ج7ص277
قوله شكلها والعدد بضمّ العين جمع عدة وهي ما يكون آلة للشيء. قوله : ( أو عملكم الخ ) أي ما مصدرية والمصدر مؤوّل باسم المفعول لأنه كالتفسير لما تنحتون ، وهو بمعنى المنحوت فيتحد معناه ومعنى لموصول لكنه !ستغني عن الحذف ، وأمّا كونها استفهامية للتحقير والإنكار فخلاف الظاهرء ، وجوّز في الانتصاف كونها في ما تنحتون مصدرية لأنّ المعبود في الحقيقة عملهم ولا مانع منه أيضاً. قوله : ( أو أنه بمعنى الحدث ) أي باق على مصدريته ، والمراد به الحاصل بالمصدر والأثر لا نفس التأثير والإيقاع فإنه لا وجود له في الخارج حتى يتعلق به الخلق والمصدر كثيرا ما يرإد به ذلك حتى قالوا إنه مشترك بينهما ، وليس مجازا فيه وهو المراد من الفعل بالكسر بخلاف الفعل كالفتح فإنه اسم الإيقاع ، والخلاف بيننا وبين المعتزلة في الأوّل فمتعلق الخلق على هذا الوصف وعلى ما قبله الذات مع الوصف. قوله : ( فإن فعيم إذا كان بنق اللّه الخ ) يعني أنه على إرادة الحدث لا يفوت الاحتجاج به على مسلك أهل السنة بل يثبت على وجه أبلغ فيه ، وأيد بأنه يصير كناية وهي أبلغ من التصريح لأنّ خلق الفعل يستلزم خلق المفعول المتوقف عليه فهتم الاحتجاج على الكفرة بأنّ العابد والمعبود خلق الله ولا تفوت الملازمة كما شنع به الزمخشريّ عليهم ، وقد سلف تقريره ورده في الكشف بأن الملازمة ممنوعة عندهم ألا تراهم
اعترفوا بأنّ العبد وفدرته ، وإرادته من خلق الله وما توقف عليها من قعل العبد خلق العبد فتوقفه على ألله لا ينكر ، وإنما الكلام في الإيجاد فأظهر منه أن يقال المعمول من حيث المادّة لا ينكر كونه من خلق الله ، فقيل هو منحيث الصورة أيضاً خلقه فهو من جميع الوجو. مخلوق مثلكم من غير فرق فلم تسوّونه بالخالق ، وما ازداد بفعلكم إلا بعداً عن استحقاق العبادة والإنصاف أنّ استدلال الأصحاب بهذه الآية لا يتم ، ورده الكرماني في حواشيه بأن ما يعملونه على إطلاقه لا يفيد وإنما يفيد بعد تقييده بقوله من الأصنام كما صرّح به الزمخشريّ فتدخل الأصنام يعني بجوهرها وشكلها الذي يتحقق به الصنمية في عموم ما يعملونه دخولاً أوّليا فلا يفوت الاحتجاح عليهم ، ويتم به الاستدلال على مذهب أهل الحق وقد قيل عليه أنّ المراد بالفعل الحاصل بالمصدر لأنه بالمعنى الآخر من النسب التي ليست بموجودة عندهم ، ومان ذكره من أنّ السند يجتمع مع المقدّمة الممنوعة فهو أعنم غير صالح للسندية والمراد بمفعولهم إشكال الأصام المتوقفة على الفعل بهذا المعنى فإذا كان كذلك ، وقد قام بما يباينهم بخلقه فما قام به أولى ولا مجال لمنع هذه الملازمة فإنهم معترفون بها إذا ثبتوا خلق المتولدات للعباد بواسطة خلق ما يقوم بهم من أفعالهم ليس إلا وانتفاء الأوّل ملزوم لانتفاء الثاني والحاصل أنّ السند غير صالح وهم فد اعترفوا بهذه الملازمة فهو إلزام لهم بما التزموه فتأمّل. قوله : ( وبهذا المعنى ( أي إرادة الحدث على الوجه الذي قرّره تمسك به أهل السنة على خلق الأفعال لته إذ لا قائل بالفرق ، وقوله على الأوّلين أي الموصولية والمصدرية بتأويله بالمعمول ، وقوله من حذف أي للضمير العائد المقدر والمجاز كون المصدر بمعنى المفعول وقد عورض بأنّ الموصولية أكثر وأنسب بالسياق وكلاهما غير مسلم أمّ الأوّل فظاهر وأمّ الثاني فلما عرفت من أنّ العدول عن الظاهر ليثبت بطريق برهانيّ أبلغ ، وأمّا كونه يحتاج إلى تقدير عملكم في المنحوت فيكثر الحذف فليس بلازم لجواز إبقائه على عمومه الشامل للمنحوت بالطريق الأولى أو يقدر بمصدر مضاف إضافة عهدية. قوله : ( ابنوا له بنياناً ( حائطاً يوقد فيه تلك النار ، وفسر الجحيم بما ذكر لأنها تكون بمعنى جهنم والتأجج الإيقاد ، وجحيم ذلك البنيان الإضافة لملابسته بكونه فيه ، وقوله فإنه الخ تفسير للكيد فإنه الحيلة المخفية ، وقيل المراد به المنجنيق وفسر الأسفلين بالأذلين فهو استعارة وقد فسر بالهالكين وبالمعذبين في الدرك الأسفل ، والبرهان النير الواضح وفيه لطف هنا. قوله : " لى حيث أموني ريي ) الظاهر أنه جعل الذهاب إلى المكان الذي أمره
ربه بالذهاب إليه ذهابا إليه ، وكذا الذهاب إلى مكان يعبده فيه لا أنه على تقديره مضاف أي مأمور ربي ولو أخر قوله وهو الشام كان أولى ، وقوله إلى ما فيه صلاج الظاهر أنه لف ونشر موّس ، ولو جعل مرتباً أو عمم في كل منهما صح. قوله : ( وإنما بت القول الخ ( أي قطع وجزم به لأنّ السين تؤكد الوقوع في المستقبل لأنها في مقابلة نفي لن المؤكد للنفي كما ذكره سيبويه(7/277)
ج7ص278
والضمير في قوله لسبق وعده لله أو لإبراهيم على أنّ الضمير مضاف لمفعول لتتسق الضمائر ، والظاهر أنه لما أمره بالذهاب تكفل بهدايته وليس فيما ذكره نسبة القصور إلى موسى عليه الصلاة والسلام حتى يقال ذإك في أمر دنيوي ، وهذا في أمر ديني فلذا ناسب الجزم فيه بل للتفاوت بين مقاميهما أو ذاك كان قبل البعثة بخلاف هذا ، والظاهر أنّ التوقع ليس ناشئا من قردّد في الإجابة بل تأدّب مع الله أن لا يقطع عليه بأمر قبل وقوعه ، وقد صدر مثله عن نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله عسى أن يهديني ربي ، وهو أرفع الرسل عليهم الصلاة والسلام. قوله : ( رب هب لي من الصالحين ) تقديره ولداً من الصالحين ، وحذف لدلالة الهبة عليه فإنها في القرآن وكلام العرب غلب استعمالها مع العقلاء في الأولاد كقوله : { وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ } [ سورة الشورى ، الآية؟ 41 ] ولذا سمي هبة وموهبة وأمّا قوله ووهبنا له أخاه هرون فمن غير الغالب أو المراد هبة نبوّته لا ذاته وهو شيء آخر. قوله : ( ولقوله فبشرناه الخ ) وجه لدلالته باعتبار ما يتبادو من فحواه فإنه إنما يقال مثله في حق الأولاد وكفى بعرف التخاطب شاهداً عليه كما فيما فبله فلا يرد عليه أنه لا دلالة فيه على ما ذكر ، ولا يتجه دفعه بأنها من تسبب البشارة على الدعاء فإنه لا يجدي دون ما ذكرناه وأيضا يجوز كون الدعوة مطلقة ، والجواب خاص. قوله : ( وبأنه دّكرا لاختصاص الغلام به ، وقوله يبلغ أو إن الحلم بضمّ فسكون أي البلوغ بالسن المعروف فإنه لازم لوصفه بالحليم لأنه لازم لذلك السن بحسب العادة إذ قلما يوجد في الصبيان سعة صدر وحسن صبر واغضاء في كل أمر ، ويجوز أن يكون من قوله غلام فإنه قد ختص بما بعد البلوغ وإن كان ورد عامّا أيضاً وعليه العرف كما ذكره الفقهاء ، وقوله ويكودط حليماً معطوف على يبلغ وهذا من منطوقه وقوله وهو مراهق قريب من البلوغ فيعطي حكمه فلا
يتوهم عدم مناسبته لما قبله مع أنه أغلبيّ ، وقوله تشهد عليه أي تدل على ما ذكر فيهما. قوله : ( فلما وجد الخ ) بيان لحاصل المعنى المراد لا تقدير إعراب وبيان حذف إذ البلوغ لا يكون إلا بعد وجوده ، وقوله لأن صلة المصدر الخ ، وكذا أعماله معرّفا قليل أيضاً ومن اغتفر ذلك في الظرف جعله متعلقا به من غير تكلف. قوله : ( فإنّ بلوغهما لم يكن معاً ) ولو تعلق به لدل على ذلك وهو غير صحيح ، وأمّا قول بلقيس أسلمت مع سليمان فلا يدلّ على جواز مثله باعتبار دلالته على التبعية وان لم يتحد زمان تلبسهما بالفعل لأنه أوّل بأنه حال أو فيه مضاف مقدر أي إسلاما مع دعوته وهذا أيضاً جار هناك بأن يقدر حالاً من فاعل بلغ أو فيه مضاف مقدر أي مع ترتبه فمن قال : المعنى ليس عليه لم يصب إذ لا مانع منه وقوله فقيل معه أي سعى معه لكن تقدم البيان خلاف الظاهر ، وقوله فلا يستسعيه الخ فالمراد بيان أوانه وأنه في غضاضة عوده كان فيه ما فيه من رصانة العقل ورزانة الحلم حتى أجاب بما أجاب ففائدته بيان الواقع مع ما ذكر وفي الوجه الذي بعده بيان استجابة دعائه. قوله : ( يحتمل أنه رأى ذلك ) أي رأى في منامه أنه فعل ذبحه فحمله على عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أنّ رؤياهم تقع بعينها أو رأى ما عبره بذلك وقوله : روّي أي فكر وتأمّل في ذلك ليعلم أهو رحمانيّ أم شيطانيّ ، وقوله : وقال له أي قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لابنه. قوله : ( والأظهر الخ ) اختلاف في هذه المسألة مشهور ولكن الصحيح أنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام للوجو. التي ذكرها المصنف ، وقوله : أثر الهجرة أي هجرته إلى الشام وهي أوّل هجرة لله وكان رزقه قبل كبر سنه بخلاف إسحق. قوله : ( أنا ابن الذبيحين ) قال العراقي : لم أقف عليه ( قلت ) في مستدرك الحاكم عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال : " كنا عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي فقال : يا رسول اللّه خلفت البلاد يابسة والماء يابساً هلك المال وضاع البيإل فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين قال : فتبسم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولم ينكر
عليه الحديث " ذكره في المواهب والشفاء وهذا يكفي لثبوته حديثاً فإنه قوله وفعله وتقريره ، وقوله إن سهل الله له حفر زمزم لأنها كانت اندرس أثرها لما خلت مكة عن الناس بعد جرهم كما فصل في السير ، وقوله أو بلغ الخ شك من الراوي وهو الصحيح لأنّ عبد اللّه لم يولد عند حفر زمزم ، وقوله فخرج الخ هي قصة طويلة طواها المصنف ، وقوله : ولأنّ ذلك كان بمكة يعني ولم يخرج لها إسحق ومن يقول هو إسحق وعليه أهل الكتاب يقول النحر بالأرض المقدّسة فلا يسلم هذا.(7/278)
ج7ص279
قوله : ( ولآنّ البشارة بإسحق الخ ) يعني في قوله تعالى في هود : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ } [ سورة هود ، الآية : 71 ] منه أي من إسحق فظاهره اقترانهما في البشارة بهما كما هو المتبادر وان أمكن وقوع البشارة بيعقوب منه بعد قصة الذبح كما مرّ فإذا بشر بالولد وولد الولد دفعة كيف يتصوّر ، ويجيء ذلك الولد مراهقاً قبل ولادة يعقوب منه وكتابة يوسف إلى يعقوب غير ثابتة بل قال ابن حجر إنه موضوع فلا حاجة إلى تاويل ابن الذبيحين بأنه قد يطلق على العمّ والد ، وقوله بفتح الياء أي من إني وهو ظاهر ، وقوله احترقا أي حين حاصرها في زمن ابن الزبير رضي الله عنهما الحجاج ، ومن قال هو إسحق يقول الذبح بالشام أو عند الصخرة وكتابة يعقوب إلى يوسف عليهما الصلاة والسلام حين أخذ أخاه ووقع في النسخ إسرائيل اللّه بالإضافة لأنّ إسرائيل بمعنى الصفوة ، وقد مرّ أنّ معناه صفوة الله فلا وجه للإضافة منه إلا على التجريد وقيل إنّ في الدلالة على كونه إسحق أدلة كثيرة وعليه حمل أهل الكتاب ، ولم ينقل في الحديث ما يعارضه فلعله وقع
مرّتين مرّة بالشام لإسحق ومرّة بمكة لإسماعيل. قوله : ( من الرأي ) يحتمل أنه بيان لكون يرى من الرأي ويحتمل أن يكون بياناً لما في النظم ويعلم منه تفسير ترى أيضاً وهو على قراءة الفتح من الرأي والقصد المشاورة ، وماذا مفعول مقدّم وقوله وهو حتم أي الذبح لأنه بوحي أو ما في حكمه مما يفيد الإيجاب ، ولذا قال ابنه أفعل ما تؤمر وقوله بفتحها أي التاء وبإخلاص فتحها أي الراء ، وقيل إنه لتسن المشاورة أو لأنّ ذبحه مما لم يرض قيل والأمر فيه سهل وضم التاء مع كسر الراء على حذف مفعوله أي تريني إياه من الصبر وعلى الضمّ ، والفتح فالمعنى ما يسنح لخاطرك وفكرك. قوله : ( أي ما تؤمر به الخ ) يعني أنّ ما موصولة حذف عائدها بعدما حذفت الباء فعدى بنفسه كقوله :
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
أو حذفا معاً أو ما مصدرية والأمر بمعنى المأمور به لأنه المفعول ولا حذت فهي ، ثم إنّ الحذف بعد الحذف كالمجاز على المجاز مإنه يجوز إذا شاع الأوّل حتى التحق بالحقيقة ويمتنع في غيره والحذف الأوّل سائغ كما في البيت المذكور فكأنه متعد بنفسه فالحذف فيه كأنه واحد فلا ينافي هذا ما مرّ في قوله : { لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى } [ سورة الصافات ، الآية : 8 ] من منع المصنف اجتماع حذفين فمانه ليس على إطلاقه واذا جاز حذف جمل متعددة فلم لا يجوز حذف حرفين فلا حاجة إلى القول بأنّ الممنوع كونه حذفا قياسيا فلا يمتنع سماعاً على طريق الندرة. قوله : ( على إرادة المأمور ) يعني أنّ الأمر بمعنى المأمور كالطهور والإمام لما يتطهر به ، ويؤتتم به فالمصدر المسبوك بمعنى الحاصل بالمصدر فإنه كالمصدر الصريح ، وهو كثير إما يراد به ذلك كما مرّ فلا يرد أنّ المصدر المؤوّل لا يراد به الحاصل بالمصدر كما قيل ، وقوله والإضافة إلى المأمور أراد بالإضافة معناها اللغوي يعني أنه كان الفعل المجهول فيه سنداً إلى الجارّ والمجرور وأصله بما يؤمر به فأسند إلى ضمير إبراهيم وهو المأمور تجوّزاً من غير حذف فيه وفيه نظر. قوله : ( ولعله فهم من كلامه الخ ) لأنّ قوله تؤمر يقتضي تقدم الأمر ، وهو غير مذكور فإمّا أن يكون فهم أنّ معناه إني أمرت بذلك أو رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحي
فهي في معنى الأمر ، والفرق بين الوجهين أنه فهمه على الأوّل من كلامه وعلى الثاني من عزمه على ما لا يقدم مثله عليه بدون أمر واليقظة بفتح القاف وتسكن للضرورة كما في قوله : فالعيش نوم والمنية يقظة والمرءبينهما خيال ساري
قوله : ( وإنما ذكر بلفظ المضارع ) الداد على الاستمرار التجددي لتكرّر الرؤيا كما مز ، وقوله : ستجدني أي لا يقع مني ما تخشاه ، وقوله على قضاء الله أي كل ما قضاه ذبحا كان أو غيره فهو أعمّ من الأوّل. قوله : ( استسلما ) أي انقادا وأطاعا فيكون لازما وما بعده على أنه متعدّ مفعوله مقدر ، وقوله الذبيح وما بعده بالرفع بدل من ضمير التثنية أو فاعل لفعل مقدر مفسر لقوله سلما ، وقوله وقد قرى بهما أي باستسلما وسلما وقوله وأصله أي الأفعال الثلاثة وفي نسخة أصلهما والأولى أولى ، وقوله فإنه الخ توجيه لاستعماله للخلاص بأنه لسلامته من النزاع. قوله : ( صرعه على شقه ) أصل معناه رماه على التل ، وهو الترأب المجتمع كتربه ، ثم عمّ لكل صرع وكونه على شقه من الجبين لأنه أحد جانبي الجبهة كما أشار إليه ، وقوله كبه على وجهه الخ مرضه لأنّ قوله على الجبين يأباه ولذا خطأ الكندي أبا الطيب المتنبي في شرحه لقوله :(7/279)
ج7ص280
وخل زيا لمن تحققه ماكل دام جبينه ساجد
فقال السجود على الجبهة لا على الجبين وقد وضع الجبين موضع الجبهة على عرف العامّة ، ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة هذا قول أهل اللغة ولم أر من نقل هذه اللفظة انتهى إلا أنه لا مانع من إطلاقه على الجبهة للمجاورة وعلى كل حال لا يخرجه عن الضعف ، وقوله ثإشارته أي صرعه على وجهه بإشارة ورأى من ابته حتى لا ينظر كل للآخر فيرق قلبه ويحزن ، ولذا تقول العامّة عين لا تنظر وقلب لا يحزن ، وقوله تغيرا يرق كان الظاهر فيرق وفي نسخة يرق له أي للتغير لا للولد وهي أحسن لسلامتها من التكلف ، وقوله وكان ذلك أي الموضع الذي تله فيه وأضمره لعلمه من ذكر الأرض ومنى يجوز صرفه وعدمه ، وقوله على مسجده أى مسجد منى وذكره باعتبار المكان ، واللام في قوله للجبين كما في : { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ } [ سورة ا لإسراء ، الآية : 107 ] وقوله :
وخرّ صريعاً لليدين وللفم
لبيان ما خرّ عليه وليست للتعدية. قوله : ( وجواب لما محذوف ) مقدّر بعد قوله صدقت الرؤياء ، وليس هو ناديناه والواو زائدة فيه لما في حذقه من البلاغة لإيهام أنه مما لا تفي به العبارة كما أشار إليه بقوله كان ما كان الخ وندأؤه كان بواسطة ملك ، وتصديقه الرؤيا إمّا لبذل وسعه وان لم يقع ما رآه بعيته أو لأنّ الرؤيا تؤوّل وصدقها وقوع تاويلها ووقوعها بعينها ليس بلازم ، وعدم قطع السكين لأنّ القطع يخلقه اللّه فيها عادة وقد لا يخلق أو لأنه قلب حدّها أو لأنّ مذبحه جعل الله عليه صفيحة من نحاسى لا يراها كما قيل. قوله : ( تعليل لإفراج تلك الشذّة ) أي إنّ الله فرّح كربهما لما فيهما من الإحسان ، والخيرات الحسان وليس تعليلاً لما انطوى عليه الجواب من الشكر كما توهم فانه لا وجه له ، وقوله بإحسانهما متعلق بتعليل. قوله : إواحتج به من جوّز النخ قبل وقوعه ) أي الفعل كما نسخت الخمسين صلاة ئي حديث الإسراء ، وهذا مذهب كير من الأصوليين ومن خالف فيه من المعتزلة وغيرهم أوّله ، والخلاف في المسالة على وجهين هل يجوز النسخ قبل الوتوع والتمكن منه أو يجوز قبل الوقوع إذا تمكن منه وما نحن فيه من قبيل الثاني لتمكنه من الذبح ولذا لم يذكره المصنف ، وهو محل النزاع بيننا وبين المعتزلة فإنّ الأوّل لم يقل به أحد غير الكرخي. قوله : ( ولم يحصل ) أي الذبح أو المأمور به فيكون نسخاً له قبل وقوعه مع التمكن منه ، والفائدة فيه الابتلاء واختبار المكلف في انقياده فلا يرد قول المعتزلة إنه لا فائدة فيه ، وحجة الفريقين مفصلة في أصول الفقه لكن من الحنفية من قال ما نحن فيه ليس من النسخ لأنه رفع الحكم لا إلى بدل ، وهنا له بدل قائم مقامه ونظيره بقاء وجوب الصوم في حق الشيخ الفاني عند وجوب الفدية عليه فعلم أنه لم يرفع حكم المأمور به ، وفي التلويح فإن قيل هب إنّ الخلف قام مقام الأصل لكنه استلزم حرمة الأصل أي ذبحه وتحريم الشيء بعد وجوبه نسخ لا محالة لرفع حكمه قيل لا نسلم كونه نسخاً ، وإنما يلزم لو كان حكماً شرعياً وهو ممنوع فإنّ حرمة ذبح الولد ثابتة في الأصل فزالت بالوجوب ، ثم عادت بقيام الشاة مقام الولد فلا يكون حكماً شرعياً حتى يكون ثبوتها نسخاً للوجوب اص. ( قلت ) هذا بناء على ما تقرّر من أنّ رفع الإباحة الأصلية
ليس نسخاً أمّا على أنه نسخ كما التزمه بعض الحتفية إذ لا إباحة و ، تحريم إلا بشرع كما قرّروه فيكون رفع الحرمة الأصلية نسخا واذا كان رفعها نسخاً أيضا يبقى الإيراد المذكور من غير جواب على ما قرّر في شرح التحرير. قوله : ( الذي يتميز فيه المخلص من غيره ( يعني أنّ المبين من أبانه المتعدّى ، وقوله أو المحنة البينة على أنه من اللازم وذكر الصعوبة لأنّ معنى ئبين البلية ظهور صعوبتها لا للإشارة إلى أنها صفة جرت على غير من هي له كما توهم لأنه لا مجال له. قوله : ( بما يذبح ) إشارة إلى أنّ ذبح بالكسر صفة بمعنى ما يذبح وكونه بدله هو معنى الفداء ، وقوله فيتم به أي بما يذبح الفعل المقصود من القربان وهو إراقة الدم بقطع الأوداج لله ، وكونه عظيم الجثة لأنه مطلوب في الأضاحي وكونه عظيم القدر لما حصل به من عظيم النفع كما ذكره ، وقوله من نسله الخ ترجيح لكونه إسماعيل وقوله وعلا بسكون العين المهملة وكسرها وكذئل العنز البرية أو الذكر منها ، وثبير اسم جبل بمكة معروف وقوله سنة أي في رمي الجمار ، وروي أنه إنما روي الشيطان إذ تعرّض لهما 0 قوله : ( والفادي على الحقيقة لخ ا لأنه المباشر له لكنه جعل مجازاً بمعنى أمرنا أو أعطينا ، أو أسند إلى الله مجازاً ويجوز كونه(7/280)
ج7ص281
استعارة مكنية أيضاً وفائدة العدول عن الأصل تعظيمه. قوله : ) واستدل به الحنفية الخ ( وكذا نقله القرطبي عن الإمام مالك ، وكذا لو نذر قتله كما قاله الجصاص ولو نذر ذبح عبده لا شيء عليه وعند أبي يوسف لا شيء عليه في الكل لأنه لا نذر في معصية الله والقتل حرام ، وكفارته كفارة يمين وقال أبو حنيفة أنه في شرع إبراهيم عليه الصلاة والسلام عبارة عن ذبح شاة ، ولم يثبت نسخة فليس معصمية وقوله وليس فيه أي فيما ذكر من النظم ما يدل على أنه كان ظ را من إبراهيم حتى يستدل به ، وأجيب بأنه ورد في التفسير المأثور أنه نذر ذلك وهو في حكم النص ، ولذا قيل له لما بلغ أوف بنذرك وبأنه إذا قامت الشاة مقام ما أوجبه الله عليه علم قيامها مقام ما يوجبه على نفسه بالطريق الأولى فيكون ثابتا بدلالة النص فتأمّل. قوله : العله س عئه إنا ) إذ لم يقل إنا كذلك كما في غيره قال في درة التنزيل لما كان قوله : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } تذييلاً جعل إمارة على التمام لم يذكر هنا كما في غيره لتقدم ذكر هذه
القصة مؤكدة به تكيداً أغنى عن إعادته هنا وللإشارة إلى أنّ هذه القصة لم تتم فلذا لم يعبر فيها بما جعل مقطعاً هذا محصل ما ذكره ، وهو كلام حسن ، وما ذكره المصنف يشير إليه. قوله : ( مقضياً نبوّته مقدرا كونه من الصالحين الخ ا لما لم يكن في حال البشارة موجودا ولا نبيا من الصالحين أوّله بما ذكر لتوجد المقارنة باعتبار التقدير ، والقضاء الأزلي فتقارن الحال صاحبها على هذا التقدير وتتضح الحال كما ستفصله لك ، وقوله من الصالحين حال أيضاً. قوله : ( ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة ) ردّ على الزمخشري حيث جعلها حالاً مقدرة كأدخلوها خالدين ، ثم قال : ولا بد فيه من تقدير مضاف أي بشرناه بوجود إسحق نبيا أي بأن يوجد مقدّرا نبوّته ، وهو العامل في الحال لأفعل البشارة وبذلك صار نظير ادخلوها خالدين مع الفرق البين بينهما فإنهم كانوا موجودين حالى الدخول دون الخلود فلذا أوّل بمقدّرين بخلافه حال البشارة إذ لم يكن موجوداً فيشكله حاله وقرّره الطيبي بأنّ الحال حلية ووصف يقتضي تقرّر الموصوف ، والوصف عند إثباته له كما صرّح به السكاكي ، وردّه المصنف بوجهين الأوّل أنّ وجوده ليس بلازم وإنما اللازم مقاونة معنى العامل لاتصافه بمعنى الحال موجودا كان أو لا فلا حاجة لما ذكره من التقدير والثاني أنه على تسليم ما ذكره لا يكون نظيراً لأدخلوها خالدين فإنهم حال الدخول مقدربن للخلود وهذا حال الوجود لم يكن مقدراً للنبوّة والصلاح ، وقال المدقق في الكشف فيه بحث فإنه نظيره في أنه حال مقدّرة وأنّ التقدير مقارن لوجود ما وقع نبياً حالاً منه ، ولفظ مقدر الذي قدره في الحال المقدرة اسم مفعول قائم به ولا يجب أن يكون اسم فاعل ، وهو القائل وهذا يقتضي الحال المقدرة ، وأما التخصيص بهذا أو ذاك فعلى حسب المعنى والمقام ، ثم أنّ تقدير الوجود لا محيص عنه ، وان لم تكن الحال مقدرة لأنّ البشارة لا تتعلق بالأعيان تقول بشرته بقدوم زيد فمعنى بشرناه بإسحق بوجوده لا محالة فما ذكره في الكشاف لا بد منه ، وما جنح إليه القاضي لا يغني عنه ( أقول ) قد أطال الشراح هنا من غير طائل والتحقيق أنّ الأصل في الحال أنّ تقاردط العامل في الوجود باعتبار معناها المراد منها سواء كان حقيقة أو مجازاً في زمان من أحد الأزمنة الثلاثة الدال عليه العامل فإن لم تقارنه كانت مقدّرة ، وليس المراد أنها مجاز عن معنى مقدراً بل هو مجاز أول أو مجاز في النسبة الحالية ، والمصنف لما جعله بمعنى مقضيا ومقدراً بصيغة المفعول أي في تقدير الله كانت غير مقدرة عنده كما صرّح به فمن حمله عليه فقد أخطأ وإنما هو تجوّز كما مرّ بجعل ما قدّر كالمقارن فقولهم مقدّراً سواء كان اسم فاعل أو مفعول إشارة لذلك ، وما ذكره المصنف من أنّ المقدر بصيغة الفاعل صاحبها غير صحيح لأنه يلزمه أن يكون نحو وضعته أمّه مربية له مثلاً ليس منه لأنّ المولود لا يكون مقدراً والمقدر غيره إلا أن يجعل استعداده بمنزلة تقديره ، وهو تعسف فما ذكره كلام مغشوس ثم إنّ مقارنة الحال إن أريد بها مقارنة جزء مّا فالدخول يقارن أوّل
الخلود ، وان أريد مقارنة جميعه لزم أن يكون نحو مررت به راعيا حال مقدرة ولا قائل به اللهمّ إلا أن يراد مقارنة كل جزء أو جزء معتبر منه وفيه ما فيه ، ثم إنّ قوله في الكشف إنّ البشارة فتعلق بالمعاني دون الذوات إن أراد أنه إنما تستعمل كذلك فالواقع خلافه كبشر أحدهم بالأنثى ويشر بولد فإن قال إنما يصح بتقدير ولادة ونحوه من المعاتي فهو محل(7/281)
ج7ص282
النزاع فلا وجه له. فوله : ( وجود المبشر به الخ ) أي الخارجي وعدل عن وجود الحال إلى وجود المبشر به الأخص للإشارة إلى عدم لزومه هنا بل لزوم عدمه لأنه لا يبشر بالحاصل ليثبت ما ذكر بطريق يرهاني فسكون الحال حلية قائمة بالمحلى غير صحيح كما بيناه ، وقوله بل الشرط الخ قد أوضحناه بما لا مزيد عليه ، وقوله فلا حاجة إلى تقدير الخ قد مر تحقيقه وأن ادعاءه في الكشف أنّ الحاجة ماسة له لا وجه له ، وما قيل من أنّ تعلق البشارة بالأعيان ادّعائية للمبالغة ولا منع منه على أنّ الوجود عين الماهية عند الأشاعرة أو المراد لا حاجة له في حل الأشكال لا يسمن ولا يغني من جوع مع أنه لا حاجة له لما عرفت ، وقوله لاعتبار المعنى وقع في نسخة للاعتبار المعنى بالتوصيف فالمعنى بصيغة المفعول يعني أنّ الشرط تعلق التبشير بإسحق مقارنا للمقصود بالحال من القضاء والتقدير لكفايته فيه. قوله : ( ومع ذلك لا يصير نظير الخ ) رد على الزمخشري فيما مرّ ، وقد عرفت أنه غير صحيح وأنه مبني على أن مقدر المقدر بزنة اسم افاعل لأنّ المقدر ذي الحال فلا يتوجه عليه أنّ التنظير في مجرّد كونه حالاً مقدرة ، دمان أخئلف المقدر فيهما لأنه غير مسلم عنده ، وقوله فانّ الداخليق كانوا مقدّرين وقع في نسخة كعضهم بدون كانوا فاعترض بأنّ الصواب مقدرون إلا أن يقدر كان وهو من سهو الناسخ. لوله : ( ومن فسر الغلام بإسحق الخ ) يعني في قوله : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ } [ سورة الصافات ، الآية : 01 ا ] بناء على أنه الذبيح بجعل البشارة الأولى بولادته ، ثم إنه بعدها وبعد قصة الذبح والفداء كره بنبوّته لئلا تتكرر البشارة ، ويكون الأمر بذبحه مع كونه سيصير نبياً وأبا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام منافياً له كما احتج به من قال إنه إسماعيل لكنه خلاف الظاهر لأنه كان الظاهر ان يقال بشرناه بنبوّته ونحوه وتقدير أن يوجد نبيا لا يدفعه أيضاً لأنّ التقدير خلاف الظاهر أيضاً رعلى هذا التقدير فالحال مقدرة أيضاً لا مقارنة كما توهم لأنّ نبوّته بعد ذلك وكون المقصود !ال وذكر إسحق تعييناً لاسمه ، وتوطئة لما بعده فيؤول الكلام إلى التبشير بنبوّته ووصفه ، الصلاح الذي طلبه مع أنه لا قرينة عليه لا يدفع كونه خلاف الظاهر واستبعاده. قوله : ( وفي ذكر الصلاح الخ ) توجيه لأنه لا يليق وصف الأنبياء بالصلاح ولو سلم فينبغي تقديمه على
الوصف بالنبوّة لثلا يلغو بأنّ الصلاح ضدّ الفساد ، ولذا قوبل به في قوله : { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } [ سورة الأعراف ، الآية : 56 ] وقد يقابل بالسيئ كما في قوله : { عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا } [ سورة التوبة ، الآية : 52 ا ] وهو في الاستعمال يختص! بالأفعال كما قاله الراغب فذكر بعدها هنا تعظيما لشأن الصلاج حيث جعل من صفات كمل الأنبياء وأو ما بتأخيره إلى أنه غاية الراغب فذكر بعدها هنا تعظيما لشأن الصلاح ونتيجتها لاختصاصه بالأفعال ، والمقصود من الكمال والتكميل الإتيان بالأفعال السديدة الحسنة ، وقوله على الإطلاق يعني في جمير من عداه أو في جميع أفعاله لتكون بأسرها صالحة وهو من أعظم الأوصاف ، وقوله بالفعا! متعلق بالتكميل. قوله : ) على إبراهيم في أولاده ( الظاهر أن التعميم الآتي أحسن ، ولم ير%يم الضمير للمبشر به لبعده لفظا ومعنى إذ سياق الكلام لمدح إبراهيم عليه الصلاة والسلام م!يم ته لا يتمشى على القول بأنه إسحق كما مرّ وأعاد على مع إسحق إشعاراً باستقلاله في افي!يث ، والضمير في قوله من صلبه لإبراهيم لأنّ أولاد إسحق كلهم من بني إسرائيل وأيوب من نسل عيص بن إسحق وشعيب من نسل مدين بن إبراهيم ، وقوله قرئ وبرّكنا أي من التفعيل بالتشديد للمبالغة وقوله محسن في عمله فلا يقدر له مفعول ، وقوله على نفسه عداه بعلى لتضمنه معنى متفضل ويدخل في المعاصي ظلم الغير ، وقوله مبين إشارة إلى أنّ غيره قلما يخلو منه فلذا لم يذم به. قوله : ( البليغ في بيانه ) هو من المبالغة ، ويجوز كونه من البلاغة وهما مأخودان من زيادة البنية ، وقوله ابن ياسين وقع في نسخة ماسين بالميم ولا أدري صحتها وكانه م!ض ث ، من بنيامين فإن ماسين ليس بعبراني ، وقوله وقيل إدرشى فأحدهما اسم والآخر لقب ، ومزضه لأنّ الظاهر تغايرهما وأمّا كون الظاهر ذكره قبل نوج ففيه نظر ،
وقوله وفي حرف أبيّ أي قراءته إبليس بهمزة مكسورة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وأخرى بعد اللام ساكنة ، وقيل إنها مفتوحة وسين مهملة ، وقوله مع خلاف عنه في الرواية فروي عنه الوصل والقطع والثانية أشهر حتى قال الداني إنه قال بغير همز يعني لا تهمز الألف التي قبل السين كما في كاس ففهموا عنه الوصل ، ولم يرّده وردّه صاحب النثر وقال إنه خطأ ، وهذا إما على أنه ياس دخلت عليه أل أو على أنه إلياس فتلاعبوا(7/282)
ج7ص283
فيه لعجمته. قوله : ( أتعبدونه ) على أنّ الدعاء بمعنى العبادة أو هو طلب الخير بمعناه المشهور ، وقوله صنم كان لأهل بك الخ ظاهره أنّ الصنم لقوم إلياص ، وفي القاموس إنه لقوم يونس ولا مانع لكونه لهما حتى يقال إنه تحريف وظاهره أيضاً أنّ البلد لم تسم قديماً بعلبك بل بك فقط والمشهور خلافه ، وقوله أتدعون بعض البعول أي الأرباب والمراد الأصنام فالتنكير للتبعيض فيرجع لما قيل قبله. قوله تعالى : ( { وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ } ) لا يرد عليه أن أفعل يضاف لما هو منجنسه وخلق اللّه بمعنى الإيجاد ، وخلق العباد كسبهم وهو على مذهب المعتزلة ظاهر لأنّ المراد أعظم من يطلق عليه ذلك بأي معنى كان كما قاله الآمدي ، وقوله وتتركون عبادته فهو بتقدير مضاف فيه أو المراد بتركه ترك عبادته ولم يقل أو تتركون طلب الخير منه كما فسر به تدعون قبله اكتفاء بما علم مما سبق بل لأنهم لا يتركون ذلك كما لا يخفى لقوله : ( إذا أصابتهم مصيبة دعوا اللّه مخلصين ) ونحوه وقال : وتذرون ولم يقل تدعون مع مناسبته ومجانسته لما قبله لأنّ مثله من الصيغة المتكلفة غير ممدوح عند البلغاء ما لم يجيء عفواً بطريق الاقتضاء ولذا ذم الفصحاء من يقول مثله فقالوا :
طبع المجنس فيه نوع قيادة أو ما ترى تأليفه للأحرف
على أنّ المناسب هذا دونه لأنّ مثله ربما ألبس على من يقرأ من المصحف دون حفظ
من العوام وأيضاً يدع إنما استعملته العرب في الترك الذي لا يذم مرتكبه لأنه من الدعة وهي الراحة ، ولذا سمي مفارقة الناس بعضهم بعضا موادعة دون مواذرة ، ويذر بخلافه لأنه يتضمن إهانة وعدم اعتداد لأنه من الوذر وهي قطع اللحمة الحقيرة كما أشار إليه الراغب وهذا مما لا مرية فيه ، وأمّ ما قيل من أنّ الجناس ونحوه من المحسنات فهو مناسب مقام الرضا والمسرة لا مقام الغضب والتهويل فمما لم يقله أحد سواء مع مخالفته للمعقول والمنقول أمّا الأوّل فلأنه لا علاقة بين البلاغة وبين ما ذكر ، وأمّا الثاني فلأنهم قالوا لم يقع الجناس التامّ في القرآن إلا في موضعين في قوله : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ } [ سورة الروم ، الآية : 55 ] وقوله : { يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ } [ سورة النور ، الآية : 43- 44 ] جمع بصر وبصيرة وهما في المقام الذي زعم أنه غير مناسب ، وكذا ما قيل إنّ ح أمر للترك قبل العلم وذر بعده كما نقل عن الرازي فإنه لا يساعده
اللغة والاشتقاق فالوجه ما سمعتة وإنما أطلنا الكلام لما ذكره المتصلفون ، وهم يحسبون أنهم يحسنون. قوله : ( وقد أشار فيه ) أي في قوله أحسن الخالقين إلى المفتضى للإنكار على من ترك عبادته ، وهو خالق عظيم إلى خلافه ثم صرح بما أومأ إليه أوّلاً للاعتناء به بقوله : { اللَّهُ رَبُّكُمْ } الخ فإنّ من كان ربا لهم ولآبائهم هو الحقيق بتوحيده بالعبادة وعبادته بالتوحيد ، وقوله بالنصب أي نصب الثلاثة على أنها بدل من قوله أحسن الخالقين وغيرهم قرأه بالرفع على أنه مبتدأ وخبر أو خبر مبتدأ محذوف وربكم عطف بيان أو بدل منه. قوله : ( مخصوص بالشرّ عرفاً ) أي في العرف العام أو حيث استعمل في القرآن لإشعاره بالجبر والقهر ، وقوله من الواو أي في قوله فكذبوه ، وقوله لفساد المعنى لأن ضمير محضرون للمكذبين فإذا استثنى منه اقتضى أنهم كذبوه ولم يحضروا وفساده ظاهر وقيل وجهه أنه إذا لم يستثن من كذبوا كانوا كلهم مكذبين فليس فيهم مخلص فضلاً عن مخلصين ومآله ما ذكر لكنه قيل عليه إنه لا فساد فيه لأن استثناءهم من القوم المحضرين لعدم تكذيبهم على ما دل عليه التوصيف بالمخلصين لا من المكذبين ، والمعنى واحد وردّ بأنّ ضمير محضرين للمكذبين لا للقوم فلا وجه لما ذكر أصلا كما مرّ ، وتعقب بأنّ ضمير محضرين للقوم كضمير كذبوا والذي غرّه الفاء وهي إنما تفيد ترتب إحضار القوم على تكذيبهم فالمال واحد ولا يخفى أنّ اختصاص الإحضار بالعذاب يعين كون ضميره للمكذبين لا لمطلق القوم فإن لم يسلمه فهو أمر آخر لكن اختصاصه صرّج به السمرقندي وغيره ، وهذا إنما هو على تقدير الاتصال. قوله : ( كسيناء وسنين ) وجه الشبه بينهما أنّ الأوّل علم غير عربي تلاعبوا به فجعلواه بصيغة الجمع ، أو أنّ زيادة الياء والنون في السريانية لمعنى كما في الكشاف لا في الوزن والا لكان حقه أن يقول كميكال وميكائيل ، واختاو هذه اللغة على هذا رعاية للفاصلة. قوله : ( وقيل جمع له ) على طريق التغليب بإطلاقه عليه وعلى أتباعه وقومه كما يقال المهالبة لمهلب ، وقومه وضعفه بما ذكره النحاة من أنّ العلم إذا(7/283)
ج7ص284
جمع أو ثنى وجب تعريفه بالألف واللام جبراً لما فاته من العلمية ولا فرق فيه بين التغليب ، وغيره كما صرح به ابن الحاجب في شرح المفصل ، فالاعترا ضبأنّ النحاة إنما ذكروه فيما إذا قصد به مسماه أصالة وهذا ليس منه وهم وإنما يرد هذا على من لم يجعل لام إلياس للتعريف لكن هذا غير متفق عليه قال ابن يعيش في شرح المفصل يجوز استعماله نكرة بعد التثنية والجمع ووصفه بالنكرة نحو زيدان كريمان وزيدون كريمون وهو مختار عبد القاهر ، وقد
أشبعوا الكلام عليه في المفصلات. قوله : ( أو للمنسوب ) معطوف على قوله له أي قيل إنه جمع إلياسيّ فخفف بحذف ياء النسب لاجتماع الياآت في الجر والنصب كما قيل أعجمين في أعجميين كما مرّ تحقيقه في الشعراء ، وضعفه بقلبته والتباسه بإلياس إذا جمع وإن قيل حذف لام إلياس مزيل للإلباس لما مرّ ، وقوله ملبس بكسر الباء وفتحها موقع في اللبس والاشتباه وأيضاً هو غير مناسب للسياق والسباق إذ لم يذكر آل أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وقوله لأنهما في المصحف أي العثماني رسم منفصلاً فيؤيد هذه القراءة لا لأنه قرئ به اتباعاً للرسم كما توهمه هذه العبارة ، وقوله فيكون الخ ليوافق معنى القراءة الأخرى لأنّ الآل يطلق على الأولاد كأل محمد. قوله : ( والكل لا يناسب الخ ) أي ما ذكر بعد قوله وقيل أما الأوّل فلذكره بتبعية أبيه دون اسمه ، وأمّا الثاني فإنه إنما يذكر السلام عليهم أنفسهم بعد قصة من قصصهم وكذا ما بعده ، وقوله إذ الظاهر الخ وعلى غير الأوّل لم يعد عليه وعليه فعوده على آل وإن كان هو المراد خلاف مقتضى الظاهر لغي نكتة ، وقوله سبق بيانه أي في الشعراء. قوله : ( مئاجوكم ) جمع متجر زمان التجارة أو محل التجارة والمراد طرق متاجركم ، وسدوم بالدال المهملة والمعجمة بلدة قوم لوط عليه الصلاة والسلام ، وقوله ومساء فالمراد بالليل أوّله لأنه زمان السير ولوقوعه مقابل الصباح ، وقوله أو نهاراً وليلاً بتأويل الصباح به لوقوعه مقابل الليل ظ مّا أن يؤوّل الثاني أو الأوّل وقدم الأوّل لأنه تأويل عند الحاجة له ، وقوله ولعلها الخ توجيه للئخصيص على الوجه الأوّل بأنهما وقت الارتحال والنزول في الغالب وهي وإن كانت منزلاً حينئذ فهي ممرّ أيا وخصت بالتوجيه لأنه أرجح ولذا قدم ، وضمير وقعت لقرية سدوم وكذا ضممير لها فلا وجه لما قيل حقه التذكير قيل ولو أبقى على ظاهره لأنّ ديار العرب لحرّها يسافر فيها في الليل إلى الصباح خلا عن التكلف في توجيه المقابلة ، وقوله أفلا تعقلون قبل تقديره اتنظرون فلا تعقلون وهو على أحد القولين ، ويونس مثلث النون ولكنه لم يقرأ بالفتح. قوله : ( هرب ) فرب بعض اللغويين بينهما بأن الإباق الهرب من غير خوف وكد عمل وقوله بغير إذن
ربه على خلاف معتاد الأنبياء كما في هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فإنه لم يهاجر حتى أوحى إليه كما ذكر في حديث الهجرة وقوله حسن إطلاقه لأنه استعارة شبه خروجه بغير إذن ربه بإباق عبد من سيده أو هو من استعمال المقيد في المطلق والأوّل أبلغ ، وقيل الإباق الفرار بحيث لا يهتدي إليه طالب ، وكان لما خرج طلبه قومه فلم يجدوه فاستعير لى نظراً لهذا القيد ، وهو إن سلم اعتباره فيه على ما ذكره بعض أهل اللغة فلا مانع من غيره ، والمراد بكونه لا يهتدي إليه آئه يختفي قاصداً أن لا يجده من طلبه ، ولا يهتدي على قصده فلا ينافي أنّ الآبق يوجد كثيراً كما توهم ، وقوله فقارع أي فرميت القرعة وبهذا اسندل من قال بمشروعيتها وضمير قارع ليونى عليه الصلاة والسلام ، وأهله للفلك والمراد باهله من فيه. قوله : ( وأصله المزلق ) بصيغة المفعول أي الواقع لزلقه فاستعير للمغلوب لسقوطه من مقام الظفر وقوله ههنا عبد آبق وكان عندهم أنّ السفينة إذا كان فيها آبق أو مذنب لم تسر وكان ذلك بدجلة ، وقوله من اللقمة أي مستعار منها لشبهه بها. قوله : ( ادخل في الملامة ) يعني إنّ بناء أفعل للدخول في الشيء نحو أحرم إذا دخل الحرم ، وقوله أو آت بما يلام عليه يعني أنّ الهمزة فيه للصيرورة نحو أغد البعير أي صار ذا غدّة فهو هنا لما أتى ما يستحق اللوم عليه صار ذا لوم ومفعوله محذوف وهو نفسه ، وقوله مليم نفسه يعني الهمزة فيه للتعدية ومفعوله محذوف وهو نفسه كقدم وأقدمته كما ذكره النحاة في معاني أفعل ، وقوله وقرئ بالفتح أي بفتح ميمه الأولى وكان قياسه ملوم لأ نه واويّ ولكن لما قلبت ياء في المجهول كليم جعل كالأصل فحمل الوصف عليه ، ومشوب بمعنى مخلوط ومشيب(7/284)
ج7ص285
محمول على شيب بالبناء للمفعول. قوله : ( الذاكرين الخ ) يعني إنه من سبح إذا قال سبحان الله والكثرة تستفاد من جعله من المسبحين دون أن يقال مسبحا كما مرّ أنّ قولك فلان من العلماء أبلغ من عالم لجعله عريقاً فهم منسوباً إليهم ومثله يستلزم الكثرة لا من التفعيل لأن معنى سبح لم يعتبر فيه ذلك فلا يقال إنه لا حاجة إلى ما وجهناه به ، وقوله مدة عمره أي
من غير اعتيار القيد الذي بعده ، وقوله من المصلين قال ابن عباس رضي الله عنهما كل ما في القرآن من التسبيح فهو بمعنى الصلاة ومرضه لأنه تجوّز من غير قرينة والأصل الحقيقة. قوله : ( حياً ) ولا ينافيه ما ورد من أنه لا يبقى عند النفخة الأولى ذو روح لأنه مبالغة في
طول المدّة مع أنه في حيز لو فلا يرد رأسا أو المراد بوقت البعث ما يشملها لأنه من مقدماته فكأنه منه ، أمّا على الثاني فلا يرد لأنه لا مانع من أن يبقى مع بنية الحوت ميتين من غير تسليط البلاء عليهما ، والحث على إكثاره لما ف!ه من النفع العظيم ، وتعظيمه بوصفه به دون النبوّة ونحوها ، وقوله أقبل عليه أي على اللّه وأضمر لعلمه من السياق ، والظاهر أنّ قوله ومن أقبل الخ عطفد على قوله وفيه حث الخ ، وهو مسوق لتأييد ما قبله مطلقاً ، وقيل إنه معطوف على حث أي فيه مضمون هذا وهو على التفسير الأوّل والثالث ، وفيه نظر ثم إنه قيل إنّ قوله لبث دل على حياته لأنه ظاهر تفسير أهل اللغة له بالإقامة ، وأما قوله لبثتم في الأرض عدد سنين فمجاز وأمّا دلالته على أنّ هلاك النفخة لا يعم حيوانات البحر فبقاء حوت منها إن سلم لا يدل على عموم ما ذكر. قوله : ( بأن حملنا الحوت على لفظه ) أي وميه من جوفه وإخراجه ولما كان النابذ له حقيقة الحوت ولكن ذلك بسبب ما أوجد الله فيه من الحامل عليه أشار بقوله حملنا الخ إلى أنّ إسناوو مجازي وما ووي لا ينافي قوله نادى في الظلمات كما توهم لأنه بمجرّد رفع رأسه لا يخرج بها كما لا يخفى ، وليس رفع رأسه ليمتنع دخول الماء جوفه حتى يقال السمك لا يحتاج لمثله بل لئلا تنحصر نفسه وتنخنق ، وقوله صار بدنه الخ يدل على ضعف القول الأوّل. قوله : ( مظلة عليه ) كالخيمة تصوير لمعنى ألاستعلاء وتوجيه لذكر على واشارة إلى أنه حال من شجرة قدمت لكون صاحبها نكرة ، وقوله شجرة من يقطين اشتهر أنّ الشجر ما له ساق لكن ما وقع في هذه الآية وفي حديث البخاري شجرة الثوم يدل على خلافه ، قال الكرماني العامّة تخصص الشجر بماله ساق وعند العرب كل شيء له أرومة تبقى فهو شجر وغيره نجم ، ويشهد له قول أفصح الفصحاء ا هـ ، ولك أن تقول أصل معناه ما له أرومة لكنه غلب+ في عرف أهل اللغة على ما له ساق وأغصان فاذا أطلق يتبادر منه المعنى الثاني وإذا قيد كما هنا ، وفي الحديث يرد على أصله وهو الظاهر فما قيل يحتمل أنّ الله أنبتها على ساق لتظله خرقا للعادة تمحل في محل لا مجال للرأي فيه. قوله : ( من شجر الخ ) هو معنى يقطين كما يدل عليه اشتقاقه ويفعيل من نادر الأوزأن ، والدباء بضم الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة والمد ويقال شبه بالهاء القرع وهو معروف وكون الذباب لا يقع عليه من خوأصه ، وكان لرقة جلده بمكثه في
بطن الحوت يؤذيه الذباب أذى شديداً فلطف الله به بهذا ، وقوله : " إنك لتحبّ القرع " الخ أما محبته للقرع فثابتة للبخاري ولكن هذا الحديث لم تخرجه الحفاظ واضافة الشجرة له للملابسة المذكورة ، وقوله يغطي الخ على الأخير لأنه ليس في الورق أكبر منه وكونه على الجميع كما قيل لا يخلو من مكلف وضمير عليه في لا يقع عليه للورق ، وقوله وقيل الخ مرضه لأنه لا يعرف تسميته بيقطين ، ونينوى بنون مكسورة بعدها ياء ساكنة ، ثم نون مضمومة ثم واو وألف اسم الموصول أو قربة بقربها وهي قرية يونس عليه الصلاة والسلام. قوله : ( والمراد به ما سبق من إرساله الخ ) في قوله لمن المرسلين وفي شرح الكشاف فهو عطف على قوله وانّ يونس الخ على سبيل البيان لدلالته على ابتداء الحال وانتهائه وعلى المقصود من الإرسال ، وهو الإيمان واعترض! بينهما بقصتة اعتناء بها لغرابتها وقدر واذكر إذ أبق وأورد عليه أنه يأبى عن حمله على الأوّل الفاء في قوله فآمنوا ، وأجيب بأنه تعقيب عرفي نحو تزوّج فولد له وأقرب منه أنها للتفصيل أو السببية ، وقوله أو إرسال ثان الخ أورد أنّ المرويّ أنهم بعد مفارقته لهم رأوا العذاب ، أو خافوه فآمنوا فقوله فآمنوا في النظم يأبى عن حمله عن إرسال ثان إلا أن يكون المقرون بحرف التعقيب إيمان مخصوص ، أو أنه بتأويل(7/285)
ج7ص286
أخلصو! الإيمان وجددوه لأنّ الأوّل كان إيمان يأس ، وقوله أو إلى غيرهم قيل هو متعلق بمقدّر لا معطوف على قوله إليهم لأنّ قوله ثان يأباه وفي إبانه نظر. قوله : ( في مرأى الناظرا لما كانت أو للشك ، وهو محال على علام الغيوب وجهه بأنه ناظر إلى الناظر منا والمقصود بيان كثرتهم ، أو أنّ الزيادة ليست كثيرة كثرة مفرطة كما يقال هم ألف وزيادة ، وجوّز أيضاً أن تكون أو للإبهام من غير اعتبار للناظر لنكتة أو بمعنى بل أو الواو كما قرئ به وأمّا كون المكلفين بالفعل مائة ألف والمراهقون الذين بصدد التكليف زيادة ، ولذا عبر فيه بالفعل فمع أنّ المناسب له الواو وتكلف ركيك وأقرب منه أنّ الزيادة بحسب الإرسال الثاني ، ويناسبه صيغة التحذد يزيدون أو تجريده
للمصدرية فإنه ضعيف. قوله : ( فصدّقوه أو فجددوا الإيمان به ) متعلق بالإيمان وقوله بمحضره متعلق بجددوا وهو بعدما آمنوا بغيبته بعدما رأوا أمارات العذاب كما قيل تبعا لبعض المفسرين ، ويرد عليه إذا نزل العذاب أو بدا نزوله لا يصح الإيمان لأنه إيمان يأس فإمّا أن يكون ما ذكر قبل معاينة العذاب فلا إشكال ، أو بعده فيجوز أن يقبل منهم لأنه علم صدقهم فيه ويقينهم لا قصد دفع العذاب وهؤلاء هم الذين أخبر الله عنهم أنهم لا ينفعهم الإيمان بعد المعاينة كما صرح به السمرقندي أو يكون هذا مخصوصا بهؤلاء لقوله تعالى : { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ } [ سورة يونس ، الآية : 98 ] الخ والتفسير الأوّل على الوجوه والثاني على تكرير الإرسال. قوله ة ( لم يختم قصته الخ ) أي بقوله { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ } الخ والكبر بضم ففتح جمع كبرى ، وتوله أو اكتفاء الخ قيل تخصيصهما بالاكتفاء محتاج المخصص فهذا الجواب لا يغني عما قبله فينبغي الاكتفاء بالأوّل ودفعه ظاهر لأنهما لتأخر ذكرهما قربا منه فكان الاستغناء به عن سلامهما ظاهراً وكيف يصح الاقتصار على الأوّل ، واليأس ليس من أولي العزم وأصحاب الشرائع الكبر. قوله : ( معطوف على مثله في أوّل السورة ) وهو قوله : { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا } [ سورة الصافات ، الآية : 11 ] الخ والفاء في المعطوف عليه جزائية في جواب شرط مقدّر وهذه عاطفة تعقيبية لأنه أمر بهما من غير تراخ لكنه أورد عليه أنه فيه فصل طويل إن لم يمتنع لا ينبغي ارتكابه ، وقد استقبح النحاة الفصل بجملة في نحو أكلت لحماً وأضرب زيدا وخبزا فما بالك بجمل بل سورة ، وأشار المصنف رحمه اللّه إلى جوابه تبعا للزمخشري بأنّ ما ذكره النحاة في عطف المفردات وأمّا الجمل فلاسنقلالها مغتفر فيها ذلك ، وهذا الكلام لما تعانقت معانيه وارتبطت مبانيه ، آخذاً بعضها يحجز بعض حتى كأنها كلمة واحدة لم يعد بعدها بعدا فقال لما يلائمه من القصص موصولاً يعضها ببعض الخ واتصالها بأوّل السورة كاتصال المعطوف لأنّ عظيم خلقه كما دل على الحشر دل على تنزهه عما لا يليق بجلاله كالولد والردّ على مثبتي الولد مناسب للرد على منكري البعث أتم مناسبة ، والسائل والمسؤول منه والأمر فيهما متحد :
وليس يضير البعد بين جسومنا إذا كان ما بين القلوب قريبا
وأمّا ما قيل إنّ ضمير استفتهم للرسل المذكورين ، وما عداه لقريش والمراد أحد إحبارهم
ممن يوثق به من أممهم أو كتبهم أي ما منهم أحد إلا نزهه تعالى عن أمثال هذا حتى يونس
عليه الصلاة والسلام في بطن حوت!ه فلا يليق بالنظم الكريم لما فيه من التعسف إذ كيف يستفتي من لم يره فلما شعر به هذا جعل استفتاءه سؤال علماء أمّته ، والنظر في صحفه فليت شعري بماذا يجيب لو قيل له ما دعاك لهذا المضيق حتى ارتكبت ما لا يليق ، وعدى الاستفتاء بعن وهو يتعدى بفي لما فيه من معنى التفتيش. قوله : ( جارا لما يلاتمه ) من ذكر الأنبياء وتكذيبهم؟ وما حل بهم من سوء العاقبة وشآمة الإنكار ليعتبروا بهم وتفصيل ملاءمة كل جملة لما بعدها مفصل في شرح الطيبي فإن أردت فانظره ، وقوله ثم أمر الخ عطف بثم والذي في النظم العطف بالفاء فلا وجه للعدول عنه كما وقع في الكشاف فكأنه لما كان بينهما فصل طويل ، وهو بصدد بيانه ناسب هنا ثم ، وقوله هؤلاء يعني به القائمين والتجسيم وما بعده بدل من ضلالات والتجسيم من التوالد لأنه من خواص الأجسام ، وقوله تجويز البنات وقع في نسخة الفناء بدله لأنّ التوالد لبقاء النوع ، وإنما يطلبه من(7/286)
ج7ص287
يجوز عليه.لحناء الشخص فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له بل تلك النسخة لا تناسب ما بعدها من قوله فإن الولادة الخ فإنه تعليل للزوم التجسيم والفناء ، وقوله وارفعهما لهم إذ اختاروا الذكمور ووأد البنات ، وقوله ولذلك أي لزيادتهم على الشرك بضلالات ، وقوله إنكاو ذلك الخ أي اتخاذ الملائكة بنات لا ما زادوا ولا ما ذكر من التجسيم والتفصيل والاستهانة كما قيل ، وقوله تكاد السموات الخ تقدم تفسيره في مريم والمجعول مما ينفطر له السموات منها الولد والمراد به الإناث وان أطلق فيتضمن الأمور الثلاث ولا يشكل عليه شيء وأيضاً القائلون هم هؤلاء اللازم لهم ما ذكر. قوله : ( والإنكار ههنا الخ ) أي في قوله فاستفتهم وقوله الأخيرين وفي نسخة الآخرين وهما جعل أوضع الجنسين له والاستهانة بالملائكة ، وقوله هذه الطائفة يعني مشركي العرب فإنهم الذين نسبوا البنات إمّا نسبة الولد فقد
شاركهم فيه اليهود والنصارى حين قالوا عزير ابن اللّه والمسيح ابن الله وفي مطلق الشرك شاركوا فيه سائر المشركين ، وكذا غيرهما من الضلالات كالتجسيم فقوله لاختصاص الخ أي لتميزهم وانفرادهم بذلك وقوله حيث جعل المعادل الخ متعلق بقوله مقصور ، والمعادل هو المفعول الأوّل لجعل والثاني سيأتي ، وقوله عن التقسيم يتعلق بالاستفهام وفي نسخة على بدل عن وهي أظهر أي جعل مبنيا عليه للاعتناء به إذ قيل أهو عن مشاهدة أو حجة وهو المفعول الثاني أو ما بعده لأنه قصد به لفظه سواء كان جعل معلوما أو مجهولاً وظاهر. أنّ أم متصلة ، وقد قيل الأولى أن تكون منقطعة بمعنى بل لأن الأولى لتعيين أحد الأمرين وقد قالوا بهما ، وفيه نظر وكلامه لا يخلو عن نوع من الخفاء ، وقد وقع فيه لأرباب الحواشي خبط يتلول شرحه فرأينا الإعراض عنه أولى ففيما ذكرناه كفاية لمن كان على بصيرة ووالله الموفق للسداد ، وسلوك طريق الرشاد. قوله : ( وإنما خص علم المشاهدة الخ ( لم يؤنث الضمير في قوله به مع أنه في الظاهر للمشاهدة لتأويلها بالنظر ولأنّ تأنيث المصادر غير معتبر ، وقوله من لوازم ذاتهم أي ليست الأنوثة لازمة للملكية لزوما بيناً أو غير بين ذهنيا أو خارجيا حتى تعلم ويحكم بها لأنها معلومة بالضرورة أو الاستدلال ولم يذكر نفي ما يدل عليها من طريق البرهان لئلا يكون من تلقي الركبان لا اكتفاء كما قيل. قوله : ) مع ما فيه ( أي في ذكر المشاهدة من الاستهزاء بهم كما إذا أخبر بعض السفلة عن فعل سلطان فقلت له أكنت عنده لما فعل ، وفرط الجهلى لقطعهم بما لم يروه قطع منهو بمرأى ومسمع منه والإشعار معطوف بالواو لا بأو حتى يعترض عليه بأنه لا منافاة بينهما مع أنه على تقدير صحتها لها وجه كما أشار إليه في الكشف ، وقوله تعالى ولد الله قراءة العامّة على لفظ الماضي مسند الله وقرئ بالإضافة كما ذكره المصنف رحمه الله ، وقو!ه لعدم ما يقتضيه الخ متعلق بقوله إفكهم لأنه مصدر وجعله متعلقا بيقولون بعد تعلق من إفكهم به تكلف حمله عليه صدارة اللام وتأخير المصنف رحمه الله له ، وقوله قيام ما ينفيه ذكره مع ما قبله مع أنّ الثاني مغن عنه مبالغة في تكذيبهم. قوله : ( فيما يتدينون ) أي يعتقدونه دينا مطلقا أو في هذا القول ، وقوله فعل بمعنى مفعول أي مولود يستوي فيه الواحد المذكر وغيره ، ولذا وقع هنا خبراً عن الملائكة المقدّر على هذه القراءة ، وقوله استفهام إنكار أي على القراءة المشهورة بهمزة مفتوحة هي حرف استفهام حذفت بعدها همزة الوصف ، وقوله كسر الهمزة أي همزة الوصل إذا ابتدئ بها في إحدى الروايتين عن نافع. قوله : ( على حذف حرف الاستفهام ( لدلالة أم وإن كانت منقطعة غير معادلة لها لكثرة استعمالها معها فتكون من كلام الله ، وقوله على الإثبات للاصطفاء لأنه خبر فيدل على إثبات مضمونه وابداله من ولد الله يحتمل أنه بدل جملة من مفرد كقوله :
إلى الله أشكو أن بالشام حاجة وأخرى ببصرى كيف يجتمعان
على ما ذكره النحاة ويحتمل أنه أبدل من جملة الملائكة ولد الله لكن اقتصر على جزئها المصرح به ليشمل القراءتين ، وفي الكشاف وهذه القراءة وإن كان هذا محملها فهي ضعيفة والذي أضعها إنّ الإنكار قد اكتنف هذه الجملة من جانبيها ، وذلك قوله : { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } فمن جعلها للإثبات فقد أوقعها دخيلة بين نسيبين وأيده من قال الجملة الاعتراضية المؤكدة أي أنهم لكاذبون تزيدها ضعفا لأنها مقررة(7/287)
ج7ص288
لنفي الولد عن أصله مؤكدة لذلك فإن وجهتها لهذه خرجت عن كونها مبينة للإفك ، وصارت كأنها مجوّزة للولادة المذكورة مطرقة لصدقهم لو تالوا بها يعني أنّ تكذيبهم في كونه اختار البنات يوهم أنه لا تكذيب لو نسبوا له اختيار البنين فلا يكون جملة إنهم الخ مقررة لنفي الولد المطلق ، وهو المقصود ومن لم يقف على مراده قال بعدما قال كيف تصير مجوّزة للولادة بعد قوله من إفكهم وتقديمه إذ يكون إنكار الولادة كالمفروغ عنه ولسان الحال يقول له :
سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب
لكن ما ذكر كله على طرف الثمام ، ولذا لم يلتفت له المصنف رحمه الله أمّا قول الزمخشريّ دخيلة بين نسيبين فعلى ما يقوله المصنف رحمه اللّه هي منكرة لإبدالها منه أو جعلها متعلقة الكذب ، وارتباطها من جهة الإعراب أتم ارتباط فهي نسيبة بين نسيبين وأمّا ما تخيله القائل فمبني على أنه أريد بالولد المعنى العام ، وليس كذلك بل المراد به البنات لأنه المقصود هنا لتصديره بقوله ألربك البنات لأنه محل القباحة والفضاحة التي نفيت ونفى الولد مطلقا مما لا شبهة فيه عقلاً ونقلاً فإنه لم يلد ولم يولد ولكن السياق هنا لغيره ولكل مقام مقال وماذا بعد الحق إلا الضلال. قوله : ( ما لكم الخ ) التفات لزيادة التوبيخ والأمر في قوله فأتوا للتعجيز والإضافة للتهكم. قوله : ( ذكرهم باسم جنسهم الخ ) هذا بناء على أن الجن والملك جنس واحد مخلوقون من عنصر واحد وهو النار كما ذهب إليه بعضهم لكن ما كان من كثيفها الدخاني فهو من الشياطين ، وهم شر ذو تمرد وما كان من صافي نورها فهو ملك ، وهو خير كله ويكونون سمواً بذلك لاستتارهم عن عيوننا فيكون تخصيص الجن بأحد نوعيه تخصيصاً طارئاً كتخصيص الدابة وعلى الأصل ما هنا إذ المراد الملائكة ، ونقل عن ابن عباس أيضاً أنّ نوعا من الملائكة يسمى الجن ومنهم إبليس ، وهذا وجه آخر يكون الاستثناء عليه متصلاَ ، وقوله وضعاً أي حطا لرتبتهم وتحقيراً لهم في هذا المقام لا في أنفسهم كما إذا سوّى أحد الملك ببعض خواصه فقال اتسوّى بيني وبين عبدي وإذا ذكر. في غير هذا المقام وقره وكناه.
فوله : ( وقيل قالوا الخ ) فيكون المراد بالنسب المصاهرة ، روي عن أبي بكر أنّ المشركين لما قالوا الملائكة بنات الله قال لهم فمن أمهاتهم قالوا سروات الجن وعلى هذا فالجنة على ظاهره ، وقوله إخوان هو كقول المانوية في يزدان وأهرمن. قوله : ( إن فسرت ) أي الجنة بغير الملائكة أمّا إذا فسرت بها كما مرّ فلا لأنهم لا يعذبون وهذا شامل لتفسيرها بالشياطين أو بالأعمّ منهم ، ومن الملائكة والمراد بالأنس المعهود دون وهم الكفرة أو الأعتم ووجه علمهم ظاهر لأنهم يعلمون أنّ كل عاص معذب ، وان كانوا أنفسهم وأنّ إسناد النسب إليه معصية. قوله : ( إن فسر الضمير ) في إنهم بما يعمّ المخلصين كتفسيره بالإنس مطلقاً وهذا قيد للاتصال ، قيل ولو قال إن فسر الضمير بما يعمّ كالمطيعين كان أولى لأنّ من الجن مخلصين أيضا واذا استثنى من واو يصفون فالظاهر الانقطاع لأنه ضمير الكفرة وعلى الاتصال وعمومه فيه تفكيك الضمائر. قوله : ( فإنكم الخ ) الفاء في جواب شرط مقدر أي إذا علمتم هذا ، واذا كان المخلصون ناجين وعليه متعلق بقانتين مقدم من تأخير كما سيأتي ، وقوله ضمير لهم أي للكفرة ، وقوله إلا من سبق إشارة إلى أنه استثناء مفرغ من مفعول قانتين المقدر أي أحداً وقد سبق الكلام على قوله في علمه فتذكره والمخاطب الكفرة والغائب الآلهة ، والضمير على هذا في عليه لله وهو استعارة من قولهم فتن امرأته أو غلامه عليه إذا أفسده وهو متعلق بفاتنين لتضمنه معنى الاستيلاء وفتن مثل كدر في استعماله بعلى في هدّا كما أفاده صاحب الكشف. قوله : ( ويجوز أن يكون وما تعبدون الخ ) ذكر فيه جار الله ثلاثة أوجه أن يكون ضمير عليه لله أي ما أنتم ومعبودكم بفاتنين إليه أحدا إلا أصحاب النار أي مفسدون عليه بالإغواء ، وهو الذي قدّمه المصنف أو الواو في وما تعبدون بمعنى مع إمّا سادّا مسدّ الخبر نحو إنّ كل رجل وضيعته أي إنكم مع آلهتكم ، وأنتم قرناؤهم لا تبرحون تعبدونها أو غير سادّ كقوله :
فإنك والكتاب إلي عليّ كدابغة وقد حلم الأديم
والضمير على الوجهين لما يعبدون ولا يرد عليه ضعف المعية إذا لم يتقدم فعل ، أو ما
في معناه لأنه إنما يشترط ذلك(7/288)
ج7ص289
إذا نصب على أنه مفعول معه أفا إذا كانت عاطفة والمعية من معنى الجمع فلا ، وهو المراد ويمنع منه أيضاً كون ما قبلها منصوب كما هنا فإنه يعين العطف وعلى الوجه الثاني الخبر محذوف ، وما تعبدون ساذ مسدّه وهو الذي ذكره المصنف هنا ،
وعلى الثالث الخبر ما أنتم الخ ولم يتعرّض له المصنف وكأنه رأى أنّ الحذف فيه حينئذ واجب كما هو المشهور لكن قال بعضهم إذا جاءت الواو بعد مبتدأ أو اسم إن وجب العطف كما ذكره ابن مالك وحذف الخبر في مثله غالب لا واجب ، ومن قال بوجوبه شرط أن يكون مدلولاً للواو كمقترنان واذا كان الضمير لما يعبدون فقبله مضاف مقدر أي على عبادته. قوله ة الما فيه من معنى المقارنة ) المستفادة من المعية المرادة من الجمعية كما مز وقوله ساذا مسدّ الخبر كقولهم كل رجل وضيعته أي مقرونان فحذف لدلالة الواو وما بعدها على المصحوبية ، وكان الحذف واجباً لقيام الواو مقام مع ، واستشكل بأنّ الخبر ليس مع حتى إذا قامت الواو مقامه يكون الحذف واجبا لقيام الواو مقام مع ، واستشكل بأنّ الخبر ليس مع حتى إذا قامت الواو مقامه يكون الحذف واجبا وإنما الخبر قولنا مقرونان المقدر بعد المتعاطفين وليس ثمة ما سد مسذه ولو قيل التقدير كل رجل مقرون وضيعته أي هو مقرون بضيعته وضيعته مقرونة به كما تقول زيد قائم وعمرو فحذف مقرون وأقيم المعطوف مقامه بقي البحث في حذف خبر المعطوف ، وجوبا من غير سادّ مسده قال الرضى ويجوز أن يقال إنّ المعطوف مقامه بقي البحث في حذف خبر المعطوف ، وجوبا من غير ساذ مسده قال الرضى ويجوز أن يقال إنّ المعطوف أجرى مجرى المعطوف عليه في وجوب حذف خبره وإلا ظهر أنّ الحذف غالب لا واجب فلا يرد عليه شيء وكلام المصنف مؤيد للإشكال إذ ليس فيه ما يدفعه كما قيل ، وقوله قرناء هو الخبر المحذوف وقوله لا تزالون تعبدونها بيان لمعنى المقارنة ، وقوله ما أنتم الخ إشارة إلى أنّ الضمير عليه راجع لما يتعلق بفاتنين لتضمته معنى باعثين بجعل المضمن أصلا والمضمن فيه قيدا وحالاً واليه أشار بقوله على طريق الغيبة. قوله : ( وقرئ صال بالضم الخ ( هي قراءة شاذة عن الحسن وخرجت على ثلاثة أوجه أن يكون تقديره صالون حذفت النون للإضافة ، ثم واو الجمع لالتقاء الساكنين واتبع الخط اللفظ فلم يرسم وضمير الجمع لمن باعتبار معناها كما أن هو باعتبار لفظها كما أشار إليه المصنف. قوله : ( أو تخفيف صائل على القلب ) المكانيّ بتقديم اللام على العين ، ثم حذفها تخفيفاً لضمة حركة إعراب ووزنه فاع فصار معربا كباب. قوله : ( كشاك ( إجراء إعرابه على الكاف في لغة ، وقوله في شائك من قولهم شاكي السلاج للمسلح على قول فيه لأهل اللغة قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب شاكي السلاج تامّ السلاح ، وقيل حاد السلاج شبه بالشوك ، ويقال شاك بكسر الكاف وضمها فمن كسر الكاف جعله منقوصا مثل قاض ، وفيه قولان قيل أصله شائك فقلب كها واشتقاقه من الشوك ، وقيل أصله شاكك من الشكة وهي السلاح ، وقيل حاد السلاج شبه بالشوك ، ويقال
شاك بكسر الكاف وضمها فمن كسر الكاف جعله منقوصاً مثل قاض! ، وفيه قولان قيل أصله شائك فقلب كهار واشتقاقه من الشوك ، وقيل أصله شاكك من الشكة وهي السلاج فاجتمع مثلان فأبدوا الثاني ياء للتخفيف وأعلوه إعلال قاض! ومن ضمه ففيه قولان أحدهما أن أصله شوك فانقلبت واوه ألفا ، وقيل هو محذوف من شائك كما قالوا جرف هار بضمّ الراء وفيه لغة ثالثة شاك بتشديد الكاف من الشكة لا غير انتهى ، ومن لم يقف على أن ما ذكره الشيخان مذهب اللغويين قال تبعاً لشرّاح الكشاف التشبيه في التخفيف بالحذف فقط لا في كون المحذوف لام الكلمة فإنه في شاك عينها لأن أصله شائك قدمت الكاف في مكان الهمزة. قوله : ( أو المحذوف منه ) على أنه اللام كالمنسيّ إذا جرى الإعراب على ما قبله كما في يد ودم ولم يجعله منسياً لأنه نادر ، وقوله ما باليت به بالة يقال بالاه وبالى به ومنه بلاء ومبالاة وبالة أي اعتد به قال في المجمل اشتبه عليّ اشتقاقه حتى سمعت قول ليلى الأخيلية :
تبالي رواياهم هبالة بعدما وردن وحول الماى بالجم يرتمي
فعرفت أنّ أصله المبادرة للاستقاء فأصل قولهم لا أبالي به لا أبادر إلى اقتنائه فأنبذه ولا
أعتدّ به وأصله بالية حذفت لامه نسيا منسيا فأجرى إعرابه على لامه فلما لحقته التاء انتقل إليها وكونه كعافية من عافى وهو نظير لوزنه ، ولكونه مصدرا على فاعلة كما ذكروه مثالاً له. قوله : ( حكاية اعتراف الملائكة الخ ) على أنه من كلام اللّه تعالى لكنه حكى بلفظهم وأصله وما منهم ، وقوله ويحتمل الخ على أن يكون من كلام الجنة بمعنى الملائكة متصلا بما قبله من فوله ، ولقد علمت الجنة أي علمت الجنة أنهم معذبون وقالوا سبحان الله ونزهوه عما نسبوه له دون المخلصين ، وقالوا إنكم لا تضلون إلا من هو مثلكم في الشقاوة ، ونحن معترفون بالعبودية فكيف(7/289)
ج7ص290
تعبدوننا وعبدة جمع عابد ككتبة وفسقة ، وقوله مقام معلوم في المعرفة أي مرتبة فهو مجاز ويحتمل بقاؤه على ظاهر. لأنّ محال عبادتهم متفاوتة كملائكة الأرض وكل سماء. قوله : ( ثم استثنوا المخلصين ) ويتعين حينئذ الاستثناء من واو يصفون ومن جوّز الاحتمال الآخر فيه فقد تعسف ، وقوله تبرئة لهم منه أي مما نسبوه له أو من العذاب إن جوّز الاحتمال الآخر فيه فقد تعسف ، وقوله تبرئة لهم منه أي مما نسبوه له أو من العذاب إن جوّز الوجه الآخر ، وقوله فيه كان الظاهر فيها أي العبودية ، وقوله للشقاوة المقدرة لا جبر فيه كما توهم
وهو ردّ على الزمخشريّ في قوله إلا من كان مثلكم ممن علم الله بكفرهم لا لتقدير. ولم يتبعه أوّلاً حيث قال قبيله إلا من سبق في علمه كما قيل لأنه لم ينو التقدير فيه ، وقد قال الطيبي رحمه اللّه إنه تفسير بالرأي حيث فرق بين علم الله وتقديره فالمقتضى لهذه الحوادث حكم الله بالسعادة والشقاوة وشماعده النظم فتدبر. قوله : ( فحذف الموصوف الخ ) تبع فيه الزمخشريّ في أنّ منا خبر مقدم والمبتدأ محذوف للاكتفاء بصفته وهي جملة له مقام معلوم لجريه على القاعدة من أنه لا يحذف المنعوت بظرف أو جملة إلا إذا كان بعض ما قبله من مجرور بمن أوفى وما عداه ضرورة أو شاذ في المشهور ، وقال أبو حيان ليس هذا من حذف الموصوف إقامة صفته مقامه لأن المحذوف مبتدأ فتقديره ما أحد منا وجملة له مقام الخ خبره إذ الفائدة لا تتم إلا به فلا ينعقد كلام من ما منا أحد فإن أريد أنّ إلا بمعنى غير وهي صفة لم يصح لأنه لا يجوز حذف موصوفها كما صرّحوا به ، وقد تقدم هذا في سورة النساء ، وأيضاً فهم منعوا التفريغ في الصفات وعلى هذا يكون واقعا فيها وما ذكره ظاهر الورود ، وما قيل في دفعه بأنه ينعقد منه كلام مفيد مناسب للمقام إذ معناه ما منا أحد متصف بشيء من الصفات إلا بصفة أن يكون له مقام الخ لا يتجاوزه والمقصود بالحصر المبالغة في إثبات الوصف المذكور حتى كأنّ غيره عدم ، أو هو صفة بل محذوف أي ما منا أحد إلا أحد له مقام الخ كما قاله ابن مالك : في دفع ما أورد على تفريغ الصفة من أنه لا يصح معنى إذ لا يخلو أحد من صفات متعددة ، ثم إنّ أبا حيان رحمه الله قدر أحد مؤخراً عن منا أيضا فلا يظهر لقوله منا موقع من الإعراب لا يدفعه ، ولا يلاقيه حتى يدفعه فإنه عني أنّ المقصود بالإفادة هذه الجملة وهو مما لا شبهة فيه وما هو المقصود بالإفادة يقع خبراً لأنه محط الفائدة فجعله تابعاً لموضوع القضية يقتضي أنه مفروغ عنه سيق هنا لإيضاح أو تخصيص ، وأن كان به تصير الجملة كلاما متضمناً لمعنى مفيد ، وما نقله عن ابن مالك ليس بشيء لأنّ حذف البدل والمبدل منه مما لا نظير له ، وأمّا استشكال الحصر فأظهر من أن يذكر لأن الحصر فيه إضافي في كل مقام يحمل على ما يليق به فهنا الحصر في صفة العبودية لا المعبودية ولا مانع من التفريغ في الصفات كما يستثنى من أعمّ الأحوال ، وقع في نسخة محرّفة له وإلا فهو صرّج بأن أحد مبتدأ أو مناصفته مع أنه يجوز أن يعتبره مقدما فيكون حالاً لأن صفة النكرة إذا تقدمت تصير حالاً بناء على رأى من يجوّزه من المبتدأ ، وما اعترض! عليه به هم معترفون به ، ولذا جعل الزمخشريّ ومن الناس من يقول آمنا حرف الجرّ فيه مبتدأ ميلاً مع المعنى كما مرّ فلا بد مما ارتكبه أبو حيان ليفيد الكلام مع كثرة التفريع في الأخبار فهو أسلم كما قال أو يقال القصد هنا ليس إفادة مضمون الخبر بل الرد عليهم ، ولذا جعل الظرف خبراً وقدم فالمعنى ليس منا أحد يتجاوز مقام العبودية لغيرها بخلافكم أنتم فقد صدر منكم ما أخرجكم عن رتبة الطاعة فتدبر. قوله : ( ولعل الأوّل الخ ) يعني كونهم صافين
أنفسهم ، أو أقدامهم لوقوفهم في خدمة رلث العزة كناية عن الانقياد والطاعة وتسبيحهم لله تعالى تنزيهه عما لا يليق به كناية عن المعرفة بما يليق بجلاله ، والاختصاص المذكور في الواقع لأنه لا يدوم عليه غيرهم لأنّ خواص البشر لا تخلو من الاشتغال بالمعاش مع ما فيه من التعريض الكفرة فلا خفاء في مناسبتة للمقام كما توهم ، وقوله والمعنى الخ فيه الاحتمالان السابقان كما ذكره بعضهم. قوله : ( كتاباً من الكتب التي نزلت عليهم ) أي من جنسها ومثلها في كونه من الله لا مثله لقوله فكفروا به ، أو نفسه لأنّ الكفر بالقرآن كفر بغيره من الكتب السماوية ، والمهيمن عليها أي الشاهد عليها المصدق لها كما ورد في الحديث وصفه بذلك وقوله وهو قوله الخ فيكون هذا تفسيراً أو بدلاً من كلمتنا ، ويجوز أن يكون مستأنفاً والوعد ما في محل آخر من(7/290)
ج7ص291
قوله لأغلبن أنا ورسلي. قوله : ( وهو باعتبار النالب ) جواب سؤال مقدر ، وهو أنه قد شوهد غلبة حزب الشيطان في بعض المشاهد ، وقيل المراد الغلبة بالحجة أو باعتبار العاقبة والمال وتركه لأنه خلاف الظاهر من السياق ، وهو تعميم بعد تخصيص وتأكيد على تأكيد. قوله : ( والمقضي بالذات ) لأنّ الحق والخير هو المراد لله بالذات وغيره مقضي بالتبع لحكمة ، وغرض اخر أو للاستحقاق بما صدر من العباد ، ولذا قيل بيده الخير ولم يذكر الشرّ وإن كان الكل منه كما مرّ وقوله وإنما سماه كلمة الخ فهو مجاز بإطلاق الجزء على الكل أو استعارة لجعله لشذة ارتباطه ككلمة واحدة وكونها مكنية تكلف ، وقد قالوا إنها حقيقة لغوية واختصاصها بالمفرد اصطلاح لأهل العربية فعليه لا يحتاج إلى التأويل. قوله : ( هو الموعد لنصرك ) عدل عما في الكشاف من قوله إلى مدّة يسيرة وهي مدة الكف عن القتال لما فيه من التسامح لأنّ مدّة الكف معنى لا غاية فالمراد إلى انتهاء مده الكف ، وقوله وقيل يوم الفتح قيل فهي منسوخة حينثذ ولذا مرضه ، وفيه نظر لأنه كان في مهادنة الحديبية فلا يلزم نسخة فتأمّل ، وقوله على ما ينالهم أي من البلاء كأنه يشاهدهم فيه لقربه ، وهو حال من مفعول أبصرهم. قوله : ( والمراد بالأمر ( أي
قوله أبصرهم لأنّ أمره بمشاهدة ذلك وهو لم يقع يدلّ على أنه لشدّة قربه كأنه حاضر قدامه ، وبين يدبه مشاهد له خصوصاً إذا قيل إنّ الأمر للحال أو للفور ، وقوله كائن بصيغة الفاعل خبر وقريب خبر بعد خبر وفي نسخة كان قرب بصيغة الفعل فيهما وهما بمعنى. قوله : ( ما قضينا لك ا لا ما حل بهم لأنه غير مناسب لما قبله ، وقوله والثواب في الآخرة قيل لو تركه كان أنسب لما قبله وهو إشارة لما سيذكره في تفسير قوله يبصرون الآتي ، وقوله وسوف للوعيد لا للتسويف والتبعيد الذي هو حقيقتها لأنها تستعمل في الوعيد للتأكيد لا للتأخير لأنه غير مناسب لمقامه كما يقول السيد لعبد. سوف أنتقم منك ، وقرب ما حل بهم مستلزم لقرب نصرته فهو قرينة على عدم إرادة التبعيد منه. قوله : ( نزل العذاب بفنائهم ) بكسر الفاء والمد تفسير للساحة لأنها العرصة الواسعة عند الدور ، وقوله شبهه بجيش في نسخة شبه بجيش على بناء المجهول أي شبه العذاب بجيش يهجم على قوم وهم في ديارهم بغتة فيحل بها ففي الضمير استعارة مكنية والنزول تخييلية ، ويجوز أن يكون استعارة تمثيلية كما هو الظاهر من الكشاف وقوله بغتة إشارة إلى أنّ إذا فجائية وقوله هجمهم عدا. بنفسه وهو متعد بعلى لتضمنه معنى فاجأهم ، وفي قوله فأناخ استعارة مكنية أو تمثيلية لتشبيه الجيش النازل بجمل برك في ساحة. قوله : ( وقيل الرسول ) أي ضمير نزل للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقوله وقرئ نزل أي مخففا مجهولاً وهو لازم فلذا جعله مسنداً للجار والمجرور ، والقراءة التي بعدها بالتشديد وهو متعد فلذا جعل نائب الفاعل ضمير العذاب واذا كان الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد نزوله يوم الفتح لا يوم بدر لأنه ليس بساحتهم إلى على تأويل ولا بخيبر لقوله ىتج!ه حين دخلها : " الله كبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ) ) 11 لأنّ تلاوته ثمة لاستشهاده بها ، والخطاب هنا مع المشركين. قوله : ( فبئس صباح المنذرين الخ ) يعني أنّ ساء هنا من أفعال الذمّ والمخصوص بالذمّ محذوف وهو قوله صباحهم ، واللام في المنذرين للجنس لا للعهد لاشتراطهم الشيوع فيما بعدها ليكون فيه التفسير بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال فلو كان ساء بمعنى قبح على أصله جاز العهد فيه من غير تقدير ، وقوله المبيت بصيغة اسم الفاعل المشدد من بيت العدوّ واذا سار ليلاً ليهجم عليهم وهم في غفلتهم في الصباج ، وقوله لوقت نزول العذاب متعلق بمستعار. قوله : ( ولما
كثر ) في نسخة كثرت وهو من غلط الناسخ ، والغارة إيقاع القتل والنهب بالعدوّ كالإغارة بى أصلها السير السريع وتسميتها صباحا مجاز تجوّز بالزمان عما يقع فيه كما يقال أيام العرب !لوقائعهم قيل ، وهذا استطراد لا أنه مراد في النظم إذ لا يصح كونه بيانا لاستعارته لوقت العذاب فإنه من ذكر المقيد وأرادة المطلق وهو وجه آخر ولو أراد أنه وجه آخر عطفه باو وقد يقال إنه إشارة إلى جواز الحمل عليه ، ويناسبه جعل بعضهم له في الغارة على خيبر فتدبر. قوله : ( تثيد إلى تثيد ) أي منضمّ إلى تأكيد آخر يحتمل أن يريد أنّ قوله وأبصر فسوف يبصرون تأكيد لأبصرهم فسوف يبصرون ، وقد(7/291)
ج7ص292
انضمّ إليه قوله وتول عنهم حتى حين المؤكد لمثله فيما قبل ، ويحتمل أنّ قوله فتول الخ تأكيد لقوله وتول الخ وقد انضمّ تأكيده له لتأكيده هو لقوله ولقد سبقت فإنه مؤكد لما تضمنه من الوعد ، ويؤيد الأوّل كون الإطلاق بعد التقييد مخصوصاً بقوله ، وأبصر فسوف يبصرون فالظاهر أنّ التأكيد فيه أيضا. قوله : ( وإطلاق بعد قييد للإشعار الخ ) متعلق بإطلاق والإطلاق في أبصر ويبصرون إذ لم يذكر له مفعول وقد ذكر في الأوّل في أبصرهم لفظاً وفي يبصرون تقديراً لأنّ اقترانه بالمقيد يقتضي تقييده ، ولكنه ترك للفاصلة وعموم هذا لا ينافي كونه تأكيداً لأنه يئكده بشموله لمعناه ، أو باعتبار أنّ المراد منهما واحد وما ذكر إنما هو نظر للظاهر المتبادر ، ومثله يكفي لإيهام تلك النكتة فما قيل إنه مقيد ايضاً لكنه اكتفى عن التصريح هنا بما مرّ غير متجه. قوله : ( ما لا يحيط به الذكر ) إشارة إلى أنه يقدر له مفعول عامّ ، وقد كان الأوّل خاصا ، وبهذا ظهر معنى آخر للإطلاق والتقييد في كلام المصنف ، وأصناف المسرّة الخ لف ونشر مرتب ليبصر ويبصرون. قوله : ( وإضافة الرب إلى لمعزة لاختصاصها به ) الذي في الكشاف لاختصاصه بها وهو الظاهر لأنّ الباء داخلة في المقصور ، والمضاف يتخصص بالمضاف إليه لا العكس كما ذكره إلا أن تجعل الباء داخلة على المقصور عليه فإنّ كلاً منهما جائز ولا حاجة إلى جعل اللام للاستغراق فإنّ اختصاص الجنس يلزم منها ختصاص جميع الأفراد كما قرّر في الفاتحة ، وما قاله المشركون الشريك والولد وعدم القدرة على البعث. قوله : ( إذ لا عزة إلا له أو لمن أعزه ) وعزه من أعزه له فالاختصاص على ظاهره ، وقوله أدرج فيه الخ إمّا السلبية فمن التنزيه عما لا يليق به ، وهو شامل لجميعها والمذكور وان كان تنزيها عما وصفوه به لكنه يعلم منه غيره بطريق الدلالة ، ويدخل في
الصفات السلبية عدم الثريك فيدل على التوحيد ، وإنما صرّح به اعتناء به لأنه أهمها فلا وجه لما قيل إنّ قوله مع الإشعار بالتوحيد غير سديد نهايته أنّ في تعبيره نوع مسامحة أو يقال لم يدخله فيها وأخذه من اختصاص العزة به لأنه لو كان له شريك شاركه في العزة بمفهوم الشركة ، وللزومها للألوهية ، والصفات الثبوتية من العزة فإنّ صفاته كلها صفات كمال وثبوت كل صفة كمال عزة والعزة تعريفها للاستغراق أو تدل عليه كما مرّ ، وقيل كونه ربا ومالكاً للعزة يكون بعد كونه حياً عالماً مريدا قادرا سميعا بصيراً ، والا لما تأتت الربوبية وكونه رباً للنبيّ صلى الله عليه وسلم المأمور بتبليغ كلامه المتحدّي به يقتضي كونه متكلما ، والتوحيد من إثبات العزة ولا يخفى ما فيه ، وقوله على ما أفاض عليهم أي على الرسل وجعل الحمد في مقابلة النعم بمقتضى المقام وذكره بعد شامل الأنعام. قوله : ( ولذلك أخره عن التسليم ) جواب عما يخطر بالخواطر من أنّ الله وحمده أجل من السلام على الرسل فكان ينبغي تقديمه على ما هو المنهج المعروف في الخطب والكتب ، بأنّ المراد بالحمد هنا الشكر على النعم والباعث عليه هو النعم ومن أجلها إرسال الرسل الذي هو وسيلة لخير الدارين والباعث على الشيء يتقدم عليه في الوجود لا في الرتبة فلذا قدم ذكره قيل وإيماء إلى أنّ ثناءه عليهم المتقدم بمحض فضله لاختصاص المحامد به. قوله : ( والمراد تعليم المؤمنين كيف يحمدونه الخ ) وكيف يسبحونه أيضاً ولا تعلق لهذا بما قبله والا لعاد السؤال عليه. قوله : ( وعن علئ كرّم الله وجهه الخ ( أخرجه ابن أبي حاتم وغيره وهو استعارة حسنة إمّا تبعية في يكتال بمعنى يجوز وتصريحية في المكيال إلا وفي أو هو ترشيح للاستعارة أو مكنية أو تخييلية بأن يشبه الأجر بما يكتال من الغذاء كالبر ، ويثبت له الكيل والمكيال تخييلاً ، وقوله من قرأ الصافات الخ حديث موضوع من حديث أبيّ بن كعب المشهور تمت السورة والحمد لله على التمام ، وأفضل صلاة وسلام على خاتم النبيين وآله الكرام.
سورة ص
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ) قال الداني في كتاب العدد ، وقيل مدنية وليس بصحيح وآياتها خمس وثمانون ، وقيل ست وقيل(7/292)
ج7ص293
ثمان ولم يقل أحداً أنّ ص ، وحدها آية كما قيل في غيرها من الحروف في أوائل السور ، وقد مرّ إعرابه في سورة البقرة. قوله : ( بالكسرا لأنه الأصل في التخلص من الساكنين كما قال بعض الظرفاء :
لأيّ معنى كسرت قلبي وما التقى فيه ساكنان
وقوله يعارض الصوت الأوّل أي يقابله بمثله في الأماكن الخالية والأجرام الصلبة العالية ،
وقوله عارض القرآن بعملك أي اعمل بأوامره ونواهيه. قوله : الأنه أمر ) استعيم لما ذكر أو استعمل في مطلق الموافقة ، وقوله لذلك أي لالتقاء الساكنين أيضاً فإنه يتخلص منه بالكسر لأنه أخو السكون ، وهو اكثر ولذا قدمه وبالفتح لخفته والحركة فيهما بنائية. قوله : ) أو لحذف حرف القسم الخ ) توجيه آخر للفتح على أنه معرب بأنه منصوب بفعل القسم بعد نزع الخافض لما فيه من معنى التعظيم المتعدى بنفسه ، أو مجرور بالفتح لمنع صرفه ، ولذا عبر بالحذف والإضمار لفرق شراح الكشاف بينهما بأنّ الحذف ترك ما لم يبق أثره والإضممار خلافه وهو اصطلاح للنحاة أغلبيّ فلا يرد قوله في الهداية يضمر حرف الفسم فينصب أو يجرّ كما قيل. قوله : ( لأنها علم السورة ) قد مرّ ما حققه الشريف في أوجل البقرة من أنه إذا اشتهر!سمى بإطلاق لفظ عليه يلاحظ المسمى في ضمن ذلك اللفظ ، وأنه بهذا الاعتبار يصح اعتبار التأنيث في الاسم فاندفع أنه ليس علما للفظ السورة ، بل لمعناها فلا تأنيث فيه ومر ماله وعليه ثمة فإن أردت تفصيله فانظره. قوله : ) وبالجرّ والتنوين على تأويل الكتاب ( ولا ينافيه كون الثلاثي الساكن الوسط يجوز صرفه بل هو الأرجح وإن لم يؤوّل كما صرّحوا به كما قيل لأنه يؤيده فإنه لا مانع من اجتماع سببين لشيء ، ويقتصر على أحدهما لاطراده في الساكن وغيره كما دفع به بعضهم هذا لا يراد وفيه أنه إذا جاز صرفه بلا تأويل يصير ذكر التأويل عبثا بل مصبّ الإبهام أنه إذا لم يؤوّل امتنع فالظاهر أنّ مراده بالتأويل التفسير أي إذا جعل اسماً للقرآن كان مصروفا
حتماً ، وهو أحد الاحتمالات في الحروف المقطعة كما مرّ. قوله : ( مذكورا للتحدّي ) هكذا هو في النسخ الصحيحة بدون أو ووقع في نسخة بها فقيل الأولى طرحها وجهت بأنّ المراد ذكرها للتحدي سواء كانت اسم حرف أولاً فتظهر المقابلة بينهما وفيه نظر ، وقيل المراد بكونه اسم حرف سواء كان للتحدي أو لا وقد مرّ إيضاحه في البقرة وقوله خبراً أي هذه صادا ولفظ الأمر بمعنى عارضه بعملك وعلى كونه اسم السورة فهو لم يظهر رفعه لنية الوقف ، وقد قرئ به كما روي عن الحسن وغيره في الشواذ وهذا لا يتمشى على ما ذكره المصنف من القرا آت فكان عليه ذكره وأمّا كون الساكن جعل علما للسورة ، ولم يغير فلا وجه له إلا أن يقصد الحكاية. قوله : ( وللعطف الخ ا لا للقسم لئلا يلزم توارد قسمين على مقسم عليه واحد وقد مرّ أنه ضعيف لكن إذا كان الأوّل قسماً منصوبا على الحذف ، والإيصال يكون العطف عليه باعتبار المعنى والأصل عكس قوله :
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا
فلا إشكال فيه حتى يلزم حينئذ أنها للقسم كما قيل. قوله : ( والجواب ا للقسم محذوف
لم يقل كما في الكشاف أنه كلام ظاهره متنافر غير منتظم لما فيه من ترك الأدب فإنّ الحذف في كلامهم كثير والقسم هنا دال على المقسم عليه ، وكذا ما قبله كما أشار إليه بقوله دل عليه ما في ص الخ سواء كان اسم حرف دال على التحدي أو اسم السورة فإنّ هذه سورة ص ، في معنى هذا المتحدي به المعجز ، ولذا جوّز في الكشاف أن يكون هو المقسم عليه وقدم كما تقول هذا حاتم والله أي هذا هو المعروف بالجود ، وتركه المصنف لخفائه بالحذف والتقدّم ، وجعل المقسم عليه لازم معناه. قوله : ( أو الأمر بالمعادلة ) أي مقابلة علمه بالقرآن بعمله بما فيه من قولهم هو عدله وعديله أي نظيره ، ومقابله وهو معطوف على الدلالة لا على ص ، وليست المعادلة تحريفاً وتصحيفاً من المصاداة لتفسيره به السابق كما توهم ، وهذا على كونه أمرا ، وقوله أي إنه لمعجز على كون القرينة ما في ص ، من المتحدي وقوله الواجب الخ على كونه أمراً من المصاداة ، وقوله إنّ محمدا الخ على كونه رمزا لصدق محمد صلى الله عليه وسلم ففيه لف ونشر طوى بعضه في الأوّل لقيام القرينة(7/293)
ج7ص294
وللإشارة إلى مرجوحيته ولو صرّح به كان أظفر ، وقيل إنه مشترك بينهما لدلالة الإعجاز وعمله به على صدقه وله هنا كلام تركناه لركاكته ، وقيل إنه معطوف على قوله محذوف لأنه معنى ص فالمقسم عليه مذكور مقدّم ولا يخفى بعده لأنه غير مذكور صريحا فلا يلائم ما قبله والذكر ضمنا متحقق في الجميع فالظاهر عطفه على قوله إنه لمعجز. قوله : ( أو قوله بل الخ ) معطوف على قوله محذوف ، وهو إشارة إلى ما نقله السمرقندي من قول
بعضهم جواب القسم قوله بل الذين كفروا الخ فإن بل لنفي ما قبله د!اثبات ما بعده فمعناه لي الذين كفروا إلا في عزة وشقاق ، وقيل الجواب أنّ ذلك لحق الخ وقيل كم أهلكنا الخ انتهى . وإمّا أن يريد هذا القائل إنّ بل زائدة في الجواب أو ربط بها الجواب لتجريدها لمعنى الإثبات ، وأمّا كون الجواب ما كفر من كفر لخلل وجده كما ذكره المصنف لكنه لما أقيم الإضراب مقامه صار كأنه غير محذوف فلا يخفى ما فيه من التكلف فإنه لا يخرجه عن الحذف حتى يكون ، مفابلا له ، وقيل إنه معطوف على قوله ما في ص الخ أي أو ما في قوله هذا من دلالة الإضراب على أنّ ما يضرب عنه صالح للجواب ، أو على قوله ص الخ وقول المصنف وعلى الأوّلين الخ ، وإن أباه لكن قوله أيضاً ربما ارتضاه فتأمّل. قوله : ( وجده فيه ) أي في القرآن ، وقوله استكبار عن الحق تفسير للعزة لأنه ليس المراد العزة الحقيقية بل ما يظهرونه منها ، وقوله وعلى الأوّل أي التقديرين الأوّلين إنه لمعجز أو لواجب العمل به الإضراب عن الجواب المقدّر وهو ما ذكره لكن ليس إضرابا عن صريحه بل عما يفهم منه ، وهو أنّ من كفر لم يكفر لخلل فيه بل تكبراً عن اتباع الحق وعنادا لأنه لا يحسن الإضراب عن ظاهره إلا أن يجعل انتقالياً ، وسكت عن الثالث لأنه في حكمهما أو المراد بالأوّلين كونه محذوفاً أو مرموزاً إليه ، ويشملهما وهو بناء على ما مرّ وقد عرفت ما فيه. قوله : ) أو الشرف والشهرة ) وفي نسخة أو الشهرة والأولى أصح لأن شهرته لشرفه كما يقال هو مذكور وانه لذكر لك ولقومك ، والمراد بالمواعيد الوعد " والوعيد ، وقوله للدلالة على شدتهما يعني أنه للتعظيم ، وقوله قرئ في غرّة أي بكسر الغين المعجمة مع راء مهملة قال ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف الإمام إنه قرأ بها رجل وقال إنها أنسب بالشقاق وهو القتال بجد واجتهاد وهذه القراءة افتراء على الله انتهى ، التعبير بفي فيهما للدلالة على استغراقهم فيهما ، وجملة ولات الخ حالية والعائد مقدّو وان لم يلزم مناصهم. قوله : ( هي المشبهة بليسى ) في الدمل فترفع الاسم وتنصب الخبر وهو أحد مذاهب فيها ذكرها النحاة كما في المغني وقيل إنها ليست بعينها وأصل ليس بكسر الياء فأبدلت ألفاً لتحركها بعد فتحة ، وأبدلت السين تاء كما في ست فإن أصله سدس ، وقيل إنه فعل ماض ولات بمعنى نقص وقل فاستعمل في النفي كقل ، وهل التاء مزيدة في آخرها أو في أوّل اسم الزمان الواقع بعدها ، وهل هي أصلية أو مبدلة أقوال أشهرها الأوّل. قوله : ( زيدت عليها تاء
التأنيث للتكيد. قوله : ( أي لتثيد معناها ، وهو النفي لأنّ زيادة البناء تدل على زبادة المعنى او لأنّ التاء تكون للمبالفة كما في علامة أو لتثيد شبهها بليس جعلها على ثلالة أحرف ساكنة الوسط وقال الوضى إنها لتأنيث الكلمة فتكون لتثيد التأنيث. قوله : ( وخصت بلزوم الأحيان ) للنحاة في معمولها قولان فقيل تختص بلفظة حين ، وقيل لا تختص به بل تعمل فيه وفيما رادفه والسماع شاهد له لدخولها على أوان وكلام المصنف محتمل لهما وقد اتفق أنها لا تعمل في غير اسم الزمان وأما قول المتنبي :
لقدتصبرت حتى لات مصطبر والآن أقحم حتى لات مقتحم
فللواحدفي في شرحه كلام غير مهذب والذي يخرج عليه أنه على قول من لا يخصها
بلفظ حين بل يعمم فيها فيقول تدخل على كل اسم زمان بجعل مصطبر ، ومقتحم اسمي زمان لا مصدواً بمعنى الاصطبار والاقتحام أو يقول هي داخلة على لفظ حين مقدّر بعدها فإنه قال في التسهيل إنه قد يحذف ونقله في القاموس وأمّ الخبر بعده ففيه كلام سيأتي فمن قال إنه يدل على عدم اختصاصها بالأحيان لم يصب ، وقوله وحذف الخ أي التزموا حذف أحدهما إمّا المرفوع أو المنصوب كما فصله النحاة ، والغالب حذف المرفوع وليس بمضمر لأنّ الحرف لا يضمر فيه. قوله : ( وقيل هي النافبة للجنس ) هذا أحد الأقوال في عملها ، وهي إنها تعمل عمل(7/294)
ج7ص295
أنّ فتنصب الاسم لفظاً أو محلاً وترفع الخبر مذكوراً أو مقدّراً ، وقد كان عملها على العكس في القول السابق كليس ، وقد قيل إنها لا عمل لها أصلا فإن وليها مرفوع فمبتدأ حذف خبره أو منصوب فبعدها فعل مقدر فقوله لهم خبرها على القول الأوّل هنا ، وقوله وقيل للفعل أي نافية لفعل مقدر ناصب لما بعدها على قراءة النصب وهو على القول الثاني ، وقوله وقرئ بالرفع أي لفظ حين وكونه اسم لا على عملها عمل ليس وكونه مبتدأ على أنها لا عمل لها ، وقوله حاصلاً الخ لف ونشر مرتب لهما. قوله : ( ويالكسر الخ ) أي قرئ بكسر نون حين ولم يقل بجرّها ليشمل القول بانه مبيّ ، وقوله طلبوا الخ البيت لأبي زيد الطائي النصراني واسمه المنذر ابن حرملة وهو ممن أدرك الإسلام ولم يسلم وهو من قصيدة أولها :
خبرتنا الركبان إن قد فخرتم وفخرتم بضربة المكاء
يخاطب بني شيبان وقد قتلوا منهم رجلاً على غرّة وقد رواه في الشواهد ليس حين بقاء
على أنّ الشاهد في لات الأولى يقول طلب الأعداء أن نصالحهم ، والحال أنه ليس وقت صلح
لأنه بعدما وقع من القتل والشقاق فلذا أجبناهم بأق الزمان ليس زمان بقاء بل زمان التعاني في القتال فالبقاء على ظاهره ، أو بمعنى الإبقاء. قوله : ( أمّا لأنّ لات تجر الأحيان ) أي حرف جرّ يختص بجرّ اسم الزمان كمذ ومنذ ، ثم اشتشهد على اختصاص بعض حروف الجرّ بمجرور مخصوص بأنّ لولا الامتناعية تجرّ الضمير المتصل دون غيره وهو قول سيبويه لأنّ حقها أن تدخل على ضمير منفصل كلولا أنتم فإذا دخلت على متصل كلولاه ولولاي كانت جارة وجرّها مختصبذلك كما تختص حتى والكاف بجرّ الظاهر وذهب الأخفش إلى أنه مبتدأ لكنه استعير لضمير الرفع المنفصل وأقيم مقامه ، ومنعه المبرد رأساً ولا وجه لاسنبعاد ذلك كاستبعاد أنه لا متعلق له فإنّ لكل منهما نظائر والعهدة فيه على قائله لا على ناقله. قوله : ( أو لأنّ أو أن شبه ، ذ ) هذا منقول عن المبرد في توجيه كسر أو أن في البيت ، وقد خطأه ابن جنى فيه وفي تنظيره بإذ لأنّ إذ كان مبنيا لكونه على حرفين وللزوم إضافته للجمل ، وأوان ليس كذلك لأنه يضاف للمفرد كقوله :
هذا أوان الشد فاشتدي زيم
فلذا حاول بعضهم تصحيحه بأنه شبه بدراك في زنته ، ثم نون عوضا عن المضاف إليه فتشبيهه بإذ صحيح فاندفع أنه إن بني لقطعه عن الإيضافة فحقه الضم كقبل وبعد والا فهو معرب فتدبر. قوله : ( ثم حمل عليه مناص الخ ( يعني حمل مناص على أوان لأنه لما أضيف إليه الظرف وهو حين نزل منزلته لأنّ المضاف ، والمضاف إليه كشيء واحد فقدرت ظرفيته ، وهو كان مضافا إذ أصله مناصهم فقطع وصار كأنه ظرف مبني مقطوع عن الإضافة منوّن لقطعه ، ثم بني حين على الكسر لإضافته إلى ما هو مبني فرضا وتقديراً وهو مناص المشابه لأوان وهذا تطويل للمسافة ، فالأولى كما في المغني أن يقال في التنزيل المذكور اقتضى بناء الحين ابتداء فإنّ مناص معرب وان كان قد قطع عن الإضافة بالحقيقة لكنه ليس بزمان فهو ككل وبعض وليس !ا من تعيين الطريق فإن ترك الأقرب الأسهل لخلافه لا يليق ، وما ذهب إليه من أنها حرف جرّ وأنه حذف منه حرف جرّ وهو من الاستغراقية كقوله :
ألا رجل جزاه الله خيراً
في رواية الجرّ أهون من هذه التكلفات فإنّ ما ذكر من الحمل لم يؤثر في المحمول نفسه فكيف يؤثر فيما يضاف إليه. قوله : ( ولات بالكسر ) أي قرئ بكسر التاء فيه فبني عدى الكسر
كجير والإمام اسم لمصحف عثمان رضي الله عنه لأنه متبع ، وقوله إذ مثله لم يعهد فيه يعني إنه لم يقع في الإمام في محل آخر مرسوما على خلافه ، حتى يقال ما هنا مخالف للقياس الرسمي لاحتمال موافقته له بأن يكون تحين كلمة برأسها كما ذهب إليه أبو عبيدة فلم يحمل على مخالفة القياس مع إمكان الموافقة ، والخط القديم لا يعرف كيف رسم فيه وخط بعضهم على أنه متصل بلا فلا عبرة به ، والوقف على لات غير مسلم ، وقد قال السخاوي في شرح الرائية أنا أستحب الوقف علي لأبعد ما شاهدته في مصحف عثمان ، وقد سمعناهم يقولون اذهب فلان وتحين بدون لا وهو كثير في النظم والنثر. قوله : ( وتقف الكوفية عليها بالهاء ) قال أبو عليّ في الأعمال ينبغي أن يكون الوقف بالتاء بلا خلاف لأنّ قلب اللام هاء مخصوص بالأسماء. قوله : ( والأصل اعتباره الخ ) قيل لات ساعة مندم ونحوه يدل(7/295)
ج7ص296
على خلافه فيخصه والبيت ظاهر فيما ذكره وكون أصله العاطفونه بهاء السكت فلما أثبتت في الدرج قلبت تاء اعتذار أقبح من الذنب ، نعم هو أمر نادر شاذ لا ينبغي حمل كلام اللّه عليه وحذف كلمة لات مع بقاء حرف منها جائز أيضاً. قوله : ( بشر مثلهم أو أمئ من عدادهم ) في الكشاف رسول من أنفسهم ، والمراد بكونه من أنفسهم إمّا من جنسهم فيكون بمعنى كونه بشراً أو من نوعهم وهم معروفون بالأمية فيكون كالمعنى الثاني ، ولكونه مجملا فصله المصنف فلا مخالفة بينهما كما توهم ومجرّد كونه من أنفسهم لا يقتضي التعجب والاستبعاد بل هو باعث بخلافه لعلمهم بصدقه صلى الله عليه وسلم ، وأمانته لكونه نشأ بين أظهرهم. قوله : ( وضع فيه الظاهر الخ ) كان الظاهر أن يقال ، وقالوا فأظهر لما ذكر فإن الذم يقتضي كراهتهم والغضب عليهم ، والإشعار لأنّ تعليق الأمر بمشتق يقتضي عليه مأخذ الاشتقاق ، وحسرهم بمعنى جرأهم عليه وقوله فيما يظهره الخ خصه لأنّ في كل منهما خرق العادة وان كان الفرق بينهما ظاهرا. قوله : ( بأن جعل الألوهية الخ ا لأنه لم يقصد هنا إلى جعل أمور متعددة أمراً واحدا سواء كان محالاً في نفسه أو بل جعل ما لآلهتهم من الألوهية ، والعبادة للواحد الأحد والجعل هنا التصيير ، وليس تصييراً في الخارج
بل المراد في القول والتسمية ، كما في قوله تعالى : { وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا } [ سورة الزخرف ، الآية : 19 ] وقوله بليغ لأن صيغة فعال للمبالغة. قوله : ( من أنّ الواحد لا يفي علمه وقدرته الخ ) قيل عليه إنهم لم يدعوا لآلهتهم علما ولا قدرة وأثبتوهما لله { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ سورة لقمان ، الآية : 45 ] فلو تركه كما في الكشاف كان أحسن والقول بأنهم لو لم يثبتوا لها ذلك ما عبدوها ولا بدع في إسناد المعجز له مع إنكار البعث ونحوه من الرجم بالغيب الذي لا يفيد ، وقوله وهو أبلغ لزيادة البنية وهو ظاهر ، وقوله وروي رواه أحمد في مسنده وقوله هؤلاء السفهاء أرادوا من أسلم ، وقوله يسألونك السؤال كذا وقع في الكشاف والظاهر أنه تحريف وأنه السواء أي العدل كما وقع في غير. من التفاسير وقد يقال المراد أنهم يسألونك أن تسأل منهم ما تريد فتأمّل وارفض بمعنى اترك ، وقوله أمعطيّ بتشديد الياء جمع معط مضاف للياء ، وقوله تدين أي تنقاد وتطيع وقولهم وعشرا عطف تلقين أي واحدة وعشراً معها ، وقوله قالوا ذلك أي أنّ هذا الشيء عجاب الخ. قوله : ( أشراف قريش ( تفسير للملأ لأنه يخص ذوي الشرف الذي يملؤن العيون بهاء ، والاك! حباء ، وبكتهم أي استقبلهم بما يكرهون ، وقوله قائلين بعضهم الخ بيان لحاصل المعنى على أنّ إن مفسرة كما سيصرّح به لا أن هنا قولاً مقدرا وهو حال لأن المفسرة لا تقع بعد صريح القول بل بعدما تضمن معناه دون لفظه ، وفيه نظر ، وقوله على عبادتها إشارة إلى تقدير مضاف فيه ، وقوله فلا تنفعكم مكالمته أي مكالمة محمد صلى الله عليه وسلم تعليل لما قبله من الأمر بالذهاب والصبر. قوله : ( يشعر بالقول ) أي يستلزمه عادة إذ المنطلقون من مجلس! غالباً يتفاوضون بما جرى فيه لتضمن المفسر لمعنى القول أعمّ من كونه بطريق الدلالة وغيرها كالمقارنة ومثله كاف فيه ، وأما إذا أريد بالانطلاق المعنى الآخر فتضمنه للانطلاق بطريق الدلالة ظاهر وإطلاق
الانطلاق على التكلم الظاهر أنه مجاز مشهور نزل منزلة الحقيقة ويحتمل التجوّز في الإسناد وأصله انطلقت ألسنتهم والمعنى شرعوا في الكلام بهذا القول ووجه تمريضه أنه خلاف الظاهر. قوله : ( من مشت المرأة الخ ) الظاهر أنه لا يختص بالتفسير الثاني للانطلاق بل هو متأت عليهما ، وان كان السياق يخالفه كما أنه على هذا يجوز تفسير إمشوا بانتشروا ، وقوله ومته الماشية أي سميت بذلك لأنها من شأنها كثرة الولادة أو تفاؤلاً بذلك ، وأما كونها سميت به لكثرة مشيها لتردّدها في رعيها فوجه آخر كاحتمال أنه يقال للمرأة مشت تشبيهاً لها بالبهائم في كثرة الولادة لأنه يكثر في الرعاع كما قيل :
بغاث الطيرأكثرهافراخا وأمّ الصقر مقلاة نزور
وأما القول بأنه دعاء بكثرة الماشية فقد قيل إنه خطأ لأنّ فعله مزيد يقال أمشي إذا كثرت ماشيتة فكان يلزم قطع همزته ، والقراءة بخلاف ولو طرحت حركتها على النون كما قاله الرماني وقوله اجتمعوا إشارة إلى أنه تجوّز به عن لازم معناه ، وهو أكثر واو اجتمعوا لأنّ المعنى الأصل غير مناسب هنا. قوله : ) وقرئ بغير أن ) فهو(7/296)
ج7ص297
بإضمار القول أي قائلين وهو أحسن من إضمار أن لأنه لا وجه لتقديره بل هذه دالة على زيادتها في الأخرى وفي قراءة يمشون الجملة حالية أو مستأنفة ، والكلام في أن اصبروا كما في أن امشوا سواء تعلق بانطلق أو بما يليه. قوله : ( 1 نّ هذا الأمر لشيء من ريب الزمان يراد بنا ) ذكر الزمخشري في تفسيره وجوهاً أوّلها أن هذا الأمر لشيء يريده اللّه ويحكم بإمضائه وما أراد اللّه كونه فلا مردّ له ولا ينفع فيه إلا الصبر ، ولم يذكره المصنف مع جعل الزمخشري له أوجه الوجوه فقيل لما فيه من التناقض أو شبهه فإنّ كون أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم مراد الله ينافي كونه كذبا مختلفاً كما سيأتي فلذا لم يذكره ، وقيل إنه غير وارد لأنّ كونه كذبا لا ينافي كونه مراد الله إذ يقال قد أراد الله أن يكذب ، وهذا يصح لو أورده المصنف وأورد عليه ما أورد أما العلامة فلا لأنه لا يقول إنه يريد الكذب فلذا دفع الإشكال بما ذكره من أنّ قولهم أن هذا إلا اختلاق مخالف لاعتقادهم فيه دمانما هو ممن غلا به مرجل الحسد فلا منافاة ومن غفل عنه قال إنه لا يدفع شبه التناقض فلو سلم لانحسم الإشكال إذ قيل إنهم كانوا شاكين وهذا الجعل ينافيه ، وقوله من ريب الزمان بناء على إسنادهم الحوادث والوقائع إلى الدهر ، ولذا ورد " لا تسبوا الدهر " ( كما مرّ. قوله : ) أو أنّ هذا الذي يدعيه الخ ( قوله يتمنى أي النبيّ صلى الله عليه وسلم يتمنى التوحيد ولكنه لا يكون كل ما يتمنى فاصبروا راجع إلى الوجه
الأوّل ، وقوله أو يريده كل أحد راجع إلى الثاني على اللف والنشر المرتب. قوله : ( أو أنّ دينكم يطلب ليؤخذ منكم ) فالمشار له بهذا هو دينهم وفي الوجه السابق كان المشار إليه ما وقع من أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والمراد بأخذه منهم انتزاعه وطرحه ولو قدر مضاف وهو إبطال لكان أقرب أي يراد إبطاله وتعليل هذه الجملة لما قبلها ظاهر ، وكون المراد أنّ دينهم مما يراد ويرغب فيه له وجه لكن لا يتوقف صحة التعليل ولا ظهوره عليه كما توهم. قوله : ( أو في ملة عيسى عليه ا!لاة والسلام الخ ) هذا معنى قول الزمخشريّ لأنّ النصارى يدعونها وهم مثلثة غير موحدة ، وفي الكشف إن قيل لا حاجة إلى التعليل فإنها كانت الآخرة قبل ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم وكانت قريش لا تسلم نبوّته فهي الملة الآخرة عند قريش أجيب بأنّ الإطلاق يقتضي أن يكون آخرا في نفس الأمر فلهذا احتاج إلى التعليل المذكور اهـ ، يعني أنّ نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فملته آخر الملل فكيف تطلق الآخرة على ملة عيسى عليه الصلاة والسلام ، فأجاب بأنهم لما لم يسلموا نبوّة نبينا صلى الله عليه وسلم كانت آخرة بزعمهم فصح الإطلاق ، وان لم تكن آخرة في نفس الأمر ولا عند النصارى فإنّ عيسى عليه الصلاة والسلام آمن بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم فلا بلأع في التوصيف بشيء بحسب الاعتقاد أو الظن فما قيل إنه لا يدفع الإشكال غير صحيح ، ثم إنّ فيه إشارة إلى أن المقصود من قولهم ما سمعنا بهذا إنا سمعنا خلافه وهو عدم التوحيد فهو كما زعمت النصارى إذ ملل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متفقة على التوحيد ، ولذا عبر بالملة دون الشرع والدين فإنها تطلق على الكفر كما في الحديث " الكفر كله ملة واحدة " ففيه توجيه آخر لادّعاء أنّ عدم التوحيد ملة عيسى عليه الصلاة والسلام ، وهو لا ينافي الأوّل كما توهم وترك المدقق له لظهوره ولأنّ الأوّل هو المقصود كما سنبينه. قوله : ( ويجورّ أن يكون ( أي قوله في الملة الآخرة حالاً من اسم الإشارة وقد كان متعلقاً بسمعنا والإشارة إلى ما دعاهم إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهذا توجيه آخر لكونها آخرة منه يعلم أنّ ما قبله المقصود منه توجيهها أيضا فالمعترض غافل عما سيق له الكلام فليس المراد ملة قريش ولا ملة عيسى صلى الله عليه وسلم كما مرّ فيكون المراد ملة نبي مبعوث في آخر الزمان من غير تعيين كما كانت الكهان ، واً هل الكتاب تبشر به ولكونها غير معينة كان المناسب تنكير ملة ولسبق التبشير بها كان لها نوع من العهدية فيجوز تعريفها ، فما قيل إنّ التعريف فيه نبوة عن هذا نظراً إلى الأوّل لكنه غير متعين وهذا من كذبهم فإنه فيما يشير به إنه يكسر الأصنام ويدعو إلى التوحيد ، ولدّا دلسوا وقالوا : ما سمعنا ظاهر فأفهم. قوله :
( كذب اختلقه ) أي افتراه من غير سبق مثل له ، وقوله إنكار لاختصاصه بالوحي الباء داخلة على المقصود والاختصاص مستفاد من قوله من بينناً فهو من صريحه لا من تقديم عليه دهان صح ، وكونه مثلهم أو دونهم من إنكار(7/297)
ج7ص298
اختصاصه به مع المساواة أو المرجوحية بزعمهم الباطل في سبة الشرف الدنيوي لغيره. قوله : ( الحسد ) ناظر إلى كونه مثلهم ، وقصور النظر إلى كونه دونهم ، والحطام- نا يكسر من الحطب أطلق على متاع الدنيا تحقيرا له وايماء إلى أنه مقدمة لإحراقهم. قوله : ( من القرآن ) يعني أنّ الذكر المراد به القرآن والضمير لله أو الوحي الذي ذكر منقولاً عن الله ، وقوله لميلهم الخ تعليل لشكهم فيما ذكر ، ولذا جعلوه تارة سحرا وتاوة شعراً واختلاقا فلشكهم الناشئ عن عصبية الجاهلية لم يقطعوا فيه بشيء ، وقوله ما يبتون به من البت وهو القطع فما نافية هذا هو الصحيح ، وفي نسخة يبيتون من الإباتة وفي نسخة بينون من البناء وما موصولة وهو من تحريف النساخ قبل للإضراب عن جميع ما قبله ، فإن قيل الشك في الذكر لا ينافي كون دعوى التوحيد مختلقا ، وكذا قولهم ساحر كذاب قيل بل ينافيه لأنّ الذكر مشحون بالتوحيد فيلزم الشك فيه أيضاً والذكر مصدق له فإما كان سحرا وكذبا لزم عدم تصديقه فيما جاء به فتأمّل. قوله : ( بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم ) يعني أنّ لما هنا نافية جازمة كلم وان فرق بينهما بوجوه كما في المغني ، وقوله فإذا ذاقوه إشارة إلى ما في لما من توقع وقوع المنفي بها! ، وقوله زال شكهم إشارة إلى إضراب عن الإضراب الذي قبله ، وقيل إنه إضراب عن مجعوع الكلامين والمعنى أنّ شهم وحدهم لا يزولان إلا بذوقهم العذاب كما في الكشاف. قوله : ( بل أعندهم ) إشارة إلى أنّ أم منقطعة فإنها تقدر ببل والهمزة ، وقوله في تصرفهم تفسير لقوله عندهم بأن المراد بالعندية الملك والتصرف لا مجرّد الحضور لأنه لا يتم به المرإد وتقديمه لأنه محل الإنكار فهو كالمسؤول عنه لازم التقديم ولا حاجة إلى جعله للتخصيص حتى يؤوّل بأنه لئخصيص الإنكار لا لإنكار التخصيص المفهوم منه أنّ كونها عندهم وعند غيرهم غير منكر كما قيل ، وكذا ما قيل من أنهم لجسارتهم على مثل هذا القول نزلوا منزلة من يدّعي الاختصاص بخزائن الرحمة دونه تعالى فردّ عليهم بأنّ الأمر بالعكس إذ ليس
في يدهم شيء منها فانه لا يدفع الإيهام المذكور مع أنه لو سلم فمنطوق عند دال عليه فتأمّل والصناديد رؤساؤهم وكبارهم جمع صنديد ، وجمع خزائن إشارة إلى ما في النبوّة من كثرة الخيرات. قوله : ( عطية من الله ا لا تتوقف على شيء آخر كما هو مذهب الحكماء وقد مز في الأنعام ما يخالفه وتوجيهه فتذكره ، وقوله فإنه العزيز الخ تعليل لقوله لا مانع له ، والوهاب تعليل لتفضله على من يشاء فهو لف ونشر غير مرتب والتوصيف بهما للإشارة إلى بطلان ماهم عليه من العزة وكون الخزائن عندهم. قوله : ( ثم رشح ذلك ) أصل معنى الترشيح التربية والتأهل كما يقال ترشح للوزارة ومنه ترشيح الأستعارة ، والمراد به هنا التقوية والتأكيد لا المعنى المصطلح فإن كون ملك السموات والأرض وما بينهما لهم يقتضي أنّ خزائن الرحمة عندهم يقسمونها على من أرادوا ولم يصرح بأنه تأكيد له لتغاير مدلوليهما. قوله : ) كأنه لما أنكر عليهم التصرف الخ ) بيان للترشيح ، وفي الكشاف ثم رشح هذا المعنى فقال أم لهم الخ حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختص بها رب العزة والكبرياء ا! ، وليس فيما ذكره المصنف ردّ عليه كما توهم واذا تأمّلت عرفت أنّ ما في الكشاف أولى مما ذكره المصنف فتدبر ، وقوله إن كن لهم ذلك قيل الإشارة للتصرف في خزائنه وما فسره بعضهم وهو إن كان لهم ملك السموات أنسب. قوله : ( حتى يستووا الخ ) تبع في هذا الزمخشري وليس في هذا نسبة الاستواء إليه عز وجل فلا يرد عليه ما في الانتصاف الاستواء المنسوب إليه تعالى ليس مما يتوصل إليه بالصعود في المعارج وليس استواء استقرار كما فسر في محله فهذه العبارة ليست بجيدة وهو غير وارد فتأمّل ، وقوله الوصفة بضم الواو ما يتوصل به كالحبل ونحوه وقوله لأنها الخ أي جعلها الله أسباباً لذلك لا أنها مؤثرة حتى يكون فلسفة. قوله : ( أي هم جندمّ من الكفار الخ ) في الكشاف ما هم إلا جيش من الكفار المتحزبين على رسل اللّه الخ والحصر المذكور قيل إنه من تقدير جند خبرا مقدما لمبتدأ مؤخر لاقتضاء المقام الحصر والمصنف عدل عنه وجعله خبر مبتدأ مقدم ولم يتعرّض للحصر وأورد عليه أنّ التقديم مطلقاً يفيد الحصر عند الزمخشري بدون تقديم ما حقه التأخير كما صرح به في قوله كلمة هو قائلها ونظائره ولا إشكال
- ا.ه؟ 511- ا. / - " / - "
فيما ذكره الزمخشري بتقديم ولا تأخير ، فإن قيل إنه لا طريق له سواه فليس بمسلم لأنه قد يستفاد من السياق كما سيأتي(7/298)
ج7ص299
فإن قلت مقتضى ما في الكشاف حصرهم في الجندية بأن لا يتجاوزوها إلى القدرة على الأمور الربانية ، وتقديم الخبر يفيده وما ذكره المعترض يفيد حصر الجندية فيهم ، وهو غير مناسب للمقام فهو ناشئ من عدم الفرق بين القصرين والذي ذكر في الفاعل المعنوي كما بين في كتب المعاني ، قلت هو كما ذكرت ولما وقع للزمخشري في قوله تعالى : { وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } [ سورة الأحزأب ، الآية : 4 ] تفسيره بلا يقول إلا الحق ولا يهدي إلا سبيل الحق قال الشارح الطيبي طيب اللّه ثراه أما دلالة يهدي السبيل على الحصر فظاهرة لأنه على م!وال أنا عم قت وأما والله يقول الحق فلأنه مثل الله يبسط الرزق وهو عنده يفيد الحصر قال في عروس الأفواح هذا عجيب منه فإنّ أنا عرفت والله يبسط فيه حصر الفاعل أي لا يقول الحق إلا الله ، والزمخشري لم يتعرّض! له بالكلية فإنه وجد المعنى على الحصر في الحق فصرح به فقال لا يقول إلا الحق ولا يهدي إلا السبيل فلم يقف الطيبي على مراده مع وضوحه ، وذهب في الكشف إلى أنّ الحصر مستفاد من التفخيم المدلول عليه بالتنكير وزيادة ما الدالة على الشيوع وغاية التعظيم لدلالتها على اختصاص الوصف بالجندية من بين سائر الصفات كأنهم لا وصف لهم سواه فقيل عليه لا نسلم أنّ تعظيم وصف الجندية يقتضي أن لا وصف لهم سواه ، قلت : ما ذكره المدقق بعينه كلام السيرافي في شرح الكتاب قال : ما مزيدة في قولهم بجهدمّ يبلغن تشبيها لدخولها في هذه الأشياء بدخولها في الجزاء لما كان لا يبلغ إلا بجهد صار كأنه غير واجب ، وهو يقال لمن لا ينال المراد إلا بمشفة وهذا من المفهوم لأنه إذا نال أمرا بجهد عظيم لم يصل له بدونه ، وقيل إفادته الحصر أنه كان حق الجند أن يعرف لكونه معلوما فنكر سوقا للمعلوم مساق المجهول كأنه لا يعرف منهم إلا هذا القدر وهو أنهم جند بهذه الصفة ، كما في قوله : { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ } [ سورة سبا ، الآية : 7 ] إذا الخ كأنهم لا يعرفون من حاله إلا أنه رجل يقول كذا. قوله : ( مهزوم مكسور عما قردب ) في شرح المحقق للكشاف إن قرب الانهزام مفهوم من تعبيره عما لم يقع باسم المفعول المؤذن بالوقوع فكأنه محقق لشدة قربه ، ويؤيده اسم الإشارة وهو هنا أيضا ومكسور بمعنى مهزوم مجاز مشهور ولم يستعمل قديما وعما ما فيه زائدة وعن بمعنى بعد أي بعد زمن قريب والمتحزبين الصائرون أحزابا. قوله : ) وما مزيدة للتقليل كقولك كلت شيئاً مّا الخ ) عدم ملاءمتة لما بعده من كونهم مهزومين مما يترإءى في بادئ النظر دون دقيقه لأنّ السياق مناسب له إذ كون الخزائن عندهم والارتقاء إلى أعلى المقامات لما كان استهزاء بهم ناسب وصفهم بانعظمة أيضاً اسنهزاء فهي بحسب اللفظ عظمة ، وكثرة وفي نفس الأمر أقل قلة وكذا توله هنالك محلى تفسيرهم فيأخذ الكلام بعضه بحجز بعض ، والمعروف في كلامهم كونها للتعظيم
نحو لأمر ما جدع قصير أنفه لأمر مّا يسود من يسود مع أنه تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم وتبشير بانهزامهم والتبشير بخذلان عدوّ حقير ربما أشعر بإهانة وتحقير :
ألم تر أنّ السيف ينقص قدره إذا قيل أنّ السيف أمضى من العصى
وكون ما حرفا زائداً أحد قولين ، وقيل هي اسم وأما كونها نافية فمما لم يقله أحد من
أهل العربية ولا يليق بالمقام. قوله : ( وهنالك إشارة ا لأنه وضع للإشارة إلى المكان البعيد فاستعير هنا للمرتبة من العلوّ والشرف ، وهو معنى قوله حيث وضعوا فيه أنفسهم وقد جوّز فيه أن يكون حقيقة للإشارة إلى مكان تقاولهم وهو مكة ، والانتداب مطاوع ندبه لكذا فانتدب له إذ ادعاه فأجاب وقد كني به هنا عن نصب أنفسهم له والتقييد به ، وهذا القول ما سبق في شأن النبوّة من قولهم أأنزل عليه الذكر من بيننا ، وهنالك صفة جند أو ظرف مهزوم وتفصيل إعرابه في الدرّ المصون. قوله : ( ذو الملك الثابت ) هو صفة لفرعون لا لما قبله والا لقال ذوو والظاهر أنه شبه فرعون في ثبات ملكه بذي بيت ثابت أقيم عموده ، وثبتت أوتاده تشبيها مضمرا في النفس على طريق الاسنعارة المكنية ، وأثبت له ما هو من خواصه تخييلا وهو قوله ذو الأوتاد فإنه لازم له ولا حاجة إلى تكلف أنّ فيه كناية حيث أطلق اللازم ، وأريد الملزوم وهو الملك الثابت فإنه لا وجه له. قوله : ( ولقد غنوا الخ ) هو من شعر للأسود بن يعفر شاعر جاهلي من قصيدة أوّلها :
نام الخلي وما أحس رقادي والهمّ محتضر لدى وسادي(7/299)
ج7ص300
ومنها :
ماذا أؤمّل بعد آل محرق تركوا منازلهم وآل إياد
جرت الرياح على مقرّ ديارهم فكأنهم كانوا على ميعاد
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد
وغنوا بالغين المعجمة بمعنى أقاموا ، ولذا قيل للمساكن مغان وظل الملك حمايته ، وقوله مأخوذ الخ إشارة إلى ما فيه من الاستعارة وظاهره أنّ ذو الأوتاد وهو البيت المطنب أي المربوط أطنابه أي حباله بأوتاده استعير للملك استعارة تصريحية ، وهو أظهر مما مرّ نهايتة أنه
وصف به فرعون مبالغة لجعله عين ملكه ، وكذا إذا كان بمعنى الجموع فالاستعارة تصريحية في الأوتاد أو هو مجاز مرسل للزوم الأوتاد للجند ، وقوله يشد البناء ليس المراد به معناه المعروف إذ لا معنى لشدّه بالوتد بل هو من قوله بني عليه إذا ضرب خيمة ، والمعذب بصيغة المفعول من يريد تعذيبه وضمير عليها للأيدي والأرجل وعلى هذا فهو حقيقة. قوله : ( وأصحاب النيضة ( هي الشجر وقد مرّ ، وقوله وهم قوم شعيب قيل إنه غير صحيح لأنه أجنبيّ من أصحاب الأيكة وإنما قومه أصحاب مدين كما مرّ في سورة الشعراء وسيأتي في الصف إنه لم يقل يا قوم كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لأنه لأنسب له فيهم ، ويجاب بأنّ المراد بقومه أمّة دعوته بقرينة ما صرح به ثمة والمراد من أرسل إليهم. قوله : ( يعني المتحزبين ) أي المتجمعين عليهم فتعريفه للعهد وكونه إعلاء لشأنهم على من تحزب على نبينا صلى الله عليه وسلم على أنه من قبيل زيد الرجل بالقصر الادعائي مبالغة وجعله تعريفا جنسيا على طريق الادعاء أيضاً كما قيل فهو لا يناسب قول المصنف جعل الجند المهزوم منهم في قوله سابقا من الأحزاب مع أنه لا وجه له إذ المقام مقام تحقير لا مقام إعلاء وترفيع. قوله : ) إن كل إلا كذب الخ ) إن نافية ولا عمل لها لانتقاض نفيها بإلا فكل مبتدأ محذوف الخبر والتفريغ من أعمّ العام أي ما كل أحد مخبر عنه بشيء إلا مخبر عنه بأنه كذب جميع الرسل لأن الرسل يصدق كل منهم الكل فتكذيب واحد منهم تكذيب للكل أو على أنه من مقابلة الجمع بالجمع فيكون كل كذب رسوله ، أو الحصر مبالغة كان سائر أوصافهم بالنظر إليه بمنزلة العدم فهم غالون فيه ، وقوله على الإبهام متعلق بأسند ويحتمل تعلقه ببيان أيضاً لأنه لا تفصيل فيه ، وإنما ذكر المكذب وهم الرسل. قوله : ( مشتمل على أنواع من التثيدا لإعادة التكذيب والتعبير بالاسمية وحصر صفاتهم في التكذيب للمبالغة ، كما مر وتنويع الجملتين إلى استثنائية وغيرها وجعل كل فرقة مكذبة للجميع في أحد التأويلين ، وقوله وهو أي معنى قوله إن كل الخ ، وقوله ليكون الخ تعليل لقوله مشتمل أو لقوله بيان ، وقوله مقابلة الجمع بالجمع بأن يقدر مضاف لضمير الأحزاب أي كلهم وعلى ما بعده تقديره كل حزب على ما هو معناه في الإضافة لمعرفة أو نكرة ، فمن قال إنّ الأوّل خلاف الظاهر ، ولذا اقتصر الزمخشري على الثاني لم يصب ، وتكذيب جميعهم لما مر أو لاتفاق كلمتهم في العقائد وإفراد ضمير كذب رعاية للفظ كل فلا ترجيح فيه لأحد الوجهين. قوله : ( وما ينتظر ( إشارة إلى أن النظر هنا بمعنى الانتظار لا بمعنى الرؤية ، وقوله قومك إشارة إلى أنّ المشار إليه بهؤلاء غير المشار إليه بأولئك ، وهم كفار قريش
ودل بتقديمه على اختياره لمناسبته للإشارة بما يشار به للقريب ، وليس المراد أنّ تلك الصيحة عقاب لهم لعمومها للبر والفاجر بل المراد أنه ليس بينهم وبين ما أعدلهم من العذاب إلا هي لتأخير عقوبتهم إلى الآخرة لأنه تعالى لا يعذبهم بالاستئصال ونحوه لقوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، إذ المراد وجوده صلى الله عليه وسلم لا مجاورته لهم كما توهم حتى يقال إنه لا يمنع وقوعه بعد الهجرة لمخالفته للتفسير المأثور ، والتعبير بالانتظار مجاز بجعل محقق الوقوع كأنه أمر منتظر لهم والإشارة بهؤلاء للتحقير لهم. قوله : ( أو الأحزاب ) فهو بيان لما يصيرون إليه في الآخرة من العقاب بعدما نزل بهم في الدنيا من العذاب ، وجعلهم منتظرين له لأنّ ما أصابهم من عذاب الاستئصال ليس هو نتيجة ما جنوه من قبيح الأعمال إذ لا يعتد به بالنسبة إلى ما ثمة من الأهوال فهو تحذير لكفار قريش ، وتخويف لمن يساق له الحديث فلا وجه لما قيل من أن هذا ليس في حيز الاحتمال أصلاً لأنّ الانتظار سواء كان حقيقة أو استهزاء إنما يتصوّر في حق من لم يتجه عمله فبعد ذكر ما حق عليهم من(7/300)
ج7ص301
العقاب لم يبق لهم ما ينتظر وإنما المترصد له كفار مكة. قوله : ( فإنهم كالحضور ) جمع حاضر إشارة إلى توجيه الإشارة إليهم بما يشار به للقريب بعد الإشارة بأولئك الذي يشار به للبعيد مع اتحادهما على هذا التفسير بأنّ الأوّل على ظاهره لا يحتاج إلى توجيه فلما سبق ذكرهم مكرراً مؤكداً استحضرهم المخاطب في ذهنه فنزل الوجود الذهني منزلة الوجود الخارجي المحسوس ، وأشير إليه بما يشار به للحاضر المشاهد ، ويجوز أن يكون للتحقير ولا ينبو عنه التعبير بأولئك لأنّ البعد في الواقع مع أنه قد يقصد به التحقير أيضا. قوله : ( أو حضورهم في علا الله ) معطوف على استحضارهم ، وتخصيص هذا بهذا الاعتبار مع مشاركة ما قبله له فيه للتفنن ومثله دوري لا يسئل مع أن الثاني محل التغيير والعدول أو لأنهم لما كذبوا كانوا موجودين حقيقة وانتظارهم بعد هلاكهم فوجودهم في نف!س الأمر ، وعلمه الحضوري فقط فناسب اعتباره ، وأما كفاية صيحة واحدة فلا يلائمه ولا يستدعيه كما قيل إلا أن يريد هذا. قوله : ( هي النفخة ( وتسميتها صيحة ظاهر ، وقد مر تفسيرها بالعذاب أيضاً ، وقوله من توقف مقدار فوقا فهو إمّا بحذف مضافين أو فواق مجاز مرسل بذكر الملزوم وإرادة لازمه كما إذا كان بمعنى الرجوع ، والترداد بفتح التاء بمعنى الرد والصرف أو بمعنى التكرار من قولهم رد الفعل إذا كرره ومنه التردد على الناس ، وقوله فإنه أي الفواق بيان للمناسبة المصححة للتجوّز به عما ذكر ، وقوله وهما لغتان ظاهره أنهما بمعنى واحد وهو ما مر وهو قول لأهل اللغة ، وقيل المفتوج اسم مصدر من أفاق المريض إفاقة وفاقة إذا رجع إدى الصحة والمضموم اسم ساعة رجوع اللبن للضرع. قوله : ( قسطنا من العذاب ( أي ما عين لنا
منهه فيكون استعجالاً لما هدّدوا به متضمنا للتكذيب وهو المراد ، وقوله أو الجنة الخ فهو سؤال لأن يعجل لهم النعيم الذي سمعوه منه صلى الله عليه وسلم يعد به من آمن فطلبوا تعجيله لهم في الدنيا استهزاء ، أو حقيقة فإنهم لما وعدوا نعيم الجنان بالإيمان وهم لا يؤمنون بيوم الحساب سألوا ما وعدوه في الآخرة قبلها قال السمرقندي ، وهو أقوى التفاسير لقولهم ربنا ولو كان على ما يحمله أهل التأويل من سؤال العذاب ، أو الكتاب استهزاء لسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يسألوا ربهم ، ولذا ترك المصنف درج الاستهزاء فهي كما في الكشاف. قوله : ) الصحيفة الجائزة ( أي العطية وصحيفتها ما يكتبه الكبير لبعض عماله أو أتباعه لأن ينفذه للسائل ونحوه وذكر بعض أهل اللغة إنها كلمة حدثت في الإسلام ، وأصلها أنّ أمير جيش كان بينه وبين عدوّه نهر فقال : من جاز هذا النهر فله كذا فكان يعطي من جازه مالاً ، ثم سميت به العطية مطلقا وقد تظرّف القائل :
إنّ العطايا في زمان اللؤم قد صارت محرمة وكانت جائزة
وقوله قد فسر بها أي بقطعة القرطاس هنا أيضا أما القط بمعنى الصنور والهرّ فقال ابن
دريد في الجمهرة لا أحسبه عربيا صحيحا وودّ بأنه ورد في الحديث " عرضت علئ جهنم فرأيت فيها المرأة الحميرية صاحبة القط " وقد ذكره صاحب القاموس وغيره ، وطلبهم نظر صحائفهم استهزاء وتكذيب أيضا ، وقوله استعجلوا ذلك هو جار على الوجوه في تفسيره. قوله : ) تعظيماً للمعصية الخ ) إشارة إلى المناسبة بين اصبر واذكر المقتضية للعطف ، وقوله بعظائم النعم إشارة إلى قوله إنا سخرنا والصغيرة تزوّجه الآتي وسيأتي كونها صغيرة أو خلاف الأولى ، وقوله نزل عن منزلته الظاهر أنّ ما بعده تفسير له فمنزلته توقيره ونزوله عنها استحقاقه للعتاب وقوله أو تذكر فاذكر على الأوّل بمعنى الذكر المعروف ، والمراد منه تخويف من أنذره وعلى هذا بمعنى التذكر والمراد تنبيهه صلى الله عليه وسلم للاعتناء بحفظه عما يوجب العتاب وعنان نفسه استعارة مكنية أو تصريحية. قوله : ( يقال الخ ) فالأيد القوّة والأيدي القوي واياد بكسر الهمزة
بمعنى القوّة أو ما يتقوى به فإنه يقال له قوّة أيضا وقوله مرضاة مصدر ميمي بمعنى الرضا ، وقوله وهو تعليل أي في قوله أنه أوّاب كما هو معروف في مثله من الجمل وقوله دليل الخ لأنّ الأيد القوّة وهي محتملة هنا لأن تكون في الجسم لما سخر له من عمل الحديد والصبر في القتال ، ونحوه وأن تكون في الدين فلما علل بهذا تعين أنّ المراد قوّته الدينية دون الدنيوية لأن الأوّاب وان دل على الرجوع المطلق المحتمل للرجوع لله رجوعا دينيا والرجوع لما يزاوله فيكون بدنياً لكنه اشتهر في الأوّل لا سيما في القرآن فإنه لم يستعمل فيه الأوّاب إلا بمعنى التوّاب ، والتوبة الرجوع دلّه فسقط ما اعترض به(7/301)
ج7ص302
صاحب التقريب ، وصيام يوم وإفطار يوم أشق من غيره كقيام بعض دون بعض فإنه أشق من صيام الدهر ومن قيامه كله لتركه راحة تذكرها قريبا ، وقوله مرّ تفسيره أي في الأنبياء قال بعض فضلاء العصر أخر ظرف المعية هنا عن الجبال وقدم في الأنبياء فقيل وسخرنا مع داود الجبال لذكر سليمان وداود ثمة فقدّم مسارعة للتعيين ، ولا كذلك هنا وهو حسن وقد مرّ في الأنبياء تجويز كون التسبيح بلسان الحال ، وقوله بالعشي والإشراق هنا ياً باه إذ لا اختصاص به بهما ولا بكونه معه أيضا. قوله : ( حال وضع موضع مسبحات ) لأنّ الأصل في الحال الإفراد فالعدول للدلالة على حدوثه وتجدّده شيئاً فشيئاً ، واستحضار الحالة العجيبة من نطق الجماد ولو قيل مسبحات لم يدل على ما ذكر وفيه نظر لأن المنظور إليه زمان الحكم ، وهو حال أو مستقبل عند التسخير ، ويجوز كونه مستأنفاً لبيان تسخيرها له لكن مقابلته بقوله محشورة هنا يعين الحالية فلذا اقتصر عليها وجملة إنا سخرنا مستأنفة لبيان قصته أو لتعليل قوّته أو أوّابيته. قوله : ( ووقت الإشراق ) يعني فيه مضاف مقدّر لعطفه على الزمان ، والمراد بوقت الضحا الضحوة الصغرى عند ارتفاع الشمس ، وشرقت الشمس بمعنى طلعت ولما تشرق بمعنى لم تشرق أي لم ترتفع ارتفاعا تامّا فلما فيه جازمة كما مر ، وأم هانئ صحابية معروفة وقوله إنه أي النبي صلى الله عليه وسلم. قوله. ( هذه صلاة الإشراق الخ ) إشارة إلى الخلاف الواقع في هذه الصلاة أعني الإشراق ، والضحا على ما فصله المحدثون
فقيل إنها بدعة حسنة وانه صلى الله عليه وسلم لم يصلها ، وأما صلاته في بيت أم هانئ لما دخل مكة عام الفتح فإنما كانت صلاة شكر لذلك الفتح العظيم صادفت ذلك الوقت لا أنا عبادة مخصوصة فيه دون سبب ، وقيل إنها سنة وقد ورد فيها أحاديث أكثرها ضعيف ، وأصحها حديث أم هانئ وهذا هو القول الأصح فيها ، وقيل إنها كانت واجبة عليه صلى الله عليه وسلم وهو من خصائصه ، وقول ابن عباس رضي الله عنهما عا عرفت الخ إشارة إلى إنكار ثبوت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لها وهو ما ذهب إليه بعض الصحابة ، وأقلها ركعتان وأكثرها اثنا عشر وأوسطها في الفضيلة ثمانية ووجه فهم ابن عباس رضي الله عنهما لها من الآية بناء على ما روي عنه كما مر في سورة الصافات أنّ كل تسبيح ورد في القرآن فهو بمعنى الصلاة يعني ما لم يرد به التعجب ، والتنزيه كما رواه الطبري فحيث كان صلاة لداود عليه الصلاة والسلام قصت على- طريق المدح علم منه مشروعيتها ، وهذا هو المراد بلا تكلف ، وما قيل في توجيهه إنه خص ذينك الوقتين بالتسبيح ، وعلم من الرواية أنه كان يصلي فيهما مسبحاً ، وقد حكى دون بيان لكيفيته فتحمل على صلاة الضحا أو تسبيح الجبال مجاز فينبغي حمل تسبيح داود عليه الصلاة والسلام على معنى مجازي لأنّ المجاز بالمجازآنس لا يخفى ضعفه فإنه إذا علم من الرواية فكيف يقول ابن عباس رضي الله عنهما إنه أخذه من الآية ، والتجوّز ينبغي تقليله ما أمكن وهذا بناء على أنّ معه متعلق بيسجن حتى يكون هو مسبحاً أي مصلياً والا فتسبيح الجبال لا دلالة له على الصلاة ، ومع هذا ففيه حينئذ جمع بين معنيين مجازيين إلا أن يقال به أو يجعل بمعنى يطعن ، ويجعلى تعظيم كل محملاً على ما يناسبه وبعد اللتيا والتي فلا يخلو من كدر. قوله : ( من كل جانب ) لأنّ المتبادر من الحشر أن يكون من أماكن متفرقة ، وقوله المطابقة أي الموافقة بين الحالين يسبحن ومحشورة بجعلهما اسمين أو فعلين وقد بين وجه المضارعية ثمة لأنها حال بعد حال ، وأما هذه فالحشر دفعة هو المناسب لمقام القدرة المراد كما بينه ودلالة محشورة على الحشر الدفعي إما بمقابلته للفعل أو لأنه الأصل عند عدم القرينة على خلافه فلا يرد عليه أنّ الاسم لا يدل على ذلك ، ومدرجاً في نسخة متدرجاً وهما بمعنى ، والطير معطوف على الجبال أو مفعول معه إن لم يتعلق به معه كما مرّ. قوله : ( كل واحد من الجبال ا لو أرجعه إليهما كما في الكشاف بل إلى الطير فقط استغنى عما ذكر من التوجيه والمعنى كل طائر ، وعلى هذا فضمير له لداود عليه الصلاة والسلام ولامه تعليلية ، والموافقة من قوله معه والمداومة من رجوعه له كلما رجع داود عليه الصلاة والسلام
إليه ولامضارع وان دل على استمرار تجددي كما مر لكن دلالة هذا بمنطوقه ، وهي أقوى من الأولى لأنه قد يراد به مجرد الحدوث من غير تكرره فاندفع ما أورد عليه من أنّ ما قبله يدل على المداومة أيضا لدلالته على الاستمرار التجدّدي كما صرّح به ، وقوله(7/302)
ج7ص303
عجز عن البيان أي إقامة البينة ، وقوله فأعلمه أي بأنه سيقتله وتصديقه اعترافه باستحقاق القتل وغيلة بكسر الغين المعجمة وسكون الياء وهو أن يخدع رجلا ليذهب معه لمكان فإذا خلا به فيه قتله ، وقوله فعظمت الخ إشارة إلى أنّ هذه القصة كانت سببا لمهابته والخوف منه ، وإنما مرضه لأن جعله سببا لتقوية ملكه مستقلا غير مناسب بمقإصه نعم له مدخل مّا فيه. قوله : ( النبوة ) الحكمة ما أحكم من قول أو فعل أو عمل ، ولا أشد أحكاما في جميع الأمور من النبوّة فلذا وردت في القرآن بمعناها ، وقيل هي كل صواب واذا فسرت بالثاني فهي أعمّ ، وقوله فصلى الخصام فالفصل بمعناه المصدري والخطاب أريد به المخاصمة لاشتمالها عليه أو لأنها أحد أنواعه خص! به لأنه المحتاج للفصل ، وقوله الكلام المخلص فالفصل بمعنى المفصول ، وهو من إضافة الصفة لموصوفها ، وقوله من غير التباس إشارة إلى أنه أطلق عليه فصلا لانفصاله عما سواه بلا التباس وحسنه كون إلالتباس المقابل له بمعنى الاتصال وعدم الانفصال ، " وفيه دقة في نظر الواضع الحكيم فتدبر. قوله : ( يراعي فيه الخ ( حالط من فاعل ينبه أو استئناف لبيانه ، وهذا على طريق التمثيل والمراد بمظانها مقاماتها التي من شأنها أن تقع فيها كما يقال يتبع الراعي مظانّ المطر والنبات ، وقوله وإنما سمي الخ إشارة إلى ما ذكره بعضهم من تفسيره فصل الخطاب بأمّا بعد بأنه ليس مراده حصره فيه بل أنه من جملته لأنه أكثر ما وقع في الخطب بعد الحمد والصلاة فذكر ليفصل بين ما جعل غرة للكلام تيمناً به ، وبين المقصود منه وهو مما يقع في الكلام البليغ فأطلق عليه لوتوعه في كلام فصل من باب إطلاق اسم الكل على جزئه ، وقوله عما سبق بالباص. الموحدة أو المثناة التحتية على بناء " المجهول بكليهما ضبط ، وهما بمعنى ومقدمة منصوب على الحالية ، وهو على هذا بمعنى الفاصل واضافته بحالها وهو ممكن فيما مر أيضا. قوله : ( وقيل هو الخطاب القصد ) بقاف وصاد ودال! مهملتين ومعناه المتوسط باعتداله بين أمرين ، ولذا فسره بقوله ليس فيه الخ والإشباع التطويل ، والممل الموقع في الملل والسآمة ، وقوله لا نزر أي قليل فيكون فيه اختصار مخل وهذر بالذال المعجمة بمعنى كثير من الهذر وهو الهذيان ، وهو بأن يكون فيه تطويل ممل وهكذا وقع في وصف كلامه حينئذ في
حديث أم معبد وغيره من طرق صحيحة وقد جعلوا لا نزر ولا هذر بمعنى لا قليل ، ولا كثير على هذا تفسير الفصل ، وقد قيل هما صفتان لكلامه مستقلتان أي فصل بين الحق والباطل ، ومع ذلك لا قليل ولا كثير ولا يلزم العطف على هذا كما توهم حتى تتعين الوصفية لأنّ فصل وقع خبرا عن كلامه أو ضميره فقوله : ( لا نزر ولا هذرا لا يخلو من أن يكون صفة لفصل مقيدة لا مفسرة ولا مؤكدة فيلزم عدم العطف ، ويفيد وصف كلامه بوصفين معنويين وهما كونه فصلا وغير نزر هذر أو خبرا بعد خبر أو صفة بعد صفة إن سلم فلا يلزم عند تعدد الأخبار أو الصفات العطف كما صرّج به النحاة في المتون ، ولا يخفى مغايرة هذا لما قبله. قوله : ( التعجيب والتشويق ) التعجب الظاهر أنه بمعنى جعل المخاطب معجبا بما ألقى إليه أو متعجبا منه ، أو عده أمرا عجيبا وهذا وما بعده من الاستفهام ممن لا يعرف القصة ويراد إعلامه بها فيقال له هل سمعت بكذ! وهذا أمر مستفيض في عرف التخاطب ، وقوله مصدر أي لخصمه بمعنى خاصمه أو غلبه ، وقوله أطلق على الجمع أي هنا لقوله تسوروا وهو ظاهر. قوله : ( تصعدوا الخ ) السور الحائط المحيط المرتفع ، والمحراب الغرفة وهي البيت العالي ومحراب المسجد مأخوذ منه لانفصاله عما عداه أو لشرفه المنزل منزلة علوّه والمراد من تسورهم الغرفة نزولهم لها من الحائط دون الباب لأنه كان مغلوقا في زمان خلوّه له بعبادته وصيغة تفعل تكون لمعان كثيرة منها العلو على أصله المأخوذ من التسور بمعنى علا السور والحائط ، وتسنم علا السنام. قوله : ( وإذ متعلق بمحذوف الخ ا لأنه لا يتعلق بأتى لأنّ إتيان الخبر لم يكن في ذلك الوقت بخلاف تحاكمهم ، وقوله على حذف مضاف أي قصة ردّ لما في الكشاف من أنه لا يصح تعلقه بالنبأ لأنّ النبأ الواقع في عهد داود عليه الصلاة والسلام لا يصح إتيانه رسول الله صلى الله عليه وسلم وان أريد به القصة لم يكن ناصباً ، اهـ بأنه يتعلق به ويدفع المحذور بتقدير مضاف فيه ، وهو ظاهر وقد قيل إنه يصح أيضا بجعل الإسناد مجازيا بلا حذف ، وجعل النبأ بمعنى القصة عاجلاً لأنه في الأصل(7/303)
ج7ص304
مصدر ، والظرف قنوع يكفيه رائحة الفعل. قوله : ( وإذ الثانية الخ ) بأن يجعل زماناهما لقربهما بمنزلة المتحدين ، أو يجعلا ممتدّين فيصح بدل الكل كبدل الاشتمال. قوله : ( أو ظرف لتسوّروا ) ولا يخفى أنّ التسوّر ليس في وقت الدخول إلا أن يعتبر امتداده ، أو يراد بالدخول إرادته ويفرّع قوله ففزع على التسوّر وفيه تكلف ، وقد جوّز تعلقه باذكر مقدرا والمراد
بقوله من فوق الحائط ، والحرس جمع حارس أو حرسيّ والمراد بخاصته أهله. قوله : ( نحن فوجان متخاصمان ( إشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدر ودفع لما يتوهم من أنّ الخصم شامل للقليل والكثير ، والمراد به هنا جماعة لجمع ضميره في تسوّر واو ما معه فلم ثني هنا بأنّ الخصم المثني هنا عبارة عن الفوج فيكون هنا جماعتان تخاصما فيطابق ما مر ، وقد قيل يجوز أن يكون الضمائر المجموعة مرادا بها التثنية فيتوافقا ويؤيده أنّ الذي روي أنه جاءه ملكان. قوله ة ) على تسمية مصاحب الخصم خصماً ( تغليباً جواب سؤال مقدر ، وهو أن المتخاصمين ملكان اثنان كما صرّح به في المروقي ، ويؤيده قوله بعده هذا أخي فكيف يجعلان جماعتين وتقدير خصمان مبتدأ خبره مقدر مقدما أي فينا خصمان لا يدفعه كما قيل لكون الخصم جماعة كما مرّ إلا بملاحظة كون الفوجين بأسرهم خصماً والمذكور بعده قول بعضهم وهو تكلف. قوله : ( وهو على الفرض وقصد التعريض ( دفع لما يرد على تقدير كونهم ملائكة بأنهم كيف يخبرون عن أنفسهم بما لم يقع منهم والملائكة منزهون عن الكذب بأنه إنما يكون كذباً إذا قصد به الأخبار حقيقة أمّا لو كان فرضاً لأمر صوّروه في أنفسهم لما أتوا على صورة البشر كما يذكره العالم إذا صوّر مسألة لأحد أو كان كناية ، وتعريضاً بما وقع من داود عليه الصلاة والسلام فلا. قوله : ( ولا تجر الخ ( بيان للمعنى المراد منه وان كان أصل معناه مختلفا باختلاف القراآت فإن قراءة العامّة بضم التاء من أشطط إذا تجاوز الحق وغيرهم قرأ بفتحها من شطط بمعنى بعد وهي التي أشار إليها بقوله وقرئ الخ ، والكل يرجع لمعنى واحد ، وقوله وهو العدل فتجوز بالوسط عنه لأنه خير الأمور. قوله : ( وقد يكنى بها عن المرأة ( الكناية هنا بمعناها اللغوي لأنه استعارة مصرّحة لتشبيهها بها في لين الجانب ، وسهولة الضبط والانتفاع وقد استعملته العرب كثيرا كالشاة قال :
كنعاج الملا تعسفن رملا
ياشاة ما قنص لمن حلت له ~ حرمت عليّ وليتها لم تحرم
فلعدم التصريح بالمرأة وذكر ما يدل عليها حقيقة سمي الاستعارة كناية لخفاء المراد. قوله : ( والكناية والتمثيل فيما يساق للتعريض أبلغ ) هكذا وقع في الكشاف ، وفيه خفاء يحتاج إلى توضيحه فالظاهر أن المسوق للتعريض الكلام بتمامه فإنه تعريض لداود عليه الصلاة والسلام ، والداعي للتعريض إمّا احتشام من ص عرض له واحترامه أو تنقيصه وايلامه وعلى كليهما تحسن الكناية والتمثيل دون التصريح ، والتحقيق أمّا في الأوّل فظاهر لأنه حيث لم يواجه ابتداء لتوقيره ناسب عدم التصريح بقصته بعينها فإنه لا يقع التعريض في نحوه ، وأمّا في الثاني فلان عدم التصريح مؤكد لتنقيصه لعدم الاعتناء بحاله والمراد بالكناية الاستعارة كما مرّ ، وأمّا التمثيل فذهب شراح الكشاف إلى " أنه ليس بالمعنى المصطلح بل اللغوي إذ المراد به تحاكمهم له ومجيئهم له على صورة خصمين فإنّ التمثيل كما يجري في الأقوال يجري في الأفعال قال المولى : بعد الدين وهذا في الأفعال بمنزلة الاستعارة التخييلية في الأقوال حيث لم يكن المقصود!من تحاكمهم ما هو ظاهر الحال ، ثم في هذا التمثيل تعريض بحال داود عليه الصلاة والسلام وما صدر منه ، ورمز إلى الغبرض! وأبلغيته لأنه بعد فهم المراد منه يتمكن في الذهن غاية التمكن ، وهو أشد في التقريع لإيهامه أنه أمر يستحي من مثله وهو لائق في البهائم دؤن الحراس ، ويجوز أن يراد بالتمثيل معناه المعروف فتأمّل ، وقوله بالدين أو النوعية. قوله : ( وقرئ تسع وتسعون الخ ) لأنّ الفتح والكسر يتعاقبان في الأسماء كثيراً ولما جاور التسع العشر قصدوا مناسبته لما فوقه ولما تحته ، وكسر نون نعجة لغة تميم وقوله ملكنيها لأنّ من كفل صغيراً كمان في تصرفه وكذا من ملك فاستعمل بمعناه لتقاربهما ، وقوله غلبني تفسير لعزني والمخاطبة تفسير للخطاب ، وقوله لم أقدر رده ضمنه معنى أطلق فعدّاه بنفسه ، وقوله أو في مغالبته(7/304)
ج7ص305
الخ على أنّ الخطاب مصدر خاطبه إذا سبق وغلب خطبته بكسر الخاء وهي في النكاج خاصة ، وهذا إذا أريد بالنعجة المرأة وما قبله في الوجهين ، وقوله على تخفيف للزاي بترك التشديد ، وهو غريب كما قالوا : في ظللت ظلت وفي رب رب. قوله : ( قصد به ) أي بجواب القسم ، وهو قوله لقد ظلمك الخ إذ جعله ظلما مؤكداً بالقسم والتهجين التقبيح ، وقوله ولعله الخ دفع لما يتوهم من أنه بمجرّد ذكر المدعي ظلامته دون إثبات ونحوه كيف حكم بظلم شريكه بأنّ فيه مطويا وهو فلما أقرّ المدّعي عليه قال لقد ظلمك الخ أو فيه شرط مقدر أي إن
كان كما قلت فقد ظلمك. قوله : ( وتعديته إلى مفعول الخ ) وهو لا يتعدّى بها فتضمن ما يتعدى بها كالضم أو الإضافة ، قال الزمخشي كأنه قال بإضافته نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب فجعل المضمن أصلا والمضمن فيه قيداً ، ولو عكس جاز بأن يقدر بسؤال نعجتك مضافة إلى نعاجه كما مر أو سؤاله إضافة نعجتك الخ ، وأشار بقوله والطلب إلى أنّ المراد من السؤال مطلق الطلب من غير نظر إلى علو المسؤول منه وعكسه ولا مساواته ، فما قيل إنه للإشارة إلى أنه من الأعلى للأدنى بقرينة المعازة غير مسلم فإنه يجوز أن يكون هنا على طريق الخضوع والتذلل ، واذا قبح هذا كما أشار إليه بجعله تهجينا له فغيره بطريق الأولى نعم ما ذكره أنسب بالظلم ، والمعازة في المحاجة لا تستلزم العلوّ كما قيل. قوله : ( وانّ كثيرا من الخلطاء الخ ) يحتمل أن يكون من كلام داود عليه الصلاة والسلام ، وأن يكون ابتداء كلام غير محكيّ عنه ، وفسر الخلطاء بالشركاء لاختلاط أموالهم ويكون بمعنى الأصدقاء فيكون كما قيل : عدوّك من صديقك مستفاد فلاتستكثرنّ من الصحاب
فإنّ الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أوالشراب
قوله : ( وقرئ بفتح الياء ) فتحة بناء لاتصاله بنون التأكيد المقدرة وهو حينئذ جواب قسم
مقدّر بقرينة اللام كما في البيت. قوله : ( اضرب عنك الهموم طارقها ) .
ضربك بالسيف قونى الفرس
فاضرب فعل أمر مبنيّ على السكون لكنه فتحه لتقدير نون التوكيد معه والهموم مفعوله ، وطارقها بدل منه بدل بعض واستعار ضربها لصرفها عنه ، وضربك مفعول مطلق وقون! بفتح القاف والنون أعلى الرأس والمراد به هنا عظم بين أذني الفرس ، وهذا البيت من شعر لطرفة بن العبد وحذف الياء للتخفيف كما في والليل إذا يسر. قوله : ( وما مزيدة الخ ) هم مبتدأ وقليل خبر. ، وفيه مبالغة من وجوه وصفهم بالقلة وتنكير قليل وزيادة ما الإبهامية والشيء إذا بولغ فيه كان مظنة للتعجب منه فكأنه قيل ما أقلهم فهو معلوم من المقام. قوله تعالى : ( { وَقَتَلَ دَاوُدُ } الخ ا لم يفسر الظن كما في الكشاف بجعله مجازاً عن اليقين لاحتمال بقائه على حقيقته لكن ما بعده صريح في مسلك الزمخشري ، وقد روي أنّ الملكين فالأقصى الرجل على نفسه وإنما المفتوحة لا تدل على الحصر كالمكسورة كما فصله في المغني ولو سلم كما ذهب إليه
الزمخشري حملا على المكسورة فهو لم يدع اطراده فليس المقصود قصر الفتنة عليه لأنه يقتضي انفصال الضمير ولأقصر ما فعل به على الفتنة لأنّ كل فعل ينحل إلى عام وخاص فمعنى ضربته فعلت ضربه على أنّ المعنى ما فعلنا به إلا الفتنة كما قيل لأنه تعسف وألغاز. قوله : ( ساجدا ( على أنّ الركوع مجاز مرسل عن السجود لأنه لإفضائه إليه جعل كالسبب ، ثم تجوّز به عنه وهو معنى قوله لأنه مبدؤه لكنه تمسح في العبارة أو هو استعارة له لمشابهته له في الانحناء والخضوع ، وقوله أو خر للسجود راكعا وجه آخر بجعل راكعاً بمعنى مصليا لاشتهار التجوّز به عنه ، ولذا يسمى ركعة وتقدير متعلق لخرّ يدل عليه غلبة فحواه لأنه بمعنى سقط على الأرض كما في قوله : { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } [ سورة النحل ، الآية : 26 لح أو جعله بمعنى سجد ولذا جعله أبو حنيفة دليلاً على أنّ هنا سجدة تلاوة وأنها من العزائم ، وخالف فيه بعض الشافعية. قوله : ( حرّم ( بتشديد الراء تفعيل من التحرم أي عقداً لتحريمه ودخل في الصلاة يقال أحرم للصلاة وحرم المشهور الأوّل إذا دخل فيها بتكبيرة الإحرام لأنها تحرّم عليه الأشياء كالكلام ونحوه وركعتا الاستغفار ركعتان تصليان عند التوبة وهي مشروعة. قوله : ( وأقصى ما في هذه الخ ) يعني أنه ليس في هذه القصة ما يضر بمقام النبوّة فإنّ ما ذكر فيه محصله ما ذكر ، وليس فيه ما يخالف الشرع ولكنه لنزاهة(7/305)
ج7ص306
عصمته رآه منكرا فلذا استغفر منه وتاب ، وما وقع في رواية بعض القصاص من إسناد ما لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام إليهم إمّا مفتري أو مؤوّل فلذا قال المصنف فلعله الخ فنهايته أنه خطب على خطبته ولم يكن هذا ممنوعاً في شرعهم ، أو هو صغيرة عند من جوّزها على الأنبياء ، واستنزاله عن زوجته طلب أن يطلقها وبعد العذة إن كانت في شرعهم يتزوّجها ، وهذا جائز عندهم ، وقد كان ذلك في صدر الإسلام بعد الهجرة فكان الرجل من الأنصار إذا كانت له زوجتان نزل عن إحداهما لمن اتخذه أخاله من المهاجرين فقوله بهذا المعنى أي بالنزول عن الزوجة والاستنزال بالهمزة أي جعله أسوته وواساه خطأ عند أهل اللغة وذهب صاحب القاموس إلى أنه لغة رديئة. قوله : ( وما قيل الخ ) أو ريا بهمزة مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة مكسورة ، وياء تحتية بعدها ألف اسم رجل من مؤمني قومه ، وقوله بأن يقدم أي يجعل مقدما في عسكره ، وهراء بهاء وراء مهملة ومد بزنة غراب بمعنى كلام فاسد وفي نسخة فزور ، وقوله ولذلك أي لكونه كذبا فاسدا
وما روي عن عليّ كرّم اللّه وجهه فيه إنه حد الفرية على الأنبياء لكن قال الزين العراقي إنه لم يصح عنه وعلى فرض حصته فهو اجتهاد منه وجهه إنه ضوعف هذا على حذ الأحرار لأنهم سادة السادة ، وتصنعوا تكلفوا صنعته والمراد زوّروه ودلسوه وعلى هذا فليس فيه ما يخالف مقام العصمة النبوية والابتلاء امتحانه هل يغضب لنفسه أم لا والاستغفار لعزمه على تأديبهم لحق نفسه لعدوله عق العفو الأليق به ، وقيل ا الأستغفار كان لمن هجم عليه وقوله فغفرنا له أي لأجله وهو تعسف وان وقع في كتب الكلام. قوله : ( وإنّ له عندنا لزلفى لقربة ( عظيمة بحيث لا يحط ما ذكر من مقامه ، وقوله يا داود كلام مستأنف لا معطوف بتقدير قول لما فيه من لتقدير بلا حاجة وايهامه لغير المراد ، وقوله استخلفناك الخ على الأوّل يكون مثل فلان خليفة السلطان إذا كان منصوبا منه لتنفيذ ما يريد والثاني من قبيل هذا الولد خليفة عن أبيه أي ساذ مسده قائم بما كان يقوم به من غير اعتبار لحياة ، وموت أو غيره ومن ذكرهما فهذا مراده لكنه جرى على الغالب فيه فلا يعترض عليه ، ويطال بلا طائل ولظهور المعنى الأوّل قدم وجعلها الزمخشريّ دليلا على إرادته في سورة البقرة!ع تجويز. الوجهين هنا فلا تناقض فيه فتدبر. قوله : ( بحكم الله ) هذا يحتمل أن يكون لأنّ تريف الحق بمعنى خلاف الباطل للعهد هنا على أنّ المراد حكم الله الذي هو شرعه لأنه لا يحكم إلا بالحق ، وتفريعه بالفاء على جعله خليفة يشعر بالعلية لأنه لما كان خليفة له اقتضى ذلك أن لا يخالف حكمه حكم من استخلفه بل يكون ذلك على وفق إرادته ورضاه ، أو المترتب مطلق الحكم لظهور ترتبه على كونه خليفة وذكر الحق لأنّ به سداده ، وقيل ترتبه لأنّ الخلافة نعمة عظيمة شكرها العدل ويحتمل أن يكون الحق اسم الله وفيه مضاف مقدّر والأوّل أولى لأنّ مقابلته بالهوى تأباه. قوله : ) وما تهوى النفس ) لأنّ الهوى يكون بمعنى المهوي كما في قوله ، هو أي مع الركب اليمانيين ، وقوله وهو يؤيد الخ وجه التأييد أنّ ذكره بعد الحكم يقتصي أنّ اتباعه للهوى في نفس حكمه لا في أمر آخر من الميل إلى امرأة أوريا ولم يجعله دليلا لاحتمال انقطاعه عما قبله ، وكونه وصية مستقلة لكنه غير مناسب لمقامه أن يحكم بغير علم منه وقوله دلائله سواء كانت عقلية أو نقلية نصا أو
قياسا وصدّ. عن الدلائل إمّا لعدم النظر فيها أو العمل بموجبها. قوله : ) بسبب نسيانهم ( يعني الباء سببية وما مصدرية وإضافة السبب بيانية والمراد بالنسيان الترك أو عدم الذكر مطلقا لا الغفلة فيشمل الكفرة المنكرين للحشر ، وقوله بما الخ متعلق بقوله لهيم عذاب ، وقوله وهو ضلالهم الخ ظاهره أنه أريد بالنسيان الضلال بعلاقة السببية فقوله فإن الخ إشارة للعلاقة المصححة ، وقد قيل عليه إن العدول إلى المجاز مع إمكان الحقيقة لا داعي له مع صحة أن يقال الذيق يضلون عن سبيل الله لهم عذاب بسبب نسيانهم الذي هو سبب ضلالهم فينبغي أن يحمل قوله وهو ضلالهم على المبالغة أو على تقدير المضاف أي بسبب ضلالهم ، وفي الكشاف يوم الحساب متعلق بنسوا أي بنسيانهم يوم الحساب فهو مفعول أو بقوله لهم أي لهيم عذاب أليم يوم القيامة بسبب نسيانهم ، وهو(7/306)
ج7ص307
ضلالهم عن سبيل الله ، اهـ فهو ظرف وظاهره أن هذا التشبيه على الوجه الثاني لأنّ قوله إنّ الذين الخ تعليل لما قبله من النهي عن اتباع الهوى المضل عن سبيله وسبيله دلائله ، والضلال عنها تركها ونسيانها كما فسره به قبيل هذا فاختار المصنف الثاني ، ولذا ذكر النسيان مطلقا لأنه أنسب بالسياق إذ المعنى حينئذ لأنّ الضالين معذبون بضلالهم ، وترك الحق واتباع الهوى لازم للنسيان عادة فصح التجوّز به عنه ، وهذا القائل لم يقف على مرادهم فحبط خبط عشواء. قوله : ( خلقاً باطلاَ ) فهو منصوب على نيابته عن المفعول المطلق نحو كل هنيا أي أكلاً هنياً فلا يختص هذا بالأخير كما فعله المصنف فكان ينبغي ذكرهما في قرن واحد ، وقوله لا حكمة فيه تفسير للباطل هنا ، وقوله أو ذوي باطل فهو حال من فاعل خلقنا بتقدير مضاف ويصح كونه من المفعول أيضا بنحو هذا التأويل ، والباطل على هذا اللعب والعبث ، وقوله أو للباطل فهو مفعول له وقوله الذي الخ تفسير للباطل على هذا الوجه والتدرع لبس الدرع مجاز عن التحصن بالتمسك بالشريعة ، وقوله من التوحيد بيان للحق ، وقوله على وضعه الخ يعني في هذا الوجه ، والتقدير للعب الباطل وإنما أوّله لأنّ الباطل ليس فعلاَ له حتى يعلل به. قوله : ( والظن بمعنى المظنون ا ليصح الحمل أو يقدّر ظن ذلك ومن في قوله من النار ابتدائية أو بيانية أو تعليلية ، وقوله بسبب هذا الظن إشارة إلى ما تفيده الفاء من ترتب ثبوت الويل لهم على ظنهم الباطل الذي به كفروا فيؤكد وضع الذين كفروا
موضع الضمير للدلالة على العلية. قوله : ( والاستفهام ا لأنها تقدر ببل والهمزة والاستفهام المقدر إنكاريّ في معنى النفي والحزبين المؤمنون ، والمفسدون وكونه من اللوازم لأنه إذا لم يجاز المصلح والمفسد لزم البعث المنافي للحكمة ، وقوله ليدل على نفيه لأنه يلزم من نفي اللازم نفي ملزومه ، وقوله باعتبار وصفين هما التقوى والفجور ، وقوله من الحكيم الرحيم لأن مقتضى الحكمة عدم التسوية ومقتضى الرحمة إزالة فساد المفسد والانتقام منه وازالة ظلم المظلوم. قوله : ( والآية الخ ) لأنّ مقتضى الحكمة عدم التسوية ، وليس هذا في الدنيا لأنا نشاهد خلافه كما قال الشافعيّ رضي الله عته :
ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
فلا بدّ من دار جزاء أخرى وهو المطلوب ، وقوله نفاع أي كثير النفع تفسير لمبارك وكتاب مبتدأ مبارك خبره أو خبر مبتدأ مقدر أي هذا كتاب ومبارك صفة أو خبر بعد خبر وعلى حاليته فهي حال لازمة لأنّ البركة لا تفارفه جعلنا اللّه في بركاته ، ونفعنا بشريف آياته. قوله : ( ليتفكروا الخ ) قراءته على الأصل بترك إدغام التاء في الدال ولتدبروا على الخطاب أي على أنّ الأصل لتتدبر ، وابتاءين حذفت إحداهما والظاهر في قراءة الغيبة إنّ الواو ضمير أولي الألباب على التنازع واعمال الثاني أو للمؤمنين فقط أو لهم وللمفسدين ويدبر بوزن يضرب بمعنى يتغ من دبر. إذا تبعه ، وقيل معناه صرفه لأنّ من تبع الظلم لم يفز بطائل وهو إشارة إلى اشتقاق التدبر من الدبر لأنّ به تعرف العوافب ، ومعنى الاتباع لظاهر المتلو الاكتفاء بمعرفة المعاني الظاهرة من غير تأويل في مظانّ التأويل ، ولا اطلاع على النكت والأسرار ، وليدبروا متعلق بأنزلنا أو بمحذوف يدل عليه ، وقوله أنت وعلماء أمّتك إشارة إلى أنّ فيه تغليباً. قوله : ( وليتعظ به ذووا العقول السليمة الخ ) على أنّ التذكر بمعنى الاتعاظ ، وقوله أو ليستحضروا على أنه من الذكر ولما ورد عليه أنهم لم يعلموه أوّلاً حتى يعد هذا تذكرا لما غاب عن خواطرهم أشار إلى
دفعه بأنه أمر موافق للفطرة مركوز في العقول ، والدلائل منادية عليه فجعل تمكنهم منه أوّلا بمنزلة علمه فلذا عبر بالتذكر تنزيلا للقوّة منزلة الفعل فقوله من فرط الخ من فيه تعليلية متعلقة بما في الكاف من معنى التشبيه. قوله : ( فإنّ الكتب الخ ) بيان لوجه الاستحضار بالكتاب والمقصود منه قوله وإرشاد الخ وما لا يعرف إلا من الشرع كالأحكام الفرعية وبعض الأصلية وما يستقل به العقل كوجود الصانع القديم ، وقوله ولعل الخ ليس وجها في تفسير التدبر والتفكر كما قيل بل من تتمة هذا بيان لأن المراد بالتدبر المعلوم الأوّل وهو ما لا يعرف إلا من الشرع لأنه بعد معرفته منه يحتاج إلى التأمّل والثاني ، وهو ما يستقل به العقل فإنه هو المركوز في العقل المنظور بعين التذكر(7/307)
ج7ص308
فتذكر وتدبر ترشد. قوله : ) إذ ما بعده الخ ( بيان لتعيين سليمان بنعم العبد دون داود عليهما الصلاة والسلام وكونه من حاله ظاهر والتعليل ظاهر من جملة أنه أوّاب ومن إذ الظرفية لأنّ الظروف تستعمل للتعليل كثيوا كما مز فلا يتوقف فهم التعليل منه على تعلقه بأوّاب كما قيل ، وقوله بالتوبة قيد به لفهمه من القصة والسياق وكونه بمعنى التسبيح لأنّ الترجغ في الذكر ، ونحوه ويجوز أن يراد أؤاب لمرضاة ربه كما مرّ ، وقوله أو لنعم أخره لأنه خلاف الظاهر لتقييد المدح وتعلق الظرف بفعل غير متصرّف كما أنّ في تعلقه بأوّاب تقييد الوصف ، ولذا قيل إنّ الأحسن معنى تعلقه باذكر مقدرا ولا وجه لتخصيص وجهي التعلق بتفسيري أوّاب كما قيل وقوله عند الجمهور لأن منهم من قال إنه لداود كما ذكره المعرب. قوله : ( الذي يقوم على طرف سنبك ( قيل عليه الصفون عند أهل اللغة ألف الفرس للقيام على ثلاث قوائم وتبقى الرابعة ماسة بطرف مقدمها الأرض! ، وقال الراغب هو الجمع بين يديه في القيام ، وقيل هو القائم مطلقا وما ذكره المصنف لا يوافق شيئاً منهما ودفعه إن مراده القول الأوّل ولشهرته تسمح في العبارة ولأنه من المعلوم إنه لا يمكن القيام على طرف واحدة ورفع الثلاث فقوله على طرف الخ حال أن يقوم على ثلاث حالة كونه معتمداً على طرف سنبك ، والسنبك مقدّم الحافر كما في شرح المقصورة فإن فسر بطرف الحافر كما وقع في بعض كتب اللغة فإضافة الطرف له من إضافة العام للخاص كمدينة بغداد فلا يقال الأولى حذفه ، والعراب بكسر العين الأصيلة منها والخلص تفسير له والصافتات بجمع المؤنث لأنه يجوز فيما لا يعقل لا للتغليب لأنّ تغليب المؤنث على المذكر غيو جائز في الأكثر. قوله : ) أو جود ) بالفتح كثوب
وثياب ، وقوله الذي يسرع الخ أي ففيه مدح لحاليه من القيام والمشي أو الجري هنا بمعنى المشي لا الركض وان كان المشهور في الاستعمال أنهما بمعنى واحدة لأنه لو كان كذلك لم يغاير ما بعده أصلا. قوله : ( وقيل جمع جيد الخ ) مرضه لأنه لا فائدة في ذكره مع الصافنات حينئذ ، ولفوات مدح حاليه وكون الجياد أعم فذكره تعميم بعد تخصيص فيه نظر وقوله وأصاب ألف فرس فيه نظر لأنّ الغنائم لم تحل لغير نبينا صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث المشهور وكذا قوله فورثها منه لأنّ الأنبياء لا تورث إمّا لبقاء مالهم على ملكهم أو لمصيره صدتة أو لعوده لبيت المال أو لكونه وقفاً على ورثته على ما فصله المحدثون ، والفقهاء لكنه اختلف فيه فقيل هو مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم وقيل هو عام في جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لقوله ت!ز : " إنا معاشر الأنبياء لا نورث " فما ذكره المصنف مبنيّ على القول الأوّل إن صححوا خلافه وكون الأوّل فيها لا غنيمة والمراد بالإرث حيازة التصرّف لا الملك وعقرها تقرّبا لا يقتضي الملك بعيد ، وقيل خرجت من التجر بأجنحة فاستعرضها وقوله عن ورد أي أمر من العبادة صلاة أو ذكر استعارة من ورود الماء ولا يختص بالثاني كما تظنه العامّة وقوله تقرّبا بمعنى لا غضباً فيكون إسرافا مذموما. قوله : ( أصل أحببت أي يعدّى بعلى ( ظاهره أنه حقيقة لا تضمين ، وهو ظاهر قول الراغب في مفرداته قوله : { اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ } [ سورة التربة ، الآية : 23 ] أي آثروه عليه واقتضى تعديته بعلى معنى الإيثار فلا يرد عليه إنّ هذا تضمين أيضا لا فرق بينه ، وبين ما بعده فيجاب بأق الفرق أن الأوّل ملحق بالحقيقة لشهرته بخلاف الباقي ، وقوله لكن لما أئيب الخ أراد أنه مضمن معناه لكنه عدل عنه للمناسبة اللفظية ، وقصد التجنيس وفائدة التضمين إشارة إلى عروضه وجعله لاشتغاله به عنه ناب منابه وذكر ربي إمّا مضاف لفاعله أو لمفعوله. قوله : ( وقيل هو بمعنى تقاعدت الخ ( هذا ما نقله الزمخشري عن التبيان من أن أحببت هنا بمعنى لزمت كما في الشعر المذكور وقال ليس بذاك لأنها لغة غريبة والغرابة لكنة لا يليق تخريج القرآن عليها ولأنه كما في كتب اللغة ليس مطلق اللزوم بل لزوم البعير مكانه لمرض أو ئعب أو حران وهو لا يناسب لأنه هنا لزوم نشاط ، وما قيل من أنه من استعمال المقيد في
المطلق أو لزوم المكان لمحبة الخيل لكونه على خلاف بر. جعل كبعض أمراضه المحتاجة للتداوي بعقاقير العفر ونحوه من أضدادها ففي أحببت استعارة تبعية حسنة مناسبة للمقام ليس بشيء لأنا لا نقنع بصحته فضلا عن حسته الذي ادّعاه إذ الاستعارة الضدّية هنا خفية ، ولا قرينة عليها وما نقلت منه أخفى وأخفى فمثله من(7/308)
ج7ص309
التعسفات لا يليق وأيضا اللزوم لا يتعدى بعن إلا إذا ضمن أو تجوّز به فما الفائدة في استعمال لغة وحشية من غير فائدة ، وتضمين معنى مناسب مما يعدي بعن من أوّل الأمر ممكن ، ولما رأى المصنف ما في الكشاف مختلا عدل عنه مشيرا إلى إصلاح ما نقل بأن ما ذكروه من اللزوم أرادوا به التقاعد ، وهو الاحتباس المعوّق عن الأمر وهو يتعدى بعن من غير تضمين فقصر المسافة ، وجعل أحب بمعنى تقاعد أي احتبس دفعاً لبعض ما أورد على ذلك القيل كما ذكره المدقق في كشفه وبعد اللتيا والتي فهذا الوجه ضعيف مردود. قوله : ( مثل بعير السوء إذ أحبا ) رواه الجوهري :
ضرب بعير السوء إذا حبا
وهو من شعر وقبله :
كيف قريب شيخك الا زبا
وقيل :
تبا لمن بالهوى قدالبا
وبعير السوء بمعنى السيء لكنه غير مرضي له واجب بمعنى لزم مكانه كما فسر المصنف. قوله : ( وحب الخير مفعول له ) أي على هذا الوجه فتقديره تقاعدت وتعوّقت عن ذكر ربي لأجل حب الخير وهذا بيان إذ ما قيل من أنّ قوله حب الخير يقتضي إن أحببت بمعناه المشهور لا بالمعنى المذكور وعلى الوجه السابق هو مفعول به أي آثرت حب الخير ، أو مفعول مطلق ومفعوله محذوف ، وهو الصافنات أو عرضها ويجوز حمل أحببت على ظاهره ، وجعل عن متعلقة بمقدر كمعرضاً وبعيداً وكون عن تعليلية كسقاه عن العيمة بعيد ، وقوله الخيل الخ حديث صحيح والناصية الرأس ومعنى عقده بها إنه لا يفارقها لما فيها من العز
وثواب الجهاد. قوله : ( والمراد به الخ ( أي على تفسيري أحببت والخير على هذا من ذكر العام وإرادة الخاص وعلى الثاني من ذكر الشيء وارادة ملابسه ، ويجوز إبقاؤه على معناه إذا كان مفعولاً مطلقا. قوله : ( حتى توارث الخ ) متعلق بقوله أحببت وفيه استعارة تصريحية أو مكنية لتشبيه الشمس بامرأة حسناء أو ملك وباء بالحجاب للظرفية أو الاستعانة أو الملابسة. قوله : ( لدلالة العشي عليه ) رد على الإمام وغيره ممن رجح كون الضمير للصافنات لما في هذا من تفكيك الضمائر والإضمار من غير سبق ذكر بأنه مذكور حكصاً لأنّ العشيّ وقت غروب الشمس فهو يدل عليها تضمناً أو التزاماً وتخالف الضمائر مع القرينة لا ضير فيه ، وتوارى الخيل بالحجاب عبارة ركيكة والاعتراض بأنّ الاشتغال بها حتى تفوت الصلاة ذنب عظيم مشترك الإلزام لأنّ تواري الخيل في حجاب الليل يكون بعد العتمة مع أنّ النسيان لا يدخل تحت التكليف ، وفوت الصلاة وكون تلك الصلاة كانت مفروضة عليه غير معلوم والاصشتغال بخيل الحهاد عبادة وقوله ردّوها الخ ليس تهورا وتجبراً كما توهم بل إبتهالاً حيثما ألهاه قربانا له وكان تقريب الخيل مشروعاً في دينه فهو طاعة كما قيل ، وقيل على اشتراك الإلزام أنه غفلة عن قول الإمام إنّ المراد بتواريها التواري عن نظره لما أمر بإجرائها ، ثم أمر الرائضين بردها لا لتواري بظلمة الليل ، ورد بأنه لا غفلة فيه بل المراد أنه لا يتم ما لم يرد هذا فإن مجرّد تواريها عن نظره لا محذور فيه حتى يقتضي استقفاره وتوبته وقد روي أنّ الشمس غربت لاشتغاله بأمرها فالمعنى إنه إن أبقى على ظاهره خالف الرواية والدراية والأبقى المحذور ، فتأمّل. قوله : ( ردوها ) من مقول القول فلا حاجة لتقدير قول آخر كما في الكشاف ، وكون السياق يقتضيه لأنه جواب عن سؤال تقديره فما قال غير مسلم ولذا لم يلتفت إليه المصنف ، وقوله الضمير للصافنات هو المشهور وقيل إنه للشمس أيضاً وانها ردت له كما رد ليوشع ليصلي الصلاة في وقتها والخطاب للملائكة جمليهم الصلاة والسلام ، وهو مرويّ عن علي كرم الله وجهه فإن قلت على هذا برد الشمس تصير الصلاة أداء أم قضاء قلت الظاهر إنها أداء وقد بحث فيه الفقهاء بحثاً طويلا ليس هذا محله. قوله تعالى : ( { فَطَفِقَ } الخ ) هي من أفعال الشروع كما بينه النحاة ، وقوله يمسح مسحا إشارة إلى أنه مفعول مطلق لفعل مقدر هو خبر طفق لا حال مؤوّل بماسحا كما توهم وليس هذا مما يسد الحال به مسذ الخبر ، وقوله بسوقها الخ إشارة إلى أن التعريف للعهد أو أل قائمة مقام الضمير المضاف إليه ، وقوله يقطعها تفسير ليمسح والعلاوة بكسر العين الرأس ما دامت على الجسد وقد يكون بمعنى ما يزاد على الحمل واستعمال المسح بمعنى ضرب العنق استعارة وقعت في كلامهم قديما. قوله : ) وقيل الخ ( مرضه لأنه لا
يناسب السياق وردها لمجرّد المسح لا وجه له ، والرواية على خلافه أيضا فلا وجه لترجيح الإمام له ، وقوله على همز الواو أي الساكنة المضموم ما قبلها والقياس إبدال الواو همزة(7/309)
ج7ص310
إذا كانت مضمومة كادؤر فنزلوا ضمّ ما قبلها منزلة ضمها كما نبه عليه بقوله كموقن ، وقوله وعن أبي عمرو بالسؤق أي بهمزة مضمومة بعدها واو بوزن فسوق ، وهو جمع ساق أيضاً وما ذكره بعض أهل اللغة من همز الساق فهو إبدال على غير القياس إذ لا شبهة في كونه أجوف فما قيل من أنه لا حاجة إلى جعل الهمزة بدلاً من الواو لأنه لغة فيه لا وجه له واقامة المفرد مقام الجمع فيه كلام سيأتي تحقيقه.
