ج6ص435
فقوله في القاموس ولا تقل إيذاء خطأ كما مر ولا حاجة إلى اعتذار بعضهم عنه بأنهم استعملوه قياساً وهم لا يتحاشون عن مثله بل عن استعمال الخطا المشهور.
قوله : ( لنسخه ) أي لنسخ ما في هذه الآية لأنها مكية وآية القتال مدنية وهو منفي لأنّ النفي متوجه للقيد ولأنّ قوله فإنّ الخ يدل على أنّ حكمها باق غير منسوخ وجعله جوابا آخر ياباه سياقه. وقوله : لربهم متعلق بما بعده وقدم للفاصلة والتخصيص واحمز بالحاء المهملة والزاي المعجمة بمعنى أشق لكونه زمان النوم والراحة. وقوله : وتأخير القيام الخ يحتمل أن التقديم لشرفه وإباء المستكبرين عنه في قوله وإذا قيل الخ وقوله أجرى مجراه أي لشموله للكثير بحسب أصله وإن كان مؤوّلاً بالوصف على هذا. قوله : ( لازماً ) وقيل معناه مهلكاً ولزومه إما للكفار أو المراد به الامتداد كما في لزوم الغريم وقوله : بأنهم أي المؤمنين ومخالطتهم وقع في نسخة بدله مخالقتهم بالقاف مفاعلة من الخلق كقوله صلى الله عليه وسلم : " خالف الناس بخلق حسن " . وما وقع في بعض النسخ من مخالفتهم بالفاء تحريف من الناسخ ووثوقهم معطوف على اعتدادهم.
قوله : ( مستقرا ومقاماً ) الظاهر أنه كقوله :
وألفي قولها كذا ومينا
وحسنه كونه فاصلة وقيل المستقر للعصاة والمقام للكفرة وقوله : يئست مستقرا ذكر في ساءت وجهين أحدهما أنها بمعنى بئس فتعطى حكمها والمخصوص محذوف تقديره هي وهو الرابط لهذه الجملة بما هي خبر عنه إن لم يكن ضمير القصة ومستقرّاً تمييز والضمير المبهم عائد عليه مفسر به وأنث لتأويل المستقر بجهنم أو مطابقة للمخصوص ومقاما قرئ بفتح الميم وضمها وجملة أنها الخ من مقول القول أو من كلامه تعالى كما سيأتي. قوله : ( أو أحزنت ) هذا هو الوجه الثاني فيها وهو معطوف على قوله بئست فهي فعل متصرف متعد ومفعوله محذوف أي أحزنت أهلها وأصحابها ومستقرا تمييز أو حال وهو مصحدر بمعنى الفاعل أو اسم مكان. قوله : ( والجملة تعليل الخ ) قال ابن هشام في التذكرة هذا ضعيف إذ لا مناسبة بين كون الشيء لزاما وكونه ساء مستقرا ، ويجاب عنه بأنه بملاحظة اللزوم والمقام فإنّ المقام من شانه اللزوم وعلى الثاني ترك العاطف للإشارة إلى أنّ كلا منهما مستقل بالعلية وقوله : وكلاهما يحتملان ثني خبر كلا رعاية لمعناها ويجوز إفراده رعاية للفظها ومثله كلتا وتفصيله في كتب النحو. وقوله : والابتداء فيكون تعليلاً ليقولون ويحتمل المخالفة بجعل أحدهما مقولاً والآخر تعليلا ثم إنه يجري في كل منهما الوجهان. قوله : ( وقرأ الكوفيون بفتح الياء وضم التاء الخ ) كذا في النسخ المصححة ووقع في نسخة بضم التاء وهي سهو من الناسخ. وقد جرى على عادته في جعل قراءة الأكثر أصلاً وقوله وسطا بفتح السين والفرق بينه وبين المسكن مشهوو وعدلاً بمعنى معتدلاً. قوله : ( سمي ) أي الوسط به أي بالقوام واستقامة الطرفين تعادلهما كان كلا منهما يقاوم الآخر. وقوله : وهو أي قواما خبر ثان لكان مؤكد للأوّل وهو بين ذلك واسم كان ضمير مستتر يعود للإنفاق. ويجوز كون قواماً خبراً. وبين ذلك ظرف لغو متعلق بقواما أو بكان إن قلنا
بجواز تعلق الظرف بها. قوله : ( لإضافته إلى غير متمكن ) أي مبني وهو اسم الإشارة لأنّ المضاف قد يكتسب البناء مما أضيف إليه إذا كان ظرفا أو في حكمه كما ذكره النحاة. وقوله فيكون كالأخبار بالشيء عن نفسه لأنّ ، ما بينهما هو القوام فيبهون كشد- الجارية مالكها وهو لا يصح ولا يخفى إنّ هذا غير وارد على قراءة الكسر وأمّا على الفتح فمتجه وما قيل من أنه من باب شعري شعري والمعنى كان قواماً معتبراً مقبولاً فهو مع بعده إنما ورد فيما اتحد لفظه وما نحن فيه ليس كذلك وكذا ما قيل إنّ بين ذلك أعم من القوام فإنّ ما بين الإقتار والإسراف لا يلزم أن يكون قواماً ووسطاً فقد يكون فوق الإقتار بقليل ودون الإسراف بقليل فتكلف أيضاً إذ معا بينهما شامل للوسط إلحاق وما عداه كالوسط من غير فرق ومثله لا يستعمل في المخاطبات لإلغازه وأما رده بأنه يلزمه الإخبار عن الأعم بالأخص وان في مراعاة حاق الوسط حرجاً لا يمدح به فليس لأنّ الأخبار عن الأعمّ بالأخص جائز كالذي جاءني زيد والقائل لم يرد إلحاق الحقيقيّ بل التقريبيّ كما يدل عليه. قوله : بقليل ومثله لا حرج فيه. وقوله : لا يدعون الخ أي لا يشركون به غيره. قوله : ( بمعنى حرّم قتلها ) لأنّ الحل والحرمة إنما يتعلقان بالأفعال(6/435)
ج6ص436
لا بالذوات. وقوله متعلق بالقتل المحذوف أي في توله : حرّم الله قتلها أي حرّم قتلها يسبب من الأسباب إلا بسبب حق فهو مفرغ في الإثبات لاستقامة المعنى لإرادة العموم أو لكون حرم نفي معنى وما قيل إنه لا وجه له لاقتضائه عدم جواز قتل النفس مطلقاً ولذا لم يتعلق بحرم مع ظهوره لا وجه له وكذا إذا تعلق بلا يقتلون لكنه نفي صريح وقد جوّز فيه أن يكون صفة مصدر محذوف أي قتلاً ملتبساً بالحق أو حالاً أي ملتبسين بالحق. قوله : ( ننى عنهم أمّهات المعاصي ) وهي الشرك والقتل والزنا وأصول الطاعة البدنية والمالية الإنفاق والأجر الموعود في قوله أولئك يجزون الخ. وقوله : ولذلك أي لقصد التعريض وقوله : أضداده أي النفي والثبوت. قوله : ( جزاء آه3 ) على أنّ الآثام بمعنى الجزاء والعقاب كما ذكره بعض أهل اللغة. وقوله : أو إثماً على أنه بمعنى الإثم نفسه فيكون فيه مضاف مقدر أو هو مجاز بذكر السبب وارادة المسبب والأيام بمعنى الشدائد شائع ومنه أيام العرب لوقائعهم ومقاتلتهم وفي نسخة شديداً والجمع أصح. قوله : ( لأنه في معناه ) يشير إلى أنه بدل كل من كل ويحتمل أن يكون بدل اشتمال والبيت المذكور استشهد به النحاة على الإبدال من الشرط فتلمم بمعنى تنزل وبنا متعلق به بدل
من تاتنا والاستشهاد به لمجرّد الإبدال من المجزوم بالشرط وليس تلمم جواب الشرط لعدم الفائدة فيه. والحطب الجزل اليابس الكثير وتاججاً يحتمل أن يكون بضمير التثنية لتغليب الحطب أو الألف للإطلاق وفيه ضمير النار لتأويله بمذكر أو أصله تتأججن مضارع مؤكد بإلنون على خلاف القياس وإذا كان حالاً فهو من ناعل يلق والمعنى مضاعفاً له العذاب. وقوله : وابن كثير أي وقرأ ابن كثير. وقوله : مع التشديد متعلق بالقراءتين وفي يضعف متعلق بالتشديد. فوله : ( مضاعفتة لانضمام المعصية ) جواب عن أنّ هذه الآية مخالفة لقوله تعالى ة { وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ سورة الشورى ، الآية : 40 ] فإن العقاب لا يضاعف بخلاف الثواب. وقد أجيب أيضاً بأن المضاعفة بالنسبة إلى ما دونه من المعاصي ولا بعد فيه لعدم ذكر ما دونه كما قيل وأمّا ما أورد على الأوّل من أن تكرّر لا النافية يفيد نفي كل من تلك الخصال بمعنى لا يوقعون شيئاً منها فمن يفعل ذلك بمعنى من يفعل شيئا من ذلك ليتحد مورد الإثبات والنفي فلا دلالة له على الانضمام فليس بشيء لأنه كما عرفت تعريض للكفرة ومن يفعل شيئا من ذلك منهم فقد ضمّ معصيتة إلى كفره ولو لم يلاحظ ذلك على ما اختاره لزم أنّ من ارتكب كبيرة يكون مخلدا ولا يخفى فساد. وتوارد النفي والاثبات على شيء ليس بلازم فما ذكر. تعسف وخيال لا حقيقة له. قوله : ( ويدل عليه ) أي على الانضمام المذكور لما مر وهو إشارة إلى ما ذكرناه لأنّ استثناء المؤمن يدل على اعتبار الكفر في المستثنى منه. وما قيل إنّ المستثنى من جمع بين ما ذكر فيكون المستثنى منه غير جامع لها فلا يدل على الانضمام ردّ بأنه وان كان كذلك لكن هنا قرينة على أنّ المستثنى منع جمع بين أضدادها كما مرّ ولذا جمع بين الإيمان والعمل مع أنّ العمل مشروط بالإيمان فذكره للإشارة إلى انتفائه عن المستثنى منه ولذا قدم التوبة عليه ويحتمل أنّ تقديمها لأنها تخلية. وقوله : فأولئك الخ احتراس لأنّ الاستثناء من مضاعفة العذاب ربما يوهم ثبوت أصله ومن لم يتنبه له اعترض به فتنبه. قوله : ( بأن يمحو الخ ) فالتبديل بإقامة شيء مقامها كبدلت الرديء بالجيد وقوله : أو يبدّل ملكة الخ فالمراد بهما ملكتهما لأنفسهما وأدخل الباء على الحاصل لأنه يجوز في التبديل دخولها على الذاهب منهما كما ذكره الأزهريّ وقد مرّ تفصيله في البقرة فمن قال إنّ الأولى إدخال الباء على ملكة المعصية فان المنصوب يكون الحاصل والمجرور بالباء الذاهب كما في قوله : { وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ } [ سورة سبأ ، الآية : 4 ا ] لم يأت بشيء وان كان في قوله الأول إشارة إلى ما ذكر لكنه لم يتنبه إلى أنّ عدول
المصنف عنه لموافقته للنظم هنا فتدبر. قوله : ( وقيل بأن يوفقه الخ ) قيل إنه مرضه لأنّ مآله إلى أحد الوجهين السابقين وما قيل من أنه لأجل إنه يؤدّي إلى اشتراط الشيء بنفسه لا يرد على عبارته إلا إذا أريد بما سلف الكفر وليس بمتعين. وقوله : أو بأن يثبت الخ لإنابته واستغفاره وقد ورد في الحديث ليأتين ناس يوم القيامة ودّوا أنهم استكثروا من السيئات قيل من هم يا رسول الله قال : " الذين بدل الله سيئا-لهم حسنات " . ولذا قال أبو نواس :(6/436)
ج6ص437
تعض ندامة كفيك مما تركت مخافة الذنب السرورا...
قوله : ( فلذلك ا لف ونثر مرتب وقوله : عن المعاصي أي التي فعلها ويتلافى بالفاء بمعنى يتدارك وقوله : أو خرج عن المعاصي أي جنسها وان لم يفعله وهو الفرق بينهما. وقوله : يرجع إلى الله بذلك أي بالتوبة والعمل الصالح فهو رجوع مخصوص وبهذا تبين مغايرة الجزاء للشرط ووجه التخصيص مع أق الرجوع إلى الله عام كما قال وانكم إلينا لا ترجعون. قوله : ( مرضياً الخ ) هو مستفاد من تعظيم التنكير وبه يندفع ما مرّ أيضا. وقوله متابا إلى الله الذي الخ لاشتهار الله بذلك. ويصطنع بهم بمعنى يحسن إليهم وعدا. بالباء لتضمينه معنى الرفق. وقوله : تعميم الخ لأنه توبة عن جميع الذنوب وما قبله عن الأمهات ويشهدون على الأوّل من الشهادة والزور منصوب على المصدر أو بنزع الخافض أي شهادة الزور أو بالزور. وعلى الثاني من الشهود والحضور والزور مفعول به بتقدير مضاف أي محال الزور والشركة لإشعاره بالرضا. وقوله : يلقى بالقاف أو بالغين المعجمة. قوله : ( مكرمين الخ ) إشارة إلى أنّ
كراماً جمع كريم بمعنى مكرم لنفسه وغيره بالصمفح ونحوه ودخول الكناية إن كان في منطوقه لزم فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز إذ لا مروو فيه وهو جائز عنده وان كان بطريق القياس ونحوه فلا وقوله : بالوعظ على أنّ المراد بالآيات معناها اللغوي. وقوله : لم يقيموا عليها أي على سماعها. وقوله : كمن الخ إشارة إلى أنه تشبيه بليغ وراعية بمعنى مديمة للنظر. وقوله والمراد الخ أي خرّوا غير صم عمي لرجوع النفي إلى القيد. والهاء في قوله : عليها إذا كانت للمعاصي فالنفي لأصل الفعل ولبعد ما ذكر عن السياق لم يرتضه. قوله : ( بتوفيقهم للطاعة الخ ) حيازة الفضائل الدينية جمعها وتحصيلها والفضيلة مزية لا يلزم تعديها فتعم ولذا ذكرت بعد الطاعة. وقوله : فإنّ الخ تعليل لإرادة ما ذكر ولم يقل فإنّ سرور قلب المؤمن في أزواجه وذرّياته أن يشاركوه في طاعتة تعالى لعدم مطابقته للواقع فإنه كم من سرور له بغير ذلك مع أن الفرق يسير وقوله : سرّ بهم قلبه وقرّت بهم عينه لو قدمه ليكون عطفاً تفسيريا صح لكنه لا يحتاج إلى التفسير وقرّة العين أمّا من القرّ وهو البرد لأن دمعة السرور باردة ولذا قيل في ضدّ. أسخن الله عينه أو من القرار لعدم النظر لغيره. قوله : ( ومن ابتدائية ) متعلقة بهب أو بيانية متعلقة بمقدر وهذا بناء على جواز تقدم المبين على المبين. وقوله : رأيت منك أسداً تجريد ومن التجريدية تحتملهما كما مرّ تحقيقه. قوله : ( وتنكير الأعين الخ ) يعني أعين القائلين معينة ونكرت لقصد تنكير المضاف للتعظيم وهو لا يكون بدون تنكير المضاف إليه وقوله : وهي قليلة الخ قيل عليه إن الأحسن أن يقال إنه لأن المراد إن كل واحد يقول ذلك لا لما ذكر لأن المعتبر في جمع القلة قلة عدده في نفسه لا بالإضافة لغيره ورد بأنّ المراد أنه استعمل في معنى القلة مجرّداً عن العدد بقرينة كثرة القائلين وعيونهم وفيه نظر. قوله : ( بإضافة الخ ) متعلق باجعلنا إشارة إلى أنّ التقدم إنما هو بالعلم والعمل واعتذر عن عدم مطابقته للمفعول الأوّل وهي لازمة إما لأنه اسم جنس فيجوز إطلاقه على معنى الجمع مجازا بتجريده من قيد الوحدة أو هو في الأصل مصدر وهو لكونه موضوعا للماهية شامل للقليل والكثير وضعا فإذا نقل لغيره قد يراعي أصله. فما قيل إن الفرق بينهما قليل الجدوى قليل الجدوى وما ذكره مصحح وقوله :
أو لأنّ المراد أي مع رمحاية الفاصلة هو المرجح ولذا لم يجعنه وجهاً مستقلاً. وكونه جمع آمّ بعيد وأقرب منه أنه يستعمل للواحد والجمع كهجان ، وما قيل من أن مدار التوجيه على أن هذا الدعاء صدر عن الكل على طريق المعية وهو غير واقع أو عن كل واحد بطريق تشريك غيره وليس بثابت فالظاهر ا أنه صدر عن كل واحد قوله اجعلني إماما فعبر عنهم للإيجاز بضمير الجمع وأبقى إماما على حاله لا يخفى تكلفه وتعسفه مع مخالفته للعربية وأنه ليس مداره على ذلك بل أنهم شركوا في الحكاية في لفظ واحد لاقحاد ما صدر عنهم مع أنه يجوز اختيار الثاني لأنّ التشريك في الدعاء أدعى للإجابة فأعزفه. قوله : ( ومعناه قاصدين ) أي على الوجه الأخير وفيه إشارة إلى أنّ الإمام من الأم بمعنى القصد ومقتدين على صيغة الفاعل أو المفعول والأوّل أقرب وبهم !وفي نسخة لهم صلته. وقوله : وهي اسم مفرد أريد به الجمع بدليل(6/437)
ج6ص438
ما في الآية الأخرى وقد قرئ في تلك الآية في الغرفة والأصل توافق الآيات وإذا كانت بمعنى الجنة لا كحتاج إلى التأويل. وقوله : بصبرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية وأن مفعول الصبر محذوف. وقوله : من مضض بيان للمشاق وأصله الوجع والمراد به هنا ثقلها. قوله : ( دعاء بالتعمير ) أي !طول العمر والبقاء لأنّ التحية أصل معناها قول : حياك الله وأبقاك وهي مشتقة من الحياة كما أشار إليه ، والسلامة تفسير للسلام وقوله : تحييهم بيان للداعي وفي نسخة أو تحييهم على أنّ الأول غير معين والمراد من الدعاء به التكريم والقاء السرور ، والا فهو متحقق لهم. وقوله : أو تبقية تفسير له على أنه لم يرد الدعاء بل وصفهم بما ذكر وقوله وقرأ حمزة الخ وقراءة غيره بتشديد القاف. وقوله : مقابل سات " فهو إمّا بمعنى نعمت أو سرت وجميع ما مرّ جار هنا والتأفيث لتأويل المقام بالجنة مطابقة لئأنيث المختص فتذكر. قوله : ( ما يصنع بكم ) فما استفهامية ؤتجوله : من عبأت الخ فأريدا به لازم معناه وهو الصنع لأن الشيء إنما يهيأ ليصنع به صنع. وقوله : أو لا يعتد بكم فما نافية وهو من العبء بمعنى الحمل ولما كان ما لا يعتد به يرمى ولا يحمل أطلق على عدم الاعتداد بالشيء وعدى تعديته. وقد كان متعذيا بنفسه والخطاب لكفار قريش أو لجميع العباد كما ارتضاه في الكشاف على كلام فيه. قوله : ( لولا
عبادتكم ) قد مرّ أن الدعاء يطلق على العبادة وتوجيهه فالمس در مضاف للفاعل وقد جوّز فيه أن يكون مضافا إلى المفعول والمعنى لولا دعاؤه إياكم إلى التوحيد وأن يكون الدعاء بمعنى التضرّع وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه. قوله : ) وقيل معناه ما يصنع بعذابكم ( ففيه مضاف مقدر والدعاء بمعنى العبادة أيضاً والخطاب للكفار. وقوله : عبا بفتح الباء مصدر وقوله يعبؤكم إشارة إلى أنه متعد بنفسه في الأصل كما مر واضافة رب إلى ضحميره للإشارة إلى أن تبليغه بأمره وتربيته. قوله : ( حيث خالفتموه ) فالتكذيب استعير للمخالفة وما أخبرهم به إفا في قوله ما يعبأ الخ أو في غيره وقوله : كذب القتال الخ كما يقال في ضده حمل حملة صادقة. وقوله : بما وجد في جنسهم فلا يتوهم دخول الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيهم. وقوله : يكون جزاء التكذيب يعني أنّ الضمير لمصدر الفعل المتقدم بتقدير مضاف أو على التجوّز وإن اللزام مصدر مؤوّل باسم الفاعل وأتى به للمبالغة. وقوله : أو أثره وهو الأفعال الشنيعة المتفزعة عليه فصيغة المضارع للاستمرار وعلى الأوّل للاستقبال. وقوله : حتى يكبكم بالرفع أو النصب والياء مفتوحة من كب لا بالضم من أكب للزومه كذا قيل لكن صاحب القاموس والراموز قالا إنه يقال كبه وأكه فيجوز فيه الفتح والضم ومن خالف في تعديه فهو قاصر وليس هذا محله- وقوله : وإنما أضمر أي في يكون- وقوله : من غير ذكر أي صريحاً وإلا فهو في ضمن الفعل فلا إضمار قبل الذكر- وقوله : يكتنهه أي يحيط بكنهه وحقيقته. قال الأزهريّ رحمه الله تعالى : اكتنهت الأمر اكتناهاً إذا بلغت كنهه فلا وجه لقوله في شرح المفتاح في الفصل والوصل أنه مولد. وقوله : وقيل المراد أي باللزام هنا ما لزمهم من العذاب في الدنيا وقد كان ملزوماً لهم في الآخرة ولزاما بالفتح مصدر لزم. والحديث المذكور موضوع والنصب التعب ومناسبته ظاهرة تمت السورة الشريعة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه.(6/438)
ج6ص439
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشعراء
هي مكية إلا الآيات المذكورة كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقوله : أولم يكن
لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل كما في الإتقان فإنها نزلت بالمدينة في شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان وكعب بن مالك وابن رواحة رضي الله عنهم ، وقال الداني : روي بسند صحيح أنها نزلت في شاعرين تهاجيا في الجاهلية مع كل واحد جماعة فالسورة على هذا كلها مكية. قوله : ( قرأ حمزة الخ ) وكون نافع قرأ بين بين رواه أبو عليّ الفارسيّ في الحجة ، وعليه اعتماد الزمخشريّ والمصنف في فقل القراآت ، فما في النشر مما يخالفه وأنه مرويّ عن قالون لا يرد على المصنف كما توهم ، وقوله : بكراهة للعود تعليل لعدم الإمالة الصرفة ، ويعني به أن الألف منقلبة عن ياء فلو أميلت إليها أنتقض غرض القلب ، وهو التخفيف ومن لم يمل أصلاً نظر إلى أن الطاء حرف استعلاء يمنع من الإمالة ، وإنما كان منفصلاً لأنها أسماء حروف مقطعة ، ومن أدغمها رآها متصلة في حكم كلمة واحدة خصوصاً على القول بالعلمية ، وأمّا معنى طسم وإعرابه فقد مرّ في أوّل البقرة كما أشار إليه المصنف. قوله : ( الظاهر إعجازه وصحته ) إشارة إلى أنه من أبان اللازم لا من المتعذي ومفعوله محذوف ومو الشرائع والأحكام أو الحق ونحوه لأن هذا أنسب بالمقام ، ولذا اقتصروا عليه هنا ، وجوّز غيره في غير هذه الآية وذكر الإعجاز إمّا إشارة إلى تقدير مضاف ، أو إلى أنّ الإسناد مجازيّ ، والإعجاز والصحة متلازمان وقيل المراد صحة كونه من عند الله وهو عطف تفسير للإعجاز وفيه نظر لأنّ كونه من عند الله لا يلزمه الإعجاز ألا ترى أنّ التوراة والأحاديث القدسية من عند ألله ولا إعجاز فيها. قوله : ( والإشارة إلى السورة أو القرآن ) المفهوم من قوله طسم بأن تجعل اسماً لهما ، أو تعدادا للحروف مرأدا به قرع العصا ، وقوله : آيات الكتاب بمعنى آيات
هذا المؤلف منها ، وطسم مبتدأ خبر. تلك والكتاب المبين صفته أو خبره وهو وخبره خبر الأوّل ، وهو أرجح وإذا أريد القرآن فالتأنيث لرعاية الخبر. قوله : ( قاتل نفسك ) أي غماً وتهالكاً(6/439)
ج7ص2
والبخاع بكسر الباء بالمعنى المذكور مما تفرّد الزمخشريّ بإثباته وتبعه المطرزيّ لكن ابن الأثير في النهاية قال : إنه لم يوجد في شيء من كتب اللغة ، واستعمال العرب ، وقد مرّ تفصيله وأنّ المثبت مقدّم على النافي خصوصا مثل هذا المثبت ، وقوله : مستبطن القفا غير غبارة الكشاف ، وهي قوله : مستبطن الفقار جمع فقارة وهي عظام الظهر لما قيل إنه تحريف لأنّ أقصى حدّ الذابح في القفا ، وفيه نظر. قوله : ( أي أشفق على نفسك الخ ا لما كان الترجي غير صحيح ولا مرادا جعلها للإشفاق ، والإشفاق بمعنى الخوف أيضاً غير متصوّر منه تعالى فجعله من المخاطب ، ولما كان غير واقع أوّله بالأمر به لدلالة الإنكار المستفاد من سوق الكلام عليه أو المعنى أنك تفعل ذلك أي التحسر والتهالك فلا تفعل ، قيل : ولو فسر البخع بشدّة الحرص كما يقال هو يقتل نفسه على كذا جاز الخبر ، وعدم الحمل على الإشفاق ، وفيه ما فيه. قوله : ( لئلا يؤمنوا الخ ) في الكشاف لثلا يؤمنوا ولامتناع إيمانهم أو خيفة أن لا يؤمنوا فزأد قوله ولامتناع الخ إشارة إلى أنّ السكون بمعنى الصحة فهو عطف تفسيريّ ، وعلى الثاني هو بمعناه لكن لما لم يصح كون عدم الكون في المستقبل علة للبخع لكونه غير معلوم قدر خيفة لا لأنه ليس فعلألفاعل الفعل المعلل فإنه وهم فإنّ فيه مصححاً آخر لحذفها ، وهو أن المصدرية لاطراد الحذف مطلقاً معها كما حققه بعض شرّاج الكشاف ففي كلام المصنف رحمه الله قصور ، وتوجيهه بأنّ المراد لاستمرارهم على عدم قبول ا!يمان لأنّ كلمة كان للاستمرار فأريد به استمرار النفي لا المنفيّ فليس فيه غفلة عن فائدة ذكر الثون كما توهم ليس بشيء لأنه ليس في كلامه ما يدلّ على إرادة الاستمرار صراحة ، ودلالة فلا بتمّ بعناية القاضي ، وكأنه أراد انّ كان هنا أتى بها لأجل الفاصلة ، والأولى ما مرّ فتأمّل. قوله : ( 1 ن نثأ الآية ) قيل إنه استئناف لتعليل ما يفهم من الكلام من النهي عن التحسر المذكور ببيان أن إيمانهم ليس مما تعلقت به مشيئته تعالى حتماً فلا وجه للطمع فيه ، والتألم من فواته ، ويرد عليه أنه يقتضي أن عدم تعلق مشيئته بإيمانهم يكون عذراً لهم في ترك الإيمان كما سيورده هو فيما سيأتي ، وليس كذلك فالأولى أن يقال إيه تسلية له صلى الله عليه وسلم ، والمراد منه تعليل الأمر بإشفاقه على نفسه ومفعول المشيئة ما يدل عليه الجزاء أو إيمانهم بقرينة ما قبله ، ويؤيده أنّ السورة في تعظيم شأنه صلى الله عليه وسلم فهو براعة استهلال. قوله : ( دالة ملجئة إلى الإيمان الخ ) وفي نسخة دلالة ملجئة بماسناد الإلجاء للدلالة مجازاً ، وقيد الأية بالملجئة لأنّ غيرها مما تحقق نزوله قبله ومعه ، والإلجاء لأنه سنة الله عند ظهور أمثالها ، وقولنا سنة أحسن من قول بعضهم عادة لأنّ العادة لا تطلق عليه تعالى كما في
الانتصاف لكن الزمخشريّ ، وغيره يستعملها والوارد في الآثار ما ذكرناه سابقاً. قوله : ( أو بلية قاسرة عليه ) أي على الإيمان بالجبر عليه ، وليس ذلك في الوجه الأوّل ، والتخصيص لما مرّ لا لأنّ عليهم يدل عليه لأن الاستعمال تعديته بعلى فلا دلالة على ما ذكر كما قيل. قوله : ( منقادين ) يعني أنّ الخضوع هنا مجاز أو كناية عن الانقياد والإذعان ، ولما كان خاضعين لجمع من يعقل والإعناق ليست كذلك جعلها مقحمة والأولى أن يقال إنها أكتسبت التذكير ، وصفات العقلاء من المضاف إليه ، ولما كان الخضوع وضدّه يظهر في الرأس والعنق جعله محله لأنه يتراءى قبل التأمّل أنه هو الخاضع دون صاحبه ، وقوله على أصله أي قبل الإقحام. قوله : ( وقيل لما الخ ) معطوف على قوله : وأصله الخ لا على قوله وترك الخبر لفساده معنى كما لا يخفى ، وقوله بصفات العقلاء جمعها وهي صفة واحدة أعني الخضوع لتعددها باعتبار تعدّد من قامت به هنا أو لأنه أريد الجنس كما في قولهم فلان يلبس الثياب ، ولها صلة ظلت أو خاضعين ، ولم يلتفت لتقدير أصحاب أعناقهم لأنه ركيك مع الإضافة لضميرهم ، ولا لجعل خاضعين حالاً من المضاف إليه لذلك. قوله : ( وقيل المراد بها الرؤساء ) أي مجازاً كما يقال لهم صدور ورؤس فيثبت الحكم لغيرهم بالطريق الأولى أو الجماعات وفي نسخة الجماعة أي مطلقاً رؤساء أم لا فالمعنى ظلت جماعاتهم أي جملتهم لأنهم جماعة من الناس فلا إشكال فيه ، وعلى قراءة خاضعين الإسناد مجازيّ. قوله : ( فظلت الخ ) هو تفريع على جميع ما تقدم لا على الأخير وهذا من العطف على المعنى كما عطف فأصدق المنصوب على أكن المجزوم(7/2)
ج7ص3
لصحة الجزم فيه ، وقوله : لأنه لو قيل الخ بيان له ، والماضي وإن كان يصح عطفه على المضارع إلا أنه هنا غير مناسب فإنه لا يترتب الماضي على المستقبل بالفاء التعقيبية أو السببية فإنه غير معقول ، والمعقول عكسه وتأويل أحد الفعلين يدفع ذلك فهو لازم لكنه إن نظر إلى زمان الحكم كان الجواب مستقبلا فيؤوّل ظلت بتظل كما قرئ به ، وان نظر إلى زمان الحكاية يؤوّل تنزل بأنزلنا كما قرئ به ، وهو الذي اختاره الشيخان لأنه وإن كان مستقبلا حقيقة لأنّ المعتبر زمان الحكم لا التكلم على المشهور ، ولو خط فيه أيضا صورة نزول تلك الآيات العظيمة الملجئة إلى الإيمان ، وحصول خضوع رقابهم عند ذلك في ذهن السامع ليتعجب منه وعبر عنه بالماضي إشارة إلى أنّ نزول تلك الآيات لقوة سلطانه ، وسرعة ترتب ما ذكر عليه كأنه كان واقعاً قبله ، وإلا لم يصح الترتب والتسبب لما مرّ فلذا جرى فيه على خلاف مقتضى الظاهر كما في شرح الكشاف فما قيل في دفع كون كلمة الشرط تخلص للاستقبال ، وانّ النظم
لو كان أنزلنا أوّل يتنزل من أنّ إن الشرطية قد تخرج عن الاستقبال كما في نحو إن كنت قلته فقد علمته ، وهو كذلك هنا بدليل وقوع لو في نظائره كقوله : { وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى } [ سورة الأنعام ، الآية : 35 ] فالمعنى هنا لو شئنا لأنزلنا فلذا عطف على المعنى تكلف ما لا حاجة إليه من كون أن بمعنى لو ومضيّ ما في حيزها ، وأنت في غنية عنه بما قدمناه ومن قال إنّ الفاء لا يجزم ما بعدها لم يفرق بين العاطفة والجوابية فتأمّل. قوله : ( موعظة أو طائفة من القرآن ) يعني المراد إما التذكير والموعظة ، ومن زائدة أو القرآن ومن تبعيضية والجاز والمجرور صفة لمقدر ، وقوله : بوحيه متعلق بيأتيهم ، وعنوان الرحمن إشارة إلى أنه رحمة ، وقوله وتنويع التقرير أي التثبيت في الأذهان أو الحمل على الإقرار ، والأوّل أولى. قوله : ( إلا جدّدوا إعراضاً ) قيل كان ينافي ما ذكر ، فالظاهر أتا لمعنى ما يجدّد الله تعالى بوحيه على نبيه صلى الله عليه وسلم موهـ هـ ودريرا إلا استمرّوا لحى ما اعتادوه من الإعراض! وردّ بأنه لوقوعه في مقابلة ما يأتيهم فالمراد به بالاستمرار التجدّدي ، وقوله : محدث لتوكيد. ، والاستثناء يدلّ على أنّ الإعراض وقته إتيان الذكر ، ولا يخفى أنّ هذه الجملة حالية ماضوية وأن كان تدلّ على الاستمرار التجددي ووقوعها في مقابلة المضارع لا يقتضي إلا الثبوت عليه مع تجدد التذكير وتكرّره ، وهو أبلغ في الذمّ فالظاهر أن المصنف رحمه الله أراد ما ذكره المعترض ، ولولاه لم يقل واصراراً الخ ، وإنما قال جددوا لأنّ الإعراض عما يحدث لا بد أن يكون حادثا إذ لا يتصوّر الإعراض عن شيء قبل وجوده ، فإن أراده هذا القائل !ن فاسداً وان أراد الاستمرار بعده فهر معنى الإصرار ، وقال بعض الفضلاء في فقد كذبوا تمادوا على التكذيب ، وكان تكذيبهم مع ورود ما يوجب الإقلاع من تكرار إتيان الذكر كتكذيبهم أوّل مرّة ، وللتنبيه على ذلك عبر عنه بما يعبر عن الحادث وله نظائر كقوله : { رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } [ سورة الشعراء ، الآية : 117 ] فكذبوه وفي قوله وأمعنوا إشارة إليه فتاً مّل. قوله : ( بعد إعراضهم ) هذا مقتضى الفاء ، واعراضهم تكذيب فعلى هذا لا حاجة إلى أن يقال وعنده أيضا ، وأمعنوا بمعنى بالغوا فيه ، وقوله المخبر به عنهم الظاهر أن يقول عنه ، وكذا هو في نسخة مصححة ، وإنما جعله متضمناً له لأنّ قوله ما كانوا به يستهزؤون يقتضي تقدم الاستهزاء ، ولو جعل الإعراض والتكذيب دالاً عليه كان أظهر ، وقوله : { إِذَا مَسَّهُمْ } [ سورة الاً عراف ، الآية : 201 ] الخ هو غير مغاير لقوله في الأنعام عند ظهور الإسلام وارتفاعه كما توهم ، واتيان الخبر كناية عن وقوع
محذور منتظر ، واليه أشار ببيان الأنبار بقوله من أنه الخ. قوله : ( أولم ينظروا إلى عجائبها ( بيان لمحصل المعنى أو لتقدير مضاف وقد جعل هذا معطوفا على مقدر هو أكذبوا بالبعث لدلالة الذكر عليه ، وقوله صنف إشارة إلى أنه ليس المراد بالزوح معناه المعروف ، وهو أحد القرينين من ذكر وأنثى ، بل ما في قوله : { أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى } [ سورة طه ، الآية : 53 ، أي أنواعا متشابهة وقال الراغب : إنه يطلق عليه لتركبه ، وقوله وهو أي كريم صفة بمعنى محمود مرضيّ لا بمعنى معطي. قوله : ( وهاهنا يحتمل أن تكون ) أي صفة الكريم مقيدة هو بالقاف كما في بعض الحواشي ، وهو الظاهر فالمعنى أنّ الصفة يحتمل أن تكون مقيدة للصنف مخصصة بما ذكر لأنه ليس كل صنف كذلك ، وقوله لما يتضمن الدلالة إمّا صلة مقيدة فما يتضمن المنبت مطلقا أو تعليلية ففاعل يتضمن ضمير كريم أي لتضمن كرمه الدلالة على القدرة أي(7/3)
ج7ص4
دلالة ظاهرة وإلا فكل ما نبت دال عليها ، ويجوز أن يكون بالفاء ومآله ما ذكر ، وقوله : وأن تكون مبينة أي موضحة لا مخصصة لما ذكره. قوله : ( وكل لإحاطة الآزواج ) يعني أنه لا تكرار فيه إذ فرق بين الكثرة والشمول فالمعنى أنبتنا شيئاً كثيرا هو كل زوج فمن بيانية أو شيئا كثيرا من كل صنف فمن تبعيضية. قوله : ( أي في إنبات تلك الآصناف ) قيل إنه توجيه لإفراد اسم الإشارة أو آية بأنه إشارة إلى إنباتها أو إلى كل واحد منها ، ويجوز أن يكون إشارة إلى الجميع بجعلها كشيء واحد لاتحاد الغرض فيها ، وكونها آية كما مر في قوله إماماً ، والظاهر أنه بيان للمراد من الإشارة واً نه إمّا للإنبات أو للمنبت لأنه لا يحتاج لتاويل عليهما إذ كل مضافة لنكرة فهي للإحاطة على البدلية لا على الاجتماع ، واسم الإشارة بعدها كالضمير يكون مفردا كما مر وتنكير آية للتعظيم. قوله : ( في علم الله وقضائه الخ ) قد مرّ مثله ، والاعتراض عليه بأنّ علمه تعالى ليس علة لعدم إيمانهم لأنّ العلم تابع للمعلوم لا بالعكس فكان هنا زائدة ، وهو إخبار عن حالهيم في الواقع في علم الله ، وكون علمه وقضائه ما نعين عن الإيمان رأي المجبرة ، وقد مر ردّه بان معنى كون علمه تعالى تابعاً للمعلوم إنّ علمه تعالى في الأزل بمعلوم معين حادث تابع لماهيته بمعنى أنّ خصوصية العلم ، وامتيازه عن سائر العلوم إنما هو باعتبار أنه علم بهذه الماهية ، وأمّا وجود الماهية فيما لا يزال فتابع لعلمه الأزليّ التابع لماهيته بمعنى أنه تعالى لما علمها في الأزل على هذه الخصوصية لزم أن تتحقق ، وتوجد فيما لا يزال كذلك فنفس موتهم على الكفر ، وعدم إيمانهم متبوع لعلمه الأزليّ ، ووقوعه تابع له ، وأمّ كون كان زائدة فلا وجه
له ، وكونه إخباراً عن حالهم إن أراد في الماضي فلا فائدة فيه ، وان ادّعى أنه لتوبيخهم وتقبيح حالهم ، وان كان في المستقبل فلا دلالة للفظ عليه ، والمصنف لم يلأع أنّ علمه وقضاءه تابعان كما توهم ، وأمّا جعله من الاستدلال بأحد لازمي الشيء على الآخر فقيل إنه يأباه سياقه إذ المفهوم منه العلية بحسب الوجود على أنّ عدم النفع معلوم مشاهد فلا فائدة في بيانه ، وفيه بحث. قوله : ( القادر على الانتقام ) وعدم تعجيله لحكمة اقتضت سبق رحمته ، ولذا عقبه بقوله الرحيم كما أشار إليه ، ولأنه يخاف الفوت ، وإنما قدّم العزيز لأنّ ما قبله في بيان القدرة ، وقوله الغالب تفسير للعزيز لا وصف له قدم حتى يقال إنه لم يسمع إطلاقه على الله ، وان قيل في باب الإيمان إنه سمع الطالب الغالب كما ذكره شيخنا المقدسيّ. قوله : ( مقدر باذكر ) على أنه مفعوله واذ متصرفة وهو معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة ، وقيل إنه معطوف على مقدر آخر أي خذ الآيات ، أو ترقب إتيان الأنباء ، وقوله أو ظرف لما بعده وهو قال : الخ ، وقوله أي ائت الخ يعني أنّ أن تفسيرية أو مصدرية قبلها حرف جر مقدّر ، وقوله بالكفر هو ظلمهم لأنفسهم وما بعده ظلمهم لغيرهم ، وقوله بدل الخ قد رجح الثاني ليكون وصفهم بالظلم في حكم النتيجة فالأبلغ فصده ولاشتراكه عينه بما بعده ، وهو مخالف لتقديم المصنف رحمه الله له فقد يقال إنه أولى لأنّ فيه إشعاراً بأنّ قوم فرعون علم في الأظلمية ، ولعل الاقتصار أي في الإتيان أو في الوصف بالظلم ، وقيل إنه مفعول يتقون وقيل منادى وقيل هو اكتفاء ، وقد يقال قوم فرعون شامل له شمول بني آدم له. قوله : ( أولى بذلك ) أي بالإتيان أو الوصف بالظلم ، وقد خص في بعض المواضع للدلالة على ذلك ، وقوله : استئناف أي بيانيّ بتقدير ما أقول إذا جئتهم لا نحوقي كما قيل : وقوله أتبعه إرساله الخ قيل إنه إشارة إلى أنه من جملة ما نودى به موسى عليه الصلاة والسلام ، وقد قيل عليه ليت شعري ما الطريق إلى جعله منه وقد عرفت طريقه وفي الكشاف إنه يحتمل أن يكون حالاً من الضمير في الظالمين ، ولو كان حالاً بتقدير القول أي قائلاَ لهم ألا يتقون لم يرد عليه شيء لكن قوله أي يظلمون غير متقين الله ، وعقابه فأدخلت همزة الإنكار على الحال يأباه ، ولذا أورد عليه أنّ فيه مع الفصل بالأجنبي لزوم إعمال ما قبل الهمزة فيما بعدها إلا أنه أشار إلى دفعه في الكشف ، وغيره بأنه غير أجنبيّ ، وأنّ مثله غير بعيد لتوسعهم في الهمزة ، وقوله تعجيبا إشارة إلى أنّ الاستفهام مستعار للتعجب وقد
جعله الزمخشريّ للإنكار إشعاراً بأنّ عدم التقوى هو الذي جرّ أهم على الظلم فلا يتوهم أنه لا يلائم ما قبله ، وإن كان الظاهر أن يقال أيظلمون ، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله : ( من إفراطهم في الظلم )(7/4)
ج7ص5
وقيل ألا للعرض ولا استفهام فيه.
قوله : ( وقرئ بالتاء الخ ) وجه الزجر والغضب أنه ضرب وجوههم وجيههم بما ذكر ، كما تشكو جناية جان حاضر عندك لآخر فإذا حمى غضبك أقبلت على الجاني تقول له أما تخالف الله أما تستحيي من الناس ، وقوله : وان كانوا غيباً جملة حالية من ضمير أجروا إن لم يجعل جوابا وغيبا بضم الغين وتشديد الياء ، ويجوز فتحهما مخففاً جمع غائب ، وكلام المرسل وهو موسى عليه الصلاة والسلام مصدر مضاف للمفعول أي تكليم الله من أرسله ، ومبلغه بصيغة المفعول والضمير للكلام يعني أنه إذا بلغهم به خاطبهم أو هو بصيغة الفاعل ، وقوله : واسماعه الخ يعني نزل منزلتهم فخوطبوا. قوله : ( مع ما فيه من مزيد الحث الخ ) الضمائر للالتفات ومورده هنا الغضب والزجر كما مر ، وقوله : مزيد إشارة إلى أنّ أصله مراد مع الغيبة أيضا وليس هذا من أنّ ألا للعرض! كما قيل ، نعم كلامه محتمل له فتدبر ، وقوله ويحتمل الخ إشارة إلى أنّ ألا كلمة واحدة للعرض ، ويا ندائية سقطت ألفها لالتقاء الساكنين ، وحذف المنادى كما في الآية المذكورة ، ورسمه حينئذ بإسقاط الألفين مخالف للقياس ، وما بعده فعل أمر وقوله وقرى الخ فأصله يتقونني حذفت إحدى نونيه لاجتماع مثلين وياؤه اكتفاء بالكسرة. قوله : ) رتب استدعاء الخ ) الترتيب من فاء فأرسل والضم والإشراك من السياق ، وقوله معي في محل آخر ، ومفعول أرسل مقدر أي ملكاً ، أو جبريل عليه الصلاة والسلام ، وقوله خوف التكذيب هو وما بعد. مجرور بدل من لأمور الثلاثة ، ويجوز رفعه ونصبه ، وقوله : وضيق القلب إشارة إلى أنه عبر عنه بضيق الصدر مبالغة ، وقوله انفعالاً أي للانفعال وتتأثر منه ، وعنه إن رجع ضميره للخوف فظاهر وان رجع للتكذيب فباعتبار أنه مخوف متوقع كما تدل عليه صيغة المضارع فلا يرد عليه أنه غير متيقن فلا وجه للجزم بضيق القلب المترتب مع أنّ ذلك كما يوجد به يوجد بخوفه ، ولو عمم ضيق القلب بأن جرد عنه كما ذكر في قوله : { رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي } [ سورة طه ، الآية : 25 ] جاز. قوله : ( وازدياد الحبسة قي اللسان ) بعدم انطلاقه من سجن اللكنة وقيد
الغي وانحلال عقدته وزاد ازدياد لأنه المتوقع الحاصل بانقباض! الروح عند الضيق دون الحبسة نفسها فإنها كانت موجودة والخوف غمّ مما يتوقع وهذا ميل إلى القول بعدم زوال العقدة بالكلية ، والمراد بالروح الشعاع الخارج من القلب المنتشر المسمى بالروح الحيواني الذي تتحرّك به العضلات ، وحبسة اللسان للقصة المشهورة. قوله : ( ضيقه ) أي غمه المقتضى لرجوع الروح وانقباضها نحوه ، وإنما جعل ضيق الصدر وحبسة اللسان متفرّعين على التكذيب داخلين تحت الخوف مع إمكان غيره حتى لا يحتاج إلى التأويل وزيادة الازدياد لتتوافق قراءة الرفع ، والنصب في المعنى إذ الأصل توافقهما ، وان كان بينهما فرق في الأداء وقد جوّز البقاعي كون أخاف بمعنى أعلم أو أظن فتكون أن مخففة من الثقيلة لأنها واقعة بعدما يفيد علما ، أو ظنا كما اشترطه النحاة ولا يأباه قرإءة النصب كما توهم لأنّ أخاف فيها محمول على ظاهره ، ولا تخالف بينهما معنى ، وقوله : لأنها الخ متعلق برتب لتعليله وتنويره ، وقوله متى تعتريه حبسة تنوينه للتقليل ليلتئم مع ما مر أو فيه مضاف مقدر وهو ازدياد فتأنله. قوله : ( ولا تنبتر حجته ( أي لا تنقطع بعد الشروع فيها من البتر بالموحدة والمثناة الفوقية ، وهو قطع الآخر ، وقوله وليس ذلك تعللا الخ جواب عن أنه كيف ساغ لموسى عليه الصلاة والسلام أن يأمره الله بأمر لا يتلقاه بالسمع والطاعة من غير توقف ، وتشبث بأذيال العلل والاستعفاء بعيد من مثله من أولي العزم ، وقوله : وتمهيد عذر فيه أي في طلب المعونة وليس أمره بالإتيان مستلزماً له. قوله : ( فيكونان من جملة ما خاف مته ( أي إبتداء وصراحة بخلافه على الوجه السابق فإنهما مترتبان على خوف التكذيب والمترتب على المخوف مخوف فلا ينافي هذا ما موّ ، وقوله تبعة كفرحة أي ما يتبعه من جزائه ، وعلى التسمية باسمه هو مجاز بعلاقة السببية ، وقوله على زعمهم أو هو بتقدير دعوى ذنب. قوله : ( يقتلون به ) أي قودا قبل أداء الرسالة المأمور بتبليغها ، وهذا هو البلية التي طلب من الله دفعها بعصمته من الناس وليس هذا في شيء مما قبله حتى يغايره بكونه قبل الأداء ، وذاك بعده أو في أثنائه كما توهم قيل وهو وان كان نبياً غير عالم ببقائه إلى أداء الرسالة أو إن أمره بشرط التمكين مع أن له نسخ ذلك قبله فإنه(7/5)
ج7ص6
فعال لما يريد لا يسأل عما يفعل وأمّا كون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعلمون أنه إذا حملهم الله تعالى رسالة أنه يمكنهم من أدائها ويبقيهم إلى وقت إلقائها ، وإن كان بناء على اكثر لقتل بعض الأنبياء فغير مسلم لما مر ، وقوله : ذاك إشارة إلى قوله إني أخاف أن يكذبون الخ ، فإن قلت استدفاع البلية
يكون قبل الأداء وبعده فلا وجه لتقييد هذا به ، ومقابلته للاستظهار بل هو مناسب للاستظهار ، وتدارك مصلحة النفس ، والتوقي غير مناف لمقام النبوّة كما كان يفعله نبينا صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه والله يعصمك من الناس ، قلت : بعد أمر اللّه له بالتبليغ اللائق ملاحظة ذلك والخوف من فوات ما أمر به لا التوقي والاستظهار في أمر الدعوة يكون بعد الأداء لأنه طلب ظهورها وشيوعها فلا يرد ما ذكر ، وهو اللائق بمقام أولي العزم الباذلين مهجهم في سبيل الله ، وتوقي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا ينافيه فإنه لخوف فوات مصلحة الرسالة أيضا ، وان كان حفظ النفس في ضمنه أيضاً فتأمّل. قوله : ( إجابة له إلى الطلبتين ) تثنية طلبه بوزن كلمة ، وهي ما يطلب ، وهو لف ونثر مشوّس فإنّ الإجابة إلى الثانية بكلا ، والى الأولى باذهبا ، وقدّمت الثانية لاختصاصها بموسى عليه الصلاة والسلام ، ولذا فسروه بارتدع دون ارتدعا وبوعده متعلق بالإجابة ولدفع مفعول وعده أي موسى عليه الصلاة والسلام واللام للتقوية ، وردعه مفعول اللازم ، ويجوز أن يكون فاعله أي اللازم له ردعه فالجواب معلوم بطريق الكناية ، وقيل إنه مجاز ، وضم أخيه عطف على وعده. قوله : ( والخطاب الخ ) لأنّ السياق يقتضي عدم حضور هرون ولا ينافي هذا ما ذكره في تفسير قوله : { اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ } [ سورة طه ، الآية : 42 ] وقوله لأنه معطوف الخ تعليل للتغليب لأنّ كلا بمعنى ارتاع يا موسى فالخطاب له فقط وخطاب غيره بالتبعية له ، والفاء ققتضي فهمه مما قبله وهو قوله فأرسل ، وقيل إنها فصيحة ، وقد قيل إنّ هرون كان إذ ذاك بمصر. قوله : ( يعني موسى وهرون وفرعون ) قيل والظاهر أنه لموسى وهرون ومن تبعهما من بني إسرائيل فيتضمن الكلام علوهما واعزازهما لقوله في القصص { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا } [ سورة القصص ، الآية : 35 ] أو لهما تعظيما ويأبى هذا ما بعده وما قبله من التثنية كما أنه يرد على لأوّل أنّ المعية لا تختص بأحد لقوله : { وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ } [ سورة المجادلة ، الآية : 7 ] ولا أكثر إلا وهو معهم والخاصة وهي معية الشفقة ، والنصرة لا تليق بالكافر ولو بطريق التغليب ، وقد يقال خصوص المعية لا يلزم أن يكون بما ذكر بل بوجه آخر ، وهو تخليص أحد المتخاصمين من الآخر بنصرة المحق والانتقام من المبطل كما أشار إليه في تفسير قوله مستمعون فلا غبار عليه مما ذكره أرباب الحواشي. قوله : ( سامعون لما يجري بينكما وبينه ) أعلم أنه في الكشاف جعل مستمعون قرينة معكم في كونه من باب المجاز ، والله تعالى يوصف بأنه سميع وسامع ولا يوصف بأنه مستمع ، اهـ محصله وأشار شراحه إلى أنّ السمع انكشاف ما فهو في حقه تعالى بمعنى الانكشاف التامّ المناسب له ، ولا يعلم حقيقته إلا هو ، وقد وصف الله بهما فإن كان
ذلك في الأزل قيل سميع وإن كان فيما لا يزال قيل سامع ، وهو بحسب الأصل مجاز إن كان مقيداً بالحاسة ، ثم صار كالحقيقة وأمّا مستمع فلا يطلق عليه تعالى لأنه مقدمة جسمانية له كالنظر للرّؤية ، ولأن فيه تلمسا للإدراك ينزه الله عنه سواء أكان بحاسة أم لا فسقط ما قيل من أنّ السمع في الحقيقة إدراك بحاسة فإن أريد به مطلق الإدراك فالاستماع مثله فلا حاجة إلى التجوّز فيه ، ثم إنّ لهم في فهم كلامه طريقين احدهما أنّ قوله أنا معكم مستمعون جملته استعارة تمثيلية كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بقوله مثل الخ لكنه مشكل لأنه حينئذ لا تجوّز في شيء من مفرداته ، ولا يكون مستمعون مطلقاً على اللّه فلا حاجة إلى جعله بمعنى سامعين إلا بتكلف سيأتي ، والثاني أنّ قوله مستمعون مجاز عن سامعين إمّ استعارة أو مجازاً مرسلاً أو كناية لتلازمهما غالبا ، وقوله إنا معكم استعارة تمثيلية ، وقوله : قرينة بمعنى مقترنة في المجازية معها واختاره الفاضل اليمني ، واً وّل كلاميه يناسبه لكن قوله : يريد أنا لكما ولعدوّكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع يدل على أنه جعل مستمعون من جملة التمثيل لقول المصنف رحمه الله استماعا كما قاله بعض الشراح وأمّا ما قيل من أنّ اللازم في التمثيل بقاؤه على ما كان عليه قبل النقل حقيقة كان أو مجازا ، والاستماع(7/6)
ج7ص7
في المستعار منه كناية عن السمع لأنه المقصود ، وكل منهما يوجد بدون الآخر فكذا في المستعار له فمع كون كلام الكشاف والمصنف رحمه الله صريحاً في خلافه بعيد جدّا ، ولا فائدة تحته وجعل قوله : مثل بمعنى شبه وأنه استعارة بالكناية في الضمير المستتر في معكم لا يدفعه فإنّ تشبيهه تعالى بالحاضر لما ذكر يقتضي كون مستمعين بمعناه ، والتخييلية يراد حقيقتها فالظاهر أنه أراد الثاني ، وأنّ قوله إنا معكم تمثيل له في نصره وامداده بمن يحضر خصمين ليعين أحدهما ، ويكون الاستماع بحسب ظاهره لكونه لم يطلق عليه كالسمع كالقرينة له وان كان مجازا عن السمع ، والقرينة في الحقيقة عقلية ، وهي استحالة حضوره تعالى في مكان والاستماع المذكور في تقرير التمثيل ليس هو الواقع في النظم بل هو من لوازم حضور الحكم للخصومة ، ولما كانت المعية الخاصة تستعار لما يؤثر كالحفظ في قوله : { إِنَّ اللّهَ مَعَنَا } [ سورة التربة ، الآية : 40 ] كما ذكر السمع قرينة هنا لما ذكر ، ووزانها وزان أني معكما أسمع وأرى فلا غبار في كلام الشيخين فتدبر. قوله : ( مبالغة ) علة لقوله مثل ، وقوله : ولذلك أي لقصد المبالغة ، وتوله : تجوّز لما عرفت أنه لا يطلق عليه ، وجعل التجوّز هنا بمعنى الكناية تعسف بارد ، وأصل معنى الإصغاء الميل للسماع ، ثم تجوّز به عنه مطلقا ، وقوله : الذي هو مطلق إدراك الحروف إشارة إلى أنه لا يتقيد بالحاسة ، وإنما هو انكشاف مخصوص كما هو مذهب أهل السنة بل أهل اللغة فلذا أطلق عليه تعالى بخلاف الاستماع كما مر ، وقوله معكم لغو أي متعلق بمستمعون ، وقيل إنه حال من ضميره وتقديمه للاهتمام أو الفاصلة أو الاختصاص إن أريد معية مخصوصة. قوله : ( لأنه
مصدر ) بحسب الأصل وصف به الآن هنا كما يوصف بغيره من المصادر للمبالغة كرجل عدل فيجري فيه ما يجري فيه من الوجوه ، وقد قيل إنه لما كان له جهتان تبعيته لموسى عليهما الصلاة والسلام ، وكونه وزيراً ، وكونه نبيا مرسلاً من الله روعي كل من الجهتين فأفرد مرة وثني أخرى ولا ينافيه جمعهما في المسند إليه ، وان لزم منه اشتراكهما في المسند لأنّ الإشعار في لفظ لا ينافي النظر إلى الواقع في آخر نعم في كلامه خلل من جهات ليس لنا حاجة إلى بيانها هنا. قوله : ( فإنه مشترك ) أي بين المعنيين ، وأن كان مصدراً في الأصل لأنه صار حقيقة في المعنى الآخر ، وبه سلم من كون فعول بمعنى مفعل لم يسمع في غيره. قوله : ( لقد كذب الخ ( هو من شعر لكثير عزة وقبله :
حلفت برب الراقصات إلى منى خلال الملا يمددن كل جديل
لقد الخ وبعد. :
فلاتعجلي يا عزأن تتفهمي بنصح أتى الواشون أم بحبول
وقد روي هذا البيت مقدما والمعنى ما أرسلتهم برسالة إذ أرسلته بمن أرسل لا وجه له ، والتجريد يأباه المقام إذ لا مبالغة فيه كذا في الكشف ، وقد قيل عليه إنه لا مانع من كونه فيه بمعنى المرسل وأرسلتهم بمعنى أرسلت إليهم على الحذف ، والإيصال وهو كثير في فصيح الكلام والمعنى ما وقفوا على سرى بالذات ، ولا بالواسطة ، وهو المناسب ، وما ذكره مبنيّ على أنّ ضمير أرسلتهم للمرسل لا للمرسل إليه ، وليس بشيء لأنّ المتعارف أنّ الباء لا تدخل إلا على ما مع الرسول كالهدية فلا يقال أرسلت برسول ، وأنما يقال أرسلت الرسول بالهدية أو بالكتاب ، وكذا بعثت ولذا اعترض على قول المتنبي :
فآجرك الإله على عليل بعثت إلى المسيح به طبيبا
فهو محتاج إلى التجريد ، وإنما لم يحمل أرسلتهم على الحذف لأنه خلاف الظاهر من
غير فائدة مع أنّ قوله فلا تعجل ، ومعنى الواشي يناسب ما ذكر فتدبر ، وقوله ولدّلك أي لكونه مشتركا أو مصدراً. قوله : ( أو لاتحادهما الخ ) فكأنهما نفس واحدة لما ذكر ، أو لتبعية هرون لموسى عليهما الصلاة والسلام كما مر ولا ينافيه التثنية مع التصريح بالوزارة لأنه لئلا يكون المقام خلواً عن الإشارة إلى الجهتين كما ثني هنا قولاً ، وهذه النكتة في الحكاية فلا منافاة بينهما حتى يقال إنه وقع مرتين أو مرة بما يفيد التثنية ، والاتحاد فساغ التعبير بكل منهما ، والمرسل اسم فاعل هو اللّه والمرسل به الشريعة والتوحيد. قوله : ) أو لأنه الخ ) يعني أن قوله
إنا بمعنى إنّ كلامنا فصح إفراد خبره كما يصح في ذلك ، وفائدته الإشارة إلى أنّ كلا منهما مأمور بتبيغ ذلك ولو منفردا ، فما قيل : إنّ التثنية تفيد هذا فلا فائدة في العدول عنها ، وأنّ مثله إنما هو في تاويل(7/7)
ج7ص8
الجمع كيخرجكم طفلاَ لا وجه له ، وقوله : أي أرسل يعني أن تفسيرية هنا وأشار بما بعده إلى توفر شرطها عند النحاة ، وهو تقدم ما تضمن معنى القول دون حروفه ، وقد جوز فيها المصدرية بتقديره بأن أرسل الخ ، وهو على الأوّل متحد بما قبله في الجملة ، وعلى هذا مغاير له ، ولذا رجحه بعضهم لموافقته لقوله : { فَأَرْسَلَ } [ سورة الثعراء ، الآية : 53 ] في طه فلا وجه لما قيل إن ما في طه موافق لكلا الوجهين على سواء فتأمّل. قوله : ( معنا إلى الثأم ( أخذ التقييد من قوله معنا وقرينة الحال ، ومنهم من فسره بيذهبوا حيث شاؤوا على أنّ الإرسال بمعنى الإطلاق مع أنه وافقه في محل آخر ، وقوله بعدما أتياه الخ كأنه يشير إلى كونه قال إنما يتصوّر بعد الإتيان ، والقول فهو معلوم من السياق ، ويحتمل أنه إشارة إلى تقدير فأتيا فرعون فقالا له ذلك كما في الكشاف وغيره ، وقوله في منازلنا إشارة إلى تقدير مضاف تقتضيه الظرفية ، ولو قدّر في أهلنا صح لكن هذا أظهر وأقرب للحقيقة. قوله : ( سمي به ) أي سمي الطفل بالوليد ، وهو فعيل بمعنى مفعول لأنّ فعيلا قد يدل على قرب التلبس بالمعنى كحليب ووليد كما صرح به أهل اللغة وكأنه أخذ من صيغة المبالغة لما كانت الولادة لا تفاوت فيها نفسها وفي قوله لبث الخ شيء ما سياتي في القصص. قوله : ( وبخه به ) أي بذلك القتل ، وتعظيم القتل بما في الموصول من الإبهام الذي يستعمل لذلك كما في نحو { فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } [ سورة طه ، الآية : 78 ] كأنه أمر لا يمكن الإحاطة به ومعرفة كنهه ، وفيه أيضا تلطف به لعدم التصريح بذنبه ، وقوله : قتله بكسر القاف وفعلة للهيئة والفعل المخصوص كما أشار إليه بقوله بالوكز وهو الضرب بجمع كفه ، وعلى الفتح هو للمرّة. قوله : ( بنعمتي ) فهو من كفران النعمة وجعل الدليل عليه قتل خواصه ، والمراد بخواصه المضافة الجنس فيشمل الواحد ، وقوله أو ممن يكفر بصيغة المجهول وفي نسخة تكفرهم من الإكفار أو التكفير فإنهما مسموعان لكن الأشهر هو الأوّل ، والمعنى كنت من جملة القوم الذين ادعيت كفرهم ، وهذا الحكم منه بناء على ما عرفه من ظاهر حاله لاختلاطه بهم ، والتقية معهم بعدم الإنكار كما أشار
إليه المصنف رحمه الله ، وإلا فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الكفر قبل النبوّة وبعدها ، وكونه افتراء عليه بعيد لأنه لو علم بإسلامه أوّلاً سجنه أو قتله إحدى التاءين يعني في الفعلين السابقين ، وكونه حكماً مبتدأ أي غير حال فهو إمّا مستأنف أو معطوف ، وقوله من الكافرين بالهيته الكفر بمعنى الجحد أو على زعمه ، وقوله أو بنعمته هو الوجه الأوّل بعينه والمغايرة بينهما في وجهه فإنه في الأوّل قتل خواصه وفي هدّا مخالفتة له ، وفي الوجه الأخير مبنيّ على اعتقادهم الباطل. قوله : ( قال فعلتها إذا ( أي إذ ذاك وفي الآية لف ونشر مشوس ، وأقرّ بالقتل لثقته بحفظ الله له ، وقوله من الجاهدين فسر الجهل بما ذكر ومحصله الإقدام من غير مبالاة بالعواقب وهو بهذا المعنى في أكثر استعمالات العرب كقوله :
ألالايجهلن أحدعلينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
والفرق بينه وبين الثالث أنه في هذا عالم بالعواقب دون ذاك ، والضلال يستعمل بمعنى الجهل كما يستعمل الجهل بمعناه ، وما يؤول إليه الوكز هو القتل ، ولأنه يتعلق بالذاهلين ، وتفسير. بالجاهلين بالشرائع غير مناسب والفرق بين الثاني والثالث غير ظاهر ، وكونه في مجرّد التعبير لا محصل له ، وهذا جواب لما وبخه به وكون الضلال بمعنى النسيان مرّ تحقيقه في سورة البقرة. قوله : ( لما خفتكم ) أي حين الخوف لقوله : { إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } [ سورة القصص ، الآية : 25 ] وقوله : حكمة أراد بها النبوّة وما وبخه به هو القتل وكفران نعمته ، والردّ بأنه قبل النبوّة وكان خطأ منه ، وكرّ بمعنى رجع أي إلى ردّ ما ادعاه من نعمة التربية ، وقوله : ولم يصرّح بردّه لأنه اعترف به بقوله وتلك نعمة بخلاف الأوّل فإنه لما قدج في نبوّته بالقتل العمد قال : إنه لم يكن عمدا ، وانه قبل النبوّة فلا يتوهم أنّ الأوّل غير صريح أيضاً كما قيل ، والنعمة استعباد بني إسرائيل حتى صار هو في حجره. قوله : ( لأنه كان صدقا ) فلا يناسب رده بنفسه صراحة بخلاف القتل كما مرّ وتربيته له غير قادح فيه لا حقيقة ولا توهما بخلاف الأوّل فإنه يتوهم فيه القدح ، وقوله تمنها عليّ بها كذا في أكثر النسخ ، وكان الظاهر إسقاط الضمير ، وقد قيل إنه إشارة إلى أنه من الحذف والإيصال فهو بتقدير أي بها أو هو عطف بيان على الضمير(7/8)
ج7ص9
وهو تكلف ، وقوله بها وتمنها بمعنى تعدها عليّ من المن وهو على ظاهره من الاستقبال أو تنعم بها من المنة والمضارع لاستحضار الصورة ، والتعبيد التذليل باتخاذهم عبيداً ،
والتربية مفهومة من قوله ألم نريك ، وقوله وهي في الحقيقة تعبيدك أي بسبب تعبيدك ، وجعلها عينه مبالغة كما صرّح به بعده. قوله : ( وقيل ا لم يرتضه لأنه خلاف الظاهر ، وقد منعه بعض النحاة ، وقوله : ومحل أن عبدت أي على الوجهين الرفع على أنه خبر محذوف ، والجملة حالية أو مفسرة وقوله بدل نعمة ، أو تلك وهو معنى قوله في نسخة أو مبدل من المبتدأ أو الخبر أو عطف بيان ، وقوله أو الجرّ الخ هما قولان مشهوران في محل إن وأن وما معهما بعد حذف الجاز ، وعليهما فهو بدل من ضمير تمنها ومنهم من قدره لأن عبدت. قوله : ( وقيل الخ ) الشنعاء القبيحة ، وفيه فصل بينهما بأجنبيّ ، ولذا مرضه مع قوته بحسب المعنى وشناعتها مأخوذة من الإبهام ، وهو حينثذ للإنكار عليه فيما امتن به والجمع في منكم ، وخفتكم وجهه ظاهر كما صرّح به في قوله إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ، ولم يرعو مضارع ارعوى بمعنى انتهى ، وانكف وضمير إنه لموسى عليه الصلاة والسلام. قوله : ( شرع في الاعتراض على دعواه الخ ) وتقديم الاستفسار جار على قواعد البحث لتصوّر المدعي توطئة لرده والمراد بدعواه ما يخص التوحيد ، والا فقد تقدم الاعتراض على دعوى النبوّة أيضا ، واليه أشار بقوله جواب ما طعن فلا وجه للاعترإض عليه بأنّ القدح في نبوّته كان أيضاً أعتراضا على دعواه كما توهم. قوله : ( عن حقيقة المرسل ) يعني أنّ سؤاله كان من حقيقته ، وماهيته الخاصة وما يسأل بها عن الحقيقة مطلقاً سواء أكان من أولي العلم أم لا فلا يتوهم أنّ حق الكلام أن يقال من رب العالمين كما إذا كان السؤال! عن الجنس حتى يوجه بأنه لإنكاره له عبر بما تحقيراً ، ولما كان التفتيش عن حقيقته مما لا سبيل إليه عدل عن جوابه إلى ذكر صفاته على نهج الأسلوب الحكيم إشارة إلى تعذر ما ذكره ، ولما نظر السكاكيّ إلى الظاهر جعل السؤال عن الوصف ، ولم يتعرّض لما في الكشاف من أنّ بوّابه قال هنا من يزعم أنه رسول رب العالمين لأنه يختل به النظم ، كما قاله الطيبيّ وان ردّه في الكشف. قوله : ( لما امتنع تعريف الآفراد ( لأنّ الفرد المعين لا يحد وإنما يعرف بالإشارة ، وهي غير معرّفة في الحقيقة ، وإنما المعرّف خواصه ومشخصاته ومع ذلك فالإشارة الحسية ممتنعة في حقه تعالى ، وقوله لما بالتشديد جوابه
محذوف يدلّ عليه قوله عرفه الخ أو بالتخفيف ، وما مصد!ية أي لامتناع تعريف الأفراد ، والمرا! بتعريفه بيان حقيقته بقرينة قوله حقيقة المرسل فلا يقال أنّ الأولى أن يقول لما امتنع تعريفه بدل تعريف الإفراد إذ هو اللازم من كلامه لأنّ ما ذكر إثبات للمدّعي بطريق برهاني كما لا يخفى. قوله : ( وإليه أشار ( أي إلى امتناع تعريف حقيقته كما في سائر الأفراد المعينة إلا بذكر الخواص ، وقوله الأشياء إشارة إلى أنّ له مفعولاً عامّا مقدراً ، ويحتمل أن يريد أنه نزل منزلة اللازم والمعنى إن كنتم ممن شأنه الإيقان ، وقوله لتركبها لأنّ التركب يستلزم الحدوث كما بين في الكلام ، وكذا التعدد كما مرّ وتغير أحوالها محسوس ، واستلزام تعريفه بحقيقته لتعرياله بنفسه ليس مغالطة كما قيل بل لأنه لا أجزاء له لا ذهنية ولا خارجية ، وتعريف الشيء بنفسه باطل للزوم توتفه على نفسه كما قرّره في محله ، وليس هذا مبنيا على تجانس الأجسام كما سبق إلى بعض الأوهام. قوله : ( جوابه ) هو مفعول تستمعون ، وقوله أو يزعم في نسخة زعم ، وهو معطوف على يذكر ، وقد جوّز عطفه على سألته وقوله أو غير الخ يعني على زعمه الفاسد إذ هي كذلك في النظرة الحمقاء ، وذلك لعدم العلم بإمكانها وحدوثها الذي هو علة الحاحة لما ذكر لا لأنّ التأثير لا ينافي دعواه الربوبية ، وأنه إله العالم فلا حاجة إلى ما تكلفه بعضهم هنا. قوله : ( عدولاً إلى ما لا يمكن الخ ) يعني أنه لما أنكر خلق السموات والأرض لتوهمه قدمها عدل إلى ذكر هذا لإلزامه إذ لا يشك في حدوثه وافتقاره ، والنظر في الأنفس أقرب واً وضح من النظر في الآفاق ، وقوله مثله الضمير لما مرّ من الوجوب ، وعدم الافتقار إلى مؤثر! ومثل مقحمة كقوله مثلك لا يبخل ، ثم إنّ المصنف بني تفسيره هنا على الوجهين الأخيرين في تفسير الآية السابقة ، ولذا قيل إنه رجحهما على الوجه الأوّل ويجوز أن يقال على الوجه الأوّل أنه صلى الله عليه وسلم عدل إلى ذكر لازم أجلى وأظهر من الأوّل تنبيهاً على عدم إمكان تعريفه(7/9)
ج7ص10
بدون خواصه ، ولك أن تقول إنّ قوله ويكون أقرب الخ إشارة إليه ، ومعناه أنه عدل عن الجواب بحقيقته إلى ما هو أوضح إشارة إلى أنّ ما سأل عنه لا يمكن الوقوف عليه ، وانّ فيما
ذكر كفاية لمن يفهم ولو لم يقصد هذا لم يرتبط به ما بعده ، ونحوه ما قيل إنه لم يتعرّض له لعدم إمكان تفهيمه ، وستسمع تتمته.
قوله : ( اسأله عن شيء الخ ا لأنه سأل عن الحقيقة فأجابه بالوصف على الأسلوب الحكيم فلم يفهم مطابقته ، ولم يتعرّض لتفسيره على الأخيرين لأنه جعل هذا ناظراً إلى أوّل كلامه ، وانه عدل إلى الطنز لحيرته ، وعدم قدرته على دفع ما ذكره وقوله تشاهدون الخ يعني أنّ تحريك الشمس على مدارات مختلفة دالّ بتغيرها على حدوثها ، وأنّ لها صانعا قادرا حكيما. قوله : ( إن كان لكم عقل الخ ) يعني أنه منزل منزلة اللازم هنا لأنه أبلغ ، وأوفق بما قبله من رد نسبة الجنون إليه للإشارة إلى أنهم مظنته لا هو كما أشار إليه بقوله وعارضهم بمثل مقالتهم ، وقوله لا ينهم أي عاملهم باللين والرفق لما قال لهم إن كنتم موقنين وخاشنهم أي أغلظ عليهم في الردّ بقوله إن كنتم تعقلون وقوله عن المحاجة متعلق بقوله عدولاً والديدن العادة والحجوج المغلوب برد حجته. قوله : ( واستدلّ به ) أي استدلّ بما ذكر هنا من قوله : { وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ } الخ على أنّ فرعون كان يدعي الألوهية ، وان كان قوله ويذرك وآلهتك يقتضي أنه مشرك ، ولذا قال : من ذهب إلى هذا أنه كان يدعي الألوهية لنفسه ، ولها أيضاً وهو بعيد وقوله : { وإن تعجبه } الخ قيل مراده على جواز ما ذكر فلا ينافي ما مرّ في تفسيره ، وهو تكلف ما لا حاجة إليه لأنّ ما مرّ مبنيّ على ما ارتضاه كما أشار إليه بقوله ولعله كان دهرياً الخ والقطر بضم فسكون جانب الأرض ، وقوله بقوّة طالعه بناء على زعمه في تأثير الكواكب كما تقول الدهرية. قوله : ( واللام الخ ) وجه كونه أبلغ من لأجعلنك مسجونا الأخصر ما فيه من الإشارة إلى سجن مخصوص لا يرجى منه الخلاص ، وهو ظاهر وليس هذا من قبيل كانت من القانتين ، وذاك نوع آخر فيه بلاغة أخرى كما ذكره ابن جنى رحمه الله تعالى. قوله : ( أي أتفعل ذلك ) يعني إنكار نبوّتي وكفرك ، وقوله : يبين صدق دعواي فهو من أبان المتعدّي ومفعوله
محذوف لأنه المناسب للمقام ، وجعل الواو حالية فإن قلت قوله بعد حذف الفعل يقتضي أنها عاطفة فينافيه ، قلت : يريد أنّ التقدير أتذكر ما قلت ، ولو جئتك الخ فالمقدّر صاحب الحال وعاملها وحينئذ لا حاجة إلى تأويل الإنشائية بخبرية ليصح وقوعها حالاً ، وقوله : في أنّ لك بينة أسقط ما في الكشاف هنا من أنّ في هذه الآية ردّا على أهل الحق لأنه لا وجه له كما بين في شروحه. قوله تعالى : ( { فَأَلْقَى عَصَاهُ } ا لا حاجة إلى جعل هذه الفاء فصيحة مبنية على مقدّر كما قيل ، وقوله ظاهر ثعبانيته الخ أي ليس بتمويه وتجيل كما فعله السحرة ، وهو مشتق من ثعب بمعنى جرى جرياً متسعا ، والثعب المجري الواسع وسمي به لجريه بسرعة من غير رجل كأنه ماء سائل ، ولذا شبه به الماء الجاري ، وأمّا كونه من الانفجار من بعد وان كان ما-له ما ذكر فليس بمراد هنا ، وقوله فما فيها سأله ليتنبه لحالها ويرى ما حدث فيها من النور ليكون أعجب والإبط ما بين الذراع والجنب ويعشى بعين مهملة. قوله : ( مستقرّين حوله الخ ) يعني أنه منصوب لفظاً على الظرفية والظرف مستقرّ وقع حالاً كما أشار إليه بقوله مستقرّين ولم يجعله صفة للملا على حدّ :
ولقد أمر على اللئيم يسبني
لأنّ هذا أسهل وأنسب كما لا يخفى وقوله فائق في علم السحر أخذه من صيغة المبالغة. قوله : ( بهره سلطان المعجزة ) أي غلبة قوّة المعجزة وحطه عن دعوى الربوبية لإظهار ائتماره بأمرهم ، والمؤامرة المشاورة وهو إشارة إلى معنى قوله تأمرون ، وفيه مخالفة للزمخشريّ حيث جوّز في تامرون أن يكون من المؤامرة بمعنى المشاورة لأمر كل بما يقتضيه رأيه أو من الأمر وخص النكتة بالثاني كما يتبادر من كلامه لعدم تأتيها على الأوّل ، وهو الظاهر من السياق ومحل ماذا النصب على المصدرية أو المفعولية ، وتنفيرهم بقوله يريد أن يخرجكم من أرضكم والاستشعار طلب الشعور بظهوره واستيلائه. قوله : ( أخر أمرهما ) أي إلى أن تأتيك السحرة من
أرجأته إذا أخرته ، وقد قرئ بهمز وبدونه وقوله شرطاً بضم الشين وفتح الراء جمع شرطه بفتح الراء وسكونها ، وهم أعوان الولاة وقد يرد بمعنى خيار الجند وليس بمناسب هنا ، ويحشرون السحرة بمغني يجمعونهم عندك ، وقوله يفضلون(7/10)
ج7ص11
من صيغتي المبالغة ولم يزيدوا في العلم لأنّ المهمّ هو العمل هنا ، وقوله : فما فيها أي أفي شيء فيها يعني ليس فيها معجزة. قوله تعالى : ( { فَجُمِعَ السَّحَرَةُ } ) في المفتاح أنّ تعريف السحرة عهدي وفي شرح الفاضل المحقق أنّ المعهود قد يكون عامّا مستغرقاً كما هنا ولا منافاة بينهما كما يتوهم ، وفيه بحث ليس هذا محله ، وقوله لما وقت به أي عين وظاهره أنه مخصوص بالزمان ، وهو المتبادر من الوقت وفي الكشاف الميقات ما وقت به أي حدّد من زمان أو مكان ، ومنه مواقيت الإحرام وقد يقال ما ذكره المصنف هو أصل معناه ، وما في الكشاف شاع فيه بعد ذلك حتى الحق بالحقيقة. قوله : ( فيه استبطاء ) يعني أنّ الاستفهام مجاز هنا عن الحث والاستعجال وباعث بمعنى مرسل ودينار وعبد رب أخو عون ومخراق بالخاء المعجمة كلها إعلام وعبد رب بالنصب عطف على محل دينار كما رواه سيبويه ، ولو جرّ عطفاً على لفظه صح ، وقوله إحداهما هو معنى أو وأخا عون إمّا منادى أو عطف بيان لما قبله. قوله : ( نتبعهم في دينهم ) إشارة إلى أنّ المراد بالاتباع موافقتهم في مدّعاهم ، وقوله إن غلبوا إشارة إلى بيان حاصل المعنى لأنّ المقصود منه الخبر وليست كان فيه زائدة ، وقوله والترجي باعتبار الغلبة يعني أنّ من جملتهم فرعون وهو لا ترجى منه ولا يترجى اتباعهم فالترجي ، واحتمال الوقوع للغلبة لا للاتباع لأنه غير متصوّر منه بل من أتباعه بحضرته ، إلا باعتبار أنّ أتباعهم اتباع له لكونهم أتباعه ، ولذا جعلوه كناية عن عدم اتباع موسى عليه الصلاة والسلام والمعنى الحقيقيّ هنا بالنسبة إلى فرعون ، وان كان متبعا لأنّ مدعي الألوهية لا يتغ غيره فيكفي إمكانه واحتمال وقوعه ولو من غيره ، أو يقال أنه لدهشته وغلبة ذل العجز عليه جوّز اتباعهم كما طلب الأمر ممن حوله فلا حاجة إلى جعله مجازا متفرّعا على الكناية بناء على مذهب الزمخشريّ فيه. قوله : ( التزم لهم الأجر ) هو من قوله نعم لأنه إجابة
لما طلبوا منه ، وقوله زبادة عليه أي على الأجر من قوله وانكم الخ وقوله : إن غلبوا معنى قوله إذا لأنها جواب وجزاء كما أشار إليه بقوله فإذا الخ ، وقوله بالكسر أي بكسر العين مع فتح النون. قوله : ( ولم يرد الخ ) يعني أنّ السحر حرام ، وقد يكون كفرا على ما فصل في الأحكام وعلى كلى حال فلا يليق من النبيّ المعصوم الأمر به فدفعه بأنّ الأمر هنا ليس على حقيقته لأنهم فاعله لا محالة ، وإن لم يقل لهم ذلك كما أشار إليه بقوله ما أنتم ملقون ، ولذا عبر بالاسمية فهو عبارة عن الإذن بتقديمه ليتوسل به إلى إبطاله المتوقف عليه كما يؤمر الزنديق بتقرير حجته لتردّ فإنّ الممتنع هو الرضا على طريق الاستحسان لا مطلق الرضا ، وما اشتهر من قولهم رضا الكفر كفر ليس على إطلاقه كما عليه المحققون من الفقهاء وأهل الأصول ، وقوله ما هم فاعلوه لأنه علم ذلك بفراسة صادقة أو إلهام أو وحي ، ولأنّ الظاهر أنّ فرعون بعد إحضارهم لذلك يحملهم عليه فما قيل إنه في ظنه لا وجه له ولا يناسب كلام المصنف. قوله : ( أقسموا بعزته ) وخصوها بالقسم هنا لمناسبتها للغلبة ، واذا فجائية وتلقف أصله تتلقف عبر بالمضارع لاسنحضار الصورة ، والدلالة على الاستمرار وأصل التلقف الأخذ بسرعة ، وفسر هنا بالابتلاع ، وقوله ما يقلبونا أي يغيرونه عن وجهه أي حاله الأوّل من الجمادية إلى كونه حيا نضراً وفيه إشارة إلى أنّ ما موصولة حذف عائدها للفاصلة ، وقوله إفكهم إشارة إلى جواز كونها مصدرية. قوله : ( وفيه ) أي في سجودهم ، وتسليمهم له دليل على أنّ منتهى السحر تمويه أي تلبيس من موّه الأمر إذا أظهر منه ما ليس فيه ، وأصله أن يطلى بالذهب المذاب كالماء ووجهه أنّ السحر أتوى ما كان في زمن موسى عليه الصلاة والسلام ، ومن أتى به فرعون أعلم أهل عصره به وقد بذلوا جهدهم وأظهروا أعظم ما عنده منه ، وهو تمويه فعلم ما ذكر ولكن ليس كل سحر كذلك ، وإنما هذا هو الغالب فيه والتزويق التزيين والتحسين ، وأصله أن يجعل الزاووق وهو الزئبق مع الذهب ، ويطلى به ثم يدخل في النار فيطير الزاووق ، ويبقى الذهب ، ثم قيل لكل مزين ومنتقش مزوّق. قوله : ( وإن التبحر ) معطوف على قوله إنّ منتهى السحر والتبحر تفعل من البحر ، وهو عبارة عن زيادة العلم وسعته أي زيادة العلم نافعة في كل فن وإن لم يكن من العلوم الشرعية فإنّ هؤلاء السحرة لتبحرهم في علم السحر علموا حقيقة ما أتى به موسى عليه(7/11)
ج7ص12
الصلاة والسلام وأنه معجزة فانتفعوا بزيادة علمهم لأنه أدّاهم إلى الاعتراف بالحق والإيمان لفرقهم بين المعجزة والسحر ، وأنما بدل الخرور بالإلقاء الخ والمعروف فيه ذلك نحو خرّوا له ساجدين ولا إلقاء وايجاد خرورهم وخلقه فيهم لا يسمى إلقاء حقيقة ، ولغة فمن قال إنه تعالى خلق خرورهم عند أهل السنة وخلقه هو الإلقاء فلا حاجة إلى التجوّز لم يفرق بين الفاعل الحقيقي واللغويّ وهو دقيق. قوله : ( قكأنهم أخذوا الخ ) إشارة إلى أنّ في ألقى استعارة تبعية حسنها المشاكلة ، وليس مجازاً مرسلاً وان احتمله النظم ، ووجه الشبه عدم التمالك لا السرعة كما قيل ، وقوله وانه تعالى الخ إشارة إلى أنّ الفاعل هو الله حذف للعلم به وفي الكشاف ، ولك أن لا تقدر له فاعلاً لأنّ ألقوا بمعنى خرّوا وسقطوا يعني فلا يحتاج إلى فاعل آخر غير من أسند إليه المجهول لأنه فاعل الإلقاء ، وقيل إنه أراد أنه لا يحتاج إلى تعيين فاعل لأنّ المقصود الملقى لا تعيين من ألقاه كما في قتل الخارجيّ ، وهو بعيد مما ذكرنا. ، وخوّلهم بالخاء المعجمة بمعنى أعطاهم. قوله : ( بدل الاشتمال ا لما بين الإلقاء وهذا القول من الملابسة ، ويحتمل أن يكون استئنافا كأنه قيل فما قالوا وقوله إبدال لو جعله عطف بيان كان أظهر ، ورفع التوهم بأن يتوهم بأنهم أرادوا برلث العالمين فرعون لقوله : { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [ سورة النازعات ، الآية : 24 ] الخ ولا وجه له إذ يجوز أن يكون فرعون قال كلا من الكلامين ولم يذكر الثاني هنا وتوافق الآيتين غير لازم وكذا ما قيل إنه من نسبة فعل الواحد للجنس ، وروح بفتح الراء ومشهور بين القراء. قوله : ( بيان له ) أي لمفعول يعلمون المحذوف ، وهو الوبال وتفصيل لما أجمل ولذا فصل وعطف بالفاء في محل آخر وقوله لا ضرو علينا إشارة إلى الخبر المقدر ، وحذفه في مثله كثير وقوله : { بما توعدنا به } [ سورة الأعرأف ، الآية : 123 إمّا معلوم من الأفعال أو مجهول من التفعل ، وهو قطع الأيدي وما معه ، وقد وقع في بعض النسخ بفتح التاء والواو مع رفع الدال على أنّ أصله تتوعدنا ، والانقلاب إليه هو الرجوع إلى جزائه وثوابه ، والصبر عليه بالثبات على الحق ، وقوله موجب للثواب أي بمقتضى وعده أو كالموجب إذ لا يجب عليه تعالى شيء عندنا. قوله : ( أو سبب من أسباب الموت ) يعمي المراد من الانقلاب إليه
الموت وهو كائن لا محالة :
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والداء واحد
فلا ضير ولا جزع لوقوعه بما هو أنفع لنا فالمعنى على الأوّل لا ضير في قتلك لأنه
سبب للسعادة الأبدية وعلى هذا إلا ضير فيما فعلت لأنه لا بد من الموت فهو كقول علي كرّم الله وجهه لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت عليّ ، والفرق ظاهر وترك هنا وجهاً آخر ذكره في الأعراف على عادته في ترك بعض الوجوه المذكورة في محل آخر لتكثير الفائدة ، وهو أنّ المراد مصيرنا ومصيرك إلى رلث يحكم بيننا ، وليس تركه لما فيه من تفكيك الضمائر لكونها للسحرة فيما بعده ، وقبله لأنه لو كان محذورا لم يجوّزه ثمة ولأنّ دخولهم فيه مانع منه كما لا يخفى فتأمّل ، وقوله من خلاف أي من محل فهو ظرف ، أو من أجل خلافكم ، وقوله : لأن كنا إشارة إلى قراءة الفتح وأنها على تقدير الجار. قوله : ( من أتباع فرعون الخ ) المراد أنهم أوّل من أظهر الإيمان منهم عنده كفاحا فلا يرد عليه ما قيل إنه منقوض بمؤمن آل فرعون وآسية ، والثاني بهما وببني إسرائيل إلا أن يكونوا غير حاضري المشهد ، وهو غير معلوم وفي الكشاف من أهل زمانهم ، وفيه إنّ بني إسرائيل مؤمنون قبلهم ، وليس المراد بالإيمان بموسى عليه الصلاة والسلام ، لقولهم رب موسى وايمان بني إسرائيل في ذلك الوقت به غير محقق. قوله : ( والجملة في المعنى تعليل ثان ) إنما قال في المعنى إشارة إلى أنه ليس المقصود به التعليل ليكون المقام مقام العطف ولذا قيل إنه تعليل له مع علته ، وعلى الوجه الثاني هو تعليل للعلة ، وقوله وقرئ الخ أي بأن الشرطية التي تستعمل في الشك فلذا جعله مضافا لنفسه نزله منزلة المشكوك ، وقوله أو على طريقة المدل بوزن(7/12)
ج7ص13
الفاعل مشدد اللام من قولهم تذلل عليه أظهر مخالفته تعنتاً لاعتماده على محبته ، وليس بمراد لكنه أبرزه في صورة الشك لتنزيل الأمر المعتمد منزلة غيره تمليحا وتضرّعا لله كقول القائل إن كنت عملت لك فوفني حقي وقوله تعالى : { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي } [ سورة الممتحنة ، الآية : ا ] وقد نجوّز فيها أن تكون مخففة من الثقيلة بدون اللام الفارقة لعدم اللبس فإنه ورد مثله في فصيح الكلام لعدم احتمال النفي ، وقوله إن أحسنت الخ الظاهر أنه معمول لقول مقدر أي إذا قال أو قائلاً ونحوه أو هو بدل من المدلّ بدل اشتمال. قوله : ( وذلك بعد سنين الخ ) أي أمر اللّه له بالمسير عنهم بعد
سنين من مجيء السحرة ، وقوله أتبعكم مصبحين كان الظاهر اتبعوكم لكنه أرجع الضمير لفرعون لأنه المقصود ، وقوله مصبحين حال من ضمير الجمع الواقع مفعولاً وارتكبه ليطابق ما في النظم بعده ، ولو جعل من الأفعال بحذف مفعوله أي أتبعكم جنوده صح وفي بعض النسخ اتبعوكم وهي ظاهرة ، وقوله فأطبقه بالرفع معطوف على يدخلون ، وقد جوّز نصبه على أنه جواب للأمر ، وقوله بحيث لا يدركونكم توجيه لأمرهم بالسرى ، وبيان لحكمته ، وقوله حتى أخبر بسراهم إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة أي فسروا وأخبر بسراهم فارسل الخ ، والمراد بالمدائن مدائن مصر. قوله : ( على إرادة القول ) يعني أنّ هؤلاء الخ معمول لقول مضمر ، وهو إمّا حال أي قائلا ذلك أو مفسر لأرسل والشرذمة الطائقة ، وقيل بقية كل شيء خسيس ويقال ثوب شراذم وشراذمة أي خلق مقطع وهو من وصف المفرد بالجمع مبالغة كما ستسمعه قريبا ، وقوله بالإضافة متعلق باستقلهم أي جعلهم قليلاَ بالنسبة لجنده لأنّ مقدمته فقط أكثر منهم. قوله : ( وقليلون الخ ) يعني كان الظاهر شرذمة قليلة فجمع باعتبار أنّ الشرذمة مشتملة على الأسباط أي الفرق ، والقبائل من بني إسرائيل ، وكل منهم قليل كما يقال ثوب شراذمة ويراد أخلاق للمبالغة في أنّ كل جزء منه متصف بالبلاء كمعي جياع فهو يفيد تناهيه في ذلك الوصف ، ولذا ذكرهم باسم دالّ على القلة وهو شرذمة ثم وصفهم بالقلة ، ثم جمع القليل للإشارة إلى قلة كل حزب منهم ، وأتى بجمع السلامة الدال على القلة ، ويجوز أن يراد بالقلة الذلة لا قلة العدد يعني أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبهم. قوله : ( لفاعلون ما يغيظنا ) من مخالفة أمرنا والخروج بغير إذن منا مع ما عندهم من أموالنا المستعارة ، وتقديم لنا للحصر والفاصلة واللام لجعله بمنزلة اللازم كما يشير إليه تفسيره بفاعلون أو للتفوية ، وقوله لجمع إشارة إلى أنّ جميع بمعنى الجمع وليست التي يؤكد بها ، ولو كانت هي المؤكدة نصبت ، وقوله من عادتنا الحذر بفتح الحاء والذال أو بكسر فسكون ، وهو الاحتراز وكونه من عادتهم من صيغة فعل الدالة على الثبات والمبالغة. قوله : ( أشار أوّلاً الخ ) يعني بقوله إنّ هؤلاء الخ ، وقوله : ثم إلى تحقق الخ هو من قوله : ( وأنها لنا لغائظون ) ووجوب التيقظ من قوله وانا لجميع حذرون وهو معطوف على تحقق ، أو على قوله فرط وقوله حثا تعليل لقوله أشار وضمير عليه إلى ما ذكر ، وقيل إنه
للاتباع. قوله : ( أو اعتذر ) في نسخة واعتذر وفي نسخة أو اعتذار بالنصب عطف على حثا وضمير به لفرعون يعني اعتذر من إرساله لهم بأنهم ليسوا بشيء يخاف منه ، وإنما يكثر الجيوس لحزمه وإراءة قوّته لهم ، والأوّل يعني حذرون للثبات لأنه صفة مشبهة ، والثاني حاذرون اسم فاعل يفيد التجدد والحدوث وهذا بناء على ما اشتهر عند النحاة ، وفي شرح المفتاح الشريفي إنّ اسم يدل على الثبوت مطلقاً والدوام والتجدّد من القرائن ، وفيه نظر. قوله : ( وقيل الحاذر المؤدي في السلاح ) أي الداخل في عدة الحرب كالدرع فإن المؤدي بالهمز هو صاحب السلاح لاً نه صاحب أداة أي آلة ، وآلة الحرب تسمى حذراً مجازا كما في قوله : { خُذُواْ حِذْرَكُمْ } [ سورة النساء ، الآية : 71 ] وأليه أشار بقوله وهو أيضا الخ وأمّا المودى بمعنى الهالك فغير مهموز من أودى إذا هلك وليس من الأضداد لأنه سبب أداته كما قيل. قوله : ( وقرئ حادرون بالدال ) المهملة ومعناه أقوياء أشداء من حدر حدارة إذا امتلأ شحماً أو لحماً ، ومنه الحادرة اسم شاعر أو هو بمعنى تام السلاح أيضا لأنه يتقوّى به كما يتقوّى بأعضائه فهو استعارة حينئذ ، أو مجاز مرسل أو كناية. قوله : ( أح!ب الصبتي الخ ) يقول إني أحب بعض الصبيان ، وان كان قبيحا لحب أمّه ، وقد أبغض بعض الصبيان(7/13)
ج7ص14
لبغض أمّه وان كان حسنا فسكنى عن حسنه بكونه حادرا والحدارة بفتح الحاء ، والدال المهملتين كالجسامة لفظاً ومعنى وأراد به القوّة هنا. قوله : ( بأن خلقنا الخ ) إنما أوّل أخرجنا بخلقنا داعية الخروج وأوجدناها ولم يؤوّله بخلقنا الخروج وان كان كافياً لأنّ مراده أنّ الإسناد هنا مجازيّ لأنه تعالى أوجد فيهم دواعي حملتهم على ذلك ، وخلق الدواعي لا ينافي كون الخروج مخلوقاً له أيضا ، وقوله بهذا السبب أي الذي تضمنته الآيات الثلاث ، وهو متعلق بخلقنا أو بداعية ، وضمير حملتهم للدّاعية وقوله وكنوز المراد إمّا الأموال التي تحت الأرض وخصها لأنّ ما فوقها انطمس ، أو مطلق المال الذي لم ينفق منه في طاعة اللّه ، والأوّل أوفق باللغة والثاني مروقي عن السلف فلا وجه للتحكم هنا ، وقوله يعني الخ تفسير للمقام الكريم. قوله : ( وكنوز ) قيل عبر به لأنّ أموالهم الظاهرة انطمست فهو من مجاز الأوّل قيل وهو سهو ، وفيه ما لا يخفى فتدبر. قوله : ( مثل ذلك الإخراج أخرجناهم ا لا يرد عليه وعلى ما بعده أنه يلزمه تشبيه الشيء بنفسه كما مرّ تحقيقه في
البقرة ، وقوله فهو مصدر أي الإشارة بذلك إلى مصدر هو الإخراح والجار والمجرور في محل نصب صفة لمصدر مقدر أو في محل جر صفة مقام ، واذا قدر الأمر كذلك فالمراد تقريره وتحقيقه ، والجملة معترضحة حينثذ كالتي بعدها. قوله : ( وأورثناها الخ ) هو استعارة أي ملك!ناها لهم تمليك الإرث بعد زمان أو بعد إغرإق الفراعنة إن قيل إنهم دخلوها وملكوها حينئذ لكن المذكور في التواريخ أنهم لم يدخلوها في حياة موسى عليه الصلاة والسلام وضمير فأتبعوهم الفاعل لقوم فرعون ، والمفعول لبني إسرائيل أي أتبعوا أنفسهم بني إسرائيل حتى لحقوهم وهو معطوف على قوله فأخرجناهم ، وقوله مشرقين حال. قوله : ( لملحقون ) من أدركه إذا لحقه وفي قراءة التشديد هو على قوله فأخرجناهم ، وقوله مشرقين حال. قوله : ( لملحقون ) من أدركه إذا لحقه وفي قراءة التشديد هو من الإدراك وهو والتتابع بمعنى وهو ذهاب أحد على أثر آخر ، ثم صار في عرف اللغة بمعنى الهلاك وأن يفنى شيئا بعد شيء حتى يذهب جميعه كما في قول الحماسي :
أبعد بني أمي الذين تتابعوا أرجى حياة أم من الموت أجزع
ولذا فسره بقوله أي لمتتابعون الخ ، وفي نسخة لمتشايعون والتشايع بمعنى التتابع كما في القاموس وغيره. قوله تعالى : ( { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي } ] قال بعض الفضلاء قدّم المعية هنا وأخرها في قوله : { إِنَّ اللّهَ مَعَنَا } [ سورة التوبة ، الآية : 40 ] نظرا للمقام لأنّ المخاطب هنا بنو إسرائيل ، وهم أغبياء يعرفون الله بعد النظر والسماع من موسى عليه الصلاة والسلام والمخاطب ثمة الصديق ، وهو ممن يرى الله قبل كل شيء ، ولذا خص المعية هنا بقوله بالحفظ والنصرة كما أخبره الله بقوله : { إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ } [ سورة الشعراء ، الآية : 5 ا ] على ما مرّ وقال معي دون معنا لأنه هو المتيقن لذلك بما أوحى إليه وهم خائفون ، ولذا قالوا إنا لمدركون ، وخص نغسه بذلك ، وان كانت نصرته مستلزمة لنصرتهم إشارة إلى أنه هو المقصود بالذات ، وأنّ عناية الله بهم لأجله فلا وجه لما قيل إنّ الأنسب أن يفسر بأن معي وعد ربي لأنه لو كان معناه لما ذكر قيل معنا مع أنّ الماس واحد عند التحقيق ، فمن قال إنّ هذا لا يدفع إلا نسبية فقد وهم- ، وقوله غشيك أي لحقك ، وقوله أو مرأى أرجوا أن يامرني الله بما أصنع وهو الدخول في البحر وكان لم يؤمر به
قبل الوصوف إليه. قوله : ( القلزم ) كقنفذ بلد بين مصر ومكة قرب جبل الطور ، واليه يضاف بحر القلزم لأنه على طرفه أو لأنه يبتلع من بركته لأنّ القلزمة الابتلاع ، والنيل معروف وقوله فضرب نانفلق إشارة إلى أنّ الفاء فصيحة. قوله : ( وصار اثني عشر فرقاً بينها مسالك ) يسلك في كل منها سبط من الأسباط الاثني عشر ، والمراد بالفرق ما ارتفع من الماء فصار ما تحته كالسرداب لا ما انفصل من الماء عما يقابله فلا يرد عليه أنه لا بد من كون الفرق ثلاثة عشر حتى يحصل اثنا عشر مسلكاً بعدد الأسباط ليدخل كل سبط في شعب لأنّ الفرق إذا كانت اثني عشر لزم كون الشعوب التي في خلالها أحد عشر فلا يتمّ ما ذكر ، ولا حاجة إلى ما قيل من أنه ليس الأمر كما توهم بل يلزم مما ذكر كون الشعوب التي في خلالها ثلاثة عشر لأنّ الفرقين الطرفين لا بدّ أن يكونا منفصلين مما يحاذيهما من البحر إذ لو اتصلا لم يميزا عنه ، ولم يتحقق حينئذ اثنا عشر فرقاً بل أقل كما لو كانوا في الفروق نفسها غاية الأمر أنه(7/14)
ج7ص15
لم يذكر فائدة الشعب الزائد على الاثني عشر ، ولعله لم يدخل فيه من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام من القبط ، ولذا قال بعض فضلاء العصر من العجم إنه ممنوع لأنّ الفرق عبارة عن قطعة من الماء ارتفعت عن سطح البحر بضربه حتى صارت كالجبل فلا يلزم كون الفرق ثلاثة عشر على تقدير كون المسالك اثني عشر إلا إذا فرض أنه لكل ضربة انكشف الماء إلى ناحية المسلك ، وصار كطودين منكشفين له فيزيد حينئذ عدد الفرق على المسالك ، أما على ما ذكر فلا والحاصل أنه لو كان المراد بالفرق طائفة انفصلت منه ، وصارت كالجسر لزم ما ذكر أمّا لو أريد به ما ارتفع عن الأرض ، وصار تحته أرض يب! كالسرداب ، والفرق هو الماء المرتفع كالسقف والقبة والطود فلا ، وقد صرّح به المصنف بقوله كالجبل الخ والنظم صريح فيه أيضاً وهذا إشكال مشهور ، والأمر فيه سهل كما سمعته ، وما صار مسلكاً ليس هو البحر بل موضعه فهو إمّا استخدام أو على تقدير مضاف وهو موضع ، والمنيف بمعنى العالي والشعاب طرق في الجبال استعيرت.
قوله : ( فدخلوا الخ ) هو لبيان الواقع لا ليعطف عليه ، قوله : وأزلفنا كما توهم حتى يكون الأنسب نأدخلنا لأنه معطوف على قوله فأوحينا ، ولا حاجة إلى التقدير ، وثمّ ظرف مكان بمعنى هنالك ، وقوله حتى دخلوا الخ إشارة إلى أنّ قربهم من قوم موسى عليه الصلاة والسلام لما ذكر ، ويجوز أن يراد قرب بعضهم من بعض لئلا ينجو منهم أحد ، وقوله إلى أن عبروا أي جازوا البحر من العبور ، واطباقه عليهم بعد خروج موسى وقومه ، وقوله وأية آية إشارة إلى أنّ التنوين للتعظيم. قوله : ( وما تنبه الخ ) هو من مفهوم الجملة الحالية يعني أنّ أهل عصره مع
هذه الآية العظيمة التي تقتضي تصديقه بعدها في كل ما جاء به منهم من بقي على كفره كبقية القبط ، ومنهم من عصاه ، واقترج عليه ما اقترح كبعض بني إسرائيل وقوله وبنو إسرائيل الخ مبتدأ خبره سألوا الخ يعني أنهم أيضا لم يؤمنوا بها ، وألا لما صدر عنهم ما صدر ولعل مراده بذكر هذا بيان ما صدر من قومه أيضا ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنّ ضمير أكثرهم شامل لقوم فرعون ، ولمن كان مع موسى عليه الصلاة والسلام ، وقوله : سألوا بقرة يشير إلى قولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة لأنهم كانت لهم تماثيل على صور البقر ، وقوله : بأوليائه عداه بالباء لتضمنه معنى الرؤف. قوله : ( على مشركي العرب ) خصهم ، وإن قيل إنه لجميع الناس لأنه جدّهم فذكر قصته لهم ليأتسوا به ولذا غير الأسلوب فيه ، وقوله ليريهم أي ليعلمهم بذلك لا للاستعلام إذ هو معلوم مشاهد له ، وتوله لا يستحق العبادة لقوله هل يسمعونكم الخ وضمير قومه لإبراهيم لا لأبيه ، وإن وافق قوله أراك وقومك لما فيه من التفكيك ، وقوله لها متعلق بنظل أو بعاكفين. قوله : ( فأطالوا جوابهم ) وكان يكفي أن يقولوا أصناما ، وقوله بشرح حالهم أي ملتبسا به ، وفي نسخة وشرح حالهم وهو مفعول معه وقيل إنه من باب علفتها تبنا وماء بارداً ، أي وذكر واشرح حالهم معه ، وليس لفظ الشرح مقحما وضممير معه للجواب ، وكونه للأصنام بتأويل ما يعبدون بعيد ، وكذا كونه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام ومع بمعنى عند ، وقوله تبجحا بتقديم الجيم على الحاء بمعنى سروراً. قوله : ( ونظل ههنا بمعنى ندوم ) هي فعل ناقص دالّ على اقتران مضمون الجملة بالنهار أو بمعنى صار ، وكلامه يحتمل أنها ناقصة أريد بها الدوام كما يكون كان كذلك ، ويحتمل أن يريد إنها تامّة بمعنى دام كقولهم لو ظل الظلم هلك الناس كما ذكره ابن مالك ، وان أنكره بعض النحاة وعاكفين على الأوّلين خبر وعلى هذا حال. قوله : ( وقيل الخ ) فهي ناقصة دالة على اقتران مضمون الجملة بالنهار كما مرّ ، ومرضه لأنّ المتبادر منها الأوّل ، وهو أبلغ مناسب لمقام التبجح واختار هذا الزمخشري لأنه أصل معناها لأنه من الظل ، وهو مناسب للمقام أيضا لأنه يدلّ على إعلانه لافتخارهم به. قوله : ( يسمعون دعاءكم ) سمع إذا دخل على مسموع تعدى إلى واحد نحو سمعت كلام زيد ، وان دخل على غير مسموع ذهب الفارسيّ إلى أنه يتعدى إلى اثنين إلا أنه لا بد أن يكون الثاني مما يدلّ على صوت كسمعت زيداً يقول كذا ، وذهب غيره إلى أنه في ذلك متعد إلى واحد فإن كان معرفة فالجملة حال ، وان كان نكرة فصفة وجوّز فيها البدلية أيضاً ، واذا علق بالذات أفاد
السماع بغير واسطة فقوله(7/15)
ج7ص16
يسمعون دعاءكم إشارة إلى أنه متعد لواحد داخل على مسموع مقدر ، وقوله : { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } [ سورة الشعراء ، الآية : 72 ] إشارة إلى أنه من القبيل الثاني داخل على غير مسموع ، وبعده جملة مقدرة واعرابها كما سمعت ، فقوله : فحذف ذلك أي المضاف أو جملة تدعون ، وقيل يسمعون بمعنى يجيبون كما في الحديث : " اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع " أي لا يستجاب وقد جوّز ذلك في قوله : { إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء } لكن إبقاؤ. على معناه هنا أنسب وقوله : وقرئ يسمعونكم أي من الأفعال. قوله : ( ومجيئه مضارعاً الخ ) يعني لم يقل يسمعونكم تدعون على النهج المعروف ، ولا إذ دعوتم لكون إذ لما مضى فيناسب ذكر الماضي معها لأنه أتى بما ذكر للدلالة على أنها حال ماضية ، وعبر بالمضارع لاستحضار تلك الحال وحكايتها ، وأمّا كون هل تخلص الفعل المضارع للاستقبال بخلاف الهمزة كما ذكره النحاة ، وأهل المعاني فلا يضرّ هنا كما توهم لأنّ المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم ، وهو هنا كذلك كما لا يخفى لأنّ السماع بعد الدعاء ، وأمّا ارتكاب التجوّز هنا والمناقشة فيه بأنّ الأصلى الحقيقة فمن ضيق العطن ، وخمود نار الفطن. قوله : ( على عبادتكم لها ) ضمنه معنى يجازونكم فعذاه بعلى ، وقيل إنها تعليلية ، وقوله من أعرض! إشارة إلى أن الضير لا يتعلق بهم ، ولذا لم يقل يضرّونكم ، وان احتمل تركه للفاصلة ، وقوله ضر قدمه لأنه أقرب منهم ، وقد قيل إنه أخره لمراعاة السجع مع سمع وليس بشيء ، وقوله اضربوا الخ أي أضربوا عن نفعهم ، وضرّهم فكأنهم قالوا : لا يضرّون ولا ينفعون ، وكذلك صفة مصدر قدم للفاصلة. قوله : ( فإنّ التقدّم الخ ) يشير إلى أنّ الاستفهام فيه إنكاري للتوبيخ فيتضمن بطلان ا-لهتهم ، وبطلان عبادتها وانه ضلال قديم لا فائدة في قدمه إلا ظهور بطلانه لأن المعنى أعلمتم
أيّ شيء عبدتم أنتم ومن قبلكم ، وأنها لا تقدر على ضرّ ونفع. قوله : ( أعاديهم أنا ولا أعبدهم ) بيان لأصل معنى هذا اللفظ ، وان لم يكن مراداً منه بل هو كناية أو مجاز عما أشار إليه بقوله يريد الخ وجمع ضمير إنهم مراعاة لمعنى ما وهذا تفصيل لما قبله وتفسير له ، أو تعليل لما فهم منه من أني لا أعبدهم أو لا تصح عبادتهم ، ويجوز أن يكون خبرا لما كنتم أو المعنى فأخبركم وأعلمكم بمضمون هذا ، وقال النسفي : العدوّ اسم للمعادي والمعادي جميعاً فلا يحتاج إلى تأويل فهو كقوله : { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم } [ سورة الأنبياء ، الآية : 57 ] . قوله : ( من حيث أنهم يتضرّرون من جهتهم الخ ) إشارة إلى أنّ قوله أنهم عدوّ تشبيه بليغ وقوله فوق ما يتضرّر الخ قيل لأنّ المشبه أقوى في وجه الشبه في الواقع ، وان كان المشبه به أشهر فلا وجه لما قيل إنه لا دلالة في النظم على هذا المعنى ، وقيل إنهم يخاصمونهم إذ ينظقهم الله في القيامة ، وقيل إنّ هذا على القلب وأصله إني عدوّ لهم وهو تكلف. قوله : ( أو إنّ المغرى ( وفي نسخة بالواو والأولى أصح وهو عطف على قوله إنهم يتضرّرون أو على قولهم إنهم أعداء الخ ، والمغري بمعنى المرغب الحامل على ذلك فهو مجاز عقلي من إطلاق وصف السبب على المسبب ، وقيل إنه على تقدير مضافين أي مغري عبادتهم. قوله : ( لكنه صور الأمر في نفسه الخ ) أي عبر عن عداوتهم وضررهم لهم بما ذكر من وصف نفسه به على طريق التعريض كما في قوله : { وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ سورة يس ، الآية : 22 ] والمعنى إني فكرت في عبادتي لها لو صدرت مني قرأيتها للعدوّ الضار فتركتها لمن الخير كله في عبادته ، وهذا التعريض يحتمل الكناية والمجاز فإن نظر إلى أنّ الأصنام لا تصلح لعداوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان مجازاً والا فيكون كناية كذا في شرح الطيبي ، وفيه نظر لأن الجماد لا يصلح للعداوة بوجه من الوجوه لا له ولا لهم وفيه كلام في شرح المفتاج للشريف فتأمله. قوله : ( فإنه ) أي التعريض وعدم التصريح أنفع لعدم تنفيرهم بالمكافحة بالطعن وهو أقرب للقبول ، وقوله : وأفراد العدوّ مع أنه خبر عن الجمع إمّا لأنه مصدر في الأصل فيطلق على الواحد المذكر وغيره ، أو لاتحادهم في معنى العداوة أو لتاويله بكل منهم كما يشير إليه في قوله : ( لكل معبود يعبده ) وقوله : أو بمعنى النسب أي ذو كذا فيستوي فيه الواحد وغيره كما في قولك هم ذو عداوة فلا شبهة فيه كما قيل. قوله : ( أو متصل ( أيمما من ضمير إنهم الراجع إلى ما يعبدون الشامل لله ، ولا حاجة على هذا إلى الاستخدام كما قيل وقوله : ( وكان من آبائهم من عبد اللّه ) هذا بلا شبهة ، وما قيل من إنه لا حاجة(7/16)
ج7ص17
إلى هذا لأنهم مشركون فهم يعبدون الله ، والأصنام لقوله : { إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [ سورة الشعراء ، الآية : 98 ] لا يرد عليه لأنه وجه آخر للاتصال ولذا لم يدع فساده بل عدم الحاجة إليه ، وما قيل من أنّ قولهم في
جوابه نعبد أصناما بدون ذكر الله يقتضي قصر عادتهم عليها وما ذكر من الآية ليس محكيا عن قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ولو سلم فالمراد بالتسوية مساواة من عبد الله في مطلق العبادة أو تسويتها بالته في استحقاق العبادة ، وهو غير مستلزم للعبادة نفسها ليس بشيء لأنّ تخصيص الأصنام بالذكر للردّ عليه ، ولأنّ المداومة على عبادتها لا تنافي عبادته أحياناً مع أنّ المصنف رحمه الله قد اعترف بما ذكره القائل في تفسير قوله : . { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي } [ سورة الزخرف ، الآية : 27 ] كما سيأتي في سورة الرحمن وما ذكره من تاوبل الآية المذكورة تكلف لم يسبق إليه. قوله : ( هداية مدرجة ) منصوب على أنه مصدر ليهدي ، وقوله دم الطصث أي الحيض هو بناء على ما اشتهم ونقل عن جالينوس ، وأنه لذلك يصيبه الجدرى وغيره من الأمراض الدموية لكن الحكيم ابن زهر أنكره وقال إنّ جالينوس أراد بدم الطمث دما في الرحم صالحا لا دم الحيض فإنه دم فاسد لو اغتذى به لاجنين لم تتصوّر حياته ، وإنما لم ينصبّ دم الحيض مدة الحمل للرحم لاشتغال الرحم ، وهو وان كان مما يقبله العقل فالظاهر أنه لا يعلم حقيقته إلا الله فلا يجزم بشيء منهما إلا إذا اعتضد بدليل سمعيّ. قوله : ( والفاء للسببية ) في خبر الموصول لتضمنه معنى لشرط ، وقوله وللعطف أي على الصلة والصفة إمّا منصوبة أو مرفوعة على القطع ، وقوله لأنه يهدي كل مخلوق الخ إشارة إلى أنّ ما ذكر من الحكم ليس خاصا به ، وان صوّر في نفسه للتعريض كما مرّ فسقط اعتراض! أبي حيان بأن الفاء إنما تزاد في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط إذا كان عامّا وهذا ليس كذلك مع أنّ اشتراط ذلك فيه غير مسلم كما فصله الرضى ، وإنما هو أغلبيّ ، ثم إنّ السببية بمقتضى الحكمة فإنّ من أوجده يتكفل بما به قوامه وبقاؤه ، وقيل إنها سبب للأخبار لا للهداية فإنها غير مسببة عن الخلق ، وانّ السببية قد تجامع العطف كما في الذي يطير الذباب فيغضب زيد فلا وجه للتخصيص. قوله : ( فيكون ) أي على العطف فإنّ الأصل فيه تماثلهما ، ويجوز أن يكون على التقديرين وتقدم الخلق يقتضي المضيّ والاسنمرار من الاسمية التي خبرها مضارع دال على الاستمرار أيضا ، وقوله على الأوّل أي كون الذي مبتدأ خبره هو يهدين وقوله على الوجهين أي الابتدائية والوصفية والحكم ما تضمنه الخبر أو الاستئناف من العداوة. قوله : ( عطفه على يطعمني ( أو على جملة هو يطعمني ، وقوله من روادفهما أي توابعهما ولوازمهما
وهو إشارة إلى وجه التأخير :
فإنّ الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب
وحكمة تاخير السقي ظاهرة لأنه من توابع الطعام أيضاً ولذا لم يكرر الموصول فيها. قوله : ( لم ينسب المرض إليه ) أي لم يقل أمرضني مع أنه الممرض حقيقة فأضاف إليه النعم دون النقم تأدّباً ، وقوله ولا ينتقض الخ جواب عن سؤال مقدّر لكن قوله فإنّ الموت الخ غير تامّ في دفعه فإنه لا يلزم من عدم إحساس ضرره وألمه أن يكون نعمة ، وكونه مع ما بعده جوابا واحداً خلاف الظاهر إذ كان الظاهر الاقتصار عليه كما في بعض شروح الكشاف ، وقد اعتذر عنه في الانتصاف بأن الموت لما علم أنه قضاء محتوم من الله لا يخص أحداً ، ولا كذلك المرض فكم معافى منه سقط كونه بلاء فساغ في الأدب نسبته إليه تعالى فتأمّل. قوله : ( المحالث ) هي نعيم الجنة ورضوان الله ، ومنه تخليص العاصي أيضاً من اكتساب المعاصي ، وقوله ولأنّ المرض معطوف على قوله لأنّ مقصوده الخ ، وقوله إنما يحدث الخ فلما كان سببه الظاهر منه ، ومن تركيبه نسب إليه وجعل كأنه فاعل حقيقيّ له بخلاف الصحة ، ولو طارئة وأمّا ما يحصل بالعلاج والاحتماء فليس بمطرد ، والأخلاط أمزجة الإنسان الأربعة ، والأركان العناصر ، وقوله باستحفاظ اجتماعها أي الإخلاط والأركان ، وقوله عليها متعلق بالمخصوص لكنه بمعنى المقصور أو بالاستحفاظ أو بقهراً ، وقوله يميتني لم يقل هو يميتني لأنّ الإماتة لا تسند لغير الله في لسان العرب. قوله : ( ثم يحيين ) أورد ثم لما بينهما من التراخي بخلاف غيره ، وذكر يوم الدين لظهور المغفرة فيه وهضم نفسه لعدها خاطئة ، وكونهم على حذر لأنّ المعصوم(7/17)
ج7ص18
إذا كان هذا حاله فما بال غيره ، ويندر أي يقع نادرا ، وقوله أني سقيم الخ بدل من الثلاث ، وقد مرّ بيانها. قوله : ( ضعيف لآنها معاريض ) أي تورية قصد بها خلاف ظاهرها ، كما
قيل : " إن في المعاريض لمندوحه عن الكذب " فليس كذبا حتى يكون خطيئة كما روي عن مجاهد والحسن وعدّ منها قوله للكوكب هذا ربي وقد مرّ ، وأمّا ما ورد في حديث الشفاعة وامتناعه حياء من الله بهذه الكذبات فقد اعتذر عنه بأنه استعظم أن يصدر منه ما هو على صورة الكذب ، فإنّ حسنات الأبرار سيآت المقرّبين ، وقوله واستغفارا وقع في نسخة بدله واستعذارا أي طلبا للعذر. قوله : ( كما لا في العلم والعمل ) جعله شاملاً لهما لتنكيره ، والمراد بالحكم ما يتوقف عليه من كمالهما ، وقيل المراد به الحكمة والعمل لازم لها ، وقوله أستعد به ضمنه معنى أحصل به ولذا عداه بنفسه وان كان متعديا باللام ، والحق الله أو خلاف الباطل فيكون كمسجد الجامع وهذا قبل النبوّة فهو طلب لها أو بعدها فالمراد طلب كمالها والثبات عليه. قوله : ) ووفقني الكمال في العمل ) الكمال منصوب بنزع الخافض ، أو هو مضمن معنى أعطني التوفيق له ، وليس هذا تكراراً مع ما قبله لتقييده بقوله لأنتظم الخ أو المراد بالأوّل ما يتعلق بالمعاس وبهذا ما يتعلق بالمعاد أو هو تخصيص بعد تعميم اعتناء بالعمل لأنه النتيجة والثمرة ، وقوله الكاملين في الصلاح هو من الإطلاق أو من تعريف العهد وفي الكشاف أو يجمع بينه وبينهم في الجنة ، ولقد أجابه حيث قال وإنه في الآخرة لمن الصالحين. قوله : ( جاها ) فالمراد باللسان الذكر الجميل بعلاقة السببية أو للاحتراز عن الإطراء المذموم ، وهو المراد من حسن الصيت ، وقوله يبقى أثره الخ من قوله في الآخرين فإنّ تعريفه للاستغراق كما أشار إليه بقوله ولذلك الخ وهذا يدل على محبة الله ورضاه كما ورد في الحديث. قوله : ( أو صادقاً من ذريتي ) فهو بتقدير مضاف أي صاحب لسان صدق أو مجاز بإطلاق الجزء على الكل لأنّ الدعوة باللسان وقوله أصل ديني وهو العقائد وبعض الأحكام التي لم تنسخ ، وقوله مرّ أي في مريم والمؤمنين
فانظره. قوله : ( بالهداية ( بناء على أنّ الدعاء كان قبل موته كما سيصرح به ، وهذا أحد الوجوه في الآية للسلف ولا يبطله قوله تعالى : { كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ } [ سورة الممتحنة ، الآية : 4 ] إلى قوله الأقول إبراهيم لأبيه لاستغفرن لك لأنّ طلب الهداية للكافر أمر حسن كما قال صلى الله عليه وسلم : " اللهئم اهد قومي " الخ والاستثناء المذكور يقتضي خلافه وهو مخالف لقوله : { إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ } [ سورة التوبة ، الآية : 114 ، الآية لأنّ الاستثناء بناء على أنه لا يقتدى به فيه بناء على ظنه مطلقا وقد مرّ تحقيقه. قوله : ( وإن كان هذا الدعاء بعد موته ( قد ارتضاه بعضهم إذ لا مانع منه عقلا وفي شرح مسلم للنووي أنّ كونه تعالى لا يغفر الشرك مخصوص بهذه الأمة ، وكان قبلهم قد يغفر وقد مرّ ما فيه ، وحمل قوله فلما تبين له أنه عدوّ دلّه على يوم القيامة والتعبير بالماضي لتحققه أو هو كناية أو مجاز عن عدم مغفرة الكفر ، ولا يخفى أنّ سياقه له في مقاولة إبراهيم لأبيه وقومه يبعده كما لا يخفى. قوله : ( كان يخفي الإيمان الخ ) هذا بناء على أنه لا يعتبر فيه الاعتراف والإقرار باللسان ، وقوله ولذلك وعده به أي وعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه بالاستغفار له لظنه أنه مؤمن يخفى الإيمان لعذر فتبين عداوته لله إمّا بالوحي أو في الآخرة ، وقوله من الضالين بناء على ما ظهر لغيره من حاله. قوله : ( أو لأنه لم يمنع الخ ( أي لم يوح إليه بذلك ولا ينافيه قوله فلما تبين الخ كما عرفت ، وقوله الخفاء العاقبة الخ بيان لصحة إرادة هذا المعنى ودفع لأنه تحصيل الحاصل ، ويجوز أن يكون تعليماً لغيره وجواز التعذيب تعليل آخر ، وقوله أو ببعثه الخ ولا يلزم منه التعذيب حتى يغني عنه ما قبله ، والخزاية بفتح الخاء مصدر وقوله لأنهم معلومون فلا يرد أنه كيف يعود على ما لم يسبق له ذكر ، واذا عاد على الضالين فهو من تتمة الدعاء لأبيه أي لا تحزني يوم يبعث الضالون وأبى فيهم. قوله : ( لا ينفعان أحدا الخ ) فالاستثناء مفرغ من أعتم المفاعيل ومن في محل نصب وقدم هذا لظهوره ،
وقوله مخلصا تفسير لمن أتى الله بقلب سليم ، وقوله وميل المعاصي أي سليماً من لميل إلى المعاصي فالمصدر مضاف لمفعوله بعد نزع الخافض ، وقوله سائر آفاته أي القلب. قوله : ( أو لا ينفعان إلا مال من هذا شانه وبنوه حيث الخ ) ففيه مضافان مقدران أي الآمال ، وبنو من الخ(7/18)
ج7ص19
والاستثناء متصل وهو بدل من الفاعل فهو في محل رفع ، وقوله حيث الخ بيان لوجه نفعهما له لأن ما أنفقه في الخير له ثواب نافع والولد الصالح يدعو لأبيه ويشفع له ، وله ثواب إرشاده وتعليمه. قوله : ( وقيل الاستثناء مما الخ ) يعني أنه من الميل مع المعنى فإنّ الغني مطلقاً شامل للغنى الدنيوي ، وهو بالمال والبنين والديني ، وهو بسلامة القلب فذكر المال والبنون وأريد به الغنى الدنيوي ، ثم قصد بذكر الخاص وهز الغنى الدنيوي العامّ وهو مطلق الغنى فليس هذا وجهاً آخر كما توهم فكأنه قيل لا غنى إلا الغنى الديني كما يقال لا غنى إلا غنى القلب ، ولا صحة إلا سلامة العرض فعلى هذا يجوز أن يقال الاسنثناء متصل لدخوله فيما قبله بحسب مآل المعنى كما أشار إليه المصنف رحمه إلله. قوله : ( وقيل منقطع ) وفي الكشاف ولا بد لك مع ذلك من تقدير المضاف ، وهو الحال والمراد بها سلامة القلب ، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى ، وقد مغ بأنه لو قدر مثلاً ولكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو يقدر المضاف لم يتحصل للاسنثناء معنى ، وقد مغ بانه لو قدر مثلاً ولكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو ينتفع يستقيم المعنى أيضاً وأجاب عنه في الكشف بأنّ المراد أنه على تقدير الاستثناء من مال لا يتحصل المعنى بدونه ، وما ذكره المانع استدراك من مجموع الجملة إلى جملة أخرى ، وليس من المبحث في شيء ، ولما لم يكن مناسبا للمقام لم يلتفت إليه ، ورده بعض شراح الكشاف وتبعه الفاضل المحشي بأنه دعوى بلا دليل قلت بل دليله ظاهر لأنّ المستثنى لا بدّ من دخوله في المستثنى منه ، ولو توهما ولو لم يقدر لم يكن كذلك بخلاف الاستدراك الصرف ، وهو غير مناسب لأنّ المراد بيان حال المال والبنين في النفع ، وعدمه لا مطلق النفع وهو ظاهر فتأمّل ، وبقي في الآية وجوه أخر في الكشاف ، وغيره تركها المصنف رحمه الله فلنضرب عنها صفحاً. قوله : ( فيبتجحون ) أي يفتخرون ويسرّون ، وقوله يتحسرون لأنّ غائلة تبريزها لهم لا لكل من رآها كما في قوله : { وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى } [ سورة النازعات ، الآية : 36 ] . قوله : ( وفي اختلاف الفعلين ترجيح لجانب الوعد ) وأنه لا يخلف بخلاف الوعيد لأنّ
التعبير بالأزلاف وهو غاية التقريب يشير إلى قرب الدخول وتحققه ، ولذا قدم لسبق رحمته بخلاف الإبراز فإنه الإراءة ولو من بعد فإنه مطمع في النجاة كما قيل من العمود إلى العمود فرج. قوله : ( والكبكبة تكرير الكب ) وهو الإلقاء على الوجه يعني كرّر لفظه ليدل على تكرّر معناه كما في صرصر ، وقوله من عصاة الخ لو عمهما صح ، وقوله خبره ما بعده يعني قوله قالوا الخ. قوله : ( وإلا للضمير ) كذا في أصح النسخ وهي ظاهرة ، ولو قال فللضمير كان أظهر ، وقد سقطت إلا من بعضها وهي تحتاج إلى تقدير يعني أجمعون تأكيد لقوله : { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } [ سورة الشعراء ، الآية : 95 ] فقط إن كان مبتدأ خبره قالوا الخ فإن كان معطوفاً على ما قبله يكون أجمعون تأكيدا للضمير في قوله : { فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ } [ سورة الشعراء ، الآية : 94 ] وما عطف عليه ، وقوله وكذا الضمير المنفصل الخ يعني إن كان جنود إبليس مبتدأ فهو عائد عليه وإلا فهو عائد عليه وعلى ما عطف عليه لا تأكيد كما يتوهمه من لم يتدبر وليس في عبارته تسامح أصلاً ، وقوله وما يعود إليه يعني هم ، وضمير يختصمرن لا قالوا. قوله : ( على أنّ الله ينطق الأصنام ) إذا كان الضمير راجعا لهم الأوّل وما عطف عليه فإنه شامل للأصنام فيكون لها اختصام لما ذكره ، وقوله ويجوز أن تكون الضمائر أي في قوله هم فيها يختصمون على أنّ الخصام جار بينهم وخطاب الأصنام للتحسر لا لأنها جعلت ممن يعقل بأنّ خلق الله فيها إدراكاً فيقول بعضهم لبعض لولا أنتم لكنا مؤمنين ، كما أشار إليه بقوله : { وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ } وانهماكهم في الضلالة من كان الاستمراربة. قوله : ( وما أضلنا إلا المجرمون ) القصر بالنسبة إلى الأصنام وأنها لا دخل لها في ذلك ولا قدرة لها عليه وقوله إذ الأخلاء الخ فالمراد بالشفعاء والأصدقاء من كان كذلك في الدنيا ، وقوله أو فما لنا الخ فالمراد من كانوا يقدرون شفاعته في القيامة وهي الأصنام ، وقوله أو وقعنا الخ يعني ليس المراد معنى ذلك بل هو كناية عن شدة الأمر بحيث لا ينفع فيه أحد كقولهم أمر لا ينادي وليده. قوله : ( وجمع الشافع ووحدة الصديق
الخ ) وما قيل من أنه إشارة إلى أنه لا فرق بين استغراق الجمع والمفرد ، وليس الثاني أشمل من الأول كما زعمه بعضهم مع مراعاة الفاصلة فتكلف على ما بين في المعاني ، مع أن هذا ليس من محل الخلاف لأنّ من إذا زيدت بعد النفي داخلة على الجمع جعلته في حكم المفرد ، ومساويا لأل في ألاستغراق بلا(7/19)
ج7ص20
خلاف.
