صيته حتى يعلم وإن لم يذكر كما توهم ونحوه هي راودتني ، وقوله : يتساءلون عن البعث الخ وتخصيصه بالبعث لأنّ قوله : ألم نجعل الأرض الخ من أدلته كما ستراه فسقط ما قيل إنه يجوز أن يكون عن القرآن أو النبوّة أو غير ذلك. قوله : ( أو يسألون الرسول عليه السلام والمؤمنين عنه ) على أنّ الضمير لأهل مكة ، والتساؤل متعد لمفعول السؤال ومفعوله مقدر هنا وهو ما ذكر ، واستشهد له بما ذكر من كلام العرب لأنّ التفاعل في الأصل مطاوع فيكون لازماً وفاعله فاعل المفاعلة ومفعولها معاً فتقول ضارب زيد عمراً وتضارب زيد وعمرو فلا يتعدى إلا لمفعول غير الذي فعل بك مثل فعلك كما في قولهم تعاطينا الكأس ، وتفاوضنا الحديث ولذا قال البطليوسي : في شرح أدب الكاتب من قال تفاعل لا يكون إلا من اثنين ولا يكون إلا لازما فقد غلط لأنه يكون من واحد متعدياً كقول امرئ القيس :
تجاوزت أحراساً وأهوال معشر عليّ حراص لو يسرون مقتلي
وجاء من اثنين وهو متعد إلى اثنين كقوله أيضاً :
فلما تنازعنا الحديث وأسمحت هصرت بغمن ذي يثماريخ !ال
وظن قوم أنّ هذا مخالف لقوله سيبويه رحمه اللّه لا يكون تفاعلت إلا من اثنين ولا يكون معملا في مفعول كيف ، وقد قال بعده وقد يجيء تفاعلت على غير هذا إلى آخر ما فصله وأطال فيه ، وفيه تحقيق في شرح المفصل لابن يعيش وأشار إليه في آخر الباب الرابع من المغني ، ومنه تعلم أنّ ما نقل عن الزمخشريّ من أنه إذا كان المتكلم مفردا تقول دعوته فإذا كان جماعة تقول تداعيناه فوضعوا تفاعل موضع فعل إذا كان في الفاعل كثرة مراعاة لمعنى التشارك بقدر الإمكان لا وجه لنقله هنا فإنّ تفاعل يكون بمعنى فعل كثيراً ، وإن لم يتعدد فاعله كتواني زيد وتداني الأمر بل حيث لا يمكن التعدد نحو تعالى الله عما يشركون وهذا مما صرحوا به في المتون كالتسهيل ، وغيره فما قيل من أنه إنما يتم الاستشهاد بما ذكر إذا كان مجيء تفاعل بمعنى فعل قياساً ليس بشيء فتأمّل. قوله : ( أو للناس ) عموما سواء كفار مكة وغيرهم من المسلمين ، وهو معطوف على قوله : لأهل مكة وسؤال المؤمنين ليزدادوا خشية وايماناً ، وسؤال غيرهم استهزاء ليزيدوا كفرا وطغياناً وحذف المفعول على التعدي في الوجه
السابق لأنّ المستعظم السؤال بقطع النظر عمن سئل ويجوز أن يكون لصون المسؤول عن ذكر. مع هذا السائل. قوله. ( بيان لشأن المفخم ) أو للمفخم شأنه يعني ليس صلة بتساءلون لأن عمّ صلته بل هو صلة محذوف مستأنف للبيان ، ولا يصح إبداله من الأوّل فإنّ معناه عن النبأ العظيم أم عن غيره ، وهذا لا يطابقه أعيد الاستفهام أم لا كما قيل وليس بشيء فإنه يجوز فيه البدلية كما ذكره المعرب ولا يلزم إعادة الاستفهام لأنّ الاستفهام غير حقيقي ولا أن يكون عينه كما ادعاه لجواز كونه بدل بعض وما قيل لا نسلم عدم المطابقة إذا أعيد الاستفهام لغو من الكلام لا يتم بسلامة الأمير والسلام. قوله : ( قراءة يعقوب عمه ) وبها قرأ البزي أيضا ووجه التأييد أنه على الوقف أو نيته ، وهو يدل على أنه غير متعلق بالمذكور لأنه لا يحسن الوقف بين الجار ، والمجرور ومتعلقه لعدم تمام الكلام. قوله : ( يجزم النفي الخ ) الوجه الأوّل على أنّ الضمير لأهل مكة ، وما بعده على أنه للناس عامّة وكان عليه أن يزيد في الثاني التوقف والشك كما قيل ويجوز أن يفسر الاختلاف بزيادة الخشية والاستهزاء ، قيل : ويجوز أن يكون الإقرار والإنكار على الأوّل أيضا ، وضميرهم للسائلين والمسؤولين ولا يخفى ما فيه من مخالفة الظاهر وتفكيك الضمائر. قوله : ) ر! عن التساؤل ) بمعناه الظاهر أو بمعنى السؤال كما مر ، وقوله : ووعيد عليه هو على الأوّل ظاهر ، وعلى الثاني بتغليب المنكرين ، وقوله : تكرير للمبالغة لأنه لم يذكر مفعول العلم فإمّا أن يقدر سيعلمون حقيقة الحال وما عنه السؤال أو سيعلمون ما يحل بهم من ا أ!عقوبات ، والنكال وتكريره مع الإبهام يفيد مبالغة لأنه إذا قيل لزيد لم تدعو ثم كرر كان أبلغ في الزجر. قوله : ( وثم للإشعار(8/300)
ج8ص301
بأن الوعيد الثاني أشدّ ) قال السمين التكرار للتوكيد وزعم ابن مالك أنه من التوكيد اللفظي ، ولا يضره توسط حرت العطف والنحويون يأبون هذا ولا يسمونه إلا عطفا وإن أفاد التأكيد انتهى ، ولا محصل له وكان عليه أن يقول : وأهل المعاني يأبونه لما بينهما من شدة الاتصال فإنّ ما ذكره المفسرون ، والنحاة هنا مخالف لما ذكره أهل المعاني في الفصل ، والوصل والتوفيق بينهما كما أشاروا إليه إنّ ثم هنا للاستبعاد والتفاوت الرتبي فكأنه قيل لكم : رح وزجر شديد بل أشذ وأشد وبهذا الاعتبار صار كأنه مغاير لما قبله ، ولذا خص عطفه بثم غالبا ، وما ذكره أهل المعاني ليس على إطلاقه ولم يقل بأن الرد ، والوعيد الثاني لأنّ الوعيد يتضمن الرح أيضاً فاكتفى به مع القرينة السابقة. قوله : ( وقيل الأوّل عند النزع ( وهو ما يكون عند خروج الروح وزجر الملائكة ، وعلمه بما يشاهده بانكشاف الغطاء ، والثاني في القيامة زجر ملائكة العذاب ومشاهدة العقاب فثم في محلها لما بينهما من البعد الزماني ، ولا تكرار فيه كما في الوجه السابق عليه ، وكذا فيما بعده أيضا ولا فصل فيه بكلا بين
المتعاطفين كما توهم لتغاير الزجرين والعلمين وليس بياناً لكون الوعيد الثاني أشذ كما تو وإن كان في نفسه كذلك. قوله : ( على تقدير قل لهم سنعلمون ) أي قل لهم كلا ستعلمو وأنما اقتصر على ما ذكر لبيان المقدر وما اقتضى تقديره فلا يتوهم أنّ التقدير بعد كلا كما لظهور خلافه ، ولو جعل من الالتفات كما ذكره الإمام استغنى عن التقدير. قوله : ( تذكير
فهو متصل بما قبله لأنه دليل على إثبات المسؤول عنه فكأنه بتقدير قل كيف تنكرون أو تشكو فيه ، وقد عاينتم ما يدل عليه من القدرة التامّة والعلم المحيط بكل شيء ، والحكمة الما المقتضية أن لا يكون ما خلق عبثاً ولو لم تكن الإعادة كان أشذ العبث وهي أسهل من ال!د ومن كان عظيم الشأن والقدرة ينبغي أن يخاف ويخشى وينزجر بزواجره عما ردعهم وأوعد عليه ، والمهاد البساط أو الفراش والمهد مصدر صار اسما لما يعد للصبي لينام فيه فهو تشبيه بليغ كالأوتاد ، وهذه القراءة شاذة كما صرحوا به فلا ينافي هذا قول المصنف رحمه تعالى في طه إنه قرئ هنا وفي الزخرف مهدا ولم يختلفوا في الذي في النبأ أي اتفقوا قراءته مهادا كما يتوهمه بعض القاصرين فقوله : مصدر الخ بيان للمهد ، وقيل إنه راجع وللمهاد لأنهما بمعنى كما في القاموس ، وقوله : ذكرا وأنثى أي كل زوج ذكر وأنثى فلسى الظاهر ذكوراً واناثاً كما قيل. قوله : ( قطعاً عن الإحساس الخ ( لما ذهب أكثر أهل اللغة إلى السبات النوم كما نقله في القاموس ، وغيره فيصير المعنى جعلنا نومكم نوماً ولا فائد احتاج إلى التأويل ، فأول بوجوه كما فصله الشريف المرتضى في الدرر فقيل : إنّ معنا الأصل القطع يقال : سبت الشعر إذا حلقه وهو يرجع إلى معنى القطع دمان قال ابن الأنبار
لم يسمع السبت بمعنى القطع كما في الدرر ، فلما انقطعت الحواس الظاهرة عن الإدراك ذلك راحة لها أريد بالسبات مجازا الاستراحة فلذا رد الشريف على ابن الأنباري في قوله يسمع سبت بمعنى استراج بأنه أريد الراحة اللازمة للنوم وقطع الإحساس كما أشار المصنف رحمه الله تعالى ، وقوله : إزاحة لكلالها بالمعجمة أي إزالة لتعبها ويجوز إهما والأول أولى ولذا سمي النوم سبتا لفراغ وراحة لهم فيه ، وقيل : أصل السبت التمدد كا يقال : سبت الشعر إذا حل عقاصه هذا تحقيق الوجه الأول وفيه هنا كلام سخيف لا طائل
في بعض الحواشي رأينا تركه خيراً من ذكره. قوله : ( أو موتاً ( أي كالموت على التشبيه
وهذا على أنه ورد في اللغة بهذا المعنى وذكره حينئذ لأنه مشابه للأحياء بعد الموت فمن على هذا قادر على البعث الذي عنه يتساءلون فيكون هذا كقول الله تعالى { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا }
، والتي لم تمت في منامها الآية ، وفي الدرر يجوز أن يكون المراد جعلنا نومكم سباتا ليس بموت فأراد سبحانه أن يمتن علينا بأن جعل نومنا الذي يضاهي بعض أحواله الموت ليس بمخرج عن الحياة ، والإدراك وليس بموت وفي وجه السبات النوم الطويل الممتد ولذا قيل لمن كثر نومه مسبوت والامتنان به لما فيه من عدم الانزعاج انتهى ، والعجب أنّ بعضهم عكس هذا بناء على ما في القاموس من تفسيره بالنوم الخفيف ففسره بالخفيف ليصح الحمل وعني بعدم إطباقه وهو تعسف. قوله : ( وهو أحد التوقيتين ) أي المذكور في الآية(8/301)
ج8ص302
السابقة وهو إشارة لوجه الشبه بينهما ، وقوله : وأصله القطع أيضا فيه تسمح أي أصله المأخوذ منه السبت بمعنى القطع وقد علمت ما فيه وتردد ابن الأنباري في ورود السبت بمعنى القطع والمسبوت من طال نومه كما مرّ. قوله : ( غطاء يستتر بظلمته الخ ( خص مزيد الاختفاء ، وهو لباس أي كاللباس لإحاطة ظلمته لكل أحد لأنه في مقام الامتنان وهو نعمة أقوى من حقه كما قال :
وكم لظلام الليل عندي من يد تخبرأن المانوية تكذب
وبهذا يظهر حسن ذكره بعد النوم مع الإشارة إلى حكمة جعل النوم ليلا لأنّ النائم معطل الحواس فكان محتاجا لساتر عما يضره فهو أحوج ما يكون للدثار ، وضرب خيام الأستار فانظر حسن هذا الاتساق. قوله : ) وقت معاس ) يعني أنه مصدر ميمي بمعنى المعيشة وهي الحياة ، وقع هنا ظرفا كما يقال : آتيك خفوق النجم وطلوع الفجر لأنه لم يثبت مجيئه في اللغة اسم زمان إذ لو ثبت لم يحتج لتقدير مضاف فيه هذا ما ظهر من سياقه ، وقيل : إنّ معاشا في كلام المصنف رحمه الله تعالى متعين للمصدرية ، وأما في النظم فمحتمل لكونه مصدرا واسم زمان وتفسيره محتمل لهما وفيه نظر ، ولما فسر السبات بالقطع عن الحركة أو بالموت فسر المعاس بما فيه الحركة أو بالحياة إشارة إلى ما بين قوله : وجعلنا النهار معاشا وقوله ، وجعلنا نومكم سباتا فن المطابقة المعنوية كما بين قوله : وجعلنا الليل لباسا ، وجعلنا النهار معاشا أيضا فالحياة في الوجه الأوّل على الحقيقة لأنّ المراد بالمعاش ما يعاس به فيكون وقته وقت الحياة الأولى ، وفي الثاني الانبعاث من النوم فسمي حياة كما سمي النوم موتا مجازا ، وقوله : أو حياة بالجر معطوف على قوله : معاش وتبعثون بمعنى تنتبهون ، ولا يخفى تناسب القرائن وأنه ليس في بعضها زيادة استطرادية. قوله تعالى : ( { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا } ) عدل عن خلقنا هنا لأنه أريد تشبيهها بالقباب المبنية فلا يتوهم أنّ البناء ما يختص بأسفل البيت مع أنه غير مسلم. قوله : ) من وهجت النار إذا أ!اءت ( والمعنى سراجاً مشرقا منيرا مضيثا وجعل هنا متعد لواحد
ويجوز أن يتعدى لاثنين لكنه مخالف للظاهر للتنكير فيهما ، وإن قيل السراج وهي لانحصارها في فرد كالمعرفة ، وقوله : بالغاً في الحرارة أي متناهيا ، وهو من صيغة المبالغة فيه. قوله : ( شارفت أن يعصرها الرياح ا لما كانت المعصرات السحاب وهي معصورة لا عاصرة ومعصرة ، والقراءة فيه باسم الفاعل فسروه على وجوه تبينه من غير تكلف منها أنّ الهمزة فيه للحينونة كما يقال : أجذاذاً حان وقت جذاذه أي جاء وقته ، وهو المراد بالمشارفة هنا والأفعال يكون لهذا المعنى كثيرا كاحصد إذا حان وقت حصاده ، أو الهمزة لصيرورة الفاعل ذا المأخذ كأعسر وأيسر ، وقال الدينوري : لأنها مكنت الرياح من اعتصارها وانزال مطرها كآكل النخل إذا أمكن من ذلك ورد بأن الصواب إنه من العصر أو العصرة ، وهي الملجأ قال :
فارس يستعيب غيرمعاب ولقدكان عصرة المنجود
قوله : ( أو الرياح ) فهو صفة الرياح والهمزة والأفعال بحاله أيضاً إذا كان من العصر ، وقوله : أعصرت الجارية كان الطبيعة حان أن تعصر دم حيضها فإن كان من الإعصار وهي الريح الشديدة التي ترفع الغبار كالأعمدة فبناء أفعل التفضيل على هذا للنسبة ، ونسبة الإنزال للمعصرات من باب بنو فلان قتلوا قتيلاً ، ويجوز اعتبار التجريد ونقل الإمام عن المازني أن المعصرات السحائب ذوات الأعاصير فإنها لا بد أن تمطر مع الأعاصير ، وهو الأظهر كما قيل ولا يخفى ما فيه فإنّ الإعصار ريح فكيف ينسب لنفسه فهو لا يصح بدون التجريد والمراد بكونه من ذلك الباب نسبة ما للبعض للكل لتعدده وكثرته ومن هذا علم وجه ترجيح قول المازنيّ فتدبر ، وأما جعل المعصرات السموات كما روي عن الحسن ، وقتادة ففيه تكلف وهو مبنيّ على أنّ المطر ينزل من السماء للسحاب فلذا تركه المصنف رحمه الله تعالى ، والكلام عليه في الكشاف وشروحه. قوله : ( وإنما جعلت مبدأ للإ.لزال الخ ) إشارة إلى أنّ من هنا للابتداء ، وقيل : إنها للسببية ، وقوله : تدرّ بالدال المهملة أفعال من الدر وهو اللبن والأخلاف جمع خلف بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام ، وهو ضرع الناقة وقوله : قرئ بالمعصرات أي بباء السببية ، والآلية وفتح الصاد كما في بعض(8/302)
ج8ص303
الحواشي ووجه التأييد أنها ظاهرة في الرياح فإن بها ينزل الماء من السحاب ، وقوله : إنما جعلت الخ جواب عما يرد عليئ تفسيرها بالرياج ، وهي لا تنزل منها الأمطار بأنها كالمبدأ الفاعل للإنزال فصح استعمال من الابتدائية التي للتعليل هنا ، وقد ورد أنه تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب فإن صح فالإنزال منها ظاهر. قوله : ( منصباً بكثرة ) تفسيره بالمنصب إشارة إلى أنه من صب اللازم فإنه الاكثر في الاستعمال والكثرة من صيغة المبالغة ، وقوله : يقال ثجه أي صبه فهو متعد وثج بنفسه على أنه
لازم يعني أنه ورد لازماً ومتعدياً وجعله الزجاح في النظم من المتعدي لأنه لكثرته كأنه يصب نفسه ، ويجوز حمل تفسير المصنف وحمه الله تعالى عليه على أنه بيان لحاصل المعنى إلا أنه خلاف الظاهر. قوله : ( أفضل الحج الخ ) هو حديث صحيح معناه أفضل أعمال الحج التلبية ، والنحر وهو شاهد على أنه متعد بمعنى الصب وقوله : أي رفع الخ لف ونشر مرتب تفسير للعج والثج ، وقوله : وقرى ثجاحاً أي بجيم ، ثم حاء مهملة فإن قلت العصر المعتاد فيه إنه لا يحصل منه الماء الكثير فكيف هو مع الثج قلت : هو غير مسلم ، ولم سلم فاصله هنا مقطوع عنه النظر أو القلة نسبية فتدبر. قوله ة ( ما يقتات به الخ ) ما موصولة ويقتات افتعال من القوت بمعنى يكون قوتا كالحنطة ، ويعتلف أن يكون علفا وهو غذاء الحيوان الأهلي ، والحشيش اليابس من النباتات فما ذكر عبارة عن غذاء الإنسان والحيوان ، ولا ينافي ما ذكر كون الحب إنما يخرج بواسطة النبات فالقوت خاص بالإنسان ، والعلف للحيوان وليس فيه لف ، ونشر لأنّ الإنسان يأكل النبات أيضاً ، ويجوز أن يكون لفا ونشراً كما في الكثير الأغلب في كل منهما فإنه كني به عما ذكرناه ، وقوله : ملتفة تفسير لا لفافاً ببيان المراد منه إجمالاً وقوله : بعضها ببعض مبتدأ وخبر أي بعضها ملتف ببعض ، والجملة مفسرة لقوله : ملتفة أو بعضها بدل من المستتر في ملتفة بدل بعض وقوله : ببعض متعلق بملتفة لا فاعل فإنه كان الظاهر ملتفا وإن جاز بتكلف. قوله : ( جمع لف كجأع ) واجذاع ، واللف بمعنى الملفوف صفة مشبهة وفعل يجمع على أفعال باطراد ولما كان لف المفرد غير معروف في اللغة والاستعمال احتاج لإثباته بشاهد ولذا ذهب كثير إلى أنه جمع لا واحد له من لفظه ، وهو كثير واختار. الزمخشري لسلامتة عن التكلف. قوله :
( جنة لف وعيش مغدق وندامى كلهم بيض زهر )
فاللف بمعنى ملتفة الأشجار والنبات والعيش بمعنى المعيشة ، ومغدق في الأصل من الغدق ، وهو الماء الكثير فتجوّز به هنا عن السعة والرفاهية وندامى جمع ندمان بمعنى نديم وزهر جمع أزهر بمعنى مشرق ، والمراد بكونهم بيضاً زهرا أنهم حسان يصف طيب الزمان والمكان ، وحسن الأخوان. قوله : ( لفيف ) بمعنى ملفوف وفعيل يجمع على أفعال كشريف وأشراف ، وأنما اختلف النحاة في كونه جمعاً لفاعل كما مرّ. قوله : ( أو لف ) بضم اللام أي
إلفافاً جمع لف بالضم وهو جمع لفاء كخضراء الممدود فيكون جمع جمع ، وهذا قول ابن قتيبة وما قبله قول الكسائيئ ، وقال في الكشاف : بعد نقله عنه وما أظنه واحدا له نظير من نحو خضر واخضار وحمر واحمار يعني أنه بعيد لأنّ نظائره لا تجمع على أفعال إذ لا يقال : خضر وإخضار وحمر واحمار لأن جمع الجمع لا ينقاس ووجود نظيره في المفردات لا يكفي كما توهم ، وقوله : كخضراء الخ لم يرد أنه سمع فيه ذلك حتى يقال له : أثبت اللوح ، ثم انقش لأنه مثال مفروض لا شاهد منقول حتى يعترض عليه كما قيل : نعم سوقه لا يخلو من ركاكة ما. قوله : ( أو ملتفة بحذف الزوائد ) يعني ألفافاً جمع لملتفة لأنه مفرد مسموع بلا كلام إلا أن مثله يجمع على ملتفات قياساً لا على ألفاف ، فلذا قدر حذف زوائده ليكون ثلاثياً يجمع مثله على أفعال وادعى الزمخشري أنه قول وجيه إلا أنه كما قاله المعرب تكلف لا حاجة إليه فإنه لا يعرف في العربية حذف الزوائد المسمى عند النحاة ترخيماً في مثله لأنهم اصطلحوا على تسمية حذف الزوائد ترخيما كما يسمى حذف آخر المنادى ترخيما وأنما عرف في التصغير ، والمصادر ولذا قال المدقق في الكشف فيه إنه لا نظير له أيضاً لأن تصغير الترخيم ثابت إما جمعه فلا انتهى قيل : واللوامح والطوائح ليس منه كما مر في الحجر ، وما في الكشف غير مسلم فإنه وقع في كلامهم لكنه لقلته لم يتعرضوا له. قوله : ( في علم الله تعالى أو في حكمه ( وفي الكشاف في تقدير الله وحكمه(8/303)
ج8ص304
والمراد بحكمه ما حكم به وقضاه في الأزل أيضاً لا تعلق إرادته كما توهم حتى يقال إنه مبني على أن تعلق الإرادة كالإرادة أزليّ إمّا لو كان حادثا فليس الثبوت إلا في علمه وأنت خبير بأنه لا وجه له ، ولما أثبت البعث بالدليل القاطع كان مظنة السؤال عن وقته متى هو ، وما هو فقال إنّ يوم الفصل الخ وأكده لأنه مما ارتابوا فيه فلا وجه لما قيل إنه ليس محلا للتأكيد أيضاً. قوله : ( حداً تؤقت به الدنيا الخ ) تؤقت بمعنى تحد لأنها تنتهي عنده ، إذ هو أوّل أيام الآخرة ، وهو يوم القضاء بين الخلق أو يوم الثواب والعقاب وهو اليوم الآخر الذي يجب الإيمان به ، ولذا كان يوم ينفخ الخ بدلاً أو بيانا له فإن نفخ الصور واتصال الأرواح بالأجساد والحشر في الآخرة فظهر فساد ما قيل من أنه نهاية أيام الدنيا وآخر مخلوقاتها لأنه لا يخلق بعده شيء منها ، ولذا يقال له اليوم الآخر. قوله : ( أو حدا للخلائق ينتهون إليه ) يعني أنّ الميقات أخص من الوقت ، وهو الوقت المحدود كالميعاد والميلاد لتوقيت زماني الوعد والولادة فبين أنّ ذلك الوقت إمّا حد للدنيا ، وامّا حد للخلائق على المعنيين ، وكونه حداً للدنيا ظاهر وأمّا كونه حدا للخلائق فلانهم يرجعون إليه لتتميز أحوالهم ويعلم الشقي من السعيد. قوله : ( روي أنه صلى الله عليه وسلم الخ ) قال ابن حجر أنه حديث موضوع وآثار الوضع لائحة عليه ،
والقردة جمع قرد وقوله : يسحبون الخ تفسير لقوله : منكوسون ، وعمي جمع أعمى ، وقوله : يتقدرهم أي يكرههم كما تكره الأمور القدرة وأهل الجمع هم أهل المحشر ، وقوله : يلبسون مشدد ومخفف ، وما قيل من أنه لا بدّ من التغليب في قوله : فتأتون إذ لا يمكن الإتيان للمصلوب والمسحوب على الوجه ولا من غير أيد وأرجل ليس بشيء فإنّ أمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا ، والقادر على البعث قادر على جعلهم ماشين بلا أيد وأرجل وأن يمشي بهم عمد النار التي صلبوا عليها ، وقد قيل له صلى الله عليه وسلم : كيف يمشون على وجوههم فقال : !الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم " مع أنه لا يلزم أن يأتوا بنفسهم لجواز أن تأتي بهم الزبانية فأعرفه. قوله : ( ثم فسرهم بالقتات ) بفتح القاف كالنمام لفظا ومعنى والمراد به الجنس ، ويجوز ضم قافه على أنه جمع قات بمعنى نمام وتشصيصه بهذه الصورة لأنها معهودة في المسخ وهو لما غير ما نقله وكذب غير الله صورته ، وأهل السحت هم الذين يأكلون الحرام غير الربا كالرشوة وهم أيضا يعدلون عما أحله الله لغيره فلذا غيرت صورتهم ، وجعل الجائرين منكوسين لعدولهم عن الحق والمعجبين بأعمالهم عمياً لنظرهم لأنفسهم ، ومن خالف قوله : عمله أصم أبكم لأنه لم يسمع ما قاله للناس في حق نفسه والمؤذي لجاره على صورة تؤذي أهل المحشر والسعاة لمشيهم إلى السلاطين قطعت أطرافهم والتابعين للشهوات على عمد النار تشهيرا لتعذيبهم ، وألبس من تكبر ثياب القطران لأنها غاية المذلة فكان الجزاء من جنس العمل فأعرفه ، وقوله : الخيلاء هو بضم الخاء المعجمة وفتح المثناة التحتية واللام والمد أصل معناها المعروف فيها أنها بمعنى التكبر فإمّا أن يكون وصف هنا بالمصدر أو هو جمع خائل كجاهل وجهلاء. قوله : ( وشقت ) إشارة إلى أنّ المراد بالفتح المضاف للجميع ليس ما عرف من فتح الأبواب ، وإن جاز لكن هذا هو الموافق لقوله : { إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ } [ سورة الانشقاق ، الآية : ا ، { إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ } [ سورة الانفطار ، الآية : ا ] ونحوه فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً والفتح يكون بمعنى الشق كفتح الجيوب وما ضاهاها وأمّا حمله على فتح الأبواب على أنّ السماء تمى أبوابها وتشقق أيضا فلا وجه له لأنها إذا شققت لا تحتاج لفتح الأبواب ، وإذا جاء نهر الله بطل
نهر معقل وعبر عن الثق بالفتح إشارة إلى كمال قدرته حتى كان تشقق هذا الجرم العظيم كفتح الباب بسهولة وسرعة وهو معطوف على تأتون ولا مخالفة بينهما لأنّ المراد تفتح وعبر الماضي لتحققه ، ولو جعل حالاً بتقدير قد كان وجهاً حسنا كما في الكشف. قوله : ( فصارت الخ ) إشارة إلى أن كان من الأفعال الناقصة ، ومعناها اتصاف المبتدأ بالخبر في الزمن الماضي نحو كان زيد فائماً وقد ترد بمعنى صار كما ذكره ابن مالك في التسهيل ، وغيره فتدل على الانتقال من حال إلى أخرى كما في قوله تعالى : { فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا } [ سورة الواقعة ، الآية : 6 ] والسماء بالثق لا تصير أبواباً حقيقية فلا بدّ من تأويلها فأما تشبه شقوقها بالأبواب في السعة ، والكثرة تشبيها بليغاً أو يقدّر فيه مضاف كما ذكره(8/304)
ج8ص305
المصنف. قوله : ( في الهواء كالهباء ( أي رفعت من أماكنها في الهواء ، وذلك إنما يكون بعد تفتيتها وجعلها أجزاء متصاعدة كالهباء ، فقوله : كالهباء حال أي كائنة كالهباء ، وقوله : مثل سراب الخ إشارة إلى أنه تشبيه بليغ ، وقوله : إذ ترى الخ تعليل له يتضمن وجه الشبه بالسراب فإنّ الجامع إنّ كلاً منهما يرى على شكل شيء وليس به فالسراب يرى كأنه بحر وليس كذلك ، والجبال إذا فتتت وارتفعت في الهواء ترى كأنها جبال وليست بجبال بل غبار غليظ متراكم يرى من بعيد كأنه جبل لا إنها تجري جريان الماء فيزيد عطش الكفرة إذا راؤها وظنوها ماء كما توهم فإنّ كلام المصنف يأباه وفي نسخة أي التفسيرية بدل إذ.
قوله : ( موضع وصد ) ظاهره إنّ مفعالاً يكون اسم مكان ، وبه صرّج الراغب والجوهريّ
وغيره والذي في كتب النحو أنه اسم آلة كمفعل بكسر الميم أو صفة مشبهة للمبالغة كمنحار ، والظاهر أنه حقيقة فيها ولا حاجة إلى ادّعاء النقل والتجوّز ورصد بفتحتين مصدر بمعنى الترصد والترقب وفي بعض الحواشي إنّ المصدر بسكون الصاد وفيه نظر فالرصد يكون مصدرا كالحذر واسماً بمعنى الراصد واحداً وجمعاً ، وقوله : من فيحها أي من إصابة ضرر فيحها وهو حرّها ولهبها ولا مانع من حمله على ما يشملهما. قوله : ( كالمضمار الخ ) تضمير الخيل أن تسمن ثم ترد لما كانت عليه مدّة معينة ، وتلك المدة تسمى مضماراً وكذا الموضع كما ذكره الجوهريّ ، وقوله : أو مجدة الخ بزنة اسم الفاعل من الجدّ وهو الاجتهاد والتقيد التام ، وقوله : لئلا يشذ أي يخلص منها وينفرد وهذا بناء على أنّ مفعالاً للمبالغة والحاصل أنه إما اسم مكان أو صيغة مبالغة ، وقوله : على التعليل أو بتقدير لام جرّ قبلها ، وقوله : لقيام ا أ!ساعة متعلق بالتعليل يعني
كان يوم الفصل وهو يوم القيامة المعلل قيامه لأنهم يرصدون مما ذكر ، وقوله : لقيام الخ باللام الجارة دون الباء والتقدير كان ذلك لإقامة الجزاء ولا يلزمه فتح إنّ للمتقين الخ كما قيل لأنّ به يتمّ الجزاء فتدبر. قوله : ( للطاغين ) جوّز فيه خمسة أوجه أن يكون خبرا آخر لكانت أو صفة لمرصاداً أو لمآبا قدم عليه فانتصب حالاً وأن يتعلق بمرصاداً أو مآبا وفصل المصنف له عن قوله مرصاداً ، وذكره مع مآبا فيه إشعار بترجيح الثالث والخاس! ، وقوله : مرجعاً وماو! الأوجل معنا. الوضعي والثاني بيان للمراد منه بطريق الكناية هنا ، وقوله : هو أبلغ لأنه صيغة مبالغة وصفة مشبهة تدل على الدوام والثبوت ، ومن قرأ بالأوّل نظر إلى أنّ قوله : أحقاباً مفيد لتلك المبالغة ، وقوله : مآبا بدل من مرصاداً بدل كل من كل على الوجو. ، وقيل إنه على تفسيره الثاني لا يتأتى فيه البدلية ، وفيه نظر. قوله : ( دهورا متتابعة ) إشارة إلى أنّ الأحقاب يفيد التتابع في الاستعمال بشهادة الاشتقاق فإنه من الحقيبة ، وهي ما يشد خلف الراكب والمتتابعات يكون أحدها خلف الآخر كما صرّج به الزمخشريّ ، وقوله : وليس فيه الخ دفع لما يتوهم من أن جعل لبثهم أحقابا أي سنين يقتضي تحديده وانتهاءه ، وقد ذهب إليه بعض الملاحدة وقوله : لجواز الخ دفع لشبهة القائل بأن منطوقه سنين متتابعة ، وهو لا يستلزم التناهي ومن غفل عما قرّرناه قال : إن الأحقاب لا تقتضي التتابع وكأنه حمله عليه لتبادره منه ، وأغرب منه ما قيل إنّ التتابع من الأحقاب لأنها زمان والزمان متعاقب الأجزاء غير قار ، وقوله : لو صح إشارة إلى المنع الوارد عليه مستنداً إلى ما روي عن الحسن من أنه زمان غير محدود ، ولذا فسره بعض اللغويين بالدهر وصيغة القلة لا تنافي عدم التناهي أيضا لتأويلها بما ذكر لا لأنه ليس له جمع كثرة فهي مشتركة لثبوت الحقب في جمعه كما ذكره الراغب. قوله : ( وإن كان الخ ) كان تامّة أي وإن وجد وصح أنّ فيه ما يقتضي التناهي أو دلالتها على الخروج ، ولو بعد زمان طويل فهو مفهوم معارض بالمنطوق الصريح في خلافه كآيات الخلود كقوله : { وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } [ سورة المائدة ، الآية : 37 ] إلى غير ذلك من النصوص المجمع عليها. قوله : ( ولو جعل قوله الخ ( جواب عما يتراءى من الآية من تناهي عذاب الكفار لتقييده بقوله : أحقاباً بأن ما ذكر إذا كان حالاً كما ذكر يكون قيداً للبث على تلك الحالة فبعد الأحقاب يكون لهم لبث على حال آخراً ، وأحقابا ليس قيداً للبث لأنه منصوب بلا يذوقون وقوله : جنساً آخر من العذاب أي غير ذوق الحميم والغساق ، ولم يلتفت إلى كون جملة لا يذوقون الخ صفة أحقاب لأنه خلاف الظاهر حينئذ لعود ضمير فيها إليها ولأنه لا يندفع به الإيهام(8/305)
ج8ص306
الناشئ من ظرفية
الأحقاب للبث بتقييد الأحقاب بشيء بخلاف ما إذا قيد اللبث المظروف فإنه لا يلزم من انتهاء زمان المقيد انتهاء زمان المطلق الظاهر بحسب المتبادر فتدبر ، وقيل : لأنّ الصفة والحال متقاربان فيعلم الوصف بالقياس عليه ، ولا يجب إبراز الضمير إذا كان الواقع صفة جارية على غير من هي له فعلا بالاتفاق وأنما الخلاف في اسم الفاعل وهو معروف في كتب النحو ، وهو غفلة عن قول ابن مالك في شرح التسهيل المرفوع بالفعل كالمرفوع بالصفة إذا حصل الإلباس نحو زيد عمرو يضربه هو حتى اعترض الدماميني على من قيده بالصفة ، وقال إنه ليس بجيد إلا أن الفرق بينهما أنّ الإبراز في الصفة واجب مطلقاً ألبس أم لا بخلاف الفعل فادعاء هذا القائل الاتفاق ناشئ من عدم النظر في المبسوطات ، والذي غرّه فيه كلام الكافية وشرحها مع أنه سهو لأن ضمير يذوقون الراجع لغير من هو له الواو وهو بارز هنا لا مستتر فإن أراد بالبروز الانفصال فهو مع أنه خلاف الظاهر غير مسلم. قوله : ( احتمل الخ ) بين المعنى على الحالية ولم يبينه على كونه معمولاً ليذوقون لأنه خلاف الظاهر ، وأنما ذكره لمجرّد احتماله لا أنه مقبول عنده حتى يعترض عليه ، وكذا ما قيل : إن المراد باللابثين ما يقابل المتقين فيشمل العصاة والتناهي نظرا للمجموع. قوله : ( ويجوز أن يكون جمع حقب ( كحذر بمعنى محروم من النعيم ، وهو حال من الضمير المستتر في لابثين وحرمانه كناية عن أنه معاقب ، ولذا فسره بما بعده على أنه صفة كاشفة أو جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب وقوله : والمراد بالببرد الخ فلا ينافي أنهم قد يعذبون بالزمهرير ، وكون البرد بمعنى النوم مجاز كما قيل : منع البرد البرد ، وقيل إنه لغة لبعض العرب ، وقوله : مستثنى من البرد هو بناء على أنه بمعنى الزمهرير لأنه أشد البرد فإن كان بمعنى الصديد كان مستثنى من شرّابا فكان المتبادر تقديمه لكن نكتة تأخيره ما ذكر والحميم مستثنى من الشراب ففيه لف ونشر غير مرتب ، والاستثناء متصل وقد جوّز فيه الانقطاع أيضا فتأمّل. قوله : ( جوزوا بذلك ) وفي نسخة جزوا وهو إشارة إلى أنه مفعول مطلق منصوب بفعل مقدر ، ووفاقاً مصدر وافقه وهو صفة جزاء بتقدير مضاف أو بتأويله باسم الفاعل أو لقصد المبالغة على ما عرق في أمثاله ، وقوله : أو وافقها وفاقا وجه آخر بجعله مصدر الفعل مقدر من لفظه كما في جزاء ، ومعنى كونه موافقا لأعمالهم أنه بقدرها في الشدّة والضعف بحسب استحقاقهم كما يقتضيه عدله وحكمته والجملة من الفعل المقدّر ومعموله جملة حالية أو مستأنفة والجملة التي بعدها صفة جزاء على تقدير الفعل. قوله : ( وفاقاً ) بكسر الواو وتشد- د
الفاء كما ضبطه السمين ، وهي قراءة شاذة لابن أبي عبلة وأبي حيوة ، وقوله : وفقه يفقه بالكسر والتخفيف كورثه يرثه أي وجد. موافقاً " لحاله وهو متعد لواحد على اختلاف فيه وقيل إنه لازم لأنّ قول العرب وفق أمره يفق روي أمره بالرفع ووقع في الإيضاح بالرفع والنصب على أنه كغبن رأيه ورأيه ، وحكى ابن القوطية وفق أمره أي حسن بالرفع كذا في شرح أدب الكاتب ، فقول المصنف كذا ليس مفعولاً ثانياً كما توهم لأنه لم يذصب أحد من أهل اللغة إلى تعديه لمفعولين بل هو كناية عن الفاعل فوفقه بمعنى وافقه وصادفه جزاء موافقا لعمله ، وليس وصف الجزاء بالوفاق وصفا بحال صاحبه. قوله : ( بيان لما وافقه هذا الجزاء ) المراد به ما مرّ قبيله من قوله : إن جهنم الخ ووجهه أنهم لما أنكروا البعث وجحدوا الآيات وكذبوا الرسل عذبوا بأشدّ العذاب ، ولم ينفس عنهم الكرب لأن كفرهم أعظم كفر ومثله يكفي للبيان ولا حاجة لتعسف ما قيل من أن نيتهم الاستمرار على الكفر لقوله : { لاَ يَرْجُونَ } الخ فيوافقه عدم تناهي اللبث والعقاب ، ولما بدلوا التصديق الذي به تثلج الصدور بالتكذيب جعل شرابهم الحميم والغساق إلى غير ذلك مما تكلفوه من غير داع له ، وقوله : تكذيبا إشارة إلى أنه مصدر مثله. قوله : ( وفعال ) أي بالكسر والتشديد الخ يعني أنه مطرد كثير في مصدر فعل ، وقال ابن مالك في التسهيل إنه قليل وفعال المخفف مصدر فعل لكنه مطرد في المفاعلة ، وقوله : فصدقتها الخ بيت من مجر والكامل وزنه متفاعلن أربع مرات وضمير صدقتها ، وكذبتها للنفس والمراد أنه يصدق نفسه تارة بأن يقول إنّ أمانيها محققة وتكذيبها بخلافه أو على العكس كما قيل :
اكذب النفس إذا حدثتها إنّ صدق النفس يزري بالأمل(8/306)
ج8ص307
والبيت قيل إنه للأعشى. قوله : ( وإنما اقيم ) أي الكذاب مخففاً بمعنى الكذب ، وقوله :
كذبوا في تكذيبهم يعني أنه على هذه القراءة يفيد أنهم كدّبوا الآيات وكذبوا في تكذيبهم ، ونفيهم لها ووجهه ما مرّ في قوله : { أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا } [ سورة نوج ، الآية : 7 ا ] لأنه من الإيجاز وفعله الثلاثي إما مقدر أي كذبوا باتاتنا وكذبوا كذابا ، أو هو مصدر للفعل المذكور باعتبار تضمنه معنى كذب الثلاثي فإنّ تكذيب الحق الصريح يستلزم أنهم كاذبون فيفيد ما ذكر ، وبدل على كذبهم في تكذيبهم على الوجهين ولكنه على التقدير أظهر ، ولذا قيل إنه المراد للمصنف وله وجه في الجملة. قوله : ) أو المكاذبة الخ ( معطوف على الكذب في قوله : بمعنى الكذب فيكون على هذا كالقتال بمعنى المقاتلة ، وقوله : فإنهم الخ إشارة إلى أنّ المفاعلة ليست على معنى أن كلا منهم كذب الآخر بل على معنى أنّ كلا اعتقد كذب الآخر فنزل اعتقاده منزلة فعله لا على أنّ الكذب مخالفة الاعتقاد ، وهذا يقتضي نصبه بفعل مقدر فيؤيد التقدير في الوجه
السابق. قوله : ( فكأن بينهم مكاذبة ) أتى بأداة التشبيه ، وهي كأنّ إشارة إلى أنه مجاز لأنه لا مكاذبة بينهم لكن نزل الاعتقاد منزلة الفعل كما بيناه وبعضهم ظنه كان الناقصة ، وما قيل عليه من أن المكاذبة مقابلة الكذب الحقيقي بالكذب الحقيقي ، ولو تجوّز استعمل في مقابلة الكذب الاعتقادي بالكذب الاعتقادي ، وأمّا تسمية مقابلة ما هو صدق في اعتقاد كل منهما باعتبار أنه كذب في اعتقاد الآخر مكاذبة فبعيد جداً ، انتهى مغالطة وسفسطة لا طائل تحتها ، وقد أطال بعض فضلاء العصر في تزييفه لكنا تركناه لطوله من غير فائدة فيه. قوله : ( أو كانوا مبالغين في الكذب الخ ) يعني أنه مجاز من وجه لأنّ المفاعلة والمغالبة تقتضي الاجتهاد في الفعل فأربد به لازم معناه ، أو هو استعارة له باعتبار ما ذكر ، وقوله : وعلى المعنيين أي كونه بمعنى الكذب أو المكاذبة وفيه رد على الزمخشري لأنه قصره على الثاني ، وقوله : يؤيده أي كونه حالاً وكذابا في هذه بضم الكاف ، وتشديد الذال إمّا جمع كاذب كفساق أو صيغة مبالغة كما قالوا : كبار وحسان للمبالغة في الوصف وإليه أشار بقوله : ويجوز أن يكون. قوله : ( فيكون صفة للمصدر ) أي تكذيبا مفرطا كذبه وأنما جعله صفة للمصدر لا حالاً لأنه مفرد فالتقدير تكذيبا كذاباً فيفيد المبالغة والدلالة على الإفراط في الكذب لأنه كليل أليل وظلام مظلم ومثله يفيد مبالغة قوية كجد جده ، وعلى كل حال فإسناده مجازي ليفيد المبالغة كما تقرر في محله فما قيل التكذيب إن كان بمعنى الإيقاع والأحداث فنسبة إفراط الكذب له مجازية ، وإن أريد الحاصلى بالمصدر فهو حقيقي لاتصاف الخبر بالصدق ، والكذب ليس كما ينبغي ولا يوافق الشرح فيه المشروح وانه لا تأييد فيه على المبالغة كما توهم. قوله : ( بالرفع على الابتداء ) والنصب على الإضمار على شريطة التفسير وقوله يتشاركان فيكون منصوبا بفعل هو موافق له معنى فأما يؤول أحصينا بكتبنا أو كتابا بإحصاء ويحتمل الاحتباك على الحذف من الطرفين ، والضبط أصل معناه الإمساك وشاع في معنى الإحصاء وقوله : لفعله المقدر أي كتبنا كتابا والاعتراض قيل إنه لتأكيد كفرهم وتكذيبهم بالآيات بأنهما محفوظان للمجازاة والأحسن ما في شروح الكشاف م!ن أنه تاكيد للوعيد السابق بأنه كائن البتة لضبط معاصيهم عنده تعالى ، وما قيل من أنّ الأوجه عطف المنصوب على اسم أنّ والجملة بعده على خبرها ، وكذا في الرفع هو معطوف عليه باعتبار المحل ولا اعتراض ، وانه الأنسب لبيان موافقة الجزاء للأعمال تكلف غني عن الردّ. قوله : ( مكتوباً في اللوح الخ ( وقيل : إنه تمثيل لإحاطة علمه بالأشياء لتفهيمنا وإلا فهو تعالى غنيّ عن
الكتابة والضبط ، ولا يخفى أنه ميل لمذهب الحكماء وأنه لا لوح ولا حفظ ولا كتبة والذي عليه أهل السنة خلافه ، وليس هذا لاحتياج إنما هو لحكم تقصر عنها العقول. قوله : ( مسبب عن كفرهم بالحساب ) وتسبب الذوق والأمر به في غاية الظهور ، وما قيل من أنه مسبب على قوله لا يذوقون الخ في غاية البعد لفظا مع ما فيه من كثرة الاعتراض ، وإنّ تسبب الأمر بالذوق على ذوقهم لا تخفى ركاكته لمن له ذوق سليم. قوله : ( ومجيئه على طريقة الالتفات الخ ) لتقدير إحضارهم وقت الأمر ليخاطبوا بالتقريع والتوبيخ ، وهو أعظم في الإهانة والتحقير ولو قدر القول فيه لم يكن التفاتاً ، وقوله : وفي الحديث الخ في ثبوته كلام لابن حجر(8/307)
ج8ص308
ووجه الأشدية أنه تقريع في يوم الفصل ، وغضب من أرحم الراحمين وتأييس لهم بقوله : فلن نزيدكم مع ما في لن من أنّ ترك الزيادة كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة كما قيل. قوله : ( فوزا ) على أنه مصدر ميمي وما بعده على أنه اسم مكان ، وقوله : بدل الاشتمال على أنه بمعنى الفوز ، وهو الظفر بالمطلوب وهو النجاة من العذاب أو النعمة أو كلاهما وبدل البعض على أنه موضع الفوز والرابط مقدّر ، وتقديره حدائق هي محله أو فيه ونحوه ، قيل : ولا يخلو على الأوّل من التكلف وانه يجوز أن يكون بدل كل على الاذعاء أو منصوبا بأعني مقدرة ، وقوله : فلكت أي استدارت مع ارتفاع يسير ، وهو يكون في سن البلوغ وأحسن الشبوبية وثدي بضم المثلثة وكسر الدال المهملة ، وتشديد الياء التحتية جمع ثدي وهو معروف ، ولدات جمع لدة بزنة عدة من تساوى في السن ووقت الولادة. قوله : ( وأدهق الحوض ملأه ) قيل : لو قال ودهق الحوض ملأه كان أحسن لأنهما بمعنى والمصدر الواقع في النظم للثلاثي ، وقيل : إنه إشارة إلى استعمال دهق وأدهق بمعنى لكنه استغنى عن ذكر الثلاثي لأنه يعلم من ذكر مصدره ، وقوله : كذبا أو مكاذبة إشارة إلى ما مرّ قريباً من معنيي المخفف كما عرفته ، وقوله : إذ لا الخ لبيان المفاعلة فهو متعلق بمقدّر أو بيسمعون ، ويكذب بالتشديد لا بالتخفيف كما توهم حتى يكون علة للجميع لأنّ نفي الكذب نفي للتكذيب والمكاذبة وهو من التكلفات الباردة. قوله : ( بمقتض وعده ) جزاء مصدر مؤكد منصوب بمعنى إنّ للمتقين مفازا لأنه في معنى جازاهم بالفوز ، وقوله : بمقتضى وعده للرد
على المعتزلة في زعمهم وجوب إثابة المطيع وعقاب العاصي ، ونحن نقول : لا يجب عليه شيء لكن وعدنا بكرمه ذلك ، وهو لا يخلف الميعاد فكان كأنه جزاء على العمل حقيقة ، ولولاه لتنافى كونه جزاء وارشاده أضاف الرب إلى النبيّ دونهم تشريفاً له ، وقيل : لم يقل من ربهم لئلا يحمل على أصنامهم ، وهو بعيد جدّاً. قوله : ( وقيل منتصب به الخ ) قائله صاحب الكشاف ، ومرضه المصنف ، ولم يرتض به قيل : لأنّ النحاة قالوا : إنما يعمل المصدر إذا لم يكن مفعولاً مطلقا ، وقال أبو حيان : أنه جعل جزاء مصدرا مؤكدا لمضمون جملة أنّ للمتقين الخ والمصدر المؤكد لا يعمل بلا خلاف للنحاة لأنه لا ينحل لفعل وحرف مصدري وردّ بأن ذلك إذا كان الناصب للمفعول المطلق مذكورا إمّا إذا حذف لازما كان الحذف أو جائزاً ففيه خلاف هل هو العامل أو الفعل ، وما نحن فيه منه فإنّ جزاء مصدر مؤكد كما قال غايته : إنه اختار أعمال المصدر ولعل وجه التمريض مرجوحية أعمال المصدر قال الرضي : الأولى أن يقال العمل للفعل على كل حال ، وقيل : في ردّه أيضا أنّ المفعول المطلق لا يعمل إلا إذا حذف عامله وجوباً ، وهو هنا كذلك لأنّ فاعل فعله وهو ربك متعلق به ، هذا زبدة ما في الحواشي تبعاً لشرّاح الكشاف ) وعندي ) أنه خلط وخبط والحق ما قاله أبو حيان لأنّ المذكور هنا هو المصدر المؤكد لنفسه أو لغيره والذي اختلف فيه النحاة غيره قال : ناظر الجيش نقلاً عن ابن مالك المصدر على ضربين ضرب يقدو بالفعل وحرف مصدري ، وضرب يقدر بالفعل وحده وهو الآتي بدلاً من اللفظ بفعله وأكثر وقوعه أمرا ودعاء وبعد استفهام والأمر كقوله :
فندلا زريق المال ندل الثعالب
والدعاء كقوله :
يا قابل التوب غفرانا مآثم قد ~ أسلفتها أنا منها خائف وجل
والاستفهام كقوله :
أعلاقة أمّ الوليد بعد ما
الخ اهـ وهذا هو المختلف فيه عند النحاة وما نحن فيه ليس من هذا القبيل فأعرفه. قوله :
( من أحسبه الشيء إذا كفاه ) أي مأخوذ من هذه المادة لا مشتق حتى يكون على القول المرجوح في اشتقاق المصدر من الفعل ، ويكون الفعال بالفتح مصدر الأفعال ، وحساباً صفة لعطاء وإن كان مصدراً لتأويله بالمشتق ولذا فسر. بكافياً أو هو على تقدير مضاف أو وصف به مبالغة ، وقوله : حسبي أي يكفيني. قوله : ( أو على حسب أعمالهم ) حسب بفتح السين أو سكونها ، والمراد على قدرها ، وقيل : عليه أنه غير مناسب هنا لمضاعفة الحسنات ، ولذا لم يقل وفاقاً كما في السابق ويدفع بأنه بعد المضاعف جاء هو وأضعافه على حسبها أيضا أو ما ذكر هو
الأصل وما زاد تفضلاً وتكرّما بمقتضى وعده ، وقيل : معناه عطاء مفروغا عن(8/308)
ج8ص309
حسابه لا كنعم الدنيا وفيه نظر. قوله : ( وقرئ حساباً ) أي بالفتح والتشديد على وزان صيغ المبالغة وهو بمعنى المحمسب بكسر السين أي بزنة اسم الفاعل ، وهذا بناء على أن فعالاً يكون صفة من الأفعال وفيه كلام لأهل العربية ، ونقل الراغب عن بعض أهل اللغة أن فعالاً لا يجيء صفة من الأفعال وجبار من جبر لا من أجبر فليحرّر. قوله : ) بدل من ربك الخ ( وفي إبداله تعظيم له أيضا وايماء إلى ما في الآثار المقدسة لولاك لما خلقت الأفلاك ، ورفعه الحجازيان نافع وابن كثير وأبو عمرو ، ولو أعرب في الرفع خبر مبتدأ مقدر على أنه نعت مقطوع لتوافقت القراءتان ، وقوله : صفة له أي لربك أو لرب السموات على الأصح عند المحققين من جواز وصف المضاف إلى ذي اللام بالمعرف بها فلا يرد عليه أنه ممنوع عند النحاة كما توهم مع أنه إنما يرد لو أراد أنه صفة رب السموات ، ولو أراد صفة ربك كما يؤيده قراءة من جره مع رفع ما قبله فلا فتأمله. قوله : ( إلا في قراءة ابن عامر الخ ) في النسخ هنا اختلاف واختلال وتحريره ما في النشر قال : اختلفوا في رب السموات والأرض ، فقرأه يعقوب وابن عامر والكوفيون بخفض الباء والباقون برفعها واختلفوا في الرحمن فقرأ ابن عامر ويعقوب وعاصم بخفض النون ، والباقون برفعها ا هـ ، وللرحمن هنا وفيما سياتي موقع بليغ جدا. قوله : الا يملكون خطابه الخ ( ظاهره أنّ منه بيان مقدم للخطاب ، وسيأتي تحقيقه وهو دفع لما يتوهم من منافاة هذه الآية للشفاعة الآتية فإنّ للشفيع مقالاً وخطاباً مع الله بأنّ المنفيّ هنا خطاب الاعتراض لا الشفاعة ، والرجاء وما بعده من ذكر الصواب دال عليه ، ويجوز أن يكون عاما خص منه ما بعده وهذا غير ما في الكشاف إذ المعنى أنهم لا يتصرّفون في خطاب الأمر والنهي تصرّف الملاك فيزيدون وينقصون كما يريدون ، وهو من قوله : لا يملكون ، وقد حققه المدقق في الكشف ، ثم قال : وأمّا منه في التنزيل فصلته ولم يذكر لظهوره ، والمعنى لا يملكون من الله خطابا واحداً أي لا يملكهم الله ذلك كما تقول ملكت منه درهماً إشارة إلى أن مبدأ الملك منه ، وهذا أظهر أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب وهذا وجه آخر في الآية فيه منه صلة خطاباً كما تقول خاطبت منك على معنى خاطبتك كبعت زيدا وبعت من زيد فمنه بيان مقدم على المصدر لا صلة يملكون ، وقد قيل عليه إنّ تعدى الخطاب لم يثبت في اللغة ، وكذا البيع لا يتعدّى بلا واسطة إلا إلى المبيع لا إلى المشتري فينبغي أن يجعل منه صلة يملكون أي لا يملكون منه تعالى في ذلك اليوم خطابا باعتراض ونحوه ، وهذا عجيب فإنه لم يقل إنه صلة الخطاب حتى يرد عليه ما
ذكر إذ هو في الوجه الأوّل جعل من ابتدائية متعلقة بيملكون ، وفي الثاني جعلها بيانية فهو ظرف مستقر لكنه تعسف في قوله : خاطبت منك وأمّ تعدّي البغ بمن فصحيح ذكره صاحب المصباح ، وحاصل ما ذكره أنّ النظم يحتمل وجهين أي لا يقدرون على أن يخاطبوه فالخطاب منهم أو لا يصلون لسماع خطاب منه لكنه عقده على عادته ، ولولا ظن الإغفال كان ترك مثله أولى من ذكر.. قوله : ( لأنهم مملوكون الخ ) يعني أنّ ذواتهم وصفاتهم وأملاكهم وكل ما يتعلق بهم جوهراً أو عرضاً مخلوق له تعالى ، وهو مالكه فله التصرّف فيه كما يشاء لأنه لا يمنع أحد منا من التصرّف في ملكه مع أنه غير حقيقي فكيف بمالك الملك على الإطلاق فلا يجب عليه شيء من ثواب ، وعقاب ولا يسئل عما يفعل وفيه ردّ على المعتزلة ، وقوله : تقرير الخ لأنهم إذا لم يتملكوا بغير إذن لم يملكوا الخطاب كما لا يخفى. قوله : ( فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلانق الخ ) هذا بعينه في الكشاف لكنها كلمة حق أريد بها باطل ثمة فإنّ الخلاف في أفضلية الملائكة بمعنى كثرة الثواب ، وما يترتب عليها من كونهم أكرم على الله وأحب إليه لا بمعنى قرب المنزلة من الله ودخول حظائر القدس ، ورفع ستارة الملكوت بالاطلاع على ما غاب عنا مع النزاهة وقلة الوسايط ، وغيره فإنهم أفضل بالاعتبار الثاني بلا خلاف فيه وهذا كما نشاهده من حال خدام الملك ، وخاصة حرمه فإنهم أقرب إليه من وزرائه والخارجين من أقربائه وليسوا عند. بمرتبة واحدة وإن زادوا في التبسط والدلالة عليه ، ولذا عطف قوله وأقر بهم الخ على أفضل الخلائق عطفاً تفسيرياً ومته تعلم أنّ الخلاف هنا لفظيّ مع أنّ بعض أهل السنة ، وعلماء الشافعية ذهبوا إلى تفضيل الملك مطلقا حتى ادّعى بعضهم أنه مراد المصنف ، ومذهبه :
وللناس فيما يعشقون مذاهب
قوله :(8/309)
ج8ص310
( كالشفاعة لمن ارتضى الخ ) المراد بمن ارتضى من اصطفاه واختاره من صفوة
خلقه من المسلمين وأنما فسره لأنّ غير الصواب لا يصدر من الملائكة ، ولا يؤذن لأحد فيه. قوله : ( والووح ملك موكل على الآرواح الخ ) قال في الأحياء : الملك الذي يقال له الروح هو الذي يولج الأرواح في الأجسام فإنه يتنفس فيكون في كل نفس من أنفاسه روح في جسم ، وهو حق يشاهده أرباب القلوب ببصائرهم اهـ . قوله : ( او جنسها ) أي والمراد به جنس الأرواح ، وقيامها وهي من المجرّدات بدون الأجسام غير متصوّر ، ولذا قيل : تقديره ذوات
الأرواح وفيه نظر ، والطاهر أن ضمير جنسها راجع للملائكة لتقدمها في النظم ، وفهمها من المقام. قوله : ( الكائن لا محالة ) تفسير للحق الموصوف به اليوم أو الواقع خبر ذلك اليوم أي هو مما لا يمكن إنكاره ، وهذا مؤكد لما قبله ، ولذا لم يعطف. قوله : " لى ثوابه ) بيان للمراد أو تقدير لمضاف فيه ، وهو الأظهر وإنما قدر المضاف فيه قيل : لأنّ الرجوع لذاته تعالى غير مراد لتنزهه عنه ، وتعاليه فالمتصوّر الرجوع لحكمه وثوابه ووعده ونحوه كما قيل في قوله : { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ } [ سورة الفجر ، الآية : 28 ] وقيل : لأنّ رجوع كل أحد إلى ربه ليس بمشيئته إذ لا بد منه شاء أم لا والمعلق بالمشيئة الرجوع إلى ثوابه فانّ العبد مختار في الإيمان ، والطاعة ولا ثواب بدونهما ولا يرد عليه ما قيل من أنه مناف لمذهب الأشاعرة لأنّ العبد له كسب في أفعاله بمشيئة مقارنة لمشيئة الله لما أوجدها فيه ، ويكفي في مثله ذلك كما حقق في محله وقيل إنما قدر الثواب لما مرّ من قوله : للطاغين مآبا فإنّ لهم مرجعاً لله أيضا لكن للعقاب لا للثواب ، ولكل وجهة هو موليها. قوله : ( وقريه لتحققه ) جواب عن سؤال مقدر تقديره إذا فسر بعذاب الآخرة كيف يكون قريبا فإمّا أن يجعل لتحقق وقوعه قريبا لأنّ ما تحقق في المستقبل يجعل قريباً بخلاف ما تحقق في الماضي ، ولذا قيل : ما أبعد ما فات ، وما أقرب ما هو آت أو يقال : البرزخ داخل في الآخرة ، ومبدؤه الموت وهو قريب حقيقة إذ القرب والبعد من الأمور النسبية ، قيل : وأنما يحتاج إلى التوجيه لو كان يوم ينظر ظرفا مستقرّاً أي قريبا كائناً يوم الخ إمّا إذا كان لغواً للقرب فلا لأنه في ذلك اليوم قريب لا فاصل بينه وبين المرء ، وفيه نظر لأنّ الظاهر جعل المنذر به قريبا في وقت الإنذار لأنه المناسب للتهديد والوعيد إذ لا فائدة في ذكر قربه منهم يوم القيامة فإذا تعلق به فالمراد بيان قرب اليوم نفسه كما في قوله : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ } [ سورة القمر ، الآية : 1 ] فتأمّل. قوله : ( يرى ما قدّمه من خير أو شرّ ) بيان لحاصلى المعنى فلا ينافي كون ما استفهامية أو هو تفسير له على الوجه الراجح ، ولذا قدّمه ، وتعرض لتفسير. على تقدير أنها استفهامية بقوله : أي ينظر الخ ، وقوله : والمرء عامّ لاشترإك الفريقين في النظر ، ولما بين حال الكافر بعده وتحسره علم حال غيره فهو كقوله : وورثه أبواه فلأمّه الثلث ، ولم يصرّح به لإيهام إنه لا يحيط به الوصف ، وقيل : المراد به المؤمن كما نقل عن قتادة وتركه المصنف لما في الكشاف من أنه ظاهر الضعف وإن رجحه الإمام بأنّ بيان حال الكافر بعده يدل على أنّ هذا حال المؤمن. قوله : ( وقيل هو الكافر الخ ) مرضه لأنّ ما قبله في حال الفريقين عموما فلا وجه للتخصيص ، وقوله : إنا أنذرناكم الخ لا يخص الكافرين لأنّ الإنذار عامّ للفريقين أيضا فلا دلالة له على الاختصاص كما يتوهم في بادى النظر ، وقوله :
فيكون الكافر الخ لأنه على هذا كان الظاهر عود ضمير للمرء من غير تصريح به لكنه لإفادة لفظ الكافر الذي أقيم مقام الضمير لذلك ، وقيل : الكافر إبليس لما شاهد آدم عليه الصلاة والسلام ونسله وما لهم من الثواب تمنى أن يكون ترابا لأنه احنقره لما قال : { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [ سورة الأعراف ، الآية : 12 ] وهو كلام حسن ووجه وجيه ، وإن بعد من السياق. قوله : ( وما موصولة ) والعائد مقدر أي ما قدمته وعلى الاستفهامية فالجملة معلق عنها لأنّ النظر طريق للعلم كما بينه النحاة ، والمعنى على الثاني ينظر جواب ما قدمته يداه ، ومثله : كثير ظاهر. قوله : ( وقيل : يحشر سائر الحيوانات الخ ) كما اشتهر ذلك وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي اللّه عنه لتؤذن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء تمت السورة والحمد لله وحده والصلاة والسلام على أعظم مخلوقاته وآله وصحبه وآل بيته.