قوله : ( ثم أناب ) عطفه بثم وكان الظاهر الفاء كما في قوله فاستغفر ربه قيل إشارة إلى استمرار نابته ، وامتدادها فإنّ الممتذ يعطف بها نظراً لأواخره بخلاف الاستغفار فإنه ينبغي المسارعة إليه ، وقوله وأظهر ما قيل فيه أي في معنى الفتنة والآية ، الحديث المرفوع ما انتهى سنده إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقابله الموقوف ، وهذا رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي اللّه عنه لكن الذي في البخاري أربعين وان الملك قال له فل إن شاء اللّه فلم يقل وغايته ترك الأولى فليس بذنب ، وقوله فلم تحمل بالتاء وروي بالياء بتأويله بشخص وشيء ونحوه ومعنى جاءت ، ولدت ومعنى إلقائه على كرسيه وضع القابلة أو لفه له عليه ليراه ، وقوله فوالذي الخ هكذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقسم ومعنى بيده في تصرّفه إن شاء أحياها وان شاء أماتها ، وقوله على قتله أو إفساد عقله حتى لا يسخرهم بعد سليمان عليه الصلاة والسلام ، وقوله فكان يغدوه الخ أي جعله مع
ظئره فيه بحيث لم يروه حين وضعه وهم لا يعلمون الغيب فلا وجه لما قيل ما فائدة وضعه فيه ، والشياطين يقدرون على الصعود للسحاب ، وقوله إلا أن ألقي أي إلا ملقي وهو استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال ، وتيل بدل من به أي بشيء من أحواله إلا بإلقائه ، وقوله لم يتوكل أي توكل الخواص اللائق به ، وهو عدم مباشرة الأسباب إذ ما فعله لا ينافي التوكل كما في أعقلها وتوكل ، وقوله صيدون بصاد مهملة ودال مهملة اسم مدينة في جزائر البحر فقوله مل الجزائر بيان لها ، وقوله أصاب أي وجدها فأخذها وتزوّج بها وجرادة اسمها ويرقأ مهموز بمعنى ينقطع وولائدها جمع وليدة بمعنى مولودة والمراد به الجارية ، وقوله يسجدن هو الصحيح وفي نسخة يسجدون وهو سهو من الناسخ وآصف وزيره ، وقوله وكان ملكه فيه يعني كان الله قدر له ملكه ما دام الخاتم معه فإذا فارقه نزع ملكه كما في بعض الطلسمات ومثله مستبعد في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكنه تعالى لا يسئل عما يفعل وخروجه باكيا توبة فقوله : ثم أناب المراد قبلت توبته أو تمام توبته إنما كان بعد استيلاء الشياطين فلا تنافيه ، ثم كما قيل مع أن هذا معطوف بالواو وهي لا تقتضي ترتيباً. قوله : ) دخل للطهارة ( أو جامع وقوله إلا في نسائه ، وقيل إنه كان فيهن أيضاً وإنما عرفته لأنه كان يجامعهن في الحيض ولا يتغسل من الجنابة ولبعد هذه الرواية عن مقام العصمة لم يذكرها المصنف وقوله غير سليمان عن هيئته بقدرته تعالى كما ألقى شبه عيسى عليه الصلاة والسلام على غيره وقوله يتكفف أي يسأل ، وقيل هذا لمن يسأل لأنه يمد كفه وقوله فطار أي ذهب عن كرسيه في الهوى ، ورمي بالخاتم في البحر لئلا يأخذه غيره ، وقوله فوقعت في يده أي السمكة لأنه كان خدم أولئك الصيادين ، ويقر بمعنى شق. قوله : ( لأنه كان متمثلاَ الخ ) جواب عن أن الجسد بلا روح وصخر الجنى المتمثل له روح فأجاب بأنه تمثل بصورة غيره وهو سليمان ، وتلك الصورة المتمثلة ليس فيها روح صاحبها الحقيقيّ ، وإنما حل في قابلها ذلك الجني فلذا سميت جسداً وفي القاموس الجسد الإنسان والجنى ، والتجوّز أقرب من هذا فلا مانع منه ، وقوله والخطيئة الخ توجيه لهذه القصة ورد على ما في الكشاف من أنها من افتراء اليهود فإنه لا يليق بمقامه صلى الله عليه وسلم ما ذكر فإن ابن حجر قال إن هذه القصة رواها
النسائيّ وغيره بإسناد قوي. قوله : ( لا يتسهل الخ ا لأن أتبغي مطاوع بغاه بمعنى طلبه فلذا لم يستعمله بمعنى لا يصح ولا يتيسر ، ولا يليق فإنّ ذلك كله من شأنه أن لا يطلب ، وقوله ليكون معجزة الخ فليس طلبه للمفاخرة بأمور الدنيا الفانية وإنما هو كان من بيت نبوّة ، وملك وكان زمن الجبارين وتفاخرهم بالملك ومعجزة كلى نبيّ من جنس ما اشتهر في عصره كما غلب في عهد الكليم السحر فجاءهم بما يتلقف ما أتوا به ، وفي عهد خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم القصاحة فأتاهم بكلام لم يقدروا على أقصر فصل من فصوله فقوله من بعدي بمعنى من دوني وغيري كما في قوله : ( فمن يهتد به من بعد الله )(7/310)
ج7ص311
[ سورة الجاثية ، الآية : 23 ] أي غير الله. قوله : ( أو لا ينبغي لآحد أن يسلبه ) هذا تفسير آخر لا تفصيل لما أجمل ولا تقدير شيء في النظم كما توهم ، ومن بعدي بمعنى غيري ممن هو في عصري وكون ملكه لغيره في عهده إنما هو بسلبه منه كما وقع لصخر معه فمعناه الدعاء بعدم سلب ملكه عنه في حياته ، ولا تقدير فيه باًن يكون أصله بعد السلب شيء. قوله : ( أو لا يصح لآحد من بعدي ) فقوله من بعدي بمعنى غيري أيضا ولكنه مطلق لا يختص بعصره ، وهو كناية عن عظمته سواء أكان لغيره أم لا فإنها لا تنافي إرادة الحقيقة وعدمها فلا ينافي ما في الحديث تفلت عليّ شيطان البارحة فأردت أن أربطه بسارية من سواري المسجد ثم تذكرت دعوة أخي سليمان عليه الصلاة والسلام كما توهم ، وهذا مراده وليس في كلامه ما يأباه إذ قوله لعظمته صريح فيه ومثاله لفلان ما ليس لأحد من كذا وربما كان في الناس أمثاله إذ المراد أنّ له حظا عظيماً وسهما جسيماً كما وضحه في الكشاف ، وقوله على إرادة الخ هو ما فيه بعينه والمنافسة الحسد ، والبخل وأصله تقديم نفسه على من سواه لشره عينه على الدنيا فمن قال الحق أني قول معناه ملكاً عظيما لم يفهم مراده. قوله : ( وتقديم الاستغفار الخ ) يعني أنه دعاء بالمغفرة حين طلب ما طلب لأنّ الظاهر وقوعهما على وفق النظم وكون ما طلبه معجزة فاللائق كونها في ابتداء أمره غير مسلم ، ولو سلم فليس هنا ما ينافي وقوعه في ابتدائه أو جعل رجوعه بعد الغيبة كالابتداء وما يجعل الدعاء بصدد الإجابة التوبة أو تجديدها ، ونحوه مما ذكر في الآداب والوجوب ليس شرعيا ولا عقليا هنا بل لزومه لمن يتحرى الأحسن أو هو مبالغة في استحبابه ، وما قيل من أن كلامه مشعر بأن المقصود الاستيهاب والاستغفار وسيلة له وفيه أنّ الوقوع في الفتنة يقتضي الاهتمام بأمر الاستغفار وتقديمه غير صحيح لأنّ قوله لمزيد اهتمامه بأمر الدين يفيد أنّ الاستغفار مقصود لذاته ووسيلة لمقصود آخر مع أنه غفل عن قوله { ثُمَّ أَنَابَ } ، وقوله بفتح الياء أي في بعدي وذللنا هنا
بمعنى سهلنا. قوله : ( إجابة لدعوته ) هذا جار على الوجه الأوّل والثالث من تفسير لا ينبغي دون الثاني فإنه كان بعد سلب صخر إلا بتأويل فأدمنا له تسخير الريح أو فرددنا له تسخير الريح كما كان فيكون بعد إنابته ، وقراءة الرياح هو الدموافق لما مؤ من أنّ الريح تستعمل في الشرّ والرياح في الخبر. قوله : ( لا تزعغ الخ ) أي لا تحرك لشدتها فإن قلت هذا ينافي قوله في القراءة الأخرى ولسليمان الريح عاصفة لوصفها ثمة بالشدّة وهنا باللين قلت اقد أجاب السمرقندي عنه بانها كانت في أصل الخلقة شديدة لكنها صارت لسليمان لينة سهلة ، أو أنها تشتدّ عند الحمل وتليبئ عند السهر فوصفت باعتبار حالين أو إنها شديدة في نفسها فإذا أراد سليمان لينها لانت كما. قال بأمره أو أنها تلين وتعصف باقتضاء الحال وفي تفسيره هنا ما يشير !إلى أنّ المراد بلينها انقيادها له فلا ينافي في عصفها واللين يكون بمعنى الإطاعة والصلابة . بمعنى العصيان ومنه التصلب في الدكن وقد مرّ في سورة الأنبياء. قوله : ( أراد ) تفسير لأصاب فإنه بمعنى فعل الصواب غير مناسب هنا ولقي رؤية رجلاً فقال له أين تصيب أي تريد ولظهوره في المثال المذكور أتى به المصنف لأنه لو كان بمعناه المعروف لم يصح قوله فأخطأ ، وقيل إنه من أصاب بمعنى نزل وهمزته للتعدية أي حيث أنزل جنوده وحيث متعلقة بسخر أو بتجري ، وقوله بدل منه كل من كل إن كان تعريف الشياطين للعهد وهم المسخرون أو أريد من له قوّة البناء والغوص والتمكن منهما أو بعض إن لم يقصد ذلك فيقدر ضمير أي منهم. قوله : ( عطف على كل ا لا على الشياطين لأنهم متهم إلا أن يراد العهد ولا على ما أضيف إليه كل لأنه لا - يحسن فيه إلا الإضافة إلى مفرد منكر أو جيمع معرف وقوله ، ولعل أجسامهم الخ جواب سؤال تقديره إنها أجمكام لطيفة ولذا لا ترى وتقبل التشكل فلا يمكن تقييد!ا ولا إمساك القيد لها فدفعه بأنّ لطافتها بمعنى كونها شفافة ، والشفافية لا تنافي الصلابة كما في الزجاج لكن فيه إنّ اللطافة- بمعنى الشفافية لا تقتضي. عدم الرؤية كما في الثلج والزجاج غير ا الملون فلذا قال يمبهق ، ثم قال والأقرب لما فيه من المبعد وقربه لأنه بمعنى المنع مجازا فلا يكون !في ربط بقيد وكحوه. قوله : ( وهو القيد ) وقيل الغل ، وقيل الجامعة وهو الأنسب بقوله مقرنين لأنّ التقرين بها غالباً وقوله لأنه يرتبط المنعم عليه أي يربطه لأن ارتبط كربط متعد أي يربطه بمن أنعم عليه كما قيل غل يداً مطلقها وأرق رقبة معتقها ، ومن وجد لإحسان قيداً تقيد ، وفي بعضها بالمنعم
بالباء فهي زائدة في المفعول ولو جعل(7/311)
ج7ص312
ضمير أنه للمنعم عليه وهو مفهوم من السياق ، ويرتبط بالمنعم بزنة الفاعل صح فتدبر. قوله : ( وفرقوا يين فعليهما الخ ) الظاهر أنّ النكتة وهي زهرة لا تحتمل الفرك أنّ الثلاثي يستعمل فيما هو الأصل في مادّته والمزيد في الطارئ عليه إذا تغاير معناهما وفصد الفرق بين معنييهما ، وأصل هذه المادّة للقيد فلذا ورد فعله ثلاثياً على الأصل ، وإنما سمي العطاء به لكونه يقيد المنعم عليه كما قال عليّ كرم الله وجهه من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك وهو كثير في الشعر والنثر ، وكذلك في الوعد فإنّ الأخبار من شخص بما سيفعله إنما يكون تبشيراً فيما يسرّ غالباً لأن كل فطرة مجبولة على الخير في الأصل ، وهو الوعد وما سواه فوارد على خلاف الأصل تمليحاً أو لأنه لا يخلو عن سرور لضدّه ، وربما أشعر بهذا كلام الزمخشري ، وقيل القيد ضيق فناسب تقليل حروفه والعطاء واسع فناسب تكثير حروفه ، وقيل زيادة المبني تدلّ على زيادة المعنى فتقليل حروف الوعد يدلّ على أنه ينبغي تقليل زمنه وأهنأ البرّ عاجله بخلاف الإيعاد المحمود خلفه فينبغي فيه عكسه وكذا الصفد والأصفاد فإنّ من الحسن تقليل ما فيه مضرّة وتكثير غيره ، واعتبر في أحدهما الزمان وفي الآخر الحدث لأنّ الوعد والوعيد من الأقوال ولا عبرة بكثرتها ، وقلتها فلذا اعتبر ذلك في زمانهما ولا كذلك الآخر ، وهذا تخيل لا وجه له فإنه لم يذكر من أهل العربية إنّ قلة الحروف ، وكثرتها تدلّ على قصر الزمان أو طوله وإنما الذي ذكروه في الحدث مع عدم اطراده هذا ما ذكر هنا من القيل والقال ، وليس فيه ما يبل الغليل ، والتحقيق عندي أنّ هنا مادتين في كل منهما ضار ونافع ما قل لفظه وما كثر ، وقد ورد في إحداهما الضار بلفظ قليل مقدم والنافع بلفظ كثير مؤخر ، وفي الأخرى عكسه ووجهه في الأولى أنه أمر واقع لأنه وضع للقيد ، ثم أطلق على العطاء لأنه يقيد صاحبه ولذا تيل للقيد والعطاء صفد ، وعبر بالأقل في القيد صيغة المناسب لقلة حروفه وباكثر في العطاء لأنه من شأن الكرم ، وقدم الأوّل لأنه أصل أخ! وعكس! ذلك في وعد فعبر في النافع بالأقل وقدم وأخر الضار وكثر حروفه لأنه أمر مستقبل غير واقع والخير الموعود به يحمد سرعة إنجازه وقلة مدة وقوعه بأن أهنأ البرّ عاجله وهذا يناسب قلة حروفه بخلاف الوعيد فحمد تأخيره لحسن الخلف ، والعفو عنه فناسب كثرة حروفه وليس هذا لدلالته على طول زمانه وقصره كما توهم لأنه ماض ، وهذا مستقبل بل بحسب المعنى الموضوع له ، وهذا تحقيق في غاية الحسن وما عداه وهم فارغ فأعرفه ومما يتعجب منه ما قيل إنّ النكتة إنّ الهمزة للسلب وصفد وقيد وأصفده أزال قيد افتقاره ووعده بشره بما يسره ، وأوعده أزال سروره بما يسر إلى غير ذلك مما لا طائل تحته. قوله : ( أي هذا الذي أعطيناك الخ ) إذا كانت الإشارة إلى العطاء المذكور يكون الأخبار عنه بعطاؤنا غير مفيد فيجعل بغير حساب قيداً له لتتم الفائدة أو ذكره ليس للأخبار به بل ليرتب عليه ما بعده كقوله :
هذه دارهم وأنت مشوق ما بقاء الدموع في الآماق
وقوله يسلط به الظاهر عليه لكنه ضمته معنى يظفر به ، وقوله أعط تفسير لأمنن لأن المن يكون بمعنى الأنعام وتعداد النعم والمراد الأوّل بدليل ما قابله. قوله : ( حال الخ ( فإذا كان حالاً من الفاعل كانت الباء للملابسة ومعناه غير محاسب عليه بصيغة المفعول والمعنى غير مسؤول عنه في الآخرة أو هو مفوّض إليك أمره في الدنيا ، واختار هذا المصنف ، وقوله وما بينهما اعتراض على الوجهين فلا يضرّ الفصل به والاعتراض يقترن بالواو وقد يقترن بالفاء كقوله : وأعلم فعلم المرءينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا
فالفاء على هذا اعتراضية ، وفي غيره جزائية كما ذكره النحاة وعلى الحالية العامل معنويّ وقوله عطاء جمّ لأنه يعبر عن الكثير بلا يعد ولا يحسب ونحوه وهذا أحد الوجهين في معناه ، وقيل معناه لا يحاسب عليه في الآخرة. قوله : ( وقيل الإشارة الخ ( مرضه لعدم ملاءمته لتفريع قوله فامنن الخ كما أشار إليه والمن قد يكون بمعنى الإطلاق كما في قوله : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء } [ سورة محمد ، الآية : 4 ] وعلى هذا فقوله بغير حساب حال من الضمير المستكن في الأمر ويجوز فيه غيره من الوجوه لكن هذا أولى ، وقوله وأنّ له عندنا لزلفى أي قرباً إشارة إلى أنّ ملكه(7/312)
ج7ص313
لا يضرّه ولا ينقص شيئا من مقامه ، وقوله هو ابن عيص قد سبق في الأنعام إنّ عيص جدّه لأنه ابن أموص ابن عيص كما وقع في نسخة هنا ، وهو متفق عليه كما في مرآه الزمان. قوله : ( بدل من عبدنا ) أي بدل اشتمال أو من أيوب كما في الكشاف ، ورجح الإبدال من الأوّل لأنه المقصود بالذات والزمخشريّ رجح إبداله من أيوب لقربه منه ، وقوله أو عطف بيان هذا مخالف لما اتفق عليه النحاة كما سيأتي قريبا ، وقوله لقال إنه مسه بالغيبة لأنه غائب. قوله : ( والإسناد الخ ) يعني إن مسه بما ذكر من الله فأسند إلى الشيطان لأنه سببه لما وسوس له فصدر منه بسببط وسوسته أمر اقتضى أن اللّه ابتلاه بهذه البلية ، وقوله لما فعل ما فيه مصدرية أي لفعله
بوسوسته ، وقوله كما الخ ثمثيل لفعل وهو الإعجاب أو عدم الإغاثة. قوله : ( أو لسؤاله امتحاناً ) معطوف على قوله لما فعل الخ والضمير المضاف إليه السؤال لأيوب أي إن أيوب عليه الصلاة والسلام سأل البلاء من الله ليمتحن ويجرّب صبره على ما يمسه كما قيل :
وبما شئت في هواك اختبرني ~ فاختياري ما كان فيه رضاكما
فسؤاله البلاء دون العافية ذنب بالنسبة لمقامه لا حقيقة فلما مسه من الله ذلك بذنبه أسنده للشيطان لأنّ الذنوب أكثرها من إلقائه ، والمقصود منه الاعتراف بأنه ذنب أو تأدّب إذ لم يسنده إلى الله ، وامتحانا مفعول له لسؤال أو لمسه أو لهما على التنازع ، ولا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز لأنه يقدر في أحدهما ولو سلم فلا محذور فيه عند المصنف ، وقيل الضمير للشيطان لما في بعض التفاسير إنه سمع ثناء الملائكة عليه فسأل الله أن يسلطه عليه ليعلم حاله والله أعلم بصحته. قوله : ( أو لآنه الخ ) معطوف على قوله لما الخ فيكون أيضاً من الإسناد إلى السبب ، وعلى الوجه الذي بعده الإسناد إلى الشيطان أيضاً حقيقيّ لأنّ النصب والعذاب الوسوسة ويغريه من الإغراء وهو الحث عليه ، والجزع عدم الصبر ، وقوله للتثقيل ظاهره إنها حركة عارضة لا لغة أصلية ، ولذا قيل المعتاد التخفيف لا التثقيل فعليه أن يقول ، وهي لغة ولا مانع من كونها عارضة للاتباع دلالة على ثقل تعبه وشدته فتدبر. قوله : ( حكاية لما أجيب به ) إشارة إلى أنه بتقدير فقلنا له اركض الخ وفي هذه الآية حدّف كثير لكن فحوى الكلام دالة عليه دلالة أغنت عنه حتى كأنه مذكور فهي من بديع الإيجاز إذ في دعائه لا بد من تقدير مسني الضرّ فاكشفه عني ، وفي هذا فاستجبنا له وقلنا له اركض وبعد قوله برجلك فركض فنبعث عينان فقلنا له هذا الخ كما أشار إليه المصنف. قوله : ) أي مغتسل به ( يعني مغتسل اسم مفعول على الحذف والإيصال لا اسم مكان وهو الماء الذي يغتسل به ، والشراب ما يشرب منه ليبرأ باطنه وظاهره ،
وقوله وقيل الخ مرضه لأنّ ظاهر النظم عدم التعدد ، وبارد حينثذ صفة شراب مع أن تقم عليه صفة لمغتسل وكون هذا إشارة إلى جنس التابع أو يقدر فيه ، وهذا بارد الخ تكلف لا يخرجه عن الضعف وقوله ووهبنا له أهله مرّ تفصيله في سورة الأنبياء فتذكره وقوله الضغث الحزمة وأصله الاختلاط ومنه أضغاث أحلام كما مرّ في سورة يوسف ، وقوله زوجته الخ سماها في سورة الأنبياء ما خير بنت ميشي ابن يوسف فلعل فيه روايتين واذا كان اسمها رحمة يكون في قوله رحمة منا تورية لطيفة. قوله : ( وهي رخصة باقية في الحدود ( في شريعتنا وفي غيرها أيضا لكن غير الحدود يعلم منها بالطريق الأولى ، وكون حكمها باقيا هو الصحيح حتى استدلوا بهذه الآية على جواز الحيل وجعلوها أصلاً صلحتها وقيل حكمها منسوخ ، وقيل إنه مخصوص بأيوب والصحيح الأوّل لكنهم شرطوا فيه الإيلام أمّا مع عدمه بالكلية فلا فلو ضرب بسوط واحد له شعبتان خمسين مرّة من حلف على ضربه مائة بر إذا تألم فإن لم يتألم لا يبر ولو ضربه مائة لأنّ الضرب وضع لفعل مؤلم يتصل بالبدن بآلة التأديب ، وقيل يحنث بكل حال كما فصل في شرح الهداية وغيره. قوله : ( ولا يخل به شكواه الخ ) جواب سؤال تقديره إنه نادى ربه بقوله مسني الشيطان الخ بأن الصبر عدم الجزع ولا جزع فيما ذكره وهذا جار على الوجوه السابقة في تفسيره ، وقوله مع أنه الخ جواب آخر بأنه لأمر ديني لا لغيره وهو ناظر إلى الوجهين الأخيرين وصبره الممدوح به في المصائب الدنيوية ما لم تضر بالدين وشراشره جملته ونفسه كما مرّ. قوله : ( أو على أنّ إبراهيم الخ ) على لأوّل عبدنا بمعنى عبيدنا ، وعلى هذا هو(7/313)
ج7ص314
على ظاهره والمراد إبراهيم وحده وخص بعنوان العبودية لمزيد شرفه ، وقوله عطف عليه أي على عبدنا وكان في الوجه السابق عطفاً على إبراهيم. قوله : ( أولى القوّة في الطاعة الخ ( فالأيدي مجاز عن القوّة مجاز مرسل والأبصار جمع بصر بمعنى بصيرة ، وهو مجاز أيضا لكنه مشهور فيه واذا أريد بالأيدي الأعمال فهو من ذكر السبب وإرادة المسبب والأبصار بمعنى البصائر مجاز عما يتفرّع عليها من المعارف كالأوّل أيضا ، وقوله وفيه تعريض أي على الوجهين لأنه لما عبر عن الطاعة ، والدين وعن العمل والمعرفة بالأيدي والأبصار كان فيه إشارة إلى أنّ من ليس كذلك
لا جارحة له ولا بصر ، وفي قوله الزمني خفاء لأن الزمن من لا يمشي أو ذو العاهة مطلقاً لا من لا يدله فكأنه جعل أولى الأيدي بمعنى أولى الجوارج تغليباً. قوله : ( تذكرهم الدار الآخرة الخ ) فالذكرى بمعنى التذكر ، وهو مضاف لمفعوله وتعريف الدار للعهد والدوام مستفاد من إبدالها من خالصة أو جعلها عين الخالصة ، التي لا يشوبها غيرها لأنّ ذكرى إمّا بدل من خالصة أو خبر عن ضميره المقدر وكلام المصنف محتمل لهما ، وقوله بسببها أي بسبب الآخرة فيه إشارة إلى أنّ باء بخالصة سببية ، وقوله واطلاق يعني بحسب الظاهر أو إذا لم يرد العهد لما ذكره وللفاصلة أيضا ، وقوله فإنّ الخ بيان لوجه تفسير ذكرى الدار واذا كان خالصة مصدرا كالكاذبة فهو مضاف لفاعله أو المعنى بأن خلص ذكر الدار ، وهو ممكن على القراءة الأولى أيضاً ، وقيل المراد بالدار الدنيا وذكراها الثناء الجميل. قوله : ( المختارين ( تفسير للمصطفين وقوله المصطفين عليهم الخ تفسير للأخيار على أنه جمع خير مقابل شز الذي هو أفعل تفضيل في الأصل أو جمع خير المشدّد أو خير المخفف منه ، وكان قياس أفعل التفضيل أن لا يجمع على أفعال لكنه للزوم تخفيفه حتى أنه لا يقال أخير إلا شذوذاً أو في ضرورة جعل كأنه بنية أصلية. قوله : ( واللام فيه الخ ) يعني أنها زائدة لازمة لمقارنتها للوضع ، ولا ينافي كونه غير عربيّ فإنها قد لزمت في بعض الأعلام الأعجمية كالإسكندر قال التبريزي في شرح ديوان أبي تمام أنه لا يجوز استعماله بدونها ولحن من قال إسكندر مجرد إله منها كما بيناه في شفاء الغليل ، وأمّا البيت المذكور فقد مرّ شرحه والشاهد في قوله اليزيد للزوم أل ولدخولها في يزيد ويسع على ما هو في صورة الفعل ، وليست فيهما للمح الأصل قال في القاموس : يسع كيضع اسم أعجمي أدخل عليه أل ولا يدخل على نظائره كيزيد. قوله : ( والليسع تشبيهاً بالمتقول من ليسع ) فيه تسامح والمراد ما في الكشاف إنّ حرف التعريف دخل على ليسع في الأنعام ، وعلى القراءتين هو اسم أعجمي دخلت عليه اللام ، وإنما جعله مشبها بالمنقول لأنه هو الذي تدخله أل للمح أصله كأنه فيعل من اللسع. قوله : ( واختلف في نبوّته ولقبه ) فقيل كان نبيا ، وقيل إنما
هو رجل من الصلحاء الأخيار ، واختلف في سبب تلقيبه به فقيل إنه كان أربعمائة نبيّ من بني إسرائيل فقتلهم ملك إلا مائة منهم إلياس كفلهم ذو الكفل وخبأهم عنده وقام بمؤنتهم فسماه الله ذا الكفل ، وقيل كان كفل أي عهد دلّه بأمر فوقي به ، وقيل إنّ نبياً قال من بلغ الناس ما بعثت به بعدي ضمنت له الجنة فقام به شاب فسمي ذا الكفل واختلف أيضا في اليسع فقيل هو إلياس وقيل غيره بل هو ابن عمّ له ، وقيل غير ذلك وقد تقدم فيه كلام. قوله : ( وكلهم ) يعني أنّ تنوينه عوض عن هذا المضاف المقدر ، وقوله شرق الخ لأنّ الشرف يلزمه الشهرة والذكر بين الناس فتجوّز به عنه بعلاقة اللزوم فيكون المعنى أي في ذكر قصصهم ، وتنويه الله بهم شرف لهم وأمّا إذا أريد أنه نوع من الذكر على أنّ تنوينه للتنويع ، والمراد بالذكر القرآن فذكره إنما هو للانتقال من نوع من الكلام إلى آخر ولذا يحذب خبره كثيرا فلا يقال إنه لا فائدة فيه لأنه معلوم إنه من القرآن كما أشار إليه المصنف بقوله ثم شرع الخ وجملة وإنّ للمتقين الخ حالية. قوله : ( عطف بيان لحسن مآب ا لأنه بتأويل مآب ذي حسن بإضافة الصفة للموصوف أو على الادّعاء مبالغة بجعلها كأنها هو فيتحدان ليصح البيان ، ولو جعل بدل اشتمال لم يحتج إلى ما ذكر ، وأمّ تخالفهما في التعريف والتنكير فهو مذهب للزمخشريّ كما ذكره ابن مالك في التسهيل فلا يرد عليه أنّ النحاة اختلفوا فيه فقيل يختص بالمعارف ، وقيل لا يختص لكنه يلزم توافقهما تعريفاً ، وتنكيراً وأمّ هذا فلم يقل به أحد ولا خاجة إلى أن يقال المراد بعطف البيان البدل فإنه خلاف الظاهر. قوله : ( وهو من الإعلام(7/314)
ج7ص315
الغالبة ) قيل الضمير لعدن ، وهو دفع لما قلى إنه غير معين ولا صالح للبيان فورد أنّ الأعلام الغالبة يلزم فيها الإضافة أو تعريفها باللام وهذا ليس بمسلم فإنه أغلبيّ كما صرّح به ابن مالك في التسهيل فليكن هذا من خلافه مع أنّ هذه الغلبة لو سلمت كانت تقديرية لأنّ عدن مصدر معناه الإقامة ، ولم نره استعمل قبله بمعنى الجنة والبستان أو المكان حتى يغلب في الجنة المعهودة فلو سلمت علميته ، أو قيل إنه نكرة كما في القاموس وغيره كان منقولاً من اسم معنى إلى اسم عين كالفضل ، وأمّا ما يورد عليه من أنّ إضافة الجنات إليه يصير كإنسان زيد وهو قبيح فغير مسلم لأنه كمدينة بغداد ولا قبح فيه وقيل : إنه لجنات عدن فالعلم مجموعه وبه يندفع بعض المحذور إلا الأوّل فإنه لا يندفع به كما توهم لأنّ المراد بالإضافة التي تعوضها العلم بالغلبة إضافة تفيده تعريفا كما صرّحوا به.
قوله : ( لقوله الخ ) باللام ووجه دلالته أنّ التي إما صفة عدن أو جنات ، وعلى كليهما يدل
على أنه معرفة لوصفه بالمعرفة إذ المضاف إليه لو لم يكن معرفة لم يتعرّف المضاف ، ووقع في
نسخة كقوله بالكاف وهي قليلة الفائدة فالصحيح الأولى نعم يرد على الأولى أنه لا دليل فيها لاحتمال كون التي بدلاً إذ لا يتعين كونه صفة حتى يتم لتغليب إلا أنّ إبدال المعرفة من النكرة غير حسن ولا يتبادر هنا. قوله : ( والعامل فيها ) أي في الحال ما في المتقين الخ يعني أنه حال من ضمير الجنات المستتر في خبران ، والعامل فيه استقرّ وحصل المقدر أو نفس الظرف لتضمن معناه ونيابتة عنه وليس في كلامه خفاء ، وقوله عنها أي عن ضميرها المستتر وهو سهل وقوله وقرئنا أي جنات ومفتحة والمحذوف ضمير المآب وعلى أنه مبتدأ أو خبر ارتباطه بما قبله أنّ الجملة مفسرة لحسن المآب لأنّ محصله جنات أبوابها فتحت لهم إكراماً فليس مغلقاً كما توهم أو هي معترضة والأبواب كما في الكشاف بدل من الضمير تقديره مفتحة هي الأبواب وهو بدل اشتمال ، وبقية الكلام في الشروح. قوله : ( حالان ) أي متكئين ويدعون وعلى التداخل فكيف يدعون حالاً من ضمير متكئين والحال حينئذ مقدرة لأنّ الاتكاء وما بعده ليس في حال تفتيح الأبواب بل بعده ، ولذا قال والأظهر الخ فيكون يدعون مستأنفاً في جواب ما حالهم بعد دخولها فالحال على ظاهرها ، ومتكئين قدم رعاية للفاصلة وكون الجنة أكلها للتفكه والتلذذ لا عن جوع قد مرّ الكلام فيه في الصافات وكون الفاصل هنا أجنبياً ظاهر وان توقف فيه بعضهم فتأمّل. قوله : ( لا ينظرن إلى غير أزواجهن ) أو منعن طرف الأزواج أن تنظر للغير لشدّة الحسن ، وهو أبلغ وقد مرّ ولدات جمع لدة كعدة أصله ولدة وهو كالترب من يولد معه في وقت واحد كأنهما وقعا على التراب في زمان واحد فترب فعل بمعنى مفاعل ومتارب كمثل بمعنى مماثل ، وقوله فإنّ التحاب الخ جعله في الكشاف توجيهاً لما بعده وهو الصواب لأنّ النساء الأتراب يتحاببن ويتصادقن وأمّا الأزواج والزوجات فكون الزوجات أصغر منهم أحب لهم لا التساوي ومن العجيب ، ما قيل إن ما فعله المصنف رحمه اللّه أحسن لأنّ الاهتمام بحصول المحبة بينه وبين زوجته لا بين الزوجات فتدبر ، وقوله أو بعضهن الخ فالتساوي في الأعمال على الأول بينهن وبين أزواجهن ، وفي هذا بين الحور العين ونساء الجنة. قوله : ( لأجله الخ ) فاللام تعليلية ، وقوله فان الخ بيان للتعليل فإنّ ما وعدوه لأجل طاعتهم وأعمالهم
الصالحة وهي تظهر بالحساب وتقع بعده فجعل كأنه علة لتوقف إنجاز الوعد عليه فالنسبة لليوم ، والحساب مجازية ولو جعلت اللام بمعنى بعد كما في كتب لخمس خلون سلم مما ذكر ، وقوله بالياء الخ وعلى قراءة التاء فيه التفات. قوله تعالى : ) { وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } ) قيل ظاهر المقابلة لما مرّيقتضي أن يقال لقبح مآب هنا أو ديما مضى لخبير مآب لكن مثله لا يلتفت إليه إذا تقابلت المعاني لأنه من تكلف الصنعة البديعية كما صزج به المرزوقي في شرح الحماسة وقيل إنه من الاحتباك وأصله أنّ للمتقين لخير مآب وحسن مآب ، وانّ للطاغين لقبح مآب وشر مآب وهو كلام حسن ، وقوله أي الأمر هذا فهو خبر مبتدأ مقدر أو مبتدأ خبره مقدر أو مفعول فعل مقدر وقد جوّز فيه أيضا كون ها اسم فعل بمعنى خذوذاً مفعول من غير تقدير ورسمه متصلا يبعد. ، والتقدير أسهل منه قيل وعلى هذا يلزم عطف الخبر على الإنشاء ، ولذا لم يتعرّض له الزمخشري ورد بأنّ هذه الجملة قصد بها الفصل من غير نظر لإنشايتها وخبريتها مع أنّ الجملة الثانية حالية ، والقول بأنها مؤوّلة بإنشائية تكلف فلا يرد ما ذكر(7/315)
ج7ص316
وفيه نظر ، وأنا ما قيل من أنه على تقدير هذا خبراً فهو من فصل الخطاب لا إذا قدر مبتدأ فقد رد بأنه منه على كليهما فهي تفرقة بلا فارق ، وقوله إعرابه ما سبق ويجوز كونه منصوبا على شريطة التفسير ، وقوله حال من جهنم أي من الضمير المستتر في قوله للطاغين الراجع لشر مآب المراد به جهنم ففيه ما مرّ من التسامح والحال مقدرة كما مرّ ، والمهاد كالفراش لفظاً ومعنى وكذا المهد وقد يخص بمقرّ الطفل. قوله : ( أي ليذوقوا الخ ) ذكر فيه ثلاثة أوجه أنّ هذا مبتدأ خبره حميم وجملة فليذوقوه معترضة كقولك زيد فافهم رجل صالح أو هو خبر مبتدأ محذوف ، وجملة فليذوقوه مرتبة على الجملة الاً ولى قبلها فهي بمنزلة جزاء شرط محذوف ، وحميم خبر مبتدأ محذوف أو هذا منصوب بمضمر يفسره فليذوقوه ، والفاء زائدة كما في { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } [ سورة المدثر ، الآية : 3 ] وقد تقدم الكلام في هذه الفاء في سورة النور ، وفي كونها تفسيرية تعقيبية ودلالتها على أن يكون لهم إذاقة بعد إذاقة فتذكره وقوله وهو أي حميم على الوجهين الأوّلين في هذا فليذوقوه وهذا المقدر ضمير يعود لاسم الإشارة ، وعلى هذا فالمشار إليه بهذا جنس ما أعدّ لشربهم فلا ينافي إفراد هذا تعدّده على بعض التقادير ، وان جاز كون الغساق والحميم صفتي موصوف واحد إذ اسم الإشارة يشار به للمتعدد كما في عوان بين ذلك فنزل كلاَ من
حأشبة الثهاب / ج 8 لم م ا ا
الوجوه فيما يليق به وغسق بمعنى سال كضرب ، وسمع وغساق مخففا ومشددا اسم لما ذكر ويحتمل أنه وصف وهو في التشديد أظهر. قوله : ( من مثل هذا المذوق الخ ) هذا وجه لأفراد الضمير مع أنّ الظاهر أن يثنى نظراً للحميم والغساق ، والإتيان باسم الإشارة للإشارة إلى تقدم ذكره لا لأنه مبني على الوجه الأوّل كما قيل وان صح فيكون قوله أو العذاب مبنيا على الثاني ، وقوله في الشدة متعلق بمثل لبيان وجه المماثلة بينهما ، وقوله وتوحيد الخ جواب عن سؤال مرّ بيانه فإن كانا صفتين لشيء واحد فهو إشارة لذاته بقطع النظر عن صفته وقوله بالكسر أي كسر شين شكله وهي لغة فيه كمثل ، وقوله أجناس إشارة إلى ما مرّ من أنّ الزوج يطلق على الذكر والأنثى وعلى كل متجانسين. قوله : ( خبر لآخر ) إشارة إلى الوجوه المذكورة في إعرابه على القراءتين في آض مفردا وجمعا لأنهم قالوا أخر مبتدأ ومن شكله خبره وأزواج فاعل الظرف أو آخر مبتدأ أو من شكله خبر المبتدأ فلا يرد أنها خلت من الضمير أو من شكله نعت لآخر المبتدأ أو أزواج خبره أي وأخر من شكل المذوق أزواج أو من شكله نعت آخر المبتدأ وأزواج فاعله ، والضمير لأخر والخبر مقدر أي لهم أنواع أخر من شكلها الأزواج أو الخبر مقدر وهو لهم ومن شكله أزواح صفتان لا آخر فالوجوه خمسة كما في الدرّ المصون ، ولا محذور في الأخبار بأزواج على أفراد آخر لأن المراد به نوع آخر وكذ! إذا كان صفة له ، وقوله أو للثلاثة أي صفة للثلاثة ، وهي حميم وغساق وآخر وتقدير الخبر على الوجه الرابع. قوله : ( حكاية ما يقال للرؤساء ) من أهل الضلال تقريعاً لهم وفيه إشارة إلى ارتباطه بما قبله بتقدير فيقال لهم عند الدخول هذا الخ ، والقائل ملائكة العذاب أو بعضهم لبعض كما في الكشاف ولا حاجة على الثاني إلى أن يقال مقتحم معنا ولا مرحبا بكم دون بهم لا لأنه حكاية بحسب المعنى كما قيل بل لأنّ خطاب معكم من بعضهم أي الرؤساء لبعض منهم وضمير بهم للاتباع والدعاء عليهم من غير مواجهة لهم ، وما ذكره بناء على الظاهر من تخاطب الاتباع والرؤساء لا من تخاطب بعض أحد الفريقين لآخرين منهم كما قيل. قوله : ( واقتحمها معهم فوج تبعهم في الضلال ( ظاهره أنّ مع يجوز تعلقه باقتحم فيكون ظرفا له ، وقد جوّز في معكم أن يكون نعتا ثانياً لفوج أو حالاً منه لأنه قد وصف أو من الضمير المستتر في مقتحم وقال أبو البقاء لا يجوز أن يكون ظرفا لفساد المعنى فقيل لم أدر من أيّ وجه يفسد والحالية ، والصفة في المعنى كالظرفية ووافقه المدقق في الكشف فقال إن كان الفساد لإيتائه عن تزاحمهم في الدخول فليس بلازم فإنه مثلى ضربت معه زيداً للمشاركة في المضروبية مطلقاً فالمراد اشتراكهم في ركوب قحمتها ومقاساة شدّتها في زمان متقارب عرفا ، ولو قيل هذا فوج معكم مقتحمون لم يفد أقتحام المخاطبين
ويفسد المعنى ولا فرق بينه وبين الحالية فقيل عليه إنه حال لا ظرف إذ ليس المراد أنهم اقتحموا في الصحبة ودخلوا فيها بل اقتحموا في النار مصاحبين لكم ، ومقارنين إياكم فليس ما تقدّم وجه الفساد كما ظن وهو كلام فاسد لا محصل له لأنّ مدلول مع المعبر عنه بالصحبة معناه الاجتماع في التليس بمدلول(7/316)
ج7ص317
متعلقها فيفيد اشتراكهما أي الاتباع والرؤساء في الاقتحام لا في الصحبة كما توهمه ولا تدل على اتحاد زمانيهما كما صرح به في المغني ، ولو سلم فهو لتقاربه عدّ متحداً كما أشار إليه في الكشف فلا وجه لما قاله أبو البقاء ومن تبعه ولا للتوجيه المذكور ولبعضهم هنا كلام مخلول إن شئت فانظره. قوله : ( دعاء من المتبوعين الخ ) سواء كان القائل هذا فوج الخ الملائكة أو بعض الرؤساء لبعض ، وقوله أو صفة الخ فتؤوّل بمقولاً لهم لا مرحبا لأنه دعاء فهو إنشاء لا يوصف به بدون تأويل ، وكذا على الحالية أيضاً كما أشار إليه بقوله مقولاً الخ ، والمراد بمثله مستحقاً أن يقال لهم ذلك لا أنه قول حقيقة والحالية إمّا من فوج لوصفه المقرب له من المعرفة أو من ضميره وهو على هذا من كلام الخزنة إن كانوا هم القائلين أو من كلام بعض الرؤساء وبجوز كونه ابتداء كلام منهم وقوله أي ما أتوا بفتح الهمزة إشارة إلى ما قدروه وهو أتيتم رحباً أي مكانا واسعاً وبهم بيان للمدعو عليهم كما تبين اللام في سقيا له ونحوه ، ورحباً بضم الراء وهو لاسعة من الرحبة ، وهي الفضاء الواسع فقوله وسعة ئفسير له والمراد بما ذكر أن رحباً مفعول به لأتوا مقدراً وبهم على ما مرّ من البيان ، وما قيل إنه إئارة إلى كون الباء للتعدية ورحباً مفعوله الآخر لا وجه له ولا دلالة للكلام عليه وكون الباء لا تكون مبينة كاللام دعوى من غير دليل ، وقوله أنهم لخ تعليل لالى !حقاقهم للذعاء عليهم وصالو من التصلية ، والمراد بها الدخول لا معناها المشهور كما أشار إليه وقوله بأعمالهم مثلنا ليس من مدلول النظم بل بيان لمرادهم في الواقع. قوله : ( بل أنتم أحق بما قلتم ( إن كان الدعاء من المتبوعين ، أو قيل لنا إن كان من كلام ملائكة النار كما مرّ وقوله لضلالكم واضلالكم متعلق ثفوله أحق ، وقوله كما قالوا بيان لإضلالهم لهم. قوله : ( قدّمتم العذاب ) فالضمير له لفهمه مما قبله أو للمصدر الذي تضمنه الوصف وهو الصلى أي دخول النار ، وأشار بقوله بإغوائنا الخ بأنّ فه تجوّزاً كما قال المحقق إنّ فيه مجازين عقليين وهما إسناد التقديم إلى الرؤساء لكونهم سبباً للإغواء وايقاع التقديم على العذاب لوقوعه على عمل السوء الذي هو شب العذاب ففيه إسناد إلى ما هو السبب ، وايقاع على ما هو المسبب وكلاهما مجاز عقلي ، وقد يظن أنّ الثاني لغوي من إطلاق السبب على المسبب أي العذاب على العمل فليس في الكشاف تجوّز في الضمير
كما توهم. قوله : ( على ما قدّمتموه من العقائد ) متعلق بالإغواء أو الإغراء أو هما تنازعاه أي حثا على ما قدم من العذاب ، وهو إشارة إلى ما في التشبيه أو الضمير من التجوّز فإنّ المقدم ليس هو العذاب بل ما ذكر من العقائد والأعمال ، ورجوعه إلى الكفر بعيد وما قيل تقديم العذاب بتأخير الرحمة فلا مجاز فيه وكلام المصنف صريح في خلافه ومناد على عدم إرادته ، وقوله جهنم هو المخصوص بالذم المقدر ومن في قدم شرطية. قوله : ( مضاعفاً ) بيان للمعنى المراد منه ، وقوله أي ذا ضعف توجيه للتركيب بأن فيه مضافا مقدرا فلا يقال إنه كان حقه أن يقول أو ذا ضعف لأنه وجه آخر لكن لتقاربهما جعل أحد الوجهين تفسيرا للآخر لما فيه من التكلف ، وما ذكر بناء على أنّ الضعف المثل لا الزيادة المطلقة فيصير عذابه بزيادة الضعف مثلين لعذاب غيره فيوافق ما صرح به في الآية الأخرى ، وفي كون الآية موافقة لما ذكره نظر فتأمّل ، وقوله أي الطاغون قيل الأولى تفسيره بالاتباع لأنّ ما قبله قول لهم أيضاً. قوله : ( صفة أخرى ) وبجوز كونها مستأنفة لبيان ما قبلها ، وقوله بهمزة الاستفهام فتفتح وتحذف الثانية والتأنيب اللوم الشديد وضم الشين وكسرها قد مرّ تحقيقه وأنّ معناه الهزء. قوله : ( وأم معادلة الخ ) فهي على هذا متصلة لمقابلتها بالمنقطعة ، وهو خلاف ما اشتهر عن النحاة من أنه لا بد من تقدم الهمزة عليها لفظا أو تقديراً وما الاستفهامية لا تكون معادلتها وكذا غيرها من أدوأت الاستفهام لكنه ميل مع المعنى اكتفاء بكونه في معنى ما فيه الهمزة كما أشار إليه بقوله كأنهم قالوا ليسوا ، الخ والزمخشري ليس بمقلد لغيره ولا مانع منه غير التقليد. قوله : ( على أنّ المراد نقي رؤيتهم الخ ) يعني أنّ قوله ما لنا لا نرى بمعنى لم نرهم كما مرّ بيانه في قوله : { مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ } إذ محصل المراد منه أهم غائبون أم أبصارنا زاغت عنهم ، وقوله أو لاتخذناهم أي معادل لأتخذناهم على قراءته بهمزة استفهام لما مرّ عن النحاة من اشتراطه ، وهو ظاهر بحسب اللفظ لا بحسب المعنى فإنه لا يقابل بين زيغ الأبصار واتخاذهم سخرية ، ولذا جعله
كناية عن لازمه وهو التحقير(7/317)
ج7ص318
لأنّ من يحقر أمراً لا ينظر إليه لكنه لا يخلو من شيء. قوله : ( أو منقطعة ) معطوف على قوله معادلة لأنه بمعنى متصلة وهذا يجري على القراءتين والمقصود أيضا لومهم لأنفسهم وتحقيرهم لهم ، وقوله لك الدّي حكينا. مما جرى بين رؤس الكفر وأتباعهم ، وقول لا بد الخ يعني أنّ حقيته المراد بها تحققه في المستقبل. قوله : ( وهو بدل من حق الخ ) والمبدل منه ليس في حكم السقوط حقيقة ، والمراد بالتخاصم التقاول مع أنه لا منع من إرادة حقيقته وقوله على البدل من ذلك لم يلتفت إلى ما في الكشاف من كونه صفة لاسم الإشارة لأنه مردود بأنّ وصف اسم الإشارة وان جاز أن يكون بغير المشتق إلا أنه يلزم أن يكون معرفا بالألف واللام كما ذكره في المفصل من غير نقل خلاف فيه بين النحاة ، واسم الإشارة لا يجوز الفصل بينه وبين نعته فكلامه مخالف لعامّة النحاة ، ولما قرّره وهو في مفصله مع ما فيه من الفصل الممتنع أو القبي ، وقد تصدى بعضهم لتوجيهه وترك المصنف له كفانا مؤنته. قوله تعالى : ( { قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ } ) القصر فيه إضافي أي لا ساحر ولا كذاب كما زعمتم وخصه بالذكر لأنّ الكلام مع المشركين وحاله معهم مقصور على الإنذار كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله للمشركين ، وقوله الذي لا يقبل الشركة يحتمل أنه تفسير لقوله لا إله إلا الله وقوله والكثرة تفسير للواحد لأنه هو الذي لا يقبل التعدد في جزئياته ، ولا في أجزائه ويحتمل أنه بيان للوحدة يعني لا كثرة في ذاته بحسب الجزئيات بأن يكون له ماهية كلية ولا بحسب الأجزاء ، ومعنى الآية إني مبعوث بالإنذار والدعوة لتوحيد العزيز القهار ، وقوله في ذأته إشارة إلى أنه يقبلها في صفاته كما هو مذهب أهل الحق. قوله : ( منه خلقها وإليه أمرها ) أي راجع ومفوّض إليه تدبير جميع أمورها وهذا يفهم من الربوبية فإنه إذا كان هو المربى لجميع الكائنات لزم ما ذكر ولا يخفى مناسبة وصف التفرد بالألوهية ، والأحدية لكونه القهار وتربية جميع الكائنات لأنه عزيز غفار ، وقوله إذا عاقب كان الظاهر لا يغلب ولا يمنع من شيء مّا لكنه لمقابلته هنا بالغفار فسره بما ذكر. قوله : ( وفي هذه الأوصاف الخ ) كونها تقريراً للتوحيد ظاهر إمّا الواحد فهو المقرر معناه ، وهو صريح فيه غير محتاج للبيان وأمّا القهار لكل شيء فلأنه لو
كان له إله غير. لزم مقهوريته وهو مناف للألوهية ورب السموات الخ بمعنى رب كل موجود فيدخل فيه كل ما سواه فلا يكون إلهاً والعزيز يقتضي أنه يغلب غيره ، ولو كان إلهاً كان غالبا لا مغلوبا وأمّ الغفار لما يشاء فلأنه لو كان إله غيره فربما أراد عقاب من غفر له فلا يكون إلها قادرا على المغفرة لكل ما يشاء ، والوعد والوعيد ليس من القهار والغفار فقط بل قد يفهم من غيرهما أيضاً لمن له نظر سديد. قوله : ( وتثنية ما يشعر بالوعيد ) أي تكريره ، وهو القهار العزيز وتقديم القهار على غيره مما وصف به الله الواحد لأنّ المقام مقام إنذار فناب الاهتمام به فقدم وكرر ، وقوله لأنّ المدعي وقع في نسخة المدعوّ له وهو بمعنى المطلوب. قوله : ( ما أنبأتكم به ) إشارة إلى أنّ الضمير المفرد رجع لما ذكر وهو متعدد لتأويله بما ذكر ونحوه ، وقوله وقيل ما بعده أي مرجع الضمير وهو هو فقوله هو المراد به نبأ آدم فهو مبهم يفسره ما سيأتي بعده ، ولا يخفى بعده ولذا مرضه وقيل : الضمير لتخاصم أهل النار أو أمر القيامة أو القرآن وهما مذكوران حكما ، وقوله لتمادي غفلتكم من اسم الفاعل الدال على الثبوت ، وقوله فإنّ العاقل لا يعرض الخ إشارة إلى أنّ في ذكر إعراضهم عما هو عظيم إيماء إلى أنهم ليسوا من ذوي العقول وقيل وضمع العاقل موضع المتنبه للملازمة بينهما ، وقوله ما مرّ هو ما أجرى عليه تعالى من الصفات المقررة للتوحيد كما مرّ والنبوّة مفهومة ، من قوله : { إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ } . قوله تعالى : ( { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى } ) عدى العلم بالباء للنظر إلى معنى الإحاطة ، والملأ المجصاعة الإشراف وهو اسم جمع ولذا وصف بالمفرد ، وقوله عن تقاول إشارة إلى أن المراد بالتخاصم المقاولة كما مرّ وقوله على ما ورد الخ إشارة إلى وجه قيام الحجة مما ذكر فإنّ تقاول الملائكة لا يطلع عليه فلا يسلمونه له إلا أنه لما ورد مطابقا للكتب قبله كما يعرفه أهل الكتاب ، ويسمعه غيرهم منهم دل على ما ذكر ومنه تعلم إنّ ما وقع في بعض التفاسير وشروح الكشاف من أنّ المراد به ما ورد في الحديث الصحيح من اختصامهم في الكفارات والمنجيات كأسباغ الوضوء ، وقيام الليل واطعام الطعام لا يتأتى هنا لأنّ المشركين لا يقرون به فمن رجحه(7/318)
ج7ص319
لم يصب والتعبير بيختصمون المضارع لأنه أمر غريب فأتى به لاستحضاره حكاية
للحال. قوله : ( وإذ متعلق يعلم ) منع هذا في الكشاف لأنّ علمه ليس في ذلك الوقت بل بعده فإن أريد بالنفي أنه لم يعلمه في ذلك الوقت بان يحضره ، وهو مما لا يعرف بالعقل فتعين كونه بوحي من الله حتى لا يرد ما ذكر ، وأنّ نفي علمه في ذلك الوقت لا يفيد نفيه مطلقاً صح لكن ليس في كلامه ما يدل عليه نعم لو أريد به تعلق المفعولية على أنه بدل من الملأ بدل اشتمال صح ، ويرد عليه ما ورد على التوجيه الأوّل فليس كلامه صافيا من الكدر ولا كلام في تعلقه بكلام فلو اقتصر عليه الزمخشريّ كان أولى. قوله : ( أي لأنما ) توجيه لقراءة الجمهور بالفتح بأنها على تقدير اللام لأنه يطرد حذفها مع أن وإن وقوله كأنه لما جوّز أنّ الوحي يأتيه الخ جوز بالبناء للمجهول أي لما جوّز الكفرة ذلك لإلزامهم بأنه يخبرهم بما لا يعلم إلا بوحي لا أنه مبني للفاعل ، والضمير للرّسول حتى يقال إنه لم يصادف محزه فيجعل مجازا عن ذلك كما قيل وعليه فيوحي مسند إلى ضمير المصدر أو إلى الجارّ والمجرور أو إلى ضمير ما يوحي المفهوم من الكلام ، وقوله إنما أنا منذر تقدّم توجيهه بأنّ الحصر إضافي بالنسبة إلى ما نسب إليه من السحر والكذب وخص الإنذار بالذكر لأنّ الكلام مع المشركين فلا يرد عليه أنّ الوحي لا ينحصر فيما ذكر من الإنذار كما توهم. قوله : ( بإسناد يوحي ) فالمعنى لا يوحي إلى إلا الإنذار وعلى الكسر المعنى ما يوحي إليّ إلا هذا القول ويجوز أن يقدر القول فيه وكلامه محتمل له. قوله : ( بدل من إذ يختصمون ) الظاهر أنه بدل كل ويجوز كونه بدل بعض ، وقوله مشتملة على تقاول الملائكة يؤيده سواء أريد بالنبأ العظيم قصة آدم عليه الصلاة والسلام أو غيرها كما مر والأظهر تعلقه باذكر المقدر على ما عهد في مثله ليبقى إذ يختصمون على عمومه ولئلا يفصل بين البدل والمبدل منه ، وليشمل ما في الحديث من اختصامهم في الكفارات ، والدرجات ولئلا يحتاج إلى توجيه العدول عن ربي إلى ربك ، وقوله الملائكة وابليس لم يذكر آدم كما في الكشاف لأن أنباءه لهم تقاول أيضاً اكتفاء أو لأنّ المراد كما أشار إليه التقاول في شأنه ، وقوله
اكتفاء بذلك أي بما مرّ في البقرة توجيه لكونه مبينا له ، وليس فيما ذكر بيان تخاصمهم وتقاولهم بأنه إشارة إلى قصة معلومة ذكر فيها ذلك وأورد عليه أنّ نزول البقرة متأخر عن نزول هذه السووة لأنها مدنية وهذه مكية فلا يصح الاكتفاء إحالة عليها قبل نزولها ووجه بأنّ المراد اكتفاء السامعين للقرآن بعد ذلك ، وفيه نظر. قوله : ( ومن الجائز الخ ) دفع لما يقال من أنّ التقاول لم يكن بين الملأ الأعلى فقد بل بين الله وبينهم ولا يصح جعل الله من الملأ الأعلى بأنّ تكليم الله لهم كان بواسطة من الملائكة فالتقاول ، إنما وقع بينهم أو يقال المراد بالملأ الأعلى ما عدا البشر فيشمله تعالى بطريق التغليب بقرينة قوله : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ } ولا يلزم إثبات جهة له تعالى. قوله : ( وأحييته بنفخ الروح فيه ) إشارة إلى أنه مجاز أو كناية عن إحيائه وقد مرّ في سورة الحجر معنى النفخ وتفصيله ، وقوله لشرفه أي إضافته له تعالى لتشريفه ، والمراد بطهارته سلامته من الأمور الجسمانية ونزاهته عن دنس العناصر لأنه من عالم الأمر ، وقوله فخروا بكسر الخاء أمر أي على الفور مبادرة لامتثال أمر من له الأمر ، وقوله تكرمة أي لا عبادة حتى يمتنع للمخلوق كما مرّ وقوله كلهم أجمعون في دلالة أجمعين على المعية الزمانية كلام في شرح الكشاف فانظره. توله : ( باستكباره الخ ) ولا ينافيه عدم ذكره بالفاء كما توهم لأنه قد يترك مثله إحالة على فطنة السامع ، أو ظهوره وأمّا كون ما ذكر غير مقتض للكفر فليس بشيء لأنّ التعاظم على أوامر الله كفر مع ما تضمنه من استقباحه ونسبة الجور له وفي بعض النسخ باستنكاره بالنون أي عده منكراً ، وقوله صار إشارة إلى أنه لم يكن كافرا قبل ذلك فإن أبقى كان على ظاهره فهو باعتبار علمه كما أشار إليه بقوله أو كان منهم في علم الله لعلمه بانه سيعصيه باختياره وخبث طويته لا أنه كان مضمراً للكفر حتى لا يلزم الجبر كما توهم. قوله : ( خلقتة بنفسي ) أطلق النفس عليه لأنّ المراد به الذات أي من غير واسطة ، وفوله والتثنية في يدي إشارة إلى ما قيل إنه تعالى منزه عن الجارحة ، واليد المضافة بمعنى القدرة أو النعمة لكنه لا يتاتى حمله على القدرة هنا فإنّ قدرته واحدة ومقدوراته غير متناهية ولا على النعمة فلا تنحصر بالتثنية فلذا قال إمام الحرمين يجوز الحمل على القدرة(7/319)
ج7ص320
والنعمة أو على نعمة الدنيا والآخرة فدفعه بأنّ المراد القدرة والتثنية للتاكيد الدال على مزيد قدرته لأنها ترد لمجرد
التكرار كارجع البصر كرتين فأريد به لازمه ، وهو التأكيد ولم يحمله على النعمة لأن هذا أنسب بالمقام ، وأمّا ما قيل من أنّ مراده أنّ اليد هنا مجاز عن الذات وروّج بتكلفات لا حاجة لذكرها فخطأ فاضح وسهو واضح ، وقوله من غير توسط أصله توسط شيء ليتضح قوله كأب الخ ولا حاجة لجعل التنوين عوضا من المضاف فإنه غير صحيح أو يقدر فيه مضاف أي لتوسط أب أو توسط بمعنى متوسط.
قوله : ( واختلاف الفعل ) هو معطوف على مزيد القدرة أي في إيجاده له تعالى أفعال مختلفة من كونه طينا مختمرا ، ثم جسما ذا لحم وعظم ثم نفخ الروج فيه وإعطاؤه قوّة العلم والعمل بما هو دال على مزيد قدرة خالق القوي ، والقدرة فهو كالتفسير لمزيد القدرة والمراد بالفعل فعل الله فيه فإن أريد اختلاف فعل الله فيه وفي غيره ، إمّا من جنسه حيث خلقه بغير أب وأم ونطفة ببديع صنعه فلذا جعل خلقه بكلتا يديه دون غيره أو من أنواع المخلوقات لما فيه من العقل ، والكمالات التي لا تحصى فهو على هذا ليس كالتفسير له ، وما قيل المراد اختلاف فعل آدم من أفعال ملكية كأنها آثار اليمين ، وحيوانية كأنها آثار الشمال وكلتا يديه يمين فتعسف. قوله : ( وترتيب الإنكار ) بالاستفهام الإنكاري فيما منعك عليه أي على خلقه بيديه يعني أنه أمر مستدع لتعظيمه للعناية الربانية التي حفت إيجاده أو هو لبيان شبهته في ترك السجود لأنه مخلوق مثله لا يليق السجود له ، والترتيب من إيقاعه صلة له لأنه كالتعليق بالمشتق المشعر بالعلية ومزيد الاختصاص من قوله بيدي كما مرّ ، وقد أورد عليه أنه إنما يظهر لو كان إبليس متولدا من جنسه ، وانّ استعماله سيما لا يوافق كلام أهل العربية قالوا وبعدها عاطفة أي له عظم شأن ومزيد اختصاص ، وليس هذا بشيء إمّا الأوّل فلأنّ مبناه على أن يراد بمزيد الاختصاص ما ذكره ، وليس بلازم لجوأز أن يراد ما خصه به من فضائل النبوّة فيه وفي نسله ونحوه ، مما اختص به النوع البشري ولو سل فخلقه بيديه أي مزيد قدرته واختلاف أطوار خلقه الموح فيه كمال العقل ، والعلم كما مرّ لا مجرّد كونه بغير واسطة ، وأمّا ما ذكره في سيما من حذف لا ووقوع جملة بعدها مقترنة بالواو سواء كانت حالية كما هو ظاهر كلام النحاة أو عاطفة كما ذكره في سيما من حذف لا ووقوع جملة بعدها مقترنة بالواو سواء كانت حالية كما هو ظاهر كلام النحاة أو عاطفة كما ذكره فهو مناقشة في العبارة تبعاً ذكره بعض النحاة ، وقد صرّح الدماميني في شرح التسهيل بصحته فلا عبرة بما ذكره. قوله : ( تكبرت من غير استحقاق ) كما يدل عليه سين الطلب ولذا قال في البقرة الاستكبار طلب التبهبر بالتتبع أو هو من مقابلته بقوله كنت من العالمين لأنه لا يقابله إلا إذا أوّل بما ذكر أو بما بعده من جعل
استكبرت بمعنى أحدثت الكبر والعلو أم أنت قديما كذلك. قوله : ( أو كنت ممن علا ) عدل فيه عن تعبيره في الكشاف بقوله من علوت فإنها أشكلت عليهم ، وحاولوا توجيهها فلم يأتوا بما يشفي الغليل قال المحقق تغليب جانب المتكلم أو الخطاب على الغيبة في صلة الموصول الجاري على المتكلم أو المخاطب فوقوعه خبرا عنه شائع ، ولا كلام في صحته وكثرة وروده مثل :
أنا الذي سمتني أمي حيدره
وأمّا في غير الجاري عليه نحو أنا من شغفت بكذا وأنت ممن عرفت بكذا فلا تعرف له استعمالاً في كلام العرب ولا وجه قياس في مذاهب النحو فالصواب ممن علا أو علوا ، وحمله على أنّ المراد ممن علوت منهم أي صرت فوقهم ليس معنى من العالين ، انتهى أقول الحق ما في الكشاف ولا تغليب فيه لأنّ منهم المقدّر يعود ضميره الغائب لمن ، وعلوت ضميره لا تغليب فيه وإنما ذكر لإبراز المعنى المراد من وصفه بزيادة العلو وتميز. على من عداه من جنسه ، وأمّا قوله إنه ليس معنى من العالين فهو غريب منه فإنهم قرّروا أنّ قولهم فلان من العلماء أبلغ من عالم فيدل على زيادة علمه ، واذا سلم فهو متميز على من سواه منهم والذي قصده الزمخشري إبراز معنى المبالغة فيه وكونه تركيبا لا يجري على قياس كلامهم أغرب فإنه ليس فيه إلا حذف عائد الموصوف من غير تجوّز ، ولا تكلف وإنما أطلت الكلام فيه لأنّ هذه العبارة وقعت في شرح العضد لابن الحاجب فتكلم شراحه فيها وأسهبوا بما يقضي منه العجب ، نعم ما ذكره يرد على الطيبي إذ صرح به بأنه من قبيل أنت الذي فعلت كذا. قوله : ( وقيل الخ ) فالعلو الاستكبار والتقابل بينهما بالحدوث والتقدم ، ولذا قيل كنت من العالمين دون أنت من العالين ، وقوله وقرئ بحذف الهمزة أي همزة الاستفهام(7/320)
ج7ص321
على أنها مقدّرة كما في قوله ة بسبع رمين الجمر أم بثمان
وأم متصلة وما نقله ابن عطية عن بعض النحاة من أنه لا يكون ذلك إلا مع إيجاد المتعادلين نحو أضربت أم لم تضرب صرح سيبويه بخلافه ، وتبعه فيكون على هذا بمعنى القراءة المشهورة بإثباتها مفتوحة وحذف همزة الوصل ، والاستفهام للتوبيخ فلا ينافي إثبات التكبر له في آية أخرى واذا كان ما قبله خبرا فهي منقطعة بمعنى بل ، وهذه القراءة منقولة عن ابن كثير. قوله : ( دليل عليه ) أي على المانع ، وأنه من العالين لعلو عنصره وأنه لا يليق به
السجود لمخلوق مثله فكيف من هو دونه وفيه ميل إلى الوجه الثاني وما سبق هو إبطال دليله ، وقوله من الجنة أو من زمرة الملائكة كما مرّ ، وقوله مطرود إشارة إلى أنّ الرجم كناية عن الطرد لأن المطرود يرجم بالحجارة كما يرجم هو بالشهب ، والمراد بقوله إلى يوم الدين والغاية إنه ينقل إلى ما هو أشد منه لا أنه تنتهي لعنته به والوقت المعلوم فسره في الكشاف بالنفخة الأولى ويوم الدين يوم القيامة ، وقوله بعزتك قسم بصفة من صفاته فإنه يكون بالصفة كما يكون بالذات. قوله : ( على اختلاف القراءتين ) أي بكسر اللام وفتحها كما مرّ وقوله فأحق الحق توجيه لقراءة النصب بأنّ الحق فيها مقابل الباطل ، وهو منصوب بفعل مقدّر من لفظه على أنه مفعول مطلق أو مفعول به وجوّز نصبه على الإغراء أيضا. قوله : ) وقيل الحق الأوّل اس! اللّه ( فإنه ورد إطلاقه عليه تعالى فلما حذف حرف القسم وهو الباء انتصب بأقسم المقدر كما في البيت ، ومرضه لأنّ الظاهر من إعادة الاسم معرفة أن يكون الثاني عين الأوّل وحذف حرف القسم في مثله غير مطرد لا سيما فيما فيه لبس كماهنا. قوله :
( إن عليك الله إن تبايعا ) تؤخذ كرها أو تجيء طائعا
هو رجز لا يعلم قائله وفي شرح الشواهد قيل إنه لرجل امتنع عن مبايعة بعض الخلفاء ، ورووه على مكان عليك وان تبايع بمعنى مبايعتك وهو اسم إنّ وعليّ خبرها أي إنّ مبايعتك والله لازمة عليّ وتؤخذ بالنصب بدل من أن تبائع وتجيء معطوف عليه وطائعا حال. قوله : ( وهو على الأوّل ) أي كون الحق منصوباً باحق ، وقوله لأملأنّ جواب قسم محذوف لأنّ اللام تقتضيه والمراد بالجملة القسم مع جوابه والمعتبر في الحقيقة قوله لأملأنّ الخ ، والحق بمعنى قسم أيضاً لأنّ المقسم به يكون مبتدأ كما في لعمرك والحق على هذا اسم الله ، أو خلاف الباطل لأنه تعالى له أن يقسم بما أراد ، وقوله أو قسمي تخيير في التقدير لأنهما بمعنى ، وقوله وقرئا مرفوعين فالأوّل مبتدأ أو خبر كما هنا والثاني مبتدأ خبره أقول بتقدير العائد. قوله : ( كقوله ) أي قول أبي النجم في رجزه المشهور :
قدأصبحت أم الخيارتدعي عليّ ذنبا كله لم أصنع
كذا في الكشاف جعله نظيراً له ولم يتعرضوا للمراد منه والذي عناه إنه كان حقه النصب باقول فعدل عنه إلى الرفع المحتاج إلى تقدير العائد كما في الشعر ، وان كانت لها شأن خاص بها على ما فصل في المعاني لأنّ هذا أبلغ لدلالته على أنّ قول الحق ثابت له لا يتغير ولذا فسره على هذا بلا أقول إلا الحق ، وليس هذا من تكرير الإسناد لأنه محوّل عن المفعول ، ويجوز جعله نظير الحذف العائد من الخبر كما سيأتي في سورة الحديد فتدبر. قوله : ( ومجرورين الخ ) أي قرئ الحق فيهما بالجرّ على أنّ الأول مقسم به حذف منه حرف القسم ، وأبقى عمله والمراد بالثاني هو الأوّل بعيته فلذا حكى مجروراً وان كان مرفوعاً أو منصوبا على الوجهين السابقين لكنه حكى بإعراب الأوّل وهذه الحكاية تكون في المرفوع ، والمنصوب كما ذكره الزمخشري وجوّز على هذا كون الثاني قسماً مؤكدا للأوّل دون حكاية ، وجملة أقول معترضة ، وقوله إذا شارك الأوّل أي إذا كان مثله لفظا ومعنى ساغت الحكاية فيه كما هنا ، وهو حسن لأنه تأكيد على تاكيد إذ القسم في نفسه مؤكد. قوله : ( وبرفع الأوّل ( على ما مز وجره على أنه قسم ونصب الثاني بأقول والنصب ناظر إلى لفظ جره لا إلى رفع الأوّل فإنه قراءة عاصم وحمزة فلا وجه لذكره في سلك الشواذ كما قيل فقوله وبرفع الأوّل أي وجر الثاني ولذا لم يذكره فتدبر. قوله : ( إذ الكلام فيهم ) أي هو معلوم من السياق فهو في حكم المذكور ، وقوله من جنسك فهو بتقدير مضاف أو يتجوّز في ضميره بأن يراد به هو من كان مثله ، وقوله وقيل للثقلين معطوف على قوله للناس ، وقوله تأكيد له أي لضمير منهم والضميرين ضمير منك ومنهم لا المستتر في تبعك ، وقيل(7/321)
ج7ص322
الأنسب تأكيد المجرورين الأولين ليفيد إنه لا بنحو التابع والمتبوع ، إذ ليس في تأكيد الضمير الثالث بالاستقلال أو الاشتراك كبير فائدة ، وردّ بأنه يفيد أن مجرّد اتباعه موجب للعذاب من غير تفاوت بين ناس وناس. قوله : ( أي القرآن ) تفسير لضمير عليه وهذا أيضاً بمعونة المقام في حكم المذكور ، وقوله على ما عرفتم من حالي أي قبل النبوة فكيف بعدما من الله به عليّ وانتحل بالحاء المهملة من الانتحال وهو ادعاء ما لا أصل له ، وأتقول بمعنى أتكلف ، وقوله من عند نفسي والمراد أفتر به ، وقوله وهو ما فيه من الوعد والوعيد فنبأه ما أنبأ به من ذلك والمراد أنهم يعلمونه علم يقين أو مشاهدة إذا وقع فنبؤه مجاز عن وقوعه والمراد بالنبأ الوعد والوعيد فقط ، وقوله أو صدقه أي وصدق ما أنبأتكم به مطلقاً لا
الوعد ، والوعيد وحده لكن تحققه بوقوعهما أيضاً وهذا هو الفرق بين الوجهين ، وقوله بإتيان ذلك إشارة للوعد والوعيد ، وهو متعلق بتعلمن على الوجهين وفي عطف صدقه حزازة والظاهر عطفه على ما فيه والمراد أنّ الذي تعملونه وعده ووعيده إذا وقعا أو صدق ما أخبرتهم به ، ودعوتهم له مطلقا بذلك وضمير صدقه للنبأ لا لما وعطفه على الوعد مما لا وجه له ، والنبأ محتمل للمجاز كما مرّ ويجوز إبقاؤه على ظاهره. قوله : ( أو عند ظهور الاسلام ( أي قوّة ظهوره بقهر أعداء الله وهذا مؤيد للثاني ، وملائم له إذ بظهوره يظهر صدق القرآن ويجري على الأول إن أريد بالوعد والوعيد ما وقع في الدنيا ، وقوله وفيه أي في قوله لتعلمن الخ أو في قوله بعد حين والأول أولى. قوله : ( وعن النبني صلى الله عليه وسلم الخ ) هو حديث موضوع ولوائح الوضع فيه ظاهرة ، وتخصيص ما ذكر لوقوعه في هذه السورة وعدم إصراره تنويه لبركة ما يتلوه قيها من ذكر التوبة ، تمت السورة بحمد الله ونعمائه ، والصلاة والسلام على أشرف رسله وأنبيائه وعلى آله وصحبه خلص أصفائه.
سورة الزمر
وتسمى سورة الغرف كما في الكشاف لقوله لهم غرف من فوقها غرف.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية الخ ) أي إلا ثلاث آيات مدنية نزلت في حق وحشي قاتل حمزة كما نقله الداني عن ابن عباس رضي الله عنهما { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا } [ سورة الزمر ، الآية : 0 ا ] الخ وقيل ورابعة وهي : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا } [ سورة الزمر ، الآية : 23 ] الخ قاله ابن الجوزي وأمّا عدد الآيات فقيل خمس ، وقيل ثلاث وقيل ثنتان وسبعون والاختلاف في قوله : { مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } { الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } { مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي } { فَبَشِّرْ عِبَادِ } { مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } { مِنْ هَادٍ } فتأمّله. قوله : ( أو حال عمل فيها الخ ) كذا في الكشاف ، وقد قيل عليه أنّ العامل المعنوفي لا يعمل في المقدم لضعفه فأولى أن لا يعمل ، وهو محذوف وان لم يكن فيه نص فلا نص على خلافه ، وله أن يمنع الأولوية وانه إذا جاز الحذف لدليل فلا مانع من العمل لأنه كالموجود انتهى ، وهذا كلام مختل من وجوه لأنه قاس عمله محذوفا على عمله مؤخرا ، وليس بصحيح لأنّ المحذوف كالموجود فلا يضعف عن العمل إذا قدر مقدما ملاصقاً ألا ترى المصدر يعمل مقدراً ، ولا يتقدم معموله عليه وكذا المضاف ولو تتبعت أمثاله وجدتها كثيرة وقوله لا نص فيه أيضا ممنوع بل فيه نص صريح في أماكن متعددة منها ما ذكره في البحر هنا من أنّ النحاة ردّوا على المبرد لما خرّج قول الفرزدق ، واذ ما مثلهم بشر من أن مثلهم منصوب على الحالية ، وعامله الظرف المقدر أي ما في الوجود بشر مماثلا لهم بأنّ الظرف عامل معنويّ لا يعمل محذوفا لأن المراد به ما تضمن معنى الفعل لتضمن اسم الإشارة معنى أشير والظرف معنى استقر ، وما قيل من أن امتناع تقديم الحال الظرفي على العامل المعنوي ليس بثبت مع أنه لا حاجة إليه مخالف لما صرّح به النحاة فإنهم نقلوا الخلاف فيه من غير فرق بين الظرف وغيره. قوله : ( أو التنزيل ( إذا كان حالاً من تنزيل فالعامل فيه معنوي ، وهو اسم الإشارة واذا كان حالاً من الكتاب فالعامل فيه تنزيل وجاز الحال من المضاف إليه لأنّ المضاف مما يعمل عمل الفعل ، وهو أحد الصور التي يجوز فيها ذلك ، وقيل إنه إذا كان
التنزيل بمعنى المنزل فالحال من الضمير(7/322)
ج7ص323
المستتر فيه وإنما ظهر إرادة السورة إذا قدر هذا لأنها حاضرة حين التلفظ به ، واسم الإشارة للحاضرين بخلاف ما إذا كان مبتدأ فإنّ القرآن كله منزل من الله فتخصيصه خلاف الظاهر ، واذا كان تنزيل خبرا فهو بمعنى منزل أو قصد به المبالغة بخلاف ، ما إذا كان مبتدأ فلا يحتاج إلى تأويل كما قيل ، وقوله تنزيل الكتاب كالعنوان لما في السورة فلا يتكرّر مع ذلك قوله إنا أنزلناه الخ لأنه لبيان ما فيه ، وبيان لكونه نازلاً عليه بالحق وتوطئة لقوله فاعبد اللّه الخ والتحقيق أن معنى تنزيل الكتاب على وجه مرتبط به ، بما قبله أن الكتاب الذي يتلوه عليكم هذا النبي صلى الله عليه وسلم تنزيل من عزيز حكيم عليه فدعوته ليس لذل به حتى يطلب إطاعتكم ليعزبكم أو ليسلم من ضرركم ، ثم خاطبه وأعرض عنه بأنه أنزله عليه بأوامر وزواجر تحق الحق وتبطل الباطل كما ذكره السمرقندي فتأمّل. قوله : ) ملتبساً بالحق الخ ( إشارة إلى أنّ الباء تحتمل الملابسة والسببية وكونها متعلقة بأنزلنا وظرفاً مستقرّا وقع موقع الحال من المفعول وكونه من الفاعل أي ملتبسين بالحق غير وجيه ، وقوله إثبات الحق واظهاره يحتمل أنه إشارة لتقدير مضاف أو المراد من إنزاله بسبب الحق ذلك أو على أنّ الحق مجاز عن الإثبات والإظهار كما قيل. قوله : ( وقرئ برفع الدين ) في الشواذ وهي قراءة ابن أبي عبلة كما نقله الثقات فلا عبرة بإنكار الزجاج لها وفيه أيضاً ردّ على الزمخشريّ حيث قال إنه على هذه القراءة كان ينبغي أن يقرأ مخلصا بفتح اللام ، وامّا على لكسرة فلا وجه له إلا الإسناد المجازي فيكون فاعل مخلصا ، وأمّا كون له الدين مبتدأ وخبراً فغير مستقيم لأنه مكرر مع ما بعده فأشار المصنف إلى رده بقوله لتعليل الأمر ، وقوله لتأكيد الاختصاص بناء على أنّ الاختصاص الذي وضعت له اللام يفيد الحصر كالتقديم ، وقد توقف فيه بعض المتأخرين ، وقال إنما معناه تعلق خاص ولو بدون الحصر كما فصله الفاضل الليثي وقد مر طرف منه وهذا جار في القراءة المشهورة أيضا وكما تفيده اللام ، وتقديم الخبر يفيده صريح قوله مخلصا فإن قلت كيف ما ذكر مع قوله في المغني إنّ اللام إذا وقعت بين ذات ومعنى فهي للاستحقاق كالعزة لله ، والحمد لله وهو المناسب هنا ( قلت ) ما ذكره ابن هشام كلام غير مهذب ولا مسلم كما بين في محله ، وأما ما قيل إنه لا تنافي بينهما فإنّ طريق الاختصاص وجهته هو الاستحقاق فسهو فإنه وان صح هنا لا يتأتى في كلام المغني فإنه جعلها معاني متقابلة فكان عليه أن يقول الاختصاص الذي ذكره غير ما عناه ابن هشام فتأمّل. قوله : ( كما صرح به مؤكدا ) بصيغة الفاعل أو المفعول حيث أبرز الجلالة الكريمة ، والدين في مقام الإضمار ووصفه بالخالص ، وقرنه بأداة التنبيه والاستفتاج ليزيده تأكيداً على تأكيد اعتناء بطاعة الله التي هي أساس كل خير ، ولذا أتى به مؤكدا بتأكيدات
إلا والاسمية ، واعادة الجملة واظهار الجلالة والدين ووصفه بالخالص ، والتقديم المفيد للاختصاص مع اللام الموضوعة له فلا بأس في تكراره الذي عده الزمخشري مانعا كما أشار إليه في التقريب وما في الكشف من أنه جعله تأكيداً لا وجه له للوصف المذكور يعني الخالص ، ولأنّ حرف التنبيه لا يحسن موقعه حينئذ لأن حرف التنبيه إنما يؤتى به فيما لم يعلم حقيقة أو صراحة أمّا بعد ما صرح به فهو لغو من الكلام ، ولذا جعل الإعادة هنا مانعة منه ولظهوره لم يتعرض لبيان وجه الفساد فيه فإن له الدين تعليل للأمر بالعبادة ، ولم يؤت بالفاء اعتمادا على أقوى الوصلين ، وهذا تعليل لقوله مخلصا هذا محصل ما ذكره لتدقق في شرح كلام العلامة وهو ظاهر الورود وما ذكره المصنف لا يدفعه مع أن ألا يؤتى بها في ابتداء الاستئناف المضاد لقصد التوكيد وللمحشي هنا كلام لا يسمن ولا يغني من جوع فلذا تركناه برمته. قوله : ( وأجراه مجرى المعلوم المقرّر لكثرة حججه الخ ( حيث جعله تعليلا لما أفاده ما قبله من الاختصاص ، وقرنه بحرف التنبيه الدال على بداهته التي تعلم بأدنى تنبيه واعتمد فيه على أقوى الوصلين ولا يخفى أنه غير مسلم عند الزمخشري ، فإنه تعليل الشيء بنفسه ووقوع إلا في الاستئناف البياني غير ظاهر وأما كونه إشارة إلى أن أمرا عبد تعريض وكناية عن أمر غيره على حد :
إياك أعني فاسمعي يا جاره
فمسلم لكنه لا يفيد فيما نحن بصدده فتأمّل. قوله : ( هو الذي وجب اختصاصه الخ ( إشارة إلى أنّ الدين بمعنى الطاعة والانقياد والاختصاص من اللام ، والتقديم كما مر(7/323)
ج7ص324
وأما الوجوب فالظاهر أنه من كونه قيدا للأمر بالعبادة فإنه إذا قيل صل قائما أفاد وجوب القيام ، وقيل إنه من المقام ، وقوله فإنه المنفرد الخ إشارة إلى ما مر من أن قوله إلا لله الخ تعليل للإخلاص المذكور كما مر والتفرد المذكور من الاسم الشريف فإنه وضع للمعبود بحق فهو منفرد بالألوهية ولوازمها وكونه مطلعا على السرائر منفرداً بالاطلاع عليها في الواقع مما لا شبهة فيه ، وما ذكره المصنف ليس لبيان ما في نفس الأمر فقط بل في النظم ما يدل عليه ، وهو جعل الدين المختص به ما كان خالصا والخالص إنما يخلص خلاصاً تاما إذا لم يكن فيه شرك ولا رياء ونفاق ، ولا يعلم ذلك إلا باطلاع على ما في الضماثر فإن مرجعها إليه. قوله : ) يحتمل المتخذين من الكفرة ( يعني أن الموصول يحتمل أن يكون المراد به المتخذين بكسر الخاء اسم فاعل فالعائد الضمير الواقع فاعلا المذكور ، وأن يكون المراد به المتخذين بفتح الخاء اسم مفعول ، وهم المعبودون من دون الله فالعائد محذوف تقديره اتخذوهم وقوله وإضمار
المشركين الخ يعني على الوجه الثاني لأنّ ضمير الفاعل لا يعود على الموصول بل على المشركين المعلوم من السياق ، وقوله من دونه صفة مفعول اتخذوا الأوّل على الأوّل وعلى الثاني صلة اتخذوا وقوله من لاملائكة الخ بيان المتخذين بالفتح ، وادراج عيسى عليه الصلاة والسلام فيهم لأنه مما عبد من دونه ، وهو في الحقيقة شريك عندهم فلا إشكال فيه كما قيل. قوله : ( وهو مبتدأ خبره على الأول ) أي على كونه عبارة عن المتخذين بالكسر هو مبتدأ والخبر يقولون ما نعبدهم الخ ، وقوله وهو متعين على الثاني أي على إرادة الملائكة وغيرهم من المعبودين لأنه لا يصح الإخبار عن المتخذين بالفتح بأنهم قالوا ما نعبدهم الخ إلا بتكلف كأن يجعل ضمير قالوا للكفرة ، والعائد ضمير نعبدهم فالمانع معنويّ لا لعدم الرابط لأن ضمير نعبدهم للأولياء كما قيل لعدم تعيينه لكن في جعل الجملة الثانية خبرا نظر من جهة المعنى إذ لم يرد الحكم بين المعبودين بل بين العابدين. قوله : ( وعلى هذا الخ ( كما أن هذه الجملة كانت على الأوّل خبراً ، وثانياً أو استئنافا لكن في جواز حذف البدل المقصود وإبقاء المبدى منه الذي في نية الطرح نظر ، وإن قام معموله مقامه والبدل بدل اشتمال وكونه من التوابع التي عرفت بما أعرب بإعراب متبوعه والصلة لا إعراب لها فينتقض التعريف ، أو تبطل التبعية يدفع بأنه على تقدير إن كان معربا أو هو باعتبار الأصل الغالب ، ولا يصح كون التعريف لما في المفردات فإنه لا يدفع المحذور لبقائه في تأكيد الحروف كنعم نعم ونحوه ، وقوله مصدر أي منصوب على المصدرية ليقرّبونا كقعدت جلوسا أو حال مؤكدة من ضمير المفعول أو الفاعل مؤوّلاً باسم فاعل ، وقوله اتباعا أي للباء. قوله : ) بإدخال المحق الجنة الخ ( فالحكم ليس بمعنى فصل الخصومة بل هو مجاز أو كناية عن تمييزهم تمييزاً يعلم منه حقيقة ما تنازعوا فيه ، وقوله فإنهم يرجون الخ بيان للاختلاف بينهم على هذا الوجه والحكم مجاز أيضا عما مر من إدخال الملائكة ، وعيسى الجنة وادخالهم النار تمييزاً بينهم وهذا لا يجري في عبدة الأصنام ، والكلام معهم ولذا مرضه وقوله لا يوفق للاهتداء أو لا يخلقه فيهم ، وقوله كاذب كفار فيه تعليل للحكم كما أشار إليه المصنف. قوله : ( لقيام الدلالة على امتناع الخ ( كما برهن عليه
ببرهان الثمانع وغيره وقوله إذ لا موجود تعليل للاصطفاء من الخلق ، وقوله ووجوب بالجز عطف على امتناع. قوله : ( ومن البين الخ ) قيل إنه يعني أنه تعالى رتب على فرض إرادة اتخاذ الولد اصطفاء ما يشاء مما يخلق لا اتخاذ الولد وحيث لم يكن الاصطفاء المذكور من اتخاذ الولد في شيء تبين أن اتخاذ الولد ممتنع ، ولو فرض إرادته وقيل إنه إشارة إلى أن لو لقصد لزوم الثاني للأوّل ، مع انتفاء اللازم ليستدل به على انتفاء الملزوم أي لكن اصطفاء ما يخلق للولدية باطل إذ لا تماثل فكذا إرادة الاتخاذ واعتبار الخلق دون الإمكان مع كفايته وإن كان تطويلاً للمسافة لإظهار قبح ما فعلوه ، وردّ بأنه يأباه النظم فإن المناسب حينئذ أن يقال لا أتخذه مما يخلق ، ويترك ذكر الإرادة فيقال لو أتخذ ولداً ، وظاهر أنّ قوله إذ لا موجود سواه الخ دليل للاصطفاء مما يخلق فلا بد من اعتبار الخلق سواء اعتبر الإمكان أو لم يعتبر فلا تطويل إلا إذا اعتبر الإمكان حيث يكون في الكلام زيادة ما لا حاجة إليه ، واختيار ما يخلق دون ما يمكن لأنه المعروف في لسان الشرع ، وأمّا(7/324)
ج7ص325
الواجب والممكن فمن اصطلاج المتكلمين والفلاسفة وفيه نظر ، وتحقيق هذا أن لو لها استعمالات استعمال أهل اللغة وهو انتفاء الثاني لانتفاء الأوّل نحو لو كان لي مال أحسنت إليك ، واستعمال أهل الاستدلال وهو دلالة انتفاء الثاني على انتفاء الأوّل نحو { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ سورة الأنبياء ، الآية : 22 ] أو دلالة تحقق الأوّل على تحقق الثاني نحو لو كان العالم حادثا لكان الصانع مختارا فهذه ثلاثة معان مشهورة ورابع لم يشتهر لكنه ورد في فصيح الكلام ، وهو ثبوت الجزاء على كل حال نحو نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه وقد ذكر المدقق في الكشف في الآية وجهين أحدهما أنّ المعنى لو اراد اتخاذ الولد لامتنع أن يريده فالضمير راجع إلى ما دل عليه أراد لا إلى الاتخاذ ، وحاصله لو أراد اتخاذ الولد امتنعت تلك الإرادة لتعلقها بالممتنع أعني اتخاذ الولد ، ولا يجوز على البارى إرادة الممتنع لأنها ترجح بعض الممكنات فأصله لو اتخذ الولد امتنع فعدل لما ذكر لأنه أبلغ ، ثم حذف الجواب وجيء بدله بقوله لاصطفى الخ تنبيها على أنه هو الممكن دون الأوّل فلو كان هذا من اتخاذ الولد في علمه لجاز ، وليس منه فهو كقوله :
ولا عيب فيهم غير أن تزيلهم يعاب بنسيان الأحبة والوطن
والثاني أنه أراد بقوله لو أراد نفي الصحة على كل تقدير كقوله نعم العبد صهيب الخ فلا
ينفي الثاني ، ولا يحتاج إلى بيان الملازمة فالمعنى الممكن الاصطفاء ، وقد اصطفى وهو أيضا على أسلوب البيت المذكور ورجح هذا المحقق في شرحه وهذا مبنيّ على تفسير الاصطفاء فإن كان مجرّد اختياره لأحد من مخلوقاته فهو واقع ، وان كان اصطفاؤه واختياره للنبوّة بأن يختار الأفضل الأكمل لها فيكون ردّاً عليهم في نسبة البنات له يكون منفيا هذا تحقيق المقام بما يزيل الأوهام فما ذكرناه عن أرباب الحواشي كلام سطحيّ لا حاصل له فتنبه. قوله : الا يماثل الخالق فيقوم مقام الولد ) هذا بناء على أنّ المراد الاصطفاء للنبوّة ، وقوله فيقوم مقام الولد ، وإن
كان الكفار أثبتوا له نفس الولد لا ما يقوم مقامه كما مر في الصفات لأنه أراد نفيه بطريق أبلني كما عدل في النظم عن الاتخاذ إلى الإرادة لأنّ نفي ما يقوم مقامه أبلغ من نفيه فلا يرد عليه أن المقتضى للمماثلة الجنسية الولد لا ما يقوم مقامه كما قيل. قوله : ( ثم قرر ذلك بقوله سبحانه الخ ) أي عدم مناسبة المخلوق الخالص واستحالة الولد عليه تعالى عن ذلك علؤا كبيراً ونفي الأولياء بذكر ما ينافيه إجمالاً بقوله سبحانه تنزيها له عن الوليّ ، والولد وتفصيلاً بوصفه بأنه واحد لا صاحبة له ، ولا ولد قهار غالب لكل شيء فلا وليّ له هذا على اتصال قوله سبحانه الخ بقوله والذين اتخذوا من دونه أولياء الخ كما في الكشاف ، وعلى ظاهر كلام المصنف اتصاله بما يله من نفي الولد فقط كما سنبينه ، وقيل ذلك إشارة إلى بطلان المقدم أو التالي. قوله : ( المستلزم للوحدة ) في نفس الأمر وفي العقل كما مرّ مع ما فيه ، وهذا بيان لكونه مقرراً لما قبله وقوله للوحدة الذاتية أي المنافية للكثرة في الذهن والخارج بحسب الأفراد أو الأجزاء كما هو مذلل في الكلام فمنع استلزام الوجوب الوحدة المنافية للأجزاء الذهنية التي ينتزعها الذهن من الفرد البسيط إن أراد الاستلزام في نفس الأمر فهو باطل وان أراد عند العقل فكذلك لأنه ليس المراد اللزوم البين بالمعنى الأخص كما مرّ فتدبر. قوله : ( وهي ) أي الوحدة تنافي المماثلة لاقتضائها المشاركة في بعض الذاتيات أو العوارض وهو يستلزم التركيب الذهني كما أشار إليه بقوله لأن كل واحد الخ ، وقوله والتعين المخصوص بناء على ما ذهب إليه بعض الحكماء من دخول التعين في حقيقة الفرد ، وجمهور المتكلمين على أنه خارج عنها ، وفيه كلام لا يحتمله هذا المقام. قوله : ( والقهارية الخ ) هذا بناء على أن القهار مقر ولنفي الولد وعلى ما ذهب إليه الزمخشريّ من تقريره لنفي الولد هو ظاهر أما على هذا فلما ذكره من أنّ القهارية المطلقة المنصرفة إلى القهر الكامل بأن يكون قاهراً لكل ما سواه منافية للزوال لأنه لو قبله كان مقهوراً إذ المزيل قاهر له ، ولذا قيل سبحان من قهر العباد بالموت ، والولد يطلب ليقوم مقامه بعد زواله فإذا لم يكن الزوال لم يكن له حاجة إلى الولد ، وأما كون الحاجة إلى الولد غير منحصرة في قيامه بعد زواله كما قيل فيرد بأنه أعظم فوائده عندهم فهو إلزام لهم حسب اعتقادهم فتدبر ، والقهارية منصوبة أو مرفوعة بعطفه على الألوهية أو هي. قوله : )(7/325)
ج7ص326
ثم استدل على ذلك ) أي على الألوهية الحقيقية والوحدة الذاتية ، وتطلق القهارية لا على الأخيرة فقط كما قيل لأنّ الإله الحقيقيّ المنزه عن المثل القهار المطلق هو الذي خلق مثل هذه المخلوقات بحكمته التي لا يقدر عليها سواه ، وجعلها مسخرة منقادة. قوله : ) يغشى كل واحد منهما الآخر
الخ ) التكوير اللف والليّ من كار العمامة على رأسه وكورها ، وفيه كما في الكشاف أوجه أن يكون الليل والنهار خلفة يذهب هذا ، ويغشى مكانه هذا واذا غشي مكانه فكأنه ألبسه ولف عليه كما يلف اللباس على اللابس ، أو كل واحد يغيب الآخر إذا طرأ عليه فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار ، أو أنّ هذا يكرّ على هذا كروراً متتابعاً يشبه تتابع أكوار العمامة فقيل إنه جعل غثيان الليل والنهار أحدهما مكان الآخر ، وجعله محيطا بكل ما أحاط به الآخر حتى صار بمنزلة لباس بمكانه بحيث يصير أسود مظلماً بعدما كان أبيض منيرا وبالعكس تكويرا لأحدهما على الآخر ولفاعليه ، والثاني أنه شبه تغييب أحدهما الآخر عند طريانه عليه بلف ساتر على ظاهر ليخفى بعد الظهور ، وهو معنى تكويره عليه والفرق بين هذا ، وبين الأول قليل جدا ، وهو أن في الأول مع اعتبار الستر اعتبار الليّ واحاطة الجوانب وما أشعر به ظاهر كلامه من أنه اعتبر في الأول التشبيه في الفعل ، وفي الثاني في المتعلق أعني المطروّ عليه إنما هو للتوضيح والمقصود واحد وهو التشبيه في الفعل لأنه على الوجهين استعارة تبعية استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسن ولا يبعد أنه جعله في الثاني استعارة بالكناية ، والتكوير تخييلية قرينة لها أو تحقيقية كما في نقض العهد ، وفي الثالث تمثيل وجهه منتزع من عدة أمور كر هذا على ذاك وبالعكس على سبيل التتابع والتلاف كما في العمامة لكنه ثمة على التظاهر ، والاجتماع وهنا على التعاور والانقطاع ، والذي يظهر في الفرق بين الوجوه الثلاثة مع احتمال التبعية والمكنية والتخييلية والتمثيلية أن تكوّر أحدهما على الآخر إما مجاز عن جعل أحدهما خلفا عن الآخر كما في قوله تعالى : { جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ } [ سورة الفرقان ، الآية : 62 ] ويكون معنى تكوير أحدهما على الآخر وستره له ستره لمكانه على أن فيه مع التجوّز في الطرف ، أو المجموع تجوّزاً في النسبة وفي الثاني معنى التكوير فيه تغييب أحدهما للآخر كما في قوله : { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى } [ سورة الليل ، الآية : ا- 2 ] وان لم يعتبر فيه ما ذكر فالفرق بينهما ظاهر وليس قليلاً كما قالوا ، وفي الثالث المقصود تعاقبهما كروراً ومروراً كما في قوله : { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } [ سورة الأعراف ، الآية : 54 ، فالمقصود تطبيق الوجوه على ما صرّح به في غيره من الآيات مع اختلاف المعنى المتجوّز عنه ، فما قيل من الفرق بين الوجهين الأولين إنّ المراد من التغييب إدخال أحدهما في الآخر ، وبالعكس بالزيادة والنقصان فيظهر الفرق بينهما مع أنه لا حاجة إليه ليس في الكلام ما يدل عليه ، وفيما ذكرناه لك غنية عنه وكلام الشيخين صريح فيه. قوله : ( منتهى دوره ) بتمام البروج ومنقطع حركته يوم القيامة ، ومر في سورة فاطر وجه آخر ، وقوله الغالب قال شيخنا المقدسي إطلاق الغالب على الله لم يرد لكنه اشتهر على الألسنة في القسم ،
والطالب الغالب ولا أعلم ما أصله وعند من لم يشترط السماع في التوصيف لا إشكال فيه. قوله : ( حيث لم يعاجل بالعقوبة الخ ) فسر الزمخشريّ هنا العزيز الغفار بالقادر على عقاب المصرين الغفار لذنوب التائبين ، أو الغالب الذي يقدر أن يعاجلهم بالعقوبة وهو يحلم عنهم ويؤخرهم إلى أجل مسمى فسمي الحلم عندهم مغفرة ، ولما كان تفسيره الأوّل مبنيا على مذهبه تركه المصنف ، وأشار إلى الرد عله حيث عدل عن قوله القادر على الخ إلى ما ذكره واختار تفسيره الثاني في الغفار لأنه أنسب بالمقام إذ هو كالتذييل لما قبله من اتخاذ أولياء دونه ونسبتهم إليه ما لا يليق بجلاله فالمناسب أن يقال وهم لما كفروا ونسبوا لذاته ما لا يليق مع قدرته لا يعجل عقابهم ، ولا يقطع عنهم إحسانه فسبحانه ما أعظم شأنه فاستعمل المغفرة التي هي ترك العقاب في الحلم الذي هو ترك التعجيل للمناسبة بينهما في الترك فهو استعارة ، ويجوز كونه مجازاً مرسلا والأوّل أبلغ وأحسن وهذه الصنائع خلق الأجرام العظام لنفع الأنام وتسخير النيرات. قوله : ( استدلال آخر بما أوجده الخ ) أي هذا استدلال آخر على ألوهيته ، ووحدته مع ما فيه من تقرير قدرته وقدّم الاستدلال بما في الآفاق(7/326)
ج7ص327
لكونه أظهر وأباع مما في الأنفس ، وقد يقدم الثاني لكونه أقرب وأرسخ كما أشار إليه المصنف وقوله مبدوأ به البدء بالنسبة لبقية النوع البشري ، والحوادث الكائنة بعد إيجاده وكونه أعجب بالنسبة لغيره باعتبار ما فيه من العقل وقبول أمانة التكليف وغيره كما قيل :
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
لا لخلق حواء من قصيراه كما قيل ، وان كانت الأفلاك أعظم وأعجب من وجه آخر. قوله : ( وفيه ) أي في خلق الإنسان أو في هذا القول ، وقوله قصيراه تصغير قصري وهي صفة للضلع الأخيرة من أسفله وتصغيرها لأنها أصغر الأنواع وكيفية خلقها منه تفصيلا لا يعملها إلا الله لكنه قيل إنها خلقت من بعضه وقيل من كله بأن فصلت منه وأبدلت بضلع آخر مكانها ولذا قيل إنّ هذه الضلع ناقصة في النساء ، وعذها الزمخشريّ اثنين بإسقاط الثالث لعدم اختصاصها به ، وقوله منهما أنسب بالواقع ، ولو أفرده مضمراً آدم كان أنسب بقوله واحدة ولكل وجهة. قوله : ( وثم للعطف على محذوف ) أو على واحدة لأنه في الأصل اسم مشتق فيجوز عطف الفعل عليه كقوله صافات ويقبضن لكنه غلب عليه الاسمية فصار كالجامد ولذا أخره المصنف عن التقدير ، والزمخشري رجحه لأنّ التقدير خلاف الأصل ، وقوله وجدت بالتخفيف يقال وحد يحدو حداً كعلم ويجوز تشديده واسم الفاعل قد يكون للمضيّ وإنما يمتنع إرادته إذا عمل
كما صرحوا به فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة له على المضيّ فيشكل العطف بثم لو عطف على لفظه دون تأويل وقوله فشفعها أي جعلها شفعا وزوجا وثم على هذين الوجهين على حقيقتها ، ولذا قدمه المصنف. قوله : ( أو على خلقكم لتفاوت ما بين الآيتين ا لأن خلق حوّاء من ضلعه أعظم في القدرة الباهرة من خلقه من تراب لأنه سبق مثله فكم ذي روح خلق منه بدون واسطة ، وبها ولو لم يحمل على التفاوت الرتبي لم يصح العطف بها لأنّ خلقها مقدم على خلقهم ولذا أوّله بعضهم بالقيل المذكور من أنّ المراد بخلقهم إخراجهم من صلبه في عالم الذر إذ خوطبوا بألست ، وفي قوله كالذر إشارة إلى أنّ الذرية منسوبة إلى الذر وغير بضم أوّله كما قيل دهري بالضم نسبة للدهر ، وقوله ثم خلق منها أي من قصيراه وفي نسخة منه أي من آدم عليه الصلاة والسلام ومن أرجع ضمير منها للذرية فقدسها ، وأعلم أنّ التفاوت الرتبي هنا فيه المعطوف عليه أدنى رتبة وهو جائز كعكسه كما مز التصريح به ، واتفاق شراح الكشاف على جواز. فلا حاجة لتأويله بتنزيل البعدية منزلة التعظيم أو ادعاء أخذه من المقام كما توهم. قوله : ( وقضى أو قسم لكم ) جعلها مقسومة بينكم كما تقسم بقية الأرزاق ، وهو إشارة إلى تأويله لأنّ الأنعام لم تنزل عليهم من السماء بأنّ إنزالها مجاز عن القضاء ، والقسمة فإنه تعالى إذا قضى وقسم أثبت ذلك في اللوح المحفوظ ، ونزلت به الملائكة الموكلة باظهاره في العالم السفلي فلذا وصف ذلك بالنزول وان كان معنى لا يوصف به حقيقة لكن لشيوعه وتعارفه تجوّز به عنه فلا يرد عليه شيء كما أشار إليه ففي قوله انزل استعارة تبعية لتشبيه القضاء بالنزول ووجه الشبه الظهور بعد الخفاء ، ويجوز أن يكون مجازاً مرسلا ، وقيل إنها نزلت من الجنة حقيقة كما روي في بعض الآثار والله أعلم بصحته. قوله : ( أو أحدث لكم الخ ( وجه آخر لتأويله يعني أنّ النازل من السماء سبب حياتها وهي الأمطار وفي جعل الأشعة نازلة تسمح فجعل نزول ما به حياتها وبقاؤها بمنزلة نزولها بأن تجوّز في نسبة الإنزال إليها لما بينهما من الملابسة ، وأمّا إنه أريد بالأزواج أسباب تعيشها مجازاً أو جعل الإنزال مجازاً عن الإحداث المذكور فتعسف والزوج كل ذكر وأنثى من ذوات الأرواح. قوله : ( غلب أولي العقل ) في ضمير العقلاء والخطاب ففيه
تغليبان فإن خص الخطاب بهم فهو ظاهر والقرينة عقلية إذ لا يصلح للخطاب غيرهم ، وقوله حيوانا الخ إشارة إلى أطوار خلقه وان خلقا بعد خلق لمجرّد التكرير كما يقال مرّة بعد مرّة لا أنه مخصوص بخلقين ، وقوله من بعد أن تعلق بالفعل فالمصدر مؤكد والا فلا وقوله في ظلمات ثلاث الخ بدل من قوله في بطون أمّهاتكم أو متعلق بخلق أو خلقا إذ لا يلزم كونه مصدراً مؤكداً والرحم موقع النطفة ، والمشيمة كنميمة ، مقرّ الولد والصلب فيه مبدأ المني لأنه يخرج من(7/327)
ج7ص328
بين الصلب والترائب. قوله : ) هو المستحق لعبادتكم ) إشارة إلى أنّ ربكم خبر بعد خبر عن ذلكم لا بدل ، وان كان محتملا لأنه لو كان إشارة إلى البدلية كما قيل لم يعطف ، وأنّ الرب بمعنى المالك وبقي فيه احتمالات أخر وهي ظاهرة وقوله إذ لا يشاركه في الخلق غيره هو معنى قوله له الملك لأن معناه جميع المخلوقات مخصوصة به خلقاً وملكا كما مرّ فجملة لا إله إلا الله متفرّعة على ما قبلها ، ولم يصزج فيه بالفاء التفريعية لظهوره اعتماداً على فهم السامع ، وقوله عن إيمانكم سواء كان إشارة لتقدير المضاف أو بيانا لحاصل المعنى الدال عليه مقابلته بالكفر ، وعطف قوله ولا يرضى لعباده الكفر هو الأوفق بالسياق فلا وجه لما قيل إنه لا حاجة إليه لأنّ الغني عن إيمانهم مترتب على الغني عنهم فإنه لو لم يتحقق الأوّل لم يتحقق الثاني. قوله تعالى : ( { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } ( اختلف العلماء في الكفر هل يرضاه الله أم لا فذهب بعض الأشعرية كالنووي في كتاب الأصول والضوابط إلى أنّ الكفر يرضاه ، وقوله تعالى : { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } المراد بالعباد هنا المؤمنون المخلصون منهم والإضافة للتشريف كما نقله السخاوي وقال إنه وقع في عصره البحث فيه ، وأنكره علماء الحنفية كالعيني ونقله ابن الهمام عن الأشعري وامام الحرمين والظاهر إنه دائر على تفسيره فمن قال الرضا والإرادة بمعنى فمقابله الكره ذهب إلى الأوّل وخص العباد هنا ومن فسره بالمحبة أو بالإرادة مع ترك الاعتراض ، ويقابله السخط كما في شرح المسايرة ذهب إلى الثاني ، وعمم العباد فاحفظه. قوله : ( لاستضرارهم به رحمة عليهم ) تعليل لعدم الرضا والرحمة تعليل للمعلل ، يعني أنه تعالى لما أرشد إلى الحق وهدد على الباطل إكمالاً لرحمته خاطب جميع العباد بقوله إن تكفروا الخ تنبيها على الغنى الذاتي وأنه لم يأمر وينه لانتفاعه أو تضرره بل رعاية لمنافعهم ودفعاً لمضارهم لرحمته ، ولذا عدل فيه عن الخطاب تنبيها على أنّ عبوديتهم ، وربوبيته تقتضي أن لا يرضاه لهم وأنهم إذا كفروا خرجوا عن رتبة العبودية ففيه من لطائف البلاغة ما لا يخفى ، ثم إن الرضا يتعدى بنفسه وبالباء وعن وعلى ويتعلق بالعين والمعنى وإذا تعدى باللام تعدى بنفسه كقولك رضيت لك كذا والرضا حالة نفسانية تعقب حصول ملائم مع ابتهاج به ، واكتفاء فهو غير الإرادة بالضرورة لتقدمها وهو في غير المستعمل باللام فإنه يكون قبله ومعنى رضيته
لك أنه مما يحق أن يرضى ويختار والرضا في حقه تعالى محال وهو مجاز عن اختياره ، هذا محصل ما أفاده المدقق في الكشف. قوله : الأنه سبب فلاحكم ( فرضاه وعدم رضاه ليس إلا لنفع عباده فإنه غني عن العالمين وعن أعمالهم فشكرهم يزيدهم فلاحا وسعة وزيادة نعم ، وقوله في رواية أي عن نافع فقط فإنه روي عنه أيضاً الاختلاس. قوله : ( لأنها صارت بحذف الألف ) من يرضى التي هي قبل الضمير بعد متحرّك والقاعدة في إشباع الهاء وعدمه أنها إن سكن ما قبلها لم تشبع نحو عليه وإليه ، وان تحرّك أشبعت نحوه به وغلامه وهنا قبلها ساكن تقديرا وهو الألف المحذوفة للجازم فإن جعلت موجودة حكماً لم يشبع وان قطع النظر عنها أشبع هذا هو الفصيح ، وقد يشبع ويختلس في غير ذلك وقوله لغة فيها هي لغة بني عقيل وكلاب إجراء للوصل مجرى الوقف ، وقوله ولا تزر الخ مرّ تحقيقه ، وقوله بالمحاسبة الخ فالأنباء كناية أو مجاز عن المحاسبة والجزاء وذات الصدور والسرائر ، وقوله فلا تخفى الخ إشارة إلى أنّ تخصيصه لأنه يعلم منه ما عداه بالأولى. قوله : الزوال ما ينازع العقل الخ ( مبدأ مصدر ميمي بمعنى البدء ، وما ينازع العقل ويعارضه فيصرفه عن الحق والصواب من الاعتقاد الفاسد في الأصنام وأنها تنفع وتضر وهو ما يبغتهم من الشر الذي يذهلهم عنها فيرجعوا إلى ما ركز في الطبيعة من أن جميع الأمور ضراً ونفعا من الله لا ضارّ ، ولا نافع سواه. قوله : ) من الخول ( بفتحتين وهو تعهد الشيء أي الرجوع إليه مرة بعد أخرى ، ومنه الحديث " كان صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بالموعظة مخافة السآمة " قلما كان المعطي الكريم يتعهد من هو ربيب إحسانه وأسير امتنانه بتكرير العطاء عليه مرّة بعد أخرى قيل خؤله بمعنى أعطاه ، أو لأنه كما قال الراغب أصله أعطاه خولاً بفتحتين أي عبيداً وخدما أو أعطاه ما يحتاج إلى تعهده والقيام عليه ، ثم عم لمطلق العطاء كما سيأتي وقد فسره في الأنعام بتفضله عليه بالنعم ، وليس بعيدا مما هنا كما توهم. قوله : ( أو الخول ( بسكون الواو وهو(7/328)
ج7ص329
الافتخار تبع فيه الزمخشريّ وقد ردّه شراحه بأنّ خال بمعنى افتخر يائيّ لا غير ، وتعينه الخيلاء وقد اتفق عليه أهل اللغة ، وصزج به هو في الأساس وأخذه منه أيضا لا يقتضي أن يتعدى للمفعول الثاني ، والجواب بأنّ الزمخشري ثقة وسند قوي كيف يتأتى ، وهو قد صرّج بخلافه في كتبه من غير نقل اختلاف فيه فالذي يقربه من السداد أن
يقال إنه واوفي ويائي وان اشتهر الثاني ومثله كثير ، وقد أشار إليه في المصباج والروض الأنف وليس المراد أنّ خوّل مضعف خال بمعنى افتخر حتى يشكل تعديه للمفعول الثاني ، بل إنه موضوع في اللغة لمعنى أعطاه ، وما ذكر بيان لمأخذ اشتقاقه وأصل معناه الملاحظ في وضعه له ومثله كثير فأصله جعله مفتخراً بما أنعم عليه ، ثم قطع النظر عنه وصار بمعنى أعطاه مطلقا كما مرّ. قوله : ( أي الضرّ الذي الخ ( فما واقعة على الضرّ وهي على استعمالها ، وقوله إلى كشفه إمّا إشارة إلى تقدير المضاف أو بيان للمعنى المراد منه لأن المراد من الدعاء إليه إزالته ففي يدعو ضمير الله مقدر ، وهو المفعول له ودعا من الدعوة وهو يتعدى بإلى يقال دمحا المؤذن الناس إلى الصلاة ودعا فلان القوم إلى مأدبته ، والدعوة مجاز عن الدعاء في هذا الوجه. قوله : ( أو ربه ) هذا هو الوجه الثاني ، والدعاء فيه على ظاهره ، وقوله يتضرّع إليه إشارة إلى أنّ دعا ضمن معنى تضرّع وابتهل فلذا عدّى بإلى قيل ، ولو ضحمن معنى الإنابة كان أنسب لأنه صرّج به في قوله دعا ربه منيبا إليه وما على هذا أقيمت مقام من لقصد الدعاء الوصفي كما مز ، ولما في ما من الإبهام والتفخيم ، وقوله مثل الخ إشارة إلى أنّ ما وقعت على ذوي العلم في غير ما نحن فيه. قوله : ) والضلال والإضلال الخ ) يعني أنّ اللام هنا لام العاقبة ، والمآل لترتب ما ذكر على هذا الجعل وهي مستعارة من لام التعليل الداخلة على الغرض استعيرت لما ذكر كما مز تحقيقه لكن فيه أنّ الضلال ليس نتيجة جعل الأنداد بل سبب مقدم عليه كما لا يخفى ، والإضلال لا يمتنع فيه أن يكون غرضا إلا أن يقال المترتب عليه الضلال الكامل أو ضلال مخصوص ، أو استمراره والإضلال وإن قصد من فعلهم لكنهم لا يعتقدون أو لا يظهرون أنه إضلال بل إرشاد والمراد بالنتيجة ما يؤدّي إليه الفعل ، والغرض ما يقصد ترتبه على الفعل. قوله : ( أمر تهديد الخ ا لما كان الأمر بالتمتع بالكفر أمراً بالكفر في الحقيقة والله لا يأمر بالفحشاء جعله الزمخشريّ مجازاً عن الخذلان والتخلية بتشبيه المخذول الذي خلى ، وشأنه بالمأمور فهو إمّا استعارة تبعية أو مكنية كما مرّ تفصيله في سورة العنكبوت والمصنف جعله للتهديد بجامع التمكين من الفعل فيهما كقولك في الغضب لمن عصاك اصنع ما شئت ، وقوله تشه أي أمر ناشئ من الهوى الذي تشتهيه أنفسهم والإشعار المذكور من جعل معتقدهم تمتعا إذ المراد تمتعوا بشهواتكم كما مرّ في سورة إبراهيم ، وما يشتهي لا سند له والإقناط من جعل تمتعهم بالكفر المشعر بأنهم لا تمتع لهم بغيره وأنّ مدة تمتعهم في الدنيا قليلة وقليلا نصب
على المصدرية أو الظرفية. قوله : ) ولذلك ) أي لكون المقصود تقنيطهم جعل كونهم من أصحاب النار تعليلا ولولاه لم يصح التعليل ، وقوله للمبالغة تعليل لقوله أمر تهديد لجعلهم لشدّة خذلانهم كأنهم مأمورون به أو لقوله علله بجعلهم كأنهم يفعلون ما به يكفرون لأجل الخلود في النار ، ولذا أورده مؤكداً مستقلاً ، وقوله قائم الخ إشارة إلى أن أصل معنى القنوت لغة القيام ، ثم نقل للقيام للطاعة والعبادة. قوله : ( آناء الليل ( جمع إني أو أني أو أني مقصوراً كما في قوله تعالى غير ناظرين إناه بمعنى وقت وساع ترخص عبادة الليل بالذكر لأنها أقرب إلى الإجابة وأبعد من الرياء ، وقوله وأم متصلة فلا بدّ لها من معادل مقدر وتقديره ما أشار إليه بقوله ألكافر الخ بفتح همزة الاستفهام ، وحذف همزة الوصل مع المد وعدمه ، والمراد بالكافر الجنس المدلول عليه بقوله تمتع بكفرك فحذف الخبر والمعادل وقدر الخبر خيراً للتصريح به في قوله : { أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [ سورة فصلت ، الآية؟ 40 ، . قوله : ( أو منقطعة ) بمعنى بل والهمزة فيقدر الخبر ولا يقدر لها معادل ، وقوله كمن هو بضده هو الخبر أي ملتبساً بضدية القانت بأن يكون عاصيا أو كافراً وعممه في صورة الإضراب لأنه المناسب لانقطاعه عما قبله بخلافه على الاتصال فإنه متعلق بما قبله من أحوال الكفرة فلذا خصه المصنف في الاستفهام بالكافر وعمم في الإضراب فكأنه قيل : ح عنك الكافر فإنه ظاهر(7/329)
ج7ص330
الخسران والذي يهمك علمه أنه هل يستوي من يجتهد في العبادة وغيره ، والمقصود الترغيب في الطاعة والتسلية له وللمؤمنين فتأمّل.
قوله : ( بتخفيف الميم ( وادخال همزة الاستفهام على من ، ونقل عن الفراء أنّ الهمزة فيه للنداء بمعنى يا تقليلاً للحذف وهو بعيد لأنه لم يقع في القرآن نداء بغيريا فالمعنى يا من هو قانت قل الخ. قوله : ( حالان الخ ( ولا حاجة إلى جعله حالاً من ضمير يخذر مقدما من تأخير من غير ضرورة داعية لذلك ، وقوله والواو للجمع بين الصفتين توجيه للعطف هنا وتركه في قوله ساجداً بأن القنوت لما كان مطلق العبادة لم يكن مغايراً للسجود والقيام فلذا لم يقرن بالعاطف بخلاف السجود والقيام فإنهما وصفان متغايرأن فلذا عطف أحدهما على الآخر كما في قوله : { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } [ سورة التحريم ، الآية : 5 ] وقيل إنه توجيه للعطف مع أنّ ذات الساجد والقائم متحدة بأنه نزل تغاير الصفتين منزلة تغاير الذاتين وفيه نظر ، وكذا ما قيل إنه يعني أنّ كلاَ منهما عبادة منفردة لكن لا يخفى فضيلة الجمع بينهما إذ لا محصل له. قوله : ( في
موقع الحال ) من ضمير قانت أو ساجدا أو قائما ، وقوله للتعليل لأنه جواب سؤال تقديره لم يجتهد في العبادة والعبودية فقيل لأنه يحذر الخ. قوله : ( نفي لاستواء الفريقين ( المؤمن والكافر أو المطيع ، والعاصي وقوله بعد نفيه باعتبار القوة العملية إشارة إلى أنّ المراد بالذين يعلمون العاملون المعبر عنهم بالقانت المذكور سواء كنت أم متصلة أم منقطعة لأنّ هل يستوي الخ نفي للمساواة بين القانت المطيع وغيره ، وهو المراد بالعالم هنا ليكون تأكيداً له وتصريحا بأنّ غير العامل كان ليس بعالم ، وقوله على وجه أبلغ للتصريح فيه بالاستواء بعد الدلالة عليه بالهمزة وأم وذكر النفي بالاستفهام الإنكاري على من يسوي بينهما ، ومزيد فضل العلم من في المساواة بين من اتصف به ، ومن لم يتصف الدال على نفي المساواة بين العلم والجهل بالطريق الأولى. قوله : ( وقيل تقرير للأول على سبيل التشبيه ( عطف على ما قبله بحسب المعنى إذ التقدين الذين يعلمون والذين لا يعلمون هم القانتون ، وغيرهم فيتحدان بحسب المعنى أو المراد بالثاني غير الأوّل وإنما ذكر على طريق التشبيه كأنه قيل لا يستوي القانت وغيره كما لا يستوي العالم والجاهلا فيكون ذكره على سبيل التمثيل ففيه تأكيد من وجه آخر. قوله تعالى : ) { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ } الخ ) هو كالتوطئة لأفراد المؤمنين بالخطاب والإعراض عن غيرهم ، وقوله مثوبة الخ يعني إن حسنة صفة مثوبة مقدر وجعل الحسنة من حسنات الآخرة لأن الثواب والعقاب فيها وجعل في الدنيا متعلق بأحسنوا ومقابلته به تقتضي ذلك ، وتنوين حسنة للتعظيم وأما إذا جعل قيداً للحسنة على أنه كان صفة لها فقدم وهو مبين لمكان الحسنة ، وأين وقعت فيشكل إعرابه لأنّ الصفة لا تتقدم مع الوصف فتصير بعد التقدم حالاً والمبتدأ لا يجيء منه الحال على الصحيح ، وكونه حالاً من الضمير المستتر في الخبر لأنه ضميره فكأنه حال من خلاف المعروف في أمثاله ، ولو جعل خبر مبتدأ البيان الحسنة والتقدير هي في الدنيا والجملة معترضة كان أحسن لا مستأنفة استئنافاً بيانيا في جواب سؤال أين هي لضعفه بتقدم السؤال على منشئه ، ولو جعل قوله في الدنيا متعلقا بأحسنوا وحسنة على أنها لحسنات الدنيا والآخرة كان أعم وأتم ووجه ضعف القيل ظاهر ، ولو قيل إنه يقال من حسنه على أنها فاعل الظرف سلم من التكلف لكنه على مذهب الأخفش وهو ضعيف. قوله : ( فمن تعسر عليه الخ ( وجه إفادة هذا التركيب
هذه المعاني الكثيرة أوضحه شراح الكشاف بأنّ قوله للذين أحسنوا الخ مستأنف لتعليل الأمر بالتقوى ولذا قيد بالظرف لأنّ الدنيا مزرعة الآخرة فينبغي أن يلقى في حرثها بذر المثوبات ، وعقب بهذه الجملة لئلا يعتذر عن التفريط بعدم مساعدة المكان ، ويتعلل بعدم مفارقة الأوطان فكان حثا على اغتنام فرصة الأعمال ، وترك ما يعوق من حب الديار والهجرة فيما اتسع من الأقطار كما قيل :
إذا كان أصلي من تراب فكلها بلادي وكل العالمين أقاربي
قوله : ( ومهاجرة الأوطان ) هذا مأخوذ مما قبله وبه يتم الأخذ بالحجز ، وقوله أجراً لا يهتدي إليه حساب الحساب كون الحساب نفسه غير مهتد تركيب بليغ ووجه الاستعارة فيه ظاهر ، وقوله بغير حساب هوا المقصور عليه ، وهو حال إمّا من أجرأ ومن الصابرين ، وقوله أجرا الخ اختيار لكونه حالاً من أجرهم(7/330)
ج7ص331
لقربه لفظاً ومعنى ، وإنما فسره بما ذكر إيضاحا لمعناه لا لأنه صفة مصدر مقدر كما توهم فإنه لا وجه له. قوله : ( وفي الحديث الخ ) رواه الطبرانيئ وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو ضعيف كما قاله العراقي لكنه لا يضرّنا ، وقوله يصب عليهم الأجر صبا الظاهر أن الصبّ مجاز عن كونه بالغا حد الكثرة من غير تقدير. قوله : ( موحدا ) إخلاص الدين تقدم أنّ معناه لا يشوب طاعته رياء ولا شرك ، وهو مستلزم للتوحيد فلذا فسره به ، وقوله مقدمهم أي مقدم المسلمين لأن إخلاصه أتم من اخلاص كل مخلص فلذا حاز به القصب فلا يتوهم أنه غير مختص دون أمته بالإخلاص حتى يكون ذلك سبب تقدّمه ، وقيل إنه لما كان الهادي للإسلام كان إخلاصه موجبا لسبقه على غيره فالأوّلية زمانية وهي باعتبار معنى الإسلام الشرعي فإنه أوّل من اتصف به من أمته فهو يرجع إلى ما بعده ، وقوله لأن قصب السبق الخ أي لأن إحراز قصب السبق ففيه مضاف مقدر لأنه معروف في التعبير عنه ، واحرازه كناية عن التقدم والسبق وفي نسخة حيازة قصب الخ فلا تقدير فيه وأصله أنهم كانوا في مراهنتهم في سباق الخيل يوضع في نهاية ميدانه قصبة مغروزة كل من يأتي أوّلاً يأخذها فيعلم بذلك سبقه لغيره ، ثم صار مثلاً في كل سبق وعلى هذا فالأوّلية في
الشرف والرتبة. قوله : ( أو لأنه أوّل من أسلم الخ ) فالأولية زمانية على ظاهرها ، وقوله من دان بدينهم معطوف على قريش وفيه أنّ أهل السير ذكروا أن بعض قريش كان يتحنف ويتعبد بدين حق في الفترة كورقة بن نفيل وأشخاص أخر إلا أنه لا يعد ذلك في جنبه شيثاً فإنه لم يكن عن تحقيق قاطع لغرق الشبهة ، وقد صار منسوخا برسالته صلى الله عليه وسلم وهذا معطوف على جملة ما قبله بحسب المعنى واللام على هذا تعليلية أيضا ولو عطف على مقدر لكان أظهر والتقدير لأنه تقدمهم الخ أو لأنه الخ فما قيل إنّ حق العبارة أو لأن أكون أوّل من أسلم الخ بالزمان لا وجه له والمراد الإسلام على وفق الأمر فلا ينافيه تعبده صلى الله عليه وسلم قبل النبوّة. قوله : ( والعطف لمغايرة الثاني الآوّل ) دفع للسؤال الوارد على تقديره ، وتقريره وهو أنه اتحد فيه المتعاطفان وليس عطف تفسير بأنه لذكر العلة فيه صارا بالزيادة متغايرين ، وقوله والإشعار الخ هو المرجح للعطف بعد ذكر المصحح له يعني أنّ في العطف رمزاً إلى أنّ عبادة المخلص مأمور بها لذاتها ولأجل تحصيل شرف الدارين وهذا على التفسير الأوّل ولو قدر وأمرت بالإخلاص كانت المغايرة ظاهرة أيضا ، والسقة بضم فسكون ما يعطاه من سبق من الخطر ويقال له سبق بفتحتين أيضاً. قوله : ( ويجوز أن تجعل اللام الخ ( وهي كما ذكره الزمخشريّ تزاد في المفعول بعد فعلى الإرادة والأمر كثيراً إذا كان المفعول غير صريح للتنبيه على أنه معدول عن النهج المعتاد ، وقوله والبدء بنفسه هو معنى قوله وأمرت الثاني أي أنه أمر أوّلاً بعبادة الله مخلصاً له وثانياً بأن يكون أوّل عامل بما يدعو الناس للعمل به لا كالملوك الجبابرة الذين يأمرون بما لا يفعلون ليكون مقتدى به قولاً وفعلاً.
تنبيه : هذه المسألة من مسائل الكتاب قال : سألت الخليل عن أريد لأن أفعل فقال إنما
يريد أن يقول إرادتي لهذا كما قال وأمرت لأن أكون أوّل المسلمين ، ا هـ وقال السيرافي هذه الآية فيها وجهان فعند البصريين إنها تعليلية والمفعول مقدر أي أريد ما أريد وأمرت بما أمرت لكذا ، والثاني أنها زائدة وقال أبو عليئ في التعليقة : إنها متعلقة بمصدر دل عليه الفعل أي أردت وإرادتي لكذا وهو أشبه بكلام الكتاب لكنه لا بد للعدول عن الظاهر من نكتة لأنه متعد بنفسه ، وكأنها والله أعلم أن إرادة غيره قد تتخلف وأمر غيره قد لا يمتثل فقدر المفعول هنا ليفيد مع العموم أنه مقرر غير محتاج للتصريح به فتامّل. قوله : ( بترك الإخلاص الخ ( هذا هو
المناسب ، وكون العذاب عظيما لعظمة ما فيه ظاهر ولو أبقى على عمومه صح والمقصود به تهديدهم والتعريض لهم بأنه مع عظمنه لو عصى الله ما أمن العذاب فكيف بهم ، وقوله لعظمة ما فيه إشارة إلى أنّ وصف اليوم يا لعظمة مجاز في الطرف أو الإسناد وهو أبلغ ولذا عدل عن توصيف العذاب به. قوله : ) أمر بالإخبار عن إخلاصه ( هذا معنى الله أعبد وما يفيده فحواه لأنّ تقديم المفعول يفيد الحصر الدال على إخلاصه عن الشرك الظاهر والخفيئ ، وقوله وأن يكون الخ هو منطوقه ، وقوله بعد(7/331)
ج7ص332
الأمر الخ إشارة إلى تغايره مع ما مرّ وأنه لا تكرار فيه للفرق بين الأمر بالأخبار ونفس الأخبار ، وقوله خائفا الخ هو معنى إني أخاف الخ ، وقوله قطعا الخ إشارة إلى ما ذكر عن مقاتل في سبب النزول أن كفار قريش دعوه كحيه إلى دينهم وعدم مخالفة أديانهم فنزلت قطعا لأطماعهم ، ثم إنّ قوله مخلصاً حال مؤكدة ، وقيل إنها مؤسسة وفسر بأن لا ينوي بعبادته شيئا مّا كقول رابعة سبحانك ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا رجاء لثوابك. قوله : ( ولذلك رتب عليه قوله الخ ( أي لكون المقصود منه ، الأمر بإخباره عن إخلاصه رتب الخ لأن معناه أنا مخلص فافعلوا أنتم ما أردتم وأما كونه إشارة لقطع أطماعهم عن اتباعه لهم كما قيل فقيل يخفى فيه وجه الترتب ، وفيه نظر لأنّ المعنى انقطعت أطماعكم الفارغة عني فافعلوا ما أردتم ولا خفاء فيه وليس ببعيد مما قبله ، وقوله تهديدا الخ تعليل لقوله قوله وهو إشارة إلى ما مرّ من أنّ الأمر مجاز عن التخلية والخذلان وقد عرفته. قوله : ) الكاملين في الخسران ( قيل إنه فسره به للإشارة إلى أنّ تعريفه للعهد ليصح الحصر ، ويتضح الحمل فإنه كحمل الشيء على نفسه بحسب الظاهر ، وليس هذا بمتعين لجواز كون تعريفه للجنس بعدما عدا هذا الخسران كأنه ليس بخسران ، أو لأن المطلق ينصرف إلى أكمل أفراده ، وأما الحم! فغير محتاج إلى تأويل لظهور تغايرهما وكذا الحصر فيه لما مر ، وقوله يوم القيامة مع أن الضلال والإضلال في الدنيا لأن الخسران هو هلاكهم ، وهو واقع فيه والضلال والإضلال سبب له متقدم عليه ، وفسر يوم القيامة بوقت دخولهم النار لتحقق الخسران فيه ولو أبقى على ظاهره لأنه يتبين فيه أمرهم أو هو فيه مبدأ خسرانهم صح. قوله : الأنهم جمعوا وجوه الخسران ( أي أعاظم أنواعه وهو تعليل لكونهم كاملين فيه ، وقوله وقيل الخ التفسير السابق على أنّ المراد بأهليهم من أضلوهم
وأتباعهم في الضلال ، وأما على هذا فالأهل الاتباع مطلقاً وخسرانهم كما فصله المصنف ، وفيه وجه آخر في الكشاف لبعده تركه المصنف وذكر وجوه المبالغة في هذه الجملة ومنها أيضا التصدير باسم الإشارة للبعيد للدلالة على عظمه وأنه بمنزلة المحسوس وصيغة فعلان أيضاً فإنها أبلغ من الخسر. قوله : ( شرح لخسرانهم ( تهكماً بهم ، ولذا قيل لهم وعبر بالظلل عن طبقاتها التي بعضها فوق بعض فلما كانت الطبقة العليا مظلة للسفلى سميت ظلة على التشبيه أو التجوّز ، وقوله هي ظلل للأخرين أي لمن في الطبقة السفلى منهم فتسمية ما تحتهم منها ظلة لأنه ظلة لمن تحتهم في طبقة أخرى ولو جعل مشاكلة كان أقرب فإنه لا يطرد في الطبقة الأخيرة منها إلا أن يقال إنها للشياطين ونحوهم مما لا ذكر لهم هنا فلا يرد ما ذكر والمراد بما ذكر أنّ النار محيطة بجوانبهم. قوله : ( ليجتنبوا الخ ( عبارة تحتمل للعموم ولخصوص المؤمنين لأنهم المنتفعون به ، وهو ظاهر كلام المصنف وقوله فعلوت منه أي من الطغيان وفيه قلب والداعي له أنّ معناه مقتض له ، ومادّة طيغ أو طوغ مهملة والمبالغة فيه من وجهين لأنه صيغة للمبالغة كالملكوت ، والوصف بالمصدر يفيد ذلك أيضا فمعناه شديد الطغيان ولذلك اختص بالشيطان لأنه رأس الطاغين ، وقيل عليه أنه ينافي ما مر وما في كتب اللغة من أنه الباطل وكل ما عبد من دون الله بل ظاهر قوله هو البالغ غاية الطغيان ، وأجيب بأن ما ذكر بحسب الوضع والاختصاص بحسب الاستعمال ( وفيه بحث ( فأصله طغيوت ، ثم طيغوت ثم طاغوت وإعلاله ظاهر ووزنه فعلوت وقيل فاعول ، وقوله بشرأشرهم أي بجملتهم أخذه من ترك المفعول ، وقوله عما سواه أي رجعوا عما سواه فهو متعلق بأنابوا ولو بلا تضمين ، وقوله عند حضور الموت ، وقيل في موقف الحشر. قوله : ( للدلالة على مبدأ اجتنابهم ا لأن مبدأ اجتناب النواهي استماع أحسن القول من النهي والموعظة ، وقوله نقاد جمع ناقد هو من قوله يتبعون أحسنه وكون الاستماع مبدأ لا ينافي كون مسموعهم مفرعا على الدين الذي من جملته الاجتناب أو يقال الاتباع أمر ممتد مستمر فيتقدم باعتبار بعض ويتأخر باعتبار آخر ، وقوله يميزون بين الحق والباطل هذا يفهم من دلالة النظم لأنّ من يميز الحسن من الأحسن ويختار الأحسن على
الأحسن يلزمه أن يميز القبيح من الحسن ويجتنب القبيح. قوله : ( العقول السليمة الخ ( بناء على أنه في الأصل خيار الشيء ، ولذا قيل اللب أخص من العقل كما ذكره الراغب ، وقوله عن منازعة الوهم الخ(7/332)
ج7ص333
سلامته ببقائه على مقتضى الفطرة ، وأن لا يعدل عنه لأمور وهمية أو عادية ، كما في عبادة الأصنام ، وقوله الهداية الخ مذهب الأشعريّ ، أنّ ما يفعله العبد كله من خير كالهداية وغيره فعل الله بإيجاده وخلقه فيه ، ومنه القبول لذلك من غير تأثير له فيه بل كسب ، وعند الماتريدية بخلافه ، ودلالة الآية عليه بقوله أولو الألباب ، وعلى الأوّل بما قبله. قوله : ( جملة شرطية معطوفة الخ ) هو أحد قولين للنحاة فيه فمنهم من يجعله عطفا على المقدر الذي دخلت عليه الهمزة كما ذكره المصنف ، ومنهم من يجعل الهمزة مقدمة من تأخير لأصالتها في الصدارة ، وهو الذي رجحه في المغنى ، ومعنى مالك أمرهم قادر على التصرف فيه. قوله : ( فكررت الهمزة في الجزاء الخ ) إنما أعيدت لأنّ المقصود بالإنكار هو الجزاء لكن قدمت الهمزة لصدارتها كما مر ، وقيل إنها أعيدت لاستطالة الكلام لأنّ المقدر كالمذكور. قوله : ( ووضع من في النار موضع " الضميرا لأنّ الأصل أفأنت تنقذه ، وقوله : لذلك أي للتأكيد ، لأن المراد انقاذ. من العذاب إذا صار في النار ، لأنه هو محل الإنكار ، وقوله وللدلالة الخ ، الحكم عليه بالعذاب من الشرط ، وهو معنى كونه حق عليه العذاب لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن الجزاء في محله ، وقوله : ويجوز الخ فلا تكرار فيه حينئذ ، وقوله : للدلالة على ذلك أي على أنّ من حكم عليه الخ ، والجزاء المحذوف فأنت تنقذه ، وأعلم انّ في هذه الآية كما قاله الشارح المحقق استعارة لا يعرفها إلا فرسان البيان ، وهي الاستعارة التمثيلية المكنية لأنه نزل ما دل عليه قوله أفمن حق عليه كلمة العذاب ، من استحقاقهم العذاب وهم في الدنيا ، منزلة دخولهم النار في الآخرة ، حتى يترتب عليه تنزيل بذله صلى الله عليه وسلم جهده في دعائهم إلى الإيمان منزلة إنقاذهم من النار ، الذي هو من ملائمات دخولهم النار ، وقد عرفت من مذهبه أنّ قرينة المكنية قد تكون استعارة تحقيقية ، كما في نقض العهد ، وأما ما قيل من أنّ النار مجاز عن الكفر والضلال المفضي إليها فذكر المسبب ، وأريد السبب ، فكأنه قيل أنت تهدي من أضله الله ، والإنقاذ ترشيح لهذا المجاز ، أو مجاز عن الدعاء للأيمان والطاعة ، فمع بعد. عما ذكره الزمخشريّ نازل الدرجة بالنسبة لما ذكر ، وعليه ينزل كلام المصنف أيضا ، فما قيل في شرحه إنه تشبيه بليغ كزيد أسد وتنقذ ترشيح له ، بعد سماع ما مرّ لا وجه له ، وقوله سعى في إنقاذهم
أي كالسعي. قوله تعالى : ) { لَكِنِ الَّذِينَ } الخ ) هو استدراك بين ما يشبه النقيضين والضذين ، وهما المؤمنون والكافرون وأحوالهما ، وقوله : علالي جمع علية بكسر العين وقد تضم وتشديد اللام والياء ، وهي بمعنى الغرفة ، والمراد ما ارتفع من البناء كالقصر ، !أصله عليوة فاعل بما هو معروف في أمثاله. قوله : ( بنيت بناء المنازل على الأرض ( بيان لفائدة هذا الوصف لئلا يكون لغواً إذ الغرف لا تكون إلا مبنية ، يعني أنّ المراد بناء مخصوص على طريق بناء المنازل على الأرض من الأحكام وجري المياه فيها ، ونحو ذلك أو المراد به إنها على حقيقتها ، وليست كالظلل المقابلة لها وقوله من تحت تلك الغرف على الأرض أو على البناء السفلي ، وقوله مصدر مؤكد أي لمضمون الجملة فهو واجب الإضمار ، كما ذكره المعرب. قوله : ( نقص وهو على الله محال ا لأنه إن كان خبراً فخلفه كذب ، وهو نقص محال ، وان كان إنشاء فهو أيضا نقص لأنه مخل بقانون الكرم كما قال :
وإني وأن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وهل خلف الوعيد كذلك فيه كلام ليس هذا محله. قوله : ( مياه نابعات ) وفي نسخة قنوات نابعات ، والنسخة الأولى أصح لأنّ الظاهر أن عطف المجاري جمع مجرى اسم مكان على العيون قبله عطف ، تفسير ، والقناة اسم للمجرى فلا يصح عطفه بأو الفاصلة ، أما على الأولى فالمعنى إنها اسم لمجرى الماء ، أو للماء الجاري منه ، كما أشار إليه بقوله إذ الينبوع الخ إذ هو بيان للتفسيرين على اللف والنشر المرتب. قوله : ( فنصبها ) أي الينابيع فيه أنه سواء جعل اسماً للمجرى ، أو لما جرى فيه اسم عين ، فلا ينتصب على المصدرية ولا الحالية ، بل الظاهر أنه على الأوّل منصوب على الظرفية ، أو بنزع الخافض ، وأصله في ينابيع ، ويؤيده أنه في بعض النسخ على الظرف بدل قوله على المصدر ، ووجهت الأولى بأنّ الأصل سلوكاً في ينابيع ، فلما حذف المصدر وأقيمت صفته مقامه جعلها منصوبة على المصدرية تسمحآ ، أو أصله سلوك ينابيع فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه(7/333)
ج7ص334
مقامه ، وعلى الثاني يصح نصبه على الحالية بتأويله بنابعا لكنه لا يخلو من الكدر لأنه لو قصد هذا كان حقه أن يقال من الأرض وفي الأرض على الوجهين صفة ينابيع ، وقيل ينابيع مفعول ملك على الحذف والإيصال ! قوله : ( أصنافه ) فإنّ اللون يكون بمعنى النوع ، والصنف ، ومنه ألوان الطعام ، وإذا كان بمعنى
الكيفية المدركة بالبصر فهو بمعناه المتعارف ، وقوله حان له أن يثور حان بمعنى قرب ، وثار بمعنى انتشر وذهب ، وهو توجيه لإطلاق الهيجان على تمام الجفاف ، وظاهره أنه من مجاز المشارفة ، وكلام الراغب على أنه حقيقة فيه ، والفتات المتفتت أي المتكسر. قوله : ( بأنه لا بد الخ ) فإن تنقله في أطواره يدل على أنّ له خالقاً حكيما ، وإذا كان مثلاً للدنيا فهو كقوله : { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ } [ سورة الكهف ، الآية : 45 ] ونحوه ، وقوله إذ لا يتذكر الخ بيان لوجه التخصيص. قوله : ( حتى تمكن ) أي استقرّ الإسلام والإيمان فيه بيسر أي بسهولة ، وقوله عبر بالبناء للمفعول وفاعل خلق الله لأنه معلوم من السياق يعني أن انشراح الصدر أصله من الشرح بمعنى البسط ، والمدّ للحم ونحوه يكنى به عن التوسيع ثم تجوّز به هنا عن خلقه مستعداً استعداداً تامّا لقبول الأمر الملقى إليه من غير امتناع ، ولا توقف فيه كالمكان الواسع يقبل ما يجعلى فيه. قوله : ) من حيث إن الصدر محل القلب الخ ) بيان للتجوّز والعلاقة فيه على أن شرح الله صدره استعارة تمثيلية أو الصدر مجاز عن النفس بعلاقة الحلول فإن الصدر محل القلب ، وهو في تجويفه الأيسر بخار لطيف يتكوّن من صفوة الأغذية ، وبه تتعلق النفس الناطقة ، وبواسطته تتعلق بسائر البدن تعلق التدبير والتصرف ، وتلك النفس هي القابلة للإيمان والإسلام فالروح في كلامه بمعنى الأبخرة المذكورة لأنها تسمى روحا ، والمراد بالنفس النفس الناطقة والمتعلق بفتح اللام محل التعلق وللنفس باللام وفي نسخة المتعلق بالنفس بالباء على أنه اسم فاعل وهي صحيحة أيضاً لكن الأولى أحسن. قوله تعالى : ( { فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } ) عدل عن عنده أو له نور الظاهر للدلالة على استمراوه واستقرار فيه ، والنور مستعار للهداية والمعرفة كما يستعار لضدّه الظلمة ، وقوله وعته عليه الصلاة والسلام الحديث صحيح لكن في سنده ضعف كما صرحوا
به ، والمراد بالنور فيه الهداية واليقين والإنابة الرجوع أريد بها مجازا الركون والميل لمقابلته بالتجافي الذي هو التباعد ، ودار الغرور الدنيا والتأهب إحضار الأهبة ، وهي ما لا بد منه للمسافر والخبر المحذوف تقديره كمن ليس كذلك ، أو كمن قسا قلبه ليلائم ما بعده كما ذكره المصنف ، فإن قلت أنّ مدلول النظم على تفسيره ترتب دخول النور على الانشراح ، لأنه الاستعداد لقبوله ، وما ذكر في الحديث عكسه ، فكيف جعل ما في الحديث تفسيراً لها ، قلت لا يخفى أنّ المعرفة والاهتداء له مراتب ، بعضها مقدم وبعضها مؤخر ، وانشراح صدره في الحديث ما يكون بعد التمكن ، وفي الآية ما تقدمه ، وقس عليه النور. قوله : ( من أجل ذكره الخ ) يعني من فيه للتعليل والسببية ، وفيها معنى الابتداء لنشئها عنه ، ولذا قيل إنها ابتدائية وإذا قيل قسا منه فالمراد أنه سبب لقسوة نشأت منه ، واذا قيل قسا عنه فالمعنى أن قسوته جعلته متباعداً عن قبوله ، وبهما ورد استعماله ، وقد قرئ بعن في الشواذ لكن الأوّل أبلغ ، كما ذكره المصنف لأنّ قسوة القلب تقتضي عدم ذكر اللّه ، وهو معناه إذا تعدّى بعن ، وذكره تعالى مما يلين القلوب ، فكونه سبباً للقسوة يدل على شدّة الكفر الذي جعل سبب الرقة سببا لقسوته ، والتأبي الامتناع ، وقوله ذكر شرح الصدر لأنّ توسعته وجعله محلا للإسلام دون القلب الذي فيه ، يدل على شدّته وإفراط كثرته التي فاضت حتى ملأت الصدر فضلا عن قلبه ، وإسناده إليه يقتضي أنه على أتم الوجوه لأنه فعل قادر حكيم ، وقوله قابله بقساوة القلب ، ومقتضى لتقابل أن يعبر بالضيق ، لأنّ قسوته بكونه صخرة صماء تقتضي أر ، لا يقبل شيئا ، فإنّ الضيق يشعر بقبول شيء قليل منه ، واسناده إلى القلوب دون اللّه للإشارة إلى أنه جبلة خلقوا عليه ، وقيل المراد أنه أسند إلى ذكر الله المقتضى لكمال لينه ، وهو مع بعده خلاف الظاهر ، وضمير إليه للقلب لا للذكر ، كما توهمه فإنه متعلقه لا مسند إليه ، وان جاز حمل الإسناد على معناه اللغوي والضمير المستتر للقساوة ، وذكره لأنه مؤوّل بأن والفعل أو(7/334)
ج7ص335
بالمقابل. قوله : ) والآية نزلت الخ ) فحمزة رضي الله عنه وعليّ كرم الله وجهه ممن شرح اللّه صدره للإسلام ، وأبو لهب وولده هم القاسية قلوبهم.
قوله : ( روي الخ ) ذكر. الواحدي في أسباب النزول ، والملة بالفتح السآمة مصدر مللت بالكسر ، وسآمتهم كانت بمقتضى البشرية ، فطلبوا منه ىسييرو أي يصاحبهم ليرتاحوا بحديثه ،
فنزلت هذه الآية إرشاداً لهم إلى ما يزيل مللهم ، وهو تلاوة القرآن واستماعه منه صلى الله عليه وسلم غضا طريا. قوله : ( وفي الابتداء الخ ) يعني أنه عدل عن نزل اللّه إلى ما ذكر ، لتأكيد مضمونه بالإسناد إلى الجلالة ، ثم إلى ضميره وتكرير الإسناد يفيد ذلك ، وقد يكون على وجه الحصر. قوله : ( وتفخيم للمنزل ) بإسناده إلى الله الذي هو أعظم من كل عظيم ، وهو وما بعده معطوف على تأكيد الإسناد ، والاستشهاد بمعنى الاستدلال ، ولذا عذاه بعلى دون اللام ، وهذا هو المقصود بالذات ، وما قبله تمهيد له ، ووجه الاستدلال أن منزله حكيم عالم بالحسن والأحسن ، ولذا قال المحقق إنّ فيه تنبيها على أنه وحي حيث نزله الله معجز حيث كان منزله من له الكمال المطلق ، والأثر يناسب المؤثر والهدايا على قدر مهديها ، ولذا قيل التفخيم من إفادته التخصيص ، بناء على مذهب الزمخشري في مثله ، فإنّ اختصاصه به يقتضي أنه أمر عظيم لا يقدر عليه غيره ، وقيل أصل التفخيم حاصل بالإسناد ، والمراد زيادته بالتكرير ، ففيه مضاف مقدر ، والمراد به ذلك ، وكذا في قوله الاستشهاد ، ولا حاجة إليه لما مز ، ولأنّ الإضافة حينئذ عهدية ، والمعهود الحسن المفضل على غير. ، والاستشهاد إنما يتأتى بمجموع الأمرين الابتداء والبناء عليه ، وأما اعتبار الزيادة فلأن في تقتضي الإحاطة ، والإحاطة التامّة تكون بأن لا يتجاوز المحيط ولا يفضل عنه ، وهو تكلف ما لا حاجة إليه ، وقوله على حسنه ، لو قال على أحسنيته كان أحسن ، لكن يدفع بالتي هي أحسن. قوله : ( وتشابهه الخ ) المتشابه تقدم أنه ما لا يظهر معناه حتى لا يعلم تاويله إلا الله وحده ، أو هو ومن أراد اطلاعه عليه من الراسخين ، والمراد بالمتشابه هنا ليس هذا المعنى ، بل معناه اللغوي ، وهو ما أشبه بعضه بعضا في وجوه الإعجاز ، وغيره مما اختص به ، كما فصله المصنف رحمه الله وشبهه في الكشاف بقول العرب لمن كمل حسنه متناصف كان بعضه أنصف بعضا في اقتسام المحاسن ، وهو من بليغ كلامهم ، وتجاوب النظم تقابله في وجوه المحاسن ، بحيث لا يكون فيه اختلاف كان بعضه يجيب بعضا ، وهو أيضاً من التراكيب البليغة ، وجعله حالاً من أحسن الحديث ليس مبنيا على أنّ إضافة اسم التفضيل تفيده تعريفاً ، كما توهمه أبو حيان ، فإنّ مطلق الإضافة كافية في مجيء الحال ، كما يعرفه من له أدنى إلمام بالعربية. قوله : ) جمع مثنى ( بضم الميم وفتح النون المشددة على خلاف القياس ، إذ قياسه مثنيات أو مثنى بالتفح مخففا ، وقد مرّ تفصيله ، وأنه من التثنية بمعنى التكرير ، وقوله وصف به كتابا الخ توجيه لوصف المفرد بالجمع مع لزوم المطابقة المشهورة ، بأنه صفة لجمع في الأصل فحذف الموصوف ، وأقيمت صفته مقامه وأصله ذا فصول مثاني ، أو هو وصف له باعتبار أجزائه التي يشملها ، أو أنه ليس صفة ، بل هو تمييز محوّل عن الفاعل ،
وأصلها متشابهاً مثانيه فحول ، ونكر لأنّ الأكثر فيه التنكير. قوله : ( تشمئز الخ ( اشمأز يكون بمعنى نفر ، وبمعنى انكمش وانقبض ، والثاني هو المراد لأنه من الاقشعرار ، وهو الانقباض ، ويكون بمعنى الرعدة ، وليس بمراد أيضا ، قال السمرقندي ولم يذكر أنهم يغشى عليهم ويصرعون كما نرا. في أهل البدع ، وهو من الشيطان ولم يكن أحد أعلم بالله من نبيهءشيه ، ولم يسمع منه ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم مثل ذلك. قوله : ( وهو مثل في شذة الخوف الخ ) يعني أنه تصوير للخوف بذكر آثاره ، وتشبيه حاله بحاله ، فهو تمثيل حقيقة لاشتهاره ، وفشوّه صار مثلاً ، أو أنه كناية عما ذكر على طريق التصوير والتمثيل ، قال في الكشف وهو أحسن لأنّ الاستعارة هنا لا تخلو عن التكلف. قوله : ( بزيادة الراء ليصير رباعياً ( ليس المراد الزيادة المتعارفة ، واشتقاقه من القشع اشتقاق كبير ، والجلد إذا يب! انكصثر وانقبض ، فهذا هو وجه المناسبة بينهما ، أو اقمطرّ بمعنى اشتد. قوله تعالى : ) { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ } الخ ( الظاهر مما ذكر أن اقشعرارهم الذي كني به عن الخوف إذا ذكر في القرآن وعيد وإنذار ونحوه ، مما يخاف فلين القلوب والجلود الواقع في مقابلته لفرحهم بذكر ما يسرهم من وعد الله والطافه على طريق الكناية أيضا ، فقوله : بالرحمة وعموم المغفرة متعلق بذكر الله ، فهو ذكر مقيد به(7/335)
ج7ص336
تقديراً والإطلاق لما ذكر من أنها الأصل فإذا ينصرف المطلق إليه لتبادره منه ، وقوله وذكر القلوب الخ يعني إن لين الجلود في مقابلة اقشعرار الجلود ، فزيدت القلوب لأنها محل الخشية ، ولو لم تذكر كفى لين الجلود ، أو المراد أن ذكر الخشية أوّلا في قوة ذكر القلوب ، فكأنها مذكورة فيهما وإنما خص بالذكر ثانيا لأنه يوصف باللين ، ولا يصح وصفه بالاقشعرار. قوله : ( يهدي به من يشاء ) فاعل يشاء إمّا ضمير الله ، أو ضمير من ، وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهما ، والأوّل أولى ، وقوله هدايته مصدر مضاف إلى المفعول ، إذا كان الضمير لله والمصدر مبني للفاعل فإن كان لمن فالمعنى أن يكون مهديا على أنه مصدر المجهول فتأمل. قوله : ) يجعله درقة يقي به الخ ( الدرقة بفتحتين ترس من جلود يتقي به ، وهو
هنا تشبيه بليغ ، أي يجعل وجهه قائما مقام الدرقة في أنه أول ما يمسه المؤلم له ، لأنّ ما يتقي به هو اليدان وهما مغلولتان ، ولو لم يغلا كأن يدفع بهما عن الوجه لأنه أعز أعضائه ، وقيل الوجه لا يتقي به فالاتقاء به كناية عن عدم ما يتقي به ، إذ الاتقاء بالوجه لا وجه له وليس ببعيد من كلام المصنف رحمه الله ، وقوله كمن هو الخ هو الخبر المقدر ، وسوء العذاب من إضافة الصفة للموصوف بها ، وقوله وباله ففيه مضاف مقدر ، أو هو مجاز أطلق فيه السبب على مسببه ، وقوله الواو للحال ، أي وقيل والإجلاء الإخراج من ديارهم ، وقوله لو كانوا الخ إشارة إلى تنزيل يعلمون منزلة اللازم لعدم القصد إلى تعلقه بمعمول ، وقوله لعلموا الخ جواب لو المقدّر. قوله : ( حال من هذا الخ إنما ذكر الاعتماد على الصفة ا لأن قرأنا جامد لا يصلح للحالية ، وهو أيضاً عين ذي الحال فلا يظهر حاله ، أمّا إذا جعل تمهيداً لما بعده فالحال موطئة للمشتق بعدها ، وهو الحال في الحقيقة فلا محذور فيه ، أو هو ليس حالاً بل منصوب بمقدر تقديره أعني أو أخص وأمدح ، ونحوه ويجوز كونه مفعول يذكرون أيضاً. قوله : الا اختلال فيه بوجه ما الخ ) لأنّ عوجا نكرة وقعت في سياق النفي ، وهو غير والمراد به الاختلال فيقتضي أنه لا عوج فيه أصلاً وهو أبلغ من مستقيم ، لما عرفت من عمومه والاستقامة يجورّ أن تكون من وجه دون وجه ، ولأنه نفي عنه مصاحبة العوج فيقتضي نفي اتصافه به بالطريق الأولى ، كما في قوله : { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } [ سورة الكهف ، الآية : 1 ] . قوله : ( وأخص بالمعاني ( وفي نسخة اختص بالمعاني ، قال التفتازاني وهو الوجه الثاني ، وترجيحه لأن لفظ العوج بالكسر مختص بالمعاني ، فدل على استقامة المعنى من كل وجه ، بعدما دل على استقامة اللفظ بكونه عربيا ، بخلاف ما إذا قيل مستقيما أو غير معوج ، فإنه لا يكون نصا في ذلك لاحتمال أن يراد نفي العوج بالفتح انتهى ، وقد تبع فيه الشارح الطيبي واليمني ، وهو عجيب منهم ، فإن المعاني تطلق على مقابل الألفاظ ، فيكون بمعنى المدلول عيناً كان أو غيره ، ويطلق على مقابل الأعيان ،
فيشمل الألفاظ ، فبعد قول الكشاف الثاني إن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان انتهى ، كيف يتأتى ما ذكره كما أشار إليه بعض الشراح ، وقد زعم بعضهم أن ما ذكر من جلبه من سوقيه وزاد فيه ما زاد وفي قوله بعدما ذكر الخ ، بحث إذ لا دلالة فيما ذكر عليه فتأمل ، وقد مز في الكهف تحقيقه ، وان ما يقصد سومه لا يخلو عن عوح مّا ، وإن دق فعبر بالعوج ليدل على أنه بلغ إلى حذ لا يدرك العقل فيه عوجاً ، فضلا عن الحس ، ولهذا اختار المكسورة لما كان المنفي أمراً دقيقا ، وعبر عنه بما يعبر به عن المعاني المعقولة. قوله : ( بالشك استشهادا بقوله الخ ) معطوف على قوله بالمعاني ، أي اختص بالشك هنا لا مطلقا ، لا على قوله بوجه ما كما قل لبعده لفظاً ومعنى ، والاستشهاد البيت على أنّ العوج استعملته العرب بمعنى الشك غير ظاهر لاحتمال أن يكون المراد لا خلل فيه ، وان كان مقابلته باليقين مشعرة به ، وما قيل في توجيهه أنه مقتبس من الآية ، وقائله فصيح من أهل اللسان ، فلو لم يكن فهمه منها ما أتى به ، كذلك تعسف ظاهر لأنه لم يتبين أنه اقتبسه منها ، ولو سلم يكون محتملا لما يحتمله العوج في النظم ، أو هو كما قال المصنف رحمه اللّه تخصيص له ببعض أفراده ، لكونه في مقابلة اليقين فلا ينافي الاقتباس ، ولا يقتضي تخصيص ما في النظم به فتدبر. قوله : ( علة أخرى ( لأنّ لعل يفهم منها التعليل كما مرّ ، فعلل ضرب الأمثال أوّلاً بالتذكر وألاتعاظ ثم علل التذكر بالاتقاء لأنه المقصود منه ، فليس من تعليل معلول واحد بعلتين. قوله : ( مثل المشرك الخ ( إنما جعله مقتضى مذهبه ، لأنّ الأصنام جمادات لا يتصوّر منها التنازع وهم يعلمون ذلك ، ويقولون ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى ، ومعبوديه جمع(7/336)
ج7ص337
مضاف ، وعبوديته مفعول يدعي ، وقوله بعبد متعلق بقوله مثل ، وقوله يتعاورونه بالعين والراء المهملتين من التعاور ، وهو التداول بالمناولة ، وقوله في مهماتهم ، وفي نسخة من مهامّهم ، وقوله في نحيره متعلق به أيضاً ، وهو وجه الشبه ، وتحيره بينها من ينفعه منها ، والى أنها يتوجه مثلا ، وقوله توزع قلبه بمعنى تفريق خواطره ، وفكره ، والموحد معطوف على المشرك. قوله : ( ورجلاَ بدل الخ ) بدل كل من كل أو مفعول ثان لضرب كما مرّ تحقيقه ، وقوله وفيه صلة شركاء لأنه يتعدى بفي ، يقال اشتركوا في الأمر وهو مبتدأ خبره متشاكسون ، والظاهر أنه خبر مقدّم لأنّ النكرة وإن وصفت يحسن تقدّم خبرها ، ولو كان صلة لم يكن لتقديمه نكتة ظاهرة ، وحمل كلام المصنف رحمه الله على هذا ، وان كونه صلة ، كان قبل التقديم وبعده ، وهو خبر مستقر كما في الحمد لله ، كما قيل تعسف ،
والجملة صفة رجلاً أو الظرف صفته ، وشركاء فاعل به لاعتماده ، وقوله الاختلاف المراد تحالف آرائهم في استخدامه. قوله : ( وقرأ نافع الخ ) أخره وان كان معتاد. تقديم قراءة الأكثر ، ليكون تفسير. على ما هو أظهر معنى ، ولا تجوز فيه مع أنّ ما ذكر ليس ملتزما له ، كما زعمه القائل ، وسلم كعلم بمعنى خلص من مزاحمة شركة غيره فيه ، والتعب بالمصدر للمبالغة ، وقوله ورجل أي قرئ رجل الثاني بالرفع على أنه مبتدأ له خبر مقدم ، وقوله وتخصيص الخ ، أي ضرب المثل بالرجل دون الصبي ، أو دون المرأة ، وذكر ما يعمهما كشخصاً مثلاً. قوله : ( صفة وحالاً ) تفسير للمثل هنا كما مرّ ، وقوله ولذلك وحده لأنه لبيان جنسه ودفع إبهامه ، وهو حاصل بالإفراد فلا يزاد على مقدار الحاجة ما لم يحصل لبس بإفراده ، أو يقصد الدلالة على معنى زائد فيه كاختلاف نوعهما ، أو يقال ضمير يستويان للمثلين ، فلو لم يثن لم يحصل التمييز ويلتبس ، وقوله : فإنّ التقدير الخ ، دفع لما يتوهم من أنّ المثل مفرد ، فكيف يرجع له ضمير التثنية بأنه وان كان بحسب الظاهر واحداً فهو متعدد ، لأنّ قوله ورجلاً بتقدير ومثل رجل. قوله : ( كل الحمد له ) إشارة إلى أنّ تعريف الحمد للاستغراق ، وقوله : لا يشاركه الخ هو معنى لازم الاختصاص ، وقوله : على الحقيقة دفع لما يخطر بالبال ، لأنّ من الناس من ينعم إنعاما يستحق به الشكر والحمد حتى قيل :
لا يشكر الله من لا يشكر الناسا
بأنّ المنعم الحقيقي هو الله وكل ما سواه وسايط وأسباب ، كما مرّ في الفاتحة ، وقوله :
لا يعلمون ، أي ليسوا من ذوي العلم ، أو لا يعلمون أنّ الكل منه ، وانّ المحامد إنما هي له. قوله : ( وفي عداد الموتى ) فهو مجاز لأنهم لكونهم يتصفون به بعده بمنزلة من مات الآن ، وقوله لأنه مما سيحدث ، هكذا في الكشاف الفرق بين الميت والمائت ، إنّ الميت صفة لازمة كالسيد ، والمائت صفة حادثة ، فقوله زيد مائت غدا أي سيموت أنتهى ، يعني أنّ اسم الفاعل يدل على الحدوث ، والصفة المشبهة تدل على الثبوت مع قطع النظر عن دلالته ، على الحال أو
الاستقبال ، لكن لما كان الحدوث فد يعتبر مع القرينة في المستقبل كما هنا ، فإنّ القرينة عقلية ، وهي الخطاب إذ الميت في الحلل لا يخاطب ، وانم! يظهر الفرق بينهما في المستقبل لاشتراكهما في اتصافهما بالحدث حالاً ، مثل به كذلك اختياراً للقول بأنه حقيقة في الحال ، والاستقبال وهو قول للنحاة ، وأهل الأصول ، كما في التسهيل ومنهاج المصنف رحمه الله وشرحه ، فما قيل إنه يدل على أنّ اسم الفاعل وضع للاستقبال ، والذي غرّه كلام الكشاف ، ولا وجه له لأنّ قوله غدا قرينة للتجوّز ، والظاهر أنه من باب زيد أسد ، كما في القراءة المشهورة غفلة عن إنه قول لهم اختاره الشيخان هنا فتدبر. قوله : ( فنصج عليهم- الخ ( جعل الخصام بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمّة الدعوة ، لكن لا على ما يتبادر منه بل على ما أشار إليه الطيبي طيب الله ثراه ، من أوّل السورة إلى هنا ، لما ذكرت البراهين القاطعة لعرق الشركة المستجلبة لفرط جهلهم ، وعدم رجوعهم مع تهالكه-شييه على ردهم إلى الحق ، وحرصه على هدايتهم ، اتجه السؤال منه بعدما قاساه منهم ، بأن يقول ما حالي وحالهم ، فأجيب بأنك مهدت من نشاط الدعوة ما أردناه ، وتم لك من ذلك ما قضيناه ، فلا تطمع في الزيادة على ذلك لأنك ستأتي أنت إلى عز الحضور ويساق هؤلاء إلى موقف ينتصف فيه الخصوم كما قيل :
إلى ديان يوم الدين تمضي وعند الله تجتمع الخصوم
قوله : ( وقيل المراد الخ ) قيل إنه مرضه ، لدلالة قوله إنك ميت وانهم الخ ، وكذا السياق
على الوجه السابق(7/337)
ج7ص338
لكن صاحب الكشف رجحه على ما قبله ، وقال إنه !المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم ، وما ذكر من التأييد غير قوي ، ويؤيده إنه غير محتاج إلى التأويل بما مرّ ، فإنه لا معنى لمخاصمة النبي صلى الله عليه وسلم معهم ، فالمعنى أنهم يتخاصمون يوم القيامة ، وتقع الخصومة فيما كان بينهم من المظالم في الدنيا ، وعلى هذا فلا تغليب فيه ، وقوله ما جاء به محمدئلمجبيه الخ ، فسماه صدقا مبالغة بجعل الصادق عين الصدق. قوله : ( من غير توقف وتفكر في أمر 0 ( إشارة إلى أن إذ هنا فجائية ، كما صرّح به الزمخشري ، لكنه اشترط فيها في المغني أن تقع بعد بين ، أو بينما ، ونقله عن سيبويه فلعله أغلبي ولم ينبهوا عليه فتأمّل. قوله : ) وذلك يكفيهم مجازاة ( قال السمرقندي كأنه يقول أليس جهنم كافيا للكافرين !مثوى كقوله : { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا } [ سورة المجادلة ، الآية : 8 ] أي هي تكفي عقوبة لكفرهم وتكذيبهم ، فالكفلية مفهومة من سياقه
هنا ، كما تقول لمن سألك شيئاً ألم انعم عليك ، أي أما كفاك سابق إحساني فافهم ، وإذا كان
تعريف الكافرين للعهد ، فالمراد بهم المشركون الذين كذبوه ، وعلى الجنسية هو شامل لأهل
الكتاب ، ويدخل فيه كفار قريش دخولاً أوّليا ، وعلى الأوّل وضع فيه الظاهر موضع الضمير
للتسجيل عليهم وللفاصل. قوله : ( وهو ) أي الاستدلال على تكفير أهل البدع بهذه الآية
ض!عيف ، لأنه مخصوص بمن كذب الأنبياء شفاها في وقت تبليغهم ، لا مطلقا ، والمخصص له
قوله إذ جاء. ولو سلم إطلاقه ، فهم لكونهم يتأوّلون ليسوا مكذبين ، وما نفوه وكذبوه ليس
معلوما صدقه بالضرورة إذ لو علم من الدين ضرورة كان جاحده كافراً ، كمنكر الصلاة
ونحوها ، والأظهر أنّ المراد تكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، بعد ظهور المعجزات ، في
أنّ ما جاؤوا به من عند اللّه لا مطلق التكذيب. قوله : ( للجنس الخ ( يعني انّ المراد بالموصول
الجنس ، لأنّ تعريف الموصول كتعريف ذي اللام ، يكون للعهد والجنس ، والجنس شامل لمن
ذكر ، والدليل على ذلك جمعه في قوله أولئك الخ نظراً لمعناه ووصفهم بالتقوى الشامل
لجميعهم ، ويجوز أن يكون صفة لمفرد لفظا مجموع معنى ، والتقدير الفوج أو الفريق الذي
الخ ، كما قدروه في قوله كالذي خاضوا ، ولم يذكره هنا لما سيأتي. قوله : ( وقيل هو ( أي
الذي الخ المراد به النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الظاهر ، والمراد في الحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من أقته ،
للجمع في قوله أولئك الخ كما ذكر موسى عليه الصلاة والسلام في تلك الآية ، وأريد هو وأقته
بقرينة ذكر الكتاب ، وجمع لعلهم يهتدون ، إلا أنّ ما نحن بصدده في الصفة وذاك في الاسم
وهو فيهما مجاز لكن قال المحقق في شرح الكشاف : ولا بد من تحقيق العلاقة فيه والتفصي
عن الجمع بين الحقيقة والمجاز ، ولم يبين ذلك وقد قيل عليه أيضاً إنّ المجيء بالصدق ليس
وصفا لمن تبعه ، فكيف يراد به الجمع ، والآية المذكورة إنما تكون مثالاً لما ذكر لو رجع
ضمير لعلهم لموسى عليه الصلاة والسلام ، وهو يرجع إلى بني إسرائيل الذين هم في حكم
المذكورين ، كما صرح به ثمة لأنّ موسى خارج عن مرجع الضمير للقطع بهدايته ، ولذا مرضه
المصنف رحمه الله ، لما فيه من الكدر ، وأيضا إنما عهد مثله في أعلام الآباء كتميم ، ونحوه
من القبائل ، ولك أن تقول مراد القائل أنّ مجموع الذي جاءنا بالصدق وصدق به المراد به النبيّ
صلى الله عليه وسلم ، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وفسر الصدق بالتوحيد ، ودلالته على ذلك
بطريق الحقيقة ، وعلى من تبعه بطريق التبعية ، والالتزام فإنه إذا قيل جاء الأمير علم منه مجيء
أتباعه ، ولا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز ، لأن الثاني لم يقصد من حاق اللفظ ، وهو محل
النزاع ، إمّا المجوّزون له فلا يعتذرون عنه ، وحينئذ تدفع الشبه برمتها. قوله : ( وذلك يقتضي
إضمار الذي وهو غير جائز ) على الأصح عند النحاة من أنه لا يجوز حذف الموصول ، وإبقاء صلته وأن جوّزه يعنيهم مطلقا ، وشرط بعضهم لجوازه عطفه على موصول آخر ، ويضعفه أيضاً الإخبار عنه بالجمع فإنه يأباه كما يأباه المعنى أيضاً ، وأمّا إنه يراد بالذي النبيّ صلى الله عليه وسلم والصديق معاً على أن الصلة للتوزيع ليندفع المحذور فهو تكلف. قوله : ( صار صادقاً بسببه أليس المراد صيرورته بعد إن لم يكن كذلك فإنه الصادق أوّلاً وآخر بل المراد ظهور صدقه وتحققه بحيث لا يمكن تكذيبه :
ومن يقل للمسك أين الشذا كذبه ما شاع من عرفه(7/338)
ج7ص339
وقوله لأنه معجز الخ ، فالمراد صدقه بالبرهان الساطع وهو جواب آخر ، وقوله صدق
على البناء للمفعول أي قرئ به. قوله : ( خص الأسوأ للمبالغة الخ ( يعني أنّ المكفر كنهم المتقون الموصوفون بما مرّ من التقوى ، وهم إن كانت لهم سيئات لا تكون من الكبائر العظيمة ، ولا يناسب ذكرها في مقام مدحهم ، كما لا يخفى فأجاب أوّلاً بأنه ليس المراد به ظاهره ، بل هو كناية عن تكفير جميع سيئاتهم بطريق برهاني ، لأن ذلك صاو منهم ، فافعل على حقيقته. قوله : ( أو ل!شعار الخ ( يعني ليس المراد بكونه أسوأ وكبيراً إنه في الواقع كذلك بل هو بحسب ما عندهم ، لأنهم لشدة خوفهم من الله يرون الصغيرة كبيرة ، فإن عظم المعصية يكون بعظم من يعصى فافعل على حقيقته أيضا ، لكنه بالنظر لما في نفوسهم وحسبانهم. قوله : ( ويجوز أن يكون بمعنى السيئ الخ ( يعني إفعل ليس على حقيقته ، وظاهره وليس مضافا إلى المفضل عليه ، فهو بمعنى السيء صغيراً ، كان أو كبيراً ، كما في المثال المذكور ، فإن المراد أنهما العادلان من بني مروان ، لا أنهم أعدل من بقيتهم ، لأنهم معروفون بالجور ، والناقص هو أحد الروايتين ، وهو يزيد بن الوليد ، ولقب بالناقص لأنه نقص ما كانوا يأخذونه من بيت المال ورد المظالم على أهلها ، والأشج عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، لقب به لشجة كانت في رأسه ، وأمرها مفصل في السير وعدله وزهده معروف ، وأف كانت من نسل الفاروق رضي الله عنه ، ولذا ورث عدله العمري كما فصله المؤرخون ، وما ذكره في المثال من كون أعدل بمعنى عادل وجه فيه ، والآخر أن أفعل للتفضيل والزيادة مطلقا ، لا على المضاف إليه فقط ، وإنما أضيف للبيان له سواء كان بعضاً من المضاف إليه كما في أعدل بني مروان ، أو لا كيوسف
أحسن إخوته ، كما بينه النحاة في معاني أفعل التفضيل ، وقوله أسواء بوزن أفعال ، وهي قراءة مروية عن ابن كثير ، وإن كان ظاهر كلام المصنف رحمه الله إنها شاذة. قوله : ( فتعدلهم محاسن أعمالهم ) هذا توجيه لذكر الأحسن دون الحسن ، فإنه لو أبقى على ظاهره اقتضى أنهم لا يجازون على الحسنات مطلقا ، وإنما يجازون على الأحسن منها ، وليس بمناسب ، فتعد بضم التاء وفتح العين وتشديد الدال بصيغة المجهول من العداي ، تحسبء!عني أن هؤلاء لإخلاصهم تعدّ محاسنهم من أحسن الأعمال عند الله ، ومعنى عدها كذلك عنده ، أنها تقع موقعها. من القبول ، وتجزي جزاء المضاعفة أجورهم ، فالتعبير بالأحسن لما ذكر هذا ما عناه المصنف رحمه الله كما يوضحه كلام الكشاف ، وقيل إنه من العدل ، أو التعديل ، على أن اللام من بنيته لا جارّة ، وأيد بأنه وقع في نسخة فيعدل ، أو من الإعداد والوجه ما قدمناه. قوله : ( مبالغة في الإثبات ( لأنّ نفي النفي إثبات ، والعدول عن صريحه إلى الإنكار أبلغ ، وقوله العبد رسول الله ، لأنّ قوله بعده يخوّفونك الخ يرجحه ، وإذا أريد به ال!نس فيكفي دخوله فيهم ، وإذا كفى الأنبياء كلهم دل على كفايت!ه بالطريق الأولى. قوله : ) يعني قريشا الخ ( تفسير للمخوّفين ، والتخبيل إفساد العقل بمس من الجت ونحوه ، وقوله وقيل الخ ، وجه ضعفه ظاهر لما فيه من التكلف المذكور ، والسادن بالمهملة ، هو الموكل بخدمتها ، وهذا وقع بعد الهجرة بزمان طويل ، فتكون هذه الآية مدنية ، قيل ولم يقل به أحد ، وقوله حتى كفل الخ ، بيان لارتباطه بما قبله ، وقوله فإن لها شذة بفتح الشين المرّة من الشد ، أي حملة شديدة على من يريد بها. أمراً ، ويجوز كسر الشين ، وقوله يهديهم جمعه نظراً لمعنى من ، وقوله هشم أنفها يدل على أنها كانت صورة وصنما ، وهو مخالف لما سيأتي في سورة النجم ، من أنها شجرة ، فقيل فيها روايتان ، أو إنها شجرة كان عندها أصفام ، والمخوف حينئذ السادن لكنه نزل تخويفه منزلة تخويف عبادها ، أو السادن جنس شامل لكثير منهم ، وقوله إذ لا راذ تعليل لجميع ما قبله. قوله : ( لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية ( هذا هو معنى قوله في سورة العنكبوت ، لما تقرر
في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واجب الوجود ، وقوله بعد ما تحققتم بيان لمحصل معنى النظم ، والفاء الظاهر إنها جواب شرط مقدر ، أي إذا لم يكن خالق سواه فهل يمكن غيره كشف ما أراده من الضرّ ، أو منع ما أراده من النفع ، أو هي عاطفة على مقدر ، أي أتفكرتم بعد ما أقررتم به فرأيتم الخ ، وقدم الضرّ لأنّ دفعه أهثم ، وخص نفسه بقوله أرادني ، لأنه جواب لتخويفه فهو المناسب. قوله : ( إذ تقرر الخ ) يعني إن كونه كافيا علم مما قبله ، فلذا أمره بعده بالاكتفاء به والتوكل(7/339)
ج7ص340
عليه ، وتركت فاء النتيجة والتفريع ، لظهوره وتفويضه للسامع ، وقوله فسكتوا سكوتهم عناداً ، دمالا فهم يعلمون إن آلهتهم لا تجلب نفعا ولا تمنع ضرّاً ، وإنما هي وسائل وشفعاء على زعمهم الفاسد ، وقولهم من الأنوثة لظنهم إنها كذلك ، وقيل إنه تأنيث لفظيئ ، وكمال الضعف لأنه من شأن الإناث.
قوله : ( على حالكم الخ ) فشبهت الحال بالمكان القارّ فيه ، ووجه الشبه ثباتهم في تلك الحال ثبات المتمكن في مكانه ، وأمّا تشبيه المكان بالزمان ففي الشمول والإحاطة ، وقراءة الجمع مروية عن عاصم ، وليست بشاذة كما يتوهم من ظاهر كلامه ، وقد مرّ إنّ المكانة يجوز أن تكون بمعنى التمكن والاستطاعة. قوله : ( والمبالغة في الوعيد ) الظاهر إن المبالغة ، لأن قوله اعملوا عن مكانتكم تهديد لهم ، وقوله إني عامل تعليل له ، فكأنه قيل فإني فاعل على حالتي أيضاً ، وهذا وعيد وحذف متعلقه فيه مبالغة لاحتمال تقديره بشيء آخر ، والإيهام إنه لم يذكر ما يعمله لأنه أمر عظيم ، وقوله والإشعار الخ ، هذا لا ينافي تقديره على مكانتي ، إذ المراد منه مطلق حاله لا حاله التي هي موجودة ، والحذف يناسب العموم ، فاندفع ما قيل من أن قوله لما فيه الخ ، مشعر بأنه ليس المراد إني عامل على مكانتي فكأنهما جوابان ، ويحتمل أن يكونا جوابا واحداً ، وهو أنّ الغرض من حذفه الاختصار مع عدم الاقتصار ، بمعنى إني عامل ما استطعت لا أقف على حالي ومكاني انتهى ، وما ذكره أخيراً تعسف فتدبر. قوله : ( من يأتيه
الخ ( من يحتمل الاستفهام والموصولية ، وقوله دليل غلبته أي في الدارين ، فإن وقوعه عاجلا كما وعدهم مصدق للأجل أيضا ، وقوله دائم فهو مجاز في الطرف أو الإسناد ، وأصله مقيم فيه صاحبه ، وقوله بلسانه تقدم في هذه السورة تحقيقه ، وقوله وكلت عليهم أي قمت عليهم. قوله : ( يقبضها عن الآبدان ) إسناد الموت والنوم هنا إلى الأنفس مجاز عقلي ، فإنه حال بدنها لا هي إن أريد بالنفس ما يقابل البدن ، فإن أريد جملة الإنسان كما في الكشف فالتجوّز بإسناد ما للجزء إلى الكل ، أو في الطرف بجعل يتوفى بمعنى يبطل ويفسد ، أو الأنفس بمعنى جزئها. قوله : ) وهو غاية جنس الإرسال ( يعني قوله إلى أجل غاية جنس الإرسال الواقع قبل الموت ، وليس ذلك المغيا إرسالاً واحداً ، وفي بعض النسخ حين الإرسال ، قيل ولا محصل له لأنّ المقصود دفع ما يقال ، لا معنى لكون الإرسال مغيا بأجل مسمى ، وهو إني وقيل إنه يلزم أن لا يقع نوم بعد اليقظة الأولى أصلا ، ولو ضمن يرسل معنى يبقى ، كانت الغاية بحسبه من غير احتياح إلى تأويله وفيه تأمل. قوله : ( نفساً وروحاً بينهما مثل شعاع الشمس الخ ) أي بين النفس والروج شعاع كشعاع الشمس ، والنفس يتجلى في الروح ويضيئه ، والروح مظهر للنفس ومتجلى لها ، بها يستضيء كما أنّ الأجسام المستضيئة مظاهر لشعاع الشمس ، ويستضيء منه ، قال بعض الحكماء المتألهين : القلب الصنوبري فيه بخار هو حارسه وحجاب عليه ، وذلك البخار عرس للروح الحيواني ، وحافظ له ، وآلة متوقف عليه تصريفه ، والروج الحيواني بمظهر البخار عرش ، ومرآة للروح الإلهي الذي هو النفس الناطقة ، وواسطة بينه وبين البدن ، به يضل حكم تدبير النفس إلى البدن ، وقوله بها النفس بفتحتين وهو معروف ، وقوله قريب خبر قوله ما روي ووجه قربه نسبة التوفي إلى النفس ، وأنه أراد بها معنى آخر غير الجملة ، ولم يجعله عينه
لما فيه من المغايرة بين الروح والنفس ، قال أراد بالنفس ما به العقل والتمييز ، وبالروج ما به النفس والحركة ، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ، ولم يقبض روحه ، وذكر الطيبي له شاهدا من الحديث الصحيح فتدبر. قوله : ( التوفي والإمساك والإرسال ) فالمشار إليه متعدداً فرد لتأويله بما ذكر ونحوه ، وصيغة البعيد باعتبار مبدئه أو تقضي ذكره ، وقوله لا تفني أي الروج بفناء أبدانها فإنها باقية إلى أن يعيد الله الخلق ، وقوله والحكمة معطوف على قوله كيفية تعلقها الخ. قوله : ( بل اتخذ قريش الخ ) إشارة إلى أنّ أم منقطعة تقدر ببل والهمزة ، وقوله اتخذ بهمزة اسنفهام مفتوحة مقطوعة وبعدها همزة وصل محذوفة ، وأصله أأتخذ ومعنى من دون الله من دون رضاه أو إذنه لأنه لا يشفع لديه إلا من أذن له ممن ارتضاه ومثل هذه الجمادات الخسيسة ليست مرضية ولا مأذونة ، وفهم هذا أمّا من تقدير مضاف فيه ، أو لفهمه من سياقه كما أشار إليه المصنف ، ولو لم يلاحظ هذا اقتضى إنّ اللّه شفيع ، ولا يطلق ذلك عليه كما مرّ ، أو التقدير أم اتخذوا آلهة سواه(7/340)
ج7ص341
لتشفع لهم ، وهو يؤول لما ذكرناه. قوله : ) تشفع لهم عند اللّه ( يعني في دفع العذاب ، وقيل في أمورهم الدنيوية والأخروية ، وقوله أشخاص مقربون قد فسره بالتماثيل ، وهي اوصنام فلا وجه لتفسيره بالملائكة ، كما قيل وكذا ما قيل المراد البشر والملك فإن أساف ونائلة صورتان لبشرين. قوله : ( لا يستطيع أحد شفاعة إلا بإذنه ) الملك معنى اللام ، وكون كلها له من قوله جميعاً ، ويجوز كون اللام للاختصاص ، وفيه إيماء إلى وجود الشفاعة لأنّ الملك والاختصاص يقتضي الوجود ، وقوله ولا يستقل بها لأنها ملكه والمملوك لا يتصزف فيه بدون إذن مالكه ، وكذا المخصوص به فانه قريب منه ، وهو كالتفسير لما قبله فلا يرد أنه يوهم تجويز مدخليتهم فيها بالانضمام ، وهو مناف لمعنى اللام ولا احتمال للإذن لهم في الشفاعة لأنهم ليسوا ممن ارتضى لها ، كما لا يخفى. قوله : ( ثم قوّر ذلك ( أي كون أحد لا
يستطيع ذلك ولا يستقل به على ما قرّرناه ، وقوله فإنه مالك الملك كله إشارة إلى أنّ السموات والأرض كناية عن كل ما سواه لأنه استئناف تعليلي لكون الشفاعة جميعا له ، فلا يتم بدون تعميم ملكه كما توهم ، ولذا صدره بالفاء. قوله : ( لا يملك أحد الخ ( لأنه ملكه فلا يتصرّف فيه بدون إذنه ورضاه سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة وإنما ذكره هنا لظهوره للمخاطبين لا سيما منكري الحشر ، وقوله ثم إليه ترجعون تكميل لهذا فلا يرد ما قيل إنه كان الظاهر تأخيره عن قوله ترجعون لدلالته على اختصاص مالكية الآخرة التي فيها تقع الشفاعة به. قوله : ) { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ) قدم إليه للفاصلة وللدلالة على الحصر إذ المعنى إليه لا إلى غيره وتركه المصنف لظهوره ، وهو معطوف على قوله له الملك الخ أو على قوله لئه الشفاعة ، وفي قوله يرجعون إشارة إلى انتطاع الملك الصوري عما سواه وتنويه له على أبلغ وجه. قوله تعالى : ( { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ } الخ ( أصل معنى الاشمئزاز انقباض يغير الجلد ونحوه ، ثم شاع في النفرة من الشيء كما أشار إليه المصنف ووزنه افعلل كاقشعر ، وقوله واذا ذكر الذين من دونه أي وحدها أو مع الله وفيه تهديد لمن يفرح بغير الله. قوله : ) بين الغاية فيهما ( أي في الأمرين وهما التبجح بالدنيا ، ونسيان حق الله حيث عبر في الأوّل بالاستبشار فإنه سرور يزيد حتى يظهر في بشرة الوجه وضده الاشمئزاز ، وهو غمّ يظهر من القلب على ظاهره حتى ينقبض أديمه كما يشاهد في وجه العابس المحزون. قوله : ( والعامل في إذا المفاجأة ( إذا الأولى شرطية محلها النصب على الظرفية ، وعاملها الجواب ومن قال إنه الشرط يقول إنها غير مضافة للجملة بعدها والثانية فجائية فمن قال إنها حرف لا يبين لها عاملا ومن قال إنها ظرف مكان أو زمان يختص بالدخول على الجملة الاسمية لبيان أنّ مدلولها وقع من غير مهلة يقول ناصبها الخبر الملفوظ في نحو خرجت فإذا زيد جالس أو المقدر في نحو فإذا الأسد أي حاضر وإن جعلت هي خبرا فعاملها استقرار مقدر على ما فصله النحاة وذهب الزمخشري إلى أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة تقديره فاجؤوا أو فاجأهم وقت الاستبشار فهي مفعول به ، وتبعه المصنف وقال أبو حيان وابن هشام إنه لا يعرف لغيره وهو تحامل عليه فإنه لا يقلد غيره وما ذكر في إذا الثانية ، وأمّا الأولى فمذهب النحاة فيها معلوم وعلى القول بأنّ العامل فيها الجواب يكون معمولا لفاجأ المقدر أيضاً ، ولا يلزمه تعلق ظرفين بعامل واحد لأنّ الثاني ليس منصوباً على الظرفية كما عرفته. قوله : ( التجئ الخ ) يعني أنه أمر بالدعاء وأمره بذلك مع أنه القادر على
تقليب قلوبهم أو تعجيل عذابهم المقصود منه بيان حالهم ووعيدهم ، وتسلية حبيبه الأكرم وأن جدّ. وسعيه معلوم مشكور عنده تعالى وتعليم العباد الالتجاء إلى الله والدعاء بأسمائه العظمى ولله در الربيع بن خيثم فإنه لما سئل عن قتل الحسين تأوّه وتلا هذه الآية فإذا ذكر لك شيء مما جرى بين الصحابة { قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } فإنه من الآداب التي ينبغي أن تحفظ ، وقوله شدة شكيمتهم قد مرّ أنه استعارة لشدّة العناد والمخالفة ، وقوله فإنه القادر تعليل لأمره بالالتجاء ، وقوله فأنت وحدك الخ إشارة إلى أنّ تقديم المسند إليه هنا يفيد الحصر ، وانّ المقصود من ذكر الحكم بين العباد الحكم بينه وبين هؤلاء. قوله : ( وعيد شديد وإقناط كلي لهم من الخلاص ( لأنه كما مرّ تمثيل للزوم العذاب لهم إذ لم يقصد إثبات الشرطية بل التمثيل لحالهم بحال من يحاول التخلص والفداء مما ذكر فلا يقبل منه ، وهذه الجملة قيل :(7/341)
ج7ص342
إنها معطوفة على مقدر والتقدير فأنا أحكم بينهم وأعذبهم ، ولو علموا ذلك ما فعلوا ما فعلوا والإقناط لأنه ذكر إنهم لا يخلصون ولو فرض هذا المحال. قوله : ( زيادة مبالغة فيه ) أي في الوعيد ، كما إنّ ما ذكر مبالغة في الوعد حيث أبهم للدلالة على أنه لا يكتنه كنهه ، وأنه ما يخطر على قلب بشر ولا تختلج به الظنون ، والأوهام وفي الوعد متعلق بلفظ قوله ، وقوله سيآت أعمالهم على أن ما موصولة بمعنى العمل ، وما بعده على المصدرية وحين تعرض ظرف لبدا وإضافة سيات على معنى من أو اللام ، وما كانوا به يستهزؤون محتمل للموصولية والمصدرية أيضا وأحاط تفسير لحاق وجزاؤه أمّا إنه على تقدير المضاف ، أو على إنه مجاز بذكر السبب وإرادة مسببه وقد مز له نظائر. قوله : ( والعطف على قوله وإذا ذكر الله وحده ا لفظ وحده يحتمل أن يكون من النظم ، وأن يكون من كلام المصنف يعني إنه عطف هنا بالفاء ، ولم يعطف بها أوّلاً في قوله في أوّل هذه السورة { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } الآية فلقه دره ما أدق نظره. قوله : ) بمعنى أنهم الخ ) يعني إنه لما كان المقصود ذمهم ذكر حرف التسبيب نعيا عليهم ما هم فيه من عكس حاشية الث! هاب / ج 8 / م 14
الأمور فإنهم مع استبشارهم بآلهتهم ، واشمئزازهم من ذكره وحده خصوه بالتضرّع في الشدائد لعلمهم إنه لا يكشفها سواه كان يقول فلأن يسيء إلى فلان فإذا احتاج سأله فأحسن إليه فيكون في الفاء استعارة تبعية تهكمية بجعل ما لا يتسبب مسببا تهكما وتحميقا لهم ، والمناقضة والتعكيس مترتبان على الاستبشار والاشمئزاز معا ويجوز اعتباره بين كل منهما على حدة ، وقيل إنه يجوز أن تكون الفاء للسببية داخلة على السبب لأنّ ذكر المسبب يقتضي ذكر سببه لأنّ ظهور ما لم يكونوا يحتسبون الخ مسبب عما بعد الفاء إلا أنه يتكرّر مع قوله والذين ظلموا الخ إن لم يتغايرا بكون أحدهما في الدنيا والآخر في الآخرة كما يشير إليه كلام المصنف أو تفصيلية لسيات ما كسبوا. فوله : ( وما بينهما اعتراض! ) بناء على أنه يجوز الاعتراض بأكثر من جملة وهو المشهور ، وان أنكره بعض النحاة وتبعه أبو حيان هنا ، وقوله مؤكد إشارة إلى أن الاعتراض يؤتى به ليؤكد معنى الكلام الذي اعترض فيه وذلك إشارة لما ذكر من الاشمئزاز ، والاستبشار أو للتعكيس أو لجميع ما ذكر. قوله : ( أعطيناه الخ ) لأنّ التخويل خاص في اللغة بما كان تفضلا كما ذكره الزمخشري ، وتبعه المصنف وقوله على علم خبران كانت ما موصولة وإلا فهو حال وحاصله أنه باستحقاقي له لكونه عالما بتحصيله أو باسثحقاقه أو لعلم الله استحقاقه فقوله من الله معطوف على قوله مني ، وما في إنما موصولة أو كافة ويؤيد الثاني كتابتها متصلة في المصاحف ، وقوله شيء منها أي من النعم فلتأويلها بشيء ذكر الضمير والقرينة على ذلك التنكير ، وقوله امتحان أي ممتحن به وعبر به لقصد المبالغة وقوله لفظ النعمة أي اعتبار لفظ النعمة بعد اعتبار معناها ، وهو جائز وان كان الأكثر العكس. قوله : ) وهو دليل على أن الإنسان للجنس ا لأنه لو كان للعهد على أنّ المراد به الكفرة قال لكنهم لا يعلمون وجعله للعهد وإرجاع الضمير للمطلق على أنه استخدام كما قيل تكلف ، وقوله إنما أوتيته على علم عندي لفظ عندي ليس في النظم هنا فكأنه غيره ، وحكى معناه لكنه أجمل به قوله مني أو من اللّه الذي قدره فلا سهو فيه كما توهم ، وأراد بقوله الهاء مسماه لا لفظه والمراد به ضمير المؤنث إمّا تعبيراً بالجزء عن الكل ، أو بناء على أنّ الضمير هو الهاء فقط والألف إشباع للفرق بين ضمير المؤنث والمذكر كما هو قول لهم ، وقد اشتهر التعبير عنها به ومن غفل عنه قال إدخال أل على لضمير لا وجه له فكان الظاهر أني قول ضمير قالها. قوله : ( والذين من قبلهم
الخ ) يعني قالوا مثل هذه المفالة ، أو قالوها بعينها ولاتحاد صورة اللفظ تعد شيئا واحداً في العرف وقوله رضي به قومه يعني إنّ جميعهم لم يقولو. لكنهم لرضاهم جعلوا قائلين ، وهذا بناء على اشتراط الرضا فيه وقد مرّ ما فيه وهو إمّا مجاز في الإسناد بإسناد ما للبعض إلى لكل فالمجاز عقليّ أو التجوّز في الطرف فقالها بمعنى شاعت فيهم 0 قوله : ( جزاء سيآت أعمالهم ( قد سبق إنه على تقدير مضاف فيه ، أو على أنه تجوّز بالسيآت عما تسبب عنها أو السيآت إلا جزية سميت بها مشاكلة تقديرية لما وقعت في مقابلته ، وأفرد الجزاء لأنه سواء كان مصدرا أو اسم جنس كالتراب ، والماء صادق على القليل والكثير فلا حاجة لجمعه(7/342)
ج7ص343
وان لم يكن مصدراً. قوأ " : ( رمزا إلى أنّ جميع أعمالهم كذلك ) أي سيئة فإن جعل جميع ما يجزون به سيأ يدل على أنّ كل ما عملوه كذلك إذ لو كان فيه حسنة جوزى عليها جزاء حسناً ، وما تفيد العموم فهو جزاء كل ما كسبوه والأوّل مصحح ، وهذا مرجح ولا ينافي حصول هذا على تقدير مجاز السببية أيضا مع أنه لا وجه له عند من له ذوق سليم. قوله : ( ومن للبيان ) فإنهم كلهم ظالمون أو الشرك ظلم عظيم ، وعلى التبعيض فالمراد بهم من أصرّ على الظلم حتى تصيبهم قارعة وهم بعض منهم ، وقوله أولئك إشارة إلى من كفر ممن كان قبلهم والقحط ما أصابهم بعد كتابة الصحيفة وهو معروف في السير وهذا يدل على أنّ المراد بما يصيبهم عذاب الدنيا ، وهو المناسب للسياق فإنه يدل على أنّ ما يصيب هؤلاء مشابه لما أصاب أولئك فلا بد اًن يكون في الدنيا وان صح حمله على عذاب الآخرة أو على الأعئم لكن الأوفق بالسياق ما ذكرناه ، وعذاب الآخرة هو الذي أشير إليه بقوله وما هم بمعجزين فلا غبار عليه كما توهم ، وكون ذلك سبعا وسبعا يعلم من تفصيل القصة ، وقوله بوسط أي عادي لا حقيقي فلا يخالف مذهب أهل السنة وهذا ردّ لما سبق من قوله : { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } . قوله : ( أفرطوا الخ ( يعني اًن الإسراف مجاز لاستعمال المقيد وهو الإفراط في صرف المال في المطلق ، ثم تضمينه معنى الجناية ليصح تعديته بعلى والمضمن لا يلزم فيه أن يكون معناه حقيقيا ، وقيل ضمن معنى الحمل ، وقوله على ما هو عرف القرآن إشارة لغلبة استعماله كذلك وإلا فهو لغويمما أيضا بجعل الإضافة للعهد والتشريف وهذا لا ينافي ما سيذكره من سبب النزول فإنّ القائلين كانوا ممن أسلم لكنهم خافوا المؤاخذة بما فرط قبل الإسلام ، وقد ذكر المصنف أنّ خصوص السبب لا يدل على
خصوص حكمه فلا وجه لما قيل إنه يدلّ على عدم صحته لما بينهما من التعارض وسيأتي بيانه. قوله : ( من مغفرته أوّلاً وتفضله ثانياً ) أدوج المغفرة في الرحمة أو جعلها مستلزمة لها لأنه لا يتصوّر الرحمة لمن لم يغفر له وتعليله بقوله : إنّ الله يغفر الخ يقتضي دخوله في المعلل والتذييل بقوله إنه هو الغفور الرحيم كالصريح فيه ، وأمّا كونه من الاحتباك فمن ضيق العطن. قوله : ( عفوا ) تمييز تفسير للمغفرة وهو أظهر في المراد لأنّ العفو محوها والغفر سترها فربما يتوهم إنها سترت ولم تمح بالكلية ، وقوله ولو بعد بعد فلا ينافي عذاب العصاة فإنه يتجاوز بعد ذلك عنهم ويدخلهم الجنة بفضله ولو شاء أماتهم ، وأفناهم والداعي له إلى ذكر هذا القيد كما أشار إليه المصنف أنّ قوله جميعا يفتضي شموله لكل ما عدا الشرك فدخول من عصى ، وغفر له أو عذب بأنقص من جرمه فيه ظاهر أمّا من عذاب بمقدار ذنبه فقيل إنه لا يظهر في حقه المغفرة إذ السيآت إنما تجزي بأمثالها فلو ترك المصنف ما ذكر كان أولى ، وقد أجيب عنه بأن كونها لا تجزي إلا بمثلها بلطفه أيضا فهو نوع من عفوه ، ولو أريد بالذنوب المؤكدة أنواعها لا إفرادها أو قيد بلمن يشاء بقرينة التصريح به في قراءة شاذة هنا ، وكون الأمور معلقة على ذلك كان أظهر وقوله خلاف الظاهر رد على الزمخشري ، والمعتزلة إذ منعوا العفو عن الكبائر من غير توبة ، وهذا القيد غير مذكور في النظم وتقديره أو حمل تعريف الذنوب على لعهد يأباه قوله جميعاً ، وقوله ويدلّ الخ جواب سؤال مقدر ، وهو إنه إذاك ان على إطلاقه شمل الشرك بأنه لا ينافي الإطلاق لأنه مبين بصريح النظم ولا يدخل في الذنوب كما يتبادر للفهم وأيضا لو قيد هذا بالتوبة نافي قوله : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [ سورة النساء ، الآية : 116 ] الآية. قوله : ) والتعليل بقوله إنه هو الغفور الخ ) بالرفع عطف على فاعل يدل وكذا ما بعده ووجه الدلالة ما أشار إليه بقوله على المبالغة فإنهما صيغتا مبالغة ، والمبالغة في المغفرة والرحمة إما بحسب الكمية لأنها لجميع الذنوب ، وإما الكيفية فيكون للكبائر بدون توبة وافادة الحصر بالرفع والجر لتعريف الطرفين وضمير الفصل وهو أيضا مع الجملة الاسمية يفيد المبالغة لأن الغفر والرحمة قد يوصف بها غيره فالمحصور فيه إنما هو الكامل العظيم ، وهو ما يكون بلائق به فيدل على ما ذكر من غير تردّد فيه كما قيل ، والوعد بالرحمة من قوله الرحيم بعد المغفرة يفيد أنه غير مستحق لذلك لولا رحمته ، وهو إنما يكون إذا لم يتب وتقديم ما يفيد عموم المغفرة بحذف المعمول فيتناول جميع الذنوب. قوله : ( مما في عبادي الخ ) لأن العبودية تقتضي التذلل ، وهو أذسب بحال العاصي إذا لم يتب والاختصاص من الإضافة لله ، واقتضاء المذلة للترحم ظاهر وكذا اقتضاء(7/343)
ج7ص344
الاختصاص لأنّ السيد من شأنه أنه يرحم عبده ويشفق عليه ، وهذا
كله يقتضي عموم المغفرة لمن طاب وغيره لعموم سببه فتأمل. قوله : ) وتخصيص ضرر ، الإسراف ) لأنّ على للمضرة ومجرورها أنفسهم فإذا كان الضرر مقصوراً عليهم كما في قوله ومن أساء فعليها فكأنه قيل ضرر الذنوب عائد عليهم لا عليّ فيكفي ذلك من غير ضرر آخر كما في المثل أحسن إلى من أساء كفى المسيء فعله فالعبد إذا أساء ، ووقف بين يدي سيده ذليلا خائفاً عالماً بسخط سيده عليه ناظراً لإكرام غيره ممن أطاع لضه ضرر إذ استحقاق العقاب عقاب عند ذوي الألباب فلا يتوهم أنّ ضرر الذنب العقاب فهذا دال على عكس المقصود ، وقوله مطلقاً يعني من قيد كونه صغيرة أو ذكر توبة كما تقوله المعتزلة ، وقوله عن الرحمة يتعلق بالقنوط أي اليأس ، وقوله فضلا عن المغفرة يعني أنه إذا نهى عن اليأس من رحمة اللّه وتفضله علم النهي عن اليأس عن المغفرة بالطريق الأولى لأنّ الرحمة لا تتصوّر بدونها ، وقوله واطلاقها بالجر أي وفضلا عن إطلاق المغفرة عن قيد التوبة لأنها تركت رأسا مع النهي ويجوز نصبه على أنه مفعول معه فيكون بيانا لإطلاقها في قوله : إنّ الله الخ والأوّل أولى فتأمّل. قوله : ( وتعليله الخ ) أي تعليل النهي المطلق فإنه يدل على اطلاقه كما مز ، ووضع الظاهر موضع الضمير في رحمة الله وان الله مع أنّ مقتضى الظاهر الضمير فأتى باسم الذات الدال على استجماعه لجميع الصفات إشعاراً بأنه من مقتضى ذاته لا لشيء آخر من توبة ، أو غيرها فهذا كله مع ما ذكر من وجوه التأكيد مؤكد للإطلاق. قوله : ) وما روي الخ ( مبتدأ خبره قوله لا ينفي عمومها أي عموم هذه الآية ، وقوله لي أي موهوبة لي وفي ملكي ، وقوله بها أي بهذه الآية فالباء للمقابلة والبدلية يعني لو خير بين أخذ الدنيا جميعها وبين إنزال هذه الآية عليه اختار الآية دون الدنيا وهو رد على الزمخشري إذ استدل بهذا الحديث على اشتراط التوبة لا جواب آخر كما قيل. قوله : ( فقال رجل الخ ) هذا الحديث رواه الطبراني والإمام أحمد والبيهقي وهو صحيح لكن في سنده ضعف كما قاله ابن حجر وقوله : ومن أشرك من العطف التلقيني على الذنوب في الآية فهو في محل نصب والمراد الاستفهام فالتقدير أو من أشرك ، وقال الفاضل اليمني يحتمل أن يكون مرفوعا أي ومن أشرك موعود أو منصوبا أي وعد من أشرك أو مجرورا أي أيغفر ذنوب من أشرك ، وهذه الوجوه جارية في قوله إلا ومن أشرك أيضا وإلا فيه حرف استفتاح. قوله : ( فسكث ساعة ثم قال الخ ) قال التفتازاني : فإن قيل : إن أريد بدون
التوبة والإسلام فلا مغفرة للشرك وان أريد معه فلا حاجة إلى السكوت لانتظار الوحي أو الاجتهاد بل لا وجه لسؤال السائل ، والآية وردت في المشركين أو دخلوا دخولاً أوّلياً بلا خفاء قلنا : إمّا السؤال فللاستبعاد عادة لعظم الأمر ، واما السكوت فلتعليم التأني والتدبر وعدم المسارعة إلى الجواب وإن كان الأمر واضحاً وايراد الحديث للدلالة على اشتراط التوبة ، اهـ ( أقول ) هو رد على الطيبيّ تبع فيه صاحب الكشف ، وكونه دالاً على اشتراط التوبة كما توهمه الزمخشري مما لا وجه له كما عرفته وكونه مع الإسلام لا شبهة فيه إنما الكلام في التوبة ، والظاهر أنّ سكوته يوو للنظر في عموم المغفرة والإذن في التصريح به فإنهم ربما اتكلوا على المغفرة فيخشى التفريط في العمل وهو لا ينافي التعليم فإنه إنما يعلمهم التدبر بعد أن يتدبر هو في نفسه. قوله : ( وما روي أنّ أهل مكة الخ ) هذا الحديث في صحيح الببخاري لكن بغير هذا اللفظ ، وقوله : فتنوا أراد به أنهم ارتدوا بعدما حملهم المشركون على الردة ، ووحشيّ قاتل سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه لكنه أسلم بعد ذلك ، وحسن إسلامه وقتل أيضاً مسيلمة الكذاب فكان رضي الله عنه يقول : قتلت خير الناس وشر الناس ، وقوله : لا ينفي عمومها أي كما توهمه الزمخشريّ والمراد عموم سائر الذنوب مما تابوا عنه ، أولم يتوبوا وما ذكر في سبب النزول من أنه في الذنب الذي سبق الإسلام ومغفرته بالإسلام الذي يجب ما قبله لا ينافي شموله لما وقع بعده فإنّ خصوص السبب لا يدل على خصوص الحكم كما تقرّر في الأصول ، وقوله : ولم نهاجر لأنّ ترك الهجرة في صدر الإسلام كان كبيرة ثم نسخ بعد فتح مكة ولا هجرة بعد الفتح. قوله : ( وكذا قوله : وأنيبوا الخ ( ردّ على الزمخشري أيضا لأنه قال ذكر الإنابة على أثر المغفرة لئلا يطمع طامع في حصولها بغير توبة ، وللدلالة على أنها شرط فيها(7/344)
ج7ص345
لازم لا تحصل بدونه لأنّ ذكر شيء بعد شيء لا يقتضي توقف الأوّل على الثاني وتقيده به بل ذكر الأمر بالتوبة بعده لأنها ممحصة للذنوب موثوق معها بالنجاة فيقتضي أنه ليس معتبراً فيما قبله ، ولا مقدراً معه. قوله : ( فإنها ) أي الآية السابقة مطلقة لا دلالة لها على حصول
المغفرة بدون التوبة كما لا دلالة على لزوم التوبة إذ لو دلت على الأوّل كانت المغفرة تغني كل أحد عن التوبة ، والإخلاص فتنا في الوعيد بتعذيب من لم يتب لكنها غير منافية له لأنّ المغفرة فيه مطلقة فلا يتوهم أنّ قوله : فإنها الخ تعليل لعدم نفي العموم ، وهو لا يلائمه فتدبر.