قوله : ( ولآن الصديق الواحد الخ ) يعني فالواحد في معنى الجمع فلذا اكتفى به لما فيه من المطابقة المعنوية كما قيل :
وواحد كالألف إن أمرعنا
وقوله أو لإطلاق الصديق الخ يعني بخلاف الشافع ، وسكت عنه لظهوره ، والحنين
مصدر حن إليه إذا اشتاق والصهيل صوت الخيل وفعيل مطرد في الأصوات ، ولو قال لكونه على زنة المصدر كان أحسن لأنه لم يسمع صديق وعدوّ وبمعنى الصداقة والعداوة. قوله : ( تمن للرّجعة ) التمني معنى لو ، والرجعة معنى الكرة من كر إذا رجع ، وقوله : وأقيم فيه لو مقام ليت واستعمال لو للتمني بدليل النصب في جوابه ذكره النحاة ، واختلف فيه فقيل هو معنى وضعيّ ، وقيل إنه مجاز وهل هي في الأصل مصدرية أو شرطية ، والى الأخير أشار المصنف لظهور وجه التجوّز فيه لأنّ لو تدل على الامتناع والتمني يكون لما يمتنع فأريد بها ذلك مجازا مرسلاً أو استعارة تبعية ، ثم شاع حتى صار كالحقيقة فيها ، وقوله حذف جوابه وتقديره رجعنا عما كنا عليه أو خلصنا من العذاب ونحوه. قوله : ( أو عطف على كرّة ( يعني إذا كانت لو شرطية جوابها محذوف نحو لكان لنا شفعاء أو ما أضلنا المجرمون ، ويجوز هذا أيضا على التمني كما يجوز عطفه على إنّ لنا كرّة ، وقوله وعظة لأنّ الآية تكون بمعنى العبرة ، وأصول
العلوم الدينية نفي الشريك ، واثبات الصانع وتوحيده وكل ما ذكر معلوم من تفسير. سابقا ، والدلائل من أوصافه تعالى ، وحسن الدعوة بالاستفهام ثم الإبطال ، وكمال الإشفاق بإظهار التحزن وتعريضاً وايقاظا علتان للتصوير والإطلاق ، وقوله : ليكون تعليل لقوله جاءت الخ ، وقوله : أكثر قومه يجوز أن يفسر بما مرّ في أول السورة فتذكره. قوله : ( القوم مؤنثة ) قال في المصباح القوم يذكر ويؤنث فيقال قام القوم وقامت القوم وكذلك كل اسم جمع لا واحد له من لفظه نحو رهط ونفر ا هـ فقوله مؤنثة بناء على الأغلب لا أنه ذهب إلى أنه جمع قائم ، والأصل تأنيثه ، وقوله : وقد مرّ الكلام في تكذيبهم المرسلين في الفرقان ، وفي الكشاف ونظير قوله المرسلين ، والمراد نوح عليه الصلاة والسلام قولك فلان يركب الدوالت ويليس البرود وماله إلا دابة وبرد يعني أنه للجنس فهو يتناول الواحد لكنه مصحح لأمر حج بخلاف تلك الأوجه. قوله : ( لآنه كان منهم ) توجيه لقوله أخوهم كما يقال يا أخا العرب ، والضمير لقوم نوج أو للمرسلين ، وقوله فتتركوا الخ إشارة إلى أنّ الاتقاء هنا من الكفر ، وقوله على دلالة الخ هو من ترتيب الأمر بالفاء على كل منهما ، وحسم طمعه أي قطعه من قوله ما أسألكم الخ وكونه رسولاً من الله بما فيه نفع الدارين من غير شائبة نفع منهم يقتضي وجوب طاعته بلا قصور فيه كما توهم ، وفتح ياء المتكلم وتسكينها لغتان مشهورتان اختلف النحاة في أيهما الأصل ، وأتباعك مبتدأ خبر. الأرذلون والجملة حالية ، ولذا جعلت هذه القراءة دليلاً على أن اتبعك حال بتقدير قد لأنّ عطفه على فاعل نؤمن المستتر للفصل ركيك معنى فلا يرد ما قيل إنه لا دليل فيها على ذلك ، وقوله كشاهد الخ أو جمع تبيع كشريف وأشراف ، وقوله على الصحة أي جمع السلامة وهو للقلة ولذا اختاروه. قوله : ( وهذا ) أي ما ذكروه من قولهم أنؤمن الخ وقوله الحطام
الدنيوية أنث وصفه لتأويله بالأمتعة ، وقوله وأشاروا بذلك أي اتباع الأرذلين ، وهذا أيضا من سخافة رأيهم لأنه بحسب النظرة الحمقى فلا يتوهم أنه لا يناسب المقام ، وقوله فلذلك أي لما ذكر من إشارتهم وما في وما علمي استفهامية أو نافية ، وقوله في طعمة بالضم ما يطعم والمراد بها ما يعطون للانتفاع به ، وقوله المانع عنه أي عن إيمانهم هو مفعول ثان لجعلوا. قوله : ( أي ما أنا إلا رجل الخ ) أي هو مقصور عليه لا يتعداه إلى طرد الأرذلين منهم ، وعلى الثاني معناه مقصور على إنذاركم لا يتعداه إلى استرضائكم ، وهما متقاربان(7/20)
ج7ص21
وقوله من المشتومين فالرجم مستعار له كالطعن وفي الوجه الأخير هوءلمى ظاهره. قوله : ( إظهارا لما يدعو عليهم لأجله ( لدفع توهم الخلق فيه التجاري ، أو الحدة فلا يرد أنه ليس فيه فائدة الخبر ولا لازمها ، وقوله واستخفافهم عليه أي على نوح عليه الصلاة والسلام ، وهو استفعال من الخفة بالفاء وكونه بالقافين كما ضبطه بعضهم بعيد والفتاحة بمعنى الحكومة ، وفتحا مصدر أو مفعول به والمملوء أي من البشر وجميع الحيوانات ، وثم في ثم أغرقنا للتفاوت الرتبي ، ولذا قال بعد وقوله اسم أبيهم أراد به جدهم الأعلى 0 قوله : ( تصدير القصص! ) أي الخمس بها أي بجملة فاتقوا الله وأطيعون الخ ، وذكر هذا هنا دون أن يذكره في الأوّل أو الآخر لأنه أوّل موضع وقع فيه التكرير لها ولم يصدر قصة موسى وابراهيم عليهما الصلاة والسلام بها تفنناً مع ذكر ما يدل على ذلك لا لأنّ ما ذكر ثمة أهم ، وقوله دلالة مرفوع ومنصوب وهو مصدر دلت فلانا على كذا إذا أرشدته إليه كما في قولهم في تعريف التشبيه هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر لا مصدر دل اللفظ على كذا حتى يؤوّل بالدليل ليصح حمله على التصدير كما قيل فتأمّل. قوله : ( على أنّ البعثة الخ ) لأنّ التقوى واطاعة الأنبياء فيها بمعنى التوقي عن كل ما يؤتم كما مرّ في أوّل البقرة
فيتضمن معرفة الله وجميع الطاعات فلا حاجة إلى ما قيل إنها تتوقف على المعرفة فيعلم بالاقتضاء ، والطريق الأولى أو أنها مجاز عن معرفته ، ووجه ما ذكر أنهم لم يرتبوا على رسالتهم إلا ما ذكر فعلم أنها مقصورة عليها ، ولا قائل بالفصل بين رسالة ورسالة ، وقوله وكان الأنبياء متفقين على ذلك ، وفي نسخة وأنّ الأنبياء متفقون الخ لأن اتفاق هؤلاء يقتضي أنها مقتضى النبوّة والرسالة كما مرّ. قوله : ( ومنه ريع الأرض لارتفاعها ) أي لما ارتفع منها وأمّا الريع بمعنى النماء والحاصل فاستعارة ، وقيل أصل الريع الزيادة ، وقوله إذ كانوا يهتدون بالنجوم فلا يحتاجون إليها غالباً إذ مرّ الغيم نادر لا سيما في ديار العرب مع أنه لو احتيج لها لم يحتج إلى أن يجعل في كل ريع فإنّ كثرتها عبث ، وقال الفاضل اليمني أنّ أماكنها المرتفعة تغني عنها فهي عبث فلا يرد ما قيل إنه لا نجوم بالنهار ، وقد يحدث بالليل ما يستر النجوم من الغيوم ، وقوله أو بروج الحمام معطوف على قوله علماً وهذا تفسير مجاهد ، وقوله مآخذ الماء هي مجاربه ، وقوله فتحكمون بنيانها أي لظن الخلود بها. قوله : ( وإذا بطشتم بطشتم جباربن ) قيل بزيادة القيد تغاير الشرط والجزاء فلا حاجة لتأويله بماذا أردتم البطش كذلك ولا إلى أنه أريد المبالغة باتحاد الشرط والجزاء وردّ بأنّ التقييد لا يصحح التسبب لأنّ المطلق ليس سبباً للمقيد فلا بدّ من التأويل المذكور إلا أن يقال الجزائية باعتبار الأعلام والأخبار وفيه نظر ، وقوله بلا رأفة تفسير لغاشمين. قوله : ( كرره ) أي الأمر التقوي مرتبا على الإمداد لإفادته عليه مأخذ الاشتقاق فيكون تعليلاً مقدّما بحسب الرتبة ، وان تأخر لفظا وفي نسخة مرتباً عليه إمداد الله وهو بحسب الذكر واقع ، وتنبيهاً وقع في نسخة أو بدل الوأو والأولى أولى ووجهه إن جعل الإمداد مرتباً عليه التقوى يشير إلى دوامه بدوامه وانقطاعه بانقطاعه إذ التقوى شكر له ، وقد قال : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ سورة إبراهيم ، الآية : 7 ] . قوله : ( ثم فصل بعض تلك النعم ) يعني بقوله أمدكم بأنعام الخ فمانه تفسير له أو بدل منه ففي كل من النعم والمساوي إجمال
وتفصيل ، وقوله مبالغة تعليل لقوله فصل لأنّ في التفصيل بعد الإجمال مبالغة لا تخفى ، وقال السفاقسي ذهب بعضهم إلى أنه بدل من قوله تعلمون أعيد معه العامل كقوله : { اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ } [ سورة يس ، الآية : 20- 21 ] واكثر على أنه ليس ببدل وهو من تكرير الجمل ، وإنما يعاد العامل إذا كان حرف جرّ ، وقال أبو البقاء إنها مفسرة لا محل لها. قوله : ( ف!ئا لا نرعوي الخ ) أي لا نكف وننتهي ، وقوله وتغيير شق النفي إذ لم يقل أم لم تعظ على مقتضى الظاهر في المقابلة لعديله والمبالغة من حيث إنّ لم تكن من الواعظين أبلغ منه لأنه نفي عنه كونه من عداد الواعظين ، وجنسهم فكأنه قيل استوى وعظك بعدم عدّك من هذا القبيل أصلاً فيفيد عدم الاعتداد به على وجه المبالغة التامّة لأنه سوّاه بالعدم الصرف البليغ فيقيد ما ذكر فلا حاجة إلى اعتبار الاستمرار الذي تفيده كان والكمال الذي يدل عليه الواعظين في النفي دون المنفى أي استمرّ انتفاء كونك من زمرة من يعظ انتفاء(7/21)
ج7ص22
كاملاً بحيث لا يرى منك نقيضه كما قيل. قوله : ( ما هذا الخ ) إشارة إلى أن أن نافية ، وهذا على قراءة خلق بفتح فسكون فهو إمّا بمعنى الكذب والاختلاق كقولهم : { أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } [ سورة الأنعام ، الآية : 25 ] أو بمعنى الإيجاد ، ومحصله إنكار البعث والحساب المفهوم من تهديدهم بالعذاب ، وعلى القراءة بضمتين هو بمعنى العادة ، والمرأد إمّا عادة من قبله ممن خوّف ، وأنذر أو عادة أسلافهم أو عادة الناس مطلقاً من الحياة والموت ، وعلى هذا هو إنكار للبعث أيضا ، ولذا قالوا وما نحن بمعذبين ومناسبته للوجوه كلها ظاهرة فتدبر ، وقوله بسبب التكذيب من الفاء التفريعية. قوله : " نكار لأن يتركوا الخ ) فالاستفهام للإنكار كما في قوله أتبنون واذا كان للتذكير فهو للتقرير ،
وأسباب بالنصب معطوف على إياهم أو مفعول معه ، وقوله فسره معطوف على مقدر أي أجمل وأبهم في قولهم فيما ههنا ثم فسره الخ ، والتخلية تركهم يتقلبون فيما هم فيه من النعم ، وقوله في جنات الخ بدل من قوله فيما ههنا أو ظرف لقوله آمنين الواقع حالاً ، وهو على الإنكار بمعنى إلا من الموت والعذاب وعلى التقرير بمعنى الأمن من العدوّ ونحو.. قوله : ( لطيف لين ) أصل معنى لهضم لغة الانحطاط أو الشدخ والشق ، ثم تجوّز به عن الرقة واللطف ، واللين كما هنا وقوله للطف الثمر ليس لأن الطلع أريد به الثمر لأوله إليه بل المراد أنه وصف باللطف للطف ثمره ، وقوله أو لأنّ النخل أنثى أي لأن المراد بالنخل إباثها بقرينة ذكرها في سياق الامتنان بها لأنها هي المثمرة ، وليس في تأنيث ضمير طلعها دليل عليه لأنّ النخل مطلقا يذكر يؤنث فوصف طلعها باللطف على ظاهره ، وقوله هي بلا واو في الأصح وفي بعضها بواو ، وقوله ما يطلع بضم الياء وكسر اللام من أطلعت النخلة إذا بدا طلعها أو بفتح الياء وضم اللام من طلع يطلع إذا ظهر ، وقوله كنصل السيف أي طلوعاً مشابهاً له في الهيئة ، والقنو للنخل كالعنقود للعنب وتفاريعه شماريخ وأصله عرجون. قوله : ( أو متدل متكسر ) تفسير آخر لهضيم والتكسر مجاز أو على ظاهره ، وقوله وأفراد النخل أي بالذكر مع دخوله في الجنات ، وضمير بها للجنات لا ذكره مفردا لأنه اسم جنس جمعي ، وليس بمفرد وذكر ضميره في قوله لفضله لأنه يجوز تأنيثه وتذكيره كنخل منقعر. قوله : ( بطرين ) من البطر وهو الشره ، وعدم القناعة وقدمه للإلف ، رة إلى أنه أنسب بمقام الذم من الثاني ، ولذا رجحه بعضهم وهو مما لا شبهة فيه ، وقوله : فإنّ الحاذق الخ يقتضي أن حقيقنه النشاط واستعماله في الحذق مجاز ، وهو كذلك كما في نهاية ابن الأثير ولا ينافيه تفسيره به في بعض كتب اللغة لأنهم لا يفرقون بين الحقيقة والمجاز الواردين عن العرب ، أو أنه لشيوعه صار حقيقة عرفية فيه فلا غبار عليه كما توهم ، وقوله وهو أبلغ لدلالته على الثبوت وعدم الحدوث الدال عليه اسم الفاعل ، وكون زيادة الحروف تدل على زيادة المعنى غير مطرد وقد مرّ تفصيله. قوله : ( استعير الطاعة ا الخ ا لو قال الإطاعة لكان أظهر يعني أنّ الإطاعة للآمر لا للأمر فجعلها له إمّا استعارة للامتثال ، أو تجوز في النسبة فهو مجاز حكمي على الثاني ، وعلى الأوّل هو إمّا استعارة تبعية بتشبيه الامتثال بالإطاعة لإفضاء كل منهما إلى فعل ما أمر به أو مجاز مرسل للزومه له أو مكنية وتخييلية ، وفي
الكشف الوجه هو الحمل على المجاز الحكمي للدلالة على المبالغة على ما ذكره آخراً ، وقيل عليه إنه لا يناسب المقام لأنّ مقتضاه نفي الإطاعة لهم رأسا لا نفي كما لها وليس بشيء لأنه إذا قيل إنهم لا يطيعون من تجب إطاعته أصلا ، ويطيعون من لا تجوز إطاعته إطاعة كاملة كان أقوى في الذم فتأمّل. قوله : ( وصف موضح ) لأنّ المراد بالإسراف ليس هو معناه المعروف بل زيادة الفساد ، ولما كان يفسدون لا ينافي صلاحهم أحيانا أردفه بقوله ولا يصلحون لبيان كمال إفسادهم واسرافهم فيه. قوله : ( حتى غلب على عقلهم ) إشارة إلى أن الصيغة لتكثير الفعل دون غيره لعدم مناسبته هنا ، وقوله من الأناسيّ أي البشر لأنّ قوله من المسحرين كناية عنه على هذا لأنّ ذا سحر بمعنى حيوان وجمع المذكر السالم يخصصه بالبشر ، وقوله : { قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } تأكيداً وأمّا على الأوّل فهي للتعليل أي أنت مسحور لأنك بشر مثلنا لا تمييز لك علينا فدعواك إنما هي لخلل في عقلك ، وقوله ذوي السحر إشارة إلى أنه للنسبة كالتفسيق ، وقوله للحظ من السقي ، والقوت لف ونشر(7/22)
ج7ص23
مرتب. قوله : ( عظم اليوم ) بصيغة الماضي من التفعيل أي نسب إليه العظم بوصفه به أو هو مصدر بكسر العين وفتح الظاء مبتدأ خبره لعظم مايحل فيه لأنّ جعل الزمان نفسه عظيم شديد أبلغ ، وهو من التجوز في النسبة. قوله : ( أسند العقر إلى كلهم ) استعمل كل المضاف إلى الضمير غير مبتدأ ، وهو مخالف لفصميح الاستعمال كما في المطوّل وغيره ، وقوله لأنّ عاقرها الخ ، وفي معناه أمرهم بذلك على ما رواه في الكشاف فلا وجه للاعتراض! بأنه لأمر الجميع به وهو واقع على ما أفصح عنه قوله فنادوا صاحبهم الخ ولا حاجة إلى جعل النداء مجازاً عن الرضا لأنهم قوم كثيرون لا يتصوّر حضورهم جميعاً ، ولا إلى جعل اكثر بمنزلة الكل ، وقد مر تفصيل هذا المجاز وأنه حكمي وماله وعليه فتذكره ، وقوله أخذوا أي أهلكوا جميعاً لرضاهم به. قوله : ( لا توبة ا لأنه لا يناسب تفريع قوله : { فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ } عليه ولأنّ مجرّد الندم ليس توبة بل إذا كان مع العزم على عدم العود ، وقيل ليس الندم على عقرها لخوف العذاب لأنه مردود بقوله تعالى وقالوا أي
بعدما عقروها { يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } [ سورة الأعراف ، الآية : 77 ] بل على ترك ولدها وهو كما في الكشاف بعيد ، وقد ردّ بأنّ قوله بعدما عقروها في حيز المنع إذ الواو لا تدلّ على الترتيب فيجوز أن يريدوا بما تعدنا المعجزة أو الواو حالية أي والحال أنهم طلبوها من صالح ووعدوه الإيمان بها عند ظهورها مع أنه يجوز ندم بعض وقول بعض آخر ذلك بإسناد ما صدر من البعض إلى الكل أو ندموا أوّلاً خوفا ، ثم قسمت قلوبهم وزال خوفهم أو على العكس ، والعذاب الموعود هو الصيحة. قوله : ( في نفي الإيمان الخ ) المراد بالمعرض السياق !اسناد الذنب إلى جميعهم وهذا بناء على تعلق قوله : { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } [ سورة الشعراء ، الآية : 8 ] بقوله فأخذهم العذاب كما سيصرّح به ، والظاهر أنه لا يختص به وأنه متعلق بقوله إنّ في ذلك لآية تسجيلا لقسوة قلوبهم وعدم اعتبارهم أو هو غير مخصوص بهذه القصة والشطر بمعنى النصف هنا ، وقوله وانّ قريشا الخ والمراد علم اللّه بإيمان أكثرهم ، أو بين ذلك في عاقبة أمرهم ، وهو قريب منه لأنه في وقت نزول هذه السورة لم يكن أكثرهم مؤمنين كما لا يخفى ، وقوله : أخوهم لوط لأنهم أصهاره عليه الصلاة والسلام كما ذكره في محل آخر. قوله : ( أي أتأتون الخ ) يعني إنكم مخصوصون بهذ الفاحشة ، وهي إتيان الذكران دون الإناث ، وقوله : ( لا يشارككم فيه غيركم ) أي من الناس في ذلك العصر أو من الحيوانات ، وأمّا كون الحمار والخنزير كذلك فلا يضرّ لندرته أو لإسقاطه عن حيز الاعتبار مع أن في مشاركتهما أشد راح لهم فيجوز على الأوّل إرادة الناس أيضا بالعالمين لأنهم أوّل من سن هذه السنة السيثة ، لقوله : { مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ } [ سورة الأعراف ، الآية : 80 ] والنكاج في قوله من ينكح الوطء ، وهو مبنيّ للفاعل أي يطؤ من الحيوان 0 قوله : ( فيكون تعريضا بأنهم الخ ( ولا ينافي هذا كونه لإنكار إتيان الذكران كما توهم لأنه من منطوق الكلام ، وهذا من مفهومه ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم كما في الكشاف. قوله : ( متجاورّون الخ ا لأن معنى العادي المتعدى في ظلمة المتجاوز فيه الحد فالمراد ، إمّا التجاوز
في الشهوة بقرينة المقام ، أو في المعاصي مطلقاً ويدخل فيه ما سيق له الكلام ومتعلقه عليهما مقدّر لكنه إمّا خاص أو عامّ ، وقوله أو أحقاء الخ على تنزيله منزلة اللازم وقطع النظر عن متعلقه. قوله : ( عما تذّعيه من الرسالة ) وما يتضمنه فهو عام وعلى الثاني خاص بنهيهم عن فعلهم الشنيع ، وعلى الثالث هو تقبيح ما هم سواء نهاهم أو لا فلا يتوهم أنّ الظاهر عطفه بالواو على أنه عطف تفسير أو يقال أو للتخيير في التعبير بناء على أنّ النهي لا ينفك عن التقبيح فإنه غير مسلم كما لا يخفى ولا مانع من جمع هذه المعاني كلها. قوله : ( ولعلهم كانوا يخرجون الخ ) كاخذ أمواله ، وإنما ذكر هذا لأنّ الإخراج من بين أظهر القوم الظالمين لا يصلح للتهديد به فتعريف المخرجين للعهد كما مرّ في قوله : { مِنَ الْمَسْجُونِينَ } [ سورة الشعراء ، الآية : 29 ] ولذا عدل عن لنخرجنك الأخصر إليه. قوله : ( من الميغضين غاية البغض الخ ) فهو أبلغ من البغض ، وفي الكشاف القلي البغض الشديد كانه بغض يقلي الفؤاد والكبد ، وتبعه الرازي ، واعترض عليه أبو حيان بأنه لا يصح لأن قلي بمعنى أبغض ياتي تقول قليته فهو مقلي ، والذي بمعنى الطبخ والشيّ واوي تقول قلوته فهو مقلوّ فالمادّتان مختلفتان ، وما ذكر خطأ وغفلة عما(7/23)
ج7ص24
ذكر ، والمخطئ ابن أخت خالته فإنّ بعض الألفاظ يكون واوياً ويائيا ومنه قلاه بمعنى أبغضه ، وقد صرّح به كثير من أهل اللغة كصاحب المغرب ، وغيره قال الراغب في مفرداته : القلي شدة البغض يقال قلاه يقليه ويقلوه فمن جعله من الواو فهو من قلوت بالقلة إذا رميتها فإنّ المقلو يقذفه القلب لبغضه ، ومن جعله من الياء فهو من قليت السويق على المقلاة اهـ. قوله : ( لا أقف عن الإنكار عليه الخ ) هو من رجوعه إليه بعد التهديد لا من استمرار القالين أي إني وان أوعدتموني بالإخراج لا أنتهي عن الإنكار عليكم فالوقوف بمعنى الرجوع والانتهاء ، وقوله وهو أبلغ الخ لأنه إذا قيل فاعل لم يفد أكثر من تلبسه بالفعل ، واذا قيل من الفاعلين أفاد أنه مع تلبسه به من قوم عرفوا أو اشتهروا به فيكون راسخ القدم عريق العرق فيه ، وقد صرّح به ابن جنيّ وتبعه الزمخشريّ ، وقرّره الشريف في شرح المفتاح فمن توقف في دلالة اللفظ عليه ، وادّعى خفاءه كأنه لم يقف على كلامهم ، وقوله من شؤمه وعذابه لأنه لا يتليس بعملهم ولا يخشى تلبسه به ، وإنما يخشى ما ذكر ، وقوله : أهل بيته الخ هو بالتجوّز في أهله لمن اتبع دينه لا من عموم المجاز ولا على الجمع بين الحقيقة والمجاز إذ لا داعي له ، وقوله باخراجهم
متعلق بنجيناه ، وقوله وقت حلول العذاب إمّا على اعتبار اتساع الوقت ، أو على تقدير مضاف أي وقت قرب حلوله بهم. قوله : ( مقدّرة في الباقين في العذاب ( لأنّ غير بمعنى مكث بعد مضيّ من معه ، كما قاله الراغب : وهي قد خرجت معهم على قول فكونها غابرة بمعنى ماكثة في العذاب بعد سلامة من خرج معه لا في دارهم ، أو يقال إنها لهلاكها كأنها ممن بقي فيها ، وقوله وقيل الخ بناء على أنها بقيت حقيقة فلا حاجة إلى التأويل بما مرّ ، وقوله فيمن بقيت أي في طائفة بقيت فأنثه رعاية لمعنى من والا كان الظاهر فيمن بقي ، ومرّضه لمخالفته للرواية المشهورة كما قيل إنها خرجت ، ثم رجعت وقيل الغابرين طوال الأعمار. قوله : ( أمطر اللّه على شذاذ ) بمعجمات بوزن جهال جمع شاذ ، وهو من انفرد عنهم في الطريق أو من كان غريبا من غير قبائلهم ، وهذا إشارة إلى التوفيق بين طرق إهلاكهم فإنه ورد أنه بصيحة وفي أخرى برجفة ، وفي أخرى بأمطار حجارة فهو إمّا بوقوع بعضه لبعضهم ، أو لأنه أرسل لطائفتين أهلك كل منهما بنوع منه ، ولا مانع من الجمع بينهما وفي الكشاف وشروحه هنا كلام تركناه لطوله ، وقوله يصح هذا بناء على أنّ ساء بمعنى بئس ، وفاعلها لا يكون إلا مبهما فإن لم تكن كذلك جاز كونها للعهد ، وغيضة بغين وضاد معجمة هي مكان كثير الأشجار وناعم الشجر لعله ما كان أخضر غير كثير الشوك إذ الناعم الأملس ، وتفسيرها بالغيضة مرويّ عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقد قيل إنه تفسير لمعناها لغة لا فيما وقع هنا لما سيأتي ، وقوله كما بعث إلى مدين بصيغة المجهول ونائب فاعله ضمير شعيب ، والدوم بفتح الدال المهملة ، وسكون الواو وهو المقل وهو من شجر البادية يشبه صغار النخل وبعضهم يظنه برئه. قوله : ) بحذف الهمزة وإلقاء حركتها الخ ) وقراءة هؤلاء بفتح التاء خلافا لما يفهم من كلامه ، وقد استشكلها أبو عليّ الفارسي وغيره بأنه لا وجه للفتح لأن نقل حركة الهمزة لا يقتضي تغيير الإعراب من الكسر إلى الفتح ، وقال أبو عمرو كتب في جميع المصاحف ليكة في الشعراء وص بلام من غير ألف قبلها ، وفي الحجروق الأيكة ويقال إنّ ليكة بفتح التاء اسم البلدة نفسها ، والأيكة اسم الكورة ،
ولذلك قرأ الحرميان وابن عامر فيها ليكة بفتح التاء غير مصروف للعلمية والتأنيث ، وقال بعض النحويين إنما هو مكتوب في هذين الموضعين على نقل الحركة فكتب على لفظه ، وقال أبو عبيداني : لا أحب مفارقة الخط في القرآن إلا فيما يخرج عن كلام العرب وهذا ليس بخارج عن كلامها مع صحة المعنى ، وذلك لأنا وجدنا في بعض كتب التفسير الفرق بين الأيكة وليكة فقيل ليكة اسم القرية التي كانوا فيها والأيكة اسم البلاد كلها كالفرق بين مكة ويكة ، ثم وجدتها في مصحف عثمان الذي يقال له الإمام في الحجروق الأيكة ، وفي الشعراء وص ليكة وعلى هذا قرّاء المدينة ، وهذا ردّ على ما قاله النحاة فإنهم نسبوا القراءة إلى التحريف وليس بشيء قاله السخاوي في شرح الرائية فلا عبرة بإنكار الزمخشريّ ومن تبعه كالمصنف ، وقوله في هذه القراءة إنها على النقل غير صحيح. قوله : ( وقرئت كذلك(7/24)
ج7ص25
مفتوحة الخ ) هذا يقتضي أنّ ما قبله بالكسر ، وليس كذلك فإنّ فيها ثلاث قراآت قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر ليكة بفتح التاء ، وقراءة غيرهم على الأصل الأيكة وقرئ شاذاً ليكة بكسر التاء ، وقوله اتباعا للفظ قد علصت أنه غير صحيح ، والذي غره كلام الزمخشريّ ، وأنه ليس في كلام العرب مادة ل ى ك وليس بشيء لما عرفتة ، والأسماء المرتجلة لا منع منها ، وذكر البخاريّ أنّ ليكة بمعنى الأيكة وناهيك
قوله : ( بالميزان السوفي ) أي الصحيح المساوي ، وهو نهي عن النقص لا عن الزيادة وقيل
إنه القبان ، وقوله إن كان عربياً إشارة إلى قول آخر فيه ، وهو أنه معرّب روميّ الأصل ، ومعناه العدل أيضا كالقسط فهو من توافق اللغتين وقوله ففعلاع بتكرير العين يعني شذوذا إذ هي لا تكرّر وحدها مع الفصل باللام ومن قال إنها مكروة صورة لا حقيقة فقد وهم لأنه يتحد مع القول الثاني ، ولذا قال الزمخشريّ : وزنه فعلاس كما وقع في بعض النسخ تحقيقاً لزيادتها ، ومن قال إنه رباقي فهو من قسطس ووزنه فعلال إذ فعلاع لا نظير له وهو الحق إذ ما ذكر لا نظير له عند النحاة ولا داعي لما قالوه. قوله : ( شيثاً من حقوقهم ) يعني أنّ الإضافة جنسية فيؤل معناه إلى شيئا من أشيائهم فلا يقال إنّ الظاهر أن يقال شيئا بالإفراد أو هو من مقابلة الجمع بالجمع فالمعنى لا تبخسوا أحداً شيئاً ، أو الجمع للإشارة إلى الأنواع فإنهم كانوا يبخسون كل شيء جليلا كان أو حقيراً ، وقيل المراد بأشيائهم الدارهم والدنانير وبخسها بالقطع من أطرافها ، ولولاه لم يجمع وهو وجه آخر في التفسير وقد ذهب إلى ما مرّ في محل آخر ووقع بخس في
الآية متعدّيا لإثنين ، وفي التفسير لواحد وقد يتعدّى لاثنين كما في المصباح فلا حاجة إلى جعل الثاني بدل إشتمال ، وإنّ إسقاط المصنف له للإشارة إلى ذلك ، كما قيل وهذا تعميم بعد تخصيص. قوله : ( ولا تعثوا في الآرض مفسدين ) العثو الفساد أو أشده ومفسدين حال مؤكدة أو المراد مفسدين آخرتكم ، والجبلة الطبيعة وذووها أصحابها. قوله : ( أتوا والخ ( يعني أن كلا منهما كاف فكيف إذا اجتمعا ، وقد مرّ أنّ تركها لأنه استئناف للتعليل أو تأكيد ، وقوله متنافيين وقع في نسخة منافيين وهي أصح ، وقوله مبالغة للجمع إذ كل منهما كاف في زعمهم ، وقوله قطعة وقيل إنه بالسكون جمع كسفة بمعنى قطعة ، وهو أحسن لتوافق القراءتين فيه وقوله ولعله ألح أي لا طلب معجزة منه كشق القمر فهو كقوله : { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } [ سورة الأنفال ، الآية : 32 ] وقراءة حفص بكسر الكاف وفتح السين على أنه جمع كسفة ، والمراد بدعواك ما أرسل به ، والتهديد بالعذاب على ما مرّ. قوله : ( وبعذابه ) لأنّ العلم بعملهم كناية عن جزائه كما مرّ ، وقوله مما أوجبه لكم أي على عملكم ، وهو العذاب وهو بمعنى مما أوجبه عليكم به فلا غبار عليه ، وقوله في وقته المقدّر يعني فلا وجه لقولهم أسقط علينا الخ ، واضافة العذاب ليوم الظلة إشارة إلى أنّ لهم فيه عذاباً غير عذابها. قوله : ( على نحو ما اقترحوا ) بقولهم أسقط علينا كسفاً من السماء سواء أرادوا بالسماء السحاب ، أو المظلة ولذا ذكر نحو ، ولم يقل ما اقترحوه لأنّ هذا من جنسه حيث كان من جهة علوية ، ومن لم يتنبه لمراده وعدوله عما في الكشاف قال إنه إشارة إلى أنّ السماء في كلامهم بمعنى السحاب فتدبر ، وقوله بأن سلط الخ بب ن لأخذ العذاب. قوله : ( واطراد ) مبتدأ خبره يدفع الخ وقوله استهزاء معلوم من أنّ أحدا لا يطلب ما يضرّه فلا وجه لما قيل إنهم لم يذكروه هنا فإنه ترك لظهوره ، ودفعه بالحدس وهو إقناقي فلا يضرّه احتمال كونه لاتصالات واقترانات كما هو عند المنجمين فإنها مقتضية لذلك كما قالوا في
طوفان نوح عليه الصلاة والسلام ، ولا كونه ابتلاء لهم كما يبتلى المؤمنون. قوله : ( تقرير لحقية تلك القصص ا لكونها من عند اللّه فضمير إنه لما ذكر قبله والتنبيه على إعجازه بما فيها من الأخبار عن المغيبات ، وهو لا ينافي كونه معجزاً بنظمه ، وقوله ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم من نزول الوحي عليه كما أشار إليه بقوله فإنّ الخ ، وقوله إن أراد به الروح لأنه يطلق عليها كما ذكره الراغب ، وقوله : فذاك أي فالأمر ذاك واضح صحيح لأنّ المدرك هو الروج ، وقال على قلبك دون عليك الأخصر إشارة إلى أنه لم ينزل في الصحف كغيره من الكتب. قوله : ( لآنّ المعاني الروحانية الخ ( إن كان هذا بناء على أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام أنزل له المعاني خاصة ، وهو عبر عنها بلسانه فظاهر لكنه(7/25)
ج7ص26
خلاف القول الأصح عند المسفرين والمحدثين ، وان كان هذا على المشهور بأنه أوحى إليه بألفاظه تارة كصلصلة الجرس ، وتارة بتمثيل الملك له فينصل بالسمع أوّلاً ، ثم يرتسم في الخيال ويدركه الروح لا بالعكس واسقاط الواسطة بشدة تلقيه لا يفيد هنا كما لا يخفى فلعل المراد بالمعاني ما يقابل الأعيان لا ما يقابل الألفاظ ، ويكون هنا شأناً خاصاً بالأنفس القدسية والأرواح المقدسة كأنها لقوّتها تسبق الحواس في إدراك ما يبقى منها حتى كأنها تأخذه منها على عكس ما للعامّة ، وليس المراد بالمعاني ما يقابل الألفاظ لأنّ المراد بالقرآن هنا معناه القديم لقوله : { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ } [ سورة الشعراء ، الآية : 196 ] فإنّ ما فيها معناه لا لفظه لأنه بتقدير مضاف أي وانّ معانيه كما سيأتي ولا وجه لما قيل إنّ النازل غالباً هو المعاني ، وما ذكر باعتباره فتأمّل ، ولوح المتخيلة تخييل والمراد بالمتخيلة الخيال. قوله : ( واضح المعنى ) إشارة إلى كون مبين من أبان اللازم ، وقد جعل من المتعدى على معنى مبين للناس ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم ، وقوله لثلا يقولوا الخ أي فيتعذر الإنذار ، واذا تعلق بنزل فهو بدل من به بإعبادة العامل ، وقوله وهم هود الخ هذا بناء على المشهور ، وزاد بعضهم خالد بن سنان وصفوان بن حنظلة ، وعلى تعلقه بالمنذرين فالمعنى أنك أنذرتهم كما أنذر آباؤهم الأوّلون وأنك ليست بمبتدع لهذا فكيف كذبوك فاندفع ما قيل إنه ليس فيه كبير فائدة إذ معناه إنك من جملة من أنذر بلغة عربية ، وقوله بلغة العرب إشارة إلى أنه ليس المراد
بلسان عربيّ لغة قريش كما نقل عن ابن عباس وضي الله عنهما. قوله : ( وإن ذكره الخ ) يعني أنه على تقدير مضاف ، والأوّل أقرب لأنّ مثله مستفيض كما يقال فلان في دفتر الأمير ، ولذا قدمه وفيه إشارة إلى ردّ ما نقل عن أبي حنيفة من جواز القراءة بالفارسية في الصلاة والاحتجاج له بهذه الآية لكونه سمي ما في زبر الأوّلين قرآنا ، وهو معناه لا لفظه فإنه إذا كان على تقدير مضاف لم يكن كذلك ، وقد قيل إنّ الصحيح من مذهبه أنّ القرآن هو النظم ، والمعنى معاً وتفصيله في كتب الفروع والأصول ولم يذكر كون الضمير للنبيّ صلى الله عليه وسلم لضعفه كما في الكشاف وشروحه. قوله : ( على صحة القرآن ) أي وان لم يتأملوا وجوه إعجازه ، وقوله أن يعرفوه أي القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم وقوله وهو أي هذا الكلام تقرير إشارة إلى أنّ الاستفهام تقريرفي لهم بأن علم أهل الكتاب دليل عليه وقيل إنه إنكاريّ وقوله والخبر لهم لم يجعله أن يعلمه لئلا يلزم الخبر عن النكرة ، وان تخصصت بالظرف بالمعرفة وقوله : أو الفاعل معطوف على قوله الاسم ، وكان حينئذ تامّة واذا كانت ناقصة واسمها ضمير الشأن يجوز أيضا كون لهم آية مبتدأ وخبراً ، وأن يعلمه بدل من آية أيضا. قوله : ( كما هو عليه ) أي بحاله من الإعجاز والعربية ، وزيادة الإعجاز للمنزل أو المنزل عليه بإتيان الأعجم بأفصح كلام عربيّ ، وقوله أو بلغة العجم فيكون منافياً لفائدة تنزيل القرآن بلسان عربيّ مبين ، وعلى الأوّل يكون بيانا لشدّة شكيمتهم في المكابرة بعد أن بان لهم حقية القرآن فقوله لفرط عنادهم واستكبارهم على الوجه الأوّل ، أو لعدم فهمهم على الثاني فهو لف ونشر مرتب. قوله : ) والآعجمين جمع أعجمي الخ ( كالأشعرين جمع أشعريّ ، وقوله على التخفيف أي على حذف ياء النسب في الجمع دون المفرد ، وقوله ولذلك جمع جمع السلامة أي لكون مفرده أعجمياً لا أعجم لأن أفعل فعلاء لا يجمع جمع سلامة لكنه قيل إنه في الأصل البهيمة الجماء لعدم نطقها ، ثم نقل أو تجوّز به عمن لا يفصح ، وان كان عربيا وهو بهذا المعنى ليس له مؤنث على فعلاء فلذلك جاز جمعه جمع السلامة لوجود الشرط فيه بعد ذلك ، كما قيل لكنه اعترض عليه بقول الرازي في غريب القرآن الأعجم هو الذي لا يفصح والأنثى عجماء ، ولو سلم فالأصل مراعاة أصله ، وهو ليس بوارد لأنه وان سمع عجماء لكنه ليس بهذا المعنى كما في صلاة النهار عجماء ، وجرج العجماء جبار كما صرّح به أهل اللغة ، وكون ارتفاع المانع لعارض مجوّزاً صرّح به النحاة ، ثم أنّ كون
أفعل فعلاء لا يجمع هذا الجمع مذهب البصريين ، والفرّاء وغيره من الكوفيين يجيزونه ، كما في الدرّ المصون فلا يرد الاعتراض على من جعله جمع أعجم عجماء كما توهم ، وقوله : كذلك الإشارة فيه لما قبله أو لما بعده كما سبق. قوله : ( والضمير للكفرا لقرب مرجعه لفظاً ومعنى وجعله للبرهان الدال عليه قوله ، أو لم يكن لهم آية بعيد لفظا ومعنى ، وأمّا رجوعه للقرآن وإن خلا عن(7/26)
ج7ص27
تفكيك الضمائر فبعيد لأن كونه مسلوكا في قلوبهم خلات الواقع من أن الأوّل لكونه مبنياً على مذهب أهل السنة أقوى ، وأشد مناسبة لما بعده فلا وجه لما قيل إنه لا وجه لتمريضه مع أنه أقوى رواية لأنه تفسير ابن عباس رضي الله عنهما كما ذكره الطيبيّ ، وقوله الملجئ إلى الإيمان إشارة إلى وجه عدم قبوله وقوله لا يؤمنون به حال أو استئناف تفسير لما قبله. قوله : ( في الدنيا والآخرة ) كون عذأب الدنيا بغتة ظاهر لأنه قد يفاجئهم فيها ما لم يكن بمرئيّ ، ولا في خاطر فيرونه على حين غفلة ، وأمّ عذاب الآخرة وان شمل البرزخ فوجه البغتة فيه أن يرأد أنه يأتيهم من غير استعداد له وانتظار ، وعدم شعور به قبل وقوعه. قوله : ( وههنا شيء ) وهو أنّ الزمخشريّ جعل الفاء في قوله فيأتيهم ، وفي قوله فيقولوا للتفاوت الرتبي كأنه قيل حتى تكون رؤيتهم للعذاب فما هو أشد منها ، وهو مفاجأته فما هو أشد منها وهو سؤالهم النظرة كقولك إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله ، وترى ثم تقع في هذا الأسلوب أي التراخي الرتبى كما صرّح به بعض شرّاحه ، ولا يخفى أنّ تفاوت الرتبة من التراخي ولا دلالة للفاء عليه فكان وجهه أنه من جعل ما هو مقدّم متعقبا لا في كل معطوف بالفاء إذ الرؤية بعد البغت كما صرّح به فالحامل له على هذا أنّ البغت من غير شعور لا يصح تعقبه للرؤية ، وأمّا كون العذاب الأليم منطويا على تلك الشدة ، وهي البغت فلا يصح الترتيب هنا وكون الفاء للتفصيل فوهم. قوله : ( وحالهم الخ ) إشارة إلى أنّ الاستفهام للإنكار تهكما وتبكيتا لهم ، وقوله لم يغن عنهم الخ يحتمل أنه يشير إلى أنّ ما نافية أو استفهامية لأنّ استفهام الإنكار نفي معنى وقد جوّز المعرب فيها الوجهين ، وقوله تمتعهم إشارة إلى أنّ ما في ما كانوا يمتعون مصدرية ، وهو أولى من جعلها موصولة بحذف العائد ، والتطاول مأخوذ من كان فإنها تستعمل للاستمرار. قوله : ( منذرون ) جمعه لعموم القرية في سياق النفي وزيادة من ، أو المراد
الرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من المؤمنين ، وقوله على العلة أي هو مفعول له لقوله منذرون ، وأما كونه لأهلكنا والمعنى أهلكوا بعد الإنذار ليكونوا تذكرة وعظة لغيرهم فتكلف لاحتياجه إلى التقدير أو عمل ما قبل إلا فيما بعدها ، وقوله أو المصدر أي مفعول مطلق عامله منذرون كقعدت جلوساً لأنّ الإنذار تذكرة معنى ، وقوله لإمعانهم أي مبالغتهم ، وأصل معنى الإمعان البعد ، وقوله خبر محذوف أي هذه ذكرى. قوله : ( وما كنا ظالمين ) أي ليس من شأننا الظلم ، أو المعنى لسنا ظالمين في إهلاكهم فقوله : ( قنهلك غير الظالمين ) معناه أي لا يصدر عنا بمقتضى الحكمة ما هو في صورة الظلم لو صدر من غيرنا بأن يهلك أحد قبل إنذاره ، أو بأن يعاقب من لم يظلم ولذلك قال : وما كنا دون ما نظلم مع أنه أخصر لأنه يقال كأن يفعل كذا لما هو عادته ودأبه فلا ينافي هذا قول أهل السنة إنه يجوز لله أن يعذب من غير ذلك لأنه مالك الملك يتصرّف فيه كيف يشاء ، ولا يسئل عما يفعل للفرق بين الجواز العقلي الفرضي والوقوعي. قوله : ( ومما تنزلت به الشياطين ) عبر بالتفعيل لأنه لو وقع كان بالاستراق التدريجي ، وقوله وما يصح هو أحد معاني ما ينبغي وحمله عليه لأنه أبلغ ، وان صح حمله على ظاهره ، وقوله إنهم عن السمع لمعزولون أي ممنوعون منه ويجوز كون الضمير للمشركين ، والمراد لا يصغون للحق لعنادهم وهو تعليل لما قبله ، وقوله لكلام الملائكة قيل المراد به الوحي المنزل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا يرد أنهم قد يسترقون السمع ، والمراد أنّ الله حمى ما يوحى به إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يسمعوه قبل نزول الوحي فلا يلزمه أنهم لا يسمعون آيات القرآن ، ولا يحفظونها وليس كذلك وأمّ آية الكرسي وآخر البقرة فلخاصية فيهما حتى يتعين أن يراد أنهم لا يسمعون كلام الله منه. قوله : ( لأنه مشروط بمشاركة في صفات الذات ) وهم متصفون بنقائضها ، وهذا على مذهب الحكماء في النبوّة وأما القول بأنه شرط عاديّ حتى لا يخالف مذهب أهل السنة فبعيد من سياقه كما لا يخفى ، وقوله لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة الحصر إمّا بالنسبة للشياطين أو المراد ابتداء تلقيها. قوله : ( تهييج لازدياد الإخلاص ) فهو كناية عمن أخلص في التوحيد حتى لا يرى مع الله سواه ، والا فهو لا يتصوّر
منه ذلك حتى ينهي عنه ووجه اللطف فيه أنه إذا نهى عنه مثل هؤلاء كان إيقاظا لهم من سنة الغفلة بألطف وجه ، إذا لم يواجهوا به(7/27)
ج7ص28
ولو خوطبوا به لخافوا من أن يكونوا متهمين به أو محتملاً صدور. منهم في القابل عند الله فأتى به على منوال إياك أعني فاسمعي يا جاره وهذا وجه بديع في مثله فتيقظ. قوله : ( 1 لأقرب منهم ) من بيانية ، وقوله فإنّ الاهتمام بيان لوجه تخصيصهم بالذكر مع عموم رسالته ولا يتوهم منه مداراتهم بل إنّ قرابته لا تفيد من لم يؤمن به ومصدّقي بياء مفتوحة مثددة ، والفخذ جماعة دون القبيلة من قومه وبين يدي عذاب استعارة أي بعذاب قريب ، والحديث المذكور صحيح رواه ابن حبان وغيره. قوله : ( مستعار ) للتواضع بتشبيه هيئة المتواضع بهيئة الطائر ، وهي استعارة تبعية أو تمثيلية ويجوز أن يكون مجازاً مرسلاً مستعملاً في لازم معناه. قوله : ( ومن للتبيين الخ ) المراد بالمؤمنين كل من آمن به من عشيرته ، وغيرهم كما في المدارك وغيره ، ولذا قيل إنّ قوله من المؤمنين ذكر لإفادة التعميم وإلا فاتباعه ، والإيمان توأمان إذ المتبادر من اتباعه اتباعه الديني كما أشار إليه الزمخشري ، وجعله أعمّ بناء على أصل معناه كما ذكره المصنف ليفيد قوله من المؤمنين ، وعلى ما ذكره هذا القائل يكون فائدته التعميم كطائر يطير بجناحيه ، ولكل وجهة فلا وجه للاعتراض على المصنف به والتعميم من المؤمنين لشموله العشيرة وغيرهم ، كما سمعته لا من كلمة من كما توهم حتى يقال إنّ من الجارة لا تفيد التعميم إلا إذا زيدت بشرائطها وليست هذه كذلك فإنه من قلة التدبر. قوله : ( على أنّ المراد من المؤمنين المشارفون ) !ان لم يؤمنوا فالمتبعون في الدين بعضهم ، وكذا لو أريد من صدق باللسان ، ولو نفاقا وعلى هذين فالإتباع دينيّ كما ذكره الزمخشري ، وقوله بما تعملونه بناء على أنّ ما الموصولة عائدها محذوف وقوله أو من أعمالكم بناء على أنها مصدرية فسقوط أو من بعض النسخ من قلم الناسخ وضمير فإن عصوك للكفار المفهوم من السياق أو للعشيرة. قوله : ( يكفك ) مجزوم في جواب الأمر وفيه
إشارة إلى وجه ارتباطه بالجزاء ، وقوله على الإبدال لم يجعله معطوفاً على الجزاء الخفاء التعقيب فيه ، ورؤية الله معناها مذكور في كتب الكلام ، وقوله وتردّدك إشارة إلى أنّ التقلب بمعنى الذهاب ، والمجيء مجازاً وقوله المجتهدين أي في العبادة ، وقوله نسخ فرض قيام الليل لأنه كان فرضاً قبل الصلوات الخمس ثم نسخ بها ، وقوله لما سمع الخ بيان لوص الشبه بين بيوتهم ومقرّ النحل والمراد بالساجدين المصلون لأنّ السجود أشرف الأركان ، والدندنة الأسواط المختلطة المرتفعة حتى لا تكاد تفهم ، وقوله أو تصرّفك معنى آخر للتقلب أي تغيرك من حال كالجلوس والسجود إلى آخر كالقيام في الإمامة. قوله : ( وإنما وصفه الخ ) أي بقوله تقلبك الخ وهو وصف معنويّ لا نحويّ ، وقوله يستأهل أي يكون أهلا ويستحق والمراد بالولاية الرسالة والمراد بالعلم بهذا العلم بجميع أحواله ، ويجوز في الرؤية أن تكون علمية وفي كلامه إشعار به ، وقوله على من متعلق بتنزل قدم عليه لصدارته لأنّ من استفهامية ، وأمّا تقدم الجار فغير ضارّ كما بين في النحو فلا حاجة إلى ادّعاء أيّ من أصله أمن والهمزة مقدرة قبل الجارّ كما ادّعاه الزمخشريّ. قوله : ( لما بين أن القرآن الخ ) أي في قوله وما تنزلت به الشياطين ، وقوله لا يصح وقع في نسخة بدله لا يصلح وهما بمعنى هنا وقوله من وجهين متعلق بلا يصلح أو ببين ، وقوله إنه أي تنزل الشياطين وشرّير كذاب الخ لف ، ونشر مرتب تفسير لأفاك أثيم ، وقوله إنما يكون الخ الحصر مستفاد من السياق أو من مفهوم المخالفة المعتبر عند الشافعية ، أو من التخصيص في معرض البيان ، وقوله بالغائبات بالغين المعجمة والباء الموحدة المراد به ما غاب عن الحس كالجن والملائكة ، وفي نسخة العاتبات بعين مهملة ومثناة فوقية من العتوّ والتمرّد ، وقوله : لما بينهما خبر إنّ وكلمة كل للتكثير ليناسب عموم من ، ويجوز أن تكون للإحاطة ولا بعد في نزولها على كل كامل في الإفك والإثم كما قيل ، وقوله وثانيهما قوله أي مضمون قوله هذا. قوله : ( أي الأفاكون الخ ) إشارة إلى أنّ هذه الجملة
مستأنفة لبيان حالهم معهم ، ويجوز أن يكون صفة لكل أفاك لأنه في معنى الجمع لكن تقدير المبتدأ أظهر في الأوّل ، وأما ا لحالية فلم يلتفت إليها لعدم المقارنة وكونها منتظرة خلاف الظاهر ، والقاء السمع مجاز عن شدة الإصغاء للتلقي ، ويحتمل أن يكون السمع بمعنى المسموع أي يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس كما في الوجه الآتي لكنه تركه لبعده أو لقلة جدواه ، وقوله فيتلقون(7/28)
ج7ص29
منهم ظنونا أي مظنونات ، وقوله لنقصان علمهم الضمير للشياطين أو للأفاكين. قوله : ( كما جاء في الحديث الخ ) هو مختصر من حديث مروفي في الصحيحين عن عائثة رضي الله عنها قالت : " سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم : ليسوا بشيء قالوا : يا رسول الله فإنهم يحدّثون أخبارا بالشيء يكون حقاً فقال صلى الله عليه وسلم : تلك الكلمة يحفظها الجني فيقرها في أذن وليه قرّ الدجاجة قيخلطون بها كثر من مائة كذبة " وقوله فيقرها بفتح الياء وكسر القاف من قرّت الدجاجة إذا صوّتت صوتا منقطعا وقرّه يقره إذا سارّه وهو من الأوّل والمعنى يسمعه إياها ، ووليه من يواليه وقوله مائة كذبة وقع في نسخة كلمة. قوله : ( ولا كذلك محمد صلى الله عليه وسلم ) معطوف على قوله الأفماكون الخ ، يعني أنهم يكذبون ويذكرون أمورا متخيلة موهومة ، وهو صادق فيما يخبر به متيقن له وقوله لقوله الخ يعني أنّ الضمير لكل أفاك وهم كلهم كاذبون لا أكثرهم ، والمقام يقتضي التعميم وقوله والأظهر لأنّ كون الأكثر بمعنى الكل بعيد يعني المراد بالكذب ما وقع في حكايتهم عن الجن فإنّ ما ينسبون لهم كذب عنهم في اكثر وقد يصدقون في النقل عنهم ، ويجوز أن يكون هذا في مطلق أقوالهم فإنّ من اعتاد الكذب لا يتركه غالبا. قوله : ( وقيل الضمائر أي في قوله يلقون الخ ) فالمراد إنّ الشياطين يلقون السمع أي يستمعون إلى الملأ الأعلى من الملائكة قبل الرجم ، والطرد فيختطفون أي يتلقون بسرعة لخوفهم من الشهب أو السمع بمعنى المسموع منهم ومرضه لأنّ المقام في بيان من تنزل عليه الثياطين ، لا بيان حالهم وأمّا دلالته على الوجه الثاني فليست بلازمة حتى يضعفه لفواتها كما قيل ، وقوله إذ يسمعونهم من الأسماع تعليل لكذبهم بأنهم لا يسمعون اولياءهم لخيانتهم فيتعمدون الكذب ، أو هو لقصور فهمهم عنهم أو قصور ضبطهم وحفظهم
لما يسمعونه منهم ، وقوله إفهامهم مصدر من الأفعال أي كذبهم لقصور إفهامهم ما يلقونه لأوليائهم ، وقوله : { وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } على الوجهين وكونه للثاني أظهر. قوله : ( أبطل كونه عليه الصلاة والسلام شاعرا ) كما أبطل كون ما يأتي به قبيل الكهانة كما سيشير إليه وان كان الضمير في قوله ألم تر أنهم للغاوين فالتقرير ظاهر ، وكذا إن كان للشعراء فليس الأنسب حينثذ كونه دليلاً آخر كما قيل والغاوي من غوي إذا ضل ، وهو بمعنييه مناسب لما بعده ، والوادي معروف والمراد به هنا شعب القول وفنونه وطرقه وشجونه ، والهيام أن يذهب المرء على وجهه من عشق أو غيره وهو تمثيل كما في الكشاف والمعنى يخوضون في كل لغو من هجو ومدح ، وقوله لأنّ الخ تعليل لكون اتباعهم غيا ، والنسيب بنون وسين مهملة ذكر محاسن الحسان ، واظهار التعشق والهيام بها والحرم جمع حرمة وهي المرأة المحرّمة على غير زوجها ، والغزل التغزل والتلهي بصفات النساء وذكر الميل لهن ، والابتهار الكذب بادّعاء الوصول إلى محبوبته قال الأعشى :
قبيح بمثلى نعت النتا ة إمّا ابتهاراً وامّا ابتيارا
وفي شرح ديوانه الابتهار أن تقول فعلت بفلانة وأنت لم تفعل والابتيار أن تقول فعلت
وقد فعلت ا هـ وتمزيق الإعراض! استعارة للغيبة بما يقدح في عرض أحد ، والإطراء المبالغة في المدح. قوله : ( وإليه أشار بقوله الخ ) لأنّ قوله يقولون ما لا يفعلون كناية عن أنهم يكذبون فلا يرد أنه لا إشارة فيه إلى مدح من لا يستحق المدح والإطراء ، ولا حاجة إلى الجواب بأنّ الفعل عام للقلبي والمدح المذكور فيه إظهار لخلاف ما لا يعتقد ولا إلى القول بأنّ المراد الإشارة إلى جنس ما ذكر. قوله : ( وكأنه لما كان إعجارّ القرآن الخ ) الظاهر أنّ إعجازه من جهة المعنى مطابقته لمقتضى المقام ، واشتماله على الأخبار بالمغيبات وأمّا من جهة اللفظ فظاهر ، واذا كان مما تنزلت به الشياطين اشتمل على الأكاذيب فينا في صحة معناه ، وإذا كان من جنس كلام الشعراء لم يكن لفظه معجزا ولا معناه حقا ، وتوله على التخفيف أي من الأفعال وقوله تشبيها لبعه بعضد أي في ضم ثانيه والضمّ ثقيل فإذ! كان بعد الكسر فهو أثقل ومنافاته للأوّل بقوله : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ } ومنافاته للثاني بقوله : { وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ } الخ والمكافحة
المدافعة.(7/29)
ج7ص30
قوله : ( والكعبان ) هما كعب بن زهير وهو معروف في الصحاية وقصته مشهورة ، وأمّا كعب بن مالك فهو كعب بن جعيل بن عجرة بن ثعلبة بن عوف بن مالك فمالك جده كما في الإصابة لابن حجر وقال إنه لم يذكره في الصحابة غير ابن فتحون عن البغوي ، والحديث المذكور وهو ( اهجهم الخ ) ليس معروفا فيه ، وإنما هو مع حسان رضي الله عنه كما في السير والحديث الأول متفق عليه وروح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام ، والمراد أنّ الله مؤيده وملهمه إلهاما بانيا لما يقوله ، وقوله لهو أي الهجو المفهوم من الفعل ورفع الكعبان كما في النسخ كما في قوله :
كيف من صاد عقعقان وبوم
أو قوله كعبد الله خبر مبتدأ تقديره ، وهم وهذا معطوف على محل الجار والمجرور وهو أولى. قوله : ( لما في سيعلم الخ ) لأنّ السين تفيد التأكيد كما مرّ وليس مخالفا لقول النحاة إنها للاستقبال كما توهم ، واطلاق الظلم إذ لم يقيد بنوع والتعميم لأنّ الموصول من صيغ العموم ، والتهويل من جعله كأنه لا يمكن معرفته. قوله : ( وقد تلاها أبو بكر لعمر رضي الله عنهما الخ ) لأنه أمر عثمان رضي الله عنه أن يكتب في مرض موته ، وقد عهد لعمر رضي الله عنه ما صورته يسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأوّل عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر ، ويتقي فيها الفاجر إني قد استعملت عليكم عمر ابن الخطاب فإنّ برّ وعدل فذاك علمي به ، ورأيي فيه ، وان جار وبدل فلا علم لي في الغيب ،
والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون اهـ ، وذكره المبرد في الكامل وغيره. قوله : ( وقرئ أيّ منقلت الخ ) أي بالفاء والتاء الفوقية ، وهي قراءة الحسن وابن عباس في الشواذ ، وقوله عن النبيّ الخ هو حديث موضوع من الحديث المنسوب إلى أبيّ بن كعب المشهور تمت السورة بحمد الله ومنه.
سورة النمل
بسم الله الرحمن الرحيم
كونها ثلاث أو أربع وتسعون هو المشهور ، وقيل إنها خمس وتسعون واختلف أيضا في
مكية بعض آياتها كما سيأتي. قوله تعالى : ( { طس } ) قرئ بالإمالة وعدمها وقد تقدم الكلام فيه وقوله الإشارة إلى آي السووة يجوز أن يكون إشارة إلى السورة نفسها أو إلى مطلق الآيات كما مرّ ، وقوله وإبانته الخ إشارة إلى أنه من أبان المتعدي ، وحذف مفعوله لعمومه ، وعدم اختصاصه بشيء ، وقوله يبينه من الأفعال أو التفعيل للتتنبيه على ذلك ، وعدل عما في الكشاف من قوله وإبانتهما أنهما يبينان ما أودعاه من العلوم والحكم والشرائع وانّ إعجازهما ظاهر مكشوف لأنه يقتضي أخذه من اللازم والمتعدي معاً ، ولذا قيل إنهما وجهان والواو فيه بمعنى أو ، وقوله وتأخيره أي الكتاب هنا مع تقديمه في سورة الحجر ، وهو على هذا التفسير مقدم في الوجود لتقدّم اللوح المحفوظ على القرآن بمعنى المقرر لأنا نعلم أنه في اللوح من القرآن ، أو بعد علمنا به وأمّا كونه لا طريق لنا إلى العلم به سواه فمع أنه لا حاجة إليه غير مسلم إذ قد نعلمه من الرسول ، ويعلمه الرسول بوحي غير متلو وكون العلم بانه قرآن أهم وجه آخر ، وليس التقدم والتأخر حينئذ باعتبار العلم وغيره كما قيل. قوله : ( وتقديمه في الحجر باعتبار الوجود ( الخارجي فإنّ القرآن بمعنى المقروء لنا مؤخر عن كونه في اللوح المحفوظ ولا حاجة إلى القول بأنّ وجود الألفاظ بعد وجود الكتابة ، وأنّ هذا مبنيّ على حدوث الكلام اللفظي كما قيل ، وأمّا السؤال باعتبار أحد الوجهين في أحدهما دون الآخر قدوريّ فان قيل بتقدم نزول هذه السورة على الحجر كما في الإتقان فظاهر لمناسبة تقديم ذكر الدليل ، ولذا عرف الكتاب في الحجر للعهد. قوله : ( أو القرآن ) معطوف على اللوح ، وإبانته لما أودع مبتدأ وخبر فهو من المتعدى أيضاً والمبين الحكم والأحكام وصحة كونه من عند الله بإعجازه فليس قوله أو لصحته على أنه من أبان اللازم حتى يرد عليه ما ورد على الكشاف كما توهم مع أنّ بعضهم جوّز حمله عليه فالواو بمعنى أو. قوله :(7/30)
ج7ص31
( وعطفه على القرآن الخ ) يعني على الوجه الثاني لأنهما عبارة عن شيء
واحد بالذات متغاير بالصفات ولكونهما اسمين غلبا عليه ، وان كان أحدهما مصدرا والآخر اسم جنس أو صفة في الأصل ، ولذا أتى بكاف التشبيه فهو كقولهم هذا فعل السخيّ ، والجواد الكريم لأن القرآن هو المنزل المبارك المصدق لما بين يديه فحكمه حكم الصفات المستقلة بالمدح فكأنه قيل تلك الآيات آيات المنزل المبارك وأيّ كتاب كما في الكشاف. قوله : ( وتنكيره ) يعني على الوجهين لا على الثاني لأنه على الأوّل مبهم لعدم مناسبته للمقام ، والمضاف المحذوف آيات ، ويجوز عدم تقديره أيضاً. قوله : ( حالان من الآيات ) هو أحد وجوه سبعة في إعرابه ومعنى الإشارة أشير أو أنبه ، وهو الذي سمته النحاة عاملاً معنوياً ، وقوله بدلان منها قال في شرح التسهيل اشترط الكوفيون في إبدال النكرة من المعرفة شرطين اتحاد اللفظ وأن تكون النكرة موصوفة نحو : { لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } [ سورة العلق ، الآية : 16 ] ووافقهم ابن أبي الربيع في الثاني والصحيح عدم الاشتراط لشهادة السماع بخلافه فلا حاجة إلى ما تكلف هنا من أنه اكتفى بنعت قيدها بالموصول وقوله للمؤمنين إن كان قيدا للهدى والبشرى معا فالهدي بمعنى الاهتداء أو على ظاهره ، والتخصيص لأنهم المنتفعون به ، وان كانت هدايته عامّة ، وجعل المؤمنين بمعنى الصابرين للإيمان تكلف كحمل هداهم على زيادته ومن عممه للبشر جعل القيد للبشرى فقط ، وأبقى الهدى على ظاهره من العموم فلا وجه لما قيل من أنه لا دلالة في النظم على التعميم بل دلالته على اختصاصه بالمؤمنين. قوله : ) يعملون الصالحاث ( كأنه يشير إلى أنه كناية عن عمل الصالحات مطلقا ، وانهما خصصا لأنهما إما العبادة البدنية والمالية فقوله من الصلاة والزكاة بتقدير من جنس الصلاة والزكاة ، ولو حذفه كان أظهر. قوله : ( من تتمة الصلة ) لأنّ الحال قيد وهو بيان لاتصاله بما قبله ، وقوله وتغيير النظم هو على العطف على الصلة لتغايرهما في الاسمية ، ويحتمل أن يكون على الوجهين وثباته تفسير لقوّة اليقين ، أو القوّة من تكرير الإسناد والثبات من الاسمية لإفادتها ذلك إذا كانت معدولة ، وان كان الخبر فعلا فلا يرد الاعتراض بأنها لا تدلّ على ذلك كما صرّح به أهل المعاني حتى يقال إنه مأخوذ من اليقين كما قيل وقوله وإنهم الأوحديون فيه أي الكاملون في الاتصاف باليقين والياء للمبالغة ، وقوله أو جملة اعتراضية هو على ظاهره من غير حاجة إلى جعلها مستأنفة والمراد بالاعتراض الانقطاع عما قبله لابتنائه على أنّ الاعتراض لا يكون في آخر الكلام ، وليس بمسلم عندهم وقوله : ويعملون الصالحات إشارة إلى أنهما كناية عما ذكر وقوله هم الموقنون أي الكاملون في
الإيقان بقرينة ما قبله. قوله : ( فإن تحمل المشاق الخ ) المراد بالمشاق التكاليف الدينية وتحملها إنما يعتد به إذا وافق الباطن الظاهر ، أو هو بالنظر إلى الأغلب فلا يرد من يعمل رباء والوثوق مضمن معنى الاعتماد فلذا عدى بعلى ، وهما إنما يكونان لكمال الإيقان فتكون العلة للتحمل منحصرة فيه فزوالها يوجب زوال معلولها كوجودها لوجوده فيفيد أنّ المتحمل ، هو الموقن لا غيره مع أنّ التلازم بينهما ظاهر فلا يرد أنّ اللازم من التعليل انحصار التحمل في الموقن ، والمدّعي عكسة فلا يتم التقريب. قوله : ( وتكرير الضمير للاختصاص ) كما في الكشاف قيل المراد بالاختصاص الاختصاص المؤكد إذ تقديمه يكفي لإفادة الاختصاص وهذا بناء على أنّ نحو هو عرف يحتمل التقوّي والتخصيص فالتقوي لتكرّر الإسناد ، والتخصيص لتقدّم الفاعل المعنوي فلما قدم الضمير ، وأكد بالتكرير أفاد التخصيص والتوكيد كما فصل في كتب المعاني وفيه تأمّل ، وتقديم بالآخرة للفاصلة ويحتمل الحصر الإضافي للتعريض باليهود. قوله : ( زينا لهم أعمالهم القبيحة ) قد تقدّم تفصيله في الأنعام وقوله بأن جعلناها الخ إشارة إلى أنه مجاز ، وقد جوّز فيه الزمخشري أن يكون استعارة وأن يكون مجازا في الإسناد ، وكلام المصنف محتمل لهما أيض أ ، وقوله أو الأعمال الحسنة هو منقول عن الحسن وتخصيص الواجب مع أنّ المندوب كذلك لمناسبته للذم يعني أنه تعالى جعل الأعمال الحسنة الواجبة عليهم حسنة كاسمها فعموا عنها كما صرّح به بعد. فالترتيب باعتبار الواقع وتعكيسهم لما يجب عليهم فلا(7/31)
ج7ص32
يتوهم إنّ الفاء لا تناسبه ، واضافة الأعمال الحسنة إليهم باعتبار وجوبها عليهم لا باعتبار صدورها منهم وهو خلاف الظاهر ولذا أخره ، وقوله بترتيب المثوبات متعلق بزينا إشارة إلى أنّ الحسن فيها شرعي ، وهذا بناء على أنهم مخاطبون بالفروع وتفصيله في الأصول. قوله : ( فهم يعمهون ) العمه التحير والتردّد ، وقوله من ضرّ أو نفع ناظر إلى الوجهين إمّا على الجمع أو على التوزيع ، وقوله : كالقتل والأسر خصه بالدنيا لقوله بعده في الآخرة الخ ، ولو عممه لهما جاز لأنه بعد ذكر عذاب الدارين بين أنّ ما في الآخرة أشدهما. قوله : ( لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة ) بخلاف عصاة المؤمنين فإن المثوبة لا تفوتهم ، وتقديم في الآخرة للفاصلة أو للحصر لأنّ الأخسرية والاً شذية بالنسبة إليها لا إلى ما في الدنيا ، وقيل الأولى أنّ التفضيل باعتبار حالته في الدارين فالكفار خسرانهم الأخروفي أزيد من الدنيوفي لعدم تناهيه بخلاف العصاة إذ ليس لخسرانهم قدر بالنسبة إلى النعيم الغير المتناهى ، ولا يرد عليه أنّ المعتبر في تفضيل خسرانهم
الأخروي على ما ذكره أن يكون بالنظر إلى خسرانهم الدنيويّ لا إلى النعيم ، ولا شك أنه أشد منه لأنه ممنوع فإنه إذا زال عنهم هان لديهم بخلاف ما في الدنيا كما قيل :
واذا نظرت فإنّ بؤسا زائلا للمرء خيرمن نعيم زائل
فتأمّل. قوله : ( لتؤتاه ) لأنّ لقي المخفف يتعدى لواحد والمضاعف يتعدى لاثنين أقيم أوّلهما مقام الفاعل ومن قال تلقن أراد تفسيره لا أنّ الألف مبدلة من النون ، وقوله أفي حكيم وأيّ عليم إشارة إلى أنّ تنوينه للتعظيم. قوله : ( مع أنّ العلم داخل في الحكمة ) أي في معناها لغة لا لازم معناها لأنها الإتيان بالفعل على وجه الإتقان ، وهو متوقف على العلم كما قيل ، قال الراغب : الحكمة من اللّه تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الأحكام ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات ، اهـ وامّا تفسيرها بالعلم بالأشياء على ما هي عليه فلا وجه له لأنه معنى اصطلاحيّ ذكره في الطبيعيات ، نعم هو قريب مما نقل عنه وقوله لعموم العلم إذ هو يتعلق بالمعدومات ويكون بلا عمل ودلالة الحكمة على إتقان العمل لما مرّ فجمع بينهما لأنّ في كل منهما فائدة ليست في الآخر ، ولعموم العلم قدم تقديم الجنس على الفصل ، وقوله والإشعار والعلم يتبادر منه ما لا تعلق له بالعمل كالقصص كان فيه إيماء لذلك ، وقوله ثم شرع الخ إشارة إلى أنّ ما مرّ تمهيد لهذا وتقدير اذكر مرّ تحقيقه. قوله : ( ويجورّ أن يتعلق بعليم ) وليس المراد تقييد علمه تعالى لأنه عالم بالأشياء قبل وجودها وبعده بل بيان لتعلق علمه به ولركاكته عبر عنه بالجواز الذي هو جار الامتناع وقوله عن حال الطريق الخ بيان للواقع لأن من يذهب لضوء نار على الطريق يكون كذلك ، وقوله لما كني بفتح اللام وتشديد الميم جمع دليل جوابها أو هو إن جوّز تقدّمه يعني أنّ الله لما سمي المرأة أهلا حشمة له والأهل جماعة الاتباع جمع ضميره مشاكلة له بحسب ظاهره ، ويجوز كسر اللام وتخفيف الميم على أنّ ما مصدرية والمعنى ما ذكر وأمّا كونها موصولة واقعة على السبب والعائد محذوف تقديره له أي للسبب الذي كني عنها بالأهل له ، وهو التعظيم فتكلف وقوله إن صح إشارة إلى أنّ الصحيح أنه كان معه غيرها كولده. قوله : ( والسين للدلالة الخ ) يعني لم يجرّد الفعل عنها إمّا للدلالة على بعد مسافة النار في الجملة حتى لا يستوحشوا إن أبطأ عنهم لأنّ السين حرف تنفيس أي توسيع لمدة الفعل الضيقة بنقله من الحال إلى الاستقبال ، ولا يضرّ هنا كون تنفيسها أقل من سوف على قول لكنه لا يرد على المصنف رحمه اللّه نقضا كما توهم. قوله : ( او الوعد بالإتيان وإن أبطأ ) أي
أتى بها للدلالة على الوعد بما ذكر لأنّ إتيانه بذلك غير متعين ، ولذا أتى بلعل بدلها في آية أخرى ، وهي تدخل في الوعد لتأكيده وبيان أنه كائن لا محالة وان تأخر كما ذكره الزمخشريّ في البقرة في تفسير قوله : { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ } [ سورة البقرة ، الآية : 137 ] وأمّا دلالتها على احتمال أن يعرض له ما يبطئه ، وان يم تطل المسافة فكأنّ القائل أخذه من مقابلته للأوّل والا فليس في النظم وكلام(7/32)
ج7ص33
المصنف ما يدل عليه. قوله : ( وإضافة الشهاب إليه الخ ) يعني أنه ليس من إضافة الشيء إلى نفسه بل إضافته بيانية لما بينهما من العموم والخصوص كثوب خز فإنّ الشهاب شعلة النار ، والقيس ما يتناول من الشعلة ولذا استعير لطلب العلم والهداية فالقبس قد يكون شهابا كشعلة مأخوذة من أخرى وقد لا يكون كالحراقة وشهب الجوّ ، وقوله لأنه بمعنى المقبوس توجيه للوصفية ، وهو إمّا تاويل أو إشارة إلى أنه صفة مشبهة كحسن. قوله : ( ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي الخ ) يعني لا تدافع بين ما وقع هنا وقوله في طه : { لَّعَلِّي آتِيكُم } [ سورة طه ، الآبة : 0 ا ] لأنهما يدلان على الظن والراجي إذا قوي رجاؤه يقول سأفعل كذا ، وسيكون كذا مع احتمال خلافه فالترجي يكون بمعنى الخبر وعلى العكس. قوله : ( والترديد ) يعني كلا الأمرين مطلوب حسن فكان الظاهر الواو لا أو لأنّ كلاً منهما مهمّ له ، وقيل إنه يجوز أن يكون احتياجه لأحدهما لا لهما لأنه كان في حال الترحال ، وقد ضل عن الطريق فمقصوده أن يجد أحدا يهدي إلى الطريق فيستمرّ في سفره فإن لم يجده توقد النار لدفع ضرر البرد في الإقامة ، وقد قيل إنّ ما مرّ في سورة طه من أنه كان في الطور قد ولد له ابن في ليلة شاتية ، وظلمة مثلجة وقد ضل الطريق وتفرّقت ماشيته فرأى النار وقال لأهله ما قال يدلّ على احتياجه لهما معاً فلا يتوجه ما ذكره ، ولذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله لمخالفته المنقول. قوله : ( للدلالة على أنه الخ ) فهي لمنع الخلوّ تحرّيا للصدق ، وقوله لا يجمع الله بين حرمانين كما في المثل لا يضرب الله بسيفين ، والصلاء بكسر الصاد والمدّ ويفتح بالقصر كما في القاموس هو الدنوّ من النار لتسخين البدن ، وهو الدفء ودفع ألم البرد ويطلق على النار نفسها كما ذكره أهل اللغة ، أو هو بالكسر الدفء وبالفتح النار. قوله : ( أي بورك ) يعني أنّ أن تفسيرية وشرطها موجود وهو تقدم ما فيه معنى القول دون حروفه كالنداء كما أشار إليه المصنف رحمه الله واذا كانت مصدرية يجوز في بورك أن يكون خبرا وانشاء للدعاء ولا يضرّ فوات معنى الطلب إذا أوّل بالمصدر كما توهم لأنه أمر تقديري ولو سلم ففواته كفوات معنى المضيئ ، والاستقبال وقد
مرّ تفصيله. قوله : ( والتخفيف وإن اقتضى التعويض الخ ) والتعويض عما حذف منها ، وقيل إنّ هذا التعليل غير تامّ لأنه لو كان كذلك اطرد ، وهو غير مطرد وكذا التعليل بأنه للفرق بينها وبين المصدرية فإنه لو كان كذلك لزم عدم الدخول على الجملة الدعائية ، وهي تدخل عليها كالمصدرية كما في الكشف ، والعلل النحوية حالها معروف فالأصوب أن يحال على السصاع أو يقال كما في الحجة لأبي عليّ الفارسيّ إنها لما كان لا يليها إلا الأسماء استقبحوا أن يليها الفعل من غير فاصل ، وكان الظاهر أتي بدل قوله بلا بحرف نفي فإنه لا يختص بها كما في التسهيل والرضى ، ثم إنّ ما ذكره في الجملة غير الاسمية والشرطية وغير الفعلية التي فعلها غير متصرّف كعسى ، وليس مع أنه أغلبيّ كقوله :
علموا أن يؤملون فجادوا
والأحكام التي تخالف فيها كعدم وقوعها شرطا وحالاً وخبرا ، وما ادّعاه الرضى من أن
بورك إذا جعل دعائياً فهي مفسرة لا غير لأنّ المخففة لا يقع بعدها فعل إنشائيّ إجماعاً وكذا المصدرية مخالف لما ذكره النحاة ودعوى الإجماع ليست بصحيحة ، ونائب فاعل نودي أمّا ضمير موسى أو ضمير المصدر وهو النداء أو هو إن بورك كما في الدرّ المصون. قوله : ( من في مكان النار ) يعني أنه فيه مضاف مقدر في موضعين أي من في مكان النار وحول مكانها ، وقوله وكفاتهم أي مقرّهم ، وأصل الكفات بكسر الكاف ما يكفت الشيء أي يضمه ويشمله ، وقوله في تلك الوادي كما في بعض النسخ أنثه لتأويله بالأرض. قوله : ( وقيل المراد ( أي بمن في النار وحولها ، وهذا يحتمل أن يراد بمن في النار موسى وبمن حولها الملائكة ويؤيده قراءة أبيّ ، ومن حولها من الملائكة وعكسه كما قيل في تفسيره أي جعل البركة ، والخير فيمن في مكان النار وهم الملائكة ومن حولها أي موسى ولا وهم فيه كما توهم ، وتلك القراءة مع شذوذها غير نص فيه. قوله : ( وتصدير الخطاب بذلك ) أي بقوله أن بورك سواء كان دعاء أو خبرا لأنّ الدعاء من الله بشارة ، والأمر العظيم النبوّة وهو على التفسيرين ، وقيل إنه على الأوّل لقوله في أرض الشام إذ ليس في الثاني ما يفيد عمومه لأرض الشام ، والمراد انتشار بركة جديدة لأنّ أصلها(7/33)
ج7ص34
كان حاصلاً فيها قبله. قوله : ( من تمام ما نودى به ) فهو من جملة الخطاب ،
وهو إمّا خبر أو طلب لتنزيهه عما يتوهم من مجيء الخطاب من جانب من الجهة وجارحة الكلام وغير ذلك مما يشبه ما للبشر ، ويجوز كونه جملة معترضة ، وقوله وللتعجب الخ هذا أيضا على كونه من تمام النداء لكن التعجب لا يكون من الله فهو كناية عن عظمته ، وأنه مما يتعجب منه وقوله أو تعجب من موسى أي صادر منه بتقدير القول أي ، وقال موسى الخ وفي نسخة تعجيب فمن متعلقة به فالتقدير وقلنا لموسى وقال السديّ إنه تنزيه منه. قوله : ( أو للمتكلم ) المنادى له فالتقدير إنّ المنادى المتكلم أنا ، والحمل مفيد من غير رؤية لأنه علمه علم اليقين بما وقر في قلبه فكأنه رآه والله عطف بيان للضمير ، وتجوز البدلية عند من جوّز إبدال المظهر من ضمير المتكلم بدل كل وقول أبي حيان في ردّ هذا الوجه أنه إذا حذف الفاعل وبنى فعله للمجهول لا يجوز عود ضمير على ذلك المحذوف لأنه نقض للغرض من حذفه والعزم على أن لا يكون محدثا عنه معتنى به غير وارد لأنه لم يقل أحد إنه عائد على الفاعل المحذوف بل على ما دلّ عليه الكلام ، والسياق ولو سلم فهذا لا يمتنع أن يكون في جملة واحدة ، وأمّا في جملة أخرى فلا كما تقدم في قوله تعالى : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } [ سورة البقرة ، الآية : 178 ] ثم قال وأدإء إليه أي إلى الذي عفا وهو وليّ الدم فقد مرّ فيه أنّ الضمير عائد إلى نائب الغاعل المحذوف كما مرّ تفصيله وقوله أن لايكون محدثا عنه غير صحيح لأنه قد يكون محدثا عنه ، ويحذف للعلم به وعدم الحاجة إلى ذكره وقوله غير معتنى به لا يخلو من هجنة وسوء أدب هنا وإن كان المراد منه معلوما ، ويجوز أن يكون أنا تأكيداً للضمير والله خبره كما مرّ في طه. قوله : ( ممهدتان لما أراد أني ظهره الخ ) أي في قوله وألق عصاك الخ كما أشار إليه بقوله كقلب العصا الخ والقوي القادر تفسير للعزيز ، وقوله الفاعل الخ تفسير للحكيم. قوله : ( عطف على بورك الخ ) هذا ما اختاره الزمخشريّ وقيل إنه معطوف على قوله إنه أنا الله الخ ة وقيل إنه معطوف على مقدر أي أفعل ما آمرك وألق الخ وما ذكره المصنف رحمه الله أولى لما في الثاني من عطف الإنشاء على الخبر والفعلية على الاسمية ، ولا يرد على المصنف رحمه الله لأنّ جملة بورك دعائية إنشائية مع أنه يجوز في مثله عطف الإنشاء على الخبر لكون النداء في معنى القول ، ولأنه على الثالث كان الظاهر فألق بالفاء وأشار بقوله ويدلّ الخ إلى أنّ تكرير أن التفسيرية في سورة القصص صريح فيه والقرآن يفسر بعضه بعضا والى أنه لا يرد عليه أنّ تجديد النداء في فوله يا موسى يأباه ، كما قيل لا لأنه جملة معترضة كما توهم لأنّ ذكران في الآية المستدل بهاينافيه بل لأنه ليس بتجديد نداء لأنه من جملة تفسير النداء المذكور فما ذكر غفلة
عما أشار إليه بتكرير أن فتدبر. قوله : ( تتحرّك باضطراب ) أي بشدة وضرب على الأوض لأنّ الهز التحريك الشديد كما قاله الراغب : ورأى بصرية لا علمية كما قيل ، وقوله حية خفيفة سريعة إشارة إلى التوفيق كما مرّ ، وقوله وقرئ جأن أي بهمزة مفتوحة هرباً من التقاء الساكنين ، وإن كان على حده كما قرئ في الضالين. قوله : ( ولم يرجع ) من شدة خوفه من عقب الرجل في الحرب إذا كر ورجع بعد ما فرّ قال :
فما عقبوا إذ قيك هل من معقب
وقوله رعب بالبناء للمجهول أو المعلوم أي اشتدّ خوفه ، وهو بوزن منع ، وقوله أريد به
أي أريد وقوعه به بأن قلبت حية لإهلاكه ، وقوله ويدلّ عليه أي على أنّ ذلك لخوفه بأيّ وجه كان فلا وجه لما قيل إنّ خوفه من الله لظنه أنه أراده به ، وقوله من غيري أيّ مخلوق كان حية أو غيرها ، وهو إشارة إلى مفعوله المقدر ، وقوله ثقة بي أي اعتمادا عليّ علة للنهي ، وقوله أو مطلقاً على تنزيله منزلة اللازم ، وقوله لقوله تعليل للثاني لشموليما الخوف من الله ، أو لقوله ويدلّ وفي الكشاف إنما رعب لظنه أنّ ذلك لأمر أريد به ويدل عليه إني لا يخاف لديّ المرسلون أي يدلّ على أن خوفه لظنه أنه أريد به ، إذ لو لم يكن الأمر كذلك لم يصح تعليل نهيه عن الخوف به ، وهو راجع إلى ما ذكره المصنف رحمه الله خصوصاً إن قلنا إن قوله لقوله متعلق بيدل فتأمّل. قوله : ( حين يوحى إليهم ) هو معنى قوله لديّ ، وقوله : من فرط الاستغراق بتوجههم الكلي إلى تلقي الأوامر ، وانجذاب أرواحهم إلى عالم الملكوت ، ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يرى كالمغشي عليه فيغيب عنهم كل شيء سواه(7/34)
ج7ص35
حتى الخوف وهذا باعتبار الأغلب والمعنى لا ينبغي لهم أن يخافوا في تلك الحال بل لا يخطر ببالهم الخوف وان وجد ما يخاف منه فيندفع رعبه الناشئ عن ظنه ، ولذا قيل : { أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ } [ سورة القصص ، الآية : 31 ] تثبيتا له وما قيل من أنّ الأولى طرح هذا وتبديله بقوله لا يلحقهم وقت الوحي ما يخافونه من بأس الله إذ به يندفع رعبه الناشئ عن ظنه ليس بشيء لأنه مع عدم منامبته للمقام غير محتاج إلى البيان. قوله : ( فإنهم أخوف الناس الخ ) بيان لتقييد عدم خوفهم بما مرّ الدالّ عليه قوله لديّ مع أنهم أشد خوفاً من الله كما قال { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } [ سورة فاطر ، الآية : 28 ] ولا أعلم منهم بالله. قوله : ( أو لا يكون لهم عندي سوء
عاقبة ) هذا جار على الوجهين أي لا تخف من غير الله أو لا تخف مطلقاً فإنك آمن من سوء العاقبة كسائر المرسلين ، والذي ينبغي أن يخشاه أولو العزيم وصفوة الخلق إنما هو ذلك :
إن ختم الله بغفرانه فكل ما لاقيته سهل
فمناسبته للمقام ظاهرة والمراد بسوء العاقبة ما في الآخرة لا الدنيا حتى يرد قتل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كيحعى صلى الله عليه وسلم فلديّ بمعنى عندي أي عند لقائه تعالى ، وقوله يخافون منه هو الصحيح وفي نسخة فيخافون بالفاء ، وكان الظاهر حذف النون منه.
تنبيه : ما ذكر هنا مبنيّ على مسالة أصولية وهي أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هل يأمنون مكر الله ولا يخافون سوء العاقبة لأنّ الله أمنهم من ذلك فلو خافوا لم يثقوا بما أمرهم الله به ، وهو الصحيح عند الأشعريّ أولاً وقد بيتاه في غير هذا المحل. قوله : ( استثناء منقطع استدرك الخ ) فمن في محل نصب أو رفع بهلى اللغتين فيه ، فإن قلت إذا كان المراد بمن ظلم من صدرت عنه صغيرة من المرسلين فهو متصل لدخولهم فيهم ، قلت : لو كان متصلا لزم إثبات الخوف لهم لاستثنائه من الحكم وهو نفي الخوف عنهم ، ونفي النفي إثبات فليس بمتصل بل هو شروع في حكم آخر ، ولذا قيل : إنّ المراد بمن ظلم غير المعصومين من الأمم أو هو على الوجه الأوّل فإنّ أحدا منهم لا يخاف حين الوحي ، وأشار بقوله استدرك إلى أنّ إلا بمعنى لكن في المنقطع ، وقوله من نفي الخوف متعلق بيختلج ، وقوله وفيهم الخ جملة حالية وقوله فإنهم تعليل لقوله استدرك وقصد معطوف عليه ، وكون وكز القبطي قبل النبوّة لا يضرّ كما توهم بل كلمة ثم تقتضيه لأنّ من صدر منه ما هو في صورة الظلم عامّ شامل لمن فعل شيئاً منه قبل رسالته أو بعدها ولذلك قيل إنّ تسميته ظلما مشاكلة لقوله : { ظَلَمْتُ نَفْسِي } [ سورة النمل ، الآية : 44 ] وعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتفصيلها في الأصول. قوله : ( وإن فعلوها الخ ) تفسير لقوله ثم بدل الخ وقوله وقيل متصل هو على الوجه الأخير فإنّ من صدرت منه صغيرة يخاف أمر عاقبته ، ثم بعده يتبين له خلافه ، أو يزول عنه بالتوبة وحينئذ قوله فانى الخ مستأنف ، وهو على الأوّل جواب من إن كانت شرطية وخبرها إن كانت موصولة ، وقوله وثم بدل مستانف أي على الاتصال ، وهو معطوف على محذوف مستأنف لا على المذكور لأنه لا يصح حينئذ كون الاستثناء متصلاً لأنّ تبديله ينافي الخوف فالتقدير فمن ظلم بالذنب ، ثم بدله بالتوبة { فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، وإسناد التبديل إليه ليس بحقيقيّ بل مجازيّ لأنه سبب لتبديل الله له بتوبته كما أشار إليه بقوله بالتوبة أي بسببها. قوله : ( لأنه كان الخ ) بيان
لقوله في جيبك دون كمك ، والمدرعة بكسر الميم وسكون الدال المهملة لباس لا أكمام له ، والجيب مدخل الرأس من القميص لا ما يوضع فيه الدراهم كما هو معروف الآن لأنه مولد وقوله لأنه يجاب أي يقطع فهو فعل بمعنى مفعول وقد مرّ معنى قوله من غير سوء وما فيه في سورة طه ، وقوله تخرج جواب الأمر وبيضاء حال وكذا من غير سوء وهو احتراس. قوله : ( في تسع آيات ( حال متعلق بادخل أي معدودة من جملتها ، وكائنة معجزة لك معها ، وقوله على أنّ التسع خبر مبتدأ مقدّر أي هذا على أنّ الخ والطمسة جعل أسبابها حجارة. قوله : ( ولمن عد العصا ) الخ إشارة إلى دفع ما يتبادر من أنّ آياته إحدى عشرة لا تسعاً إن عدّت اليد منها وعشرة إن لم تعد لأفرادها بالذكر والأخيرين الجدب والنقصان ، وهو ظاهر فإذا كانا واحدا ولم يعد الفلق كانت تسعاً ، وهذا أقرب مما في التقريب ممن أنّ الطمسة والجدب والنقصان ترجع لشيء واحد وذهب صاحب الفرائد إلى أنّ الجراد والقمل واحد والجدب والنقصان واحد. قوله :(7/35)
ج7ص36
( لأنه لم يبعث به إلى فوعون ) بل لهلاكهم به وان تقدمه بيسير ومن عده يقول يكفي معاينتهم له في البعث به أو هو بعث به لمن آمن من قومه ، ولمن تخلف من القبط ولم يؤمن ، وقوله أو اذهب معطوف على قوله في جملتها فهو متعلق بمقدر مستأنف في بمعنى مع وقوله مبعوثا الخ إشارة إلى أنه حال ، وقوله تعليل للإرسال أي مستأنف استئنافا بيانيا كأنه في جواب سؤال لم أرسلت إليهم بما ذكر ، وهو على وجهي تعلق إلى فرعون لأ!ن المقصود من الأمر بالذهاب الإرسال. قوله : ( بأن جاءهم موسى بها ) إشارة إلى أن الإسناد مجازي ما بينهما من الملايسة لكونها معجزة له ، والنكتة في العدول عن الظاهر الإشارة إلى أنها خارجة عن طوقه كسائر المعجزات وأنه لم يكن تصرّف عاديّ في بعضها ، وكونه معجزة له لإخباره به ووقوعه بدعائه ونحوه فلا يلزم حينئذ عدم اختصاصه به فلا يكون معجزة له كما توهم كيف ، وكثير من المعجزات كذلك كشق القمر ونحوه ولا ينافي هذا الإسناد إليه لكونها جارية على يديه للإعجاز في نحوه : { فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا } [ سورة القصص ، الآية : 36 ] في محلى آخر كما توهم ، وقد بين بعضهم وجها لاختصاص كل منهما بمحله بأنّ ثمة ذكر مقاولته ، ومحاولتهم معه فناسب الإسناد إليه وهنا لما لم يكن كذلك ناسب الإسناد إليها لأنّ المقصود بيان جحودهم لها فتدبر. قوله : ( بينة ) هو محصل المعنى ، وقوله أطلق للمفعول يعني استعمل بمعناه وهو إمّا
باستعماله بمعنى مفعول مجازاً أو على الإسناد المجازي ، كما قيل لكن قوله إشعاراً الخ يقتضي أنّ في الآيات استعارة بالكناية بأن شبهت بشخص وقف على مرتفع لينظر الناس ، وإثبات الأبصار له تخييل ، وقوله : جاءتهم ترشيح ولذا عبر بالأشعار لأنه لا ملازمة بينهما إذ قد يرى نفسه من استتر عن العيون ، ويرى الناس من لم يروه فسقط ما قيل من أنّ وجه الإشعار خفيّ ، وقوله أو ذات تبصر يعني به أنه للنسب كلابن وتامر والتبصر بمعنى الأبصار فإن تبصر ورد بمعنى أبصر ، وهذا الوجه لم يذكره في الكشاف. قوله : ( من حيث أنها تهدي والعمي ) جمع أعمى كحمر جمع أحمر لا تهتدي بنفسها فضلاً عن أن تهدي غيرها يعني أنها سبب للهداية فيكون لها نسبة إلى التبصر في الجملة باعتبار أنّ كلاً منهما سبب للهداية التي لا تكون مع العمي فليس هذا على أنه استعارة مكنية كما توهم ، وما وقع في الكشاف وشروحه كلام آخر وهو الذي غره. قوله : ( أو مبصرة كل من نظر الخ ) هو ما أشار إليه في الكشاف بقوله ، ويجوز أن يراد بحقيقة الأبصار كل ناظر فيها من كافة أولي العقل وأن يراد أبصار فرعون وملئه لقوله ، واستيقنتها أنفسهم بمعنى أنّ الأبصار المسند إلى الآيات مجاز لكل ناظر فيها من العقلاء أو لفرعون وقومه ولما كان العموم هو الظاهر ، ولذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله أيده بقوله واستيقنتها أنفسهم الخ. قوله : ( وقرئ مبصرة ) بفتحات على وزن اسم المكان ، ولذا فسره بقوله مكانا يكثر قيه التبصر ، والكثرة من الصيغة لأنه لا يصاغ في الأكثر إلا لمثله فلا يقال مضببة إلا لمكان يكثر فيه الضباب لا لما فيه ضبّ واحد ، ثم تجوّز به عما هو سبب لكثرة الشيء وغلبته كقولهم الولد مجبنة ومبخلة ، وهو المراد هنا وهذه القراءة شاذة نسبت لقتادة وعلي بن الحسين رضي الله عنهما ، وقوله واضح سحريته إشارة إلى أنه من أبإن اللازم وجعل جملة استيقنتها حالاً بتقدير قد لأنه أبلغ. قوله : ( ظلماً لأنفسهم ) أو للآيات والترفع التكبر وعد نفسه رفيع القدر وانتصابهما على العلية ، وأنهما مفعول له ، ويجوز أن يكون على الحالية والعلية باعتبار العاقبة والادّعاء فهو كقوله لدوا للموت وابنوا للخراب ، ولكونه أبلغ وأنسب لذكر العاقبة بعده اف!تصر المصنف عليه لاقتضاء فاء التفريع له وتذكير ضمير العاقبة لمطابقة الخبر. قوله : ( طائفة من العلم ) يعني أنّ التنوين للتقليل ، ويحتمل أن يكون للتعظيم والتفخيم واليه أشار بقوله أو علما أيّ علم وكلاهما مناسب للمقام لأنه إن نظر إلى أنّ القائل هو الله فكل علم عنده قليل ، وإن نظر إلى أنه للامتنان فالعظيم إنما يمتن بأمر عظيم فلا وجه لما قيل إنّ الثاني أوفق بالمقام
فينبغي تقديمه ، والمراد بالحكم الأخلاق والعلوم الحقيقية الشرائع تشمل علم القضاء والفتيا. قوله : ( عطفه بالواو الخ ) جواب عن سؤال مقدر ، وهو أنّ مقتض الظاهر أن يقال فقالا لترتب الحمد على الإيتاء المذكور كما تقول أعطيته فشكر فأجاب كما اختاره الزمخشريّ ، بأنه ليم يقصد وقوع هذا القول(7/36)
ج7ص37
في مقابلة ذلك الإيتاء لأنه لا يعادله فعدل عنه إشارة لذلك ، واشعاراً بأن ثمة معنى آخر ملاحظا كأنه مقدراً عطف عليه ما ذكر أي فعملا به وعلماه وعرفا حق نعمته وفضله وقالا الخ ، وهذا أحسن مما ذهب إليه السكاكيّ من أنه فوّض فيه الترتيب إلى العقل لأن المقام يستدعي شكرا بالغاً وفي طيه إشارة إلى أنه جاوز حد الإحصاء وإليه أشار المصنف رحمه الله بقوله كأنه قال الخ وقال : كأنه إشارة إلى أنه ليس بمقدر حقيقة وإن ذهب إليه بعضهم وتسمى هذه الواو الواو الفصيحة ، ولم يلتفت إلى احتمال أن يكون الحمد على نعم عظيمة ، ومن جملتها العلم فلذا لم يعطف بالفاء لعدم مناسبته للمقام. قوله : ( يعني من لم يؤت علماً الخ ) أي أراد داود عليه الصلاة والسلام بقوله كثير من لم يؤت علما أصلاً أو لم يؤت علماً مثل علمهما ، وهو علم القضاء أو علم النبوّة والتحريض لأنهما إذا فعلاه فقد نبها على فضله وحثا عليه ، وقوله أن يتواضع الخ إذ قالا على كثير دون أن يقولا على الناس أو على المؤمنين وهما قدوة لغيرهما. قوله : ( وإن فضل على كثير فقد فضل عليه كثير ) قيل فيه إنه يدل بالمفهوم على أنهما لم يفضلا على القليل فإمّا أن يفضل القليل عليهما أو يساوياه وإن سلم فلا أقل من أن يحتمل الأمرين ، وأجيب بأن الكثير لا يقابل القليل في مثل هذا المقام بل يدل على أنّ حكم الأكثر بخلافه ، ولما بعد تساوي الكثير من حيث العادة لا سيما والأصل التفاوت حكم بأنه يدل على أنه فضل عليهم كثيرون أيضاً على أنّ العرف طرح التساوي في مثله عن الاعتبار ، وجعل التقابل بين المفضل والمفضل عليه فإذا قيل لا أفضل من زيد فهم أنه أفضل من الكل ، وقيل إنه مبنيّ على قوله : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ سورة يوسف ، الآية : 76 ] وقوله النبوّة الخ لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تورث كما في حديث : " إنا معاشر الأنبياء لا نورث "
فالمراد بالوراثة قيامه مقامه فيما ذكر فهو استعارة وقوله أو العلم أي المخصوص بالنبوّة أو علما زائداً على ما كان له في حياته فلا يرد عليه أنه قبل موته كان عنده علم أيضاً. قوله : ( تشهير النعمة الله الخ ) يعني أنّ مخاطبته لعموم الناس لأجل إشاعة نعمه تعالى ، وتعظيم قدرها لا الافتخار كما قال صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " وقوله بذكر المعجزة متعلق بدصاء ، والمراد بالتصديق التصديق بنبوّته. قوله : ( وقد يطلق لكل ما يصوّت به على التشبيه ( وهو إمّا على تشبيه الصوت بالنطق استعارة مصرّحة أو على تشبيه المصوّت بالإنسان فيكون استعارة بالكناية ، وإثبات النطق لها تخييل ولو أريد بالنطق مطلق الصوت على أنه مجاز مرسل صح ، ولكنه لا يناسب المقام وقوله أو التبع يعني به المشاكلة التقديرية فإنه لما سمي صامتا على الحقيقة سمي غيره ناطقاً مشاكلة له فقوله : كقولهم نطقت الحمامة مثال للتشبيه مثله نطق العود ، وقوله ومنه الناطق والصامت بيان للتبع ، وقوله من حيث الخ توضيح للتبع وأنه مع المشاكلة فيه وجه شبه أيضا وهو أحسن أنواع المشاكلة أو هو رجوع إلى بيان التشبيه اعتناء به لأنه أحسن ، ولذا قدمه وليس المراد بيان التبع وأنه تبع الأصوات للتخيلات فإنّ ما له إلى التشبيه ولا جعل الاستعارة في الطير تبعية إثبات النطق لها على طريق التخييل كما قيل فإنه طريق آخر للتشبيه فتدبر. قوله : ( ما من جنسه ) أي ما كان من جنسه كما نشاهده منها إذا صوّتت للفزع وغيره وكما يقرقر الدجاج إذا وجد الحب ، وقوله الذي صوّته أي حمله على التصويت فالضمير منصوب بنزع الخافض أي صوت له ، أو بتضمينه معنى التصيير وتوخاه
بمعنى قصد 0 ، وقوله نصف ثمرة بالثاء المثلثة معلوم. قوله : ( فعلى الدنيا العفاء ) بفتح العين والمد كما قال صفوان بن محمد إذا أكلت كسرة وشربت ماء فعلى الدنيا العفاء وهو مثل للترك لعدم المبالاة ويكون العفاء بمعنى الدروس والانمحاء ، ومنه عفا الله عنه إذا محى ذنوبه والأنسب هنا الأوّل. قوله : ( فلعله الخ ) يعني ليس هذا ما فيمه من صوته دائماً بل في ذلك الوقت لما ذكر وقوله والضمير الخ إشارة إلى أنّ هذا يستعمله المتعظمون فكيف هو هنا ومقام النبوّة لا يناسبه وان كانوا عظماء ، ولذا سمي بعض النحاة نون نقوم نون العظمة وقال الزمخشريّ : إنه يقال لها نون الواحد المطاع فأجاب ، أولاً بأنها إنما تكون كذلك إذا لم يكن مع المتكلم غيره وأبوه معه وثانيا بأنه كان ملكاً مطاعا فتكلم بما يليق بحاله الذي كان عليه ، قال الزمخشري : وقد يتعلق بتجمل الملك وتفخمه وإظهار آيينه(7/37)
ج7ص38
وسياسته مصالح فيعود تكلف ذلك واجباً وفد كان وسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل نحوا من ذلك إذا وفد عليه وفد أو احتاج أن يرجح في عين عدوّ ألا ترى كيف أمر صلى الله عليه وسلم العباس بحبس أبي سفيان حتى تمرّ عليه الكتائب وقوله قواعد السياسة في نسخة السيادة. قوله : ( والمراد من كل شيء الخ ) لأنّ كل للإحاطة ، وقد ترد للتكثير كثيراً أو هو كناية أو مجاز مشهور ، وظاهره أنّ من زائدة لأنه لولاه لم يحتج للتأويل ، ولم يلتفت إليه لأنه غير مناسب لمقام المدح والتحدّث بالنعم. قوله تعالى : ( { مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ } الخ ) تخصيص الثلاثة لأنه لم يسخر له الوحش ، وتقديم الجن لأنه في بيان التسخر له ، وتسخير الجن أعظم أشق من تسخير الإنس والطير ولم يقدم الطير لذلك لئلا يفصل بين الجن والإنس المتقابلين ، والمشتركين في التمييز والتكليف ، وما قيل من أنّ مقام التسخير لا يخلو من تحقير فهو مناسب لتقديمهم لأنهم أحقر لا الإنس ليس بشيء لأنّ التسخير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام شرف لأنه في الحقيقة للّه الذي سخر كل شيء ، فإن قيل إنه كذلك من حيث هو في نفسه فمسلم لكنه مع أنه لا حاجة إليه ليس مناسبا للمقام ، وقوله يحبس أوّلهم على آخرهم أي يوقف أوّلهم شفقة على آخرهم لانتظارهم. قوله : ( واد بالشام ) وقيل بالطائف ، وقوله وتعدية الفعل أي أتى مع أنه يتعدى بنفسه أو بإلى إمّ لأنّ إتيانهم الوادي كان من جانب عال فعدى بها للدلالة على ذلك كما في قول المتنبي :
ولشد ما قربت عليك الأنجم
لما كان قربا من فوق وقوله من عال في نسخة من عل ويصح فيه مع فتح العين كسر
اللام وضمها ، وفتحها مع القصر وهو من الظروف بمعنى فوق كما في قوله :
كجلمود صخر حطه السيل من عل
لأنّ الريح كانت تحملهم في الهواء وفيه لغات مذكورة في المطوّلات وقوله أو لأنّ المراد قطعه الخ يعني أنه من قولهم أتى عليهم الدهر إذا أفناهم فالإتيان على الوادي على هذا بمعنى قطعه إلى آخره ، وقد كان فيما قبله بمعنى الوصول إليه ، وأنفده بالدال المهملة بمعنى أفناه ومنه لنفد البحر وقوله : كانهم أرادوا الخ فالإتيان عليه بمعنى قطعه مجاز عن إرادة ذلك ، والا لم يكن لقوله لا يحطمنكم وجه إذ لا معنى للتحذير بعد قطعه ومجاوزته لواد فيه النمل ، وأخريات الوادي بمعنى آخره ومنتهاه يقال جاء في أخريات الناس ، وهو جمع أخرى بمعنى آخرة فانث باعتبار البقعة. قوله : ( قالت نملة الخ ) أنثه مراعاة لظاهر التأنيث ، وان كانت تاؤه للوحدة وما نقل عن أبي حنيفة رضي الله عنه من أنّ نملة سليمان عليه الصلاة والسلام كانت أنثى استدلالاً بهذه الآية فيه كلام طويل في شروح الكشاف ، والمفصل لا حاجة لنابه وقوله : كأنها الخ بيان لمعنى النظم والحطم أصله الكسر والمراد به الإهلاك بوطئهم لها ، وقوله فصاحت الخ قيل الفاء لتفصيل ما قبلها ، وتفسيره فلا يلزم تكرار قوله فتبعتها بل عدم صحة تفريعه وقيل التابع في قوله فتبعها غيرها بعض النمل وما بحضرتها كلها ، أو التبعية الثانية في الدخول للبيوت لا للفرار وهذا أقرب. قوله : ( فشبه ذلك الخ ) ففيه استعارة تمثيلية شبه الفرار والتصوبت خوفاً وتبعية غيرها لها بمن ينصح آخرين فاتبعوه وامتثلوا مقالته وعبر بذلك وأجرى مجراه ، ويجوز أن تكون مكنية ، وقوله أجروا الخ أنسب به من التمثيل كما لا يخفى والإجراء مجراهم في النداء ، والواو التي هي ضمير العقلاء ، وأمّا خلق الله لها عقلاً ونطقاً حقيقياً وان جاز لكنه غير مناسب هنا من ذكر اختصاص سليمان عليه الصلاة والسلام بفهم أصوات الحيوان إلا أن يخص بالطير لظاهر النظم. قوله : ( نهى لهم ) أي لسليمان وجنوده والمراد نهي النمل عن التوقف حتى تحطم على طريق الكناية لأنّ الحطم غير مقدور للنمل ، ولولا هذا لم يصلح للبدل من الأمر أيضا كما في لا أربيك هاهنا فإنه في الظاهر نهي للمتكلم عن رؤية المخاطب ،
والمقصود نهي المخاطب عن الكون بحيث يراه المتكلم. قوله : ( فهو استئناف ( تفريع على كونه نهياً عن التوقف بطريق الكناية لأنّ البدل الاشتمالي إنما يصح إذا لوحظ هذا فاعتراض أبي حيان عليه بهذا غفلة عما أرادوه ، وما قيل في جواب إنه كيف تصح البدلية ومدلولهما متخالفان أنه إذا كان المعنى النهي عن التوقف بحيث يحطم زالت المخالفة ، وحصل الاتحاد يقتضي أنه بدل كل من كل بناء على أنّ الأمر بالشيء عين النهي بمن ضده ، وعلى ما ذكرناه لا حاجة لهذا ، وقوله لا جواب له الخ ردّ على الزمخشريّ في تجويزه تبعا(7/38)
ج7ص39
لأبي البقاء ، وقوله في الكشف كما مرّ في الأنفال إنّ دخول النون لأنه في معنى النهي اعتذار عن ارتكاب ما لا داعي إليه ، وكونه مخصوصا بضرورة الشعر صرح به سيبويه رحمه الله قال في الكتاب وهو قليل في الشعر شبهوه بالنهي حيث كان مجزوما غير واجب ، ا هـ نعم هو وارد على المصنف حيث جوّزه في قوله تعالى : { لاَّ تُصِيبَنَّ } ومثله بهذه الآية وقال لما تضمن معنى النهي ساغ فيه ذلك ، ولا يخفى ما بين كلاميه واذا كان جوابا فلا نافية لا ناهية. قوله : ( كأنها شعرت عصمة الأنبياء ) عليهم الصلاة والسلام أصله بعصمة الأنبياء فهو منصوب بنزع الخافض يعني أنها لعلمها بذلك نزهتهم عن صدور ذلك منهم قصدا بالذات أو بالتسبب لفعل الجنود بإذنه أو برضاه ، وقوله وقيل استثناف الخ قيل إنه معطوف على مقدر أي ، وهو حال وقيل الخ وقوله فهم الخ لأنّ الفاء أظهر في الاستئناف ، والضمير يحتمل أن يرجع على الأوّل لسليمان وجنوده وأن يرجع لجنوده فقط. قوله تعالى : ( { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا } ) الفاء للسببية فلا حاجة إلى تقدير معطوف عليه أي فسمعها فتبسم وجعلها فصيحة كما قيل ، ووجه مناسبته لما بعده على الثاني ظاهر وأمّا على الأوّل فوتجهه أنه متضمن لنعمة عظيمة ، وهي كونه ملكا مطاعا ذا جند أو كونه وجنوده لا ظلم لهم لقولها وهم لا يشعرون فاكتفى بما يدل عليه التزاماً ، واليه أشار الزمخشريّ بقوله أضمحكه ما دلّ من قولها على ظهور رحمتة ورحمة جنوده ، وشفقتهم وعلى شهرة حاله وحالهم في باب التقوى وذلك قولها وهم لا يشعرون ، ا هـ وقد يقال يكفي في المناسبة تحقق تلك الحال ، وأن لم يكن تبسمه لها وهذا أنسب بكلام المصنف ، وقوله ضاحكا حال أي شارعا في الضحك ، وكذلك ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد قيل إنها حال مقدرة وإنّ فائدتها بيان أنّ التبسم ليس استهزاء ، وفيه نظر على ما فصل في الكشاف وشروحه. قوله : ( من إدراك همسها الخ ) أورد على قوله همسها أنه ينافي قوله قبيله فصاحت صيحة ، وأجيب بأنّ صوتها همس
بالنسبة إليه وصياح النسبة إلى النمل الذي بقربها ، وأمّا علمه بمنطق الطير فلا يفيد أنه لا يعلم غيره من أصوات الحيوانات ، ولو سلم فهذا على سبيل خرق العادة أو باعلام الله ، وما روي عن الشعبيّ من أنّ لها جناحين فعلى تسليم صحته عنه لا يقتضي عذها من الطيور ، وما قيل من أنه علم منطق الطير على الخصوص أوّلاً ثم علم بعده ما يعمه وغيره تكلف ما لا يقال بالرأي. قوله : ( 1 جعلني أرّع شكر نعمتك ) يعني أنّ همزته للتعدية ، ولا حاجة إلى جعله تضميناً أي يسر لي الشكر وازعا إياه وازع كاضع في حذف واوه ومعناه أكفه وأحبسه وهو مجاز عن المداومة والملازمة ، وقوله لا ينلفت بالفاء والتاء الفوقية بمعنى يذهب أو بالقاف والباء الموحدة وهو بمعناه والأوّل أولى ، وقيل معناه الإغراء ، وقيل الإلقاء والإلهام وما قيل من أنّ معناه تقييد النعمة بالمداومة على الشكر محتاج إلى جعل الشكر مجازاً عن النعمة فإنه سببها أو كناية وهو بعيد لذكر النعمة معه ، وإن كان شكر النعمة نعمة مع أنّ طلب المداومة على الشكر أنسب بحال الأنبباء عليهم الصلاة والسلام. قوله : ( أدرج فيه ذكر والديه ) يعني أنّ ما ذكر ما أنعم به على والديه مع ما أنعم به عليه في حيز الشكر لتكون النعم التي اعترف بها كثيرة ، فإنّ الاعتراف بالنعمة شكر فإذا كثرها أي اعترف بكثرتها عليه فقد شكر شكراً كثيراً ، وهذا باعتبار كون الأنعام عليهما إنعاما عليه ، واليه أشار بقوله فإن النعمة عليهما الخ ووجهه أنّ الله أنعم عليهما بالدين والعراقة ، وحسن الأخلاق وقد ورث ذلك منهما فكان ما أنعم به عليهما وصل إليه لكونه سبباً بحسب الظاهر لنعمتة ، ولا يرد عليه شيء مما توهم وقوله أو تعميما وجه آخر للإدراج اقتصر عليه في الكشاف ، ومعناه أنّ ما أنعم به عليه غير خاص به بل هو عامّ شامل لوالديه لكونه سبباً لذكرهما والدعاء لهما ، واليه أشار بقوله والنعمة عليه يرجع نفعها الخ ففيه لف ونشر مرتب ، وقوله سيما الدينية فإنه إذا كان تقياً نفعهما دعاؤه وشفاعته ، ودعاء المؤمنين لوالديه إذا رأوه واليه أشار في حديث : " إذا مات ابن آم انقطع عمله ) الخ وقيل التكثير باعتبار أنّ النعمة عليه غير النعمة عليهما بحسب الظاهر ، وكذا العكس والتعميم باعتبار المآل ،
وأنّ النعمة عليه نعمة عليهما وبالعكس فتأمّل. قوله تعالى : ( { تَرْضَاهُ } ) صفة مؤكدة أو مخصصة إن أريد به كمال الرضا ، وقوله تماما(7/39)
ج7ص40
للشكر أي تتميماً له بذكر شكر الأركان بعد شكر اللسان المستلزم للجنان.