سورة النازعات(8/310)
ج8ص311
وتسمى سورة الساهرة والطامّة وهي مكية بالاتفاق وعدد الآيات ما ذكره المصنف رحمه
الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( هذه صفات ملانكة الموت الخ ) يعني أن الموصوف واحد فيها وهم ملائكة الموت فالعطف لتغاير الصفات كما مرّ ولو جعلت الموصوفات متعددة على أنّ النازعات ملائكة العذاب ، والناشطات ملائكة الرحمة جاز أيضا وجعل النزع للكفار ، والنشط لغيرهم لأنّ النزع جذب بشدة والنشط بسهولة ورفق فلاءم ذلك التخصيص ، وقوله : ينزعون أي يخرجون بجذب ، وقوله : إغراقا الخ أي مبالغة في الغرق فالغرق بمعنى الإغراق كالسلام بمعنى التسليم أو هو الإغراق بحذف الزوائد ، وقوله : فإنهم ينزعونها الخ تعليل وبيان للإغراق ، وتخصيصه بالكفار لما مرّ من أنه جذب بشدة ، وما للمؤمنين نشط لا أنه في الكفار معكوس من الأسفل إلى الأعلى حتى لا يرد أنه لا وجه للتخصيص! كما قيل ، وهو منصوب على أنه مفعول مطلق ، والمفعول به محذوف. قوله : ( أو نفوساً غرقة في الأجساد ( فهو مصدر مؤول بالصفة المشبهة ، ونصبه على أنه مفعول به على هذا أو صفة للمفعول به ، وهو معطوف على قوله : إغراقا ، وقيل : على قوله : أرواح الكفار وعلى الأوّل التقابل ظاهر ، وأما على الثاني فلأن المراد ينزعون أرواح الكفار من أبدانهم ، أو نفوساً غرقة في الأجساد لشدة تعلقها بها بغلبة الصفات الجسمانية فهي بعيدة عن الرقيّ لعالم الملكوت ، وهي نفوس الكفار ، وهي من المجرّدات ، وتتعلق بالبدن بواسطة الروح الحيواني ، وهو البخار اللطيف الساري في البدن وبنزعه ينقطع تعلق الروح عن البدن ، ومنه يعلم فساد ما قيل من أنهما متحدان لا تقابل بينهما. قوله : ( يخرجون أرواح المؤمنين برفق ) تفسير للنشط على ، وجه يعلم منه وجه اختصاصه بالمؤمنين كما مرّ ، وكذا اختصاص السبح أيضا وظاهر هذا أنهم النزع خارج البدن كالواقف ، وظاهر ما بعده من السبح والغوص دخولهم فيه لإخراجها فيؤوّل أحدهما كالنشط بأنّ المراد منه السهولة أو السبح بأن المراد مجرّد الاتصال ، والظاهر أنّ السبح هو الحركة الاختيارية في الماء فلا ينافي
الغوص فما قيل من أنّ إطلاق السبح على الغوص غير متعارف لا وجه له مع أنه لا ينفك عنه. قوله : ( فيسبقون بأرواح الكفار الخ ) السبق هنا بمعنى الإسراع مجازا فالعطف بالفاء إشارة إلى عدم التراخي في الاتصال ، وقوله : أمر عقابها وثوابها لف ونشر مرتب ، وقوله : بأن يهيؤها الخ إشارة إلى أنّ ملائكة العذاب غير ملائكة الموت فإنّ ملائكة الموت تهيؤها وتوصلها الإدراك الألم ، واللذة دون تنعيم وتعذيب. قوله : ( أو الأوليان ) أي الصفتان الأوليان ، وهما النازعات والناشطات لملائكة الموت وما بعده لملائكة الرحمة والعذاب فتتغاير الموصوفات كالصفات ، وفوله : في مضيها الأظهر أن يقال في مضيهم ، ولما حمل السابقات على طوائف غير ملائكة الموت لم يكن السبح إخراج الأرواح بل بمعنى المضي والسرعة في اتصالها لما سيقت له من النعيم والعذاب ، فيدبرون أمره أي أمر ما أمروا به من كيفيته وما لا بدّ منه ، فلا وجه لما قيل إنّ الأظهر أن يقال : فتدبرونه. قوله : ( أو صفات النجوم ) معطوف على قوله : صفات الملاثكة ، وقوله : فإنها تنزع أي تسير من نزع الفرس إذا جرى ، وهذا إشارة إلى أنّ المراد بها على هذا السيارة دون الثوابت وهي شاملة للشمس والقمر لما سيأتي ، وقوله : غرقا في النزع أي مجدّة في السير مسرعة ، وقوله : بأن تقطع الفلك من قطع المسافر الطريق إذا جاوزها ، وهذا بالنسبة لما يبدو للناس في النظرة لأنّ حركتها تبع لحركة الفلك لا مستقلة في قطعه ، وقوله : وتنثط الخ تفسير للناشطات على هذا وقوله : يسبحون الخ فيه تسمح وكان الظاهر تسبح ، وقوله : كاختلاف الفصول الخ فإنه بحركة الشمس تحصل الفصول الأربعة وبحركة القمر تتميز الشهور والسنين والمواقيت إلى غير ذلك مما جعله الله منوطا بحركة النيرين كأوقات الصلوات والحج والمعاملات المؤجلة. قوله : ( حركاتها من المشرق إلى المغرب ) فسره به لأنها بحركة الفلك الأعظم تبعاً لأنه يتحرّك كذلك فيتبعه ما فيه ضرورة ، وأما حركة الكواكب في منازلها من البروج لأنها حركتها الخاصة بها فغير سريعة وهي بإرادتها من غير قسر لها فلذا أطلق على الأولى نزعا لأنه جذب بشذة ، وسميت الثانية نشطاً لأنه برفق كما مرّ وهذا مبني على ما ذكر في الرياضات. قوله : ( أو صفات(8/311)
ج8ص312
النفوس الفاضلة ) معطوف أيضاً على قوله :
صفات ملائكة فالمراد بالنازعات النفوس المفارقة لأبدانها بالموت ، ووصفها بالنزع لأنه يعسر عليها مفارقة البدن بعد الإلفة ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : " إق للموت لسكرات " فلا يختص بغير المؤمنين على هذا ، وقيل : النزع بمعنى الكف على هذا ، وقوله : تنشط من النشاط وهو خفة السوق ، وقوله : وتسبح فيها أنث الضمير سواء رجع للعالم أو الملكوت لتاويله بمؤنث وارادة المقارّ ونحوه يعني أنها تتوجه لعالم العقول المجرّدة فترقي الملكوت من مرتبة إلى أخرى بسرعة فتسبق لحظائر القدس بالطهارة من النقائص ، وهو مقام القرب من الرب. قوله : ( فتصير لشرفها وقوّتها من المدبرات ) يحتمل أنّ المراد بالمدبرات الملائكة ، وأنّ النفوس بعد الاستكمال ومفارقة البدن ودخولها في الحظائر المقدسة تلتحق بالملائكة ، ولذا ألفت المقام الأعلى ، وصلحت للخلود أو هو صفة للنفوس المفارقة العالية فإنها بقوتها ، وشرفها تصلح للوصف بأنها مدبرة كما قال الإمام إنها بعد المفارقة قد يظهر لها آثار وأحوال في هذا العالم فقد يرى المرء أستاذه بعد موته فيرشده لما يهمه ، وقد نقل عن جالينوس أنه مرض مرضا عجز عن علاجه الحكماء فوصف له في منامه علاجه فأفاق وفعله فأفاق ، وقد ذكره الغزالي ، ولذا قيل : إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أصحاب القبور ، إلا أنه ليس بحديث كما توهم ولذا اتفق الناس على زيارة مشاهد السلف والتوسل بهم إلى الله وإن أنكر. بعض الملاحدة في عصرنا ، والمشتكي إليه هو الله. قوله : ( أو حال سلوكها ) معطوف على قوله : حال المفارقة والأوّل على أنه من صفات الأرواح بعد الموت ، وهذا في الحياة والسلوك في العرف تطهير الظاهر والباطن ، بالاجتهاد في العبادة والترقي في المعارف الإلهية ، وقوله : فإنها الخ تفسير للنزع على هذا بالحذف من حضيض الهوى إلى أوج التقوى وما بعده ظاهر ، وقوله : فتنشط الخ إشارة إلى أنّ فيه ترتبا لكنه وكل إلى فهم السامع. قوله : ( حتى تصير من المكملات ) بصيغة اسم الفاعل أو المفعول ، والظاهر الأوّل لأنه تفسير للمدبرات ، وقوله : أو صفات أنفس الغزاة معطوف على قوله : صفات ملائكة ، وقوله : أو أيديهم معطوف على قوله : أنفس الغزاة والقسيّ جمع قوس ، وقوله : بإغراق السهام أي المبالغة في جذبها للرمي ، وقوله : ينشطون بالسهم للرمي أي يرسلونه بعد الجذب من قولهم : نشط العقدة إذا حلها كما في التاح وغير. ومثله يسند لليد وصاحبها ، نعم ما بعده إسناد محتاج للتحويل للملابسة فما قيل من أنّ في إسناد النشط وما بعده إلى الأيدي كلاما لا يخلو من القصور أو التقصير ، وقوله : يدبرون أمرها الضمير للحرب لأنها مؤنثة. قوله : ( فإنها تنزع في أ عها نزعاً ) يحتمل أنه كقوله :
يجرج في عراقيبها نصلي
أي تمد أعنتها مداً قوياً حتى تلصق الأعنة بالأعناق من غر ارتخاء لها فتصير كأنها انغمست فيها ، أو هو مجاز من قولهم : نزع في القوس إذا مذها لأنه يتعدى بفي كما ذكره الأزهري ، وتسبح في جريها هو مستعار من سبح في الماء لكنه الحق بالحقيقة لشهرته ، وقوله : فتدبر أمر الظفر أسند التدبير إليها مجازاً لأنها سببه ، وقوله : وإنما حذف أي جواب القسم ، وتقديره لتبعثن أو لتقومن القيامة ونحوه. قوله : ) وهو منصوب به ) أي ما بعده الدال عليه ، وهو قوله : يوم ترجف الراجفة منصوب بالجواب المقدر لأنه ظرف وتقديره ما مرّ وعلى ما فسره به المصنف لا بدّ من اعتبار زمان النفخة الأولى ممتدا فلا يرد أن البعث وقيام الساعة بعد النفخة الثانية ويينهما أريعون سنة فيما قيل : فلا حاجة إلى التعسف ، وتكلف جعل يوم مبنياً فاعلا للجواب وتقدير. ليأتين يوم الخ. قوله : ( والمراد بالراجفة الخ ) فتسميتها راجفة باعتبار الأول ففيه مجاز مرسل وبه يتضح فائدة الإسناد ، وانه ليس من قبيل يقوم القائم وتعريفه للعهد فيه وفيما بعده ، وقوله : ترجف الإجرام الخ إشارة إلى أنّ الإسناد إليها مجازي لأنها سببه أو التجوّز في الظرف بجعل سبب الرجف راجفا قيل : ولو فسرت الراجفة بالمحركة جاز وكان حقيقة لأنّ رجف يكون بمعنى حرك وتحرك. قوله : ( التابعة ) من ردفه إذا تبعه ولوقوع ذلك فيها بعد الرجفة الأولى جعلت رادفة لها ، وقوله : أو النفخة الثانية تفسير آخر للرادفة ، وقوله : في موقع الحال من الرأجفة قيل : وهي حال مقدّرة أو هي مستأنفة كما ذكره المعرب وفي الكشاف فإن قلت : كيف جعلت يوم ترجف ظرفاً للمضمر الذي هو لتبعثن ، ولا يبعثون عند النفخة الأولى(8/312)
ج8ص313
قلت : المعنى لتبعثن في الوقت الواسع الذي تقع فيه النفختان ، وهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع ، وهو وقت النفخة الأخرى ودل على ذلك أنّ قوله : تتبعها الرادفة جعل حالاً عن الراجفة ، اه ، وقيل عليه : إنّ الحال غير متعينه ، وعلى تسليم التعين فالحال يجب مقارنتها لذي الحال وحدوث الرادفة بعد انقضاء ايراجفة لا يفيد كونهما في يوم واحد إذ لم يتقارنا فلا بد من جعلها حالاً مقدرة وحينئذ فلا تدل على ما ذكره ، ولا يخفى أنه من قلة التدبر فإنه يريد أنهم جعلوا قوله : تتبعها حالاً والأصل فيها المقارنة فلو لم يقدر ذلك الوقت متسعا لما ذهبوا إليه من غير تأويل ، وقد عرفت أن جعلها حالاً مقدرة حينئذ لا وجه له. قوله :
( من الوجيف ) هو مصدر ومعناه وضعا شدة الاضطراب فلا يلد عليه أنه ليس في الكلام ما يدلّ على الشدة ، وقوله : صفة لقلوب فهي مسوغة للابتداء به ، وهو نكرة وأما كونه خبرا لأنّ تنوين قلوب للتنويع فمع إلباسه مخالف للظاهر في الابتداء بالنكرة وجعل تنوين التنويع كالوصف معنى تعسف ، ولذا لم يلتفتوا له. قوله : ( أبصار أصحابها ) بتقدير المضاف لأنّ القلوب لا أبصار لها إلا أن تجعل بمعنى البصائر ، وهو خلاف الظاهر أو هو تجوز في النسبة الإضافية لأدنى ملابسة فيكون جعل للقلوب أبصاراً ووصف الأبصار بالذل لظهور آثاره عليها ، وقوله : ولذلك أي لأنّ المراد وصفها بالذل الناشئ من الخوف أضافها إلى القلوب التي هي محل الخوف ولا يضرّه تقدير المضاف فيه لأنه يكفي لمثله وقوعه كذلك بحسب الظاهر. قوله : ( في الحالة الأولى ) هو حاصل المعنى المراد منه يعني أنه لما أقسم على تحقق البعث ، وقيام الساعة وبين ذلهم فيها وخوفهم ذكر إقرارهم بالبعث والمعاد ، وردهم إلى الحياة بعد الموت فالاستفهام لاستغراب ما شاهدوه بعد الإنكار ، وهذه الجملة مستأنفة استئنافا بيانياً لما يقولونه إذ ذاك ، وقوله : فحفرها بيان لوجه تسميتها حافرة بمعنى محفورة ، ثم بين أنّ المراد بالحفر التأثير في الأرض على الاستعارة أو المجاز المرسل بإرادة المطلق من المقيد. قوله : ( على النسبة ) يعني أنّ حافرة بمعنى محفورة كراضية بمعنى مرضية لتأويله بذات حفر ، وذو الشيء صادق بالفاعل والمفعول وهذا بناء على المعروف في أمثاله أو هو على التجوز في الإسناد على ما ارتضاه الخطيب ، وقوله : تشبيه القابل بالفاعل هو على مذهب السكاكي من جعل أمثاله استعارة مكنية وتخييلية لأنه بمعنى الطريق وهي قابلة للحفر فشبه القابل للفعل بمن يفعله لتنزيله منزلته فالاستعارة في الضمير المستتر ، واثبات الحافرية له تخييل على ما عرف من المذاهب فيه. قوله : ( وقرئ في الحفرة ( بفتح الحاء وكسر الفاء على أنه صفة مشبهة ، وهي شاذة مروية عن أبي حيوة وابن أبي عبلة ومعنى حفرت أسنانه بالبناء للمجهول تغيرت وتآكلت ، وقوله : فحفرت بصيغة المعلوم وكسر الفاء مطاوعه ، وحفرا بفتحتين مصدره وهو دليل على أن الحافرة بمعنى المحفورة ، وقوله : أئذا كنا الخ متعلق بمحذوف تقديره أنبعث ونحيا إذا الخ وقوله : على الخبر أي بدون أداة الاستفهام الإنشائي. قوله : ( نخرة وهي أبلغ ) قرأ الأخوان وأبو بكر ناخرة بألف والباقون نخرة بدونها كحاذر وحذر ، وفعل أبلغ من فاعل وإن كانت حروفه أكثر وكثرة البنية لا
تدلّ على كثرة المعنى مطلقاً والنخر البالي ويكون بمعنى الأجوف البالي ، ويصح أن يراد به ذلك هنا أيضا والقراءة الأخرى موافقة لرؤوس الآي ومن العجب ما قيل : إن ناخرة مغير من نخرة للفواصل فتتخذ القراءتان في إفادة المبالغة فإنه لا معنى له عند التحقيق. قوله : ( ذات خسران الخ ) قال الراغب : الخسر والخسران انتقاص رأس المال وينسب إلى الإنسان فيقال : خسر فلأن والى الفعل فيقال خسرت تجارته ا هـ ، هذه حقيقته والمراد بالفعل ما يتعلق بالمعاملة لا كل فعل كما فيما نحن فيه فجعل الكرّة خاسرة ليس حقيقة فهو إما للنسبة بمعنى ذات خسران على ما مرّ أو المراد خاسر صاحبها على تقدير المضاف ، أو التجوّز في النسبة. قوله : ( والمعنى الخ ) أي إن صحت الرجعة إلى الحياة والبعث فنحن في خسر لتحقق ما أنكرناه وقوله : وهو استهزاء منهم أي قولهم : تلك إذن كرة خاسرة صدر منهم على وجه الاستهزاء ، بالخسر حيث أبرزوا ما قطعوا بانتفائه واستحالته في صورة المشكوك المحتمل للوقوع. قوله : ( متعلق بمحذوف ) أي فيه مقدّر مرتبط به معنى أي لا تحسبوا تلك الكرة صعبة ، فإنها هينة على قدرته فإنها صيحة واحدة فالمذكور(8/313)
ج8ص314
تعليل للمقدر وفيه تهوين لأمر الإعادة على وجه بليغ لطيف. قوله : ( والساهوة الأرض البيضاء ) أي التي لا نبات ولا بناء فيها لأنّ الأرض المزروعة ترى بما فيها من الخضرة كأنها سوداء ، وقد تلطف بلدينا فقال :
إن الذين ترحلوا و!فوا بالهاجرة
أنزلتهم في مقلتي فإذا هم بالساهرة
وقوله : عين ساهرة الخ ففيه مجاز على المجاز لشهرة الأوّل التي ألحقته بالحقيقة ، وقوله : وقيل اسم جهنم معطوف على قوله : الأرض البيضاء ، وقوله : أو لأن سالكها الخ فالسهر بمعنا. المعروف ، والتجوّز في الإسناد. قوله : ( أليس قد أتاك حديثه الخ ) يعني أنّ المقصود تسليته صلى الله عليه وسلم وتهديد المكذبين له بإنذارهم بعذاب كعذاب من كذب الرسل قبلهم وهو بيان له بحاصل معناه لا إشارة إلى أن هل بمعنى قد كما مرّ في قوله : هل أتى والمقصود من الاسنفهام التذكير لا التقرير كما قيل ، ومن هو أعظم منهم أي أشد كفراً كفرعون وقوله : بأن
يصيبهم الخ متعلق بيسليك وقوله : يتهددهم على التنازع ، أو هو متعلق بالثاني فقط والمراد بكونه مثله في الجنس والمقهوربة والخذلان دون الاستئصال مع أن المحذر منه لا يلزم وقوعه ، وقوله : إذا ناداه متعلق بالحديث أو مفعول اذكر مقدرا كما مرّ بيانه ، وقوله : على إرادة القول أي تقديره والتقدير وقال له : أو قائلاً له وقوله : لما في النداء الخ يعني أنّ أن تفسيرية لوجود شرطها المشهور ، ويجوز أن تكون مصدرية قبلها حرف جر مقدر أي بان ناداه الخ. قوله : ( هل لك ميل إلى أن تتطهر الخ ) يعني لك خبر مبتدأ مقدر ، والجار والمجرور متعلق به وهو في الاستعمال ورد بفي وإلى فيقدر لكل ما يناسبه ، ولذا قدر المصنف ميل لأنه يتعدى بإلى والزمخشريّ قدر الرغبة وهي مما يتعدى بفي وإلى فأيّ الصلتين ذكر بعد هذا الظرف صح ، وقال أبو البقاء : لما كان المعنى أدة كوك جاء بإلى فجعل الظرف متعلقا بمعنى الكلام أو بمقدر يدلّ عليه ، ومن لم يتفطن لمراده قال : إنه لا يفيد شيئاً في الإعراب إلا أنه مبني على أنّ الجملة بتمامها تكون عاملا وفيه شيء ومن دفع الاعتراض بأن هل لك مجاز عن أحدثك ، أو أدعوك والصلة بعد. قرينة زاد في الطنبور نغمة فتأمّل. قوله : ( تتطهر الخ ) تفسير لقوله : تزكى ، وقوله : بالتشديد أي تشديد الزاي وأصله تتزكى فأدغمت التاء الثانية في الزاي وتقديم التزكية على الهداية لأنها تخلية ، وقوله : أرشدك إلى معرفته بيان لحاصل المعنى أو لتقدير مضاف فيه لأنّ الهداية إلى معرفته هداية له ولا حاجة إلى التقريب بأنها لإيجاده في الذهن ، وقوله : إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة ، بيان لموقع الفاء وتعليل لتقدير المضاف فيه وهو المعرفة ويؤيده قوله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } [ سورة فاطر ، الآية : 28 ] . قوله : ( وهذا ( يعني هل لك الخ فإنه دعوة في صورة العرض والمشورة كقولك للضيف : هل لك أن تنزل عندنا وقوله : فذهب الخ يعني أنّ الفاء فصيحة وفيه مقدّر به ينتظم الكلام ، وقوله : فإنه أي القلب كان المقدّم على غيره من معجزاته فهو المراد بالكبرى ، والصغرى ما سواه بقرينة الفاء التعقيبية. قوله : ( والأصل ) إمّا أن يريد به إنه أقوى معجزاته الفعلية أو ما يبنى عليه غير. لأنّ كثيراً من معجزاته فيها كتفجير الماء بضربها وشق البحر والإضاءة ونحوه فلا حاجة إلى ما قيل من أن أصالتها بالنسبة إلى اليد البيضاء خصوصاً فإنها كالتبع لها فإنه مع تكلفه لا يسمن ولا يغني من جوع ، وقوله : أو مجموع معجزاته الخ والوحدة لما ذكر ، والفاء لتعقيب أوّلها أو مجموعها باعتبار أوّلها وكونها كبرى باعتبار معجزات من قبله من الرسل أو هو للزيادة المطلقة. قوله : ( فكذب
موسى وعصى الله ا لم يقل ، وعصاه لما دعاه لأنّ هذا أقوى في الذم ولجمعه بين معصية الله ورسوله لأنّ التكذيب أشذ العصيان ، وقوله : بعد ظهور الآية أي على الوجهين وإفراد. لما مرّ وقوله : عن الطاعة إشارة إلى أنه بمعنى ولى وأعرض ، وثم لأنّ إبطال الأمر ونقضه يقتضي زمانا طويلا وقوله : ساعيا إشارة إلى أنّ الجملة حالية ، وقوله : أو أدبر الخ فهو إدبار حقيقيّ وقوله : فحشر الخ تفصيل لما قبله وثم على الثاني لأنّ إدباره مرعوبا بعد تلقف ما أتى به السحرة ومكالمتهم معه وتكذيبه وعصيانه تقدم عليه بزمان طويل فكلمة ، ثم لا تأباه ما لم يجعل لاستبعاد أدباره مرعوباً مع دعوى الألوهية منه كما قيل. قوله : ( فجمع السحرة الخ ) فالحشر بمعناه اللغوي وجمع السحرة عقب ما قصد من إبطال أمره ، وجمع الجنود بعد(8/314)
ج8ص315
ما فر ففيه لف ونشر مرتب ، ويجوز رجوع الكل للكل وقوله : فنادى في المجمع أردا به مكانه ومقامه ، وهو إما بنفسه بأن يرفع صوته بالخطاب أو بمناد يأمره بتبليغ ذلك عنه ، ويؤيد الأوّل قوله : أنا ربكم الخ مع ما فيه من التجوّز في الإسناد بجعل الآمر كالفاعل مجازاً والسبب فاعلا ومثله بليغ كثير.
قوله : ( أو بمناد ) وفي نسخة أو مناد فهو معطوف على الضمير المستتر لوجود الفاصل ، وقوله : على كل من يلي أمركم كذا في بعض النسخ بالجار المتعلق بأفعل التفضيل ، وهو جائز وفي نسخة من كل من يلي بمن التفضيلية وهي ظاهرة أيضا وفي بعضها كل من يلي الخ بالنصب من غير جار ويرد عليه أن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول فهو مفعول لمقدر أي علوت كل من الخ كما في قوله :
واضرب منا بالسيوف القوانسا
وقد مرّ تحقيقه. قوله : ( أخذا منكلاَ ) النكال مصدر بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم فجعله المصنف هنا صفة مصدر لأخذ المقدر وأوّله بالمشتق أي أخذا منكلا ، واضافته لامية أو على معنى في ، وقوله : في الآخرة الخ بيان لحاصل المعنى أو تقدير إعراب وقيل إنه منصوب على أنه مفعول مطلق لأخذ بتأويل في الأوّل أو في الثاني وقيل : إنه منصوب على الحالية ، وقيل هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة كوعد الله وصبغة الله ومنكلا هنا بمعنى مخوّفاً أو عبرة ، ولذا قال لمن رآه في الدنيا وقوله : أو سمعه أي سمع يأخذه في الدنيا أو في الآخرة وأو في كلام المصنف لمنع الخلو والآخرة والأولى إمّا الداران وهما الدنيا والآخرة أو الكلمتان كما
ذكره المصنف ، وقوله : هذه إشارة إلى قوله : { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } وقوله على كلمته الآخرة على هنا للتعليل كما في قوله : { لِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } [ سورة الحج ، الآية : 37 ] وهو من إضافة المسبب للسبب وهي لامية وقوله : وهو قوله الخ ذكر ضمير الكلمة باعتبار الخبر. قوله : ( أو للتنكيل فيهما ) أي على أنّ النكال بالمعنى المصدري ، وهو مفعول له والأولى والآخرة الداران والإضافة على ما مرّ وقوله : أو لهما على أنهما بمعنى الكلمتين والإضافة لامية من إضافة المسبب للسبب ، وقوله : ويجوز أن يكون مصدراً الخ فالتقدير نكل الله به نكال الآخرة الخ ، وقد مرّ جواز كونه مؤكدا للجملة أيضا وغيره من الوجوه وعلى هذا فنصبه على أنه مفعول مطلق ، وقد أورد عليه أمران الأوّل أنّ المصدر المؤكد لا يفيد فائدة زائدة على فعله وهنا أفاد بالإضافة معنى زائدا فكيف يكون مؤكدا الثاني إنّ الصواب أن يقول : مقدّرا فعله لا بفعله كما في شرح التلخيص ، ويدفع بأن المراد بالمؤكد ليس ما اصطلح عليه النحاة ولا شك أن كل مصدر يؤكد باعتبار ما تضمنه من معنى المطلق فعله وكون المراد به ما يؤكد مضمون الجملة يأباه صريح كلامه ، وأما قوله : مقدراً بفعله ففيه تسمح والباء إما زائدة في الفاعل كما في كفى بالله أو الباء للملابسة والمقدر مطلق العامل أي يقدر عامله بفعل خاص من لفظه فتدبر. قوله : ( لمن كان من شأنه الخشية ) الظاهر أنه أوّل به لأنّ من كان في خشية وخوف لا يحتاج للاعتبار ، وقيل : إنه لقصد التعميم ليشمل من يخشى بالفعل ومن كان من شأنه ذلك ، وقوله : أصعب خلقاً نصب خلقا على التمييز والأصعبية بالنسبة للمخاطبين لما مرّ من أن القدرة الذاتية يستوي عندها جميع المقدورات بلا تفاوت ، وقوله : ثم بين الخ إشارة إلى أنّ الجملة مفسرة بمنزلة عطف البيان ، وثم لما بين المجمل والمفصل من التفاوت الرتبي. قوله : ( أفي !جعل الخ ( هذا بناء على أنّ السمك الرفع أو الثخن فعلى الأوّل معناه جعلها رفيعة ، وعلى الثاني معناه جعل ثخنها مرتفعا في جهة العلو ، وقوله : أو ثخنها بأو الفاصلة وهو الظاهر وفي نسخة بالواو ويحتاج لجعلها بمعنى أو والثخن إن لوخط من السفل للعلو فسمك ، وإن لوحظ من العلو للسفل فعمق كالدرج والدرك. ض له : ( فعدّ لها ( قيل : تعديلها جعلها بسيطة متشابهة الأجزاء والشكل ، وليس البناء ورفع السمك مغنياً عن هذا ، وقوله : مستوية أي ملساء ليس في سطحها انخفاض وارتفاع ، وقوله : فتمص ! ا من قولهم : سوّى أمره أي أصلحه أو من قولهم : استوت الفاكهة إذا نضجت وتتميمها بما ذكر ولها متممات وأفلاك جزئية كما بين في محله والتدوير جسم كريّ مصمت مركوز في ثخن الفلك الجزئي بحيث يماس سطحه المحدب ، والعقر
والكواكب السيارة غير الشمس لها تداوير كما بين في علم الهيئة. قوله : ( منقول من غطش ) اللازم إلى المتعدي بالهمزة ، وقوله : وأنما أضافه الخ(8/315)
ج8ص316
اي أضاف الليل إلى السماء لأنّ الليل والنهار بحركتها ، ولم يرتض ما في الكشاف من قوله : لأنّ الليل ظلها فإنه اعترض عليه بأنه ظل الأرض لا ظلها ، والجواب بأنه باعتبار ظاهر الحال في رأى العين لا محصل له والأولى ما ذصب إليه المصنف من أنه لما بينهما من الملابسة لأنه بحركتها. قوله : ( وأبرز ضوء شمسها ) أبرز تفسير لأخرج وضوء الشمس تفسير للضحا لأنه كما قال الراغب : انبساط الشمس وامتداد النهار وسمي الوقت به انتهى ، ففيه مضاف مقدّر هنا لأدنى ملابسة كما مرّ وقوله : يريد النهار أي المراد بضحاها هنا النهار لوقوعه في مقابلة الليل فكني بالضوء عنه ، أو المراد بقوله : أخرج ضحاها النهار كما قيل والأوّل أقرب. قوله تعالى : ( { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } ) قد مرّ الكلام فيه ، ومعارضته للأية الأخرى والجمع بينهما قال ابن عباس رضي الله عنهما خلق اللّه الأرض من غير أن يدحوها قبل السماء ، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ثم دحى الأرض بعد ذلك فلا ينافي قوله : { خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } [ سورة البقرة ، الآية : 29 ] فسقط ما قيل إنه ينافي قوله : { خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ } ولا يمكن التوفيق بأنه خلق أصل الأرض قبل السماء ودحاها بعده لأنّ ما في الأرض بعد الدحو ، وقد مرّ فيه تفصيل فتذكره. قوله : ( ورعيها ) قال في الكشف هو بالكسر الكلأ وبالفتح المصدر والمرعى يقع عليهما وعلى الموضع بل وعلى الزمان أيضاً فقول المصنف ، وهو في الأصل لموضمع الرعي محل نظر إلا أنه لكونه أشهر معانيه جعل كأنه موضوع له كما قيل ، والمرعى ما يأكله الحيوان غير الإنسان فأريد به هنا مجازاً مطلق المأكول للإنسان وغيره ، فهو مجاز مرسل من قبيل المرسن ، وقال الطيبي : يجوز أن يكون استعارة مصرّحة لأنّ الكلام مع منكري الحشر بشهادة قوله : { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا } كانه قيل : ( أيها المعاندون الملزورّون ) في قرن البهائم في التمتع بالدنيا والذهول عن الآخرة. قوله : ( لأنها حال بإضمار قد الخ ) وكلاهما مقتض لترك العاطف قيل : وعلى الوجهين لا يثبت تقدم الدحو على خلق الجبال كما مرّ في السجدة بل الأول مقتض لتقدم خلق الجبال لتقريب قد للماضي من الحال ، والدحو البسط وهو غير إخراج الماء والمرعى نعم الدحو سبب لهما. قوله : ( وهو مرجوح لأنّ العطف على فعلية ) سبقه إليه الزجاح ، وأورد عليه أنّ قوله : بناها بيان لكيفية خلق السماء ، وقوله : رفع سمكها الخ بيان
للبناء وليس لدحو الأرض وما بعده دخل في شيء من ذلك فكيف يعطف عليه ما هو معطوف على المجموع عطف القصة على القصة والمعتبر فيه تناسب القصتين ، وهو حاصل هنا فلا ضير في الاختلاف بل فيه نوع تنبيه على ذلك هذا مع أنه يجوز عطف الأرض على السماء من حيث المعنى كأنه قيل : السماء أشد خلقا والأرض بعد ذلك أي والأرض بعد ما ذكر من السماء أشد فيكون وزان قوله : دحاها أخرج منها مآها ومرعاها ، وزان قوله : بناها رفع سمكها فسواها ، وحينئذ فلا يكون قوله : بعد ذلك مشعرا بتأخر دحو الأرض عن بناء السماء. قوله : ( تمتيعاً لكم الخ ) إشارة إلى أنّ المتاع بمعنى التمتيع فنصبه على المصدرية بفعله المقدر أو هو مفعول له قيل : والأوّل أولى لأنّ الخطاب لمنكري الحشر والمقصود هو تمتيع المؤمنين فلا يلائم جعل تمتيع الآخرين كالعرض ، وأورد عليه أنّ خطاب المشافهة وإن كان خاصا بالحاضرين إلا أن حكمه عام كما تقرّر في الأصول فالمآل إلى تمتيع الجنس وأيضاً النصب على المصدرية بفعله المقدر لا يدفع المحذور لكونه استئنافاً لبيان المقصود. قوله : ( الداهية الخ ) أي هو بمعنى أعظم الدواهي لأنها من طم بمعنى علا كما ورد في المثل جرى الوادي فطم على القرى ، وعلوها على الدواهي غلبتها عليها ومآله إلى كونها أعظم وأكبر قيل : فالوصف بالكبرى مؤكد ، ولو فسر كونها طامة بكونها غالبة للخلائق لكان الوصف بالكبرى مخصصاً ، وقد قيل : ما من طامّة إلا وفوقها طامّة ، والغلبة والكبر من الأمور النسبية فالمراد بكونها تغلب الدواهي أنها تفوق ما عرفوه من دواهي الدنيا مع أنها كما قاله الجوهري : غلبت على القيامة ، والمراد بكونها كبرى إنها أعظم من جميع الدواهي مطلقا ففيه مبالغة وفائدة زائدة لا كما توهمه هؤلاء القائلون. قوله : ( التي هي كبر الطامات ) أي الدوإهي وفيه إشارة إلى أنّ المعنى أنها أعظم من كلى عظيم فالوصف تأسيس لا تأكيد كما مرّ مع أن الطامة الكبرى لمعين هنا كالعلم ، وقوله : أو الساعة الخ قيل : فإذا ظرف لمجيء(8/316)
ج8ص317
الساعة لا للساعة لئلا يكون الزمان في الزمان أو الظرفية عرفية من ظرفية الكل للجزء باعتبار الأوّل زمانا متسعا. قوله : ( يوم يتذكر الخ ) منصوب أو مبني على الفتح ، وقوله : بأن يراه الخ فتذكر. كناية عن رؤية صحفه سواء نسيه لطول المدة أو لما لقي كما قيل :
وهيهات لي يوم القيامة أشغال
أو لكثرتها التي تعجز الحافظة عن ضبطها ، وقوله في صحيفته : الضمير للإنسا
للعمل لأنّ الصحيفة تضاف لكل منهما ، وقوله : قد نسيها الضمير للأعمال المرادة من المفهومة من السياق ، وإذا كانت ما موصولة فسعى بمعنى عمل والعائد مقدر أي سعى وقوله : بدل من إذا الخ بدل كل أو بعض وكونه بدلاً من الطامة كما قيل تعسف ، و بحيث لا تخفى الخ تعليل لرؤية كل أحد ، وقوله : لكل راء إشارة إلى أنه كيعطي و وقوله : وقرئ وبرزت أي بالتخفيف ، وقوله : فيه ضمير الجحيم بإسناد الرؤية لها محا بخلق الله ذلك فيها. قوله : ( أو أنه خطاب للرسول الخ ( أو لكل راء كقوله : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ } [ سورة السجدة ، الآية : 12 ] الآية وهذا هو معنى قول المصنف ، أو لمن تر الكفار كما في بعض النسخ وفي بعضها أي التفسيرية أي تبريزها لمن تشاهده من الكفر المراد الوعيد والتهديد. قوله : ( وجواب فإذا جاءت الخ ) فيه تسمح والمراد جواب إذا على شرطية لا ظرفية وهو صحيح أيضاً ، وقوله : دل عليه يوم يتذكر فالتقدير ظهرت إلا ونشرت الصحف ونحوه ، وقوله : أو ما بعده من التفصيل يحتمل عطفه على قوله : يوم فيكون التفصيل دليل الجواب لا هو نفسه ، وهو مقدر تقديره وقع ما لا يدخل تحت الوص! انقسم الناس قسمين ونحوه ، وقوله : فإمّا الخ تفصيل للجواب المقدر وعطفه على محذوف فيكون التفصيل نفسه جواباً قيل : وفيه غموض وردّ بأنه لا غموض فيه لاستقا يقال : فإذا جاءت الخ فإنّ الطاغين مأواهم الجحيم ، وغيرهم في النعيم المقيم وزيادة تضر بل تفيد المبالغة وتحقيق الترتب ، والثبوت على كل تقدير كما قيل : والتفصيل للحا قوله : ( حتى كفر ) فالطغيان هنا غير الكفر لأنّ مقابله دليل على ذلك ولولاه حمل على يشمله ، وقوله : واللام الخ هذه المسألة مما اختلف فيه أهل البلدين فقيل : إن أل تقو الضمير المضاف إليه إذا احتيج إليه للربط وهو محل الخلاف بينهم ، وقيل : لا بد من العائد في مثله فالتقدير هنا فإن الجحيم هي المأوى له لأنه لا بدّ من الرابط في جوالص الشرط. قوله : ( للعلم بأنّ صاحب المأوى الخ ) تبع الزمخشري في التعليل ، وخالفه في
فإنه قال : ليس الألف واللام بدلاً من الإضافة ولكن لما علم أن الطاغي هو صاحب تركت الإضافة ، ودخول التعريف لأنه معروف انتهى وقد اعترض عليه أبو حيان بأنه لا
منه الربط والعائد على المبتدأ فإنه ردّ مذهب الكوفيين ، ولم يقدر الضمير كما قدره البصر وكذا أورد على المصنف أنه لا دلالة فيما ذكره على مدعاه فإنه لو نكر المأوى كان العلم وليست اللام عهدية لعدم سبق الذكر وليس هذا كله بشيء فإنّ الزمخشريّ تبع البصريين في
التقدير أي هي المأوى له ، وما ذكر. تحقيق للقرينة الدالة على المقدر والمصنف تبع الكوفيين وما ذكره تحقيق لوجه الربط بها إذا كانت بدلاً عن الإضافة ولا مانع من العهد لأنه في حكم المذكور لأن تبريزها واظهارها لهم في معنى إنها مقرهم ومأواهم. قوله : ( وهي ) أي لفظ هي ضمير فصل لا محل له من الإعراب أو ضمير جهنم مبتدأ والكلام يدل على الحصرس لم يصرّح به لعلمه مما بعده لا لأنه جعل الطاغي أعمّ من الكافر والعاصي لأن قوله : حتى كفر قبله يأباه فلا يتعسف بأن المعنى حتى كفر بعضهم كما قيل. قوله : ( مقامه بين يدي ربه ) أوّله به لأنه تعالى منزة عن المكان والزمان وفيه وجوه أخر تقدمت في سورة الرحمن ، وقوله : بالمبدأ الخ لأنه لو لم يقل بالمبدأ لم يقل إن له ربا حتى يخافه ، ولو لم يقل بالمعاد لم يخفه أيضاً فالإضافة للملابسة والمقام محل لمن خاف أضيف لخالقه ومقيمه فيه. قوله : ( لعلمه بأنه مرد ) اسم فاعل من أرداه أي أهلكه ، وقوله : ليس له سواها إشارة إلى الحصر المستفاد من ضمير الفصل أو تعريف الطرفين ، وقوله : متى تفسير لإيان وارساؤها إشارة إلى أن المرسي مصدر ميمي ، فإنه ورد زمانا ومكانا ومصدراً واسم مفعول ، وقوله : أي إقامتها بيان لحقيقة الإرساء واثباتها عطف تفسير له أي إيجادها فإنه يقال : رسا بمعنى ثبت كما قاله الراغب : ومنه الجبال الرواسي فحاصله أنه سؤال عن زمان ثبوتها ووجودها(8/317)
ج8ص318
على هذا التفسير ومرسي مصدر فيه. قوله : ( أو منتهاها ومستقرّها ) تف!سير لمنتهاها كما أن تستقرّ فيه تفسير لتنتهي إليه ، وتقدير الاستفهام بمتى يقتضي أن المنتهى اسم زمان كما قيل : وتفسيره بمرسى السفينة يقتضي أنه اسم مكان فلذا قيل : إنه استعارة وت!مثيل بجعل اليوم ال!متباعد فيه كشخص سائر لا يدرك ، ويوصل إليه ما لم يستقرّ في مكان فجعل وقت إدراكه مستقراً له فتأمل. قوله : ) في أي ضيء أنت من أن تذكر وقتها لهم ) فيم خبر مقدم وأنت مبتدأ مؤخر ومن ذكراها متعلق بما تعلق به الخبر والمعنى أنت في أيّ شيء من ذكراها أي لسمت من ذكراها لهم ، وتبيين وقتها في شيء- فهو نفي لذكراها لهم ولتبيين وقتها معا ، والاستفهام إنكاري أمّا إنكار ذكرها فلأنه لا فائدة فيه لأنه لا يزيد الكفرة إلا طغياناً وانكاراً وأمّا إنكار الآخر فلانه ليى له تعيين زمانها لأنه من المغيبات التي لا يعلمها إلا الله ولا مانع من منعه عن ذكر القيامة لهم فإنه للإنذار ، وهو لا ينفعهم ولذا قال : إنما أنت منذر من يخشاها فهو كقوله : { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى } [ سورة الأعلى ، الآية : 9 ] فلا اختلال في كلامه كما توهم ، وليس آخر كلامه مخالفا لأوّله حتى يرد أن ظاهره المنع عن تعيين الوقت ، وقوله : فإنّ ذكراها الخ يدل على أنّ الممنوع الذكر والتعيين معاً فتدبر. قوله : ) مما
استأثره الله نعالى بعلمه ) ضمن استأثر معنى اختصه فلذا عدّى كما مرّ تحقيقه وفي بعض النسخ استأثر الله ، وهي لا غبار عليها فسقط الاعتراض بان الثانية هي الصواب لقول الجوهري استأثر فلان بالشيء استبدّ به. قوله : ( وقيل فيم إنكار لسؤالهم الخ ) مرضه لمخالفته ما يتبادر من الكلام نالمعنى فيم سؤالهم أي في أمر عظيم لا ينبغي أن يسئل عنه فيوقف على هذا على قوله : فيم ، ومعنى أنت من ذكراها أنت من مذكراتها وعلاماتها ، وأشراطها جمع شرط بفتحتين بمعنى علامة ، وقوله : فإنّ الخ بيان لكونه علامة لها ولذا قال صلى الله عليه وسلم : " أنا النذير العريان " وفي قوله : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ } [ سورة المدثر ، الآية : 11 ] إيماء لذلك على وجه الملاطفة والتمليح كما قاله الإمام السهيلي قدس الله روحه. قوله : ( وقيل إنه متصل الخ ) فجملة فيم الخ بدل من جملة يسألونك الخ أو هي بتقدير القول أي يسألونك عن زمان قيام الساعة ، ويقولون لك : في أي مرتبة أنت من علمها أي ما مبلغ علمك فيها ، وقول المصنف والجواب مبتدأ خبره قوله : إلى ربك منتهاها أو آخر مثله مقدر والمراد بالذكرى العلم ، ووجه تمريضه ظاهر وروي عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على أنّ المراد التعجب من كثرة ذكره لها كأنه قيل في أيّ شغل من الاهتمام بذكرها والسؤال عنها كما في الكشاف ولم يذكره المصنف لضعفه ولأنّ قوله : { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } [ سورة الأعراف ، الآية : 187 ] ينافيه كما في الانتصاف. قوله : ( إنما بعثت لإنذار من يخاف هولها ) بيان لحاصل المعنى لا لتقدير مضاف في الكلام ، وإن جاز لكنه لا حاجة إليه ، ثم إنّ المراد أنّ المعنى إنما أنت منذر للخاشي لا معين للوقت المغيب علمه حتى يلحوا في السؤال عنه ، ولذا أردفه بقوله وهو لا يناسب الخ ويجوز أن يكون المعنى إنما أنت منذر الخاشي لا من لا يخشى والإضافة لا تمنعه كما قيل : إنّ من يخشى صلة منذر وليس من متعلق إنما في شيء ليجعل الجزء الأخير هو المقصور عليه حتى يقال : إنه مبني على قراءة التنوين وأي فرق بين القراءتين وظاهره أنه لا يصح أن يقال : إنما هو غلام زيد أي لا عمرو ، ولا وجه له ثم إنه قيل : إنّ القصر إمّا من قصر الموصوف على الصفة أي ما أنت إلا منذر لا مبين للوقت وصلة المنذر لها مدخل في القصر أو من قصر الصفة على الموصوف كما في المفتاح أي ما أنت منذر إلا من يخشاها والإضافة لمجرّد التخفيف فلا تنافيه وفيه بحث. قوله : ( وهو لا يخاسب تعيين الوقت ا لأن الإبهام أنسب بالإنذار ، ولو عين وقته لقيل إنه بعيد والزمان محتمل للتلاقي ولو بعد سنين بخلاف ما إذا أبهم فانه يريد خوفهم لاحتمال مشارفة وقوعه ولا
يتوهم حينئذ أن الخوف من قربها لا منها ، وهو مناف لما ذكروه فتدبر ، وقوله : وتخصيص الخ فكان إنذاو غير. كالعدم لا لأنه لم يقع. قوله : ( والآعمال على الأصل ) أي الأصل فيه بعد اعتبار العمل والمشابهة فاندفع الاعتراض عليه بأن الأصل في الأسماء الإضافة والأعمال عارض للشبه فإن إضافته للتخفيف من غير إفادة معنى وحقه العمل. قوله : ( لأنه بمعنى الحال ) لمقارنة قوله : يخشى ، وهو لا ينافي أنه منذر في الماضي والمستقبل حتى يقال المناسب لحال الرسالة الاستمرار ، ومثله : يجوز فيه الأعمال وعدمه كما مرّ تحقيقه في قوله : { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [ سورة الفاتحة ، الآية : 3 ] والحال حال الحكم لا حال التكلم فتأمل. قوله : ( أو في القبور ) قيل :(8/318)
ج8ص319
أو فيهما ، وقوله : ولذلك الخ يعني أنّ المعنى كما في الآية الأخرى لم يلبسوا إلا ساعة من نهار فكان أصل هذا لم يلبسوا إلا ساعة من نهار عشيته أو ضحاه فاختصر ، وأفادت الإضافة ذلك لأنه لو قيل : الأعشية أوضحا احتمل أن يكونا من يومين استمر فيهما اللبث ، وأن يراد بكل من العشية والضحا يوم على حدة بإطلاق الجزء على الكل فلما أضيف انتفى ذلك الاحتمال لأن العشية لا يتصوّر لها ضحا إلا بكونهما في يوم واحد. قوله : ( عن النبي صلى الله عليه وسلم ) هو حديث موضوع ، وقوله : ممن حبسه الله الخ هو عبارة عن استقصار مدّة اللبث فيها لما يلقى من البشرى والتحية في البرزخ ، والموقف تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه.
سورة عبس
وتسمى الصاخة ولا خلاف في كونها مكية وقيل آياتها أربعون.
بسم الله الرحمن الرحبم
قوله : ( روي أنّ ابن أم مكتوم الخ ( قد اختلف في اسمه فقيل : عبد اللّه وقيل : عمرو ، وكذلك في اسم أبيه فقيل : قيس وقيل : شريح وأما أم مكتوم فأمه بلا كلام واسمها عاتكة ، وغلط الزمخشريّ في جعلها في الكشاف جدته وهو قرشيّ من كبار الصحابة ، ومن المهاجرين الأوّلين وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة في أكثر غزواته وموته بالقادسية شهيداً ، وقيل : بل رجع منها إلى المدينة فمات بها ، وهو الأعمى المذكور في هذه السورة بلا كلام ، وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وقوله : صناديد جمع صنديد وهو السيد الكبير ، وقوله : يدعوهم الخ جملة مستأنفة أو حالية وقد سماهم غير المصنف إلا أنه لم يذكره الطبري وابن أبي حاتم فيما رواه ولذا تركه المصنف ، وهم أبو جهل وعقبة بن ربيعة وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة ، وابن أم مكتوم عمي بعد نور وقيل : ولد أعمى ، ولذا لقبت أمه أم مكتوم ، وقوله : ولم يعالم تشاغله الخ لأنه لو علم بذلك لم يقل ما قاله : وكان تشاغل النبيّ-يخييه وإقباله عليهم رجاء لإسلامهم واسلام كثير بسبب إسلامهم ، وما ذكروه من أنه لشدة سمعه كان يعرف شدة اهتمامه بهم لا صحة له إذ مثله يدرك بالبصر ولا يليق بمثله لو علمه أن يكلم النبيّءلمج!ه ، وقوله : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه أي لما علمه من قدم صحبته وقرابته من خديجة وصهارته ، وقوله : واستخلفه الخ أي كان يصلي بالناس إذا ذهب النبيّ صلى الله عليه وسلم للغزو ، قال ابن عبد البرّ : روى أهل العلم بالنسب والسير أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم ثلاث عشرة مرّة ، ثم استخلف أبا لبابة.