قوله : ( القرآن ) فالتفضيل على ظاهره لأنّ المراد بما أنزل الكتب السماوية ، وهو أحسنها وأفضلها والخطاب للجنس هذا إذا كان القرآن تفسير الأحسن ، وهو الأحسن ، ويجوز أن يكون تفسيرا لما أنزل فالخطاب لهذه الأمّة وأحسنه ما علم منه من خير الدارين دون القصص ، ونحوها فيكون كقوله : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [ سورة الزمر ، الآية : 18 ، وهو أحد وجوه ذكرها السمرقندي. قوله : ( أو المأمور به الخ ) فأحسن بمعنى حسن إذ لأحسن في المنهي عنه ويجوز إبقاؤه على أصله بناء على أنّ المباح حسن أيضا وعلى الرابع إن بقي في المنسوخ ندب أو إباحة فعلى أصله والا فهو بمعنى الحسن. قوله : ( ولعله ما هو أنجى وأسلم ( أي لعل المراد بالأحسن هذا ، وهو أعمّ وأكثر فائدة مع بقاء أفعل فيه على بابه ، وقوله وأنتم لا تشعرون سيأتي تحقيقه في الزخرف ، وقوله فتداركوا أي فتتداركون ما يدفعه. قوله : ( كراهة الخ ) يعني أنه مفعول له بتقدير مضاف فيه وفيه وجوه أخر تقدمت ، وجعله الشارح التفتازاني تعليلا لفعل يدل عليه ما قبله أي أنذركم وآمركم باتباع أحسن القول كراهة الخ وإنما قدره كذلك ليستوفي شرط النصب ، وهو الاتحاد في الفاعل وقد سبقه لهذا التقدير الكواشي ، ومن غفل عنه قال : لا حاجة إلى الإضمار لصحة نصبه بأنيبوا واتبعوا وأما كون الكراهة ضحذ الإرادة فيلزم أن لا يوجد قول النفس إذ لا يقع ما لا يريده ، وليس كذلك فهذا على مذهب المعتزلة دون أهل الحق فليس بشيء لأن الكراهة تقابل الرضا دون الإرادة فلا يستلزم ما ذكره ولو سلم فهو معلق بما ذكر لا كما زعم ولا محذور فيه. قوله : ) وتنكير نفس الخ ) ذكر الزمخشري في توجيه تنكير. ثلاثة وجوه أن يكون للتبعيض لأنّ القائل بعض من النفوس ، أو يكون للتعظيم لعظم كفرها وعنادها وعذابها ولم يرتضه المصنف فلذا تركه أو هو للتكثير ولخفائه أثبته يشاهد من كلام العرب لأنّ الأشهر في النكرة أن تكون للتقليل ولذا قدمه ، وهو كاف في الوعيد لأن كل نفسر يحتمل أن تكون تلك وفي البيت شاهد من وجهين استعمال رب للتكثير وهي موضوعه للتقليل وكذا النكرة. قوله : ) ورب بقيع الخ ) هو من قصيدة للأعشى أولها :
كفى بالذي نوّلته لوتجيبا شفاءلسقم بعدماكان أنيبا
وهي طويلة ( ومنها ) :
وإني لدن إن عاب قومي فكأنما يراني فيهم طالب الحق أريبا
دعا قومه حولي فجاؤوا لنصره وناديت قوما بالمسناة غيبا
أجاروه مني ثم أعطوه حقه وما كنت فيهم قبل ذلك أرنبا
ورب بقيع لو هتفت بجوّه أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا
الخ. وفي شرحه إنّ بقيعا اسم موضع بعينه لا المقبرة تشبيها ببقيع الغرقد ، وهو مقبرة المدينة المنوّرة كما توهم وهتف بمعنى صاح والمراد بالجوّ هنا ناحية من الفضاء ، وينفض بالفاء والضاد المعجمة ، ويجوز أن يكون بالغين المعجمة ومعناه يحرك والمسناة بضم الميم وفتح السين المهملة ، وتشديد النون قال شارحلا : أراد بها القبور وهي من سن التراب إذا أهاله حتى يصير كسنائن الرمل يقول : إني دليل لموت قومي وخصمي متقوّ عليئ بقوم إذا دعاهم جاؤوا لنصرته ، ولو دعوت من مات من قومي ثمة قام منهم قوم كرام ينفضون تراب القبور عن رؤسهم أو يحرّكون رؤوسهم غضبا من أهانتي ، وإجابة لنداء أسرني والشاهد في قوله كريم فإن المراد به التكثير أي قوم كرام والكلام على يا حسرتي مرّ مفصلا. قوله : ) بما قصرت ( الباء سببية ، وما مصدرية أي بسبب تقصيري وهو إشارة إلى أن على للتعليل كما في قوله : على ما هداكم. قوله : ( جانبه ) أصل الجنب ، والجانب بمعنى وهو مشتق(7/345)
ج7ص346
من الجسد ، ثيم استعير للناحية التي تليه كما قيل يمين وشمال لما يليهما ، وقوله في حقه يعني أنه أريد هنا أن التفريط واقع في حقه وهو ما يحق له ، ويلزم وهو الطاعة ، ثم أثبت استعماله بهذا المعنى في كلامهم فبيت سابق البربري ، وهو من فصحاء العرب وشعراء الحماسة ومعناه إمّا تخافين من الله لما صدر منك في حقه والوامق المحب وجملة له الخ صفته وحرى تأنيث حران ، وهو من اشتدت حرارة جوفه من العطش ونحوه وتقطع أصله تتقطع فحذفت إحدى تاءيه. قوله : ( وهو كناية الخ ) يعني أنّ فيه مضاكا مقدراً لا بد من تقديره كما صرّج به في الكشاف أي في جنب طاعة الله والجنب بمعنى الجانب ، والجهة والتفريط في جهة الطاعة كناية عن التفريط في الطاعة لأن من ضيع جهة ضيع ما فيها بالطريق الأولى الأبلغ لكونه بطريق برهاني كما لا يخفى وحق اللّه بمعنى طاعته لا مانع من أن يكون لها جهة بالتبعية للمطيع ، كمكان السماحة في البيت المذكور قال في الكشاف : فإن قلت فمرجع كلامك إلى أنّ ذكر الجنب كلا ذكر سوى ما يعطي م!ن حسن الكناية وبلاغتها فكأنه فيل فرطت في اللّه فما فعناه قلت : لا بد من تقدير مضاف
محذوف سواء ذكر الجنب أو لم يذكر والمعنى فرطت في طاعة الله وعبادة الله وما أشبه ذلك ا هـ ، والعجب إنه في الكشاف بعدما أطال في تقريره وتوضيحه لم يقف بعض أرباب الحواشي على مراده حتى نقل أنّ الإمام قال : لما حصلت المشابهة بين الجنب الذي هو العضو وما يكهون لازماً للشيء حسن إطلاق الجنب على الحق والطاعة ، وزعم أنه مأخذ المصنف وأنّ كلامه تلخيص له لكنه يكون حينئذ استعارة تصريحية لا كناية كما زعمه المصنف ، وإنما يكون كناية إذا أريد به الذات كما في الكشاف والمقابلة تمنع من الحمل عليه مع أنه يرد على الكشاف أنّ المعنى الحقيقي لا إمكان له لتنزهه سبحانه عن الجهة فكيف تصح الكناية ، ثم تبعه من تبع وقال ما قال : وماذا بعد الحق إلا الضلال. قوله : ( وقيل في ذاته ) يعني الجنب مجاز عن الذات كالجانب والمجلس يستعمل مجازا لربه فيكون المعنى فرطت في ذات الله ولا معنى للتفريط في الذأت فلذا قدر فيه مضافا أي في طاعة ذات الله ولا يخفى مغايرته لما قبله وان خفي على بعضهم ووجه تمريضه ظاهر لأنّ الجنب لا يليق إطلاقه هنا ، ولو مجازاً وركاكته ظاهرة. قوله : ( وقيل في قربه ) يعني أنّ الجنب يستعار للقرب أو يستعمل له مجازاً مرسلا كما في الصاحب بالجنب فإنّ المراد به القريب ، وهذا وان تبادر من الطاعة ونحوها فهو بعد التجوّز عن هذا يحتاج إلى تجوّز آخر وهو وجه تضعيفه ، وقوله إما تتقين الله الخ البيت من قصيدة لجميل بن معمر الشاعر المشهور أوّلها :
وهاجك أم لا بالمداخل مربع ودار بأجراع العذيرين بلقع
وقوله : إن السماحة الخ من قصيدة لزيادة الأعجم مدح بها ابن الحشرج أمير نيسابور فهو شاهد للكناية التي قصد بها إثبات تلك الصفات لممدوحه بطريق الكناية لجعلثا لمحل هو فيه ، وهو أبلغ من وصفه بها. قوله تعالى : ( { وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ } ( إن مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة ، وقوله : بأهله أي أهل الله وهو شامل للأندجمياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين وأهل القرآن فلذا اقتصر عليه المصنف لشموله لأقوال أخر ذكرها غيره ، وقوله : بالإرشاد إلى الحق فالهداية بمعنى الدلالة الموصلة ، ولم يفسره بخلق الاهتداء فيه وان كان سبباً للتقوى أيضاً لأنّ هذا أنسب بالشرطية ، وهو المطابق للرد بقوله بلى والظاهر إنّ هذه المقالة في الآخرة. قوله تعالى : ( { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً } ) أي رجوعاً إلى الحياة الدنيا ولو للتمني ولذا نصب جوابها ، وقوله : وأو الخ يعني إنها لمنع الخلوّ فيجوز اجتماع بعضها وكلها في بعضهم ، وانما
أتى بمانعة الخلوّ لأنها تكفي في الداعي إلى الإنابة والاتباع والتخير في الجميع ، والتعلل في الثاني كما سيصرّح به ويجوز أن يكون في الأخير. قوله : ( ردّ من الله الخ ) جعله متضمنا للنفي لأنّ بلى لا تكون إلا بعد النفي لكنه لا يشترط فيه أن يكون صريحا كما أشار إليه المصنف. قوله : ( وفصله عنه الخ ) دفع للسؤال المقدر ، وهو أنه كان ينبغي أن لا يفصل بينهما فإن خشي من الفصل بين أقسام الترديد ورد عليه إنه لو أخر الثاني لم يلزمه محذور فأشار إلى أنّ فيه محذوراً آخر ، وهو ثشويش الترتيب الطبيعي كما أشار إليه بقوله : لأنه يتحسر الخ وبيانه كما في شرح الكشاف : أنّ التحسر على التفريط في الطاعة عند تطاير الكتب والتعلل بفقد الهداية عند مشاهدة كرامة المتقين ، وتمني الرجعة(7/346)
ج7ص347
يكون بعد الوقوف على النار وتحقق أن لا جدوى للتعلل ، وهذا كله مأثور ومصرّح به في مواضمع من التنزيل. قوله : ( وهو لا يمنع تأثير قدرة اللّه تعالى في فعل العبد الخ ) جواب عن استدلال المعتزلة بهذه الآيات على أنّ العبد مستقل في إيجاد أفعاله فأشار إلى أنه لا ينافي مذهب أهل الحق من أنّ فعل العبد بقدرة من الله وتأثيره ، وكذلك إسناده إلى العبد فيها فإنه باعتبار قدرته الكاسبة ، وقوله على المعنى لأنّ المراد بالنفس الشخص وان كان لفظ النفس مؤنثاً سماعيا. قوله : ( بأن وصفوه بما لا يجورّ الخ ( فيه رد على الزمخشري فيما أدرجه في النظم من التعصب لمذهبه في نفي الصفات وخلق الأفعال ، وقوله بما ينالهم من الشدة التي تغير ألوانهم حقيقة إذ لا مانع منه ، وقوله : أو بما يتخيل الخ فلا تكون مسودّة حقيقة لكنهم لما يلحقهم من الكآبة وبظهر عليهم من آثار الجهل بالله يتوهم فيهم ذلك فمسودّة على هذا استعارة ، وقوله من رؤية البصر لأنها لو كنت علمية كانت الجملة في محصل نصب على أنها مفعول ثان لها ، وقوله الظاهر الخ لأنّ المقصود تفضيحهم وتشهير فظاظة حالهم فالمناسب جعلها مرئية مشاهدة وكون المقصود رؤية سواد وجوههم لا ينافي الحالية كما توهم لأن القيد مصب الفائدة. قوله : ( اكتفى فيها الخ ) هذا مناف لما قدمه في الأعراف من أنه غير فصيح ، وان كان غير مسلم والاعتذار بأنه تركت فيه الواو لئلا يجتمع واوان وهو مستقل أو أو بأنه ليس على إطلاقه كما مرّ فيه بحث ولو جعلت مستأنفة سلم عن التكلف ، وقال الزجاج إنّ هذه الجملة بدل من الذين كذبوا لأنهم جوّزوا إبدال الجملة من
المفرد فلا حاجة لتأويله بأن المراد إنها في مقام البدل لكونها مقصودة. قوله : ) وهو تقرير لأنهم يرون كذلك ( لأن من تحقق عذابه يكون كذلك ، وقوله : وقرئ ننجي أي بالتخفيف والقراءة الأخرى بتشديد الجيم. قوله : ( بفلاحهم ) من قولهم فاز بكذا إذا ظفر به فوزاً ومفازة فهو مصدر ميميّ والفلاح الظفر بالمراد ، وقوله وتفسيرها الخ يعني أنها عامّة لكل فوز سواء كان خلاصاً من المكروه أو ظفرا بالمطلوب والنجاة من الهلاك والعذاب أهمّ لأنها يتوقف عليها ما عداها وضمير أقسامه للفلاح ، أو للمفازة لتأويلها به والسعادة إما ما يقدر له منها حتى يكون سعيداً في بطن أمّه أو التلبس بالأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة ، وهي المرادة من قوله السعيد قد يشقى والمراد الأوّل هنا. قوله : ( تطبيقاً له بالمضاف إليه ( أي ليكون على طبقه في الدلالة على التعدد صريحا والا فالمفازة صادقة على الكثير وأفردت لعدم اللبس إذ لا يتصؤر أن يكون لهم فوز واحد بالشخص. قوله : ) والباء فيها للسببية الخ ( قال السعد رحمه الله : ما حاصله إنّ المفازة الفوز والفلاح فإن استعمل بالباء فمعناه الظفر وبمن فمعناه النجاة ، والخلاص فباء بمفازتهم إمّا للسببية على حذف مضاف أي بسبب مفازتهم الذي هو العمل الصالح ، أو على التجوّز بالمفازة عن سببها وعلى التقديرين سببيته ، إمّا للفوز من الهروب وهو النجاة أو للفوز بالمطلوب وهو الفلاح فالوجوه أربعة والتغاير بينها ظاهر والتفسير الأوّل هو كون الباء للملابسة ، والثاني كونها للسببية على حذف المضاف أو التجوّز وقد يتوهم إن جعل المفازة منجاة تجوّز وليس بذاك ا هـ ، إذا عرفت هذا فأعلم إنه قيل إنّ الأظهر على كون الباء صلة لننجي على الأوّل وهو تفسيره بالفلاح أن تكون الباء للاستعانة أو للملابسة وكونها للسببية يحتاج لتكلف التأويل لأن المعنى ننجيهم ملتبسين بالظفر بما يريدونه ، وليس بشيء لأن المصنف لم يفسر الفلاج كما في الكشاف ، وهو الذي غره ولك أن تحمله على معنى يناسب السببية من غير تكلف. قوله : ) أو استئناف لبيان المفازة ) فهو في جواب سؤال تقديره ما مفازتهم ، والباء تتعلق حينئذ بننجي لا غير ولظهوره لم يذكره المصنف وهو جار على الاحتمالات لا يحتاج لتخصيصه ببعضها كما توهم ، وان اختلف فيه السؤال المقدر ، وقوله من خير وشر الخ ردّ على الزمخشري والمعتزلة ، وقوله يتولى التصرف الخ يعني أن الوكيل في اسمائه تعالى بمعنى المتصرف ، وإنما عبر به للدلالة على أنه الغنيّ ا- لمطلق والنافع والضار راجعة للعباد فتدبر. قوله : ( لا يملك أمرها ولا يتمكن من التصرف فيها غيره ) كلامه لا يخلو
عن النظر لأن الظاهر إن ملكها والتصرف ليس هو اختصاصه أو ملكه لمفاتيحها بل لازمه فيكون معنى كنائيا أيضاً ، والقدرة والحفظ لها مغاير له أيضا ، ولما فسره به وإن كان بينهما تلازم ولم يبين دلالته على الأوّل ، وكونها مجازاً أو حقيقة وكناية(7/347)
ج7ص348
والزمخشري اقتصر على تفسير واحد وجعله كناية ولا غبار عليه لجواز أن يكون لها مفاتيح ، أو خزائن في قبضة قدرته فإن لم يكن ذلك فهو بناء على عدم اشتراط جواز إرادة المعنى الحقيقي ، أو هو مجاز متفرع على الكناية وهم يسمونه كناية فإمّا أن يكون الأول كناية اشتهرت فنزلت منزلة مدلوله الحقيقي ، وكني به عن معنى آخر فيكون كناية على كناية وقد صرح به بعض المتأخرين أو الأول مجاز كني به بعد التجوّز عن معنى آخر كما مرّ في قوله : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } [ سورة البقرة ، الآية : 223 ] فتذكره. قوله : ( وفيها مزيد دلالة الخ ) زاد المزيد لأنّ اللام والتقديم دالان عليه بل معناه أيضا صريح في الحصر كما أشار إليه بقوله لأنّ الخزائن الخ ، وهو توجيه للكناية أيضا ، وقوله وهو جمع الخ بناء على أنه عربي مأخوذ من التقليد بمعنى الإلزام ، ومنه تقليد القضاء وهو إلزامه النظر في أموره ومنه القلادة للزومها للعنق فجعله اسم آلة للإلزام بمعنى الحفظ ، وإن كان بعيداً وكونه معريا أشهر وأظهر ، وهو بلغة الروم إقليدس وكليد واكليد مأخوذ منه لكن جمع إفعيل على مفاعيل مخالف للقياس كما جمع ذكر على مذاكير فقوله على الشذوذ متعلق بقوله جمع وجاء أقاليد على القياس ، وقيل إنه لا واحد له ، وقوله من قلدته بالتشديد إذ ليس في اللغة قلد بهذا المعنى فمن ضبطه بالتخفيف لم يصب غايته إنه مخالف للقياس. قوله : ( وعن عثمان رضي اللّه عنه الخ ( هو حديث ضعيف في سنده من لا يصح روايته وقول ابن الجوزي إنه موضوع غير مسلم وموضوعاته أكثرها منتقدة ، وقوله من تكلم بها أصابه ذلك الخير إشارة إلى وجه التجوّز وإطلاق المقاليد على هذه الكلمات بأنها موصولة إلى الخير كما يوصل
المفتاح إلى ما في الخزائن. قوله : ( متصل بقوله وينجي اللّه الخ ) أي معطوف عليه لأنّ العطف يسمى ، وصلا عند أهل المعاني وجه الاتصال ما بينهما من التقابل ، وإن اختلفا اسمية وفعلية كما سيأتي والجملة المعترضة قول الله خالق الخ ، ولما كانت الجملة المعترضة تؤكد ما اعترضت فيه بين ذلك بقوله لأنه مهيمن أي مراقب لهم ومجاز على ما يطلع عليه منهم ، وهذا يقوي ثواب المؤمنين وفلاحهم وعقاب الكفرة ، وخسرانهم ولكون الاعتراض يفيد التأكيد سقط ما يتوهم من أنه لا داعي للفصل بينهما. قوله : ( وتغيير النظم الخ ( ليس المراد بتغيير النظم العدول عن الفعلية إلى الاسمية كما توهم ، وان كان لا بد له من نكتة أيضاً وفيما ذكر إشارة ما لها بل إنه لما كان نكتة العطف تقابلهما وتضاذهما كان مقتضى الظاهر أن يت!ال ويهلك الذين كفروا بخسرانهم فعدل عنه لما ذكر من أنّ العمدة في فوز المؤمنين فضله تعالى فلذا جعل نجاته مسندة له تعالى حادثة لهم يوم القيامة ثابتة قبل ذلك بالاستحقاق ، والأعمال بخلاف هلاك الكفرة فإنهم قدموه لأنفسهم بما اتصفوا به من الكفر والضلال فلذا لم يسنده له تعالى ، ولم يعبر عنه بالمضارع أيضا والتصريح بالوعد من قوله : ننجي الخ ظاهر والتعريض بكونهم خاسرين فإنه لم يقل هالكون ، ولا معذبون ونحوه فسقط ما قيل التصريح ، والتعريض يحصل إذا قيل الله ينجي الخ وخسر الذين كفروا الخ فلا يتم ما جعل علة للتغيير ، وقوله : قضية للكرم منصوب على أنه مفعول له وفي نسخة للكرام. قوله : ( أو بما يليه ( معطوف على قوله بقوله أي متصل بما وقع قبله من غير فاصل كما في ذلك الوجه ، وهو قوله : { اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } الخ وقيل على قوله مقاليد وقيل على مقدر تقدير. فالذين اتقوا هم الفائزون والذين كفروا ، وقوله والمراد الخ قيل إنه مبنيّ على الوجه الثاني وفيه نظر ، وقوله وتخصيص الخسار كما يفيده تعريف الطرفين وضمير الفصل المفيدين للحصر لكنه باعتبار النهاية والكمال لا باعتبار مطلق الخسران فإنه لا يختص بهم ويجوز أن يكون قصر قلب فإنهم يزعمون المؤمنين خاسرين. قوله : ( أفغير الله أعبد الخ ا لو أسقط الفاء كان أولى فغير مفعول مقدم لاعبد ، وقوله بعد هذه الدلائل من فاء التعقيب الداخلة على غير وهذا على القول بعدم تقدير معطوف عليه فإن قيل : بتقديره فهذا معلوم من ذكره بعده والمواعيد ما بشر به المتقون وأنذر به الكافرون ، وتعقيب الأمر لأنّ المراد به الأمر بالعبادة فتعقيب المأمور به يستلزم تعقيبه والا فهذا غير لازم في كل
اعتراض ضاهاه ، وليس هذا من كون جملة تأمروني حالاً من فاعل أعبد كما توهم مع ما قيل إنه مرجوح لأنّ الإنكار ينصب على القيد فيوهم أن عبادة غير الله ليست منكرة مطلقاً بل من حيث أمرهم بها ، وقوله : استلم أي قبل أمر من الاستلام ، وهو التقبيل(7/348)
ج7ص349
لليد التي تمسه أو تشير له مشتق من السلامي ، وهو البنان أو من السلام بالكسر وهي الحجارة والدلائل ما في الآيات السابقة ، وقوله لفرط غباوتهم متعلق بقوله أمروه عقيب ذلك. قوله : ) بما دل عليه تأمروني أعبد الخ ) يعني أصله تأمروني أن أعبد فحذفت إن وارتفع الفعل ولما كان المقدر كالموجود وأن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها لم يجر نصبه بأعبد حينئذ جعله منصوبا بمقدر دل عليه مجموع الكلام ، وهو تعبدونني بالتشديد أي تصيرونني عابداً غير الله وهو مختار الزمخشريّ ، وقد منعه غيره بأنه لا حاجة لهذا التكلف بل هو منصوب بأعبد واًن بعد الحذف يبطل حكمها المذكور ، وفيه وجوه أخر في الإعراب. قوله : ( ألا أيهذا الزاجري الخ ) تقدم الكلام عليه وأنّ أحضر يروى بالرفع والنصب ، وقيل الفعل جزم بمعنى المصدر والوغى الحرب ، وقوله : بحذف الثانية هو أحد قولين فيها لأنها التي حصل بها الثقل ، وقيل : الأولى لأنها حرف إعراب عرضة للتغيير ، وهو سهل ، وهو بيت من معلقة طرفة بن العبد المشهورة وتمامه :
وأن أشهدا للذات هي أنت مخلدي
قوله : ) كلام على سبيل الفرض الخ ( يعني أن تقتضي احتمال الوقوع ، وهو هنا مقطوع بعدمه فكان الظاهر لو دون إن فأجاب بأنه يكفي احتماله ، ولو فرضا ولا يلزم وقوعه ، وهذا شأن أداة الشرط مطلقا فإنها لا تدل على وقوع المقدم ، وهو مصحح له والمرجح إنه قصد به تهييجهم ونحوه مما ذكر ، وقوله : والإشعار ضمنه معنى التنبيه ، ولذا عداه بعلى وهذا الوجه لا يلزم اطراده حتى يعترض عليه بأنه لا يستقيم على الوجه الأوّل لإطلاق الإحباط كما قيل ، ومن هذا علمت أن استدلاله في المواقف بهذه الآية على جواز صدور الكبائر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا وجه له. قوله : ( وأفراد الخطاب ( في أشركت وكان الظاهر أشركتم ، ولكنه بتأويل أوحى إلي كل واحد منهم مثل هذا أو قيل لكل واحد منهم : لئن أشركت الخ ، ويجوز أن يكون فيه حذف والأصل أوحي إليك لئن أشرّكت الخ وإلى الذين من قبلك مثل ذلك ، وهو
ظاهر ما في الكشاف. قوله : ( واللام الأولى موطئة الخ ) الأولى لام لئن ، والأخريان وفي نسخة الأخيرتان هما ما بعدهما وأمّا اللام الداخلة على لقد فقسمية من غير شبهة ، ولما كانت المعطوفة كذلك سأل الزمخشري عن اللامين ، وقيل إنه لم يقل والثانية كما في الكشاف لئلا يتوهم أنّ المراد بالأولى لام لقد ولعمري إنّ من يتوهم مثله لا يفهم الكشاف ، ولا يليق به مطالعته. قوله : ( وإطلاق الإحباط الخ ) يعني لم يقيد بالاستمرار عليه إلى الموت فإنه هو المحبط في الحقيقة إمّا لأنّ ردّة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام محبطة مطلقاً لو وقعت ، وان كانت مما لا يتصوّر فيهم صلوات الله وسلامه عليهم ، أو لأنّ هذا القيد معلوم فلذا ترك التقييد به اعتمادا على التصريح به في آية أخرى وإنما يحتاج إلى هذا على مذهب الشافعي فإن الردة عنده لا تحبط العمل السابق عليها ما لم يستمر على الكفر إلى الموت فيحمل المطلق هنا على المقيد أمّا عندنا فهي مبطلة له مطلقاً لكنه لا يقضي منها غير الحج كما صرّج به الفقهاء ، والحاصل أنّ الأعمال الصادرة حال الكفر محبطة بالاتفاق السابقة عليه أيضا عند الحنفية كما صرّح به في الكشف. قوله : ) وعطف الخسران عليه الخ ) يعني إنه يحتمل أن يكون الخسران بسبب الحبوط لكنه كان الظاهر أن يقول فيكون من الخاسرين فترك الفاء ، واعادة اللام معه تقتضي أنه خسران آخر غير حبوط العمل لكنه إنما عطف بالواو دون الفاء إشعاراً باستقلال كل منهما في الزجر عن الشرك فالمراد بالخسران على مذهبنا ما لزم من حبوط العمل لا الخلود في النار حتى يلزم التقييد بالموت كما هو عند الشافعي فالوجه الثاني ، أوفق بمذهبه فكان عليه أن يذكره. توله تعالى : ( { بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ } ) في هذه الفاء وجوه ثلاثة فقيل : هي جزائية في جواب شرط مقدر أي إن كنت عابداً أو فاعلاً شيئاً فاعبد الله وهو مذهب الزجاج ، وعند الفراء والكسائي : التقدير اعبد فأعبده فالفاء زائدة عندهما بين المؤكد ، والمؤكد كما نقله الفاضل اليمني وقدر الفعل مؤخراً ليفيد الحصر ، وحكى في الانتصاف عن سيبويه أنّ تقديره تنبه فاعبد الله فهي عاطفة وقدم المفعول لئلا تقع الفاء في صدر الكلام ، وليفيد الحصر ويكون عوضا عن المحذوف هذا حاصل ما نقله شارح الكشاف هنا عن النحاة. قوله : ( ردّ لما أمروه به ( من قولهم : استلم(7/349)
ج7ص350
بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك كما مرّ ، وقوله : لم يكن كذلك أي لم يكن رداً عليهم فيما أمروه به فإنهم لم يأمروه بترك عبادة الله بل باستلام آلهتهم ، والشرك والدال صريحاً على نفي الشرك تقديم المفعول الدال على الاختصاص وأمّا دلالة المقام والمفهوم فغير مطردة فيبقى احتمال الشريك معه ، وبل لا يلزم أن تكون لإبطال ما قبلها لأنه تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه مع أنّ الإضراب قد يكون انتقالياً فلا يرد عليه شيء.
قوله : ( وفيه إشارة إلى موجب الاختصاص ) أي إلى ما يوجب اختصاص اللّه بالعبادة المذكور قبله أي أنه أنعم عليك بجلائل النعم التي يجب شكرها إذ خلقك وجعلك سيد البشر وأفضل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهو إشارة إلى ارتباطه بما قبله وموجب بالكسر وهو كونه المنعم دون غيره. قوله : ( ما قدروا ) بالتخفيف والتشديد وهو بيان لحاصل المعنى ، وهو إنهم لم يتصوّروا عظمة الله ولم يعظموه كما هو حقه فقدروا مجاز بمعنى عظموا أو هو بتقدير مضاف فيه ، ومرّ في الأنعام تفسير قدروا بعرفوا ، وقوله : والأرض الخ جملة حالية. قوله : ( ثنبيه على عظمتة ا لجعل هذه الأجرام العظيمة كقبضة واحدة والسموات كورقة تطوى بسهولة ، وقوله وحقارة الأفعال العظام وهي تخريب هذا العالم بعدما أوجده ، وما فيه من المصنوعات ولو لم تكن حقيرة عنده ما بددها بعدما أوجدها ، وقوله بالإضافة متعلق بحقارة ، وقوله : أهون شيء عليه مأخوذ من التعبير بالقبضة والطيّ. قوله : ( على طريقة التمثيل والتخييل الخ ( متعلق بقوله : تنبيه ودلالة قيل المراد إت استعارة تمثيلية مثل حال عظمته ونفاذ قدرته بحال من يكون له قبضة فيها الأرض ، ويمين بها تطوى السموات والمراد بالتخييل ما يقابل التصديق كما في قولهم الناس للتخييل أطوع منهم للتصديق وهو ما سلف من المقدمات المتخيلة لا تخييل الاستعارة بالكناية كما جموهمه تشبيهه بقولهم شابت لمة الليل ، فما قيل في كتب القوم : إنّ . القياسات الشعرية وإن أفادت الترغيب والترهيب لا تنبغي للنبي صلى الله عليه وسلم لأنّ مدارها على الكذب ، ولذا قيل أعذبه أكذبه ممنوع ا هـ وأعلم أن المراد أنه استعارة تمثيلية تخييلة فإنّ التمثيل يكون بالأمور المحققة كما في أراك تقدم رجلا ، وتؤخر أخرى ويسمى تمثيلا تحقيقيا وقد يكون بالأمور المفروضة ويسمى تمثيلا تخييلياً! ، وقد بسطه في الكشاف أحس!ن بسط فالتخييل له ثلاث معان التمثيل بالأمور المفروضية وفرض المداني !الحقيقية وقرينة المكنية هذا زبدة ما حققه الشريف في شرح المفتاح إذا عرفت هذا فما ذكره هذا القائل فيه أمور منها أنه خالف ما ذكره في السجدة إذ جعل التخييل غير التمثيل ، ومنها أنه ناشىء من عدم الفرق بين معنصي التخييل ، وانه في أحدهما بقصد ما يخله ظاهره من غير تصديق وتأويل فلذا يلحق بالكذب ، وهو الشعري وفي الآخر يقصد معنى صعحيح بليغ كتصوير أثر القدرة بأحد طرق الدلالة ، وهو مراد السعد وهذا ظن إنّ كل تخييل شعري كاذب وهو مخالف للمعقول والمنقول ، وما ذكره من المنع لا يخلو إما أن يريد مغ مصطلح الميزان من تخصيصه بالكاذب أولاً ويقول هو واقع في الكلام المذكور لا سبيل إلى الأوّل إذ لا مشاحة في الاصطلاح ، ولا إلى الثاني فإنه بعد تسليم
كذبه كيف يقع في أصدق الكلام ، ثم إنه يجوز حمل كلام المصنف رحمه الله على أنه استعارة تمثيلية وتخييلية ويكون التمثيل في كلامه بمعنى مطلق التشبيه كما ذكره الطيبي رحمه الله. قوله : ( من غير اعتبار القبضة الخ ( كونه غير مراد ذلك به حفيقة كما مز ظاهر وإمّا كونه لا يراد به معنى مجازي كأن يراد بالقبضة الملك أو التصرف ، وباليمين القدرة مثلاً كما ذهب إليه بعضهم فيجوز لكن الأوّل أبلغ فلذا اختاروه هنا ، وقوله شابت لمة الليل اللمة بالكسر الذؤابة التي تلم بالمنكب والمراد إنه ابيضت ظلمته بطلوع الفجر ، وهو استعارة مكنية وتخييلية ويجوز كونها تصريحية وتمثيلية ، وقوله من القبض أي الأخذ ، وقوله بمعنى القبضة بالضم وهي المقدار المقبوض فهو صفة مشبهة وظاهر كلام الزمخشري إنها في الأصل مصدر وأراد بالتسمية الإطلاق عليه مجازاً ، وقوله : تشبيها للمؤقت بالمبهم جواب عما قيل إنه ظرف مختص فيجب التصريح فيه بفي بأنه قد يشبه بغيره فينصب عند الكوفيين ، والبصريون يقولون إنه خطأ غير جائز وهو الصحيح. قوله : ( وتثيد الأرض بالجميع ) أراد به التأكيد اللغوي لا الاصطلاحي لأنه حال من المبتدأ عند من يجوزه أو من(7/350)
ج7ص351
الضمير المستتر في قبضته لكونها بمعنى مقبوضة أو من مقدّر كأثبتها كما قيل ، والأرضون بفتح الراء ويجوز تسكينها والفائدة بمعنى الحقيقة ، وفيه إشارة إلى أنه لا يدل على أن الأرض طبقات لأنه غير متعين. قوله : ) على أنها حال ( إما من المبتدأ كما مرّ أو من الضمير المذكور ، وقوله : بيمينه يحتمل تعلقه بمطويات وأن يكون خبرا والحال حينئذ يحتمل أن تكون من الضمير المستتر فيه إن قلنا بجواز تقدم مثله لكن المصنف رحمه الله لم يرتضه ، وقوله منظومة في حكمها أي مجموعة معها على أنها مبتدأ خبره قبضته فالمراد بالحكم ظاهره أو المحكوم به ، وهو الخبر وقيل معناه مشاركة لها في حكمها من مجيء الحال قبل الخبر ، وهو تعسف غير مرضى له. قوله : ) ما أبعد وأعلى الخ ( إشارة إلى أن سبحانه هنا للتعجب منهم ، وإنّ عن متعلقة به لتأويله بما ذكر وإنما تحتمل المصدرية والموصولية. قوله : ( يعني المرة الآولى ) يعني النفخة الأولى ، وقد اختلف في عدد النفخات فقيل هي ثلاث : نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، ونفخة البعث وقيل : هما نفختان ونفخة الفزع هي نفخة الصعق والأمران لازمان فيهم ففزعوا حتى ماتوا قال القرطبي في التذكرة : والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة إنهما نفختان لا ثلاث فالأولى يميت الله بها كل حيّ والثانية
يحيي الله بها كل ميت وقوله : خر ميتاً وفي نسخة خروا وهي تحريف ، وقوله : مغشياً عليه في نسخة عليهم باعتبار معنى من وصعق يكون بمعنى مات وغشى عليه ، ولذا فسره المصنف وحمه الله بهما. قوله : ( أو منشياً عليه ) ههنا إشكال أورده بعض السلف ، وهو أن نص القرآن يدل على أنّ هذا الاستثناء بعد نفخة الصعق ، وهي النفخة الأولى التي مات منها من بقي على وجه الأرض والحديث الصحيح المروي في الصحيحين والسنن وهو أنه لمجم تلا هذه الآية وقال : " فثون أوّل من يرفع رأس فإذا موسى عليه الصلاة والسلام آخذ بقائمة من قوائم العرس فلا أدري أرفع رأسه قبل أو كان ممن استثنى اللّه " فإنه يدل على أنها نفخة البعث وما قيل إنه يحتمل أنّ موسى عليه الصلاة والسلام ممن لم يمت من الأنبياء باطل لصحة موته ، وقال القاضي عياض : يحتمل أن تكون هذه صعقة فزع بعد النشرحين تنشق السموات والأرض فتتوافق الآيات والأحاديث قال القرطبي : ويرده ما مرّ في الحديث من أخذ موسى عليه الصلاة والسلام بقائمة العرس فإنه إنما هو عند نفخة البعث ، وأيضا تكون النفخات أربعا ولم ينقله الثقات فمن حمل قول المصنف رحمه اللّلا مغشيا عليه على غشي يكون من نفخة بعد نفخة البعث للإرهاب والإرعاب فكلامه مردود بما عرفت ، ومن الغريب إن بعضهم جعلها بحديث أبي هريرة رضي الله عنه خمساً وقد سمعنا بمن زاد في الطنبور نغمة ولم نسمع بمن زاد في الصور نفخة قال القرطبي : والذي يزيح الإشكال ما قاله بعض مشايخنا إن الموت ليس بعدم محض بالنسبة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء فإنهم موجودون أحياء وان لم نرهم فإذا نفخت نفخة الصعق صعق كل من في السماء والأرض وصعقة غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام موت وصعقتهم غشي فإذا كانت نفخة البعث عاس من مات وأفاق من غشي عليه ، ولذا وقع في الصحيحين ( فثون أوجل من يفيق ( إذا عرفت هذا فأوفي كلام المصنف رحمه الله للتقسيم ، والمراد إنّ أهل السماء والأرض عند نفخة الصعق منهم من يخرّ ميتا كمن على ظهر الأرض من الناس ، ومنهم من يغشى عليه كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبعض الملائكة فتأمّل. قوله : ( قيل جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسلام الخ ( وقيل الملائكة وقيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء ، وقيل إنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح ، وقوله وهي تدل الخ وجه الدلالة إن العطف يقتضي المغايرة فلو أريد المطلق الشامل للأخرى لم يكن لذكرها هنا وجه ، ونصب أخرى على أنها صفة مصدر مقدّر أي نفخة أخرى والرفع على أنه صفة
لنائب الفاعل وعلى الأوّل كان النائب عنه الظرف. قوله : ( قائمون من قبورهم الخ ( القيام يكون في مقابلة الجلوس والاضطجاع ويكون في مقابلة الحركة بمعنى الوقوف ، وهما مناسبان لنفخة الفزع فلذا جوّزهما ، وقوله حال من ضميره قدم للفاصلة ، ولم يجعله حالاً منهم لأنها لا تكون من المبتدأ عند الجمهور ويجوز نصبه على المصدرية لمقدر من لفظه ، وقوله يقلبون الخ لأن النظر بمعنى الرؤية لا فائدة فيه هنا فلذا أوله بما ذكر فهو بمعنى حيارى أو ينتظرون ما يحل بهم. قوله :(7/351)
ج7ص352
( لأنه يزين البقاع الخ ) المراد بتزيين البقاع كونها معمورة محفوفة بالأبنية والزروع ، وظهور الحق ظاهر في الدنيا والآخرة وكذا جعل الظلم ظلمة فإنه يقبح البقاع في الدنيا لتخريبه لها ، والجامع بينهما مجرّد القبح فيهما وكذا ستر الحقوق ني نه بمعنى أنه يستر عنه ما كان يستحقه لو لم يكن ظالما كدخول الجنة ، ونحوه وليس المراد إخفاء حقوق الناس التي عند الظالم كما توهم فقيل إنه لا يكون ذلك يوم القيامة ، وقوله ولذصك الخ أي لأن المراد بالنور هنا العدل أضاف اسمه تعالى إلى الأرض فقال ربها وخص الربوبية بها مع أنه رب كل شيء لأنه يظهر فيها بسطه وعذله ، وينتشر فيها ولولا ذلك لم تحسن هاء الإضافة كما قيل ، وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يحسن الوجه المذكور بعده ، وقوله : أو بنور الخ لأنه بعدما شققت السماء ونثرت الكواكب ، ثم يجعلها منيرة بنور آخر ولذا إضافة لله لأنه ليس بواسطة من مخلوقاته ووجه التأييد أنه على حقيقته ، والإضافة للاختصاص التام فيدل على ما ذكر ، وأما جعل الزمخشري هذه الإضافة مؤيدة لأنّ المراد بالنور العدل فلأنه إذا أضيف إليه أو أطلق عليه تعالى فليس بمعناه الحقيقي كما ورد في مواضع من التنزيل فلا ينافي ما ذكره المصنف حرمه الله ، وليس فميا ذكر رد عليه كما قيل فإن لكل منهما وجهة. قوله : ( الحساب والجزاء ( فالكتاب
مجاز عن الحساب ، وما يترتب عليه من الجزاء ووضعه ترشيح له والمراد بوضعه الشروع فيه ويجوز جعله تمثيلا لكن عبارة المصنف رحمه الله لا تلائمه ، وقوله : اكتفى الخ أي على الوجه الثاني إذ على الأول لا يحتاج للتوجيه فتعريفه للجنس أو الاستغراق ، وقوله : للأمم وعليهم متعلق بالشهداء على أنه جمع شاهد وفي الوجه الذي بعده هو جمع شهيد ، وقوله بين العباد فالضمير لما فهم من السياق ، وقوله : جزاءه على الوجهين من التقدير والتجوّز ، وقوله : على ما جرى به الوعد وإلا فلو نقص أو زيد لم يسم ظلما عند أهل الحق وإنما هو من سبق وعده بذلك ، وقوله ثم فصل ولا يتوهم إنه كان يلزم الفاء لأنه ليس بلازم ، وقوله على تفاوت اقدامهم الخ يشير إلى وجه جعلهم زمراً متفرّقة بأنّ أفعالهم ومللهم متغايرة فسيق كل مع حزبه وضمير هي للزمرة وقد سقط هذا من بعض النسخ قيل ، وهو أحسن لأنّ العلة غير مناسبة للمقام وفي بعض النسخ هنا تقديم ، وتأخير وتفاوت سهل ، وقوله أو من قولهم شاة زمرة فهو لما بينهما من مناسبة القلة والأول لما يلزم من الأصوات والزمرة بضم فسكون. قوله : ) حتى إذا جاؤها الخ ) قال في حق هؤلاء فتحت بدون واو وفي حق أهل الجنة بالواو فظنها بعضهم واو الثمانية لأنّ المنفتح لهم ثمة ثمانية أبواب ، وهنا سبعة لكنه بدون واو وفي حق أهل الجنة بالواو فظنها بعضهم واو الثمانية لأنّ المنفتح لهم ثمة ثمانية أبواب ، وهنا سبعة لكنه قول ضعيف ، والصحيح في وجهه أنّ الواو ثمة حالية إشارة إلى أنها تفتح لهم قبل قدومهم تكريما لهم كما تفتح الأبواب لمن يدعي للضيافة ، وهذه كأبواب السجن لا تترك مفتوحة بل تفتح بعد مجيئهم ، ثم تغلق والكلام على إذا الواقعة بعد حتى مرّ تفصيله في سورة الأنعام. قوله : ) وقتكم هذا الخ ) يعني أنّ اليوم فيه بمعنى الوقت لا بمعناه المعروف في أيام الدنيا لأنه غير مراد ولا يوم القيامة أو يوم الآخرة لأنّ المنذر باقي الحقيقة العذاب ووقته ويجوز أن يراد به يوم القيامة والآخرة لاشتماله على هذا الوقت ، أو على ما يختص بهم من عذابه وأهواله ولا ينافيه كونه في ذاته غير مختص بهم ، والإضافة لامية تفيد الاختصاص كما قيل لأنه يكفي للاختصاص ما ذكر نعم الأول أظهر في الاختصاص. قوله : ) وفيه دليل على أنه لا تكليف قبل الشرع ا لأنهم وبخوهم بكفر هم بعد تبليغ الرسل للشرائع وانذارهم ولو كان ذلك معلوماً من العقل كما ذهب إليه المعتزلة لقيل : ألم تعلموا بما أوح الله فيكم من العقل قبح كفركم ، وهو
دليل إقناعي لأنه إنما يتمّ على اعتبار المفهوم وعموم الذين كفروا وكلاهما في محل النزاع ، وقوله : عللوا توبيخهم المراد به التعليل المعنوفي إذ هو في قوّة أن يقال : نوبخكم لإتيان الرسل وتبليغ الكتب وإنذارهم بما لم تمتثلوه أو تعملوا بمقتضاه ، والاستفهام تقريري أو إنكاري والتعليل به يقتضي أنه الداعي لتعذيبهم ، وأمّا كون الخطاب للداخلين عموما به يقتضي أنهم جميعاً أنذرهم الرسل ولو ثحقق تكليف قبل الشرع لم يكن الأمر كذلك ، وإن لم يعتبر التعليل فللخصم أن لا يسلم العموم كما مرّ. قوله : ( حقت ) أي وجبت وكلمة العذاب من إضافة الدال لمدلوله كما أشار إليه بقوله كلمة الله الخ ، وقوله : وهو الحكم الخ يعني المراد بكلمة الله حكمه عليهم بالشقاوة المقتضية للعذاب ، ولذا ذكر ضمير الكلمة(7/352)
ج7ص353
لأنها بمعنى الحكم رعاية للخبر ، وقوله وضع الظاهر وهو على الكافرين موضع علينا ليدل على أنّ التوبيخ خاص بالكفرة ، وإنّ ذلك الحكم لكونهم كفروا لئلا يلزم الجبر أو هو لتعميم الحكم لكل من كفر ، وهو اعتراف لا اعتذار وذلك إشارة إلى الحكم. قوله : ( وقيل هو قوله الخ ( هو رد على الزمخشري حيث فسره بما ذكر ووجهه يعلم مما مرّ في تفسير الآية ، وانها غير خاصة بالكفرة. قوله : ( أبهم القائل ) إذ أتى بفعله مجهولاً وأمّا دلالة عدم ذكر القائل على تهويل القول فلأن الإبهام يشعر بأنّ قائله لعظمته أو كثرته لا يصرّح باسمه ، ومن هو كذلك يكون قوله واقعا لا محالة أو إنّ المقصود ذكر ما يهول في حقهم من غير نظر لقائله ، ويحتمل أن القائل الخزنة وترك ذكرهم للعلم به مما قبله ، وقوله : اللام فيه للجنس لأن فاعل هذا الباب يكون عامّا معزفا بلام الجنس أو مضافا للمعرّف بها ، وقوله : سبق ذكره وهو جهنم وهذه اللام يحتمل أن تكون موصولة فإنها تفيد ما يفيده حرف التعريف ، ويحتمل أن تكون حرف تعريف لأنه قصد بالوصف هنا الثبوت وهو ظاهر كلامه. قوله : ( ولا ينافي إشعاره الخ ( يعني أن ما سبق يدل على أنّ دخولهم النار لحكمه تعالى بشقاوتهم والتعليل بالمشتق يقتضي أنه لتكبرهم عن قبول الحق والانقياد للرسل المنذرين عليهم الصلاة والسلام فدفعه ، بأن هذا مسبب عن ذاك فالسبب المجموع أو هذا سبب قريب وذاك سبب بعيد فلا تعارض بينهما كما بينه الحديث المذكور ، ولا يخفى أن كلمة الله بمعنى حكمه عبارة عن قضائه بصدور تكبرهم وابائهم عن الإيمان الذي
هو فعل الله اختياري لهم ، والقضاء به سواء كان بمعنى خلق الله ذلك الفعل فيهم أو علمه بأنه يصدر عنهم لا يسلب عزم العبد وكسبه كما تقرر في الأصول ، فما قيل من أنه جبر صرف معارض لقوله على الكافرين الدال على تسبب حقية الكلمة عن كفرهم لا وجه له سواء كان كلامهم اعترافا أو اعتذاراً كما لا يخفى ، وقوله في الحديث : " إن اللّه تعالى إذا خلق العبد للجنة " الخ أي قضى بسعادته أو شقاوته فعمل باختياره ما يوجب ثوابه أو عقابه ولا حاجة إلى دفع السؤال بالعكس بأن يقال كلمة العذاب حقت عليهم لتكبرهم وكفرهم فتدبر. قوله : ( إسراعا بهم إلى دار الكرامة ( جواب عما يقال من أنه عبر عن ذهاب الفريقين بالسوق ، وهو مناسب في حق الجهنميين لما نجي السوق من الإزعاج وإشعاره بالإهانة بأنه شتان ما بين السوقين فإن الأوّل لتعجيلهم إلى العقاب والآلام وهذا لإسراعهم إلى الإكرام واختير للمشاكلة ، وقوله : إلى الجنة يدفع إيهام الإهانة مع أنه قد يقال إنهم لما أحبوا لقاء الله أحبّ الله لقاءهم فلذا حثوا على دخول دار كرامته ، ثم أجاب بجواب آخر اختاره الزمخشريمما بأنّ المراد هنا بسوقهم سوق دوابهم لأنه ورد في الحديث : " يحشر الناس على ثلاثة أصناف صنف مشاة وصنف ركبان وصنف يجرّون على وجوههم " والأوّل المخلطون والثاني المخلصون ،
والثالث العصاة ومرضه لأنه لا قرينة في النظم عليه ، ولأنّ الحديث خصه بصنف وما هنا عائم ، وقوله على تفاوت مراتبهم الخ فلذا جعلوا زمراً ، وكذلك يدعون من أبواب متعددة ومنهم من يسرع ومن يكون كالبرق الخاطف إلى غير ذلك في الأحاديث. قوله : ( حذف جواب إذا الخ ) لأنّ الحذف يشعر بأنه لا ينحصر ولا يحيط به نطاق البيان والدلالة على تقدم الفتح لأنه جملة حالية بتقدير قذفهم جاؤها بعدما كانت مفتحة لهم كما يدل عليه مقارنته للمجيء ، والحال الماضية مشعرة بالتقدم واحتمال العطف الصادق بالمعية هنا مرجوح وهو كالممنوع في حكم البلاغة لأنه ورد في آية أخرى جنات عدن مفتحة لهم الأبواب والقرآن يفسر بعضه بعضا ومخالفته لما قبله لفظاً تقتضي مخالفته معنى ، ولا يكون إلا بما ذكر إذ لو قصد المعية جعل جوابا لأنه يفيده فالقول بأنه بالعطف يتنم المرام من جملة الأوهام. قوله : ( منتظرين ( حال وهو بصيغة المفعول أو الفاعل من فاعل المجيء أو فتح المقدر فالمعنى أنّ خزنة الجنان فتحوها ، وقفوا منتظرين لهم أو هي فتحت قبل مجيئهم بصفة الانتظار ، وظاهر كلامه مشعر بأنّ الجواب مقدّر هنا فيكون قوله : وقال لهم الخ معطوفا على الجواب والزمخشري قدره بعد قوله خالدين ، وكان المصنف خالفه لأنه يكون بعض الجواب مذكوراً وهذا أولى لكن ما ذكره الزمخشري ، أقوى بحسب المعنى لأنه إذا قدر هنا فازوا بما لا يعد ولا يحصى من التكريم والنعيم صار قوله ، وقال الخ مستغنى عنه بخلاف ما إذا قدر بعده(7/353)
ج7ص354
ولأن الظاهر أنّ هذه الجمل متعاطفة فالتقدير بينها خلاف الظاهر ، وهذا هو مراد السعد بقوله إذ عنده يتمّ الشرط بذكر المعطوفات فلا يرد عليه المنع كما قيل. قوله : الا يعتريكم بعد مكروه ) تفسر للسلام بأنه السلامة من كل مكروه سواء أكان خبراً أو إنشاء دعائياً لأن ما فسر به محتمل لهما أيضاً فليس الأوّل متعيناً كما قيل ، وقوله : مقدرين الخلود بصيغة الفاعل أو المفعول إشارة إلى أنها حال مقدرة وقد مرّ الكلام عليه مفصلاً مراراً. قوله : ( وهو لا يمنع دخول العاصي بعفوه ) أي كونه سببا لا يمنعه بسبب عفوه لأنه أي العفو أو الله يطهره أي يطهر العاصي من قدر المعاصي بما أفاضه عليه من لطفه ، وهو ردّ على الزمخشري إذ جعل هذه الآية دليلا على أنه لا بد من عدم
العصيان ، أو التوبة لأنه لا يتحقق الطيب بدونهما وجملة طبتم تعليل لما قبلها وقوله : وقالوا معطوف على جملة قال أو على مقدر أي فدخلوها وقالوا. قوله : ( على الاستعارة ) في الأرض لتشبيه مقرّهم بأرض! الدنيا وإنّ أرض الآخرة التي يمشي عليها لا تسمى أرضا إلا مجازا ، وهو خلاف الظاهر ، ولم يجعله الزمخشريّ مجازا ، ولك أن تجعل هذه الاستعارة في أورثفا فيكون توطئة لما بعده وقوله : مخلفة عليهم من ، أعمالهم إشارة إلى أنه شبه نيلهم بأعمالهم لها بإرثهم من آبائهم فكان العمل آباؤهم كما قيل :
وأبى الإسلام لا أب لي سواه
وكما يقال الصدق يورث النجاة وقوله أو تمكينهم بناء على أنه لا ملك في الآخرة وإنما
إباحة التصرّف والتمكين مما هو ملك الله. قوله : ( أي يتبوّأ كل منا ألخ ) يعني لو حمل النظم على ظاهره ، وأراد خلق كثير مكانا واحداً منها لزم تبوّء الجميع مكانا واحدا بالوحدة الحقيقية ، وهو محال أو أن يأخذ أحدهم جنة غيره وهو غير مراد فدفعه بأنّ حيث يشاء عمومه ليس على الإطلاق بل المراد عموم نبوته في أي مقام كان من جنته التي عينت له لا من مطلق الجنة ، ولا من جنات غيره المعينة لهم لكونها واسعة ينتقلون فيها لما يشتهون ، والضمير في قوله من جنته لكل على التوزيع. قوله : ( مع أنّ في الجنة مقامات معنوية الخ ) جواب ثان وهو إشارة إلى ما قاله الإمام من أنّ لنا جنتين جسمانية وروحانية ومقامات الثانية لا تمانع فيها فيجوز أن يكون في مقام واحد منها ما لا يتناهى من أربابها ، وهذه الجملة حالية والمعنى أورثنا مقامات الجنة المحسوسة حالة كوننا نسرح في منازل الأرواح كما نشاء ، وقد قال بعض متألهي الحكماء الدار الضيقة تسع ألف ألف من الأرواح ، والصور المثالية التي هي أبدان المتجزدين عن الأبدان العنصرية لعدم تمانعها كما قيل :
سمّ الخياط مع الأحباب ميدان
وهذا إن عد من بطون القرآن فلا كلام فيه والا فحمل الجنة على مثله مما لا تعرفه العرب ولا ينبغي أن يفسر به ، والمقام الروحاني هو ما تدركه الروج من المعارف الإلهية ، وتشاهده من رضوان الله ونفحات اللطف مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ومن لم يذق لم يعرف ، ولا يرد على ما ذكر أنه يقتضي أنّ كل أحد يصل إلى مقام روحاني مع أنّ منها ما يخص الأنبياء المكرّمين ، والملائكة المقربين والظاهر أنه لا يصل إليها كل أحد من العارفين ، وقد قيل أيضا في الجواب أنهم لا يريدون غير ما لهم لسلامة أنفسهم وعصمة الله لهم عن إرادة
مثله ، وقوله : الجنة هو المخصوص بالمدح المقدر ، وقوله : محدقين الأحداق الإحاطة كما تحيط الحدقة بالعين ، وهو من الحفاف بمعنى الجانب جمع حاف وقا الا السمين : قال الفراء وتبعه الزمخشريّ : لا واحد له أراد أنّ الواحد لا يكون حافا أي محيطاً إذ الإحاطة لا تتصؤر بواحد وإنما تتحقق الإحاطة بالجمع ، وقيل : أراد أنه لم يرد به استعمال وكلاهما وهم لأنه لو صح هذا لم يصح أن يقال : طائفون ولا محيطون ونحوه مما يدل على الإحاطة والتخيل الذي ذكره من عدم فهم المعنى الموضوع له فإنّ الإحاطة بالشيء بمعنى محاذاة جميع جوانبه ومقابلته ، ولا يلزم أن يكون في زمان واحد بل في درجات منه فإن من دار به فقد حاذاه جميع جزئيته تدريجا فيكون الحفوف ، والطواف بمعنى الدوران حوله أو يراد بكونه محيطاً إنه جزء من المحيط وله مدخل في الإحاطة. قوله : ( أو لابتداء الحفوف ( فيكون الحفوف حينئذ بغير العرس فهو إمّا بالخلق وزيادتها على مذهب الأخفش وهو الأظهر ، وقوله : ملتبسين بحمده فالجار والمجرور حال أيضاً والباء للملابسة ، وقوله : حال ثانية إشارة إلى أن حافين حال أولى لأن رأي بصرية وكونها علمية بعيد ، وقوله : أو مقيدة أي حال من الضمير في فيها فهي حال متداخلة وصفات(7/354)
ج7ص355
الجلال هي الصفات السلبية وصفات الإكرام لثبوتية والدال عى الأول هنا قوله : سبحان وعلى الثانية : الحمد والمراد بالعليين الملائكة مطلقا أو حملة العرس ، وقوله : تلذذاً أي لا تكليفا لأنهم خارجون عن خطة التكلف والتكليف ، والدال على أنه منتهى درجاتهم أنهم إذا كانوا حول الحرشن فهم في أجل الأماكن وهو أعظم مقاماتهم فما يشتغلون به ثمة الظاهر إنه أنفس ما عندهم وفيه نظر. قوله : ( بينا الخلق الخ ( لأن القضاء- المعروف يكون بينهم ولوضوحه لا يضرّ كون ضميره لغير الملائكة إذ التفكيك لا يمتنع مطلقا كما توهم. قوله : ( والقائلون ) أي لهذا القول الخ لأنّ حمدهم يقتضي أنهم ممن قضى لهم لا عليهم ، وكونه لمطلق العباد كضا في الكشاف غير ظاهر ، ولذا خالفه المصنف إذ حمد من يعذب نادر وذكره غير مهمّ فلعل ما ذكره أراد به أن الحمد من عموم الخلق المقضي بينهم هنا إشارة إلى التمام ، وفصل الخصام كما يقوله المنصرفون من مجلس حكومة ونحوها فيحمده المؤمنون لظهور حقهم ، وغيرهم لعدله واستراحتهم من انتظار الفصل وما قيل من إنه إظهار للرضا والتسليم بل للحكم بالعدل بينهم في غاية البعد ، وإذا كان الحامد المؤمنين كما اختاره المصنف ، وقد مرّ حمدهم مرّة أخرى فيكون لئلا يكون فيه تكرار الأوّل على إنجار وعده بإيراث الجنة وهذا على
القضاء بالحق لهم ، وقيل الأوّل للفصل والتفرقة بين الفريقين بحسب الوعد ، والوعيد والسخط والرضا وهذا للتفرقة بينهم بالأبدان ففريق في السعير ، وفريق في الجنان والأوّل أحسن. قوله : ( عن النبتي صلى الله عليه وسلم ( هو حديث موضوع ، وقوله : الخائفين لما ذكر فيها من الإنذار وكأنه الحافين فحرّف ولا بعد فيه ، وقوله أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة الخ رواه الترمذي فليس بموضوع ، تمت السورة والحمد لله على أنعامه والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاته وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة المؤمن
وتسمى سورة غافر وسورة الطول.
بسم الله الرحمن الرحيم
وأعلم أن هذه السور المبدوأة بحم يقال لها آل حم والحواميم جمع حم وما قاله ابن الجوزي تبعا للجواليقي والحريري من أنه خطأ ليس بصحيح كما فصلته في شرح الدرة. قوله : ( مكية ( بلا خلاف ، وإنما الخلاف في الاستثناء فقيل : استثنى منها قوله : وسبح بحمد ربك لأن الصلاة نزلت بالمدينة كما في الكشاف وقد رد بأن الصلاة إنما نزلت بمكة بلا خلاف ولو سلم فلا يتعين إرادة الصلاة بالتسبيح فيها وسيأتي ما فيه ثمة ، وقيل : أيضا إلا قوله إن الذين يجادلون الآية فإنها مدنية نزلت في إليهود لما ذكر والدجال ، واختلف في عدد آياتها فهي تزيد على ثمانين فقيل بآيتين ، وقيل بأربع وفيل بخمس ، وقيل بست وأمّا قول المصنف رحمه الله ثمان فلم بذكره أحد سواه فهو تحريف عن ثناتان وفيه نظر. قوله : ) صريحاً ( أي إمالة تافة لا بين بين ، والتحريك لالتقاء الساكنين على أنه مبنيئ على الفتح كأين وكيف وقوله النصب عطف على التحريك لا على فتح الميم لركاكة معناه وهو على أنه معرب ولو عطفه بأو كان أولى ولم ينوّن لأنه ممنوع من الصرف كما ذكره والتأنيث لأنه بمعنى السورة ، وقوله زنة الأعجمي أي على وزن يختص أو يكثر في الأسماء العجمية كفاعيل ، وهذا هو العجمة المذكورة في موانع الصرف لا أمر آخر زائد عليها ، وهو منقول عن سيبويه لأن العجمة إمّا حقيقية وهي ظاهرة أو غير حقيقية بأن يخالف المعروف في مفرداتهم فيلحق بالأعجميئ ، ويسمى شبه العجمة فليس بتأويل كما توهم وفي الكشف إن الأولى أن يعلل بالتعريف ، والتركيب وهو وجه آخر ولكل وجهة ولم يذكر إعراب تنزيل الكتاب لأنه مرّ تفصيله في أوّل انزمر. قوله : الما في القرآن من الإعجاز والحكم ) فإعجازه لأنه كلام إله قدير لا يغالب فلذا ذكر العزيز ولاشتماله على الحكم البليغة البالغة ذكر العليم لأن البليغ علمه بالأشياء يكون حكيما ، وناطقاً بالحكمة فلذا قيل : العليم ، ولم يقل الحكيم تفننا لأنه مرّ في أوّل الزمر ، وأما مناسبته للكتاب فهي مشتركة فسقط
ما قيل إنه لا يعلم منه إيثار العليم على الحكيم هنا!فكان الظاهر إبدال(7/355)
ج7ص356
قوله : الحكم بأنواع العلوم التي يضيق عنها نطاق الإفهام. قوله : ( صفات أخر الخ ) أي هذه صفات لله كما أن العزيز العليم كذلك ، وذكر الغافر ، وقابل التوب وذي الطول للترتيب وذكر شديد العقاب للترهيب والمجموع للحث على المقصود من إنزاله وهو المذكور بعده من التوحيد والإيمان بالبعث المستلزم للإيمان بما سواهما والإقبال على الله وجعل الإضافة فيه حقيقية لا لفظية ليصح وصف المعرفة به. قوله : ( على أنه لم يرد الخ ) على إمّا للاستعلاء أي مبنيّ على ذلك أوللتعليل كما في قوله على ما هداكم ، وهذا إشارة إلى ما قاله الإمام من أنه لا نزاع في جعل غافر ، وقابل صفة لأنهما يفيدان معنى الدوام والاستمرار وكذا شديد العقاب لأن صفاته تعالى منزهة عن الحدوث ، والتجدد قال أبو حيان : وهذا كلام من لا يعرف النحو ولا نظر فيه للزوم كون عليم وحليم معارف فيكون تعريفها بأل وتنكيرها سواء وهو تعصب منه ، وقد تقدم في الفاتحة تحقيقه والمراد أنها تقبل التعريف والتنكير باعتبار تعين متعلقها وعدمه ، والإضافة للمعمول لفظية فإذا قصد الاستمرار ألحق بالأسماء الجامدة فتكون إضافته معنوية معزفة كما حققه الرضى ، وغيره وقد مرّ ما فيه. قوله : ( وأريد بشديد العقاب مشدّه ( بزنة اسم الفاعل من أشده أي جعله شديداً إشارة إلى دفع ما قاله النحاة من أن سيجويه رحمه الله قال : إضافة الصفات لفظية ، ويجوز أن تجعل محضة ويوصف بها المعارف إذا لم تعمل إلا الصفة المشبهة وشديد منها ، وهذا لا يرد على مذهب الكوفيين القائلين بأنها كغيرها من الصفات قد تكون إضافتها محضة أمّا على ما ذهب إليه غيرهم يقولون إنها مؤوّلة باسم الفاعل لتعطي حكمه فشديد بمعنى مشد كاذين بمعنى مؤذن. قوله : ( أو الشديد عقابه ) يعني أنه معرّف بالألف واللام ، وأصله الشديد العقاب فحذفت لمشاكلة ما معه من الأوصاف المجرّدة من الألف اللام والمقدر في حكم الموجود ، والمراد بالازدواج هنا المشاكلة وهي مرجحة له والمصحح أمن الإلباس بغير الصفة لوقوعه بين الصفات ، واحتمال كونه بدلاً وحده لا يلتفت إليه. قوله : ( أو إبدال ) جمع بدل معطوف على قوله صفات ، ولا يرد عليه قفة البدل في المشتقات ولا إن النكرة لا تبدل من المعرفة ما لم توصف ولا إن تعدد البدل لم يذكره النحاة كما قيل لأن النحاة صرّحوا بخلافه في الجميع وللدماميني فيه كلام طويل الذيل في أول شرح الجزرية لا يسعه هذا المقام فإن أردته فانظر فيه ، وقوله : مشوّس للنظم أي لما فيه من الإلباس ، والفصل بين الصفات بالبدل وتنافي غرضيهما فإن الإبدال تجعله في نية الطرج ووصفه يقتضي أنه متبوع مقصود من الكلام. قوله : ( وتوسيط الواو بين الأولين الخ ) بيان لوجه العطف وتركه فيما عداه
مع إن العطف وتركه يجري في الصفات والإبدال على القول بتعددها ، وقوله : بين الأولين يعني من أولى صفات الترغيب والترهيب ، وقوله : لإفادة الجمع فيه نظر لأنه إن أراد بلازم اجتماعهما كما حمل عليه كلام الزمخشري فهو نزعة اعتزالية إذ لا عفو عن الكبائر عندهم بدون توبة ، وان أراد اجتماعهما في الجملة فغيره كذلك ، والظاهر أنه أراد أن بينهما اجتماعا وعدم تناف كما بين العقاب والطول. قوله : ) أو تغاير الوصفين الخ ) يعني عطف لدفع توهم الاتحاد بينهما وقوله : موقع الفعلين ، وهما ستر الذنب الذي هو معنى المغفرة وقبول التوبة عنه فإنه موقع الأول ذنب باق وموقع الثاني ذنب زائل ممحوّ ، والمراد ببقائه إنه باق في صحائف سيآته لا ينمحي ما لم يتب وان لم يعاقب عليه فإذا تاب محي وكتب له حسنة بدلاً منه. قوله : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) وجه التشبيه فيه أن كلاً منهما لم يكتب عليه ذنب ، والتارك للذنب عمداً مثاب كالتائب فإنه يثاب بالتوبة ومغفرة ذنبه بستره ، وثوابه بتوبته كل منهما بفضل اللّه وكرمه فلا يخالف مذهب أهل الحق ، وهذا أيضا غير مخالف لما تقدم مع أنه لو خالفه لم يكن فيه ضير لأنّ كلاً منهما وجود نكتة مستقلة فلا يرد عليه شيء ، وقوله : جمعها أي جمع التوبة ، والمراد إنه اسم جمعيّ كتمر وتمرة. قوله : ) والطول الفضل بترك العقاب المستحق ( الطول في اللغة التفضل ، والظاهر منه إنه الثواب والإنعام فالمتبادر أنه يفسره به أو بما يعتم الثواب ، وترك العقاب أمّا تخصيصه بالثاني كما فعله المصنف فقد قيل عليه إنه خلاف الظاهر مع أنه مكرّر مع قوله غافر الذنب فكان الداعي له ذكره بعد شديد العقاب كأنه قال : إن شاء عاقب وان شاء ترك ، وقيل الأنعام لما كان بمقتضى وعده كان كالواجب اللازم(7/356)
ج7ص357
والفضل لما لم يكن كذلك فسره به ولا يخفى بعده. قوله : ( دليل رجحانها ) أي الرحمة يعني زيادتها وسبقها فلذا عدد ما يدلّ على الرحمة ، وأفرد ما دلّ على خلافها ، وقوله : لا إله الخ مستأنفة أو حالية لا صفة لله ولا لشديد العقاب كما توهم ، وقوله : فيجب الخ يعني أن المراد بهذا وبما بعده إن عبادته وطاعته واجبة وإنه المثيب والمعاقب لأنه أتمّ فائدة وأنسب بالمقام. قوله : ) سجل بالكفر ملى المجادلين الخ ( أي أثبت ذلك لهم كما يثبت الشيء في السجل ، وقوله : بالطعن متعلق بالمجادلين والإدحاض الإبطال والإزالة والإدحاض على زعمهم ، أو هو بتقدير مضاف أي
وقصد إدحاض الحق وازالته ، وعقده جمع عقدة وهي المشكل والخفيّ مما يتمسك به أهل الأهواء والزيغ الميل عن الحق ، وقوله : بالتنكير يعني به أنّ تنكيره في الحديث للتبعيض فيفيد أنّ بعضه كفر وضلال كما أنّ بعضه جهاد في المبطلين ، وعبادة فليست المجادلة فيه مذمومة مطلقا ، وقوله : مع أنه ليس جدالاً فيه الخ جواب آخر إفا بأن البحث في القرآن ليس جدالا أصلا لأنه إنما يستعمل في المخاصمة الباطلة إذ هو من جدل الحبل إذا فتله لما فيه من العدول عن الحق أو البحث جدال عنه لا فيه فإنه يتعدى بعن إذا كان للمنع عن الحق ، وبفي بخلافه كما ذكره الإمام وبالباء أيضا كما في قوله : { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وفيه بحث. قوله تعالى : ( { فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ } ) مسبب عما قبله أي إذا علمت أنّ هؤلاء كفرة خسروا الدنيا والآخرة فلا تلتفت لاستدراجهم بتوسعة الرزق عليهم وإمهالهم فإن عاقبتهم الهلاك كما فعل بمن قبلهم من أمثالهم ، وإليه أشار بقوله فإنهم مأخوذون عن قريب لقلة زمان الدنيا ، ولأن كل آت قريب والتقلب الخروج من أرض! لأخرى ، وقوله في بلاد الشام واليمن إشارة إلى أنّ المراد كفار قريش وتقلبهم رحلة الشتاء لليمن ، ورحلة الصيف للشام. قوله : ( تحزبوا على الرسل ( أي اجتمعوا ناصبوهم بمعنى عادوهم ، وقوله بعد قوم نوج مأخوذ من ذكرهم بعدهم ، وقوله : برسولها رعاية للفظ الأمّة والقراءة المشهورة نظر لمعناها. قوله : اليتمكنوا من إصابته بما أرادوا ) يعني أنه ليس المراد بالأخذ ظاهره بل هو كناية عن التمكن من إيقاع ما يريدونه به لأنّ من أخذ شيئا تمكن من الفعل فيه ، وقوله : وقتل بالتاء المثناة الفوقية والتمكن منه لا يستلزمه إذ المتمكن من الشيء قد لا يفعله لمانع وغيره ، وقوله من الأخذ بمعنى الأسر فإنه يقال للأسير أخيذ فهو مأخوذ منه فكني به عما ذكر ، والتمكن من القتل لا ينافي الأسر كما توهم ، وفي بعض النسخ وقيل بالقاف والياء التحتية فيكون الأخذ في الآية بمعنى الأسر ، والأولى هي الموافقة لما في الكشاف ، والمناسبة للمقام وجزالة المعنى. قوله : ) فأخذتهم بالإهلاك جزاء لهم ( يعني أنّ المراد بالأخذ مجازاً أو كناية هنا ما في الدنيا من الهلاك المستأصل لهم ، وقوله : جزاء لهم يعني على الهمّ بالأخذ لأنّ المتبادر من الجزاء إنه من جنس المجزي فخصه كالزمخشري بالمتوسط بين التكذيب ومجادلة الإدحاض ، ولا يرد عليه إنه يفوت به رعاية جانب المعنى لأجل مناسبة لفظية لأنه إذا عجل عقوبة أهونها الذي هو مجرد
القصد ، والهمّ دالّ على أنه يعذبهم على قرينته في الآخرة أشدّ العذاب كما دلّ عليه ما بعده ففيه محافظة على جانب المعنى مع مناسبة مقابلة الأخذ بالأخذ كما فصله السعد في شرح الكشاف وغيره. قوله : ( فإنكم تمرّون على ديارهم الخ ) مناسبة لما قبله من تقلبهم في البلاد ، ورؤية أثر العقاب تؤخذ من سؤالهم لأنه إنما يسأل عن الشيء من يعرفه ، وقوله : وهو تقرير اًي تثبيت وتأكيد لهلاكهم أو حمل لهؤلاء على الإقرار به مع ما فيه من تعجيب السامعين مما وقع لهم أو من عدم اعتباره هؤلاء به ، وقوله : وعيده الخ فسرها به لأن الكلمة بمعنى الكلام ، والمراد به مدلوله أو حكمه به وقد مرّ تحقيقه ، وقوله : بكفرهم إشارة إلى أنّ التعريق بما هو في حكم المشتق يفيد العلية. قوله : ( بدل الكل ( إن كان المراد بالكلية قوله أو حكمه بأنهم أصحاب النار فهو بدل كل فإن كان أعمّ فهو بدل اشتمال قال الراغب : القضية تسمى كلمة قولا أو فعلا فقوله : على إرادة اللفظ أو المعنى يحتمل رجوعه إلى الكلمة فيكون راجعا إلى الوجهين أي هو بدل كل من كل واشتمال على هذين الاحتمالين ، ويحتمل عوده إلى أنهم أصحاب النار على اللف والنشر المرتب فهو بدل كل إن أريد لفظه ، واشتمال إن أريد معناه كما قيل(7/357)
ج7ص358
وفيه نظر وأمّا كون بدل البعض والاشتمال لا بد له من ضمير يرجع إلى المبدل منه فليس بكلي لأنه إذا ظهرت الملابسة بينهما كما في قوله : { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ } [ سورة البروج ، الآية : 4 ] استغنى عنه كما صرّحوا به ، وفيه وجه آخر وهو إنّ التقدير لأنهم الخ فهو علة للوعيد. قوله : ) الكروبيون أعلى طبقات الملائكة ) الكروبيون جمع كروبي بفتح الكاف وضم الراء المهملة المخففة ، وتشديدها خطأ ثم واو بعدها باء موحدة ، ثم ياء مشددة من كرب بمعنى قرب وقد توقف بعضهم في سماعه من العرب وأثبته أبو علي الفارسي البغدادي واستشهد له بقوله :
كروبية منهم ركوع وسجد
وفيه دلالة على المبالغة في قربهم بصيغة فعول والياء فإنها تزاد لذلك وقيل الكرب أيضا
شدة القرب ، وهم سادة الملائكة كما في الفائق كجبريل وإسرافيل وقال البيهقي إنهم ملائكة
و العذاب فهو عنده من الكرب بمعنى الشدّة ، والحزن كما صرّج به ويجوز أخذه منه على المعنى " الأوّل أيضا لشذة خوفهم من الله وكلام المصنف على أن الكروبيين هم حملة العرش ، وقال الرئيس ابن سينا في رسالة الملائكة إنهم غيرهم وعبارته الكروبيون هم العامرون لعرصات التيه إلا على الواقفوان في الموقف الأكرم زمراً الناظرون إلى المنظر الأبهى نظراً وهم الملائكة
المقرّبون ، والأزواج المبرّؤون ، وأما الملائكة العاملون فهم حملة العرش والكرسي ، وعمار السموات انتهى. قوله؟ ( مجاز عن حفظهم الخ ) حمل العرس ظاهر هنا وأما ذكره الحفيف فيحتمل أن يكون استطرادا ، ويحتمل أنه تفسير لمن حوله هنا لأنه بمعنى حافين وهو الظاهر ، ولا مانع من حملهما على الحقيقة وهو ظاهر الأحاديث والآيات ، وما ذكره كلام الحكماء وأكثر المتكلمين والمراد بالحفظ والتدبير له أن لا يعرض له ما يخل به أو بشيء من أحواله التي لا يعلمها إلا الله ولما كانت الكناية والمجاز لا يجتمعان في لفظ واحد حملوه على اللف ، والنشر المرتب بجعل المجاز للحمل والكناية للحفيف والتخصيص كما قيل لأن العرش كرى في حيزه الطبيعي فلا يحتاج لحامل ففيه قرينة عقلية على منع إرادة المعنى الحقيقي ، وأما الحفيف والطواف به فلا مانع من إرادته منه فيكون كناية لأنّ هذا شأنها وفيه نظر لأن عدم احتياجه له لا يصيره مجازاً لأنّ الكناية يكفي فيها إمكان المعنى الحقيقي لا إرادته منه بالفعل وهو موجود هنا فتدبر ، وقوله : أولهم وجودا مثله لا يعرف إلا بسماع من أفق الوحي ، وقوله الكروبيون الخ تفسير للذين يحملون العرس ومن حوله لا لأحدهما كما يدل عليه كلامه. قوله : ( من صفات الجلال واكرام ( بيان لمجامع الثناء وقد مرّ بيانه بأن صفات الجلال هي السلبية التي دل عليها التسبيح والتنزيه والإكرام الصفات الثبوتية ، وأما قول القشيري وصف الجلال ما حقق العز والإكرام إنعام خاص والجلال ثبوت العلوّ والرفعة ، وقول بعضهم الجلال صفات القهر والإكرام صفات اللطف فليس بمراد هنا. قوله : ( وجعل التسبيح أصلاَ ا لا يخفى أنه حيث ورد في الذكر سواء كان من الملائكة أو البشر ورد هكذا فالأولى أن يوجه بأن التسبيح تحلية مقدمة على التحميد الذي هو تحلية ، وإنما دلت الحالية على مقتضى حالهم لأن معناه ملتبسين بحمده فيدل على تلبسهم به قبله ، ومعه وانه ديدنهم فلا يتوهم أنّ مقتضى الحال ينبغي أن يصدر ويؤسس به المقال لكنه إنما كان كذلك لأنهم يعظمون اللّه دائما والحمد الوصف الجميل ، وإنما يقع التنزيه إذا رأوا نسبة بعض البشر له ما هو منزه عنه ، ففي قولهم مقتضى حالهم لطف لا يخفى لأنه حال. قوله : ( إظهاراً لفضله وتعظيماً لأهله ( يعني أنّ الملائكة خصوصا الخواص منهم لا يتصوّر منهم الإيمان حتى يخبر به عنهم هنا فليس فيه فائدة الخبر ولا لازمها لأنه يفهم من تسبيحهم حامدين فدفعه بأن المقصود من ذكره مدح الإيمان وتعظيم الله لأهله وهذا في الخير نظير ما مرّ في الصفة المادحة للموصوف إنها قد تكون لمدح الصفة نفسها كما في وصف الأنبياء بالصلاج ، وقوله : مساق اية لذلك أي لإظهار فضله وتعظيم أهله لأنّ دعاء الملائكة واستغفارهم يدلّ على شرفهم ، ولو لم يكن القصد هذا لم يكن لذكره بين
أحوال الكفرة شأن يليق به. قوله : ) كما صرّح به ( أي بإظهار فضله وفضل أهله ، وهو إن لم يكن صريحا لكنه لظهوره بمنزلة الصريح لأنّ دعاء الملائكة للمؤمنين تعظيم لهم بلا مرية ، وتعظيمهم للإيمان بالطريق الأولى لأنهم إنما شرفوا فلا يرد عليه ما قيل إنه ليس بصريح. قوله : ) وإشهاراً الخ ( لأنه سبحانه(7/358)
ج7ص359
وتعالى لو كان مستويا على العرس كما تستوي الأجسام كان من حوله شاهداً له فلا يطلق عليه مؤمن بالله لأنه لا يقال لمن يشاهد الشمس إنه مصدق ، ومذعن بالشمس ولو قيل كان مما يتعجب منه بل يقال رآها وعاينها ، قيل لو أبدل قوله في معرفته بقوله من الإيمان به كما في الكشاف كان أويى وفيه نظر لأن المراد بالمعرفة الإقرار بوجوده على ما يليق به ، وقد يعتذر للشارح المحقق بأن ما ذكر لزوم عادقي وأنه لا يستلزم نفي صحة الرؤية كما يتوهم فيكون على مذهب المعتزلة لأنهم لا يقولون إنه على العرش ، وفيه تفصيل في شروج الكشاف. قوله : ( واستغفارهم شفاعتهم الخ ( إلهامهم ما يوجب المغفرة وهو التوبة كالتفسير لما قبله وإيجابها بمقتضى وعده بالمغفرة لمن تاب إذ لا إيجاب عندنا ولا وجه لتخصيص هذا بالحالية بل هما عامان فيهما كما لا يخفى ، ولذا عطفه بالواو ، وقوله وفيه تنبيه الخ وجه التنبيه أنهم دعوا لهم وشفعوا لهم لإيمانهم مع أنهم ليسوا من جنسهم ، وهو ظاهر فإن قلت لا داعي لصرف الاستغفار عن ظاهره ، وهو الدعاء بالمغفرة هنا قلت كأنه ما بعده من أنه وعدهم الجنة ، وهو لا يخلف الميعاد كما أشار إليه الزمخشري لكنه لا يدفع السؤال فإنه إذا سلم هذا لا يبقى حاجة للشفاعة أيضا فإن أريد به التعظيم ، والشفقة عليهم أو زيادة الثواب والكرامة فالدعاء يفيده أيضاً كما ندعو للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالرحمة مع تحققها في حقه. قوله : ) وهو بيان الخ ) أي فيه قول مقدر والجملة مبينة أو حالية في محل نصب والبيان إن أراد به التفسير لا يكون للجملة محل من الإعراب ، وهو الظاهر وإن أراد أنها عطف بيان إن حوزناه في الجمل تكون في محل رفع ، وقوله وسعت رحمتك يشير إلى أنه تمييز محوّل عن الفاعل ليفيد ما ذكر على ما مز تقديره في قوله : { وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا } [ سورة مريم ، الآية : 4 ] والإغراق هو المبالغة في وصفه بما ذكر حيث جعلت ذاته كأنها عين العلم والرحمة ودل على عمومها تلويحا بعدما دل عليه تصريحاً بالتبعية لأنّ نسبة جميع الأشياء إليه مستوية فيقتضي استواءها في شمول الرحمة والعلم ، ولم يقل رحمتك إشارة إلى أن هذه النكتة في الحكاية ، وقوله : لأنها المقصودة الخ إذ المقام لطلب المغفرة لهم وهي مناسبة لذكر الرحمة إذ هي من ثمراتها ، وإنما
ذكر العلم للإشارة إلى أنه عالم بهم واستحقاقهم لذلك كما أشار إليه. قوله : ( للذين علمت منهم الخ ( إشارة إلى فائدة ذكر العلم وترتب هذا بالفاء على ما قبله وترك بيان ترتبه على الرحمة لظهوره مما ذكره قبله وعلمه إمّا في الأزل فيكون قبل وقوع التوبة أو مطلقا فيشمل ما بعده ، وسبيل الحق دين الإسلام ، وقوله بعد إشعار لأن الدعاء بالمغفرة يستلزمه فلذا كان تأكيداً لأنه كالمكرر وشدة العذاب الأخروي مأخوذة من التصريح به ، وعدم الاكتفاء بالتلويح ، وقيل هو من إضافته للجحيم ، وقوله إياه أي الدخول إشارة إلى أن مفعوله مقدر. قوله : اليتم سرورهم ( إشارة إلى أن الدعاء بدخول هؤلاء دعاء لآبائهم وجعلهم مندرجين في الموعودين موافق لقوله وألحقنا بهم ذرّياتهم ، وقوله بالضم أي ضم اللام والقراءة الأخرى بالفتح ، وقوله : لا يمتنع لأنه بمعنى الغالب القوي وهو بيان لارتباطه بما قبله ، ولذا قال : ومن ذلك الوفاء ، وقوله العقوبات لأنها سيئة في نفسها فإن كانت بالمعنى المشهور وهو المعاصي ففيه مضاف مقدر وهو الجزاء ، أو تجوز بالسبب عن مسببه وقوله تعميم بعد تخصيص لشموله العقوبة الدنيوية أو الأول للأصول وهذا للفروع أو المراد بها المعاصي ووقايتهم منها حفظهم عن ارتكابها ، وهذا كله دفع لتوهم التكرار إذ العطف يأبى التوكيد ، وأيد الأخير بأنّ قوله يومئذ المتبادر منه الدنيا لأنّ إذ تدل على المضيّ فيومئذ يوم العمل وعلى الأوّل يوم المؤاخذة بها ، وإنما أخره لأنّ الصلاح سبب تقديم طلب السبب للرحمة ، وهو عدم ارتكاب السيآت والمسبب المغفرة لها ودخول الجنة فإنها مسببة عن ارتكابها ، وقوله الرحمة قدمه لأنه أنسب بالفوز ، والظفر وعلى ذلك فالتذكير والإفراد لتأويله بما ذكر. قوله : ( فيقال لهم الخ ( المعنى إنهم ينادون بهذا فهو إمّا معمول للنداء لتضمنه معنى القول أو هو معمول لقول مقدر مصدر بفاء التفسير كما ذكره المصنف ، وما ذكرناه هو مذهب البصرية والكوفية في مثله ، وأما تقدير الجار
قبل الجملة كما قيل : فتعسف خارج عن المذهبين ، وقوله : لمقت الله إياكم إشارة إلى تقدير معمول المصدر الأوّل ، دهانه مضاف للفاعل كالثاني ، وهو محتمل للتنازع وإعمال(7/359)
ج7ص360
الثاني لأنه يضمر في الأوّل واياكم ضمير أنفسكم لأنه المراد منه ، وإنما صرح بالأنفس لئلا يتحد الفاعل والمفعول مع امتناعه في غير أفعال القلوب ، ولا يلزمه محذور الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر إذا أعمل الثاني ، ويحتمل أنه مجرد تقدير من غير تنازع إذ لم يقدر المفعول الثاني بلفظه ، فمن قال : إنه مراد المصنف فقد ألزمه ما لم يلتزمه ، والمنادي الخزنة أو المؤمنون توبيخا لهم.
قوله : ( دلّ عليه المقت الأوّل ) فتقديره مقتكم الله إذ تدعون الخ ، والمقت أشد البغض ،
وهو رد على الزمخشري إذ قال إنه منصوب بالمقت الأوّل لأن المصدر لا يفصل بينه وبين معموله بالخبر ولا يخبر عنه قبل تمامه بمتعلقاته ، ومن قال إنّ هذا مراد الزمخشري لم يصب ، لأنه ذهب إلى جوازه في الظرف كما في أمالي ابن الحاجب. قوله : ( لأنه أخبر عنه ( والإخبار عنه لا يجوز قبل ذكر متعلقاته ، وهذا مانع آخر غير الفصل بالأجنبي فمن فسره به لم يصب وكل منهما مانع على حدة كما صرح به النحاة ، وقوله يوم القيامة أي لا في الدنيا إذ دعوا إلى الإيمان بالله. قوله : ) 1 لا أن يؤوّل الخ ( لما كانوا لم يمقتوا أنفسهم وقت الدعوة بل في القيامة وإن كنت مقت اللّه في الدنيا والآخرة أوّل على تقدير تعلقه بالثاني ، وان كان خلاف الظاهر لقربه منه بأنّ المراد إذ تبين إنكم دعيتم إلى الإيمان المنجي والحق الحقيق بالقبول ، أو أن المراد بأنفسهم جنسهم من المؤمنين أو مما ذكره المصنف وهو أمّ مقتهم لأنفسثم كأنه وقع وقت الدعوة كما في المثل المذكور وفي قول على إنما أكلت يوم أكل الثور الأحمر فهو مجاز بتنزيل وقوع السبب ، وهو كفرهم وقت الدعوة منزلة وقوع المسبب وهو مقتهم لأنفسهم حتى عاينوا ما حل بهم بسببه ، وليس على تنزيل سبب المقت منزلة المقت حتى ينسب إليه ما ينسب إليه بعد تناسي المجاز فإنه لا تجوّز في المقت وسببه بل في النسبة الظرفية إذ جعل ظرف السبب ظرفا للمسبب لتخيل إنه وقع فيه ، ويلزمه تشبيه الوقوع بالوقوع أو هو استعارة تمثيلية فتدبر. قوله : ( الصيف ضيعت اللبن ) وفي نسخة في الصيف ، وهو رواية في هذا المثل وأصله كما في شرح الفصيح إنه يضرب لمن فزط في طلب ما يحتاج إليه حتى فإنه فطلبه في غير وقته وضيعت بكسر التاء لأنه خطاب لامرأة والأمثال لا تغير وكان عمرو بن عدس التميمي تحته دخشوس بنت لقيط ، وكان مسنا لكنه متمؤل فسألته الطلاق فطلقها فتزوّجها عمير بن معبد ، وكان شابا معدماً فمرّت مواشيه بها في الشتاء يوما ، وكانت مقفرة من الزاد فقالت لخادمها : قم فاطلب لنا منه لبناً فلما جاءه ، قال له : قل لها الصيف الخ وبعضهم قال : ضيحت بالحاء
المهملة من الضياح ، وهو اللبن الخاثر والأوّل أصح. قوله : ( أو تعليل للحكم الخ ) معطوف على قوله ظرف لفعل الخ والحكم بمعنى المحكوم به ، والنسبة التامة وكل منهما صحيح هنا فهو إمّا تعليل لأكبريته أو لكونه أكبر فيتعلق بأكبر أو بالمقت الأوّل على ما مز أو بالثاني ، وكون زمان المقتين واحداً من عدم التقييد لأحدهما بالظرف فالمتبادر ذلك وليس المراد أنه يجوز أن يكونا في وقت واحد لأنه خلاف ما تدلّ عليه عبارته. قوله : ( إماتتين ( يعني أنه منصوب على أنه صفة لمفعول مطلق مقدر ، وقوله : ابتداء وان لم يسبق بحياة أخرى فتكون بمعنى العدم ولو أوّلاً ، وقوله : أو بتصيير أي تصيير الحياة معدومة بعد إن كانت موجودة ، وقوله : كالتصغير والتكبير فإنهما يطلقان على كونه صغيراً وكبيراً ابتداء وعلى تصييره صغيراً بعد أن كان كبيراً وعكسه ، وظاهره أنه حقيقة فيهما وهو مخالف لكلام الزمخشري ، والسكاكي وسنبينه لك إن شاء اللّه تعالى وقد أورد على ما فسره به المصنف إنّ فيه جمعا بين الحقيقة والمجاز وقد جوّزه بعضهم في المثنى والمجموع ورد بأنه من متناولات المعنى الوضعي فلا جمع فيه كما أشار إليه المصمنف رحمه اللّه وليس بشيء لأنهما معنيان متغايران كما ذكره النحاة في معاني أبنية الفعل ، فان أفعل قد يكون للصيرورة كاغذ البعير إذا صار ذا غدة ، وقد يكون لغيره فلا بد من أحد أمرين إمّا الجمع بين الحقيقة ، والمجاز أو استعمال المشترك في معنييه وهما متقاربان منعا وجوازا فلا يصح ما ذكره المجيب ، وقد قيل إنه من عموم المجاز بأن يراد بازماتة الصرف لا النقل وسيأتي تحقيقه ، وبيان كونه وضعيا أوّلاً ، وعليه فتقابل الحياة والموت تقابل السلب والإيجاب والمشهور إنه تقابل العدم والملكة ، ويجوز على هذا كونه منه أيضا فمعنى كونه ميتا خلقه جنينا ميتا(7/360)
ج7ص361
من شأنه قبول الحياة. قوله : ( سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل ( وضيق فم الركية ، وقد ذهب السكاكي تبعاً للزمخشري فيه كما بينه الشريف في شرح المفتاح بما حاصله أنه جعل السعة المجوّزة في المثال الثاني كالواقعة ، ثم أمر بتغييرها فتجوز بالتضييق الموضوع لتغيير السعة المحققة عن تغيير السعة المقدرة ، كما قيل وليس بشيء إذ لا يكون المثال حينئذ من قبيل التجوّز بالفعل عن الإرادة أصلا فلا يظهر كونه أبعد!ن اتجوّز في قرأت ، وهو من المجاز المرسل كالاستعارة بالكناية فالحق أن يقال نزلت الإرادة المتوهمة المتعلقة بالسعة منزلة السعة فعبر عنها بالسعة لأنّ مآل هذه العبارة أعني ضيق إلى قولك غير السعة أعني غير إرادة السعة إلى إرادة عدمها ، وبهذا ينكشف كونه أبعد من التعبير بالفعل عن إرادته المتحققة ، وإلى ما ذكرنا أشار بقوله إنما الذي هناك هو مجرّد تجويزان يريد إظهار التوسعة أي هناك إرادة مجوّزة متوهمة ثم قال فتنزل مجوّز مراده وأراد به السعة مراداً بها إرادة السعة لا معناها الحقيقي كما توهمه ذلك القائل وبني عليه كلامه مع كونه معترفا بأنّ ضيق فم الركية من تنزيل إرادة
الشيء منزلة ذلك الشيء والتعبير بها عنه ، وقد يقال إحداث الشيء ضيقا من توابع معنى التضييق أعني التغيير من السعة إلى الضيبئ فليستعمل اللفظ فيه مجازاً فإنه أقرب لما تكلفه المصنف انتهى ( أقول ) ذهب العلامة إلى أن الصانع إذا اختار أحد الجائزين ، وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر فجعل صرفه عنه كنقله منه يعني أنه تجوز بالتفعيل الدال على التصيير ، وهو النقل من حال إلى حال أخرى عن لازمه ، وهو الصرف عما هو في حيز الإمكان ويتبعه جعل الممكن الذي يجوز إرادته بمنزلة الواقع وجعل أمره بإنشائه على الحال الثانية بمنزلة أمره بنقله عن غيرها ، وتغييره بها ولذا جعله المحمق بمنزلة الاستعارة بالكناية فيكون مجازاً مرسلاَ بالكناية ، وهذا معنى قول السكاكي إذ الذي هنا هو مجرّد تجويز إن يريد إظهار التوسعة فتنزل مجوّز مراده منزلة الواقع ، ثم تأمره بتغييره إلى الضيق واقتضاؤه سبق السعة من صريح التصيير ، وهو النقل لا بحكم العقل كما زعمه السعد فليس في كلامه ما يعترض عليه غير هذا فإنه طبق المفصل ووفق بين كلام الشيخين ، ولما فيه من الدقة حيث اعتبر الإرادة المجوّزة بطريق الإيماء والتبع كان أبعد من قرأت المتجوّز به عن الإرادة ابتداء ولا تجوز في أحد الإرادتين إذ ليس في الكلام ما يدل عليها بالوضع حتى يجعل التصرف فيه ، وإنما جاء هذا بطريق الاستتباع فما ادّعى أنه التحقيق تعسف لا محصل له فتدبره فإنه من الحور المقصورات في خيام الأذهان. قوله : ( وإن خص بالتصغير ) يعني أن بعضهم زعم أن المجاز في هذا المثال إنما هو في قولهم صغر البعوض فإنه لم يكن كبيراً بخلاف الفيل فإنه من ابتداء كونه نطفة صغيرة إلى تكامل جثته انتقل من الصغر إلى الكبر لأن المراد به جثته المشاهدة ، وهي لم تنقل من صغر إلى كبر وهذا بحث في المثال لا طائل تحته. قوله : ( فاختيار الفاعل المختار أحد مقبوليه ) الضمير للفاعل المختار أو هو للشيء والمقبول ما يقبله الشيء من الحالين ، وقوله : تصيير وصرف له عن الآخر هو كلام مجمل لكنه غير صاف من الكدر فإن إطلاق الإماتة على عدم الحياة ابتداء إن كان حقيقة عنده ، وكذا التصغير والتكبير إن كن حقيقة في إنشائه صغيراً أو كبيراً والتصيير فيه بمعنى الصرف ولو بدون نقل من حالة إلى أخرى فيكون مخالفا لكلام أهل المعاني فلا يخفى أنه مخالف للمعقول ، والمنقول قال الراغب في مفرداته صار عبارة للتنقل من حال إلى حال واوفعال والتفعيل موضوع للتصيير وإن أراد التشبيه اًي اختياره كالتصيير ، والمراد منه الصرف كما مرّ فيكون موافقا لما في الكشاف ففيه إجمال مخل ومن فسره به هنا نسي ما قدمت يداه من أنه من متناول المعنى الوضعي فتدبر. قوله : ) الإحياءة الأولى وإحياءة البعث ( فالإماتتان العدم للحياة الأصلي أو من حال النطفة إلى نفخ الروج فيه ، والثانية المعروفة والإحياءة الأولى بنفخ الروح فيه أوّلاً ، والثانية في النشور. قوله : ) وقيل الإماتة الآولى عند انخرام الأجل ( بالخاء المعجمة والراء المهملة أي عند انقطاع عمره ومدة
حياته والداعي لارتكابه ليكون الموت بمعناه المعروف المزيل للحياة ، ومرضه لأنه مخالف لظاهر النصوص ولما يلزمه من إثبات إحيا آن ثلاثة ، وهو كما في الكشاف خلاف ما في القرآن إلا أن يتمحل(7/361)
ج7ص362
فيجعل إحداها غير معتد به ، أو يزعم أن الله يحييهم في القبور وتستمرّ بهم تلك الحياة فلا يموتون بعدها ويعدهم في المستثنين من الصعقة في قوله : { إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ } [ سورة النمل ، الآبة : 87 ] وفيه كلام مفصل في شروحه. قوله : ) إذ المقصود اعترافهم بعد المعاينة ( بالنون من العيان ، وهو المشاهدة جواب عما ذكر آنفا مما يلزمه من أنه مخالف لما في القرآن هنا لأنّ الإحيا آت تكون ثلاثة بتسليمه من غير احتياج لما ذكر من التمحل لأن الحياة الأولى معلومة لا فائدة في ذكرها ، وإنما الكلام في إحيائهم في قبورهم ، وبعثهم ونشورهم فإنهما منكرتان عندهم فإذا عاينوا ذلك تم عليهم البهت فنعوا غفلتهم ، ويكترثوا بمعنى ينالوا ويعتدوا وأمّا ضبط بعضهم للمعاتبة بالمثناة الفوقية من العتاب ، والمراد به مقت اللّه لهم فركيك لأنّ مثله لا يسمى عتابا ، والمفاعلة فيه غير واضحة ، وقوله بما الخ متعلق باعترافهم. قوله : ) ولذلك تسبب بقوله الخ ( أي لأجل أن المقصود من قوله : { أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } [ سورة النمل ، الآية : 87 ، اعترافهم بالأحياءين اللذين غفلوا عنهما تسبب هذا القول بقونه : فاعترفنا فصدر بالفاء الدالة على تسببه لأنهم لما أنكروا ما في البرزخ والمعاد من الجزاء دعاهم ذلك إلى ارتكاب المعاصي لأنّ من لم يخش العاقبة لم يحترز من الجناية التي تخشى عاقبتها ، والمقصود بيان وجه التسبب وأن اعترافهم بالذنوب اعتراف منهم بما إنكاره سبب لها وهو البعث. قوله : ( نوع خروج من النار ( أي سواء كان بطيئا أو سريعا أو من مكان فيها إلى آخر أو إلى الدنيا أو غيرها وقوله : فيسلكه بالنصب في جواب الاستفهام ، وقوله : من فرط قنوطهم أي إياسهم فإن مثل هذا التركيب يستعمل عند اليأس وليس المقصود به الاستفهام وإنما قالوه من حيرتهم ليتعللوا أو يتلهوا به والتعلك الاشتغال بما يلهى ، وقوله : ولذلك أي لكون ما ذكر نشأ من اليأس والحيرة أجيبوا بذكر ما أوقعهم في الهلاك من غير جواب عن الخروج نفيا ، وإثباتا ولو كان الاستفهام على ظاهره كقوله : { فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا } [ سورة السجدة ، الآية : 12 ] ونحوه لقيل اخسؤوا فيها ونحوه وكونه تأنيسا لهم ببيان أنهم لما استمروا على الشرك جوزوا باستمرار العط ب كما يقتضيه حكمه تعالى خلاف الظاهر ، وتبادر ما ذكر كاف للمراد فتدبر. قوله : ) متحداً أو توحد وحده ) أي هو منصوب على الحال بمعنى متحداً أي منفرداً في ذاته وصفاته أو على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر على حد أنبتكم من الأرض نباتاً والجملة بتمامها حال أيضاً حذفت ، وأقيم
المصدر مقامها وعلى الوجه الأوّل هو حال ابتداء مؤول بمشتق منكر لأن الحال لا تكون معرفة إلا مؤولة بنكرة وفيه كلام آخر مفصل في محله. قوله : ( كفرتم بالتوحيد ( فالكفر هنا بمعنى الجحد والإنكار ، لقوله في مقابله تؤمنوا بالإشراك أي تذعنوا وتقربوا به وفسر الله بالمستحق للعبادة لاقتضاء المقام له أيضا ، وقوله : حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد الدائم وقع ذكره هنا في بعض النسخ وأسقط من بعضها ، وهو الظاهر لتكرّره مع ما بعد. فالظاهر الاكتفاء بأحدهما وان كانت موجهة أيضا كما لا يخفى ، وكون العذاب سرمدا مستفاد من عدم السبيل إلى الخروج. قوله : ( الدالة على التوحيد ( فالآيات ما يشاهد من آثار قدرته :
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
وقوله : أسباب رزق فهو بتقدير مضاف فيه أو بالتجوّز ، وقوله مراعاة لمعاشكم إشارة إلى مناسبته لما عطف عليه وإنهما للامتنان عليهم بأنه نظم لهم أمور دينهم ودنياهم ، وقوله التي هي كالمركوزة أي الثابتة في العقول دفع لما يتوهم من أن التذكر يقتضي إنها معلومة لهم لكنهم غفلوا عنها ، وليس جميع الخلق كذلك بأن آيات قدرته ظاهرة حقها أن تعلم بمقتضى لفطرة السليمة فجعلت لظهورها بمنزلة المعلوم الذي غفلوا عنه وقيل التذكر هنا بمعنى التفكو من غير حاجة للتأويل ، وقوله : المغفول عنها صفة أخرى للآيات لا خبر للمبتدأ كما لا يخفى ، وقوله : لظهورها علة لكونها كالمركوزة في العقول متعلق بمقدر ويجوز كونه خبر مبتدأ مقدر أي وذلك لظهورها ولا وجه لجعله متعلقا بالكاف ، لأن حرف الجر لا يتعلق به جار آخر. قوله : ) فإن الجازم ) تعليل للحصر ، وقوله : من الشرك متعلق بمخلصين ، وقوله : إخلاصكم تقديره بمقتضى لو الوصلية وخطاب ادعوا للمنيبين أو للناس ، وقوله : خبران آخران أي هما خبران لقوله : هو بعد ما أخبر عنه بالذي الخ ، وقوله : للدلالة على علو ضمديته الصمدية كونه
محتاجا إليه مقصوداً لما عداه وسيادته(7/362)
ج7ص363
وهو بيان لفائدة الأخبار به مع البعد ، ولذا قيل إنهما مبتدأ وخبر أو خبراً مبتدأ مقدر ، وقوله من حيث الخ متعلق بقوله : علو أو بالدلالة ، وهو الأظهر وقيل هو متعلق بصمديته والمعقول من رفعة الدرجات فإنها درجات الكمال المعنوية والمحسوس من العرش ، والدال صفة علو وقوله لا يظهر دونها كمال أي لا يظهر كمال بدونها أي إلا وهو منها كما يقال : فلان لا يفصل حكم دونه ، وقيل معناه إنه ليس وراءها كمال والمراد نفي كمال غيره وقيل دونها بمعنى عندها أي كمالات غيره عنده كالعدم ، والأوّل أظهر ، وقوله فإنّ بيان لوجه الدلالة وفي نسخة بالواو عطف تفسرفي على تفزده. قوله : ) وقيل الدرجات مراتب المخلوقات ( فالرفيع بمعنى الرافع وكذا في الوجوه التي بعده. قوله : اللدلالة على ان الروحانيات الخ ) قال السيوطي في رسالة الحبائك في الملائك الروحانية بفتح الراء من الروج وقيل إنه بالضم والفتح مطلق الملائكة وقيل ملائكة الرحمة ، وبالأوّل فسره أرباب الحواشي هنا ، وقوله : مسخرات لأمره أي منقادة لأمره ، وقوله : بإظهار آثارها وفي نسخة آثاره وفي أخرى أثره متعلق بالدلالة أي آثار الملائكة وعلى التذكير المراد أثر التسخير والمعنى إنا يستدل بنزولها بالوحي على كونها مسخرة فإن الوحي ، وإن كان بواسطة بعضها لكن لا فرق بين بعض ويعض منها فيه ، وقيل هو متعلق بأمره ، وقوله وهو ال!حي الضمير للآثار وروعي فيه حال الخبر أو للأثر الذي في ضمنها. قوله : ( وتمهيد للنبوّة الخ ( أي هذا الخبر الرابع بيان لأمر النبوّة بعد ذكر ما يقرر وحدانيته بذكر آياته الدالة على ذلك بقوله الذي يريكم الخ ، وقوله الروح للوحي لأنه به الحياة الأبدية المعنوية كما إن بالروج الحياة الحسية فهو استعارة ، وقيل إنه جبريل ويلقى بمعنى ينزل ومن أمره بمعنى من أجل تبليغ أمره وقوله مبدؤه فمن ابتدائية وهو معطوف على قوله بيانه إذ معناه أن من بيانية لا على الوحي كما قيل فإنه وإن صح مع ركاكته أقل مفاداً ، وقوله والأمر هو الملك يعني إذا كانت من ابتدائية لأن الوحي لتلقيه عنه يكون مبدأ له ، وقوله وفيه أي في قوله : { عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } دليل على أنّ النبوّة عطائية وموهبة الهية من غير اشتراط أمر آخر كتصفية الباطن وغيره مما ذهب إليه الحكماء وهذا لا يخالف كلامه في سورة الأنعام كما توهم. قوله : ( غاية للإلقاء لخ ( أى علة غائية مرتبة عليه والمستكن بالتشديد استفعال من الكت بمعنى الاستتار ، ويجوز فيه عوده على الأمر أيضا وقوله : واللام مع
القرب يؤيد الثاني أمّا القرب فظاهر لأنه أقرب مما عداه فيكون عوده عليه أظهر وأرجح ، وأمّا ترجيح اللام فالظاهر أنه لأمر معنوي لا صنافي ، وهو أن المنذر في الحقيقة للناس هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمّا الله فبواسطة من بلغ عنه وجعل الوحي منذراً مجاز وكذلك السياق يقتضي إن ذكر الملقى عليه إنما هو للتبليغ عنه ، وما قيل إنّ تأييدها بالنسبة إلى الأوّل لأنه لو عاد الضمير على الله لم يحتج إلى اللام لاتحاد فاعل الإنذار والفعل المعلل فمع ضعفه فيه أنّ الح!سرط الثاني مفقود وانّ هذا ليس باسم صريح حتى ينص وفي قوله تتلاقى الأرواح والأجساد نظر يدفعه التأويل الصادق ويوم التلاف ظرف أو مفعول لينذر ويوم هم الخ بدل من يوم التلاق ، وفيه وجوه أخر. قوله : ( ظاهرون لا يسترهم شيء الخ ) إن عمّ الثياب والبناء وكل حائل ققوله بعده ظاهرة نفوسهم الخ المراد بالنفوس فيه الأرواح بناء على عدم تجرّد النفسى ، وإنها جسم لطيف فغواشي الأبدان استعارة أو من إضافة الصفة للموصوف على أن الغواشي هي الأبدان نفسها ، وأمّ ما قيل من أن المراد بالنفس الحملة ، والغواشي الثياب فقيل عليه : إنه مع أنه تكلف عين ما قبله فلا ينبغي عطفه باو وحمله الستر في الأول على ستر البناء ، وهذا على ستر الثياب تخصيص من غير مخصص ، ولا يرد عليه إنه إنكار للحشر الجسماني لأن المراد بعدم حجب غواشي الأبدان أنها مع تعلقها بالبدن لا تسترها كما في الدنيا لا إنها تنفصل عنه فتدبر. قوله : ( وإزاحة لنحو ما يتوهم في الدنيا ) أي لما كانوا يتوهمون في الدنيا من أنهم إذا استتروا بالحيطان ، والحجب إن الله لا يراهم لحماقتها وجهلهم كما في الكشاف ، وقوله : حكاية كأنه يعني أنّ فيه قولاً مقدراً أي ويقال لمن الملك وفي القائل ، والمجيب هل هو اللّه أو الملائكة مع أحتمال الاتحاد فيهما والمغايرة احتمالات. قوله : ( نتيجة الخ ) أراد بالنتيجة معناها اللغوي لأنه يفهم من تفرّد الملك القهار ، وعدم خفاء شيء عليه ، واجتماعهم(7/363)
ج7ص364
فيه أن يجازي كلا بما يستحقه. قوله : ( وتحقيقه أن النفوس الخ ) هذا على طريق الصوفية ، والحكم التألهين من أصحاب الكشف ، وتصفية البواطن بالرياضة من كدر الطبيعة والهيولي المشاهدين للأرواح المفارقة للأبدان ، وصور أعمالها وان لذتها وألمها هو الألم ، واللذة ومن توهمه إنكاراً للحشر الجسماني أو قال المراد بالنفس الجملة لم يصب :
وإذالم ترالهلال فسلم لا ناس رأوه بالأبصار
قوله : ( بنقص الثواب الخ ( لو وقع لم يكن ظلما عندنا وإنما سمي بمقتضى أنه وعد منه
وهو لا يخلف الميعاد أو لأنه على صورة الظلم ومثله تخليد المؤمن وادخال الكافر الجنة ، وقوله فيصل إليهم ما يستحقونه سريعاً إشارة إلى أن سرعة الحساب يلزمها سرعة ، وصول العقاب وهو المراد ليكون تعليلا وتذييلاً لما قبله. قوله : ( لأزوفها ) أي قربها بالإضافة لما مضى من مدّة الدنيا أو لما بقي فإنّ كل آت قريب وعلى هذا فهو اسم ليوم القيامة منقول من اسم الفاعل ، أو هو باق على وصفيته وهو صفة لموصوف مقدر تقديره الخطة الآزفة والخطة بضم الخاء المعجمة مع تشديد الطاء المهملة ، وبعدها هاء تأنيث ومعناه الأمر والقصة ، والمراد به ما يقع يوم القيامة من الأمور الصعبة التي من حقها أن تخط وتكتب لغرابتها ، والمراد باليوم الوقت مطلقا أو هو يوم القيامة. قوله : ( وهي مشارفتهم النار ) تحقيق لمعنى الأزوف فيه لأنهم بعد تلك الأهوال يدخلون النار ، وقوله : وقيل الموت فالمراد بالخطة ما يقع لهم من وقائع الدنيا قيل ، ولا يلزم فيه التكرار وهو أنسب بما بعده. قوله : ( فلا تعود ( أي إلى مقرّها فيتروحوا أي فيحصل لهم روح بالفتح أي راحة بالتنفس وهو كما قيل كناية عن فرط تألمهم أو كناية عن شدة خوفهم كما مرّ في سورة الأحزاب ولا منافاة بينهما ، وقوله : { إِذِ الْقُلُوبُ } بدل من يوم والحناجر جمع حنجرة أو حنجور كحلقوم لفظا ومعنى ، وهي كما قال الراغب رأس الغلصمة من خارج ، والغلمة لحها بين الرأس والعنق وبما مر من أنه كناية عن فرط التألم أو شذة الخوف سقط ما قيل على قوله ولا تخرج فيستريحوا من أنه لا يناسب ثفسير الآزفة بالموت ، وأنّ فيه إشارة إلى ترجيح الوجهين الأوّلين. قوله : ( كاظمين على الغم ) من الكظم وهو كما قال الراغب مخرج النفس يقال أخذ بكظمه ، والكظم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت وكظم الغيظ حبسه ، والتوقف عما يدعو إليه أو معناه أنهم متوقفون عن كل شيء كالمغمى عليه فقوله : كاظمين على الغيظ معناه ساكتين عليه ففيه استعارة تصريحية في كاظمين أو مجاز مرسل أو هو بمعنى مغمومين ففيه استعارة مكنية ، وتخييلية إذ شبه ما في نفسه من الغم بماء ملأ قربة وإثبات الكظم له تحييل والغم بالغين المعجمة معروف ، ويحتمل أن يكون بالفاء والمعنى أنهم ممسكون على الأفواه لئلا تخرج قلوبهم مع أنفاسهم ففيه مبالغة عظيمة كما أشار إليه في الكشف لكن الظاهر الأوّل رواية ودراية. قوله : ( حال من أصحاب القلوب الخ ( أي حملا على المعنى إذ المعنى قلوبهم أو حناجرهم ، ثم جعلت الألف واللام عوضاً عن الضمير المضاف
إليه ، ولا يرد أنه حال من المضاف إليه والنحاة أبوه لأنه يجوز في ثلاث صور إذا كان المضاف عاملا أو جزأ له أو كجزء ، وهذا من القسم الثاني والعامل فيه الظرف أو متعلقه وفي نسخة لأنه على الإضافة أي على نية الإضافة كما عرفته. قوله : ( أو منها ( أي من الضمير المستتر في الخبر ، وهو لدى الحناجر وجمع جمع العقلاء لتزيلها منزلتهم لوصفها بصفة العقلاء ، وهذا في الوجهين الأخيرين ففيه استعارة مكنية وتخييلية ، والوجه الثاني أولى لأن في الأوّل مجيء الحال من المبتدأ ، وهو ممنوع أو ضعيف وإسناد الكظم إلى القلوب مجازي وفيه وجه آخر ذكره في تفسير تلك الآية ، وقد قيل إنها جمعت جمع العقلاء باعتبار أصحابها وفيه نظر. قوله : ) على أنه حال مقدّرة ( قيل أي مقدّراً كظمهم على صيغة المفعول إذ لا تقديره من المنذرين وقت الإنذار ، وفي الكشاف أي أنذرهم مقدرين وفيه نظر يعني أنهم لم يقع منهم ذلك التقدير أصلأ ، وهو ساقط لأنه يجوز أن يكون بصيغة المفعول ، كما يجوز في الأوّل أن يكون بصيغة الفاعل مع أنه لا مانع من تقديرهم تقديرا وفيه وجه آخر ، وهو أن كاظمين بمعنى مشارفين الكظم فتدبر. قوله : ) قريب مشفق ( القرب إما من جهة النسب ، وهو(7/364)
ج7ص365
الظاهر أو من جهة الصداقة فيكون بمعنى محب مشفق كما في الكشاف لكن الأوّل هو المصرّج به في كتب اللغة ، وهو أوفق بعموم شفيع بعده وقد سبق في الشعراء إنه من الاحتمام بمعنى الاهتمام فهو الذي يهمه ما يهمك ، أو هو من الهامة بمعنى الصديق الخاص بك فيناسب الثاني.
قوله : ) شفيع مشفع ( فيطاع بمعنى مشفع والظاهر أنه حقيقة ، وقيل إنه مجاز لأن المطاع كالآمر يكون أعلى ممن أطاعه ، وفيه نظر والمراد به نفي الصفة والموصوف ، وهو من باب : ولا ترى الضب بها ينحجر
فهو نفي له بدليل لأن من شأن الشفيع أن يشفع ولأن نفي الموصوف يدل على نفي الصفة ، وفي مثله وجوه قد سبق تحقيقها في سورة البقرة. قوله : ( والضمائر الخ ( يعني المذكورة من قوله وأنذرهم إلى هنا ، ويجوز أن تكون عامّة لهم ولغيرهم وعلى الأوّل مقتضى الظاهر مالهم من شفيع الخ ، وقوله : للدلالة على اختصاص ذلك أي الإنذار وبلوغ قلوبهم الحناجر والاختصاص من اختصاص العلة ، وهي الظلم بهم وأعظمه الكفر واحتمال كون الضمير لمشركي هذه الأمّة وغيرهم لا شفيع لهم أيضا فلا يتجه الاختصاص كما قيل : مبني على أن الشرك عظيم ، والمطلق ينصرف لفرده الكامل ويؤيده كون السياق لهم وفيه بحث. قوله : ( النظرة الخائنة ) فهو صفة لموصوف مقدر هو النظرة لا العين أو الأعين لأنه لا يناسبه ما
عطف عليه لأنّ مقتضى الظاهر أن يقال والصدور المخفي ما فيها وقوله : كالنظرة الثانية ، لا الأولى لأنها معفوّ عنها وأبى بالكاف إشارة إلى عدم اختصاصه بما ذكر وجعلها خائنة استعارة مصرّحة ، أو إسناد مجازي أو مكنية وتخييلية بجعل النظر بمنزلة شيء يسرق من المنظور إليه ولذا عبر فيه بالاستراق. قوله : ( أو خيانة الأعين ) على أنّ خائنة مصدر بوزن فاعلة كالكاذبة بمعنى الكذب وهو قليل في بابه ولذا أخره ، ومن الضمائر وهي ما يخفيه الإنسان في نفسه وقلبه بيان لما وفيه إشارة إلى أنها موصولة ويجوز كونها مصدرية فيناسب الثاني ، وقوله : خبر خامس أي لهو في قوله : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } [ سورة غافر ، الآبة : 13 ] وهو وان كان بعيداً لفظا قريب معنى لارتباطه ما بعده به كما فصله شراح الكشاف. قوله : ( للدلالة على أنه ما من خفي الخ ) كونه متعلق العلم من صريحه ، وأما الجزاء فلأنّ علمه تعالى بالأمور كناية عن مجازاته عليها كما مرّ مراراً وليس هذا تعليلاً لسكونه خبراً خامسا بل لما تضمته من ذكره بعدما تقدم من قوله لا يخفى على الله منهم شيء فلا يرد عليه أن الأولى أن يقول لاتصاله به وقد يجعل تعليلاً له إذ معناه المقصود منه عموم الجزاء فيفيد غير ما سبق وتتضح خبريته فافهم. قوله : ( فلا يقضي بشيء إلا وهو حقه ) يعني أنه يفيد الحصر كما قال الزمخشري يعني والذي هذه صفاته وأحواله لا يقضي إلا بالحق والعدل لاستغنائه عن الظلم ، وهو مستفاد من ذكر القيد على وجه الملابسة كأنه قيل يقضي قضاء ملتبسا بالحق لا بالباطل وأما البناء على المبتدأ فلا يفيده وإنما هو للتقوى كما تقدم. قوله : ) تهكم بهم ( لا مشاكلة وأصله لا يقدرون على شيء لأنّ التهكم أبلغ لأنه ليس المقصود الاستدلال على عدم صلاحيتهم للإلهية ، وقوله : أو لا يقضي دفع لسؤال وهو أنه إذا كان تهكما يكون مجازاً ولا حاجة إلى ارتكاب التجوّز في النفي لتصوّر حقيقته لأنه إنما ينتفي الشيء عما يصح صدوره منه وبهذا الاعتبار يكون مجازاً كما مرّ تحقيقه في قوله : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي } [ سورة البقرة ، الآية : 26 ] وقوله : وقرأ نافع هو رواية عنه ، وقوله : أو إضمار قل فلا يكون التفاتا وإن عبر عنه بالغيبة قبله لأنه ليس على خلاف مقتضى الظاهر إذ هو ابتداء كلام مبني على خطابهم. قوله : ( تقرير لعلم الخ ( الأوّل من قوله البصير ، والثاني من قوله السميع فهو لف ونشر مشوّش ، وقوله : يقولون ويفعلون مرتب ووجه الوعيد أن اطلاعه على أعمالهم يشعر بجزائه عليها وما يدعونه من دون الله الجمادات المعبودة فإنها لا سمع لها ولا بصر واستنبط منه عدم صحة قضاء الأصم والأعمى. قوله : ) فينظروا (
مجزوم لعطفه على المجزوم أو منصوب في جواب النفي ، وفيه نظر لأنه لا يصح تقديره إن لم يسيروا ينظروا فإمّا أن يجعل الاستفهام استبطائيّ إنكاري في معنى النفي ، وهو جواب نفي النفي والمعنى هلا يسيروا فينظروا فإنّ منهم من لم يسر فغلب على غيره فتأمّل. قوله : ) مآل حال الخ ) هو تفسير للعاقبة ، وقوله : وإنما جيء بالفصل أي ضمير الفصل ، وهو هم إن لم يجعل تأكيداً لضمير كانوا ولم يذكره لعدم احتياجه للتوجيه مع ظهوره ، وقوله : وحقه أن يقع بين معرفتين يعني أنه وصل الأكثر فيه فلا ينافي(7/365)
ج7ص366
تجويز الجرجاني وقوع المضارع بعده كما في قوله : { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } [ سورة اد بروج ، الآية : 13 ] وقوله : لمضارعة أفعل من أي أفعل التفضيل الواقع بعده من الداخلة على المفضل عليه ، والمضارعة بمعنى المشابهة لفظا في عدم دخول أل عليه ومعنى لأنّ المراد به الأفضل باعتبار أفضلية معناه فلا يرد زيد هو على رحل فإنه لأمر لفظيّ ، وقراءة أشد منكم على الالتفات وجملة كانوا الخ مستاً نفة في جواب كيف سارت أمورهم. قوله : ( وقيل المعنى الخ ا لم يرتضه للتأويل من غير حاجة له لعطفه على قوّة وإنما قدر أكثر لأنّ مثله لا يوصف بالشدّة ، وهو غير مسلم وعلى هذا فهو معطوف على أشد وأوّل هذا :
يا ليت زوجك في الوغى
قوله تعالى : ) { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ } ) كان هنا للاستمرار أي ليس لهم واق أبداً
وقد سبق في الرعد ما لهم من الله من واق ومن الأولى متعلقة بواق قدمت للاهتمام والفاصلة لأنّ اسم الله قيل إنه لم يقع مقطعا للفواصل ، والثانية زائدة ، وقيل الأولى للبدلية أي ما كان لهم بدلاً من المتصف بصفات الكمال ، وهم الشركاء أو هي ابتدائية لأنه إذا لم يكن لهم منه واقية فليس لهم باقية ، وقوله : يمنع الخ تفسير لواق لأنه من الوقاية وهي القطع والمنع. قوله : ( بالمعجزات الخ ا لا مانع من إرادتهما معاً ، وقوله : لا يؤبه أي لا يعتذ به فإنه كلا عقاب إذا قيس إليه ، وقوله والعطف الخ يعني إن كات المراد بهما واحداً نزل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين فعطف الثاني على الأوّل ، أو المراد بالسلطان المبين بعض من معجزاته عطف عليه
تعظيما له كما عطف جبريل عليه الصلاة والسلام على الملائكة ، ولا يخفى أنّ مثله إنما يكون إذا عين الثاني بعلم أو نحوه أما مع إبهامه ففيه نظر ، وقوله يعنون موسى عليه الصلاة والسلام الخ إذ التقدير هو ساحر الخ. قوله : ( وبيان لعاقبة الخ ( توجيه لتخصيص فرعون بالذكر هنا بأنه لأشدية طغيانه وقرب زمانه ولا بعد في كونه أ!ثحد من عاد كما توهم ، وقوله : أي أعيدوا الخ إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنّ هذا إنما وقع إذ ولد موسى عليه الصلاة والسلام وخوّف فرعون بمولود يسلبه ملكه بأنّ ذلك وقع منه مرّتين أوّلاً لينجو منه ، وثانيا بعد ظهوره ليصذ الناس عن اتباعه ، وقد قيل إنّ قارون لم يصدر عنه مثل هذه المقالة لكنهم غلبوا عليه هنا ، وقوله في ضلال من ضلت الدابة إذا ضاعت كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله : التعميم الحكم! لكل كافر ، والتعليق بالمشتق يدل على أنّ المشتق منه علة للحكم كما لا يخفى ، وقوله : يكفونه بتشديد الفاء أي يمنعونه ، وقوله : تخافه أي تخاف منه القتل وسلب الملك كما أخبره الكهان به ، وقوله : وتعلله بذلك أي اشتغاله عن قتله بما قالوه له في الكف عنه مع أنه جبار لا يبالي بإراقة الدماء خصوصاً إذا خشي من غائلة وقوله : فخاف من قتله أي خاف أي يهلكه اللّه ويعجل عقوبته وأنه لا يتيسر له ذلك فيفتضح ، دمانما أظهر أن امتناعه لقولهم في سيب الكف عنه تعللا به وتلبيسا على غيره. قوله : ( ويؤيده قوله الخ ) قيل هو ناظر لقوله وظن الخ لأنه لا يناسب تيقنه التجلد وعدم مبالاته بدعاء ربه لأنه لو خاف قتله لم يتجلد ، وقيل إنه ناظر لقوله تيقن أنه نبي ولا يخفى إنه لا يلائم ما بعده من عدم المبالاة إلا أن يراد به إنه كان يظهر ذلك ، وفي قلبه وباطنه ما يخالفه وهو الذي أراده المصنف كما يشهد به تعريفه بقوله فإنه الخ لكن كان الأحسن أن يقول تجلد بإظهار عدم مبالاته بدعائه. قوله : ( من عبادته ) وفي نسخة من عبادتي
وهي أظهر والأولى حكاية بالمعنى وقوله : عبادة الأصنام لقوله الخ لأنهم كانوا يعبدون فرعون إذا حضروا عنده فإذا غابوا عبدوا أصناماً يقولون إنها تقرّبهم إليه كما قالته المشركون كما صزج به المفسرون فلا يقال إنهم كيف عبدوا الأصنام وأقرّهم على ذلك مع ادّعائه الربوبية ، وقوله : التحارب تفاعل من الحرب والتهارج بمعناه لأنه من الهرج وهو القتال ، وقوله : بفتح الياء والهاء أي من يظهر. قوله : ( أي لقومه لما سمع كلامه الخ ) جعل المقول له قومه لقوله وربكم فإنّ فرعون ومن معه لا يعتقدون ربوبيته إلا أن يراد أنه كذلك في نفس الأمر ومما يؤنسه إنه مز في سورة الأعراف : { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ } [ سورة الأعراف ، الآية : 128 ] وإن لم يكن ذلك في مقابلة قول فرعون فإنه ليس بدليل قطعي ، وأما قوله كل متكبر فلا دلالة له على ما ذكر كما توهم. قوله : ( وإشعارا الخ ( ضمنه معنى التنبيه والدلالة فلذا عداه بعلى ، وقوله : دفع الشرّ إشارة إلى أنّ قوله من كل متكبر بمعنى من شرّ كل متكبر إفا بتقدير مضاف أو بفهمه من السياق ، والتأكيد من تصديره بأنّ والحفظ من لوازم التربية فلذا ضمه(7/366)
ج7ص367
إليه. قوله : الما في تظاهر الآرواح من استجلاب الإجابة ) وهذا هو الحكمة في مشروعية الجماعة في العبادات كما قاله الإمام فإن قلت لا ذكر للأرواح في النظم فمن أين أخذ تظاهر الأرواح أي تعاونها في استجلاب الإجابة أي تحصيلها قلت : العياذ بمعنى الالتجاء والالتجاء هو الدخول في جوار من يلتجئ الناس إليه ، والتمسك بأذيال عصمته والدخول في حرم حمايته ، ولما كان ذلك في الناس بالقرب الحسي ، وهو غير متصوّر هنا كان معناه أن يتوجه العبد لمولاه حتى كأنه واقف عنده يراه ، وذلك إنما يكون بتوجه وجوه الأرواح وخلع أردية الأشباج ، وترك الظاهر لمرجع الضمائر :
وحيثماكنت في مكان فلي إلى وجهك التفات
قوله : ( يعمه وغيره ) عموما بدليا لا شمولياً لأنه نكرة في الإثبات فلذا أتى بكل ليدل على العموم الشمولي فليس لتأكيد التعميم كما قيل ، وقوله : ورعاية الحق أي حق فرعون الذي كان عليه إذ رباه صغيراً فلذا لم يواجهه بالاستعاذة منه كما قاله الإمام وهذا راجع لقوله لم يسم الغ
ففيه لف ونشر مشوش ولولا تصريح الإمام بما ذكر لجاز حمله على أنّ المراد بالحق مقابل الباطل بمعنى أنّ الحق أن لا يستعاذ من ذات أحد ما لم يكن متصفاً بالصفات الذميمة من التكبر ، وعدم خوف الله وعقابه لأنّ من لا يقول بالجزاء يتجرأ على الظلم والقتل ، وهذا هو الحامل له على الاستعادة منه ، وقيل المراد بالحامل الخ الحامل لفرعون فإن سبب قوله أقتل موسى تكبره والأوّل أظهر وأنسب ، والإدغام هنا إدغام الذال المعجمة في التاء بعد قلبها تاء. قوله : ( وقيل من متعلق بقوله يكتم الخ ) ذكروا فيه وجهين أحدهما أنه مستقرّ صفة لرجل ، وقدم فيه الوصف بالمفرد على الوصف بالجملة والثاني أنه متعلق بيكتم ، وقد قيل عليه إنه لا يتعدى بمن بل بنفسه كقوله تعالى : { وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا } [ سورة النساء ، الآية؟ 42 ] وقول الثاعر : كتمتك همابالجمومين ساهرا وهمين همامستكنافظاهرا
وأيضا لا وجه لتقديمه ، ولذا لم يرتضه المصنف رحمه اللّه كما قيل وأيضا ورد في الحديث " الصديقون ثلاث حبيب : النجار مؤمن آل ياسين ، ومؤمن آلى فرعون وعلني بن أبي طالب كرم اللّه وجهه " وهو يعين الاحتمال الأول ( أقول ) هذا كله غير وارد أتا الأول فلأنه ورد تعدّي كتم بنفسه وبمن كما نقله أهل اللغة قال في المصباج كتم من باب قتل يتعدى إلى مفعولين ويجوز زيادة من في المفعول الأول فيقال كتمت من زيد الحديث كما يقال بعته الدار وبعتها منه ، ومنه عند بعضهم وقال رجل مؤمن من آل فرعون الخ وهو على التقديم والتأخير والأصل يكتم من آل فرعون إيمانه وهذا القائل يقول الرجل ليس منهم انتهى ، وعليه مشى صاحب التلخيص ووجه تقديمه هنا التخصيص لأنه إنما كتم إيمانه عن آل فرعون دون موسى ومن اتبعه ، وأما ما ذكر من الأثر فعلى فرض صحته الإضافة لأدنى ملابسة لوقوع إيمانه بين أظهرهم مع اتباعه لهم ظاهراً. قوله : ( والرجل إسرائيلي ) أي على الوجه الثاني ، وقد كان على الأول عد من أقاربه لأنه قيل إنه ابن عمه وتأخير الثاني للإشارة إلى ترجيح الأول كما في الكشاف ولأنّ بني إسرائيل لم يقلوا ، ولذا قال فرعون : أبناء الذين آمنوا معه ، وقوله : ينصرنا وجاءنا ظاهر في إنه يتنصح لقومه ، وقوله ظاهر صريح في احتمال غيره فإنه لا ينكر فاحتمال كون شرذمة قليلة من بني إسرائيل أظهروا أتباعهم فعدوا من زمرتهم لأغراض لهم لا يضر الظهور كما توهم ، وقوله : كان ينافقهم بإظهار أنه على دينهم وهو تقية منهم ، وهذا ناظر لكونه إسرائيلياً أو غريبا. قوله : ( أثقصدون قتله ) فهو مجاز ذكر فيه المسبب وأريد السبب ، وكون الإنكار لا يقتضي الوقوع لا يصححه من غير تجوّز كما قيل وقوله : لأن يقول فقبله حرف جر مقدّر وهو يطرد حذفه مع أنّ وان ، وقوله وقت أن يقول ففيه مضاف مقدّر وبعد حذفه انتصب
المضاف إليه على الظرفية لقيامه مقامه ، وأمّا كون القائم مقام الظرف لا يكون إلا المصدر الصريح أو ما كان بما الدوامية كما قاله أبو حيان : فغير مسلم لأن ابن جنى والزمخشري صرحا بجوازه وهو كاف في صحته وسقوط الاعتراض عنه. قوله : ( من غير روية وتأمل في أمره ) يعني أنهم لم يفكروا في عاقبة أمرهم إذا قتلوه ، ولم يؤمنوا بما جاء به من البينات أو من غير تتفكر فيما جاء به فإنه جاءكم بما هو ظاهر الحقية فلا ينافي قوله : { وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ }
[ سورة غافر ، الآية : 28 ، كما قيل وكون المعنى على التشبيه تعسف. قوله : ) ربي الله وحده ( توطئة للحصر لأنّ المعنى لا رب لي إلا الله وإنّ الإيضافة فيه للجنس لأنها تأتي لمعاني اللام فإذا حمل(7/367)
ج7ص368
فرد معين على الجنس أفاد القصر بخلاف العكس كزيد صديقي فإنّ المحمول يكون أعم ، ولولا ذلك لم يتم المراد لأنّ الإضافة العهدية تكون لحمل جزئي على جزئي فلا بد من إفادة الاتحاد لكنه غير مناسب هنا ، ومثله لا يسمى قصرا اصطلاحا كما قرره أهل المعاني في زيد أخوك وعكسه. قوله : ( المتكثرة ) إشارة إلى أنّ جمع المؤنث السالم وإن كان للقلة إذا دخلت عليه أل يفيد الكثرة بمعونة المقام ، وقوله : على صدقه متعلق بالبينات لأنها بمعنى الشواهد وجملة وقد جاءكم الخ حالية من الفاعل أو المفعول ، والمراد بالاستدلالات ما مز في الشعراء مما ذكره من أدلة التوحيد ، وهي غير المعجزات. قوله : ) احتجاجا عليهم ( أراد أنه بعدما ذكرهم بالأدلة البينة على كونه ربهم وإنه لا بد لهم من رب أضحافه لهم ليحتج عليهم فليس الاحتجاج بمجرّد الإضافة حتى يقال هو غير صحيح لأنهم لا يعترفون بأنه ربهم فكيف يحتج عليهم بمجرّد الإضافة. قوله : ( ثم أخذ بالاحتجاج الخ ( يعني إنه خاف فرعون لما قدمه أن يعرف حقيقة إيمانه فيبطش به فذكر احتياطا الاحتجاج المذكور على سبيل الإنصاف احتياطا لأمره ونفسه فلا يرد أن كلامه يشعر بأنه لا احتجاج فيما قبله ، وقوله : لا يتخطاه الخ الحصر من تقديم الخبر عليه. قوله : ( مبالغة في التحذير ( لأنه إذا حذرهم من بعضه أفاد أنه مهلك مخوّف فما بال كله والإنصاف بنصحه لهم وعدم الجزم بكل ما وعد به وهذا توجيه لذكر البعض دون الكل مع أن ما أخبر به النبي الصادق لا يتخلف أو الوعيد دنيوي ، وأخروي والمراد ببعضه العذاب الدنيوي. قوله : ( وتفسير البعض بالكل ) المنقول عن أبي عبيدة استدلالأ
بالبيت المذكور لأنّ المراد ببعض النفوس النفوس جميعها إذ لا يسلم من الموت أحد. قوله : ( تراك الخ ) هو بيت من معلقة لبيد المشهورة ، وتراك فعال للمبالغة في الترك والأمكنة جمع مكان ، وقوله : أو يرتبط بمعنى إلى أن يرتبط أو إلا أن وسكن للتخفيف أو هو معطوف على المجزوم والارتباط هنا مجاز عن المنع والعوق ، والحمام بكسر الحاء المهملة الموت والمعنى إنه ترك كل مكان لا يرتضيه بالرحلة عنه إلا أن يمنعه الموت عن الارتحال كما قيل :
إذا كرهت منزلا فدونك التحوّلا
وإن جفاك صاحب فكن به مستبدلا
ومحصل الرد أن المراد ببعض النفوس نفسه هو لا معنى الكل إذ المراد إلا أن أموت أنا فالبعض على ظاهره واذا كان بمعنى الكل فالمعنى لا أزال أنتقل في البلاد إلى أن لا يبقى أحد أقصده من العباد. قوله : ( احتجاج ثالث ذو وجهين ) وفي نسخة بحجة ذات وجهين وهما واضحتان وهي جملة مستأنفة ، وامّا متعلقة بالشرطية الأولى أو بالثانية أو بهما والإسراف إفراط الضلال أو الفساد ولين الشكيمة مجاز عن الانقياد وقوله : وخيل إليهم الثاني أي أوهمهم إنه أراده يعني أنه كلام فيه تورية وتعريض على طريق الكناية التعريضية ، واسراف فرعون بالقتل والفساد وكذبه في ادعاء الربوبية وأمّا موسى عليه الصلاة والسلام فمعصوم فهو على زعم فرعون فيه ، ولما في كلامه من التورية لم بناف الاحتياط فلا يتوهم إنه إذا قصد الأولى كيف يكون احتياطا فتأمّل. قوله : ( فلا تفسدوا الخ ) إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة وفي الكلام تقدير به ينتظم كما ذكره ، وقوله : ولا تتعرّضوا لبأس الله الذي هو رب موسى الذي ذكرته لكم ، وهو كالتفسير لما عطف عليه ، وقوله : لم يمنعنا الخ هو معنى قوله من ينصرنا الخ لأنه استفهام إنكاري معناه النفي ، وقوله : لأنه الخ على الوجه الأوّل في قوله من آل فرعون ، وقوله : ليري إنه معهم على الثاني فلا يكون اقتصاراً على أحدهما كما قيل : والمساهمة المشاركة كان لكل منهم سهما ونصيباً فيما ينصحهم به. قوله : ( ما أشير إليكم ) قيل الصواب عليكم لأنّ أشار إليه
بمعنى أومأوا منشرته أي راجعته في أمر لأرى رأبه فيه فأشار عليّ بكذا أي أرى ما عنده فيه كما حققه أهل اللغة ، وليس معناه أمرني كما في القاموس والإيماء عنه مناسب هنا مع أنه لو صح فالمومي إليه الرأي لأهم وما ذكر تفسير له بلازمه ، ومعناه لا أمكنكم من رأي غير رائي وذلك بالأمر به وما مصدرية لا موصولة كما يدل عليه كلام المصنف رحمه الله ، وهو من تحجير الواسع فإن المصنف مقصوده إن رأى هنا من الرأي وأمر التعدية سهل كأنه يجوز أن يضمن معنى متوجهاً إليكم في المشاورة في شأنه(7/368)
ج7ص369
وما تحتمل الموصولية والمصدرية ، وليس فيهما يخفى على ناظر فيه. قوله : ) وما أعلمكم إلا ما علمت ( لما جعل ما أريكم إلا ما أرى بمعنى ما أشير عليكم إلا ما هو صواب عندي من الرأي فسر هذا بما ذكره لأن الهداية الدلالة إلى ما يوصل ، وهي الإعلام بطريق الصواب التي يعلمها المعلم بها أو بالصواب نفسه فلا يتوهم أنّ هذا التفسير لم يذكر في محله وكان ينبغي تقديمه ، وجعله تفسيراً لما أريكم إلا ما أرى كما في الكشاف إشارة إلى أن الرؤية إمّا من الرأي أو علمية أو تأخيره عن قوله إلا سبيل الرشاد نعم لو أتى به كما ذكر كان له وجه فلعمري لقد استسمن ذا ورم. قوله : ) وقلبي ولساني الخ ( إشارة إلى أنّ ما اختاره من أنّ الرؤية من الرأي وإنّ الهداية الدلالة ، والإعلام بالقول أرجح مما عداه إذ به تدل الجملتان على تواطؤ القلب ، واللسان فينتظم تأسيس ا امملام أحسن انتظام فمن ادعى خلل ترتيبه ، لم يقف على مراده. قوله : ( فعال للميالغة الخ ( يعني إن هذه الصيغة للمبالغة ، وقد تثبت من الثلاثي من باب فعل بكسر العين وفعل بفتحها ولهـ3 تجيء من المزيد إلا في ألفاظ نادرة وردت على خلاف القياس ، وهي دراك من أدرك وقصار من أقصر عن الشيء وجبار من أجبر وسآر من أسأر مع أنه ثبت في بعضه سماع الثلاثي ، وجوّز تجريده من الزوائد تقريبا له من القياس ، وقد سمع جبره فقوله كجبار بناء على المشهور ورشد ورشد بمعنى اهتدى ، وما قيل المعنى على أنه صيغة مبالغة من الإرشاد إذ المعنى سبيل من كثر إرشاده غير مسلم بل المراد سبيل من اهتدى ، وعظم رشده ولا حاجة إلى أن يقال من رشد أرشد فاكتفى بالسبب عن المسبب أو المبالغة في الرشد تكون بالإرشاد كما قيل في طهور وقيوم فإنه إذا قيل إلا سبيل من اهتدى كان في غاية من السداد ، والله الهادي إلى سبيل الرشاد فقوله : سماعي يحتمل أن فعالاً من المزيد سماعي أو صيغة فعال مطلقاً سماعية كما قيل. قوله : ) أو للنسبة ( أي يكون فعال في هذه القراءة للنسبة كما قالوا عواج لبياع العاج ، وبتات ليباع البت وهو كساء غليظ ، قيل طيلسان من خز أو صوف. قوله : ) يعني وقائعهم ( أي المراد بالأيام الوقائع فإنها كثر
استعمالها بمعناها حتى صار ذلك حقيقة عرفية والوقائع جمع وقيعة بمعنى الحرب أو واقعة بمعنى النازلة الشديدة ، وليس في المقام والاستعمال إباء عنه كما قيل ولو أبقى على معناه المتبادر منه قدر فيه مضاف أي مثل حادث يوم الخ ولكل وجهة. قوله : ( وجمع الأحزاب مع التفسير أغنى عن جمع اليوم ) دفع لأنه سواء كان على ظاهره أو بمعنى الوقائع فالظاهر جمعه بأنّ الإضافة لها معان كاللام فإذا أريد الجنس أفاد ما يفيده الجمع والقرينة عليه إضافته لأنه لا يكون للأحزاب يوم واحد بمعنييه ، وتفسيره بما بعده معين له والمرجح له خفة لفظه واختصاره وليس هذا من الاكتفاء بالواحد عن الجمع ، وقال الزجاج : المراد بيوم الأحزاب حزب حزب بمعنى أن جمع حزب مراد به شمول أفراده على طريق البدل فأوّل الثاني ، وهو معنى آخر ومنه يعلم أنّ التكرار يكون في معنى الجمع كبابا باباً وعكسه فاحفظه. قوله : ( مثل جزاء ما كانوا عليه الخ ( يعني أنّ فيه مضافا مقدرا ودأبهم عادتهم الدائمة ودأب يكون بمعنى دام ، وإنما قدره لأنّ المخوف في الحقيقة جزاء العمل لا هو ودائبا خبر سببيئ لكان أو حال من المجرور ، والأوّل أنسب بما في النظم كما قيل والإيذاء بمعنى الأذى صحيح كما أثبته الراغب فلا عبرة بإنكاره كما مر تفصيله. قوله تعالى : ( { وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ } ( أي بأن يظلمهم بنفسه أو يظلم بعضهم بعضا ومذهب الأشاعرة أنه لا يتصوّر الظلم منه تعالى لأن الكل ملكه كما مر في سورة آل عمران فهو إما على مذهب الماتريدية من أنه لا يفعله بمقتضى حكمته أو المراد بالظلم ما يشبهه ، ويكون على صورته كما مر في العنكبوت وهو الأولى. قوله : ) أو لا يخلى الظالم منهم بغير انتقام ) من التخلية أي لا يتركه سالماً عن الانتقام منه لأنه إذا لم يرد تركه لم يتركه إذ لا يجري في ملكه إلا ما يشاء فلا يتجه عليه أن تفريعه على النظم لا يتأتى على مذهب أهل السنة لاقتضائه أنه لا يريد ظلم بعضهم لبعففلا يقع إذ لا يجري في ملكه إلا ما يشاء إذ الاقتضاء ممنوع ، وإنما يريد الظلم منهم ابتلاء لهم ، واظهاراً للمطيع من العاصي كما في سائر التكاليف فلا حاجة إلى جعل الإرادة مجازاً عن الرضا حتى يرد عليه ما يرد وفي الكشات يعني أنّ تدميرهم كان عدلاً لأنه لا يريد ظلما ما لعباده ، ويجوز أن يكون معناه كمعنى قوله : { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } [ سورة الزمر ، الآية : 7 ] أي لا يريد لهم أن يظلموا فدمرهم لأنهم كانوا ظالمين فالمعنى على الأوّل كونهم مظلومين(7/369)
ج7ص370
وعلى الثاني كونهم ظالمين ولا يستقيم هذا على مذهب من يجعل الكل بإرادته تعالى ، أو يفرق بين إرادة الظلم للعباد وارادة الظلم منهم فإن هذا يمتنع لإشعاره بالطلب ، وطلب القبيح باطل بالاتفاق كما قاله المحقق : في شرحه رحمه الله تعالى ، وما قيل عليه إنه حديث لم يصح سنده غير متجه بل غفلة عما صرحوا به ، قال الراغب في مفرداته : قد تذكر الإرادة ويراد بها معنى الأمر كقولك : أريد منك كذا أي آمرك به نحو : { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ } [ سورة البقرة ، الآية : 185 ] اهـ فإذا تعدى فعل الإرادة بمن أو الباء
دل على الطلب والاستعمال شاهد له ، وبما قررناه علم أنه لا وجه لما قيل من أنه لا يوافق مذهب أهل السنة إذ له العفو وعدم الانتقام عمن ظلم وان لم يرد بالظلم الكفر.
قوله : ( وهو أبلغ من قوله وما ربك بظلام الخ ) لأنّ نفي إرادة الشيء أبلغ من نفيه ، ونفي النكرة أشمل إذ معناه لا يريد شيئا من الظلم خصوصاً والآية الثانية فيها نفي المبالغة ، وهي لا تقتضي نفي أصل الفعل وان أجيب عنه كما مر وقد ذكر ثمة أنّ فيه مبالغة من وجه آخر فتذكره ، وقوله : من حيث أن المنفي فيه نفي حدوث الخ قيل لفظ نفي مقحم في عبارته إذ المنفي الحدوث لا نفيه ، وقيل إنّ المنفي يضمن معنى المذكور فلا إقحام فيه وما قيل إنّ إرادة الظلم ظلم ممنوع في حقه تعالى فلا حاجة إلى أن يقال المراد ظلم غير الإرادة بقرينة المقام. قوله : ( ينادي الخ ) استئناف لبيان ، وجه تسمية يوم القيامة بيوم التناد والنداء ، وان كان رفع الصوت لطلب الإقبال فهو مجرد لجزء معناه هنا وفي الأعراف ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار الخ ، وقوله : بالتشديد أي تشديد الدال من ند إذا هرب ، وقيل المراد به يوم الاجتماع من ند إذا اجتمع ومنه النادي وضمير عنه للموقف ، وقوله : وقيل : فارين عنها قيل إنّ هذا أولى لأنه أتم فائدة وأظهر ارتباطا بقوله : { مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ } . قوله : ( يوسف بن يعقوب الخ ) ذكر أهل التاريخ أن فرعون موسى اسمه الريان واسم هذا الوليد وذكر القرطبي رحمه الله أنّ الأوّل من العمالقة وهذا قبطي ، وفرعون يوسف عليه الصلاة والسلام مات في زمنه. قوله : ( أو على نسبة أحوال الآباء الخ ) وقد جوّز كون بعضهم حيا وفي بعض التواريخ أن وفاة يوسف عليه الصلاة والسلام قبل مولد موسى عليه الصلاة والسلام بأربع وستين سنة فيكون نسبة حال البعض إلى الكل واليه مال المصنف في سورة يوسف ، وقوله : حتى إذا هلك الخ غاية لقوله فما زلتم. قوله : ( ضما إلى تكذيب رسالته الخ ) متعلق بقوله قلتم الخ إما مفعول مطلق أ " !در
أو حال بمعنى ضامين أو مفعول له وحزنا مثله معطوف عليه ، وهو دفع لما يتوهم من أن قوله من بعده رسولاً يقتضي تسليم رسالته ، والتصديق بها مع أنّ ما قبله يدل على شكهم فيها بأنهم لم يقولوا هذا إلا تضجرا بها وانكاراً للرسالة مطلقاً والفرق بين الوجهين أنهم في الأوّل بعد الشك يتوا بتكذيب رسالته ورسالة غيره فيكون ترقياً ، وقيل : الشك مقابل اليقين لا التردد وفيه بعد لا يخفى ، وفي الثاني جزموا بعدم من يرسل بعده مع شكهم في رسالته ، واحتمال اًن يكونوا أظهروا الشك في حياته حسدا وعنادا فلما مات أقروا بها جائز لكنه لم يحمله عليه لمخالفته للظاهر. قوله : ( على أن بعضهم يقرر بعضاً بنفي البعث ) أي يحمله على الإقرار بنفيه ، والتقرير تفسير للاستفهام في هذه القراءة ، وقوله : مثل ذلك لضلال اًي السابق وما بعده كما مر ، وقوله : بغلبة الوهم أي على ما يقتضيه العقل ، وقوله بدل الخ هو أحد الوجوه وفيه كنصبه بأعني ورفعه بأنه خبر مبتدأ مقدر وجعله بياناً لمن أو صفة إن قلنا بحواز وصفه وداحضة بمعنى ساقطة باطلة. قوله : ) وأفراده للفظه ( يعني تضمير كبر المستتر لمن رعاية للفظه بعد رعاية معناه ، وهو جائز وإن كان المشهور عكسه وقد حوز كون فاعله ضمير الجدال الذي في ضمن يجادلون ، وقوله على حذف مضاف هو المخبر عنه لأنّ الذين جمع لفظاً ومعنى فلا يصح أفراد ضميره ، وقوله : أو بغير سلطان هو الخبر عن المضاف المقدر أيضا لا عن الذين لما فيه من الإخبار عن الذات والجثة بالظرف ، وكون الكاف اسماً بمعنى مثل معمولة لعامل مذكور نادر مخالف للظاهر وربما أبا. بعض النحاة لكونه على صورة الحرف ، ولم يثبت في كلامهم مثله ، ولذا أخره المصنف. قوله : ( كقولهم رأت عيني ) في الإسناد إلى منبع الرؤية والظاهر إنه مجاز ، ولو قيل إنه حقيقة عرفية لم يبعد وكلام الكشاف يميل إلى الثاني ، وإذا قدر المضاف
توافقت القراءتان ، وقوله : بناء الخ حاصله إنّ الصرح(7/370)
ج7ص371
القصر العالي لظهوره مأخوذ من التصريح ، والسبب كل ما أدى إلى شيء كالرشاء والسلم فلذا فسره بالطرق هنا ، وقوله وفي إبهامها الخ دفع لما يتوهم من أنه لو قيل : ابتداء أسباب السموات كفى من غير تطويل. قوله : ( بالنصب على جواب الترجي ) بناء على أنّ جوابه ينصب كالتمني ومن فرق بينهما جعله هنا محمولاً عليه لشبهه به في إنشاء الطلب ومن منعه جعله منصوبا في جواب الأمر ، وهو ابن أو معطوفا على خبر لعل بتوهم أن فيه أو على الأسباب على حد :
للبس عباءة وتقر عيني
قوله : ( ولعله أراد أن يبني له رصداً الخ ) التي هي أسباب صفة أحوال الكواكب مفسرة للمراد من أسباب السموات على هذا بانتهاء ما تدل عليه حركاتها ونحوها مما يعلم من كتب أحكام النجوم ، وهذا يدل على أنه مقر بالله وإنما أراد طلب ما يزيل شكه في الرسالة ، وكان هو وأهل عصره لهم اعتناء بالنجوم وأحكامها على ما قيل. قوله : ( أو أن يرى ) بضم الياء وكسر الراء مضارع أراهم أي أعلمهم فالمقصود إلزامه إذ قال له إني رسول من رب السموات ، واعلام الناس بفساد ما قاله لأنه إن كان رسولاً منه فهو ممن يصل إليه وذلك بالصعود للسماء وهو محال فما بني عليه مثله ، وهو جهل منه بالله وظنه إنه في السماء وان رسله كرسل الملوك يلاقونه ، ويصلون إلى مقره وهو سبحانه ، وتعالى منزه عن المكان وكلما هو من صفات المحدثات والأجسام ولا يحتاج رسله الكرام لما ذكره من خرافات الأوهام ، وما ذكره مستلزم لنفي رسول من الله على ما توهمه ، وأمّ نفي الصانع المرسل له فلم يتعرّض له وقد قرره الإمام بأنه إيراد شبهة في نفي الصانع لأنه لو وجد كان في السماء لشرفها أو للعلم بعدمه في غيرها فلا يطلع عليه بدون صعودها ، وهو محال فكذا ما يتوهم عليه ولك أن تحمل كلام المصنف على هذا إذ ليس صريحاً في مخالفته كما قيل فقوله ابن لي صرحا ليس على ظاهره بل لإظهار عدم إمكان ما ذكر ولعل لا تأباه فإنه للتهكم على هذا ، وقد مر في سورة القصص وجه آخر فتذكره والاستنباء إرسال الأنبياء إلى الناس. قوله : ( في دعوى الرسالة ( أو في دعوى أنّ له إلها
لقوله : { مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي } [ سورة القصص ، الآية : 38 ] وقوله : سبيل الرشاد للتصريح به قيل فتعريفه للعهد ، وقوله : والفاعل الخ قد مرّ تفصيله في سورة الأنعام فلا تغفل عنه ، وقوله : ويدل عليه لأنه سبق ذكر الله ولم يذكر الشيطان ، وقوله : بالتوسط أي الفاعل بواسطة بالوسوسة من الشيطان كما مر. قوله : ( ويؤيده وما كيد فرعون الخ ( لأنه يشعر بتقدم ذكر للكيد قبله ، وهو في هذه القراءة أظهر وهي قراءة أكثر السبعة وقوله خسار ومنه تب لكنه خسار دائم من قولهم لا يتبب أي يبقى ويدوم ، وقوله : وقيل موسى مرضه لأنّ هذا العنوان مناسب لمؤمن آل فرعون دون النبي. قوله : ( تمتع يسير ) فسر. به لأنّ التنوين ، والتنكير يدل على التقليل وجعل المتاع مصدراً بمعنى التمتع ويكون بمعنى المتمتع به وهو صحيح أيضاً ، وقوله : وفيه دليل الخ فيه نظر لأنّ من أتلف شيئاً يلزمه قيمته لا مثله ، وقوله : بالعمل تنازعه تقدير وموازنة ، وفيه إشارة إلى أن المراد بالرزق كل ما لهم فيه من الثواب ، وأنّ المراد بكونه بغير حساب أنه لا يقدر بمثلها كالأعمال السيئة بل يزاد ويضاعف إلى سبعمائة فصاعدا ، وقد يستعمل بغير حساب بمعنى غير متناه وهو صحيح أيضاً لأنّ رزق المخلد مخلد فيكون غير متناه. قوله : ( ولعل تقسيم العمال ) جمع عامل والتقسيم بقوله : من ذكر أو أنثى للاهتمام والاحتياط في شمولهم لاحتمال نقص الإناث خصوصاً إذ لوحظ نقص عملهم في مدة الحيض ونحوه ، وجعل ما وقع جزاء لأعمالهم اسمية مؤكدة له بالثبوت مع الإشارة إليهم بالبعيد الدال على تعظيمهم ، وقوله : وتفضيل الثواب بالضاد المعجمة أي جعله زائداً على العمل لكونه أضعافا مضاعفة له وجوّز كونه بالصاد المهملة أي جعله مفصلاً كقوله يدخلون الخ ويرزقون الخ بخلاف ما يقابل السيئة والظاهر هو الأوّل وقوله : لتغليب الرحمة أي للدلالة على أن رحمته تعالى غالبة على غضبه حيث ضوعفت لمن استحقها ولم يضاعف موجب غضبه إذ لم يزد في جزاء السيآت. قوله : ( وجعل العمل عمدة ) ركناً من القضية الشرطية لأنه مقدمها والإيمان حالاً في قوله ، وهو مؤمن وقوله : على أنه شرط لأنّ الأحوال قيود وشروط للحكم التي وقعت
الأحوال فيه وكوف شرطا في صحة العمل والاعتداد به لا كلام فيه إنما الكلام في كون الكلام يدل على أنّ ثوابه أعلى وان كان في نفس الأمر كذلك فإن الطهارة شرط تتوقف عليه صحة الصلاة(7/371)
ج7ص372
وليس ثوابها أعظم من ثواب الصلاة كما لا يخفى فلعله لما قيل : إنه لا ثواب ولا اعتداد بعمل دونه فهم إنه أعظم في نفسه فثوابه أعظم من ثواب غيره ، فتأمّل. قوله : ( كرّر نداءهم الخ ) لأنّ النداء يدل على غفلة المنادى والاهتمام بالنصيحة المنادى لها بتكرارها إجمالاً وتفصيلاً والتوبيخ لجعلهم لا يفيد فيهم ، ولا يسمعهم نداء واحد والاستفهام فيه أيضاً توبيخيئ ومقابلتهم معلومة من قوله : { تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ } وقوله : عطفه الخ ، اسم مبتدأ أو فعل ماض معطوف على كرّر نداءهم ، وقوله : الداخل على ما الخ صفة للنداء الثاني فإنّ له حكم ما بعده لأنه المقصود بالذات فلذا لم يعطف لأن ما بعده لا يعطف وكون البيان لا يعطف لشدة الاتصال معلوم في المعاني ، وإنما الكلام في بيانه وستسمعه عن قريب. قوله : ( فإنّ ما بعده أيضاً الخ ) أي ما بعده النداء الثالث مثل النداء الثاني فيما ذكر من البيان ، والذي ذكره الزمخشريّ إنّ الثاني داخل على ما هو بيان للمجمل ، وتفسير له فأعطى الداخل عليه حكمه في امتناع دخول الواو وأمّا الثالث فليس بتلك المثابة يعني أنّ الأوّل للدعوة إلى الحق الموصل إلى سعادة الدارين والثاني لبيان إنّ الدنيا ، وما فيها غير العمل الصالح الموصل للسعادتين غير معتد به ففيه بيان للأوّل لتضمنه ما ينجي وحث على الآخرة ، والثالث لتضمنه مجادلة جرت بينه وبينهم ، ولذا ختمه بما يدل على المتاركة بقوله : وأفوض الخ ليس من البيان في شيء لكنه مناسب لما قبله فلذا عطف على يا قوم الأوّل لا الثاني ، والمصنف خالفه إذ أدخله في البيان وعطفه على الثاني وله وجه لأنّ المجادلة مقررة للدعوة ، ولا يأباه ما فيه من الوعيد وأما المتاركة ، وان أبته فهي تذييل له خارج عن البيان فقوله : فستذكرون الخ عند المصنف متفرع على جملة الكلام ، وعند الزمخشري على الأخير والمصنف اختار الأوّل لقرب المعطوف عليه فيه فلا يرد ما ذكر ولا ما قيل إنه غير سديد هذا هو الحق والمصنف اختار الأوّل لقرب المعطوف عليه فيه فلا يرد ما ذكر ولا ما قيل إنه غير سديد هذا هو الحق في تحقيق مراد الشيخين ، ولبعض الناس فيه كلام لا طائل تحته رأينا تركه أولى من ذكره فتدبره. قوله : ( فإن ما بعده ) أي ما بعد النداء الثالث أيضا كالثاني فهو تعليل لعطفه على الثاني دون الأول أو المجموع كما ذهب إليه الزمخشري ، وقوله : تفصيل في نسخة بدله تفسير وهو أنسب بالبيان ، وقوله : لما أجمل فيه أي في الأوّل وقوله تصريحا أو تعريضاً ، وفي نسخة وتعريضا بالواو وهما بمعنى لأنه تقسيم على سبيل اللف والنشر فالتصريح في الثالث ، وقوله : أو على الأوّل هو ما اختاره الزمخشري لأنه بين إنّ سبيل الرشاد هو ما دعاهم إليه لأنه منج وغيره مهلك موبق في
النار والتعريض لأن فناء الدنيا وقرار الآخرة ، المجزي فيها على الأعمال الصالحة بالنعيم الأبدي يفهم منه أنه هو الحق وان الدعوة إليه عين الرشاد والسداد ، وقد يقال إن في الأوّل تعريضا أيضاً لأن الدعوة إلى خلافه دعوة إلى النار فتأمّل. قوله : ( بدل ( أي من قوله إن في الأوّل تعريضا أيضا لأن الدعوة إلى خلافه دعوة إلى النار فتأمّل. قوله : ( بدل ) أي من قوله تدعونني إلى النار أو هو عطف بيان له بناء على أنه يجري في الجمل كالمفردات كما ذهب إليه السكاكي ، وقد صرح ابن هشام بمنعه في المغني فإن حمل البيان على معناه اللغوي فهي جملة مستأنفة مفسرة له لم يكن بينهما مخالفة وقوله في التعدية بإلى واللام بياين لوجه التشبيه ، وتخصيص له بالتعدية بهما فإن الهدإية قد تتعدّى بنفسها وفيه إيماء إلى أن الهداية المتعدية بالحرف مجرد الدلالة فهي في معن الدعوة. قوله : ) بربوييتة ) وألوهيته لا بذاته فإنها معلومة له ، وقوله : والمراد نفي المعلوم أي نفي العلم هنا كناية عن نفي المعلوم كما مرّ تحقيقه في سورة القصص ، وأنه لا ينافي قوله : إنه يختص بالعلم الحضوري وقوله : والإشعار بأن الألوهية لا بد لها من برهان أي يقيني لأنها من المطالب التي لا يكتفي فيها بالظنيات ، والإقناعيات فضلاً عن الوهميات والتقليد الصرف وهو من إنكاره للدعوة إلى ما لا يعلمه يقينا فإن العلم صفة توجب ثمييزاً لا يحتمل التقيض. قوله : ( المستجمع لصفات الألوهية ) أخذه من مقابلته بما لا يعلم فيه شيئا منها إذ السياق يدل على أن المعنى تدعونني إلى ما ليس فيه وصف من أوصافها ، وأنا أدعوكم لمن فيه جميع صفاتها فجعل هذين الوصفين كناية عن جميعها لاستلزامهما لما عداهما كما أشار إليه بقوله من كمال القدرة ، والغلبة الذي هو معنى العزيز لأن العزة صفة تقضي بالذات أن يقهر ولا يقهر وهو بالقدوة التامّة المخصوصة به تعالى ، كما قال : { فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } [ سورة فاطر ، الآية : 10 ، وكونها متوقفة على العلم والإرادة بيان لاستلزامها لغيرها من الصفات الذاتية ، وبيانه كما تقرّر(7/372)
ج7ص373
في الأصول أن القدرة صفة تؤثر في وفق الإرادة فهي متوقفة على الإرادة ، وذلك أيضاً مستلزم للعلم فإنه لا يتصوّر إرادة التأثير فيما لا يعلمه ، وهو مستلزم للحياة واعتبر بذلك بقية الصفات الذاتية ، والسلبية فتأمّل. قوله : ( والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب ( معطوف على كمال القدرة ، وهو تفسير للغفار على وجه يتضمن وجه تاً خيره عن العزيز ومناسبته التامّة فإن العفو إنما يمدح به بعد القدرة فالتمكن ، والقدرة من لوازمه ولذا كان قول الحماسي :
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا
من أبلغ الذم وتخصيصهما بالذكر لما فيهما من الدلالة على الخوف ، والرجاء المناسب لحاله وحالهم. قوله : ( لا جرم ) تحقيقه كما في الكتاب وشرحه للسيرافيّ إن أصل معناه كما قاله الزجاج : لا يدخلنكم في الجرم أي الإثم كإثمه أدخله في الإثم ثم كثر استعماله حتى صار بمعنى لا بد عند الفرّاء وبمنزلة حقاً ، ولذا جعلته العرب قسما وهو من جرمت الذنب بمعنى كسبته لا بمعنى حققت ، وقال الأزهرقي : لا ردّ لشيء توهم ثم تبدأ بما بعده جرم إنّ لهم النار أي كسب ذلك العمل لهم الخسران ، وقيل : لا صلة وقيل نافية وجرم وجرم كسقم وسقم بمعنى باطل لأنه موضوع له أو لأنه بمعنى كسب والباطل محتاج للكسب والتزيين ، ولذا فسر بحقاً لأنه نقيض الباطل ولا باطل صار يمينا كلا كذب في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا النبي لا كذب " وفيه لغات جرم وجرم وأجرم ، وقد يزاد قبله إن أو ذا ، ا هـ محصله فقوله : لا رد الخ أحد الأقوال فيه وجرم فعل بمعنى حق ، وقوله : أي حق عدم الخ إشارة إلى أنّ الفاعل المسبوك المتصيد مته ، وعدم الدعوة عبارة عن جماديتها وأنها غير مستحقة لذلك ودعوة آلهتكم مصدر مضاف لفاعله ومعناه دعوتها إياكم لعبادتها. قوله : ( أو عدم دعوة مستجابة ( على ما مز لام له دعوة لنسبة الدعاء إلى الفاعل ، وعلى هذا لنسبته إلى المفعول لأنهم كانوا يدعونه فحمل نفي الدعاء له على نفس الاستجابة منه لدعائهم إياه إما بحذف الموصوف أو المضاف أي استجابة دعوة أو دعوة مستجابة تنزيلا لغير المستجاب منزلة العدم ، وقد جوّز فيه التحوز بالدعوة عن استجابتها التي ترتب عليها بمنزلة الجزاء لها كما في تدين تدان ، وليس هذا من المشاكلة في شيء عند المحقق وان جوّزها غيره. قوله : ( وقيل جرم بمعنى كسب ( أي لا رد لما قبله وجرم بمعنى ك!سب وفاعله ضمير الدعاء السابق الذي دعاه قومه إليه وإنما الخ مفعوله ، والحاصل أن دعاءهم ما كسب إلا ظهور بطلان دعوته أي الدعوة إليه فدعوته مصدر مضاف لمفعوله ، وهذا هو القول الثاني من أقوال النحاة فيه كما مرّ. قوله : ( وقيل فعل ( بفتحتين اسم لا وهو مصدر مبنيّ على الفتح بمعنى القطع ، ومعناه لا بد من بطلانه أي بطلانه أمر ظاهر مقرر وهو مثل لا بدّ فإنه من التبديد ، وهو التفريق وانقطاع بعضه من بعض ، وقوله : فتنقلب بالنصب في جواب النفي ، وقوله : ويؤيده الخ أي إن اللغة الأخرى فيه وهي جرم بضم فسكون تدل
على اسميته ، وليس هذا معينا لاسميته على اللغة الأخرى حتى يقال إنه لا وجه لحكايته بقيل لاحتمال كونه فعلا مجهولاً لاسكن للتخفيف أو أنه استعمل منه الفعل ، والاسم بحسب اقتضاء مقامه وفي ثبوت هذه اللغة في فصيح كلامهم تردّد. قوله : ( وإنّ مردنا إلى اللّه ( أي مرجعنا ، وقوله : كالإشراك الخ الظاهر أنه لف ونشر فالإشراك إسراف في الضلالة والقتل في الطغيان أو هما تمثيل لتعميمه لظلم نفسه ، وظلم غيره وظاهره شموله لغير الكفرة من العصاة فيكون قوله : ملازموها بمعنى الملازمة العرفية الشاملة للمكث الطويل فإن خص ذاك بالكفرة فهو بمعنى الخلود. قوله : ( فسيذكر بعضكم بعضاً ) من التذكير ، وهو الأخطار بالبال والقلب بعد ذكره باللسان ، والواقع في النظم مطلق وكون الجميع يذكرونه بعيد فلذا حمله على ذكر بعضهم البعض ، وهو تذكير له إذا كان قد سمعه منه أيضاً ، وهو أحد محتملاته لكنه لما قرئ فيه بالتشديد على أنه من التذكير فسره بما يوافق القراءتين فلا يرد عليه إنّ هذا التفسير لتلك القراءة لا لهذه كما قيل لأنّ الذكر فيها مطلق يشمل ما لم يكن بتذكير. قوله : ( فكأنه ) أي قوله ، وأفوّض أمري الخ لما جعل تفويض أموره وهو تسليمها له بالتوكل عليه كناية عن عصمته لأنه من توكل عليه كفاه ، وكذا كونه بصيرا بأحوال العباد(7/373)
ج7ص374
مطلعاً عليها عبارة عن حفظه لهم يقتضي أنه في معرض أن يوقع به ما يضر منهم حتى التجأ إلى الله في رفع المكروه جعله واقعا في جواب توعدهم له المفهوم مما بعده ، ولو جعله مفهوما من قوله : { وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ } [ سورة غافر ، الآية : 37 ] كان له وجه وعبر بكان لاحتمال أنه متاركة كما مرّ ومنه علم ما مرّ في العطف ، وقوله : شدائد الخ فالسيئات بمعنى الشدائد لأنها تسوءهم وما مصدرية ، وقوله : الضمير لموسى لا لمؤمن آل فرعون ومرضه لأن السياق ، وقوله : يا قوم يأباه وهذا كما مرّ في أن لذي آمن موسى وهو بعيد جذاً. قوله : ( واستغنى بذكرهم ) الخ ويجوز أن يكون آل فرعون شاملاً له بأن يراد بهم مطلق كفرة القبط كما قيل في قوله : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا } [ سورة سبأ ، الآية : 13 ] إنه شامل لداود عليه الصلاة والسلام ، ومثله تفسير النحاة لنحو كذا بكذا ونحوه وليس ببعيد مما ذكر وطلبة بفتحات جمع طالب ، وهو من أرسله فرعون خلفه ليرده له ، وفاعل قتلهم ضمير فرعون وكونه للمؤمن كما قيل بعيد والرعب الخوف وسوء العذاب إضافة
لامية بمعنى أسوأ العذاب أو من إضافة الصفة للموصوف وقوله : الغرق على التفسير الاً وّل لال فرعون ، وقوله : أو القتل على الثاني والنار عليهما. قوله : ( جملة مستأنفة ( مبينة لكيفية نزول العذاب بهم على أن النار مبتدأ وجملة يعرضون خبره أو النار خبر هو مقدر وهو ضمير العذاب السيء أو هي بدل من سوء العذاب ، ويصلون بصاد مهملة بمعنى يحرقون هنا والمراد بالاختصاص هنا تقدير أخص أو أعني لا ما اصطلح عليه النحاة. قوله : ) فإن عرضهم الخ ( توجيه لتفسيره بالإحراق يعني أنه من قولهم عرضت المتاع على البيع إذا أظهرته لذي الرغبة فيه ، وعرضت الجند إذا أمررتهم لينظر إليهم والظاهر أنه مجاز ولا حاجة إلى دعوى القلب فيه كما في قولهم عرضت الناقة على الحوض كما قيل مع أن في دعوى القلب فيه نزاعا ذكره في عروس الأفراج ، وليس هذا محل تفصيله فعرضهم على النار وعرضه على السيف استعارة تمثيلية بتشبيههم بمتاع يبرز لمن يريد أخذه وجعل السيف والنار كالطالب الراغب فيهم لشذة استحقاقهم للهلاك ، وفيه تأييد لتفسيره بعذاب القبر لجعلهم كأنهم لم يهلكوا بالنسبة لما يمسهم بعده فتأمّله. قوله : ( وذلك لأرواحهم ) الإشارة إلى العذاب المفهوم من المقام أو إلى العرض المراد به ذلك ، وهو أقرب وما روي عن ابن مسعود ذكره القرطبيئ في التذكرة ونصه أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرّتين يقال لهم هذه داركم ، فذلك قوله تعالى : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } الخ ، وقد قيل : إنّ أرواحهم في صخرة سوداء تحت الأرض السابعة وورد في أرواح المؤمنين أنها في أجواف طير بيض وفي رواية خضر قال : وهذه سور تخلق لهم من صور أعمالهم ، أو هو تمثيل. قوله : ) وذكر الوقتين الخ ( قيل : إن الآخرة ليس فيها مساء وصباج ، وإنما هذا بالنسبة إلينا فإذا كان كذلك يخص العرض بوقتين يفصل بينهما بترك العذاب أو بتعذيبهم بنوع آخر غير النار أو المراد التأبيد اكتفاء بالطرفين المحيطين عن الجميع. قوله : ( وفيه دليل الخ ( لأنه ذكر لها عذاب عطف عليه عذابهم في النار فيدل عليه ، وأن الروج باقية لأنه لا يتصؤر إحساس العذاب بدون بقائها ، ولا معنى لتعذيب ما لا روح له وهذا جار على الوجهين سواء أريد التخصيص لأن الوقتين في الدنيا أو التأبيد لأن المراد من موتهم إلى أبد الآباد وأما كونه كناية فالكناية يجوز فيها إرادة الحقيقة فإنما يدل على
جوازه لا على وجوده ، وسواء كان العذاب للروح أو للبدن ولا يرد أن الروح ليست في القبر لأن المراد بعذاب القبر عذاب البرزخ وسواء كان قوله ويوم تقوم الساعة معطوفاً أو اعتراضا فإنه يدل على مغايرته لما قبله فيكون لا محالة في البرزخ والاستدلال لأنه فرق بينهم وبين غيرهم. قوله : ( هذا ما دامت الدنيا فإذا الخ ) تفسير على أن الواو في قوله ويوم عاطفة واتصاله بما قبله ظاهر ولذا أتى بالفاء لتدل على اتصال العذابين لا أن المقام يقتضي الفاء بل لو أتى بها في النظم لم يحسن كما أشار إليه صاحب الكشف ، أو هو إشارة إلى أنه ترك فيه حرف التعقيب تعويلا على فهم السامع كما قيل : وأشار بقوله : قيل لهم إلى أنّ فيه قولاً مقدراً ليعطف الخبر على الخبر والا فلا يحتاج إليه معنى ، وقوله : يا آل فرعون إشارة إلى أنه على قراءة ادخلوا أمراً من الدخول يكون آل فرعون فيها منادى حذف منه حرف النداء. قوله : ) أو أشدّ عذاب جهنم ( لأنه مقتضى شدّة كفرهم(7/374)
ج7ص375
فتعريف العذاب للعهد وأشديته على الأوّل بالنسبة لعذاب الدنيا والبرزخ وعلى هذا بالنسبة لعذاب غيرهم فلا ينافي دلالة ما قبله على عذاب القبر ، وما قيل إنه لا دلالة على هذا في أشد العذاب على عذاب القبر لا يخفى ما فيه.
قوله : ( بإدخالهم النار ( إشارة إلى أن هذه القراءة من الأفعال وان آل فرعون مفعول لا منادى وقوله : اذكر الخ فعامله مقدر معطوفءلمى ما تقدّم عطف القصة لا على مقدر تقديره اذكر ما يتلى عليك ولا على قوله : فلا يغررك أو أنذرهم لبعده ، وعطفه على غدوّ اعطف الظرف على مثله وجملة ويوم تقوم الخ اعتراض ووجه الدلالة فيه أيضا ظاهر لعطف عذاب الآخرة عليه ، واعتراضه بينهما ولا تكرار فيه كما توهم لكنه لا يخلو من شيء في ذكر قوله في النار ، ولذا قيل إنه قليل الفائدة. قوله : ( تفصيل له ) أي لتخاصمهم فيها وفي نسخة لهم والأولى أصح ، وقوله : تباعا بتشديد الباء جمع تابع وجمعه على فعل نادر وحصره النحاة في ألفاظ مخصوصة أو هو مصدر بتقدير مضاف ، أو على التجوّز في الطرف أو الإسناد للمبالغة بجعلهم لشدة تبعيتهم كأنهم عين التبعية. قوله : ) بالدفع ( أي بدفع بعض عذأب النار أو بتحمله عنا ، ومغنون من الغناء بالفتح بمعنى الفائدة ونصيبا بمعنى حصة وبعض منه ، وقوله : لما دل
عليه مغنون من أحد المذكورين وهو الدفع أو الحمل ، أو هو العامل بتضمين أحدهما أي دافعين أو حاملين عنا نصيبا وقوله : أو مصدر أي قائم مقام المصدر لتأويله به كما أنّ شيئا في تلك الآية كذلك كما مرّ ، وقوله : من صلة مغنون أي يكون من في قوله من النار متعلقا بمغنون لأنه يتعدّى بمن وعلى ما قبله هو ظرف مستقرّ بيان لنصيباً فلفظ من اسم يكون وصلة منصوب خبر هنا ، ويحتمل جرّه على أن اسم يكون ضمير نصبيا أي على هذا يكون نصيبا معمول لمغنون ومن تتمته لا بتقدير عامل فيه ، وفيه ميل إلى أن التضمين من قبيل التقدير أيضا وهو أحد احتمالاته لكن الظاهر أن المراد هو الأوّل ، واليه ذهب أرباب الحواشي. قوله : ) نحن وأئتم ) تفسير لكل لأنّ المراد به كلنا فهو مبتدأ خبره فيها والجملة خبر إنّ على هذا ، وقوله : فكيف الخ إشارة إلى ارتباطه بما قبله ، وقوله : على التأكيد أي لاسم إن وفيها خبرها وكون كل المقطوع عن الإضافة يقع تأكيداً مذهب الفرّاء وتبعه الزمخشري والمصنف ومنعه ابن مالك ، وقوله في الظرف هو فيها. قوله : ( فإنه لا يعمل في الحال المتقدّمة الخ ( إشارة إلى ما ذهب إليه بعض النحاة في الجواب عن الاستدلال بهذه الآية على التأكيد بكل المقطوع عن الإضافة بأنه حال من الضمير المستتر في الظرف ، وضعف بوجهين تقديم الحال على عاملها الظرفيئ وقطع كل عن الإضافة لفظاً وتقديراً ليصير نكرة فيصح كونه حالاً فلذا قيل إن الأجود كونه بدلاً من اسم وان وجاز إبدال الظاهر من ضمير الحاضر يعني لا الغائب فإنه جائز بدل كل لأنه مفيد للإحاطة كقمتم ثلاثتكم ، فإن قلت : يلزمه إيلاء كل للعوامل ، وهو شاذ قلت : إنما يكون كذلك على القول بأن عامل البدل مقدر ، وأما على القول بأنّ عامله عامل المبدل منه فقيل لا يلزم ذلك ، وفيه نظر فالأحسن أن يقال إنه إنما يكون كذلك إذا كانت على هيئة تكون فيها توكيداً وليست هنا كذلك وفي تقدم مثل هذه الحال خلاف للنحاة فجوّزه بعضهم مطلقا ، وبعضهم إذا تقدم على الحال المبتدأ ومنعه آخرون وقد وقع لابن الحاجب تجويزه في بعض كتبه ومنعه في بعضها وقد يوفق بينهما بأن المنع على تقدير عمل الظرف لنيابته عن متعلقه ، والجواز على جعل العامل متعلقه المقدر فيكون لفظيا لا معنويا وقوله : كما يعمل في الظرف المتقدّم فإنه جائز للتوسع فيه كما في المثال المذكور فإن كان يوم منصوب على الظرفية وعامله لك الواقع خبراً عن ثوب المبتدأ النكرة المسوغة بتقدم خبرها. قوله : ) بأن أدخل أهل الجنة الخ ) أو بأن قدر عذابا لكل منا لا يدفع عنه ، ولا يتحمله عنه غيره وهذا أنسب بما قبله ،
وقوله : لا معقب أي لا رادّ له ولا اعتراض عليه ، وقد مز تفسيره وقوله : لخزنتها إشارة إلى أن المحل محل إضمار لضمير النار المتقدمة فوضع هذا موضعه للتهويل فإنها أخص من النار بحسب الظاهر لإطلاقها على ما في الدنيا أو لأنها محل لأشد العذاب الثامل للنار وغيرها ، وقوله : أو لبيان محلهم أي الكفار وهذا أنسب من كونه للخزنة كما قيل : وهذا بناء على أنها علم لأسفل محالها والأوّل على أنه علم لها مطلقا وهما قولان وجهنام معروف بكسر الجيم وتشديد(7/375)
ج7ص376
النون بعدها ألف البئر العميقة ، وهي عربية وقيل إنها معربة. قوله : ) قدر يوم ( أي مقدار يوم من أيام الدنيا ، وف!تمره به لأنه ليس في الآخرة ليل ولا نهار ، وقوله : شيئا من العذاب يعني أنّ مفعوله مقدر ومن تحتمل البيان والتبعيض وكلام المصنف محتمل لهما أيضا ، وإذا كان يوما مفعولاً فتقديره ألم يوم وشدة يوم ونحوه أو المراد يدفع عنا يوماً من أيام العذاب فتأمل. قوله : ( إلزامهم للحجة الخ ( يعني المقصود من الاستفهام التوبيخ ، وقوله : فإنا لا نجترئ فيه يعني ليس المقصود أمرهم بالدعاء بل امتناعهم من الدعاء مع التوبيخ وامتناعهم منه يتضمن إقناطهم من الإجابة لهم ، والمراد بقوله : أمثالكم الكفرة ، وقوله : لإيجاب تفسير للضياع ، وقوله : الانتقام لهم سواء في حياتهم أو بعد مماتهم كما أباد بختنصر بني إسرائيل بعد قتلهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وقوله : وما دعاه الكافرين يحتمل أن يكون من كلام الخزنة أو من كلام الله إخبارا لنبيه جمتي ، وهو أنسب بما بعده وقوله : في الدارين تفسير للحياة الدنيا وما بعده. قوله : ( ولا ينتقض ذلك ) أي كون الله ناصرا لرسله ، وقوله : بما كان لأعدائهم أي للكفرة من الغلبة أي الغالبية ، وكون الضمير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والغلبة بمعنى المغلوبية على أنه مصدر المجهول خلاف المعروف من معناه ، وهذا في الدنيا فإنّ الحرب فها سجال وامّا في الآخرة فلا تتخلف نصرتهم ، ولذا دخلت في على الحياة دون قرينة لأن الظرف المجرور بفي لا يستوعب كالمنصوب على الظرفية كما ذكره الأصوليون ، وقوله : الإشهاد الخ اختلف في جمع فاعل على أفعال مع عدم اطراده بالاتفاق ، ومن لم يجوّزه يقول في مثله إنه جمع فعل مخففا من فاعل كشهد ، وقيل هو جمع شاهد فهو جمع الجمع فما ذكره المصنف
قيل يجوز أن يكون قصراً للمسافة ، وهو خلاف الظاهر من كلامه هنا والتصريح من قوله في صورة الإنسان إن الأبرأر جمع بر كأرباب وبارّ كإشهاد ، وقيل : أشهاد جمع شهيد كاً شراف جمع شريف ، وقوله : والمراد بهم أي بالأشهاد من يشهد على تبليغ الرسل وقد فسر في هود بالجوارج كما مرّ. قوله : ) وعدم نفع المعذرة الخ ) الوجه الأوّل على أنه لنفي النفع فقط ، والثاني على أنه لنفي النفع ، والمعذرة كما مرّ في ولا شفيع يطاع ، وقوله : لأنه في بعض النسخ لأنها والصحيح الأولى ، وان كان كل منهما ضمير شان ، وقد قيل عليه إنه قال في التحريم في تفسير قوله : { لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ } [ سورة التحريم ، الآية : 7 ] إما أنه لا عذر لهم أو لأن العذر لا ينفعهم فلا وجه لتعليل عدم النفع هنا بعدم الإذن ولا جعله مقابلا للبطلان فالأولى أن يقول لعدم تعلق إرادته بالنفع مع أن ما ذكره هنا مخالف لقوله في المرسلات { وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ سورة المرسلات ، الآية : 36 ] في جواب لا يؤذن لهم لإيهامه إن لهم عذرا لكن لم يؤذن لهم فيه فتأمل في التوفيق مستعينا بولي التوفيق وقراءة تنفع بالتاء ظاهرة وقراءة الياء لأنه مصدر وتأنيثه غير حقيقي مع أنه فصل منه. قوله : ( جهنم ( تفسير للدار وسوءها ما يسوء فيها من العذاب فإضافته لامية أو هو من إضافة لصفة للموصوف أي الدار السوأى وقوله : ما يهتدي به على أنه مصدر تجوّز به عما ذكر أو جعل عين الهدى مبالغة فيه ، وتركنا عليهم الخ يعني أنه جعل مجازا مرسلاً عن الترك لأنه لازم له أو هو استعارة تبعية له ، وقوله : هداية وتذكرة الخ إشارة إلى أنه مفعول له أو حال لتأويله بالصفة ، والإشارة في قوله من ذلك للهدى ، وقوله : بعده أي بعد موته لأن الإرث ما يؤخذ بلا كسب بعد الموت فهذا أتم للشبه فلا وجه لما قيل ولو فره بقوله : جعلنا بني إسرائيل آخذين الكتاب عنه بلا كسب ليشمل من في حياته كما يقال العلماء ورثة الأنبياء كان أولى. قوله : ( لذوي العقول السليمة ( خصهم لأنهم المنتفعون به وإلا فهدايته عاقة كما مرّ مثله مراراً ، وقوله : فاصبر الخ الظاهر أنه بتقدير إذا عرفت ما قصصناه عليك للتأسي فاصبر وإليه أشار بقوله : واستشهد بصيغة الماضي ، أو هو بصيغة الأمر والمعنى اجعله شاهداً لك ولنصرنا لك فالنصر له أو عام له وللمؤمنين ، وقوله : أقبل على أمر دينك بالدال المهملة والياء المثناة التحتية والنون وفي بعض النسخ بالذال المعجمة والنون والباء
الموحدة ، والظاهر أنه تحريف لأن تعبيره غير ملائم له كما لا يخفى على من له فطنة سليمة إذ مراده تأويل ما في النظم ، من إضافة الذنب له مع عصمته وطهارته عن دنس الآثام بأن المراد أمره بالإقبال على الدين وتلافي ما ربما يصدر مما يعد بالنسبة له ذنبأ ، وإن لم يكنه فقوله : تدارك بصيغة الأمر أو المصدر ، وقوله : بترك متعلق بفرطات وهو ما صدر عن غير قصد وتعمد تام والاهتمام(7/376)
ج7ص377
إن كان تدارك مصدار فهو معطوف عليه ويجوز عطفه على الأولى ، وقوله : بالاستغفار بتدارك وقوله : فإنه تعالى كافيك الخ تعليل لما قبله من قوله : أقبل الخ ولا ينافي ما ذكر كونه تعليماً لأمّنه. قوله : ( ودم على التسبيح الخ ) يعني بالعشيّ ، والإبكار كناية عن دوام تسبيحه كما يقال بكرة وأصيلا وقد مرّ مثله وتحقيقه أو هو تخصيص للوقتين على أن المراد بالتسبيح الصلاة بناء على ما ذكره والقائل بعدم فرض الصلوات الخمس بمكة الحسن لا غير ، وقد مرّ في الروم أنه يقول كان الواجب ركعتين في أفي وقت اتفق وكله مخالف للصحيح المشهور فيجوز أن يراد الدوام ، ويراد بالتسبيح الصلوات الخمس ولذا ذهب الحسن رحمه الله بناء على مذهبه إلى أن هذه الآية مدنية على التخصيص يجوز إرادة التسبيح بمعناه الحقيقي أيضاً. قوله : ( عام في كل مجادل مبطل ( البطلان مأخوذ من كونه بغير سلطان أي حجة ، وقوله : وان نزل الخ لأنّ السبب لا يخصص ومن قال : نزلت في اليهود يجعلها مدنية كما مرّ ، وقوله : حين قالوا الخ المراد بصاحبنا النبيّ المبشر به في الثوراة فالإضافة فيه لأدنى ملابسة ، والمسيح ابن داود والدجال لأنه من اليهود كما ورد في الأحاديث ويسمى المسيح بالحاء المهملة فقيل : لشؤمه لأنه يطلق المسيح على من فيه شؤم وقيل لكونه أعور والمسيح هو من مسح وجهه بأن لم يبق في أحد شقيه عين ولا حاجب كما في كتاب العين ، ونقل ابن مأكولا عن الصوري أنّ المسيح بالحاء المهملة عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ، وأمّا اسم الدجال فهو مسيخ بالخاء المعجمة من المسخ. قوله : ( إن في صدورهم ( أي في قلوبهم فأطلقت عليها للمجاورة والملابسة ، وقوله : أو إرادة الرياسة تفسير للكبر معطوف على قوله : تكبر فيكون
مجازاً عنه لما بينهما من التلازم ، وقوله : أو أنّ النبوّة الخ معطوف على الرياسة بأو العاطفة ، وقوله : ببالغي دفع الآيات فالضمير عائد إليه لفهمه من المجادلة إذ هو المقصود منها والجملة مستأنفة على هذا فإن كان الضمير للمراد جاز ذلك وكونه صفة كبر أيضا ، وقوله : إنه الخ تعليل للأمر قبله. قوله : ( فمن قدر على خلقها ( أي خلق هذه الأجرام العظيمة وفي نسخة خلقهما وهما بمعنى ، وقوله : من غير أصل أي مادة ونحوها ، وهو تفسير لقوله : أوّلا أي ابتداء ، وقوله : من أصل بناء على أنه ليس بمعدوم الأصل والمادة ولو عجب لذنب الذي منه يخلق خلق النخلة من النواة. قوله : ( لا شكل ما يجادلون فيه من أمر التوحيد ( وفي نسخة بأمر التوحيد بالباء بدل من والمقصود كما صرّح به الزمخشريّ بيان اتصال هذه الآية بما قبلها لأنه لما ذكر قبله التوحيد وما يثبته ونعى على المشركين شركهم ، ثم فذلك قبيل هذه الآية بأق مجادلتهم كلها إنما دعاهم لها التكبر بغير حق ، والطمع فميا لا ينالونه عقبه بما ذكر مما يثبت أمر البعث كما في قوله : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم } [ سورة يس ، الآية : 81 ] الآية لأنّ اللازم بعد الإيمان باللّه ووحدانيته معرفة أمر المبدأ والمعاد هذا ما أراده بلا مرية لك الكلام في عبارته ، أمّا على نسخة الباء فهو واضح لأن أشكل بمعنى أشبه كما تقول هذا من أشكاله أي أشباهه وإضرابه وهي متقاربة المعنى يعني إنه شيء بأشبه شيء بأمر التوحيد ، وأقربه في كثرة المجادلة في شأنه وكونه من ألزم اللوازم معرفته وعلى النسخة الأخرى فأشكل بمعناه السابق أيضاً لكنه ضمن معنى أقرب فتعلقت من به بهذا الاعتبار وهذا أصح مما قيل إن من متعلق بأشكل والمعنى إنه أصعب من أمر التوحيد في مجادلتهم فإنه ظاهر لا يحتاج لبيان بطلان مجادلتهم فيه بخلاف هذا فلذا خص بالبيان ، وأمّا ما قيل إنّ معنى الآية خلق هذه الأمور أكبر من خلقهم فما بالهم يجادلون ، ويتكبرون على خالقهم فقليل الفائدة والجدوى. قوله : الأنهم لا ينظرون الخ ( إشارة إلى ما ذكره الراغب في الغرة من أنّ ما قبله لما كان لإثبات البعث الذي يشهد له العقل ناسب نفي العلم عن الناس ممن كفر به لأنهم لو كانوا من العقلاء الذين من شأنهم التدبر والتفكر فيما يدل عليه لم يصدر عنهم مثله ، ولذا لم يذكر له مفعولاً لأنّ المناسب للمقام تنزيله منزلة اللازم. قوله : ( الغافل والمستبصر ( يعني أن الوصفين المذكورين مستعاران لمن غفل عن معرفة الحق في مبدئه ، ومعاده ومن كان له بصيرة في معرفتهما ولذا قدم الأعمى لمناسبته لما قبله من نفي النظر ، والتأمّل وقدم الذين آمنوا لمده لمجاورة البصير ، ولشرفهم وفي مثله ظرف أن يجاور كل ما يناسبه كما هنا وأن يقدم ما يفايل الأوّل ويؤخر ما يقابل الآخر كقوله : { { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ }(7/377)
ج7ص378
وأن يؤخر المتقابلان كالأعمى والأصئم والبصير والسميع والكل جائز وأما تفسيره بالصنم والله كما مرّ في سورة فاطر فغير مناسب هنا. قوله : ) والمحسن والمسيء ( الأوّل تفسير للذين آمنوا ولذا قابله بالمسيء فعدل عن التقابل الظاهر إشارة إلى أنهم علم في الإحسان ففيه لف ونشر لما قبله غير مرتب ، وقوله : فينبغي أن يكون الخ إشارة إلى أن المقصود من عدم استوائهما ليس تفاوت حالهم في الدنيا بل في دار الجزاء بعد البعث لأنه لو لم يكن ذلك كان خلقهما عبثا منافياً لحكمة الصانع الحكيم ، ولذا ذكره بعد الحجة على المعاد وعقبه بقوله : قليلا ما يتذكرون. قوله : ) وزيادة لا في المسيء الخ ( ليس المراد إنها زائدة رأسا بل إنها أعيدت تذكيراً للنفي السابق لما بينهما من الفصل بطول الصلة لأنّ المقصود بالنفي إنّ الكافر المسيء لا يساوي المؤمن المحسن وذكر عدم مساواة الأعمى للبصير توطئة له ، ولو لم يعد النفي فيه ربما ذهل عنه وظن أنه ابتدأ كلام ولو قيل : ولا الذين آمنوا والمسيء لم يكن نصاً فيه لاحتمال أنه مبتدأ قليلا ما يتذكرون خبره وجمع على المعنى فما قيل من أن المقصود نفي مساواته للمحسن لا نفي مساواة المحسن له إذ المراد بيان خسارته فلذا اكتفى بالنفي السابق في الذين آمنوا فيه أن المراد نفي المساواة من الطرفين فتأمل. قوله : ( والعاطف الثاني عطف الموصول الخ ( إشارة إلى أنّ المراد عطف المجموع على المجموع كما في قوله هو الأوّل والآخر والظاهر ، والباطن ولم يترك العطف بينهما لأنّ الأوّل مشبه به والثاني مشبه فهما بحسب المآل متحدان فكان ينبغي ترك العطف بينهما لأنّ كلاً من الوصفين مغاير لكل من الوصفين الآخرين وتغاير الصفات كتغاير الذوات في صحة التعاطف كما مرّ ووجه التغاير أنّ الغافل والمستبصر والمحسن ، والمسيء صفات متغايرة المفهوم بقطع النظر عن اتحاد ما صدقها ، وعدمه ولا حاجة إلى القول بأن القصد في الأوّلين إلى العلم وفي الآخرين إلى العمل ، وقوله : أو الدلالة بالصراحة الخ هذا بناء على اتحادهما في الما صدق ولكن لما بينهما من التغاير الاعتباري إذ أحدهما صريح والآخر مذكور على طريق التمثيل عطف وفيه نظر لأنه لو اكتفى بمجز هذه المغايرة لزم جواز عطف المشبه على المشبه به وعكسه. قوله : ( تذكر إئا قليلاَ ) يعني أنّ نصبه ونه صفة مصدر مقدر ، وقوله : على تغليب المخاطب الخ الظاهر جريانه على الوجهين لأن بعض الناس أو الكفار مخاطب هنا والتقليل أيضاً يصح إجراؤه على ظاهره لأن منهم من يتذكر ويهتدي لإسلامه وجعله بمعنى النف على كونه ضمير الكفار أولى كما أنه على حقيقته إذ رجع للناس ،
وأمّا تخصيص التغليب بما إذا رجع للناس والالتفات بما إذا رجع للكفار فلا وجه له وفي الالتفات إظهار للعنف لأنّ الإنكار مواجهة أشد ولذا قيل :
لقدأجلك من يرضيك ظاهره وقدأضاعك من يعصيك مستترا
فهو أبلغ من التغليب فمن قال إنّ هذه النكتة توجد في التغليب مع التعميم فيكون أبلغ لم
يميز وجه الأبلغية فيه حتى يعرف جريانهما فيهما ، والظاهر أنّ المخاطب من خاطبه تخييه من قريش فمن قال المخاطب النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله : " فاصبر " ولا يناسب إدخاله فيمن لم يتذكر فقدمها ، وأمر الرسول بتقدير قل قبله فلا يكون التفاتا. قوله : ( لوضوح الدلالة الخ ( وما ذكر ينفي الريب والشبهة لأنّ ما دل البرهان الواضح على جوازه كما مرّ مرارا من الآيات وأجمع على وقوعه الرسل عليهم الصلاة والسلام ، لا ينبغي لعاقل الشك فيه وقوله يحسون به أي يدركونه بالحواس الظاهرة وعداه بالباء لأنه بمعنى الشعور. قوله : ( اعبدوتي ( فسر الدعاء بالعبادة والاستجابة بالإثابة واطلاق الدعاء على العبادة مجاز لتضمن العبادة له لأنه عبادة خاصة أريد به المطلق وجعل الإثابة لترتبها عليها استجابة مجازاً أو مشاكلة وإنما أوّل به لأنّ ما بعده يدل عليه إذ لو أريد ظاهره قيل : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } ليحسن الاستئناف التعليلي فلزم إمّا جعلى ادعوني بمعنى اعبدوني أو عبادتي بمعنى دعائي واختار تأويل الأوّل قبل الحاجة إليه لأن المقام يناسبه الأمر بالعبادة ، ومعنى صاغرين أذلاء. قوله : ) كان الاستكبار الصارف عنه الخ ( أي نزل الاستكبار عن العبادة الصارف عن الدعاء لأنّ من استكبر عن عبادة الله كان كافراً ، ولا يدعوالله مثله فنزل الاستكبار عن العبادة(7/378)
ج7ص379
منزلة عدم الدعاء وعبر به عنه للمبالغة بجعل عدم الدعاء كأنه كفر فلذا أقيم مقامه والفرق بينه وبين ما بعده إنّ العبادة ليست في هذا مجازا بل الاستكبار عنها فتدبر. قوله : ( أو المراد بالعبادة ) أي تجوّز في الثاني فعبادتي بمعنى دعائي فأطلق العبادة ، وأريد بها فرد خاص من أفرادها ، وهو الدعاء وهو مجاز أيضا ولو قيل لا حاجة إلى التجوز لأنّ الإضافة المراد بها العهد هنا فيفيد ما ذكر من غير تجوز لكان أحسن. قوله : ( لتستريحوا الخ ( يعني تسكنوا من السكون لا السكنى ، وقوله : بأن الخ بيان لسبب ذلك بأنه لغيبوبة الشمس غلب عليه البرد والظلمة فأدّى برده إلى ضعف القوى المحركة وظلمته إلى هدوّ الحواس الظاهرة أي سكونها ففي قوله ليؤذي الخ لف ونشر. قوله : ( يبصر فيه أو به ( يعني أن
النهار إمّا ظرف زمان للأبصار أو سبب له وعليهما فإسناد الأبصا له بجعله مبصرا إسناد مجازقي لما بينهما من الملابسة ، وعدل إليه للمبالغة بجعل بصر المبصر لقوّته أثر فيما يلابسه حتى كأنه مبصر أيضا ، ولذا لم يقل ليبصروا فيه كما في قرينه ، فإن قلت لم ترك هذه المبالغة في الأوّل فلم يقل فيه ساكنا قلت قد أجيب عنه بوجوه فقيل : إنّ نعمة النهار أتتم وأعظم فكان أولى بالمبالغة وقيل لأنه يوصف بالسكون ، وإن كان لسكون الريح فيه غالبا لكنه شاع حتى صار بمنزلة الحقيقة في وصفه به أو لأنه دلّ على فضل في الأوّل بتقديمه فجبر الثاني بالمبالغة المذكورة ، وأما كونه من الاحتباك وأصله مظلما لتسكنوا فيه ومبصراً لتبتغوا من فضله فمثله لا يقال بسلامة الأمير. قوله : ( لا يوازبه فضل ( بالياء التحتية أي لا يقابله ويقاومه أو بالنون يعني إنّ التنوين والتنكير للتعظيم ، والمقصود هنا تعظيم فضله وأنعامه بذكره بعدما عدد منه ، ولذا لم يقل لمفضل لأنه يدل على تعظيم ذاته صراحة دون فضله ، وليس هذا بمقصود هنا مع أنّ اسم الله يكفي فيه ففي قوله للإشعار به مضاف مقدر أي لقصد الإشعار به. قوله : الجهلهم الخ ( أي لعدم علمهم بحقه لأنهم لو علموا حقه وأنه هو المنعم كان ذلك شكرا واغفال مواقع النعم عدم رعاية حقوقها ، وقوله : لتخصيص الكفران بهم قال الشارح المحقق : هو من إيقاعه على صريح اسمه الظاهر الموضوع موضع الضمير الدال على أنه شأنه ، وخاصته في الغالب لا بمعنى التخصيص الحصري كما توهمه العبارة لأنه لا يناسب المقام فلا دلالة للفظ عليه. قوله : ( المخصوص بالآفعال الخ ) يشير إلى أنّ اسم الإشارة جعل مبتدأ ليدل على ثبوت ما أخبر به عنه لدلالته على الذات المتصفة بما سبق من التفضلي بما مز من النعم الجسام ولا يكون إلها معبودا إلا من هو كذلك وليس فيما ذكر دلالة على أن لفظ الجلالة صفة لاسم الإشارة كما قيل حتى يلزم مخالفة ما ذكره النحاة ويدعى أنه خالفهم نظراً لأصله بل هو إلى الخبرية أقرب منه إلى ما ذكر ، وقوله : الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو أخبار مترادفة صريح فيه ، وقوله : لا فائدة في الأخبار به مع عدم إنكار الكفار غير متوجه لأنّ معنى ذلكم المتصف بهذه الصفات هو الإله المعبود لا غيره كما يفيده تعريف الطرفين والمشركون منكرون للتوحيد الذي يدلّ عليه الحصر المستفاد من تعريف الطرفين. قوله : ( تخصص! اللاحقة السابقة ( المراد بالتخصيص تقليل الاشتراك في المفهوم نظراً إلى أصل الوضع فإن الله المعبود بحق وهو شامل للمربى المنعم وغيره فذكر الرب للتخصيص به وهو أيضا شامل لخالق جميع المخلوقات ، وغيره فما بعده اختص به فلا يرد عليه أنّ الله دال على استجماع جميع صفات الكمال فلا حاجة
للتخصيص بغيره ، ثم إنه في الأنعام جوّز في بعضها الوصفية والبدلية إلا أنه فيها أخر خالق كل شيء عن قوله : لا إله إلا هو وقدم هنا ولا بد له من نكتة وهي أن المقصود هنا الرد على منكري البعث فناسب تقديم ما يدلّ عليه ، وهو أنه مبدأ كل شيء فكذا إعادته والمراد بالتقرير التوكيد وليس المراد بالتخصيص مصطلح النحاة بل تقدير أعني أو أخص فتأمّل. قوله : ( استئنافاً ) على هذه القراءة وعلى الأولى هو خبر ، وقوله : كالنتيجة لأنّ ما قبله يدل على ألوهيته وتفرّده با لألوهية كأنه قيل : الله متصف بما ذكر من الصفات ولا إله إلا من اتصف بها فلا إله إلا هو. قوله : ( ومن أقي وجه ) تفسير لما قبله لأن أني اسم اوضع للاستفهام عن الجهة تقول أنى يكون هذا أي من أيّ وجه ، وطريق كما في المصباح فهو لإنكار جهة يأتي منها وهو أبلغ من إنكاره فالوجه في كلامه بمعنى الجهة وهو أحد معانيه. قوله : ) أي كما أفكوا أفك الخ ) ما موصولة أو مصدرية وفيه إشارة إلى أن(7/379)
ج7ص380
المضارع بمعنى الماضي ، والعدول عنه لاستحضار صورته لغرابته ، وقيل إنه للإشعار بأنه ينبغي أن يكون مما لا يتحقق وقوعه وفيه نظر ، وقوله بناء أي مبنية وقد فسرت هنا وفي البقرة بالقبة المضروبة لأنّ العرب تسمى المضارب أبنية فهو تشبيه بليغ وهو إشارة لكريتها ، وقوله : استدلال ئان والأوّل هو قوله الله الذي جعل لكم الليل الخ.