قوله : ( في عدادهم الجنة ) الجنة مفعول أدخلني المقدر ، وقدره لئلا يتكرّر مع ما قبله لأنه
إذا عمل عملاً صالحا كان من الصالحين ولك أن تقول إنه عد نفسه غير صالح تواضعا ، وعدادهم بكسر العين بمعنى جملتهم ، يقال هو في عديد القوم وعدادهم إذا عدّ واحدا منهم كما في المصباح ، وجعل الزمخشريّ معناه اجعلني من أهل الجنة على طريق الكناية من غير تقدير. قوله : ( وتعرّف الطير ) أي أراد معرفة الموجود منها من غيره ، والتفقد تفعل من الفقد وهو العدم بعد الوجود فهو أخص من العدم ، ومعناه ما ذكر وأصله تعرّف الفقد ، وقوله أم منقطعة فمعناها بل كما أشار إليه بقوله فاضرب ، وقوله ما لي لا أراه أي عدم رؤيتي له لأيّ سبب مع حضوره ألساتر أم لغيره ، وقوله كأنه يسأل عن صحة ما لاح له عبر بكأنّ لأنّ المسؤول! عنه في الحقيقة ليس هو الصحة ، وقوله في قفص! لأنه لا يلازم ضده ما لم يكن محبوسا ، وقوله بحجة تفسير للسلطان ولم يعبر بها مع أنها أظهرلما فيها من حسن الاتفاق ، وهو أنّ حجته بلقيس وهي سلطان. قوله : ( والحلف في الحقيقة الخ ) دفع لسؤال محصله كما يفهم من الكشاف وشروحه أنّ الحلف على فعل الغير في المستقبل لا يصح إلا إذا علم به فلا تقول والله ليأتيني زيد غدا إلا وأنت متيقن ، أو قريب من المتيقن له وهذا ليس كذلك ، وقيل إنه عن أنه لا يحلف المرء على فعل غيره لأنه غير مقدور له فكيف حلف عليه وقرنه بالمقدور وهو الوجه لا عدم درايته فإنه غير لازم في الحلف فجوابه بأنه يجوز أن يعلمه بوجه غير موجه مع أنّ قوله سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ينافيه ، ودفع المنافاة بجواز أن يأتي بحجة لا يعلم سليمان عليه الصلاة والسلام صدقها وكذبها غير سديد إذ قوله مبين يأباه ، وفي الكشف والحاصل أنّ الحلف على الأوّلين وأدخل الثالث في سلكهما للتقابل لا لأنه محلوف عليه بالحقيقة ، وهو نوع من التغليب لطيف المسلك وتبعه بعض الشراح ، وجعله تغليبا لم يظهر لي معناه فإن قلت إن أريد أن الحلف على فعل الغير ليس بواقع في كلام العرب فليس بصحيح فإنه كثير في كلام العرب كقول امرئ القيس :
لناموا فما إن من حديث ولا صالي
وفي الحديث ليردنّ الحوض أقوام ، وان أرإد شرعا فكذلك لتصريح الفقهاء بأنه لو قال
لآخر أقسمت عليك بالله لتفعلن كذا ، وقصد اليمين كان يمينا يستحب إبراره ما لم يكن مكروها أو محرّما فما وجه ما ذكروه هنا قلت : الظاهر أنه ليس معناه ما ذكر حتى يرتكب أمور متكلفة بل لأنّ مقتضى الظاهر أن يقال لأعذبنه أو أذبحنه إلا أن يأتيني بسلطان على تقييد المحلوف عليه بذلك ، واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله بتقدير عدم الثالث. قوله : ( لكن لما اقتضى ذلك الخ ) ظاهر قوله أحد الأمور الثلاثة أنّ أوفى الثلاثة للترديد لا أنها في الأوّلين للتخيير ، وفي الثالث للترديد بينه ، وبينهما كما قيل ولا في الأوّلين للتخيير وفي الثالث بمعنى إلا لأنّ لام القسم تأباه ، ووجه القراءتين ظاهر وعليهما رسم المصاحف القديمة. قوله تعالى : ( { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ } ) بيان لمقدار ما مضى من غيبته بعد التهديد ، وقراءة غير عاصم بض الكاف وهما لغتان فيه فكون الضم دالاً على شدة غيبته لتوافق الحركة معناه لا وجه له. قوله : ( وفي مخاطبتة إياه بذلك الخ ) يعني أنه تعالى ألهم الهدهد أن يخاطبه بما ذكر ابتلاء له وتنبيها له على ما ذكر ليعدّ نفسه حقيرة صغيرة ، وأن كان نبياً ملكا وهو من خطابه بأنه أحاط علمه بما لم يحط به لا من رؤية سبا حتى يرد أنّ التفرّد بالوقوف على بعض المحسوسات لا يعد كمالاً. قوله : ( وقرئ ب!دغام الطاء في التاء ) في أحطت وفرطت ، وبسطت فقرئ في السبعة بالإدغام مع بقاء صفة الإطباق ، وليس بإدغام حقيقيّ وقرأ ابن محيصن في الشواذ بإدغام حقيقي ، واعترض ابن الحاجب رحمه الله على القراءة الأولى بأنّ الإطباق صفة الحرف ، والإدغام يقتضي إبدالها تاء وهو ينافي وجود الصفة لأنه يقتضي أن تكون موجودة ، وغير موجودة وهو تناقض فالتحقيق على هذه القراءة أنه لا إدغام فيها ولكنما أطلق عليه إدغام توسعا ، فإن قلت يرد عليه ألم نخلقكم فإنه قرئ بوجهين إدغام محض وغير محضن ، وهي مثل هذه في الإطباق ، قلت بينهما فرق فإنّ الكاف والتاء مهموستان فلذا قوي الإدغام في الأولى دون الثانية ، فإن قلت لم قرئ في خلقكم بإدغام محض فقط قلت لأنه إدغام كبير(7/40)
ج7ص41
والصغير لسكونه ضعفت صفته ، فلذا جاز زوالها وبقاءها هذا محصل ما تلقيناه من أهل الأداء وفي النشران التاء تدغم في الطاء في قوله : { أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ } [ سورة هود ، الآية : 14 ا ] وفي التسهيل إنه إذا أدغم المطبق يجوز إبقاء الإطباق وعدمه وقال سيبويه كل عربي والإطباق رفع اللسان إلى الحنك وأحطت بمعنى
علمت علماً تامّاً كأنه محيط بالمعلوم. قوله : ( غير مصروف ) ا للعلمية والتأنيث لتاويله بما ذكر ومن صرفه فباعتبار الحيّ أو القوم أو الأب اكبر أو المكان ، ومن سكن الهمزة نوى الوقف واليه أشار الشاطبيّ رحمه الله بقوله :
وسكنه وانو الوقف زهرا ومندلا
والقواس راو لقنبل رحمه الله وقرى بالألف وسكون الباء في الشواذ. فوله : ( بخبر محقق ) الخبر تفسير للنبا ومحقق تفسير ليقين ، وفي الكشاف النبأ الخبر الذي له شأن فهو أخص من الخبر ، ولذا اختير في النظم مع ما فيه من التجنيس ، وموازنة سبا وهو معنى لغوي صرّح به أهل اللغة فلو فسر به المصنف رحمه الله كان أقعد فما قيل من أنه ليس بوضعيّ ، ولذا تركه المصنف ليس بصحيح ، وقول المحدثين أنبانا أحط من درجة أخبرنا لا يرد لأنه اصطلاح ، وقال الراغب : النبأ خبر ذو فائدة يحصل به علم أو غلبة ظن فلا يقال للخبر نبأ حتى يتضمن هذا ، وقوله : ( لما أتم بناء بيت المقدس ) الخ هذا ينافي ما سيأتي في سورة سبأ من أنه عليه الصلاة والسلام مات قبل إتمامه وهو المشهور ، ولعل فيه روايتين ، وقوله فوافى أي جاء وقوله وأقام بها أي بمكة لعلمها من الحرم أو لتأويل الحرم بها أو بالبقعة وقوله رائده براء ودال مهملتين هو الذي يتقدّم لطلب الماء وخصه بهذه الخدمة دون غيره من الطير لأنه قيل إن الله خصه بأنه يرى الماء تحت الأرض كما يرى ما في الزجاج ، وقوله لذلك أي لطلب الماء ، وقوله إذ حلق تعليل لقوله فلم يجده والتحليق بالحاء المهملة الارتفاع في الهواء ، وقوله فتواصفا أي وصف كل منهما ملك أرضه وكان الهدهد الآخر يمانياً بأرض بلقيس ، وقوله وما خص الخ معطوف على قدرة الله أو على عجائب وإنكاره من العجائب ، وقوله يستكبرها بالباء الموحدة أي يعدها أمرا كبيرا عظيما عظم الله به بعض خواصه وكان الظاهر يسلمها ولكن الذي دعاه للتعبير به التجنيس مع قوله يستنكرها أي يعدها أمرا منكرا ، والمراد بذلك أمر سليمان عليه الصلاة والسلام مع الهدهد ، وقوله : أعظم من ذلك أي مما ذكر في هذه القصة. قوله تعالى : ( { إِنِّي وَجَدتُّ } الخ ) قال وجدت دون رأيت للإشعار بأنه أمر غير معلوم أوّلاً لأنّ
الوجدان بعد الفقد وهو مراد من قال إنه للإشعار بغرابة الحال فلا وجه لردّه بعدم ما يدل عليه ، ولم يقل تملكها لأنّ ملك المرأة للجلل أغرب ، وبلقيس بكسر الباء علم لملكة سبأ معرّب وهو قبل التعريب مفتوح كما ذكره الطيبي ، وشراحيل بفتح الشين المعجمة ، وقوله والضمير لسبأ أي المراد به الحيّ أو لأهلها إن كانت علماً للبلدة فيعود على الأهل المعلوم من السياق أو المقدّر. قوله : ( يحتاج إليها الملوك ) كان الظاهر إليه لكنه أنته باعتبار أنّ كل شيء في معنى أشياء ، وهو إشارة إلى وصف مقدر لتصح الكلية فهو كالاستغراق العرفي ولئلا يسوي بينهما وبين سليمان إذ قال : وأوتينا من كل شيء ، والقرينة عليه قوله تملكهم هنا ، واذا كان المراد بها التكثير لا يحتاج للتأويل ، وجملة وأوتيت معطوفة أو حال بتقدير قد وقوله بالنسبة إليها يعني لا بالنسبة لسليمان عليه الصلاة والسلام ، والسمك الارتفاع وسمك البناء ونحوه هو طوله ، ولذا قابله بالعرض. قوله : ( كأنهم كانوا يعبدونها ) قيل الظاهر أن يقول لأنهم وكأنه عدل عنه لأنّ سجودهم يحتمل التحية ، أو جعلها قبلة كما يفعله النصارى ، وقوله وزين الخ يحتمل العطف على يسجدون والحالية بتقدير قد ، وقوله من مقابح أعمالهم وفي نسخة أفعالهم بمعنى قبائح ، ولو عبر به كان أحسن. قوله : ( فصدّهم لئلا يسجدوا ) الظاهر أنه أراد أنه على تقدير لام الجرّ قبل أن المصدرية ، وهو متعلق بصذهم ، وأمّا كونه بدلاً من السبيل ولا زائدة فوجه في النظم لكن تفسير هذه العبارة به كما قيل غير متوجه ، وفيه وجوه ككونه بدلاً من أعمالهم كما ذكره المصنف وعد عدم السجود من الأعمال بعيد ولذا لم يذكره الزمخشريّ أو متعلق بزين على تقدير اللام أي لئلا يسجدوا قيل ، ولم يتعرّض المصنف رحمه الله لأنّ الفاء للسببية فالمعنى زين لصدهم وفيه نظر لأنّ الفاء لا يلزم أن تكون سببية لجواز كونها تفريعية(7/41)
ج7ص42
أو تفصيلية ، وقد أورد مثله على تقدير لئلا يسجدوا متعلقا بمحذوف وجوابه ما مرّ أو مجرورا بإلى مقدّرة متعلقة بيهتدون وفي محله بعد حذف الجار قولان مشهوران ، وبقيت وجو. أخر ذكرها المعرب ككونه خبر مبتدأ محذوف هو دأبهم أنّ لا الخ وفي تقديره أعمالهم ما مرّ. قوله : ( ويا للنداء لخ ( اختار أبو حيان أنها للتنبيه مؤكدة لا لأوتوا لي حرفين للتأكيد مع تغاير اللفظ فصيح ، وإنما اختاره لئلا يلزم الإجحاف في الحذف أي حذف المنادى ، وجملة أدعو ورسمه متصلا بدون
ألف على خلاف القياس. قوله : ( فقالت الخ ) أي يا فلان اسمع وأعظك مجزوم في جواب الأمر ، والخطة بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة ، وهي الخصلة المهمة وفي سخة بخطبة والظاهر أنه تحريف ، وسميعا منصوب بمقدر أي ناديت سميعا أو حال ، وفي نسخة سمعنا وأعميبي أي تكلمي بالصواب. قوله : ( وعلى هذا ) أي على قراءة التخفيف واذا كان من سليمان فهو بتقدير القول ، والوقف على يهتدون على هذه القراءة استحسانيّ وعلى غيرها ليس كذلك للفصل بين العامل ومعموله فتزيد آية أخرى في هذه السورة ، وأورد هذا على قوله في التيسير أنّ اختلافهم في رؤس الآي في موضعين أولوا بأس شديد وصرح ممرّد من قوارير ورد بأنه لا يلزم من تعلقه بما قبله ، وعدمه كونه آية أو بعض آية كما في كثير من الآيات والآيات توقيفية ليس مدارها على الوقف وعدمه ، وفيه نظر لأنه لو كان كذلك جاز الوقف بحسب الظاهر فتأمّله ، وجملة الأمر بالسجود معترضة وقوله صح أن يكون استئنافا أي جملة مستأنفة إشارة إلى أنه يصح أن يكون استئنافا من كلام الهدهد إمّ خطابا لقوم سليمان للحث على عبادة الله ، أو لقوم بلقيس بتنزيلهم منزلة المخاطبين قيل وأمّا كونه من كلام سليمان عليه الصلاة والسلام فياباه ، قوله قال : سننظر بعده ، وقوله وعلى الأوّل أي قراءة التشديد. قوله : ( وعلى الوجهين ) أي القراءتين وكونه أمرا أو ذما أمّا على الأوّل فظاهر ولو حكاية ، وأمّ على الذمّ فإنه في معنى الأمر بخلافه ، وفيه ردّ على الزجاح في قوله بوجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد ، ولذا قال الزمخشريّ إنه غير مرجوع إليه لمخالفته لما صرّح به الفقهاء ، وقوله في الجملة أي ولو مرّة في العمر ، وقوله لا عند قراءتها أي حين تقرأ يجب ذلك على القاركئى والسامع. قوله : ( وقرئ هلا وهلا ) بتخفيف اللام وتشديدها ، وقوله وألا تسجدون وهلا تسجدون بإثبات النون والتخفيف والتشديد أيضاً فيكؤن للعرض أو للتخضيض ، وشمجدون يحتمل الغيبة والخطاب وتحرير هذه القراآت وتوجيهها له تفصيل في الشواذ لم نذكره لطوله. قوله تعالى : ( { مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } ) المراد وصف علمه بالإحاطة التامّة حيث استوى فيه
الباطن ، والظاهر ولذا قدم ما يخفون مع مناسبته لما قبله من الخبء وكمال القدرة من قوله يخرج الخبء ، وقوله وهو يعم الخ لكون الشمس مخبوأة بالليل والكواكب بالنهار ، وقوله بل الإنشاء انتقال إلى ما هو أشد خفاء ، والفرق بين الإنشاء والإبداع أنّ الأوّل ما له مادّة موجودة كان الشيء فيها بالقوّة ، والثاني ما ليس كذلك وقوله بالقوّة متعلق باستقر الذي تعلق به قوله في الشيء لا بما في قوله في الشيء من معنى الفعل ، والمراد بالإمكان الإمكان الصرف وبالوجوب الوجوب بالغير لأنّ الممكن يجب بعلته ، وهو لا ينافي الإمكان الذاتيّ ، وهو مذهب الحكماء وكأنه عطف عليه الوجود للتفسير والإشارة إلى مذهب غيرهم. قوله : ( ومعلوم أنه ) أي ذلك الإخراج يختص بالواجب وجوده ، وهو الله تعالى والقراءة بتاء الخطاب إمّا على أنه خطاب للناس ، أو لقوم سليمان أو لقوم بلقيس بتنزيلهم منزلة الحاضرين على الوجوه السابقة ، وقوله الذي هو أوّل الأجرام بيان لوجه تخصيصه بالذكر بناء على ما وود أنه أوّل ما خلق الله. قوله : ( فبين العظمتين ) وفي نسخة العظيمين والبون البعد المعنوي ، والفرق البين أي عظمة عرس الله الحقيقية التي هي أعظم من كل شيء ليست كعظمة عرس بلقيس التي هي بالنسبة إلى بعض المخلوقات فلا تسوية بينهما ، وان وقع ذلك في التعبير وفي الصحاح البون الفضل والمزية يقال بأنه يبونه وبينهما بون بعيد وبين بعيد ، والواو أفصح فأمّا في البعد الحقيقي فيقال إنّ بينهما لبينا لا غيو كما حققه أهل اللغة ، فمن قال البون بحسب المكان أو الشرف لم يصب.(7/42)
ج7ص43
قوله : ( من الثظر بمعنى التأمّل ) أي التفكر ، والتدبر وهو تفعل من الأمل كما تقدم يقال نظر فيه إذا تأمّل ، واليه إذا رآه وله إذا راعاه ومن كلام المأمون ما أحوجني إلى ثلاث صديق أنظر إليه ، وفقير أنظر له وكتاب فيه. قوله : ( والتنيير للمبالغة ) أي لم يقل أم كذبت وهو أخصر وأشهر لأنّ هذا أبلغ لإفادته انخراطه في سلك الكاذبين ، وعده منهم فهو يفيد أنه كاذب لا محالة على أتم وجه ، ومن كان كذلك لا يوثق به لكنه أورد عليه أنّ أصدقت أم كذبت أبلغ هنا ، وأنسب بالمقام لأنه على هذا اتهم بالكذب ، وعلى ذاك علم كذبه فيتعين أنه لمراعاة الفاصلة ، وليس بشيء لأنّ وجه المبالغة أنّ أحقر مخلوق إذا كذب بين يدي عظيم يخشى سطوته دل على أنه شديد الكذب حتى لا يملك نفسه في أيّ موطن كان فتدبر. قوله : ( ثم تنح عنهم الخ ) إنما حمله عليه لأنّ التولي بالكلية ينافي قوله فانظر إلا أن يحمل على القلب ، وهو غير مناسب ، وقوله تتوارى فيه أن تختفي ، وفي نسخة فتوار فيه والتواري مأخوذ من السياق لأنّ نظره من مكان قريب يتبادر منه ذلك فسقط ما قيل إنه لا دلالة في الكلام عليه ، والتعبير بالإلقاء والطرح
لأنّ تبليغه لا يمكن بدونه ، وجمع الضمير لأنّ المقصود تبليغ ما فيه لجميع القوم. قوله : ) ماذا يرجع بعضهم الخ ) إشارة إلى أن رجع متعد فإنه يكون متعدّيا ولازماً ، ومن القول بيان لماذا ولا يبعد أن يلهم الله ذلك الهدهد ما يفهم به الكلام ، ولا ينافيه قوله انظر لأنه بمعنى تأمّل والتأمّل يكون للأقوال والأفعال ولا حاجة إلى جعل النظر مجازا عن مطلق الإدراك. قوله : ( بعدما ألقى إليها ) إشارة إلى أنّ فيه إيجازا كما في المثل السائر ، والتقدير فلما أخذ الكتاب وذهب به وألقاه وقرأته قالت : وقيل إنه لا حاجة إلى التقدير لأنه مفهوم من سياق الكلام ، وأنه استئناف جواب عن سؤال تقديره فما قالت لما صل إليها الكتاب. قوله : ( لكرم مضمونه ) يعني أنّ وصفه بالكرم إمّا لأنه بمعنى الشرف ، وشرف الكتاب بشرف مضمونه كما في زوج كريم ، وهو بهذا المعنى لا يختص بالإنسان أو الإسناد مجازي ، أو هو بتقدير مضاف أي كريم مرسله وقد كانت عرفت شرفه ، وعلوّ منزلته بالسماع أو هي عرفته من كونه مختوماً باسمه على عادة الملوك والعظماء واليه أشار بقوله لأنه الخ ، وقد وقع في نسخة أو لأنه بالعطف فيكون كريما بمعنى مختوما قال في شرح أدب الكاتب يقال كرمت الكتاب فهو كريم إذا ختمته ، وفي الحديث : " كرم الكتاب ختمه " وقال ابن المقنع من كتب إلى أخيه كتاباً ولم يختمه فقد استخف به. قوله : ( أو لغرابة شأنه الخ ) يعني أنه لكونه كما ذكر أمراً غريباً يدل على شأن عظيم لمرسله ، ومعناه فهذا وجه أعئم مما قبله ، وقوله مستلقية بمعنى نائمة في الفراش ، وقوله كأنه الخ إشارة إلى أنه استئناف بياني ، وقوله أو العنوان وهو ما يكتب على ظاهر. لفظ من سليمان وهذا بقرينة الحال والمعتاد والا فالعنوان لم يذكر قبل ، وقرئ بفتح إنّ فيهما على أنه بدل أو بتقدير لام التعليل قبله كما ذكره ومعنى أنه بسم الله الخ إنه هذا اللفظ أو ملتيس به. قوله : ( ان مفسرة ) بمعنى أي والمفسر
ألقى إليّ كتاب أو كتاب نفسه لتضمنهما معنى القول دون حروفه ، ولا ناهية على هذا واذا كانت مصدرية فهي نافية ، وضمير هو للكتاب بمعنى المكتوب كضميري إنه وتقدير المقصود ناظر إلى أنّ ضمير إنه الأوّل للعنوان والثاني للمضمون أي ما تضمنه باطنه ، وأنه فيهما إمّا من كلام سليمان عليه الصلاة والسلام أو بلقيس وكونه بدلاً من الكتاب إمّ على تقدير اللام أو على جواز تعدد البدل وفيه كلام للنحاة. قوله تعالى : ( { وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ) إن كانت لا ناهية فعطف الأمر عليه ظاهر ، وان كانت نافية وأن مصدرية فبناء على جواز وصلها بالأمر وعطف الإنشاء على الخبر لكونه في تأويل المفرد ، وقوله مؤمنين بناء على معناه المتعارف وأنّ الإسلام ، والإيمان متساويان وأنّ دعوته ل!يمان دعوة النبوّة لا الملك ، وما بعده على أنّ المراد به معناه اللغويّ ، وأنّ الدعوة دعوة الملك وقد رجح هذا بأن قولها إنّ الملوك الخ صريح في دعوة السلطنة ورد بأنّ اللائق بشأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن تكون دعوتهم وغضبهم لله ، وهو الموافق للرواية هنا وقولها إنّ الملوك الخ لعدم تيقنها لبنوّته حينئذ. قوله : ) وهذا الكلام في غاية الوجازة الخ ) وجه الوجازة تضمنه لمعان كثيرة في ألفاظ قليلة لتضمنه الدلالة على ذات الله وصفاته(7/43)
ج7ص44
والأمر والنهي ، وكذا كانت كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جملاً لا يطيلون ولا يكثرون ، واطلاق الصانع عليه تعالى بمعنى الخالق ورد في الحديث كقوله : " إن اللّه صانع كل صانع وصنعته " ذكره السبكيّ فلا حاجة إلى القول بأنه ورد في قوله صنع الله بناء على الاكتفاء بورود المادّة ، كما قيل : وقوله أو التزاما كذا في أكثر النسخ ، والظاهر أن يقال والتزاما لدلالة الله على الذات صراحة ، وعلى الصفات التزاما والرحمن الرحيم بعكسه كما قيل ، والأحسن أن يقال إنّ قوله صريحا أو التزاما راجع إلى الصانع فإنه ليس في البسملة دلالة عليه بح!سب الظاهر فإن فسر الرّحمن الرحيم بمعنى المنعم بجميع النعم التي منها الإيجاد كان صريحا فيه والا فالله ، وهو المعبود بحق يدلّ على كونه الخالق التزاما. قوله : ( وليس الأمر ( أي بقوله ائتوني الخ وهذا بناء على أنه دعوة نبوّة لا سلطنة كما مرّ وهو الظاهر لكن ما ذكره لا يخلو من شيء فإنّ كون إلقاء الكتاب على هذا الوجه معجزة غير واضح خصوصاً ، وهي لم تقارن التحدي ، ولزوم التقليد غير مسلم لأنّ الجاري منهم الدعوة إلى الإيمان أوّلاً فإذا عارضوهم أقيم الدليل فهذا هو الرتبة الأولى ولم يصدر منهم معارضة حتى يحتاج إلى ذكر.
قوله : ( في أمري الفتئ ) أي في هذا الأمر الحادث والفتيّ بتشديد الياء فعيل بمعنى فاعل ومنه الفتوى ، لأنها جواب الحوادث وهو من الفتاء في السن ، والمراد بالفتوى هنا الإشارة عليها في هذه الحادثة بما يقتضيه رأيهم وتدبيرهم ، وفي نسخة في أمر الفتوى والأولى أصح وأقوى ، وقوله ما أبت أمراً أي أقطعه وفي نسخة ما أتيت ، وفي أخرى أثبت وقطع الأمر فصل القضية بالحسم فيها ولذا قرأ ابن مسعود رضي الله عنه قاضية ، وما كنت المراد به أنها استمرّت على ذلك أو لم يقع منها غيره في الزمن الماضي فكذا في هذا وحتى تشهدون هو غاية للقطع ، والممالأة المساعدة ومنه الملأ والعدد جمع عدّة وهي ما يعد من آلات الحرب ، والنجدة بكسر النون وبعدها جيم ودال مهملة المراد بها البلاء في الحروب. قوله : ( موكول ) يشير إلى أنّ الخبر مقدر مؤخرا ليفيد الحصر المقصود لفهمه من السياق واليك متعلق به ، وهذا تسليم للأمر إليها بعد تقديم ما يدلّ على القوّة حتى لا يتوهم أنه ناشئ من العجز ، وقيل معناه نحن جند شأننا الطاعة والحرب لا الرأي والتدبير وقوله نطيعك ونتبع رأيك وقع في نسخة مجزوما في جواب الأمر والأمر في النظم بمعناه المعروف أو بمعنى الشأن ، وجمع الملوك للدلالة على أنه أمر عامّ في جنسهم فهو لا محالة صادر منه وقوله تزييف أي ردّ وهو استعارة من زيوف النقود لردّها ، وأحست بمعنى فهمت مجازاً والعرضية بالعدد كما مرّ والخطط جمع خطة بالكسر ، وهي الديار وأراضيها وبينه وبين التخطي تجنيس. قوله : ( ثم إنّ الحرب سجال لا يدري عأقبتها ) هذا مثل مستعار من المساجلة وهي المناوبة في السقي من السجل وهو الدلو يعني كل من زوالها تارة يغلب وتارة يغلب ولا اعتماد على قوّة وشوكة فكم من ضعيف غلب ، وقوقي غلب فقوله لا يدري عاقبتها تفسير للمراد منه هنا وأنه كناية عن عدم الوثوق فسقط ، ما قيل إنه
غير مناسب للمقام فإنه إنما يقال لمن غلب مرّة ، وكونه على طريق الفرض أي لو سلم أنكم غلبتم مرّة فالحرب سجال ، والعطف بثم يقتضيه كما قيل ليس بشيء لأنّ المعنى المراد أنه يخرّب الديار إن فررنا ولم نقاتله ، وإن قاتلنا. فلا نعرف ما يكون حالنا فالصلح خير وعطفه بثم لتفاوت رتبتة وكون معنى المثل ما ذكر غير مسلم فإنه يقوله من لم يقاتل أصلاَ كما صرّحوا به ، وقوله وجعلوا الخ لم يقل وأذلوا أعزة أهلها مع أنه أخصر للمبالغة في التصيير والجعل وقوله وكذلك يفعلون أي الملوك أو سليمان ومن معه ، وهذا أولى فإنه يكون تأسيساً لا تأكيداً كما ذكره ولو قيل كلام المصنف يحتمله ، والتأكيد لاندراجه تحت الكلية جاز. قوله : ( درّة عذراء ) أي لم تثقب وهو استعارة حسنة ، والجزعة بكسر الجيم وتفتح وسكون الزاي والعين المهملة نوع من الجوهر ملوّن وتعويج نفيها لئلا يمكن إدخال سلك فيها ، والمعسكر محل العسكر وقوله تقاصرت إليهم نفوسهم أي أظهرت القصر بمعنى الحقارة والمراد أنه اتضح لهم أنها حقيرة ، أو المعنى أنهم نظروا إلى أنفسهم متقاصرين من قولهم قصر في عمله أو من القصور وهو ضدّ تطاول بمعنى تعظم ، قال المعرّي :
وعند التناهي يقصر المتطاول
واليهم بمعنى عندهم أو هو لتضمينه معنى راجعة إليهم تاركة للترفع ، وقد ذكرها الأزهريّ في تهذيبه وأخطا(7/44)
ج7ص45
من أنكر مفردا كالعلامة في شرح الكشاف ، وقوله بالحال أي ببيان الحال وطلب الحق بضم الحاء وتشديد القاف بمعنى الحقة ، وهي معروفة وهو بالواو في النسخ والظاهر حذفها جواب لما ، وقد يقال جواب لما قوله فأمر الأرضة وهي الدويبة المعروفة فإنه يجوز اقترانه بالفاء كما صرّحوا به ، وقوله وأخبر أي الرسول عما فيه وفاعله ضمير سليمان ، وقوله فاخذت شعرة أي فثقبتها فأخذت فالفاء فصيحة ، وقوله ونفذت بالمعجمة بمعنى خرقتها بدخولها ، وقوله فتجعله في الأخرى أي اليد الأخرى قيل إنه كان عادة نساء ذلك الزمان فميز به الذكور من الإناث ، وقوله تضرب بها أي باليد الأخرى والمعنى تصبه عليه ، وقوله كما يأخذه الكاف للمفاجأة أي في حين أخذ. ، وما وقع من إخباره بما لم يره وما معه معجزة له.
قوله : ( أي الرسول ) هذا أولى لموافقته للقراءة الأخرى ، ولذا قدمه ونسبة المجيء إلى
الهدية مجازية ، والمراد بالمرسل بلقيس وذكره لتأويله بالشخص ، وضمير الجمع حيمئذ لتعدد
الرسول أو لإطلاق الجمع على الاثنين وفي القراءة بنون واحدة المحذوف نون الوقاية ويجوز أن تكون الأولى فرفعه بعلامة مقدّرة والقراءة بنونين لنافع وأبي عمرو وبني الفعل للمجهول لشهرتها وان كان دأب المصنف التعبير بمثله في الشواذ لكنه غير مطرد منه. قوله : ( فما آناني اللّه الخ ) فسره بالنبوّة والملك ، وان كان المناسب للمفضل عليه وقوله أتمدّونني بمال ذكر أمر دنيويّ لأنّ هذا أبلغ لأنّ من بلغ الغاية في الوصول إلى ما في الدارين كيف يحتاج إلى إمداد غيره ، وقوله فلا حاجة الخ إشارة إلى أنّ المراد من تفضيل حاله ليس الافتخار والفرح به بل هو كناية عن عدم قبوله لهديتهم ، ثم إنّ اقترانه بالفاء دون الواو الحالية على إنها قيد لما أنكر فتكون هذه الجملة معلومة ، وتسمى مثلها الحال المقرّرة للإشكال كما في نحو أتهينني وأنا صديقك القديم ، وهنا الأمر ليس كذلك فجعل علة له ، والعلة كالمعلل لا يجب أن تكون معلوما فيحتاج للبيان كما في الكشاف وشروحه ، والوقع مصدر بمعنى الاعتبار كما يقال له موقع عندي. قوله تعالى : ( { بَلْ أَنتُم } الخ ) إضراب عما فهم أي أنا لا أفرح بل أنتم أو عن إنكار الإمداد وتعليله إلى بيان ما حملهم عليه من قياس حالهم على حاله كما سيذكره المصنف رحمه الله ، والهدية تضاف إلى المهدى والمهدى إليه كالعطية كما في الكشاف وإليهما أشار بقوله بما يهدي إليكم أو بما تهدونه ويحتمل أنه عبارة عن الرد أي من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها لا أنا ولما فيه من الخفاء تركه المصنف رحمه الله لأنه ليس بخارج عما ذكر إلا بمغايرة اعتبارية. قوله : ( والإضراب الخ ) هذا هو الوجه الثاني ، وهو ظاهر لأنه إضراب انتقالي عن جملة ما قبله وانكار الإمداد من قوله أتمذونني بمال وعليه متعلق بالإنكار وضميره للرسول ، والإفراد لأنهم في حكم شيء واحد أو بالنظر إلى الرسول دون من معه أو لسليمان والجارّ والمجرور حالط من الإمداد أو متعلق به لتضمنه معنى الامتنان أو لما فيه من معنى الإعانة وقوله وتعليله بالجرّ معطوف على إنكار ، وهو المستفاد من قوله فما آتاني الخ. قوله : " لى بيان ) خبر قوله الإضراب ، وقوله حملهم عليه أي على الإمداد ، وقوله في قصور الخ هو جار على الوجهين في إضافة هدتيكم لأنه إذا قصرت همتهم على الدنيا على ازديادها سرّهم ما يهدي إليهم لأنه يزيد في مالهم ، وما يهدونه لأنه يزيد فخرهم واشتهارهم ولأنّ الهدايا للعظماء
قد تفيد ما هو أزيد منها مالاً أو غيره كمنع تخريب ديارهم هنا فما قيل إنّ قوله والزيادة فيها يوهم اختصاص بيان وجه الإيضراب بالوجه الأوّل فإنّ الزيادة فيه دون الثاني إذ فيه نقص المال لكن إذا لوحظ أنّ إهداء الهدايا العظيمة لا يتيسر بدون كثرة المال يظهر انتظام الزيادة لكلا الوجهين ناشئ من زيادة القصور. قوله تعالى : ( { ارْجِعْ } ) جعله المصنف أمراً للرسول وجوّز في الكشاف أن يكون للهدهد أيضاً بان يحمله كتابا ولم يذكره المصنف لضعفه دراية ورواية ، وقوله فلناتينهم الخ قيل إنه جواب شرط مقدّر أي إن لم يأتوني مسلمين فلا يتوهم أنه حنث في يمينه إذ لم يقل إن شاء الله ، وقوله لا طاقة أي لا قدرة فالقبل بمعنى المقاتلة بالمقابلة جعل مجازا أو كناية أو كناية عن القدرة عليها ، والصغار الذل والعرس السرير والمراد بالملا من عنده من الجن والإنس ، وكان الرسول وجع إليها وأخبرها بعظمته فعلمت أنها لا تقاومه فحفظت عرشها وتجهزت للخروج إليه كما قيل. قوله : ( فإنها إذا أتت الخ ) هذا مرويّ(7/45)
ج7ص46
عن قتادة وليس! هذا غنيمة ولم يذكر أحد أنه أخذه لتملكه ، وإنما أراد إظهار معجزته وقوّته لها فلا يرد أن الغنائم لم تحل لأحد قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولا ينافي ردّ الهدية وتعليله بقوله : { فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم } كما قيل لأنّ هذا ليس بهدية لها ، وأمّا ما يفهم منه من حل أخذه قبل إسلامها وحيازته فلأنه مال حربي يجوز إتلافه ، والتصرف فيه بغير رضاه بخلاف مال المسلم مع أنّ الظاهر أنه بوحي فيجوز أن يكون من خصوصياته لحكمة كما أشاروا إليه فلا إشكال فيه أصلاً. توله : ( لأنه يقال للرجل الخبيث المنكر المغفر أقرانه ) أي الذي يغلب قرنه ويصرعه ، ويمرّغه في التراب فهو جسب الأصل والاشتقاق لا يختص بالجن حتى يكون قوله من الجن بعد عفريت لفوا لأنه يقال رجل عفر وعفريه نفريه وعفريت نفريت وعفارية نفارية إذا كان خبيثاً ، وفي الحديث : " إن الله يبغض العفريت النفريت " فالتاء زائدة في آخره للمبالغة ، وقوله وكان يجلس الخ بيان لأنّ ما ذكر مبين لمقدأر زمان الإتيان لكونه معلوما حينئذ. قوله : ( على حمله (
لم يقل على إتيانه كما هو المتبادر لأنّ قوله قوفي قرينة عليه ، وان لم يقل قادر وقوله لا أختزل بالخاء والزاي المعجمتين بمعنى لا أقتطع شيثاً من جواهره وذهبه تفسير للأمانة ، والاختزال بهذا المعنى صرّح به أهل اللغة فلا عبرة بمن أنكره من شرّاح الألفية ، والقوّة صفة تصدر عنها الأفعال الشاقة ، ويطيق بها من قامت به تحمل الأجرام العظيمة فلذا اختير قويّ على قادر هنا ، وآصف بالمد وزيره أو كاتبه وبرخيا بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الخاء المعجمة وبعده مثناة تحتية ويمد ويقصر ، وبه استدلّ على إثبات الكرامات لكنه مع الاحتمال يسقط الاستدلال ، وقوله أيده الله به أي قوفي الله سليمان عليه الصلاة والسلام بمعونته وسببيته وكون المراد أيد اللّه الملك بالعلم بعيد. قوله : ( أو سليمان نفسه ) ولا يرده الخطاب في آتيك لأنه على هذا للعفريت كما صرّح به المصنف رحمه اللّه فلا يتوهم منافاته لهذا التفسير فإنّ حقه أنا آني به ، ولا قوله فلما رآه إذ المناسب فلما أتى به لأنّ قوله آتيك باعتبار سببيته له ، وقوله رآه عنده للإشارة إلى أنه لا حول ولا قوّة فيه فهو كقوله : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى } [ سورة الأنفال ، الآية : 7 ا ] فان أراد أنه مخالف للظهر فهو الذي أخره ، وقوله التعبير الخ يعني على هذا الوجه بيان لنكتة الأطناب فيه ، والمراد بالكرامة ما أكرمه الله به لا معجزة لأنها لم تقارن التحدّي ، وقوله بسببه يعني لا بقوّة جسمانية كما ذكره العفريت. قوله : ( أو أراد إظهار معجزة في نقله ) أي نقل عرشها سريعاً ، وقيل المناسب عطفه بالواو إذ لا يفهم منه وجه إيراد كاف الخطاب ، وإنما يفهم منه وجه قوله أيكم يأتيني مع أنّ الإتيان يقع منه آخراً إذا الإظهار الذي ذكره حاصل ولو بلا خطاب ، ولذا قيل ينبغي أن لا يكون حينئذ الخطاب للعفريت بل لكل أحد كما في قوله : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } [ سورة النساء ، الآية : 3 ] ولا يخفى أنه لا تحدّى فيما قبله ، ولذا قال فيه كرامة فالتقابل بينهما يقتضي العطف بأو والتحذي يقتضي أنه كان بعضهم منكرا ، وتخصيص الخطاب بالعفريت لامتيازه من بينهم بدعوى القدرة على الإتيان به وهو ظاهر من كلام المصنف ، وقوله والمراد الخ يعني على الأوّلين والأخير ، وقوله واللوح على الثالث والرابع وبجوز التعميم. قوله : ( والطرف تحريك الأجفان للنظر ( فهو مقدمة النظر كما أنّ مقدّمة الرؤية ، ثم تجوّز به عن النظر والعين نفسها ولكونه مصدراً في الأصل كثر إفراده واليه أيظ ر بقوله فوضع موضعه أي موضع النظر بمعنى عبر به عنه لأنّ الرد والارتداد أظهر فيه ، وقيل لا حاجة إلى لوضع المذكور إذ المراد قبل ارتداد تحريك الأجفان بطبقها بعد فتحها ، وفيه
نظر. قوله : ( ولما كان يوصف الناظر الخ ) بيان للتجوز في ارتداد النظر بأنه لما عبر عن النظر بالإرسال تعبيرا شائعا والإرسال الإطلاق ، والتسريح وهو إما لتوهم نور امتد من العين إلى المرئيّ ، واما لتهيئة الآلات للتحريك وتوجيهها نحو المنظور فعبر عن مقابله بالرد لذلك فيكون استعارة تمثيلية على استعارة أخرى أو مشاكلة. قوله : ( وكنت الخ ) هو لعبد اللّه بن طاهر الحماسيّ وبعده :
رأيت الذي لأكله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
والرائد طالب الماء والكلا للقوم ، وهو حال وأتبعتك جواب إذا والمناظر جمع منظر ،
وقوله رأيت الذي(7/46)
ج7ص47
الخ تفصيل لقوله أتعبتك المناظر أي إذا جعلت عينك طالبة لقلبك ما يهواه أوقعتك في المشاق التي لا تقدر على خصيلها ، ولا تصبر على تركها كما قيل من أرسل طرفه استدعى حتفه ، وقوله وصف برد الطرف جواب لما ، وقوله والطرف معطوف على الضمير المستتر فيه للفاصل ، وقوله والمعنى أي معنى الآية ولمح البصر وردّ الطرف تمثيل للسرعة ، وقوله والمعنى الخ إن كان المراد ما روي أن آصف قال لسليمان مد طرفك ، وقبل ردّ طرفه حضر عنده فهو حقيقة لا مثل فقوله ومثل وجه آخر كما في الكشاف ولا يلزم أن يكون مجازاً كما هو في اصطلاح أهل المعاني ، وهذا يعرفه من تتبع كتب الأمثال ، ويحتمل أن يريد بيان ما كنى به عنه تمثيلا فهووجه واحد. قوله : ( حاصلاَ بين يديه ) متعلق الظرف إذا كان كونا عامّا كحاصل ومستقرّ وجب حذفه عند النحاة ، ولذا أشكلت هذه الآية عليهم فذهب ابن مالك إلى أنه أغلبيّ ، وأنه قد يظهر كما في هذه الآية وقوله :
فأنت لدى بحبوحة الهون كائن
ومن لم يجوّزه قال مستقرّاً هنا بمعنى ساكنا غير متحرّك فهو خاص أو الظرف متعلق
برآه ، واذا كان بمعنى ساكناً فالمراد أنه قارّ على حاله الذي كان عليه فلا يرد عليه أنه لا فائدة فيه فلا يناسب المقام كما قيل هكذا قرره النحاة ، وغيرهم فمن ذكره بحثا من عنده فقد أغرب
وشاكلة المخلصين طريقتهم ، وقوله من غير استحقاق أي استحقاق بالذات فلا يتوهم أنه سوء أدب ، وقوله والإشارة الخ أو إلى الحضور ، وقوله من مسيرة شهرين لأنه تحوّل في أثناء ذلك من صنعاء إلى الشام كما قيل ، والا فمسافته من صنعاء ثلاثة أيام وما مرّ في الإسراء تقهدم تحقيقه ، وقوله بان أجد نفسي في البين أي بان أثبت لنفسي وجودا وتصرّفا في ذلك وليس البين بمعنى البعد كما توهم. قوله : ( ومحلها النصب ) أي محل هذه الجملة ، وفي نسخة محلهما أي أشكروا كفر وقد جعله في سورة الملك مفعولاً ثانياً لفعل البلوى لتضمنه معنى العلم ، وقوله فإنما يشكر يعني فائدة الشكر عائدة إليه فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين وشكرهم ، والعبء كالحمل لفظا ومعنى ، وهو استعارة وليس قوله فإنّ ربي قائم معلوله الذي هو الجزاء ، وهو فإنما ضرر كفرانه عليه بقرينة ما قبله حتى يناسب تفسيره بأنه لا يتوقع عوضا ، ولا يفعل لغرض يفوت بفوته لأنه لا يناسب قوله كريم. قوله : ( بتغيير هيئتة وشكله ) قال الراغب التنكير جعل الشيء بحيث لا يعرف ضدّ التعريف ومنه نقل إلى مصطلح أهل العربية ، وظاهر أنه لا يكون إلا بتغيير هيئته وشكله عما كان عليه كما ذكره المصنف ، ولا فرق بين هذا وبين تفسيره بتغيير معاهده عندهما إلا أنّ قوله عندهما لا وجه له لأنه لم يكن معهودا لسليمان عليه الصلاة والسلام حتى يذكر ، والمعهودية إنما هي لصاحبته ، وقوله لها يعينه لأنّ لامه للبيان كما في حيث لك فيدلّ على أنها المراد خاصة بالتنكير لأنّ المقصود اختبارها والمراد بالتغيير التغيير في الجملة حتى لا ينافي الاختبار ولا مانع من أن يراد بالهيثة ، والشكل معناهما المصطلح كما قيل. قوله : ( إلى معرفته ) تنازعه الفعلان أو الجواب الصواب بالجرّ معطوف علئ معرفته والمراد بهما ما هو في شأن العرس لئلا يتحد مع ما بعده ، وقوله لموقيل إلى الإيمان مرضه لأنّ تنكير عرشها وعدمه لا يتضح كونه متعلقا بجواب الأمر لأنه لا يظهر مدخليته في الإيمان وليس إبقاؤه على حاله أعون كما توهم بل وجهه كما أشار إليه المصنف رحمه الله أنّ الدعوة السابقة لما كانت دعوة إلى النبوّة فإذا ظهر على يدي الداعي مثل هذه المعجزة من سبق عرشها من تلك المسافة بعدما غلقت الأبواب ، والأقفال كان ذلك داعيا لهداية من هداه الله ، فما قيل المراد إلى الإيمان منضماً إلى أحد الاحتمالين المذكورين كما يشير إليه قوله كانها ظنت الخ ناشئ من سوء الفهم ، وقوله مغلقة عليها الظاهر عليه بتذكير الضمير فيهما إلا أنه على تقدير مضاف أي على عرشها والحرّاس جمع حارس. قوله : ( تشبيهاً عليها ) تعليل لقوله قيل أي لم
يقل أهذا عرشك لئلا يكون تلقيناً للجواب بل قيل إعرشك مشابه لهذا ليختفي حاله عنها لأنها ربما ظنته عرشاً مثله إذا لم يكن لها فطنة فهو إمّا بمعناه المعروف وضمن معنى لتلبيس أي ليس عليها الأمر للتشبيه ، وترك التصريح لأنها كانت جنية كما قيل فخافت الجن من أن يتزوّجها فيرزق منها ولدا يحوز فطنة الإن! وخفة الجن فيضبطهم ضبطا قويا فرموها عنده بالجنون ، وان رجليها كحوافو البهائم فلذا اختبرها بهذا ، وبما يكون سببا للكشف(7/47)
ج7ص48
عن ساقيها ، أو هو تفعيل من الشبهة وهي أن لا يميز أحد الشيئين عن الآخر لما بينهما من شدة التشابه عيناً أو معنى ، والمراد إلقاء للشبهة عليها لما ذكر وأما تلقين التشبيه فلا يفوّت زيادة الامتحان كما قيل. قوله : ( ولم ئقل هو ) أي هو هو لاحتمال أن لا يكون عينه فأتت بكأنّ الدالة على غلبة الظن في اتحاده معه مع الشك في خلافه ، ولم تقل أظنه هو ليطابق الجواب السؤال ، وهذا إشارة إلى أنّ كأنّ ليس المراد بها هنا التشبيه بل الشك ، وهو مشهور فيها وهذا دليل على كيسها وفطنتها والفرق بين كأنّ وهكذا في التشبيه كما أفاده صاحب الانتصاف أن كان تفيد قوّة الشبه حتى كأنّ المتكلم شكك نفسه في تغايرهما وهكذا تفيد الجزم بتغايرهما ، والحكم بوقوع التشبيه بينهما فلذا عدلت عنها. قوله : ( من تتمة كلامها ا لا من كلام سليمان عليه الصلاة والسلام وأتباعه ، وضمير لها لبلقيس وقوله أو المعجزة معطوف على الحالة وضمير قبلها لها فالمعنى لا حاجة إلى لاختبار لأني آمنت قبل وهذا يدل على كمال عقلها أو المعنى علمنا إتيانك بالعرس قبل الرؤية أو هذه الحالة بالقرائن أو الأخباو. قوله : ( وعطفوه على جوابها ) أي على ما أجابوها به إذ أجابت فهو عطف على مقدر اقتضاه المقام المقتضى للإفاضة في وصفها برجاحة الرأي ورزانة العقل في الهداية للإسلام فالتقدير أصابت كيت وكيت ، وأوتينا العلم الخ فسقط ما قيل عليه من أنه لا مجال للعاطف بين كلامي شخصين إلا في العطف التلقيني وما نحن فيه ليس منه ، ومن لم يدره قال لا بد على هذا من تقدير القول ني الحكاية لا ني النظم أي وقال سليمان ، وقومه عاطفين كلامهم على كلامها فعطفهم من المحكي ولا بد للعطف في الحكاية من تقدير القول ، وهذا مع أنه لا محصل له تعسف أنت في غنى عنه بما مرّ. قوله : ( لما فيه من الدلالة على لسأنها الغ ا لا يخفى أنها لم تجزم بما ذكر من كونها معجزة مع أنّ مجرّد العلم بأنها معجزة لا يدل على الإيمان بدون التصديق ، والإذعان ولا دلالة في الكلام عليه ، ولذا مرّضه المصنف رحمه الله وأخره عكساً لما في الكشاف لما ذكر مع ما فيه من التقدير ، هذا محصل ما في الحواشي ، وأنت إذا تأمّلت كلام الزمخشريّ عرفت أنّ المصنف لم يأت بزبدته فوقع فيما وقع
فيه ، وهذه عبارته لما كان المقام الذي سئلت فيه عن عرشها وأجابت بما أجابت به مقاماً أجرى فيه سليمان وملؤه ما يناسب قولهم ، وأوتينا العلم نحو أن يقولوا عند قولها كأنه هو قد أصابت في جوابها ، وطبقت المفصل وهي عاقلة لبيبة وقد رزقت الإسلام وعلمت قدرة الله وصحة النبوّة بالآيات التي تقدمت عند وفدة المنذر ، وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها عطفوا على ذلك قولهم وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته ، وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها ولم نزل على دين الإسلام شكر الله على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله والإسلام قبلها ، ومحصله انّ في الكلام طيا لما ذكروه من علمهم بإسلامها ، وانقيادها وتصديقها بالمعجزات وذلك المطوي هو المعطوف عليه وليس الدال على ذلك قولها كأنه هو بل جعل علمهم واسلامهم قبلها فإنه يومي إلى ما ذكر فتدبر فإنّ هذا المقام مما زلت فيه الأقدام ، وقوله ويكون غرضهم الخ إذ لا فائدة في وصف سليمان عليه الصلاة والسلام وقومه بما ذكر وهو معلوم. قوله : ( تجويزا غالبا ( هو من قوله كأنه هو ، وقوله واحضاره أي العرس ثمة من معجزات سليمان فإن كان هو الذي أحضره فلا كلام فيه ، وكذا إذ! كان من أيد به من الملائكة فإن كان آصف أو عفريتا فلأنّ إقدار الله له لما كان لسليمان وقد جرى ذلك بأمره وعلى يديه كان معجزة له ، ثم إنّ المراد بالمعجزة مطلق ا!خارق للعادة ، وان لم يكن معه تحد فإنها كثيراً ما تستعمل بهذا المعنى فلا يرد عليه شيء وقوله لا يقدر عليها غير الله أي لا كسبا ولا خلقا فلا مخالفة فيه لمذهب الأشاعرة ، وقوله ولم نزل الخ الاستمرار من كان وهي في الوجه الأوّل لمجرّد المضيّ وضمير قبلها لبلقيس. قوله : ( وصدّها عبادتها الخ ) إشارة إلى أنّ ما مصدرية والمصدر فاعل صد ، ويجوز كونها موصولة واقعة على الشمس أو الشيطان والإسناد مجازفي فيهما ، وقوله أو وصدها الله ففاعل صد ضمير الله وما مصدرية قبلها حرف جرّ مقدّر وهو عن ، ويجوز كون الفاعل ضمير سليمان وما موصولة أيضا واذا أبدل من فاعل صد فهو بدل اشتمال ، وعلى التعليل قبله لام مقدرة وعلى الكسر هي أيضاً مفيدة للتعليل. قوله : ( قيل لها ادخلي ا لم يعطف على قوله قيل أهكذا لأنه(7/48)
ج7ص49
استئناف في جواب ماذا قيل لها بعد الامتحان ولو عطف لم يفد ذلك ، وضمير رأته إذا كان الصرح القصر له بتقدير مضاف أي رأت صحنه ، وقوله وكشفت لا حاجة إلى عطفه على مقدر أي شمرت وكشفت لأنّ الكشف عنه عينه ، ولذا قال المصنف في تفسيره فكشفت
إشارة إلى تفرّعه عنه باعتبار ما ذكر ، وإنما ترك الفاء فيه في النظم لأنّ الشرط سبب له بواسطة ما عطف عليه كقولهم إذا جاء الأمير استأذنت وخرجت أي ، واذا استاذنت خرجت ومن زعم أنّ فيه مقدراً حسب المصنف غفل عنه هو الغافل ، وسيأتي تحقيقه في الفتح وضمير من تحتها للزجاج ، وهو يجوز تأنيثه لأنّ واحده زجاجة ، ووضمع السرير في صدره لتمرّ إليه فتحتاج لما ذكر. قوله : ( بالهمز ) أي بهمز ألف ساق خلا على جمعه لأنه يطرد في الواو المضمومة هي أو ما قبلها قلبها همزة فانجرّ ذلك بالتبعية إلى المفرد الذي في ضمنه ، وادعاء أنها لغة فهي يأباه الاشتقاق وفيه ردّ على من قال إنّ هذه القراءة لا تصح ، وممرّد بمعنى مملس ومنه الأمرد ، وقوارير جمع قارورة ، وقوله بظني بسليمان أي بظني السوء به ، ولذا فسره بقوله فإنها الخ وذي تبع من ملوك اليمن ويقال لهم الإذواء لأنّ أعلامهم تصدر بذو والمراد صاحب هذا الاسم كذي يزن وقد بين في محله ، وهمدان بسكون الميم ودال مهملة من بلاد اليمن وبفتح الميم من بلاد العجم. قوله : ( بأن اعبدوا الله الخ ) على أنّ إن مصدرية يجوز وصلها بالأمر ، ولا ضير فيه كما مرّ ويجوز كونها مفسرة لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه ، ويجوز تقدير اللام أيضاً وصالحاً بدل من أخاهم أو عطف بيان. قوله تعالى : ( { فَإِذَا هُم } ) أي ثمود لأنه اسم للقبيلة كما ذكره الراغب أو هؤلاء ليشمل صالحاً والأصح الأوّل ، وقوله ففاجأ وأشارة إلى أنّ فجائية ، وقوله فآمن فريق وكفر فريق أي من ثمود وجعل المصنف رحمه الله في الأعراف أحد الفريقين صالحاً وحده ، والآخر قومه والحامل عليه كما ذكره ابن عادل العطف بالفاء فإنها تؤذن أنهم بمجرّد الإرسال صاروا فريقين ولا يصير قومه فريقين إلا بعد زمان ويأباه قوله أطير نالك وبمن معك وتعقيب كل شيء بحسبه على أنه يجوز كون الفاء لمجرّد الترتيب كما في المغني ، وفريق الكفرة أكثر ولذا ناداهم بقوله يا قوم لجعلهم في حكم الكل وقوله والواو أي ضمير يختصمون ، وهو صريح في أنه صفة فريقان إذ لو كان خبراً ثانيا كما قيل لكان بقوله هم فما أوهمه من قوله ففجاؤوا التفرّق والاختصام ليس بمراد فإنه بيان لحاصل المعنى ، ومفاجأة التفرّق وقوعه عقب الإرسال ، والمعنى فاجأ إرسالنا تفرّقهم واختصامهم فليس وجها آخر كما
توهم والكفر والإيمان معنى افتراقهم ، والاختصام معلوم منه أو هو ما وقع في محل آخر بقوله : { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا } [ سورة سبأ ، الآية : 32 ] الآية وقوله يختصمون دون يختصمان على المعنى للفاصلة ، والعامل في إذا مقدّر لا يختصمون لأنّ معمول الصفة لا يتقدّم على الموصوف ، وقوله : قال يا قوم الخ جملة مستأنفة بيان لما جرى معهم لا للاختصام وإن صح. قوله : ( بالعقوبة ) هذا ما في الكشاف وغيره ولم يحملوا السيئة على ظاهرها لأنّ المعنى عليه ، وكذا الكلام في حمل الحسنة على التوبة والتقابل حاصل من كون أحدهما حسنا والآخر سيئاً فلا وجه لما قيل من أنّ الأنسب بتفسير الحسنة بالتوية تفسير السيئة بالمعاصي ، وليس بسديد مع أنّ المعصية قبل التوبة قما وجه العتاب حينثذ ، وقوله فتقولون الخ تفسير لاستعجالها وقد مرّ في الأعراف والقرآن يفسر بعضه بعضاً فلا مجال لما مرّ. قوله : ( قبل التوية ) مرّ وجه اختياره ، وأمّا تفسيرها بالحال الحسنة وهي رحمة الله فغير مناسب للحال كما أشار إليه بقوله : ( فإنهم كانوا يقولون ) الخ ويعين هذا قوله لولا الخ فما ذكر لب التفسير بالمأثور ، وما سواه من القشور. قوله : ( تستنفرون الله قبل نزوله ) أي العذاب تخطئة لهم وتجهيل فإنّ الاستغفاو إنما ينفع قبل معاينة العذاب وما ذكر من العقوبة والتوبة إنما قدروه على قول صالح ، وهو خاطبهم على حسب اعتقادهم ، وقوله : فإنها لا تقبل حينئذ أي حين نزول العذاب ومشاهدة البأس. قوله : " ذ قتابعت ) تعليل لقوله : { اطَّيَّرْنَا بِكَ } وقوله ووقع في نسخة أو وقع وهو بيان لما به التشاؤم من أحدهما أو مجموعهما ، وقوله : مذ اخترعتم راجع لتتابعت ووقع على التنازع وفسر أطيرنا بتشاء منا ويكون تطير بمعنى نفر وهو صحيح أيضا. قوله : ( سببكم الذي جاء منه شرّكم ا لما كان المسافر من العرب إذا خرج مرّ به(7/49)
ج7ص50
طائر سانحا وهو ما وليه بميسرته أو بارحاً وهو ما وليه بميمنته تيمنوا بالأوّل وتشاءموا بالثاني ، ونسبوا الخير والشر إلى الطائر ، ثم استعير لما كان سببهما من قدر الله وقسمته ، أو من عمل العبد الذي هو سبب الرحمة والنقمة ومنه طائر الله لا طائرك ، فقوله سببكم مبتدأ والذي خبره والمراد سبب تشاؤمكم ما ذكر لا نحن فالحصر إضافيّ ، وقوله وهو راجع إلى سببكم ، وقدر بفتحتين أي ما قدره لله وذكر الشر دون الخير لأنه المناسب وقد يفسر بأنه في علمه وهو قريب منه.
قوله : ( تختبرون الخ ) تفسير لتقتنون لأنّ أصل معنى الفتنة تصفية الذهب من الغش كما
مرّ ، وقد يفسر بالتعذيب أو وسوسة الشيطان بالطيرة. قوله : ( تسعة أنفس ) أي تسعة أشخاص لأنّ النفس تكون بمعنى الشخص فتذكر كما في المصباح فلا يرد الاعتراض عليه بأنه مؤنث فكان الظاهر رجال بدله مع أنّ تأنيثه لفظي سماعي ، والمذكور في النظم رهط وهو مذكر فلا يضر تفسيره به ، وإنما اختاره لأنّ مثله من العدد يضاف لجمع القلة كما أشار إليه بقوله باعتبار المعنى بعده وليس المراد أنّ الرهط بمعنى النفس بل أنّ التسع من الأنفس هي الرهط فتدبر 0 قوله : ( وإنما وقع تمييزا للتسعة ) لأنّ العدد يضاف لتمييزه إذا كان جمع قلة فميا دون العشرة فإذا ذكر بعده اسم جمع فالقياس جرّه بمن كخمسة من القوم قال تعالى : { فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ } [ سورة البقرة ، الآية : 260 ] فإضافته إليه كما هنا نادرة ولذا صرحوا بأنه لا يقال ثلاثة قوم لكنه لما كان بمعنى جمع القلة أجرى مجراه ، ولذا فسره بأنفس دون رجال ومن لم يقف على مراده قال الصواب رجال ، وقال السفاقسي قدروه تسعة رجال وقال الزمخشريّ : إنما جاز تمييز التسعة بالرهط لأنه في معنى الجماعة فكأنه تسعة أنفس ، والأوّل أولى لأنه لو قدر إضافته لا نفس قيل تسع بالتانيث إذ غيره شاذ ورهط اسم جمع وفصله بمن هو الفصيح اتفاقاً كخذ أربعة من الطير واختلفوا في جواز إضافة العدد إليه فقال الأخفش هو نادر لا ينقاس ، وفصل قوم بين أن يكون اسما للقلة كرهط ونفر وذود فيجوز إضافته له أو للكثرة ، أو يستعمل لهما فلا يجوز إضافته كما قاله المازني اهـ. قوله : ( والفرق بينه وبين النفر الخ ) والغاية داخلة هنا لقوله في الأحقاف والنفر دون العشرة فإنه يدل على دخولط التسعة كما أنّ قوله من الثلاثة يدل! على خروح الاثنين فلا حاجة إلى الاستدلال عليه بما في القاموس فقوله في سورة الجن والنفر ما بين الثلاثة والعشرة قول آخر ، ولم يذكر اختصاصه بالرجال كالقوم وقد صرّح به بعض أهل اللغة. قوله : ( أي شأنهم الإفساد ) المراد أنه عادتهم المستمرّة كما يفيده المضارع ، وتأكيده بقوله في الأوض الدال على عموم فسادهم وهو صفة رهط أو تسعة ، وقوله الخالص عن شوب الصلاج أي مخالطته من قوله ولا يصلحون. قوله : ( أمر ) أي فعل أمر من المقاسمة أو فعل ماض بدل من قالوا أو هو حال والمقول لنبيتنه وقيل إنه محذوف ، وقوله : لنباغتن من البغتة أي
مفاجاتهم بالإيقاع بهم ليلاَ وهم غافلون ، ومن قرأه بالنون فتح ما قبل نون التأكيد وعلى قراءة غيره هو مضموم ، وقوله على أن تقاسموا خبر الخ وهو على قراءته بياء الغيبة إذ لا معنى له على تقديره أمرا وعلى غيره يجوز فيه الوجهان وقد مرّ تفصيله ، وقوله فيه القراآت أي بالياء التحتية والتاء والنون والكلام فيه كالكلام فيما فبله بعينه ، وقوله لو لي دمه بيان للمعنى المراد أو لأنّ فيه مضافاً مقدرا ، والبيات الهجوم على العدوّ بغتة بالليل وفي الكشاف أنه أشير على الإسكندر بالبيات فقال ليس من آيين الملوك استراق الظفر. قوله : ( ما شهدنا ) معناه ما حضرناه وهو أبلغ من ما قتلناهم ، ولذا لم يذكروا قتل صالح عليه الصلاة والسلام لأنّ من لم يقتل أتباعه كيف يقتله ولما كان هذا مستلزما له لم يذكر فلا حاجة إلى اعتبار فضلاً مرّتين أي فضلاً عن أنّ تولينا إهلاكه وفضلاً أن تولينا إهلاكهم مع أنه لا حاجة إلى اعتبار فضلاً إذ يكفي تقديره هكذا إهلاكهم ، وإهلاكه وأمّا رجوع ضمير أهله إلى وليه حتى لا يحتاج إلى تقدير فلا وجه له لأنه خلاف الظاهر ولا يتعين أهلكم بالخطاب حينئذ كما قيل إنّ حقه أهلك أو أهلكم وقد مرّ أنه قرى : { قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ } [ سورة آل عمرأن ، الآية : 12 ] بالخطاب والغيبة ووجهه ظاهر وسيأتي وجه آخر لذكر مهلكهم دون مهلكه. قوله : ( وهو ) أي لفظ مهلك في النظم يحتمل الوجوه الثلاثة لكن نسبته إلى الزمان مجازية إذ كل موجود في زمان نبيّ فهو شاهد له ، ووجودهم فيه محقق لا يحتمل(7/50)
ج7ص51
الإنكار فالمراد بشهوده المنفي شهود الهلاك الواقع فيه ، وقوله كمرجع خصه بالتمثيل لأنه نادر وقد قالوا إنّ المهلك والمرجع والمحيض والمكيل مصادر أربعة لا خامس لها ، وقد تقدّم تفصيله في سورة الكهف. قوله : ( ونحلف إنا لصادقون ) إشارة إلى أنه معطوف على قوله ما شهدنا فهو من جملة المقسم عليه ، وقوله لأنّ الشاهد للشيء غير المباشر له توجيه لادعائهم الصدق وهم عقلاء ينفرون عن الكذب ما أمكن بأنّ حضور الأمر غير مباشرته في العرف لأنه لا يقال لمن قتل رجلاَ إنه حضر قتله ، وإن كان لاحضور لازماً للمباشرة فحلفوا على المعنى العرفي على العادة في الإيمان وأوهموا الخصم أنهم أرادوا معناه اللغوي فهم صادقون غير حانئين ، ولا بعد فيه وكونهم من أهل التعارف لا يضرّ كما قيل بل يفيد فائدة تامّة. قوله : ( أو لأنا ما شهدنا مهلكهم وحده الخ ) كذا في الكشاف ورده في الانتصاف بأنّ من فعل أمرين وجحد أحدهما لم يكن في كذبه شبهة ، وإنما تتمّ الحيلة لو فعلوا أمرا واحدا وادعى عليهم فعل أمرين فجحدوا المجموع ، ولذا لم يختلف العلماء في أنّ من حلف لا أضرب زيدا فضرب زيدا ، وعمرا كان حانثاً بخلاف من حلف لا أضرب زيدا وعمراً ولا آكل رغيفين فأكل أحدهما فإنه محل الخلاف إلا أنه قد يكتفي بمثله في المعاريض ، وتبرئتهم من الكذب فيما ذكر غير لازم حتى يتكلف له ما ذكر والذي دعا الزمخشريّ له ادعاء القبح العقلي في الكذب حتى ترى الكفرة مع كفرهم لا يرضونه. قوله : ( بهذه المواضعة ) أي
الحيلة في ادعاء الصدق المذكور وقوله بأن جعلناها أي الحيلة والمواضعة المذكورة ، ومكرهم ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح عليه الصلاة والسلام ومكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون على سييل الاستعارة المنضمة إلى المشاكلة كما في الكشاف وشروحه ، وقوله في الحجر هي مدينتهم ، وقوله يفرغ منا وفي نسخة عنا أي يهلكنا فيخلو عنا ، وقوله إلى ثلاث الغاية داخلة هنا بقرينة وقوع قوله قبل الثلاث في مقابلة فلا يرد عليه ما قيل إنه كان عليه أن يقول بعد ثلاث لأنه كذلك في الواقع ، وقوله : ليقتلوه يعني إذا جاء الشعب ، وقوله فوقع عليهم الوقوع هنا بمعنى النزول نحوهم لا إهلاكهم فلا يخالف ما بعده ، وقوله : فهلكوا أي في الشعب بالجوع والعطش أو بالصيحة فيكون قوله بالصيحة تنازعه الفعلان والأوّل أظهر رواية ودراية. قوله : ( فخبرها كيف ) أي لوقوعها قبل ما لا يستغنى أي كانت عاقبة مكرهم واقعة على وجه عجيب يعبر به ، والجملة في محل نصب على أنها مفعول انظر ، والاستئناف لتفسير العاقبة ، وقوله أو خبر محذوف الظاهر أنه الشأن أو ضميره لا شيء آخر مما يحتاج للعائد ليعترض عليه ببقا المحذور في جعله خبر كان ولا يرد عليه أنّ ضمير الشأن المرفوع منع كثير من النحويين حذفه فإنه غير مسلم ، ولا أنه يجوز كونه خبر كان ويكفي للربط وجود ما يرجع إلى متعلق المبتدأ والخبر إذ رجوعه إليه نفسه غير لازم فإنه تكلف ، وهو إنما يتمشى على مذهب الأخفش القائل بأنه إذا قام بعض الجملة مقام مضاف إلى العائد اكتفى به كما مرّ تقريره في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ } [ سورة البقرة ، الآية : 234 ] وغيره من النحاة يأباه. قوله : ( وإن جعلتها تامّة ) أشار يتاخيره لمرجوحيته ، ولذا لم يقل إن جعلت كقسيمه وفي قراءة الفتح وجوه تبلغ العشرة ، وقوله خبر محذوف هو ضمير العاقبة ، وقوله بدل من اسم كان أو من فاعلها وعلى الخبرية هو مفرد تأويلاَ لا يحتاج إلى رابط ، وقوله وكيف حال أي على الوجه الأخير وقوله على أنه خبر محذوف أي أو خبر بعد خبر أو خبر وبيوتهم بدل من تلك ، وقوله فيتعظون تفسير له لا تفريع لأنّ الآية يعني العبرة هي في الحقيقة الاتعاظ ، وقوله : فلذلك أي لإيمانهم
وتقواهم إشارة إلى أنّ التعليق بالموصول للتعليل وهو ظاهر. قوله : ( لدلالة ولقد أرسلنا ) أي قبله في قصة صالح وعلى الوجهين هو من عطف قصة على قصة ، ولم يجعله معطوفا على صالحاً مع تبادره ولا على قوله الذين آمنوا قبله مع قربه كما ذكره المعرب تبعا للبحر لأنه غير مستقيم لأنّ صالحاً بدل أو عطف بيان لأخاهم ، وقد قيد بقيد مقدم عليه ، وهو إلى ثمود فلو عطف عله تقيد به ، ولا يصح لأنّ لوطا عليه الصلاة والسلام لم يرسل إلى ثمود ، وهو متعين إذا تقدّم القيد بخلاف ما لو تأخر كم صرحوا به مع أنّ تعينه غير مسلم إذ يجوز عطفه على مجموع القيد والمقيد كما ذكره في المطوّل لكنه خلاف المألوف في الخطابيات(7/51)
ج7ص52
وارتكاب مثله تعسف لا يليق فلذا لم يلتفتوا إليه مع تبادره في بادئ النظر ، وأمّا عطفه على الذين آمنوا وان كان لا محذور فيه إلا أنه لا ينايسب أساليب سرد القصص من عطف إحدى القصتين على الأخرى لا على تتمة الأولى ودليلها كما لا يخفى ، وقوله بدل أي بدل اشتمال له وقوله : أتأتون معناه أتفعلون والاستفهام إنكاري. قوله : ( تعلمون الخ ) فالتعبير به لأنه لظهوره كأنه محسوس ، وقوله : بيان بعد إبهامه للتقرير وهو أوقع ، وقوله وتعليله إشارة إلى أنه مفعول له وقد جوّز فيه الحالية أيضاً ، وقوله : قضاء الوطر إشارة إلى أنّ المراد لقضاء الشهوة ومقتضاه النفرة لا الشهوة إذ هي ليست في محلها كما أشار إليه بقوله من دون النساء فهم مخطئون في محلها فعلا وتركا وتعبيره بالرجال دون الذكران تقبيح على تقبيح ، وبيان لاختصاصه ببني آدم. قوله : ( تقعلون فعل من يجهل قبحها الخ ) هذه الوجوه لبيان أنه لا ينافي قوله تبصرون ، وقوله والتاء فيه أي تاء الخطاب مع أنه صفة لقوم ، وهو اسم ظاهر من قبيل الغيبة لمراعاة المعنى لأنه متحد مع قوله أنتم لحمله عليه وقد جعلوه من التغليب وأورد عليه أنه من قبيل المجاز ولا قجوز فيه هنا ، وأجيب بأنّ نحو تجهلون موضوع للخطاب مع جماعة لم يذكروا بلفظ غيبة ، وهنا ليس كذلك كما فصله الحفيد في حاشية المطوّل وجعله بعضهم التفاتاً. قوله : " لا أن قالوا ) استثناء مفرغ والمراد بآل لوط هو ومن اتبع دينه فلا تدخل امرأته فيهم وقوله إنهم أناس الخ تعليل للأمر على وجه يتضمن الاستهزاء ، وقوله : ويعدون فالمعنى يزعمون التطهر وهم
متكلفون بإظهار ما ليس فيهم ، وفاء فأنجينا فصيحة أي أهلكناهبم وأنجينا الخ قوله قدّرنا كونها قدّر فيه مضافا لأنّ التقدير يتعلق بالفعل لا بالذات بالذات كما يدل عليه قدرنا إنها لمن الغابرين في آية أخرى وقوله مرّ مثله أي في الثمعراء وقد ذكرنا تفسيره وتفصيله ثمة. قوله تعالى : ( { وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى } الخ ) فسره بعضهم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لقوله في آية أخرى : { وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ } [ سورة الصافات ، الآية : 181 ] وعمم آخرون وإليه يشير قوله من عبيده ولا يلزمه السلام على غير الأنبياء لأنه ليس استقلالاً وسلام مبتدأ أو معطوف على الحمد وقوله بتحميده متعلق بأمر وفي نسخة أمر به فيكون هذا بدلاً منه بإعادة العامل وما خص به معطوف على قوله القصص ، وقوله : شكراً إمّا منصوب على المصدرية بتحميده أو مفعول له ، وقال : على ما أنعم عليهم دون عليه لدخوله فيهم دخولاً أولياً ولأنهم كنفس واحدة فالإنعام عليهم إنعام عليه وقوله : وعرنانا معطوف على شكر التعليل السلام فإن كان بمعنى المعرفة ، وهو الظاهر يكون حاملاً وإن كان بمعنى الاعتراف يكون غاية. قوله : ( أو لوطاً ) معطوف على قوله رسوله فيكون حكاية وأخره لعدم ملاءمتة لما بعده ولاحتياجه إلى تقدير وقلنا له ، وعلى ما ذكر المصنف هو تخلص من قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى ما جرى له مع المشركين وجعله الزمخشريّ اقتضابا كانه خطبة مبتدأة قال : ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب فحمدوا الله وصلوا على رسوله صلى الله عليه وسلم إمام كل علم مفاد. قوله : ( آلله ) بالمدّ لقلب الهمزة ألفا وما في أم ما موصولة كما أشار إليه المصنف ، وجوّز فيها المصدرية بتقدير أتوحيد الله خير أم شركهم ، وقوله إلزام لا رخاء العنان بتسليم أنّ فيهم خيرية والتسفيه نسبتهم إلى السفاهة. قوله : ( وبين من هو مبدأ كل خيرا لا يخفى حسن الطباق بين الرأس والمبدأ مع أنه مبدأ كل شيء تأدّبا ومناسبة للمقام فلا وجه لما قيل إنه تخصيص قدريّ او شرك خفيّ ، والتوحيد الأبلج أن يقال كل شيء بدله ، والموازنة من الهمزة وأم المعادلة. قوله : ( بالتاء ) الفوقية ومعنى التحتية أي أم الذي يشركونه هؤلاء المهلكون ، وقوله : بل أم من أي ام منقطعة مقدرة ببل والهمزة والإضراب عن الاستفهام التوبيخي في المعادلة إلى
الاستفهام التقرير ، والخبر مقدر وهو خير وقوله لأجلكم إشارة إلى أنّ اللام تعليلية لأنّ المقصود انتفاعهم. قوله : ( لتثيد اختصاص الفعل بذاته ) يعني أنّ فائدة الالتفات من الغيبة إلى التكلم الخاصة بهذا تأكيد معنى اختصاص الفعل ، وهو الإنبات بذاته لأنه لو قيل أنبت الخ أفاد اختصاص الإنبات به بحكم المقابلة بين أخ! الشركاء ، وخالق الأرض والسماء ، فإذا التفت ونسب الفعل لذاته تأكد ذلك الاختصاص لضم إسناد الفعل لذاته إلى المقابلة(7/52)
ج7ص53
والإيذان بأنه لا يقدر عليه غيره من ضمير العظمة دفعاً لتوهم أنّ غيره له قدرة عليه كما إذا بذر وسقي بأنه هو الخالق لمباديها التي لا قدرة لأحد عليه كالأرض والسماء ، وانزال الماء ورشح ذلك بقوله ما كان لكم الخ وقوله البهية تفسير لمعنى البهجة وهي الحسن ، والموادّ المتشابهة الأرض والماء والعناصر الأربعة واخراج ألوان مختلفة من مادّة واحدة أمر عجيب كما قيل في وصف المطر : يمدعلى الآفاق بيض خيوطه فينسج منهاللثرى حلة خضرا
فقوله : أشار إليه أي إلى انتفاء قدرة غيره عليه ، وقوله ص ! الأحداق وهو الإحاطة إشارة
إلى أنّ الحديقة بستان يحيط بجوانبه الحائط. قوله : ( أغيره يقرن به ) أي الاستفهام إنكاري ، والمعنى لا يليق ذلك والتكوين من صفاته تعالى ، والفرق بينه وبين الخلق مبسوط في علم الكلام وبتوسيط عطف على قوله إلها ، وكذا قوله وإخراج وهو معلوم في الأداء ، وقوله بين بين بالتركيب والبناء على الفتح وهو التسهيل المعروف عند القرّاء واختلف في الحرف المسهل هل هو متحرّك أم ساكن والصحيح الأوّل ، وقوله يعدلون عن الحق فهو من العدول لا من عدل بغيره وان جوّز لأنّ هذا أنسب بما قبله ولأنّ من ليس معه غيره كيف يعادل بغيره فيصير ذكر. لغواً. قوله : ( بدل من أمّن خلق السموات ) إذا كنت أم منقطعة ، والجعل إن كان تصييرياً فالمنصوبان مفعولان وإلا فالثاني حال مقدرة ، وقوله : بحيث يتأتى الخ فقراراً بمعنى مستقرّاً لا بمعنى قارة غير مضطربة وان استلزمه فلذا فسر بهذا لأنه أتمّ فائدة ، وقوله أوساطها وفي نسخة وسطها لأنّ الخلال جمع خلل وهي الفرجة بين الشيئين فهو ظرف حل محل الحال أو المفعول
الثاني ، وقوله جارية إشارة إلى أنّ المراد بالأنهار ما يجري فيها لا محلها الذي شق. قوله : ( جبالاً تتكوّن فيها المعادن ا لم يتعرّض لمنفعة منعها الأرض عن الحركة والميلان كما في المدارك لأنه لو كان المقصود هذا ذكرت عقب جعل الأرض قرارا ، فمن قال الأولى أن يتعرّض له هنا أو في تفسير قوله قرارا لم يأت بشيء ، وقوله وينبع الخ إشارة إلى وجه تعقيب الأنهار به. قوله : ( الذي أحوجه الخ ) هذا تفسير للمراد به هنا وأصل معناه من وقع في الضرورة مطلقا كما ذكره واللجأ الالتجاء والاسنناد ، والضرورة ما يضرّ المرء ويحوجه ، وقوله : واللام فيه للجنس إنما حمله عليه لأنه كم من مضطرّ لا يجاب ، ويجوز حمله على الاستغراق وهو مقيد أي يجيب كل مضطرّ إن شاء أوإن علم فيه مصلحة كما في الكشاف على ما فيه ، وقوله ويدفع الخ المراد بالدفع ما يشمل الرفع. قوله : ( خلفاء فيها ) بيان لحاصل المعنى أو لأنّ الإضافة فيه على معنى في وقوله ممن قبلكم أي من بني آدم أو غيرهم ، والنعم العامّة الماء والنبات والقرار في الأرض التي لا تخص الناس والخاصة الخلافة أو العامّة للناس ، وهي خلافه الأرض بتفسيره والخاصة ببعض الناس كإجابة المضطرّ ودفع السوء. قوله : ( أي ثذكرون ا3ءه تذكوا قليلاَ الخ ) بيان لمعنى النظم على وجه يتضمن الإشارة إلى زيادة ما فيه وأنّ المفعولط محذوف للفاصلة ، وهو آلاؤه أي نعمه وأنّ قليلاً منصوب على المصدرية لأنه صفة مصدر مقدّر ولما كانت القلة قريبة من العدم استعملوها تارة للنفي ، وتارة بمعنى مقابل الكثرة فقوله والمراد بالقلة العدم على الأوّل وقوله أو الحقارة على الثاني ، وقوله : المزيحة للفائدة من الإزاحة بالزاي المعجمة والحاء المهملة بمعنى المزيلة لفائدة التذكير لنعم الله وهي توحيده الموصل للسعادة العظمى فإنها ليست فيهم لأنهم مشركون فلا اعتداد بتذكرهم فلذا صح نفيه واثباته وفيه تأمّل ، وقوله : بالياء أي التحتية وتشديد الذال ، وقوله وتخفيف الذال من تذكرون بحذف إحدى التاءين. قوله تعالى : ( { أَمَّن يَهْدِيكُمْ } ) قيل في تفسيره : ( يرشدكم بالنجوم في طلمات البرّ والبحر ) ليلاً وبعلامات في الأرض نهارا والظلمات ظلمات الليالي يعني أنه تعالى
هو الهادي في الليل والنهار لأنه إذا هدي في الظلمة علم أنه الهادي في غيرها بالطريق الأولى فلا يهو في كلامه كما قيل ، ولا ينافيه تفسيره الظلمات بما ذكر وملابسة الظلمة كونها فيهما وقوله : ( بالنجوم وعلامات الأرضر ) لف ونشر مثوّس أو هو لكل منهما لأن من في البحر قد يهتدي بعلامات الأرض وما يتبعها كما في قوله : { وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [ سورة النحل ، الآية : 6 ا ] والمنار ما يوضع على الطرق لمعرفتها وعلى(7/53)
ج7ص54
الوجه الثاني هو استعارة وجعلت الطريق نفسها ظلمة مبالغة. قوله : ( يعني المطر ) تفسير للرحمة فإنها تطلق عليه وقد مرّ تفسير قوله بثرا في الفرقان. قوله : ( ولو صح الخ ) إشارة إلى عدم صحته عند أهل الشرع ، وهو قول الحكماء إنّ سبب تكون الريح قد يكون بسبب برد الدخان المتصعد إلى الطبقة الزمهريرية ، وذكروا له أسباباً أخر ، ولذا قال اكثريّ : وتمويجها أي تحريكها معطوف على قوله معاودة يعني أنّ ما ذكره لا ينافي كون الرّياح مرسلة من الله ، وهو ظاهر ولو لم يذكر مثله كان أحسن. قوله : ( عن مشاركة العاجز المخلوق ) إشارة إلى أنّ ما مصدرية ويجوز كونها موصولة ، والعائد محذوف للفاصلة وفيه مضاف مقدر كمشاركة ومقارنة وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله ، وهذا كالنتيجة لما قبله. قوله : ( والكفرة وإن أنكروا الخ ) جواب عما يقال إنّ الكلام مع المشركين وأكثرهم منكر للإعادة فكيف خوطبوا به خطاب المعترف بأنها لظهورها ، ووضوح براهينها جعلوا كأنهم معترفون بها لتمكنهم من معرفتها فلم يبق لهم عذر في الإنكار فلا حاجة إلى القول بأنّ منهم من اعترف بها فالكلام بالنسبة إليه ، وقوله بأسباب سماوية وأرضية يعني أنّ من ابتدائية داخلة على السبب لأنه مبدأ مسببه ، وقوله : يفعل ذلك قدّر في الأوّل يقدر وهنا يفعل ليكون تأسيساً ، وراعى فيه الترتيب بين القدرة والفعل لتقدّمها واقتصر على القدرة في قوله على أن غيره يقدر لأنه يلزم من نفي القدرة نفي الفعل. قوله : ( في إشراككم الخ ) أي في أنّ لله شريكاً في الألوهية الذي أنكر في قوله أإله مع الله بأن يثبتوا لشيء قدرة على ما هو قادر عليه فإنّ ذلك من لوازمها كما أشار إليه بقوله فإنّ كمال القدرة الخ فلا
يرد عليه أنّ الأنسب على هذا أن يقال هاتوا برهانكم على إشراككم إن كنتم صادقين فيه فإنا قد أتينا بدلائل التوحيد. قوله : ( لما بين اختصاصه بالقدرة التامّة ) في قوله أمّن خلق السموات إلى هنا فقوله أتبعه بما هو كاللازم له أي اتبع اختصاصه المذكور بما هو كاللازم لذلك الاختصاص أو لله ، وقال : كاللازم لأنه لا تلازم بينهما عقلا وإن لم ينفك أحدهما عن الآخر في الواقع كما لا تلازم بين القدرة وعلم الغيب أيضا ، والمقصود بيان المناسبة بين هذا وما قبله بأن كلاً منهما مما اختص به تعالى وأنهما كالمتلازمين لأنّ من تفكر في بدائع مصنوعاته الدالة على كمال قدرة صانعها الحكيم علم كمال علمه المحيط ، ولذا قال : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } [ سورة الحشر ، الآية : 22 ] فتدبر. قوله : ( والاستثناء منقطع ا لأنه تعالى عن أن يكون ممن في السماء والأرض! ولغة بني تميم في المنقطع اتباعه لما قبله والحجازيون ينصبونه ، وأنما اختار اللغة التميمية لما ذكره من المبالغة في نفي علم الغيب فإذا استحال كونه فيهما استحال علم أهلهما به ، وهذا إنما يتأتى إذا جعل الاستثناء منقطعا تحقيقا متصلا تأويلا وهي نكتة سرّية. قوله : ( أو متصل الخ ) هذا ردّ على الزمخشري ، والاتصال على أنّ المراد بمن فيهما من اطلع عليهما اطلاع الحاضر فيهما مجازاً مرسلاً أو استعارة ، ولا يلزم فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز وان قال به المصنف رحمه الله وإمّا التسوية بينه تعالى وبين غيره في إطلاق لفظ واحد المنهيّ عنه في حديث : " ومن بعضهما فقد غوي " فليس بمحذور لوروده في كثير من الآيات والأحاديث ووجه النهيّ عنه مفصل في كتب الحديث وقد مرّ في الكهف طرف منه. قوله : ( متى الخ ) إشارة إلى أنّ إيان استفهام عن الزمان ، ولذا قيل : إنّ أصلها أيّ آن أي أيّ زمان وان كان المعروف خلافه ، وما هو ما لهم البعث وقوله بالغ فيه أي في تعنى نفس شعورهم بمآل أمرهم وهذا هو الموافق لما في الكشاف ، وأمّا كون الضمير لنفي علم الغيب عنهم كما قيل وإن كان لازماً ضمنا فيأباه قوله أضرب عنه فإنّ الإضراب عن نفي الشعور قطعاً وقوله ، انتهى وتكامل تفسير لأدرك في هذا الوجه ، وقوله من الحجج والآيات بيان لما وقوله وهو راجع إلى ما وتفسير له ، وقوله لا يعلمونه خبر أنّ ، وقوله أسباب علمهم إشارة إلى أنّ فيه
مضافاً مقدّرا أو أنه مجاز يجعل علمهم بالأسباب علماً بالمسبب لتسببه عنه فأضرب عن جهلهم الأوّل إلى جهل أعمّ منه وأشدّ لتوفر أسبابه ، وقوله كما ينبغي مفهوم من السياق والمعنى بل انتهى علمهم في أمر الآخرة ، وانكارهم لها لي ما هو أعظم وأقوى في الجهل. قوله : ( كمن تحير الخ ) أتى بالكاف لئلا ينافي قوله قبلة تكامل فيه أسباب(7/54)
ج7ص55
علمهم ، وقوله لا يدركون دلائلها وإن تكاملت أسبابها لما على بصائرهم من الغشاوة كما مرّ ، وقوله وهذا أي ما ذكر من معنى الآية وهذا بناء على أنّ الضمائر لمن في السموات والأرض لا للكفرة ، كما قيل ونسبة ما للكل إلى البعض مجاز وقد تقدم شرطه وما فيه.
قوله : ( ننزيل لأحوالهم ) من حال إلى أنزل منها ويصح أن يكون ترقيا في مراتب شدة جهلهم لأنّ جهلهم بأمر الآخرة مع توفر أسباب العلم أنزل من عدم علمهم بمآل أمرهم والشك ، والتحير فيها أنزل لأنه يلاحظ فيه الدلائل ، وما قبله لم يلاحظ فيه وإن كانت موجودة والعمي عن الدلائل أنزل من الكل. قوله : ( وقيل الأوّل ) أي قوله بل أدرك علمهم الخ على أن أدرك بمعنى انتهى ، واستحكم العلم نفسه من غير تقدير مضاف أو تجوّز ولم يرتضه لعدم القرينة لا لأنّ الإضرابات لا تكون على سنن واحد إذ لا بأس فيه. قوله : ( وقيل أدرك بمعنى ائتهى واضمحل ) الظاهر أنه معطوف على قوله قيل قبله ، ولا ينافي كونه غير متعلق بالإضراب حتى يجعل معطوفاً على قوله بين أن ما انتهى الخ أو على مقدّر مفهوم منه ، واضمحل بضاد معجمة وحاء مهملة ولام مشدّدة بمعنى فني وانتفى علمهم بالآخرة مع وضوح دلائلها وتمريضه لأنّ الإدراك ، وإن كان بلوغ النهاية وكل شيء بلغ الحدّ انتهى لم يعهد بهذا المعنى لا لأنه ينبغي أن يكون مجازا عن العدم بعد الوجود وعلمهم بالآخرة لم يوجد رأساً فإنّ إرادة لازمه وهو العدم مطلقاً غير مستبعد ، ونظائره أكثر من أن تحصى ولا لأنّ الإضراب لا يصح حينئذ فإنه نفي للعلم كالذي قبله واعتبار وضوح الدلائل بلا قرينة بعيد فإنه مع وروده على الوجه الأوّل غير مسلم فإنّ ما فيه نفي خاص ، وهذا عامّ وقوله لأنها وفي نسخة لأنّ تلك أي الحال المعروفة يلزمها الفناء والاضمحلال بيان للعلاقة المصححة للمجاز وهي اللزوم. قوله : ( وقرأ
نافع الخ ) ذكروا فيه اثنتي عشرة قراءة المتواتر منها اثنان ، والباقية شاذة قال الجعبريّ رحمه الله تعالى : قرأ نافع ؤابن عامر والكوفيون بل إدّارك بوصل الهمزة ، وفتح الدال مشذدة وألف بعدها وأبو عمرو بقطع الهمزة وتخفيف الدال الساكنة بلا ألف ماض بوزن أقعل فما ذكره المصنف رحمه الله مخالف لنقل القرّاء ، ولذا قيل ينبغي أن يقول هنا وعاصم إذ لم تختلف الرواية عنه في المشهور وما ذكره عن أبي بكر رواية شاذة لم ينقلها القرّاء في السبعة ، وقوله حتى استحكم على التفسير الأوّل ، وقوله حتى انقطع على الأخير ، وقوله : من تدارك متعلق بالثاني ويجوز تعلقه بهما ، وقوله وأصله أي على القراءتين وفي نسخة وأصلهما وحكمه في الإعلال معروف في الصرف. قوله : ( وبل أرك ) على ماضي الأفعال بنقل فتح الهمزة إلى اللام وحذفها مع دال ساكنة ، ويحتمل فتح اللام مع تشديد الدال على نقل حركة همزة الاستفهام فإنه قرئ بها في الشواذ وقوله : أو مضمن كأم فإنّ معناها بل كذا ، وقوله من ذلك أي ما ذكر من القراآت ، وقوله تفسير له أي للشعور بالإدراك الواقع بعد بلي وما بعده هو قوله بل هم في شك الخ ، وقوله مبالغة في نفيه لأنّ معناه شعورهم وعلمهم الشك كقوله :
تحية بينهم ضرب وجيع
فإنه يفيد أنه لا علم لهم لا تحية على أبلغ وجه ، وقوله : أو ردّ على أنّ الإضراب إبطاليّ فافهمه. قوله : ( كالبيان ) إشارة لاتصاله بما قبله ولم يجعله بيانا لأنه يقتضي ترك العطف وهو عمه أي عمي بصيرة لإنكارهم البعث ، والضمير لهم ولآبائهم على التغليب والمبالغة في الإنكار من تكرير أداته ، وقوله من حال الفناء إلى الحياة فهو تمثيل للعدم بعد الوجود بالحبس وجعل الحياة إطلاقاً منه ، وعلى قراءة نافع تقدّر همزة الاستفهام مع الفعل المقدّر لأنّ المعنى ليس على الخبرية فقوله على الخبر أي على صورة الخبر لعدم أداة الاستفهام فيه لفظاً لكنه لس بخبر حقيقة وقوله قبل وعد محمد الخ يزعمون أنه خرافات قديمة كما أشاروا إليه بقولهم
أساطير الأولين. قوله : ( وثقديم هذا على نحن الخ ) إشارة إلى النكتة في تقديم هذا على نحن وآباؤنا هنا " مع تأخيره في آية أخرى في سورة المؤمنين وهو مفعول ورتبته التأخير فأتى به ثمة على الأصل فقوله وحيث أخر أي وقع ، مؤخرا على أصله ، وهو مشاكلة ا / وروعي / أصل! ثمة لأنّ ما ذكر هناك اتباعهم أسلافهم في الكفر وانكار الحشر من غير نعي ذلك عليهم ، وهنا ذكر ما صدر منهم أنفسهم مؤكدا مقرّرا مكرّرا فكان المقصود بالذكر ، وما هو أعنى البعث المشار إليه بهذا وهذا ما عناه السكاكيّ ، وقوله(7/55)
ج7ص56
فالمقصود به المبعوث لم يبين وجهه وهو ما بيناه ، والأسمار جمع سمر وهو الحديث الذي يتلهى به ليلاً. قوله : ( لأنّ المقصود بالذكر الخ ) أي بيان أحواله فللإشارة إليه قدّم هذاكل ولذا أورد نحن ضميرا منفصلاً مع عدم الاحتياج للفصل. قوله : ( تهديد الخ ) لأنّ المقصود الأمر بالنظر لمن له نظر ، ، وقوله- والتعبير عنهم بالمجرمين أي دون أن يقول الكافرين لطفا بالمؤمنين لإرشادهم إلى أنّ الجرم مطلقا مبغوض لله فيجتنبونه وينفرون عنه ، واللطف من الله هو التقريب من الطاعة ، والتبعيد من المعصية. قوله : ( على تكذيبهم وإعراضهم ) يحتمل التفسير على أنه بيان لحاصل المعنى أو تقدير مضاف فهو بدل ولا يلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد ، ويجوز أن يكون تعليلا لوجه حزنه ، وقوله بكسر الضاد وهو مصدر وعلى الفتح يحتمل المصدرية والوصفية ، وقوله من مكرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية. قوله : ( تبعكم ) هو أصل معنى ردف ولحقكم أي وصل إليكم هو المراد. به. فهو تفسير له ، وهو متعد بنفسه وباللام كنصح فلا يحتاج لما ذكر ، وتضمينه معنى دنا لأنه يتعدى بمن والى واللام كما في الأساس ، فمن اعترض عليه بأنه يتعد! بمن فقد سها كسهوه في أنّ ردف بمعنى دنا فلا يصح أن يضمن معناه ، وقوله بالفتح أي فتح الدال وهي لغة فيه كما في القاموس إنه كسمع ونصر ، وقوله حلوله مفعول تستعجلون. قوله : ( وعسى ولعل الخ ا لما كان الترجي لا ينسب إليه تعالى جعل في بعض المواضع من العباد وجعله هنا في الكشاف استعارة تمثيلية جارية على عادة العظماء في استعمالها مع الجزم بصدق الأمر وجده إظهاراً للوقار ، ووثوقا
بعدم الفوت وانّ الرمز من مثلهم كاف ، وعلى هذا جرى وعد الله ووعيده وهو كلام حسن. قوله : ( بتأخير عقويتهم ) خصه لمناسبته لما قبله ولو أبقى على عمومه الشامل له جاز ، وقوله : الأفضال هو الأنعام وظاهره أنّ الفاضلة تكون مصدراً ، وقوله وجمعهما بالتثنية وما وقع في نسخة جمعها سهو من الناسخ فلا وجه لما قيل إنها هي الصواب ، وهو لف ونشر فجمع فضل فضول ، وجمع فاضلة فواضل وهذا كقول الحماسي :
ليس العطاء من الفضول سماحة
ثم شاع عرفا في كثرة الكلام في غير محله ، ولذا نسب له فضوليّ كأنصاري كما حققه
في المغرب. قوله : ( لا يعرفون حق النعمة فيه ) أي في تأخير العذاب ، والعقوبة على المعصية وقوله فلا يشكرونه أي الله عليه أو فلا يشكرون تأخير. أو فضله والظاهر الأوّل ، وقوله وقوعه أي وقوع العذاب الموعود ، وقوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ } [ سورة النمل ، الآية : 74 ] الخ فليس! التاخير لخفاء حالهم عنه ، وقوله من عداوتك متعلق بتكن ويعلنون على التنازع ، وقوله : فيجازيهم يعني إنه كناية عن المجازاة كما مر وتقديم الاكتنان ليظهر المراد من استواء الخفيّ والظاهر في علمه ، وقيل لأنّ مضمرات الصدور سبب داع لما يظهر على الجوارح وفعل القلب يجازي عليه إذا كان عزما مصممماً أصرّ عليه صاحببما لا خاطراً ، وقراءة تكن من الثلاثي بفتح التاء وضم الكاف شاذة لابن محيصن. قوله : ( وهما من الصفات الغالبة الخ ) يعني أنها صفة غلبت في معنى الشيء الخفي الثابت الخفاء فكثر عدم إجرائها على الموصوف ، ودلالتها على الثبوت وان لم تنقل إلى الاسمية كمؤمن وكافر فتاؤها ليست للتأنيث إذ لم يلاحظ لها موصوف يجري عليه كالرواية فهي تاء مبالغة أو هي منقولة إلى الاسمية ، والتاء فيها للثقل كالعافبة والفاتحة والفرق بينهما أنّ الأوّل يجوز إجراؤه على موصوف مذكر بخلاف الثاني فمن قال إنّ معناه إنها من الصفات الدالة على الشدّة والغلبة ، وانّ الغالبة من وصف الدال بصفة مدلوله لم يصب والرواية الرجل الكثير الرواية ، وقوله كالتاء في عافية خبر مبتدأ محذوف تقديره فالتاء فيها
للنقل للاسمية كالتاء الخ. قوله : ( بين لخ ) يعني أنه من أبان اللازم أو المتعدى والبين صريحه ، ونصه ولذا خص الأكثر فلا ينافي قوله : { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ سورة الأنعام ، الآية : 59 ] فتأمّل ، وقوله : أو القضاء هو حكمه الأزلي وقيل المراد علمه الأزلي ولا وجه له وقوله على الاستعارة أي تشبيهه بالكتاب الجامع للوقائع كالسجل ، ويجوز تفسيره بالقرآن قيل وهو مناسب لما بعده وفيه نظر وقوله : ( وعزير وَالْمَسِيحَ ) إشارة إلى أنّ المراد ببني إسرائيل ما يمشل النصارى كما في الكشاف وهو حث للمشركين على اتباعه لأنهم كانوا يراجعون أهل الكتاب. قوله : ( فإفهم المنتفعون به ) توجيه(7/56)
ج7ص57
للتخصيص مع أنه رحمة للعالمين ، والمراد بالمؤمنين مؤمنو بني إسرائيل أو الأعمّ وهو الظاهر ، وقوله بين بني إسرائيل أو بين المؤمنين أو بين الناس. قوله : ( بما يحكم به وهو الحق ) فسر الحكم بالمحكوم به أو الحكمة ولم يبقه على المعنى المصدري لأنه يصير كضرب زيد بضربه ، وهو لا يقال مثله في كلام عربي كما في الكشاف وأورد عليه أنه يصح أن يقال ذلك على معنى ضرب بضربه المعروف باً لشدة فالمعنى هنا يحكم بحكمه المعروف بملابسة الحق أو يحكم بحكم نفسه لا بحكم غيره كالبشر ، وقيل عليه ليس المانع لصحة مثل هذا القول إضافة المصدر فيه إلى ضمير الفاعل فإنه لا كلام في صحته كإضافته إلى ضمير المفعول في سعي لها سعيها إنما المانع دخول الباء على المصدر المؤكد ، ثم إنّ المعنى الأوّل يوهم أنّ له حكما غير معروف بملابسة الحق والثاني إنما يظهر لو قدم بحكمه ، وليس هذا بشيء لأنه على ما ذكر ليس بمصدر مؤكد وعدم الجواز في المصدر النوعي لا سيما إذا كان من غير لفظه ليس بمسلم ، ويؤيده قوله : ويشتم بالأفعال لا بالتكلم
ثم إنه يرد عليه أنّ الظاهر أنّ المانع هو كونه لغوا من الكلام وتأويله بالمحكوم به لا يفيد ، ولذا فسره بالعدل والحق فلو أبقى على ظاهره مع ردّه ذلك كفى ، وقوله قرئ بحكمه أي جمع حكمة مضاف إلى ضميره تعالى. قوله : ( تعليل آخر ) بعدما علله بقوله إنك على الحق لأنّ معناه إنّ الله متولى نصرك وحفظك ، وأمّا كونه استئنافاً في جواب سائل نشأ مما قبله تقديره ما بالهم غير مؤمنين بمن هو على الحق فيأباه السياق كما لا يخفى وقوله من حيث الخ توجيه للتعليل باعتبار المراد ، والمشايعة والمتابعة بمعنى وقد وقع ني نسخة متابعتهم. قوله : ( وإنما شبهوا بالموتى الخ ) وأمّا كون المراد تشبيه قلوبهم بالموتى في عدم الشعور فيشير إلى بطلان
مشعر القلب بالمرّة ، ثم بين بطلان مشعري الأذن والعين كما في قوله : { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } [ سورة الأعراف ، الآية : 179 ] الخ والا فبعد تشبيههم أنفسهم بالموتى لا يظهر لتشبيههم بالعمي والصم. مزيد مزية كما قيل فتخيل بارد لأنّ القلب يوصف بالفقه والفهم لا السمع لكن لو جعل التشبيه لطوائف على مراتبهم في الضلال فمنهم من هو كالميت ، ومن هو كالأصم ومن هو كالأعمى لكان وجهاً وجيهاً إلا أنّ ما ذهب إليه المصنف والزمخشريّ هو الظاهر ووجهه أنه على طريق التسليم في النظر لأحوالهم فكأنه قيل كيف يسمعهم الإرشاد إلى طريق الحق ، وهم موتى وهذا بالنظر لأوّل الدعوة ولو أحييناهم لم يفد أيضاً لأنهم صم وقد ولوا مدبرين وهذا بالنظر لحالهم بعد التبليغ البليغ ، ونفرتهم عنه ثم إنا لو أيسمعناهم ذلك أيضا فهم عمي لا يهتدون إلى العملى بما يسمعون ، وهذا خاتمة!أمرهم فقد علمت ما فيه من مزيد المزية الحالية عن التكلف. قوله : ( فإنّ أسماعهم ) أي الصم في هذه الحال وهي كونهم مدبرين متباعدين عن مواطن السماع ، وهو بيان لوجه التقييد بقوله إذا ولوا مدبرين ، وقوله حيث الهداية أي الكاملة أو هو باعتبار الأغلب وقوله ما يجدي أي يفيد بيان لأنّ إن نافية وأنّ النفي باعتبار. الانت!فاع والفائدة. قوله : ( من هو في علم الله كذلك ) فسره بعضهم بالذين يصدّقون أنّ القرآن كلامه تعالى إذ حينئذ تثبت نبوّته فيقبل قوله ا ويجدي استماعه نفعاً ولم يرض ما فسر به المصنف لأنّ المناسب له من آمن وكون صيغة الاستقبال باعتبار تعلق العلم فيما لاليزال ، وإليه أشار المصنف بقوله كذلك مصحح لا مرجح حتى يدفع كونه مناسباً ، ولا يرد على تفسير البعض للحصر مبئ يؤمن في الاسئقبأل إن أريد الحال أو عكسه أو استعمال المشترك في معنييه إن أريدا لأنّ المراد الحال ، ويدخل غيرء فيه بدلالة النص من غير تكلف ولا يعارضه عبارة النص كما فسره القائل في شرحه للسراجية في جرّ الولاء ، وقيل " المراد من علم الله أنه يؤمن فلا يرد ما ذكر وسيأتي تحقيقه في أوّل القصص ، وإنما عدل المصنف عما اختاره لمأ فيه من شبه تحصيل الحاصل لأنّ الإيمان بالقرآن هو استماعه النافع ، وان كان بينهما مغايرة بعد النظر الصحيح فتامّل. قوله : ( مخلصون ) فسره به ليفيد ذكره بعد وصفهم بالإيمان وقوله : إذا دنا وقوع إشارة إلى ما!فيه / ئن مجاز المشارفة ، وقوله معناه إشارة إلى أنّ القول أطلق مجازا على معناه ومؤدّاه لأنه الواقع ويحتمل تقدير المضاف ، والجساسة بجيم مفتوحة وسين مهملة مشددة وألف بعدها أخرى من الجس وهو المس سميت بها لتجسسها الأخبار للدجال
كما هو معروف في حديث : " أشراط(7/57)
ج7ص58
الساعة " ، والزغب بمعجمتين صغار الريش والشعر أوّل ما يطلع ويدركها بمعنى يلحقها ومخرجها محل خروجها والحرمة التعظيم. قوله : ( وقيل من الكلم ) وهو الجرح ولكونه خلاف الظاهر ذكر بعده قراءة " ثكلمهم " بالتخفيف عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه أظهر فيها والتفعيل إذا كان من الكلم للتكثير ولكونه خلاف الظاهر مع احتياجه للتقدير مرضه ، وقوله : " فتنكت ) بتاء مثناة فوقية أي تمسه حتى يظهر فيه نكتة أي لون مخالف للونه ، ومسجد المؤمني بفتح الجيم جبهته ، وقوله فيبيض ويسودّ أي يسري إليه لون محل النكت. قوله : ( خروجها ) تفسير للأيات وقوله وهو حكاية معنى قولها لا لفظه لأن قوله آياتنا لا يناسبه إلا أن يكون بتقدير مضاف أي بآيات ربنا أو إضافة الآيات لها لاختصاصها بمحليتها وعلى هذا فالجملة مفسرة لما تكلمهم به ، واذا كان حكايتها لقول الله فالتقدير وتقول قال الله إنّ الناس الخ وفي الكشاف إنّ المعنى يقول الله عند ذلك إنّ الناس الخ ، وقوله على حذف الجارّ وهو اللام على أنه علة والباء على أنه تكلمها بصيغة المصدر ومن قصره على الأوّل فقد قصر ، وهذان على قراءة الفتح وما قبله على الكسر ويجوز كونه عليهما أيضا. قوله :
( يحبس أوّلهم على آخرهم ) حتى يجتمعوا فيكبوا جميعاً في النار ، وقد مرّ توضيحه ، وقوله الواو للحال أي في قوله ولم تحيطوا وعلى العطف فهو إنكاو لجمعهما فإن من لا يصدّق بالكتاب قد يقرأه فهو كناية عن إهانته ، وعدم الالتفات والمبالاة به. قوله : ( أم أيّ شيء كنتم تعملونه ) في ماذا على ما ذكره النحاة وجهان أن تكون مجموعة اسماً واحداً للاستفهام وأن تكون ما اسم استفهام وذا اسم موصول بمعنى الذي وعليهما يختلف الإعراب والتقدير ، وكلام المصنف ظاهر في الأوّل محتمل لغيره وأم تحتمل الاتصال والانقطاع والمراد بأيّ شيء ما هو في حق الآيات أو الأعمّ ولا يلزم دخول الاستفهام على الاستفهام حتى يجاب بأنه ليس على حقيقته الأعلى الأوّل وذلك إشارة إلى التكذيب ولا حاجة إلى جعل بعد بمعنى غير كما قيل ، وقوله من الجهل أي ناشئ من الجهل أو هو تعليل. قوله : ( فلا يقدرون أن يقولوا فعلنا غير ذلك ) من التصديق به ، وعدم قدرتهم وان جوّز وقوع الكذب من الكفرة في القيامة كما مرّ لأن الخطاب لتبكيتهم وتفضيحهم واعلامهم بعلم القائل إنه لم يصدر عنهم غير التكذيب كما في الكشاف فلا مجال للكذب حيمئذ فمعنى ماذا كنتم تعملون التوبيخ كأنه قيل إن كان لكم عمل أو حجة فهاتوه وليس هذا وجهاً آخر كما توهم ، وقوله باعتذار أو لا يقدرون على النطق أصلاً لدهشتهم. قوله : ( ويرشدهم ( أي الرؤية بمعنى العلم وهو وما بعده توطئة لتفسير باقي الآية والنور ، والظلمة من الليل والنهار وقوله غير متعين بذاته لأنه لو كان له تعين ذاتي لم يحتج للمؤثر ، وقوله بقدرة قاهرة يعني ليست لما أشركتموه فيدلّ على التوحيد لأنّ كمال القدرة من لوازم الألوهية ، وفيه إشارة إلى برهان التمانع. توله : ( وأنّ من قدر على إبدال الظلمة الخ ) إشارة إلى الاستدلال على جواز الحشر ، ولو ضمّ إليه مشابهة النوم واليقظة للموت والحياة كان له وجه وقوله وانّ من جعل الخ ذكر الدلالة في النهار ليس للتخصيص حتى يرد أنّ سكون الليل من جملة المنافع فله مدخل في الدلالة أيضا بل اكتفاء أو اقتصاراً على ما هو أشبه بالنعت
فإنّ سكون الليل وهو النوم أخو الموت ، وقوله سبباً مفعول ثان لجعل أو حال إن كان بمعنى خلق ليوافق ما في النظم ومناط جميع المصالح بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام. قوله : ( فإن أصله الخ ) جواب عن تركه التقابل حيث كان أحدهما علة ، والآخر حالاً بأنه مراعي من حيث المعنى إذ أصله ما ذكر فقد عدل عنه لنكتة ففيه طيّ أي هو مراعي فيه مطابقته لما قبله فإنّ أصله الخ لكنه لا يخلو من حزازة ، وقيل إنه من الاكتفاء وهو أن يحذف من كل من القرينين نظير ما أثبت في الآخر وأصله جعلنا الليل مظلما ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ليتحرّكوا ويتصرّفوا فيه ، والمناقشة في التعبير ليست من دأب المحصلين ، وكون الأصل عدم التقدير لا يضرّ ، وقوله حالاً من أحواله إشارة إلى ما فيه من التجوّز في الإسناد فإنّ الأبصار ليس حاله بل حال من فيه ووجه عدم الانفكاك أنه مقارن لخلقه ، وجعله والخلق لا ينفك عنه فكذا حاله وفيه إشارة إلى أنّ السكون في الليل ليس كذلك فلذا لم يجعله حالاً. قوله : ( لدلالتها على الآمور الثلاثة ) هي(7/58)
ج7ص59
التوحيد والحشر وبعثة الرسل ، وقوله في الصور بضم الصاد وفتح الواو وجمع صووة بناء على أنّ الصور بسكون الواو بمعناه ، والبوق بضم الباء وسكون الواو والقاف معرّب بورى وعلى هذا فهو استعارة تمثيلية شبه هيئة انبعاثهم من الصور إلى المحشر وقد نفخ في الصور بجيش نفخ لهم في المزمار المعروف فساروا إلى ما يريدون ، وقوله من الهول أي هول النفخ أو هول المحشر. قوله : ( لأنه صعق مرّة ) أي في الطور ، وقد سمع الخطاب فجازاه الله على تلك الصعقة أنه لا يصعق يوم الفزع ، وهذا ورد في الحديث ما يدلّ عليه ، وقوله حاضرون الموقف إن كان الموقف منصوبا على الظرفية أي حاضرون لله في الموقف فظاهر ، وإن كان مفعولاً له فعلى جعل حضور الموقف حضورا له لاختصاصه به وفي نسخة حاضرين على أنه حال ، وقوله بعد النفخة الثانية لتعدّدها ، وقد قيل إنها ثلاث ، وقوله لتوحيد لفظ الكل
وقيل لأنّ المراد كل واحد وداخرين ودخرين بمعنى مقهورين منقادين ، وهو حال من الضمير. قوله : ( ولعل المراد ما يعنم ذلك ا لعدم قرينة الخصوص ، وقد قال الشيخ في الفتوحات إنّ بعض المتقرّبين تتصل حياتهم بالآخرة فلا يدركهم الصعق وكلام المصنف محتمل له ، وترى في وترى الجبال بصرية وتحسبها حال ، وقوله لا تكاد الخ واليه يشير النابغة في قوله يصف جيشا :
فأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لجاج والركاب تهملج
قوله : ( مصدر مؤكد لنفسه ) هو في اصطلاح النحاة ما أكد مضمون جملة هي نص في
معناه نحو له على ألف درهم اعترافا فان احتملت غيره فهو مؤكد لغيره والعامل فيه محذوف ،
وجوبا لقيام الجملة المؤكدة مقامه فلو جوّزنا حذف تلك الجملة أيضا كان إجحافاً فلذا لم
يرتض المصنف ما ذهب إليه الزمخشريّ من أنّ المؤكد محذوف ، وهو الناصب ليوم ننفخ
والمعنى يوم ينفخ في الصور فكان كيت وكيت أثاب الله المحسنين وعاقب المجرمين ، ثم قال
صنع الله يريد به الإثابة والمعاقبة مع أنّ التأكيد المقتضى للاهتمام بالشيء ينافي حذفه ، وان كان
المحذوف لدليل كالموجود لكن فيما ذكره المصنف خفاء من جهة المعنى لأنّ الصنع المتقن لا
يناسب تسيير الجبال ظاهرا ، ولا ذكر أفعالهم والحسنة بعده وكأنه الحامل للزمخشريّ على
التقدير ألا ترى أنّ قوله خلقه وسوّاه كيف يأباه وادعاء دلالتها على اتقان الصنع محل تأمّل.
قوله تعالى : ( { مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ } الآية ) قيل أكثر المفسرين على أنّ المراد بها الإخلاص ،
والسيئة ضدّها وهي الشرك لقوله : { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ } [ سورة النمل ، الآية : 90 ] فليس
خير بمعنى أفضل وردّ بأنّ السيئة لا يتعين أن يراد بها الشرك لأن الظاهر منها العموم وذكر
الكبّ من نسبة ما للبعض للجميع ، وقد مرّت له نظائر مع أنه غير مختص بالمشرك بل يعمّ
العاصي وكون خير بمعنى أفضل لا مانع منه لأنّ الأفضلية بمعنى الأضعاف لا سيما ورؤية الله
التي لا شيء أفضل منها مترتبة عليها ، وفيه أنّ هذا التخصيص منقول عن رئيس المفسرين ابن
عباس رضي الله عنهما ، وقوله في مقابلها فكبت قرينة عليه وما ذكره خلاف الظاهر وشرطه
مفقود هنا. قوله : ( إذ ثبت له الشريف ) وهو الثوأب الأخرويّ ، وقوله : بالخسيس قيل أراد به
الحسنة المالية لأنها أوساخ الناس والا ففي التعميم سوء أدب لا يخفى وأجيب عنه بأنه إشارة
إلى أنّ الخيرية من حيث الفاعل والخسة من حيث إنها فعل العبد والجزاء فعل السيد وشتان ما بين الفعلين فأفعال السيد سيدة الأفعال ، ووصف العمل بالخسة باعتبار صدوره عق العبد المقهور لا ينافي شرفه بالنط إلى أنه حسنة أو هو إشارة إلى أنّ الخيرية باعتبار أنه بطريق التفضل فوصف العمل بالخسة باعتبار أنه لا يقاوم النعم الدنيوية فضلا عن إفضائه إلى الثواب الأخرويّ ، ولك أن تقول قوله والباقي بالفاني تفسير له وهو ظاهر. قوله : ( وسبعمائة واحدة ( هذا باعتبار الأكثر ، واقتصر عليه لأنه أنسب للخيرية فلا يقال عليه إنّ الأولى ذكر الأقل المتيقن ، وهو العشرة ليعمّ كل حسنة مع أنه يحتمل أنه يريد به مجرّد التكثير لشيوع استعماله فيه كالسبعة والسبعين ، ثم إنّ هذا إشارة إلى الخيرية كما أنّ قوله والباقي بالفاني إشارة إلى الخبرية كيفا. قوله : ( وقيل خير منها الخ ) فمن ابتدائية ولم يرتضه لأنه خلاف الظاهر لا لأنه(7/59)
ج7ص60
يلزمه استعمال أفعل بدون الأمور الثلاثة لأن على هذا ليس باسم تفضيل بل صفة مشبهة كخير المشدد فإنه ورد كذلك كما بين في كتب اللغة.
قوله : ( وبالآوّل ) أي في قوله : { فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ } [ سورة النمل ،
الآية : 87 ] فلا مخالفة بينهما ، وأمّا أدراجه في الاستثناء فغير مراد كما أشار إليه المصنف رحمه الله ، والعظائم جمع عظيمة وعموم الأوّل لأنه مقتضى الجبلة البشرية ، وقوله : بالتنوين أي في فزع فيومئذ ظرف له أو صفة له واليه أشار بقوله لأنّ المراد الخ أو ظرف لآمنون ، وقوله : فزع واحد لأنّ التنكير للوحدة ، ويجوز كونه للتقليل أو للتعظيم فإنّ كل فزع في القيامة عطيم ، وقوله وأمن بصيغة الماضي أو اسم الفاعل والجار من فتقديمه للفاصلة ، وقوله : وقرأ الكوفيون لا حاجة لذكرهم مع تقدم قراءتهم بالتنوين ومعه يتعين الفتح ونافع يبنيها على الفتح لإضافتها إلى إذ. قوله : ( قيل بالشرك ) قيل مرّضه لأنّ الظاهر العموم ولا دلالة في قوله فكبت لأنه م! نسبة ما للبعض للجمع ، وردّ بأنه ممنوع إذ الظاهر حمل المطلق على الكامل ، وهو الشرك ولر أريد العموم كان الظاهر التنكير وفي قوله فكبت دلالة ظاهرة تعارضه فتأمّل. قوله : ) فكبوا فيها الخ ) بيان لحاصل المعنى أو هو إشارة إلى أن إسناد الكب إلى الوجوه مجازيّ لأنه يقال كبه
وأكبه إذا نكسه ، وان كان المشهور تعدى كبه ولزوم أكبّ حتى قيل إنه مطاوعه صزج به في القاموس ، ولسان العرب وحكاه ابن الأعرابي فمن اعترض عليه بأنه لا يقال أكبه متعدّيا لم يصب ، وسيأتي الكلام فيه في سورة الملك مفصلاً واطلاق اليد على الشخص مجازا فيه كلام سيأتي. قوله : ( أو بإضمار القول ) ولا التفات فيه ، وان كان عبارة عن من لأنه في كلام آخر كما حقق في المعاني ، وقوله أمر الرسول إشارة إلى أنه استثناف بتقدير قل قبله وقوله قد أتمّ الدعوة أي لهؤلاء الكفرة وإلا فهو مأمور بها إلى آخر عمره ، وقوله وتخصيص مكة مع أنه رب جميع البلاد والمخلوقات ، ولذا قال : بعده وله كل شيء وقراءة التي حرّمها شاذة ولا ينافي هذا ما في الحديث من أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام حرّم مكة وأناحرّمت المدينة لأنه بأمر ربه فهو المحرّم في الحقيقة وابراهيم عليه الصلاة والسلام مظهر لحكمه ، والتعظيم من الإضافة والإشارة أيضا. قوله : ( وأن أواظب على تلاوته ) هو من المضارع الدال على الاستمرار فاتلو من التلاوة بمعنى القراءة ، وقوله شيئاً فشيئا أي تدريجاً حال من حقائقه أو من تلاوته فيكون بمعنى مرتلاً والأوّل أولى ، وقوله أو أتباعه فاتلو من تلاه إذا تبعه فيكون كقوله : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى } [ سورة الأنعام ، الآية : 50 ] واتل أمر في القراءة الثانية معطوف على معنى أن أكون ، وقراءة أن اتل بدون واو في النظم وان مفسرة بتقدير أمرت قبلها أو مصدرية. قوله : ( باتباعه اياي في ذلك ) قيل هذا وقوله بمخالفتي يقتضي أنه من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم فيقتضي تقدير قل قبله ، والتصريح بها بعده يقتضي أنه من كلام الله تعالى عقب أمره بأن يقول لهم ما قبله فالظاهر إياك ومخالفتك ولا بعد في كونه مقول القول المقدر قبل قوله أمرت كما مرّ ، ولو جعل ضمير إياي ومخالفتي لله أيضا لم يبعد فتأمّل. قوله : ( فلا على من وبال ضلاله ) إشارة إلى أنّ ما ذكر قائم مقام جواب من بقرينة مقابله ، ولو جعل هذا هو الجواب على أنه كناية عما ذكر تعريضية من
غير تقدير ، أو على أنه جواب بتقدير قل له لم يبعد وكلام المصنف لا يأباه. قوله : ( كوقعة بدر ) قيل قوله : فتعرفونها يأباه لأنهم لا يعترفون بذلك وليس بشيء لأنّ منهم المعترف بالفعل كالمقتولين وبالقوّة كغيرهم وقوله فتعرفون أنها آيات الله الضمير راجع للآيات من حيث هي آيات ، أو المراد فتعرفون وقوعها ، وقوله : وما ربك ليس مقول القول واذا كان المراد دابة الأرض فالخطاب لجنس الناس لا لمن في عهد النبوّة.
تنبيه : كون البلدة المذكورة مكة عليه أكثر المفسرين ، وفي تاريخ مكة إنها من قال : حدّثنا يحيى بن أبي ميسرة عن خلاد بن يحيى عن سفيان أنه قال البلدة مني والعرب تسميها بلدة إلى الآن. قوله : ( عن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ ) هو موضوع ، وقوله بعدد أي له بعدد كل واحد منهم عشر حسنات وقوله : وهو دقيل إنه معطوف على من صدّق على المعنى إذ التقدير بعدد قوم سليمان ، وقوم هود فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقيل عليه لا حاجة إيى اعتبار المعنى فإنّ العطف بدونه صحيح ، ولو عطف على سليمان احتيج لما ذكر(7/60)
ج7ص61
وهو غفلة فإن هودا وصالحاً لم يقع منصوباً في جميع النسخ مع أنه معطوف على سليمان قطعا فلا بد من توهم أنّ من صدق سليمان بمعنى قوم سليمان حتى يعطف عليه المجرور بعد حذف المضاف ، وقال : بعض الفضلاء لما اعتبر الحذف ليفيد ما هو المقصود من كثرة الأجر اعتبر المعنى ليكون قرينة على خصوص المحذوف ، تمت السورة بحمد الله ومنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ا-له وصحبه أجمعين.