تنبيه : ابن أم مكتوم مكي قرشي كما مرّ ، وهاجر قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم للمدينة ، وقيل : بعده
ومن لم يدر هذا ظنه مدنياً وإن الصناديد المذكورين من أهل مكة لم يجتمع معهم ابن أم مكتوم كما قاله ابن العربي وهو خطأ كما في سيرة الشامي. قوله : ( للمبالنة ) يعني لا للتعدية وقوله : علة لتولي يعني به أنّ قبله لا ما مقدرة ولم يقل إنه منصوب للاختلاف فيه ، وقوله على اختلاف المذهبين أي في إعمال أي الفعلين أولى في التنازع ، وإن كان بحسب المعنى علة لهما معاً. قوله : ( وقرئ " ن بهمزتين الخ ) قراءة الجمهور بهمزة واحدة ، وقراءة زيد وغيره بهمزتين بينهما ألف للفصل بينهما والاستفهام للإنكار ، وقوله : الأن جاء. الخ فالجار متعلق بمقدر ، وقوله : وذكر الأعمى الخ يعني به دفع ما يتوهم من أنه من كبار الصحابة وفي هذا تحقير له ، أو أنه لإيذائه للنبيّ صلى الله عليه وسلم استحق التأديب واللوم فوصفه بذلك ليس لتحقيره بل لبيان عذره ، وأذا كان معذورا لم يستحق ما ذكر ، وقوله : بالقوم متعلق بمقدر تقديره وتشاغله بالقوم ، وقوله : لزيادة الإنكار أصل الإنكار معلوم من وصفه بالعبس والتولي فإذا كان عن العاجز كان أشد وفي الالتفات أيضاً إنكار للمواجهة بالعتب فلا حاجة للاستعانة بالمقام والغيبة مع أنه قيل إن في الغيبة والخطاب إجلالاً له صلى الله عليه وسلم لإيهام أن من صدر عنه ذلك غيره لأنه لا يصدر عنه مثله كما أن في الخطاب إيناسا بعد الإيحاس ، واقبالاً بعد إعراض ، وهو أولى عندي. قوله : ( أي وأي شيء يجعلك(8/319)
ج8ص320
دارياً بحاله ) هذا بيان لحاصل المعنى لا تقدير إعراب ، وفي الدر المصون أن الترجي أجرى مجرى الاستفهام في كونه للطلب فعلق به فعل الدراية بقوله : لعله الخ ساداً مسدّ مفعوله ، والتقدير لا تدري ما هو مرجي منه من التزكية والتذكرة ، وقيل : مفعوله مقدر أي ما يدريك أمره وعاقبة حاله ويطلعك عليه ، وقوله : لعله الخ ابتداء كلام وفي كلام المصنف ميل لهذا.
قوله : ( لعله يتطهر من الآثام الخ ) فالترجي راجع إلى ابن أم مكتوم لا إلى النبيّ سك! فإنه
غير مناسب للسياق ، وفيه إشارة إلى أنّ مجرّد رجاء مثله كاف في امتناع الإعراض والعبوس ، ويتلقف ويتلقى متقاربان في المعنى كما مز. قوله : ( ونيه إيماء بأنّ إعراضه الخ ) ضمن الإيماء معنى الإشعار فعداه بالباء ولولا ذلك تعدى بإلى والإيماء المذكور بطريق التعريض كقولك لمن يقرر مسألة لمن لا يفهمها وعنده آخر قاً بل لفهمها لعل هذا يفهم ما تقرر فانه يدل على أنه قصد
تفهيم غيره ، ولش بأهل لما قصده فلا وجه لما قيل من أنّ الإيماء في غاية الخفاء هنا قيل ، وجعله كناية عما ذكر لأنه مزكى من الآثام فالمقصود تزكية غيره ، وازدياده مما ذكر وهو كلام حسن لم يفهمه من ردّه ، ثم إنّ ما قبله تخلية وهذا تحلية ، ولذا عطف بأو وقدم الأوّل عليه وفيه تأمّل. قوله : ( وقيل الضمير في لعله للكافرا لا للأعمى والترجي من الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشار إليه المصنف والمراد بالكافر الجنس ولعل على الأوّل أفادت أنك ما طمعت في تزكي الأعمى فأعرضت عنه ، ولولا ذلك ما أعرضت وعلى الثاني المعنى إنك طمعت من الكافر في التزكي فأقبلت عليه وما يدريك أنّ ما طمعت فيه كائن قيل ، ومرض المصنف هذا لعدم ذكر الكافر ولأفراد الضمير والظاهر جمعه ، وقوله : إنك طمعت الخ إشارة إلى أنّ الترجي من الرسول -لمجي!ر ، وأنّ الفعل واقع على قوله : لعله الخ كما مرّ ، وقوله : ما طمعت فيه كائن فالترجي على ظاهره لا أنه في المستحيل بمعنى المتمني كما توهم حتى يقال إنه كناية عن تحقق المطموع فيه ووجوده فتأمّلى. قوله : ( وقرا عاصم بالنصسب جواباً للعل ) بحملها على ليت أختها أو لإشمامها معنى التمني لبعد المرجو عن الحصول وهذا يؤيد كون الضمير للكافر كما مرّ ومذهب الكوفيين النصب في جواب الترجي ، وعليه مشى المصنف رحمه الله. قوله : ( تتعرض له بالإقبال عليه ( فمآل معناه إلى أنه يقبل عليه وتقديم له للحصر أو للفاصلة لأنّ قوله : عنه تلهي يفيد ما ذكر فنفى عنه ، وقوله : وقرئ تصدّى أي بصيغة المجهول ، وقوله : تدعي إلى التصذي تفسير لقوله : تعرّض أي كأنه دعاه داع للتصدّي له من الحرص والتهالك على إسلامه ، وتصدى يكون لازماً ومتعدياً والإدغام إدغام التاء في الصاد. قوله : ( وليس عليك بأس الخ ) هو محتمل للوجهين في ما من كونها نافية أو استفهامية فإن الاستفهام هنا إنكاريّ وهو نفي معنى ، وقوله : حتى الخ إشارة إلى أنّ الممنوع عنه في الحقيقة الإعراض عمن أسلم لا الإقبال على غيره حرصاً على إسلامه ، وقوله : إن عليك إلا البلاغ أي لا أن تزكيه وتطهره حقيقة فإنه لا يقدر عليه إلا اللّه وهذا كان قبل الأمر بالقتال لأنّ السورة مكية. قوله : ( يسرع طالباً للخير ) فيه إيماء إلى أنّ قوله أوّلاً استغنى يحتمل أن يكون بمعنى استغنى بكفره عن طلب ما يهديه فلا حاجة إلى القول بأنه من الاحتباك ، وذكره للغنى أو لا يدل على الفقر في مقابله وذكر المجيء والخشية ثانيا يدل على ضدهما أوّلاً فإنه تكلف ، وقوله : كبوة الطريق الإض افة على معنى في
أي سقوطه في الطريق إذا عثر. قوله : ( يقال لهى عنه والتهى ) اللهو كل ما يشغل الإنسان عما يهمه ولهى عنه كرضى ورمى فلا وجه لتعيين الأوّلى هنا ، وقوله : ولعل ذكر التصدي والتلهي الخ يعني ليس مجرّد الاشتغال بالغني والتلهي عن الفقير مما يعاتب على مثله فإنه ربما اقتضى الحال مثله ، وأنما المعاتب عليه كونه عن صميم القلب وتصميم العزم كما يفيد. التخصيص فيه فإن نحو أنا عرفت يحتمل التخصيص والتقوّي ، وإذا أريد التخصيص يقدر تقديم الفاعل المعنوي على عامله والقرينة على الاختصاص هنا إضمار حرف الإنكار قبل الضمير المؤذن بان الكلام في الفاعل دون الفعل ، ولما بين لفظ أنت ومثل من الملازمة جعل أنت كناية عن المثل في قوله : مثلك خصوصا لا ينبغي له أن يتصدى للغني ، ويتلهى عن الفقير كما في الكشاف وشروحه إلا أنّ اشتغال قلب النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثله لا ينبغي ذكره لأنّ مقامه أعلى من ذلك لكن(8/320)
ج8ص321
إسناده لمثله دونه مما يحققه وكونه لحرصه على إسلامه ، وتبعية غير. له يهونه ولو لم يذكر. كان أحسن فإن فيه ترك أدب لذكر ما لا يليق بمقام النبوّة. قوله : ( ردع عن المعا-لب عليه ) إذا كان نزول الآية في أثنائه وقوله : أو عن معاودة مثله إذا كان بعد انقضائه ووقع في نسخة عطفه بالواو ، والمعنى عليها أنه في الأثناء فيزجر عنه وعن معاودته معاً وهذه موافقة لما في الكشاف ، ومن قال إنّ العطف تفسيري حينئذ فقد وهم. قوله تعالى : ( { فَمَن شَاء ذَكَرَهُ } ) نقل عن جار الله أنه استطراد وليس باعتراض لأنه يكون بالواو وبدونها ، وأمّ بالفاء فلا ، وقال في الكشف : إنه ليس بثبت لأنه ينافي قوله في النحل إنّ قوله : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ } [ سووة النحل ، الآية : 43 ] من الاعتراض وقد صرّح به النحاة كما ذكره ابن مالك في متن التسهيل من غير نقل اختلاف فيه ، وقال السعد في التلويح الاعتراض يكون بالواو والفاء :
واعلم فعلم المرء ينفعه
فتلطف في إشارته للردّ على من أنكره لكنه محل كلام بعد فليحرر. قوله : ( حفظه ) على
أنه من الذكر خلاف النسيان ، أو أتعظ على أنه بمعنى التذكير وهو الوعظ ، وقوله : والضميران يعني في أنها وذكره وكون عتابه على ما ذكر عظة لأنه مع عظمة شأنه ، ومنزلته عند الله إذا عوتب على مثله فما بالك بغيره وعلى اتحاد الضميرين فلا بد من تأويل أحدهما والمصنف اختار تأويل الأوّل وغيره الثاني فقيل : إنه للآيات أو السورة أو المعاتبة والتذكير لكونه قرآناً ، وعتاباً أو لأنّ المصدر في تأويل أن والفعل ورجح هذا بعدم ارتكاب التأويل قبل الاحتياج إليه ، وقيل : الضمير الثاني للتذكرة لأنها بمعنى الذكر والوعظ لا لمرجع الضمير الأوّل ، وأمّا كون الضمير لدعوة الإسلام فما ياباه المقام. قوله : ( مثبتة فيها ) فمتعلقه خاص والصحف ، إما
الصحف المنزلة على الأنبياء أو التي مع الملائكة منقولة من اللوح المحفوظ ، وأمّا كونها عبارة عن اللوح نفسه فغير ظاهر وكذا كونها صحف المسلمين على أنه إخبار بالغيب فإنّ القرآن بمكة لم يكن في الصحف ومثله يحتاج إلى نقل ، وقوله : منزهة عن أيدي الشياطين هو مأخوذ من مقابلته بقوله : بايدي سفرة فإنه يفيد القصر وهو بالنسبة إلى الثاطين ، وليس بحقيقيّ كما أشير إليه في شروح الكشاف. قوله : ( كتبة الخ ) فسره به لأنه جمع سافر بمعنى كاتب في الأسفار كما ذكره أهل اللغة ، وقوله : أو الأنبياء معطوف على الملائكة أو كتبة ، ولا يخفى أنه غير مناسب لكون المراد القرآن ونبينا صلى الله عليه وسلم لم يكتبه ولم يقرأ من الصحف فإنّ من معجزاته صلى الله عليه وسلم كونه أمّياً ، ولذا لم يذكره الزمخشري؟ وقال : وقيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله : ينتسخون الكتب من اللوح إذا كانت السفرة كتب الملائكة وما بعده على ما بعده ففيه لف ونشر مرتب. قوله : ( أو سفراء ) عطف على كتبة جمع سفير كفقيه وفقهاء ، وهذا على أنه جمع سافر بمعنى سفير أي رسول وواسطة ، وقوله : بين الله تعالى ورسله على أنّ المراد الملائكة ، وقوله : أو الأمة على أنّ المراد الأنبياء فهو ناظر لما قدمه ، وقوله : من السفر أو السفارة لف ونشر مرتب على التفسيرين فالسفر كالضرب مصدر بمعشى الكتابة والسفارة بكسر السين وفتحها مصدر كالكتابة والكفالة بمعنى التوسط للإصلاج وهذا بناء على المشهور فلا ينافي ما في القاموس من جعل السفر بمعنى السفارة أيضا. قوله ، : ( والتركيب للكشف ) يعني واضع اللغة وضع هذه المادّة بجميع تراكيبها للكشف ، وقوله : كشفت وجهها ويقال : بمعناه كشفت عن وجهها وأصله كشفت القناع عن وجهها وهو الأفصح المعروف في الاستعمال وكتب اللغة ، ولذا قيل : على المصنف إنه تسمح في تعبيره وإن كان المخطئ له فيه مخطئا. قوله : ( أعزاء على اللّه ) أي مكرمون معظمون عنده فهو من الكرامة بمعنى التوقير ، وقوله : أو متعطفين على المؤمنين يكملونهم لأنهم وسايط في الوحي وتبليغ الشرائع والإلهام ونحوه فإن فسر بالأنبياء فهو ظاهر وعلى هذا فهو من الكرم ضد اللؤم ، وقيل : إنه من قولهم لشجر العنب كرماً لتعطفه وهو معنى برأسه وهو تعسف بارد. قوله : ( برؤ أتقياء ( بررة جمع بر لا غير وأبرار يكون جمع بر كرب وأرباب وجمع بار كصاحب وأصحاب وإن منعه بعض النحاة لعدم اطراده واختص الجمع الأوّل بالملائكة والثاني بالآدميين في القرآن ، ولسان الشارع فقال الراغب لأنّ الأوّل أبلغ لأنه جمع بر بخلاف الثاني فإنه جمع بار وليس كما قال : لما سمعت وللسيوطي فيه كلام مختل في الإتقان فإنه قال في(8/321)
ج8ص322
الصحاح قال الفراء لا يقولون فعلة إلا والواحد فاعل ككافر ، وكفره فنقله
في الإتقان ، ثم قال : ورد البارّ والأبرار في صفة الآدميين وبر وبررة في صفة الملائكة ، ووجهه الراغب بأق الثاني أبلغ لأنه جمع بار وهو أبلغ من بر فقوله : بار أبلغ وهم وغره زيادة بنيته وهو مقيد باتحاد النوع فتدبر ، وقيل في توجيهه إنّ صفات الكمال في بني آدم تكون كاملة وناقصة فوصفوا بالأبرار وهو جمع بر على الأصح عند النحاة إشارة إلى مدحهم بأكمل الأوصاف ، وأما الملائكة فصفات الكمال فيهم لا تكون ناقصة فوصفوا بالبررة الذي هو جمع بر على الأصح الأفصح لأنه يدل على أصل الوصف بقطع النظر عن المبالغة فيه لعدم احتياجهم لذلك واشارة لفضيلة البشر لما في كونهم أبرارا من المجاهدة ، وعصيان الجبلة فتدبر. قوله : ( دعاء عليه ) الدعاء هو معنى قتل الإنسان ، والتعجب معنى ما أكفره ، وقوله : وهو أي قوله : قتل الإنسان ما أكفره كلام في غاية الإيجاز لقلة لفظه وكثرة معناه. قوله : ( يدل ( أي هذا الكلام بجملته يدل بصدوره عن الله على غضبه العظيم ، وهو معنى قوله : قتل الإنسان لأنه تعالى لا يتصوّر منه الدعاء فأريد به لازمه ، وهو ما ذكر وقوله : ذم بليغ أي في غاية المبالغة ، وهو معنى قوله : ما أكفره لأنّ التعجب أيضا لا يكون من الله كما مرّ فيكون تعجيبا لكل سامع فيدل على مبالغة في الكفران يتعجب منها كل واقف عليها ، ولم يسمع هذا قبل نزول القرآن وما نسب إلى امرئ القيس من قوله :
يتمنى المرءفي الصيف الشتاء فإذا جاء الشتا أنكره فهولايرضى بحال واحد قتل الإنسان ما أكفره
لا أصل له ومن يعرف كلام العرب يعلم أنه من كلام المولدين دون الجاهلي ، واعلم أنّ
العلامة روّح الله روحه قال في هذه الآية إنه لا يرى أسلوبا أغلظ منه ولا أخثن مساو لا أدل على سخط ولا أبعد شوطا في المذمة مع تقارب طرفيه ، ولا أجمع للأئمة على قصر متنبه منه ولم يبينوا وجهه إلا أنّ الإمام قال : قتل الإنسان يدل على استحقاق أعظم أنواع العقاب عرفا ، وقوله : ما أكفر. تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات شرعاً وأوردد في الكشف ، وغيره من الشروح بلا زيادة عليه وعلل بأنّ الدعاء ليس على حقيقته لامتناً عه منه تعالى لأنّ منشأه العجز فالمراد به إظهار السخط باعتبار جزئه الأوّل وشدة الذم باعتبار جزئه الثاني فتأمل. قوله : ( بيان لما أنعم عليه الخ ) يعني لما بالغ في وصفه بكفران نعم خالقه شرع في بيان ما أنعم به عليه ، وقوله : خصوصاً قيد للمنعم عليه أي هو بيان للنعم التي اختص بها الإنسان من بين خلقه لأنه مختص بمجموعها والاختصاص إضافي إن أريد جنس الإنسان لأنه بالنسبة لغيره من أنواع الحيوان كما سنبينه. قوله : ( والاستفهام للتحقير ) وذكر الجواب لا يقتضي أنه حقيقي كما توهم لأنّ المراد بالجواب ما هو على صورة الجواب لأنه بدل من قوله من أي شيء خلقه ، ولو قيل : إنه للتقرير ، والتحقير من شيء المنكر كان له وجه وقوله : من
مبدأ الخ من ابتدائية متعلقة بقوله : بيان ، ومقابله قوله : إلى أن أتم خلقه وأنما أخره لأنه متعلق بقوله : فقدّره أطوارا أيضاً أو مقابله مقدّر بقرينة ما بعده ، وقوله : ولذلك أي لكون المقصود منه التحقير أجاب بقوله : من نطفة الخ فانها حقيرة قدرة. قوله : ( فهياه لما يصلح له الخ ) دفع لما يخطر بالبال من أنّ الخلق بمعنى التقدير أو يتضمنه وعلى كل تقدير فعطفه بالفاء غير ظاهر بأنّ التقدير المذكور بمعنى التسوية ، والمذكور هنا بمعنى التهيئة لما يصلح له أو هو تفصيل لما أجمل أوّلاً في قوله : أي شيء خلقه ، والفاء تفصيلية لأنّ التفصيل يعقب الإجمال واليه أشار بقوله : أو فقدّره الخ. قوله : ( ثم سهل مخرجه ) فالسبيل محل خروجه من البطن ، وقوله : فوهة الرحم بضم الفاء وفتح الواو المشدّدة أو بسكونها مخففة بمعنى فمه ، وقوله : ألهمه أي ألهم الجنين حيث كانت رأسه من جهة العلو فإذا جاء وقت خروجه نكسها لأسفل ليسهل خروجه على ما بينه أهل الخبرة بذلك. قوله : ( أو ذلل له سبيل الخير الخ ) أي سهل له الطريق الذي يريد سلوكه من طريقي الخير والشرّ بأن أقدره عليه ومكنه منه والاقتدار على المراد نعمة ظاهرة بقطع النظر عن خيريته وشرّيته فلا يرد عليه أنه كيف يعد تسهيل طريق الشرّ من الئعم ، وقيل : إنه عد من النعم لأنه لو لم يكن مذللاً كسبيل(8/322)
ج8ص323
الخير لم يستحق المدح أو الثواب بتركه فتأمّل. قوله : ( للمبالغة في التيسير ) يسبب التكرير الدال على ذلك فالضمير للسبيل ، وقوله : وتعريفه أي السبيل باللام دون أن يقول سبيله بإضافته لضمير الإنسان كما هو الظاهر إذ أربد مخرجه وكذا إذا أريد سبيل الخير والشرّ فإنه سبيله أيضاً لأنه لو قيل سبيله أوهم أنه على التوزيع وأنّ لكل إنسان سبيلاَ يخصه ، وهذا جار على التوجيهين كما يشير إليه قوله وفيه على المعنى الأخير فلا وجه للقول بأنه مخصوص بالثاني ، وقوله : والمقصد غيرها وهو الآخرة لأنّ السبيل عبارة عن الدنيا وهي ممر والمقرّ الآخرة ، وقوله : ولذلك أي لكون المقصد غيرها عقب السبيل بالإماتة إشارة إلى أنها ليست مقرّا لأحد لعدم البقاء فيها والموت هو الوصلة لذلك المقصد فلذا عد من النعم على الوجهين أيضا. قوله : ( وعد الإماتة الخ ) وخصصت هذه النعم بالذكر لما فيها من ذكر أحوال الإنسان من ابتدائه إلى انتهائه وما تتضمن من النعم التي هي محض فضل من الله لأنه حقير مهين خرح من مخرح البول مرتين وتكوّن من نطفة قدرة ، ثم صار وعاء للعذرة ، ثم صار جيفة إكرامها دفنها فإذا تأمّل ذلك العإقل علم قبح الكفر ، وكفران نعم الرب سبحانه وتعالى ، وقوله : في الجملة إشارة إلى أنّ ذلك هو الأء ل ، ومقتضى الفطرة واظ
اختص بالبعض كالمؤمنين. قوله : ( والأمر بالقبر ) أي وضع الإنسان في قبره وفيه إشارة إلى ما حققه أهل اللغة من أنّ معنى أقبر الميت أمر غيره بأن يجعله في قبره وقبره بمعنى دفنه في قبره ، وفي قوله : تكرمة الخ إشارة إلى وجه مشروعيته ، ودفن غيره من الجوانات بعد الموت غير مثروع بلا خلاف كما هو مدلول النظم فهو مباح لا مكروه ، ولم يتعرض له الفقهاء فليحرر. قوله : ( وفي إذا شاء إشعار الخ ) وجه الإشعار لا كلام فيه وتخصيص النشور به دون الإماتة والإقبار لأنّ وقتهما معين إجمالاً على ما هو المعهود في الأعمال الطبيعية ، وقيل : إنا نجزم بان أحدا من أبناء الزمان لا يتجاوز مائة وخمسين سنة مثلا ، وليس لأحد مثل هذا الجزم في النشور. قوله : ( وع للإنسان عما هو عليه ) من كفران النعم المتناهي وانكاره لخالقه لكفره ، وقوله : لم يقض بعد إشارة إلى أنّ لما نافية جازمة وأنّ نفيها غير منقطع والابتداء والانتهاء من نفي الماضي وعموم الإنسان وما قيل من أن المراد لم يقض من أوّل زمان تكليفه إلى زمان إماتته ما أمره به تعسف لا وجه له ، وحمل لما يقض على رفع الإيجاب الكلي المساوي للسلب الجزئي دون السلب الكلي لعدم صحته فتأمّل. قوله : ( اتباع للنعم الذاتية ) المراد بالذاتي ما يتعلق بذاته من الذات نفسها ، ولوازمها والخارجي ما يقابله فسقط ما قبل التيسير للخروج والإماتة والإقبار ليس بذأتي ، وقيل : هذا تعداد للنعم المتعلقة ببقائه بعد تفصيل النعم المتعلقة بحدوثه ولا يخفى ما فيه. قوله : ( استئناف مبين الخ ) كأنه لما أمر بالنظر إلى ما رزقه الله من أنواع المأكولات قيل كيف أحدث ذلك وأوجده بعد أن لم يكن ، وقوله : على البدل منه لأن هذه الأشياء تشتمل على تكون الطعام وحدوثه ، إذ المراد لينظر الإنسان إلى صبنا الماء من السماء وضقنا الأرض لإخراج النباتات المختلفة نها وايجاده أي الطعام فالعائد مقدر ، وقيل : إنه بدل كل على الادّعاء وهو تكلف بعيد والقراءة بالفتح وصلا ووقفاً وفتح روش! في الوصل وكسر في الابتداء. قوله : ( أي بالنبات ) أي بسبب النبات فإنه يشق الأرض بخروجه منها وهذا هو المناسب لقوله : فانبتنا الخ قيل ، ويحتمل أنّ المراد شقها بالعيون على أن المراد بصب الماء أمطار المطر وبهذا إجراء الأنهار ولا يخفى أن السياق يأباه مع تكلفه ، وقوله : بالكراب بكسر الكاف مصدر كربت الأرض إذا قلبتها للحرث ، وهو إمّا تمثيل أو المراد ما يشمل الحفر للغرس فلا يرد عليه أن الكراب لا يلائم ما بعده من التخيل والكروم والشجر كما قيل. قوله : ( وأسند ) أي إلله سبحانه وتعالى الشق إلى نفسه بقوله : شققنا مجازا من الإسناد إلى السبب على الوجه
الثاني دون الأوّل وقد تبع فيه الزمخشري ، وقد ردّه في الانتصاف بأنه تعالى موجد الأشياء ، وخالقها فالإسناد إليه حقيقة وأنما ذكره الزمخشري اعتزالاً فإن أفعال العباد مخلوقة لهم عنده فلا ينبغي للمصنف أن يتابعه فيه ، ورده المدقق في الكشف بأنه لشى مبنيا على ما ذكر بل لأن الفعل إنما يسند حقيقة لمن قام به لا لمن أوجده بدليل قوله : { يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا } [ سورة الرعد ، الآية : 2 ا ] ولذا اشتق منه اسم الفاعل وهذا مما لا شبهة فيه فالاعتراض عليه ناشئ من قلة التدبر(8/323)
ج8ص324
وما قيل من أنّ الشق يكون بمعنى الإيجاد والأحداث ، وبمعنى الهيئة الحاصلة به ولا مرية في أن محدث تلك الهيئة في الأرض هو اللّه تعالى دون العبد فلا مانع من قيام الشق به كالإحياء والإماتة ، وجعل الإسناد له حقيقياً ، وأمّا القياس على الخوف والطمع فغير سديد لأنه من الكيفيات النفسانية التي يستحيل قيامها بذاته تعالى غير سديد لما عرفته من اتفاق المحققين على أن الأفعال إنما تسند في اللغة لمن قامت به لا لمن أوجدها ، والإحداث المذكور قائم بالعبد وأثره بالأرض فكيف يسند إلى الله حقيقة ، وما ذكره مناقشة في المثال وهو لا ينحصر فيه. قوله : ( يعني الرطبة ) هي بفتح فسكون القضب ما دام رطبا كما في الصحاح عن أبي عبيد ، وفي المصباح الرطبة القضبة خاصة قبل أن تج! وجمعه رطاب وبعضهم يقوله : رطبة بزنة غرفة الخلي ، وهو الغض من الكلا الذي ترعاه الحيوانات ، وفي كتب الفقه في العشر استعمال الرطبة بمعنى البقول كالكراث ونحوه ، قال شيخنا المقدسي : ولم أجده في اللغة ، وقوله : تقضب أي تقطع وتجز وأصولها ثابتة في الأرض. قوله : ( عظاماً ) المراد بعظمها عظم أشجارها وكثرتها وأصل الغلب جمع أغلب وهو الغليظ الرقبة توصف به الرقبة نفسها وصاحبها فيقال عنق أغلب ورجل أغلب لكن الأوّل هو الأغلب ، والظاهر أن الثاني مجاز من وصف الكل بصفة جزئه ، وقوله : وكثرة أشجارها عطف على تكاثفها عطفاً تفسيريا والمراد أنه استعارة معنوية شبه تكاثف الأوراق وعروقها بغلظ الأوداج وانتفاخ الأعصاب مع اندماج بعضها في بعض بغلظ الرقبة فلا يردان الغلظ في الأشجار أقوى لأنّ الأمر بالعكس نظرا إلى الاندماج ، وتقوي البعض بالبعض حتى صارت شيئاً واحداً ، كذا حققه في الكشف وهو الذي أراده المصنف بقوله : وصف به الخ وقوله : أو لأنها ذات أشجار غلاظ الخ فهو مجاز مرسل كالمرسن بمعنى الغليظ الشفة مطلقا وفيه تجوّز في الإسناد أيضا لأنّ الحدائق نفسها ليست غليظة بل الغليظ أشجارها ، وقوله : مستعار أراد به الاستعارة اللغوية ، وهو أعم من الاصطلاحية ، وقيل : إن الاستعارة فيه مكنية. قوله : ( ومرعى ) بمعنى الرعي والمأكول لا اسم مكان كما توهم وإن كان مقصودا ، وأب المشدد بمعنى قصد أو هيأ فسمى به المرعى ، وقوله : تؤب للشتاء أي تدخر. تهيأ للتفكه بها فعطفه على
الفاكهة لأنه أريد بها الرطبة بقرينة المقابلة ، وقوله : فإن الأنواع الخ يعني أنه تعليل للمجموع فإنّ بعضها للناس ، وبعضها للبهائم فيوزع وينزل كل على مقتضاه والعلف بفتحتين قوت الحيوان. قوله : ( وصفت بها مجارّا ) هذا بناء على أن صخ بمعنى أصاخ أي استمع فجعلت مستمعة مجازاً في الطرف أو الإسناد وكلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل لهما ، وقال الراغب : الصخ شذة صوت ذي النطق فعلى هذا هي بمعنى الصائخة مجازاً أيضا وقيل الصاخة : التي تؤثر الصمم وهي مستمعة وهو من بديع الفصاحة كقوله :
أصم بك الناعي وإن كان اسمعا
وقوله :
أصمهم سيرهم أياهم فرقتهم فهل سمعتم بسيريورث ا!
فتدبره وجواب إذا محذوف يدل عليه ما بعده كيشتغل كل بنفسه ونحوه مما يناسب ما بعده ، أو افترق الناس وقد مرّ في النازعات مثله فتذكره. قوله : ( لاشتفاله بشأنه الخ ) يعني الإقبال عليهم إما للنفع أو للانتفاع وكلاهما منتف لاشتغاله بنفسه عن نفع غير. وعلمه بعدم نفعه فلذا يفر فالمجموع علة واحدة لا كل منهما كما توهمه عبارة الزمخشري ، وقوله : أو للحذر الخ هو غير مناسب لما بعده. قوله : ( وتأخير الأحب الخ ) فهو للترقي لا للتنزل ، والظاهر أنه لم يقصد ذلك لأنّ فيما ذكره نظرا لا يخفى مع اختلاف الناس ، والطباع فيه وذكر المرء تغليبا أو لأنه يعلم منه المرأة بطريق المقايسة ، وقوله : من أبويه قيل : لأنه جعل الأب معطوفا على الأمّ ثم عطف المجموع على الأخ لعدم ظهور كون الأب أحب إليه من الأمّ وفيه نظر ظاهر أيضا ، وكذا قوله : بل من صاحبته ، وبنيه اعتبر العطف للمجموع ولا يخفى تكلفه. قوله : ( لكل امرئ الخ ) قيل إنه جواب إذا وتركت الفاء لتقدير. مضارعا أو ماضياً بدون قد وهو تكلف ، وقوله : وقرئ يعنيه أي بفتح الياء التحتية والعين المهملة ، وقوله : من أسفار الصبح أي إشراقه ، وقوله : مستبشرة أي مسرورة من بشر بمعنى سرّ وقوله : كدورة أي تغير في اللون ، والغبار على الوجه الأسود أشنع ، وقوله : الذين جمعوا الخ يعني أنه(8/324)
ج8ص325
لم يعطف لقصد اجتماع الوصفين في موصوف واحد ولجمع الصفتين القبيحتين أظهر على الوجوه ما ذكر وقوله من قرأ
الخ حديث موضوع . تمت السووة والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اكه وصحبه.
سورة التكوير
ويقال { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } ولا خلاف في كونها مكية وإمّا آياتها فثمان أو تسع وعشرون على قول فيها.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( لفت من كورت العمامة الخ ) يعني أنه مجاز عن رفعها أي إزالتها من مكانها ، وقوله : لأنّ الثوب الخ بيان لعلاقة اللزوم فيه والمانع من حمله على الحقيقة كونها من الأجرام التي لا تلف كالثياب ، وأمّا كونه كريا غير منبسط فأهل الشرع لا يثبتونه فلا وجه له كما أنه لا وجه لما قيل من أنه لا مانع من حمله على حقيقته. قوله : ( أو لف ضوؤها ) عطف على قوله : رفعت ، وهذا إمّا على أنّ الشمس مجاز عن الضوء فإنه شائع في العرف أو هو بتقدير مضاف ، ويجوز أن يجعل من التجوّز في الإسناد ، وقوله : فذهب انبساطه فلف الضوء مجاز عن ذهابه كما مرّ إمّا للزومه له فإنّ الثوب إذا أريد رفعه لف أو على الاستعارة التبعية بتشبيهه بالجواهر والأمور النفيسة التي إذا رفعت لفت في ثوب فلا وجه لادعاء تعذر الاستعارة هنا كما في الكشف وقد جوز فيها أن تكون مكنية أيضا ، ولم يذكر المصمنف رحمه الله تعالى ما في الكشاف على هذا من جعل لف ضوئها عباوة عن إزالتها لأنها ما دامت باقية فضياؤها منبسط لأنّ مآله لغيره من الوجوه فيكون قليل المفاد لا لأنّ اللّه قادر على أن يطمس نورها مع بقائها كما قيل فإن مراده اللزوم العادي لا العقلي حتى يرد عليه بما لا ينكره عاقل. قوله : ( أو ألقيت عن فلكها ) عطف على لفت ، وهو على هذا استعارة أو مجاز مرسل أو مكنى كما مر ، ومعنى كون المطعون مجتمعاً ضم يديه ورجليه كما يشاهد فيمن ضرب بشدة أو طعن وقوله ، والتركيب أي هذه الحروف والمادّة في جميع معانيها لا تخرج عن هذين المعنيين ، وقوله : وارتفاع الشمس الخ هذا ليس بواجب بالاتفاق ، ووجه الأولوية ما ذكر ، وقيل : الأولى كونه مبتدا لأنّ التقدير على خلاف الأصل. قوله : ( انقضت ) بالقاف بمعنى سقطت ونزلت ومنه انكدار الصقر إذا نزل بسرعة على ما يأخذ. كما ذب الشعر المذكور ، وهو من الكدر ضدّ الصفاء
والكدرة في اللون ، والكدورة في الماء والعيش كما قاله الراغب : وما ذكره من أرجوزة للعجاج مدح بها عمر بن معمر التميمي ، ومنها :
إذا الكرام ابتدروا الباع بدر تقضي البازي إذا البازي كسر
داني جناحيه من الطود فمر أبصرخربان فضاء فانكدر
يصفه بالكرم وانه لحرصه على السبق للمكارم يسرع إليها إسراع بازر أي صيدا فانقض
عليه وابتدروا بمعنى بادروا ، والباع الذراع وقد رمد اليدين وهو مجاز هنا عن الإحسان كما يسمى يداً ، وهو منصوب بنزع الخافض وكسر بمعنى ضم جناحيه للنزول ، والطود الجبل وخربان بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة والباء الموحدة جمع خرب بفتحتين ، وهو ذكر الحبارى وهي طائر معروف وفي الشعر هنا مبالغة بديعة ليس هذا محلها ، والنجوم لا تشمل الشمس حتى يكون تعميماً بعد تخصيص كما قيل. قوله : ( أو أظلمت من كدرت الماء الخ ) يعني أنه استعارة فشبه ذهاب ضوئها بتكدير الماء المذهب لصفائه ورونق منظره ، وقوله : عن وجه الأرض متعلق بسيرت لأنه بمعنى أزيلت على الاستعارة أو المجاز المرسل أيضا وقوله : أو في الجو وهو ما بين الأرض والسماء فتسييرها رفعها أو نسفها كقوله : { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } [ سورة النمل ، الآية : 88 ] . قوله : ( النوق الخ ( أي قرب وضمع حملها وقوله : جمع عشراء كنفساء يجمع على نفاس ولا نظير لهما ، وقوله : تركت مهملة أي لا راعي لها ولا طالب لها وهو إمّا بعد البعث ، أو قبيل قيام الساعة حيث لا يلتفت أحد إلى ما كان عنده وخص العشار لأنها أنفس أموالهم ، وقوله : أو السحائب فهو استعارة(8/325)
ج8ص326
بتشبيه السحابة المتوقع مطرها بالناقة العشراء القريب وضع حملها وهي استعارة لطيفة مع المناسبة التامّة بينه وبين ما قبله فإن السحب تنعقد على رؤوس الجبال ، وترى عندها ولا ينافيه كونه مناسباً لما بعده على الأوّل فإنه معنى حقيقي مرجح بنفسه وتعطيلها على هذا مجاز أيضاً بمعنى عدم ارتقاب مطرها لأنهم في شغل عنه. قوله : ( وقرئ بالتخفيف ا لم يذكر كونه مجهولاً أو معلوما وظاهره إنه مجهول كالقراءة المشهورة ، وكذا هو مصرح به عن بعضهم إلا أن المعرب نقل عن الرازي في اللوامح إنه غلط ، وأنما هو عطلت بفتحتين بمعنى تعطلت لأنّ تشديده للتعدية يقال : عطلت الشيء وأعطلته فعطل ، وهذه القراءة مروية عن ابن كثير ولم يذكرها في النشر فكأنها لم تصح عنده ، ثم إنه أجيب عما ذكر بأنه إذا صحت الرواية بالأول فيحتمل أنه ورد متعديا على أنّ فعلت بمعنى أفعلت أو هو على الحذف والإيصال كما قيل فليحرّر. قوله : ( جمعت ) فالحشر بمعناه اللغوي ، وهو جمعها وليس هذا الجمع للحشر كما
قيل لأنه يكون مع ما بعده مكررا بل هو قبيل النفخة الأولى حين تخرج نار تفر الناس والأنعام منها حتى تجتمع. قوله : ( أو بعثت للقصاص ا لأنه صح في الحديث أنّ الوحوس والطيور وسائر الحيوان تبعث ، ويقتص لبعضها من بعض ولها من غيرها ثم تعود ترابا كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى ، وقيل : يبقى منها ما يسرّ به الناس كالطيور المؤنسة المألوفة. قوله : ( أو أميتت ( هذا بناء على القول بأنها لا تحشر فإنها تفنى وهذا كناية عن العدل التامّ وأجحفت بتقديم الجيم على الحاء يعنى استأصلتهم ، وأهلكتهم لا بمعنى أفقرتهم كما ترهم وتشديد حشرت للتكثير ، وقوله : أحميت أي غاضت مياهها وظهرت النار في مكانها ، ولذا ورد أنّ البحر غطاء جهنم ، وقوله : بتفجير الخ أي تتصل وتصير بحرا واحدا ، وقوله : من سجر التنور هو على الوجهين ولبعض المتأخرين هنا كلام رأينا تركه أهتم من تسويد وجه الصحف به. قوله : ( قرنت بالآبدان الخ ) على أن التزوي! بصعنى جعل الشيء زوجا أي مقارنا والنفوس على الأوّل بمعنى الأرواح وعلى ما بعده بمعنى الذوات ، وقوله : ونفوس الكافرين الخ هذا في جهنم ، وقوله : أو كل عطف على المستتر في قرنت للفصل ، وقوله : بشكلها هو في الموقف فالأنبياء مع الأنبياء والأولياء مع الأولياء وهكذا. قوله : ( لئد البنات ) كتعد أي تقتلها بالدفن ، وقوله : أو لحوق العار بالحاء المهملة والقاف مصدر لحق وما في بعض النسخ من ضبطه بلام جارة للخوف ضد إلا من تحريف لاحتياجه لتكلف بتقدير ما لا قرينة عليه ، ولحوق العار بوطء الرجال لهن وهو من جهل الجاهلية والوأد القتل ، وقيل : إنه مقلوب من آده بمعنى أثقله لأنها تثقل بالتراب ، وهو قول لبعض أهل اللغة كما في درر المرتضى فلا وجه للاعتراض عليه بأنه ادعاء للقلب من غير داع له. قوله : ( تبكيتاً لوائدها ) التبكيت التوبيخ وأنما أوّله لأنه لا ذنب لها حتى تسأل عنه فكان الظاهر سؤال قاتلها لا لأنها صغيرة فإنها تحشر عاقلة وادّعا أنّ الأصل سئل عنها تكفف ، والتبكيت قرره الطيبي بأن المجني عليه إذا سئل بمحضر الجاني ونسبت له
الجناية دون الجاتي بعث ذلك الجاني على التفكر في حاله وحال المجني عليه فيرى براء ساحته ، وانه هو المستحق للعقاب والعذاب وهذا استدراج على طريق التعريض ، وهو أبلغ ص التصريح والمراد بالاستدراح سلوك طريق توصل إلى المطلوب بسؤال غير المذنب ونسبة الذنب له حتى يبين من صدر عنه ذلك كما سئل عيسى دون الكفرة ، وهو فن من البديع بديع. قوله ( وقرئ سألت أي خاصمت ) وسألت من الله أو من القاتل لها ، وقوله : على الأخبار عنها على القراءتين فإنه لو لم يخبر عنها لقيل على القراءة الأولى قتلت بكسر التاء وعلى الثانية قتلت بضمها ، وفي الكشاف نقلا عن ابن عباس أنّ هذه الآية دليل على أنّ أطفال المشركين لا يعذبون ، وعلى أن التعذيب لا يستحق إلا بالذنب وإذا بكت الله الكافر ببراءة الموؤودة م! الذنب فما أقبح به وهو اك ي لا يظلم مثقال ذرة أن يكرّ عليها بعد هذا التبكيت ليفعل بها ما ينسى عنده فعل المبكت من العذاب الشديد السرمد انتهى ، قيل : وهو استدلال بدلالة النص كدلالة منع التأفيف على منع الشتم ، ونحوه وليس مبنيا على التحسين والتقبيح كما توهم وأجيب بمنع الدلالة لأنه لا يقابل حال الخالق بحال المخلوق ، ولا يستقبح منه ما يستقبح منهم كما أنّ الذمي المخلد في النار يستحق قاتله الذم والعقاب ، وفي الكشف بعد تسليم قاعد(8/326)
ج8ص327
التحسين والتقبيح فإشارة الآية إلى أن باعثهم على القتل لم يكن الذنب لا إلى أنّ الذنب أعنى ما تستحق به الموؤودة التعذيب معدوم من كل وجه ، وفيه أنها غير مكلفة فكيف يكتب عليها الذنب انتهى ، وفيه خلل من وجوه إمّا كونه مبنياً على التحسين والتقبيح فمما لا شبهة فيه وكيف ينكره ودلالة النص متفزعة على ذلك وجوابه مصرّح بذلك والمنع مبني عليه كما صرّح به في الكشف وأيضا فإن ما أورده على صاحب الكشف غير وأرد لأنه مصرج بأن المراد ما يستحق به العذاب ، ولو بغير طريق التكليف ، وهو إلزام لهم على مذهبهم والصحيح في الجواب عنه ما قيل إنّ تعذيب بني آدم أخذا من حقه في الدنيا ، إنما يستحق بذنبه على الوجه الذي شرع فحين لم يكن للموؤودة ذنب يجوز أن يخاصم قاتلها فإمّا تعذيب الله فليس كذلد فيجوز أن يعذبهم تبعاً انتهى. قوله : ( فرقت بين أصحابها ) والمفرق صحف الأعمال ، أ صحف أخرى فيها شقيّ أو سعيد ونحوه كما روي في بعض الآثار إذا كان يوم القيامة تطاير! صحف من تحت العرش فيقع في يد المؤمن صحيفة فيها جنة عالية ، وفي يد الكافر صحيفه فيها سموم وحميم ، وقوله : للمبالغة في النشر بمعنييه ، وهو ما يقابل الطيّ أو الجمع والتطا-
التفرق ، وهذا مخصوص بالمعنى الثاني وقوله : كما يكشط الخ إشارة إلى أنه استعارة لمعنى أزيلت وقوله : اعتقاب أي إبدال كل من الأخرى ، وقوله : إيقادا شديدا هو معنى التسعر وضعا ، وقوله : وقرأ الخ هي رواية عن هؤلاء وروي عنهم التخفيف أيضا. قوله تعالى : ( { عَلِمَتْ نَفْسٌ } الخ ) معنى علمها إنها تشاهدها على ما هي عليه في الحقيقة فإن كانت صالحة ترى في أحسن صورة وإلا ترى في أشنع هيثة كما قرّره بعض المفسرين. قوله : ( ست منها في مبادي قيام الساعة الخ ) قيل هو على التفسير الأول لحشرت ، وعلى الثالث إذا أريد الإماتة في الدنيا عند النفخة الأولى ، وقيل الظاهر أنّ المراد به ما بين النفختين لظهور أنّ الست الأولى ليست قبل النفخة الأولى وإلا لعدّت من الأشراط ، فإن قلت قد ثبت أنّ موت الناس والخلائق إلا بعض الملائكة بعد النفخة الأولى فكيف يتصوّر تعطيل العشار وحشر الوحوس بزوال وحشتها من الدهشة قلت قد قيل : إنه لم يثبت وقوع الموت في ابتداء تلك النفخة ، فيحتمل أن يحصل في ابتدائها دهشة تؤدي لتعطيل النوق وحشر الوحوس ، ثم تؤدي تلك الدهشة لهلاك الكل وقال بعض فضلاء العصر يكفي في صحة الكلام جريانه على أحد الوجوه في تينك الخصلتين ، وهو أن يكون تعطيل العشار بمعنى تعطيل السحاب وأن يكون حشر الوحوس بمعنى إماتتها ولا يلزم إجراء الكلام على جميع الوجو. ، ثم قال : إنّ الأظهر أن المراد بما قبل فناء الدنيا مجموع ما قبل النفخة الأولى وما بعدها إلى النفخة الثانية فإنّ جميعه من مبادي الساعة ويكون بعض الست قبل الأولى ، وهو تعطيل العشار وحشر الوحوس على وجهين والبعض الآخر فيما بعدها ولا يلزم عدّها في الأشراط مستقلة لأنها من آثاو بعضها ، وقد قيل عليه أيضاً إنّ كونه بين النفختين مخالف لما قاله في سورة النبأ من أنّ الدنيا تنتهي عند النفخة الأولى فتدبر ، وقوله : لأنّ المراد الخ أي هو زمان ممتد وقعت فيه تلك الأمور وعلمه النفوس إذا أحضرت. قوله : ( ونفس في معنى العموم ) لأنّ النكرة قد تعم في الإثبات وذكر العلامة له نكتة وأنه من استعمال ما يدل على القلة والخصوص في الكثرة والعموم كما ترد قد ورب للتكثير ، وهو من العكس في كلامهم كأنه تهويل لذلك اليوم واظهار لكبرياء الله وعظمته حتى كان جميع النفوس البشرية في جنب ما خلقه من الأجرام العظام أمور قليلة ، ونفوس حقيرة وقيل : إنه إذا علمت نفس من النفوس ما أحضرت من خير أو شر لزم كل نفس ذات بصيرة رجاء ، أو خوف أن تكون هي تلك النفس ففي النكرة تقليل ادعائي حينئذ. قوله : ( تمرة خير من جرادة ) قاله ابن عمر رضي الله عنهما لبعض أهل الثأم ، وقد سأله عن المحرم إذا قتل جرادة أيتصدق بتمرة فدية لها فقال : ذلك يعني لا يلزمه شيء ، ولذا قال : واعجبا لأهل الشام لا يبالون بدم الحسين ويستفتون في
قتل الجرادة ، وهي هنا عامّة في الإثبات ، ولذا ساغ الابتداء بها ولا حاجة لتأويله بالنفي أي لم تجهل ، لا تساوي تمرة جرادة حتى تعم وشموغ الابتداء بها فإنه تكلف وفي شرح المفتاح إن تمرة لا عموم فيها والعموم ، إنما جاء من تساوي نسبة الجزء إلى أفراد الجنس وكأنه نظر إلى منافاة العموم للوحدة والإفراد وهي إنما تنافي العموم الشمولي فتدبر. قوله :(8/327)
ج8ص328
( بالكواكب الرواجع الخ ) النيران الشمس والقمر خصا بذلك لزيادة نورهما على نور غيرهما من الكواكب وما عداهما من السيارة هي الخمسة المسماة بالمتحيرة لأنها رجعت إلى الجهة التي تتحرك نحوها ، وذلك بسبب التداوير التي تلك الكواكب مركوزة فيها لأنها غير محيطة بالأرض فحركة نصفها العالي مخالفة لحركة نصفها السافل فإذا تحرّك العالي للمشرق تحرّك السافل للمغرب ، وبالعكس ، وحركات الأفلاك التي فيها التداوير إذا وافقت حركة النصف الذي فيه الكواكب كان الكوكب مستقيماً سريع السير بمجموع الحركتين ، اواذا خالفتها زادت حركة النصف على حركة الفلك فيكون راجعاً عن صوب حركته والشمس ليس لها تدوير على الأصح فلا رجعة لها ، والقمر لسرعة حركة فلكه الحامل لتدويره لم تزد حركة تدويره عليه ، ولذا سميت هذه متحيرة لأنّ لها رجعة واقامة واستقامة كما تقرّر في الهيئة ، وقوله : ولذلك أي لكون المراد السيارة خاصة دون الثوابت. قوله : ( السيارات التي تختفي تحت ضوء الشمس ( لصغر حجمها بالنسبة إليها وسميت سيارة لأنّ سيرها محسوس بخلاف الثوابت ، وقوله : من كنس الوحش الخ فهو في الأصل مجاز بطريق التشبيه ، ثم صار بالغلبة في الاستعمال حقيقة ومعنى الكناس ما ذكره المصنف رحمه الله. ءقوله : ( أقبل ظلامه أو أدبر ) - فهو من الأضداد عند المصنف رحمه الله وقال الراغب : في مفرداته العسعسة والعساس رقة الظلام وذلك في طرفي الليل ، ل! فهو من المشترك المعنوي عنده وليس من الأضداد ، وقوله : وسعسع- قال صاحب القاموس في كتابه تحبير الموشين فيما يقال : بالسين والشين تشعشع الشهروتسعسع إذا ذهب أكثره ، وكذا في القاموس ولم يذكره في الليل كغيره لكن صاحب الكشاف وكفى به ذكره في صفة الليل ، ولم يجعله بمعنى أقبل ولا مقلوباً من الأوّل فالظاهر اختصاصه بمعنى الأدبار فقول المصنف رحمه الله إذا أدبر تفسير لسعسع وحده وليس من الأضداد كالأوّل ، وأنما أعاد عسعس معه لبيان أنهما بمعنى واحد كما يشهد له كلام أهل اللغة ومن لم يقف على مراده قال : على هذا إنه لا يناسب ذكره في سياق كونه من الأضداد والأظهر تقديمه فتنبه. قوله تعالى : ( { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } ) مناسبته لقرينه ظاهرة على التفسيرين لأنّ ما قبله إن كان للإقبالط فهو أوّل الليل ، وهذا أوّل النهار وإن كان للأدبار فهذا ملاصق له فبينهما مناسبة الجوار فلا وجه لما قيل من أنه على الأوّل
أنسب. قوله : ( أي أضاء ) بيان لحاصل المعنى المراد منه في كلامهم قال العجاج :
حتى إذا الصبح لهاتنفسا وانجاب عنهاليلهاوعسعسا
لكنه وقع في النسخ هنا اختلاف ففي بعضها غرّته أي أوّله على الاستعارة من غرّة الفرس
وفي بعضها غبرته بالمعجمة والباء الموحدة ، ثم راء مهملة وتاء تأنيث ويصح أن يقرأ مرفوعاً ومنصوبا حينئذ ، وهو أيضا استعارة بتشبيه أجزاء الظلام مع الفجر لاختلاطه بالنور بغبار مرتفع في الجوّ على هاتين النسختين ، ووقع بعدهما عند إقبال روح ونسيم بعند الظرفية وفي نسخة عبر من العبارة بالعين المهملة بعدها باء موحدة ، ثم راء مهملة ويعقبها عن الجارة الحرفية وهذا كله مصرّج به في الحواشي لكن الأخير مسلك من يعتمد عليه من المحشين ، والمعنى عليها مختلف من وجه وتفصيله ما ذكره الإمام من أنه إشارة لتكامل الصبح ولا تكرار فيه وفي كيفية التجوّز قولان أحدهما أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم فجعل ذلك نفسا له على المجاز ، وقيل : تنفس الصبح والثاني إنه شبه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي جلس بحيث لا يتحرّك ، واجتمع الحزن في قلبه فإذا تنفس وجد راحة فهاهنا لما طلع الصبح كأنه تخلص من ذلك الحزن فعبر عنه بالتنفس اهـ فعلى الأوّل فيه استعارة مصرحة بجعل ما يهب معه من النسيم نفساً للطفه وللاستراحة به وأسند إلى الصبح مجازاً لمقارنته له ففيه استعارة مصرحة ، وتجوّز في الإسناد ولو جعل مكنية وتخييلية حسن بأن يشبه الصبح بماس وآت من مسافة بعيدة ، ويثبت له التنفس المراد به هبوب نسيمه مجازاً على طريق التخييل في قوله : { يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ } [ سورة البقرة ، الآية : 27 ] وعلى هذا ينزل كلام المصنف رحمه الله على النسخة الأولى والثالثة ، وأما الوجه الثاني الذي اختاره واستحسنه فلا يخفى ما فيه من التعسف ، بل لا يصح ما لم يقدر فيه مضاف أي تنفس ليله أو يشبه(8/328)
ج8ص329
طلوع الصبح في نفسه بالتنفس ، ولا يخفى حاله والنسخة الثانية فيها ميل له فتأمّل. قوله : ( فإنه قاله عن الله ) أي نقله لأنّ قول الرسول قول مرسله وأنما ينسب إليه لأنه واسطة فيه ، وتفسيره بالقرآن هو الظاهر وجعله للأخبار عن الحشر تعسف ، ومعنى كريم عزيز عند الله أو متعطف كما مرّ في السورة السابقة ، ولذا لم يتعرّض له المصنف رحمه الله هنا ، وقوله : كقوله شديد القوى وقد مرّ تفسيره ، وبيان قوته على تحمل أعباء الرسالة وعلى كل ما يؤمر به على ما مرّ من قصة المؤتفكة. قوله : ( عند اللّه ذي مكانة ) أي مرتبة وشرف قرب لأنّ المكان والمنزل تزاد فيه الهاء إذا نقل للمرتبة المعنوية غير المحسوسة ، ولما كان علو المكانة بعلو الممكن قال عند ذي العرش ليدل على عظم منزلته عند الله ، وأنه مطاع أمره في الملأ الأعلى على ما حققه الزمخشريّ واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله : مطاع في ملائكته فلم يهمله كما توهم. قوله :
( وثم الخ ) هي إشارة إلى المكان وإذا اتصل بما قبله فهو بيان لا طاعة الملائكة له ، وإذا اتصل بما بعده فهو لأمانته عندهم ، وقوله : قرى ثم بضم الثاء وهي عاطفة ، وقوله : تفضيلاً لها لدلالتها على التراخي الرتبي ، وقوله : سائر الصفات تعريفه للعهد والمراد الصفات المذكورة هنا ، وقوله : كما تبهته الكفرة من البهتان أي كما تقول الكفرة في حقه ذلك بطريق الكذب ، والبهتان وفي قوله : صاحبكم تكذيب لهم بالطف وجه إذ هو إيماء إلى أنه نشأ بين أظهركم من ابتداء أمره إلى الآن فأنتم أعرف به ، وبانه أتم الخلق عقلاَ وأرجحهم نبلاً وأكملهم ، وأصفاهم ذهنا فلا يسند له الجنون إلا من هو مركب من الحمق والجنون ولله در البحتري في قوله :
إذا محاسني اللاقي أذل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر
قوله : ( واستدل الخ ( المستدل هو الزمخشري وزبدته ما قرّره المصنف رحمه الله فلا وجه للنزاع فيه والقول بأنه لم يقصد الموازنة ، وقوله : إذ المقصود الخ بيان وتعليل لضعفه ونفي قوله : إنما يعلمه بثر مأخوذ من كونه قول : رسول كريم عند ذي العرش فإنه دال على أنّ المتلقي منه ملك لا بشر ، وقوله : افترى على الله كذبا مأخوذ من أنه أوصله إليه ملك مؤتمن عند الملائكة فكيف يكون ما بلغه كذباً على الله ، وقولهم أم به جنة نفيه معلوم من قوله : وما صاحبكم بمجنون فوصفه بما ذكر للدلالة على نفي ما أسندوه له لا للإطراء في وصف جبريل دون النبيّ صلى الله عليه وسلم مع أنه لو سلم ذلك كان مدحا بليغا في حقه لأنّ الملك إذا أرسل لأحد من هو معزز معظم مقرّب لدبه دل على أنّ المرسل إليه بمكانة عنده ، ليس فوقها مكانة كما لا يخفى وما قيل من أنه يكفي لأداء هذا المقصود لقول رسول كريم أو ملك كريم ، فالزيادة فضول تعد لكنة عند البلغاء إلا أنه كلام على السند الأخص والأسلم أن يقال في الجواب إنّ الكلام مسوق لحقية المنزل ، وصدق ما فيه من أحوال القيامة وأهوالها كما تدل عليه الفاء الشبية في قوله : فلا أقسم ، وهو يقتضي وصف الآني به دون المنزل عليه فلذا اقتصر على نفي ما بهت به ، وأنّ الأظهر أن يتلو يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون أن حقيق بأن يقال له :
سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب
والحرّ تكفيه الإشارة والمسألة معروفة في الأصول. قوله : ( بمطلع الشمس الأعلى ) أراد
به وسط السماء فإنه أعلى مكان تطلع منه في كل يوم ، وقيل هو رأس السرطان والأعلى صفة مطلع. قوله : ( من الظنة وهي التهمة ) بضم التاء وفتح الهاء ما يتوهم به وعليه وتسكين الهاء لا يجوز إلا في ضرورة شعرية ، وقول الفاضل ابن كمال في شرحه لمفتاحه أنه بسكون الهاء لا بفتحها غلط مته ، وتقديم قراءة الظاء المشالة لا يسئل عنه لأنه سؤال دوري فإن سلم ذلك فوجهه أنه أنسب بالمقام لاتهام الكفرة له بما مرّ ونفي التهمة أولى من نفي البخل وأيضا التهمة تتعدى بعلى دون البخل فيما قيل ، لا لأنّ نفي المحقق أولى من نفي المقدر كما قيل إذ لا وجه لتفضيل بعض القراآت المتواترة على بعض ، ولا طائل في البحث عنه أيضا. قوله : ( بالضاد من الضن ) بالكسر والفتح قال في النثر ، وهو كذلك في جميع المصاحف ولا ينافي هذا قول أبي عبيدة إنّ الضاد والظاء في الخط القديم لا يختلفان إلا بزيادة رأس إحداهما على الأخرى زيادة يسيرة قد تثتبه وهو كما قال : ويعرفه(8/329)
ج8ص330
من قرأ الخط المسند ، وليس فيه اتهام لنقلة المصاحف كما توهم لأن ما نقلوه موافق للقراءة المتواترة ولا بد مما ذكره أبو عبيدة لأنهم اشترطوا في القراآت موافقة الرسم العثماني ، ولولاه كانت قراءة الظاء مخالفة لها ولا ينافيه أيضاً كتابتها بالظاء في مصحف ابن مسعود فإنّ المراد المصاحف المتداولة. قوله : ( والضاد ) قيل : إنما اشتغلوا تحقيق مخرجهما لئلا يتوهم أنّ إحدى القراءتين بدل من الأخرى ، أو عينها لكن تساهلوا فيها فلذا بينوا بعد ما بين الحرفين مخرجا وصفة ، وقوله : من يمين الخ لأنّ لها مخرجين ، ومنهم من يتمكن منهما واعلم أنهم اختلفوا في إبدال الضاد ظاء وعكسه هل يمتنع وتفسد به الصلاة أم لا فقيل : تفسد به ، وقيل : لا تفسد واختار المتأخرون وبه أفتى شيخنا المقدسي إنه إذا أمكن الفرق بينهما فتعمد ذلك ، وكان مما لم يقرأ به كما هنا وغير المعنى فسدت صلاته والا فلا لعسر التمييز بينهما خصوصاً على العجم ، وقد أسلم كثير منهم في الصدر الأوّل ولم ينقل حثهم على الفرق وتعليمه من الصحابة ، ولو كان لازما فعلوه ونقل وهذا هو ما عليه المتأخرون كالبزازي وصاحب المحيط وغيره. قوله : ( بقول بعض المسترقة للسمع ا لأنها هي التي ترجم وقوله : وهو نفي الخ بيان للمقصود منه ، وقوله : استضلال أي عدهم من أهل الضلال والجادة الطريق المسلوك وقوله : تذكير لمن يعلم يعني أنه صيغة جمع للعقلاء بلا تغليب فيه وضمير هو للقرآن ، وليس هذا تخصيصاً بل هو منطوقه وفسر الاستقامة
بما ذكر لما مرّ في قوله : فاستقم. قوله : ) وإبداله الخ ( لأنه بدل بعض من كل والمبدل الجا والمجرور أو المجرور فأعيد معه العامل قيل ، ويجوز أن يكون بدل كل من كل لإلحاق من يشأ ذلك بالبهائم اذعاء وهو تكلف. فوله : ( الاستقامة ( هو مفعوله المقدر ، وقوله : يا يشاؤها وقيل إنه جعل الخطاب للشائين مع عموم خطاب أين تذهبون لداعي نفي الحال الد عليه ما النافية فيكون الكلام في المشيئة الحالية ، ولا مشيئة في الحال لمن لا يشاء ويأباه كو المشيئة في المستقبل ظرفا للمشيئة الحالية لأنّ أن في قوله : إلا أن يشاء الله خاصة للاستقبا وقد ردّ بأن جعل الخطاب للشائين لأنّ الكلام لهم والاستثناء تحقيق للحق ببيان أنّ مشيئتهم توطئة لمشيئة الله تعالى فلا منة لهم باستقامتهم بل الله يمن عليهم أن رزقهم الاستقامة لا لأنّ لنفي الحال كما توهمه هذا القائل لأنه غير مسلم مع أنه مشروط تقدم قرينة على خلافه كما المغني ، وكلام المصنف رحمه الله لا يوأفقه أيضا. قوله : ( إلا وقت أن يشاء اللّه الخ ( تبع الزمخشري وابن جني وأبا البقاء في جواز نيابة المصدر المؤوّل من أن والفعل عن الظرف ،
منعه بعض النحاة وجوازه منقول عن الكوفيين وقال ابن هشام : في الباب الثامن من المغني
أن وصلتها لا يعطيان حكم المصدر في النيابة عن ظرف الزمان تقول جئتك صلاة العصر يجوز جئتك أن تصلي العصر ، وقال مكي أن وما معها هنا في موضع خفض بإضمار الباء
إلا بأن والباء للمصاحبة أو السببية ، وهذا عندي أقرب مما قرّره المصنف رحمه الله أي ليس! مشيثتكم الاستقامة بفعلكم ومشيئتكم بل هي بخلق الله ومشيئته لأنّ المشيئة لو كانت بفعل ا ومشيتته تسلسلت المشيآت إلى غير النهاية وفيه دلالة على أنّ أحداً لا يعمل خيرا إلا بتوفيق
ولا شرآ إلا بخذلانه فله الفضل والحق عليكم باستقامتكم إذ لو لم يشأ الله الاستقامه يستقيموا واستقامتكم بمنه وفضله. قوله : ( مالك الخلق كله ) يعني أنّ الرب بمعنى الما وتعريف العالمين للاستغراق وقوله : وعن النبيّءشي! هو حديث موضوع ومعناه ظاهر. " السورة بحمد ألله ومنه والصلاة والسلام على أفضل مخلوقاته وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة انفطرت
وتسمى سورة إلانفطار ولا خلاف في عدد آياتها وكونها مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( تساقطت متفرّقة ) فهو استعارة لإزالة الكواكب حيث شبهت بجواهر قطع سلكها ،
وهي مصرحة أو مكنية وليس هذا الانتثار ما في قوله :
درر نثرن على بساط أزرق
وقوله : فتح الخ كما مرّ تفصيله في التكوير(8/330)
ج8ص331
وما ذكر لازم من تفجيرها لأنّ معناه فتحها
وشق جوانبها فيلزم ما ذكره فلا وجه لما قيل من أنه لا يدل عليه النظم وأنه مأخوذ من الأثر. قوله : ) قلب ترابها ) يعني أزيل التراب التي ملئت به ، وكان حثى على موتاها فانفتحت وخرج من دفن فيها وهذا معنى البعثرة ، وحقيقتها تبديد التراب أو نحوه وهو إنما يكون لإخراج شيء تحته فقد يذكر ويراد معناه ولازمه معاً كما ذكره المصنف رحمه الله في هذه السورة ، وقد يتجوّز به عن البعث والإخراج كما سيأتي في سورة العاديات حيث فسره بالبعث ، والفارق بينهما أنه أسند هنا للقبور فكان على حقيقته وثمة لما فيها فكانت مجازا عما ذكر ، ومن لم يقف على مراد المصنف رحمه الله زعم أنه مشترك بين النبش والإخراج وذهب بعض الأئمة كالزمخشري والسهيلي إلى أنه مركب من كلمتين اختصارا ومثله كثير في لغة العرب ، وشممى نحتا وأصله بعث وأثير أي حرك وأخرج وله نظائر كبسمل ، وحوقل ودمعز أي قال بسم الله ولا حول ولا قوّة إلا بالله وأدام الله عزه فعلى هذا يكون معناه النبش ، والإخراج معا ولا يرد عليه أن الراء ليست من أحرف الزيادة كما توهمه أبو حيان فإنه فرق بين التركيب ، والنحت من كلمتين والزيادة على بعض الحروف الأصول من كلمة واحدة كما فصله في المزهر نقلا عن أئمة اللغة ولكونه خلاف المألوف مرّضه المصنف رحمه الله فتدبر. قوله : ( من عمل أو صدفة الخ ) قد مرّ من المصنف رحمه الله في سورة القيامة تفسيره لما قدم بما عمله ، ولما أخر بما لم يعمله أو ما قدم ما عمل ، وما أخر ما سنه من حسنة أو سيئة أو ما قدم الصدقة وما أخر ما
خلفه من متروكاته أو هما أوّل عمله وآخره فهذه وجوه أربعة ، وقد اختصرها هنا على أوجز
وجه ، ومن لم يتأمّله ظنه مخالفاً لما مرّ والعمل شامل لثلاثة أوجه والصدقة للرابع فتدبر.