قوله : ( منتصب القامة ) أفرده على تأويل كل فرد وبادي البشرة لا مغطي بالشعر والوبر والمراد بالتخطيطات جمع تخطيطة مقابل ما يتقل بالأعضاء كالحواجب ، والأصداغ والشوارب في الرجال والأظفار والهيآت المصوّرة وهذا بيان للمحاسن المحسوسة الظاهرة ، وما بعده للمعنوية الباطنة ، وفسر الطيبات باللذائذ ، وقد فسرت بالحلال أيضاً. قوله : ) فإنّ كل ما سواه مربوب الخ ) فسر المربوبية بافتقار جميع الموجودات إليه ابتداء ، وبقاء لأنّ الممكن في كل آن عرضة للزوال لولا استناده إلى ذي الجلال المتعال كما سيأتي تحقيقه في سورة تبارك. قوله : ( فاعبدوه ( تقدّم أنّ الدعاء ورد بمعنى العبادة كعكسه وفسره به هنا من غير تعرض للاحتمال الآخر لأن قوله مخلصين له الدين يقتضيه ، ولأنه هو المترتب على ما ذكر من أوصاف الربوبية
الألوهية ، وإنما ذكر بعنوان الدعاء لأنّ اللائق هو العبادة على وجه التضرّع والانكسار والخضوع. قوله : ) أي الطاعة ( تفسير للدين ، وقوله : من الشرك والرياء متعلق بمخلصين وقوله : قائلين له قدر هذا في الكشاف قبل قوله : الحمد لله على أنه من كلام المأمورين بالعبادة قبله ، ويجوز كونه من كلامه تعالى على أنه إنشاء لحمد ذاته بذاته فإن كان هذا متعلقا بما قبله فلا وجه لتأخيره ، وذكر له إلا أن يكون هذا من تحريف الكاتب فإن تعلق بما بعده ففيه بعد إذ لا حاجة لتقديره إلا لارتباطه بما قبله فتأمله. قوله : ( من الحجج والآيات الخ ) يعني المراد من البينات ما يدل على التوحيد من البراهين العقلية ، وهو المراد بالحجج والسمعية وهو المراد بالآيات ، وليس هذا مبنياً على الحسن والقبح العقليين كما يتوهم لأنّ إثبات الصانع ووحدانيته إنما تثبت بالعقل عندنا أيضاً لئلا يلزم الدور لو توقف على الأدلة السمعية ، وقوله : فإنها مقوية الخ إشارة إلى دفع ما يرد من الاعتراض على تعدد الأدلة بأنّ الثاني لا يفيد حينئذ لحصول اليقين بالأوّل ومبناه على أنّ اليقين يقبل زيادة القوّة ، والاطمئنان فلا يرد عليه أنه مبنيئ على الاعتزال كما توهم ثم إنّ الآية إن كانت لإرشاد الأمّة فظاهر ، وان كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فهو مما لا يتصوّر منه فالمراد به إنه أكمل الناس عقلاً وقد خلق مبرّأ منه وقامت لديه شواهد العقل حتى كأنها نهته عنه ، وذلك قبل ورود الآيات السمعية فلا معنى لترتيبها عليها ، وإنما المترتب عليها تقوية ذلك والتنبيه عليه أو الدعوة إليه ، واظهاره وقوله إن انقاد في إخلاص ديني وفي نسخته وأخلص ديني بالعطف وفيه إشارة إلى أنّ الأمر للإرشاد والدوام على قوة ما اقتضاه فطرته المنقادة من دنس الآثام. قوله : ( أطفالاً ) هو تفسير للمعنى المراد منه لأنه اسم جنس صادق على القليل والكثير ، وفي المصباح قال ابن الأنباري : ويكون الطفل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والجمع كقوله أو الطفل الذين لم يظهروا الآية ويجوز فيه المطابقة أيضا أو هو بتأويل خلق كل فرد من هذا النوع ، وقد مرّ بيان المراد من خلقهم من التراب ، وقوله : وكذا في قوله : يعني له متعلق آخر مقدر وإنما قدره لأنه محتمل لأن يكون المراد أن منهم من يبلغ الأشد فقط ومنهم من يزيد عليه والأشدّ تقدم تفسيره ، وقوله : وقرأ نافع الخ والباقون الأكثر بكسر الشين وفي نسخة وقرئ شيوخا بالكسر ، وقيل عليه التعبير عن قراءة الأكثر بصيغة المجهول غير معقول ولا مقبول والأمر فيه سهل. قوله : ( ويفعل ذلك لتبلغوا الخ ) ذلك إشارة إلى خلقهم من
تراب وما بعده من الأطوار والجار والمجرور متعلق به ، وهو معطوف على خلقكم ، ويجوز عطف الأوّل على علة مقدرة كخلقكم لتعيشوا ونحوه وعطف ما بعده عليه. قوله : ) هو وقت الموت أو يوم القيامة ) ظاهره يميل لترجيح الأوّل لأنه أنسب بالسياق لأنّ خلقهم للعبادة ، ثم الجزاء عليها إمّا أنه ليبلغوا القيامة فلا يتبين له وجه إلا بالترتيب على الأجل الأوّل أعني الموت فكما يترتب الجزاء على العبادة يترتب وقت الجزاء على الوقت قبله فإن صح لت!بلغوا موقف الجزاء صح لتبلغوا أجل الموت لكن الملاءمة مع القرائن تنبني على ترجيح هذا الوجه ، وهو الحق لأنّ وقت الموت فهم من ذكر التوفي قبله ، وليس المراد من يوم القيامة(7/380)
ج7ص381
إلا ما فيه من الجزاء ولأنّ الآية تكون جامعة للأطوار البشرية من مبدأ أمره إلى آخره لكنه جمل لشى المقصود بيان امتداد الأحوال إلى القيامة ، ولذا قيل لكل وجهة. قوله : ( ولعلكم تعقلون ( عطف على قوله : ولتبلغوا الخ ، وهذا مما يؤيد القول بأنها تكون للتعليل ، وقوله : ما في ذلك أي التنقل في الأطوار إلى الأجل المذكور ، وقوله : فإذا أراده أي أراد بروزه إلى الوجود الخارجي وإنما فسره بما ذكر لأنه هو المناسب لتعقيب التكوين له عليه فإنه يعقب إرادة الإيجاد ، وقوله : فلا يحتاج في تكوينه وخلقه إلى عدة بضمّ العين وتشديد الدال المراد به الآلة وهذا بيان للمعنى المراد به وأنه تمثيل كما مرّ تحقيقه. قوله : ) من حيث إنه يقتضي قدرة ذاتية الخ ( تعليل لترتبه على ما قبله فإنّ القدرة منسوبة إلى الذات وجميع الأشياء بالنسبة إليها على حد سواء فكما يسند إليها الآلات والعدد يستعد ما هي آلة ، وعدة له فلا يتوقف أحدهما على الآخر فتدبر ، وقد جوّز في هذه الفاء كونها تفصيلية وتعليلية أيضا فتأمّل. قوله : ( عن التصديق به ( أي بالله ووحدانيته بناء على أنّ المراد من آيات الله دلائل توحيده الدالة عليه ، ولو قال بها كان صحيحا أيضا بل هو أظهر كما قيل ، وقيل : إنه للأيات بتأويل الكتاب وقد سقط لفظ به من بعض النسخ ، وقوله : لتعدّد المجادل الخ يعني إنه يحمل في كل على معنى مناسب مغاير ففيما مرّ في البعث ، وهنا في توحيده أو يجعل مكرّراً للتأكيد للاهتمام بشأنه. قوله : ( الذين كذبوا ) بدل أو بيان أو صفة له أو منصوب على الذمّ أو خبر محذوف أو مبتدأ خبره فسوف يعلمون. قوله : ( من سائر الكتب ) إن أريد بالكتاب القرآن وما بعده إذا أريد ما بعده فهو لف ونشر مرتب ، وقوله ظرف ليعلمون يعني هو متعلق به ، وقوله : إذ المعنى على الاستقبال دفع لما يتراءى من
التنافي والتنافر بين إذ وسوف والأوّل باق على ظاهره لكن إذ هنا بمعنى إذا وعبر بها للدلالة على تحققه حتى كأنه ماض حقيقة. قوله : ( أو مبتدأ خبر 0 يسحبون ( أو مقدر أي في أرجلهم ، وقوله : وهو على الأوّل حال أي من ضمير يعلمون أو أعناقهم ، ويجوز أن يكون استئنافاً ، ويجوز أيضاً كونه خبر الأغلال وفي أعناقهم حال ، وقوله : اذ الأغلال تعليل والأغلال في أعناقهم ، وأعناقهم في الأغلال بمعنى وليس من القلب في شيء كما توهم كما أشار إليه المصنف فيما سيأتي ، وقوله : وهو على الأوّل أي إذا عطف السلاسل على الأغلال يكون جملة يسحبون حالاً لا خبراً محتاجا لتقدير العائد ، وقوله : بالنصب أي نصب السلاسل والمراد بسحبهم للسلاسل كونها طويلة تصل إلى الأرض. قوله : ( والسلاسل بالجرّ ( أي قرئ به كما قرئ بالرفع والنصب وهو على الجرّ من عطف التوهم لكنه إذا وقع في القرآن يسمى العطف على المعنى تأدبا كما يسمى الزائد صلة فيه. قوله : ( من سجر التنور إذا ملأه ( فالمراد احتراق ظاهرهم وباطنهم كما في قوله : { نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ } وهذا إذا كان الوقود مصدرا بمعنى الإيقاد والاحتراق فإن كان بمعنى ما يوقد وهو الحطب يكون كقوله في التكوير سجر التنور إذا ملأه بالحطب ليحميه فلا يخالف ما ذكر هنا ما ذكر ثمة كما قيل ، وما في الكشف من أنّ السجر من الأضداد أي هو أن يملأ بالوقود أو يفرغ منه ، والسجير بمعنى الصديق يجوز أخذه من كل منهما لأنه إذا ملئ حبا فرغ عن غيره وهو معنى ، وقوله في القاموس المسجور الموقد والساكن ضد لأنه إذا سكن من الوقد فقد فرغ من الاحترأق فمن قال إنه لا يوجد في اللغة وظن أنّ ما في القاموس مغاير له فقدسها. قوله : ) والمراد أنهم يعذبون بأنواع من العذاب الخ ) أي المراد بهذا ، وما قبله إنهم يعذبون بأنواع من العذاب لسحبهم على وجوههم في النار الموقدة ، ثم تسليط النار على باطنهم وأنهم يعذبون ظاهراً وباطنا فلا استدراك في ذكر هذا بعدما تقدم. قوله : ) وذلك عقبل أن تقرن بهم اكهتهم الخ ) يعني إن السؤال للتوبيخ وضلالهم بمعنى غيهم من ضلت دابته إذا لم يعرف مكانها وقد ذكر في آيات أخر أنهم مقرونون بهم كما في الكشاف فوفق بينهما بأنّ للنار طبقات ولهم مواقف فيها فيجوز غيبتها عنهم في بعضها ، ثم اقترانهم بها في بعض آخر أو ضلالهم استعارة لعدم نفعها لهم فحضورهم كالعدم فذكر على حقيقته في بعض! الآيات ، وعلى مجازه في آخر كما صزج به بعده. قوله :
( بل تبين لنا إنا لم نكن نعبد شيئاً ( اتفق الشيخان على هذا التفسير ، وقد جعله بعضهم بمعنى ما كنا مشركين وأنهم كذبوا لحيرتهم واضطرابهم كما مز في الأنعام(7/381)
ج7ص382
ومعنى قوله : كذلك يضل الله الكافرين إنه تعالى حيرهم حتى فزعوا إلى الكذب مع علمهم بأنه لا ينفعهم وادعى أن ما اختاره المصنف لا يلائم الإضراب وليس هذا بشيء معتد به فإن ما ذكر هو المناسب للسياق لأنه من مقول القول وقع جوابا عن السؤال عما عبدوه في الجواب بأن الآلهة الباطلة ليست بموجودة أو ليست بنافعة ، ثم أضربوا عن ذلك بأنها ليست شيئا معتداً به ، وقد فقدت في وقت كان يتوهم نفعها فيه أو ظهور عدم نفعها فالظاهر أنهم معترفون بخطئهم والندم حيث لا ينفع ، وقوله : يعتذ به يعني أنّ نفي الشيئية ليس على ظاهره إذ هو مقرر بل المراد به ذلك إمّا على تقدير صفة أو تنزيل الوجود منزلة العدم كما في قوله :
إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
قوله : ( مثل هذا الضلال ا لم يقل إضلال إشارة إلى أن الإشارة لما سبق في قوله : ضلوا
عنا لا لما بعده كما في أمثاله فتدبر. قوله : ) حتى لا يهتدوا الخ ( يعني أن المراد ضلالهم في الدنيا وهذا على مذهب أهل الحق وهو إشارة إلى تفسيره على الوجه الىشاني في الضلال ، وكونه بمعنى عدم النفع كما سنبينه وقوله أو يضلهم عن آلهتهم كذا في الكشاف ، وقال الشارح : المحقق فسره بذلك لا بالخذلان جرياً على مقتضى المقام لقوله : قالوا ضلوا عنا بمعنى غابوا عنها من ضلت الدابة إذا لم يعرف موضعها ، وهو مبنيّ على الجواب الأوّل من كون ضلالهم بمعنى غيبتهم وقت السؤال التوبيخي فقط أمّا على الثاني من كون الضلال عدم النفع فيتعين المصمير إلى الخذلان عنده ، وعندنا إلى أن المعنى مثل هذا الإضلال يضل الله الكافرين حتى لا يهتدوا إلى ما ينفعهم في الآخرة إذ ليس للحمل على مثل ذلك الضلال ، وعدم النفع بجعل الله الكافرين ضالين عن آلهتهم بمعنى عدم نفعهم للآلهة كبير معنى اهـ. قوله : ) حتى لو تطالبوا الخ ( أي لو طلبوا الآلهة وطلبتهم لم يتصادفوا بالفاء أي لم يلق بعضهم بعضاً وهو مبنيئ على الوجه الأوّل لكن قيل عليه إنّ قوله : ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق لا يلائم الإضلال بهذا المعنى ، ورد بأن مآل المعنى عليه خيبة ظنهم وانعكاس رجائهم في الآخرة حيث كانوا يعتقدون فيهم أنهم يلاقونهم وينفعونهم فيها فأخبر بأق ذلك لذلك ولا يخفى أنه على هذا يكون هو الوجه السابق بعينه إذ يرجع إلى عدم النفع فيكون رده وارداً عليه ، ومثله لا يخفى على الشارح المحقق فالحق في الجواب أن يقال الإشارة لا تتعين أن تكون للإضلال ، وذكره على أحد الوجهين وعلى غيره فهو إشارة إلى سحبهم في الأغلال ، وتسجيرهم في النار ونحوه
فتدبر. قوله : ( تبطرون وتتكبرون الخ ( بطر كفرح بطرا إذا أشرّ ونشط غروراً وعدم احتمال للنعمة وبغير الحق فسره بما ذكر ولو فسر بغير استحقاق للتكبر صح ، وبين الفرج والمرج تجنيس حسن والمرح كما قال الرغب : شدة الفرح والتوسع فيه كما في قوله : { وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا } . قوله : [ سورة الإسراء ، الآية : 137 ويقال : مرحى عند التعجب ، وقوله : للمبا لغة في التوبيخ لأنّ ذمّ المرء في وجهه تشهير له ، ولذا قيل النصح بين الملأ تقريع ، وقوله : الأبواب السبعة الخ إشارة إلى قوله تعالى : { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } [ سورة الحجر ، آية : 44 ] وقد مر تفسيره وقوله مقدرين الخ اشارة إلى أنه حال مقدرة وقد مز تحقيقه وقوله جهنم هو المخصوص المقدر قوله : ) وكان مقتضى النظم الخ ) يعني حين صدر الكلام بلفظ ادخلوا ناسب أن يجاء في العجز بمدخل ليتجاوبا وأجاب بأنه إنما لم يناسبه إذا اكتفى بقوله : ادخلوا غير مقيد بالخلود ولما قيد به كان معناه مع التقييد معنى مثوى فصح التجاوب ، وصار شبيهاً في المعنى بنحو صل في المسجد الحرام فنعم المصلي. قوله : ( المقيد بالخلودا لأنّ قيد القيد قيد كشرط الشرط أو لأنّ تقديره يؤل إلى التحقيق فلا يتوهم أنه قيد بتقدير الخلود لأنها حال مقدرة كما عرفت ، ومثل هذا الأمر مآله للاتحاد أيضا دون مجرّد الإيجاب والتفويض إلى الاختيار كأوامر التكليف. قوله : ( وما مزيدة لتثيد الشرطية ولذلك ( أي لتأكيدها بما جاز أن تلحقها نون التوكيد غالباً ، وقال الزجاج إنه واجب وردّ بسماعه غير مؤكد كقوله :
فإمّا ترني ولي لمة فإنّ الحوادث أودى بها
لا! إن الشرطية يكون ما بعدها غير متحقق لإفادتها التردد والتأكيد لا يناسب إلا التحقق
فإذا أكد دل على أنه مما يهتم ويعتنى به فيدخل في حكم المتيقن ، وقد نسب الجواز إلى سيبويه كما نقله أبو حيان على كلام(7/382)
ج7ص383
فيه ذكره المحشي لكنه هنا زيادة غير مهمة فلذا ضربنا عنه صفحا ، وقوله : ولا يلحق مع أن وحدها هذا قول لبعض النحاة وقد أجازه بعضهم على قلة. قوله : ) فنجازيهم بأعمالهم ( تفسير للمصير إلى الله ، وقوله : فذاك الظاهر أنه مبتدأ خبره مقدر
أي فذاك جزاؤهم ، وقوله : ويجوز أن يكون جوابا لهما الفرق بين الوجهين التشريك في الجزاء وعدمه ، والا فقوله : أو نتوفينك معطوف على نرينك على كلا التقديرين ومعنى كونه جواباً لهما أنه جواب لكل منهما استقلالاً لا لمجموعهما بأن يجعلا بمنزلة شرط واحد لأنه في العطف بالواو دون أو ، وان كانت للتسوية ولا يصح كونه جزاء للشرط الأوّل لعدم ارتباطه به ظاهراً ، وإن جوّزه بعضهم على معنى أن نعذبهم في حياتك ، أو لم نعذبهم فلهم في الآخرة أشد العذاب لرجوعهم إلى عزيز ذي انتقام وما ذكر في الرعد في قوله : { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ } [ سورة الرعد ، الآية : 14 من أن الجزاء للشرطين فقيل لأنه لأنّ الغرض ثمة إيجاب التبليغ وأنه ليس عليه سوى ذلك كيفما دارت الحال من إراءة الموعود بإنزال العذاب عليهم أو توفيك قبل ذلك ، وههنا التسلية ونفي الشماتة وبيان مدة الأمر بالصبر وإمّا أنّ أريناك الموعود فهو المطلوب لك ، والمقصود إذ كانت مطامح أنظار الهمم للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معقودة بذلك ، وإن لم يكن الآخر فلا تحزن فإنه منتقم منهم أشد الانتقام فتدبر. قوله : ( ويدل على شدّته الاقتصار الخ ) هذا يدل على أن الاهتمام بشأن عقاب الآخرة والدنيوية ، وقوعه وعدمه على حذ سواء ، وكلامه في الكشاف يدل على أن المهتم به عذاب الدنيا لا الأخروي لأنه كائن لا محالة وهو كلام حسن أيضا ولكل وجهة. قوله : ( في هذا المعرض ) وقع في نسخة بدله الغرض ، والمعرض بكسر الميم ووقع في شرح الشافية ضبطه بالفتح والصحيح الأوّل ومعناه هذا القبيل. قوله : ) إذ قيل عدد الأنبياء الخ ( والرسل منهم ثلثمائة وخمسة عشر جما غفيراً كما وقع في تتمة هذا الحديث ، وهو مروقي في كتاب الإمام أحمد ولا يخفى إن الواقع في النظم ذكر الرسول وهو أخص من النبيّ ، ولا يلزم من كون المقصوص من الأنبياء قصصه أقل مما ترك كون الرسل كذلك فكان عليه أن يتعرضر له معه أو يقتصر عليه كما قيل ، وكأنه اقتصر عليه إشارة إلى أنّ المراد بالرسل هنا الأنبياء فإنه ورد في القرآن مراداً به ذلك في مواضع عذة ، أو ترك ذكرهيم لعلمه بالقياس أو اتكالا على شهرة الحديث فتأمل ، وفي الكشاف عن عليّ كرم الله وجهه أن الله بعث نبيا أسود وهو ممن لم يقصص عليه وفي صحته نظر. قوله : ( فانّ المعجزات عطايا الخ ) هو جواب عما اقترحوه عليه من الآيات والقسم بكسر القاف جمع قسمة ، وقوله : خسر أي هلك أو تبين خسرانه ، والظاهر
هو الأوّل لأنّ عادة الله إهلاك من اقترح الآيات وعدم قبول إيمانه كما مرّ ، وبهذا ظهر تفريع قوله فإذا جاء الخ على ما قبله والمبطل من أبطل إذا جاء بالباطل وهو ضد الحق ، وقوله : بعد ظهور الخ متعلق باقتراج. قوله : ( فإن من جنسها ما يؤكل الخ ) في عد البقر مما يركب نظر لا يخفى إلا إنه معتاد في بعض الأتراك فما ذكره المصنف مبنيّ عليه ، وهو معتاد عند أهل الأخبية منهم كما ذكره بعضهم ، ولو ذكر الخيل بدله جاز وأتى بالكاف في المأكول لأنه بقي منه المعز ونحوه بخلاف المركوب ومن في قوله منها تبعيضية كما أشار إليه المصنف رحمه الله أو ابتدائية. قوله تعالى : ( { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ) قال الشارح المحقق قدس سرّه : هذه الجملة حالية لكنه يرد على ظاهره إن فيه عطف الحال على المفعول له ولا محيص عنه سوى تقدير معطوف أي وخلق لكم الأنعام منها تأكلون ليكون من عطف جملة على جملة ) أقول ا لم يلح لي وجه جعل هذه الواو عاطفة محتاجة إلى التقدير المذكور مع أن الظاهر إنها واو حالية سواء قلنا إنها حال من الفاعل أو المفعول حتى جعله بعضهم هربا من التقدير من العطف على المعنى فإنّ قوله : لتركبوا منها في معنى منها تركبون ، أو على العكس مع أنه تكلف لا يجري مثله على القياس والتقدير أسهل منه ، وقوله : ما يؤكل يعني ولا يركب ، وقوله : عليها وعلى الفلك أي على جنسها ، وقيل : إنه من نسبة ما للبعض إلى الكل وفيه نظر. قوله : ) كالغنم ( إشارة إلى أن الأنعام هنا الأزواج الثمانية لا الإبل خاصة كما في الكشاف ، لكن الظاهر ما ذهب إليه الزمخشري ، وكون المقام مقام امتنان مقتض للتعميم غير مسلم بل هو مقام استدلال كقوله : أفلا ينظرون إلى لإبل كيف خلقت ولا يأباه(7/383)
ج7ص384
ذكر المنافع فإنه استطرادي ، وقوله : ولتبلغوا الخ هو عامّ في الركوب وحمل الأثقال ، وأمّا قوله : وعليها فذكر توطئة لقوله وعلى الفلك ليجمع بين سفائن البرّ والبحر فلا تكررا فيه. قوله : ( وإنما قال على الفلك الخ ) يعني لم يقل في الفلك كما في قوله : { احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } [ سورة هود ، الآية : 40 ] لأنّ معنى الظرفية والاستعلاء موجود فيها فيصح كل من العبارتين والمرجح لهذا المشاكلة بينه وبين قوله عليها وهو المراد بالمزاوجة هنا ، ولذا اقتصر المصنف عليه لأنّ المصحح لا يتم بدونه ، ولذا لم يذكره في الكشاف ، وأما قول ابن الحاجب في الأمالي إن الاستعلاء فيه أظهر من الظرفية فلذا لم يورد بفي لأنّ الإنسان يسكن في أعلاه لا في باطنه كغيره ، وقوله : في الفلك المشحون لنكتة ذكرها فغير مسليم من أنه على تسليمه لا ينافي المشاكلة كما توهم. قوله : ( وتغيير النظم في اكل الخ ( يعني أن مدخول لام الغرض لا يلزم أن يترتب على الفعل فالتغيير إلى صورة الجملة الحالية مع الإتيان بصيغة الاستمرار للتنبيه على امتيازه عن الركوب في كونه من
ضروريات الإنسان ، ويطرد هذا الوجه في قوله : { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } لأنّ المراد منفعة الأكل واللبس وهو أيضاً مما يلحق بالضروريات وأيضا كان الأحسن تقديمه كما قيل ، ويدفع بأن مراده إنه فرق في التعبير بين ما هو ضروري صراحة ، وهو الأكل وغيره واطراده فيما ذكره لا يضرّ لأن الضروري غير مقصود منه لتقدمه ، وحديث التقديم والتأخير على فرض تسليمه يسير. قوله : ( إذ يقصد به التعيش وهو من الضروريات ) هكذا في بعض النسخ وفي أكثرها ، وقيل لأنه يقصد به التعيش الخ ، وهي المعتمدة عند أرباب الحواشي فيكون إشارة إلى ما في الكشاف ذكر الركوب وبلوغ الحاجة باللام بخلاف الأكل والحمل وسائر المنافع لنكتة لأن ما دخله اللام غرض متعلق للطلب وجنس الركوب ، وبلوغ الحاجة كذلك لأن فيه واجبا ومندوباً تتعلق به إرادة الحكيم بخلاف الأكل واصابة المنافع لأن منه ما هو مباح لا يتعلق به الطلب وهو مبنيّ ، كما قيل على أن كل مطلوب مراد وكل مطلوب ليس بلازم أن يكون مدخولاً مراداً ، ومدخول لام الغرض مراداً بتة وفيه ما فيه مع أنه لا بعد في دخول اللام على المباح كقوله في الليل : { لِتَسْكُنُوا فِيهِ } [ سورة يونس ، الآية : 67 ] والأولى أن المراد به بالأنعام الإبل وعمدة منافعها الركوب دون الأكل ومنافع الأوبار والألبان وتقديم منها وعليها للاهتمام والفاصلة دون الاختصاص ، وقيل : إنهم في الحال آكلون منتفعون بخلاف الركوب ولما مرّ مرضه المصنف وأيضاً الأكل قد يقصد به التقوّي على الطاعة كما أن الركوب قد يكون للتلذذ وهوى النفس ، وقوله : لأغراض دينية يعني فأدخلت عليه لام العلة ، والغرض للتنبيه على هذا الفرق. قوله : ( أو للفرق بين العين ) وهي المأكول ، والمنفعة وهي ما سواه والغرض في الحقيقة متعلق بالذات بالمنافع دون الأعيان فلا ينافي كون الأكل منفعة ، ولذا قيل لتأكلوا منه ، ومثله من المناسبات لا يلزم اطراده وهو معطوف على ما بعد قيل أو على ما قبله. قوله : ( فأيّ آيات الله تنكرون ( استفهام توبيخي ، وقوله : قدرته متعلقاً بضميره بتفدير تنكرونه فحينئذ الأولى رفعه لعدم احتياجه للتقدير من غير ضرورة ، وقوله : والتفرقة بين المذكر والمؤنث المستفهم منه أغرب من التفرقة في أسماء الأجناس كحمار وحمارة فإن الأكثر المعروف جريانه في الصفات المشتقة ، وقوله : لإبهامه لأنه اسم استفهام عما هو مبهم مجهول عند السائل ، والتفرقة مخالفة لما ذكر لأنها تقتضي التمييز بين ما هو مؤنث ومذكر فيكون معلوماً له فلذا لم يؤنث هنا كما في قوله :
بأي كتماب أم بأية سنة
وقوله أفلم يسيروا الخ مرّ تفسيره ، وب!ان ما وقع بالفاء والواو والفرق بينهما ، وقوله ما
بقي منهم أي من آثارهم والمصانع مجاري الماء وفسرت هنا بالحياض وهو الظاهر ، وقوله : وقيل آثار أقدامهم مرضه لأن مثلها لا يطول بقاؤه حتى يعتبر به من يراه. قوله : ( أو استفهامية ( والاستفهام المراد منه الإنكار وقوله : مرفوعة به أي بأغنى لأنها فاعلة له وما الموصولة لا إشكال في كون المحل من رفع وغيره لها على المشهور ، لىان قيل إنه لها وللصلة معا ، وإما ما المصدرية فلا محل لها وإنما المحل لها وللصله معاً لأنها في تأولل مصدر وحكمه كلمة واحدة ففيه تسمح اتكالاً على فهم السامع ، وقوله : الآيات الواضحات أي علامات النبوّة ، وهم أعتم مما قبله وفي نسخة عطفه لجاو وفي أخرى بالواو ولكل وجه ، وقوله : واستحقروا(7/384)
ج7ص385
علم الرسل فالمراد بفرحهم غرورهم بما عندهم حتى لزم منه استحقار ما عند غيرهم ، ولولا ملاحظة هذا المعنى لم يكن بين الشرط والجزاء ارتباط معنوي تام كما لا يخفى. قوله : ) والمراد بالعلم عقائدهم الخ ) أعمّ من أحوال الآخرة الواقع في هذه الآية إذ لا وجه للشخصيص كما في الكشاف ، والآية المذكورة مفسرة في محلها وقوله : وهو أي ذلك العلم مفهوم قولهم أو معلومة بتقدير مضاف فيه أو القول النفسي ، وقوله : وسماها أي سمي الأمر المذكورة علما في النظم هنا وفي تلك الآية ولا وجه لتخصيصه بإحدإهما. قوله : ( أو من علم الطبائع الخ ( يعني هو إشارة إلى من له فلسفة واعتقاد في التنجيم ، ونحو. فإنّ منهم من اغترّ بما عنده وترك متابعة الرسل عليهم الصلاة والسلام كما يحكى عن بعض حكماء اليونان ، وكان الظاهر ترك من لأنه معطوف على قوله عقائدهم لكنه معطوف على معنى ما قبله والتقدير فرحوا بما عندهم من علم الطبائع لاكتفائهم بها واستنكافهم عن متابعة الرسل. قوله : ( أو علم الآنبياء ( أي المراد بالعلم في قوله من العلم علم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فضمير عندهم للرسل والفرح بمعنى الاستهزاء كما صرّح به فيما بعده ، وقوله : وقيل الفرح أيضا للرسل والعلم أيضا علمهم كما في الوجه الذي قبله ، وقوله : وحاق الخ ففيه مضاف مقدر وهو جار على الوجهين وفيهما تفكيك للضمائر ، وقوله : بما كنا به مشركين أي إشراكا بسبب عبادته وهي الأصنام. قوله : ( فلم يك
ينفعهم إيمانهم ) قال المعرب : يجوز رفع إيمانهم اسما لكان وينفعهم جملة خبر مقدم ، ويجوز أن يرتفع بأنه فاعل ينفعهم وفي كان ضمير شأن وليس من التنازع في شيء ) وفيه بحث ا لأن الخبر إذا ألبس تقديمه الفاعل بالمبتدأ لم يجر تقدمه فتأمّل فيه. قوله : الامتناع فبوله حينئذ ( أي إنه تعالى بمقتضى حكمته قضى أنّ إيمان اليأس لا يقبل ، وقد تقدم فيه كلام فامتناع قبوله امتناع عاديّ كما يشير إليه قوله سنة الله لكنه قيل عليه إنه لا يناسبه تفسيره بل بيصح ويستقيم. قوله : ( والفاء الأولى لأنّ قوله الخ ) بيان للفا آت الأربعة وهي فما أغنى عنهم فلما جاءتهم فلما راً وا فلم يك فالأولى بيان عاقبة كثرتهم ، وشدّة قوّتهم وما يكسبون بذلك زعماً منهم أنّ ذلك يغني عنهم فلم يترتب عليه إلا عدم الإغناء ، وبهذا الاعتبار جعله الزمخشري نتيجة والمصنف كالنتيجة لأنه عكس! الغرض ، ونقيض المطلوب لكن لترتبه عليه نزل منزلتها والثانية تفسير وتفصيل لما أبهم وأجمل من عدم الإغناء ومثله كثير لأن التفسير بعد الإبهام كالتفصيل بعد الإجمال ، والثالثة لمجرّد التعقيب وجعل ما بعدها واقعاً عقبه لأنّ محصل قوله : فلما جاءتهم الخ إنهم كفروا فكأنه قيل : إنهم كفروا ، ثم لما رأوا بأسنا آمنوا والرابعة عطف على قوله : آمنوا دلالة على أنّ ما بعدها تابع لما قبلها من الإيمان عند رؤية العذاب كأنه قيل وآمنوا فلم ينفعهم إيمانهم أو النافع إيمان الاختيار ، ولذا جعلها المصنف في الأخيرتين سببية. قوله : ) سن الله ذلك ) أي عدم نفع إيمان اليأس ، وقوله : من المصادر المؤكدة كوعد الله وصبغة الله وقيل مفعول به بتقدير احذروا ، وقوله : وقت رؤيتهم الخ تفسير لهنالك اسم إشارة للمكان استعير للإشارة إلى الزمان وقوله : من قرأ الخ حديث موضوع وصلى عليه بمعنى دعا له ، تصت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاته وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة السجدة
تسمى سورة فصلت وسورة حم السجدة.
بسم الله الرحمن الرحبم
قوله : ( مكية ) بلا خلاف وعدد آياتها كما قال الداني خمسون وآيتان بصرى وشامي وثلاث مكي ومدني وأربع كوفي واختلافها اثنان حم عدها الكوفي ، ولم يعدها الباقون عاد وثمود لم يعدها البصري ، والشامي وعدها الباقون اهـ. قوله : ( إن جعلته مبتد " على أنه اسم السورة أو القرآن والخبر تنزيل على المبالغة أو التأويل المشهور ، وقوله خبر محذوف أي القرآن أو السورة أو هذا. قوله : ( ولعل افتتاح هذه السور السبع الخ ( بيان للنكتة في تصدير جميعها بحم دون أن تجعل فواتحها مختلفة ، أو لصدرية بعض منها دون بعض(7/385)
ج7ص386
سواء كانت حم اسم السورة أو القرآن أو حروفا مقطعة لاتحاد ما صدرت به من ذكر الكتاب ، ولاتحاد الغرض منها فما قيل إنّ هذا آخذ مما قل إنها اسم للقرآن فافتتاحها بما هو اسم من أسماء القرآن في الأصل لكونها مصدرة ببيان الكتاب والقرآن والتسمية بحم لتشاكلها في النظم ، والمعنى لا وجه له إذ هو تخصيص من غير داع وليس في كلام المصنف ما يدل عليه فالوجه ما ذ!ناه. قولى : ( وإضافة التنزيل الخ ) يعني تخصيص هذين الاسمين مع ذكر الكتاب المراد به القرآن المنتظم به أحوال الدارين ، ولا نعمة أعظم من ذلك فلذا صدر بلسمين دالين على أنه المتفضل فيهما كما مرّ تحقيقه دلالة على ذلك ، والإضافة لغوية لا نحوية. قوله : ( ميزت باعتبار اللفظ ( بفواصل الآيات ومقاطعها ، ومبادئ السور وخواتمها والمعنى بكونها وعداً ووعيداً وقصصا وأحكاما وخبرا وانثاء ، وقد جعل المصنف في سورة هود كلاً من اللفظ والمعنى تفسيرا مستقلا ، وأشار هنا إلى جواز الجمع بينهما إذ لا مانع منه ، وقد ذكر ثمة وجوه أخر. قوله : ( وقرئ فصلت ( اًي بالفتح والتخفيف على بناء المعلوم أو بالضم على المجهول لأنه قرئ بكل منهما في الشواذ إذ فعلى الأوّل قوله أي فصل إمّا متعد فاعله مستتر وبعضها مفعوله أو لازم هو فاعله ، وعلى
الثاني بعضها قائم مقام الفاعل ، وقوله : أو فصلت معلوم على الأوّل مجهول على الثاني فمن اقتصر على بعض هذه الاحتمالات فقد قصر وفصل يكون لازماً بمعنى انفصل كقوله : { وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ } [ سورة يوسف ، الآية : 94 ] ومتعدياً وإلى كل منهما أشار المصنف. قوله : ) نصب على المدح ) بتقدير أعني أو أمدح ونحوه أو الحال من فاعل فصلت ففيه مضاف مقدر اعتمادا على ظهوره وقد جوّز في هذه الحال أن تكون موطئة ومؤكدة لنفسها ، وقوله : بسهولة قراءته وفهمه لفصاحته ، ونزوله بلسان من نزل بين أظهرهم وقوله : يعلمون العربية إشارة إلى مفعوله المقدّر ، وقوله : أو لأهل العلم إشارة إلى تنزيله منزلة اللازم ولام لقوم تعليلية أو اختصاصية وخصهم بذلك لأنهم هم المنتفعون به ، وقوله : والأوّل أولى وما أورد على الثاني من لزوم عمل المصدر الموصوف وقد منع ممنوع لجواز كون قوله من الرحمن صلة له أو القول بجواز عمله في الظرف للتوسع فيه والقراءة بالتخفيف شاذة نقلها الثقات فلا يرد عليه ما قيل إنها لم توجد فيما شاع من كتب القرا آت ، ونقله في الكشف عن موضح الأهوازي. قوله : ( للعاملين به الخ ) فيه لف ونشر ، وقوله : قرئ بالرفع عزاه الطيبي لنافع ، وقيل : إنه رواية شاذة عنه ، وقوله : فأعرض أكثرهم الضمير للقوم على التفسير الأوّل وللكفار المذكورين حكماً على الثاني إلا أن يراد به من شأنهم العلم والنظر ، وقوله : سماع تأمّل الخ فهو!صماع مخصوص ، أو هو مجاز عن القبول كما في سمع الله لمن حمده. قوله : ( أغطية جمع كناق ( كغطاء لفظاً ومعنى ، وليس هو ما يجعل فيه السهام كما قيل وجعلها هنا في أكنة وفي غير هذه الآية قيل على قلوبهم أكنة فذهب الزمخشري إلى أنهما بمعنى لأنّ ما كان ظرفا لشيء فهو عليه وأما التعبير بقي هنا وبعلى ثمة فلأن السياق اقتضاه فإنه لما كان منسوبا إليه تعالى في الإسراء والكهف كان معنى الاستعلاء ، والقهر أن!سب ولما حكى عنهم هنا كان الاحتواء أقرب وليس المراد أنه أبلغ في عدم القبول لاحتواء الأكنة عليه احتواء الظرف على المظروف حتى لا يمكن أن يصل إليه شيء كما قيل لأن قوله على قلوبهم أكنة يفيد ما ذكر من الاحتواء من كل جانب أيضا بالنظر إلى لفظ الكن لأن الكن لا بد أن يكون ساتراً للمكتن فيه من كل جانب أيضا كما أشار إليه الفاضل اليمني فالمبالغة في كل منهما إنما المراد توجيه اختيار أحد الطريقين فتأمّل. قوله : ) يمنعنا عن التواصل ) أي عن الوصول إليك واتباعك ، وقوله : ومن للدلالة على أنّ الحجاب مبتدأ منهم
الخ هذا ما في الكشاف من الفرق بين هذا الحجاب بيننا ومن بيننا وأنّ من ليست زائدة بل تدل على أنّ الحجاب عريض مستوعب للمسافة المتوسطة بينهما فتكون من أبلغ في مغ الوصول ، وقد اعترض عليه بأنه لا دلالة له على ما ذكر ولا فرق بين وجود من وعدمها وأجيب بأنّ معنى البين الوسط سواء كان حاقا أولاً وإذا كان مبدأ الحجاب من البين ولا أولوية لبعض الأجزاء كان من الطرف الذي يلي مخاطبك فيحصل الاستيفاء منه بمجرّد ذلك فكيف إذا اعتبر ابتداء من طرف مخاطبك ، وانتهاء إلى طرفك ولا كذلك عند ترك من فإنه يدل على حجاب ما بلا ابتداء ، ولا انتهاء وقد قيل الابتداء من حاقة الوسط يفيد الاستيعاب أيضا للزوم كون الانتهاء لجميع الأطراف لعدم الأولوية لكن هذا(7/386)
ج7ص387
ليس ما قرّر في الكتاب ولا يتوقف هذا على تقدير من قبل بين الثاني بل ولا إعادة بين كما حققه الشارح المحقق رداً على غيره من الشراح ، وإنما ذهبوا إلى ما ذكر صوناً لكلام الله على زيادة من غير فائدة لكن فيه بحث لا يخفى. قوله :
( وهذه تمثيلات ) أي ما في مقول قولهم من الأكنة وما بعده استعارات تمثيلية ، ثم بين ما استعير له على الترتيب بقوله لنبوّ الخ المراد بالنبوّ عدم القبول ، أو البعد عنه وهذا أقرب وهو إما من نبوّ السيف لكلاله أو من النبوة وهي الارتفاع ، والتباعد واعتقادهم معطوف على قلوبهم فقولهم قلوبنا في أكنة استعير لبعيدة عن فهم ما تدعونا إليه ووجه الشبه ظاهر ، وقوله : ومج أسماعهم له هو ما استعير له في آذاننا وقر ، والمج رمى المانع من الفم ونحوه والمراد به عدم القبول لما سمعوه حتى كأنهم صم ، وقوله : وامتناع الخ هو ما استعير له ومن بيننا وبينك حجاب والمراد تباعد ما بين الدينين ، وما هم عليه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم وما هو عليه والمراد بهذا إقناطه عن اتباعهم حتى لا يدعوهم إلى الطريق المستقيم. قوله : ( على دينك أو في إبطال أمرنا ( على التفسير الأوّل هو متاركة وتقنيط عن إتباعه ، والمقصود هو الثاني والأوّل توطئة له والمعنى إنا لا نترك ديننا بل تثبت عليه كما تثبت على دينك ، وعلى الثاني هو مبارزة بالخلاف والجدال. قوله : ( لست ملكاً ولا جنياً ( إشارة إلى ما يفيده الحصر الأوّل ، وقوله : لا يمكنكم التلقي منه إشارة إلى أنه جواب عن قولهم قلوبنا في أكنة الخ ورد له ، وقوله : ل!ست الخ رد لقم لهم : بيننا وبينك حجاب فإنه ليس ملكا ولا من الجن حتى لا يصلوا إليه ، وقوله : تنبوا عنه العقول والأسماع جواب عن قولهم قلوبنا الخ ، وفي آذاننا ولم يرتض ما في الكشاف من أنه استدلال على صحة نبوّته ووجوب اتباعهم لدعوته. قوله : ) وإنما أدعوكم الخ ( هو تفسير اصلحصر الثاني ، وأدعوكم تفسير لقوله يوحي إليئ فإنه إنما يوحي إليه لدعوة الخلق والحصر في التوحيد
والاستقامة في العمل من قوله : فاستقيموا إليه ، وقوله : قد يدل عليهما الخ المضارع للاستمرار وقد للتحقيق كما في قوله : قد يعلم ما أنتم عليه يعني دعوته منحصرة فيما ذكر وهو أمر محقق عقلاً ونقلاً فليس يسوغ مخالفته. قوله : ( فاستقيموا في أفعالكم ) إشارة إلى أن الاستقامة ، وهي عدم الاعوجاج مستعارة للإخلاص في الأفعال وعدى بإلى لتضمينه معنى متوجهين إليه أو الاستقامة بمعنى الاستواء وهو يتعدى بإلى كما في قوله : { اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء } [ سورة البقرة ، الآية : 29 ] ومعناه القصد وعلى كل من التفسيرين يجوز أن يكون من الموحى إليه وأن يكون من المقول ، وكذا ما بعده كما قيل ، وقيل إنه على الأوّل من الموحى إليه وعلى الثاني من المقول وعليه اقتصر الزمخشري ويؤيده قوله برو : " قل لا إله إلا الله ثم استقم " ولا يخفى أنّ قول المصنف قبل إنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة يعين كونه من الموحي ، والموحي من القول فلا فرق بينهما فتأمّل. قوله : ( مما أنتم عليه الخ ( يعني المراد بالاستغفار هنا الرجوع عن الكفر والمعاصي ، إذ الاستغفار بمعناه المتبادر لا يفيد المشركين ، وقوله : من فرط الخ ولو قال من شركهم كان أظهر وهو مراده. قوله : ( لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق ا لأنهم لو كان لهم شفقة أعطوا الفقراء من مال الله ، وهذا لا ينافي كون السورة مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة لأنّ المفروض بالمدينة تقدير ما يخرج ، وقد كان الإعطاء مفروضاً بمكة من غير تعيين كما في قوله تعالى : { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [ سورة الأنعام ، الآية : 141 ] وقد مرّ تفصيله في سورة الروم ، وقوله : وذلك يعني البخل وعدم الإشفاق وأفرده لتأويله بما ذكر. قوله : ) وفيه دليل على انّ الكفار الخ ) كما ذهب إليه الثافعية كبعض الحنفية كما فصل في الأصول والذاهبون إلى خلافه يقولون هم مكلفون باعتقاد حقيتها فمعنى الآية لا يؤتون الزكاة بعد الإيمان وأما حمله على أنهم لا يقرّون بفرضيتها كما قيل : فبعيد وقد قيل كلمة ويل تدل على الذم لا التكليف وهو مذموم عقلاً ، وقوله : وقيل الخ فالزكاة بالمعنى اللغوي فلا دليل فيها لما ذكر ومرضه لأن قوله : يؤتون يأباه ولأنه لا حاجة إليه وأما كون الإتيان ورد في نحو قوله : { وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى } [ سورة التوبة ، الآية : 54 ] فلا يفسر به كما قيل للفرق بين الإتيان والإيتاء فتأمّل. قوله : ) حال مشعرة الخ ) يعني أنه للإشعار بما ذكر جعلت هذه الجملة حالاً لم تعطف
على ما قبلها ، وهم الأوّل مبتدأ والثاني ضمير فصل لا مبتدأ ثان وتقديم بالآخرة للاهتمام ورعاية الفاصلة. قوله : ( من المت ) بمعنى تعداد النعم ، وأصل معناه الثقل فأطلق على(7/387)
ج7ص388
ذلك لثقله على الممنون عليه وما فيل إنه بمعنى الأنعام لا غير كما في القاموس غفلة عن قوله تعالى : { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى } [ سورة البقرة ، الآية : 264 ] وإنما تركه لشهرته. قوله : ) وقيل نزلت في المرضى ( جمع مريض ، والهرمي جمع هرم وهو الشيخ الفاني فالمعنى غير منقوص ، ولا ممنوع أجر من كان يعمل في حال شبابه وقوّته وصحته أعمالاً ثم عجز وكبر فلا ينقص أجره الذي كان يكتب له في شبابه وقوّته كما قاله السمرقندي. قوله : ) كأصح ما كانوا يعملون ) أي كما كتب لهم الأجر في أصح أوقات كونهم عاملين على طريقة أخطب ما يكون الأمر تجوّزاً في النسبة على ما حققه النحاة في المثال المذكور ، والمعنى أن ما يكتب لهم في الأجر في المرض والكبر مثل الذي كان لهم وهو أصح مما سواهم أو أصح منهم الآن. قوله : ( في مقدار يومين أو نوبتين ) فهو على تقدير مضاف أو تجوّز ، وإنما أوّله بما ذكر لأنه لا يتصوّر اليوم قبل خلق السماء والكواكب فإنه عبارة عن زمان كون الشمس فوق الأفق فالمراد مقدار زمنهما أو في نوبتين أي دفعتين ، ومرّتين ففي نوبة خلق أصلها ومادتها وفي أخرى صورها وطبقاتها كما أشار إليه المصنف ، وقوله : في أسرع ما يكون إشارة إلى أن المراد بذلك بيان سرعة إيجاده وأنه لم يرد أنه أكثر من يوم فاليوم هنا الوقت مطلقا على الوجهين لا على الثاني كما قيل. قوله : ( ولعل المراد من الأرض ما في جهة السفل ( تجوّزاً باستعماله في لازم معناه وأصلها مادّتها ، ولا حاجة إلى بيان أنه الهيولي أو الأجزاء التي لا تجر مما لا يعرف في لسان الشرع كما قيل ، والمراد بالأنواع الجبال والبراري والرياض والغياض ونحوها فليس المراد إنه خلق بعضها في يوم وبعضها في آخر ، وحينئذ يشمل العناصر كلها ويكون في قوله فوقها استخدام لأنّ الجبال فوق الأرض المعروفة والمراد بالأجزاء البسيطة العناصر ، وقوله : بها صارت أي بسبب هذه الصور المختلفة تنوعت إلى أنواع مختلفة ، والمصنف رحمه الله لم يدع تلازما حتى يقال إنه ليس بلازم ، ولذا عبر بلعل فيجوز أن تكون ظرفية ذلك للخلق بمعنى آخر. قوله : ( إلحادهم في ذاته وصفاته ( أي مجادلتهم بالباطل أو خروجهم عن الحق اللازم دته على عباده من توحيده واعتقاد ما يليق بذاته وصفاته فينزه عن صفات الأجسام وتثبت له القدرة
التامّة والنعوت اللائقة به سبحانه وتعالى ويعترف بالبعث وأحوال المعاد وإرسال الرسل وأنهم لم يخلقوا عبثا. قوله : ( ولا يصح أن يكون له مدّ ( يعني أنه ذكر بصيغة الجمع لأنه أبلغ في ذمّهم لأنه كيف يكون له أندادا ولا ند واحد له ، وقوله : الذي خلق الأرض في يومين إشارة إلى اتصال هذا بما قبله بتوسط اسم الإشارة لأنه مستحق لكونه ربا للعالمين لأجل خلقه ما ذكر في أسرع مدة مما يدل على قدرته الباهرة التامّة الدالة على ربوبيته تعالى ، ومعنى مربيها أنه يعطيها ما به قوامها ونماؤها. قوله : ( استئناف الخ ) إشارة إلى ما ذكر في شروج الكشاف على ما لخصه الشارح المحقق حيث قال : إنه يتبادر عطف هذه الجملة على خلق الأرض ، وقد فصل بينهما بجملة وتجعلون الخ المعطوفة على تكفرون وجملة ذلك الخ المبتدأة وحقها التأخير عن تمام الصلة ، وأجيب بأنّ الأولى متحدة بقوله : تكفرون بمنزلة إعادتها والثانية معترضة مؤكدة لمضمون الكلام فالفصل بهما كلا فصل ، وفيه بلاغة من جهة المعنى لدلالته على أنّ المعطوف عليه أي خلق الأرض كاف في كونه رب العالمين وأن لا يجعل له ند فكيف إذا انضمت إليه هذه المعطوفات من قوله : وجعل فيها الخ ولا يخفى أنّ الاتحاد الذي ادّعوه لا يخرجه عن كونه فاصلا مشوّشا للذهن مورثا للتعقيد ، وان كان الزمخشري ذكر ما يقرب منه في سورة براءة فالحق والأقرب أي تجعل الواو اعتراضية وكل من الجملتين معترضا ليندفع بالاعتراض الاعتراض ، أو يجعل ابتداء كلام بناء على أنه قد يصدر بالواو وأو يقال هو معطوف على مقدر كأبدعها وجعل فيها رواسي الخ وذكر للدلالة على تمام النعمة ، وكمال القدرة مبالغة في الرد على المشركين بعد تمام المطلوب بخلق الأرض في يومين. قوله : ( مرتفعة عليها الخ ( بيان لفائدة قوله : من فوقها مع أنه غير محتاج له ، ولذا لم يذكر في غيرها بأن جعلها فوقها لا تحتها كالأساطين ولا مغروزة فيها كالمسامير ، ولا منبطحة بجهد عليها لتكون رأى العين فيستبصر من شاهد خلقها ، ويستدل بكونها ثقلا على ثقل على الصانع لافتقارها لممسك لها وليتمكن مما فيها من المنافع وقوله : معرضة بوزن اسم المفعول من الأفعال من أعرضه لك إذا أظهر. ، ومكنك من أخذه أو من التفعيل(7/388)
ج7ص389
وهو قريب منه معنى ، وقد اقتصر شراح الكشاف على
الأول. قوله : ( أقوات أهلها ( ففيه مضاف مقدر وإنما قدره لأنّ الإضافة للاختصاص لامية ولا معنى لاختصاص القوت بالأرض إلا أنه نشأ منها وهو الوجه الثاني ، أو أنه مأكول لمن فيها وهو يحتاج إلى التقدير المذكور ، وقيل الإضافة على الثاني مجازية لأدنى ملابسة ، وكونها فيها وان جاز جعله وجها للإضافة لكنه لا طائل تحته ، وقوله : بأن عين متعلق بقدر وهو تفسير له فالمراد بتقديره لهم تعيين كل لكل ، وقوله : بأن خص حدوث الخ لا يخفى ما فيه فإنّ كل نوع لا يختص بقطر بل أكثرها مما به ينتظم أصل المعاس مشترك كالحنطة ، وان كان لبعض البلدان خواص ليكون الناس محتاجين بعضهم لبعض ، وهو مقتض لعمارة الأرض وانتظام أمور العالم وقراءة قسم مؤيدة للوجه الثاني ولذا أخرها. قوله : ( في تتمة أربعة أيام ) وهي يومان بعد اليومين السابق ذكرهما ففيه مضاف مقدر ، والداعي لذلك إنه لو لم يقدر كذلك أو يجعل خبر مبتدأ محذوف تقديره كل ذلك في أربعة أيام لم يصح إذ خلق السموات والأرض في ستة كما صرح به في القرآن ، والحديث منها ما ذكر هنا واثنان لخلق السماء واختار هذا لأنّ حذف المضاف أسهل من حذف المبتدأ ، ولأنه يلزمه توالي حذف مبتدأين لتقدير مثله فيما بعده. قوله : ( وإلى الكوفة في خمسة عشر ) أي في خمسة يكون بها جملة السفر من البصرة خمسة عشر فهو بتقدير مضاف كما في النظم ، وقوله : للإشعار الخ بيان للمرجح للعدول عن يومين إلى ما ذكر لدلالة ما هنا على أنّ اليومين اللذين خلق فيهما الأقوات متصلان بالأوجلين لتبادره من جعلهما جملة واحدة ، واتصالهما في الذكر وليكون ما ذكر بياناً لجملة الأيام التي خلق فيها الأرض وعدى والتصريح بعلى لأنه بمعنى التنصيص. قوله : ( على الفذلكة الخ ) الفذلكة بمعنى جملة الحساب ، وهو لفظ منحوت من قولهم بعد العدد لشيء فذلك يكون كذا فاشتقوا منه فعللة مصدر ، وقالوا في جمع فذلكة فذالك لكنه قيل عليه إنّ الفذلكة يذكر فيها تفاصيل إعداد ثم يؤتى لها بجملة فيقال مثلاً هنا يومان وبومان فهي أربعة ، وما هنا ليس كذلك فكيف يكون فذلكة وهو لم يذكر فيه أحد المقدارين فإمّا أن يقال إنه للعلم به نزل منزلة المذكور أو يقال المراد إنه جار مجرى الفذلكة كما أشار إليه المدقق في الكشف ، وما قيل إنّ الفذلكة بمعنى الإنهاء كما في القاموس فذلك حسايه إذا أنهاه وفرغ منه وبالأربعة ينتهي مقدار مدّة خلص الأرض ، وما فيها مع كونه ليس مراد المصنف رحمه الله قطعا لا يعتمد على ما ذكره في
القاموس لمخالفته للاستعمال وكلام الثقات كما لا يخفى على من له إلمام بالعربية والآداب مع أنّ مراده ما ذكرناه لكن في تعبيره نوع قصور هو الذي غرّ هذا القائل. قوله : ) 1 ستوت سواء ( يعني إنه منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر أي استوت استواء ، والجملة صفة للمضاف أو المضاف إليه ويؤيده قراءة الجر فإنها صريحة في الوصفية ، ومعنى استوائها أنها لا زيادة فيها ولا نقصان. قوله : ( وقيل حال الخ ) مرضه لقلة الحال من المضاف إليه في غير الصور الثلاث ولأنّ الحال وصف معنى ، وما ذكر صفة الأيام لا الأرض ويلزمه تخالف القراءتين في الممعنى. قوله : ) هذا الحصر ( أي في أربعة كائن للسائلين وهو مستقرّ لا خبر لغو كما توهمه العبارة ، وقوله : عن مدة الخ متعلق بالسائلين ، وبيان للمسؤول عنه وأن النسؤال على ظاهره وقوله : أو بقدر فهو لغو أو مستقر على أنه حال من أقواتها ، وقوله : للطالبين تفسير للسائلين على هذا الوجه ، وقد جوّز تعلقه بسواء أيضا. قوله : ( قصد ) أي توجه وأراد لأن الاستواء المعدى بعلى معناه الاستيلاء والمعدى بإلى معناه القصد ، وهو المنالسب هنا لأنه لأسماء موجودة لكن الإرادة العلية تعلقت بإيجادها وقوله : لا يلوي على غيره أي لا يلتفت إليه لتمحضه له. قوله : ( والظاهر أنّ ثم الخ ) هذا بناء على انّ خلق السماء مقدم على خلق الأرض لظاهر الآية المذكورة فلزم إنه للتفاوت الرتبي لا للتراخي الزماني ، وقد مز تفصيله في البقرة وإنّ جمهور المفسرين غير مقاتل على خلافه ، وقوله : ودحوها متقدم على خلق الجبال لأن نظم الآية هكذا : { أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ سورة النازعات ، الآيات : 28- 29- 30 ] أي بسطها ومهدها للسكنى أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها فقد علم من هذه الآية صريحا للتعدية المذكورة أن دحو الأرض مؤخر عن خلق السماء بمرتبتين فلا يتأتى كون ، ثم هنا للتراخي الزماني للزوم(7/389)
ج7ص390
تأخر خلق السماء عن خلق الجبال ، وهو مناقض للأوّل ، وءانما قال الظاهر لأن قوله : ثم استوى إلى السماء ليس نصاً في خلقها بل صريحه قصده وإرادته بأمرها أن تأتي طائعة منقادة لأمره ، وأما كون بعد متعلقة بمقدر كتذكر أمر الأرض بعد ذلك أو البعدية رتيبة فخلاف الظاهر عنده ، وهو مشترك الإلزام لأن ثم كذلك إلا أن يقال : لفظ بعد أبعد من التأويل ، وليس هذا مخالفاً لما مز في النحل في تفسير قوله تعالى : { وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ } [ سورة النحل ، الآية : 15 ] الخ كما
قيل لأنّ المراد خلقها كهيئة فهو صغير كما ورد في الحديث فيكون خلق الجبال بعده ولو سلم فهو مبني على قول آخر ومثله كثير.
قوله : ( أمر ظلماني ) نسبة إلى الظلمة على خلاف القياس كما قيل نورانيّ ، وإنما أوّله بما
ذكر لأنّ الدخان الكائن من النار التي هي إحدى العناصر لم يكن موجوداً إذ ذاك أو هو غير مراد كما لا يخفى. قوله : ( ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء ) المراد بالمادّة معناها المشهور ، وهي ما تركبت منه بقطع النظر عن كونها جواهر فردة أو هيولى ، وقيل : المراد بهذا الهيولى وبالأجزاء المصغرة الأجزاء التي لا تتجزأ على ما بين في الحكمة وفي نسخة المتصغرة وما وقع في بعضها المتصعدة بالدال من تحريف الكتاب. قوله : ) بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر ( وفي نسخة لما باللام وهما بمعنى لأنّ الباء سببية فهي قريبة من معنى اللام التعليلية ويجوز كونها للملابسة ، أو التعدية ولا وجه لما قيل إنه على الأخير يلزم حذف ما هو كبعض حروف الكلمة لأنه إنما يصح لو لم يجر حذف صلة ما والضمير للأرضى والسماء والمعنى ليس على إتيان فاتهما ، وايجادهما بل إتيان ما فيهما مما ذكر بمعنى إظهاره والأمر للتسخير لكنه قيل إنه على هذا الوجه يكون المترتب في قوله : فقضاهن الخ جعلها سبعا أو مضمون مجموع الجمل المذكورة بعد الفاء ، دىالا فالأمر بالإتيان بهذا المعنى مترتب على خلقهما وعلى هذا يجوز حمل ، ثم على التراخي الزماني ولا يلزم كون دحو الأرض مقدما على دحو السماء ، وان لزم خلق الشمس قبل الدحو لقوله : أغطش الخ فلا تنافي بين الآيتين كما قيل ، ولا يخفى أنه على تسليمه مخالف لما قدمه المصنف رحمه الله وارتضاه في ثم وتفسيره للدخان فكان ينبغي تأخيره فتدبر. قوله : ( من التأثير الخ ) بيان لما وهو لف ونشر مرتب فالتأثير للعلويات ، وهو بناء على الظاهر من عد الأسباب مؤثرة أو مجاز المؤثر الحقيقي هو الله والتاً ثير للسفليات ويجوز تعميمه لهما والأوضاع للسموات والنجوم ، فهو وما بعده على اللف والنشر أيضاً. قوله : ) أو ائتيا في الوجود الخ ( كالخلق في خلق الأرض وجعل فيها رواسي لأنه بمعنى خلق أيضا أو بمعنى تعيين مقاديرها لا إيجادهاويجوز على هذا إبقاء ، ثم على ظاهرها وهذا كله لما تقتضيه الفاء من التعقيب ولذا قال : والترتيب للرتبة فهو في الوجهين السابقين على حقيقته لأن المراد إذا كان خلق ما فيهما أو تقديرهما فالترتيب على ظاهره ، فإذا كان بمعناه العروف كانت الفاء مجازا عن الترتيب في الرتبة أو الإخبار إلا أن يعتبر فيما يدل عليه التمثيل والمرتب عليه هنا أعلى من المرتب والمشهور عكسه كما موّ تحقيقه ، أو قد يقال : هذا هو المقصود الأصلي من خلقهما
فهو أعلى رتبة. قوله : ( أو إتيان السماء حدوثها الخ ( ففيه جمع بين معنيين مجازيين وهو جائز أيضاً عند المصنف رحمه الله فتشبيه البروز من العدم بمن أتى من مكان آخر وبسط الأرض ، وتمهيدها بذلك أيضا وهو بالنصب كالترتيب معطوف على اسم إن وهو الحق ، وقوله : وقد عرفت ما فيه ، وهو لزوم كون الدحو مقدما على خلق الجبال كما قيل وهو ممنوع لأن ثم لتفاوت ما بين الخلقين كما قرره ، وغاية ما لزم من الفاء كون الدحو متأخرا عن الاستواء ولا يلزم منه كونه متأخراً عن خلق الجبال على أنه يجوز كون الفاء للتفصيل لا للترتيب فتأمل. قوله : ( أو ليأت كل منكما ( معطوف على قوله ائتيا في الوجود والمراد بإتيان إحداهما للأخرى توافقهما في ظهور ما أريد منهما كما صرّج به المصنف رحمه الله على الاستعارة ، والمجاز المرسل باستعماله في لازمه لأنّ المتوافقين يأتي كل منهما صاحبه كما في الكشف ، وقال ابن جني هي المتنازعة : وقال في الكشف هو أحسن والمؤاتاة المفاعلة يقال : آتيته إذا وافقته وطاوعته قال في المصباج يقال آتيته على الأمر بمعنى وافقته وفي لغة لأهل اليمن تبدل الهمزة واواً فيقال وأتيت على لأمر مواتاة وهي المشهورة على ألسنة الناس ، اهـ ولذا وقع في نسخة هنا وأتيا فلعله قرئ به في الشواذ فالقول بأنّ الصحيح آتيا لأنّ الكلمة مهموزة الفاء ليس(7/390)
ج7ص391
بصحيح وكذا يجوز في المواتاة قراءته بواو وهمزة وكلمة في في قوله في حدوث للسببية. قوله : ( والمراد إظهار كمال قدرته الخ ) الظاهر أنه استعارة لأنهما لما نزلا وهما من الجمادات منزلة العقلاء إذ أمرا وخوطبا على طريق المكنية والتخييلية أو التمثيلية أثبت لهما ما هو من صفات العقلاء من الطوع ، والكرة ترشيحا وهما مؤوّلان بطائع وكاره لأن المصدر لا يقع حالاً بدون ذلك ويجوز كونهما مفعولاً مطلقا. قوله : ( والأظهر أنّ المراد الخ ) اعلم أنه قال في الكشاف معنى أمر السماء والأرض بالإتيان وامتثالهما أنه أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه ووجدتا كما أرادهما وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع ، وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل ويجوز أن يكون تخييلاً ويبنى الأمر فيه على أنه تعالى كلم السماء والأرض ، وقال لهما : ائتيا شئتما ذلك أو أبيتماه فقالتا : أتينا على الطوع لا على الكره ، والغرض! تصوير أثر قدرته في المقدورات لا غير من غير أن يحقق شيء من الخطاب والجواب ونحوه قول القائل ، قال الجدار للوتد لم تشقني قال الوتد سل من يدقني فقيل : يعني إنّ إثبات المقاولة مع السماء والأرض من الاستعارة التمثيلية كما مرّ ، ويجوز أن يكون من الاستعارة التخييلية بعد أن
تكون الاستعارة في !ذاتها مكنية كما تقول نطقت الحال بدل دلت فتجعل الحال كإنسان يتكلم في الدلالة ثم يتخيل له النطق الذي هو لازم المشبه به وينسب إليه ، وإما بيان التمثيل فهو أنه شبه فيه حالة السماء والأرض التي بينهما وبين خالقهما في إرادة تكوينهما ، وايجادهما بحالة أمر ذي جبروت له نفاذ في سلطانه واطاعة من تحت تصزفه من !غير تردد ، والأوجه أن يراد بكونه تخييلاً تصوير قدرته وعظمته ، وأنّ القصد في التركيب إلى أخذ الزبدة والخلاصة من المجموع على سبيل الكناية الإيمائية من غير نظر لمفرداته يعني إنه لما عطف التخييل على المجاز التمثيلي كان غير. ، وان جاز تخصيص التمثيل بالمفرد المتعارف منه وهو التحقيقي ويحمل التخييل على لآخر فيعود القسم قسيما ، وما ذكره من الكناية إمّا على أنه لا يلزم إمكان الحقيقة في مثله لجعل المفروض كالمحقق كما جرت فيعود. القسم قسيماً ، وما ذكره من الكناية إما على أنه لا يلزم إمكان الحقيقة في مثله لجعل المفروض كالمحقق كما جرت عليه محاورأتهم ، أو يقال : هو ممكن لجواز أن يخلق اللّه في الجماد إدراكا ونطقا بى حياة وعلما فيصدر منه الخطاب ، !ونجي الكشف التخييل تمثيل خاص لا ينافيه التمثيل ، وما ذكر من الكناية الإيمائية وأخذه الزبدة من غير نظر إلى حقيقة شيء لا يطابقه الحقيقة ولا الاصطلاح ولا يغني عن الرجوع لما ذكرناه من أنه مركب لم يرد به معناه الحقيقي فلا بد من التجوّز ، ولا مجال لكونه كناية يعني إلا أن يرتكب ما مرّ وهو خلاف الظاهر إذا عرفت هذا فما مرّ مبني على أنه تصوير واستعارة تمثيلية مبنية على الفرض ، وهذا أيضا تمثيل بمعناه المتعارف أو الأوّل على أنه استعارة مكنية وكونه كناية عرفت حاله فما قيل من أنه قصد مدلوله من غير قصد إلى الأخبار بثبوته ليلزم عدم مطابقة نفس الأمر بل قصد تصوير أثر قدرته تعالى في المقدورات بصورة محسوسة من ورود أمر يأتي من آمر مطاع فامتثل على الفور وقيل عليه إنه هو التخييل الشعري الذي يصان عنه كلام أصدق القائلين ، ولا يفيده الخلو عن لحكم في نفس الأمر كلام ناشئ من عدم التحقيق ومعرفة معنى التخييل كما قرّرناه لك فتذكر ، ولا تكن من الغافلين. قوله : ) وما قيل الخ ) يعني أنه متصور في الوجه الأول دون الوجهين المتوسطين لكونهما معدومين عند الخطاب أو لكون السماء معدومة عند. على الثاني منهما ، والخطاب متفرّع على الوجود وتميز الماهيات قبل الوجود لا يجدي ، وقوله : وإنما قال : طائعين بجمع المذكر السالم مع اختصاصه بالعقلاء الذكور ، وكان مقتضى الظاهر طائعات أو طائعتين وأوثر جمع الذكور لأنه لا وجه للتأنيث عند إخبارهم عن أنفسهم الكون التأنيث بحسب اللفظ فقط نظرا إلى الخطاب والإجابة والوصف بالطوع والكره. قوله : ( كقوله : ساجدين ( التشبيه في مجرّد إتيان جمع العقلاء نظراً إلى وصف السجود وإن كان التذكير فيه لتغليب الكواكب والقمر كما قيل به ، وفيه نظر. قوله :
( فخلقهن خلقا إبداعياً القوله : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [ سورة البقرة ، الآية : 117 ] والإبداع ما لم يسبق له مثال ولا مادة ، وقوله : أتقن أمرهن هو من التعبير بالقضاء وهو الفصل بين الأمور على وجه التمام ، وقوله : والضمير أي ضميرهن رعاية للمعنى لأنه بمعنى السموات ، ولذا قيل إنه اسم جمع والمراد بكونه مبهما أنه تفسيره سبع سموات الخ فيرجع لما بعده ، وإن كان متأخرا لفظا ورتبة بناء على جوازه في التمييز(7/391)
ج7ص392
كما في ربه رجلاً وباب نعم وهو أبلغ لما فيه صت التفسير بعد الإبهام ، وقد مز تفصيله في سورة البقرة ، ولذا جعله حالاً على الأوّل من ضمير السماء وتمييزاً على الثاني ، ويجوز فيه البدلية وكونه مفعولاً ثانيا على تضمينه معنى التفسير كما ذكره المصنف في غير هذه السورة. قوله : ( قيل خلق السموات الخ ) قيل : كونه يوم خميس مع إنه لا يوم حقيقة حتى يتعين كما قيل بناء على أنّ الوقت الذي خلقت فيه الأرض لما كان أوّل أوقات وقع الخلق فيها ناسب اعتبار يوم الأحد الذي هو أوّل الأسبوع ، وهكذا ما بعده لكنه أورد عليه لزوم تقدّم الدحو على خلق السماء فلذا مرضه ، وما وقع في الكشاف من أنّ آدم عليه الصلاة والسلام خلق في آخر سائمة من يوم الجمعة فيه نظر لا يخفى. قوله : ( شأفها ( فالأمر واحد الأمور ، وقوله : يتأتى أي يصدر عنها وكونه اختياراً بناء على مذهب بعض الفلاسفة من أنها حية ناطقة ، وقوله : طبعا بناء على مذهب غيرهم من المتكلمين وأما عند غيرهم من أهل الشريعة فلا يقولون بشيء منهما فقوله : بأن حملها تفسير للوحي وبيان لأنه مجاز عما ذكر وقوله : وقيل الخ فالأمر واحد الأوامر ، والوحي على ظاهره ، وإضافة أمرها لأدنى ملابسة- قوله : ( فإنّ الكواكب كلها الخ ( دفع لما مرّ من أنّ الكواكب ليست كلها في السماء كما يفهم من النظم فإن المراد كونها كذلك في رأى العين ، وقد مز تفصيله في الصافات. قوله : ( وحفظناها الخ ( يعني إنه مفعول مطلق لفعل مقدر معطوف على قوله : زينا والحفظ إما من الآفات ، أو من الشياطين المسترقة للسمع وكون الضمير للمصابيح كما قيل خلاف الظاهر ، وقوله : مفعول له على المعنى أي معطوف على مفعول له يتضمنه الكلام السابق أي زينة ، وحفظا ولا يخفى أنه تكلف بعيد عن نهج العربية كما قاله أبو حيان ، وقوله البالغ في القدرة تفسير للعزيز والبالغ إشارة إلى ما في صيغته من المبالغة ، وفيه لف ونشر وقوله : كأنه صاعقة
ظاهر. أنه استعارة لما ذكر وقيل : إنه ورد في اللغة بمعنى العذاب من غير حاجة إلى التحوز وفيه نظر. قوله : ( وهي المرة من الصعق ( بسكون العين مصدر صعقته الصاعقة إذا أهلكته يصعق بكسرها صعقا بالفتح كحذر حذرا أي هلك بالصاعقة المصيبة له فإذا كان الثاني هو المراد تكون عينه سكنت في المرة تخفيفا. قوله : ( حال من صاعقة عاد ) ذكر المعرب فيه وجوها أحدها أنه ظرف لأنذرتكم ، والثاني أنه منصوب بصاعقة لأنها بمعنى العذاب أي أنذرتكم العذاب الواقع في وقت مجيء رسلهم ، والثالث إنه صفة لصاعقة العذاب الأولى ، والرابع : إنه حال من صاعقة الثانية قاله أبو البقاء وأورد عليه أن الصاعقة جثة وهي قطعة نار تنزل من السماء فتحرق فلا تقع صفة ، ولا حالاً لها وتأويلها بالعذاب إخراج لها عن مدلولها من غير ضرورة ، وإنما جعلت وصفاً للأولى لأنها نكرة ، وحالاً من الثانية لأنها معرفة ولو جعلت حالاً من الأولى لتخصصها بالإضافة جاز فالأوجه خمسة وسيأتي ما فيه. قوله تعالى : ( { إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ } ) يحتمل أن يكون من إطلاق ضمير الجمع على المثنى ، وكذا الرسل وجمع الأوّل يجوز أن يكون باعتبار أفراد القبيلتين فتأمّل. قوله : ( ولا يجوز جعله صفة الخ ( فساد المعنى للزوم كون إنذاره عليه الصلاة والسلام ، والصاعقة التي أنذر بها واقعين في وقت مجيء الرسل لعاد وثمود ، وليس كذلك ولا صفة لصاعقة عاد أيضاً للزوم حذف الموصول مع بعض صلته أو وصف المعرفة بالنكرة. قوله : ( من جميع جوانبهم ( فالضمير المضاف إليه لقوم عاد وثمود وجعل الجهتين كناية عن جميع الجهات على ما عرف في مثله ، والمراد بإتيانهم من جميع الجهات بذل الوسع في دعوتهم على طريق الكناية فقوله : واجتهدوا الخ عطف تفسير له ، والجهة في قوله من كل جهة الوجه الذي أبدوه لهم من التحذير والإنذار ونحوه. قوله : ( أو من جهة الزمن الماضي الخ ) هذا هو الوجه الثاني ، والضمير فيه راجع لما مرّ لكن المراد بما بين أيديهم الزمن الماضي ، وبما خلفهم المستقبل ويجوز فيه العكس أيضاً كما مرّ في آية الكرسي ، واليه يشير المصنف بقوله : وكل من اللفظين يحتملهما ، وقد مرّ توجيهه بأنك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي ، وقوله : من جهة الزمن إشارة إلى أنه استعير فيه ظرف المكان للزمان وقد مرّ تفصيله ، وقوله : عما جرى فيه على الكفار أي عن مثل ما جرى ففيه مضاف مقدر وعلى هذا أيضا في النظم مقدر تقديره بالإنذار عما وقع من بين أيديهم الخ فتأمّل. قوله : ( أو من قبلهم ومن بعدهم الخ ( فعلى هذا جمع الرسل ظاهر ، وقوله : إذ قد
بلغهم الخ جواب عما يقال كيف يصح مجيء من تقدّم وتأخر من الرسل لهم(7/392)
ج7ص393
بأن المراد بالمجيء إيمانهم به فمن بين أيديهم الخ حال من الرسل لا متعلق بجاءتهم ، وقوله : ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة قيل : إنّ هذا هو بمعنى الوجه الذي قبله إذ لم يرسل إليهم غير هود ، وصالح فيكون المراد من بلغهم خبرهم ومن أتاهم منهم إلا أن الفرق بينهما أنه على هذا كناية عن الكثرة ، وما قبله على الحقيقة كما قيل ، وفيه نظر فلعله على الأوّل مجاز في جاءتهم وعلى هذا هو مع ذلك المجاز فيه كناية ، وقيل المراد بالرسل ما يعم رسل الرسل. قوله : ) بأن لا تعبدوا الخ ) إشارة إلى تقدير حرف جرّ متعلق بجاءتهم وان مصدرية ولا ناهية ، وهي قد توصل بالنهي كما توصل بالأمر على ما فيه مما مز غير مرّة ، وقيل إنها مخففة من الثقيلة ، ومعها ضمير شأن محذوف وأورد عليه إنها إنما تقع بعد أفعال اليقين ، وإن خبر باب أن لا يكون طلباً إلا بتأويل وقديدفع بأنه بتقدير القول وان مجيء الرسلك الوحي معنى فيكون مثله في وقوع أن بعده لتضمنه ما يفيد اليقين كما أشار إليه الرضى وغيره. قوله : ) أو أي لا تعبدوا ( يعني إنها مفسرة لمجيء الرسل لأنه بالوحي وبالشرائع فيتضمن معنى القول ، وقد جوّز على الوجه السابق كون لا نافية. قوله : ( لو شاء ربنا الخ ) كون مفعول المشيئة المحذوف بعد لو الشرطية يقدر من مضمون الشرط ليس بمطرد فقد يقدر من غيره كما قدره المصنف إذ لو جعل على النهج المعروف ، وقدّر لو شاء ربنا إنزال الملائكة لأنزل ملائكة لم يكن له معنى لائق بالمقام ، وقيل في توجيهه إنه جار على القاعدة فإن مآل التقدير فيه إلى لو شاء ربنا الإرسال لأرسل ملائكة ، وقوله : برسالته يشير إليه وهو وجه حسن. قوله : ( فإنا بما أرسلتم الخ ) الفاء إن كانت فاء النتيجة السببية فيكون في الكلام إيماء إلى قياس استثنائيّ أي لكنه لم ينزل ، ويجوز أن تكون تعليلية لشرطيتهم أي إنما قلنا ذلك لأنا منكرون لما أرسلتم به كما ننكر رسالتكم وما موصولة ، وكونها مصدرية وضمير به لقولهم لا تعبدوا إلا اللّه خلاف الظاهر. قوله : ( على زعمكم ( بالزاي المعجمة والعين المهملة زاده دفعاً لما يتوهم من التناقض لأن قولهم بما أرسلتم به إقرار برسالتهم ، وقوله : كافرون جحد لها فكان مقتضى الظاهر بما اذعيتم أو بما جئتم به لكنهم أتوا به على زعمهم إظهاراً لعنادهم وتعنتهم كما أشار إليه المصنف. قوله : ) إذ أنتم الخ ( تعلل لكفرهم وبيان لارتباطه بما قبله ، وقوله : فأمّا عاد الفاء تفصيلية ولتفرّع التفصيل على الإجمال قرن بفاء السببية ، وقوله : اغتراراً بقوّتهم وشوكتهم فالاستفهام إنكاريّ مآله النفي ، وإنه لا أشد
منهم وهذا بيان لاستحقاقهم العظمة وجواب للرسل عماخوّفوهم به من العذاب ، وقوله : ينزع الصخرة أي يقلعها فالمراد يريد نزعها ليصح ما فرعه عليه ، ويجوز أن يكون تفسيرا له فإن كانت العبارة فيفلقها بفاء وقاف أي يكسرها ويفتتها فلا حاجة للتأويل وهو أقرب. قوله : ) أو لم يروا الخ ( لما ذكروا قوّتهم في جواب الرسل ، وتخويفهم لهم رد عليهم بما ذكره إيماء إلى اًن ما خوّفهم به الرسل ليس من عند أنفسهم بناء على قوّة منهم ، وإنما هو من الله خالق القوى والقدر وهم يعلمون إنه أشد قوّة منهم ، وقوله : قدرة فسر القوّة بالقدرة كما قال الراغب : القؤة تكون بمعنى القدرة وتكون بمعنى التهيؤ للشيء كما يقال النواة بالقوّة نخلة ، وقدرة الإنسان هيئة يتمكن بها من فعل شيء قا ، واذا وصف الله بها فهي بمعنى نفي العجز عنه فلا يوصف بها على الإطلاق غيرد تعالى انتهى فلا وجه لما قيل إن القوّة عرض ينزه الله عنه لكنها مستلزمة للقدرة فلذا عبر عنها بالقوّة مشاكلة ، وقوله : قادر بالذات بيان للأشدية فإن ما يكون بالذات أقوى من غيره ، وقدرة البشر غير مؤثرة أو تؤثر بالاستناد لقدرة الله تعالى. قوله : ) مقتدر على ما لا يتناهى ( قال الراغب : القدير الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة بلا زيادة ولا نقصى والمقتدر يقاربه لكنه قد يوصف به البشر ، ومعناه المتكلف والمكتسب للقدرة فإذا استعمل في الله فهو مبالغة في القدرة الكاملة كالقدير ، وهذا وجه آخر للأشدية إشارة إلى قوّة مدرته كيفما وكما. قوله : ( يعرفون الخ ( لأن الجحد الإنكار عن علم وقد يرد لمطلق الإنكار ، وقوله : وهو عطف الخ أو على قالوا فجملة أولم يروا اعتراضية ، والواو أعتراضمية أو عاطفة على مقدر ، والمعطوف والمعطوف عليه مجموعهما اعتراض ، وقوله : من الصرّ الخ بكسر الصاد ويجوز كونه من الصرّ بالفتح بمعنى الحز لأنه روي أنهم أهلكوا أنفسهم بالسموم ، وهو مناسب لديار العرب وقوله : يجمع أي لشدة البرد يجتمع ظاهر جلد الإنسان وينقبض.(7/393)
ج7ص394
قوله : ( جمع ئحسة ( بكسر الحاء صفة مشبهة من فعل يفعل كعلم ، وقوله : على التخفيف أي سكون الحاء لأن السكون أخف من الحركة أو فعل بالسكون صفة كصعب ، أو هو مصدر وصف به مبالغة. قوله : ( آخر شوّال الخ ) ولا منافاة بين هذه النسخة ، وما وقع في أخرى من آخر شباط لجواز توافق شباط وشوّال وإن كانت الثانية أظهر لأنها كانت أيام العجوز كما سيأتي في الحاقة ، وفي الآية إشارة إلى أنّ الأيام منها نحس وسعد ، وفي مناسك الكرماني عن ابن عباس
رضي الله عنهما الأيام كلها لله تعالى لكنه خلق بعضها نحوسا وبعضها سعوداً ، وقيل : النحس هنا بمعنى البارد. قوله : ( أضاف العذاب الخ ( يعني أنه من إضافة الموصوف للصفة بدليل قوله : { وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى } [ سورة فصلت ، الآية : 16 ] وهو من الإسناد المجازي فإنه وصف المعذب وقوله : للمبالغة لدلالته على أن مذلة الكافر زادت حتى تصف بها عذابه كما قرر في نحو قولهم : شعر شاعر وقوله : بدفع العذاب الخ بيان لارتباطه بما جعلى تذييلاً له. قوله : ) فدللناهم على الحق ) يعني أن الهداية هنا مطلق الدلالة بدليل ما بعده وتكون بمعنى الدلالة الموصلة كما في قوله : { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [ سورة القصص ، الآية : 56 ] ولا كلام في استعماله لكل منهما إنما الكلام في كونه حقيقة في أيهما أو مشتركا بينهما مطلقا ، أو على التفصيل بين المتعدى بنفسه وبالحرف كما تقدّم تفصيله ، وعدل عن قول الزمخشري دللناهم على طريقي الضلالة والرشد كقوله : { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } [ سورة البدد ، الآية : 10 ] على ما ستراه في تفسيره فقيل : لأن ما ذكره أظهر لأن الدلالة على طريق الضلالة إضلال لا هداية ، وهو كلام ناشئ من عدم التدبر لأن التفسير المذكور منقول عن قتادة وهو الذي اختاره الفزاء والزجاج وهو أنسب هنا لأنّ قوله بعده فاستحبوا الخ يقتضي أنهم دلوا على كلتا الطريقتين فاختاروا إحداهما على الأخرى فيكون بمعنى قوله : هديناه النجدين كما لا يخفى على من له ذوق سليم. قوله : ( بنصب الحجج ( أي إقامتها وبيانها على ألسنة الرسل ، وقوله : منوّنا لصرفه وعدم تنوينه وصرفه على العجمة أو إرادة القبيلة ، وقوله : بضم الثاء على أنه مصدر أو جمع ثمد ، وهو قلة الماء فسموا بذلك كما قاله الطيبي : لأنهم كانوا بديار قليلة الماء. قوله : ( فاختاروا الضلالة على الهدى ) وقد استدل المعتزلة بهذه الآية على أن الإيمان باختيار العبد على الاستقلال لأن قوله : هديناهم دل على نصب الأدلة وإزاحة العلة ، وقوله : استحبوا العمي الخ دل على أنهم بأنفسهم آثروا العمي ورد بأن لفظ الاستحباب يشعر بأن قدرته تعالى هي المؤثرة ، وليس لقدرة العبد مدخل مّا فإن المحبة ليست اختيارية وهو من الدقائق العجيبة وإليه أشار الإمام وبه اقتدى هذا الهمام ، ومعنى كونها ليست باختيارية أنها بعد حصول ما يتوقف عليه من أمور اختيارية تكون بجذب الطبيعة من غير اختيار له في ميل قلبه وارتباطه هواه بمن يحبه فهي في نفسها غير اختيارية لكنها باعتبار مقدماتها اختيارية ، ومن لم يمعن النظر فيه قال : كيف لا تكون المحبة اختيارية ونحن مكلفون بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولا تكليف بغير الاختيارية وتفصيله كما في طوق الحمامة لابن سعيد إن المحبة ميل روحاني طبيعي ، وإليه
يشير قوله عز وجل : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [ سورة الأعرأف ، الآية : 189 ] أي يميل فجعل علة ميلها كونها منها ، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : " الأرواح جنود مجندة " وتكون المحبة لأمور أخر كأحسن والإحسان والكمال ، ولها آثار يطلق عليها محبة كالطاعة والتعظيم وهذه هي التي يكلف بها لأنها اختيارية ، وبهذا سقط الاعتراض! فأعرفه. قوله : ) صاعقة من السماء ( بالمعنى المعروف ، وقيل : المراد بالصاعقة هنا الصيحة كما ورد في آيات أخر ولا مانع من الجمع بينهما وجعلها صاعقة العذاب يفيد مبالغة كالوصف بالمصدر ، أو المعنى إنّ عذابهم عين الهون وان له صواعق ، وقوله : من اختيار الضلالة لم يقل من عمل الضلالة لأنه أنسب بقوله : استحبوا ، وقوله : من تلك الصاعقة متعلق بقوله : نجينا فلو ذكر بجنبه كان أولى أو المراد أنهم يتقون اللّه لا الصاعقة كما يتوهم ، ولو علق بيتقون لم يمنع منه مانع لأن المتقي من عذاب الله متق دلّه ، ولعله أخره لاحتماله للوجهين. قوله : ( يوم يحشر الخ ) متعلق باذكر مقدر معطوف على قوله : { فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ } [ سورة فصلت ، الآية : 13 ، الخ أو بما يدل عليه يحشر أو يوزعون كيجمعون ونحوه ، وقوله : فهم يوزعون الفاء تفصيلية ومعنى(7/394)
ج7ص395
حبس أوّلهم إمساكهم حتى يجتمعوا فيساقوا إلى النار ، وقوله : وهو عبارة عن كثرة أهل النار أي كناية عن ذلك إذ لو لم يكونوا جمعا كثيرا جدا لم يحبس أوّلهم انتظارا لمجيء آخرهم فذكر هنا للدلالة على ما ذكر ولولاه لم يكن تحته فائدة عظيمةء
قوله : ( ما مزيدة لتثيد اتصال الشهادة الخ ( لأنها تؤكد ما زيدت بعده فهي تؤكد معنى إذا
واذا دالة على اتصال الجواب بالشرط لوقوعهما في زمان واحد ، وهذا مما لا تعلق له بالعربية حتى يقال إنّ النحاة لم يذكروه كما قيل وأكد لأنهم ينكرونه ، وقوله : شهد الخ قيل فيه إيجاز حذف والأصل سئلوا فأنكروا فشهد الخ ، واكتفى عنه بذكر الشهادة لاستلزامها لما ذكر لا يقال هذا ينافي ما مرّ من الاتصال المؤكد لأنا نقول يكفي لذلك الاتصاف وقوعهما في مجلس واحد
فلا حاجة إلى ما قيل إنه يقدر هكذا إذا جاؤوها وأنكروا بعد السؤال شهد الخ. قوله : ( بأن ينطقها الخ ) فهو على ظاهره وحقيقتة أو المراد ظهور علامات على الأعضاء دالة على ما كانت متلبسة به في الدنيا بتغيير أشكالها ، ونحوه مما يلهم الله من رآه إنه صدر عنه ذلك لارتفاعه الغطاء في الآخرة فالنطق مجاز عن الدلالة ، والجلود قيل المراد بها الظاهر ، وقيل الجوارج وقيل هي كناية عن الفروج ، فإن قلت على كل حال الشاهد أنفسهم وهي آلات كاللسان فما معنى شهدتم علينا قلت : قال المحقق في شرحه ليس المراد هاذ النوع من النطق الذي ينسب حقيقة إلى الجملة ، ويكون غيره آلة بلا قدرة وارادة له في نفسه حتى لو أسند إليه كان مجازا كإسناد كتب العلم بل على أنّ الأعضاء ناطقة حقيقة بقدرة وارادة خلقهما الله فيها ، وكيف لا وأنفسهم كارهة لذلك منكرة له إلا أن يقال : إنه نفسه لا يقدر على دفع كونها آلات ، ويؤيده قوله عليهم فإن فيل : أنطقنا الله إنما يصلح جوابا عن كيف شهدتم لا عن لم شهدتم ، قيل : قد دل الجواب على أنّ المعنى لأيّءكللة وبأيّ موجب شهدتم فيصلح ما ذكر جوابا له وخصت الجلود دون السمع والبصر لأنها أعجب إذ ليس شأنها الإدراك بخلافهما ، وقيل : إنما خصت لأنها بمرأى منهم مشاهدة لا لما مرّ لأنّ في الجلود قوّة مدركة أيضا وهي اللامسة ، وهي مشتملة أيضاً على الذائقة وكل منهما أهمّ وأعتم ، وهذا أيضاً يصلح وجهاً للتخصيص وفيه تعكيس عليهم إذ تضرّروا مما يرجون منه أكمل النفع ولا يخفى ما فيه إذ الظاهر إن رده على المحقق لم يصادف محزه إذ ليس المراد مما ذكره من أنها ليس من شأنها الإدراك إلا إدراك أنواع المعاصي التي شهد عليها كالكفر والكذب والقتل ، والزنا والربا مثلا وادراك مثلها منحصر في السمع والبصر كما لا يخفى فتدبر. قوله : ( سؤال توبيخ ) هو على التفسير الأول من أنه نطق حقيقي إذ خلق فيها الإدراك ، وقوّة النطق فكانت قابلة للتوبيخ أيضا ، وأما التعجب فهو على الثاني أو عامّ لهما. قوله : ) ولعل المراد به نفس التعجب ( هذا على الوجهين أيضا لا على الثاني كما توهم إذ لا وجه للتخصيص بلا مخصص يعني لا قصد هنا للسؤال أصلاً ، وإنما قصد به ابتداء التعجب لأن التعجب يكون فيما لا يعلم سببه وعلته فالسؤال عن العلة المستلزم لعدم معرفتها جعل مجازاً أو كناية عن التعجب لأنه قيل : إذا ظهر السبب بطل العجب ، وقوله : ما نطقنا باختيارنا بناء على أنه سؤال توبيخ ، وقوله : أوليس الخ بناء على أنه سؤال تعجب أو تعجب رأسا وكون النطق بغير اختيار على كونها آلات ظاهر أمّا على أنه خلق فيها قدرة وارادة كما مرّ فبأن يكون ذلك بجبر من الله بتسخيرها لما أراده منها ، ولا ظلم فيه لأنه جبر على إظهار ما تقرّر قبل للإلزام. قوله : ( الذي أنطق كل حيئ ) وفي نسخة شيء بدل حي وفي نسخة
كل شيء نطق بالتوصيف ، وهي الصواب كما قيل ويدل عليه قوله : بعد بقي الشيء عامّا فإنه يقتضي تخصيصه قبله بها ، ويشير إلى أن صفته المخصصة مقدرة ولا بد منه إذ ليس كل شيء أوحى ينطق بالنطق الحقيقي ، ولذا قال ولو الخ وكذلك لو كان النطق ولاجواب بمعناه الحقيقي وحمل النطق في قوله الذي أنطق كل شيء على الدلالة فإنه يجوز فيه ذلك فيبقى على عمومه أيضاً ، ويكون التعبير بالنطق للمشاكلة كما قيل لكن المصنف لم يلتفت إليه ، لأنه خلاف الظاهر والموصول المشعر بالعلية يأباه إباء ظاهراً فتأمل ، وقوله في الموجودات لأنّ المعدومات لا تدرك حتى تدل بالحال ولذا قال : الممكنة فتدبر. قوله : ) تمام كلام الجلود ( ومقول القول أو مستأنف من كلام الله تعالى والمراد على كل حال تقرير ما قبله بأنّ القادر على الخلق أوّل مرة قادر على إنطاق كل شي.(7/395)
ج7ص396
قوله تعالى : ) { أَنْ يَشْهَدَ } الخ ) إمّا مفعول له بتقدير مضاف أي مخافة أو كراهة أي ليس استتارهم للخوف مما ذكر بل مز الناس ، أو لأجل أن يشهد فهو مفعول له أو من أن يشهد أو عن أن يشهد أو أنه ضمن معنى الظن فهو في محل نصب واستبعد هذا المعرب ، وما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى من غير تعرّض لإعرابه لكن قوله : ما استترتم عنها يحتمل احتمالاً قريباً إنه إشارة إلى أنّ أن يشهد في محل نصب أو جر على الخلاف فيه بتقدير عن لأنّ حذف الجارّ جائز قبل أن وأن ويحتمل أنّ متعلقه محذوف ، وأن يشهد مفعول له أي ما تستترون عن أعضائكم مخافة أن يشهد ، وقيل : إنه بتقدير الباء أي بأن يشهد ، والمعنى ما استترتم عنها بملابسة أن يشهد عليكم والمراد تحمل الشهادة فالوجوه في إعرابه خمسة وأما قوله : ما ظننتم الخ فهو لازم معناه لأنهم إذا لم يستتروا عن أعضائهم فهم لم يظنوا شهادتهم عليهم ، فما قيل إنه إشارة إلى أنّ تستترون ضحمن معنى الظن فعدى تعديته لأنه لازم ، وفيه بحث وهو ميل إلى ما نقل عن قتادة من إن معناه وما كنتم تظنون أن يشهد الخ ليس بشيء لما عرفته مما قررناه ، وقد يقال إنه مراد قتادة رضي الله عنه. قوله : ( إلا وعليه رقيب ( كما قال أبو نواس :
إذا ما خلوت الدهريوما فلا تقل خلوت ولكن قل عليئ رقيب
ولاكحسبن الله يغفل ساعة ولا أن مايخفى عليه يغيب
قوله تعالى : ( { وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ } ( معناه ما ظننتم أن الله
يعلم فينطق الجوارج ولكن ظننتم إنه لا يعلم كثيرا وهو ما عملتم خفية فما استترتم عنها ، واجترأتم على المعاصي وإذا كان أن يشهد مفعولا له فالمعنى ما استترتم بالحجب لخيفة أن
تشهد عليكم الجوارح فلذا ما استترتم عنها لكن لأجل ظنك إن الله لا يعلم كثيراً فلذا سعيتم في الاستتار عن الخلق لا عن الخالق ، ولا عما ينطق به الجوارج وعلى تقدير الباء فالمعنى ما استترتم عنها بملابسة أن تشهد عليكم أي تتحمل الشهادة إذ ما ظننتم إنها تشهد عليكم بل ظننت أنّ الله لا يعلم فلذا لم يكن استتاركم بهذا السبب ، وعلى تقدير عن قيل يلزم زيادة يشهد وفيه نظر. قوله : ( إشارة إلى ظنهم هذا ) أي للذكور ضمن قوله : ظننتم ، وقوله : خبران له يعني ظنكم خبر أوّل لذلكم والذي صفته ، وأرداكم أي أهلكهم خبر ثان له وهو أحد الوجوه في إعرابه ، وقيل : أرداكم حال بتقدير قد معه أو بدونه وإن أباه بعض النحويين ، وقيل : إنه استئناف وقيل : ظنكم بدل والموصول خبر وأرداكم حال بتقدير قد وقيل الموصول خبر ثان ، !وقيل : الثلاثة أخبار ، إلا أنّ أبا حيان ردّ الوجه الأوّل بأنّ ذلكم إشارة إلى ظنهم السابق فيصير التقدير ، وظنكم بربكم إنه لا يعلم ظنكم بربكم فما استفيد من الخبر هو ما استفيد من المبتدأ وهو لا يجوز كقولهم سيد الجارية مالكها وقد منعه النحاة ، ورد بأنه لا يلزم ما ذكر لجواز جعل الإشارة إلى الأمر العظيم في القباحة فيختلف المفهوم باختلاف العنوان ، ويصح الحمل كما في هذا زيد ولو سلم فالاتحاد مثله في شعري شعري مما يدل على الكمال في الحسن كما في هذا ال!مثال أو القبح كما فيما نحن فيه ع وقيل المراد منه التعجب والتهكم وقد يراد من الخبر غير فائدة الخبر ولازمها ، وهذا كله على طرف الثمام والحق ما قاله ابن هشام في شرح بانت سعاد من أنّ الفائدة كما تحصل من الخبر تحصل من صفته وقيده كالحال وان أشكل هذا على قمول الأخفش إنه منع أحق الناس بمال أبيه ابنه البار به ، ونحوه : لأن الخبر نفسه غير مفيد ولا ينفعه مجيء الصفة بعده لانّ وضع الخبر على تناول الفائدة منه ، وقد بسط الكلام فيه فراجعه. قوله : ( إذ صار ما منحوا ( أي أعطوا من الج!وارج الموهوبة لهم للاستسعاد أي نيل السعادة في الدارين الدنيا والآخرة لأنّ بها تعيشهم في الدنيا وإدراكهم ما يهتدون به إلى حق اليقين ومعرفة رب العالمين الموصل للسعادة الأخروية فحيث أذاهم ذلك إلى كفران نعم الرزاق والكفر بالخالق كان ذلك سببا للشقاء في المنزلين تثنية منزل ، والمراد بهما الدنيا والآخرة لجهلهم بالذات والصفات وارتكاب المعاصي واتباع الشهوات وقيل المراد بما منحوا العقل ، والأول أنسب بما قبله من شهادة الأعضاء وإن استبعده بعضهم. قوله : ( لا خلاف لهم عنها! يعني التقدير أن يصبروا لظن إنّ الصبر ينفعهم لأنه مفتاج الفرج(7/396)
ج7ص397
لا ينفعهم صبرهم إذ لم يصادف محله ، وقوله : وصي الرجوع إلى ما يحبون لأنها اسم من أعتبه إذا ما رأى ما يعتب عليه ، وقوله : المجابين إليها أي إلى العتبي وهي الرجوع لما يرومون بسؤالهم إياه ، والجواب مأخوذ
من وقوعه في مقابلة السؤال ، وتحقيقه ما قاله الإمام الكرماني في شرح البخاري في باب الاستنجاء أنّ الاستفعال هنا لطلب المزيد فيه فالاستعتاب فيه ليس لطلب العتب بل لطلب الأعتاب ، والهمزة فيه للسلب فتأمّل. قوله : ) ونظيره قوله الخ ) أي نظيره في المعنى لأن معناه إن صبروا ، أو لم يصبروا بأن جزعوا لأنّ سؤالهم لعدم صبرهم فمعنى الشرطيتين سواء صبروا أم جزعوا ، وقوله : وقرئ وأن يستعتبوا أي بالبناء للمجهول والمعتبين بصيغة الفاعل ، وقوله : أي أن يسألوا أن يرضوا ربهم الخ أو هذه القراءة في معنى قوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ سورة الأنعام ، الآية : 28 لح لتماديهم في الطغيان ، وقوله : لفوات المكنة أي لفوات وقتها وهو الدنيا. قوله : ( وقدّرنا ( يقال : فيض الله له كذا إذا قدره والقرناء جمع قرين وتقييضه له إما لاستيلائه عليه أو لأخذه لا عن غيره من قرنائه ، والأخدان جمع خدن وهو كالخدين الصديق ، وقوله : وقيل الخ هو ما ارتضاه الزمخشري ورجح الأوّل لقربه معنى ، وقوله : من أمر الدنيا الخ تفسير لما بين أيديهم لحضورها عندهم كالشيء الذي بين يديك تقلبه كيف تشاء وما خلفهم أمور الآخرة لعدم مشاهدتها كالشيء الذي خلفك أو لكونها ستلحق بهم ، وقد يعكس فيجعل ما بين أيديهم الآخرة لأنها مستقبلة ، وما خلفهم الدنيا لمضيها وتركها كما مز ، وما ذكره المصنف رحمه الله أوفق بالترتيب الوجودي ولذا اختاره المصنف واتباع الشهوات عطف على أمر الدنيا بيان للمراد منه وهو المزين لهم فهو كالتفسير له كما إن إنكاره عطف على أمر الآخرة لأنه الذي زين لهم فيه لا قبوله. قوله : ) في جملة أمم ( يعني أن في للظرفية والجار ، والمجرور في محل نصب على الحال من ضمير عليهم أي كائنين في جملة أمم كما في البيت المذكور ، وقيل في بمعنى مع في الآية والبيت المذكور لكن المصنف ساقه شاهدا لما ذكر ، والصنيعة الإحسان والكرم ومأفوكا بمعنى مصروف عن الجود للبخل ، وقوله : ففي آخرين أي فأنت في جملة قوم آخرين قد أفكوا وعدلوا عن الصنيعة يعني لست أوّل من بخل. قوله : ) وقد عملوا مثل أعمالهم ) قدره لاقتضاء المقام له وبه يأخذ الكلام بعضه بحجز بعض ، وقوله : والضمير
لهم وللأمم ويجوز كونه لهم بقرينة السياق. قوله : ( وعارضوه بالخرافات ( عارضوه أمر بالمعارضة ، والمراد بها التكلم عند قراءته والخرافات جمع خرافة بالتخفيف اسم رجل كانت الجن استهوته فلما رجع كان يحدث بما رأى من العجائب ، ثم شاع في كل كذب و-ف يث لا أصل له وورد في الحديث : " خرافة حق " ونقل عن الزمخشري تشديد رائه ولم يذكره غيره والتشويش على القارئ التخليط حتى يذهل عما يقرؤه ، وهذا تفسير بحاصل المعنى وأصل معناه ائتوا باللغو ليختلط فلا يمكنه القراءة والمراد باللغو ما لا أصل له أو ما لا معنى له ، وقوله : لغى يلغى كرضى يرضى ولغا يلغو كعدا يعدو ، وهذى بالذال المعجمة من الهذيان وهو معروف. قوله : ) تنلبونه على قراءته ) أي تشغلونه عنها ، وقوله : وقد سبق مثله أي في سورة الزمر وهو إشارة إلى أن إضافة أسوأ للتخصيص وأفعل للزيادة المطلقة إذ ليس المعنى إنا نذيقهم أسوأ الأعمال بل الأسوأ المنسوب إلى أعمالهم ، ثم لما أشير إلى ذلك الأسوأ وأخبر عنه بقوله : جزاء أعداء اللّه النار وجب أن يكون التقدير أسوأ جزاء الذين كانوا يعملون ليصح الأخبار إذ الجزاء ليس هو الأسوأ الذي من جنس العمل بل من جنس الجزاء ، فإن قيل : فبعد تقدير المضاف يصح الحمل على الإضافة إلى المفضل عليه أي أسوأ أجزية عملهم قلنا ليس المعنى على أنّ لعملهم أجزية كثيرة هذا أسوأها بل على إن هذا الأسوأ جزاء عملهم. قوله : ( فلنذيقق الذين كفروا الخ ( أظهر في مقام الإضمار وللإشعار بالعلية ، والعذاب إفا في الدارين أو في إحداهما وأيد الأوّل بقوله : عذابا شديداً في الدنيا والآخرة ، وإذا أريد عاقة الكفار ثبت في هؤلاء بالطريق البرهاني. قوله : ) خبره ( وتصحيح الحمل يحتاج إلى تقدير فيه بسبب جزاء أعدائه أو في السابق أي جزاء أسوأ الذي أو أسوأ أجزاء العمل الذي أو هو خبر جزاء ، أو ذلك خبر محذوف أي الأمر كذلك ، وقوله : وهو كقولك في هذه الدار الخ يعني إنه من التجريد وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر(7/397)
ج7ص398
مثله مبالغة فيها كما مرّ تحقيقه لأنها نفسها دار الخلد وجعله للظرفية حقيقة تكلف لا داعي له مع أنّ المذكور أبلغ ، وقوله : على أن المقصود الصفة
أشار بالعلاوة إلى جواب آخر لتصحيح الظرف لأنه إذا قصدت الصفة ، وذكرت الدار توطئة كان كأنه قيل لهم فيها الخلود. قوله : ( يلغون وذكر الجحود الخ ) جعله مجازا عن اللغو المسبب عنه وهو الذي اختاره الزمخشريّ لأنه سواء جعل مصدراً أو حالاً أو مفعولاً له مرتب على قوله : لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ، وقوله : شيطاني النوعين من الإنس والجن لإطلاقه عليهما لكنه في الإنس مجاز مشهور بمنزلة الحقيقة ، وقوله : الحاملين أي هما سببان يقال حمله على الأمر إذا دعاه له وتسبب في ارتكابه ، وقوله : سنا الكفر والقتل لف ونشر فالذي سن الكفر إبليس ، والذي سن القتل قابيل وفخذ بالسكون مخفف فخذ كحذر وما في الكشاف إن أر بالكسر للاستبصار وبالسكون للاستعطاء لا يظهر وجهه ، ولذا تركه المصنف وقوله : وقيل الخ مرضه لأنه خلاف الظاهر إذ يحتاج إلى تأويله بالجهة التي تلي ما تحت أقدامنا. قوله : ) مكاناً أو ذلاً اليس هو على اللف ، والنشر المرتب أو المشوّش بل على الوجهين في تفسير تحت أقدامنا ، وقوله : وإقراراً بوحدانيته الوحدانية من الحصر الذي يفيده تعريف الطرفين كما في صديقي زيد. قوله : ) وثم لتراخيه ) يعني ، ثم هنا لتراخي الاستقامة عن الإقرار في المرتبة وفضلها فهي للتراخي الرتبى لا الحقيقي ، وقوله : من حيث الخ بيان للتراخي الرتبي فيه بأنه مبدأ الاستقامة ومنشؤها. قوله : ( أو لأنها ) أي الاستقامة عسر لو قال عسرة كان أحسن وان أوله بأمر عسر والمعطوف عليه في الأوّل أعلى مرتبة لأنه العمدة والأساس ، وهذا عكسه لأن الاستقامة أعظم وأصعب أو المراد بها كما في الكشف الثبات على الإقرار ومقتضياته لأن من قال : ربي الله اعترف بأنه مالكه ومدبر أمره ومربيه وانه عبد مربوب بين يدي مولاه فالثبات على مقتضاء إن لا تزل قدمه عن طريق العبودية قلبا وقالبا وثندرج فيه كل العبادات ، والاعتقاديات ومثله كما يأتي في الحجرات ، ثم لم يرتابوا وقد حوزوا فهي مع ما ذكر التراخي الزماني هذا محصل ما في الكشاف ، وشروحه وهو مبنيّ على أن المعطوف بثم أك!لى مرتبة وما ذكره المصنف أوّلا مبنيّ على خلافه ، ولذا فسره بالعمل كما صرّح به في سورة الأحقاف فمن خلط الكلامين وفسر أحدهما بالآخر لم يصب وما في الكشاف هو الوجه الثاني بعينه ، وبما ذكر من
الوجه الثاني عرفت أنّ تفسيره بأن الاستقامة تحصل بعد مدة من وقت الإقرار ، وانه لا يناسب المقام إذ مقتضاه الترغيب في الاستقامة لا وجه له مع أنه فاسد لأنه لو سلم كان التراخي زمانيا لا رتبياً ، وقوله : من الثبات الخ روي عن عمر وإخلاص العمل عن عثمان رضي الله عنهما ، وأداء الفرض عن عليّ فهذه جزئيات ذكر كل منها على طريق التمثيل ، وما في كلام بعضهم مما يوهم الاتحاد ليس بمراد وحقيقتها التوسط بين الإفراط والتفريط قولاً وفعلا واعتقادأ. قوله :
( يعن لهم ) أي يعرض ويطرأ من الأحوال ، وهذا إفا بالها مهم في الدنيا أو في غيرها كما في القبر والمحشر وحال الاحتضار ، وقوله : بما يشرح صدورهم متعلق بتنزل والباء للملابسة أو التعدية ، وقوله : على ما خلفتم في الدنيا خص بالماضي وما قبله بالمستقبل بناء على الفرق بين الحزن والخوف بأنّ الخوف لما يتوقع والحزن لما وقع. قوله : ( وأن مصدرية الخ ( مز تفصيل الوجوه الثلاثة في قوله أن لا تعبدوا في هذه السورة وعلى الأخير تتنزل يضمن معنى القول وعلى الثاني يضمن معنى العلم وعلى الأوّل يجوز كون لا نافية ، وسقوط النون للنصب والجر في موضمع الإنشاء مبالغة وفيما سواه ناهية. قوله : ) في الدنيا على لسان الرسل ( قيل إنه ميل منه إلى غير التفسير الأوّل في قوله : تتنزل عليهم الخ ، وقيل : تقديره في الجنة ، وفيه نظر لا يخفى وقوله : نلهمكم الخ هو تفسير لكونهم أولياء ، وقيل : معناه نحفظكم. قوله : ( ما تتمنون ) قد مر تحقيقه في يس مع وجهين آخرين فيه ووجه كون المتمنى أعم من المشتهى لأنه قد يقع في أمور معنوية وفضائل عقلية روحانية لكن قد يضتهي المرء ما لا يطلبه كالمريض يشتهي ما يضرّه ، ولا يريده والأولى أن يقال : بينهما عموم وخصوص وجهي إلا أن يقال المراد بالمتمني ما يصح تمنيه ، لا ما يتمنى بالفعل وكون التمني أعئم من الإرادة غير مسلم. قوله : ( حال من لا تدّعون ) يحتمل إنه حال من الموصول بناء على جواز(7/398)
ج7ص399
الحال من المبتدأ او على مذهب الأخفش في إعمال الظرف من غير اعتماد أو من عائده المقدار أو من ضميره المستتر في الخبر أي لكم وهو أحسن صناعة ، ومعنى أمّا الأوّل فظاهر وأمّا الثاني فلأنه قيد للحصول لا للادعاء والتمني كما يعرف بالتأمّل ، وقوله : كالنزل قليل عنده لأنّ النزل ما يهيأ للمسافر ليأكله حين نزوله
والعادة في أمثاله أن يعقبه من الكرامة ما هو أعظم منه جداً. قوله : ( ومن أحسن قولاً الخ ) أي لا أحد أحسن منه ، وقوله : تفاخرا به مع قصد الثواب إذ هو لا ينافيه فيكون قال بمعنى تلفظ به لما ذكر وقوله : أو اتخاذاً ، الخ فالمعنى جعل واتخذ الإسلام دينا له وليس المراد به أنه تكلم به فإنه كما قال الراغب : يرد لمعان ذكرها ، منها الدلالة نحو :
امتلأ الحوض وقال قطني
وقوله : أو مذهبا من تولهم : قال بكذا إذا اعتقده وأورد عليه إن قال بمعنى تمذهب يتعدى بالباء ومفهوله مفرد وفيه نظر ، وقد جعل هذا وما قبله وجها واحداً وهو أقرب مما ذكره المصنف ، وقد وقع في نسخة ومذهباً معطوفا بالواو وهي أصح مما اشتهر في النسخ وهذا الوجه مبنيّ على الوجه الثاني. قوله : ( وقيل نزلت في النبئ صلى الله عليه وسلم ) فتكون خاصة به كقوله في حق إبراهيم : { قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [ سورة البقرة ، الآية : 181 ] والمعنى اختار النسبة إلى الإسلام دون عز الدنيا وشرفها وهو ردّ على قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن وتعجيب منه ، وقيل : إنها نزلت في المؤذنين لدعوتهم الناس إلى الصلاة التي هي عماد الدين فالآية مدنية إلا أن يقال حكمها متأخر عن نزولها لأنّ السورة مكية ، والأذان شرع بالمدينة. قوله : ) في الجزاء وحسن العاقبة ) أو في ظاهرهما لما في الأوّل من الحسن والثاني من القبح ، وإذا كان المراد أنّ الحسنة لا تستوي مع السيئة فلا الثانية مزيدة للتأكيد فإن كان المراد إنّ الحسنة لا تتساوى مع السيئات لتفاوت مراتبها وأفرادها ، كما أنّ السيئة كذلك فلا ليست مزيدة فإن تعريفهما للجنس ، والأوّل أقرب ، ولذا اختاره المصنف دون الثاني الذي اختاره الزمخشريّ. قوله : ( ادفع السيئة حيث اعترضتك ) اعترض بمعنى وقف بالعرض وبمعنى عرضت لك ، ونالتك وهذا هو المراد هنا ، وقوله : على أنّ المراد بالأحسن الزائد مطلقا فهو أحسن في الجملة فقوله : أحسن منها أي موجراً بها ، وما يقع في مقابلتها وقيل تقديره متباعداً منها ، واستبعد بعضهم فمن ليست الداخلة على المفضل عليه على أنها صلة أفعل. قوله : ( أو بأحسن ما يمكن دفعها ) فالمفضل عليه عام ، ولذا حذف كما في الله أكبر أو المراد أن الزيادة على الحسن أمر مخصوص وهو ما يدفع به
السيئة ، وقوله : وإنما أخرجه الخ هذه الجملة محتملة لاتصالها بما قبلها وانقطاعها عنها والظاهر الأوّل والمعنى لا تستوي الحسنة والسيئة في الطاعة ، وجلب القلوب فادفع سيئتهم بالحسنة فكان الظاهر الفاء التفريعية فتركت للاستئناف الذي هو أقوى الوصلين اتكالاً على فهم السامع ، وإليه أشار المصنف بجعله مستأنفا في جواب سؤال أي كيف أصنع الخ ومقتضى الظاهر ادفع بالحسنة فعدل عنه إلى الأبلغ لأنّ من دفع بالأحسن هان عليه الدفع بما دونه ، وهذا الكلام أبلغ في الحمل ، والحث على ما ذكر لأنه يومي إلى أنه مهم ينبغي الاعتناء به والسؤال عنه ، وقوله : ولذلك أي لأجل المبالغة المأخوذة من الاستئناف. قوله : ) عدوّك المشاق ) أي المخالف وهو اسم فاعل وأصله المشاقق ، وقوله : فعلت ذلك إشارة إلى أنه في جواب شرط مقدر والوليّ هنا بمعنى الصديق أو القريب ، وقوله : هذه السجية أي الخصلة والصفة فالضمير راجع لما يفهم من السياق ، ويجوز رجوعه للتي هي أحسن ومعنى يلق يعطي ويؤتى ، وقوله : وهي أي السجية والمراد بالدين صبروا من فيهم طبيعة الصبر ، وقوله : الجنة فهو وعد وعلى ما قبله مدح وفسر الحظ أيضا بالثواب وكمال العقل. قوله : ) نخس ( بالخاء المعجمة والنخس المس بطرف قضيب أو اصبع بعنف مؤلم استعير للوسوسة هنا ، وقوله : لأنها أي الوسوسة تبعث الإنسان على ما لا ينبغي بتسويل الشيطان كما أنّ النزع يكون للحث على حركة ونحوها فهو وجه الشبه بينهما ، وقوله : كالدفع بما هو أسوأ مثال لما لا ينبغي وهو ضدّ الدفع بالأحسن ، والمعنى إن أفسدت ففساد ناشئ من الشيطان ، وجد جدة بمعنى سعد سعده من الإسناد للمصدر مجازاً للمبالغة ، ومن على هذا ابتدائية أي نزغ ناشئ منه. قوله : ) أو أريد به نارّغ ( فالمصدر بمعنى اسم الفاعل كعدل بمعنى عادل وإليه أشار بقوله : وصفا الخ ، ومن على هذا بيانية والجار والمجرور(7/399)
ج7ص400
حال ويجوز أن يكون تجريداً ، ومن ابتدائية ، ويجوز أن يكون المراد بالنازغ وسوسته وقوله : لاستعاذتك الخ فسره في الأعراف بسميع لقوله من آذاك عليم بفعله فينتقم منه مغنيا عن انتقامك وقيل : عليم بنزغ الشيطان.
قوله : ) مأموران مثلكم ( بأمركن التكويني لا أمر تكليف لأنهما لا إدراك لهما أو المراد
أنهما جاريان على وفق إرادته مسخران ، وقوله : مثلكيم إشارة إلى مانع آخر لأنّ المرء لا يعبد
من هو مماثل له ، وقابل الليل بالنهار لأنه يقابله كما أن الليلة تقابل اليوم ، وقوله : والمقصود
الخ جملة حالية وضمير بهما للشمس والقمر ، وقوله : إشعاراً مفعول له وهو تعليل لجمعها في
ضمير واحد مع أنّ المقصود الشمس والقمر ووجها لإشعار المذكور نظمها بصيغة واحدة
والليل والنهار لا يعقل قطعا فكذا ما هو مثلهما ، ولو ثنى الضمير لم يكن فيه إشعار ، وفيه
إشارة إلى وجه التعبير بضمير المؤنث أيضا فإنّ جماعة ما لا يعقل في حكم الأنثى أو الإناث
يقال الأقلام بريتها وبريتهن فليس من التغليب في شيء حتى يرد أنه ، إنما يغلب المذكر على
المؤنث لا العكس فعلم عدم استحقاقهما للعبادة من وجوه كونها مخلوقة غير مدركة. قوله :
( فإنّ السجود أخص العبادات ) إذ العبادة مطلقا مختصة بالله معنى ، وهذا يختص به معنى
وصورة بخلاف القيام والركوع ، والعبادة التذلل وهو غايتها فيلزم من اختصاصها اختصاصه ،
وقوله : وهو أي هذا المحل عند قوله : تعبدون موضع السجود عند الشافعيّ في أحد قوليه
وذكره لأنه هو الذي ظهر فيه محل الاختلاف فلا ينافيه كون الأصح خلافه عندهم إن سلم ،
وعند أبي حنيفة وفي أحد قولي الشافعي السجدة عند قوله : لا يسأمون لأنه تمام الآية وبه يتتم
المعنى فلذا أخرها احتياطا لأنه لا ضير في تأخير السجود بخلاف تقديمه على محله فإنه يقع
غير معتد به. قوله : ( عن الامتثال ) قدره ، وكان الظاهر عن السجود أو العبادة لكنه عدل عنه
لأنهم لم يستكبروا عن ذلك لكنهم لم يمتثلوا أمره إذ سجدوا لغيره تعالى ، والمخالفة تتضمن
الاستكبار بوجه مّا ، وقوله : فالذين الخ جواب أمر مقدر أي فدعهم وشأنهم أو فقاتلهم فإن دته
عباداً يعبدونه ، وقوله : لقوله الخ فإنّ عدم السآمة المعبر عنه بالاسمية المقدم فيها الضمير يدل
على الدوام. قوله : ( مستعار من الخشوع الخ ( يعني أن أصل معنى الخشوع التذلل فاستعير
استعارة تبعية لحال الأرض! في السكون ، وكونها مجدبة لإثبات فيها كما وصفها بالهمود في
قوله : { وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً } [ سورة الحج ، الآية : 5 ] وهو خلاف وصفها بالاهتزاز وما معه كما
بينه الزمخشري ، ويجوز أن تكون استعارة تمثيلية كما ستراه كما أشار إليه الشارح المحقق.
قوله : ) تزخرفت وانتفخت ) التزخرف التزين بالنبات والانتفاخ معنى قوله : ربت بمعنى صارت
ربوة مرتفعة ، وقوله : وقرئ ربأت أي بالهمز بمعنى ارتفعت من ربا عليه إذا أشرف ويقال : إني
لأربا بك عن كذا أي أرفعك عنه ولا أرضاه لك كما في الأساس ، وفي الكشاف : كأنها بمنزلذ
المختال في زيه وهي قبل ذلك كالذليل الكاسف البال في الأطمار الرثة انتهى فهو استعارة أيضا وفي الكشف إنه يشعر بأنه ليس من التمثيل وذكر في قوله : { حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ } [ سورة يونس ، الآية : 24 ] إنه كلام فصيح جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروش إذا أخذت النبات الناضر من كل لون والظاهر أنه تمثيل هنا أيضا لكن أطلق الاستعارة على المعنى الأعم على معنى أنه لا مانع من الوجهين كما في قوله : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا } وقوله : بعد موتها الموت والحياة استعارة للخصب والجدب كما مرّ تحقيقه ، وقوله : من الإحياء والإماتة لو أبقى على عمومه ويدخل هذا فيه دخولاً أوّليا كان أولى. قوله : ( يميلون ) من ألحد إذا مال ، والإلحاد في آياته أي شأنها وما يليق بها ، وقوله : بالطعن الخ ، إشارة إلى أنها شاملة للقرآن وغيره لأن التحريف لم يقع في القرآن بل في غيره من الكتب ، وقوله : والإلغاء فيها بالغين المعجمة إفعال من اللغو وكان الظاهر أن يقول اللغو فيها لأنه إشارة إلى قوله ، وألغوا فيه كما مرّ ، وقوله : فنجازيهم على إلحادهم لأن اطلاع الله على الأمور وعلمه بها كناية عن مجازاة فاعلها كما مرّ مراراً. قوله : ) قابل الإلقاء في النار الخ ) كان الظاهر أن يقابل بدخول الجنة لكنه عدل عنه لأنّ الأمن من عذاب اللّه أعمّ وأهمّ ، ولذا عبر في الأوّل بالإلقاء الدال على القسر والقهر وفيه بالإتيان الدال على أنه(7/400)
ج7ص401
بالاختيار والرضا مع الأمن ودخول الجنة لا ينبغي أن يبدل حالهم من بعد أمنهم خوفا فليس بمستغنى عنه والإحماد كونهم محموداً حالهم في الحال ، والمآل وكونه من الاحتباك بتقدير من يأتي خائفا ، ويلقي في النار ومن يأتي آمناً ويدخل الجنة فحذف من كل منهما نظير ما أثبت في الآخر بعيد لأنه لا قرينة تدل عليه ولا يكفي في مثله سلامة الأمير. قوله : ( بدل من قوله : { إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ } الخ ( بدل كل من كل ظاهره إن كلمة إن مع الاسم بدل من إنّ مع الاسم ، وقد قال المحقق في شرحه : إنه إبدال غريب ليس من إبدال المفرد ولا من إبدال الجملة ، ولا يشعر كلامه بأن الذين بدل من الذين بتكرير العامل مع أنّ ذلك لم يعهد في غير الجار والمجرور ولا بأنه على حذف الخبر للتهويل أي إنّ الذين كفروا يكون من أمرهم ما يكون ، أو لا يخفون أو هلكوا ونحوه ولا وجه لما ذكر فإن الجملة بدل من الجملة ، وليس في كلام المصنف ما يأباه لكنه قيل عليه إنه على تقدير الخبر لا حاجة إلى تكلف البدلية فيه فإنّ الحامل عليه الاستغناء عن التقدير فتأمل ، وقوله :
أو على الوجهين أو قوله : أولئك ينادون فلا حذف فيه لكنه بعيد ، وقوله : والذكر القرآن بوضع الظاهر موضع المضمر وفيه وجوه أخر ذكرها المعرب مع ما فيها. قوله : ) كثير النفع عديم النظير الخ ( العز حالة مانعة للإنسان عن أن يغلب كما قاله الراغب : فإطلاقه على عديم النظير مجاز مشهور يقال : هو عزيز أي لا يوجد مثله ، وكذا كونه مبتغى وأما كونه كثير النفع فهو مجاز أيضا لأنه إنما يعز الشيء لنفاسته ، وهي بكثرة المنافع فيه وعدم نظيره لإعجازه وفسر أيضا بأنه غالب لسائر الكتب لنسخه لها. قوله : ( من جهة من الجهات ) أي من جميع الجهات فما بين يديه وما خلفه كناية عن جميع الجهات كالصباح ، والمساء كناية عن الزمان كله ، وفيه تمثيل لتشبيهه بشخص حمى من جميع جهاته فلا يمكن أعداءه الوصول إليه لأنه في حصن حصين من حماية الحق المبين وقوله : أو مما فيه الخ معطوف على قوله من جهة يعني أنه لا يتطزق إليه باطل في كل ما أخبر عنه والأخبار الماضية ما بين يديه والآتية ما خلفه أو العكس كما مز تحقيقه ، وقوله : أفي حكيم يعني تنوينه للتعظيم وقوله : بما ظهر عليه من نعمه الباء للسببية أو للآلية فيكون الحمد بلسان الحال ، وعلى الأوّل بالقال فتدبر. قوله : ( أو ما يقول الله لك الخ ( معطوف على قوله : ما يقول لك كفار قومك الخ وما قاله الكفار الأذية وما ضاهاها وما يقوله الله الأوامر والنواهي الإلهية التي أجملت في قوله : إنّ ربك لذو مغفرة الخ كما أشار إليه المصنف ، وقوله : يحتمل الخ إشارة إلى أن فيه احتمالاً آخر وهو أن يكون القول غير مذكور وما ذكر كلام مستأنف ، والمقول له أصول التوحيد والشرائع والحصر فيه إضافي بالنسية لغيره من أمور الدنيا فلا ينافي أنه يقال له غير ذلك كالأمر بالدعوة والقصص رنحو ذلك ، وإليه أشار بقوله : بمعنى أنّ حاصل الخ وأنه باعتبار الحاصل فلا يضرّ اختلاف الخصوصيات والشرائع واختار الميم على شديد مع أنه أنسب بالفواصل إيماء إلى أن نظم القرآن ليس كالإسجاع ، والخطب وأنّ حسنه ذاتي والنظر إلى المعاني دون الألفاظ فيه ، وقوله : إليهم أي إلى الرسل. قوله : ( أكلام أعجمي الخ! فأعجمي
وعربي صفتان لموصوفين مقدرين كما ذكره ، وقوله : إنكار مقرّر للتخصيص أي هو استفهام إنكاري مقرّر ومؤكد لتخصيص الفرآن بكونه عربيا لا أعجميا والمخاطب العربي أعم من الرسول والمرسل إليه والإنكار لاستبعادهم لذلك وعدم فهمهم له. قوله : ( والأعجمي الخ ) أصله أعجم ، ومعناه من لا يفهم كلامه للكنة أو لغرابة لغته وزيدت الياء للمبالغة كما في أحمري ودواري وأطلق على كلامه مجازاً لكنه اشتهر حتى ألحق بالحقيقة فلذا ذكره المصنف وتركه الزمخشريّ فإنّ قوله : ولكلامه وقع في بعض النسخ دون بعض والعجمي المنسوب إلى العجم ، وهم من عدا العرب وقد يخص باهل فارس ولغتهم العجمية أيضاً فبين الأعجمي والعجمى عموم وخصوص وجهي. قوله : ( وعلى هذا يجوز أن يكون المراد هلا ) هو معنى لولا التحضيضية وقوله : فجعل بعضها الخ على تقدير بعضها أعجمي ، وبعضها عربي فيكون خبر مبتدأ مقدر بما ذكر وعبر بالجواز لأنه غير متعين لاحتمال غيره مما فصلوه ، وقوله : والمقصود الخ أي من قوله ولو جعلناه إلى تمام(7/401)
ج7ص402
الشرطية على الوجوه ، والقراآت ومقترحهم كونه بلغة العجم والمحذور اللازم لاقتراحهم أنه يفوت الغرض منه إذ لا معنى لإنزاله أعجميا على من لا يفهمه ، وقوله : أو الدلالة الخ يعني المقصود من هذه الجملة الشرطية بيان إنهم لا ينفكون عن التعنت عنادا لاقتراحهم الأعجمية فإذا وجدت طلبوا تفصيله ، ولو فصل طلبوا أمرا آخر وهكذا ، واذا كن المراد بالعربي المرسل إليهم كان حقه الجمع لكن الإفراد والتذكير هنا متعين كما أفاده الزمخشريّ لأنّ حق البليغ أن يجرّد الكلام عما يزيد عن مراده والمراد تنافي الحالتين بقطع النظر عمن هو في حقه فإذا أنكرت لباساً طويلاً على امرأة قصيرة قلت اللباس طويل ، واللاب! قصير ولو قلت : اللابسة قصيرة كان مستهجنا وقبيحاً من الكلام فاحفظه. قوله تعالى : ( { قُلْ هُوَ } الخ ) رد عليهم بأنه هاد لهم شاف لما في صدورهم كاف في دفع الشبه فلذا ورد بلسانهم معجزاً بينا ، في نفسه مبينا لغيره وقوله : على تقدير هو في آذانهم الخ ذكروا لي إعرابه ثلاثة أوجه فالذين آمنوا إمّا مبتدأ في آذانهم خبره ووقر فاعل الجار والمجرور او في آذانهم خبر مقدم ، ووقر مبتدأ مؤخر والجملة خبر الأوّل ، أو وقر خبر مبتدأ مقدر والجمله حر الأوّل والتقدير هو وقر الخ ، أو الذين عطف على الذين ووقر عطف على هدى على أنه م! العطف على معمولي عاملين مختلفين بناء على تجويزه والخلاف فيه مشهور فقوله : على نقدبر
الخ هو أحد الوجوه فيه فهو مبتدأ خبره وقر على المبالغة ، أو بتقدير ذو وقر وفي آذانهم بيان لمحل الوقر لا خبر لوقروا لتقدير في آذانهم منه ، وقر ولا يقدر هو حينئذ ، وقيل : التقدير ذو وقر وفي آذانهم بيان لمحل الوقر لا خبر لوقر والتقدير في آذانهم منه ، وقر ولا يقدر هو حينئذ ، وقيل : التقدير الذين لا يؤمنون به في آذانهم ، وقر فالرابط به أو الجملة معترضة فلا تقدير فيها. قوله : ( لقوله وهو عليهم عمي ) فإنه إنما يناسب ما قبله إذا قدر فيه هو ورعاية المناسبة أولى لا وواجب حتى يدل على عدم جواز غيره من الوجوه ، وإنما اختار الزمخشري ما اختاره لأن حذف المبتدأ لا يخلو عن ضعف بخلاف العائد المجرور فإنه كثير وليس فيه تفكيك للنظم كما قيل ، وقوله : على عاملين هذه عبارة النحاة وفيها تسامح والتقدير على معمولي عاملين والعاملان حرف الجرّ والابتداء ، والخلاف فيه مشهور فمنهم من منعه ، ومنهم من جوّزه ومنهم من فصل فيه فجوّزه إذا كان أحدهما مجروراً وقدم نحو في الدار زيد والحجرة عمرو ، وتفصيله في المغني وشروحه. قوله : ( من مكان بعيد منهم وهو الخ ) كذا في بعض النسخ وفي بعضها إسقاط قوله : منهم وفي نسخة هم بدل هو وهي من تحريف الناسخ ، وجعل النداء من مكان بعيد تمثيلا لعدم فهمهم وانتفاعهم بما دعوا له يقال : أنت تنادي من مكان بعيد أي لا تفهم ما أقول ، وقيل إنه على حقيقته وانهم يوم القيامة ينادون كذلك تفضيحاً لهم ، وقوله : يصح به تفعيل من الصياح كما صحح في النسخ من صيح الثوب إذا انشق وصيح به إذا أزعجه لشدّة صياحه. قوله : ( وهي العدة بمالقيامة الخ ) يعني لولا أنه تعالى قدر الجزاء في الآخرة قضى بينهم في الدنيا ، أو لولا أنه تعالى قدر الآجال لعجل هلاكهم واستئصالهم فتقدير لآجال عطف على العدة. قوله : ( وأن اليهود ) فالضمير لهم بقرينة السياق لأنهم الذين اختلفوا في كتاب موسى فإن أريد من لم يؤمن منهم فظاهر ، وان أريد المطلق فمعنى لفي شك إنهم لا يؤمنون حق الإيمان به كما يأتي في السورة الآتية ، وقوله : من التوراة الخ لف ونشر مرتب أو هو على التعميم فيهما ، وقوله : موجب للاضطراب لأنّ الشبه والشكوك تورث القلق والاضطراب ، وقدر نفعه وضرّه مؤخرا ليفيد الحصر المناسب للمقام ومن يصح فيها الشرطية والموصولية كما مرّ. قوله تعالى : ( { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } ) قد مرّ تفصيله وانّ المبالغة في نفي الظلم لا نفي مبالغة
الظلم ما هو المتبادر ، ووجهه أن يعتبر النفي أوّلاً والمبالغة بعده ولو عكس كان على العكس ، وهو موكول إلى القرائن أو المبالغة في الكم لكثرة العبيد ، وفيه كلام آخر مرّ تفصيله. قوله : ( فيفعل بهم ما ليس له أن يفعله ) إشارة إلى أنّ الظلم هنا عبارة عن فعل ما لا يفعله إلا أنه ظلم لو صدر منه وعدم فعله جريا على وعده السابق ، ومقتضى حكمته والا فله تعالى أن يعذب المطيع وينعم المسيء فليس هذا مبنياً على قاعدة الحسن والقبح العقليين الذي ذهب إليه المعتزلة وعممه للفريقين ولم يخصه بالمسيء كما في الكشاف فإنه لا وجه له إلا الإيماء إلى مذهبه في أنّ الكبيرة صاحبها مخلد. قوله : ( إذا سئل عنها ( فرد علمها إليه تعالى معناه أن يقال الله عالم بها(7/402)
ج7ص403
لأنها من المغيبات ولذا علله بقوله : إذ لا الخ ففيه احتمالان في شرح التأويلات ، إنه متصل بأمر الاعة والبعث ، وهو الأقرب فإنه لا يعلم هذا كله إلا الله فذكر هذه الأمور لمناسبتها لعلم الساعة ، وان الكل إيجاد بعد العدم بقدرته تعالى فيكون برهانا على الحشر وأن يتصل بقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ } [ سورة فصلت ، الآية : 37 ] الخ وبقوله : ومن آياته إنك ترى الأرض خاشعة الخ فالمعنى من آيات ألوهيته وقدرته وعلمه أن يخرج التمرات من أكمامها الخ انتهى محصله. قوله : ( جمع كم بالكسر ) من كممه إذا ستره وهو بالكسر في الثمار وبالضم كم القميص وقد يضم الأوّل أيضاً والجمع مشترك بينهما كما قيل :
من فوق أكمام الرياض وتحت أذيال النسيم
وقوله : بجمع الضمير أي أكمامهن ، وقوله : للاستغراق أي لتأكيد الاستغراق والنص عليه
إذ النكرة بعد النفي مستغرقة وتأنيث تخرج على الموصولية نظراً إلى المعنى لأنه بمعنى ثمرة ، وفوله : من مبينة أي الأولى ومن في من أكمامها ابتدائية على كل حال ومن ثمرة في محل نصب على الحال ، وقوله : بخلاف قوله : وما تحمل الخ فإنّ ما فيه نافية لا غير لأنه عطف عليه النفي وأتى بعده بقوله إلا بعلمه ، وهو استثناء مفرغ لا يكون إلا بعد النفي فلا يصح كونها موصولة كما فيل : وفيه نظر لأنه يكفي لصحة التفريغ النفي في قوله ، ولا تضع وجملة لا تضع يصح أن تكون حالاً أو معطوفة على جملة إليه يرد الخ وما هذه موصولة كمثل الأولى. قوله : " لا مقروناً بعلمه ) إشارة إلى أنّ الباء للملابسة أو للمصاحبة وأنّ الجار والمجرور في محل نصب على الحال ، وهو مستثنى من أعتم الأحوال ، وقوله : واقعاً الخ تفسير لاقترانه به ، وقوله :
بزعمكم لأنه تعالى منزه عنه فسيق على زعمهم توبيخاً لهم ، وقوله : ما منا من شهيد جملة منفية في محل نصب لأنها مفعول آذناك وقد علق عنها لأنه بمعنى العلم أي أعلمناك والمراد بالإعلام هنا الإخبار أيضاً ، ولذا فسره به فلا يرد أنه ينبغي تفسيره بأخبرناك لأنه تعالى عالم فلا يصح إعلامه بما هو عالم به بخلاف الإخبار فإنه يكون للعالم كما قاله السمرقندي؟ وعلى كليهما فهو معلق على اختلاف فيه فالمعنى أعلمناك بأنه ليس أحد منا يشهد بشركتهم ويقرّبها الآن فشهيد فعيل من الشهادة ، ونفي الشهادة كناية عن التبرؤ منهم لأن الكفرة يوم القيامة أنكروا عبادة غيره ت!لى مرّة واً قرّوا بها ، وتبرؤوا منها مرّة أخرى وسألوا الرد إلى الدنيا في أخرى بحسب الأوقات أو هو من أقوام أو أشخاص منهم كما صرّحوا به هنا ، وفسره السمرقندي بالإنكار لعبادتها فيكون كذبا كقوله : { وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ سورة الأنعام ، الآية : 23 ] وهو أقرب فيما قيل مما اختار. المصنف وليس بمسلم لأنه إن أريد نفي إقرارهم الآن فهو تبرّؤ ، وإن أريد فيما مضى فهو كذب. قوله : ( فيكون السؤال عنهم للتوبيخ ) أي إذا كان المراد بنفي الشهادة والإقرار الآن التبرّؤ منهم وأنهم أخبروه تعالى بذلك التبرّؤ ، قبل السؤال لما رأوا ما أشركوه فالسؤال حينئذ توبيخ ، وتقريع إذ لا يتوهم إنه سؤال ولو بحسب الظاهر ، وهو جواب عن السؤال المقدّر بأن الإيذان الإعلام فإذا سبق فلم سثلوا وأجابوا عنه بوجوه أنه ليس سؤالا حقيقة ، بل توبيخ وتقريع أوليس المراد أعلمناك فيما مضى بنفي الشركة ، بل هو مجاز عن علمه تعالى الآن بأنهم لا يشهدون بالشركة لأنّ العلم يلزم الإعلام أو هو إنشاء لا إخبار. قوله : ( أو من أحد يشاهدهم ) فشهيد من الشهود بمعنى الحضور والمشاهدة والأعلام بمعنى العلم كما مز أو هو إنشاء فعلى هذا كان ينبغي أن يؤخر قوله فيكون السؤال الخ ، وقوله : ضلوا عنا أي غابوا أو ضاعوا كما مرّ فهو مجمل تفصيله ما بعده. قوله : ( وقيل هو قول الشركاء الخ ) ومرضه لما فيه من التفكيك ، ويكون المعنى حينئذ كقوله : ويكونون عليهم ضدّ التبرؤ كل منهم عن الآخر وكون المعنى أنهم أنكروا عبادتهم لهم كذباً منهم لا وجه له هنا ، وقوله : لا ينفعهم الخ تفسير لضل بمعنى غاب أمّا بأنه لعدم نفعه كأنه ليس بحاضر موجود أو أنهم لم يروهم إذ ذاك وهذا في موقف وجعلهم مقترنين بهم في آخر فلا تنافي بينهما ، وقوله : وأيقنوا لأنه لا احتمال لغيره هنا وهو يكون بمعنى العلم كثيرا ، وقوله : معلق الخ فالجملة سادّة مسد مفعوليه ، وقوله : الضيقة هي الضد السعة. قوله : ( وهذا صفة الكافر ) يعني ما في هذه الآية من قوله : لا يسأم
الخ لا يتصف به غيره ، وقوله : وقد بولغ الخ جواب عما يرد في المقال من أنه لا يوصف به(7/403)
ج7ص404
غيره ، ويكون المراد شدة قلقه فإن المبالغة المذكور تأباه ، وقوله : من جهة البنية أي الصيغة لأنّ فعولاً من صيغ المبالغة والتكرير لأنّ اليأس والقنوط كالمترادفين ، وان كان اليأس مغايراً له أو أعمّ لأنّ القنوط أثر اليأس أو يأس ظهر أثره على من اتصف به كإنكساره وحزنه فيتكرر بذكره اليأس في ضمنه على كل حال كما أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله : وما في القنوط الخ. قوله : ( حقي أستحقه ا لا بفضل من الله كما تدل عليه لام الاستحقاق فيكون جاحداً للنعم كافراً بالمنعم ، وقوله : أولى دائما فاللام للملك وهو يشعر بالدوام ، وهو المراد فهو ذم له بأنه طغى وبطر ، وقوله : تقوم إشارة إلى أنّ اسم الفاعل هنا للمستقبل. قوله : ) ولئن قامت على التوهم ( كما يدل عليه إن الشرطية فإنّ الأصل فيها أن تستعمل لغير المتيقن فالتأكيد بالقسم هنا ليس لقيامها بل لكونه مجزيا بالحسنى لجزمه باستحقاقه للكرامة فلا تنافي بينها وبين التأكيد بالقسم ، وان واللام وتقديم الظرفين وصيغة التفضيل فإن تكوز للأمور المفروضة ، وليس هذا وجها آخر كما قيل ولا ينافي قوله : وما أظن الساعة لأن المعنى بل أتوهمها فتدبر. قوله : ( وذلك لاعتقاده الخ ) هذا على تفسيره الثاني لقوله : هذا إلى لا إن هذا الاعتقاد مقرر عنده كما في قولهم : { نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [ سورة سبأ ، الآية : 35 ] أي في الآخرة إن تحقق أمرها فلا ينافي الوجه السابق ولا قوله : لا ينفك عنه فتأمل. قوله : ( ولنبصرنهم ( من التبصير يقال بصره كذا وبكذا إذا عرفه فالمراد بإخبارهم بأعمالهم توقيفهم على ما يستحقون به العذاب المشاهد لهم فهو وعيد لهم لأنه كناية عن العذاب وأنهم مستحقون للإهانة لا الكرامة كما توهموا ، وقوله : لا يمكنهم التفصي أي التخلص عنه ، والنجاة منه تفسير لقوله : غليظ ، وإشارة إلى أنه استعارة كما سيأتي تقريره في قوله : عريض فغلظه استعارة له من عدم الرقة في الأجسام للمعاني ككبير وكثير لشدته أو كثرته ، وإحاطته بهم بحيث لا ينفك عنهم كمن أوثق بوثاق غليظ لا يمكنه قطعه. قوله : ) وانحرف عنه ( قال الراغب حقيقة نأى أعرض وقال أبو عبيدة : تباعد ويقال : نأى ونأى به بمعنى نهض كقوله : لتنوء بالعصبة ، ومنه : نأى بجانبه أي نهض به وهو عبارة عن التكبر كشمخ بأنفه والباء للتعدية ، وفي ضمير عنه استعارة بالكناية
وتفسيرا لنأى بالجانب بالانحراف تفسير له يلازمه عادة فهو إنا مجاز أو كناية ولا مانع من إرادة معناه الحقيقي كما توهم. قوله : ( أو ذهب بنفسه وتباعد عنه ) على أن الجانب بمعنى الناحية ، والمكان ثم نزل مكان الشيء وجهته كناية منزلة الشيء نفسه كقولك المجلس العالي أدام الله أيامه ، وقولهم : مقام الذنب فكأنه قيل : نأى بنفسه ثم كني بقوله : ذهب بنفسه عن التكبر والخيلاء ففيه على هذا كنايتان وعلى الوجه السابق كناية واحدة حيث كني بنأى بجانبه عن الانحراف ، فما قيل : إنّ في كلا الوجهين لفظ جانب كناية مطلوب بها الموصوف أعنى نفسه أو عطفه ومجموع الكلام كناية مطلوب بها اختصاص صفة بموصوف ، وهو التكبر والتعظم في الأوّل والانحراف والأزورار في الثاني مبني على اًن الجانب حقيقته الناحية والجهة وأنه مغاير للجنب وقد صرّح الراغب وغيره بخلافه فإنه سوى بينهما فجعل الجنب والجانب حقيقة كالعطف في اوجارحة وأحد شقي البدن مجازا في الجهة والمصنف في سورة الإسراء جمع بين المعنيين وجعل كونه كناية عن التكبر وجهاً آخر ، وقوله : تباعد عنه عطف تفسيرقي لذهابه بنفسه. قوله : ) والجانب مجاز عن النفس الخ ) قد مرّ فيما قررناه تبعا لشراح الكشاف قاطبة إنه كناية وكلام المصنف مخالف له فإنه رآه استعمل حيث لا يمكن إرادة الحقيقة كما في قوله : في جنب الله ، والكناية شرطها جواز إرادته فقاس ما هنا عليه وله وجه وجيه ، وما قيل : إنه أراد ما ذكر فعبر عنه بالمجاز على طريق المجاز خلاف الظاهر من غير داع لتكلفه وعليه فالمجموع استعارة بالكناية لا كناية ويجوز كونها تمثيلية. قوله : ( كثير مستعار مما له عرض! ( وأصله مما يوصف به الأجسام ، وهو أقصر الامتدادين وأطولهما هو الطول ووصفه بالعرض العظيم يستلزم عظم الطول أيضا لأنه لا بد أن يكون أزيد منه والا لم يكن طولأكما لا يخفى ، وإليه أشار المصنف وقوله : له عرض بفتح فسكون أو بسكر ففتح كصغر ، وقوله : بكثرته أو استمراره كما في بعض النسخ والظاهر عطفه بالواو كما في كثير من النسخ أيضا فإن معنى كثرة الدعاء تجدده وتكرّره ، وهو استمراره فليس بينهما تفاوت كبير ، وقوله :(7/404)
ج7ص405
متسع إشارة إلى أن فيه استعارة بالكناية حيث شبه الدعاء بأمر ممتد وأثبت له لازمه وهو العرض والاتساع من قوله : عريض لأنه يدل عليه في عرف التخاطب ، ولا حاجة لأخذه من صيغة المبالغة وتنوين التكثير وإن كان لا مانع من تقويتهما لذلك ، فإن قلت كونه يدعو دعاء طويلا عريضا ينافي وصفه قبيل هذا بأنه يؤس قنوط لأن الدعاء فرع الطمع والرجاء ، وقد اعتبر في القنوط ظهور أثر اليأس فظهور ما يدل على الرجاء يأباه قلت : إن سلم اتحاد موصوفيهما ذاتا وزماناً ، ولم يقل إنه بحسب الأشخاص أو الأوقات كما هو أحد الوجوه المذكورة في التأويلات فلا تعارض بينهما ، وإلا فليس المراد بما ذكر في الآيتين إلا بيان ما طبع عليه الإنسان من الرغبة في الخير والسعة والنفرة والكراهة للشدة والبلاء لا حقيقة ما ذكر بل إنه حريص الطمع هلوع الجزع قولاً وفعلاً
حتى إنه لعدم اعتماده على خالقه وسخافة عقله أحواله متناقضة ، وظاهره مناف لباطنه وهو لشدة ذهوله وولهه واضطرابه يصعد في هبوطه ، ويدعو مع قنوطه كما أشار إليه السمرقنديمما في تفسيره وتبع أثره المدقق في الكشف حيث قال في ذكر الوصفين ما يدل على أنه عديم النهية ضعيف الهمة إذ اليأس والقنوط ينافيان الدعاء العريض ، وأنه كالغريق المتمسك بكل شيء ومن لم يفهم مراده زعم أنه لا يدفع المنافاة إلا إذا حمل على عدم اتحاد الأوقات والأحوال ، وقوله : عرضه كذلك أي متسعاً وقوله : أخبروني مر تحقيقه مراراً فتذكره.
قوله : ( قل أرأيتم ) الآية رجوع لإلزام الطاعنين والملحدين وختم للسورة بما يلتفت لفت بدئها ، وهو كما في شرح الكشاف من الكلام المنصف وفيه حث على التأمل واستدراج للإقرار مع ما فيه من سحر البيان ، وحديث الساعة وقع في البين تتميما للوعيد وتنبييا على ما هم عليه من الضلال البعيد ، وقوله : فوضع الموصول وهو من هو في شقاق بعيد أي أقيم ذلك الاسم الموصول الظاهر مقام الضمير ، وهو منكم فالمراد بالصلة الجار والمجرور المتعلق بأفعل التفضيل والجار المتعلق بشيء يطلق عليه صلته ، ولذا عبر به المصنف قصد المراعاة النظير وأيها ما لمن ليس بذي ذهن سليم ، ومن لم يقف على مراده تردد فيه بما لا وجه له ، ولو قال وضعالظاهر موضحع الضمير كان أظهر كما وقع في بعض النسخ وشرح حالهم يعلم من الصلة ، والتعليل يفهم من التعليق بذلك لأنه في قوّة قوله : لكونهم في شقاق بعيد كما يدل عليه فحوى الخطاب ، وقوله : لمزيد ضلالهم عبر بالمزيد إشارة إلى ما يفيده أفعل التفضيل ، والشقاق الخلاف لكون المخالف في شق وجانب مما خالفه. قوله : ( ما أخبرهم النبتي عليه الصلاة والسلام الخ ) فإنها من آيات نبوّته لما فيها من المعجزات لإخباره عن المغيبات والحوادث الآتية كقوله : لتميم الداري " إنه سيفتح بيت المقدس " وقوله في الخندق : " إق المسلمين يملكون ملك كسرى " ونحوه مما لا يخفى ، كما في الأحاديث الصحيحة كما سيأتي في سورة الفتح ،
والنوازل جمع نازلة وهي ما قصه الله عليه في الأمم الخالية مما لا يعلمه إلا بالوحي وقوله : على وجه خارق للعادة توجيه لكون تلك الفتوح من آياته ومعجزاته. قوله : ( ما ظهر فيما بين أهل مكة ) فآيات الآفاق على هذا ما أخبر به من أحوال غيرهم من الأمم الماضية كعاد وثمود ، والآتية من أحوال الروم والعجم وما في أنفسهم ما حل بالعرب من الأسر والقتل كما وقع ببدر ويوم الفتح أو المراد بالآفاق ما في غير الإنسان ، وبالأنفس ما فيه من أطوار خلقه من النطفة إلى المعاد أو الأوّل ما في السموات كرفعها بغير عمد وغير ذلك من أحوال الملكوت ، والأنفس ما في عالم الملك وهي احتمالات فصملها السمرقندي ، وأشار إليها المصنف ولو صرّح بها على وجه التقابل كان أظهر لكنه لم ينبه عليها لظهورها فلا يرد عليه شيء. قوله : ( الضمير للقرآن الخ ) يعني أنهم إذا عرفوا الآيات الدالة على وجوده أو ما أخير به الرسول صلى الله عليه وسلم وأتى به من المعجزات تبين لهم حقيقة القرآن بإعجازه أو الرسول بمعجزاته ، أو الله بالبراهين العقلية والسمعية فقوله : الضمير للقرآن يعني على كلا التفسيرين ، وكذا إذا جعل الضمير للرسول فضمير كان في الآية السابقة للرسول أيضا فكان عليه أن يشير إليه أوّلاً ثم إنه لا حاجة إلى جعل ضممائر الجمع في سنريهم وما معه للمشارفين للاهتداء منهم أو للجميع على أنه من وصف الكل بوصف البعض كما قيل إذ لا يلزم من تبين الحق لهم إيمانهم به فإنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فتأمّل. قوله : ( أو التوحيد ) أو الدين قيل ، وهو الأولى أو لله وهذان(7/405)
ج7ص406
لا يلائمان الآية السابقة لعدم احتمال رجوع ضمير كان للتوحيد أو الله ولذا أخرهما وهما مناسبان للتفسير الثاني ، والحصر على الكل تحقيقي إضافي أي لا ما زعموه من تكذيب القرآن أو الرسول أو الشريك أو الشركاء. قوله : ( كأنه قيل أو لم تحصل الكفاية به ) إشارة إلى أن فيه معنى الحصول فلذا حسنت زيادة الباء فيه ، وفيه أنّ هذا التأويل جار في كل فعل فإن أراد أنه مؤوّل به لم تكن داخلة على الفاعل ويكون كقول الزجاج إنها دخلت لتضمن كفى معنى اكتف وهو وجه استحسنه ابن هشام في المغنى ، وقيل إنها زائدة في المفعول والفاعل ما بعده وقوله : لا تكاد الخ إشارة إلى أنّ زيادتها مع غير الفاعل كثيرة ومعه نادرة لكنه في كفى مشهور على القول المرضى للنحاة وفي غيره شاذ مختلف فيه فلا يرد عليه أحسن بزيد في التعجب فإنه غير مسلم عند جماعة من النحاة على ما عرف في بابه ولا قولى :
ألم يأتيك والأنباءتنمي بما لاقت لبون بني زياد
فإنه شاذ قبيح ، ثم إنه قيل المراد بالفاعل ما هو على صورته فلا يرد أحسن بزيد لخروجه
عن صورته بتغيير لفظه ، وقال في المغني : المراد ما هو فاعل صورة ومعنى ولا يرد عليه قول الزجاج وما قيل : من أنّ المراد لا يكاد يدخله بيقين ليخرج أحسن بزيد يرد عليه أنه غير متيقن فيما نحن فيه أيضا لجواز كونه مؤوّلاً باكتف كما ذهب إليه الزجاج وكون الفاعل أن وما معها ، ويكون فاعله ضمير الاكتفاء على الأوّل والجار والمجرور متعلق بالضمير بناء على جواز عمله في الظرف كما قرره النحاة في نحو قوله :
وما هو عنها بالحديث المرجم
قوله : ( بدل منه ) أي بدل اشتمال كما أشار إليه بقوله : والمعنى أولم يكفك الخ وفيه
إشارة إلى أن المبدل منه في نية الطرح كما قرره النحاة وجعل مفعول يكفي ضمير الرسول ، والزمخشري جعله ضميرهم فقدّره أولم يكفهم وليس ارتباطه بما قبله من قوله : سنريهم الخ محوجاً إلى التكلف كما توهم لظهور كون الضمائر لهم كما لا يخفى. قول! : ( محقق له الخ ( تفسير لشهيد على أنه من الشهادة فالمراد به لازمه أو من الشهود ، والاطلاع وهو مجاز عما ذكر أيضاً وضمير له لشيء ومناسبته لما قبله ظاهرة إذ المعنى أنه عالم بحالك ، وحالهم فهو ناصرك عليهم منجز لك وعده بإعلاء كلمته واعزار ديته كما أشار إليه بقوله : فيحقق الخ. قوله : ) أولم يكف الإنسان الخ ) إن كان المراد بالإنسان جنس البشر دخل فيه قومه دخولاً أوّليا ، وإن أريد به هؤلاء القوم فهو ظاهر وعليهما فمناسبته للمقام وارتباط الكلام ظاهرة إذ المعنى لم يعصونه ، ولا يصدقون بما جئت به من الحق وشهيد على هذا من الشهود كما أشار إليه بقوله مطلع ، ويجوز أن يكون من الشهادة فالمعنى محقق له أيضا فينجز ما وعده من الثواب والعقاب ، وكأنه تركه لأنه يعلم بالمقايسة على ما قبله إذ لا وجه للتخصيص. قوله : ( في شك ) تفسير للمرية فانها مطلق الشك أو شك مخصوص كما مر تحقيقه ، وقوله : بالضم أي ضم الميم وقوله : وخفية إشارة إلى أنه من أوزان المصدر والكسر أشهر لمناسبته الياء ، وقوله : بالبعث لاستبعادهم إعادة الموتى بعد تبذد أجزائهم وتفرق أعضائهم. قوله : ( عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها ) جمل بالجيم جمع جملة وهي خلاف التفصيل ، وقوله : مقتدر عليها من معنى الإحاطة بكل شيء فإن المراد إحاطة علمه وقدرته بها وهو دفع لمريتهم وشكهم في البعث واعادة ما تفرّق واختلط مما يتوهمون عدم إمكان تمييز. ، وقول القاشاني : إنّ هذه الآية تدل على وحدة الوجود كما نقله الجامي في نفحاته عني به أنه بطريق الإيماء ، والإشارة لا إنه معنى
النظم حتى يرد عليه إنه يلزم عدم مناسبته لما قبله كما قيل ، وقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ حديث موضوع كغيره مما ذكره الشيخان في خواتم السور ، تمت السورة والحمد دلّه على جزيل نعمائه والصلاة والسلام على مظهر أسمائه ، وعلى آله وأصحابه المبلغين أمانة أنبائه.
سورة الشورى
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ) قد مر تحقيق المكيّ والمدني وكونها بجملتها مكية ارتضاه المصنف رحمه
الله تبعاً للزمخشري(7/406)
ج7ص407
وقال غيرهما : إنّ فيها مدنيا فاستثنى بعضهم أربع آيات من قوله : { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } [ سورة الأنعام ، الآية : 90 ] إلى آخر الآيات الأربع واستثنى في الإتقان ، أم يقولون افترى الخ فإنها نزلت في الأنصار ، وقوله : { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ } [ سورة الشورى ، الآية : 27 ] الخ فإنها نزلت في أصحاب الصفة رضي الله عنهم ، واستثنى بعضهم أيضا والذين إذا أصابهم البغى الخ وسيأتي في كلام المصنف ما يدل على أنّ بعض الآيات مدنية كما ستراه في محله فكأنه بني ما هنا على الأغلب فيها ، وفي عدد آياتها خلاف أيضا فقيل خمسون وقيل ثلاث وخمسون والخلاف في حم عسق وقوله : كلأعلام كما فصله الداني رحمه اللّه تعالى. قوله : ( لعله اسمان الخ ( كان الظاهر أن يقول لعلهما اسمان لكنه أفرده لتأويله بالمذكور ، ونحوه وقد أيد كونهما اسما بأنه ورد تسميتها عسق من غير ذكر حم كما وقع في بعض النسخ هنا ، وقوله : فصل بينهما أي في الخط ، وان كان اسما واحداً فهو آية واحدة وحقه أن يرسم متصلا كما في كهيعص لكنه فصل لرسمه مستقلاً في غير هذه السورة لانفراده عن غيره من الحروف ، وقوله : سائر الحواميم قيل عليه إنه قال في القاموس : حم إذا أريد جمعه يقال ذوات حم أو آل حاميم ، ولا يقال : حواميم وقد جاء في الشعر اهـ وقد تبع فيه الحريري في الدرة وبعض النحاة ، وقد ذكرنا في شرحها أنه لا صحة له وأنه ورد في الحديث الصحيح والآثار الثابتة ذكر " الحواميم " ولا يختص بالشعر فإن أردت تحقيقه فانظره. قوله : ( أي مثل ما في هذه السورة من المعاني ( يعني أنّ الجار والمجرور أو الكاف التي هي اسم بمعنى مثل في محل نصب على أنه مفعول به ، والحروف المقطعة للاتعاظ واسم للسورة كما مر وإليه أشار بقوله هذه السورة ، وقوله : أو إيحاء الخ يعني أنها واقعة في موقع المفعول المطلق والمشار إليه هو الإيحاء لا المعاني كما في الوجه السابق وقيل كلاهما تقدير للمفعول به وإنما الاختلاف في تعيين المشار
إليه ولم يجعله في محل رفع بالابتداء لافتقاره ، إلى تقدير العائد وفي هذا غنية عنه كما قيل ، وأورد عليه أن حذف الضمير الواقع مفعولاً قياسي مع أنّ جعل الإشارة إلى الإيحاء محوج إلى تقدير الموصوف أيضا والظاهر أن قوله كذلك يوحي جملة ابتدائية وقد ذكر في التلويح أن جار الله لا يجوّز الابتداء بالفعل ، ويقدر المبتدأ في كل ما وقع فيه الفعل مستأنفاً واحتمال الحالية يمنعه أو يبعده حذف العامل المعنوي ، والوقف على عسق ولا يخفى ما فيه فإن الكاف إن كانت اسما لم يحتج إلى تقدير وان كانت حرفا فالتقدير لازم فيها فبتقدير الضمير يكثر الحذف على ذلك التقدير ، وما ذكره في التلويح ليس بمسلم وقد ترددوا فيه حتى قيل إنه لم يظهر له وجه فتأمل. قوله : ( وإنما ذكر الوحي بلفظ المضارع ( مع أن المعنى على المضي كما أشار إليه بقوله : أوحى الله إليك والوحي إلى ما قبله قد مضى والوحي إليه بعضه ماض وبعضه مستقبل ، ولذا قيل إنه على التغليب ، وأما قوله للدلالة على استمرار الوحي فقد أورد عليه إنه مباين لحكاية الحال الماضية فكأنه أريد بالاستمرار استمراره في الأزمنة الماضية فلا ينافيه ، ولما كان الماضي لا دلالة له على الاستمرار عدل عنه للدلالة على ما قصد منه وإليه الإشارة بقوله : وإن إيحاء مثله عادته فما قيل من أن المراد أنه على أسلوب حكاية الحال الماضية ، وصورتها وإن المباينة بين الاستمرار والحال التأويلي غير مسلمة وأن قصد الاستمرار مغن عن اعتبار معنى الحال لأنه معنى مستقل سواء كان تحقيقيا أو تأويلياً تخليط لا محصل له ، ومصدر معطوف على مبتدأ. قوله : ( واللّه مرتفع بما دل عليه يوحي ) ظاهره أن المقدر فعل لا اسم بأن يكون في جوأب سؤال مقدّر تقديره من يوحي فيقدر حينئذ يوحي لا من الموحى فيقدر الموحي اللّه كما ذهب إليه في الكشاف ، والمصنف رحمه اللّه لم يرتضه تبعاً للسكاكي كما قرره أهل المعاني في قوله :
ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مماتطيح الطوائح
وقوله تعالى : { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } [ سورة النور ، الآية : 36 ، رجال في حال القراءة به مجهولاً كما مر في سورة النور وهو بناء على الظاهر من جعل المقدر من جنس المذكور ، وقال المدقق في الكشف إن الزمخشري اختار تقديره بالاسم بناء على تقدير السؤال ما الذي أنزله لا أي شيء أنزل كما مر فيما ذا أنزل ربكم لما في الأوّل من الدلالة على أن الفعل مسلم فلذلك قدره هنا من الموحي أي من الذي أوحى أي ذلك المعلوم المحقق وحيه بين لي من هو فالإيحاء مسلم معلوم ، والغرض من الأخبار إثبات اتصافه بأنّ من شأنه الوحي لا إثبات أنه موح(7/407)
ج7ص408
والسكاكي لم يفرق بينه وبين يسبح له فيها بالغدوّ والآصال رجال ولا بد من الفرق لأن الفعل هناك على ظاهره لم يؤت به للدلالة على الاستمرار ا هـ ، وأورد عليه أن قولنا
من يوحي صالح لقصد الاستمرار والغرض من السؤال ليس تعيين الموحي بل بيان اتصافه بما ينبئ عن المدح والتعظيم أي ذلك المعلوم المحقق ، وحيه بين لي من هو ولذا قرن بصفات الجلال والكبرياء وعقب بالتنزيه البليغ فلا يصح ما ذكر عذراً للعدول فالظاهر أنّ الزمخشري لم يقصد بهذا التقدير إنه متعين وأن الواقع في السؤأل المقدر الاسم لا الفعل ، وقد نوقش فيه بأن جواب من الموحي الله الموحي أو الموحى اللّه على ختلاف فيه لا يوحي الله ليكون الواقع ما دل عليه يوحي وللبحث فيه مجال فتدبر. قوله : ) كما مر في السورة السابقة ) في قوله : تنزيل من الرحمن الرحيم ، وقيل : ما بعد يوحي إلى آخر السورة قائم مقام فاعل يوحي أي هذه الكلمات فيكون الله مبتدأ ، وقوله : وما بعده أي الحكيم له ما في السموات الخ وهذا على تنزيل الوحي منزلة المعلوم الذي لا يحتاج إلى البيان ، وعلى هذه القراءة يجوز كون الموحي به قوله الله العزيز الخ. قوله : ( خبران له ) أي لقوله الله وجعلهما خبرين لا خبراً واحداً لأن المعطوف على الخبر خبر ، فلا يرد عليه أنّ الظاهر أن يقول خبر بالإفراد كما قيل. قوله : ( وقيل من دعاء الولد له ( أي من نسبة الولد له يعني أنّ النظم محتمل لوجهين ، أحدهما إنّ معناه أنّ السموات تنشق من عظمته ومهابته تعالى لأنّ الآية مسوقة لبيان عظمته ، وعلوه ولذا ترك العاطف في قوله تكاد الخ ، وثانيهما : أنّ المعنى تكاد تنشق من دعائهم له ولداً وشريكا كقوله : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ } [ سورة مريم ، الآية : 95 ] منه الآية وأيد بقوله : بعده والذين اتخذوا من دونه أولياء ، فإيراد الغفور الرحيم لأنهم استوجبوا بهذه المقالة صب العذاب عليهم لكنه صرف عنهم لسبق رحمته فالآية واردة للتنزيه بعد إثبات المالكية والعظمة التامّة والأوّل أنسب بالسياق ، والسباق وترك العاطف ولذا مرض هذا. قوله : ( والأوّل أبلغ ) لأنّ المطاوع والمطاوع من التفعيل والتفعل الموضوعين للمبالغة بخلاف الثاني فإنه انفعال مطاوع للثلاثي 0 قوله : ) وترئ تتفطرن بالتاء لتثيد التأنيث وهو نادر ) عدل عن قوله في الكشاف ووى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة تتفطرن بتاءين مع النون ونظيرها حرف نادر ، روي في نوادر ابن الأعرابي الإبل تتشممن ا هـ لأن أبا حيان قال إنه وهم لقول ابن خالويه من الشواذ تتفطرن بالتاء والنون ، وهو شاذ لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث فلا تقول النساء تقمن ولا الوالدات ترضعن ، وقد كان أبو عمرو الزاهد روي في نوادر ابن الأعرابي الإبل تتشممن فأنكرناه فقد قوّاه الآن هذا فإن كانت نسخ الزمخشري
متفقة على قوله بناءين فهو وهم وإن كان في بعضها بتاء مع النون كما مرّ فموافق لقول ابن خالويه ، وكان بتاءين من تحريف النساخ وكذلك كنايتهم تتفطرن ، وتتشممن بتاءين ا هـ ورده المعرب بأنّ ابن خالويه أورده في معرض الندرة والإنكار له قبل تقويه بهذه القراءة ، وإنما يكون نادراً منكرا بتاءين فإنه حينئذ مضارع مسند لضمير الإبل فحقه أن يكون بياء المضارعة التحتية كالنساء يقمن وكذا يتشممن بياء تحتية ، ثم تاء فوقية فلما جاء بتاءين فوقيتين ظهر ندوره وإنكاره له ولو كان بفوقية واحدة كان على القياس كالنسوة تبرجن فإنه ماض مسند لضمير الإناث وكذا لو كان بياء تحتية ، ثم تاء فوقية فالشذوذ إنما يتاتى إذا كان بفوقيتين فتتفطرن سواء قرئ بفوقيتين أو بفوقية ونون نادر لما ذكره ابن خالويه ، وهذه القراءة لم يقرأ بها في نظيرتها في سورة مريم يرجع إلى تصحيح النقل وهو سهل إلا أنّ قوله إنما يتأتى إذا كان بفوقيتين مناقض لآخر كلامه لكن إذا ظهر المراد ، سقط الإيراد فتدبر. قوله : ( لتثيد التأئيث ) بالجمع بين علامتيه التاء والنون وهو مخالف للقياس ، والاستعمال وهو أحد أقسام الشاذ الثلاثة المشهورة. قوله : ) يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية ) نسبة للفوق على خلاف القياس كالتحتاني ، والألف والنون كثيرا ما تزاد في النسب حتى يكاد يطرد لكئرته ، وضمير فوقهن على هذا للسموات والمراد الطرف الأعلى منهن وهو جهة الأوج المقابلة للحضيض ، وقوله : وتخصيصها أي تخصيص الجهة الفوقية بالذكر ، وقوله : على الأوّل المراد به الوجه الأول في تفسيره من أنّ انفطارهن من عظمة الله(7/408)
ج7ص409
وجهة الفوق أدل على عظمته تعالى لما فيها من آيات الملكوت كالعرش ، والكرسي والملائكة ولذا كانت قبلة الدعاء مع تنزهه تعالى عن المكان والجهة ، وعلى الثاني ، وهو ما إذا كان انفطارها لنسبة الولد والشريك له تعالى فحينئذ كأنه قيل : هذه الشناعة تؤثر فيما فوقهم فكيف فيما تحت ومما يقضي منه العجب ما قيل المراد بالأوّل والثاني قراءة التفعل والانفعال. قوله : ) وقيل الضمير للأرض ) أي لجنسها فيشمل السبع ولذا جمع الضمير ، وهذا جار على الوجهين ولا يختص بالثاني كما توهم. قوله : ) بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم ( فهو مجاز مرسل أو استعارة للسعي المذكور والأمور المقربة للطاعة كالمعاونة في بعض أمور المعاس أو دفع العوائق ، وشموله للكفرة لأنهم قد يلهمونهم الإيمان المتوقف عليه المغفرة.