سورة القصص
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ) أي كلها وهو قول طاوس وعكرمة والقول الثاني قول مقاتل ، وقيل : الآية المذكورة نزلت بين مكة والجحفة ، وقال الداني في كتاب العدد حدثني محمد حدثنا عبد اللّه قال حدثني أبي قال : حدّثني عليّ بن الحسين عن أحمد بن موسى عن يحيى بن سلام قال : " بلغني أن النبئ صلى الله عليه وسلم حين هاجر نزل عليه جبريل عليه الصلاة والسلام بالجحفة وهو متوجه من مكة إلى المدينة فقال : أتشتاق يا محمد إلى بلدك التي ولدت فيها قال : نعم قال : { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ } الآية " وقوله وهي ثمان وثمانون آية أي بالاتفاق. قوله : ( نقرؤه بقراءة جبريل ) قال الراغب : التلاوة تختص باتباع كتب الله المنزلة تارة بالقراءة ، وتارة بالارتسام لما فيه من أمر ونهي وترغيب وترهيب أو ما يتوهم فيه ذلك ، وهو أخص من القراءة ، اهـ فأشار المصنف رحمه الله إلى أن المراد الأوّل فليس تفسيرا بالأعمّ لكنه على الأوّل من الإسناد المجازي كبنى الأمير المدينة ، وعلى الثاني هو مجاز لغوي إمّا مرسل باستعماله في لازم معناه أو سببه وهو التنزيل أو استعارة تبعية بتشبيه التنزيل بالقراءة لأنّ كلاً منهما طريق للتبليغ. قوله : ( بعض نبئهما مفعول نتلو ) جعل الحرف مفعولاً لا يوافق القواعد النحوية فإمّا أن يكون هذا ميلاً مع المعنى كما مرّ أو يكون المراد أنّ مفعول يتلو محذوف وهو شيئا ولما كان لجار والمجرور صفة له قائمة مقامه سماه مفعولاً تسمحاً كما جعلو! الظرف حالاً ، والحال في الحقيقة متعلقة فرجع إلى ما ذكره أبو البقاء وغيره وقد جوّز في من أن تكون بيانية وزائدة على رأي الأخفش والنبأ بمعنى الخبر العظيم مرادا به لفظه فيكون متلواً من غير تجوّز. قوله : ( محقين ) بيان لحاصل المعنى أي ملتبسين بالحق فهو حال من فاعل نتلو ويجوز كونه حالاً من المفعول ، والحق بمعنى الصدق أو صادقا. قوله : ( لقوم يؤمنون ) قال في الكشاف : لمن سبق في علمنا أنه يؤمن لأنّ التلاوة إنما ينتفع بها هؤلاء دون غيرهم يعني أنّ اللام للتعليل ، وخص
المؤمنون مع عمومه لأنهم المنتفعون به ويؤمنون للاستقبال الشامل لجميع الأزمنة الثلاثة كما يكون بالنظر لزمان الحكم والتكلم على ما حقق في الأصول يجوز أن يكون بالنظر إلى علم القائل أيضاً فيشمل من آمن حالاً وليس كقوله : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ سورة البقرة ، الآية : 20 ] كما قيل وفائدة الأخبار بقصص الأمم السابقة على لسان النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى تصديقه كما أشار إليه بعض المحققين فليس من عموم المشترك كما توهم ، ولا حاجة إلى أن يقال المراد من يؤمن حالاً وغيره معلوم بدلالة النص كما مرّ. قوله : ( فرقاً يشيعونه الخ ) أي يتبعونه لأنّ أصل معنى المشايعة المتابعة فيفرقهم بعدد أنواعهم وعلى الوجه الثاني بعددهم باعتبار أعمالهم وخدماتهم له فقوله استخدامه مصدر مضاف للفاعل ، ومن لم يستخدمه منهم ضرب عليه الجزية كما في الكشاف ، ولم يذكره المصشف فكأنه عدّ أداء الجزية خدمة له ولجنده ، وقوله أو أحزاباً فيفرقهم بالعداوة. قوله : ( وهم بنو إسرائيل ) فعدهم من أهلها تغليباً أو لأنهم كانوا به ويستضعف بمعنى يجعلهم ضعفاء مقهورين ، وهو لحكاية الحال الماضية والاستئناف نحويّ أو بياني في جواب ماذا صنع بعد ذلك ، وقوله : حال من فاعل ويجوز كونه من المفعول كما في الكشاف. قوله : ( بدل منها ) بدل اشتمال أو تفسير أو حال من فاعل يستضعف أو صفة لطائفة ، وقوله وكان ذلك أي الذبح والاستحياء ، وقوله : وان كذب فواجهه ، وما قيل في وجهه من احتمال أن يصدّقه ، ولكنه يرى أنه يقع ذلك إن لم يقتله أو يكذبه في بت القول من غير تعليقه(7/61)
ج7ص62
على عدم قتله بعيد لأنه ليس في القصة ما يدل عليه ، وفي هذا دليل على أنّ قتل الأولاد لحفظ الملك شريعة فرعونية. قوله : ( ونريد حكاية حال الخ ) ولذا لم يقل أردنا وأمّا نمن فمستقبل بالنسبة للإرادة فلا حاجة لتأويله ، وقوله من حيث الخ بيان للجامع بينهما بل للمقتضي له لأنّ البيان لا يتم بدونه فلا بدّ من دخولها فيه بالعطف أو بالقيدية ، وأمّا عطفه على نتلو ويستضعف ففي الكشاف إنه غير سديد ، ووجه بما حاصله أنه يلزم على الأوّل خروجه عن المتلو والنبأ وليس كذلك ، وأمّا الثاني فلأنه حال من فاعل جعل أو مفعوله أو صفة شيعاً أو مستأنف وعلى الأوّلين هو ظاهر الامتناع وعلى الثالث أظهر إذ لا مدخل له في جواب مساغ على الوصفية ، والمعنى جعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم ، ونريد أن نمن عليهم منهم أي على الطائفة
من الشيع فاقيم المظهر مقام المضمر الراجع إلى الطائفة وحذف الراجع إلى الشيع للعلم به كأنه قيل يستضعفهم ، ونريد أن نقوّيهم كما في جعله حالاً من مفعول يستضعف أي شيعا موصوفين بالاستضعاف وارادة المن على تلك الطائفة منهم بدفع الضعف ، وأيضا العلم بهذه الصفة لم يكن حاصلاً كالاستضعاف المقيد بحال الإرادة وهذا مما يضعف هذين الوجهين ، وأورد عليه أنّ للعطف عليه على تقدير كونه حالاً من المفعول مساغا أيضاف يعين ما ذكره فلا وجه للتخصيص بالوصفية واًنّ عدم حصول العلم بالصفة الثانية بعد تسليم لزومه مطلقا غير مسلم فإنّ سبب العلم بالأولى يجوز أن يكون سبباً للعلم بالثانية لأنه إمّا بالوحي السابق أو خبر أهل الكتاب ، ولا اختصاص لواحد منهما بالأولى ، وأيضا يجوز تخصيص جواز حالية ونريد الخ باحتمال الاستئناف أو الحالية في يستضعف دون الوصف فلا يكون مشترك الإلزام ( أقول ) هذا غير وارد ، أمّا الأوّل فلأنّ كونه حالاً من المفعول أعني شيعا غير مذكور في الكشاف فلذا لم يلتفت إلى أنّ للعطف مساغا عليه ، وأمّا الثاني فلأنّ كون الصفة معلومة صرّج به الزمخشريّ في مواضع من كتابه فيكفي الإيراد عليه بما هو مسلم عنده ، وأمّا كون العلم بالأولى يستلزم العلم بالثانية بناء على أنّ سببه ما ذكر فليس كذلك لأنّ الاستضعاف مفسر بالذبح والاستحياء ، وهو معلوم بالمشاهدة لا بما ذكر ، وأحسن من هذا كله قول الفاضل اليمني إنّ عدم سداده لأنّ قوله إنّ فرعون الخ بيان لنبأ موسى وفرعون وما سبق نبأ فرعون فقط فتعين عطف ، ونريد الخ بعد ادّعاء البيان ليكون بيانا لنبئهما مطابقاً للمبين ، وهذا وجه لطيف لا تكلف فيه. قوله : ( أو حال من يستضعف ) أي من مفعوله بتقدير مبتدأ أي ونحن نريد لثلا تخلو الجملة الحالية من العائد وأنه بتقدير المبتدأ ليجوز التصدير بالواو ، وفيه لف ونشر فلا سهو فيه لأنّ المفعول قائم مقامه ونحن ليس عبارة عن ذي الحال ، وأمّا كون الاسمية يكفي في ربطها الوإو فيجوز كونه حالاً من الفاعل فمع الاختلاف فيه لا شبهة في استهجانه مع حذف المبتدأ ، ولذا ضعف هذا الإعراب. قوله : ( ولا يلزم من مقارنة الإرادة الخ ) جواب عما يرد على الحالية من أنّ الحال الأصل فيها المقارنة ، والمن واقع بعد استضعافهم بأنّ الحال ليس المن بل إرادته وهي مقارنة لجوان قدمها على المراد عندنا فتكون إرادته حالية بوقوع مراد في المستقبل ، ولذا قيل إن نمن ولو سلم فتقارب الزمان له حكم المقارنة هذا كله إن لم تجعل حالاً مقدرة ، وقوله منة الله أي إنعامه وقوله منه أي الاستضعاف. قوله : ( لما كان في ملكه فرعون وقومه ) الملكة بفتح الميم واللام التملك مطلقا هنا ، وقال الراغب : إنها تختص بصلك العبيد وكأنّ الملكة المشهورة في قولهم
علم بالملكة مستعارة من هذه إذ لم يذكرها أهل اللغة وقولهم ملكة بكسر فسكون مع تاء التأنيث غلط ، والمراد ما كان في أرضهم لا هي فلا يلزم التكرار ، ولذا أتى بكلمة في أو يقال التمكن أمر آخر غير الوراثة بعدها ، وقوله : أرض! مصر والشام زاد الشام ، وان كانت الأرض المعهودة مصر لأنّ مقرّ بني إسرائيل الشام وتمكنهم فيها فلا وجه للاعتراض! عليه. قوله. ( ثم استعير الخ ) استعارة لغوية أو اصطلاحية وشاع حتى صار حقيقة عرفية ولذا ذكره اللغويون ، وإطلاق الأمر أي جواز التصرف(7/62)
ج7ص63
والأمر واحد الأمور أو الأوامر. قوله : ( من دّهاب ملكهم وهحهم على يد مولود منهم ) بيان لما يحذرون ولا شبهة في أنه المحذور عندهم ، وهو الذي خافوا منه بعد إخبار الكهان حتى حملهم على القتل كما مرّ ، ولذا فسره الشيخان بما ذكر وأمّا كون ذلك مرئيا فإن كانت الرؤية بمعنى لمعرفة وهم قد عرفوا ذلك لما شاهدوه من ظهورهم عليهم ، وطلوع طلائعه من طرق خذلانهم فظاهر ، وان كانت بصرية وهو المناسب للبلاغة فالرؤية لمقدماته ، وعلاماته جعلت رؤية له مبالغة وهذا مستفيض بينهم حتى يقال رأى موته بعينه وشاهد هلاكه كما قال بعض المتأخرين :
أبكاني البين حتى رأيت غسلي بعيني
أو المراد رؤيته وقت الهلاك فلا يرد أنهم لم يروا ما ذكر ، وإنما الراتي له بنو إسرائيل وبقية ممن هلك حتى بقيت بظهور موسى لأنّ هذين ليسا مما أرواهم كما قيل مع أنه عين تمكينهم منهم فلا يناسبه عطفه عليه ، وأمّا ردّه بأنّ الأبصار لا يتوقف على الحياة عندنا ، أو المراد إراءة طلائعه أو تعريفه وأنّ الصواب أن يقول مما رأوه فناشئ من عدم التأمّل مع أنه حرّف عبارته إذ ظن أن هم في أرواهم مفعولاً ثانيا ، وهو تأكيد لنائب الفاعل. قوله تعالى : ( { وَجُنُودَهُمَا } ) الإضافة إليهما إمّا تغليبا أو كان لها من جند مخصوصون به ، وأن كان وزيرا أو لأنّ جند السلطان جند لوزيره ، والحذر التوقي مما يضرّ ولما كان الوحي للأنبياء عليهم الصلاة والسلام فسره بقوله بإلهام أو رؤيا منام صادقة قص فيها أمره وأوقع الله في قلبها تيقنه ، أو بإخبار نبيّ في عصره لها أو برؤية ملك كما وقع لمريم إذ قد يراه غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، قيل وقوله : إنا رادّوه الخ يأبى كونه إلهاً ما لأنّ البشارة تقتضي العلم به ، وفيه نظر وأن في أن أرضعيه مصدرية أو مفسرة كما مرّ ، وقوله ما أمكنك إخفاؤ. أي في مدة إمكانه ، وقوله : بأن يحس به بأن يعرف ولادته وقوله يريد النيل لأنه يسمى بحرا وان غلب في غير العذب ، وقوله ضيعة أي فقدا بذبحه أو غرقه ، أو شدّة من عدم رضاعه في سن الرضاع وقوله عن قريب أخذه من اسم الفاعل لأنه حقيقة في الحال أو من السياق ، والطلق بفتح فسكون وجع يعرض عند وضع الحمل ، وضربه قرب حصوله وحبالى بفتح اللام جمع حبلى معروف ،
وضميرها لها أي أفزعها للقابلة ، والسعاية إبلاغ خبر يضرّ المخبر عنه لسلطان أو نحوه ، وقوله فأرضعته أي أمّه لقوله أن أرضعيه ، والمواليد جمع مولود والعيون الجواسيس والتفحص التفتيش والتابوت الصندوق ، وقوله فقذفنه فاؤه فصيحة كماء فالتقطه أي وضعته فيه فتقذفته في البحر ، والتقدير في النظم فعلت ما أمرت به من إرضاعه والقائه فالتقطه الخ أي أخذه أخذ اللقطة بعض أتباعه. قوله : ( تعليل الخ ) في كلامه احتمالان بأن يشبه كونه عدوّا وحزناً بما يكون غرضاً تشبيهاً مضمراً في النفس مكنياً ، ويدخل عليه لام التعليل على طريق التخييل لكونه علة فتكون اللام مستعملة في معناها الحقيقي ففيه استعارة مكنية تخييلية ، أو يشبه ترتب الشيء على شيء والغرض منه شيء آخر بالتعليل بعلة للفعل ويستعمل فيه أداته فيكون استعارة تبعية والى هذا ذهب الزمخشريّ حيث قال هي / لام كي التي معناها التع!ليل كقوله جئتك لتكرمني سواء بسواء ، ولكن معنى لتعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتماط أن يكون لهم عدوّا وحزنا ، ولكن المحبة والتبني غير أنّ ذلك لما كان نتيجة التقاطهم شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله ، وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء والتأدب الذي هو ثمرة الضرب في قولك ضربته ليتأدب ، وتحريره إنّ هذه اللام حكمها حكم الأسد حيث استعيرت لما يشبه التعليل كما يستعار الأسد لمن يشبه الأسد ، ا هـ فليس في طرفي كلامه تدافع كما توهم حتى يحتاج إلى تقدير أو تاويل ، وأمّا كون لالتقاط الوجدان من غير قصد والتعليل يقتضي حقيقة القصد فوهم لأنّ الوجدان من غير قصد لا ينافي قصد أخذ ما وجد لغرض! ، ويحتمل تعلق اللام بمقدر أي قدرنا الالتقاط ليكون الخ فلا تجوز فيه ، وقراءة حمزة والكسائي حزنا بضم فسكون والجمهور بفتحتين وهما لغتان. قوله : ( في كل شيء ) العموم من حذف المتعلق ، أو المعنى من شأنهم الخطأ وليس ببدع أي مستغرب إشارة إلى أنّ هذه الجملة تذييلية واعتراضية كما سيصرّح به ، وهو على هذا من الخطا في الرأي ، وقوله : أو مذنبين أشار(7/63)
ج7ص64
إلى أنه من خطئ بمعنى أذنب ، وفي الأساس يقال خطئ خطأ إذا تعمد الذنب ،
وقد اختلف في خطئ وأخطأ هل هما بمعنى أو ينهما فرق بأنه يقال خطئ في دينه وأخطأ إذا سلك طريقاً خطأ عامدا ، أو غير عامد وقد فصلناه في شرح الدرّة. قوله : ( فالجمملة اعتراضى ) بين المتعاطفين لتأكيد خطثهم المفهوم من قوله ليكون لهم عدوّا وحزناً فإنه استعارة تهكمية كما مرّ وهو على الوجه الأوّل كما؟ في شرح الكشاف ، وتبعه المحشي وقيل : إنه على الوجهين لأنها تؤكد ذنبهم المفهوم من حاصل الكلام أيضاً ، وقوله أو لبيان الموجب بكسر الجيم على الثاني خاصة لكن الظاهر أنه على هذا يكون جواب سؤال مقدر إن أريد بما ابتلوا به كونه عدوّا وحزناً فهو استئناف ، وهو لا ينافي الاعتراض عندهم فإن أريد غيره فهو اعتراض فقط. قوله : ( خاطين ) أي بياء ساكنة ، وقوله تخفيف خاطئين أي بإبدال همزه ياء وحذفها ، و " قوله : أو - خاطين الصواب فليس مبدلاً بل هو من خطا يخطو بمعنى تخطي لتخطيه الصواب إلى ضدّه فهو مجاز ، وهو يؤول إلى معنى القراءة الأولى لكن الوجه الأوّل أوفق لها لفظاً ومعنى. قوله : ( حين أخرجتة ) إشارة إلى ما في الكشاف من أنهم عالجوه فلم يتيسر فتحه لغيرها- على ما فصل فيه ، وقوله هو قرّة الخ إشارة إلى أنه خبر مبتدأ محذوف ، والظرف صفته لا مبتدأ خبره لا تقتلوه ولو نصب لكان قويا لكنه لم يقرأ به ، وقوله لأنهما متعلق بقوله قالت : وعالجها أي داووها به أو وصفوه لها وعلاجهم لها بريقه لشبهه به ، أو لظنهم أنه من جنسه لا من بني آدم وهذا لطف من الله به لإغفالهم عن قتله. قوله : ( وفي الحديث إنه قاك. الخ ، هذا الحديث رواه النسائيّ عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقوله ولو قال هو لي كما هو لك الخ هو أمر فرضي أي لو كان غير مطبوع على الكفر والعناد لشاهد ما شاهدته فكان دليلا على أنه يهتدي للإسلام ، أو لو قاله خلق الله فيه أسباب الهداية. قوله : ( خطاب بلفظ يلجمع ) !لثعظيم بناء عبى انّ المراد فرعون لا هو وأعوانه الحاضرون لعدم ما يدل عليه في النظم ، وان رجحه بعضهم بما روي أنّ غواة قومه قالوا وقت إخراجه هذا هو الصبيّ الذي كنا نحذر منه فأدّن لنا في قتله ، ولا هو ومن يخشى منه القتل ، وإن لم يحضر على التغليب ، وأمّا ما قيل من أنّ الجمع للتعظيم لا يوجد في كلام العرب الموثوق بهم لا في ضمير المتكلم كفعلنا وغيره من كلام المولدين ،
فمما تفرد به الرضى وكل من ذكره تابع له وهو لا أصل له رواية ودرياة قال أبو عليّ الفارسيّ في فقه اللغة الصاحبي من سنن العرب مخاطبة الواحد بلفظ الجمع فيقال للرجل العظيم انظروا في أمري ، وهكذا هو في سرّ الأدب ، وخصائص ابن جنى ولولا خشية الإطالة لنقلناه مفصلاَ ، ثم إنه مجاز بليغ لا يلزم سماعه منهم وكم في القرآن من درّة عذراء مثله فلا تكن من المقلدين ، ومخايل اليمن علامات البركة. قوله : ( نتبناه ) أي نتخذه ابناً فإنه لائق لتبني الملوك لما فيه من الأبهة وهذا من عطف الخاص على العامّ أو تعتبر بينهما المغايرة ، وهو الأنسب بأو ، وقوله حال من الملتقطين يعني آل فرعون ، وقوله القائلة هي امرأة فرعون والمقول له المقدر فرعون عند المصنف وهو وأعوانه عند غيره فالمراد من الجمع اثنان على الأوّل ، والخطا في التقاطه لتحقق خلاف ما التقط له وضميري نتخذه الفاعل والمفعول وهو على هذا من كلام آسية وفيما قبله من كلام الله ، وقوله على الخطا الخ لف ونشر على الوجهين ، وقوله على أنّ الضمير للناس يعني لا لذي الحال إذ يكفي للربط الواو ، وقوله وقد تبنيناه أي اتخذناه ابناً جملة حالية في كلامه ، ولا ينافي كون الحال منها في النظم لتقارنهما فتأمّل. قوله : ( صفرا من العقل ) أي خالياً منه لأنه محله المضاف إليه في القرآن كقوله تعالى : { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } [ سورة الحج ، الآية : 46 ] وان كان مثتركا بينه وبين الرأس ودهمها بمهملات مع فتح الهاء وكرها بمعنى عرض لها بغتة ، وقوله بوقوعه الخ لا ينافي قوله وقالت لأخته قصيه لأن تتبع الخبر ليعرف هل قتلوه أم لا وليتحقق ذلك لا ليعرف مكانه ، وأمّا كون الواو لا تقتضي الترتيب فلا وجه له لأنّ تقديم المؤخر من غير نكتة لا يناسب في النظم إلا بلغ وقوله : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } [ سورة إبراهيم ، الآية : 43 ] أي خالية من العقل كقول حسان رضي الله عته : فانت مجوف نخب هواء
قوله : ( ويؤيله أنه قرئ فرغا ) أي بكسر الفاء وسكون الراء المهملة والغين المعجمة وكلاهما قرى به والمعنى واحد ، ووجه التأييد ظاهر لأنه استعارة لتشبيهه بقتيل لا قود ولا دية فيه(7/64)
ج7ص65
ومن هلك قلبه ذهب لبه وفيها قراآت أخر.
قوله : ( أو من الهم ) كما يقال فارغ البال ، ولا يرد عليه عدم ملاءمته لما بعده من قوله لتكون من المؤمنين كما سياتي في تفسيره ، وأما أنه بمقتضى الجبلة البشرية فلا يناسب قول
المصنف رحمه الله أو الفرح بتبنيه كما لا يخفى. قوله : ( أو لسماعها الخ ) هذا أيضا يلائم ما بعده لما سيأتي ، ولا ينافي قوله : وقالت لأخته قصيه فتأمّل. قوله : ( 1 نها كادت الخ ) إشارة إلى أنّ أن مخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة ، وقيل إن نافية واللام بمعنى إلا وقوله بأمره ، فهو بتقدير مضاف قيل وتعديه بالباء لتضميته معنى تصرّح أو هي زائدة ومعنى تبدي تظهر لأنه من البدوّ وهو الظهور ، وفسره في الكشاف بتصحر بصماد وحاء مهملتين على أنه البادية والصحراء لا من البدوّ قال في الأساس ومن المجاز أصحر بالأمر وأصحره أي أظهره وكلام المصنف يحتمله فلا يحتاج إلى التضمين حيئذ ، وقوله من فرط الضجر على التفسير الأوّل والوجه الأوّل من التفسير الثاني. قوله : ( بالصبر أو الثبات ) إشارة إلى أنّ الربط على القلب مجاز كما في قوله : { وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ } [ سورة الأنفال ، الآية : 11 ] وهذا ناظر إلى التفسيرين قبله ، وقوله من المصدقين الخ وعد الله إنا رادّوه الخ ، وقوله من الواثقين الخ الأوّل مبنيّ على أنّ فارغا بمعنى خالياً من العقل لفرط الجزع لولا أنّ الله ألهمها الصبر لتكون مصدقة بوعده ، وهذا مبنيّ على أنّ المعنى فارغا من الهمّ فالمراد أنها كادت تظهر أمر موسى عليه الصلاة والسلام من الفرح ، أو لإثبات قلبها ليكون فرحها للوثوق بوعده تعالى في حفظه لا لتبني فرعون ، وعطفه عليه فإنه لا يرض الله فالإيمان على الأوّل بمعنى التصديق ، وعلى هذا بمعنى الوثوق كما حكى أبو زيد ما أمنت أن أجد صحابة بمعنى وثقت فتدبر. قوله : ( وقرئ موسى ) أي بهمزة بدل الواو كان ينبغي تقديم هذا في تفسير فؤاد أمّ موسى ، والهمزة المضمومة تبدل واواً باطرإد كوجوه وأجوه وهذه لضم ما قبلها أجريت مجرى المضمومة ، وقوله همز واو وجوه بالنصب بهمزها أو بنزع الخافض أي كهمز واو الخ ، وقوله وهو أي قوله لتكون الخ علة لربط القلب أي تقويته ، وما دل عليه ما قبله أبدته وقوله مريم عطف بيان على أخته فإنه اسمها ، وقوله وتتبعي خبره عطف تفسير لما قبله. قوله تعالى : ( { فَبَصُرَتْ بِهِ } ) بضم الصاد أي أبصرته ، وقرى بفتحها وكسرها في الشواذ وفاؤه فصيحة أي قصت فبصرت ، وقوله عن جنب بضمتين في القراءة المشهورة ، وفسره المصنف والزمخشريّ بالبعد ، وقيل إنه صفة موصوف محذوف أي مكان جنب أي بعيد ، وهو كأنه من الأضداد فإنه يكون بمعنى القريب كالجار الجنب ، وقيل هو بمعنى الشوق هنا ، وقوله عن جنب يحتمل أن يكون بفتحتين أو بفتح فسكون أو بضم فسكون فإنه قرى بها كلها والمعنى واحد وضمير بمعناه لجنب بضمتين أو لبعد. قوله : ( ومنعناه ) جعله
مجازاً إمّا استعارة أو مرسلا لأنّ من حرم عليه شيء فقد منعه لأنّ الصبيّ ليس من أهل التكليف ، وحكمته أن يكون سبباً لعوده لأمّه ولئلا يرتضع لبن كافرة ، ومرضع بضم الميم وكسر الضاد وترك التاء إمّا لاختصاصه بالنساء ، أو لأنه بمعنى شخص مرضع ومرضع بفتح الميم مصدو ميمي ، وجمع لتعدّد موادّه أو اسم موضع الرضاع وهو الثدي. قوله : ( من قبل قصها ) أو إبصارها أو ردّه أو قبل ذلك أي من أوّل أمره ، وقوله فقالت أي دخلت مع المراضحع فقالت : وقولها على أهل بيت دون امرأة إشارة إلى أنّ المراد امرأة من أهل الشرف تليق بخدمة الملوك ، وقوله لا يقصرون لأنّ النصح بمعناه المعروف لا يتأتى هنا ، وقوله لما سمعه أي سمع قولها وهم لنا ناصحون ، وقوله : فخذوها أي أمسكوها وضيقوا عليها حتى تقرّ وقولها إنما اردت الخ لأنّ كلامهما يحتمله في لغتهم ، واختلاف مرجع الضمائر لا يختص بلغة العرب حتى يتكلف له تأويل وهذا ، وإن كان كذباً جائز لدفع الضرر مع أنها غير معصومة ، وقوله هل أدلكم معناه هل تريدون أن أدلكم وقوله وأجرى عليها أي أمر بأن يجري عليها النفقة ، وقوله من أنت منه بمعنى من أنت في القرب منه نسباً ومن اتصالية ، والكفالة تربية الصغير في الحجر ، وقوله بولدها أي بلقائه ، وقوله : يعلله بمعنى يلهيه. قوله : ( علم مشاهدة ا لبعض ما وعدها الله من ردّه وارساله والا فهي متيقنة لهما قبله ، وحمل الزمخشريّ الوعد على كونه سيكون نبيا فحينئذ لا يحتاج لما ذكر ، وقوله أنّ وعده حق أي لا يعرفون وعده ولا حقيته(7/65)
ج7ص66
أو لا يجزمون بما وعدهم لتجويزهم تخلفه وهو لا يخلف الميعاد ، وقوله أو أنّ الغرض الخ هو ظاهر عند من يجوز تعليل أفعاله تعالى بالإغراض ، إمّا عند من لا يجوّزه فقد تجوّز بإطلاق الغرض على ما يترتب على أفعاله من الحكم والمصالح ، وكونه غرضاً أصليا يفهم من إعادة حرف التعليل معه فإنه يقتضي الاعتناء به وأهميته ، وما سواه من قرّة عينها وذهاب حزنها لكونه أمرا دنيوياً تابع لعلمها بتحقق وعده ، فإن قلت الذي يفيده الكلام إنما هو كون كل منهما كالغرض ، أو غرضحا مستقلاً وأمّ تبعية غيره له لا سيما مع تقدمه عليه فلا قلت لما حذف حرف
العلة من الأوّل إشعارا بأنه غير مقصود بالتعليل ، أفاد النظم أنه علة لذلك الأمر المعلل فكأنه قيل الردّ الذي قرّت به عينها لتعلم الخ فتدبر. قوله : ( وفيه تعريض الخ ) هو من التعبير بالمضارع فإنه يفهم أنها لم تتيقن ذلك في الماضي إذ لو كان كذلك لم يعرض لها خوف ، وحيرة وفرط بتخفيف الراء بمعنى سبق وهذا جار على الوجهين ، ولا يختص بالأوّل حتى يرد عليه أنّ الأولى ذكره عقبه. قوله : ( مبلغه الذي لا يريد عليه نشؤه ) المبلغ اسم زمان من البلوغ ، وهو الانتهاء إلى حد النموّ وغايتة ، ولهذا سمي سن الوقوف والنشء بوزن قفل ، وقوله : وذلك من ثلاثين إلى أربعين أورد عليه أنه روي عن مجاهد أنّ بلوغ الأشد في ثلاث وثلاثين ، والاستواء في الأربعين وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الاً شدّ ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين والاستواء ما بين الثلاثين إلى الأربعين وما ذكره المصنف رحمه الله لا يوافق شيئا منهما ، وجوابه أنّ أصل معناه القوّة دون تعيين وهي تختلف باختلاف الأقاليم والإعصار والأحوال 4 ولذا وقع له تفاسير في كتب اللغة والتفسير بحسب القرائن والمقامات ، وفي لسان العرب قال الزجاج هو من نحو سبعة عشر إلى الأربعين وقال : مرّة هو ما بين الثلاثين والأربعين انتهى ، واختار الأخير المصنف هنا لموافقته لقوله تعالى : { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } [ سورة الأحقاف ، الآية : 5 ا ] لأنه يشعر بأنه منته إلى الأربعين وهي سن الوقوف فينبغي أن يكون مبدؤه مبدأه ، وهو الثلاثون وقد صرّح به في سورة يوسف ، ولذا يفسر تارة بسن البلوغ وغيره فلا إشكال فيه كما توهم. قوله : ( فإنّ العقل الخ ) تعليل لقوله وذلك الخ يعني أنّ الأشد هو الكمال والقوّة وقوّته بالثباب ، وكماله بالعقل وهما يتمان في هذه المدة فلذا فسر به ، وقوله وروي الخ في تخريج أحاديث الكشاف إنه لم يوجد في شيء من كتب الحديث ويؤيده ما في حق يحيى عليه الصلاة والسلام : { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } [ سورة مريم ، الآية : 12 ] فإنه فسر بالنبوّة وأنّ عيسى عليه الصلاة والسلام بعث في ثلاث وثلاثين ورفع في الأربعين ولعله إن صح أغلبيّ ، والرأس الطرف ولو آخرا كما هنا وكما قد صرّحوا به ، واستوى بمعنى كمل وتمّ وهو تأكيد وتفسير لما قبله ولذا عطف عليه ، وقوله علم الحكماء تفسير للحكم والعلم. قوله : ( وهو أوفق لنظم القصة ا لأنه إذا فسر العلم بالدين والشريعة يكون هذا بعد النبوّة وعلى هذا هو قبلها ، والمراد بالهجرة خروجه عليه الصلاة والسلام إلى مدين ، والمراجعة بمعنى رجوعه منها ، وإنما عبر بصيغة التفصيل لأنّ هذا القول على المعنى الأوّل يكون بيانا إجمالياً لإنجاز الوعد بجعله من المرسلين بعد ردّه لأمّه وما سيأتي تفصيل له ، والعطف بالواو لا يقتضي الترتيب فلا ممانعة ولا اعتراض عليه كما توهم ولم يفسر العلم بالعلم بالتوراة كما في الكشاف لأنه لم يؤتها حين
بلغ أشدّه بل بعد إغراق فرعون كما ذكره الزمخشريّ في سورة المؤمنين لكنه إذا كان إجمالاً لأحواله يهون خطبه فتأمّل. قوله : ( على إحسانهم ) تنبيه على أنه إنما آتاه العلم والحكم لاستحقاقه إياه بإحسانه العمل فهو دليل على أنّ المراد بالحكم الحكمة ، وعلم الحكماء لا النبوّة فإنها لا تكون جزاء على العمل كما قاله الإمام : فهو إشارة إلى ترجيح الوجه الثاني ، وأمّا استلزام الأوّل لحصول النبوّة لكل محسن كما ذكره فليس بشيء. قوله : ( وقيل منف ) عطف على مصر ، وهي بلغة معروفة وهي بضم الميم وفتحها وان ذكره بعضهم لا يوثق به والنون ساكنة وهي ممنوعة من الصرف كماه وجور والمعروف فيها منون بواو وتفصيله في أسماء البلدان ، وحا بين بحاء مهملة وباء موحدة في النسخ وهي وعين شمس أسماء بلدتين من نواحي مصر وكون الوقت بين العشاءين مرويّ ، عن ابن عباس رضي الله عنهما وشايعه بمعنى تابعه. قوله : ( والإشارة ) أي بهذا واقعة على طريق الحكاية لما وقع وقت الوجدان(7/66)
ج7ص67
كأنّ الرائي لهما يقوله لا في المحكيّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله هو من عدوّه قدره لتكون لجملة صلة ولو لم يقدّره صح ، ولذا تركه في الأوّل ، وقوله فسأله هو معنى السين ، وقوله ولذلك عدى بعلى أي حملا له على نظيره أو ضمنه معناه ويؤيده القراءة به ، وان ضمن معنى النصر صح لتعديه بعلى ويؤيده قوله استنصره بالأمس ، وجمع كفه بضم الجيم وسكون الميم بمعنى كفه المضمومة أصابعها. قوله : ( وأصله فأنهى حياته ) أي جعلها منتهية متقضية وهو بهذا المعنى يتعدّى بعلى كما في الأساس فلا حاجة إلى تأويله بأوقع القضاء عليه ، وأمّا تعديته بإلى في الآية المذكورة فلتضميته معنى أوحينا واستشهاد المصنف بها إنما هو لاستعمال قضى بمعنى أنهى وأتمّ. قوله : ( لآنه لم يؤمر بقتل الكفار ) تعليل لقوله ، أو مقوله إذ لو أمر به كان جهادا وطاعة ، والظاهر أن يقول بدل قوله مأمونا مستأمناً ، والاغتيال الغدر بقتل المرء من حيث لا يشعر وقوله لا يقدح الخ وهو قبل النبوّة أيضا ، وقوله عادتهم أي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ومحقرات مّا بزيادة
ما كأمر ما والمراد بكونها محقرات أنها في نفسها كذلك لئلا يرد عليه أنه استخفاف بالصغيرة ، وهو غير جائز ، وفرطت بمعنى وقعت بدون تعمد ، وقوله وإنما عدّه الخ يعني جمعه بين هذه الأمور الثلاثة يدل على أنه كبيرة ، وليس كذلك لا كل واحد لئلا يكون تكرارا ويرد عليه أنّ الخطأ لا يخلو عن الإثم ، ولذا شرعت فيه الكفارة ، وهو صغيرة فلا حاجة لما ذكره المصنف ، وقوله ظاهر العداوة إشارة إلى أنه من أبان للازم ولم يقل ظاهر العداوة والإضلال ، وان لم يستلزم أحدهما الآخر فكم من صديق مضل لأنه يريد الإشارة إلى أنه صفة عدوّ لا مضل لوقوعه كذلك في غير هذه الآية واضلاله ظاهر لا يحتاج إلى بيان. قوله : ( لاستغفاره ) أي إجابة لدعائه بالمغفرة ، وإنما قيده به لما فيه من الفاء فلا يتوهم أنّ صيغة المبالغة تقتضي عدم التقييد مع أنه لا وجه له ، وقوله بهم لكونه بمعنى اللطيف أو الرؤف. قوله ة ( أقسم بأنعامك الخ ) إن كان هذا قبل النبوّة فمعرفته أنه غفر له بإلهام أو رؤيا فلا يقال الظاهر أن يبدّل بالإقرار ، والاسنغفار وقوله لا تؤبن هو الجواب المقدر ، وقوله أو استعطاف هو قسم من القسم جعله المصنف كالزمخشريّ قسيماً له لأنّ المراد بالقسم ما يؤكد به الكلام الخبري ، وينعقد منه يمين وهذا ليس كذلك فأراد به فرده المتبادر منه فصار قسيماً بعدما كان قسماً ، قال ابن الحاجب : القسم جملة إنشائية يؤكد بها جملة أخرى فإن كانت خبرية فهو القسم لغير الاستعطاف نحو والله لأقومن غداً وإن كانت طلبية فهو للاستعطاف نحو قولك بالله زرني ، وقيل القسم الاستعطافي ما كان المقسم به مشعرا بعطف وحنو نحو بكرمك الشامل أنعم عليّ وهنا استعطفه تعالى بنعمة المغفرة وجعلها وسيلة لطلب العصمة والكلام صادق عليهما ، وجعل بعضهم إطلاق القسم على الاستعطافي تجوّزا وعليه فالمقابلة ظاهرة ، وكلام ابن الحاجب وغيره مخالف له والباء حينئذ متعلقة باعصمني وجملة فلن أكون متفرّعة عليه والفاء على الأوّل عاطفة على الجواب وعلى الثاني واقعة في جواب الأمر أو الشرط المقدر. قوله : ( لمن أذت معاونته إلى جرم ) كالإسرائيلي الذي خاصمه القبطيّ فادّت معاونته إلى قتل لم يحل له فالمجرمون في النظم مجاز في النسبة للإسناد إلى السبب ، ويجوز أن يراد بالمجرم من أوقع غيره في الجرم فهو حقيقة ، وتفسيره محتمل لهما والظاهر منه الأوّل ، وفي الكشاف إنّ المراد بمظاهرة المجرمين صحبة فرعون وتكثير سواده السالف له أو المراد بالمجرمين الكفار لأنّ الإسرائيلي لم يكن أسلم. قوله : ( لم يستثن ) أي لم يقل إن شاء الله وابتلاؤه به أي بأن يكون ظهيراً للمجرمين مرّة أخرى ، وهو ما في قوله فإذا الذي استنصره الخ وهذا على ما مرّ من لوجهين لكن الاستثناء لا يناسب الاستعطاف لكون النفي معلقاً بعصمة الله. قوله : ( وقيل معناه بما أنعمت الخ ) فيكون
الحاز والمجرور متعلقاً بفعل مقدر يعطف عليه ما ذكر وليس قسما كما توهم لأن أعين لو كان جواب قسم وجب تأكيده ، أو اقترانه بلام القسم وإنما هو إلزام لنفسه بما ذكر كالنذر ، والأعذاء القبط أو مطلق الكفار أو فرعون وأشياعه ، ويترصد بمعنى يتوقع وإلاستقادة طلب القود منه ، وقوله فإذا للمفاجأة. قوله : ( من الصراخ ) بالضم ، وهو الصياح ثم تجوّز به عن الاستغاثة لعدم خلوّها منه غالباً ، وشاع ذلك حتى صار حقيقة(7/67)
ج7ص68
عرفية ، وقيل المعنى بطلب إزالة صراخه ، وقوله- جمالأسى إن كان دخوله المدينة بين العشاءين فمجاز عن قرب الزمان. قوله : ( لأنك تسببت لمقتل رجل الخ ) قيل الحق أن يقال لأنّ عادتك الجدال وما ذكر لا يناسب قوله فلما أراد الخ لأنّ تذكر تسببه لماذكر باعث للإحجام لا الإقدام ، ورد بأنّ التذكر محقق !لقوله خائفا يترقب والباعث له على ما ذكر شفقته على من ظلم من قومه وعترته لنصرة الحق. قوله : ( قاله الإسرليلي ) أي لموسى لظته أنه يريد البطش به لا بعدوّهما ، أو هو من قول القبطي لموسى عليه الصلاة والسلام ، وقوله وكأنه وفي نسخة فكأنه ، وفوله من قوله أي مقوله للإسرائيلي وهو إنك لغويّ مبين ولا بعد فيه لأنّ ما ذكر إمّا إجمال لكلام يفهم منه ذلك ، أو لأنّ قوله ذلك لمظلوم انتصر به خلاف الظاهر فلا يعد في الانتقال منه لذلك. قوله : ( تطاول الخ ) أصله تتطاول أي تعتدي بما تريد من غير نظر في عاقبته ، وهو إشارة إلمى ماخذه لأنّ الجبار في الأصل النخلة الطويلة فاستعمل لما ذكر إمّا باعتبار تعاليه المعنويّ يو تعظمه ، وقوله ابن عمه أي ابن عمّ فرعون ، وقد اشتهر بمؤمن من آل فرعون حتى صار كالعلم له. قوله : ( وجاء رجل الخ ) الظاهر أنّ من أقصى المدينة صلة جاء لأنّ سرعته لبعد المحل الذي جاء منه ، واهتمامه بأخباره ولذا قدّم في سورة يس لدفع احتمال الوصفية ، وأمّا تاخيره هنا فعلى الأصل وجعله في أحدهما صفة وفي الآخر صلة لا وجه له ، وكونه من أقصى المدينة غير معهود ولا فائدة
للوصف به ، وإلحاقه بالمعارف لأنّ أصل ذي الحال أن يكون معرفة أو مع مسوّغ كما هو معروف في النحو ، وقوله يأتمر أي يقبل الأمر. قوله ة ( اللام للبيان ) كما في شيا لك فيتعلق بمحذوف ، وقوله معمول الصلة وهو ناصحين لأنّ أل اسم موصول لا حرف تعريف على الصحيح فيمنع العمل كما أنّ معمول الحرف الجار لا يتقدم معموله عليه ، وهذا مذهب الجمهور ، وعند من جوّز ذلك في أل خاصة لكونها على صورة الحرف أو في الظرف للتوسع فيه ، أو قال هي حرف لإرادة الثبوت فلا مانع من عمله فيه ، أو تفسيره لعامل فيه. قوله : ( قبالة مدين ) بضم القاف بمعنى ما يقابل جانبها ، وتلقاء في الأصل مصدر انتصب على الظرفية وتوجهه لقرية شعيب عليهما الصلاة والسلام لمعرفته به ، وقيل لقرابته منه ، وعن بمعنى عرض! وقوله وصل إشارة إلى أنّ المراد بالورود الوصول لا الدخول أو الشرب لوروده بمعانيها ، وقوله وهو بئر إشارة إلى أنّ المراد بالماء محله مجازاً وأنه بئر لا عين ، وتوله ة شفيرها هو فم البئر ، وقوله كثيرة من لتنوين أو من لفظ أمّة والاختلاف من قوله من الناس لشموله للأصناف ، ولا فائدة في ذكره غيره ولا وجه للتوقف فيه ، وقيل فائدته تحقيرهم وأنهم لئام لا يعرفون بغير جنسهم أو محتاجون إلى بيان أنهم من البشر أو المراد بمختلفين يجيئون ، ويذهبون للمناوبة في السقي كماهو معتاد وقال الطيبي إنه يؤخذ من خارج أو العادة أنه يجتمع للسقي أصناف مختلفة ، وقوله في مكان أسفل وقيل من قربهم أو من سواهم أو مما يلي جهته إذ قدم عليهم. قوله : ( تمنعان أغنامهما ) إشارة إلى المفعول المحذوف ، وسيأتي ما فيه ، وقوله كي لا تختلط بأغنامهم فيلزم مزاحمتهما للرّجال واختلاطهما معهم فلا يرد أنّ الاختلاط موجود في الأمّة وهم لا يذودون كما قيل. قوله : ( ما شأنكما ) يعني أنّ الخطب مصدر أريد به المفعول فهو بمعنى الشأن ، والشأن أيضاً مصدر أريد به المفعول وجملة تذودان حالية وهي المسؤول عنها في الحقيقة فكأنه قيل لم يذودان أي ما سبب الذود ، وقد بينه بقوله حذراً عن مزاحمة الرجال وهو
لا ينافي قوله كي لا تختلط باغنامهم كما قيل لما بيناه ، وقوله تصرف الخ تفسير ليصدر. قوله : ( فحذف المفعول ) أي في الأفعال الثلاثة أو الأربعة وهذان مذهبان مذهب الزمخشري وعبد القاهر ، وهو أنّ القصد إلى نفس الفعل فنزل منزلة اللازم أي يصدر منهم السقي ومنهما الذود ، وأمّا أنّ المسقى والمذود إبل أو غنم فخارج عن المقصود بل ربما يوهم خلافه إذ لو قيل أو قدر يسقون إبلهم ويذودان غنمهما لتوهم إنّ الترحم لهما ليس من جهة إنهما على الذود والناس على السقي بل من جهة إنّ مذودهما غنم ومسقيهم إبل كما إذا قلت ما لك تمنع أخاك نالمنكر منع الأخ لا المنع من حيث هو وخالفهما صاحب المفتاح فذهب إلى أنه محذوف للاختصار والمراد يسقون مواشيهم ، ويذودان غنمهما وكذا سائر الأفعال في الآية لأنّ الترحم لم يكن من جهة(7/68)
ج7ص69
صدور الذود عنهما والسقي من الناس بل من جهة ذودهما غنمهما ، وسقي الناس مواشيهم حتى لو ذادا غير غنمهما وسقي الناس غير مواشيهم لو يصح الترحم ، وادّعى السعد والشريف أنه أدق وأحسن ، وأشارا في شرح المفتاح إلى فساد المعنى بدونه وقد قيل للشيخين أن يقولا الترحم باعتبار أنّ السقي من الأمّة لأنفسهم والذود لأجل أنفسهما بلا مدخل لملاحظة المسقي ، والمذود وتنزيل الفعل منزلة اللازم بالنسبة إلى المفعول الصريح المعين لا ينافي عدمه باعتبار المفعول بالواسطة فلا فساد فيما ذهبا إليه ، وفي شرح الإيضاح إنّ الموضع كان مجتمع الناس للسقي ومجرد عدم اشتغالهما بالسقي ، واشتغال الناس به مع ذكر ضعف أبيهما كاف في إيجاب الترحم ، وقيل ترك المفعول في يسقون ويذودان لأنّ الغرض هو الفعل لا المفعول إذ هو يكفي في البعث على سؤال موسى عليه الصلاة والسلام ، وما زاد على المقصود لكنه وفضول وأمّا البعث على المرحمة فليس هذا موضعه فإنّ له قولهما لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ، ومن لم يفرق بين البعثين قال : ما قال وردّ بأنّ منشأ السؤال هو المرحمة لحالهما كما صرّحوا به فسؤاله للتوسل إلى إعانتهما وبرهما لتفرسه ضعفهما وعجزهما ، ولولاه لم يكن للتكلم مع الأبخبية داع ، وقولهما لا نسقي الخ باعث لمزيد المرحمة لقبولها للزيادة والنقص ( قلت ) هذا محصل ما صدر من القوم هنا ، وبعداً للتيا والتي فالذي يرتضيه الذوق السليم أنّ كونهما يذودان مواشي الناس لا احتمال له أصلاً إذ لو ذاداها سقياً مواشيهما قبلهم والكلام صريح في خلافه ، والاحتمال المرجوح ساقط مطروح فلم يبق إلا الاحتمال الآخر ، ولا حاجة إلى تقديو المفعول بالواسطة لأنه إذا احتيج للتقدير فتقدير المفعول الصريح هو الأحق بالتقدير وأمّا ما اعترض به على المرحمة فخيال فاسد ، وحينئذ فمجرّد السقي منهم وعدمه منهما كاف في المراد من غير تقدير مع أنّ المقدر في الأوّل ليس إبلاً بل الأعمّ ، وهو المواشي كما صرّح به المصنف إذ الأمم المختلفة الظاهر أنّ منهم من يسقي إبلاَ ومنهم من يسقي غنما فلا يتغاير المسقي لهما وللأمم حتى يكون خصوص المسقي هو المنظور له في الترحم ففي كلام المصنف مخالفة للزمخشري في هذا أيضا فتركه عنده لأنه
عبث ، وان لم يوهم خلاف المراد فتأمّل. قوله : ( ثم دونه ) بالثاء المثلثة المفتوحة أي في الفعل دون المفعول وفي بعض النسخ ثمّ بنقطتين أي حصل بدون المفعول ، وعلى النسختين فذكره زائد لا حاجة إليه ، وقوله وهو أي فعال بالضم فإنه اسم جمع ، وقيل إنه جمع كما مز وانه سمع في ثماني كلمات نظمها الزمخشريّ ، وقد استدرك عليه لأنه سمع غيرها كما فصلناه في شرح الدرّة ، وقوله كالرخال هو بضم الراء المهملة والخاء المعجمة وفي آخره لام جمع رخلة ورخلة بكسر الراء ، وهي الأنثى من أولاد الضأن ، وقوله وأبونا الخ حال أو معطوف على مقدر أي ليس لنا خادم وأبونا الخ ، وقوله فيرسلنا اضطراراً الخ والضرورة لها أحكام فلا يقال كيف ساغ لنبيّ إرسال ابنتيه مع الأجانب مع أنه لا محظور فيه إذ لم ينظروا لهما ويخالطوهما مع اختلاف العادة في مثله بدوا وحضرا وزمانا ، وقد قيل ليستا بنتين له. قوله : ( قيل الخ ) وجه تمريضه أنه مخالف للنظم لأنّ تلك البئران كانت هي التي استقى منها الجميع ، وا. طباق الحجر عليها قبل السقي فمقتضى هذه الرواية أنهم استقوا بعد مجيئه وهو يخالف ؤ!أيد : { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ } إلا أن يؤوّل بأنهم كانوا متهيئين للسقي ، وهو بعيد ؤط كان بعده ، وقبل سقيهما فهو منع لهما وهو مخالف لقوله لا نسقي حتى يصدر الرعاء ، وان كان بعده فهو أشد مخالفة ، وأمّا استبعاد صبره إلى أن يفرغ الرعاء من السقي ويضعوا الحجر عليها فلا وجه له وما روي أنهما رجعتا إلى شعيب قبل الناس فقال : { ما أعجلكما فقالتا وجدنا رجلاَ صالحاً فسقى لنا } [ سورة القصص ، الآية : 24 ] فهو أوفق بما بعده وبأنه زأحمهم حتى سقي وكلاهما موافق لوصفه بالقوّة ، ومعنى أقله حمله ويقله مضارعه والوصب الضعف. قوله : ) وقيل كانت الخ ا لعل ضعفه من جهة الرواية وأنّ الظاهر عدم تعدد المورد ، وتوله لأيّ شيء إشارة إلى أنّ ما نكرة موصوفة لا موصولة لعدم مناسبته للمقام ، وقوله قليل أو كثير من شيوع التنكير ، وأنزلت بمعنى قا- رت وأوصلت ، وقوله وحمله الأكثرون أي حملوا الخير على الطعام بقرينة المقام لأنّ القادم من طريق مطلوبه الزاد خصوصا مع ما مرّ من ذكر جوعه. قوله : ( محتاج سائل الخ ) يعني أنّ(7/69)
ج7ص70
فقير يتعدّى بالى فتعديته باللام هنا لأنه ضمن معنى محتاج ، وهو يتعدى بها وقوله سائل تفسير
لمحتاج لا أنه هو المضمن لأنه لو كان كذلك كانت اللام للتقوية لأنه متعد بنفسه فلا يوافق ما بعده ، ومن فسر السائل بالطالب لظنه أنه يتعدّى باللام فقد وهم ، ويجوز أن تكون اللام للبيان. قوله : ( وقيل معناه الخ ) والمراد بالخير الخير الديني لا الدنيوي كما في الأوّل واللام للتعليل ، وصلة فقير مقدرة أي إلى الطعام أو لأمور الدنيا وقوله والغرض أي على هذا الوجه ، والتبجح تفعل بالجيم والحاء المهملة الفرح والافتخار أي لا التشكي والتضجر ، ولذا عبر عن الأوّل بالخير وقدمه. قوله : ( مستحية متخفرة ) بتخفيف الياء استفعال من الحياء وحذفت إحدى ياءيه في الفعل للتخفيف وتبعه بقية مادّته ، وهو إشارة إلى أنه حال من فاعل تمشى أو جاءته فهو حال أيضاً ، وهي إمّامترادفة أو متداخلة ، وقوله متخفرة بوزن اسم الفاعل من التفعل من الخفر بفتح الخاء المعجمة والفاء ، وهو شدّة الحياء وقوله واسمها الخ وفي الكشاف كبراهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء والكبرى هي التي ذهبت به وتزوّجها. قوله : ( جزاء سقيك ) إشارة إلى أنّ ما مصدرية لا موصولة لأنّ ما يستحق عليه الأجر فعله لا ما سقاه إذ هو الماء المباح ، وقوله ولعل موسى عليه الصلاة والسلام إنما أجابها بالذهاب إلى أبيها إذ دعته يعني أنّ مثله لا يليق به أخذ الأجر على ما تبرّع به من المعروف فأجابته ليست لأخذه بل لما ذكر ، ويستظهر بمعنى يستعين ويتقوّى ، وقوله هذه عادتنا يعني ليس ما بذلناه أجرا بل قرى على عادتنا تنافيه. قوله : ( من فعل معروفاً وأهدى بشيء ( ضمنه معنى المقابلة أي قوبل بشيء على وجه الهدية ، والجواب الأوّل مبنيّ على مغ قبوله للبر في مقابلة المعروف وهذا مبنيّ على تسليم قبوله بعد العمل إذا كان على طريق الهدية وفي الكشاف إنّ طلب الأجر للضرورة غير منكر ، وامّا الاستشهاد عليه بقوله ة { لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا } [ سورة الكهف ، الآية : 177 فليس بمناسب لأنه من قبيل الاستئجار ، وما نحن فيه ليس كذلك. قوله : ( تعليل ( لأنّ الجملة المصدرة بأن في جواب سؤال عن سبب قولها استأجره ، وقوله شائع يعني أنه عام جار مجرى المثل وتعريف القويّ الأمين للجنس أي من كان كذلك لائق بالاستئجار وقوله وللمبالغة فيه أي في التعليل أو الدليل ، ووجه الاستدلال اندراجه تحته. قوله : ( جعل خير اسما ( لأن مع إن
الظاهر فيه أن يكون خبرا أمّا إن كانت من المضاف إليها نكرة فظاهر لأنّ فيه إخباراً عن النكرة بالمعرفة ، وهو خلاف الظاهر وان جوّزوه في اسمي التفضيل والاستفهام وكذا إن كانت موصولة وقلنا إضافة أفعل التفضيل لفظية لا تفيد تعريفا كما هو أحد قولين للنحاة فيه أو لأنّ المعرف باللام أعرف من الموصول وما أضيف إليه ، أو لأنّ المقصود بالإفادة كونه خيراً من غيره فصدر للاهتمام به والمبالغة في خيريته ، وأنها أمّ الكمال المبني عليها غيرها المفروغ منها فتأمّل. قوله : ( وذكر الفعل بلفظ الماضي ) ولم يقل تستأجر مع أنه الظاهر لأنه جعله لتحققه وتجربته كما ذكر في المروي بعده بمنزلة ما مضى وعرف قبل ، واقلال الحجر رفعه كما مرّ وصوّب رأسه بمعنى خفضها لثلا ينظر إليها كما أنه أمرها بالمشي خلفه في ذهابه معها. قوله : ( هاتين ) فيه إيماء إلى أنه كانت له بنات أخر غيرهما ، وقد قال البقاعي : أنّ له سبع بنات كما في التوراة ، ولا وجه للمشاحة فيه فإنّ مثله زهرة لا يحتمل لمفرك ، وقوله إن تأجر نفسك مني فيه إشارة إلى أنه يتعدى إلى مفعولين حذف أحدهما هنا ، وأنه يتعدّى إلى الثاني بنفسه وبمن وقوله أو تكون لي أجيراً كقولهم أبوته إذا كنت له أبا وهو بهذا المعنى يتعدى لواحد ، وقوله أو تثيبني فالمراد التعويض أي تجعلها أجرى على التزويج يريد المهر ، ومنه أجره الله على ما فعل فهو مأجور وقوله ومفعول به على الثالث ، ويجوز فيه الظرفية أيضا بحذف المفعول أي تعوّضني خدمتك وعملك في ثماني حجج ، والرعية بكسر الراء رعي الغنم وقوله : فإتمامه الخ إشارة إلى أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة جواب الشرط. قوله : ( وهذا استدعاء العقد الخ ( أي دعاه وواعده على عقد سيقع بدليل قوله أريد أن أنكحك فلا يرد عليه أنّ الإبهام في المرأة المزوّجة غير صحيح ، وعلى الخدمة ومنافع الحرّ عندنا أيضا خصوصاً ومدتها غير معينة هنا والخدمة أيضا ليست لها بل لأبيها فكيف صح كونها مهرا ، وحاصله إنّ هذا الكلام(7/70)
ج7ص71
وعد معلق بشرط والمهر شيء آخر ، وقوله أو برعية جواب آخر عن الثاي أي هو برعيه ، والتزوّج على الرعي جائز عند الشافعي ، وكذا عندنا كما يفهم من الهداية قيل وهو مراد من قال بالإجماع ومن قال إنه خاص بغير مذهب الحنفية لم يصب إذ الخلاف في الخدمة غير الرعية فإنها مستثناة لأنها قيام بأمر الزوجية لا خدمة صرفة ، وقوله والأجل الأوّل عطف على رعية أي جرى لكل منهما فيندفع الفساد إن الأوّلان وفي أكثر النسخ أو برعية الأجل بالإضافة ، وهي على معنى اللام أوفى. قوله : ( ووعد له الخ ( الجملة حالية بتقدير قد أو معطوف على جرى وفاعله ضمير
موسى عليه الصلاة والسلام ، وقوله وكانت الخ جواب عن أنه ليس خدمة لها على تسليم صحته ، وكذا ما بعده وهو عليه منسوخ ، وقال الجصاص يستدل به على جواز الزيادة في العقود ، وقوله في ذلك أي جميع ما ذكر من التزوّج على خدمة لغير الزوجة والإبهام في المزوّجة وأمّا في المهر فيجوز كما هو مبين في الفروع ، ولا يرد أنّ ما قص من الشرأئع السالفة من غير إنكار فهو شرع لنا لأنه على الإطلاق غير مسلم. قوله : ( واشتقاق المشقة الخ ) وهي ما يصعب تحمله من الشق بفتح الشين ، وهو فصل الشيء شقين يعني أنه مشق الاعتقاد والرأي لتردّده في تحمله وعدمه ، والمزاولة المباشرة وكذا الشقاق ، وقوله في حسن المعاملة أو هو مطلق ، وقوله إن شاء الله للتبرك لا للتعليق لتحقق صلاحه والمراد اتكاله على اللّه وتوفيقه فيه ، وقوله لا نخرج عنه أي لا تزيد أنت ولا أنقص أنا فيه ، ولا وجه لما قيل إنّ الأظهر لا تخرج عنا. قوله : ( لا تعتدي علئ ) بيان لحاصل المعنى لا لأنّ عليّ متعلق بعدوان إذ لو كان كذلك وجب نصبه على الصحيح بل هو خبر له إذ صلة المصدر تقع خبراً له خاصة ، ولا يصح ذلك في الصفة كما حققه الرضى ، وقوله بطلب الزيادة أي لا يتعدى غيري عليّ بطلب الزيادة على أقي الأجلين اخترته. قوله : ( او فلا أكون معتدياً ) هذا هو الصحيح ، وما وقع في نسخ متعديا تحريف لعدم مناسبته ، وقوله بترك الزيادة أي بسبب ترك الزيادة على أحد الأجلين ، والمراد نفي العدوان عن نفسه أي لا يقع عليّ عدوان كقولك : " لا إثم علتي " ولا تبعة عليّ وهذا كالوجه الذي قبله والفرق بينهما دقيق ، وقوله وهو أي ما وقع في النظم أبلغ أي في الوجهين لجعله طلب الزيادة كطلب التتميم في إنه عدوان فهو إثبات للخيرة ببينة ، وهو من تنصيصه على الأجلين. قوله : ( وقرئ أيما ) بتسكين الياء من غير تشديد ، وهذه القراءة للحسن وهي شاذة والبيت المذكور من شعر للفرزدق يمدح به نصر بن سيار وتنظرت بمعنى انتظرت ، والسماكان كوكبان أحدهما أعزل والآخر رامح وهما من الأنواء ، واستهل بمعنى انصث كهل ، والغيث
المطر الكثير المتتابع والمواطر جمع ماطرة ، وهي السحابة يعني أنه انتظر الممدوح وجود. وأحد الأنواء الماطرة ، ولم يفرق بينهما وهذا تشبيه بليغ على نهج تجاهل العارف ، وقوله وأيّ الأجلين أي قرئ به ، وقوله لتأكيد الفعل إشارة إلى أنه في المشهورة لتأكيد المفعول ، وقوله جرّدت عزمي مكنية وتخييلية على تشبيه العزم بالسيف وقوله وعدوان أي وقرئ عدوان ولم يلتفتوا إلى جعل ما نافية في الثانية ، وإن صح ليتوافق معنى القراءتين. قوله : ( شاهد حفيظ ) أي مطلع وحافظ ، وقوله شاهد بيان لتعديه بعلى لتضمينه معنى شاهد ، وقال الراغب : يقال توكلت عليه أي اعتمدت والفاء في فلما قيل إنها فصيحة ، وقوله بأمر أنه لأنه يكنى عنها بالأهل وقوله من الجهة الخ فليس المراد به بعض الجبل كما هو المتبادر. قوله : ( عود الخ ) الجذوة مثلثة ، وبها قرئ كما سيأتي والحواطب جمع حاطبة وهي الجارية التي تجمع الحطب ، ويلتمسن أي يطلبن ولها وقع في نسخيما بدله بها والجزل بجيم ، وزاء معجمة هو الحطب اليابس ، والجذي بكسر الجيم جمع جذوة ، والخوّار الضعيف الهش والدعر بفتح الدال وكسر العين المهملتين والراء المهملة الرديء الكثير الدخان ومنه الداعر ، والحواطب إن كان المراد بها الخدم فظاهر ، وإن أراد النمامات فالمراد لا يجدن لها مساوي كما في الكشاف ، وهو شاهد على إطلاقه على العود من غير نار ، والبيت الآخر لما فيه النار وقيس فيه اسم قبيلة ، ولذا قال عليها وهو استعارة لما لحقها من الفتنة التي كأنها نار متوقدة ، وقوله ولذلك أي لكونه يطلق على ما فيه نار وغيره احتاج إلى البيان وجعلها نفس النار مبالغة ، وان كانت من ابتدائية أو المراد ما احترق لأنه يطلق عليه في العرف(7/71)
ج7ص72
وقوله : تستدفؤون يدل على أنهم أصابهم برد. قوله : ( أتاه النداء الخ ) قيل مسموعه كلام لفظي مخلوق في الشجرة بلا اعتماد وحلول ، وأمّا قوله أنا وان كان كل أحد يشير به إلى نفسه فليس المعنيّ به محل لفظه كما لا يخفى ، وعلى قول الغزاليّ ، إنه سمع كلامه النفسيّ بلا صوت كما ترى ذاته بلا كيف ، فقوله من شاطئ الوادي حال من ضمير موسى المستتر في نودي أي قريباً منه أو كائنا فيه لأنّ من ترد بمعنى في كقوله : { مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ } [ سورة الأحقاف ، الآية : 4 ] ويجوز أن تكون ابتدائية فعلى الأوّل اختصاصه باسم الكليم
لكونه على خلاف المعتاد ، وعلى الثاني ظاهر. قوله : ( من الشاطئ الأيمن ) إشارة إلى أن الأيمن صفة الشاطئ لا الوادي وأنه وقع عن يمين موسى عليه الصلاة والسلام في مسيره فلذا وصف به ، وأنه ضدّ الأيسر لا الأشام ، وقد جوّزه فيما سبق وعليه فيجوز كونه وصفا للشاطئ أو للوادي ، وليس الكلام مسموعا من جميع الجهات كما مرّ وقوله متصل بالشاطئ أي حال منه ، وقوله من الشجرة هو بدل على الوجهين السابقين بدل اشتمال سواء كان الكلام لفظيا أو نفسياً ، وقد جوّز تعلقه بالبقعة المباركة على أنّ ابتداء بركتها من الشجرة فليتأمّل ، وقوله بدل من شاطى بالتنوين لأنّ الشجرة بدل من شاطئ لكن أعيد الجاو معها لأنّ البدل على تكرار العامل ، أو بالإضحافة على أنّ الجارّ والمجرور بدل من الجارّ والمجرور ، وقوله لأنها الخ إشارة إلى وجه الاشتمال وأنه قد يكون باشتمال المبدل منه على البدل ، وعكسه كسرق زيد ثوبه ، ونابتة بالنون من النبات ، وقد قيل إنه بالمثلثة أيضاً ، وقوله أي موسى إشارة إلى أن أن تفسيرية ، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة والأصل بانه والضمير للشأن. قوله : ( وإن خالف الخ ) أي في بعض ألفاظه لأنه حكاية بالمعنى ، وذهب الإمام إلى أنه حكى في كل من هذه السورة بعض ما اشتمل عليه النداء لأنّ مطابقته تحتاج إلى تكلف مّا ، وكون النداء بأنا لا يقتضي كونه تعالى في الجانب أو الشجرة لتنزهه عن المكان الأتراك تعني بأنا نفسك ، وليست النفس محل أنا وان لم تكن مجرّدة. قوله : ( فألقاها الخ ) يعني أنّ الفاء فيه فصيحة وقبلها مقدّر يعلم من السياق والسباق ، وما قيل : من أنه لا دلالة فيه على صيرورتها ثعبانا وأنه إنما كان فيما جرى بينه ، وبين فرعون لا في وقت الإيناس ليس بشيء. قوله : ( في الهيئة والجثة أو في السرعة ) قد مرّ أن مثله للتوفيق بين ما ورد في الآيات من كونها جانا وثعباناً وحية فقوله : في الهيئة والجثة إشارة إلى أنّ لها أحوالاً مختلفة تدق فيها وتغلظ ، وما بعده إشارة إلى أنّ التشبيه باعتبار سرعة حركتها وخفته فلا ينافيه قوله في بيان الجمل المطوية فصارت ثعباناً واهتزت بناء على الثاني ، وعلى الأوّل أيضا بناء على أنّ الجان يطلق على ما عظم منها على أنه لم يقل فإذا هي جان حتى ينافيه ، كما توهم فتأمّل وقوله نودي إشارة إلى تقديره ليرتبط بما قبله ، والمخاوف ما يخاف منه جمع مخافة ، وقوله فإنه لا يخاف الخ تفسير للأمنين بالمرسلين والعيب البرص والبهق. قوله :
( يديك المبسوطتين الخ ) يشير إلى أنّ الجناح بمعنى اليد استعارة وأنه وان أفرد فالمراد كلتاهما كما يقال مشى برجله ونظر بعينه ، وقوله تتقي الخ حال مبين لبسط اليد المأمور بتركه بالضم ، وقوله بإدخال اليمنى الخ بيان للضم متعلق باضمم. قوله : ( فيكون تكريرا ) حتى كان وقوع الإدخال في الجيب مرّتين فالأوّل لإظهار الجراءة ، والثاني ليخرج يد. بيضاء لا بداء معجزة وقوله في وجه العدوّ خبر واظهار جراءة مفعول له أو هو حال من اسم يكون ، واظهار خبر ، وقوله مبدأ خبر مبتدأ مقدّر أي وهذا أو هو معطوف على إظهار فيكون ذلك إشارة إلى مجموع الذكرين فتدبر. قوله : ( ويجوز أن يراد إلى آخره ) يعني أنه استعارة تمثيلية من فعل الطائر عند هذه الحالة في الأصل ، ثم كثر استعماله في التجلد وضبط النفس حتى صار كناية عنه ، ومثلا وعلى هذا هو تتميم لقوله : { إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ } كما في شروج الكشاف ، وقيل الوجه أن يقال عند خروج يده بيضاء وأورد على الأوّل أنه لا وجه لتأخيره عليه عن قوله اسلك الخ ولا لاستعارة الجناح والعدول عن الضمير إذ الظاهر اضممها ، وقيل إنه مع أنه أخذه من البقايئ مخالف لما اختاره في طه من أنّ الكناية بالسوء عن البرص غير محتملة في مقام الإعجاز والتكريم وأمّا قوله لا وجه لتأخيره فكفانا مؤنته الشارح الطيبي ، واستعارة الجناج وجهها معلوم مما ذكره المصنف(7/72)
ج7ص73
ووجه العدول أنّ المراد بالجناج يداه لا إحداهما كما في الأوّل وفيه بحث ، والرهب الخوف والرعب. قوله : ( من أجل الرهب ) إشارة إلى أنّ من تعليلية ، وقوله تجلداً وضبطا على التفاسير لا على الأخير كما يتوهم ، وقوله إشارة الخ والتذكير لمراعاة الخبر ، وقوله : وشدده الخ وهي لغة فيه فقيل إنه عوّض من الألف المحذوفة نونا وأدغمت ، وقال المبرّد أنه بدل من لام ذلك كأنهم أدخلوها بعد نون النثنية ، ثم قلبت اللام نونا لقرب المخرج وأدغصت وكان القياس قلب الأولى لكنه حوفظ على علامة التثنية ، والبرهان إذا كان مشتقا من البره وهو البياض فهو كما يقال حجة بيضاء ، واذا كان من البره بمعنى القطع فهو أظهر ولا يقال في فعله برهن لأنها مولدة بنوها من لفظه على ما عليه الأكثر. قوله : ( مرسلاَ ) إشارة إلى
أنّ إلى فرعون متعلق بحال مقدرة ، وقيل تقديره اذهب إلى فرعون ، وقوله كالدفء أي ما يتدفأ به من اللباس والغطاء ، وقوله بالتخفيف أي بفتح الدال من غير همز وقد جوّز في هذه القراءة كونه منقوصا بمعنى زيادة من رديت عليه إذا زدت. قوله : ( بتلخيص الحق الخ ) يعني ليس المراد بقوله يصدقني مجرّد قوله له صدقت ، أو أخي صادق لأنه لا يحتاج إلى فصاحه إذ سبحانه وبأقل فيه سواء ، وتصديق الغير بمعنى إظهار صدقه كما يكون بقولك هو صادق يكون بتأييده بالحجج ، ونحوها كتصديق اللّه للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالمعجزة ، ولا حاجة إلى ادّعاء أنّ فيه تجوزا في الطرف ، أو في الإسناد إلى السبب ، كثما في الكشاف لأنّ المراد يصدق من أرسلت إليه بما يقيمه هرون من الحجج ، ويزيله من الشبه بدليل قوله : { إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } ولا يخفى إن صدقه معناه إمّا قال إنه صادق أو اعتقد صدقه فإطلاقه على غيره الظاهر أنه مجاز فتأمّله ، وقوله على أنه صفة أي لقوله ردأ ، وقوله والجواب محذوف لا حاجة إليه إذ الأمر لا يلزم أن يكون له جواب. قوله : ( سنقؤيك به ( هو المعنى المراد منه ، والشدة التقوية والعضد من اليد معروف فهو إمّا كناية تلويحية عن تقويته لأنّ اليد تشتدّ بشدة العضد والجملة تشتد بشدّة اليد ، ولا مانع من الحقيقة كما توهم ، أو استعارة تمثيلية شبه حال موسى عليه الصلاة والسلام في تقويته بأخيه بحال اليد في تقوبتها بيد شديدة ، ويجوز فيه وجوه أخر وكلام المصنف فيه ميل إلى الأوّل ، ويحتمل أن يريد أنه مجاز بعلاقة السببية بمرتبتين كما قيل في تبت يدا أبي لهب في وجه. قوله : ( باستيلاء أو حجاج ا لما كان قوله سنشد الخ استئنافا لبيان ، إجابة مطلوبه تأوّله ببيان أن قواه بأخيه فهو راجع لقوله أرسله معي الخ ، وقوله ونجعل لكما سلطانا راجع إلى قوله إني أخاف أن يكذبون ولذا فسره بغلبة الحجة ، وقوله فلا يصلون تفريع على ما حصل له من مراده بأنهم لا يصلون إليهما بقهر ولا إلزام حجة ، وهو المراد من الحجاج لأنه مصدر حاجة محاجة ، وحجاجا فلا غبار عليه ، ويحتمل أن يكون قوله باستيلاء رأجعاً إلى غلبة ، وحجاح إلى حجة على اللف والنشر. قوله : ( أي نسلطكما بها ) فيه إشارة إلى
جواز تعلقه بسلطان لما فيه من معنى التسلط والغلبة ، وقوله أو بمعنى لا يصلون لا بحرف النفي لأنّ تعلق الجارّ به خلاف الظاهر وان جوّزوه ، وقال : تمتنعون دون تمتنعان لأنّ المراد أنتما ومن اتبعكما ، وقوله : جوابه لا يصلون أي مقدر لا المذكور قبله لأنّ جواب القسم لا يتقدّمه ، ولا يقترن بالفاء أيضا وقوله بيان للغالبون أي لسببه فقوله بمعنى أنه صلة لما بينه أي لمقدّر فسره ففي قوله بيان للغالبون تسمح ، وقوله اللام فيه للتعريف إمّا على رأي المازنيّ أو لأنه أريد به الثبوت ، وهذا بناء على أنّ ما في حيز الموصول لا يتقدمه ولو ظرفا فإن قلنا بالتوسع فيه فلا إشكال فيه ، وتقدمه إمّا للفاصلة أو للحصر. قوله : ) سحر تختلقه ) الاختلاق تفسير للافتراء فليس بمعنى الكذب ، وقوله : ( أو سحر تعلمه ) أي تتعلمه من غيرك ، ثم تنسبه إلى الله كذبا فالافتراء بمعنى الكذب لا بمعنى الاختلاق ، وقوله موصوف بالافتراء أي من شأنه ذلك فإنه تخييل لا حقيقة له فالصفة مؤكدة لا مخصصة كما في الوجهين السابقين ، فالافتراء ليس على حقيقته على هذا وفي الوجه الأوّل لأنه من صفات الأقوال ، وهو غير لازم في السحر. قوله : ( يعنون السحر ) أي نوعه أو ما صدر من موسى عليه الصلاة والسلام ففيه مضاف مقدر أي بمثل هذا ، وقوله : أو اذعاء النبوّة إمّا تعمد للكذب ، وعناد بإنكار النبوّات وان كان عهد يوسف قريباً منهم أو لأنهم لم يؤمنوا به أيضاً ، وقوله : كائنا في أيامهم إشارة إلى أنه حال من(7/73)
ج7ص74
هذا بتقدير مضاف والعامل فيه سمعنا ، أو التقدير بوقوع هذا والجارّ والمجرور متعلق بذلك المقدّر. قوله : ( لأنه قال الخ ) أي هو جواب لقولهم إنه سحر فيكون مستأنفا إذ الجواب لا يعطف بواو ولا غيرها ، وقوله أنّ المراد الخ فالعطف في الحكاية الجامعة للقولين لينظر المحكي له حالهما ، وقوله العاقبة المحمودة أي لا مطلق العاقبة لأنها لكل أحد ، وقوله : مجازاً أي طريقاكما يقال الدنيا قنطرة الآخرة ، وهذا بيان لتخصيص العاقبة بالمحمودة وان كانت عامّة ، وأمّا اللام فلا دلالة لها على ذلك لأنه يقال له عاقبة ذميمة كما في الانتصاف ، وقوله : والمقصود منها أي من الدنيا أو الآخرة لأنّ أصل الخلق إنما خلقوا لطاعة اللّه ومعرفته فالفرد الكامل من عاقبتهم ذلك فتنصرف إليه ، والعقاب جاء بالعرض لأنه لعدم ما طلب منهم وخلقوا
له ، والاعتراض على هذا من التغيير في وجوه الحسان. قوله : ( لا يفورّون بالهدى ( بقرينة ربي أعلم بمن جاء بالهدى ، وحسن العاقبة مما بعده ففيه شبه اللف والنشر الإجمالي. قوله : ( نفي علمه بإله غيره ) توطئة لما سيأتي من الرد والصرح البناء العالي ، والمراد بالطين اللين الذي يجعل آجرا ، وقوله في السماء إمّا أنه لشرفه يوهم علوه مكانا من جهله أو لعدم علمه به في الأرض! ، وقوله أو أراد معطوف على قوله يوهم أو على معنى قوله ولذلك أمر ببناء الصرح فإنّ معناه أراد أن يبني صرحا ليصعد إليه ، والرصد معروف وقوله يترصد منها كان الظاهر منه فكأنه أوّله بمنظرة أو منارة ، وأوضاع الكواكب اقتراناتها وتقابلها مما يدلّ على الأحكام عندهم ، وهذا الوجه لا يناسب قوله فأطلع إلى إله موسى إلا أن يريد بإله موسى الكواكب ، أو المراد أطلع على حكم إله موسى فيقدّر مضاف كما في الوجه الذي قبله ، وهو بعيد جدّا فتأمّله وسيأتي في سورة المؤمن وجه آخر. قوله : ( وقيل المراد بنفي العلم نفي المعلوم الخ ) هو رد على الزمخشريّ والمراد بالعلم الفعلي ما كان سببا لوقوع معلومه ، والانفعال خلافه ، وحاصله أنّ عدم العلم بالشيء لا يدلّ على عدمه لا سيما علم شخص واحد انفعالي ، وقد ردّه في الكشف بأنّ مراده أنّ عدم الوجود سبب لعدم العلم بالوجود في الجملة فأطلق السبب ، وأريد المسبب لا أنّ بينهما ملازمة كلية ، ولا يشترط في فن البلاغة اللزوم العقلي بل العادي والعرفي كاف أيضاً ، ومثل لا أعلم كذا بمعنى لم يوجد شائع في لسان العامّة والخاصة ولذا قال الفقهاء إذا قال المزكى لا أعلم كان تزكية مع أنه علم انفعالي كيف لا وهو يدعي الإلهية ، والظاهر أنه كناية لا مجاز ، وأمّا كون قوله أطلع إلى إله موسى يدلّ على الوجود فينافي هذا الوجه ، ولذا ضعفه المصنف فيدفعه أنه إنما ينافيه لو لم يكن على طريق التسليم والتنزل ، وقد قيل عليه أيضاً إنه مشرك يعتقد أنّ من ملك قرا كان إلهه ومعبوداً له كما مرّ في الشعراء ، فما دل أوّل الكلام عليه وجود إله لغير مملكته وما نفاه إلهها ، ولذا قال : ما علمت لكم الخ وعلى كل حال فكلام المصنف لا يخلو عن ضعف والذي غرّه فيه كلام صاحب الانتصاف. قوله : ( قيل أوّل من
يخذ الآجر الخ ) ما يتضمن تعليم الصنعة قوله أو قد لي يا هامان على الطين فإن الآجر طين محرق ، والتعظيم من أمر الوزير بعمل السفلة من إيقاد النار ، وعمل الطين فلذا ناداه باسمه دون لقبه ووزارته ووسط حرف النداء للتقييد في الكلام ولم يقل ياهامان أوقد لأنّ أفعاله تدل على التهاون بغيره ، ولو قدم النداء لأذن باهتمام مّا. قوله : ( بفير استحقاق ( يحتمل أن يريد أنّ الحق بمعنى الاستحقاق فهو مجاز أو هو بيان لحاصل المعنى فهو نقيض الباطل لأن اذعاء ما ليس مستحقا باطل ، وما هو بحق دلّه ولذا ورد في الحديث : " العظمة إزار والكبرياء ردأئي ، وقوله وظنوا إمّا على ظاهره أو عبر عن اعتقادهم بالظن تحقيرا لهم وتجهيلا ، وعلى القراءة بكسر جيم يرجعون هو من رجع اللازم وعلى قراءة الضم من المتعدّى أو هو من الأفعال ، والفاء في فاخذناهم سببية والمراد أخذ الإهلاك وقوله وفيه فخامة هو من ضمير العظمة ، والتعبير بالأخذ الاستحقار من النبذ لأنه طرج الأمر الحقير بأطراف اليد ، ونحوه فنبذناهم تمثيل أو مكنية وتخييلية ، والمراد أغرقناهم ، وقوله ونظيره أي في تعظيم الأخذ وتحقير المأخوذ وسيأتي تفسيره ، وقوله : وحذر الخ بيان للمقصود منه. قوله : ( قدوة للضلال ( جمع ضال كجهال ، وجاهل واقتداؤهم بهم بسبب حملهم لهم على الضلال أو بسبب حملنا لهم على الإضلال(7/74)
ج7ص75
كما وقع في النسخ الصحيحة لأنا جعلناهم ضالين مضلين فالجعل هنا بمعنى الخلق ، وهذا على مذهب أهل السنة من أنّ أفعال العباد خيراً وشرّاً مخلوقة لله ، وقد استدلوا بهذه الآية ، والمعتزلة أوّلوها تارة بأن الجعل هنا بمعنى التسمية ، وتارة بأن جعلهم ضالين مضلين بمعنى خذلانهم ، ومنعهم من اللطف والتوفيق للهداية واليه أشار بقوله وقيل الخ وهو إشارة إلى الرد على ا لزمخشريّ.
قوله : ( موجباتها ) بكسر الجيم لأنها المدعوّ لها في الحقيقة فالنار مجاز عن المعاصي
التي هي سببها أو فيه مضاف مقدر. قوله : ( من المطرودين ا لأنه يقال قبحه بمعنى نحاه وأبعده كما ذكره الراغب ، وغيره من اللغويين ولا يتكرّر مع اللعنة المذكورة قبله لأنّ معناها الطرد أيضاً لأنّ الأوّل في الدنيا وهذا في الآخرة ، أو ذاك طرد عن رحمته التي في الدنيا وهذا طرد عن الجنة ، أو على هذا يراد باللعنة المعنى الثاني مع أنّ من المطرودين معناه أنهم من الزمرة المعروفين بذلك ، وهو أبلغ وأخص فلا يتوهم فيه تكرار أصلا ، وعلى التفسير الثاني وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما معناه ذو وصور قبيحة سود الوجوه زرق العيون مشوّهون لكن فعل قبح منه لازم فبناء اسم المفعول منه غير ظاهر ، ولذا أخره مع أنه المتبادر إلا أن تفسير السلف يدلّ على أنه سمع أيضا. قوله : ( التوراة ) وهي أوّل كتاب فصل فيه الأحكام وقوله : أمن بعد ما أهلكنا القرون فائدته على ما فسر به المصنف رحمه الله مع أنه معلوم التنبيه على أنها أنزلت بعد مساس الحاجة إليها ، كما أنزل القرآن بعد الفترة وانطماس معالم الدين فلا يتوهم أنه لا فائدة فيه ، وأنّ حقه أن يفسر القرون الأولى بمن لم يؤمن بموسى عليه الصلاة والسلام ، والثانية بمن آمن به كما قيل. قوله : ( أنوارا ) لأنّ البصيرة نور القلب كما أنّ البصر نور العين ونصبه على الحالية ، وقيل إنه مفعول له وقوله تبصر بها الحقائق أي تدرك ، وقوله وهدى إلى الشرائع أي هادية لها وهي الطريق الموصلة إلى الله ، وقوله لأنهم لو عملوا الخ يعني عموم رحمتها للناس لا ينافي أنّ ممن نزلت لهم كافر غير مرحوم لأنه لو عمل بها كان مرحوما بمقتضى ، وعد. فلا حاجة إلى تقدير سبب أو جعلها مجازاً عنه كما قيل ، وقوله : { لو عملوا نظرا إلى بعضهم إذ { مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ } . قوله : ( ليكونوا على حال الخ ) يعني الترجي محال عليه تعالى فهو تمثيل ، والمراد أنها أنزلت ليكونوا على حالة قابلة للتذكر كحال من يرجى منه الخير ، والزمخشريّ جعله استعارة تبعية حيث شبه الإرداة بالترجي لكون كل منهما قبل الوقوع ، والمصنف ردّه بقوله وفيه ما عرفت من لزوم تخلف مراد الله عن إرادته لعدم تذكر الكل إلا أن يكون من قبيل إسناد ما للبعض إلى الكل ، وهي معنى قول الزمخشريّ إذا أراد الله شيئاً كان فلا إشكال فيه أصلاً فلا يرد ما ذكر لإرادة أحد الإرادتين للقرينة عليه لكنه لم يرتضه لمخالفته للمذهب الحق ، وقيل الترجي من المخاطبين لأمنه تعالى. قوله : ( يريد الوادي )
بجانب الغربي أو بالغربي بجعله صفة للمكان أو الوادي أو الطور لأنّ كلا منهما كائن في الجانب الغربي ، وطرفه من موسى عليه الصلاة والسلام ، وقوله : أو الجانب الغربي منه أي من الوادي أو الطور ، ومن ابتدائية أو من مقام موسى ومن بيانية ومغايرته للأوّل أنه مجموع الوادي ، والطور على الأوّل ، وعلى هدّا بعضه وهو على كل حال من إضافة الموصوف للصفة ، وقوله الوحي إليه على أنّ الشهادة بمعنى الحضور وعلى ما بعده بمعناها المعروف ، وقوله وهم السبعون تفسير للشاهدين الذين لم يكن منهم. قوله : ) والمراد الدلالة على أنّ الخ ) ولولا هذا لم يفد ما ذكر لأنّ ما أخبر به لا يعلم إلا بوحي ، أومشاهدة أو استفاضة نقل في مقامه ، والثاني منتف ضرورة والثالث كذلك لأنه لو ثبت علمه غيره من قريش ، وكذا التعلم من غيره لكنه طوى للعلم به أيضاً فتعين الأوّل وقوله ، ولذلك استدرك عنه أي لكون معناه ما ذكر ارتبط به هذا الاستدراك على ما فسره به لأنّ المعنى لم تكن حاضر الكنك علمته بالوحي ، والسبب تطاول الزمن حتى تغيرت الشرائع والمسبب بعث نبيّ وانزال الوحي عليه والمدد جمع مدة وهي الزمان ، وقوله : فتطاولت الخ تفسير لقوله : { فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ } وفسره في الكشاف بقوله فتطاول على آخرهم ، وهو القرن الذي أنت فيه العمر أي أمد انقطاع الوحي واندرست(7/75)
ج7ص76
العلوم فوجب إرسالك الخ وهو قريب مما ذكره المصنف إلا أنه لا إضمار فيما هنا ، والعمر على تفسيره زمان انقطاع الوحي وعلى ما هنا بمعناه المعروف وحذف المستدرك للإيجاز. قوله : ( تقرأ عليهم الخ ) فالمراد بالتلاوة القراءة للتعلم كقراءة الدرس في زماننا لأنه المناسب ، وقوله ولكنا كالاستدراك السابق لكنه لا تجوز فيه ، والمعنى أنّ قصة شعيب عليه الصلاة والسلام إنما علمتها بالوحي أيضا ، وقوله لعل المراد به الخ لئلا يتكرّر ، وراعى فيه الترتيب الوقوعي والزمخشريّ عكس هذا وتبعه بعض المفسرين ، وقد قيل إنه أولى لأنه الأنسب بما يلي كلاً من الاستدراك لا سيما وقد فسر الشاهدين بالسبعين المختارين للميقات ، وهم كانوا معه إذ أعطى التوراة فكان على المصنف أن لا يفسره به وتغيير الترتيب الوقوعي لا
ضير فيه ، ولذا قدمت قصة مدين ، وقوله المذكوران في القصة أي قصة موسى عليه الصلاة والسلام في هذه السورة ، وغيرها. قوله : ( ولكن علمناك رحمة ) إن كان مفعولاً به فالمراد به القرآن ، وان كان مفعولاً له فقوله لتنذر علة للفعل المعلل ، وأمّا كونه مصدرا فبعيد ، وقوله متعلق بالفعل المحذوف هو علمنا وعلى قراءة الرفع فهو صفة ويحتمل تعلقه بالمستدركات كلها على التنازع. قوله : ( لوقوعهم ) الضمير لقوما وهذا بناء على أنّ موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام أرسلا للعرب ، وأنه ليس بينهما نبيّ كما ورد لا نبيّ بيني وبين عيسى وما ذكر في سورة أخرى أنّ بينهما أربعة أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل ، وواحد من العرب وهو خالد بن سنان رواية أخرى ذكرها في محل آخر تكثيراً للفائدة ، وزمن الفترة مختلف فيه ففي رواية ما ذكره المصنف وفي أخرى عن سلمان الفارسي أنها ستماثة سنة وما بينه وبين إسماعيل عليه الصلاة والسلام أكثر من ألفي سنة ، وقوله على أنّ الخ أي هذا بناء الخ أو على للتعليل. قوله : الولا الأولى امتناعية ( أي تدل على امتناع جوابها لوجود شرطها ، ولذا أورد هنا إشكال وهو وأنه يقتضي إصابتهم بها وقولهم حتى قدروا كراهة أن الخ لدفعه ، وقال صاحب الانتصاف أن التحقيق أنها إنما تدل على أنّ ما بعدها مانع من جوابها عكس لو فإنها تدل على لزوم جوابها لما بعدها ، والمانع قد يكون موجوداً وقد يكون مفروضا وما هنا من الثاني فلا إشكال فيه ، وإن لم يقدّر المضاف والتحضيضية هي بمعنى هلا للحث والحض على وقوع أمر ، وقوله : واقعة خبر بعد خبر ، وقوله لأنها الخ تعليل لكونها تحضيضية ووجه شبهها بالأمر أن التحضيض طلب فهو والأمر من واد واحد فيجاب بالفاء دون الامتناعية. قوله : ( مفعول يقولوا ) بالإضافة واردة اللفظ أي لولا الخ مقول القول ومفعوله ، وهو إمّا منصوب بواقعة ولا يضرّ فصله بقوله لأنها الخ لأنه ليس بأجنبيّ عنه ، وإنما قدم لئلا يطول الفصل بين المعلل وعلته أو خبر لأن بترك العاطف فيه جائز أو بدل من الخبر وقوله المعطية معنى السببية أي الدالة عليه ، والمنبهة صفة للسببية ووقع في نسخة القول بدون ميم وهما بمعنى هنا ، ووجه التنبيه أنّ وجود ما بعد لولا سبب لانتفاء جوابها فيكون هذا سبب السبب فالتصريح فيه بأداة السببية يدل على أنه هو المقصود بها لأن المعنى لولا قولهم هذا : { إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ } [ سورة البقرة ، الآية : 156 ] كقوله : { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } والسبب في جعل سبب السبب سببا وعطف السبب الأصلي القريب عليه مزيد العناية بسبب السبب الموجب لتقديمه كما ذكره
سيبويه ، وفيه تنبيه على سببية كل منهما أمّا الأوّل فظاهر؟ وأمّا الثاني فلاقترانه بالفاء كما حققه بعض شراح الكشاف. قوله : ( وأنه لا يصدر الخ ( أي لا يصدر عنهم هذا القول الدال على طلب إرسال الرسل ابتداء وعرضا وليس المراد الطلب في ذلك بل إنكار العقوبة قبل إرسال المنذر بها ، وهو نكتة لترك الاختصار بالاقتصار على ما هو المقصود بالسببية ، وهو معطوف على أنّ المقول ، وقوله لولا قولهم إذا الخ إشارة إلى أنّ القول هو السبب كما مز ، وقوله فنتبعها أي الآيات والمراد اتباع من أتى بها وعبر به موافقة للنظم ، وقوله ما أرسلناك هو الجواب المقدر ، وهو منفي ونفى النفي إثبات ولذا فسره بقوله إنما أرسلناك الخ. قوله : ) يعني الرسول الخ أليس المراد إن الآيات بمعنى المرسل مجاز مرسل كما قيل بل إنه كناية عنه لأن اتباعها تصديق له ، وقد فسر بنعمل بها أيضا ونتبع ما جاءت به ، وقوله بنوع من المعجزات يعني ليس المراد به آيات(7/76)
ج7ص77
مخصوصة ، وقيل المراد القرآن وتنوين نوع للتعظيم ، وقوله ونكون من المؤمنين أي المخلصين المعهودين أو هو تفسير لما عطف عليه ، وقوله جاءهم الحق أي الأمر الحق من المعجزات أو الرسول ، وقوله أوتي نائب فاعله ضمير الرسول المعلوم من السياق ، وقوله جملة حال من الكتاب ، والاقتراج الطلب تحكماً ولذا فسره بقوله تعنتا ، وهو طلب الزلة كما في المصادر واقتراحاً مفعول له لقالوا أو حال من فاعله. قوله : ( يعني أبناء جنسهم الخ ا لما كان لاضمير في قوله : { قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى } لكفار العرب } كان ضمير أو لم يكفروا مثله أيضا لئلا تفكك الضمائر وهم لم يكفروا من قبل بما أوتي موسى ، أوّله بقوله يعني أبناء جنسهم الخ أي الضمير راجع إلى جنس الكفرة المعاندين المتعنتين بالاقتراح ، وما يصدر عن بعض أفراد جنس كأنه صادر عن البعض الآخر لاتحاد مذهبهم ، وآرائهم فالضمير راجع إلى جنس الكفرة المعلوم من السياق ، وهؤلاء لدخولهم فيهم كان كضميرهم خاصة ، أو هو بتقدير مثل فقوله من قبل يصح أن يتعلق بيكفروا أو بأوتي أو الإسناد مجازي والضمير لهم خاصة لكنه لما صدر عن بعض أبناء جنسهم ممن كان بينهم ، وبينه ملابسة أسند إليهم فكفرهم كفرهم ولا يخفى ما فيه من التكلف. قوله : ) وكان فرعون عربياً من أولاد عاد ( وهم من العرب وعن الحسن كان للعرب أصل في أيام موسى عليه ا أصلاة والسلام فمعناه عليه أولم يكفر آباؤهم فكان هذا إشارة إلى ما ذكر ، ولذا وقع في نسخة أو كان والظاهر أنه ليس وجهاً مستقلا ، وإنما هو تأكييد للملابسة المذكورة ولا يخفى بعده أيضا ،
وهذه رواية والأخرى إنه قبطيّ وهو المشهور. قوله : ( يعنون موسى وهرون ) فهو بيان لكفر من قبلهم بموسى وقوله أو موسى ومحمداً على أنّ من كفر بموسى أهل مكة على ما روي في الكشاف أنهم أرسلوا لليهود فسألوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا إنّ نعته وصفته في كتابهم فلما أخبروا بذلك قالوا : ساحران تظاهراً ، وعلى هذا لا تكلف في كون الضمير قبله لكفار مكة ، وقوله من قبل متعلق بأوتي. قوله : ( بإظهار تلك الخوارق ) هذا على أنّ المراد موسى وهرون وما بعده على أنّ المراد موسى ومحمد وكونه عليهما تكلف ، والكتابان التوراة والقرآن والمضاف المقدر ذوا وقوله أو إسناد تظاهرهما بالجرّ معطوف على تقدير والفعلان السحران ، وقوله دلالة على سبب الإعجاز لأنّ السحر أمر خارق في الجملة ، والإعجاز كذلك واعجاز التوراة بالأخبار عن الغيب من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وإعجاز القرآن ظاهر فتظاهرهما تأييد كل منهما للآخر ، وأصل أظاهر أتظاهرا فلما قلبت التاء ظاء وأدغمت سكنت فاجتلبت همزة الوصل ليبتدأ بالساكن. قوله : ( بكل منهما ) أي الساحرين موسى وهرون أو موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام أو السحرين ، أو بكل الأنبياء وهذا حمله عليه عنادهم فلا يرد عليه أنهم مؤمنون بإبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، أو هذا ما اقتضاه حالهم وقولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ، ونحوه فنزل منزلة القول أو لأنّ الكفر بأحدهم كفر بهم ، وأمّا كونهم يرون رأي البراهمة من إنكار النبوّة مطلقاً كما قيل فلم ينقل. قوله : ) وهو يؤيد الخ ( لأنهما صاحبا الكتابين الدال عليهما فحوى السياق ، وجعله مؤيداً لا دليلاً لاحتمال أن يراد موسى وهرون لكون إنكارهما مقدما وعلى الأوّل فالتقدير أهدى من كتابيهما ، وهدّا جار على قراءة ساحرين وسحرين فتأمّل ، قوله أتبعه جواب الأمر. قوله : ) يراد بها الإلزام والتبكيت ا لا الشك والتردد ، وهذا جواب عما يقال إنّ عدم إتيانهم به معلوم وهذا كما يقول المدلّ إن كنت صديقك القديم فعاملني بالجهل ، وقوله ولعل الخ جواب آخر فهو لتهكمه بهم جعل صدقهم المحال عنده محتملا. قوله : ( دعاءك الخ ) لأنّ الأمر بالإتيان به دعاء أي طلب له منهم فالدعاء بمعناه
اللغوي ، وهو المفعول المحذوف والعلم به من الاستجابة لأنها الدعاء ، وقوله ولأنّ الخ وجه آخر مداره على الاستعمال الأغلب فلا ينافي صحته في نفسه ، ولا ذكره نادراً فلا تدافع في كلام الكشاف كما توفم والفرق بين الوجهين أنه على الأوّل يحذف مطلقا للعلم به من فعله ، وعلى هذا يحذف إذا ذكر الداعي لأنه مع ذكر الداعي والاستجابة يتعين أنّ مفعوله الدعاء فيصير ذكر. عبثا ، وليس أجاب مثله كما توهم لقوله أجيبوا داعي اللّه ، وقد صرّج به أهل اللغة ، وقوله وباللام الخ وذهب أبو حيان إلى أنه يتعدى له بنفسه للبيت المذكور(7/77)
ج7ص78
والزمخشريّ جعله على تقدير مضاف أي فلم يستجب دعاءه ، وقوله فإذا عدى إليه أي إلى الداعي بنفسه كما في البيت حذف الدعاء بجعله مضافا مقدّراً كما مرّ ، ويحتمل أن يريد ما ذهب إليه أبو حيان بأن يتعدى إلى الداعي بنفسه ، وليس على تقدير ولا حذف ، وايصال فلا يذكر له مفعول آخر أصلاً حينئذ ، ويشهد له قوله في آل عمران ويتعدّى بنفسه ، وباللام فلا يحتاج إلى الجمع بين كلاميه بأنّ المراد تعد به باللام للثاني كما قيل لأنه خلاف الظاهر. قوله : ( وداع الخ ) هو من أبيات الكتاب وبعده :
فقلت اح أخرى وارفع الصوت جهرة لعل أبي المغوار منك قريب
أي رب داع دعا الناس ، وقال هل أحد يجيب سائل الندا فلم يجبه أحد لقلة الكرام ،
وغلبة اللئام ولو جعل ضممير يستجبه للدعاء المفهوم من داع لم يحتج إلى تقدير ، وهذا إذا كان مستعملاَ في معناه ، فأمّا قوله : { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا } [ سورة الشورى ، الآية : 26 ] بمعنى يعينهم كما ذكر في تفسيرها فليس مما نحن فيه. قوله : ( إذ لو اثبعوا حجة الخ ( أي ولم يقولوا هذان ساحران وغيره من الهذيان ، وقوله بمعنى النفي أي هو إنكاري وقوله قد يوافق الحق إشارة إلى ندرته فإذا سلم وجوده يكون في حكم العدم فلذا كان توكيدا. قوله : ( أو في النظم ( أي نظمناه متصلاَ بعضه ببعض رعاية للتناسب فيه كذكر الوعيد مع المواعظ ، ونحوه والعبر جمع عبرة ، وقوله في مؤمني أهل الكتاب أي مطلقا وما بعده مخصوص بمن آمن من أهل الإنجيل ، وعلى هذا فهذه الآيات مدنية كما تقدم في أوّل السورة الإشارة إليه وقوله للقرآن أي القول المراد به القرآن أو القرآن المفهوم منه ، وقوله استئناف الخ ويجوز كون الجملة مفسرة لما قبالها. قوله : ( وكونهم ) مبتدأ خبره باعتقادهم وقوله في الجملة أي إجمالاً لأنه لا يمكنهم العلم
به تفصيلاً ، وقوله بصبرهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية ولما كان الصبر حبس النفس على المكاره !ف قوله ، وثباتهم عليه إشارة إلى أنّ المراد بالصبر على الإيمان الثبات ، وأمّا في الوجه الآخر فهو على ظاهره وهاجرهم بمعنى عاداهم وباعدهم ، وأخره وان كان الصبر فيه أظهر لأنه لا يخاسسب قوله مرّتين على ما فسره به فيكون كقوله : { ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ } فهو لمجرد تكرر المبر منهم على الأذى وشدّته ، ولو ترك قوله من أهل دينهم أوزاد عليه ومن المشركين كان أظهر كما في نسخة. قوله : ( ويدفعون بالطاعة المعصية ا لا حاجة لتقييدها بالمتقدمة لأن دفع الطاعه لها يستلزم تأخرها كما صرّح به في الحديث الذي أورده ، وقوله في سبيل الخير قيده به ليفيد المدح المقصود ، وقوله تكرّما أي لا عجزا لأنه ذمّ ، كما قيل في قول الحماسيّ :
ومن إساءة أهل السوء إحسانا
وكون المقول له اللاغين مفهوم من ذكر اللغو. قوله : ( متاركة لهم وتوديعاً ( يحتمل اللف والنشر على أنّ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم متاركة ، كما في قوله : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } وسلا 3 عليكم توديع لأنّ السلام للوداع معروف ويحتمل أنه تفسير لقوله : { سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } فقط لأنهم يقولونه عند المتاركة كما في قوله : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } [ سورة الفرقان ، الآية : 63 ] لأنه سلم من شتمه والتعرّض له ، قال الجصاص استدل بهذه الآية على جواز ابتداء الكافر بالسلام وليص كذلك لأنه متاركة ، وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكفار : " لا تبدؤهم
بالسلام وإذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم " ، قوله : ( لا تقدر على أن تدخلهم في الإسلام ) وفي نسخة تدخله رعاية لمن لفظا ومعنى وجعل ا!هداية للإسلام بقرينة سبب النزول والمقام ، وقد فسره بهذا في الكشاف وعلله بقوله لأنك عبد لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره قال الشراح : إنما فسره بذلك لأنّ لكن الاستدراكية وضعت لتدخل بين كلامين متغايرين نفيا وايجاباً فإذا أوّل قوله ، ولكن الله يهدي بيقدر على الهداية لعلمه بالمهتدين وجب أن يفسر هذا بأنك لا تقدر على الهداية لأنك عبد لا تعلم المهتدي ، وعنوا أنه لما قرنت هداية الله بعلمه بالمهتدى ، وأنه العالم به دونك دلّ على أنه المستعد للهداية كما صرّح به المصنف رحمه الله ، وهداية المستعد ليست بالفعل فلزم أن تكون هدايته له بمعنى القدرة عليها ، وأن تكون الهداية الأولى كذلك لتقع لكن في موقعها ، ومن لم يقف على مرادهم قال إنه ليس بصحيح ، وانّ أوّل الكلام قرينة على التجوّز في آخره لا العكس ، كما قالوه لأنه لا يصح نفي وقوع الهداية مع المحبة ، وليس(7/78)
ج7ص79
الاستدراك قرينة على التجوّز بل في قوله من يشاء دليل على أن المراد بالهداية ما هو بالفعل لأنّ المشيئة تتعلق به لا بالقدرة لكن لما حمل الأوّل على القدرة حمل هذا عليها فالمشيئة متعلقة بأثر القدرة ، وكذا من قال إنّ الداعي له أنّ الهداية عند أهل السنة خلق الاهتداء لأنه لو كان كذلك لم يذكره الزمخشريّ ، وقيل إنما فسر الهداية المنفية بالقدرة لأن نفي القدرة أبلغ من نفي الهداية وفيه نظر. قوله : ( بالمستعذّين لذلك ) يعني صيغة اسم الفاعل للمستقبل ، ومن يهتدي في المستقبل مستعد للهداية فإن قلنا إنه حقيقة في الحال فهو من مجاز الأول لا وجه آخر كما توهم ، والا فهو حقيقة لأنّ ما تفرّد الله بعلمه هو ما كان قبل الوقوع فأفعل هنا ليس على ظاهره بل للمبالغة في علمه بالغيب ، وان جاز حمله على ظاهره فتأمّل. قوله : ( والجمهور على أنها الخ ) إشارة إلى الرد على بعض الرافضة إذ ذهب إلى إسلامه ولم يرتض ما وقع في الكشاف من قوله أجمع المسلمون ولا ما في تفسير الزجاج من قوله أجمع المفسرون ، والحديث المذكور في الصحيحين والترمذقي مع اختلاف في بعض ألفاظه دون معناه ، وأحاج من المحاجة وهي المجادلة بالحجة وهو جواب للأمر أو استئناف وجزع من الجزع وهو عدم الصبر إن لم يصبر على ما كان عليه خوفا من الموت ونحوه ، وفي نسخة خرع بخاء معجمة وراء مهملة أي ضعف وخاف الموت والأولى بجيم وزاي معجمة. قوله : ( نخرج منها ) بالبناء
للمجهول أي يخرجنا الناس ، والعرب من بلادنا ومقرّنا وأصل الخطف الاختلاس بسرعة فهو استعارة لما ذكر وهو من بليغ الكلام ، وقوله ونحن أكلة رأس وفي نسخة وإنما الخ جملة حالية أو معترضة ، وأن يتخطفونا مفعول نخاف وأكلة جمع آكل وهو مثل في القلة ، وأصله ناس قليلون بكفيهم إذا أكلوا رأس واحدة من رؤس الحيوان المطبوخة ، ويصح أن يراد بالرأس حيوان واحد. قوله : ( نردّ اللّه الخ ( أي ردّ ما زعموه من خوف التخطف بأنه آمنهم ببركة الحرم قبل الإسلام فكيف إذا أسلموا وضموا حرمة الإسلام إلى حرم المقام ، وقوله أولم نجعل الخ إشارة إلى أنه ضمن معنى الجعل ولذا نصب حرما ، وقوله ذا أمن لأنه وقع وصفا للمكان ، وهو في الحقيقة وصف لأهله فلذا جعله للنسب كلابن وتامر ليفيد ما ذكر ولو جعل الإسناد فيه مجازيا كان موجها أيضا ، وقوله تتناحر العرب أي يتقاتلون فيقتل بعضهم بعضا وينحره نحر الجزور ، والنحر لا يستعمل حقيقة إلا في ذبح الحيوان فهو استعارة هنا. قوله : ( يحمل إليه الخ ) من جبى الخراج إذا جمعه ، وقوله : ( من كل أوب ) أي من كل جانب وجهة وليس هذا تفسيرا لكل شيء كما توهم وكل هنا للتكثير ، وأصل معناها الإحاطة ، وقوله فإذا الخ بيان لما يفهم من السياق ، وقوله يعرضهم إن كان من التعريض وهو جعل الشيء عرضة منتصباً للملاقاة فقوله التخوّف منصوب ، وأن كان نزع الخافض أي للتخوّف ، وان كان مخففا فهو على الحذف ، والإيصال أي يعرض لهم والمصنف كثير التساهل في أمثاله. قوله : ( جهلة الخ ( إشارة إلى أن يعلمون منزل منزلة اللازم أي ليس من شأنهم العلم لعدم فطنتهم وتفكرهم وقوله متعلق بقوله من لدنا أي تعلقاً معنويا ولم يرتضه لكونه خلاف الظاهر ، ولأنه ليس فيه كثير ذم وقوله لما خافوا غيره وفي نسخة ذلك ، وهو التخطف مع ما مرّ وقوله من معنى يجبي لأنّ مآله يرزقون وذكر التخصيص لأنّ الحال لا تجيء مؤخرة عن نكرة غير مخصصه كما بين في النحو ، واذا كان حالاً فهو بمعنى مرزوق ويجوز كونه مفعولاً له ، وقوله ثم بين الخ عطف على قوله فرد الخ وهو بيان لمناسبتها والجامع بينها وبين ما قبلها وهو ظاهر ، وقوله الأمر بالعكس
أي فينبغي الخوف من إهلاك الله لا من الناس والمراد بما هم عليه الكفر. قوله : ( وكم من أهل قرية ) فالقرية إمّا مجاز عن أهلها أو فيه مضاف مقدر لقوله فتلك مساكنهم فقوله بطرت الخ من الإسناد المجازي وكم خبرية ، وقوله كانت حالهم الخ إشارة إلى أنّ المقصود به الوعيد ، والاعتبار والأشر الفرح والغرور ، والمراد بالسكنى التوطن ولذا قدّم قوله إذ لا يسكنها الخ تعليلاً لخلوّها فليس الأنسب تأخيره بعد قوله قليلاً مع أنه توطئة له ، وقوله من شؤم معاصيهم تعليل لخرابها وقليلاً صفة ناس أو وقت أو سكن ، وقوله إذ لم الخ بيان لمعنى إرثه لها. قوله : ( وانتصاب معيشتها بنزع الخافض ) أي حذف الباء أي بمعيشتها لا في لأنه يرجع لما بعده أو هو مصدر ميمي(7/79)
ج7ص80
انتصب على الظرفية كجئتك خفوق النجم ، ولو مثل به كان أظهر من مثاله وهو زيد ظني مقيم أي في ظني لأن فيه احتمالاً آخر ، والمضاف المقدر أيام أو زمان ، وقوله مضاف إليه أي إلى الزمان لا إلى المعيشة حتى يقال التذكير لتاويله بالعيش أو اللفظ وكفر المضمن من كفران النعمة ، وهو يتعدى بنفسه في الأصل لأنه بمعنى الستر وقد يتعدّى بالباء ، قيل لا حاجة إلى تقدير المضاف هنا وفي مقدم الحاج لأنه يحتمل أن يكون اسم زمان بنفسه والجواب بأنّ التقدير على تقدير المصدرية لا يجدي ، فالظاهر أنه لم يسمع اسم زمان فتأمّل. قوله : ( وما كانت عادته ) يعني أنه لم تجر به العادة الإلهية ، ولم يسبق به القضاء الرباني ولا وجه لما قيل إنه غير ممتزج بما بعده ، وقوله في أصلها تفسير لامها ولم يفسر أمّ القرى بمكة لأنّ كان تأباه ، وقوله التي هي أعمالها أي توابع لتلك الأمّ لأنّ كرسي المملكة محل حكامها وما عدا. يسمى في العرف أعمالاً ونواحي وسواداً ، وقوله لأنّ الخ بيان للحكمة في كون مبعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من السواد لا من الكفور والبوإدي بأنّ أهلها فيهم فطنة ، وكيس فهم أقبل للدّعوة وأشرف والأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يبعثوا إلا من أشرف البقاع والأجناس ، وليس هذا بطريق الشرطية فليس فيه شيء مما قاله الفلاسفة حتى يتوهم أنه يجرّ إلى الفلسفة ، ولم يقل إنّ القصبات مولد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حتى يقال إنّ عيسى عليه الصلاة والسلام ولد بالناصرة ، وبعث بالمقدس ولوط ليس من أهل سدوم وأنبل من النبل وهو الذكاء والنجابة. قوله : الإلزام الحجة ( ردّ على المعتزلة في إثبات الحسن والقبح العقليين وقوله مدة
حياتكم أخذه من الإضافة ، وقوله المنقضية بالجرّ أو النصب صفة المدّة أو الحياة والثواب ما كان في الجنة فهو مقابل للدّنيا والبقاء مقابل للانقضاء ، فلا وجه لما قيل إنه ينبغي أن يقال في متاع الدنيا مشوب بالأكدار ليقابل قوله خير وقوله وبهجة كاملة أي نعيم تامّ كما قاله ابن الأئير في حديث إذا رأى الجنة وبهجتها أي حسنها ، وما فيها من النعيم ولو أريد المسرّة مجازاً صح أيضاً فلا وجه لما توهم من عدم مساعدة اللغة له لأنه بمعنى الحسن مع أنّ المقام لا يأباه ومثله سهل. قوله : ( فتستبدلون الذي هو أدنى ) فيه إشارة إلى أنّ الدنيا لفظها يشعر بأنها دنيئة كما قيل :
وعفت دنيا تسمى من دناءتها ديخا والا فمن مكروهها الداني
وقوله : وهو أبلغ في الموعظة لإشعاره بأنهم لعدم عقلهم لا يصلحون للخطاب فالالتفات
لعدم الالتفات زجراً لهم ، وهذه نكتة للالتفات خاصة بهذا المقام ، وقوله مدركه لا محالة من التأكيد بالاسمية ودلالة السببية لأنّ المسبب لا يتخلف عن سببه والفاء في أفمن لترتيب الإنكار على ما قبله ، وقوله ولذلك أي لعدم الخلف للحساب أو العذاب لأنّ المحضر لأمر وهو في القيامة لذلك وقد غلب لفظ المحضر في القرآن في المعذب ، واليه أشار الزمخشريّ وصرّح به في البحر ، وقوله تعالى : { جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ سورة يس ، الآية : 32 ] مع أنه يحتمل التغليب لا يرد على الغلبة نقضاً كما توهم بل يؤيدها. قوله : ( وثم للتراخي في الزمان ( قدمه لأنه المعنى الحقيقي ولا مانع عنه وفيه ردّ على الزمخشريّ حيث منعه ، وقد أجيب عنه بأنّ التراخي الزمانيّ معلوم فلا فائدة فهي وتعقب بأنّ الرتبى كذلك ، والآية مسوقة له ويدفع بأنه أنسب بالسياق فهو أبلغ وأكثر إفادة ، وأرباب البلاغة يعدلون إلى المجاز ما أمكن لتضمنه لطاثف النكات فلا يرد عليه أنّ العدول إلى المجاز مع إمكان الحقيقة باطل كما ذكره الطيبي ويوم القيامة متعلق بالمحضرين قدم للفاصلة ، والجملة معطوفة على متعناه وعدل إلى الاسمية للدلالة على التحقق ، ولا يضرّه كون خبرها ظرفاً مع العدول كما توهم وحصول التحقق لو قيل أحضرناه لا ينافيه فتأمّل. قوله : ( تشبيهاً للمنفصل ) وهو الميم الأخيرة من ئم مع ما بعده لأنه
بوزن عضد فجعل مثله وسكن كما يسكن للتخفيف ، وقوله وهذه الآية يعني قوله أفمن وعدناه الخ والاستفهام فيها إنكاريّ في معنى النفي وكونها كالنتيجة لأنه لما ذكر أنّ ما عند الله خير من متاع الدنيا لزمه نفي التساوي بينهما ، ولا يرد عليه شيء. قوله : ( عطف على يوم القيامة ) والنداء للإهانة والتوبيخ ، ولذا أجاب الشركاء مع أنهم غير مسؤولين ويجوز تعلقه بقال ، وقوله تزعمونهم شركائي يعني أنّ المفعولين محذوفان اختصاراً دون أحدهما(7/80)
ج7ص81
فإنه لا يجوز على الأصح ، وفي المغني الأولى أن يقدر تزعمون أنهم شركائي لأنه لم يقع في التنزيل على المفعولين الصريحين بل على إنّ وصلتها كقوله : { الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء } [ سورة الأنعام ، الآية : 94 ] وفيه نظر. قوله : ( بثبوت مقتضاه ) متعلق بحق والضمير للقول الموعود به وثبوته في الآخرة أو المراد المشارفة عليه ، والمراد ممن حق عليه القول بعضهم وهم الشركاء ، وفائدة الصلة إخراج مثل عيسى وعزير والملائكة لشمول الشركاء له ومبادرة الشركاء للجواب خوف مما دهاهم ، وقوله وهو للقول وحذف العائد للتصريح به فيما بعده ، وقوله غيا إشارة إلى أنّ كما الخ صفة مصدر مقدر والدلالة المذكورة من التشبيه والاستئناف بيانيّ في جواب كيف صارت غوايتكم. قوله : ( ويجوز أن يكون الذدن صفة ) أي هو خبر ويجوز كونه صفة لهؤلاء والجملة خبر وهذا ردّ على ما ذكره أبو عليّ في التذكرة من أنّ هؤلاء مبتدأ والذين أغوينا خبر مبتدأ محذوف ، أي هم لذين أغوينا وهذه الجملة خبر وجملة أغويناهم مستأنفة ، ولا يجوز كون الذين صفة وجملة أغويناهم خبرا لأنه لم يفد غير ما أفاده المبتدأ الموصوف ، والتقييد بالظرف الفضلة لا يصيره مفيدا بحسب الأصالة بأنّ القيد الزائد صيره مفيداً ما لم يفده المبتدأ وصفته ولا يضره كونه فضلة فإنّ بعض الفضلات قد يلزم في بعض المواضع كما أشار إليه المصنف. قوله : ( تبرأنا إليك الخ ) موجهين التبرأ ومنهين له إليك وكونه هوى منهم وان سوّلوه
لأنهم لم يلجؤهم إليه وتقريرها لما قبلها لأنّ الإقرار بالغواية تبرؤ في الحقيقة ، وقوله يعبدوننا إشارة إلى أنّ إيانا مفعول مقدّم للفاصلة ، وكون العبادة لأهوائهم باعتبار نفس الأمر والمآل ، وقوله من عبادتهم إشارة إلى أنّ الجار مقدر فيه على هذا الوجه. قوله : ( فدعوهم من فرط الحيرة ) قيل بل لضرورة الامتثال ورد بأنه ليس الأمر للإيجاب حتى يلزم امتثاله بل للتوبيخ والتقريع ، والظاهر من تعقيبه بالفاء في قوله فدعوهم إنه إيجاب ليكون تفضيحا لهم على رؤس الأشهاد حيث استغاثوا بمن لا نفع له لنفسه فتأمّل. قوله : ( لعجزهم عن الإجابة والنصرة ( الإجابة هنا بمعنى الاستجابة لأنها قد ترد بمعناها والقرينة أنه الواقع في النظم ومنه أجيب دعوة الداع ، ولذا عطف عليه النصرة للتفسير فلا يرد عليه ما قيل العجز عن الاستجابة لا عن الإجابة إذ يومئذينطق كل شيء مع أنّ نطق كل شيء ليس في كل موقف إذ منها ما يختم فيه على الأفواه. قوله : ( لازباً ) بالباء الموحدة أي لاصقا متصلاً بهم ، وهو حال من المفعول لا مفعولاً ثانياً على أنّ رأى علمية لأنّ حذف أحد مفعولي إفعال القلوب ممنوع عند أكثر النحاة ، وضمير رأوا للداعي والمدعوّ. قوله : ( لما رأوا العذاب ) جواب لو على التقديرين ، وقوله يدفعون صفة وجه فما قيل إنّ جوابه محذوف وهو لدفعوا به العذاب أو يدفعون على تأويله بالماضي سهو ، والذي غرّه ما في الكشاف وشروحه ، وقوله وقيل لو للتمني مرضه لأنه يحتاج إلى تقدير وتأويل بعيد ، ولأنه كان الظاهر أن يقال لو أنا كنا وتفصيله في شروح الكشاف. قوله : ( يسأل أوّلاً عن إشراكهم ا لأنه المقصود من قوله أين شركاني ، والسؤال من علام الغيوب للتوبيخ على الشرك لا لتعيين مكانهم. قوله : ( فصارت الآنباء كالعمي عليهم ) العمي بضم فسكون جمع أعمى وهذا يقتضي أنّ الأنباء شبهت بمن توجه لشيء وأثبت له العمي على طريق الاستعارة المكنية ، والتخييلية بدليل قوله لا تهتدي إليهم ، وقوله وأصله الخ يقتضي أنه من باب القلب المقبول لنكتة ، وهي المبالغة في إثبات العمي للأنباء التي ليس من شأنها ذلك فما بالك بهم وحينئذ لا يكون استعارة فكلامه لا يخلو من الخلل ، وما قيل إنه ليس مراده القلب بل إثبات حالهم للأنباء تخييلاً للمبالغة لا يخفى ما فيه ، وكذا ما قيل إنّ القلب لا ينافي الاستعارة مع أنه لا يلائم ما سيأتي من اعتبار معنى الخفاء فيه فالظاهر أن يقال إنه أراد أنّ فيه استعارة تصريحية تبعية فاستعير العمي لعدم الاهتداء فهم لا يهتدون للأنباء ، ثم قلب للمبالغة فجعل الأنباء لا تهتدي إليهم ، وضمن معنى الخفاء فعدى بعلى ففيه أنواع من البلاغة الاستعارة والقلب
والتضمين بلا تكلف ما يأباه صريح العبارة. قوله : ( ودلالة على أن ما يحضر الذهن ) يعني انّ في هذا القلب دلالة على أنّ ما يحضر في ذهن المرء إذا استحضره بعد غيبته عنه كجوإبهم للرسل ، واخبارهم في الدنيا التي ذهلوا عنها فإنه من جملة ما يرتسم في الذهن ، وهو إنما يرد على الذهن من(7/81)
ج7ص82
الخارج بمعنى نفس الأمر إمّا ابتداء ، وامّا بواسطة تذكر الصورة الواردة منه بإماراتها الخارجية فإذا أخطأ الذهن الخارج ونفس الأمر بأن لم يصل إليه لانسداد الطريق بينه وبيته بعمي ، ونحوه لم يمكنيما إحضار ولا استحضار ، وذلك لأنه لما جعل الأنباء الواردة عليهم من الخارج عمياً لا تهتدي دل على أنهم عمي لا يهتدون بالطريق الأولى لأنّ اهتداءهم بها فإذا كانت هي في نفسها لا تهتدي فما بالك بمن بها يهتدي فتدبر فإنه في غاية الخفاء ، ولذا قيل إنه لو تركه كان أولى. قوله : ( أو ما يعمها ( أي ما يعمّ الأنباء المجاب بها الرسل وكل ما يمكن الجواب به ، والتعتعة بتاءين فوقيتين وعينين مهملتين التردّد في الكلام لحصر أوعيّ ، وقوله ويفوّضون الخ كقول عيسى حينئذ : { لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا } [ سورة البقرة ، الآية : 32 ] . قوله : ( وتعدية الفعل ) أي عميت لتضمنه معنى الخفاء ، وهو أحسن من جعله بمعنى الاشتباه كما ذكره الراغب ولولاه لتعدى بعن ، ولم يتعلق بالأنباء لأنها مسموعة لا مبصرة ، وقوله لفرط الدهشة سواء ، كانت انفاء في قوله فهم تفصيلية أو تفريعية لأنّ سبب العمي فرط الدهشة ، وقوله أو العلم وفي نسخة والعلم بأنه مثله أي في العجز عن الجواب ، وقوله فأمّا من تاب الفاء فيه لتفصيل إجمال يعلم مما قبله لبيان حال من تاب عن شركه ولترتب الأخبار به عما قبله. قوله : ( وعسى الخ ا لإيذانها بتحقق ما يرجى منهم كما قيل عسى منك خير لنا من نعم أو هي للترجي على لسان العباد لأنه لا يليق به تعالى حقيقة. قوله : الا موجب عليه ولا مانع ) مشيئة الله هي اختياره أو مقاربة له ، والاختيار منه تعالى للفعل بمعنى أنه إن شاء فعل ، وان شاء ترك أو كونه بحيث يصح منه الفعل والترك ، وهو بهذا المعنى مقابل للإيجاب ، ولما تقاربا وقد جمع بينهما هنا حاولوا التفسير على وجه يقع به التغاير ليسلم النظم من الحشو فقيل المراد أنه يخلق ما يشاء من الأعيان والأعراض ، وقوله يختار معطوف على يخلق أي يخلق ما يشاؤه باختياره فلا يخلق شيئا بلا اختيار وهذا لم يفهم مما يشاء ، فإنه لا يفيد العموم وقيل إنّ قوله لا موجب عليه
ولا مانع لف ونشر فالمشيئة عدم الإيجاب والاختيار عدم المانع ليفيد ، وأورد عليه أنه لا وجه للتخصيص بلا مخصص ، وقيل المشيئة تجامع الإيجاب بالذات دون الاختيار ففيه رد على الفلاسفة كما أن في ذكر المشيئة تنصيصا على الرد على من زعم أنه مقتض للعالم اقتضاء النار للإحراق ورد بأنه إن أريد بالمشيئة صحة الفعل والترك فهي لا تجامع الإيجاب أصلا وان أريد كونه إن شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل فكذا الاختيار ولا فرق بينهما فإنّ معناهما عندنا الأوّل وعند الفلاسفة الثاني وكلام المحشي هنا لا يخلو من الاضطراب. قوله : ( التخير الخ ) طيرة بوزن عنبة بمعنى التطير ، وحكى ابن الأثير تسكين يائه قالوا ولم يجيء على هذا الوزن من المصادر غير خيرة وطيرة ولم يجيء من الأسماء غير طيبة بمعنى طيب ، وتولة لنوع من السحر تتحبب به المرأة لزوجها يعني في المفرد المعتل العين. قوله : ( وظاهره نفي الاختيارا لأن الخيرة والتخير والاختيار بمعنى كما يفهم من كلامه ، وهو ظاهر النظم ولما كان فيه إيهام للجبر أشار إلى توجيهه بأنّ اختيار العبد ، وإن كان ثابتاً عند أهل الحق لكنه يكون بالدواعي التي لو لم يخلقها الله فيه لم تكن ، وهذا هو معنى قوله تعالى : { وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ } [ سورة الإنسان ، الآية : 30 ] وهو مذهب الأشعريّ رحمه الله قال : خاتمة المحققين الدوانيّ في مقالته في أفعال العباد الذي يثبته الأشعري وهو تعلق قدرة العبد وارادته الذي هو سبب عاديّ لخلق الله تعالى الفعل فيه ، واذا فتشنا عن مبادي الفعل وجدنا الإرادة منبعثة عن شوق له ، وتصوّر أنه ملائم وغير ذلك من أمور ليس شيء منها بقدرة العبد واختياره كما حققه وهو محصل كلام المصنف رحمه الله ، فما قيل إنه مذهب الجبرية ليس بصحيح فإن أردت تحقيق ذلك فانظر تلك المقالة. قوله : ) المراد أنه الخ ( فالمعنى ما كان لهم الخيرة على الله أي التحكم عليه بأن يقولوا لم لم يفعل الله كذا كما ذكر في سبب النزول المذكور ومعنى ما كان أنه لا يليق ولا ينبغي فإنه أحد معانيه التي ورد بها ، وهو مشهور فلا يصلح هذا وجها لتمريضه كما قيل لأنه غير موافق لسبب النزول المذكور وكون ما مرّ على قواعد المعتزلة من عدم جواز إرادته تعالى للكفر ، والفسق وهم ولعل تمريضه له أنه لا دلالة عليه في النظم ، وفيه حذف المتعلق من غير قرينة دالة. قوله : ( ولذلك خلا ) بالتخفيف والبناء للفاعل أو بالتشديد والبناء(7/82)
ج7ص83
للمجهول لأنه مؤكد لما قبله أو مفسر له إذ معنى يخلق ما يشاء ، ويختار لا ما يختاره العباد عليه ، وفي الوجه السابق هو مستأنف في جواب سؤال تقديره فما حال العباد أو هل لهم اختيار ونحوه فقيل إنهم ليس لهم اختيار والمختار ما اختاره الله. قوله : ( وقيل ما موصولة مفعول ليختار ) وهي في الوجه