قوله : ( من سنة أو تركة ) السنة بضم السين ، والنون المراد به ما سن عمله للناس من حسنة أو
سيئة وما في النسخ من الياء التحتية والهمزة تحريف من الناسخ ، وهو مقابلة للعمل بمعنيين
أعني ما عمله بنفسه أو أوّل ما عمله ، وقوله : تركة اسم بمعنى متروك مقابل لقوله : صدقة
وكونه ماضيا من الترك ناصبا الضمير ما أو مصدر مضاف للضمير لا وجه له لاحتياجه للتكلف ،
ولما بقي وجه أشار إليه بقوله : ويجوز الخ فما قدم ما عمله من الحسنات الداخلة في قوله من
عمل ، وما أخر ما فرط فيه فللّه در المصنف رحمه الله في حسن سبكه. قوله : ( أيّ شيء
خدعك الخ ) أصل معنى الغرور ما دعا الإنسان إلى ارتكاب ما لا يليق لمال أو جاه أو شهوة
وماكه ما ذكره المصنف رحمه الله وقد اختلف في المراد بالإنسان هنا فقيل المراد به الكافر ،
وقيل : الأعم الشامل للعصاة والثاني أرجح كما في الكشف ، وغيره لوقوعه بين مجمل
ومفصل ، وأمّا قوله : بل تكذبون الخ فإمّا ترشيح لقوّة اغترارهم بايهام أنهم أسوأ حالاً من
الكافرين تغليظاً ، أو لخطاب الكل بما وجد فيما بينهم وعلى هذا ينزل قول المصنف رحمه اللّه
إضراب عما هو السبب الأصلي ، الخ فلا وجه لما قيل إنه غير مناسب للعموم الراجح كما
سنوضحه ثمة. قوله : ( وذكر الكريم الخ ) جواب عما يتوهم من أنّ التوصيف هنا بالكرم غير
ملائم للمقام إذ الظاهر الوصف بما يمنع الغرور كالانتقام ، والقهر بأنّ هذا أبلغ لأنّ محض
الكرم لا يمنع مجازاة الجاني ولا يقتضي إهماله بل ينافيه وأنما المقتضى له الجهل أو العجز ،
وقوله : وتسوية الموالي الخ ترق في اقتضاء الكرم خلاف ما يتوهم فإنه لو سوى بين المطيع
والعاصي لم يكن الإحسان والكرم في موقعه عند الممنون عليه ، ألا ترى لو أنّ صديقاً لك
أحسن إليك بشيء ، ثم أعطى مثله لعدوّ له تلاشت المنة ، واضمحلت الصنيعة ، ولذا قيل : إنّ
الكرم إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وذم بقوله :
يعطي ويمنع لا بخلاولاكرما لكنها خطرات من وساوسه
وقوله : فكيف الخ لأنه حينئذ يكون المانع عنه أكثر وأقوى. قوله : ( والإشعار الخ ) بالجرّ
معطوف على المبالغة وفي نسخة والاشتغال الخ وهو معطوف على الاغترار أي للمنع عن
الاغترار والاشتغال بما ذكر وقوله : فانه يقول أي كقول بعض شياطين الإنس :
تكثرما استطعت من المعاصي ستلقى في غدرباً غفورا
تعض ندامة كفيك مما تركت مخافة الذنب السرورا(8/331)
ج8ص332
قوله : ( والدلالة ) معطوف على المبالغة أيضا لأنّ من يتفضل بالإحسان كيف يستحق العصيان ، وترك الشكر للكفران ، ولذا قال بعض العارفين : لو لم أخف الله لم أعصه وعقب هذا بقوله الذي الخ مع تقدم قوله : بربك المنادي على ذلك ، وقيل : إنّ هذا تلقين للحجة وهو من الكرم أيضا فإنه إذا قيل له ما غرّك الخ يتفطن للجواب الذي لقنه ويقول كرمه كما قيل : يعرف حسن الخلق والإحسان بقلة الآداب في الغلمان
قوله : ( مبينة للكرم ) من التبيين وفي بعض النسخ من الإثبات بالمثلثة ، وقوله : منبهة الغ
فهو إيماء إلى إثبات ما كذبوه من البعث والجزاء توطئة لما بعده ، وذلك إشارة إلى الخلق وما بعده ، وقوله : والتسوية الخ أصله جعل الأشياء على سواء فتكون على وفق الحكمة ومقتضاها بإعطائها ما يتم به ، وقوله : جعل البنية الخ المراد بها الجسد ومعتدلة فسره بقوله : متناسبة الأعضاء إذ لو كانت إحدى العينين أو اليدين أكبر من الأخرى كبرا مفرطا كان مشوه الخلقة كما يشهد به الحس ، وقوله : بما يعتدها أي يهيؤها وفي نسخة يستعدها وأنث الضمير لتفسيره بالقوى. قوله : ( عدل بعض أعضائك الخ ) تفسير له على قراءة التخفيف بوجهين لأنه إمّا من عدل فلانا بفلان إذا ساوى بينهما أو من عدل بمعنى صرف ، وليس الأوّل توجيها للتشديد والثاني للتخفيف كما توهم. قوله : ( أي ركتك الخ ( أي استفهامية والجار والمجرور متعلق بركبك ، وما زائدة وجملة شاء صفة صورة والاستفهام مجاز للتعجيب ومآله إلى أنه وضعك في صورة عجيبة اقتضتها مشيئته أو في صورة متميزة متعينة أو الظرف حال أي ركبك كائنا في أيّ صورة أرادها. قوله : ( وقيل شرطية ) أي إن شاء تركيبك ركبك ، والمعنى أنه إن شاء تركيبك في أي صورة غير هذه الصورة فعل ، وقوله : وركبك جوابها وقيل جوابها محذوف ولبعده جداً أخر. ومرضه وجوّز فيها كونها موصولة ، وموصوفة ومفعولاً مطلقا لركبك. قوله : ( والظرف صلة عدلك ) أي على الشرطية لأنّ معمول ما في حيز الشرط لا ، يجوز تقديمه عليه ، واعترض عليه بان أي اسم استفهام له الصدر فكيف يعمل فيه ما قبله وكونه فيه معنى التعجب أي صورة عجيبة كما في الكشاف لا يسوغه كما لا يخفى والصواب أن يتعلق بمقدر والمعترض لم يفهم
مراده فإنه أراد أنها أفي الدالة على الكمال وهي صفة هنا حذف موصوفها زيادة للتفخيم ، والتعجيب وأصله في صورة أيّ صورة كما تقول مررت برجل أي رجل وأي الكمالية منقولة من الاستفهام لكنها لانسلاخ معناه عنها بالكلية عمل فيها ما قبلها كما في المثال المذكور ، وهذا لا شبهة فيه فمن توهم أنه هنا للاستفهام فقد وهم لكن الكلام في جواز حذف موصوف أي الكمالية ، وقوله : لم يعطف أي بالفاء كما قبله وقوله : بيان لعدلك لأنّ معناه ركبك في صورة عجيبة ، وهذا إذا لم يتعلق الجار بقوله : عدلك والجملة الشرطية صفة صورة والعائد محذوف. قوله : ( ! !راب إلى بيان الخ ) وهو إنكارهم الدين بالمعنيين أو هو إضراب عنه إلى ما هو أشدّ منه والدين له معان منها ما ذكر هنا ، وقوله : أو الإسلام كما في قوله : إنّ الدين عند الله الإسلام ، قيل : والإسلام هنا كناية عن التصديق بالثواب والعقاب كما في الكشاف فلا يرد عليه أنّ ما بعده معين لمعنى الجزاء ، وفيه نظر ، وقال الراغب بل هنا لتصحيح الثاني وابطال الأوّل كانه قيل ليس هنا مقتض لغرورهم ولكن تكذيبهم حملهم على ما ارتكبوه فهو ترق من الطمع الفارغ إلى ما هو أغلظ منه. قوله تعالى : ( { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ } الخ ) جملة حالية مقررة للإنكار ، ويجوز أن تكون مستأنفة والأوّل أولى ، وقوله : تحقيق لما يكذبون به من الجزاء على الوجهين كأنه قيل إنكم تكذبون بالجزاء والكتبة يكتبون كل ما يصدر منكم حتى التكذيب ، وليى هذا إلا للجزاء والا لكان عبثا تنزه عنه الحكيم العليم وهذا على الوجه الأوّل ، ولذا قيل إنه ترجيح له وقيل : إنه استبعاد للتكذيب مع ما ذكر ورد بأنهم لا يعترفون به فلا يتم به الاستبعاد ، وفيه بحث. قوله : ( ورد لما يتوقعون الخ ) المراد بالتسامح إما التسامح في الكتابة أو في الجزاء للكفرة لأنهم المكدّبون فلا يرد أنّ الكرام الكاتبين حافظون لأعمال المؤمنين مع التسامح عن بعض السيئات في الآخرة كما توهم. قوله : ( وتعظيم الكتبة ) بما وصفوا به هنا لأنّ عظمتهم تدل على عظمة شغلهم ، وعظمة شغلهم تدل على عظمة جزائه إذ لو لم يكن(8/332)
ج8ص333
ذلك عظيماً لم يوكل به العظماء كما لا يخفى ، وقوله : بكونهم كراما عند الله قيل : إنه إشارة إلى أنّ التعظيم بكونهم أعزاء على اللّه لا بوصفهم بالكتابة والحفظ كما في الكشاف ، وفيه نظر ظاهر. قوله : ( عند اللّه ( إشارة إلى أنّ معنى التعطف على المؤمنين غير مناسب هنا ، وقوله : بيان لما يكتبون لأجله يعني أنها جملة مستأنفة في جواب سؤال تقديره لم يكتبون ذلك فكأنه قيل : ليجازي الأبرار بالنعيم والفجار بالجحيم ، وقيل : إنه ردّ لتكذيبهم بالجزاء وجملة يصلونها حالية أو مستأنفة. قوله : ( لخلودهم فيها ) فهو كقوله : وما هم بخارجين منها في الدلالة على الخلود ،
وليس من التقوى والحصر في شيء ، ثم إنّ الحصر هنا غير مقبول جمند الجماعة لعمومه للكفار والفسقة فلا وجه للقول بأنه في الكشاف أثبت التقوّي ونفي الحصر بناء على مذهبه. قوله : ( وقيل : معناه الخ ) قال : يغيبون الخ إشارة إلى أنه من حكاية الحال الماضية ، ومرضه لأنه خلاف الظاهر فلا يرتكب من غير داع قيل : والواو على هذا للعطف فيقتضي تغاير المتعاطفين أي أنهم الآن ليسوا بغائبين عن الجحيم وعلى الأوّل للحال وأورد عليه أنّ بعض الفجار في زمرة الأحباب وبعضهم لم يخلق لذلك وعذاب القبر بعد الموت ، وكلام الزمخشري يأبى حمله على ما حمله عليه فالظاهر أنّ الواو حالية في الوجهين لكنها على الأوّل حال مقدّرة وعلى الثاني هي كقوله : حصرت صدورهم ، وهو غير وارد لأنه يعني أن الواو على هذا ليست للحال لانفصال ما بين صليّ النار ، وعذاب القبر بالبعث وما في موقف الحساب بل للعطف فيحمل اسم الفاعل في المعطوف أعني غائبين على الحال ليغاير المعطوف عليه الذي أريد به الاستقبال ، ولا ينافيه قوله : قبل ذلك فإنه بيان لحاصل المعنى ، ولا ينافيه ماً ذكره من أنّ بعض الفجار الخ لأنّ الكلام على ما عرف في إخباره تعالى من التعبير عما يستقبل منها بالماضي لتحققه ، والمعترض لما لم يقف على مراده قال ما قال : وما بعد الحق إلا الضلال. قوله : ( سمومها في القبور ) بضم السين / بمعنى حرّها أو بفتح السين بمعنى ريحها الحارة ، وفي الكشاف قيل أخبر الله في هذه السورة أنّ لابن آدم ثلاث حالات حالة الحياة التي يحفظ فيها عمله ، وحالة الآخرة التي يجازي فيها ، وحال البرزخ وهو قوله : وما هم عنها بغائبين انتهى ، ولم يذكر حال البرزخ للأبرار اكتفاء لعلمها من المقابلة. قوله : ( دراية دار ) إشارة إلى أن الخطاب في أدراك عام ، وقيل : الخطاب للرّسول وقيل : للكافر ، وقوله : تعجيب الخ حيث أتى بصيغة الاستفهام تحريضا للمخاطبين على إدراكه أو مبالغة في إيجاب الاستفسار عنه كأنه قيل : ما أدرأك ، بيوم الدين فلا تسأل عنه إذا ذكر وجعله تعجيبا لتنزهه تعالى عن التعجب كما مر مرارا. قوله تعالى : ( { وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } ) قال في الكشاف أي لا أمر إلا لله وحده ، وفي الكشف الظاهر أن الأمر واحد الأوامر لقوله : { لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } [ سورة غافر ، الآية : 16 ] فإنّ الأمر من شأن الملك المطاع ، وفيه تحقيق قوله : لا تملك نفس لنفس شيئا لدلالته على أنهم مسوسون مقهورون مشتغلون بأنفسهم ، وقوله : لا أمر إلا لله وحده إبراز لمعنى الاختصاص في اللام وما ذكره هو الحق الذي لا عدول عنه لأنّ المراد بكون الأمر له أنّ التصرّف جميعه في قبضة قدرته ، وهو الموافق لقوله : لا تملك الخ لأنّ معناه لا قدرة لأحد على ضر أحداً ، ونفعه وكون الأمر واحد الأمور ركيك هنا فلا يلتفت إلى ما قيل من أنه لو حمل على واحد الأمور كان أشمل ولا نزاع في جواز كل منهما إنما الأمر في أيهما أظهر ، وما ذكره دعوى من غير
دليل ، وقوله : تقرير الخ لدلالته على اشتغالهم بأنفسهم وأنهم مقهورون بسطوة الربوبية ، وقوله : ورفع الخ على البدل أو هو خبر مبتدأ مقدّر ونصبه الباقون بإضمار اذكر أو يدانون لدلالة الدين عليه أو بتقدير يشتدّ الهول ، ونحوه مما يدل عليه السياق وقال الزجاج إنه مبني على الفتح وهو في موضمع رفع أو جرّ ، وقوله عن النبيّ الخ حديث موضوع . تمت السورة والحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.
سورة المطففين
لا خلاف في عدد آياتها واختلف في كونها مكية أو مدنية فقيل هي بتمامها مكية ، وقيل : مدنية ، وقيل : إلا ست آيات من أوّلها وقيل : مكية إلا ثمان آيات من آخرها ولا خلاف في عددها.(8/333)
ج8ص334
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( التطفيف البخس الخ ( التفعيل فيه للتعدية أو للتكثير ، وهو لا ينافي كونه من الطفيف بمعنى الحقير القليلى لأنّ كثرة الفعل بكثرة وقوعه وهو بتكراره لا بكثرة متعلقة ، وقوله : روي الخ هذا يدل على أنّ أول هذه السورة نزل بالمدينة كما هو أحد الأقوال فيها كما قدمناه لا على كون السورة مدنية ، والحديث المذكور صححه ابن حبان والحاكم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ، وقوله : خمس بخمس أي خمس من المحرمات من ارتكبها يجازي بواحدة من الخمس المذكورة ، والحديث أيضاً صحيح عن ابن عباس وغيره كما رواه الحاكم والطبراني وقوله : الفاحشة أصله الذنب العظيم ، والمراد منه هنا الزنا وقوله : أخذوا بالسنين أي عوقبوا بالقحط. قوله تعالى : ( { إِذَا اكْتَالُواْ } الخ ( اكتفى عن الوزن بالكيل لتساويهما بين الناس ، وقوله : يأخذونها وافية فالسين للمبالغة دون الطلب هنا ، وقوله : وأنما أبدل الخ فيه إشارة إلى تعاقب من وعلى هنا قال الفراء يقال : اكتلت على الناس استوفيت منهم واكتلت منهم أخذت ما عليهم ، وقيل : على بمعنى من وقد جوّز تعلق على بيستوفون هنا واذا
تعاقبا فاختيار على للدلالة على أنّ ما اكتالوه دين لهم على الناس ، أو هو اكتيال يتحامل فيه فعلى فيه للمضرّة لأنه يقال : تحامل عليه إذا جار وهو محمول عليه في التعدية أو مضمن لمعنا. فأتى بها للدلالة على أنه في الأخذ دون العطاء فقوله : أو اكتيال معطوف على قوله : لما لهم الخ. قوله تعالى : ( { وَإِذَا كَالُوهُمْ } الخ ) ما مرّ في الأخذ وهذا في العطاء ، وقوله : كالوا للناس الخ إشارة إلى أنه فيهما من الحذف والإيصال كما صرّح به في قوله : فحذف الخ وفي توسط قوله : يخسرون بين البيان والمبين ركاكة فكان ينبغي تقديمه أو تأخيره. قوله : ( ولقد جنيتك اكمؤا وعساقلا (
ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
ومحل الاستشهاد فيه نظر والأكمؤ جمع كماة وهي شحمة الأرض نبت معروف والعساقل ضرب منها فإن كان مفرده عسقلا فهو على القياس ، وإن كان عسقولاً فاصله عساقيل وصرفه للضرورة هنا وعطفه على الأكمؤ من قبيل عطف جبريل على الملائكة ، وبنات أو بر ضرب من الكماة أيضاً وهو أردؤها ، وقوله : أو كالوا الخ لأنه يتعدّى للمكيل بنفسه دون المكيل له. قوله : ( ولا يحسن جعل المنفصل الخ ) وقح التعبير عنه بالمستكن هنا في بعض التفاسير ، وهو سهو أو تساهل والمراد أنه لو جعل هم تأكيداً للضمير المنفصل هنا أغنى عن الحذف ، والإيصال وتقدير المضاف إلا أنهم لم يذهبوا إليه لأنه يفوت به المقابلة المقصودة هنا مع ما فيها من الحسن البديع إذ قوبل الاكتيال بالكيل وعلى الناس بالناس ويستوفون بيخسرون ، ومن الغريب هنا ما قيل إنه لو أكد به لدفع المجاز وقدر معه للناس كما أنه كذلك على تقدير مكيلهم أفاد ما ذكر مع زيادة أنهم يباشرون هذا الفعل الخسيس بأنفسهم دون الخدم فإنه مع تكلفه بارتكاب خلاف الظاهر يفوت به التصريح بالتقابل المقصود ، وتأكيد ما ليس بمقصود بل هو غير صحيح لأنّ مباشرة الفعل بدون تطفيف غير مذمومة. قوله : ( ويستدعي إثبات الألف بعد الواو ) على ما تقرر في علم الخط من رسمها بعد واو الجمع إذا وقعت في آخر الكلام ، وقوله : كصا هو الخ دفع لما يقال من أن رسم المصحف العثماني في نظائره لاد يلزم أن يوافق ما ذكره علماء الخط بأنه رسم في الرسم العثماني في نظائره فيدل على أن هذا مما جرى على الرسم فيه ، وقد ذهب إليه بعض
المعربين فلذا نبهوا عليه هنا وأما جعل هم الثاني مبتدأ خبره يخسرون فغير محتاج للبيان لأنّ مخالفته لما قبله ركيكة جداً فلذا لم يلتفتوا له. قوله : ( فإن من ظن ذلك الخ ) يعني إلا هنا لست للاستفتاح أو التنيه فهي مركبة من الهمزة ولا النافية ونفي الظن دون ال!قي!ن لأنه أبلغ لأنّ ظته إذا منع دل على منع غيره بالطريق الأولى فلا حاجة إلى ما قيل من أنّ الظت بمعنى اليقين هنا ، وقوله : وفيه إنكار الخ هو معنى همزة الاستفهام. قوله : ( عظمه لعظم ما يكون فيه ) كما أنّ جعله علة للبعث باعتبار ما فيه ، وقوله : نصب مصدر أو ماض مجهولى ، وقوله : أو بدل من الجار والمجرور أي باعتبار محله أو هو مبني على الفتح ، وقوله : اويؤيده الخ فيه تسامح لأنه حينئذ يكون بدلاً من المجرور وحده ولذا اعترض عليه لكنه أمر سهل ، وقوله : لحكمه أي لأمره وقضائه بقيامهم للجزاء وخروجهم من القبور ، وقيل : المراد ليحكم عليهم بما يستحقون.(8/334)
ج8ص335
قوله : ( وفي هذا الإنكار الخ ا لما في ذكر الظن من التجهيل مع اسم الإشارة الدال على التبعيد تحقيرا ووصف يوم قيامهم بالعظمة ، وابدال يوم يقوم الخ منه فإنه يدل على استعظام ما استحقروه ، والحكمة اقتضت أن لا تهمل مثقال ذرّة من خير!وشرّ وعنوان رب العالمين للمالكية ، والتربية الدالة على أنه لا يفوته ظالم قوي ولا يترك حق مظ!م ضعيف وفي تعظيم أمر التطفيف إيماء إلى العدل وميزانه ، وإن من لا يهمل مثل هذا كيف يهمل تعطيل قانون عدله في عباده والى هذا يشير قوله في الأثران السموات والأرضين قامت بالمكيال والميزان وناهيك بأنه وصفهم بصفات الكفرة تغليظاً ، وتشديداً فتأمّل هذا المقام قفيه ما تتحير فيه الأوهام فقوله : وقيام الناس بالجر عطف على العظم ، وقوله : مبالغات إشارة إلى أنّ أصل المنع فهم من قوله : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } . قوله : ( رع عن التطفيف ا لأنه المقصود ينظر هذا الأوّل السورة للغفلة عن البعث المذكور هنا ، وقوله : ما يكتب من أعمالهم يعني أنّ الكتاب بمعنى المكتوب أو مصدر بمعنى الكتابة وفيه مضاف مقدر أي مكتوب أو كتابة عملهم ، وهذا دفع لما يتوهم من كون الكتاب ظرفا للكتاب لأنه حينئذ ظرف للكتابة أو للعمل المكتوب فيه مع أنّ الإمام قال : لا استبعاد في أن يوضع أحدهما في الآخر حقيقة أو ينقل ما في أحدهما للآخر أو يكون من ظرفية الكل للجزء كما فصلوه ، وقوله : كتاب الخ تفسير لسجين كما يتبادر من النظم. قوله :
( بين الكتابة ) بيان لأنّ مرقوم من رقم الكتاب إذا أعجمه وبينه لئلا يلغو وصف الكتاب به وقوله : أو معلم الخ توجيه آخر معناه إنّ له علامة من رقم الكتاب بمعنى ختمه ، وفي القاموس الرقم العلامة وقوله : من السجن بفتح السين مصدر بمعنى الوضع في السجن ، وقوله : لقب به الكتاب إشارة إلى أنه علم وقوله : لأنه سبب الحبس فهو بمعنى فاعل في الأصل ، وقوله : لأنه مطروح أي ملقى فهو بمعنى مفعول كأنه مسجون لما ذكر وامّا كونه من إطلاق اسم المحل على الحال ففيه نظر. قوله : ( في مكان وحش ) بالتوصيف أي خال ويقال : للقفر وحش وهو تحت الأرض السابعة ، وقوله : اسم مكان أي الذي تحت الأرضين أيضاً فيقدر مضاف فيه أو فيما بعده كما ذكر ، وقد ورد في الحديث سجين اسم مكان وهو مقابل لعليين في الجنة ، وقيل : إنه مشترك بين المكان والكتاب فلا تكلف فيه ، وقيل : إنه علم وقيل : إنه صفة ، وعليه قول المصنف السجين بأل كما في النسخ. قوله : ( بالحق أو بذلك ) المراد بالحق الأمر العام قال : للاستغراق أو للجنس فلذا كانت الصفة بعده على هذا مخصصة وذلك إشارة لليوم المذكور قبله : فالصفة موضحة أو ذامة فقوله : صفة الخ فيه لف ونشر مرتب فيما يتبادر ، ويحتمل أن يجري كل من الوجهين على التفسيرين ، وقوله : ذامة أي لا كاشفة أو المراد أنها مرفوعة أو منصوبة على الذم كما فسره به الطيبي فيكون احتمالاً ثالثاً وعليه اقتصر الزمخشري لأنّ قوله : وما يكذب به إلا كل معتد أثيم يدل على أنّ القصد إلى المذمّة وقوله : موضحة من التوضيح أو الإيضاح والمخصص بالمعنى الذي ذكره المصنف وهو المقيد مخالف لاصطلاح النحاة في تخصيص التخصيص بالنكرات والتوضيح بالمعارف فالتوضيح أيضاً خلاف المصطلح لوقوعه في مقابلة التخصيص المذكور. قوله : ( متجاوز عن النظر الخ ) أي تجاوز النظر والتفكر في عجائب مصنوعاته تعالى الدالة على كمال قدرته ، وعلمه والاستدلال به على اقتداره تعالى على الإعادة وغلا في تقليد أئمة الكفر والجهل حتى جعل قدرته قاصرة عن الإعادة ، وعلمه قاصرا عن معرفة الأجزاء المتفرقة التي لا بد في الإعادة منها وتفسير استقصار علمه بجعله غير عالم بأنه لا يتأتى منه ذلك فأخبر به خبرا كاذبا ظاهر الفساد بعيد عن المراد ، ثم إنّ المصنف عدى التجاوز بمعنى التباعد بعن وهو خطأ فإنّ المتعدي بها بمعنى العفو ، وعدى الاستحالة في
قوله : استحال منه الإعادة أي عده محالاً وقد استعمله كثير من المصنفين كذلك واللغة لا تساعده فانه لازم لا غير كما قرره بعض الفضلاء وكلاهما غير مسلم وقد وردا كذلك في كلام الثقات ، وليس هذا محل تفصيله فلينظر كتابنا شفاء الغليل. قوله : ( منهمك في الشهوات ) كما تدل عليه كثرة آثامه وهو من الانهماك لا التهمك ومعناه الإكثار برغبة وحرص والمخدجة من الأمر الخداج ، وهو الناقص غير التام والمراد به هنا المعوّقة مجازاً لأنّ الخداج لا يبلغ زمان تمامه كما أشار إليه بقوله : بحيث الخ ، وقيل هي المنتجة ما لا نفع فيه ، وقوله : عما وراءها من إدراك الحق واللذة(8/335)
ج8ص336
الأخروية التي لا تفنى ، وأساطير الأوّلين مر تفسيرها بالأباطيل التي جاء بها الأوّلون ، وقوله : شواهد النقل الذي جاء به الرسل ، ودلائل العقل وهي بدائع مصنوعاته تعالى. قوله : ( رع ) أي للأثيم عن قوله : إنها أساطير الأوّلين وكونه ردعاً عن التكذيب غير مناسب لما بعده من أنهم مطبوع على قلوبهم ولذا لم يلتفتوا له وقوله : ما كانوا الخ فاعل ران وما مصدرية ، أو موصولة والعائد مقدّر. قوله : ( رد لما قالوه ) إشارة إلى أن بل هنا للإضراب الإبطالي ، وقوله : وبيان الخ هو معنى قوله ران الخ ، وقوله : أدّى بهم ضمنه معنى أفضى فعداه بالباء والى وقيل : الباء زائدة ، وما موصولة وهذا القول إشارة إلى قولهم : أساطير الأوّلين وقوله : بأن الخ بيان لما أدّى وسببه ، وهو متعلق بقوله : بيان وقوله : بالانهماك فيه كان الظاهر فيها بعود الضمير للمعاصي فلذا أوّل وجعل الضمير للعصيان المفهوم منه ، وقوله : ذلك الإشارة للحبّ ، وقوله : فعمي عليهم أي خفي ولذا عدى بعلى كما مرّ وليس معناه هنا التبس لأنّ مقتضاه أن يقال : فعمي عليهم الحق والباطل ، وليس المراد به هنا العمي المعروف حتى يستشهد له بقوله صلى الله عليه وسلم : " حبك الشيء يعمي ويصم " . قوله : ) فإنّ كثرة الآفعال الخ ) يعني أنه يحصل من تكرار الفعل ملكة راسخة لا تقبل الزوال وصفة للنفس قارّة فيها فبكثرة المعاصي يرسخ حبها في القلب بحيث لا يزول كالصدا الذي لا يزول بسهولة ، فالرين أصل معناه الصد أو الوسخ القارّ شبه به حب المعاصي الراسخ في النفس فهو استعارة مصرّحة واليه أشار صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور ، وفي التفسير للرين كما نقله القرطبي عن ابن حنبل والترمذيّ وقوله :
يسود إمّا من التسويد فقلبه منصوب أو من الاسوداد فهو مرفوع فجعل حب المعاصي الراسخ كالصدا المسود للفضة ، ونحوها : لستره للونه الأصلي كما أنّ هذا يغيره عن فطرته ، ولذا ورد أنّ ذكر الله والاستغفار صيقل القلوب هذا هو المراد ، وما قيل من أنّ الذنب لما شغل بغير الله جعل ما حصل منه سوادا أو ظلمة يمنعان الإدراك غفلة عن المراد وتفسير له بما لا يدل عليه كلامه ، وقوله : بإظهار اللام لكونها من كلمة أخرى. قوله : ( فلا يرونه بخلاف المؤمنين الخ ) لما كان الحجاب هو الساتر من ستارة بر وغيرها كحائط استعير تارة لعدم الرؤية لأنّ المحجوب لا يرى ما حجب ، وتارة للإهانة لأنّ الحقير يحجب ويمنع من الدخول على الرؤساء ولذا قالت العرب : الناس ما بين مرحوب ، ومحجوب أي معظم ومهان وهو بمعانيه محال أن يتصف به الله فلا يصح إطلاقه عليه تعالى كما صرّحوا به وأنما يوصف به الخلق كما قال تعالى : { إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ } الخ فإذا أجرى على اسم من أسمائه تعالى فهو وصف سببيّ لا حقيقيّ بل للتشبيه للخلق وحجبهم عدم رؤيتهم له وهو حاضر ناظر لهم ، والرؤية أثبتها أهل الحق فنفيها عمن حجبه من الكفرة والفجرة لا مطلقا. قوله : ( ومن أنكر الرؤية الخ ) كالمعتزلة ، وأمّا عند أهل الحق فعلى ظاهره أو هو كناية عما ذكر من الإهانة والمانعون يجعلونه استعارة تصريحية أو تمثيلية لامتناع إرادة المعنى الحقيقي منه لأنّ تخصيص الحجب بهؤلاء يقتضي أنّ غيرهم غير محجوب فيراه ، ولذا استدلّ به على ذلك وغيرهم أوّله بما ذكر ، وقوله : أو قدر مضافاً الخ وهو منقول عن قتادة لكنه أراد عمومه للرؤية ، وغيرها من ألطافه تعالى. قوله : ( ليدخلون النار ويصلونها ) هو من الدخول أو الإدخال ولا يتعين الثاني كما توهم ، ومعنى يصلونها يحترقون بها لا بمعناه المعروف فإنه غير صحيح هنا مع الدخول وفي نسخة يصلون بها لأنه يتعدّى بنفسه وبالباء كما في القاموس لا لأنّ المعنى غير صحيح هنا كما توهم ، وعدل عن الفعلية لأنه دخول! خلود فهو ثابت لا يتغير بعد الوقوع ، ولما كان في المستقبل فسره المصنف بالمضارع ليناسب يقال المعطوف عليه لا على الجملة الاسمية وإن صح وقيل : إنه فسر بفعل مجهول من الإدخال ليوافق ما قبله من قوله : محجوبون ويحسن عطف يقال عليه وفيه نظر. قوله : ( تقوله لهم الزبانية ) أو أهل الجنة ، وقوله : تكرير للأوّل في قوله : كلا إن كتاب الفجار فيكون هذا
أيضاً ردعا عن التطفيف ، وقوله : ليعقب الخ من عقبه بكذا إذا جاء به على عقبه ، وقوله : إشعاراً الخ يعني عقب كلا في الموضعين بما بعده للإشعار بأنّ التطفيف فجور ، وأنّ ضده برّ وتقوى كما يفهم من جعلهم أبراراً. قوله : ( أو رع عن التكذيب ) فلا يكون تكرارا والراح الزبانية أو غيرهم ، وقوله : الكلام فيه ما مرّ من قوله : مسطور بين الخ(8/336)
ج8ص337
إلا أنه يبدل قوله ثمة لا خير فيه بلا شرّ فيه ، وعليّ فعيل من العلو سمي به لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي درجات الجنان أو لأنه مرفوع في السماء السابعة مع الملائكة المقرّبين تعظيماً له. قوله : ( يحضرونه ( على أنه من الشهود بمعنى الحضور ، وقوله : فيحفظونه إشارة إلى أنّ الحضور عنده كناية عن حفظه في الخارج لا في العلم ، والذهن كما توهم أو يشهدون على أنه من الشهادة فقوله : يشهدون معطوف على يحضرونه لا على يحفظونه كما توهم. قوله : ( على الأسرة ) جمع سرير وهو معروف ، والحجال جمع حجلة بفتحتين وهو بيت مريع من الثياب الفاخرة يرخى على السرير يسمى بديارنا ناموسية ، وقوله : إلى ما يسرهم لم يقل إلى أعدائهم ليكون ما في آخر السورة تأسيساً فلذا لم يفسره به كما في الكشاف ، وقدر هذا بقرينة المقام والمتفرجات جمع متفرجة بصيغة المفعول وهو المكان النزه النضر ذو المياه والخضر ، والناس يقولون تفرّج وتنزه إذا ذهب لمثل هذه الأمكنة ، وإن لم يستعمله العربيّ القح ، وما قيل من أنّ ينظرون بمعنى لا ينامون من تحريف الكلم كقوله : إنّ في تعرف ضميرا على الرفع وفي وجوههم الخ مبتدأ وخبر ، وقوله : خالص أي صاف مما يكدر حتى القول. قوله : ( مختوم أوانيها بالمسك مكان الطين ) لأنّ الختام ما يختم به كما في الصحاح ، وقوله : مكان الطين أي في مكانه بأن يجعل بدلاً عنه لأنه لا طين في الجنة وطينها مسك معجون ، وأنما ختم بما هو على هيئة الطين ليكون على الشكل المألوف ولأنه يختم كل ما يكرم ويصان ، ولذا قال : ولعله الخ فإنه لا حاجة لختمه وليس ثمة غبار أو ذباب أو خيانة ليصان عنه بالختم. قوله : ( أو الذي له ختام أي مقطع ) أي آخر فإنّ الختم كما يكون بمعنى جعل ما هو كالغطاء على الفم يكون بمعنى بلوغ الآخر ، والخاتمة ما يقابل الفاتحة ، وهي النهاية على معنى أنّ رائحته تظهر في الانتهاء كأنه للتلذذ والى الغاية إنما تدرك رائحته إذا انقطع الشرب والا فلا وجه للتخصيص والمقطع بفتح الميم الآخر
هنا ، وقوله : ما يختم به لأنّ فاعلاً بالفتح يكون اسم آلة كالقالب لكنه سماعي. قوله : ( يعني الرحيق الخ ) وهذا هو المناسب لما بعده ، ولذا قدمه أو لما ذكر من أحوالهم والبعد لعلوّ المرتبة أو لكونه في الجنة ، وقوله : فليرتغب المرتغبون افتعال من الرغبة أي يجتهد كل واحد في الرغبة فيه وسبق غيره إليه وهو تفسير بالأخفى ، وقوله : وفي ذلك متعلق بقوله : فليتنانس ، وقدم للحصر أي فيه لا في خمور الدنيا أو للاهتمام لكنه استشكل ذكر العاطف حينئذ إذ لا يصح وفليتنافس فقيل إنه بتقدير القول أي ويقولون لشدة التلذذ من غير اختيار في ذلك الخ ، وقيل : هي على تقدير حرف الشرط أو توهمه وتقديم الظرف ليكون عوضا عنه ويشغل حيزه وهو الأحسن ، واعلم أنّ المنافسة فسرت بالمبادرة إلى كمال تشاهده من غيرك فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه فتكون أنفس منه أو مثله وهو من شرف النفس وعلوّ الهمة والفرق بينه وبين الحسد ظاهر. قوله : ( علم لعين بعينها ) في قوله بعينها لطف لا يخفى كما في قول الدماميني رحمه الله تعالى :
بداوقدكان اختفى وخاف من مراقبه
فقلت هذاقاتل بعينه وحاجبه
ولا يلزم منع صرفه للعلمية والتأنيث لأن العين مؤنثة إذ هي قد تذكر بتأويل الماء والنهر ونحوه وفي قوله : بعينها إشعار بذلك لأنّ التأنيث في العين لفظي فتأمّل. قوله : ( سميت تسنيماً الخ ) يعني انه في الأصل مصدر سنمه بمعنى رفعه ، ومنه السنام فسميت به لأنها كما قيل : تجري في الهواء فكأنها مرتفع أو لرفعة من يشربها وهذه مناسبة للوضع فليس إشارة إلى التجوّز فيه. قوله : ( فإنهم يشربونها صرفاً ) الضمير للمقرّبين فشرابهم صرف التسنيم لاشتغالهم عن شرب الرحيم المختوم بمحبة الحيّ القيوم كما قيل :
شربنا على ذكر الحبيب مدامة سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم
وقوله : على المدح بأعني مقدوة ، أو الحال من تسنيم لأنه علم ولا يضرّه كونه جامداً لتأويله بمشتق كجارية مع أنه غير لازم ، وقوله : والكلام في الباء الخ من كونها زائدة أو بمعنى من أو صلة الامتزاج أو الالتذاذ. قوله تعالى : ( { كَانُواْ } الخ ) قيل : الجمع بين الماضحي
والمضارع وتعريف اليوم يدل على أنهم في نعيم الآن ، وفيه نظر وقوله : متلذذين بالسخرية قدره لدلالة ما قبله عليه ، وقوله : وما أرسلوا الخ هو استهزاء وتهكم بهم ، وقوله : فاليوم الخ التفريع للدلالة على أنه جزاء سخريتهم في الدنيا. قوله : ( هل أثيبوا ) ثوّبه وأثابه بمعنى جازاه(8/337)
ج8ص338
والاستفهام للتقرير وقال الإمام : الأولى حمله على التهكم فالتقدير يقولون : هل الخ ، وقوله : ما كانوا فيه مضاف مقدر أي ثواب ما الخ وما مصدرية أو موصولة ، وقوله : من قرأ الخ حديث موضوع تمت السورة والحمد دلّه وحده ، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه.
سورة الانشقاق
ويقال : سورة انشقت ولا خلاف في كونها مكية ولا في عدد آياتها ، قيل : وترتيب هذه السور الثلاث ظاهر لأنّ في انفطرت تعريف الحفظة الكاتبين وفي المطففين مقرّ كتبهم ، وفي هذه عرضها في القيامة.