وقوله الخلل المتوقع قيده به لأنّ الخلل المقرر كخلود الكفار لا يسعى في دفعه وتخصيصه بالمؤمنين لقوله في آية أخرى : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } [ سورة غافر ، الآية : 7 ، ولا
اً دري ما السبب الداعي لصرف الاستغفار عن ظاهره لا سيما إن خص بالمؤمنين ، وقد ذكر مؤيدا في كتاب التوبة. قوله : ( إذ ما من مخلوق الخ ) إشارة إلى أنّ صيغة المبالغة لشمول رحمته ما لا يحصى من جميع الموجودات وسكت عن بيان ذلك في المغفرة لسعة مغفرته ، وعظمتها لأنه يعلم بالقياس على الرحمة وفيه إشارة إلى قبول دعاء الملائكة واستغفارهم كما يشير إليه فيما سيأتي ، وقوله والآية أي قوله والملائكة إلى هنا على تفسيره أوّلاً لقوله يتفطرن بأنه بيان لعظمته تعالى فيكون هذا مقرراً لما دلت عليه الآية الأولى ، ومؤكدا له لأنّ تسبيح الملائكة وتنزيههم له وهم حافون بالعرس لمداومتهم لعبادته ، والخضوع لعظمته والاستغفار لغيرهم للخوف عليهم من سطوة جبروته ، والتكميل بقوله إلا أنّ الله الخ على هذا ظاهر وأما على الثاني ، وإنّ انفطارهن لنسبة الولد والشريك فتسبيحهم تنزيه له عما يقوله الكفرة ، واستغفارهم للمؤمنين الذين تبرؤا عما صدر من هؤلاء فالتذييل بالغفور الرحيم لعدم معاجلة العذاب مع استحقاقهم له كما أشار إليه بقوله : وانّ عدم الخ. قوله : ( بموكل بهم الخ ( يعني أنّ فعيلا بمعنى مفعول من المزيد أو الثلاثي ، وقوله الإشارة إلى مصدر يوحى الخ أي الإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد. على حد ما مرّ في قوله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [ سورة البقرة ، الآية : 43 ] فنصب قرآنا على أنه مفعول به ثم أنّ المصنف رحمه الله قدم كون الإشارة إلى المصدر هنا وأخره في أوّل السورة فقيل تقديمه هنا على الأصل لتقدم رتبة المفعول المطلق على غيره من المفاعيل ، وثمة روعي فيه جانب المعنى يعني أنّ حم عسق لما أريد منه السورة كان الإشارة إليها أقرب وأظهر ولما لم يذكر قبله هنا ما يتبادر الإشارة إليه أجرى على الأصل ، والظاهر أنه لما كان المتبادر أن قرآناً مفعول به رجح الإشارة إلى المصدر ليكون مفعولاً مطلقا ، ولما لم يذكر ثمة رجح كونه مفعولا به ليستغنى عن التقدير. قوله : ) أو إلى معنى الآية المتقدمة ( أي الإشارة إلى معنى الآية السابقة من قوله الله حفيظ الخ والمعنى أنه كان حريصا على إيمان المشركين قيل له ليس في قدرتك هدايتهم ، وإنما عليك البلاع الكافي والبيان الشافي وقد أورد عليه أنه لا حاجة إلى جعله إشارة إلى المعنى لصحة الإشارة إلى لفظه ومعناه كما يعرف بالتأمل لكن ما اختاره الشيخان أتم فائدة وأشمل عائدة كما لا يخفى ، وستراه عن قريب. قوله : ( وقرآناً عربيا حالا منه ) على التجوّز في قرآنا أو عربيا لأن القرآنية والعربية صفة
اللفظ لا المعنى ولو جعلت الإشارة إلى اللفظ والمعنى جميعا كما مرّ لم يكن فيه تجوّز ويجوز نصبه أيضا على المدح أو البدلية من كذلك ( قلت ) قد سمعت وجه ما اختاره ، وأمر التجوّز فيه سهل لقربه من الحقيقة لما بين اللفظ والمعنى من الملابسة القوية حتى يوصف أحدهما بما يوصف به الآخر مع ما في المجاز من البلاغة. قوله : ( أهل أم القرى وهي مكة ) على التجوّز في النسبة أو بتقدير مضاف ، وقوله من العرب خصه بهم لأن السورة مكية ، وهم أقرب إليها وأول من أنذر أو لدفع ما يتوهم من أنّ أهل مكة لهم طمع في شفاعته ، وان لم يؤمنوا لحق الجوار والمفاربة فخصهم بالإنذار لإزالة ذلك الطمع الفارغ كما قاله : السمرقندي وقيل المراد جميع أهل الأرض! واختاره البغوي لأن الكعبة سرة الأرض والدنيا محدقة بما هي فيه أعني مكة. قوله : ( وحذف ثاني مفعولي الآوّل الخ ) الإنذار يتعدى لمفعولين ثانيهما يكون منصوبا ومجروراً بالباء تقول أنذرته كذا ، وأنذرته بكذا فاقتصر في الأول على أول مفعوليه ، وحذف ثانيهما إذ التقدير(7/409)
ج7ص410
لتنذر أهل أم القرى بعذاب عظيم لا يدرى ولا يحيط به نطاق البيان ولما كان المراد به عذاب يوم الجمع بقرينة ما بعده قال : وايهام التعميم لشموله لكل عذاب عاجل وآجل ، وأوّل مفعولي الثاني وهو أهل مكة بقرينة ما قبله لكنه لعدم ذكره يوهم أنّ المراد كل أحد فقوله للتهويل الخ لف ونشر مرتب فالتهويل في الأوّل والإيهام في الثاني ، ويحتمل رجوعه لهما معاً والأول أظهر ، وقد حذف من الأول ما أثبت في الثاني فهو من الاحتباك وقيل يوم الجمع ظرف فالمفعولان محذوفان وجعل الضمير على الغيبة للقرآن لعدم حسن الالتفات هنا. قوله : ( اعتراض ) في آخر الكلام يحتمل الحالية من يوم الجمع أو الاستئناف ، وقوله يجمعون أوّلاً الخ بيان لتوجيه الجمع بين الجمع والتفريق ، وجملة منهم فريق حال أو استئناف في جواب سؤال تقديره كيف كان حالهم ويؤيد الأول قراءة النصب ولا مانع منه ولا ركاكة فيه ، واشتراط الواو غير مسلم فيه ومنهم خبر مقدر مقدّم على الوجه الأحسن في خبر النكرة الموصوفة كما مرّ ، ولذا لم يقدره فريق منهم على أنه صفته وفي الجنة خبره مع أن جعاى الصفة المقدرة مسوغة لا يخلو عن ضعف ، وكذا جعل المرفوع فاعلا للظرف المقدر وأن كان معتمداً ركيك ، وحذف العامل في مثله مما منعه بعض النحاة وفي جواز مثله نظر لا يخفى وقد جوّز فيه أن يكون خبر مبتدأ مقدر أي المجموعون ، أو مبتدأ خبره ما بعده وساغ الابتداء بالنكرة فيه لأنها في سياق التفصيل والتقسيم كما في قوله :
فثوب لبست وثوب أجر
وأما كونها في تأويل مفرد فلا يصلح للتوجيه كما مرّ فإنه ما من حال إلا ويتأتى فيها هذا
فلا يصح ما ذكره وقد مرّ الكلام فيه ، وتقديم منهم هنا كاللازم هنا لأنّ فيه ما في تقديم المقسم على الأقسام كما لا يخفى على من له دراية بأساليب الكلام. قوله : ) وتنذر يوم جمعهم متفرقين الخ ) قد وجهت هذه القراءة بوجوه فقيل إنها حال من مقدر تقديره افترقوا أي المجموعون فريقاً وفربقاً الخ لئلا يلزم تنافي الجمع ، والتفريق وقيل هو منصوب يتنذر المقدر أو المذكور والمعنى تنذر فريقا من أهل الجنة وفريقاً من أهل السعير لأنّ الإنذار ليس في الجنة والسعير ، ولا يخفى تكلفه والمصنف رحمه الله جعله حالاً من ضمير جمعهم المقدر لأن الألف واللام قامت مقامه واليه أشار بقوله على الحال منهم أي من المجموع ولما لزمه كون افتراقهم في حال اجتماعهم ، أوله بمشارفين على أنه من مجاز المشارفة أو الحال مقدرة أو اجتماعهم في زمان واحد لا ينافي افتراق أمكنتهم كما تقول صلوا الجمعة في وقت واحد في مساجد متفرقة ، واليه أشار بقوله متفرقين في داري الثواب الخ وعلى الوجه السابق اعتبر الاجتماع في الزمان والمكان ولا يخفى أنه إذا أريد بالجمع جمع الأرواح بالأشباج ، أو الأعمال بالعمال لا يحتاج إلى توفيق أصلاً. قوله : ( مهتدين أو ضالين ) اقتصر على الأول في النحل ، ووجهه ظاهر والترديد من اللّه أو من المفسر وقوله بالهداية ، وهو خلق الاهتداء أوالدلالة الموصلة والمراد بالحمل على الطاعة توفيقه لها وبعث دواعيه عليها ، وقوله في عذابه متعلق ببدعهم. قوله : ( ولعل تنيير المقابلة الخ ( أي كان الظاهر أن يقول ويدخل من يشاء في عذابه ، ونقمته فعدل عنه لما ذكر لأنه أبلغ في تخويفهم لإشعاره بأن كونهم في العذاب أمر مفروغ مته ، وإنما الكلام في أنه بعد تحتمه هل لهم من يخلصهم بالدفع أو الرفع فإذا نفى ذلك علم أنهم في عذاب لا خلاص مته ، وقوله إذ الكلام في الإنذار فيفهم منه أنهم في العذاب مع إسناده إليهم للإشارة إلى أنه نصير للمؤمنين ، وانّ الرحمة بفضله والعذاب بكسبهم ، وظلمهم فلذا أسند الرحمة إليه دون العذاب فتأمّل. قوله : ) بل اتخذوا ( إشارة إلى أن أم هنا منقطعة وهي تقدر ببل والهمزة ، وقد تقدر ببل فقط أو الهمزة وكلامه محتمل للوجهين الأوّلين فإن قرىء أتخذوا بفتح الهمزة كان معها همزة استفهام ، وان كسرت فلا ومن اقتصر على الأوّل فقد قصر. قوله : ( جواب شرط محذوف الخ ) هذا بمقتضى دلالة الفاء لكنه جوّز فيه كون الفاء عاطفة وكونها تعليلاَ للإنكار المأخوذ من الاستفهام كقولك أتضرب زيداً فهو أخوك ، أي
لا ينبغي لك ضربه فإنه أخوك والمعروف في مثله استعماله بالواو ، وإنما يحسن التعليل في صريح الإنكار ولا يناسب معنى المضي أيضاً ، وتقدير الشرط كثير فهو أهون من هذه التكلفات فتأمّله. قوله : ( كالتقرير لكوئه حقيقا بالولاية ( لم يجعله تقريرا وتأكيداً له لما بينهما من التغاير بحسب صريحه ، ومنطوقه فإذا(7/410)
ج7ص411
تأمّلته وجدت بينهما تلازماً يصلح باعتبار للتأكيد. قوله : ) وما اختلفتم أنتم والكفار فيه ( الاختلاف هنا قيل اختلافهم في القرآن ، وقيل في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل في الدين فعلى الأوّل حكمه إلى الله فيما أقام من الحجج والبراهين حيث عجزوا عن الإتيان بمثله ، وإن كان في رسول الله فقد سطع برهان نبوّته ورسالته من مثرق العقل والسمع ، وإن كان في الدين فقد أقام عليه ما يعلم كل ذي لب أنه الحق والصواب وأن غيره باطل ليس بحق ، وقال السمرقندي : قال بعض أهل التأويل المعنى ما اختلفتم في شيء فحكمه إلى الله أي إلى كتاب الله كقوله : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ } [ سورة النساء ، الآية : 59 ] أي إلى كتاب الله لكنه لا يصح لأنّ قوله فإن تنازعتم الخ إنما هو في المؤمنين إذا وقع بينهم اختلاف في شيء من الأحكام يردّ ذلك إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله ئيخييه ، وقوله وما اختلفتم الخ إنما هو في محاجة الكفرة فهو في غير ذلك المعنى إذ هم لا يعتقدون كونه حجة ، وإنما يرجع إلى دليل آخر عقليّ فما هنا كما في الكشاف حكاية قوله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين اًي ما خالفكم فيه الكقار من أهل الكتاب والمشركين فاختلفتم أنتم وهم فيه من أمور الدين فحكم ذلك المختلف فيه مقوّض إلى الله وهو إثابة المحقين فيه من المؤمنين ومعاقبة المبطلين فليس في الآية دليل على منع الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم أو بحضرته فإن الأصح عند الأصوليين وقوعه. قوله : ) من أمر من أمور الدنيا أوالدين ( لم يذكر الدنيا في الكشاف ، وهو الموافق لقوله هنا أنتم والكفار إذ الظاهر أنّ المراد بأمور الدنيا المخاصمات ، ولا يلزم أن تكون بينهم وبين الكفرة ولا يقال في مثله التحاكم إلى الله وجعله وجهاً مستقلاً كما قيل بعيد عن الصواب بمراحل. قوله ) وقيل الخ ) مرضه لأنه مخالف للسياق كما لا يخفى لأن الكلام مسوق للمشركين وهو على هذا مخصوص بالمؤمنين ، وقوله فارجعوا فيه إلى المحكم من كتاب الله المراد بالمحكم هنا ما ظهر المراد منه ، وبالمتشابه خلافه لا ما اصطلح عليه أهل الأصول ، ويجوز حينئذ أن يكون المعنى فوّضوا أمره إلى الله ولا تخوضوا في تأويله على التوقيف والوقف على إلا الله كما مز تحقيقه في سورة آل عمران ، وقوله ذلكم الله ربي بتقدير قل أو هو حكاية لقوله !ييه ومجامع الأمور جميعها ، وهو إشارة إلى الحصر المستفاد من تقديم الظرف ، وقوله أرجع في المعضلات أي
الأمور المشكلة أو من الذنوب أو في المعاد كما مز في سورة هود. قوله : ) خبر آخر الخ ( أو صفة لربي أو بدل منه أو خبر مبتدأ مقدر ، وقوله بالجر أي جرّ فاطر بمعنى خالق وما بينهما جملة معترضة ، والضمير المبدل منه ضمير إليه أو عليه ، وقوله الوصف لا لى الله تسمح فيه والمراد لله من قوله إلى الله ، وإنما أعاد الجار معه وان كان الموصوف المجرور لئلا يتوهم أن الموصوف الله في قوله ذلكم الله ، وقوله من جنسكم تقدم تحقيقه مرارا وتفسيره بوجه آخر في سورة الروم. قوله : ( أي وخلق للأنعام من جنسها أزواجاً ) ففيه جملة مقدرة إذ لا يصح عطفه على أزواجا لأنّ قوله من أنفسكم يأباه ، وقوله أو خلق الخ تفسير الأزواج فإنها قد يراد بها الأصناف وقد يكون جمع زوج بمعنى ذكر وأنثى متزاوجين ويقابله الفرد. قوله : ) يكثركم ( والبث النشر والإنتشار يلزمه الكثرة ، وهو مهموز والذر وفي آخره واو فهو منقوص والذز بالتضعيف فهو مضاعف ومنه الذرية وقد فسر بيخلقكم أيضاً ، وقوله في هذا التدبير المراد من التدبير علهم أزواجا ، وقيل ضمير فيه للبطن أو الرحم لأنه في حكم المذكور ، وجعل التكثير في هذا الجعل لوقوعه في خلاله وإثنائه كما أشار إليه بقوله فإنه كالمنع أو في مستعارة للسببية. قوله : ( يكون بينهم توالد الخ ) فيه إشارة إلى تغليب العقلاء فيه على غيرهم وتغليب المخاطب على الغائب ففيه تغليبان على ما فصله شراح الكشاف ، وفيه أيضاً إشارة إلى ترجيح تفسير الأزواج بغير الأصناف لأنه مناسب له كما قيل نظر لأنه لا مانع من تكثير الأصناف بالتوالد أيضا فالظاهر أنه جار على الوجوه. قوله : ( ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه ( قيده به بقرينة ما قبله ليرتبط به ، ولو أبقي على عمومه في نفي المشابهة من كل وجه كما قالوا الله شيء لا كالأشياء أفاد نفي ما ذكر أيضاً وهو بيان الحاصل المعنى إجمالاً. قوله : ) والمراد من مثله ذاته الخ ) هذا تفسير على تقدير عدم زيادة الكاف ، وحاصله كما أشار إليه المصنف رحمه الله أن ليس كذاته شيء وقولنا ليس كمثله شيء عبارتان عن معنى واحد ، وهو نفي المماثلة عن ذاته(7/411)
ج7ص412
لكن الأوّل صريح في ذلك والثاني كناية مشتملة على مبالغة ، وهي إن المماثلة منفية عمن يكون مثله وعلى صفته فكيف عن نفسه وهذا لا يستلزم وجود المثل ألا ترى أن مثل الأمير يفعل كذا ليس اعترافا بوجود مثل له إذ الفرض كاف في المبالغة ، وقوله في نفيه أي نفي الفعل عن
الفاعل أو نفي الشبه عنه ون يناسبه ويسد مسده هو المثل المشبه لأن المشبه به حقه أن يكون أقوى من المشبه ، ومثله كاف في حصول المراد. قوله : ( ونظيره ) في كونه كناية بالأشباه والأمثال عن الذات ، ورقيقة بضم الراء المهملة وقافين بينهما ياء تصغير اسم امرأة وهي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم والدة عبد المطلب ، وقول المصنف تبعا للزمخشري بنت صيفي سهو والصواب بنت أبي صيفي كما ذكره ابن حجر وسبب هذا كما رواه المحدثون أنه تتابعت على قريش سنون مجدبة حتى أضر بهم القحط جداً قالت : رقيقة فبينا أنا نائمة إذ سمعت هاتفا يهتف ويقول يا معشر قريش إن هذا النبيّ المبعوث منكم قد أظلتكم أيامه ، وهذا إبان نجومه فحيهلا بالحياء والخصب ألا فانظروا رجلاً منكم وسطاً عظاماً جساماً أبيض ، وطف الأهداب سهل الخدين أشم العرنين فليخلص هو وولده ألا وفيهم الطيب الطاهر لذاته ، وليهبط إليه من كل بطن رجل فليسنوا من الماء ، وليمسوا من الطيب ، ثم ليرتقوا أبا قبيس فليستق الرجل وليؤمنوا فعشتم ما شئتم فقصصت رؤياي فما بقي أبطحيّ إلا قال هو شيبة الحمد فلما قام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أيفع قالا اللهمّ سان الخلة كاشف الكربة أنت معلم غير معلم ، ومسؤل غير مبخل هذه عبادك وأماؤك يشكون إليك سنتهم فقد أذهبت الخف اللهمّ فأمطر غيثاً مغدقاً فما زالوا عن مكانهم حتى تفجرت السماء بمائها ، والمراد بالطيب الطاهر لذاته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطهارة لداته عبارة عن طهارته لداته على نهج الكناية المذكورة ، وهي جمع لدة كعدة من الولادة والمراد أترابه وأمثاله في السن ويكون بمعنى الولادة ، والمولد فالمعنى أن مولده جميه ومولد من مضى من آبائه موصوف بالطهارة كما ذكره في الفائق لكن الأوّل أشهر وأبلغ لأنه إثبات لطهارته ببرهان لأن من علم طهارة أقرانه بالطهارة كما ذكره في الفائق لكن الأوّل أشهر وأبلغ لأنه إثبات لطهارته ببرهان لأن من علم طهارة أقرانه وأنه من جماعة عرفوا بالطهارة علم طهارته بالطريق البرهاني كما قرّره أهل البيان ، والسقيا طلب السقي والدعاء له. قوله : ) ومن قال الكاف فيه زائدة ا لم يرد أنه زائد محض ليس لذكره فائدة أصلا كما قيل إن مثلا زائد أيضاً وقوله ، وقيل مثله الخ فيكون مثل كمثل بفتحتين بمعنى القصة العجيبة ، وشيء عبارة عن الصفة أيضا ، وقوله لكل ما يسمع الخ هو مأخوذ من عدم ذكر متعلق له فإنه يؤذن بالعموم ، وقوله له مقاليد الخ مرّ تفسيره في سورة الزمر. قوله : ) أي شرع لكم من الدين الخ ) يعني أنه اكتفى بالابتداء والاختتام والوسط عن الجميع وعدل عن وصينا إلى أوحينا مع كاف الخطاب للفرق
بين توصيته وتوصيتهم ، وابتدأ نوح عليه الصلاة والسلام لأنه أوّل الرسل فالمعنى أنه شرع لكم من الدين ما وصى به جميع الأنبياء من عهد نوج عليه السلام إلى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام ، والتعبير بالتوصية فيهم والوحي له للإشارة إلى أنّ شريعتهء!فه هي الشريعة الكاملة ، ولذا عبر فيه بالذي التي هي أصل الموصولات وأضافه إليه بضمير العظمة تخصيصا له ولشريعته بالتشريف وعظم الشأن ومن بينهما الثلاثة المذكورون لأنه ليس لغيرهم شريعة كشريعتهم وقوله وهو الأصل أي المشروع لهم الذي اشتركوا فيه. قوله : ( وهو ( أي الدين المراد به هنا أصل كليّ متفقون عليه وهو التوحيد والعقائد الحقة ، والطاعة لله بإمتثال أوامره ونواهيه لا الأمور الفرعية على التفصيل لاختلاف الشرائع فيها كما بينه المصنف ، وقوله ومحله النصب أي محل أن أقيموا الخ على أن إن فيه مصدرية وقد تقدّم الكلام في وصلها بالأمر والنهي وتوجيه ، أو مخففة من الثقيلة لما في شرع من معنى العلم ولم يجعل أن مفسرة مع أنه الظاهر ، وقد تقدمها ما يتضمن معنى القول دون حروفه بناء على أنها لا تفسر ما هو مذكور صريحاً ، ولو قيل به جاز هنا وفي قوله المفسر إيماء إليه ، وقوله على الاستئناف فهو خبر مبتدأ مقدّر أو مبتدأ خبره مقدر والجملة مستأنفة ، وقوله من هاء به ولا يلزمه بقاء الموصول بلا عائد لأنّ المبدل منه ليس في نية الطرح حقيقة ويجوز كونه بدلاً من الدين. قوله : ( كأنه جواب وما ذلك المشروع ) الشامل للموصى به والموحى ، ولذا اختار تقديره عليهما فليس تقدير ما ذلك الموصى به أولى كما قيل ، وقوله عظم عليهم(7/412)
ج7ص413
أي شق وصعب لمخالفته الضلال الذي ألفوه. قوله : ( من التوحيد ) خصه به ولم يعممه ليشمل المشروع بقرينة السياق لأنه هو أعظم ما شق عليهم ، وقوله على المشركين مقتض له. قوله : ( يجتلب إليه ( ويجمع فهو افتعال من الجباية وهي الجمع قال الراغب : يقال جبيت الماء في الحوض جمعته ومنه قوله تعالى : { يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } [ سورة القصص ، الآية : 57 ] والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء قال تعالى قالوا : لولا اجتبيتها واجتباء الله العبد تخصيصه إياه بفيض الهيّ يتحصل له منه أنواع النعم بلا سعي منه كقوله : { اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [ سورة الورى ، الآية : 13 ، اهـ ومنه يعلم أنّ أصل معناه الجمع وأنّ الاصطفاء والاجتباء فيه معنى الجمع أيضا لما جمع الله لمن اصطفاه من النعم والمعارف ، ولذا تعدى بإلى كالأوّل وذكر محي السنة وغيره أنه من الاجتباء بمعنى الاصطفاء وضمير إليه دلّه وهذا أظهر وأملأ بالفائدة ، أما الثاني فللدلالة على أنّ
أهل الاجتباء غير أهل الاهتداء وكلتا الطائفتين هم أهل الدين والتوحيد الذين لم يتفرّقوا فيه ، وعلى مختار الزمخشري هم طائفة واحدة وأما الأوّل فلأنّ الاجتباء بمعنى الاصطفاء أكثر استعمالاً ، ولأنه يدل على أنّ أهل الدين هم صفوة الله اجتباهم إليه واصطفاهم لنفسه وأما الذي آثره جار الله فكلام ظاهري بناء على أنّ الكلام في عدم الثفرّق في الدين فناسب الجمع والانتهاء إليه ، وكذا ما قيل إنه بمعنى الاصطفاء لا يتعدى بإلى إلا بتضمين معنى الضم كلام مبني على عدم التدقيق مع مخالفة الثاني لكلام أهل اللغة فكلا التفسيرين ، واحد بحسب المال. قوله : ( والضمير لما تدعوهم أو للدين ) أو لله على أن يجتبى بمعنى يختار أي يختارهم لرضاه وعلى الثاني اقتصر الزمخشري والمصنف زاد الأوّل وقدمه لما فيه من إتساق الضمائر ، وإن كان في الثاني مناسبة معنوية لاتحاد المتفرّق فيه والمجتمع عليه. قوله : ) يعني الأمم السالفة ) جعل الضمير لجميع الأمم السالفة بناء على أنهم بعد الطوفان كانوا أمّة واحدة مؤمنين فبعد موت آبائهم اختلف أبناؤهم حين بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إليهم ، وجاءهم العلم فالمراد بالذين أورثوا الكتاب أهل الكتاب في عهدهءشييه فإن أريد بالذين تفزقوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى فالذين أورثوا الكتاب المشركون والكتاب القرآن ، وأما كون الضمير للمشركين وإن تقدّم ذكرهم قريباً فبعيد معنى لأنّ التفرق فيهم غير ظاهر ، ولذا لم يتعرّض له المصنف وان توهم أنه أقرب مما ذكر ولما كان قوله شرع لكم الخ عاما شاملأ للأمم ولم يجيء لأهل الكتاب فيه ذكر أصلاً مرّض المصنف القول الثاني وقدم الأوّل. قوله : ( العلم بأنّ التفرّق الخ ( الوجه الأوّل والثالث جاريان على تفسير ضمير تفرقوا ، والثاني خاص بالثاني فلو أخره كان أولى ، وقوله أسباب العلم بإطلاق العلم على سببه مجازاً مرسلا أو بالتجوّز في الإسناد أو تقدير المضاف ، وقوله عداوة لأن البغي مصدر بغي يعني طلب ، وقوله بالإمهال إشارة إلى أنّ المراد بالكلمة السابقة وعده تعالى بعدم معاجلتهم بالعذاب ، ولكونه بهذا المعنى كان أمراً ممتذا يصح أن يكون مغيابا لي ولولاه لم ينتظم بما معه ، وقد مرّ في السورة السابقة بفصل الخصومة. قوله : ( باستئصال المبطلين الخ ( هذا جار على التفسيرين لأنه لما أخر
جزاءهم ليوم القيامة وقدّر لهم آجالاً مسماة لم يستأصلهم أي يهلكهم بأسرهم ، وقوله افترقوا بتقديم الفاء على القاف وما بعده على العكس بمعنى اكتسبوا ، وقوله يعني أهل الكتاب الخ فالمراد بالكتاب التوراة والإنجيل ، وهذا على أنّ المراد باللذين افترقوا الأمم السالفة وما بعده على أنّ المراد بهم أهل الكتاب فالكتاب هنا القرآن ، وقد قيل إن كلا منهما يصح على الوجهين أيضا. قوله تعالى : ( لفي شك منه ) جعل الضمير للكتاب ، ونكره ليشمل الكتب وقيل الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم وهو خلاف الظاهر ، وقوله لا يعلمونه أي الكتاب كما هو أي كما هو حقه أو لا يؤمنون به حق الإيمان وعلى هذين التفسيرين الشك بمعنى عدم اليقين ، وهو على تفسير الموصول بأهل الكتاب ، وقوله أو من القرآن على تفسيره به وبالمشركين ويجوز فيه إبقاء الشك على معنا. المشهور وفسر مريب بمقلق لانّ الريب قلق النفس ، واضطرابها كما مرّ في سورة البقرة فمريب كشعر شاعر أو بمعنى مدخل في الريبة كأصبح بمعنى دخل في وقت الصباح ، وهو أحد معاني الأفعال. قوله تعالى : ( فلذلك ) الفاء في جواب(7/413)
ج7ص414
شرط مقدر أي إذا كان الأمر كما ذكرت واللام تعليلية كما أشار إليه بقوله فلا جل ، وجوّز في الإشارة أن تكون للتفرق المفهوم من تفرقوا أو للكتاب المذكور أو للعلم الذي أوتيه المذكور في قوله جاءهم العلم ولا حاجة إلى جعله مفهوما من مضمون ما تدعوهم إليه ، وقد جوّز كون الإشارة للشك وقيل إنه أولى لقربه لأنّ التفرق المذكور تفرق الأمم السالفة وليس علة باعثة لدعاء قومه إلا لجعله سببا لتفرقهم أوالمراد به مطلق التفرق ، وفيه نظر فإنه علة باعثة متقدمة وإن أريد لدفعه فهو علة متأخرة والكتاب معطوف على أجل أو على مدخوله والظاهر أن المراد به القرآن. قوله : ( إلى الاتفاق ) فيه لف ، ونشر فهذا على أن تكون الإشارة للتفزق وما بعده على كونها للكتاب ، أو لما عنده من علم الشرائع الموحى إليه ، وقوله وعلى هذا أي على التقرير والتقدير في التفاسير المذكورة على أن اللام متعلقة بادع المتعذي بإلى يجوز أن تكون اللام في لذلك بمعنى إلى كما يجورّ كونها تعليلية لأنّ الدعاء يتعدى بإلى ، وباللام كما في قوله :
دعوت لما نابني مسور
وليس الإشارة بهذا إلى الوجه الأخير وهو ما إذا كان المأمور به الدعاء إلى اتباع ما أوتيه
كما قيل. قوله : ( لإفادة الصلة أو التعليل ( أي ليدل بها على صلة الدعاء واذا كانت بمعنى لأجل لم يكن في الكلام ما يدل على صلة الدعاء وهو المدعوّ إليه والتعليل إن كان من الفاء
فلا إشكال فيه ، وهو الظاهر فان كان من اللام أيضا ففيه جمع بين معنيي المشترك أو الحقيقة ، والمجاز وهو وان كان جائزاً عند الشافعية فلا حاجة إلى ارتكابه من غير ضرورة تدعو إليه والفاء الثانية مؤكدة للأولى وتعبيره بالجواز إشارة لمرجوحيته لأنّ الأصل عدم تقدّم ما في حيز الفاء عليها. قوله : ( واستقم على الدعوة كما أمرك اللّه ) خصها بالدعوة بقرينة قوله ولو جعلت عاقة في جميع أموره صح كما مرّ في سورة هود ، والاستقامة أن تكون على خط مستقيم ، وفسرها الراغب هنا بلزوم المنهج المستقيم فلا حاجة إلى تأويلها بالدوام على الاستقامة. قوله : ) يعني جميع الكتب ( لأنّ ما من أدوات العموم وتنكير الكتاب المبين مؤيد لذلك ، وقوله في تبليغ الشرائع مأخوذ من الدعوة والحكومة من العدل لأنه يكون فيها ، وقوله الأوّل هو قوله آمنت بما أنزل اللّه وهذا إشارة إلى قوله أعدل بينكم وقوله خالق الكل فليس المراد به خصوص المتكلم والمخاطب ، وقوله مجازي بعمله دون غيره ولا تزروا زرة وزر أخرى كما تدل عليه اللام. قوله : ( وأمرت لا عدل الخ ) تقديره وأمرت بذلك لا عدل ، وقيل اللام مزيدة وفيه نظر لأنه يحتاج بعد زيادتها لتقدير الباء وهو تعسف. قوله : ( لا حجاج ) أي مصادلة ومخصمة لأن الحجة في الأصل مصدر بمعنى الاحتجاح كما ذكره الراغب ، ويكون بمعنى الدليل والمراد هو الأول دون الثاني وقوله إذ الحق الخ تعليل لقوله لا حجاج ، وقوله ليس في الآية الخ لأن ترك المحاجة بعد ظهور الحق لا يدل على ترك المقابلة حتى يدعى النسخ من غير حاجة له ، وقوله والذين يحاجون في معنى التعليل لقوله لا حجة الخ. قوله : ( من بعدما استجاب له الناس ( ضمير له في هذا الوجه لله أو لدينه واستجابة الناس له واجابثهم إذ عانهم له لوضوج المحجة ، وظهور الحجة بحيث لم يبق للمحاجة مجال ولا لرد المسلمين عن دينهم إمكان ، وقوله أو من بعدما استجاب الله لرسوله فضمير له للرسول صلى الله عليه وسلم لكونه في حكم المذكور ولكون الأوّل أظهر قدمه والمراد من إجابة الله دعوة رسوله إظهارها بنصره كما أشار إليه بقوله فأظهر الخ ، وقوله يوم بدر وكذا
استجابة أهل الكتاب تقتضي أنّ هذه الآية مدنية لأنّ وقعة بدر بعد الهجرة ، وكذا استجابة أهل الكتاب إذ لم يكن بمكة أحد منهم فيعارض! كون السورة مكية من غير استثناء من المصنف كما قيل إلا أن يكون تبشيراً له ووعداً جعل كالماضي لتحققه ، وقوله بأن أقرّوا تفسير لمعنى الاستجابة المجازي على هذا الوجه ، وقوله استفتحوا بمعنى استنصروا ، أو فتحوا عليهم وعرفوهم بأنه نبيّ. قوله : ( جنس الكتاب ) ويجوز كون التعريف للعهد أو الاستغراق ، وقوله ملتبساً به بعيداً من الباطل فالحق هنا خلاف الباطل والباء للملابسة وعلى ما بعده الحق بمعنى الواجب واللازم. قوله : ( الشرع ) فيكون في الميزان استعارة ، وقوله توزن به الحقوق أي تعين ، وتسوّى كما تسوى المقادير وكذا إذا أريد به العدل ، وقوله بأن أنزل الأمر به بيان للإنزال على الثاني ويعلم الأوّل منه بالمقايسة أو هو عليهما فإنّ الإنزال من صفات الأجسام دون المعاني فمعنى إنزاله(7/414)
ج7ص415
القاؤه إلى الرسول وإيحاؤه أو إنزال من بلغه فالتجوّز في النسبة ، ولا يخفى أن نسبة الإنزال إلى الأمر كذلك محتاجة إلى التأويل فكلامه لا يخلو عن المسامحة ( أقول ( لما كانت نسبة الإنزال والنزول مشهورة التحقت بالحقيقة فإنه يقال نزل إلينا أمر السلطان من قصره. قوله : ( أو ا-لة الوزن ) فهو بمعناه الحفيقي ، وقوله بالوحي بإعدادها أي اتخاذها فإنزاله
مجاز عن الإيحاء باستعماله ، وقيل إنه أنزل عليه من السماء حقيقة وكون المراد به ميزان الأعمال بعيد هنا. قوله : ) إتيانها ) توجيه لتذكير قريب مع أنّ الساعة مؤنثة بأن فيه مضافا مقدر أو أصله لعل إتيان الساعة ، والخبر عنه في الحقيقة لأنّ المحذوف لقرينة كالملفوظ فيجوز نصبه على الحكاية ، ورفعه والمراد تقديره إتيانها وهو إشارة لما قلناه من تقديره بعد لعل لا بعد قريب على أنه فاعل الوصف لا لأنه يلزمه حذف الفاعل لأنه لا يمتنع إذا سد المضاف إليه مسده بل لأنه إذا حذف وارتفع الضمير واستتر كان يجب أن يقال قريبة أيضا كما لا يخفى ، وقوله بمعنى ذات قرب أي على النسب أو تأويل الساعة بالبعث ، وقد تقدم في تذكيره وجوه أخر فتذكر ، وقوله اعمل بالشرع الخ فيه لف ونشر ينظر إلى الوجوه السابقة في تفسير الميزان وفيه إشارة إلى المناسبة التي اقتضت الجمع بينها. قوله : ) اعتناء بها ( اعتناء افتعال من العناية وقع هنا مفعولاً له وبها جار ومجرور متعلق به والضمير للساعة ، وهو إشارة إلى ما مز من قول الراغب وغيره إنّ الإشفاق عناية مختلطة بخوف ، واذ عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإذا
عدّي بعلى فمعنى العناية أظهر ، فما قيل إنّ الضمير للذين آمنوا أنث لتأويله بنحو الفرقة والج!اعة ، وإنه لم يوجد في بعض النسخ المصححة وتحريف وتقدير من غير داع له سوى تكثير لسواد ، وليس الاعتناء مضافاً للضمير كما توهمه مع أنه لو سلم يجوز أن يكون مضافاً للمفعول بواسطة على الحذف ، والإيصال والضمير للساعة كما قاله شراح : المفتاج في قوله بمواظبتها من غير احتياج لما تكلفه وأما سقوطها من بعض النسخ فبناء على تجريده لمعنى الخوف مطلقا فذكر هذه الزيادة غير متعين كما توهم. قوله : ( الكائن لا محالة ) إشارة إلى اًن الحق هنا بمعنى المتحقق الواجب كما مرّ والمرية بكسر الميم وضمها الجدال ، وقوله أو من مريت كان الظاهر إسقاط أو لأن المرية بمعنى الجدال مأخوذة من هذا كما صرّج به الراغب في مفرداته ، وقد صرّح به أيضاً المصنف في سورة النجم ولذا قيل إنه أراد أنه حقيقة فيه أو مجازاً واستعارة مأخوذ مما ذكر ، ثم إنّ ما ذكره من معنى الشدة فيه غير لازم فيه والظاهر أنه إشارة إلى أنه على الأوّل ليس معنى المفاعلة مقصود فيه هنا ، وعلى الثاني هو مقصود فيه وما قيل إنه معنى مستقل عند المصنف ، وقد خالف فيه من قال الأوّل مأخوذ من الثاني فمكابرة في النقليات مع أنه كيف يتأتى هذا والمصنف معترف به ، وأما الشدة المذكورة فتؤخذ من المفاعلة فلا يتوهم مخالفته لأهل اللغة فتدبر. قوله : ) أشبه الغائبات إلى المحسوسات ( أي أقرب من كل شيء إليها ، ولذا عداه بإلى لتضمينه معنى القرب فلا يقابل الظاهر بالمحسوسات وقربه إليها لأنه يعلم من بدء الخلقة المشاهد إعادتها ، ومما يتكوّن في الفصول من النباتات ، ثم عودها مورقة مزهرة مثمرة بعدما تعزت من ذلك على ما مز مراراً ، وقوله. فمن لم يهتد لتجويزها الخ إشارة إلى المبالغة في ضلاله إذ وصف بالبعد ، وجعل بعيداً والبعيد صاحبه ، والمراد بما وراءه ما وراء البعث من سائر المغيبات أو ما وراء تجويز من تيقن وقوعه والإيمان به أوالمراد الثواب والعقاب. قوله : ) برّ بهم بصنوف من البر لا تبلنها الإفهام ) وفي نسخة الأوهام ، وهذ مأخوذ من مادة اللطف وصيغة المبالغة وتنكيرها الدال على أنه بحسب الكمية ، والكيفية قال الغزالي : إنما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق الأمور والمصالح ، وغوامضها وما دق منها ولطف ، ثم تسلك في إيصالها سبيل الرفق دون العنف وليس هو غيره تعالى فصنوف البر من المبالغة في الكمّ وكونها لا تبلغها الإفهام من المادة ، والمبالغة من الكيفية لأنه إذا دق جدا كان أخفى وأخفى. قوله : ( يرزقه لمن يشاء ( وفي نسخة لما يشاء ، وفي أخرى كما يشاء ومعنى يرزقه
يعينه ويقدره ، وهو دفع لما قيل إنّ تخصيصه مع تعميم اللطف للعباد كلامتنافيين بأنه لا تخصيص بل بيان لتوزيع ما ذكر من العموم أي يخص هذا بقدر وذاك بآخر ، ولذا قيل العموم لجنس(7/415)
ج7ص416
البر والخصوص لنوعه ، وهو معنى قوله فيخص الخ والباهر القدرة أي الذي غلب ، وغلبت قدرته جميع القدر وهذا ناظر لقوله لطيف بعباده ولعموم إحسانه والعزيز بمعنى الذي لا يغلب على ما يريده ناظر لقوله : { يَرْزُقُ مَن يَشَاء } ففيه لطف على لطف فإن فهمت فهو نور على نور :
فكم لله من لطف !ب يدق شذاه عن فهم الذكيّ
قوله : ( ثوابها الخ ) إشارة إلى أنه استعارة والمراد بالحرث الزرع الحاصل من القاء البذر المشبه به العمل ففيه استعارة وتصريحية ، ويلزمها استعارة أخرى غير مصرّح بها ، وقوله شيئاً منها إشارة إلى أنّ من تبعيضية وأنها صفة للمفعول المقدر ، وقوله على ما قسمنا الخ مقدرين ذلك له بطلبه وارادته فلا يرد أنّ المقوم وأصل له على كل حال فما معنى تعليقة بإرادته. قوله : ( إذ الآعمال بالنيات الخ ) أي صحتها بالنيات فإذا لم ينو عمل الآخرة لم يصح فلا يحصل له ، ولا يكون له فيها نصيب على ما ذكره الشافعية في تاويل الحديث وأمّا على تقدير ثواب الأعمال كما ذهب إليه الحنفية فدلالته أظهر ، فما قيل لا دلالة للحديث على ما ذكر إلا على مذهب الحنفية دون مذهب المصنف فكان عليه أن يقتصر على شقه الثاني لا وجه له ، وهو ناشىء من قلة التدبر. قوله : ( بل ألهم شركاء الخ ) يعني أن أم هنا منقطعة فيها معنى بل ، والهمزة ولا بد من سبق كلام خبراً أو إنشاء يضرب عنه ويقرّر ما بعده ، وما سبق قوله : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا } [ سورة الشورى ، الآية : 13 ] الخ فهو معطوف عليه وما بينهما من تتمة الأوّل ، وهو المناسب لجعل الشركاء شرعوا لهم كما سيأتي تقريره فلا بعد فيه كما قيل وقيل إنه متصل بقوله : { كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ } [ سورة الشورى ، الآية : 13 ] وفي كلامهم ما يوهم أنه معطوف على قوله من كان يريد حرث الدنيا الخ لقوله والعمل للدنيا ، وقوله والهمزة للتقرير أي التحقيق والتثبيت. قوله : ( وشركاؤهم شياطينهم ا لأنهم شاركوهم في
الكفر وحملوهم عليه فالإضافة على حقيقتها ، وقوله بالتزيين فمعنى شرعوا لهم زينوا لهم كما ستراه قريبا ، وقوله واضافتها إليهم الخ فالإضافة على زعمهم بناء على اتخاذهم لها شركاء ، وإن لم يكن كذلك في الحقيقة قوله : ( وإسناد الشرع إليها ( يعني إذا أريد الأوثان التي لا نطق لها ولا عقل حتى يصدر منها التشريع فالإسناد مجازقي إلى السبب أو إلى ما هو على صورة المشرع ، ويجوز كون الاستفهام المقدر حينئذ للإنكار أي ليس لهم شرع ولا شارع كما في قوله أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا فصور ككبر جمع صورة والثاني بناء على أنّ الأوثان صور كبرائهم ، وأنبيائهم السالفة فلا يرد عليه ما قيل إنهم لم يعبدوا صورة من سنه لهم كما يعلم من السير والتواريخ ، وان كان منهم من يزعم أنها صور الملائكة لكنهم لم يقولوا إن الملائكة سنود لهم فتدبر. قوله : ( أي القضاء السابق ) تفسير للفصل بأنه ما سبق من قضائه بأق الجزاء يوم القيامة لا في الدنيا ولولا ما وعدهم الله به من أنه يفصل بينهم ، ويبين في الآخرة كما في قوله : { هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ } [ سورة المرسلات ، الآية : 38 ، فالفصل بمعنى البيان ، وقال السمرقندي : إنه بمعنى الحكم أي لولا حكمه تعالى في هذه الأمّة بتأخير العذاب إلى يوم القيامة لأنّ إرسال محمديشح! رحمة للناس ، وهو قريب من الأوّل. قوله : ( بتأجيل الجزاء ( أي إلى يوم القيامة أو إلى آخر أعمارهم ، وقوله بين الكافرين والمؤمنين أي في الدنيا أو حين افترقوا بالثواب والعقاب ، وقوله أو المشركين وشركائهم سواء أريد الشياطين أو الأوثان فإن لكل منها خصومة مع الكفرة كما مز. قوله : ( وقرىء أن بالفتح الخ ) قراءة العامّة بالكسر على الاستئناف وقرأ مسلم بن جندب والأعرج بفتحها عطفا على كلمة وفصل بينهما بجواب لولا وكلمة الفصل بتفسيريها السابقين ، وقوله وتقدير الخ إنما ذكر التقدير لأنّ العذاب غير واقع في الدنيا ، وإنما الواقع كلمة الفصل وتقدير العذاب ، وقوله : فإن العذاب الأليم غالب في عذاب الآخرة بيان لوجه التخصيص للعذاب ، وعدم شموله لما في الدنيا كالقتل والأسر ولتخصيص القضاء بالدنيا فيظهر ترتب الجزاء على كلمة الفصل والعذاب. قوله ثعالى : ( ترى الظالمين الخ ( جملة مستأنفة لبيان ما قبله ، واشفاق المؤمنين وخوفهم في الدنيا فمن خاف عقوبته في الدنيا أمنه الله ، وقد قيل لا يجمع الله على أحد خوفي الدنيا والآخرة ، ولذا عقبه بذكر ما للمؤمنين. قوله : ) من السيآت ) بيان لما كسبوا ، ومن في النظم يحتمل أن تكون صلة مشفقين(7/416)
ج7ص417
أو تعليلية
على أنه على الأوّل بتقدير مضاف أي من جزائه أو وباله وليس في كلامه هنا إشارة إلى أحد الوجهين كما قيل بل قوله بعده وباله يشير إلى الأوّل. قوله : ( وباله لاحق بهم أشفقوا أو لم يشفقوا ) قال في الكشف إنه يشير إلى أنّ السيآت قد كسبوها في الدنيا فالواقع بهم ، وبالها وايثار واقع على يقع مع أنّ المعنى على الاستقبال لأنّ الخوف إنما يكون على المتوقع بخلاف الحزن للدلالة على تحققه ، وأنه لا بد منه وعلى هذا من في قوله مما كسبوا ليس صلة مشفقين إذ المعنى إن الإشفاق نشأ من ذلك ، وإنما أتوا من قبله ولا عليك إن تقدر مشفقين من وبال ما كسبوا ليكون صلته ، وإنما آثر الأوّل لأنه أدخل في الوعيد ، وقوله أشفقوا أو لم يشفقوا إشارة إلى أنّ إشفاقهم لا ينفعهم كما في الدنيا. قوله : ( وفيه بحث ) لأنّ كلامه لا دلالة له على ما ذكر بل على خلافه كما عرفت فلا تكن من الغافلين. قوله : ( في أطيب بقاعها وأنزهها ) فإن رياض! الأرض منتزهاتها فما بالك برياض الجنان. قوله : ( أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم ( يعني أن عند منصوب ، ومتعلق بالظرف وهولهم أو بعامله لا بيشاؤون وإن كان أحق بالعمل بحسب النحو لا بحسب المعنى هنا إذ الغرض! المبالغة فيما لأهل الجنة من النعيم فلما ذكر أنهم في أنزه مكان ، وأطيب مقعد عقبه بأنّ لهم ما يشتهون من ربهم فإنك إذا قلت لي عند فلان ما شئت كان أبلغ في حصول كل مطالبك منه من قولك لي ما شئت عند فلان بالنسبة إلى الطالب ، والمطلوب منه لأن الأوّل يفيد أنّ جميع ما تشاؤوه موجود مبذول لك منه ، والثاني يفيد إن ما شئت عنده مبذول لك سواء كان منه ، أو من غيره لا جميع ما تشاؤوه مع ما في الأوّل من المبالغة في تحقيقه وثبوته بجعله كالحق اللازم في دفع فضله قيل والأوجه أن يجعل عند ربهم خبراً أي جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في روضات الجنات لهم فيها ما يشاؤون ، وإنما أخر ليكون ترقيا من الأدنى إلى الأعلى على وفق الترتيب الوجودي فإنّ القادم ينزل في أنزه مكان ، ثم يحضر له ما يشتهي وملاك ذلك أن يخصه رب المنزل بكرامة القرب ، ولو جعل حالاً من فاعل يشاء أو ضمير لهم أفاد ما ذكر لكنه فيه جعلى ما هو العمدة فضلة ، وهو خلاف مقتضى النظم. قوله : ) ذلك هو الفضل الخ ( إشارة إلى أن الجزاء المترتب على الإيمان والعمل محض فضل منه كغيره ، وقوله الذي يصغر دونه الخ إشارة إلى ما يفيده تعريف الطرفين وتوسط الضمير من الحصر ، وقوله ذلك الثواب لفهمه من السياق ولو جعلت الإشارة إلى الفضل جاز والمال واحد ، وقوله فحذف الجار الخ على عادتهم في التدرلم!ول
الحذف ولا مانع من حذفهما دفعة واحدة. قوله : ( أو ذلك التبشير الذي يبثره اللّه ) فلا يكون معه حرف جرّ مقدر لأنه ضمير المصدر فيتعدى إليه الفعل بغير واسطة ويكفي في الدلالة على المصدر ذكر فعله بعده فإنّ الإشارة قد تكون لما بعده كما مرّ في { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [ سورة البقرة ، الآية : 143 ] ونحوه فلا وجه لقول أبي حيان إنه لم يتقدم في هذه السورة لفظ البشرى ولا ما يدلّ عليها حتى تكون الإشارة له ومن لم يتنبه له قال كون ما تقدّمه تبشير للمؤمنين كاف في صحته ، وقوله وقرىء يبشر من أبشر. وهي قراءة شاذة ، ولذا أخرها فلا وجه للاعتراض عليه بأنها ليست من السبعة فإنه ليس في كلامه ما يدل على ما اذعاه حتى يغبر في وجوه الحسان وقوله ما أتعاطاه أي أباشره فالضمير لكل ما ذكر قبله ، وقوله نفعا فسر الأجر به لأنه يختص في العرف بالمال والمراد المعنى الأعمّ هنا ليتصل به المودّة ويكون الاستثناء على أصله فيها ولا حاجة إلى أن يقال كونها من إفراد الأجر اذعاء كاف لذلك. قوله : ) أن توذوني لقرابتي ( فالمودّة مصدر مقدر بأن والفعل والقربى مصدر كالقرابة ، وفي للسببية وهي بمعنى اللام لتقارب السبب والعلة ، والخطاب إمّا لقريش أو لهم وللأنصار لأنهم أخواله !ه على ما بينه أهل الحديث أو لجميع العرب لأنهم أقرباء في الجملة والمعنى إن لم تعرفوا حقي لنبؤتي وكوني رحمة عامّة ونعمة تامّة فلا أقل من مودّتي لأجل حق القرابة ، وصلة الرحم التي تعتنون بحفظها ورعايتها وحاصله على هذا لا أطلب منكم إلا مودّتي لقرابتي منكم ، وهو أمر لازم عليكم. قوله : ) أو توذوا قرابتي ) فالمراد لا أطلب منكم إلا محبة أهل بيتي ، ومن ينتمي إليّ ففي للظرفية المجازية أي إلا موذة واقعة في قرابتي وأهل بيتي فان خص بالمؤمنين منهم فهو ظاهر والا فقيل إنه منسوخ ، وفيه نظر ولا حاجة إلى تقدير مضاف في عبارة المصنف أي أهل قرابتي كما توهم فإنه لتوهم إن القرابة مصدر ، وإنه لا يقال هم قرابته(7/417)
ج7ص418
بل ذو قرابته كما قال الشاعر :
وذو قرابته في الحي مسرور
وليس بصحيح لأنّ القرابة كما تكون مصدراً تكون اسم جمع لقريب كالصحابة كما ذكره
أبن مالك في التسهيل. قوله : ( وقيل الاستثناء منقطع الخ ) إفا بناء على أن المودّة سواء كان له -شييه ، أو لأقربائه ليست أجراً أصلاً بالنسبة إليه ، أو لأنها لازمة لهم لتمدحهم بصلة الرحم فنفعها عاثد عليهم ، وقوله وفي القربى حال منها أي من الموذة ، وهي على وجهي الاتصال والانقطاع وعلى تفسيري الموذة بأنها موذتهم له أو لآله كما أشار إليهما بطريق اللف والنشر المشوّش بقوله أي إلا الموذة الخ ، ويحتمل أنه إشارة إلى أنّ القربى بمعنى الأقرباء أو بمعنى
القرابة. قوله : ( ومن أجلها جاء في الحديث ( وفي نسخة كما جاء في الحديث يعني أنّ المراد به أنّ المودّة ثابتة في حق القربى ولأجلها ففي للظرفية المجازية ، ومآلها إلى السببية كما في الحديث فإنّ معناه الحب والبغض إنما يكون لأجل اللّه ورعاية حقوقه ، وقوله روي الخ هذا يقتضي أنّ هذه الآية مدنية فإنّ الحسن والحسين رضي الله عنهما إنما ولدا بالمدينة ، ولم يذكر المصنف أنّ في هذه السورة مدنيا ، وقيل إنه ليس بمرضيّ له لضعف الحديث المذكور كما في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر. قوله : ( وقيل القربى التقرّب إلى اللّه ( فالقربى بمعنى القربة ، وليس المراد قرابة النسب قيل : ويجري فيه الاتصال والانقطاع على إرادة النفع مطلقا أوالمعهود بالأجر والظاهر أنه منقطع وأنه على نهج قوله :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم
البيت وقوله نزلت في أبي بكر رضي اللّه عنه لشدة محبته لأهل البيت وعلى الأوّل هي عامة ، وهي تتميم على هذا وتذييل على الأوّل وهو الأولى وحسنا تمييز أو مفعول به وحسني مصدر كبشرى أو صفة لموصوف مقدر كغصلة ونحوه ، وقوله بتوفية الثواب الخ تفسير لشكور إذا وقع صفة لله فإنّ معنا. الحقيقيّ غير مناسب فالمراد به ما ذكر مجازا. قوله : ) بل أيقولون افترى على اللّه الخ ) إشارة إلى أن أم منقطعة أيضا وأنه إضراب آخر إلى ما هو أعظم من الأوّل ، وهو أنه لما ذكر ما شرعه وأضرب عنه أضرب عنه ثانيا مرخيا للعنان قائلاً بل أتقولون في شأن ما بلغكم أكرم خلق الله عن الله إنه افتراء من تلقاء نفسه. قوله : ) استبعاد للافتراء عن مثله الخ ا لا يخفى عليك أنّ تفريع هذا على ما قبله وارتباطه في غاية الخفاء الذي يحتاج إلى كشف الغطاء عنه ، وقد ذكر السلف فيه وجوها وقال العلامة : وهو فارس هذا الميدان إنه أسلوب مؤذاه استبعاد الافتراء من مثله ، وإنه في البعد مثل الشرك بالته والدخول في جملة المختوم على قلوبهم ومثل بقول أمين نسب إلى الخيانة لعل الله خذلني لعل الله أعمى قلبي استبعاداً لما نسب إليه ، وأنه أمر عظيم ومعناه ما قيل إن يشأ الله يختم على قلبك كما فعل
بهم فهو تسلية له وتذكير لإحسانه إليه واكرامه ليشكر ربه ويترحم على من ختم على قلبه فاستحق غضب ربه ، ولولا ذلك ما اجترأ على نسبته لما ذكر ولذا أتى بأن في موضع لو إرخاء للعنان ، وتلميحاً للبرهان على أنه لا يتصوّر ، وصفه بما ذكروه فالتفريع بالنظر إلى المعنى المكني عنه ، وحاصله أنهم اجترؤوا على هذا المحال لأنهم مطبوعون على الضلال فعليك بإمعان النظر فإن هذه الآية من أصعب ما مر بي في كلامه العظيم وفقنا الله لفهم معانيه ، وعدى الإشعار بعلى لتضمنه معنى البينة أو الدلالة. قوله : ) وكأنه قال الخ ) حاصله أنّ الافتراء خذلان ، ولو أراد خذلانك لم يجعلك ذا معرفة وبصيرة حتى تفتري على الله وأتى بأن مع أنّ عدم مشيئته مقطوع به إشعاراً بعظمنه ، وإنه غنيّ عن العالمين. قوله : ) وقيل يختم على قلبك يمسك الخ ) هو مضارع لأمسكه إذا حبسه وفي نسخه بمسك بباء الجرّ وهي متعلقة بيختم ، وفي بعضها ننسك من النسيان وهو الموافق لما فسر به قتادة بننسك القرآن ، ونقطع عنك الوحي فتعديته بعن لتضمينه معنى القطع ، وما قيل من أنه غلط لا وجه له فإنه يجوز جعل ضمير عنه للقلب بدليل قوله بعده يربط عليه ، وأمّا الالتفات فلا التفات إليه هنا لركاكته ، وكذا ما قيل إن الإمساك لا يفيد فيما أوحى به قبل فإن المراد بإمساكه عنه أن لا ينزل عليه ، ولا يذكر ما نزل منه. قوله : ( بالصبر ( هو معنى الربط على القلب كما بين في محله والمراد به أن لا يشق عليه ذلك ، وقد شق عليه وتأذى به غاية التأذي حتى قيل له لعلك باخع نفسك لغيرته لله ، وتكثير ثوابه بأنواع المجاهدة. قوله : ( استئناف لنفي الافتراء الخ ) يعني أنه ليس محزوماً معطوفا على ما في خبر الشرط بل معطوف على مجموع الجملة ، والكلام السابق وكونه(7/418)
ج7ص419
حالاً يحتاج إلى تقدير مبتدأ أو لا حاجة إليه ، وقوله إذ من عادته تعالى الخ يريد أنّ المضارع للاستمرار وأنه كلام ابتدائي غير معطوف على الجزاء ولذا أعاد اسم الله ورفع يحق ، وقوله بوحيه الخ تفسير لقوله بكلماته بأن المراد بها الوحي أو القضاء أو الوعد ، وقوله بمحق باطلهم متعلق بوعده ، وقوله بالقرآن متعلق بإثبات وعمم الوحي أوّلاً لأن مراده عادته الجارية مع جميع رسله وخص الوعد بالقرآن لأنّ الوعد لنبينا!ير ، وقوله بقضائه ليس مكرّراً فيه لأن الأوّل تفسير كلماته وهذا هو الموعود به ، وقوله أو بوعده معطوف على قوله بوحيه ، وقيل إنه معطوف على قوله لنفي الافتراء أو على قوله بأنه لو كان مفترى الخ فالصيغة على هذا للاستقبال ، واللام للعهد والمعنى على الثاني باطلهم فيظهر عدم الافتراء ، ويجوز كونها للجنس فيكون إثباتا لعدم افترائه بالبرهان
والوعد ضمنيّ وفيه نظر. قوله : ( لاتباع اللفظ ) فإنه سقط فيه لالتقاء الساكنين ثم تبعه الرسم وكان القياس إثباتها لكن خط المصحف لا يلزم جريه على القياس ، وقد قيل إنه لا مانع من عطفه على جواب الشرط فيجزم ويحق حينئذ مستأنف والمعنى إن يشاء الله يمح افتراءك لو افتريت أو يمح باطلهم عاجلا لكنه لم يفعل لحكمة أو مطلقاً ، وقد فعل بالآخرة وأظهر دينه. قوله : ( بالتجاوز عما تابوا عنه ) بيان لحاصل المعنى ، وفيه إيماء إلى أنه يجوز أن يضمن معنى التجاوز لكن مدخول عن معه الفعل الذي تاب عنه لا العباد فحينئذ يحتاج إلى تقدير مضاف فيه أي عن ذنوب عباده ، وهو تكلف ولذا لم يلتفت إليه المصنف وقوله لتضمنه الخ فيه لف ونشر مرتب فتعديه بمن لمعنى الأخذ وبعن للإبانة ، وقوله وقد عرفت الخ إشارة إلى ما فصله في سورة البقرة وقد مرّ الكلام فيه ، وما رواه عن عليئ كرم اللّه وجهه سيأتي في سورة التحريم مع تخالف يسير في العبارة ، وهو محتمل لأن تكون التوبة مجموع هذه الأمور فالمراد أكمل أفردها ، ويحتمل أنها اسم لكل واحد منها والأوّل أظهر. قوله : ( إذابة النفس ) أراد به الجسد فالمراد أنه يضعفه ويصيره مهزولاً بعدما قواها بالمعاصي وسمنها ، ومرارة الطاعة كونها صعبة شاقة كما يشق تناول المرّ الكريه الطعم. قوله : ( لمن يشاء ) من غير اشتراط شيء كاجتناب الكبائر للصغائر أو التوبة كما ذهب إليه المعتزلة فهو للودّ عليهم ، والمراد غير الشرك بالإجماع ، وقوله فيجازي أراد بالجزاء الثواب والعقاب أو يتجاوز بالعفو فعلمه كناية عما ذكر كما مرّ تحقيقه ، وكل من ذلك عن اتقان صنع وحكمة ربانية وفي شرح الكشاف ، إنّ المجازاة للتائب ، والتجاوز عن غيره فهو على التوزيع واللف والنشر والأوّل أظهر ، وقوله قرأ الكوفيون الخ بالتاء الفوقية وغيرهم بالتحتية وعلى الأوّل فهو التفات وقوله عن إيقان بالياء التحتية فعال من اليقين كما صحح في النسخ أي علم جازم وفي بعضها بالتاء الفوقية والأوّل أنسب بالعلم لكن الثاني هو الأصح هنا فالمراد باتقانه كونه على مقتضى الحكمة والله لا يوصف علمه بالإيقان فثأمّل. قوله : ( أي يستجيب اللّه لهم الخ ( ففاعله ضميره تعالى وهذا بناء على أز " غير
متعد بنفسه ، وكلام المصنف مضطرب فيه فتارة ذكر أنه يتعدى بنفسه وباللام كشكرته ، وشكرت له وتارة قال إنه يتعدى للدعاء بنفسه وللداعي باللام ففيه مذاهب مشى على كل منها في محل تكثيرا للفائدة ، وليس غفلة منه مع أنه قد وفق بين كلامه بأنه يتعدّى بنفسه للدعاء وباللام للداعي وقوله يتعدى بنفسه ، وباللام المراد منه هذا أو هو على الحذف والإيصال. قوله : ( والمراد إجابة الدعاء الخ ) فيصح حينئذ أن يكون بتقدير مضاف أي دعاء الذين الخ بناء على أنه يتعدّ! إليه بنفسه كما مرّ ، وقوله لما يترتب عليه متعلق بطلب ، وهو مرفوع أي الطاعة طلب مايترتب عليه فإنها التحصيل الثواب فثابه الدعاء وشابه إثابته الإجابة فاستعير له فليس مقتضى الظاهر عليها كما قيل. قوله : ( ومنه قول صلى الله عليه وسلم أفضل الدعاء الحمد دلّه ) ولذلك سميت الفاتحة سورة الدعاء ، والمسالة يعني سمي الثناء دعاء لأنه يترتب عليه ما يترتب على الدعاء ، وسأل سفيان عن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( كثر دعائي ودعاء الآنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) فقال هذا كقوله تعالى في الحديث القدسي : ( من شفله ذكوى عن مسئلتي أعطيتة أفضل ما أعطي السائلين ) ألا ترى قول أمية بن الصلت لابن جدعان حين(7/419)
ج7ص420
أتاه بنعي نائلة :
" ذكرحاجتي أم قدكفاني ثناؤك أنّ شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرءيوما كفاه عن تعرّضك الثناء
فالحمد يدلّ على الدعاء والسؤال بطريق الكناية ، والتعريض لا أنه أطلق الدعاء على الحمد لتشبيهه به في طلب ما يترتب عليه كما قيل وللإمام السبكي فيه كلام محصله ما أشرنا
إليه. قوله : ( أو يستجيبون دلّه بالطاعة الخ ) فالاستجابة فعلهم والذين فاعل في موضع رفع أي ينقادون له وعلى الوجه الأوّل يستجيب معطوف على يقبل التوبة ، وعلى هذا هو معطوف على مجموع قوله : وهو الذي يقبل التوبة الخ ولا حاجة إلى جعله من عطف القصة إلا أن يريد به ما ذكر ، وقوله : ويزيدهم من فضله معطوف على مقدر وهو مسبب عن قوله ويستجيب أي ويستجيب الذين آمنوا بالطاعة ليستجيب بذلك دعاءهم ، وييمافيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ويجوز عطفه على قوله ويستجيب ، وقوله : لله إشارة إلى المفعول لا إلى حذف ضمير الموصول بإقامة الظاهر مقامه في التفسير ليصح عطفه على الصلة كما قيل. قوله تعالى : { مِن فَضْلِهِ } متعلق بيزيدهم ، ويجوز تعليقه بالفعلين على التنازع فإن الثواب فضل منه تعالى ، وقوله على ما سألوا هو وما عطف عليه بأو الفاصلة ناظر للوجوه السابقة على الترتيب ، وفي بعض النسخ واستوجبوا بالواو وهو تفسير لقوله : استحقوا ناظر للثاني ، والثالث أو للثالث فقط ، وقوله : على ما سألوا ناظر للأوّلين والسؤال شاملى للتحقيقي والتنزيلي ، وهذا أولى على عطف والإثابة بالواو وفي بعضها واستحقوا واستوجبوا وعليه يكون إلاً ولأن نظر الوجهي قوله ، ويستجيب وقوله : أو استجابوا إلى الوجه الآخر ، ثم وجه قوله : ويزيدهم على معنى الإثابة ظاهر فإنها الأصل المذكور فتصح الزيادة أمّا على الوجه الآخر فيحتاج إلى القول بانفهامه من قوله ويزيدهم أو تقدير فيوفيهم أجورهم فتأمل. قوله : ( بدل ما للمؤمنين الخ ) يعني العذاب في مقابلة الثواب ، والشدّة في مقابلة التفضل. قوله : التكبروا وأفسدوا فيها بطرا ) أصل معنى البغي طلب أكثر مما يجب بأن يتجاوز في القدر ، والكمية أو في الوصف والكيفية ، واليه أشار بقوله : تجاوز الاقتصاد أي الوسط فيما يتحرّى أي أن يتعدى الاعتدال فيما يقصده ، ولذا ورد بمعنى التكبر لما فيه من تجاوز المرء لحذه فإن الكبرياء رداء العظمة الإلهية ، وقوله : وأفسدوا كالعطف التفسيري للتكبر لأنه لازم له ، ويجوز أن يكون جعل التكبر في الأرض! كناية عن الإفساد أو هو مضمن معناه وقوله : بطراً من ترتب البغي على بسط الرزق لأن البطر الطغماد بسبب الغنى كما هو دأب أكثر الناس. قوله : ( أو لبغي بعضهم على بعض استيلاء الخ ( فالى س اد بالبغي الظلم لأنه شاع استعماله فيه حتى صار حقيقة فيه وليس بين هذا وما قبله كبير فرقا إذ الاستعلاء طلب العلو بالتكبر فلو تركه المصنف كان أولى ، وقوله وهذا أي ترتب البغي على بسط الرزق وسعته بناء على الغالب إذ من الناس من يصلحه الغنى ومنهم من يطغيه الفقر ، وقم من عائل متكبر وغني متواضع ويكفي في فهم الحكمة الإلهية قضية الأغلبية وإنه لو عمّ البسط
شاع الفساد والبغي ، وقوله : طلب الخ إشارة إلى أنه لا يلزم فيه وقوع التجاوز بالفعل وقوله : كمية أو كيفية منصوب على أنه تميز إمّا من النسبة الإضافية في تجاوز الاقتصاد ، أو في يتحرّى أو منهما على التنازع وانه يكون في التمييز. قوله : ( ما اقتضتة مشيئته ) فما موصولة وهي مفعول لينزل وأمّا كونه مفعولاً لمقدر بمعنى يقدر أو ما إبهامية زائدة ، ويشاء صفة قدر والعائد محذوف فتكلف من غير داع له سوى تكثير السواد ، وتضييع المداد وقوله يعلم خفايا أمرهم تفسير لخبير لأنّ الخبرة تختص بها في عرف اللغة وجلايا حالهم تفسير لبصير لأنه في الأصل ما يدرك بالبصر ، وهو يختص بالظواهر ففيه لف ونشر مرتب ، وقوله : فيقدر الخ إشارة إلى أنه تذييل لما قبله. قوله : ( روي أنّ أهل الصفة ) هه قوم من فقراء الصحابة رضي اللّه عنهم كانوا على صفة في مسجد المدينة فالآية على هذا مدنية ، وهو مخالف لما ذكره المصنف في فاتحة هذه السورة ، وقوله : إذا أخصبوا تحاربوا لعدم ما يشغلهم عن الحرب وأجدبوا حل بهم الجدب ، والقحط وانتجعوا بمعنى ارتحلوا للنجعة ، وهي طلب الكلا في غير بلادهم لعدم ما تتعيش به دوابهم فإذا تفرّقوا(7/420)
ج7ص421
اشتغلوا عن القتال ، وقوله : خص بالنافع فلا يقال : غيث لكل مطر. قوله : ( وقرئ بكسر النون ) كذا في النسخ ووقع في بعضها بفتح النون فيكون إشارة إلى قراءة السبعة لا إلى القراءة الشاذة ، وان كان مخالفا لما هو المعتاد من التعبير بمثله في الشواذ فلا حاجة إلى القول بأنه سهو. قوله : ( في كل شيء ) هو من النشر وعدم ذكر المنشور فيه ، والمراد بالرحمة منافع الغيث وآثاره والضمير لله وقيل : للغيث ، والسهل من الأرض ما عدا الجبل ، وقوله : الذقي يتولى الخ إشارة إلى أنه تذييل للقرينتين على طريق الجمع ، وقوله : على ذلك إشارة إلى أنّ الحمد في مقابلة النعمة هنا. قوله : ( فإنها ) أي السموات والأرض بذاتها وصفاتها تفسير لكونها من آياته أي دلائل وجوده ، واتصفاه بصفات الجلال والإكرام ، وهو إشارة إلى أحد البراهين الكلامية المقرّرة لرد قدم العالم والتعطيل بأنّ وجود الجواهر والإعراض وحدوثها يدل على وجود الصانع القادر على خلق هذه الأجوام العظيمة الحكيم لإيجادها متقنة على وفق ما تقتضيه الحكمة ، وحمله على الاستدلال بإمكانها تعسف لاحتياجه إلى حمل السموات على المخلوقة بعد خلقها ، وجعل الآية خلقها يأباه وان كان من إضافة الصفة إلى الموصوف أي السموات المخلوقة أو النظر للقيد فالمراد أنها من حيث خلقها ولو قيل إن ما بث معطوف على
خلق فيكون استدلالاً بالإمكان بعد الاستدلال بالحدوث صح لكن بالاحتمال يسقط الاستدلال. قوله : ( عطف الخ ) ولا حاجة إلى تقدير مضاف فيه أي خلق ما بث كما قاله أبو حيان : وما تحتمل الموصولية والمصدرية أي ومن آياته بثه فيهما. قوله : ) من حي على إطلاق اسم السبب على المسبب ( دفع لما يقال : إن الدواب في الأرض دون السماء فكيف قيل فيهما : وقد دفع بوجوه منها أنه مجاز مرسل فالمراد بالدابة الحيئ إما من استعمال المقيد في المطلق أو إطلاق الشيء على لازمه أو السبب على مسببه لأن الحياة سبب للدبيب ، وان لم تكن الدابة سبباً للحيّ فهو مجاز مرسل تبعي لاعتبار العلاقة في مأخذ الاشتقاق دون المشتق نفسه ومنه يعلم أنّ التبعية تجري في الاستعارة والمجاز المرسل وان خصها أهل المعاني بالأوّل فتدبر. قوله : ( أو مما يدب على الأرض ) بإبقاء الدابة على حقيقتها وظاهرها ، والتجوّز في النسبة أو في أداة الظرفية بجعل ما في أحد الشيئين فيهما كقوله : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } [ سورة الرحمن ، الآية : 22 ] وبنو تميم قتلوا قتيلا والقاتل بعضهم ، ويؤيده قوله في البقرة : { وَمَا بَثَّ فِيهِمَا } [ سورة الشورى ، الآية : 129 فأفراد الضمير للأرض ، ويحتمل تغليب الدواب في مقام العظمة على غيرهم كما قيل : إنّ الملائكة يمشون كما يطيرون ، وهو مشهور فلا يصح أن يقال إنه إنما يستدل بما هو مكشوف معلوم ، نعم هو وارد على ما قيل إنّ فيها ما يدب كير الملائكة أو ملائكة على غير صورها المشهورة ، وأمّا القول بأنه استعارة بتشبيه الملك بالدابة في الحركة فلا يناسب البلاغة لركاكته. قوله تعالى : ( { عَلَى جَمْعِهِمْ } ) الضمير للسموات والأرض! وما فيهما على التغليب أو للناس المعلوم من ذلك لأنهم في ضمنه وإذا طرف للجمع لا لقدير لأنه خلاف الظاهر ، ولأنه يلزمه تعليق القدرة بالمشيثة ، ولا يخفى ما فيه وليس هذا مبنيا على الاعتزال كما توهمه المعرب ، وقوله واذا الخ أي سواء كانت ظرفية أو شرطية وإذا دخلت على الماضي قلبته مستقبلا كالماضي بعد أن الشرطية لكنه يختار المضي لدلالته على التحقق المناسب لإذا ولئلا يلغو الاستقبال ، ولذا امتنع إذ زيد قام ولم يمتنع إذ زيد يقوم على ما فصله النحاة ، ولا فرق بين إذا مع ما وبدونها كما توهم. قوله : ( فبسبب الخ ( إشارة إلى أن الباء سببية ، وقوله : أو متضمنة لأن المبتدأ إذا كان اسما موصولاً صلته فعلية تدخل على خبره الفاء كثيراً لما فيه من معنى الشرط لإشعاره بابتناء الخبر عليه ، ونافع وابن عامر لم يقرآبها لأنه ليس بلازم وإيقاع المبتدأ موصولاً يكفي في الإشعار المذكور كما ذكره أهل المعاني والفاء يحسن حذفها في الشرط إذا وليه الماضي فما هنا أحسن ، وأمّا توجيه المصنف له باً نه استغناء بما في
الباء من معنى السببية فقد قيل عليه : إنّ مدخول الباء التحتية سبب للمقدم والفاء بعكسه نحو من يأتيني فله درهم فإنه قد يرد على العكس نحو أن يقض فالله كريم ، واقترانه بالباء دليل على ذلك لئلا يلزم كونه سببا ومسببا وإن قيل مثله مؤوّل ، وما في قوله : لم يذكرها من إيهام أن القراءة تكون بالرأي دون نقل فليس بمراد قطعاً ، وقد تقدم له تفصيل فتذكره ، قوله : ) من الذنوب ) أو من الناس ، وقوله : فلا يعاقب عليها أي عاجلاً في الدنيا(7/421)
ج7ص422
أو آجلا ، وقوله : والآية مخصوصة بالمجرمين أي بأصحاب الذنوب من المسلمين ، وغيرهم فإنّ من لا ذنب له كالأطفال والمجانين والمعصومين من الأنبياء والمرسلين قد تصيبهم مصائب إذ أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل ، وقد يبتلى اللّه عباده لرفع درجاتهم ، وقوله : أخر أي غير ما كسبته أيديهم ولا وجه لكون الخطاب لقوم مخصوصين. قوله تعالى : ( { بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ } ( تقدم تفسيره ، وأنّ المراد إنهم لا يعجزون من في الأرض من جنوده تعالى فكيف من في السماء ، أو لا يعجزون بالبراري ودخول مهاوي الأرض ، أو معجزين اللّه في دفع مصائبكم إن أراد فقوله : فائتين الخ تفسير له بلازم معناه أي فلا يغرّنكم إمهاله وهذا وما بعده كالتقرير لقوله : { وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } لأنهم إذا لم يفتهم ما قضى ولم يكن لهم ولي ولا نصير سواء كانوا إما معاقبين في الدنيا بكسبهم ، أو معفوّاً عنهم لقدرته على أن يفعل بهم ما أراد ، وقوله : يحرسكم عنها أي عن المصائب ، وقوله : السفن الجارية فهو صفة لموصوف محذوف لقرينة قوله في البحر ، وإن لم يكن صفة مخصوصة. قوله : ( قالت الخنساء ) هي امرأة من شعراء العرب وهذا البيت من قصيدة لها ترثي بها أخاها صخراً وقد قتل وقبله :
وما عجول على بوّتحن له لها حنينان إعلان وأسرار
ترتع ما غفلت حتى إذا ادّكرت فإنما هي إقبال رأدبار
يوماً بأوجع مني حين فارقني صخر وللعيش إحلاء وإمرار
وتأثم بمعنى تقتدي والهداة جمع هاد وهو الدليل الذي يهدي المسافرين في طرقهم ،
ومن يقتدي به الناس ليهديهم لما يريدون واذا اقتدى لهداة به فغيرهم أولى بالاقتداء كالجبل فإنه يعلم به جهة السالك في مفازة فاذا أوقد في رأسه نار كان أقوى في الدلالة ، وقراءة الرياج لأنها الأكثر في الخير والقراءة الأخرى تدل على أنه أمر أغلبيّ. قوله : ( فيبقين ثوابت على ظهر
البحر ) فسر يظللن وأصل معناه يفعلن نهاراً بيبقين لأنه لم يرد ذلك ولو فسر بيصرن كان أولى فروا كد مفعوله ، وهي حال على ما ذكره المصنف ، وقوله : وكل همته الخ معنى صبار فالصبر بمعنا. الأصلي ، وهو الحبس وأريد به هنا حبس مخصوص ، وفسره بما ذكر لأنه بمعناه المشهور لا يناسب تخصيصه بالآيات والتفكر في آلائه أي نعمه معنى الشكور لأن معرفة النعم والتفكر فيها شكر ، وفي حديث أبي داود القدسي تصريح به وفي بعض النسخ الشكر بدل التفكر. قوله : ( أو لكل مؤمن كامل ) فكني ذلك عن مؤمن كامل وفي الوجه السابق وهو صريح لا كناية فيه ، وقوله : فإنّ الإيمان الخ أي هما عنوان المؤمن وإيمانه ومآل كل ما يلزم فيه راجع إليهما فالصبر المراد به الصبر عن المعاصي ، وتركها جملة ويدخل فيها دخولاً أولياء الكفر ، والشكر الإتيان بالواجبات ، وجلها وهو أجلها التصديق بالله وما يليق به. قوله : ) والمراد إهلاك أهلها ) بتقدير مضاف فيه أو بالتجوّز بإطلاق المحل على حاله أو بطريق الكناية لأنه يلزم من إهلاكها إهلاك من فيها ولو أبقى على ظاهره جاز لأنها من جملة أموالهم التي هلاكها والخسارة فيها بذنوبهم أيضا. قوله : ( فاقتصر فيه على المقصود ( من إرسالها عاصفة وهو إما إهلاكهم أو إنجاؤهم فعبر عن كونها عاصفة بالإهلاك والنجاة لمن هو بصدده ، وبه ظهر وجه جزم يعف لأنه بمعنى ينج معطوف على يويق ويعلم وجه عطفه بالواو لأنه مندرج في القسيم وهو هبوبها عاصفة ، فإن قلت فهذه القسمة غير حاصرة لأنه ذكر هبوبها عاصفة مع الإهلاك والإنجاء وسكونها ، ولم يذكر هبوبها باعتدال قلت : لم يذكره لعلمه مما قدمه ، وهو قوله : الجوار فإنه المطلوب الأصل منها ، وما قيل من أن التحقيق أن يعف عطف على قوله : يسكن الريح إلى قوله : بما كسبوا ولذا عطف بالواو لا بأو والمعنى أن يشأ يعاقبهم بالإسكان أو الإعصاف ، وإن يشأ يعف عن كثير فليس موافقا لما فسره به المصنف ، وتكرير ناس للنص على كونه قسما من القسيم يأباه. قوله : ) ويعفو ) بالرفع على الاستئناف أي على عطفه على مجموع الشرط والجواب دون الجواب وحده وسماه استثنافا لعطفه على جملة مستأنفة والمعطوف له حكم المعطوف عليه. قوله : ( عطف على علة مقدّرة ( وتقدير المعطوف عليه غير عزيز في أمثاله ، وإنما الكلام فيما قدره وهو قوله : لينتقم الخ فإن أبا حيان اعترض عليه بأنه ترتب على الشرط الهلاك ، والنجاة فذكر علة لأحدهما(7/422)
ج7ص423
دون الآخر لأحسن له ولو قدر لتخلص المؤمنين لم يرد
عليه شيء ، وهذا غير وارد فإنّ المصنف صرّح بأن الآية مخصوصة بالمجرمين فالمقصود الهلاك فلذا لم يتعرض له مع أنه قال : مثل لينتقم ولم يقل هو المقدر ، فيجوز أن يقدر ما يليق بالمقام ، وما ذكر إنما هو تصحيح إعراب والمنع المجرّد في مثل هذه المقاصد غير مسموع. قوله : ( أو على الجزأء ( تفدير. عطف على الجزاء وفي كلامه تسامح لأنّ الجزإء مجزوم فكيف يعطف عليه وهذا ليس بمذهب لأحد من متقدمي أهل العربية ولا متأخريهم فإن للنحاة فيه ثلاثة مذاهب ، الأوّل مذهب الكوفيين ، وهو أنّ الواو في مثله بمعنى أن المصدرية ناصبة للمضارع بنفسها ، الثاني مذهب البصريين إن الفعل منصوب بأن مضمرة وجوباً بعدها والواو عاطفة للمصدر المسبوك على مصدر مقدر مأخوذ من معنى الكلام قبله ، وهو من العطف على المعنى وتسمى هذه الواو واو الصرف لصرفها عن عطفه على المجزوم قبلها إلى عطف مصدر على مصدر ، والثالث ما اختاره الرضى من أنها إما واو الحال ، والمصدر بعدها مبتدأ خبره مقدر والجملة حالية أو واو المعية ، وينصب بعدها الفعل لقصد الدلالة على مصاحبة معاني الأفعال كما أنّ الواو في المفعول معه دالة على مصاحبة الأسماء فعدل به عن الظاهر ليكون نصا في معنى الجمعية ، وليس هذا بأسهل مما ذكره النحاة من العطف على المصدر المتصيد وهذا رد على الزمخشري حيث لم يجوّز هذا ، وجزم بالوجه الأوّل. قوله : ) نصب الواقع جوابا للأشياء الستة ) الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض أي نصب بعد الشرط مثل ما نصب بعدها لمشابهته لها لأنها تدل على أنّ ما بعدها لم يقع فهو غير محقق ، وإن كان مطلوبا وهو معنى قوله : غير واجب لأنّ الجزاء موقوف على الشرط ، وهو أمر مفروض! لأن الشرطية لا تدل على الوقوع بل على تقديره والزمخشري وسيبويه ومن تبعهما لم ينكروا النصب بعد الشرط حتى يرد عليهم بما ذكر ، وإنما قالوا إنه لم يستفض في كلامهم فهو ضعيف لا ينبغي تخريج القراءة المتواترة عليه مع أنّ التقدير شائع ، وله نظائر في القرآن فيما قيل : إن تضعيف سيبويه لا يحتج به مع اختيار جماعة من عظماء العلماء له لم يصادف محزه لأنهم لم ينكروه رأسا وإنما ضعفوه وأبوا تخريج الآية عليه ، وما ذكر لا يدفعه. قوله : ) بالرفع على الاستئناف ( فهو معطوف على الكلام السابق كما مرّ تقريره ، وقال السعد في شرحه كلام الزمخشري : كثير من المواضع يشعر بأنّ مثله على تقدير المبتدأ لكنه لا يحسن هنا لكون الفاعل اسماً مظهراً ، وفيه نظر قال في الدر المصون في الاستئناف يحتمل الفعلية والاسمية بتقدير مبتدأ أي هو يعلم الذين فالذين على الأوّل فاعل وعلى الثاني مفعول فتأمل. قوله : ( فيكون المعنى أو يجمع بين إهلاك قوم الخ ( أولوه بما ذكر لما يتراءى في بادئ النظر من عدم استقامة المعنى إذ ليس علم المجادلين معلقا بالشرط المذكور ، وأيضاً المعطوف عليه مسبب عن الإرسال فكذا يكون هذا فالمعنى أن يشأ يرسل العواصف فيجمع بين هذه الثلاثة ويكون علمه بهؤلاء أو علمهم كناية عن التحذير
والوعيد ، وخص المجادلين لأنهم أولى بذلك وكثيراً ما يذكر العلم لمثل ذلك سواء كان العالم هو الله أوهم على أنّ الذين مفعول أو فاعل لأنّ علم الله بالمجرمين يكون كناية عن مجازاتهم وكذا الإخبار عن علم المجرمين في المستقبل بما يحل بهم كما قيل :
سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار
فما قيل : إن يعلم على هذه القراءة مسند إلى ما أسند إليه ما عطف عليه ، وهو ضميره تعالى والا خرج الكلام عن الانتظام فالموصول حينئذ مفعول أوّل لا وجه له وليس في كلامه ما يدل عليه نعم هو المثبادر من السياق. قوله : ( محيد ) أي مهرب ومخلص من حاد عنه إذا مال ، وعدل فكني به عما ذكر ، وقوله : والجملة معلق الخ إذا كان الذين فاعلا لأنها ساذة مسذ المفعولين لا إذا كان مفعولاً أوّل لأنها مفعول ثان حينئذ ، وهو يكون مفرداً وجملة ومثله لا يسمى تعليقا عنه ، وقوله : من شيء أي من أسباب الدنيا وتنكيره للتحقير ، وقوله : مدة حياتكم إشارة إلى أنّ الإضافة على معنى في وتعبيره عن ثواب الآخرة بعند اللّه بيان وتمهيد لخيريته ، وقوله : لخلوص نفعه ودوامه لف ونشر مرتب كقوله : خير وأبقى. قوله : ( وما الأولى موصولة! فالعائد محذوف ، ويجوز كونها(7/423)
ج7ص424
شرطية مفعولا مقدما لأوتيتم ، وقوله : للتمتع بها أنثه رعاية لمعنى ما ولو قال به كان أظهر ، وقوله : فجاءت الفاء في جوابها أي في خبرها الذي هو في معنى الجواب وعبر به ليفيد علة الدخول على أحسن وجه ، وقيل إنّ فيه إيماء إلى تقدير مبتدأ فيه أي فهو متاع لأنّ الجواب لا يكون إلا جملة ، وفيه نظر لأن تقدير المبتدأ غير متعين كما أشار إليه السعد رحمه الله ، وقوله : من حيث الخ بيان لوجه تضمينه ذلك ، وان مداره السببية. قوله : ( بخلاف الثانية ) قيل عليه منع فإنه لاحظ في مسببيته كونه عند الله في خيريته كيف والموصول المبتدأ إذا وصل بالظرف يتضمن معنى الشرط ، وهو هنا كذلك ، وقد أشار إلى دفع هذا الثارج المحقق بأن المراد إن مسببيته كون الشيء عند الله لخيريته أمر معلوم مقرر غني عن الدلالة عليه بحرف موضوع له بخلاف ما عند غيره ، والتعبير عنه بأنه عند الله دون ما ادخر لكم لذلك ومنعه وادعاء أنه غير ظاهر غير ظاهر نعم عبارة المصنف لا تلائمه بخلاف عبارة الزمخشري ، ولزوم تضمن معنى الشرطية غير مسلم ولو سلم لا ينافي المدّعي. قوله تعالى { لِّلَّذِينَ آمَنُواْ } إمّا متعلق بأبقى أو اللام لبيان من له هذه النعمة فهو خبر مبتدأ محذوف وكافي الإثم ما يترتب عليه الوعيد ، أو ما يوجب الحد كما سيأتي في سورة النجم أو كل ما نهى الله
عنه ، والفواحش ما فحش منها واذا نصب الذين على المدح بمقدر فالواو اعتراضية كما ذكره الرضى وإعرابه بدلاً سهو لمنع الواو عته ، وقوله : على ضميرهم بكسر الهاء وضمها على قصد لفظه على أنه من إضافة العام للخاص. قوله : ( للدلالة على أنهم الأحقاء الخ ) جمع حقيق وفي نسخة أخصاء جمع خصيص كأطباء والباء داخلة على المقصور يعني إنه ليس تأكيد الضمير غضبوا وتقديمه لإفادة الاختصاص لأنه فاعل معنوي ، واختصاصهم باعتبار أنهم أحقاء بذلك دون غيرهم ، وإذا ظرفية متعلقة بيغفرون لا شرطية لعدم الفاء واليه أشار بقوله : حال الغضب وفيه إيماء إلى أنهم يغفرون قبل الاستغفار وقراءة كبير الإثم بالإفراد لإرادة الجنس أو الفرد الكامل منه ، وهو الشرك ولا يلزم تكراره لأنّ المراد الاستمرار والدوام. قوله : ) نزلت في الأنصار ) فهو من ذكر الخاص بعد العام لبيان شرفه لإيمانهم دون تردّد وتلعثم والآية إن كانت مدنية فظاهر والا كما هو المناسب لما قدمه المصنف رحمه الله فلا إشكال فيه لأنهم آمنوا بالمدينة قبل الهجرة ، أو المراد أصحاب العقبة فلا يرد الاعتراض به على المصنف رحمه الله ، وقوله : دعاهم مستأنفة لبيان وجه نزولها فيهم ، وقوله : فاستجابوا له أي للرسول ع!ه لأن الاستجابة له استجابة لربهم. قوله : ( ذو شورى ) قدره بيانا لوجه حمله على أمرهم لأن الشورى مصدر كالبشرى ، والأمر متشاور فيه لا مشاورة إلا إذا قصد المبالغة وأورد عليه أن يقال من غير تأويل شأن الكرم فكأنه حمل الأمر على القضايا المتشاور فيها فاحتاج للتأويل ، وما قيل : إن إضافة المصدر للعموم فلا يصح إلا بذلك رد بأن المراد أمرهم فيما يتشاور فيه لا جميع أمورهم وفيه نظر ، وقوله : في سبيل الخير قدّره لأنه مسوق للمدح ولا يمدح بمجرد الإنفاق. قوله : ( على ما جعل اللّه ) أي انتصارهم كائن على لوجه الذي جعله الله مشروعا لهم فيغضبون لله لا للحمية الجاهلية لعزة أنفسهم وكراهتهم للتذلل ، وقوله : هو أي وصفهم بالإنتصار في هذه الآية وصف لهم بالشجاعة ، وأمّهات الفضائل أي أصولها التي تدور عليها الفضائل ، وهي ما ذكر في قوله : للذين آمنوا وفيه إشارة إلى أنّ القصر إضافيّ وبه يوفق بين تخالفهما أيضاً وكراهة التذلل متعلق بينتصرون. قوله : ( وهو ) أي الانتصار بغي لا يخالف وصفهم بالعفو عمن أساء إليهم في قوله : { إِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } [ سورة الشورى ، الآية : 37 ] وهو دفع لما
يتوهم من المخالفة بين مفهوم الآيتين سواء اتحد الموصوفان فيهما أو لا فإن الأوّل يدل على مدح العفو وترك الانتصار ، وهذا على خلافه وحاصله إنهما في محلين مختلفين فلا تعارض! بينهما فالعفو عن العاجز المعترف بجرمه محمود ولفظ المغفرة مشعر به ، والانتصار من المخاصم المصر محمود ولفظ الانتصار مشعر به فليس كل منهما على وجه كقي مطرد حتى يرد ما ذكر قال الشارح المحقق والأوجه أن لا يحمل الكلام على التخصيص بل على التقوى أن يفعلون المغفرة تارة والانتصار أخر! لا دائما للتناقض فتأمّل. قوله : ( إجراء ) أي موافقة ، ومساعدة من قولهم أجراه إذا جاراه والإغراء الحث كما قال :(7/424)
ج7ص425
إنّ السفيه إذا لم ينه مأمور
وقوله : ثم عقب وصفهم مفعول عقب قوله : وجزاء سيئة الخ لأنّ المراد به لفظه ، وقوله : بالانتصار متعلق بوصفهم وللمنع الخ متعلق بعقب فإنّ المنتصر ربما تجاوزا لحذ فبين بقوله : وجزاء سيئة الخ إنّ الانتصار المحمود ما لا يتعدى الحدود. قوله : ) وسمي الثانية سيئة للازدواج ( أي المشاكلة بيان لوجه تسمية كل من الإصابة للبغي ، وجزائها وهو الانتصار سيئة مع أن الجزاء ليس بسيئة في نفسها فإما أن يكون تسمية الجزاء سيئة للمشاكلة أو هما على حقيقتهما لغة لأن كلا منهم يسوء من نزلت به وكون المراد بالأولى ما يقابل الحسنة لا ينافي الوجه الثاني كما قيل. قوله : ( بينه وبين عدوّه ) إشارة إلا أن المراد هنا بالإصلاج إصلاح ما بينه وبين عدوّه بالأغضاء عما صدر منه فيكون من تتمة العفو ويكون كقوله : { فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [ سورة فصلت ، الآية : 34 ] والمقصود من الآية التحريض على العفو وقد عرفت التوفيق بينه وبين الانتصار ، ثم الفاء لتفصيل المحمل السابق ، وتعليل ما فهم من حسن تعليل الانتقام بأن تركه أحسن ولمن انتصر بيان لقوله : هم ينتصرون بدل على عظم الموعود حيث جعله حقاً على العظيم الكريم. قوله : ) المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام ( إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنه كان الظاهر أن يقال : إن الله يحب المحسنين ، أو المقسطين بأن هذا أنسب إذ المقصود منه الحث على العفو لأنّ المجازي إذا زاد وتجاوز حقه كان ظالما والمساواة من كل الوجوه متعذرة أو متعسرة ، ولما فيه من الإيماء إلى أن مشاتمة القبيح قبح ، وما هو على صورته لا يحب ، ولذا قال : سيئة مثلها فهو متعلق بقوله : وجزاء سيئة الخ ، وقوله : فمن عفى لخ اعتراض ولا يأباه الفاء كما صرح به النحاة فلا أعتراض عليه :
فاعلم فعلم المرء ينفعه
فتدبر. قوله : ( بعدما ظلم ( بالبناء للمجهول إشارة إلى أنّ المصدر مضاف لمفعوله أو مصدر المبني للصفعول ، ومن انتصر معطوف على من عفى وصدر باللام لأنه محل ومظنة للإثم ، وقوله : يبتدؤونهم الخ فهو ظلم خاص بما تقدم فلو قال : أو يزيدون في الانتقام كان أولى وقوله : أو يطلبون الخ تفسير له با!ة مر العام الشامل لما يقتضيه المقام والبغي في قوله : يبغون التكبر أو الفساد أو التسلط والقهر كما مر ، وقوله : على ظلمهم وبغيهم مأخوذ من تعليقه على اسم الإشارة. قوله تعالى : ) { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ } ( كرره اهتماماً بالعفو وترغيباً فيه والصبر هنا هو الإصلاح المتقدم فقدم هنا ، وعبر عنه بالصبر لأنه من شأن أولي العزم وإشارة إلى أن العفو المحمود ما نشأ عن التحمل لا عن العجز ومن موصولة ، أو شرطية واللام للقسم ، واكتفى بجوابه عن جواب الشرط وعزم الأمور الأمور المعزومة المقطوعة أو العازمة الصادقة وقد مر بيانه في سورة لقمان. قوله : ( أي أنّ ذلك منه الخ ( لأن الجملة خبر فلا بد من تقدير العائد وذلك إشارة إلى الصبر والمغفرة وكونه مغنيا عن العائد لأن المراد صبره أو ذلك رابط والإشارة لمن بتقدير من ذوي عزم الأمور تكلف ، وقوله : من بعد خذلان الله إياه يعني الضمير في بعده لله بتقدير مضاف فيه أي خذلانه ، وقيل : إنه إشارة إلى الخذلان المفهوم من يضلل لأنه بمعنى يخذل والأوّل أوفق بمذهب أهل الحق. قوله : ( أي إلى رجعة إلى الدنيا ( إشارة إلى أنّ مرد مصدر ميمي وتنكيره وتنكير السبيل للمبالغة ، ويجوز أن يكون المعنى إلى رد العذاب ، ومنعه والجملة مفعول ثان لترى أو حال. قوله : ) متذللين ( بيان للمراد وقوله : منقادين الخ إشارة إلى أن من سببية متعلقة بخاشعين ، وهو وما قبله بعده أحوال مترادفة أو متداخلة أو أحدها مفعول ترى ، وقوله : يبتدئ يشير إلى أنّ من ابتدائية ويجوز أن تكون بمعنى الباء وطرف مصدر طرف إذا حرك عينه ومنه طرفة العين ، ولذا فسره بتحريك الأجفان وضعمف تفسير لخفي ، وقوله : كالمصبور هو المقتول صبراً وهو من يقتل في غير حرب فيقدم للقتل موثقا فهو ينظر لسيف من يضرب عنقه نظراً يسارقه ، وهكذا نظر ما لا يجب ، وهو من الصبر بمعنى
الحبس لحبسه واقفا للقتل. قوله : ( إنّ الخاسرين ( أي الكامل خسرانهم فيفيد الحمل ، وقوله : بالتعريض الخ بيان لخسران الأنفس والأهل ، وقد مر فيه في الزمر وجه آخر ، وقوله : أو لقال فيكون بمعنى المستقبل واليه أشار بقوله : أي يقولون الخ ولألبس فيه فتأمل ، وقوله : إلى الهدي الخ وقيل : المراد ما له من حجة. قوله : ( ومن صلة لمرد ( قد مر تحقيقه ، وإنه مبنيئ على لغة ذكرها النحاة قال ابن مالك في التسهيل وقد يعامل الشبيه بالمضاف معاملته فيترك تنوينه هل هو معرب أم لا(7/425)
ج7ص426
فيه كلام في المطوّلات لا نطيل به هنا ، وعلى هذه اللغة ورد في الحديث : " لا مانع لما أعطيت " فلا يرد عليه أنّ هذا لا وجه لبنائه حينئذ حتى يقال المراد التعلق المعنوي ، وهو استئناف في جواب سؤال تقديره ممن ذلك أو حال من الضمير في الظرف الواقع خبراً لما أو متعلق بالنفي إن قيل به أو بما دل عليه مع أن تصويره للمعنى لا يلائمه. توله : ) وقيل الخ ( مرضه لأنه خلاف المتبادر من اللفظ ، والمعنى وهو مع ذلك قليل الفاثدة ، ومن قال : للفصل أراد للفصل الملبس فلا يرد عليه أن رتبة المتعلق بالعامل بعد الفاعل ووصفه فلا يعد مثله مما هو في محله فصلا مضراً بحسب العربية ، وقد جوّز أن يكون صفة يوم وهو ركيك معنى ، وقوله : لا يمكن رده إشارة إلى أنّ لا مرد له حينئذ المراد استحالة رده لمخالفته لما أراده اللّه. قوله : ) ملجأ ( مصدر ميمي أو اسم مكان فمفرّ بفتح الفاء وكسرها ، والمراد بالمفرّ المهرب أو الملاذ من قولهم : فز إليه إذا ذهب فمن قال : الأولى تفسيره بالملاذ لم يأت بشيء ، وقوله : إنكار فهو مصدر من الأفعال على غير القياس ، وقوله : لأنه الخ إشارة إلى أنّ نفي الإنكار المراد منه إنه وان وقع بمنزلة العدم لظهوره ، وشهادة أعضائه فلا ينافي قوله حكاية عنهم { وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ سورة الأنعام ، الآية : 23 ] أو هو باعتبار تعدد الأحوال والمواقف. قوله : ) رقيباً أو محاسباً ) جمع في سورة النساء بينهما ، وقوله : إن عليك إلا البلاغ أي لا الحفظ فالحصر إضافي فلا حاجة إلى أن يقال إنه منسوخ باية السيف. قوله : ) أراد
بالإنسان الجنس ) الشامل للجميع وهو حينئذ بمعنى الأناسي ، والناس ولذا جمع ضميره في قوله : وان تصبهم بعدما أفرده رعاية للفظه في قوله : فرح بها وإلى هذا أشار بقوله : لقوله وإن تصبهم الخ وليس المراد بالجنس هنا الاستغراق كما توهم ، وإن كانوا يطلقون الجنس ويريدون به ذلك لأنّ ما ذكر ليس حال الجميع والجنسية فقط كافية في المراد هنا ، والجمعية لا تتوقف على الاستغراق لا العهد كما قيل : إنّ التعريف في الإنسان الأوّل للعهد وفي الثاني للجنس 4 وتفصيله في شروح الكشاف وأراد بالسيئة الشدة التي تسوءهم ، وقوله : بليغ الكفران أي مبالغ فيه والمبالغة من صيغة فعول وهو من كفران النعمة لا من الكفر نقيض الإيمان ، وقوله : رأسا أي من أصلها ، وقوله : ولم يتأمّل فليس أظهر منه هنا كما قيل. قوله : ( وهذا وإن اختص بالمجرمين الخ ) إشارة إلى الفرح ، والإصابة بما قدموه كما مر أنه مختص بالمجرمين لأن إصابة غيرهم قد تكون لرفع الدرجات ، ونحوه وقيل : الإشارة إلى الكفران البليغ ، وقيل : إن فسر فرح ببطر كما مر في سورة الروم فالإشارة إلى المذكور من الفرح والكفر وإن فسر بمعناه المعروف فالإشارة إلى الكفران إذ الفرح ليس حال المجرمين إذ قد يكون شكرا أو اضطرارا والأنسب بكلامه السابق ما قلناه. قوله : ( وجارّ إسناده إلى الجنس لغلبتهم ( يعني أن إصابة السيئة بما قدمت أيديهم إنما تستقيم في المجرمين فالمراد بالإنسان الجنس الصالح للكل ، والبعض فإذا قام الدليل على إرادة البعض تعين ، وقد قال السلف : إنّ الإضافة في غيرهم للعوض المرقي ولم يذهب الزمخشري إلى أن اللام للعهد ، وجعل قوله : فإن الإنسان كفور للجنس المطلق ليكون تعليلاً للمقيد بطريق الأولى ومطابقا لما جاء في مواضع عديدة من القرآن ، ولا بأي بأن تجعل الإشارة إلى السالف فإنه للجنس أيضاً ويكون من وضع المظهر موضع المضمر ، وهو أولى لموافقته للقاعدة الممهدة في الأصول كما ارتضاه في الكشف ، وقيل : إنه من وضع المضمر موضحع المظهر فهو للعهد فيهما ، والطيبي إنما وهم من قوله : إن هذا الجنس موسوم الخ ، وهو إنما أراد أنه لما أتى باسم الجنس في موضع الضمير ، وإن كان للعهد دل على ذلك فليتأمّل وقيل الإنسان الثاني معهود والأوّل المراد به الجنس موضوع موضع الضمير ، وليس هنا قرينة على أنّ المراد به المجرمون خاصة كما في الأوّل لا يقال كفور أدل دليل عليه لأنا نقول : هو حكم والقرينة يجب أن تكون شيئاً آخر يخص به ، وهو معنى قولهم : قيود المحمول لا تكون قيداً للموضوع نعم قيود الحكم قد تكون قرينة والكلام بعد محل نظر فقد علمت أن فيه احتمالات فقيل : إنّ اللام فيهما للجنس ، وقيل : فيهما للعهد أو على العكس ، وحديث الغلبة المذكور إشارة إلى أن فيه مجازاً عقليا بأن أسند إلى الجنس حال أغلب إفراده لملابسة الأغلبية أو لغويا بأن جعل أغلب الأفراد عين الجنس(7/426)
ج7ص427
لغلبتهم على غيرهم فالظاهر أن اللام فيهما للجنس ، وقيل : إنّ المراد أن الأولى للجنس ، والثانية للعهد والمعهود الجنس فلا تنافى بينهما وفى الكشاف إن الأولى للعهد وهم المجرمون بقرينة قوله : بما قدمت
أيديهم فلا تجوز فيه وهو أحسن إلا أن في القرينة ضعفا إذ لو أريد بالمجرم حينئذ العاصي لا يصح إنّ الإنسان كفوراً لا بالتجوّز وإن أريد الكافر فالقرينة لا تدل عليه لوقوع السيئة في المؤمن فتدبر. قوله : ) وتصدير الشرطية الخ ) معنى كونه مقضيا بالذات إنه ليس بالتبعية والعرض ، وليس المراد إنه هو الأصل بل إنّ بعض ما يتضمن الخير الكثير قد يستتغ شرا قليلا فترك خير كثير لشرّ قليل شرّ كثير فالمقصود منه الخير مع أنه من حيث هو صادر عنه خير فهو المنزه عن الفحشاء ، ولا يجري في ملكه إلا ما يشاء ، ولذا كان فعل الأولى ماضياً مسنداً إليه مؤكدا بمنا ، والثانية مضارعا بما قدمت أيديهم وأمّا قوله : { إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ } [ سورة الإسراء ، الآية : 83 ] فقد مر توجيهه. قوله : ) وإقامة علة الجزاء مقامه ) أي مقام الجزاء وهو ما أشار إليه بقوله : نسي النعمة ، وتذكر البلية وعظمها وقوله : وضمع الظاهر الخ إشارة إلى أنهما بمعنى واحد ليرتبط الشرط بالجزاء لكنه لا ينافي العموم ، وليست عبارته صريحة في عدم تغاير تعريفهما كما توهم ، فلو قيل : إنه لم يدل صريحا وابتداء على انّ الكفران صفة جنس الإنسان صح. قوله : ( فله أن يقسم الخ ( إشارة لوجه تعقيبه لما قبله بأنه لما ذكر إذاقته الرحمة ، وإصابشه بضدها أتبعه بأنه المالك للموجودات كلها فله أن يقسم النعمة ، والبلاء كما يشاء بحكمته لا كما شاءه سواه بهواه وفيه إشارة إلى أنّ إذاقة الرحمة ليست للفرج بل لشكر موليها ، واصابة المحنة ليست للجزع بل للرجوع إلى مجليها وبني عليه ما بعده. قوله : ( من غير لزوم ) أي وجوب عليه وهو تفسير لقوله : يشاء إذ ما هو بالمشيئة لا يكون كذلك كما أن المشيئة مرجحة له فلا يصل إليه اعتراض فإنه لا يسأل عما يفعل ، وقوله : أو يزؤجهم الضمير للأولاد وما بعده حال منه أو مفعول ثان إن ضمن معنى التصيير يعني يجعل أولاد من يشاء ذكورا وإناثا مزدوجين كما يفرد بعضهم بالذكور وبعضهم بالإناث ويجعل بعضهم لا أولاد له أصلا. قوله : ) بدل من يخلق ( يعني يهب الخ بدل من يخلق ، ويجوز كونه استئنافاً أو بياناً وفي بعض النسخ هنا تقديم وتأخير والمعنى ظاهر وقوله : لأنها أكثر وبين حكمة أكثريتها بقوله : لتكثير النسل ، فلذا جاز تعدد الزوجات والتسري بما يراد منها ، ولو لم تكن أكثر لم يتأت ذلك فهي من هذا الوجه أنسب بالخلق فلذا قدمت لما أريد بيانه ، وقيل المراد إنها أظهر فاستحقت التقديم كما يقدم
الأعم على الأخص ولولا ما ذكر من النكتة كان المناسب تقديم الذكور لشرفهم وتقديمهم في الوجود ، وهذا شروع في بيان ما في النظم من التقديم والتأخير والتعريف والتنكير. قوله : ( والإناث كذلك ) أي تعلقت بها مشيئته تعالى لأنه خلقها كما يشاء دون مشيئتهم إذ هم إذا خلوا وطباعهم لا يشاؤون إلا الذكور فكانت أنسب بالمقام ، ومنبه للاهتمام والاهتمام قد يكون مما يقتضيه الذات ، وقد يكون مما يقتضيه المقام والسياق كما هنا وهذا أيضا محصل قوله أو لأن الكلام في البلاء الخ لكن محط النظر مختلف فيه ، ولم يرد بهذا مناسبة القرب فقط بل مناسبة السياق لأن المقصود إنكار كفرهم ، وذكر حديث الملك لتأكيده كما مر وهو في حال البلاء دون الرخاء فلا يرد أن الرحمة المذكورة أيضا نعمة تناسب تقديم الذكور. قوله : ( أو لتطييب قلوب آبائهن ا لما في تقديمهن من التشريف بأنهن سبب لتكثير مخلوقاته فلا يجوز الحزن من ولادتهن ، وكراهتهن كما نشاهد من بعض الجهلة ، وقال الثعالبي إنه إشارة إلى ما في تقدم ولادتهن من اليمن حتى أنّ أوّل مولود ذكر يكون مشؤوماً فيقولون له بكر بكرين ، وقوله : ولذلك أي لرعاية الفواصل ولو نكر لنصب فلم يوافق قوله : كفور. قوله : ) أو لجبر التأخير ( بالتعريف لما في التنكير من إيهام التحقير وفي التعريف من التنويه بذكرهم لإشعاره إنهم لشدة محبتهم لهم هم نصب خواطرهم فكأنه قيل : يهب لكم أولئك الفرسان الإعلام المعهودين في الأذهان وقوله : وتغيير العاطف الخ إذ عطف بأو دون غيره والمشترك بين القسمين الأوّلين ، وهو الانفراد بأحد الصنفين سواء تعدد أو لا وهذا مقابله لأنه الجمع بينهما فلو عطف بالواو توهم أنه قسم لكل من القسمين دون المشترك بينهما ، وفي بعض النسخ الثاني بدل الثالث والمرأد العطف الثاني ، أو القسم الثاني والأولى أولى وقوله :(7/427)
ج7ص428
ولم يحتج الخ جواب عن سؤال مقدر وهو أنّ الرابع قسيم أيضا للمشترك بين ما قبله ، وهو هبة النسل مطلقا فترك فيه ذلك لظهوره إذ هو عدم ذلك فهو غير محتاج للتنبيه. قوله : ( بحكمة واختيار ( لف ونشر مرتب فالحكمة لعلمه بالأشياء ، وما فيها من المصالح والاختيار لقدرته على إيجاد ما يريد ، وقوله : وما صح له أي للبشر وهو مما يقع على الواحد وغيره ، ولذا لم يقل الواحد من البشر كما في الكشاف ، وكان تامّه ما كان كذا له استعمالات فيكون بمعنى ما لاق ، وحسن وبمعنى ما صح وأمكن 0 قوله : ( كلاماً خفياً يدرك بسرعة الخ ( أصل معنى الوحي كما فصله الراغب في مفرداته الإشارة السريعة يقال : أمر وحي أي سريع فيكون ذلك بالكلام على سبيل الرمز ، والتعريض
ونحوه ، ثم اختص في عرف اللغة بالأمر الإلهيئ الملقى إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذي يكون على وجوه مختلفة كما أشير إليه في هذه الآية فقوله : كلاما خفيا تفسير لقوله وحياً ، واشارة إلى أنّ المراد به هنا الكلام الخفي المدرك بسرعة فالاستثناء متصل ، وقد قيل : إنه منقطع وقوله : لأنه أي الوحي تمثيل المراد به تصوير المعنى ونقشه في ذهن السامع ، وليس مثل كلامنا حتى يحتاج إلى صوت وترتيب حوف فيكون خفياً سريعا ولا بعد فيه كما نشاهده في كلامنا النفسي فهو تعليل للخفاء مع السرعة لا للأوّل فقط ، وقوله : في ذاته أي في نفسه ، وحقيقته إشارة إلى أنه ليس بآلة اللسان حتى يحتاج لما ذكر. قوله : ( وهو ( أي الوحي أو التمثيل أمر يعمّ ذلك فليست ما فيه زائدة الأولى تركها ، والمراد بالمشافه به بزنة المفعول المخاطب به من الله بدون واسطة كما ورد في حديث المعراج ، وفرض! الصلاة فيه إذ خاطبه الله بكلام سمع منه على وجه لا يعلم كنهه إلا الله ، وما وعد به من أنه يكلم أهل الجنة شفاها إذا تجلى لهم على ما ورد في الآيات وأحاديث الرؤية ، وهذا توطئة لما سيأتي من أن الآية تدل على جواز الرؤية. قوله : ( والمهتف به كما اتفق لموسى الخ ( هو من قولهم : هتف به هاتف ، وهو من يسمع صوته ولا يرى شخصه كما وقع لموسى عليه الصلاة والسلام ، إذ سمع نداء الله له من جميع الجهات كما مرّ في سورة طه وكان الظاهر المهتوف به لأنه لا يعرف مثله في اللغة. قوله : الكن عطف قوله أو من وراء حجاب عليه يخصه ( وفي نسخة يخصصه وجعل الزمخشري التكليم ثلاثة أقسام الوحي ، وفسره بالإلقاء ، والقذف في القلب سواء كان يقظة أو مناما وهو أعمّ من الإلهام واستشهد على أنه ورد بهذا المعنى ببيت عبيد ، وأراد الوحي من الله بلا واسطة ، وقال في الكشف : بعدما ساق كلام المصنف أن قوله وما كان لبشر على التعميم يقتضي الحصر بوجه لا يخص التكليم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ويدخل فيه خطاب مريم وما كان من أثم موسى وما يقع للملهمين من هذه الأقة وغيرهم فحمل الوحي على ما ذهب إليه الزمخشري أولى ، ثم فال : إنه يلزم المصنف أن لا يكون ما وقع من وراء الحجاب ، وحيا لا أنه يخصصه لأنه نظير قولك ما كان لك أن تنعم إلا على المساكين وزيد نعم يحتمل أن يكون زيد داخلاً فيهم على نحو ملائكته ، وجبريل وهذا يضر المصنف لاقتضائه أن ما وقع من وراء حجاب أعلى المراتب فلا يكون الباقي هو المشافهة ، وردّ بأنه ليس نظير ما ذكر بل نظير فاكهة ، ونخل ورمّان على مذهب أبي حنيفة يعني أن عطف بعض أفراد الجنس عليه إما لعلؤ
رتبته أو لنزول درجته حتى كأنه لا يستحق ذلك الاسم وما نحن فيه من القبيل الثاني انتهى ( أقول ) الذي ذهب إليه الزمخشري أن المراد بالوحي ما يلقى في القلب يقظة ، أو مناما بدون كلام وما يقابله الكلام بدون واسطة أو بها فيصح الحصر بناء على مذهبه في إنكار الرؤية والذي ذهب إليه المصنف أنّ المراد بالوحي الكلام الخفي السريع ، وبقرينة مقابلته بما بعده اختص بالمشافهة ، وهو أعلى أقسام الوحي ولا يرد عليه ما أورده في الكشف لأنه بالتخصيص المذكور والتقييد المأخوذ من التقابل صار مغايرا لما بعده ، وليس من شيء من القبيلين حتى يذهب إلى الترقي أو التدلي لأنه لا يعطف بأو بل بالواو كما لا يخفى ، ولزوم أن لايكون الواقع من وراء الحجاب وحيا غير مسلم لأنه إن أراد أنه لا يكون وحيا مطلقا فغير صحيح لأن قوله : بعده فيوحي بإذنه قرينة على أنّ المراد بالوحي السابق وحي مخصوص كالذي بعده ، وإن أراد أنه لا يكون من الوحي المخصوص السابق فلا يضره لأنه عين ما عناه نعم الحصر على ما ذهب إليه المصنف غير ظاهر إلا بعد ملاحظة أنه مخصوص(7/428)
ج7ص429
بما كان بالكلام ، ولذا فسره به فتدبر. قوله : ( فالآية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها ( كما ذهب إليه الزمخشري كغيره ممن أنكر الرؤية واستدلّ بهذه الآية لحصر تكليمه تعالى للبشر في الثلاثة فإذا لم يره من يكلمه في وقت الكلام لم يره في غيره بالطريق الأولى ، وإذا لم يره هو أصلا لم يره غيره ، إذ لا قائل بالفصل وقد أجيب عنه في الأصول بأنه يحتمل أن يكون المراد حصر التكليم في الدنيا في هذه الثلاثة ، أو نقول : يجوز أن تقع الرؤية حال التكلم ، وحيا إذ الوحي كلام بسرعة ، وهو لا ينافي الرؤية فلا دليل فيه على ما ذكر وهو تفريع على جعله يعثم المشافه به فيكون صادقاً على ما معه رؤية كما هو حال المشافة غالبا ، وعلى غيره والذي ارتضاه في الكشف إنه لا ينفع منكر الرؤية ولا مثبتها وهو الظاهر ، ولذا جعلها المصنف دليل الجواز دون الوقوع رداً على الزمخشري. قوله : ) وقيل المراد به الإلهام والإلقاء في الروع ) بضم الراء وهو القلب والضمير أي المراد بالوحي هنا الإلهام ، وهو ما ارتضاه الزمخشري كما قرّرناه سابقا لأنه يطلة! عليه الوحي في كلام العرب ومرضه المصنف رحمه الله لأنه خلاف الظاهر إذ لا يقال لمن ألهمه الله إنه كلمه إلا مجازاً فلا يكون الاستثناء متصلاً ولا دليل فيه على جواز الرؤية حينئذ وفي دلالته على امتناعها ما مز ، وقوله : أو الوحي الخ أي المراد بالوحي معناه المتعارف ، وهو ما أنزل الله به الملائكة على رسله وهذا ، وإن كان متبادراً من الوحي لكنه يأباه قوله : أو يرسل رسولاً ، ولذا أوّله على هذا بأن المراد بالرسول النبيّ المرسل لأقته والرسول وإن شاع فيه لكنه بعيد جذاً. قوله : ) ووحيا بما عطف عليه منتصب بالمصدر ) أي وأن يكلمه اسم كان ولبشر خبرها ووحياً مصدر لأنه نوع
من الكلام أو بتقدير إلا كلام وحي ، والاستثناء مفرغ من أعمّ المصادر ، وقوله : لأنّ من وراء الخ ، وصفة المصدر سادّة مسده وهذا أولى من تقدير إسماع كما في الكشاف ، وقوله : والإرسال نوع من الكلام بحسب المآل لأنه قوله للمرسل أرسلتك إلى كذا بكذا وهو توجيه لعطفه على مصدر يكلمه ، وعلى ما استثنى منه. قوله : ( ويجوز أن يكون وحياً الخ ( يعني إن هذه الثلائة من المصدرين والظرف أحوال على وضع المصدر موضع اسم الفاعل أي موحيا ومرسلا ومسمعاً أو مكلما من وراء حجاب ، وقيل : إنه بتقدير فعل هو الحال في الحقيقة واعترض بأن وقوع المصدر حالاً غير مقيس ، وبأنهم صرّحوا بأن الفعل مع أن معرفة لأنه بتأويل مصدر مضاف دائما وشرط الحال التنكير وقد منع سيبويه من وقوع أن مع الفعل حالاً ، ولا يخفى أنه وان كان خلاف القياس فالقرآن يقاس عليه ولا يلزم أن يقاص على غيره مع أن المبرد رحمه الله قاسه وكفى به حجة ، وأمّا حديث التعريف وان اشتهر ففيه كلام لأنه غير مطرد وفي شرح التسهيل إنه قد يكون نكرة أيضاً ألا تراهم فسروا أن يفتري بمفترى ، وقال ابن جنى في الخاطريات إنه عرضمه على أبي علي فاستحسنه وعلى تسليمه فالمعرفة قد تكون حالاً لكونها في معنى النكرة كما يؤوّل وحده بمنفرداً لكنه قياس مع الفارق لما فيه من التعسف لتأويل أن مع الفعل بمصدر مضاف ، ثم تأويل المضاف بنكرة وفيما ذكرناه أوّلاً قصر للمسافة. قوله : ( وقرأ نافع الخ ( فالفعلان مرفوعان ، ولذا سكن ياء يوحي لثقل الضمة على حرف العلة ووجهوا قراءته بأنه على إضمار مبتدأ أي هو يرسل أو هو معطوف على وحيا أو على ما يتعلق به من ورأء أي يستمع من وراء حجاب ، وقال السعد رحمه اللّه : إنّ التوجيه الثاني وما بعده ظاهر وهو عطف الجملة الفعلية الحالية على الحال المفردة ، وأمّ إضمار المبتدأ فإن حمل على هذا فتقدير المبتدأ لغو وإن أريد أنها مستأنفة ، فلا يظهر ما يعطف عليه سوى ما كان لبشر الخ وليس يحسن الانتظام وفيه نظر. قوله : ) يفعل ما تقتضيه حكمته الخ ) بيان لارتباطه بما ذيل به ومعنى قوله ، وكذلك مثل الوحي المشهور للغير أو مثل ما في هذه السورة أو الإشارة لما بعده كما مرّ ، وقوله : يعني أي بالروج فهي استعارة أو مجاز مرسل لما فيه من الهداية ، والعلم الذي هو كالحياة ففي قول المصنف تحيا استعارة أيضا ، وقوله : والمعنى أرسلناه إليك بالوحي يعني إذا أريد بالروج جبريل فأوحينا مضمن معنى أرسلنا أي أرسلناه بالوحي لأنه لا يقال : أوحى الملك بل أرسله وجملة ما كنت تدري حالية ، من ضمير أوحينا أو هي مستأنفة. قوله : ) أي قبل
الوحي ) يعني إنّ المضيّ بالنسبة إلى زمان الوحي ، ولما كان ظاهره(7/429)
ج7ص430
أنه قبل الوحي لم يتصف بالإيمان ، وهو غير مراد لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل البعثة مؤمنون لعصمتهم عن الكفر بلا خلاف ، وكون المقصود نفي المجموع يأباه إعادة لا فإذا قيل إن الإيمان يكون بمعنى التصديق المجرّد ، ويكون اسماً لمجموع التصديق والإقرار والإعمال التي لا سبيل إلى درايتها من غير سمع فهو مركب ، والمركب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه ، والإيمان مستعمل في لسان الشرع بهذا المعنى كما في قوله : { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [ سورة البقرة ، الآية : 143 ] فلذا عبر بتدري دون أن يقال لم تكن مؤمناً ، ومعرفة الأعمال المعتد بها إثما تكون بالسمع للشرائع فإذا نفى عنه ذلك لزم نفي كونه متعبدا بشريعة من شرائع غيره من الأنبياء السابقين ، وسقط ما قيل إن الآية لا تدلّ على ذلك فإنه إذا لم يدر شرعا كيف يتعبد به ، فما قيل عدم الدراية لا يلزمه عدم التعبد بل سقوط الإثم إن لم يكن تقصيرا لا وجه له ، وقوله : قبل الوحي أي قبل كونه نبيا بقرينة ما يليه ولا يلزم مخالفة ما أجمعوا عليه من عصمة الأنبياء عن الكفر مطلقا كما توهم. قوله : ( وقيل المراد هو الإيمان بما لا طريق إليه إلا السمع ( هذا هو ما ارتضاه البغوي حيث فسر الإيمان بشرائع الإيمان ، ومعالمه لثلا يلزمه ما مرّ من عدم إيمان النبيّ قبل البعثة ، وقد عرفت إنه مندفع بغير هذا الطريق كما مرّ ولا يلزمه نفي الإيمان عمن لا يعمل الطاعات والأعمال كما مرّ ، ومن ظن إنه لا بد في دفع ما مرّ من الذهاب إلى هذا القيل قال إن هذا القول هو الحق ولم يتفطن إلى أنه يلزمه إطلاق الإيمان على الأعمال وحدها ، وهو خلاف المعروف ومن خلاف الظاهر ما قيل : إن المراد ما كنت تدري في حال الطفولية ، وكذا ما قيل إنّ ما الثانية استفهامية. قوله : ) أي الروح ( بمعنى الوحي ووقع في نسخة عطف الكتاب بالواو على أنه تفسير للروح وله وجه ، ورجوعه للإيمان أقرب ، وقوله : بالتوفيق الخ كان الظاهر تقديمه ليكون تفسيراً لقوله : نهدي به من نشاء من عبادنا ، وقوله : بارتفاع الوسايط يعني يوم القيامة فصيغة المضارع على ظاهرها من الاستقبال ، وقيل : إنها للاستمرار والأظهر الأوّل ، والحديث المذكور موضوع تمت السورة بحمد الله والاصلاة على نبيه وآله وصحبه.
سورة الزخرف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ) مكية ( بالإجماع إلا الآية المكذورة فقيل : نزلت بالمدينة ، وقيل : نزلت بالسماء
في المعراج وسيأتي الكلام عليه في تفسيرها وآياتها تسع وثمانون ، وقيل : ثمان وثمانون والاختلاف في قوله : وهو مهين. قوله : ) أقسم بالقرآن الخ ) إشارة إلى أتي المراد بالكتاب هنا القرآن إمّا جميعه ، أو جنسه الصادق بكله وبعضه فيدخل فيه هذه السورة سواء كانت الواو للقسم أو عاطفة على حم ، وهو اسم السورة أو القرآن على الوجوه السالفة فيه لكنه يلزمه حذف حرف الجر وابقاء عمله ، و!م يحتج إلى أن المراد به جنس الكتب المنزلة ولا المكتوب في اللوح كما قيل ، ولا أنّ المراد به المعنى المصدري ، وهو الكتابة والخط وأنه تعالى أقسم بها لما فيها من المنافع لأن بها صيد أو أبد المعاني واقتناص شوارد العلوم كما ذهب إليه الإمام ، ومن اقتدى به لأنّ ما ذكر أنسب بالمقام ، وأقرب للإفهام. قوله : ( لتناسب القسم والمقسم عليه ) فإنها من واد واحد وقد عذوا مثله من المحسنات البديعية لما فيه من التنبيه على أنه لا شيء أعلى منه حتى يقسم به عليه وأنه ئابت بنفسه من غير احتياج إلى شيء آخريثبت ، وان كان القسم بنفس الكتاب ، والمقسم عليه صفته من كونه قرآنا عربيا عبر بالتناسب دون الاتحاد ، وهو رد عليهم في قولهم إنه مفتري ومختلق. قوله : ) كقول أبي تمام ( في قصيدة له أوّلها :
وثناياك إنها اغريض ولآل توم وبرق وبيض
وأقاج منوّر في بطاح هزه في الصباج روض أريض
إلى آخرها. وخطاب ثناياك إنها بكسر الكاف للمحبوبة ، وهي مقدم الثنايا والإغريفر والغريض الطلع ، ويقال لكل(7/430)
ج7ص431
أبيض طري ويطلق على البرد ويصح إرادة كل منها هنا ، وتوم جمع تومة وهي حبة تعمل من الفضة على هيئة الدرة قال التبريزي في شرحه : وهذا أجود من القول بأنها جمع توأم على تخفيف الهمزة لأنه قليل وهو بدل من لآل أو نعت له ، وقال منؤر نظراً إلى الجنس فيشبه الثنايا بكل مما ذكر كقوله :
كأنماتبسم عن لؤلؤ منضد أو برد أو أقاح
والأريض من أرضت الأرض إذا زكت فهي أريضة ، وما ذكره المصنف تبعاً للزمخشري
في أنّ جواب القسم قوله : إنها إغريض ، وقد قيل إن الجواب قوله بعده في القصيدة : لتكأدنني غمار من الأ! رراث لم أدر أيهن أخوض
فيكون ما ذكر استثنافاً لبيان استحقاق الثنايا لأن يقسم بها فلا يكون مما نحن فيه قال التبريزي في شرح ديوان أبي تمام تكاءد بمعنى استعصى وشق ، وثقل وتكاءدنني كقول ا لفرزدق :
ويعصرن السليط أقاربه
والغمار جمع غمرة كخمار وخمرة وما هنا بناء على أنّ ما ذكر جواب لقسم آخر قبله
وهو قوله :
وارتكاض الكرى بعينيك في النوم فنونا وما لعيني غموض
وهو الذي ارتضاه شرّاحه ودلّ عليه سياق كلامه فلا وجه للاعتراض عليه بما ذكر. قوله :
( ولعل إقسام الله بالأشياء الخ ) يعني أنّ القسم في كلام العرب لتأكيد المقسم عليه ، وإثباته فحيث وقع في كلام رب العزة ببعض مخلوقاته يكون لما في المقسم به مما يدلّ على المقسم عليه فيقع في كل مكان بما يناسبه ، وقوله على المقسم عليه تنازعه الاستشهاد والدلالة ، وما قيل إنّ الكلية غير صحيحة لا وجه له لمن تأمّل مواقعه. قوله : ) والقرآن من حيث إنه معجز الخ ) بيان لاندراج ما نحن فيه فيما ذكره من أن القسم من اللّه استشهاد بما في المقسم عليه من الدلالة على المقسم عليه إذ المقسم به القرآن ، وهو بما فيه من الإعجاز يدل على أنه تعالى صيره ذكراً حكيما لاشتماله على منافع العباد وصلاج الدارين ، وقوله : مبين طرق الهدى إشارة إلى انّ مبين يجوز أن يكون من إبان المتعدي ، وقوله : بين إلى أنه من اللازم والقرآن مبتدأ وما يدلّ الخ خبره وفي نسخة بدون ما وهي أصح وأظهر ، وقوله : من حيث الخ علة لقوله يدل ، وبيان لوجه دلالته وكذلك بمعنى مبين أو بين. قوله : ( لكي تفهموا معانيه ( إشارة إلى أن لعل مستعارة من الترجي للتعليل كما مرّ تحقيقه في سورة البقرة وما في تفسيره بالإرادة ، ومعانيه إشارة إلى مفعوله المقدر ، وقوله : فإنه أصل الكتب إشارة إلى أن أم بمعنى أصل والكتاب بمعنى الكتب وتعريفه للعهد وأصالته لأنها منقولة منه ، وقد مز فيه وجه آخر في سورة الرعد
وكسر الهمزة لاتباع الميم أو الكاف فلا تكسر في عدم الوصل ، وقوله : محفوظا الخ هو أحد معاني لدى وعند إذا أضيف إلى الله ، وقوله : في الكتب أي هو مرفوع عليها ، وقوله : ذو حكمة فهو فعيل من الثلاثي ، وهو حكم إذا صار ذا حكمة ، وإذا كان بمعنى المحكم فهو من المزيد وفيه كلام مرّ بسطه ، أو الإسناد مجازي أي حكيم صاحبه أو حاكم على الكتب كما تقدّم أيضاً ، وقوله : لا ينسخه غيره بيان للمحكم هنا بحيث يكون صفة للقرآن كله. قوله : ( واللام لا تمنعه ا لأنها حرف ابتداء له الصدر فمن حقه أن لا يعمل ما بعده فيما قبله لكنها كما قال ابن هشام وغيره : لما كانت في الأصل داخلة على أن والأصل لأن زيداً قائم فكرهوا توالي حرفين بمعنى فأخروها ولذا سموها اللام المزحلقة ، والمزحلفة فلما تغيرت عن أصلها وعمل ما قبلها فيما بعدها بطلت صدارتها فيجوز تقديم ما في حيزها عليها ، وقوله : ولدينا بدل منه أي من قوله في أما لكتاب لا من عليّ كما توهم وقوله : أو حال منه لأنه صفة نكرة تقدمتها فتصير حالاً منه ، أو المراد إنها حال من ضميره المستتر فيه وإذا جعل حالاً من الكتاب المضاف إليه فوجه جوازه إن المضاف في حكم الجزء لصحة سقوطه ، ويجوز أن تكون حالاً من أمّ الكتاب ويجوز كونها خبر مبتدأ مقدر والجملة لبيان الحكم عليه بأنه عليئ حكيم فهي مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، ولا يجوز كون الظرف خبراً لدخول اللام على غيره فأعرفه. قوله : ( أفنذوده ) أي نطرده ، ونبعده وهذا تفسير لمنطوق اللفظ باعتبار معناه الحقيقي ، وقوله : مجاز من قولهم الخ إشارة إلى أنه استعارة تمثيلية فشبه حال من لم يذكره القرآن ، والوحي وأعرض عنه بحال إبل غريبة وردت الماء مع إبل(7/431)
ج7ص432
أصحابه فضربت ، وطردت عنه كما في المثل لأضربنه ضرب غرائ!ب الإبل ، وقال الحجاج : يهدد أهل العراق في خطبة له والله لأضربنكم ضرب غرائب الإبل ، وإليه أشار المصنف ، ويجوز أن يكون استعارة تبعية. قوله : ) قال طرفة ( اسم شاعر معروف وهو بفتح الطاء والراء وبالفاء كما قاله أكثر أهل اللغة وحكموا بأن تسكين رائه خطأمشهور ، وقد نقل جوازه عن بعض أهل الأدب أيضاً وليس هذا محله والشاهد فيه استعارة الضرب للمنع كما في النظم الكريم ، وأضرب بفتح الباء وأصله اضربن بنون التوكيد الخفيفة فحذفت ، والطارق ما يأتي ليلاَ وهو بدل اشتمال من الهموم والقونس منبت شعر الناصية ، وهو عظم ناتئ بين أذني الفرس والبيت محتمل للمشاكلة أيضا وكون الفاء عاطفة على مقدر أحد المذهبين المشهورين فيه وقال ابن الحاجب : الفاء لبيان أن ما قبلها سبب لما بعدها. قوله : ( وصفحاً مصدر ( لنضرب من غير لفظه فهو مفعول مطلق على نهج قعدت جلوسا لأنه
يقال ضرب وأضرب عن كذا بمعنى أعرض ، والصفح بمعنى لين الجانب العفو في معنى الإعراض ، أو هو منصوب على أنه مفعول له أو حال مؤول بصافحين عنه بمعنى معرضين وصفحة العنق نجانبه ، وقوله : ويؤيده أي يؤيد نصبه على الظرف والحالية قراءته في الشواذ بضم الصاد وسكون الفاء فإنه جمع صفوج كصبور ، وصبر ثم خفف فإن جمعه يدل على أنه ليس بمصدر فيكون حالاً أو ظرفا لأنه بمعنى الجانب ويحتمل أنه تأييد لنصبه على الظرفية فقط ، وفي قوله : يحتمل إشارة إلى احتمال كونه مفرداً بمعنى المفتوج كشد وشد كما قاله أبو البقاء رحمه الله وقوله : تخفيف صفح كرسل بضمتين فخفف بالتسكين. قوله : ) والمراد ( أي بقوله : أفنضرب الخ ، وقوله : على خلاف ما ذكر أي في قوله : { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا } [ سورة الزخرف ، الآية : 3 ] قبله وقوله : من إنزال كتاب الخ بيان لما ذكر فالذكر إما بمعنى المذكور والقرآن فيقدر فيه مضاف ، أو هو على معناه المصدري. قوله : الأن كنتم الخ ( علة للضرب ، وجملة وهو في الحقيقة الخ جملة حالية وضمير هو راجع لقوله : إن كنتم قوما مسرفين باعتبار لفظه يعني أنه بحسب الظاهر علة للضرب صفحا أي الإعراض ، وهو في الحقيقة علة لتركه لأنهم لإسرافهم لم يعرض عنهم بل أنزل عليهم كلام معجز بلسانهم لينتهوا عنه ، ويتركوه. قوله : ( مخرجة ) بزنة اسم الفاعل من الإخراج ، والضمير فيه للجملة الشرطية المصدرة بأن أو لكلمة إن لأنها في حكم المذكور لأن ذلك يستعمل للمشكوك كما قرر في العربية من أنها تدخل على غير المتحقق أو على المتحقق المبهم زمانه ، ولما كان إسرافه أمراً محققا وجهه تبعا للزمخشريّ بأنه مبني على جعل المخاطب كأنه متردد في ثبوت الشرط شاك فيه قصداً إلى نسبته إلى الجهل بارتكابه الإسراف لتصويره بصورة ما يفرض لوجوب انتفائه ، وعدم صدوره ممن يعقل كما أشار إليه بقوله : استجهالاً أي نسبة إلى الجهل ومثله ما مرّ تقريره في قوله : { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ } [ سورة البقرة ، الآية : 23 ] وأمّا كون الشرط الإسراف في المستقبل ، وهو ليسر بمحقق فلا يحتاج إلى تأويله بما ذكر فقد رد بأن إن الداخلة على كان لا تقلبه للاستقبال عند أكثر النحاة ، ولذا قيل إن هنا بمعنى إذ وأيد بأنه قرئ به وأنه يدل على التعليل فيوافق قراءة الفتح معنى ، ولو سلم فالظاهر من حال المسرف المصر على إسرافه بقاؤه على ما هو عليه فيكون محققا في المستقبل أيضاً على القول بأنه يقلب كان كغيرها من الأفعال. قوله : ) وما
فبلها دليل الجزاء ) المقدّر وأمّا كون الجملة في تأويل الحال من غير تقدير جزاء أي مفروضا إسرافكم على أنه من الكلام المنصف ، كما قيل : فإنما يتأتى على القول بأن إن الوصلية ترد في كلامهم بدون الواو والذي تقرر في العربية خلافه. قوله تعالى : ) { وَكَمْ أَرْسَلْنَا } ( الآية كم مفعول ، وفي الأوّلين متعلق بأرسلنا أو صفة نبي ، وما يأتيهم للاستمرار والبطش شذة الأخذ ، ونصبه على التمييز وهو أحسن من كونه حالاً من فاعل أهلكنا بتأويل باطشين ، وقوله : تسلية لأنه كما يقال البلية إذا عمت طابت ، ولما فيه من الوعد له ، والوعيد لهم كما سيأتي. قوله : ( من القوم المسرفين ا لفهمهم من السياق إذ هم المخاطبون فيما مضى ، ولذا قال : لأنه صرف الخطاب عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عبارة الصرف إشارة إلى أنّ فيه التفاتا ، وقال الفاضل اليمني : أراد أنه خاطبهم بقوله : أفنضرب عنكم الذكر الخ ، ثم التفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ولئن سألتهم الخ وما بينهما اعتراض ، وليس صرف الخطاب والالتفات في قوله :(7/432)
ج7ص433
فأهلكنا أشد منهم كما ظن الطيبي إذ لا خطاب فيه للرسول صلى الله عليه وسلم فلا التفات انتهى ، وأشار الشارح المحقق بقوله ، وقيل : هذا ليس من الالتفات في شيء إلى ما فيه من الخلل لأنه بعدما خاطب المشركين صرف الكلام عنهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأتى بهم في جملة من شمله الضمير الغائب ففي قوله : " يأتيهم التفات " ، وأما ضمير منهم فلجريه على مقتضى الظاهر لسبق التعبير بالغيبة فيه فلا التفات فيه من وجه ، وأمّا قوله : ولئن سألتهم فمن تلوين الخطاب والأدباء يسمونه التفاتا أيضا كما فصل في شرح التلخيص فلا وجه للاعتراض على الطيبي رحمه اللّه لأن مراده ما ذكرناه ، ثم إنّ ما ذكر صريح في أنّ ضمير منهم للمسرفين لا للأوّلين كما قيل ليس المقصود بيان حالهم بأنهم كالأوّلين في حالهم ولو رجع للأوّلين لم يكن بيانا لحالهم فتأمّل. قوله : ( قصتهم العجيبة ( تفسير للمثل كما مر ووعد الرسول بما تضمنه قصص الأنبياء المذكورة من نصرتهم ووعيدهم لإهلاك المستهزئين بهم كما جرى على الأوّلين. قوله : ( لعله ( الضمير لما ذكر في هذه الآية إلى آخرها من الأوصاف التي وقعت محكية بالقول ، وهو دفع لما أرود عليه من أنهم لم يصفوه بهذه الأوصاف المتضمنة لقدرته الباهرة ، وأن منه المبدأ والمعاد ونحوه مما ينكرونه وأيضا هذا لا يتأتى أن يكون مقولهم لقوله : فانشرنا ولا مقول الله لأنهم المسؤولون ، ولقوله : ليقولن فدفعه باختيار كل من الشقين أمّا على الأوّل لا على الثاني ، كما توهم فإنهم إنما قالوا خلقهن الله كما ورد في آيات أخر لكن الاسم الجليل وهو الله متضمن لهذه الأوصاف ومستلزم لها فكأنهم لما قالوا : الله ذكروا هذه الأوصاف كلها ضمناً فحكاه الله عنهم بما يلزمه ومعناه ، وان لم يقصدوه ، وأما على الثاني فأشار إليه بقوله : ويجوز أن يكون أي مقولهم بعضه ، وهو
المذكور بقوله : خلقهن العزيز العليم ، ثم إنه تعالى استأنف وصف ذاته بما بعده وسيق سياقاً واحداً وحذف موصوف الذي من كلامه تعالى فجاء أوّله على الغيبة ، وآخره على التكلم في قوله : أنشرنا كما في قوله تعالى حكاية عن موسى : { لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } [ سورة طه ، الآية : 52 ] الذي جعل إلى أن قال : فأخرجنا الآية ، وهذا ما اختاره في الانتصاف. قوله : الازم مقولهم أو ما دل عليه إجمالاً الأنهم قالوا : الله فإن نظر إليه بعد العلمية فمدلوله الذات ، وما ذكر من لوازمه التي يدل عليها بطريق دلالة الالتزام المعروفة عند البلغاء دون أهل الميزان ، وإن نظر إليه بقطع النظر عن ذلك فهو موضوع لذات لها الألوهية والاتصاف بجميع صفاتها التي تلاحظ داخلة في الموضوع له كالمشخصات في غيره تعالى فهي دالة على ذلك إجمالاً بطريق التضمن ، أو الأوّل مبني على أن مقولهم خلقهن الله فقط ، والثاني على أنه وقع فيه ما يدل عليه إجمالاً وإلى هذين الإعتبارين أشار بقوله لازم مقولهم الخ فما قيل : إنّ بينهما عموماً وخصوصا وجهيا لاجتماعهما في اللازم البين ، وافتراقهما في لازم غير مدلول ومدلول غير لازم وهذا إذا أريد اللزوم الميزاني والا فلا فرق بينهما لا وجه له ، وقوله : أقيم مقامه ناظر للوجهين. قوله : ( تقريرا لإلزام الحجة عليهم ( في نفي إله غيره وقدرته على البعث ، وقوله : قالوا الله أي خلقهق الله وقوله : وهو الذي الخ جملة حالية ، والضمير دلّه اسم الذات المجتمع لجميع صفات الكمال فكأنهم قالوا من صفتك كيت وكيت ، وقد عرفت معنى قوله : ويجوز أن يكون وأن الضمير فيه راجع للتوصيف كضمير لعله فلا تفكيك فيه بناء على أنه راجع لقوله : { خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ } [ سورة الزخرف ، الآية : 9 ] وضمير لعله له مع ما بعده إلى آخر الآية مع أنه مع القرينة لا ضير فيه ولا فرق بين ما ذكره المصنف والزمخشري كما توهم ومحصل ما ذكر يرجع إلى الحكاية بالمعنى كما في الشروج. قوله : ( فتستقرون فيها ) إفا بيان للمعنى المراد منه لأنه ورد في محل آخر قراراً ، ويحتمل أنه يريد أنه مجاز مرسل أو تشبيه بليغ وقوله ، وقرأ الخ لم يجعل قراءة الأكثر أصلاً لأنه غير مطرد ولا لازم ، ولو عذت المواضع الذي خالف ما زعم المعترض إنه دأبه لزادت على غيرها فكيف يزعم أنه دأبه ، وقوله : لكي الخ فهو ناظر إلى الفعل الثاني ، وعلى ما بعده ناظر له ولما قبله. قوله : ( بمقدار ينفع ولا يضر ) بأق لا ينقص ولا يزيد وهذا
بحسب الأكثر الأغلب والا فقد يضر ولا ينفع ، وقوله : زال عنه النماء هو أحسن مما في بعض النسخ مال عنه النماء ، وفي أخرى مال عنه الماء والمراد ظاهر وفي بلدة ميتا استعارة مكنية أو تصريحية وقوله : بمعنى البلد الخ وقد مر له توجيه آخر ، وقيل : في نكتة العدول إنه إشارة إلى أنّ ضعفه بلغ الغاية وقوله :(7/433)
ج7ص434
ذلك الإنشار فهو صفة مصدر من لفظ الفعل المذكور ، وفي نسخة الانتشار على أنه من غير لفظه ولا وجه له وفيما ذكر دليل على إمكان البعث ، وقد مر تقريره. قوله : ( أصناف المخلوقات ) بيان لأنّ الزوج هنا بمعنى المصنف لا بمعناه المشهور ، وما قيل من أنّ ما سواه تعالى زوج لأنه لا يخلو من المقابل كفوق وتحت ويمين وشمال ، والفرد المنزه عن الفقابل هو الله سبحانه وتعالى دعوى اطراده في الموجودات بأسرها لا تخلو عن النظر. قوله : ( ما تركبونه على تنليب المتعدّى بنفسه الخ ) يعني أنّ ما الموصولة عائدها مقدر ، ولما كان الركوب في الفلك يتعدى بواسطة الحرف ، وهو في قوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ } [ سورة العنكبوت ، الآية : 65 ] وفي غيره يتعدى بنفسه كما قال لترجمبوها ، وقد اجتمعا هنا فغلب المتعدي بنفسه على المتعدي بالحرف ، ولذلك : قدره فيهما ما تركبونه والتغليب من المجاز ، وليس التجوّز هنا في الفعل ولا في ما وضميرها في النسبة إلى المتعلق لئلا يلزم كثرة الحذف لو قدّر أو يحتمل ان ينزل تركبون منزلة اللازم أي تفعولن الركوب فيشملهما من غير تغليب والركوب قسمان ركوب في الشيء كالسفينة ، والهودج وركوب عليه كالفرس ، والحمار فما قيل إنه ليس فيه فعلان متغايران بالذات وهم فتأمّل. قوله : ( أو المخلوق للركوب الخ ) أي غلب المخلوق للركوب كالدابة على المصنوع له كالسفينة ، والمحمل فالتغليب على هذا في ما وضميره الذي تعدّى إليه بنفسه دون النسبة إلى المفعول وقد كان وجهه في الأوّل أنه نظر إلى التعلق فغلب ما هو بغير واسطة على غيره وهنا التغليب في أحد المركوبين لقوّته لكونه مصنوع الخالق القدير ، أو لكثرته فالفرق بين الوجوه ظاهر لاختلاف المغلب ووجهه فيها. قوله : ( ولذلك ) أي لأجل التغليب في الوجوه كلها إذ غلب ما ركب من الحيوان على السفن عبر عن القرار على الجميع بالاستواء على الظهور المخصوص بالدواب ، وهو في غاية الظهور وكلمة على أيضاً مؤيدة لما ذكر ، وان وردت فيهما في قوله : { وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } [ سورة المؤمنون ، الآية : 22 ] وان لم يقل إنه مشاكلة ، وقيل : الإشارة بذلك إلى الوجه الثالث أو الأخيرين مع تقديره كما قررناه ولا يخفى ما فيه ، وقوله : وجمعه أي ظهور مع إضافته لضمير مفرد باعتبار لفظ ما المتعدد معنى فلذا جمع رعاية لمعناه ، ولفظه معا. قوله : ( تذكروها يقلوبكم ) فالذكر هنا بمعنى التذكر وهو ذكر قلبي من أنواع الشكر ، وعطف القول عليه ظاهر
فيما ذكر ولما كانت معرفة المنعم وأنعامه تستتبع الاعتراف بذلك ، والحمد عليه قال معترفين الخ فالأوّل بيان لمدلوله وهذا بيان لما يلزمه من روادفه ، والمذكور في النظم ما هو الأصل المعتبر أو المراد بالذكر ما يعم القلبي واللساني بناء على مذهب المصنف في تجويز استعمال اللفظ في معنييه ، ولما ذكر الركوب وصوّره بقوله : لتستووا الخ الدال على انقياد الركوب ، وتذلله أشار إلى أنه نعمة من الله وفضل لولاه ما تمكن منه أحد ، ولذا قرن بسبحان الدال على التعجب وليس هذا وجهاً آخر كما قيل. قوله : ( سبحان الذي سخر لنا هذا ( أي ذلطه وجعله منقاداً وليس الإشارة للتحقير بل لتصوير الحال ، وقوله : مطيقين يعني أصل معناه جعله قرنا وقرينا له ولما كان قرين الشيء مقاومه فهو مطيق له أريد به لازمه ، ثم جعل ذلك معناه حقيقة لما استعمل بهذا المعنى كما قال :
وأقرنت لما حملتن! وقلما يطاق احتمال الصد يا دعد والهجر
فقوله : إذ الاصعب الخ القرين بمعنى الكفء ، والمعادل وهو بيان للمناسبة بين معناه الأصلي وما أريد منه وكونه تعليلا لقوله : { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } في غاية البعد وان ظن قريباً ، وقوله : قرئ بالتشديد أي تشديد الراء مع فتحها وكسرها فإنه قرئ بهما وهما بمعنى المخفف. قوله : ( وعنه عليه الصلاة والسلام الخ ) قال ابن حجر هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي غيرهم واً سنده الثعلبي بلفظه المذكور هنا ولم يثبته غيره ، ثم إنه وقع في الكشاف اًن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب السفينة قال : " بسم الله مجراها ومرساها " واعترض عليه ابن حجر بأنه يعرف هذا رواية ولا دراية لأنه لم يعهد أنه صلى الله عليه وسلم ركب السفينة في زمان نبوّته ، وذكر مثله الشارح المحقق في شرحه ، وأمّا ما وقع في النسخ المشهورة وهو ما صورته ، وقالوا : إذا ركب في السفينة قال : " بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لففور رحيم فلا يرد(7/434)
ج7ص435
عليه شيء " لأنه استطراد لبيان حال الراكب للسفينة ، وما يتأدب به ومن الناس من نسبه إلى الوهم. قوله : ( واتصاله الخ ) بمعنى أنه ينبغي للعاقل أن يتذكر بأحواله كلها الآخرة فلذا ذكر قوله : إنا إلى ربنا
الخ ، وقوله : أو لأنه مخطر الخ وجه آخر بأنه على خطر فربما أوقع في الهلكة فينبغي له أن لا يغفل في حال المخاطرة عن تذكر الآخرة ، ومخطر إمّا بفتح الطاء أو محل خطر أو بكسرها أي موقع في الخطر من أخطره إذا أوقعه في الخطر ، وهو الخوف لما فيه من احتمال السقوط المؤذى إلى الهلاك ، وقوله : فينبغي ناظر إلى الوجهين ، وبه يظهر اتصال قوله : وإنا إلى ربنا لمنقلبون ومناسبته لما قبله.
قوله : ) متصل الخ ) أو هو مستأنف ، وقوله : وقد جعلوا الخ إشارة إلى وجه اتصاله به
على أنّ الجملة حالية من فاعل يقولن بتقدير قد ، وقوله : لأنه بضعة بكسر الباء وفتحها أي قطعة منه توجيه لاستعمال الولد كما قيل أولادنا أكبادنا ، وقوله : لأنه تنازعه الفعلان ، ودلالة تعليل لقوله : سماه أي الولد بعد بيان أن جعل بمعنى سمي بأنه إشارة إلى استحالته لأنّ الجزء يقتضي التركيب وقبول الانقسام ، وهو سبحانه وتعالى منزه عن الجسمية وما يتبعها من التركيب لأنه واحد أحد لا يضاف إليه انقسام حقيقة ولا فرضا ولا خارجاً ولا ذهنا ، وقوله بعد ذلك : الاعتراف بأنه الخالق المتصف بما مرّ من الصفات المقتضية لبطلان ما قالوه من نسبة الولد ، وإنما قيده بما ذكر لأنه هو القبيح لتناقض أقوالهم وعودهم إلى كفرهم القديم إذ لو أريد أنّ ذلك الجعل كان قبل الإقرار كان الإقرار رجوعاً عنه مبطلاً له فلم يكن بذلك المقام من الذم ، ولو أريد مقارنته له كما وقع في الكشاف إذ قال مع ذلك الاعتراف لم يناسب التعبير بالماضي ، والقول : بأن بعد معنى مع خلاف ما يقتضيه الظاهر والسياق ، وكذا القول أنه إلا وفق بالحال فإن قلت فكيف يفيد اللفظ ما ذكر فقد عرفنا أنه أوفق بالمقام قلت : بناء على أنه ليس المقصود ظاهره من المضيّ بل الاستمرار لأنّ الأصل فيما ثبت بقاؤه على ما كان ، وهؤلاء مطبوعون على الضلال ثابتون عليه في كل حال ، والماضي قد يرد لنحوه نحو كان اللّه عليما وأمثاله ، ثم إنّ هذه الحالة يجوز أن تكون معترضة كما في الكشف فما ذكره المصنف بيان لحاصل المعنى لا للحالية فلا يرد عليه ما ذكر ، ولا ينافيه اتصالها لأن المراد به الاتصال المعنوي فتدبر. قوله : ( في ذاته ( متعلق باستحالته أو هو قيد وبيان للواحد الحق والمآل واحد واستحالته على الواحد لمنافاته التركيب كما مز وعلى الحق بمعنى المتحقق الثابت لأن الوجود الثاني ينافي التركيب لاحتياجه إلى ما تركب منه ، وقوله : قرأ أبو بكر في بعض النسخ قرئ والأولى أولى لأن المعتاد التعبير بالمجهول في الشواذ دون السبعة ، وقوله : ظاهر الكفر إن يعني به أن مبين من أبان اللازم وكفور صيغة مبالغة من كفران النعمة ، ويجوز كونه من المتعدي وكفور اًي مظهر كفره ، وقوله : ومن ذلك الخ بيان لما يربطه بما جعل تذييلا له ، وفي الكشاف إن الجزء قيل إنه
بمعنى البنت والأنتى وانه يقال لمن تلد الإناث مجزئة وتركه المصنف لقوله : إنه من بدع التفاسير ، وانه لم يثبته أهل اللغة ، وقد يوجه بأنّ حوّاء خلقت من جزء آدم فاستعير لكل الإناث وهو توجيه لطيف. قوله : ( معنى الهمزة في أم الخ ) يعني أنّ أم هنا منقطعة مقدّرة ببل والهمزة المقدرة معها للاستفهام الإنكاري على طريق التعجيب والمراد إنكار مقولهم أو قولهم على معنى كيف قالوا هذا ، والجملة الشرطية معترضة لتأكيد ما أنكر عليهم أو حالية كما ارتضاه التفتازاني في شرحه ، ويجوز عطفه على ما قبله ، وقوله : جزأ أخس فالإنكار من جهتين الأخسية وتعدد الأخس وكثرته ، وهو أشنع وأقبح وقوله : غمهم به أي بما بشر به فذكر الضمير لتأويله بما ذكر وهو معنى قوله : ظل وجهه مسودّاً فإنه عبارة عن شدة الغمّ كما سيأتي. قوله : ( بالجنس الذي جعله له مثلاَ ) إشارة إلى أنّ ضرب هنا بمعنى جعل المتعذي لمفعولين ، وقد حذف مفعوله الأوّل وأنّ المثل هنا بمعنى الثبيه ، وليس ضرب بمعنى بين والمثل بمعنى القصة العجيبة وجلع ما عبارة عن جنس الإناث لأنّ البشارة ليست بفرده وخصوصه. قوله : ( صار وجهه أسود ) يعني أن ظل هنا بمعنى صار مطلقا وأصل معناه دام ذلك في النهار كله ، وقد مز تفسيره به في النحل ، وقوله : في الغاية إشارة إلى ما في أفعل من الدلالة على المبالغة ، والكآبة الغم والحزن وجملة وهو كظيم حال من ضمير ظل أو مسوذا وقد مرّ معنى الكظم ووجه دلالته على ما ذكر ، ومعنى أصفاكم خصكم. قوله : ( وفي ذلك ) أي في جعلهم(7/435)
ج7ص436
له جزأ إلى هنا أنواع من الكفر وأدلة متعددة على فساد ما زعمو. إذ نسبوا له الولد ، ولم يرضوا بذلك حتى جعلوه أخس النوعين وأعظم الشين مما لا يرضون نسبته لهم ، وقوله : وتعريف البنين الخ إشارة إلى ما مرّ في سورة الشورى في وجه تقديم الإناث ، وتنكيره وتعريف البنين وتأخيره والمراد إن التقديم لأنه الأن!سب بالمقصود إذ هو أشد في إنكار ما نسبوه له تعالى ، ولما قدم منكراً جر تأخير البنين بالتعريف للإشارة إلى أنهم نصب أعينهم فالتعريف للتنويه بالذكور ، وتحقير الإناث فيفيد زيادة في الإنكار ، والتعجيب ولا يجري فيه ما ذكر ثمة بتمامه بعينه للفرق بين السياقين ، وليس التعريف هنا للفاصلة لأنّ التنكير لا ينافيها ، وقوله : قرئ مسوذ أي برفعه ومسواد للمبالغة من اسوأذ كاحمأر ، وقوله : وبعت خبراً لأن ظل من النواسخ والمعنى صار المبشر مسود الوجه ، وقيل : الضمير المستتر في ظل ضمير الشأن أو الفعل لازم والجملة حالية والوجه
ما تقدم. قوله : ( أي أو جعلوا له الخ ) يعني أنّ من معمولة لفعل مقدر فيقدر بقرينة وجعلوا له من عباده الخ أو جعلوا له من ينشأ في الحلية ، ولذا أو اتخذ بقرينة أم اتخذ أي أو اتخذ من ينشأ الخ ولداً ففيه تقدير فعل ومفعول ، والهمزة إما مقدّمة من تأخير أو داخلة على معطوف عليه مقدر أي احترؤوا على ما ذكر وجعلوا الخ على المذهبين المشهورين ، وليس إشارة إلى عطفه على مفعول جعل ، أو اتخذ كما توهم لأنّ الهمزة لصدارتها تمنع منه كما لا يخفى ، وقوله : من يتربى من التربية بالباء الموحدة. قوله : ( مقرّر لما يدعيه الخ ( هو تفسير لمبين على أنه من أبان المتعدى أي المرأة لا تقدر على تقرير مدعاها حين المخاصمة بل ربما تأتي بما يدل على خلافه ، وقوله : من نقصان العقل من فيه تعليلية لعدم إبانته وتقريره لما يريده ، وقوله : وفي الخصام الخ بيان لما قيل : إن المضاف إليه لا يجوز عمله فيما قبل المضاف كما ذهب إليه بعض النحاة فجعل هذا معمولاً لمقدر أي لا مبين فأشار إلى أنه لا حاجة إلى التقدير لأن غير لكونها في معنى لا يجوز فيها ذلك فليس المنع جارياً فيها على ما ارتضاه أكثر النحاة ، وقد مز الكلام فيه في سورة الفاتحة ، وإليه أشار بقوله : كما عرفت ، وقوله : ويجوز الخ معطوف على قوله أو جعلوا الخ لأنه في معنى يقدر هذا ويجوز ، وقوله : أغلاه بالغين المعجمة أو المهملة إشارة إلى أنّ القرا آت من الثلاثي أو التفعيل أو الأفعال أو المفاعلة ، والمعنى فيها متحد. قوله : ( كفر آخر الخ ا لما فيه من تنقيص الملائكة ، والكذب عليهم مع ما مز من نسبة الولد وجعل الأخس له تعالى وتنزيه أنفسهم عما نسبوه له ، وقوله : على تمثيل زلفاهم أي قربهم من الله بحسب الشرف والرتبة لا بحسب المكان عند من يكون عند الملك العظيم فيقبل منه الشفاعة ، ويخصه بالكرامة فهو استعارة وأنثا بضمتين ككتب جمع إناث ، وهو جمع أنثى فهو جمع الجمع على هذه القراءة. قوله : ( فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة الخ ( إشارة إلى ما مز تفصيله في الصافات فتذكره ، وقوله : وقرأ نافع الخ قراءة نافع بهمزة مفتوحة ، ثم بأخرى
مضمومة مسهلة بين الهمزة والواو مع سكون الشين ، وقرأ قالون بذلك وبوجه آخر ، وهو المد بإدخال ألف للفصل بين الهمزتين والباقون بفتح الشين مع همزة واحدة فنافع أدخل همزة التوبيخ على أشهد الرباعي المجهول فسهل همزته الثانية ، وأدخل ألفا كراهة اجتماع همزتين وتارة اكتفى بالتسهيل ، وهو أوجه عند القراءة والباقون ادخلوا همزة الإنكار على الثلاثي والشهادة هنا بمعنى الحضور ، ويجوز كونه من الإشهاد وما بعده يناسبه ولم ينقل أبو حيان رحمه الله التسهيل عن نافع بل جعله قراءة علي كرم الله وجهه وتفصيله في كتب القرا آت. قوله : ( وهو وعيدا لأنّ كتابتها والسؤال عنها يقتضي العقاب ، والمجازاة عليها وهو المراد والسين للتأكيد ، وقد مرّ فيه كلام في سورة مريم قيل : ويجوز أن تحمل على ظاهرها من الاستقبال ، ويكون ذلك إشارة إلى تأخير كتابة السيئات لرجاء التوبة والرجوع كما ورد في الحديث : " إن كاتب الحسنات آمين على كاتب السيئات فإذا أراد أن يكتبها قال له : فيتوقف سبع ساعات فإن استغفر أو تاب لم يكتب " فلما كان ذلك من شأن الكتابة قرنت بالسين وكونهم كفارا مصرين على الكفر لا يأباه كما قيل ، وقوله بالياء أي التحتية معلوما ومجهولاً ، وقوله : ويساءلون معطوف على معمول قرئ أي قرئ يساءلون من المفاعلة بصيغة المجهول أيضا. قوله : ) فاستدلوا(7/436)
ج7ص437
بنفي مشيئة عدم العبادة ا لكونه في حيز لو الامتناعية ، وهذا رد على المعتزلة وعلى الزمخشري في تفسيره للآية وجعلها دليلاً لهم فإنهم تشبثوا بظاهر الآية في أنه تعالى لم يشأ الكفر من الكافرين ، وإنما شاء الإيمان فإن الكفار لما أدعوا أنه تعالى شاء منهم الكفر حيث قالوا : لو شاء الرحمن الخ أي لو شاء منا أن نترك عبادة الأصنام تركناها ردا للّه تعالى عليهم ذلك ، وأبطل اعتقادهم بقوله : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } الخ فلزم حقية خلافه ، وهو عين ما ذهبوا إليه بناء على أنه معطوف على قوله : { وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ } [ سورة الزخرف ، الآية : 15 ] جزأ أو على جعلوا الملائكة الخ فيكون كفرا آخر ويلزمه كفر القائلين بأن المقدورات كلها بمشيثة الله تعالى ، وهم أهل السنة فرده بما حاصله إنه استدلال منهم بنفي مشيئة الله تعالى عدم العبادة على امتناع النهي عنها أو على حسنها يعنون أن عبادتهم الملائكة بمشيئته تعالى فيكون مأموراً بها ، أو حسنة ويمتنع كونها منهيا عنها أو قبيحة فقوله وذلك أي الاستدلال باطل لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض حسناً كان ، أه
قبيحاً ولذلك جهلهم في استدلال هذا فليس قوله : ما لهم بذلك الخ بيانا لكفرهم في مقالتهم هذه كما زعمه الزمخشريّ ، ومن ضاهاه فهو معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة ، والأوّل بيان لكفرهم ، وهذا بيان لدليلهم الباطل وتزييف له لا بيان لبعض ما كفروا به فإن قلت نفي مشيئة عدم لعبادة لا يستلزم مشيئة العبادة قلت : هذا مبنيّ على انّ المشيئة تتعلق بأحد طرفي الوجود ، والعدم البتة ولو سلم فمثل هذا الكلام يقصد به الاعتذار عما وقع بأنه بمشيئة الله كما وقع في شرح الكشاف للمحقق رحمه الله تعالى وال!!اصل أنّ الإنكار متوجه إلى جعلهم ذلك دليلا على امتناع النهي عن عبادتهم ، أو على حسنها لا إلى هذا القول فإنه كلمة حق أريد بها الباطل. قوله : ) يتمحلون تمحلاَ باطلاَ ( أصل معنى الخرص كما قال الراغب : مغربة المقدار بطريق التخمين ولتخلفه في كثير منها أطلق على الكذب ، وهو المراد هنا لأنّ التمحل والمماحلة المجادلة كما قاله الراغب أيضاً والجدال بالباطل افتراء وكذب مخصوص لا تفسير له بلازمه فما ذكره هو المطابق لما نحن فيه فما قيل : الخرص الحزر والكذب ، وكل قول بالظن فينبغي تفسيره بأحد الأخيرين من ضيق العطن وقلة التدبر. قوله : ( ويجوز أن تكون الإشارة ( بذلك إلى أصل الدعوى وهو جعل الملائكة ولد الله بعدما كانت إلى قولهم لو شاء الرحمن الخ فهو معطوف على قوله ، ولذلك جهلهم الخ لأنه في معنى الإشارة إلى استدلالهم بما ذكر وأشار بقوله : يجوز إلى أنه خلاف الظاهر المتبادر فالاعترأض عليه بمثله صيد من المقلاة وهو وجه ثان في الردّ على الزمخشريّ ، ومن حذا حذوه فليس المشار إليه تعليق عبادتهم بمشيئة الله حتى يتضمن كونها مقالة عن غير علم باطلة ردّ ما ذهب إليه أهل الحق كما زعموا ، وقوله : كأنه الخ إشارة إلى أن ما ذكر بعد أصل الدعوى من تتمتها فليس بأجنبيّ حتى يقال هو فصل طويل ، وقوله : حكى شبهتهم المزيفة لأنّ العبادة لها وان كنت بمشيئته تعالى لكن ذلك لا ينافي كونها من أقبح القبائح المنهى عنها لا إنها لا تتعلق به المشيئة كما ظنه هؤلاء ويكون هذا معلوما مما قرّره في الوجه الأوّل أجمله اعتماداً على الفطنة بشهادة الذوق ، فما قيل من إنه لا يصلح للجواب وأنّ المصنف رحمه اللّه تعالى لم يقصد به الجواب عما قاله الزمخشري كله من قلة التدبر ، وكذا ما قيل ترك بيان تزييفه لدقته لأنه من مباحث القضاء والقدر. قوله : ) نفى ان يكون لهم بها علم ) أي بالدعوى المذكورة ، وهذا ما اختاره الزجاج ولم يلتفت المصنف رحمه الله تعالى إلى رد الزمخشريّ ، وقوله : إنه تحريف ومكابرة لأنه لما ذكر بعد كل مما مز ما يبطله كان الظاهر إنّ هذا رد لما قبله فصرفه عن ظاهره بجعله رد الأول الدعوى بعدما صرح بردها تحريف للكلام عن سننه لأنه كما قال الطيبي طيب اللّه ثراه على هذا يكون قوله : لو شاء الرحمن الخ جوابا لهم عما تضمنته الآيات من الإنكار والاحتجاج عليهم بعبادة الملائكة وهذا القول منهم إمارة على انقطاعهم ، ودلالة على أن الحجة قد بهرتهم ولم يبق لهم متشبث سوى
هذا القول كما هو ديدن المحجوج ، وقد مرّ مثله في سورة الأنعام فتدبر. قوله : ( ثم أضرب عنه الخ ( هو جاً ر على الوجهين وفيه إشارة إلى أن أم منقطعة لا متصلة معادلة لقوله : اشهدوا كما قيل لبعده وقوله : من قبل القرآن لعلمه من السياق ، أو الرسول كما في الكشاف وكون الضمير لادعائهم المذكور قبله أقرب(7/437)
ج7ص438
معنى والمراد قولهم إنها بنات الله ، وقوله : ينطق صفة كتابا وعداه بعلى لأنه بمعنى يدل وقوله : متمسكون إشارة إلى أن السين للتأكيد لا للطلب ، وما قالوه ما ذكروه سابقا من الدعوى أو الاستدلال ، وقوله : لا حجة الخ إشارة إلى أنّ بل لإبطال جميع ما قبله ، وقوله : وتؤمّ بصيغة المجهول بمعنى تقصد والرحلة بضم الراء الرجل العظيم الذي يقصد في المهمات ، وقوله : للمرحول إليه كناية عما ذكر وقرأة الكسر شاذة مروية عن مجاهد وقتادة وقوله : ومنها الدين لأنه حالة يكون عليها الناس القاصدون لما يصلح! أو لما يكونون عليه ، وهو المراد هنا وقوله : وكذلك الآية قد سبق تفسيرها تفصيلاً فلذا لم يتعرض له المصنف رحمه الله تعالى. قوله : ( ودلالة الخ ) كونه ضلالاً مفهوم من السياق ، ومما مرّ وقوله بأن التنعم الخ وفقراؤهم اقتدوا بهم ، وقوله : أتتبعون الخ هو على القول بأن الهمزة داخلة على معطوف عليه مقدر وهو معلوم مما قبله هنا ، والتفضيل في أهدى بناء على زعمهم لا لأن دين آبائهم هاد إلى الضلال كما قيل. قوله : ( وهي حكاية أمر ماض ) فالتقدير فقيل : أو قلنا للنذير قل الخ وقوله : قالوا الخ فإنه حكاية عما قاله المترفون للنذير فيقتضي أن ما قبله ما أوحى إليه وينسجم ويتسق النظام ، وقوله : فانتقمنا منهم أي من المترفين أو من قومك على الوجهين
ويكترث يمعنى يهتم ويبالي ، وقوله : ليروا الخ بيان للمراد من ذكره لمجنن هذا لقومه. قوله :
( برئ ) تفسير لبراء بفتح الباء الموحدة كما هو قراءة العامة ، وهو مصدر كالطلاق والعتاق أريد
به معنى الوصف ميالغة فلذا أطلق على الواحد وغيره وقوله : من عبادتكم الخ إشارة إلى أن ما مصدرية أو موصولة ، وقوله : براء أي قرئ براء بضم الباء وهو اسم مفرد صفة مبالغة كطوال وكرام بضم الكاف لا بكسرها فإنه جمع ولم يقرأ به فقوله : كريم وكرام صفتان بمعنى واحد. قوله : ( استمناء منقطع ا لعدم دخوله فيما قبله لأنّ ما مختصة بغير ذوي العلم ولأنه لا يناسب تغليبهم عليه تعالى لأنّ تغليب غير العقلاء غير متجه ، أو هذا بناء على أنهم لم يكونوا يعبدون
الله تعالى أو أنّ عبادة الله تعالى مع الشرك في حكم العدم فإن قلنا ما عامة لذوي العلم وغيرهم ، وانهم كانوا يعبدون الله والأصنام فهو متصل ، أو ما المراد بها هنا المعنى الوصفي
- فيطلق بهذا الاعتيار على العقلاء كما في نحو ما طاب لكم من النساء بمعنى الطيبات ، وقد مز -- تحقيقه في تلك الآية وقوله : أو صفة معطوف على قوله استثناء يعني أن إلا بمعنى غير صفة لما وهي نكرة موصوفة لأنّ غير وما بمعناه لا يتعرف بالإضافة في مثله فلا تكون صفة لما إذا كانت موصولة ، والحاصل أنّ الاستثناء إما منقطع أو متصل وهو منصوب أو مجرور بدل من ما كما
قاله الزمخشري ، وردّه أبو حيان بانه إنما يكون في نفي أو شبهه ، وأجيب عنه بأنه في معنى النفي لأنّ التبري بمعناه كما قالوه في نحو ويأبى الله إلا أن يتم نوره وهو لا يختص بالمفرغ ولا يالفاظ مخصوصة كأبي وقلما كما أشار إليه المعرب ، فإن قلت : إن الزمخشريّ قال في سورة الن!مل إنه لا يجوز الجمع بين الله وغيره في اسم واحد لما فيه من إيهام التسوية بينه تعالى ، وبين غيره وهو مما يجب اجتنابه في ذاته وصفاته قلت إنما يمتنع ذلك ، إذا لم يكن في الكلام
ما يدل على خلافه كما في الاشتراك في الضمير وقد سلف ما يحققه في سورة الكهف ، وكونها صفة لأنه لا يشترط في موصوفها أن يكون جمعا منكوراً وعلى القول باشتراطه فهو معنى موجود هنا لأنّ ما الموصولة في المعنى جمع ، ولذا قدره المصنف رحمه الله تعالى بآلهة. قوله : ( سيثبتني على الهداية ) إشارة إلى أن السين هنا للتأكيد لا للتسويف والاستقبال لأنه قال
في الشعراء يهدين بدونها ، والقصة واحدة والمضارع في الموضعين للاستمرار ، وقوله : أو
! سيهديني الخ فالسين على ظاهرها والمراد هداية زائدة على ما كان له أولاً فيتغاير ما في الآيتين
من الحكاية أو المحكي بناء على تكرّر قصته. قوله : ( أو اللّه ) تعالى فالضمير المستتر إما لإبراهيم أو لله ، والمراد بالكلمة كلمة التوحيد المفهومة من قوله : إنني براء الخ لا هذا القول بعينه لأنه كلمة لغة لأن استمرار هذا بعينه غير لازم وقوله : فيكون فيهم الخ فليس المراد بقاءها في الجميع لأنه غيو واقع ، وقوله : قرئ كلمة أي بكسرها الكاف وسكون اللام وهي لغة فيها ، وهذه قراءة قيس بن حميد وعاقبه و! !ثه من خلفه ، ومنه تسميته عليه الصلاة والسلام بالعاقب لأنه آخر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قوله. ( يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحده ( الترجي من إبراهيم عليه الصلاة(7/438)
ج7ص439
والسلام فلا حاجة إلى جعلها للتعليل وقوله : يرجع الخ يعني أن الضمير للعقبا فإنه بمعنى الجمع ، ولا حاجة إلى جعله من وصف الكل بوصف بعضهم أو تقدير مضاف فيه أي مشركيهم لأنه لا مانع من الترجي من الجميع لكن المصنف رحمه الله تعالى بني ما ذكره على أن الترجي من الله أو من الأنبياء في حكم المتحقق وتأويل الضمير في يرجعون ليس المرادت خصيصه بذلك كما توهم بل اكتفاء به عن ذلك لاتحادهما. قوله :
( بدعاء من وحده ) أو ببقاء الكلمة فيهم فإنها سبب رجوعهم ، وقوله : هؤلاء تفسير للمشار إليه وضمير آباءهم لهؤلاء وقوله : بالمد متعلق بقوله متعث ، وقوله : فاغتروا الخ أي لم يرجعوا فلم يعاجلهم بالعقوبة بل أعطاهم نعما أخر غير الكلمة الباقية لأجل أن يشكروا منعمها ويوحدوه فلم يفعلوا بل زاد طغيانهم لاغترارهم أو التقدير ما اكتفيت في هدايتهم بجعل الكلمة باقية بل متعتهم وأرسلت رسولاً. قوله : ( على أنه تعالى اعترض به على ذاته الخ ( في نسخة كأنه تعالى ومعنى اعتراضمه على ذاته إنه أخذ معه في كلام يشبه الاعتراض قصدا إلى توبيخ المشركين لا إلى تقبيح فعله تعالى كما إذا قال المحسن على من أساء له مخاطباً لنفسه أنت الداعي لإساءته بالإحسان إليه ورعايته فإذا كان من كلامه تعالى لا من كلام إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما جوّزوه فهو تجريد لا التفات وإن قيل به في مثله أيضا ، وقوله : مبالغة في تغييرهم إشارة إلى أن في القراءة الأخرى تعبيرا وتوبيخا أيضا لكن في هذه زيادة توبيخ حيث أبرزه في صورة من
يعترض على نفسه ويوبخها حتى كأنه مستحق لذلك فما بالك بهم كما مز في المثال السابق ، وليست المبالغة من الأطناب كما قيل. قوله تعالى : ) { حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ } ( في هذه الغاية خفاء بنه في الكشاف وشروحه ، وهو إن ما ذكر ليس غاية التمتيع إذ لا مناسبة بينهما مع أن مخالفة ما بعدها لما قبلها غير مرعى فيها ، والجواب أن المراد بالتمتيع ما هو سببه من أشغالهم به عن شكر المنعم فكأنه قيل : اشغلوا به حتى جاءهم ما ذكر وهو غاية له في نفس الأمر لأنه مما ينبههم ويزجرهم لكنهم لطغيانهم عكسوا فهو كقوله : { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } [ سورة البينة ، الآية : 4 ] . قوله : ( ظاهر الرسالة الخ ) إشارة إلى أنه من أبان اللازم أو المتعدى كما مرّ ، وقوله : زادوا شرارة نصبه على التمييز أو المفعولية لأنه جاء متعديا ولازما وهو إشارة إلى ما مرّ في الغاية وما فيها من الإشارة إلى التعكيس إذ لم ينتهوا بل زادوا شراً وفسر زيادة شرهم بقوله : فضموا الخ ، وقوله : فسموا القرآن الخ هو تفسير للمعاندة كما أن استحقار الرسول بيان للاستخفاف على اصلف والنشر المرتب ، ولم يقل القرآن أو دعوة الحق لأنه فسر الحق الأول بهما ولما أعيد هـ حرفة كان عين الأول كما قيل لأنهم لم يقولوا للدعوة إنها سحر ، وإنما قالوه في حق القرآن فعلى تفسيره به هو ظاهر وعلى الوجه الأول فالدعوة لما كانت بالقرآن أيضا اقتصر عليه لما ذثر؟ ، فتأمّل واستحقار الرسول إما من نسبة السحر والكفر لما جاء به أو من وصف رجل القريتين بأنه عظيم فإنه تعريض بحقارة من نزل عليه ، وهو الأظهر وهذا بعد تسليم أن الرسول يكون بشراً ، وقوله : مكة والطائف إشارة إلى أن التعريف للعهد ، وقوله : من إحدى القريتين إشارة إلى أن فيه مضافا مقدراً لأنه لا يكون منهما رجل واحد إلا أن يكون له بكل منهما دار يسكن في هذه تارة وفي الاخرة تارة أخرى كما قيل أو التقدير من رجال القريتين فمن تبعيضية وقد كانت ابتدائية ، وقوله : فإن الخ تعليل لقوله : لولا نزل وما يفهم منه. قوله : ( ولم يعلموا إنها رتبة روحانية الخ ( يعني أنه تعالى خلقه على تلك الصفة لعلمه إنه سيصطفيه لرسالته ، وليس هذا من مذهب الحكماء القائلين بتوقفه على تصفية ورياضات في شيء كما توهم حتى يقال إنه مبنيئ على جري العادة فيه ، وقد مرّ ثفصيله في سورة الأنعام. قوله : ( إنكار الخ ) هو معنى الاستفهام وتحكمهم
بنزول القرآن على من أرادوه فيجوز أن يكون المراد بالرحمة ظاهرها لأنه نزل تعيينهم لمن ينزل عليه الوحي منزلة التقسيم لها ، وتدخل النبوّة فيها لكن أكثر المفسرين على ما ذكره المصنف لأنه المناسب لما قبله ، وقوله : وهم عاجزون الخ لا ينافي أن يكون لكسبهم دخل فيها ، وفيما ذكر إشارة إلى ما في تقديم الضمير من إفادة الحصر ، وخويصة بتشديد الصاد المهملة تصغير خاصة وهي ما يختص بالإنسان يقال عليك : بخاصة نفسك اًي ما شأنه الاختصاص بك من أمور الدنيا ، ولذا صغره لحقارته(7/439)
ج7ص440
عند الله لأنها لا تسوي عنده جناج بعوضة كما ورد في الحديث ، وقوله : فمن أين الخ مأخوذ من مفهومه. قوله : ) وإطلاق المعيشة ) وهي ما يتعيش به الإنسان من القوت وغيره ف!طلاقه يقتضي ما ذكر فلا يختص كونه رزقا من الله بالحلال كما ذهب إليه الزمخشريّ ، وغيره من المعتزلة وفيه ردّ على الزمخشري ، وان كان كلامهم في تسميته رزقا ولم يصرّح به في الآية والكلام فيه مفصل في الأصول ، وقوله : في الرزق الخ إشارة إلى أنه مطلق ، وإن كان ما قبله يقتضي تقييده بما ذكر قبله من أمور التعيش وأنّ المعنى جعلنا بعضهم غنيا والآخر فقيرأ ، وقوله : ليستعمل بعضهم بعضا أي ليستخدمه لأنّ السخريّ منسوب إلى السخرة وهي التذليل والتكليف على وجه الجبر فالسخري بالضم للنسبة إليها لا بمعنى الهزء ولذا قال السمين : إنّ تفسير بعضهم له باستهزاء الغنيّ بالفقير غير مناسب هنا ، وقرأ أبو عمرو بن ميمون وابن محيصن وأبو رجاء وغيرهم بكسر السين والمراد به ما ذكر أيضا انتهى فالقول بأن القراء أجمعوا على ضم السين هنا خطأ إلا أن يريد السبعة أو العشرة وأطلقه لأنه المتبادر. قوله : ( فيحصل بينهم ( أي بين الناس الأغنياء والفقراء ، والمراد بالتضام الاجتماع في الديار لأنّ الفرد لا يقدر على القيام بجميع مصالحه ، ولذا ورد لا يزال الناس بخير ما تفاوتت مراتبهم ولو تساووا هلكوا ، وقوله : لا لكمال فإنّ التفاوت ليس مبنيا على هذا كما قيل :
ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
قوله : ( ثم إنه لا اعتراض لهم علينا في ذلك ) المذكور من الأمرين التوسيع والتقتير ، وهو
إشارة لمناسبته لما قبله أو المعنى أنهم لما زعموا لزوم المال ، والجاه للنبوّة قال : ذلك تحت
قدرتنا وارادتنا فإعطاؤهما ومنعهما مخصوص بنا فلو كانا لازمين للنبوّة ما أهملا ، والمراد بما هو أعلى النبوّة وأمور الآخرة والرحمة. قوله : ( والعظيم من رزق منها لا منه ( ضمير منها للرحمة ومنه لما يجمعون ، وفيه إشارة إلى أنّ التعظيم من عظمة اللّه برحمته من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن تابعهم لا من عظموه كعظيم القريتين. قوله : الولا أن يرغبوا في الكفر الخ ) قدر الزمخشري فيه مضافا فقال : كراهة أن يجتمعوا على الكفر لجعلنا لحقاة زهرة الدنيا للكفار ما ذكر من زخرفها ، والغرض من تقديره أنّ كراهة الاجتماع هي المانعة من تمتيع الكفار بها إذ لو لامتناع التالي لوجود المقدّم ، وهو مبنيّ على تبيين وجه الحكمة لا على وجوب رعاية المصلحة وارادة الإيمان من الخلق كما قيل ولما كان معنى كونهم أمة واحدة اجتماعهم على أمر واحد أريد به الكفر بقرينة الجواب فليس هذا من مفهوم الكلام ولازمه كما توهم. قوله : ( جمع معرج ) بفتح الميم وكسرها وهي السلم وكذا المعراج ، ويكون مصدراً بمعنى العروج والصعود ، وقوله : يعلون السطوح جمع سطح إشارة إلى أنّ يظهرون معناه هنا يكونون على ظهرها وهو أصل معناه ، وقوله : لحقارة الدنيا علة متعلقة بجعلنا. قوله : ( أو علة الخ ( فاللام الأولى صلة لتعديه باللام فهو بمنزلة المفعول به ، والثانية تعليلية فهو بمنزلة المفعول وليس المراد أنهما للتعليل ، والثانية بدل من الأولى كما قيل لأنّ التقابل يأباه ولا تسامح في عبارة المصنف على النسخ التي عندنا وفي بعضها علة له ، والضمير راجع للفعل لفهمه من السياق وقيل : إنه راجع لمن يكفر بالرحمن على التسامح لأنه لما علل الفعل بعد تعلق الأوّل به جعل علة له ، وكذا المثال المذكور لأن معنى لقميصه ليكون له قميصاً فلا بعد فيه كما توهم مع أنه مشاحة في المثال ، وفي نسخة وقد يقال : الأولى للملك ولاثانية للاختصاص كوهبت الحبل لزيد لدابته فيتعلقان بالفعل لا على أنّ الثاني بدل كما قاله أبو حيان حتى يرد عليه أنه أعيد فيه العامل فلا بد من اتحادهما معنى مع أنه لا مانع من أن يبدل المجموع من المجموع بدون اعتبار إعادة فتأمّل. قوله : ( وقرا ابن كثير الخ ) من قرأ سقفا بفتح فسكون على الإفراد لأنه اسم جنس يطلق على الواحد ، وما فوقه وهو المراد بقرينة البيوت وسقفا بضم فسكون تخفيفا للضمة وهو جمع سقف أو سقيفة كصحف وصحيفة وسقوف جمع كفلس ، وفلوس وسقفا نجتحتين لغة في سقف أصلية لا تحريك ساكن لأنه لا وجه له. قوله : ) ولبيوتهم ( أعاده لأنه
ابتداء آية وسرر جمع سرير بضم الراء وفرئ بفتحها في الشواذ وهو لغة في جمع فعيل المضاعف وفيه كلام للنحاة ، وقوله : من فضة إشارة إلى أنّ القيد(7/440)
ج7ص441
ملاحظ في الجميع بناء على أنّ العطف ظاهر في التشريك في القيد ، وإن تقدم كما ذهب إليه الزمخشري. قوله : ) وزينة ( تفسير للزخرف ، وكذا قوله أو ذهبا فإنه ورد بكل من المعنيين في اللغة ، والظاهر أنه حقيقة فيهما وقيل إنه حقيقة في الزينة ولكون كمالها بالذهب استعمل فيه أيضا كما مز في الإسراء ، وذكره الراغب فليس بالعكس كما قيل وإن كان ما ذكره الجوهرفي يخالفه ، وقوله : عطفا على محل من فضة يعني أنه إذا كان بمعنى الزينة فهو منصوب بجعل معطوف على مفعوله الصريح وإذا كان بمعنى ذهباً فهو معطوف على محل من فضة كأنه قيل سقفا من فضة وذهب أي بعضها كذا وبعضها كذا ، ويجوز عطفه على سقفا أيضا. قوله : ) واللام هي الفارقة ( بين المخففة وغيرها وهذا على قراءة الشخفيف ، وما زائدة أو موصولة بتقدير لما هو متاع الخ وقوله : بخلاف عنه أي الرواية عنه مختلفة ، وقوله : وقرئ به أي بالإبدال لما لا بلما كما توهم والأصل توافق القراءتين معنى ، وقوله : وما أي في موضع أن فهو يدل على أنها نافية في تلك القراءة والكلام على لما بمعنى إلا مفصل في المغني وغيره. قوله : ) عن الكفر والمعاصي ( متعلق بالمتقين ، وقوله : وفيه أي في قوله ورحمة ربك أو في قوله والآخرة والظاهر الأول ، وذلك إشارة إلى الزخرف الماضي وحتى يجتمع علة لعدم الجعل وغاية له وهو راجع لما ، وقوله : مخل به أي بما لهم في الآخرة ، وقوله : لما فيه أي في التمتع. قوله : ) عن ذكر الرحمن ( إن أريد به القرآن فالمصدر مضاف لفاعله وإلا فهو مضاف لمفعوله وهذا حال ص تعامي عن الذكر فكيف من تعامي عن المذكور. قوله : ) يتعام ويعرض! عنه ( العطف للتفسير لأن المراد من التعامي الإعراض قال الأزهريّ في التهذيب : قال الفراء معناه من يعرض عن ذكر الرحمن ، ومن قرأ يعش كيرض بفتحتين فمعناه يعم عنه وقال القتيبي : معناه يظلم بصره وهر قول أبي عبيدة ولم أر أحدا يجيز عشوت عنه إذا أعرض!ت ، وإنما يقال : تعاشيت وتعاميت ص ص الشيء إذا تغافلت عنه كأني لم أره وعشوت إلى النار إذا استدللت عليها ببصر ضعيف ، وقا أغفل موضع الصواب ، واعترض فلا يغتر به ناظر فيه والعرب تقول عشوت عن النار أعرضص !
عنها ومضيت عن ضوئها فيفرقون بين إدخال إلى وعن كما ترى وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه يقال : عشى الرجل كعلم إذا صار أعشى لا يبصر ليلاً وعشا عنه كقعد إذا مضى عنه ، واليه إذا قصده مهدياً بضوء ناره قال :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خيرنارعندها خيرموقد
وهو الصحيح وإنما غفل عنه ابن قتيبة وهكذا فسر الزجاج يعيش بيعرض انتهى ، فليس
فيه تسامح وتفسير له بما هو قريب منه كما قيل. قوله : ( يقال عشى الخ ) عرج الأوّل بكسر الراء والثاني بفتحها وهذا معنى ما في الكشاف ، وفي القاموس يقال : عرج إذا أصابه شيء في رجله وليس بخلقة فإذا كان بخلقة فعرج كفرح أو يثلث في غير الخلقة فقد علمت أنّ فيه خلافا لأهل اللغة ، ولا فرق بينهما على القول الأوّل كما توهم. قوله : ( على انّ من موصولة ( لا شرطية جازمة وهذا بناء على الفصيح المطرد فلا يرد أنه يجوز أن تكون شرطية جازمة بدليل أنه لم يقرأ نقيض مرفوعا واتفقوا على زمه فالمدة إمّا للإشباع أو هو على لغة من يجزم المعتل الآخر بحذف الحركة ، أو هو جمع رعاية لمعنى من بقرينة ما بعده وهو بعيد جداً أو هو مرفوع سكن تخفيفا كما في تفسير الكواشي ، وقيل : إنه جزم نقيض تشبيهاً إلى الموصولة بالشرطية في جزم خبرها كما أدخلوا عليه الفاء لذلك واذا ورد مثله في الذي وهي ليست مشتركة بين الموصولية والشرطية في نحو قوله :
كذأك الذي يبغي على الناس ظالما تصبه على رغم عواقرما صنع
ففي من المشتركة أولى إلا أنه مقيس عند البصريين كما قاله أبو حيان فتأمل. قوله تعالى : ( { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا } ) التقييض التقدير ، وقيل : التهيئة وقوله : يوسوسه ويغويه بيان لمقارنته بذلك وانها لذلك ، وقوله : دائماً من الجملة الدالة على الدوام والثبات ، وقوله : من رفع الخ تقدّم الكلام عليه وكأنه يشير إلى أنّ هذه القراءة شاذة يحتمل أنّ من قرأ بها يرفع نقيض فلا يحتاج إلى توجيه. قوله : ( عن الطريق الذي من حقه أن يسيل ( أي يدخل ويسلك ، وهو إشارة إلى أنّ تعريفه للعهد ، وقوله : وجمع الخ واستدل به صاحب(7/441)
ج7ص442
الانتصاف على قول إمام الحرمين إنّ النكرة في سياق الشرط تعم ، وأنه يجوز رعاية اللفظ بعد رعاية المعنى لقوله : جاءنا بعده ، وله نظائر وفيه خلاف فقيل لا يجوز ، وقيل : يجوز وقيل : إنه يجوز مع تعدد الجمل ويمتنع بدونه فأعرفه ، والعاشي بالعين المهملة معنى قوله : من يعش والمقيض بزنة المفعول ، وأراد بالضميرين نوعيهما أي ضمير الشيطان والعاشي والا فهي ثلاثة. قوله :
( الضمائر الثلالة الأول ( بتشديد الواو مفرد لا بتخفيفها جمع ، وهو بدل مع ما عطف علجه من الضمائر أو الملاثمة والمراد بالأوّل ضمير يحسبون ، وقوله : له أي للعاشي باعتبار معناه والباقيان ضمير أنهم والمستتر في مهتدون أي يحسب المعني إنّ الشياطين مهتدون لسبيل الحق فيتبعونهم ، ولو أرجعت الثلاثة من غير تفكيك للعاشين أي العمي يظنون أنهم مهتدون للحق مع أنّ شياطينهم صدّوهم عنه جاز من غير تكلف كما ارتضإه السمرقندي ، وما قيل من أن الأوّل بضم الهمزة وتخفيف الواو جمع أولى وأنّ الضمائر خمسة فأحدها المذكور قبل قوله : يصدون وثانيها : المذكور بعده وكونه أوّل باعتبار قحاده مع الأوّل وثالثها ضمير لجسبون ، والباقيان ضمير يصدّون والمذكور بعد يحسبون للشيطان تحريف بعيد عن الصواب ، والأوّل ما عليه أرباب الحواشي الموثوق بهم. قوله : ( أي العاشي ) إشارة إلى أنّ الضمير عائد لم مراعى فيه لفظه بالإفراد بعدما روعي معناه-- كما " مرّ ، وكذا هو فيما بعده وقوله : بعد المشرق من المغرق أي والمغرب من المشرق لاستلزام بعد أحدهما عن الآخر بعد الآخر عنه ولذا فسر الزمخشريّ البعد بالتباعد ، إذ لا خفاء في أنه ليس المراد بعدهما عن شيء آخر فاختصر لعدم الإلباس ، وقد صار مثلاً في غاة البعد ، وقوله : فغلب المشرق أي على المغرب حتى سمي مثرقا ثم ثني ، وقوله : وأضيف البعد إليهما أي وكان حقه أن يضاف لأحدهما لأنه من الأمور النسبية التي تقوم بأحد شيئين وتتعلق بالآخر فغلب القيام على التعلق في النسبة الإضافية أيضا ففيه تغليبان ، وقيل المراد بالمشرقين مشرقا الصيف والشتاء والتقدير من المغربين فاختصر ، وقوله : أنت بناء على أنه من كلامه ، ويجوز أن يكون من كلام الله. قوله : ( ما أنتا عليه ( أي فاعل ينفعكم ضمير مستتر يعود إلى ما يفهم مما قبله أي التمني أو الندم أو القول المذكور ، وقوله : إذ صح أنكم ظلمتم أي تحقق وتبين أو هو لدفع السؤال بأنّ إذ ظرف لما مضى في الدنيا إذ ظلمهم فيها فما معنى إبداله من اليوم وهو يوم القيامة ، وتعلقه بينفعكم المستقبل ولتأويله بما ذكر صح ذلك ، وقد أورد عليه أنّ السؤال عائد لإذ صح واذ لتحقق الوقوع في الماضي ، وقال ابن جنى : إنه أفاده أبو عليّ بعد المراجعة أنّ الدنيا والآخرة متصلتان مستويتان في علمه تعالى ، وحكمه فكان إذ مستقبلاً واليوم ماض فصح ذلك وقدره أبو البقاء بعد إد ظلمتم ودفعه أنّ الخبر ليس على حقيقته بل هو لتحققه نزل منزلة الماضي ، ومثله : شائع ولذا لم يتعرّضوا له وأمّا ادّعاء أنها تكون بمعنى إذا للاستقبال وتعليلية مجرّدة عن الزمان فعدم قوته عند أهل العربية تغني عن الاعتراض عليه ، وأمّا ما نقله ابن جنى عن أستاذه من أنه تعالى لا
يجري عليه زمان فالمضي ، والاستقبال عنده بمنزلة الحال فيردّه أن المعتبر حال الحكاية والكلام فيها وارد على ما تعارفه العرب ولولاه لسد باب النكات ، ولغت الاعتبارات في العبارات ، ومثله : غنيّ عن البيان وأمّا استشكاله أعمال الفعل المقارن للن الاستقبالية في اليوم وهو الزمان الحاضر ، وإذ وهو الماضي فيدفع الثاني ما قدروه لأنّ تبين الحال يكون في الاستقبال والأوّل بأنّ اليوم تعريفه للعهد وهو يوم القيامة لا للحضور كتعريف الآن ، وإن كان نوعا منه أو ينزل منزلة الحاضر وأمّا كون الاستقبال إلى وقت الخطاب وهو بعض أوقات اليوم فمع ما فيه من التكلف غير خفيئ ما فيه من الخلل فتدبر. قوله : الآنّ حقكم الخ ( يعني أن قبله حرف جرّ مقدر على تقدير الفاعل ضميراً كما مرّ ، وقوله : كما كنتم الخ المراد نسبة الظلم لأنفسهم وذكره بيانا للواقع لا لأنّ له دخلا في التعليل حتى يقال لا وجه له ، وقوله : إذ لكل الخ تعليل لعدم النفع وأنه اشتراك على وجه لا يمكن فيه المعاونة أو التأسي ، وقوله : وهو يقوي الأوّل معنى ولفظا لأنه لا يمكن أن يكون فاعلا فيتعين الإضمار ، ولأنّ المكسورة في جملة تعليلية فيناسب تقدير اللام وهي قراءة ابن عامر فلا يناسب سياقه مساق المجههول. قوله : ( من أنّ يكون هو الذي الخ ) إشارة إلى أنّ تقديم أنت(7/442)
ج7ص443
للحسر أي إذا لم يهد الله لم تهدهم أنت والتمزن على الكفر عتياده ، وقوله : بحيث صار الخ إشارة إلى ما فيه من الترقي بعد قوله ومن يعش ، وقوله : كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الخ فشبه إتعابه نفسه حيث لا فائدة فيه بمن ينادي أصم أو يدل أعمى على الطريق بقوله ، وقوله : تغاير الوصفين يعني العمي والضلال بحسب المفهوم وان اتحدا مآلاً ، وقوله : وفيه إشعار نكتة العطف ، وقوله : لذلك أي العمي أو الإنكار وقوله لا يخفى تفسير مبين ، ولذا لم يقدر على هدايتهم كغيرهم. قوله : ) في استجلاب النون المؤكدة ( يعني هي مئله حكما لأنها لازمة أو كاللازمة فيها ومعنى لأنها لا تدخل المستقبل إذا كان خبرا لا بعد ما يدل على التأكيد ، وقوله : بعذاب وفي نسخة بعدك وذكر عذاب الدارين مخالفا للزمخشريّ في اقتصاره على عذاب الآخرة لقوله في آية أخرى : { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }
[ سورة غافر ، الآية : 77 ] والقرآن يفسر بعضه بعضاً لأنه أتم فائدة ولإطلاق الانتقام المذكور هنا وأمّا في تلك الآية فليس فيها ذكره فلا يلزم حمل ما هنا عليه. قوله : ) أو إن أردنا الخ ) إنما ذكر الإرادة لأنها أنسب بذكر الاقتدار بعده وفي تعبيره بالوعد ، وهو لا يخلف الميعاد إشارة إلى أنه هو الواقع وهكذا كان إذ لم يفلت أحد من صناديدهم إلا من تحصن بالإيمان ، وقوله : فاستمسك الخ تسلية له صلى الله عليه وسلم وأمر لأفته أو له بالدوام على التمسك ، والفاء في جواب شرط مقدر أي إذا كان أحد هذين واقعاً لا محالة فاستمسك ، وقوله : إنه أي ما أوحى والمراد به القرآن ، وقوله : لشرف وتنويه بقدرك وبقدر أقتك لما أعطاهه لهم بسببه ولما خصهم به لنزوله بلسانهم ، ويجوز أن يراد بالذكر الموعظة. قوله : ) واسأل أممهم الخ ( فهو بتقدير مضاف أو بجعل سؤالهم بمنزلة سؤال أنبيائهم ، وهذا الوجه أخره الزمخشري رحمه الله والمصنف رحمه الله اقتصر عليه لتبادره ، والأصل الحقيقة والتقدير مع القرينة أسهل من التجوّز بجعل السؤال عبارة عن النظر والفحص عن مللهم ، وشرائعهم كما في سؤال الديار ونحوه ، من قولهم : سل الأرض! من شق أنهارك ، وهذا إنما يكون مرجحاً على تقرير التقدير لا على ما بعده كما قيل ، وقيل إنه على ظاهره وقد جمع له صلى الله عليه وسلم الأنبياء في بيت المقدس لما أسرى به فأضهم ، وقيل له : سلهم فلم يشكل عليه ما يسأل عنه مما ذكر وترك هذا لأن المراد إلزام المشركين ، وتقرير ا بهذا السؤال وهم منكرون الاسراء قوله : ( هل حكمنا ) تفسير لجعلنا هنا وقوله فإنه أي التوحيد والطعن في الأوثان أقوى ما حملهم على مخالفته ، وقيل إنه راجع لكونه بدعا أي مخترعا على زعمهم لقولهم : { مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ } [ سورة المؤمنون ، الآية : 24 ] وقوله : ومناقضة قولهم الخ أي إبطاله لأنّ موسى عليه الصلاة والسلام مع عدم زخارف الدنيا لديه كان له مع
فرعون وهو ملك جبار ما كان وقد أيده اللّه بوحيه وما أنزل عليه ، وقوله : إلى التوحيد المراد به عبادة الله وحده دون غيره ولو منفرداً أو مشركا فلا يرد عليه أن فرعون وقومه غير مشركين لقوله : { مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي } [ سورة القصص ، الآية : 38 ] كما قيل مع أنه فيه بحث. قوله : ( فاجؤوا وقت ضحكهم ( إشارة إلى أنّ ناصبها مقدر بما ذكر وهو العامل في لما وتقديره كذلك ليكون جوابها فعلاً ماضياً كما هو المعروف فيها ، وأنّ إذا مفعول به له لا ظرف كما ارتضاه الزمخشري ، فما قيل إن نصبها بفعل المفاجأة المقدر هكذا لم يقله أحد من النحاة لا يلتفت إليه وتفصيله في شرح المغني. قوله : ( إلا وهي بالغة الخ ( إشارة إلى ما يرد عليه من لزوم كون كل واحدة فاضلة ، ومفضولة معاً وهي تؤدّي إلى التناقض وتفضيل الشيء على نفسه لعموم آية في النفي ودفعه بأنه كناية أو تمثيل وليس المراد به إثبات الزيادة لكل واحد على كل واحد حقيقة بل لبيان اتصاف الكل بالكمال بحيث لا يظهر التفاوت ، ويظن كل ناظر إلى كل منها أنها أفضل من البواقي أو الاختلاف عند المفضلين والمراد بأختها مثلها في أنها آية دالة على النبوّة. قوله : ( من تلق الخ ( هو من قصيدة لعبيد بن العرندس الحماسي منها :
أني سألوا الخيريعطوه وقد جهدوا فالحمد يخرج منهم طيب أخبار
هينون لينون أيسار ذوو كرم سوّاس مكرمة أبناء أيسار
من تلق منهم الخ. قوله : ( أو إلا وهي مختصة بنوع اليئ ) فالمراد بأفعل الزيادة من وجه
فلا يلزم شيء مما ذكر(7/443)
ج7ص444
والظاهر أنه حقيقة ، وقيل إنها مجاز لأن المصادر التي تتضمنها الأفعال ، والأسماء المشتقة منها تدل على الماهية لا الفرد المنتشر وفيه نظر. قوله : ) على وجه يرجى الخ ) إشارة إلى الجواب عما يقال إنّ الرجاء منه تعالى محال ، وقد مرّ تفسيرها بكى وما فيه فالمراد أنّ الترجي فيه وفي أمثاله من العباد ، ولما كان الترجي فيه غير معين فسره بما ذكر وفيه إشارة إلى الردّ على الزمخشري حيث فسره بالإرادة هنا بناء على مذهبه ، والكلام فيه مفصل في شروحه. قوله : ( نادوه بذلك ( أي بقولهم : يا أيها الساحر الصريح في نسبته إلى الباطل وهو مناف لما بعده من طلب الدعاء منه ومنه قولهم : إنا لمهتدون كما في الكشاف فكان ينبغي أن يقولوا : يا موسى ونحوه كما في آية أخرى يا موسى ادع الخ مما ينتظم مع ما بعده ، ولذا أشار إلى التوفيق بأنّ ما وقع من النداء به جار على مقتضى ما جبلوا عليه من الشذة والحدة وعلى
نهج ما ألفوه من تحقيره ، ولذا سبق لسانهم له ، وأما كونهم قالوا يا موسى فحكاه الله عنهم بغير عبارتهم على وفق ما في قلوبهم من اعتقاد أنه ساحر كما سموا النبيّ صلى الله عليه وسلم ساحراً ليكون تسلية كما مرّ فغير مناسب لما بعده ، وكونه مناسباً للحال لا يفيد هنا. قوله : ( لشدّة شكيمتهم ( هو مجاز أوكناية عن العناد وعدم الانقياد كما مرّ وترك ما في الكشاف من التوفيق بأن قولهم : إننا لمهتدون وعد منهم باتباعه وقد عرفوا بأخلافه لأنه لا يدفع السؤال كما قاله الشارح المحقق لأن إظهاوه لا يناسب مقام التضرّع ففيه رد ضمني على ما في الكشاف ، وقوله : قرأ ابن عامر بضم الهاء أي من آيه وهو في بعض النسخ ، وقد سقط من بعضها لأنه قدم تفصيله في سورة النور وانه لما سقطت ألفه اتبعت الهاء الياء فبنيت على الضم كما في يا زيد العاقل فتذكره. قوله : ) أي تدعو لنا الخ ( هو تفسير لحاصل المعنى وقد سقط من بعض ا!لنسخ هنا وذكر عند قوله : إنا لمهتدون بشرط أن تدعو الخ ، وهو إشارة إلى أنّ الأمر في معنى الخبر والمراد إن تدع لنا فيكشف عنا نتبعك ونهتد. قوله : ( بعهده عندك من النبوّة الخ ) ما تحتمل الموصولية والمصدرية وإليه أشار بقوله بعهده ، واختاره لعدم احتياجه للتقدير وفيه إشارة إلى أن فيه أربعة أوجه منها أنّ العهد النبوّة وهو الأظهر ، ولذا قدمه المصنف رحمه الله ، وقد مرّ في الأعراف وجه تسميتها عهداً ووجه تعلق الباء ، ومنها أنّ العهد استجابة الدعوة كأنه قيل بما عاهدك عليه مكرماً لك من استجابة دعائك ، ومنها أنّ العهد كشف العذاب ومنها أنّ العهد الإيمان- والطاعة وهو من عهد عليه أن يفعل كذا أي أخذ منه العهد على فعله ومته عهد الولاة ، والأولى على هذا 1 أن تكون ما موصولة ، واليه أشار بقوله : بما عهد الخ أخذ منه العهد على فعله ومنه عهد الولاة ، والأولى على هذا أن تكون ما موصولة ، وإليه أشار بقوله : بما عهد الخ لكن السياق ينبو عنه لفظا ومعنى ، ولذا أنجره المصنف والأظهر أن الباء للوسيلة والسببية وقد قيل إنها على الثاني والثالث للقسم ، وقد اقتصر في الأعراف على الوجه الثاني لأنه أظهرها. قوله : ( فاجؤوا نكث عهدهم بالاهتداء ( متعلق بعهدهم ولا حاجة إلى تقدير وقت نكثهم لأنّ المفاجأ في الحقيقة النكث لا وقته ، وإن كان مفعول فاجأ اسم الزمان كما مز وقد تقدم وجهه. قوله : ( بنفسه أو بمناديه ( يعني أنّ إسناد النداء إلى فرعون إمّا على حقيقته وظاهره ، والمراد بندائه رفع صوته به في مجلسه فإنه معنى النداء أو هو إسناد مجازي والمعنى أمر بالنداء كما يقال بنى الأمير المدينة ، وقوله : نادى معطوف على فاجؤوا المقدر. قوله : ( في مجمعهم أو فيما بينهم الخ ) يعني إنه نادى بنفسه
فكان الظاهر نادى قومه فنزل منزلة اللازم وعدى بفي كقوله :
يجرح في عراقيبها نصلي
للدلالة على تمكين النداء فيهم لأنه في مجامع الناس وعلى رؤوس الإشهاد وفيه أيضاً توجيه للظرفية وقوله : مخافة الخ علة لقوله نادى ، وقوله : ومعظمها الخ أي أكبرها فالمراد بالنهر ما يعرف الآن بالخليج وقد فتح منه خلجان متشعبة إلى أطرافها لتسقي العباد ، والبلاد كما هو معروف فيها ولكل منها اسم يخصه فنهر الملك سمي به قديما ووجهه مذكور في كتاب الخطط ، وطولون اسم سلطان مشهور ، وهو ممنوع من الصرف ودمياط بالدال المهملة مدينة معروفة قال ابن خلكان : وأصلها بالسريانية ذمياط بذال معجمة ومعناها القدرة الربانية لما فيها من مجمع البحرين الملح والعذب ، وقيل : هو اسم بانيها وتنيس كسكين بلدة بقربها يعمل فيها ثياب فاخرة مشهورة ، فإن قلت نهر طولون إسلامي حفرة أحمد بن طولون ملك مصر فلا يصح تفسير قول فرعون به ، قلت كذاك أورده بعضهم وخطأ المصنف فيه فإقا أن(7/444)
ج7ص445
يكون بيانا للمراد بالأنهار في الآية وأنها الخلجان مع قطع النظر عن خصوصها ، أو يكون ذلك قديما اندرس فجدده ابن طولون.
قوله : ( تحت قصري الخ ) فالتحتية إمّا مكانية أو معنوية وليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز كما توهم لأنّ العطف بأو لا بالواو في النسخ ، وإن كان مثله يجوز عند المصنف وإذا جرى من تحت قصره حقيقة فقد جرى من مكان تحته ، وعلى أن المراد تحت أمري فاستعلاؤه عليه معنوي واذا كان قدامه وبين يديه في جنانه فالتحتية باعتبار أنه في مكان منخفض عن مكانه ففيه تجوّز آخر ، وعلى الحالية فهو حال من ضمير المتكلم ويجوز على الابتداء أيضا والخبرية العطف أيضا على اسم ليس وخبرها. قوله : ( ذلك ) إشارة إلى مفعوله المقدر والإشارة إلى ما ذكر ويجوز أن يكون معناه أليس لكم بصرا وبصيرة ، وقوله : مع هذه المملكة والبسطة أي السعة في الملك والمال وهو بيان لجهة الخيرية فيه ، وقوله : وهي القلة وتكون بمعنى الابتذال والذلة وهو مناسب هنا أيضا وضمير لما به لموسى عليه السلام ، والرتة بضم الراء المهملة وتشديد التاء الفوقية اللثغة واللكنة ، والعقلة في اللسان وقد زالت منه بدعائه وهل بقي أثر شيء منها أو لا مرّ الكلام فيه ، وقوله : فكيف الخ كله كلام فرعون. قوله : ) وأم إما منقطعة ( اختاره
لما فيه من عدم التعادل اللازم أو الأحسن في المتصلة ، وقوله : للتقرير أي الحمل على الإقرار بفضله وخيريته ، وقوله : إذ قدم إذ فيه للتعليل أي لأنّ فرعون قدم بعض أسباب فضله الداعية للإقرار إذا حملهم عليه. قوله : ) على إقامة المسبب مقام السبب الخ ( أي هو على الاتصال المنقول عن سيبويه ، والخليل في هذه الآية تكون الاسمية مؤوّلة بفعلية معادلة لفظا ومعنى على أنه أقيم المسبب عنها مقامها والأصل ما ذكره فأقيم خبريته باعتبار العلم بها مقام أبصارهم لأن المسبب هو علمهم بخيريته لا الخيرية نفسها فالمراد أم أنا خير عندكم ، وفي علمكم وجعله الزمخشري من تنزيل السبب منزلة المسبب عكس ما قاله المصنف وقرّره الشارح المحقق بأن قوله : أنا خير سبب لقولهم من جهة بعثه على النظر في أحواله واستعداده لما ادّعاه ، وقولهم : أنت خير سبب لكونهم بصراء عنده فأنا خير سبب له بالواسطة لكن لا يخفى أنه سبب للعلم بذلك والحكم ، وأما بحسب الوجود فالأمر بالعكس لأنّ أبصارهم سبب لقولهيم أنت خير ، ولذا قال المصنف إنه من إقامة المسبب الخ وهو اعتراضى على المدقق إذ قرره بأن فرعون لما قدم أسباب البسطة عقبه بقوله : أفلا تبصرون الخ استبصارا لهم وتنبيها على أنه لا يخفى على ذي عينين فقال : أم أنا خير أي أتبصرون أني مقدم متبوع والعدول للتنبيه على أنّ هذا الشق هو المسلم لا محالة فكأنه محكي عن لسانهم بعدما أبصروا ، وهو أسلوب عجيب وفق غريب وجعله الزمخشري من إنزال السبب مكان المسبب لأنّ كونه خيراً في نفسه بحصول أسباب التقدم والملك سبب ، لأن يقال فيه أنت خير ، وقوله : أنا خير سبب لكونهم بصراء عنده وسبب السبب سبب فلا يرد أنّ السبب قولهم : أنت خير لا قوله : أنا خير ، وعكس القاضي على زعمه إبطال مدعي موسى عليه الصلاة والسلام ، وهو بحسب العلم به مسبب عن أبصارهم لكونه باعثا عليه أمّا بحسب الخارج فبالعكس لأنه لما قال : أنا خير بعد بيان ما يقتضيه استبصروا وتفكروا فأقرّوا بذلك ، وقالوا : أنت خير فنظر كل من الشيخين غير نظر الآخر فما قيل من إنه تطويل للمسافة أو فيه طيّ على نهج الاحتباك ناشئ من عدم التدبر فافهم. قوله : ) والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون ) فهي بهذا الاعتبار المعلوم مما قرره متصلة لظهور التعادل ، وإن كانت بحسب الظاهر ليست كذلك ، ولذا قال أبو البقاء رحمه الله : إنها منقطعة لفظا متصلة معنى فمن اعترض عليه لم يصب إذ ظن مخالفته لما أجمع عليه النحاة وأبصارهم سبب لحكمهم بخيريته فتدبر. قوله تعالى : ( { وَلَا يَكَادُ يُبِينُ } ( معطوف على الصلة أو مستأنف أو حال ويبين قرئ بضم الياء وفتحها من أبان وبان. قوله : ( فهلا ألقى عليه مقاليد الملك ( هو كناية عن تمليكه كما أنّ ما في النظم كذلك ، وقوله : إذ كانوا الخ تعليل لجعله كناية عما ذكر وهو من تتمة كلام فرعون لزعمه أنّ الرياسة من لوازم الرسالة كما قاله : كفار قريش في عظيم القريتين. قوله :
( وأساورة جمع أسواو ( بضم الهمزة(7/445)
ج7ص446
بمعنى السوار بكسر السين وضمها وهو معروف ، وقوله : على تعويض التاء فإنها تكون في الجمع المحذوف مدته للعوض عنها كما في زنادقة جمع زنديق ، وقوله : جمع [ سورة يعني أنه جمع الجمع. قوله : ( مقرونين ( أي به ويعينونه بيان للمراد من كونهم مقرونين به وأنه كناية أو مجاز عن الإعانة أو التصديق ، ولولاه لم يكن لذكره بعد قوله : معه فائدة وهو لازم لأنه مطاوع قرنته فلذا دل على كونهم مقرونين به لأنه لازم معناه ، أو لأنه بمعنى متقارنين لأن الافتعال يكون بمعنى التفاعل أيضا والمعنى فيهما متحد ولا حاجة إلى جعل متقارنين بمعنى مجتمعين كثيرين ، والاقتران في الإعانة حسي وفي التصديق معنوي. قوله : ( فطلب منهم الخفة ) فالسين للطلب على حقيقتها ، ومعنى الخفة السرعة لإجابته ومتابعته كما يقال هم خفوف إذا دعوا وهو مجاز مشهور أو المقصود وجدهم خفيفة أحلامهم أي قليلة عقولهم فصيغة الاستفعال للوجدان كالأفعال كما يقال : أحمدته وجدته محمودا وفي نسبته إلى القوم تجوّز في النسبة ، وقوله : فيما أمرهم به لأن محصل ما قبله أمر باتباعه دون موسى عليه الصلاة والسلام ، وقوله : فلذلك الخ إشارة إلى أنّ هذه الجملة تفيد التعليل كما في أمثاله. قوله : ) أسف إذا اشتدّ غضبه ( ولما كان الأسف انفعالاً نفسانيا لا ينسب له تعالى فسر بوجهين عملوا أعمالاً توجب الغضب ، والانتقام أو المراد أغضبونا. قوله : ) يقتدون بهم الخ ( فهو استعارة لأنّ الخلف يقتدي بالسلف فلما أقتدوا بهم في الكفر جعلوا كأنهم اقتدوا بهم في حلول الغضب بهم كما نزل بسلفهم ، ومن لم يقف على المراد فسره بسالفين بمعنى هالكين لأنه لا يناسب الاقتداء بهم في الغضب ، والغرق وإذا كان مصدراً كالغضب صح إطلاقه على القليل والكثير ، والمراد بالجمع ظاهره أو أنه اسم جمع لأن فعلاً ليس من أبنية الجموع لغلبته في المفردات ، والسليف كالفريق لفظاً ومعنى والثلة جماعة من الناس ، وقوله : بإبدال ضمة اللام الخ بناء على أنه قد يقال في فعل بالضم كجدد جدد بفتح الدال تخفيفا وما بعده على أنه
صيغة أصلية. قوله : ( وعظة لهم ) لأنّ السعيد من اتعظ بغيره فذكر ما حل بهم عظة لمن بعدهم أو المراد قصة عجيبة مشهورة فإن المثل يرد بهذا المعنى كما مر ، وقوله : فيقال مثلكم الخ هذا بناء على أنّ المراد بالآخرين الكفار لتعلقه على التنازع بالسلف والمثل ، وضرب المثل بأولئك لا يختص بالكفار فلذا جعل كونه مثلا لهم بمني أنه مثلهم في مضمونه ، وفسره بما ذكر ولو تعلق بالثاني ، وعمم الآخرين بما يشمل المؤمنين لم يحتج إلى تأويله بما ذكر. قوله : ) ضربه ابن الزبعري ( هو عبد القه الصحابيّ المشهور والزبعري بكسر الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون العين والراء المهملة والألف المقصورة معناه سيء الخلق ، وهذه القصة على تقدير صحتها كانت قبل إسلامه لتأخر إسلامه وقد مزت مفصلة في سورة الأنبياء ، ومز الكلام عليها فلا حاجة لإعادته هنا ، وقوله : أو غيره معطوف على ابن الزبعري لا مجرور معطوف على لفظ قوله : إنكم الخ كما توهم والظاهر أن المراد بغيره من عبد الملائكة من العرب كبني مليح لتقدم ذكرهم في أول السورة ، وقوله : النصارى أهل كتاب مبتدأ وخبر ، والمقصود بالإفادة الجملة الحالية بعده فالمراد من ضرب المثل بعيسى عليه الصلاة والسلام أن بعض المشركين الذين عبدوا الملائكة احتجوا في جدالهم له صلى الله عليه وسلم بأن النصارى أهل كتاب ، وقد عبدوا عيسى عليه الصلاة والسلام والملائكة أحق بالعبادة ، وقوله : أولي بذلك أي بالعبادة والولدية وقوله : على قوله الخ معطوف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة قوله : طاعنين على قوله إنكم الخ أو على المنع من عبادة الملائكة أو على قوله : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا } [ سورة الزخرف ، الآية : 45 ] الآية التي مرّت في هذه السورة لأنه أبطل فيها عبادة غير الله فقالوا لحماقتهم بالقول في ابن مريم فإنّ النصارى عبدوه وهم أهل كتاب فلو سألت عنه أمّته وعلماء ملته قالوا ذلك : وقوله أو أنّ محمدا الخ عطف على النصارى ، وإن فيه مكسورة فالمثل بمعنى المثال والقياس والمعنى إنهم قالوا : نريد أن نعبدك كما عبد المسيح ولا يخفى ما في عبارته من الخفاء والركالة ، ولذا سقط قوله : وعلى قوله الخ من بعض نسخة المعتمدة ، وقيل : هو من تحريف
الناسخ والمثل في الوجه الأوّل بمعنى المشابه في دخوله النار فهو بمعناه اللغوي أو بمعنى المثال والقياس لإبطال ما ردّوه أو بمعنى الحجة السائرة سير المثل ، وكذا هو في الوجه الذي يليه ، وما يليه وهذه الحجج باطلة غنية عن الجوأب وقد مرّ تفسير الآلهة ثمة بالأصنام ، وبه سقط(7/446)
ج7ص447
كثير من أوهام هؤلاء الهوام ، وإنما عطف قوله وعلى الخ بالواو دون أو لأنه مع ما قبله كما قيل كالوجه الواحد ولذا سقطت منه الواو في بعض النسخ وفيه نظر لا يخفى ، ولبعضهم هنا كلام مع تكلفه بلا طائل كسراب بقيعة لا يساوي متاعه كراء الناقل. قوله : ) من هذا المثل ( من تعليلية أي من أجله إذ ظنوه ألزم وأفحم به النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو إنما سكت ارتقاباً للوحي ويضجون من الضجة وهي ارتفاع الأصوات ، وهذا على غير الوجه الأخير أو الإعراض عن الحق بالجدل لحجج ذا حضة واهية ، وقوله : هما لغتان أي بمعنى وهما الضجة والصياج كما يفعله السفهاء عند توهم الغلبة ، ويحتمل أنهما بمعنى الإعراض على اللغتين. قوله : ) 7الهتنا خير عندك ) إنما قال عندك لأن كونها خير عندهم غنيّ عن السؤال ، وإنما المقصود التنزل للإلزام على زعمهم بلزوم دخول عيسى النار ، وهذا ناظر للوجه الأوّل من أن ما قبله لبيان مجادلة ابن الزبعري ، وقوله : أو آلهتنا أولى وكانت في حكم المذكورة في الأمم السالفة بطل قوله : واسأل من أرسلنا الخ سواء جعل وجهاً مستقلاً أولاً وإن كان الأوّل مقتضى السياق ، وقوله : أو آلهتنا خير أم محمد صلى الله عليه وسلم راجع للوجه الأخير وهو قوله أو إن محمداً يريد أن نعبده كما عبد المسيح. قوله : ( بتحقيق الهمزتين ) همزة الاستفهام والهمزة الأصلية ، والقراءة بهمزة واحدة شاذة عند الأكثر إلا في رواية عن ورس ، وغير هؤلاء قرأ بتسهيل الثانية بين بين ولم يقرأ بإدخال ألف بين الهمزتين لثقله بكثرة الألفات كما في النشر فتخصيص الكوفيين إما في مقابلة التسهيل لأنه يقابل التحقيق أو في مقابلة قراءة ورش كما قيل ، والأوّل أولى وقوله : ألف بعدهما وهي مبدلة من همزة هي فاء الكلمة وأصله أآلهة فأعل إعلال آمن والهمزة الأولى زائدة في الجمع. قوله : ( إلا لأجل الجدل ) فهو مفعول له ، وقيل إنه حال بمعنى مجادلين أي جدالهم على الوجوه السابقة ليس ناشئاً عن اعتقاد لظهور بطلانه ، وقوله : شداد جمع شديد وهو من
صيغة فعل فإنها للمبالغة كحذر ، وقوله : أمرا عجيبا تفسير للمثل كما مرّ ، وقيل هو بمعنى حجة لهدايتهم. قوله : ( وهو ) أي قوله : إنّ هو إلا عبد الخ كالجواب المزيح بالزاي المعجمة والحاء المهملة بمعنى المزيل ، والمراد بالشبهة ما سلف على الوجوه كلها ، أما على الأوّل فلأنه يدل على أنّ عيسى عليه الصلاة والسلام خارج عن عموم ما تعبدون فتخصيصه بقوله : إنّ الذين سبقت الخ وأما على لثاني فلدلالته على عبوديته المبطلة لبنوّته ، وألوهيته وأكل ا على الثالث فلأنه أبطل بعبوديته صحة دعوى عبادته فلا يرد نقضا على قوله واسأل الخ وأما على الرابع فلأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قصره على العبودية ، أبطل كونه معبودا فكيف يريد أن يعبد هو كعيسى عليه السلام ، وقال : كالجواب المزيح لأنه غير صريح فيه. قوله : ( لولدنا ) بتشديد اللام يعني إنه تعالى بقدرته الباهرة يجوز أن يولد الملائكة من البشر كما ولد عيسى عليه السلام من غير أب فمن على هذا تبعيضية أو ابتدائية ، أو المعنى لحوّلنا بعضكم ملائكة فملائكة مفعول ثان أو حال ، والمراد أنّ الملائكة مخلوقون مثلكم لا يصلحون للعبادة ، والذي خيل لكم اعتقادكم كونهم من غير توليد ولو شاء أوجدهم بالتوليد كما أوجدهم بالإبداع ، وقوله : يا رجال تفسير للضمير المخاطب في منكم وإشارة إلى أنه للذكور من غير تغليب ، وأن المعنى أنّ في عظيم قدرته أن يخلق توليداً من الذكور بدون الإناث كما خلق من أنثى بلا ذكر عيسى عليه السلام ، ومن غير ذكر وأنثى آدم عليه الصلاة والسلام وما قيل إنه للإشارة إلى تقبيح جعلهم الملائكة إناثاً لا وجه له فإنه ليس فيه تعرّض لحال الملائكة أصلاً والتشبيه على كل حال في اتخاذ ما هو خارق للعادة. قوله : ( أو لجعلنا بدلكم ) إشارة إلى أنّ من للبدلية كما في قوله : { أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ } [ سورة التوبة ، الآية : 38 ] أي بدلها وكما في قوله :
ولم تذق من البقول الفستقا
ومعنى يخلفون على الأوّل يكونون خلفا ونسلاً لكم ، وعلى هذا يكونون مكانكم بعد إذهابكم وإهلاككم ، ولذا قيل إنه يكون حينئذ توعداً بالاستئصال وهو غير ملائم للمقام ، ولذا قدم المصنف الأوّل وفصله بدون هذا وقيل : المراد بيان كمال قدرته لا التوعد بالهلاك وإن تضمنه ولا مانع من قصدهما معأ. قوله : ( فإنه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك ( وهو التوليد من الرجال ، أو من غير الجنس بخلاف عيسى عليه السلام فإنه من أنثى من(7/447)
ج7ص448
جنسه وقوله : ذوات ممكنة لم يقل أجسام ممكنة أو متماثلة كما توهم أنه الأظهر والأولى لينطبق على
مذهب الحكماء القائلين بأنها ذوات مجرّدة ويسمونها عقولاً كما لا يخفى. قوله : ) يحتمل خلقها توليداً الخ ( ولا حاجة في إثباته إلى أن يقال إنها أجسام والأجسام متماثلة فيجوز على كل منها ما يجوز على لآخر ولا إلى أن يقال معنى خلقها توليدا أن يكون لها نوع تعلق بالجسم من حيث التبعية ، فإذا كنت ممكنة فلا بد أن يجوز ذلك كالإبداع لعدم ما يدل على امتناعه فإن الحوالة على القدرة أظهر وهي كافية في إثباته ، والانتساب قولهم لها بنات الله. قوله : الأنّ حدوثه ) أي خلقه أو ظهور إرساله ، وأشراط الساعة جمع شرط بفتحتين بمعنى العلامة فيكون علم الساعة مجازاً عما تعلم به والتعبير به للمبالغة كإطلاق الذكر عليه وعلى القرآن المعلوم به قربها ، وقوله : أو لأنّ إحياءه الموتى الخ ضمير عليه للبعث المفهوم من السياق يعني إحياء عيسى عليه الصلاة والسلام للأموات بإذن الله يدل على صحة وقوع البعث ، والساعة وقته فيدل ذلك عليها وعلى تحققها في نفسها. قوله : ( وفي الحديث الخ ( هذا الحديث مع مخالفة في بعضه مذكور في الكشاف وأفاد ابن حجر أنه من أحاديث متفرّقة بعضها في الصحيح وبعضها في غيره ، وثنية أفيق بوزن أمير بفاء وقاف وهكذا رواه الحاكم وظاهره أنّ تلك الثنية والعقبة بالقدس الشريف نفسه ، وهو غير ما وقع في القاموس من أنه قرية بين حوران ، والغور فلا يناسب ذكره هنا وتفسيره به ، وهو مخالف للمشهور من نزوله بدمشق واقتداء عيسى عليه الصلاة والسلام فيه خلاف أيضا ، وفيل إنه يؤمهم وتفصيله في كتب الحديث وليس هذا محله وقتله للنصارى ورفع الجزية ليس نسخا لشريعتنا كما يتوهم لأنها في شرعنا مؤقتة بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام كما ذكره المحققون وإلا كان ذلك مخالفاً لكونه !بر خاتم الأنبياء
وشريعته ختام الشرائع ، وقوله : آمن به أي بعيسى عليه الصلاة والسلام والمراد الأمر بما يأمرهم به ومنه الإسلام والإيمان بنبينا صلى الله عليه وسلم والظاهر أنّ الحديث تأييد للأوّل لا للثاني كما قيل. قوله : ( فإنّ فيه الإعلام الخ ) فجعله عين العلم مبالغة أيضا وتمريضه لأنه لم يجر له ذكر هنا ولا يناسب السياق وكونه ضمير النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله : " بعثت أنا والشاعة كهاتين " أ1 ( بعيد ، وقوله : وقيل هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم فهو بتقدير وقل اتبعوني ، ولذا مرضه لأنه تقدير ما لم تقم عليه قرينة من غير حاجة. قوله : ) ثابت عداوته ) بالمثلثة اسم من الثبوت في نسخة وفي أخرى بانت فقيل بالموحدة والنون بمعنى ظهرت ورجحت هذه على أنها إشارة إلى أنه لازم من أبان بمعنى بأن ففيه مضاف مقدر أو هو بيان لما يراد منه لأنه معلوم من وصفه به ، وهو محتمل للتعذي بتقديره مظهر عداوته. قوله : ( بالمعجزات الخ ا لا مانع من إرادة الجميع ، وقوله : الواضحات صفة للجميع إن لم يكن هذا العطف مانعا منه والا فهو نعت للأوّل أو الأخير ويقدر لغيره مثله وليس من التنازع في شيء كما توهم إذ لا وجه للتنازع في النعت ، وقوله : بالإنجيل الخ لم يقل أو المعجزة على قياس ما قبله لأنه لا يناسب تسميته حكمة ، وفي الكشاف والشرائع بالواو والجمع وهو أشمل وأفيد والمصنف نظر إلى أفراد الحكمة وصحة التفسير لكل بها. قوله تعالى : ( { وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ } الخ ) متعلق بمقدر أي وجئتكم الخ وقد تقدّم تفصيله ، وأنه لم يترك العاطف ليتعلق يما قبله ليؤذن بالاهتمام بالعلة حتى جعلت كأنها كلام برأسه ، وقوله : وهو ما يكون الخ إشارة إلى وجه ذكر البعض فيه ، وقوله : " أنتم أعلم " الخ حديث صحيح قاله لبعض الصحابة رضي الله عنهم وقد استشاره في تأبير نخله ويجوز أن يراد بالبعض بعض أمور الدين لأنه لا يمكن بيان جميعها تفصيلاً وبعضها مفوّض للاجتهاد. قوله : ) بيان لما أمرهم الخ )
التوحيد من توسط ضمير الفصل ، وتعريف الطرفين وكونه بيانا للحكمة مآله هذا أيضاً والتعبد من قوله : فاعبدوه ، وقوله : المتحزبة بمعنى المختلفة إلى جماعة جماعة وحزب حزب وهم النصارى الذين هم أمّة إجابته فإنهم اختلفوا فرقا ملكانية ونسطورية ويعقوبية كما مرّ. قوله : ) أو اليهود والنصارى ) الذين هم أمّة دعوته عليه الصلاة والسلام ، واليه أشار بقوله المبعوث إليهم ، وقوله : من المتحزبين على التفسيرين وهم الذين لم يقولوا إنه عبد الله ورسوله من النصارى أو اليهود ، وقوله : أليم صفة عذاب أو يوم على الإسناد المجازي ، وقوله : الضمير(7/448)
ج7ص449
لقريش فيكون حينئذ ابتداء كلام ، وينظرون بمعنى ينتظرون وهو مجاز بجعله كالمنتظر الذي لا بد من وقوعه تهكما بهم ، ويجوز جعل إلا بمعنى غير وبه فسر في سورة القتال ، وفجاءة بالضم والمذ. قوله : ( كافلون عنها الخ ( بيان لأنّ قوله : { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } ليس مستدركاً مع قوله : بغتة فإن من يبغت قد يكون لمن له فطنة وشعور ، وقد لا يكون كذلك ومع أخذ الإنكار فيه يتضح ذلك أتم اتضاج. قوله : ( أي يتعادونا يومئذ الخ ) إشارة إلى تعلق الظرف بعدوّ ، وان تقدمه والفصل لا يضره ، والعلق جمع علقة يمعنى العلاقة وهي ما يقتضي المحبة ، ويجوز تعلقه بالإخلاء ومتعلق عدوّ مقدر أي في الآخرة على أن يومئذ المراد به في الدنيا ، وقوله : لظهور علة للانقطاع لبيان أنّ المراد به انقطاع مستلزم للعداوة وسبباً حال من الموصول. قوله : ) حكاية الخ ) إشارة إلى أنه بتقدير قول أي فيقال لهم : يا عبادي أو بأقوال لهم بناء على أن المنادي هو الله تعالى تشريفاً لهم ، وقوله : يومئذ أي في الآخرة لأنه لا يظهر كونه في الدنيا إلا بتكلف كما قيل ، وقوله : صفة المنادي وفي نسخة للمنادي ، ويجوز كونه بدلاً ونصبه بمقدر كامدح ونحوه ، وقوله : حال من الواو بتقدير قد وإنما جعله حالاً ولم يعطفه على الصلة مع تبادره إلى الذهن واستغنائه عن التقدير لما أشار إليه بأنه أبلغ كما في الكشاف لأنّ المراد بالإسلام هنا الانقياد والإخلاص ليفيد ذكره بعد الإيمان فإذا جعل حالاً أفاد مع تلبسهم به في الماضي اتصاله
بزمان الإيمان ، وكان تدل على الاستمرار أيضا ومن هنا جاء حالاً أفاد مع تلبسهم به في الماضي اتصاله بزمان الإيمان ، وكان تدل على الاستمرار أيضاً ومن هنا جاء التأكيد والأبلغية بخلاف العطف والحال المفردة. قوله : ) نساؤكم المؤمنات ( إشارة إلى إفادة لإضافة! للاختصاص التام ليخرج من لم يؤمن منهن ، وليس احترازا عن الحور العين كما توقم ، وقوله : يظهر حبارة بفتح الحاء وكسرها أي نضرة وحسنا في الوجوه كما ترى فيمن يسر سرورا عظيما وهو إشارة إلى مأخذه وهو مع ما بعده متحد معنى وإنما الفرق في المشتق منه هل هو الحبارة بمعنى نضارة الوجه ، أو الحبر بكسر الحاء وفتحها بمعنى الزينة. قوله : ) أو تكرمون الخ ( هذا منقول عن الزجاج ، وقوله : الحبرة بالفتح المبالغة في الفعل الموصوف بأنه جميل ومنه الإكرام فهو في الأصل عام أريد به بعض أفراده هنا ، والصحفة آنية الأكل والكوب والكوز ما يشرب منه إلا أنّ الأوّل ما لا عروة له ، ولما كانت أواني المأكول أكثر بالنسبة لأواني المشروب عادة جمع الأوّل جمع كثرة والثاني جمع قلة. قوله : الا عروة له ( العروة ما يمسك منه ، ويسمى أذنا ولذا قال الشاعر ملغزا فيه :
وذي أذن بلا سع له قلب بلاقلب
إذا استولى على صب فقل ماشئت في الصب
وقوله : على الأصل أي ذكر عائد ما الموصولة ، ويجوز كونها مصدرية لكن الأوّل
أظهر. قوله : ) وذلك ) أي ذكر ما تشتهيه النفوس وتلذ به العيون الشامل لكل لذة ونعيم بقوله : وفيها الخ بعد ذكر الطواف عليهم بأواني الذهب الذي هو بعض من التنعم ، والترفه تعميم بعد تخصيص كما أنّ ذكر لذة العين التي هي جاسوس ألنفس بعدها تخصيص بعد تعميم ، وإن أدخل فيه النظر إلى وجهه الكريم. قوله : ( فإنّ كل نعيم زائل ( أي غير نعيم أهل الجنة وليسر المراد ما يشمله وزواله بمعنى ذهاب بعض أفراده بتجدد الأمثال كما يوجه به قوله :
وكل نعيم لا محالة زائل
إن لم يخصص وهذا بيان لخطابهم بقوله : وأنتم الخ فإنه تأكيد لقوله : { لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ }
[ سورة الزخرف ، الآية : 68 ] وثاني الحال ما يعقبه ولله در القائل :
وإذا نظرت فإنّ بؤساً زائلا للمرء خيرمن نعيم زائل
قوله : ( شبه جزاء العمل بالميراث ( ففيه استعارة إذ شبه ما استحقوه بأعمالهم الحسنة من
الجنة ونعيمها الباقي لهم بما يخلفه المرء لوارثه من الأملاك والأرزاق ويلزمه تشبيه العمل نفسه بالمورث بصيغة اسم الفاعل فهو استعارة تبعية أو تمثيلية ، ويجوز أن تكون مكنية ويجوز كونه مجازاً مرسلا لنيله وأخذه فقوله : لأنه الخ بيان لوجه الشبه وضمير أنه للشأن ، ويخلفه مضارع خلفه إذا صار خليفة له والعامل فاعله وضمير يخلفه للعمل وضمير عليه للجزاء ، أي يخلفه ثابتا ومستولياً على ما ناله من جزائه بفضل اللّه تعالى ، وتوفيقه وقد مز فيه وجه آخر في سورة مريم ، وقدمنا ما فيه ثمة. قوله : ) إشارة إلى الجنة المذكورة ( الظاهر أن المراد به المذكورة في قوله : ادخلوا الجنة ، وقد أورد عليه أنه إذا كانت الجنة صفته تكون الإشارة إلى الواقعة(7/449)
ج7ص450
صفة لا إلى السابقة وقد جعلها صفة على تقدير أن يكون المشار إليه الجنة المذكورة في قوله : { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ } [ سورة الأعراف ، الآية : 49 ] كما مرّ في البقرة وهو على تسليمه قد يدفع بأن المذكورة شامل لما ذكر قبله بعده ، وقوله : وعليه أي على كونه جزاء ، وهذا في غاية الظهور غني عن البيان والباء للمقابلة أو السببية كما مرّ.