الأوّل نافية والداعي لهذا دفع التكرار بين يشاء ، ويختار ووجه تمريضه عدم مساعدة اللغة له فإنّ المعروف فيها أنّ الخيرة بمعنى الاختيار لا بمعنى الخير وعدم مناسبته لما بعده من قوله سبحان الله الخ ، ولقوله يخلق ما يشاء أيضا كما في بعض شروج الكشاف وأمّا حذف العائد فكثير لا أنه يجرّ إلى مذهب الاعتزال إذ ليس المراد اختياره للخير على الوجوب بل بمقتضى التفضل ، والكرم وليس الوقف على يختار ، وان روي متعيناً لأن يكون تائا وأمّا كون ما موصولة مفعولاً ليختار ، وكان تامّة بمعنى وجد ولهم الخيرة بتقدير ألهم الخيرة على الاستفهام الإنكاري فضعيف لما فيه من مخالفة الظاهر من وجوه. قوله : ( أن ينازعه أحد الخ ( الظاهر أنه على الوجه الأوّل في تفسير ما كان لهم الخيرة فإنه إذا لم يكن لأحد اختيار مستقل لا يقدر أن يختار غير ما اختاره الله ، وينازعه في مختاره وقوله أو يزاحم على الثاني لأنه يحكم عليه فيزاحمه في اختياره وأمّا على الثالث فهو تعجب من إشراكهم من يضرّهم بمن يريد لهم كل خير ، وقيل إن الأوّل على أنّ التعجب متعلق بقوله : { يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ } [ سورة القصص ، الآية : 68 ] والثاني على أنه متعلق بما كان لهم الخيرة. قوله : ( عن إشراكهم ( فما مصدرية وفيما بعده موصولة بتقدير مضاف أو هو بيان لحاصل المعنى عليه ، وقوله تكن صدورهم بمعنى يكنون في صدورهم كحقية رسالته وعداوته ونحو ذلك ، وقوله لا أحد يستحقها أي العبادة إشارة إلى أن إله وإن كان عامّاً المراد به من يستحق الألوهية. قوله : ( لأنه المولى الخ ( المولى بزنة اسم الفاعل أي المعطى لجميع النعم بالذات وما سواه وسايط فالمراد بالحمد ما وقع في مقابلة الأنعام بقرينة ذكرها بعده بقوله : قل أرأيتم الخ مع أنه قد يخص به فلا وجه لما قيل إنه لم يفرق بين الحمد والشكر ، وهو توجيه للحصر الدال عليه تقديم الظرف ، ولم يلتفت إلى أنّ الحصر مجموع حمد الدارين إذ الحمد في الآخرة لا يكون لغيره لعدم الحاجة إليه كما مرّ في الفاتحة مع أنه قيل إنّ المراد بالنعم ما يشمك الفضائل والأوصاف الجميلة كالشجاعة التي هي بخلقه تعالى فالحمد عليها في الحقيقة لله تعالى لأنه مبدئها ومبدعها ، ولو نظر إلى الظاهر لم يكن حمد الآخرة مختصاً به أيضاً : " فإن نبينا صلى الله عليه وسلم يحمده الأوّلون والآخرون في مقام الحمد ، وبيده لواء الحمد في الآخرة والمحشر كما شهدت به النصوص " أ ا ( . قوله : ) بقولهم ( متعلق
بقوله يحمده كابتهاجا بمعنى سرور يعني أنّ حمد الآخرة هو المذكور في هذه الآيات وأنه على وجه اللذة لا التكليف ، وقوله الميم مزيدة لدلالة الاشتقاق عليه فوزنه فعمل ، والدلامص بضم الدال المهملة وكسر الميم البراق ، ومنه دلاص للدرع ومختار صاحب القاموس كبعض النحاة أنّ الميم أصلية ووزنه فعلل لأنّ الميم لا تنقاس زيادتها في إلوسط والآخر والسرمد الدائم ، وقوله : بإسكان الخ تمثيل أو بجعلها غير مضيئة لا بالكسوف كما قيل لأنه لا يذهب ضوأها بالكلية إلا أن يريد به ذلك وهو سهل ، والأفق الغائر بالغين المعجمة أي الأفق الغير المرئيّ ، وليس تحت الأرض بالكلية حتى يكرن تكراراً كما قيل. قوله : ( كان حقه الخ ) لأنّ هل لطلب التصديق ، وهو المناسب للمقام بحسب الظاهر لا من التي لطلب التعيين المقتضى لأصل لوجود لكنه أتى به على زعمهم أنّ آلهتهم موجودة تبكيتاً وتضليلاً فهو أبلغ وكان حقه أن لا يعبر بهذه العبارة لما فيها من ترك الأدب لكن إذا ظهر المراد بطل الإيراد ، وقراءة ابن كثير بإبدال الياء همزة. قوله : ( سماع تدبر واستبصار ) دفع لما يتوهم كما سيصرّح به من أنّ الظاهر أن يقال أفلا تبصرون لأنّ هذا هو المطابق للمقام لأنّ المراد إنكم لو كنتم على بصيرة وتدبر لما ذكرناه عرفتم أنه لا إله غير الله يقدر على ذلك لأنّ مجرّد الإبصار لا يفيد ما ذكر فهو توبيخ لهم على أبلغ وجه. قوله : ( ولعله لم يصف الضياء بما يقابله ) أي يقابل المذكور هنا ، وهو قوله
تسكنون فيه كان يقول ضياء تتحركون فهي ، وتتصرفون لأنه لو وصف به دلّ على أنّ الامتنان بما فيه من التصرّف لا به نفسه ، وأنه تبع وليس كذلك ، وأمّا ظلمة الليل فليست مقصودة في نفسها بل النعمة ما فيه من الهدء ، والستر والراحة. قوله :(7/83)
ج7ص84
( ولآنّ منافع الضوء كثر الخ ) ما يقابله إمّا الليل فهو على تقدير مضاف أي من منافع ما يقابله أو السكون فيه فهو من قبيل أكثر من أن تحص أي هو متباعد في الكثرة عن مقابله والأوّل أظهر ، والمراد أنها لو ذكرت كلها أو أكثرها طال الكلام ، ولو اقتصر على بعضها توهم الاختصاص به فلا يرد عليه أنّ كثرة منافعه لا تصلح وجها ، ولم يقابل الليل بالنهار لأنه لا يلزمه الضياء لجواز كون الشمس تحت الأرض فيه ونحوه من انكساف ضوئها بالكلية كما مرّ ، ونفع النهار إنما هو بضيائه بخلاف الليل فإنه لا يخلو عن النفع سواء أظلم أم استنار ولما كانت منافع الضياء الكثيرة لا يقف عليها العوامّ إلا بالسماع من الخواص ذيل بقوله أفلا تسمعون ، وأمّا كونه يلزم اجتماع الليل والنهار في الكسوف كما توهم فتعسف لأنّ المراد أنّ المقصود من النهار هو الضياء لأنّ النفع به فلذا خص بالذكر بخلاف الليل فتدبر. قوله : ( لأنّ استفادة العقل من السمع الخ ) أي قرن الضياء الكثير المنافع المحتاجة إلى كثرة الإدراك بما هو دالّ على كثرة الاستفادة المناسب له لأنّ جميع ما تدركه الحواس يعبر عنه بما يدركه السمع ، ويزيد عليها بإدراك الأصوات ولذا ترا. مقدما على البصر في التنزيل ، وقد مرّ له وجه آخر. قوله : ( في الليل ) إشارة إلى أنه لف ونشر ولذا قدر في النهار بعده ، وضمير فضله لله وكونه للنهار على الإسناد المجازي خلاف الظاهر ، وقوله من فضله لنفي الإيجاب ، وفيه مدح للسعي في طلب الرزق كما ورد الكاسب حبيب الله ، وهو لا ينافي التوكل وقوله ولكي إشارة إلى أنّ المقصود منه التعليل وقد مرّ تحقيقه ومعرفة النعمة لازمة للشكر فلذا ذكره. قوله : ( جدّ بعد تقريع ) أي ذكر مجذداً يعني أنه لكونه أعظم أعيد ذكره مرة بعد أخرى ، أو أنه لتغاير المراد من ذكره في الموضعين ليس بمكرّر ، وفساد الرأي ظاهر من قوله حق عليهم القول ، ولذا حمل الأوّل عليه وحمل ذكره ثانياً على أنه تشه وهوى لقوله بعده هاتوا برهانكم ، أو الأوّل إحضار للشركاء تبكيتاً عليهم لعدم صلوحهم لما نسب لهم لقوله بعده ، وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم ، وهذا تحسير لأنهم لم يكونوا في شيء من إيجادهم
لقوله وضل عنهم ما كانوا يفترون كما في الكشف. قوله : ( وهو نبيهم الخ ) ولا يضرّ كون الشهيد في موقف آخر غير الأنبياء ، وهم أمّة محمد أو الملائكة لقوله : { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء } [ سورة الزمر ، الآية : 69 ] فإنه دال على مغايرة الشهداء للأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكن المواقف متعددة فلا يرد ما ذكر على المصنف مع أنّ الدلالة على المغايرة غير مسلمة ، ولو سلمت فشهادة الأنبياء لا تنافي شهادة غيرهم معهم لكن الحق الأوّل لأنّ قوله من كل أمّة ، وافراد شهيداً صريح فيه ، وقوله غاب عنهم غيبة الضائع إشارة إلى أن ضل بمعنى ضاع ، وهو مستعار هنا للغيبة. قوله : ( كان ابن عمه يصهر ) بياء تحتية مفتوحة وصاد مهملة ساكنة وهاء مضمومة ، وقاهث بقاف وهاء مفتوحة وثاء مثلثة ، وفي بعض النسخ قاهاث بألفين ولاوى مقصور هو ابن يعقوب ، وقاهث هو أبو عمران كما في التواريخ فكونه ابن عمه على هذه الرواية ظاهر ، وفي رواية أخرى ذكرها المصنف في آلى عمران أنّ موسى ابن عمران بن يصهر بن قاهث الخ فيصهر جذه لا عمه ، وهي رواية أخرى في نسبه كما صرّح به في المعالم فلا مخالفة بين كلامي المصنف. قوله : ( فطلب الفضل الخ ) أصل معنى بغى طلب ويختلف معناه باختلاف متعلقه فإمّا أن يكون المطلوب العلو والتحكم ، وهو المعنى الأوّل وتعديته بعلى كالفضل والعلو أو هو بمعنى تكبر وتعذيه بذلك أيضا أو هو بمعنى الظلم أو الحسد لما فيه من طلب ما ليس حقه ، وطلب زوال نعمة المحسود والفاء إمّا فصيحة أي ضل فبغى أو على ظاهرها لأنّ القرابة تدعو إلى الحسد ونحوه ، وقوله وذلك أي طلبه الفضل أوالتكبر أو الظلم والحبورة بضم الحاء المهملة والباء الموحدة مصدر حبر الرجل إذا صار حبرا أي إماما مقتدى ، وضمير عليهم للقوم وعلى الرواية الأخيرة لموسى وهرون أو للقوم أيضا ، وقوله الأموال المدخرة فهو مجاز بجعل المدّخر كالمدفون إن كان الكنز مخصوصاً يه. قوله : ( مفاتيح صناديقه ) فهو على تقدير مضاف ، أو الإضافة لأدنى ملابسة وكونه بالكسر على قياس اسم الآلة ومرّض كونه بمعنى الخزائن لأنه غير معروف ، وقوله وقياسه المفتح أي بفتح الميم لأنه اسم مكان ، وقوله صلة ما وما نقل عن الكوفيين من أنّ الجملة المصدرة بأن لا تكون صلة
للموصول خطأ قبيح لوقوعه في هذه الآية كما قاله الأخفش فإن كان(7/84)
ج7ص85
لم يسمع في غير هذه الآية لم ينهض ما ذكر لجواز كون ما موصوفة ، ولا يخفى أنّ المانع لكونها صلة أنها تقع في ابتداء الكلام فلا ترتبط بما قبلها وهذا يقتضي أنها لا تكون صفة أيضا فلا يرد ما ذكر عليه ، ووقع كونها حالية من بعض النحاة. قوله : ( وناء به الحمل إذا أثثله ( فالباء للتعدية ولا قلب ب. كما قيل على أنّ أصله تنوء العصبة بها أي تنهض فإنه لا حاجة إلى رتكابه ، وقيل الباء للملابسة ، والحمل بكسر الحاء ويجوز فتحها ، وقوله الجماعة الكثيرة من غير تعيين لعدد خاص وهو الذي ذكره الراغب في مفرداته ، وعوّل عليه المصنف هنا ، وقد تقدم أن من أهل اللغة من عين لها مقداراً واختلفوا فيه فقيل من عشرة إلى خمسة عشر وقيل ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل من عشرة إلى أربعين ، وقيل أربعون وقيل سبعون ، وقد يقال إن أصل معناها الجماعة مطلقا كما هو مقتضى الاشتقاق ، ثم إنّ العرف خصها بعدد قد اختلف فيه أو اختلف بحسب موارده فتأمّل. قوله : ( على إعطاء المضاف حكم المضاف إليه ) وهو التذكير فإنه لا- يكتسب التذكير والتأنيث منه وخصه الزمخشريّ بتفسير المفاتح بالخزائن لما بينهما من الاتصالا كما في ذهبت أهل اليمامة ، وينتج منه أنه ليس بجار إذا كانت المفاتح بمعنى المفاتيح ووجهلا أنّ النحاة اشترطوا في الاكتساب أن يكون المضاف بعضا أو كبعض ، أو لفظ كل وما وضاهاه وقالوا إنّ ما هو كالبعض المراد منه ما كان بينهما اتصال تائم بحيث لو أسقط بقي معناه مفهوهـ !أ من المذكور والخزائن والكنوز والمرادة من ما الراجع إليها الضمير كذلك لأنّ الخزائن تطلق ويراد بها ما فيها كاليمامة مع أهلها بخلاف المفاتيح مع الكنوز فإذا لم يرد الخزائن ففيه مضاف مقدر رجع إليه الضمير كما في :
بردى يصفق بالرحيق السلسل
أي حمل مفاتحه فافهم ، وقد مرّ فيه كلام في الأنعام. قوله : ( منصوب بتنوء ( على ألا. متعلق به واعترض! عليه أبو حيان بأنه لا معنى لتقييد أثقال المفاتيح للعصبة بوقت قول قومه له لا تفرح ، وقال ابن عطية إنه متعلق ببغى عليهم ويرد عليه ما مرّ وكذا قول أبي البقاء إنه ظر! لآتيناه ورجح تعلقه بمقدّر كاظهر التفاخر والفرح بما أوتي إذ قال الخ أو بإضمار اذكر كما في اللباب. قوله : ( لا تبطر ) البطر فرح ينشأ من الغرور بالنعمة ، وقوله مطلقا قيد للذم أو لا!لهمرت
لأنّ السرور بها لذاتها جهل ورأس كل خطيئة أمّا أنه يسرّ بها لكونها وسيلة إلى شيء آخر من أمور الآخرة فلا يذمّ ، والترح ضد الفرح والبيت المذكور من قصيدة للمتنبي أوّلها :
بقاني شاء ليس! هم ارتحالا
الخ ومثله قول ابن شمس الخلافة :
واذا نظرت فإنّ بؤساً زائلا للمرء خيرمن نعيم زائل
وقد روي عن الحسن أنّ آية ولا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم جمعت الزهد
كله ، وقوله فإن العلم الخ بيان للذهول عن ذهابها ، وقوله مفارق في نسخة بدله مفارقه بالضمير أو بتاء التأنيث لأنّ ما عبارة عن اللذة وعنه متعلق بانتقالاً مقدّراً أو بالمذكور إن قلنا بتقدم معمول المصدر عليه ، إذا كان ظرفاً ، وقوله ولذلك أي لكون الفرح بها مذموما شرعا قال الخ فعلم كونه مذموماً من هذه الآية أيضاً فهذا برهان إني لا لمي حتى يرد أنه مبنيّ على مذهب المعتزلة في الحسن والقبح ، ولا يندفع هذا بجعل الإشارة إلى كون الفرح نتيجة حبها الخ بل يتأكد ، وقوله علل قيل إنه معطوف على قوله الفرح بالدنيا مذموم الخ لا على قال كما قيل وفيه نظر ، ومحبة الله مصدر مضاف للفاعل. قوله : ) وابتغ فيما آتاك الله ) في ظرفية أي متقلبا ومتصرّفا فيه أو سببية بمعنى الباء وهو الظاهر من كلام المصنف أي ابتغ يصرفه والدار الآخرة مفعوله بتقدير مضاف أي موجب الدار الخ لا عقبى الدار الآخرة كما قيل ، وقوله تترك لأنّ النسيان يطلق على الترك مجازاً كما مرّ. قوله : ( وهو أن تحصل الخ ) الضمير للنصيب وأخبر عنه بالمصدر مبالغة أو لعدم الترك كما قيل ، وقد فسر النصيب بالكفن ، وقوله أو تأخذ الخ محصله الأمر بالقناعة والكاف في كما أحسن للتشبيه أي أحسن للعباد مثل ما أحسن الله الخ أو ائت بشكر حسن مماثل للإحسان أو للتعليل. قوله : ( نهي عما كان الخ ) ووقع في بعض النسخ زيادته إلى قوله بأمر أي نهى عن الاستمرار عليه فقوله بأمر متعلق بكان على هذه النسخة ، وعلى الأخرى بتبغ والباء على الأولى للسببية ، وعلى هذه(7/85)
ج7ص86
للملابسة والأمر عبارة عما آتاه اللّه من العنى أو حب الجاه والمال ، وقوله لا يحب المفسدين قيل فيه تنبيه على أنّ عدم محبته كاف في الزجر عما نهى عنه فما بالك بالبغض والعقاب وهو حسن ، وقيل عدم محبته كناية عن
البغض الشديد كما أن محبته مزيد الأنعام. قوله : ( فضلت به ) أي بما عندي من العلم جواب عن قولهم له إنّ ما عندك تفضل من الله فأنفق منه شكراً ليبقى فكأنه رده بأنه ليس تفضلاً بل لاستحقاق في ذاته ، والتفوّق العلوّ والرفعة. قوله : ( وعلى علم في موضع الحال ( من الفاعل هكذا ذكره المعربون ، ولم يجعلوا على تعليلية متعلقة بأوتيت على أنه ظرف لغو لأنه أصل معناها ، ولأنّ المراد أنه استوجبه على علمه فعلى للإيجاب كما في عليّ كذا وهو المراد في قولهم فعله على علم ، والكيمياء لفظ يوناني بمعنى الحيلة ، ثم غلب على تحصيل النقدين بطريق مخصوص ، وقد قيل إنه كان تعلمها من موسى عليه الصلاة والسلام ، وقيل إنه لا أصل له ، وقال الطيبي إنه من قبيل المعجزة لما فيه من قلب الأعيان ولذا أنكره بعض الحكماء ورد بأنه لو كان معجزة ما قبل التعلم ، وهل يحل تعلم علم الكيمياء أولاً قيل وهو مبنيّ على الخلاف في قلب الحقائق أي انقلاب الشيء عن حقيقته كالنحاس عن الذهب فقيل نعم ، وقيل لا فعلى الأوّل من علم العلم الموصل لذلك القلب علماً يقينيا جاز له علمه وتعليمه إذ لا محذور فيه بوجه ، وإن قلنا بالثاني أولم يعلم الإنسان ذلك العلم اليقيني وكان ذلك وسيلة لغش حرم ، والدهقنة أمور الزراعة واستغلال العقار اشتقوه من الدهقان ، وهو لفظ فارسي يطلق على من يتعاطاه وأصل معناه رئيس القرية. قوله : ( وعندي صفة د ( أي لعلم لأنه ظرف وقع بعد نكرة ، والمراد أنه مختص به وإذا تعلق بأوتيته فهو بمعنى في ظني واعتقادي ورأيي كما يقال حكمه الحل عند أبي حنيفة ولا حاجة إلى جعله جملة مستقلة أي هذا اسنقرّ عندي وفي رأيي وهي جملة مستانفة مقرّرة لما قبلها ، وهو ما في الكشاف ومختار صاحب الكشف. قوله تعالى : ( { أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً } ) يحتمل القوّة الجسمية والمعنوية وجمعا يحتمل جمع المالط وجمع الرحال ، وقوله تعجب وتوبيخ يعني الاستفهام ، وقوله بذلك أي الإهلاك واغتراره مفهوم من كلامه السابق. قوله : ( أو رد لادعائه العلم الخ ) بنفي متعلق برد وهذا العلم علم أنّ الله قد أهلك الخ ، وقوله أعنده الخ تقرير لهذا الوجه بأنّ الوجه بأنّ الهمزة للإنكار داخلة على مقدر وجملة ولم يعلم حالية مقرّرة للإنكار ودالة على انتفاء ما دخلت عليه كقولك أتدير الفقه وأنت لا تعرف شروط الصلاة ، وليست معطوفة على الجملة المقدرة كما ذهب إليه الشراح لأنّ ما
اخترناه أنسب بالمعنى فتدبر فنفى علمه به مع إثباته له فيما قبله لعدم جريه على موجب علمه فلا تنافي بينهما فافهم ، ويقي بمعنى يصون من الوقاية ومصارع الهالكين مواضع الهلاك والمراد ما يوجبه. قوله : ( سؤال استعلام الخ ) إشارة إلى التوفيق بين هذه الآية وقوله : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ } [ سورة الحجر ، الآية : 92 ، فإنّ السؤالين متغايران لما ذكر أو باعتبار مكانين أو زمانين فلا تناقض فيهما ، وقوله بغتة أي بلا معاتبة وطلب عذر وجواب فلا ينافي السؤال فتأمّل. قوله : ( كأنه الخ ) بيان لاتصال الآية بما قبلها ، وقوله أغنى من الغني أو العتوّ وقوله أكد ذلك أي التهديد ، وقوله : بين أنه أي الهلاك وصنيع المصنف أظهر مما في الكشاف ، وقوله مطلع ناظر إلى التفسير الأوّل ، وهو من عدم السؤال وما بعده من الفحوى فإنّ عدم سؤال المذنب مع شدة الغضب عليه يدل على الإيقاع به. قوله : ( 1 لأوجوان ) بضم الهمزة والجيم الحمرة والأحمر معرّب أرغوان ، والمراد أن جله من حرير أحمر على نسخة عليها أو لباسه منه على نسخة عليه وهي أصح ، وقوله على عادة الناس متعلق بحسب المعنى بقال ، أو يريدون والظاهر الثاني بناء على أنّ العادة تناسب الاستمرار الذي يدل عليه المضارع ولأنّ عادتهم الإرادة في الأكثر لا القول ، والجار والمجرور عليهما حال أو صفة مصدر مقدر ، وقوله حذراً عن الحسد لأنه مذموم بخلاف الغبطة ، وعن قتادة تمنوه ليتقرّبوا به إلى الله وينفقوه في سبيل الخير ويؤيده قوله ثواب الله خير فإنه يدل على أنهم مؤمنون ، ولا ينافيه قوله يريدون الحياة الدنيا لأنه لا يلزم إرادتها لذاتها ، وقوله للمتمنين متعلق بقال. قوله : ( دعاء بالهلاك ( أي في الأصل والمراد به هنا الزجر عن هذا التمني مجازاً وهو منصوب على المصدرية ، وقوله بل من الدنيا وما فيها أخذه من مقابلة الثواب ، وحذف(7/86)
ج7ص87
المفضل عليه. قوله : ( الضمير فيه للكلمة ( وهي قولهم ثواب الله خير الخ والكلمة بالمعنى اللغوي ، وقريب منه أنه للخصلة ، وهو المراد بالسيرة ومعنى تلقيها إمّ فهمها أو التوفيق للعمل بها والجنة مفهومة من الثواب وعطف الطريقة
على السيرة تفسيري. قوله : ( على الطاعات وعن المعاصي ) في الكشف الصبر حبس النفس ، وهو كف وثبات فلذا عدى تعديتهما بعن وعلى إذ له متعلقان ما انقطع عنه وهو المعصية ، وما اتصل به وهو الطاعة فعدى للأوّل بعن وللثاني بعلى ، وقيل عن فيه بدلية كما في قوله : { لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم } [ سورة آل عمران ، الآية : 0 ا ] وقوله ما قسم الله من القليل عن الكئير. قوله : ( روي الخ ( رواه الطبرانيئ عن ابن عباس رضي الله عنهما وصلحه عن الزكاة بوحي أو كان جائزاً في شرعه ، وقوله ليرفضوه أي يتركوا أتباعه ويكرهوه وقوله فبرطل أي أعطى البرطيل بكسر الباء وهو الرشوة ونحوه ، قال المعري : في عبث الوليد أن البرطيل الذي استعمله العامّة بمعنى الرشوة لا يعرف في كلام العرب القديم ، وإنما هو في كلامهم بمعنى الحجر المستطيل فهو مأخوذ منه كأنهم رموا الخصم بحجر لتشبيههم له بالكلب ، ثم تصرّفوا فيه والبغية الزانية ، ورميها أن تقول إنها زنا بها ، وقوله ولو كنت تقديره ولو كنت أنت زانياً ترجم ، وقوله فناشدها أي أقسم عليها بالله ، وقوله أن تصدق أي لأن تصدق ، وقوله : فخرّ أي سجد متضرّعا إلى الله بالدعاء عليه وأمره للأرض من معجزاته عليه الصلاة والسلام ، وفيه إنّ سالث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقتل والمأخوذ هو ورجلان آخران كما في الكشاف ، وقوله يتضرّع إليه أي إلى موسى يرجو عفوه والخلاص وللقسم بالعزة والجلال هنا مناسبة تامّة. قوله : ( مشتقة من فأوت ( فسميت الجماعة مطلقا به لميل بعضهم إلى بعض وتفسيره بالأعوان هنا بقرينة المقام وقوله له ، وهو محذوف اللام ووزنه فعة ، وقال الراغب : إنه محذوف العين فوزنه فلة وانه من الفيء ، وهو الرجوع لأنّ بعضهم يرجع لبعض ولكل وجهة ، وقوله من المنتصرين إن كان المراد بنفسه فظاهر وإن كان المراد بأعوانه فذكره للتأكيد. قوله : ( منزلته ( أي
مثل منزلته وحاله في الغنى ، ولظهوره لم يصرّح به مع أنه معلوم من قوله أوّلاً مثل ما أوتي ولم يحمل على إقحام مثل هناك لأنه غير مناسب لكونهم مؤمنين كما مرّ ولأنه تأويل قبل أن تمس الحاجة له ، وقوله بالأمس متعلق بتمنوا أو بمكانه وجعل الأمس مجازا عن القرب كما في قوله : { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ } [ سورة يونس ، الآية : 24 ] وهو شائع بمنزلة الحقيقة إذ المراد قربه لا تعيين زمانه ، وان جاز حمله على الحقيقة والاستدلال بمثله عناء بلا غناء ، ويقدر مقابل يبسط أي يضيق ويقتر. قوله : ( مركب من وي للتعجب الخ ) ويكون للتحسر والتندم أيضا كما صرّحوا به ، قال الراغب : وهي اسم فعل لا عجب ونحوه وكان ظاهرة في التشبيه ، وقوله والمعنى أي على هذا التقدير ما أشبه الأمر والحال أي أمر الدنيا والناس مطلقا إلى آخر أمر قارون وما شوهد من قصته ، والأمر مأخوذ من الضمير فإنه للشأن والمراد من تشبيه الحال المطلق بهذه الحال أنه لتحققه وشهرته يصلح أن يشبه به كل شيء كما أشار إليه في الكشف فاندفع ما قيل إنه لا معنى للتشبهي هنا لأنه غلب فيه معنى التحقق ، والشهرة إلا أن الكلام في ما ادّعاه من الدلالة على هذا المعنى فإنه غير ظاهر ، وما قاله الهمداني في الفرائد من أنّ مذهب سيبوبه ، والخليل أنّ وي للتندم ، وكأنّ للتعجب والمعنى ندموا متعجبين في أنّ الله يبسط الخ فيه أنّ كون كأنّ للتعجب لم يعهد ، والحاصل أنّ كلامهم هنا لا يخلو من الكدر فليحرّر ، وقوله أنّ الله بتقدير بأنّ اللّه وقيل إنه بدل من الأمر. قوله : ( وقيل من ويك ) أي مركب من ويلك فخفف بحذف اللام والعامل في أن أعلم المقدر كما صرّح به والكاف على هذا ضمير في محل جرّ ، وقوله فلم يعطنا ما تمنينا من مثل غنى قارون ، وهو تفسير لقوله من الله علينا ، وفي نسخة بدون الفاء وقوله لتوليده الضمير لما تمنينا وقيل لله ، وقوله لنعمة اللّه فهو من كفران النعمة وما بعده على أنه من الكفر بمعناه المعروف ، وقوله وقرأ حفص هي قراءة يعقوب وعاصم وشعبة أيضا وعليها فالمفعول محذوف أي خسف الأرض ، وقوله إشارة تعظيم التعظيم من البعد المستعار لعلوّ المرتبة ، وقوله التي سمعت خبرها إشارة إلى أنها لشهرتها نزلت منزلة المحسوس فلذا أشير إليها ، وقوله والدار صفة أي لاسم الإشارة لأنه يوصف بالجامد والآخرة صفة للدار
ولا حاجة إلى تقدير مضاف أي نعيم تلك(7/87)
ج7ص88
كما قيل ، وقروله : كصا أراد الخ إشارة إلى دخولهما دخولاً أولياً لا أنّ الموصول مخصوص بهما كما قيل وإعادة لا للإشارة إلى أنّ كلا منهما مقصود بالنفي ، وقيل إنه إشارة إلى الردّ على الزمخشريّ في استدلاله بهذه الآية على خلود مرتكب الكبيرة لأنها في الكفرة مع أنه لا دلالة فيها بوجه حتى يحتاج للردّ ، وهو إمّا لف ونشر أو راجع لكل منهما إذ كل منهما لا يخلو من علوّ وفساد. قوله : ( ما لا يرضاه الله ) مفعول المتقين أي الذين اجتنبوا ما لا يرضاه الله ، والمراد بالمحمودة إمّ المحمودة على وجه الكمال فلا يرد مرتكب الكبيرة ، أو المراد مما لا يرضاه مثل حال قارون بقرينة المقام والنصوص الدالة على أنّ غير الكفار لا يخلد في النار فلا وجه لما قيل إنه تقييد بلا دليل مع أنّ مبني الاستدلال على أنّ اللام للتخصيص ، وهو ممنوع. قوله : ( ذاتاً ) إذ لا تقارب بين ذاتي أمور الدنيا والآخرة ، وقدراً لأنها مضاعفة ، ووصفاً لأنها باقية سالمة من التعب بخلاف هذه ، وتكرير إسناد السيئة يدلّ على أنهم في أسوأ الأحوال ، والمبالغة في المماثلة لطف منه تعالى إذ ضاعف الحسنات ، ولم يرض بزيادة جزاء السيئة مقدار ذرّة ، وفي جمع السيآت دون الحسنة إشارة إلى قلة المحسنين ، وفي ذكر عملوا ثانياً دون جاؤوا إشارة إلى أنه عن قصد لأنّ العمل يخصه كما قاله الراغب : فانظر ما حوته هذه الآية من نكات البلاغة. قوله : ( أيّ معاد الخ ) أي تنوينه للتعظيم ، وقوله وهو المقام المحمود الخ أي مقام الشفاعة العظمى في يوم القيامة لأنه المتبادر منه ، وإن كان يطلق أيضاً على منزلته العليا في الجنة ، وقد فسره به ابن عباس رضي الله عنهما وعليّ كرّم الله وجهه ، واختاره المصنف لأنّ المعاد صار كالحقيقة في المحشر لأنه أبتداء العود إلى الحياة وردّه إلى ما كان عليه فجعل معاده عظيماً لعظمة مقامه فيه فليس في معاد ورادّ نبوّ عنه كما توهم ، وأمّا ترجيح تفسير ابن عباس وعليّ بأنه أعيد إلى لجنة التي كان فيها وهو في ظهر آدم فلا يخفى بعده. قوله : ( أو مكة التي اعتدت بها ) كونه بمعنى مكة هو المذكور روايته في الببخاري وقوله التي اعتدت بها جعل المعاد من العادة لا من العود لأنّ المعنى أنه رادك إلى محل اعتدته ، وألفته ولو كان من العود وهو بمعنى الردّ كان معناه رادك إلى مردّ أو معيدك إلى معاد ، لا يخفى ركاكته ، وأمّا توهم أنه يلزم اوتكاب المجاز بلا ضرورة إن كانت الآية
مكية ، وان كانت جحفية فلا ورادّ على الاحتمالين مجاز فلا وجه له ، ومهاجره زمان هجرته وهو مضاف إلى ضميره وعلى هذه الرواية فهذه الآية ليست مكية. قوله : ( وعده بالعاقبة الحسنى في الدارين الخ ) هو على التفسير الثاني لأنّ وعده بالعاقبة الحسنى في الآخرة من قوله والعاقبة للمتقين ، وفي هذه الدار من قوله لراذك إلى معاد على هذا التفسير فمن قال إن المراد أنه وعده خاصة وانّ قوله في الدارين مبنيّ على جواز الجمع بين معنيي المشترك فإنّ المعاد كالمشترك ، وانّ أو في قوله أو مكة لمنع الخلو أو جعل في الدارين متعلقاً بالحسنى فقد تعسف وتكلف وأهون منه ما قيل إنه على الاحتمالين لامعا حتى يلزم ما ذكر مع أنه لا حاجة إليه لما عرفت. قوله : ( وما يستحقه من الثواب والنصر ) أشار به إلى ارتباطه بما قبله على الوجهين لأنّ الجائي بالهدى صادق فيصدق في الردّ إلى المعاد ، وقوله يفسره أعلم لأن أفعل لا يعمل نصب المفعول به ، وقوله العذاب والإذلال في مقابلة الثواب والنصر ، وقوله يعني به نفسه الخ لف ونشر فنفسه من جاء بالهدى والمشركين من هو في ضلال ، وقوله تقرير الخ المقرّر قوله إنّ الذي فرض عليك القرآن الخ لأنه لما أوجبه عليه ووعده في مقابلته بإحدى الحسنيين قرّره بأنه يجازي كل أحد على علمه وتحقق جزائه يقتضي امتثال إيجابه ، والتصديق بوعده. قوله : ( كما ألقى إليك الخ ) التشبيه في بعد رجاء كل منهما ، وهو بيان لكونه مقرّراً لما قبله ، وقوله ولكن الخ إشارة إلى أنه استثناء منقطع وتقدير ألقاه ليناسب ما قبلى ويكون الاستدراك في محز. ، وقوله ويجوز أن يكون استثناء الخ إشارة إلى أنّ المنقطع ليس استثناء في الحقيقة بل استدراك ، وقوله على المعنى وهو أنّ عدم رجاء الإلقاء يتضمن عدم الإلقاء فكأنه قيل ما ألقى إليك لأجل شيء أو في حال من الأحوال إلا الخ فهو مستثنى من أعمّ العلل أو من أعمّ الأحوال كما أشار إليه بقوله لأجل الترحم ( وفيه بحث ) وهو أن يقال ما الحاجة إلى اعتبار المعنى مع أنه يصح أن يقال ما كنت ترجو الإلقاء لأجل شيء من الأشياء إلا لأجل(7/88)
ج7ص89
الرحمة وتوجيهه في الكشف بأنّ المنفي هو الرجاء ، والتفريغ منه غير صحيح والإلقاء مثبت لا يصح التفريغ منه فلذا جعله بمعنى ما
ألقى الخ ، وفيه نظر وقوله والتحمل عنهم ضممنه معنى التجاوز فلذا عدّاه بعن ، وقوله من أصدّ لأنه يقال أصده كصذه في لغة كلب كما في الكشاف. قوله : ( هذا وما قبله للتهييج ( لأنه لا يتصوّر منه ذلك حتى ينهي عنه فكأنه لما نهاه عن مظاهرتهم ، ومداراتهم قال إنّ ذلك مبغوض لي كالشرك فلا تكن ممن يفعله ، أو المراد نهي أمّته ، وان كان الخطاب له صلى الله عليه وسلم ، وقوله : إلا ذاته فالوجه أطلق عليها مجازا لتنزهه عن الجوارج وسيأتي فيه وجه آخر ، وقله هالك في حذ ذاته لأنّ وجوده ليس ذاتياً بل لاستناده إلى واجب الوجود فهو بالقوّة وبالذات معدوم حالاً ، والمراد بالمعدوم ما ليس له وجود ذاتيئ لأن وجود غيره كلا وجود إذ هو في كل آن قابل للعدم ، وسيأتي تفصيله وتحقيق المشايخ فيه ، وأما حمل هالك على المستقبل ، وتفسيره بأنّ كل عمل لغو إلا ما كان لوجهه فكلام ظاهرفي ، وضمير إليه ترجعون لله وقيل إنه للحكم. قوله : ( من قرأ طسم الخ ( القصص بدل منه لأنهما اسمان للسورة ، وقوله من صدق موسى خصه ىتجف لتفصيل قصته فيها ، وقوله وكذب أي به ، وقوله كان صادقا أي في إيمانه ، وهذا الحديث من حديث أبيّ بن كعب الموضوع وهو مشهور ( تمت ( سورة القصص بحمد الله ومنه اللهمّ ببركة كلامك الكريم ، ونبيك الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم ، ألطف بنا في الدنيا والآخرة ، واجعل منازلنا في الدارين عامرة لا غامرة ، ويسر لنا نيل الأماني ، وانشراح الصدور إنك أنت الوهاب الكريم الغفور ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
سورة العنكبوت
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ) وعن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة أنها مدنية ، وقيل إنها مكية إلا عشر
آيات من أوّلها إلى قوله تعالى وليعلمن المنافقين ، وقوله وكأين من دابة الآية ، وقيل إنها آخر ما نزل بمكة. قوله : ( وهي سبع وستون آية ) وفي نسخة تسع بالتاء الفوقية وهو الصحيح ، وقال الدانيّ إنه متفق عليه ، وقوله سبق القول فيه أي في البقرة ، وقوله دليل الخ أي على أنه حروف مقطعة مستقلة أو خبر مبتدأ ونحوه مما يقدر لا مرتبطة بما بعدها لأنّ الاستفهام مانع منه ( وفيه بحث ) لأنّ اللازم في الاستفهام تصدره في جملته ، وهو لا ينافي وقوع تلك الجملة خبراً ونحوه كقولك زيد هل قام أبوه فلو قيل هنا المعنى المتلو عليك أحسب الخ صح فلا يقال أيضا إنّ المانع منه عدم صحة ارتباطه بما قبله معنى نعم هو خلاف الظاهر ، ومثله يكفي فيه فتأمّل. قوله : ( الحسبان ) مصدر كالغفران مما يتعلق بمضامين الجمل لأنه من الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر ودخولها عليها للدلالة على وجه ثبوتها في الذهن أو في الخارج من كونها مظنونة أو متيقنة ونحوه مما ذكر في أفعال القلوب ، وقوله ولذلك أي لتعلقه بمضمون الجملة ، أو دلالته على جهة الثبوت اقتضى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر متلازمين ، أي لا ينفك أحدهما عن الآخر ذكرا وحذفا فلا بد من ذكرهما أو حذفهما فلا يجوز ذكر أحدهما بدون الآخر مطلقاً على ما اشتهر عند النحاة ، وعليه المصنف تبعاً للزمخشريّ والفرق بينهما وبين المبتدأ والخبر حيث جاز حذف أحدهما إذا قامت عليه قرينة أنها أفعال تعلقت بمضمون الجملة ، وذلك التعلق أمر خفيّ ومع الحذف يزيد الخفاء فربما ضعفت القرينة عن دفعه ، كما حقق في شرح المفصل أو لأنه قصد تعلقه بهما معاً فكانا ككلمة واحدة ، وحذف أحدهما كحذف بعض أجزاء الكلمة ، وهو لا يجوز أمّا إذا حذفا معا فلأنه حينئذ يقطع النظر عن التعلق وبكون النظر لنفس ذلك الفعل نحو من يسمع يخل ، ولا يرد عليه جواز الحف في إنّ مع تعلقها بمضمون الجمل لأنّ تعلقها ليس مقصوداً بالذات إذ المقصود مضمون الجملة في نفسه ، وإنما إنّ مؤكدة له وجوّز ابن مالك ذلك نادراً لأنّ المحذوف لقرينة كالموجود ، وهو مذهب الكوفيين وتبعهم المصنف ، والزمخشريّ فيه في آل عمران.(7/89)
ج7ص90
قوله : ( أو ما يسدّ مسدّهما ( هو أن
المفتوحة مشددة ومخففة فإنها لكون مدخولها جملة استغنى بمدخولها عن المفعولين ، وأمّا سد أن المصدرية مسدهما فكذلك كما تسد مسد الجزأين في عسى أن يقوم زيد قاله ابن مالك ونقله الدماميني عنه في شرح التسهيل من غير فرق ، واليه أشار المصنف فقوله في الكشف إن السذ مسدّهما إنما ذكره النحاة في أنّ المضدّدة والمخففة منها ، وأمّا المصدرية فقد تجري مجراها لدخولها على الجملة ، وقد تجري مجرى المفرد مخالف لما ذكره أهل العربية. قوله : ( فإنّ معناه الخ ) يعني أنه كان قبل دخول أن المصدرية عليه فيه احتمالان الأوّل أنّ تركهم مفعوله الأوّل وهم لا يفتنون حال منه بمعنى غير مفتونين ، وهو معنى قوله من تمامه ، ولقولهم هو معنى أن يقولوا لأنه بتقدير اللام ، وهو المفعول الثاني وكونه علة لا ينافيه كما يتوهم كما في المثال المذكور ، والثاني أنّ المفعول الأوّل ضمير الناس فإنه يجوز في أفعال القلوب اتحاد الفاعل والمفعول كما في قراءة لا يحسبنهم بالغيبة كما مرّ تحقيقه ، والثاني متروكين الدال عليه يتركوا ، وعلى هذا فأن يقولوا بتقدير اللام متعلق به ، وقوله وهم لا يفتنون حال من ضمير المتروكين أيضاً ، هذا تحقيق كلامه على وجه يزيل عنه الأوهام لأنّ منهم من توهم أنه على الوجه الأوّل مشتمل على المفعولين ، وعلى الثاني على ما يسذ مسدهما ولم يتنبه لما ذكر ولا لأنه غير مطابق لقوله قبيله إنّ أن يتركوا الخ سادّ مسد المفعولين ، وأمّا الفصل بين الحال وذيها بالمفعول الثاني ، وهو أجنبيّ فوهم لأنه بعد السد مسده ليس ثمة مفعول ثان ، وقبله كان مقدماً في التقدير فلا حاجة إلى توجيهه كما توهم ، وأمّا الاعتراض! على تقدير أن يكون المعنى أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمناً بأنه يقتضي أنهم تركوا غير مفتونين لأنّ الكلام في العلة ، وهي مصب الإنكار ، وليس كذلك لأنّ المعنى أحسب الذين نطقوا بكلمة الشهادة أن يتركوا غير ممتحنين بل يمتحنون فيميز الراسخ دينه من غيره ، ولسبب النزول فالوجه كونه ساذاً مسدّ المفعولين فغير وارد لأنّ هذا بيان لأصل التركيب المعدول عنه فيجوز أن يكون وجه العدول عنه هذا المحذور مع أنه أجيب عنه بأنه إنما يلزم ما ذكر لو كان التقدير ما ذكره ، أمّا لو قدر أحسبوا تركهم غير مانتونين بمجرد قولهم آمناً دون إخلاص وعمل صالح استقام ذلك كما صرّح به الزجاح مع أنه بناء على اعتبار المفهوم ، ثم إنّ الترك هنا بمعنى التصيير كما في قوله تعالى : { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } [ سورة البقرة ، الآية : 17 ] لا بمعنى التخلية ذكره الزمخشريّ وهو يتعدى لمفعولين حينئذ ، وجملة أن يقولوا سادّة مسد المفعولين كما مرّ وحينئذ فلا يرد عليه أنّ الواو لا تتوسط بين المفعولين حتى يتكلف له أنه يجوز كما في قوله : وضرني هواك ~ وبي وطيبي يضرب المثل
قوله : ( لقولهم آمنا الخ ) إشارة إلى ما قاله الزجاج : وقوله بالصبر عليها أي على المشاق
أو على جميع المذكورات ، وقوله فإنّ مجرّد الإيمان تعليل لما قبله ، وعمار هو ابن ياسر رضي
الله عنه ، وكان المشركون عذبوه بمكة بعد الهجرة " ويفجع " بكسر الميم وفتح الجيم بوزن منبر صحابيّ استشهد ببدر ، وهو من عك سبى فمن عليه عمر رضي الله عنه وأعتقه ، وقوله عمار بن الحضرمي وقع في الكشاف عامر بدله فليحرّر فإنّ ابن حجر ذكر في الإصابة أن عامر ابن الحضرمي قتل مشركا ببدر ، ولهذه القصة تفصيل وهذا أوّل من قتل ببدر من المسلمين ، وقوله يوم بدر يدلّ على أنّ أوّل السورة مدنيّ كما مرّ. قوله : ( متصل بأحسب أو بلا يفتنون ) أي هو حال من فاعل أحد ذينك الفعلين ، وعلى الأول هو علة لإنكار الحسبان أي أحسبوا ذلك وقد علموا أنّ سنة الله على خلافه { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } ، [ سورة الفتح ، الآية : 23 ] وعلى الثاني بيان لأنه لا وجه لتخصيصهم أنفسهم بعدم الافتنان ، ولذا قيل الأوّل تنبيه على الخطأ وتقرير لجهة الإنكار ، والثاني تخطئة. قوله : ( فليتعلقن علمه الخ ) دفع لما يتوهم من صيغة الفعل من أنّ علمه حدث مع أنه قديم وعلمه بالشيء قبل وجوده ، وبعده لا يتغير بأن الحادث تعلق علمه بالمعلوم بعد حدوثه ، وقوله بالامتحان متعلق بقوله يتعلقن والباء للتعدية والمراد تعلفه بما يشبه الامتحان والاختبار في ابتلائهم بالمشاق ، وقيل إنها للسببية أو الطلابسة ، وقوله : يتميز به أي بالتعلق أو الامتحان وقوله والذين كذبوا إشارة إلى أنّ صلة أل فعل غير للاسمية لكونها على صورة حرف التعريف(7/90)
ج7ص91
فهو مشاكلة لما قبله لكنه اختير للفاصلة ، وقوله وينوط به أي بالتميز إشارة إلى وجه آخر وهو أنّ يعلمن مجاز بوضع السبب موضع المسبب ، وهو المجازاة فيظهر وجه التعبير بالفعل أيضا وهما وجهان ، ولذا قال وليميزنّ أو ليجازين ، وقوله ولذلك أي لإرادة التمييز أو المجازاة. قوله : ) وليعرّفنهم ) فأعلم مزيد علم بمعنى عرف فيتعدّى لاثنين أحدهما محذوف إمّا الثاني أو الأوّل فالتقدير ليعرّفنهم منازلهم وجزاءهم أو هو
من الإعلام وهو وضع العلامة والسمة فيتعدى لواحد. قوله : ( الكفر والمعاصي ) فالذين يعملون السيئات شامل للكفرة والعصاة ، وخصه في الكشاف بالثاني لأنّ الناس فيما قبله المراد به المؤمنون فيختص بهم ما يقابله ، ولما كان السبق والفوت عبارة عن عدم لحوق الجزاء والعقاب بهم بنجاتهم منه ، وهم لا يحسبون ذلك وبظنونه جعلهم لإصرارهم بمنزلة من يقدر ذلك ويطمع فيه لغفلتهم كما حمله على ذلك الشارح الطيبيّ وردّ بأنّ الوجه أن يكون المراد الكفار ، وهم لم يطمعوا في الفوت رأسا ولكن نزلوا تلك المنزلة لقوله : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } [ سورة الأنفال ، الآية : 59 ] والمصنف جعل شموله لهما أولى ليشمل المؤمنين السابق ذكرهم ، وأمّا إطلاق العمل على الكفر سواء قلنا إنه ما كان عن فكر وروية أو عن قصد أولاً فلا ضمير فيه كما توهم لاشتماله على ذلك كعبادة الأصنام مع أنه غير مسلم عند المصنف لقوله فإن العمل الخ ولو سلم فهو تغليب فلا يحتاج دفعه إلى عمل. قوله : ( فلا نقدر أن نجارّيهم ) إشارة إلى أنّ الفوت كناية عما ذكر وقوله وهو ساذ الخ أي حتما كما مرّ تحقيقه ، وقد فصله في الكشاف وهذا بناء على أنها متعدية لمفعولين فإن كانت متعذية لواحد لتضمينها معنى قدر كما ذكره الزمخشريّ فليس من هذا القبيل ، وقوله أو أم منقطعة بمعنى بل لفقد شرط الاتصال ، وهو إفراد ما بعدها إن قيل باشتراطه وكونها لأحد الشيئين والإضراب إبطاليّ وكون هذا أبطلى لما فيه من نفي القدرة على الجزاء ، وهو أبطل من تركه مع القدرة وقد جوّز فيه الاتصال والانتقال والإضراب مبتدأ وقوله لأن الخ خبره. قوله : ) بئس الذي يحكمونه الخ ( يعني أنّ ساء بمعنى بئس وما موصولة يحكمون صلتها وهي فاعل ساء ، والمخصوص محذوف أي حكمهم أوموصوفة يحكون صفتها وهي تمييز والفاعل ضمير مفسر بالتمييز والمخصوص محذوف أيضا ، وقال ابن كيسان ما مصدرية والمصدر المؤوّل مخصوص بالذمّ فالتمييز محذوف ، ويجوز كون ساء بمعنى قبح وما إمّا مصدرية أو موصولة أو موصوفة والمضا ) ع للاستمرار إشارة إلى أنه دأبهم أو هو واقع موقع الماضي لرعاية الفاصلة ، والأوّل أولى وفي نسخة هنا ومصدرية أيضا أي بئس هو حكمهم على أنه المخصوص بالذمّ والمميز محذوف أي بئس حكماً حكمهم. قوله : ( في الجنة ) فلقاء الله مشاهدة الأنوار الإلهية ، ويلزمها كل خير ونعيم ، وقوله وقيل المراد الخ هو ما ذكره في الكشاف فلقاء الله بمعنى الوصول إلى
الثواب وحسن العاقبة والتخصيص لقوله يرجو فإنه لا يرجى إلا الأمر المرغوب فهو بتقدير مضاف أو مجاز مرسل لاستعماله في لازمه أو استعارة مصرّحة في لقاء ، ويصح أن يكون تمثيلاً أيضا فشبهت حال المثاب في نيل ما فوق أمانيه بمن لقي ملكاً عظيماً أمّله أو الجزاء مطلقا وإليه أشار بقوله على تمثيل الخ فهو كالاستعارة في قوله : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ } [ سورة الفرقان ، الآية : 23 ] ويرجو بمعنى يخاف أو يترقب لأنّ الرجاء وقع في كلامهم بمعناه ولم يرتضه لأنه لا حاجة للخروج عن الظاهر من غير ضرورة. قوله : ( الوقت المضروب ) أي المعين يقال ضرب له أجلاً إذا عين له وقتاً وقوله واذا كان الخ يعني أنّ مجيء الزمان كناية عن وقوع ما فيه ، وقوله فليبادر الخ هو جواب الشرط لكنه أقيم دليله مقامه كما أشار إليه ، أو المراد أنه عبارة عنه وقوله ما يحقق أمله ناظر إلى التفسيرين الأوّلين وما بعده إلى الأخير ويصح جعل الكل للكل فتأمّل ، وقوله فإنما الخ القصر فيه إضافيّ أو قصر قلب وقوله وإنما كلف الخ بيان للحكمة حينئذ ، وقوله الكفر بدل من سيآتهم ، وقوله السميع لأقوال العباد الخ إشارة إلى أنه تذييل لحصول المرجوّ والمخوف وعدا ووعيدا. قوله : ( أحسن جزاء أعمالهم ) إشارة إلى أنّ فيه مضافاً مقدراً والتقدير بالأحسن لأنه مضاعف ولو قدر بأحسن أعمالهم ، أو جزاء أحسن أعمالهم لإخراج المباج جاز ، وقوله بإيتائه بالمد في أكثر النسخ وهي أصح وفي بعضها بإتيانه بالنون وهو عليهما مصدر مضاف(7/91)
ج7ص92
للفاعل والمفعول هو المذكور في النظم لا محذوف وهو والديه ، فما قيل لو قال بإيتائهما على أنه إشارة إلى تقدير مضاف في النظم كان أظهر لا وجه له ، وقيل إنّ الضمير للوالدين بتأويل كل واحد منهما وهو خلاف الظاهر مع أنه غير مراده. توله : ( فعلا دّا حسن ) يعني أنّ حسناً معمول للمضاف المقدر وهو إيتاء إمّا بتقدير مضاف في المفعول أو على قصد المبالغة ، وأورد عليه أنّ حذف المصدر وإبقاء معموله لا يجوز وهو غير مسلم وفيه وجوه أخر مفصلة في الإعراب. قوله : ) ووصي يجري مجرى أمر ) في كلام العرب فيستعمل بمعناه ويتصرّف تصرّفه ولذا عدى بالباء مثله ، وقوله هو أي وصي بمعنى القول لأنّ الوصية تكون به فاستعمل بمعناه ، والتقدير على هذا وصيناه أحسن
حسناً أي قلنا له ذلك وهذا على مذهب الكوفيين القائلين بأنّ ما يتضمن معنى القول يجوز أن يعمل في الجمل من غير تقدير له فبوالديه متعلق بو!ينا ولم يتجوّز به عن معنى قلنا حتى يرد عليه أنّ بوالديه إذا تعلق بأحسن لا يصح أن يقال بوالديه بالغيبة وليس محلا للالتفات كما قيل ، وقوله وقيل هو على المذهب الآخر فيقدّر القول لأنّ وصينا يدل على قول مضمر مقوله فعل أمر وهو أولهما من أولاه كذا إذا أعطاه أو أفعل ، وذلك الفعل ناصب لقوله حسناً على أنه مفعوله ، وهو أوفق لما بعده من الخطاب والنهي الذي هو أخو الأمر إذ على الأوّل مقتضى الظاهر وإن جاهداه وبه يتمّ الارتباط ، وقوله يحسن الوقف لأنه على تقدير قلنا له أفعل بهما حسنا وهي جملة مستأنفة مفسرة لما قبلها جواب سؤال مقدر وتقديره ما قلت لهم لا ما تلك الوصية كما قيل لأنه لا يناسب تقدير قلنا كما قيل وفيه نظر ، ومرضهما لما في الأوّل من أعمال ما ليس بلفظ القول في الجملة ، وهو مذهب مرجوح ولما في الثاني من كثرة التقدير. قوله : ( بالهيتة ) فهو على تقدير مضاف ، وقوله عبر الخ قيل عليه إنه ينافي ما قدمه في القصص من أنه من خواص العلوم الفعلية ، وأجيب بأنه منها لأنّ الأوثان من مصنوعاتهم ، وهو مع إن ما عام لما سواه تعالى بمقتضى المقام فلا يخص الأصنام غير صحيح في نفسه لأنّ المراد بالعلم الفعلي علم الله الحضوري لا علم غيره كما صرّحوا به هناك ، وكذا الجواب بأنّ المراد بالنفي النفي في نفس الأمر فإنه ناشئ من عدم التدبر فإنّ ما مرّ هناك أنه يلزم من نفي العلم مطلقا نفي المعلوم فيكون باطلاً لأنّ النفي والبطلان متلازمان ، وهو قد صرّح به هنا بقوله وان لم يعلم بطلانه ، وعدم الاتباع شيء آخر فإن ما لا يعلم صحته ولو إجمالاً كما في التقليد لا يجوز اتباعه كما لا يخفى فالمعنى عدل عن نفي المعبودية ، والإلهية بحق ضها أي عن ذى ه إلى ذى نفي العلم لأنه أبلغ هنا لا أنه مراد من اللفظ مجازا أو كناية حتى يرد ما ذكر مع أنه غير مسلم كما مرّ فتدبر. قوله : ( لا طلاعة الخ ) هو حديث مخرّح في السنن ، وقوله ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر قبل لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر لأنّ الجملة الشرطية إذا كان جوابها إنشاء فهي إنشائية كما صرّحوا به فإذا لم يضمر القول لا يليق عطفها على وصينا لما ذكر ، ولا
على معمول وصينا الذي عمل فيه لكونه في معنى القول وهو أحسن كما مز ، وإن توافقا في الإنثائية لأنه ليس من الوصية بالوالدين لأنه نهى عن مطاوعتهما ، وأمّا عطفه على قلنا المفسر للتوصية فلا يضرّ لما فيه من تقييدها بعدم الإفضاء إلى المعصية مآلا فكأنه قيل أحسن إليهما وأطعهما ما لم يأمراك بمعصية فسقط ما قيل من أنه إذا كان وصي بمعنى قال لا يحتاج للإضمار أيضا وأورد مثله على قوله أوفق ، والاعتذار عنه بأنه أسقط عن حيز الاعتبار لأنه غير متعارف ، أو بأنّ المراد بالإضمار ما يشمل التضمين من بعض الظن فأعرفه. قوله : ( مرجع من آمن الخ ) إشارة إلى أنه مقرّر لما قبله ولذا لم يعطف ، وقوله بالجزاء عليه إشارة إلى أنه المراد مجرّد الإعلام لأنهم إذا أعلموا بما صدر منهم جازاهم عليه والضح بفتح الضاد المعجمة وتشديد الحاء المهملة ما يقع عليه ضوء الشمس ، وحرّها وخفتة بفتح الحاء المهملة ، وسكون الميم وفتح النون وتفصيل القصة في الكشاف وكون ما في الأحقاف نزل فيه رواية فلا ينافي ما سيأتي فيها من أنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه مع أنهم جوّزوا تعدد سبب النزول. قوله : ( في جملتهم ) إشارة إلى أنّ معنى إدخالهم فيهم كونهم معدودين من جملتهم لاتصافهم بصفتهم ، ولما كان دخولهم فيهم معلوما مما قبله فيكون مستدركا أشار إلى دفعه بوجهين(7/92)
ج7ص93
الأول أن الصلاج ضد الفساد ، وهو جام لكل خير وله مراتب غير متناهية فالمراد بالصالحين الكاملين في الصلاج ، ومرتبة الكمال فيه مرتبة عليا ، ولذا تمناها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كقول سليمان صلى الله عليه وسلم : { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } [ سورة النمل ، الآية : 19 ] والمراد بالتمني هنا الطلب ، والثاني أنه بتقدير مضاف أي مدخل الصالحين ، وموضع دخولهم هو الجنة فهو كقوله تعالى : { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم } وفي في قوله في الله للسببية أو المراد في سبيل الله وعلى في قوله على الإيمان تعليلية. قوله : ( في الصرف ) أي التحويل والمنع أي في شأن الصرف وأمره أو بسببه ، وكذا قوله في الصرف عن الكفر وذكر الغنيمة لأنها لازمة للنصر ولأنها الباعثة على قولهم إنا كنا معكم ، وقوله في الدين إشارة إلى أنه المراد لا الصحبة في
القتال لأنها غير واقعة ، وقوله والمراد المنافقون يقتضي أنّ هذه الآية مدنية لأنّ النفاق ظهر بالمدينة ، وأمّا تعذيب الكفرة فلا يقتضيه كما لا ينافيه ، ولذا قيل إنه قبل الوقوع وعلى طريق الفرض!. قوله : ( أو قوم ضعف للمانهم ( وفي نسخة ضعيف إيمانهم ، وارتدادهم بعد غيبة المؤمنين حتى إعتذروا لهم بالإكراه ، وقوله ويؤيد الأوّل للتصريح بالنفاق فيها ، وتقدير أو ليس الله أيخفى حالهم وليس اللّه الخ أو أليس حالهم ظاهر لمن له فراسة أو لا تقدير فيها ، وأعلم على أصله أو بمعنى عالم وفي تلوين الخطاب في الذين آمنوا والمنافقين معنى لرعاية الفواصل ، واطلاق العلم على المجازاة مرّ تحقيقه ، وقوله في ديننا متعلق بنسلكه أو بقوله سبيلنا فالمراد بالسبيل دينهم ، وقوله إن كان ذلك أي اتباع السبيل ، وقوله أو إن كان بعث يعني بإبقاء الخطيئة على ظاهرها وعمومها بخلافه على الأوّل ، ولذا عطفه بأو وقوله على أمرهم أي أمر المؤمنين. قوله : ( مبالغة في تعليق الحمل الخ ) يعني أنّ أصل الكلام اتبعونا أو إن تتبعونا نحمل خطاياكم فعدل عنه إلى ما ذكر مما هو خلاف الظاهر من أمرهم لأنفسهم بالحمل وعطفه على أمر المخاطبين للإشارة إلى أنّ الحمل لتحققه كأنه أمر واجب أمروا به من آمر مطاع ، والتعلق على الشرط الذي تضمنه الأمر كما في قولهم أكرمني أنفعك لا يفيد ذلك فقوله أمرهم مضاف للفاعل أو المفعول ، وقوله والوعد بالجرّ عطف على تعليق أو هو مرفوع خبره ثمة بمعنى هناك ، وكان في قوله إن كانت تامّة أي وجدت والضمير للأوزار ، وتشجيعا أي حملا على الشجاعة والإقدام على الاتباع مفعول له تعليل لقوله مبالغة الخ لا لقوله أمروا أنفسهم أو للوعد ، وقوله وبهذا الاعتبار أي اعتبار كونه تعليقا ووعداً لأنه في المآل خبر ، ولو كان أمراً لم يحتمل الكذب لأنه لا يجري في الإنشاء والشرطية جملة خبرية ، والتكذيب راجع إلى الجواب إذ الشرط قيد له عند أهل العربية والكلام المقيد هو الجزاء ، وعند أهل المعقول الكلام مجموع الشرط والجزاء والتصديق والتكذيب يرجع إلى التعليق ، وقيل إنّ قوله تعليق الحمل إشارة إليه ولا يخفى ما فيه من التكلف على أنّ ما هو مؤوّل بالشرط ليس حكمه حكم الشرط الصريح فتأمّل. قوله : ( وما هم بحاملين شيئاً الخ ) فيه إشارة إلى أنّ البيان فيه مقدّم من تأخير ، وإن من في من شيء مزيد لتأكيد الاستغراق ، ودفع لما قيل إنّ من ضمن شيئا ولم يف به لم يكن كاذباً
لأنه إخبار عن فعل ذلك إذ لا تقع الكفالة في الأوزار. قوله : ( وأثقالاً أخر معها ( هي أوزار التسبب لأنّ " من سن سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها " وما في لما تسببوا مصدرية وهو دفع لما يتوهم من أنه يعارض قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وفي نسخة إليها أي مضمومة إليها ، وقوله من غير أن ينقص الخ دفع لما يتراءى أيضا من معارضة هذا لقوله : { وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم } لأنّ المنفي الحمل بازالة أثقالها عن أصحابها وهذا حمل لمثلها في الحقيقة. قوله : ( سؤال تقريع ) دفع لمعارضة هذا للآيات التي نفى فيها السؤال كما مرّ ، وقوله من الأباطيل التي من جملتها هذا الوعد ، وقوله بعد المبعث ظرف للبث ، وهذا هو المتبادر من الفاء التعقيبية ، وقد قيل إنه جميع عمره ، وقوله ولعل اختيار الخ أي لم يقل تسعمائة وخمسين وكمال العدد بمعنى كونه متعيناً نصا دون تجوّز وإن صرّح أهل الأصول بأنّ العدد مطلقا نص ، لا يحتمل زبادة ونقصا وللشافعية خلاف فيه لكن الاحتياط ، ودفع التوهم لا ينافيه مع أن هذا أخصر وأعذب وقوله من تخييل طول المدة عبر بالتخييل لأنه في أوّل قرعه للسمع ، وبعد الاستثناء لا يبقى احتمال وقوله فإنّ(7/93)
ج7ص94
المقصود الخ تعليل لتخييل طول المدة ، والدلالة على كمال العدد ، وقوله المميزين بالتثنية يعني سنة وعاما والنكتة في اختيار السنة أولاً أنها تطلق على الثذة والجدب بخلاف العام فناسب اختيار السنة لزمان الدعوة لما قاساه فهيا ويكابده بمعنى يتحمله ويقاسيه. قوله : ( طوفان الماء الخ ) إشارة إلى ما قاله الراغب من أنّ معنى الطوفان كل ما طاف أي أحاط بالإنسان لكثرته ، وقوله لما طاف أي هو اسم لما طاف ماء كان أو غيره لكنه غلب في الماء كما هو المراد هنا ، وقوله نصفهم ذكور هو على الأقوال كلها ، وقوله أي السفينة
لبقائها زمانا طويلا ولاشتهارها ، والحادثة قصة نوح عليه الصلاة والسلام المفهومة مما ذكر والآية العبرة والعظة. قوله : ( بإضماو اذكر ) معطوفاً على ما قبله عطف القصة على القصة فلا ضير في اختلافهما خبرا وانشاء وقدر الخبر من المرسلين لدلالة ما بعده وما قبله عليه وقوله أوسلناه حين كمل عقله الخ إشارة إلى ما مرّ في الأنعام من محاجته بعدما راهق قبل البعثة لا إلى دعوة الرسالة فإنها بعد ذلك لا قبله كما هو مقتضى إذ فإنّ المضيّ بالنسبة لزمان الحكم فما قيل إنّ دلالة الآية على تقدّم هذا القول غير مسلمة ففي الوقت سعة ، أو القصد الدلالة على مبادرته إلى الامتثال تكلف ما لا داعي إليه إذ الغرض بيان فضيلته على كثير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما ذكر ، وقوله إن قدر باذكر لأنه حينئذ لا يتعلق بالعامل فالتقدير اذكر إبراهيم ، وقوله هذا. قوله : ( مما أنتم عليه ) أي على تقدير الخيرية فيه على زعمكم ، وقيل التقدير خير من كل شيء لأنّ حذف المفضل عليه يقتضي العموم مع عدم احتياجه إلى التأويل إذ المراد بكل شيء كل شيء فيه خيرية فلا يتوهم احتياجه للتأويل كما قيل ويجوز كونه صفة لا اسم تفضيل. قوله : ( تعلمون الخير والشرّ ) أو تفاوت مراتب الخير فحذف المفعول للفاصلة مع دلالة المقام عليه ، وقوله وتميزون الخ إشارة إلى أنّ المراد بعلمهما ليس إحصاء إفرادهما بل ما ذكر ، وقوله أو كنتم تنظرون الخ وفي نسخة تبصرون على أنه نزل منزلة اللازم وقطع النظر عن متعلقه ، وقوله وتكذبون كذبا إشارة إلى أنّ إفكا منصوب على أنه مصدر لتخلقون من معناه ، وقوله في تسميتها الخ لأنّ الكذب لا يكون في العبادة لأنها فعل ولا يوصف به إلا الخبر فصرفه إلى خبر يعلم من عبادتها ، وهو ما ذكر وأما كونه حكما ضمنياً تضمنته تلك التسمية كما يشير إليه كلمة في وهو أنها مستحقة للمعبودية فلا وجه له. قوله : ( أو تعلمونها وتنحتونها ) تفسير لتخلقون من خلق إذا اخترع وأحدث عملا وأفكاً مفعول له حينئذ لكن لا يخفى أنهم لم يعملوها لأجل الكذب ، إلا أن يكون تهكما أو هي لام العاقبة ، ولذا قيل إنّ الأظهر كونه مفعولاً به على جعلها كذبا مبالغة ، أو الإفك بمعنى المأفوك وهو الصرف عما هو عليه لأنها مصنوعة وهم يجعلونها صانعاً. قوله : ( وهو استدلال على شرارة ما هم عليه الخ ) يعني لما فهم
من قوله ذلكم خير أنّ ما هم عليه شرّ لا خير فيه أثبته بقوله إنما الخ لخصر أعمالهم فيما هو شرّ محض وقوله من حيث الخ تعليل لشرارته ، وقوله للتكثير الخ وهو من الخلق بمعنى الكذب وصيغة التكلف المراد بها المبالغة ، وقوله في القاموس خلقه كاختلقه وتخلقه لا دلالة فيه على أن تفعل بمعنى فعل كما قيل ، وقوله وافكاً أي قرئ أفكاً بفتح الهمزة وكسر الفاء على أنه مصدر أو وصف صفة لمصدر مقدر. قوله : ( دليل ثان الخ ) أي دليل على أنّ علمهم شرّ لا خير فيه لتركهم عبادة الرازق القدير إلى عبادة ما لا طائل في عبادته ، وقوله رزقاً يحتمل المصدر أي هو مفعول به على احتمال أن يكون مصدرا وأن يراد به المرزوق بأن يكون مصدرا بمعنى المفعول ، ويحتمل على المصدرية أن يكون مفعولاً مطلقا ليملكون من معناه ، ويجوز أن يكون أصله لا يملكون أن يرزقوكم رزقا وأن يرزقوكم مفعول به له ورزقاً مصدره كما ذكره المعرب ، وقوله وتنكيره للتعميم على الوجهين لكونه مصدراً في سياق النفي وتنوينه للتحقير والتقليل. قوله : ( كله ) إشارة إلى أنّ تعريفه للاستغراق ، وهو مغاير لما قبله لأنه فرد منتشر وهذا جملة الإفراد وان كانت النكرة إذا أعيدت معرفة عينا أي غالبا مع أنه جائز هنا أيضا لأنهما بحسب المآل شيء واحد ، وقوله متوسلين الخ أخذه من ذكره عقبه ، وقوله حفكم أي أحاط بكم والشكر يزيدها ويكون سببا لبقائها فإنّ المعاصي تزيل النعم ، وعلى هذا فذكرهما بعد طلب الرزق لأنّ الأوّل سبب لحدوثه والثاني(7/94)
ج7ص95
سبب لبقائه فتكون الجملتان ناظرتين لما قبلهما ، وعلى الوجه الثاني وهو قوله أو مستعدين الخ هو ناظر لما بعده ، ولذا قال فإنه الخ وعطفه بأو لتغايرهما بهذا الاعتبار فما قيل من أنّ الظاهر تبديل أو الفاصلة بالواو لأنه على ما ذكره لا يظهر وجه الإتيان بقوله إليه ترجعون على الأوّل غفلة عما ذكر ، وقوله إليه ترجعون لا يلزم اتصاله بما قبله إذ يجوز فيه الاستئناف النحوفي مع أنه على الأوّل تذييل لجملة ما سبق مما حكى عن إبراهيم أو لأوّله والمعنى إليه ترجعون بالموت ، ثم بالبعث لا إلى غيره فافعلوا ما أمرتكم به وما بينهما اعتراض لتقرير شرارتهم كما أشار إليه بعض المتأخرين.
قوله : ( بفتح التاء ) من رجع رجوعا ، والأولى من رجع رجعا لا من أرجع لأنها لغة رديئة وتقديم إليه للفاصلة ويحتمل التخصميص ، وقوله وان تكذبوني إشارة إلى أنّ المفعول محذوت للعلم به ، وقوله من قبلي من موصولة مفعول كذب ، ومن قبل إبراهيم كنوح وهود وصالح عليهم الصلاة والسلام ، وقوله فكذا تكذيبكم إشارة إلى أنّ ما ذكر دليل الجزاء أقيم مقامه ،
والجزاء في الحقيقة لا يضرّني تكذيبكم. قوله : ( الذي زال معه الشك ( يحتمل أنه من أبان بمعنى ظهر لأنّ ما ظهر ظهورا تاما لا يبقى معه الشك ، ويحتمل أن يريد أنه من أبانه إذا فصله وأزاله لأنه يزيل الشك ، وقوله وما عليه أن يصدق إشارة إلى أنه حصر إضافيّ وقوله ويحتمل أن تكون اعتراضاً الخ والواو في قوله وأن يكذبوك الخ اعتراضية والخطاب منه تعالى أو من النبيّ صلى الله عليه وسلم على معنى وقل لهم وهو ظاهر كلام المصنف ، وقيل الأظهر أنه مع ما قبله اعتراض! وعلى الأوّل عاطفة على ما قبلها أو على مقدّر تقديره فإن تصدقوني فقد ظفرتم بسعادة الدارين الخ وقوله توسط صفة قوله اعتراضا ، وقوله من حيث الخ بيان لوجه مناسبته لأنّ الاعتراض لا يكون أجنبيا صرفا ، والتنفيس بمعنى التفريج بسعة الصدر وقوله ممتوا بصيغة المفعول أي مبتلى وفعله مناه ومنه المنية. قوله : ( بالتاء ( أي بالتاء الفوقية في ألم تروا ، وقوله على تقدير القول أي قال لهم رسلهم ولا يجوز أن يكون الخطاب لمنكري الإعادة من أمّة إبراهيم أو محمد صلى الله عليه وسلم وهم المخاطبون بقوله وان تكذبوا لأنّ الاستفهام للإنكار أي قد رأوا والا فلا يلائم قوله قل سيروا الخ لأنّ المخاطبين فيها هم المخاطبون ، أوّلاً يعني إن كانت الرؤية علمية فالأمر بالسير والنظر لا يناسب لمن حصل له العلم بكيفية الخلق ، والقول بأنّ الأوّل دليل لنفسي والثاني آفاقي ليم يرض به المصنف لأنه مخالف للظاهر من وجوه كما قيل ، وقد قيل عليه إنه تحكم بحت وأن ما منعه كله في ساحة الإمكان فالحق أنّ المصنف رحمه اللّه بني كلامه على أنّ قوله أولم يروا على قراءة الغيبة ضميره لأمم في قوله أمم من قبلكم فكذا هو في الخطاب ليتحد معنى القراءتين ، وحينئذ يحتاج لتقدير القول الأوّل ليحكي خطاب رسلهم معهم إذ لا مجال للخطاب بدونه والاستدلال على مثله إقناعي فافهم ، وقوله وقرئ يبدأ أي على أنه مضارع بدأ الثلائي مع إبدال الهمزة ألفاً كما ذكره الهمدانيّ. قوله : ( معطوف على أولم يروا الخ ) والاستفهام فيه إنكارفي فالمعطوف والمعطوف عليه جملة خبرية وعلل امتناع عطفه على يبدئ بأنّ الرؤية إن كانت بصرية فهي واقعة على الإبداء دون الإعادة فلو عطفه عليه لم يصح ، وكذا إن كانت علمية لأنّ المقصود الاستدلال بما علموه من أحوال المبدأ على المعاد لإثباته فلو كان معلوما
لهم كان تحصيلاً للحاصل إلا أن يراد بهما الاستدلال على أنّ المراد بالإبداء إبداء ما نشاهده كالنبات ، والثمار وأوراق الأشجار وبالإعادة إعادتها بعد فنائها في كل عام فيصح فيه العطف لكنه غير ملاق لما وقع في غير هذه الآية وبهذا التقرير سقط ما قيل إن أريد بالرؤية العلم فكلاهما معلوم ، وان أريد الأبصار فهما غير مرئيين مع أنه يجوز أن يجعل ما يجعل ما أخبر به الله تعالى لتحققه كأنه مشاهد. قوله : ( 1 لإشارة إلى الإعادة ) والتذكير لتأويله بما ذكر أو بان والفعل ، وهذا على التفسيرين بأن يراد على الثاني بالإعادة الإعادة الحقيقية لكونها في حكم المذكور وكذا ما بعده ، وقيل الأوّل على الأوّل ، والثاني على الثاني وقوله إذ لا يفتقر أي لا يحتاج ويتوقف إيجاده على شيء آخر خارج عن ذاته فلا ينافي توقفه على القدرة إن قلنا إنها مغايرة للذات ، وقوله لإبراهيم متعلق بكلام وهذا على الوجهين كونه من قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو اعتراض. قوله :(7/95)
ج7ص96
( على اختلاف الأجناس والأحوال ) إشارة إلى تغاير الكيفيتين بأنّ الأولى باعتبار المادّة وعدمها وهذه باعفار تغاير الأجناس والأحوال ولا يضرّ كون الأوّل ملقى للأمم ، وهذا لغيرهم لأنه كلما تمّ التغاير كان أكثر فائدة ، وكذا ما قيل هذا عينيّ وذاك علمي أو هذا آفاقيّ والأوّل أنفسيّ. قوله : ( بعد النشأة الخ ) النشأة والنشاءة بالمد الإيجاد والخلق ، وقوله من حيث إنّ كلا الخ هذا بناء على أنّ الجسد يعدم بالكلية ، ثم يعاد خلقا جديداً لا تجمع أجزاؤه المتفرّقة على ما فصل في الكلام. قوله : ( والإفصاح باسم الله ( أي إظهاره في مقام الإضمار بعد الإضمار أوّلاً والقياس أن يظهر ثم يضمر كما في الجملة الأولى ، وهو معنى قوله الاقتصار عليه وفي نسخة عكسه ، وقوله للدلالة الخ لأنّ إسناده إلى اسم الذات معاداً صريحا يدل على الاعتناء التامّ لما فيه من تكرير الإسناد والإشعار بأنه من مقتضيات الألوهية ، ولأنه لا بد في مخالفة مقتضى الظاهر من نكتة مناسبة للمقام ، وقوله وأنّ من عرف بالقدرة وهو الله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ سورة البقرة ، الاية : 109 ] وان كان الحكم على ضميره يفيده لكن الضمير لا يدل عليه ابتداء فهذا أنسب ولذا قال ينبغي وقوله أهون يعني فلا ينبغي لمن اعترف بالأوّل إنكار الثاني ، فإن قلت على ما ذكر كان ينبغي فيما سبق أن ينسج على منواله قلت الأوّل ورد على مقتضى الظاهر فلا يحتاج للتوجيه بخلاف هذا ، وأمّا الجواب بأنّ المراد من الأوّل ليس إثبات الإعادة لمن أنكرها فغير مسلم. قوله : ( والكلام في العطف الخ ) يعني أنه معطوف على سيروا ولا يضرّ تخالفهما خبراً وانشاء
فإنه جائز بعد القول وما له محل من الإعراب لأنه لا يصلح موقعا للنظر إن كان بمعنى التفكر لأنّ التفكر في الدليل لا في النتيجة فإن كان النظر بمعنى الأبصار فظاهر والرآفة بالمدّ مصدر كالسماحة بمعنى الرأفة ، وهي الشفقة وقوله لأنّ قدرته لذاته يعني أنها صفة ذاتية ثابتة بمقتضى الذات ، وجميع الممكنات لتجانسها بالذات بالإمكان مستوية لديه ، وقوله من يشاء تعذيبه لأنّ مفعول المشيثة يقدر من جنس ما قبله وحذفه كاللازم احترازا من العبث وهذه الجملة مستأنفة لبيان ما بعد النشأة الآخرة ، وقوله وأليه تقلبون تقرير للإعادة وتوطئة لما بعده. قوله : ) عن إدراككم ) الإدراك معناه اللحوق ، والمراد أن يدرككم عذابه والتواري ا لاستتار ، وقوله أو الهبوط أي النزول ، والمهاوي جمع مهواة وهي البقعة المنخفضة جدا كالبئر ، والمراد مكان بعيد الغور والعمق بحيث لا يوصل إليه ، وان كان يرى من فيه ولذا عطفه بأو فلا وجه لما قيل ، أنّ الأظهر العطف بالواو كما في بعض النسخ ولا حاجة لتأويله بجهة السفل ، وقوله أو القلاع فالمراد بالسماء ما ارتفع ، وقوله الذاهبة فيها أي المرتفعة في جهتها. قوله : ( وقيل ولا من في السماء ) يعني أنه حذف منه اسم موصوف هو مبتدأ محذوف الخبر والتقدي ولا من في السماء بمعجزه والجملة معطوفة على جملة أنتم بمعجزين في الأرض ، ووجه ضعفه ظاهر لما فيه من حذف الموصوف مع بقاء صلته وهو ضعيف وحذف الخبر أيضا مع عدم الحاجة إليه. قوله : ( كقول حسان رضي الله عنه ) من قصيدة أجاب بها أبا سفيان لما هجا النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه ، والتقدير ومن يمدحه الخ والحذف فيه ظاهر لأنه لو عطف على صلة من الأولى كان الهاجي والمادح شخصاً واحداً ، ولا يصح الإخبار عنه بسواء لما فيه من مساواة الشيء لنفسه ، إلا أن يجعل الموصول عبارة عن اثنين أو فريقين وهو خلاف الظاهر أيضا ، وقد قيل إنه ضرورة فلا يقاس عليه مع أنّ أبن مالك اشترط في جوازه عطفه على موصول آخر كما في البيت. قوله : ( يحرسكم ويدقعه ا لف ونشر فالأوّل تفسير لوليّ بمعنى من يلي جانب الخوف بالحراسة ، والثاني لنصير وقوله من الأرض ، ومن السماء أخذه مما قبله ، وقوله بدلائل الخ إشارة إلى أنّ الآيات بمعنى العلامات أريد بها الدلائل أو ظاهرها وفسر اللقاء بالبعث ، ولم يفسره بالرؤية لعدم مناسبته للمقام ، واليأس انقطاع الطمع بعد الرجاء فأريد به مطلق انقطاع
الطمع أو هو على حقيقته لظنهم ذلك ، والمبالغة لجعل اليأس كأنه مضى وانقطع فتدبر. قوله : ( أو أيسوا في الدنيا ) كأنه جعل ذلك الإنكار يأساً بالقوّة على حذ قوله فما أصبرهم على النار أي أجرأهم على المعصية. قوله : ( وكان ذلك قول بعضهم ا لبعض لبعد قولهم له جميعا ولئلا يتحد الآمر ، والمأمور واسناد(7/96)
ج7ص97
ما صدر من البعض إلى الكل والمراد بالقتل ما كان بسيف ونحوه فتظهر مقابلة الإحراق له ، ولا حاجة إلى جعل أو بمعنى بل ، واشتراط الرضا فيه مرّ تحقيقه ، وقوله قبل منهم من القبول وفي نسخة قيل فيهم وقوله فقذفوه إشارة إلى أن الفاء فصيحة ، وقوله واخمادها أي إطفاؤها في مقدار طرفة عين بحيث لا تؤذيه ولكن أحرقت وثاقه لينحل ، وهذا لا ينافي جعلها بردا وسلاما لأنه بعده أو المراد بالإخماد عدم التأثير أو هما روايتان ، وقد قيل : إنه أنبت له فيها زهر وجعلت روضة أنيقة ، وقوله في زمان يتعلق بالإخماد. قوله : ( لتتواذوا ) يعني أنه مفعول له وقوله لاجتماعكم على عبادتها بيان لحاصل المعنى المراد ، وقوله محذوف تقديره ا-لهة وجوّز أن يكون متعدّياً لواحد من غير تقدير كاتخذتم العجل ، وردّ بأنه مما حذف مفعوله أيضا وقوله بتقدير مضاف أي ذات مودّة وترك لشهرته ، ويجوز جعلها نفس المودّة مبالغة ، وقوله أي اتخذتم أوثانا سبب المودّة تفسير له على الوجهين لا بيان لتقدير المضاف حتى يكون واقعاً في غير موفعه لأنه ينبغي تقديمه على التاويل الثاني ، أو تأخير الأوّل وأورد عليه أنه كان ينبغي أن يقول سبب موذة بالتنكير لثلا يكون المفعول الأوّل نكرة والثاني معرفة وهو غير جائز لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر وفيه نظر. قوله : ( والوجه ( أي على هذه القراءة في إعرابه ما سبق من كونه مفعولاً له أو مفعولاً ثانيا الخ ، وبينكم منصوب بمودّة أو
صفة له ، وقوله والجملة الخ ويجوز كونها المفعول الثاني ، واذا كانت ما مصدرية أو موصولة بمودّة أو صفة له ، وقوله والجملة الخ ويجوز كونها المفعول الثاني ، دىاذا كانت ما مصدرية أو موصولة فمودّة خبر بالتأويل السابق وفتح بينكم لبنائه لإضافته للمبنيّ فمحله الجرّ ، وتقطع بينكم بالفتح في قراءة لما ذكر ، وهو قول الأخفش ولم يذكره المصنف رحمه الله في تفسيرها ، وقراءة إنما مودّة بينكم بالإضافة ، وجرّ بين قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ، وقد وقع في نسخة وقرأ ابن مسعود. قوله : ( يقوم التناكر والتلاعن ) أي يظهر وهو تفسير للكفر ، وقوله أو بينكم وبين الأوثان وهو المناسب لجعلها مودّة وفيه تغليب الخطاب وضمير العقلاء ، وقوله ابن أخته هو رواية ، ومرّ في الأعراف أنه عمّ لوط عليهما الصلاة والسلام وهي رواية أخرى فلا تنافي بين كلاميه وفي جامع الأصول إنه ابن أخيه هاران بن تارج ، وقد قيل إنّ التاء الفوقية هنا تصحيف فيوافق ما في الأعراف فتأمّله ، وقوله وأوّل من آمن به أي بنبوّة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وان كان مؤمناً قبل ذلك ، وقوله وقيل الخ مرضه لضعفه رواية ودراية لأنه يقتضي عدم إيمانه قبل ، وهو غير لائق بلوط عليه الصلاة والسلام ، وضمير قال إني مهاجر لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لئلا يلزم التفكيك. قوله : ) من كوني ) بضم الكاف والمثلثة والقصر بلدة بالعراق ومحله بمكة ، وقال ابن خالويه رحمه الله إنها اسم مكة فلذا أضافها لسواد الكوفة لتتميز عن غيرها ، ويحتمل سواد أن يكون عطف بيان لها أو بدلاً ، والسواد الناحية ، وسدوم اسم قرية لوط عليه الصلاة والسلام ودالها معجمة ومهملة. قوله : ( ووهبنا ) معطوف على ما قبله ولا حاجة إلى عطفه على مقدر كاصلحنا أمره ، والنافلة تقدم تفسيرها ، وقوله ولذلك لم يذكر إسماعيل عليه الصلاة والسلام أي لأنه في مقام الامتنان وذكر الإحسان وذلك بهما لما ذكر بخلاف إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، وكأنه لم يرتض ما في الكشاف من أنه ذكر ضمنا وتلويحاً بقوله : ( وجعلنا في ردته النبوّة والكتاب ) ولم يصرّح به لشهرة أمره وعلوّ قدره خصوصاً والمخاطب نبينا صلى الله عليه وسلم وهو من أولاده وأعلم به ، وقيل إنه لا يناسب ذكره هنا أيضا لأنه ابتلى بفراقه ووضعه بمكة دون أنيس له ، ولا ينافي ما ذكره المصنف قوله الحمد لله الذي وهب لي على الكبو إسماعيل لأنه لا يدل على أنه كان في سن العقر فتأمّل. قوله : ( يريد به الجنس
الخ ) المراد الجنس على سبيل الاستغراق فإنّ الجنس صادق عليه فلا يرد عليه أنّ الجنس يتحقق في ضمن فرد فلا يتحقق الشمول مع أنّ تقديم في ذريته يفيد القصر ، وقصر الجنس يستلزم اختصاص جميع الإفراد كما مرّ ، وقوله : واستمرار النبوّة قيل إنه يفهم من قصر النبوّة فالعطف يأباه ، والجواب ما مرّ وقوله واللاة عليه آخر الدهر أي إلى آخر الدهر وهو قولنا كما صليت على إبراهيم في الصلاة ، وقوله لفي عداد الكاملين في الصلاح مرّ تحقيقه. قوله : ( بإعطاء الولد في غير أوانه ) فهو وما بعده من التعميم بعد التخصيص كأنه لما عدد ما أنعم به عليه من(7/97)
ج7ص98
النعم الدينية والدنيوية قال وجمعنا له مع ما ذكر خير الدارين ، وعطف العامّ على الخاص كثير في القرآن فلا وجه للاعتراض عليه بأنه يأباه العطف ، وقيل كون ذلك في مقابلة هجرته إلى الله لم يفهم مما سبق ، وفيه نظر لأنه وان لم يفهم منه فهو مطلق صادق عليه. قوله : ( عطف على إبراهيم ) على الوجهين وآثره لأنه قرن به في كثر المواضمع أو هو معطوف على ما عطف عليه ، وهو نوحاً لتقدمه ، وقوله البالغة في القبح من تاء المبالغة والاستفهام للإنكار والثاني ما بعده ، وقوله استئناف أو حال أي مبتدعين لها غير مسبوقين بها لا صفة واشمأزت بمعنى نفرت ، وقوله لخبث طينتهم أي طبيعتهم والطينة تستعار لها لأنها أصل خلق منها فالطبيعة المجبول عليها تشابهها والسابلة أبناء السبيل ، وقوله أو بالفاحشة عطف على قوله بالقتل أي تقطعون الطرق بسبب تكليف الغرباء ، والمارّة ذلك والفاحثة السابقة ما يفعلونه بقومهم من غير إكراه فلا تكرار في هذا مع ما مرّ ، والمراد بالحرث النساء كما في قوله : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } [ سورة البقرة ، الآية : 223 ] وهو استعارة مرّ تحقيقها. قوله : ( الخذف ( بالخاء والذال المعجمتين هو لعبة يرمى فيها الحصى الصغار بطرفي الإبهام والسبابة ، والبنادق جمع بندق وبندقة بضم الباء معرب حصى مدوّر من الطين يلعب به أو الجلوز الذي يلعب به أيضا كما هو معروف عند أهل البطالة والقمار. قوله تعالى : ( { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } الخ ) هذا
الحصر لا ينافي ما وقع في الأعراف والنمل من قوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ } [ سورة النمل ، الآية : 56 ] لأنّ كلا من الحصرين بالإضافة إلى الجواب الذي يرجوه في متابعته ، أو أنّ هذا صدر عنهم في مقام ومرّة ولم يصدر عنهم غيره فيه وذلك كذلك ، وأمّا كون أحدهما أولا وذاك بعده فتعيينه مما لا يوقف عليه أو أنّ هذا جواب القوم له إذ نصحهم ، وذاك جواب بعضهم لبعض إذ تشاوروا في أمره. قوله : ( أو في دعوى النبوّة المفهومة من التوبيخ ) المعلوم من الاستفهام الإنكاري والمفهومة صفة للدّعوى ، وقوله بإنزال العذاب كأنه كان طلبه وتوعدهم به ، وسنها أي جعلها سنة سيئة وطريقة لهم ابتدعوها ، وقوله وصفهم بذلك أي بكونهم مفسدين دون أن يقول قومي والمبالغة كما في شرح الكشاف بوصفهم بالحمل للناس على الفساد مما ابتدعوه وسنوه ، والكافر إذا وصف بالفسق أو الفساد كان محمولاً على غلوه والتمرد ، وتعجيل العذاب لإزالة الفساد. قوله : ( بالبشارة بالولد والنافلة ) يعني في قوله فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب ، واعترض عليه بأنّ يعقوب ليس معمولاً للبشارة حتى يكون مبشرا به لكن ذكره في سياقها مشعر به ، ولا يلزم كون فعل البشارة عاملا فيه وقد تقدم الكلام عليه فانظره ثمة ، وقوله هذه القرية يفهم منه أنها كانت قريبة من محل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وقوله والإضافة لفظية أي إضافة مهلكو وليس في ذكر هذا كثير فائدة وأمّا جعلها معنوية لتنزيلها منزلة الماضي لتحققها مبالغة فمما لا داعي له. قوله : ( بإصراوهم وتماديهم ) متعلق بتعليل ، وهو ماخوذ من كان الدالة على الاستمرار ومن اسم الفاعلى أيضا ، وقال إنّ أهلها دون أنهم مع أنه أظهر وأخصر تنصيصا على اتفاقهم على الفساد ، وأمّا دلالته على أنّ منشأ فساد جبلتهم خبث طينتهم إذ المراد بأهل القرية من نشأ بها فلا يتناول لوطاً عليه الصلاة والسلام ففيه خفاء ، وبعد مع أنّ استثناءه منهم يأباه إلا أن يكون احتراساً فتامّل. قوله : ( اعتراض عليهم الخ ) بناء على أنّ المتبادر من إضافة الأهل لها العموم ، وقيل عليه إنه غفلة عما مرّ من أنه يفهم من أهلها من نشأ بها ليخرج لوط عليه الصلاة وال صلام ، وقد مرّت الإشادة إلى دفعه مع أن أهلها كل من سكن بها وان لم يش تولده بها ، وهو لكمال شفقته عليه السلام وان لم يغفل عما مرّ احتاط فيه كما في قصة نوج عليه الصلاة والسلام ، وابنه فطلب التنصيص عليه ليطمئن قلبه. قوله : ( أو معارضة للموجب ( بالفتح والكسر وهو الهلاك أو
ما يقتضي هلاك أهلها بالمانع ، وهو أنه بين أظهرهم من لم يتصف بصفتهم فلا وجه للعموم ، وقوله تسليم لقوله أي في لوط ، وقوله مزيد العلم به أي بمن ذكر من لوط وأهله أو بلوط فالمزيد في الكمية أو الكيفية والظاهر الثاني والحمل على التخصيص إن حمل قوله على الاعتراض على العموم ، والتأقيت إمّا تحديد المهلكين وتبيينهم ، أو بيان(7/98)
ج7ص99
وقت إهلاكهم بوقت لا يكونون فيهم ، وهذا معطوف على تخصيص وناظر إلى المعارضة ، وقوله وانهم الخ أي مريدون لإنجائه فليس مكرّراً مع ما قبله. قوله : ( وفيه تأخير البيان عن الخطاب ) أي فيما ذكر في هذه القصة في النظم لأنهم قالوا مهلكوا أهلها من غير بيان للمراد من الأهل أهو الجميع أو من عد الوطأ وأهله ثم بينوه بعد ذلك فإن أراد المصنف أنّ ما ذكر يدل على جواز تأخيره في الجملة فله وجه ، وإن أراد- الردّ على الحنفية فليسى بوارد لأنّ الممنوع تأخيره عن وقت الحاجة ، وهذا ليس كذلك مع أنه حكاية لما وقع في غير شرعنا وأمّا رده بأنه ليس خطابا أصولياً أي حكماً شرعيا فغير مستقيم لأنه لا يخصه كما ذكر في قصة ابن الزبعري في الأصول فانظره ، وقوله في العذاب ناظر للتخصيص وما بعده للتأقيت فهو لف ونشر ، ويجوز التعميم فيهما. قوله : ( جاءته المساءة ) إشارة إلى أنّ النائب عن الفاعل ضمير المصدر والغم تفسير للمساءة وبسببهم إشارة إلى أنّ الباء سببية ، وقوله مخافة الخ بيان لوجه غمه وسببه ، وقوله وأن صلة أي زائدة وفائدتها تأكيد الفعلين أي شرط لما وجوابها ، واتصالهما بالجرّ معطوف على تأكيد والاتصال مدلول لما أي هي مزيدة لتأكيد الكلام التي زيدت فيه فتؤكد الفعلين ، واتصالهما المستفاد من لما فسقط ما اعترض به في المغني من أن الزائد إنما يفيد التأكيد كما فصلناه في نكت المغني. قوله : ( بشأنهم الخ ) إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدراً ، وقوله ذرعه إشارة إلى أنّ التمييز محوّل عن الفاعل ، وقوله قصير الذراع إشارة إلى أنّ الضيق مجاز في القصر وأنّ ضيقه وسعته كناية عن القدرة وعدمها كما صرّح به الزمخشري في سورة هود وقيل إنّ الذرع مجاز مفرد للطاقة ، وقيل إن ضاق ذرعه استعارة تمثيلية ولكل وجه ، وقوله وبإزائه أي مقابله فهو ضده. قوله تعالى : ( { وَقَالُوا } ) معطوف على سيء أو على مقدر أي قالوا إنا رسل ربك كما صرّح به في هود وقوله : { لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ } ما وقع في الفروق من الفرق بين الحزن والخوف بأنّ الحزن للواقع والخوف للمتوقع على فرض صحته أكثريّ ، وعليه فالتمكن
لم يقع فلذا قيل على تعليلية أو المراد على ظن تمكنهم منا ولا حاجة إليه لما مرّ ، وما قيل من أنّ الحزن والخوف اندفع بإعلامهم أنهم رسل الله ليس بشيء لأنه لا دليل على تقدّم الإخبار عن النهي ، والواو لا تقتضي ترتيبا مع أنه يجوز أن يكون لتأنيسه وتأكيد ما أخبروه به ونحوه. قوله : ( وموضع الكاف جرّ ) بالإضافة ولذا حذفت النون ، وقيل إنّ محلها نصب وحذف النون لشدة اتصال الضمير به ، ولا مانع من أن يكون لها محلان جرّ ونصب والفعل المقدر ننجي والأصل منجون أهلك وقوله كانت من الغابرين مستأنفة وقد تقدم الكلام فيه وفي الاستثناء مفصلاً. قوله : ( عذاباً ) هذا معناه بحسب عرف اللغة وأصل معناه الاضطراب فسمي به أي أطلق عليه لما ذكر ، وقوله بسبب فسقهم إشارة إلى أنّ الباء سببية وما مصدرية والمراد فسقهم المعهود المستمرّ لأنّ ما المصدرية موصولة فتفيد العهد في الجملة وكان لا سيما إذا دخلت على المضارع تفيد الاستمرأر وهذا من الإضافة التقديرية والآية بمعنى العلامة وضمير منها للقرية أو للفعلة ، وأنهارها معروفة إلى الآن ، ولا ينافيه كونها خربت وقوله يستعملون إشارة إلى أنه منزل منزله اللازم والمراد بالتعلق ما يعم النحوقي والمعنوفي والا ظهر تعلقه ببينة ، وقوله والى مدين متعلق بارسلنا مقدرا وهو يؤيد عمله أو تقديره فيما مرّ. قوله : ( وافعلوا ما ترجون به ثوابه ) ضمير به عائد لما وضمير ثوابه لليوم وهو إشارة إلى تقدير مضاف أو إلى المراد منه بقرينة الرجاء على معناه المتبادر منه أو هو من إطلاق الزمان على ما فيه وما قيل من أن الأمر برجائه أمر بسببه اقتضاء بلا تجوّز فيه بعلاقه السببية كما أشار إليه المصنف لا يخالف كلام أهل العربية كيف وأهل الأصول ذكرو. في النصوص القرآنية لأنه إمّا تقدير لقرينة عقلية كما في أعتق عبدك عني أو دلالة التزامية ، ولا تكلف في الوجهين كما توهم وكون الرجاء بمعنى الخوف مما أثبته أهل اللغة كما هو مشهور ، ومفسدين حال مؤكدة لأن العثوّ الفساد وترجف بمعنى رجفت. قوله : ( في بلدهم ( لأن الدار تطلق على البلد ، ولذا قيل للمدينة دار الهجرة أو المراد مساكنهم وأقيم فيه الواحد مقام الجمع لا من اللبس لأنهم لا يكونون في دار واحدة ، وباركين
بالباء الموحدة من البروك وهو الجثو على الركب والمراد ميتين مجازاً. قوله : ( منصوبان بإضمار اذكر ) أي(7/99)
ج7ص100
بإضمار فعل من هذه المادة ، وهو اذكروا كما مرّ والمراد ذكر قصتهما أو هو على ظاهره وجملة ، وقد تبين الخ حالية فلا يقال إنه لا يلائمه أو أنه على تقدير القول أي ، وقل قد تبين الخ أو قائلا قد مررتم على ديارهم في أسفاركم ، وقد تبين الخ حتى يقال إنه تعكيس للأمر وتمحل لتنزيل المقرّر على الموهوم المقدر كما قيل وقوله ما قبله هو أخذتهم الرجفة ، وعطفه على ضميره يأباه المعنى.
قوله : ( بعض مساكنهم ) فمن تبعيضية وفيما بعده ابتدائية ، وقيل سببية وقوله إذا نظرتم
بيان لطريق التبيين لا لأنه للاستمرار كما في قوله : { وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا } [ سورة البقرة ، الآية : 14 ] والتزيين مرّ تحقيقه ، وقوله السوقي أي المستقيم إشارة إلى أن التعريف عهدفي وحمله على الاستغراق حصراً له في الموصل إلى النجاة تكلف. قوله : ( متمكنين من النظر ( إشارة إلى أنه مجاز من قبيل التعبير بالفعل عن القدرة عليه كإطلاق المسكر على الخمر قبل شربها وأصله طلب البصر أو البصيرة ، ويجوز أن يكون المعنى كانوا من أولي البصيرة ، وان لم يبصروا وهو قريب مما ذكر وقوله أو متبينين الخ فمفعوله محذوف ، والضمير لعاد وثمود لا لأهل مكة كما توهم ، وقوله لجوا أي داموا على اللجاج والعناد ، ومنه المثل لج حتى حج أي غلب. قوله : ( وتقديم قارون لشرف نسبه ) بقرابته من موسى عليه الصلاة والسلام كما مز وشرفه بإيمانه في الظاهر وعلمه بالتوراة وغيرها فتقديمه في مقام الغضب أدل على أنه لا يفيد شيء وينقذ من غضب اللّه مع الكفر فلا يرد أنّ قصد التشريف لا يناسب المقام الممهد لبيان مظاهر الغضب بالكفر ، والاستكبار كما قيل ، ولو قيل إنّ التقديم لأنّ المقصود تسلية النبي صلى الله عليه وسلم فيما لقي من قومه لحسدهم له وقارون كان من قوم موسى عليه الصلاة والسلام ، وقد لقي منه ما لقي أو كان من أبصر الناس وأعلمهم بالتوراة ولم يفده الاستبصار فهو مناسب لما قبله ، كان
وجهاً وجيهاً وأيضاً هلاكه كان قبل هلاك فرعون وهامان فتقديمه على وفق الواقع ، وأمّا توسيط عذابه فلمناسبته للغرق في كون كل منهما عذاباً سفلياً ، وقوله من سبق الخ أي مأخوذ منه ، وقوله كقوم لوط عليه الصلاة والسلام في نسخة وعاد وفي الكشاف الحاصب لقوم لوط ، والمراد ما وموا به ومثله يكون مع ريح عاصف فلا إشكال فيه والحاصب إمّا صفة الرّيح أو الملك ، وقوله كقوم نوح عليه الصلاة والسلام لسبق ذكرهم في هذه السورة وتركهم لعدم ذكرهم هنا فله وجه ولا إشكال فيه كما توهم. قوله : ( ليعاملهم معاملة الظالم ) يعني أنّ هذه الهيئة بمقتضى وعده لا أنه لو وقع كان ظلماً لأنه مالك الملك يتصرّف فيه كما شاء فله أن يثيب العاصي ، ويعذب المطيع على مذهب أهل الحق ، والتعرّض للعذاب مجاز عن فعل ما يقتضيه. قوله : ( فيما 6سخذوه الخ ) يتعلق بمثل ، وكذا قوله فيما نسجته والمعتمد والمتكل من يعتمد ويتكل عليه آلهة أو غيرها ، والمثل بمعنى الصفة العجيبة أو بمعنى الشبه كما مرّ والوهن والخور بفتح الخاء المعجمة والواو والراء المهملة كلاهما بمعنى الضعف ، أعلم أنيه قال في الكشاف الغرض تشبيه ما اتخذوه متكلاَ ومعتمدا في دينهم وتولو. من دون الله بما هو مثل عند الناس في الوهن وضعف القوّة ، وهونسج العنكبوت ألا ترى إلى مقطع التشبيه ، وهو قوله وأنّ أوهن البيوت الخ ومعنى قوله لو كانوا يعلمون أنّ هذا مثلهم وأنّ أمر دينهم بالغ في هذه الغاية من الوهن ، ووجه آخر وهو أنه إذا صح تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت ، وقد صح أنه أوهن البيوت فقد تبين أنّ دينهم أوهن الأديان لو كانوا يعلمون ، أو أخرج الكلام بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز فكأنه قال وانّ أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون ولقائل أن يقول مثل المشرك الذي يعبد الوثن بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله مثل عنكبوت يتخذ بيتاً بالإضافة إلى رجل يبني بيتاً بآجر وجص أو ينحتة من صخر ، وكما أنّ أوهن البيوت إذا استقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها ديناً دينا عبادة الأوثان لو كانوا يعلمون ، اهـ يعني أنّ الغرض من التشبيه تقرير وهن دينهم وأنه بلغ الغاية فيه بوجوه ، الأوّل إنه تشبيه مركب في الهيئة المنتزعة كما أوما إليه بقوله اتخذوه متكلاً ومعتمدا بذكر الاتخاذ والمتخذ ، والاتكال عليه وقوله وأنّ أمر دينهم بالغ الخ تصريح بالغرض منه ومدار قطبه على أنّ أولياءهم بمنزلة نسج العنكبوت في ضعف الحال ، وعدم الصلاحية(7/100)
ج7ص101
للاعتماد وإنّ أوهن البيوت على هذا تذييل يعرّف الغرض من التشبيه ولذا استشهد به فقال : ألا ترى الخ وقوله لو كانوا يعلمون أيغال في تجهيلهم لأنهم لا يعلمونه مع وضوحه لدى من له أدنى مسكة ، والثاني مثله إلا أنه يخالفه في أنّ قوله وانّ أوهن البيوت مقدمة مقصودة ، والنتيجة مطوية في قوله لو كانوا يعلمون لأنه لنعي جهلهم بالمقصود ومجموع المقدمتين ، وما بعده يدلّ
على المراد بطريق الكتابة الإيمائية والثالث يخالفه في أنّ التذييل استعارة تمثيلية تقرّر الغرض بتبعية تقرير المشبه وكان به ليدلّ به على تقرير المشبه ، وأمّا قوله ولقائل الخ فوجه مستقل مبنيّ على التفريق والغرض! إظهار تفاوت المتخذين والمتخذ مع توهين أحدهما ، وتقوية الآخر فيجوز كون قوله وانّ أوهن البيوت الخ جملة حالية أو اعتراضية لأنه لو لم يؤت به كان في ضمنه ما يرشد إليه ، وكلامه إى هذا أميل وهو أوجه والأولى أن يكون من تشبيه المفرد لأنّ المقصود بيان حال العابد والمعبود وهذا زبدة ما في الكشف ، ولا عطر بعد عروس فقوله مثلهم الإضافة الخ عطف بحسب المعنى على قوله فيما اتخذوه ، وهو إشارة إلى أنه تشبيه مركب ويحتمل التفريق كما مرّ وفيه إيماء إلى قوّة الإسلام ، وبنيانه وقوله كتاء طاغوت أي زائدة وجمعه على عكاب يدلّ على زيادتها ، وزيادة النون أياضق لكن قال السجستانيّ في غريب سيبويه إنه ذكر عناكب في موضعين فقال في موضع وزنه فناعل ، وفي آخر فعالل والنحويون يقولون عنكبوت فعللوت فعلى الأوّل النون زائدة وهو مشتق من العكب ، وهو الغلظ وحكى فيه أبو زيد عنكبوت وعنكبات وعنكب انتهى. قوله : ( بل ذاك أوهن ) هذا لا ينافي كون وجه الشبه في المشبه به أقوى لأنه من تشبيه المعقول بالمحسوس ، ووهن المعقول معقول غير محسوس لامتناع قيام المحسوس به فهو من هذا الوجه في المشبه به أقوى ، وان كان في المشبه أقوى من وجه آخر ولو لم يرد هذا ناقض قوله بعده لا بيت أوهن منه مع أنّ اشتراطه في كل تشبيه ليس بصحيح كما صرّح به أهل المعاني بل قد يكتفي بكونه أشهر ، وبيت العنكبوت مشهور بذلك متعارف ضرب به المثل وأيضا هذا كله إذا لم يصرّح بوجه الشبه ، ويعلم الحال كما هنا واليه أشار القائل بقوله :
والله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس
قوله : ( أو مثلهم بال! !افة الخ ) الظاهر أنه على هذا أيضا من التشبيه المركب لأنّ لفظ
المثل صريح فيه والفرق بينه وبين الأوّل أنه فيه شبهت حالهم في أنفسهم من غير إيماء إلى قوّة بنيان الإيمان ، وفي هذا نظر إليه وأما كونه مفردا أو مفرقا فبعيد من كلامه بمراحل ، وقوله يقع على الواحد الخ والظاهر أنّ المراد الجمع لا الواحد لقوله الذين وأمّا أفراد البيت فلأن المراد الجنس ، ولذلك أنث اتخذت لا لأنّ المراد المؤنث لمناسبته للضعف فإنه لا يفرق بين مذكره ومؤنثه به لأنّ تأنيثه لفظيّ ، وقوله كتاء طاغوت أي زائدة كما مرّ لا للتأنيث ، وقوله ويجمع أي جمع تكسير فإنه يجمع على عنكبوتات أيضاً ، وقوله في القاموس إنّ ما عداه اسم جمع لا وجه له لأن أعكب لا يصح فيه ذلك ، وقوله وانّ أوهن الخ حالية أو مستأنفة لبيان حال بيت
العنكبوت. قوله : ( لا بيت أوهن وأقل الخ ) هذا يفيد أيضا نفي مساواته له في العرف كما يقال ليس في البلد أعلم من فلان فيطابق المفسر المفسر ، والعدول عما في النظم مع أنه أصرج دلالة على ما ذكر لأن فيما ذكره عموم المفضل عليه لوقوعه نكرة في سياق النفي بخلاف المذكور قيه ، ولو ترك ذكر الوقاية أو بدله بأقل بناء وانتفاعا كان أولى لا لتحصيل الدلالة اللغوية والعرفية كما توهم فإنه ليس بلازم هنا الدلالة على ذلك المعنى بطريقين ولا لإظهار اختلاف المقدمتين إثباتاً ونفيا حتى يكون من الشكل الثاني المنتج أن لا شيء أوهن من دينهم فإنه لو أبقى على ظاهره وأرجع إلى الشكل الأوّل هكذا ، وهن المشركين كبيت العنكبوت ، وهو أوهن البيوت أنتج أنّ دينهم أوهن من الجميع مع أنه مما لا داعي لارتكابه. قوله : ( يرجعون إلى علم الخ ) إشارة إلى أنّ لو شرطية جوابها محذوف ، وأنّ يعلمون منزل منزلة اللازم وكونها(7/101)
ج7ص102
للتمني غير ظاهر ، وقوله أوهن من ذلك وفي نسخة أو هي وهما بمعنى ، وذلك إشارة إلى بيت العنكبوت. قوله : ( ويجوز أن يكون المراد الخ ) على أن يكون قوله وأنّ أوهن البيوت الخ استعارة تمثيلية مبنية على التشبيه المتقدم والمستعار له أضعف الأديان دينهم لا تصريحية في المفرد كما قيل ، وقوله تحقيقاً للتمثيل أي تفريرا للتشبيه المتقدم لأنّ هذه الاستعارة مبنية عليه فإن قلت إذا كان تشبيها قبله ، وقد ذكر فيه الطرفان فكيف تتوجه هذه الاستعارة أو تحسن مع ذكر الطرفين تلت ذكر الطرفين إنما يمنع من كونه استعارة في جملته ، وأمّ في جملة أخرى فلا فيكون هذا جاريا مجرى الترشيح والتجريد كما إذا قيل فلد في الكرم بحر والبحر لا يخيب من أتاه على أنّ البحر الثاني مستعار للكريم ، وقد صرّج بما ذكر في الكشاف وكشفه فاحفظه. قوله : ( على إضمار القول الخ ) أي على قراءة الخطاب أو عليهما ، وقد قيل عليه إنه لا حاجة إليه لا لجواز أن يكون من باب الالتفات للغضب كما قيل تبعا للبقاعيّ لأنّ الخطاب في قوله وقد تبين لكم مسوق منه تعالى كفار مكة ، وتقدير القول فيه بعيد وقوله مثل الذين اتخذوا الخ معناه منكم ومن غيركم ، وأمّا قوله : { وَاتْلُ مَا أُوحِيَ } الخ فمن تلوين الخطاب فلا ينافيه ، وقوله والبصريان وفي نسخة عاصم وأبو عمرو والمذكور في النشر قرأ عاصم ، والبصريان بالغيبة وقرأ الباقون بالخطاب وانفرد به في التذكرة ليعقوب وهو غريب ، انتهى فيعقوب وأبو عمرو من طريق الطيبة والنشر ومن طريق الشاطبية أبو عمرو وعاصم لاقتصاره على السبعة ، وقوله حملاً على ما قبله في الغيبة وهو الذين اتخذوا الخ. قوله : ( ومن للتبيين ) أي الثانية لا الأولى لتعلقها بتدعون أو بمقدر على أنها حال أي أيّ شيء تدعونه كائنا
من دون الله وبجوز كونها تبعيضية أيضاً ، وقوله مصدرية بمعنى الدعوة وشيء مصدر بمعناه أيضاً ، وقوله وتنوينه للتحقير أي يعرف دعوتكم من دونه دعوة حقيرة فمن بيانية أو زائدة ، ولا يخفى بعده ولو جعلت تبعيضية أي دعاءكم بعض شيء من دونه كان أولى كما قيل وقوله مفعول ليعلم على أنها بمعنى يعرف ناصبة لمفعول واحد ، ومن إمّ بيان للموصوف أو تبعيضية لا زائدة في الإيجاب لضعفه. قوله : ( والكلام على الأوّلين ) أي كونها استفهامية أو نافية والأخيرين المصدرية والموصولية لأنه نفي للتشبيه عن معبودهم والاستفهام عنه الذي هو في معناه لأنه إنكار فيدل على التجهيل وعلى الأخيرين العلم بما ادّعوا الهيته عبارة عن مجازاتهم عليه فهو وعيد ، وهذا بناء على الظاهر إذ يجوز إرادة التجهيل والوعيد في الوجوه كلها ، وقوله توكيد للمثل لأنّ كونه ليس بشيء يعبؤ به مناسب له ، ولذا لم يعطف وعلى الأخيرين ترك عطفه لأنه استئناف. قوله : ( تعليل على المعنيين ) أي التجهيل والوعيد ، وقوله فإنّ الخ بيان لوجه التعليل فيه ، وقوله الغاية بالنصب على أنه مفعول لقوله البالغ وهو على اللف والنشر المرتب فقوله فإنّ من فرط الخ ناظر إلى التجهيل ، وقوله وانّ الخ ناظر إلى الوعيد ، وقوله هذا شأنه إشارة إلى كونه عزيزاً حكيماً والقادر يفهم من كونه حكيماً والقاهر يفهم من كونه عزيزا والتعليل يفهم من التذييل بالجملة الحالية كما في نحو لا تهني وأنا صديقك القديم ، وقيل إن قوله من فرط الخ على كونها نافية ، وقوله وان الجماد الخ على كونها استفهامية ولا وجه للتخصيص فيه وذكر الجماد لأنه مسوق لكفار مكة وهم عبدة الأوثان فسقط ما قيل إنّ الأولى التعميم لكل ما عبد من دون الله ليشمل الملك ، والبشر وأنّ كل شيء بالإضافة إليه كالعدم. قوله : ( هذا المثل ونظائره ) يعني أنّ اسم الإشارة البعيد ليس لما ذكر فقعل ، ولذا جمع الأمثال بل له ولما ضرب به الله المثل في كتابه العزيز لما روي في سبب النزول من أنّ سفهاء قريش قالوا إنّ رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت ، ويضحكون ونحوه ما وقع لأبي تمام لما اعترض! عليه بعضهم ني قوله في مدح الخليفة :
إقدام عمروفي سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس
وقال : ما زدت على تشبيه الخليفة بإجلاف العرب والقصة مشهورة ، وقوله تقريبا الخ إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ الأمثال والتشبيهات طرق تبوز فيها المعاني المحتجبة للأفهام ،
وقوله يعقل حسنها إشارة(7/102)
ج7ص103
إلى أنه على تقدير مضاف ، وقوله وعته الخ قال ابن الجوزي رحمه الله إنه موضموع لكن ابن حجر رحمه الله تعقبه بأنه أخرجه بعض المحدّثين عن جابر رضي الله عنه ، ونحوه حديث : " الكيس من دان لنفسه وعمل لما بعد الموت " والمراد بالعالم فيه الكامل في صفة العلم والحقيق بأن يسمى عالماً. قوله : ( محقاً ) فالباء للملابسة والجارّ والمجرور حال ، وقوله غير قاصد به باطلاَ كقوله : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ } [ سورة الأنبيأء ، الآية : 6 ا ] فتقييده بذلك إمّا لأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً أو لأنه لو التبس بالباطل وحده أو مع الحق لم يكن ملتبساً بالحق أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ ما تركب من الباطل والحق ليس بحق فتأمّل وعدل عن قوله في الكشاف بالغرض الصحيح لما فيه. قوله : ( فإنّ المقصود بالذات الخ ) عبر بالخير لأنه لا يكون الأحقا ، وأشار بقوله بالذات إلى أنّ فعله قد يستلزم الشرّ لكنه ليس المقصود منه ذلك ، وان لزمه والدلالة على ذأته من حيث إنّ الأثر لا بد له من مؤثر ، ومثل هذه الآثار تدلّ على كمال العلم والقدرة وغير ذلك وقوله كما أشار إليه أي إلى دلالته على ذاته وصفاته وأنّ المقصود بالذات ذلك ، وقوله لأنهم المنتفعون بيان لوجه التخصيص. قوله : ( فإن القارئ المتأمل اليئ ) إشارة إلى أنّ المراد دم على ذلك لأنه كان تالياً له قبل الأمر لا لأنّ الأمر يدلّ على التكرأر ، وقوله بأن تكون سببا الخ إشارة
إلى أنّ فيه تجوّزاً في الإسناد لأنها ليست بناهية في الحقيقة ، وقوله حال الاشتغال منصوب على الظرفية أي في حال الاشتغال بها ، وقوله وغيرها معطوف عليه والضمير للحال لأنها مؤنثة ، وليس هذا كلياً حتى يرد أنه كم من مصل لا ينتهي ، ويجوز عطفه على المعاصي والمعنى ينتهي بها عن المعاصي وغيرها من المكروهات والمباحات ، وقوله من حيث الخ تعليل له ، وقوله روي الخ قال ابن حجر أنه لم يجده في كتب الحديث لكنه وقع في ابن حبان حديث بمعناه وقوله فلم يلبث أي لم يمض عليه زمان إلى أن تاب بل رزق التوبة على الفور. قوله : ( ولا لصلاة ) تفسير للذكر واشارة إلى وجه التجوّز به عنها وجعلها من ا!بر لئلا يقال إنّ الإيمان أكبر منها ولو أبقاه على ظاهره صح ، وقوله للتعليل أي لبيان علة كونها كذلك وعلى هذا فهو مصدر مضاف للمفعول! ، وقوله أوولذكر الله الخ فهو مضاف للفاعل والمفعول محذوف ، والمفضل عليه في الأوّل غيرها من الطاعات وفي هذا قوله من ذكركم. قوله : ( إلا بالخصلة ) فهي صفة لهذا المقدّر ، والكظم إخفاء الغيظ وتحمله ، والمشاغبة بالغين المعجمة من الشغب وهو الخصومة ، وقوله منسوخ لأنّ السورة مكية نزلت قبل الأمر بالقتال وهو معطوف على مقدر يعلم من السياق أي وهي مخصوصة بمن دخل في الذمّة وأدّى الجزية ونحوه ، وقيل الخ فليس الظاهر ترك الواو كما توهم وهو قول قتادة ، وقوله إذ لا مجادلة أشد منه مجاز كقولهم عتابه السيف. قوله : ( وجوابه أنه أخر الدواء ) يعني أنّ مجادلتهم بالحسنى في أوائل الدعوة لأنها تتقدم القتال فلا يلزم النسخ ، ولا عدم القتال بالكلية وأمّا كون النهي يدلّ على عموم الأزمان فيلزم النسخ فلا يتمّ الجواب فيدفعه أنه تخصيص بمتصل لدخوله في المستثنى ، وهو قوله إلا الذين ظلموا منهم كما أشار إليه المصنف رحمه الله وأما كونه يقتضي مشروعية القتال بمكة ، وهو مخالف للإجماع فليس بصحيح لأنه مسكوت عنه وقوله آخر الدواء يحتمل أن يراد ظاهره ، وأن يكون إشارة إلى ما هو كالمثل وهو آخر الدواء الكي فيكون استعارة تمثيلية. قوله : ( وقيل المراد به دّوو العهد الخ ) معطوف على قيل قبله ولا حاجة إلى عطفه على مقدر مفهوم من السياق والمراد أهل الكتاب عموما وهذا جواب آخر ومرضه لأنّ السورة مكية ووضع
العهد والحرب شرع بالمدينة ، وكونه قبل الوقوع بعيد ولأنه لا قرينة على هذا التخصيص. قوله : ( بالإفراط في الاعتداء ) الإفراط مأخوذ من ذمّ الكافر بالظلم فإنه يقتضي أنه نوع من الظلم أشدّ من الكفر كما مرّ ولا يلزم منه مشروعية القتال بمكة ، أو ترك المجادلة غير منحصر فيه على أنه قيل إنه شرع بمكة إذا كانوا بادئين وهذه السورة آخر ما نزل بها ، وقوله أو بنبذ العهد الخ يعني إذا أريد بأهل الكتاب ذوو العهد ويرد عليه ما مرّ أنه لم يكن بمكة عهد ولا نبذ وكونه بيانا للحكم الآتي بعيد فلعل المصنف رحمه الله يجوز كون هذه الآية نزلت بعد الهجرة. قوله : ( وعن النبئ صلى الله عليه وسلم الخ ) هو بيان لكون القول(7/103)
ج7ص104
المذكور مجادلة لأنه كناية عن أنا لا نصدّق نقلكم ما لم نعلم به ، والتكذيب والتصديق ليسا نقيضين فيجوز ارتفاعهما كما في حال السكوت والحديث المذكور صحيح وأصله مرويّ في الببخاري وقوله مطيعون له خاصة التخصيص من تقدّم له وهو المفيد للتعريض أيضاً والآية المذكورة تقدّم تفسيرها. قوله : ( ومثل ذلك الإنزال ) المذكور بعده ، وقد مرّ تحقيقه وأنه يفيد أنه أمر عجيب الشأن أو هو إشارة إلى ما سبق من إنزال الكتب على ما ارتضاه المصنف هناك فتذكره ، وقوله وحيا مصدقا مؤيد للأوّل لأنه كالبيان له وكون المراد ما ذكر بقرينة ما بعده مع التصريح به في محل آخر. قوله : ( وهو تحقيق الخ ) أي تقرير له كالدليل عليه فإنّ تصديقه للكتب الإلهية التي قبله يقتضي إيمان أهل الكتاب لأنه يدل على أنه مثلها في كونه وحياً إلهيا لا من حيث إنه إجمال ذلك التفصيل لأن التفصيل يحقق الإجمال بدون العكس ، ولا من حيث أنه توطئة لما بعده ، وأمّا كون المراد بقوله لقوله ما سبق فتعمية والغاز ، وقوله عبد الذ بن سلام بتخفيف اللام ، وأضرابه بمعنى أمثاله ممن أسلم من الأحبار ، وصار من كبار الصحابة وضي اللّه عنهم ، وقوله من أهل الكتابين في نسخة من الكتابيين ، وهذا يؤيد ما مرّ من أنّ المصنف يرى أنّ هذه الآية مدنية إذ كونها مكية وعبد الفه ممن أسلم بعد الهجرة بناء على أنه إعلام من اللّه بإسلامقم في المستقبل ، والتفصيل باعتبار
الإعلام بعيد جداً ، واذا كان لمن مضى فالمضارع لاستحضار تلك الصورة في الحكاية. قوله تعالى : ( { وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ } ) قيل الظاهر أنّ من التبعيضية هنا واقعة موقع المبتدأ كما مرّ في سورة البقرة ميلاً مع المعنى ، وقد مرّ ما فيه والكلام عليه وأنّ المعنى شاهد له ونحوه ومنهم المؤمنون ، وقول الحماسي :
منهم ليوث لاترام وبعضهم مما قمشت وضمّ حبل الحاطب
قيل إنه مؤيد بقوله : { مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ } فمنهم مهتد وبهذه الآية وقد غفل عن هذا السعد
فأيده بهذا البيت ( قلت ا لم يغفل وإنما دعاه له ذكر بعض صريحاً. قوله : ( أو من تقدّم عهد الرسول ) فإنه ورد في الحديث إيمان بعض المتقدمين به لما رأوا نعته في كتبهم ، وقوله أو ممن في عهد الرسول هذا على تفسيره الثاني ، ولذا أخره ففيه لف ونشر ، وقوله المتوغلون في الكفر إن كان الجحد الإنكار عن علم فهو ظاهر والا وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله كما مرّ في سورة النمل فهو من فحوى الكلام لأنّ الكفر به مع ظهوره يدل عليه ، وقوله كما أشار إليه أي إلى كونه معجزة الخ لكونه أميا. قوله تعالى : ( { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } ) قال ابن حجر في تخريج الرافعيّ قال البغوي في التهذيب : هل كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحسن الخط ولا يكتب ويحسن الشعر ولا يقوله الأصح أنه كان لا يحسنهما ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه وادّعى بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم صار يعلم الكتابة بعد أن كان لا يعلمها ، وعدم معرفته سبب المعجزة لهذه الآية فلما نزل القرآن واشتهر الإسلام وظهر أمر الارتياب تعرّف الكتابة حينئذ ، وروى ابن أبي شيبة وغيره ما مات صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ ونقل هذا للشعبيّ فصدّقه وقال سمعت أقواما يذكرونه وليس في الآية ما ينافيه ، وروى ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت ليلة أسرى بي مكتوبا على باب الجنة الصدقة بعشر أمثالها والقرض! بثمانية عشر " والقدرة على القراءة فرع الكتابة ورد باحتمال أقدار الله له عليها بدونها معجزة ، أو فيه مقدر وهو فسألت عن المكتوب فقيل الخ ، ويشهد للكتابة أحاديث في البخاري وغيره
كما ورد في صلح الحديبية أنه صلى الله عليه وسلم كتب ولم يكن يحسن الكتابة وممن ذهب إليه أبو ذز الهروي وأبو الفتح النيسابوري وأبو الوليد الباجي من المغاربة وصنف فيه كتابا وسبقه إليه ابن منية ، ولما قال أبو الوليد ذلك طعن فيه ورمى بالزندقة وسبّ على المنابر ، ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب به إلى علماء الأطراف فأجابوا بما يوافقه ومعرفة الكتابة بعد أمّية لا تنافي المعجزة بل هي معجزة أخرى لكونها من غير تعليم وردّ الإمام محمد بن مفوز كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح : " إنا أمّة أمّية لا نكتب ولا نحسب " وقال كل ما ورد في الحديث من قوله كتب فمعناه أمر بالكتابة ، وتقديم قوله من قبله على قوله ولا تحطه كالصريح فيه ، وكون القيد(7/104)
ج7ص105
المتوسط راجعاً لما بعده غير مطرد مع أنه مفهوم ليس بحجة عندنا فمن استدل به لم يصب ، وقوله على أمي أي من أمي والأمي من لا يكتب ولا يقرأ ولما كان بعض الأميين قد يتعلم القرآن ونحوه بأخذه من أفواه الرجال وهو لم يقع أيضاً ذكر قوله والتعلم ليكون خارقاً للعادة ولأنّ الخط إنما يعرف بالتعلم ، وقد قيل إنه مأخوذ من تنكير الكتاب في سياق النفي ، وقوله لم يعرف إشارة إلى ما مرّ وقوله زيادة تصوير لأنّ الخط باليمين فهو مثل نظرت بعيني في تحقيق الحقيقة ، وتأكيدها حتى لا يبقى للمجاز مجاز. قوله : ( أي لو كنت ممن يخط ويقرأ ) هو من قوله إذا فالمراد بالمبطلين كفار قريش ، وقوله سماهم مبطلين الخ أي على هذا التفسير وعلى تقدير كفرهم بنبوّته لو لم يكن أميا لإبطالهم حينذ إذ كفروا أو ارتابوا وشكوا بمجرّد كونه غير أميّ مع أنّ انتفاء وجه واحد من وجوه الإعجاز لا ينفي غيره مع كثرته وظهوره ، فمدعي مثله مبطل سواء أكان أمياً أم لا لأنهم لم يؤمنوا به ولم ينظروا لما جاء به من المعجزات المثبتة لرسالته صلى الله عليه وسلم فالتعريف في المبطلين للعهد كما في شرح الكشاف وأمّا احتمال تعلمه فغير متوجه لأنّ مثله من الكتاب المفصل الطويل لا يتلقن ويتعلم إلا في زمان طويل بمدارسة لا يخفى مثلها.