بسم الله الرحمن الرحبم
قوله : ( بالنمام ) قد مرّ بيانه ، وقوله : كقوله الخ إشارة إلى أنّ القرآن يفسر بعضه بعضا ،
وهذا مأثور عن ابن عباس ولولاه لكان تركه هنا أولى لأنّ في اختيار الانفعال ما يدل على كمال القدرة والانقياد حتى كأنها غنية عن الشق ، وقال الزجاج : تنشق بهول القيامة قيل : وهو لا ينافي كونه بالغمام ، والمجرّة كالمضرّة في الآثار إنها باب السماء وأهل الهيئة يقولون إنها نجوم صغار مختلطة غير متميزة في الحس. قوله : ( استمعت ا لأنه من الإذن قال :
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بشرّ عندهم أذنوا
وهو مجاز عن الانقياد والطاعة ، ولذا فسره بقوله : أي انقادت ، وفي نسخة وانقادت
وهما بمعنى ، وقوله : المطواع هو الشديد الطاعة لأنه صيغة مبالغة ، وقوله : يذعن أي ينقاد ، وأمّا الإذعان بمعنى الإدراك فليس من كلام العرب ، وإن كان له وجه من المجاز ، وليس في قوله : انقياد المطواع الخ إشارة إلى أنه استعارة تمثيلية كما توهم فإنها تبعية مصرّحة كما لا يخفى. قوله : ( وجعلت حقيقة بالاستماع ) قال المعرب الأصل حق الله عليها بذلك أي حكم عليها بتحتم الانقياد وحفيقة بمعنى جديرة وخليقة ، وقوله : بسطت المراد ببسطها توسعتها من غير ارتفاع وانخفاض ولذا فسره بقوله : بان الخ ، وقوله : آكامها بالمدّ جمع أكمة وهو التراب والأرض المرتفعة دون الجبال. قوله : ( ما في جوفها الخ ) من فسره بهذا لا يقول بأنّ إلقاء الكنوز إذا خرج الدجال ولو سلم فإنما يكون عاماً يوم القيامة وظهور بعض الكنوز قبله لا ينافيه فلا يرد عليه أنه عند خروح الدجال لا يوم القيامة ، وأمّا القول بأنّ يوم القيامة وقت متسع يجوز
أن يدخل فيه ، وقت خروجه فما لم يقل به أحد ممن له تمييز. قوله : ( وتكلفت الخ ) تفعل هنا للتكلف كتحلم وقصد به المبالغة مجازاً لأن المتكلف للشيء يبالغ فيه ليظهر ، ويتوهم أنه جبليئ كما بينوه في قوله : توجد. قوله. ) في الإلقاء والتخلية ا لم يقل والتخلي لما فيه من الإيهام القبيح فإنه اشتهر استعماله في التغؤط ، ومن لم يتنبه لهذا قال الأظهر : أن يقول التخلي والمراد أن هذا وإن أسند إلى الأرض فهو بفعل الله وقدرته ولا وجه لما قيل ، والامتداد أيضاً لأنه لم يسند للأرض. قوله : ( للأذن ) الظاهر مما قبله أن يقول بالأذن ، وقوله : بنوع من القدرة لأن تشقيق الأجرام العلوية نوع وتسوية البسيطة السفلية نوع آخر. قوله : ) وجوابه محذوف الخ ) اختلف المعربون في إذا هذه فقيل ليست بشرطية وعاملها مقدر أي اذكر أو هي مبتدأ كما بينه السمين ، وقيل : شرطية جوابها محذوف ، وقيل : مذكور فقيل : هو أذنت والواو زائدة أو فملاقيه كما سيأتي ، وقيل : يا أيها الإنسان على حذف الفاء أو بتقدير يقال وعلى التقدير قيل : تقديره تعبثتم ، وقيل : تقديره لاقى كل إنسان كدحه وقيل : هو ما صرّح به في سورتي التكوير والانفطار ، وهو قوله : علمت الخ وعلى هذا العامل الشرط أو الجزاء على الخلاف فيه ، وقوله : للتهويل فتقديره كان ما كان مما لا يفي به البيان. قوله : ( لاقى لإنسان كدحه ) قيل : أي جزاء كدحه من خير أو شز أو لاقى كدحه بنفسه لوجوده في صحيفته ، أو لشهادة أعضائه ونحوه فإن الشيء له وجود في التلفظ به والكتابة وعلى هذا ما بعده تفصيل له ، ويجوز عود ضمير ملاقيه للرب لكن هذا وإن ذهب إليه بعضهم لا يلائم كلام المصنف كما ستراه عقبه. قوله : ( أي جهداً يؤثر فيه من كدحه الخ ) تفسير للجواب على أنه لاقى كدحه(8/338)
ج8ص339
والجهد بالضم التعب فالمعنى أنه لاقى تعباً ونصباً مؤثراً فيه غاية التأثير لما يرى من هول القيامة ، وما يخشى من الحساب والعقاب فلا يقدر فيه مضاف ولا يصح تفسيره بما في القول السابق إلا أن يكون الجهد بفتح الجيم ، ويفسر بالجد في العمل والمضبوط خلافه ، وقوله : من كدحه الخ بيان لمعناه الوضعي وهو الخدش في الجلد أي تخريقه خروقا صغيرة فاستعير للجد في العمل ، وللتعب بجامع التأثير في ظاهر البشرة فيهما كما أشار إليه الزمخشريّ. قوله : ) أو فملاقيه ( أي جواب إذا قوله : فملاقيه كما ذهب إليه الأخفش فيكون تقديره فهو ملاقيه ونحوه فيكون جملة فيصلح لأن يكون جواباً لإذا فإنه قد يقترن بالفاء وعلى هذا الأخير فجملة : { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ } الخ جملة معترضة بين الشرط والجزاء ، وعلى غيره فقوله : فملاقيه معطوف على ما قبله بلا
اعتراض ، وضمير إليه وجزائه للرب أو للعمل. قوله : ( سهلاَ ) فسر. بقوله : لا يناقث! فيه أي لا يدقق في حسابه فإنّ ( من نوقش الحساب عذب ) كما ورد في الحديث وهو الحساب الحقيقي ، وأمّا هذا فعرض كما ورد في الحديث ، وأصل المناقثة إخراح الشوك من الجسد بإبرة وهو صعب جدّاً ، وقوله : أي يؤتى كتابه بشماله الخ فالمراد بهما واحد ولا منافاة بين الإيتاء من وراء الظهور ، وكونهم من أهل الشمال ، وفي قوله : يؤتى إشارة إلى أن أوتى بمعنى المضارع وعبر به للتحقيق ، وقوله : قيل الخ وجه للتوفيق وجعل يسراه كذلك بثنيها وخلعها والعياذ بالله ، ثم إنّ هذا إن كان في الكفرة وما قبله في المؤمنين المتقين فلا تعرّض هنا للعصاة كما ذصب إليه أبو حيان ، وقيل : إنه لا بعد في إدخالهم في أهل اليمين إمّا لأنهم يعطون كتبهم باليمين بعد الخروج من النار أو قبلها فرقا بينهم وبين الكفرة كما قيل فإن قيل : إنهم يعطونها بالشمال فتميز الكفرة بكونه من وراء الظهور كما مرّ ، وهو الظاهر فتدبر. قوله : ( إلى عشيرته ) التفاسير على أنّ الأهل بمعنى الأقارب كما في الأوّل أو القوم مطلقاً كما في الثاني أو الزوجة كما في الثالث ومن لم يفهمه اعترض بأنه لا وجه للترديد فيه. قوله : ( يتمنى الثبور ) فالدعاء بمعنى الطلب وخصه بالتمني لاستحالته في الواقع بعد تقرير الخلود ، وقوله : ويقول الخ إشارة لكيفية تمنيه فإنّ نداء ما لا يعقل يراد به التمني فسقط ما قيل من أنّ الدعاء إمّا بمعنى طلب التمني أو هو طلب بالنداء فكان عليه أن يعطفه بأو فتأمّل. قوله : ( وقرئ ويصلي الخ ) هو بضم الياء من الأفعال ، وما قبله من التفعل والتصلية الإحراق وأمّا من الصلاة فنادر غير مشهور وإن سمع ونقله أهل اللغة ، وقوله : في القاموس لم يسمع خطأ وإن تبعه كثير ، وقوله : في الدنيا قيد مبين للمراد بقرينة خارجية أو هو تفسير لقوله : في أهله باعتبار لازمه ، وقوله : بطراً بالمال الخ بيان لمعنى سروره في أهله على وجه يكون به ذماً له ، وقوله : فارغاً عن الآخرة هو معناه اللازمي فهو كناية عنه. قوله : ( لن يرجع إلى اللّه تعالى ا لإنكاره البعث وأمّا كونه بالموت فلا وجه له والحور معناه الرجوع ، وخص بما ذكر بقرينة المقام ، وقوله : إيجاب لما بعد لن ومعناه يرجع فيبعث ويجازي كما دلّ عليه قوله : إنّ ربه الخ وقوله : عالماً تفسير لقوله : بصيراً ،
وقوله : فلا يهمله الخ هو المراد منه بطريق الكناية وقد مرّ مرارا. قوله : ( فلا أقسم ) الفاء في جواب شرط مقدّر أي إذا عرفت هذا أو إذا تحققت الرجوع بالبعث فلا الخ ، وقوله الحمرة الخ هذا هو المعروف حتى قيل : إنّ أبا حنيفة رحمه الله رجع عن كونه بمعنى البياض وقوله : سمي به هو على الوجهين ، وقوله : من الشفقة وهي رقة القلب بالترحم والانعطاف ، وفي الكشاف ومنه الشفقة وهما متقاربان لأنّ المراد الأخذ أو الاشتقاق الكبير وكل منهما مأخوذ من الآخر إلا أنّ المصنف لشهرة الشفقة جعلها أصلا ، والزمخشريّ لأنها رقة معنوية جعلها فرعا للحسية وهو الأظهر ثم إنّ ما أقسم به مناسب للمقسم عليه لما فيه من الانتقال من حال إلى آخر. قوله تعالى : ( { وَمَا وَسَقَ } ) ما فيه تحتمل الموصولية والمصدرية ، وقول المصنف وما جمعه على أنها موصولة عائدها مقدر ، وأصل الوسق الجمع ولذا قيل وسق للحمل المعروف لاجتماعه على ظهر البعير فأريد به هنا ما ستره الليل بظلمته لأنه لاشتمال ظلامه عليه كأنه جمع فروعا منه ، وقوله : فاتسق الخ يعني أنّ افتعل واستفعل بمعنى وكل منهما مطاوع فإنهما وردا كذلك في كلام العرب كما بيته الزمخشري. قوله : ( مستوسقات الخ ( هو عجز بيت من الرجز وهو :(8/339)
ج8ص340
إنّ لنا قلائصا حقائقا مستوسقات لويجدن سائقا
والشاهد فيه ورود مستوسقات بمعنى متسقات أي مجتمعات وقلائص جمع قلوص ،
وهي الناقة الفتية وحقائق جمع حقاق جمع حقة ، وهي الناقة الداخلة في الرابعة ولو للتمني أو بمعناها المعروف. قوله : ( أو طرده الخ ( معطوف على قوله ة جمعه على أنّ الوسق بمعنى الطرد وهو بمعنى المخلوقات أيضا لأنها تذهب إلى مقرّها في الليل فكأنه يطردها له ، والوسيقة بمعنى المطرودة لأنها الإبل المسروقة وهي تساق وتطرد ، وقوله : وتم بدراً تفسير لقوله : اجتمع فإنه المراد به كما يقال حال متسقة بمعنى تامّة. قوله : ( حالاً بعد حال ) هو تفسير لحاصل المعنى المراد منه فهو شامل للوجهين في عن فإنه قيل إنها للمجاوزة وقيل : بمعنى بعد والبعدية والمجاوزة متقاربان لكنه ظاهر في الثاني ، وقوله : وهو أي طبق معناه ما طابق غيره مطلقاً في الأصل ، ثم إنه خص في العرف بما ذكره وهو الحال المطابقة أو بمراتب الشدة
المتعاقبة فعلى الأوّل المراد حال توافقكم بحسب أعمالكم ، وعلى الثاني المراتب ما ذكر من الموت وما معه ، وقوله : أو هي أي المراد هنا المدّكورات كلها ودواهي الدنيا السابقة عليها ، وقوله : على أنه أي طبق جمع طبقة كتخم وتخمة أو هو اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة ، وأهل اللغة يسمونه جمعا وإن فرق النحاة بينهما كما هو معروف في النحو ، وقوله : أو مراتب معطوف على قوله : حا لاً وقوله : وهي راجع للمراتب ، والموت مرتبة أو جعله مراتب لأنه جامع لأمور كثيرة تعد مراتب ، وقوله : وأهوالها التي في مواطنها فليس تفسيراً للمواطن كما توهم. قوله : ( باعتبار اللفظ ) فإنه مفرد وإن أريد به الجنس الذي هو جمع معنى فقد روعي في القراءتين جانب اللفظ ، والمعنى أو الخطاب الإفرادي في هذه القراءة للنبيّ صلى الله عليه وسلم وعليه يزاد عليها شريفة بعد أخرى من مراتب القرب أو هو تبشير بالمعراج فهو جمع طبقة ، ويجوز أن يراد مراتب من الشدّة في الدنيا باعتبار ما يقاسيه من الكفرة ويعانيه في تبليغ الرسالة. قوله : ( وبالكسر ) أي قرئ بكسر الباء الموحدة على تأنيث الإنسان المخاطب باعتبار النفس ، وقوله : على الغيبة يعني في قراءة الياء التفات من خطاب الإنسان إلى الغيبة وقوله : وعن طبق الخ أي هو إمّا صفة أي طبقاً مجاوز الطبق أو كائنا بعد طبق أو حال من الضمير في قوله : لتركبن ، ولذا فسره بقوله : مجاوزاً على قراءة الإفراد ومجاوزين على قراءة الجمع ولو زاد أو مجاوزة على قراءة كسر الباء كان أتمّ لكنه أحاله إلى القياس فلا غبار عليه كما توهم ، وقيل : الأوّل على الوصفية والثاني على الحالية فاقتصر على أحد الوجوه فيها وهو وجيه ، وأمّا نصب طبقاً فعلى التشبيه بالظرف أو الحالية والذي في الكشاف إنه مفعول به على جعل الحال مركوبة مجازاً. قوله تعالى : ( { فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } ) قال الإمام : هو استفهام إنكاريّ ومثله يذكر بعد ظهور الحجة وهو هنا كذلك لأنّ ما أقسم به من التغيرات العلوية والسفلية يدل على خالق عظيم القدرة فيبعد ممن له عقلى عدم الإيمان به ، والانقياد له كما فصله وأطال فيه فلينظر. قوله : ( لا يخضعون ( فالسجود تجوّز به عن الخضوع اللازم له أو المراد به ظاهره فالمراد بما قبله قرئ القرآن المخصوص ، أو وفيه آية سجدة وقوله : لما روي الخ دليل للتفسير الثاني إلا أنّ العراقي وابن حجر قالا إنّ هذا الحديث لم يثبت فقوله : واحتج به إن أراد
بالحديث كان الاحتجاج غير تام لأنّ الحديث لم يثبت ولو ثبت لم يدلّ على الوجوب ، وإن أراد بما وقغ في هذه الآية أو بالآية وتذكير الضمير لأنها قرآن ففيه أيضا بحث كما قيل إلا أن الإنكار يدل في الجملة عليه ، ولذا قال الشافمي رحمه الله الإنكار لطعنهم في السجود ، وقول أبي هريرة ما سجدت الخ للردّ على ابن عباس فإنه ذهب إلى أنّ المفصل ليس فيه سجدة تلاوة والمفصل فيه أقوال ثلاثة فقيل : هو من القتال وقيل من الفتح ، وقيل : من الحجرات قال في الكشف وهو الأصح. قوله : ( بما يضمرون الخ ) على التشبيه بالوعاء فهو استعارة وعلى هذا فهو في حق المنافقين ويبعده كون السورة مكية ، ولذا قيل : المراد بما يضمرونه حقية الدين وإن أخفوه عنادا ولا بعد فيه كما قيل وليس في النظم ما يأباه فتدبر. قوله : ( استهزاء بهم ( حيث جعل العذاب مبشراً به ، وقد مز تحقيقه في البقرة وقوله : أو متصل الخ على أنّ المراد بمن آمن من أسلم من هؤلاء الكفرة فآمنوا باعتبار ما مضى أو بمعنى(8/340)
ج8ص341
يؤمنون والأوّل أظهر ، ولذا اقتصر عليه الزمخشري وهو المناسب لما بعده وقوله : مقطوع فهو من المن بمعنى القطع أو من المنة بمعنى الإحسان والإنعام ، وقوله : وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديث موضوع ، وقوله : فيه أن يعطيه بتقدير الجار أي من أن يعطيه تمت السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على خير خلقه وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة البروج
لم يذكر خلاف في مكيتها ولا في عدد آياتها.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( يعني البروج الاثني عشر ) المعروفة فالمراد بالسماء السموات كلها أو جنسها الشامل لكل سماء لأنّ البروج فيها أو السابعة ، والفلك الأعلى وهو فلك الأفلاك وهو العرش في لسان الشرع ، أو سماء الدنيا لأنها تعرف منها فهو كقوله : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } [ سورة الملك ، الآية : 5 ] . قوله : ( شبهت بالقصور الخ ) يعني أنّ أصل معنى البرج الأمر الظاهر من التبرّج ، ثم صار حقيقة في العرف للقصور العالية لأنها ظاهرة للناظرين ، ويقال : لما ارتفع من سور المدينة برج أيضاً وأمّا بروج السماء بالمعنى المعروف منها ، وإن التحق بالحقيقة والعرف العام أيضا وعند المنجمين فهو في الأصل استعارة فإنها شبهت بالقصور لعلوّها ولأنّ النجوم نازلة فيها كسكانها ففيه استعارة مصرّحة تتبعها مكنية ، وقول الطيبي إنه شبه الفلك بسور المدينة فاثبت له البروج غير مناسب لما ذكره الشيخان هنا نعم هو وجه آخر. قوله : ( أو منازل القمر ) أي التي سبق بيانها في سورة يس ، وقوله : لظهورها لأنّ أصل معنى البرج الظاهر كما مرّ ، وهو تعليل لإطلاقها على عظام الكواكب فقط لأنّ البروج غير ظاهرة حساً ، وكذا المنازل بالنسبة للعامة ، وقوله : أبواب السماء الواردة في لسان الشرع والأحاديث الصحيحة وقوله : فانّ النوازل تخرج منها أي مع الملائكة فجعلت مشبهة بقصور العظماء النازلة ، أو أمرهم منها أو لأنها لكونها مبدأ للظهور وصفت بالظهور مجازاً في الطرف لا في النسبة كجري النهر كما قيل لأنه بعيد متكلف كما لا يخفى. قوله : ( ومن يشهد في ذلك اليوم الخ ) ذكروا فيه وجوها مبناها على أنه من الشهادة على الخصم أو من الشهادة بمعنى الحضور ضد المغيب فهو على الوجه الأوّل من الحضور والشاهد الخلائق المبعوثون يوم القيامة ، والمشهود أهوال ذلك اليوم وعجائبه المشاهدة فيه فيكون اللّه أقسم بيوم القيامة ، وما فيه تعظيما لذلك اليوم وتهديداً لمنكريه. قوله : ) وتنكيرهما الخ ) المراد بالوصف مطلق أحوالهما أو
الشهادة والمراد الثاني هنا فتنكيره وتنويته للتعظيم للوصف كأنه قيل ة شهادة لا يحيط بها نطاق البيان. قوله : ( أو المبالغة في الكثرة ) فالتنوين للتكثير ، وهدّا كما مرّ بيانه في قوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } [ سورة التكوير ، الآية : 4 ا ] وأخره مع تقدمه في الكشاف لأنّ عموم النكرة في الإثبات مخالف للمعروف المقرّر في العربية وقيل : لأنه لا يتأتى فيما بعده وفيه إنه لو قصد إجراؤه فيما بعده أخره فكيف يلزم بما لم يرده. قوله : ( أو النبئ ) أي نبينا عليه وعلى آله وصحبه أفضل صلاة وسلام لقوله : { وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا } [ سورة النساء ، الآية : 41 ] فالمشهود عليه أمّته وهم يشهدون على سائر الأمم وفي نسخة أو أمّته وسائر الأمم وهي أحسن لقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } [ سورة البقرة ، الآية : 143 ] وكل نبيّ يشهد على أمّته ، وهو ظاهر والشهادة في هذه الوجوه بالمعنى الأوّل ، وقوله : أو عكسه فإنه على ما قبله الشاهد الله لأنه مطلع وناظر لعباده ، والخلق كلهم شهود فإذا عكس فالشاهد الخلق لأنهم مقرون بوجوده بل أدلة على وحدانيته والمشهود به هو الله جل وعلا ، وقوله : وهو شاهد وفي نسخة فهو شاهد. قوله : ( أو يوم النحر او عرفة ) فهو شاهد لمن نحر فيه أو وقف ، وقوله : والحجيج هو المشهود عليه فيهما وهو جمع حاح أو اسم جمع له ، وقوله : المجمع بالتشديد وصيغة اسم الفاعل وهو من يحضر الجمعة ويصليها وفي نسخة الجمع وفسر بمزدلفة وفيه أنه علم لا تدخله اللام فالله تعالى قادر على أن يحضر هذا اليوم ويجسمه ليشهد على أهله. قوله : ( قيل إنه بجواب القسم الخ ) فجملة قتل خبرية لا دعائية ، وإن جاز ذلك أيضاً على(8/341)
ج8ص342
التأويل وما ذكره بناء على المشهور عند النحاة من أنّ الماضي المثبت المتصرّف الذي لم يتقدم معموله تلزمه اللام ، وقد في غير الاستطالة مطلقاً من غير شذوذ فإن لم يقترن بها يقدر كقوله :
حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموافما إن من حديث ولا صالي
وقيل : إنها لا تقدر في مثله على تفصيل في شرح التسهيل لا تمس الحاجة له هنا. قوله : ( والأظهر الخ ) لأنّ هذه الجملة دعائية على من تقدم ، ولا يناسب القسم عليها وقوله : كما لعن إشارة إلى أنّ قتل عبارة عن أشد اللعن والطرد كما مرّ ، وقوله : فإن السورة الخ تعليلى لكون هذا التقدير أظهر فإنّ سبب النزول يقتضي أنّ المقسم عليه ما يتعلق بكفار قريش ،
ويناسب ما ذكر فيليق تقدير هذا المذكور كما لا يخفى. قوله : ) ونحوهما ) الظاهر ونحوها على أنه ضمير الأرض ، ووقع في النسخ بالتثنية فقيل : إنه اعتبر فيه تقديم العطف على الربط وفيه نظر والحق بالضم ، والإهمال والا حقوق بضم الهمزة الشق المستطيل في الأرض جمعه أحاقيق ، وقوله : كبر بكسر الباء زاد سنه وشاخ ، وقوله : فقتلها أي فرماها فقتلها وجليس الملك نديمه ، وقوله : فقده بالمنشار بالنون والشين المعجمة وفيه تقدير يعلم من السياق أي فكلفه الرجوع عن دينه فلم يرجع فقده الخ ، وقوله : فدعا الضمير فيه للغلام أي دعا اللّه عليهم ، وقوله : فرجف ببناء المجهول أي اهتز حتى رمى من عليه ، وقوله : ليغرّق بتشديد الراء ، وبناء المجهول أيضاً وانكفأت بالهمزة أي انقلبت على من فيها ، وقوله : كنانتي هي جعبة السهام وهي معروفة ، وقوله : فتقاعست أي تأخرت عن جانب النار لتتقيها ، وقوله : فاقتحمت بالحاء المهملة أي رمت نفسها بسرعة في النار وهذا الحديث صحيح لكنه فيه زيادة وقعت في بعض طرقه ، وقوله : أحل نكاح الأخوات الخ لأنه نكح اختاله فقالت له : قل ذلك لئلا يلحقها العار ، وقوله : نجران هي بلاد باليمن وتنصر أي دخل في دين النصارى ، وذو نواس بضتم النون وفتح الواو وفي آخره سين مهملة ملك من ملوكهم سمي به لأنّ له ذؤابتين ينوسان أي يتحرّكان
على عاتقه وحمير بزنة درهم بالحاء والراء المهملتين اسم ملك اليمن ، وقوله : فأحرق في النار بعد أن دعاهم إلى دين اليهودية فمن لم يجبه أحرقه. قوله : ) بدل من الآخدود بدل الاشتمال ( والرابط مقدر أي فيه أوال بدل من الضمير أو لأنه معلوم اتصاله به ، فلا يحتاج لرابط وكذا كل ما يظهر ارتباطه فيما قيل. قوله : ) صفة لها بالعظمة ( أي بشدة احتراق من فيها ووجه إفادته للمبالغة أنه لم يقل موقدة بل جعلها ذات وقود أي مالكة الوقود ، وهو كناية عن زيادته زيادة مفرطة لكثرة ما يرتفع به لهبها وهو الحطب الموقد به لأنّ تعريفه استغراقي وهي إذا ملكت كل موقود به عظم حريقها ولهبها ، وقوله : للجنس لا ينافيه لأن الجنس يجامع الاستغراق كما سبق ، وما قيل من أنه لا يقال ذو المال إلا لمن كثر ماله غير مسلم ، وقوله : ذو النون يأباه. قوله : ) على حافة النار ) حافة بحاء مهملة وفاء مشددة الجانب يعني أنه بتقدير مضاف إذ كونهم على النار حقيقة غير متصوّر ، أو هو المراد منه بدون تقدير يقال : قعد على النار بمعنى قعد على مكان قريب منها كما قال :
وبات على النار الندى والمحلق
كما أشار إليه في الكشاف ، وقوله : وهم على ما يفعلون الخ ضمميرهم لأصحاب الأخدود والموقدين له فشهادتهم إما لهم بأن يشهد بعضهم لبعض إنه لم يقصر في خدمته في الدنيا أو شهادتهم عليهم في القيامة. قوله : ( وما أنكروا ) قال الراغب : نقمت من الشيء ونقمته إذا أنكرته إمّا باللسان وامّا بالعقوبة ، ومنه الانتقام انتهى. قوله : ( استثناء على طريقة قوله : ولا عيب فيهم ( وهو من قصيدة للنابغة أوّلها :
كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
وهو نوع من البديع يسمى تأكيد المدح بما يشبه الذمّ وهو معروف في كتب المعاني ، وهاهنا بحيث ذكروه وهو أنّ الشاعر يعرف أنّ الفلول ليست مما يعاب بخلات الكفرة فإنهم يرون الإيمان أمرا منكراً فالاستثناء فيه على ظاهره وليس مما ذكر في شيء فكيف جعله الزمخشري منه ، وتبعه من بعده ويدفع بأنه منه على كل حال لأنّ المنكر المذكور هنا لا يخلو حاله من أن يكون مشركا أو معطلاً منكرا للصانع رأسا كما يدل عليه ما مرّ من القصص فعلى الأوّل ليس المنكر هو الإيمان بالله بل نفي ما سواه وعلى الثاني هم لا يقولون بأنه(8/342)
ج8ص343
موصوف بهذه الصفات يقصر إنكارهم عليه فحق التعبير حيمئذ ما أنكروا إلا نفي آلهتهم ، أو ما أنكروا إلا
إثبات معبود غير معبودهم لكن لما كان مآل الإنكار إنكار المعبود بحق الموصوف بصفات الجلال والإكرام عبر بما ذكر ، وعدل عما هو مقتضى الظاهر إثباتا للمنكر في ضمن ذكر نفيه فهو من ذلك القبيل لأنه تأكيد الإثبات بما يشبه النفي واليه أشار في الكشاف ، وشروحه فلا وجه لما قيل في دفعه من أنّ الإيمان بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض وهو على كل شهيد شيء لا يمكن أن يكون عيبا عند أحد فلا بد لصحة الاستثناء من تنزيله منزلة العيب أي لو كان فيهم عيب كان هذا فيكون نهاية في نفي العيب هذا إذا كان المراد ما أنكروا إلا الإيمان بالله الموصوف في اعتقادهم ، أمّا لو أريد الإيمان بالله الموصوف في الواقع بهذه الصفات فالاستثناء على ظاهر. من غير مرية ، والفلول جمع فل بالفتح وهو الكسر في حد السيف أو مصدر كالقعود بمعنى الكسر فيه ، والقراع المضاربة بآلات الحرب والكتائب بالمثناة جمع كتيبة وهي الجيش العظيم ، وفي الحواشي هنا كلام لا معنى له فتركه خير من ذكره فتدبر. قوله : ( غالباً الخ ) تفسير للعزيز كما أنّ منعماً الخ تفسير للحميد إشارة إلى أنّ الحمد هنا بمعنى الشكرك فإنه غلب عليه في الاستعمال ، وقوله : عزيزا غالبا يخشى عقابه وقع موزوناً من بحر الوافر لكنه لا يسمى شعر العدم القصد فيه ، ومثله : كثير فلا يلتفت لما توهم من أنّ تغيير عبارة الزمخشبريّ لذلك ، وقوله : وقرّر ذلك أي كونه غالباً مخشياً ومنعماً مرجواً لأنّ مالكيته لنا ولما معنا يدل على عظيم الأنعام ومن يفعل مثله يرجي أعظم رجاء :
واني لأرجو الله حتى كأنما أرى بعيون الظن ما الله صانع
ومن كانت له هذه القدرة ، وهو عالم بأفعال عبيده فهو الغالب الذي يخشاه من يعزف العواقب ، وقوله : للأشعار الخ متعلق بقوله : قرّر ، وقوله : به تنازعه يستحق ويؤمن فهو مقرّر لما قبله ومثبت لوجوب الإيمان ولزوم الطاعة له. قوله تعالى : ( { إِنَّ الَّذِينَ } الخ ) قوله : فلهم خبر أنّ ودخلته الفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط ولا يضرّه دخول إن كما ذهب إليه الأخفش وعذاب جهنم فاعل الظرف أو مبتدأ ، وقوله : بلوهم بالأذى أي اختبروا ثباتهم على الإيمان بأذيتهم لهم وهو تفسير لقوله : فتنوا وبلوا من الابتلاء وهو الاختبار ، وقوله : بكفرهم إشارة إلى أنّ عذاب الكفار يضاعف بما قارنه من المعاصي كما سيأتي تقريره. قوله : ( العذاب الزائد في الإحراق ) الزيادة من صيغة فعيل فإنهما للمبالغة ، وهو بيان للتغاير بين المتعاطفين كما هو حق العطف ولا وجه لما قيل إنهما واحدا ولو جعل من عطف الخاص على العامّ للمبالغة فيه لأنّ عذاب جهنم بالزمهرير والإحراق وغيرهما كان أقرب ويوضحه إضافة العذاب للحريق
فلا حاجة إلى القول بأنها بيانية أو الحريق مصدر. قوله : ( وقيل المراد بالذين فتنوا الخ ) إشارة إلى أنّ الذي اقتضاه سبب النزول أن يراد بهم كفار قريش وأذيتهم لمن أسلم في ابتداء الإسلام أو الأعمّ منهم ومن أصحاب الأخدود فإنه تذييل لما قبله ، وفي جعل الحريق جزاء الفتنة دقيقة تظهر لمن له ذوق ووجهه تمريضه ظاهر مما ذكرنا. لا لأنه لم ينقل أنّ أحداً منهم تاب كما أورده أبو حيان على الزمخشريّ في ترجيحه لهذا الوجه بمقتضى التذييل وقد عرفت توجيهه فتأمّل ، وقوله تعالى : { ذَلِكَ الْفَوْزُ } الإشارة إلى كون ما ذكر لهم ، وقوله : ( إذ الدنيا ) بيان لوجه وصفه بالكبير. قوله : ( فإن البطش الخ ) إشارة إلى ما في وصفه بالشدة من المبالغة ، وقوله : يبدى الخ تفسير له بما صرّح به في غير هذه السورة أي ومن كان قادرا على الإيجاد والإعادة إذا بطش كان بطشه في غاية الشدّة ، وبهذا ظهر تعليل هذه الجملة لما سبق وعلى ما بعده وهو أظهر وقيل في وجهه إنّ الإعادة للمجازاة فهي متضمنة للبطش ، والأوّل أقرب وأسدوا ما جعل البدء والإعادة في الآخرة وإنه كقوله تعالى : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا } [ سورة النساء ، الآية : 56 ] ففي غاية البعد. قوله : ( لمن تاب ) خصه به إمّا لمناسبة مقام الإنذار أو لما في صيغة الغفور من المبالغة فأصل المغفرة لا يتوقف على التوبة ، وزيادتها بما لا يعلمه إلا الله للتائبين فلا يتوهم أنّ هذا لا يوافق مذهب أهل السنة ، وإنه غفلة منه لاتباعه للزمخشريّ في مثله. قوله : ( المحب لمن أطاع ) ففعول مبالغة ، وهو بمعنى اسم الفاعل لا المفعول على أنّ المعنى يحبه خلص عباد. لأنه خلاف(8/343)
ج8ص344
الظاهر ومحبة الله ومودته بأنعامه وإكرامه إذ المحبة بالمعنى الحقيقي لا يوصف بها الله تعالى ، وقد مرّ مرارا. قوله : ( خالقه ) تفسير لكونه صاحب العرش لأنه السرير ، وهو في صفات غير الله بمعنى آخر وقوله : الملك هو بطريق الكناية أو التجوّز ولو جعل ذو العرش بمعنى الملك أيضا جاز ، وقيل : إنه الأظهر ، وقوله : صفة لربك فقوله : إنه هو جملة معترضة والفصل بين الصفة والموصوف بالخبر جائز لأنه غير أجنبي كما صرّح به ابن مالك ، وإن خالف فيه ابن الحاجب فإنه قال : إنه شاذ. قوله : ( فإنه واجب الوجود ) هذا تعليل لعظمة الذات فإن واجب الوجود تستند إليه جميع الذوات وكل الموجودات ، وتامّ القدرة والحكمة تعليل لعظم الصفات كلها لأنهما من أصولها لاقتضائهما إحاطة العلم وهكذا ، وقوله : وجرّه الخ جزم في الكشاف على هذه القراءة بأنه صفة للعرش لأنّ الأصل عدم الفصل بين التابع والمتبوع فلا يذهب إليه من غير داع. قوله : ( ومجده علوّه
وعظمته ) يعني إذا وصف به العرش فمجده بهذا المعنى كما ورد في الحديث من أنّ الكرسيّ بجنب العرش كحلقة فلا فلاة وإذا وصف به الله فالمراد سعة فيضه ، وكثرة جوده كما فصله الراغب. قوله : ( لا يمتنع عليه مراد الخ ) أي هدّا دال على العموم وانه تعالى قادر على جميع ما يريد وفاعل له فإيمان الكافر وطاعة العاصي لو أرادهما أوجدهما ، وهو رد على المعتزلة في قولهم : إنه تعالى يريد إيمان الكافر وطاعة العاصي على ما عرف من مذهبهم ، ولذا عدل المصنف رحمه الله تعالى عما في الكشاف إلى ما ذكر وهو مشهور. قوله : ( أبدلهما من الجنود الخ ( ولما لم يطابق البدل المبدل منه في الجمعية لأنه بدل كل من كل قيل : هو على حذف مضاف أي جنود فرعون ، وقيل : المراد بفرعون هو وقومه واكتفى بذكره عنهم لأنهم أتباعه قيل ، ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار أعني لأنه لما لم يطابق ما قبله وجب قطعه ولا يرد عليه أيضا إنه تفسير للجنود فيعود الإشكال لأنه لو أبدل كان المعطوف عليه عين الجنود إلا أن يدعي أنّ البدل هو المجموع ، وهو خلاف الظاهر بخلاف ما لو قدر أعني فإنّ المفسر المجموع ، والفرق مثل الصبح ظاهر. قوله : ( قد عوفت تكذيبهم للرسل وما حاق بهم ) أي ما حل بهم يعني به إنّ المراد بما ذكر تسلية النبيّ غتي! وتهديد الكفار لأنه بيان لأنّ الحال مستمرة على ما يرى في جميع الأعصار ، وقوله : لا يرعوون عنه أي لا ينتهون ويكفون عما ذكر يقال : ارعوى عن كذا إذا انزجر وتركه ، قال الأزهرفي في التهذيب : قال الليث : يقال ارعوى فلان من الجهل ارعواء حسناً ورعوى ، وقال أبو عبيد الرعوي : الندم على الشيء والانصراف عنه والترك له وهو نادر في هذا الباب ولا يعلم في المعتلات مثله اهـ وعدم الكف من العدول عن يكذبون إلى جعلهم في التكذيب وأنه لشذته أحاط بهم إحاطة الظرف بمظروفه أو البحر بالغريق فيه مع ما في تنكيره من الدلالة على تعظيمه وتهويله ، ولذا قال : أشد من تكذيبهم ففيه استعارة تبعية في كلمة في ، وقوله : سمعوا قصتهم أي قصة فرعون وثمود وجنودهم ، وقوله : رأوا آثار هلاكهم لأنهم كانوا يمرون بديار ثمود. قوله : ) ومعنى الإضراب الخ ) أي هو إضراب انتقالي
للأشد كأنه قيل : ليس حال هؤلاء بأعجب من حال قومك فإنهم مع علمهم بما حل بهم لم ينزجروا ، وقيل : الإضراب عن قصة فرعون وثمود إلى جميع الكفار وليس بشيء ، وقوله : أعجب إشارة إلى ما في الاستفهام من معنى التعجيب هنا. قوله تعالى : ( { وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ } ) فيه تعريض توبيخيّ للكفار بأنهم نبذوا الله وراء ظهورهم وأقبلوا على الهوى والشهوات بوجوه انهماكهم ، وقوله : لا يفوتونه الخ إشارة إلى أنّ فيه استعارة تمثيلية وقوله : بل هو قرآن الخ إضراب عن شدة تكذيبهم ، وعدم كفهم عنه إلى وصف القرآن بما ذكر للإشارة إلى أنه لا ريب فيه ولا يضره تكذيب هؤلاء. قوله : ( صفة للقرآن ) وكذا قوله : في لوح إلا أن فيه تقديم الصفة المركبة على المفردة وهو خلاف الأصل ، وقوله : وهو الهواء يعني أنه قرئ في الشواذ لوج بضم اللام وهي قراءة ابن يعمر ، وغيره وأصله في اللغة الهواء والمراد به هنا مجاز إما فوق السماء السابعة فلا يرد عليه شيء. قوله : ( عن النبني صلى الله عليه وسلم الخ ) حديث موضوع ، وقوله : جمعة وعرفة بالتنوين وهو منصرف هنا لتنكيره ، ولذا أضيف له كل ، وإن كان قبل ذلك غير منصرف ( تمت ) السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على من أنزلت عليه وعلى آله وصحبه.(8/344)
ج8ص345
سورة الطارق
لم يذكروا خلافا في مكيتها وفي آياتها خلاف يسير لأنه قيل : إنها ستة عشر.
بسم الله الرحيم الرحيم
قوله : ( والكوكب البادي الخ ) المذكور في كتب اللغة أنّ الطارق من الطرق وأصل معناه الضرب بوقع وشدة يسمع لها صوت ، ومته المطرقة والطريق لأنّ السابلة تطرقها ، ثم صار في عرف اللغة اسماً لسالك الطريق لتصوّر أنه يطرقها قدمه ، واشتهر فيه حتى صار حقيقة وأصلاً بالنسبة لما عداه فلا يرد على قوله في الأصل الخ أنّ أصل معناه القرع والوقع دون ما ذكر وتسمية الآتي ليلاً طارقاً لأنه في الأكثر يجد الأبواب مغلقة فيطرقها ، وقوله : للبادي أي للكوكب البادي. قوله : ( المضيء ) أصل معنى الثقب الخرق فالثاقب الخارق ، ثم صار بمعنى المضيء كما في قوله :
نظم الجزع ثاقبه
وقد يخص بالنجوم والشهب ، ولذا قيل في توجيه الإطلاق على ما ذكر أنه لتصوّر أنه
ثقب الظلام أو الفلك فقوله : أو الأفلاك معطوف على الظلام ضد الضوء. قوله : ( والمراد الجنس ) أي بالنجم الثاقب على أنّ تعريفه للجنس ، أو كوكب معروف بالثقب وشدّة الإضاءة على أنّ تعريفه للعهد ، وقوله : زحل بوزن عمر ممنوع من الصرف ودخول أل عليه علم للكوكب المعروف من زحل بمعنى بعد لأنه أبعد الكواكب السيارة أي أعلاها ، وقال الإمام : أنّ الثاقب غلب عليه كما غلب النجم على الثريا إمّا لأنّ ضوءه يثقب سبع سموات أو هو من ثقب بمعنى ارتفع كما ذكره الفراء لأنه أرفع السيارة مكانا فثقب يكون بمعنى أضاء وارتفع ، وترك ما في الكشاف من تفسيره بالشهاب الساقط على الشيطان لظهور أنه لا يختص به. قوله : ( عبر عنه أوّلاً الخ ) يعني كان مقتضى الظاهر أن يقال : ابتداء والنجم الثاقب لأنه أخصر وأظهر فعدل عنه تفخيما لشأنه فأقسم بما يشترك فيه هو ، وغيره وهو الطارق ثم سال عنه وفسره بما ذكر للتفخيم الحاصل من الإبهام ، ثم التفسير ومن الاستفهام. قوله : ( أي إنّ الثأن الخ ) هذا على قراءة
التخفيف وعني به أنّ إن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدّر ، وكل نفس مبتدأ وعليها حافظ خيره ، وما زائدة واللام هي الفارقة ، وسماها المصنف فاصلة وهو مخالف للمعروف في اصطلاح النحاة إلا أنّ المعنى واحد ، وقد قيل إنه لا حاجة لتقدير ضمير الشأن فإنه في غير المفتوحة ضعيف وأيضا يلزمه دخول اللام الفارقة على جزء الجملة الخبرية الثاني ، والمعروف دخولها على الأوّل كما في حواشي التسهيل. قوله : ( حافظ رقيب ) الحافظ الكاتب أو مطلق الملائكة الحفظة أو الله إلا أنّ قول المصنف بعد. فلا يملي على حافظه إلا ما يسره يدل على أنّ المراد الأوّل ، وقوله : فإنّ هي المخففة الخ هذا على أحد المذهبين المشهورين فيها وقيل : إنها نافية واللام بمعنى إلا قال أبو حيان وهي لغة لهذيل نقلها الأخفش. قوله : ( على أنها ) أي لما المشددة بمعنى إلا الاستثنائية وأنكره الجوهريّ ، ورده غيره بأنه لغة لبعض العرب ثابتة ، وقال الرضي : لا تجيء إلا بعد نفي ظاهر أو مقدر ولا يكون إلا في المفرغ فالخبر هنا محذوف والتقدير ما كل نفس كائنة في حال من الأحوال إلا في حال أن يكون عليها حافظ ورقيب ، وقوله على الوجهين لأنّ القسم كما يتلقى بأن المؤكدة يتلقى بأن النافية كثيرا كما قرّر في النحو وكل على هذا مؤكدة لأنّ نفس حينئذ نكرة في سياق النفي فتعم. قوله : ( لما ذكر الخ ا لأنه إشارة إلى تفرع هذا على ما قبله وتوجيه لاقترانه بالفاء وليست فصيحة ، وقوله : إلا ما يسره ضمير المفعول للإنسان أي ما يسر الإنسان إذا رآه وقت نشر الصحف كما قيل : وأخجلني وصحائفي سود غدا وتطلعي فيها شبيه القاري
أو هو للحافظ لأنه قيل : إنه تسوءه السيئات في وقت الكتابة ويود انها لم تكن والأوّل أظهر. قوله : ( جواب الاستفهام ) وإن تعلق بقوله : فلينظر لأنّ المراد أنه في صورة الجواب فلا وجه لما قيل إنه على هذا غير متعلق به أو يقدر استفهام آخر قيل وفيه دليل على مذهب المتكلمين من أنّ الإنسان اسم لهذا الجسم(8/345)
ج8ص346
المخصوص وأنّ الإعادة له لا للروح المجرّدة ، وفيه بحث. قوله : ( بمعنى ذي دفق ) إشارة إلى أنّ الماء مدفوق لا دافق فلذا قيل : إنّ اسم الفاعل بمعنى المفعول كما أنّ المفعول يكون بمعنى الفاعل كحجاباً مستوراً كما مرّ ، وهو كلام ظاهري والصحيح أنه بمعنى النسبة كلابن وتامر أي ذي دفق وهو صادق على الفاعل والمفعول ، أو هو مجاز في الإسناد فأسند إلى الماء ما لصاحبه مبالغة أو هو استعارة مكنية وتخييلية كما ذهب إليه السكاكيّ أو مصرّحة بجعله دافقا لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق بعضه بعضا أي يدفعه كما أشار إليه ابن عطية. قوله : ( وهو ) أي الدفع صبّ فيه دفع ، والنطفة لا
توصف بالصب إلا بأحد الوجوه السابقة ، وما نقل عن الليث من أن دفق بمعنى انصب فدافق بمعنى منصب من غير تأويل قالوا الصحيح إنه لم يثبت كما صزج به صاحب القاموس وغيره ، وقد يقال : إنه بيان لحاصل معناه في الآية لأن أهل اللغة لا يفرقون بين الحقيقة والمجاز فلا وجه لنقله هنا مع التصريح بما ذكر. قوله : ( والمراد الممتزج من الماء ير ني الرحم ( فصارا بالامتزاج ماء واحداً فلذا فال تعالى : من ماء ولم يقل من ماءين مع أن الإنسان لا يخلق من ماء واحد ولذا كان روح الله عيسى صلى الله عليه وسلم توالده خارق للعادة كما ذكره الحكماء ، وقوله : لقوله يخرج الخ إشارة إلى أن الترائب مخصوص بالمرأة كما قال ابن الخازن في تفسيره ترائب المرأة هي عظام الصدر والنحر وقال ابن عباس هي موضعالقلادة من الصدر وعنه أنه ما بين ثدسيى المرأة اهـ ، فسقط ما أورد عليه من أن مراده اختصاص الترائب بالمرأة فيكون المراد بما ذكر أنه ماء ممتزج من ماءين لكن الاختصاص ممنوع كما يعلم من تتبع كتب اللغة وقد ذكر السمين ما يقرب من كلام ابن الخازن وعليه استعمال العرب كقوله :
ترائبها مصقولة كالسجنجل
ولولا خوف الإطالة أوردنا له نظائر ولو سلم ما ذكره دفع أيضا بأن تعريفه للعهد والى ما
ذكر أو لا يشير الزمخشري بتفسيرها بعظام الصدر حيث تكون القلادة وهو جمع تريبة ، وقيل : الترائب التراقي. قوله : ( ولو صح أنّ النطفة الخ ( إشارة إلى ما طعن به بعض الملحدة بأن التطفة لا تخرج من بين الص!لب والترائب سواء أريد مخرجها البعيد أو القريب وفي قوله : لو صح إشارة إلى ما قاله الإمام من أنه غير صحيح فإنه مبني على تخيلات لا أصل لها فاللائق بنا أن نتبع ما نطق به الكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه وندع التقليد لمثل هؤلاء. قوله : ) من فضل الهضم الرابع ) إشارة إلى ما تقرّر في الطب من أن الغذاء ينضهم أوّلاً في الفم بالمضغ وثانياً في المعدة بطبخها له بالحرارة الطبيعية الموقدة في مطبخها ، ثم تجذب صفوته بعروق متصلة بها إلى الكبد فتهضمه هضما ثالثاً ، ثم إلى الأعضاء جميعها فينهضم فيها هضماً رابعاً بعده لتنمية الأعضاء وبقائها وما زاد على ذلك ينفصل عن جميع الأعضاء إلى مقر المني بعد أن أوح فيه خلاق القوى والقدر ما يستعد به للتوليد والتخلق ، وقوله : ومقرها الخ شروع في بيان ما طعن به بأنّ مقرها العروق المذكورة ومبدؤها جميع الأعضاء فكيف يكون مخرجها بين الصلب والترائب. قوله : " نّ الدماغ أعظم الأعضاء الخ ) هذا شروع في الجواب
بعد المنع المشار إليه بقوله : لو صح أي لا نسلم صحته ، ولا يلزمنا تأويل كلام الله ليوافق خيالات هؤلاء ، ولو سلم تولده من جميع الأعضاء فأعظمها في ذلك الدماغ ، ولذا كان المنيّ مشابها له لونا ورطوبة ، وغير ذلك ورأينا مكثر الجماع يضعف دماغه فدلنا ذلك على أنّ له دخلا قوياً في التوليد ، وقوله : بالضعف الباء متعلقة بالإسراع للتعدية أي يجعل الإفراط في الجماع الضعف سريعا فيه ، وقوله : وله أي للدماغ خليفة أي قائم مقامه في كل ما يكون كالمعونة المذكورة ، والنخاع مثلث النون خيط أبيض في جوف عظم الرقبة ممتد إلى الصلب ويتشعب منه شعب كثيرة إلى الأضلاع وينزل إلى الترائب على ما بين في علم التشريح والصلب ، والترائب أقرب إلى وعاء المني في مقره فلهما زيادة مدخل في توليدها وقرب مقرها بالنسبة إلى سائر الأعضاء ، ولذلك خصا بالذكر من بينها. قوله : ( وشعب كثيرة الخ ) قيل عليه إن تلك الشعب أعصاب لا تجويف لها فلا تعلق لها بالدماغ ، وتخصيص الترائب بالنساء غير ظاهر وقد مرّ ما فيه ، ئم قيل إنّ الوجه انّ النخاع والقوى الدماغية والقلب كلها تتعاون في إبراز ذلك الفضل على ما هو عليه قابلاً للتوليد وقوله : بين الصلب والترائب عبارة مختصرة جامعة لتأثير الأعضاء الثلاثة فالترائب تشمل القلب ، والكبد(8/346)
ج8ص347
وشمولها للقلب أظهر ، والصلب النخاع ويتوسطه الدماغ ولم يحتج للتنبيه على مكان الكبد لظهوره لأنه دم نضج وأنما ينبه على ما خفي كالصلب والدماغ ( قلت ) ولو جعل قوله من بين الصلب والترائب كناية عن البدن كله لم يبعد ، وقوله : وقرئ الخ والكل لغات في الصلب بمعنى واحد. قوله تعالى : ) { إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ } ) أي إعادة الإنسان ونثره من مقدوراته تعالى لأنه ليس بأعظم من إيجاده من نطفة تمني ، وقوله : والضمير أي في قوله : إنه وضمير رجعه للإنسان ، وقوله : تتعزف إشارة إلى أنّ الابتلاء الاختبار ، والمراد به الاستنباء عنه كناية لازمة وهو التعرّف والتميز ، وتمييز سرائره لتمييز عقائده وينبني عليه تمييز أعماله كما أشار إليه المصنف. قوله : ) وهو ظرف لرجعه ( وفيه وجوه أخر وهي مبنية على أن ضمير رجعه للإنسان أو للماء على معنى أنه تعالى قادر على رجع الماء إلى حاله الأوّل أو إلى مقره فلذا قيل إنه متعلق بقادر أو ناصر ، وقيل : عامله مقدر كاذكر أو يرجع وأمّ ما اختاره المصنف فقد أورد عليه أنه يلزم فيه الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبيّ فأجيب تارة بأنه جائز لتوسعهم في الظروف ، وأخرى بأنّ الفاصل هنا غير أجنبيئ ، وقيل : إن فصله كلا فصل لأنه في نية التقديم عليه وفيه ما فيه. فوله : ( من منعة ( بفتح الميم والنون بمعنى القوّة ، وحكي اسكان النون في لغة ضعيفة وقال الطيبي : إنه بالسكون لا غير والمفتوج جمع مانع ككاتب وكتبة وليس بمراد هنا وإن جوّز على أن المراد به أمور مانعة فإنه تعسف ، وقوله : يمنعه
إشارة إلى أنه لنفي المانع من نفسه ومن غير.. قوله : ( ترجع ) بالتاء الفوقية وبالبناء للفاعل أو المفعول فإنّ المشهور إنّ رجع يتعدى ومصدره الرجع ويلزم ومصدره الرجوع ، فإن قلنا إن الرجع يكون مصدرا للازم بمعنى الرجوع أيضاً فهو ظاهر والا فنقول هو مصدر المبني للمفعول بناء على القول به أيضا فرجع المفسر به مجهول أو هو بحذف زائد الرجوع للازدواج ولا مانع أيضاً من كونه مصدر المتعدي لإوجاع الله لها لكن تجوز في نسبته للسماء وكونه مسندا لها بتقدير المفعول أي رجع الكواكب بعيد جداً ، وقوله : تحرّك عنه بحذف إحدى تاءيه وأصله تتحرك فإن كان بمعنى المطر فلا تكلف فيه ، وقوله : يحمل الماء من البحار هو قول ضعيف ، وقوله : وعلى هذا أي على أنه مفسر بالمطر فالسماء ما علا أو السحاب بمعناه المعروف كما مر. قوله : ( ما تتصدع عنه الأرض الخ ) فهو اسم للنبات أو مصدر بمعنى الشق والظاهر أنه على الأوّل مجاز ، وللتوصيف بما ذكر علم أنه ليس المراد القسم على البعث بنفس السماء والأرض كما في قوله : " نتم أشد خلقاً أم السماء بناها الخ فلا وجه لما قيل إنّ المقصود أنهما في أنفسهما من شواهده فتدبر. قوله : ( 1 ن القرآن ) هذا أولى من إرجاعه لما تقدّم من القدرة على الإحياء لأنّ القرآن يتناوله وما بعده أنسب به كما في شرح الكشاف فلا وجه لإرجاعه لحديث الحشر كما قيل ، وقوله : فاصل الخ فالمصدر بمعنى الفاعل وهو أحسن من كونه بمعنى المفعول ، وقوله : في إبطاله الخ عدل عن قول الزمخشري في إبطال أمر الله واطفاء نور الحق لأن هذا أتم انتظاماً وإن كان ذلك أملأ فائدة. قوله : ( في استدراجي لهم الخ ) فالكيد هنا استعارة تبعية أو تمثيلية بتشبيه إمهال الله لهم ليستدرجهم بالكيد وبهذا يظهر تفريع أمره بإمهالهم. قوله : ( فلا تشتفل الخ ) الإمهال التأني ، والانتظار فقوله : لا تستعجل على أنه بمعنى تأنّ فإن زمان القتال وأمرك بإهلاكهم لم يأت فالفرق بينهما ظاهر ، وقوله : إمهالاً يسيراً تفسير لقوله : رويدا على أنه صفة مصدر مقدّر فإن في إعرابه وجوهاً منها هذا كما فصله المعرب. قوله : ( والتكرير الخ ) يعني كان مقتضى الظاهر إذا كرر للتأكيد اتحاد اللفظ فيهما فكرّر هنا مع
اتحاد المعنى ، وغيرت البنية إذ الأوّل من التفعيل والثاني من الأفعال ولاختلاف اللفظ فيهما أعرب الثاني بدلاً ، ولو قيل إنه تأكيد كان أقرب. قوله : ( وتغيير البنية لريادة التسكين ) المراد بالتسكين إمّا الإمهال لأنه بمعنى التأني ، وهو كالتسكين في المعنى أو ما فسره في بعض الحواشي بتسكين الغضب الذي في صدر النبيّ صلى الله عليه وسلم على الكفار بطلب التشفي منهم ، ووجه دلالة التغيير في البنية على ما ذكر الإشعار بالتغاير وهو آكد من مجرد التكرار فكان كلاً منهما كلام مستقل دال على الأمر بالتأني ، وهو أقوى من الدلالة بلفظ واحد فلا خفاء فيه كما قيل وأمّا القول بأن الأمر فيهما دل على الإيجاب ، والأفعال دل على عدم التدريج ، والتفعيل دل على(8/347)
ج8ص348
التدريج ففيه تأسيس ، والنفس إلى الجديد أرغب والى تطلب الفائدة أشوق فهو مراد القائل وليس بتوجيه آخر كما توهم فتدبر. قوله : ( عن النبئ صلى الله عليه وسلم ) حديث موضوع ( تمت ) السورة حامداً لله ، ومصلياً ومسلما على أفضل رسله الكرام وعلى آله وصحبه العظام ، على توالي الليالي والأيام.
سورة سبح
وتسمى سورة الأعلى وهي مكية عند الجمهور ، وقيل : مدنية لذكر العيد والف!طر فيها ،
وردّ بما في البخاري عن البراء ان أوّل من قدم علينا من الصحابة مصعب بن عمير رضي الله عنه وابن أم مكتوم فجعلا يقرئاننا القرآن ، ثم جاء النبيّ-شي!ر فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم بهءلمجيييه حتى قرأت سبح اسم ربك في سور مثلها ، وذكر العيد والفطر فيها غير مسلم ولو سلم فلا دلالة فيه على ذلك كما سيأتي تفصيله.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( نزه اسمه عن الإلحاد قيه ) أي عن العدول عما يليق بلفظه ، ومعناه بأن تذكره على
وجه التعظيم فلا تذكره على وجه الاستخفاف ، ولا في محل لا يليق به كالخلاء وحالة التغوّط ولا يؤوّله من غير مقتض ولا يبقيه على ظاهره أيضا إذا كان ما وضسع له غير مناسب كان يعتقد أنّ معنى العالم ذاته من غير صفة علم زائدة ثابتة له أو أن علمه حادث لأن اسم الفاعل يدل على ذلك أو يقول معنى كونه رحيما إن له قلباً رقيقاً فكما تمتنع التأويلات الزائغة تمتنع الحقائق الغير المناسبة فالإلحاد تفسيره بمعنى ينبغي تنزيهه عنه ، وجعل الزمخشري نفس المعنى إلحاداً مبالغة لا يضره كما قيل. قوله : ( وإطلاقه على غيره الخ ( كان يصف أحداً بأنه خالق لفعله أو يقول لسيده : ربي على وجه التسوية ، وقيل : كان يقول للوثن إنه إله وقوله : لا على وجه التعظيم ظاهر مما مر ، وقوله : وقرئ الخ هي قراءة شاذة تنسب لعلي رضي الله عنه وهذا كله على أن الاسم مقحم وقد ذهب إليه كثير واستدلوا بالحديث فإنه قال : اجعلوها في ركوعكم وسجودكم والمجعول فيهما سبحان ربي الأعلى وسبحان ربي العظيم ، وبذلك استدل على أنه مقحم وعلى أن الاسم هو عين المسمى كما فصل في شروح الكشاف وقوله في الحديث الخ هو حديث صحيح رواه أبو داود وغيره من أصحاب السنن ، وقوله : الأعلى صفة ربك
وجوّز الزمخشري كونه صفة الاسم أيضا ، وقوله : اجعلوها الخ لما كان في الركوع تذلل وتواضع لله ناسب ذكر عظمة الله فيه ولما كان في السجود تسفل ناسب وصفه تعالى بما يقابله فيه وهو إرشاد لوجه التعبد فيهما فافهمه فإنه من مقاصد الشارع الدقيقة ، وقوله : وكانوا أي الصحابة قبل أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا يقولون في السجود والركوع ما ذكر. قوله : ( خلق كل شيء الخ ( العموم مستفاد من عدم ذكر المفعول كما مرّ تحقيقه وفيه ردّ على المعتزلة ، وقوله : بأن جعل الخ تفسير لقوله : سوى لأن أصل معنى التسوية جعل الشيء متساويا وأريد به هنا جعل خلقه كما تقتضيه حكمته في ذاته وصفاته ، ولذا قال فسوّى خلقه لأنّ متعلق التسوية هنا الخلق وليس يريدان في النظم مضافاً مقدراً حتى يقال : المناسب لقوله خلقك فسوّاك أن لا يقدر المضاف كما توهم ، وهذه الصفة مبنية وموضحة للرب لأنه من التربية وهي تبليغ الشيء كما له شيئا فشيثاً. قوله : ( ما به يتأتى كماله ) هو شامل للحيوان وغيره بل للذوات والمعاني ، ولا يضرّ عمومه قوله بعده ومعاشه فإنه من عطف الخاص على العام كعطف جبريل على الملائكة فلا يرد عليه أنه يشعر بتخصيص مفعول خلق بالحيوان ، وكيف يتأتى هذا مع قوله كل شيء قبله. قوله : ( أي قدر الخ ) إشارة إلى أنّ التقدير هنا بمعنى جعل الأشياء على مقادير مخصوصة فإنّ له معاني أخر ، وقوله : بخلق الميول بالياء التحتية جمع ميل ، وهو بمعنى التوجه نحو أمر بتوجيه الطبيعة وايجابها له ، وهو شامل للحيوان وغيره ، وأمّا الاختياري فمخصوص بذوي الإرادة فالميول فيما له أفعال طبيعية وما بعد. في الأفعال الاختيارية ، ونصب الدلائل إشارة إلى الأدلة العقلية وما بعد. للسمعية ، وقوله : ما ترعاه إشارة إلى أنّ المرعى بمعنى اسم المفعول وقد مرّ تفسيره في سورة النازعات. قوله تعالى : ( { غُثَاء أَحْوَى } ) أصل الغثاء كما قاله الراغب ما يأتي
به السيل من النبات(8/348)
ج8ص349
والمراد الياب! هنا على أنه من استعمال المقيد بمعنى المطلق ، وأمّا الأحوى فصفة من الحوّة ، وهو السواد فلذا جاز فيه أن يكون بمعنى أسود لأنّ النبات إذا يبس اسودّ فهو صفة مؤكدة للغثاء ، وأن يراد به أنه طريّ غض شديد الخضرة لأنّ الأخضر يرى في بادى النظر كالأسود وينبني على المعنيين إمحرابه وأنه صفة غثاء أو حال من المرعى أخر للفاصلة وإليه أشار بقوله : أي أخرجه ، ولما فيه من التقديم والتاخير أخرجه ومرضه المصنف. قوله : ( على لسان جبريل عليه الصلاة والسلام ) فالإسناد مجازي ، وقوله : قارئا بإلهام القراءة الظاهر أنّ المراد به هنا أحد أقسام الوحي في القرآن كما ورد في حديث البخاريّ ، وآونة كصلصلة الجرس وهو أن يلحقه شيء كالغشي ، ويسمع صدى يقر في قلبه بألفاظ ملهمة له مثبتة في صحائف حفظه المشرّفة فيندفع عنه ما قيل : إنّ صيرورة الرسول قارئا بغير واسطة جبريل خلاف ما اشتهر في الدين ولم يقل به أحد ، وأمّا كونه إشارة إلى ما روي عن جعفر الصادق من أنه كان يقرأ الكتابة ولا يكتب ، وأنّ قوله : فلا تنسى لنفي مطلق النسيان عنه امتناناً عليه بأنه أوتي قوّة الحفظ كما قيل فمع بعده يأباه فاء التفريع. قوله : " ية أخرى ) أي كما أنّ القرآن نفسه آية أخرى ، وقوله : الإخبار به اًي بقوله : فلا تنسى لأنه أمر مستقبل مغيب عنه حين النزول ، وقوله : وقيل نهي عطف بح!سب المعنى على ما قبله لأنه علم منه أنه خبر عما يستقبل ولما كان في النهي مجزوما بحذف آخر. ، وقد أثبت هنا دفعه بأنّ آخره حذف للجازم والألف المذكورة للإطلاق في الفاصلة ، وهو جائز ولما كان هذا خلاف الظاهر والنسيان ليس بالاختيار فلا ينهى عنه إلا أن يراد به مجازاً ترك أسبابه الاختيارية أو ترك العمل بما تضمنه ، وفي ذلك ارتكاب تكلفات من غير داع لها ضعفه وأمّا كونه مخالفا لقوله : { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } [ سورة القيامة ، الآية : 6 ا ] الآيات فليس بشيء كما لا يخفى ، وقد أورد عليه أنّ رسمه بالياء يقتضي أنها من البنية لا للإطلاق وكون رسم المصحف مخالفاً للقياس تكلف آخر وأمّا القول بأنّ مراده بأنّ ألفه لم تحذف للجازم فتحميل الكلام ما لا يطيقه ، وأحسن منه أن يقال : رسمت ألف الإطلاق ياء لمشاكلة غيرها من الفواصل ، وموافقة أصلها مع أنه قيل أيضا : إنه عند الإطلاق تردّ المحذوفة كما صرّح به الإمام المرزوقي ولو قيل : إنه خبر أريد به النهي كان أقوى وأسلم ، وقوله : أصلاً في شرح المفتاح الشريفي إنه منصوب على المصدربة أي افتفاء بالكلية ، وقيل : إنه تمييز محوّل
عن الفاعل أي انتفى أصله وكذا قوله : رأساً بعده. قوله : ( بأن نسخ تلاوته ) فالنسيان كناية عن النسخ لأنّ ما لم ينسخ تلاوته من شأنه أن يتلى فيحفظ وغيره يترك فينسى فظهر فساد ما قيل من أنّ النسخ لا يوجب النسيان. قوله : ( وقيل المراد الخ ) ذكر فيه أربعة أوجه مبنية على أنّ الاستثناء حقيقي أو مجازي بأن يكون بمعنى القلة لأنّ المخرج في الاستثناء أقل من إلباقي ولأنّ ما شاء الله في العرف يستعمل للمجهول فكأنه قيل : إلا أمراً نادرا لا يعلم فإذا دل مثله على القلة عرفاً ، والقلة قد يراد بها النفي في نحو قل من يقول : كذا مجازاً أريد بالاستثناء هنا ذلك وهذا هو الوجه الثالث والرابع المبني على التجوّز في الاستثناء فان كان على حقيقته فالنسيان إمّا بمعناه المتعارف أو بمعنى نسخ الحكم والتلاوة ، والحديث المذكور صحيح رواه البخاريّ ، وغيره وكانت الصلاة صلاة الفجر فإن قلت : لا ينسى النبيّ صلى الله عليه وسلم رأساً وهذا الحديث مناف له ولا يلائمه قوله : فلا تنسى لأنه لا يكون الاستثناء من النفي نفياً بل هو إثبات والحمل على التأكيد بعيد قلت : أجاب عنه بعض شراح الكشاف بأنه على هذا من قبيل قوله : ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم
والمعنى فلا تنسى إلا نسيانا معدوما ، وهو النسيان المتعلق به مشيئة الله أن يكون هذا النسيان نسيانا إلا أنه لا يقرّ على النسيان فيما كان من أصول الشرائع والواجبات ، وقد يقرّ على ما ليس منها أو منها وهو من الآداب ، والسنن كما ذكره الإمام هنا. قوله : ) ما ظهر من أحوالكم ) تفسير للجهر فليس المراد به معناه المعروف المخصوص بالأقوال بل الأعم بقرينة مقابله ، وقوله : وما بطن تفسير لقوله : وما يخفى فهو على هذا تاكيد لجميع ما تقدّمه وتوطئة لما بعده ، وقوله : أو جهرك الخ فما ظهر بمعناه الحقيقي ، وقوله : وما دعاك إليه أي إلى الجهل تفسير لقوله : وما يخفى فهو على هذا تأكيد لقوله : سنقرئك فلا تنسى وقوله : فيعلم ما فيه الخ هو متفرع(8/349)
ج8ص350
على المعنى الأوّل ويجوز تفرعه عليهما معاً.