قوله : ( بعضها تثلون ( فمن تبعيضية ويجوز كونها ابتدائية ، وأشار بقوله : لكثرتها إلى ترجيح التبعيض بدلالته على كثرة النعم وأنها غير مقطوعة ولا ممنوعة ، وقوله : لما كان أقي في الدنيا فهو تسلية لهم ، وأما كون أكثر المخاطبين عوام نظرهم مقصور على الأكل والشرب كما قيل : فغير تام وقصر أكلهم على الفاكهة إشارة إلى أنهم لا يلحقهم الجوع وإنما يأكلون تفكها فتقديم منها إما للحصر الإضافي أو للفاصلة. قوله : الأنه جعل قسيم المؤمنيق ( بآياتنا السابق في قوله : { الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا } فلا يدل على خلود العصاة كما ذهب إليه المعتزلة والخوارج ولا يضر خروجهم لأن المراد بالذين آمنوا المتقون لقوله : { لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } [ سورة الزخرف ، الآية : 68 ] فإنه مختص بهم ولا ضير فيه كما توهم ، والقول بأن الذين آمنوا شامل لهم لأنّ العلة إيمانهم وإسلامهم لا يخفى ما فيه ، وقوله : الكاملين لانصراف المطلق له بيان لوجه التخصيصر ، ويجوز أن يكون تعريفه للعهد وما يخص بالكفار ما بعده.
قوله : ) خبر أنّ ( أي الظرف خبر وخالدون فاعله لاعتماده أو خالدون هو الخبر والجار متعلق به ، وقوله : والتركيب أي مادّته بأقي صيغة كانت تدل على لضعف مطلقا ففترة الحمى ضعف في ألمها وكذا العذاب ، وفتور القوى وغيره وفترة الرسل الزمان الخالي منهم ، وفيه ضعف الشرائع والإيمان ، وفسر الإبلاس باليأس وأصله السكوت وانقطاع الحجة وهو قريب من هذا وقوله : وهم فصل أي ضمير فصل لا مبتدأ فيفيد التخصيص. قوله : ( ولعله ( أي الترخيم على لغة الانتظار وغيرها كما نبينه لأنهم قد يضعفون عن إتمامه كما يشاهد في بعضى المكرويين لا لقصد التصرف في الكلام وهو إشارة إلى الجواب عن قول ابن مسعود رضي الله عنه ، وقد حكيت له هذه القراءة فقال ما أشغل أهل النار عن الترخيم ، وقوله : اختصروا أي بطلب الموت واضمار قولهم : سل ربك وقل ليقض الخ كما أشار إليه بقوله : والمعنى الخ وقوله : ربك لحثه لا للإنكار. قوله : ( وهو لا ينافي إبلاسهم الخ ( قد أورد عليه أنه جواب سؤال مقدر كما في الكشاف لكنه إنما أورده لأنه اعتبر في معنى الإبلاس السكوت لليأس والدهشة فلذا ورد عليه أنّ قولهم لمالك ما ذكر ينافيه فدفعه بقوله : إن أوقات العذاب متطاولة فيأسهم يخرسهم في بعضها ، وذهولهم في بعض أوقات الشدة يحملهم على الاستغاثة :
وكذا الغريق بكل حبل يعلق
وأمّا المصنف كغيره فلم يعتبره فلا يرد عليه السؤال حتى يحتاج للجواب فهو تبرع على
من لا يقبل اللهمّ إلا أن يريد بيأسه من الخلاص من العذاب ، ولو بالموت فإن الحال التي يتمنى فيها الموت شر من الموت لكن مثله لا يسمى خلاصا ، ونجاة إلا مع القرينة والقرينة هنا قوله : بعد هذا بموت ولا بغيره فإنه صريح فيه ، وما قيل غليه من أن قوله ونادوا الخ معطوف بالواو وهي لا تقتضي ترتيبا فلا يرد السؤال رأساً وكذا ما قيل إنه أراد باليأس اليأس مع السكوت لتصريحه به في سورة الروم وإنما تعرّض له ثمة ولم يتعرض له هنا إشارة إلى أنه مجرّد عن قيده هنا ، وما في الكشاف لا يناسب دوام الجملة الاسمية والسؤال إنما يرد في بادئ الرأي فأحب إزالة قذي الشبه عن ناظره ظاهر السقوط مع التدبر إذ جملة ، وهم فيه مبلسون حالية لا تنفك عن الخلود وما ذكر في محل آخر لا يفيد هنا وهكذا يعرف باقيه. قوله : ) فإنه
جؤار ) بضم الجيم ، وبعده همزة كالصراخ لفظا ومعنى والصياح في الشدة لا ينافي اليأس منها ، وكذا التمني فإنه يجري؟ في المحالات فقوله : من فرط الشدة راجع لهما ، وقول مالك في جوابهم إنكم ماكثون لا ينافيه فإن الملك لا يلزمه العلم بخفي أحوالهم مع أنه قد يقوله صلى الله عليه وسلم لهم وتقنيطاً مع أنه مبني على أنه جواب وشيأتي ما فيه. !قوله : ( جمالإزسالى الخ ( الظاهر أنه تفسير لقوله : بالحق فيكورن بدلاً منه فلا يلزم تعلق حرفي جرّ بخمعنى بمتعلق واحد حتى يقال الباء الأولى للتعدية والثانية للسببية. قوله : ) وهو ) أي قوله : لقد جئناكم الخ بناء على احتمال كؤن فاعل قال ضمير الله : المستتر أو ضمير ما لك فعلى الأوّل كله حمقو!ل الله في جوابهنم ، وكتمته بهذا فإنه الجواب في الحقيقة وعلى الثاني يكون هذا ابتداء كلام من ألله فهو جواب تولاه بنفسه يعد ما صدر(7/450)
ج7ص451
من مالك في سورة الجواب ، وعلى كل ليس هذا من قول مالك لا لأنّ ضمير الجمع / ينافيه بل لأنّ مالكا لا يصح امنه أن يقوله لأنه لا خدمة له غير خزنه للنار ، وليس هذا من إسناد ما للبعض إلى الكل مع ركاكته ، ولزوم !تفكيك الضمائر إلى غير ذلك من التكلفات ، وقيل إنّ قوله إنكم ماكثون خاتمة حال الفريقين في القيامة ، وقوله : لقد الخ كلام آخر. مع قريش والمراد جئناكم في هذه المسورة أو القرآن. قوله : ( ولكن كثركم ) - خطاب للكضار على الوجهين ، وعبر بالأكثر لأنّ من الاتباع من يكفر تقليدا ، والأدآب بالمد ؤكسر!همزته الأولى بمعنى الأتعاب وقوله : في تكذيب الحق متعلق بأبرموا وأصل الأبرام فثل الحبل ويراد به التدبير والأحكام وفد يتجوّز به عن الإلحاح والمراد هنا المعنى الثاني ، وقوله : ولم يقتصروا على كراهته إشارة إلى أنّ أم للإضراب عما قبلها وقوله : في جازاتهم ، واظهار أمرك وهو إشارة إلى أنّ إبرأ مهم لا- يفيدهم ولا يغني عنهم شيئاً. قوله : ( والعدول عن الخطاب ) في أكثركم إلى الغيبة في أبرموا إعر ، ضاً عنهم لسوء فعالهم ، وقوله : بأنّ ذلك أي إبرامهم تكذيب الحق أسوأ حالاً من كراهته لأنه تصميم على إظهار ما في أنفسهم. قوله : ( أو أم أحكم المشركون الخ ) من كيدهم بيان للأمر الذي أحكموا تدبيره في دار الندوة من كاقتله صلى الله عليه وسلم فكان ذلك راجعا عليهم وقوله : ويؤيده الخ لأنه يدل على أنّ ما أبرموه أمر أخمروه فيناسب الكيد دون تكذيب الحق فإنهم مجاهرون به إلا أن يكون باعتبار أنهم يعلمون حقيقته ، ويسرونها في أنفسهم ، وهو خلاف الظاهر. قوله : ( حديث نفسهم ) السر يكون بمعنى حديث النفس ، وحديث الغير خفية ، وحمله
على لأوّل لأنه المقابل للنجوى وهي مناجاته الغير خفية لأنّ أصل معنى المناجاة المسارة كما ذكره الراغب قال تعالى : { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى } [ سورة طه ، الآية : 62 ] وقوله بذلك إشارة إلى كيدهم لرسوله صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي أخفوه دون التكذيب فهو ترجيح للوجه الثاني ، وقوله : تناجيهم أي تحادثهم سراً وأصله الحديث على نجوة من الأرض ويكون بمعنى التحادث مطلقا ، وفيه إشارة إلى أنه مصدر في الأصل وقد يتجوّز به عن الحديث ، وقوله : مع ذلك أي السمع وقوله : يكتبون ذلك أي سرهم ونجواهم والمضارع للاستمرار وهو حال أو خبر أيضاً فقوله ة ملازمة يجوز نصبه ورفعه. قوله : ( منكم ( بيان للمفضل عليه ، وأنّ أوّليته بالنسبة لهؤلاء الكفرة لا لمن تقدمهم فمانه لا يتأتى ولو أبقى على إطلاقه على أنّ المراد إظهار الرغبة والمسارعة جاز ، وقوله : فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم الخ تعليل للملازمة ونفي لأن يكون عدم عبادته له لعدم علمه به ، وقوله : يصح إشارة إلى إن كان في النظم بمعنى صح كما يقال : ما كان لك أن تفعل كذا وهو أحد استعمالاتها. قوله : ( وأولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه ) أي ما يوجبه حق الله عليه من تعظيمه وعبادته ، أو ما يوجبه الله عليه كما أشار إليه بقوله : ومن حق الخ ومن غفل عن هذا قال : الأوفق بما بعده أن يقول ما يجب ، واختار هذا للإشارة إلى أنه لا يفعل شيئا من تلقاء نفسه بغير موجب ومقتض. قوله : ( ولا يلزم من ذلك الخ ) والإشارة إلى ما ذكر من قوله : وان كان الخ حيث علق فيه عبادة الولد على صحة وجوده بكلمة ، إنّ دون لو المستعملة في المفروضات ولو محالاً فإنها وان لم تقتض وقوع ما بعدها لا تنافي جوازه وصحته ، وقوله : إذ المحال قد يستلزم المحال فكينونة الولد المحالة مستلزمة لمحال آخر وهو عبادته يعني أنها شرطية والشرط إنما يدل على استلزام أحد الطرفين للآخر ، ولو محالاً فإنّ المحال قد يستلزم المحال وان قد تستعمل في مثله كلو لنكتة كما بينه أهل المعاني فالتعليق بها لا يستلزم صحة الكينونة ، فما قيل : إنّ هذا لا يصلح لتعليل ما قبله وتقريره مما لا يلتفت إليه. قوله : ( بل المراد نفيها ) أي نفي صحة الكينونة وهو أولى من رجوعه للكينونة ، وفي نسخة نفيهما بضمير التثنية العائد على صحة الكينونة والعبادة ، وقوله على أبلغ الوجوه وهو الطريق البرهاني والمذهب الكلامي فإنه في الحقيقة قياس استثنائي استدل فيه بنفي اللازم البين انتفاؤه على نفي الملزوم كما في قوله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ } الخ فإنه استدل فيه بانتفاء الفساد على انتفاء تعدد الآلهة ولا تفاوت بينهما إلا باختصاص لو غالباً بالمقطوع الانتفاء فتشعر بانتفاء الطرفين ، وان بخلافه لأنها لمجرّد التعليق فالانتفاء هنا معلول اللازم أعني عبادته صلى الله عليه وسلم للولد فإن هذا اللازم يقتضي عدم نفسه
كفردية الأربعة المقتضية لعدمها ، وهذا الانتفاء الذي تقتضيه ذات اللازم المنتفي دال على انتفاء(7/451)
ج7ص452
الملزوم أي كينونة الولد ، وايرادان في مقام لو كما يشير إليه تمثيله لجعل ما في حيزها بمنزلة ما لا قطع بعدمه على طريق المساهلة ، وارخاء العنان للتبكيت والإفحام كما في شرح المفتاح الشريفي. قوله : ( غير أن لو الخ ( إشارة إلى الفرق بين الآيتين في طريق الاستدلال بتغاير كلمتي الشرط فيهما ، وانه أسلوب واحد عدل عن تعبيره لنكتة كما قدمناه ، وقوله : مشعرة بانتفاء الطرفين فإنها للاستدلال بانتفاء الجزاء على انتفاء الشرط من غير دلالة على تعيين زمان كالماضي وقوله : فإنها لمجرّد الشرط وفي نسخة الشرطية وهما بمعنى يعني أنها لا تشعر بالانتفاء على التعيين فلا ينافي إشعارها بالشك فتدبر. قوله : ( بل الانتفاء معلول لانتفاء اللازم الخ ) إشارة إلى طريقه البرهاني كما قرّرناه لك ، والمراد باللازم عبادته للولد وهو مقتض لنفي نفسه كفرد من الأربعة وهذا الانتفاء الذي يقتضيه ذات اللازم المنفي كما يشير إليه قوله معلول لانتفاء اللازم الدال على انتفاء ملزومه ، وهو كينونة الولد هكذا ينبغي أن يقرر كلامه على ما و!ع اللازم أي عبادته صلى الله عليه وسلم في نفسه ، وان لم تشعر به كلمة إن وهوكاف في الاستدلال فما ذكر من الكلام المصدر بأن لا يدل على صحة الكينونة. قوله : ) والدلالة على إنكاره الخ ) هو مرفوع معطوف على قوله نفيهما أي المراد إفهامه الكفار أنّ مقصوده النظر ، والاستدلال لا المراء والجدال فلذا سيق على هذه الطريقة مصدر إبان دون لو المشعرة بالانتفاء الموهم للعناد والمراء ، وبهذا التقرير يظهر أنه يجوز جره وعطفه على قوله : لمجرد الشرط كما ارتضاه بعض أرباب الحواشي. قوله : ( إن كان له ولد في رّعمكم الخ ( قال الإمام هذ الوجه لا صحة له لأنه لا تأثير لزعمهم الولد الواقع شرطا ولما رتب عليه من الجزاء وهو غير وارد لأنّ المراد أن أكون أوّل العابدين الموحدين كناية عن إنكار شركهم كما قرره الزمخشري بقوله : { إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ } في زعمكم [ سورة الزخرف ، الآية : 81 ] فأنا أوّل العابدين الموحدين لله المكذبين قولكم ب!ضافة الولد إليه انتهى ، فإنّ نسبتهم الولد لله تقتضي أن يكذبهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأن يكون أوّل من ينكره لأنه صاحب الدعوة إلى التوحيد ، فلا حاجة إلى تكلف أن تسببه عن الشرط باعتبار الأوّلية في العبادة والتوحيد من بينهم إذا أطبقوا على ذلك الزعم يكون لمجلى أوّلهم لا محالة ، وكذا ما قيل في جوابه أن السببية بح!سب الذكر كقولك إن تضربني فأنا لا أضربك ، ولكونه غير ظاهر في الارتباط مرضه المصسنف رحمه الله. قوله : ) أو الآنفين منه ) يعني أنه من
عبد يعبد كفرح يفرح إذا أنف أنفة أي جحد بفتحتين كعظمة والأنفة معناها الإباء من الشيء والإنكار لما فيه كراهة منفرة عنه ، وهي إمّا من الولد أو من كونه لله ونسبته كما فصله المصنف ، ويؤيده أنه قرئ ، من العبدين جمع عبد كحذر لأنه المعروف في معنى أنف ، وقلما استعمل عابد بمعناه ، ولذا ضعف أبو حيان هذا التأويل لمخالفته لما عرف في الاستعمال ، ومن أن يكون معطوفا على ضمير منه بإعادة الجار. قوله : ( أو ما كان له الخ ) فإن نافية وكان للاستمرار والمقصود استمرار النفي لا نفي الاستمرار ، والفاء للسببية ولكونه خلاف الظاهر مع خفاء وجه السببية أو حسنها مرضه المصنف رحمه الله ، وقراءة حمزة على أنه جمع ولد. قوله : ( عن كونه ذا ولد ) تفسير لما وهي تحتمل الموصولية بتقدير يصفونه به ، والمصدرية والثاني ظاهر من عبارة المصنف رحمه اللّه لا متعين ، وقوله : أصولاً ليكون أكثر الموجودات منها وبها وهو إشارة إلى وجه تخصيص المذكورة بالذكر والأولى إنها كناية عن جميع العوالم فيفيد أنه خالق لها كل!ها فكيف يكون بعض مخلوقاته ، ولداله فإن تبرؤها من التوليد لا معنى له إلا بتكليف بعيد قوله : ( أي يوم القيامة ( فسره به لأنه هو اليوم الموعود وبه سمى في لسان الشرع ، وقد ذكره القرطبي رحمه الله في أسماء يوم القيامة ، وإن كان المصمنف رحمه الله فسره به في الطور ، وأما كون الغاية للخوض واللعب إنما هو يوم الموت فينبغي التفسير به كما قيل فمخالف للمعروف ، ولما بعده من ذكر الساعة ، والذي دعاه لذلك أنقطاع ما ذكر بالموت وهو مدفوع بأنّ الموت وما بعده في حكم القيامة ، ولذا ورد من مات فقد قامت قيامته ، ومثله قد يراد به الدلالة على طول المدّة مع قطع النظر عن الانتهاء فيقال لا يزال في ضلاله إلى أن تقوم فتدبر. قوله : ( وهو دلالة الخ ) كونه جهلاً مأخوذ من الخوض لأنه(7/452)
ج7ص453
في الأكثر يستعمل في الكلام بما لا يعلم لأنّ الحائض يضع قدمه فيما لا يراه ، وربما صادف ما يغرقه لعمقه واتباع الهوى من اللعب ، والطبع على قلوبهم في باطلهم إلى يوم القيامة وأمره بتركهم والعذاب من كونهم موعودين به. قوله : ( مستحق الخ ) إنما ذكر الاستحقاق لأنه على الوجهين لا تلزم العبادة بالفعل وضمير به لا له ، وهو إمّا صفة من إله بمعنى عبد فتعلق الظرف ، وهو في السماء وفي الأرض به ظاهر ، أو هو يفهم منه لأنه لازم له كما يفهم من حاتم معنى جواد فيتعلق به الجار
بهذا الاعتبار ، وكذا لفظة الله لأنّ أصلها الإله فيجري فيها ما يجري فيه. قوله : ( والراجع ) أي عائد الموصول والتقدير هو إله في السماء ، وقوله : لطول الصلة تعليل لقوله : محذوف متعلق به ، وقوله : بمتعلق الخ متعلق بطول ، وقوله : والعطف عله أي على الخبر لا على متعلقه كما قيل لأنه يصير إله الثاني تكريراً محضا والتأسيس أولى. قوله : ( ولا يجوز جعله ) أي قوله في السماء خبراً له أي لقوله : إله وهو معطوف على قوله ، والظرف الخ لعدم العائد وفساد المعنى أيضاً وقوله : لكن لو جعل أي الظرف صلة للذي ، وجواب لو محذوف تقديره جاز أو صح ، وقوله : قدّر لإله مبتدأ الخ إنما اختاره على كونه خبراً آخرا وبدلا من الموصول ، أو من ضميره بناء على تجويزه لأنّ إبدال النكرة غير الموصوفة من المعرفة إذا أفادت ما لا يستفاد أو لا جائز حسن كما هنا كما مرّ تقريره في الوادي المقدس طوى لأنّ البيان أتم وأهمّ هنا فلذا رجحه مع ما فيه من التقدير ، وحينئذ فلا فاصل أجنبي بين المتعاطفين. قوله : ) وفيه ) أي في هذه الآية نفي الإلهية عن غيره تعالى ، وهو من تعريف الطرفين المفيد للحصر ، وكذا الاختصاص المذكور مستفاد منه ومن التقديم ، وقوله : كالدليل عليه أي على ما ذكره من النفي والاختصاص فإن من لا يتصف بذلك لا يستحق الألوهية ، وقوله : العلم بالساعة إشارة إلى أنه من إضافة المصدر لمفعوله ، وقوله : التي تقوم القيامة فيها الخ فالمراد بالساعة معناها اللغوي ، وهو مقدار قليل من الزمان لكنه في عرف الشرع جعل اسماً ليوم القيامة كما في شرح البخاري. قوله : ( وقرأ نافع الخ ) قد علمت أن المصنف رحمه الله لا يلتزم في تفسيره البدء بما عليه أكثر القراء فقول المحشي إنه مخالف معتاده لموافقته ما قبله وكونه على مقتضى ظاهر لا وجه له وإفادة الالتفات للتهديد لأنّ توجيه الخطاب للمذنب أشد في عتابه ، وقوله : الذين يدعون ضمير الفاعل للكفار ، والعائد مقدر أي يدعونه. قوله : ) بالتوحيد ( تفسير لقوله : بالحق وأمّا كونه إبراز المفعول يعلمون كما قيل فإن أراد إبرازه بالمعنى ، والتقدير يعلمونه لأنه ضمير الحق فتفسيره تفسيره فظاهر وإن أراد ما هو المتبادر منه فهو بناء على أنه لكونه بمعنى عارف فيتعدى بالباء كما يقال هو عالم بالله وهو صحيح لكنه خلاف المعروف فيه ، واستدل الفقهاء
بهذه الآية على أنّ الشهادة لا تكون إلا عن علم وأنها تجوز وإن لم يشهد. قوله : ( والاستثناء متصل الخ ) الاتصال والانفصال على ما ذكره ظاهر والقصر قيل إنه على الأوّل إضافي فلا ينافي شفاعة غير من يدعونه ، أو حقيقي لأن الكلام في شفاعة الآلهة لا في مطلق الشفيع فلا ينافي شفاعة غيرهم ، وعلى الثاني حقيقي وفي كلام المصنف بحث لأن المعنى على التعميم والتخصيص بالأصنام لأنّ غيرهم لا يملك لاشفاعة للكفرة فالظاهر أنّ الاستثناء منفصل على كل حال فتأمل. قوله : ( أو المعبودين الخ ) فضمير خلقهم لهم ، وقوله : لتعذر المكابرة تعليل للتفسير الأوّل ، وعلى الثاني فتعليله لإقرار آلهتهم للتبرؤ منهم ، وتكذيبهم وفاء فأنى جزائية أي إذا كان كذلك فأنى الخ ، والمراد التعجب من إشراكهم مع إقرارهم وهذا على تفسيره الأوّل أيضاً ، وعلى الثاني وجه الترتيب علمهم بإقرار المعبودين بهذا وقوله : يصرفون عبادته تفسير ليؤفكون كما مرّ ، وقيل : المعنى فكيف يكذبون بعد علمهم بذلك فهو تعجيب من عبادة غيره تعالى وانكارهم للتوحيد مع أنه مركوز في فطرتهم فهو متعلق بما قبله من التوحيد ، وإقرارهم بأنه هو الخالق وأما كون المعنى كيف أو أين يصرفون عن التصديق بالبعث مع أنّ الإعادة أهو من الإبداء على أنه متلعق بأمر الساعة ، كما قيل : فيأباه السياق ، ولذا لم يحتجوا له. قوله : ( وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( المذكور في قوله : { لَئِن سَأَلْتَهُم } والقيل والقال والقول مصادر جاءت بمعنى واحد وقوله : ونصبه للعطف على سرهم السابق في قوله : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم } [ سورة الزخرف ، الآية : 81 ] وهو قول الأخفش(7/453)
ج7ص454
كما في الكشاف ورده بأنه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف ، والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر النظم وما ذكره من الفصل ظاهر ، وامّا ضعف المعنى وتنافر النظم فغير مسلم لأن النظم تقديره حينئذ أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ، ونجواهم ولا نسمع قيله الخ وهو منتظم أتم انتظام ، ولذا لم يلتفت إليه. قوله : ( أو على محل الساعة ( لأنه في محل نصب لأنه مصدر مضاف لمفعوله كما بيناه ، وقد أورد عليه الزمخشري ما قدمناه ، وهو غير وارد كما عرفته لأن المعنى عنده علم الساعة ، وعلم قول الرسول المذكور ولا ركاكة فيه والفصل هنا أقل من الأول فيقل الاعتراض. قوله : ( أو لإضمار فعله ( أي يقدر فعل ناصب له على المصدرية والتقدير ، وقال : قيله يا رب الخ والجملة معطوفة على ما قبلها ، وقال الشارح المحقق : إنه لا يظهر فيه ما يحسن عطف الجملة عليه ، وليس التأكيد بالمصدر في موقعه ولا ارتباط لقوله : فاصفح به ، ولذا قيل إنه التفات والمراد قلت قيلك فينتظم الكلام بعض انتظام ، وقال الطيبي موجها له
تقديره وقلنا لك : ولئن سألتهم الخ فقلت يا رب يأسا من إيمانهم وجعل غائبا التفاتا كأنه فاقد نفسه للتحزن عليهم حيث لم ينفع فيهم سعيه ، وقد قيل أيضا أنه يجوز فيه كما في الرفع أيضا أن تكون الواو حالية أي فأنئ يؤفكون ، وقد قال الخ أي حال كون الرسول شاكيا من إصرارهم على الكفر ، ولا يخفى أنه كله خلاف الظاهر. قوله : ( عطفاً على الساعة ) هذا لم يرتضه الزمخشريّ ويعلم حاله مما قبله ، وقراءة الرفع شاذة وفي الإشارة إليهم بهؤلاء دون قوله : قومي ونحوه تحقير لهم ، وتبرؤ منهم لسوء حالهم وقرئ : يا رب بفتح الباء اجتزاء بالفتحة ، وقوله : بتقدير مضاف أي علم قيلة فحذف وأقيم المضاف إليه مقامه ، ويجوز عطفه عليه من غير تقدير أي ذلك معلوم له فيجازيهم عليه. قوله : ( وقيل هو قسم الخ ) هذا بوجهيه مختار الزمخشري لبعد العطف وضعفه ، ولذا قال ابن هشام رحمه الله إنه خلاف الظاهر إذ الظاهر هو انّ قوله : يا رب الخ متعلق بقيله ، واذا كان إنّ هؤلاء جواب القسم كان إخبار الله تعالى عنهم وكلامه ، والضمير في قيله للرسول وهو المخاطب بقوله : فاصفح والمصنف رحمه اللّه تعالى لم يرتضه ومرضه لما فيه من الحذف من غير قرينة ، وهو إنما عهد في كلام العرب فيما اشتهر استعماله في القسم نحو لعمرك أو ما هو صريح فيه ، وإن كان سبق القسم قبله في قوله : ولئن سألتهم لأنّ اللام فيه موطئة للقسم بما يؤنسه ، ويقربه وهو الذي رجحه الزمخشري واقسام اللّه بقيله رفعاً له وتعظيما لدعائه ، والتجائه وقابل الحذف بالإضمار لما مرج من اصطلاحهم في الأكئر على تسمية المقدر إن لم يبق له أثر محذوفا فإن بقي فهو مضمر ووجهه ظاهر كما مرّ ، ولو جعلت الواو على قراءة الجرّ قسمية ، كان ظاهراً لكهم لم يتعرضوا له ليكون بمعنى في القرا آت. قوله : ( وقيله يا رب قسمي الخ ) يا رب مقول القول وانّ هؤلاء الخ جواب القسم على الوجوه ، وأمّا تقدير قسمي فمخصوص بالرفع والجواب إخبار من الله بأنهم لا يؤمنون لا من كلام الرسول. قوله : ( فأعرض الخ ) مرّ أنّ الصفح لي صفحة العنق فكني به عن الإعراض! ، والأعراضر عن الدعوة ظاهر في عدم القتال والسورة مكية فيكون هذا منسوخا ، وقوله : تسلم منكم ومتاركة يعني أن سلام خبر مبتدأ تقديره أمري سلام ، وتسلم تفسير له فهو عطف بيان أو بدل منه وقوله : متاركة بيان للمراد منه ، وانه سلام متاركة لا سلام تحية فإن أريد الكف عن القتال فهي منسوخة ، وإن أريد عن مقابلتهم بالكلام فلا ، وقوله : على أنه أي هذا الكلام من المأمور بقوله : فيكون من مقول قل ، وما يكون لهم يكون بصيغة الخطاب فلذا حكى بها ، ولا حاجة إلى تقدير على أنه كلام صادر من الماً مور بقوله ، وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم كما قيل. قوله : ( عن
-416
صورة الزخرف / الآية : 89
القيامة يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا ألتم تحزنون ) .
النبي صلى الله عليه وسلم الخ ) حديث موضوع ورائحة الوضع منه فاتحة ، ومناسبته تقدم ما ذكر في نظمها ( تمت السورة ) اللهمّ اجعلنا ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بجاه أكرم الرسل لمجيه وعلى آله وصحبه أجمعين.
سامح بفضلك من أتى ذنبا ولقنه المعاذر
وبزخرف من قوله :
كن أنت للزلات غافر(7/454)
ج7ص455
سورة الدخان
قوله : ( مكية الخ ) استثناء الآية المذكورة مختلف فيه أيضا. قوله : ( وهي سبع الخ ) قال
الداني في كتاب العدد : هي خمس أو تسع آيات في الكوفي ، وسبع آيات في البصرى ، وست
في عدد الباقين اه ، والاختلاف في العدد بناء على أنّ حم آية مستقلة ، وقوله : { إِنَّ هَؤُلَاء لَيَقُولُونَ } وقوله : كالمهل الخ بعض آية أوّلاً ، وهو أمر توفيقي. قوله : ( الواو للعطف إن كان حم مقسماً به ) بتقديرحرف قسم قبله مع بقاء عمله ، وهذا بناء على ما مرّ تحقيقه من أنها لو كانت قسمية حينئذ لزم توارد قسمين على مقسم عليه واحد بدون عطف ، وهو وإن لم يمتنع
إ جائز على استكراه لما فيه من قصد التشريك في الجواب ، وعدم العطف يدلط على الاستقلال وهو ينافيه ، ولأنه ورد مقرونا بالفاء ، وثم كما في { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ } [ سورة الصافات ، الآية : 1 ] فيدل على أنّ الواو عاطفة لا قسمية. قوله : ( والجواب قوله : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } الخ ) رجحه لقربه ، وتبادره وما في اتحاد القسم والمقسم عليه من المبالغة كما مرّ في قوله :
وثناياك إنها إغريض
وتقدّم وجهه ، ولما قيل على جعل الجواب إنا كنا منذرين كما رجحه ابن عطية ، وغيره
وجعل ما بينهما اعتراضا أنّ قوله : { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } يكون حينئذ من تتمة إلاعتراض فلا يحسن تأخره عن المقسم عليه ، ولا يدفعه ادّعاء أنّ هذه الجملة مستأنفة كما توهمه بعض فضلاء العصر لأنه استئناف بيانيّ لتعلقه بما قبله معنى فلا يليق الفصل أيضا كما لا يخفى على من له ذوق سليم وليس هذا بوارد على ما اختاره المصنف كما توهم بناء على أنّ فيها يفرق
ا المحخ. صفة ليلة فصل بينها ، وبين موصوفها بقوله : إنا كنا منذرين لأنه اعتراض ، ومثله لا يعد الفصل به فصلاَ كما لا يخفى. قوله : ( في ليلة القدر ) هو ما عليه أكثر المفسرين ، وقوله : أو البراءة معطوف على القدر أي ليلة البراءة ، وهي ليلة نصف شعبان فإنها تسمى الليلة المباركة وليلة البراءة ، وليلة الصك ، وليلة الرحمة ، وتسميتها بليلة البراءة ، والصك لأنه تعالى يكتب لعباده المؤمنين براءة في هذه الليلة كذا في الكشاف يشير إلى ما ذكره المهدوي ، وغيره من أنه
في تلك(7/455)
ج8ص2
الليلة يأمر الله الملائكة بما يكون في ذلك العام فيكتب من اللوح المحفوظ فتدفع نسخة الأرزاق لميكائيل والحروب لجبرائيل ، والآجال لعزرائيل ، وهكذا ، وظاهر كلامهم هنا أنّ البراءة ، وهي مصدر بريء براءة إذا تخلص تطلق على صك الأعمال ، والديون وما ضاهاها ، وأنه ورد في الآثار ذلك ، وإن كان مجازاً مشهورا صار به كالمشترك ، وفي المغرب بريء من الدين والعيب براءة ، ومنه البراءة لخط الأبراء ، والجمع برا آت ، وبروآت عامية اهـ ، وكثر أهل اللغة على أنه لم يسمع من العرب ، وأنه عامي صرف ، وإن كان باب المجاز واسعاً قال ابن السيد في المقتضب : البراءة في الأصل مصدر برىء برأءة ، وأمّا البراءة المستعملة في صناعة الكتاب فتسميتها بذلك إمّا على أنها من برىء من دينه إذا أدّاه ، وبرئت من الأمر إذا تخليث عنه فكان المطلوب منه أمراً تبرأ إلى الطالب أو تخلى له ، وقيل : أصله أنّ الجاني كان إذا جنى ، وعفا عنه الملك كتب له كتاب أمان مما خافه فكان يقال كتب السلطان لفلان براءة ثم عمّ ذلك فيما كتب من أولي الأمر وأمثالهم اهـ . واعلم أنه قال في الكشاف : إنّ بين ليلة النصف ، وليلة القدر أربعين ليلة يعني أنها تكون في السابعة والعشرين من رمضان كما هو المشهور فقول السعد في شرحه تكون في الخامسة أو السادسة والعشرين من رمضان فيه نظر لا يخفى. قوله : ( ابتدئ فيها إنزاله الخ ) جواب سؤال مقدر ، وهو أنّ القرآن نزل منجما في قريب من ثلاث ، وعشرين سنة فكيف قيل إنه أنزل في هذه الليلة على الوجهين فإمّا أن يؤوّل أنزلنا بابتدأنا إنزاله على التجوّز في الطرف أو النسبة أو المراد إنزاله إلى سماء الدنيا كما مرّ تحريره ، وفي الوجه الأوّل ما لا يخفى فإنّ ابتداء السنة سواء كان المحرّم أو ربيعا الأول لأنه ولد فيه ع!ر ومنه اعتبر التاريخ في حياته صلى الله عليه وسلم إلى خلافة عمر ، وهو الأصح ، وقد كان الوحي إليه على رأس الأربعين سنة من مدة عمره صلى الله عليه وسلم فكيف يكون ابتداء الإنزال في ليلة القدر من رمضان فحرّره. قوله : ( وبركتها لذلك ) أي لابتداء نزول الوحي فيها أو لنزوله جملة فيها إلى سماء الدنيا ، وفي جعل البركة لما ذكر إشارة إلى ما قاله ابن عبد السلام أنّ الأمكنة ، والأزمنة كلها متساوية في حد ذاتها لا يفضل بعضها بعضا إلا بما يقع فيها من الأعمال ونحوها ، وذكره الأعمال بناء على غالب الأحوال ، والا فتفضيل القبر المكرّم ، والبقعة التي ضمته صلى الله عليه وسلم ليس لعمل فيها ، وقال غيره : لا يبعد أن يخص إلله بعضها بمزيد تشريف حتى يصير ذلك داعيا إلى إقدام المكلف على الأعمال فيها فاحفظه ، وقوله : وقسم النعمة بفتح القاف ، وسكون السين مصدر قسم والمراد به تقدير الأرزاق السابق ذكره ، وفصل الأقضية تعيين غير الأرزاق كالآجال كما مرّ. قوله : ( استئناف يبين المقتضي للأنزال ) يشير إلى أنه استئناف بيانيّ في جواب سؤال مقدّر تقديره لم
أنزل ونحوه وما بعده لبيان كونها مباركة فهما جملتان مستأنفتان على طريق اللف ، والنشر فكأنه قيل : أنزلناه لأنّ من شأننا الإنذار ، والتحذير من العقاب ، وكان إنزاله في تلك الليلة لأنه من الأمور الدالة على الحكم البالغة ، وهي ليلة يبين فيها كل أمر حكيم كما بينه الزمخشري فما قيل
. إنه ليس من اللف ، والنشر في شيء لا وجه له وكأنهم اشترطوا في اللف ، والنشر كون كل " منهما جملتين مستقلتين ، ولا داعي لاشتراطه ، ولم يلتفت إلى جعل هذه الجملة جواب القسم كما مرّ ، وقيل إنهما جوابان ، وفيه تعدد المقسم عليه من غير عطف ، ولم يتعرّضوا له. قوله :
( وكذلك قوله فيها يفرق الخ ) أي هو استئناف لبيان مقتضى إنزاله ، وهو مخالف لما في الكشاف من جعله بيانا لكون الليلة مباركة كما مرّ فكأنه ذهب إلى أنه ليس من اللف ، والنشر ،
ا ومعنى يفرق يفصل ويقضي ، وقوله : مفرق بفتح الميم اسم زمان الفرق ، والفصل ، وقوله : " الأمور المحكمة إشارة إلى أنّ الحكيم بمعنى المحكم لأنه لا يبدل ، ولا يغير بعد إبرازه للملائكة بخلافه قبله ، وهو في اللوح فإن الله { يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } ويجوز كونه بمعنى المحكوم به ، وقوله : الملتبسة بالحكمة تفسير آخر لحكيم ، وفي ذلك الالتباس إشارة إلى أنه ليس على ظاهره ، وأن فيه تجوّزا في النسبة ، والمراد الحكيم صاحبه ، ويجوز أن تكون للنسبة ، وكلامه أميل إلى الأوّل. قوله : ( ويجوز الخ ) وفائدته بيان الا-خضاء أو البركة أيضاً ، وقوله :
ا وهو أي وصف الليلة بقوله يفرق الح. يدل على ما ذهب إليه أثثر المفسرين هنا من أنّ المراد بالليلة هنا(8/2)
ج8ص3
ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان لأنها وصفت ، أنها قضى ، وفصل فيها كل أمر محكم أو ذي حكمة والقرآن من أعظمه ، وقد صرّج بأنه نزل في ليلة القدر في تلك الآية ، وفيه نظر لأنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الأمور تقضي في نصف شعبان ، وتسلم
. لأصحابها من الملائكة في ليلة القدر فهو زمان ممتد ابثداؤه ليلة النصف ، وانتهاؤه ليلة القدر فلا يخالف قوله : { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ } [ سورة القدر ، الآية : 4 ] الآية فتدبر. قوله : ) وقرئ يفرّق
ا بالتشديد ) وصيغة المجهول ، وهو للتكثير ، وفيه ردّ على قول بعض اللغويين كالحريري أن الفرق مختص بالمعاني والتفريق بالأجسام وقوله : ويفرق أي قرئ يفرق مخففآ مبنيا للفاعل
" وكل منصوبة على هذه القراءة وكذا فيما بعده إلا أنّ الأوّل بالياء ، وهذا بالنون. قوله : ( أعني يهذا الآمر أمرا الخ ) إشارة إلى أحد الوجوه في إعرابه ، وأنه منصوب بمقدر تقديره أعني ، وأريد
! وقطع للمدح ، وقوله : حاصلاً إشارة إلى أنّ الظرف مستقرّ صفة للنكرة ، وقوله : على مقتضى حكمتنا بيان لأنّ المراد بالعندية أنه على وفق حكمته وتدبيره ، وليس تفسير الحكيم كما توهم ،
وقوله : وفيه أي وصفه بقوله : من عندنا مزيد تفخيم للأمر لصدور. عن حضرة العظمة ، وقال مزيد : لأنّ تنكيره يدل على تفخيمه أيضا. قوله : ( أو أمرا لأنه وصف فيجوز مجيء الحال منه ، وأن كان نكرة ، وقول المعرب أنه حال من المضاف إليه في غير المواضع المذكورة في النحو غير صحيح لأنه كالجزء في جواز الاستغناء عنه بأن يقال يفرق أمر حكيم على إرادة عموم النكرة في الإثبات كما في قوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } [ سورة التكوير ، الآية : 14 ] . قوله : ( أو ضميره ) أي ضمير أمر ، وهو متعين لجرّه فلا يلتفت إلى إيهام أن المراد ضمير كل ، وقوله : لأنه أي أمر الذي هو مرجع الضمير موصوف بحكيم فلا بد من أن يستتر فيه ضميره أو لأنّ أمرا الواقع حالاً موصوف بقوله : من عندنا فيغاير الأوّل ، ويصح وقوعه حالاً على الوجوه من غير لغوية فيه ، وكونها مؤكدة غير متات مع الوصفية ، وكأنه مراد المصنف رحمه اللّه ، ولذا أخره ، ولو أراد الأوّل قدمه على قوله : أو ضميره مع أنّ عموم النكرة المضاف إليها كل مسوغ للحالية من غير احتياج إلى الوصف فلا غبار عليه. قوله : ( وأن يكون المراد به مقابل النهي ( وفي نسخة وأن يراد به وقد كان في الوجوه السابقة واحد الأمور فهو منصوب على أنه مصدر لقوله يفرق بمعنى يقتضي ، ويؤمر أو هو مفعول مطلق لفعل مقدر من لفظه ، وقوله : من حيث الخ راجع للوجهين قبله لأنه إذا كان الفرق بالأمر يجوز وقوعه مفعولاً مطلقا له كضربتة سوطأ أو أن يقدّر له ناصب من لفظه بدلالة ما قبله ، وتكون هذه الجملة بياناً لقوله يفرق الخ. فلا يرد عليه أنه كان ينبغي أن يقدّمه على قوله أو لفعله كما قيل ، وأن يراد معطوف على ما قبله بحسب المعنى أو على قوله أن يكون حالاً ، والتقابل باعتبار المصد* ية ، ومقابلة النهي. قوله : ) أو حالآ من أحد ضميري أنزلناه ) مؤوّلاً بمشتق لأنه الأصل في الحال ، ولا يضره الفاصل على الاعتراض وكذا على التعليل لأنه غير أجنبيّ كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله : ( بدل من { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } ) بدل كل أو بدل اشتمال باعتبار الإرسال ، والإنذار ، وما بينهما غير أجنبي فلا يضرّ فصله ، وقوله : لأن من عادتنا الخ. العادة من قوله كنا فإنه يقال : كان يفعل كذا لما تكرّر وقوعه ، وصار عادة كما صرحوا به ، وأتي باللام لأنّ المبدل منه تعليل لما قبله كما مز قلا يرد عليه أنّ النظم لا يفيده كما توهم ، ولذا عدل عن إنا مرسلون الأخصر وقوله : بالكتب يفهم من السياق وتعقيبه لقوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } [ سورة القدر ، الآية : ا ] الخ ، وقوله : لأجل الرحمة يعني أنه على البدلية مفعول له كما أنه على العلة مفعول به ، ووجه التخصيص كما في شروح الكشاف ، وإن خفي على بعض منهم أنّ البدل على الوجهين يلزمه الاتحاد أو الملابسة ، وارسال الرسل ، والكتب مع الإنذار كذلك بخلاف إرسال الرحمة الذي يقابل إمساكها فإنه إن
لم يناف الإنذار لا يلابسه ، ويلائمه ، ولا يضرّ في وقوع المغاير علة له بخلاف ما إذا كانت الجملة تعليلاَ لأمرا من عندنا أو للفرق ، والتفصيل فإنه لا بد من كونه مفعولاً به ليصح التعليل إذ لو قيل فيها تفصيل كل شأن حكيم لأنا فاعلو الإرسال للرحمة لم يفد أنّ التفصيل رحمة ، ولا أنه مرسل فلا يستقيم التعليل هكذا ينبغي أن يحقق هذا المقام من غير لغو من الكلام. قوله : ( ووضع الرب موضع الضمير ) ، ولم يقل بدله منا كما هو الظاهر للإشارة إلى أنّ إرسالط الرسل مقتضى(8/3)
ج8ص4
التربية الربانية فإنه أعظم أنواع التربية لأنّ منه النماء الحقيقي ، والبقاء الأبدي ، وقوله : أو علة عطف على قوله بدل ، وقد قرّرناه لك بما لا مزيد عليه ، وقوله أو أمراً أي علة لقوله : ( أمرا من عندنا ) ، وفي قوله : تصدر الأوامر دون الأمور إشارة إلى أنّ جعله تعليلا لقوله : ( أمراً من عندنا ) إنما هو على تقدير أن يراد به الأمر الذي هو ضدّ النهي ، وهل يجري على تقدير المصدرية أو الحالية الأشبه الثاني كذا أفاده المحقق. قوله : ( فإن فصل كل أمر الخ ) هذا على ما مرّ من أنّ الخير هو المقصود الأصلي بالذات 4 وما عدا. بالتبع فليس الإرسال إلا للرحمة ، وكذا تفصيل الأمور كلها فيندفع ما يرد على كلام المصنف كما أورد على قوله : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ سورة الأنبياء ، الآية : 107 لح إنّ مما قضى غضباً ، وعذابا كالغلاء ، والصواعق ، وانهءجمح غضب على الكفار ، وقتل وسبي فكيف يصح الحصر ، وما ضاهاه ، وفيه كلام طويل لبعض المتأخرين لولا خوف الإطالة أوردناه وقيل إنه غلب فيه جانب الرحمة لسبقه كما في الحديث فتأمّل ، ثم إنّ لهم في نصب رحمة ثلاث أوجه أخر غير المذكور ككونه مصدراً لرحمنا مقدراً ، وكونه حالاً من ضمير مرسلين أو بدلاً من أمراً كما فصله المعرب. قوله : ( لا تحق ) أي لا تليق وتثبت إلا لمن هذه صفاته الحصر مأخوذ من توسط الضمير مع تعريف الطرفين فيفيد انحصار الربوبية فيه أيضاً ، وقوله : خبر آخر أي لأنّ أو هو أو هو خبر مبتدأ مقدر ، والجملة مستأنفة لإثبات ما قبلها ، وتعليله. قوله : ( اي إن كنتم من أهل الإيقان ) يعني أنه منزل منزلة اللازم لعدم
القصد إلى ما يتعلق به أي ممن عند. طرف من العلوم اليقينية أو مفعوله مقدر أي إن كان إقراركم إذا سثلتم من خلق السموات ، والأرض فقلتم ألله صادرا عن يقين ، وعلم به تحقق عندكم ما قلناه ، وقوله : علمتم جواب الشرط المقدر ، وليس الجوأب مضمون قوله : رب السموات الخ لأنه كذلك أيقنوا أم لم يوقنوا فلا معنى لجعله دالاً عليه فالتقدير ما ذكره ولا يصح تنزيلهم منزلة الشاكين مع قوله بل هم في شك بل هذا على تنزيل إيقانهم منزلة عدمه ، والمعنى أنّ الله المرسل للرسل ، والكتب رحمة منه هو ذلك السميع العليم الذي اعترفتم بأنه الخالق ليس اعترافكم به عن إيقان لظهور خلافه عليكم ، وقوله : كما قلنا أي من كونه الرب الخالق فإن أريد ما ذكر قبل قوله السميع العليم لا يكون تنزيلا كما قيل ، وذلك يجوز أن يكون إشارة إلى كل من الأمرين ، وقوله : إذ لا خالق سواه ، والإله لا يكون إلا خالقا. قوله : ( كما تشاهدون ) يعني كونه فاعلا لذلك أمر ظاهر بمنزلة المحسوس المشاهد لكل ذي بصر ، وبصيرة أو المراد كما تشاهدون الحيّ ، والميت ، وقد علمتم أنه لا فاعل غيره ، وقوله : بدلاً من ربك أي أو مما قبله إن كان قرئ بجرهما ، والرفع على أنه بدل مما قبله أو خبر مبتدأ مقدر ، وقوله : ردّ لكونهم موقي ن لأنه إضراب إبطاليّ أبطل به إيقانهم لعدم جريهم على موجبه ، وقوله : فانتظر لهم اللام تعليلية أو المراد انتظر عذابا كائنا لهم ، وقوله : يلعبون خبر بعد خبر أو الظرف متعلق به قدم للفاصلة ، ويوم مفعول به أو ظرف ، والمفعول محذوف أي ارتقب وعد الله في ذلك اليوم ، والسماء جهة العلوّ هنا. قوله : ) يوم شدّة ومجاعة ) مصدر بمعنى الجوع والقحط ، والمراد باليوم مطلق الزمان ، ثم بين وجه ذلك بقوله : فإنّ الجائع الخ ، وهو بيان لأنه مجاز ذكر فيه المسبب ، وأربد السبب أو هو استعارة وكلام تخييليّ ، وما ذكر لبيان علاقة المجاز ، وما يرى كهيئة الدخان ظلمة تعرض للبصر لضعفه فيتوهم ذلك ، وظلمة الهواء من الغبار ظاهرة ، وكثرته من قلة المطر المسكن له ففيه كناية ، وعطف كثرة الغبار على قلة الأمطار من عطف المسبب على السبب مع ما فيه من صنعة الطباق. قوله : ( أو لأنّ العرب الخ ) الظاهر إنه استعارة لأنّ الدخان مما يتأذى به فأطلق على كل مؤذ يشبهه أو على ما يلزمه ، ولذا قيل :
تريدمهذبالاعيب فيه وهل عود يفوح بلا دخان
فالمراد به القحط هنا. قوله : ( وقد قحطوا الخ ( إشارة إلى ما رواه البخاريّ أن النبيّ جمرو
لما رأى من الناس إدباراً قال : " اللهم سبعاً كسبع يوسف " فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة ، والجيف فأتى أبو سفيان فقال : يا محمد إنك تأمر بطاعة الله ، وصلة الرحم ، وإن قومك قد هلكوا فاح الله لهم ، وفي تاريخ ابن كثير أنّ الحديث يدلّ على أنّ هذه القصة كانت بمكة فالآية مكية ذكره البيهقي(8/4)
ج8ص5
وروي أنّ قصة أبي سفيان بعد الهجرة فلعلها وقعت مزتين ، وقد مرّ في سورة المؤمنين تفصيله. قوله : ( وإسناد الإثيان إلى السماء الخ ) مع أنّ الإتيان المذكور فاعله هو الله فأسند إليها على طريق التجوّز في الإسناد ، ثم بين وجه الملابسة المصححة للإسناد لها بقوله : لأنّ ذلك أي ما ذكر من الشذة ، والقحط يسبب كف السماء أي كونها مكفوفة وممنوعة عن الأمطار فاسناده إليها إسناد إلى السبب البعيد والضمير للسماء وتذكيره لأنه يذكر ويؤنث أو لتأويله بمذكر.
قوله : ( أو يوم ظهور الدخان الخ ) معطوف على قوله يوم شذة ، وهذا وإن كان مناسبا لقوله : { أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } إلا أنّ قوله وقالوا معلم مجنون يكون من إسناد حال البعض إلى الكل كما قيل ، ولا حاجة إليه إذ لا يلزم حمل الناس على العموم ، وإن كان حكمه عامّاً إذ يجوز أن يراد به كفار المشركين ليطابق ما بعده ، وأمّا مطابقته لقوله : { إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ } فستأتي. قوله : ( أؤل الآيات الدخان ) هذا هو المناسب لسؤال الراوي
بقوله : وما الدخان فإنه يقتضي تقدم ذكره ووقع في بعض النسخ " هنا ، وفي الكشاف الدجال بدله وهو اختلاف في الرواية أيضاً كما ذكره ابن حجر لا في مجرّد النسخة وقال : إنّ رواية الدجال أقوى وقد ذكر فيها الدخان بعده وعلى هذا فيكون سؤاله عن الدخان إمّا لمناسبة النار أو لأنه فهم أنه دخانها. قوله : ( عدن أبين ) بفتح الدال اسم مدينة باليمن أضيفت لا بين بكسر الهمزة وفتحها وهو اسم رجل نزل بها أو بناها فسميت باسمه وقوله : كهيئة الزكام أي كحالة الزكام والمنخر الأنف ، وفيه لغات في القاموس بفتح الميم ، والخاء وكسرهما وضمهما ، وكمجلس ، وقوله : صفة للدخان أي هذه الجملة صفته لوقوعها بعد النكرة. قوله : ( أو يوم القيامة الخ ) يعني المراد بيوم تأتي السماء الخ هذا فالدخان حينئذ يحتمل أن يراد به الشدة ، والشرّ مجازا ، وأن يراد به حقيقته ، والظاهر أن يكون قوله تأتي السماء الخ اسنعارة تمثيلية إذ لا سماء لأنه يوم تشقق فيه السماء فمفرداته على حقيقتها فتأمّل. قوله : ( مقدر بقول الخ ) قال المعرب ، ويجوز أن يكون إخبارا منه تغالى فهو استئناف أو اعتراض ، والإشارة بهذا للدلالة على قرب وقوعه وتحققه وما قاله المصنف أولى وقوله : وعد بالإلمان الخ يعني به أنّ وروده بعد طلب كشف العذاب يدل على ترتبه عليه حتى كأنه قيل أن يكشف فإنا مؤمنون ، واسم الفاعل للحال أو للاستقبال. قوله : ( من أين لهم ) مرّ تحقيقه في سورة آل عمران وقوله : بهذه الحالة أي كشف العذاب أو العذاب نفسه ، والمراد نفي صدقهم في الوعد ، وأنّ غرضهم نفي العذاب ، والخلاص منه ، وقوله : من الآيات الخ بيان لما وفيه إشارة إلى أنّ مبين من أبانه المتعدي. قوله تعالى : ( { ثُمَّ تَوَلَّوْا } الخ ) هو إمّا معطوف على قوله وقد جاءهم الخ. أو على مضمون قوله ربنا اكثف لأنه بمعنى قالوا ربنا الخ ، وهو بعيد ، وثم للاستبعاد ، والتراخي الرتبي أي لم يجع فيهم ذلك أو لم يصدقوا في وعدهم وقوله ، وقال آخرون الخ فليس القائل متحدا كما هو المتبادر منه ، ولم يقل ومجنون بالعطف لأنّ المقصود تعديد قبائحهم. قوله : ( بدعاء النبئ صلى الله عليه وسلم ) هذا بناء على المختار من تفسيره الأوّل لا الثاني للدخان كما مرّ ، وقوله : كشفا قليلاً فيكون منصوبا على المصدرية أو الظرفية ، وليس منصوبا بمنتقمون ، ولا بمقدر يفسره لأنّ ما بعد أنّ لا يعمل فيما قبله ، وما لا يعمل لا يفسر
كاملا وهذا هو المانع عن عمله في الظرف واليه أشار المصنف بقوله : فإنّ أنّ تحجره أي تمنعه عن عمله في المتقدم لصدارتها كما سيأتي ، وفائدة التقييد به الدلالة على زيادة خبثهم لأنهم إذا عادوا قبل تمام الانكشاف كانوا بعده أسرع إلى العود وقوله : ما بقي من أعمارهم إشارة إلى عود العذاب بعد موتهم فهذا على التفسير الأوّل أيضاً. قوله : ( إلى الكفر غب الكشف ) أي عقبه ، وبعده ، ولم يقل بعض الكشف ليطابق قوله قليلاَ لأنّ بعض الكشف كشف ، وعودهم إلى الكفر يقتضي إيمانهم ، وقد مرّ أنهم لم يؤمنوا ، وأنما وعدوا الإيمان فإمّا أن يكون وعدهم نزل منزلة إيمانهم أو المراد عائدون إلى الثبات على الكفر أو إلى الإقرار والتصريح به ثم إنه قابل قوله { رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ } بقوله : إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون ، وكما أنّ معنى ذاك اكشف فإنك كما كشفت عنا العدّاب كنا مؤمنين من غير لبث كذلك معنى هذا إنا كاشفوا العذاب ، وكما يكشف يعودون عن الابتهال إلى الكفر ، والضلال ، ولذا قال فريثما الخ ، وقيل(8/5)
ج8ص6
في وجه الدلالة على هذا المعنى أنّ اسمية الجملتين تدل على مقاونتهما في الوجود أو أنّ المعنى إنا كاشفوا العذاب زمانا قليلاً إنكم عائدون فيه ، وأنت خبير بأنّ " ما ذكره المصنف ليس مقارنا في الوجود ، وفي زمان واحد بل كون الثاني عقيب الأوّل بلا فصل ، وتراخ على أنّ العطف على المقيد بزمان لا يقتضي تقييد المعطوف فكيف ترك العاطف كما قيل ، واختير في وجه الدلالة على ما ذكر من وقوعه عقبه أنه- بناء على ما علم من فسادهم ، وأنهم يبادرون إلى نقض العهد ، والشرك إذا زال المانع كما في قوله : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [ سورة العنكبوت ، الآية : 65 ] واعترض على ما اختاره المحقق بما تقرّر من دلالة الاسمية ، واسم الفاعل على الحال فالاسميتان مراد بهما الحقيقة أو المجاز يتقارن مدلولاهما بلا شبهة ما لم يمنع مانع كما هنا فيحمل على التقارن العرفي بأن يقع ابتداء أحدهما عقب الآخر بلا مهلة فيعدان بحسب العرف في زمان متحد ، وبهذا اندفع إيراده ، وما قاله من المقابلة لا يقتضي ما ذكر من المشاركة بينهما في جميع الأحوال ، وليس بشيء عند التحقيق إمّا دلالة الاسمية على الحال فلم يقل به أحد ، وأنما تدلّ على الثبوت لا التجذد ، واسم الفاعل يرد لغير ما ذكر أيضاً فيكون للمضيّ ، والاستقبال ، ولو سلم فمن أين يعلم اتحاد الحالين ، والمراد بهما ، وما ذكره من الاتحاد مبنيّ عليه فهو خيال فاسد ، ولا شك أنّ المراد بالمقابلة وقوعه جوابا له فإذا كان معني! الأوّل إن كشفت آمنا كان معنى الجواب إن كشفنا عدتم فيتحدان معنى لا بلا شيبهة ، وما ذكره من ابتنائه على ما عرف من حالهم أمر لا يعلمه إلا الله وليس في الكلام قرينة تدل عليه فتدبر. قوله : ( ومن فسر الدخان الخ ) دفع للسؤال بأنه من الأشراط ، ولا يتصوّر فيه الكشف ، وقد أجيب عنه بأنه ورد في بعض الآثار أنه يكشف عنهم فيرتدون فليس في الواقع ما يدلّ على خلافه بل ورد ما يؤيده ، وقوله : غوّث بالتشديد بمعنى صاح ، ونادى طلبا للغوث ، وأصله أن يصيح واغوئاه ، وقوله : فريثما يك!ثفه أي
مقدار كشفه يرتدون ، وقد تقدم تفصيله وأنه منصوب على الظرفية. قوله : ( ومن فسره بما في القيامة الخ ) هذا أيضا ردّ للسؤال بأنه لا كشف ثمة فكيف يناسبه ما ذكر على هذا التفسير بأنه كلام وارد على الفرض ، والتقدير فيكون معناه لو كشفنا عنهم بعدما دعوه واعدين بالإيمان لعادوا عقب الكشف فيكون كقوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ سورة الأنعام ، الآية : 28 ] وأمّا إن مؤمنون ، وما معه فغير محتاج للتأويل. قوله : ( فإنّ إنّ تحجره ) أي تمنعه عن العمل فهو بالراء المهملة أو بالمعجمة ، وقد مرّ ردّ ما ذكره بأن ما لا يعمل لا يفسر عاملاً كما قاله المعرب كغيره من النحاة لكنه غير مسلم ، ولذا لم يلتفت له المصنف ، وفيه وجوه كنصبه بتأتي أو اذكر مقدرأ ، وتعلقه بعائدون ، وأمّا تعلقه بكاشفوا العذاب فردّه في الكشف. قوله : ( نجعل البطشة الخ ) على قراءته من الأفعال فعلى هذا البطشة مفعول به ، وفيه مجاز حكميّ على طريقة أطيعوا أمر الله وعلى ما بعده مفعول مطلق كانبتكم ثباتاً والصولة العنف والشدة وعلى ما في القاموس من مجيء أبطش بمعنى بطش لا حاجة لتأويله بما ذكر ، وعلى ما ذكره فهو لتمكينه من البطش والمفعول محذوف على الثاني. قوله : ( امتحناهم ) على أنه من فتن الفضة عرضها على النار فيكون بمعنى الامتحان ، وهو استعارة ، والمراد عاملناهم معاملة الممتحن ليظهر حالهم لغيرهم ، وقوله أو أوقعناهم في الفتنة على أنه بمعناه المعروف والمراد بالفتنة حينئذ ما يفتن به أي يغترّ ويغفل عما فيه صلاحه كما في قوله تعالى : { أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } [ سورة الأنفال ، الآية : 28 ] وإليه أشار بقوله : بالإمهال الخ ، وتفسيره هنا بالعذاب ، ثم التجوّز به عن المعاصي التي هي سببه كما قيل تكلف ما لا داعي له ، ومن فسرها بالضلال أو العذاب لخلقهم عصاة مختارين لكسب المعاصي فهو عنده مجاز عقليّ فلا يقال إنه لا يلائم ما بعده مع أنه مع ما ذكره كشيء واحد وقراءة فتنا بتشديد التاء إما لتأكيد معناه المصدرقي أو لتكثير المفعول أو الفعل. قوله : ( على الله ) فكريم بمعنى مكرم أي معظم عند الله ، أو عند المؤمنين أو هو من الكرم بمعنى الاتصاف بالخصال الحميدة حسباً ونسباً ونحوه ، وقيل إنه على الأوّل بمعنى عزيز ، وعلى الثاني بمعنى متعطف كما سيأتي في عب! وعلى الثالث ما مرّ تفسيره به ، والأحسن تفسيره بجامع المحامد ، والمنافع فإنه أصل معناه. قوله : ( بأن أذوهم إلئ وأرسلوهم معي الخ ) فإن مصدرية قبلها حرف جرّ مقدر ، والمراد بعباد الله بني إسرائيل الذين كان(8/6)
ج8ص7
فرعون استعبدهم فأداؤهم استعارة بمعنى إطلاقهم ، وارسالهم معه كما أشار إليه بقوله ، وأوسلوهم إذ عطفه عليه عطفاً تفسيريا ، وفيه
مخالفة لما في الكشاف من الإشارة إلى عدم تجويز المصدرية لما قيل إنه لا معنى لقولك جاءهم بالتأدية إليّ ، والحمل على طلب التأدية إليّ لا يخلو عن تعسف ، وقد رد بأنه بتقدير القول ، وهو شائع مطرد فتقديره بأن قال أدوهم إليّ لكنه لا يخلو عن التكلف لما فيه من التجوّز ، والتقدير من غير قرينة على إرادته في كلام المصنف ، والتعبير بعباد الله للإشارة إلى أنّ استعباده لهم ظلم منه ، وهذا بناء على جواز وصلها بالأمر ، والنهي والآية كقوله : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ } [ سورة طه ، الآية : 47 ] . قوله : ( أو بأن أدّوا إلى حق اللّه الخ ) هذا على المصدرية أيضا ، والفرق بينه وبين ما تقدم أنّ عباد الله في الأوّل مفعول والمراد به بنو إسرائيل ، والأداء بمعنى الإوسال ، وفي هذا مفعوله مقدر ، وعباد الله منادى عامّ لبني إسرائيل والقبط ، والأدأء بمعنى الفعل للطاعة ، وقبول الدعوة. قوله : ( وبجوز أن تكون أن الخ ) قال الشارح المحقق : أنه بعيد جداً لأنها على التخفيف يقدّو معها ضمير الشأن ، وخبره لا يكون إلا جملة خبرية ، وأيضا لا بدّ أن يقع بعدها النفي ، أو قد أو السين أو سوف ، وتقدم فعل قلبيّ ونحوه ، وأجيب بأنّ مجيء الرسول يتضمن معنى فعل التحقيق كالأعلام ، والفصل المذكور غير متفق عليه فقد ذصب المبرد تبعا للبغاددة إلى عدم اشتراطه ، والقول بأنه شاذ يصان القرآن عن مثله غير مسلم ، والإخبار عنه بجملة إنشائية جائز عند الزمخشريّ كما حققه في الكشف ، وقد مرّ تفصيله غير مرّة. قوله : ( لأنّ مجيء الرسول الخ ) إشارة إلى توجيه كونها مفسرة فانّ شرطها تقدم فعل يدل على القول دون حروفه ، ولما كان مجيء الرسول للدعوة دل على ذلك فهي لتفسير المتعلق المقدر أي جاءهم بالدعوة ، وهي أن أذوا الخ. قوله : ( لدلالة المعجزات على صدقه ) فأمانته عبارة عن عدم اتهامه بالكذب في دعوى الرسالة للدليل القاطع بصدقه أو المراد ائتمان الله على وحيه ، وهي جملة مستأنفة لتعليل الأمر قبلها فقوله ، وهو أي هذا القول باعتبار ما تضمنه وصفه بالأمانة ، وقوله : بالاسنهانة بوحيه الخ ففيه تجوّز في النسبة أو تقدير مضاف أي على رسوله ، ولو حمل على ظاهره جاز لقوله : { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [ سورة النازعات ، الآية : 24 ] ونحوه من خرافاته ، وقوله : كالأولى في وجوهها ، وعلى المصدرية المعنى يكفكم عن العلو على الله تعالى ، وقول التفتازاني في شرحه لا يجوز أن تكون مصدرية موصولة بالنهي على قول سيبويه أو بالنفي ، ونصب المضاوع لفساد المعنى لا وجه له. قوله : ( ليكم ) فعل مضارع أو اسم فاعل وقوله ، ولذكر الأمين
الخ يعني أنه ترشيح للاستعارة المصرّحة أو المكنية بجعلهم كانهم مال للغير في يده أمره بدفعه لمن يؤتمن عليه ، وأنّ السلطان بمعنى الحجة الغالبة ، وفيه تورية عن معنى الملك مرشحة بقوله لا تعلوا. قوله : ( أن ترجمون ) أي من أن ترجموني ، واني عذث جملة معطوفة على الجملة المستأنفة وأدغم داله في التاء كما في نبذتها ، وهي قراءة أبي عمرو ، والأخوين في السبعة لا شاذة كما توهمه العبارة لكنه لبيانه في القرا آت لا يضرّ مثله ، والرجم مجاز عما ذكره كما يقال رماه بكذا ، وقوله لا عليّ ، ولا لي تفسير لقوله بمعزل مني إشارة إلى أنّ المراد به كناية الترك لا المفارقة الحقيقية كما قال عمر رضي الله عنه : ليتني شل!مت من الخلافة كفافا لا عليّ ولا لي ، وقوله : فإنه أي التعرّض بالسوء. قوله : ( بأنّ هؤلاء قوم مجرمون ( يعني فيه باء محذوفة هي صلة الدعاء كما في دعوت الله بكذأ ، وقوله : وهو تعريض الخ لما كان مدخول الباء هنا ، وهو إجرامهم بمعنى تناهى أمرهم في الكفر ، والمعاصي لأنّ الكافر إذا وصف بالإجرام يراد به ذلك ، وهو بحسب الظاهر لا يصلح لأن يكون مدعوّاً به جعله كناية ، وتعريضا عن المدعوّ به لأنه لما ذكره موجبه ، ورفعه إلى الله العالم بأحوالهم دل ذلك على أنّ المراد فعل بهم ما يستحقونه ، وضمير استوجبوه للدعاء ، وبه لما ويحتمل تقدير المدعوّ به أو جعل هذا مجازاً عنه ، وقوله : على إضمار القول أي قائلاً الخ. قوله : ( فقال ) أي الله لما دعاه والفاء للتعقيب والترتيب ، والقول مقدّر فيه بعد الفاء معطوف على ما قبله أو هو بتقدير قول ، والفاء جواب شرط مقدر ، وهو وجوابه مقول القول المقدر مع الفاء أو بدونها على أنه استئناف ، والأوّل أقل في التقدير ولذا قدّمه مع أنّ تقدير أن لا يناسب إذ لا شك فيه تحقيقا ، ولا تنزيلاً وجعلها بمعنى إذا تكلف على(8/7)
ج8ص8
تكلف. قوله : ( يتبعكم الخ ) إشارة إلى أنها جملة مستأنفة لتعليل الأمر بالسرى ليلاً ليتأخر العلم به فلا يدركون ، وقوله : ذا فجوة ، وفي نسخة فرجة ، وهما بمعنى واحد ، وفيه إشارة إلى أنه مصدر ب!معنى الفتح فهو مؤوّل أو فيه مضاف مقدر ، وقوله : أو ساكناً إما على أنّ الرهو السكون مؤوّل بما ذكر أو هو بمعنى الساكن حقيقة ، وقوله : ولا تضربه الخ. كأن موسى هتم بضربه لينغلق فلا يتبعه القبط ، وهو عطف على اترك على الوجهين عطفا تفسيريا له ، وقوله : كثيراً إشارة إلى أنّ كم
خبرية ، والمحافل الأماكن المعدة للاجتماع ، وزينتها وحسنها تفسير لكرمها فإنّ الكرم الشرف ، وهو في كل شيء بحسبه ، وقوله : وتنعم المناسب للترك تفسيره بالمنعم به فإنه يكون كثيراً بهذا المعنى. قوله : ( مثل ذلك الإخراج ) فالكاف أو الجار ، والمجرور صفة مصدر مفهوم من الترك أو أخرجناهم إخراجا مثل هذا الإخراج ، أو هو خبر مبتدأ مقدّر تقديره الأمر كذلك والمراد به التأكيد والتقرير ، وقوله على القعل المقدّر يعني أخرجنا الذي كذلك صفة لمصدره ، وعلى الثاني فجملة الأمر كذلك معترضة. قوله : ( ليسوا منهم في شيء ) تفسير لقوله آخرين فإنه للمغايرة ، والمراد مغايرتهم للقبط جنساً ودينا ، والقولان مبنيان على الروايتين في دخول بني إسرائيل مصراً كما روي عن الحسن ، وعدم عودهم لها ، ودخولهم كما روي عن قتادة ، وأما ما قيل عليه من إجماع المؤرخين على عدم الدخول فإنه لا عبرة به لأنه لا اعتماد عليهم كما لا يخفى. قوله : ( مجاز عن عدم ا!تراث الخ ) الاكتراث المبالاة ، والاعتناء بالشيء ، وقريب منه الاعتداد ، ووجه المجازية أنه استعارة تمثيلية فشبه حال موتهم لشذته ، وعظمته بحال من تبكي عليه السماء ، والأجرام العظام ، وأثبت له ذلك ، وهذه هي الاستعارة التمثيلية التخييلية التي مرّ تحقيقها ، والنفي تابع للإثبات فيه كما مرّ تحقيقه في قوله : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي } [ سورة البقرة ، الآية : 26 ] الخ ، وما قيل من أنها استعارة تمثيلية ، وأنه شبه حالهما في عدم تغيرهما ، وبقائهما على ما كانا عليه بحال من لم يبك ، أو مكنية بأن شبها بالإنسان ، وأسند إليهما البكاء فهو استعارة تخييلية كلام فاسد مبنيّ على عدم فهم كلامهم هنا ومهلكهم بضم الميم ، وفتحها مصدر ميمي ، وقوله : أهل السماء ففيه مضاف مقدر. قوله : ( ممهلين إلى وقت آخر ( من القيامة ، وغيرها لتعجيل العذاب لهم في الدنيا ، واستعباده اتخاذهم خدما وعبيدأ ، وقوله على حذف المضاف تقديره من عذاب فرعون ، وقوله : أو جعله بصيغة المصدر ، والماضي فجعل المعذب عين العذاب مبالغة ، وقوله : من جهته إشارة إلى أنّ من ابتدائية ، وكونه حالاً من
المهين لأنه صفة العذاب فهو متحد به ، وقيل المراد أنه حال من الضمير المستتر فيه. قوله : ( وقرئ من فرعون الخ ) هي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما ، وهي شاذة ، وفي شرح المفتاح أنه مقول قول مقدّو هو صفة للعذاب ، وقدره المقول عنده إن كان تعريف العذاب للعهد ، ومقول إن كان للجنس ، ولا يلزم على الأوّل حذف الموصول ، وبقاء بعض صلته كما قاله الشريف : إمّا على مذهب المازني فظاهر ، وأمّا عند الجمهور فلأنها حى رف تعريف إذ هو معهود ، وأل العهدية تدخل على الصفة كما في المغني ، والخلاف في غيرها مع أنّ الظاهر أنه كلام مستأنف لا صفة ، ولا حال كما هو الظاهر من كلام الكشاف فلا حاجة إلى ارتكاب ما ذكر. قوله : ( تنكيرا له ( إن أراد بالتنكير جعله غير معلوم كالنكرة لما فيه من القبائح التي لم يعهد مثلها ، ولذا استفهم عنه فالمراد أنه يفيد التحقير ، وفوله : لنكر ما كان عليه أي لقباحته ، وكونه مما تنكره العقول حقيراً فيكون هذا غير ما ذكره في الكشاف ، وتبعه صاحب التلخيص حيث قال من فرعون أي هل يعرفون من هو في عتوّه وشيطنته فما ظنكم ، بعذابه فهو تهويل ، وتعظيم لأمره ، وما بعده يناسب هذا المعنى ، ومنهم من أرجع كلام المصنف رحمه الله له ولا بعد فيه ، والشيطة الخبث ، والفساد مصدر من قولهم تشيطن إذا فعل فعل الشياطين. قوله : ( في العتو والشرارة ) بفتح الثين الفساد والظلم ، وقوله : مسرفا بيان لأصل معناه والا فقد مر أن زيد من العلماء أبلغ من عالم ، ولذا عدل عنه ، وليس ذلك لأجل الفاصلة فقط. قوله : ( كان رفيع الطبقة من بينهم ا لا يخفى ما فيه فإنه يفيد هذا المعنى إذا كان صلة عاليا لا حال فإنه على الحالية معناه كالذي قبله من غير فرق فتدبر. قوله : ( عالمين الخ ) فهو حال ، وهو إشارة إلى توجيه التركيب لئلا(8/8)
ج8ص9
يلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد فمن وجهه بأن على مختلف معناها هنا فقدسها ، والمراد العلم باستحقاقهم ، وعلى ما بعده العلم بمطلق أحوالهم فيكون إشارة إلى أنه مع تقصيرهم تفضل عليهم ، وامّا أن يراد لأجل علم فيهم فركيك لأنّ تنكيره لا يصادف محزه ، وقوله : لكثرة الأنبياء فيهم تعليل لتفضيلهم على سائر الأمم لأنه باعتبار ذلك فلا يقتضي تفضيلهم من كل الوجوه حتى يلزم تفضيلهم على أمّة محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم خير الأمم كما اعترض به بعضهم على المصنف رحمه الله فتعريف العالمين للاستغراق ، وقوله على عالمي زمانهم فهو للعهد أو الاستغراق العرفي فلا يرد السؤال أيضا. قوله : ( كفلق البحرا لأنّ ما كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم فهو لأمّته ، وقوله : نعمة جلية أي ظاهرة والبلاء يطلق على النعمة ، والبلية
لأن أصله الاختبار ، وهو يكون بكل منهما فإطلاقه عليهما تجوّز ، وبأن فيه إشارة إلى أنّ إتيانه به لأمور أخر ككونه معجزة. قوله : ( مسوقة للدلالة الخ ) إشارة إلى أنّ ذكرها استطرادي للدّلالة على ما ذكر ، وهي مشابهته لها أتم الشبه كما مرّ تفسيره في الزخرف لوعدهم الإيمان إذا نزل البلاء ، ثم رجوعهم بعد انكشافه وغير ذلك. قوله : ( ولا قصد فيه الخ ) جواب عن سؤال مقدر ، وهو أنّ الآية واردة في منكري البعث فمقتضى الظاهر أن يقال إن هي إلا حياتنا الأولى فالحياة اثنتان ، والموت واحد ، وهو ما وقع بعد الحياة الأولى لا غير فأجاب عنه بأنّ المراد بموتتهم موتهم بعد الحياة ، وتوصيفها بالأولى ليس في مقابلة الثانية قال الأسنوي في كتابه المسمى بالتمهيد الأول في اللغة ابتداء الشيء ، ثم قد يكون له ثان ، وقد لا يكون كما تقول هذا أوّل ما اكتسبته فقد تكتسب بعده شيئا ، وقد لا تكتسب كذا ذكره جماعة منهم الواحدي في تفسيره والزجاح ، ومن فروع المسألة ما لو قال إن كان أوّل ولد تلدينه ذكراً فأنت طالق تطلق إذا ولدته ، وأن لم تلد غيره بالاتفاق قال أبو عليّ : اتفقوا على أنه ليس من شرط كونه أوّلاً أن يكون بعده آخر ، وأنما الشرط أن لا يتقدم عليه غيره اهـ فما قيل إنّ الأوّل يضايف الآخر ، والثاني ويقتضي وجوده بلا شبهة ، والمثال المذكور بعد تسليم صحته إنما هو فيمن نوى تعدّد الحج فاخترمته المنية فلحجه ثان باعتبار العزم غفلة عما قرّوناه كما فصله الشافعية في أصولهم ، ولا حاجة إلى أن يقال إنها أولى بالنسبة لما بعدها من حياة الآخرة لما ذكره في الانتصاف من أنّ الأولى إنما يقابلها أخرى تشاركها في أخص معانيها فكما لا يصح أو لا يحسن أن يقال جاءني رجل ، وامرأة أخرى لا يقال الموتة الأولى بالنسبة للحياة. قوله : ( وقيل لما قيل إنكم الخ ) هذا ما ارتضا. الزمخشريّ على أنّ المراد بالموتة الأولى ما قبل الحياة من العدم فكان هذا معناه لما قيل لهم من حدوث موتة بعدها حياة أخرى كسبق موتة بعدها هذه الحياة فكأنهم قالوا ليس هذا كدّلك بل الموتة الأولى بعدها الحياة فليست إلا الأولى فضمير هي للموتة الموصوفة بأنها تعقبها الحياة ، والموتة التي تقابل تلك الموتة ليصح اتصافها بكونها الأولى هي الموتة التي بعد هذه الحياة الدنيا ، ولا يقدح فيه أنّ المراد بالموتة الأولى في قوله : { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى } [ سورة الدخان ، الآية : 56 ] هي التي بعد هذه الحياة لا قبلها لأنه ثمة لاقتضاء إيقاع الذوق عليها لأنّ ما قبل الحياة غير مذوق إلا أنه أورد عليه أن بناء مرّة الموتة يشعر بالتجدد ، والحدوث والحالة التي قبل الحياة الدنيا ليست كذلك ، ولا يفهم من الموتة
الأولى إلا ما يعقب الحياة فالأقرب أن يراد ليست الموتة إلا هذه لا الموتة التي لا تعقب حياة القبوو وبعدها البعث كما يزعمون ، وقيل إنه على حذف مضاف أي إن الحياة إلا حياة موتتنا الأولى ، والأولى صفة المضاف المقدر ، وما ذكر من الحدوث على فرض تسليمه فقد يقال إنه للمشاكلة التقديرية إذ تقديره إن هي إلا موتتنا الأولى لا موتتنا الثانية فالموتة الثانية مذكورة تقديرا مع أنه أطلق من غير مشاكلة في قوله : { وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ } [ سورة البقرة ، الآية : 28 ] فتدبر. قوله : ( خطاب لمن وعدهم الخ ) توجيه لجمع الضمير ، وقوله : ليدل الخ متعلق بقوله : فأتوا وفاعل يدل ضمير يرجع للإتيان المفهوم منه وضمير عليه لصدق الوعد ، ودلالة الإتيان إما لمجزد الإحياء بعد الموت واما بأن يسألوا عنه ، ولا يرد أنّ هذا وما قبله من قوله وما نحن بمنشرين يأبى حمل إلا موتتنا الأولى على ظاهرها كما قيل حتى يجعل كلاما مستقلا فتدبر. قوله : ( في القوّة(8/9)
ج8ص10
والمنعة ) بفتح النون مصدر بمعنى العز الدنيوي أو جمع مانع ككتبة فهو بمعنى الاتباع ، والخدم وأنما حمل الخيرية على أمور الدنيا لا الدين ، والآخرة لأنهم لا خيرية فيهم بهذا المعنى إلا أن يكون على ضرب من التأويل البعيد ، وأيضا هو لا يناسب ما بعده إلا بهذا المعنى إذ المراد أنهم مع قوّتهم ، ومنعتهم أهلكناهم بجرمهم فما بال قريش لا تخاف أن يصيبها ما أصابهم.
قوله : ( تبع الحميري ) منسوب إلى حمير ، وهم أهل اليمن ، وهذا تبع الأكبر أبو كرب ، واسمه أسعد وهو ممن هدأه الله للإسلام في الزمن القديم ، وبشر ببعثته صلى الله عليه وسلم واليه تنسب الأنصار ، ولحفظهم وصيته عن آبائهم بادروا إلى الإسلام ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " لا أدري كان نبياً " لأنّ إخباره بمبعثه عوو يقتضي أنه أوحى إليه ، وهو أوّل من كسا البيت ولذا لم يذكر في القرآن في سياق الذم إلا قومه لا هو ، وتبع فعل يكون بمعنى مفعول أي متبوع كما في هذا ، وبمعنى فاعل كما قيل للظل تبع ، وقوله : حير الحيرة بكسر الحاء المهملة ، وياء ساكنة وراء مهملة مدينة بقرب الكوفة ومعنى حيرها بناها ونظم أمرها وصيرها مدينة كما يقال مذن المدينة ومصر مصراً وسمرقند مدينة بالعجم معروفة ، وقيل : إنه هدمها حين مرّ بها يعني فسميت لذلك سمرقند إذ معناها الحفر والتخريب. قوله : ( ما أدري كان تبع الخ ( قال ابن حجر المروي ما أدري أعزير هو أم لا ، وفي رواية ذو القرنين بدل عزير كما رواه أبو داود والحاكم ، وقوله :
كما قيل لهم أي لملوك أليمن مطلقاً كما يقال لملك الترك خاقان ، والروم قيصر ، ولكنه كان أوّلاً علما لملك مخصوص منهم ، وهو المراد في النظم ثم شاع في كل من ملك اليمن ، وقوله : يتقيلون بالبناء للمجهول من قولهم تقيل فلان أباه إذا اقتدى به كما قاله الراغب في مفرداته : وهو من القول واوي ، وقيل إنه يائيّ لقولهم إقيال ، وأجيب بأنّ أصله قيل مشدّداً فخفف ، وقيل : أصله : قيول فلما خفف صار كميت أو هو جري على لفظه ، وقيل سمي به لنفوذ أقواله ، وقوله : من قبلهم أي قبل قوم تبع أو قبل قريش فهو تعميم بعد تخصيص. قوله : ( اسئشاف بماكل لخ ) يعني أنه استئناف بيانيّ لبيان ما ذكر ، وإذا كان حالاً فهو من الضمير المستتر في الصلة ، وقوله : إن استؤنف به أي جعل مبتدأ في جملة مستأنفة ، ولم يعطف على ما قبله ، وقوله : بيان للجامع أي بين قوم تبع ، والذين من قبلهم ، وهو الأجرام فهو يفيد تعليل ما قبله ، وقوله : وما بين الجنسين توجيه للتثنية وبيان لأنّ ما بينهما شامل لما بين طبقاتها ، وما بينهن بطرفيه لمجموع السموات ، والأرض. قوله : ( وهو دليل على صحة الحشر ) قد مرّ الكلام فيه ، ولو قال وقوع الحشر كان أولى ، وبه ظهر ارتباط هذا بما قبله. قوله : ( إلا بسبب الحق ) الجار ، والمجرور حال من الفاعل أو المفعول أي إلا محقين ، والباء للملابسة كما مرّ ، وهو أظهر من السببية التي ذكرها فإنها سببية غائية ، وفوله : أو البعث في نسخة عطفه بالواو ، وهي أولى لأنه لا منافاة بينهما ، وهو مقتضى كونه دليلا على الحشر فتأمّل. قوله : ( وقت موعدهم ) الميقات مما يدل بالهيئة ، والمادّة على معنى واحد كالتشابه على الوجه الأوّل وهو من دقائق العربية. قوله : ( بدل من يوم الفصل ) أو عطف بيان عند من لا يشترط المطابقة تعريفا وتنكيراً ، ويجوز نصبه بأعني مقدرا ، وأمّا كونه مبنيا صفة لميقاتهم كما قاله أبو البقاء وتبعه المصنف رحمه الله ففيه أنه جامد نكرة لإضافته للجملة فكيف يكون صفة للمعرفة مع أنه لا يصح بناؤه عند البصريين إذا أضيف إلى جملة صدرها معرب وهو المضارع كما صرّح به المصنف رحمه الله في المائدة وقوله : للفصل أي بيته ، وبين عامله بأجنبيّ ، وهو مصدر لا يعمل إذا فصل لضعفه ،
وفيه خلاف للنحاة إذا كان ظرفا ، وقال أبو البقاء لأنه أخبر عنه ، وفيه تجوّز فإنّ الإخبار عما أضيف إليه الفصل لا عنه. قوله : ( شيئاً من الإغناء ) إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية ، والإغناء الإجزاء ، ويجوز كونه مفعولاً به ، ويغني بمعنى يدفع ، وينفع وتنكير شيئاً للتقليل ، وقوله : من قرابة من سببية ومولى من الولاية ، وهي التصرّف فيشمل كل من يتصرّف في آخر لأمر مّا كقرابة ، وصداقة فإذا لم يغن ذلك فغيره أولى. قوله : ( الضمير لمولى الأوّل ) دون الثاني لأنه أفيد ، وأبلغ لأنّ حال المولى الثاني ، وعدم نصرته معلوم ، ولأنه إذا لم ينصر من استند إليه فكيف هو ، ولو عاد على الثاني جاز للدلالة على أنه لا ينصره غير مولاه ، وقوله : باعتبار المعنى لأنه في معنى الجمع ، وقوله : لأنه عام(8/10)
ج8ص11
إذ هو نكرة في سياق النفي ، وهي تعم وهذا مما يرجح عود الضمير للأوّل لأنه المنفي إذ المعنى لا مولى له ، وأمّا كون النكرة في سياق النفي تدل على كل فرد فرد فلا يرجع لها الضمير مجموعا فغير مطرد لأنها قد تحمل على المجموع بقرينة عود ضممير الجمع لها أو يقال المراد عوده على ضمير الموالي المفهوم منه قيل ، ولو جعل الضمير للكفار كضمير ميقاتهم كثرت الفائدة ، وقلت : المؤنة فتأمّل. قوله تعالى : ( { إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ } ( فيه وجوه فقال الكسائيّ : إنه منقطع ، وقال غيره : متصل أي لا يغني قريب عن قريب إلا المؤمنين فإنهم يؤذن لهم في الشفاعة ، وقيل : هو مرفوع على البدلية من مولى الأوّل ، ويغني بمعنى ينفع أو على البدلية من واو ينصرون أي لا يمنع من العذاب إلا من رحمة الله ، وقد عرفت أنّ البدلية في غير الموجب أولى من النصب على الاستثناء ، والمصنف رحمه الله اختار استثناءه من الواو لقربه. قوله : ( لا ينصر منه ) ضمنه معنى يخلص! أو ينجو ، ولذا عداه بمن وفيه إشارة إلى أنّ العزيز هنا بمعنى الغالب ، والكلام على الشجرة ، وتفسيرها مر مفصلا ، وقوله : الكثير الآثام بالمدّ جمع أثم ، وهو الذنب ، ولما كان الأثيم شاملا للعاصي قال ، والمراد الخ وما قبله يوم لا يغني الخ فإن المفسرين كلهم على أنه في حق الكافر ، إذ ما قبله في حق المشركين ، وما بعده قوله : ما كنتم به تمترون ، وما قبله. قوله : ( وهو ما يمهل في النار ) أي يوضع فيها حتى يذوب كبعض المعدنيات فهو من المهل بمعنى السكون ، والدردي العكر في قعر الإناء ، ومنه المثل أول الدن دردفي ، وأورد عليه أنّ الحاكم وغيره رووا عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله : " كالمهل عكر الزيت فإذا قرب إلى
وجهه سقطت فروة وجهه ) أي جلدته فلا وجه لتمريضه ، وإن كان ما رجحه به الزمخشريّ مع نقل أئمة اللغة إنه مشترك محل كلام وقد فسر أيضاً بالقيح والصديد ( قلت ) في تفسير السمرقندي روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رأى فضة قد أذيبت فقال : هذا هو المهل فجائز أن يكون كل شيء يذاب ، ويحرق أن فيكون ما في الحديث على طريق التمثيل لا الحصر فيه حتى يعارض ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فتأمّل. قوله : ( إذ الأظهر الخ ) قوله : كالمهل خبر ثان أو خبر ضمير مقدر أو حال من طعام ، والعامل فيه معنى التشبيه فلا يرد قول أبي البقاء إنه لا يصح لعدم ما يعمل فيه ويغلي على قراءة ابن كثير وحفص بالتحتية فيه ضمير لما ذكره المصنف رحمه اللّه ، وجوز أبو البقاء كون جملته خبر مبتدأ محذوف فلا تتعين الحالية ، وقد قيل إنّ الضمير المستتر فيه يعود على المهل فيكون حالاً منه كما ذكرها المعرب ، والمصنف رحمه اللّه لم يلتفت إليه لأنه لا يناسب المقام إذ المراد أنّ مأكولهم يغلي في بطونهم ، وإذا كان حالاً مما شبه به المأكول لم يفده كما لا يخفى والحميم ما هو في غاية الحرارة ، فإن قلت كيف يكون حالاً من أحدهما ، وقد منع النحاة مجيء الحال من المضاف إليه في غير صور مخصوصة ، ومنص!ه من المبتدأ ، والخبر قلت هذ بناء على جواز مجيء الحال من الخبر ، ومن المبتدأ ، والمضاف إليه المبتدأ في حكمه ، وهذا أحد الصور التي يجيء الحال فيها من المضاف لأنه كالجزء في جواز إسقاطه كما يعرفه من فهم تلك المسألة ، وأمّا ما قيل إنه حال من ضمير أحدهما ، والمراد ضمير الشجرة المستتر في قوله كالمهل لتأويله بأحدهما لا من اسمهما الظاهر إذ لا وجه له ، ولا من ضميرهما إذ لا ضمير لهما فتكلف بارد ، وتصرّف فاسد ، والحمل على قول ضعيف أحسن منه. قوله : ( غلياناً الخ ) يعني أنه صفة مصدر ، ويجوز أن يكون حالاً ، وتقدير القول ليرتبط بما قبله أي ، ويقال لهم الخ ، وقوله : الأخذ بمجامع الشيء لم يقل بمجامع الثوب لأنه ليس بلازم كما توهم فإنّ مداره على جرّه مع الإمساك بعنف كما لا يخفى ، ولذا عطف عليه قوله وجره الخ ، وقوله : بالضم على أنه من باب قعد وفي غيرها من باب ضرب ، وقوله : وسطه سمي سواء لاستواء بعد جميع أطرافه بالنسبة إليه. قوله :
( كان أصله الخ ا لأنه مصبوب من جهة العلو فحقه التعبير بما ذكر ، ثم زيد فيه العذاب ليدل على أنه ليس كالحميم المعروف ، ثم أضيف لما ذكره وقال يصب ، وكان الظاهر صبوا لأنه المذكور في النظم إشارة إلى أنه ليس مخصوصا هنا بل يجري في التركيب كيفما كان ، ويصب وقع في محلى آخر ، وقوله : للمبالغة لجعل العذاب عين الحميم ، وهو مترتب عليه ، ولجعله مصبوبا فهو بعينه كالمحسوس المفاض الشامل لهم ، وهو إمّا تمثيل أو استعارة تصريحية أو مكنية ، وتخييلية ، وهو ظاهر(8/11)
ج8ص12
والذوق مستعار للإدراك ، وقوله : وقولوا له فالقول المقدّر سابقا أمر ، ويجوز أن يكون مضارعا كما قدرناه أو قولوا المقدر من مقول يقال المقدر أوّلاً. قوله : ( استهزاء به ا لأنه في وقت القول في غاية الذلة والحقارة أو هو باعتبار ما كان إشارة إلى أن عزه ، وكرمه لم يفيداه شيئاً. قوله : ( إنّ هذا العذاب ) أو الأمر الذي هم فيه ، وهو ابتداء منه تعالى أو من مقول القول ، وقوله : وتمارون المماراة المجادلة فيما فيه مرية وشك وهو ، والامتراء من أصل واحد. قوله : ( في موضع إقامة وقرأ نافع ) كذا في أكثر النسخ ، وفي بعضها وهو قراءة نافع وابن عامر ، والباقون بفتح الميم وهي ظاهرة ، وأمّا تقديم قراءة غير الأكثر ، وبناء صدر تفسيره عليه فلا بأس به ، وليس ملتزما له كما زعموه ، وأمّا الأولى فالمراد منه أنّ المقام بالفتح لكونه اسم مكان وزمان ، ومصدراً للقيام ، والمراد الأوّل هنا ، والقيام فيه بمعنى الثبات ، والملازمة كما في قوله ة { مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا } [ سورة آل عمران ، الآية : 75 ] فكني به عن الإقامة لأنّ المقيم ملازم لمكانه ، والقراءتان بمعنى فلا وجه لما قيل عليه من أنه لا وجه لجعله مقابلاً لتفسيره لمقام بموضع الإقامة ، واستصعبه وليس بشيء فإنّ المقام بالفتح لا يراد به في عرف اللغة إلا موضح الإقامة. قوله : ( يأمن صاحبه عن الآفة ) إشارة إلى أنّ الأمين صفة من الأمن ، وهو عدم الخوف عما هو من شأنه فلا يتصف به المقام إلا باعتبار أمن من به فهو إسناد مجازي وصف به بصفة صاحبه كنهر جار ، وجعله الزمخشريّ استعارة من الأمانة كأنه مؤتمن وضع عنده ما يحفظه من الانتقال ، والضرر ففيه استعارة مكنية ، وتخييلية كأنّ المكان المخيف يخون نازله ، وقيل إنه إشارة إلى أنه فعيل بمعنى مفعول فأمين بمعنى مأمون ، وهو خلاف الظاهر ، ويحتمل أنه للنسبة أي ذو أمن. قوله : ( بدل من مقام ) بإعادة الجارّ أو الجارّ ، والمجرور بدل من الجارّ ، والمجرور ، وظرفية العيون للمجاورة ، والظاهر أنه بدل اشتمال
!ل أو بعض ، والمآكل من ثمار الجنات ، والمشارب من العيون ، وقوله : ما غلظ منه أي من الحرير ، أو الاستبرق الكثيف من الديباج ، والفرق سهل ، وبعد التعريب ألحق بكلام العرب فلا ينافي وقوعه في القرآن كونه عربياً مبيناً ، وقوله : معرّب استبره في القاموس استروه ، وأيد كونه عربياً من البراقة بقراءته بوصل الهمزة ( أقول ) الذي صح في لغة الفرس أنّ استبر من استبره معنا. الغليظ مطلقاً ثم خص بغليظ الديباج فقيل استبره ، واستبرة بتاء النقل فما في القاموس خطأ وخبط ، وذهب بعضهم إلى أنه عربيّ كما فصله في اللوامح ، وقرئ بإسقاط الهمزة في الشواذ. قوله : ( الآمر كذلك ) فهو خبر مبتدأ مقدر ، والمقصود به تقرير ما مرّ وتحقيقه ، وقوله : آتيناهم مثل ذلك من الإتيان بالمثناة الفوقية فكذلك مفعوله أو صفة مصدر أي فعلنا كذلك ، وفي نسخة أثبنا بثاء مثلثة ، وباء موحدة ، وزوّجناهم معطوف على هذا الفعل المقدر ، وعلى ما قبله هو معطوف على يلبسون. قوله : ( ولذلك عدّى بالباءا لأنه بمعنى قرناهم وهو متعد بها أيضا ، وأمّا زوّجه المرأة بمعنى أنكحه إياها فهو متعد بنفسه في القول المشهور لأهل اللغة ، وقال الأخفش : يجوزسفيه الباء أيضا فيقال : زوّجته بامرأة فتزوّج بها ، وأزد شنوءة لغتهم تعديته بالباء ، وقول بعض الفقهاء : زوّجته منها خطأ لا وجه له كذا في المصباح المنير ، وأنما فسر بقرناهم لأنّ الجنة ليس فيها تكليف فلا عقد ، ولا تزويج بالمعنى المشهور ، وقوله : والحوراء البيضاء ، والعيناء إشارة إلى أنّ الحور جمع حوراء ، والعين جمع عيناء ، والعيناء معناها ما ذكره المصنف ، وأمّا الحوراء ففيها خلاف لأهل اللغة فقيل البيضاء ، وقيل الشديدة سواد العين ، وبياضها ، وقيل : الحوراء ذات الحور ، وهو سواد المقلة كلها كما في الظباء فلا يكون في الإنسان إلا مجازاً ، وقوله : واختلف الخ يعني في المراد منها في هذه الآية. قوله : ( لا يتخصص شيء منها الخ ) هذا مأخوذ من كل فاكهة ، وكون الجملة حالية ، ولم يجعل يدعون للحور على وزن يفعلن 1 لعدم مناسبتة للسياق مع أنه خلاف الظاهر ، وقوله : من الضرر أيّ ضرر كان ، وآمنين حال من ضمير يدعون أو من الضمير في قوله في جنات وجملة لا يذوقون مستأنفة أو حالية. قوله : ( والاستثناء متقطع أو متصل الخ ا لما كانت الموتة الأولى مما مضى
لهم في الدنيا ، وما هو كذلك لا يمكن أن يذوقوه في الجنة ذهب بعضهم إلى أنّ الاستثناء منقطع أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا فاندفع السؤال به ، ولذا قدمه(8/12)
ج8ص13
وذهب آخرون إلى أنه متصل ، وتأوّلوه بأنّ المؤمن عند موته لمعاينة ما يعطاه في الجنة كأنه فيها لتيقنه بنعيمها ، وقيل إلا فيه بمعنى سوي ، وهو صحيح شائع بخلاف كونها بمعنى بعد الذي اختاره الطبري فإن الجمهور لم يثبتوه. قوله : ( والضمير ( أي في قوله : فيها للأخرة فيشمل البرزخ لتنزيله منزلتها باعتبار مشارفته ، وقربه منها فهو مجاز ، والظاهر أنه على هذا شامل لمن هو في الجنة حقيقة لأنّ المقصود نفيه عمن هو فيها فيكون فيه الجمع بين الحقيقة ، والمجاز ، وهو جائز عند المصنف ، والتجوّز في قوله فيها ففيه استعارة تبعية كما أشار إليه المصنف لكن في عود الضمير للآخرة تفكيك لأنّ ما قبله للجنات كما قيل ، وتسهيله أنّ الجنة والآخرة هنا في حكم شيء واحد ، وقد قيل إنّ السؤال مبنيّ على أنّ الاستثناء من النفي إثبات فيثبت للمستثنى الحكم المنفي عن المستثنى منه ، ومحال أن تثبت الموتة الأولى الماضية الذوق في الجنة ، وأمّا من جعله تكلماً بالثاني بعد الثنعي ، والمعنى لا يذوقون سوى الموتة الأولى ، من الموت فلا إشكال لكن الحق هو الأوّل ، وعليه قاعدة الكلام ، وخاصية التركيب ، وكون الأوّل مذهب الحنفية لا يرد هنا ، ولا على ما في شرح الكشاف كما توهم مع جعل الكلام مبنيا عليه فتأمّل. قوله : ( أو الاستثناء للمبالغة في قحميم النفي ا للمستقبل كأنه قيل لا يذوقون الموت البتة أصلا ، وهو متصل حينئذ على الفرض ، والتقدير كما في قوله : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [ سورة النساء ، الآية : 22 ] وقوله :
ولا عيب فيهم غيرأن نزيلهم يعاب بنسيان الأحبة والوطن
فهو من تأكيد إثبات الشيء بنفيه فيقدر الدخول للمبالغة في النفي ، وضمير فيها للجنات حينئذ ، وأو عاطفة على قوله والمؤمن الخ ، وحاصله منع الدخول مستنداً لأنه يجوز فرضا للمبالغة وفي نسخة بالواو فلا يكون جوابا آخر بل راجع لما قبله وله وجه فتدبر. قوله : ( وقرئ ووقاهم على المبالغة ) في الوقاية لأنّ التفعيل لزيادة المعنى لا للتعدية لأنه متعدّ قبله ، وبعده فالمبالغة مأخوذة من الصيغة الدالة على التكثير. قوله : ( أي أعطوا كل ذلك عطاء وتفضلا ( إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية ، وجوّز فيه أن يكون حالاً ومفعولاً له ، وهو إشارة إلى أنه ليس بإيجاب لاستحقاقهم له بالأعمال كما مرّ غير مرّة. قوله : ( لأنه خلاص عن المكاره ( كما يدل عليه قوله ووقاهم الخ ، والفوز بالمطالب مما قبله ففيه لف ، ونشر مرتب وقوله :
بلغتك إشارة إلى أنّ اللسان هنا بمعنى اللغة لا الجارحة ، وقيل المعنى أنزلناه على لسانك بلا كتابة لكونك أمّيا فاللسان بمعناه المشهور. قوله : ( وهو فذلكة للسورة ) أي إجمال لما فيها من التفصيل وقد مرّ أنه من قول الحساب فذلك كذا فيكون تذكيرا وشرحا لما مضى ، وقوله : لعلهم يفهمونه لموافقته لغتهم ، والكلام على لعل وكونها بمعنى كي تقدم ، وقوله : لما لم يتذكروا الخ ، وفي نسخة ، ولما لم يتذكروا الخ بالواو ، وهي أولى ، وهو تقدير لشرط يكون قوله فارتقب جوإبا له فإنّ جواب لما يجوز اقترانه بالفاء كما صرّح به النحاة ، وذكره ابن مالك في التسهيل ، وحذف مفعول فارتقب للتعميم ، ولذا قدره المصنف بقوله : ما يحل ، وهو تعميم بعد تخصيص بقوله : فارتقب يوم تأتي السماء الخ ، وقوله ة منتظرون كما قالوا نتربص به ريب المنون ، وقيل : معناه مرتقبون ما يحل بهم تهكماً ، وقيل هو مشاكلة ، والمعنى صائرون للعذاب. قوله : ( عن النبئي صلى الله عليه وسلم الخ ) الحديث أخرجه الترمذيّ ، وليس موضوعا ، وأصبح بمعنى صار ومغفورا مفعوله أو بمعنى دخل في الصباح وهو حال ، وقوله : حم الدخان بالإضافة أو التوصيف لكنه يحتاج إلى تكلف ، وتخصيص ليلة الجمعة توقيفي تمت السورة بحمد الله المعين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله ، وصحبه أجمعين.
سورة الجاثية
وتسمى سورة الشريعة ، وسورة الدهر لذكرهما فيها. قوله : ( مكية ) استثنى بعضهم منها :
{ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا } الآية فإنه قيل إنها مدنية نزلت في شأن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كما سيأتي ، وقوله : سبع(8/13)
ج8ص14
أو ست لاختلافهم في حم هل هي آية مستقلة أو لا.
بسم اله الرحمن الرحبم
قوله : ( إن جعلت حم مبتدأ خبره تنزيل الخ ) هذا على أنها علم للسورة أو اسم للقرآن
كما مرّ غير مرّة ، وقوله : احتجت إلى إضمار بالتنوين ، وبالإضافة لما بعده ، والمضمر أي المقدّر لفظ تنزيل فقوله : مثل تنزيل حم أي مثل تنزيل من قوله تنزيل حم ففيه مسامحة لا ضير فيها ، والاحتياج إلى التقدير إن لم يؤوّل تنزيل بمنزل على أنه من إضافة الصفة لموصوفها كما ذكره في السجدة مقتصرا عليه كما هو دأبه في ذكر الوجوه مفرّقة ، ولا يقدج فيه قوله : احتجت كما توهم لأنه احتياج في الجملة ، وعلى أحد الاحتمالات ككونه جعل تنزيلا مبالغة أو التقدير في الخبر. قوله : ( تعديدا للحروف ) من غير تقديره معربا ، وكذا إن جعل خبر مبتدأ أو مبتدأ خبره مقدر ، وقوله : مقسم به ففيه حرف جرّ مقدر ، وهو في محل جرّ أو نصب على الخلاف المعروف فيه ويجوز كون تنزيل خبر مبتدأ محذوف كما مرّ في الم السجدة. قوله : ( وتنزيل الكتاب صفتة ) قد عرفت أنه في محل نصب أو جرّ فكيف يكون تنزيل المرفوع صفته ، وحمله على أنّ تقديره حم قسمي فهو مرفوع مع القسمية ، أو جعله صفته بتقدير الذي هو تنزيل الخ لا يخفى بعده مع ما في الثاني من حذف الموصول مع بعض صلته وأسهل منه أن يراد أنه نعت مقطوع فهو خبر مبتدأ مقدر والجملة مستأنفة ، والنحاة تسمية نعتاً ، . وصفة بعد القطع فيقولون نعت مقطوع ، وصفة مقطوعة ، وقوله : وجواب القسم الخ هذا هو الظاهر ، وجوّز أن يكون تنزيل الخ جواب القسم أيضا. قوله : ( وهو ) أي نظم الآية يحتمل أن يكون على ظاهره من غير تقدير ، أو تأويل بأن تكون الآيات في نفس السموات ، والأرض بقطع النظر عن خلقها ، وإيجادها فالآيات ما فيها من الكواكب ، والمعادن ، والحيوان ، والنبات فإنها أدلة ساطعة فيكون قوله : { وَفِي خَلْقِكُمْ } من عطف الخاص على العام ، وأمّ كون المراد أن في أنفسها آيات لما
فيها من بديع الصنع ، وغريب الحكمة فيرجع إلى ما بعده. قوله : ( وأن يكون المعنى الخ ) ففيه مضاف مقدر وقوله : لقوله الخ. فإنه يناسب هذا التقدير معنى كما صرّح به في تيه أخرى في قوله : { إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ } الخ والقرآن يفسر بعضه بعضاً. قوله : ( ولا يحسن عطف ما ) في قوله ، وما يبث على الضمير المجرور بالإضافة في قوله : خلقكم لأنّ العطف على الضمير المتصل المجرور بالاسم أو الحرف إنما يصح أو يحسن. يماعادة الجار لكونه كالجزء من الكلمة ومنهم من فصل فيه فمنعه بالمجرور بالحرف نجقط ، وقوله : على المضاف إليه يعني خلق وقوله : بأحد الاحتمالين يختمل أن يريد بالاحتدالين تقدير المضاف وهو خلق وعدمه فأل في الاحتمالين للعهد أي الاحتمالين السابقين في قوله : إنّ في السموات كما مز ، وقوله فإن بثه على الاحتمال الأوّل ، ويحتمل أن يريد الموصولية ، والمصدرية فإنه على المصدرية يظهر عطفه عليه لأنّ بث الدواب نوع من الخلق وهو عطف مصدر على مثله وفي قوله : فإن بثه إشارة إليه حيث قدّره بالد صدر ، وقوله : عطف ما إشارة إلى الموصولية فتدبر. قوله : ( فإن بثه ) أي نشره ، وتكثيره ، والضمير للدابة وذكره ل!تأويله بما يدب ، وتنوّعه من تنكير الداية الشاملة لأنواعها ، واستجماعه لما به المعاش من لوازمه. قوله : ( محمول على محل إن واسمها ) هذا توجيه للنظم على قراءة الرفع ، وقيل : إنّ الجار والمجرور خبر مقدم ، وآيات مبتدأ مؤخر ، والجملة معطوفة على جملة إن ، وما في حيزها لئلا يلزم العطف على معمو " لي عاملين مختلفين لأنّ العامل في محل أنّ واسمها الابتداء والعامل في الخبر أنّ فإن قيل إنه الابتداء اندفع المحذور عنه ، ولزوم هذا فيما بعده مما لا محيص عنه ، والخلاف في هذه المسألة مفصل في النحو ، وقوله : حملا على ألاسم أي عطفاً على الاسم باعتبار إعرابه الظاهر. قوله : ( واختلاف الليل والنهار ) أي تعاقبهما ، وقد مرّ تفصيله وقوله : لأنه سببه فهو مجاز ، ولو لم يؤوّل صح لأنه في نفسه رزق أيضاً ، وقوله : ويلزمهما أي القراءتين بنصب آيات ورفعها ، وقوله : على عاملين فيه مضاف مقدر أي معمولي عاملين ، وهذه العبارة للمتقدمين من النحاة ، ولذا لم يغيرها المصنف ، وفي جواز ، ومنعه الأقوال المشهوزة ، وقوله : في الخ في في محل جر بدل(8/14)
ج8ص15
مما قبله أو نصب بأعني أو وفع بتقدير هو وهو ظاهر ، وقوله : والابتداء أو أن يعني في قراءتي الرفع ، والنصب وقوله إلا أن يضمر في ، وحذف الجارّ-مع إبقاء عمله لا
يخفى ما فيه ، وإن هونه ذكره قبله ، وقوله : بنصب آيات على الاختصاص ليس المراد بالاختصاص مصطلح النحاة بل النصب بأعني مقدرا ، والزمخشريّ يستعمله بهذا المعنى كثيراً ، وحينئذ يكون المجرور معطوفا وحده فلا يلزم العطف المذكور ، وقوله : بإضمار هي يعني في القراءة الأخرى ، وترك ما في الكشاف من أنّ آيات أعيد للتأكيد ، والتذكير بها ، ومثله كثير لأنه إنما يكون بعين ما تقدم ، واختلاف الصفات يدل على تغاير الموصوفات فلا وجه للتأكيد فيه ، أو لما فيه من الفصل بين المعطوف المجرور ، والمعطوف عليه بالاسم ، وبين المؤكد والمؤكد بالمعطوف على ما قبلهما ، وإن قيل بأنه ليس بمحذور فإنه يورث تعقيداً ينافي فصاحة القرآن العظيم فتأمّل.
قوله : ( ولعل اختلاف الفواصل الخ ) يعني جعل الآيات أوّلاً للمؤمنين ، وثانياً للموقنين ،
وثالثاً لقوم يعقلون لأنّ قرين الإيقان المنبئ عن تصمفية شوائب الاشتباه فوق قرين الإيمان ، ومرتبة العقل المنبئ عن الاستحكام ، وعدم التزلزل يشبه المبطلين فوقهما ، والأولى تحصل بالنظر في أوّل المصنوعات ، وأظهر المحسوسات ، والثانية بالنظر في آخر المكوّنات ، وخلاصة الممزوجات ، والثالثة مما تكرّر في الأوقات ، وفيه كلام في شروح الكشاف يكفي ما ذكر أنموذجاً له. قوله : ( تلك الآيات ) إمّا آيات القرآن أو السورة أو ما ذكر قبله فتلاوتها بتلاوة ما يدل عليها ، وقوله : عاملها معنى الإشارة مرّ تفصيله في قوله هذا بعلى شيخا ، وقوله : ملتبسين الخ يعني أنه حال من الفاعل أو المفعول ، والباء للملابسة ، ويجوز أن تكون للسببية الغائية كما مرّ في أواخر الدخان ، وقوله : فبأيّ حديث الفاء في جواب شرط مقدر ، والظرف صفة حديث أو متعلق بيؤمنون قدم للفاصلة. قوله : ( بعد آيات اللّه الخ ) يعني أنه مما قصد فيه المعطوف ، وذكر المعطوف عليه توطئة كما حقق في شرح المفتاح وبسط الكلام عليه العلامة الزمخشري في غير هذه الآية ، وهي طريقة البدل لكنه عدل عنه لنكتة سرية ، وما ذكره بيان لحاصل المعنى ، ودفع لما يتوهم من أنّ ما أضيف إليه بعد ليس من جنس ما قبلها ، ولا يرد عليه أق هذه طريقة البدل لا العطف ، وأنه يلزمه إقحام الاسم الشريف ، والعطف عليه بلا فائدة ، ولذا أفاد المثال إعجابين لا إعجاباً واحداً ، وفي الحقيقة لا إعجاب بغير الكرم ، وفيه فائدة كما أشار إليه المصنف فلا يرد عليه شيء كما توهم ، وفي الكشاف في سورة البقرة فائدة هذه الطريقة أي طريقة إسناد لفعل إلى شيء ، والمقصود إسناده إلى ما عطف عليه قوّة اختصاص المعطوف بالمعطوف عليه من جهة الدلالة على أنه صار من التلبس بحيث يصح أن تسند أوصافه ، وأفعاله وأحواله إلى الأوّل قصداً لأنه بمنزلته ، ولا كذلك البدل لأنّ المقصود فيه بالنسبة هو الثاني
فقط ، وهنا هما مقصودان فإن قلت إذا لزم يكن ذلك الوصف منسوبا للمعطوف عليه لزم إقحامه فيرد حينئذ ما أورده أبو حيان ، وما ذكروه من المبالغة لا يدفع المحذور ، وعلى فرض تسليمه فدلالته على ما ذكر بأيّ طريق من طرق الدلالات المشهورة قلت هو غير منسوب إليه في الواقع لكن لما كان بينهما ملابسة تامة من جهة ما ككونها بإذنه أو مرضية له أو غير مرضية جعل كأنه المقصود بالنسبة ، وكني بها عن ذلك الاختصاص كناية إيمائية ، ثم عطف عليه المنسوب إليه ، وجعل تابعا فيها ، وبهذا غاير البدل مغايرة تامّة غفل عنها المعترض فالنسبة بتمامها مجازية ، وهذا مما ينبغي معرفته فتدبره. قوله : ( للمبالفة ( أي في مضمون الكلام كمبالغة الإعجاب في المثال ، وتعظيم الآيات حيث سويت بالمعطوف عليه ظاهراً فلا إقحام فيه للجلالة كما توهم وقوله : كما في قولك الخ. حيث نسب الفعل إلى ذات ، والمقصود نسبته إلى وصفه لفائدة جليلة. قوله : ( أو بعد حديث اللّه الخ ) يعني أنه ليس من قبيل ما ذكر ففيه مضاف مقدر بقرينة تقدّم ذكره وهو لفظ حديث ، والمراد به القرآن ثم استشعر سؤالاً ، وهو أنّ الحديث هل يطلق على القرآن فأجاب عنه بأنه ورد إطلاقه عليه في الآية المذكورة الله نزل الخ. فالمراد بآياته أي الله حينئذ دلائله أي الدلائل التي أقامها في كتابه المنزل على حقية شرائعه ، وما جاء به رسوله ، وهو من عطف الخاص على العامّ لا من عطف المتغايرين(8/15)
ج8ص16
بالذات حتى يلزم الجمع بين الحقيقة ، والمجاز ، وإن كان جائزا عند المصنف كما قيل. قوله : ) أو القرآن ( يعني المراد بآياته القرآن ، وكذا بالحديث فهما متحدان بالذات متغايران بالوصف ، والعنوان فيراد بالآيات فيما سبق القرآن أيضا ، وقوله : ليوافق ما قبله ، وهو قوله : يؤمنون ، ويعقلون بصيغة الغائب إذ المخاطب هو النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وعلى قراءته بالفوقية يكون من تلوين الخطاب لكنه موافق لقوله : { وَفِي خَلْقِكُمْ } [ سورة الجاثية ، الآية : 4 ] والموافقة بحسب الظاهر ، والصورة إذ المراد هنا الكفار بخلاف السابق. قوله : ( يقيم على كفره ) يعني أنّ الإصرار على الشيء ملازمته ، وعدم الانفكاك عنه من الصرّ ، وهو الشد ومنه صرّة الدراهم وقوله تعالى تتلى عليه الظاهر أنّ المراد الاستمرار ، وهو المناسب للاستبعاد ، وأمّ كون تاليها عظيم الشأن فهو كذلك في الواقع ، ولا دلالة للنظم عليه ، وجملة تتلى حال ، وتفسير الأثيم بكثير الإثم أحسن من تفسيره بكذاب كما في القاموس لتكروه مع ما قبله مع أنّ ما ذكر هو المناسب للغة. قوله : ( وثم لاستبعاد الإصرار ) فهي للتراخي الرتبي لا الحقيقي كما في البيت المذكور ، واختاروه لأنه
أبلغ ، وأنسب بالمقام ، وإن أمكن إبقاؤه على حقيقته هنا. قوله : ( يرى الخ ) هو شعر لجعفر بن علية الحارثي الحماسي وهو :
لا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها
تقاسمهم أسيافنا شرّ قسمة ففينا غواشيها وفيهم صدورها
أي لا يكشف الشدّة ، ويزيلها إلا رجل كريم يرى قحم الموت ، ويتحقق غمرات الممارسة حتى كأنه يشاهدها ثم يتوسطها ، ولا يعدل عنها ، والغماء الغم ، والكربة ، وأصل معناها التغطية فليس بين رؤيته للشدائد ودخولها تراخ زماني ، وإنما التفاوت في الرتبة بين مشاهدة الأهوال ، والدخول فيها. قوله : ( فخففت ) بحذف إحدى النونين ، وقوله : وحذف ضمير الشان ، وقد قيل إنه لا حاجة لتقديره كما في أنّ المفتوحة وقوله : في موقع الحال أو مستأنفة. قوله : ( والبثارة على الآصل ) في اللغة ، والوضع فإنها الخبر المغير للبشرة خيراً كان أو شراً ، وأنما خصها العرف بالخبر السارّ فإن أريد معناها المتعارف فهو استعارة تهكمية أو هو من قبيل :
تحية بينهم ضرب وجيع
كما مرّ في سورة البقرة. قوله : ( وإذا بلغه الخ ) يشير إلى أنه يجوز أن يكون متعذياً لواحد
أو لاثنين ، وقوله : لذلك أي لكونها من آياتنا ، أو لعلمه بذلك فهو تعكيس منه وقوله : من غير الخ. هو معلوم من المقام ، واضافة الآيات ، وقيل إنه من تنكير شيئاً الدال على العلة الموجبة لخلوّه عته ، وأشار بقوله : يناسب إلى خلوّه من موجب الهزء البتة. قوله : ) بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها ) المبادرة مأخوذة من تعليقه بالشرط الدال على أنهما في زمان واحد حقيقة أو حكماً والاستهزاء بالكل من عود الضمير إلى الآيات بخلافه في الوجه الثاني ، ويجوز أن يجعل الاستهزاء بواحدة منها استهزاء بكلها لما بينها من التماثل ، وقوله : أولئك الآية وقع بعد قوله بمعنى الآية في محله ، وفي بعضها قبل قوله من غير أن يرى الخ ، ولا وجه له ، وقوله. وفائدته أي فائدة إرجاع الضمير لآياتنا مع أنه في الحقيقة لشيء. قوله : ( من قدّامهم ) فوراء
بمعنى قدام لأنها من الأضداد تطلق على قدّام وخلف ، وقدمه لأنه الظاهر ، وقوله أو من خلفهم فهي بالمعنى المعروف ، وقوله : لأنها بعد آجالهم إشارة إلى أنّ الخلفية هنا ليست حقيقية بل هي ما يكون بعد شيء لأنّ ما يقع بعد الشيء كأنه خلفه فلما كانت جهنم تتحقق لهم بعد الأجل جعلت كأنها خلفهم كما أنه يجوز أن يجعلوا لإعراضهم عنها كأنها وراءهم ، وكان المراد الأعراض عما ينجيهم منها فتامّل. قوله : ( من عذاب الله ) يشير إلى أنّ شيئا هنا مفعول به ، ويجوز أن يكون مصدرا أي شيثاً من الإغناء والنفع كما مرّ. قوله : ( لا يتحملونه ) يعني أنّ المراد بعظمه أنه لا يطاق تحمله كالاً جرام العظيمة فهو استعارة وما في ما كسبوا ، وما إتخذوا مصدرية أو موصولة ، وقوله : الإشارة إلى القرآن لتقدّم ذكره ، وقوله ، ويدل الخ لأن المراد بآياتنا القرآن إن كانت الإضافة عهدية ، أو ما يشملها وعلى كل حال فيه دلالة على ما ذكر ، وقوله : برفع أليم على أنه صفة عذاب أخر للفاصلة ، وقوله : أشدّ العذاب قيل إنه فسره في البقرة بمطلق العذاب ، وهو المذكور في اللغة ، ولا يخفى أنه لو سلم فالمراد به هنا ما ذكر ليفيد ذكره مع العذاب كما لا يخفى. قوله : ( بأن جعله(8/16)
ج8ص17
أملس السطح ا لأنه لو لم يكن أملس أجزاء سطحه متساوية لم يمكن جري الفلك عليه ، ويطفو بمعنى يرتفع ويعلو ، وقوله : ما يتخلخل إشارة إلى علته لأنه لتخلخله يتحلله الهواء العلوي فيرفعه ، وقوله : يطفو ناظر لقوله : { لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ } الخ وقوله : ولا يمنع الخ ناظر لقوله : { وَلِتَبْتَغُوا } الخ ففيه لف ، ونشر وفاعل يمنع ضحمير البحر. قوله : ( بتسخيره ) التسخير تسهيل استعمالها فيما يراد بها ، وأنما فسره به لأنها ليست مأمورة ، وقد قيل الأمر هنا بمعنى التكوين أو الأذن ، وقوله : وأنتم راكبوها لأنّ السياق للامتنان على العباد. قوله : ( هي جميعاً منه ) فجميعاً حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور ، بناء على جواز تقدم الحال على عاملها المعنويّ فإنه أحد قولي النحاة ، وهذا إن لم نقل إنه حال من هي بناء على تجويز الحال من المبتدأ ، وكونه حالاً مما قبله ، وهذا تصوير للمعنى بعيد ، وتسخير الجميع باعتبار التمكين منه. قوله : ( أو لما في السموات ( عطف على قوله لمحذوف وقوله : تكرير للتأكيد إن أراد التأكيد اللغوي فظاهر لكنه لا يخلو من الضعف لأنّ عطف مثله في الجمل غير معهود ، وإن أراد التأكيد المصطلح كما قيل بأنه يكون
مع العطف على طريقة { ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [ سورة التكاثر ، الآية : 3 ] دلالة على أنّ الثاني كانه غير الأوّل لزيادة التبصر بزيادة التفكر ، وما مبتدأ خبره منه والجملة مستانفة لمزيد بيان القدرة ، والحكمة ، ولا يخفى أنه مخالف لما تقرر في المعاني من أنه لا يجري في التأكيد العطف لشدة الاتصال ، ولما ذكره النحاة فإنّ ابن مالك في التسهيل صرح بأنّ عطف التأكيد يختص بثم ، وقال الرضي : إنه يكون بالفاء أيضا ، وأمّا عطفه بالواو فلم يجوّزه أحد منهم إلا أنه يحتاج لبيان وجه التخصيص ، وما قيل عليه من أنّ الثاني هنا غير الأوّل حقيقة ، والمراد الإشارة إلى تكرّر التسخير فالتأكيد معنوي لا يخفى ضعفه لأنّ العطف لقصد التكرير لا يعهد في الجمل ، وفي هذا الوجه حذف مفعول سخر من غير قرينة. قوله : ( وقرئ منة ) بكسر الميم ، وتشديد النون بمعنى نعمة ، ومنه على إضافة المن للضمير ، وقوله : على الإسناد المجازي بإقامة السبب الغائي مقام الفاعل الحقيقيّ ، وقوله : خبر محذوف في القراءة الأخيرة ، والتقدير وهذا أو هو منه وأنعامه. قوله : ( لدلالة الجواب ) أي جواب الأمر أعني قل لا اغفروا ، وقد تقدم الكلام على هذا ، وأمثاله في سورة إبراهيم فإن أردته عد إليه ، وقوله : لا يتوقعون إشارة إلى أنّ الرجاء مجاز عن التوقع كالمشعر لاختصاص الرجاء بالمحبوب ، وهو غير مناسب هنا واستعمال الأيام مجازاً عن الوقائع مشهور ، وقوله : لا يأملون بضم الميم من أمل يأمل كنصر وينصر وإن كان المشهور منه المزيد ، وقوله : الأوقات إشارة إلى أنّ الأيام بمعنى مطلق الأوقات ، وهو أحد معانيها. قوله : ( والآية نزلت في عمر رضي الله عنه الخ ) قد مرّ أنه قيل إنّ الآية مدنية ، ويؤيده ما أورد على كونها مكية من انّ من أسلم بها كانوا مقهورين فلا يمكنهم الانتصار منهم ، والعاجز لا يؤمر بالعفو ، والصفح ، وإن أجيب عنه بأن المراد أنه يفعل ذلك بينه ، وبين اللّه بقلبه ليثاب مع أنّ دوام عجز كل أحد منهم غير معلوم ، وقوله : وقيل إنها الخ ، ويؤيده كونها مكية فإنّ القتال لم يشرع بمكة وأنما مرضه لا النظم قد حمل على ترك النزاع في المحقرات ، والتجاوز عن بعض ما يؤذي ويوحش. قوله : ( علة للأمر ) الظاهر أنه اغفروا المقدّر لأنّ أمرهم بالمغفرة للجزاء عليها ، ويحتمل أن يريد بالأمر قل أيضا لأنّ هذا القول سبب
لامتثالهم المجازي عليه ، وقوله : فيكون التنكير لف ، ونشر فالتعظيم على إوادة المؤمنين ، وما بعده لما بعده ، وقوله : والكسب الخ إشارة إلى أنّ ما مصدرية ، وهي تحتمل الموصولية أيضا ، وباؤه سببية أو للمقابلة أو صلة ليجزي ، وقوله : والكسب الخ. هو أيضا لف ، ونشر فإذا أريد بالقوم المؤمنون فكسبهم المجازون عليه مغفرتهم للناس ، وتجاوزهم عنهم لا مغفرة الله حتى يقال فيه مضاف مقدّر ، وهو مثل أو تجوز بجعلها كسبا كما توهم ، والمغفرة المتاركة لا إسقاط الحق. قوله : ( وقرئ ليجزي قوم ) بالياء التحتية وبنائه للمجهول ، ورفع قوم ، وقرئ ليجزي قوما مثلها في البناء ، والبنية إلا أنه نصب قوما ، وفي توجيهها وجوه فقيل القائم مقام الفاعل ضمير المفعول الثاني العائد عليه لفهمه من السياق ، والتقدير هو أي الخبر والمفعول الثاني للمتعدي لمفعولين نحو جزاك الله خيرا في باب أعطى يقوم مقام الفاعل بلا خلاف ، وهو الذي ذكره المصنف ، وقوله لا المصدر قول آخر مردود لأنه لا يقام مقام الفاعل مع وجود المفعول به على الصحيح(8/17)
ج8ص18
وأجازه الكوفيون على خلاف في الإطلاق ، والاستحسان ، وفي قوله : سيما أي لا سيما نظر ظاهر. قوله : ( من عمل صالحاً ) تقدم تفسيره ، وما له وعليه ، وهو جملة مستانفة لبيان كيفية الجزاء. قوله : ( التوراة ) على أنّ التعريف للعهد لا على إرادة الخاص بالعام ، ولو جعل للجنس ليشمل الزبور ، والإنجيل جاز لكن جمهور المفسرين على تفسيره هنا بها لأنه ذكر بعدها الحكم ، ونحوه وما ذكر لا حكم فيه إذ الزبور أدعية ، ومناجاة والإنجيل أحكامه قليلة جدّا ، وعيسى صلوات الله عليه مأمور بالعمل بالتوراة ، والحكمة العملية أحكام الفروع وقوله : { مَا أَحَلَّ اللّهُ } الخ فالطيب بمعنى الحلال اللذيذ ، وقد يراد به كل منهما على الانفراد. قوله : ( حيث آميناهم الخ ) فالعالمين على إطلاقه لا بمعنى عالمي زمانهم كما هو أحد تأويليه ، ولا يلزم على هذا تفضيلهم على جميع ما عداهم كأمّة محمد لأنّ المراد تفضيلهم بما تفردوا به لا من كل الوجوه ، ولا من جهة المرتبة والثواب الذي هو محل الخلاف. قوله : ( أدلة في أمر الدين ) فمن بمعنى في ، واندراج المعجزات لأنها أدلة دينية أيضا ، وقوله : آيات
من أمر النبيّ عليه الصلاة والسلام أي علامات له مذكورة في كتبهم ، وقوله : في ذلك الأمر أي الذي أوتوه ، وقوله : عداوة وحسدا لأنهم بعد علمهم لا يكون اختلافهم إلا بغيا ، وقس!ادا ومرّ في سورة آل عمران أنّ المراد بالعلم التمكن منه ، وقد عرّ أيضا بيان قوله : بحقيق! الحال في حم عسق ، وقوله : طريقة من شرعه إذا سنه ليسلك ، وقيل الشريعة ما يجتمع عليه من الماء ف!ص ز أن يستعار منه أيضا ، وقوله : لا يعلمون اي الحق أو المراد ليسوا من ذوي العلم مبالغة ، وقوله : رؤساء الخ خص!ه بمعونة المقام ، ولو عمم لكل ضال جاز أيضا ، وقوله : إنهم الخ جملة مستأنفة مبينة لعلا النهي ، وقوله : شيئاً تقدم إعرابه. قوله : ( القرآن أو اتباع الشريعة ) جمع الخبر على الوجه!ين باعتبار ما حوأه ، واتباع مصدر مضاف فيعم ، ويخبر عنه بمتعدّد أيضا ، وقوله : تبصرهم وجه الفلاح استعارة حسنة ، وهذا بصائر تشبيه بليغ ، وقوله : يطلبون اليقين فسره به لأنّ من هو على اليقين لا يحتاج لصا يبصره به بخلاف الطالب ، ولولا تأويله بما ذكر كان تحصيلا للحاصل. قوله : ( ومعنى الهمزة فيها الخ ) لأنّ أم المنقطعة تقدر ببل ، وهمزة استفهام فيحمل الاستفهام على ما يليق به ، وهو الإنكار هنا أي لا يليق هذا الحسبان ، ولا ينبغي لظهور عدم التساوي ، والحسبان الحاصل بالمصدر ، وهو المحسوب ، وقوله : ومنه الجارحة للأعضاء التي يكتسب بها كالأيدي أو في قولهم هو جارحة أهله أي كسبهم ، وأن نجعلهم ساذ مسد مفعولي الحسبان. قوله : ( بدل منه ) أي من ثاني مفعولي جعل ، وهذا على قراءة الرفع ، والمبدل هو الجملة ، والظاهر أنه بدل كل من كل لأنّ المقصود كونهم مثلهم في استواء حالي المحيي ، والممات إو بدل اشتمال ، ويجوز كونه بدل بعض ، وأمّا كونه استثنافاً لبيان المماثلة المجملة فلا وجه له ، وقد جوّز أن تكون الجملة مفعولاً ثانيا ، وكالذين الخ حال من ضميرهم ، وكذا العكس. قوله : ( إن كان الضمير ) يعني في محياهم ، ومماتهم للوصول الأوّل ، وهو الذين اجترحوا السيئات ، وهو بيان لما يصحح البدلية من المفعول الثاني ، وهو
الكاف لا من أن فجعلهم كما توهم فإنه لو كان الضمير للموصول الثاني وهو الذين آمنوا لم يصح فيه البدلية لأنّ استواء محعص المؤمنين ، ومماتهم لا مناسبة بينه ، وبين مثلية ذوي الحسبان لتصحح بدليته منه ، وكذا إذا كان للفريقين. قوله : ( لأنّ المماثلة فيه ) أي في استواء المحيي ، والممات فيصح إبداله مما يدل عليها ، وهو الكاف لأنه المقصود بالنسبة ، وإليه الإشارة بقوله إذ المعنى الخ. قوله : ( ويدل عليه ) في المدلول عليه ، وعود ضمير عليه احتمالات بأن يكون للبدل أو يكون الضمير للموصول الأوّل أو لأنّ المعنى إنكار الاستواء ، والظاهر هو الأخير لأنه في وجوه نصبه يكون هو المقصود بالإنكار إذ هو على البدلية المقصرد بالنسبة ، وكذا على الحالية ، والمفعولية لأنه هو المقصود بالإفادة أمّا الأوّل فحود عليه أنه كيف يدل على البدلية ، وقد جوّز فيه الحالية ، والمفعولية ، وأمّ كونه دليلا على أرجحيته ، ولذا قدمه أو المراد بدلالته عليه بالنسبة للاستئناف فتعسف من غير احتياج إليه ، وأما الثاني فلا وجه له ، ولا لما قيل من أنه لا يحتمل غير. في قراءة النصب فإن خفاء وجه الدلالة أظهر من الشمس. قوله : ( بالنصب على البدل ) أي من الكاف لأنها اسم بمعنى مثل ، وأمّا استتار الضمير فيها لأنها بمعنى مماثل ، ومشابه فلا وجه له لأنها(8/18)
ج8ص19
اسم جامد على صورة الحرف فلا يصح استتار الضمير فيه ، وقد سبق مثله للمصنف ، ونقلنا تصريح الفارسي بمنعه ، وقيل مراده إنه حال من الضمير المستتر في الجار ، والمجرور وهو في نفسه صحيح لكنه بعيد عن كلام المصنف بمراحل ، وأمّا الاعتراض عليه بأنه لا يظهر لإخراجه مخرج القيد فائدة يعتد بها فليس بشيء كالاعترا ضعلى المفعولية بأنّ الأصل تعين المتقدم للمفعولية ، ومثله غني عن الرد ، وأمّا جعله حالاً من ضمير نجعلهم فقيل إنه غير سديد معنى وفيه بحث ، وقوله : والكاف حال أي من ضمير نجعلهم ، وقوله : وإن كان أي الضمير للموصول الثاني فقوله سواء الخ. حال من الموصول الثاني على الرفع ، والنصب لا من الضمير في المفعول الثاني فإنه فاسد معنى ، وفيه اكتفاء الاسمية بالضمير ، وقد مرّ في الأعراف أنه غير فصيح فكأنه تبع النحاة فيما اشتهر من جوازه هنا ، والمقتضي للإنكار على حسبان التماثل إنّ الذين آمنوا سواء حالهم عند اللّه في الدارين بهجة ، وكرامة فكيف يماثلونهم ، ويجوز أن يكون بيانا لوجه الشبه المجمل. قوله : ( وإن كان لهما الخ ) قال في الكشف : الضمير إن رجع للفريقين فجملة سواء على التفسيرين استثناف ولا يجوز أن يجعل بدلاً لا لفظاً ، ولا معنى إذ المثل هو المشبه ، وسواء جار على المشبه ، والمشبه به ، ثم قال : إن رجع الضمير إلى الفريقين وجب أن يكون حالاً من المضاف ، والمضاف إليه معاً فمنطوق الكشاف يدل على وجهين ، ومفهومه على وجهين آخرين ، وأمّا إذا جعل كلاماً مستأنفاً غير داخل في حكم الإنكار فيتعين أن يرجع الضمير إلى الفريقين ، والتساوي بين حال المؤمنين
بالنسبة إليهم خاصة ، وحال المجترحين كذلك فيكون تعليلا للإنكار في المعنى دالاً على عدم المماثلة لا في الدنيا ، ولا في الآخرة لأنّ هؤلاء متساوو المحي والممات في الرحمة ، وهؤلاء متساوو المحيي ، والممات في النقمة إذ معناه كما يعيشون يموتون فلما افترق حال هؤلاء ، وحال هؤلاء حياة فكذلك موتا ، وهذا ما أشار إليه المصنف ، وقد قال : أوّلاً التساوي إمّا بين المحيي والممات ، وإمّا بين حياتي الفريقين ، ومماتيهما الخ. اهـ ، وقد عرفت أنّ ما ذكره المصنف ممنوع عند صاحب الكشؤ ، لأنّ المفعول الثاني محمول على الأوّل ، وكذا المبدل منه ، وهو لا يصح هاهنا لأنّ المفعول الأوّل المجترحون ، وضمير البدل للفريقين فتأمّل ، ومحياهم ، وص ا عطف عليه مبتدأ وإذا نصب سواء فهو فاعل له. قوله : ( والمعنى إنكار أن يستووا الخ ) أي على كون الضمير لهما في وجهي البدلية ، والحالية من مجموع الثاني ، وضمير الأوّل فالمنكر على هذا استواؤهما في المحيي والممات ، والإنكار باعتبار الأخير ، ولم يرتض ما آثره الزمخشريّ من كون المعنى إنكار أز يستوي المسيؤون ، والمحسنون محى حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات ، وأولئك على ارتكاب المعاصي لظهور انتفاء ذلك الظن من المجترحين فتأمل. قوله : ( كما استووا في الرزق والصحة ) أي بحسب الظاهر ، والا فما يعطي للمؤمن في الدنيا من ذلك خير له ، وما يعطى للكافر شرّ له لقوله تعالى : { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا } [ سورة آل عمران ، الآية : 178 ] وقوله : مقرّر الخ ففيه لف ، ونشر ثقة بفهم السامع ، ومنه يظهر أنّ المجترحين ليسوا كالمؤمنين فيكون اس!نافاً لبيان إنكار مماثلتهم لهم ، وقوله : في الهدى ، والضلال لأنهم يعيشون كما يموتون. قوله : ( وقرئ ممائلهم بالنصب ) على الظرفية لأنه اسم زمان أو مصدر أقيم مقامه ، والعامل إمّا سواء أو نجعلهم ، والتقدير في وقت حياتهم ، وقوله : ساء ما يحكمون قد مرّ تفصيله وقوله : أو بئس الخ إشارة إلى أحد وجهيه ، وأنه من باب نعم ، وبئس ، والمخصوص بالذم مقدّر فهو على هذا الإنشاء الذم ، وما فيه موصوفة ، وفي الوجه الأوّل للإخبار عن قبح حكمهم ، وما مصدرية ووجه التخصيص أنّ فاعل بض ضمير مبهم يفسر بالتمييز فلا بد من كون ما نكرة موصوفة ليكون تمييزا ، ولو كانت ما مصدرية مؤوّلة بمصدر هو معرفة لم يصح ذلك ، وإنما جعلت في الأوّل مصدرية لأنه إشارة إلى الحكم بالتساوي المعهود لذكره قبله فلا وجه لما قيل من أنه لا وجه للتخصيص إذ يجوز على كل من الوجهين كونها مصدرية وموصوفة فافهما ، وقوله : بالحق تقدّم تحقيقه قريبا. قوله : ( كأنه دليل على الحكم السابق ) وهو إنكار حسبانهم للتساوي ، وهذا إذا لم يكن قوله : سواء
الخ. استئنافاً مقرّرا لتساوي محي كل مصنف ، ومماته أما على هذا فهو المراد بالحكم السابق فتكون الآية دليلا على التساوي ، وبياناً لحكمتة. قوله : ( لآنه في معنى(8/19)
ج8ص20
العلة ) قيل إنه بناء على أنّ الباء للسببية الغائية ، وهي معنى علة له ولا وجه للتخصيص فإنّ المعنى على الملابسة خلقها ملتبسة ، ومقرونة بالحكمة ، والصواب دون العبث ، والباطل ، وحاصله خلقها لأجل ذلك كما أشار إليه التفتازاني ، وقوله : ولنجزي ليس هو المقدر لأنه إشارة إلى المعطوف المذكور في النظم فلا يرد اتحاد المتعاطفين حينئذ. قوله : ( لأنه لو فعله ) أي النقص ، والتضعيف لو صدر من غيره كان ظلما لأنه تصرّف في ملك الغير بما لم ياذن له فيه ، وأمّا الله تعالى فيتصرّف في ملكه كيف يشاء فلو صدر ذلك عنه كإن على صورة ظلم غيره فإطلاق الظلم عليه استعارة تمثيلية أو هو لما كان مخالفاً لوعده الحق سماه ظلما ، وأنما احتيج إلى التأويل لأنّ نفي الظلم فرع إمكانه ، والا لم يفد ، وقوله : كالابتلاء ، والاختبار الخ عصف تفسير للابتلاء فلا يرد أنه تكليف للأمر الشاق فليس بمحال عليه تعالى كالاختبار ، ولا / ت ه الجملة حالية ، وقوله : لأنه تعليل للتسمية. قوله : ( فكأنه يعبده الخ ) إشارة إلى أن جعله إلهاً تشبيه بليغ أو استعارة ، وقوله : وقرئ آلهة أي بصيغة الجمع فالهوي بمعنى المهوي ، وقوله : رفضه أي تركه ذاهبا أو مائلاً إليه فالآلهة بمعناها الظاهر بغير تجوّز أو تشبيه ، وقوله : وخذله أي خلقه ضالاً أو خلق فيه الضلال ، وقوله : عالماً إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال هنا من الفاعل ، ويجوز كونه حالاً من المفعول كقوله : { إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ } [ سورة آل عمران ، الآية : 9 ا ] وفساد جوهر روحه خلقها ناقصة غير مستعدة لقبول الهداية ، وقوله : فلا يبالي الخ لف ونشر.
قوله : ( فلا ينظر بعين الخ ) إشارة إلى أنه تمثيل كما مرّ ، وقوله : غشوة أي بفتح الغين المعجمة ، وسكون الشين ، وقرأها الأعمش بكسر الغين والباقون غشاوة بكسرها ، وقرنت بالفتح والضمّ ، وكلها لغات فيها ، وقد مرّ تفصيله في البقرة ، وأنه قرئ بالمهملة وقوله : من يعد إضلاله إشارة إلى أنّ فيه مضافاً مقدرا بقرينة ما قبله. قوله : ( وقالوا ) الضمير للكفرة أو لمن
باعتبار معناه ، وقوله : أو الحال يعني أنّ الضمير للحياة فالمعنى لا حياة غير حياتنا الدنيا أو للحال ، والحياة من جملة الأحوال فيكون المستثنى من جنس المستثنى منه لاستثناء حال الحياة من أعمّ الأحوال ، ولا وجه لما قيل إنّ المناسبة تقدير المضاف بعد أداة الاستثناء. قوله : ( نكون أمواتاً نطفاً الما كان القائلون كفرة منكرين للحياة بعد الموت أوّله بما ذكر فالموت عدم الحياة السابق على نفخ الروح فيهم أو المراد بالحياة مجاز إبقاء النسل ، والذرية أو بعض يموت وبعض باق في قيد الحياة فالتجوّز في الإسناد أو هو مسند للجنس من غير تجوّز فيه والمراد إصابة ذلك بالتلبس به من غير نظر لتقدم أحدهما على الآخر ، وتأخير نحيي للفاصلة. قوله : ( ويحتمل الخ ) فالمراد بالحياة إعادة الروح لبدن آخر فهو مجاز أيضا ، ولبعده جعله محتملا ، وقوله : مرور الزمان فهو مصدر في الأصل نقل لما ذكر ، وفي الفرق بين الدهر ، والزمان كلام طويل للحكماء ، والفقهاء والذي ارتضاه السعد هنا أنّ الزمان أعمّ لأنه كل حين ، والدهر لا يطلق إلا على الطويل منه وقوله : مدّة بقاء العالم فهو اسم لجميع الأزمنة ، والظاهر ما قدّمناه ، وقوله : إذا غلبه فكأنهم تخيلوا فيه بطول بقائه مع بقاء الغير غلبة ، وقهراً كما نسبوا له الحوادث. قوله : ( يعني نسبة الحوادث الخ ) فذلك إشارة إلى نسبة الحوادث إلى الدهر أو إلى إنكار البعث أو إلى كليهما ، وظاهر. أنّ الزمان عندهم مقدار حركات الأفلاك كما ذهب إليه الفلاسفة ، ولا وجه لاستبعاده فإنهم ، وإن لم يعرفوه تحقيقاً فآل ما عندهم له وما يتعلق بها المراد به مرور الزمان ، والحوادث ، وقوله ، والإنكار لما لم يحسوا به كالصانع القديم ، والبعث. قوله : ( واضحات ) إشارة إلى وجهي بين من اللزوم ، والتعدّي كما مرّ ، وقوله : له أي لما يخالف معتقدهم أو لمعتقدهم ، وقوله : متشبث بالفتح ما يتمسك به ، وقوله : ما كان حجتهم جواب إذا ، ولم يقترن بالفاء ، وإن كانت لازمة في المنفي بما لأنها غير جازمة ، ولا أصيلة في الشرطية فلا حاجة إلى تقدير جواب لها كعمدوا إلى الحجج الباطلة كا قاله ابن هشام ، وقد استدلّ بهذه الآية على أنّ العمل ليس للجوإب لصدارة ما المانعة منه ، ولا قائل بالفرق. قوله : ( سماه حجة على حسبانهم ) يعني أنّ قولهم : ائتوا بآياتنا لا حجية فيه فإطلاق
الحجة عليه إمّا حقيقة بناء على زعمهم فإنهم ساقوه مساق الحجة أو هو مجاز تهكما بهم كما في المثال المذكور ، وقد مرّ تحقيقه ، وفيه مبالغة لتنزيل التضاد منزلة التجان! فإنه لا يلزم من عدم حصول الشيء الخ بيان(8/20)
ج8ص21
لعدم الحجية فيما توهموه حجة لأنه لا يلزم من عدم إعادة آبائهم في الدنيا امتناعها بعده إذا قامت القيامة ، وحان البعث ، والنشور. قوله : ( على ما دلت عليه الحجج ) متعلق بالفعلين ، وقيل : إنه متعلق بقوله : يميتكم ردا لقولهم ، وما يهلكنا إلا الدهر يعني أنه مما لا يمكن إنكاره ، وهم معترفون بأنه المحيي المميت فيكون دليلا إلزاميا على البعث كما أشار إليه بقوله : فإنّ من قدر على الإبداء الخ. فلا مخالفة بيته ، وبين ما في الكشاف حتى يكون ردّاً عليه كما قيل. قوله : ( والوعد الخ ) تفسير لقوله لا ريب فيه ، وقوله : وإذا كان كذلك الخ يعني لم قدّم لهم مقدّمات مسلمة وضمّ لها ما يلزمها إذا ترك العناد لزم منه القدرة على الإتيان بآبائهم ، إلا أنه لم يفعله لحكمة فهو إبطال لما ساقوه مساق الحجة كما بينه المصنف ، وحاصله أنّ البعث أمر ممكن أخبر به الصادق وكل ما هو كذلك لا محالة واقع والى في قوله إلى يوم القيامة بمعنى في أو الفعل مضمن معنى مبعوثين أو منتهين ، ونحوه ، وقوله : يحسونه أي يدركونه بالحواس الظاهرة ، وفي بعض النسخ يحسبونه. قوله : ( تعميم للقدرة ) لأنّ المراد بملكه لها تصرفه فيها كما أراد ، وهو شامل للإحياء ، والإماتة المذكورة من قبله وللجمع ، والبعث وللمخاطبين وغيرهم ، وقوله : ويخسر يوم تقوم الخ إشارة إلى أنّ يوم تقوم الساعة متعلق بالفعل ، وقدم رعاية للفاصل أو للحصر لأنّ كل خسران عنده كلا خسران ، وفي كون يومئذ بدلاً منه نظر لأن التنوين عوض عن الجملة المضاف إليها ، والظاهر أنها تقدر بقرينة ما قبله تقوم الساعة فيكون تأكيداً لا بدلاً إذ لا وجه له ، ولذا قيل إنه بالتأكيد أشبه ، والقول بأنه بدل تأكيديّ لا يسمن ولا يغني من جوع ، وكذا ما تكلفه من زعم أن اليوم الثاني بمعنى الوقت الذي هو جزء من اليوم فهو بدل بعض معه عائد مقدر ، ولما كان فيه ظهور خسرانهم كان هو المقصودبالنسبة. قوله : ( مجثمة ) وفي نسخة مجتمعة وهما بمعنى لأنّ الجثوم الإقامة ، وهما متقاربان ، وقوله : من الجثوة أي مأخوذة منها فلذا
دلت على الاجتماع على هذا القول ، وهي مثلثة الجيم ، وأصلها تراب مجتمع ، ونحوه ورأى بصرية فجاثية حال أو صفة ولو كانت علمية كانت مفعولاً ثانياً. قوله : ( أو باركة ) أي قاعدة على الركب كقعود المستوفز وهو الذي لا يستقرّ ويتمكن ، وهكذا يكون الخائف المنتظر لما يكره ، وقراءة جاذية بالذال المعجمة إمّا على الإبدال لأنّ الثاء ، والذال متقارضان كما قيل شحاث ، وشحاذ أو الجاذي القاعد على أطراف أصابع قدميه فيكون أبلغ من الجاثي كما قاله الجوهريّ وغيره ، والاستفزاز عدم الاطمئنان من الوفز وهو المكان المرتفع. قوله : ( وقرأ يعقوب كل ) أي بالنصب وهو في قراءة غيره بالرفع مبتدأ خبره ما بعده ، والجملة مستأنفة لبيان جثوهم وهو استدعاء كتابها وهو صحيفة عملها ، وقيل كتاب نبيهاً لينظر هل عملوا به أو لا ، وقوله : وتدعى صفة ، وهو الذي حسن البدلية مع الاتحاد لفظاً لكنه لتغاير الصفة كانا متغايرين وأمّا على أنه مفعول ثان على أن رأى علمية فالظاهر أنه تاكيد إذ لولا وصفه لم تسغ البدلية ، وتخلل التأكيد بين الوصفين قبيح كما في الكشف ، وجعل قوله أو مفعول ثان معطوفا على قوله بدل لا يخفى ما فيه من الخلل والظاهر أن يقال إنه على هذا المراد أنّ هذا المفعول الأوّل ، والثاني مبدل من الأوّل ، والثاني قبله ليسلم من التكلف فتأمّل. قوله : ( محمول على القول ) أي على تقديره مقول قول هو حال أو خبر بعد خبر ونحوه مما يليق به ، وفيه مضاف مقدر أي جزاء ما كنتم الخ أو هو من المجاز ، وقوله : أضاف الخ فهو من الإضافة لأدنى ملابسة على التجوّز في النسبة الإضافية بخلاف قوله : كتابها فإنه على معنى اللام حقيقة ، وقوله : أمر الكتبة الخ بيان لوجه الملابسة ، ولو كان ضمير كتابنا للكتبة جاز ، والإضافة فيه حقيقية أيضاً لكن قوله : نستنسخ يأباه إلا أن يجعل بمعنى ننسخ ، ونكتب ، وجملة ينطق مستأنفة أو حالية أو خبرية ، وقوله : بلا زيادة الخ تفسير لقوله بالحق ، وقوله : فأمّا الذين الخ تفصيل للمجمل المفهوم من قوله : ينطق عليكم بالحق أو تجزون. قوله : ( في رحمتة التي من جملتها الجنة ) خالف الزمخشري في تفسيرها بالجنة على أنهم تجوزوا به عنها فالظرفية على ظاهرها ، وأمّا على ما ذكره المصنف فهي عامّة شاملة لها ، ولغيرها والجنة في نفسها رحمة لكن يكون في الظرفية الجمع بين الحقيقة ، والمجاز أو عموم المجاز بلا قرينة فما في الكشاف أحسن ، وقوله(8/21)
ج8ص22
عن الشوائب أي ما يخالطه مما يخالفه أو المراد
بالشوائب ا!دار. قوله : ( فيقال لهم الخ ) ، وحذف القول خصوصاً بعد أما كثير مقيس حتى قيل هو البحر حدث عنه فهو جواب أمّا وما بعده مقوله ، وقوله : اكتفاء الخ تعليل لحذف القول لأنّ المقصود مقوله لا هو ، وقوله : واستغناء بالقرينة تعليل لحذف المعطوف عليه فهو لف ، ونشر والقرينة الفاء العاطفة ، وأنّ تلاوة الآيات تستلزم إتيان الرسل معنى ففيه قرينة لفظية ومعنوية ، وقوله عادتهم الاجرام هو من كان الدالة على الاستمرار في عرف التخاطب فإذا قيل كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يفعل كذا فهم منه المداومة عليه كما صرّحوا به. قوله : ( يحتمل الموعود به ) فيدل على حقيته ، وتحققه في نفسه كما أشار إليه بقوله كائن هو فيكون مجازاً كرجل عدل ، والمصدر فيكون حقيه بتحقق ما وعد به ، واليه أشار بقوله أو متعلقه ففيه لف ، ونشر مرتب ، وعلى الثاني فيه تجوّز في النسبة وعلى ما قبله في الظرف ، وقوله افراد للمقصود من المقام ، وهو البعث اعتناء به ، وإن كان من جملة ما وعده الله فهو كقوله وملائكتة وجبريل وعلى قراءة الرفع هو من عطف الجملة على الجملة ، ويحتمل أنه معطوف على محل أن ، واسمها كما مرّ. قوله : ( استغراباً الخ ) أي عدّها منكرة غريبة ، ولذا جمع ما ندري مع الاستفهام وقوله أصله نظن الخ دفع لما قيل إنّ العامل يجوز تفريغه لما بعده من جميع معمولاته إلا المفعول المطلق فلا يقال ما ضربت إلا ضرباً لأنه لا فائدة فيه إذ هو بمنزلة تكرير الفعل وقولك ما ضربت إلا ضربت وهو غير صحيح ، وأمّا ما ذكره المصنف في معرض الجواب فقد أورد عليه في التقريب أنه لا يفيد لأنّ مورد النفي ، والإثبات فيه واحد ، وهو الظن ، والحصر حيث يتغاير الموودان فالأولى أن يحمل المنفيّ على الفعل أو الاعتقاد المطلق يعني على طريق التجريد تعميماً للخاص المثبت ليتغاير أو يصح الاستثناء أو المثبت على ظت خاص إمّا قوي ، أو ضعيف بجعل تنوينه للتعظيم أو التحقير كما ذهب إليه السكاكي ، وحاصله إمّا تعميم المستثنى منه أو تخصيص المستثنى ، وعليه حمل قول الأعشى :
وما غرّك الشيب إلا اغترارا
وقال أبو البقاء : إنه محمول على التقديم ، والتأخير أي رن نحن إلا نظن ظناً ، وما اغتر.
إلا الشيب اغترارا ، وما في الكشاف لم يذكر فيه وجه الإفادة ، ومراده على ما في الكشف أنّ أصله نظن ظنا فأدخل فيه النفي ، والإثبات ليفيده تأكيداً على تأكيد ، وهو الغرض من كل نفي ،
واستثناء بل من كل قصر لكنه لا يفيد توجيه الكلام وتنزيله على قوإعد العربية بدون ما ذكر ، وكلام المصنف مضطرب فيه لأنه خلط فيه المذاهب ، وقال الرضي في المفعول المطلق : إذا كان للتأكيد ووقع بعد إلا أشكال لأنّ المستثنى المفرّغ يجب أن يستئنى من متعدد مقدر معرب بإعراب المستثنى مستغرق لذلك الجنس حتى يدفي فيه المستثنى بيقين ، ثم يخرج بالاستثناء وليس مصدر نظن محتملاً مع الظن غيره حتى يخرج الظن مته ، وحله أن نقول إنه يحتمل من حيث توهم المخاطب إذ ربما تقول ضربت مثلاً وقد فعلت غير الضرب مما يجري مجراه من مقدّماته كالتهديد فتقول ضربت ضربا لرفع ذلك التوهم كما في نحو جاءني زيد زيد فلما كان قولك ضربت محتملا للضرب ، وغيره من حيث التوهم صار كالمتعدّد الشامل للضرب ، وغيره حتى كأنك قلت ما فعلت شيئاً إلا ضربا يعني أنّ الضرب لما احتمل قبل التأكيد ، والاستثناء فعلاً آخر حمل على العموم بقرينة الاستثناء ، وما أورد عليه الفاضل المحشيّ تبعا لما في شرح المفتاح الشريفي ، وحواشي المطوّل! من أنّ الاستثناء يقتضي الشمول المحقق ، ولا يكفي فيه الاحتمال المحقق فضلاً عن المتوهم فليس بشيء لأنه إذا جرد الفعل لمعنى عام كما ذكره صار الشمول محققاً مع أنّ عدم كفاية الشمول الفرضيّ غير مسلم كما يعرفه من يتتبع موارده ، وكذا ما أورده على تأويله بما نعتقد إلا ظناً من أنّ ظاهر حالهم أنهم متردّدون لا معتقدون كما صرّح به المصنف فإنّ الاعتقاد المنفي لا ينافي ظاهر حالهم بل يقرّرها على أتم وجه. قوله : ( كأنه قال ما نحن إلا نظن ظناً ) هو بحسب الظاهر موافق لما ذهب إليه ابن يعيش ، وأبو البقاء من أنه على القلب ، والتقديم والتأخير وقد ردّه الرضيّ ، وقال : إنه تكلف لما فيه من التعقيد المخل بالفصاحة لكنه غير مراد له كما توهم بل المراد أنّ الظن مستثنى من أعمّ الأفعال على التجريد كما مرّ بجعل ما سوى الظن كالعدم ، وقوله كأنه مناد عليه فكيف يتوهم إرادته.(8/22)
ج8ص23
قوله : ( أو لنفي ظنهم فيما سوى ذلك مبالغة ) على أنّ المستثنى منه مطلق ظنهم ، والمستثنى ظنهم في أمر الساعة أي لا ظن ، ولا تردّد لنا إلا ظن أمر الساعة ، والتردّد فيها فالمستثنى منه كل ظن لهم ، والمخرج ظن خاص على أنّ تنوينه للتنويع أو التعظيم ، أو التحقير وهذا ما ذهب إليه السكاكي ، ومن تبعه وليس مخالفاً له كما توهم ، وهو معطوف على قوله لاثبات الظن. قوله : ( لامكانه ) صلة مستيقنين لا تعليل للنفي أي نحن لا نتيقن إمكانه فضلاً عن تحقق وقوعه المدلول عليه بقوله إنّ وعد الله حق فهو ردّ له. قوله : ( ولعل ذلك قول بعضهم ) ذلك إشارة إلى قولهم إن نظن الخ ، وهو دفع لسؤال مقدر ، وهو أنهم منكرون للبعث جازمون بنفيه كما مرّ في قولهم : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا } [ سورة الأنعام ، الآية : 29 ] فكيف أثبت لهم الظن من غير إيقان في أمرها فدفعه صريحاً بعدما أشار إلى دفعه ضمنا بأنّ المظنون هو الامكان ، والمنفيّ ثمة
الإيقان لكون ذلك في بقعة الإمكان بأنهم مفترقون فرقاً في طرق الضلال فبعضهم جازم بنفيها كأئمة الكفر ، وبعضهم متردّد متحير ، وفيها فاذا سمع ما يؤثر عن آبائهم أنكرها ، وإذا سمع الآيات المتلوة تقهقر إنكاره فتردّد ، وقوله في أمر الساعة تنازعه سمع ، وتلى أو هو متعلق بقوله تحيروا ، ومعناه تردّدوا. قوله : ( على ما كانت عليه ) يعني إن أعمالهم التي زينها لهم الشيطان ، وحسنها في أعين الخذلان ظهر لهم في الآخرة سوءها ، وقبحها كما كانت كذلك في الدنيا ، وإن لم يقرّوا بذلك ، وما موصولة أو مصدرية ، وقوله بأن عرفوا الخ متعلق ببدا ، وهذا كما يقال عرف قبيح فعله فإنّ المراد عرف قباحته ، والوخامة تعفن الهواء المورث للأمراض الوبائية استعير هنا للضرر. قوله : ( أو جزاؤها ) يعني المراد بظهور سيئات أعمالهم ظهور سوئها كما قررناه أو المراد ظهور جزائها على أنها مجاز عما تسبب عنها أو أنه على تقدير مضاف فيه ، وسيئات الأعمال إضافة لامية أو من إضافة الصفة للموصوف ، والضمائر المؤنثة في كانت ، وقبحها وما بعده لما عملوا لأنه بمعنى الأعمال ، وهو معطوف بحسب المعنى على قوله على ما كانت. قوله : ( وهو الجزاء ) تفسير لما فالمراد به احياؤهم وجزاؤهم ، وقيل المراد به قولهم إن نظن إلا ظناً فيندفع به التناقض ، وهو بعيد ، وحاق بهم بمعنى حل بهم وهو لا يستعمل في غير المكروه. قوله : ( نترككم في العذاب ترك ما ينسى ) يعني أنّ المراد به هنا الترك لاستحالة النسيان عليه تعالى فهو استعارة أو مجاز مرسل ، وكلامه صريح في الأول ، ويجوز أن يكون فيه استعارة مكنية ، وقوله كما تركتم عدّته بضمّ فتشديد ما يعدّ له مما لا بدّ منه كزاد المسافر وراحلته ، وعدة الآخرة التقوى ، وما ضاهاها كما قال : { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [ سورة البقرة ، الآية : 97 ا ] وقوله ولم تبالوا عطف متضمن لوجه الشبه وهو عدم المبالاة به فإن الشيء يترك أو ينسى لذلك وقيل التعبير بالنسيان لأنه مركوز في فطرتهم أو لتمكنهم منه بظهور دلائله فالنسيان الأوّل مشاكلة. قوله : ) 1 ضافة المصدر إلى ظرفه ) فهو على معنى في ، ومفعوله مقدر ، والأصل لقاءكم الله ، وجزاءه في ذلك اليوم ، وقال التفتازاني : إنه كمكر الليل والنهار فهو مجاز حكمي فلذا أجرى مجرى المفعول به وأنما لم يجعل من إضافة المصدر إلى المفعول به حقيقة لأنّ التوبيخ ليس على نسيان لقاء اليوم نفسه بل ما فيه من الجزاء ، ولا يخفى أنّ لقاء اليوم يجوز أن يكون كناية عن لقاء جميع ما فيه وهو أنسب بالمقام لأنّ السياق لانكار البعث. قوله : ( فحسبتم أن لا حياة سواها ) فالخطاب لمن لم يتحيروا في أمرها أولهم بناء على تناقض
أقوالهم ، واختلاف أحوالهم وقوله بفتح الياء الخ ، وغيره بضمها وفتح الراء ، وهو ابتداء كلام أو التفات. قوله : ( لا يطلب منهم أن يعتبوا ) من الأعتاب ، وهو إزالة العتب جعل كناية عن الارضاء ، وهو المراد ، وقد تقدّم في الروم ، والسجدة تفسيره بوجوه أخر فتذكره ، وقوله لفوات أو أنه تعليل للنفي. قوله : ( إذ الكل نعمة منه دال على كمال قدرته ) وتعريف الحمد إمّا للاستغراق أو للجنس ، وهو إخبار عن اسنحقاقه له أو إنشاء ، وتقديم الظرف للحصر ، والفاء التفريعية للإشارة إلى أنّ كفرهم لا يورث شيئاً في ربوبيته ، ولا يسدّ طريق إحسانه ورحمته ومن ومن يسدّ طريق العارض الهطل
وانما هم ظلموا أنفسهم ورب العالمين بدل ، وقوله : إذ الكل الخ فيجب حمده ، ولا
مانع من اختصاص الحمد بالجميل الإنعامي به تعالى كما مرّ تحقيقه في فاتحة الفاتحة فلا وجه(8/23)
ج8ص24
للاعتراض به هنا ، وقوله ودال على كمال قدرته إشارة إلى مناسبة التوصيف لما ذكر من الحمد ، ولما بعده من الكبرياء. قوله : " ذ ظهو فيهما أو فيها آثارها ) أي آثار الكبرياء فلذا قيدها بها لتعلق الظرف بالكبرياء أو هو حال منها ، وقوله فاحمدوه الخ الجميع ناظر للجميع أو هو على التوزيع فاحمدو. ناظر لقوله : { فَلِلَّهِ الْحَمْدُ } و ( كبروه ا لقوله وله الكبرياء الخ ، وقوله وأطيعوه ناظر لقوله : { الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وفيه إشارة إلى أنّ هذه الأخبار كناية أو مجاز عن الأمر لأنه المقصود فله الحمد ، والثناء ، والعظمة ، والكبرياء. قوله : ( من قرأ الخ ) هو حديث موضوع ، والعورة بمعنى ما قبح من أفعاله التي يكره الاطلاع عليها ، والروعة الخوف ، وبينهما جناس مقلوب تمت السورة ، والحمد لله رب العالمين ، وأفضل صلاة وسلام على أفضل النبيين ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة الأحقاف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ) منهم من استثنى منها ، والذي قال لوالدبه الآيتين ، وقوله قل أرأيتم إن كان
من عند الله الآية { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ } الأربع الآيات ، وفاصبر كما صبر الآية فهي مدنية ، وعليه مشى المصنف في بعضها كما سيأتي فكان ينبغي له أن ينبه عليه ، والاختلاف في عدد الآيات بناء على أنّ حم آية أو لا ، وقد مرّ مثله وخصه تعالى هنا بالوصف بما ذكر لما في القرآن من الإعجاز ، والحكم الدالة على القدرة ، والحكمة ، وقد مرّت وجوه الأعراب فيه. قوله : ( إلا خلقاً ملتبساً بالحق الخ ) جعله في موقع المصدر دون الحال لأنّ المقترن بالحكمة وتقدير المدّة هو الخلق حقيقة لا المخلوق وقدر التقدير لأنّ الخلق إنما يلتيس به لا بالأجل نفسه كما قاله الشارح المحقق : ولم يجعله حالاً من الفاعل لأن عطف أجل مسمى عليه ، وإن كان بتقدير التقدير يأباه وما أبوه من الحالية من المفعول أو الفاعل جوّزه بعضهم ككون الباء للسببية الغائية فتأمّل. قوله : ( وفيه ) أي في قوله بالحق دلالة على ما ذكر لأنّ المصنوع الملتبس بالحق المشتمل على مقتضى الحكمة لا بدّ له من صانع ، وأمّا دلالته على البعث فلأن مقتضى الحكمة ، والمعدلة الإعادة لتجازي كل نفس بما كسبت ، وقد تقدم الكلام عليه ، وما فيه فتذكره ، وقوله وبتقدير تقدير التقدير تقدم وجهه في كلام الشاوح النحرير ، وقوله أو كل واحد معطوف على لفظ الكل بمعنى المجموع ، وضمير بقائه لواحد ، وقيل إنه معطوف على ينتهي من حيث المعنى ، وهو تكلف من غير داع ، ويندرج في كل واحد السموات والأرض فيعم الأجل يوم القيامة. قوله : ( من هول ذلك الوقت ) بيان لما على أنها موصولة ، ويجوز أن تكون مصدرية أي عن انذارهم بذلك الوقت على إضافة المصدر إلى مفعوله الأوّل القائم مقام الفاعل ، وقوله لا يتفكرون الخ. تفسير للأعراض على تفسيري الأجل ، وما أنذروا ، وقوله تعالى : أروني قد مرّ بيانه في آخر سورة فاطر ، وما استفهامية ، وذا اسم إشارة أو هما اسم
واحد بمعنى أيّ شيء ، وأم على الأوّل متصلة ، وعلى الثاني منقطعة ، وضمير خلقوا لما ، ومن الأرض بيان له وقد مرّ الكلام على قوله أرأيتم وأروني إمّا تأكيد لها لأنها بمعنى أخبروني فمفعول أرأيتم الثاني ماذا خلقوا ، والأوّل ما تدعون أو هو ليس بتوكيد ، وتنازعا قوله ماذا خلقوا كما فصله المعرب ، ويحتمل أروني أن يكون بدل اشتماله من أرأيتم وهو من ارخاء العنان. قوله : ( أي أخبروتي عن حال آلهتكم ) سماوية كالنجوم أو أرضية كالأصنام وفي ذكر السموات ، والأرض إشارة إليهما ، وقوله أخبروني إمّا تفسير لأرأيتم أو لأروني أولهما على أنّ الثاني تأكيد للأوّل ، وقوله بعد تأمّل فيها هذا مأخوذ من أرأيتم ، وأروني بمعنى أخبروني فإنّ الاخبار عن الشيء يكون بعد معرفته الحاصلة من التأمّل فيه سواء كانت الرؤية بصرية أو علمية فهو يدل على ذلكءبالالتزام ، وقوله فتستحق به العبادة لأنه لا يستحقها إلا الخالق ، وقوله عيسى عليه الصلاة والسلام أخلق لكم كهيئة المطير ليس خلقا حقيقيا كما مرّ. قوله : ( وتخصيص الشرك ) أي في النظم(8/24)
ج8ص25
بقوله في السموات مع أنه يعم الأرض ، وما فيها لأنه قصد الزامهم بما هو مسلم لهم ظاهر لكل أحد ، والشركة في الحوادث السفلية ليست كذلك لتملكهم ، واتخاذهم لبعضها بحسب الصورة الظاهرة ، وأورد عليه أنه مخالف لقوله آنفا هل يعقل أن يكون لها في أنفسها مدخل ا الخ. لأنه يدل على نفي الشركة في السفليات ، ولو فسر ما خلقوا بأيّ جزء من الأرض استبدّوا بخلقه كما مرّ في فاطر صح ، واتضح ، وهو غفلة عن قوله في أنفسها فإنّ المراد به الاستبداد ، والاستقلال كما يقال الدار في نفسها تساوي كذا فالمنفيّ أوّلاً مدخليتها حقيقة واستقلالاً لا صورة بواسطة الكسب كما في المداخلة العادية ، ومن قال الأولى إسقاط هذا القيد فقد زاد في الطنبور نغمة ، ولما كانت العقول القاصرة ، والأفكار الجامدة تتوهمه شركة لم يذكره ليتم الالزام !ثلا حاجة إلى تكلف في التأويل أو تقدير معا إل لأم أي ألهم !شرك في الأرض أم لهم شرك في السموات فإنّ حذف المعادل مما أبو. ، وقوله السفلية إشارة إلى أنّ المراد بالسموات العلويات ، وبالأرض السفليات وما قيل من أنّ مراد المصنف أنه ردّ على عبدة الأوثان ، ومن ضاهاهم من القائلين بتوسط الكواكب في إيجاد بعض السفليات فالمعنى أخلقوا بالاستقلال أم بالشرك فتخيل فاسد كما ذكره بعض فضلاء العصر. قوله : ( ائتوني ) من جملة القول ، والأمر للتبكيت ، والإشارة إلى نفي الدليل المنقول بعد الإشارة إلى ففي المعقول ، وقوله فإنه ناطق الخ. تعليل لطلب الاتيان بكتاب غير القرآن لأن القرآن دال على خلاف ما زعموه فلا يمكنهم الاحتجاح به. قوله : ( أو بقية من علم ا لما أنكر
عليهم الشرك طلب منهم ما يدلّ عليه من الكتب السالفة أو العلوم المنقولة عمن مضى ، والإثاوة مصدر كالغواية ، والضلالة بمعنى البقية من قولهم سمنت الناقة على أثارة من لحم أي على بقية مته ، وقيل معناها الرواية ، وقيل العلامة ، وتنوينه للتقليل ، ومن علم صفته. قوله : ( وهو ) أي قوله ائتوني الخ ، والنقلى الكتب أو علوم السلف ، والعقلي قوله أرأيتم الخ ، وقوله وهو الزام الخ فإن قلت كان حقه على ما ذكره المصنف أن يعطف فلم جرد من العاطف ، وإذا كان هذا للدليل النقلي ، وذلك للعقلي لا يصح مع مباينته له أن يكون توكيداً لأرأيتم أو أروني كما توهم قلت لما بين الدليلين ترك العطف تنبيهاً على ما بينهما من بعد المسافة فلذا عدل عنه إلى الاستئناف وإن عطف في بعض نظائره. كقوله : { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا } [ سورة فاطر ، الآية : 40 ] فلا وجه لاستصعابه. قوله : ( وقرىء إثارة بالكسر الخ ) فيه إشارة إلى أنه اسنعارة فشبه ما يبرز ويتحقق بالمناظرة بما يثور من الغبار الثائر من حركات الفرسان ويتبعه تشبيهها بالمسابقة وهم بالفرسان أشبه ومن غريب التفاسير المأثووة ما أثروه عن ابن عباس من أن المراد به علم الرمل لما فيه من إثارة الغبار إذا خط فيه دور وأنه كان نبي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه أصاب وقد قيل إنه إدرشى عليه الصلاة والسلام والإثارة عليه واقعة موقعاً بديعاً. قوله : ) وأثرة ( أي بفتحتين وأوثر تم بمعنى تفرّدتم به. قوله : ( يؤثر ) وفي نسخة يؤثر به فهو كالخطبة اسم لما يخطب به لأنّ فعله بالفتح للمرّة وبالكسر للهيئة وبالضم اسم للمقدار كالغرفة بالضم لما يغرف باليد وهو إمّا مصدر غلب في الحاصل به ، أو صفة بمعنى مفعول والمعنى ائتوني بعلم خصصتم به أو رواية مّا فيه ولو شاذة. قوله : ( السميع المجيب ) مأخوذ من مفهوم الجلالة ، ولا مخالفة فيه وإنما الخلاف في الاحتجاج به ، وأمّا قوله القادر الخبير فمن وقوعه في مقابلة الخالق لهذه الأجرام العظيمة الدالة على قدرة تامّة وعلم كامل ، وقيل : إنه من الجلالة لأنه اسم للذات المستجمع للصفات ، ووجه التخصيص حينئذ محتاج لما ذكرناه ، وقوله أحد أضل لأن المقصود بيان أنهم أضل مما عداهم كما يقال هو أفضل من فلان والمقصود أنه أفضل من غيره ويؤيده التعبير بمن لأنّ الموصول من أدوات العموم. قوله : ( فضلاَ الخ ) الأولوية المدلول عليها بقوله فضلاً لأنّ عدم استجابتهم لعجزهم وكونهم جماداً ليس من شأنه العلم فهو حقيق بأن لا يعلم السرائر فيراعي مصالحهم ، فلا يرد عليه أنه لا يلزم من عدم استجابتهم أن لا يعلم
سرائرهم فضلاً عن الأولوية المذكورة كما توهم. قوله تعالى : { إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } ظاهر الغاية الدالة على انتهاء ما قبلها بها أنّ بعدها تقع الاستجابة ، فإمّا أن يقال الغاية لا مفهوم لها ، وفيه بحث سيأتي(8/25)
ج8ص26
أو يقال كما حققه في الانتصاف أنّ المراد أنها مستمرّة ، ولكن لزيادة ما بعدها على ما قبلها زيادة بينة ألحقت بالمباين كما في قوله وإنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين يعني أنّ عليه الطرد والرجم إلى يوم القيامة ، فإذا جاء ذلك اليوم لقي ما ينسى معه اللعن مما هو أشدّ منه ونحوه ما ذكروه في لا سيما ، ولو قيل المراد به التابيد لم يبعد مما ذكر. قوله : ( ما دامت الدنيا ) يحتمل أنّ المراد به التأبيد كما مرّ ، فلا يرد أنّ ظاهر كلامهم أنه غاية لعدم الاستجابة لا للدعاء لمن لا يستجيب ، فيحتاج إلى التوجيه بأنه ينقطع عدم الاستجابة حينئذ لاقتضائه سابقة الدعاء ولا دعاء ويردّ بقوله فدعوهم ، فلم يستجيبوا لهم إلا أن يقال إنه دعاء على زعمهم ، أو المنقطع حينئذ الاقتصار على عدم الاستجابة حينئذ كما يومى إليه قوله : { وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء } وأمّا القول بأنه مفهوم فلا يعارض المنطوق ، فيردّه ما في الدرر والينبوع عن البديع أنّ الغاية عندنا من قبيل إشارة النص لا المفهوم قال الزركشي في شرح جمع الجوامع : ذهب القاضي أبو بكر إلى أنّ الحكم في الغاية منطوق ، وادّعى أنّ أهل اللغة صرحوا بأنّ تعليق الحكم بالغاية موضوع على أنّ ما بعدها خلاف ما قبلها لأنهم اتفقوا على أنها ليست كلاما مستقلاً فإنّ قوله : { حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } [ سورة البقرة ، الآية : 235 ] وقوله : حتى يطهرن لا بدّ فيه من إضمار لضرورة تتميم الكلام وذلك أنّ المضمر إمّا ضد ما قبله أو لا والثاني باطل لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه فيقدر حتى يطهرن فاقربوهن حتى تنكح فتحل قال : والإضمار بمنزلة الملفوظ فإنه إنما يضمر لسبقه إلى ذهن العارف باللسان ، وعليه جرى صاحب البديع من الحنفية فقال هو عندنا من دلالة الإشارة لا من المفهوم لكن الجمهور على أنه مفهوم ومنعوا وضع اللغة لذلك اهـ فقوله في التلويح أنّ مفهوم الغاية متفق عليه لا يخلو من الخلل. قوله تعالى : ( { وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ } ) ضميرهم وكانوا لمن لا يستجيب دعاءهم ، ولهم وعبادتهم لمن يدعو حملاً على المعنى بعد الحمل على اللفظ وقوله : ( لأنها إمّا جمادات ) الخ إشارة إلى أنّ الغفلة مجاز عن عدم الفائدة فيها أو هو تغليب لمن يتصوّر منه الغفلة على غيره. وقوله : يضرّونهم فاعداء استعارة أو مجاز مرسل للضارّ. قوله : ( مكذبين بلسان الحال ) لظهور أنهم لا يصلحون للعبادة ولا نفع لهم كما توهموه أوّلاً حيث قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ } [ سورة الزمر ، الآية : 3 ] ورجائهم الشفاعة منهم ، والتكذيب بالمقال إذ قالوا : { مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } قصدا إلى بيان أنّ معبودهم في الحقيقة الشياطين وأهواؤهم فلا يرد
عليه أنّ التكذيب بلسان الحال واقع قبل الحشر كما قيل. قوله : ( وقيل الضمير ) في كانوا في الموضعين للعابدين لئلا يلزم التفكيك ، ومرضه لأنه خلاف المتبادر من السياق إذ هو لبيان حال الآلهة معهم لا عكسه ، ولأنّ كفرهم حينئذ إنكار لعبادتهم وتسميته كفراً خلاف الظاهر أيضاً. وقوله : ( واضحات ) الخ إشارة إلى وجهي التعدي واللزوم كما مرّ فقوله : مبينات بمعنى مبينات ما يلزم بيانه. قوله : ( لأجله وفي شأنه ) يعني أنّ اللام متعلقة بقال لا على أنها لام التبليغ بل لام العلة وما يقال في أمره وشأنه فهو مسوق لأجله وأمّا تعلقه بكفروا واللام بمعنى الباء ، أو حمل على نقيضه وهو الإيمان فانه يتعدّى بها نحو أنؤمن لك ، فبعيد عن السياق بمراحل ، ومخالف للظاهر وإن ارتضاه المصنف في سورة سبأ. وقوله : ( والمراد به ) أي بالحق هنا ، وقد جوّز في سبأ أن يراد به النبوّة أو الإسلام ووجه فيها كونه سحراً ، وفيه وضع الظاهر موضع الضمير فيهما لما ذكر وقوله : ( حينما جاءهم ) أي في وقت مجيئه ويفهم منه في العرف المبادرة ، ومثله يستلزم عدم التأمّل والتدبر كما أشار إليه المصنف. قوله : ( إضراب الخ ) يعني أم منقطعة مقدرة ببل الإضرابية ، وهمزة الاستفهام المتجوّز به عن الإنكار والتعجب وهو ظاهر بلا كلام إنما الكلام في كون الافتراء أشنع من السحر ، وليس وجهه كما توهم أنه لم يكن عندهم اسم ذم لأنه غير مناسب للمقام ، فإنهم قصدوا ذمه وتحقيره بما ذكر بل لأنّ الكذب خصوصاً على الله متفق على قبحه حتى ترى كل أحد يشمئز من نسبته إليه بخلاف السحر ، فإنه وإن قبح فليس بهذه المرتبة حتى تكاد تعد معرفته من السمات المرغوبة وقد يقال : هذا مراد القائل بما مرّ من أنه ليس باسم ذم ، فلا يرد عليه اعتراض أو لأنّ قولهم إنه سحر مآله لعجزهم عنه ، وهو يقتضي بالآخرة أنه صدق فكيف(8/26)
ج8ص27
ينسبونه إلى الافتراء وهذا محصل ما ذكره في الكشاف فتدبر. وضمير له للموصول والتعجب من كونه معجزاً لهم ومثله كيف يكون افتراء. قوله : ( أي إن عاجلنى الله الخ ) في الكشاف إن افتريته على سبيل الفرض عاجلني الله تعالى لا محالة بعقوبة الافتراء عليه ، فلا تقدرون على كفه عن معاجلتي ولا تطيقون دفع شيء من عقابه عني فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه اهـ وهو إشارة إلى أنّ قوله فلا تملكون الخ ليس هو الجواب في الحقيقة ، وإنما هو قائم مقامه ، والجواب قوله عاجلني الخ والفاء في قوله : فلا تملكون لي للسببية فأقيم المسبب مقامه أو تجوّز به عنه كما بينه بعض شرّاحه واليه أشار المصنف بقوله : إن عاجلني الخ فلا وجه لما
قيل إنه ردّ على الزمخشريّ ولا مخالفة بين أوّل كلامه وآخره ، ولو قيل يعاقبني لم يتم ما أراده كما توهم. قوله : ( من غير توقع نفع ولا دفع ضر من قبلكاً ) بكسر القاف وفتح الباء أي من جهتكم وجانبكم وهو متعلق بكل من النفع والضر وهو من مفهوم الآية لا من الواقع فقط كما توهم لأنّ معنى لا تملكون شيئا لا تقدرون على نفع أو ضر وهو ظاهر. قوله : ( تندفعون قيه ( تفسير لقوله : تفيضون لأنه مستعار من فاض الماء وأفاضه إذا سال للأخذ في الشيء قولاً كان أو فعلاَ كقوله تعالى : { فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ } وهو المراد من الاندفاع. وقوله : ( من القاخ ) أي الطعن فيها بيان لما. وقوله تعالى : { شَهِيدًا } حال { بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } متعلق بقوله شهيداً أو كفى. وقوله : ( وهو وعيد بجزاء إفاضتهم ) أي أخذهم وشروعهم في الطعن في الآيات فكان مقتضى الظاهر اقترانه بالفاء فاستؤنف لأنه في جواب سؤال مقدر فتأمّل. قوله : ( وإشعار بحلم اكله عنهم ) إذ لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتداركوا أمورهم وعظم جرمهم يفهم من مقابلته بالمغفرة والرحمة العظيمة كما يفهم من صيغة المبالغة فيهما ، فإنّ الجرم العظيم يحتاج لمغفرة عاليمة. قوله : ( بديعاً منهم ) فهو صفة مشبهة أو مصدر مؤوّل بها ، ويجوز إبقاؤه على أصله وإن كان المصنف لم يرتضه والمراد بكونه بديعاً منهم أنه مبتدع لأمر يخالف أمورهم كما أشار إليه بقوله : أدعوكم الخ فالجملة حالية أو مستأنفة لبيان ذلك ، والخف بكسر الخاء المعجمة وقشدحيد الفاء صفة مشبهة بمعنى الخفيف. قوله : ( على أنه كقيم ) هي قراءة عكرمة وأبو حيوة ، وابن أبي عبلة على أنه صفة على فعل بكسر ففتح كدين قيم ولحم زيم قال أبو حيان : ولم يثبت سيبوبه صفة على فعل الأقوم عدى ، واستدرك عليه لحم زيم أي متفرّق وأمّا قيم فمقصور من قيام ، ولولا ذلك صحت عينه كما في حول وعوض ، وأمّا قول العرب مكانا سوى وماء روي وماء صرى فمتاوّلة عند التصريفيين إمّا بالمصدر أو القصر ، وقرأ مجاهد بفتح الباء وكسر الدال وهو صفة كحذر وقوله : أو مقدر بمضاف على أنه جمع بدعة كسدرة وسدر ، أو مصدر والإخبار به مبالغة أو بتقدير مضاف. قوله : ( في الدارين ) على التفصيل وإمّا إجمالاً فهو معلوم فلا منافاة بينه وبين قوله ليغفر لك الله ما تقدم ، وقريب منه أنّ المنفيّ العلم بتعيين وقته أو هو محمول على ما في الدنيا وقيل إنها منسوخة ، وأورد عليه أنّ النسخ لا يجري في الخبر إلا أن يكون المنسوخ الأمر بقوله قل. أو المراد بالنسخ مطلق التغيير وقوله : المشتمل على ما يفعل
بي يعني أنّ أصله ما أدري ما يفعل بي وبكم فهو مئبت في حيز الصلة ، وليس محلا للنفي ولا لزيادة لا إلا أن يقال أصله ولا ما يفعل بكم ، فاختصر كما ذهبا إليه بعضهم إلا أنه لما كان النفي داخلاً عليه بالواسطة كفى ذلك في زيادة لا ، ونحوه مما يختص بالنفي كزيادة الباء في الخبر ونظيره أو لم يروا أنّ الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن الخ إذ دخلت الباء في خبر أن لوقوعه في حيز النفي ، وقوله : مرفوعة محلا بالابتداء والجملة معلق عنها الفعل القلبي ، وهو إمّا متعدّ لواحد أو اثنين وعلى الموصولية هو متعد لواحد وجوّز في ما المصدرية أيضاً. قوله : ( وهو جواب عن اقتراحهم ) فالقصر إضافيّ وسبب النزول ما ذكر أو سؤال المسلمين عن الهجرة أو استعجالهم المذكور لضجرهم وما سبق خطاب للمشركين ، وكذا الحصر في قوله وما أنا إلا نذير ، وقوله : أي القرآن تفسير لاسم كان المستتر ويحتمل أنه للرسول إلا أنه كان الظاهر كنت ولذا لم يذكره مع ظهوره وقوله : وقد كفرتم يعني إنها جملة حالية بتقدير قد. وقوله : ( ويجوز أن تكون الواو عاطفة ) أي لا حالية كما في الوجه السابق.(8/27)
ج8ص28
قوله : ( إلا أنها تعطفه بما عطف عليه الخ ) يعني ليست الجمل المذكورة بعد الواوات متعاطفة على نسق واحد بل مجموع شهد واستكبرتم معطوف على مجموع كان وما معه ، ومثله في المفردات هو الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ، والمعنى إن اجتمع كونه من عند الله مع كفركم واجتمع شهادته وايمانه مع استكباركم عن الإيمان ، واستكبرتم معطوف على آمن لأنه قسيمه ، والكل معطوف على الشرط ولا تكرار في استكبرتم لأنه بعد الشهادة والكفر قبلها ، والحالية محتملة في الثانية أيضاً. قوله : ( والشاهد هو عبد الله بن سلام ) بتخفيف اللام الصحابيّ المشهور ، فتكون هذه الآية مدنية مستثناة من السورة كما ذكره الكواشي وكونه إخباراً قبل الوقوع كقوله : { وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ } [ سورة الأعراف ، الآية : 48 ] خلاف الظاهر المتبادر ، ولذا قيل لم يذهب أحد إلى أنّ الآية مكية إذا فسر الشاهد بابن سلام ، وفيه بحث لأنه معطوف على الشرط الذي يصير به الماضي مستقبلا فليس من قبيل ما ذكر ، فلا ضير في شهادة الشاهد بعد نزولها ويكون تفسيره به بيانا للواقع لا على أنه مراد بخصوصه منها لعموم النكرة بعد
الشرط أو هو المراد والتنكير للتعظيم ، وادّعا أنه لم يقل به أحد مع ذكره في شروح الكشاف لا وجه له ، إلا أن يراد من السلف المفسرين وهو تحجير للواسع يحتاج إلى استقراء تامّ ، وقيل الآية مكية وسبب نزولها أمر آخر ، واسلام عبد اللّه بن سلام رضي الله عنه مفصل في الكشاف وهو حديث صحيح ومن الإعلام سلام مخفف ، ومنها ما هو مثدد ، وتفصيله في كتاب المشتبه لابن حجر ، ولا حاجة إلى استقصاء الكلام فيه هنا. قوله : ( من نعت الرسول ) هذا مؤيد لما مرّ من تفسيره به فكان المناسب للمصنف أن يذكره فيما مرّ فلعله أراد بنعت الرسول ما يشمل ذكر كتابه ، وأنه منزل من عند الله وهو بعيد. قوله : ( وهو ما في التوراة الخ ) هذا على أنّ المراد بالشاهد ابن سلام فإنه لما صدق بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وبما جاء به لكونه مطابقا لما علمه من التوراة كان شاهدا على مثله ويجري على إرادة موسى عليه الصلاة والسلام أيضا. وقوله : ( من المعاني الخ ) بين لما أو لمثل وهو الأظهر. وقوله : ( المطابقة له ) أي لمعانيه وهذا بيان لمماثلته له لاتحاد معانيهما ، كالوعد والوعيد والتوحيد والإرسال وفي الكشاف على نزول مثله ، وقيل : مثله كناية عن القرآن نفسه للمبالغة. وقوله : ( أو مثل ذلك الخ ) جعل شهادته على أنه من عند الله شهادة على مثله أي مثل شهادة القرآن لأنه بإعجازه كانه يشهد لنفسه بأنه من عند الله ، وهذا أيضا جار على الوجهين وعلى كون الآية مكية ومدنية. قوله : ( لما رآه من جنس الوحي ) بفتح اللام وتشديد الميم ، أو بالكسر. والتخفيف إشارة إلى أنّ الفاء للسببية وأنّ إيمانه مترتب على شهادته له بمطابقته للوحي ، ويجوز أن تكون الفاء تفصيلية. وقوله : ( اس!شاف ) أي بيانيّ وقوله : بأنّ كفرهم لضلالهم لأنّ هذه الجملة تعليل لما قبلها ، وهو الاستكبار عن الإيمان وهو عين الكفر وتسبب عن ظلمهم لتعليقه على المشتق. قوله : ( ودليل الخ ) ولدلالتة عليه حذف ومنهم من قدره أتؤمنون لدلالة فآمن ، ووجه كونهم ظالمين أنّ مثله من عند الله في معتقدهم ، فإذا لم ينصفوا يكونون ظالمين ، وقدّر الجواب المعرب فقد ظلمتم وردّ ما قدّره الزمخشريّ والمصنف جواباً بأنه لو كان كذلك وجبت الفاء لأنّ الجملة الاستفهامية إذا وقعت جوابا للشرط لزمها الفاء ، فإن كانت الأداة الهمزة تقدمت على الفاء ، وإلا تأخرت واعتذر له السمين بأنه تقدير معنى لا تقدير إعراب وفيه كلام في شرح التسهيل يطول شرحه وقوله : وقال الذين الخ تحقيق لاستكبارهم. وقوله : ( لأجلهم ) فاللام ليست لام المشافهة والتبليغ ، والا لقيل ما سبقتمونا
وليس من مواطن الالتفات ، وكونهم قصدوا تحقيرهم بالغيبة لا وجه له. وقوله : ( سقاط ) جمع ساقط كجهال جمع جاهل وهو الذي لا يعبأ به لعدم جاهه وماله ، وأشياعه كما أشار إليه بقوله إذ أكثرهم الخ وغطفان بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة قبيل معروفة ، وكذا كل ما ذكر أسماء قبائل معروفة ، وفي أسلم وأسلم تجنيس تامّ ، ولذا لم يقل أسلمت. قوله : ( مثل ظهر عنادهم الخ ) إنما قدروا لإذ عاملها لأنها من الظروف اللازمة للإضافة إلى الجمل ، وقد أضيفت إلى جملة لم يهتدوا به فلا تعمل فيها ، وكذا لا يعمل فيها فسيقولون لأنّ إذ للمضي وهو مستقبل ، وأيضاً الفاء تقتضي سبباً فلذا قدروا لها عاملا هو السبب وحذف عامل الظرف(8/28)
ج8ص29
كثير ك! في قولهم حينئذ الآن أي كان ذلك حينئذ وامتغ الآن ، فالماضي المقدّر معطوف على ما قبله والفاء دالة على تفريع ما بعدها على ذلك المقدر. وقال الواحديّ : إذ بمعنى إذا ، وقد تأني للاستقبال ، وقيل إنها تعليلية. وقال ابن الحاجب : يجوز تضمين إذ معنى الشرط بقرينة الفاء ، وقد جوّز كونها معمولة لقوله فسيقولون باعتبار إرادة الاستمرار وردّ بأن المضارع إذا أريد به الاستمراو على أنّ السين للتأكيد ، فإنما يدل على استمرار مستقبل بخلاف ما إذا لم يقترن بالسين ، فإنه يكون للاستمرار في جميع الأزمنة ، وأجيب عنه بأنّ السين إذا كانت للتأكيد يجوز أن يقصد الاستمرار في الأزمنة كلها نحو فلان يقري الضيف والفاء لا تمنع عن عمل ما بعدها فيما قبلها كما ذكره الرضي والتسبب حينئذ عن كفرهم. قوله : ( مسبب عنه ) أي عن ظهور عنادهم إشارة إلى أنّ الفاء للسببية والمسبب عنه مقدر. وقوله : ( وهو أي ) قولهم هذا إفك قديم بمعنى ما ذكر والقرآن يفسر بعضه بعضا. قوله تعالى : ( { وَمِن قَبْلِهِ } الخ ) قراءة العامّة بمن الجارة ، فالجار والمجرور خبر مقدم وقرى بمن الموصولة عمى أنه معمول لفعل مقدر كآتينا وإماما ورحمة حالان من كتاب والعامل فيه معنى الاستقرار والمعنى كيف يصح كونه إفكاً قديماً وقد سلموا كتاب موسى ورجعوا إلى حكمه مع أنّ القرآن ممدّق له ، ولغيره من الكتب السالفة بمطابقته لها مع إعجازه وحفظه من التحريف القاطع بصحة ذلك ، وهو جار على إرادة اليهود ، أو مطلق الكفرة من الذين كفروا كما أشار إليه بقوله لكتاب موسى ، أو لما بين يديه من الكتب السالفة ، وأيد الثاني بأنه قرى به وتقديم من قبله للاهتمام ، أو المعنى من قبله لا من بعده ليوفي حق الاختصاص اللازم له عند السكاكي كما في الكشف. قوله : ( أو منه ) أي من كتاب
النكرة ، وسوّغ مجيء الحال منه من غير تقديم له توصيفه والعامل حينئذ معنى الإشارة ، وفيه كلام تقدم في هذا بعلى شيخا ، وفائدتها أي فائدة مجيء الحال منه مع أنّ عربيتة أمر معلوم لكل أحد الدلالة على أنّ تصديقه لها باتحاد معناه معها ، وهي غير عربية ومثله لا يكون ممن لم يعرف ذلك اللسان بغير وحي من الله وهو كاف في حقيته كما أشار إليه بقوله حقي دلّ الخ. وقوله : ( يصدق ذا لسان الخ ) يعني به النبيّ ، فلا بد فيه من حذف المضاف ، ولو جعل هذا إشارة إلى كتاب موسى لقربه لم يحتج لتقدير. وقوله : ( وقيل ) معطوف على قوله حال. قوله : ( وفيه ضمير لخ ) أي في هذا الفعل ، وهو ينذر ضمير مستتر لما ذكر وأيد الأخير بقراءة الخطاب ، فإنه لا يصلح بدون تكلف لغير الرسول والتعليل صحيح على الكل ولا يتوهم لزوم حذف اللام على أنّ الضمير للكتاب لوجود شرطه فإنه شرط الجواز لا الوجوب. وقوله : ( وتوقيف ) بتقديم القاف وفي نسخة بتاخيرها ، وهو تحريف من الناسخ وقوله : ( عطف على محله ) أي محل لينذر وهو الجرّ لأنّ المصدر المسبوك لا يظهر إعرابه. قوله تعالى : ( { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا } الخ ) مرّ تفسيره في السجدة. وقوله : ( جمعوا بين النوحيد ) المستفاد من تعريف الطرفين المفيد للحصر. وقوله : ( في الأمور ) إشارة إلى عمومه لترك متعلقه والتي الخ صفة الاستقامة. وقوله : ( على تأخر رتبة العمل ( إشارة إلى أنها للتراخي الرتبي ، وتوقف اعتباره على التوحيد من نفس الأمر ، والترتيب الوجودي فهي للترتيب بدون تراخ وقوله : وجزاء منصوب بمقدر من لفظه لدلالة السياق عليه. قوله : ( من لحوق مكروه ) أي في الآخرة كما أنّ فوات المحبوب المطلوب في الدنيا ويجوز في هذا أن يكون لفاً ونشراً للعلم والعمل والأحسن رجوعه للكل. وقوله : ( لتضمن الاسي! معنى الشرط ) مع بقاء معنى الابتداء بخلاف ليت ولعل وكان كما فصله النحاة. وقوله : { وَوَصَّيْنَا } الخ تقدّم الكلام عليه في سورة العنكبوت. وقوله : ( لىلصاء حسنا ) فهو صفة لمصدر مقدر. وقد جوّز فيه المصدرية كعلنا فيكون له مصدران على فعل وفعل وهو خلاف المعروف في الاستعمال وإن توافقت فيه القراءتان. وقوله : ذات كره إشارة إلى أنه حال من الفاعل بتقدير مضاف. وقوله :
( أو حمل! الخ ) علي أنه صفة للمصدر ، أو هو منصوب على المصدرية لتقدّم ما هو في معنى فعله وقد تقدم في النساء الفرق بين المفتوح والمضموم والكلام فيهما. قوله : ( ومدّة حمله وفصاله ) فيه مضاف مقدر لتصحيح الحمل من غير تكلف. وقوله : ( أو وقته ) عطف على قوله الفطام يعني الفصال إمّا(8/29)
ج8ص30
بمعنى الفصل معطوف على حمله والمراد مدتهما ، وإن كان الفصال بمعنى وقته فهو معطوف على مدّة الحمل المقدر وقوله والمراد به أي بالفصال على الوجهين. وقوله المنتهى به أي بالفصال أو بالفطام. وقوله : ولذلك أي ولكون المراد الرضاع التانم عبر بالفصال عنه ، أو عن وقته دون الرضاع المطلق ، لأنه لا يفيده والموصوف بقوله التامّ لما فيه من تطويل الكلام ، وقد تقدم تفصيله في سورة البقرة.
قوله : ( كما يعبر بالأمد ) ظاهره أنّ الأمد بمعنى النهاية وأنه عبر به عن جميع المدّة مجازاً
كما تطلق الغاية على مجموع المسافة ، وفيه نظر من وجهين الأوّل أنه مخالف لكلام أهل اللغة قال الراغب : يقال أمد كذا كما يقال زمانه والفرق بينهما أنّ الأمد يقال باعتبار الغاية ، والزمان عامّ في الغاية والمبدأ ، ولذا قال بعضهم الأمد والمدى متقاربان اهـ الثاني أنّ البيت المذكور لا دلالة له على مدعاه لاحتمال أن يكون انتهى بمعنى انقضى ، ومضى فالأمد فيه بمعنى الغاية أيضاً ويدفع بحمل كلامه على ما قاله الراغب إذ ليس فيه ما يأباه والتأويل المذكور بعيد. قوله : ( كل حتي الخ ) البيت من شعر من قصيدة لعبيد الأبرص وتمامه :
ومود إذا انتهى أمد.
وهو من قصميدة مشهورة. قوله : ( وفيه دليل على أنّ أقل الخ ) لأنّ مجموع الحمل وتمام الرضاع ثلاثون شهراً ، وقد ذكر في آية أخرى مدة الرضاع مقدّرة بحولين كاملين وهما أربعة وعشرون شهرا فالفاضل منها ستة أشهر ، وقد ذكر الأطباء أنّ أقل مدة تكون الولد في الرحم هذا المقدار. وقوله : ولعل تخصيص الخ أي خص ما ذكر بالبيان في القرآن الكريم بطريق الصراحة ، والدلالة دون أكثر الحمل وأقل الرضاع ، وأوسطهما لانضباطهما بعدم النقص والزيادة بخلاف ما ذكر. قوله : ( وتحقق ارتباط حكم النسب ) بأقل مدّة الحمل حتى لو وضعته
فيما دونه لم يثبت نسبه منه ، وبعده يثبت وتبرأ أمّه من الزنا ولو أرضعته مرضعة بعد حولين لم يثبت له أحكام الرضاع في التناكح وغيره. قوله : ( حتى إذا بلغ الخ ) غاية لمقدر أي عاس واستمرّت حياته حتى الخ. والمراد أنه زاد سته على سن الكهولة من الثلاثين فما فوقها ، وكونه لم يبعث نبيّ الخ أمر أغلبيّ ، فإنّ عيسى كما مرّ نبئ في سن الصبا. وقيل إنه غير مسلم ، وإنه كغيره بعث بعد الأربعين كما في شرح المواقف. وقوله : أوزعته بكذا أي جعلته مولعاً به راغباً في تحصيله فالمعنى رغبني ووفقني له. قوله : ( وذلك يؤيد الخ ) فإنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في الصدّيق رضي الله عنه لأنه صحبه صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ثمان عشرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة في سفر للشام في التجارة ، فنزل تحت شجرة سمرة ، وقال له الراهب : إنه لم يستظل بها أحد بعد عيسى غيره صلى الله عليه وسلم ، فوقع في قلبه تصديقه صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يفارقه في سفر ولا حضر ، فلما نبئ وهو ابن أربعين سنة آمن به ، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وصدقه فلما بلغ الأربعين قال وب أوزعني الخ كما قاله الوأحديّ ، فما ذكر سواء أريد بالنعمة الدين أو ما يشمله يدل على أنها في حق واحد معين اتفق له في مراتب سنة ما اتفق ، ولم يعهد في غير الصدّيق وذلك يحتمل أن يكون مبتدأ والجملة بعده خبره وما مفعوله ، ويحتمل أنّ ما فاعل ، وذلك مفعول مقدّم والإشارة إلى التفسير بما ذكر. قوله : ( لم يكن أحد أسلم الخ ) قيل عليه إسلام أبيه بعد الفتح ، فيلزم أن ثكون هذه الآية مدنية والمصنف لم يستثن بعض الآيات كغيره فالتزمه بعضهم ، وقال إنه مبنيّ على أنّ قوله ووصينا إلى أربع آيات مدنية فكان عليه أن ينبه عليه ، وما ادّعاه من أنه لم يسلم أحد هو وأبوه غير. فيه نظر فإنّ في الصحابة جماعة كل منهم صحابيّ ابن صحابيّ كما يعرفه من نظر في أسماء الرجال كأسامة بن زيد وابن عمر نعم إنه قيل في ابنه عبد الرحمن إنه صحابيّ ابن صحابي ابن صحابي ، ولا نظير له فتدبر. قوله : ( أو لأنه أراد نوعاً ) فالتنوين للتنويع ، ولا يخفى أنّ النوع الذي يستجلب رضا الله عظيم أيضاً فالفرق بينهما يسير جدّا والمراد بكونه مرضياً له تعالى مع أنّ الرضا الإرادة مع ترك الاعتراض ، وكل عمل صالح كذلك أن يكون سالما من غوائل عدم القبول كالرياء ونحوه ، فحاصله اجعل عملي على وفق رضاك ، وقيل المراد بالرضا هنا ثمرته على طريق الكناية.