قوله : ( وقيل لارتاب الخ ) فالمراد بالمبطلين أهل الكتاب وهم على تقدير كونه صلى الله عليه وسلم ولم
غير أميّ يشكون في كونه النبيّ المنعوت في كتبهم لأنه أميّ ، ولما ورد على هذا التفسير أنهم لا يكونون حينئذ مبطلين بل محقين في مدعاهم لم!لفة نعته لما نعت به في الكتب المنزلة أشار إلى دفعه بقوله فيكون إبطالهم يعني على هذا الوجه دون الأوّل كما توهم ، وقوله باعتبار
الواقع دون المقدر المراد بالواقع كونه أميا ، وبالمقدر كونه قارئا كاتبا لأنهم على فرض تقديره لا يكونون مبطلين كما في الوجه الأوّل فانهم فيه مبطلون على الحالين ، ومرضه لمخالفته لظاهر النظم إلا بتكلف وهو أن يقال أصله لارتابوا لكنه عدل عنه للإشارة إلى أنه غير واقع فهم مبطلون في نفس الأمر لا على هذا التقدير أو المراد أنه على هذا الوجه يكون إبطالهم أي إبطال أهل الكتاب لكونه النبيّ المنعوت في كتبهم باعتبار الواقع يتحقق من كونه غير أميّ فإنه حينئذ إبطال محقق فلذا نفى ، وأمّا إبطال المشركين فباعتبار أمر مقدر ، وهو قولهم أخذه من كتب المتقدّمين فلشى كونه مقدراً بالنظر للثاني كما قيل فتامّل. قوله : ( بل هو الخ ) إضراب عن ارتيابهم أي ليس مما يرتاب فيه لوضوح أمره ، والمراد بكونه في الصدور كونه محفوظا بخلاف غيره من الكتب ، ولذا جاء في وصف هذه الأمّة صدورهم أنا جيلهم كما أشار إليه بقوله يحفظونه ، وقوله لا يقدر أحد تحريفه أي على تحريفه وعداه بنفسه لتضميته معنى يطيق ، وقوله المتوغلون بمعنى البالغين ، وأصل معنى التوغل الدخول وقد تقدم توجيهه ، وقوله وقالوا أي كفار قريش لتعليم أهل الكتاب لهم اقتراحه ، أو أهل الكتاب مطلقاً لا بعض اليهودا إذ هم لا يقرّون بمعجزة عيسى عليه الصلاة والسلام وكونه مجرّد تشه ، واقتراح وأن لم يؤمنوا بمثله بعيد ، والبصريان أبو عمرو وعاصم وحفص وواية فكان تركه أولى. قوله : ( ليس من شأني إلا الإفذار ) أي لا الإتيان بما اقترحتموه فهو قصر قلب وابانته بما أعطيت تفسير لقوله مبين ، وقوله تدوم الخ من صيغة المضارع الدالة على الاستمرار ، وقوله متحدين لأنّ التلاوة على الكفرة إنما هي للتحذي ويجوز في آية الرفع والنصب ، وتضمحل بمعنى تفني وتذهب وقوله يعني اليهود إشارة إلى أنّ الضمير على هذا مخصوص بهم بخلافه على الأوّل ، وخص اليهود لأنه بين أظهرهم دون النصارى ، وإن كان ما ذكر جاريا فيهم والباء في قوله بتحقيق للملابسة ، وقوله آية مستمرّة على التفسير الأوّل وما بعده على التفسير الثاني ، وقوله لنعمة تفسير للرحمة وعظيمة من تنوينها. قوله : ( وتذكرة لمن همه الإيمان ) إشارة إلى أنّ ذكرى بمعنى تذكوة والجار
والمجرور متعلق به لا برحمة وأن يؤمنون المرإد به إلاستقبالد لا الحال لأنّ التذكير نافع ومشوّق لهم ، والكلام مع الكفار ، وقيل إنّ يؤمنون مجاز عن يهمون بالإيمان ولا حاجة إليه ، ويجوز أن يكون من التنازع- والهمّ بمعنى التقيد. قوله : ( وقيل إنّ ناساً من المسلمين الخ ) فيكون يؤمنون على ظاهره ، وهذا الحديث رواه أبو داود والطبري مرسلاً مع زيادة واختلاف فيه وهو سبب النزول ، والكتف عظمه لأنهم كانوا في الصدر الأوّل يكتبون على الخشب(7/105)
ج7ص106
والعظام والجلود- ، وقوله كفى بها الباء فيه زائدة والضمير للخصلة المفهومة من المقام كما في فبها ونعمت لا للكتف كما توهم والمراد بها رغبة الناس عما جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم فقوله أن يرغبوا بدل من الضمير مفسر له ، وضلالة قوم منصوب على التمييز أو بنزع الخافض وهو في لا مفعول كفى ، والمراد نهيهم عما في كتب أهل الكتاب كما مرّ ومرضه لأنّ السياق والسباق مع الكفرة ، وهو جواب لقولهم لولا أنزل الخ وعلى هذا لا يصلح جواباً على الوجهين كما في الكشف فتأمّل وقوله إلى الخ متعلق بيرغبوا لتضمينه معنى يعدلوا أو يميلوا والا فتعديته بفي. قوله : ( بصدقي ) متعلق بشهيداً! والمراد أنه شاهد على ما أتى به أي مصدق له تصديق الشاهد لدعوى المدعي ، وعلى الوجه الثاني المراد كفى علم اله* بتيليغي الخ ، ومقابلتكم بالجر معطوف على تبلغيي أو منصوب على أنه مفعول معه ، وما قيل إنّ التفسير الأوّل لا يناسب قوله بيني وبينكم سواء تعلق بكفى أو شهيدا ، ولا قوله يعلم ما في السموات الخ ولذا ارتضى المحشي الثاني لا وجه له وقوله يعلم الخ صفة شهيداً أو حال أو استئناف لتعليل كفايته. قوله : ( منكم ا لو أبقاه على عمومه كان أولى ، وقوله في صفقتهم حيث اشتروا الخ يشير إلى أنّ في قوله والذين آمنوا بالباطل استعارة مكنية شبه استبدال الكفر بالإيمان المستلزم للعقاب باشتراء مستلزم للخسران ، ففي الخسران استعارة تخييلية هي قرينتها ، وقوله حيث الخ تعليل للخسران ، وقوله ما يعبدون الخ شامل لعيسى عليه الصلاة والسلام ولا ينافيه قوله بالباطل لأنّ الباطل عبادتهم وقوله لكل
عذاب فالمراد بالأجل وقته المعين له فيهما ، وقيل هو في الأوّل بمعنى الوقت وفي الثاني بمعنى المدة. قوله : ( كوقعة بدر ) ظاهره أنه إخبار عن نزول العذاب آجلا ، ويحتمل أن يكون هذا معطوفا على الجزاء تفسيراً له كأعجبني زيد وكرمه فيراد به النزول عاجلاً وكون وقعة بدر بغتة لأنهم لغرورهم كانوا لا يتوقعون غلبة المسلمين على ما بين في السير ، وقوله عند نزول الموت بهم إمّا لعدّه من الآخرة أو هو بتقدير مضاف أي عند عقب نزول الموت. قوله : ( ستحيط بهم ) على إرادة المستقبل من اسم الفاعل ، وقوله أو هي الخ على أنه تشبيه بليغ أو استعارة أو مجاز مرسل بإطلاق المسبب على السبب أو تجوز في الإسناد ، وقيل الزمان بالنسبة إلينا وأمّا بالنسبة إليه تعالى فهو على حد سواء فلا تجوز فيه ، وفيه بحث وقوله واللام أي في الكافرين ، وظاهره أنها حرف تعريف لا موصولة لإجراء الكافر والمؤمن مجرى الأسماء الجامدة ، والمراد على العهد المستعجلون وموجب الإحاطة هو الكفر على قاعدة التعليق بالمشتق ، ووجه الاستدلال أنه يلزم من إحاطتها بالجنس الإحاطة ببعض أفراده. قوله : ) ظرف لمحيطة ) أي على الوجهين ، وقيل إنه مخصوص بالأوّل لا على كونها كالمحيطة ولا على كونه مجازا فتأمّل ، وقوله كان كيت وكيت الإبهام للتفخيم أي حدث أمر عظيم من قهرهم واهلاكهم وغير ذلك مما يشفي صدور المؤمنين ، ويغشاهم بمعنى يلحقهم ويأتيهم وقوله من جميع جوانبهم فما ذكر للتعميم كما في بالغدوّ والآصال قيل وذكر الأرجل للدلالة على أنهم لا يقرّون ولا يجلسون وهو أشد في العذاب. قوله : ( الله أو بعض ملائكته بأمره ) وما كان بأمره كان قوله في الحقيقة وهو المناسب للقراءة بنون العظمة فإنها لله والأصل توافق معنى القرا آت فقوله لقراءة الخ بيان لوجه التقييد بالأمر فتأمّل فإنّ كلامه لا يخلو من الخفاء ، والذي في النشر أنه قرأ نافع والكوفيون بالياء والباقون بالنون. قوله : ( إذا لم تتسهل لكم الخ ) كون أرض الله واسعة مذكور للدلالة على المقدر وهو كالتوطئة لما بعده لأنها مع سعتها وامكان التفسح فيها لا ينبغي الإقامة بأرض لا يتيسر بها للمرء ما يريده كما قيل :
وكل مكان ينبت العزطيب
وقال آخر :
إذا كان أصلي من تراب فكلها بلادي وكل العالمين أقاربي
ويتمشى بمعنى يتيسر وهو مجاز مشهور والحديث المذكور رواه الثعلبي مرسلا ،
وقوله فز بدينه الباء للسببية أو للملايسة وجوّز فيها أن تكون للتعدية وهو بعيد ، وقوله رفيق إبراهيم ومحمد خصهما لأنهما هاجرا هجرة معروفة في الله. قوله : ) والفاء جواب شرط محذوف ) أي الفاء الأولى لأنّ الثانية(7/106)
ج7ص107
تفسيرية ، والشرط المحذوف هو قوله إن لم تخلصوا العبادة لي في أرض وجوابه فإياي فاعبدون ، ومعناه اعبدوني ولا تعبدوا غيري كما يفيده تقديم الضمير الدال على الحصر والتخصيص ، ولذا فسره بقوله فأخلصوها في غيرها وجعل الشرط المقدّر إن لم تخلصوا لدلالة الجواب المذكور عليه وجملة الشرط المقدر مستأنفة وليس فيها فاء كما في الكشاف والمفتاح ، وأمّ الثانية فتكرير ليوافق المفسر المفسر أو عاطفة أي فاسبدون عبادة بعد عبادة وصح التفسير لاتحاد النوع كما في العطف ، وعوّض تقديم المفعول ست الشرط الصحذوف لوقوعه موقعه كقولهم أمّا اليوم فاني ذاهب ، وفي شرح المفتاج الشريفي ، وقد يقال موقع الشرط قبل الفاء فالمفعول ليس في موقعه وردّ بأنّ تقديم المفعول قبل حذف الشرط ليفيد إخلاص العبادة ولا يخفى ما فيه وقد تقدم تفصيله فانظره لتعلم ما فيه. قوله : ( كل نفس! ذائقة الموت ) فيه استعارة لتشبيه الموت بأمر كريه الطعم مرّه واليه أشار بقوله تناله لا محالة ، وعبر بالمضارع إشارة إلى أنّ اسم الفاعل للمستقبل كما في قوله محيطة ، وقوله لا محالة من الاسمية والكلية ، وثم للتراخي الزماني أو الرتبي وقوله من هذا عاقبته الخ الإشارة للرجوع للجزاء ، وهو بيان لارتباطه بما قبله من إخلاص العبادة ، ومن الحث على الهجرة لله لأنّ الدنيا ليست دار مقرّ بل منزل سفر فلا تعسر النقلة منها. قوله : ( لننزلنهم ) لأنّ المباءة منزل الإقامة ومباءة الإبل أعطانها كما قاله الخطابي ، ومحل الذين إمّا رفع على الابتداء ، والجملة بعده خبر أو نصب على الاشتغال وهو معطوف على ما قبله أتى به لبيان أحوال المؤمنين بعدما ذكر من أحوال الكفرة ، وعطفه على مقدر تقديره الذين كفروا مسوقون إلى جهنم وبئس مثوى الكافرين والذين آمنوا الخ مما لا حاجة إليه. قوله : ( علالى ) تفسير لغرفا وهو جمع علية بكسر العين ، وقد تضم وأصلها عليوة فأعلت الإعلال المعروف ومعناها القصر ، وعلالي بتشديد الياء وقد تخفف ،
وقوله وقرأ الخ أي بالثاء المثلثة الساكنة بعد النون وابدال الهمزة ياء من الثواء وهو الإقامة ، وقوله فيكون انتصاب الخ أي على أنه أجرى مجرى ننزلنهم ، وحمل عليه في التعدية فنصب غرفاً على أنه مفعول به له لأنه بمعناه ا. لأصلي لا ينصب إلا مفعولاً واحداً فتعديته للثاني بأحد الوجوه المذكورة ، ونزع الخافض على أن أصله بغرف فلما حذف الجارّ انتصب أو على أنه منصوب على الظرفية ، والظرف المكاني إذا كان مؤقتا أي محدوداً كالدار والغرفة لا يجوز نصبه على الظرفية فأجرى هنا مجرى المبهم توسعاً كما في قوله : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ } [ سورة الأعراف ، الآية : 16 ] على ما فصل في النحو. قوله : ) وقرئ فنعم ) بفاء الترتيب ، وقوله دل عليه ما قبله فتقديره الغرف أو أجرهم ويجوز كون التمييز محذوفا أي نعم أجراً أجر العاملين ، وقوله الذين صبروا صفة العاملين أو خبر مبتدأ محذوف وقوله والهجرة للدين بيان لارتباطه بما قبله ، وقوله ولا يتوكلون الحصر من تقديم المتعلق وكأين بمعنى كم للتكثير والكلام فيها مفصل في المغني ، وقوله أو لا تدخره فهو مجاز بذكر السبب وارادة المسبب كما في الوجه الذي قبله ، وقوله وإنما تصبح بيان لحاصل المعنى المراد منه. قوله : ( ثم إنها مع ضعفها وتوكلها ) التوكل هنا مجاز عن عدم الادّخار واعداد القوت لكنه عبر به لمناسبة المقام له ، وقوله لا يرزقها واياكم إلا الله الحصر بناء على مذهب الزمخشريّ في أنّ مثل هذا التركيب يفيده كما قرّره في قوله : { اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ } أو هو مأخو من فحوى الكلام وقرينة السياق فإنه كثيرا ما يفيده ، وقوله فلا تخافوا الخ هو لازم لما ذكر مراد منه فإذا تكفل برزق كل شيء حتى صغار الهوامّ لزم العاقل ذلك ، ولذا قدمها ولم يقل يرزقكم وإياها ، والمعاس ما به قوام الحياة وقوله فإنه أي الأمر والشأن بيان لسبب النزول الدال على تفسير الآية بما ذكر وأنّ المقصود نهيهم عن الخوف المذكور وبه يظهر مناسبته لما قبله. قوله : ) المسؤول عنهم ) كان الظاهر أن يقال منهم لكنه يقال سأل عنه بمعنى سأل منه أيضاً ، وإن ظنه بعضهم خطأكما فصلناه في حواشي شرح السراجية ، وقد صرح به الطيبي في شرح المشكاة فلا وجه
للاعتراض عليه ولا إلى ادّعاء القلب فيه فإنه ورد في الحديث " ما المسؤول عنه " بمعنى المسؤول منه كما صرح به في شروحه فلا تكن من الغافلين. قوله : ( لما تقرّر الخ ) يعني أنه راسخ ثابت في كل عقل إجمالاً ، وان لم يعلمه بطريق برهاني(7/107)
ج7ص108
ولا من رسول وشرع صدق به ولذا ترى كل أحد من الكفرة إذا غلبه الخوف لا ينادي صنمه ولا معبوده غير الله ، والفاء في قوله فإني للترتيب أو هي جواب شرط مقدر أي فإن صرفهم الهوى ، والشيطان فإني الخ والاسنفهام للإنكار والتوبيخ. قوله : ( يحتمل أن يكون الموسع ) بصيغة المفعول على الحذف والإيصال وأصله الموسع عليه ، وعلى هذا الاحتمال لا تتعين الفاء كما توهم لأنّ التضييق يكون مقدماً ومؤخرا ولذا عبر المصنف بالتعاقب دون التعقيب للفرق بينهما ، وهو الذي غره مع أنه لو سلم ذلك فقد يترك تفويضاً لفهم السامع ولم يذكر التوسط لأنه تقتير بالنسبة للسعة ، ولذا قيل في المثل أخو الدون الوسعل. قوله : ( على وضع الضمير موضع من يشاء ) فيكون المقتر عليه غير الموسع عليه وأصله ويقدر لمن يشاء بأن يجعل بعض النالس غنيا وبعضهم فقيرا وقد كان المعنى على الأوّل أنه تعالى يوسع على شخص واحد رزقه تارة ويضيقه أخرى ، والمراد أنّ الضمير راجع إلى من يشاء آخر غير المذكور لفهمه منه لأنه إذا ذكر من يشاء يوسع رزقه فهم منه ذلك فهو نظير قوله وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره ، وعندي درهم ونصفة أي نصف درهم آخر وهو قريب من الاستخدام وعود الضمير على من يشاء بقطع النظر عن متعلقه لا يغايره كما توهم. قوله : ( وإبهامه ) لأنّ من يشاء مبهم يحتمل الجر بالعطف على وضع والرفع على أنه مبتدأ ما بعده خبر. ، يعني أنّ من يشاء مبهم غير معين فلذا ساغ وضع الضمير المبهم بعدم ذكر مرجعه موضعه للمناسبة بينهما فلا يرد عليه ما قيل إنه غير سديد لأنّ إبهامه لا يقتضي إبهام ضميره بل عدمه لرجوعه إلى معين بالإبهام ، ولذا كان ضمير لنكرة معرفة على الأصح لكن كلامه لا يخلو من تعقيد في المعنى ، وقوله أصولها كالمطر وفروعها كالنبات ، وقوله ثم إنهم مأخوذ من المقصود بالسؤال مع علم السائل والمسؤول وثم للتفاوت في الرتبة وهو إشارة إلى ما مرّ من تقرير ذلك في العقول وعدى يشركون المتعدي بنفسه بالباء لتضمينه
معنى التسوية. قوله : ( على ما عصمك ) أي على عصمتك مما هم عليه من الضلال في إشراكهم مع اعترافهم بأنّ أصول النعم وفروعها منه تعالى فيكون كالحمد عند رؤية المبتلى ، وعلى ما بعده هو حمد على ما أنعم به عليه ، وقوله وقيل الخ فالمعنى أحمد اللّه عند جوابهم المذكور على إلزامهم وظهور نعم لا تحصى فإنهم لا يفطنون لم حمدت الله ومرضه ، وإن ارتضاه الزمخشريّ لخفائه وقلة جدوا. وتكلف الإضراب فيه. قوله : ( إشارة تحقيرا لأن اسم الإشارة يدل على ذلك كما فصل في المعاني ، وقوله لا تزن الخ كناية عن حقارتها عند الله بأسرها كما ورد في الحديث فيعلم حقارة ما فيها من الحياة بالطريق الأولى ، وتوله إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان الفعلان تنازعا قوله به الصبيان وفيه إشارة إلى أنه تشبيه بليغ ووجه الشبه سرعة الزوال ، وعدم النتيجة غير التعب ولو قال كما يلهون كان أظهر لأنه ليس للأفعال موقع هنا وقوله يجتمعون حال أو استئناف ، ويبتهجون بمعنى يسرون ويفرحون. قوله : ( لهي دار الحياة ) إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدراً وقوله لامتناع طريان الموت أي عروضه لمن فيها وعبر بالامتناع دون العدم لأنه أبلغ وان كان الامتناع ليس بذاتي لها ، وهو تعليل لكون حياتها حقيقية وقوله أو هي الخ فلا تقدير لقصد المبالغة كرجل عدل ، والحيوان مصدر سمي به ذو الحياة في غير هذا المحل وكلاهما مصدر لكن الحيوان أبلغ لأنّ فعلان بفتح العين في المصادر الدالة على الحركة ، ولذا لا يقلب فيه حرف العلة ألفا وقوله فقلبت الخ أي على خلاف القياس بناء على أنّ لا مهاياء ، وقيل إنه واو وأدلة الفريقين مفصلة في الصرف. قوله : ( لم يؤثروا الخ ) هو جواب الشرط المقدر لعلمه من السياق ، وكونها للتمني بعيد وقوله متصل الخ يعني أنّ الفاء للتعقيب على ما قبله باعتبار ما يدل عليه أو المراد أنه يقدّر فيه ما ذكر كما في الكشاف. قوله :
( كائنين في صورة من أخلص! ) فهو تهكم بهم سواء أريد بالدين الملة ، أو الطاعة أمّا الأوّل فظاهر وأمّا الثاني فلأنهم لا يستمرّون على هذه الحال فهي قبيحة باعتبار المآل ، وقوله فاجؤوا إشارة إلى أن إذا فجائية. قوله : ( ليكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة ) يشير إلى أنّ الكفر هنا كفران النعمة التي أوتوها وهي النجاة ، وأشار بالباء السببية إلى أنّ الشرك سبب لهذا الكفران فأدخلت لام كي على(7/108)
ج7ص109
مسببه لجعله كالغرض لهم منه فهي لام العاقبة في الحقيقة فقوله بشركهم متعلق بكافرين ونعمة النجاة مفعوله ، وقيل المعنى ليجمعوا التمتع إلى كفران النعمة لعطفه بالواو الجامعة ، وهو أقوى شبهاً بالغرض ولا يخفى أنّ إعادة اللام تأباه. قوله : ( أو لام الأمر ) معطوف على قوله لام كي ، واذا كانت الثانية لام الأمر فالأولى كذلك ليتضح العطف وتخالفهما محوج إلى التكلف والأمر بالكفر والتمتع مجاز في التخلية والخذلان والتهديد كما تقول لمن يخالفك في الغضب أفعل ما شئت ووجه التأييد أنّ لام كي لا تسكن وقوله فسوف تعلمون مؤيد للتهديد أيضا. قوله : ( جعلنا بلدهم الخ ) يحتمل أنه إشارة إلى أنه متعد لمفعولين حذف أوّلهما ويحتمل أنه بيان لحاصل المعنى ، وقوله مصوناً تفسير لقوله حرما وقوله آمنا أهله إشارة إلى أنّ أمنه كناية عن أمن أهله وهو إسناد مجازيّ أو فيه مضاف مقدّر وتخصيصهم ، وان أمن كل من فيه حتى الطيور والوحوس لأنّ المقصود الامتنان عليهم ، ولأنه مستمرّ في حقهم وقوله يختلسون تفسير للاختطاف ، وقوله في تغاور تفاعل من الغارة وهي معروفة والظاهر أنّ جمله ويتخطف الخ حالية بتقدير مبتدأ. قوله : ( أبعد هذه النعمة المكشوفة ) أي الظاهرة وهي نعمة الأمن والنجاة ، وقوله بالصنم أو الشيطان تفسير للباطل ولذا قدمه ليوافق المفسر به ، وقوله للاهتمام لأنهما مصب الإنكار لا الإيمان ولا الكفران فينبغي تقديمهما كما تقرّر في المعاني ، ولما كانوا يؤمنون بالله أيضاً ويكفرون غير نعمته جعل الاختصاص ادعائياً للمبالغة لأنّ الإيمان إذا لم يكن خالصا لا يعتد به ولأنّ كفران غير نعمه بجنب كفرانه لا يعد كفرانا ، ولم يجعله
للفاصلة لأنه عكازة أعمى. قوله : ( بأن زعم أنّ له شريكاً ( وكونه كذباً على الله لأنه في حقه فهو كقولك كذب على زيد إذا وصفه بما ليس فيه ، وقوله يعني الرسول تفسير للحق ، وقوله بل سارعوا لجعل التكذيب مقارنا لمجيئه كما تفيده لما الحينية. قوله : ( تقرير لثوائهم ) أي إقامتهم فيها وهو ظاهر في أنّ مثوى مصدر ميمي وهو يحتمل المكان أيضاً لأنّ الاستفهام فيه معنى النفي ونفي النفي إثبات كما في قول جرير :
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راج
وقوله ألا يستوجبون إشارة إلى أنّ الظاهر أقيم مقام الضمير لتعليل استيجابهم الثواء ، ولا ينافي كون ظاهره أنّ العلة كذبهم وافتراؤهم لأنه لا يغايره والتعليل يقبل التعدد فتعريفه للعهد. قوله : ( أو لاجترائهم الخ ) معطوت على قوله لثوائهم فالمراد على هذا مطلق جنس الكفرة ، ويدخلون منزلة العالم قوله في حقنا وجعلهم عالمين بأن جنهم مثوى الكفرة لوضوحه وظهوره فنزلوا فيه دخولاً أولياً برهانيا ففيه مضاف مقدر ومعنى في حقنا من أجلنا ولوجهنا خالصا وأما جعل للميالعة يجعل ذأت الله مستقرّا للمجاهدة كما قيل : فلا حسن فيه ، وقوله بأنواعه أي الجهاد كالقتل والأسر وقمع النفس بالصبر على المكاره والعبادة ولا حاجة إلى تأويل جاهدوا بأرادوا الجهاد لتقدم الهداية عليه على ما فسره المصنف به ، وطرق الوصول إلى الله ورضوانه هي الطاعات والمجاهدات كما لا يخفى ، وقوله لنزيدنهم إشارة إلى ما مرّ من أنّ الجهاد هداية أو مرتب عليها وأيد إرادة الزيادة بالآية والحديث المذكور ومعنى ورّثه أعطاه. قوله : ( بالنصر والإعانة ) لأنّ معية الله إنما هي بإعانة الله لعبده وتقدم الجهاد المحتاج للنصرة قرينة قريبة ،
والحديث المذكور من حديث أبيّ الموضوع وهو مشهور وتخصيص المؤمنين والمنافقين لذكرهم في هذه السورة تمت السورة بحمد اللّه وعونه وتوفيقه وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة الروم
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية الخ ا لم يستثن في الإتقان والتيسير شيئاً منها قيل وهو الأصح والاستثناء
مبنيّ على قول(7/109)
ج7ص110
الحسن وهو خلاف مذهب الجمهور والتفسير المرضي كما سيأتي بيانه لكن المصنف قصد تتميم الفائدة هنا. قوله تعالى : ( { أَدْنَى الْأَرْضِ } ) أدنى أفعل تفضيل بمعنى أقرب فالأرض إمّا من أرضى العرب فأقر بيتها من أرض الروم أو أرض الروم فأقر بيتها من بلاد العرب كما أشار إليه المصنف رحمه الله ، وقوله منهم ومن العرب صلة أدنى بمعنى أقرب لأنه يتعدى بمن لا من الداخلة على المفضل عليه لأنه مضاف ، وأفعلى لا يجمع فيه بين من والإضافة وأل في الأرض للعهد ، والمعهود قد يتقدم ذكره وش! مى عهداً ذكرياً وقد لا يتقدم كما هنا واليه أشار بقوله لأنها الأرض المعهودة عندهم أو هو إشارة إلى أنها في حكم المذكور لحضورها في ذهنهم وفيه إيماء إلى ترجيحه بتعليله ، وتقديمه لكنه مخالف للرواية لأنّ المرويّ من طرق عديدة أنّ الروم وفارس تحاربوا بين أذرعات وبصرى فغلبت فارس الروم فلما أتى الخبر مكة شق على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان جيش فارس من قبل كسرى وأميره شهريار كما ذكره ابن حجر مفصلا في شرح البخاري. قوله : ( واللام بدل من الإضافة ) قال ابن هشام في شرح بانت سعاد الخلاف في نيابة أل عن الضمير في محل يحتاج للربط من حيث هو ضمير لا من حيث هو مضاف إليه وربما توهم من كلامهم الثاني ، وقد استجرّ ذلك الزمخشري حتى جوّز نيابتها عن المضاف إليه المظهر في قوله تعالى : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا } ففي كلام المصنف نظر وكذا في قول من قال هنا إنه على مذهب الكوفيين ( قلت ) ومما يؤيد ما قاله ابن هشام أنّ تعريف الإضافة واللام بمعنى فلا فائدة في تجعل أحدهما بمعنى الآخر إلا فيما ذكر له وقوله وقرئ غلبهم أي بفتح فسكون والمشهور بالضم ، والحلب بالحاء المهملة اللبن المحلوب أو بالجيم وقوله بالجزيرة هو قول مجاهد والمراد بها الجزيرة العمرية لا جزيرة العرب ، والذي
صححه ابن حجر هو الأوّل وقوله شمتوا بالمسلمين وهو من باب فرح ومعناه الفرح بالمصيبة. قوله : ( وهي أدنى أرض الروم من الفرس ) بيان للمراد بالجزيرة كما منر وأنها المراد من أدنى الأرض هنا ، وقال الطيبي : إنما نسب الأدنى إلى عدوّهم لأنّ أدنى من الاً مور النسبية فإذا لم يرد بها أرض العرب فلا بد من أرض أخرى وليس إلا أرض عدوّهم وهم فارس والقرينة قوله غلبت انتهى ، ومعنى قوله لم يرد أرض العرب أنها لم تكن مرادة من الأرض المعينة لتعيين غيرها في هذه الرواية فتعين نسبتها إلى أرض عدوّهم بقرينة الخارج فلا يرد أنه لا يلزم من عدم إرادة أرض العرب من الأرض! عدم اعتبار القرب بالشبة إليهم فإن كون الخطاب لهم يقتضي ذلك كما توهم فإنه كما قيل :
شتان بين مشرق ومغرب
وهو معنى قوله في أنّ قوله إلى عدوّهم من حديث المغلوبية فافهم. قوله : ( بعد بضع سنين ) أي بعد جملتها لأنّ ما وقع في آخر سنة منها يعدّ واقعاً بعدها ولا يخالف النظم لوقوعه فيها فلا وجه لما قيل إنّ المراد بعد ابتدائها حتى لا يخالف النظم لأنه لو كان كذلك صدق على ما دون التاسعة وليس بصحيح ، وقوله أنا حبك بالنون والحاء المهملة والباء الموحدة مجزوم في جواب الأمر ومعناه أعاهدك وأعاقدك عليه قال في الأساس ناحبته على كذا خاطرته وراهنته وهو من النحب بمعنى النذر ومنه استعير قضى نحبه إذا مات لكنه صار حقيقة في العرف ، والقلائص جمع قلوص وهي الفتية من إناث الإبل ، والثلاث هي ابتداء البضع لأنه من ابتداء الثالثة يفهم التعجيل أو ظن البضع من الثلاثة إلى السبع فجعله وسطه شفقة ، وحرصا على تعجيل مسرة المؤمنين ، وقوله فزايده في الخطر أي زد في الجعل وهو معنى الخطر بفتحتين أي طول المدة ، ومادّه أمر من مفاعلة المد وهي تطويل المدة وأمّا تعيينه عليه الصلاة والسلام فلأنه من متناول معنى البضع فأخذ فيه بالأحوط ، وقوله بعد قفوله أي رجوعه وهو متعلق بقوله مات وقصة أبيّ مفصلة في السير. قوله : ( يوم الحديبية ) هي بتخفيف الياء على الأصح اسم بئر
سمي بها مكانها ، وكان ذلك في السنة السادسة أو السابعة من الهجرة في ذي القعدة والمراد باليوم مطلق الوقت ، وفي رواية أنه يوم بدو وقوله تصدق به لأنه كره له أخذه ، وقوله استدل به أي بما ذكر لأنه حديث صحيح رواه الترمذيّ ، وهو إن كان بعد تحريم القمار فهو وقع بمكة وهي قبل الفتح دار حرب ، والعقود الفاسدة تجوز فيها كما تسقط فيها الحدود عند أبي حنيفة لكن الذي(7/110)
ج7ص111
ذكره الطحاوي في الآثار أنه كان قبل تحريم القمار فلا دليل فيه عندنا أيضاً ، والقمار أخذ شيء على الرهان والمغالبة ، وهو حرام وقوله في الحديث تصدق به سقط من بعض الروايات فإن قيل ما دليل جواز التصمدق بالحرام ، وكيف يتصدق بما لا يملكه قلنا ذهب جماعة إلى أنه غير جائز لأنّ الله لا يقبل إلا الطيب وذهب بعضهم إلى جوازه كما في الأحياء ، وفيه بحث لأنّ صاحبه معلوم ومثله يردّ عليه وان قيل إنه مال حربي لا يكون تصدّقا بالحرام ، والذي في مذهبنا أنه لا يجوز التصدق به ما لم يختلط بغيره والمقصود إنما هو تفريغ ذمته كما في منظومة ابن وهبان. قوله : ( وترئ غلبت بالفتح الخ ) هي قراءة نصر بن عليّ كما ذكره الترمذيّ ، وهو ثقة ولا يرد عليها اعتراض! الزجاج بأنها مخالفة للرواية ولما أجمع عليه القراء والتوفيق يين القراءتين أنها نزلت مرتين مرة بمكة غلبت بالضم ، ومرّة يوم بدر بالفتح وتأويلها ما ذكر من أنّ المعنى أنّ الروم غلبوا على ريف الشام وسيغلبهم المؤمنون في بضع سنين ، وأليه أشار المصنف رحمه الله بقوله ومعناه كما ذكره الطيبي ، والريف بكسر الراء المهملة أرض فيها زرع وخصب قريبة من العمران ، وقوله في السنة التاسعة من نزوله أي نزول هذه الآية مرّة ثانية ببدر كما مرّ وذكر الضمير لتأويله بالقرآن أو الخبر ونحوه من القول لكن لا يخفى أنه ليس في كلام المصنف ما يدل على ما ذكر في النزول وان فسره به بعضهم اعتماداً على ما نقلناه فالصواب أن يبقى نزوله على ظاهره ويراد غزوة مؤتة فإنه قريب من التاريخ المذكور من نزولها أولاً ، ولا حاجة أيضا إلى تعدد النزول فإنه يجوز تخالف معنى القراءتين إذا لم يتناقضا وكون فريق غالباً ومغلوباً في زمانين غير متدافع فتأمّل. قوله : ( وعلى هذا يكون إضافة الغلب إلى الفاعل ) وقد كان مضافا للمفعول كما مرّ أو إلى نائب الفاعل إن كان مصدر المجهول وقد رجحه بعضهم بموافقته للنظم. قوله : ( من قبل كونهم غالبين الخ ) يعني أنه حذف فيه
المضاف ، وقدر فبني الظرف على الضم لأنه من الغايات كما بينه النحاة إلا أنه على ما قدره المصنف يتغاير فيه المضافان وهو خلاف الظاهر فلو قدره من قبل هذه الحالة ، وبعدها ليتحدا كان أوفق بالمعتاد وتقديم الخبر هنا للتخصيص ، وقوله من غير تقدير مضاف إليه وهو المشهور لكنه ذكر السكاكي أنه مقدر فيه أيضا والتنوين عوض عنه ، ويجوز كسره من غير تنوين أيضا كما قاله الفراء ، وقال الزجاج إنه خطأ لأنه إمّا أن لا يقدر فيه الإضافة فينوّن أو يق!در فيبنى على الضم ، وأمّا تقدير لفظه قياساً على قوله :
بين ذراعي وجبهة الأسد
فقياس مع الفارق لأنه ذكره بعده وما نحن فيه ليس كذلك وقد ذهب إلى قول الفراء ابن هشام في بعض كتبه وقوله أوّلاً وآخرا بالتنوين لأنه ظرف بمعنى قبل ، وبعد ولو كان أفعل للتفضيل منع من الصرف وله تفصيل في محله ، وقوله يغلب الروم بصيغة المعلوم. قوله : ( من له كتاب ) وهم الروم والمسلمون أمّا الأوّل فلوقوع غلبتهم واخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم بالوحي ، وأمّا الثاني فلغلبتهم في رهانهم كما ذكره المصنف ومن مفعول نصر والتفاؤل تفاؤل المشركين بغلبة فارس لغلبتهم فإذا ظهر خلافه انقلب فألهم طيرة عليهم ، ويومئذ متعلق بيفرح أو ينصر وبنصر متعلق بيفرح أو بالمؤمنين. قوله : ( ولي بعض أعدائهم بعضاً ) أي جعل بعضهم مشتغلاً بقتال بعض حتى تفانوا بالفاء والنون أي حصل لهم الفناء والهلاك كما قيل سعادة المرء ويمن طيره قتل عدوّه بسيف غيره ، وقيل إنه بالغين المعجمة بمعنى كفاية المؤمنين ، وهو بعيد جدا. قوله : ( يثتقم الخ ) ناظر إلى قوله العزيز ، وقوله متفضل إلى قوله الرحيم ففيه لف ونشر ، وقوله مؤكد لنفسه أي كقوله له عبى ألف اعترافاً ، وقوله لأنّ الخ بيان للمؤكد لنفسه وهو ما وقع بعد جملة ئتضمن معناه كما في المثال المذكور وعامله محذوف وجوباً ، وقوله لامتناع الكذب عليه بناء على أنّ الوعد خبر ، وقد قيل إنه إنشاء. قوله : ( وعده ولا صحة وعده ) قدر مفعوله المحذوف ما ذكر لأنه المناسب للاستدراك ، وان صح أنه ينزل منزلة اللازم أو يقدّر المفعول عاماً على أنّ
المعنى لا يعلمون شيئا ، وليسوا من أولي العلم حتى يعلموا وعده أو صحته ، وأمّا كونه المناسب لقوله الآتي إشعاراً بأنه لا فرق فسيأتي ما فيه ، وقوله لا تخطر الآخرة(7/111)
ج7ص112
ببالهم فكيف يتفكرون فيها. قوله : ( وهم الثانية تكرير للأولى ( للتأكيد اللفظي الدافع للتجوز ، وعدم الشمول ، وان كان الفصل بمعمول الخبر حينئذ خلاف الظاهر لكن حسنه وقع الفعل في التلفظ ، والاعتناء بالآخرة وقوله وهو أي هذا الكلام على الوجهين أي التكرير والابتداء ، ومناد بمعنى مظهر ظهوراً تاماً وتمكن الغفلة فيهم من تكرير المسند إليه أو الإسناد الدال على الحصر حتى كأنه ليس في الدنيا غافل سواهم مع قصر غفلتهم على أمر الآخرة ، وقوله المحققة بزنة اسم الفاعل مجرور صفة لغفلتهم أي غفلتهم مقررة لعلمهم بظواهر الدنيا وزخارفها لأنّ من صرف فكره لذلك كان بمعزل عن الآخرة لأنها ضرتان ومقتضى بزنة المفعول. قوله : ( المبدلة الخ ) صفة للجملة المراد بها يعلمون ظاهرا الخ فإنها بدل من جملة لا يعلمون فإنّ الجاهل الذي لا يعلم ما وعد الله عباده ، ولا يتفكر فيه هو الذي قصر نظره على ما يراه من ظاهر الدنيا والمصحح للبدلية أتحاد ما صدقا عليه ، والنكتة المرجحة له جعل علمهم والجهل سواء بحسب الظاهر ، وإن تغايرا باعتبار متعلقهما فتدبر. قوله : ( تقريرا لجهالتهم ) تعليل للمحققة أو للمبدلة أو لمناد والجهالة معلومة من نفي العلم المطلق ظاهراً والمقيد فإنه ناشئ عن فرط جهلهم كما أشار إليه بقوله لجهلهم ، وعدم تفكرهم فلا وجه لما قيل إنه لا يظهر إلا باتحاده مع المبدل منه فيتوقف على اعتبار الوجه الثالث لأنه إن أراد اتحادهما في الما صدق فهو مقرر كما عرفته ، وان أراد في المفهوم فليس بشرط كما في زيد أخوك قائم. قوله : ( وتشبيهاً لهم بالحيوانات ) وجه الشبه قوله المقصور الخ ، وقوله ببعض ظاهرها متعلق بمقصمور لكونه بمعنى مختص أو الباء بمعنى على كمافي قوله :
أرلث يبول الثعلبان برأسه
وهو من تنكير قوله ظاهراً كما أشار إليه فإنه للتعليل أو التنويع ، وقوله فإنّ الخ تعليل لعلمهم ببعض ظواهرها دون بعض ، وحقائقها أي الخارجة والذهنية وخصائصها ما يختص ببعض منها دون بعض ، وقوله وكيفية صدورها أي أمور الدنيا منها أي من أسبابها. قوله : ( ووصلة إلى نيلها ) تفسير لكونها مجازاً أي طريقاً وممرا إلى المقر والأنموذج معرّب نمونه
ويقال نموني أيضاً ، وقوله في القاموس أنموذح غلط لا وجه له كما مرّ ، وقوله واشعارا معطوف على قوله تقريرا وقد علمت وجهه وأنّ العلم وان تعلق بالوعد وصحته فهو مطلق ظاهرا ومسبب عن فرط الجهل فلا يرد عليه إنه إنما يتحقق الإشعار لو أجرى مجرى اللازم ، واختار الطيبي أنّ جملة يعلمون استئنافية لبيان موجب جهلهم بوعد الله ولم يرتض البدلية كما فصله. قوله تعالى : ( { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ } الخ ( معطوف على ما قبله أو على مقدر أي ألم يتفكروا في مصنوعاته ونحوه ، وقوله يحدثوا التفكر بيان لأنّ المراد الظرفية وذكره لزيادة التصوير إذ الفكر لا يكون إلا في النفس ، والتفكر لا متعلق له لتنزيله منزلة اللازم ، وقوله أو أولم يتفكروا في أمر أنفسهم على أنه متعلق الفكر ومفعول له بالواسطة لأنه يتعدى بفي فالمعنى حثهم على النظر في ذواتهم ، وما اشتملت عليه من بديع الصنع مع أنّ أوّله نطفة مذرة وهو كما قيل : وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
ربه يظهر ارتباطه بما بعده من غير نظر إلى أنّ النطفة مخلوقة من أغذية أرضية بواسطة أسباب سماوية كما قيل وقوله فإنها بيان لتخصيص الأمر بالنظر بها ، وقوله مرآة على التشبيه البليغ ، ويجتلي على صيغة المجهول بمعنى يظهر ، وقوله في الممكنات أي في النظر لها ، وقيل إنه بيان لوجه ارتباطه بما بعده وما قبله على التفسير الثاني ، واذا عطف على مقدر كما مر فهو ظاهر ، وقوله ليتحقق تعليل للتفكر ، وقوله قدرته على إبدائها منصوب بقدرة أي كقدرته الخ وقوله أولم الخ ليس في أكثر النسخ وعلى تقدير وقوعه ينبغي تأخيره. قوله : ( متعلق بقول الخ ) أي ألم يتفكروا فيقولوا أو فيعلموا الخ ، وقد جوز فيه كونه مفعول يتفكروا معلقاً عنه بالنفي وهو بعيد لأنّ التعليق في مثله ممنوع أو قليل ، وقوله يدلّ عليه أي على كل منهما لأنّ المحذوف لا بد له من دليل ، وقيل إنّ الضمير للعلم لأنّ القول حذفه شائع غير محتاج للدليل ، وفيه نظر والدليل قوله يتفكروا لأنّ المتفكر يعلم ويقول. قوله : ( تنتهي عنده ولا تبقى بعده ) باء بالحق للملابسة أي ما خلقها باطلا ولا عبثا بغير حكمة بالغة ، ولا لتبقى خالدة وإنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة ، وبتقدير أجل(7/112)
ج7ص113
مسمى تنتهي إليه وهو قيام الساعة للحساب والثواب والعقاب ولذا عطف عليه وأنّ كثيرا الخ فيأخذ الكلام بعضه بحجز بعض وقوله بلقاء جزائه ليم يبقه على ظاهره لأنه المراد إذ الكفرة منكرون له. قوله : ( عند انقضاء الأجل المسمى ) وفي نسخة عند انقضاء قيام الأجل المسمى ، وقد قيل إنها سهو من قلم الناسخ إلا أن يتكلف
له بجعله من إضافة الصفة للموصوف أي الأجل القائم ، والمراد بالأجل جميع المدة ولا حاجة إلى هذا فإنّ القيام يكون بمعنى البقاء ، والمعنى عند انقضاء بقاء مدة الدنيا ، وهو شامل لما في القبر بخلاف قيام الساعة فيفترقان. قوله : ( يحسبون أنّ الدنيا أبدية الخ ) إشارة إلى أن كافرون بمعنى جاحدون لقاء الله وجحده بإنكار الآخرة ، وقوله تقرير لسيرهم التقرير حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عند. والذي ذكو. النحاة أنّ المقرّر بمه ! ما يلي الهمزة والمصنف رحمه الله تعالى أراد تبعاً للزمخشري التقرير بما بعد النفي لا بالنفي فالأولى أن يحمل على الإنكار التوبيخي أو الإبطالي كما في المغنى وهو المراد لأنّ إنكار النفي إثبات لما بعده ، وهو المراد بالتقرير والمدمرين المهلكون ، وقوله وقلبوا وجهها تفسير للإثارة كما في قوله تثير الأرض وضمير في غيرها لمكة وهي المراد من الوادي ، ولو رجع إليه احتاج إلى تاويله بالبقعة لكنه متعين في قوله لا نفع لها الخ. قوله : ( وفيه تيكم بهم الخ ) أي في هذا الكلام والتهكم جاء من أفعل التفضيل إذ لا مناسبة بينهم وبين أولئك كما قيل :
ألم تر أنّ السيف ينقص قدره إذا قيل أنّ السيف أمضى من العصى
فتفضيل قوم عاد المعروفين بالنهاية في ذلك يقتضي مشاركتهم لهم ، ولا مناسبة بينهم فسقط قول صاحب الفرائد إذ لهم قوة ، واثارة حرث وعمارة للدور والأبنية وأولئك أكثر منهم فيها فكيف يتاتى التهكم وقول الطيبي أنى يذهب عليه قوله أثاروا الأرض لا وجه له ، وكذا ما قيل ليس فيه أفعل فلا تغفل وكذا ما قيل كلام المصنف ظاهر في أنّ وجه التهكم إنما هو في اغترارهم بالدنيا وافتخارهم بها مع ضعفهم فيها لا من أفعل التفضيل فإنه غير موجه إذلا شك في قوتهم ، وعمارتهم الأرض واسننباط الماء وغيره وكون من قبلهم أشد منهم وكون ما ذكر مفيدا للتهكم محل تردد فتدبر ، وقوله من حيث للتعليل. قوله : ( إذ مدار أمرها ) أي مدار أمر الدنيا الذي يفتخر به من يفتخر ما ذكر وهم ضعفاء لا قدرة لهم عليه وأرضهم لا تتحمله ، وهو تعليل لما قبله من الافتخار بالدنيا وهم عاجزون عنها ولا حاجة إلى جعله تعليلاً لمقدمة مطوية معلومة من السياق وهي ما كان لهم أن يفتخروا بالدنيا وهذه حالهم ولا إلى جعله تعليلاَ
للتهك!م ، وقوله بالمعجزات تفسير " للبينات لأنها مثبتة للمدّعي في النبوّة وكذا ما بعده. قوله ! : ( ليفعل بهم الخ ) إنما أوّله به لأنه له أن يفعل في ملكه ما يشاء فلو عذب من غير جرم لا يكون ظلماً عندنا فهو إمّا استعارة أو مثاكلة ، وإن كان النفي بحسب الظاهر لا يحتاج إلى التأويل لكنه مؤوّل لأنه يشعر باحتماله كما مر تحقيقه في ، لبقرة ، والتذكير مفهوم من مجيء الرسل والتدمير ايلاك ، وتقديم أنفسهم على يظلمون للفاصلة أو للحصبر بالنسبة للأنبياء الذين ص يدعونهم ، وقوله ثم هي إما للتراخي الحقيقي أو للاستبعاد والتفاوت في الرتبة. قوله : ( العقوبة الخ ) بيان لموصوفه المقدر وقولمه " للدلالة الخ وهو كونهم أساؤوا فجوزوا من جنس أعمالهم ، ولو أتى بالضمير فاتت هذه الأدلة وقوله جاؤوا كذا في النسخ؟ والأولى أن يقول جوزوا وقوله علة أي هو بتقدير اللام ، والأصل لأن كذبوا وهو تعليل لسوء عاقبتهم وقوله للسو أي متعلق بالوجهين الأخيرين لا بالوجوه لمثلاثة لأنه ليس علة للسوأى بل لكون عاقبتهم سوأى ، وهو يتعلق حبنئذ بكان أو بمقدر لا بالسوأى كما قيل لأنّ المعنى ليس عليه ولا بأساؤوا لئلا يلزم الفصل بالأجنبيّ ، وهو الخبر ولا يرد على العلية أنها بينت قبل بوضع الظاهر موضع الضمير لأنها مجملة وهذه مبنية لها ، ولك أن تجعلها خبر مبتدأ محذوف على أنها بيان للإساءة كما أشرنا إليه ، وتوله والسوأى مصدر الخ أي إذا كان أن كذبوا خبر كان فالسوأى مفعول مطلق لأساؤوا من- غير لفظه لا بحذف الزوائد كما توهم أو مفعول به له لأنّ أساؤوا بمعنى اقترفوا واكتسبوا ، والسوأى بمعنى الخطيئة لأنه صفة أو مصدر مؤول بها وهو مصدر من غير فعله لأنّ مصدره الإساءة وأمّا كونه صفة مصدره أي الإساءة السوأى(7/113)
ج7ص114
فبعيد لفظا ومستدرك معنى ، ثم كون التكذيب عاقبتهم مع أنه!م لم يخلوا عنه إمّ باعتبار استمراره أو باعتبار أنه عبارة عن الطبع كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله : ( ويجوز أن تكون السوأى صلة الفعل ا لا خبراً بأن يكون مصدراً أو مفعولاً به له ولا يأباه كون أن كذبوا تابعاً له أي بدلاً أو عطف بيان ويجوز أيضاً كونه علة وتقديره لأن كذبوا وتقدير الخبر وخيمة ، ونحوه والإبهام باحتماله وجوها في التقدير والتهويل لإيهامه أنه لا يمكن التعبير عنه ، وهذا لا ينافي كون المحذوف لا بدّ له من القرينة فتأمل. قوله : ( لأن الإساءة الخ ) أي لأنّ الإساءة تكون فعلية ، وقولية والمراد على هذا
الوجه الثاني فيوجد شرطها وهو كون ما قبلها متضمناً لمعنى القول دون حروفه ، والمفسر إمّا أساؤوا أو السوأى من غير تكلف. قوله : ( على الوجوه المذكورة ) يعني إذا كان اسم كان السوأى فإن كذبوا بدل أو عطف بيان أو علة ، واذا كان أن كذبوا اسمها فالسوأى مفعول به أو مطلق. قوله : ( والعدول إلى الخطاب الخ ) يعني أنّ الأصل هنا ، ومقتضى الظاهر الغيبة لكنه عدل عنه إلى خطاب المشركين لمكافحتهم بالوعيد ومواجهتهم بالتهديد ، والمبالغة في إيهام أنه مخصوص بهم وتقديم إليه للتخصيص ، والمراد بالمقصود المقصود من هذا الكلام ، وهو وعيدهم. قوله : ( يقال ناظرته فأبلس ) قال الراغب : الإبلاس الحزن المعترض من شدة اليأس ، ولما لزمه السكوت ونسيان ما يعنيه قيل أبلس بمعنى سكت وانقطعت حجته ، وقوله لا ترغو بالغين المعجمة أي لا تصوت والرغاء صوت ذوات الخف ، وقوله من أبلسه ظاهره أنه يكون متعديا وقد أنكره أبو البقاء والسمين وغيرهما حتى تكلفوا ، وقالوا : أصله يبلس إبلاس المجرمين على إقامة المصدر مقام الفاعل ، ثم حذف وأقيم المضاف إليه مقامه ولا يخفى عدم صحته لأنّ إبلاس المجرمين مصدر مضاف لفاعله ، وفاعله هو فاعل الفعل بعينه فكيف يكون نائب الفاعل فتأمل. قوله : ( ممن أشركوهم بالله ) من الأوثان أو الشياطين أو رؤسائهم كما في مر النحل أي ممن أشركوهم في العبادة ، ويجوز أن تكون الإضافة لإشراكهم في أموالهم والمراد بالماضي المضارع المنفي بلم ، وقوله كانوا واليه أشار بقوله يكفرون الخ ، وذكرها للدلالة على الاستمرار لا المحافظة على رؤس الفواصل كما توهم فإنها ليست بزائدة ، ولو سلم بأن يراد الزيادة على أصل المعنى مع أنّ قصد الاستمرار يأباه فلو قيل وهم بشركائهم كافرون كان هو المناسب للفاصلة الواوية ، وقوله بآلهتهم في نسخة بآلهيتهم وهو إشارة إلى وجه إقامة الظاهر مقام المضمر إذ لم يقل بهم ، وقوله وقيل الخ على أنه على ظاهره من المضيّ والباء سببية حينئذ ولم يرتضه لقلة فائدته ، ولأنّ المتبادر أنّ يوم تقوم الساعة ظرف له ، ولذا قيل إنّ المناسب عليه جعل الواو حالية فالمعنى أنهم لم يشفعوا لهم مع أنهم سبب كفرهم ، وهو أحسن من جعله معطوفاً على مجموع الجملة مع الظرف مع أنه عليه ينبغي القطع للاحتياط إلا أن يقال إنه ترك تعويلاً على القرينة العقلية فيه ، وهو خلاف الظاهر. قوله :
( وكتب في المصحف ) على خلاف القياس بواو بعدها ألف والقياس ترك الواو أو تأخيرها عن الألف لكن الأوّل أحسن كما ذكر في الرسم ، وكذا رسم علماء في الإمام على خلاف القياس ، وأما السوأى فرسمها في المصحف العثماني كما في شرح الرائية فصورت فيها الهمزة ألفا مع سكون ما قبلها والقياس خلافه لأنها ترسم بصورة تسهيلها ، ولا ياء فيها بعد الألف كما ذكره السخاوي والقياس إثباتها والتنظير به في مجرد مخالفة القياس مع ذكره في هذه السورة ، وكذا هو مذكور في كتب الرسم وان كان كلامهم فيه لا يخلو عن الإشكال لكن لا حاجة إلى حمل كلام المصنف رحمه الله تعالى عليه ، وقوله إثباتاً للهمزة الخ راجع لهما فإن الواو هي صورة الهمزة في شفعاء ، والألف صورتها أيضاً وأمّا الألف بعد الواو كما في بعض الكتب فزيادة بعدها كما بعد واو الجمع كما ذكره الشاطبيّ رحمه الله تعالى فقال :
وصورت طرفا بالواو مع ألف في الرفع في أحرف وقد علت خطرا
أبنواء مع شفعواء مع دعواءبغا فرنشواءبهود وحده شهرا
وفيه كلام في الكشف والمقام لا يحتمل الزيادة فإن أردت فانظره من قال إنه راجع للأخير فقد وهم. قوله : ( يتفرّقون ) أي في المحال والأحوال ، وقوله المؤمنون والكافرون أي الدال عليهما ما قبلهما من عموم الخلق(7/114)
ج7ص115
وما بعده بقوله فامّا الذين الخ ، والروضة البستان وتخصيصها بذات الأنهار بناء على العرف وتهلل الوجه ظهور أثر السرور عليه ، وقوله مدخلون أخذه من لفظ في العذاب ولا يغيبون معنى قوله محضرون.
قوله : ( أخبار في معنى الآمر ) ذكر عقب الوعد والوعيد ما هو وسيلة للفوز والنجاة من
تنزيه الذات عما لا يليق به والثناء عليه بصفاته الجميلة وأداء حق العبودية فالفاء للتفريع على ما قيل فكأنه قيل إذا صح ، واتضح عاقبة المطيعين والعاصين فقولوا نسبح سبحان الخ والمعنى فسبحوه تسبيحا دائماً ، وقدره خبرا في معنى الأمر لأنّ سبحان مصدر لا يتصرف ، ولا ينصبه فعل الأمر لأنه إنشاء من نوع آخر لكنه نائب مناب الأمر ، والشرط والجواب مقول على ألسنة العباد على ما فصله في الكشاف وفيه بحث. قوله : ( في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته ) هي أوقات الصباح والمساء بالإخراج من الظلمات إلى النور وعكسه ، وقدم الإمساء لتقدم الليل والظلمة وقوله وتتجدد فيها نعمته هي أوقات الظهيرة والآصال لأنها أوقات التعيش وا!ل
والشرب ، ولذا خص الأوّلين بالتنزيه والأخيرين بالتحميد كما أشار إليه الممصنف رحمه الله تعالى. قوله : ( أو دلالة الخ ) معطوف على قوله إخبار في معنى الأمر فلا يكون في معنى الأمر بل هو باق على أصله ، وقوله من الشواهد خبر أنّ وضميبر فيها لجميع هذه الأوقات ولعل ارتباطه حينئذ بما قبله من عقوبة الكافرين واستحقاقهم للعقاب كأنه قيل هؤلاء مستحقون للعذاب الشديد فإنهم كفروا مع قيام الشواهد على التوحيد ونداء الكون على التنزيه والتحميد فلا وجه لما قيل إنه لا يظهر ارتباطه بما قبله ، ولا لما قيل إنّ الظاهر عطفه بالواو لأنه لا يصلح وجهاً مستقلاَ لما ذكر فتدبر ، وقوله ممن له تمييز الخ توجيه لذكر قوله في السموات والأرض وأنهما كناية عن العموم لمن فيهما. قوله : ( ويجوز أن يكون عشياً الخ ) وعلى الأوّل كان معطوفا على قوله في السموات والأر ض ، ووجه التخصيص ما مر وعلى هذا لا تخصيص فيه كذا قيل وأورد عليه أنه لا يتأتى هذا العطف فإنه لا يعطف ظرف الزمان على المكان ولا عكسه كما مر في سورة التوبة في قوله : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } [ سورة التوبة ، الآية : 25 ] وهذا غير وارد على المصنف رحمه الله تعالى لأنه لم يصرح به فيحتمل أن يكون معطوفا على مقدر تقديره ، وله الحمد في السموات والأر ض دائماً وعشياً على أنه تخصيص بعد تعميم فتأمل ، وجعل الجملة على هذا معترضة لا حالية كما قيل لأنه خلاف الظاهر. قوله : ( ولذا زعم الحسن الخ ) عبر بالزعم إشارة إلى ضعفه لأنّ الصلاة فرضت بمكة على الصحيح ، ويدلّ عليه حديث المعراج الثابت في الصحيحين ، وقوله في أفي وقت اتفقت أي اتفقت الصلاة فيه ، وترك ما في الكشاف " عن عائشة رضي الله عنها من أنها فرضت بمكة وكعتين في كل وقت فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة أقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر " وهو القول الثالث لأنه دليل الحنفية في أن قصر الصلاة عزيمة لا رخصة ، والذي
ارتضاه ابن حجر في شرح البخاريّ جمعا بين الأدلة أنّ الصلاة فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ، ثم زيدت عقب الهجرة إلا الصبح كما روي عن عائشة رضي الله عنها من طرق شتى ، ثم لما استقرّ الحال فيها خفف منها في السفر عند نزول آية القصر فتكون رخصة ، وعلى قول ابن عباس التسبيح والتحميد عبارة عن الصلاة كما مر في التعبير عنها بالذكر. قوله : ( وعته عليه الصلاة والسلام الخ ) أخرجه أبو داود والترمذي والعقيلي ، وقال البخاري : إنه ليس بصحيح ورواه الثعلبيّ بسند ضعيف وقوله يكال الخ القفيز مكيال معروف والا وفي بمعنى التامّ الكبير وهو استعارة عن كثرة العطاء والثواب ومعنى أدرك ما فاته وصل إلى ثواب عظيم فاته أو جبر به ما وقع من التقصير منه لأنها مكفرة له ، وقدر فيه على التنوين لأنّ الجملة صفة حينئذ لا بد لها من عائد ، وإذا أضيفت لا يجوز ذكر الضمير. قوله : ( كالإنسان ) فيخرج بمعنى ينشئ هنا لا فيما بعده ، وقوله أو يعقب الحياة الموت ، وفي نسخة بالموت وهذا تفسير لهما أو للثاني والأوّل أظهر فتدبر ، وقوله بالنبات إشارة إلى أنه استعارة كالموت بالنسبة لها ، وقوله ومثل ذلك الإخراج الإشارة إلى الإخراح المذكور بعده كما مر تحقيقه أو إلى إخراح النبات المفهوم مما قبله ، وقوله أيضاً أي كحياة الأرض بعد موتها. قوله : ( لأنه خلق أصلهم منه ) يعني آدم عليه الصلاة والسلام ، أو النطفة والمادّة كما مر فهو مجاز أو على تقدير مضاف ، ومعنى من آياته من(7/115)
ج7ص116
دلائل قدرته ووقوع البعث المذكور سابقاً. قوله : ( ثم فاجأتم ) إشارة إلى أنّ إذا فجائية ، وثم للتراخي الحقيقيّ لما بين الخلق والنشر من المدّة كما قاله أبو حيان وقال الطيبي إنها للتراخي الرتبي لأنّ المفاجاة تأبى الحقيقيّ وردّ بأنه لا مانع من أن يفاجئ أحد أمرا بعد مضي مدة من أمر آخر أو أحدهما حقيقيّ ، والآخر عرفيّ ولا يخفى أنه على تسليم صحته يأباه الذوق فإنه كالجمع بين الضب ، والنون فما ذكره الطيبي أنسب بالنظم القرآني ، والمراد بالانتشار في الأرض الذهاب للمحشر. قوله : ( لأن حوّاء خلقت من ضلع آم ) عليه الصلاة والسلام فمن تبعيضية والأنفس
بمعناها الحقيقيّ ، والمعنى خلق أصل هذا الصنف من أصل الصنف الآخر فنسب ما للبعض للكل ، وقوله أو لأنهت الخ فمن إبتدائية والأنفس مجاز عن الجنس كما في قوله : { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ سورة التوبة ، الآية : 128 ] أي من جنسكم كما مز ، وقوله لتميلوا إليها يقال سكن إليه إذا مال وفسر الميل بالإلفة ، وقوله تألفوا أصله تتألفوا ولذا عداه بالباء ، وقوله الجنسية علة للضمّ يعني تجانس ذوي الاً رواح سبب لانضمام بعضها البعض وكون أحدهما مع الآخر واختلاف الجنس سبب لضده ، وهو بيان لتعليل الخلق من الأنفس بالميل على الوجهين أو على الثاني لظهور ميل كل أحد لحزبه ، وقوله بينكم فيه تغليب كما أشار إليه المصنف رحمه الله ، وقوله بواسطة الزواج بالكسر على التفسير الأوّل ، وقوله نظما لأمر المعاش تعليل لعدم اختط صه بحال الشبق ، وخصه بالأوّل وإن كان الثاني كذلك أيضاً لأنّ قوله تعيش الإنسان في معناه فلا ركاكة فيه كما توهم ، وقوله أو بأن الخ معطوف على قوله بواسطة ، وهو على الثاني ففيه لف ونشر ، والشبق هيجان القوّة الشهوانية وغيرها بالنصب عطف على حال والضمير لها لأنها مؤنث سماعيّ ، وقوله بخلاف سائر الحيوانات فإنها إنما تتوإدّ حال الشبق والباء فيهما للعببية ، أو للاستعاشة. قوله : ( وقيل المودّة الخ ( كون المودّة بمعنى المحبة كناية عن الجماع للزومها له ظاهر ، وأمّا كون الرحمة كناية عن الولد للزومها له فلا يخلو عن بعد والآية المذكورة في سورة مريم ولم يفسرها ثمة بما ذكر هنا ، وقوله لغاتكم إشارة إلى وجه التخصيص ، وذلك إشارة إلى جميع ما تقدّم لأنه تذييل له أو إلى ما قبله ، وقوله لغاتكم إشارة إلى أنّ اللسان بمعنى اللغة لا الجارحة ، وقوله بأن علم الخ بناء على أنّ وأضع اللغة هو الله وما بعده على أنه البشر بإلهامه على ما عرف في الأصول ، وقوله أو أجناس نطقكم بالجرّ عطف على لغاتكم واختلافها جهرا وفصاحة وغير. مما هو مشاهد. قوله : ( بياض الجلد وسواده ) هو تمثيل فيشمل غيره ،
وقوله أو تخطيطات الأعضاء أي تصويرها فالمراد بالألوان الضروب والأنواع كما يقال ألوان الطعام لأصنافه فهو أعمّ من التفسير الأوّل ، وحلاها بضمّ الحاء وكسرها جمع حلية بالكسر وهي معروفة ، وقوله بحيث الخ بيان لحكمته ونتيجته ، وقوله من ملك الخ بيان لعموم العالمين وقراءة حفص بالكسر لأنهم المنتفعون بها ، والمعتدّ بهم وما عداهم كالهوام. قوله : ( منامكا ) أي نومكم واستراحتكم في الزمانين الليلى على المعتاد فيه ، والنهار كنوم القيلولة وكذا الابتغاء ، والكسب نهارا على المعتاد وليلاً كما يقع في الليل من بعض الأعمال لا سيما في البلاد الحارة وفي أطول الليالي كما نشاهده فيكون الليل والنهار راجعاً لكل من المنام والابتغاء من غير لف ، ونشر فيه وهو المتبادر ولذا قدّمه والمراد بالقوى النفسانية المدركة والطبيعية ما عداها كالمحركة ونحوها. قوله : ( أو منامكم بالليل وابتناؤكا بالنهاو الخ ) هذا على أنّ الآية من اللف والنشر على جعل الليل للمنام ، والنهار للابتغاء لوروده في كثير من الآيات كذلك وأصله ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار على أنّ الجار والمجرور حال مقدّمة من تأخير أي كائنين بالليل والنهار ، أو خبر مبتدأ محذوف والجملة معترضة أي وذلك بالليل والنهار فلا يحتاج إلى حذف حرف الجرّ والتكلف الذي تكلفه المعرب ويكون لفاً ونشراً اصطلاحيا ، ومعنى قول أهل المعاني في تعريفه ذكر متعدّد على جهة التفصيل أو الإجمال ، ثم ذكر ما لكل من غير تعيين ولو تقديراً لأنه في نية التأخير والنكتة فيه الاهتمام بشأن الظرف لأنّ الآية الليل والنهار في الحقيقة لا المنام والابتغاء مع تضمن توسطهما مجاورة كل لما وقع فيه فقوله فلف أي لفا اصطلاحيا لا لغوياً كما قيل وقوله وضم بين الزمانين أي الليل(7/116)
ج7ص117
والنهار والمراد بالفعلين معناهما اللغوي ، وهو النوم والابتغاء وقد وقع في نسخة العاملين وظاهره أنّ المصدرين عاملان قي الجار والمجرور لا يصح توارد عاملين على معمول واحد ولا مجال للتنازع هنا فإن كان على التوزيع لزم كون النهار سولاً للابتغاء مع تقدّمه ، وعطفه على معمول منامكم مع حذف حرف الجرّ وهو تعسف ظاهر ولو أريد بالعاملين ما يصلح للعمل وإن لم يعمل هنا ، وقوله بعاطفين أي لم يكتف بعاطف بأن يقال منامكم بالليل ، وابتغاؤكم بالنهار. قوله : ( 1 شعارا الخ ) يعني أنه على تقدير اللف غير الترتيب مع أنّ القصد التوزيع للأشعار بأنّ كلاً من الزمانين الليل والنهار ، وان اختص على هذا التقدير لا أنهما صالحان لكل منهما أمّ صلاحيتهما للمنام فظاهر من ذكرهما عقبه وتبادر تعلقهما به ، وأمّا صلاحيتهما للابتغاء فلأنّ القيد المتوسط متعلق بالمتعاطفين ، وإطلاق الابتغاء يدل على
عدم اختصاصه بزمان ولا يرد عليه أنّ الإشعار حاصل لو قيل منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار لأنه قد يقال المتبادر منه تعلقه يما جاوره خصوصاً إذا قيل إنّ عمل المصدو الميمي قليل ، وقوله !يؤيده الخ فإنها صريحة في التوزيع ولذا ارتضاه الزمخشريّ ، وقال إنه الوجه وقد علمت إندفاع ما أورده عليه ابن !شام من لزوم كون النهار معمولاً للابتغاء مع تقدمه عليه ، وعطفه على معمول منامكم وم!و بالليل وان كانت عبارة المص!نف مقتضية لما أورده ، وبعد كل كلام فما ذكروه غير صاف من الكدر. قوله : ( فإنّ الحكمة فيه ) أي فيحا محر ظاهرة فيكفي مجرّد سماعها لمن له فهم وبصيرة ولا تحتاج إلى المشاهدة وأن كانت مبصرة ، وقوله مقدّر بان المصدرية لأنّ الآية الإراءة بل المرئي وإذا حذفت أن من الفعل يرتفع كما في الآية وقد يبقى صنصوباً لكنه شاذ وعليه روي قوله ألا أيهذا البيت بنصب الراء وه!و من قصيدة طرفة بن العبد البكري المشهورة التي أوّلها :
لخلولة إطلال ببرقة تهمد ظلل!ت بها أبكي وأبكي إلى الغد
والا للتنبيه وأيّ منلاى حذف منه حرف النداء ، وهذا صفة لأيّ والزاجري بدل منه وأل
فيه موصولة ولذا ساغ فيه الإضافة لياء المتكلم والوغى الحرب وهل للاستفهام الإنكاري ، ومخلدي مضاف إلى ضمير المتكلم وعطف قوله وأن أشهد دليل على الحذف مما قبله يقول لمن منعه من حضور المحاربات ، والافهماك في اللذات هل أنت ضامن لي الخلود في الدنيا حتى لا ألج المهالك ولا أستعجل الشهوات. قوله : ( أو الفعل فيه منزل منزلة المصدر ) أي من غير تقدير لأن المصدرية بل هو من استعماله في جزء معناه ، وهو الحدث وقطع النظر عن الزمان فيكون اسماً في صورة الفعل كما أنّ صلة أل فعل في صورة الاسم فيكون يريكم بمعنى الرؤية كما في المثل المذكور فإن تسمع بمعنى سماعك واقع موقع المبتدأ وخير خبره ، وكذا البيت لأنّ مراده أنّ الدهر ليس إلا تارتان وحالان أحدهما الموت والآخر الكدح أي الكد والتعب في طلب المعيشة وال!مثل مشهور يضرب لمن علاصيته ، وذكره وهو دودط ذلك عند المشاهدة ، وقد جوّز في المثل أن يكون مما حذف فيه أن أيضاً وأيد بانه روي فيه تسمع بالمنصب أيضاً ، وإن كان المشهور خلافه لكنه قيل إنّ المصنف رحمه الله لم يرتضه لأنّ المعنى س ليس على الاسنقبال ، وأمّا أن تراه فالاستقبال فيه بالنسبة إلى السماع فلا ينافيه. قوله : ( من الصاعقة أو للمسافر ) وفي نسخة إسقاط أو والصحيح الأولى ، وهو المطابق لما في الكشاف
وخوف المسافر لأنّ المطر يضرّه لعدم ما يكنه ولا نفع له فيه ، وقوله على العلة على أنه مفعول له ولما اشترط فيه الجمهور اتحاد المصدر والفعل المعلل في الفاعل ، وهنا ليس كذلك لأنّ فاعل الإراءة هو الله وفاعل الطمع والخوف العبد أشار إلى توجيهه بوجوه مستأتي فإن قلت الخوف والطمع مخلوقان لله فحينئذ يوجد الشرط من غير تأويل قلت قال في الانتصاف وغيره من شروج الكشاف إنّ معنى قول النحاة لا بد أن يكون فعل الفاعل أنه لا بد من كونه متصفاً به كالإكرام في قولك جثتك إكراما ، وهذا مما لا شبهة فيه فإنّ الفاعل اللغوي غير الفاعل الحقيقيئ فالتوقف فيه ، وادّعاء أنه لا حجر في النصب على التشبيه في المقارنة والاتحاد المذكور مما لا وجه له. قوله : ( فإن إراءتهم تستلزم الخ ) قيل عليه الخوف والطمع ليسا غرضين للرؤية ولا داعيين لها بل يتبعانها فكيف يكونان علة على فرض الاكتفاء بمثله عند(7/117)
ج7ص118
من اشترط ذلك ووجه بأنه ليس المراد بالرؤية مجرّد وقوع البصر عليه بل الرؤية القصدية بالتوجه والالتفات فهو مثل قعدت عن الحرب جبنا ، وتأويله بالإخافة إمّا بأن يجعل أصله ذلك على حذف الزوائد أو بأن يجعل مجازا عن سببه وعلى الحالية فهو مؤوّل بالوصف وكذا إذا جعل مصدر الفعل فهو حال أيضاً. قوله : ( وقرئ بالتشديد ) هذا على خلاف معتاده في التعبير بمثله في الشواذ وهي قراءة عن ابن كثير والبصريين لكنه لا ضير فيه فإنه وقع فيه مثله كثيرا تعويلا على الشهرة ، والباء في قوله به للسببية والضمير للماء ، وقوله بالنبات باؤه للملابسة فلا يلزم تعلق حرفي جرّ بمعنى بمتعلق واحد ، وقوله يستعملون عقولهم إشارة إلى تنزيله منزلة اللازم وضممير أسبابها للمذكورات. قوله تعالى : ( { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء } الخ ) إظهار كلمة أن هنا التي هي علم في الاستقبال لأنّ القيام بمعنى البقاء ، لا الإيجاد وهو مستقبل باعتبار أواخره وما بعد نزول هذه الآية وما قيل إنه للإعلام بانهما يبقيان مدّة معلومة له تعالى في المستقبل لا وجه له إلا أن يريد ما ذكرناه. قوله : ( قيامهما بإقامتة لهما الخ ) يعني أنّ القيام هنا بمعنى البقاء بعد الإيجاد ، وقوله واوادته لقيامهما تفسير للأمر واشارة إلى أنه كقوله : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } والمراد الدخول تحت الوجود على وفق إرادته من غير توقف وامتناع ، ولا قول ولا أمر حقيقة ثمة ، قال الإمام قوله بامره أي بقوله قوما وارادته قيامهما وهذا وإن كان الأمر عند المعتزلة الإرادة أو مستلزم لها لا عندنا لكن الخلاف بيننا وبينهم في الأمر التكليفي لا في
التكويني فإنه لا نزاع في أنه موافق للإرادة ففيه استعارة تصريحية في أمره ومكنية وتخييلية أو تمثيلية في تقوم السماء وكون المقيم غير محسوص كقوله بغير عمد من قوله بأمره ، واليه أشار بقوله والتعبير الخ. قوله : ( على ئأويل مفردا لأنها جملة شرطية ممدرة بإذا الشرطية ، واذا الثانية فجائية واقعة في جوابها والجملة لا تعطف على المفرد إلا إذا تجانسا بالتأويل كما صرّح به الرضى فلذا أوّلها بمفرد ، والداعي له هنا أيضاً كون المعطوف كليه مبتدأ والمبتدأ لا يكون جملة إن لم يقصد لفظه كما في نحو لا إله إلا الله كلمة الشهادة ، ولم يجعلها معطوفة على جملة من آياته أن تقوم الخ وإن كان لا تكلف فيه لأنّ المقصود عده آية لكن في وقوع الجملة مبتدأ بالتأويل نظر إلا أن يقال إنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع فتأمّل وواحدة من التاء وبناء المرّة. قوله : ( والمراد تشبيه الخ ) فهو استعارة تمثيلية ، أو تخييلية ومكنية بتشبيه الموتى بقوم يريدون الذهاب إلى محل ملك عظيم يتهيؤون لذلك ، واثبات الدعوة لهم قرينتها ، أو هي تصريحية تبعية في قوله دعاكم الخ فإنه على وجه التشبيه وليس وجهاً آخر كما توهم حتى يكون حقه العطف بأو وعليه لا يحتاج إلى توجيه الخطاب للموتى وهم كالجماد ، والسرعة مستفادة من تنكير دعوى واذا الفجائية والتجشم التكلف ، وقوله إجابة الداعي مضاف للمفعول أي إجابة المدعو للداعي ، وقوله بسرعة متعلق بتشبيه. قوله : ( وثم إمّا لتراخي رّمانه ) فتكون على حقيقتها ، ولذا قدّمه لأنه الأصل ، وقوله أو لعظم ما فيه أي ما في المعطوف من إحياء الموتى فتكون للتفاوت في الرتبة لا للتراخي الزماني ، والمراد عظمه في نفسه وبالنسبة إلى المعطوف عليه فلا ينافي قوله وهو أهون عليه ، وكونه أعظم من قيام السماء والأرض! لأنه المقصود من الإيجاد والإنشاء وبه استقرار السعداء والأشقياء في الدرجات والدركات ، وهو المقصود من خلق الأرض والسموات فاندفع اعتراض صاحب الانتصاف بأنه على تسليمه مرتبة المعطوف عليه هنا هي العليا مع أنّ كون المعطوف في مثله أرفع درجة أكثريّ لا كليّ كما صرّح به الطيبي هنا فلا امتناع فيما منعه وهي فائدة نفيسة ، ويجوز حمله على مطلق البعد الشامل للزماني والرتبى كما في شرح الكشاف. قوله : ( متعلق بدعا ا لا بدعوة ولا بتخرجون لما ذكره من لابتداء الغاية لا للانتهاء ، وإن أثبته بعض النحاة لأنّ كلام المصنف يخالفه لأنّ قوله فطلع إليّ مناد على خلافه ، ونيابة إذا الفجائية عن الفاء لاشتراكهما في التعقيب ، وقوله منقادون لفعله وإن لم ينقد بعضهم لأمره ، وقوله عليه الضمير لله أو لفعله وأعاد قوله ، وهو الذي يبدؤوا الخلق
لشذة إنكارهم للبعث ، وقوله الاً صل هو الإنشاء ابتداء. قوله :(7/118)
ج7ص119
( بالإضافة إلى قدركم ) هو جمع قدرة والجارّ والمجرور متعلق بأسهل ، ولا حاجة لتأويله بالحكم بزيادة السهولة بل لا فائدة فيه لأنه يكفيه رائحة الفعل ، وإنما الممتنع نصبه للمفعول كما صرّحوا به ، يعني أنّ الأهونية على طريقة التمثيل بالنسبة لما يفعله البشر مما يقدرون عليه فإنّ إيجاد شيء ابتداء أصعب على الناس من إعادة فعله ثانياً من مادّته الأولى ، وقوله والقياس على أصولكم أي على قواعد الناس المقرّرة عندهم فهو تقريب لعقول الجهلة المنكرين له ، وقوله ولذلك أي لكونهما عليه سواء جعل بعضهم ضمير عليه للخلق بمعنى المخلوق لأنّ ذلك أسهل عليه من ابتدائه ، وتكميله في أطواره تدريجاً من دعوته ليخرج أو أنهم يهون عليهم إعادة شيء وفعله ثانيا بعدما زالوا فعله وعرفوه أوّلاً فإذا كان هذا حال المخلوق فما بالك بالخالق ، وبهذا تظهر مناسبته للمقام ، وقوله وتدكير هو أي ضمير الإعادة لرعاية الخبر أو لتأويله بأن ، والفعل وهو في حكم المصدر المذكر أو لتأويله بالبعث ، ونحوه وكونه راجعاً إلى مصدر مفهوم من يعيد وهو لم يذكر بلفظ الإعادة لا يفيد لأنه اشتهر به فكأنه إذا فهم منه يلاحظ فيه خصوص لفظه كما ذكره الشريف في البقرة فتأمّل. قوله : ( الوصف العجيب الشأن الخ ) لأنّ المثل يستعار لذلك كما مرّ في سورة البقرة ، وقوله كالقدرة إشارة إلى رتباطه بما قبله لأنه لما جعل ذلك أهون عليه على طريق التمثيل عقبه بهذا فكأنه قيل هذا لتفهم العقول القاصرة أنّ صفاز ( عجيبة ، وقدرته عامّة وحكمته تامّة فكل شيء بداءة ، واعادة وايجادا وإعداما عنده على حدس س اء ، ولا مثل له ولا نذ وكذا تفسيره بلا إله إلا إلله على إرادة الوحدانية في ذاته وصفاته فهو مرتبط بما قبله لأنه لا يشاركه فيها أحد بوجه من الوجوه فكيف يمثل به في أفعاله بدأ ، واعادة فلا وجه لما قيل إنه متعلق بما بعده فقط فتأمّل. قوله : ( الذي ليس لنيره ما يساويه ) أي في صفاته على أنّ المثل بمعنى الصفة كما مرّ ونفي المساواة من تقديم له المفيد للحصر وعدم المداناة من الفحوى ، وقال الزجاج المراد بالمثل قوله وهو أهون عليه فاللام فيه للعهد فحمل المثل على ظاهره ، وعلى ما ذكره المصنف هو مجاز عن الوصف العجيب فيشمل القول ، وغيره مما هو جار على ألسنة الدلائل ، ولسان كل قائل ، وقوله وصفه به تفسير لكون صفته فيهما بأن من فيهما من العقلاء وغيرهم يصفه بها إمّا بالدلائل العقلية على صانعه أو بالنطق بها فهو كقوله وان من شيء إلا يسبح بحمده. قوله : ( القادر الخ ) فسره به لأنّ العزيز بمعنى الغالب ، والغلبة مقتضى القهر والقدرة ،
وقوله عن إبداء الخ من المقام وبه يرتبط أتم ارتباط بما قبله ، وقوله منتزعا إمّا لأنّ متعلقه خاص أو هو بيان لحاصل المعنى ، وقوله أقرب الخ يعني أنها أظهر ، وأتم كشفا ، وقوله وغيرها كالحقوق والأزواج. قوله : ( فتكونون أنتم وهم فيه شرع ) تفسير لقوله فأنتم فيه سواء وفي نسخة فتكونوا بالنصب في جواب الاستفهام ، وقوله وهم أي المماليك إشارة إلى أن أنتم شامل لهم بطريق التغليب لأنه مقتضى المقام والتفريع وشرع بالرفع خبر أنتم وهم والجملة خبر كان فلا يتوهم أنّ حقه النصب وشرع بفتح الشين المعجمة وفتح الراء المهملة وبعده عين مهملة بمعنى سواء كما في الفصيح وفي اللامية :
مجدي أخيرا ومجدي أوّلاً شرع
قال ابن درستويه في شرح الفصيح كانه جمع شارع كخادم وخدم أي كلكم يشرع فيه شروعاً واحداً ويستوي فيه المذكر والمؤنث ، والمفرد وغيره وأجاز بعض اللغويين تسكين رائه وأنكره يعقوب في الإصلاح ، ا هـ فمن قال إنه بكسر الشين بمعنى مثل فقدوهم وقوله يتصرّفون الخ بيان لمعنى التسوية ، وقوله وانها أي الأمور التي في أيديكم عارية لأنّ المالك هو الله ومن الأولى في من أنفسكم والثانية في مما ملكت ، وجعل الاستفهام الإنكاري في معنى النفي لأنّ من تزاد باطراد بعده. قوله : ( أن يستبدوا ) أي يستقلوا وهو مفعول تخافون ، وقوله كما يخاف الأحرار الخ بيان لمعنى الأنفس وأنّ المراد منه النوع كما مرّ تحقيقه مراراً ، وقوله مثل ذلك التفصيل فيه الوجهان السابقان ، وجملة تخافونهم حال من فاعل سواء أو مستأنفة. قوله : ( فإنّ التفصيل الخ ) توجيه لتفسيره به وفي نسخة فإن التمثيل ، وهو إشارة إلى أنّ المراد التبيين بالتمثيل السابق لأنّ التمثيل تصوير للشيء بصورة هي أظهر منه ليتضح ، وهو المناسب لقوله في تدبر الأمثال ، وقوله بل أتبع إضراب(7/119)
ج7ص120
مع التفات وأقيم الظاهر فيه مقام الضمير للتسجيل عليهم ، وقوله فإنّ العالم الخ تعليل وتوجيه لذكر قوله بغير علم والفاء في قوله فمن في جواب شرط مقدّر لا سببية لأنه يأباه قوله من أضل الله ، والاستفهام إنكاريّ وقوله يقدر إشارة إلى أنه
مستعمل في القدرة مجازاً لأنّ مجرّد الدلالة واقع من غيره كالرسل عليهم الصلاة والسلام. قوله : ( فقوّمه له ) أي أجعله مستقيماً متوجها له ، ولذا قال حنيفا أي مستقيماً من حنف إذا استقام فهي حال مؤكدة حينئذ ، وقوله غير ملتفت بوزن اسم الفاعل تفسير له على أنه حال من فاعل أقم أو مفعوله ، وقوله أو ملتفت عنه بزنة اسم الفاعل تفسير له على أنه حال من فاعل أقم أو مفعوله ، وقوله أو ملتفت عنه بزنة المفعول على أنه من الدين وهو فعيل بمعنى مفعول من حنف كضرب إذا مال ولم يجعله بمعنى مستقيما لنبوّ قوله : { ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } [ سورة التوبة ، الآية : 36 ] عنه وعنه تنازع فيه الاسمان كذا قيل وأوود عليه أنّ ما بمعنى الاستقامة أحنف لا حنيف كما في القاموس فهو من الميل عليهما كما فسره سابقاً بقوله مائلاً عن الباطل الخ ، ووجه عدم تفسيره بمستقيما على الثاني حينئذ ظاهر ، وما ذكره من النبوّ سهل والمفهوم من القاموص أنّ حنيفا لا يكون بمعنى المفعول أصلاَ وليس هذا كله بشيء لأنّ أصل الحنف الميل عن الضلال إلى الاستقامة ، وضده الجنف بالجيم ففيه دلالة على الميل والاستقامة معاً وكلام القاموس في مثله ليس بحجة فهو على الحالين بمعنى ، وما ذكره لمصنف توضيح للوجهين لأنّ معنى اسنقامة الدين استقامة متبعه فتأمّل. قوله : ( وهو ) أي قوله أقم الخ تمثيل الخ الظاهر أنه أراد أنه استعارة تمثيلية بتشبيه المأمور بالتمسك بالدين ورعاية حقوقه وعدم مجاوزة حدوده والاهتمام بأموره بمن أمر بالنظر إلى أمر وعقد طرفه به وتسديد نظره وتوجيه وجهه له لمراعاته والاهتمام بحفظه ، وما قيل من أنه كناية عن كمال الاهتمام لأنّ المهتئم بأمر يسدد. بنظره ويقوّم وجهه له أراد بالكناية المجاز المتفرّع على الكناية فلا يشترط فيه إرادة إمكان المعنى الحقيقيّ ، كما ورد في شرح المفتاح في قوله ولا ينظر إليهم ، فلا يرد عليه أنه لا يصح الكناية لعدم إمكان المعنى الحقيقيّ فيه ، وقوله عليه أي على لدين تنازع فيه الإقبال والاستقامة. قوله : ( نصب على الإغراء ) أي بتقدير ألزموا لا عليكم اسم فعل لما فيه من حذف العوض ، والمعوّض فإن جوّزناه جاز تقديره كما يجوز تقدير أعني ، وما دلّ عليه ما بعد. فطركم فطرة الله فيكون مفعولاً مطلقا ولا يصح عمل المذكور لأنه من صفته أو هو منصوب بما دل عليه الجملة السابقة على أنه مصدر مؤكد لنفسه ، أو بدل من حنيفا والأوّل أولى وفاعل أدّى ضمير ما خلقوا عليه وهو الجبلة الأصلية فإنّ " كل مولود يولد على الفطرة " كما ورد في الحديث الصحيح وأمّا ما ورد
في الغلام الذي قتله الخضر عليه الصلاة والسلام من أنه طبع على الكفر فقيل إنّ المعنى إنه قدّر أنه لو عاس يصير كافراً بإضلال غيره له ، وهذا هو المراد من قوله : " الشقئ شقي في بطن أمّه " فتأمّل والعهد المأخوذ هو الإيمان الفطري في قوله : { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ } [ سورة الأعراف ، الآية؟ 172 ] الآية ومغايرة هذا لما قبله اعتبارية. قوله : ( لا يقدر أحد أن ينيره ) إن قلنا إنها ما جبل عليه من قبول الحق فحينثذ الأمر المقدر وهو إلزموا على تفسيرها بما ذكر أمر بلزوم موجبها لئلا يكون تحصيلاَ للحاصل ، وقوله أو ما ينبغي الخ على غير ذلك ففيه لف ونشر ، وقوله أو الفطرة فالتذكير للخبر أو لتأويله بما ذكر وقوله إن فسرت بالملة لا مانع منه على غيره أيضاً وان تغاير إظهاراً ، وقوله لا يعلمون استقامته قدره لأنه المناسب للاستدراك ، وأمّ تنزيله منزلة اللازم على أنّ المعنى لا علم لهم فلو علموا لعلموا استقامته فيرجع بالآخرة إليه ولا فائدة فيه غير كثرة التقدير. قوله : ( من أناب إذا وجع الخ ) ومنه النوبة لتكرّرها وهذا ما صححه الراغب وأمّا كونه من الناب بمعنى آخر لأنه بيان لانقطاعه عن غيره فبعيد مع أنّ الناب يائيّ وهذا واويّ ، وقوله وهو حال الخ أي من فاعل ألزموا المقدر أو من فاعل أقم على المعنى إذ لم يرد به واحد بعينه أو لأنّ الخطاب له صلى الله عليه وسلم ولأمّته كما ذكره المصنف رحمه الله ، أو على أنه على حذف المعطوف عليه أي أقم أنت وأمّتك والحال من الجميع كما زعم الزجاج أو هو حال من الناس أو هو خبر كونوا المقدر لدلالة قوله ولا تكونوا عليه فاختر لنفسك ما يحلو. قوله : ( غير أنها الخ ) على العادة في خطاب الرئيس بما يخاطب به قومه لأنهم تابعون له ، ولما فيه من حثهم على الاتصاف بما يليق به وللتنبيه على أنّ غيره لا يليق بخطابه تعالى ، وقوله لقوله واتقوه الخ(7/120)
ج7ص121
فإنّ الجمع يدلّ على أنّ الخطاب ليس مخصوصاً به صلى الله عليه وسلم كما في قوله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء } [ سورة الطلاق ، الآية : ا ] لكنه يجوز عطفه على ألزموا المقدر فلا يتم الاستدلال
به على كل وجه. قوله : ( بدل من المشركين ) بتنوبن بدل لأنّ البدل قوله الذين لكنه على إعادة العامل ، ويجوز ترك تنوينه بالإضافة إلى قوله من المشركين لأنّ المراد به لفظه ، وقوله وتفريقهم الخ مرّ في الأنعام تفسيره باختلاف أهل كل ملة في اعتقاداتهم مع اتحاد معبودهم وفي قوله على اختلاف أهوائهم إشارة إليه ، وقوله والمعنى الخ يعني على قراءة فارقوا ، وقوله الذي أمروا به توجيه لأنهم لم يكونوا على دين أوّلاً حتى يفارقوه فلذا جعلهم لكونهم مأمورين كانهم تدينوا به أو هو باعتبار الفطرة. قوله : ( تشايع كل ) أي كل فرقة وضمير إمامها ودينها راجع لها ، ومعنى أضل دينها أضاعه ومنه الضالة وضبطه بعضهم بالصاد المشدّدة المهملة من التأصيل ضدّ التفريع بمعنى مهده وقرّره ووضع أصوله ، وشيعاً جمع شيعة بمعنى فرقة وهو خبر والجملة بعده صفة بتقدير العائد أو مستأنفة لا حال ، وقوله ويجوز الخ تعبيره بيجوز إشارة إلى أنه ضعيف لأنّ الصفة والضمير الأصل فيه أن يعود للمضاف إليه. قوله : ) على أنّ الخبر من الذين فرّقوا ) والمراد من الذين فرّقوا الكفرة لما في الصلة من العهد فلا يرد عليه أنه يدخل فيه المؤمنون لأنهم فرحون بدينهم الذي ارتضاه الله مع أنّ هذا إذا كان كلاماً منقطعاً عما قبله لا ضير في دخولهم فيه. قوله : ( راجعين إليه ا لم يقل مرّة بعد أخرى كما مرّ وان كان معتبراً في معناه لغة لأنه غير مناسب هنا ، وكذا منقطعين إليه ، وإنما قال من دعاء غيره لا عن المعاصي لأنه المناسب لمقابله ، وتنكير ضرّ ورحمة للتقليل إشارة لأنهم لعدم صبرهم يجزعون لأدنى مصيبة ويطغون لأدنى نعمة ، وثم للتراخي الرتبيّ أو الزمانيّ ، وقوله بالإشراك أي قابلوه به أو الباء زائدة. قوله : ( اللام فيه للعاقبة ) قد مرّ تحقيقه في الأنعام ، وكونها تقتضي المهلة ولذا سميت لام المآل والشرك والكفر متقارنان لا مهلة بينهما كما قيل لا وجه له ألا ترى أنّ مثالها المشهور لدوا للموت صادق بما كان عقب الولادة بلا مهلة ، وكذا الما! لا يقتضيها مع أنّ الشرك ممتدّ فيجوز اعتبار المهلة بالنسبة لأوّله. قوله : ( للأمر بمعنى التهديد ) كما يقال عند الغضب اعضي ما استطعت ، وقوله لقوله فتمتعوا الخ فإنّ بينهما مناسبة في الأمر التهديدي والفاء للسببية والتمتع التلذذ ، وقوله غير أنه التفت من الغيبة إلى الخطاب ولا يخفى أنه على ما قبله فيه التفات أيضاً فلا وجه للتخصيص كما قيل والظاهر أنّ الالتفات على الوجهين ، وانما
خص الثاني به لأنّ ما قبله أمر والأصل فيه أن يكون للمخاطب فربما يتوهم بأدنى النظر أنه لا التفات فيه ، وقوله وقركما وليتمتعوا على الوجهين ، وقوله عاقبه تمتعكم على أنّ اللام لملعاقبة والفاء تفصيلية أو عاطفة على تشركون لا لأنه ماض! معنى كما قيل لاستقباله بالنظر إلى الحكم ، ولذا صدر بإذا ويأتي تحقيقه فتأمّل. قوله : ( وقرئ بالياء التحتية الخ ) وأورد عليه أنّ هذا الاحتمال قائم على قراءته بالتاء الفوقية فالالتفات حينئذ في تعلمون ، ثم يجوز على القراءة بالتحتية أن يكون تمتعوا أمرا على الالتفات ويكون في يعلمون التفات آخر من الخطاب إلى الغيبة إعراضا ، وغاية ما قيل إنه مستبعد فيه لوقوعه بين غايتين فهو خلاف الظاهر فلا يصار إليه مع ما هو قريب متبادر ، وقوله ماض! أي بحسب المعنى لأنّ المراد الأخبار عن أحوالهم الماضية كما في الحواشي السعدية ، وردّ بأنه ممنوع لأنّ إذا هنا للاستمرار كما في قوله ، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض أي إنه دأبهم المألوف فالصواب أنه صيغة الماضي مع الشرط ، وجوابه فليست على معنى المضيّ وايثار المضارع في المعطوف عليه للفاصلة فقد ظهر لك وجه التخصيص. قوله : ( حجة ) فالإنزال مجاز عن التعليم أو الإعلام وهو الحامل على التفسير الثاني ، وان كان فيه مجاز آخر وأم منقطعة ، وقوله تكلم دلالة على إرادة الحجة ففيه استعارة تصريحية أو مكنية ، وقوله أو نطق على إرادة الملك فهو لف ونشر وقوله : بإشراكهم على أنّ ما مصدرية وضمير به لله ، وقوله أو بالأمر فما موصولة والضمير لها والباء سببية وقوله في ألوهيته وقع في نسخة وألوهيته ، وهو معطوف على الأمر والضمير للشريك والتعبير بإذا لتحقق الرحمة وكثرتها فيه دون مقابله وفي إسناد الرحمة إليه دون السيئة تعليم للعباد أن لا يضاف إليه الشرّ ، وهو(7/121)
ج7ص122
كثير كقوله : { أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ } في الفاتحة [ سورة الفاتحة ، الآية : 6 ، . قوله : ( إذا هم يقنطون ) عبر بالمضاوع لرعاية الفاصلة والدلالة على الاستمرار فيه ، واذا كان المراد بالناس فريق آخر غير الأوّل على أنّ التعريف للعهد أو للجنس أو الأوّل لكن الأوّل في حال تدهشهم كمشاهدة الغرق ، وهذا في حال آخر لم يكن مخالفا لقوله : { دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ } [ سورة الروم ، الآية : 33 ] فلا يحتاج إلى تكلف التوفيق بأنّ الدعاء اللسانيّ جار على العادة فلا ينافي القنوط القلبيّ ، ولذا سمع بعض الخائضين في ذم عثمان رضي اللّه عنه يدعو في طوافه ، ويقول اللهم اغفر لي ولا أظنك تفعل أو المراد يفعلون فعل القانطين كالادخار في الغلاء ولا يخفى ما في المفاجأة من النبوة عته ، وقوله بكسر النون والباقون بفتحها. قوله : ( فما لهم الخ ) إشارة إلى أنه
لإنكار فرحهم وقنوطهم في حالتي الرخاء والشدة وهو أحمسن من اقتصاره في الكشاف على الثاني حيث! قال : ثم أنكر عليهم بأنهم قد علموا أنه هو الباسط القابض فما لهم يقنطون من رحمته ، ولم يتوبوا عن المعاصي التي عوقبوا من أجلها والمعطوف عليه ما قبله أو مقدر يناسبه. قوله تعالى : ( { إِنَّ فِي ذَلِكَ } ) أي القبض وضده أو جميع ما ذكر ، وقوله فيستدلون بها أي بتلك الآيات كما قيل :
نكد ألا ريب وطيب عيش الجاهل قد أرشداك إلى حكيم كامل
قوله : ( كصلة الرحم ( أي بأنواعها ، وقوله واحتج به أي بكل ذي رحم محرم ذكراً أو أنثى
إذا كان فقيراً أو عاجزاً عن الكسب وعند الشافعيّ رحمه اللّه لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين كما بين في الفقه ووجه الاحتجاج أن آت أمر للوجوب ، والظاهر من الحق بقرينة ما قبله أنه ماليّ ، ولو كان المراد الزكاة لم يقدم حق ذوي القربى إذ الظاهر من تقديمه المغايرة فقوله إنه غير مشعر به دون دال عليه انتصار لمذهبه وجوابه ما سمعت ، وما قيل من أنه إذا فسر حق الأخيرين بنصيب الزكاة وجب تفسير الأوّل بالنفقة الواجبة لئلا يكون لفظ الأمر للوجوب ، والندب معاً ولهذأ؟ استدل به أبو حنيفة وردّ بأنه إذا فسر حق الأوّل بالزكاة لا يلزم ما ذكر مع أنّ الأمر في الأخيرين ليس للوجوب ، لأنّ السورة مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة ، ولذا لم تذكر هنا بقية الأصناف مع أنّ ما ذكر ليس بمحور عند المصنف ( وفيه بحث ) لأنّ تحمله على الزكاة يأباه الإفراد وذكر حقه ، والعطف مع دخوله في المسكين وأمّ كون الأمر للندب لما ذكر فالخصم مصرّح بخلافه لقوله وظف فكأنّ هذه الآية عنده مدنية ، وأمّ كونه محذوراً فقد ثبت عندنا كما بين في الأصول فلا يفيده ما تقرّر بطلانه عندنا فتأمّل. قوله : ( ما وظف الخ ا ل!س هو مفعوله المقدر بدلالة حقه وفيه نظر كما ذكرناه وهو مخالف لما ذكره في سورة الأنعام في قوله : { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [ سورة الأنعام ، الآية : 141 ] وسبق النزول على الحكم بعيد ، وقوله ولذلك أي لكون الخطاب لمن بسط له من غير تعيين أتى بالفاء الدالة على تسبب الأمر بالإيتاء على العلم بالبسط أو تسبمبد الإيتاء على البسط ، وهو كذلك فيما قبله لكنه في هذا أظهر فلذا ذكره ، واذا كان خطاب آت له صلى الله عليه وسلم لعلمه من المقام يحتمل أن يكون هو المقصود أصالة وغيره من المؤمنين تبعاً لينفقوا في السرّاء والضرّاء والتقدير إذا علمت ذلك فات أو فآتوا وهذا كما قيل :
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها على الناس طرا إنها تتقلب
فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب
قوله : ( ذاته أو جهتة ) لأنّ الوجه يكون بمعنى الذات أو بمعنى الجهة لكنهما هنا متقاربان
كما في الكشاف ، وقوله أي يقصدون الخ على تقدير أن يراد بالوجه الذات وقوله أو جهة التقرب على تقدير أن يراد الجهة ففيه لف ونشر مرتب ، وانفصال إياه لتقدم متعلق الفعل عليه ، وقيل المعنى ما يقصدون إلا إياه وفيه نظر لأنّ قوله خالصاً يغني عنه ، واستفادة القصر من المقام. قوله : ( حيث حصلوا الخ ) تعليل لفلاحهم لأنّ اسم الإشارة لمن اتصف بما سبق من الإيتاء مما بسط له ، وقوله زيادة محرمة تفسير للربا ومن بيان لما على الوجهين ، وقوله أو عطية تفسير ثان له فيكون تسميتها ربا مجازاً لأنها سبب للزيادة ، وما قيل لأنها فضل لا تجب على المعطي بعيد ، وهذا كمن يهدي ليثاب ويعوّض أكثر مما أعطاه كما ورد(7/122)
ج7ص123
في الحديث " المستعزر يثاب من هبته " أي ينبغي الزيادة لمن علم أنّ قصده ذلك ، ولكن في شرح الكشاف أنه لا ثواب فيه ، ولو جعلت من البيانية للتعليل تكرّر مع قوله ليربو ، وقوله بالقصر أي قصر مد آتيتم وهو على التفسيرين وإن كان آتر الممدود بمعنى أعطى والمقصود بمعنى جاء. قوله : ( ليزيد ويزكو الخ ) فالمراد بالمؤتين من يؤتى المرابي زيادة على ما أخذه والمرأد بالناس المرابى ، أو المهدي للزيادة والزيادة تكون في ماله بما أخذه على الوجهين ، وقوله عند الله أي في تقديره وحكمه وقوله لتربوا بضمّ التاء على أنه من الأفعال وتزيدوا من زاد المتعدي ، والهمزة مزيدة للتعدية والمفعول محذوف أي تربوه أو هو من قبيل تجرح في عراقيبها نصلي أو للصيرورة واليه أشار بقوله لتصيروا الخ ، ولو قال : ذوي ربا كان أظهر وقوله خالصاً لما مرّ. قوله : ( ذوو الآضعاف ) يعني أنه اسم فاعل من أضعف إذا صار ذا ضعف بكسر فسكون بأن يضاعف له ثواب ما أعطاه كأقوى ، وأيسر إذا صار ذا قوّة ويسار فهو لصيرورة الفاعل ذا أصله والأضعاف بفتح الهمزة جمع ضعف ، وجوّز بعضهم كسرها على أنه مصدر والأوّل أولى ، وقوله أو الذين الخ على أنه من أضعف والهمزة للتعدية ومفعوله محذوف وهو ما ذكره ، ولذا أتبعه بقراءة الفتح لأنها تؤيده. قوله : ( وتغييره عن سنن المقابلة ) أي لم يؤت به على نمط ما قبله لأنه نفي في الأوّل ما قصدو. من الربا بعينه إذ قيل فلا يربو فكان الظاهر هنا أن يثبت ما قصدوه ، ويقال فهو
يزكو عند الله فغير في العبارة إذ أثبت غير ما قبله والنظم إذ أتى في الأوّل بجملة فعلية وفيه بجملة اسمية مصدرة باسم الإشارة مع ضمير الفصل لقصد المبالغة فأثبت لهم المضاعفة التي هي أبلغ من مطلق الزيادة على طريق التأكيد بالاسمية ، والضمير وحصمر ذلك فيهم بالاستحقاق مع ما في الإشارة من التعظيم لدلالته على علوّ المرتبة ، وترك ما آتوا وذكر المؤتي إلى غير ذلك مما مرّ في قوله أولئك هم المفلحون. قوله : ( والالتفات فيه للتعظيم ( يعني أنه لم يقل فأنتم المضعفون تعظيما لهم للإشارة المنبئة عن بعد رتبتهم وتنبيه الملائكة على مدحهم ، والتنويه بذلك وإشاعته في الملا الأعلى وخطاب الملائكة بكاف الخطاب ، وقوله وللتعميم وفي نسخة أو وهو الظاهر لأنه إذا عمّ هؤلاء وغيرهم لا يكون التفاتا بالمعنى المتعارف كما صرّح به بعض شراح الكشاف ، وكذا إذا كان التقدير فمؤتوه فجعله وجهاً واحداً لا وجه له ومن غفل عنه رجح النسخة الأولى فتأمّل. قوله : ( والراجع منه محذوف إن جعلت ما موصولة ) وكذا إن جعلت شرطية على الأصح لأنه خبو على كل حال ، وقوله فمؤتوه الخ على صيغة اسم الفاعل كما صحح رواية قال في الكشف وهو الوجه لأنّ الكلام في المربى ، المزكي لا في آخذ الربا والزكاة فما في بعض الحواشي من أنّ الصواب أنه على صيغة المفعول تفضيلا لآخذي الزكاة على آخذي الربا ليس بشيء ، وهذا وجه آخر ذكر في الكشاف أنه أسهل مأخذاً والأوّل أملأ بالفائدة ، وسوق كلامه يدلّ على أنه على تقدير المبتدأ يخرج عن الالتفات قيل ، وهو مشكل لأنه يصدق على المبتدأ المحذوف تعريف الالتفات فإنه نقل من الخطاب إلى الغيبة إلا أنه لكون المؤتين أعمّ من المخاطبين يخرج عنه فتأمّله فإنّ كلام المصنف رحمه الله مخالف له. قوله : ( ونفاها وأساً ) أي بالكلية لأنّ الاستفهام الإنكاري نفي ، ومن شيء يفيد العموم بزيادة من وقوله مؤكداً بالإنكار أي مؤكداً للنفي بالتعبير عنه بالإنكار الذي هو أبلغ من صريحه ، وقوله على ما دلّ الخ العيان بكسر العين المشاهدة فإنهما يدلان على أنّ ما ذكر لا يصدر عن غير. ، وهو مما اتفق عليه العقلاء ، وقوله ثم استنتج الخ أي ذكر ما هو نتيجة لمقدمتين معلومتين مما ذكر ، وهو قول سبحانه الخ يشير إلى أنه يؤخذ من الإثبات والنفي مقدّمتان على طريقة الشكل الثاني فينتج سالبة كلية ، وهي إنه لا شريك له في الألوهية ، وأنه مقدس منزه عن أن يشرك به غيره. قوله : ( ويجوز أن تكون الكلمة الموصولة ) وهي الذي التي هي خبر بحسب الظاهر صفة
لله والخبر هل الخ ، والرابط اسم الإشارة لأنه كالضمير في وقوعه رابطاً ووقعت الجملة خبراً لأنها خبر منفيّ معنى ، وان كانت إنشاء ظاهرا فتقديره الخالق الرازق المحيي لا يشاركه شيء ممن لا يفعل أفعال!ه هذه ، واعترض عليه أبو حيان بأنّ اسم الإشارة لا يكون رابطا!لا إذا أشير به إلى المبتدأ وهو هنا ليس إشارة إليه لكنه شبيه بما أجازه الفراء من الربط بالمعنى في قوله : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ } [ سورة البقرة ، الآية : 234 ] كما مرّ وخالفه(7/123)
ج7ص124
النحاة فيه فقدر والربط بمضاف إلى ضمير الذين كما قدر ذلكم بأفعاله المضاف إلى ضمير المبتدأ ، وهذا من بدائعه فمن قال فالأولى جعل الرابط محذوفا وهو من أفعاله لم يقف على مراده. قوله : ( ومن الأولى والثانيه يفيدان شيوع الحكم ) كذا في الكشاف ، وقال أبو حيان لا أدري ما أراد بهذا الكلام والذي عناه أنّ الأولى بيان لمن قدم على المبين للعناية والإبهام فيفيد التأكيد ، والثانية كذلك بيان لشيء والثالثة مزيدة لتأكيد النفي ، وقيل من الأولى للتبعيض فيفيد أنّ ما منهم فاعلا قط ، والثانية إمّ للتبعيض فتفيد أنّ. بعضاً من تلك الأفعال لا يتأتى من الشركاء فضلا عن الكل ، واما لبيان المستغرق فيتأكد والأوّل أولى ، وما قيل إنّ الأوليين زائدتان مناف لكلام المصنف رحمه الله والحكم ما دل عليه ذلكم وقوله لتعميم النفي في نسخة المنفي ، وقوله لتعجيز الشركاء متعلق بتاكيد ، ولو تركت الأولى لم تحصل الدلالة على تعجيز كل واحد من الشركاء ولم يستجمع شرائط الإنتاج بالسلب الكلي. قوله : ( كالجدب ) بالمهملة ضد الخصب ، والموتان بضم الميم وسكون الواو كثرة موت الشيء والحرق والغرق بسكون الراء ، فهما أو بفتحهما اسم مصدر بمعنى الإحراق والإغراق ، والإخفاق بالخاء المعجمة والفاء الحبسة ، والغاصة بتخفيف الصاد المهملة كسادة جمع أو اسم جمع لغائص وهو من ينزل لقعر البحر لإخراج اللؤلؤ ، ونحوه فإنه إذا لم يقع المطر لم يتكوّن اللؤلؤ في الصدف لأنه قيل إنه يحصل من- قطرات المطر التي يتلقاها الصدف في نيسان ومحق البركات إفناؤها ، وقيل المراد بالبحر البلاد التي على سواحله وفي جزائره فسميت بحرا لمجاورتها له ، وعن عكرمة أنّ العرب تسمى الأمصار بحاراً لسعتها ، وقيل المراد بظلم البحر أخذ العدوّ وسفنه كما هو مشاهد الآن. قوله : ( بشؤم معاصيهم ) فالباء سببية وما موصولة أو مصدرية وضمير إياه للفساد بمعنى لظلم والضلال وقوله وقيل الخ مرّضه لأنه لا وجه للتخصيص إلا أن يراد التمثيل لأنه أوّل ما وقع فيهما ، وجلنداً بضم الجيم وفتح اللام بعدها نون ساكنة ودال مهملة وهو مقصود ، ويمد وهو الملك الذي ذكر
في قصة الخضر عليه الصلاة والسلام ، وعمان بضم العين وتخفيف الميم ، وبفتح العين وتشديد الميم. قوله : ( بعض جزائه ( فهو على تقدير مضاف أو على إطلاقه عليه مجارّاً لأنه سببه ، وقوله فإن الخ بيان لوجه ذكر البعض هنا ، وقوله واللام للعلة الأوّل على تفسير الفساد الأوّل والثاني على الثاني وقد يقال إنه راجع لهما فتأمّل ، وقوله لتشاهدوا بالفوقية أو!التحتية ، وقوله مصداق ذلك بكسر الميم أي ما يصدقه والإشارة إمّا لظهور الفساد أو الإذاقة. قوله : ( لفشوّ ) بوزن عتوّ ظهوره وانتشاره ف!فناؤهم وذهاب آثارهم بشؤم معصيتهم كما قال : { وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } [ سورة الأنفال ، الآية : 25 ] وعلى ما بعده كانوا كلهم مجرمين بعضهم بالشرك وبعضهم بغيره من المعاصي ، وقوله البليغ الخ لأنها صيغة مبالغة كفعيل. قوله : ( لا يقدر الخ ) فسره به لأنّ نفي القدرة أبلغ من نفي الفعل ، وقوله متعلق بيأتي سيأتي في الشورى تضعيفه من المصنف فكان ينبغي تأخيره ، وقوله ويجوز أن يتعلق بمرد الخ كذا في الكشاف ففيه انتفاء رد غير. بطريق برهاني ، وقيل عليه تبعا للمعرب إنه لو كان كذلك لزم تنوينه لمشابهته للمضاف إلا أنه يجوز تعلقه بمحذوف يدل عليه المردّ أي لا يردّه ، وحمل كلام المصنف عليه بعيد وهذا غفلة عما ذكر. النحاة من أنّ الثبيه بالمضاف قد يحمل عليه في ترك تنوينه كما ذكر. ابن مالك في التسهيل ، وعليه حمل ما في الحديث : " لا مانع لما أعطيت " ، وتفصيله في شرحه فلينظر فيه. قوله : ( يتصدّعون ) إشارة إلى أنه الأصل فقلبت تاؤه ، والصدع أصله تفريق أجزاء الأواني ونحوها فاستعمل في مطلق التفريق ، وقوله فريق الخ قيل عليه المناسب للمبالغة المفهومة من ا اضعبير بالتصديع الذي هو شق الأجسام الصلبة أن يفسر بتفريق الأشخاص كالفراس المبثوث المصرّح به في غير هذه الآية وما ذكره من المبالغة لا نزاع
فيه ، وكون التفريق لا اجتماع بعده لتكون المبالغة من جهته وتضمنه لتفرّق الأشخاص في الدرجات والدركات مما لا دلالة في هذا الكلام عليه فالصواب أن يقال إنما اختار هذا المصرّح به في محل آخر كما أشار إليه لأنه المناسب للسياق والسباق إذ الكلام في المؤمنين والكافرين فما ذكر بيان لتباينهم في الدارين ويكفي للمبالغة شدة بعدما بين المنزلتين حساً ، ومعنى كما أشار بقوله كما قال الخ.(7/124)
ج7ص125
قوله تعالى : ( { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } أو وباله ) ففيه مضاف مقدر أو هو مجاز عن جزائه بل عن جميع المضارّ التي لا ضرر وراءها لأنها كلمة جامعة كما في الكشاف ، وأفراد الضمير باعتبار لفظ من لقلتهم وحقارتهم عند الله ، ولذا جمع فيما بعده مع رعاية الفاصلة فيه ، وقوله يسوّون أي يوطؤنه توطئه الفراس لمن يريد الراحة عليه كقولهم في المثل للمشفق أم فرشت فانامت ، وقابل الكفار بمن عمل صالحاً دون المؤمن لأنّ المراد بالعمل ما يشمل العمل القلبي كالإيمان ، أو لأنه كناية عنه لأنه لا يخلو عن عمل ما. قوله : ( للدلالة على الاختصاص ) لأنّ ضرب الكفر لا يلحق غير صاحبه كما أنّ فائدة العمل الصالح إنما هي لمن عمله ، وهذا لا ينافي كونه استئنافا للسؤال عن حال الفريقين لأنّ الزيادة في البيان لا تضرّ مع أنه يجوز أن يقدر السؤال كيف يتفرّقون كما قاله الطيبي. قوله : ( علة ليمهدون أو ليصدّعون ) والأوّل ظاهر وإنما يحتاج إلى التوجيه الثاني لأنّ التفريق للفريقين ، وما ذ! مخصوص بالمؤمنين فلذا قال والاقتصار الخ والاكتفاء معطوف على الإشعار يعني أنه في قوّة أن يقال وليعاقب الكافرين فإنه يفهم من عدم المحبة ، وقوله فإنّ فيه إثبات البغض الخ تعليل لدلالة الفحوى على العلة فإنّ عدم المحبة كناية عن البغض في العرف ، وهو يقتضي الجزاء بموجبه ، وقوله والمحبة للمؤمنين إشارة إلى ما في الكشاف من أنه تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس ، وهو كون الجملتين أولاهما مقرّرة بمنطوقها لمفهوم الثانية وبالعكس كقول ابن هانئ :
فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يصير الجود حيث يصير
وقد فصل في المصباح. قوله : ( وتثيد اختصاص الصلاح ) بالفريق الثاني المفهوم من المقابلة والتأكيد بتكراره في من عمل صالحا وعملوا الصالحات ، وكان الظاهر الإضمار وأن يقال ليجزيهم وتأكيد مبتدأ خبره قوله تعليل له والمفهوم صفته أي لم يضمر ، وأتى بالظاهر المؤكد لبيان أنّ علة الجزاء عملهم الصالح على قاعدة التعليق بالمشتق في إفادة أنّ مبدأ
الاشتقاق علة له ، وقوله تفضل محض لأنه لا يجب عليه شيء عند أهل الحق ، وقوله وتأويله ردّ على الزمخشريّ وغيره من المعتزلة القائلين بالوجوب إذ أوّلوا الفضل بالعطاء الشامل للواجب أو بالزيادة على ما يستحقونه من الثواب. قوله : ( الشمال ) بفتح الشين والميم ، وبعدها ألف أو بسكون الميم وبعدها همزة ، وأصول الرياح أربعة كما ذكره المصنف والثلاثة الأول تلقح السحاب الماطر وتجمعه فلذا كانت رحمة وكان اكثر ذكرها مجموعة إذا أريد الرحمة ومفردة إذا أريد العذاب وقد ورد خلافه أيضاً كقوله : { وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } [ سورة يونس ، الآية : 22 ] وقوله ولسليمان الريح والحديث المذكور أخرجه البيهقيّ والطبرانيّ وهو ضعيف لكنه ورد من طرق تجبر ضعفه ، وقوله فانها الخ تعليل لتفسيره بالثلاثة وقوله على إرادة الجنس يعني به أنه في معنى الجمع ، ولذا قيل مبشرات فهو لا يخالف الحديث ولا القراءة المشهورة. قوله : ( يعني المنافع التابعة لها ) أي للمبشرات كتذرية الحبوب وتجفيف العفونة وسقي الأشجار إلى غير ذلك من اللطف والنعم وما بعده داخل فيه ، ولذا مرّضه لأنه لا وجه للتخصيص فيه ، والروح بفتح الراء الراحة والعلة المحذوفة لتبشركم ، وقوله باعتبار المعنى لأنه قد يقصد بها التعليل كزرته كريماً فانّ المعنى لكرمه والفعل المضمر تقديره ويرسلها ليذيقكم ولم يجعله معطوفا على جملة ومن آياته أن يرسل الخ بتقدير وليذيقكم أرسلها أو فعل ما فعل لأنّ المقصود اندراجها في الآيات وقيل الواو زائدة وفاعل دل قوله ولتجري الخ لقصد لفظه لا ضمير يرسل على أنّ التقدير ولتجري الرياح ليذيقكم ، وهو بعيد ولا بطلان فيه كما توهم وأمّا ترجيحه بأنّ جري الفلك والابتغاء من الفضل لا تعلق له بإرسال الرياح المبشرات فليس بشيء لأنّ المقدر ليس هو يرسل الرياح فقط مع أنه لا يلزم تخصيص التبشير بالمطر ولا تعميمه لكل الناس ، وقوله ولتشكروا تقدم تأويله. قوله تعالى : ( { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا } الخ ) اعتراض لتسليته صلى الله عليه وسلم بمن قبله على وجه يتضمن الوعد له والوعيد لمن عصاه ، وقوله إلى قومهم المراد به أقوامهم
وأفرد لعدم اللبس ، وقوله فانتقمنا الخ الفاء إمّا فصيحة والتقدير فعصاه أكثر قومه فانتقمنا الخ أو هي تفصيل للعموم بأنّ فيهم مجرما مقهوراً ومؤمنا منصورا. قوله : ( إشعار الخ ) أي في هذا الكلام إشعار الخ ووجه الإشعار أنّ نصرهم على عدوّهم(7/125)
ج7ص126
لا يكون بعد هلاكه بل هو بإهلاكهم فيفهم منه ذلك بقرينة ذكره بعده ، وقوله مستحقين إشارة إلى أنّ كونه حقاً عليه بجعله ووعده لأنه لا يجب عليه شيء ، وتوله حقا بمعنى إنه كالحق فهو تشبيه بليغ وليس هذا ما ذكره المصنف كما توهم ، والمؤمنين شامل للرسل عليهم الصلاة والسلام ولا حاجة لتخصيصه بهم بجعله تعريفاً عهديا وان صح. قوله : ( وعنه عليه الصلاة والسلام الخ ( رواه الترمذقي وحسنه ، ومعنا. أنه إذا ذكر بسوء فنفاه عنه وذلث عن عرضه جازاه اللّه عليه من جنس عمله ونصره في الآخرة فالظاهر أنّ ذكره صلى الله عليه وسلم للآية عقبه لبيان أنّ النصر المذكور لا يختص بالدنيا ، وأنه عامّ لجميع المؤمنين فيشمل من بعد الرسلى من الأمّة ، ولذا أورده المصنف وهو توطئة أيضا لأن نصر المؤمنين اسم كان لا ضممير الانتقام فلا يوقف علي حقا وفيه حث على التخلق بأخلاق الله في حماية المؤمنين لحقية نصرهم. قوله : ( وقد يوقف علي حقاً ) ومعناه وكان الانتقام حقاً على حد عدلوا هو ، وأشار بقد والفعل المجهول إلى ضعفه لأنه خلاف الظاهر وما قاله الكواشي من أ-له ليس بمختار لأنه يوجب نصر المؤمنين ، ويوجب الانتقام مع أنه قد نقض ليس بشيء لأن إيجاب الانتقام به كما مرّ ، ولا ينافي وقوع العفو فتأمّل. قوله : ( فيبسطه ) كل البسط أي بسطاً تامّا لأنه في ذاته منبسط فما ذكر زيادة فيه ، وقوله متصلاً أخذه من مقابلته بكونه كسفا أي قطعا ، وقوله في سمتها أراد به جهة العلوّ لأنها ليست في السماء بالمعنى المتبادر ، وقوله سائرا الخ إشارة إلى أنّ الجملة حال وان كانت الإنشائية لا تقع حالاً لتأويلها بما ذكر ، وقوله مطبقا اسم مفعول من الأفعال أو التفعيل يقال أطبقه وطبقه إذا غشاه وغطاه ، ويجوز كونه بزنة اسم الفاعل ، وقوله من جانب الخ تفسير لغير المطبق وقوله بالسكون أن سكون السين ، وهو إمّا مخفف من المفتوح أو جمع مصدر كعلم وصف به مبالغة أو بتأويله بالمفعول أو تقدير ذا ،
والكسفة القطعة ، وفوله في التارتين أي الاتصال والتقطع. قوله : ( وأراضيهم ) جمع أرض على خلاف القياس كما في الصحاح وغيره ولا عبرة بإنكار الحريري له في الدرّة وأراد به ما انفصل عن العمران والباء في قوله به للتعدية. قوله : ( وإن كانوا الخ ) إن مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة ، ولا ضمير شأن فيها مقدر كما قيل لأنه إنما يقدر في المفتوحة وأما المكسورة فيجب إهمالها كما فصله في المغنى. قوله : ( تكرير للتثيد الخ ( يعني أنه أكد ليدل على بعد عهدهم بالمطر فيفهم منه استحكام يأسهم وعكسه ابن عطية رحمه الله فقال : إنه يدل على سرعة تقلب القلوب البشرية من الإبلاس إلى الاستبشار ، واعترض عليه بأنّ التأكيد إنما يدل على تقرر القبلية ، وهي تحتمل فسحة الزمان وأتصاله فلا دلالة على ما ذكر من الطول والقصر ، وقيل إنه راجع إلى عرف الاستعمال ، وهو محتاج إلى الإثبات لأنّ مثله لا يثبت بسلامة الأمير ، وما ذكره ابن عطية أقرب لأنّ المتبادر من القبلية الاتصال وتأكيده دال على شدة اتصاله. قوله : ( وقيل الضمير للمطرا لا للإنزال حتى يكون تأكيداً وهذا قول قطرب ، وهو ركيك ولا وجه للعدول فيه عن الظاهر مع أنه يرد عليه وعلى ما بعده تعدى فعل بحر في جرّ بمعنى فلا بد من حمله على التأكيد أو البدلية والا لزم العطف فالأوّل أسلم وأقرب ، وكذا ما قيل إنه للاستبشار ، وقوله : أثر الغيث إشارة إلى أنه المراد من لارحمة ، وقوله ولذلك أي لكون آثاره متعددة كما أشار إليه قوله على إسناده الخ وعلى القراءة الأخرى هو مسند للّه لا للرحمة لأنها بمعنى المطر. قوله : ( لقادر على إحيائهم ) فسره بالقدرة لأنه كالنتيجة لما قبله ، وهو اللازم منه ولأن الثابت في الحال هو القدرة ، وقوله فإنه أي إحياءهم ، وقوله المثل الخ صادق على القولين في إعادة المعدوم وعدمه ولس مبنيا على القول بامتناع إعادة المعدوم ، ولذا أقحم مثل كما قيل لأنّ المثل ليس واقعاً على الموادّ بل القوي فتأمل. قوله : ( ومن المحتمل الخ ) يعني أن يكون النبات الحادث من أجزاء نباتية تفتتت ، وتبددت لاختلاطها بالتراب الذي فيه عروقها فيكون كالإحياء بعينه بإعادة مواده وقواه لا بإعادة القوى فقط كما في الوجه السابق ، وأمّا كون من ينكر إحياء الموتى ينكر هذا أيضاً فلا يحصل به التنبيه عليه فلا ضير فيه لأنّ المسلم المسترشد
يعلم ، وقوعه والمعاند لا عبرة به فإن تولد مثله في تربته الأولى يرشد إليه ، وقوله ما تفتتت إن كانت ما زائدة فتفتتت صفة مواد وان كانت موصولة فتفتتت صلته والتأنيث لرعاية(7/126)
ج7ص127
معناه ، ومن جنسها متعلق به أو حال ، وقوله من الكائنات الراهنة أي الموجودة المشاهدة الثابتة كما في قولهم الحالة الراهنة هذه ، والرهن مأخوذ منه كما بينه في المفردات ، فمن قال : الرهن ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك ، والمراد الكائنات النائبة المتجذدة فقد عكس الموضوع وغفل عن معنى هذه اللفظة إذ ظنها مستعارة من المعنى الفقهي ، وإن كان حام حول الحمى. قوله : ( لأنّ نسبة الخ ) دليل لعموم القدرة وقوله فرأوا الأثر أي المذكور في قوله أثر رحمة الله على ما مرّ من تفسيره ، وقوله فإنه مدلول الخ متعلق بالثاني ولا يخفى دخوله في الأثر فلا وجه للمغايرة بينهما ، وكون الضمير للريح على أنه تعبير عن المسبب بالسبب كما قاله البقاعي تكلف ، ومصفرّ اسم فاعل بمعنى ما عرضت له الصفرة ، وقوله جواب أي للقسم سادّ مسدّ جواب الشرط ، وقوله ولذلك الخ إنما كان مستقبلاً لأنه في المعنى جواب إن وهو لا يكون إلا مستقبلا قال الفاضل اليمني وإنما قدروا الماضي بمعنى المستقبل من حيث إنّ الماضي إذا كان متمكناً متصرّفاً ووقع جواباً للقسم فلا بدّ فيه من قدو اللام معاً فالقصر على اللام لأنه مستقبل معنى ، وفيه نظر. قوله : ( وهذه الآيات ناعية على الكفار ) أي مشهرة لهم منادية على جهلهم وخذلانهم ، ووقع في نسخة هذه الآية بالإفراد ووجهها ظاهر وهي أنسب بكلامه هنا لأنها دالة على أنهم فاجؤا الكفر بمجرّد اصفرار زرعهم وغفلوا عن نعمة الخضراء ، وما هم متقلبون فيه من ألوانها فما قيل إنه لا وجه له لا وجه له. قوله : ( فإنك لا تسمع الموتى ) هو تعليل لما يفهم من الكلام السابق كأنه قيل لا تحزن لعدم اهتدائهم بتذكيرك فانك الخ ، وقال ابن الهمام : أكثر مشايخنا على أنّ الميت لا يسمع استدلالاً بهذه الآية ونحوها ، ولذا لم يقولوا بتلقين القبر وقالوا لو حلف لا يكلم فلانا فكلمه ميتاً لا يحنث وأورد عليهم قوله صلى الله عليه وسلم في أهل القليب : " ما أنتم بأسمع منهم ) وأجيب تارة بأنه روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرته وأخرى بأنه
من خصوصاته صلى الله عليه وسلم معجزة له أو أنه تمثيل كما روي عن عليّ كرّم الله وجهه ، وأورد عليه ما في مسلم من " أن الميت يسمع قرع نعالهم إدّا انصرفوا " إلا أن يخص بأوّل الوضع في القبر مقدّمة للسؤال جمعا بينه وبين ما في القرآن ، وقوله وهم مثلهم قدره ليرتبط بما قبله وقيل إنه إشارة إلى أنه استعارة مكنية وللتنصيص عليه أظهر في مقام الإضمار ، وحذف المفعول أي لا تسمعهم شيئاً ما. قوله : ( قيد الحكم الخ أليس المراد بالاستحالة الاستحالة العقلية بل العادية وضمن يفطن معنى يفهم فلذا نصب المفعول إذ هو غير متعد بنفسه بل باللام وقوله سماهم عميا الخ إشارة إلى أن فيه استعارة تصريحية والمقصود من الإبصار التفكر ، والتدبر في مصنوعات الله والمراد بالهداية الدلالة الموصلة وعداه بعن لتضمينه معنى الإبعاد. قوله : ( فإن إيمانهم الخ ) المعنى الأوّل على أن يراد بيؤمن الحال وقدمه لأنه المناسب لقوله فهم مسلمون ، والوجه الثاني على أن يراد به المستقبل ولا حاجة إلى جعله من مجاز المشارفة إلا على القول بأنه حقيقة في الحال ، وما قيل من أنه ينتقض الحصر على الأوّل بالثاني وعكسه فينبغي حمله عليهما معاً على أنه من عموم المشترك أو عموم المجاز أو يفسر بمن هو في علم الله كذلك فإنه يعمهما كما مرّ في سورة النمل مدفوع بأن الحصر بالإضافة إلى من سبق من العمي الصم المطبوع على حواسهم فلا نقض بالتخصيص بالذكر على أنه يعلم حكم أحدهما من الآخر
لدلالة النص وقوله لما تأمرهم به إشارة إلى أن الإسلام بمعناه اللغوي ، وهو الإذعان لأنه لو كان بمعناه المعروف لزم تحصيل الحاصل ، ولم يقع التفريع موقعه وقد فسره في النمل بمخلصون وهو قرب مته. قوله : ( أي ابتدكم ضعفاء لخ ) أي أنهم ضعفاء في أوّل الأمر وهو حال الطفولية ، ومن على الوجهين ابتدائية كما أشار إليه بقوله ابتدأكم ، وقوله وجعل الضعف الخ إشارة إلى أن فيها استعارة مكنية بتشبيه الضعف بالأساس والمادّة وفي إدخال من عليه تخييل ، وقوله أو خلقكم الخ على إطلاق الضعف على الضعيف مبالغة أو بتقدير ذي ضعف أو بتاويله بالصفة وأخره لأنه غير مناسب لما بعده ، وقوله : { خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ } مثال لجعل ما طبع عليه بمنزلة ما طبع منه ، وفي نسخة خلق الإنسان ضعيفاً وهي مثال لابتدائهم ضعفاء ، وقوله وذلك الخ لف ونشر على التفسيرين السابقين للضعف ، ويجوز فيه التعميم لكن الأوّل أولى. قوله تعالى :(7/127)
ج7ص128
( { ضعفاً وشيبة } ) المراد بالضعف هنا ابتداؤه ولذا أخر الشيب عنه أو الأعتم فقوله وشيبة للبيان أو للجمع بين تغير قواه وظاهره ، وقوله إذا أخذ منكم السن هو مجاز يقال أخذ منه السن إذا كبر وهرم كأنّ آخر سنه أخذ قوّته أو عمره وهو على الوجهين. قوله : ( والضتم أقوى الخ ) قال في المعالم الضمّ لغة قريش والفتح لغة تميم ، ولذا اختار النبيّ مجيد قراءة الضم لأنها لغته لا رداً للقراءة الأخرى فانهما متواترتان في السبعة ، والحديث المذكور حديث حسن رواه أبو داود والترمذفي في السنن ورواه في النشر وقال : إنّ القرّاء لهذا اختاروا قراءة الضمّ ، وهي مروية عن عاصم وفي رواية عنه ضئم الأوّلين وفتح الثالثة والفقر بالضمّ ، والفتح ضدّ الغني. قوله : ( والتنكير مع التكرير الخ ) مراده بالمتأخر الأخير لمغايرته للأوّل إذ هو ضعف الشيخوخة وذاك ضعف الطفولية ، وأمّا الثاني فهو عين الأوّل ونكر لمشاكلته لهما وكذا قوّة فلا وجه لما قيل إنه ظاهر في ضعف الأوّل ، وأمّا الثاني مع الأوّل وقوّة الثانية فباعتبار أنّ المتقدّم أريد به الابتداء والمتأخر يشمل مراتب الابتداء والانتهاء ، والتوسط وكلمة ثم لتراخي الابتداء واليه أشار المصنف بقوله أخذ منكم السن الخ ، وكذا ما قيل إنّ هذا ليس لأنّ النكرة إذا أعيدت كانت غيرا لأنه أغلبيّ ، ولعله قصد في كل منهما مغايرته للمقدم بحسب المراتب ، ولذا أورده بثم في الجميع إشارة إلى أنّ لكل منها مراتب مع
الدلالة على الاهتمام فإنّ كلامه صريح في خلافه فتامّل. قوله : ( من ضعف الخ ) وخلقها بمعنى خلق أسبابها أو محالها أو إيجادها لأنها ليست بعدم صرف ، وقوله فإنّ الترديد أي الانتقال والتغير من حال إلى أخرى من قولهم فلان يتردّد لفلان إذا كان يجيء له حينا بعد حين ، وقوله سميت بها اليئ فالتعريف فيها للعهد ، ثم غلبت عليها حتى صارت كالعلم وسميت باسم زمانها كتسمية الحال بما يحل فيه والمراد بقيامها وجودها أو قيام الخلائق فيها ، وقوله لأنها تقع بغتة فالساعة عبارة عن لاسرعة فإنه ورد كذلك في العرف ، ولذا قيل أيضا إنها سميت بها لأنها كساعة عند الله فالمراد بها لازمها ، وهو السرعة فسميت بها لسرعتها ، وليس هذا من الوقت الحاضر في شيء كما توهم والزهرة بضمّ الزاي وفتح الهاء وتسكينها لحن والكوكب غلب عليها غلبة الكتاب على كتاب سيبويه ، وقوله في الدنيا الخ متعلق بلبثوا والمراد بالقبور ما بعد الموت دفنوا أو لم يدفنوا ، وقوله فناء الدنيا المراد فناء أهلها فلا ينافي كونها في آخر ساعات الدنيا فإنه قد يعد ما قبل دخول الجنة والنار من الدنيا ، وقد يعد من الآخرة وقد يعد برزخا. قوله : ( وانقطاع عذابهم ) هو بعد إخراجهم من القبور إلى أن يدخلوا في النار ، والحديث المذكور صحيح من رواية الشيخين لكنه بلفظ ما بين النفختين وهذا لا ينافي ما سبق من أنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا لأنّ ساعات الدنيا تنقضي بقيامها كما توهم لأنّ المراد بالدنيا ثمة غير ما أريد بها هنا أعني ما يقابل الآخرة ، وهي الجنة والنار والمحشر أو دار التكليف والحياة الدنيا. قوله : ( استقلوا مدة لبثهم الخ ) أي عدوّا اللبث الذي مز ذكره قليلا وقوله إضافة منصوب على نزع الخافض أي هو ليس بقليل فقلته إمّا نسبية أو أنهم نسوه فظنوه كان ساعة والتنكير للتقليل ، والإفراد والاعتراض بأنّ هذا القسم قبل عذاب الآخرة والوقوف على هدته فلا وجه للإضافة إليه مع أنّ القسم ظاهر في خلافه غير وارد إن أريد بالآخرة المحشر ، وكذا إن أريد ما بعده لجواز علمهم بالخلود بأخبار الله أو الملائكة ، أو هو قولهم بعد دخول النار على حد قوله فلا تقعد بعد الذكرى كما مرّ وأمّا تفريع نفيه وعدم ظهوره على القسم فلا وجه له لأنّ القسم كما يقتضي الحقيقة يقتضي التحقق إلا إذا قصد المبالغة ، وأما كون المراد عذابهم في القبر فلا يناسب كلام المصنف ، ولا يشمل من مات عند النفخة الأولى
فتأمّل أو هو تأسف على إضاعته كما مرّ في طه ، وفي قوله الساعة وساعة جناس تام. قوله : ( مثل ذلك الصرف الخ ) قد تقدم الكلام عليه وعلى كون الإفك بمعنى الصرف ، وقوله عن الصدق والتحقيق ذكر في الكشاف أنّ تقدير لبثهم بالساعة إمّ لاستقصاره كما قيل :
وكذلك أيام السرور قصار
أو لنسيانهم أو كذب أو تخمين ، ولم يذكر المصنف الاً خيرين ولذا قيل إنّ ما ذكره ظاهر
على النسيان إذ لا كذب في الاستقلال المبنيّ على التشبيه والمبالغة ، وكونه بناء على التشبيه والظاهر كما قيل تكلف فكان عليه أن يذكره أو يبدل(7/128)
ج7ص129
ماهنا إلا أن يحملى على التوزيع بجعل التحقيق في مقابلة التخييل في قوله ما لبثوا غير ساعة لأنه تخييل مثل الخمر ياقوتة سيالة يعني يجعل لفاً ونشرا غير مرتب فالصرف عن الصدق راجع إلى النسيان لأنه غير مطابق للواقع وان طابق اعتقادهم بحسب الظن ، والتحقيق راجع إلى الاستقلال فيكون عين ما في الكشاف بأدراج التخمين في الاستقلال والكذب في النسيان ، وفيه كلام من أراده فعليه بالكشاف وشروحه. قوله : ( يصرفون في الدنيا ) يصرفهم الشيطان والهوى عن لحق وما يطابق الواقع ، والمراد تشابه حاليهم في الكذب وعدم الرجوع إلى مقتضى العلم لأنّ مدار أمرهم على الجهل والباطل والغرض من سوق الآية وصف المجرمين بالتمادي في الباطل والكذب الذي ألفوه. قوله : ) من الملافكة أو من الإنس ) أو منهما جميعاً. قوله : ( في علمه تعالى أو قضائه ( لأن الكتاب يطلق على ما ذكر من المعاني والنسخ مختلفة ففي بعضها عطفه بأو وفي بعضها بالواو وهو مبنيّ على تفسيري القضاء المذكور في كتب الكلام فانه فسر تارة بعلمه أزلاً كما أنّ القدر إيجاده بقدرته الأزلية على وجه مطابق لعلمه به ، وتارة أرجع القضاءة إلى الإرادة والقدر إلى الخلق كما قرّره في شرح المواقف فإن قلت الأوّل مسلك الفلاسفة ، والثاني للأشاعرة فلا يناسب ما هنا الأوّل قلت الأشاعرة لا يخالفونهم في كون القضاء يكون بمعنى العلم ، وإنما الخلاف بينهم في المراد بالعلم فإنه عند الفلاسفة العلم بما يكون عليه الوجود من أحسن نظام ، وأكمل انتظام كما صرّح به في شرح المسايرة فاندفع ما قيل إنّ الوجه أو لأنّ القضاء غير العلم ثم إن المعنى معلومه ومقضيه أو هو على ظاهره وفي ظرفية مجازية أو تعليلية. قوله : ) أو ما كتبه الخ ) فهو مجاز مرسل أو استعارة ، وقوله وهو أي القرآن الذي ذكر فيه لبثهم إلى البعث ما ذكر لكنه ذكر في هذه الآية ضمنا لأنّ استمرار البرزخ إلى البعث يقتضي لبثهم مذثه ولم يذكر تتمة الآية وهو إلى يوم يبعثون اكتفاء بما وقع في النظم هنا ، وهذا على غير الوجه الأوّل. قوله : ) ردوا الخ ( قيل هذا تذكير لهم بتفاصيل المدة وبه يزول نسيانهم ، وهو على الإضافة مشكل لعلمهم بحقيقة
المدة حينئذ إلا أن يكون المراد توبيخهم وتفضيحهم ، والتهكم بهم وجعله توطئة لما بعده مما فرّع على إنكار البعث فتأمّل. قوله : ( أنه حق ) إشارة لمفعوله المقدر لأنّ تنزيله منزلة اللازم خلاف الظاهر من غير داع له هنا ، وقوله لتفريطكم الخ دفع لما يتوهم من أنّ عدم العلم عذر لهم. قوله : ( والفاء لجواب شرط الخ ) فهي فصيحة وجوّز فيها أيضاً أن تكون عاطفة والتعقيب ذكريّ ، أو تعليلية وقوله فقد تبين الخ أي فأخبركم بأنه قد تبين الخ ، وإنما أوّل به ليظهر تسبب الجزاء على الشرط والفاء في قوله فيومئذ الخ تفصيل لما يفهم مما قبله من أنه لا يفيدهم الاستقلال أو النسيان أو هوجواب شرط مقدر أيضا ، وقوله معذرتهم كأنهم توهموا الاستقلال ونحوه عذراً في عدم طاعتهم كقوله : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ } [ سورة فاطر ، الآية : 37 ] الآية ، وقوله وقد فصل بالتخفيف وهو راجح قال الرضى فإن كان منفصلا فترك العلامة أفضل. قوله : ( لا يدعون إلى ما يقتضي الخ ) العتب هو اللوم على ما صدر في حق العاتب والمراد به هنا الشذة والمكرو. لأنه المعتوب عليه ، والأعتاب يكون بمعنى الحمل على عتب المعتب أو إزالته كما قاله الراغب فهو من الأضداد والاستعتاب طلب الأعتاب فإنّ الطلب قد يكون للثلاثيّ ، والمزيد وهو من قبيل الثاني فقوله لا يدعون بيان لمعنى الطلب ، وقوله إلى ما يقتضي الخ إشارة إلى أن دعوتهم للأعتاب وطلبه بمعنى طلب ما يقتضيه وهو سببه وما يؤدى إليه ، وقوله من التوبة والطاعة بيان لما والظاهر أنه حينئذ مجاز عن السبب البعيد لأنّ ما ذكر سبب لإزالة المكروه المعتوب عليه ، وأزالته سبب لإزالة العتب فالمعنى لا يطلب منهم طاعة ورجوع عما كانوا عليه من الكفر والعصيان لعدم فائدته حينئذ فلا مخالفة بينه وبين ما ذكره في حم السجدة كما توهم ، وفي القاموس لا يستعتبون لا يستقيلون فيستقالون بردّهم إلى الدنيا وهو وجه آخر لكنه غير بعيد مما هنا. قوله : ( من قولهم استعتبني فلان الخ ) الاستعتاب طلب العتبى وهو الاسم من الإعتاب كالعطاء والستعطاء ، وتفسيره بالاسترضاء والإرضاء تفسير باللازم توضيحا جعلهم بمنزلة مجنيّ عليه عاتب على الجاني ، ولذا قال في الكشاف شبهت حالهم بحال قوم جنى عليهم فهم عاتبون على الجاني ، وهو(7/129)
ج7ص130
لا يخالف ما في السجدة فقوله ولا هم يستعتبون مبنيّ على التشبيه فإنهم لما تعدّوا حدود الله جعلوا بمنزلة الجانين لأنّ العتب والغضب من باب واحد كما صرّح به ، وتعديها مجلبة للغضب فقيل لم يبق لهم طلب أعتاب لأنه حق عليهم العذاب فلا يطلب منهم ما يزيل الغضب كما في الدنيا هذا خلاصة ما ذكره المدقق في الكشف
فدفع ما قيل ، وما يقال. قوله : ( في هذا القرآن ) أي في هذه السورة أو المجموع ، وهو الظاهر وقوله من كل مثل من فيه تبعيضية ، وتحتمل الزيادة وقوله وصفناهم أي الناس ، وقوله بأنواع الصفات بيان لمعنى كل وأنّ الكلية باعتبار الأنواع لا الأفراد ولا وجه لتخصيصه بأحوال الآخرة ، وقوله التي الخ إشارة إلى وجه إطلاق المثل على الصفة العجيبة مع أنّ أصله ما شبه مضربه بمورده ، وأنه استعارة لأنّ المثل إنما يضرب بما هو مستغرب ، وقوله مثل الخ بيان لما ذكر من الصفات وأدرج فيه وجه ارتباطه بما قبله. قوله : ( أو بينا الخ ) فضرب بمعنى بين ، وقد كان بمعنى وصف من ضرب الخاتم إذا صنعه كما مرّ والظاهر أنّ المثل فيه على أطله وأن القرآن بمعنى المجموع ، وقوله البعث بتقدير مضاف أي اعتقاد البعث وما بعده معطوف عليه ، وقوله ولئن جئتهم اللام موطئة والتقدير مع ضربنا كل مثل لو جئتهم الخ ، وقوله من آيات القرآن حمل الآيات على معناها المتبادر ، ولو حمل على معجزة من المعجزات التي اقترحوها صح قيل وهو الأنسب فتأمّل. قوله : ( ليقولق الذين كفروا ) أظهره لعموم ما قبله أو لبيان السبب الحامل على ما قالوه ولا ينافيه قوله من فرط ، وقوله مزوّرون التزوير الكذب وقد يخص بالشهادة وأصل معناه التزيين والترتيب لكلام في النفس ، وقوله مثل ذلك الطبع الإشارة إلى ما يفهم مما بعده كما مرّ تحقيقه وقد يجعل لما يفهم من قوله ليقولن الخ. قوله : الا يطلبون العلم ) فهو مراد به لازمه للزوم الطلب له عادة أو المعنى أنهم ليسوا من أولي العلم ، وقوله فإن الجهل المركب الخ تعليل لإصرارهم على اعتقادهم وجعله علة لقوله يطبع وكيك وفاء فاصبر فصيحة أي إذا علمت حالهم وطبع الله على قلوبهم فاصبر الخ وقوله بنصرتك الخ هو المناسب لأمره صلى الله عليه وسلم بالصبر ، وقد عمم ليشمل ما مرّ من غلبة الروم وله وجه. قوله : ( ولا يحملنك الخ ( بضئم اللام وفتحها والحمل وان كان لغير. ظاهراً لكن النهي راجع إليه فهو كقوله : { لا أرينك ههنا } كما مرّ تحقيقه كانه قيل لا تخف لهم جزعاً وما قيل إنه لا يحتاج إلى التأويل فيه نظر. قوله : ( بتكذيبهم وإءلذائهم ) بيان لسبب القلق ، وقوله فإنهم شاكون تفسير لقوله لا يوقنون لا تعليل لقوله لا يستخفنك حتى يقال لا وجه لبيان عذر الكفرة في مقام ذمهم وذلك إشارة إلى
التكذيب والإيذاء ، ويستبدع بمعنى يستغرب. قوله : ( وقرئ لا يستحقنك ) أي بفتح الحاء المهملة والقاف مع نون التوكيد الثقيلة ، وهي قراءة شاذة رويت عن يعقوب ومعناها كما في الكشاف لا يفتننك فهو مجاز مرسل لأنّ من فتن أحدا استماله إليه حتى يكون أحق به من غيره ، واليه أشار بقوله يزيغوك من الإزاغة وهي الإمالة إلى جانبهم ، والمراد أمّته وان كان الخطاب له صلى الله عليه وسلم لعصمته. قوله : ( عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ ) هو حديث موضوع وقولى كل ملك سبح لأنّ فيها سبحان الله الخ ، وقوله ما ضيع الخ لقوله : { حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ سورة الروم ، الآية : 17 ] الخ تمت الس!ورة الشريفة بحمد اللّه ومنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سورة لقمان
لقمان علم ممنوع الصرف للعلمية والعجمة أولها وللزيادتين.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ) قال الداني في كتاب العدد إنّ ابن عباس رضي اللّه عنهما قال إنها مكية إلا ثلاث آيات وقال عطاء إلا اثنتين لأنه صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة قال له أحبار اليهود بلغنا أنك تقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أعنيتنا أم قومك قال كلا عنيت فقالوا : إنك تعلم أنا أوتينا التوراة ، وفيها بيان كل شيء فقال ذلك في علم الله قليل فأنزل الله عز وجل ، { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ } الآيتين وآياتها ثلاث(7/130)
ج7ص131
وثلاثون في المكي والمدني وأربع وثلاثون في عدد الباقي ا هـ ، وأمّ استثناء الآية المذكورة بناء على أنّ الصلاة والزكاة إيجابهما على المؤمنين وقع بالمدينة فغير مسلم لأنّ الصلاة فرضت بمكة ليلة الإسراء كما في البخاري وغير. ، ولو سلم فيكفي كونهم مأمورين بها بمكة ولو ندبا فلا يتم التقرير فيها كما ذكره المصنف رحمه الله ، وأمّا الزكاة فإيجابها بالمدينة على المشهور ، وقيل تقدير الإنصباء هو الذي كان بالمدينة لا إيجابها كما مرّ ، واختار المصنف الجواب التسليمي لأنه هو التام فيهما فتأمّل. قوله تعالى : ( { الْحَكِيمُ } ) أي المحكم أو الحكيم قائله على الحذف ، والإيصال أو المجاز في الإسناد أو الاستعارة المكنية كما مرّ تفصيله ، وقيل هو مؤوّل بذي الحكمة ، وأورد عليه أنه لا بد فيه من المجاز أو التقدير فتأمّل. قوله : ( والعامل فيهما الخ ا لأنه عامل معنويّ إذ هو بمعنى أشير ، ولولاه لم يأت الحال من الخبر على المشهور ، وقوله على الخبر بعد الخبر أي لتلك والمحذوف تقديره هي أو هذي الخ مراعاة لظاهر الخبر. قوله : ( بيان لإحسانهم ) وهو إمّا صفة
كاشفة ، أو بدل أو بيان لما قبله أو منصوب أو مرفوع على القطع وعلى كل فهو تفسير للإحسان كقوله :
الالمعي الذي يظن بك الظن كان قد رأى وقد سمعا
فلا وجه لتخصيصه بالأوّل وما بعده استئناف كما فصله في الكشف سواء حمل ما ذكر
على ظاهره أو جعل عبارة عن جميع الأعمال الحسنة تصريحاً ، واستتباعا لأن كل الصيد في جوف الفراء كما في الكشاف وظاهر كلام المصنف أنه على الثاني بيان دون الأوّل لأنّ الإحسان لا يختص بما ذكر فلا وجه لما قيل من أنه ينتظمها ، وأنه أحسن من صنيع الزمخشري فتأمّل. قوله : ( أو تخصيص لهذه الثلاثة من شعبه ) أي من أقسام الإحسان جمع شعبة وظاهره أنه إذا كان بياناً عامّ بطريق الاستبتاع فيكون صفة مادحة للوصف أو الموصوف لا مخصصة ، أو مبينة كما في الأوّل ولا مخالفة فيه لما في الكشاف كما توهم. قوله : ( ولما حيل ( بكسر اللام ، وتخفيف الميم أي أعيد الضمير للتأكيد ولدفع توهم كون بالآخرة خبراً وجبراً للفصل بين المبتدأ وخبره ، وقدم للفاصلة وقد مرّ الكلام عليه والكلام على قوله { أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى } تقدّم في البقرة ، وقوله لاستجماعهم الخ ذكر العقيدة ، وان لم تسبق لاستلزام ما ذكر لها أو لدخولها في عموم الأوّل. قوله : ( ومن الناس الخ ( عطف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل من الناس هاد مهدفي ومنهم ضال مضل أو عطف قصة على قصة ، وقيل إنه حال من فاعل الإشارة أي أشير إلى آياته حال كونها هد! ورحمة الحال أنّ من الناس الخ ، وقوله يعني بفتح الياء معلوما أي يهم وقيل إنه بضمها مجهولاً أي يقصد وهذا كما قال الحسن اللهو ما يشغل عن الله. قوله : ( والإضافة بمعنى من الخ ) هذا بناء على أنّ إضافة العامّ المطلق بيانية ، وهو مذهب لبعض النحاة كما في شرح الهادي وذكره الدماميني في شرح التسهيل إذ جعل إضافة يومثذ بيانية ، وان صرّح العصام بخلافه واغترّبا بعض المتأخرين فاعترض على المصنف بأنه مخالف لكلام النحاة ، وقوله إن أراد الخ فالتعريف للعهد. قوله : ( وتبعيضية إن أراد به الآعتم منه ) تبع فيه الزمخشريّ وهو مذهب لقوم من النحاة كابن كيسان والسيرافي قالوا إضافة ما هو جزء من المضاف إليه بمعنى من التبعيضية واستدلوا بفصله بمن كقوله :
كأنّ على الكتفين منه إذا انتحى بذاك عروس أو صلابة حنظل
والأصح كما ذهب إليه إبن السراج والفارسي ، وأكثر المتأخرين أنها على معنى اللام كما فصله أبو حيان في شرح التسهيل وذكره شارح اللمع ، وقيل المشهور أنّ الإضافة تقوم مقام
التمييز فهي بمعنى من البيانية إلا أنه باعتبار العموم والخصوص الوجهي جاء التبعيض ، وليس من مقتض لإضافة فالتبعيضية ترجع إلى البيانية والفرق بين الوجهين إنه على هذا لا يحتاج إلى تقييد الحديث بالمنكر كما في الأوّل لأنّ الحديث الذي هو اللهو لا يكون إلا منكرا وعلى الأوّل لما أريد تمييز اللهو بعضه من بعض ، وجب أن يقيد الحديث بالمنكر لأنه اللهو القولي ، وهو غفلة عما قرّرناه ، وكذا ما قيل إنه عبر عن اللامية بالتبعيضية إظهار الجهة الملابسة الاختاصية تعويلا على ما عرف فيها ، وقد مرّ تفصيله في أوّل سورة الفاتحة فتذكره. قوله : ( 1 لأعثم منه )(7/131)
ج7ص132
جمع بين الألف واللام من كقوله :
ولست بالأكثر منهم حصى
وانما العزة للكاثر وتأويله تأويله فلا يرد عليه إنه لا يجوز بحسب العربية. قوله : ) وقيل نزلت الخ ) جعله مقابلا للأوّل لأنه فيه عامّ وفي هذا خاص بقصص الأعاجم أو الغناء والاشتراء على الأوّل مستعار لاختيار على القرآن ، وانصرافهم عنه واستبداله به ، وعلى هذا هو على حفيقته والقيان جمع قينة وهي الجارية ، وقد خصمت بالمغنية في العرف وهو المراد هنا ولا يأباه لفظ الحديث ، ولا يحتاج إلى تقدير ذات كما قيل لأنه لما اشتريت المغنية لغنائها فكان المشتري هو الغناء نفسه ، ورستم واسفنديار من ملوك العجم والأكاسرة جمع كسرى ، وهو معرّب خسر وعلم لملك منهم ثم أطلق على كل من ملكهم ، ومرّضه لأنّ قوله أولئك لهم يقتضي تعدده كما قيل ، وفيه نظر. قوله : ( دينه ) بالجرّ عطف بيان على سبيل اللّه مفسر له وكذا ما بعده والأوّل ناظر إلى قوله هدى ، والثاني إلى قوله تلك آيات الكتاب ولو عممه ليشملهما كان له وجه وجيه ، وقوله ليثبت على ضلاله الخ لأنه ضال قبله واللام للعاقبة وكونها على أصلها كما قيل بعيد ، ولم يرتض ما في الكشاف من أنه وضع موضع يضل للعموم لأن من أضل فهو ضالّ ، لأنّ الضلال لا يلزمه إلا ضلال وان اعتذر عنه بأنه أراد به الضلال المتجاوز لغيره بقرينة سبب لنزول لأنه تكلف لكن فيه توفق القراءتين معنى وبقاء اللام على حقيقتها. قوله : ( بحال ما يشتريه الخ ) متعلق بعلم ، وقوله بغير علم ظاهر كلام المصنف إنه متعلق بيشتري ، وقد جوّز تعلقه بيضل أي جاهلاً إنها سبيله أو أنه يضل أو الحق وهذا الوجه جار على
الوجهين في تفسير ومن الناس من يشتري ، وقوله أو بالتجارة حيث استبدل الخ قيل إنه يجوز اعتباره فيهما أيضاً والظاهر من قوله استبدل أنه مخصوص بالأوّل كما صرّح به بعض أرباب الحواشي فتأمّل ، والباء داخلة على المتروك. قوله : ( ويتخذ السبيل ) أو الآيات وقوله أولئك لهم جمع ضمير من بعد إفراده مراعاة للمعنى واشارة لعموم الوعيد ، وقوله لإهانتهم إشارة لا أنّ الجزاء من جنس العمل عدلاً منه تعالى ، وقوله : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ } أفرد ضمير من مراعاة للفظه بعدما جمع مراعاة لمعناه في قوله يشتري بعد إفراد ضميره رعاية للفظه كما وقع في سورة الطلاق ، ولا نظير لهما في القرآن كما قاله أبو حيان وتبعه المحشي وليس كذلك لأنّ لهما نظائر كما فصله المعرب في سورة المائدة ، وقوله متكبراً إشارة إلى أنّ الاستفعال بعنى التفعل. قوله : ( مثابهاً حاله حال من لم يسمعها ) أي أشبهت حاله في عدم التفاته تكبراً حال من لم يسمعها وكأن المخففة ملغاة لا حاجة لتقدير ضمير شأن فيها ، كما في الكشاف وفيه إشارة إلى أنّ جملة التشبيه حالية وقوله مشابها من في إذنه الخ بإفراد إذنه وفي نسخة إذنيه بالتثنية ، وكلاهما ظاهر والتشبيه الثاني ترق في ذمّه لأنّ فيه دلالة على عدم قدرته على السماع لعدم الانتفاع وأشار بقوله ثقل إلى أنّ أصل معنى الوقر الحمل الثقيل استعير للصمم ، ثم غلب حتى صار حقيقة فيه وتثقيل كأن في الثاني كأنه لمناسبته للثقل في معناه ، وأذن بضم الذال وقرأها نافع بسكونها تخفيفاً. قوله : ( والأولى ) أي جملة كان الأولى والمبدل كل من كل والحال على الثاني متداخلة ولتهكم في البشارة مرّ تفصيله في البقرة ، والحال المتداخلة تفيد تقييد عدم السماع بحال عدم القدرة ، ويجوز كونه حالاً من أحد السابقين. قوله : ( فعكس على المبالنة وفي نسخة للميالغة قيل في وجه المبالغة إنه لجعل النعيم أصلاَ ميزت به الجنات فيفيد كثرة النعيم وشهرته ، وقيل لأن من ملك جنات النعيم كان له نعيمها كلها بطريق برهاني بخلاف ما لو قيل نعيم الجنات فإنه قد يتنعم بشيء غير مالكه ) . قوله : ( حال من الضمير ) أي المجرور أو المستتر فيه لأنه خبر مقدم ، أو من جنات على أنه فاعل الظرف لاعتماده بوقوعه خبرا فإن الحال لا تأتي من المبتدأ على الأصح ، وهو مبتدأ لهم خبره لو لم يكن فاعلاً والجملة خبران
ولذا حعل العامل متعلقه فيهما إذ رجوعه على الأوّل خلاف الظاهر. قولى : ( 1 لأوّل ) أي وعد الله مؤكد لنفسه أي لما هو كنفسه ، وهي الجملة الصريحة في معناه لأنّ قوله لهم جنات النعيم الخ صريح في الوعد بخلاف قوله حقاً فإن الوعد يكون حقا وباطلا ، والكلام في المؤكد لنفسه " وغيره والعامل فيه مفصل في النحو ، وقوله لغيره يعني به جملة لهم جنات النعيم فمؤى إهما واحد ، وقد مرّ في يونس أنّ حقاً مؤكداً لوعد الله المؤكد ، وهو محتمل هنا وأما ى ن حمملة أنّ الذين الخ دالة على التحقق والثبوت فلو(7/132)
ج7ص133
جعل مؤكداً لها كان مؤكداً لنفسه أيضا فاحتمال! تركوه لبعده فلا عبرة بما قيل إنّ الأخبار المؤكدة لا تخرج عن احتمال البطلان فتأمّل ، وقوله وليس كلى وعد حقا أي في نفسه بقطع النظر عن قائله كما حقق في قولهم الخبر ما يحتمل المدق ، والكذب فلا يرد عليه أنّ وعده تعالى حق بلا مرية. قوله : ( فيمنعه الخ ( إشارة إلى أنلأ تذييل مقرّر لحقية وعده المخصوص بمن ذكر المومي إلى الوعيد لمن عداهم ، وقوله الذي لا يفعل الخ الحصر من فحوى الكلام ، وقوله سبق في الرعد وكذا تفسير رواسي وتحقيقه مرّ فيها أيضا ، وقوله كراهة أن تميد إشارة إلى أنه مفعول له بتقدير مضاف ، وقد مرّت نظائره أيضاً وتميد بمعنى تضطرب. قوله : ( استئناف ) سقط من بعض النسخ لتقديمه في الرعد يعني جملة ترونها مستأنفة في جواب سؤال تقديره ما الدليل على ذلك فلا محل لها مسوقة لإثبات كونها بلا عمد لأنها لسو كان لها عمد رؤيت ، وقد جوّز في الرعد كونها صفة لعمد أيضا فالضمير على هذا للسموات لا للعمد كما في الوصفية ، وأفرد ولم يقل فيهن لأنه جمع قلة والرؤيه بصرية لا علمية حتى يلزم حذف أحد مفعوليها كما توهم ، وعلى الوصفية يجوز أن يكون المراد أنّ لحا عمدا غير مرئية كما مرّ. قوله : ( شوامخ ) أي عالية ، وقد فسر بثوابت أيضا كما مز ، وقوله : فإنّ بساطة أجزائها وفي نسخة تشابه أجزائها ، وهو تعليل لميدانها وترك الدليل الظاهر ، وهو أنها أجرام عظيمة مرتفعة من شأنها أن لا تستقرّ بدون عمد لا سيما إذا كانت بسقف ممتد كما وردت به النصوص الإلهية ، والآثار النبوية لظهوره ولإلزام من يقول ببساطتها وكريتها من الحكماء ، وأهل الهيئة بما يدل عليه الحس وقد قام عليه الدليل في محله من بساطتها فلا وجه لمنعه ، فإن قيل الدليل غير تامّ فأمر آخر ، وضمير أجزائها للسموات وما بعده للأجزاء والامتناع المذكور لأنّ تشابه الأجزاء يقتضي الاشتراك في اللوازم فالاختصاص ترجيح بلا مرجح فاحتيج إلى مخصص خارح وهو الجبال ، وأما كونه لا عليه ولا شرطية بين الممكظ ت عند المحققين لانتفائهما بالذات إلا بأقداره تعالى وجعله فالآيات والآثار مشحونة بخلافط مح أنّ مط ذكص إلش اميّ ، وكون اللازم جواز ما ذكر وامكانه لا وقوعه غير مسلم لأن
مقتض التشابه الواقع الوقوع ، وأنه بإرادته تعالى لا يقال ننقل الكلام إلى الجبال أيضاً لأنها من جنس الأرض فيلزم التبدل لأن مقتضى التشابه ، والبساطة الكرية ومن حقها الميدان كما في الأفلاك والجبال أخرجتها عن الكرية ، وتوجهت لثقلها نحو المركز ومنعها عن الحركة كالأوتاد ، والبساطة لها معان ثلاثة على ما بين في علم الحكمة والمراد هنا ما لا يتركب من أجسام مختلفة الطبائع فيشمل العناصر والأفلاك والأعضاء المتشابهة كالعظم. قوله تعالى : ( { وَبَثَّ } ) أي أوجد وأظهر ، وأصل البث الإثارة والتفريق وفي تأخيره إشارة إلى توقفه على إزالة الميدان ، وقوله من كل صنف تفسير لزوح ، وكثرة المنفعة تفسير لكرمه. قوله : ( وكأنه استدل بذلك ) أي ما ذكر من قوله خلق السموات بغير عمد إلى هنا ، يشير إلى أن هذه الجملة ذكرت بعد قوله هو العزيز الحكيم لإثبات عزته وحكمته وفسر عزة الله بكمال قدرته وحكمته بكمال علمه فهي جلة مستأنفة لما ذكر ، وللتمهيد لقاعدة التوحيد أي أصله المذكور بعده ، وهذا إشارة لما ذكر أيضاً كما أشار إليه بقوله هذا الذي ذكر الخ ، وفاء فأروني جواب شرط مقدر وأروني بمعنى أعلموني وأخبروني ، وقوله اكهتكم تفسير لقوله من دونه لأنه بمعنى غيره من الآلهة ، وقوله وماذا الخ لأنه قد يركب ويجعل اسماً واحداً استفهاميا فيكون مفعولاً لخلق مقدما لصدارته ، وقد تكون ما وحدها اسم استفهام ، وذا اسم موصول مبتدأ وخبر وعليها فالجملة معلق عنها سادّة مسداً لمفعول الثاني ، وقد يكون ماذا كله اسماً موصولاً فيكون مفعولاً ثانياً لأروني والعائد محذوف في الوجهين ، وما ذكره مبني على جريان التعليق في المفعولين الأخيرين ، وفيه كلام في الرض انظره إن أردت. قوله : ( الذي لا يخفى ) هو ونحوه معنى قوله مببن والظاهر الظالمون وضع موضع أنتم ، وقوله بإشراكهم إشارة إلى أنّ المراد بالظلم الشرك لقوله إنّ الشرك لظلم عظيم ، وقوله من أولاد آزر الخ هو أحد الأقوال فيه ، وقيل كان عبداً أسود ، وقوله باعوراء بعين مهملة ممدودا ووقع في الكشاف باعور بدون ألف وهو اسم عبراني ، وروي أنه خير بين الحكمة والنبوّة فاختار الحكمة على كلام فيه في شرح الكشاف. قوله :(7/133)
ج7ص134
( استكمال النفس الخ ) قيل إنه تعريف
باللازم والمراد كمال حاصل باستكمال النفس الخ أي طلب كمالها بتهذيبها ، وهذا في العرف العام وعند الحكماء معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بحسب الطاقة البشرية ، واقتباس العلوم تحصيلها وفيه تشبيه لها بالنور ، وقوله على الأفعال الخ متعلق بالملكة لما فيها من معنى الاقتدار ، وقوله على قدر طاقتها متعلق باستكمال وشمرد من السرد وهو عمل حلق الدرع وفاعل فقال دأود عليه الصلاة والسلام ولبوس بفتح اللام بمعنى ملبوس. قوله : ( الصمت حكم الخ ) قال الميدإني : الحكم بضم الحاء الحكمة ومنه وآتيناه الحكم صبيا ، يعني أنّ استعمال الصمت حكمة ولكن قل من يستعملها وقد صار هذا مثلاً ، وقوله أنه أمر بصيغة المجهول أو المعلوم والتقدير أمره داود عليه الصلاة والمملام ، وهو المناسب لقوله سأله أو مولاه كما في الكشاف وترك لعدم تحقق كونه عبداً ، وقوله فقال الخ إن كان السائل سأل عن الأطيب والأخبث من هذين العضوين مطلقا أي المحمود والمذموم منهما فحاصل جوابه أنّ الخبيث والطيب عارضان لا حقيقيان ، وهما في هذين أشد فما أتى به من الشاة مثال لما في الإنسان ، وان كان مراده ما في الحيوان المأكول وطيبه وخبثه باعتبار اللذة والنفع وعدمهما ، فجوابه من الأسلوب الحكيم لينبهه على أنّ اللائق بالعارف أن يسأل عما فيه ذريعة إلى ما فيه الكمال وترك قبيح الخصال ، وهذين العضوين وسيلة لهما فتأمّل. قوله : ( لأن أشكر الخ ) يعني أن مصدرية على تقدير اللام التعليلية أو على أنها بدل اشتمال من الحكمة بدون تقدير ، وهو بعيد أو تفسيرية لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه كما أشار إليه المصنف رحمه الله لأنّ إيتاءها إمّا بوحي أو إلهام ، أو تعليم ولا يرد على الأوّل فوات معنى الأمر كما مرّ ولا على الثاني سواء كان تفسير الآتيناه الحكمة أو للحكمة أن الحكمة ليست الأمر بالشكر كما توهم ، أمّ على الأوّل فظاهر ، وأمّا على الثاني فلأنها ما تضمنه الأمر فتأمّل. قوله : ( لأن نفعه الخ ) فهو مؤوّل بما ذكر واستحقاق المزيد والدوام لقوله : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ سورة إبراهيم ، الآية : 7 ] لدلالة الزيادة على الدوام التزاماً ، وقوله ومن كفر قيل عبر بالماضي للدلالة على الزيادة والتحقق في الكفران ، وفيه نظر
ظاهر ، وقوله فإن الله غني هو قائم مقام الجزاء ، وهو فضرره عائد عليه لأنه مع أنه لا يحتاج للشكر مشكور محمود إمّ بحسب الاستحقاق أو بنطق ألسنة الحال ، وحميد فعيل بمعنى مفعول في الوجهين ، وأمّا ما قيل من أن قوله غني تعليل لقوله فإنما يشكر لنفسه وحميد للجواب المقدر للشرط الثاني بقرينة مقابله فتكلف لم تقم عليه قرينة ولم يدع إليه داع وان صح في نفسه فتدبر ، وقوله جميع مخلوقاته أي سواء كفر أو شكر لدلالته على موجده ، واذ قال بتقدير اذكر أو شكر وأنعم وأشكم بوزن أفعل علمان أعجميان ، وكذا ما ثان بالمثلثة وجملة وهو يعظه حالية. قوله : ( تصغير إشفاق ) ومحبة لا تصغير تحقير :
ماقلت حبيبي من التحقير بل يعذب اسم الشخص بالتصغير
وقال آخر :
ولكن إذا ما حب شيء تولعت به أحرف التصغيرمن شدة الوجد
وقوله : يا بني تقدّم اختلاف القراء فيه وتسكين الياء بحذف ياء المتكلم وفتح الياء المشددة لأن ياء المتكلم مبني على الفتح ، والكسر على بنائها على السكون وتحريكها بالكسر لالتقاء الساكنين ، والكلام عليه مفصل في علم النحو والقراآت ، وقوله كان كافرا ولذا نهاه فإن كان مسلما فقد حذره عن صدوره منه في المستقبل وقوله لأنه الخ تعليل لعظمه ، وأنا كونه ظلماً فلوضعه في غير موضعه ، وقوله وصينا أي أمرنا وقد مرّ تحقيقه ، وبوالديه بتقدير رعايتهما. قوله : ( ذات وهن ) أي المصدر حال بتقدير مضاف أو مفعول مطلق لفعل مقدر والجملة حالية كما صرح به ويجوز جعل المصدر نفسه حالاً مبالغة لكنه مخالف للقياس إذ القياس فيه أن يكون مشتقاً ، وقوله تضعف ضعفا الظاهر أنه تفسير له على الثاني ويجوز حمله على الوجهين ، وقوله فوق ضعف تفسير لقوله على وهن أي متزايداً بازدياد ثقل الحمل إلى مدة الطلق ، وقوله فإنها الخ تعليل أو تفسير لما قبله ، وقوله والجملة الخ على الثاني وذو الحال أمّه ، وأمّا جعله حالاً من ضمير(7/134)
ج7ص135
حملته فيأباه قوله على ضعف فإن ضعفه لا يتزايد بل ينقص فلا وجه لمن جوّزه. قوله : ( يقال وهن يهن الخ ) يعني أنه ورد من باب ضرب يضرب فسقطت الواو من مفارعه لوقوعها بين ياء وكسرة ، ومن باب علم فأثبتت الواو لعدم شرط حذفها ، وقد
ورد من باب كرم أيضا كما في القاموس ، وقوله أو وهن يوهن وهنا وقع في النسخ مضبوطا بفتح هاء المصدر فيكون المحرك مصدر الفعل الثاني والساكن مصدر الأوّل فلا يصح ما قيل إنه من باب تحريك العين إذا كانت حرف حلق كالشعر ، والشعر على القياس المطرد كما ذهب إليه ابن جنى بل يكون لغة فيه كتعب يتعب تعبا هكذا قال بعض المتأخرين لكنه اعتماد على ضبط القلم فمان ساعدته الرواية فيها ونعمت ، وكلام القاموس يدل على عدم اختصاص أحد المصدرين باحد الفعلين وقوله قرئ بالتحريك يعني في الموضعين وقد علمت وجهه.
قوله : ( وفطامه ) أي ترك إرضاعه والفطام والفصال بكسر الفاء بمعنى الفطم والفصل ،
وقوله في انقضاء عامين أي تمامهما أي في أوّل زمان انقضائهما ففيه مضاف مقدّر مع تسمح يسير والقرينة على تقديره قوله : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [ سورة البقرة ، الآية : 233 ] . قوله : ( وفيه دليل الخ ) هو مذهب الشافعي والإمامين ، وعند أبي حنيفة ثلاثون شهراً فما ذكر هنا أقل مذته وتفصيله في كتب الفقه. قوله : ( تفسير لوصينا ) فإن بمعنى أي التفسيرية ، وعلى ما بعده مصدرية قبلها لام علة مقدرة ، واذا كان بدلاً فكأنه قبل وصيناه بوالدبه بشكرهما وذكر شكر الله لأن صحة شكرهما تتوقف على شكره كما قيل في عكسه لا يشكر الله من لا يشكر الناس ، فلذا قرن بينهما في الوصية ، وعن ابن عيينة من صلى الصلوإت الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه في أدبارها فقد شكرهما وأمّا كون الأمر بالشكر يأبى التفسير والتعليل والبدلية كما قيل فليس بشيء كما مر. قوله : ( وذكر الحمل والفصال الخ ) أي على الوجوه في إعراب أن اشكر ووجه التوكيد ذكر ما قاسته في تربيته وحمله وأمّا كونه استئنافاً أو المراد بالاعتراض ما يعمه فغير صحيح لأن الكلام المستأنف لا يتعلق ما بعده بما قبله. قوله : ( ومن ثئم ) أي لأجل ما للأم من عظيم الحق قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن ساله عمن يبره أمّك وأجابه عن سؤاله به ثلاث مرات والحديث المذكور صحيح رواه أبو داود والترمذي وأمّك فيه منصوب بفعل مقدر تقديره برّ أمّك أي أحسن إليها ، وقوله فأحاسب تفسيراً وتعليل أو تفريع. قوله : ( باستحقاقه الإشراك ) تفسير لقوله به بتقدير مضاف فيه بقرينة السياق ، وتقليداً تعليل لقوله
تشرك ، وقوله وقيل الخ إشارة إلى قول الزمخشريّ أراد بنفي العلم به نفيه أي لا تشرك بي ما ليس بشيء يريد الأصنام كقوله : { مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } [ سورة العنكبوت ، الآية : 42 ] قال في الانتصاف وتبعه الطيبي وغيره من الشراح هو من باب :
على لا حب لا يهتدي بمناره
أي ما ليس بإله فيكون لك علم بالإلهية وليس كما ذكره في قول فرعون ما علصت لكم
من إله غيري فقد زيفناه فيما تقدم انتهى ، يعني أنه من الكناية ولا يلزم فيها اللزوم العقلي بل يكفي العرفي كما صرحوا به ، وقال المدقق في الكشف ليس هذا من قبيل نفي العلم لنفي وجوده كما مر في القصص والا لقال ما ليس بموجود ، بل أراد أنه بولغ في نفيه حتى جعل كلا شيء ، ثم بولغ في سلك المجهول المطلق وهذا تقرير حسن فيه مبالغة عظيمة ، ومنه يظهر ترجيح هذا المسلك في هذا المقام على أسلوب :
ولا ترى الضسب بها ينجعر
انتهى وكل منهما مسلك حسن ، وقد مر أن المصنف و- حمه الله فرق بين ما في القصص وغيره في سورة العنكبوت ، فليس المراد تمريضه لئلا يتناقض " كلامه فلا تكن من الغافلين ، وقال بعض الفضلاء ضعفه لما قيل إنه من خواص العلوم الفعلية دون الانفعالية ، إذ لا يلزم من عدم علمنا بشيء أن لا يكون موجوداً والظاهر أن مراد القائل أنه مجاز عنه ولا يلزم فيه اللزوم العقلي بل يكفي العرفي كما مر والذهن ينتقل من نفي العلم إلى انتفائه ، وفي شرح المفتاح أنه بناء على اللزوم الادّعائي بمجرّد الأصالة والفرعية وقوله في ذلك أي الشرك. قوله : ( صحابا ) بكسر الصاد مصدر كالصحبة يعني أن معروفا صفة مصدر محذوف ، وقوله يرتضيه الخ تفسير للمعروف كأن يطعمهما ويكسوهما ويعودهما ويدفنهما بعد الموت ، وقوله في الدنيا ذكره لمقابلته بقوله : { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } [ سورة آل عمران ، الآية : 55 ] ووقع في نسخة في الدين والأولى أولى ، وأناب بمعنى رجع(7/135)
ج7ص136
إلى الحق وطريقه والمعنى اتبع طريق المخلصين لا سبيلهما ، وقوله بالتوحيد تنازعه الفعلان ، وقوله مرجعك ومرجعهما إشارة إلى أنّ فيه تغليباً
للخطاب على الغيبة ، وقوله بأن أجازيك الخ فهو كناية عن الجزاء وليس المراد بالإعلام ظاهره والآيتان من قوله : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ } إلى قوله { تَعْلَمُونَ } وقوله لما إمّا صلة التأكيد أو تعليل له وضمير فيها للوصية وفي نسخة فيهما أي الآيتين ، وقوله كأنه بيان للمراد من ذكرهما على وجه يتضح به التأكيد ، وقوله للمبالغة في ذلك أي في التأكيد للنهي عن الشرك واتباع من يأمر به ولو كان أحق الناس بالطاعة بعد اللّه وهما الوالدان ومن هنا جاءت المبالغة ، وقوله مكثت أي أمّ سعد ولإسلامه بمعنى بعد إسلامه أو لأجل إسلامه ، وقوله ولذلك أي لكون نزولهما فيه وضمير فإنه لسعد وضمير بدعوته لأبي بكر رضي الله عنه. قوله : ( أي أنّ الخصلة الخ ) فالضمير راجع لها لفهمها من السياق ، وقوله مثلاً في الصغر أي في غاية الصغر حتى يضرب بها المثل فيه وهو تفسير لمثقال حبة الخ بما يشمل ما دونها وجعل الضمير للقصة على الرفع لعدم العائد فيها إلا بتكلف تقديره ، وقوله وتأنيثها أي كان أي مضارعها لما ذكر أولتأويله بالزنة أو الحسنة والسيثة وقوله كما شرقت الخ من شعر للأعشى وأوّله :
وتشرق بالقول الذي قد أذعته
كما الخ وهو يهدّد بالهجاء من هجاه ، والشرق وقوف الماء في الحلق كالغصة ب!فعله كعلم ، وهو استعارة هنا لتضرّره بما ظنه نافعاً وتشبيه صدر القناة التي عليها الدم بمن شرق في مجرّد وقوف المائع والشاهد فيه ظاهر ، والمثقال ما يقدر به غيره لتساوي ثقلهما. قوله : ( في أخفى مكان وأحرزه ) إشارة إلى أنّ ما ذكر كناية عن الأخفى والا حرز ونحوه ، وليس مقصوداً بخصوصه وقوله أو أعلاه عطف على أخفى وقوله كمحدب السموات أي جهة الأوج دون الحضيض وخصه لأنه أعلى ما فيه فهو المناسب للمقام إذ المقصود المبالغة فلا يقال إنه لا وجه للتخصيص ، وكلمة في لا تأباه لأنها ذكرت بحسب المكانية أو للمشاكلة أو هي بمعنى على وعبر بها للدلالة على التمكن والمحدب ظاهر الكرة والمقعر باطنها. قوله : ( وقرئ بكسر الكاف ) أي تغيب من وكن الطائر إذ دخل وكنته بفتح الواو وضمها وسكون الكاف أو ضمها مع ضمّ الواو أي عشه فهو استعارة أو مجاز مرسل كالمشفر وقد جوّز في ضمير تكن أن يكون للابن والمعنى أن تحتف وقت الحساب يحضرك الله ، وهو غير ملائم للجواب ، وقوله يحضرها
بالجزم وكذا ما عطف عليه وهو إمّا على ظاهره أو المراد يجعلها كالحاضر المشاهد لذكرها ، والاعتراف بها. قوله : ( يصل علمه إلى كل خفئ ) هذا على أنّ معنى اللطيف في أسمائه تعالى العالم بالخفيات ، وهو المناسب لما قبله وما بعده هنا وقد جوّز فيه أن يفسر بمعنا. المعروف لأنّ في ذلك لطفاً بأحد الخصمين والأوّل أنسب ، وخبير تاكيد له على الأوّل والمصنف رحمه الله فسره بالعالم بكته الخفيّ ليكون تأسيساً فيه أيضاً ، وقوله سيما في ذلك أي تكميل نفسك وغيرك أو في الصلاة والأمر بالمعروف لشدة احتياجهما للصبر ، أمّا الثاني فظاهر وأمّا الأوّل فلأنّ إتمامها والمحافظة عليها قد يشق ، ولذا قيل وانها لكبيرة إلا على الخاشعين والإشارة إلى الصبر تناسب الأفراد والبعد لعلوّ منزلته وعلى ما بعده فهو مؤوّل بما ذكر. قوله : ( عزمه الله ) أي قطعه وأوجبه ، والعزم بهذا المعنى يسند إليه تعالى ومنه ما وود عزمة من عزمات الله وفي الحديث : " لا صيام لمن لم يعزم الصيام من الليل " أي يأتي بنية قاطعة وقوله ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل إذا كان بمعنى المفعول فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأمور المعزومة ، وإذا كان بمعنى الفاعل فهو من الإسناد المجازي كمكر الليل لا من الإضافة على !نقثم ) وإهذا أصل فعنا أشاولامبقوللنا منتعليليةا أو صحلة فينه ا اس!تعملهبمعنىبها اجمهدلر في الأولا للإعراض عن الناس والصيد بفتح الصاد المهملة والياء التحتية كما في الجوهري ، وبكسر الصاد كما في القاموس مرض في أعناق الإبل يتشنج به أعصابها فلا تتحرّك وتلتفت ، وقد استعير للتكبر كالصعر وقوله داء الخ خبر بعد خبر لهو ، وقوله وقرئ ، لا تصعر أي من الأفعال وقوله والكل واحد أي بمعنى وعدى المصنف الميل بعن لتضميمة معنى الإعراض لأنه هو المذموم لا مطلق الميل ، وقوله فيلوى أي البعير أو الداء لأنه سببه. قوله : ( وقرأ نافع الخ ( قيل
كان ينبغي تقديمها(7/136)
ج7ص137
لكونها قراءة الأكثر من السبعة وفي الدر المصون إنها قراءة ابن كثير وابن عامر وعاصم فليحرّر فانه قيل إنه سهو والبطر النشاط للغرور ووقوع المصدر حالاً للمبالغة أو لتأويله بالوصف ، وقوله أو لأجل المرح فهو مفعول له من غير تأويل. قوله : ( علة للنهي ( إفادته التعليل لأنه استئناف في جواب السؤال عن السبب والعلة ، وقوله وتأخير الخ فهو لف ونشرمشوّس ، وقوله مقابل للمصعر لأنه بمعنى المتكبر وهو قريب معنى من الفخور والمختال من الخيلاء ، وهو التبختر في المشي كبراً فيناسب الثاني ، ولك أن تجعله لفاً ونشرا مرتباً فإنّ الاختيال يناسب الكبر والعجب ، وكذا المشي من جانب يناسب الفخر والكلام على رفع الإيجاب الكلي والمراد السلب الكلي ، ولك أن تبقيه على ظاهره وصيغة- فخور للفاصلة ، ولأن ما يكره منه كثرته فإنّ القليل منه يكثر وقوعه فلطف الله بالعفو عنه. قوله : ( توسط فيه ) من القصد وهو الاعتدال والدبيب المشي على هينة وبطء ضد الإسراع ، وقوله : " سرعة المشي " الخ حديث رواه أبو نعيم وغيره عن أبي هريرة وقال ابن حجر في إسناده ضعف والبهاء الحسن والمراد أنها تورثه حقارة في أعين الناس لأنها تدل على الخفة ، والمراد اعتبار ذلك بالإفراط فيه ، وقول عائشة الخ في النهاية إنّ عائشة رضي الله عنها نظرت إلى رجل كاد يموت تخافتاً فقالت ما لهذا لقيل إنه من القراء أي الزهاد الفقهاء فقالت كان عمر رضي الله عنه سيد القراء وكان إذا مثى أسرع وإذا قال أسمع واذا ضرب أوجع. قوله : ( فالمراد ما فوق دبيب المتماوت ( يعني مراد عائشة رضي اللّه عنها بالسرعة ما فوق البطء الشديد فلا ينافي ما في الآية وكذا ما ورد في صفة مثيه عليه الصلاة والسلام كأنما ينحط من صبب ، والمتماوت هو الذي يخفى صوته ويقل حركاته ممن يتزيّ بزيّ العباد كأنه يتكلف في اتصافه بما يقرب من صفات الأموات كما في النهاية ليوهم أنه ضعف من كثرة العبادة ، وتسديد السهم توجيهه للغرض ليصيبه فهو
استعارة لتحري الصواب فيه. قوله : ( وانقص متة وأ!دصر ) أي أجعله قصيرا والمراد عدم شدة الجهر مجازاً ، أو هو حقيقة عرفية وضده مدّ الصوت ، ولما كان يقال غض الطرف والصوت متعديا جعله في الكشاف مستعارا من قولهم غض من فلان إذا ذمّه لئلا تكون من زائدة في الإثبات كما ذصب إليه بعضهم هنا ، وتكلف بعضهم جعلها تبعيضية لكن ظاهر قول الجوهري : غض من صوته أنه يتعدى بمن فلا غبار عليه. قوله : ( أوحشها ) أي أقبحها كما يقال في العرف للقبيح ، وحش وأصله ضدّ الإن! والألفة فهو إمّا مجاز أو كناية. قوله : ( والحمار مثل في الذمّ ) أي مشهور في الذمّ شهرة المثل ، أو يضرب به المثل في معان من الذمّ كالبلادة وقبح الصوت والنهاق بالضمّ اسم للشديد من صوته كالنهيق ، وقوله ولذلك أي لاشتهاره بالأحوال الذميمة كنت العرب عنه في الأكثر لأنّ عادتهم الكناية عما يستقبح لاستقذاره وإنما صرّح به هنا لأن بعض ما يقبح في مقام يحسن في آخر ، ولما كان هذا مقام الذمّ والمذموم لا يوقر كان ذكره هنا مستحسنا ، وهذا مما ذكره أهل البلاغة ولأنّ التصريح أبلغ كما صرّح به المصنف. قوله : ( وفي تمثيل الصوت الخ ) كذا في الكشاف قال الشارح الطيبي إنه إشارة إلى أنّ قوله إن أنكر الخ تعليل للأمر بالغض على الاستثناف كأنه قيل لم أغض فقيل لأنك إذا رفعته كنت بمنزلة الحمار في أحسن أحواله ، ثم ترك المشبه وأداة التشبيه ووجهه وأخرج مخرح الاستعارة المصرّحة التمثيلية انتهى فجعله استعارة وحمله على ظاهره ، وقال بعض أهل العصر أنه طوى المشبه على سنن الاستعارة وليس اسنعارة فإنّ المشبه لم يعرض عنه بالكلية لأنه ، وإن لم يكن مقدرا منويّ مراد على نهج قوله وما يستوي البحر إن هذا عذب فرات الخ ، ولذا قالوا مخرج الاستعارة دون أن يقولوا اسنعارة هذا محصل ما أطال به من غير طائل فإنه لا مانع من حمله على ظاهره بجعل صوت الحمير استعارة لصياح الإنسان والجامع بينهما الشدة مع القبح الموحش فتامّل. قوله : ( وتوحيد الصوت الخ ) يعني المراد بصوت الحمير صوت هذا الجنس ، ولكون المراد من المضاف الجنس لا وجه لجمعه ، فإن قلت ينبغي أن يوحد المضاف إليه أيضاً قلت أجيب بأن المراد بالجمع المحلي باللام الجنس بخلاف الجمع المضاف إلى المحلى بها وفيه نظر ، وقد أجيب أيضاً بأنّ المقصود من الجمع التعميم ، والمبالغة في التفسير فإنّ الصوت إذا توافقت عليه الحمير كان(7/137)
ج7ص138
أنكر وأورد عليه أنه يوهم أنّ الأنكرية في التوافق دون الانفراد ، وهو لا يناسب المقام فتأمّل ، وما قيل من أنّ المحققين لم يذهبوا إلى أنّ الحمير جمع ، وإنما هو بمنزلة أسماء الأجناس فلا وجه للسؤال مما يتعجب منه فإنّ أهل اللغة صرّحوا بجمعيته ولم يخالف فيه غير السهيلي فإنه قال إنّ فعيلاَ اسم جمع كالعبيد لعدم اطراد مفرده ، واسم الجمع جمع عند أهل اللغة والفرق بينهما اصطلاح للنحاة لا يضرّنا ، والنكير كونه منكراً وأمّ التوجيه بمراعاة الفواصل
فلا يكفي في التوجيه دون نكتة معنوية تليق بالتنزيل. قوله : ( أو لأنه مصدر ) وهو لا يثني ولا يجمع ما لم يقصد الأنواع كما في قوله : { أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ } فلا يتوهم إنه يعارضه الجمع المذكور فتأمّل ، وقوله بأن جعله أسبابا الخ فتسخيره لهم بمعنى تسخير ما تسبب عنه من النبات والأمطار فهو ينتفع بها بالذات ، وبالواسطة وكذا الأرض سواء أريد بها ظاهرها أو جهة العلو والسفل فقوله بوسط الخ راجع لهما فتأمّل. قوله : ( محسوسة ومعقولة ) هو أحد التفاسير الظاهرة ، والباطنة وفيها تفاسير للسلف ما لها ما ذكره المصنف ، !ؤقوله ما تعرفونه الخ إمّا تفصيل للمعقولة أو لها وللمحسوسة فهو عطف بيان أو بدل مما قبله ، وقوله وقد مرّ شرح النعمة وأنها ما ينتفع به ويستلذ وهو ينقسم إلى أخرويّ ودنيويّ وقوله بالإبدال أي إبدال السين صادا إذا اجتمعت مع أحد الحروف المستعلية المذكورة سواء فصل بينهما أو لم يفصل ، وكلامه يشمل التقدّم والتأخر وقد اشترط بعضهم تقدّم السين فتبدل للتجانس كما قرّره النحاة ، وهو إبدال مطرد وهذه قراءة ابن عامر وفي الكشاف إنه قرئ نعمه ونعمة ونعمته فقوله ظاهرة وباطنة حال وعلى التنكير صفة. قوله : ( في توحيده ) كالمشركين وفي صفاته كمنكري عموم القدرة وشمولها للبعث ، وقوله مستفاد من دليل صفة موضحة لا مقيدة ، وقوله راجع إلى رسول بأن يكون مأخوذا منه ولو جعل الهدى نفس الرسول مبالغة صح ، ومنير أي منقذ من ظلمة الجهل والضلال. قوله : ( وهو منع الخ ) أي من تقليد من لم يعلم أنه مستند إلى دليل حق فإنه لا خلاف في امتناعه ، أمّا تقليد المحق المستند إلى دليل فشيء اخر كما قيل وقد يقال إنه مبنيّ على مغ التقليد في العقائد مطلقاً أمّا التقليد في الفروع فلا خلاف فيه. قوله : ( يحتمل الخ ) ظاهر كلامه ترجيح الأوّل ، وقد قيل إنّ الثاني أرجح لقوله : { أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [ سورة البقرة ، الآية : 170 ] بعد قوله : { بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا } [ سورة البقرة ، الآية : 170 ] وترك احتمال كون الضمير للمجموع وكلامه يحتمل أن يكون الضمير لكل منهما منفردا أولاً على التعيين فتأمّل. قوله : ( من التقليد ) على كون الضمير لهم وما بعده جار على
الوجوه أو هو ناظر لكون الضمير لآبائهم ، وقوله إلى ما يؤول إليه إشارة إلى أنّ عذاب السعير من ذكر المسبب وارادة السبب أو هو من مجاز الأول. قوله : ( وجواب لو محذوف ) وان كانت لو وصلية سواء كانت الوأو عاطفة أو حالية لأنّ الشرط لا بد له من جواب مذكور أو مقدر بقرينة لكن كثر الاستغناء عنه في الوصلية حتى ذهب بعضهم إلى أنه انسلخ عنها معنى الشرط ، وأنّ تقديره بيان لأصل وضعها لا لزوم بحسب المعنى ، والعجب من هذا القائل فإنه ذكر ما قرّرناه في سورة الحج ، وغفل عنه هنا ولا يلزم على العطف تخالفهما خبراً وانشاء حتى يقال إنّ لاستفهام إنكاري فهو خبر معنى لتأخر الاستفهام عن العطف فسقط ما قيل إنّ الأولى ما في الكشاف من جعل الواو حالية من غير احتياح إلى تقدير الجواب ولا تأويل المعطوف الإنشائي ولا تعارض بين جعل الواوحالية وتقدير الجواب كما توهم والكلام على لو الوصلية سبق تفصيله. قوله : ( والاستفهام الخ أليس فيه جمع بين معنيين مجازيين لأنّ الإنكار معنى الاستفهام ، والتعجب مأخوذ من السياق أو على لعكس. قوله : ( بأن فوّض أمره إليه ) يشير إلى أنّ الإسلام والتسليم بمعنى التفويض وأنّ الوجه بمعنى الذات ، وتسليم ذاته كناية عن تسليم أموره !ميعها للّه الشراشر بمعنى الكلية كما مرّ والزبون بفتح الزاي بوزن فعول ، وهو المشترى من الزبن بمعنى الدفع وكني به عن التبايع لتدافع المتبايعين في الأسواق لكنه بهذا اللفظ مولد كما ذكره الجوهري ، وغيره وقوع في بعض النسخ الديون ، وهو تحريف من الناسخ وقوله ويؤيده أي يؤيد كون الإسلام بمعنى التفويض لأنّ التفعيل أشهر فيه من الأفعال والأصل توافق القراآت معنى. قوله : ( وحيث عدّى باللام الخ ) كما في قوله(7/138)
ج7ص139
لنسلم لرب العالمين فإنه وقع في القرآن متعدّياً بـ إلى واللام فالأوّل لأنّ المسلم أموره له يجعلها منتهية إليه ، وأمّا الثاني فلإخلاصه له فالمراد بالتضمن في كلامه كونه ملاحظاً في ضمن معناه متعديا بحسبه لا مطاوع التضمين الإصطلاحي ، وهذا مراد الشيخين هنا فلا حاجة إلى تبديل الإخلاص بالاختصاص كما ذهب إليه بعض المتأخرين حيث ضرب بالقلم على الإخلاص ، وكتب بدله الاختصاص مع أنه قريب من كلام المصنف ولم يرد بالتضمين غير ما ذكرناه إذ المراد أنّ إسلام الوجه منتهيا إلى الله ومختصاً به فبالنظر إلى الأوّل تعدّى يالى ، وبالنظر إلى الثاني باللام الدالة على الاختصاص في نحو الجل للفرس فلا وجه للاعتراض عليه بأنه أصابت بديهته ، وأخطأت رويته فالاختصاص إنما يتعدّى بالباء ولا للاعتراض على المصنف بأنه لا حاجة إلى ما اعتبره من التضمين والمخطئ في هذا كله ابن أخت خالة المخطئ. قوله : ( وهو تمثيل ) أي تشبيه تمثيليّ مركب لذكر الطرفين بتشبيه حال المتوكل على الله المحسن في عمله بمن ترقى في جبل شاهق ، أو
تدلي منه فتمسك بعرى حبل وثيق متدل منه ، وهذا بعينه ما في الكشاف إلا أنه أبدل تدلى بترقي ملاحظة لعلوّ حاله ، والتدلي باعتبار أنه المعروف فيه ولكل وجهة وقد ذكر في البقرة إنه استعارة في المفرد وهو العروة الوثقى فيستعار للتوكل النافع المحمود عاقبته واستمسك بمعنى طلب التمسك. قوله : ( إذ الكل صائر إليه ) تعريف الأمور يحتمل الاستغراق ، والعهد كالكل إذ يحتمل كل الأمور وكل ما ذكرمن المجادلة وما بعده لكن كلامه ظاهر في الأوّل وتقديم إلى الله إجلالاً للجلالة ورعاية للفاصلة ، ويجوز أن يكون للحصر ردا على الكفرة في زعمهم مرجعية آلهتهم لبعض الأمور ، وليس الاستغراق مغنياً عنه كما قيل. قوله : ( فلا يضرّك ) فنفي الحزن مجاز أو كناية عن نفي الضرر وفسره الزمخشريّ بلا يهمنك وأحزن مزيد حزن اللازم ، وقدر لزومه ليكون للنقل فائدة وقوله وليس بمستفيض أي شائع تبع فيه الزمخشري ، واللغتان مشهورتان والقراءتان متواترتان لأنّ هذه قراءة نافع لكنه يشير إلى ما نقل عن الزمخشري أن المعروف في الاسنعمال ماضي الأفعال ومضارع الثلاثي ، والعهدة في ذلك عليه. قوله : ( في الدارين ) فسره به لأنّ المراد بالرجوع وما بعده المجازاة كما أشار إليه بقوله بالإهلاك الخ وقوله فيجازي عليه لأنّ علمه تعالى عبارة عن الجزاء عليه وقوله فضلاً ناظر إلى العلم بما خفي مما أكن في الصدور ويصح رجوعه للمجازاة عليه أيضاً ، واستعمل فضلا في الإثبات لتأويل فيجازي بمعنى لا يترك ، أو عليم بذات الصدور فلا يخفى عليه شيء فلا يقال إنه لم يقع في موقعه. قوله : ( تمتيعاً ) يعني نصبه على المصدرية لأنه صفة مصدر مقدر أو على الظرفية لأنه صفة زمان مقدر ، وقوله فإنّ ما يزول الخ بيان لقلته على الوجهين وأنها نسبية. قوله : ( يثقل عليهم الخ ) يعني أنّ الغلظ مستعار من الأجرام الغليظة والمراد الشدة والثقل على المعذب كما في الكشاف ، والمراد بالاضطرار والإلجاء إلزامهم إلزام المضطر الذي لا يقدر على الانفكاك مما ألجئ إليه ، وفي الانتصاف أنّ تفسير هذا الاضطرار ما في الحديث : " من أنهم لشدّة ما يكابدون من النار يطلبون البرد فيرسل عليهم الزمهرير فيكون أشدّ عليهم من اللهب فيتمنون عود اللهب اضطرارا " فهو اختيار عن اضطرار وبأذيال هذه البلاغة تعلق الكندي حيث قال :
يرون الموت قداما وخلفا فيختاروه والموت اضطرار
وكأنّ قول المصنف أو يضمّ الخ إشارة إلى هذا فتأمّل. قوله : ( ليقولن الله ) أي خلقهن
الله ، وهو المطابق للسؤال بحسب المعنى كما فصل في محله ، وقوله بحيث اضطروا إلى إذعانه فإنه لا يمكن إنكاره كغيره من العبادة ونحوها ، ولذا اضطرهم إلى العذاب ، وقوله بطلان معتقدهم وهو إشراك غيره به في العبادة التي لا يستحقها غير الخالق والمنعم الحقيقيّ فيجب أن يكون له الحمد والشكر ، وأن لا يعبد معه غيره فتعريف الحمد للاستغراق وقد مرّ في العنكبوت وجهان آخران وكلام فيه. قوله : ( أنّ ذلك يلزمهم ) ذلك إشارة إلى إقرارهم واعترافهم صريحاً بأنه الخالق لا سواه واقتضاء بأنه المستحق للعبادة والحمد فيلزمهم بفتح الياء مضارع لزم الثلاثي أو بالضم مضارع ألزم ، والمعنى اعترافهم بأنه الخالق يلزمهم الإقرار بغيره ويجوز أن يكون المعنى أنهم ليسوا من أولي العلم ، وبل للإضراب عن جهلهم وإلزامهم. قوله : ( لا يستحق العبادة فيهما غيره ) فهذا إبطال لمعتقدهم(7/139)
ج7ص140
من وجه آخر لأن المملوك لا يكون شريكا لمالكه فكيف يستحق ما هو حقه من العبادة وغيرها ، وقوله عن حمد الحامدين خصه لمناسبة ما قبله وما بعده ولو عممه صح أيضا ، وقوله المستحق الخ ففعيل بمعنى مفعول لا فاعل.
قوله : ( ولو ثبت الخ ) اختار المذهب اكثر من أنّ أن الواقعة بعد لو الشرطية فاعل ثبت
مقدّر بقرينة كون أن دالة على الثبوت ، والتحقق لا مبتدأ مستغني عن الخبر لذكر المسند والمسند إليه بعده أو خبره مقدو مقدم أو مؤخر ، واشتراط كون خبرها فعلا إذا كان مشتقا فلا يرد أقلام هنا ولا قوله تعالى : { لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ } [ سورة الأحزأب ، الآية : 20 ] لأنها للتمني وليس مما نحن فيه وبقية الكلام مفصل في محله. قوله : ( وتوحيد شجرة ) أي قيل شجرة بتاء الوحدة دون شجر أو أشجار لأن المراد تفصيل الشجر واستقصاؤها شجرة حتى لا يبقى واحدة من جنسها إلا وقد بريت أقلاما ولو لم يفرد لم يفد هذا المعنى إذ الجمع يتحقق بما فوق الثلاثة إلا آن يذخل عليه لام استغراق وبهذا ظهر وجه التعبير بأقلام لأنها لعمومها في معنى الجمع فلا حاجة إلى اعتبار أغصان الشجرة المتكثرة كما قيل ، وان صح هكذا قرروه وفيه بحث فإن إفادة المفرد التفصيل بدون تكرار أو الاسنغراق بدون نفي محل نظر لأنه إنما عهد ذلك في نحو جاؤوني رجلاً رجلا ، وما عندي تمرة فقوله في الكشاف فإن قلت لم قيل من شجرة على التوحيد دون اسم الجنس الذي هو شجر قلت أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا وقد بريت أقلاما ا هـ لم يظهر لي وجهه. قوله : ( والبحر
المحيط ) فتعريف البحر للعهد لأنه المتبادر ولأنه الفرد الكامل إذ قد يطلق على بعض شعبه وعلى الأنهار العظام كالنيل ، وهذا بيان لحاصل المعنى ينتظم الوجوه ، وليس فيه دلالة على كون البحر مرفوعاً بالابتداء كما قيل بل هو ظاهر في خلافه فتأمل ، وقوله بشعبه أي مع شعبه جمع شعبة وهي ما تمتدّ منه ، وقوله مداداً حال من البحرا وممدودا تفسير له فهو عطف بيان والمراد بالأبحر السبعة بحار أخر كالبحر المحيط ، وقوله فأغنى الخ جواب عن عدم ذكره وقد كان الظاهر بعد جعل الشجر أقلاماً أن يقول والبحر مدادا وكان عليه أن يذكر نكتة العدول عن الظاهر وهو تصوير الإمداد على وجه الاستمرار التجددي لأنه من شأن المداد دون الدواة كما أشار إليه في الغشاف ، وقوله يمده فاعل أغنى. قوله : ( لآنهءمن مدّ الدواة وأمد!ا ) أي جعلها ذات مداد وزاد في مدادها ففيه دلالة على المداد الذي هو بمنزلة حبر الدواة ولذا لم يذكره على وجه ما سواء كان يمدّه خبراً أو لا لظهور كون لابحر مداداً على الكل. قوله : ( ورفعه ) أي البحر بالعطف على محل أن مع معموليها لأنه رفع إذ هو فاعل لثبت المقدر كما مر لأنه اسم تأويلاَ ، وهو من عطف المفرد على لمفرد على الجملة كما توهم إلا!أنه يلزم أن يلي لو المبتدأ أو الاسم الصريح ، وقد قال النحاة " إنه مخصوص بالضرورة كقوله :
لوبغيرالماء حلقي شرق
لكنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع كما في نحو رب رجل وأخيه كما قاله أبو حيان وقوله ويمده حال أي على هذا الوجه. قولهء : ( أو للابتداء ) أي رفعه للابتداء على أنه مبتدأ نجبره يمده أو محذوف ، ويمدّه حال أو مستأنف ، واذا كانت هذه الجملة مستأنفة فالواو استثنافية وهذا الاستئناف الظاهر أنه نحوي لا بياني في جواب سؤال مقدّر لأنّ اقتران الجواب بالواو وإن كانت استئنافية غير معهود ، وما قيل إنه يقترن بها في جواب السؤال للمناقشة لا للاستعلام مما لا يعتمد عليه فتقديره بماء المداد حينئذ لا يخلو من الاعتراض ، ومن قال أو الابتداء على أنه مستانف والواو+ للحال أراد بالاستئناف قطعه جملى-عطفه على ما قبله ولا بعد فيه فإن ابن هشام ح قال في المغنى إن واو الحال تسمى واو الابتداء وسماها الشيخ في دلائل الإعجاز واو الاستثناف ، فمن قال إنه وهم عظيم فقد وهم ، وأمّا كون الواو واو المعية وان المفعول معه يكون جملة كما نقل عن ابن هشام فبعيد جدّا. قوله : ( أير الواو للحال ) وهي تكفي في ربطه من غير ضمير لأنها في معنى الظرف إذ معنى جئت والش!مس طالعة ووقع طلوع الشمس واحد ، والظرف يربطه بما قبله تعلقد4 به وإن لم يكن فيه ضميراً وهو إذا وقع حالاً استقرّ فيه الضمير فما يشبهه كأنه فيه ضمير مستقر فاعتراض أبي حيان بأن الظرف الواقع حالاً فيه ضمير انتقل إليه من عامله بخلاف الجملة الاسمية ، والجواب عنه بانه أراد بالظرف ما انتصب على الظرفية لا ما وقع حالاً(7/140)
ج7ص141
من ضيق العطن وخيانة؟ الفطن ، وصاحب الحأل الموصول
أو الضمير الذي في صلته لا الأرض والبحر بمعنى بحرها بنيابة أل عن الضمير الرابط للاسمية على تقدير اعتبار أو أولويته ، وما قيل من أن البحر على هذا يعم إلا بحر بقرينة الإضافة ويفيد خروج السبعة عن بحار الأرض والأوّل يحتمل العهد وعدم العموم كما مر ردّ بأنه لا فرق بينهما بل الأوّل في الجنسية ، والثاني في العهدية أظهر لأنه أصل الإضافة وكون الأرض شاملة لجميع الأقطار لا ينافي العهدية كما توهم لأن المعهود البحر المحيط ، وهو محيط بها كلها. قوله : ( بالعطف على اسم أن ) ويمده خبر له أي لو ثبت أن البحر ممدود الخ ولا يستقيم أن يكون يمذه حالا لأنه يؤذي إلى تقييد المبتدأ الجامد بالحال ، ولا يجوز لأنها البيان هيئة الفاعل أو المفعول والمبتداً أليس كذلك ويؤدي أيضاً إلى كون المبتدأ لا خبر له لأن أقلام لا يستقيم أن يكون خبراً له كما في أمالي ابن الحاجب يعني والتقدبر خلاف الظاهر ، واذا كان من الاشتغال تدخل لو على المضارع وهو جائز ، والقراءة بالتاء الفوقية شاذة والفعل في هذه الفراءة مضارع مد الثلاثين من مد النهر ومذه ، وأمده المزيد قال ابن جنى أنه مستفاد من إمدأد الجيش. قوله : ( وقرئ يمدّه ) أي مضارع مد ويمدّه أي مضارع أمد ، وقوله بالياء والتاء أي فيهما فليحرر وقوله وايثار جمع القلة أي اختياره في النظم على جمع الكثرة المناسب بحسب الظاهر للمبالغة ، وهذا بناء على أن جمع المؤنث السالم كجمع المذكر جمع قلة وهو المشهور ، وكون ما لا تفي البحار بكتابته قليلاً بالنسبة إلى جميع معلوماته ، وقوله للإشعار إشارة إلى أن جمع القلة المعرّف باللام أو الإضافة قد يفيد الاستغراق ، والعموم لكنه لكون أصل وضعه القلة يشعر بما ذكر فلا يتوهم أن المفيد للقلة هو المنكر كما قيل ، وأمّا اختياره في أقلام فلأنه لم يعهد له جمع سواه وقلام غير متداول فلا يحسن استعماله ، وأعلم أدة لو هنا ليست معناها المشهور من انتفاء الجواب لانتفاء الشرط أو العكس لاقتضائها نفاد الكلمات بر هي دالة على ثبوت الجواب ، أو حرف شرط في المستقبل وتفصيله في المغني. قوله تعالى : ( { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ } الخ ) تعليل لعدم نفاد كلماته ، وقوله سألوا الخ على كونها مدنية كما مر وما بعده على كونها مكية ، وهذا سبب النزول ووجه الجواب أن كون فيها علم كل شيء على تقدير تسليمه المراد به كل شيء مما يحتاجون إليه من أمور دينهم كما في قوله ما فرطنا في الكتاب من شيء والا فمعلوماته تعالى ، وكلامه المعبر عنها لا نهاية لهما. قوله : ( إلا كخلقها وبعثها ) يعني أنه على تقدير
مضاف وأن المقصود تشبيه خلق المخلوقات كلها بخلق واحد بالنسبة لقدرته وكذا بعثها لأنه بتعلق الإرادة والقدرة ، وهي تتعلق بجميعها معاً وليس كفعل بخلق واحد بالنسبة لقدرته وكذا بعثها لأنه بتعلق الإرادة والقدرة ، وهي تتعلق بجميعها معا وليس كفعل العباد العجزة با-لة ومباشرة تقتضي التعاقب فيستوي عنده الواحد والكثير ، وقوله كن فيكون معناه ما ذكر كما مر. قوله : ( لا يشغله الخ ( كذا فسره الزمخشريّ دفعاً لتوهم أن المناسب لما قبله ذكر القدرة ، ونحوها لأن الخلق والبعث ليسا من المسموعات والمبصرات بأنه ذكر للاسندلال بأن تعلق علمه ، وبصره وسمعه بشيء لا ينافي تعلقه بجميع ما عداه على أن ما يرجع إلى القدوة والفعل كذلك فهو استشهاد بما سلموه فشبه المقدورات فيما يرإده منها بالمعلومات فيما يدرك منها فظهر مناسبته وإرتباطه بما قبله ، وقيل إن قوله إن الله سميع بصير تعليل لإثبات القدرة الكاملة بالعلم الواسع وأن شيئاً من المقدورأت لا يشغله عن غيره لعلمه بتفاصيلها وجزئياتها فيتصرّف فيها كيف يشاء كما يقال فلان يجيد عمل كذا لمعرفته بدقائقه ، وهذا هو الملائم لما بعده وعمومه لكل مسموع ومبصر من تركه المفعول ، وكونه في حالة واحدة من كونه تعليلاً لما قبله ، واقتصر على الخلق في قوله فكدّلك الخلق مع أن الظاهر أن يقول والبعث كما قاله الزمخشريّ لأنه هو الذي أنكروه لأن البعث خلق آخر فهو شامل لهما فلا يرد عليه الاعتراض بأنه كان عليه أن يذكر فإن قلت كيف يكون ما ذكر مسلما وقد كان بعضهم إذا طعنوا في الدين يقول : " أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد " فنزل { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [ سورة الملك ، الآية : 13 ] قلت لا اعتداد بمثله من الحماقة بعدما رد عليهم ما زعموه ، وأعلموا بما أسروه فتأمّل. قوله : ( كل من النيرين ) أي الشمس والقمر لا جميع ما ذكر ، والمراد بجريه في فلكه حركته بحركة فلكه لا حركته الخاصة كما بيته بعده ، وقوله إلى منتهى تفسير للأجل لأنه يطلق على نهاية المدّة ، وهو المراد د!ان(7/141)
ج7ص142
أطلق على جميعها لكن إلى تقتضي الأوّل فقوله إلى منتهى بدل أو عطف بنان من قوله إلى أجل ، أو تعلق بيجري بعدما تعلق به الأوّل فلا محذور فيه والأوّل أولى ، وكذا قوله إلى آخر السنة أو هو متعلق بمقدر والمنتهى المعلوم آخر البروج ، والمنتهى اسم زمان لا مكان لأن الأجل وقت والمراد بالجري حركته من نقطة معينة إلى أن يرجع إليها فلا يرد أنه يجري دائماً 0 قوله : ( وقيل إلى يوم القيامة ( لانقطاع حركتهما حينئذ
فالجري مطلق الحركة أو اليومية ، وقوله والفرق بينه وبين قوله لأجل الخ توجيه لتعديه بإلى واللام بأن تعديته بالأوّل نظراً إلى كون المجرور غاية ، والثاني إلى كونه غرضاً فتكون اللام لام تعليل أو عاقبة ، وقد جعلها الزمخشري للاختصاص ولكل وجهة ، وقوله حقيقة إن كان الغرض بمعنى الثمرة والفائدة أو لغيره تعالى من الملائكة الموكلين أو قلنا بان أفعاله تعلل بالأغراض كما ذهب إليه المعتزلة وبعض أهل السنة بناء على تفسيرهم الغرض ، وليس هدّا بناء على أنهما حيان مدركان وعدمه فإنه مما لا يلتفت إليه ، ومجازا على خلافه ، وقوله وكلا المعنيين أي الانتهاء والغرض! فإن النهاية قد تكون غرضاً وئمة بتاء التانيث أو هاء سكت ترسم ولا يلفظ بها درجا بمعنى هناك ، وغرضه أي غرض الجري ، وقوله إلى الذي ذكر توجيه لأفراد اسم الإشارة لتأويله بما ذكر ، وقوله اختصاص الباري الخ أي باتفاق المسلمين والمشركين. قوله : ( بسبب أنه الثابت في ذاته ) إشارة إلى أن الباء سببية وأن الحق بمعنى الثابت المتحقق ، ومعنى ثباته وجوده ومعنى كونه في ذاته أن ذلك ليس باستناده إلى شيء آخر فيكون واجب الوجود فلذا فسره بقوله الواجب من جميع جهاته فهو عطف بيان له والمراد بالجهات ليس معناها المعروف بل المراد من جميع الوجوه أي في ذاته ، وصفاته وغيرها مما يليق بجنابه فسقط ما قيل إن للحق معنيين الثابت ، والواجب ولا حاجة إلى الجواب بأنه على مذهب الشافعية في جواز استعمال اللفظ في معنييه. قوله : ( أو الثابت إلهيتة ) فذلك إشارة إلى الاتصاف بهذه الصفات ، والثابت إلهيته لا بد من اتصافه بها لأنها لا تصلح لغيره فليس هذا كما قيل مبنيا على مذهب أبي هاشم من أن الباري يمتاز بحالة خامسة هي الإلهية ، وهي علة لغيرها من الأربعة وهي الوجود والحياة والعلم والقدرة كما قرّر في الأصول ، ولذا اختاره الزمخشريّ والمعقول هو العكس فتدبر. قوله : ) وان ما تدعون من دونه الباطل ( معطوف على أن الله هو الحق ، وكونه معد وما في ذاته لأن وجوه عرضي وكذا صفاته باستناده لواجب الوجود فقوله لا يوجد بالفتح أي لا يوجد بذاته فهو كفوله : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } [ سورة القصص ، الآية : 88 ] كما سياني أو بالكسر ، وقوله إلا بجعله راجع لقوله لا يتصف فقط أي لا يتصف بشيء من الصفات الموجودة أو بالوجود إلا بجعله تعالى وفي نسخة يتصرف وهي أظهر والأولى أولى وهذا ناظر لتفسير الحق الأوّل وما بعده للثاني. قوله : ( مترفع الخ ) تفسير لانفراده بالعلو ، وقوله متسلط لانفراده بالكبرياء ، وفوله على كل شيء وقع في نسخة عن كل شيء لتضمنه معنى التنزه ، وصيغة التفعل للمبالغة كما قرّروه في قوله المتوحد وفي نسخة مرتفع. قوله : ) في تهيئة أسبابه ) الضمير للجري المفهوم من تجري ومن أرجعه للفلك لأنه مذكر قدر فيه مضافا أي أسباب جريه ،
وقوله استشهاد آخر أي بعد الاستشهاد بقوله يولج الخ وشمول أنعامه للبر والبحر ، وقوله والباء للصلة أي للتعدية كمررت به فإنه يتعدى بها أو سببية متعلقة بتجري ، وقوله أو الحال أي للملابسة والمصاحبة وأقعة مع متعلقها حالاً كقولهم دخل بثياب السفر أو مصاحبا لها فالمعنى مصحوبة بنعمته ، وهي ما يحمله من الطعام والمتاع ونحوه. قوله : ( قرئ الفلك بالم!قيل ( أي بضم اللام وفي الكشاف أنه يجوز في كل فعل مضموم الفاء ضم عبنه اتباعاً لفائه كما يجوز في فعل بضمتين تسكينها تخفيفا على التقارض ، وقوله وبنعمات أي قرئ بنعمات جمع نعمة ويجوز في كل جمع مثلة تسكين العين على الأصل وكسرها اتباعا للفاء وفتحها تخفيفاً ، وقوله دلائله أي دلائل ألوهيته وتوحيده. قوله : ( على المشاق ) ) جمع مشقة وهي التعب ولما كان معرفة دلائل التوحيد لا اختصاص لها بمن تعب مطلقاً فكم من تعبان في تمشية كفره دفعه ، أوّلاً بأنه ليس المرإد به مطلق التعب بل التعب في كسب الأدلة من الأنفس والآفاق فلذا اختص ذلك به ، وثانيا بأنه صبار شكور كناية عن(7/142)
ج7ص143
المؤمن من باب مستوى القامة عريض الأظفار فإنه كناية عن الإنسان لأن هاتين الصفتين عمدتا الإيمان لأنه وجميع ما يتوقف عليه إمّا ترك للمألوف غالباً ، وهو بالصبر أو فعل وهو شكر لعمومه لفعل القلب والجوارح واللسان ، ولذا جعلا نصف الإيمان في الأثر والمراد بالمؤمنين ما يشمل المشاوفين للإيمان وذكر الصبر والشكر بعد الفلك فيه أتم مناسبة لأنّ راكبه لا يخلو عنهما فتدبر. قوله : ( يعرف النعم ) بأنها من الله ، ويتعرف أي يطلب معرفة مانحها أي من أعطاها ومنحها وهو الله ، وقوله واذا غشيهم فيه التفات إن اتحد بالمخاطبين قبله والا فلا وكلام المصنف ناظر للثاني فلا وجه للجزم بالثاني ، وقوله علاهم الخ يعني غشي من الغشاء بمعنى الغطاء من فوق لأنه المناسب هنا لا من الغشيان بمعنى إتيان ، وقوله موح تنكيره للتعظيم والتكثير ، ولذا أفرد مع جمع الظلل ، وقوله من جبل أو سحاب بيان لما وأفردهما ولم يقل من جبال أو سحب لا لأنهما أسماء أجناس يفرق بينهما وبين واحدهما بالتاء كموح وموجة فهو في معنى الجمع لأن الجبل ليس كذلك بل لأن المراد جنس الجبل والسحاب ، وهو لا يقتضي الوحدة فيكفي بيان جنس المشبه به ، والظلة بالضم ما أظل ، وقلة بالضم أعلى الجبل وظلال وقلال بكسر أوّلهما جمع فتأمّل. قوله : الزوال ما ينازع الفطرة ) أي أصل الخلقة وما ذكر فيها من الإيمان بالله ، ومن الهوى الخ بيان لما وبما متعلق بزوال ودهاهم بمعنى عرض بغتة لهم وأصابهم من الدواهي ومن الخوف بيان لما دهاهم. قوله :
( مقيم على الطريق القصد ( أي المستقيم لأن أصل معنى القصد استقامة الطريق كما قاله الراغب نوصف به مبالغة والمقتصد سالكه المستمرّ فيه من غير عدول لغيره ولذا فسره بالمقيم الخ ، وقوله الذي هو التوحيد تفسير للمراد مجازاً من الطريق المستقيم لأنه الموصل إلى الله تعالى فليس تفسيراً لإخلاص الدين كما توهم. قوله : ( أو متوسط في الكفر الخ ) تفسير آخر للمقتصد لأن الاقتصاد والقصد يكون بمعنى التوسط والاعتدال ومنه قوله تعالى : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا } [ سورة التوبة ، الآية : 42 ] أي متوسطاً كما قاله الراغب وقوله لانزجاره أي رجوعه وانكفافه تعليل لتوسطه بترك الغلو في الكفر. قوله : ( فإنه نقض بالضاد المعجمة ( أي إبطال لما كان في الفطرة وضمير أنه الجحد الآيات ، وهذا توجيه لإطلاق الغدر وهو إبطال العهد على الكفر والفطرى بكسر الفاء نسبة إلى الفطرة ، وقوله أو لما كان في البحر توجيه آخر له أي نقض لما عاهد الله عليه في البحر من الإخلاص له فهو مقابل للمقتصد بتفسيره الأوّل ، وأمّا على الثاني فلا واختار مقابل لصبار لأن من غدر لم يصبر على العهد وكفور لشكور. قوله : ( لا يقضي عنه ) أي شيئاً كما سيأتي فهو من جزى بمعنى قضى ، وأغنى بمعنى أفاد ودفع العذاب عته ، وقوله والراجع أي على القراءتين فقوله لا يجزي فيه يجوز فيه فتح الياء وضمها. قوله : ( عطف على والد ) فهو فاعل ، والجملة بعده صفة له واداً كان مبتدأ فالمسوّغ للابتداء بالنكرة تقدّم النفي فلا وجه لمنعه والجملة خبر فإن قلت على الأوّل يتناقض الكلام فإنه نفي عنه الجزاء ثم وصفه بأنه جاز قلت المنفي عنه الجزاء في الآخرة والمثبت له الجزاء في الدنيا فلا تناقض أو معنى هو جاز إن من شأنه الجزاء العظيم حق الأب أو المراد بلا يجزي لا يقبل منه ما هو جاز به ، وشيئا مفعول به أو هو منصوب على المصدرية لأنه صفة مصدر محذوف وعلى الوجهين تنازعه يجزي وجاز لا وجه لتخصيصه بالثاني فتدبر. قوله : ( وتغيير النظم ) أي العدول عن الفعلية المذكورة فيما قبله إلى الاسمية التي هي آكد منها على الإعراب الثاني ، وقوله للدلالة الخ يعني إنه لما كان ملقى لمن يعتقد أو يظن أنه ينفع والده أكده بالاسمية والضمير رداً لمعتقده لكنه قيل عليه إنه يتوقف على كون الخطاب للموجودين والصحيح أنه عام ، ورد بأنه غير مسلم لأن خصوص السبب لا ينافي العموم وقوله أولى لأنه دون الوالد في الحنوّ والشفقة فلما كان أولى بهذا الحكم استحق التأكيد ، وهذا وجه آخر غير ما في الكشاف وهو ما أشار إليه بقوله وقطع الخ وقد حققناه آنفا أو لأنّ عظم حق الوالد يقتضي جزاءه فلذا أكد نفيه لأنه محل الاحتمال والتردد ، وقوله إن وقع في نسخة بأن لأنّ القطع بمعنى الجزم فهو
متعلق به عليهما ، وما قيل من أنّ عمومه مخصوص بغير صبيان المسلمين لثبوت الأحاديث بشفاعتهم لوالديهم وعلى العطف لا حاجة(7/143)
ج7ص144
إلى التخصيص لأن جزاء الوالد في الدنيا يتحقق في الكبار فهو أوجه ليس بشيء لأنّ الشفاعة ليست بقضاء ولو سلم فلتوقفها على القبول يكون لقضاء منه تعالى حقيقة ، وتخصيص الاعتراض مما لا وجه له أصلاً وقطع بالجرّ معطوف على مجرور اللام أو على ، وترك ما في الكشاف من أن في لفظ المولود أيضاً تأكيداً لأنه من ولد بغير واسطة بخلاف الولد فإنه عام فإذا لم يشفع للأب الأدنى الذي يولد منه فكيف لغيره قيل لأنّ هذه التفرقة لم يثبتها أهل اللغة ، وقد رد بأن الزمخشري والمطرزي ذكرا ذلك وكفى بهما حجة. قوله تعالى : ( { إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ } الخ ) تعليل لعدم الجزاء ، وقوله بالثواب والعقاب ففي الوعد تغليب أو هو بمعناه اللغوي ، وقوله يرجيكم بالتشديد أي يوقعكم في الرجاء ويجعلكم راجين وهو المراد وقد يرد بمعنى المخفف كقوله :
ورج الفتى للخير ما إن رأيته على السن خيراً لا يزال يزيد
وقوله بالله صلة يغرّنكم يعني يخدعكم أو قسم. قوله : ( علم وقت قيامها ) بيان لحاصل المعنى أو إشارة إلى التقدير وهذا على أنّ الساعة اسم للقيامة لا لوقتها ولم يقل إن علم الساعة عند الله مع أنه أخصر لأن اسم الله أحق بالتقدبم ولأن تقديمه وبناء الخبر عليه يفيد الحصر كما قرّره الطيبي مع ما فيه من مزية تكرّر الإسناد ، وتقديم الظرف يفيد الاختصاص أيضا بل لفظ عند لأنها تفيد حظه بحيث لا يوصل إليه فتتوافق الآية والحديث في الدلالة على الحصر مع أنه قال في شرح البخاري إن المغيبات لا تنحصر فيما ذكر وإنما خصت لوقوع السؤال عنها أو لنكتة أخرى ، وقوله الحرث بن عمر ورجل من محارب وهي قبيلة والحديث المذكور رواه الثعلبي والواحدي بغيو سند ، وقوله وعنه عليه الصلاة والاسلام رواه البخاري ، وقوله خمس باعتبار تأويل المفتاج بالآلة أو الخزانة وفي نسخة خمسة وهي ظاهرة ، والمراد بالمفاتح
الخزائن التي لا يطلع عليها ففيه استعارة. قوله تعالى : ( { وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } ( إن قلنا علم الساعة فاعل الظرف الواقع خبراً وهذا معطوف على الخبر فلا إشكال وإلا فيحتاج إلى أن يقال أصله أن ينزل الغيث فحذف أن كقوله أحضر الوغى سواء قلنا إنه معطوف على علم أو على الساعة ، وكذا قوله ويعلم الخ وابانه بكسر الهمزة وتشديد الموحدة بمعنى وقته ، وقوله في علمه راجع لهما والمعنى لا علم لغيره به وهذا على تقدير عطفه على الخبر من تقديم الجلالة وبناء الخبر عليها كما ذكرناه آنفاً وليس المقصود اختصاصه بانزاله لأنه لا شبهة فيه بل يعلمه بزمانه ، ومكانه وهو على هذا الوجه الثاني ظاهر وعلى الثالث أظهر ما قيل من أن قول لا علم لغيره به مقدر بقرينة وقوعه جوابا للسائل المذكور لا صحة له إذا ليس كل تال واقفاً على ذلك السؤال فلا يصلح قرينة ، وكذا ما قيل إنه مقدّر لقرينة السياق والحال فتدبر ، والتشديد على أنه من التنزيل. قوله تعالى : ( { وما تدري نفس بأي أرض تموت } ا لما كانت نفس نكرة في سياق النفي عامّة جعل نفي العلم عن الجميع كناية عن اختصاصه تعالى بعلم ذلك كما يقال لقوم تكلموا في مسألة بحضرة العلماء أنتم لا تعلمون مثل هذا فيعلم منه أن العالم من كان عندهم ، والجملة معطوفة على قوله إن الله عنده لا على الخبر كما اختاره صاحب الكشف ، وفيه وجه آخر ذكره الطيبي لم يرتضه المدقق وقوله روي الخ رواه أحمد وابن أبي شيبة موقوفا. قوله : ( العلم دلّه والدراية للعبد الخ ) لأنّ أصل معنى درى رمى الدرية وهي الحلقة التي يقصد رميها الرماة وما يختفي خلفه الصائد وكل منهما حيلة فلذا كانت الدراية أخص من العلم لأنها علم بتحيل ، وتكلف وأما كونها لا يوصف بها الله لذلك وقوله :
لا هم لا أدري وأنت الداري
كلام أعرابي جلف لا يعرف ما يجوز إطلاقه على الله مما يمتنع فكلام ذكره بعض أهل
اللغة وتبعه بعضهم ، وقد وقع في البخاوي ما يخالفه من إطلاقه على الله حيث قال خمس لا يدريهن إلا الله تعالى فقال الكرماني أطلقت الدراية على الله لأنه أريد بها مطلق العلم ، وقد يقال الممنوع إطلاقه عليه بانفراده أمّ مع غيره تغليباً فلا وقد يقال في البيت إنه مشاكلة. قوله :
( هيدل ) أي ما ذكر من استعمال الدراية في جانب العبد ، وقوله ما هو الحق أي اللائق به ، وفيل إنه أفعل تفضيل من لحق بمعنى لصق ويؤيده إنه وقع في نسخة بدله ألصق أفعل من اللصوق ، ومن كسبه بيان لما وكسبه من قوله ماذا تكسب وعاقبته من قوله بأي أرض تموت ، وقوله ينصب مجهول نائب فاعله دليل ، وقيل معلوم فاعله ضمير(7/144)
ج7ص145
يرجع إلى الله ودليلا مفعوله وضمير له للعبد وعليه لما. قوله : ( وشبه سيبوبه الخ ) كان وجه التشبيه أنه تشبيه في أن تأنيثهما باعتبار المضاف إليه فيهما ، وقوله كل في كلتهن نادر ، وقوله يعلم الأشياء العموم من حذف المفعول ، وقوله خبير توكيد له ، وقوله كما يعلم ظواهرها إشارة إلى فائدة ذكره وهو التسوية بين علم الظاهر والباطن عنده ، وقد مرّت له نظائر وقوله وعنه الخ من حديث فضائل لاسور المروي عن أبيّ بن كعب وهو موضوع ، وقوله بعدد من عمل بالمعروف ونهى عن المنكر خصهما لوقوعهما في هذه السورة الكريمة ، تمت السورة بحمد الله ومنه ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الكرام.