قوله : ( ونعدّك ) أي نجعلك مستعذاً لها ومتهيا كما في الحديث : " كل ميسر لما خلق
له " ، واليسرى صفة لموصوف مقدّر كما ذكره ، وقوله : في حفظ الوحي متعلق باليسرى
بمعنى المتيسرة فيه ، وقوله : أو التدين معطوف على حفظ الوحي فالمراد به دينه وشريعته السمحة التي هي أسهل الشرائع وأشرفها. قوله : ( ولهذه النكتة ( أي لإرادة معنى التوفيق منه عذاه بنفسه ، ولولاه عدى باللام كما في قوله : فسنيسره لليسرى ، ولا دخل للأعداد في التعدية بنفسه كما توهم لأنه يقال : يسره لكذا بمعنى هيأه وأعده له كما في الأساس فهو متعد باللام. قوله : ( وإئه يعلم اعتراضر ) وقيل : إنه يجوز فيه أن يكون تعليلا لما قبله وفيه نظر ، وقوله : استتب بمعنى استقام واستمر وهو إشارة إلى وجه تفرعه على ما قبله من قوله : ونيسرك الخ لأنّ المعنى حينئذ إنه تعالى ، وفقك لحفظ وحيه ونشر شرائعه فذكر. قوله : العل هذه الشرطية الخ ( جواب عما يرد من أنه مأمور بالتبليغ نفع أم لا فما وجه هذا التقييد بأنه لما بلغ وأعاد التبليغ بمكة وأصروا على العناد ولم يزدهم تذكيره إلا غروراً ، وعلم الله ما هو عليه من الحرص والتحسر ، المؤثر فيه كما في قوله : لعلك باخع نفسك أمره بما ذكر مشروطاً تخفيفا عليه ، واعذارا في أمر ، بعد ذلك بالقتال. قوله : ) أو لذم المذكرين الخ ( هذا هو الجواب الثاني فيكون الشرط معناه غير مراد كما في الوجه السابق بل المراد ذم هؤلاء كما تقول عظ فلانا إن سبمع منك ، والمقصود تسلية النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقوله : أو للإشعار الخ هذا هو الجواب الثالث قيل : والفرق بينه وبين الأوّل إنّ الشرط قيد لإدامة التذكير على الأوّل بخلافه على هذا فلا يلزم مجيئه بعد تكرير التذكير ويرد عليه لزوم عدم وجوب تذكيره لمن أعلمه الله بعدم إيمانه كأبي لهب مع أنه واجب لإلزام الحجة ، وأمره بالإعراض إنما هو بعد التبليغ والإنذار كما صرّحوا به ثمة وفيه بحث ، وقيل : المراد ذكر كل أحد بما يليق فيذكر تارك الصلاة بما يتعلق بذلك وهكذا. قوله : ( وهو يتناول العارف والمتردد ) أي المقر بالحشر والمتردد فيه بخلاف الجاحد المصر فإنه لا يتعظ وهو الأشقى والأقسام ثلاثة كما فصله الإمام. قوله : ( الكافر فإنه أشقى من الفاسق ( قيل عليه إنه أدخل المتردّد فيما قبله وهو داخل في الكافر أيضاً فلا يكون قسيما لمن
يخشى على هذا فالوجه هو الثاني فإنّ المتوغل في الكفر هو المنكر وفيه بحث. قوله : ( نار جهنم ) فتكون على هذا كبرى صغراها نار الدنيا كما نطق به الحديث المذكور ، وهذا على أنّ المراد بالأشقى الكافر فإن أريد الأشد كفرا فالكبرى الدرك الأسفل وصغراها ما عداه من الطبقات. قوله تعالى : ( { ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا } الخ ) ثم هنا للتفاوت الرتبي إشارة إلى أنّ خلوده أفظع من دخوله النار وصليه ، ويستريح بمعنى يجد راحة وهذا مخصوص بالكفرة لا بعصاة المؤمنين ففي مسلم عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أمّا أهل النار الذي هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال : بخطاياهم فأماتهم اللّه إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على انهار الجنة ثم قيل : يا أهل الجنة أفيضوا علينا فينبتون نبات الحبة في حميل السبل " انتهى. قوله : ( حياة تنفعه ) دفع للتناقفى بين النفيين ، وقوله : من الزكاء وهو كالنماء لفظا ومعنى ، وقوله : أو تطهر الخ لم يقدمه على المعنى الثاني مع أنه متحد مع الأوّل في كون الزكاة فيهما بمعنى الطهارة لئلا يفصل بين المعنيين السابقين فإنهما بمعنى واحد فإنّ من تطهر عن الكفر والمعصية فهو متق وأيضا أخره لتقترن الصلاة بالزكاة فإنهما أخوان ، ومن لم يتنبه لهذا قال : كان الأنسب تقديمه على الثاني لما ذكرناه. قوله : ) أو أذى الزكاة ) فهو تفعل من الزكاة كالتصدق من الصدقة يعني يحمل تزكي على إيتاء الزكاة فيصير كقوله : { أَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ } [ سورة البقرة ، الآية : 177 ] ولذا قيل عليه إنّ عادته تعالى في كلامه الشريف تقديم الصلاة على الزكاة ، ورد بأنه لا ضير في مخالفة العادة مع أنّ الجاري تقديمها إذا ذكرت باسمها أمّا إذا ذكرت بفعل مأخوذ منه فلا كقوله : { فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى } [ سورة القيامة ، الآية : 31 ] وإن قيل : لا نقض به لأنه محتمل ، وقوله : بقلبه ولسانه فإنه تطهير عن الكفر ولا بد من الإقرار فيه ، وقوله : كقوله الخ مرّ تفسيره. قوله : ( ويجوز أن يراد بالذكر الخ ) فدل على وجوب تكبيرة الافتتاح لأنّ الاحتياط في العبادات واجب فلا يرد عليه أنه كيف(8/350)
ج8ص351
يكون حجة وهو محتمل لغير ذلك ، وعلى أنّ الافتتاح جائز بكل
اسم الله ، وعلى أنّ تكبيرة التحريم شرط لا ركن لأنّ عطف الكل على الجزء كعطف العام على الخاص ، وإن جاز فإنه لا يكون بالفاء مع أنه لو سلم صحته بتكلف فلا بدّ له من نكتة لمدعي ، وقوعه في الكلام المعجز وحيث لم تظهر لم يصح ادعاؤه وبناء الركنية عليه كما ذكره الشافعية فتأمّل. قوله : ( تكبيرة التحريم ) أي التي تصح بها الصلاة ، وفيه إشارة لضعفه لأنها عند الشافعية ركن والمصنف شافعي ، وعندنا شرط ولو كانت ركناً نافاه عطف الصلاة لأنّ مقتضاه المغايرة فيلزم عطفه على نفسه لأنه من عطف الكل على الجزء ، وهو وإن كان كعطف العام لكن لا بد فيه من نكتة بلاغية وهي منعدمة كما قيل فتدبر. قوله : ( وقيل : تزكى تصدّق ا!خ ( هذا منقول عن عليّ كرّم الله وجهه ، ورضي عنه وأورد عليه أنّ الإمام قال : إنّ السورة مكية بالإجماع ولم يكن بمغة عيد ، ولا فطر ويرده إنّ ما ذكر من الإجماع غير صحيح نعم هو القول الأصح وعلى تسليمه فيجوز أن يكون إخباراً عما سيأتي قبل وقوعه كما في غيره من المغيبات وفيه تأمّل. توله : ( فلا تفعلون ما يسعدكم الخ ) إشارة إلى أنّ الإضراب عن قوله : قد أفلح من تزكى ، وقوله. للأشقين ، إشارة إلى أنّ الأشقى في معنى الجمع لأنّ تعريفه للجنس فالخطاب لجميع الكفرة والالتفات لأنّ الخطاب بالذم أقوى في التوبيخ والتقريع 4 وإذا أضمر قل فلا التفات ، وصرفوا عن رتبة الخطاب من الله تذليلا لهم لعدم تأهلهم له ، وإذا كان الخطاب لجميع الناس فالمراد ما عدا الأنبياء والصديقين فهو كقوله : { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [ سورة الأعلى ، الآية : 16 ] وقوله : في الجملة إشارة إلى خروج الخواص بالقرينة العقلية. قوله : ( فإن نعيمها ) يعني الجنة ملذ بصيغة اسم الفاعل من ألذاذا أوجد اللذة ، وقوله : بالذات بخلاف نعيم الدنيا فإنه بالعرض كدفع ألم الجوع والعطش مثلاً وهو بيان لكونه خيراً ، وقوله : لا انقطاع له لقوله : أبقى ، وقوله : من قد أفلح لا من أوّل السورة فانّ قوله : سنقرئك من أحوال النبيّ الخاصة به ، وذكره في الصحف بعيد ، ولذا قال : فإنه الخ وقوله : قال صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع تمت السورة بحمد الله وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد واكه وصحبه أجمعين.
سورة الغاشية
لم يذكروا خلافا في كونها مكية ولا في عدد آياتها المذكور.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( الداهية ) أصل معنى الداهية ما يفجأ الإنسان فيدهشه من المصائب ، ثم عمت فقيل : داهية لكل مصيبة وتستعار للرجل الفصيح ، وتفسيره بالداهية التي تغشى بيان للتأنيث وأطلاق الغاشية على يوم القيامة فلا وجه لما قيل من أنّ الأظهر ترك اليوم لأنه لو ترك لم يحتج لتوجيه التأنيث قبله إذ لو قدر موصوفه القيامة أو الساعة لم يحتج لتوجيه ، وقوله : أو النار معطوف على الداهية لأنها مؤنثة غير محتاجة لتوجيه تأنيث صفتها وتوصف بأنها غاشية ، ولو عطفت على يوم القيامة صح لكن الأوّل أولى. قوله تعالى : ( { خَاشِعَةً } ) بمعنى ذليلة ولم توصف بالذل ابتداء لما في وصفها بالخشوع من الإشارة إلى التهكم ، وانها لم تخشع في وقت ينفع فيه الخشوع ، وكذا جعلها عاملة تهكم أيضاً فالظاهر الاستعارة فيهما فقوله : ما تتعب فيه بيان لحاصسل المعنى المراد وضمير فيه للموصول ، وفيه إشارة إلى وجه تأخير ناصبة ، وقوله : في الوحل متعلق بخوض الإبل لأنها لكونها لا حافر لها يصعب عليها المشي في الوحل كما هو معروف ، والوحل بفتحتين دماهمال الطين المبلول بالماء ، وقد تسكن حاؤه في لغة مشهورة لكن الفتح أفصح ، وقوله : في تلالها ووهادها جمع تل وهو المرتفع من الأرض والوهاد جمع وهدة وهو المنخفض ، وفيه لف ونشر مرتب فالصعود في التلال والهبوط في الوهاد. قوله : ( أو عملت الخ ( إشارة إلى بعض الوجوه الأربعة المذكورة في الكشاف ولم يؤوّل خاشعة فظاهره أنّ الذل المذكور في الآخرة وعامله ناصبة إمّا بمعنى المستقبل فالجميع في الآخرة ويومئذ متعلق بالجميع معنى كما أشار إليه أوّلاً أو خاشعة مستقبل ، وعاملة ناصبة بمعنى الماضي إشارة إلى عملهم(8/351)
ج8ص352
في الدنيا الذي صار هباء منثورا في الآخرة فيومئذ متعلق بخاشعة ، والتقييد به لما عرفته من التهكم وهذا وإن كان خلاف الظاهر ، ولذا أخره المصنف لا تعقيد فيه لظهور القرينة لأنّ العمل لا يكون في الآخرة كما لا يخفى ، ولذا لم يتعرّض المصنف لكون عاملة ماضيا وناصبة مستقبل كما في الكشاف لما فيه من البعد. قوله : ) تدخلها ) فيه تسمح لأنّ
الدخول إنما يتعدى إلى مكانها وأصلاه بمعنى أحرقه ، وقوله : للمبالغة المستفادة من تكثير البنية والتفعيل ، وقوله : متناهية في الحرّ من حميت النار إذا اشتد حرّها. قوله : ( بلغت إناها في الحرّ ) أي غايتها فيه كقوله : حميم آن وأناها بفتح الهمزة والمد والكسر ، والقصر بمعنى الغاية كما في القاموس وغير. ووزن آنية هنا فاعلة ، وأمّ آنية في سورة الإنسان فجمع إناء كوعاء لفظاً ومعنى ووزنه أفعلة والأصل أأنية بهمزتين ولذا أميلت الألف هنا لم ويملها أحد هناك فاحفظه. قوله : ( يبيس ) فعيل من اليبس وهو معروف والشبرق بزنة الزبرج رطبة وهو نبت تأكله الإبل رطبا فإذا يبس تركته كما قيل في ذم من لا ينفع شابا ولا شيخا.
شباب لمن ذاقه شبرق وشيب يحاكي ضريع البوادي
وقوله : شجرة نارية أي هي من الأشجار التي خلقها الله في النار وما في بعض النسخ
بدل نارية بادية بالموحدة والدال المهملة من تحريف الناسخ ، وفيه تفاسير أخر وهي على هذا استعارة كما أشار إليه بقوله : تشبه الضريع. قوله : ( ولعله طعام هؤلاء الخ ) إشارة إلى أن ما ذكر هنا بحسب الظاهر مناف لقوله : { وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ } [ سورة الحاقة ، الآية : 36 ] ونحوه مما مرّ فيوفق بينهما بأنّ لجهنم طبقات ولأهل كل طبقة طعام وامّا أنّ الغسلين وهو الصديد في القدرة الإلهية أن يجعله على هيئة الضريع فطعامهم الغسلين الذي هو الضريع فلا يليق حمل القرآن على مثله لتعسفه. قوله : ( أو المراد طعامهم ) بمعنى أنّ الضريع مجاز أو كناية أريد به طعام مكروه حتى للإبل وغيرها من الحيوانات التي تلتذ برعي الشوك فلا ينافي كونه زقوما أو غسلينا وتتحاماه أي تجتنبه ، وتعافه بمعنى تنفر منه وتكرهه ، وقوله : كما قال الخ فإنّ وصفه بما ذكر يدل على أنه لا فائدة فيه لأنّ نفع المأكول دفع ألم الجوع وتسمين البدن فإذا خلا عن ذلك علم أنه شيء مكروه منفور عنه ، وفي الكشاف إنه أريد أنه لا طعام لهم أصلا لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الناس كما يقال : ليس لفلان ظل إلا الشمس أي لا ظل له فهو تعليق بالمحال ، أريد به النفي على آكد وجه كقوله : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى وعليه يحمل قوله ولا طعام إلا من غسلين ، وقوله : { إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ } [ سورة الدخان ، الآية : 43 ] وبه تندفع المخالفة مطلقا وهذا وجه آخر غير ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى وكأنّ المصنف تركه لبعده عنده لا لما قيل إنه لا يتأتى في كل محل فتأمل. قوله : ( لا يسمن ولا يغني من جوع ( صفة ضريع أو طعام مقدر أو مستأنف لأنه لو وصف به طعام المذكور فسد المعنى لاقتضائه ثبوت ما ذكر كما قرره الفاضل اليمني في
حواشيه ، وقوله : والمقصود الخ هو على الوجهين وإن كان بالثاني أنسب. قوله : ) ذات بهجة ( على أنه من النعومة ، وكني به عن حسن المنظر أو هو من النعيم فتكون بمعنى متنعمة ، وقوله : رضيت بعملها فالسعي بمعنى العمل ورضاها كناية أو مجاز عن أنه محمود العاقبة مجازي عليه أعظم الجزاء ، وأنما قال : رضيت دون ترضى وإن قيل : إنه أظهر لأن مضيه بالنظر لزمان الحكم والحكم عليها بأنها متنعمة بعد مشاهدة الثواب المذكور فتدبر ، وقوله : علية الخ فهو علوّ حسي أو معنوي ، وقوله : يا مخاطب المراد به كل من يصلح للخطاب أو معين فعلى قراءته بالتاء الفوقية مفتوحة مع نصب لاغية هو إمّا للمخاطب ، أو للغائبة المؤنثة على أن الضمير للوجوه والإسناد مجازي لأنّ السامع أصحابها ، وقوله : وقرأ الخ فعلى هذا لاغية مرفوعة. قوله : ( لفوا ) على أنّ اللاغية مصدر بمعنى اللغو أو هو صفة كلمة وجعلها لاغية على النسب ، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله : ذات لغوا وهو على التجوّز في الطرف أو التشبيه لأنّ الكلمة ملغو بها لا لاغية أو صفة لنفس مقدرة وجعلها مسموعة لوصفها بما تسمع كما تقول : سمعت زيداً يقول كذا ، أو تجوز في النسبة أيضا كما قيل. قوله : ( يجري ماؤها لا ينقطع ) عدم الانقطاع من وصف العين لأنها الماء الجاري فوصفها بالجريان(8/352)
ج8ص353
يدل على المبالغة كما في قوله تعالى : { نَارٌ حَامِيَةٌ } ، وهذا أحسن من جعل اسم الفاعل للاستمرار بقرينة المقام وما أحسن قول بعض الصوفية العين الجارية ، لمن عينه من خشية الله جارية هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، وقوله : والتنكير للتعظيم أحسن من قول الزمخشري للتكثير كما في علمت نفس ، وقوله : رفيعة الخ السمك الارتفاع في جهة العلو فالرفعة معنوية أو حسية ، وقوله : بالفتح والضمّ أراد فتح الراء والنون أو ضمهما ويجوز كسرهما أيضا فهو مثلث ومساند جمع مسند وهو المخدة المعروفة. قوله : ( بسط فاخرة ( وقال الراغب : إنها في الأصل ثياب محبرة منسوبة إلى محل ، ثم استعيرت للبسط وقوله : جمع زربية هي مثلثة الزاي كما صزج به أهل اللغة وتكون بمعنى المساند أيضا ومبثوثة بمعنى مفرقة ، وتجوّز بها عن الفرثى فالمراد بسط مبسوطة. قوله : ( نظر اعتبار ( لأنه يقال : نظر إليه بمعنى تاً مّله مع أنّ قوله تعالى : كيف خلقت دالّ على أن المراد ليس مجرد الأبصار ، وقوله : كيف خلقت بدل من الإبل بدل اشتمال وكيف
وحدها معمول خلقت مقدّمة لصدارتها ، وقوله : دالاً على كمال قدرته الخ إشارة إلى ما تضمنتة كيف من التعجب كما مرّ في قوله : كيف تكفرون بالله ، وقوله : لجز الأثقال المراد بالجرّ إيصالها ، والنائية بمعنى البعيدة ، وقوله : باركة بالموحدة والراء المهملة وهو في الجمال كالجلوس في الناس ، وقوله : للحمل بفتح الحاء مصدر ، وقوله : ناهضة أي منتصبة للقيام ، وقوله : بالحمل بكسر الحاء المهملة وهو ما كان على الظهر أو الرأس والباء للتعدية أو الملابسة أو المصاحبة. قوله : ( طوال الأعناق الخ ) الأوقار جمع وقر ، وهو الحمل الثقيل ومعنى تنوء به تقوم به ، وترفعه فالباء كالتي مرّت يعني أنّ طول عنقها مع عظم رأسها هو المعين لها على القيام بعد التحميل بالحمل الثقيل فإنها كالقبان المعادل برمانته للأوزان الثقيلة فهذا من الحكم العظيمة لمن اعتير. قوله : ( وتحتمل العطش إلى عشر ) بكسر العين ، وهو الظمء بين الوردين إذا كان ثمانية أيام وهذه الأظماء معروفة وكلها مكسورة الأوّل وهي ورد وغب وربع إلى العشر وليس لها بعده اسم إلى العشرين فيقال : عشران بالتثنية ، ثم هي جوائز بعد ذلك ، ويجوز فتح العين أيضاً والبراري جمع برية وهي المفازة ، وقوله : منافع أخر كوبرها ولبنها وقوله : لبيان متعلق بقوله : خصت. قوله : ( وقيل المراد بها السحاب الخ ) هذا مما ذهب إليه بعض المفسرين ولما لم تسمع الإبل بهذا المجنى جعله الزمخشريّ استعارة ووجه الشبه ظاهر والداعي لتفسيره بما ذكر لتكون المتعاطفات متناسبة على ما يقتضيه قانون البلاغة ، وقد قالوا : على ما فصله الإمام أنّ وجه التناسب فيها أنّ المخاطبين هم العرب ، وهم أهل أسفار على الإبل في البراري فربما انفردوا فيها ، والمنفرد يتفكر لعدم رفيق يحادثه ، وشاغل يشغله فيفكر فيما يقع عليه طرفه فإذا نظر لما معه رأى الإبل وإذا نظر لما فوقه رأى السماء ، وإذا نظر يميناً وشمالاً رأى الجبال وإذا نظر لأسفل رأى الأرض فأمر بالنظر في خلوته لما يتعلق به النظر من هذه الأمور فبينها مناسبة بهذا الاعتباو وكل المخلوقات دالة على الصانع مأمور بالنظر فيها لكن فيها ما يشتهي كالوجوه الحسان ، وما يرغب فيه وبميل له الطبع كالذهب والفضة وغيرهما فلو أمر بالنظر فيها ، أو فيما يشملها لشغلته الشهوة والميل الطبيعي عن الانتقال منها إلى المراد فأمر بالنظر فيما ذكر لكونه حاضراً معهم ، ولا يشتغل به ناظره عما أراد وجميع ما ذكر من المخلوقات العظيمة المحتاجة للصانع الدالة عليه دلالة ظاهرة.
وفي كل شيء له آية تدلّ على أنه الواحد
ولذا عقب هذا بأمره بالتذكير ، وقال فذكر الخ. قوله : ( فهي راسخة لا تميل ) كما نشاهده ونطقت به الآثار ، وذهب إليه أكثر الحكماء وهل هي على الماء أو الهواء ذهب إلى كل منهما طائفة ، وقيل : إنها متحركة دائما على الاستدارة وقيل إلى أسفل كما ذكره أبو علي عن بعض الحكماء والحس ياباه ، وقوله : بسطت إمّا على نفي كريتها كما عليه أهل الشرع ، أو هو بحسب ما نراه لعظمها وقوله وحذف الراجع أي العائد والتقدير خلقتها وهكذا ، وأنما احتاج إليه لأنه بدل اشتمال كما مرّ ولا بد معه من الضمير العائد إلى المبدل منه كما صرّح به النحاة وقوله ، والمعنى الخ إشارة إلى وجه ارتباط قوله : أفلا ينظرون إلى قوله : سطحت بما قبله(8/353)
ج8ص354
من ذكر المعاد والحاصل أنهم أمروا بالنظر فيما ذكر ليستدلوا به على ذلك ، وقوله : ولذلك أي لكون المعنى ما ذكر عقبه بذكر المعاد والأمر بالتذكر ، وقرن بالفاء لأنه مترتب عليه أو هي فصيحة. قوله : ( فلا عليك ) أي ليس عليك بأس وضرر ، وقوله : إن لم ينظروا بكسر الهمزة على أنها إن الشرطية وبفتحها على أنها مصدرية قبلها حرف جر مقدر وهو إشارة إلى وجه تفريعه على ما قبله ، وقوله : إذ ما عليك الخ تفسير لقوله : إنما أنت مذكر ، وقوله : وعن هشام عن ابن عامر ، وروي عن قنبل وابن ذكوان أيضا كما في النشر وهكذا هو في النسخ وفي بعضها بدل قوله عن هشام عن الكسائيّ ، واعترض عليه بأنه لم يظفر به في الكتب المشهورة وقوله : بالسين على الأصل فمانّ الصاد مبدلة منها فإنه من السطر بمعنى التسلط يقال سطر عليه إذا تسلط ، وقوله : بالإشمام أي إشمام الصاد زايا باشمام الصاد سينا كما توهم فإنه لم يذكر في كتب الأداء وقد تقدم تفصيله. قوله : ( لكن من تولى وكفر ) يعني أنّ الاستثناء منقطع والا بمعنى لكن وبعده جملة فإن من مبتدأ متضمن لمعنى الشرط ، وقوله : فيعذبه الخ خبره ومن المنقطع ما يقع بعد إلا فيه جملة ، وفي الكشاف الاستثناء منقطع أي لست بمستول عليهم لكن من تولى وكفر منهم فإنّ لله الولاية عليه والقهر فيعذبه في نار جهنم فقيل : إنه لم يجعله متصلا لأنه لو كان كذلك كان مستولياً عليهم ، وقد ذكر أنّ الولاية لله لا لغيره بقوله : فيعذبه الخ ومن شرطية ، والأصح أنها موصولة هنا لا شرطية لمكان الفاء والشرطية فيها تكلف ولا إشكال في الانقطاع كما قيل فتدبر. قوله : ( يعني عذاب الآخرة ) فانه أكبر ، وعذاب الدنيا بالنسبة له أصغر كما مرّ ،
وقوله : وقيل متصل مستثنى من ضمير عليهم متبع له فهو في محل جر ، وقوله : فإنّ الخ توجيه له لأنه يدل على الاستيلاء والتسلط لكونه من النفي ، وقوله : وكأنه أوعدهم الخ جواب سؤال مقدّر بأنه كيف يسلط عليهم والسورة مكية ، ولم يؤمر بالقتال فيها فأجاب بأنه وعد للنبيّ لمجر ووعيد للكفار بما سيكون ، وقوله : وعذاب النار في الآخرة إشارة إلى أن الاسنيلاء بغيره وهدّا زيادة عليه ، وقوله : فذكر إلا من تولى الخ فيكون لمن تكرر تذكيره وفيه ما مرّ في قوله : إن نفعت الذكرى فتذكره ، وقوله : ألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام على التنبيه ووجه التأييد أنه استثناء منقطع عما قبله فيؤيد الانقطاع معنى لأنّ الأصل توافق القرا آت. قوله : ( رجوعهم ) فهو بمعنى إليه المصير كما مر مراراً. قوله : ( وقرئ بالتشديد ) أي إيابهم بياء مشذدة بعد همزة مكسورة ، وهي قراءة شيبة وأبي جعفر قال الطبليوسي في كتاب المثلثات هذه القراءة تحتمل تأويلين أحدهما أن يكون فعالاً وأصله أوّاب فلم يعتذ بالواو الأولى حاجزاً لضعفها بالسكون فأبدل من الواو الثانية ياء لانكسار الهمزة فصار في التقدير أو يا بأتم قلبت الأولى ياء أيضاً لاجتماع ياء وواو وسكون إحداهما ولأنّ الواو الأولى إذا لم تمنع من انقلاب الثانية فهي أجدر بالانقلاب ، والثاني أن يكون فيعالاً وأصله إيواباً فأعل إعلال سيد وفعله على هذا أيب ، وأصله أيوب كما ذكرنا والوجه الأوّل أقيس لأنهم قالوا في مصدره التأويب والتفعيل مصدر فعل لا فيعل ، ومع ذلك فقد قالوا : هو سريع الأوبة والأيبة فكأنهم آثروا الياء لخفتها انتهى فقول المصنف رحمه الله تعالى مصدر فيعل هو الوجه الثاني ، وقد عرفت تحقيقه ، وقوله : أو فعال هو الوجه الأوّل فيكون مثل كذب كذاباً ، وقوله : قلبت الخ قيل عليه إنه مخالف لما قرّر في الصرف من أنّ الواو الموضوعة على الإدغام لا تقلب الأولى ياء ، وإن انكسر ما قبلها ومثلوا له بهذا فكأنّ ابن السيد عدل عنه ليكون أتم ، ثم إن ما ذكروه على تسليمه لا ينافي ورود خلافه شذوذا. قوله : ( قلبها في ديوان الخ ) قيل عليه أنّ التشبيه ليس بجيد لأنه لم ينطق بدوّان ، ولولا جمعه على دواوين لم يعلم أصله وقد نصوا على شذوذ ديوان فلا يقاس عليه غيره ورد بأنّ عدم النطق بدوّ أن لا يلزم منه ردّه ، وقد صرّحوا بأصل ديوان وقيراط بدليل الجمع فيهما وديوان لم يذكر للقياس عليه بل للتنظير به ، واعترض عليه بأنّ المراد أنه لا حاجة إلى ارتكاب مخالفة القياس إذا كان عنه مندوحة لجواز كون أصله فيعالاً أو فعوالاً ولا يلزم من تنصيص النحاة على أنّ أصله دوّان النطق به فإنّ أصل قال : قول ولم ينطق به ، وقد عرفت ردّ. مما ذكرناه عن ابن السيد فتذكره. قوله : ( وتقديم الخبر ) وهو علينا للتخصيص به تعالى فالمبالغة
من جعله لازما عليه دون(8/354)
ج8ص355
غيره مع ما في ضمير العظمة من التهويل كأنه قيل ليس حسابهم إلى6 على ملك مقتدر منتقم ، والحديث المذكور موضوع كنظائره ( تمت ( السورة بحمد اللّه ومه والصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه الكرام.
سورة الفجر
هي مكية عند الجمهور وقيل إنها مدنية وفي عدد آياتها قول آخر أنها اثنتان وعشرون.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( أو فلقه ) بفتحتين أي ضوئه الممتدّ كالعمود وأصل معنى الفجر والفلق الشق ، وجوّز فيه بعضهم سكون اللام كالشق لفظاً ومعنى والأوّل أولى ، وقوله : كقوله الخ هو مؤيد للتفسيرين أمّ الأوّل فلأنه أقسم بالصبح ، وأمّا الثاني فلأنه مقيد بالتنفس ، وهو الإضاءة كما مرّ والنظر للقيد ، وأمّا إطلاقه على الصلاة فمجاز شهور أو هو على تقدير مضاف. قوله : ( أو النحر ) معطوف على عرفة ، وقوله : وتنكيرها أي ليال وعشر على الوجهين للتعظيم المستفاد من الإيهام أو هو للتبعيض لأنها بعض ليالي السنة أو الشهر تعظيمها لفضيلة ، وثواب ليس لغيرها ولولا قصد هذا كان الظاهر تعريفها كأخواتها لأنها ليال معهودة معينة. قوله : ( وقرئ وليال عشر بال! !افة ) في إعراب السمين هي قراءة ابن عباص ، وبعضهم قال : ليال في هذه القراءة بدون ياء وبعضهم قال : إنه بالياء وهو القياس والمراد ليالي أيام عشر وكان من حقه على هذا أن يقال عشرة لأنّ المعدود مذكر ، ويجاب عنه بأنه إذا حذف المعدود جاز الوجهان ومنه وأتبعه بست من شوّال في الحديث وسمع الكسائيّ ضمنا من الشهر خمساً انتهى ، والمرجح ل! وقوعه في الفاصلة. قوله : ( على أنّ المراد الخ ) مراده ما مرّ وقد عرفت ما له وعليه ، وقوله : شفعها ووترها بالجر بدل من الأشياء فالمراد به جميع الموجودات من الذوات والمعاني لأنها لا تخلوا من شفع ووتر ، وقوله : أو الخلق بالجرّ عطف على الأشياء فالشفع وحده بمعنى جميع الخلق للازدواج فيه كما في الآية المذكورة والوتر هو الله تعالى لأنه من أسمائه ، وهو بمعنى الواحد الأحد فأقسم الله بذاته وخلقه فقوله : والخالق معطوف على الخلق ، وعلى هذا كان
الظاهر تقديم الوتر فأخر للفاصلة. قوله : ( ومن فسرهما الخ ) فعلى الأوّل من هذه التفاسير الشفع العناصر لأنها أربعة والوتر الأفلاك لأنها سبعة أو تسعة ، وعلى الثاني الشفع البروج لأنها اثنا عشر والوتر السيارات السبع وعلى الثالث ظاهر وعلى الرابع الشفع يوم النحر لأنه العاشر ، والوتر يوم عرفة لأنه التاسع والشفع في الأوّل المزدوج بمجموعه وعلى الأخير الآخر الذي حصل به الازدواج وهو مستعمل بالمعنيين. قولط : ( وقد روي مرفوعاً ) إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أراد ترجيح الوجه الأخير لأنه رواه أحمد وغيره عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " العشر عشر الأضحى ، والشفع يوم الأضحى ، والوتر يوم عرفة " وهو حديث صحيح وفي شرح الطيبي روى الإمام أحمد والترمذي عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سئل عن الشفع والوتر فقال : " الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر " وهو التفسير الذي لا محيد عته ، انتهى فلو صرف قوله وقد روي إلى الأخيرين صح لكن مراده الأوّل وقوله : أو بغيرها كالأعضاء والقلب والشفتين واللسان إلى غير ذلك مما في التفاسير. قوله : ( فلعله الخ ) خبر قوله : من فسرهما يعني أنّ المراد جميع الأشياء والمفسر بهذا نص على نوع منه لنكتة فقوله دلالة الخ ناظر إلى الأوّلين ، وقوله : أو مدخلا معطوف على دلالة وهو ناظر لتفسيره بالصلاة ، وقوله : أو مناسبة معطوف على قوله : دلالة ، وهو ناظر لتفسيره باليومين المناسب لليال وضمير قبلهما مثنى للشفع والوتر ، وقوله : أكثر منفعة ناظر للعناصر والعلويات وهو أوّل الوجوه فاللف مشوس ، وما قيل من أنه ناظر لقوله : بغيرها لا وجه له لأنه لم يبين- ختى تذكر منفعته ، ويرد على المصنف رحمه الله تعالى أنّ ما مرّ في الحديث يأباه كما لا يخفى فانه تفسير مأثور على القطع بالتعيين لا على التمثيل فكان عليه أن لا يدرجه في ذلك إلا أنه يبقى الكلام في التوفيق بين الحديثين فتأمّل. قوله : ( وقرأ الخ ) قال السمين قرأه الأخوان(8/355)
ج8ص356
بالكسر وهي لغة تميم والباقون بالفتح ، وهي لغة قريش ولا وجه للتخصيص بالعدد كما توهم فإنّ الأصمعيّ نقله في غيره أيضاً وروي عن أبي عمرو فتح الواو وكسر التاء ، وهو إمّا لغة أو نقل حركة الراء في الوفف لما قبلها
وقوله : كالحبر بكسر الحاء المهملة ، وفتحها وسكون الموحدة بمعنى العالم واحد الأحبار. قوله : " ذا يمضي الخ ) الظاهر أنه مجاز مرسل أو استعارة ووجه الشبه ظاهر ، وقوله : لما في التعاقب بين الليل والنهار بمجيء أحدهما عقب الآخر كما في قوله : خلفه فإنّ ذهاب أحدهما ومجيء الآخر دال على القدرة الإلهية ووفور النعمة كثرتها لما في الليل من الراحة التي هي من أعظم النعم ، وما في النهار من المكاسب وغيرها ولو دام أحدهما لم تتمّ النعمة وفي قوله : قوة إشارة إلى أنّ في التعاقب زيادة وقوّة وأصل النعم حاصل بدونه ، وكذا الدلالة على القدرة. قوله : ( او يسري فيه ) على أنه تجوز في الإسناد بإسناد ما للشيء للزمان كما يسند للمكان والمقام في المثال صالح لهما ، وفي تفسير البغوي سئل الأخفش عن علة سقوط يائه فقال الليل : لا يسري ولكن يسري فيه يعني أنه لما عدل عن الظاهر في المعنى وغير عما كان حقه معنى غير لفظه لأنّ الشيء يجر جنسه لألفه به كما أنه في قوله : { وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا } [ سورة مريم ، الآية : 28 ] لما عدل عن باغية أسقطت منه التاء ولم يقل بغية ومثله من بدائع اللغة العربية فافهمه. قوله : ( وحذف الياء الخ ) وكان الأصل إثباتها لأنها لام مضارع غير مجزوم لكنها حذفت للتخفيف ، ولتتوافق رؤوس الآي ولذا رسمت كذلك في المصاحف ولا ينبغي أن يقال إنها حذفت لسقوطها في خط المصحف المجيد فإنه يقتضي أنّ القراءة باتباع الرسم دون رواية سابقة عليه وهو غير صحيح ، والقراء مختلفون فمنهم من حذف وصلا ووفقاً ومنهم من خصه بأحدهما كما فصل في كتب الأداء ، وما نقل عن أبي عمرو قال أبو حيان إنه رواية عنه. قوله : ( وقرئ يسر بالتنوين الخ ) هي قراءة أبي الدنيا الأعرابيّ ونوّن الفجر والوتر أيضاً وهو تنوين الترنم الحقه بالفواصل تشبيها لها بالقوافي المطلقة وهذا التنوين يدخل الفعل والحرف ، والمعرف بأل المطلقة بمعنى المحركة والساكنة تسمى بعيدة كما ذكره العروضيون والتنوين الذي يلحقها يسمى غالياً. قوله : ( يعتبره ) أي يتأمل فيما أقسم الله به ، وقوله : ويؤكد به أي بالقسم ما أقسم عليه فإنّ من له لب يدري أنّ المقسم به فيه دلائل على الوحدانية والربوبية وأتى بالاستفهام ليؤكد به ذلك كما يقولط المتكلم بعد ذكر الدليل هل دل هذا على ما قلناه ، وقوله : يعتبره للقسم ، وقوله : يؤكد به بصيغة المجهول للمقسم عليه وعطفه بالواو واشارة إلى أنّ الما! واحد وقوله : يحجر أن يمنع وقوله : كما سمي عقلا لمنعه صاحبه كما يمنع العقال ولذا قيل :
قد عقلنا والعقل أيّ وثاق وصبرنا والصبر مرّ المذاق
ونهية بضمّ النون وسكون الهاء بمعنى العقل أيضا لأنه ينهي صاحبه عما لا يليق ويسمى
أيضا حصاة لما ذكره المصنف رحمه الله تعالى. قوله : ( والمقسم عليه محذوف الخ ) اختلف في الجواب فقيل إنه مذكور وهو إنّ ربك لبالمرصاد ، وعن مقاتل إنه هل في ذلك الخ وهل بمعنى إن وهو باطل رواية ودراية ، وقيل : إنه مقدر وتقدير. ليعذبن وارتضاه المصنف رحمه الله تعالى والدليل عليه قوله : ألم تر الخ وقيل : الدليل خاتمة السورة قبله ، وقوله : كما سمي بنوها شم الخ فإنه يطلق اسم الأب على نسله مجازاً شائعا حتى ألحق بالحقيقة. قوله : ( على تقدير مضاف الخ ( قدره لتصح البدلية فيه ، والسبط ولد الولد لا ولد البنت كما توهم فلزم كون ارم اسم أمهم لا جدهم فإنه وهم ، وقوله : إن صح الخ إشارة إلى عدم صحته فإنه كذب مشهور وأثر موضوع ، وفي صفات تلك المدينة أمور غريبة في الكشاف طرف منها ، وقوله : باسم جدهم مجازاً أو حقيقة فلا يحتاج للتقدير فيه ، وقد اعترض على الشيخين بأنّ كلامهما هنا مخالف لما مرّ في تفسير قوله : { أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } [ سورة هود ، الآية : 60 ] في سورة هود لدلالته على أنّ ارم ليسوا قوم هود وعاد الثانية فبين الكلامين مخالفة ظاهرة إلا أن يحمل على تعدد القولين ، ونحوه كما أشاو إليه في القاموس. قوله : ( ومنع صرفه الخ ) التأنيث باعتبار القبيلة ، وهذا على الوجوه الثلاثة ، وقوله : البناء الرفيع أي العالي أو المراد طول القامات على التشبيه بالأسطوانات وقوله : أو الرفعة بعلوّ المقدار فهو استعارة ، وقوله : الثبات هو طول العمر أو الوقار فهو(8/356)
ج8ص357
استعارة أيضاً ، وقوله : وقيل الخ مرضه لأنه لم تصح به الرواية كما ذكره ابن حجر وما ذكر عن ابن قلابة موضوع وقيل : تمريضه لمخالفته لظاهر قوله ، وأمّا عاد فأهلكوا بريح صرصر ولا يخفى أن الريح لا تنافي الصيحة كما مز ، وقوله : وملك المعمورة أي الدنيا
كلها ودانت أي انقادت ، وطاعت وقوله : فلما تم أي البناء. قوله : ( والضمير الخ ) توجيه لتأنيثه والمعنى لم يخلق مثلهم شدة وطول قد ود وأعمار أو لم يخلق مثل هذه المدينة سعة وحسن بيوت وبساتين ، وقوله : بالواد الباء ظرفية والجار والمجرور متعلق بجابوا أو هو حال من الفاعل أو المفعول ، وقرئ بالياء وبإسقاطها كما في يسر ووادي القرى معروف. قوله : ( ومضاربهم ) معطوف على جنوده وهو جمع مضرب بمعنى الخيمة لا جمع مضروبة كما توهم ، وقوله : يضربونها المراد يضربون أوتادها وقوله : لتعذيبه بالأوتاد المراد أنه كان يدق للمعذب أربعة أوتاد ويشده بها مبطوحاً على الأرضى ، ثم يعذبه بما يريده من ضرب وإحراق وغيره ، وقوله : منصوب أو مرفوع بتقدير أعني الذين أوهم الذين وعلى الأوّل هو مجرور ورجح الثاني الزمخشريّ. قوله : ( ما خلط لهم ) فالمعنى على هذا أنزل عليهم أنواعاً من العذاب ، وهو مصدر ساطه أي خلطه كما في قول كعب :
لكنها خلة قد سيط من دمها فجمع وولع وأخلاف وتبديل
أريد به المفعول هنا قيل ، وبه سميت الآلة المعروفة لما ذكره المصنف أو لأنها تخلط اللحم بالدم ، وقوله : المضفور بالضاد المعجمة بمعنى المفتول ، والطاقات جمع طاقة بمعنى طاقة وهو معروف. قوله : ( وقيل شبه بالسوط الخ ( هو ما ذهب إليه الزمخشري ، وهو على أنّ السوط الآلة المعروفة فاستعيرت لعذاب أدون من غيره ، وكني به عن ذلك وامّا استعارة الصب للعذاب فشائعة كالإذاقة يقال : صب عليه السوط وقنعه به ، وغشاه وهو تمثيل وتصوير لحلوله أو لتتابعه عليه وتكرّر. ، وقيل : هو من قبيل لخين الماء والإضافة بمعنى من أو اللام والصب مستعار للإنزال أي أنزل عليهم عذاباً قليلا هينا بالنسبة لما بعده والصب مشعر بالكثرة ، والكثرة والقلة من الأمور النسبية أو هو من الاستعارة المصرحة والمستعار له نوع من العذاب المذكور فتدبر. قوله : ) المكان الذي يترقب فيه ( أي ينتظر ، وقوله : الرصد جمع راصد أي يقومون به لمن يترصدونه ، وقد تقدم أن مفعالاً اسم مكان أو صيغة مبالغة كمطعام ومطعان ، وقد جوّز هنا كما مرّ في سورة عم فالباء تجريدية كما قيل فلا يمنع عما ذكره لكنه يلزمه إطلاق المرصاد على
الله وفيه شيء والميقات موضع الإحرام ووقته بمعنى عينه وارصاده وضمنه معنى الإرادة فعداه هنا. قوله : ( وهو تمثيل لإرصاده الخ ) يعني قوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } استعارة تمثيلية شبه كونه تعالى حافظاً لأعمال العباد مترقباً لها ومجازيا على نقيرها وقطميرها بحيث لا ينجو منه أحد بحال من قعد على الطريق مترصدا لمن يسلكها ليأخذه فيوقع به ، ما يريد ثم أطلق لفظ أحدهما على الآخر. قوله : ( كأنه قيل الخ ) هو بيان لاتصال قوله : فأما الإنسان الخ بما قبله ولو وجه اقترانه بالفاء بأنه مؤذن بتنافي ما بعدها لما قبلها على التعكيس فانه تعالى إذا كان مترصداً لهم مجازياً على القليل والكمير تفرع عليه طاعة العباد والجد في العبادة فهم يعكسون ذلك وينظرون للدنيا فإن نالوا منها شيئاً رضوا وإلا سخطوا ، وقوله : من الآخرة من للتعليل 0 قوله : ( فلا يريد إلا السعي ) تبع فيه الزمخشري في قوله : لا يريد من الإنسان إلا الطاعة وقد شنع عليه في الانتصاف لابتناء كلامه على الاعتزال ، وأنّ المعاصي ليست لإرادته إلا أنه لا وجه له كما في الكشف لأنه إذا كانت الإرادة بمعنى الطلب ، والأمر لم يكن محل النزاع إنما النزاع إذا كانت الإرادة بالمعنى المتعارف وهي غير مرادة هنا. قوله : ( اختبره بالغنى واليسر ) مرّ تحقيقه في سورة الملك وأنّ المراد عامله معاملة المختبر له ، وقوله : بالجاه والمال كل منهما راجع لكل منهما وليس لفاً ونشرا وإن احتمله الكلام لأنهما في حكم شيء واحد ولذا اقتصر على قوله : كرمني ، ولم يقل ونعمني. قوله : ( وهو خبر المبتدأ الخ ) هذا هو أحد الوجهين فيه ، وهو الصحيح والظرف منصوب بالخبر في نية التاخير ولا تمنع الفاء من ذلك كما صرح به الزمخشريّ ، وغيره من متقدمي النحاة وتبعهم من بعدهم من غير نكير كأبي حيان والسمين والسفاقسي مع جم غفير من المفسرين ، وهو الحق الذي لا محيد عنه ، وقد خالفهم في ذلك(8/357)
ج8ص358
الرضي ، ومن تبعه كالدماميني في شرح المغني فقالوا : إنه إنما يجوز تقديم ما بعد الفاء عليها إذا كان المقدم هو الفاصل بين أما والفاء لما يتعلق بتقديمه ، من الأغراض فإن كان ثمة فاصل آخر امتنع تقديم غيره فيمتنع أما زيد طعامك فآكل وإن جارّ أما طعامك فزيد آكل ولما ظنه محشي الطول متفقا عليه أورده على ما ذكر. المفسرون هنا ، وقال : إنه خطأ والصواب أن يجعل الظرف متعلقاً بمقدر والتقدير فأمّا شأن الإنسان الخ فالظرف من تتمة الخبر المفصول به ، وليس فاصلاً ثانياً كقولك : إمّا إحسان زيد إلى الفقمير فحسن لأنهم لما التزموا حذف الشرط لزم
دخول أداته على فاء الجواب ، وهو مستكره فدعت الضرورة للفصل بينهما بشيء مما بعد الفاء والفاصل الواحد كاف فيه فيجب الاقتصار عليه ، ولم يشعر هؤلاء بأن ما ذكر غير متفق عليه نعم هو كما قيل : مخصوص بالظرف لتوسعهم فيه ، وأما التوجيه الذي توهمه فهو على تقديره لا يصح وقوع جملة يقول : خبرا عنه إلا بتعسف كتأويله بالمصدر بتقدير أن أو جعله كقوله : تسمع بالمعيدي فقد فر من السحاب إلى الميزاب ، وذهب أبو البقاء إلى أن إذا شرطية وقوله : فيقول جوابها والجملة الشرطية خبر الإنمعاق ويلزمه حذف اففاء بدون القول ، وقد قيل إنه ضرورة. قوله : ( ليوازن قسيمه ) متعلق بالتقدير فلما ذكر الإنسان محكوما عليه علم أنّ المقصود من التفصيل هو هذا لا الظرف فوجب تقديره هو ، أو ضميره هنا ليصح التفصيل ويتم التوازن فإنه إذا قدم في الأوّل اسم أو ظرف يقدم في عديله مثله نحو إما الإنسان فكفور ، وأما الملك فشكور ، وأما إذا أنعم على المؤمن فهو شاكر وأما إذا حرم فهو صابر. قوله : ( لقصور نظره ) على أمر الدنيا العاجل وسوء فكره لظنه الإكرام بسعة الرزق لا غيره : " ولو ساوت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقي شقياً منها شربة ماء " وقوله : فان الخ لأنه بقلة رزقه إذا صبر حصل له الثواب الجزيل في الآخرة واستراح من الكد وأمن من العدو وسلم من المكاره والإرزاء وأما اعتقاد الكبراء والتماس الدعاء فليس بكرإمة كما يتوهم وقوله : على قوليه ، وهما أكرمني وأهانني وانهما ليسا بصواب ، وقوله : ولذلك الإشارة إلى قصور النظر وسوء الفكر في الأمرين معا. قوله : ( مع أن قوله الأوّل الخ ) جواب سؤال مقدر وهو أنه كيف يذمه على قوله الأوّل وهو أكرمني مع أنه صادق مطابق لقول الله أكرمه ، ولذا جعله الزمخشري مصروفا للثاني فقط لأف كجف يردعه عنه مع ما ذكر ، والحاصل أنه ذكر الإكرام على وجه مغاير لما ذكره الله لأنه تعالى ذكر إكرامه له ليشكر ، ويحسن كما أحسن الله إليه فذكره هو على وجه الافتخار والترفع به وحبه له المانع له عن بذله فهي كلمة حق أريد بها باطل ، ولذا ذم على قوليه. قوله : ( ولم يقل فأهانه وقدر عليه الخ ) معطوف على قوله : ذمه لأنّ التقتير ليس بإهانة كما توهم لأنّ التوسعة تفضل واحسان من الله ، وهي بحسب الذات مكرمة وترتب الذم جمليها بالعرض وترك الإحسان لا يكون إهانة لأنه قد يترك من غير قصد للإهانة فهو معلل بما قبله ، ولذا قال : ولأنّ
التوسعة ب!لعطف وترك العطف في بعضها لا يأباه كما توهم. قوله : ( وقرأ ابن عامر الخ ) إثبات الياء على الأصل وحذفها للاكتفاء بالكسرة وتفصيل القراآت فيها في النشر وشروح الشاطبية ، وقوله : بالتشديد أي بتشديد الدال ، والتقدير والتقتير بمعنى التضييق في الرزق. قوله : ( بل فعلهم أسوأ من قولهم ( السابق والإضراب من القبيح إلى الأقبح للترقي في ذمهم ، وقوله : تهالكهم المراد به شدة بخلهم وشحهم ولذا قال : بالمال دون على المال كما هو مقتضى الظاهر أو هو متعلق بمقدر أي تهالكهم في الشح بالمال ، واطلاق الفعل على الترك لأنه كف للنفس فيتضمن الفعل أو للتغليب كما عممه لفعل الجوارح والقلب ، والمبرة بالفتح الإحسان. قوله : ( ولا يحثون ) تفسير لقوله ص : يحضون ، وقوله : أهلهم هو مفعوله المقدّر ولو قدر عاما أي أحدا أو نزل منزلة اللازم للتعميم كان وجها وقوله : فضلاً الخ لأنهم إذا لم يأمروا من هو معهم ممتثل لأمرهم فكيف يأمرون غيرهم ، وقوله : تحاضون أصله تتحاضون فحذفت إحدى التاءين أي يحض بعضهم بعضا ، وكون المراد بقوله : فضلا عن غيرهم عن المساكين لتوهم أن المرء قد لا يحض أهله لإنفاقهم من ماله ويحض غيرهم توهم باطل وقوله : أصله وراث فأبدلت الواو تاء كما في تخمة ، ونحوه وهو كثير وقوله : ذا لنم أي بتقدير المضاف ولو لم يقدر للمبالغة جاز كرجل عدل. قوله : ( فإنهم كانوا لا يورثون الخ ) وكان توريثهم من شريعة إسماعيل ، أو مما هو(8/358)
ج8ص359
معلوم لهم وثابت عندهم فلا يقال : السورة مكية وآية المواريث مدنية ولا تعلم الحرمة ، والحل إلا من الشرع والحسن والقبيح العقليين ليسا مذهبا لنا أو المراد ذم الوارث بإسرافه واتلافه ما ورثه من غير تعب كما في الكشاف قيل ، وأنما تركه المصنف لأنه غير مناسب للسياق ، وهو قريب مما ذكر وقوله : بالياء وهو مسند للإنسان لأنه بمعنى الناس ، والتاء التفات أو بتقدير قل لهم يا محمد ذلك. قوله : ( دكا بعد دك ) فليس الثاني تأكيدا بل التكرير للدلالة على الاستيعاب كقرأت النحو بابا بابا وجاء القوم رجلاً رجلاً والدك قريب من
الدق لفظاً ومعنى كرك ورق ، وقوله : عن ذلك الإشارة لما ذكر من ترك إكرام اليتيم وما بعده. قوله : ( مثل ذلك ) بصيغة المجهول من التمثيل والإشارة لظهور آثار القدرة والقهر يعني أنه تعالى لا يوصف بالنزول والمجيء ، ونحوه مما يوصف به الأجسام فهذا استعارة تمثيلية لما ذكر ، وقوله : بحسب منازلهم أو بحسب خدماتهم وهو قريب مما ذكر وقوله : برّزت الجحيم فمجيئها متجوّز به عن إظهارها كما صرح به في آية أخرى وقوله : وفي الحديث الخ إشارة إلى تفسير آخر المجيء فيه على ظاهره ، وقوله : يجرّونها جملة حالية أو مستأنفة. قوله : ( أي يتذكر معاصيه ) فهو من الذكر ضد النسيان ، وقوله : أو يتعظ فهو من التذكير والموعظة وقوله : منفعة الذكرى أي هو بتقدير مضاف فيه أو المراد نفعها من اللام أو المراد تنزيلها منزلة العدم أو هو حكاية ما كان عليه في الدنيا من عدم الاعتبار والاتعاظ والتناقض إذا كانا بمعنى واحد وهو الظاهر من السياق. قوله : ( واستدل به على عدم الخ ) أي استدلّ به على أنّ التوبة من حيث هي توبة غير واجبة القبول عقلاً كما زعم المعتزلة بناء على وجوب الأصلح عندهم إذ لو وجب قبولها لوجب قبول هذا التذكر فإنه توبة إذ التوبة كما بين في الكلام هي الندم على المعصية من حيث هي معصية ، والعزم على أن لا يعود لها إذا قدر عليها ولم يعتبر أحد في تعريفها كونها في الدنيا ، وإن كانت النافعة منها لا تكون إلا في الدنيا وهذا التذكير هو عين الندم المذكور ولم يقبل لعدم ترتب المنفعة عليه التي هي من لوازم القبول ، وفيه بحث ظاهر وعليه منع ظاهر الورود فتدبر. قوله : ( أي لحياتي هذه ) فاللام للتعليل ومفعول قدمت محذوف وهو الأعمال الصالحة فتمنى أن يكون عمل ما ينفعه اليوم والمراد بحياته حياته في الآخرة وقوله : وقت حياتي على أنّ اللام بمعنى وقت كما في نحو لخمس مضين ونحوه والمراد الحياة التي في الدنيا فقوله : أعمالاً صالحة على الوجهين وقيل : المعنى قدمت لأجل أن تحيا حياة نافعة لأنها لا تموت ولا تحيا حينثذ. قوله : ( وليس في هذا التمني الخ ) ردّ لما في الكشاف بناء على مذهبه من أن هذا أبين دليل على أن الاختيار كان في أيديهم معلقاً بقصدهم ، وارادتهم وانهم لم يكونوا محجورين عن الطاعات مجبرين على المعاصي كمذهب أهل الأهواء والا فما معنى