قوله : ( واجعل لي الصلاح الخ ) يعني كان الظاهر أصلح لي ذريتي لأنّ لإصلاح متعدّ(8/30)
ج8ص31
كما في قوله وأصلحنا له زوجه فقيل إنه عدى بعلى لتضمته معنى اللطف أي الطف بي في ذريتي ، أو هو نزل منزلة اللازم ثم عدى بفي ليفيد سريان الصلاح فيهم وكونهم كالظرف له لتمكنه فيهم ، وهذا ما أراده المصنف وهو الأحسن. قوله : ( يجرح الخ ) أوّله :
فإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها
لدى المحل الخ والمراد بذي ضروعها اللبن يعني إن قل لبنها ، فلم يكن فيه غنى للضيوف عرقبتها ونحرتها لهم ليأكلوها ، وقد جعل يجرح مع تعديه لازما بمعنى يحدث في عراقيبها الجرح كما في الآية 00 وقوله : عما لا ترضاه مأخوذ من قرينة المقابلة. وقوله : المخلصين لأنّ الإسلام بمعنى الانقياد ، فهو في معنى الإخلاص وهو المناسب هنا وقوله : لا يثاب عليه إشارة إلى أنّ القبول كالمرادف للثواب وليس المراد بالأحسن الحسن كما توهم وقوله : لتوبتهم ليس ذكر التوبة لأنه لا مغفرة بدونها كما ذهب إليه المعتزلة بل لأنّ قوله : تبت أو لا قرينة عليه. قوله : ( كائنين في عدادهم الخ ) يعني أنّ الجارّ والمجرور هنا حال ومعنى الظرفية أنهم معدودون من زمرتهم ، وعدهم فيهم يقتضي ثوابهم الجزيل مع المغفرة ، فكان الظاهر عطفه بالواو لكنه عطفه باو ليغاير المتعلق بالخصوص والعموم ، والظاهر أنه من قبيل وكانوا فيه من الزاهدين ليدل على الميالغة بعلوّ منزلتهم فيها إذ قولك فلان من العلماء أبلغ من قولك عالم ، ولم يبينوه هنا ، ومن لم يتنبه لهذا قال في بمعنى مع. قوله : ( مصدر مؤكد لنفسه ) يعني أنه منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر ، وهو مؤكد لمضمون جملة قبله لا محتمل لها غيره كقولك : له عليّ كذا عرفا كما أشار إليه بقوله : فإنّ الخ ومعنى المؤكد لنفسه وغيره مفصل في كتب النحو. قوله : ( والمراد به الجنس ) فهو في معنى الجمع ولذا صح الإخبار عنه بأولئك وهو جمع وقوله : وإن صح الخ جواب لسؤال مقدر على إرادة الجنس بأنه قيل إنها وردت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي اللّه عنهما فكيف يراد به الجنس ، فإنّ خصوص السبب لا يدل على خصوص مدلوله حتى ينافي العموم ، وفي تعبيره إشارة إلى عدم صحته لأن مروان قاله لمعاوية لما أراد معاوية عقد البيعة ليزيد فقال عبد الرحمن لقد جئتم بها هرقلية فقال
مروان لتنفير الناس عنه هذا الذي قال لله في حقه والذي قال لوالديه الخ فأنكرت ذلك عائشة رضي الله عنها وقالت لو شئت لسميت من نزلت فيه كما رواه النسائي وغيره وأيده الزمخشريّ بأنّ عبد الرحمن رضي الله عنه من كبار الصحابة وهذه الآية في حق الكافر وهو الأصح ، وأصله في البخاري كما ذكره ابن حجر ولم يقل ، ولو صح لأنّ كثيرا من المحدثين كالسهيلي في الإعلام ذكر أنها نزلت في عبد الرحمن قبل إسلامه فلا وجه للتعبير بها كما قيل. قوله : ( وفي أف قراآت ) ولغات نحو الأربعين ذكرناها مع تحقيق معناها في سورة الإسراء ، وقوله : بنون واحدة مشدّدة ، وقرئ بالفك مع الكسر وسكون الياء ، وفتحها وأمّا فتح النون فشاذ ، وقد قيل إنه لحن لأنّ نون التثنية لا تفتح إلا في لغة رديئة. وقوله : فلم يرجع أحد منهم يعني أن المراد بمضيها هنا إنكار البعث كما قيل :
ما جاءنا أحد يخبر أنه في جنة لمامضى أونار
قوله : ( يقولان الغياث ) منصوب على المصدرية وضمير التثنية لوالديه والمراد إنكار قوله ، واستعظامه كأنهما لجآ إلى الله في دفعه كما يقال العياذ بالله ، أو يطلبان أن يغيثه اللّه بالتوفيق حتى-س جع عما هو عليه وقوله : يقولون يعني إنه معمول لقول مقدر صعطوف على قوله يستغيثان والأحسن أن يقدره يقولان والثبور الهلاك ، وقوله : بالحث يعني أنه في الأصل معناه الدعاء بالهلاك ، فأقيم مقام الحث على فعل أو ترك للإيماء إلى أنّ مرتكبه حقيق بأن يطلب له الهلاك ، فإذا سمع ذلك ترك ما هو فيه وأخذ ما ينجعه كذا في شرح الكشاف للمدقق ، وأورد عليه أنه لا يناسب معنى الحث فوجه الدلالة عليه أنّ فيه إشعاراً بأنّ الفعل الذي أمر به مما يحسد عليه ، فيدعي عليه بذلك فهو باعث من هذه الجهة ، ودفعه ظاهر لمن تأمّله لأنّ المراد الحث على خلاف المدعوّ عل! بسببيته فتدبر. وقوله : على تركه بدل من قوله على ما يخاف بصيغة المجهول ، وقوله : بالثبور متعلق بالدعاء ، وبالحث متعلق به أيضا وباؤه بمعنى مع أو للملابسة ، وقيل : إنها للسببية ولو قال للحث كان أظهر. قوله : ( وهو ) أي ما ذكر من أنه حق عليه القول بدخول النار أي جزم بذلك لعلم(8/31)
ج8ص32
الله بأنه لا يسلم فلا يصح أن يكون في حق من
تحقق إيمانه لأنّ ما ذكر يدل على أنه من أهلها أي النار وقوله : لذلك أي لما حكى عنه من مقاله ، فإنّ الإشارة كإعادة الموصوف وصفاته ، وترتب الحكم على الوصف مؤذن بالعلية. وقوله : وقد جب بالبناء للمجهول أي قطع عنه ورفع ذلك إشارة إلى ما ورد في الحديث من أنّ الإسلام يجبّ ما قبله . وقوله : إن كان أي صح صدوره منه فكان تامّة ، و ، قوله : لإسلامه متعلق بقوله جبّ ، ولا يخفى أنّ خصوص السبب لا يخصص الحكم فاذا أثبته ذلك للجنس لا ينافي خروج بعضهم من أحكامه الأخروية ، وما قيل من أنّ ما ذكره المصنف رحمه الله أولى من قوله : في الكشاف إنه كان من أفاضل المسلمين ، وسرواتهم لسلامته عن الإيراد باحتمال سوء الخاتمة ، وأنّ هذا في حق الكفار ، فلا ينافي ما سيأتي من أنّ المظالم لا تغفر بالإيمان كلام مختل مضطرب لأنّ احتمال سوء الخاتمة لأفاضل الصحابة مما يلتفت إليه لا سيما من هو صدّيق ابن صديق ، وما ذكره من المظالم سياتي ما فيه. قوله : ( كقوله في أصحاب الجنة ) يعني إنه واقع في مقابلته ، فهو مثله إعرابا ومبالغة ومعنى. وقوله : على الاستئناف في جواب سؤال مقدر وقوله : مراتب توطئة للتغليب الآتي. وقوله : من جزاء ما عملوا إشارة إلى أنّ الجارّ والمجرور صفة درجات بتقدير مضاف فيه ، وجمن بيانية أو ابتدائية ، وما موصولة أو مصدرية. وقوله : من الخير والشر بيان لما أو من تعليلية بدون تقدير ، وهو ظرف مستقرّ لا متعلق بكل كما قيل إلا أن يراد التعلق المعنوي. قوله : ( جاءت على التنليب ) أي للدرجات على الدركات لأنّ قوله لكل معناه لكل من الفريقين ، والجنسين المستحقين للثواب والعقاب محال ، ومراتب سواء كانت درجات أو دركات. وقوله : لكل بحسب الظاهر يأبى التغليب فتدبر. قوله : ( وليوفيهاً الخ ) فيه مضاف مقدر كما مرّ ، وهو متعلق بمحذوف تقديره جازاهم بذلك وقد قرئ في السبعة بالياء التحتية والنون ، وقراءة السلمي بتاء فوقية على الإسناد للدرجات مجازا وجملة وهم لا يظلمون حال مؤكدة أو اسنئناف. وقوله : بنقص ثواب الخ تقدّم أنه لو وقع لم يكن ظلماً وتأويله ما مرّ!من أنه لو صدر من العباد كان ظلماً. قوله : ( يعذبون بها ) يعني أن عرضهم على النار إمّا مجاز عن تعذيبهم من غير قلب ، فهو كقولهم عرض على السيف إذا قتل كما مرّ أو بمعناه الحقيقي على القلب وهو الوجه الثاني ولما كان خلاف الأصل مرضه المصنف رحمه
الله وقال أبو حيان إنه لا قلب في قولهم عرضت الناقة على الحوض لأنّ عرض الناقة على الحوض والحوض على الناقة صحيحان ، وأنكر القلب في الآية. وقال إنه يرتكب للضرووة ولا ضرورة تدعو إليه هنا ، ولا يخفى أنّ الزمخشري لم يخترع القلب في المثال المذكور بل سبقه إليه الجوهريّ ، وغيره قال في عروس الأفراح المعروض ليس له اختيار والاختيار إنما هو للمعروض عليه فإنه قد يقبل ، وقد يرد فعرض الناقة على الحوض مقلوب لفظا والقلب قد يكون لفظاً كخرق الثوب المسماو ، ومعنى كقوله :
كأنّ لون أرضه سماؤه
وأمّا الآية ففي كونها من القلب ما سمعته ، وقال السبكيّ إنها من القلب المعنويّ لا اللفظي لأنّ الكفار مقهورون ، فكأنهم لا اختيار لهم والنار متصرفة فيهم ، فهم كالمتاع الذي يتصرّف فيه من يعرض عليه كقولهم عرضت الجارية على البيع ، والجاني على السيف والسوط ، ومن الغريب قول ابن السكيت في كتاب التوسعة تقول عرضت الحوض على الناقة وأنما هو عرضت الناتة على الحوض على عكس ما مرّ ، وهو مخالف للمشهور ( أقول ) الدّي لاح لي هنا أنّ العرض إن اعتبر فيه حركة المعروض ، أو تحريكه نحو المعروض عليه وارادة المعروض عليه لما عرض عليه باختياره ، أو ترجيحه وتمييزه كعرضت الرأي عليه لا يكون عرض الناقة على الحوض والكفار على النار وعكسه حقيقة لتخلف القيود المعتبرة فيما وضع له ، ويصح كل منها على المجاز فعرض الناقة والكفار بمعنى السوق لأنّ المعروض يساق للمعروض عليه فهو في معنى وسيق الذين كفروا إلى جهنم وعكسه إعدادها وتهيئتها كقوله : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ سورة البقرة ، الآية : 24 ] لأنّ المعروض يهيا لتوجيهه للمعروض عليه وإن اعتبر الأوّل فقط كان عرض الناقة على الحوض ، والكفار على النار حقيقة وعكسه من باب القلب وإن اعتبر الثاني كان على العكس ، ومنه عرفت منزع الخلاف وأنّ ما ذكره المعترض كلام سطحي ناشئ من عدم(8/32)
ج8ص33
التدقيق ، وما ذكرناه من التوفيق من فيض من بيده أزمة التوفيق ، ولبعضهم هنا كلام لا طائل تحتة ، وقوله : مبالغة لأنه يقتضي أنها ثابتة ، وأنهم جعلوا كالحطب الذي يساق لها وهو إشارة إلى أنّ القلب هنا مقبول لتضمنه نكتة ، وهي المبالغة ، وفي القلب ثلاثة أقوال معروفة الرد والقبول ، والتفصيل بين ما تضمن نكتة فيقبل ، وما لا يرد ، وهو الصحيح عند أهل المعاني. قوله : ( أي يقال لهم ) إنما قدره ليرتبط به الكلام ، وينتظم وضمير ،
وهو راجع إلى يقال المقدر لا إلى أذهبتم ، وقوله : باستيفائها إشارة إلى أنّ الجار ، والمجرور متعلق بقوله : أذهبتم ، وأنّ الجمع المضاف يفيد الاستغراق ، وكذا قوله فما بقي الخ ، وقوله : بهمزة ممدودة صوابه غير ممدودة ، وقوله : واستمتعتم بها عطف تفسير لقوله : أذهبتم ، وقوله : بسبب الاستكبار يعني أنّ الباء سببية ، وما مصدرية فيهما ، وقوله : عن طاعة الله متعلق بالفسوق لأنه بمعنى الخروح. قوله : ( وهو رمل الخ ) هذا أصل معناه والمراد به منازلهم لأنها كانت ذات رمال كذلك كما أشار إله بقوله ، وكانوا يسكنون الخ ، وقوله : مشرفة أي قريبة منه ينظر الواقف بها البحر ، والشحر بكسر الشين المعجمة ، وتفتح وسكون الحاء المهملة ، وفي آخره راء مهملة ، وهو من أعمال اليمن ، وإليه ينسب العنبر والطيب ، وقوله : من احقوقف من ابتدائية أي مأخوذ منه لأنّ دائرة الأخذ أوسع من دائرة الاشتقاق أو المراد أنه مشتق منه لأنّ المجرد قد يشتق من المزيد إذا كان أعرف ، وأشهر في معناه كما يقال الوجه من المواجهة ، وقال التفتازاتي : لم يرد أنّ الحقف مشتق من احقوقف بل الأمر بالعكس ، وأنما المراد أنّ بينهما اشتقاقا ا هـ ، وقيل عليه أنه لا يفيد وجه دخول من الابتدائية على المزيد ما لم يلاحظ ما ذكرناه ، وفيه نظر لأنه بناء على أنّ الاشتقاق إنما هو من المجرّد فمن فيه اتصالية لا ابتدائية كما توهه هذا القائل فتدبر. قوله : ( الرسل ) إشارة إلى أنه جمع نذير بمعنى منذر لا بمعنى الإنذار كما جوّزه الزمخشري فإنه يكون حينئذ مصدرا ، وجمعه على خلاف القياس فلا حاجة إليه وأمّا أنّ الأنذر ليس له أنواع مختلفة كما قيل فلا وجه له فانه يختلف باختلاف المنذر به. قوله : ( قبل هود وبعده ا لف ، ونشر مرتب ، وقد جوّز فيه العكس لكنه غير متأت هنا لأنه قرىء ، ومن بعده وهو معين لكون من خلفه بمعنى من بعده ، ثم إنّ عطفه من قبيل :
علفتها تبنا وماء باردا
وفيه أقوال فقيل عامل الثاني مقدر ، وقيل إنه مشاكلة ، وقيل إنه من قبيل الاستعارة بالكناية كما فصلناه في الأمالي فلا يلزم الجمع بين الحقيقة ، والمجاز كما قيل وإن كان جائزا عند المصنف رحمه الله فلا حاجة إلى تكلف إنه باعتبار الثبوت في علمه تعالى أي ثبت ، وتحقق في علمه خلوّ الماضين منهم ، والآتين نعم هو لازم على تقدير أنه من تنزيل الآتي منزلة الماضي لتحققه كما في قوله : { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ } [ سورة الأعراف ، الآية : 144 كما ذكره الشارح المحقق ، وقوله : والجملة حال أي من فاعل أنذر أي معلماً بأنها خلت أو من المفعول أي عالمين ذلك بإعلامه لهم أو بغيره أو المعنى أنذرهم على فترة من الرسل فلا يؤوّل بما ذكر ويجوز عطفه على أنذر ، وقوله : أو اعتراض أي بين المفسر ، والمفسر أو بين الفعل ومتعلقه كأنه قيل اذكر زمان إنذار هود بما أنذر به الرسل قبله وبعده وهو أن لا تعبدوا الخ تنبيها على أنه
إنذار ثابت قديما وحديثاً اتفق عليه الرسل فهو مؤكد لما اعترض فيه مع الإشارة إلى أنه مقصود قيد تابع كما في الحالية ولذا رجحه في الكشف مع ما فيه من التفسير بعد الإبهام ، والسلامة عن تكلف الجمع بين الماضي ، والمستقبل. قوله : ( أي لا تعبدوا ) فإن مفسرة بمعنى أي لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه وهو الإنذار ، والمفسر معموله المقدّر ، وقوله : بأن لا تعبدوا الخ على أنها مصدرية أو مخففة من الثقيلة فقبلها حرف جر مقدر متعلق بأنذر كما مرّ تحقيقه ، وقوله كأنّ النهي الخ. بيان لكون أن لا تعبدوا مفسرا للإنذار أو مقدراً به على الوجهين ، واشتمال ماً بعده أو مجموع الكلام على الإندّار لا يغني عما ذكر كما قيل ، وقوله : إني أخاف الخ استئناف لتعليل النهي. قوله : ( هائل ) يعني أنّ عظمه مجاز عن كونه مهولاً لأنه لازم له وكون اليوم مهولاً باعتبار هول ما فيه من العذاب فالإسناد فيه مجازيّ ، ولا حاجة إلى جعله صفة العذاب والجرّ للجوار ، وقوله : بسبب شرككم يؤخذ من كونه تعليلاً لما قبله ، وقوله : لتصرفنا لأنّ أصل معنى الإفك الصرف كما مرّ. قوله : ( عن عبادتها ) بيان للمراد من صرفهم عنها أو هو بتقدير مضاف فيه ، وقوله : من العذاب(8/33)
ج8ص34
وفي الكشاف عن معاجلة العذاب أي عن تعجيله في الدنيا لأنه هو الموعود به دون عذاب الآخرة فلا وجه لما قيل إنه لا وجه له. قوله : ( لا علم لي بوقت عذابكم ) هذا مدلول الحصر بإنما مع كون تعريف العلم للعهد فالمراد به العلم بوقت وقوع ما استعجلوه ، وقوله : ولا مدخل لي فيه وجه إفادة هذا الكلام لما ذكر إنه وقع جوابا لاستعجالهم العذاب فيكون كناية عن أنه لا يقدر عليه ، ولا على تعجيله لأنه لو قدر عليه ، وأراده كان له علم به في الجملة فنفي علمه به نفي لمدخليته فيه حتى يطلب تعجيله من الله ، وطلب تعجيله هو عين الدعاء المذكور في الكشاف حيث قال : فكيف أدعوه بأن يأتيكم بعذابه في وقت عاجل تقترحونه أنتم ، ومن لم يفهمه قال لا حاجة لما ذكره الزمخشري فإنه يجر إلى سدّ باب الدعاء ، وبهذا علم مطابقة جوابه لقولهم ائتنا. قوله : ( فاستعجل به ) فعل مضارع مبنيّ للفاعل منصوب في جواب النفي ، ولا وجه لكونه مبنياً للمفعول كما قيل لما عرفت من معناه ، وقوله : { وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ } إشارة إلى أنه يفيد الحصر الإضافي بقرينة السياق ، وقوله : في أفق أي جانب. قوله تعالى : ( { فَلَمَّا رَأَوْهُ } الخ ( في الكشاف الضمير إمّا لقوله ما تعدنا أو مبهم يفسره قوله عارضاً ، وهو إمّا تمييز أو حال وهذا الوجه
أعرب ، وأفصح وأنما كان أعرب أي أبين ، وأظهر لما في عود الضمير لما من الخفاء لأنّ المرئيّ يكون الموعود باعتبار المآل ، والسببية له ، والا فليس هو المرئي حقيقة لكنه اعترض عليه بأنّ الضمير إنما يكون مبهماً مفسرا بما بعده في باب رب ، ونعم وبأنّ النحاة لا يعرفون تفسيره بالحال ، وقد مرّ فيه كلام في البقرة. قوله : ( متوجه أوديتهم ) أي في مقابلتها ، واضافته لفظية إذ هو مضاف لمعموله ، وليس بمعنى المضيّ ، وقد وقع صفة للنكرة ، وكذا قوله ممطرنا ، وقوله قال هود قدره ليتم النظام ، ويتوجه الإضراب ، ولو قدر قل بقرينة القراءة به كان أتم ، ولا وجه لتقدير قال الله كما في تفسير البغوي : وهذا كالعطف التلقيني ، والبدلية من ما أو من هو ، وقوله : صفتها أي صفة ربح لكونه جملة بعد نكرة ، ويجوز في جملة تدمر أن تكون مستأنفة ، وقوله من نفوسهم الخ إشارة إلى أنه استغراق عرفي ، وقوله : نابضة حركة من نبض بمعنى تحرّك ، وليس من إضمافة الصفة للموصوف لأنه لا يتأتى في قابضة سكون ، وهما على وتيرة واحدة بل هو صفة أي حال نابضة ، أو قابضة ، والإضافة للحركة ، والسكون بيانية. قوله : ( وفي ذكر الأمر الخ ) توجيه لتخصيصها بالربوبية مع عمومها بأنه لفوائد ككونها مما يدل على ربوبيته ، وقدرته القاهرة وأنها مأمورة مسخرة إلى غير ذلك من الفوائد ، وقوله : وقرئ يدمر بالياء التحتية من دمر الثلاثي كقعد ، ورفع كل على الفاعلية ، وقرئ بالفوقية من الثلاثي مع نصب كل وحذف العائد إذا كان الضمير للأشياء ، والتقدير بها يدمر فتأمّل ، وقوله : ويحتمل معطوف على قوله فيكون العائد الخ ، وقوله : لا يتقدم الخ لكونه بأمر لا يعدوه ، وهو بيان لوجه الإمهال ، وترك التعجيل. قوله : ( فجأتهم ( إما من المفاجأة أو الفاء رابطة له بما قبله ، والفعل بعدها من المجيء ، وهو إشارة إلى أن الفاء فصيحة ، وقوله : بحيث لو حضرت الخ يعني أنّ الخطاب له صلى الله عليه وسلم على الفرض ، والتقدير ، ويجوز أن يكون عاما لكل من يصلح للخطاب ، وقوله : وقرأ عاصم الخ هو بضم الياء التحتية ، وصيغة المجهول ، وقرأها الأعمش
بالفوقية ، والرفع أيضاً ، والجمهور على أنه يمتنع لحاق التأنيث مع فصل إلا في الضرورة كقوله :
وما بقيت إلا الضلوع الجراشع
وفيه كلام في محله. قوله : ( في الحظيرة ) هي مكان يجعل في أطرافه الحطب ، ونحوه ويدخل فيه ، وقوله : فأمالت الأحقاف أي حملت الرياح ، وأدخلتها مساكنهم ، وضمير كشفت للريح أيضا أي أزالت ما حملته وسفته من الرمال. قوله : ( توجب التكرير لفظاً الا معنى لأنّ الأولى موصولة لكنه فيه شبه التكرار الثقيل ، ولذا قال من ذهب إلى أنّ أصل مهماما ما على أنها ما الشرطية مكرّرة للتوكيد قلبت ألف الأولى هاء فرارا من ثقل المعاد ، وقوله في الذي الخ يعني هي موصولة أو موصوفة ، والجملة الشرطية صلة أو صفة وقوله : صلة أي زائدة للتأكيد ، وهم يعبرون عن مثله بالصلة تأدّباً ، وهرباً من إطلاق الزائد عليه لأنه ليس زائدا مستغنى عنه بلا فائدة بلى لا بد فيه ما يحسنه في الجملة. قوله :
( يرجى المرء ما أن لا يراه ويعرضر دون أدناه الخطوب )(8/34)
ج8ص35
يرجى يحتمل أن يكون بمعنى يؤمّل ، وكونه لا يراه كناية عن بعده وهو وصف له بالحرص ، وأنه يحرص على الأمور البعيدة عنه ، ويجهد في حصولها مع أنّ خطوب الدهر أي حوادثه قد تحول بيته ، وبين أدنى شيء إليه ، وأقرب منه ، ويحتمل أنه بمعنى يخاف من أمور لا يدركها ، وهو يتضرّر بأدنى شيء أي أقربه أو أقله وهذا كما في المثل قرأ أخاف عليه لا حرّاً ، وقيل معناه تعرض الخطوب ، والبلايا عند بلوغ أدنى شيء مما يؤمله ، وهو يرجيه ظانا أنه خير له كقوله : { وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ } [ سورة البقرة ، الآية : 216 ] أو هو كقوله : المرء قد يرجو الرخاء مؤملاً والموت دونه
قوله : ( والأوّل أظهرا لسلامته من الزيادة والحذف ، وقوله : وأوفق الخ أمّا من الأخير فظاهر ، وكذا من الثاني لأنّ أن الشرطية لا تقتضي الوقوع ، ولا عدمه حتى تكون نصا في موافقته فلا وجه لما قيل الموافقة متحققة على تقدير الشرطية أيضا ، وأفرد السمع في النظم وجمع غيره لاتحاد المدرك به ، وهو الأصوات ، وتعدد مدركات غيره ولأنه في الأصل مصدر
كما مرّ وأيضاً مسموعهم من الرسل متحد. قوله : ( ليعرفوا تلك النعم ) بيان للجميع لأنها تعرف بسائر الحواس فبالسمع يصل المرء إلى معرفة الشرائع ، وغير ذلك مما هو من أجل النعم ، وبالبصر يرى ما أنعم به عليه من الملابس ، والمحاسن وغيرها ، ومن الغفلة ما قيل إنه متعلق بالأفئدة فقط ، والسمع ليسمعوا النذر ، والأبصار ليبصروا آيات الآفاق والأنفس فيعتبروا ويتعظوا وقوله ، وهو القليل بيان لأنّ من تبعيضية ، وهي تحتمل الزيادة في المصدر فقوله : القليل حينئذ بيان لمعنى تنويته ، وما في قوله : فما أغنى نافية أو استفهامية ولا يضره زيادة في المصدر فقوله القليل حينئذ بيان لمعنى تنوينه ، وما في قوله. فما أغنى نافية أو استفهامية ولا يضر. زيادة من بعده كما زعم أبو حيان لأنها تزاد في غير الموجب ، وفسروه بالنفي والنهي ، والاستفهام فقوله : صلة أي متعلق بالنفي الصريح أو الضمني. قوله : ( طرف جرى مجرى التعليل الخ ) أشار في الكشاف إلى تحقيقه بأنه ظرف أريد به التعليل كناية أو مجاز الاستواء مؤدّي التعليل ، والظرف في قولك ضربته لإساءته ، وضربته إذ أساء لأنك إنما ضربته في ذلك الوقت لوجود الإساءة فيه إلا أن إذ وحيث غلبتا دون سائر الظروف في ذلك حتى كاد يلحق بمعانيهما الوضعية ا هـ ، وهو كلام نفيس وفي ذكر الغلبة إشارة إلى جريانه في غيرهما لكنه خلاف الكثير الأغلب ، ومن فهم منه الاختصاص بهما فقد أخطا ، وفي قول المصنف ، وكذلك حيث إشارة لذلك ، وقوله : من القرى بتقدير مضاف أو تجوّز عن أهلها لقوله : لعلهم يرجعون ، ولو عمم لخرابها صح ، وحجر بكسر فسكون. قوله : ( من حيث إنّ الحكم مرتب الخ ) يعني أنّ كونه علة باعتبار ما أضيف هو إليه لأنه كاللام ، والعلة المترتب عليها الحكم ما بعدها. قوله : ( فهلا منعتهم الخ ) يعني أنّ لولا هنا للتوبيخ ، والتنديم لدخولها على الماضي ، والمراد بنصرهم منعهم من الهلاك الذي وقعوا فيه ، وقوله : وأول مفعولي الخ مبتدأ ، والراجع صفته ، ومحذوف خبره ، وفي نسخة المحذوف معرّف على أنّ الخبر الراجع ، وهو صفته وقوله ، وثانيهما أي مفعولي اتخذ لتعدّيه لاثنين كما لا يخفى ، وهو ردّ على الزمخشريّ حيث قال : ولا يصح أن يكون قرباناً مفعولاً ثانياً ، وا-لهة بدلاً منه لفساد المعنى؟ وللشراح فيه كلام طويل الذيل في الكشف ، وحاصله أنّ المفعول الأوّل الضمير المحذوف ، والثاني آلهة ، وقرباناً حال وما عداه
فاسد معنى فقال المطرزيّ ، لأنه لا يصح أن يقال تقربوا بها دون الله لأنه تعالى لا يتقرّب به ومعناه ما في الانتصاف أنه يصير الذم متوجها إلى ترك اتخاذ الله متقربا به لأنك لو قلت لعبدك اتخذت فلاناً سيدا دوني فقد وبخته على نسبة السيادة لغيرك ، والله تعالى لا يتقرّب به ، ولكن يتقرّب إليه ، وهذا معنى ما نقله عن المصنف من أت لا يصح أن يقال تقرّبوا بها من دون الله لأنّ الله لا يتقرّب به ، وأنما يتقرّب إليه وأراد أنه إذا جعل مفعولاً ثانيا يكون المعنى فلولا نصرهم الذين اتخذوهم قربانا بدل الله أو متجاوزين عن اتخاذه قربانا لآلهتهم ، وهو معنى فاسد ، والاعتراض بأن جعل دون بمعنى قدام ، وأنّ قربانا قد قيل إنه مفعول له أي متقرّب له فهو غير مخصوص بالمتقرّب به ، وجاز أن يطلق على المتقرّب إليه ، وحينئذ يلتئم الكلام غير قادح لأنه مع قلة استعماله لا يصلح ظرفا للاتخاذ ، وأمّا قوله : فهو غير مخصوص بالمتقرّب به فليس بشيء لأنّ جار الله بعد أن فسر القربان بما يتقرب به ذكر هذا الامتناع على أنّ قوله بل ضلوا عنهم(8/35)
ج8ص36
ينادي على فساده أرفع ا!لنداء ، والله أعلم ، وقيل أيضا البدل ، وإن كان هو المقصود لكن لا بد في غير بدل الخالط من صحة المعنى بدونه ، ولا صحة لقولهم اتخذوهم من دون الله قربانا أي ما يتقرّب به لأنّ الله لا يتقرّب به بل يتقرّب إليه فلا يصح أنهم اتخذوهم قربانا متجاوزين الله في ذلك ، وأما حذف أحد مفعولي باب علمت فقد مرّ في آل عمران ، وفي الإيضاح فساده لأنه لا يستقيم أن يقال كان من حق الله أن يتخذ قربانا وهم ! ، لخذوا الأصنام من دونه قربانا كما استقام كان من حق الله أن يتخذ إلها ، وهم اتخذوا الأصنام من دونه آلهة ، وهو قريب مما مرّ والمصنف رحمه الله جنح إلى أنه يصح أن يقال الله يتقرّب به أي برضاه ، والتوسل به والفساد إنما يلزم لو كان معنى من دون الله غيره أما إذا كان بمعنى بين يديه فلا كما قاله بعض الثراح ، وإليه ذهب أبو البقاء ، وغيره وفي النظم وجوه أخر من الإعراب فصلها السمين ، وأبو حيان فليحرّر هذا المقام فإنه من مزالّ الأقدام. قوله : ( أو!لهة ) عطف على قوله : قربانا ، وقوله : عن نصرهم بالنون ، ويجوز أن يكون بالباء التحتية فلا يلزم إنهم كانوا يمرأى منهم كما قيل لكن الأول هو الموافق لما في الكشاف وعليه أكثر النسخ وقوله : امتناع الخ. هو إشارة إلى أنّ في ضلوا استعارة تبعية. قوله : ( وذلك الاتخاذ الخ ) فالإشارة إلى الاطخاذ المذكور ، وجعلها الزمخشريّ إشارة إلى امتناع نصرة آلهتهم لهم فقدّر فيه مضافاً أي أثر ءإفكهم لأنّ امتناع النصرة ، وضلالهم عنهم أثر للإفك بمعنى الصرف عن الحق ، وكذلك اتخاذهم آلهة كذلك فالإفك والافتراء على هذا شيثان متغايران ، وقد رجح ما في الكشاف كما
بيته شراحه ، وقوله : أفكهم بالتشديد وصيغة الماضي ، وآفكهم با أصمذ على زنة المفاعلة أو أصله أفعل ، وما بعده اسم الفاعل. قوله : ( أملناهم إليك ( المراد ، وجهناهم لك ، وفي معنى النفر كلام سيأتي تفصميله في سورة الجن ، وقوله : حال أي من نفراً لأنه نكرة موصوفة ، وحمله على المعنى بجمع ضميره لأنه اسم جمع فهو في المعنى جمع ، وعلى كون الضمير للقرآن فيه تجوّز وإذا كان للرسول فيه التفات. قوله : ( أي منذرين إياهم ) فمفعوله محذوف للفاصلة ، وفي نسخة مخوّفين داعين إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ووادي النخلة معروف بين مكة ، والطائف ، ومنصرفه مصدر بمعنى انصرافه. قوله : ( من الطائف ) أي لما ذهب إلى دعوتهم قبل الهجرة كما بين في كتب السير لا في غزوته لهم فإنّ السورة مكية ، ولم تستثن هذه الآية منها كما مرّ. قوله : ( قيل إنما قالوا ذلك الخ ) مرضه لأنه لا دليل عليه ، وكذا ما بعده فانّ اشتهار أمر عيسى عليه الصلاة والسلام ، وانتشار أمر دينه أظهر من أن يخفى لا سيما على الجن ، والأحسن ما في شروح البخاري في حديث ورقة بن نوفل ، وقوله : لما شاهدوا أمر النبيّ لمجيرو ، وهذا هو الناموس الذي نزل على موسى دون أن يذكر عيسى لأنّ موسى متفق عليه عند أهل الكتابين ، ولأن الكتاب المنزل عليه أجل الكتب قبل القرآن وكان عيسى مأموراً بالعمل بالتوراة ، وقوله : من الشرائع أقي الأحكام الفرعية أو ما يشمل العقائد فهو من ذكر العامّ بعد الخاص ، وقوله : وآمنوا به أي بداعي الله أو بالله لقوله : يغفر لكم. قوله : ( بعض ذنوبكم ( فمن تبعيضية ، وقوله : فإن أن مظالم أي حقوق العباد ، وليس هذا على إطلاقه فإنها ساقطة أيضا عن الحربي كالقتل ، والغصب ، وما نقله الطيبي من الحديث الدال على مغفرة المظالم مطلقاً غير مسلم فإنه مؤوّل عند المحدثين ، وقد قيل إنه لم يرد وعد المغفرة للكافر على تقدير الإيمان في كتاب الله إلا مبعضة ، والسر فيه
أنّ مقام الكافر قبض لا بسط فلذلك لم يبسط رجاؤه كما في حق المؤمن. قوله : ( واحتج أبو حتيفة الخ ) قال النسفيّ في التيسير : توقف أبو حنيفة في ثواب الجن في الجنة ، ونعيمهم لأنه لا استحقاق للعبد على الله تعالى ، ولم يقل بطريق الوعد في حقهم ، إلا المغفرة والإجارة ، وهو مقطوع به ، وأما نعيم الجنة فموقوف على الدليل ، وهذا وهو الظاهر يدل على توقف أبي حتيفة في شأنهم لا الجزم بعدم ثوابهم كما هو ظاهر كلام المصنف رحمه الله إلا أن يؤوّل بنفي القطع فيه فالمذاهب ثلاثة وتوابع التكليف الثوإب ، والعقاب في الآخرة ، والمؤاخذة في الدنيا كما في قوله : { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } [ سورة الأنعام ، الآية : 132 ] والاقتصار على ما ذكر لما فيه من التذكير بالذنوب ، والمقام مقام الإنذار فلذا لم يذكر فيه شيء من الثواب. قوله : ( ولم يتعب ولم يعجز ) هذا بناء على أنّ العيّ في التعب ، والعجز على حد واحد ، وفيه خلاف لأهل اللغة(8/36)
ج8ص37
فقال الكسائيّ : يقال أعييت من التعب ، وعييت من انقطاع الحيلة ، والعجز والتحير في الأمر ، ومنهم من لم يفرق بينهما ، وفي جمع المصنف رحمه الله بين التعب ، والعجز إشارة إلى عدم الفرق بينهما. قوله : ( والمعنى أن قدّرته الخ ) فالمراد بكونها واجبة أنها لازمة للذات غير منفكة عنها ، وما كان بالذات لا يتخلف ، ولا يختلف كما تقرّر في الأصول فعدم العيئ والتعب مجاز عن عدم الانقطاع والنقص وقوله : أبد الآباد عبارة عن الدوام ، ولو بلازمان ، وقوله : قادر إشارة إلى أنه خبر أنّ. قوله : ( ويدل عليه قراءة يعقوب يقدر ( هنا ، وفي يس في إحدى الروايتين عنه ، وهذه القراءة موافقة أيضا للرسم العثماني أي يدل على أنّ قدرته لا تنقطع المضارع الدال على الاستمرار ، وقوله : فإنه مشتمل الخ إشارة إلى ما مرّ من أنّ الباء تزاد بعد النفي ، وما في حيز أنّ مثبت لكنه لانسحاب النفي عليه عومل معاملة المنفيّ ، وقوله : ولذلك أجاب الخ أي لكونه في حكم النفي لأنّ بلى يختص بجواب النفي ، وتفيد إبطاله على الصثمهور ، وإن ورد في الإثبات نادراً ، وأجازه بعض النحاة فهو في معنى أليس بقادر فلذا أكد بقوله : { أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . قوله : ( يكون كالبرهان ) ولذا قيل إنه كبرى لصغرى سهلة
الحصول! فكأنه قيل : إحياء الموتى شيء ، وكل شيء مقدور له تعالى فينتج أن إحياء الموتى مقدور له ، ويلزمه أنه قادر على أن يحيي الموتى ، وقوله : بقول الخ تقديره ، ويقال لهم يوم يعرض الخ أليس الخ ، وقيل هو حال فتقديره ، وقد قيل وفيه نظر والظاهر أنها معترضة ، وقوله ، والإشارة إلى العذاب الخ بقرينة التصريح به بعده ، وقوله : بكفركم إشارة إلى أنّ ما مصدرية. قوله : ( ومعنى الأمر الخ ) فهو تهكم ، وتوبيخ وإلا لكان تحصيلاً للحاصل ، وليس تكوينا كما قيل أن يراد إيجاد عذاب غير ما هم فيه ، والتوبيخ من قوله بما كنتم تكفرون ، وقوله تعالى : { فَاصْبِرْ } الخ الفاء عاطفة لهذه الجملة على ما تقدم ، والسببية فيها ظاهرة كما قاله المعرب أو هي جواب شرط مقدر أي إذا كان الأمر على ما تحققته من قدرته الباهرة فاصبر الخ ، وفسر العزم بالثبات ، والاجتهاد في تنفيذ ما يريد وأولو العزم إما الرسل مطلقاً فمن بيانية ، وهذا أحد الأقوال فيه أو طائفة مخصوصة منهم فمن تبعيضية ، وفي تعيينهم أقوال كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله : ( { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ } الخ ) أولو العزم من له عزم ، ومعناه لغة مفصل في كتب اللغة قال شمر العزم ، والعزيمة ما عقدت قلبك عليه من أمر ، والعزم أيضاً القوّة على الشيء ، والصبر عليه فالمراد به هنا المجتهدون المجدون أو الصابرون على أمر الله فيما عهده إليهم ، وقدره وقضاه عليهم ، ومطلق الجدّ والجهد ، والصبر موجود في جميع الرسل بل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وكثير من الأولياء فلذا ذهب جمهور المفسرين في هذه الآية إلى أنهم جميع الرسل وأنّ من بيانية لا تبعيضية فكل رسول من أولي العزم ، وارتضاه المصنف رحمه اللّه ، وقدمه فإن أريد به معنى مخصوص ببعضهم فلا بد من بيانه ليظهر وجه التخصيص ، ومنشأ الاختلاف في عددهم إلى أقوال أحدها أنهم جميع الردمل ، والثاني أنهم أربعة نوح ، وإبراهيم وموسى ومحمد ، والثاني أنهم خمسة : محمد ونوج وابراهيم وموسى وعيسى ، والرأبع أنهم ستة بزيادة واحد كهرون أو داود ، والخامس أن!م سبعة : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى كما ذكره السيد علي ، وفي في خزينته ، والسادس أنهم تسعة : نوح وابراهيم ، واسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب ، وموسى وداود وعيسى كما في القاموس هذا هو المشهور ، وقد يزاد وينقص ، وتوجيه التخصيص أنّ المراد بهم من له جد ، وجهد تامّ في دعوته إلى الحق وذيه عن حريم التوحيد ، وحمى الشريعة بحيث يصبر على ما لا يطيقه سواه من عوارضه النفسية ، والبدنية وأموره الخارجية كمبارزة كل أهل عصره كما كان لآدم ، ونوح أو لملك جبار في عصره ، وانتصاره عليه من غير عدة دنيوية كنمروذ إبراهيم ، وجالوت داود وفرعون موسى ، ولكل موسى فرعون ، ولكل محمد أبو جهل وكالابتلاء بأمور لا يصبر عليها البشر بدون قوّة قدسية ، ونفس ربانية كما وقع لأيوب عليه الصلاة والسلام ومن هنا كشف برقع الخفاء عن وجه التخصيص ، وهذا مما كشفت بركاتهم سرّه. قوله : ( أولو الثبات
الخ ) إشارة إلى معنييه ، والجذ بكسر الجيم وتشديد الدال الاجتهاد ، وقوله : أصحاب الشرائع قالوا هو على احتمال التبعيض إلا أنّ الرسول لا يكون إلا صاحب شرع مبلغ فلا يناسبه بحسب الظاهر ، وقد قيل إنه(8/37)
ج8ص38
أراد أنه اختص بالأربعة المذكورة ، ونبينا صلى الله عليه وسلم لغلبته عليهم ، وسكت عن ذكر خاتمتهم لأنه المقصود هنا ولك أن تقول إنّ هذا من إيجازه البديع ، وهو جار على القولين أما على الأوّل فلأنه لم يرد الحصر فيمن ذكر بدليل قوله مشاهيرهم ، وكاف التشبيه في قوله : كنوح الخ. وأمّا على الثاني فيصح الحصر لأنّ اشتهارهم بذلك يخصه بهم عند الإطلاق كما في الأعلام الغالبة حيث اختصت بمن اشتهر بها حتى صارت كالعلم الوضعيّ. قوله. ( اجتهدوا ) جملة مستأنفة لبيان وجه التسمية ، وهم على هذا خمسة كما قيل :
أولو العزم نوح والخليل الممجد وموسى وعيسى والنبيّ محمد
قوله : ( كنوح الخ ا لما كان البلاء معهوداً ، وغير معهود بواسطة ، وبدونها ممتدا ، وغير
ممتد أشار إلى ما ابتلاهم الله به من أنواعه والذبيح إسماعيل أو إسحاق كما مز ، وقوله. والبصر تقدم أن الصحيح إنه لم يعم ، وأنما ضعف بصره ، وقوله : لم يضع لبنة على لبنة أي لم يبن بناء قط ، وما ذكره من قصة موسى تقدم بيانه ، وفي قوله استقصروا الخ إشارة إلى أن لبثهم المراد به مدّة عمرهم أو مكثهم في الدنيا. قوله : ( بلاغ ) قرئ بالرفع ، والنصب والجرّ ، ومعناه إمّا التبليغ أو الانقياد أو الكفاية فعلى الرفع هو خبر مبتدأ مقدر تقديره هذا الذي الخ. كما أوضحه المصنف ، وقوله : أي كفاية الخ على التقديرين فالوجوه أربعة. قوله : ( ويؤيده ( أي يؤيد إنه بمعنى التبليغ إنه قرئ بصيغة الفعل من التبليغ على أنه أمر له فإنه قرئ به أو فعل ماض من التفعيل فإنه قراءة أيضاً ، وكلاهما من الشواذ ، وتاييده ظاهر لأنه من التبليغ. قوله : ) وقيل
بلاغ ) في قراءته بالرفع مبتدأ خبره قوله لهم السابق فيوقف على قوله ولا تستعجل ، ويبتدئ بقوله لهم بلاغ ، وما بينهما من التشبيه معترض بين المبتدأ والخبر وهو ضعيف جدّاً لما فيه من الفصل ، ومخالفة الظاهر لأنّ الظاهر تعلق لهم بتستعجل ، ولهذا مرضه المصنف ، وقوله : وقت يبلغون إليه لأنّ البلاغ ، والبلوع يكون بمعنى الانتهاء إلى أقصى الأمر ، والمنتهى زمانا كان أو مكاناً كما قاله الراغب : وقوله كانهم الخ إشارة إلى أنه معترض للتأكيد فإنّ استقصارهم للماضي لما شاهدوه من الهول الحاصل ، وقوله : بلغوا لو قدر أمراً على وفق القراءة السابقة كان أحسن كما قيل. قوله : ( الخارجون الخ ) تقدّم أنّ أصل معناه الخروج عن الطاعة ، وفي يهلك لغات تقدمت ، وقوله من قرأ الخ حديث موضوع ، وخص الرملة لأنها معنى الأحقاف كما مرّ تمت سورة الأحقاف بحمد الله ومنه ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وا-له وصحبه أجمعين.
سورة محمد صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( وهي مدنية ( على الأصح ، ولا إجماع فيه كما قاله ابن عطية فإنه روى خلافه عن
ابن عباس ، وبعض الصحابة فلا وجه لدعوى الإجماع ، وقيل إلا قوله ، وكأين من قرية الخ ، وقوله : وآيها جمع آية سبع بالباء التحتية ، وفي نسخة تسع بالتاء الفوقية ، وهو الأصح كما في كتاب العدد للداني ، وقيل : أربعون ، والخلاف في قوله : حتى تضع الحرب أوزارها ، وقوله : لذة للشاربين. قوله : ( امتنعوا عن الدخول في الإسلام ) صد صدودا وصدا لازم ، ومتعدّ وأصده لغة فيه ، والى الأوّل أشار بقوله : امتنعوا ، وقوله : سلوك طريقه الضمير للدخول أو للإسلام ، وهو الأظهر لا للّه لبعده ، وقوله : أو منعوا الناس إشارة إلى الثاني ، وعلى الوجهين اتصاله بما قبله في آخر السورة ظاهر ، وهو أنه كالمؤكد لقوله : كفروا عليهما لا على البدل فقط كما قيل إذ لا وجه له. قوله : ( كالمطعمين يوم بدر ( من المشركين فإنهم بإعانتهم لمن أتى لمنع المسلمين عن الجهاد ، والغنائم كانوا صادّين بأنفسهم ، وأموالهم فصدهم أعظم من صذ غيرهم ممن كفر ، وصدّ عن السبيل ، وخص بدرا والمراد به الكبرى لأنها أوّل وقعة فيها القتل ، والفداء فلا غبار عليه إنما الكلام فيهم فالذي رويناه في سيرة ابن سيد الناس أنّ أوّل من نحر لهم حين خرجوا من مكة أبو جهل لعنه الله نحر عشرا من الإبل ، ثم صفوان(8/38)
ج8ص39
بن أمية تسعا بعسفان ، ثم سهيل بن عمرو بقديد عشرا ، ثم شيبة بن ربيعة ، وقد ضلوا الطريق تسعاً ثم عتبة ابن ربيعة عشرا ، ثم مقيس الجمحي بالإبواء تسعا ، ثم العباس عشرا ، والحرث بن عامر تسعا ، وأبو البحتريّ على ماء بدر عشرأ ، ومقيس تسعا ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم ، ونقل المحشي أنهم ستة نبيه ومنبه بن الحجاج وعتبة ، وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل ، والحرث ابنا هشام وضم إليهم مقاتل عامر بن نوفل ، وحكيم بن حزام وزمعة بن الأسود ، وأبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية ، والعباس ، وقال إنهم أطعموا الأحابيش استظهارا على عداوة النبيئءيخيلى ، واعترض على عد أبي سفيان فيهم ، وهو كان مع العير ، ولا يخفى أنّ المراد بيوم بدر زمن وقعتها فيشمل ما أطعم في الطريق ، وفي مذتها حتى انقضت فلا يرد ما ذكر إن صحت الرواية ، وهو كلام آخر ، وشياطين قريش العتاة من كفارهم. قوله : ) أو عام في جميع من كفر (
تردّد في عمومه ولم يتردّد في عموم مقابله لظهور الفرق بينهما ، وإن ظنه بعض خفيا لأنّ التردد على تفسيره الثاني ، وليس كل كافر وقع منه الصدّ عن ذلك أمّا من ذكر من الكفار فصدر ذلك منه بخلاف المؤمنين الموصوفين بما ذكر فانه ظاهر في العموم. قوله : ( جعل ) بصيغة المجهول أو المعلوم ، وفاعله ضمير مستتر يرجع إلى اللّه للعلم به من السياق ، وقوله : محبطة بالكفر على الوجهين ، وإن كان في اقتصاره على الكفر ما يوهم أنه على الأوّل ففيه إيماء لترجيحه ، وقوله : مغلوبة مغمورة فيه فيه أنه إن أراد به إحباطها ، وعدم نفعها تكرّر مع ما قبله ، والا فلا معنى لغلبته عليه إن لم يكن محبطاً ، وقوله : أو ضلالاً معطوف على قوله : ضالة أي معنى أضل أعمالهم صيرها ضلالا أي غير هدى ، ولو قيل على هذا ضالة على أنه إسناد مجازي صح ، وقوله : يقصدوا به أي بما ذكر ، ولذا ذكره ولو قال بها بضمير الأعمال كان أظهر. قوله : ( أو أبطل الخ ) فإضافة الأعمال للعهد أو المراد بها على الأوّل محاسن الأعمال وعلى هذا المكايد وصدهم ، واضلالها من ضل إذا غاب فتجوز به عن الإبطال ، وهو معطوف على جعل ، وقوله : بنصر الخ متعلق به على اللف ، والنشر المرتب. قوله : ( يعم الخ ا لأن الموصول من صيغ العموم ولا داعي للتخصيص هنا كما في الأوّل كما نبهناك عليه ، وقوله : تخصيص الخ ، أي خص بالذكر مع دخوله فيما قبله لما ذكر من النكات ، على هذا فالمراد بما نزل القرآن أو الدين ، والمراد أحكامه الفرعية ، والإيمان به التصديق بحقيته من عند الله ، ولو أريد به كل ما نزل عليه من الوحي بالشريعة الأصلية ، والفرعية لم يكن كذلك ، ووجه إفادته للتعظيم قرّرناه في عطف جبريل ، والدلالة على أنه لا يتم بدونه لأنه يفيد بعطفه أنه أعظم أركانه لأفراده بالذكر ويلزم منه ما ذكر ، وقوله : مما يجب أي من بين كل ما يحب الإيمان به ، وقوله : ولذلك أي لكونه الأصل الذي لا يتم بدونه أو للإشعار بما ذكر أكده لأنه مقتض للاعتناء به. قوله : ) اعتراضاً ) اي بين المبتدأ وخبره ، وقوله : على طريقه اختلف في مرجع هذا الضمير فقيل هو للتخصيص ، وكان هذا طريق التخصيص لتعريف المسند ، وحقيته مرفوع مبتدأ خبره قوله : بكونه ناسخاً ، وقيل المعنى على طريق القرآن وبيان حاله ، وحقيته بكونه ناسخاً لا ينسخ ثابتا غير متغير فحقيته بالجرّ عطفا على مجرور على ، ولا يخفى أنّ الأوّل هو المراد ،
ولو قيل الضمير للاعتراض صح أي هو اعتراض وارد على طريق الاعتراض ، وهو تأكيد لما اعترض فيه كما مرّ مرارا ، وفسر الحقية بما ذكر ليتم الحصر بالنسبة لغيره من الكتب أو الأديان ، والحق على هذا بمعنى الثابت في الواقع ، ونفس الأمر فهو أخص منه بمعنى المقابل للباطل ، ويكون وقوعه في مقابلته ظاهرا أيضا ، ولا-س د. عليه أنّ ذكر الباطل بعده يقتضي تفسيره بما يقابله كما قيل ، وقوله : سترها لأنه أصل معناه والمراد إزالتها لا أنها بقيت مستورة ، والبال يكون بمعنى الحال ، والشأن ، وقد يخص! بالشأن العظيم كقوله صلى الله عليه وسلم : " كل أمر ذي بال " ، ويكون بمعنى الخاطر القلبيّ ، ويتجوّز به عن القلب ، ولو فسر به هنا كان حسناً أيضا وقد فسره السفاقسي بالفكر لأنه إذا صلح قلبه ، وفكره صلحت عقيدته ، وأعماله. قوله : ( إشارة إلى ما مرّ ) توجيه لأفراده باعتبار ما ذكره ، وقوله : خبره بأنّ الخ لا خبر مبتدأ مقدّر كما في الكشاف أي الأمر ذلك لأنه كما قيل ارتكاب للحذف من غير داع له فيكون الجار ، والمجرور في محل نصسب على الحالية كما في التقريب ، والعامل فيه معنى الإشارة ، وليس ظرفا لغوا ، وقوله : بسبب الخ ، إشارة إلى أنّ الباء سببية.(8/39)
ج8ص40
قوله : ( وهذا تصريح بما أشعر به ما قبلها ) أي ما قبل هذه الجملة أو العلة والسببية لكن المناسب لقوله : هذا أن يقول ما قبله بتذكير الضمير كما قيل لكنه جنح إلى أنّ هذا إشارة إلى الكلام المذكور ، وأنه تصريح بما قبل هذه السببية ، والمراد أنّ البناء على الموصول يشعر بالعلية فالإتيان بياء السببية في الخبر تصريح بما علم بطريق الإيماء ، والإشارة. قوله : ( ولذلك يسمى ) أي عند أهل المعاني تفسيرا لأنه صرّح به فيما علم ضمنا كقول الزمخشري رحمه الله تعالى في شعر له :
به فجع الفرسان فوق خيولهم كما فجعت تحت الستور العوائق
تساقط من أيديهم البيض حيرة وزعزع من أجيادهن المخانق
ففيه تفسير على طريق اللف ، والنشر كما في الآية ، وهو من محاسن الكلام. قوله :
( مثل ذلك الضرب ) المثل المذكور بعده على ما مرّ تفصيله في البقرة ، وقوله : يبين قد مز تحقيقه ، وقوله : أحوال الفريقين فالمثل هنا بمعنى القصة والحال العجيبة ، وضمير أمثالهم لفريقي المؤمنين ، والكافرين أو للناس كلهم والأوّل ناظر إلى الوجه الأوّل ، والثاني إلى الثاني من العموم في الفريقين فيشمل جميع الناس. قوله : ( أو يضرب أمثالهم الخ ) يعني أنّ حقيقة المثل كلام شبه مضربه بمورده ، وهو غير موجود هنا فاما أن يكون بمعنى الحال والصفة أو بمعنى التمثيل ، والتشبيه بأن جعل اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار ، وإتباع الحق مثلاً لعمل المؤمنين ، والإشارة في قوله كذلك إما لما تضمنته الآية الثانية ، أو لما تضمنته الآية الأولى ، وذلك لأنه ليس ثمة اتباع الباطل ، واتباع الحق حقيقة بل ارتكاب الباطل فشبه عمل الكافر باتباع الباطل بمعناه المعروف أو الشيطان في الإيصال إلى الهلاك وعمل المؤمن باتباع الحق بمعناه المعروف أو الله فالتمثيل مستعار لتشبيه حالي المؤمنين ، والكافرين أو هو مجاز مرسل أريد به مطلق التشبيه ، وقوله : مثلاً بمعنى تشبيها. قوله : ( وقدم المصدر ) أي على مفعول الفعل ، وهو الرقاب لا على الفعل إذ لا وجه له ، وقوله : وأنيب منابه أي في نصب المفعول ، وهو الرقاب قبل الإضافة إليه ، وهذا أحد قولي النحاة في المفعول في نحو قوله :
فندلا زريق المال ندل الثعالب
هل هو منصوب به أو بالفعل المقدّر ثم أضيف إلى مفعوله ، وقوله : ضما إلى التأكيد بالمصدر الاختصار بحذف الفعل ، وتنوين المصدر. قوله : ( والتعبير به ) يشير إلى أنّ ضرب الرقاب مجاز مرسل عن القتل مطلقاً لما ذكره من النكات ، وفيه أيضاً إشارة إلى غلبتهم عليهم ، وتمكنهم منهم ، وقوله : بأشنع صورة أي القتل لأنّ ضرب الرقبة فيه إطارة الرأس التي هي أشرف أعضائه ، ومجمع حواسه ، وبقاء البدن ملقى على هيثة منكرة. قوله : ( كثرتم قتلهم ( الثخن كالغلظ يكون في نحو الحبل ، والبر عبارة عن كثرة طاقاته ، وفي المائعات حالة قريبة من الجمود تمنعه من سرعة السيلان فأثخان العدوّ إيقاع القتل بهم بشدة ، وكثرة مستعار من ثخن المائعات لمنعه عن الحركة فهذا تفسير له لا إشارة لتقدير المضاف فيه كما قيل فإن كان بمعنى الإكثار فقط من ثخن الحبل ، ونحوه ففيه مضاف مقدر لكنه لا يعرف الأثخان في الاستعمال بهذا المعنى فتدبر ، والضمائر راجعة إلى الكل لكن المراد نسبة ما للبعض للجميع إذ المثخن لا
يشد ، ولا يمن عليه ولا يفدى. قوله : ( بالفتح والكسر ما يوثق به ) أي يشذ ، ويربط ومنه الميثاق ، والظاهر أنّ ما يوثق به بالكسر لأنه المعروف في الآلة كالركاب ، والحزام ، وهو اسم ا-لة على خلاف القياس نادر ، وأمّا بالفتح فمصدر كالخلاص فالمراد أنه أيضا أطلق على ذلك ، ولو مجازا فهو تفسير له على القراءتين ، وقوله : تمنون منا فهو مفعول مطلق لفعل مقدر ، وقوله : والإطلاق المراد به الاسترقاق ، وفي نسخة ، وهو الإطلاق فيكون تفسيراً للمن والاسترقاق غير مذكور لأنه معلوم مما بعده ، وقوله : ثابت أي لم ينسخ ، وقوله : فدا كعصا أي بالفتح والقصر ، وقول أبي حاتم أنّ القصر غير جائز لا عبرة به فإنه فيه أربع لغات الفتح ، والكسر مع المدّ ، والقصر ، ولغة خامسة البناء مع الكسر كما حكاه الثقات. قوله : ) آلاتها الخ ( يعني أنّ الأوزار كالأحمال ، وزنا ومعنى استعير لما ذكر استعارة تصريحية أو مكنية بتشبيهها !انسان يحمل حملاً على رأسه أو ظهره ، وأثبت له ذلك تخييلا وكلام الكشاف له أميل ، وكونها أحمال المحارب أضيفت لها تجوّزاً في النسبة الإضافية ، وتغليبا لها على(8/40)
ج8ص41
الكراع يأباه إسناد الوضع للحرب ، ولذا لم يلتفتوا له ، وكون إسناده مجازيا أيضا ، وإن صح خلاف المتبادر مع أنه يذهب رونق الكلام فتدبر ، والكراع اسم للخيل لأنها تخبط كراعها في الدفع عن نفسها؟ ومما يفسره قول الأعشى :
وأعددت للحرب أوزارها رما حاطوا لا وخيلا ذكورا
قوله : ( أي تنقضي الحرب الخ ) على أنه تمثيل أو مجاز متفرع على الكناية عن انقضائها
كما كني بقوله :
فألقت عصاها واستقرّت بها النوى
عن انقضاء السفر ، والإقامة ، وهو المراد فيما قبله ، وأنما يخالفه في طريق الإفادة ، وقوله : آثامها على أنها جمع وزر بمعنى إثم ، وهو هنا الشرك ، والمعاصي ، وتضع بمعنى تترأ مجازاً ، واسناده للحرب مجازا ، وبتقدير مضاف أي أهلها ، ومرضه لأنّ إضافة الأوزار بمعنى الآثام إلى الحرب غير ظاهر الصحة. قوله : ( وهو غاية للضرب الخ ( والمعنى اضربوا أعناقهم
حتى تنقضي الحرب وليس هذا بدلاً من الأوّل ، ولا تأكيداً له لأن حتى الأولى الداخلة على إذا الشرطية ابتدائية كما مرّ تحقيقها في سورة الأنعام ، وقوله : للمن والفداء أي لهما معا ، وقوله : للمجموع من قوله : فضرب الرقاب الخ وهو على مذهب المصنف رحمه الله ظاهر ، وأما عند الحنفية فمخصوص بحرب بدر على أنّ تعريفه للعهد أو منسوخ كما مز ، وقوله : بزوال شوكتهم متعلق بالنفي أي حتى تزول قوّتهم ، وقدرتهم على المحاربة فيعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون لأنه لا يكف عن القتال بدونه ، وأمّا بعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام فترفع الجزية أيضا. قوله : ) الآمر الخ ( فهو مبتدأ مقدر أو مفعول لفعل مقدر وذلك إشارة إلى ما تقدم في الحرب ، وما يتبعها ، وقوله : ولكن أمركم بالقتال الخ. يعني أنه تعالى قدر ما ذكر مع أنه لو أراد أهلكهم فلم يدع على الأرض منهم دياراً لكنه له فيما يشاء ، ويختار حكمة بالغة فلذلك ابتلى المؤمنين بالكفار ليجاهدوهم فينالوا الثواب ، ويخلد في صحف الدهر ما لهم من الفضل الجسيم ، وابتلى الكفار بالمؤمنين ليعجل لهم بعض انتقامه فيتعظ به بعض منهم ممن هداه الله فيكون ذلك سببا لإسلامه ، والجار والمجرور متعلق بأمركم الذي قدره. قوله : ( يضل أعمالهم ( قراءة الجمهور على أنه فعل من أضل مبنيا للفاعل ، ونصب أعمالهم ، وقرئ مبنيا للمفعول ، ورفع أعماله وقرئ بفتح الياء من ضل ورفع أعمالهم ، والكل ظاهر لفظا ومعنى ، وقوله : سيهديهم إلى الثوأب أي يوصلهم إلى ثواب تلك الأعمال من النعيم المقيم ، والفضل العظيم والمراد بتثبيت هدايتهم بعدما دفع به أن هؤلاء مهديون فهو تحصيل للحاصل الوعد بأنه يحفظهم ويصونهم عما يورث الضلال. قوله : ) عرفها لهم في الدنيا الخ ( إشارة إلى اًن هذه الجملة حالية بتقدير قد ويجوز أن تكون مستأنفة كما قاله أبو البقاء ، ثم أشار إلى أنه إن كان ا!مراد بالتعريف ما كان بالتوصيف في الدنيا فالمراد منه أنه تعالى لم يزل يمدحها لهم حتى عشقوها فاجتهدوا فيما يوصلهم لها فهذا هو المراد منه كما قيل :
أشتاقه من قبل رؤيته كما تهوى الجنان بطيب الأ-خبار
وقيل :
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
وإنن كان معرفتها في الآخرة فهو إلهام الله صلى الله عليه وسلم لكل أحد أن يعرف منزله فيها فيتوجه له كما
هو حالهم في منازلهم في هذه الدار ، وورد في الأثر أنّ حسناته تكون دليلاً له إلى منزله فيها وقوله : من العرف بفتح العين ، وهو معروف أو تعريفها تمييزها بحدها ، ومفرزة بضم الميم بزنة اسم المفعول من أفرزه إذا فصله ، وميز.. قوله : ( إن تنصروا دينه ورسوله أليس على تقدير مضاف فيه بل هو إشارة إلى أنّ نصرة الله فيه تجوّز في النسبة فنصرته نصرة رسله وجنده وتأييد دينه إذ هو المعين الناصر وغيره المعان المنصور ، وقوله : ويثبت أقدامكم كناية عن القوّة ، والدوام وهو المراد بالقيام في عبارة المصنف رحمه اللّه أيضاً لكنه ذكره تلميحا ، ومجاهدة الكفار من جملة حقوق الإسلام فهي من عطف الخاص على العام أفردها لأنها هي المقصودة هنا إذ ما تقدّم كله في أمر الجهاد. قوله : ( فعثورا لهم وانحطاط ) أي هو دعاء بأن يعثر فيسقط لأنّ التعس في الأصل السقوط على الوجه كالكبّ ، والنكس السقوط على الرأس ، وضده الانتعاس فهو قيام من سقط ، ووقع فيقال في الدعاء على الشخص العاثر تعسا له فإذا دعوا له قالوا : لعا له والجار ، والمجرور وبعده متعلق بمقدر للتبيين كما في سقيا له ، ولعا بلام وعين مهملة بعدها ألف مقصورة ، وهو(8/41)
ج8ص42
منصوب بفتحة مقدرة ، ومعناه انتعاشا ، واقامة ، وفيه كلام في الرضمي ، وغيره وليس هذا محله ، وهو نقيض تعسا. قوله : ( قال الأعشى ) يصف ناقة في قصيدة مسطورة في ديوانه منها :
كلفت مجهولة نفسي وشايعني همي عليها إذاما آلهالمعا
بذات لوث عفرناة إذا عثرت فالتعس أولى لها من أن أقول لعا
واللوث بفتح اللام ، والثاء المثلثة القوّة ، وناقة عفرناة قوية بفتح العين المهملة ، والفاء ، وسكون الراء المهملة ، وبعدها نون ، وألف ثم تاء تأنيث والمعنى حملت نفسي قطع بادية مجهولة الإعلام ، وتابعني مؤيداً لي عزمي ، وهمتي بناقة قوية لا تعثر ، ولو عثرت كان الدعاء عليها أولى من الدعاء لها. قوله : ( وانتصابه ) على المصدر بفعل من لفظه يجب إضماره لأنه للدّعاء كسقيا فيجري مجرى الأمثال إذا قصد به ذلك وفي الكشاف : المعنى فقال تعسا لهم أو فقضى أي قدر لهم تعساً فعلى القول الأوّل هو مفعول مطلق ، وعلى الثاني مفعول به ، وانما
دعاه لذلك أنّ جملته خبر عن قوله الذين ، وهو لإنشاء الدعاء ، والإنشاء لا يقع خبراً بدون تأويل فإمّ أن يقدر معه قول أو يجعل خبراً بتقدير قضى ، ومن لم يقف على مراد. قال ما ذكره المصنف أولى فإنّ لفظ المصدر يدل على فعله فالوجه أن يكون هو المضمر لا قال ، وقضى كما قاله الزمخشريّ ، والأوّل هو ما قاله المصنف بعينه. قوله : ( والجملة خبر الذين كفروا ا لأنه مبتدأ في محل رفع فالفاء داخلة في حيز الموصول لتضمنه معنى الشرط ، وقد علمت أن الدعاء الإنشائيّ يكون خبراً بلا تأويل. قوله : ( أو مفسرة لناصبه ( فالذين في محل نصسب بفعل مقدر أي أتعس الله الذين كفروا تعسا أو التقدير تعسهم الله فإنه يقال تعسه ، وأتعسه كما ذكره السفاقسي ، وهو كقولهم زيداً خير عالم على أنّ عامل المصدر مفسر لناصبه ، والفاء زائدة في الكلام على توهم الشرط كما في قوله : { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } [ سورة المدثر ، الآية : 3 ] وقيل : يقدر مضارعا معطوفاً على قوله : يثبت أي يتعس الذين الخ ، والفاء للعطف فالمراد إتعاس بعد إتعاس أو للدلالة على أنّ حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الإجمال ، وقد مرّ ما فيه في سورة النور فانظره. قوله : ( وأضل أعمالهم عطف عليه ) أي على الفعل المقدر الناصب لقوله تعسا فينبغي تقدير. ماضيا لا مضارعاً كما توهم ، وهو جار على الوجهين. قوله. ( لما فيه ( يتعلق بكرهوا بيان لعلة تعسهم وضلالهم بكراهتهم القرآن وما تضمنه من الأصول ، والفروع وقوله : وهو أي ما ذكر بقوله ذلك الخ. تخصيص لسبب تعسهم ، وضلالهم بكراهة القرآن ، وما فيه بعد تعميمه إذ جعل سببه مطلق الكفر لأنّ الموصول ، والصلة يقتضي التعليل بالمأخذ كما مرّ مراراً ، وقوله : وتصريح إشارة إلى أنه علم مما قبله لدخوله في الكفر دخولاً أوليا. قوله : ( كرره ( لأن قوله أضل أعمالهم بمعنى أبطلها ، وأحبطها ، وقوله : يلزم الكفر لتفريعه عليه بالفاء. قوله : ( دمر دلّه عليهم ) معنى دمره أهلكه ، ودمر عليه أهلك ما يختص به من المال والنفس فالثاني أبلغ لما فيه من العموم لجعل مفعوله نسيا منسيا فيتناول نفسه ، وكل ما يختص به من المال ونحوه ، والإتيان بعلى لتضمنه معنى أطبق عليه أي أوقعه عليهم محيطاً بهم أو هجم الهلاك كما حققه شراح الكشاف ، واليه أشار المصنف إلا أنه كان عليه أن يوجه ذكر الاستعلاء معه لأن استأصل لا يتعدى بعلى ، وكلامه موهم له لكن لما كان العذاب المطبق مستأصلاً كان فيه إيماء له في الجملة. قوله : ( أمثال تلك العاقبة وقوله : لأنّ التدمير ) راجع للأخيرين من العقوبة ، والهلثة ، وهو المراد من السنة لكن كونها مرجعاً بخصوصها من غير قرينة في غاية البعد ، وجمع الأمئال
لأنّ لكل منهم مثل عاقبة السابقين ففيه مبالغة ، وزيادة تهديد ، وقوله : فيدفع العذاب إشارة إلى أنه بمعنى الناصر كالذي قبله فاندفع التناقض بين الآيتين كما بينه المصنف لعدم توارد النفي ، والإثبات على محل واحد لأنه في المنفي بمعنى الناصر ، والمثبت بمعنى المالك. قوله تعالى : ( { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا } الخ ا لما كان الثاني في مقابلة هذا ووجه التقابل فيه غير ظاهر في بادئ النظر قال الطيبي طيب الله ثراه : إنّ قوله يتمتعون ، ويأكلون في مقابلة قوله عملوا الصالحات لما فيه من الإيماء إلى أنهم عرفوا أنّ نعيم الدنيا خيال باطل ، وظل زائل فتركوا الشهوات ، وتفرغوا(8/42)
ج8ص43
للصالحات فكانت عاقبتهم النعيم المقيم في مقام كريم ، وهؤلاء غفلوا عن ذلك فرتعوا في دنياهم كالبهائم حتى ساقهم الخذلان إلى مقرهم من درك النيران فتقابله واقع في أحسن موقع ، وفيه مقابلة أدق مما قيل إنه من الاحتباك فذكر الأعمال الصالحة ، ودخول الجنة أو لا دليل على حذف الأعمال الفاسدة ، ودخول النار ثانيا والتمتع والمثوى ثانياً دليل على حذف التمتع ، والمثوى أوّلاً. قوله : ( حريصين الخ ) هو وجه الشبه ، وقوله : مثوى لهم كقوله : { إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } [ سورة التربة ، الآية : 49 ] وقوله : على حذف المضاف هو أهل بقرينة قوله : أهلكناهم أو هو على المجاز بذكر المحل ، وارادة الحال ، وقوله : دهاجراء أحكامه الخ بالجرّ عطف على حذف المضاف يعني إنه حكم على القرية بأنها أشدّ قوّة ، وأنها مخرجة له ، وهو وصف لأهلها ، وهذا الحكم بحسب الظاهر ، وإن كان في الواقع على المضاف المحذوف ، ومنه يعلم وجه كونه مجازا بالنقص لكن الفرق بينه ، وبين المجاز العقلي دقيق جدّاً قوله : ( والإخراج الخ ) يعني أنه مجاز عقليّ كقوله : أقدمني البلد حق لي عليك والخلاف فيه معروف فعند المتقدّمين لا فاعل له حقيقي ، وعند صاحب التلخيص الفاعل هو الله ، وليس هذا الخلاف مبنياً على خلق أفعال العباد كما حقق في حواشي الحفيد على شرح التلخيص فمن توهمه فقد وهم ، والتسبب لأنّ أهل مكة لم يخرجوه ، ولكن أحبوه ، وهموا به فكانوا بذلك سببا لإخراجه حين أذن الله له في الهجرة عنها. قوله : ( وهو كالحال المحكية ( لأنّ المتفرّع على الإهلاك عدم النصرة في الماضية لا في الحال ، والاستقبال كما هو المتبادر من اسم الفاعل فمقتضى الظاهر أن يقال فلم يكن لهم نصر فعدل عنه كما في قوله :
{ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [ سورة يس ، الآية : 9 ] لتصوير الماضي بصورة الحال ، وقال كالحال لأنّ اسم الفاعل ليس كالفعل إذ هو قد يقصد به الثبوت ، وإذا لم يعمل قيل إنه حقيقة في الماضي كما حقق في الأصول الفرعية. قوله تعالى : ( { أَفَمَن كَانَ } الخ ) الاستفهام لإنكار استوائهما ، وقوله : على بينة أي ثابت قائم عليها ، وقوله : حجة تفسير بينة ، وقوله : وهو القرآن تفسير للحجة وذكره لرعاية الخبر ، وقوله : كالنبيّ الخ تفسير لمن ، ولم يخصه بالنبيّ كما في الكشاف لأنه لا داعي له وقوله : كالشرك بيان لسوء العمل لأنه بمعنى العمل السيئ وقوله : في ذلك الإشارة لسوء العمل ، وقوله : لا شبهة لهم بيان لاتباع الهوى فيه ، ولمقابلته لما قبله من الثبات على الحجة ، والبينة. قوله : ( أي فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة ) تفسير للمثل كما مرّ واشارة إلى أنّ مثل الجنة مبتدأ له خبر مقدر مقدم ، وهو مختار سيبويه كما فصلناه في أوّل سورة المائدة ، والنور ولذا قابله بقوله : وقيل الخ ، وترجيح الأوّل لما مرّ فتذكره ، وقوله : وتقدير الكلام الخ هذا ، وإن كان تقديرا قبل الحاجة إليه حتى قيل إنّ الثاني أرجح منه ، ولذا اقتصر عليه الزمخشري إلا أنه يرجحه أنه لما أنكر التسوية بين من وضح برهان ما ادعاه ، ومن قال بحسب ما اشتهى هواه كان مقتضاه أن ينكر استواء سكان الجنان ، وأهل النيران ، ولذا قدمه المصنف ولم يعبأ بما ذكره هذا القائل. قوله : ( أو أمثل الجنة الخ ا لما كان جعل الجنة مثلا لأهل النار غير ظاهر أشار إلى أنه إما على تقدير في الأوّل أو الثاني ليكونا على نمط واحد ، وعلى كليهما فمثل مقدر في الثاني إمّا مع مضاف آخر أو لا ، وأشار بقوله : أمثل إلى أن قوله مثل الجنة ، وإن كان في صورة الإثبات هو في معنى الإنكار ، والنفي لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحرف الإنكار ، وانسحاب حكمه عليه ، وهو قوله : أفمن كان الخ وليس في اللفظ قرينة على هذا ، وإنما هو من السياق ، وأنّ فيه جزالة المعنى. قوله : ( فعرّي الخ ( جواب سؤال مقدر تقديره إذا كان المعنى على ما ذكر فلم ترك ذكر الهمزة فيه ، وهو نادر بأنه ترك لإبرازه في صورة التسليم ، ومثله يدل على الإنكار بأبلغ وجه ، وقوله : يجري مثله صفة استغناء وهو مضارع معلوم أو مجهول أو هو مصدر مجرور ومعناه أنه ترك فيه حرف الإنكار الذي هو نفي معنى ، وأتى به مثبتا والمقصود نفيه أيضا ، وهذا أعني قوله : يجري مثله مماثل لقوله : أفمن كان على بينة الخ فما اعتبر فيه يعتبر في هذا ، وهو المصحح للتعرية ، والمرجح ما أشار إليه بقوله : تصويراً الخ يعني أن التعرية عن حرف الإنكار لأجل أن تصوّر مكابرة من سوى بين
المتمسك بالبينة ، والتابع للهوى بصورة مكابرة من سوى بين الجنة ، والنار فحذف حرف الإنكار وجعل الأوّل كالثاني يحقق هذا التصوير بخلاف ما لو ذكر حرف الإنكار ، وقيل : أمثل الخ فإنه(8/43)
ج8ص44
لا دلالة فيه على المماثلة ، والتصوير المذكور قال في الانتصاف هذه النكتة التي ذكرها لا ينوّرها إلا التنبيه على أنّ في الكلام محذوفا لا بد من تقديره إذ لا معادلة بين الجنة ، وبين الخالد في النار إلا على تقدير مثل ساكن الجنة فبه يقوم وزن الكلام وتتعادل كفتاه ومن هذا النمط قوله تعالى : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ } [ سورة التوبة ، الآية : 9 ] فإنه لا بد من تقدير محذوف مع الأوّل أو الثاني ليتعادل القسمان وبهذا الذي قدرته تنطبق أجزاء الكلام فيكون المقصود تنظير بعد التسوية بين المتمسك بالبينة ، والراكب للهوى ببعد التسوية بين المنعم في الجنة ، والمعذب في النار على الصفات المتقابلة المذكورة في الجهتين ، وهو من وادي تنظير الشيء بنفسه باعتبار حالتين إحداهما أوضح في البيان من الأخرى فإن المتمسك بالبينة هو المنعم في الجنة الموصوفة ، والمتبع للهوى هو المعذب في النار المنعوتة ولكن أنكر التسوية بينهما باعتبار الأعمال أوّلاً ، وأوضح ذلك باعتبار التسوية بينهما باعتبار الجزاء ثانيا اهـ ، وليس ما ذكر مخصوصا بالوجه الثالث ، وأنه إشارة إلى ارتضائه كما توهم فإنه اقتصر فيه عليه لقربه ، وللاتكال على علم غيره بالمقايسة نعم ما ذكر بيان لوجه التعرية لا لحذف ما حدّف فلا وجه لذكره فتدبر وقوله : تصويراً تعليل لقوله يجري مثله واستغناء تعليل للتعري فلا حاجة لجعل التقييد بالثاني بعد التقييد بالأوّل كما قيل فإن قلت ما وجه المبالغة فيه ، والأبلغية التي ذكرها الشيخان هنا ، وما وجه الانتظام فيه قلت هذا شيء أومؤوا إليه ، ولم يصرّحوا به ، وكأن وجهه أنه لما ترك فيه حرف الإنكار كان في إثباته إشارة إلى التهكم به ، والى تخطئة من توهمه ، وهو كالبيان ، والبرهان على ما قبله حتى قيل لا يستوي ذو الحجة البينة والأهوية القبيحة البينة حتى تستوي الجنة ، والنار فتأمل. قوله : ( وهو ) أي الخبر وهو قوله كمن هو خالد على الوجه الأوّل ، وهو كون مثل مبتدأ خبره مقدر أي فيما قصصشا الخ. قوله : ( استئناف لشرح المثل ( أي هو استئناف بيانيئ في جواب سؤال تقديره ما مثلها أي صفتها ، وهو على الوجه الأوّل أي تقدير الخبر في قوله مثل الجنة ، والمبتدأ في قوله : كمن هو خالد فلا يرد عليه قول الطيبي إنه يلزم وقوع الاستئناف قبل مضي خبر الجملة السابقة الذي هو مورد السؤال اللهمّ إلا أن يقدر للجملة الأولى خبر وللثانية مبتدأ كما قاله أبو البقاء. قوله : ( أو حال من العائد المحذوف ) وهو الضمير المقدر في الصلة العائد على التي بمعنى الجنة أي وعدها المتقون أو وعد المتقون إياها أي مستقزة فيها أنهار على أق
الظرف حال وأنهار فاعله لا مبتدأ مؤخر ، والجملة الاسمية حال لعدم الواو فيها ، ولا فعلية لأنه خلاف الظاهر ، وقد جوّز فيه الحالية على نهج قوله ملة إبراهيم حنيفاً ، وفيه نظر ، وفي الكشاف تجويز كونه داخلا في حكم الصلة كالتكرير لها ألا ترى إلى صحة قولك التي فيها أنهار يريد كما قاله التفتازاني إنها صلة بعد صلة كالخبر والحال ، والصفة وهو متضمن لتفصيلها ، ولو حمل على البدلية كان أولى ، ولذا ترك العاطف فتدبر. قوله : ( أو خبر لمثل ( على أنّ الخبر ، وإن كان جملة من المبتدأ كخبر اسم الإشارة فلا يحتاج إلى رابط ، وقد تقدم مثله في سورة يس ، وأنّ جريان مثله في الاسم الظاهر الذي ليس بقول لم يذكره النحاة ، والمعنى مثل الجنة وصفتها مضمون هذا الكلام. قوله : ) وآسن ) بوزن فاعل كآجن بمعنى متغير الطعم ، والريح لطول مكث ونحوه ، وماضيه أسن بالفتح من باب ضرب ، ونصر وبالكسر من باب علم كما حكاه أهل اللغة ، وقوله على معنى الحدوث خبر بعد خبر لقوله : آسن اسم فاعل لأنه يدل على الحدوث أو حال من الضمير المستتر في الخبر ، ويقابله قراءة ابن كثير أسن بوزن حذر صفة مشبهة أو صيغة مبالغة فتدل على الثبوت. قوله : ( لم يصر قارصاً ولا خازرا ) أي حامضاً ، والقارص بالقاف ، والراء والصاد المهملتين نوع من الحموضة كأنها تقرص لسان الشارب بقبضه ، والخازر بخاء معجمة ، وزاي وراء من الخزر ، وهو نوع من الحموضة أشذ منه بلذعه. قوله : ( لذيذة لا يكون فيها كراهة ) فهو صفة مشبهة كصيغته ، ومذكرها لذ أو هو مصدر بتقدير مضاف أو بجعلها عين اللذة مبالغة على التجوّز فيه أو في الإسناد كما هو معروف في أمثاله ، والغائلة بالغين المعجمة الآفة ، والمكروه فغائلة الريح بمعنى رائحة مكروهة ، وغائلة السكر إزالة العقل ، وما يترتب عليه ، والخمار(8/44)
ج8ص45
بالضم صداعه والعلة على أنه مفعول له ، والمعنى ما هو إلا لأجل اللذة لا صداع ، ولا آفة من آفات خمور الدنيا فيه. قوله : ( لم يخالطه الشمع ) بفتح الميم ، والعامّة تسكنها ، وهو إما لحن أو لغة رديئة ، وهو تفسير للتصفية فإنه معناها المعروف فلا وجه لما قيل إنه من قرينة المقام ، والعطف على ما ليس من ألبان الدنيا ، وخمورها ، والمراد تصفيته مما يخالفه حتى يكون خالصاً. قوله : ( وفي ذلك ) أي في قوله فيها أنهار الخ ، وقال لما يقوم الخ دون أن يقول تمثيل لا شربة الجنة ، وإن كان أخصر لأن ما ذكر ليس من الأشربة المعهودة في الدنيا لكنها تشبهها بحسب الصورة ، وقوله : بأنواع الخ متعلق بقوله تمثيل ، وقوله : ينقصها من النقص المعنوي ، وهو الاتصاف بما لا يحمد فيها كتغير اللون ، والريح ، وينغصها بالغين المعجمة أي يكدرها ، وفي نسخة بالقاف فقط ، وما يوجب
غزارتها أي كثرتها ، وهو جعلها جارية جري الأنهار من قوله أنهار ، وكذا استمرارها فإنه حال أنهار الدنيا أو هو من الاسمية.
قوله : ( صنف الخ ( يعني أنّ الجارّ ، والمجرور صفة مبتدأ مقدر ، وقوله على هذا القياس
أي قيالى! ما مرّ من أنها مجرّدة عن كل منقص منغص دائمة كثيرة ، وقيل : تقديره زوجان كقوله : { فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } [ سورة الرحمن ، الآية : 52 ] وقوله : عطف على الصنف المحذوف أي على لفظ مصنف الذي هو مبتدأ مقدر ، وقوله : لهم مغفرة إنما قدره لأن العطف يقتضي كون المغفرة لهم في الجنة وهي سابقة عليها فإمّا أن يعطف على المقدر بدون قيده ، وهو قوله فيها ، وهو خلاف الظاهر أو تجعل المغفرة عبارة عن أثرها من التنعيم أو مجازاً عن رضوان اللّه ، وقوله : كمن هو خالد مرّ إعرابه. قوله : ( مكان تلك الأشربة ( إشارة إلى أنه تهكم بهم ، وقوله ما الذي الخ إشارة إلى أنّ ذا اسم موصول هنا بمعنى الذي كما تقرّر في النحو ، والمراد بالساعة الزمان الحاضر لأن تعريفها للعهد الحضوري كما في قوله الان ، ويجوز أن يريد ما هو قبيله ، وقوله : استهزاء علة لقالوا فإن الاستفهام يفيده بطريق المجاز أو هو استفهام فهو على حقيقته. قوله : ) وآنفاً ( اسم فاعل على غير القياس أو بتجريد فعله من الزوائد لأنه لم يسمع له فعل ثلاثيّ بل استأنف ، وأتنف كما أشار إليه المصنف وقوله ، وهو ظرف قاد الؤمخشرفي : إنه اسم للساعة التي قبل ساعتك التي أنت فيها من الأنف بمعنى المتقدم لتقدمها على الوقت الحاضر ، وهو معنى قول المصنف مؤتنفا بمعنى مبتدأ ومتقدماً ، وهو لا ينافي كونه اسم فاعل كما في بادئ فإنه اسم فاعل غلب على معنى الظرفية في الاستعمال كقولهم : بادئ بدء فلا عبرة بقول أبي حيان يتعين نصبه على الحالية ، وانه لم يقل أحد من النحاة إنه يكون ظرفا أو هو بمعنى زمان الحال ، وهو الموافق لقوله أوّلاً الساعة بحسب الظاهر المتبادر منه أو المراد به الحال التي أنت فيها من آخر الوقت الذي يقرب منك ، وقو!ه : قرئ أنفا أي بزنة حذر وهي قراءة ابن كثير. قوله : ( فلذلك استهزؤوا الخ! أي على اللف والنشر لتفسيري قوله : ماذا
قال آنفا لأنّ الإشارة لهؤلاء المارّ ذكرهم ، وقوله : والذين اهتدوا يحتمل الرفع والنصب ، وهدى إمّا مفعول ثان لأنّ زاد قد يتعذى لمفعولين ، وهو الظاهر ، ويحتمل أن يكون تمييزاً وقوله : زادهم الله على أنّ الفاعل ضمير يعود على الجلالة السابقة وهو الظاهر ، وقوله : أو قول الرسول معطوف على الله فالضمير يعود على قولهءسنرو المفهوم من قوله : يستمعون إليك ، وماذا قال ولكونه خلاف الظاهر أخره ولأنه واقع في مقابلة طبع القلوب فالأولى أن يتحد الفاعل فيهما ، وأمّا كون الإسناد مجازياً فلا بأس به بل هو أبلغ إذا كانت قرينته ظاهرة ، وكونه لاسنهزاء المنافقين بعيد جداً ، ولذا تركه وإن ذكره الزمخشريّ ، وقوله : بالتوفيق الخ هو عاثم لكل ما وفقوا له حتى استماع قول الرسول. قوله : ) بين لهم ما يتقون الخ ) فال الشارح الطيبي : إنّ هذه السورة روعي فيها التقابل ، وآتاهم تقواهم في مقابلة اتبعوا أهواءهم فالظاهر أنه ليس من ارتكاب الهوى ، والتشهي بل هو أمر حق مبني على أساس قوفي فيكون ببيان الله ، أو إعانته فالإيتاء مجاز عن البيان أو الإعانة أو هو على حقيقته والتقوى مجاز عن جزائها لأنها سببه أو فيه مضاف مقدر ، وهذا لا يخالف مذهب أهل الحق كما توهم ولو فسر بخلق التقوى فيهم كان أظهر ، وقوله : فهل ينتظرون تفسير لينظرون. قوله : ( كالعلة له ( أي لما قبله من الانتظار لأن ظهور أمارات الشيء سبب لانتظاره ، وإنما قال كالعلة لأنّ المقصود البدل ، وبغتتها(8/45)
ج8ص46
لا تناسب مجيء أشراطها إلا بتأويل فتأمّل. قوله : ) شرط مستأنف ( فالوقف على الساعة ، وقوله : جزاؤه فأنى الخ لم يجعله قوله فقد جاء أشراطها لأنه غير ظاهر ، وهو كما أشار إليه متصل بإتيان الساعة اتصال العلة بالمعلول ، ولذا قال لأنه الخ ، وقوله : أماراتها تفسير لقوله : أشراطها لأنه جمع شرط بالفتح ، وهو العلامة وقوله : والمعنى أي على قراءة الشرط ، وقوله : كمبعث النبيّ الخ هو مصدر أو اسم زمان ، وهو لكونه خاتم الرسل ، وشريعته آخر الشرائع كانت بعثته علامة للساعة كما ورد في الحديث : " بعثت أنا والساعة كهاتين " وانشقاق القمر من علاماتها لقوله : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ } [ سورة القمر ، الآية : ا ] وسيأتي بيانه ، وقوله : فكيف جواب الشرط ، وقوله : وحينئذ لا يفرغ له أي لا يتفرّغون للتذكر ، ولا ينفعهم إذا جاءتهم ، وفي قوله إذا إشارة إلى أنّ للشك في الأصل ، ومجيثها متيقن فهي بمعنى إذا ، والشك تعريضا بهم ،
وأنهم في ريب منها أو لأنها لعدم تعيين زمانها أشبهت المشكوك فيه ، وإذا جاءتهم باعتبار الواقع فلا تعارض بينهما كما توهم في النظرة الحمقاء ، ولا حاجة إلى القول بأنها متمحضة للظرفية ، وفيه إشارة إلى أنّ مجرّد جواز الوقوع كاف في التنبيه والتذكير قبل مجيئها فكيف مع القطع ، وقوله : لا يفرغ الخ فعل مجهول من الفراغ ، وهو المراد من الجواب وأنى لهم ذكراهيم مبتدأ ، وخبر وإذا جاءتهم اعتراض بينهما. قوله : ( أي إذا علمت سعادة المؤمنين الخ ) يعني أن هذه الفاء فصيحة في جواب شرط مقدر معلوم مما مرّ من أوّل السورة إلى هنا من حال الفريقين وقو!ء : فأثبت ا!خ إلثارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم !الم بوحدانيته فأمره مؤوّل بالثبات ، وهو أيضاً معلوم لكنه تذكير له بما أنعم الله عليه توطئة لما بعده ، وجعل الأمر بالاستغفار كناية عما يلزمه من التواضع ، وهضم النفس ، والاعتراف بالتقصير لأنه معصوم أو مغفور لا مصرّ ذاهل عن الاستغفار ، والتحقيق أنه توطئة لما بعده من الاستغفار لذنوب المؤمنين فتأمّل. قوله : ( ولذنوبهم ) تفسير لحاصل المعنى ، وتوطئة لما سيأتي وقوله ، والتحريض الخ فطلب الغفران على ما قبله الدعاء بالمغفرة وهو ظاهر لأنه طلب لها ، وعلى هذا طلب سبب المغفرة كأمرهم بالتقوى ، ونحوه وفيه جمع بين الحقيقة ، والمجاز وهو جائز عنده ، وقوله : وفي إعادة الجار الخ أي مع أن العطف على الظاهر لا يلزم فيه ما ذكر ، وقوله : وحذف المضاف هو ذنوب ، وقوله : إشعار بفرط احتياجهم لتعليق الاستغفار بذواتهم كأنها عين الذنوب ، وكثرتها من التعليق بالذات ، وعدم ذكرها ، وقوله : فإنّ الخ هذا هو الجواب في الحقيقة يعني أعيد الجار لأنّ ذنوبهم جنس آخر غير ذنب النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّ ذنوبهم معاص كبائر ، وصغائر وذنبه ترك الأولى ، وقوله : فإنّ الذنب تعريفه للعهد أي المذكور في الآية مضافاً للكاف ، وهو ما صدر عنه ، وفي عبارته نوع ركاكة لكن مرإده ظاهر. قوله : ( فإنها مراحل الخ ) بيان لوجه تخصيص المتقلب بمعنى محل الحركات بالدنيا فإنّ كل أحد دائما متحرّك فيها نحو معاده غير قار كما في الآخرة ، ولذا خص المثوى بالعقبى ، وهي الآخرة وبين وجهه أيضاً بقوله : فإذا دار إقامتكم وقوله : فاتقوا الله الخ إشارة إلى أنّ المراد من علم الله بممرّهم ، ومقرهم تحذيرهم من جزائه ، وعقابه على طريق الكناية. قوله : ( هلا الخ ) يعني لولا هنا تحضيضية لا امتناعية ، وقوله : مبينة لا تشابه فيها هذا هو أحد معاني المحكم ، وتكون بمعنى غير منسوخة وبه فسره الزمخشريّ لأنّ
آيات القتال كذلك إلى يوم القيامة ، وقوله : الأمر به فالأمر بالذكر ذكر خاص. قوله : ( وقيل نفاق ا لأنه اشعمل بمعناه في صفة المنافقين كما مرّ في سورة البقرة ، ومرضه هنا قيل لأنّ قوله الذين آمنوا يأباه لأنّ المنافقين كفرة فإن جعل بحسب ما يظهر من حالهم للناس بقرينة لعنهم بعده فلا بأس به ، والقول بأنه على تقدير الإفساد ، وقطع الرحم ، وأنّ الفسقة من غير تعيين قد يلعنون خلاف الظاهر فلا يصلح مرجحا فأعرفه ، وقوله نظر المغشيّ الخ شبه نظرهم بنظر المحتضر الذي لا يطرف بصره. قوله : ( فويل لهم ) تفسير للمراد منه ، وبيان لحاصل معناه ، وقوله : أفعل من الولي الخ اختلف فيه بعد الاتفاق على أنّ المراد به التهديد ، والوعيد على أقوال فذهب الأصمعي إلى أنه فعل ماض بمعنى قارب ، وقيل قرّب بالتفعيل كما سيأتي في سورة القيامة ففاعله ضمير يرجع لما علم منه أي قارب هلاكهم ، واكثر أنه اسم تفضيل من الولي بمعنى القرب ، وقال أبو عليّ : إنه اسم تفضيل من الويل(8/46)
ج8ص47
والأصل أويل فقلب فوزنه أفلع وردّ بأنّ الويل غير متصرف ، وأنّ القلب خلاف الأصل ، وفيه نظر وقد قيل إنه فعلى من آل يؤول كما سيأتي ، وقال ابرضي : إنه علم للوعيد وهو مبتدأ لهم خبره ، وقد سمع فيه أولاة بتاء تانيث ، وهو كما قيل يدل على أنه ليس بأفعل تفضيل ، ولا أفعل فعلى ، وأنه علم وليس بفعل بل مثل أرمل وأرملة إذا سمي بهما فلذا لم ينصرف ، ولا اسم فعل لأنه سمع فيه أولاة معربا مرفوعاً ، ولو كان اسم فعل بني ، وفيه أنه لا مانع من كون أولاة لفظاً آخر بمعناه فلا يرد شيء منه عليهم أصلا كما جاء أوّل أفعل تفضيل واسم ظرف كقبل ، وسمع فيه أوّلة كما نقله أبو حيان فلا يرد النقض به كما لا يخفى. قوله : ( الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه ) هذا إذا كان من الولي بمعنى القرب ، ومعنى يليهم يتصل بهم ويلزمهم ، وقوله : يؤول إليه أمرهم أي يرجع إلى المكروه ، وهذا إذا كان من آل فهو في الأصل دعاء عليهم بأن يرجع أمرهم إلى الهلاك ، والمراد أهلكم الله ففيه لف ونشر مرتب. قوله : ( استئناف ا لا متصل بما قبله على تقدير لهم طاعة على أحد الأقوال فيه ، وهو على هذا إمّا خبر مبتدأ مقدر أي أمرهم الخ أو مبتدأ خبره مقدر وهو خيراً وأمثل أو نحوه ، وإذا كان حكاية لقولهم قبل الأمر بالجهاد فلا يقدر فيه ، إلا بحسب الأصل أي أمرنا طاعة ، ونحوه ، وقوله : جد من الجد وهو الاجتهاد. قوله : ( وعامل الظرف محذوف ا لقيام قرينة السياق عليه ، وهو جواب إذا على القول بأنه هو العامل فيها ،
وتقديره ناقضوا ما مرّ عنهم أو نكصوا وجبنوا ، ونحوه وكذا إذا قيل العامل صدقوا لأنّ جملة فلو صدقوا جوابها ، ولا يضر اقترانها بالفاء ، ولا عمل ما بعدها فيما قبلها كما صرحوا به ، وقوله من الحرص الخ هو لف ونشر على تفسيري المرض السابق. قوله : ( فهل يتوقع منكم ( يعني أنّ الاستفهام يدخل على الخبر للسؤال عن مضمونه ، وعسى وإن كان إنشائياً مؤوّل بالخبر أي يتوقع ، وينتظر والمتوقع كل من يقف على حالهم لا الله تعالى إذ لا يصح منه تعالى ، وقوله : أمور الناس مفعول توليتم المقدر على أنه من الولاية ، ولذا فسره بقوله : تأمرتم من الإمارة وما بعده على أنه من التولي بمعنى الإعراض عن الإسلام بناء عى تفسير المرض الأوّل ، وعلى الثاني تفسير باً لإعراض عن امتثال أمر الله في القتال فالإفساد عدم معونة المسلمين ، وقطع الأرحام بذلك أيضا ، وقد مز ما له وما عليه ، وقوله : تناحرا بالحاء المهملة تفاعل من النحر بمعنى الذبح ، والمراد به التخاصم الشديد والحرص ، وهو منصوب على أنه مفعول له أو ظرف على معنى في ، والتغاور بالغين المعجمة تفاعل من الغارة. قوله : ( والمعنى ( يعني على المختار في تفسير المرض ، وحرصهم على الدنيا من قوله نظر المغشي الخ ، وقوله : يتوقع إشارة إلى تأويله بالخبر ، وقوله : من عرف إشارة إلى أنه لا يصح على اللّه فهو مؤوّل بهذا وقوله : لغة الحجاز هي إلحاق الضمائر به كما في سائر الأفعال المتصرفة ، وتميم لا تلحقها به ، وتلتزم دخولها على أن ، والفعل فعلى الأوّل يقال الزيدان عسيا أن يقوما ، وعلى الثاني كسى أن يقوما. قوله : ) وإن توليتم اعتراض ( هذا هو الظاهر ، والجواب محذوف يدلّ عليه ما قبله ، وهو أظهر من الحالية التي توهمها بعضهم أولى فإنّ الشرط بدون الجواب لم يعهد وقوعه حالاً في غير أن الوصلية ، وهي لا تفارق الواو ، وقوله : توليتم أي مجهولاً ، وقوله : تقطعوا من القطع معطوف على توليتم أي قرئ من الثلاثي أو من التفعل ، وهو لازم ، وأرحامكم منصوب بنزع الخافض أي في أرحامكم ، وقراءة الأصل من التفعيل وقوله : سبيله أي إلى لممبيله. قوله. ( يتصفحونه ( التصفح التاً مّل لا مطلق النظر كما في القاموس فإنه غير
مناسب هنا ، وما فيه الخ عطف تفسير لأنّ المراد بتأمّله تأمّل ما فيه مما ذكر فإن قلت لم غاير بين الفعلين ولم يقل أصمّ آذانهم أو أعماهم قلت : لأنه إذا ذكر الصمم لم يبق حاجة إلى ذكر الآذان ، وإن كان مثله يضاف إلى العضو ، والى صاحبه فيقال عىب زيد ، وعينه ومثله لا يكفي في بيان النكتة كما توهم لأنّ السؤال باق وأمّا العمى فلشيوعه في البصر ، والبصيرة حتى قيل إنه حقيقة فيهما فإذا كان المراد أحدهما حسن تقييده ، وما قيل لا يلزم من ذهاب الأذن ذهاب السماع فلذا لم يتعرّض له ، ولم يقل أعماهم لأنه لا يلزم من ذهاب الأبصار من العين ذهاب الأبصار لا معنى له ، ولا طائل تحته. قوله : ( لا يصل إليها ذكر الخ ( يعني(8/47)
ج8ص48
إنه تمثيل لعدم وصول التذكير ، وانكشاف الأمور ، ولكونه في قوّة ما ذكر تكون أم واقعة بين متساويين كأنه قيل : أفلا يتدبرون القرآن إذ وصل لهم أم لم يصل لهم فتكون أم متصلة على مذهب سيبويه ، وهو الظاهر لا أنه بيان لما يتفرع على أفعال القلوب ، ولذا قال بعده ، وقيل أم منقطعة الخ إشارة إلى ترجيح الاتصال بالتأويل المذكور ، وقوله : ومعنى الهمزة لتقديرها ببل ، وهمزة عند الجمهور. قوله : ( قلوب بعض منهم ( بمن التبعيضية إشارة إلى أن تنكيره للتبعيض أو التنويع كما قيل ، وقيل إنه اسم مفعول من الإبهام صفة بعض لا جار ، ومجرور ، وإن كان هو المتبادر لأنّ تعريف القلوب سواء كان باللام أو الإضافة يفيد كون المراد قلوب بعض منهم ، وأنما الفرق بين تعريفها ، وتنكيرها بالتعيين ، والإبهام ولا يخفى أنه لا فرق بينه ، وبين ما يليه ، وقوله : لإبهام أمرها في القساوة أي لشدته حتى كأنه لا يمكن معرفته ، والوقوف على حقيقته فيها وقوله ، ونكرها أي كونها منكرة من بين القلوب لا تناسب شيئاً منها حتى لا تعد من القلوب ، وتوله كأنها الخ لف ونشر مرتب فمبهمة ناظر لإبهام أمرها ، ومنكرة لفرط جهالتها ونكرها ، وقيل إنّ فرط جهالتها سرى إليها فكانت مجهولة ، ولا يخفى ما فيه من التكلف من غير داع ، وليس في الكلام ما يدلّ عليه. قوله : ( وإضافة الأقفال الخ ( يعني أنّ القلوب لا أقفال لها في الحقيقة كالأبواب ، والخزائن ، والصناديق فكان ينبغي أن لا تضاف لها فأجاب بأن المراد بها ما يمنع الوصول إليها مجازاً ، وهو أمر خاص بها فلذا أضيفت لها ليفيد ذلك ا الاختصاص المميز لها عما عداها ، وللإشارة إلى أنها لا تشبه الأقفال المعروفة إذ لا يمك! فتحها أبداً ، وقوله : على المصدر بكسر الهمزة على الأفعال. فوله : ) إلى ما كانوا عليه الض ( تفسير لقوله : على أدبارهم لأنه بمعنى الرجوع إلى خلف ، والسول بفتحتين كما هو بف!مط
القلم في النسخ الاسترخاء استعير للتسهيل أي لعده سهلا هينا حتى لا يبالي به كأنه شبه بإرخاء ما كان مشدودا. قوله : ( وقيل حملهم على الشهوات ) يعني أن التفعيل للحمل على معنى المصدر كغرّبه إذا حمله على الغربة فسوّله حمله على سؤله ، وهو ما يشتهيه ويتمناه فالسؤال بمعنى المسؤول ، وما ذكره توطئة لما ذكره الزمخشري لا توجيه للاشتقاق ، ودفع للاعتراض كما توهم ، واليه أشار بقوله ، وفيه أن السول الخ يعني أنّ السؤل بمعنى المتمني المسؤول من السؤال فهو مهموز والتسويل واوي فكيف يصح ما ذكر ، والحاصل أنه لا يناسبه لا لفظا ، ولا معنى فإنّ هذا واوي ، وذاك مهموز ، والتسويل التزيين ، والمسؤول المشتهي ، والمتمني فقول ابن السكيت أنه مشتق منه خطأ. قوله : ( ويمكن رده بقولهم هما يتساولان ( يعني أنّ السول من السؤال! ، وله استعمالان فيكون مهموزاً ، وهو المعروف ومعتلا يقال : سال يسال كخاف يخاف ، وقالوا : منه يتساولان بالواو فيجوز كون التسويل من السول على هذه اللغة أو هو على المشهورة خفف بقلب الهمزة واوا ثم التزم تخفيفه ، وكم من عارض يلتزم ويستمرّ حتى يصير كالأصليّ كما قرّروه في تدير وتجيز ، وفي جمع عيد على أعياد إلى غير ذلك من نظائره ، وأمّا عدم المناسبة المعنوية فأشار إليها المصنف أوّلاً بقوله : حملهم على الشهوات فعلى هذا القول يكون هذا معناه ، وهو صحيح واضح ، وقوله : وقرئ سوّل أي ببناء المجهول ، والتوجيه ما ذكر ، ويحتمل تقديره سول كيده فحذف ، وقام الضمير مقامه فارتفع قيل ، وهو أولى لأنه تقدير في وقت الحاجة. قوله : ( ومدّ لهم في الآمال والأماني ) بالتخفيف ، والتشديد ومعنى المد فيها توسيعها ، وجعلها ممدودة بنفسها أو زمانها بأن يوسوس له بأنك تنال! في الدنيا كذا ويكون ذلك في الآخرة ، ونحوه مما لا أصل له حتى يعوقه عن العمل ، وقوله : أمهلهم الله على أنّ الفاعل ضمير عائد على اسمه تعالى ، ولما فيه من التفكيك أيده بقراءة يعقوب أملى بصيغة المضارع المتكلم فإنّ ضميرها لله بلا مرية ، والأصل توافق القرا آت إلا أن يجعل مجهولاً من مزيده سكن آخره للتخفيف كما قيل. قوله : ( فتكون الواو للحال ) يعني في قراءة يعقوب ، ويقدر له مبتدأ لئلا يكون شاذاً كقمت ، وأصك وجهه ، ويحتمل أنه على تقدير عود الضمير دلّه أيضاً ، وقوله : وهو أي المفعول القائم مقام الفاعل ففيه استخدام ، والمعنى أمهل الشيطان لهم أي جعل من
المنظرين إلى يوم القيامة لأجلهم ففيه بيان لاستمرار ضلالهم ، وتقبيح حالهم لا وجه لما قيل إنه لا معنى له ، وقوله : أو لهم أي القائم مقامه لفظ لهم(8/48)
ج8ص49
وهو الجار والمجرور ، والمعنى مذ لهم في أعمارهم. قوله : ( في بعض أموركم ) أي شؤونكم ، وأحوالكم فالأمر واحد الأمور ، وقوله : أو في بعض الخ على أنه واحد الأوامر ضد النهي ، وقوله : كالقعود الخ قيل إنه لف ونشر على ترتيب الوجوه الثلاثة في تفسير الذين ، وفيه بحث ظاهر ، وقوله في الخروج الخ إشارة إلى قوله تعالى : { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ } [ سورة الحشر ، الآية : 11 ] وقوله : والتظافر في بعض النسخ بالظاء المشالة المعجمة تفاعل من الظفر ، وهو الغلبة ، وفي بعضها بالضاد المعجمة ، وهو قريب منه إذ معناه التعاون ، والتعاضد ومنه المضفيرة في الشعر لالتفاف بعضها ببعض ، وقوله : أفشاه أي أظهره لتفضيحهم. قوله : ( فكيف يعملون ويحتالون ) فبعده فعل مقدر أو التقدير كيف حالهم ، وقوله : ألمحذوف إحدى تاءيه فأصله تتوفاهم وقوله : تصوير الخ بيان لفائدة قوله : يضربون الخ ، وهي جملة حالية يعني أنّ هذا التقييد تصوير ، وابراز له بما يخافون منه ، ويجتنبون عن القتال ، والجهاد لأجله فإن ضرب الوجو. ، والأدبار في القتال ، والجهاد مما يخشى ، ويجتنب. قوله : ( ذلك إشارة إلى التوفي الخ ) ولما كان اتباع ما أسخط مقتضياً للتوجه له ناسب ضرب الوجه ، وكراهة رضوانه مقتضية للإعراض ناسب ضرب الدبر ففيه مقابلة بما يشبه اللف ، والنشر وقوله من الكفر ، وكتمان الخ على أن القائلين اليهود ، وقوله : وعصيان الأمر على أنهم المنافقون ويندرج فيه الوجه الأخير ، وكذا قوله ما يرضاه من الإيمان الخ. ففيه لف ونشر على الترتيب ، وقوله : لذلك إشارة إلى ما تفيد. الفاء في قوله : فأحبط من تفرّعه على ما قبله ، واحباط العمل بالكفر مما لا خلاف فيه ، وأنما الكلام في الإحباط بالكبائر كما هو مذهب المعتزلة ، وتفصيله في الكلام ، وفي الكشاف ، وشروحه هنا. قوله : ( يبرز ) أي يظهر ، وفسر. به لاختصاص الخروج بالأجسام ، والحقد العداوة لأمر يخفيه المرء في قلبه ، وقوله : لعرّفناكهم إشارة إلى أنّ الرؤية علمية ، ولو جعلت بصرية على أن
المعنى تعرفهم معرفة متفرعة على رؤيتهم جاز ، وقد كانت في الأوّل متفرّعة على تعريف الله فلا يقال عطف المعرفة عليه يقتضي أنها بصرية. قوله : ( بعلاماتهم ) إشارة إلى أنه في معنى الجمع لعمومه بالإضافة لكنه أفرد للإشارة إلى أنّ علاماتهم متحدة الجنس فكأنها شيء واحد ، وقوله : جواب قسم محذوف ، والجملة معطوفة على الجملة الشرطية ، وأنما جعله جواب قسم للتأكيد لأنه يحسن في جواب القسم دون جواب لو. قوله : ( ولحن القول أسلوبه الخ ) يعني أنه أسلوب من أساليبه مطلقا أو المائلة عن الطريق المعروفة كأنه يعدل عن ظاهره من التصريح إلى التعريض ، والإبهام ، ولذا سمي خطأ الإعراب به لعدوله عن الصواب وليس من استعمال المطلق في المقيد كما قيل لأنه حقيقة عرفية فيه إلا أن يريد في غيره ، أو في أصله ، وما ذكر تمثيل لا حصر حتى يقال إن ما في الكشاف ما يشمل الكناية بأقسامها ، والتلميح أولى مع أنه محل نظر. قوله : ( فيجازيكم على حسب قصدكم ) لأنّ ذكر علمه يكون كناية عن مجازاته كما مرّ ، والمجزى عليه ما قصده ، ونواه في كلامه ، وسائر أفعاله لا ما عرّض أو ورّى به ، وقوله : " إذ الأعمال " الخ هو من الحديث الصحيح المشهور ومعنى كونها بالنيات أنه يجازي عليها بحسب النية ، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم : " وإنما لكل امرئ ما نوى وليس أحدهما انسب من الآخر في هذا المقام " كما قيل. قوله : ( بالأمر بالجهاد ) كما يدلّ عليه نعلم المجاهدين ، وسائر التكاليف الخ من قوله الصابرين فلذا قدره ليقابل ما بعده ، وقوله : على مشاقها أي التكاليف. قوله : ( ما يخبر به الخ ) على أنّ المراد مطلق ما يخبر به عما عملوه ، ولما كان البلاء يناسب الأعمالط قيل الأحسن أن يجعل كناية عن بلاء الأعمال ، وإن كان حسن الخبر ، وقبحه باعتبار ما أخبر به عنه فماذا تميز الخبر الحسن عن القبيح فقد تميز المخبر به عنه ، ويصح أن يريد الكناية مما ذكر أو المراد ما يخبر به عن الإيمان ، والموالاة على أنّ إضافته للعهد ، وقوله على تقدير ونحن نبلو
على أنه مستأنف ، وهم يقدرون فيه مبتدأ كما مرّ ، ويصح أن يكون منصوبا سكن للتخفيف وهو خلاف الظاهر ، وقوله : قريظة أي بنو قريظة والنظير قبيلتان من اليهود الذين كانوا حوالى المدينة ، والمطعمون مرّ تفسيرهم وتعيينهم ، ويوم بدر وقعته ، وأيام العرب شاعت في الوقائع ، وتبين الهدى لهم علمهم يصدق الرسول في وما جاء به(8/49)
ج8ص50
بإعجاز القرآن ، ومعجزاته كما كانوا يقرون به فيما بينهم.
قوله : ( وحذف المضاف ) ، وهو رسوله لتعظيمه بجعل مضرّته ، وما يلحقه كالمنسوب دثه
فيدل على التعظيم باتحاد الجهة ، وكذا التفظيع أي عده فظيعا عظيماً مهولاً حيث نسبه إلى الله ظاهراً ، وقوله : وسيحبط السين للاستقبال لأنه في القيامة أو هي لمجرّد التأكيد على أنها حابطة الآن أي باطلة ، وبين أنّ المراد ببطلانها عدم ترتب الثواب عليها ، وقوله : بذلك أي الصدّ والكفر ، والشقاق ، ولا تثمر لهم إلا القتل كما وقع لبني قريظة ، وأكثر قريش من المطعمين أو الجلاء كما وقع لبني النصير. قوله : ( بما أبطل به هؤلاء الخ ) توطئة للردّ على الزمخشري حيث استدلّ بالآية على مذهبه من أنّ الكبيرة الواحدة تبطل مع الإصرار الأعمال ، ولو كانت بعدد نجوم السماء بأنه لا دليل فيها لأنه لما نهاهم عن إبطال الأعمال بعد الأمر بطاعة اللّه ، ورسوله دلّ ذلك على أنّ المراد بالمحيط عدم طاعته ظاهراً أو باطنا بالكفر والنفاق ، وهو ليس بمحل اختلاف أو المراد ب!بطال أعمالهم تعقيبها بما يبطلها كتعقيب العمل بالعجب به أو الصدقة بالمن ، والأذى لأنه المتبادر منه ، وللتصريح به في آيات ، وآثار آخر فيحمل عند الإطلاق عليه كما أشار إليه في الكشف فلا وجه لما قيل لا دلالة في النظم على إحباط أعمال هؤلاء بمثلى العجب والرياء والمن ، والأذى فتدبر ، وقوله : وليس فيه دليل أي كما زعمه الزمخشري. قوله : ( عام في كل من مات الخ ) هذا إنما يتمشى إذا أريد بالصذ عدم الدخول في الإسلام كما مرّ في أوّل السورة والا فالعموم مع التخصيص به محل نظر ، والقليب بئر طرح فيها قتلى بدر من المشركين ، والدلالة بالمفهوم المذكورة بناء على مذهبه في الاستدلال به. قوله تعالى : ( { فَلَا تَهِنُوا } ) الفاء فصميحة في جواب شرط مفهوم مما قبله أي إذا علمتم أنه تعالى مبطل أعمالهم ، ومعاقبهم فهو خاذلهم في الدنيا ، والاخرة فلا تبالوا بهم ولا تظهروا ضعفا ، وقوله :
ولا تدعوا إشارة إلى أنه مجزوم بالعطف على النهي ، والخور بخاء معجمة وواو مفتوحة ، وراء مهملة بزنة حسن ضعف القلب ، واظهار العجز. قوله : ( ويجوز نصبه بإضماو أن ) بعطف المصدر المسبوك على مصدر متصيد مما قبله كقوله :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
وقوله : ولا تدعوا أي بالتشديد فإنه يقال : اذعوا بمعنى دعوا كما مرّ واعادة لا هو ما في الكشاف ، وما قيل إنها قراءة السلمي ، ولم يعد فيها لا محل نظر فانها قراءة شاذة وقد يكون مثله رواية فيها ، أو شهادة النفي غير مسموعة. قوله : ( الأغلبون ) فانّ العلوّ بمعنى الغلبة مجاز مشهور ، وقوله : ناصركم فإنه لا يتصوّر في حقه المعية الحقيقية فيحمل في كل مقام على ما يلائمه. قوله تعالى : ( { وَلَن يَتِرَكُمْ } الخ ) قيل إنه معطوف على قوله معكم ، وهي وإن لم تقع استقلالاً حالاً لتصديرها بحرف الاسنقبال المنافي للحال كما صرّح به النحاة لكنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره فإن عطف على الجملة المصدرة بحرف الاستقبال فلا إشكال قيل ، والمانع في مثله مخالفته للسماع ، والا فلا مانع من كونها حالاً مقدّرة أو تجرّد لن لمجرّد النفي المؤكد ، وفيه بحث. قوله : ( ولن يضيع أعمالكم ) بيان لمحصل المعنى المراد مته ، وحقيقته أفردته ممن قرب منه بصداقة أو قرابة نسبية كما بينه المصنف أخذاً من الوتر بمعنى الفرد أي جعلته ، وترا منه فهو متعد لمفعولين لتضمينه معنى السلب ، ونحوه مما يتعذى لاثنين بنفسه ، وفي الصحاح إنه من الترة ، وانه محمول على نزع الخافض كأنه نقضه منه أو هو نظير دخلت البيت ، وهو سديد أيضاً ، ويجوز أن يكون متعديا لواحد ، وأعمالكم بدل من ضمير الخطاب أي لن يفرد أعمالكم من ثوابها ، وكلام المصنف محتمل لما ذكر ، وهو أقرب لتعديه لواحد. قوله : ( من قريب أو حميم ) أي صديق بيان لقوله متعلقا بزنة المفعول ، وقوله : من الوتر بفتح الواو مصدر ، وبجوز كسرها والأول هو الأصح ، وقوله : شبه به أي بالوتر إشارة إلى أنّ الاستعارة تبعية وقع التشبيه ، والتصرّف في المصدر فشبه تعطيل العمل عن الثواب بالوتر أي قتل من ذكر ، ويلزمه بطريق التغ تشبيه آخر ، وقد جوّز فيه المكنية بأن يشبه العمل بلا ثواب بمن قتل قريبه ، وحميمه ويتركم تخييلية ، وقرينة لها ، وتعطيل الثواب عدم ترتبه على العمل ، وقوله : وأفراده عطف تفسير على تعطيل. قوله : ( جميع أموالكم ) إشارة إلى إفادة الجمع المضاف للعموم ، وهو معطوف على الجزاء ، والمعنى أن تؤمنوا لا يسألكم الجميع أي(8/50)
ج8ص51
لا
يأخذه منكم كما ياخذ من الكفار جميع أموالهم ، ولا يخفى حسن مقابلته لقوله : { يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ } أي يعطيكم كل الأجور ويسالكم بعض المال ، وقوله : كربع العشر إشارة إلى الزكاة ، وما فصلى فيها. قوله : ( فيجهدكم الخ ) أي يشق عليكم طلبه للكل ، واستأصله أخذ أصله وهو كناية عن أخذ الجميع ، وقوله : فلا تعطوا إشارة إلى أنّ المراد من البخل عدم الإعطاء إذ هو أمر طبيعيّ لا يترتب عليه السؤال ، وقوله : ويضغنكم أي يوقعكم في الضغن ، وهو الحقد ، والضمير في يخرج لله أو للبخل أو للسؤال ولا بعد فيه ، وقوله : لأنه سبب الخ فالإسناد مجازيّ. قوله : ( أي أنتم مخاطبون ) وفي نسخة إنكم إشارة إلى أنّ ها مكرّرة للتأكيد داخلة على المبتدأ المخبر عنه باسم الإشارة ، وقوله : الموصوفون أي بما تضمنه أن يسألكموها الخ فإنّ الإشارة تفيده كما مرّ تحقيقه في أولئك هم المفلحون فتذكره يعني أنّ هؤلاء المخاطبين هم الذين إذا سئلوا لم يعطوا وأنهم المفتضحون ، وجملة تدعون الخ. مستأنفة مقرّرة ، ومؤكدة لاتحاد محصل معناهما فإنّ دعوتهم للإنفاق هو سؤال الأموال منهم ، وبخل ناس منهم هو بمعنى عدم الإعطاء المذكور مجملا أولاً. قوله : ( أو صلة لهؤلاء ) هكذا في الكشاف ، وهو مذهب كوفيّ ، ولا يكون عند البصريين اسم إشارة موصولاً إلا إذا تقدّمه ما الاستفهامية كماذا باتفاق أو من الاستفهامية باختلاف فيه ، وقوله : وهو يعم الخ لأنّ معناه إنفاق مرضيّ لله مثاب عليه مطلقا فيشمل كل ما كان كذلك كالنفقة للعيال ، والأقارب واطعام الضيوف ، وليس مخصوصاً بالغزو كما يتبادر مته ، ولذلك صرح به المصنف ، وقوله : ناس يبخلون إشارة إلى أنّ من تبعيضية ، وقوله : كالدليل لم يجعله دليلاً لما يلزمه ظاهرا من إثبات الشيء بنفسه لأنه مقرّر له كما مرّ ، ووجه كونه كالدليل لأنّ الناس ، وكل جماعة منهم من يجود ، ومن يبخل. قوله : ( والبخل يعدى بعن وعلى ) والثاني هو المشهور فيه ، وقوله : لتضمنه إن أراد بالتضمن كونه في ضمن معنا. الوضعي فهو على حقيقته ، وإن أراد التضمن المصطلح يجري فيه الأقوال السابقة ، والظاهر هو الأوّل ، والمعنى أنه يمسك الخير عن نفسه أو نحوه مما يناسب مقامه ، وقوله : فما يأمركم الخ بيان لأنّ هذه الجملة مبينة مقرّرة لما قبلها ، وقوله : ثم لا يكونوا الخ ، ثم للتراخي
حقيقة أو لبعد الرتبة عما قبله لأنّ الظاهر توافق الناس في الأحوال ، والميل إلى المال ، والزهد إذا تعدى بفي فمعناه الترك ، والإعراض كما هنا. قوله : ( لآنه سئل الخ ) حديث صحيح رواه الترمذي وغيره ، وهو على شرط مسلم قال الشارح المحقق : حمل القوم على الملائكة بعيد في الاستعمال ، وأمّا الحديث بعده فموضوع كنظائره ، ثم مناسبة أوّل هذه السورة ، وآخرها لما بعدها ظاهر منتظم غاية الانتظام فالحمد دلّه على حسن الختام ، وعلى أفضل أنبيائه وأصحابه الكرام أفضل صلاة وسلام يتحلى بهما جيد الليالي ، والأيام.
سورة الفتح
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مدنية ) قيل بلا خلاف وفيه نظر ، وقيل : إنها نزلت بجبل قرب مكة يسمى ضجنان بضاد معجمة وجيم ونونين بزنة سكران ، وقوله : نزلت في مرجع الخ قيل إنه خص هذه السورة ببيان وقت نزولها ، وليس من دأبه ، ولم يجر مثله في غيرها لدفع توهم كونها مكية لأنه صلى الله عليه وسلم كان بنواحي مكة وقت نزولها سوأء قلنا المدنيّ ، والمكيّ بمعناه المشهور أولاً لا سيما وقد ذكر في الهداية أنّ بعض الحديبية من حرم مكة فلو لم يذكر أنّ نزولها بعد الرجوع ربما توهم أنها مكية على أحد الأقوال فيه ، والخطب فيه هين. قوله تعالى : ( { إِنَّا فَتَحْنَا } الخ ( أكده بأن والمخاطب هو النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولا يتوهم منه تردّد ، ولا إنكار فيما أخبره الله به لأنّ التأكيد لا يلزمه ما ذكر فقد يكون لصدق الرغبة فيه ، ورواجه عنده كما صرّح به التفتازاني مع أنه قد يجعل غير السائل كالسائل المتردد لوجوه لا تحصى ، وأيضا التردّد لا يلزم أن يكون ممن ألقى إليه الكلام سواء كان تردّدا في وقوعه أو في تعيين زمانه كما وقع لعمر رضي الله عنه هنا. قوله : ( وعد ) الوعد(8/51)
ج8ص52
مخصوص بالخبر ، وقد يرد لغيره مقيداً ، وهو حقيقة أو مجاز على اختلاف فيه ، وظاهر عطفه الإخبار عليه أنه عنده إنشاء ، وقد مرّ في سورة الأنعام ما يخالفه وفيه اختلاف قيل ، والكلام فيه مضطرب فإن قلنا إنه خبر عما يأتي تقيد قوله إخبار بأنه عما مضى حتى يصح التقابل ، ثم إنه أورد على أنه إنشاء أنّ الإنشاء منحصر في الطلبي ، والإيقاعي وليس واحداً منهما أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ مجرّد قولك !رمنك لا يقع به الإكرام ، ولا يحصل ، وقيل أصله إنشاء لإظهار ما في النفس مما يسر المخاطب ، وما تعلق به وهو الموعود خبر كما قيل كان لإنشاء التشبيه ، وهذا كله ناشئ من عدم فهم المراد منه فإن قيل المراد إكرام في المشقبل فهو خبر بلا مرية ، وإن قيل معناه العزم على إكرامه ، وتعجيل المسرة له بإعلامه فهو إنشاء فتدبر 0 قوله : ( والتعبير عنه بالماضي لتحققه ) هذا وجه الشبه المصحح والمرجح فإن أخباره تعالى كلها كذلك فهو لتسلية المؤمنين ، وتعجيل مسرة البشارة بما هو محقق ، ثم إنه على هذا استعارة تبعية ، وقد قال السيد استعارة الفعل على قسمين أحدهما أن يشبه مثلاً
الضرب بالقتل ، ويستعار له اسمه ، ثم يشتق منه قتل بمعنى ضرب ضربا شديدا ، والثاني تشبيه الضرب في المستقبل بالضرب في الماضي في تحقق الوقوع فالمعنى المصدري موجود في كل من الطرفين لكنه قيد بقيد يغاير الآخر فصح لذلك اهـ ، وقال بعض الأفاضل : يجوز أن يكون اشعارة الماضي للمستقبل تبعية بتشبيه الزمان المستقبل بالزمان الماضي في الظرفية لأمر محقق فلا حاجة إلى تكلف ما التزموه من تصحيحه بتقييد المصدرين بقيدين متغايرين كما مرّ فاكتفوا فيه بالتغاير الاعتباري دون الذاتي المعروف في أمثاله ، وقال بعضهم : الداعي له أنّ الزمان مدلول الهيئة ، وهي ليست بلفظ ، والاستعارة تجري في الألفاظ ، وهو ليس بصحيح فإنّ الخبر إذا استعمل مجازاً في الإنشاء كان التصرّف في الهيئة بلا كلام فما زعمه دليلاَ ليس بشيء ، ثم إنّ المجاز المرسل في الأفعال لا يسمى تبعياً كما يعلم مما وجهوه فلا وجه للتوقف فيه ، وأنما أرخينا عنان البيان هنا تبعاً لبعض علماء العصر ، وتتميما للفائدة. قوله : ( أو بما اتفق له الخ ) قيل الظاهر تأخير التعليل ، وهو قوله لتحققه عن قوله وفدك لأنه يعم الوجهين ، وترك لفظ عنه ( أقول ) هو غفلة منه فإنهما وإن اشتركا في المجازية نوعان مختلفان فلا يصح نظمهما في سلك واحد إذ الأوّل استعارة ، والثاني مجاز مرسل ، وهو مجاز المشارفة أو الأوّل فإن أردت تفصيله فانظره في أنواع المجاز من الاتقان ، وفي الباب الثامن من المغني فللّه درّ المصنف ما أبعد مرماه وأدق نظره ، وفي الكشاف عدة له بالفتج ، وجيء به على لفظ الماضي على عادة رب العزة سبحانه في أخبار. لأنها في تحققها ، وتيقنها بمنزلة الكائنة الموجودة كأنه قال يسرنا لك فتح مكة اهـ ، وأورد عليه أنه على رأي أهل السنة ظاهر لأنه إخبار بإيجاد الفتح ، وتحصيله للرسول صلى الله عليه وسلم بل وقوعه بلفظ الماضي فكان وعداً به على أبلغ وجه ، وأمّا على رأيه فدونه خرط القتاد لقوله الفتح الظفر بالبلد عنوة أو صلحا بحرب أو بغيره ، وهو من أحوال البشر التي يمتنع إسنادها لضميره تعالى فيجب المصير إلى جعله مجازاً عن تيسيره ، واقامة المسبب مقام السبب كقوله تعالى : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ } [ سورة النحل ، الآية : 98 ] وقد بينه حيث قال كأنه قال الخ فالظاهر حمله على التيسير أي التسهيل الحاصل وقت الإخبار لا الوعد بالفتح المتوقع فإنّ موسى عليه الصلاة والسلام سأله تعالى بقوله : يسر لي أمري أن يسهل أمره ، وهو خلافته في أرضه ، وما يصحبها كما مرّ ، وقد أجيب إليه في موقف الدعاء بقوله : قد أوتيت سؤلك يا موسى ، ولم يباشره بعد وحمله على الوعد بإيتاء السؤل له مع كونه خلاف الظاهر لا يجدي فيما نحن فيه إذ غايته كونه عدة بالتيسير المقارن للفتح لا عدة بالفتح نفسه إلا أن يكتفي بالعدة الضمنية المفهومة من تلك العدة أو من الأخبار السابق بالتيسير ( أقول ) الإسناد هنا مجازي من إسناد ما للقابل للموجد عندنا لأنه الفاعل الحقيقي لغة عند أهل اللسان وإن كان الفاعل في نفس الأمر هو الموجد كما زعمه المعتزلة فالإسناد مجازيّ عندنا ، وعندهم فأشار العلامة إلى جهة التجوّز في الإسناد بقوله كأنه الخ ، وليس بيانا للتجوّز في الفتح على أنه بمعنى التيسير كما
توهمه وإن كان مجازا مرسلا لا استعارة كما صرّح به ، وليس مثله إلا من قلة التدبر ، وسوء الظن بالسلف قال(8/52)
ج8ص53
الأبهرقي في حاشية العضد الفاعل يجب أن يكون قابلا لفعله فإذا خلق الله شيئا في محل يقوم به يسند ذلك الشيء إلى محله ، وإن لم يكن له مدخل في التأثير لا إليه تعالى الخ ما فصله فالعلامة مشى على الحق فيه فزعمه أنه ظاهر على رأي أهل السنة ظاهر البطلان ، وكذا قوله الفتح عبارة عن التيسير ، وما فرّعه عليه ، وفدك بفاء مفتوحة ، ودال مهملة مفتوحة ، وكاف بلدة معروفة بخيبر ، وقوله : لأنها في تحققها إلى قوله وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علوّ شأن المخبر ما لا يخفى قيل أي في مجيء المستقبل بصيغة الماضي لتنزيله منزلة المحقق ما لا يكتته كنهه لأنّ هذا الأسلوب إنما يرتكب في أمر عظيم لا يقدر على مثله إلا من له قهر وسلطان ، ولذا ترى أكثر أخباى ه على هذا النهج ( أقول ( هـ! فهمه من أنّ فخامته لا تستعمل إلا في أمر عظيم ليس كذلك ، إذ اللازم تحقق الوقوع ، ولذا لم يعرّج عليه أحد من شرّاحه فالوجه أنّ الفخامة لدلالته على كمال العلم وجلالة القدر حيث استوى عنده الحال ، والاستقبال فيقع ما أراده البتة بن غير مانع لقضائه أو تردّد في إمضائه كما قيل ، وما قيل عليه من أنّ الأخبار بفعل حادث يدل على علم المخبر بوقوعه الدال على قدرة فاعله قطعاً فإن كان ذلك قد وقع يكون مدلول الخبر مجرّد علم المخبر ، وقدرته إن كان الفعل مسنداً إليه وقدرة غيره إن أسند للغير ، وإن كان مستقبلاً لم يقع بعد فإن سيق على نهجه فما دل عليه الخبر من العلم أكمل من الأوّل لابتنائه على معرفة المباديء ، والدلائل إن لم يكن ناشئا عن عادة فاشية أو قرائن غير خافية ، وإن صرف عن نهجه ، وأورد على لفظ الماضي ، ولم يكن المراد تقريب المدة ولا الوقوع منوطا بالعادة أو المقدمات المعتادة فمرتبة العلم أعلى من الأوّل من حيث إنه ينبئ عن قوّة وثوق المخبر بالوقوع بحسب إحاطته بتعاضد الأسباب ، والدلائل ، وحال القدرة في الصور الثلاث واحدة هذا فيما يكون المخبر يجري عليه الزمان فإنه لا يعلم من الأزمنة ، وما فيها من الحوادث يقيناً إلا ما دخل تحت الوجود بالفعل لأن في غيره لا يؤمن احتمال الخطا في ترتيب مباديه اللائقة ، والمدافعة من الأموو العائقة وأمّا إذا كان المخبر هو العليم الخبير ، والمخبر به فعل مستقبل عبر عنه بلفظ الماضي يدل ذلك حتما على كمال علمه تعالى لابتنائه على كمال إحاطته بجميع أحوال الوجود ، وأحوال كل موجود ، وتفاصيل المبادي المؤدّية إلى ذلك ، وعلى أنّ الحال ، والاستقبال بالنسبة إليه سيان ، وما سيكون كما قد كان ، ثم إن كان الفعل مسندا له تعالى كما هنا أو متعين الإسناد له كقضي بينهم دل على كمال قدرته أيضاً لإيذانه بأنه لا يتخلف عنه مقدور ، ولا يستعصي عليه أمر من الأمور فكلما أراد وجد ، وأما المسند لغيره كنادى أصحاب الجنة فالدلالة على كمال العلم ، وهو كاف في الفخامة ، والدلالة على علوّ شأن المخبر أمّا كمال القدرة فلا لما عرفت أنه إنما يدلّ على قدرة الفاعل لا المخبر فضلاً عن كمالها ، وإسناد جميع الأفعال من حيث الخلق إليه تعالى وإن لا تأثير للقدرة
الحادثة ، وإن أغضينا عن مخالفة زعم المصنف المستفاد من مباد أخر فلا دلالة للخبرمن حيث هو عليه ، ولا للتعبير المذكور قطعاً ، والاعتذار بأن كمال العلم المتعلق بفعل الخبر إنما يكون بامتناع عدم مطابقة الخبر للواقع قطعاً ، وذلك إنما يتحقق بانسداد جميع أنحاء عدم ذلك الفعل ، ولا يتصوّر ذلك مع إمكان تعلق قدرة الفاعل بعدمه إلا بأن تكون جميع القوى ، والقدر مقهورة لقدرته ، وذلك معنى كمالها فما دل على كمال علمه دل على كمال قدرته غلوّ في الاعتساف ، وما ذكره السعد إنما يستقيم فيما أسند الفعل فيه إليه تعالى كما هنا ولعله جعل ذلك إشارة إلى ذلك ، وليس كذلك أو اكتفى في تحقق الدلالة المذكورة في المطلق فتحققها في بعض الصور أي ما أسند له تعالى ( أقول ) ما ذكره وإن تراءى في بادئ النظر غير وارد لأنّ كمال القدرة أشار المحقق لتفسيره بقيد الحيثية ، وأوضحه بما يقطع عرق الشبهة بقوله : بحيث الخ يعني أنّ كمال القدرة هنا باعتبار أنّ شيئا لا يتخلف عن مراده سواء كان فعلاً له بالذات أو لا ودلالته على ذلك ظاهرة أمّا عندنا فلقدرته على إيجاده في أيّ زمان أراد بحيث لا يمنعه مانع ، وأمّا عند الزمخشري فلأنه مسبب الأيى باب ، ورافع الموانع والتمكين منه بيد قدرته منوط فبعد التصريح بهذا كيف يتوجه ما أراد أو يغفل عن المراد ، وهو عجيب مته ، ولا يصح حمل ما في الكشاف على تفصيله مع قوله(8/53)
ج8ص54
عادة اللّه في أخباره ، وشأن المخبر دون أفعاله وشأن الفاعل فتدبر. قوله : ( أو بما اتفق له في تلك السنة الخ ) ( أتول ( هكذا وقع في كتب الحديث أيضاً كما ذكره البغوي مسنداً ، وهو معارض لقوله في تفسير قوله : سيقول المخلفون الخ. يعني مغانم الخ فلا يكون في تلك السنة ، ويدفع بأنّ التاريخ الذي جعل فيه رأس السنة المحرّم محدث في زمن عمر وضي الله عنه كما في التواريخ الصحيحة ، وكان التاريخ في بدء الإسلام بمقدمه صلى الله عليه وسلم للمدينة ، وهو في ربيع الأوّل فهو رأس السنة كما في النبراس ، وقال ابن القيم : قال مالك : كان فتح خيبر في السنة السادسة ، والجمهور على أنه في السابعة ، وقطع ابن حزم بأنها كانت في السادسة بلا شك ، والخلاف مبنيّ على أنّ أوّل السنة هل هو ربيع الأوّل شهر مقدمه المدينة أو المحرّم وللناس فيه طريقان ( قلت ) والأوّل هو المصرّح به في الأحاديث الصحيحة وعليه ينبني ما هنا فأعرفه. قوله : ( أو أخبار ) ظاهره أنّ ما قبله ليس بإخبار وقد مرّ ما فيه ، وما قيل من أنّ ما ذكره في تعليل الفتح بالمغفرة لا يجري هنا ، ولذا أشار لمرجوحيته ليس بشيء لما أسنده البخاريّ عن البراء رضي الله عنه أنه تال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحتاها فلم نترك منها قطرة فبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بماء فتوضأ ثم
تمضمض ، ثم صبه فيها إلى آخر القصة ، وأيضا هو غفلة عن قوله بعد هذا وإنما سماه فتحاً لأنه كان بعد ظهوره الخ ، ولا يخفى ما فيه من إعلاء كلمة الله تعالى وبه يتجه كون الفتح علة للمغفرة حينثذ كما لا يخفى. قوله : ( وظهر له في الحديبية آية عظيمة الخ ) قيل : لا يظهر له مدخل في تسمية صلحها فتحاً وليس بشيء لما سمعنه من حديث البخاري ، وفي هذه المعجزة العظيمة من الظهور على المشركين ما اقتض الصلح ومناسبته للفتح في غاية الظهور لما فيهما من جامع الظهور ، وقد ظهر ببركته الماء في البئر وفي البخاركط إنه نبع من بين أصابعه بوو في الركوة ولا منافاة بينهما لجواز وقوع كل منهما كما في شرح الكرماني. قوله : ( وتسبب لفتح مكة ) إشارة إلى أنه مجاز مرسل سمي فيه السبب باسم المسبب ، وقد كان فيما قبله على الاستعارة بتشبيهه بالفتح ، وقيل إنه على عكس هذا لكون الصلح مسببا عن الفتح والظهور على المشركين وفيه نظر ، وقوله : أو فتح الروم الخ أشار بقوله : وقد عرف كونه فتحاً إلى وجه التجوّز فيه وتسميته فتحاً لأنّ فيه معجزة له لأنه أخبر عن الغيب فتحقق ما أخبر به في عام الحديبية ولأنه يقال به لغلبة أهل الكتاب المؤمنين ، وفي ذلك من غلبته وظهور أمره ما هو بمنزلة الفتح ففي الفتح استعارة لتشبيه ظهوره بالفتح ويحتمل أن يبقى على حقيقته أي فتحنا على الروم لأجلك ، وقوله : فتحا للرسول يأباه. قوله : ( وقيل الفتح بمعنى القضاء ) أي حكم الله والفتح يكون بهذا المعنى في اللغة ، ومنه يقال للقاضي فتاح ومرّضه لبعده وعدم ما يدلّ عليه هنا. قوله : ( علة للفتح ) قيل قصد به الردّ على الزمخشويّ حيث جعل فتح مكة علة للمغفرة ، وفيه بحث من وجوه أمّا أوّلاً فلأنّ التعليل الذي ذكرء المصنف لا يفيد إلا علية الفتح للمغفرة كما قاله : وأمّا ثانياً فلأنّ أفعاله تعالى لا تعلل بالإغراض على مذهب أهل الحق فاللام للعاقبة أو لتشبيه مدخولها بالعلة الغائية في ترتبه على متعلقها فكان تعبير الزمخشريّ أوفق للمذهب الحق ، وأمّا ثالثاً : فلأنّ الغاية لها جهتا علية ومعلولية على ما تقرّر فلا لوم على من نظر إلى جهة المعلولية لظهور صحته ، وهو كلام واهي ا!ناف متخلخل الأطراف إذ ليس في كلام المصنف ما يدل على الردّ بل هو تلخيص له بتغيير التعبير تفنناً كما هو دأبه أمّا الأوّل : فلأنه يصلح للعلية ، والمعلولية كما اعترف به وصرّح به في الحواشي السعدية ، وأمّا الثاني : فظاهر السقوط لتصريح المحققين بأنّ أفعاله تعالى وإن كانت لا تعلل بالأغراض يترتب عليها
حكم ومصالح تنزل منزلة الأغراض ، ويعبر عنها بما يعبر به عنها ، وقد قال النسفيّ والكرماني : إنه لا يمتنع في بعض أفعاله تعالى ، وأمّا الثالث : فعليه لا له. قوله : ( من حيث إنه مسبب الخ ( قيل يعني ما يكون سبباً وعلة للمغفرة ينبغي أن يكون فعلا من أفعاله ، والفتح ليس كذلك بل هو فعل الله فكيف يكون سبباً لاستحقاق المغفرة ، وأجاب بأنّ الفتح وإن كان فعله تعالى إلا أنه لصدوره بما وقع منه من(8/54)
ج8ص55
الجهاد ونحوه من الأفعال الصالحة لأن تكون علة للمغفرة صح أن يجعل الفتح علة لها كأنه قيل إنا خلقنا فيك أسباب الفتح من الجهاد ، والسعي في إعلاء الدين ليغفر لك الخ ، ولا يخفى أن الفعل يسند حقيقة لمن قام به لا لمن أوجده كما مرّ مراراً فيقال تكلم زبد حقيقة لا تكلم الله وإن أوجد كلامه فيه والفتح الظفر بالبلد وهو صفة العبد قائمة به ولو كان فتحنا بمعنى خلقناكم لم يكن استعارة كما صرّج به المصنف بل مجازا مرسلا فليس المراد ما ذكره بل أنّ المغفرة إذا لم تكن بمحض فضله وترتبت على فعل من أفعال العبد فلا بدّ أن يكون عبادة فلذا جعله جهادا مثمرا لهذه الثمرة ، وما ذكره هذا القائل بعيد عنه بمراحل ، وفي الكشاف لم يجعل الفتح علة للمغفرة ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة ، وهي المغفرة واتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز كأنه قيل يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوّك لنجمع لك بين عز الدارين ، وأغراض العاجل والآجل أن قال السعد رحمه الله حاصله أنّ الفتح لم يجعل علة لكل من المتعاطفات بعد اللام أعني المغفرة ، واتمام النعمة والهداية والنصر بل لاجتماعها ويكفي في ذلك أن يكون له دخل في حصول البعض كإتمام النعمة والنصر العزيز ، وتحقيقه أنّ العطف على المجرور باللام قد يكون للاشتراك في متعلق اللام مثل جئتك لأفوز بلقياك وأحوز عطاياك ويكون بمنزلة تكرير اللام ، وعطف جار ومجرور على جار ومجرور وقد يكون للاشتراك في معنى اللام كجئتك لتستقرّ في مقامك وتفيض عليّ من أنعامك أي لاجتماع الأمرين ، ويكون من قبيل جاءني غلام زيد وعمرو أي الغلام الذي هو لهما ، وفيه أنه إذا كان المقصود بعضه فذكر باقيه لغو من الكلام فالظاهر أن يقال لا يخلو كل منها من أن يكون مقصودا بالذات ، وهو ظاهر أو المقصود بعضه ، وحينئذ فذكر غيره إمّا لتوقفه عليه أو لشدة ارتباطه به ، وترتبه عليه فيذكر للإشعار بأنهما كشيء واحد ، والأوّل كقوله تعالى : { فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } [ سورة البقرة ، الآية : 282 ] إلى قوله : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى فليس الضلال علة بل التذكير متوقف عليه كقولهم أعددت الخشب ليميل الحائط فأدعمه كما حققه سيبويه وتبعه العلامة ، ومثال الثالث لازمت غريمي لأستوفي حقي وأخليه وليس ما نحن فيه من هذا القبيل ، أو المقصود المجموع من حيث هو مؤوّل بما يكون كذلك كما هنا لأنّ جمع عز الدارين محصل مجموع الكلام والى
الثاني أشار في دلائل الإعجاز بقوله : إذا عطف شيء على جواب الشرط فهو على ضربين أحدهما أن يستقل كل بالجزائية نحو إن تأتني أعطك وأكسك ، والثاني أن يكون المعطوف بحيث يتوقف على المعطوف عليه كقولك : إذا رجع الأمير استأذنت وخرجت أي إذا رجع استأذنت وإذا استأذنت خرجت ا هـ ، وقد علم مما مضى أنه غير مخصوص بالشرط ، ولا بما ذكر فتأمّله فإنه مهمّ جدّاً
قوله : ( جميع ما فرط ) بجعل المتقدم والمتأخر للإحاطة كناية عن الكل ، وقوله : مما
يصح الخ إشارة إلى أنه ليس بذنب حقيقي بل من قبيل حسنات الأبرأر سيئات المقرّبين لعصمة الأنبياء ، وقوله : وضم الملك إلى النبوّة كأنه أراد بالملك فتح البلاد واجراء أحكامه فيها تسمحاً والا ففي الحديث : ( 1 ن اللّه خيره صلى الله عليه وسلم بين أن يكون ملكاً نبياً كسليمان وعبدا رسولاً فاختار أن يكون عبداً رسولاً ولم يرض الملك حتى لا يسمى خلفاؤه الراشدون ملوكاً فضلاَ عنه صلى الله عليه وسلم ) ولذا قيل : إنه لا يقال في نعته إنه زاهد لأنه لم يختر الدنيا أصلا حتى يقال إنه زهد فيها ، وهكذا ينبغي أن يعرف مقامه صلى الله عليه وسلم وفيه تفاسير أخر في الكشاف ، وغيره لم يرتضها المصنف رحمه الله. قوله : ( في تبليغ الرسالة الخ ) فالهداية على حقيقتها فلا حاجة إلى ما قيل من أنّ المراد زيادة الاهتداء أو الثبات عليه. قوله : ( فيه عز ومنعة الخ ) العزيز بحسب الظاهر هو المنصور فلما وصف به النصر أشار إلى أنه إمّ للنسبة ، وإن كان المعروف فيه فاعل وفعال أو فيه تجوّز في الإسناد إذ هو من وصف المصدر بصيغة المفعولى لا الفاعل لعدم مناسبته للمقام وقلة فائدته إذ الكلام في شأن المخاطب المنصور لا المتكلم الناصر ، ومنعة بفتحتين يكون مصدرا وجمع مانع بزنة كتبة ، وقيل : هو بتقدير مضاف أي عزيز صاحبه قال الإمام : وذكر الجلالة إشارة إلى أنّ النصر لا يكون إلا من الله وهو من قوله تعالى : { مَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ } [ سورة آل عمران ، الآية : 126 ] قال : لأنه لا يكون إلا بالصبر ، وهو(8/55)
ج8ص56
لا يكون إلا منه تعالى كما قال : { وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ } [ سورة النحل ، الآية : 27 ا ] لأنه بذكر الله الذي تطمئن به القلوب. قوله : ( الثبات ) هذا هو أرجح التفاسير وفسرت بالرحمة أيضاً وهكذا هو في كل سكينة وردت إلا ما في البقرة ، وقوله : حتى ثبتوا وكان قلقهم لصدّ الكفار لهم عن البيت وقد
ظنوا الرؤيا ناجزة كما ورد في الحديث ، وسيأتي وتدحض بمعنى تزل وهو كناية هنا عن القلق. قوله : ( يقيناً مع يقينهم ) يعني أنّ الإيمان لما ثبت في الأزمنة نزل تجدّد أزمانه منزلة تجدده ، وازدياده فاستعير له ذلك ورشح بكلمة مع ، وعلى الثاني هو على حقيقته ومن قال : الأعمال من الإيمان ، وهو يزيد وينقص لا يحتاج للتأويل ويحتمل أن يكون هذا مراد المصنف ، وقوله فيسلط الخ هذا بالنسبة لجنود الأرض أو لمجموع جنود السماء والأرض لأنّ جنود السماء الملائكة ولا يجري فيها ذلك ، وقوله : كما تقتضيه حكمته تنازع فيه الفعلان قبله. قوله : ( من معنى التدبير ) بيان لما إشارة إلى أنّ قوله ولله جنود السموات والأرض كناية عنه ، وقوله : ليعرفوا الخ إشارة إلى أن العلة معرفة النعمة وشكرها لكنها لما كانت علة لدخول الجنة أقيم المسبب مقام السبب كما في الكشاف ، وقوله : ذلك إن كان إشارة إلى التسليط فهو عذاب دنيوي ، وإن كان إشارة إلى إدخالهم الجنة فهو أخروي وتعليقه بفتحنا وأنزل مع تعلق اللام الأخرى به بناء على ما مرّ في البقرة من تعلق الأوّل به مطلقا ، والثاني مقيذ أو بتنزيل تغاير الوصفين منزلة تغاير الفعلين إذ لا يتعلق بعامل واحد حرفا جر بمعنى واحد من غير اتباع ، وقوله : أو جميع ما ذكر إمّا على التنازع أو التقدير أي بتقدير ما يشملها كفعل ما ذكر ليدخل الخ. قوله : ( بدل الاشتمال ) وهو ما كان بينه وبين المبدل منه ملابسة بحيث يدخل أحدهما على الآخر بوجه ما وشرط في الملابسة أن تكون بغير البعضية ، والكلية وهل المشتمل الأوّل أو الثاني أو العامل أو معنى الكلام أقوال ارتضى الأخير منها في الإيضاح ، والاشتمال هنا لأن إدخال المؤمنين والمؤمنات الجنة وتعذيب الكفار مستلزم لزيادة الإيمان ومشتمل عليه فما قيل من أنّ الاشتمال باعتبار أنّ المؤمنين والمؤمنات يشمل المؤمنين لا وجه له فتأمل. قوله : ( ينطيها ) هو أصل معناه ، ثم كني به عن محوها كالعفو وقوله : وعند حال من الفوز لأنه شأن
صفة النكرة إذا قدمت عليها ، وكونه يجوز فيه الحالية إذا تأخر عن قوله عظيماً لا ضير فيه كما توهم. قوله : ( عطف على يدخل الخ ) ذكر في المعطوف عليه وجوها وأشار إلى صحة العطف على الجميع سوى البدلية لما سيأتي وهو ظاهر إلا إذا تعلق بقوله : ليزدادوا ففيه نوع خفاء وتقريره كالأوّل لأنّ ازدياد إيمان المؤمنين مما يغيظهم أيضاً والغيظ بذلك كفر على كفر مقتض لتعذيبهم وعذاب الدنيا بأيدي المؤمنين ، وإمّا تقريره بأنّ اعتقادهم أنه تعالى يعذب الكفار يزيد في إيمانهم لا محالة ، وما أوود عليه من أنّ مدخول اللام يجب ترتبه على متعلقها في الخارج نلا يحسم الإشكال ولا يزيل الخفاء فلا وجه له تقرير ، وايراداً لأنه لا دلالة في النظم على ما ذكره إلا إذا أوّل يعذب بيجزم باعتقاد أنهم معذبون ، وهو في غاية البعد لكنه مترتب على زيادة الإيمان ولزوم الترتب المذكور التزام لما لا يلزم من غير قرينة فتدبر. قوله : ( إلا إذا جعلته بدلاً الخ ) فيه نظر لأنّ بدل الاشتمال تصححه الملابسة كما مرّ وازدياد الإيمان على التفسيرين مما يغيظهم فلا مانع منه على البدلية ، وما قيل في توجيهه من أنّ المذكور في المعطوف يباين المؤمنين فلا يستقيم عطفه على بدل الاشتمال سهو ظاهر لأنّ بدل الاشتمال لا بد فيه من المباينة كسلب زيد ثوبه ، وقوله : فيكون عطفاً على المبدل منه هكذا هو في النسغ المعتمدة وفي بعضها سقط منه منه فاحتاج إلى جعله من الحذف والإيصال كالمشترك أو أنّ البدل يكون بمعنى المبدل منه من أبدلته بغيره إذا نحيته ونحن في غنية عنه بما صح في النسخ. قوله : ( ظن الأمر السوء ) يعني أنّ المراد بالسوء الأمر الذي ظنوه وهو عدم النصرة ، وقوله تعالى : { عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ } [ سورة الفتح ، الآية : 6 ] إما إخبار عن وقوع السوء بهم أو دعاء عليهم وجملته معترضة ، والدائرة مصدر بزنة اسم الفاعل أو اسم فاعل من دار يدور سمي به عقبة الزمان ، والسوء بالفتح مصدر أضيف إليه للمبالغة كرجل صدق ، ويقال : رجل سوء ورجل السوء معرفاً ومنكرا وبالضم هو اسم مصدر بصعنى المساءة كما في الصحاح ، وليس فيه حصر المضاف(8/56)
ج8ص57
إليه في المفتوح حتى يردّ عليه بقراءة دائرة السوء بالضم أو يردّ بأنّ ما نحن فيه من إضافة الاسم الجامد وما فيها من إضافة غيره وبينهما فرق ظاهر ، ويرد عليه ظن السوء إلا أن يريد بالجامد اسم العين وقول المصنف غلب الخ يشير إلى أنه أكثرقي كما عرفت إلا أنّ قوله : وكلاهما في الأصل مصدر فيه لمخالفة إمّا لكلام الجوهريّ ، وقد مرّ الكلام عليه مفصلا في سورة براءة.
قوله : ( والواو في الأخيرين الخ ) يعني كان مقتضى الظاهر أن يقال فلعنهم فاعد لهم لكنه عدل عنه للإشارة إلى أنّ كلاَ منهما مستقل بالوعيدية من غير اعتبار للسببية فيه. قوله تعالى : ( { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } الآية ) ذكره سابقا على أنّ المراد به أنه المدبر لأمر المخلوقات بمقتضى حكمته فلذلك ذيله بقوله : عليماً حكيماً ، وهنا أريد به التهديد بانهم في قبضة قدرة المنتقم فلذا ذيله بقوله عزيزا حكيما فلا تكرار ، وقيل إنّ الجنود جنود رحمة وجنود عذاب والمراد هنا الثاني ولذا تعرّض لوصف العزة فتأمّل. قوله : ( الخطاب للنبئ صلى الله عليه وسلم الخ ) إذا كان الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمّته كقوله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ } [ سورة الطلاق ، الآية : ا ] فهو تغليب ويكون النبيّ مخاطباً بالإيمان برسالته كسائرالمؤمنين وهو كذلك ، وقال الواحديّ : هو على اللف والنشر فالخطاب في أرسلناك للنبيّ وفي لتؤمنوا لأمّته والتقدير فعل ذلك لتؤمنوا أو قل لهم لتؤمنوا لأنّ سماعهم مقصود وأورد عليه أنه مناف لقول الشريف في شرح المفتاح في قوله تعالى : { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ سورة هود ، الآية : 23 ا ] فيمن قرأ بتاء الخطاب بتغليب المخاطب على الغائب إذ عبر عنهم بصيغة موضوعة للمخاطب ، ولا يجوز اعتبار خطاب من سواه بلا تغليب لامتناع أن يخاطب في كلام واحد اثنان من غير عطف أو تثنية أو جمع اه ، وهذه القاعدة وإن قرّرها الرضي وغيره في مباحث اسم الإشارة فليست مطلقة كما يعلم من تتبع كلامهم بل هي فيما إذا لم يكن أحدهما بعضاً من الآخر فإنه حينئذ غير مغاير له بالكلية ، وإن لم ينسلخ عنه معنى الخطاب كقوله :
أحيا أباكن يا ليلي الأماديح
قال المرزوقي خاطب الجماعة ثم خص واحدة منها وذكر له نظائر ، وقال الرضي في التعجب لا يخاطب اثنان في حالة واحدة إلا أن ينمحي معنى الخطاب عن أحدهما وعلى الوجه الأوّل أحدهما بعض من الآخر وعلى الثاني هو عينه ادّعاء فلا تعدّد كما أشار إليه المصنف أو أنهم ليسوا مخاطبين في الحقيقة مخاطبهم في حكم الغيبة فاحفظه ، ومنه تعلم أنّ ما تقدم كلام من لم يطبق المفصل في هذه القاعدة ، وقد فصلناها في غير هذا الكتاب وأنه لا غبار عليه سوى عدم الفهم والقول بأنه ليس كلملاما واحداً لتقدير المعلل كما مرّ عن الواحدي لا حاجة
إليه ، ولا يلائم ما ذكره المصنف. قوله : ( وتعزروه ( من العزر وهو أحد معاني التعزير وفي نسخة وتقوّوه فعزره بمعنى أيده وقوّاه ، وهذا على المختار من رجوع الضمائر كلها لله لا إنّ الأوّلين للرسول والأخير لله لما فيه من التفكيك ، وقوله : أو تصلوا له فإن التسبيح يطلق على الصلاة لاشتمالها عليه ، وبه فسر ابن عباس رضي الله عنه هنا وقوله : غدوة وعشياً على الوجهين بإبقائه على ظاهره ، وقوله : أو دائما بجعل طرفي النهار كناية عن الجميع كما يقال شرقاً وغرباً لجميع الدنيا. قوله : ( لأنه المقصود ببيعته ) توجيه للحصر بأنه باعتبار المقصود لأنّ المقصود من بيعة الرسول واطاعته إطاعة اللّه وامتثال أوامره لقوله : { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } [ سورة النساء ، الآية : 80 ] فبيعة الله بمعنى طاعته مشاكلة أو هو صرف مجاز. قوله : ( حال أو استئناف مؤكد له على سبيل التخييل ا لا يخفى ما في الحالية لعدم اقتران الاسمية بالواو وقد أباه المصنف ومرّ توجيهه فتذكر. وهو حال من الفاعل ، وقيل : هو خبر بعد خبر والتأكيد ظاهر لأنّ قوله : يد الله الخ عبارة عن المبايعة ، وفي الكشاف لما قال : { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } أكده تأكيدا على طريق التخييل فقال : يد الله فوق أيديهم يريد أنّ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله والله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام وأنما المعنى تقرير أنّ عقد الميثاق مع الرسول صلى الله عليه وسلم كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما اهـ ، وفي المفتاح أمّا حسن الاستعارة التخييلية فبحسب حسن الاستعارة بالكناية متى كانت تابعة لها كما في قولك فلان بين أنياب المنية ومخالبها ، ثم إذا انضم إليها المشاكلة كما في قوله يد اللّه الخ كانت أحسن وأحسن(8/57)
ج8ص58
اص ، يعني أنّ اسم الله استعارة بالكناية تشبيها له بالمبايع ، واليد استعارة تخييلية مع أنّ فيها أيضاً مشاكلة لذكرها مع أيدي الناس وامتناع الاستعارة في اسم الله إنما هو في الاستعارة التصريحية دون المكنية لأنه لا يلزم إطلاق اسمه تعالى على غيره ، ومن سخيف الكلام ما قيل إنه يلزم من المشاكلة أي ازدواج اللفظ في يبايعونك وأنما يبايعون أن يكون الله تعالى مبايعا وأن لا بد للمبايع من يد فيتوهم له تعالى شيء كاليد وهي القدرة ويطلق عليه لفظ اليد ، وهذه الاستعارة منضمة إلى المشاكلة أو يقال المبايعة المنسوبة له تعالى تخييلية تنزيلا له تعالى منزلة رسوله صلى الله عليه وسلم وأثبت له يد على سبيل التخييل ترشيحاً فصار يد الله قد انضم إليها المشاكلة كما حققه السعد ، والسيد في شرح المفتاح فما ذكره السكاكيّ غير ما في الكشاف فلا تغتر ربما في بعض الشروح من التخليط والتخبيط هنا ، وقد أجمل المصنف ما فصلناه وأقحم لفظ سبيل كما أقحم الزمخشريّ لفظ طريق دفعا لم يتوهم من أن التخييل لا يصح استعماله في حقه تعالى ، وقد قيل
الصواب إبدالها بالتمثيل فتدبر. قوله : ( بضم الهاء ) كما تضم في نحو له وضربه ومن كسرها راعى الياء قبلها ، وقوله : في بيعة الرضوان وهي البيعة الواقعة بالحديبية سميت بيعة الرضوان لقول الله تعالى فيها لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك الآية. قوله : ( أسلم الخ ) هي قبائل من العرب معروفة ، وقوله : استنفرهم أي طلب منهم أن ينفروا معه أي يخرجوا معه والخذلان منه تعالى إذ لم يوفقهم لطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. قوله : ( من يقوم بإشنالهم ) أي بأشغال الأهل والأموال فغلب العقلاء على غيرهم في الضمير ، وقوله : بالتشديد أي تشديد الغين المعجمة ، وقوله : من الله متعلق باستغفر أي اطلب لنا منه مغفرة لذنبنا الصادر منا وهو التخلف فعلى للتعليل ، وقوله : تكذيب الخ يعني أنّ كلامهم من طرف اللسان غير مطابق لما في الجنان كناية عن كذبهم ، والكذب راجع لما تضمنه الكلام من الخبر عن تخلفهم بأنه كان لضرورة داعية له وهي القيام بمصالحهم التي لا بد منها وعدم من يقوم بها لو خرجوا معه وأما تكذيبهم في الاستغفار وهو أمر وإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب فباعتبار ما تضمنه من اعترافهم ، وايمانهم بأنهم مذنبون وأنّ دعاءه لهم يفيدهم فائدة لازمة لهم مع أنّ اعتقادهم يخالفه. قوله : ( فمن يمنعكم الخ ) فسريملك بيمنع على أنه مجاز عنه أو ضمن معناه لتعديته بمن ولما عقب بقوله : إن أراد بكم الخ لزم تقدير المشيئة بعده لأنه كالتقسيم له واللام إمّا للبيان أو للصلة أي قل لهم إذ لا أحد يدفع ضره ولا نفعه فليس الشغل بالأهل والمال عذراً وفي الانتصاف إنّ فيه لفاً ونثرا وكان الأصل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا ومن يحرمكم النفع إن أراد نفعا لأنّ هذا ورد في الضر مطرداً كقول : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ } [ سورة المائدة ، الآية : 17 ] وكذا في الحديث خطاباً لعشيرته صلى الله عليه وسلم : " لا أملك لكم من الله شيئاً الخ ) وفيه بحث. قوله : ( ما يضركم ) فليس المراد به المعنى المصدري وهو
إمّ الحاصل به أو مؤوّل بالوصف ، وقوله : كقتل وهزيمة ظاهر وما قيل عليه من أنّ المراد به ما يضر من هلاك الأهل والمال وضياعهما حتى تخلفوا عن الخروح لحفظهما والنفع ما ينفع من حفظ المال والأهل ، وتعميم الضر والنفع يردّه قوله : بل كان الله بما تعملون خبيراً فإنه إضراب عما قالوا وبيان لكذبه بعد بيان فساده على تقدير صدوره كلام أو هي من بيت العنكبوت لأنّ في التعميم إفادة لما ذكر مع زيادة لا تضر بل تفيد قوّة وبلاغة وفي كلام المصنف إشارة إليه ، وقوله : تعريض بالردّ أي بردّ اعتذارهم كما قرّرناه من أنه يفيد أن تخلفهم ليس لما ذكر بل لخوف الهلاك وظن النجاة بالقعود ، ثم إنّ الإضراب الأوّل ردّ أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم واثبات الحسد والثاني إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى وصفهم بما هو أظلم مته ، وهو الجهل وقلة الفهم كما في الكشاف ويستأصلونهم بمعنى يقطعون أصلهم فكني به عن قتلهم جميعاً. قوله. ( وأهلون الخ ) جمعه جمع السلامة على خلاف القياس لأنه ليس بعلم ولا صفة من صفات من يعقل ، وقوله : وقد يجمع على أهلات بملاحظة تاء التأنيث في مفرده تقديراً فيجمع كتمرة وتمرات ، ويجوز تحريك عينه أيضا فيقال :(8/58)
ج8ص59
أهلات بفتح الهاء فإن قلت كيف يصح قوله : في أهال إنه اسم جمع وشرطه أن يكون على وزن المفردات سواء كان له مفرد أو لا قلت ما ذكرته هو مصطلح النحاة والمصنف والزمخشريّ يستعمله بمعنى الجمع الوارد على خلاف القياس ، وإن لم يكن كذلك كما مرّ تحقيقه في الأحاديث الواردة ، والمراد بالأهل عشيرته أو أقرباؤه. قوله : ( فتمكن فيها ) زيته بمعنى حسنه حتى قبلوه فتمكن في قلوبهم ، وقوله : وهو الله مرّ تحقيقه في سورة الأنعام ، وقوله : الظن المذكور يعني في قوله بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول الخ فتعريفه للعهد الذكرى ، وقوله : والمراد التسجيل الخ يعني أنه أعيد ليبين صفة السوء له فلا تكرار فيه أو هو عام فذكره للتعميم بعد التخصيص ، والزائغة بالزاي والغين المعجمتين بمعنى الباطلة ، وقوله : هالكين فسره به لأنّ بوراً في الأصل مصدر كالهلك بالضم فيوصف به الواحد المذكر وغيره أو هو جمع بائر كعائذ وعوذ وأصل معناه الفساد كما أشار إليه المصنف ، وقوله : عند الله بمعنى في علم الله وحكمه وهو توجيه للمضي في قوله : كنتم بأنه باعتبار العلم الأزلي. قوله : ( وضع الكافرين الخ ) يعني أنّ مقتضى الظاهر
لهم فعدل عنه لما ذكر ، وقوله : بكفره لأنّ التعليق بالمشتق يقتضي أنّ مأخذ اشتقاقه علة للحكم عليه بما حكم به كما تقرّر في الأصول ، وقوله : للتهويل لما فيه من الإشارة إلى أنه لا يمكن معرفتها واكتناه كنهها ، وقوله : أو لأنها نار مخصوصة فالتنوين والتنكير للتنويع أو لأنها اسم لطبقة مخصوصة منها شاعت فيها فلا حاجة لتعريفها باللام كما قيل وسيأتي في سورة تبارك تفصيله ، وفيه بحث لأنه لا يصح القول بالعلمية لدخول أل عليه ولا بالغلبة لأنه يلزمه اللام أو الإضافة ولو عرف السعير وقصد تعريف العهد أفاد ما ذكر فالوجه هو الأوّل فتأمّل. قوله : ( يدبره كيف يشاء ) هذا معناه الالتزامي لأنه إذا اختص به ملكه لزم تصرفه كيف يشاء وهو توطئة لما بعده ، وقوله : إذ لا وجوب عليه بل هو معلق بمحض إرادته ومشيثته فالغفران والتعذيب لا مقتضى له سوى إرادته كما هو ظاهر الآية وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة في الإيجاب لما ذبر عليه ، ولذا قال في الكشاف : يدبره تدبير قادر حكيم فيغفر ويعذب بمشيئته ومشيئته تابعة لحكمته وحكمته المغفرة للتائب وتعذيب المصر هـ ، والمصنف أشار إلى الردّ عليه بما ذكره لما فيه من التحريف والتعكيس الداعي له حمية الجاهلية الاعتزالية كما بينه الشراح. قوله : ( فإنّ النفران الخ ) دفع لما يتوهم من تدافع كونه غفوراً رحيماً ، وكونه معذبا بأنّ الغفران والرحمة بحسب ذاته والتعذيب بالعرض وتبعيته للقضاء ، والعصيان المقتضي لذلك كما قرّره المصنف في قوله : بيدك الخير من أنّ الخير هو المقضي بالذات والشر بالعرض إذ لا يوجد شرّ جزئي إلا وهو متضمن لكل خير فالشرية بالعرض والتبع كما فصله في شرح هياكل النور فإن فهمت فنور على نور. قوله : ( في الحديث الإلص ) أي القدسي ولفظه : ( كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي ) فالسبق على ما ذكره المصنف بمعنى التقدم الذاتي ، وقال التوربشتي المراد بالسبق والغلبة الواقعة في بعض الروايات كثرة الرحمة وشمولها كما يقال : غلب على فلان الكرم وقال الطيبي هو كقوله كتب على نفسه الرحمة أي أوجب على نفسه بوعده لهم أن يرحمهم قطعا بخلاف ما يترتب على الغضب من العقاب فإنه يتجاوز عنه فالمراد بالسبق القطع بالوقوع ، فإن قلت صفاته تعالى قديمة فكيف يتصوّر سبق بعضها على بعض قلت : السبق كما في شرح الكرماني للبخاري باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة سابق على تعلق الغضب لأن الرحمة مقتضى ذاته بخلاف الغضب فإنه يتوقف على سابقة عمل من العبد مع أنّ الرحمة ، والغضب ليسا صفتين دلّه بل هما فعلان له ، ويجوز تقدم
بعض الأفعال على بعض اص. قوله : ( يعني المذكورين ) من القبائل في تفسير قوله : سيقول لك المخلفون من الإعراب ، وقوله : يعني مغانم خيبر فإنّ السين تدلّ على القرب وخيبر أقرب المغانم التي انطلقوا إليها من الحديبية فهي المرادة هنا كما أشار إليه بقوله : فإنه الخ وقوله : سنة ست قد تقدّم أنه ينافي قوله في أوّل هذه السورة في هذه السنة ، وقد سبق التوفيق بينهما وفتح مكة في سنة تسع كما في البخاري . قوله : ) فخصها بهم ) أي بمن شهد الحديبية وكان ذلك بوحي وفي هذا قرينة(8/59)
ج8ص60
على تقييد إطلاق ما سيأتي من قوله أن يعوضهم الخ ولا ينافي التخصيص المذكور إطلاق بعض مهاجري الحبشة وبعض الدوسيين والأشعريين من ذلك ، وهم أصحاب السفينة كما في البخاري فإنه كان اسننزالاً للمسلمين عن بعض حقوقهم لهم أو اًن بعضها فتح صلحاً وما أعطاه لهؤلاء بعض مما صالح عليه ، وكله مذكور في السير لكن الذي صححه المحدّثون أنه لا صلح فيها ، وقال الكرمانيّ : إنما أعطاهم برضا أصحاب الوقعة أو أعطاهم من الخمس الذي هو حقه وميل البخاري إلى الثاني ، ومنه يظهر أنّ ما قيل إنّ الأولى أن يقول بدل قوله : أن يعوّضهم أن يخصهم ليظهر التبديل ويجوز أن يقال المراد جميع مغانم خيبر لأن الجمع المضاف من صيغ العموم لا وجه له فتدبر.
قوله : ( وقيل قوله الخ ) قال البغوي : قال ابن زيد هو قوله تعالى : { فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا } [ سورة النوبة ، الآية : 83 ] والأوّل أصوب وعليه عامة التأويل اهـ ولذا مرضه المصنف وقوله : والظاهر أنه في تبوك أي في غزوتها المعروفة فنزول هذه الآيه بعد ذلك بكثير ، وفي البحر وقد غزت جهينة ومزينة بعد هذه المدة معه صلى الله عليه وسلم أعلم بصحته ، وقوله : اسم للتكليم أي هو اسم مصدر له والكلم اسم جمعيّ ، وسماه المصنف جمعا على اصطلاح أهل اللغة وهو أمر سهل ، وقوله : نفي في معنى النهي فالخبر مجاز عن النهي ب الإنشائي ، وهو أبلغ وقوله : تهيئهم للخروج بيان للمضاف المقدر. قوله تعالى : ) { بَلْ تَحْسُدُونَنَا } ) إضراب عن كونه بحكم الله أي بل إنما ذلك من عند أنفسكم حسداً كما سيأتي في
قوله ، ومعنى الإضراب الخ ، وقوله : أن نشارككم بيان لمفعوله المقدر وقوله. بالكسر أي كسر سين المضارع وهي شاذة والمشهور فيها الضم ، وقوله : إلا فهما قليلاً فهو صفة مصدر مقدر ، وقوله : وهو أي الفهم القليل ، وقوله : بهذا الاسم أي المخلفين من الإعراب ، وقوله : مبالغة الخ لتأكيده بتكريره الدال على شناعته ، وبني حنيفة كسفينة قوم مسيلمة الكذاب الذين ارتدوا وقاتلهم أبو بكر رضي اللّه عنه ، وقوله : أو المشركين هو مذهب الشافعيّ فإنه لا يقبل منهم الجزية ، وعند أبي حنيفة هو مخصوص بمشركي العرب. قوله تعالى : ( { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } ) جوّز في هذه الجملة أن تكون مستأنفة استئنافاً بيانياً وحالية وصفة لقوم لإخراج من عدا أهل الردة والشرك وليس في كلام المصنف ما يخالفه ، ومن قال إنه لا وجه للوصفية قيل : أراد أن مضمونه غير معلوم لهم كما هو شأن الصفات لكنه أمر غير مطرد ، وقيل إنه لو كان صفة قيل : يقاتلون أو يسلمون لئلا يتضمن زيادة لا حاجة إليها وتوقف فيه بعضهم ، وكله مما نشأ من قلة التدبر فإنه قال : ولا يجوز أن يكون صفة لقوم لأنهم دعوا إلى قتال القوم لا أنهم دعوا إلى قوم موصوفين بالمقاتلة أو الإسلام ، اهـ وأصله العطف فعدل إلى أعظم الوصلين وحاصله أنّ المعنى فاسد على الوصفية لأنه لا يفيد أنّ دعوتهم للقتال ، وهو المقصود فتدبر ، ومنه تعلم حال الحالية. قوله : ( يكون أحد الأمرين ( كما تدل عليه أو ، وقوله : لا غير لأنها لمنع الخلوّ ثم إنهم فعلوا ذلك وحصلوا الغرض فهو خبر عن أمر واقع والاعتراض بأنه يلزم أن لا ينفك الوجود عن أحدهما لصدق أخبار. تعالى وهو منفك بتركهم سدى أو بالهدنة فيلزم أن يؤوّل بالأمر كما في أمالي ابن الحاجب غير سديد لأنهم قوم مخصوصون والواقع أنهم قوتلوا إلى أن أسلموا سواء فسر القوم بثقيف وهوازن أو ببني حنيفة أو فارس والروم على أنّ الإسلام الانقياد وما انفك الوجود عن أحدهما بل وقعا وأمّا امتناع الانفكاك فليس من مقتضى الوضع ، ولا الاستعمال فأو للتنويع والحصر لا للشك وهو كثير وقوله : دل عليه قراءة أو يسلموا لأن النصب يقتضي أنّ أو بمعنى إلا أن الخ فيفيد الحصر أو بمعنى إلى أن والغاية تقتضي أنه لا ينفطع القتال بغير الإسلام فيفيده أيضاً فقصره على الأوّل تقصير أو قصور ، وأمّا احتمال عطفه على تقاتلون بحسب المعنى لأنه في معنى لتقاتلوهم إذ هو في جواب لماذا ندعي فبعيد لا يرتكب مثله من غير ضرورة داعية له. قوله : ( وهو يدل على إمامة أبي بكر رضي اللّه عنه الخ (
ووجهه ما قاله الإمام من أنّ الداعي في قوله : سندعون لا يخلو من أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم أو الأئمة الأربعة أو من بعدهم لا يجوز الأوّل لقوله : قل لن تتبعونا الخ ولا أن يكون عليا كرم الله وجهه لقوله : أو يسلمون فإنه إنما قاتل البغاة والخوارج ، ولا من ملك بعدهم لأنهم على الخطا عندنا وعلى الكفر عند الشيعة فتعين أن يكون أبا بكر وعمر(8/60)
ج8ص61
وعثمان وأيهم كان ثبت المطلوب لأنّ إمامتيهما فرع عن إمامته وقد أوجب تعالى طاعة الداعي ، وأوعد على مخالفته وهو يقتضي إمامته ولا يرد عليه كما توهم أنّ لن لا تفيد التأبيد لا سيما والمراد منها النهي ، أو أنه نفي مقيد أي في خيبر أو ما دمتم على مرض القلب لأنّ مثله لا يكفي فيه مجرّد الاحتمال ، وفي البحر أنه ليس بصحيح لأنه قد حضر كثير منهم مع جعفر في موته وحضروا معهءلجي!ز هوازن وتبوك فلا يتمّ ما ذكر إلا إذا عين أهل الردة ، وقوله : ومعنى الخ أي على هذا الوجه الأخير كما مرّ تحقيقه فإنّ فارس مجوس والروم نصارى فلا يتعين أحد الأمرين من المقاتلة والإسلام إذ يقبل منهم الجزية فإذا كان يسلمون بمعنى ينقادون تناول قبول الجزية وصح معناه. قوله : ( فصل الوعد الخ ) أورد عليه بعض فضلاء العصر أنّ آية الوعيد المجمل المذكور وهي قوله : يعذبكم عذابا أليما قرينة للوعد السابق ، وهو قوله : فأن تطيعوا الخ والوعيد العام الآتي وهو قوله ومن يتولّ يعذبه عذابا أليماً قرين الوعد العام فكما أنّ الوعيد مكرّر فكذا إعادة الوعد مقرّر فليس في جانب الوعيد ما يكون جابراً لنقصانه عن الوعد الناشئ من الإجمال ، وأجيب عنه بأنّ القائل غفل عن تقييد المصنف قوله : بالتكرير بقوله : على سبيل التعميم يعني أنّ التكرير إذا كان بطريق التعميم في الوعيد يكون مقابلا للتفصيل في الوعد فيحصل الجبر ، وقيل : الأحسن أن يقال مراده بالتكرير تكريره بخصوصيته ، وليس هو كذلك في جانب الوعد لأنّ العنوان فيه مختلف ، وهذا المجيب خفي عليه ما قلنا فظن المخلص قوله على سبيل التعميم ، ولم يدر أنّ التعميم موجود في صورة الوعد أيضاً ولا يخفى ما في تقريرهم فإنّ المخاطب في الجملة الأولى قوم مخصوصون في جانبي الوعد والوعيد وهم المخلفون والمذكور هاهنا عام فيهما ولذا عبر عنه بالموصول ، ولا تكرار في الوعد لتغاير الموعودين بالعموم والخصوص والوعدين بالإجمال والتفصيل لفظاً
ومفهوما بخلاف الوعيد يعني أنّ المصنف أدخل في الإجمال الغنيمة فكيف يكون هذا تفصيله ، وسبق الرحمة سبق تقريره والترهيب أنفع لأنّ المقام يقتضيه وبه ينزجر المرء عن المعاصي فيفوز بالسعادة العظمى والترغيب ربما ضر بتأديته للتكاسل. قوله : ( روي أنه صلى الله عليه وسلم الخ ( رواه الإمام أحمد رحمه الله ، والحديبية بتخفيف الياء تصغير حدباة سمي بها المكان وفي القاموس الحديبية بالتخفيف وقد تشدد بئر قرب مكة أو شجرة اه ، والتخفيف هو المختار عند أهل اللغة والتشديد قول ابن وهب وأكثر المحدثين كما في الأذكار وخراش بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وألف بعدها شين معجمة وهو صحابيّ معروف وهكذا هو في السير وفي الاستيعاب فما وقع في بعض النسخ من أنه حواس بالحاء والواو والسين المهملة من تحريف الناسخ ، وقوله : هموا به بتقدير مضاف أي بقتله والأحابيش جمع أحبوش وهم قوم من قبائل شتى سموا به قيل : لسوادهم كالحبش ، وقيل : لتحالفهم عند جبل يسمى حبشيئ وقوله : فأرجف بقتله أي تحدث الناس به وشاع بينهم والإرجاف إشاعة أخبار لا أصل لها ، وقوله : أو أربعمائة هو الأصح عند المحدثين ، وجمع بين الروايات بانها بناء على عد الجميع أو ترك الأصاغر والاتباع والأوساط كما في شرح البخاريّ ، وسمرة بفتح السين المهملة وضمّ الميم شجرة معروفة ، وفي قوله : جالسا تحت سمرة إشارة إلى أنّ قوله تحت الشجرة حال من مفعول يبايعونك ويجوز تعلقه به ، وكانت بيعتهم على أن يقاتلوا وقيل على الموت وكان الناس يأتون الشجرة فيصلون عندها فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأمر بقطعها ، وقيل : إنها عميت عليهم فلم يدووا أين ذهبت وحكمته أنه خشي الفتنة بها لقرب الجاهلية وعبادة غير ألله فيهم. قوله : ( فعلم ) عطف على قوله : يبايعونك لأنه ماض قصد به حكاية الحال الماضية أو علي رضي الله والفاء داخلة على السبب لتأويله بظهر علمه فيصير مسببا فلا يرد ما قيل عليه إن رضاه عنهم مترتب على علمه بذلك مع ما فيه. قوله : ( أو هجر ( قيل عليه : إنّ هجر كما في النهاية قرية قريبة من المدينة منها القلال أو قرية بالبحرين ولم يذكر أحد أنه غزاها ، وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسم صالح أهل البحرين وأخذ الجزية من مجوس هجر
والفتح يعم الصلح كما مرّ وهجر يكون اسما أيضاً لجميع أرض البحرين فسقط ما اعترض به سقوطا ظاهرا ، ولما فيه من حمل الفتح على خلاف ظاهره مرضه المصنف ، وقوله : غالبا الخ لف ونشر مرتب. قوله تعالى : ( { وَعَدَكُمُ } )(8/61)
ج8ص62
قال بعض الأفاضل : المناسبة لما مرّ من ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم بطريق الخطاب وغيره بطريق الغيبة كقوله : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تقتضي أنّ هذا جار على نهج التغليب ، وإن احتمل تلوين الخطاب فيه ، وقوله : فعجل لكم هذه قيل عليه إن نزلت بعد فتح خيبر لم تكن السورة بتمامها نازلة في مرجعه س!ر كما ذكره في أوّل السورة فهو باعتبار اكثر وإن نزلت قبلها فهو بتنزيلها لتحققها منزلة الحاضرة المشاهدة على أنه إخبار عن ال!ب على عادته تعالى ، ولا يخفى بعده فالظاهر أن يجعل المرجع اسم زمان ممتد فتدبر. قوله : ( ما يفيء ) أي يعود ويرجع من الفيء وبنو أسد وغطفان كانوا حلفاء لأهل خيبر فلما سمعوا بتوجهه ىس! لخيبر ساروا لمعاونة اليهود فسمعوا ضجة ، وظنوا أنّ النبيّءشوو والمؤمنين أوقعوا بحبهم فرجعوا أو خلوا بينه وبين خيبر كما ذكره المحدثون ، وقوله : هذه الكفة تفسير للضمير المؤنث المستتر في تكون ولو فسر بالكف وجعل تأنيثه باعتبار الخبر صح ، وقوله : أمارة تفسير للآية وقوله : من الله بمكان أي لهم رفعة وشأن عند اللّه فالمكان مجاز عن رتبة الشرف وتنوينه للتعظيم ، وقوله : أو صدق بالنصب معطوف على محل إنهم الخ أي إمارة تعرفون بها صدق الرسولءلمج!ه في وعده لهم ، قوله : في حين الخ مؤيد لما مرّ من امتداده ، وقوله : وعد المغانم معطوف على قوله : أمارة وكون الآية بمعنى الوعد لأنه يدل على وقوع ما وعد والآية بمعنى الدليل وكذا عنوانا ، وعنوان رسول الله-ش!لى فتح مكة في منامه ، ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحي فتأخر ذلك إلى السنة القابلة فجعل فتح خيبر علامة وعنوانا لفتح مكة ، ولا يخفى أنّ معنى العنوان قريب من الإمارة فإنه يتجوز به عن ذلك كقولط ابن الرومي :
وقل من ضمنت خيراً طويته إلا وفي وجهه للخير عنوان
ثم إنّ في قول الزمخشريّ في السنة القابلة نظراً فإنه كان بعد مضي أكثر من سنة فتأمّل. قوله : ( والعطف ا لقوله : ولتكون الخ على مقدر لعدم تقدم ما يصلح لعطفه عليه ظاهرا وجوز كونه علة لجميع ما قبله من قوله : وعدكم الخ والتقدير لنفعكم بما ذكر ولتكون الخ ، وفي
قوله : لتسلموا الخ لف ونشر والواو عاطفة أيضاً. قوله : ( هو الثقة الخ ) فسر الصراط المستقيم بما ذكر لأن الحاصل من الكف ليس إلا ذلك ولأنّ أصل الهدى حاصل قبله ، وقوله : وأخرى الخ ذكر فيه وجوه من الإعراب كلها ظاهرة وأجروا فيه الوجوه الثلاثة إلا أنّ كونه مجروراً بإضمار رب قيل فيه غرابة لأنّ رب لم تأت في القرآن جارّة مظهرة مع كثرة دورها فكيف تضمر هنا والوارد منها متصل بما الكافة نحو ربما يودّ وفيه نظر ، وقوله : على هذه أي على لفظ هذه في قوله : { فَعَجَّلَ لَكُمْ } [ سورة الفتح ، الآية : 20 ] هذه والتعجيل بالنسبة لما بعده فيجوز تعدد المعجل كالابتداء بشيئين ، وقوله : قضى الخ ليس المقصود بالإفادة كونها مقضية بل ما بعده فلا يتوهم أنه لا فائدة فيه وإذا رفعت بالابتداء فخبرها قد أحاط الخ أو هو مقدر ثمة ونحوه ، وقوله : لأنها موصوفة أي بجملة لم تقدروا وقد جوّز فيه عدم الوصفية كقولهم ضعيف عاذ بقرملة. قوله : ( بعد ) قيل : هو قيد زائد يتعين حذفه ، وهو ناشئ من قلة التدبر لأنه مبنيّ على الضم وأصله بعد ما مضى ومعناه إلى الآن وهو لبيان صحة الجمع بين كونه معجلا أو غير مقدور عليه ، وليس الموعود من الغنائم معيناً ليدخل فيه الأخرى ، ويرد ما قيل على تقدير قضى إنّ الأخبار بقضاء اللّه بعد اندراجها في المغانم الموعودة لا فائدة فيه ، وإنما الفائدة في تعجيلها فتدبر. قوله : ( لما كان فيها من الجولة ) وهي مرّة من الجولان بمعنى الدور وهو تعبير بليغ وقع في الأحاديث وإشعار العرب القديمة كقوله :
فجلنا جولة ثم انثنينا
فكني به عن الهزيمة مطلقاً أو عن الهزيمة مع الرجوع عن القتال وهي الجولة ثم الهزيمة ، ثم الرجوع ومن فسرها بالغلبة على أنّ المراد غلبة الكفار لم يصب. قوله : ( استولى ) فالإحاطة مجاز عن الاستيلاء التام فهي في قبض قدرته يسخرها له!ن أراد ولذا ذيله بقوله ، وكان الله الخ وقوله : لأنّ قدرته ذاتية أي قدرته تعالى مقتضى ذاته ولا مدخل فيها لغير الذات أصلا وما هو بمقتضى الذات لا يمكن أن يتغير ، ولا أن يتخلف ويزول(8/62)
ج8ص63
عنها بسبب ما كما تقرّر في الأصول فتكون نسبة القدرة إلى جميع المقدورات على سواء من غير اختصاص ببعض منها دون بعض وإلا كانت متغيرة بل متخلفة ، وقوله : دون شيء أي منتهية عند. غير متجاوزة له
لأنّ علتها لا تنتهي. قوله : ( لانهزموا ا لأن توليته دبره كناية عن الهزيمة ، وقوله : يحرسهم فسر الوليّ بالحارس لمناسبتة للمنهزم وهو أحد معانيه ، وقوله : سن الخ إشارة إلى أنّ سنة منصوبة على المصدرية هنا ، وقوله : في داخل مكة فهو كباطن الدار وبطن الوادي لداخله ، وقوله : أظهركم إشارة إلى أنّ تعدى الظفر بعلى لتضمينه معنى الظهور والعلوّ عليهم أي الغلبة التامّة. قوله : ( وذلك أن عكرمة الخ ) في الدرّ المنثور كما أخرجه ابن جرير وابن المنذو وابن أبي حاتم عن ابن أبزى أنّ النبئ صلى الله عليه وسلم لما خرج بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمر : يا نبئ اللّه تدخل على قوم لك بنير سلاح ولا كراع فبعث إلى المدينة فلم يدع فيها كراعاً ولا سلاحاً إلا حمله فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى فنزل بها فأتاه الخبر أنّ عكرمة بن أبي جهل قد جمع عليك في خمسمائة فقال لخالد بن الوليد : يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل فقال خالدا : أنا سيف الله وسيف رسوله فسمي يومنذ سيف الله فقال : يا رسول اللّه ارم بي إن شئت فبعثه على خيله فلقي كرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، ثم دنا في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، ثم دنا في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة فأنزل اللّه وهو الذي كف الخ ، والمصنف تبع هنا ما ذكر وهو مطعون فيه لأنّ إسلام خالد رضي اللّه عنه بعد الحديبية قبل عمرة القضاء ، وقيل بعدها وهي في السنة السابعة لا الثامنة كما صححه أصحاب السير ، والذي رواه ابن إسحاق وغيره أنه صلى الله عليه وسلم خرج حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال : يا رسول اللّه هذه قريث! قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمر ، وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم أبداً ، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموا إلى كراع الغميم ، وقال ابن سعد : قدموا مائتي فارس عليها خالد بن الوليد ويقال : عكرمة بن أبي جهل قال : ودنا خالد في خيله حتى نظر إلى أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر فتقدم في خيله فقام بإزائه وصف أصحابه ، وحانت صلاة الظهر فصلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف ، اهـ فعلم منه أنّ خالد بن الوليد كان في سرية المشركين وأنّ إدخالهم حيطان مكة لم يكن فهو مردود رواية من وجهين. قوله : ( وقيل كان ذلك يوم الفتح ) أي فتح مكة والإشارة إلى بعث خالد وما بعده وهو إشارة إلى الطعن في الرواية الأولى كما سمعته آنفاً وقيل : الإشارة إلى كف الأيدي والظاهر الأوّل ، وقيل : والرواية الأولى غلط منشؤه أنه صلى الله عليه وسلم أمرّ خالد بن الوليد على بعض القبائل يوم فتح مكة فدخل من
أسفلها ، وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل جمعا ناساً ليقاتلوا فكان بينهم ما هو قريب من هذا كما رواه ابن إسحاق وابن هشام ، قيل : ولا ينافيه قوله : بالحديبية لأنها قريبة من أسفل مكة وقد تبع المصنف في هذا الوهم بعضهم مع شغفه بالاعتراض عليه. قوله : ( واستشهد به ( أي بما في هذه الآية بناء على أنها في فتح مكة كما هو ظاهر قوله : ببطن مكة لا بما في هذا الحديث من قتالهم ، والمستشهد به هو أبو حنيفة رحمه اللّه ولما دخل عبئ مكة قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فكان هذا أمانا لمن لم يقاتل منهم ولذا قال الشافعي : وغيره أنّ مكة مؤمنة وليست عنوة وقهراً والأمان كالصلح فيجوز بيع دورها وكراؤها وأكثرهم يرون فتحها عنوة لأنها أخذت بالخيل والركاب ، وقد يجمع بأنّ بعضها بأمان وهو الطرف الذي دخل منه صلى الله عليه وسلم وبعضها بحرب ، وهو ما يقابله فلا يبقى محل للخلاف فتامّل. قوله : ( وهو ) أي كون ذلك يوم الفتح ضعيف وقد عرفت ما فيه الضعف ، وقوله : إذ السورة نزلت قبله أي قبل فتح مكة كما بينه في أوّل السورة ، وما قيل عليه من أنه إن أراد أنها بتمامها نزلت قبله فليس بثابت بل هو مخالف للأثر الذي رواه في آخر التوبة والا فلا يفيد مع أنه يجوز أن يكون إخباراً عن الغيب كما مرّ في إنا فتحنا ثم إنه يرد عليه منع دلالته على العنوة فقد يكون الفتح الظفر بالبلد ، ولو صلحاً كما قال الزمخشري(8/63)
ج8ص64
الفتح الظفر بالبلد عنوة أو صلحاً بحرب أو بغير حرب ، اهـ فليس له وجه لأنّ المصنف له أن يلتزم الأوّل ويخص الأثر بالسور الطوال على أنّ مقصوده الرد على الزمخشري ، وهو معترف بما ذكره وكونه إخباراً عن الغيب خلاف الظاهر والمتبادر من الفتح ما ذكره المصنف رحمه الله وما ذكره هذا القائل معنى مجازي يحتاج الحمل عليه إلى قرينة ، ثم إنّ الفتح وإن كان مطلق الظفر لكن الظفر إذا تعدى بعلى كما هنا أقتضى ما ذكر هنا بخلاف المعدى بالباء كما أشار إليه بعض شزاح الكشاف فتدبر. قوله : ) من مقاتلتهم ) عدل عن الخطاب مع أنّ تفسيره عليه لأنه المناسب لزمان التفسير ، ولو قيل المصدر مضاف للمفعول على أنّ ضمير مقاتلتهم وكفهم ويجازيهم للكفار لا للمؤمنين كانت الغيبة على مقتضى الظاهر فتأمّل. قوله : ( يدل على أنّ ذلك الخ ا لأن صدّ الهدي وعكوفه أي حبسه عن بلوغ محله إنما كان بها ، وفاعل يدل المستتر يعود على قوله والهدي الخ وذلك إشارة إلى الصذ ولو جعل الضمير لقوله : هم الذين كفروا الخ لتضمنها للدالّ والإشارة للظفر المار ذكره لاتحاد زمان الصذ والظفر عند المصنف رحمه اللّه لما مرّ من نزول السورة دفعة واحدة عنده لم يكن به بأس فالرد على قائله بما ذكر من لزوم ما لا يلزم. قوله : ( مكانه الذي يحل فيه نحره ( على أنّ المحل مكان
الحل لا مكان الحلول ، وقوله : والمراد مكانه المعهود لا مطلق المكان إذ هو بالغ محله لأنّ محله حيث أحصر عند الشافعيّ فلا بدّ من هذا التأويل عنده بل مطلقا كما سيأتي. قوله : ( وإلا لما نحره الخ ) إلا هذه مركبة من أن الشرطية ولا النافية وقد أوقع اللام في جوابها ، وقيل : إنه خطأ إذ لم يسمع مثله وإن كثر في كلام المولدين ، ووجهه بعضهم بأنه حمل فيه إن على لو وليس بشيء فالصواب أن يقال : لو مقدرة في مثله ترقيا من احتمال العدم إلى الجزم به والتقدير ، وإن لم يحمل على المعهود فلو حمل على الأعمّ لما وتقدير الشرط غير عزيز ، وأما قول بعض الحنفية أنّ بعض الحديبية من الحرم كما قاله الزمخشري : أو غيره فقال في الكشف إنه خلاف ما عليه الجمهور ، وحدود الحرم معروفة من زمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولا يعتدّ برواية شذ بها الواقديّ ، وقد صرّح البخاري في صحيحه بخلافه نقلاً عن الثقات ، وما ووي فيه عن الزهرقي لم يثبت ولذا لم يلتفت المصنف رحمه الله لما في الكشاف. قوله : ( فلا يتمهض حجة للحنفية ) أي لا يصلح للدليل ، والحجة وهو مجاز من نهض إذا قام بسرعة لاستقامته وتوجيهه كما يقال قام الدليل واستقام فإنه مجاز مشهور فيه ، وهو ردّ على الزمخشريّ حيث قال وهذا دليل لأبي حنيفة على أنّ المحصر محل هديه الحرم فإن قلت : فكيف حل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ، وأنما نحر هديهم بالحديبية قلت بعض الحديبية من الحرم وروي أنّ مضارب رسول اللهءلمجح كانت في الحل ومصلاه بالحرم فإن قلت فإذن قد نحر في الحرم فلم قيل : معكوفا أن يبلغ محله قلت المراد المحل المعهود وهو منى ، اهـ ووجه الاستدلال به أنّ المسجد الحرام يكون بمعنى الحرم وهم لما صدوهم عنه ومنعوا هديهم أن يدخله فيصل إلى محله دل بحسب الظاهر على أنه محله ولا ينافيه أنه نحر في طرف منه كما لا ينافي الصدّ عنه كون مصلاه فيه لأنهم منعوهم فلم يمتنعوا بالكلية أو المقصود من المنع منه المنع من دخول مكة ، والوصول إلى الكعبة فحينئذ لا بد من تأويل محله بالمحل المعهود لأنه بلغ محله فورد عليه من طريق الجدل الإلزام بأنه لم يبق فيه محل للاستدلال لاحتماله غير مذهبه أيضا وتقرير الزمخشري فاسد لأنه عليه لا له وهو غريب منه جدّا وقد مز تفصيله في سورة البقرة. قوله : ( لاختلاطهم بالمشركين ) فيه إشارة إلى أنّ العلم المنفي أوّلاً كناية عن اختلاطهم ، وعدم تميزهم كما ذكره في الكشف وبه يندفع التكرار أيضاً واستبعاده ليس بشيء. قوله : ( أن توقعوا بهم وتبيدوهم ) أي تهلكوهم يعني أن الوطء استعير هنا للبطش المهلك وهي استعارة حسنة واردة في كلامهم قديماً وحديثا ووجهها ظاهر. قوله :
( ووطثتنا وطأعلى حنق وطء المقيد نابت الهرم (
هو من شعر للحرث بن وعلة الذهلي يخاطب به قومه لما قتلوا أخاه أوّله :
قومي هم قتلوا أميم أخي فإذارميت يصيبني دى حممي
والوطء مرّ تفسيره وفسره المرزوقي بالقهر والحنق أشد الغيظ والهرم بسكون الراء المهملة أو الزاي المعجمة(8/64)
ج8ص65
وهما متقاربان معنى لأنهما اسم لنبت ضعيف ترعاه الإبل والمشهور رواية الأوّل ووطء المقيد صفة وطأ بتقدير مثل أو منصوب يفعل مقدر ، وذهب السيرافي إلى أنه يجوز نصب مصدرين بفعل واحد استدلالاً بهذا وتأويله ما مرّ ، والمراد بالمقيد البعير المقيد وخصه لأنّ وطأه أشد ولذا قيده بالحنق أيضاً ، وقال الزمخشري : في شرح مقاماته وطء المقيد مثل في الثقل والمراد بالنابت القريب نباته على حد وليد وطئت كما قاله المرزوقيّ لأنه أضعف ففيه مبالغات بليغة ، وروي يابس الهرم وهو أسرع انكسارا أيضاً.
قوله : ( 1 نّ آخر وطأة وطئها الله بوج ) بفتح الواو وتشديد الجيم اسم بلدة أو واد بالطائف والوج
اسم لبعض العقاقير أيضا لكنه معرّب ، ولا ينافي كونها آخر وقعة وقوع غزوة تبوك بعدها لأنه لم يقع فيها حرب فلم تكن وطأة كما في النهاية أو المراد آخر وقعة وقعت بالعرب وتلك بالروم.
تنبيه : قوله : آخر وطأة الخ هو بعض حديث وهو أنه صلى الله عليه وسلم خرج يوماً ومعه الحسن والحسين رضي الله عنهما وقال : " إنكما ريحانتاي وأنكما لمبخلة ومجبنة وإنّ آخر وطأة وطأها الله بوج ومناسبة " آخر الحديث لأوّله خفية لم أر من بينها غير ابن الأثير في الجامع الكبير فقال : معناه أني مع شدّة محبتي لكما مفارق عن قريب لأنّ هذه آخر غزواتي وهو كلام نفيس جدّاً. قوله : ( أو من !ميرهم ) بكسر الهاء أي ضمير هؤلاء المذكورين أو بضمها أي من ضمير هو لفظ هم ، وقوله : من جهتهم إشارة إلى أنّ من ابتدائية. قوله : ( كوجوب الدية والكفارة ( وجوب أحد هذه الأمور مذهب الشافعي لا مذهب أبي حنيفة لأنّ دار الحرب تمنع من ذلك عندنا لا عنده لكن الزمخشريّ ذكر ما ذكره المصنف رحمه الله وهو حنفيّ ، وفيه كلام في أوّل الفصول العمادية فليحرّر وفي عدّ الثالثة من المعرّة نظر. قوله : ( متعلق بأنّ تطؤهم ) المراد بالتعلق المعنويّ لا النحويّ لأنه حال من الضمير المرفوع كما اختاره المصنف رحمه الله أو المنصوب كما جوّزه غيره ، وجوّز الحالية من ضمير منهم وكونه صفة لمعرّة واختاره الإمام واعترض على الأوّل بأنّ فيه تكراراً من غير فائدة فالأولى أن يجعل في موضعه وقال المدقق في الكشف بعد قول الزمخشري متعلق بأن تطؤهم الخ على أنه حال من ضمير المخاطبين ولا تكرار مع قوله : لم تعلموهم سواء جعل أن تطؤهم بدل اشتمال من رجال ونساء أو من
المنصوب في لم تعلموهم أما على الثاني فلأنّ المعنى لولا مؤمنون لم تعلموا وطأتهم ، واهلاكهم وأنتم غير عالمين بإيمانهم لاحتمال أنهم يهلكون من غير شعور مع إيمانهم بسبب الكف عن التكذيب فيعتبر فيه العلمان فمتعلق العلم في الأوّل الوطأة وفي الثاني أنفسهم باعتبار الإيمان ، وأما على الأوّل فلأنّ قوله : بغير علم لما كان حالاً من فاعل تطؤهم كان العلم بهم راجعاً إلى العلم باعتبار الهلاك كما تقول : أهلكته من غير علم فلا الإهلاك عن شعور ولا العلم بإيمانهم حاصل ، ولما كان المعرفتان مقصودتين كان الوجه ما آثرة جار اللّه ، ولك أن تجعل لم تعلموهم كناية عن الاختلاط وفي كلامه إشارة إلى هذا وفيه ما يدفع التكرار أيضاً ا هـ ، محصله وحاصله أنّ متعلق العلمين متغاير فيهما فلا يلزم التكرار على كل حالة وهما لكونهما مقصودين بالذات صرح بهما وإن تقاربا أو تلازما في الجملة ، وما قيل على الشق الأوّل من أنّ التعلق الثاني علم من لم تعلموهم لأنّ المبدل منه ليس منجي حقيقة ، ولو سلم فضمير تطؤهم للمؤمنين والمؤمنات والمعنى لم تعلموا وطأ المؤمنين فيتضمن التعلق الثاني ويفيده لظهور أنّ عدم العلم بوطئهم لعدم العلم لإيمانهم مع أنه يتبادر من الكلام حينئذ معنى غير صحيح ، وهو وطؤهم عالمين بهم لتوجه النفي إلى القيد غير صحيح إذ لا شبهة في أنّ العلم بهم غير مراد كما أنّ العلم بإيمانهم كذلك في الثاني ، وكذا ما أورد على الثاني من أنّ ضمير المفعول في البدل عائد على رجال ونساء موصوفين بانتفاء العلم عنهم وعن إيمانهم فيعلم منه كون الوطء بلا شعور ولا نسل قصد التنصيص على كل منهما ، وهذا ما عناه الإمام وهو كله على طرف الثمام. قوله : ( وجواب لولا محذوف الخ ) الجواب قوله : لما كف الخ ، وما ذكره من المعنى هو حاصله على الوجوه وفيه ترجيح للإبدال من رجال ونساء ولذا قدر كراهة لأنّ البدل هو المقصود والوطء غير واقع ولولا تقتضي وقوع ما بعدها ، وقوله : بين أظهر الكافرين إشارة إلى ما مرّ تحقيقه في الاختلاط. قوله : ( علة لما دل عليه كف الأيدي الخ ) يشير إلى أن(8/65)
ج8ص66
الكف المذكور معلل بصون من بمكة عن المؤمنين فهذه العلة علة للعلة أو للمعلل بها ، وهذا أحسن من جعله علة للجواب المحذوف أو لما يدل عليه كأنه قيل لكنه كفها عنهم ليدخل بذلك الكف المؤدّى إلى الفتح بلا محذور في رحمته الواسعة الخ ، ولا ينافي هذا كون قوله : فتصيبكم الخ يفهم منه أنّ الكف المذكور معلل بصون المخاطبين لا بصون من بمكة من المؤمنين لأنه لا مانع من تعدّد العلل لأنها ليست عللاً تامّة حقيقية حتى لا يقبل ذلك كما توهم. قوله : ( أي في توفيقه ) إشارة إلى أنه إن كان المراد بمن يشاء المؤمنين فالرحمة التي يريد أن يدخلهم فيها التوفيق لزيادة الخير والطاعة لا لأصله لئلا يكون تحصيلاً للحاصل فليس احترازاً عن الرحمة من غير عمل حتى يكون اعتزالاً كما قيل فإن كف الأيدي عن أهل مكة وصون من فيها من المؤمنين ، وابقاءهم على عملهم وطاعتهم توفيق لهم بزيادة الخير والطاعة وإن أريد بهم
المشركون كان المراد من الرحمة التي أدخلهم فيها الإسلام لاً نهم إذا شاهدوا مغ تعذيبهم بعد الظفر بهم لاختلاط المؤمنين بهم اعتناء بهم رغبوا في الإسلام ، والانخراط في سلك المرحومين فظهر وجه كون قوله : ليدخل علة لكف الأيدي عن أهل مكة لصون من فيها من المؤمنين لأنهم إذا صانهم الكف المذكور أظهروا إيمانهم لمعاينة قوّة الدين وشوكة الإسلام ويقتدي بهم الصائرون للإيمان فلا وجه لجعل اللام مستعارة من معنى التعليل لما يترتب على الشيء تشبيها له بالعلة الغائية كما قيل لأنه عدول عن الحقيقة المتبادرة من غير داع للعدول سوى إظهار الفضول. قوله : ( لو تزيلوا ) جوز فيه الزمخشري أن يكون كالتكرير لقوله ، ولولا رجال الخ على أنّ الجواب لهما لمرجعهما إلى معنى واحد ولا يرد عليه أنّ معناهما متغاير مغايرة ظاهرة لأنّ كراهة وطئهم لعدم تميز الكفار الذي هو مدلول الثاني فهو كبدل الاشتمال فتأمّل. قوله : ( لعذبنا الذين كفروا منهم الخ ) منهم هنا للبيان وزانها وزان منهم فيما سيأتي ، وقوله : بالقتل إشارة إلى أنه دنيوقي والا لم يكن للو موقع ، والأنفة بفتحتين الاستكبار والاستنكاف ، واذعان الحق الانقياد له وأما الإذعان بمعنى الفهم أو سرعته فليس من كلام العرب ، وحويطب تصغير حاطب بمهملتين ومكرز بكسر فسكون ، ثم راء مهملة ثم زاي معجمة وظاهره أنه لم يكتب ما ذكره أوّلاً ، وفي كتب السير أنه كتبه ثم محاه وصورة المكتوب باسمك اللهمّ هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الفه سهيل بن عمر وصلحا على وضحع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيه الناس أو يكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه ردّه عليهم ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه ، وأن بيننا عيبة مكفوفة وانه لا إسلال ولا إغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه من أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه وسيأتي في الممتحنة نقضهم لهذا العهد ، وكانوا يكتبون باسمك اللهمّ وكتبها النبيّ ىلمجبوو حتى نزلت سورة النمل ، والقابل أصله العام
القابل وهو معناه عرفاً. قوله : ( فهنم المؤمنون الخ ) ضمير عليه لسهيل وعداه بعلى لتأويله بيوقعوا البطش عليه والسكينة الصبر والتحمل هنا ، وقوله : اختارها لهم تفسير لألزمهم كما في الكشاف وهذا مما لم يبين وجهه الشراح فكأنه أراد به أنه لا لزوم للكلمة على هذين الوجهين فإنّ ضميرهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم ومن معه وهم لم يلزموا بها ولكنهم لما كتبوها مخالفين للمشركين في هاتين الكلمتين بإرشاده تعالى فقد اختارها لهم دون من عدل عنها لبسمك اللهم ، ومحمد بن عبد الذ لأنها كلمة جليلة هم أحق بالهداية لها فالإلزام مجاز عما ذكر من اختيارها لهم وأمرهم بها قال الراغب : لزوم الشيء طول مكثه معه ، والإلزام لما بالتسخير من اللّه أو بالقهر من الإنسان والزام بالحكم الأمر كما هنا. قوله : ( أو الثباث الخ ) هو تفسير الحسن فالمراد بالكلمة ما عاهدوا عليه اللّه والزامه أمرهم بالوفاء والثبات عليه فكلمة التقو! كلمة مخصوصة ، وهي قولهم في الأصلاب بلى مقرّين بوحدانيته والإلزام الأمر بالثبات والوفاء به كما مرّ. قوله : ( لأنها ) أي الكلمة على الوجه الأخير سببها أي التقوى فإضافتها لها لأدنى ملايسة أو هي على تقدير المضاف فهي إضافة اختصاصية حقيقية ، وقوله من غيرها وفي الكشاف من غيرهم قيل وهو الأظهر لأنه معنى قوله : أهلها فتدبر. قوله : ( فيعلم أهل كل شيء الخ )(8/66)
ج8ص67
إشارة إلى أنّ علمه بالأهلية هي المرادة وبه يلتئم التذييل والتكميل لأنه يدخل فيه دخولاً أوليا فإذا علمه على أتم الوجوه وهو القادر الحكيم يسره له. قوله : ( والمعنى صدقه في رؤياه ) أي حقق صدقها عنده كما هو عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وفيه إشارة إلى أنه على الحذف والإيصال وفي شرح الكرماني كذب يتعدى إلى مفعولين يقال : كذبني الحديث ، وكذا صدق كما في الآية وهو غريب لتعدي المثقل لواحد والمخفف لمفعولين اكل ، وهذه الرؤيا كانت قبل خروجه للحديبية ، وقال مجاهد : كنت بالحديبية والأوّل هو الأصح ، وقوله : قال بعضهم الخ هو عبد اللّه بن أبيّ وعبد اللّه بن نفيل ورفاعة بن الحرث وهذا القول على طريق الاعتراض وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : نحوه على طريق الاستكشاف ليزداد يقينه. قوله : ( ملتبساً به الخ ) هذا كلام مجمل يحتمل أنه حال من الرسول أو ظرف لغو لصدق أو حال من الفاعل أو من الرؤيا أي ملتبسة بالحق لتأويلها بما يراه كما يشير إليه ما بعده وإن كان الأظهر ملتبسة ورؤيا الأنبياء
وحي لا تتخلف. قوله : ( وهو القصد إلى التمييز الخ ) أي ليس المراد بالحق مطابقة الرؤيا للواقع بل مطابقة ما يلابسها للواقع وهو القصد المذكور لأجل ذلك التمييز أخره للعام القابل ، وقوله : وأن يكون قسماً الخ فقوله : لتدخلن جوابه على الوجهين والوقف حينئذ على الرؤيا وقد كان جواب قسم مقدر كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله : ( تعليق للعدة بالمشيئة الخ ) جواب عما يقال من أنه تعالى خالق للأشياء كلها وعالم بها قبل وقوعها فكيف وقع التعليق منه تعالى بالمشيئة ، ولذلك ذهب بعض النحاة إلى أنّ أن تكون بمعنى إذ ومنه هذه فأجاب أوّلاً بأنه تعليم للعباد وهو معنى قول ثعلب اسنثنى فيما يعلم استثناء الخلق فيما لا يعلمون وفيه تعريض بأنّ وقوعه من مشيئته لا من جلادتهم وتدبيرهم فيكون كقوله : { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ } [ سورة يوسف ، الآية : 99 ] وما-له أنه للتبرك وهو من وضع الظاهر موضع الضمير وأصله لتدخلنه لا محالة إلا إن أشاء عدم الدخول فهو وعد لهم عن ظاهره لأجل التعريض بهم والإنكار على المعترضين على الرؤيا فيكون من باب الكناية وفيه دقة فتدبر. قوله : ( أو إشعارا الخ ) جواب ثان بأنّ التعليق راجع إلى دخولهم جميعاً ونظيره ما قيل إنه ناظر إلى الأمن ورده صاحب الكشف بأنه لا يدفع السؤال لأنّ الدخول المخصوص أيضا خبر من الله ، وهو ينافي الشك وليس نظير قول يوسف عليه الصلاة والسلام { ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ } [ سورة الكهف ، الآية : 23 ] إذ لا يبعد منه صلى الله عليه وسلم أن لا يعرف مستقراً لأمر من الأمن أو الخوف فلا بدّ من التأويل بأنّ الشك راجع إلى المخاطبين أو بأنه تعليم للعباد ويدفع بأنّ المراد إنه في معنى ليدخلنه من شاء الله دخوله منكم فيكون أيضاً كناية عن أنّ منهم من لا يدخله لأنّ أجله يمنعه منه فلا يلزم الرجوع لما ذكر. قوله : ( أو حكاية لما قاله ملك الخ ) هذا هو الجواب الثالث والرابع وما لهما الحكاية عن الغير فهو إما الملك الموكل أو النبيّ المرسل وردّه صاحب التقريب بأنه كيف يدخل في كلامه تعالى ما ليس منه بدون حكاية ، وسلمه شراح الكشاف لظنهم أنه وارد غير مندفع ، ولك أن تقول في دفعه إنّ المراد أنّ جواب القسم بيان للرؤيا ، وقائلها في المنام الملك وفي اليقظة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي في حكم المحكيّ في دقيق النظر كأنه قيل : وهي قول الملك أو الرسول الخ ولا يخفى أنه وإن صحح النظم لا يدفع البعد وقد مرت الإشارة إلى جوابين كون أن بمعنى إذ أو رجوع التعليق للأمن. قوله : ( حال من الواو ) المحذوفة من قوله : لتدخلن الخ لالتقاء الساكنين ، وقوله : محلقاً بعضكم الخ ففيه تقدير أو هو
من نسبة ما للجزء إلى الكل والقرينة عليه أنه لا يجتمع الحلق والتقصير فلا بد من نسبة كل منهما لبعض منهم ، وقوله : محلقين الخ حال مقدرة لأنّ الدخول في حال الإحرام لا في حال الحلق والتقصير. قوله : ( حال مؤكدة ا لقوله آمنين وهذا إن كان حالاً من الضمير المستتر في آمنين وهو بمعناه فإن أريد لا تخافون تبعة في الحلق أو التقصير ولا نقص ثوإب فهي مؤسسة ، وقوله : بعد ذلك قيل إنه ذكره لئلا يتكرر فيلغو مع قوله : آمنين لأنّ اسم الفاعلى للحال والمضارع هنا للاستقبال وفيه أنه لا تكون الحال حينئذ مؤكدة إلا أن يكون بحسب الظاهر المتبادر والاستئناف بيانيّ في جواب سؤال تقديره فكيف حالهم بعد الدخول. قوله تعالى : ( { فَعَلِمَ } الخ )(8/67)
ج8ص68
الظاهر عطفه على قوله : لقد صدق اللّه فالترتيب باعتبار التعلق الفعلي بالمعلوم إذ المراد ما لم تعلموا من الحكمة الداعية لتقديم ما يشهد لصدقه ، وقيل : هو للترتيب الذكري ، وقوله : في تأخير ذلك لم يقل كما في الكشاف في تأخير فتح مكة إلى العام القابل لما يرد عليه من أنه لم يقع في تلك السنة بل في السنة الثامنة ، وإن ارتكب التكلف في تأويله بالتجوّز أو بتأويل الفتح بدخولهم معتمرين ، وقوله : من الحكمة الخ لو فسر بما قدّمناه كان أنسب بالفاء فإنّ فيما ذكره إباء ما عنها ما لم يؤوّل بأظهر معلومه لكم وهو الحكمة المذكورة فتدبر. قوله : ( من دون دخولكم المسجد ) قدّمه لأنه أظهر وأقرب والزمخشريّ اقتصر على الثاني لأنه أنسب بما بعده ، وقوله : لتستروح في الأساس يستروح بمعنى يستريح وضمن معنى تطمئن ، وتسكن فلذا عدى بإلى وقوله : الموعود أي الفتح ا اسموعود وهو فتح مكة ، وقوله : ملتبساً به يعني أنّ الجار والمجرور حال من المفعول والباء للملابسة والتباسه بالهدى بمعنى أنه هاد ، وقوله : بسببه فالباء للسببية أو للتعليل وهما متقاربان وعليه فهو ظرف لغو متعلق بقوله أرسله ، وقوله : ليعليه هذا أصل معنى الظهور لأنه من أظهره إذا جعله على ظهره فلذا كني به عن العلوّ وعن كونه بادياً للرائي ، ثم شاع في ذلك وصار حقيقة عرفية ، وقوله : بنسخ الخ لأن علوه على جميع الدين والمراد ما يدان به من الشرائع والملل فيشمل الحق والباطل ، وتعريفه للجنس وظهوره على الحق بالنسخ وعلى الباطل ببيان بطلانه أو بالتسليط على أهله ، وقوله : إذ ما الخ تعليل لمقدر وهو قد تحقق ذلك أو لقوله بتسليط المؤمنين على أهله ، وقوله : من الفتح أي فتح مكة أو خيبر. قوله : ( على أنّ ما وعده ( من إظهار دينه على جميع الأديان أو الفتح أو
المغانم كائن ، وقوله : بإظهار المعجزات متعلق بقوله : شهيدا لأنّ المراد بشهادته تأييده له فهو على الوجه الثاني ، وقيل إنه متعلق بهما معا فانّ شهادته على كينونة الوعد وعلى حقية ما ادّعاه من النبوّة إنما هو ب!ظهار المعجزات على يد النبيّ صلى الله عليه وسلم وفيه نظر. قوله : ( جملة مبينة الخ ) على أنّ محمدا مبتدأ ورسول الله خبره وهو جار على الوجهين فإنه إن كان على أن ما وعده كائن فكينونة ما وعده لازمة لكونه رسولاً من الله إذ هو لا يوعد إلا بما هو محقق ولا يخبر إلا عن كل صدق مصدق كما لا يخفى ، وعلى كون المشهود عليه النبوّة فهو أقرب وأنسب ، وقيل : إنه على الثاني وقوله : صفة أو عطف بيان أو بدل وأيدت التبعية بأنه قرئ رسول الله بالنصب على الاختصاص ، ولذا ضعف كونه مبتدأ والمحذوف ضمير تقديره هو أي المرسل بالهدى ، وقوله : خبرهما أي المعطوف والمعطوف عليه على تقد!س الابتدائية ووفع أشدّاء الخ فإما على النصب على المدح أو الحالية المعطوف والمعطوف عليه على تقدير الابتدائية ورفع أشذاء الخ فإما على النصسب على المدح أو الحالية عن المقدر في معه فالخبر تراهم الخ. قوله : ( والمعنى الخ ) يعني فيهم غلظة وشدة على أعداء الدين ورحمة ورقة على إخوانهم المؤمنين فالثاني وهو قوله : رحماء الخ تكميل لو لم يذكره لربما توهم أنهم لاعتيادهم الشدة على الكفار قد صار ذلك لهم سجية في كل حال وعلى كل أحد فلما قيل : رحماء بينهم اندفع ذلك التوهم فهو تكميل واحتراس كما في الآية المذكورة فإنه لما قيل أذلة على المؤمنين ربما توهم أنّ مفهوم القيد كير معتبر ، وأنهم موصوفون بالذل دائما وعند كل أحد فدفع بقوله : أعزة على الكافرين فهو كقوله : حليم إذا ما الحلم زين أهله على أنه عند العدوّ مهيب
قوله : ( لأنهم مشتغلون الخ ( فالرؤية بصرية وركعاً سجداً حال وأشار بقوله : في أكثر إلى
أنّ المضارع للاستمرار وأنه استمرار عرفي بجعل اكثر بمعنى الجميع واعطائه حكم الكل وأنه عبر بالركوع والسجود عن الصلاة مجازاً مرسلا ، وقوله : الثواب والرضا تفسير للفضل والرضا على اللف والنشر المرتب ، وقوله : بيانها فكأنه قيل سيماهم التي هي أثر السجود ، وقوله : أو حال الخ المراد بالجار والمجرور في وجوههم الواقع خبرا وهذا ما اختاره المعرب ، وعلى ما قبله هو خبر مبتدأ تقديره هي من أثر السجود ولا يخفى ما في كلامه من التسامح في التقابل. قوله : ( وقد رويت ممدودة ) وهي لغة فصيحة كثيرة في الشعر كقوله :
غلام رماه الله بالحسن يافعا له سيمياءلاتشق على البصر
قوله ة ( إشارة إلى الوصف المذكور ) وهو من قوله : أشداء إلى هنا وأفرده لأنّ الوصف مصدر شامل للقليل(8/68)
ج8ص69
والكثير وفيه إشارة إلى وجه أفراده مع تعدد الأوصاف أو هو باعتبار ما ذكر ولذا قيل هو إشارة إلى ما ذكر من نعوتهم الجليلة ، والبعد للإيذان بعلو شأنه وبعد منزلته في الفضل ، وقيل : البعد باعتبار المبدأ ، ولو قيل هذا التوهم أنّ المشار إليه هو الوصف الأخير أعني سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، والمراد بالسيما المذكورة نور وبياض في وجوههم يعرفون به يوم القيامة ، وقيل : استنارة وجوههم في الدنيا لكثرة صلاتهم بالليل قيل : مواضع سجودهم يوم القيامة ترى كالقمر ليلة البدر ، وقيل : هو صفة الوجه من سهر الليل وقيل : الخشوع حتى كأنهم مرضى وما هم بمرضى. قوله : ( أو إشارة مبهمة يفسرها كزرع ( الأصل في الإشارة إن تكون لمتقدم وأنما يثار إلى المتأخر إذا كان نعتاً لاسم الإشارة نحو ذلك الكتاب ، وقد مرّ في سورة البقرة في قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [ سورة الفتح ، الآية : 29 ] أنه قد يشار لما بعده تفخيماً له وتعظيما لشأنه كما أنّ الضمير يعود على ما بعده كذلك فتأمّل. قوله : ( صفتهم العجيبة ) قد مرّ تحقيقه في سورة البقرة ، وقوله : تمثيل الخ فقوله : كزرع خبر مبتدأ مقدر تقديره مثلهم أو هم وهذا بناء على أنّ ذلك إشارة إلى الوصف ، وقوله : أو تفسير بناء على أنّ الإشارة مبهمة ، وقوله : أو مبتدأ معطوف على قوله عطف. قوله : ( فراخه ) بكسر الفاء جمع فرخ كفرع لفظا ومعنى يقال : فرخ الزرع إذا تهيأ للانشقاق ، وأصل الفرخ ما تولد من الحيوان أو الطاثر قال الراغب الشطأة فروع الزرع وهو ما خرج منه ، وتفرع في شاطئه أي جانبه وجمعه أشطاء وقوله : بتخفيف الهمزة أي قلبها ألفاً بعد نقل حركتها لما قبلها ، ويحتمل أن يكون مقصوراً. قوله : ( فقوّاه من الموازرة الخ ) قال أبو حيان : كونه من الموازرة خطأ فإنه لم يسمع في مضارعه توازر بل توزر وهذه شهادة نفي غير مسموعة ، على أنه يجوز أن يكون ورد من بابين واستغنى بأحدهما عن الآخر ومثله كثير مع أنّ السرقسطي نقله عن المازني حيث قال في أفعاله : أزرت الرجل أعنته ، قال أبو عبيدة : الإزر الظهر يقال : آزرني أي كان لي ظهراً ، وقال ابن الأعرابي : الإزر القوّة يقال منه : أزرني أي قوّاني قال تعالى : { أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } وقال أبو عثمان : وآزر الشيء غيره ساواه وحاذاه وأنشد لامرئ القيس :
بمحنية قدآزرالضال نبتها ببحرجيوس غانمين وخيب
ومنه قوله تعالى : { أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ } اص. قوله : ( فصار من الدقة الخ ) فهو كاستحجر الطين وهو ينبئ عن التدريج ويحتمل أنه للمبالغة كاستعظم ، وقوله : سؤقه بالهمزة أي بإبدال الواو المضموم ما قبلها همزة كما في قراءة يؤقنون بالهمزة ، وقوله : يعجب الزراع حال أي معجبا لهم وكثافة الزرع كثرة فروعه وأوراقه. قوله : ( وهو مثل ضربه الله الخ ) في الكشاف وهذا مثل ضربه الله لبدء أمر الإسلام وترتيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قام وحده ، ثم قوّاه الله بمن آمن معه كما يقوّي الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها ، وهذا ما قاله البغويّ من أنّ الزرع محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه والمؤمنون فجعلا التمثيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمته والمصنف رحمه الله جعله للصحابة فقط ولكل وجهة ، وعن بعض الصحابة إنه لما قرأ هذه الآية قال : تمّ الزرع وقد دنا حصاده. قوله تعالى : ( { لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } ) قال في المواهب : إنّ الإمام مالكا رحمه اللّه استنبط من هذه الآية تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة فإنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة فهو كافر ووافقه كثير من العلماء ا هـ ، وهو كلام حسن جدّاً. قوله : ( علة لتشبيههم بالزرع ) أي لاتخاذه تعالى لهم على وجه يشبه الزرع في القوّة والنماء ، وليس المراد به التمثيل فإنه ركيك فتدبر. قوله تعالى : ( { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم } ) أخر منهم هنا عن قوله : عملوا الصالحات ، وقدم عليه في آخر سورة النور لما مرّ من أنّ عمل الصالحات لا ينفك عنهم ، وهو ثمة لبيان الخلفاء والعمل الصالح ليس بلازم لهم حتى لا ينعزلوا بالفسق وأرجع البغوي ضمير منهم للشطء باعتبار المعنى ولا يخفى بعده ، ويجعل من بيانية سقط حجة من طعن به على الصحابة وجعلها تبعيضية ، وقوله : من قرأ سورة الفتح الخ حديث موضوع وأمره مشهور تمت السورة بحمد الله ومنه.(8/69)
ج8ص70
سورة الحجرات
بسا الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مدنية ) وفي قول شاذ أنها مكية وانتظام أوّل هذه السورة بآخر السورة السابقة
ظاهر وقد فصله في التيسير ولا خلاف في عددها. قوله : ( أي لا تقدّموا أمراً ) يعني أنه متعد حذف مفعوله لأنه أريد به العموم أو أنه نزل منزلة اللازم لعدم القصد إلى المفعول كما تقولط فلان يعطي ويمنع ، أو هو لازم فإن قدم يرد بمعنى تقدّم كبين فإنه متعد ويكون لازماً بمعنى تبين ، فقوله : لا تقدّموا على حذف المفعول العام كما بينه بقوله : فحذف الخ ، وقدمه لأنّ لزومه وتنزيله منزلة اللازم على خلاف الأصل فليس بيانا لمآل المعنى على الوجوه فلا ينافي كونه مما ترك فيه المفعول كما قيل. قوله : ( ليذهب الوهم الخ ) يعني إنه لاحتماله لأمور لو قدر أحدها كان ترجيحاً بلا مرجح فيقدر أمراً عاماً لأنه أفيد مع الاختصار ، وقوله : لأنّ المقصود الخ يعني المقصود بالنفي حقيقة التقديم على الرسول بقطع النظر عما يقدم بين يديه والزمخشري رجح الوجه الأوّل على ما عداه وقال : إنه الأوجه الأبلغ لما فيه من الإيجاز مع الفائدة التامّة للعموم واستعماله على أعرف اللغتين فيه مع المطابقة لما نزل في شأنه ، وفي الكشف فإن قلت الظرف هاهنا بمنزلة مفعول التقدّم يعني عليه والتقدّم بين يدي المرء خروح عن صفة المتابعة فالتمثيل عليه أوقع ، قلت : التقديم وهو أن تجعل أحدا إمّا نفسك أو غيرك متقدّما بين يديه أكثر اسنهجانا وأدلّ على الخروح عنها فافهم يعني أنّ التعدي على الوجهين أبلغ من اللزوم ، وإن سلم من الحذف والتقدير الذي هو على خلاف الأصل لما ذكر ، ثم إنه ربما يتوهم أنّ الظرف إذا تعلق به العامل قد ينزل منزلة المفعول فيفيد العموم كما قرّروه في مالك يوم الدين ، والتقديم بين يديه فيه خروج عن المتابعة حساً فهو أوفق لاستعارته لعدم المتابعة المعنوية المقصودة هنا فتخريجه على اللزوم أبلغ ولا يضرّه عدم الشهرة فإنه لا يقاوم الأبلغية المطابقة للمقام فأشار إلى دفعه بأنّ المراد النهي عن مخالفة الكتاب والسنة والتعدية تفيد أنّ ذلك بجعل ، وقصد منه للمخالفة وهو أقوى في الذم بالدلالة على تعمد عدم المتابعة لا صدورها عنه كيف ما اتفق ، ومن لم يفهم مراده قال المتبادر إلى الذهن من التقديم جعل الغير متقدّما ليس إلا والظاهر أنّ التقدّم استحق من تقديم الغير مع ما بعده بموافقة القراءة الأخرى
فتدبر. قوله : ( قراءة يعقوب ) بحذف إحدى التاءين لأنه من التفعل وهو المطاوع اللازم ، وقوله : من القدوم من الغيبة والسفر ففيه استعارة شبه تعجيلهم لقطع الحكم في أمر من أمور الدين بقدوم المسافر من سفره لما فيه من العزم ، وشدة الرغبة كقوله تعالى { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا } ولما فيه من البلاغة اختاره الزمخشريّ ، وتبعه المصنف ولم يجعلاه من قدم إذا مضى في الحرب لأنه لا يناسب المقام بدون التجوّز ولا وجه له هنا ، ومن لم يدر المراد اعترض بما ذكر. قوله : ( مستعار مما بين الجهتين الخ ) في هذا الكلام تجوز أن أحدهما في بين اليدين فإنّ حقيقتة ما بين العضوين فتجوز بهما عن الجهتين المقابلتين لليمين والشمال قريبا منه بإطلاق اليدين على ما يجاورهما ويحاذيهما فهو من المجاز المرسل ، ثم استعيرت الجملة وهي التقدّم بين اليدين استعارة تمثيلية للقطع بالحكم بلا اقتداء ومتابعة لمن يلزم متابعته تصويراً لهجنته وشناعته بصورة المحسوس كتقدم الخادم بين يدي سيده في مسيره فنقلت العبارة الأولى بما فيها من المجاز إلى ما ذكر على ما عرف في أمثاله ، هذا محصل ما في الكشاف وشروحه والمصنف اختصره اختصاراً مخلا اعتمادا على ظهور المراد ومراجعة أصله ، وقوله : مستعار أراد به الاستعارة اللغوية فإنه بيان للتجوّز الأوّل وهو مجاز مرسل كما قرّرناه لك وأمّا حمله على معناه المعروف ، ثم ادعاء أنه أراد الاستعارة في إضافة اليدين إلى الله سبحانه وتعالى فهو تعسف لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يدفع الإشكال ما لم يرجع لما ذكرناه ، وقوله : ليدي الإنسان متعلق بالمسامتتين أي المقابلتين وقوله : تهجيناً أي تقبيحاً من الهجنة ، وهي القباحة وقد بيناه لك. قوله : ( لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به ) قطع الأمر الجزم به والجراءة على ارتكابه من غير إذن من له الإذن ، وقوله : وقيل المراد الخ فهو من باب أعجبني زيد وكرمه ، وقد مرّ ما يفيده من قوّة الاختصاص فالنهي عن التقدّم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أوفق لما يجيء بعده فإنّ(8/70)
ج8ص71
مساق الكلام لإجلاله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان استحقاق هذا الإجلال لاختصاصه به تعالى ومنزلته منه فذكر بين يدي الله عز شأنه أدخل في النهي كما قرره المدقق في الكشف والتجوّز باق بحاله والفرق بينه وبين ما قبله ليس أنه لا يراعي في هذا الاستعارة مما بين الجهتين كما توهم بل إنّ ذكر الله على هذا لبيان قوّة الاختصاص تمهيدا وتوطئة لما بعده فتدبر. قوله : ( في التقديم أو مخالفة الحكم ) أو فيه للتخيير في التعبير والتفسير ، والتقديم لأنه المنهيّ عنه ظاهراً ومخالفة الحكم لأنه المراد من التقديم ، وقوله : فلا
تجاوزوا الخ تفسير للمراد منه فإنّ الرفع والفوقية حقيقة في الأجسام لكنه صار حقيقة عرفية فيما ذكر. قوله : ( ولا تبلنوا به الجهر الخ ا لما كانت هذه الجملة كالمكرّرة مع ما قبلها وليس القصد للتأكيد لأنّ العطف يأباه أشار في الكشاف إلى أنّ المراد بالأوّل أنه إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم حدّاً بلغه صوته بل يكون كلامكم دون كلامه ليمتاز منطقه ، والمراد بهذا إنكم إذا كلمتموه وهو صامت فلا ترفعوا أصواتكم كما يفعل في مخاطبة العظماء ، وبه حصل التغاير واتضح العطف ، والمصنف لما رأى أن تخصيص الأوّل بمكالمته معهم وهذا بصمته خلاف الظاهر وفيه مندوحة عنه لأنّ الأول نهى عن أن يكون جهرهم أقوى من جهره كما هو صريح قوله فوق صوت النبيّ ، وهذا نهي عن مساواة جهرهم لجهره فإنه المعتاد ير مخاطبة الأقران والنظراء بعضهم لبعض فلا تكرار فيه ، ومجموعه يفيد غض صوتهم وتكلمهم بأخي السرار والهمس كما ورد في الآثار عدل عنه فليس في كلامه ما يدل على تقييدهما بما إذا نطق ونطقوا كما توهم وظاهر كلامه في الكشف أنّ مال ما في الكشاف إلى ما ذكره المصنف وفيه نظر فقوله : ولا تبلغوا به أي بالقول ، ولا حاجة إلى حمل النهي الأوّل على وجوب كون صوته أعلى من صوتهم كما هو المعروف في العرف ، وقوله : بل اجعلوا الخ بيان للحاصل من مجموع الجملتين. قوله : ( محاماة على الترحيب ) المحاماة بميمين وحاء مهملة المحافظة مفاعلة من حماه إذا منعه وصانه والترحيب قيل إنه بالحاء المهملة من قولهم أهلا ومرحبآ والترحيب بمعنى التوسيع ، وقيل : بالجيم من رجبه إذا عظمه وهذا أقرب معنى إذ الأوّل محتاج إلى تكلف إنّ المراد بالتوسعة بعدما بين مقام النبوّة ومقام الأمّة المقتضي لما ذكر. قوله : ( وقيل معناه الخ ) فيغاير ما قبله ويتضح عطفه عليه لكنه خلاف الظاهر ، ولذا مرضه لأن ذكر الجهر حينئذ لا يظهر له وجه إذ الظاهر أن يقال : لا تجعلوا خطابه كخطاب بعضكم لبعض كما مز في قوله : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا } [ سورة النور ، الآية : 63 ] . قوله : ( وتكرير النداء ) بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } الخ لأنه مقتضى التوجه واقبال المنادى على المنادي المقتضي لتفريغ باله وسمعه المستدير لزيادة استبصاره ، وفي تكريره طلب إقبالهم وتطرية نشاطهم فلا يفتروا ويغفلوا عن التامّل فلذا أفاد المبالغة في الاتعاظ ، ودل على أنّ المنادى له أم مستقل غير تابع لغيره فهو مما يهتمّ به. قوله : ( كراهة أن تحبط الخ ) يعني أنّ قوله أن تحبط الخ في محل نصب مفعول له تعليل لما قبله من النهيين على طريق التنازع ، وهر إمّا تعليل للنهي فيقدر فيه مضاف وهو كراهة كما أشار إليه المصنف فالمعنى إني أنهاكم عما
ذكر لكراهة حبوط أعمالكم بارتكابه أو للمنهيّ عنه وهو الرفع والجهر ولام التعليل المقدرة على هذا مستعارة للعاقبة التي يؤدّي إليها الفعل كما في قوله : { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } [ سورة القصص ، الآية : 8 ] لأنّ الرفع والجهر ليس لأجل الحبوط وبما ذكر يتحد فاعل المعلل المعلل فيتم كونه مفعولاً له. قوله : ( لأنّ في الجهر والرفع الخ ) تعليل وتبيين لتأدية ما ذكر للحبوط مع أنّ المحبط في الحقيقة عند أهل السنة الكفر لا غير ، والاستخفاف المراد به جعل ما ذكر من الجهر والرفع خفيفا هينا لا إلاستخفاف بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه بمعنى الإهانة له وهي كفر فلا يصح قوله : وذلك إذا انضم الخ كما لا يخفى ، وهو ردّ على الزمخشري حيث استدل به على مذهبه من إحباط الكبائر مطلقاً للأعمال فإنّ هذه كبيرة قد أحبطت ولا فرق بينها وبين غيرها مع أنه قد أول ما هنا بأنه للتغليظ ، والتخويف إذ جعلت بمنزلة الكفر المحبط ، أو هو للتعريض بالمنافقين القاصدين بالجهر والرفع الاستهانة فإنّ فعلهم محبط بلا شك(8/71)
ج8ص72
فتأمّل. قوله : ( وقد روي الخ ) ثابت بن قيس هذا صحابيّ معروف وما ذكره المصنف ذكره البخاريّ وغيره وهو حديث صحيح ، وقوله : جهوريا بفتح الجيم وسكون الهاء وفتح الواو وراء مكسورة بعدها ياء مشددة صيغة مبالغة من الجهر وهو ضد الإخفاء في الصوت ويوصف به الرجل وكلامه ، وقوله : قد حبط قد كفرت واستوجبت النار بذلك ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : " إنك من أهلى الجنة تطميناً لقلبه وإزالة لخوفه " وقوله : فتفقده أي طلب سبب فقده وغيبته عن مجلسه ، وقوله : لست هناك كناية عن نزاهته عما ظته بنفسه لأنه نفي عنه أن يكون في مكان تحبط فيه الأعمال فيلزم ذلك بطريق برهاني أن لا يحبط له عمل. قوله : ( إنها محبطة ) بيان لمفعوله المقدر بقرينة ما قبله ، وقوله : عن مخالفة النهي عداه بعن لأنه ضمنه معنى الاجتناب ، وقوله : يسرإنه الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم أي يخاطبانه بصوت خفيّ كالسرّ حتى أنه لا يسمعه أحيانا فيستفهم منهما عما قالا. قوله : ( جرّبها للثقوى الخ ) أصل معنى الامتحان التجربة والاختبار ، وهذا مما
لا يسند إلى الله تعالى لأنّ الاختبار إنما يكون لمن لم يعرف المختبر فيفعله ليعرفه فلذا أوّله بوجوه ، الأوّل قوله : جرّبها الخ فالتجربة بيان لمعناه الحقيقيّ ، وقوله : مرّنها بيان للمراد منه فلذا عطفه عليه عطفاً تفسيرياً ، والمراد من تمرّنهم واعتيادهم أنهم صبروا على التقوى واحتملوا مشاقها فالامتحان مجاز عن الصبر بعلاقة اللزوم وقيل إنه كناية تلويحية عن الصبر والاحتمال المذكور لأنّ الممتحن يعود للفعل مرّة بعد أخرى فيكون له قوّة عليه ، وأورد عليه أنه لا يجوز إرادة المعنى الموضوع له هنا فلا يصح كونه كناية ولاستشعار صاحب الكشف لهذا قال : إنّ الإسناد إلى الله تعالى للدلالة على التمكن كما في ختم الله على قلوبهم ففيه مع الكناية تجوّز في الإسناد والأصل امتحنوا قلوبهم لها بتمكين الله لهم ، وهو معنى قول الطيبي معنى الآية راجع للعباد ولا يخفى تكلفه ، وقيل : إنه من المجاز المتفرع على الكناية أو هو مبنيئ على أنه لا يشترط في الكناية إرادة الحقيقة بل جواز الإرادة وإن امتنعت في محل الاستعمال ، وكله تكلف لا حاجة إليه مع ما قدمناه. قوله : ( أو عرفها الخ ) هذا هو التأويل الثاني على أنه مجاز مرسل وضمع فيه الامتحان موضمع المعرفة لأنه سببها فإن قيل الله تعالى لا يوصف بالمعرفة فإنه لا يقال : عرف الله بل علم قلت : الممتنع إطلاق لفظ المعرفة لا معناها فإنه العلم بعينه مع أنه ، وإن اشتهر غير صحيح أيضاً لأنه في نهج البلاغة أطلق العارف على الله وقد ورد في الحديث أيضاً فتدبر. قوله : ( واللام صلة محذوف ) أي كائنة أو خالصة للتقوى على أنّ الجارّ والمجرور حال من المفعول أعني قلوبهم أو هي متعلقة بامتحن باعتبار معناه الأصلي لا الكنائي ولا المجازي إذ معناه معتادة للتقوى ، وهذا على الوجهين لا على الثاني ولا عليهما على اللف والنشر المشوّس كما قيل : واعلم أنّ اللفظ إذا كان مجازاً أوءضاية عن معنى واختلفت تعدية المعنى الأوّل والثاني يجوز أن يراعي كل منهما وقد فصلناه في غير هذا الموضع ، وقوله : للفعل معطوف على صلة بتقدير أو صلة للفعل أو على محذوف على توهم أنه صلة محذوف فمانّ الإضافة لامية. قوله : ( او ضرب اللّه قلوبهم الخ ) هذا التأويل الثالث فعلى هذا الامتحان الضرب بالمحن ، والمراد التكاليف الشاقة والضرب الإصابة فهو حقيقة واللام للتعليل والعلة ، والغرض هو ظهور التقوى لا هي والاصطبار مستفاد من نفس التقوى وإليه أشار بقوله : فإنها الخ. قوله : ( أو أخلصها للتقوى الخ ( هو التوجيه الرابع ومعنى أخلصها للتقوى أنه ليس لغير التقوى فيها حق كأن القلوب صارت ملكا للتقوى ، وهو استعارة أو تمثيل كما ذهب إليه شراح الكشاف ولا يأباه تفسيره بإخلاصها حتى يتعين أنه من إرادة المطلق بالمقيد كما توهم فإنه تفسير للمعنى المراد منه بعد التجوّز فيه كما لا يخفى ، وابريزه بمعنى خالصه يقال : ذهب إبريز أي خالص وخبثه ما خالطه من غيره. قوله : ( لذئويهم ) بيان لمتعلق المغفرة وقوله : لغضهم أي
أصواتهم عند النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأفرده عن سائر الطاعات لاقتضاء السياق له وهو بيان لمقتضى الثواب ، وقيل : إنه تعليل لمتعلق الخبر وهو الثبوت وفيه نظر ، وقوله : والتنكير الخ يعني تنكير ما وقع جزاء لهم وهو مغفرة وأجر ففي قوله : عظيم مبالغة في عظمه فإنه : ( ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ) والجملة لهم مغفرة الخ. قوله : ( لبيان(8/72)
ج8ص73
ما هو ( فهو استثناف بيانيّ وفيه إشارة إلى ترجيح الاستئناف ، ولذا اقتصر عليه في الكشاف لما فيه من تكثير المعنى مع تقليل اللفظ مع ما تضمنه من بيان الاهتمام بشأنهم ، وقوله : إحمادا لحالهم أي لأجل أنّ حالهم محمودة وهو تعليل للجزاء وقوله : من معرفتين يعني أولئك والذين وتعريفهما يفيد الحصر الادّعائي المفيد للمبالغة في وصفهم بما ذكر مع ما سيأتي ، وايقاع اسم الإشارة مبتدأ متضمناً لما أشير إليه من اسم إنّ فيه تقوية له وتاكيد لأنه تكرير له معنى وأنّ اتصافهم با ذكر مقتضى لثبوت الخير لهم مع ما في الإشارة بما يشار به للبعيد من الدلالة على الشرف وعلو المرتبة وبعد المنزلة ، وقوله : دلت صفة صلة وقوله : مبالغة الخ تعليل لقوله : أخبر الخ ووجه الدلالة فيها على ما ذكر ما مرّ من معنى الامتحان على الوجوه السابقة والاعتداد والارتضاء من حسن الجزاء ، ويعلم منه ثبوت ضده لضده ، وقوله : وأنّ حال المرتكب الخ من تعريف الطرفين من الدلالة على الحصر كما مرّ. قوله : ( من خارجها الخ ) ذهب بعض أهل اللغة إلى أن وراء من الأضداد يكون بمعنى خلف وقدام ، وقال الآمدفي : في كتاب الموازنة ردّاً عليه ليست من الأضداد إنما هي من المواراة والاستتار فما استتر عنك فهو وراء خلفا كان أو قداما إذا لم تره وتشاهده فإذا رأيته لا يكون وراءك ، وقوله تعالى : { وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا } [ سورة الكهف ، الآية : 79 ] قالوا : إنه كان أمامهم وصلح لذلك لأنهم لم يشاهدوه ، اهـ والى هذا أشار المصنف بقوله : من خارجها فالوراء بالنسبة لمن فيها ما كان خارجها لتواريه عمن فيها ، وقول الجوهريّ : إنه من الأضداد قول آخر فلا يرد على ما ذكر كما توهم فهو مشترك معنوقي لا لفظيّ. قوله : ( ومن ابتداءلية الخ ) ما ذكره تبعاً للزمخشريّ حاصله الفرق بين ذكر من وحذفها فلا يجوز على الأوّل أن يجمعهما أي المنادي والمنادى الوراء فيقتضي أنّ المنادى داخل الدار ،
ويجوز ذلك على الثاني لأنّ مدخول من مبتدأ الغاية ، ولا يجتمع على الشيء الواحد أن يكون مبتدأ ومنتهى ، واعترض عليه بأنّ من قد تكون لابتداء الغاية وانتهائها معا نحو أخذت الدراهم من زيد فزيد محل لابتداء الأخذ وانتهائه وقد صرّج به سيبويه وأيضاً أنّ المبدأ والمنتهى إن كان شخصاً يجوز جمعهما في جهة ، وإن كان جهة ذات أجزاء فكذا والا فلا فرق بين دخول من وعدمه وردّ الأوّل بأن محل الانتهاء هو المتكلم ليس إلا كما ذكره ابن هشام في المغني في حرف الميم ، وذكر أنّ ابن مالك قال : إنّ من فيه للمجاوزة ، والثاني بما حاصله أنّ المبدأ الجهة باعتبار تلبسها بالفاعل لأنّ حرف الابتداء تعلق بالفعل ودخل على الجهة التي هي غير داخلة في مفهومه فيعتبر أنّ من للجهة ، وتلبس الفاعل تحقيقاً لمقتضى الفعل والحرف ، ولما وقع جميع الجهة مبدأ لم يجز كونها منتهى سواء انقسمت أو لا فإذا لم يذكر حرف الابتداء لم يرد هذا وظهر بما ذكر الفرق بينهما إلا أنّ التحقيق أنّ الفعل يتعدى من الفاعل ، وينتهي إلى المفعول ويقع في الظرف ومن وراء الحجرات ظرف كصليت خلف الإمام ومن خلفه ، والفرق بينهما تعسف والقسمة غير حاصرة وقد مرّ في الأعراف طرف منه ، وذكر في قوله تعالى ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض أنّ في قوله : دعوته من مكان كذا يجوز كون الداعي والمدعوّ في ذلك المكان ، ولا يخفى أنّ ما في الكشاف بناء على أنّ من للابتداء إذا دخلت على الظرف ، وما في الكشف بناء على أنها زائدة لا فرق بين دخولها وخروجها وبعد هذا ففيه ما يحتاج إلى التحرير فتدبر. قوله : ( وقرئ الحجرات الخ ( إشارة إلى ما في مثله من الأسماء الجامدة الواقعة على وزان فعلة بضم الفاء وسكون العين فإنه يجوز في جمعه ثلاثة أوجه ضم العين اتباعا للفاء ، وفتحها وتسكينها للتخفيف ، وقوله : المحجورة بحائط أي الممنوعة عن الدخول فيها والحظيرة ما تجمع فيه ، وتكون أطرافه محجورة بحطب ونحوه ، وقوله : بمعنى مفعول لم يقل مفعولة وإن كان هو الظاهر لأنّ تأنيثه لفظيّ فإذا أوّل زال عنه التأنيث فتقول الغرفة المغروف لا المغروفة كما توهم إلا بتاويل لا حاجة له هنا. قوله : ( والمراد الخ ) فالتعريف للعهد ، وقوله : وفيه أي في ذكر الحجرات كناية عن خلوته لأنها معدة لها ولم يقل حجرات نسائك ولا حجراتك توقيراً له صلى الله عليه وسلم وتحاشياً عما يوحشه ، وقوله : حجرة حجرة كقرأت النحو بابا بابا أي مفصلا فالمراد أنه للاستغراق(8/73)
ج8ص74
العرفي أي جميع حجراته صلى الله عليه وسلم ، وقوله : فأسند فعل الأبعاض إلخ
يعني أنّ الذين ينادونه لم ينادوه من وراء كل حجرة كما هو في الوجه الأوّل بل ناداه بعضهم من حجرة وآخر من أخرى ، ومذا بناء على أنّ الاستغراق إفراديّ لا شموليّ مجموعي ولا أنه من مقابلة الجمع بالجمع المقتضي لانقسام الآحاد على الآحاد لأنّ من ناداه صلى الله عليه وسلم من وراء حجرة منها فقد ناداه من وراء الجميع كما لا يخفى ، وقوله : وقيل إنّ الذي نادا 5 الخ مرضه لضعف الرواية فيه أو لعدم القرينة الدالة على تعينه إلا أنّ سبب النزول لا يلزم فيه ذلك وقوله وأنما أسند الخ مرّ ما فيه فتذكره. قوله تعالى : ( { أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } ( لما كان نفي العقل عنهم ليسى على ظاهره إذ المراد أنهم لا يجرون على مقتضى العقل من مراعاة الأدب لا سيما مع أجل خلق الله وأعظمهم عليه صلى الله عليه وسلم كما أشار إليه المصنف بقوله : إذ العقل الخ ورد أنّ الظاهر لا يعقلون من غير ذكر الأكثر وأجيب بأن التقييد لأنّ منهم من لم يقصد ترك الأدب لأمر مّا ، أو المراد بالقلة التي يدل عليها نفي الكثرة العدم فإنه يكنى بها عنه وحذف لا من سيما وقد مرّ ما فيه مرارا والمراد بالمنصب مقام النبوة. قوله : ( أي ولو ثبت صبرهم الخ ) إشارة إلى أنّ أنّ المفتوحة المؤوّلة بالمصدر هنا فاعل فعل مقدر ، وهو ثبت والقرينة عليه معنى الكلام فإنّ إن وأن تدل على الثبوت ، وفي تقدير الفعل إبقاء لها على أصلها من دخولها على الفعل فإنها في الأصل شرطية مختصة بالفعل فلذا اختار هذا المصنف على كونها بتأويل مبتدأ لا خبر له أو خبره مقدر وكون خبر أن بعدها فعل دائما أو في اكثر مفصل في كتب النحو ، وقوله : انتظارهم عطف على صبرهم عطف تفسير فإنه المراد بالصبر هنا. قوله : ( وجب إضمار الفعل ) أي لدلالة أن على التحقق والثبوت ، وهو إنما يكون في الماضي حقيقة لأنّ ما يقع في المستقبل لا يعد ثبوتا في نفس الأمر إلا باعتبار أنه سيثبت فيه وكذا الحال إنما ثبوته باعتبار ما مضى منه ، وهذا يقتضي تقديره ماضيا ، وأمّا بيانه بأنّ تعريف الفعل للعهد والمراد به الفعل المعهود وهو الماضي المشتق من الثبوت لئلا يرد عليه أنه لا دلالة فيما ذكر عليه بل دلالته على
إضمار الخبر أظهر لأنّ حق الدال التقدم على المدلول عليه فتقدير لو أنّ صبرهم ثابت أظهر فتكلف بما لا يجدي لكنه لا يخفى ما في كلام المصنف من التسامح والخفاء فتدبر. قوله : ( وحتى تفيد أنّ الصبر الخ ) بيان للفرق بين إلى ، وحتى واختيار حتى هنا دون إلى بأنّ حتى موضوعة لما هو غاية في نفس الأمر وإلى غاية لما هو غاية في نفس الأمر أو بجعل الجاعل فلذا اختيرت هنا كما أشار إليه بقوله : ينبغي أن يكون مغعى بخروجه يعني أنّ انتظارهم إلى أن يخرح إليهم أمر لازم لأنّ الخروح لما جعله الله غاية كان كذلك في الواقع فهي أبلغ في الدلالة على المراد وأخصر لعدم لزوم التصريح بأن معها ، ولا تنافي بقاء الخيرية بعد الخروج أيضا بخلاف إلى. قوله : ( ولا تقول حتى نصفها الخ ) لأنّ مجرورها لا بد من كونه آخر جزء أو ملاقياً له هذا ما ذهب إليه الزمخشري تبعا لكثير من النحاة وليس مما تفرد به كما توهمه ابن مالك وأمّا ما أورد عليه من قوله :
عينت ليلة فمازلت حتى نصفهاراجيافعدت بؤسا
فعلى تسليم أنه من كلام من يعتد به مع أنه نادر شاذ لا يرد مثله نقضا مدفوع بأنّ معنى
قوله عينت ليلة أي وقتاً للزيارة وزيارة الأحباب يتعارف فيها أن تقع في أوّل الليل فقوله حتى نصفها غاية لوقت الزياوة المعهودة ، وأمّا الجواب باختصاصها بذلك إذا صرّح بذي الغاية ، وهذا ليس كذلك لأنه لم يقل ما زلت في تلك الليلة حتى نصفها ، وإن كان المعنى عليه فليس بشيء لأنه إذا سلم أنّ ذا الغاية الليلة فهو مذكور بقوله : ليلة إذ لا فرق بين التعريف والتنكير فيه فتدبر. قوله : ( وفى إليهم الخ ) يعني أنه ليس زائداً بل قيد لا بدّ منه لأنه لا بد من علمهم بأنّ خروجه لأجلهم إذ لو خرح لغير ذلك لا بد من البقاء على الانتظار كما لو كان خروجه لحاجة أخرى. قوله : ( لكان الصبر الخ ) يعني أنّ اسم كان ضمير مستتر يعود على المصدر الدال عليه قوله ، ولو أنهم صبروا كقوله من كذب كان شرّاً له أي الكذب ، وقوله : وفدوا أي قدموا على النبيّ صلى الله عليه وسلم والضمير لقوم من العرب ، وهم بنو العنبر لأنّ النبيّ يك!رو بعث إليهم سرية(8/74)
ج8ص75
أميرها عيينة ابن حصن فهو بواو تركوا النساء والذراري فسباهم ، وقدم بهم على النيّ صلى الله عليه وسلم فجاءه بعد ذلك رجالهم راجين لإطلاق الأسارى فأطلق النصف وفادى الباقي ، وقوله : حيث اقتصر الخ وكاد مقتضى ذلك أن يعذبهم أو يهلكهم.
قوله : ( فتعرفوا وتصفحوا ) التصفح النظر في صفحاته وجوانبه واً لمراد التفتيش ، وقوله :
الوليد بن عقبة هو أخو عثمان لأمه ، وقوله : مصدّقا بالتشديد حال مقدرة أي آخذا للصدقة وهي الزكاة والأحنة بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة ، والنون المراد بها عداوة وأصل معناها الحقد وسببه دم بينهما ، وقوله : بعث إليهم خالد بن الوليد ، وقدم عليهم ليلا مختفياً متجسسا كما يامره النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك ويدل عليه قوله : متهجدين ، وقوله : للتعميم لأنه نكرة في سياق الشرط فتعم كما قرّر في الأصول فيفيد العموم. قوله : ( وتعليق الأمر ) في بعض النسخ وفي تعليق الخ وفي زائدة من قلم الناسخ والصحيح تركها ، وقد استدل بهذه الآية على أنّ الفاسق أهل للشهادة والا لم يكن للأمر بالتبيين فائدة ألا ترى أنّ العبد إذا شهد تردّ شهادته لا بالتثبت فيها خلافاً للشافمي ، وقوله : يقتضي جواز قبول خبر العدل أي الواحد لقوله : وأنّ خبر الواحد الخ ، وقد قرّره الأصوليون بوجهين أحدهما أنه لو لم يقبل خبر الواحد لما كان عدم قبوله معللا بالفسق ، وذلك لأنّ خبر الواحد على هذا التقدير يقتضي عدم القبول لذاته ، وهو كونه خبر وإحد فيمتنع تعليل عدم قبوله بغيره لأنّ الحكم المعلل بالذات لا يكون معللا بالغير إذ لو كان معللاَ بالغير اقتضى حصوله به مع أنه حاصل قبله لكونه معللا بالذات وهو باطل لأنه تحصيل للحاصل أو يلزمه توارد علتين على معلول واحد والثاني وهو امتناع تعليله بالفسق باطل لقوله تعالى : { إِن جَاءكُمْ } الخ فإنّ ترتيب الحكم على الوصف المناسب يغلب على الظن أنه علة له ، والظن كاف هنا لأنّ المقصود هو العمل فثبت أنّ خبر الواحد ليس مردوداً وإذا ثبت ذلك ثبت أنه مقبول واجب العمل ، الثاني أنّ الأمر بالتبين مشروط بمجيء الفاسق ومفهوم الشرط معتبر فيجب العمل به إذا لم يكن فاسقاً لأنّ الظن يعمل به هنا والقول بالواسطة منتف ، وفيه بحث وقوله : من حيث هو كذلك الحيثية للتعليل فإنه أحد معانيها وكذلك أي خبر واحد ، وقوله : عدم عند عدمه بناء على أنّ مفهوم الشرط معتبر ، وهو الصحيح لا سيما عند الشافعية
كما قرّرناه لك ، وأمّا اشتراك أمور في لازم واحد فيعلق بكل منها من غير أن يلزم انتفاؤه من انتفائه فغير متوجه لأنّ الشرط مجموع تلك الأمور وكل واحد منها لا يعد شرطا حقيقة على ما تقرّر في الأصول في مفهوم الشرط فانظره. قوله : ( فتوقفوا الخ ) إشارة إلى أنّ المقصود من التثت تبين الحال فهي في المآل بمعنى الفراءة الأخرى ، وقوله : كراهة إصابتكم إشارة إلى أنّ المصدر في محل نصب على أنه مفعول له حذف منه مضاف وهو كراهة أو حرف نفي فالتقدير لئلا تصيبوا على المذهبين المعروفين في أمثاله لأنّ الأمر بالتبيين ليس لأجل الإصابة ، وقوله : جاهلين بحالهم إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال كما في قوله : { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ } [ سورة الأحزاب ، الآية : 25 ] أي مغتاظين وفي قوله : بحالهم لطف ظاهر ، وقوله : فتصيروا الخ إشارة إلى أنه هنا بمعنى الصيرورة المطلقة من غير تقييد بوقت الصباح. قوله : ( مغتمين غماً لازماً الأن الندم الغم على وقوع شيء مع تمني عدم وقوعه ، واللزوم مأخوذ من هذه المادّة لأنها بسائر تصاريفها وتقليب حروفها تفيد الدوام كالندم فإنه غم لازم ومدن بمعنى لزم الإقامة ومنه المدينة وأدمن الشيء أدام فعله كالشراب ، وقوله : دائرة إشارة إلى قلب حروفه ، وأنث وهو خبر التركيب لإضافته إلى الأحرف المؤنثة ولا يفيد هذا لزوم تجديد الندم وتكرّره في التوبة ، وإن كان التائب الصادق لا بد له من ذلك. قوله : ( باعتبار ما قيده به من الحال الخ ) إشارة إلى أنه لولا تقييده بالحال لم تتم الفائدة ، وقوله : ولو جعل الخ إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ هذه الجملة المصدرة بلو حالية لا مستأنفة كما جوّزه المعرب ، وغيره لإدانة إلى تنافر النظم لأنه لو اعتبر لو يطيعكم الخ كلاماً برأسه لم يأخذ الكلام بعضه بحجز بعض لأنه لا فائدة حينئذ في قوله : واعملوا أنّ فيكم رسول اللّه إذا قطع عما بعده ، فإن قلت لم لا يجوز أن يقصد به التنبيه على جلالة محله صلى الله عليه وسلم ، وأنهم لجهلهم بمكانه مفرّطون فيما يجب(8/75)
ج8ص76
له من التعظيم حتى كأنهم جاهلون بأنه بين أظهرهم فلما اتجه أن يسئل ما فعلوا حتى نسبوا للتفريط وما نتيجة ذلك أجيبوا ببيان النتيجة لخفائها ، قلت : يأبى هذا كون قوله : واعلموا الخ
من تتمة ما قبله للعطف ولذا قال المصنف : لم يظهر للأمر يعني قوله تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ } فائدة كما في بعض شروح الكشاف فسقط ما قيل من أنّ فائدته الدلالة على أنهم نزلوا منزلة الجاهلين بمكانه لتفريطهم فيما يجب من تعظيم شأنه وقيل عليه أنّ المناسب أن يقال واعلموا أنّ الذي فيكم هو رسول الله ليفيد تجهيلهم بشان الرسول ، وأنه يطاع ولا يطيع ، وما في النظم إنما يفيد تجهيلهم في أنّ شأنهم أن يتبعوه ولا يتبعوا آراءهم ، والمراد هو الأوّل دون الثاني فتدبر. قوله : ( حال من أحد ضميري فيكم ) يعني المجرور وهو ضمير المؤمنين المخاطبين ، والمرفوع المستتر في الظرف ، وهو ضمير الرسول وأورد عليه أنه حينئذ العامل فيه الظرف ، وهو يدل على الزمن الحاضر ولو يطيعكم للماضي فكيف يكون قيداً له وأيضا ليس المعنى على التقييد فلا يصح جعله حالاً ، وأمّا الاستمرار فهو في الماضي فلا تصح المقارنة كما أشار إليه المصنف والزمخشريّ بقوله ، والمعنى أنّ فيكم رسول الله على حالة يجب عليكم تغييرها أو أنتم على حالة يجب عليكم تغييرها وهي أنكم تحاولون منه أن يعمل في الحوادث على مقتضى ما يعن لكم من رأى الخ فتأمل. قوله : ( والمعنى الخ ( يعني أنّ قوله لو يطيعكم الخ كناية عن أنهم أحبوا متابعة الرسول ، وأنّ ذلك مما لا ينبغي فيجب تغييره والعدول عنه فإنه يوقعهم في العنت أي المشقة أو الهلاك أو الإثم أو الفساد فإنها معان له وأصله الكسر بعد الجبر ، ووجه الإشعار المذكور ظاهر. قوله : ( استدراك الخ ) جواب عما يقال من أنّ الاستدراك بلكن شرطه مخالفة ما بعدها لما قبلها نفيا وإثباتا وهو مفقود هنا فليست في موقعها بأنها في موقعها لأنّ مآل المعنى لم يحملكم على ما أردتم من الإيقاع ببني المصطلق اتباع الهوى ومحبة متابعة النبيّ صلى الله عليه وسلم لآرائكم بل محبة الإيمان وكراهة الكفر هي الداعية لذلك ، وقوله : وبصفة الخ معطوف على قوله : ببيان عذرهم وهو توجيه آخر لكون الاستدراك في موقعه محصله أنّ الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم صفة المقدم ذكرهم فلكن في موقعها كما ارتضاه الزمخشريّ لأنه المناسب لما بعده واليه أشار المصنف بقوله ويؤيده الخ فإنه ظاهر في أنّ ذوي الرشد طائفة في المعنى مستثناة ممن قبلهم ، وهم الذين لم يروا الإيقاع بهم رأيأ. قوله : ( لكنه لما تضمن معنى الخ ) يعني ضمن معنى بغض فعدى تعديته ، وحسنه مقابلته لقوله : حبب فإنّ مقابله بغض ، وقوله : منزلة بغض وقع في نسخة بغضكم وليس بمناسب لما نحن فيه إلا أن يريد أنه متعد لواحد فإذا عذى للثاني احتيج إلى الحرف فتأمّل ، ثم إن المصنف تعرّضى لكرّه
دون حبب لأنه على أصله وهو منقول من حبب إليه كما في القاموس وغيره فاستعماله على أصله ومن قال إنّ في التحبيب والتكريه معنى الإنهاء فلذا استعملا بإلى زاد نغمة لا تطرب ولا تضحك ، وقوله : تغطية نعم الله يعني أنه في أصله للتغطية الحسية فنقل للتغطية المعنوية كالفسوق فإنه من فسقت الثمرة إذا خرجت من قشرها وفسق عن الطريق عدل عن جادته ، والعصيان أصله من عصت النواة صلبت واشتدت فنقل للامتناع عن الانقياد. قوله : الا للراشدين ) كما اختاره الزمخشري على أنه مفعول له فلما ورد عليه أن شرطه اتحادهما فاعلا أوّله بأن الرشد هنا مسبب عن التحبيب والتزيين والتكريه وهو فعل اللّه فردّه المصنف بأنه مسند إلى ضميرهم هنا فلا يوجد الشرط المذكور في العربية فكونه عبارة عما ذكر لا يفيد هنا ويرد عليه أنه بعد التأويل لا يكون مسنداً لضميرهم بل دلّه وقد جوّز المصنف مثله في قوله : { يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا } [ سورة الرعد ، الآية : 12 ] لقوله : ثمة أنّ إراءتهم تستلزم رؤيتهم مع اختلاف المسند إليه فيهما وليس ما ذكره المصنف والزمخشريّ هنا في شيء من الاعتزال كما توهم لأنّ الرشد فعل الله عند أهل الحق لا مسبب عنه لأنّ الكلام فيما يقال له فعل وفاعل عند أهل اللغة لا عند أهل الكلام ، ولا حاجة إلى تأويله بأنّ المراد بالفعل الإيقاع والأحداث والرشد بمعنى إصابة الطريق السويّ بإيقاع الله وأحداثه بخلاف الفضل فإنه بمعنى الأفضال وهو نفس الإيقاع. قوله : ( أو مصدر لغير فعله ) فهو على الأوّل مفعول له ، وعلى هذا مفعول مطلق من(8/76)
ج8ص77
معناه كقعدت جلوساً إمّا منصوب بحبب أو بالراشدون وإليه أشار بقوله : فإنّ التحبيب الخ ، وقوله : بأحوال المؤمنين الخ إشارة إلى أنه تذييل لما قبله من قوله : يا أيها الذين آمنوا الخ أو لقوله : أولئك الخ ، وقوله : والجمع باعتبار المعنى فإنّ مقتضى الظاهر اقتتلنا لكن كل طائفة جماعة فهما جمع في المعنى ، وإن كان مثنى لفظاً فهو من اعتبار المعنى أوّلاً واللفظ ثانيا عكس المشهور في الاستعمال ، والنكتة فيه ما قيل إنهم أوّلاً في حال القتال مختلطون مجتمعون فلذا جمع أوّلاً ضميرهم وفي حال الإصلاح متميزون متفارقون فلذا ثنى الضمير وهو كلام حسن صالح لكونه وجها مستقلا. قوله : ( إلى حكمه ( على أنّ الأمر واحد الأمور فالمراد به الحكم أو على أنه واحد الأوامر والمراد به لازمه وهو الحكم ، وقوله : أو ما أمر به على أنّ الأمر واحد الأوامر والمراد بالأمر المأمور به مجازاً وترجع تفسير لتفيء والفيء كل معناه يرجع إلى الرجوع
فالفيء الظل الواقع بعد الزوال سمي به لرجوعه بعدما أزالته الشمس ، وهذا بناء على المشهور وفي اللغة من الفرق بين الظل والفيء في أصل الوضمع وقد يستعملان بمعنى كما بين في كتب اللغة ، وقوله : لرجوعها الخ الرجوع يشعر بأنها كانت للمسلمين قبل الرجوع ، ووجه بأن المال لله تعالى خلقه لعباده فكان حقه أن يكون بيد من تحقق بالعبودية من المسلمين فلذا جعل رجوعا لجعل الاستحقاق الذاتي بمنزلة التملك حقيقة ، وهو كلام حسن. قوله : ( بفصل الخ ) تفسير لقوله : بالعدل ، وقوله : هاهنا يعني ولم يقيد به قبل في قوله : فأصلحو! بينهما لأنّ هذا لوقوعه بعد المقاتلة مظنة للتحامل عليهم بالإساءة ولإيهام أنهم لما أحوجوهم للقتال استحقوا الحيف عليهم ، وقوله : في كل الأمور العموم من ترك المفعول والمتعلق. قوله : ( يحمد فعلهم الخ ا لأن محبة الله للفعل أو للعبد كونه مرضياً ومنعماً عليه ، وأنما لم يقصر المسافة فيفسره بحسن الجزاء أوّلاً لأنّ محبة الله للعبد بمعنى إنعامه عليه كما قاله الراغب إشارة إلى انّ هذا الكلام مع دلالته على أنه تعالى يجزيهم أحسن الجزاء كما تفيده المحبة دال على ثناء الله عليهم بمجموع هذه الجملة فما قيل إنّ الحمد ليس بمعناه المشهور هنا وهم فهو تفسير لمجموعه والباء للملابسة فتدبر. قوله : ( والآية نزلت الخ ) أصل الحديث في الصحيحين مع زيادة ونقص في الرواية وسببه أنه صلى الله عليه وسلم وقف على حماو له على مجلس للصحابة فبال الحمار فقال عبد الذ بن أبيّ ابن سلول : سير حمارك فقد أذانا فسبه ابن رواحة رضي الله عنه وكثر الكلام حتى أدى إلى مضاربة الحيين من الأنصار وهما الأوس والخزرج كما فصله في الكشاف والسعف قضبان النخلى وجريده. قوله : ( وهي تدل على أن الباغي مؤمن الخ ( أي الآية دالة على ذلك لجعل الطائفتين الباغية والمبغيّ عليها من المؤمنين وهو رد على الخوارج القائلين بكفر من بغى وارتكب الكبيرة لا على المعتزلة في تخليد الفسقة إذ لم يتعرّض له المصنف ، وقوله : قبض عن الحرب وفي نسخة قبض يده عن الحرب أي كف عنه ، وقوله : كما جاء في الحديث إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله حكم فيمن بفى من هذه الأمّة أن لا يجهز على جريحها ولا يقتل
أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيؤها ) كما رواه الحاكم وغيره ، وقوله : لأنه أي الترك فيء مصدر وهو خبره أو الضمير للشان وفيء ماض مجهول ، وكون الترك فيئاً يفهم من مقابلته للمقاتلة في النظم ومعاونة من يبغي عليه تفهم من قوله : فقاتلوا التي تبغي فإنها تستلزم ما ذكر وتقديم النصح يفهم من قوله فأصلحوا بينهما قبله ، وهذا مفهوم من ترتيب النظم فلا حاجة إلى أن يقال إذا وجب النصح والدعاء للحكم الإلهي عند وجود البغي من الطائفتين فعند وجوده من إحداهما أولى لأنه أرجى لظهور أثره كما قيل. قوله : ( من حيث إنهم الخ ) تعليل لتسمية المشاركة في الإيمان أخوّة على أنه تشبيه بليغ أو استعارة شبه المشاركة فيه بالمشاركة في أصل التوالد لأنّ كلاً منهما أصل للبقاء ، إذ التوالد منشأ الحياة والإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان وفي كل منهما قوّة من وجه فلا يتوهم أنه تشبيه مقلوب فقوله : إلى أصل واحد استعارة لجعله كالأصل إلا أن يكون واحد الأصول الدينية ، وهو بعيد. قوله : ( تعليل ا لأنه جملة مستأنفة لبيانه كما هو معروف في أمثاله من الجمل المصدرة بأنّ ، وتقريره أي تحقيقه وتوكيده لأنه من لوازم الأخوة أن يصطلحا ، وقوله : ولذلك الخ فيه لف ونشر مشوّس فالتكرير للتقرير والترتيب(8/77)
ج8ص78
بالفاء للتعليل ، ولذا وضع الظاهر في قوله : بين أخويكم موضحع الضمير مبالغة في تقريره ، وقوله : والتخصيص بمهملتين أو معجمتين ، وقوله : وقيل المراد الخ فالأخوين بمعنى الحيين المذكورين سمي كلاً منهما أخا لاجتماعهم في الجدّ الأعلى ، ويؤيد هذا التأويل القراءة المذكورة ولذا ذكرها عقبه. قوله : ( أي لا يسخر بعض المؤمنين الخ ) فالتنكير للتبعيض ، وقوله : والقوم توجبه لمقابلته للنساء في النظم لأنه جمع أو في معنى الجمع للذكور فظهر تقابله مع النساء ، وقوله : أو جمع أراد به الجمع اللغوي لأنه اسم جمع على الأصح لأنّ فعلاً ليس
من أبنية الجموع لغلبته في المفردات ، وهذا مراد من قال : إنّ قابلاً يجمع على فعل كصاحب وصحب وقوله : والقيام بالأمور الخ بيان لوجه اختصاصه بالرجال والمراد بالقيام بالأمور كونهم أصلا لفعلها وصدورها عنهم ، وقوله : بالقبيلين أراد الرجال والنساء وعلى التغليب فهو ظاهر وعلى الاكتفاء يكون مستعملا في معناه الحقيقي ودل عليهن بالالتزام لعدم الانفكاك ففيه لزوم عاديّ. قوله : ( واختيار الجمع الخ ) أي لم يقل لا يسخر رجل من آخر ولا امرأة من أخرى مع أنه الأصل الأشمل الأعتم جريا على الأغلب من وقوع مثله في مجامع الناس ، وبين الأقوام دون الآحاد لأنّ السخرية كما في الأحياء ذكر نقائص المرء بحضرته على وجه يضحك منه وهي في الأغلب بمحضر من الناس فعبر عنهما بالقوم لكون كل منهما في جماعة سواء كانت في جماعة المسخور منه جماعة الساخر ، أو لا فكم من ملتذ بها وكم من متالم منها فجعل ذلك بمنزلة تعدد الساخر والمسخور منه ، ولوقوعه فيما بينهم نسب لهم وما قيل من أنه لا يفي ببيان اختيار الجمع في جانب المسخور منه غفلة عن تصوّر المراد منه. قوله : ( وعسى الخ ) اختلف فيما إذا أسندت إلى أن والفعل فقيل إنها تامّة لا تحتاج إلى خبر وأن وما بعدها في محل وفع ، وقيل : ناقصة وسد ما بعدها مسد الجزأين واليه ذهب المصنف ولا يخفى حينئذ أنّ لها محلاً من الإعراب فإن قيل هو رفع أو نصب لزم التحكم ، وإن قيل له محلان باعتبارين فله وجه وقد ارتضاه بعض مشايخنا ، وقوله : عسوا أن يكونوا الخ وكونها ذات خبر حينئذ قول للنحاة وفيه الإخبار عن الذات بالمصدر أو يقدر مضاف مع الاسم أو الخبر أو يقال هي بمعنى قارب ، وأن وما معها مفعول أو قرب وهو منصوب على إسقاط الجار. قوله : ( ولا يعتب بعضكم بعضاً الخ ) اللمز الاعتياب وتتبع المعايب كما قاله الراغب : فقوله : لا يعتب تفسير لا تلمزوا وأما قوله : بعضكم بعضا فبيان لحاصل المعنى وأنه الأصل في التعبير عنه فضمير تلمزوا للجمع بتقدير مضاف فيه وأنفسكم عبارة عن بعض آخر من جنس المخاطبين ، وهم المؤمنون فجعل ما هو من جنسهم بمنزلة أنفسهم كما في قوله : { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ سورة التوبة ، الآية : 128 ] وقوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ سورة النساء ، الآية : 29 ] فأطلق الأنفس على الجنس استعارة كما أشار إليه بقوله : فإنّ المؤمنين الخ فعلى هذا فيه تجوّز وتقدير مضاف والنهي على
هذا مخصوص بالمؤمنين ، وهو مغاير لما قبله وإن كان مخصوصا بالمؤمنين أيضاً كما مرّ بحسب المفهوم لتغاير الطعن والسخرية فلا يقال إنّ الأوّل مغن عنه إذ السخرية ذكره بما يكره على وجه مضحك بحضرته ، وهذا ذكره بما يكره مطلقا أو هو تعميم بعد التخصيص كما يعطف العام على الخاص لإفادة الشمول كشارب الخمر وكل فاسق مذموم ، وقيل : إنه من عطف العلة على المعلول أو اللمز مخصوص بما كان على وجه الخفية كالإشارة أو هو من عطف الخاص على العام لجعل الخاص كجنس آخر مبالغة فتأئل. قوله : ( فإنّ المؤمنين كنفس واحدة ) بيان لوجه التجوّز ، وأنّ أنفسكم بمعنى بعض من جنسكم كما مرّ وكونه تعليلا للنهي بعيد ، وقوله : أو لا تفعلوا الخ وجه ثان فأنفسكم على ظاهره والتجوّز في قوله : تلمزوا فهو مجاز ذكر فيه المسبب ، وأريد السبب والمراد لا ترتكبوا أمرا تعابون به وأخره لأنه بعيد من السياق وغير مناسب لقوله : ولا تنابزوا كما في الكشف ، وكونه من التجوّز في الإسناد إذ أسند فيه ما للمسبب إلى السبب تكلف ظاهر وكذا كونه كالتعليل للنهي السابق لا يدفع كونه مخالفاً للظاهر ، وكذا كون المراد به لا تتسببوا في الطعن فيكم بالطعن على غيركم كما في الحديث : ( من الكبائر أن يشمتم الرجل والديه ) إذ فسر بأنه إذا شتم والدي غيره شتم الغير ، والديه أيضا وترك المصنف الأوّل من الوجوه الثلاثة المذكورة في الكشاف ، وهو أنّ المعنى خصوا(8/78)
ج8ص79
أنفسكم أيها المؤمنون بالانتهاء عن عيبها والطعن فيها ، ولا عليكم أن تعيبوا غيركم ممن لا يدين بدينكم ولا يسير بسيرتكم ففي الحديث : ( اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس ) لأنه لا فرق بينه ، وبين المعنى الثاني إلا باعتبار أنّ المراد بالأنفس في الأوّل غير اللأمزين من المؤمنين وجعلهم أنفسهم لتنزيل اتحاد الجنس منزلة اتحاد الذات ، وفي الثاني أنفس اللامزين بالوجه المذكور قيل ولم يرتض الزمخشريّ الوجه الثاني لدلالة الحديث على صحة الوجه الأوّل ، والمصنف لم يرتض ما ارتضاه لعدم ما يدل على التخصيص في النظم كما قيل والصواب ما قدمناه من أنه لقلة الفرق بينهما. قوله : ( فقد لمز نفسه ) أي فقد تسبب للمزها فكان كأنه لمزها والنبز ، والنزب في الأصل اللعب ، ثم خصه العرف بالتلقيب بما يكره الشخص وهو المنهي عنه فليس ذكر الألقاب معه مستدركا كما يتوهم ويستثنى منه ما لم يقصد به استخفاف بصاحبه وأذى له
كما إذا دعت له الضرورة لتوقف معرفته عليه كقول المحدثين فلان الأعمش والأحدب. قوله : ( أي بئس الذكر المرتفع الخ ) يعني الاسم المراد به هنا شيوع الذكر وشهرته من السمو كما يقال لفلان : اسم أي صيت واشتهار لا ما اصطلحوا عليه بما يقابل الكنية واللقب ، وأما ما يقابل الفعل والحرف والخبر كاسم إنّ فاصطلاح حادث لا يتوهم إرادته هنا فلا حاجة لنفيه كما قيل إلا أن يريد عدم صحة إرادته هنا والمرتفع بمعنى المشتهر وعبر به لبيان وجه التجوّز لأنه من السمو وقوله : للمؤمنين تفسير لقوله بعد الإيمان. قوله : ( أن يذكروا بالفسوق الخ ( يشير إلى أنّ الفسوق هو المخصوص بالذم هنا ، وأنّ المراد به لفظه بتقدير مضاف أي ذكر الفسوق أو اسم الفسوق ، وقوله : واشتهارهم بالرفع عطف على أن يذكروا فضمير به للفسوق أو بالجرّ عطف على دخولهم فالضمير للإيمان. قوله : ( والمراد به ( أي بالمذكور من النظم إمّا تهجين أي تقبيح نسبة الكفر والفسق ، وقوله : خصوصاً أي يخص التقبيح بالكفر والفسق لا بغيره من النبز والتلقيب مطلقا فكيف معنى قوله : ولا تنابزوا بالألقاب لا ينسبت أحدكم غيره إلى كفر أو فسق كا فيه بعد اتصافه بضده ، وقوله : إذ روي تعليل لتخصيصه بما ذكر وصفية رضي الله عنها من أمهات المؤمنين وحييّ تصغير حيّ علم أبيها ، والمراد بالنساء زوجاته صلى الله عليه وسلم والحديث المذكور رواه الترمذيّ والطبرانيّ وابن حبان ، وقال ابن حجر : إنه غريب وكانت صفية من ذرّية هارون عليه الصلاة والسلام كما ذكره أهل السير. قوله : ( أو الدلالة الخ ) بأو الفاصلة في ( لنسخ لا بالواو الواصلة كما قيل حتى يقال الظاهر أو بدلها وهو معطوف على قوله : تهجين نسبة الكفر الخ فهو وجه آخر يفسر فيه الآية على أنّ المراد مطلق النبز لا خصوص الفسق والكفر ، ويكون معنى قوله : بثس الخ أنّ التلقيب بما يكرهه الناس أمر مذموم لا يجتمع مع الإيمان فإنه شعار الجاهلية وقوله : أن يذكروا على البناء للفاعل وضمير
دخولهم للمذكورين ، أو على البناء للمفعول والضمير للذاكرين وقد ذكر الزمخشري فيه ثلاثة أوجه أحدها أن بعد الإيمان بمعنى أنه لا يجتمع مع الفسق كما يقال : بئس الصبوة مع الكبر ، والثاني : بثس تشهير الناس بفسق كانوا فيه بعد الاتصاف بضده كما يقال يهوديّ لمن أسلم منهم ، والثالث بئس الفسوق بدل الإيمان وهو مبنيّ على الاعتزال ولذا لم يذكره المصنف. قوله : ( بوضع العصيان الخ ) فإنّ الظلم وضع الشيء في غير موضعه فيراد به ما ذكر بقرينة المقام ، وقوله : كونوا إشارة إلى أنّ هذا أصل معناه ، ثم شاع في التباعد اللازم له ، وقوله : وابهام الكثير أي تنكير. لأنه إذا وجب اجتناب كثير لا على التعيين لزم ما ذكر ، وقوله : من العمليات كالواجبات الثابتة بغير دليل قطعيّ كما في كثير من الأحكام. قوله : ( والهمزة فيه ( أي في الإثم بدل من الواو من وثمه إذا دقه وكسره قيل عليه إنّ الهمزة ملتزمة في تصاريفه ، وإن أثم من باب علم ، وثم من باب ضرب وأنه ذكره في باب الهمزة في الأساس والواوي متعد وهذا لازم ، وقوله : يكسرها لكونه يضرّ من يعمل به في الجملة لا أنه يحبطها قطعا حتى يكون مبنيا على الاعتزال كما توهم. قوله : ( باعتبار ما فيه من معنى الطلب الخ ) يعني أن الجس بالجيم كاللمس فيه معنى الطلب لأنّ من يطلب الشيء يمسه ويجسه فأريد به ما يلزمه قال تعالى : { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء } [ سورة الجن ، الآية : 8 ] أي طلبناها بدليل قوله : بعده فوجدناها واستعمل(8/79)
ج8ص80
التفعل للمبالغة فيه ، وقيل المراد أن التفعل للطلب كالاستفعال لا للتكلف وفيه نظر ، وقوله : أثر الجس لأنّ من جس شيئاً يحس به وغايته ما يترتب عليه ، وقوله وفي الحديث الخ ساقه لما فيه من تفسير الآية والعورة ما يكره المرء من الاطلاع عليه ، وتتبعها
البحث عنها وتتبع الله لعورته عبارة عن إظهارها مجازاً أو مشاكلة وهذا حديث حسن رواه الترمذيّ والحاكم.
قوله : ( ولا يذكر الخ ) هذا هو تعريف الغيبة وهي مأخوذة من الغيبة إذ لو ذكره في وجهه
لم يكن غيبة ، والحديث المذكور في مسلم والسنن مع مخالفة يسيرة لما ذكره المصنف ، وبهتة بمعنى كذبت عليه لأنّ البهت بمعنى الكذب والافتراء كالبهتان والمغتاب الأوّل اسم فاعل والثاني اسم مفعول. قوله : ( على أفحش وجه مع مبالغات ) قال في المثل السائر : كني عن الغيبة بأكل الإنسان للحم إنسان آخر مثله ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله ميتا ، ثم جعل ما هو في غاية الكراهة موصولاً بالمحبة فهذه أربعة أمور دالة على ما قصد له مطابقة للمعنى الوارد من أجله فأما جعل الغيبة كأكل لحم إنسان مثله فلأنها ذكر المثالب ، وتمزيق الأعراض المماثل لأكل اللحم بعد تمزيقه وجعله كلحم الأخ لأنّ العقل والشرع استكرهاها وأمرا بتركها فكانت في الكراهة الشديدة كلحم الأخ وجعله ميتا لأنّ المغتاب لا يشعر بغيبته ، ووصله بالمحبة لما جبلت عليه النفوس من الميل إليها مع العلم بقبحها وهو ما أشار إليه المصنف وأنه جعل ذلك استعارة تمثيلية فيها مبالغات كما في الكشاف ، وفي حواشيه كلام لا محصل له. قوله : ( إلاستفهام المقرّر ) بيان لما به المبالغة فإنّ الاستفهام للتقرير وهو كما نقل في الكشف عن الزمخشريّ يفيد المبالغة من حيث إنه لا يقع إلا في كلام مسلم عند كل سامع حقيقة أو ادّعاء ، وافادة أحد للتعميم ظاهرة فهو إشارة إلى ما جبلت عليه النفوس ، وقوله : بما هو في غاية الكراهة هو لحم الأخ المغتاب. قوله : ( وتمثيل الاغتياب الخ ) يشير إلى أنه استعارة تمثيلية مثل اغتياب الإنسان لآخر بأكل لحم الأخ ميتاً وقوله : جعل المأكول بالجرّ أو النصب على أنه مفعول معه ، وقوله : تعقيب ذلك أي التمثيل ، وقوله : تقريراً وتحقيقا أي تعقيبه به لأجل الحمل
على الإقرار والتحقيق لعدم محبته أو لمحبته التي لا ينبغي مثلها ، وقوله : والمعنى إن صح ذلك أي ثبت وتحقق والإشارة إلى أكل لحم الأخ الميت يعني أنّ هذه الفاء فصيحة في جواب شرط مقدّر كقوله :
فقد جئنا خراسانا
فما ذكر جواب للشرط وهو ماض فيقدر معه قد ليصح دخول الفاء على الجواب الماضي
كما في قوله تعالى : { فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ } [ سورة الفرقان ، الآية : 19 ] وضمير كرهتموه للأكل وقد جوّز كونه للاغتياب المفهوم منه والمعنى فاكرهوه كراهيتكم لذلك الأكل وعبر عنه بالماضي للمبالغة فاذا أوّل بما ذكر يكون إنشائياً غير محتاج لتقدير قد ، وقوله : ولا يمكنكم الخ فالماضي مؤوّل بما ذكر من تبين كراهته فيتحقق ترتبه على الشرط المستقبل ، وقوله : على الحال الخ لأنّ المضاف جزء من المضاف إليه فيصح مجيء الحال منه بالاتفاق فمن قال : على مذهب من يجوّز مجيء الحال من المضاف إليه مطلقا فقد غفل غفلة ظاهرة ، وقوله : لمن اتقى الخ متعلق برحيم إشارة إلى أنّ الجملة المصدرة بأنّ تعليل للأمر السابق عليها واتقى بمعنى اجتنب وما نهى عنه في الآيات قبله نحو لا يسخر وما بعده ، وتوّاب بليغ في قبول التوبة أي مبالغ فيها ، وقوله : إذ الخ بيان لأنّ المبالغة في الكيفية وقبول التوبة هو معنى التوّاب إذا وصف به الله وقوله أو لكثرة الخ فالمبالغة في الكمية أي كمية المفعول أو الفعل وهو ظاهر. قوله : ( روي أنّ رجلين الخ ) روي ما يقرب منه في الترغيب والترهيب ، وقوله : لو بعثناه إلى بئر سميحة الخ في الكشف إنه روي بالجيم وهو مصغر اسم بئر من آبار مكة وليس بشيء إذ الصحيح كما في القاموس أنه بالحاء المهملة بوزن جهينة بثر بالمدينة لأنّ سلمان رضي الله عنه إنما أسلم بالمدينة ولم يكن مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة ، وقوله : لو بعثناه الخ هو كما يقال : لو ذهب فلان إلى البحر لم يجد فيه ماء وهو عبارة عن أمر لا خير فيه أو أنه مشؤوم ، ولذا جعله ىلمجب!م غيبة فأعرفه. قوله : ( ما لي أرى خضرة اللحم الخ ) ( 1! أراد بخضرة اللحم اللحم الأخضر وكني بكونه أخضر عن أنه لحم ميتة لأنّ لحم الجيف يرى كأنه أخضر فهو زيادة تهجين له ، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم الباهرة حيث شاهده محسوسا وكونه أراد بالخضرة النضارة لا وجه له ، وقوله : من
آدم(8/80)
ج8ص81
وحواء توجيه لأفراده ، ولذا لم يقل ذكور واناث دماذا أريد به من أب وأم لا يظهر ترتب قوله فلا وجه الخ كما في الأوّل فإنه كقوله :
الناس في عالم التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأمّ حواء
ولذا قدّمه. قوله : ( ويجورّ أن يكون ثقريرا للأخوة ) السابق ذكرها وأخر لأنّ ما قبله هو الموافق لقوله : لتعارفوا أنّ الخ إلا أن يؤوّل بما يعود لما قبله والشعب بزنة الضرب ، والعمارة بفتح العين وقد تكسر وما ذكره في ترتيب القبائل مما اتفق عليه أهل النسب واللغة ، وقوله : وقيل الشعوب بطون العجم وانه خص بهم لكثرة انشعابهم وتفزق أنسابهم ولغلبة الشعوب على العجم قيل لمن يفضل العجم على العرب شعوبيّ بالضم فنسب إلى الجمع كأنصاري. قوله : ( ليعرف بعضكم بعضاً ) فتصلوا الأرحام وتبينوا الأنساب والتوارث ، وقوله : لا للتفاخر الحصر مأخوذ من التخصيص بالذكر والسكوت في معرض البيان ، وقوله : بالإدغام وأصله لتتعارفوا بتاءين فأدغمت إحداهما في الأخرى ، والكلام عليه مفصل في محله وهو قراءة ابن كثير في رواية عنه ولتتعارفوا بتاءين ولتعرفوا بكسر الراء ومعنى كريم على الله أنه له مرتبة وشرف في الآخرة والدنيا وضدّ. هين على الله وقوله : خبير ببواطنكم تقدم وجهه ، وقوله : جدبة بكسر الدال المهملة أي فيها قحط ، وقوله : يريدون الصدقة الخ أي يريدون بذكرهم ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم من الصدقات ويمنون على النبيّ بما ذكر والمراد بالاثقال أمتعة بيوتهم والمراد به
توكيد عدم المشاقة والمقاتلة ، وقوله : قالت الأعراب أنثه لأنّ ذلك جائز في كل جمع كما قيل :
لا أبالي بجمعهم كل جمع مؤنث
وكونه للدّلالة على قلة عقولهم عكس ما روعي في قوله : وقال نسوة : لا يطرد في كل جمع والتأنيث غير مختص بالأعراب حتى يتم ما ذكر. قوله : ( وإلا لما مننتم الخ ) فإنّ من صدق الله ورسوله ، وعرف أنّ الإيمان أمر واجب عليه منقذ له من العذاب ، وموصل لسعادة الدارين عرف أنّ المنة لله لا له لقوله تعالى في آخر السورة : { بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ } وقوله : فإنّ الإسلام الخ إشارة إلى الفرق بين الإسلام والإيمان وأصل وضعه دال على ما ذكر لأنّ معنى أسلم دخل في السلم وهو ضدّ الحرب كأصبح إذا دخل في وقت الصباح وقوله : يشعر به أي بالانقياد والدخول في السلم. قوله : ( وكان نظم الكلام الخ ( أي كان مقتضى الظاهر والتقابل أن يكون المنفيّ والمثبت على وتيرة فحيث نفى الإيمان ثبت الإسلام أو يذكر القول فيهما ، ولذا قيل : إنه من الاحتباك وأصله لم تؤمنوا فلا تقولوا آمنا ولكن أسلمتم فقولوا : أسلمنا فحذف من كل منهما نظير ما أثبت في الآخر ، ولما لم يكن للحذف داع ذهب المصنف إلى أنه عدل عن مقتضى الظاهر لأنه الأبلغ فإنهم ادّعوا الإيمان فنفي عنهم ، ثم استدرك عليه فقال : دعوا ادعاء الإيمان واذعوا الإسلام فإنه الذي ينبغي أن يصدر عنكم على ما فيه فنفي الإيمان وأثبت لهم قول الإسلام دون الاتصاف به ، وهو أبلغ مما ذكر من الاحتباك مع سلامتة من الحذف بلا قرينة. قوله : ( احترازا من النهي الخ ) أي احترز من نهيهم عن قول الإيمان فإنه لو قال : لا تقولوا آمنا كان نهيا عن القول بالإيمان وهو غير مناسب لمقام الشارع المبعوث للدعوة إلى الإيمان فلا يناسبه مقام النهي عنه وعن القول به ولو تال : ولكن أسلمتم كان جزما بإسلامهم واعتباراً له والحال أنه فقد شرط اعتباره شرعاً ، وهو التصديق القلبي ففي كلامه لف ونشر لطرفي التقابل فلا وجه لما قيل لك أن تقول لم تؤمنوا في موقعه فإنه نفي لصريح دعواهم فلا يطلب له نكتة بخلاف ما لو كان النظم قل لا تقولوا آمنا فإنه
ليس نفياً لقولهم ، والحاصل أنه روعي فيه المطابقة المعنوية مع رعاية الأدب والعدول عن تكذيبهم صريحاً المورث للعناد على ما فصل في الكشف فتأمّل. قوله : ( توقيت لقولوا الخ ( هذا جواب عن سؤال مقدر ، وهو أنّ قوله لما يدخل الخ مكرّر مع قوله : لم تؤمنوا فما فائدته ، والتوقيت التعيين والتحديد ومنه مواقيت الحرم فالمعنى أنّ لما تفيد النفي الماضي المستمرّ إلى زمن الحال وأنّ منفيها متوقع والجملة المنفية بها هنا حال من ضمير قولوا ، والحال تقييد لعاملها فالأمر بقولهم أسلمنا دون آمنا(8/81)
ج8ص82
مقيد بحال عدم دخول الإيمان في قلوبهم أي قولوا : أسلمنا ما دمتم على هذه الصفة فأفاد هنا فائدة زائدة ، وهيئ توقيت القول المأمور به وتوقعه منهم بخلاف نفيه السابق فلا تكرار فيه ، ولذا اختار كون الجملة حالاً لا مستأنفة إخبارا منه تعالى فإنه غير مفيد لما ذكر كما أشار إليه. قوله : ( من لات ليتاً إذا نقص الخ ) نقص يكون متعدياً ولازما ، والمراد الأوّل هنا فلا حاجة لشديد قافه ، وإن صح وهو على هذه اللغة أجوف وفي لغة غطفان وأسد مهموز الفاء وبهما قرئ في السبعة. قوله : ( إذا أوقعه في الشك مع التهمة ) قال الراغب : أن يتوهم بالشيء أمراً فينكشف عما يتوهمه والإرابة أن يتوهم فيه أمراً فلا يكشف عما يتوهمه والارتياب يجري مجرى الإرابة ، وهو ما أشار إليه المصنف ، وقيل الشك في الخبر والتهمة في المخبر فتأمّل وقوله : وفيه الخ يعني قوله : لم يرتابوا تعريض لمن نفى عنه الإيمان سابقاً بأنّ نفيه لكونهم مرتابين في الله ورسوله. قوله : ( وثم للأشعار الخ ( توجيه لما في النظم من أنّ عدم الارتياب لا ينفك عن الإيمان فكيف جعل متراخياً عنه وله طريقتان في الكشاف إحداهما أنّ من وجد منه الإيمان ربما يعترضه ما يوقعه في الشك فيستمرّ عليه فوصف المؤمن حقاً بالبعد عن هذه الموبقات كقوله تعالى : { ثُمَّ اسْتَقَامُوا } [ سورة فصلت ، الآية : 30 ، والثانية أنّ زوال الريب لما كان ملاك الإيمان أفرد بالذكر بعده تنبيهاً على مكانه وعطف بثم إشعاراً باستمراره في الأزمنة المتراخية غضا طريا يعني أنه لنفي الشك عنهم فيما بعد فدل على أنهم كما لم يرتابوا ، أوّلاً لم تحدث لهم ريبة فالتراخي زمانيئ لا رتبيّ على ما مرّ في قوله ثم استقاموا أو عطفه عليه عطف جبريل على الملائكة تنبيها على أصالته في الإيمان حتى كأنه شيء آخر فثم دلالة على استمراره قديماً وحديثا ، والفرق بين الاستمرارين أنه على الأوّل
استمرار المجموع كما في قوله : ثم استقاموا أي استمرّ إيمانهم مع عدم الارتياب وعلى الثاني الاسنمرار معتبر في الجزء الأخير فالتنظير بقوله : ثم اسنقاموا من جهة أخرى غير التراخي الرتبي السابق ذكره فليس إشارة لجريان هذا الوجه فيه كما توهم ، وقيل إنه على الأوّل ثم فيه للتراخي الرتبي إذ المعنى لم يرتابوا بعد تشكيك المشكك والثبات على الشيء أعلى رتبة من إيجاده فتنظيره على ظاهره وعلى الثاني في الارتياب يبقى في الأزمنة المتراخية فثم للتراخي الزماني باعتبار النهاية فتدبر. قوله : ( في طاعتة ) يعني ليس المراد بسبيل اللّه الغزو بخصوصه بل ما يعم العبادات والطاعات كلها لأنها في سبيله وجهته ، ولذا قال والمجاهدة الخ فالمجاهدة بالأموال عبارة عن العبادة المالية كالزكاة والمجاهدة بالأنفس البدنية كالصلاة والصوم وقدم الأموال لحرص الإنسان عليها فإنّ ماله شقيق روحه وجاهدوا بمعنى بذلوا الجهد أو مفعوله مقدر أي العدوّ أو النفس والهوى. قوله : ( الذين صدقوا في ادعاء الإيمان ) إشارة إلى أنه تعريض بكذب الإعراب في ادعاءهم الإيمان وأنه يفيد الحصر أي هم الصادقون لا هؤلاء ، وايمانهم إيمان صدق وجد. قوله : ( أتخبرونه به بقولكم آمنا ) فهو من قولهم علمت به فلذا تعدى بالتضعيف لواحد بنفسه ، والى الثاني بحرف الجرّ لأنه بمعنى الإعلام والإخبار ، وقيل : إنه تعدى بها لتضمين معنى الإحاطة أو الشعور ففيه مبالغة لإجرائه مجرى المحسوس فتأمّل. قوله : ( تجهيل لهم وتوبيخ ا لأنهم كيف يعلمونه ، وهو العالم بكل شيء وقوله : وهي أي المنة النعمة التي لا يستثيب أي يطلب الثواب والجزاء عليها وموليها كمعطيها لفظا ، ومعنى وقوله : ممن يزلها متعلق بيستثيب أي يوصلها إليه ، قال في القاموس : أزل إليه نعمه أسداها واليه من حقه شيثاً أعطاه اهـ ، وقوله : الثقيلة ثقل المنة عظمها أو المشقة في تحملها ، وقوله : من المن وهو الرطل الذي يوزن به. قوله : ( أو تضمين الفعل معنى الاعتداد ) أي يعذون إسلامهم منة ونعمة كما أشار إليه أوّلاً والاعتداد بالشيء الاعتبار به ، وقوله : على ما زعمتم في قوله قالت الأعراب : آمنا فلا ينافي هذا قوله لم تؤمنوا حيث نفى الإيمان عنهم ، وقوله : مع أنّ الهداية الخ
فالهداية مطلق الدلالة فلا يلزم إيمانهم ، وينافي نفي الإيمان السابق فإن قلت : الهداية هنا ما يلازم الإيمان لقوله : إن كنتم صادقين فكيف يتجه ما ذكره في هذه المعية قلت : الإضراب يقتضي أنّ ما من به عليهم واقع ، وهو الدلالة لا الاهتداء ولا يلزم تقدير الجواب من لفظ ما قبله بعينه ، ومتعلق الصدق ادّعاء الإيمان لا الهداية حتى ينافيه كما توهم. قوله :(8/82)
ج8ص83
( وفي سياق الآية لطف الخ ا لما فيها من النكت إذ سمي ما أحدثوه إسلاما تكذيبا لهم في قولهم : آمنا في معرض الامتنان ، ثم أمره أن يجيبهم بأنهم كاذبون وأضاف ما أتوا به إليهم في قوله : إسلامكم إشارة إلى أنه أمر غير معتد به فلا يليق الامتنان به ، وتمام الحسن في التذييل الدالّ على كذبهم ، وعلى اطلاعه على خواص عباده من النبيّ صلى الله عليه وسلم وأتباعه ، وقوله : فنفى جواب لما وهو قد يقترن بالفاء كما في التسهيل فليست الفاء زائدة فيه كما قيل. قوله : ( وسماه إسلاماً الخ ) كان عليه أن يقول ، وبين أنهم ليس لهم أن يمنوا به ليظهر معه قوله : بأن قال الخ والأمر فيه سهل ، وقوله في الحقيقة : إسلام أي انقياد ودخول في السلم ، وقوله : وليس بجدير أن يمن بالبناء للمجهول والنائب عن فاعله قوله عليك ، وأنما كان كذلك لأنه لعدم مواطأته القلب غير معتدّ به شرعا ، وقوله : بل لو صح الخ من كلام المصنف ابتداء لا مقول القول وقوله : في سركم وعلانيتكم أخذه من ذكره عقب الغيب ، وقوله : لما في الآية من الغيبة أي من ذكره هؤلاء بضمير الغيبة وما هو في حكمه كقوله : يمنون ونحوه ، والحديث المذكور موضوع ومعناه ظاهر تمت السورة الشريفة فلفه الحمد على جزيل الأنعام وعلى سيدنا محمد وآله وصحبه أفضل الصلاة والسلام.
سورة ق قيل وتسمى سورة الباسقات
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ) قيل : بالإجماع ، ويرد عليه أنه روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه استثنى منه قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } [ سورة ق ، الآية : 38 ] إلى قوله : لغوب لأنها نزلت في اليهود كما أخرجه الحاكم ونقله في الاتقان ولا خلاف في عددها. قوله : ( الكلام فيه كما مرّ في ص ) يعني من وجوه القراآت وكون الواو قسمية أو عاطفة وكونه تجريداً على نهج مررت بزيد والنسمة المباركة وكونه من الحروف المقطعة أو اسم للسورة أو القرآن لا في كونه فعل أمر لأنه وجه مرجوح لا يلتفت إليه ، وأمّا كونه أمراً من قفاه إذا اتبع أثره على أنه أمر معناه اتبع القرآن ، وأعمل بما فيه فلا وجه له لأنّ مثله لا يقال بالرأي فلا وجه لذكره ، وتوهم جريانه هنا كما قيل وكذا ما قيل إنه أمر بمعنى قف. قوله : ( والمجيد ذو المجد والشرف الخ ) يعني أنّ المعروف وصف الذوات الشريفة به فوصف القرآن به إمّا على النسب كلاين وتامر وأورد عليه أنه غير معروف في فعيل كما قاله ابن هشام في أنّ رحمة الله قريب وشرفه على هذا بالنسبة لسائر الكتب أمّا غير الإلهية فظاهر وأمّا الإلهية فلإعجازه ، وكونه غير منسوخ بغيره. قوله. ( أو لأنه كلام المجيد ) يعني أنه وصف بوصف قائله على أنه مجاز في الإسناد كالقرآن الحكيم ، وقوله : أو لأنّ من علم معانيه الخ هو أيضاً من الإسناد المجازي لكنه وصف بوصف حامله أو هو بتقدير مضاف حذف فارتفع الضمير المضاف إليه أو فعيل فيه بمعنى مفعل كبديع بمعنى مباع لكن الوجه الأوّل أولى لما قدمناه من أنّ مجيء فعيل ، وصفا من الأفعال لم يثبته أهل اللغة والعربية كما مرّ تفصيله ، وقيل المجد سعة الكرم وصف به القرآن لما تضمنه من خير الدارين. قوله : ( إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب ) الإنكار مأخوذ من السياق ، والتعجب
مما ليس بعجب بل مما هو أمر لازم لا بد منه والإضراب للانتقال من وصف القرآن بالمجيد إلى إبطال تعجبهم مما ليس بعجب. قوله : ( أحد من جنسهم أو من أبناء جلدتهم ) يعني أنّ من بيانية والمراد بكونه منهم أنه من جنس البشر أو العرب ، ومعنى كونه من أبناء جلدتهم أنه من نوعهم أو قبيلتهم أو ديارهم فالجلدة مستعارة لما ذكر يقال : فلان أشعر جلدته وأشعر أهل جلدته أي قبيلته فهي أخص من الجنس كما هو معروف في استعمال البلغاء. قوله : ( حكاية لتعجبهم ) فالفاء لتفصيل ما أجمل كقوله تعالى : { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ } [ سورة هود ، الآية : 45 ] فقال : رب الخ ، وقوله : للإشعار بتعنتهم الذي اشتهر في النسخ أنه بنون مشددة ومثناة فوقية تفعل من العنت وهو اللجاج في العناد ، وفي نسخة بتعينهم بالياء التحتية والنون والمعنى على الأولى أنه ذكر أولاً مضمرا بياناً لعنادهم لإنكاوهم وتعجبهم مما لا ينكر ، ثم أعيد تسجيلا عليهم(8/83)
ج8ص84
بالكفر فلذا أظهر ما يدل عليهم بعد الإضمار ، وعلى الثانية أنه أضمر ثم أظهر وكان الظاهر العكس لتعينهم والتسجيل عليهم ، ومن العجب ما قيل إنه لتعيبهم تفعل من العيب بالباء الموحدة أي جعلهم ذوي عيب ظاهر بهذا المقال حتى لا يستحقون إظهار الذكر وهو تحريف منه. قوله : ( أو عطف لتعجبهم من البعث الخ ) والعطف بالفاء لوقوعه بعده وتفرّعه عليه لأنه إذا أنكر الميعوث أنكر ما بعث به أيضاً ، وقوله : والمبالغة الخ مبتدأ خبره قوله بوضع الخ ، وقوله : لأنه الخ بيان لإفادة ما ذكر للمبالغة أو هو الخبر ، والجار والمجرور متعلق بالمبالغة وقوله : يفسره ما بعده فهي للبعث المفسر بقوله : أثذا متنا الخ فإنها جملة مستأنفة لبيان المتعجب منه ، وقوله : ثم تفسيره أو تفصيله متعلق بقوله : محذوف دل عليه ما بعده على أنّ الرجع بمعنى الرجوع وقوله : عن الوهم بيان لأنّ البعد معنويّ نزل منزلة الحسيّ فأفاد ما ذكره ، وقوله : وقيل الرجع بمعنى المرجوع وهو الجواب يقال هذا رجع رسالتك ومرجوعها ومرجوعتها أي جوابها وعلى هذا فهو من كلام الله لا من كلام الكفرة كما في الوجه السابق ، والمعنى هذا جواب بعيد منهم لمن أنذرهم وذلك إشارة لقوله : أئذا متنا الخ ومرضه لبعد. ، والدليل على متعلق الظرف
حينئذ ذكر المنذر والتقدير أنبعث إذا متنا ، وقوله : ردّ لاستبعادهم أي للبعث فدفع أصله وهو أنّ أجزاءهم تفرّقت فلا تعلم حتى تعاد بزعمهم الفاسد. قوله : ( وقيل إنه جواب القسم الخ ) القسم في قوله : ق والقرآن قد اختلف المعربون في جوابه فقيل : محذوف تقديره لتبعثن ، وقيل : مذكور وهو قد علمنا ولم يذكر اللام تخفيفاً لطول الكلام ، وقيل : هو ما يلفظ من قول وقيل بل عجبوا وقيل : إنّ في ذلك لذكرى. قوله : ( حافظ الخ ) ففعيل بمعنى فاعل أو مفعول وعليهما فالكتاب الحفيظ استعارة لسعة علمه أو هو تأكيد لثبوت علمه والكتاب الحفيظ اللوح المحفوظ لا استعارة فيه ، وقوله : بل كذبوا الخ الأكثر على أنّ المضرب عنه محذوف تقديره ما أجادوا النظر بل كذبوا الخ ، وفي الكشاف إنه اتبع الإضراب الأوّل بما يدلّ على ما هو أفظع منه وهو التكذيب بالحق المؤيد بالقواطع فكأنه بدل بداء من الأوّل فلا تقدير فيه وكونه أفظع وأقبح للتصريح بالتكذيب من غير تدبر بعد التعجب منه كما صرّح به ، وقيل : لأنّ التكذيب بالنبوّة تكذيب بالمنبأ به من البعث وغيره وهو نظر لمآل كلامه لا غفلة عن مرامه كما توهم. قوله : ( أو النبثي ) هو أعمّ مما قبله والمراد ليس إنكار ذاته بل إنكار نبوّته وما جاء به وقد يتوهم أنه لا فرق بينه وبين ما قبله ، وقوله : أو القرآن قيل المضرب عنه على هذا قوله : ق والقرآن المجيد وفيه نظر ، وقوله : وقرئ لما بالكسر أي بكسر اللام وتخفيف الميم وهي قراءة شاذة لجحدر ، واللام توقيتية بمعنى عند وما مصدرية. قوله : ( مضطرب ) فالإسناد مجازيّ مبالغة بجعل المضطرب الأمر نفسه وهو في الحقيقة صاحبه ، وقوله : إذا جرج بجيمين بينهما راء مهملة مكسورة بمعتى تحرّك واضطرب لسعته ويجوز أن يكون بحاء مهملة ، ثم جيم بمعنى قلق واضطرب أيضاً ، وقوله : وذلك الخ تفسير للمراد باضطرابه وهو اختلاف مقالتهم فيه ، وعدم ثباتهم وجزمهم ، وهو صادق على الأقوال لأنه بحسب الظاهر في النبيّ صلى الله عليه وسلم ويؤول إلى الطعن في النبوّة والقرآن لادّعاء أنه شعر وسحر ونحوه مما تضمنه ما ذكر ويجوز أن يكون اضطراب أمرهم اختلاف حالهم ما بين تكذيب ، وتردّد وتعجب إلى غير ذلك وقوله : في خلق العالم لم يقل خلق السموات مع أنه أظهر لأنه توطئة لما ذكر بعده والعالم ما سوى الله ، أو المراد به العالم العلوي فعبر به ليشمل الكواكب المذكورة ، ومثله سهل. قوله : ( فتوق ) جمع فتق وهو
الشق ، والمراد به هنا لازمه وهو الفضاء بين الجسمين ، ولذا فسره بقوله : بأن خلقها الخ لأنها لو لم تكن ملساء بل أجزاؤها متباينة ما بين مرتفع ومنخفض منع ذلك من تلاصقها فلا ينافي هذا أن يكون لها أبواب ومصاعد وإن لم يفسر الفروج بالخلل كالفطور ، وهذا بناء على ما ذهب إليه الحكماء وهو مناف لما ورد في الحديث من أنّ بين كل سماء وما فوقها مسيرة خمسمائة عام والرواسي تقدم تفسيرها كالزوج بمعنى الصنف فتذكره. قوله : ( متفكر في بدائع صنعه ) تفسير للمراد من الرجوع إلى ربه فهو مجاز بتنزيل التفكر في المصنوعات منزلة الرجوع إلى صانعها ، وقوله : وهما أي تبصرة وذكرى منصوبان على أنهما مفعولان(8/84)
ج8ص85
له ، ونصبهما على المصدرية لفعلين مقدرين محوج إلى كثرة التقدير فلذا لم يتعرض له المصنف ، وهذا على التنازع وإعمال الأخير.
قوله : ( وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد ) فالإضافة لما بينهما من الملابسة والحصيد
صفة لموصوف مقدر ، وهو الزرع فليس من قبيل مسجد الجامع ولا من مجاز الأول كما توهم والحصيد بمعنى المحصود ، والنخل معطوف على جنات وباسقات حينئذ حال مقدرة لأنه لم تطل حال الإنبات بل بعده ، وقوله : فيكون من أفعل على الثاني فهو فاعل والقياس مفعل فهو من النوادر كالطوائح واللواقح في أخوات لها شاذة ويافع من أيفع وباقل من أبقل ، وقوله : وافرادها بالذكر أي مع دخولها في جنات كما مرّ في سورة ي!. قوله : ( وقرئ باصقات لأجل القاف ) وهي لغة لبعض العرب تبدل السين مطرداً صادا إذا وليها خاء أو عين أو قاف أو طاء مهملة أو فصل بينهما بحرف أو حرفين أو تقدمها كما فصل في التصريف ، فقرله : لأجل القاف توجيه لهذه القراءة وأنّ الإبدال لقرب مخرج الصاد من القاف ، وقوله : أو كثرة ما فيه من الثمر أي من مادة الثمر ففيه تسمح ، وقوله : علة أي مفعول له أو حال بمعنى مرزوقاً ، وقوله : أو مصدر أي من غير لفظه كقعدت جلوسا واليه أشار بقوله : فإنّ الإنبات رزق بفتح الراء وكسرها
وفيه تجوّز ، وقوله : أرضاً جدبة فهو استعارة ، وقد تقدم تحقيقها. قوله : ( كما حييت هذه البلدة الخ ) يعني المراد بالخروج خروجهم أحياء من القبور فشبه بعث الأموات ونشرهم بقدرته تعالى بإخراج النبات من الأرض بعد وقوع المطر عليها فكذلك خبر الخروج أو مبتدأ فالكاف بمعنى مثل ، وقوله : أراد بفرعون الخ فأطلق على ما يشمل اتباعه كما تسمى القبيلة تميما باً سم أبيها وأنما أوّله بما ذكر لأنه أنسب وأتم فائدة ، وقوله : لأنهم كانوا أصهاره فليس المراد الأخوة الحقيقية من النسب بل المصاهرة. قوله : ( سبق في الحجر والدخان ) وهو ما مرّ من أنّ أصحاب الأيكة قوم شعيب عليه الصلاة والسلام كانوا يسكنون غيضة فسموا بها ، والأيكة معناها لغة الغيضة وأنّ تبعاً هو الحميري وكان مؤمنا وقومه كفرة ، ولذا لم يذم هو وذم قومه والرسق البئر التي لم تبن كما مرّ في الفرقان فلينظر تفصميله ثمة. قوله : ( اي كل واحد أو قوم ) بالجرّ معطوف على واحد ، وقوله : منهم متعلق بهما فإن قيل لم يكذب كل واحد من قوم نوج وثمود وعاد كما صرّح به في غيرآية كقوله : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا } فإنها صريحة في أنّ كل أمّة نبيّ فيها مصدّق ومكذب قلت : الكلية هنا المراد بها التكثير كما في قوله : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [ سورة النمل ، الآية : 123 فهي باعتبار الأغلب اكثر ، وقوله : أو جميعهم فالتقدير كل هؤلاء فكان حقه أن يقال كذبوا لكنه أفرد ضميره مراعاة للفظ كل فإنه مفرد وإن كان جمعاً معنى ، وقوله : تسلية للرسول ع!ي! بأنّ عاقبة كل من كذب الرسل الهلاك ، والتهديد للكفرة. قوله : ( أفعجزنا عن الإبداء ) فالعيّ هنا بمعنى العجز لا التعب قال الكسائي : تقول أعييت من التعب وعييت من انقطاع الحيلة والعجز عن الأمر وهذا هو المعروف والأفصح وإن لم يفرق بينهما كثير والخلق الأوّل هو الإبداء ، واليه أشار المصنف. قوله : ( أي هم لا ينكرون تدرتنا الخ ) هذا تصحيح للإضراب بتقدير المضرب عنه لكنه اختصره إذ التقدير إنهم معترفون بالأوّل فلا وجه لإنكارهم للثاني بل هم اختلط عليهم الأمر والتبس ، وقوله : لما فيه من مخالفة العادة بيان لمنشأ الالتباس وهو قياسهم أحوال المعاد بهذه النشأة التي لم يشاهد فيها أن يعود شيء بعد موته وتفرق أجزائه ، ولذا نكر الخلق الجديد لما أضافه إليهم لأنه لاستبعاده عندهم كان أمرا عظيما فالتعظيم ليس راجعا إلى الله ولا إلى الإيجاد من حيث هو حتى يعترض بأنه أهون من الخلق الأوّل والمناسب تعريفه أو جعل تنكيره للتحقير كما بينه المدقق في الكشف ، ومن لم يتنبه لما أرادوه هنا قال : الدلالة على التهوين من وصف الخلق بالجديد لما
تعورف من أنّ الإعادة أهون من الإبداء إلا أنّ التخويف مقصود أيضاً فلذا دلّ بالتنكير على عظمه فحق السامع أن يخافه ويهتم به فلا يعقد على لبس منه. قوله : ( والإشعار الخ ا لو عطفه بأو كان أظهر لأنه وجه آخر أريد بالتنوين فيه الإبهام الذي هو أصل معنى التنكير إشارة إلى أنه على وجه لا يعرفه الناس. قوله : ( ومنها وسواس الحلي ) بضم الحاء وكسر(8/85)
ج8ص86
اللام وتشديد الياء أو بفتح فسكون والياء مخففة ، وهو صوتها إذا تحرّكت وصدم بعضها بعضا ، ولذا تظرف بعض المحدثين فقال :
إن قيل شعرك وسواس هذيت به فقد يقال لصوت الحلي وسواس
قوله : ( والضمير الخ ) أي الضمير في قوله : به إن جعلت الباء صلة لتوسوس بمعنى تصوّت وما موصولة عائد على ما الموصولة ، وجوّز فيها حينئذ أن تكون للملابسة أو زائدة والأوّل أولى وإن كانت الباء للتعدية وما مصدرية يعود ضمير به على الإنسان ، والمعنى جعل النفس موسوسة للإنسان لأنّ الوسوسة نوع من الحديث وهم يقولون حدث نفسه وحدثته نفسه بكذا كما فال لبيد :
واكذب النفس إذا حدثتها إن صدق النفس يزري بالأمل
قوله : إ أي ونحن أعلم بحاله الخ ) يعني أنه تجوّز بقرب الذات عن قرب العلم لتنزهه عن القرب المكاني إمّا تمثيلاً ، وامّا من إطلاق السبب وارادة المسبب لأنّ القرب من الشيء سبب للعلم به ، وبأحواله في العادة وقول المصنف لأنه موجبه صريح في أنه أراد الثاني ، وكلامه في الكشاف مائل إلى الأوّل والمعنى أنه تعالى أعلم بأحواله خفيها وظاهرها من كل عالم. قوله : الأنه موجبه ) بكسر الجيم وفتحها وعلى الأوّل ضمير أنه لقرب الذات وضمير موجبه للعلم أو لقربه وعلى الثاني بالعكس ، وهذا بيان لعلاقة التجوّز وقوله : وحبل الوريد مثل في القرب يعني أنه ضرب به المثل في القرب لأنّ أعضاء المرء وعروقه متصلة على طريق الجزئية فهي أشد من اتصال ما اتصل به من الخارج وخص هذا لأنّ به حياته ، وهو بحيث يشاهده كل أحد. قوله : ( والموت أدنى لي من الوريد ) أوّله :
هل أغدون في عيشة رغيد
وهو من شعر لذي الرمة والموجود في ديوانه كما قيل :
فإني وقيا ربها لغريب
ما دون وقت الأجل المعدود نقص ولا في العمر من مزيد
موعود رت صادق الموعود والله أدنى لي من الوريد
والموت يلقي أنفسى الشهود
وقوله : والحبل العرق تفسير للمراد به هنا لأنّ الحبل معناه معروف ، واطلاقه على العرق بطريق المشابهة كم يقال حبل الوريد وحبل العاتق لعرقه ، وقوله : واضافته للبيان على أنه مجاز عن العرق فإضافته للبيان كشجر الأراك أو لامية كما في غيره من إضافة العامّ للخاص فإن أبقى الحبل على حققته فإضافته كلجين الماء. قوله : ( والوريدان الخ ) في الكشف إنه بحسب المشاهد المعروف بين الناس فلا يرد عليه أنه مخالف لما ذكره أئمة التشريح في مبدأ العروق ، وقال الراغب : الوريد عرق متصل بالكبد والقلب وفيه مجاري الروح فالمعنى أقرب من روحه ، وهذا هو ما فسر به بعضهم الوتين ، وقوله : يردان من الرأس فالوريد فعيل بمعنى فاعل وعلى ما ذكر من القيل هو فعيل بمعنى مفعول والمراد بالروح ما سماه الأطباء روحا ، ويقال له : الروح الحيواني وهو إشارة إلى ما ذكره الراغب من أنّ مبدأه القلب. قوله : ( مقدّر باذكر ( قيل وهو أولى مما بعده لبقاء الأقربية على إطلاقها ولأنّ أفعل التفضيل ضعيف في العمل ، وإن كان لا مانع من عمله في الظرف كما فصله في الكشاف إذ الكلام في رفع الفاعل الظاهر ونصب المفعول به ، وقوله : وفيه إيذان أي في تعلقه بأقرب على هذا الوجه ، وقوله : لكنه أي الاستحفاظ وهو تعيين الحافظ لا طلبه ، وقوله : يثبط بمعنى يعوّق صفة تشديد لأن توكيل حافظ به يكتب كل ما صدر عنه مقتض لما ذكر ، وقوله : للجزاء متعلق بتأكيد. قوله : ) كالجليس ( يعني فعيل بمعنى مفاعل كرضيع لمراضع ونديم لمنادم ومثله كثير كما في شرح التسهيلى ، وقوله : فحذف الأوّل ولم يقل قعيد ران عاية للفواصل وقوله :
فأنى وقيا ربها لغريب
مثالى للحذف من أحدهما لدلالة الآخر إذ الحذف فيه من انثاني لا من الأوّل عدى
اختلاف فيه ، وقوله : وقيل الخ مرضه لأنه ليس على إطلاقه بل إذا كان فعيل بمعنى مفعول بشروطه وهذا بمعنى فاعل ولا يصح فيه ذلك إلا بطريق الحمل على فعيل بمعنى مفعول ، وقوله : ما يرمي به إشارة إلى أنّ معنى اللفظ الرمي من(8/86)
ج8ص87
الفم تقول لفظت النواة إذا رميتها من فيك ، ثم شاع في التلفظ فصار حقيقة فيه. قوله : ( ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب ) يعني إن كاتب الحسنات يكتب ما فيه الثوأب ، وكاتب السيئات يكتب ما فيه العقاب فلا يكتب واحد منهما المباج لأنه لا ثواب فيه ، ولا عقاب ويشهد له الحديث المذكور فالعموم في قوله : ما يلفظ من قول مخصوص بما ذكر لأن الكتابة للجزاء عليه فما لا ثواب ، ولا عقاب له مستثنى حكماً وما قيل من أنه يكتب عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه فتسمية كاتب السيئات ، وكاتب الحسنات شاهدة على خلافه ، ويجمع بينهما على ما أشار إليه السيوطي في بعض رسائله بأن يكتب كلى ما صدر عنه حتى المباحات فإذا عرضت أعمال يومه محى منها المباحات ، وكتب ثانياً ما له ثواب أو عقاب ، وهو معنى قوله : يمحو اللّه ما يشاء ، ويثبت فللقول بكتابة المباح وعدمها وجه فلا منافاة بين القولين ، والحديثين ، وأنما عطف الحديث بالواو ، ولم يقل ففي الحديث كما قيك لأنه لا دليل فيه على ما ذكر إذ هو ساكت عما عداهما ، وقيل : إنه كالتفسير للأية لذكره تعدد الكاتبين ، وظاهر النظم وحدتهما وفيه نظر ، والحديث المذكور رواه الطبريّ وذكره ابن حجر. قوله : ( لما ذكر استبعادهم البعث ) بقوله : { أَئِذَا مِتْنَا } الآية ، وتحقيق قدرته ما دلّ عليه قوله : { أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ } ، وتحقيق علمه بقوله : { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ } الخ وقوله : أعلمهيم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب بقوله : ونفخ في الصور ، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد فإن التعبير بالماضي لتحققه الذي صيره يشرف من الوقوع لأنّ كل آت قريب ، وما تهيأ أسبابه ، ووقعت مقدماته فهو في حكم الواقع. قوله : ( شذّته الذاهبة بالعقل ) أي المذهبة العقل فالباء للتعدية ، وهو بيان لأنّ السكرة استعيرت
للشدة ، ووجه الشبه بينهما أنّ كلاً منهما مذهب للعقل فالاستعارة تصريحية تحقيقية ، ويجوز أن يشبه الموت بالشراب على طريق الاستعارة المكنية ، واثبات السكرة لها تخييل كما قيل : للموت كأس وكل الناس ذائقها
والمقام لا ينبو عنه كما قيل ثم الأوّل أقرب ، وقوله : حقيقة الأمر تفسير للحق بأنه الأمر المحقق ، وقوله : الموعود الحق فهو صفة مشبهة موصوفها مقدر ، والحق مقابل الباطل أو الحقيق اللائق ، وقوله : من الموت والجزاء تفسير له على الوجوه كلها لا للأخير كما قيل ، وقوله : فإنّ الإنسان الخ تعليل لقوله الذي ينبغي. قوله : ( أو مثل الباء في تنبت بالدهن ) يعني أنها للملابسة ، وهو أوجه الوجوه فيها ، وإن قيل إنها زائدة ونحو ذلك مما لا يجري هنا ، وقراءة سكرة الحق أي سكرة الأمر المحقق ، وقوله : سكرة الله لأنّ الحق من أسمائه تعالى ، وقوله : للتهويل لأنّ ما يجيء من العظيم عظيم. قوله : ( والخطاب للإنسان ) الشامل للبز والفاجر لتقدم ذكره في قوله ، ولقد خلقنا الإنسان ، وفي شرح الكشاف للطيبي ، وجاءت سكرة الموت الخ إن اتصل بقوله : في لبس من خلق الخ وما معه فالمشار إليه بذلك الحق ، والخطاب للفاجر أي جاءك أيها الفاجر الحق الدّي أنكرته ، وإن اتصل بقوله ، ولقد خلقنا الإنسان الخ فالمشار إليه الموت والالتفات لا يفارق الوجهين ، والثاني هو المناسب لقوله ، وجاءت كل نفس معها سائق الخ بعده ، وتفصيله ألقبا في جهنم كل كفار عنيد ، وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد اكل فلا وجه لما قيل : إنّ الوجه الأوّل أرجح :
وللناس فيما يعشقون مذاهب
قوله تعالى : ( { ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ } ) هذا مناسب لكون الخطاب للفاجر فإذا كان للإنسان فالأصل يوم الوعد ، والوعيد فاكتفى باحد القرينين لا لمراعاة الفاصلة كما قيل فإنها حاصلة إذا ذكر الوعد مقدّما ، وقوله : أي وقت ذلك الخ يعني أنه لا بد فيه من تقدير المضاف لأنّ الإشارة ليست إلى اليوم بل إلى ما وقع فيه ، وهو النفخ ، وقوله : يوم تحقق الوعيد قيل إنه إشارة إلى تقدير مضاف آخر كما قدر قبل ذلك ، ولا حاجة إليه لأنه إشارة إلى أنّ إضحافته إليه للملابسة التامّة بينهما باعتبار أنّ تحققه ، وايجاده فيه ، ولو جعلت الإشارة إلى وقت ذلك لقيام القرينة
عليه لم يحتج لتقدير أصلاً ، وقوله : والإشارة الخ لأنّ اسم الإشارة كالضمير فيكون لاسم مصرح به أو في ضمن مشتق كما في قوله : اعدلوا هو أقرب للتقوى. قوله : ( وقيل السائق كا!لب السيئات ) هذا بناء على ما مرّ من أنّ الخطاب للإنسان الشامل للبر والفاجر ، وأنما مرضه لأنه لا قرينة تدلّ على أنّ المراد بالسائق كاتب السيئات ، وأمّا كونه(8/87)
ج8ص88
يقتضي تخصيصه بالفجار إذ ليس لغيره كاتب للسيئات فلا وجه له لشموله للفريقين بذكر الشهيد معه كما عرفته. قوله : ( وقيل السائق نفسه ا لا يخفى ضعفه لأنّ المعية تأباه والتجريد بعيد ، وقوله : أو قرينه يعني شيطانه المقارن له في الدنيا هو أيضا مما لا قرينة في النظم عليه مع أنّ جعل الأعمال شهيدا غير ظاهر وأمّا اقتضاؤه تخصيص كل نفس بالفجار فلا. قوله : ( ومحل معها النصب على الحال ) قيل : الأولى أن يجعل استئنافا بيانياً وقال أبو حيان : معها صفة وما بعده فاعلى به لاعتماده أو المبتدأ ، والخبر صفة وأورد عليه أنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف ، ومضمون هذه الجملة غير معلوم فلا يكون صفة إلا أنّ يدعي به ولذا عبر عنه بالماضي ، وقد مرّ غير مرّة أنّ ما ذكره غير مسلم ، وأنّ ما ذكره أهل المعاني ليس المراد به ظاهره فتذكره ، ولا تغتر بما ذكر. قوله : ( لإضافته إلى ما هو في حكم المعرفة ) هذا ، وإن تبع فيه المصنف الزمخشريّ محل بحث لأنّ الإضافة للنكرة تسوغ مجيء الحال منها ، وأيضاً كل يفيد العموم ، وهو من المسوّغات كما في شرح التسهيل ، وما ذكره تكلف لا تساعده قواعد العربية ، والمراد منه كما نقل عن الزمخشريّ أنّ كل نفس في معنى كل النفوس لأنّ الأصل في كل أن تضاف إلى الجمع كأفعل التفضيل يعني أنّ هذا أصله ، وقد عدل عنه في الاستعمال للتفرقة بين كل الإفرادي ، والمجموعي فسقط ما قيل من أنه مسلم في كل المجموعي فتدبر. قوله : ) على إضمار القول ) فيقدر يقال لها أو ، وقد قيل لها ليرتبط معناه ، واعرابه بما قبله ، وقوله : والخطاب لكل نفس أي عامّ لكل من يصلح للخطاب كما في قوله : { وَلَوْ تَرَىَ } [ سورة الأنعام ، الآية : 93 ] وقوله : إذ ما من أحد الخ دفع لما يتوهم من أنّ المراد بالغفلة عدم العلم بالبعث ، وكل نفس ليست كذلك لأنّ المراد بالغفلة الذهول عن أخطارها بالبال بعد العلم ، وهو قلما يخلو عنه أحد ، ولذا خصه بعضهم بالنفس الكافرة ، وقد أيد هذا بأنّ تنكير الغفلة ، وجعله فيها ، وهي فيه يدل على
أنها غفلة تامّة مقتضية لعدم العلم بها رأساً وفيه نظر. قوله : ( ويؤيد الأوّل ) أي كون الخطاب للنفس لتأنيثه والقراءة المشهورة ليست على تأويل النفس بالشخص كما قيل ومثل له بقوله :
يا نفس إنك باللذات س! رور
لأنّ التعبير بالنفس في الحكاية لا يستدعي اعتباره في المحكي حتى يحتاج إلى التأويل
كما في المفال المذكور لأنّ الفرق بينهما ظاهر ، واعلم أنّ الغفلة جعلت غطاء وهو إمّا غطاء الجسد كله أو العينين وعلى كليهما يصح فكشفنا الخ أمّا على الثاني فظاهر وأمّا على الأوّل فلأن غطاء الجسد كله غطاء للعين أيضا. قوله : ( قال الملك الموكل عليه ) في الدنيا لكتابة أعماله ، وهو الرقيب السابق ذكره فأفراده لتأويله كما مرّ في الرقيب وقوله : حاضر لدقي من العتاد ، وهو الإعداد والإحضار ويقال : فرس عتد أي حاضر العدو كما قاله الراغب : فهذا إشارة لما في صحفه. قوله : ( أو الشيطان الذي قيض له ) أي سخره الله له فهو مقارن له يغويه فيكون معه ملكان أحدهما يسوقه والآخر يشهد عليه مع شيطان يقول ما ذكر ، وقد كان مقرونا به في الدنيا وفي الآخرة أتى به معه أيضا ولا يلزم منه تخصيص كل نفس حتى ينبني على قول غير مرضيئ بل هو تفصيل لما تضمته العموم كما مرّ ، وقوله : هذا ما عندي الخ تفسير لقوله : هذا ما لدي الخ على القول الثاني ، وقوله : في ملكي وفي خسخة ملكتي وهو بمعناه أيضا والمراد إنه مسخر له في قبضة تصرفه وتملكه وعتيد بمعنى معدّ للعذاب وهذا إشارة للشخص نفسه ، وقوله : فعتيد صفتها كقوله : لديّ وتركه لظهوره ، وأمّا تعلقه بما فلا وجه له وعلى الموصولية لديّ صلتها ، وقوله : فبدلها بناء على أنه يجوز بدل النكرة من المعرفة وإن لم توصف إذا حصلت لفائدة بإبدالها وأمّا تقديره بشيء عتيد على أنّ البدل هو الموصوف المحذوف الذي قامت صفته مقامه ، أو ما الموصولة لإبهامها أشبهت النكرة فجاز إبدالها منها فضعيف لما يلزم الأوّل من حذف البدل ، وقد أباه النحاة والثاني يقول به من يشترط النعت فيه فهو صلح من غير تراض للخصمين. قوله : ( خطاب من الله للسائق والشهيد ) على أنهما ملكان لا ملك جامع للوصفين كما مرّ وعلى كل حال فهذا فيه قول مقدر كما مرّ ، ورجح الوجه الثاني لأنه يشهد له قوله تعالى : { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } [ سورة ق ، الآية : 27 ] والقرآن يفسر بعضه بعضا ولذا اقتصر المصنف عليه فيما بعده ، وقوله : أولو أحد أي لملك واحد من خزنة النار أو المراد(8/88)
ج8ص89
بقوله : سائق وشهيد كما مرّ. قوله : ( وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل الخ ( على أنّ أصله
الق ألق ثم حذف الفعل الثاني ، وأبقى ضميره مع الفعل الأوّل فثني الضمير للدلالة على ما ذكر كما في قوله : فإن تزجراني أصله تزجرني تزجرني بدليل قوله : يا ابن عفان ومعنى البيت ظاهر ، وهذا القول منقول عن المازني ولا يخفى بعده وهل هو حقيقة أو مجاز لم يتعرّضوا له فحرّره ، وقوله : بدل من نون التوكيد لأنها تبدل ألفا في الوقف فأجرى الوصل مجراه ، وقوله : كثير المنع من صيغة المبالغة ، والخير يطلق على المال لغة وقوله : عن حقوقه المفروضة مأخوذ من المقام وقرينة الذم ، وقوله : وقيل الخ فاً لصيغة للمبالغة باعتبار كثرة بني أخيه أو باعتبار تكرّر منعه لهم لا باعتبار استمراره كما لا يخفى ، ومرضه المصنف لأنه لو كان المراد هذا كان مقتضى الظاهر أن يقول مناع عن الخير. قوله : ( وخبره فألقياه ) أي فيقال في حقه ألقياه أو لكونه في معنى جواب الشرط لا يحتاج للتأويل ، وقوله : تكريرا للتوكيد الخ مخالف لما ذكره أهل المعاني من أنّ بين المؤكد والمؤكد شدة اتصال تمنع من العطف ، إلا أنه قيل إنه نظير قوله : فلا تحسبنهم الخ والفاء هنا للإشعار بأنّ الإلقاء للصفات المذكورة أو من باب وحقك ثم حقك نزل التغاير بين المؤكد والمؤكد والمفسر والمفسر منزلة التغاير بين الذاتين بوجه خطابي ، ولا يدعي التغاير الحقيقي لأنّ التأكيد يأباه فما قيل إنه نظير قوله : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا } [ سورة القمر ، الآية : 9 ] لأنّ المراد كذبوه تكذيبا عقب تكذيبا لا يصح تفسير كلام المصنف به إلا أن يريدانه توجيه آخر للنظم ولو جعل العذاب الشديد نوعا من عذاب جهنم ومن أهواله على أنه من باب ملائكتة وجبريل كان حسنا ( أقول ) قال ابن مالك في التسهيل فصل الجملتين في التأكيد بثم إن أمن اللبس أجود من وصلهما ، وذكر بعض النحاة الفاء وذكر الزمخشريّ في الجاثية الواو أيضاً واتفق النحاة على أنه تأكيد اصطلاحيّ وكلام أهل المعاني في إطلاق منعه غير سديد فالحق ما ذكره المدقق فاحفظه. قوله : ( فإنه جواب لمحذوف دل عليه الخ ) قيل إنه تعليل لمقدمة مطوية دل عليها ما قبله ، وهي إنّ هاهنا تقاولاً وفي كلامه تسامح فإن قال : جواب لسؤال ناشئ عن ذلك المحذوف يعني إنه مبنيّ على المسامحة وتنزيل منشأ
السؤال منزلة السؤال نفسه ، وقوله : دل عليه الخ يعني أنّ الدليل على التقاول وأنّ ثمة محذوفا هو قوله : لا تختصموا ، وهذا القول يدل على تعيين ذلك المحذوف كما بينه في الكشاف فتأمّل. قوله : ( بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف الخ ا لأنهما جملتان خبريتان ، وقد اجتمع مفهوماهما في حالة واحدة بخلاف ما قبل هذه فإنه كلام إنشائي غير مقارن لمضمون هذه الجملة فيدل على مقاولة مطوية ، وقوله : فأعنته عليه دفع لما يتوهم من التدافع بين مضمون هدّه الجملة ومضمون قوله : هذا ما لديّ عتيد على التفسير الثاني فإنه عين الإطغاء بأن ما مز هو تزيينه له بوسوسته له ، واعانته على كفره من غير تسليط له عليه كقوله : { مَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ } كما مرّ تفسيره وأشار إليه بقوله : فإنّ إغواء الشيطان الخ. قوله : ( عالمين بأني أوعدتكم الخ ( أوّل تقديم الوعيد بالعلم لتصح الحالية ويكون بين الحال وعاملها مقارنة زمانية ، وإن كان ماضيا بحسب الظاهر فإن الاختصام في الآخرة وتقديم الوعيد في الدنيا فلا مقاربة بينهما فضلا عن المقارنة إلا إذا أوّل بالعلم بتقدّمه ، وقوله : على أنّ قدّم بمعنى تقدّم فهو لازم يعدّى بالباء. قوله : ( ويجوز أن يكون بالوعيد حالاً ) من الفاعل أو المفعول والباء للملابسة أو المعية والمعنى قدمت هذا القول موعداً لكم به أو حال كون القول ملتبسا بالوعيد ، وقوله : واقعاً على قوله : الخ يعني أنه مفعوله مراداً به لفظه أي قدّمت هذا القول. قوله : ( وعفو بعض المذنبين الخ ) هذا بناء على أنّ الوعد والوعيد كل منهما إخبار من الله بثواب أو عقاب فلا يجوز تخلفه لئلا يلزم الكذب في إخباره ، وما يقع من التخلف في الوعيد لأسباب تخصصه كتوبة الموعود أو إرادة الله ومشيئته للعفو عنه ، وقيل : إنّ الوعد لا يتخلف لأنه ينافي الكرم بخلاف الوعيد فإنّ تخلفه بمقتضى الكرم ولا يلزم الكذب إمّ لما ذكر أو لأنه إنشاء ولذا قال الشاعر في المدح :
وأني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي(8/89)
ج8ص90
وأمّا في حق الكفار فالوعيد على عمومه لقوله : { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ سورة النساء ، الآية : 48 ] . قوله : ( فأعذب من ليس لي تعذيبه ) وقد سبق
الوعد بأنه لا يصدر ذلك عنه فلو صدر كان في صورة الظلم لمخالفته لقضائه وحكمه الأزلي لا لأنه ممتنع في نفسه فلا يرد عليه أنه مخالف لمذهب أهل الحق من أنّ له تعالى تعذيب المطيع واثابة العاصي ، وصيغة المبالغة تقدم تحقيقها وأنها إمّا لكثرة العباد أو لأنه لو صدر عنه ما يخالف حكمته كان ظلما عظيما فتذكره. قوله : ( سؤال وجواب الخ ) يعني أنه استعارة تمثيلية تخييلية على ما مرّ من تفصيله في عرض الأمانة على السموات والأرض ، وعدم قبولهما لها وقد ردّ هذا في الانتصاف ، وقال : إنّ الله قادر على أن يخلق فيها إدراكاً ونطقاً كما خلق ذلك في الحصى والجذع حتى سبح ولا داعي لتأويل النصوص مع إمكان إبقائها على ظاهرها ، وهو كلام حسن وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا. قوله : ( والمعنى أنها مع اتساعها الخ ) ذكروا فيه وجوها ثلاثة أحدها : أنها تمتلئ بحيث لا تقبل الزيادة مع اتساعها فيكون الاستفهام إنكارياً معناه النفي لقوله : { لأَملأنَّ جَهَنَّمَ } [ سورة الأعراف ، الآية : 18 ] فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضا والثاني أنّ المراد الدلالة على سعتها بحيث يدخلها من يدخلها وفيها فراغ وخلوّ كانه يطلب الزيادة فالاستفهام للتقرير أو على حقيقته لكنه بالفرض والتقدير ، أو أنه تمثيل لثدة توقدها وزفيرها وتهافت الكفرة والعصاة وقذفهم فيها حتى كأنه طالبة للزيادة فقوله : حتى تمتلئ إشارة إلى أنه استعارة وتمثيل للامتلاء إلا أنه قيل عليه لفظ التخييل غير مناسب هنا فتأمّل ، فإن قلت الوجه الثاني وهو كونها فيها فراغ مناف لصريح النظم من قوله : { لأَملأنَّ جَهَنَّمَ } الآية قلت : لا منافاة بينهما كما توهم لأنّ الامتلاء قد يراد به أنه لا يخلو طبقة منها عمن يسكنها ، وإن كان فيها فراغ كثير كما يقال : إنّ البلد ممتلئة بأهلها ليس فيها دار خالية مع ما بينها من الأبنية والأفضية ، أو هذا باعتبار حالين فالفراغ في أوّل دخول أهلها فيها ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتلئئ وأمّا دفع المخالفة بماورد في الحديث من أنه يضع فيها رب العرش قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فيحصل حينئذ الامتلاء فمما لا يبغي ذكره لأنّ هذا
الحديث من المتشابهات التي لا بدّ من تأويلها. قال ابن فورك في كتاب مشكل الأحاديث والآيات : إنه حديث صحيح روي عن أبي هريرة رضي الله عنه هكذا قال : إنّ جهنم لن تمتلئ حتى يضع الجبار قدمه فيها فتقول : قط قط وروي رجله بدل قدمه في رواية غير صحيحة ، وقد اتفقوا على أنه مؤوّل فقال النضر بن شميل : إنّ القدم هنا الكفار الذين سبق في علمه تعالى دخولهم النار ، والقدم تكون بمعنى المتقدم كقوله : قدم صدق وقال ابن الأعرابي قريباً منه أيضا وقال بعضهم القدم هنا بعض مخلوقاته أو أقدام بعضهم أضيف إليه تعالى لأنه عن أمره وحكمه ، وقيل : الجبار جنس من الكفرة جبارون وقيل : المراد بهم إبليس وشيعته فإنّ لفظ الجبار غير مختص بالله تعالى وكذا رواية الرجل مؤوّلة فإنها تكون بمعنى الجماعة فلا بد من تأويله فأخذه على ظاهره ودفع المخالفة به مما لا يليق. قوله : ( أو أنها من شدّة زفيرها الخ ) هذا كما في الكشف مرتب على التمثيل والتصوير ، والحاصل أنّ نفي الزيادة وإثباتها إمّا على ظاهره أو هو كناية عن الاستكثار فلا يرد عليه أنه للإنكار وهو غير مناسب لكون المخاطب هو الله كما قيل إذ إرادة المعنى الحقيقي غير لازمة ولو سلم فهو مجاز لا كناية ، وقوله : كالمستكثرة الخ ناظر لشدة الزفير والحدّة والطالبة للزيادة ناظر لتشبثها بالعصاة فهو لف ، ونشر وكل منهما ناظر إلى تفسير هل من مزيد أيضا ففيه لف ونشر آخر. قوله : ( مصدر كالمحيد ) وفي نسخة كالمميد من ماد إذا تحرّك فهو مصدر ميمي أو هو اسم مفعول أعل أعلال المبيع وهو ظاهر ، وقوله : أو ظرف لنفخ لا يخفى بعده مع كثرة الفوامحل التي لا تصلح للاعتراض ، وارادة التعلق المعنوي على أنه مما تنازع فيه الأفعال السابث ة كلها وتعلق بالأخير منها على الأرجح وذكر الأوّل التعيين المشار إليه فيه ، خلاف الظاهر ولا يصح الحمل عليه من غير قرينة ، وذلك في قوله : ذلك يوم الوعيد حينئذ الإشارة إليه لتقدّمه رتبة وإن تأخر لفظاً فحينئذ لا يحتاج إلى تقدير مضاف فيه كما إذا كان إشارة إلى النفخ وأمّا الاعتراض بأنّ زمان النفخ ليس يوم القول إلا إذا(8/90)
ج8ص91
فرض ممتدّاً واقعا في أجزائه وإن كان الحامل عليه عدم احتياجه إلى التقدير فيجوز أن يكون ذلك إشارة إلى زمان النفخ الدال عليه الفعل فلا يحتاج للتقدير أيضا فقد دفعه المعترض ، وادّعاء البعد فيه سهل والإشارة إلى زمان الفعل مما لا نظير له بخلاف الإشارة لمصدره. قوله : ( مكاناً غير بعيد ) فهو صفة للظرف قام مقامه ، وانتصب انتصابه فهو متعلق
بقوله : أزلفت وعلى كل حال فهو للتأكيد ودفع التجوّز كما في الحالية فإنه بعد ذكر أنها قربت لا يحتاج إلى كونها غير بعيدة والحالية من الجنة وهي مؤنثة فلذا أوّله بتقدير شيء أو تأويل الجنة بالبستان أو لكونها على زنة المصدر الذي من شأنه أن يستوي فيه المذكر ، والمؤنث فعومل معاملته وأجرى مجراه ، وقوله : على إضمار القول أي مقولاً لهم وهو حال من المتقين. قوله : ( بدل من المتقين بإعادة الجار ) مرّ الكلام فيه وأنه لا حاجة إليه ، أو الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور. قوله : ( بدل بعد بدل ) يحتمل أنه بدل من كل المبدل من المتقين وهو الأولى أو أنه بدل من المتقين أيضا بناء على جواز تعدّد البدل ، والمبدل منه واحد وقول أبي حيان تكرار البدل والمبدل منه واحد لا يجوز في غير بدل البداء وسره أنه قد طرح فلا يبدل منه مرّة أخرى غير مسلم فإنّ ابن الحاجب في أماليه جوّزه ونقله الدماميني في أوّل شرحه للخزرجية وأطال فيه ، وكون المبدل منه في نية الطرح ليس على ظاهره فأعرفه ، وقوله : أو بدل من موصوف أوّاب الخ بناء على جواز حذف المبدّل منه وقد جوّزه ابن هشام في المغني لا سيما وقد قامت صفته مقامه حتى كأنه لم يحذف. قوله : ( ولا يجوز أن يكون ) أي من خشي الرحمن في حكم أوّاب بأن يجعل صفة للمقدر مثله ، ولذا لم يبدل من أوّاب لأنه لو أبدل منه كان له حكمه فيكون صفة والأسماء الموصولة لا يقع منها صفة إلا الذي على الأصح ، وإن جوز بعض النحاة الوصف بمن أيضاً لكنه قول ضعيف كما بين في المفصلات. قوله : ( على تأوبل الخ ) لأنّ الإنشاء لا يقع خبراً بغير تأويل ولا يخفى تكلفه لما فيه من التقدير وتاويل ضمير الجمع ، وقوله : ملتبسة إشارة إلى أنّ الباء للملابسة ، وقوله : حيث خشي عقابه الخ إشارة إلى أن تليس الخشية بالغيب إمّا باعتبار المخشوّ منه ، وهو الله أو المخشي نفسه ، وهو العقاب أو الخاشي بأن يخاف الله في خلوته كما يخافه في جلوته لأنه لا يخفى عليه خافية وقوله : خشي عقابه يحتمل أنه بيان لحاصل المعنى ، وهو الظاهر أو لتقدير مضاف فيه قبل الرحمن كما قيل. قوله : ) وتخصيص الرحمن ) دون غيره من أسماء الله مع أنّ غيره مما يدعو للخشية بحسب الظاهر أنسب إذ الرحمة ربما تقتضي عدمها للاتكال عليها فأجاب بأنّ صرف
الخشية قريب من الناس ، وهم بنن الرجاء والخوف فلما ذكر الخوف وصف المخوف منه بما يشعر بأنهم لهم وجاء أيضاً كما أشار إليه بقوله : رجوا الخ والثاني إنّ هذا إنما يكون أنسب إذا أريد التحريض على الخشية أمّا إذا أريد مدح الخاشي بأنه خاس له على كل حال غير تارك للخشية اغترارا برحمته كما في قوله : لو لم يخف الله لم يعصه كان ذكر الرحمن أنسب كما أشار إليه بقوله : أو بأنهم يخشون خشية الخ. قوله : ( إذ الاعتبار الخ ) يعني هو وإن كان وصفا لصاحبه لكنه في الحقيقة صفة للقلب لأنّ المعتبر رجوعه ، وقوله : سالمين الخ يشير إلى أنّ الجارّ والمجرور حال وأنه إمّا من السلامة أو من التسليم والتحية من الله أو الملائكة ، وقوله : يوم تقدير الخلود لأن الإشارة إلى وقت الدخول ، وهو ليس زمان الخلود فلا بد لصحة الحمل من تقدير مضاف أي ابتداء الخلود وتحققه وهو أحسن مما قدّره إذ هو المعروف في الحال وما نحن فيه ليس كذلك ، وكون الإشارة إلى زمان السلام لا يصح من غير تأويل بما ذكر ونحوه كالأعلام بالخلود كما توهم ، وكذا ما قيل من أنه لكونه ابتداء الخلود جعل يوم الخلود لما بينهما من الملابسة أو اليوم بمعنى الزمان وهو كالشيء الواحد والإشارة لم بعده كهذا أخوك. قوله : ( فخرقوا في البلاد ) هو أصل معناه الحقيقي ، وقوله : وتصرفوا فيها تفسير للمراد منه فالتنقيب التصرف فيها بملكها ونحوه ، وقوله : أو جالوا الخ فالتنقيب السير وقطع المسافة وفي الأساس خرقت المفازة قطعتها والنوق مخراق المفازة ، وما قيل من أنّ الثاني لم ينقل عن أحد مما لا وجه له ومقام المصنف رحمه الله أجل من ذلك ، وقوله : فالفاء الخ لأنها عاطفة على معنى ما قبله أي اشتدّ بطشهم فنقبوا الخ وتصرفهم فيها(8/91)
ج8ص92
مسبب عن اشتداد بطشهم بخلاف الجولان في البلاد حذر الموت فإنه وإن وقع عقبه لا تسبب له عنه وقوله : وأصل التنقيب الخ هذا باعتبار معناه العرفي وإلا فأصله ني اللغة التخريق كما مرّ. قوله تعالى : ( { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } الخ ) أي هل من مخلص من أمر الله قيل والجملة عن إضمار قول هو حال من واو نقبوا أي نقبوا في البلاد قائلين هل من محيص أو على إجراء التنقيب مجرى القول أو هو كلام مستأنف لنفي أن يكون لهم محيص وعلى الأوّل يقدر الخبر هل لنا وفي كلام المصنف إشارة
إلى أنّ من زائدة في المبتدأ والخبر وهو لهم أو لنا مقدّر. قوله : ( ويؤيده الخ ( لأنّ الأمر للحاضر وقت النزول من الكفار ، وهم أهل مكة لا غير والأصل توافق القرا آت معنى وفيه التفات على هذه القراءة ، وقوله : بالكسر أي كسر القاف المخففة على أنه ماض معلوم ، وقوله : حتى نقبت أقدامهم فهو بتقدير مضاف مجاز من قبيل المشفر وعلى كون المراد أخفاف مراكبهم الإسناد فيه مجازي أو هو بتقدير مضاف ونقب الخف تخرقه ، وحفاه ورقته من كثرة المشي ، وقوله : أكثروا السير إشارة إلى أنّ نقب الإقدام كناية عن كثرة السير وهي كناية مشهورة فلا ينافيه قوله في الفاموس نقب في البلاد سار كما قيل. قوله : ) قلب واع الخ ) على أن القلب الذي لا يعي ولا يفهم بمنزلة العدم أو على أنه موصوف بصفة مقدرة والأوّل أحسن ، وقوله : أصغي تفسير لإلقاء السمع فإنه بميله للاستماع كأنه ملق لسمعه ، ثم إنه قيل أو لتقسيم المتذكر إلى تال وسامع أو إلى فقيه ومتعلم أو إلى عالم كامل الاستعداد لا يحتاج لغير التأمّل فيما عنده وقاصر محتاج للتعلم فيتذكر إذا أقبل بكليته وأزال الموانع بأسرها والحامل على تفسيره بما ذكر. أنه لو لم يراع نحوه كان الظاهر العطف بالواو لأنّ الفهم لا ينافي الإصغاء فتدبر وجملة وهو شهيد حال من فاعل ألقى. قوله : ( حاضر بذهنه ) يعني شهيد إما من الشهود ، وهو الحضور والمراد المتفطن لأنّ غير المتفطن كالغائب فهو استعارة أو مجاز مرسل والأوّل أولى أو هو بمعنى شاهد وفيه مضاف مقدّر أي شاهد ذهنه ، وكون الباء في قوله بذهته للتعدية وشهيد بمعنى يشهد كما قيل تعسف وقوله : أو شاهد بصدقه على أنه من الشهادة والمراد شاهد بصدقه أي مصدق له لأنه المؤمن الذي ينتفع به أو هو كناية عن المؤمن لقوله : { وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } [ سورة الحج ، الآية : 78 ] . قوله : ( تفخيم ) لأنّ التنكير يكون للتعظيم ولذا أشعر بما ذكره لأنه إنما يتذكر القلب العظيم ، وقوله : واستراح يوم السبت ولذا حرّموا العمل فيه ، وهذا مما زعموا أنه في التوراة كما أشار إليه المصنف. قوله ة ( ما يقول المشركون الخ ) وهو متعلق بما
قبله من فوله : ولقد خلقنا الخ على الوجهين ، وقيل إنه على الثاني متعلق بما تلي من أوّل السورة إلى هنا ولا يخفى بعده ، وقوله : والتشبيه أي تشبيه الله بغيره إذ نسبوا له الإعياء والاستراحة ونحوه من كفرهم وقوله : عما يمكن يعني من البعث والحشر وما يوجب التشبيه ما مرّ عن اليهود ، وقوله : حامداً الخ إشارة إلى أنّ قوله بحمده حال. قوله : ( وسبحه بعض الليل ) يجوز أن يكون من الليل مفعولاً لفعل مضمر يفسره المذكور باعتبار الاتحاد النوعي والعطف عليه للتغاير الشخصي كما يشير إليه قوله : وسبحه بعض الليل وأن يكون مفعولاً لقوله : سبحه على أنّ الفاء جزائية والتقدير مهما يكن من شيء فسبحه من الليل ، وقدم المفعول للاهتمام به وليكون كالعوض عن المحذوف ولتتوسط الفاء الجزائية كما هو حقها كما سيأتي في سورة الطور ففرّق الوجوه كما هو دأبه ، لا لوجود مخصص لبعض الوجوه ببعض المواطن فتأمّل ، وقوله : بعض الليل إشارة إلى أنه مفعول لتأويله بما ذكر كما مرّ تحقيقه في قوله ومن الناس من يقول آمنا فتذكره. قوله : ( من أدبرت الصلاة ) وقع بعد قوله : قرأ الحجازيان وحمزة بالكسر وهو الصحيح وتقدّم عليه في بعض النسخ فيكون بيانا لمأخذ الدبر ، وقوله : وقيل المراد الخ معطوف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة قولك التسبيح التنزيه ، وعلى هذا فهو من إطلاق الجزء أو اللازم على الكل أو الملزوم. قوله : ( لما أخبرك به ) يعني أنه مقدر لأنه المراد وإن كان الأمر مطلقا ، ثم أتى بقوله : يوم ينادي الخ بياناً لذلك المقدر وسلك هذا لما في الإبهام ، ثم التفسير من التهويل والتعظيم لشأن المخبر به كما أشار إليه المصنف ولذا أمر بالاستماع قبل ذكر النداء ، وقوله : أو جبريل هو الأصح لأنّ إسرافيل ينفخ وجبريل ينادي(8/92)
ج8ص93
كما ورد في الآثار . قوله : ( ولعله في الإعادة نظيركن في الابداء ) فهو تمثيل لإحياء الموتى
بمجرّد الإرادة ، وإن لم يكن نداء وصوت ، وقوله : بما دل الخ أي يخرجون يوم ينادي الخ ، وقوله متعلق بالصيحة أراد التعلق المعنويّ لأنه حال منه وقوله : وقد يقال للعيد أي يوم الخروج لخروج الناس فيه إلى المصلى. قوله : ( مسرعين ) إشارة إلى أنه مصدر وقع هنا حالاً من الضمير في عنهم ، والعامل فيه تشقق لا يخرجون مقدرا كما قيل وقوله : لا يشغله شان الخ لأنّ ما بالذات يختلف ولا يعرض له ما يجعله متفاوتا ، وقوله : تقسرهم من القسر ، وهو الجبر والقهر ، وقيل إنه منسوخ بآية القتال. قوله : ( من قرأ ) حديث موضوع وتارات جمع تارة ، وهي الحالة فيحتمل أن يريد بحالاته سكراته فعطف قوله : سكراته عليه عطف تفسير ، وقيل : المراد بتاراته ما فيه من الغشي ، والإفاقة ( تمث ) السورة فالحمد لله على التمام ، وأفضل صلاة وسلام على أفضل مخلوقاته وآله وصحبه الكرام.
سورة الذاريات
بسم الله الرحمن الرحيم
آياتها ستون بالاتفاق كما في كتاب العدد. قوله : ( يعني الرياح تذر والتراب وغيره ) ذرأ المهموز الآخر بمعنى أنشأ ، أو أوجد والمعتل بمعنى فرّق وبدد ما رفعه عن مكان! كما يكون التراب مفرقا بالرياح ، ونحوه إذا أطارته فالذاريات حينئذ الرياح ، ويقال : ذراه وأذراه أيضا. قوله : ( أو النساء الولود ) تفسير ثان للذاريات مناسب لظاهر قوله : الحاملات ، والظاهر أنه مجاز كما تقول للمرأة الولود ذرية فشبه تتابع الأولاد بما يتطاير من الرياح ، واليه أشار بقوله : فإنهن يذرين الأولاد أي يطيرنهم ويذرين بفتح الياء مضارع ذراه ولا وجه لجعله بالضم من المزيد ، وإن صح لأنه غير مناسب للمفسر. قوله : ( أو الأسباب التي تذري الخلائق الخ ) تفسير ثالث ، وهو بالنصب معطوف على الرياح ، والظاهر أنه استعارة أيضا فشبهت الأشياء المعدة للبروز من كمون العدم بالرياح المفرقة للحبوب ، ونحوها ، وقوله : من الملائكة بيان للأسباب لا للخلائق ، وقد جوّز على بعد فيه. قوله : ( فالسحب الحاملة للامطاو الخ ) تفسير للحاملات ناظر لما قدمه ففيه شبه لف ، ونشر فالأوّلان على تفسير الذاريات بالرياح ، والنساء الحوامل على تفسيره بالنساء الولود ، وقوله : أو أسباب ذلك أي ما ذكر من الرياح والأمطار ، والنساء على التفسير الأخير ، وجعل الأسباب حوامل لمسبباتها الظاهر أنه استعارة ، وقيل. إنه كبنى الأمير المدينة وفيه نظر. قوله : ( وقرئ وقرا ( بفتح الواو على أنه مصدر ، وقره إذا حمله ، والوقر للحمار كالوسق للبعير ، وكونه بالفتح مصدرا ذكره الزمخشري ، وناهيك به فالقول بأنه لم ينقله أهل اللغة إلاً بمعنى السمع لا يلتفت إليه ، وهو على هذا مفعول به ، ويجوز نصبه على المصدربة لحاملات من معناها كما في الكشاف. قوله : ( أو الكواكب الخ ( بناء على أن لها حركة في نفسها كما ذهب إليه أهل الهيئة وغيرهم ، وقوله : صفة مصدر الخ أو حال كما نقل
عن سيبويه ، وقوله : الملائكة فهي جمع مقسمة أي طائفة مقسمة كراسيات ، ولذا أنث ، وقوله : تقسم الأمور إشارة إلى أنّ الأمر واحد الأمور ، وأنه مفرد أريد به الجمع ، وهو مفعول به كما بينه الزمخشري ، وقوله : ما يعمهم وغيرهم أي الملائكة ، وفي نسخة غيرها ، والأولى أولى ، وقوله : بتصريف السحاب إشارة إلى أنّ القسمة استعارة أو هو مجاز في النسبة إذ المقسم الله ، وهي سبب لذلك وواسطة فيه. قوله : ( فإن حملت ) أي الأمور المذكورة من قوله ، والذاريات الخ على أمور مختلفة متغايرة بالذات كما نقل عن عليّ كرم اللّه وجهه ، واختاره أكثر أهل التفسير فالذاريات الرياح ، والحاملات السحب ، والجاريات الفلك ، والمقسمات الملائكة فالترتيب في الأقسام ترتيب ذكري ورتبي باعتبار تفاوت مراتبها في الدلالة على قدرته فإنه المناسب اعتباره هنا لما سيذكر في الجواب ، ثم إنه إمّا على الترقي أو التنزل لما في كل منها من الصفات التي تجعلها أعلى من وجه ، وأدنى من آخر إذا نظر لها ذو نظر صحيح فالملائكة المدبرات أعظم ، وأنفع من السفن ، وهي باعتبار أنها بيد الإنسان يتصرف فيها كما يريد ويسلم(8/93)
ج8ص94
بها من المهالك أنفع من السحب ، والسحب لما فيها من الأمطار أنفع من الرياح أو يعكس لأنّ الملائكة لا تختص بالمنافع كالسفر ، والسفن ليست كالسحب ، وهي ليست كالرياح أو هو بالنظر إلى الأقرب فالأقرب منا كما قيل فتدبر ولا تغتر بما وقع لبعض الفضلاء هنا من التوقف من غير داع له. قوله : ( من التفاوت ) بضم الواو مصدر تفاوت ، وفي أدب الكاتب إنه مثلث الواو ولا نظير له فأعرفه. قوله : ( وإلا ) أي وإن لم تحمل على أمور مختلفة بل جعلت شيئا واحداً لا مطلقا بها ، وأريد الريح كما صرّح به فالفاء لترتيب الأفعال ، والصفات إذ الريح تذري الأبخرة إلى الجو ، أوّلاً حتى تنعقد سحابا فتحمله ثانيا وتجري به ثالثا ناشرة وسائقة له إلى حيث أمرها الله ثم تقسم أمطاره أيضا فسقط الاعتراض عليه بأنه لا يظهر إذا حمل على النساء لتقدم الحمل على الذرو وما تكلف في دفعه أيضاً ، وقوله : فتجري به باسطة الخ هو إما من المقام ومقتضى الفاء أو من قوله يسراً فتدبر. قوله : ( كأنه استدل الخ ) إنما قال كأنه لأنّ القسم بالشيء قد يكون لتعظيم المقسم به ، ومخالفتها لمقتضى الطبيعة لأنّ الأصل عدمها ، وما في قوله : إنما موصولة ، والعائد على الموصولية مقدّر أي توعدونه أو توعدون به ، وعلى المصدرية فهو مؤوّل بالوعد أو بالوعيد ، والمضارع مضارع ، وعد أو أوعد ، وقيل إنّ الثاني أنسب هنا. قوله : ( ذات الطرائق ) يعني أنّ الحبك أصل معناها ما يرى كالطرق في الماء والرمل
وطرق السماء إمّا الطرق المحسوسة التي تسير فيها الكواكب كالمجرّة أو المعقولة التي تدرك بالبصيرة ، وهي ما تدل على قدرة الصانع الحكيم إذا تأملها الناظر كما في قوله : { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً } ، [ سورة آل عمران ، الآية : 191 ] . قوله : ( أو النجوم ) معطوف على قوله الطرائق المحسوسة ، والإطلاق إمّا لذات ال!حبك بمعنى الطرق على النجوم فهو حقيقيّ لأنّ لها طرائق أو للحبك نفسها ، وهو قول الحسن لأنها تزين السماء كما يزين الثوب الموشي تحبيكه أي نجوم كالطرائق لأنها زينتها ، وهو استعارة ، واليه أشار بقوله : أو أنها تزينها الخ ، وعلى قراءة الحبك بكسرتين فهو اسم مفرد ورد على هذا الوزن شذوذا وليس جمعا كإبل ، وقوله : كالبرق بضم ثم فتح جمع برقة ، وهي أرض ذات حجارة. قوله : ( ولعل النكتة الخ ) يريد بيان مناسبة المقسم به هنا ، وهو قوله : والسماء الخ للمقسم عليه ، وهو قوله : إنكم الخ وجه اختياره كما بينه. في القسم الأوّل حيث قال : كأنه استدل به الخ. قوله : ( من صرف ( تفسير لقوله : من أفك ، وقوله : إذ لا صرف الخ إنما دل النظم على هذا لدلالة يصرف عنه على من صرف فكأنه قيل : لا يثبت الصرف في الحقيقة إلا لهذا فما عداه كلا صرف ، وقيل : يصرف عن القرآن من ثبت له الصرف الحقيقي ، وهو من إطلاق صرف ، وجعله بمنزلة يعطي ويمنع ، ويساعده الإبهام في من أفك فإنّ معناه من أفك الإفك التام العظيم ، ولولا هذا وحمله على المبالغة لم يفد يصرف من صرف ، وضمير كأنه للشأن ، أو للصرف المذكور أو لما يغايره فتدبر. قوله : ( أو يصرف من صرف في علم الله الخ ) وجه آخر لتوجيه هذا التركيب وازالة الأشكال عنه قيل وليس فيه كثير فائدة لأنّ كل ما هو كائن معلوم إنه ثابت في سابق علمه الأزلي ، وليس فيه المبالغة السابقة. قوله : ( ويجوز أن يكون الضمير للقول الخ ) وعن فيه للتعليل كقوله ، وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك قيل ، ويحتمل بقاؤها على أصلها من المجاوزة بتضمينه معنى الصدور فإفادته للتعليل إنما هو من محصل المعنى ، وما له التجوّز في نسبة الصدور إلى القول بإسناد
الشيء لسببه ، ولا يخفى ما فيه فإنه لم يسند الإفك إلى القول في النظم ، ولكنه لما لم يكن مصروفاً عنه القول ، وأنما القول منشؤه جعلت عن في أمثاله للتعليل كما ذهب إليه بعض النحاة ، والزمخشريّ في أمثاله يضمنه معنى الصدور كما في المغني ، ولا تجوّز في الإسناد فيه ، وأنما هو بيان لحاصل معناه. قوله : ( ينهون عن كل وعن شرب ) تمامه :
مثل المهاير تعن في خصب
يقال جمل ناه إذا كان مفرط السمن والضمير للجماعة أصحاب الإبل لا للإبل وإلا كان
حقه ينهين وهذا أيضا مضمن معنى الصدور أي يصدر تناهيهم في السمن ، وقيل : إنه عجز بيت أوّله مثل المهاير تعن في خصب ، وضمير ينهون لجماعة الرجال لا للنوق ، والا لقيل ينهين ، ولو قيل إنه للنوق ، وضمير العقلاء لإسناد ما هو من صفاتهم لها كما مرّ في سورة يوسف في قوله : ساجدين جاز. قوله : ( الكذابون ) لأنّ الخرص التخمين ثم تجوز به عن الكذب ، وقوله : من أصحاب الخ بيان للكذابين ، وقوله : أجرى مجرى(8/94)
ج8ص95
اللعن أي المراد به الدعاء مع قطع النظر عن معناه الحقيقي ، وقوله : يغمرهم أي يشملهم شمول الماء الغامر لم فيه ، وهو استعارة هنا ، وقوله : غافلون الخ أو المراد به مطلق الغفلة.
قوله : ( فيقولون متى ) بيان لحاصل المعنى ، وإذا دخل ما فيه معنى القول على جملة فإمّا
أن يقدر بعده القول أو يقال إنه عامل عمله لكونه بمعناه على المذهبين ، وكلامه محتمل لهما ، وقوله : أي وقوعه إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدّراً أقيم المضاف إليه مقامه لأنّ اسم الزمان إنما يقع ظرفا ، وخبراً للحدث لا للزمان فصح ، وقوعه خبرا عنه هنا بالتأويل المذكور ، وحينئذ لا يرد أنّ الزمان ليس له زمان فيدفع بأنه لا محذور فيه عند الأشاعرة على ما فصل في كتب الكلام ، وإيان بالكسر لغة في أيان المفتوحة. قوله : ( يحرقون ) لأنّ أصل معنى الفتن إذابة الجوهر ليظهر غشه ثم استعمل في التعذيب ، والإحراق ، ونحوه ، وقوله : أي يقع الخ لأنّ المسؤول عنه ، وقوعه كما مرّ فلذا قدر الجواب بما ذكر وإن فات فيه مطابقة السؤال ، والجواب بالفعلية ، والاسمية ، وهو على هذا منصوب على الظرفية متعلق بما ذكر ، وقوله : هو يوم هم الخ على أنه في محل رفع خبر مبتدأ مقدر لكنه بني على الفتح لما سيأتي ، وقدّر كذا ليتطابقا في الاسمية ، وهو جواب بحسب المعنى لأنّ التقدير يوم الجزاء يوم تعذيب الكفار فلا وجه لما
قيل إنه قائم مقام الجواب ، وقوله : وفتح يوم يعني على تقديره خبر مبتدأ مقدر. قوله : ( ل! !افته إلى غير متمكن ) يعني الجملة الاسمية ، وهي هم عن النار يفتنون فإنّ الجمل بحسب الأصل كذلك ، وفيه كلام بين البصريين ، والكوفيين مفصل في شرح التسهيل ، وقوله : مقولاً لهم إشارة إلى أنّ القول المقدر حال من ضمير يفتنون ، وقوله : هذا العذاب فهو صفة لمقدّر ، وقوله : والذي وصفته فيه نظر. قوله : ( قابلين لما أعطاه!م ) فسر الأخذ بالقبول مع الرضا لأنّ القصد للشيء يقتضيه غالباً ، وقوله : كل ما آتاهم الخ أخذ العموم من لفظ ما والإطلاق في مقام المدح ، وفي بعض النسخ قابلين بما أعطاهم الخ ، وهي بمعنى ما في النسخة الآخرة لأنّ القبول لشيء يكنى به عن كونه مرضيا فلذا فسره بقوله : راضين. قوله : ( قد أحسنوا أعمالهم ) فمفعوله مقدر ، وقوله : قد أحسنوا الخ بيان لمفاد أنّ من التحقيق وكان من المضي ، وقوله : تعليل الخ ذكر الاستحقاق لأنه المقصود من الإخبار قبل الوقوع ، وقوله : تفسير لإحسانهم يحتمل أن يريد أنه بدل من قوله : كانوا قبل ذلك محسنين مفسر له فالجملة في محل رفع ، وأن يريد أنّ الجملة مفسرة للإحسان فلا محل لها من الإعراب ، وقوله : في طائفة تفسير لقليل مع الإشارة إلى أنّ قليلا منصوب على الظرفية ، وقوله : هجوعا قليلا إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية ، وقوله : في قليل من الليل هجوعهم إشارة إلى أنّ قليلا على هذين الوجهين منصوب على الظرفية ، وأن ما يهجعون عليهما فاعل قليلاً ، وفيه هو العائد على الموصولية ، وإذا كانت ما موصولة فهي عبارة عن المقدار الذي يهجعونه أو فيه ، ومن على الموصولية ، والمصدرية للابتداء ، وهو صفة قليلا أو متعلق بيهجعون المقدر ، وقد جوّز فيها أن تكون بيانية أيضا ، وأن تكون حالاً ، وقوله : لا يعمل فيما قبلها على المشهور ، وفي شرح الهادي أنّ بعض النحاة أجازه مطلقاً ، وقيل في الظرف خاصة للتوسع فيه ، واستدل عليه بقوله :
ونحن عن فضلك ما استغنينا
وأيضا المعنى ليس على النفي لأنه لا يمدح بترك النوم مطلقاً. قوله : ( وفيه ) أي في هذا
الكلام مبالغات في وصف هؤلاء بقلة النوم وترك الاستراحة ، وقوله : ذكر القليل الخ بدل من قوله : مبالغات بدل اشتمال ، والسبات بالضم النوم والغرار بالكسر ، والإعجام القليل من النوم ، وزيادة ما لأنها تدل على القلة ككل ما وأمر ، ما ومعنى اسحروا دخلوا في وقت السحر وقوله : كأنهم الخ يعني أنّ الاستغفار يشعر باوتكاب جريمة وهم لم يجرموا بل تفرغوا للعبادة قبل السحر لكونهم لعدم اغترارهم بعبادتهم ، وشدة خوفهم من الله يفعلون فعل المذنبين ويخافون خوف المجرمين في كل حال ، وقوله : في بناء الفعل على الضمير أي تقديم الضمير ، والإخبار عنه بالفعل المفيد للقصر ، وقوله : بأنهم أحقاء فالحصر باعتبار الكمال ، والأحقية لا على طريق الحقيقة. قوله : ( يستوجبونه الخ ) أي يعدونه واجباً عليهم وإن لم يجب ، وفيه غاية المدح لهم فلا يتوهم أن من لم يعط الزكاة بعد وجوبها عليه كان في ماله حق ومثله ذم لا مدح ، وقوله : للمستجدي أي طالب الجد أو هو العطاء ،(8/95)
ج8ص96
والنوال ، وقوله : والمتعفف الخ تفسير للمحروم ، وأنّ حرمانه من غير هؤلاء لئلا يتنافى الكلام. قوله : ( أو وجوه دلالات الخ ) فالدليل على الأوّل ما هو في الأرض من الموجودات والظرفية حقيقية ، والجمع على ظاهره أيضا وعلى هذا الدليل نفس الأرض ، والجمعية باعتبار ، وجوه الدلالة ، وأحوالها ، والظرفية من ظرفية الصفة في الموصوف لا بالمعنى المعروف ، وتلك الوجوه دلائل ، وآيات حقيقة لا ادّعاء كما توهم فإنه لا وجه له وليس في قوله تدل على وجود الصانع ما يدل عليه فتأمّل. قوله : ( تدل على وجود الصانع الخ ) أي تلك الدلائل أو وجوه الدلالة تدل على ذلك لاحتياج تلك المصنوعات الدقيقة إلى صانع قدير عالم مريد واحد بذاته إذ لو تعدد فسدت ، وما فيها من المنافع العظيمة لجميع الموجودات يدل على فرط رحمته بهم ، وقوله : يدل دلالته أي يدل دلالة مثل دلالته والهيآت النافعة له كانتصاب قامته ، وعلوّ رأسه ونحوه. قوله : ( أسباب ررّقكم الخ ) إمّا إشارة إلى تقدير
مضاف أو التجوّز بجعل ، وجود الأسباب فيها كوجود المسبب ، والأسباب النيران ، والكواكب والمطالع ، والمغارب التي تختلف بها الفصول التي هي مبادي ذلك وقوله أو تقديره أي تعيينه في اللوح المحفوظ أو ظهور آثار تدبيره إذ الملائكة في السماء ، وهم موكلون بالأرزاق ، وقوله : المراد بالسماء السحاب لأنها سماء لغة ، وقوله : وبالرزق المطر فلا تقدير ، ولا تجوز ، وقوله : وثوابها إمّ اكتفاء عن عقابها أو المراد به مطلق الجزاء. فوله : ( مكتوية مقدّوة ) أي معينة فمعنى كونها فيها أنّ تعينها فيها ، وقوله : ولما ذكر أي للأمور السابقة كلها ، وأفراده وتذكيره لتأويله بما ذكر كما أشار إليه بقوله ولما ذكر ، وقوله : مثل نطقكم إشارة إلى أنّ ما مصدرية ، وقوله : كما أنه تفسير للتشبيه ، وقوله : وقيل إنه أي مثل ، وقوله : إن كانت بمعنى شيء أي موصوفة ، وانكم الخ خبر مبتدأ ، والجملة صفة ، وقد جوّز فيها الموصولية أيضا ، وقوله على أنه أي مثل صفة لحق لأنه لا يتعزف بالإضافة لتوغله في التنكير ، ويجوز أن يكون خبراً ثانيا. قوله : ( فيه ) أي في هذا الكلام تعظيم لهذا الحديث المذكور بعده والتعظيم مأخوذ من الاستفهام لأنه للتعجب وأنه مما يسأل عنه وفيما ذكر تشويق له ، وكل ذلك إنما يكون فيما له شأن ، وفخامة وكونه موحى إليه من قوله أتاك ، وقوله : في الأصل مصدر أي بمعنى الميل ، وقوله : وسماهم ضيفا أي مع أنهم ليسوا كذلك لأنهم كانوا في صورة الضيف ، ولأنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام حسبهم ضيوفاً فالتسمية على مقتضى الظاهر ، والحسبان. قوله : ( للحديث ا لأنه صفة في الأصل فيتعلق به الظرف ، وقوله : أو المكرمين إذا أريد به إكرام إبراهيم لأنّ إكرام الله لهم لا يتقيد ، وقوله : وقرئ منصوبا أي سلما ، وقوله : لم يكن تحيتهم
أي في ذلك الزمان ، وقوله : علم الإسلام أي علامة الإسلام ، وهو ما يقابل الكفر مطلقاً لا الملة المحمدية وإن اختص بها عرفا. قوله : ( وهو ) أي قوله : أنتم قوم منكرون كالسؤال منهم عن أحوالهم ليعرفهم فانّ قولك لمن لقيته أنا لا أعرفك في قوّة قولك عرف لي نفسك ، وصفها ، والتعرّف طلب المعرفة ، والكاف لأنه ليس صريحاً فيه ، وليس المذكور هنا قوله : نكرهم في هود فإنه أمر آخر. قوله : ( فذهب إليهم في خفية ) أصله من راغ الثعلب إذا مال وحاد ، وقيد الخفية فيه لم يذكره أكثر أهل اللغة إلا أنه في الانتصاف نقله عن أبي عبيدة ، وقال إنه من قولهم روغ اللقمة إذا غمسها في السمن فاستعملت في لازمها ، وهو الإخفاء قال : وهو معنى حسن فكأنه من قرينة المقام لأنّ من يذهب لأهله لتدارك الطعام يكون غالبا كذلك ، واليه أشار بقوله : فإنّ من أدب المضيف أن يبادر وفي نسخة يباده ، ومعناه يفاجئئ ويبادر أيضا وهو بيان لما تدل عليه الفاء من عدم المهلة ، وقوله : يكفه الضيف أي يمنعه من المجيء بالقرى لأنه غير محتاج له أو لا يريده وقوله : حذرا الخ تعليل للخفية ، وضمير يكفه للمضيف ، وفاعله : الضيف الظاهر لا ضمير مستتر كما توهم. قوله : ( وهو ) أي هذا الكلام مشعر بكونه أي العجل حنيذاً أي مشويا لأمره باكل منه من غير مهلة ، وقوله :(8/96)
ج8ص97
فقام أي العجل يدرج أي يمشي ، وجملة يدرج حال أو مستأنفة ، وقوله : يكمل علمه من صيغة المبالغة ، وقوله : إذا بلغ قيده به لأنه حين البشارة لا علم ده فضلا عن كماله. قوله : ( سارة إلى بيتها الخ ) في التفسير الكبير أنهم لما تكلموا في ولادتها استحيت ، وأعرضت عنهم متوجهة إلى بيتها فذكره الله بلفظ الإقبال دون الإدبار تأديباً لها فإن صح مثله عن نقل وأثر لا يأباه قوله : قالوا كذلك قال ربك إذ
الخطاب يقتضي الإقبال دون الإدبار كما قيل لأنه يجوز أن يقولوه بمسمع منها ، وإن كانت مدبرة إلا أنه استعارة ضدية حينئذ ، ولا قرينة هنا تصححها فلا يخفى ضحعفه ، وسقوطه ، وقوله : على الحال أي من الفاعل لأنه بمعنى صائحة ، وقوله : أو المفعول أي مفعول به لأقبلت ، وفي فيه زائدة كقوله :
يجرح في عراقيبها نصلي
والتقدير أخذت صيحة ، وقيل فيه تسامح لأن أقبل بمعنى شرع من أفعال المقاربة فالمنصوب خبر له لا مفعول ، وفيه نظر. قوله : ( أي أنا عجوز عاقر فكيف ألد ) وعقيم فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ، وأصل معنى العقم الييس ، وقوله مرسلة قيل عليه كان الظاهر على هذا أن يقال من عند ربك ، ولذا لم يذكره في الكشاف ، وفيه أنه يجوز أن يكون عند ربك معناه أنها في علمه معدة للمسرفين فإنه أحد معناه عند المضافة لله. قوله : ( وهو ) أي الاستدلال بما في هذه الآية على اتحاد الإيمان ، والإسلام بناء على أنّ الاستثناء المفرغ إنما يستقيم إذا اتحد إذ المعنى ما وجدنا فيها بيتاً من بيوت المؤمنين إلا بيتا من المسلمين ، وهو ضعيف لأنه إنما يقتضي اتحادهما في الما صدق ، ولو مع تغاير مفهوميهما ، وما صدقا عليه ، وهو من اتبع الرسول ، وأجاب دعوته ظاهرا فإنّ من فعل ذلك يقال له مسلم ، ومؤمن ، واتحاداً لما صدق كالناطق ، والإنسان لا يقتضي اتحاد المفهوم ، وهو المختلف فيه عند أهل الأصول ، والحديث فلا يتم الردّ به على من ذهب إلى تغايرهما تمسكاً بقوله : قل لم تؤمنوا ، ولكن قولوا أسلمنا ، وتفصيله في الأصول ، وشروح البخاري. قوله : ( فإنها المعتبرون بها ) أي المتعظون بما فيها من العبر ولذا خصت بهم ، وإن كانت عامّة ، وقوله : وهي أي الآية ، وقوله : أو صخر منضود أي بعضه فوق بعض وقع بديارهم أو ماء أسود منتن بأرضهم ، وكأنه بحيرة طبرية. قوله :
( عطف على وفي الأرض ) آيات للموقنين ، وما بينهما اعتراض لتسليته !ر ، بوعده بإهلاك الأفاكين كما أهلك قوم لوط عليه الصلاة والسلام. قوله : ) أو وتركنا فيها ) أي عطف على قوله ، وتركنا فيها بتقدير عامل له أي وجعلنا في موسى ، والجملة معطوفة على الجملة أو هو معطوف على فيها من قوله وتركنا فيها آية بتغليب معنى عامل الأوّل أو سلوك طريق المشاكلة في عطفه على الوجوه المذكورة في نحو :
علفتها تبنا وماء بارد!
لأنه لا يصح تسليط الترك بمعنى الإبقاء على قوله ، وفي موسى ، وما قيل عليه إن فيه
بحثا لأنّ !مقتضى عطفه على فيها تعلقه بتركنا من حيث اللفظ ، ولا مغ منه لدلالة الفعل على الماهية ، وقوله : تركنا استئناف كلام فاسد لأنه لا بد من تسلط عامل المعطوف عليه لفظاً ، ومعنى كما لا يخفى. قوله : ( على معنى وجعلنا الخ ) قد عرفت أنّ المعطوف إذا لم يصح تسلط عامل المعطوف عليه معنى ، وكان ما يقتضيه من العامل بينه ، وبين المذكور ملابسة وقرب معنويّ كما في :
متقلداً سيفا ورمحا
وإضرابه فيه للنحاة مذاهب تقدير عامل للثاني والتجوّز في عامل الأوّل ، والتسمح في العطف وإلى ذلك أشار المصنف فمن قال : لا حاجة إلى الإضمار ثم أجاب بما أجاب فقد غفل عن تحقيق معنى المسألة وأطال بغير طائل كما أشرنا إليه فلا حاجة إلى بيان خطئه من صوابه ، واللّه أعلم بالصواب. قوله : ( هو معجزاته ) والسلطان يطلق على ذلك مع شموله للواحد ، والمتعدّد لأنه في الأصل مصدر كما مرّ تحقيقه ، وقوله : فأعرض عن الإيمان به أي بموسى عليه الصلاة والسلام ، فركنه جانب بدنه وعطفه والتولي به كناية عن الإعراض ، والباء للتعدية لأنّ معناه ثنى عطفه أو للملابسة ، وقوله : أو فتولى الخ تفسير ثان والركن فيه بمعنى الجيش لأنه يركن إليه ، ويتقوى به ، والباء للمص!احبة أو للملابسة وكونها للسببية غير وجيه ، وضم الكاف اتباعا للراء ، وقوله : حصل ذلك أي ما ينسب مثله للجرت ، ويظهر على يد بعض الناس فإن كان بعمله الاختياري فهو سحر وألا فهو جنون وهذا بناء على زعمه الفاسد فلا يرد
عليه أنّ السحر ليس من الجن كما بين في محله. قوله : " ت بما يلام عليه ) إشارة إلى أنّ الأفعال هنا الإتيان(8/97)
ج8ص98
بما يقتضي معنى ثلاثيه كأغرب إذا أتى أمرا غريباً فلا وجه لما قيل إنه للنسب ، أو للإسناد للسبب ، وقوله : من الكفر والعناد إشارة إلى أنّ ما يلام عليه مختلف حاله باعتبار من وصف به فلا يتوهم أنه كيف وصف فرعون بما وصف به ذو النون. قوله : ( لأنها أهلكتهم وقطعت دابوهم الخ ) يعني أنّ العقيم مستعار استعارة تبعية لما ذكر بتشبيه ما في الريح مما ذكر بما في المرأة مما يمنع حملها لأنّ أصل العقم اليبس المانع من قبول الأثر كما قاله الراغب : وهو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول كما مرّ فلما أهلكتهم ، وقطعت بالاستثصال نسلهم شبه ذلك الإهلاك بعدم الحمل لما فيه من إذهاب النسل ، وهذا هو المراد هنا ، وأمّا قوله أو لأنها لم تتضمن منفعة فبيان معنى مجازي آخر للريح العقيم ، وهي التي لا تلقح الشجر بزهر ، وثمر لا أنه مراد هنا إذ لا يصح أن يقال المراد أرسلنا عليهم ريحا لا نفع فيها فشبه عدم تضمن المنفعة بعقم المرأة ، وهو ظاهر فهو بمعنى فاعل من اللازم ، والنكباء كل ريح هبت بين ريحين لتنكبها ، وانحرافها عن مهالث الرياح المعروفة ، وهي رياح متعدّدة لا ريح واحدة ، وتفصيله في كتب الأدب ، واللغة. قوله : ( كالرماد ) أصل الرميم من رم إذا بلى ومنه الرماد ، والتفتت عطف على البلى عطف تفسير ، وقوله : تفسيره الخ يعني أنّ المراد بالحين ما ذكر لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً ، وليس قوله : فعتوا عطفا على قوله لهم حتى يكون العتوّ مترتباً عليه مع أنه مقدم عليه كما يشير إليه قوله : بعد الثلاث بل تفصيل لقصتهم كأنه قيل ، وفي قصة ثمود الواقعة في زمان قيل لهم فيه ذللث ، وهي أنهم عتوا الخ ، وقوله : أي العذاب لأنّ أخذ الصاعقة ، وإهلاكها لهم هو العذاب الحال بهم المعهود ، والمرّة من الصعق بمعنى الصاعقة أيضاً أو الصيحة. قوله : ( ما يقوم به إذا عجز عن دفعه ) فهو معنى مجازيّ أو كناية شاعت فيه حتى التحقت
بالحقيقة ، وقوله : عطفاً على محل في عاد لأنه أوّل قصص الإهلاك هنا ، وإذا تعدد العطف فهل يعطف على الأوّل أو ك! ، على ما يليه قولان لأهل العربية اختار المصنف أوّلهما ، وعلى الثاني هو معطوف على قوله في ثمود فلا وجه للجزم به هنا ، وقوله : بالكفر الخ فليس المراد المعنى المشهور لأنّ أصله الخروج مطلقا كما مرّ مراراً. قوله : ( بقوّة ) لأنّ الأيد ، والأدّ القوّة وليس جمع يد كما يتوهم ، وإن صحت التورية به ، وقوله : لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة وفسره به لأنّ هذه الجملة الحالية المؤكدة لتذييل ما قبلها بإثبات سعة قدرته ، وشمولها لكل شيء فضلاً عن السماء. قوله : ( أو لموسعو 1 ، السماء أو ما بينها وبين الأرض ) فالسعة مكانية ، وهو تتميم أيضاً لما قبله ، وقوله : أو الرزق أي بالأمطار كما نقل عن الحسن ، وهو مبنيّ على أنّ السياق للامتنان على العباد لا لبيان القدرة فيكون إشارة لما مرّ في قوله وفي السماء رزقكم فناسب تفسيره بما ذكر ، وقوله : مهدناها أي فالفرس مجاز عن البسط والتسوية وقوله : أي نحن إشارة إلى أنه المخصوص بالمدح المقدّر هنا. قوله : ( من الأجناس ا لما كان الزوج بمعنى الصنف أو النوع لزم أن يكون الشيء هو الجنس الشامل له ، وقوله : فتعلموا أنّ التعدّد أي بالذات أو بالتركب من الأجزاء يستلزم الإمكان على ما قرّره المتكلمون في برهان وحدته تعالى ، وقد قيل المراد التذكر بما ذكر لأمر الحشر والنشر لأنّ من قدر على إيجادها كذلك قدر على إعادتها كما مرّ وله وجه. قوله : ( من عقابه بالإيمان الخ ) يعني أنّ الأمر بالفرار من العقاب المراد به الأمر بالإيمان ، والطاعة لأنه لأمنه من العقاب بالطاعة كأنه فرّ لمأمنه فهو استعارة تمثيلية ، وقوله : من عذابه أي عقابه فالضمير للمضاف المقدر فيما قبله أو لله بتقدير مضاف هنا ، وقوله : بين الخ على أنه من أبان اللازم أو المتعدّي ، ومفعوله على الثاني محذوف كما أشار إليه بقوله : مبين ما يجب الخ. قوله : " فراد الخ ) هو الشرك الذي هو أكبر الكبائر فتغاير ما ترتب عليه ، ووقع تعليلاَ له بمنزلة تغايره ، ومثله : يكفي لعدم عدّه مكرّرا إلا أنه يرد عليه أنّ الإشرالى داخل في ترك الايمان ، والطاعة ، وذكر الخاص بعد العام يعد تكراراً أيضا ، وما قيل في دفعه بأنه ليس من التكرير للتأكيد إذ الإيعاد على المجموع لا يستلزم الإيعاد على بعضه لا
يخلو من الكدر فتدبر ، وترك قول الزمخشريّ أنّ في التكرير دليلاَ على أنّ الإيمان بدون العمل لا يعتد به لابتنائه على الاعتزال ، وما في دلالة التكرير عليه من البطلان الغني عن البيان. فوله : ( أي الأمر ) في الأمم السابقة مثل ذلك فكذلك(8/98)
ج8ص99
خبر مبتدأ محذوف ، وقوله : إلى تكذيبهم أي كفار قريش ، وقوله : نصبه بأتى على أن يكون صفة لمصدره وذلك بمعنى الإتيان ، وقوله : أو ما يفسره وهو أتى آخر مقدّو على شريطة التفسير لأنّ ما لا يعمل لا يفسر عاملا في ذلك الباب كما صرّح به النحاة ففاعل يفسر ضمير أتى ومفعوله ضمير ما ، وقيل الضمير البارز لذلك والمراد بما فسره قالوأ ، والإشارة على هذا للقول ، والمعنى إلا قالوا ساحر أو مجنون قولاً مثل ذلك القول ولا يخفى أنه مع تعسفه ليس مراداً للمصنف رحمه الله. قوله : ( كان الأوّلين والآخرين الخ ) فالاستفهام للتعجيب من تواردهم على ذلك لا للإنكار سواء كان بمعنى لم وقع أو لم يقع لأنه لا وجه له بوجهيه فلا وجه لتجويزه هنا ، وقوله : لتباعد أيامهم متعلق بإضراب ، وقوله : ولا تاع التذكير فالأمر للدوام عليه لئلا يكون تحصيلاَ للحاصل ، وقوله : من قدر الله إيمانه وأمّا المؤمن بالفعل فهو متذكر فالمؤمن بمعنى المشارف والمستعدّ للإيمان ، وقوله : أو من آمن فهو على حقيقته ، والمراد بالانتفاع زيادته ، وزيادة التبصر به. قوله : ( لما خلقهم الخ ( لا يخفى أنه إن قيل بأن أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض أو قيل به بناء على أنها يترتب عليها حكم ومصالح أرادها الله منها لا على الاستكمال بها يحتاج هذا للتأويل أمّا على الأوّل فظاهر ، وأمّا على الثاني فلأنها لا تترتب على الخلق بالنسبة إلى الجميع ، وحاصله كما قرّره بعض فضلاء عصرنا أنّ الآية بظاهرها دالة على أنّ العبادة هي الغاية المطلوية من الخلق الباعثة عليه ، وهو مخالف لما تدلّ عليه الأدلة العقلية من عدم كون أفعاله معللة بالأغراض ، وكون جميع المقدورات من الإيمان ، والكفر والخير والثرّ ، والطاعة والعصيان ، وغيرها واقعة بقدرته ، وارادته ، وكان ذلك أيضاً منافياً لظاهر قوله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ } [ سورة الأعراف ، الآية : 179 ] الدال على إرادة المعاصي ليستحقوا بها العذاب ، وعذاب جهنم ، وهذا أيضاً مبنيّ على أنّ غاية فعل الفاعل المختار مرادة له أيضاً فلذا أوّلها المصنف بما سنبينه
لك إن شاء الله تعالى. قوله : ( على صورة متوجهة إلى العبالة الخ ) المراد بالصورة الصفة ، والحالة كما يقال صورة المسألة كذا ، ومعنى كونها متوجهة ، ومقبلة لها كما في بعض النسخ أنها مقتضية لذلك مقبلة بوجوه الاستعداد عليها ، والمعنى أنه ركب فيهم عقولاً وخلق لهم حواس ظاهرة ، وباطنة لو خليت ، ونفسها عرفت صانعها وانقادت له كما في الحديث. قوله : ( كل مولود يولد على الفطرة ) فشبه اقتضاء حالهم لما ذكر بجعلها غاية له واستعمل فيه ما وضع له ، وهو اللام بطريق الاستعارة التبعية. قوله : ( مغلبة لها ) كذا في بعض النسخ وفي بعضها مقبلة لها ، ومرّ تفسيره ، وأمّا على هذه ، وهي بزنة الفاعل من التغليب فالمعنى أنّ تلك الصفة تغلب العبادة على غيرها مما ركب فيهم من صفات النفس الأمارة كالغضب ، والشهوة كما قيل. قوله : ( جعل خلقهم منيي بها مبالنة في ذلك ) يعني أنه مع أنه ليس غاية جعل غاية لما مرّ فهو استعارة لتشبيه المعدّ له الشيء بالغاية قيل ، وهو شائع في الظروف كما يقال للقويّ جسمه هو مخلوق للمصارعة ، وفي الكشف أنّ أفعاله تعالى تنساق إلى الغايات الكمالية ، وهو ما وضع له اللام ، والإرادة له ليس من مقتضى لام الغاية إلا إذا علم أنّ الباعث مطلوب في نفسه فهي على حقيقتها ، ولا تحتاج إلى تأويل فإنهم خلقوا بحيث يتأتى منهم العبادة وهدوا إليها وجعلت تلك غاية كمالية لخلقهم ، وتعوّض بعضهم عن الوصول إليها لا يمنع كون الغاية غاية وهذا معنى مكشوف ا هـ ، ولا يخفى ما فيه وأنّ كون الغاية لا يلزم أن تكون مرادة للفاعل المختار خلاف ما يشهد له العقل فإنّ الغرض ما يقصد من الفعل فتأمّل. قوله : ( مع أنّ الدليل يمنمه أليس المراد بالدليل ما تقرّر من أنّ أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض كما قيل لأنه لا دليل على منعه فقد ذهب إليه كثير من المحدثين ، والأدلة على خلافه كثيرة كما يدل عليه كثير من الآيات ، والأحاديث ، وإنما المراد أنّ الدليل قائم على أنّ الله تعالى لم يخلق الخلق لأجل العبادة أي لإرادة العبادة منهم إذ لو أواد العبادة منهم لم يتخلف ذلك وقد قام الدليل على التخلف بالمشاهدة ، واستلزام الإرادة الإلهية للمراد ، وقد قام الدليل عليه في الأصول. قوله : ( لنا في ظاهر قوله الخ ) إنما قال ظاهر قوله : لأنه يحتمل أن يكون لام لجهنم لام العاقبة فلا ينافي كونها ليست بعلة ، وقوله : وقيل الخ هذا منقول عن ابن عباس وعليّ رضي الله عنهم فالمعنى إلا لآمرهم(8/99)
ج8ص100
وادعوهم إلى العبادة فهو كقوله : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ } [ سورة البينة ، الآية : 5 ] فذكر العبادة المسببة شرعاً عن الأمر أو اللازمة وأراد سببها أو ملزومها فهو مجاز مرسل ، وقيل : أراد المؤمنين من جنسي الجن ، والإنس ، وعن مجاهد أن معنى ليعبدون
ليعرفوني ، واختاره الإمام. قوله : ( أو ليكونوا عبادا لي ) قيل عليه أنّ عبد بمعنى صار عبداً ليس من اللغة في شيء إلا أن يقال إنه من عبد بمعنى خدم وخضع ، والخدمة والخضوع من لوازم العبودية فهو مجاز مرسل ، وفيه نظر. قوله : ( أي ما أريد أن أصرفكم في تحصيل ) كان مقتضى الظاهر أن أصرفهم ، وفليشتغلوا بما هم الخ. فكأنه نظر إلى أنهم ، وإن ذكروا بطريق الغيبة إعراضاً عنهم ، وتبعيداً عن ساحة الخطاب إلا أنّ أسماعهم مقصود هنا فكأنهم مخاطبون فلذا جوّز تقدير قل قبله فتدبر. قوله : ( كالمخلوقين له والمأمورين به ) بالجرّ في النسخ عطفا على المشبه لكنهم كما قيل مأمورون حقيقة لا مشبهون بهم فالصواب رفعه عطفا على الكاف ، وتوجيهه بأنه مرفوع لكنه جزد مجاورته للمجرور مع فصله بقوله له تكلف لا يخفى بعده ، وأقرب منه أن يراد أنهم هنا كالمأمورين لأنه لم يصرّح هنا بأمرهم فتدبر. قوله : ( ويحتمل أن يقدر بقل ) والغيبة فيه رعاية للحكاية فإن مثله يجوز فيه الغيبة ، والخطاب ، وقد قرئ بهما في قوله : { قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ } [ سورة آل عمران ، الآية : 12 ] وقد مرّ توجيهه ومن غفل عنه اعترض عليه بأنّ الغيبة لا تلائمه في المقامين وقيل المراد قل لهم وفي حقهم فتلائمه الغيبة في منهم ، ويطعمون ، ولا ينافيه قراءة أنا الرزاق لأنه تعليل للأمر با اغول أو الائتمار لا لعدم الإرادة فتدبر. قوله : ( كل ما يفتقر إلى الرزق ) عبر بما لأنها عامة في العقلاء وغيرهم فإن اختصت بغير العقلاء فهو لتغليبهم لكثرتهم ، وفيه إشارة لمفاد صيغة المبالغة ، وحذف المفعول وقوله : باستغنائه عنه أي عن الرزق لأنه لا رازق غيره فهو الغني عما سواه وما سواه مفتقر له. قوله : ( شديد القوّة ) فذكره بعد ذكر القوّة تأسيس لا تأكيد ، ووصف القوّة به مع تذكيره لتأويلها بالاقتدار أو لكونه على زنة المصادر التي يستوي فيها المذكر ، والمؤنث أو لإجرائه مجرى فعيل بمعنى مفعول ، وجعله صفة ذو جرّاً على الجوار ضعيف ، وفي وصفه بالقوّة والمتانة إشارة إلى كمال اقتداره ، وقوله : ظلموا رسول الله من العهد الذي في الصلة. قوله : ( نصيباً من العذاب ( أصل الذنوب الدلو العظيمة الممتلئة ماء أو القريبة من الامتلاء ، وهي تذكر وتؤنث وجمعها أذنبة وذنابيب فاستعيرت للنصيب مطلقا شرّاً كالنصيب من العذاب في الآية أو خيراً كما!ى العطاء في قوله :
فحق لشاس من نداك ذنوب
وهو مأخوذ من مقاسمة ماء البئر فيعطي لهذا ذنوب ، ولآخر مثله كما بينه المصنف رحمه
الله ، وقوله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الحديث موضوع وخص المعدود به بالرياح لذكرها في أوّل السورة تمت السورة بحمد الملك العلام والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الكرام.
سورة والطور
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ا لم يستثن منها شيء واختلف في عدد الآيات فقيل : سبع ، وقيل : ثمان وقيل : تسع ، وأربعون والاختلاف في قوله والطور إلى قوله : دعا وسيأتي ، وقوله : يريد طور سينين فإنه يضاف إليه ، والى سيناء لتمييزه عن الطور الملاصق لبيت المقدس المعروف بطور زيتا ، ومدين هي أرض شعيب عليه الصلاة والسلام ، وقوله : سمع الخ إشارة إلى وجه عطف الكتاب عليه لما بينهما من المناسبة التي لولاها لم يحسن العطف وقوله : بالسريانية هي أقدم اللغات ، وهذا قول بعضهم ، والذي عليه الجمهور إنها لغة عربية غير معرّية وقوله : أو ما طار الخ. فهو اسم من الطيران ، والمراد بما طاو الأرواح كما قيل : فالطيران استعارة لتنزلها عن عالم القدس ، والملكوت وأوج الإيجاد استعارة له أيضا ، وحضيض الموادّ استعارة لعالم الملك أو هو من قبيل لجين الماء فالحضيض المواذ لكن استعمال الطور بهذا المعنى لم يعهد فكأنه من البطون ، والأوح العلو ، والعالي من صوب السماء ، وضده الحضيض ، وقيل : إنه معرّب. قوله : ( ترتيب الحروف المكتوبة )(8/100)