التحسر لأن كونهم متحسرين لا ينافي كونهم محجورين فإنّ المحجور قد يتمنى ويتحسر على ما حجر عنه إذا كان قادرا عليه في الجملة سواء كان بالتأثير أو بالكسب الذي ذهب إليه أهل الحق وهو مقارنة قدرة العبد دمأرادته للفعل من غير أن يكون هناك له تأثيرا ومدخل في وجوده. قوله : ( فإنّ المحجور الخ ) هذا سند للمنع إلا أنه قيل : إنه يجامع المقدّمة الممنوعة وفي الكث!ف التمني يقع على المستحيل مع أنه حينئذ كالغريق وأهل الحق لا يقولون بسلب الاختيار بالكلية. قوله : ( إن كان ممكناً منه ) إن مفتوحة مصدرية وممكنا اسم مفعول من التمكين أي أقدره الله عليه وكون أن شرطية وممكنا اسم فاعل من الإمكان قيل إنه تصحيف يردّه أن التمني لا يتوقف على الإمكان فان نوقش بأن بين قوله : المحجور وهذا القول فرّقا فإنه يقول : يا ليتني قدرت على أن أقدم لحياتي ، ولا يقول : يا ليتني قدمت دفع بأنه أوّل المسألة فلبحرر. قوله : ( إذ الآمر كله له ) ولما كان هذا يستلزم أنه لا عذاب لأحد غيره أضافه للتعظيم والتهويل فاندفع ما قيل : إنّ هذا التعليل يقتضي إطلاق العذاب دون تقييده بالإضافة وبين ظاهرهما تناف ظاهر فتدبر. قوله : ( أو للإنسان ) أي الضمير المضاف إليه راجع للإنسان ، والمصدر مضاف للمفعول واحد مراد به من يلي العذاب من الربانية ، وقوله : على بناء المفعول والمعنى أنه لا يعذب أحد من جنسه كالعصاة فلا يلزم أنهم أشد عذابا من إبليس ومن في طبقته ، وأما كون المعنى لا يتحمل أحد ما يستحقه كقوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }(8/359)
ج8ص360
[ سورة الأنعام ، الآية : 164 ] فيأباه المقام والعذأب مصدر بمعنى التعذيب كالسلام بمعنى التسليم. قوله : ( على إرادة القول ) أي ويقول الله بالذات أو بواسطة الملك ، وتقديره ليرتبط بما قبله والقول إكراماً له عند الموت أو البعث ، وقوله : وهي التي اطمأنت الخ أي سكنت ولم تقلق وهو المناسب لوقوعه في مقابلة غير المتذكرة ، وهو المقصود بقوله تعالى : { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [ سورة الرعد ، الآية : 28 ] والمراد بترقيها فيما ذكر أنها تتفكر في الأدلة العقلية الموصلة إلى المقصود من معرفة الله تعالى ، وقوله : فتستفز دون معرفته بالفاء والزاي المعجمة أي تضطرب وتقلق قبل الوصول إلى معرفة الله تعالى فإذا وصلت إليه استغنت به عما سوإه واطمأنت به. قوله : ) أو إلى الحق ) معطوف بحسب المعنى على قوله : بذكر الله لأنّ المعنى المطمئنة إلى ذكر اللّه أو إلى ذكر الحق ، وقوله : لا يريبها شك أي لا يقلقها ، وقوله : أو الآمنة معطوف على ما قبله بحسب
المعنى أيضا أو التقدير المطمثنة المستقرة لمعرفة الله أو النفس المؤمنة المتوفاة على الإيمان ، والحاصل أن الاطمئنان إما سكون الاستفزاز في مقابلة الانتقال من الأسباب إلى المسببات واما سكون إلا من في مقابلة الخوف ، والحزن أو سكون اليقين في مقابلة الريب ، وقوله : قرئ بها ظاهره أنه قرئ أيتها النفس الآمنة بدل المطمثنة والذي في الكشاف أن أبيا رضي الله عنه قرأ ياءيتها النفس الآمنة المطمئنة. قرله : ( إلى أمره الخ ) بالموت متعلق بإرجعي على التفسيرين والمراد بأمره الحكم لا عالم الأمر والمجردات كما قيل ، وموعده الأجل وهو المراد بالموت أيضا ، وقوله : أو بالبعث معطوف على قوله : بالموت وما بينهما اعتراض. قوله : ( ويشعر ذلك الخ ) يعني أن الأمر بالرجوع يقتضي أنّ لها مقراً قبل تعلقها بالبدن في عالم الملكوت ، ولولاه لما قيل : ارجعي وهذا الإشعار إنما يكون إذا كان هذا القؤل عند الموت ولذا قدمه المصنف على قوله : أو بالبعث ، وقيل : إنه عند دخول الجنة ، وقيل : نزلت في حمزة رضي الله تعالى عنه ، وقيل : في خبيب وضي اللّه عنه لما صلبه المشركون كما في الكشاف والظاهر العموم ، ولذا ترك المصنف هذا الوجه إلا أن خصوص السبب لا يأباه. قوله : ( راضية بما " أوتيت ) من النعم التي لا تتناهى ولا وجه لما قيل الظاهر أن يقول راضية عن ربها مرضية عنده فإنه غير مناسب للسياق ، وقوله : في جملة عبادي يشعر بأن النفس بمعنى الذات ، وما قبله يقتضي أنها بمعنى الروح فكأنه إشارة إلى جواز كل من الوجهين وسيأتي ما هو صريح فيه ، وقوله : الصالحين والمقربين من الإضافة التشريفية. قوله : ( فتستضيء بنورهم الخ ( إشارة إلى وجه إدخالها معهم ، وقوله : فإنّ الجواهر القدسية أراد بها الأرواح المجرّدة في عالم الملكوت ، وقوله : كالمرايا جمع مرآة ، وقد قال الحريري في درة الغواص : إنه خطأ والصمواب مرائي ، وليس كما قال : وقد صححناه في شرح الدرة وليس هذا محل تفصيله يعني إذا اجتمعت يستفيض بعضها من بعض أنوار المعارف الإلهية فينعكس لكل ما في الأخرى فلذا حشرت معها لتكميلها ما تستعد به للدرجات العالية ، وقوله : عن النبيّ الخ حديث موضوع وقوله : العشر محتمل عشر ذي الحجة والعشر الأخير من رمضان ( تمت السورة ) بحمد الله ومته والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
سورة البلد
لا خلاف في عدد آياتها والخلاف في كونها مكية أو مدنية بتمامها أو إلا أربع آيات من
أولها ولكون هذين القولين يأباهما قوله بهذا البلد ادعى الزمخشري الإجماع على كونها مكية ، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو الظاهر وأمّا احتمال نزولها بمكة بعد الهجرة فتكون مدنية على قول فبعيد.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( أقسم الخ ) إشارة إلى أنّ لا صلة هنا ، وأنّ البلد هنا مكة شزفها اللّه تعالى ، وقوله :
وقيده الخ إشارة إلى أنّ الجملة الاسمية حالية على هذا الوجه وأنّ الخطاب له جمتن ، وقوله : إظهار المزيد فضله إن كان الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم كما هو المتبادر فإقحام المزيد لأنّ له شرفا ذاتياً وعليه علاوة مما ذكر وغيره(8/360)
ج8ص361
والإظهار لأنه قيد القسم بحلوله به فكأنه أقسم به لأجله وإن كان للبلد الحرام فوجهه أنّ القسم يفيد شيئين تعظيم المقسم به ، وتوكيد المقسم عليه وهو تعريض بعدم شرف أهل مكة وانهم جهلوا جهلاَ عظيما لهمهم ب!خراج من هو حقيق به وبه يتم شرفه. قوله : ( وإشعارا الخ ) إمّا أن يعتبر هذا على ظاهره ، وعمومه بناء على أنه ليس للأمكنة شرف ذاتيّ أصلا إلا الأماكن المقدسة والمعابد المطهرة ، ولا مانع منه فيتسمح في قوله : أهله على أنّ المراذ به ما يقع فيه من العبادة ومن عبد الله به ومن أتاه من الملائكة بأمره تعالى ، وكونه قبلة وموطناً لإجابة الدعاء ، وافاضة الخير والرحمة بما فيه من ذلك وبتشريف الله له وتجلية له كما تجلى للطور ، وقيل : المراد مطلق المكان دون خصوص مكة فلا ينافي الوجه الأوّل والإشعار لأن البلد المشرف على سائر البلاد إذا زاد شرفه بمرحلة يفهم منه ثبوت أصل الشرف لغيره ( وفيه بحث ( والحل صفة أو مصدر بمعنى الحال هنا على هذا الوجه ، ولا عبرة بمن أنكره لعدم ثبوته في كتب اللغة. قوله : ( وقيل حل مستحل ) بزنة اسم المفعول ، وتعرضك نائب فاعله أي مستحل التعرّض لأذيتك ، وقوله : في غيره لأنه لا يحل فيه ، وفيه تعريض بتجميم وتفريقهم بأنه لا يستحل فيه الحمام فكيف يستحل فيه دم سيد الأنام عليه الصلاة واللام والجملة على هذين الوجهين معترضة ، وتجوز الحالية إن أبقينا لا على ظاهرها أو قلنا بأنها حال مقدرة في الوجه الأخير والحل على هذا ضد الحرمة ، ولما فيه من البعد مرضه ولأنّ الحل يراد به الاستفبال في الوجه
الأخير ، وهو غير متبادر منه وفيه تسلية له صلى الله عليه وسلم ووعد بنصره واهلاك ضده. قوله : ( ساعة من النهار الخ ) إشارة إلى ما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح : " إن مكة لم تحل لآحد قبلي ولا بعدي وإنها أحلت لي ساعة " وهو معروف في كتب الحديث ، وقوله : والوالد الخ على أن المراد به الأب الأعلى للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقوله : ذريته على أنّ المراد آدم عليه الصلاة والسلام وما بعده على ما بعده ففيه لف ونشر ، ويخمل رجوع كل لكل منهما لأنّ العرب ذرية إسماعيل. قوله : ( ولشار ما على من الخ ) يعني أنه أوثر ما لإرأدة الوصف فيفيد التعظيم في مقام المدح ، وأنه مما لا يكتنه كنهه لثذة إبهامها ، ولذا أفادت التعجب أو التعجيب وإن لم يكن استفهاماً كما ذكره الزمخشري في مواضع من الكشاف كما في قوله : بما وضعت أي أيّ مولود عظيم الشأن ، وضعته وهذا على كون المراد إبراهيم والنبيّ عليهما الصلاة والسلام ظاهر أما على أنّ المراد به آدم وذريته فالتعجب من كثرتهم أو مما خص به الإنسان من خواص البشر كالنطق والعقل وحسن الصورة لا من وصف الكل بوصف البعض كما قيل : فإنه إلغاز مخل. قوله : ( ومته المكابدة ) لمقاساة الشدائد وأصله الشدة المؤثرة لوجع الكبد ، ثم عنم فضمير منه للتعب أو لوجع الكبد وهذا أقرب وقوله : والإنسان الخ بيان لكون الإنسان خلق في التعب ، ووجه التسلية إنه لم يخلق الناس للرّاحة في الدنيا ، وكل من كان أعظم فهو أشدّ تعبا وقوله : لبعضهم أي لبعض قريش وقوله يغتر أي يحصل له غرور بقوته الجسمانية وأبو الأشد بالشين المعجمة وضبطه بعضهم بالمهملة كما سبق ني شرح الكشاف وكلدة كتمرة علم والأديم الجلد المدبوغ ، وقوله : عكاظي منسوب إلى عكاظ وهو سوق معروف للعرب يصنع فيه أقوى الجلود وحسنها ، وقوله : أو لكل أحد منهم أي
ممن كثرت مكابدته وغروره والاستفهام للتعجب. قوله : ( أو للأشمان ) المذكور بعمومه والتهديد وإن كان عاما بحسب الظاهر فهو مصروف لمن يستحقه وعلى الأوّل الضمير يعود على ما فهم من السياق ، وقوله : في ذلك الوقت أي وقت الانتقام منه ، وقوله : سمعة أي رياء ليسمع به الناس. قوله : ( أو بعد ذلك ) الإنفاق فلم بمعنى لن وعبر بها لتحققه وقوله : يعني أنّ الله يراه عبر بالمضارع مشاكلة لما في النظم ، ولذا لم يقل : رآه وليس المقصود استمراره حتى يعترض عليه ، وهذا ناظر للأوّل وقوله : أو يجده للثاني وعليه فالمراد بالرؤية الوجدأن اللازم له فتدبر ، وقوله : ثم قرر ذلك أي الإنكار أو كونه يرأه أو يجده فيحاسبه ، ويجازيه فإنّ من قدر على ما خلقه قادر على مجازاته ومحاسبتة ، والاطلاع على حاله وقوله وغيرها كالنفخ. توله : ( يترج!م به ( أي يبلغ به ما في ضميره والترجمة لا تختص بتفسير لسان بآخر كما توهم ، وقد وردت بهذا المعنى أيضا كقوله :(8/361)
ج8ص362
إنّ الث!ط نين وبلغتها قدأحوجت سمعي إلى ترجمان
ويحتمل أنه على هذا استعارة. قوله : ( طريقي الخير والشرّا لا يخفى إنه ذكر في سياق الامتنان فالمرإد الامتنان عليه بان هداه وبين له الطريق فسلكها تارة ، وعدل عنها أخرى فلا امتنان عليه بالشرّ ولذا جعله الإمام بمعنى قوله تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [ سورة الإنسان ، الآية : 3 ] ووصف مكان الخير بالرفعة والنجدية ظاهر بخلاف الشرّ فإنه هبوط من ذروة الفطرة إلى حضيض الشقوة فهو على التغليب أو على توهم المتخيلة له صعودا فتدبر. قوله : ( أو الثديين ) أي ثديي الأم والعرب تقول في القسم إما ونجديها ما فعلت كذا فالنجد الثدي والبطن تحته كالغور ، وقوله : وأصله الخ هو على التفسيرين منقول من هذا ، وقوله : فلم يشكر الخ بيان لحاصل المراد منه إذ المراد أنه مقصر مع ما أنعم به عليه من عظيم الأنعام والأيادي النعم ، وقوله : وهو أي الاقتحام. قوله : ( استعارها ) أي العقبة لأنها استعارة مصرحة لشكر المنعم بالعمل بالأركان وشكر الإحسان بالإحسان فشبه الإعتاق والإطعام لعلو منزلته عند الله بمحل مرتفع وأثبت له الاقتحام ترشيحاً أو جعل فعله اقتحاما وصعودا شاقا
وذكره بعد النجدين جعل الاستعارة في الذروة العليا من البلاغة ، وقوله : لما فيهما الخ متعلق بقوله : استعارها للإشارة لوجه الشبه فسقط قول الإمام إنه لا بد فيه من تقدير أي ما أدراك ما اقتحام العقبة لأنّ العقبة غير الفك لأنه إن أراد أنها غيره بحسب الحقيقة فلا نزاع فيه ، وإن أراد ادعاء ومجازاً فلا وجه له وكذا ما قيل العقبة عين والفك معنى فكيف يفسر أحدهما بالآخر ، والمراد بالاقتحام فعل ذلك. قوله : ( ولتعدّد المراد الخ ) جواب عن سؤال مقدر ، وهو أن لا يجب تكرارها في بعض المواضع على ما فصله في المغني كما إذا دخلت على الماضي كقوله : { فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى } [ سورة القيامة ، الآية : 31 ] وما نحن فيه من ذلك فلم لم تكرر بأنّ اللازم تكرارها لفظاً أو معتى وهي مكررة هنا معنى لأنّ لا اقتحم لما فسر بما بعده كان في قوّة قولك لا فك رقبة ، ولا أطعم الخ فقوله : بما أي بلفظ ما في قوله : ما أدراك ما العقبة ، وقوله : موقع لم أي من غير تكرار مع الماضي وفي الآية أجوبة أخرى منها أنه لما عطف عليه كان وهو منفي أيضاً فكأنها كررت ، وقيل : لا للدّعاء وقيل : مخففة من إلا وقيل : إنها للنفي فيما يستقبل فانظره في المطوّلات من النحو. قوله : ) فك ) الظاهر أنه بصيغة الماضي على القراءة الثانية ، وكوت مصدراً عطف عليه الفعل لتأويله بالمصدر بعيد ، وقوله : لتباعد الخ هو على الوجهين وهو إشارة إلى أن ثم هنا للتراخي في الرتبة ، وقوله : لاستقلاله أي لكونه يستقل بكونه سببا للتجاة وشكرا جمدون الأعمال كمن آمن وصدّق تصديقا تاماً ، ثم مات في يومه قبل أن يجب عليه شيء من الأعمال فإنّ ذلك ينفعه ويخلصه بخلاف ما عداه فإنه لا يعتد به بدونه فعطف بثم ، وإن كان مقدّماً لما ذكر. قوله : ( مفعلات ) أي مصادر ميمية على هذا الوزن ، وقوله : وترب إذا افتقر أصله ألصق جلده بالتراب لجلوسه في حفرة لعدم ما يستره أو لإلصاق بطنه بالأرض من شذة الجوع والاستدلال بهذا على معنى الفقر موقوف على كون الصفة كاشفة وهو غير متعين ، وقوله : فك رقبة بصيغة الماضي مبدلة من اقتحم وما بينهما اعتراض على هذه القراءة. قوله : ( أو بموجبات ( بكسر الجيم أي أسبابها فهو مجاز أريد بالمسبب سببه ، أو فيه مضاف مقدر ، وقوله : اليمين أي جهة اليمين التي فيها السعداء أو اليمن لكونهم ميامين على أنفسهم وغيرهم :
واذاسخر الإله سعيداً لا ناس فإنهم سعداء
وقوله : بما نصبناه فالآيات بمعنى الأدلة أو هي آيات القرآن المعروفة. قوله : ( ولتكرير
ذكر المؤمنين الخ ) قال في شرح المغني : سألت بعض الأصحاب عن وجه التفرقة بين المؤمنين والكافرين حيث ترك ضمير الفصل في الأوّلين وأتى بدله باسم الإشارة وقال السمين الحكمة فيه أن اسم الإشارة يؤتى به لتمييز ما أريد به أكمل تمييز كقوله : هذا أبو الصقر البيت ، ولا كذلك الضمير فإنّ اسم الإشارة البعيد يفيد التعظيم لتنزيل رفعة محله منزلة بعد درجته كما أشار إليه المصنف رحمه الله فاسم الإشارة للتعظيم ، والإشارة إلى تمييزهم واستحقاقهم كمال الشهرة بخلاف أصحاب المشأمة ، والضمير لا يفيد ذلك. قوله : ( من أوصدت الباب ) واغلاق(8/362)
ج8ص363
أبوابها أشد لتعذيب أصحابها ، وقوله : وقرأ الخ فيه رد على الزمخشري إذ نقل طعن بعضهم على هذه القراءة مع تواترها ، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع ( تمت السورة ) بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.
سورة الشمس
لا خلاف في مكيتها وآياتها خمس عشرة أو ست عشرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( وضوئها ) قال الراغب : الضحى انبساط الشمس وامتداد النهار وبه سمي الوقت وضحى برز للشمس قال تعالى : { لَا تَظمأ فِيهَا وَلَا تَضْحَى } [ سورة طه ، الآية : 119 ] انتهى فحقيقته تباعد الشمس عن الأفق المرئي ، وبروزها للناظرين ثم صارت حقيقة في وقته ثم إنه قيل : لأوّل الوقت ضمحوة ولما يليه ضحى ، ولما بعده إلى قريب الزوال ضحاء بالفتح والمدّ فإذا أضيف إلى الشمس فهو مجاز عن إشراقها كما هنا فلا منافاة بين هذا وبين ما سيأتي في الضحى. قوله : ( تلا طلوعه الخ ) جعل المصنف التبعية باعتبار طلوعه وخروجه من الأفق والمتبوع إمّا طلوعها فهو في أوّلط الشهر فإنّ الشمس إذا طلعت من الأفق الشرقي أوّل النهار يطلع بعدها القمر تحت الشعاع فيرى بعد غروبها هلالاً أو غروبها ، وذلك في ليلة البدر رابع عشر الشهر فإنه حينئذ في مقابلة الشمس والبعد بينهما نصف دور الفلك فاذا كانت الشمس في النصف الفوقاني من الفلك كان القمر في التحتاني فإذا غربت طلع القمر من الأفق الشرقي والزمخشري جعل التبعية في الإضاءة لأنه يكتسب الضوء منها فلذا قال : تلاها طالعاً عند غروبها آخذاً من نورها في النصف الأوّل من الشهر فإنه يأخذ في كل ليلة منه قدراً من النور بخلافه في النصف الثاني ومن غفل عن ذلك توهم أنّ المصنف قصد بمخالفته تخطئته ، والرد عليه. قوله : ) أو غروبها بها ليلة البدر ) قد عرفت معناه قريباً وأنه مخالف لكلام الزمخشري فمن زعم أنهما بمعنى لم يتدبر كلامهما ، وأمّا أن هذا أنسب بالمقسم به لأنه وقت ظهور سلطانه فإنه يناسب تعظيم شأنه أو ذاك لأنه وصف له بابتداء أمره فكما أنّ الضحى شباب النهار فكذا غرة الشهر كولادة القمر والنكات لا تتزاحم ، وقوله : أو غروبها ليس بمناف لقول الجوهري سمي بدراً لأنه يسبق طلوعه غروب الشمس فكأنه يبدرها بالطلوع كما قيل لأنه بالتقريب فأعرفه. قوله : ( في الاستدارة الخ ) معطوف على قوله : تلا طلوعها الخ فيكون المراد بالتلو التأخر في الرتبة لأن جرمه دون جرمها ونوره دون نورها وهو مستمد منها وخليفة عنها. قوله : ( جلى الشمس ) أي أظهرها ، وقوله : فإنها تتجلى الخ إشارة إلى أنّ فيه تجوّزاً في
الإسناد ، وقوله : انبسط النهار أي مضى منه مدّة ، وقوله : أو الظلمة فجلاها بمعنى أزالها ، وقوله : وإن لم الخ إشارة لترجيح الأول بذكر مرجعه واتساق ضمائره لا ليشار بها كما قيل ، وقوله : الدنيا المراد بها وجه الأرض ، وقوله : يغشاها اختير المضارع فيه للفاصلة ولم يقل غشاها لأنه يحتاج إلى حذف أحد مفعوليه وفيه تنبيه على استواء الأزمنة عنده تعالى والأولى أن يقال : إنّ المراد به الظلمة الحادثة بعد الضوء لا العدم الأصلي ، ولا الظلمة الأصلية فإنّ هذه أظهر في الدلالة على القدرة ، وهي مستقبلة بالنسبة لما قبلها فلا بدّ من تغيير التعبير ليدل على المراد. قوله : ( ولما كانت واوات العطف ) جواب عما استصعبه الزمخشري من أنّ الواوات إن كانت عاطفة لزم عطف معمولي عاملين على مثلهما ، وإن كانت قسمية لزم ما استكرهه الخليل وسيبويه من تعدّد القسم على مقسم واحد وحاصل الدفع إنه اختار الشق الأوّل ومنع المحذور فإنها عاطفة لمعمولي عامل واحد على معمول واحد ، ومثله غير ممنوع بالاتفاق كما بينه المصنف ، وقوله : الجارة بنفسها على الأصح لا بالنيابة عن الباء كما قيل وقوله : من حيث الخ تعليل لنيابتها عنه فإنه لا يجوز ذكر. معها بخلاف الباء كما لا يخفى فلما نابت عن الواو القسمية ، وهي نائبة عن فعل فقد نابت عن حرف القسم الجار وعن فعل القسم الناصب فكان النصب ، والجر عمل عامل واحد لكن ابن الحاجب نقض هذا بمثل قوله :(8/363)
ج8ص364
{ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } [ سورة التكوير ، الآية : 17 ] للعطف مع تقدم صريح القسم مع أن التحقيق إن الظرف ليس معمولاً لفعل القسم لفساد المعنى إذ هو غير مقيد بالزمان حالاً كان أو مستقبلا ، وإنما هو معمول لمضاف مقدّر وهو العظمة لأن الأقسام بالشيء إعظام له وأورد عليه أنّ أقسامه تعالى بشيء مستعار لإظهار عظمتة ، وابانة شرفه فيجوز تقييده باعتبار جزء المعنى المراد يعني الإظهار وأيضاً إذا كان الأقسام إعظاماً لغا تقديره ، وقد جوّز تجريد إذا عن الظرفية وابدالها من مدخول الواو ، ولا يخفى أنه ولو سلم ما ذكره فالاستعارة إمّا تبعية أو تمثيلية وعلى كل حال فليس ثمة ما يكون متعلقاً به بحسب الصناعة ، والتقدير ليتعلق به وليظهر ما أريد منه مؤكداً فلا لغوية فيه ، ومثله تخيل لا محصل له. قوله : ( من حيث استلزمت الخ ) متعلق بقوله : النائبة والمستتر فيه للواو الأولى كضمير معها وضمير طرحه لفعل القسم ، وقوله : ربطن الخ جواب لما والمجرورات القمر والنهار والليل والظروف إذا بعد الثلاثة وليس المراد بالجمع الاثنين كما قيل : لمقارنته المجرووات ، وقوله : بالمجرور والظرف أراد بالمجرور الشمس المجرورة بحرف
القسم وبالظرف فميا هيل : وضحاها لأنها في معنى إذا أشرقت أو لأنّ الضحى كثر استعماله بمعنى الوقت فيما قيل ، ولما رأى بعضهم ما فيه من التكلف قال المراد بالظرف والمجرور هنا القمر وأذا بعده ولا يخفى ما فيه من البعد ، وقوله؟ على عاملين مختلفين اتبع النحاة في هذه العبارة وفيها مضماف مقدو تقديره على معمولي عاملين مختلفين. قوله : ( لإرادة معنى الوصفية ) يعني أنّ أصل وضعها لما لا يعقل وقد يراد بها الصفة فإنها تقع استفهاماً للسؤال عنها فتقول زيد ما هو فيجاب بعالم أو جاهل بخلاف من فانها تختص بذوي العلم وقد أريد هنا الصفة فلذا أطلقت عليه تعالى وقد مر تفصيله في سورة النساء. قوله : ( كأنه قيل والشيء القادر الخ ا لم يقل والباني ولأذى البناء لأنّ الصفة إمّا بمعنى المشتق فيقدر الأوّل أو ما قام بالغير فيقدر الثاني لأنّ المراد بالبناء ليس معناه المعروف بل إيجاد الإجرام العظيمة الدالة على كمال القدرة وبديع الحكمة والصنعة ، ولذا فسره بما ذكر للدلالة على الوصفية المرادة هنا فسقط ما قيل من إن الأولى أن يقول وبانيها. قوله : ( ولذلك أفرد ذكره ( أي ذكر ما بناها مع أنّ في ذكر السماء غنية عنه للدلالة على إيجادها ، وموجدها التزاماً والإشارة إلى ما ذكر من الدلالة على وجوده وكمال قدرته ، وقوله : وكذا الكلام الخ أي أوثرت ما فيه لإرادة الوصفية فكأنه قيل : القادر الذي بسطها والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها. قوله : ( وجعل الماآت الخ ) جمع ماء بالمد على إرادة لفظها وهو جواب عن سؤال مقدر تقديره لم لم تجعل ما مصدرية كما ذهب إليه الفراء والزجاج ومن تبعهما ليسلم من ارتكاب إطلاقها على الله ، وكذا قال في الكشاف وليس بالوجه لقوله : فألهمها وما يؤدّي إليه من فساد النظم إلا أنه خفي على شراحه وجه الفساد كما تردد فيه أصحاب الحواشي هنا ، والظاهر أن المراد بتجريده من الفاعل أنه لا يكون له فاعل ظاهر وهو ظاهر ولا مضمر لعدم مرجعه ، وهذا في الأفعال كلها هنا لا في ألهم وحده كما قيل : وخلل النظم لما فيه من عطف الفعل على الاسم ، ولا يخفى أنه يكفي لصحة الإضمار دلالة السياق هي موجودة هنا وأنّ العطف حينئذ على صلة ما لا عليها مع صلتها فكأنه قيل ونفس وتسويتها فإلهامها الخ ولا يرد عليه اختلال الترتيب من غير مهلة لأنّ التسوية قبل نفخ الروج ، والإلهام بعدها بزمان طويل لأنّ التسوية فسرت بتعديل الأعضاء والقوى التي منها المفكرة والإلهام موقوف عليها أو لا يتم إلا بها مع أنه قد يقال : إن الترتيب فيه عرفي ، ثم إنه مشترك الإلزام ولا معنى لما قيل من أن النظم العربي يوجب توافق القرائن لأنه حاصل هنا وعطف الفعل على الاسم لشى بفاسد ، وإن كان خلاف الظاهر فتدبر. قوله : ( بقوله { وَمَا سَوَّاهَا } ) متعلق بقوله : نظم لما فيه من معنى الارتباط وعدم الارتباط حينئذ لخفاء وجه الترتيب والعطف على ما فيه ،
وقوله : إلا أق !يضمر الخ إشارة إلى ما مر وهو لدفع المحذورين معا لا لدفع الأوّل فقط حتى يعترض عليه بأنه كان ينبغي تقديمه بجنبه ودفع الأوّل به ظاهر ، وكذا الثاني لأن التسوية والإلهام فعلان لله فيتأتى ترتب أحدهما على الآخر وتسببه عنه ، وعلى كل حال فالكلام غير خال عن الكدر. قوله : ( وتنكير نفس للتكثير ) هذا وما بعده من التنوين ، وقوله : والمراد نفس ذ م على الثاني ، وبعد تفسير الإلهام بما ذكره(8/364)
ج8ص365
المصنف كيف ي!مال : إن ما بعده لا يناسب الثاني ، نعم قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } على هذا ينبغي أن يجعل من الاستخدام ولا بعد قيه.. قوله : ( وإلهام الفجور الخ ) أي لا إلقاؤهما في القلب حتى يحمله ذلك على أن يفجر أو
يتقي بل تعريفه بذلك بحيث يميز رشده من ضلاله كما في قوله : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } [ سورة البلد ، الآية : 0 ا ] ، وقوله : أو التمكين الخ أي جعله متمكناً وقادراً على كل واحد منهما سواء قلنا إنه بخلق الله كما هو مدّهب أهل الحق أو بيخلق العبد كما هو مذهب المعتزلة فلا دليل فيه لهم كما توهمه الزمخشري ، والى ردّه أشار المصنف رحمه اللّه ، واستدلاله بجعله فاعلا للتزكية والتدسية ومتوليهما ليس بشيء لأنّ الإسناد يقتضي قيامه به لا صدوره عنه ، وكون إسناد مثل هذه الأفعال حقيقة يقتضي الإيجاد مصادرة فاسدة لعوده على المدعي بعينه ، وبما قرّرناه علم أنّ : الأوصاف لا تنافي تفسيره بآدم. قوله : ( أنماها ) فالتزكية بمعنى التنمية ولو جعل بمعنى التطهير من دنس الهيولى صح أيضاً ، وقوله : وحذف اللام الخ لأنّ الماضي يقترن بهقد واللام في الأغلب فحذفت لطول جملة الجواب المقتضي للتخفيف أو لسدّه مسدّها وهذا دفع لأنه لو كان جواباً اقترن باللام ، وعلى هذا قوله : كذبت ثمود الخ استطراد لمناسبته للجواب ، وقوله : لما أراد به أي بقوله : قد أفلح الخ وتكميل النفس هو تزكيتها بالعمل والعلم ، وقوله : والمبالغة يصح عطفه على الحث وتكميل ، والمبالغة إمّا بجعله محققا ماضياً وجعله عين الفلاج ، أو من جعل تنقيص شيء منه خيبة وخسرانا وهذا بيان لوجه تخصيص ما ذكر بالمقسم عليه ، وقوله : أقسم عليه أي على هذا القول أو التكميل ، وقوله : بما يدلهم هو ما ذكر من المصنوعات العظيمة فإنها تدل على صانع موصوف بما ذكر وفاعل زكاها ضمير من لا ضمير يعود على الله ، والعائد الضمير المؤنث لأنّ المراد به النفس لأنه تعسف غير لازم كما بين في شروح الكشاف ، وقوله : يذكرهم الخ بما خلق لهم في الآفاق والأنفس من النعم المقتضية لشكر المنعم بها ، وقوله : الذي هو أي الشكر هو منتهى العمل وهو شامل لاعتقاد الجنان وعبادة الأركان وتنزيه اللسان ولا يضرّه كون الاعتقاد نظريا لأنه زيادة غير مضرّة أو يقال : المراد
بالشكر ما يظهر منه ، والأوّل مما لا يطلع عليه غير الله ، ومن هو صاحبه فلا غبار عليه. قوله : ( وقيل هو اسثطراد الخ ) أي قوله : قد أفلح الخ أمر مستطرد كما ذهب إليه الزمخشريّ والجواب ما قدّره لدلالة المذكور عليه ورد ما اختاره الزجاج ، وتبعه المصنف بلزوم حذف اللام وبأنه لا يليق أن يجعلى التزكية ، وهي من أدنى الكمال لاختصاصها بالعمليات مقصودة بالأقسام ، ويعرض عن التحلية بالعقائد التي هي لب الألباب ، وزبدة ما مخضته الأحقاب ، ولو سلم عدم الاختصاص فهي مقدمة التحلية في البابين وأمّا حذف جواب القسم فكثير فصيح لا سيما في الكتاب العزيز ، والمصنف لم يلتفت لشيء منه لأنّ حذف اللام كثير لا سيما وهنا ما يرجحه من الطول وقد ذكره هو في قوله : قد أفلح المؤمنون فما عدا مما بدا مع أنه أسهل من حذف الجملة بتمامها الذي اختاره هو ، ولأنّ التزكية لا اختصاص لها كما أشار إليه في تفسيرها وليست مقدمة بل مقصودة بالذات ولذا فسرها بالإنماء دون التطهير ، ولو سلم فلا مانع من الاعتناء ببعض المقدمات أحيانا لتوقف المقاصد عليها ، وأمّا جعل الأوّل كناية عن الثاني فما لا داعي له فتنبه. قوله : ( نقصها ) أي نقص تزكيتها أو بعضها بتقصير. في التزكية ، وقوله : أخفاها الخ المراد بإخفائها إخفاء استعدادها وفطرتها التي خلقت عليها ، وتوله : وأصل دسى الخ هو على الثاني لأنّ الدس الإدخال وهو يستلزم الإخفاء ، ويحتمل أنه عليهما والظاهر الأوّل وتقضي أي تقضض ، ومعناه هوى كما في قوله :
تقضي البازي إذ البازي كسر
قوله : ( بسبب طغيانها ) فالباء سببية والطغوى مصدر بمعنى الطغيان ، وجعلها الزمخشري للاستعانة في هذا الوجه ، وقوله : أو بما أوعدت الخ فالطغوى على الأوّل المعاصي وطغيانها وعلى هذا هو من التجاوز عن الحد والزيادة في العذاب كما في طغى الماء إذا زاد زيادة مفرطة ، والباء على هذا صلة كذبت كما في قوله : { كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ } [ سورة الأنعام ، الآية : 66 ] وقوله : ذي الطغوى إشارة إلى تقدير مضاف فيه أو تأويله بما ذكر ، ويجوز أن يراد بالطغوى العذاب نفسه مبالغة كما يوصف بغيره من المصادر ، وقوله : فأهلكوا بالطاغية استشهاد معنوقي على وصف العذاب بالطغيان ، وأنه المراد هنا أو الطاغية مصدر كالكاذبة ، وقوله : تفرقة بين الاسم والصفة(8/365)
ج8ص366
فانّ ياء فعلى تقلب في الاسم الجامد واواً ليتميز منه إذا كان صفة كصديا كما
قرّره النحاة ، وهذا اسم لأنه مصدر وقوله : قرئ بالضم الخ قيل : يشكل على هذه القراءة قلب الياء واواً فإنه لا يفرق فيه بين الاسم والصفة وجوابه ما قاله السمين كان من حقه بقاء الياء على حالها كالسقيا ، وهذا عند من يقول : طغوت بالواو فالواو أصل عنده كما قاله أبو البقاء ، وقد تقدم في البقرة تفصيله. قوله : ( حين قام ( تفسير إذ انبعت فانبعت مطاوع بعثه بمعنى أرسله ، وأقامه والمراد بقيامه مباشرته لما ذكر وقدار بزنة غلام اسم من عقر الناقة ومعناه جزار ، وقوله : مالأه بالهمز بمعنى أعانه كأنه صار من ملئه وفي نسخة والاه وهو بمعنا.. قوله : ( فإن أفعل الخ ) والمراد إضافته لمعرفة مفضل عليه بقرينة ما في النظم فلا يرد عليه إنه إطلاق في غير محله لأنّ المضاف لنكرة حكمه الإفراد والتذكير مطلقا كالمقترن بمن ، وقوله : فضل الخ يعني المراد بكون من ذكر أشقى إنه أشقى بالنسبة لمن عداه من ثمود لأنهم لم يباشروا العقر. قوله : ( واحذروا ) إشارة إلى أنّ نصبه على التحذير واضمار عامله واجب هنا كذا قاله المعرب : وقيل المراد أنه منصوب بتقدير ذروا واحذروا ولم يرد نصبه على التحذير كما في الكشاف لأنّ شرطه تكرير المحذر منه ، أو كونه محذرا مما بعده ولك أن تقدر عظموا ناقة الله وقيل : المقدر ذروا وقوله : احذروا بيان للمعنى المراد وكلاهما مما لا وجه له أمّا الأوّل فلأن شرطه ما ذكر أو العطف عليه كما هنا ، وأمّا الثاني فغنيّ عن البيان ، وقوله : عقرها إشارة إلى تقدير المضاف فيه أو بيان للمراد من غير تقدير فيه ، وقوله : فلا تذودوها بالذال المعجمة بمعنى تطردوها وفي نسخة تزووها بمعنى تنحوها وضمير عنها للسقيا. قوله : ( فيما حذرهم الخ ) أوّله بما ذكره لأنّ ما قاله لهم أمر للتحذير والتكذيب إنما يكودط في الخبر فهو هنا لخبر مقدر أو ضمني لتضمنه الأخبار بحلول العذاب إن فعلوا ما حدّرهم منه وقيل : إنّ ما قاله لهم من الأمر قاله : ناقلاً له عن الله فصح تكذيبه لأنه مخبر معنى ، وقوله : فأطبق هو معنى دمدم وفي القاموس معناه أتمّ العذاب ، وقوله : وهو من تكرير للفاء ووزانه فعفل ، وقوله : ألبسها الشحم أي صارت سمينة من ألبسه كذا إذا غطاه فهو است!ارة. قوله : ( فسوى الدمدمة بينهم أو عليهم ) يعني ضمير سواها إمّا للدمدمة فالمعنى أنه جعلها سواء بينهم أو جعلها عليهم سواء أو الضمير لثمود والمعنى ما ذكر أيضاً. قوله تعالى : ( { وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا } ( أي عاقبتها كما يخاف الملوك عاقبة ما تفعله
فهو استعارة تمثيلية لإهانتهم وانهم أذ. لا عند الله فالضمير في قوله : يخاف لله وفو الأظهر ويجوز عوده للرسول صلى الله عليه وسلم أي أنه لا يخاف عاقبة إنذاره لهم وهو على الحقيقة كما إذا قيل الضمير للأشقى أي إنه لا يخاف عاقبة فعله الشنيع والواو للحال أو الاستئناف. قوله : ) فلا على العطف ) بالفاء وكذا هي في بعض المصاحف أيضاً ، وقوله : عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الخ حديث موضوع. تصت السورة اللهمّ إني أسألك بجاه محمد صلى الله عليه وسلم زكاة نفسي وتقواها فأنت وليها ومولاها.
سورة والليل
لا خلاف في عدد آياتها والخلاف في النزول وسببه فقيل : مكية وهو الأشهر ، وقيل : مدنية ، وقيل : بعضها مكيّ وبعضها مدنيّ ، وقيل : نزلت نجي أ! الدحداح الأنصاري وكاًن في دار منافق ذخلة يقع منها في دار يتامى في جواره بعض بلح فيأخذ ، +منهم فقال لهءجمنن : " دعفا لهم ولك بدلها نخل في الجنة " فأبى فاشتراها أبو الدحداح بحائطها وقال للنبيّ جممر : أهبها لهم بالنخلة التي في الجنة الحديث .
بسم الله !رحمن الرحيم
قوله : ( يغشى الشمس الخ ) والمقسم به الليل كله لا بعضه في بعض الوجؤه كما توهم ، وقوله : ظهر على أنه من جلاء الصقل المزيل لما عليه ، وهو محتمل للاستعارة المكنية أيضا ، وقوله : أو تبين على أنه من التجلي بمعنى الظهور واختلاف الفعلين مضيا واستقبالاً تقدم وجهه وفي بعض شروح الكشاف أنّ الأوّل على تقدير كون المغشي النهار أو كل شيء وقوله : أو تبين الخ على تقدير كون المغشي عليه الشمس ، وقيل : إن فاعل تجلى(8/366)
ج8ص367
ضمير النهار لا الشمس ولا كل شيء ، ثم لا اختصاص للمعنى الأوّل بكون المغشي كل شيء ك!ما لا يخفى وكون الإسناد للنهار مجازيا لا يكفي في الدفع ولا يخفى أنه من عدم فهم المراد منه فإنه يعني أنه يحسن التقابل بينهما على ما ذكر فانّ هذا إذا أريد به زوأل الظلام فما يقابله بمعنى وجود الظلام ، وهو على ما ذكهر وإذا فسر بطلوع الشمس هنا فما قبله غروبها وهو أظهر من الشمس فتدبر. قوله : ( النادر الذي خلق الخ ) إشارة إلى ما مرّ من أنّ ما موصولة بمعنى من وأنها أوثرت لإرادة الوصفية ، وأنها تحتمل المصدرية وذكر القادر ليس زائدا على معنى الوصفية كما مرّ تحقيقه بل للإشارة إلى أنّ ذكره ليستدل به على كمال القدرة الإلهية وتعريف الذكر ، والأنثى على الأوّل
للاستغراق أو للحقيقة أو للجنس وعلى ما بعده للعهد ويكون كقوله : { إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى } [ سورة الحجرات ، الآية : 13 ] وقوله : من كل نوع له توالد إن كان المراد بالتوالد ما يقابل التكوّن أو يقابل ما يحصل من البيض شمل البغل والبغلة لأنّ خلقهما بالتوالد أيضاً ، وإن أراد أنه يلد ويولد له خرجا قيل : والأنسب بالمقام التعميم والجار والمجرور إن تعلق بخلق خرح أوّل مخلوق من النوع ، وفيه نظر وقيل : إنّ هذا دليل على أنه لا يخرج مخلوق عن الذكر والأنثى حتى لو حلف لا يكلم ذكراً ولا أنثى حنث بالخنثى ، وقوله : مصدرية مرضه لما مرّ ولفوات نكتة الموصولية. قوله تعالى : ( { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } ) جواب القسم ، أو هو مقدر كما مرّ تفصيله وقوله : مساعيكم جمع مسعى مصدر ميمي بمعنى السعي وهو إشارة إلى أنّ المصدر المضاف يفيد العموم فيكون جمعا معنى ، ولذا أخبر عنه بشتى وهو جمع شتيت أو شت بمعنى متفرّق ، وفيه وجه آخر وهو أنه مفرد مصدر مؤنث كذكرى وبشرى فهو بتقدير مضاف أو مؤوّل أو بجعله عين الافتراق مبالغة. قوله : ( من أعطى ا!طاعة واتقى المعصية الخ ) وفي الكشاف يعني حقوق ماله وهو المناسب للإعطاء لأنّ المعروف فيه تعلقه بالمال خصوصاً ، وقد وقع في مقابلة ذكر البخل والمال لا يقال ما فسر به المصنف أحسن ليكون التفصيل شاملا للمساعي كلها وهو الحامل على مخالفة الظاهر لأنا نقول المناسب التعميم في قوله : اتقى لأنّ التقوى لها معان منها ما يشمل ما ذكره المصنف فلو لم يخصه ، وعمم كما أشار إليه الزمخشري عم المساعي من غير تكلف ارتكبه ، وأخر التوحيد وحقه التقديم للفاصلة ولأنه قد يؤخر الأهم لنكتة لا لأنّ من الإعطاء الإصغاء لكلمة التوحيد ومن الاتقاء الاتقاء عن الإشراك كما توهم لأنه ضغث على إبالة. قوله : ( وهي ما دل على حق الخ ) يعني أنّ المراد إذ عانه بكل حق فيدخل فيه التوحيد دخولاً أولياً ، وقوله : للخلة بفتح الخاء والمراد الصفة والخصلة ، ولما كانت مؤدّية إلى اليسر وهو الأمر السهل الذي يستريح به الناس وصفت بأنها يسرى على أنه استعارة مصرّحة أو مجاز مرسل أو تجوّز في الإسناد ، وقدره لأجل التأنيث. قوله : ( من يسر الفرس إذا هيأه للركوب ) فعلى هذا التيسير من اليسر وهو السهولة ، والمراد به التهيئة والإعداد للأمر فيكون متهيأ ومستعداً له كما في الحديث : " كل ميسر لما خلق له " وله ثلاثة معان كما كشفه في الكشف منها هذا ، ومنها اللطف والخذلان ، ومنها الهداية والإيصال للسعادة ، والمصنف اختار
الأوّل منها لأنه أشهر والى الحقيقة أقرب إلا أنه على المعنيين الآخرين يكون التيسير للعسرى مشاكلة وعلى هذا لا مشاكلة فيه كما صرّح به في الكشف. قوله : ( بما أمر به ) أوّله بما يشمل جميع المعاصي ليكون مقابلاً للإعطاء بما فسره به وقد عرفت ما فيه ، وقوله : بإنكار مدلولها لأنّ المراد كل كلمة دلت على الحق كما مرّ ، وقوله : للخلة أي الخصلة يوضحه. قوله : ) تفعل من الردى ( بمعنى الهلاك فمعناه ما قدمه أي هلك وأشار به لترجيحه وعلى ما بعده هو بمعنى الوقوع وفى التعبير بما ذكر إشارة إلى أنه بما قدمه من أعماله الخبيثة هو المهلك ، والموقع لنفسه وهو الحافر على حتفه بظلفه وقيل : إنه للمبالغة فتدبر. قوله : ( للإرشاد إلى الحق الخ ) يعني أنّ على للإيجاب ، ولذا تمسك به الزمخشريّ في وجوب الأصلح على الله ولا متمسك له فيه لأن لزومه علينا لسبق القضاء به وعدم تخلف المقضي عنه أو لأنه على مقتضى الحكمة ، والمصلحة لا لما ذكروه. قوله : ( أو أنّ علينا طريقة الهدى ) رد آخر على الزمخشريّ فيما تمسف به بأن في الآية مضافا مقدراً أي إنّ علينا بيان طريق الهدى وقد بيناها فهو كقوله في الآية الأخرى ، وعلى الله قصد السبيل فكل من يسلكه(8/367)
ج8ص368
يصل إلينا وقد مرّ تفسير هذه الآية بوجوه عليها ينزل ما ذكره المصنف ولبعضهم هنا خلط يطول ، والاشتغال به من الفضول. قو ، له : ) فنعطي في الدارين ) إشارة إلى أنّ المراد بالأولى الدنيا ، وفيه تتميم للرد السابق وقوله : أو ثواب الهداية للمهتدين معطوف على قوله : ما نشاء الخ أي نعطي الثواب لمن اهتدى تفضلاً منا فلا يرد عليه أنه لا وجه للتخصيص ، والظاهر ثواب الهداية وعقاب الضلال لأنّ العقاب لا يعد عطاء ولو أدخله فيه احتاج للتأويل فهو كقوله : { وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا } [ سورة العنكبوت ، الآية : 27 ] الآية وقوله : أو فلا يضرّنا الخ لتفرده تعالى بملك ما في الدارين ، وكونه في قبضة تصرّفه لا يحول بينه وبينه أحد ولا يحصله أحد حتى يضرّ عدم اهتدائه أو ينفع اهتداؤه. قوله : ( تتلهب ) إشارة إلى أنّ أصل تلظى تتلظى حذف منه إحدى التاءين كما قرئ به ، وقوله : لا يلزمها الخ يعني أنّ المراد به ما ذكر من اللزوم وأشد العذاب كما يدل عليه الصليّ لأنه من
قولهم شاة مصلية ، وهي التي يحفر لها حفيرة يوضمع فيها جمر كثير وتدخل فيه إذ لا يقال : لما على الجمر وفوق النار مصليّ كما بينه في الانتصاف نقلا عن أئمة اللغة فهو دال على الأشدية ، وأمّا اللزوم ممن مقابلة قوله : سيجنبها الخ فإنه يقتضي أنه لا يجنبها فاندفع ما أورد عليه من أنّ تفسير الصلى باللزوم غير ظاهر وهذا جواب عما تيل : إنّ الشقي يصلى النار ، والتقيّ يتجنبها فكيف قال : لا يصلاها الخ مع أنّ الحصر اللاحق ينافي السابق لأنّ المراد بالصلى ما ذكر لا مطلق الدخول ، وهو مختص بالكافر الأشقى والأتقى يتجنبها بالكلية بخلاف التقى فإنّ منهم من يدخلها فلا منافاة بين الحصرين ، وما في الكشاف من أنّ الحصر ادعائي مبالغة فكأنّ غير الأشقى غير صال وغير الأتقى لا يتجنبها مبنيّ على الاعتزال وتخليد العصاة فلذا تركه المصنف. قوله : ( ولذلك ) أي لأن المراد الكافر الملازم لها أطلق عليه أشقى لأنه أشقى من غيره ، ووصفه بما هو لازم للكفر مما ذكر وقوله : صليها أي لزوم أشدّها كما مرّ ، وقوله : فلا يخالف الخ هكذا هو في النسخ وفي بعضها بالواو فقيل عليه : إنّ الأظهر الفاء مع أن الخطب فيه يسير. قوله : ) يتزكى ا لأنه من التزكي وهو طلب أن يكون ما صرفه زكيا عند الله ، وهو تصرّفه في الخير ، ويجوز كونه حالاً من المفعول أيضاً وعلى البدل من الصلة لا محل له من الإعراب ، ولا يرد عليه أنه لا يدخل في تعريف التابع كما توهم. قوله : ( استثناء منقطع أو متصل الخ ) قراءة الجمهور بمدّ ابتغاء ونصبه على الاستثناء أو على أنه مفعول له كما قاله الفراء ، والاستثناء منقطع لأنه لم يندرج في النعمة فالمعنى لكنه فعل ذلك لابتغاء وجه ربه لا لرجاء عوض ولا لمكافأة يد سابقة ، وقوله : عن محذوف تقديره لا يؤتى إلا ابتغاء الخ على أنه استثناء مفرغ من أعئم العلل ، والأسباب فالتقدير لا يؤتى شيئاً لأجل شيء إلا لأجل طلب رضاء ربه ، وأنما قدره كذلك لأنه لا يتأتى على اتصاله الاستثناء من نعمة كما مرّ والاستثناء المفرغ يختص بالنفي عند الجمهور. قوله : ( لا لمكافأة نعمة ) تغ في هذا التعبير الزمخشريّ وهو خطأ عند السكاكي فإنه لا يؤكد بالعطف بلا النافية بعد الحصر بما ل!الا لكنه غير مسلم كما فصلناه في غير هذا المحل. قوله : ( وعد بالثواب الخ ) هذا على أن ضمير يرضى للأتقى لا للرب ، وهو الأنسب بالسياق واتساق الضمائر لا عكسه كما توهم. قوله : ) والآيات نزلت في أبى بكر
رضي اللّه تعالى عتة ) يعني أن قوله تعالى : { وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى } [ سورة اليل ، الآية : 17 ] إلى آخر السورة نزل في حق الصدّيق رضي الله عنه كما في الأحاديث الصحيحة السند عن ابن عباس سيد المفسرين حتى قال بعض المفسرين : إنه مجمع عليه ، وإن زعم بعض الشيعة أنها نزلت في عليّ رضي الله عنه وخصوص السبب لا ينافي عموم الحكم واللفظ كما توهمه الجوجريّ هنا نعم يقتضي الدخول فيه دخولاً أولياً ، ولذا قال الإمام إن الآية تدل على أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الأمّة. قوله : ( في جماعة الخ ) هم سبعة نفر منهم بلال وعامر بن فهيرة ، وقال أبو إسحاق : أن أبا قحافة قال له : أراك تعتق رقابا ضمعافا فلو أعتقت رقابا جلداً يمنعونك ، وكان يعتق عجائز وجواري ضعافا إذا أسلموا وكان بلال لأمّية بن خلف فاشتراه منه أبو بكر وأعتقه فقال المشركون : إنما فعله ليد كانت لبلال عنده فأنزل الله وما لأحد عنده من نعمة تجزي ، وقوله : تولاهم المشركون أي كانوا موالي لهم يعني أنهم ملكوهم وفي نسخة يؤذيهم المشركون الخ. قوله : ( أبو جهل الخ ا لم يرتض ما في الكشاف من أنه أبو سفيان بن حرب لأنه أسلم وقوي إسلامه(8/368)
ج8ص369
باتفاق أهل السنة ، وقوله عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الخ حديث موضوع 31 ( تمت السورة والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء العظام وآله وصحبه الكرام.
سورة والضحى
لا خلاف في عدد آياتها ولا في كونها مكية.
بسم الله الرحمن الرحبم
قوله : ( ووقت ارتفاع الشمس الخ ) تقدّم في سورة والشمس تفسير الضحى بالضوء وارتفاع النهار ارتفاعا عاليا ، وارتفاع النهار بارتفاع شمسه ، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى على أنه أريد الارتفاع وقدر فيه مضاف لوقوعه في مقابلة الليل أو على أنه تجوّز عن الوقت بما بقع فيه بعلاقة الحلول ، وهو مجاز مشهور كما مرّ ولم يقل وقت ضوء الشمس حين أشرقت ، وألقت شعاعها والمآل واحد وإن قيل إنه أن!سب لأنّ الضوء ليس له وقت مختص به بخلاف الارتفاع فتدبر. قوله : ( وتخصيصه لأنّ النهار الخ ) الظاهر أنّ المراد قوة غير قريبة من ضدها فلا ينتقض بما بعده إلى الزوال ، ولذا عدّ شرفا يومياً للشمس وسعدا ، وخص موسى عليه الصلاة والسلام بالتكليم فيه لأن الإنسان فيه غير كليل الذهن ، وهو شباب النهار فلما ذكر شرف على غيره وخص القسم به ، ولكونه وقت تكليم موسى هنا مناسبة أخرى للمقسم عليه ، وهو أنه تعالى لم يترك النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم تفارقه ألطافه وتكليمه ، وقوله : وألقى السحرة سجداً لقوله : وأن يحشر الناس ضحى وقوله : أو النهار معطوف على قوله وقت ارتفاع الشمس فهو مجرور ، وكذا لو عطف على مجموع قوله : ووقت وقوله : ويؤيده وجه التأييد أنه أريد به فيه النهار لمقابلته لقوله : بياتا فيجوز أن يراد هنا لوقوعه في مقابلة الليل أيضا ، فإن قلت : لا وجه للتأييد لأنه وقع ثمة في مقابلة البيات. وهو مطلق الليل ، وأمّا هنا فوقع في مقابلة الليل مقيداً باشتداد ظلمته فالمناسب أن يراد به ارتفاعه وقوّة إضاءته ، قلت : كذا اعترض على المصنف رحمه الله تعالى وأجيب عنه بأنه قوبل بالليل هنا وتقييده لا يوجب استعماله في غير معناه وأخذ الاشتداد من سبحا بعيد ولا يخفى ضعفه. قوله : ( سكن أهله الخ ) فسبحا بمعنى سكن ، ونسبته إلى الليل مجازية وهو أحسن من تقدير المضاف فيه مع جوازه ولا يلزمه حذف الفاعل ، أو استتار الضمير البارز ومثله لم يعهد كما توهم فإنه خطأ فاحش ، وسكون أهله بعد مضيّ برهة منه ، وقوله : ركد ظلامه معناه اشتد ظلامه ، وهو بمضيئ بعضه أيضاً لبعد الشمس عن الأفق وأصل الركود عدم الجريان في الماء فتجوّز به عما ذكر ، وعلى هذا ففي سبحا استعارة تبعية أو مكنية ،
وقوله : من سبحا البحر الخ فليس معنا. مطلق السكون بل سكون الأمواج ثم عمّ وهو في الأصل مجاز مرسل كالمرسن ، وقوله : سبحوا بوزن عد ومصدره. قوله : ( وتقديم الليل الخ ) إنما كان الأصل التقدم في الليل لأنه ظلمة وعدم أصليّ ، والنوم يحدث فيه بإزالته لأسباب حادثة عنده وقد مرّ الكلام عليه في أوّل سورة الأنعام وما له وعليه ، وقونه : باعتبار الشرف لأنه نور وللنور شرف ذاتي على الظلمة والظاهر أنه لكثرة منافعه ، أو لمناسبتة لعالم المجردات فإنها نورانية فإن فهمت فهو نور على نور ، والمراد بالتقديم وقوعه ممدرا به السورة فلا يتوهم أنه غفل عن تقدّمه في قوله : { وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } [ سورة الشمس ، الآية : 3 ] لم يذكر النكتة في محلها كما قيل ولا حاجة لتكلف أنه ذكر ثمة باعتبار تجلي الشمس هإيضاح إشراقها فكأنه من تتمة قوله : { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } فلذا لم يتعرضوا له ، ثم إنّ الطيبيّ طيب الله ثراه قال : إنه تعالى أقسم له بوقتين فيهما صلاته وقريب زلفاه ومناجاته إرغاما لأعدائه وتكذيبا لهم في زعم قلا. وجفائه كأنه قيل وحق قربك لدينا وزلفاك عندنا إنا اصطفيناك ، وما هجرناك وقليناك فهو كقوله :
وثناياك إنها إغريض
فلذ دره. قوله : ( ما قطعك قطع المودع ) يعني أنّ التوديع مستعار استعارة تبعية للترك
هنا ، وفيه من اللطف والتعظيم ما لا يخفى فإن الوداع إنما يكون بين الأحباب ومن تعز مفارقته كما قال المتنبي :
حشاشة نفس ودّعت يوم ودّعوا فلم أدر أيّ الظاعنين أشيع(8/369)
ج8ص370
وحقيقة التوديع غير متصوّرة هنا. قوله : ( وقرئ بالتخفيف بمعنى ما تركك ) وهذه القراءة ، وإن كانت شاذة تنافي قول النحاة إنهم أماتوا ماضي ياع ويذر ومصدرهما ولذا قال في المستوفي إنه كله ورد في كلام العرب ولا عبرة بكلام النحاة فيه ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وإن كان نادرا وقال في المغرب إنّ النحاة زعموا أنّ العرب أماتت ذلك ، والنبيّ صلى الله عليه وسلم أفصحهم ، وقد قال : لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات وقرئ ما ودعك بالتخفيف ، وقال أبو ا لأسود :
ليت شعري عن خليلي ما الذي عاله في الحب حتى ودعه
وفي الحديث اتركوا الترك ما تركوكم ودعوا الحبشة ما ودعوكم ، قال ابن جني إنّ
هذه القراءة قراءة النبيّ-لمجز ، وقال الطيبيئ : بعد ذكر وروده نظماً ونثرا إنه حسنه في الحديث ما فيه من الترصيع ورد العجز على الصدر ، وأما هذه القراءة قإن كان مخفف وح فلا غبار عليه وهو الظاهر والممات على زعمهم شيء آخر ، وقد قيل إن قريشا قالوا : لما تخلف الوحي إن محمدا ودعه ربه بالتخفيف فنزلت فيكون المحسن له قصد المشاكلة لما قالو. ، وهم تكلموا بغير المعروف طنزاً منهم. قوله : ( جواب القسم ) على القراءتين وقد علمت متاسبة القسم لل!مقسم عليه ، وحذف المفعول الخ الأحسن أن يقال : لئلا يواجه بنسبة القلا لطفاً به وشفقة عليه ، وقوله : إنّ الوحي تأخر إلى آخره بضعة عشر كما مر تفصيله قي الكهف ، وقوله : جروا بتثليث الجيم صغر كل شيء والمراد به هنا ولد الكلب الصغير لأن الملك لا يدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة . قوله : ( فإنها باقية الخ ) إشارة إلى أن الآخرة الدار الآخرة المقابلة للدنيا ، وقوله : لك على هذا البيان اختصاعمه بالخيرية فيهما دون من آذاه وشمت بتأخر الوحي عنه مع أنّ عمومه لجميع الغابرين لا ضرر فيه كما قيل لأنّ اختصاص اللام ليس قصرياً كما مرّ غير مرّة مع أنه محتمل ، وقد علم بالضرورة أنّ الخير المعد له صلى الله عليه وسلم خير من المعدّ لغيره كما أشار إليه بقوله+ : كأنه الخ ، وقوله : لا يزال لواصله الخ هذا من نفي التوديع والقلا فإنّ ذ!لك صريح في عدم المفارقة ، وثبوت المواصلة ومواصلة الله لأحبابه وخاصة أنبيائه بما ذكر فلا خفاء فيه سواء جعل كناية عما ذكر أولاً وهذا بيان لاتصال هذه الآية بما قبلها ، ودخول ، اللام القسمية عليها يقتضي العطف فلا وجه لما قيل من أنها حالية ، وض له : الدنيا هو المراد بقوله الأولى ، ويحتمل أن يكون هذا كلاما مستأنفاً مؤكداً باللام ، وقيل هو المتبادر من كلام المصنف رحمه الله فعلى الأوّل أقسم على أربعة اشنان منفيان واثنان مثبتان ، وهو الظاهر فاللام !فيهما قسمية وسيأتي ما فيه. قوله : ( او لنهاية أمرك الخ ) تفسير آخر للآخرة بالنهاية والأولى بالبداية ، وتعريفهما للعهد أو عوض عن المضاف ، والمراد أنّ حالك لا تزال تترقى في الخير فكيف تنقطع عن الاتصال بعالم الملكوت ، وهذا معطوف على ما " قبله بحسب المعنى لا على مقدّر وفي بعض النسخ أو ولنهاية الخ بواو عاطفة بعد أو تعطفه على قوله ، وللأضرة!الخ على أنه تفسير للمجموع ،
والأولى أولى. قوله : ( وعد شامل لما أعطاه الخ ) الشمول من العموم المأخوذ من حذف المعطي فلذا عممه لما يشمل ماله في خاصة نفسه وما لدينه ، وأمته في دنياه وآخرته وظهور الأمر وأعلاء الدين بقهر أعدإئه د راهلاكهم ونصرته ، وهذا بيان لما تضمنه قوله ولسوف الخ لا له ولا لما قبله كما توهم فإنه خبط تركه أولى من ذكره. قوله : ( واللام للابتداء الخ ( وفائدتها أما تأكيد ما دخلت عليه كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى ، وما ذكر تبع فيه المصنف رحمه الله تعالى الزمخشري وأبا عليّ الفارسي ، وقد أورد عليه أنّ تأكيده يقتضي الاعتناء به والحذف ينافيه ولذا قال ابن الحاجب إت المبتدأ المؤكد باللام لا يحذف لو أنه معها كان مع الاسم ، وقد مع الفعل في عدم جواز الحذف مع أنّ هذا مناقض لما قدمه في سورة طه في قوله : { إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } [ سورة طه ، الآية : 63 ] من أن المؤكد باللام لا يليق به الحذف وأيضا هو تقدير والأصل عدمه ، وردّ بأن المؤكدة الجملة لا المبتدأ وحده حتى ينافي تأكيده حذفه وأن يحذف معها إلاسم كثيرا كما ذكره النحاة ، وكذا قد يحذف بعدها الفعل كقوله : وكأن قد وأمثاله مع أنه لو سلم فقد يفرق بين إنّ ، وقد وهذه اللام فإنهما يؤثران في معنى ما دخلا عليه بخلاف اللام فهو قياس مع الفارق ، وما ذكره في سورة طه من مغ حذف المبتدأ بعد أن(8/370)
ج8ص371
لا يقتضي منعه في كل محل وهو على غير مذهب الفارسي الذي اتبعه هنا ، والنحويون يقدرون كثيراً في الكلام كما قدروا المبتدأ في نحو قمت وأصك قفاه واضرابه ، وهو لأجل الصناعة دون المعنى كما نحن فيه والقول بأنه يقتضي تساوي الملفوظ والمقدر ، والاسمية وغيرها تطويل بلا طائل ، وأمّا كون تقدير المبتدأ في نحو لسوف يقوم زيد فيه تكرير لتقديره لزيد سوف يقوم زيد ، وفيه مع ضعف التكرير ضعف الربط بالظاهر في غير مقام التفخيم فلغو فيما نحن فيه. قوله : ( لا تدخل مع المضارع إلا مع النون ) هذا أحد مذهبين للنحاة والآخر أنه يستثنى ما اقترن بحرف تنفيس كما هنا ، أو قدّم معموله عليه نحو لإلى الله تحشرون فإنه يجوز فيه ترك التاكيد كما فصل في شروح التسهيل ، والمغني فإذا فصل امتنعت النون وثبتت اللام كقوله :
فوربي لسوف يجزي الذي أس طفه المرء سيئا أوجميلا
فحينئذ لا يتجه ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى مع أن الممنوع في جواب القسم لا في المعطوف عليه كما هنا فإنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ، وأنما ذكرت اللام تأكيداً له وتذكيرا بالعطف فيه. قوله : ( وجمعها ) أي اللام المؤكدة الخ هو دفع لما يتراءى من التنافي بين التأكيد ، وحرف التنفيس والتاخير أو لردّ أحتمال أنه لتأكيد التأخير بأنه لتأكيد المؤخر في!- ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى ، واللام المؤكدة لا تخصص! المضارع بالحال حتى تنافي سوف
بل هي لمطلق التأكيد ويفهم معها الحال بالقرينة لأنه أنسب بالتأكيد ، ومن قال : بأنها تخلصه للحال يقول إنها جردت للتأكيد هنا بقرينة ذكر سوف بعدها والأوّل أظهر. قوله : ( تعديد الخ ) إشارة إلى وجه الفصل وأنه كقوله : أمدّكم بأنعام الآية. قوله : ( كما أحسن إلبه فيما مضى الخ ) هو حل للشعر المشهور الذي نسب لعليّ كرم الله وجهه وليس له وهو :
توكلت في كل ما أرتجي وفوّضت أمري إلى خالقي
كما أحسن الله فيمامضى كذلك يحسن فيمابقي
وقوله : أو المصادفة معطوف على العلم ، وهو على هذا مجاز عن تعلق علمه به لأنّ المصادفة لا تصح في حقه تعالى لأنها ملاقاة ما لم يكن في علمه وتقديره كذا قيل ، وهو على الأوّل مجاز فإنّ أصل معنى وجدته أصبتة تلى صفة ويلزمه العلم كما ذكره الرضي وهو يقتضي أنّ حقيقته المصادفة وانه في العلم مجاز وهو مخالف لكلامهم هنا فتامّله. قوله : ( عن علم الحكم ) جمع حكمة ، وهي العلوم الحقة النافعة فالضلال مستعار من ضل في طريقه إذا سلك طريقاً غير موصلة لمقصده لعدم ما يوصله للعلوم النافعة ، وهو ما ذكر من الوحي وما بعده. قوله : ( وقبل وجدك ضالاً الخ ) فهو بمعناه الحقيقيّ ، ومرضه لأنّ مثله بالنسبة لما قدّمه لا يعدّ من نعم الله تعالى على مثل نبيه صلى الله عليه وسلم التي يمتن بها عليه ، وقوله : عن عمك أوجدك لف ونثر مرتب على الوجهين وكون ضلاله في الطريق لا ينافي كونه عند باب مكة فانه طريق أيضاً لدار عمه أو جده ، وحليمة مرضعته صلى الله عليه وسلم وهي معروفة وهذا إشارة إلى ما رواه سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم لما سافر مع عمه أبي طالب أتاه إبليس ، وأتباعه فأخذ زمام ناقته وعدل به عن الطريق فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام ونفخ إبليس نفخة وقع منها بالحبشة وردّه إلى القافلة ، وكذا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من أنه صلى الله عليه وسلم ضل ، وهو صغير عن جده في شعاب مكة فرآه أبو جهل فردّه لجده وهو حديث ثابت في السير. قوله : ( فقيرا ذا عيال ) اعترض عليه بأن عال بمعنى افتقر يأبى مصدره العيل ، وعال صار ذا عيال مصدره العول وهو واوي فلا يجوز الجمع بينهما في تفسير ، وأيضاً الأحسن ترك قوله : ذا عيال لكونه ليس كذلك في أوّل أمره ولا يخفى أنه مشترك والمصنف رحمه الله تعالى ممن يجوّز استعماله في معنييه فإن قيل إن
مع اختلاف المادّة غير جائز فقد يقال : إنّ المراد به ذا عيال ، ودلالته على المعنى الآخر بطريق اللزوم والاستتباع ، وقيل المراد : إطلاقه على كل منهما على البدل. قوله : ( بما حصل لك من ربح التجارة ا لم يقل بما أفاء عليك من الغنائم ، كما في الكشاف لأنّ السورة مكية ، والغنائم إنما كانت بعد الهجرة ، وقيل : إنه لم يذكر المفعول فيها ليدل على سعة الكرم والمراد آواك ، وآوى لك وبك وهداك وبك ولك وأغناك وبك ولك(8/371)
ج8ص372
فتأمّل. قوله تعالى : ( { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } الخ ) قيل : إنه مرتب على ما قبله من النعم وقع في مقابلتها على اللف والنشر المشوّش ، والمعنى إنك كنت يتيماً وضالاً وعائلاً فآواك وهداك وأغناك فمهما يكن من شيء فلا تنى نعمة الله عليك في هذه الثلاث ، واقتد بالله فتعطف على اليتيم وترحم على السائل فقد ذقت اليتم والفقر ، وقوله : { بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } الخ في مقابلة قوله : { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى } لعمومه وشموله كذا في الكشاف وشروحه ولم يراع الترتيب لتقديم حقوق العباد على حقه تعالى فإنه غنيّ عن العالمين لا لرعاية الفواصل فإنه يحصل بالعكس ولا للترقي أو تقديم التخلية على التحلية لأنه غير مطرد ، ولو أبقى على الترتيب لم يمنع منه مانع لأنه ذكر أحواله على وفق الترتيب الخارجيّ ، ثم لف على الترتيب فعدم قهر اليتيم ظاهر ، وعدم زجر السائل إذا أريد به طالب العلم والمتعلم منه في مقابلة هداية إلله له في طريق النظر ممالوحي وما معه ، وما بعده في مقابلة الغني وهو ظاهر. قوله : ( فلا تغلبه على ماله لضعفه ) مف لمق بالنهي أو الغلبة وتقييد الغلبة بكونها على ماله باعتبار الأكثر الغالب ، وقوله : فلا تكهر في تهذيب الأزهري الكهر القهر والكهر عبوس الوجه والكهر الشتم ا هـ ، وقوله : في وجهه ليس التقييد به اتفاقياً كما قيل فإنه إنما ينهى عنه إذا كان كذلك. قوله : ( فلا تزجره ) أي لا تغلظ له القول ورده بقول جميل ، وهذا صادق على ما إذا أريد بالسائل السائل في أمر الدين أو غيره كما في الكشاف ، وقوله : فإن التحدث بها شكرها ولذا استحب بعض السلف التحدث بما عمله من الخير إذا لم ئيرد به الرياء والافتخار وغيمّ الافتداء به ، وقوله : وقيل المراد الخ مرضه لأنه غير مناسب لما قبله لا لكونه تخصيصاً بلا مخصص. قوله : ( عن النبئ صلى الله عليه وسلم ) الخ هو حديث موضوع ( تمت ) السورة والحمد لله والصلاة والسلام على خير الأنام وصحبه الكرام.
سورة ألم نشرح
وتسمى سورة الشرح ولا خلاف في عدد آياتها وهي مكية وقيل مدنية.
بسم الله الرحمن الوحيم
قوله : ( ألم نفسحه الخ ) قال الراغب : أصل الشرح بسط اللحم ونحوه ، ومنه شرح
الصدر وهو بسطه بنور إلهيّ وسكينة من جهة الله وروح منه ( قلت ا لما كان أصله بسط اللحم ،
وفيه مذلة وتوسيع مستلزم لإظهار باطنه وما خفي منه استعمل في القلب الشرح ، والسعة لأنه
محل الإدواك لما يسر وضده فجعل إدراكه لما فيه مسرة يزيل ما يحزنه شرحا وتوسيعاً وذلك
لأنه بإلهام ونحو. مما ينفس كربه ويزيل همه بظهور ما كان غائبا عنه وخفيا عليه مما فيه مسرته
كما يقال شرح الكتاب إذا وضحه ، ثم استعمل في الصدو الذي هو محل القلب مبالغة فيه لأنّ
اتساع الشيء يتبعه اتساع ظرفه ، ولذا تسمع الناس يسمون السرور بسطا ويقال في المثل البسط
صدف ، ثم سموا ضدّ. ضيقاً وقبضاً ، وهو من المجاز المتفرّع على الكناية بوسايط وبعد الشيوع
زال الخفاء وارتفعت الوسايط فاحفظه فإنك لا تراه في غير هذا الكتاب فقوله : ألم نفسحه أي
نوسعه بإلقاء ما يسره ويقوّيه ، واظهار ما خفي عليه من الحكم والأحكام وتأييده وعصمته حتى
علم ما لم يعلم ، وعرف الله معرفة من يراه قبل كل شيء فيناجيه ويدعو عبيده لما يرتضيه ،
وهذا مما لا يمكن إظهاره بغير هذا القدر فتدبر. قوله : ( وكان ) أي عليه الصلاة والسلام غائبا
حاضرا هذه جملة حالية وأكثر أصحاب الحواشي على أنّ غائبا بغين معجمة وباء موحدة بعد
الهمزة اسم فاعل من الغيبة ضد الحضور ، وحاضراً بحاء مهملة وضاد معجمة بعدها راء مهملة
من الحضور ، والمراد أنه لجمعه بين مناجاة الحق ودعوة الخلق الذي كالجمع بين الماء والنار ،
ولذلك نرى كثيراً من الأولياء لا يدري أمرا من أمور الدنيا حتى تلحقه العامّة بالحيوانات
العجم ، ونرى كثيراً من أهل الدنيا لا يخطر الحق ببا حتى يلحق بجند إبليس ، وربما كان إبليس
من جنده فلجمعه صلى الله عليه وسلم بين كمال الأمرين كان حاضراً مع الناس بجسده الشريف غائباً عنهم
بروحه ، وحاضراً عن الحق في مقام مناجاته غائبا عنه بحسب الظاهر لمن يدعوه ، ولذا جعلت
قرة عينه في الصلاة وسميت معراجا وحرم فيها الكلام ، وقيل :(8/372)
ج8ص373
إنه عانيا بالعين المهملة والنون
من العناء وهو التعب وحاصرا بالحاء والصاد ، والراء المهملات بمعنى ضيقا أي شرح صدره
ووسع قلبه للمناجاة والدعوة فاستراج بعد تعبه وضيق صدره والأوّل أقرب لنظر المصنف رحمه
الله تعالى فتدبر. قوله : ( أو ألم نفسحه ) أي نوسع الصدر الشريف فتوسيعه عبارة عن كثرة ما فيه من العلوم الإلهية وتضييقه عدمها ، وقوله : أو بما يسرنا الخ فتوسيعه جعله متهيثاً لقبول الوحي مستعدّاً له والمعنى الأوّل شامل لهذا كله ، ولذا قدمه :
فإنّ المهم المقدم
وما في قوله : بما أودعنا موصولة لتبيينها بقوله : من الحكم والعائد محذوف تقديره أودعنا. ، وفي قوله : بما يسرنا مصدرية وكونها موصولة تكلف. قوله : ( وقيل إنه إشارة الخ ) شق الصدر الشريف مما لا شبهة فيه وقيل : إنه وقع مرارا والكلام عليه مفصل في كتب الحديث والذي مرضه المصنف إنما هو كونه مرادا من شرح الصدر هنا وهو رواية ضعيفة في سنن البيهقي وفي كون الملك الذي شق صدره جبريل توقف ، وهما ملكان لم يسميا في الحديث. قوله : ( أو يوم الميثاق ) الظاهر أنّ المراد منه أخذ الميثاق على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في عالم الذرّ كما مرّ في قوله : { وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ } [ سورة آل عمران ، الآية : 81 ] ولا يخفى أنّ وقوع الشق فيه بعيد جدا ، ولذا فسره بعضهم بليلة المعراج وهو بعيد من العبارة لكنه لو قيل إنّ المراد به وقت قبيل المعراج كان غير بعيد لأنه روى الشق قبله ليستعد لما سيراه في الملكوت فالميثاق بمعناه اللغوي أي الوثوق بنفسه على قدرته وتحمله ، وقوله : فاستخرج الخ بيان لبقية أمر الشق كما بين في الحديث. قوله : ( ولعله إشارة إلى نحو ما سبق ) إن أراد لعل شق الصدر الوارد في الأحاديث إشارة لما سبق من توسيعه للمناجاة ، والدعوة وإيداع العلوم والحكم فيه كما قيل فلا وجه له لصحته رواية وحمله على ظاهر. عند الجمهور ، وإن أراد لعل تفسيره بما ذكر أو لعل كونه في يوم الميثاق كان أقرب إلى الصواب. قوله : ( ومعنى الاستفهام الخ ) بيان للمراد مع التوجيه للعطف لئلا يلزم عطف الخبر على الإنشاء فيما لا محل له من الإعراب ، وهو مردود أو ضعيف لا توجيه لعطف المثبت على المنفي فإنه جائز بالاتفاق ، وقوله : مبالغة في إثباته لأنّ الإثبات بإبطال كالدعوى ببينة لأن إنكار النفي مستلزم للإثبات بوجه أقوى ، وقوله : ولذلك أي لكون معناه ما ذكر وقع ما ذكر معطوفا عليه من غير
لزوم المحذور السابق ولم يقل ونضع ، وناثب فاعل عطف قوله : ووضعنا ، وقوله : عبأك بكسر
العين المهملة وسكون الموحدة والهمزة بمعنى الحمل مطلقاً أو الثقيل منه فالصفة كاشفة.
قوله : ( الذي حمله على النقيض ) فالأفعال للحمل على الشيء وهو المصدر هنا كأبكاه إذا حمله
على البكاء أو هو بيان لأنّ إسناده للحمل الثقيل إسناد للسبب الحامل مجازاً ، والنقيض الصرير
وهو معنى قوله : صوت الرحل بالحاء المهملة وهو رحل الجمل والقتب الذي يوضع عليه
وقاية لظهره ، وقوله : عند الانتقاض من ثقل الحمل المراد بالانتقاض بالقاف التحامل عليه ،
والضغط له بثقله عليه. قوله : ( وهو ما ثقل عليه من فرطاته الخ ) الفرطات بفتحتين جمع فرطة
وهي الذنب المتقدّم يعني المراد بالحمل المنقض هنا ما صدر منه قبل البعثة مما يشق عليه
تذكره ، أو المراد عدم علمه بالشرائع ونحوها مما لا يدرك إلا بالوحي مع تطلبه له ، وقول
المصنف جهله عبارة قبيحة لجراءته على التصريح بما لم يصرح به اللّه فهو ترك أدب فكان عليه
أن يتأدب بآداب الله فيه ، فالحمل مستعار للفرطات بواسطة أن كلا منهما مما يشق ويصعب ،
وكذا عدم الوقوف على ما مرّ فوضحعه على الأوّل مغفرته وعلى الثاني تعليمه بالوحي ونحو..
قوله : ( أو حيرثه ) أي الحمل مستعار لتحيره في بعض الأمور كشكر ما أنعم به عليه وآداء حق
الرسالة فهو كقوله : وجدك ضالاً فهدى فوضعه إزالة ما يؤدي للحيرة ، وقوله : أو تلقي الوحي
أي الحمل الثقيل الوحي وتلقيه في ابتداء أمره فوضعه عنه بتيسيره له بتدرّبه واعتياده له ، وقوله :
أو ما كان يرى الخ بتشبيه ما يشاهده منهم مع عجزه عن الإرشاد لعدم إطاعتهم له لعدم إذعانهم
إلى الحق أو لإصرارهم على العناد بالحمل الثقيل لأنه يشق عليه ووضعه عنه بتوفيق بعضهم
للإسلام كحمزة وعمر ونحوه ، وقيل : إنّ قوله وضعنا الخ كناية عن عصمته وتطهيره ومن دنس
الأوزار ففيه على الوجوه استعارة تمثيلية والوضع ترشيح لها. قوله : ( بالنبوّة ) متعلق برفعنا أو
بذكرك ، والمراد أنه شرف ذكره حيث خاطبه بنحو يا أيها النبيّ يا أيها الرسول ، وقوله : وأفي
رفع الخ(8/373)
ج8ص374
أي لا رفع أقوى من هذا وبهذا فسرت الاية كما في الشفاء ، وقوله : وجعل طاعته الخ
إشارة إلى قوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، والصلاة عليه إشارة إلى قوله : إنّ الله وملائكته
الخ والمراد بالألقاب نحو : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ } لا إلا ألقاب الاصطلاحية. قوله : ( وإنما زاد لك
الخ ( أي في قوله : { وَرَفَعْنَا لَكَ } ولم يذكره في قوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ } لتقدمه في سورة طه ،
وقد مرّ تفصيله هناك لأنه بذكر الفعل علم أنّ ثمة مشروحا ومرفوعا فقيل : ذكره لما قيل لك
اشتد الإبهام لزيادة الانتظار وتوهم أنه أعرض عن ذكره بالكلية فإذا ذكر بعده كان أوقع في النفس وقيل : اللام للتعليل. قوله : ( كضيق الصدر الخ ) إشارة إلى ارتباط هذا بما قبله وأنّ الفاء للفذلكة أو للسببية ، ودخلت على السبب وإن تعارف دخولها على المسبب لتسبب ذكره عن ذكره فإن ذكر أحدهما يستدعي ذكر الآخر وإن لتأكيده لتقدم ما يلوج له كما تقرر في المعاني ، وقوله : كالشرح لف ونشر مرتب فيحمل العسر واليسر على تلك النعم وأضدادها ، وحمل الزمخشريّ العسر على فاقة المسلمين في بدء الإسلام واليسر على ما أفيض بعد. والمصنف اختار هذا لأنه أتم فائدة وأحسن ارتباطا فأعرفه. قوله : ( والوزر ) أي بمعناه التعارف ، وهو الفرطات والذنوب وليس هو السابق في النظم لشموله لمعان عدة منها ما ذكره بعده وهو ضلال القوم الخ فيرد عليه أنه داخل في الوزر لأنه بعض متناولاته فلا وجه لأفرادهما بالذكر كما قيل ولو حمل عليه ، وقيل : إنه إشارة لبعض ما اندرج تحته لتذكر الباقي لم يبعد. قوله : ( فلا تيأس الخ ) إشارة إلى أنّ المقصود من ذكر ما ذكر تسليته ! ، أو إلى أنّ المذكوبى ترتب على ما قبله لأنه كناية عما ذكر وقيل : إنه يفهم منه بطريق الإشارة دون العبارة ، وفي الكشاف إنّ المشركين طعنوا في المؤمنين بالفاقة فسبق إلى فهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لاحتقار المسلمين فذكره بما أنعم به عليهم من النعم ثم قال فإنّ من العسر يسرا كأنه قال : خولناك ما خولنا فلا تيأس والفاء عليه فصيحة ، واللام عهدية وعلى ما ذكر. المصنف سببية واللام استغراقية فتدبر. قوله : ( وتنكيره ) أي بسرا للتعظيم فالمراد يسر عظمي وهو يسر الداوين ، وقوله : والمعنى بزنة المرضى أي المقصود مبتدأ ، وقوله : في أنّ مع أي في هذا اللفظ متعلق به ، وقوله : من المصاحبة بيان لما ، وقوله : المبالغة خبره ، وقوله : في معاقبة الخ متعلق بالمبالغة وقوله : اتصال المتقارنين بالنون فهو استعارة شبه التقارب بالتقارن ، فاستعير لفظ مع لمعنى بعد وليس تبعية كما توهم ، ولو أبقى على ظاهره جاز لأنّ المرء لا يخلو في حال العسر من يسر ما وأقله الصبر والتحمل ، وعلى هذا لو قيل إنّ معنى قوله في الحديث : " لن ينلب عسر يسرين " إن أفاد ما هنا أنّ معه يسراً صح وقد علم أنّ بعده آخر على ما جرت به العادة أو فهم من قوله : { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } [ سورة الطلاق ، الآية : 7 ] إن كان نزولها متقدّماً فتامّل. قوله : ( أو استئناف وعدة الخ ) قال بيسر الخ إشارة إلى مغايرته للأوّل لأنه أعيد نكرة فيغايره ، وأمّا العسر فأعيد معرفة فيكون عينه ، وقوله : كقولك الخ إشارة إلى أنه مثال منه لأنّ الوارد للصائم
فرحتان الخ فلما ذكر هذا في تفسيره علم أنه ليس تاكيداً ، وقوله : قوله عليه الصلاة والسلام إشارة إلى أنه حديث مرفوع كما رواه الحاكم والطبراني ، وليس من كلام ابن عباس كما وقع في كتب الأصول وأوّله لو كان العسر في حجرءضب لتبعه اليسر حتى يستخرجه ، وقوله : فإنّ العسر معرف الخ أي على كونه استئنافاً وعدة لأنه لو كان تأكيداً كان عين الأوّل من غير احتياج لما ذكر ، وقوله : للعهد لأنّ المراد به فاقة المسلمين كما في الكشاف أو للجنس كما ذكره المصنف وبعد قوله : إنه اشئناف لم يبق وجه للسؤال عن عدم اقترانه بالواو كما قيل. قوله : ( من التبليغ ) وهذا أحسن من كون المراد إذا فرغت من تلقي الوحي فانصب في تبليغه ، لأنّ الوحي معلوم أنّ نزوله للتبليغ فلا فائدة في الأمر به ، وهذا أتم فائدة لأنّ التبليغ بعد تلقي الوحي والنعم السالفة ما تضمنه قوله : { أَلَمْ نَشْرَحْ } الخ ، والوعد بالآتية من قوله : { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } الخ وذكر الشكر ليتم ارتباطه بما قبله. قوله : ( وقيل إذا فرغت من الغزو الخ ) مرضه قيل لأنّ السورة مكية والأعر بالجهاد بعد الهجرة فلعله تفسير ابن عباس الذاهب إلى أنها مدنية فليتأمّل. قوله : ( ولا تسأل غيره ) إشارة إلى الحصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور ، وقوله : فإنه الخ توجيه لحصر السؤال وقصره عليه ، وقوله : ثوابه(8/374)
ج8ص375
أي ثواب اللّه ، وقوله : عن النبيّ يكه الخ هو حديث موضوع تمت السورة بحمد الملك العلام ، والصلاة والسلام على خاتم الرسل وآله وصحبه الكرام.
سورة التين
ويقال : سورة والتين بالواو ولا خلاف في عدد آياتها ، والخلاف في كونها مكية أو مدنية
وأيد الأوّل بقوله : { هَذَا الْبَلَدِ } .
بسم الله الرحمئ الرحيم
قوله : ( خصهما من الثمار الخ ) أي من بين الثمار فمن تبعيضية ، وقوله : وغذا الغداء ما
به نماء الجسد والدواء ما به العلاج لإزالة الأمراض ونحوها ، وقوله : يلين الخ بيان لدوائيته ، وقوله : ويزيل رمل المثانة بفتح الراء المهملة وسكون الميم وأراد بالمثانة مقرّ البول ورملها مرض يستولي عليها بتحجر البول بأجزاء دقيقة كالرمل يعسر معها البول ، ويتأذى به فإن زاد صار حصاة وهو مرض معروف بالحجاز دمانما بيناه لأنّ بعضهم ظنه بفتح الميم وفسره باضطراب المثانة وهو خطأ. قوله : ( لا فضل لها ) صفة بعد صفة وفي نسخة لا فضل له فيكون خبراً بعد خبر لكنه لم يعطف وفيه شيء ، والنقرس بالكسر مرض وكون الزيتون فاكهة محل نظر وهذا كله على أنّ المراد بالتين والزيتون ثمرها ، وهو يطلق على الثمر والشجر كما في الكشاف ، وعليه قوله : مع أنه ينبت بحسب الظاهر ، وقوله : حيث لا دهنية فيه في عبارته قلاقة ظاهرة لأن مراده أنه ينبت في أماكن يابسة لا تناسب الدهنية وفيه نظر ، وقوله : بالسريانية هي لغة قديمة وطور سينا وما بعده تركيب مزجيئ ، وقوله : لأنهما الخ إشارة إلى أنه على تقدير مضاف أو تجوّز. قوله : ( أو مسجدا الخ ا لعل إطلاقه عليهما لأنّ فيهما شجراً من جنسهما كما قيل :
يس تتلى وسط محرابه والتين والزيتون في صحنه وقوله : أو البلدان يعني دمشق ، وبيت المقدس فالتعريف عهدي وهذا قول كعب وهو
مجاز من تسمية المحل باسم الحال فيه ، وما نقل عن شهر بن حوشب من تفسير البلدين بالكوفة والشام لا أصل له لأنّ الكوفة بلدة إسلامية اختطها سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه في خلافة عمر رضي اللّه عنه فكيف يفسر بها القرآن اللهم إلا أن يريد جبالاً بأرضها لأنّ الجودي قريب منها ، وقد قيل : إنه مراده فتأمّل. قوله : ( اسمان للموضع الذي هو فيه ) وفي نسخة الذي فيه بدون ضمير هو الراجع للجبل فقيل : تقديره الذي حصل فيه على أن يكون ضمير الجبل مستتراً في الظرف ، وضمير فيه للموضع وقال أبو حيان : لم يختلف في أنّ طور سينا جبل في الشام وهو الذي كلم الله موسى عليه الصلاة والسلام عليه ومعنى سينين ذو الشجر ، وقال عكرمة حسن مبارك اهـ وقيل : المراد الموضع المخصوص الذي في الجبل وهو الموضع الذي ناجى فيه موسى عليه الصلاة والسلام ربه لا الفضاء الذي فيه الجبل كما في المعنى السابق ، وهو تكلف لا حاجة إليه وفيه نظر والمشهور خلاف ما قاله أبو حيان فإن المعروف اليوم بطور سينا ما هو بقرب التيه بين مصر والعقبة ، وطور زيتا في البيت المقدس فليحرّر. قوله تعالى : ( { وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } ) مما مرّ قبله لما ذكر فيه الفاكهة ، والبقعة صار في قوّة أن يقال والأرض المباركة الجامعة لبركة الدين والدنيا لذكر الثمار ومحل المناجاة فحسن عطف البلد عليه ، أو العطف على مجموعها كما أشار إليه في الكشف ، وقوله : أي الآمن يعني أنه فعيل بمعنى فاعل من قولهم أمن بضم الميم أمانة فهو أمين وأمّان ، وأنما فسره بالأمن لأنه أظهر وإن لم يسمع له اسم فاعل ، وأنما يقال للشخص : أمين وأمّان ككريم وكرّام ولا يصح تفسيره بالنسب كلابن لأنه لا يصح مقابلته لما هو بمعنى المفعول وهو على هذا استعارة مصرحة ، أو مكنية بتشبيه عدم الضرر لما فيه بحفظه بالوضع عند الرجل الأمين. قوله : ( أو المأمون فيه ) يعني أنّ فعيلاً من أمنه المتعذي بمعنى مفعول ، وأمنه بمعنى لم يخفه ويحذر غوائله ولما كان المأمون الناس لا المكان أشار إلى أنه أسند إليه مجازاً وأنّ المراد أنه مأمون فيه لأنه على الحذف والإيصال(8/375)
ج8ص376
وقد تقدم تحقيقه والمراد مكة على الوجهين. قوله : ( يريد به الجنس ) فهو شامل للمؤمن والكافر لا مخصوص بالثاني بدليل صحة الاستثناء ، وإن الأصل فيه الاتصال وقوله : تعديل فسره بقوله : بأن خص الخ وقوله : بانتصاب القامة لا منكباً كالبهائم ، واجتماع خواص الكائنات من المجردات المضاهى لها بروحه ، والماديات المحاكى لها بجسده فكان مجمع مجرى الغيب والشهادة والنسخة الجامعة لما في رسائل إخوان الصفاء ، وسائر المتون والشارح لما كان وما سيكون كما نسب لعلي كرّم الله وجهه وكأنه نظم فيه معنى ما نقل عنه وهو :
دواؤك فيك ولا تشعر وداؤك فيك وما تبصر
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
حتى شرفه الله بأن رسم فيه بعض ما يماثل صفاته ككونه عالما مريدا قادراً مدبراً ، وقال : تخلقوا بأخلاق الله لئلا يتوهم أنّ ما للسيد على العبد حرام ، وبهذا فسر ابن عربي قوله : ( خلق آم على صورقه ) ، وقوله : نظار سائر الممكنات فجعل رأسه كالسماء وبطونها كالبروج وحواسها كالكواكب وخلق فيه قوى سبعية إلى غير ذلك وقوله : في أحسن تقويم في موضع الحال من الإنسان والتقويم فعل الله فهو بمعنى القوام أو المقوم أو فيه مضاف مقدر أي قوام أحسن تقويم أو في زائدة والتقدير قومناه أحسن تقويم. قوله : ( بأن جعلناه من أهل النار ) فهو منصوب على الحال من ضمير المفعول ، والسافلين العصاة وغيرهم وأسفل سافل للمتعدد المتفاوت ورددنا بمعنى غيرنا حاله ، وثم للتراخي الزماني أو هو رتبي كذا في الحواشي تبعاً للمعرب والظاهر أنّ المراد ما قاله النحاة كما في التسهيل من أن رد يكون بمعنى جعل فينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر كما في قوله :
فرد شعورهن السود بيضا ورد وجوههن البيض سودا
قوله : ( أو إلى أسفل السافلين ) فهو منصوب بنزع الخافض صفة لمكان ، والردّ بمعنا المعروف وقوله : وهو النار أي محل النار أو النار بمعنى جهنم فإنها اشتهرت فيها والسافلين على هذا الأمكنة السافلة وهي دركاتها إلا أنّ جمعها جمع العقلاء حينئذ لا يخلو من التعسف وكونه للفاصلة أو التنزيل منزلة العقلاء لا يثلج الصدر ، وما في الكشاف من أنّ المراد بهم أهل النار والدركات لأنهم أسفل السفل وأقبح الصور أحسن وأولى. قوله : ( وقيل هو أرذل العمر ( مرضه لأنه خلاف المتبادر من السياق ولما فيه من الخفاء لأنّ المراد رددناه لما يشبه حاله الأولى في الطفولية وأمّا انقطاع الاستثناء فلا محذور فيه ، وقوله : فيكون الخ تفريع على التفسير الأخير والانقطاع لأنه لم يقصد إخراجه من الحكم وهو مدار الاتصال والانفصال كما صرّح به في الأصول لا الخروح والدخول كما توهم فلا يرد عليه أنه كيف يكون منقطعا مع أنهم مردودون أيفا فهو للاستدراك لدفع ما يتوهم من أنّ التساوي في أرذل العمر يقتضي التساوي في غيره ، ويكون الذين حينئذ مبتدأ والفاء داخلة في خبره لا للتفريع كما في الاتصال ، ثم إنّ
المصنف أشار إلى أنّ هذا التفسير على التفسير الثاني دون الأوّل ويصح أن يكون جارياً عليهما فتدبر. قوله : ( حكأ مرتب الخ ) أي إذا كان الاستثناء متصلا فهذه الجملة مترتبة عليه ومؤكدة له أو على غير. فهي داخلة على الخبر حيذ قيل ، ولذا صدر بالفاء ولا يخفى أن الفاء في محزها على الثاني أيضاً كما عرفته. قوله : ( فأيّ شيء يكذبك الخ ) فما استفهامية والخطاب للنبيّ كييه ، ومعنى يكذبك أما ينسبك إلى الكذب كفسقته إذا قلت له إنه فاسق والدين بمعنى الجزاء بعد البعث والباء بمعنى في أي يكذبك في إخبارك به أو سببية أو بسبب إخبارك به واثباته ، أو المعنى ما يجعلك مكذبا بالدين على أنّ الباء صلته والدين بمعناه وهو من باب الإلهاب والتعريض بالمكذبين والمعنى أنه لا يكذبك شيء ما بعد هذا البيان بالدين لا كهؤلاء الذين لا يبالون بآيات الله ولا يرفعون لها رأساً والاستفهام للإنكار والتعجب ، وقوله : بعد أي بعد هذه الدلائل على كمال القدرة ، وهي الخلق في أحسن تقويم الخ فالتفريع بالفاء لأنّ الإنكار تسبب عن البيان المذكور وهو ظاهر من النظم كما أشار إليه المصنف وكلامه محتمل للوجهين فالقصر تقصمير ، وقوله : دلالة أو نطقاً تفصيل للتكذيب على الوجهين بل(8/376)
ج8ص377
الوجوه فتدبر. قوله : ( وتيل ما بمعنى من ) فهو استفهام عمن يعقل ومرضه لأن!ه خلاف المعروف فلا يرتكب مع صحة بقائها على أصلها كما بينا. لك ، والداعي لارتكاب هدّا أنّ المعنى عليه أظهر إذا كان المخاطب النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه إنكار توبيخيّ للمكذبين له عوو بعد ما ظهر لهم من دلائل صدقه وصحة مدعاه ، وقوله : وقيل الخطاب للإنسان هذا هو الذي ارتضاه في الكشاف لسبق ذكر الإنسان ، وكون الالتفات من الغيبة للخطاب وتلوين الخطاب من المحسنات فلا وجه لجعله سببا لتمريضه ، وأنما وجهه أنّ الإنسان عام للمكذب ، وغيره هنا فلا يصح جعله مكذبا إلا بتكلف فتأمّل. قوله : ( والمعنى فما الذي يحملك على هذا الكذب ) أي الكذب الذي هو التكذيب فإنه كذب محض كما قال الزمخشريّ إنّ معناه فما يجعلك كاذبا بسبب الدين تان!كاره بعد هذا الدليل يعني أنك تكذب إذا كذبت بالجزاء لأنّ كل مكذب بالحق فهو كاذب فأي شيء يضطرك إلى أدط تكون كاذبا بسبب تكذيب الجزاء انتهى ، والمصنف اختصره اختصاراً مغلقا. قوله تعالى : ( { أَلَيْسَ اللَّهُ } الخ ) الاستفهام للتقرير ولذا ورد في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : " بلى وأنا على ذلك من الشاهدين " وقوله : أليس الذي فعل ذلك الخ إشارة إلى أنه فيه قياساً
منطقياً وهو ظاهر وليس هذا مبنياً على تفسير أسفل سافلين بأرذل العمر لأنّ الاستدلال يكون بالمعلوم على المجهول كما قيل : بل صادق على الوجوه لأنه لم يبين المراد بالرد ولا يلزم أن يكون من الدليل بل هو مستدل عليه لأنه على الأوّل والثاني من جملة الجزاء فيجعل كلامه من اللف والنشر مع أنه لو سلم لا باس فيه ، وأحكم من الحكم أو الحكمة قيل : والثاني أظهر ، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع ( تمت السورة ) والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده وعلى آله وصحبه..
سورة العلق
وتسمى سورة اقرأ ولا خلاف في كونها مكية وأنما الخلاف في عدد آياتها فقيل : تع عشرة ، وقيل : ثمان عشرة وفي أنها أوّل نازل أم لا كما في بعض النسخ ، وهي أوّل سورة نزلت وقيل : الفاتحة ثم هذه اهـ ، وفيل : صدرها أوّل آية نزلت في غار حراء والفاتحة أوّل سورة نزلت وبه جمع بين الحديثين ، وقيل : أوّل ما نزل المدّثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( اقرأ القرآن ) إشارة إلى أنّ مفعوله مقدر بقرينة المقام وليس منزلاً منزلة اللازم ولا
اسم مفعول والباء زائدة كما قيل ، وقوله : مفتتحاً الخ إشارة إلى أنّ الباء هنا للملابسة أو الاستعانة ، وقدم الأوّل لما في الثاني من إيهام كون اسمه تعالى آلة لغيره وهو محتمل لأن يكون إشارة إلى أنّ الجار والمجرور هنا ظرف مستقر في موضعنصب على الحالية ، ويحتمل أنه بيان لمآل المعنى فالظرف لغو والقرآن يطلق على الكل وعلى ما يشمله وأبعاضه وعلى كل حال سواء دل الأمر على الفور أم لا ليس تكليفاً بما لا يطاق ، أمّا على الثاني فظاهر ، وأمّا على غيره فلأن قراءته بالشروع فيه وعلى الأوّل فلا حجة فيه للشافعي في الجهر بالبسملة في كل سورة إذ لا دلالة له عليه ولو سلم فالمقابلة تدل على أنها ليست من القرآن وهو مخالف لمذهبه وفيه نظر وإن كان في الاستدلال ما فيه لأنّ الافتتاح يقتضيه ظاهراً والمقابلة تخصص القرآن بغيرها ، وضمير به لربك ليتحد مرجع الضمير فيهما أو للاسم واقحام الاسم هنا وعدمه مر بيانه في أوّل الكتاب ، وكون اقرأ من جملة المأمور بقراءته فيدل على وجوب نفسه خزيرة سيأتي بيانها. قوله : ( الذي له الخلق ) ذكر فيه وجوها أوّلها : هذا وهو أنه نزل منزلة اللازم ، وهو يفيد العموم أيضاً لأنه يدل على اختصاص الخلق به وعلى أنّ كل مخلوق له أيضا كما أشار إليه المصنف بقوله : له الخلق فقدم له للدلالة على الحصر أو يقدر له مفعول عام وهو كل شيء لأنّ الحذف يدل على العموم أيضاً ، وسيأتي الوجه الثالث. قوله : ( ثم أفرد ما هو أشرف الخ ) هو على الثاني أو على الوجهين لأنّ مآلهما واحد كما عرفت ، وهو الأحسن وهذا بيان لتخصيص خلق الإنسان بالتصريح به بعد التعميم صراحة ، أو كناية فقوله : أشرف على المذهب الحق ولذا غير قول الزمخشريّ أشرف من على الأرض(8/377)
ج8ص378
وقوله : وأظهر صنعا وتدبيراً أظهر به صنعة أي مصنوعيته ، ومدبريته أي كونه مدبراً أموره لأنه أنفسي مشاهد لكل أحد فهما مصدرا
المبني للمفعول. قوله : ( وأدل على وجوب العبادة الخ ) بيان لارتباطه بما قبله ولما كانت القراءة عبادة فالأمر بها أمر بالعبادة دال على وجوبها وجميع الموجودات تدد على الصانع المنعم بالخلق وشكره بالعبادة له واجب فما هو أشرف ، وأظهر أدل على ما ذكر فافهم. قوله : ( أو الذي الخ ) فيقدر الإنسان ويعلق الخلق بمفعول خاص والإبهام من عدم ذكره والتفخيم بالتفسير بعد الإيهام والفطرة بمعنى الخلق أو المراد أنّ الأوّل ذكر مطلقا ثم بين فتدبر. قوله : ( جمعه الخ ) أي قال : علق دون علقة كما في الآية الأخرى لأنّ الإنسان المراد به الجنس فهو في معنى الجمع فلذا جمع ما خلق منه ليطابقه قيل ، وخصه دون غيره من التارات لأنه أدل على كمال القدرة من المضغة ، وهو وإن لم يكن أم! من النطفة بالمقام فهو مستلزم لها مع مناسبة الفواصل ، وأطلق عليه جمعاً وهو اسم جنس جمعي كتمرة وتمر إمّا تسمحاً أو هو جمع لغوي ، ومعنى قوله : جمعه أتى به جمعا لأنّ المجموع مفرده لا هذا ، ولذا قيل : فيه تسمح. قوله : ( نزل أوّلاً ) هذا بناء على أنّ أوّل هذه السورة أوّل نازل كما مرّ فالمراد نزل في أوّل ما أوحاه للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وبين وجهه بأنّ أوّل واجب على المكلف معرفة اللّه تعالى وهذه الآيات دالة عليه والدال على وجوده كونه ربا وعلى فرط قدرته كونه خالقاً وكمال حكمته في جعله علقة المشار به إلى التارات ، وقيل : المراد نزل في أوّل السورة ما يدل على معرفة اللّه وبعده ما يدل على عبادته في قوله : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى } [ سورة العدق ، الآية : 10 ] وهو بعيد من كلامه بمراحل. قوله : ( تكرير ) على أنّ الثاني عين الأوّل والمبالغة من تأكيد الأمر حتى كأنه أمر به ووجب عليه مرتين ، وقوله : مطلق أي عن قيد التبليغ للناس أو كونه في الصلاة المذكورة بعده ، وقوله : ولعله الخ إشارة إلى ما في حديث البخاري من أنه لما قال له : { اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ } فقال : ما أنا بقارى وما فيه نافية أو استفهامية كما بين في شرحه فقال له : { اقرأ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } الخ فلا يكون تأكيداً ولا مقيداً بما ذكر من التبليغ للناس أو بكونه في الصلاة بل الأوّل أمر له بالقراءة فلما ساله ما أقرأ أو قال له إني أميّ ولست بقارئ قال له : { اقرأ } الخ فقوله : { وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } حال على هذا وعلى الأول استئناف وعلى الثاني يحتملهما ، وقوله : فقيل الخ الفاء لبيان تعقيبه لما قبلها فلا يلزم طرحها وذكرها أولى فتأمّل.
قوله : ) الزائد في الكرم الخ ) فافعل على ظاهره والمفضل عليه محذوف لقصد العموم كما في الله أكبر أي من كل كبير ، وقوله : يحلم الخ فإنّ حلمه تعالى مع ما هم عليه من كفران النعم ومع عدم الخوف غاية في الكرم ، وقوله : بل هو الكريم الخ يعني أنه ليس المقصود به التفضيل بل المبالغة في زيادة الكرم المطلقة لأن حقيقة الكرم إعطاء ما ينبغي لا لغرض وهو لا يشاركه فيه غيره. قوله : ( الخط بالقلم ) فمفعوله مقدر والجار والمجرور متعلق بالمفعول المقدر ، وقوله : وقد قرئ به هي قراءة ابن الزبير علم الخط بالقلم ، وقوله : لتقيد الخ متعلق بقوله : علم بيان لحكمة تعليم الله الخط لعباده ، وقوله : ويعلم به البعيد من الإعلام أي يعلم بالخط الأمر البعيد ، وقوله : بخلق القوي أراد بالقوى الحواس الباطنة ، وقوله : فيعلمك القراءة الخ بيان للمراد منه وأنه داخل فيما ذكر دخولاًاً وّلياً. قوله : ( وقد عدد الخ ) المبدأ من كونه علقة ومنتهاه كونه عالماً محصلاً ما جهله من المعلومات وأخس المراتب كونه نطفة جمادية وأعلاها كمال الإنسانية ، وقوله : تقريراً لربوبيته أي كونه مربياً لخلقه بترقيها في أطوارها ، وقوله : كرميته حيث أنعم بوجوده ، ثم أفاض عليه شآبيب جوده ظاهرة وباطنة محسوسة ومعنوية ، وقوبه : عقلا هو ما يعلم من كونه خالقا لكل شيء وربا له وسمعا من قوله : علم الخ فمانّ الآيات وهي الدلائل السمعية مندرجة فيها كما أشار إليه المصنف رحمه الله والمراد هنا ما يدل على ما لا يتوقف ثبوته على الشرع كوجود الباري تعالى. قوله : ( وإن لم يذكر الخ ) لأنّ مفتتح السورة إلى هذا المقطع يدل على عظيم منته على الإنسان فإذا قيل : كلا يكون ردعا للإنسان الذي قابل تلك النعم بالكفران والطغيان ، وكذلك التعليل بقوله : إن الإنسان فقيل إنه قدر بعد قوله. ما لم يعلم ليشكر تلك النعم الجليلة فطغى وكفر كلا الخ ، وقيل : كلا بمعنى حقاً لعدم ما يتوجه إليه الرح. قوله : ( ولذلك جاز أن يكون فاعله ومفعوله ضميرين لواحدا لأنه لا يكون ذلك في غير أفعال القلوب ، وفقد وعدم ولو كانت بصرية امتنع ذلك فيها والمسألة فيها خلاف ، فذهب جماعة إلى أنّ رأي البصرية تعطي حكم العلمية وجعل منه قول عائشة رضي(8/378)