سورة السجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ) قيل إلا ثلاث آيات من قوله أفمن كان مؤمناً الخ قيل وأثتتين من قوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع الخ واستبعد لشدة ارتباطهما بما قبلهما وسيأتي بيانه وقوله وقيل تسع وعشرون لاختلافهم في قوله لفي خلق جديد هل هو آية أو بعض آية. قوله : ( إن جعل اسماً للسورة الخ ) ويجوز على هذين الوجهين أيضاً كونه خبر مبتدأ محذوف ، وتنزيل !الكتاب خبر بعد خبر أو مبتدأ واذا كانا لتنزيل بمعنى المنزل فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أو بيانية بمعنى من ويجوز إبقاؤه على معناه لقصد المبالغة أو تقدير مضاف في الأوّل ، وقوله خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا المتلوّ ومرّ الكلام على هذا مفصلا في أوّل البقرة. قوله : ( فيكون من رت الخ ) أي على تقدير كون تنزيل مبتدأ خبره لا ريب بخلاف غيره من الوجوه فانه عامل ضعيف فلا يتعدى عمله لما بعد الخبر إلا أن يقال إنه ظرف يتوسع فيه ، وهذا التوسع نحن في سعة عنه أو لأنه من تمامه والاسم لا يخبر عنه قبل تمامه ، والمصدر تنزيل والضمير في فيه هو المجرور بفي ، وهو للكتاب أو للتنزيل لا المستتر لعدم صحته معنى. قوله : ( ويجورّ أن يكون ) أي قوله من رب العالمين خبراً ثانياً أي ولا لم أو للمبتدأ المقدر على الوجهين والخبر الأوّل تنزيل كما يجوز أن يكون من رب خبر تنزيل ، ولا ريب اعتراض وهو أرجح عند الزمخشريّ ، وعليه اعتمدوا في تفسير الآية وبجوز أن يكون خبرا أوّل أو حالاً ، وقوله حال من الكتاب فعامله تنزيل وهي مؤكدة. قوله : ( والضمير في فيه ) في بعض النسخ فيه بدون في وفيه تسمح ، وقوله لمضمون الجملة أي على كونه اعتراضاً الضمير لكونه منزلاً من رب العالمين لا للتنزيل ولا للكتاب ، والمعنى لا ريب في أنه من عند الله ، وقوله ويؤيده أي يؤيد رجوع الضمير لما ذكر وإنما أرجعنا كلامه إلى الاعتراض دون الحالية ليطابق ما في الكشاف ، ويسلم من الاعتراض! بأنه لا يتأتى اعتبار من رب العالمين في مضمونها مع تأخره فإن الاعتراض! في نية التاخير فلا يضرّ فيما ذكر وفي بعض النسخ بعد قوله ثانيا والأوجه أنه الخبر الخ. قوله : ( فإنه )
أي قولهم افتراه إنكار لكونه من رب العالمين بيان لوجه التأييد فالأنسب أن يكون نفي الريب عما أنكروه ، وهو كونه من رب العالمين قيل فلا بد أن يكون مورده حكماً مقصودا بالإفادة لا قيدا للحكم بنفي الريب عنه ، واعترض بأن مصب الإفادة المقصودة في الكلام هو القيد كما صرّح به الشيخ في دلائل الإعجاز مع أن ما ذكره لا يلزم منه كونه هو الخبر بل يتحقق إذا كان خبرا ثانيا أيضا ، ثم أورد على ما زاده اعتراضاً آخر من الزوائد فيما نحن فيه ، ولا يخفى عليك إنه إذا كان من رب العالمين حالاً من ضمير فيه كان المعنى لا ريب فيه حال كونه من رب العالمين فيفيد أن ما هو منه لا يليق أن يرتاب فيه فيكون كونه منه نافيا للريب لا محلا له وهذا لا ينافي ما ذكره الشيخ وإنما ينافي الغرض! المسوق له الكلام وأما كونه خبراً ثانياً فيأباه عود الضمير على مضمون الكلام كما مرّ فتدبر. قوله : ( وقوله بل هو الحق الخ ) أي يؤيده أياً قوله هذا ، وقوله فإنه تقرير له أي لما قبله فيكون مثله في التأييد ، وقوله ونظم الكلام على هذا الوجه من كون تنزيل مبتدأ خبره من رب العالمين وما بينهما اعتراض! وهو الوجه المرضي للشيخين ، والإشارة إلى إعجازه من قوله ألم كما مرّ في البقرة وهذا على ما وقع في بعض النسخ من قوله والأوجه إنه الخبر أي عن تنزيل الكتاب ظاهر وهو(7/145)
ج7ص146
يقتضي صحة تلك النسخة ، وأما الأخرى فمشكل لأن ظاهره مبني على ذلك الإعراب وهو غير مذكور في الكتاب فيحتاج إلى التوجيه بأن الإشارة إلى كونه اعتراضا ، والضمير لمضمونه وفيه تأمّل. قوله : ) وقرّر الخ ) لأن الجملة المعترضة تفيد التقرير والتأكيد ، وقوله فإن أم منقطعة فتقدر ببل ، والهمزة الإنكارية وتفيد ما ذكر ، وقوله المنزل من الله هو معنى قوله بل هو الحق من ربك وفيه نكتة ذكرها في الكشف وهي أنه أضاف الرب أوّلاً إلى العالمين ، ثم إليه يك!م ثانيا تخلصا لإثبات نبوّته ، واشارة لتعظيم شأنه بأنه الجامع لما فرق في العالم بأسره وارداً على أسلوب الترقي دالاً على أن جمعيته به أتم مما لكل العالم وحق له ذلك صلوات الله وسلامه عليه. قوله : ( وبين المقصود من تنزيله الخ ( الظاهر أنّ ما نافية كما أشار إليه المصنف بقوله إذ كانوا أهل الفترة لأنّ قريشا لم يبعث إليهم رسول قبله يك!برو على ما فصله شرّاح الكشاف ، فمفعول تنذر الثاني محذوف تقديره العقاب وجملة ما أتاهم صفة قوما ، وقد جوّز فيها الموصولية لأنّ أنذر يتعدّى لمفعولين كقوله : { أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً } [ سورة فصلت ، الآية : 13 ] فيوافق قوله وان من أمّة إلا خلا فيها نذير ويجوز أن تكون مصدرية كما ذكره المعرب ، ولا يرد على المصنف أنه إذا لم يأتهم نذير لم تقم عليهم
الحجة حتى يحتاج إلى القول بأن العقل كفى به دليلاً على قاعدة الاعتزال كما في الكشاف لأنّ قيام الحجة وسطوع البرهان بإنذار سيد الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام كاف لما نحن فيه ، وقوله الله الذي الآية مرّ الكلام عليها مفصلاً في الأعراف فلا وجه لتكراره هنا. قوله : ( ما لكم إذا جاوزتم الخ ) جواب عن أن الشفيع لا يطلق على الله ، ولذا أنكر بعض السلف من قال له أستشفع بالله لك فكيف أطلق عليه هنا بأنه لم يرد بالشفيع الله بل غيره ومن دون للمجاوزة كما في قوله :
يا نفس ما لك دون الله من واقي
فمن دونه حال من مجرور لكم والعامل الجارّ والمجرور أو متعلقه أي ما استقرّ لكم مجاوزين الله ورضاه شفيع أي لا يمكن أن يوجد ناصر أو شفيع عنده لكم من الخلق فلا يلزم إطلاقه عليه تعالى ، وان قلنا بأنه أطلق عليه فإنّ قوله مالك دون الله من واقي يقتضي أنه هو الواقي نإنما يمتغ بمعناه الحقيقي فإذا كان مجازاً عن الناصر فإن الشفيع ينصر من يشفع له فهو يطلق عليه تعالى ، والحاصل أن الشفيع على الأوّل غير الله وعلى الثاني هو الله وإلى الثاني أشار بقوله أو ما لكم سواه الخ إشارة إلى أنّ دون بمعنى غير والجارّ والمجرور حال من شفيع قدم عليه لأنه نكرة والمعنى ما لكم وليّ ولا شفيع غير الله فيلزم إطلاقه عليه ، وتوجيهه ما مرّ ويجوز على هذا أيضا كون من دون حالاً من المجرور كما في الوجه السابق بعينه ، وقوله بمواعظ الله إشارة إلى أنه من التذكير بمعنى الوعظ. قوله تعالى : ( { يُدَبِّرُ الأَمْرَ } ) الآية ذكر فيها المصنف رحمه الله وجوها ذكرها الزمخشريّ وحاصلها كما في بعض شروحه أن الأمر إما المأمور به أو الحال أو الشأن أو الوحي ، فإن كان الأوّل فمعنى يدبر ينزله مدبراً من السماء إلى الأرض ، وتعديته بمن والى لتضمينه النزول ، وفي يوم متعلق بيعرج والمراد بالألف استطالة المدة لأنها نهاية العقود وهو الوجه الأوّل في الكشاف ، وإن كان الثاني فقوله في يوم الخ إمّا أن يتعلق بيدبر أو بيعرح فإن كان الأوّل فالمعنى يدبر أمر الدنيا كلها من السماء إلى الأرض لكل يوم من أيام الله وهو ألف سنة على أن يدبر على حقيقته ، والجاران من والى متعلقان بالأمر والألف على حقيقته ومعنى العروج الثبوت عنده وفي صحف ملائكته والتدبير لهذه المدة وان كان مرّة إلا أن العروج متكرّر لكل يوم إلى تمام ألف سنة ثم وثم إلى انقراض الدنيا وهو الوجه الثاني وإن كان الثاني فالمراد بالعروج الصيرورة إليه لا ليثبت في ديوان الملائكة بل ليحكم به والمراد بيوم كان مقداره الخ يوم القيامة ، والظرف متعلق بيعرح وهو الوجه الرابع وتكرار التدبير في الوجهين من المضارع ، وأما أن العروج في الأوّل منهما في كل وقت من أوقات هذه المدة
فلأن كتابة الملائكة لا تتأخر عن وجود الحوادث ، وان كان الثالث فيدبر بمعنى ينزل كما في الأوّل والجاران متعلقان به للتضمين وفي يوم متعلق بالفعلين للتنازع ، واليوم وقت إنزال الوحي مع جبريل عليه الصلاة والسلام ، وعروجه معه أيضاً أي رجوع ما كان من قبول الوحي وردّه إليه ، وهذا الوقت وان كان قصيرا إلا أنه قدّر بألف سنة لأن مسافته صعودا وهبوطا سير الناس ، وهو الوجه الثالث(7/146)
ج7ص147
ولم يرتض هذا الوجه الزمخشريّ لتكلفه ، وكذا الرابع لأنه لا فائدة ظاهراً في العدول عن يوم القيامة إلى ما في النظم ، ا هـ محصله وعليه ينزل كلام المصنف وان خالفه ترتيبا ومعنى كما سنبينه. قوله : ( يدبر أمر الدنيا الخ ) هذا أحد الوجوه السابقة والتدبير فيه على ظاهره والأمر بمعنى الشأن كما أشار إليه بقوله أمر الدنيا والى متعلق بيدبر لتضمينه معنى ينزل ومن ابتدائية والى انتهائية ، واليه أشار بقوله نازلة ، وهذا هو المطابق لما في الكشاف وشروحه فقوله بأسباب سماوية بيان لحاصل المعنى ، وهي الأمطار ونحوها ويجوز على هذا تعلق من السماء إلى الأرض بالأمر أو جعله حالاً منه ويجعل كناية عن تدبير جميع الأمور ، وقيل من عنده سببية ، وقوله آثارها الضمير فيه للأسباب ويعرح بمعنى يصعد ويرتفع على حقيقته كما ذكره ، وقوله ويثبت في علمه بيان لوجه صعوده للعرض عليه ، وقيل إنه إشارة إلى أن العروج والصعود مجاز عن الثبوت في العلم أي تعلق العلم به تعلقاً تنجيزياً فإنه كان معلوماً له قبله ، ولذا قال موجوداً لئلا يرد أنه كان ثابتا فيه قبله ولو فسر بكتابته في الصحف كان أظهر. قوله : ( في برهة ) أي مدّة الخ يعني أن قوله في يوم الخ متعلق بيعرج في هذا الوجه وأن المراد استطالة مدة ما بين التدبير والوقوع لا ظاهر العدد فهو مجاز عن لازمه لأن الألف نهاية العقود ، ولذا يعبر به عما طالت مدته وهذا مما خالف فيه الزمخشريّ لأنه أبقاه على ظاهره إذ جعل الأمر بمعنى الشأن وفسره به إذا كان واحد الأوامر. قوله : ( وقيل يدبر الأمر الخ ا لم يبين المراد بالأمر في هذا الوجه والظاهر أنه بالمعنى السابق من أمور الدنيا وأحوالها وأنه الوحي وهو المطابق للكشاف ، ويدبر على هذا مضمن معنى ينزل أيضاً كما أشار إليه وإنما مرضه لأن تقدير مسافة ما بين السماء والأرض به غير معلوم ، ولأن كونها مدة الذهاب والإياب خلاف الظاهر ، وكذا جعله بالنسبة لسير غير الملائكة ، وقوله ثم يعرح أي الملك أو الأمر مع الملك ، وقوله في زمان إشارة إلى أن اليوم بمعنى مطلق الوقت. قوله : ( فإن ما بين السماء والأرض الخ ) إشارة إلى أنّ قوله في يوم متعلق بالفعلين معنى وأنه تقدير لمسافة النزول والصعود بسير غير الملك فيكون على التشبيه ، وقوله في الكشاف في الحقيقة ليس المراد به ما يقابل المجاز لأنه
يقال هذا في الحقيقة كذا أي في نفس الأمر أو فيما تحققه الناظر مع قطع النظر عن دلالة اللفظ كما بينه بعض شراح الهداية ، ومن غفل عنه اعترض عليه وكذا من أجاب عنه بأن مقصوده المبالغة في التشبيه ، وما في آية أخرى من قوله خمسين ألف سنة لا يعارضه إن قصد المبالغة أو هذا عروج إلى سماء الدنيا وذاك إلى العرس. قوله : ( وقيل يقضي الخ ) فيدبر بمعنى يقضي ومن السماء إلى الأرض متعلق بالأمر أو حال منه ، والأمر قضاؤه تعالى ويعرج بمعنى يصعد ويعرض! كما مرّ وألف سنة على ظاهره ومرضه لأنّ نزول الملائكة بما قضى في ألف سنة ، ثم الصعود به بعدها خلاف الظاهر. قوله : ) وقيل يدبر الأمر الخ ) فالأمر واحد الأمور من السماء إلى الأرض متعلق به أو حال وهو كناية عن جميع الأمور ، والمراد بيوم الخ يوم القيامة ومرضه لأنّ العدول عن التعبير بيوم القيامة ، ونحوه خلاف الظاهر ولأنه يحتاج إلى جعل في بمعنى إلى أو جعل تدبيره بمعنى الجزاء عليه ، وجعل يعرج بمعنى يرجع إليه للجزاء وكل بعيد وقوله يعرج وقع في نسخة بدله يرجع أي للحكم ، والجزاء عليه وهو تفسير ليعرج على هذا الوجه. قوله : ( وقيل يدبر المأمور به ) فالمراد بالأمر واحد الأوامر أو الوحي وهو بمعنى المأمور فالتضمين ، والتعلق على حاله ، وثم للاستبعاد والخلوص من الصعود والعروج لقوله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } [ سورة فاطر ، الآية : 10 ] وألف عبارة عن الاستطالة كما مرّ وهذا الوجه قدّمه الزمخشري وأخره المصنف رحمه الله إشارة إلى ضعفه عنده. قوله : ( وفرئ يعرج ) أي بالبناء للمفعول ، وهي قراءة شاذة لابن أبي عبلة وأصله يعرج به فحذف الجارّ وإرتفع الضمير واستتر ، وقوله ويعدون بالغيبة وهي قراءة الأعمش والجمهور على الخطاب ، وقوله تعالى ذلك إشارة إلى الذات الموصوفة بتلك الصفات المقتضية للقدرة التامّة والحكمة العامّة ، وهو مبتدأ خبره ما بعده والعزيز الرحيم خبران آخران أو نعتان ، وقوله وفيه إيماء أي في قوله العزيز الرحيم أو في قوله الرحيم ، وحده ووجه الإيماء ظاهر لأنّ الوصف بالمشتق !يقتفبي علية مأخذه فتدبيره للعالم(7/147)
ج7ص148
رحمة منه لا إيجابا عليه وهو ردّ على من يقول بالإيجاب. قوله : ( خلقه موفرا ) أي مكملاَ تامّا وهذا بيان لحاصل المعنى لأنّ تقديره أحسن خلقه أي جعله حسنا تامّا كاملاً حسبما تقتضيه حكمته ، وكون خلقه بدل اشتمال إذا كان بالمعنى المصدري فالضمير المضاف إليه لكل شيء أمّا إذا كان بمعنى المخلوق فهو بدل كل من كل أو بدل بعض من كل والضمير لله ، والذي ارتضاه أبو عليّ في الحجة وهو ما صرّح به في كتاب سيبويه أنه مفعول مطلق لأحسن من
معناه ، والضمير لله أيضاً وقد جوّز أيضا كونه مفعولاً ثانياً أو أوّل لأحسن لتضمينه معنى أعطى. قوله : ( وقيل علم كيف يخلقه ) قال الراغب الإحسان يقال على وجهين أحدهما الأنعام على الغير والثاني الإحسان في فعله ، وذلك إذا علم علماً حسناً وعمل عملاً حسنا وعليه قول أمير المؤمين عليّ كرم الله وجهه الناس أبناء ما يحسنون أي ينسبون إلى ما يعلمونه ، ويعملونه من الأفعال الحسنة ا هـ فحينئذ إذا تضمن معنى العلم فلا مانع من أن يحوي معناه ويعمل عمله كما قرّروه في قوله تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } ، [ سورة هود ، الآية : 7 ] ولا يضرّ عدم تعدّبه لهما في المثال فقوله يحسن معرفته إشارة إلى وجه تفمنه معنى العلم لا إلى تقدير مضاف ، وقوله قيمة المرء ما يحسنه هو من كلام عليّ أيضاً كرم الله وجهه وهو استشهاد على دلالته على العلم كالبيت المنسوب إليه أيضاً وهو :
وقيمة المرء ما قد كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
فلا يتوهم أنّ ما استشهد به غير موافق لمدعاه كما قيل ، ومعنى المثال زيادة رفعة المرء
وعلوّ قدر. بعلمه لا بحسنه وجسمه فالقيمة مجاز فيه. قوله : ( بفتح اللام ) على أنه فعل ماض ، والجملة واقعة بعد نكرة فهي صفة كل أو شيء والثاني أولى لأنّ المضاف بعد كل هو المقصود بالذات فهي في محل جرّ لا نصب ، وهو الظاهر من قوله فالشيء الخ. قوله : ( على الأوّل مخصوص بمنفصل وعلى الثاني بمتصل ) قصر العامّ على بعض أفراده إمّا بغير مستقل ، وهو كلام غير تام تعلق بصدره كلاصفة أو بمستقبل من كلام أو عقل أو غيره كالحس ويسمى الأوّل متصلاَ والثاني منفصلاً ، وكل منهما تخصيص عند الشافعية لأنه قصر العامّ على بعض أفراده مطلقا وأمّا عندنا فالتخصيص هو الثاني فقط كلاما كان أو غيره فما ذكره المصنف من أنه على الأوّل أي على قراءة خلقه بالمصدرية على وجوه إعرابه مخصوص بمنفصل ، وهو دلالة العقل على أنه لم يحسن خلق كل شيء مطلقاً حتى ذاته وصفاته لأنّ المتبادر من الخلق الحدوث الزمانيّ وذاته وصفاته سبحانه وتعالى منزهة عن الاتصاف بالخلق فاحتيج إلى تخصيص شيء بما ذكر ، وأمّا الحدوث الذاتيّ فاصطلاح للفلاسفة واه كما بين في الكلام ولو جعلت جملة خلقه مستأنفة كان التخصيص بمنفصل أيضاً على هذه القراءة لكن لكونه خلاف الظاهر لم يتعرّض له المصنف وكون شيء بمعنى المفعول ، وهو مشيء كما مرّ في البقرة بحسب الوضمع الأصلي ، وقد يلاحظ فيه العموم فيحتاج إلى المخصص مع أنه وجه في المآل آخر للتخصيص فلا اعتراض به على المصنف رحمه الله كما توهم فما ذكره المصنف مبنيّ على أصولهم ، وقد يرجع إلى أصولنا أيضاً فأعرفه. قوله : ( يعني آم ) عليه الصلاة والسلام قد مرّ تحقيقه وفوله
تنسل كتنصر تخرج ، وتنفصل والسلالة الخلاصة وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية ، وممتهن بمعنى مبذول وأصل التسوية جعل الأجزاء متساوية فلذا فسره بقوله قوّمه الخ وثم للترتيب الرتت أو الذكريّ لأنها قبل النسل* قوله : ( إضافة إلى نفسه تشريفاً ) إذ لم يقل روحا بل روحه تشريفاً له مع أنّ كل روح له ، ومنه قيل بيت إدلّه وناقة الله تعظيما للمضاف وضمير له للإنسان أو للروح بتأويله بمخلوق ، وقوله له مناسة ما إلى الحضرة الربوبية ظاهر في هذا أي انتساب إليها ولذا عداه بإلى وحضرة مصدر بمعنى حضور ، والمراد المقام والمحضر وأقحم تأدّبا على ما عرف في الاستعمال ووجه المناسبة اتصالها بالعالم العلوفي ، وتجرّدها عن التجسم وتصرّفها ، وتوله من عرف نفسه الخ ليس بحديث بل هو من كلام أبي بكر الرازي كما ذكره الحفاظ ، وبعض الجهلة يظنه حديثا كما وقع في بعض كتب الموضوعات ، وقيل ليس معناه ما ذكر بل معناه من عرف نفسه ، وتأمّل حقيقتها عرف أنّ له صانعاً موجدا له وإليه أشار تعالى بقوله ة { وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [ سورة الذاريات ، الآية : 21 ] ( قلت ) ما ذكره المصنف رحمه الله سبقه إليه غيره وهو مناسب لكلام الحكماء(7/148)
ج7ص149
والصوفية واللفظ يحتمله فتأمّله. قوله تعالى : ( { وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ } ) التفات إلى الخطاب لا يخفى موقع ذكره بعد نفخ الروح وتشريفه بخلقة العقل حتى صلح للخطاب ، وقدم السمع لكثرة فوائده وأفرد لأنه في الأصل مصدر ، وقوله خصوصا من لام الاختصاص والتقديم والاختصاص بالمجموع ، والظاهر أنّ جملة قليلا الخ حالية ، وقوله شكرا قليلا إشارة إلى أنه صفة مصدر مقدّر. قوله : ) أي صرنا تراباً الخ ) فهو من ضل المتاع وأضله إذا ضاع كأنه لاضمحلاله وامتزاجه بالتراب شيء ضائع ، وقوله أو غبنا أي بالدفن فيها وان لم نفن ونضمحل كما في قول النابغة :
وآب مضلوه بعين جلية
أي دافنوه وهذا معنى آخر فلا وجه لما قيل الظاهر عطفه بالواو كما في القاموس ، وقوله وقرئ ضللنا الخ هي قراءة عليّ وابن عباس رضمي الله محنهم لأنه يقال ضل يضل كضرب يضرب ، وعلم يعلم وهما بمعنى وأمّا صل بالمهملة فمعناه تغير وأنتن من الصلة ، وهي الدبر ويقال للأرض الصلة لأنها لست الدنيا ، وتقول العرب ضمع الصلة على الصلة وصللنا روي في الإهمال بفتح اللام وكسرها وهي قراءة الحسن ، وقوله على الخبر أي بترك الأستفهام ، وقوله
والعامل فيه الخ لأنه لا يصح تقديم معموله عليه مع الاسنفهام المستحق للصدارة ، وكذا أنّ لا يعمل ما بعدها فيما قبلها أيضاً وقوله ، وإسناده الخ تقدّم ما قيه واعتراض بعضهم بأنه لا يشترط الرضا بل يكفي وقوعه فيما قبلها أيضاً وقوله ، وإسناده الخ تقدّم ما فيه واعتراض بعضهم بأنه لا يشترط الرضا بل يكفي وقوعه فيما بينهم وتناقض كلامهم فيه ، والجواب عنه والتوفيق فتذكره وقولهم هذا تهكم واستهزاء واذا يحتمل الظرفية المحضة والشرطية والجواب على الثاني محذوف وأبيّ بن خلف من المشركين مشهور. قوله : ( بالبعث ) فلقاء الله كناية عن البعث أو هو بتقدير مضاف أي بلقاء ملائكة ربهم ، وهم ملائكة الموت والعذاب والإضراب على الأول للترقي من التردّد فيه واستبعاده إلى الجزم بجحده ، وكون لاستفهام إنكاريا يؤول إلى الجحد لا يضرّه كما توهم ، وقيل الظاهر ما في بعض النسخ من عطف وتلقى بالواو ليظهر الإعراب لأنه إنكار جميع ما بعد الموت ، وهو أبلغ من إنكاره فقط. قوله تعالى : ( { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ } الخ ) وجه مناسبته لما قبله على الثاني ظاهرة لأنهم لما جحدوا بلقاء ملائكة الموت وما بعده قيل لهم إنكم سترون ملك الموت ، وما بعده من الحساب والعقاب ، وأمّا على الأوّل فلأنهم لما أنكروا البعث والمعاد ردّ عليهم بما ذكر لتضمن قوله : { إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [ سورة السجدة ، الآية : 11 ، البعث مع زيادة ذكر الموت ، وكونه موكلاَ بهم لتوقف البعث عليه ولتهديدهم وتخويفهم وللإشارة إلى أنّ القادر على الإماتة قادر على الإحياء فلا حاجة إلى تكلف ادّعاء أنّ كلامهم يشعر بأنّ الموت بمقتضى الطبيعة حيث أسندوه إلى أنفسهم فليس عندهم بفعل الله ، ومباشرة ملائكته وأبعد منه ما قيل في مناسبته إنّ عزرائيل ، وهو عبد من عبيده إذا قدر على تخليص الروح من البدن مع سريانها فيه سريان ماء الورد في الورد ، واللهب في الجمر فكيف لا يقدر خالق القوى والقدر على تمييز أجزائهم المختلطة بالتراب ، وكيف يستبعد البعث مع القدرة الكاملة له تعالى فإنّ ذلك السريان ربما خفي على العقلاء فكيف بجهلة المشركين وفي وكل إشارة إلى أنّ المتوفى حقيقة هو الله كما في قوله تعالى : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ } [ سورة الزمر ، الآية : 42 ، أو هو بمعنى سلط. قوله : ( يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئا ) من أجزائها لا من جزئياتها لئلا يتحد بما بعده ، وهذا من معنى التوفي لأنه بمعنى أخذ الشيء بتمامه كما في شرح المفتاح ، وقوله أو لا يبقى منكم أحداً الخ هو من السياق ، وقوله والتفعل الخ توجيه لتفسيره به بأنهما متلازمان فإنه مطاوعه وهو لا ينفك عنه أبداً أو أغلبيا ،
وقوله إحصاء آجالكم ليس الإحصاء فيه بمعنى العد بل المراد معرفة انتهائها وتمامها. قوله تعالى : ( { وَلَوْ تَرَىَ } ) الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم أو لغير معين ، وقوله قائلين إشارة إلى أنه حال بتقدير القول ، وهو أولى من تقدير الزمخشريّ يستغيثون بقولهما لخ ، وعامل الحال ترى أو ناكسو ، وقوله أبصرنا ما وعدتنا إشارة إلى مفعوله المقدر وقدره الزمخشريّ صدق وعدك ووعيدك قصداً للمبالغة. قوله تعالى : ( { إِنَّا مُوقِنُونَ } ) استئناف لتعليل ما قبله كقوله : { إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ } [ سورة هود ، الآية : 37 ] بعد قوله : { وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا } [ سورة هود ، الآية : 37 ] ولذا أكد بأنّ والاسمية ، وقوله إذ لم يبق لنا شك إشارة إلى أنّ الإيقان اليقين الدافع للشك والشبه كما مرّ تحقيقه في أوّل سورة البقرة ، وقيل إنه إشارة إلى أنه استئناف لم يقصد به التعليل وفيه نظر. قوله : ( وجواب لو محذوف تقديره الخ ) ظاهره(7/149)
ج7ص150
أنها تدلّ على التمني حقيقة أو مجازا وحينئذ لا يكون لها جواب ملفوظ ، ولا مقدر وقد خالف في ذلك ابن مالك وأبو حيان وقالا لا بد لها من الجواب استدلالاً بقول مهلهل في حرب البسوس :
فلو نبش المقابر عن كليب فيخبر بالذنائب أقي زير
بيوم الشعثمين لقرّ عينا وكيف لقاءم ن تحت القبور
فإنّ لو فيه للتمني بدليل نصب فيخبر وله جواب وهو قوله لقرّ وردّ بأنها شرطية ونصبه
عطفاً له كلى المصدر المتصيد من نبش ، وتقديره لو حصل نبش فإخبار وهو تكلف ، ولو قيل إنها لتقدير التمني معها كثيراً أعطيت حكمه فاستغنى عن تقدير الجواب فيها إذا لم يذكر كما في الوصلية ، ونصمب جوابها كان أسهل مما ذكر. قوله : ( والمضي فيها ) أي في لو لأنها حرف امتناع لامتناع فيما مضى وفي إذ وضعا لأنّ إخباره تعالى عما تحقق في علمه الأزلي لتحققه بمنزلة الماضي فيستعمل فيه ما يدل عليه مجازا كلو واذ قيل ولا يبعد حمل ترى أيضا على المضيّ الفرضي أي لو رأيت إذ وقفوا على النار في الدنيا ، وهو كلام حسن سقط به اعتراض! ابن هشام رحمه الله بانه لا معنى له إذا لو أوّل ترى برأيت وهو مستقبل لزم كون رأيت بمعنى ترى وفي بعض شروج الكشاف فان قلت هذا في قوله ناكسو صحيح لأنه نزل فيه النكس المستقبل منزلة الواقع فيما مضى فأدخل فيه إذ أما في ترى فلا لأنه في حيز لو الامتناعية المقتضية عدم وقوع الرؤية فكيف ينزل منزلة الواقع قلت المراد من المترقب النكس لا الرؤية لكن لما جعل النكس ، واقعا فيما مضى صارت الرؤية المتعلقة به بمنزلة الماضي بتبعيته مع امتناعها ورده معلوم مما قرّرناه أيضا فتأمّل. قوله : ( ولا يقدر الخ ا لتنزيله منزلة اللازم ، وما دلّ عليه صلة إذ أي ما أضيفت إليه لأنه بمنزلة الصلة المتممة لها للزومها الإضافة وهو المجرمون
أو وقوفهم على النار ، وقوله أو لكل أحد أي ممن يصح منه الرؤية لأنّ الضمير قد يراد به غير معين كما تقرّر في المعاني. قوله تعالى : ( { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } ) قيل إنه جواب لقولهم فاوجعنا بأنهم لو أرجعوا لعادوا لما نهوا عنه لأنا لم نقدر هدايتهم ، وقوله ما يهتدي به الخ لو فسر بنفس الإيمان والعمل الصالح صح لكن هذا أتمّ وأولى وأنسب بمعنى الهداية ، وقوله بالتوفيق متعلق بقوله آتينا. قوله : ( ثبت ) تفسير لحق لأنه بمعنى ثبت وتحقق ، وقوله قضاتي تفسير للقول لأنه إذا أضيف إلى اللّه يراد به حكمه وقضاؤه كما ذكره الراغب في قوله : { لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ } [ سورة بس ، الآية : 7 ] ومثله : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ } [ سورة الأنعام ، الآية : 15 ا ] وقوله : { سبق وعيدي } تفسير آخر له فالقول على ظاهره ، وقوله لأملأنّ الخ هو المقول على هذا ولذا قال وهو الخ. قوله تعالى : ( { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } ) قدم الجنة لأنّ المقام مقام تحقير ولأنّ الجهنميين منهم أكثر فيما قيل ولا يلزم من قوله أجمعين دخول جميع الإنس ، والجن فيها وأمّا قوله تعالى : { وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا } [ سورة مريم ، الآية : 71 ، فالورود غير الدخول كما مرّ تحقيقه في هود لأنها تفيد عموم الأنواع لا الإفراد فالمعنى لأملأنها من ذينك النوعين جميعاً كملأت الكيس من الدراهم والدنانير جميعا ، كما ذكره بعض المحققين وردّ بأنه لو قصد ما ذكر كان المناسب التثنية دون الجمع بأن يقال كأيهما فالظاهر أنها لعموم الإفراد والتعريف فيها للعهد ، والمراد عصاتهما ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى خطابا لإبليس لعنه الله : { لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [ سورة ص ، الآية : 85 ] فتدبر. قوله : ( وذلك تصريح الخ ) ذلك إشارة إلى النص ، وقوله لأملأنّ الخ وقد وقع في نسخة هذا النص صريح وهو ردّ على الزمخشريّ حيث أيد مذهبه من أنه تعالى لا يشاء القبيح كالضلال بل الهداية ، وحمل المشيئة المذكورة على القسرية وقال إن تعقيب فذوقوا الخ بنسبة النسيان إليهم وجعله سبباً للإذاقة دال على أنّ المشيئة المطلقة مقيدة هنا بقيد الإلجاء والقسر ، وأنّ العلم الأزليّ مانع لاختيارهم قال الطيبي رحمه الله وهو عدول عن جادّة الصواب حيث أوقع حق القول المعبر به عن العلم الأزليّ المستتبع للكائنات سبباً عن استحبابهم العمي وجعل استحبابه مسببا عن اختيارهم المعدوم ، والحق قول الإمام إنّ لو شئنا لآتينا الخ جواب لقولهم فارجعنا أي هذا الذي جرى علينا بسبب ترك العمل أمّا الإيمان فنحن موقنون به فأرجعنا لتتلافى العمل فأجيبوا بأنا لو أردنا الإيمان فنحن موقنون به فأرجعنا لتتلافى العمل فأجيبوا بأنا لو أردنا الإيمان هديناكم فلما لم نهدكم تبين أنا لم نرد إيمانكم فلا نردّكم فذوقوا العذاب(7/150)
ج7ص151
المقدر عليكم بكفركم فإنه لا ينفعكم الآن شيء والمصنف رحمه اللّه أشار إلى أنّ الآية صريحة في خلاف ما ذكره ،
لأنها دالة على أنّ عدم إيمانهم لعدم مشيئة اللّه ، وهذا معنى قوله : { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } لأنّ الهدى الإيمان أو الموصل إليه ، وقوله المسبب الخ أي وعدم المشيئة مسبب عن سبق حكم الله به ، وهو معنى قوله ولكن حق القول مني الخ فإنه استدراك لدفع ما قبله والمراد أنه سبب استمراره أو سببه بنفسه فإنه لا مانع من تسبب أزليّ لأزليّ آخر فإنه لا يقتضي التقدّم الزمانيّ بل الرتبيّ ، وما أورد عليه من أنّ العدم الأصليّ لا يحتاج إلى سبب فينبغي تفسيره بالكف أو الامتناع عن المشيئة غير مسلم في العدم الذي ليس بصرف ، وكذا ما قيل من أنّ التصريح ممنوع إذ يجوز كون سبق الحكم سببا لعدم الهداية بل هو الظاهر إذ المناسب كون السبق لعدم المشيئة لا العكس ، فإنه مخالف للنظم كما عرفت فتأمّل. قوله : ( ولا يدفعه الخ ) أي كما في الكشاف نصرة لمذهبه أي لا يعارض سبق القضاء لأنّ عدم الإيمان على هذا بسبب ميلهم الاختياريّ لا لعدم مشيئته تعالى ، ولا للسبق المذكور والمراد بنسيانهم ترك العمل المشابه للنسيان أو ترك التدبر وعليه كلامه الآتي وذوقوا أمر تهديد توبيخيّ ، والفاء تفصيلية أو في جواب شرط مقدر أي إذا حق القول ، وهذا إمّا مفعول ذوقوا والمعنى ذوقوا ما أنتم فيه من نكس الرؤس والخزي ، والغم أو صفة يوم وحذف مفعوله للتهويل بالإبهام ويدلّ عليه قول المصنف رحمه الله فيما سيأتي من التصريح بمفعوله الخ ، وقوله بقوله متعلق بجعل. قوله : ( فإنه من الوسايط المفضية له ) أي لذوق العذاب يعني ليس هو السبب الحقيقيّ حتى ينافي كونه بمشيئة الله وسبق قضائه ، والجبر مندفع بمقارنة القدرة لفعل العبد عند الأشاعرة على ما بين في الكلام وأما التوبيخ بالواسطة مع سبق المسبب الحقيقيّ فلا بعد فيه كما توهم إذا تضمن نكتة كقربه من الوقوع ، وظهوره وكونه هو الصادر منهم وقوله المفضية بالفاء والضاد المعجمة بمعنى الموصلة وفي نسخة المقضية والمقتضية بالقاف وهي متقاربة. قوله : ( تركناكم من الوحمة أو في العذاب ) وهما وان تغايرا متقاربان وهو إشارة إلى أنّ النسيان بمعنى الترك. لأنه محال عليه تعالى ، وهو استعارة أو مجاز مرسل كما أنّ لنسيان السابق أيضا مجاز مرسل ، وقد جعله الزمخشريّ مقابله أي مشاكله كما صرّح به بعض الشراح ، وكون المشاكل الأوّل مجازا لا يمنع منها والقرينة على قصد المشاكلة فيه أنه قصد جزاؤهم من جنس عملهم فهو على حد قوله : { وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } الشورى ، الآية : 40 ] لكنه نادر في بابه فلا يرد الردّ عليه بأنه مجاز فافهم وقوله ترك المنسيّ أي كترك المنسيّ إشارة إلى أنه استعارة. قوله : ( وفي استثنافه ) أي إيقاعه هذه الجملة سمتأنفة لأنّ جعله جملة مستأنفة يقتضي الاهتمام به ففيه تأكيد أيضا. قوله : ( وبظء الفعل على أنّ واسمها ) أي إيقاع الفعل ، وهو نسيناكم خبراً عن الاسم وجعله عجز
الاسمية مؤكدة بأن إشارة إلى أنه نسيان أي ترك شديد محقق كما تفيده الاسمية المؤكدة ، والانتقام من وقوعه جزاء لنسيانهم. قوله : ( كرر الأمر ) أي قوله ذوقوا للتأكيد ولما كان من حق التاكيد أن لا يعطف أشار بقوله ولما نيط أي علق الخ إلى أنّ فيه زيادة على الأوّل جعلته بمغايرته للأوّل مستحقاً للعطف ، وقوله من التصريح بمفعوله ، وهو عذاب الخلد إشارة إلى أنّ مفعول الأوّل محذوف أو غير صريح لأنه اسم إشارة ، وقوله وتعليله إشارة إلى أنّ الباء سببية وأفعالهم السيئة مدلول قوله ما كنتم تعملون ، وقوله من التكذيب الخ بيان لها ، وقوله بتركهم الخ معنى قوله بما نسيتم وفيه إشارة إلى أنّ ما مصدرية ، وقوله دلالة الخ إشارة إلى أنها أسباب متعدّدة وان كانت وسايط فلا ينافي ما مرّ كما ذهب إليه الزمخشريّ. قوله تعالى : ( { بِآيَاتِنَا } ) المراد بها دلائل توحيده وقدرته أو آيات القرآن الدالة على ذلك ، وقوله كالعجز الخ إشارة إلى ارتباطه بما قبله ، وقوله حامدين الخ إشارة إلى أنّ الباء للملابسة والجار والمجرور حال وأنّ الحمد هنا في مقابلة النعمة ، وقوله حامدين الخ إشارة إلى أنّ الباء للملابسة والجار والمجرور حال وأنّ الحمد هنا في مقابلة النعمة ، وقوله وهم لا يستكبرون عطف على الصلة أو حال من أحد الضميرين ، وقد تجوّز عطفه على أحد الفعلين. قوله تعالى : ( { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ } ) جملة مستأنفة أو حالية أو هي خبر ثان للمبتدأ وكذلك يدعون وإذا جعل يدعون صالاً احتمل أن يكون حالاً ثانياً وأن يكون حالاً من ضمير جنوبهم لأنّ المضاف جزء والتجافي البعد ، والارتفاع من الجفاء وكني به(7/151)
ج7ص152
عن ترك النوم كما في قول ابن رواحة رضي الله تعالى عنه :
نبيّ يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
واليه أشار المصنف رحمه الله ، وخوفا وطمعاً إمّا مفعول له أو حالان أو صصدران لمقدر وتتنحى بالمهملة أي تبعد ومواضع النوم شامل للأرض. قوله : ( وعن النض صلى الله عليه وسلم في تفسيرها ) أي الآية إشارة إلى ما رواه أحمد والحاكم ، وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم مرفوعاً من أنه قرأها وقال هو
صلاة الرجل في جوف الليل ، وقوله إذا جمع الله الخ روأه أبو إسحق وأبو يعلى عن أسماء كما ذكره ابن حجر ، وقوله يسمع الخلائق أي صوته أو هو معلوم من أسمع ويجوز أن يكون من سمع وفاعله الخلائق ، والمراد بالجمع المحشر ومن أولى بالكرم أي من الله ، وقوله فيسرحون أي يرسلون وشاقون إلى الجنة من غير حساب ومنه سرّح الماشية للمرعى ، وسائر الناس باقيهم ، وقوله وقيل الخ مرضه لمخالفتة للظاهر لأنه ليس وقتاً يكثر فيه النوم حتى يمدح بتركه ولمخالفته للرواية المشهووة السابقة ، وقوله وجوه الخير شامل للفرض والنقل ، وقوله ولا نبيّ الخ في نسخة بترك العطف وهو مرويّ في الحديث القدسيّ المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه. قوله تعالى : ( { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم } الخ ) الفاء سببية ، أو فصيحة أي أعطوا فوق رجائهم فلا الخ ونفس نكرة منفية فتعم وقرة العين السرور وقد مرّ تحقيقها ، وقوله أعددت أي هيأت وأحضرت لهم من النعيم والرضوان ، وقوله ما لا عين رأت الخ يعني أنه ليس من جنس ما يعرفون من النعيم بل هو أبئ وأعظم. قوله : ( بله ما اطلعتم عليه ) قال ابن هشام في المغني بله على ثلاثة أوجه اسم لاع ومصدر بمعنى الترك واسم مرادف لكيف وما بعدها منصوب على الأوّل ومخفوض على الثاني ، ومرفوع على الثالث وفتحها بناء على الأوّل والثالث وإعراب على الثاني ، وإنكار أبي عليّ أن يرتفع ما بعدها مردود رواية ومن الغريب ما في البخاريّ ، من رواية الحديث من بله بمن الجارة خارجة عن المعاني الثلاثة ، وقد فسرت بغير وبه يتقوّى عدّها من أدوات الاستثناء فما بعدها محتمل لوجوه الإعراب الثلاثة والمعنى على كل حال أنه ليس مما عرفتموه واطلعتم عليه واطلعتم معلوم من الاطلاع افتعال
بمعنى الوقوف عليه ، وقد روي اطلعتم مجهولاً من الأفعال وما وقع في الرضى أعطيتم غير معروف رواية ، وقوله إن شئتم أي أردتم تحقيقه. قوله : ( وقرأ حمزة الخ ) عقب الحديث بهذه القراءة إشارة إلى ما في الانتصاف من قوله كان جدي رحمه الله يستحسن أن يقرأ الآية تلو الحديث المذكور بسكون الياء من أخفى ورده إلى المتكلم ليطابق صدر الحديث ، وهو أعددت الخ ليكون الكل راجعاً إليه تعالى مسنداً إلى ضمير اسمه جل وعز صريحاً ا هـ ، وعلى القراءة المشهورة هو ماض مجهول بفتح الياء. قوله : ( وقرئ نخفي ) أي بنون العظمة وأخفى ماض معلوم ، وقوله وقرات أي قرى قرّات بصيرة الجمع لقرة وهي قراءة شاذة أسندها أبو الدرداء وابن مسعود رضي الله عنهما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقوله لاختلاف الخ بيان لنكتة جمع المصدر أو اسمه ، وقوله والعلم بمعنى المعرفة فيتعدى لمفعول واحد وهو ظاهر على الموصولية وإذا كانت ما استفهامية يجوز تعديه لمفعولين لسد الجملة مسدهما وعلى كل من الموصولية والاستفهامية فالإبهام للتعظيم لأنه بمعنى أيّ شيء. قوله : ( أي جزوا جزاء ) فهو مفعول مطلق لفعل مقدر والجملة مستأنفة ويجوز جعلها حالية ، وقوله أو أخفى للجزاء فهو مفعول له وقوله فإن إخفاءه لعلوّ شأنه بيان لوجه التعليل للإخفاء وحينئذ يجوز تعلقه بلا تعلم ، وقوله وقيل الخ أي أخفى ليكون الجزاء من جنس العمل ، ويجوز على المصدرية جعله مؤكداً لمضمون الجملة المتقدّمة. قوله : ( خارجاً عن الإيمان ) يشير إلى أنّ أصل معنى الفسق الخروج من فسقت الثمرة إذا خرجت من قشرها ثم استعمل في الخروج عن الطاعة وأحكام الشرع مطلقاً فهو أعمّ من الكفر وقد يخص به كما في قوله : { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ سورة النور ، الآية : 55 ] وكما هنا لمقابلته بالمؤمن. قوله : ( في الشرف الخ ) هذا على طريق الفرض أو التهكم إذ لا مثوبة للكانر أصلا ، وقوله تأكيد أي لما فهم من قوله أفمن كان مؤمناً الخ فإنه يدلّ على عدم مشابهته له ومساواته معه ، وقوله والجمع أي في ضمير يستوون الراجع لمن باعتبار المعنى بعد(7/152)
ج7ص153
أفراده رعاية للفظه. قوله : ( نإنها المأوى ) أي المسكن لأنها مقرّ والدنيا ممر وجسر للآخرة ، وقوله وقيل الخ فهو علم المكان مخصوص منها كعدن ومرضه لأنّ الجمع وإضافة العامّ إليه لا تناسبه والنزل كما مرّ ما يعد للنازل ثم عمّ كل عطاء أو جمع نازل حالاً. قوله :
( بسبب أعمالهم ) فالباء للسببية ، وكونها سبباً بمقتض فضله ووعده فلا ينافي حديث لن يدخل أحدكم الجنة بعمله ، وقوله أو على إعمالهم فالباء للمقابلة والمعاوضة فإنها تستعمل بهذه المعنى كعلى في نحو بعتك الدار على ألف درهم ، ووقع في نسخة عطفه بالواو فهو بيان لما قبله والأولى أولى وبما ذكرناه علم ضعف قوله في المغنى إنّ الباء هنا ليست للسببية كما قاله المعتزلة وكما قاله الجميع في نحو لن يدخل أحدكم الجنة بعمله لأنّ المعطي بعوض قد يعطى مجاناً ، وأمّا المسبب فلا يوجد بدون السبب ، وقد تبين عدم المعارضة بين الآية والحديث لاختلاف معنى الباءين اهـ. قوله : ( مكان جنة المأوى الخ ) يعني ليس المراد بالمأوى مطلق المحل والمنزل وإن جوّزه في الكشاف بل المحل المقصود والمطلوب للاستراحة والوقاية من الحرّ والبرد ففيه استعارة تهكمية ، وهذا مأخوذ من المتعارف والمقابلة وهو أبلغ فلا يرد عليه أنه عدول عن الحقيقة من غير داع ، ولا قرينة فلا وجه له كما قيل. قوله : ( عبارة عن خلودهم فيها ) دفع لما يتوهم من أنّ الإعادة تقتضي الخروج فهو معارض لقوله : { وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } [ سورة البقرة ، الآية : 167 ] وقد حمل كلامه هنا على الاستعارة التمثيلية ، وقد مرّ في سورة الحج أنّ التقدير فخرجوا لأنّ الإعادة بعد الخروح ومراده الخروح من معظمها فلا يخالف قوله وما هم بخارجين الخ ، ولذا قال فيها دون إليها وقيل هو كناية عن القرب من الخروج وقد مرّ الكلام فيه. قوله تعالى : ( { عَذَابَ النَّارِ } الخ ) في أمالي ابن الحاجب في نكتة إظهار النار مع ذكرها قبله أنه لأنّ فيه تهديدا وتخويفاً ليس في الإضمار لأنه وقع حكاية لما قيل لهم ثمة وليس مثله موضع الضمير ، وأورد عليه الطيبي إنه داخل في حيز الآخبار لعطفه على أعيدوا الواقع جواباً لكلما فكما جاز الإضمار في المعطوف عليه جاز فيه أيفا إن لم يقصد التهويل فالوجه الثاني لا يتم وحده ، وودّ بأنّ المانع إنه حكاية لما يقال لهم يوم القيامة والأصل في الحكاية أن تكون على وفق المحكي عنه دون تغييره ولا إضمار في المحكي لعدم تقدّم ذكر النار فيه ، وقد يناقش فيه بأنّ مراده أنه يجوز وعاية المحكيّ والحكاية وكما أنّ الأصل رعاية المحكيّ الأصل
الإضمار إذا تقدّم الذكر فلا بدّ من مرجح فتأمّل. قوله : ( عذاب الدنيا ا لأنه أدنى أي أقرب أو أقل من عذاب الآخرة ، والسنة بمعنى القحط وقد دام على قريش قبل الهجرة سبع سنين كما ذكر في السير ، وقوله يوم بدر الخ يقتضي أن هذه الآية مدنية والمختار عنده خلافه ، وقوله لعل من بقي الخ لأنّ من قتل لا يتصوّر توبته ، وعقبة هذا أخو عثمان لأمّه وقد أسلم هو وأخوه خالد يوم الفتح. قوله : ( روي أنّ وليد الخ ) تغ فيه الزمخشريّ ، وفال ابن حجر إنه غلط فاحش فإنّ الوليد لم يكن حيث!ذ رجلاً بل طفلا لا يتصوّر منه حضور بدر وصدور ما ذكره الزمخشريّ من مشاجرته لعليّ رضي الله عنه. قوله : ( وثم لاستبعاد الإعراض الخ ) الاستبعاد غير التراخي الرتبي كما صرّح به بعض شرّاح الكشاف فهو أعمّ منه لأنه بعد أحدهما رتبة في شرف أو ضدّه سواء كان الأوّل أعلى أو الثاني ، وهذا مطلق التباعد بينهما وان لم يشتركا في شرف أو ضده ، وقوله بعد التذكير متعلق بالإعراض ويجوز تعلقه بالاستبعاد ، وقوله عقلا تمييز راجع إلى الاستبعاد. قوله : ( ولا يكشف الغماء إلا ابن حرّة ) هو من شعر لجعفر بن علية الحارثي الحماسي وبعده قوله :
نقاسمهم أسيافنا شرّ قسمة ففينا غواشيها وفيهم صدورها
ومعنى يرى غمرات الموت يتحققها حتى كأنه يشاهدها أي لا يكشف الخصلة الشديدة
إلا رجل كريم يرى قحم الموت ، ثم يلجا ولا يعدل عنها ، وقال إبن حرّة لأنّ مثله ذو أنفة والغماء ما يغم وأصله التغطية ، وثم فيه أيضاً الاستبعاد مشاهدة شدائد الهلاك ، ثم الرغبة فيها واقتحامها وعبر بالزيارة إشارة إلى أنّ إتيانه لها برغبة تامّة لا اضطرار. قوله : ( فكيف الخ ) توجيه للعدول عن قوله منهم مع أنه الظاهر بأن هذا يثبت الانتقام منه بطريق برهانيّ ، وقوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ } [ سورة البقرة ، الآية : 87 ] فسره الزمخشريّ في الكشاف بجنس(7/153)
ج7ص154
الكتاب ليصح عود الضمير إليه لأنه لم يلق عين كتاب موسى وارادة العهد ، وتقدير مضاف أي تلقى مثله بعيد كالاستخدام ورجوعه إلى القرآن المفهوم منه أبعد ، ونهيه عن الشك المقصود به نهى أمّته والتعريض بمن صدر منه مثله. قوله : ( من لقائك الكتاب ) إشارة إلى أنه مصدر مضاف
إلى المفعول وفاعله محذوف وهو ضمير النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقوله وإنك الخ اسنشهاد على أنّ الكتاب يوصف بالملاقاة وقوله فإنا الخ تعليل للنهي عن الامتراء بالتشابه يين الإيتاءين فليس الثاني مبتدعاً حتى يرتاب فيه ، وقوله مما لم يكن قط ، وفي نسخة لم يكن قط بيان لقوله باع ولما يينهما من التشابه قال أوّلاً مثل ما آتيناه ، ثم عكسه هنا وقوله أو من لقاء موسى الكتاب فهو مضاف للمفعول أيضاً لكن فاعله موسى ، وقد جوّز إضافته للفاعل على أنّ الضمير لموسى فتأمّله. قوله : ( أو من لقائك موسى ) عليه الصلاة والسلام فالضمير لموسى على أنه مفعول ، ويجوز أن يكون فاعلاً أيضاً والمراد بالكتاب العهد لكن وجه التفريع فيه بالفاء خفيّ ، وقوله وعنه الخ تأييد لهذا التفسير وأنّ المراد لقاؤه في الدنيا وآدم بالمدّ بمعنى أسمر وطوالاً بضمّ الطاء بمعنى طويل والجعد خلاف السبط ، وهو معروف وشنوأة بالمعجمة والهمزة حيّ من اليمن موصوفون ومشهورون بالجعودة فلذا شبهه بهم قيل ، وهذا يدلّ على أنّ الآية نزلت قبل الإسراء ، وقوله المنزل على موسى فالضمير للكتاب ويجوز وجوعه لموسى. قوله : ( بأمرنا إيادم به ) أي بأن يهدوا أي فالأمر واحد الأوامر ، وعلى ما بعده واحد الأمور والمراد به التوفيق ، وقوله وقرأ الخ أي بكسر اللام وتخفيف الميم وما مصدرية كما أشار إليه بقوله لصبرهم وكونه تفسيرا على الوجهين لأنّ الظرف والمظروف كالعلة والمعلول في اقتران أحدهما بالآخر فلذا يستعار له نحو أكرمك إذا أكرمت زيداً ، وإن صح خلاف الظاهر وامعان النظر تدقيقه وأصل معناه الإبعاد ، وجملة كانوا معطوفة على جعلنا أو صبروا وجوّز فيها الحالية أيضاً. قوله : ( فيميز الحق من الباطل الخ ا لم يقصر المسافة ، ويقول المحق من المبطل لقوله : { فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [ سورة البقرة ، الآية : 13 ا ] وقوله من جنس المعطوف المراد به ما يناسبه معنى حتى يكون دليلاً عليه نحو ألم ينههم أو يدعهم ونحوه ، وهذا أحد القولين فيه
والآخر أنه لا تقدير فيه والهمزة مقدمة من تأخير والمسألة مشهورة. فوله : ( والفاعل ضمير الخ ) جعله مضمرا لأنّ كم لصدارتها لا تقع فاعلاَ ، وهي هنا في محل نصب بأهلكنا والفاعل لا يحذف في غير مواضع ليس هذا منها ، وأمّا إذا كان مضافاً فيحذف نحو بدت القرية على أنّ أصله أهل القرية فشرطه أن يكون المضاف إليه يصح وقوعه فاعلا بحسب القرينة ، والجملة لا تقع فاعلاَ على الصحيح فلا وجه لمن جوّزه هنا إلا إذا قصد لفظها فقول المصنف في غير هذه السورة إنّ الفاعل الجملة بمضمونها لا وجه له أيضا إلا أن يريد الوجه السابق وأمّا ما أورد عليه من أنه يلزم عود الضمير على متاخر لفظاً ورتبة فمردود لأنّ المراد أنه ضمير مبهم عائد إلى ما في الذهن ، وما بعده مفسر له فتأمل. قوله : ( أي كئرة من أهلكناهم الخ ) هو بيان للفاعل بأنه كثرة المهلكين فإنّ إهلاكهم سبب للهداية فالإسناد إليه جائز وان كان مجازا ولا حاجة إلى تقدير مضاف فيه أي كثرة إهلاك من أهلكنا كما مرّ في سورة طه كما قيل فإنه مفهوم من الفحوى ، ثم إنّ مفعوله مقدّر وهو طريق الحق ، وقوله أو ضمير الله أي فاعل يهد ضمير اللّه لسبق ذكره في قوله ربك وهو معلق بكم عن المفعول ، وهو مضمون الجملة لتضمينه معنى العلم. قوله : ( يمشون في مساكنهم ) جملة مستانفة بيان لوجه هدايتهم أو حال من ضمير لهم أو من القرون والمعنى أهلكناهم حال غفلتهم ، وتشديد يمشون على أنه تفعيل من المشي للتكثير والكلام في أولم يروا كالسابق. قوله : ( لا التي لا تنبت ) كالسباخ الذي لا ينبت أصلا فإنه كما صرّح به أهل اللغة من الجرز ، وهو القطع فيطلق على ما كان له نبت وقطع وعلى ما انقطع نباته لكونه ليس من شأنه إلا نبات وكلاهما ثابت مسموع لكن الثاني غير مناسب لقوله بعده فنخرج الخ كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشريّ ، فما قيل إنه لا مناسبة بين الإنبات بعد سوق الماء ، وبين أن لا تنبت فالوجه أن يحال على النقل لا معنى له. قوله : ( وقيل اسم موضع باليمن ) أي الأرض الجرز اسم لما ذكر ووجه تمريضه ظاهر لأنه لا وجه لتخصيصه هنا ، وقوله كالحب والتمر إشارة إلى أنّ المراد بالزرع ما يخرج بالمطر مطلقا فيشمل
الشجر وغيره(7/154)
ج7ص155
وكذا قوله الورق قيما قبله لغلبة إطلاقه على أوراق الشجر فلا إشكال فيه كما قيل ، وقوله فيستدلون الخ إشارة إلى أنه هو المقصود من النظر وقدّم الأنعام لأنّ انتفاعها مقصور على النبات ، وأكثر ولأنّ كلها منه مقدّم لأنها تأكله قبل أن يثمر ويخرح سنبله ، وجعلت الفاصلة هنا يبصرون لأنّ الزرع مرئي وفيما قبله يسمعون لأنّ ما قبله مسموع ، أو ترقياً إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير ودفع العذر. قوله : ( النصرا للزومه للفتح ، وقوله الفصل بالحكومة هو أحد معاني الفتح ، ولذا قيل للقاضي فتاح وفي نسخة بالخصومة أي بسببها وقوله من قوله الخ أو فوله وفتحت السماء ، وقوله لا ينفع الذين كفروا إيمانهم إن عمّ غير المستهزئين فهو تعميم بعد تخصيص ، وإن خص بهم فإظهار في مقام الإضمار تسجيلاَ لكفرهم ، وبياناً لعلة عدم النفع وعدم إمهالهم. قوله : ( فإنه الخ ) بيان لجريان هذا التفسير على الوجهين في معنى الفتح ، وقوله وقيل يوم بدر مرضه لبعده عن كون السورة مكية وأمّا كونه يوم الفتح أي فتح مكة فمع ذلك يبعده قلة المقتولين فيه جدّاً. قوله : ( والمراد بالذين كفروا الخ ) دفع لما يتبادر إلى الذهن من أنّ يوم الفتح ليس زمانه زمان ياس حتى لا ينفع إيمانهم فيه بأن المراد بهم من قتل فيه على الكفر فمعنى لا ينفعهم إيمانهم لا!بمان لهم حتى ينفعهم فهو على حد قوله :
على لا حب لا يهتدى بمناره
سواء أريد بهم قوم مخصوصون استهزؤوا أم لا وسواء عطف وقوله ولا هم ينظرون على المقيد أو على المجموع فتأمّل. قوله : ( وانطباقه جوابا عن سؤالهم ) بقولهم متى هذا الفتح لأنّ الظاهر في الجواب تعيين ذلك اليوم المسؤول عنه فكأنه قيل لا تستعجلوا أو لا تكذبوا فإنه آت لا محالة ، وإنه إذا أتى ندمتم وحصل لكم اليأس ومرّض كونه منسوخاً لاحتمال أنّ المراد الإعراض عن مناظرتهم لعدم نفعها أو تخصيصه بوقت معين ، وقوله وقرئ بالفتح اي في منتظرون على أنه سم مفعول والمعنى ما ذكره. قوله : ( عن انتبئ صلى الله عليه وسلم الخ ) قال ابن حجر رواه الثعلبيّ وابن مردوبه والواحدي مسندا وأشار إلى ضعفه ولم يقل إنه موضوع ، وقوله كأنما
الخ تفسير! لمفعول أعطى المحذوف وهو أجرا عظيماً ، وأمّا قوله من قرأ الخ فقال إنه لم يجده في شيء من كتب الحديث تمت السورة بحمد الله ومنه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه.
سورة الأحزاب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( ثلاث وسبعون آية ) قال !الداني هذا متفق عليه وفي الكشاف عن أبيّ بن كعب إنها
كانت تعدل سورة البقرة طولاً فنسخ أكثرها كآية الشيخ والشيخة إذ! زنيا فارجموهما ، وأمّا كونها كانت في صحيفة عند عائشة رضي الله عنها فأكلتها الداجن فمن كذب الملاحدة ، وكذبهم في أنه ضاع بأكل الداجن من غير نسخ فلا يرد عليه ما ذكره ابن حجر من أنّ نسخ آيات منها روي في كتب الحديث فانظره. قوله : ( تعظيماً!له وتفخيماً لشأن التقوى ا لف ونشر مرتب أي ناداه بوصفه دون اسمه تعظيماً له فإنّ مواجهة العظماء بأسمائهم في النداء لا تليق بخلاف الأخبار في أنّ محمداً رسول الله ، وأمره بما ذكر تفخيماً وتعظيماً للتقوى نفسها حيث أمر بها مثله فإنّ مراتبها لا تتناهى مع أنّ المقصود الدوام والثبات عليها فلا يلزم اللغوية وتحصيل الحاصل ، وقيل إنّ النداء المذكور للاحتراس وجبر ما يوهمه الأمر والنهي كقوله عفا الله عنك ولم يجعل الأمر والنهي لأمّته كما في نظائره لأنّ سياق ما بعده لأمر يخصه كقصة زيد رضي الله عنه. قوله : ( ليكون ممانعاً عما نص عنه الخ ) قيل عليه لو كان كذلك صدر النهي بالفاء فالظاهر أنه تخصيص بعد تعميم لاقتضاء المقام الاهتمام به كما يدلّ عليه سبب النزول وليس بشيء لأنّ التقوى وان منعت عما ذكر فعدم طاعته لهم أمر محقق سابق على الأمر فلو قرن بالفاء أوهم خلاف المراد فلا حاجة إلى جعله موكولاً لفهم المخاطب ، ولم يؤوّله بالثبات على عدم ا!ماعة كما في الأمر لتجدّده بتجدد ما طلبوه ولأنّ النفاق حدث بالمدينة فتدبر. قوله : ( فيما يعود بوهن في الدين ) أي فيما يصير مضعفا للدين وأبو الأعور كنية لرجل من بني سليم يسمى(7/155)
ج7ص156
عمرو بن أبي سفيان والموادعة المصالحة والمراد صلح الحديبية والمعنى في زمان الصلح ، وهو زمان ممتدّ مستمرّ فلا يرد عليه ما قيل إنّ أبا سفيان لم يجيء إلا بعد نقض
المشركين العهد لتجديد. فلم يرضه صلى الله عليه وسلم والمناسب ثبات الجانبين على المعاهدة دون تكليف أمر آخر ، وقيل إنّ هذا كان بعد أحد والقائمون معهم من أهل نواحي المدينة ومنها ، وأرفض بمعنى أترك ذكرها والمراد ذكرها بما يسوء بدلالة المقام ، ودلالة الآية على سبب النزول ظاهر وندعك منصوب في جواب الأمر ، وجملة إنّ الله الخ مستأنفة لتعليل ما قبلها. قوله تعالى : ( { واتَّبَعَ } ) من عطف الخاص على العامّ ، وقوله ما يصلحه فاعله ضمير ما هذه ومفعوله ضممير ما تعملون وفي نسخة ما يصلحك ويغني معطوف على يصلح ، وفي نسخة مغن بالعطف على موح وفيه إشارة إلى أنّ ذكر إحاطة علمه بعمله وعمل غيره أنه يعلمه بما يليق وينبغي له فيه لأنّ معرفة الطبيب بالداء ليصف الدواء قيل في كلامه ما يومئ إلى أنّ خطاب تعملون للنبيّ صلى الله عليه وسلم وجمع للتعظيم ، وليس بمتعين لجواز كونه عامّا ولكن المقصود بالخطاب هو وبيان حاله فهو داخل فيه بالدخول الأولى ، وجعل المراد من العمل إذا كان الضمير للكفرة والمنافقين كيدهم ومكرهم لمناسبته للمقام ، ثم جعله كناية عن دفعه لأنه المقصود منه وعلى هذه القراءة يجوز كون الضمير عامّاً أيضاً وفي كونه التفاتا تأمّل. قوله : ( ما جمع قلبين في جوف ) أراد أنّ خصوص الرجل ليس بمقصود ، والمعنى ما جعل لأحد أو لذي قلب من لاحيوان مطلقا وجعل بمعنى خلق وتخصيص الرجل بالذكر لكمال لوازم الحياة فيه فإذا لم يكن ذلك له فكيف بغيره من الإناث ، وأمّ الصبيان فما-لهم إلى الرجولية ، وقوله في جوفه للتأكيد والتصوير كالقلوب التي في الصدور لأنّ القلب معدن الروح أي مقرّ الروح الحيوانيّ وهو البخار اللطيف النورانيّ الذي يتولد من دم رقيق فيه وبه الإدراك عند الحكماء وذكر المعدن إيماء إلى تشبيهه بالجوهر ، وقوله المتعلق بفتح اللام أي الذي تتعلق به النفس الناطقة أي تتصل به لتفيض بواسطته ما تدركه عليه ، وذكر النفس لتأويلها بالمدرك ونحوه وقوله أوّلاً إشارة إلى تعلقها بالبدن بواسطته ، وقوله منبع القوى استعارة والمراد أنه الحامل لها إلى جميع البدن ، وهذا على رأي وعند جالينوس أنّ الكبد والدماغ منبعان لبعض القوى أيضاً وقد مرّ ما فيه في سورة الحجر. قوله : ) وذلك يمنع التعدّد ) أي تعدّد قلب الإنسان أو الحيوان لأنه يؤدّي إلى التناقض كما سيأتي تقريره ، وذلك
إشارة إلى كونه منغ جميع القوى ، والدعوة بكسر الدال في النسب وبفتحها في الطعام ونحوه. قوله : ( والمراد بذلك ) أي قوله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ردّ ما زعمته العرب من أنّ لبعض الشجعان ودهاة العرب قلبين حقيقة ، واللبيب صاحب اللب وهو العقل أي العاقل والأريب السريع الفطنة والانتقال من الأرب وهو الدهاء فليس بتأكيد وإن كان بمعنى العاقل ، والأرب العقل فهو تأكيد. قوله : ( ولذلك قيل الخ ) في نسخة أو لجميل وفي أخرى وقيل لجميل وفي غيرها ولجميل بالواو وظامره أنه جميل بن أسد غير أبي معمر وفي التيسير أبو معمر جميل بن معمر ، وفي البحر روي أنه كان في بني فهر رجل يقال له أبو معمر جميل بن أسد وظاهره أنهما واحد وكلام الكشاف على التردّد وعليه يحمل كلام المصنف على نسخة أو المشهورة ، وفي القاموس ذو القلبين جميل بن معمر فيه نزلت ما جعل الله الآية ، والذي صححه في كتاب المرصع ( أنه ابو معمر جميل بن معمر عبد الفه الفهري ، وكان رجلا لبيباً حافظاً لما يسمع فقالت قريش ما حفظ هذا إلا وله قلبان ، وكان يقول إنّ لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد فلما كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم أبو معمر لقيه أبو سفيان وإحدى نعليه في رجله والأخرى معلقة بيده فقال له ما حل الناس قال له : هزموا قال : فما بال إحدى نعليك بيدك قال ما شعرت إلا أنهما في رجلي فعرفوا يومئذ كذيه فيما كان يدعيه ) وهذه الآية نزلت فيه ، وقد ردّ الشاطبي عليهم وقال : إنه ليس بفهري بل الجمعي كما نقلته من خطه ، والذي صححه ابن حجر في الإصابة بعدما ذكر فيه اختلافا أنه جميل بن أسيد مصغرا الفهري ، وأنه يكنى أبا معمر وضعف قول ابن دريد أنه عبد الله بن وهب ، وقول غيره إنه جميل بن معمر الجمعي وبهذاه عرفت ما في كلام المصنف ، وغيره وأن العطف لا وجه له وأنّ أسيدا مصغراً لا أسداء مكبرا فأعرفه. قوله : ( والزوجة المظاهر عنها ) وفي نسخة منها وهو الموافق لما(7/156)
ج7ص157
سيأتي من تعدّبه بمن وهو منصوب عطف على اللبيب ولا يجوز رفعه على أنه مبتدأ وخبر ، وكذا قوله : ودعى الرجل ابنه أي له حكم الابن عندهم في التوارث وغير. من الأحكام وان كان معلوم النسب ، وقوله كالأمّ أي في الحرمة المؤبدة فقوله أمّهاتكم على التشبيه البليغ كما سيأتي. قوله : ( ولذلك كانوا يقولون لزيد الخ ) في الاستيعاب زيد بن حارثة بن شرحبيل
من بني كلب سبي في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لخديجة رضي الله عنها فوهبته لنبيّ صلى الله عليه وسلم فتبناه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهو ابن ثمان وأعتقه لما اختار خدمته على قومه ، ولم يرض مفارقته صلى الله عليه وسلم على ما فصله ، وقوله : ابن محمد أي هو ابن محمد وقوله عن المظاهر منها الخ لف ونشر مرتب ونفي القلبين معطوف على نفي الأمومة ، وقوله لتمهيد أصل أي حكم كلي وهو ما في قوله فإن لم تعلموا الخ ، والذي ارتضاه صاحب الانتصاف والطيبيّ تبعاً للزجاج والبغوي ، وهو المروي عن الزهري وقتادة إنه ضرب قوله : { مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } [ سورة الأحزاب ، الآية : 4 ] مثلاَ للظهار والتبني فكما لا يكون لرجل قلبان لا تكون المظاهرة أمّا والمتبني ابناً فالمذكورات بجملتها مثل فيما لا حققة له ، وهو المناسب لنظمها في نسق وتذييلها بقوله والله يقول الحق ، وتعقبه في الكشف بأنّ سبب النزول وقوله بعد التذييل ادعوهم الخ شاهد صدق على أن الأوّل مضروب للتبني ، وهم لم يجعلوا الأزواج أمّهات بل جعلوا اللفظ طلاقاً فإدخاله في قرن النبي استطراد ، وهذا هو الوجه لا أنه قول لا حقيقة له في نفس الأمر ولا في شرع ظاهر ؤكذا جعلهن كالأمّهات في الحرمة المؤبدة مطلقاً من مخترعاتهم التي لم يستندوا فيها إلى مستند شرعي فلا حقيقة له أيضاً فما ادعاه غير وارد عليهم لا سيما مع مخالفتة لما روي عنهم ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. قوله : ( وهو أن يكون كل منهما أصلاَ ) بيان للتناقض بأنه يلزم من تعدّد القلب كون كل منهما أصلاً للقوى وغير أصل لها أو توارد علتين على معلوم واحد ، وهذا أمر إقناعي فإنه يجوز كون أحدهما متبعاً لبعض والآخر لبعض آخر ويجوز اشتراكهما في ذلك كالعينين والأذنين في النظر والسمع فالأولى أن يوكل مثله للإرادة الإلهية وهو لا يسأل عما يفعل ، وكونه أصلاً بالنظر لنفسه وغير أصل بالنظر للآخر ، وقيل إنه محل الصحبة فلم يكرّر لئلا يكون فيه محبة اقترانية كما قيل :
ما أنصفتني الحادثات رمينني ~ بمفارقين وليس لي قلبان
وقال الآخر :
تملك بعض حبك كل قلبي ~ فإن تردالزيادة هات قلبا
قوله : ( اللذين لا ولادة بينهما وبينه ) بيان لوجه التناقض فيهما كما في الأوّل لأنّ ذلك يقتضي التوالد والزوجية والدعوة تقتضي خلافه ، وهذا كالأوّل فإنهم لم يدعوا أمومة وبنوّة حقيقة حتى يرد عليهم التناقض كما لا يخفى. قوله : ( وقرأ أبو عمرو الخ ) وقوله بالياء وحده
أي من غير همزة قبله أو من غير ياء أخرى تتبعها لأنها ساكنة وتذكير الضمير لتأويله بالحرف ، وقوله فخفف أي بحذف الهمزة والحجازيان نافع وابن كثير ، وقوله بالهمزة أي المكسورة ، وقوله وحده أي بدون ياء والقراءة الأخرى بهمزة بعدها ياء ساكنة وما ذكر. عن الحجازيين في رواية البزي عن ابن كثير وووش عن نافع في حالة الوقف ، وأما في الوصل فيسهل كما ذكره الشاطبي ، وقد روي عنهما التسهيل في الحالتين فما قيل إن المصنف لم يفرق بين الإبدال والتسهيل خطأ غرّه فيه كلام النثر. قوله : ( وحمزة والكسائئ بالحذف ) أي بحذف التاء الثانية ، وقوله من الظهور أي من الثلاثيّ فلا ينافي ما سيأتي أنه من الظهر ولا حاجة لهذا فإن الظهور أيضا من الظهر في أصل اللغة لأنّ أصله أن يكون مكشوفا لكونه على ظهر كالبطون لما كان في بطن ، ثم شاع في لازم معناه وهو الخفاء وعدمه كما نقله الطيبي عن أهل اللغة وقراءة ابن عامر تظاهرون أصله تتظاهرون فأدغم وهو ظاهر ، وقوله باعتبار اللفظ أي باعتباو وقوع لفظه في كلام المظاهر مع قطع النظر عن معناه كلبي فإنّ معناه أن يقول لبيك والاشتقاق قد يكون من اللفظ ، ولو كان غير مصدر. قوله : ( وتعديتة بمن ) إشارة إلى ما في الكشاف من أنه ضمن معنى التباعد لأنه يقال تباعد منه ، وفي عبارة المصنف قصور فإنّ ظاهره أن المضمن تجنب مع أنّ(7/157)
ج7ص158
تجنب متعد بنفسه لا بمن يقال تجنبه كما صرّح به أهل اللغة ، والمراد كما في الكشف أنه ضمن فعلا فيه معنى المجانية يتعدى بمن ، وأما كون الطلاق في الجاهلية أو في الجاهلية والإسلام كما ذكره المصنف رحمه الله فلم ينظروا إليه لأنه إذا وقع استعماله في الجاهلية كذلك بقي لاستعماله بعده فإنه ليس من الإصطلاحات الشرعية فمن ظن أنّ في كلامه وداً على الزمخشريّ لم يصب ، وكذا من قال إنّ مسلك المصنف أحسن ما أحسن وكذا الكلام في آلى. قوله : ( وهو في الإسلام يقتضي الطلاق والحرمة إلى أداء الكفارة ) وفي نسخة أو الحرمة وهما بمعنى لأنّ الواو فيه بمعنى أو التي للتقسيم كما ذكره ابن مالك فالمراد أنه يقتضي الطلاق لو نواه لأنه من محتملات لفظه ، والحرمة المجرّدة إن لم ينوه كما فصله في شرح الإشارات وأشار إليه الرازي في الأحكام وكلامه على مذهب الثافعي ، فما قيل من أنّ هذا لم يذكره أحد من المذاهب بل قالوا إنه منسوخ فلا يقع به طلاق ، وان نواه بلا خلاف إلا أن يكون يقتضي بمعنى يلزم سهو. قوله : ( وذكر الظهر للكناية عن البطن لخ ) قال الأزهري خصوا الظهر لأنه محل الركوب والمرأة تركب إذا غشيت فهو كناية تلويحية انتقل من الظهر إلى المركوب ، ومنه إلى
المغشي والمعنى أنت محرّمة عليّ لا تركبين كما لا تركب الأمّ كذا في الكشف ، وتسمية الظهر عمود البطن قاله عمر رض!ي الله عنه ، كما ذكره الزمخشريّ لأن به قوامها وعليه اعتماده كما تعتمد الخيمة على عمودها ، وقوله الذي صفة البطن وذكره وان كان مؤنثا لتأويله بالعضو ونحوه وضمير هو للظهر وضمير عموده للموصول. قوله : ( فإن ذكره الخ ) تعليل للكناية وتوجيه لاختيارها بأنهم يستقبحون ذكر الفرج ، وما يقرب منه سيما في الأمّ وما شبه بها فلذا عدل إلى الكناية. قوله : ( أو للتغليظ في التحريم ) توجيه آخر لذكر الظهر بأنه ليس للكناية عن البطن بل إنما ترك ذكر البطن إلى الظهر تغليظاً في تحريم المرأة ، لأنّ إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان محرّما عندهم فالظهر مطلقاً حرام عندهم ، وظهر الأم أشدّ حرمة وأما ذكر الأم ففيه تغليظ على الوجهين. قوله : ( على الشذوذا لأنّ قياس فعيل بمعنى مفعول أن يجمع على فعلي كجريح وجرحى لكنه حمل عليه لكونه موازياً له ، وقيل إنه مقيس في المعتل مطلقا وفيه نظر. قوله : ( ذلكم ) إشارة إلى ما ذكر أي من كونه ليس لأحد قلبان ، وليست الأزواج أمّهات ولا الأدعياء أبناء لاشتراكها في كونها لا حقيقة لها ، وأما قوله لتمهيد أصل الخ فلا يأبى هذا لأنّ التمهيد حاصل بالتسوية بينهما فما قيل من أن الأظهر جعل الإشارة للأخيرين لأن الأوّل ذكر للتمهيد كما بينه المصنف ليس بشيء ، وقوله أو إلى الأخير وهو الدعوة لأنه هو المذكور هنا ، ولذا اقتصر على هذا الوجه في الكشاف وقوله لا حقيقة له بيان لقوله بأفواهكم ، وإشارة إلى أنه ليس من قبيل نظر بعينه مما قصد به التاكيد والتحقيق والمراد بقوله في الأعيان في الواقع ونفس الأمر ، وقوله كقول الهاذى بالذال المعجمة من الهذيان وكونه بالمهملة من الهداية بعيد رواية ودراية وإن صح. قوله : ( ما له حقيقة عينية ) أي المراد بالحق الثابت المحقق في نفس الأمر ، وقوله مطابقة له لقوله بفتح الباء وكسرها لأن المطابقة مفاعلة من الجانبين وقوله سبيل الحق إشارة إلى أنّ تعريفه عهدي ، وني الكشاف لا يقول إلا ما هو حق ظاهره وباطنه ولا يهدي إلا سبيل الحق ثم قال ما هو الحق وهدى إلى ما هو سبيل الحق ، وهو قوله ادعوهم الخ وتركه المصنف لخفاء وجه الحصر المذكور فيه ، ولذا قال بعض شراحه أنه من مقابلة قوله : { ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } لا من تقديم المسند إليه فإنه يفيد أنه الهادي لا غيره. قوله : ( وهو أفراد للمقصود ) بيانه هنا من أقواله الحقة أي من جميع أقواله الحقة المذكورة إجمالاً بقوله ، وهو يقول الحق أو أفراد للمقصود كاملاً وعلى كل فلا ينافي قوله والمراد نفي الأمومة والبنوّة ونفي
القلبين لتمهيد أصل الخ. قوله : ( قصد به الزيادة مطلقاً ) أي هو أعدل من كل قول متصف بالعدل لا مما قالوه فإنه زور لا عدل فيه أصلاَ ويجوز أن يجعل قسطاً تهكماً ، وأما كونه لا يخلو من قسط وصدق بنوع من المجاز فتكلف إلا أن يريد ما ذكرناه. قوله : ( ومعناه البالغ ) إلى الغاية في الصدق دفع لما يتوهم من أن المقام يقتضي ذكر الصدق لا العدل بأن العدل ، والإنصاف هنا المراد به أتم الصدق لأنّ الكذب نوع من الجور ، وقوله فتنسبوهم بحذف النون لعطفه على المجزوم واثباتها من(7/158)
ج7ص159
تحريف الناسخ فلا غبار عليه وقوله فهم الخ إشارة إلى أنه خبر مبتدأ مقدّر والجملة جواب للشرط ، والمراد بالمولى ذو الموالاة أو السيد. قوله : ( بهذا التأويل ) أي بتاويل الأخوّة والولاية في الدين ، والبنوّة وان صح فيها التأويل أيضا لكن نهي عنها بالتشبيه بالكفرة والنهي للتنزيه ، وقوله مخطئين قبل النهي أو بعده الخطا مقابل للعمد هنا فيشمل السهو والنسيان كما أشار إليه المصنف لا بمعنى الذنب ، وكون الخطا بالمعنى المذكور قبل النهي ، وبعده معفوّاً لا يقتضي أن العمد قبله غير معفوّ والمفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد نقضاكما بين في أصول الشافعية فلا حاجة لتأويل مخطئين بجاهلين ، وان كان الجمع بين الحقيقة والمجاز فيه على تسليمه جائزاً عند المصنف ، ولا يرد على المصنف إنه لا قبح قبل النهي عند أهل السنة فتامّل. قوله : ( ولكن الجناح فيما الخ ) فهو معطوف على المجرور وقوله ولكن ما تعمدت الخ إشارة إلى احتمال آخر ، وهو أن ما مبتدأ خبره جملة مقدرة وفي بعض النسخ فيما تعمدت قلوبكم فيه الجناح والصحيح الأوّل لأنّ هذه تحتاج إلى تكلف جعل الجارّ محذوفاً ، وفيه متعلق بتعمدت والجناح مبتدأ خبره الجاز والمجرور. قوله : ( لعفوه ) وفي نسخة بعفوه بالباء السببية ، وهو تفسير وبيان لمعنى الآية ، وقوله لا عبرة به عندنا فلا يفيد العتق ولا ثبوت النسب ، وعند أبي حنيفة يفيده بشروطه المبينة في الفقه فقوله يوجب عتق مملوكه أي سواء كان مجهول النسب أو لا يمكن الإلحاق أوّلاً بأن يكون أكبر منه سنا خلافا لهما في الثاني ، وقوله لمجهوله أي النسب ، وقوله الذي يمكن إلحاقه بأن يكون أصغر سناً منه. قوله تعالى : ( { النَّبِيُّ أَوْلَى } ) أي أحق وأقرب إليهم من أنفسهم أو أشد ولاية ونصرة ، وقوله بخلاف النفس فإنها إمّ أمّارة بالسوء وحالها ظاهر أولاً فقد تجهل بعض المصالح ويخفى عليها بعض المنافع ، وقوله فلذلك أطلق أي لم يقيد الأولوية بشيء في النظم ليفيد أولويته في جميع
الأمور ، وقوله فيجب أي فإذا كان كذلك يجب الخ ، وقوله فنزلت ووجه الدلالة على سبب النزول إنه إذا كان أولى من أنفسهم فهو أولى من الأبوين بالطريق الأولى ولا حاجة إلى جعل أنفسهم عليه بالمعنى السابق في قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ سورة النساء ، الآية : 29 ] واطلاق الأب عليه لأنه سبب للحياة الأبدية كما أن الأب سبب للحياة أيضا بل هو أحق بالأبوة منه كما أشار إليه بقوله فإن كل نبيّ الخ ، وهو إشارة إلى صحة إطلاقه على غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ويلزم من الاً بوة أخوة المؤمنين ، وقوله من حيث أنه أصل هو الدين والإسلام. قوله : ( منزلات منزلتهن في التحريم ) أي تحريم النكاج وهو إشارة إلى أنه تشبيه بليغ ووجه الشبه ما ذكر ، وقوله ولذلك أي لكون وجه الشبه مجموع التحريم واستحقاقه التعظيم قالت عائشة رضي الله عنها لمن قال لها يا أمه ما ذكر وهو لا ينافي استحقاق التعظيم منهن أيضاً. قوله : ( في التوارث ) قيل إنه مخالف لما في الإطلاق من الدلالة على التعميم ، ولما سيقوله من أن الاستثناء من أعمّ ما يقدر الأولوية فيه من النفع إلا أن يقال ذكر. على طريق المتمثيل ، وقيل في جوابه لما كان ناسخاً لما في صدر الإسلام من توارث الهجرة ، والموالاة في الدين صور الأولوية فيه على أنه مراد فقط أو داخل في العموم دخولاً أوّليا ولا يخفى أنه عين ما ذكره من التمثيل مع أنه دعوى بلا دليل ، والصواب أن يقال لما كان المراد من النفع نفع الدنيوي الحاصل من الميت بعد موته ، وهو إمّا إرث أو وصية لا غير فإذا جعلت الوصية لغير الأقارب بحكم الاستثناء لم يبق إلا الإرث فتفسيره به بيان لحاصل المعنى على وجهي الاتصال والانقطاع فافهم. قوله : ( وهو نسخ ) قيل الظاهر أن النسخ بآية آخر الأنفال لتقدمها على سورة الأحزاب مع أن هذا يخالف مذهب الشافعي حيث لا يقول بتوريث ذوي الأرحام ، وهو غفلة عن تفسير. لذوي الأرحام بذوي القرابات الذي يطلق على ذوي الفروض ، والعصبات مع أن الشافعي قال بتوريثهم إذا لم ينتظم بيت المال وكون المراد هذه الآية بعيد والأظهر أن يراد القرآن مطلقاً وقد مرّ ما فيه في الأنفال وكان في صدر الإسلام يرث المهاجرون بالهجرة والمؤمنون بالتواخي كما هو معروف في كتب الحديث ، ثم نسخ وقوله فيما فرض اللّه فكتاب
الله ما كتبه أي فرضه ، وقضاه وقدره وهو في القرآن يرد بهذا المعنى أيضا. قوله : ( أو صلة لأولى ) فهو المفضل عليه ومن ابتدائية ، وقوله وأولوا الأرحام بحق القرابة الخ بيان(7/159)
ج7ص160
للمعنى على الوجه الثاني بأن محصله أن الأقرباء أولى بالإرث من غيرهم من المؤمنين المهاجرين وغيرهم وعدى تفعلوا بإلى لتضمينه معنى الإيصاء والإسداء ، وقوله من أعتم الخ فهو شامل لكل نفع ما لي إرثا ووصية وهبة ويدخل في حكم الهبة الهدية والصدقة ، والمراد بالمعروف الوصية ولا ترد الهبة فإنها غير جائزة للوارث في المرض لأنها في حكم الوصية ، ولذا تنفذ من الثلث ولا ترد المعاونة ونحوها فإن المراد النفع المالي ولا ينافيه العموم فافهم. قوله : ( أو منقطع ) يعني إذا حصلت الألوية بالتوارث كما هو ظاهر كلامه والمعروف أيضاً بمعنى التوصية أو عامّ لما عد ا لتوا رث.
قوله : ( كان ما ذكر في الآيتين ) من حكم البنوّة والبنوّة والتوارث لا ما سبق في السورة
بعد قوله : { مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ } [ سورة الأحزاب ، الآية : 4 ] إلى هنا أو إلا الأخير وهو التوارث فقط لأنّ الظهاو لم يبين حكمه هنا وسيأتي في سورة المجادلة ، والإشارة بالبعيد تأبى الأخير وتخصيصه به لغو مع قوله فيه في كتاب الله أيضاً والأوّل هو المقصود بالذات هنا فحيث دخلا فيه لزم دخول ما بينهما لئلا يكون ألغازاً ، فما قيل الظاهر التعميم أو التخصيص بالأخير لا وجه له. قوله : ( وقبل في التوراة ) مرضه لأن الكتاب المعرف الظاهر منه إنه عين الأوّل ، وكون ما ذكرفي التوراة غير معلوم ، وقوله مقدر باذكر على أنه مفعول لا ظرف لفساد المعنى وهو معطوف على ما قبله عطف القصة أو على مقدر كخذ هذا وجوّز عطفه على خبر كان وهو بعيد ، وقوله مثاهير أرباب الشرائع وان كان لغيرهم شريعة أيضا ومآله للتعظيم أيضا ، وقوله تعظيماً أو لتقدمه الواقع وآدم صلى الله عليه وسلم بين الماء والطين فلا ينافي تقديم نوح عليه الصلاة والسلام لتقدّمه في مقام آخر فإن لكل مقام مقالاً. قوله : ( عظيم الشأن ) يعني أن الغلظ استعارة للعظم أو للوثاقة على الوجه الثاني لأن الميثاق شبه بالحبل ، والغليظ منه أقوى من غيره وتأكيده
باليمين قسماً على الوفاء بما حملوا ، وقوله والتكرير أي ذكر الميثاق ثانياً ليوصف بقوله غليظاً الدال على عظمه ووثاقته ، وأورد عليه أن الوصف لا يستلزم تكراره إذ لو اقتصر على الثاني أو ذكر لأوّل منكراً موصوفا حصل المقصود ، وقيل المراد بالبيان ما كان على وجه التأكيد ، وقيل مجموع الميثاق الغليظ يمين فلا تكرار وكله تكلف بارد. قوله : ( أي فعلنا ذلك الخ ) قوله فعلنا تفسير لقوله أخذنا وهو يحتمل أن يكون هو المتعلق لكنه عبر عنه بمعناه ، ويحتمل أن يكون مقدّرا لكنه لكونه معنى أخذنا عبر فيه بضمير العظمة فيه ، ومن لم يدر مراده قال الأظهر أن يقول فعل الله ذلك ولا حاجة إلى التقدير مع صحة تعلقه بأخذنا واللام للعاقبة أو للتعليل ، وقوله عما قالوه وهو كلامهم الصادق في التبليغ فالصدق عليه بمعنى الكلام الصادق ، وقوله أو تصديقهم معطوف على ما في قوله عما الخ فالصدق بمعنى التصديق والضمير المضاف إليه للقوم وضمير إياهم للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهم الصادقون وعلى ما بعده الصادقون الأمم ، وقوله تبكيتا مفعول له لتعليل يسأل على الوجهين. قوله : ( عطف على أخذنا ) ولما كان أخذ ميثاق الأنبياء لا مناسبة له ظاهراً مع إعداد العذاب للكفار قال موجهاً له من حيث الخ يعني أن بعثة الرسل لما كان المقصود منها التبليغ للمؤمنين ليثابوا كان في قوّة أثاب المؤمنين فتظهر المناسبة المقتضية للعطف وهذا على الوجوه كلها في تفسير قوله ليسأل الخ وهو في غير الأوّل ظاهر واً مّا فيه فلان سؤال الأنبياء تبليغهم المقصود منه بيان من قبل من غيره ، فما قيل إنه على الأوّل معطوف على يسأل بتأويله بالمضارع لا يخفى ضعفه بل عدم صحته لأنه لا جامع بينهما فلا بدّ من الرجوع إليه ، وقيل إنّ الجملة حالية بتقدير قد أو هو من الاحتباك البديعي والتقدير ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعدّ لهم ثواباً عظيماً ويسأل الكافرين عن كذبهم ، وأعدّ لهم عذاباً أليما فحذف من كل منهما ما ثبت في الآخر وهو الاحتباك ، وقوله أو على ما الخ فالمعطوف عليه مقدر دل عليه ما قبله وعلى الأوّل تقدير فيه. قوله تعالى : ( { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ } الخ ) شروع في ذكر قصة الأحزاب وهي وقعة الخندق وكانت سنة أربع أو خمس من الهجرة ، وقوله إذ جأتكم بدل من نعمة الله أو ظرف لها وزهاء الشيء بضم الزاي المعجمة والمد ما هو قريب منه ، وقوله اثني عشر ألفاً وقع في نسخة نوعا أي صنفاً من الناس ، وقبيلة قبل والمراد بالنضير وهم قوم من اليهود بقية منهم لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أجلاهم(7/160)
ج7ص161
إلى الشام قبل ذلك ، والخندق
معرّب كنده وهو حفر حول المعسكر عميق ، وقد فعل برأي سلمان الفارسي رضي الله عنه ، وقوله على المدينة المراد على مكان قريب منها كما ذكره أهل السير ، وقوله لا حرب بينهم أي بالتقاء الصفوف أو باعتبار الأغلب فانّ عليا رضي الله عنه بارز رجلاً منهم. قوله : ( فأخصرتهم ) أي اكمتهم بالخصر بالخاء المعجمة والصاد والراء المهملتين وهو شدّة البرد قال المعري :
لو اختصرتم من الإحسان زرتكم والعذب يهجر للإفراط في الخصر
وفاعله ضمير الليلة أو الريح ، والثاني هو المناسب لقوله وسفت التراب بالسين المهملة والفاء أي رمته وقلعت خيامهم أي أطنابهم حتى وقعت ، وماجت بالجيم أي اضطربت وقوله فالنجاء النجاء بالنصب على المصدرية أي انجوا النجاء أي أسرعوا وجدوا في الهرب لتنجوا وتسلموا وقوله المحاربة أي قصدها أو فعلها في غير هذه الوقعة فلا ينافي ما مرّ. قوله : ( بدل من إذ جاءتكاً ) بدل كل من كل ، أو هو متعلق بتعملون أو بصيرا ، وقوله من أعلى الوادي فالإضافة إليهم لأدنى ملابسة ولم يعبر به لئلا يوصف الكفرة بانعلوّ فإنه أظهر فيه من الفوقية فلا غبار عليه ، ويحتمل أن يكون من فوق ومن أسفل كناية عن الإحاطة بالعلوّ فإنه أظهر فيه من الفوقية فلا غبار عليه ، ويحتمل أن يكون من فوق ومن أسفل كناية عن الإحاطة من جميع الجوانب ، وهذا بيان للواقع وبنو غطفان وقريش بدل من ضمير جاؤكم. قوله : ( مالت ا لأنه من الزيغ وهو الميل ومستوى نظرها اسم مكان أو مصدر واستواء النظر اعتداله على المعتاد فيه ، وحيرة مفعول له وشخوصاً بمعنى ارتفاع وامتداد ، وهو غير ملائم للزيغ ولذا قيل المراد لازمه وهو الدهشة. قوله : ( فإن الرئة الخ ) الروع بفتح الراء الخوف ، وقوله وهو أي الحنجرة وذكره باعتبار الخبر ، وقوله مدخل الطعام والشراب محل دخوله أو إدخاله وهو تفسير للحلقوم لكنه قيل إنه تبع فيه الزمخشري والمعروف إنه مجرى النفس ومجرى الطعام المريء بوزن أمير وهو
تحته ، وقيل إنه أطلقه عليه لمجاورته له تسمحا وفيه نظر. قوله : ( 1 لأنواع من الظن ) يعني أنه مصدر شامل للقليل والكثير ، وإنما يجمع للدلالة على تعدد أنواعه وظن مبتدأ خبره أنّ اللّه الخ أو ماض ، وهو مفعوله وانجاز وعده بنصرهم ، وقوله الثبت بفتح فسكون أو بضم مع فتح الباء المشدّدة جمع ثابت وباء القلوب يجوز فيها الحركات الثلاث والظاهر جرّه بالإضافة ، وقوله فخافوا الزلل أي أن تزل أقدامهم فلا يتحملون ما نزل بهم ، وقوله أو ممتحنهم أي مبتليهم فيظنون النصر تارة والامتحان أخرى أو بعضهم يظن هذا وبعضهم يظن ذاك ، وقوله ما حكى عنهم هو قولهم ما وعدنا الله الخ وأدرج المنافقين فيهم مع أن الخطاب للمؤمنين تكميلاَ للأنواع أو لأن المراد المؤمنون ظاهراً والأوّل أولى فلا بعد فيه كما قيل. قوله : ( والألف مزيدة في أمثاله ) أي فيه ، وفي أمثاله من المنصوب المعرّف بأل كالسبيلا والرسولا تشبيهاً لفواصل النثر بقوا في الشعر لكونها مقطعاً في إلحاق ألف الإطلاق به وقفاً ووصلاً لإجرائه مجراه وقد تسقط فيهما ، وهو القياس وقد قرئ بالوجوه الثلاثة. قوله تعالى : ( { هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ } ) هنالك ظرف مكان ويستعمل للزمان ، وقيل إنه مجاز وهو أنسب هنا ، وقوله اختبر المؤمنون أي اختبرهم الله والمعنى عاملهم معاملة المختبر لتبين حالهم فهو تمثيل كما سيأتي تحقيقه في سورة تبارك ، وقوله من شدة الفزع أو من كثرة الأعداء والقياس في زلزال الكسر واذ يقول عطف على إذ السابقة ، وقوله ضعف اعتقاد وهو ليس بنفاق بل هو لقرب عهدهم بالإسلام ونحوه كحداثة ، وقيل المراد بهم المنافقون أيضا والعطف لتغاير الوصف كقوله :
إلى الملك القرم وابن الهمام
وقوله المنافقين ورسوله تقية أو إطلاقه عليه في الحكاية لا في كلامهم ويشهد له ما ذكره المصنف عن معتب لا استهزاء لأنه لا يصح ذلك بالنسبة لغيرهم ، وقوله يتبرز أي يخرج من الخندق إلى البراز بفتح الباء ، وهو الأرض الخالية لأجل قضاء الحاجة والفرق بفتحتين أي
الخوف وضمير منهم للمنافقين أو للجميع ، وأوس بن قيظي بكسر الظاء المعجمة من رؤساء المنافقين وفارس والروم أي بلادهم مجازا أو بتقدير مضاف. قوله : ( اسم أرض ) وهو عليهما ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل أو التأنيث والنسبة فيهما على الحقيقة لا للمجاورة على الثاني كما قيل وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم تسمية المدينة يثرب وهو اللوم والتعيير ( وسماها طيبة وطابه ) كما رواه المحذّثون والكراهة(7/161)
ج7ص162
تنزيهية ، وقوله موضع قيام فهو اسم مكان ويجوز أن يكون مصدرا ميمياً ، والمعنى لا ينبغي أو لا يمكن لكم الإقامة ههنا ، وقوله فارجعوا الخ أي ليكون ذلك أسلم من القتل أو لاتخاذ يد عند حاضرهم ، وقوله أسلموه أي سلموا النبي صلى الله عليه وسلم لأعدائه أو اخذلوه واتركوه. قوله : ( أو لا مقام لكم بيثرب ) أي لا مقام لكم بعد اليوم بالمدينة أو نواحيها لغلبة الأعداء ، أو لأنه علم نفاقهم فخافوا من قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعد غلبته ، ويجوز أن يراد على هذا ليس لكم محل إقامة في الدنيا أصلاً وفيه مبالغة ، وقوله فارجعوا أي عن الإسلام وكفارا حال أو هو خبر وارجعوا بمعنى صيروا ، وجملة يقولون حال أو مستأنفة ، والضمير للفريق وهو تعليل للاستئذان أو تفسير له. قوله : ( وأصلها الخلل ) أي في البناء ونحوه بحيث يمكن دخول السارق فيها وهي في الأصل مصدر فوصف به مبالغة أو لتأويله بالوصف ، وقيل إنه لا ينافي المبالغة لأنّ ظاهره يكفي لقصد المبالغة لكن المبالغة لا تناسب قوله ، وما هي بعورة ولذا قصر بعضهم التأويل على الأوّل. قوله : ( ويجوز الخ ) على أن يكون صفة والتصحيح حينئذ خلاف القياس لأنّ القياس قلبها ألفاً كما قيل وردّ بأنه إنما يقتضي القياس القلب إذا قلب فعله وفعله لم يقلب حملا على اعورّ المشدد كما ذكره المعرب ، وقوله قرئ بها أي في الموضعين ، وهي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وهو صفة مشبهة وقوله دخلت المدينة أو بيوتهم تفسير للضمير المستتر. قوله : ( من أقطارها ) جمع قطر بمعنى الجانب قيل ولعل فائدته أن لا يخالف قوله وما هي بعورة فإن الدخول من عين أقطارها لا يقتضي الخلل
منها فإن لكل منها بابا ، وفي الكشاف من كل جوانبها وهو غير مناسب لذمّهم إذ مقامه يقتضي أنهم يرتدون بأدنى شيء ولو بلا فزع كامل ، وليس بشيء لأن الفزع الكامل يقتضي الغارة والعداوة التامّة فالمراد أنهم يطيعون من أمرهم بالكفر ولو كان أعدى أعدائهم ، وما في الكشاف هو بعينه ما ذكره المصنف رحمه الله والحاصل أن فرارهم لنفاقهم لا لخوفهم. قوله : ( وحذف الفاعل ) وهو الداخل عليهم وضمن الإيماء معنى الإشعار ، ولذا عداه بالباء والحكم المرتب عليه قوله سألوا الفتنة الخ ، وقوله لأعطوها تفسير له على قراءة المدّ فإن آتى بمعنى أعطى والظاهر أنه تمثيل بتشبيه الفتنة المطلوب اتباعهم فيها بأمر نفيس يطلب منهم بذله واطاعتهم ومتابعتهم بمنزلة بذل ما سألو. وإعطائه وفعلوها تفسير له على قراءة القصر ، ويحتمل أنه تفسير لهما فتأمّل. قوله : ( أو ب!عطائها ) وفي نسخة أي بدل أو يعني أن الضمير للفتنة دون تقدير فيه أو بتقدير مضاف يعلم مما قبله والقول بأنه على الأوّل راجع إلى الإعطاء المذكور حكما لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه تعسف وأمّا كون التلبث في الفتنة نفسها لا يكون فلا وجه له لأن لا مانع من حمله على المكث على الردّة ، وظاهره أن الباء ظرفية أو للملابسة أو سبية ويجوز أن يكون هذا وجه العطف بأو ، وفي الكشاف أن معناه ما ألبثوا إعطاءها على أن الباء للتعدية بتقدير المضاف فيه ، ويحتمل أن الضمير للمدينة أو بيوتها كما أشار إليه في الكشاف وأشار إلى ضعفه بتأخيره وتبعه المصنف رحمه الله لما فيه من تفكيك الضمائر ، ومن لم يتنبه له قال لو حملوه عليه كان أولى. قوله : ( ريثما السؤال والجواب ) أي بمقداره ، وفي نسخة يكون بعد ريثما وهي أصح قال المطرزي في شرح المقامات الريث في الأصل مصدر راث بمعنى أبطأ أجروه مجرى الظرف كمقدم الحاح قال أبو علي لإضافته إلى الفعل كقوله :
لا يمسك الخير إلا ريث يرسله
صار بمعنى حين وظاهره لزوم الفعل بعده وما زائدة فيه لوروده بدونها كثيراً ، وأكثر ما تستعمل مستثنى في كلام منفي ويجوز كونها مصدرية ، وقوله إلا يسيراً أي تلبثا يسيراً أو رّماناً يسيرا لأنّ الله يهلكهم أو يخرجهم بالمسلمين أو لتهالكهم على المسلمين يعني أن ارتدادهم للقرار في مساكنهم ولا يحصل لهم مرادهم. قوله : ( يعني بني حارثة الخ ) فهؤلاء هم الذين
طلبوا الرجوع ، وقيل المراد الأنصار مطلقاً وما عاهدوا عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ، وفشلوا بمعنى جبنوا فتركوا الحرب ، وقوله مسؤولاً عن الوفاء به يعني أنه على الحذف والإيصال وقد مرّ تحقيقه. قوله : ( فإنه لا بدّ لكل شخص! الخ ) قيل عليه المعنى لا ينفعكم نفعا دائما أو تامّا في دفع الأمرين المذكورين بالكلية إذ لا بدّ لكل شخص من حتف أنفه ، أو قتل في وقت معين لا لأنه سبق(7/162)
ج7ص163
به القضاء لأنه تابع للمقضي فلا يكون باعثاً عليه بل لأنه مقتضى ترتب الأسباب والمسببات بحسب العادة على مقتضى الحكمة فلا دلالة فيه على أن الفرار لا يغني شيئا حتى يشكل بالنهي عن الإلقاء للتهلكة ، وبالأمر بالفرار عن المضار ، وقوله واذا لا تمتعون إلا قليلا عن أنّ في الفرار نفعا في الجملة ورد بأن ما ذكره المصنف ظاهر على أن الأجل مطلقاً متعين لا يتغير لظاهر ما في الأحاديث كقوله : " لا ينفع حذر من قدر " وآجال مضروبة لا تؤخر ، ولا تعجل وعليه كثير والحق أن هذا حال المبرم في علمه تعالى لا للمكنون في اللوح لما في الأحاديث " من زيالة الصدقة ، وصلة الوحم " في العمر كما فصل في محله فالمعنى لن ينفع الفرار من الموت المبرم لسبق القضاء به سبقاً زمانيا لا ذاتياً حتى يقتضي سبقيته إذ ليس في كلامه ما يدل عليه ، فما زعمه من تبعية القضاء للمقضي لتبعيته للإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم ، وهو المقضي ومخالفته لما ذكر ودلالة ما بعده على ما ذكره كله في حيز المنع كما لا يخفى فتأمل ، وحتف الأنف الموت بدون قتل وجرى القلم القضاء الأزلي. قوله : ( وإق نفعكم الخ ) يعني أنه أمر فرضي تقديري ، وقوله إلا تمتيعاً الخ يعني أن قليلاً منصوب على المصدرية أو الظرفية لكونه صفة مصدر أو اسم زمان مقدّر ، وقوله يعصمكم بمعنى يمنعكم مما قضاه وقدره ، وقوله أو يصيبكم الخ دفع لأنّ العصمة والمنع من السوء فكيف عطف على ما بعده الرحمة بان فيه تقديرا كما بينه فحذف إيجازاً كما في قوله :
متقلدا يفاوشا
أي وحاملاً أو معتقلاَ لأنّ التقليد بحمائل السيف فلا يكون بالرمح وأوّله :
ورأيت زوجك في الوغى
متقلداً الخ وروي :
يا ليت ؤوجك قد غدا
وقوله أو حمل الثاني الخ فالمعنى من ذا الذي يمنعكم من الله ، وما قدر مان خيرا وان
شرّاً وهذا التوجيه جار في البيت أيضاً بل قيل إنه أظهر والآية نظير البيت في مجرّد التقدير بعد العاطف لا في عطف معمول مقدر على معمول مذكور. قوله تعالى : ( { وَلَا يَجِدُونَ لَهُم } الخ ) أي لأولى فيجدوه فهو كقوله :
ولا ترى الضب بها ينحجر
وهو معطوف على ما قبله بحسب المعنى فكأنه قيل لا عاصم لهم ولا ولي ولا نصير أو الجملة حالية ، وقد في قوله قد يعلم الله للتحقيق ، أو لتقليله باعتبار متعلقه وبالنسبة لغير معلوماته ، ومنكم بيان للمعوّقين لا صلته واليه أشار بقوله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله من ساكني المدينة وهم الأنصار بيان لأن الأخوّة بالصحبة والجوار. قوله : ( قرّيوا أنفسكم ) قال المصنف في الأنعام هلم يكون متعدّيا كقوله : { هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ } [ سورة الأنعام ، الآية : 150 ] ولازما كقوله هلم إلينا قيل وبينهما مخالفة فإنّ كلامه هنا يقتضي أنه متعد حذف مفعوله ، وما مرّ يقتضي أنه في هذه الآية لازم بمعنى أقبل والحوالة عليه تقتضي عدم المخالفة بينهما فإما أن يكون تفسير الحاصل المعنى فإن من أقبل إليك فقد قرب بعينه منك ، أو إشارة إلى أنه وان ورد متعديا ولازما يجوز اعتبار كل منهما في هذه الآية فحمله على ظاهره في الأنعام وجوّز هنا كونه متعدّيا. قوله : ( أو بأساً ) على أنه صفة مفعول مقدّر كما كان صفة المصدر أو الزمان ، والمراد بالبأس الحرب وأصل معناه الشدة وقوله : { فإنهم يعتذرون } بيان له على الوجوه الثلاثة لا على بعضها كما يتوهم ومعناه على الثالث يعتذون في البأس الكثير ولا يخرجون إلا في القليل ، وقوله أو يخرجون الخ وجه آخر فيكون يأتون البأس بمعنى يقاتلون مجازاً وعلى الأوّل هو على ظاهره ، وقيل إنه معطوف على يعتذرون فهو بيان لعدم إتيانهم ، وقوله ما قاتلوا إلا قليلا وقع في بعض النسخ وما بالواو وليس ذلك في النظم. قوله : ( وقيل إنه الخ ) هو على الوجه الأوّل حال من القائلين أو عطف بيان على قد يعلم وهو على هذا من مقول القول وهو ظاهر. قوله :
( بخلاء عليكم بالمعاونة الخ ) هو جمع بخيل كاشحة جمع شحيح يعني أنّ المراد عدم إرادتهم نصرة المؤمنين ومعاونتهم في الحرب وخالف فيه الزمخشريّ تبعا للواحدي ، والكواشي حيث فسبره بقوله أضناء بكم يترفرفون عليكم كما يفعل الرجل بالذاب عنه المناضل دونه عند الخوف وإنما عدل عنه لأنه معنى قوله : { فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ } [ سورة الأحزاب ، الآية : 9 ا ] الخ للتفرّع عليه وصاحب الكشاف جعله تفسيرا له وقد قيل إنه إنما اختاره ليطابق معنى ويقابل قوله بعده أشحة على الخير لأنّ الاستعمال يقتضيه فإن الشح على الشيء هو أن يريد بقاءه له كما في الصحاح ، وأشار إليه أضناء بكم وما ذكره غير لا يساعده الاستعمال قال وهو حقيق فإن سلم له ما ذكرمن الاستعمال كان متعيناً وإلا فلكل وجهة كما لا يخفى على(7/163)
ج7ص164
العارف باساليب الكلام وأما ما قيل من أن ما في الكشاف بعيد إلا أن يحمل فعلهم على الرياء فليس بشيء لأنّ فعلهم ذلك خوفاً على أنفسهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه لو لم يغلبوا لم يكن لهم من يمنع الأحزاب عنهم ، ولا من يحمي حوزتهم فلا حاجة إلى حمله على الرياء مع أنه لا يلائم كلامه ، وقوله أو النفقة وقع في نسخة عطفه بالواو وله وجه. قوله : ( جمع شحيح ) على غير القياس إذ قياس فعيل الوصف المضاعف عينه ولامه أن يجمع على أفعلاء كضنين وأضناء وقد سمع أشحاء أيضاً ، وقوله ونصبها أي أشحة وفيه وجوه أن ينصب بمقدّر على الذمّ أو على الحال من فاعل يأتون أو من ضمير هلم إلينا أو يعوّقون مضمرا أو من المعوّقين أو القائلين ورد هذان بأن فيهما الفصل بين أبعاض الصلة ، وفيه كما قيل إن الفاصل من متعلقات الصلة وإنما يظهر الردّ على كونه من المعوّقين لأنه عطف على الموصول قبل تمام صلته ، وقرأ ابن أبي عبلة أشحة بالرفع على أنه خبر مبتدأ مقدّر أي هم أشحة. قوله : ( في أحداقهم ) وفي نسخة باحداقهم والحدقة سواد العين فإن كانت الأحداق بفتح الهمزة جمع حدفة فالنسخة الثانية ظاهرة لأن الباء للتعدية والمعنى تدير أعينهم أحداقهم أو للمصاحبة ، وأما الأولى وهي المشهورة فقد أورد عليها أن الأحداق في العيون لا العكس والقلب غير مناسب هنا ، ولذا قيل إنه تحريف والعبارة كانت أي التفسيرية على أنه تفسير للعين بالحدقة ، ولو قرئ الأحداق بكسر الهمزة مصدر أحدق إليه إذا أحدّ النظر لم يرد عليه شيء لكن المشهور المتحديق حتى قال المطرزيّ قال الحجاح وقد ارتج عليه قد هالني كثرة رؤسكم وإحداقكم إليّ بأعينكم والصواب تحديقكم إليّ ، وقال ابن الجوزي في غلطاته إنها عامية ، وفي نظر لأن الحجاج فصيح يستدل بكلامه ، وقد ذكر الأحداق الراغب وصاحب القاموس مع أنه يكفي لمثله تداوله في الاستعمال. قوله : ( كنظر المغشي عليه الخ ) يعني أن قوله كالذي الخ صفة مصدر مع تقدير مضاف أو مضافين بعد الكاف أي نظروك نظراً
كنظر الذي يغشى عليه أو دوراناً كدوران عين الذي يغشى عليه ، وقدم الأوّل لموافقته لما صرّح به في سورة القتال ، وقوله أو مشبهين به أي هو حال من ضميرهم وما بعده على أنها حال من الأعين ، وقوله من معالجة سكرات الموت تفسير لقوله من الموت على أنه أطلق على مفدّماته أو إشارة إلى تقديره في النظم. قوله : ( خوفاً ولو أذابك ) تعليل لقوله ينظرون أو تدوروا اللواذ إلا لنجاء ومنه الملاذ للملجا ، وقوله ضربوكم أصل السلق بسط العضو ومده للقهر سواء كان يداً أو لساناً كما قاله الراغب فسلق اليد بالضرب وسلق اللسان بإعلان الطعن والذمّ ، ولذا قيل للخطيب مسلاق فتفسيره بالضرب مجاز كما يقال للذمّ طعن ، والحامل عليه توصيف الألسنة بقوله حداد ، ويجوز أن يشبه اللسان بالسيف على طريق الاستعارة المكنية ، ويثبت له الضرب تخييلاً وذربة بفتح فكسر للراء المخففة ، ثم موحدة بمعنى محدّدة مسنونة ، وقوله يطلبون الغنيمة تفسير للمراد من قوله سلقوكم وقوله على الحال أي من فاعل سلقوكم ، وقوله ويؤيده أي الذمّ لأنه خبر مبتدأ والجملة مستأنفة لا حالية كما هو كذلك على الذمّ وقوله مقيد من وجه يعني أنّ تغاير القيدين جعلهما متغايرين ، وفي نسخة مفيد بالفاء والمعنى واحد. قوله : ( إخلاصاً ) فسره به لأنهم منافقون باطناً مؤمنون ظاهرا ، وقوله فأظهر بطلانها لأنها باطلة قبل ذلك إذ صحتها مشروطة بالإيمان وهم مبطنون الكفر فقوله إذ لم تثبمض لهم أعمال مبالغة في عدم الاعتداد بها لكونها هباء منثورا ويصح أن يقرأ مجهولاً من أثبته أي لم يكتب لهم أعمال عند الله لأنها غير مقبولة والفاء لا تأباه وإنما لم يفسره به على الأوّل لأنّ هذا أبلغ ، وقوله أو أبطل الخ فالأعمال ما عملوه نفاقاً وتصنعاً وإن لم يكن عبادة والمقصود من قوله وكان ذلك على الله يسيرا التهديد والتخويف. قوله : ( وقد انهزموا ) حال من ضمير ينهزموا ، وقوله ففروا معطوف على قوله يظنون أي يحسبون ، وقد تبع فيه الزمخشريّ وفيه إشارة إلى أنّ في النظم مقدرا وهو قوله ففروا وقد ردّه الطيبي رحمه الله بأنه لم ينقل فرار أحد منهم في السير ولا في التفاسير فإمّا أن يكون ظفر برواية فيه أو أخذه من النظم كقوله والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا لدلالته على أنهم خارجون عن معسكره عليه الصلاة والسلام لحثهم لإخوانهم على اللحاق بهم ، وقوله ولو(7/164)
ج7ص165
كانوا فيكم الخ ، وقوله : { يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } [ سورة الأحزاب ،
الآية : 20 ] فإنه صريح في مفارقتهم للمؤمنين إلا أن يؤوّل قوله هلمّ إلينا بإلى رأينا أو مكاننا الذي في طرف لا يصل إليه السهم ، وأن يكون حسبانهم ليلاً أو لدهشتهم أو لظن حيلة منهم ونحوه ، وقوله لو كانوا فيكم على تحاد المكان ولو في الخندق أو يرأد بالمعوّقين قوم قعدوا بالمدينة ولم يخرجوا إلى الخندق ، وفسر يحسبون بيظنون وهو المشهور ومنهم من فرق بين الظن ، والحسبان وقد مرّ.
قوله : ( تمنوا ) يحتمل أنه معنى يودّوا ويحتمل أنه معنى لو لأنه قيل إنها للتمني وان ورد
على الأوّل وقوع خبر أنّ يعد لو غير فعل ، وعلى الثاني إنه يتكرّر مع يودّ وجوابه وتفصيله مبين في العربية ، وقوله يسألون حال من ضمير بادون ، وقوله هذه الكرّة أي المفروضة بقوله وإن يأت الأحزاب أو الكرّة الأولى السابقة ويؤيده قوله ولم يرجعوا إلى المدينة فمعنى وكان قتال أي محاربة بالسيوف ومبارزة الصفوف. قوله : ( خصلة حسنة الخ ) يؤتسى بمعنى يقتدي ، وقوله أو هو في نفسخ الخ فهو على هذا تجريد كلقيت منه أسدا والتجريد كما يكون بمعنى من يكون بمعنى في كقوله :
وفي الله لم يعدلوا حكم عدل
ومعناه أن ينتزع من ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة في الاتصاف ، وكذا المثال الذي ذكره ، والمراد بالبيضة بيضة الحديد وهي الكرة أوما يوضع على الرأس وهو المغفر والمن بتشديد النون وزن معروف وحديد بدل منه وفي نسخة منا بالقصر والتخفيف والإضافة وهو لغة فيه بمعنى المن أيضا وليست في فيه زائدة كما توهم. قوله : ( أي ثواب الله الخ ) إشارة إلى تقدير مضاف فيه لأنّ الرجاء يتعلق بالمعاني والرجاء في هذا بمعنى الأمل ، واليوم الآخر يوم القيامة وقوله أو أيام الله بتقدير أيام بقرينة المعطوف ، وأيام اللّه وقائعه فإنّ اليوم يطلق على ما يقع فيه من الحروب والحوادث واشتهر في هذا حتى صار بمنزلة الحقيقة وقوله خصوصاً إشارة إلى أنه من عطف الخاص على العامّ لأن اليوم الآخر من أيام الله إن لم يخص بما في الدنيا ويراد باليوم الآخر يوم القيامة ، والرجاء على هذا بمعنى الخوف أو بمعنى الأمل إن أريد ما فيها من النصر والثواب. قوله : ( هو كقولك أرجو رّيدا وفضله ) وأعجبني زيد وكرمه مما يكون ذكر
المعطوف عليه توطئة للمعطوف ، وهو المقصود وفيه من الحسن والبلاغة ما ليس في قولك أعجبني زيد كرمه على البدلية ، ولما كان هذا إذا كان المعطوف صفة للأوّل أو بمنزلتها في التعلق به وهذا بحسب الظاهر ليس كذلك أشار إلى الجواب عنه بقوله فانّ اليوم الآخر الخ يعني أنه في معنى يوم اللّه لشدّة اختصاص ذلك اليوم به من بين أيامه بحسب نفوذ حكمه فيه ظاهراً وباطنا من غير احتمال أن يكون لغيره فيه حكم كما في قوله : { لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } [ سورة غافر ، الآية : 6 ا ] فتعلقه به لشدة ظهوره مغن عن إضافته لضميره على ما عرف في أشباهه من هذا الباب ، وفي نسخة داخل فيها أي في جملة أيامه فهذا مغن أيضا عن إضافته لضميره فإنه غير لازم فيه. قوله : ( والرجاء الخ ) أي فيحمل على كل فيما يناسبه كما مرّ أو عليهما معا إذا احتمل المقام لأنّ المصنف رحمه الله شافعيّ قائل باستعمال اللفظ المشترك في معنييه أو في حقيقته ومجازه معاً. قوله : ( صلة لحسنة ) أي متعلق بها أو صفة لها لوقوعه بعد النكرة ، وقوله وقيل بدل مرضه لقوله واكثر الخ يعني أن تجويزه مخصوص بضمير الغائب كما صرّحوا به وببدل الكل ففي كلامه تسامح ، وقد أجازه الكوفيون والأخفش وقد قيل إنه بدل بعض على أنّ الخطاب عامّ ويحتاج إلى تقدير منكم وهو مخالف للظاهر من أنّ المخاطبين هنا المخاطبون قبله بأنبائكم ونحوه وهم خلص المؤمنين وهذا بناء على أنّ المبدل منه الضمير والمبدل من وأعيد العامل للتأكيد كما مرّ تفصيله فما قيل عليه من أنه بإعادة الجار وعدم جوازه غير مصرّج به غير وارد عليه وهذا مخالف لقوله في سورة الممتحنة. قوله : ( أبدل قوله لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } [ سورة الممتحنة ] من لكم لمزيد الحث على التأسي لكنه جرى هنا على قول وثمة على آخر. قوله : ( وقرن بالرجاء الخ ) المقارنة من الواو لأنها للجمع المطلق ، وتوله فانّ المؤتسى أي المقتدى تعليل لا يراد الرجاء والذكر هنا فالمعنى حصل لكم أسوة به صلى الله عليه وسلم ولا ينافيه قوله من حقها ثمة كما لا يخفى مع أنّ المراد ياتسي بها كل أحد فتأمّل. قوله تعالى : ( { قَالُوا هَذَا } ) أي الخطب أو البلاء وما موصولة عائدها محذوف ، وهو المفعول الثاني لوعد أي وعدناه أو مصدرية ، وقوله : { أَمْ حَسِبْتُمْ } [ سورة البفرة ، الآية : 214 ] الآية مرّ تفسيرها في أواخر البقرة وقوله إنهم أي(7/165)
ج7ص166
الأحزاب وهذا لم يوجد في كتب الحديث كما ذكر. ابن حجر ، وقوله تسع أو عشر أي تسع ليال من غرّة الشهر أو من وقت إخباره صلى الله عليه وسلم وهذا من الحديث ويحتمل أنه من كلام الراوي ، وقوله بكسر الراء أراد إمالتها نحو الكسرة فتسمح والمراد بفتح
الهمزة عدم إمالتها وقد روي إمالتهما وامالة الهمزة دون الراء على تفصيل فيه في النشر فلينظر فيه ، وفي راويه. قوله : ( وظهر صدق خبر الله الخ ) إنما أوّله بالظهور لأنّ صدقهما محقق قبل ذلك والمترتب على رؤية الأحزاب ظهوره سواء عطفت الجملة على مقول القول أو على صلة الموصول أو جعلت حالاً بتقدير قد ، وقوله واظهار الاسم أي الله ورسوله مع سبقهما لما ذكر ولأنه لو أضمر قيل وصدقا والجمع بين الله وغيره في ضمير واحد الأولى تركه ، ولو قيل صدق هو ورسوله بقي الإظهار في مقام الإضمار فلا يندفع السؤال كما قيل ، وقد مرّ تفصيله وماله وعليه في الكهف. قوله : ( فيه ضمير لما رأوا ) أي في زادهم ضمير مستتر يعود لما رأوا المفهوم من قوله : { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ } الخ وما تحتمل الموصولية أو المصدوية ، ولم يذكر مصدر رأي المفهوم منه إشارة إلى وجه تذكيره وأما تذكير اسم الإشارة فلتذكير خبره ويجوز رجوعه إلى الوعد ، والخطب والبلاء مفهومان من السياق أو الإشارة. قوله : ( من الثبات الخ ) خص ما ذكر لأنه المقصود هنا بقرينة ما ورد في سبب النزول فلا يقال عليه الظاهر التعميم ، ولو عمم لصح ويدخل فيه ما ذكر دخولاً أوليا ، وقوله فإنّ المعاهد الخ إشارة إلى ما فصله الزمخشريّ ، من أنّ تعديه إلى ما عاهدوا إمّا على نزع الخافض ، وهو في والمفعول محذوف والأصل صدقوا اللّه فيما عاهدوه أو يجعل ما عاهدوا عليه بمنزلة شخص معاهد على طريق الاستعارة المكنية ، وجعله مصدورا يحتفل أو على الإسناد المجازيّ. قوله : ( نذره ) أصل معنى النحب النذر وقضاؤه الوفاء به ، وقد كان رجال من الصحابة رضي الله عنهم نذروا أنهم إذا شهدوا معه صلى الله عليه وسلم حربا قاتلوا حتى يستشهدوا وقد استعير قضاء النحب للموت لأنه لكونه لا بدّ منه مشبه بالنذر الذي يجب الوفاء به ، فيجوز أن يكون هنا حقيقة واستعارة مع المشاكلة فيه ، وقوله في رقبة كل حيوان مبالغة في لزوم الوفاء بالنذر ، ولو كان الناذر ليس بإنسان والا كان
الظاهر كل إنسان. قوله : ( استعير للموت ) ظاهره أنّ النحب وحده مستعار استعارة تصريحية فيكون القضاء ترشيحاً وهو محتمل للتمثيل فإن أراد استعارته بعد هذا أو في هذا المحل فظاهر وإن أراد استعارته هنا فقد أورد عليه أمور منها أنه فسر المعاهد عليه ، وهو المنذور بالثبات والمقاتلة وهذا يخالفه ومنها أنه إذا صح الحمل على الحقيقة لا يتأتى المجاز ومنها أنّ قوله ومنهم من ينتظر لا يلائم تفسيره ، فإنهم وفوا نذرهم بالثبات ، والجواب عنه أن يحمل قولهم في النذر بالقتال حتى يستشهدوا على الثبات التامّ لأنّ الشهادة ليست في أيديهم والموت لا يصح نذره ، وهذا المجاز مجاز مشهور فيجوز الحمل عليه ، وإن أمكنه الحقيقة بل ربما يرجح عليها وإنّ قوله ومنهم من ينتظر بالنظر إلى حرب آخر أو إلى من لم يشهد الحرب منهم. قوله : ( شيئاً من التبديل ) إشارة إلى أنّ المصدر صرّح به ليفيد العموم ، وقوله روي أنّ طلحة الخ هو حديث صحيح رواه الترمذيّ وغيره عن الزبير رضي الله عنه مرفوعاً ، وقوله أوجب طلحة أي استحق الجنة استحقاقا كالواجب على الله بمقتضى وعده وفضله وأصله أوجب الجنة لنفسه على الله ، وفي النهاية يقال أوجب الرجل إذا فعل فعلاً وجبت له به الجنة. قوله : ( وفيه تعريض الخ ) يعني أنه كناية تعريضية تفهم من تخصيصهم به أي ما بدلوا كغيرهم من المنافقين والمراد بالتبديل نقض المعهد ، وقوله بالتبديل متعلق بالتعريض. قوله : ( تعليل للمنطوق والمعرضر به ) لما جعل قوله وما بدلوا الخ تعريضاً للمبدلين من أهل النفاق صار المعنى وما بدلوا كما يدل المنافقون فقوله ليجزي ، ويعذب متعلق بالمنفيّ والمثبت على اللف والنشر التقديريّ ، وجعل تبديلهم علة للتعذيب على المجاز لكن التعليل في المنطوق ظاهر وهو على الحقيقة ، وأمّا في المعرّض به فلتشبيه المنافقين بالقاصدين لعاقبة السوء على نهج الاستعارة المكنية كما أشار إليه
بقوله وكأنّ الخ والقرينة إثبات معنى لتعلل فهي على الحقيقة لا جمع بين الحقيقة والمجاز عند غير السكاكي كما قيل فتأمّل قيل ولا يبعد جعل ليجزي ، الخ تعليلا للمنطوق المقيد بالمعرض به كأنه قيل ما بدلوا كغيرهم(7/166)
ج7ص167
ليجزيهم بصدقهم ويعذب غيرهم إن لم يتب وأنه يظهر بحسن صنيعهم قبح غيره :
وبضدّها تتبين الأشياء
فلا حاجة إلى ارتكاب التجوّز كما ارتكبه المصنف أو الحذف كما ارتكبه القائل إنه فذلكة مستأنفة لبيان الداعي لوقوع ما حكى من الأحوال والأقوال تفصيلاَ ، وغاية له كأنه قيل وقع ما وقع ليجزي الصادقين بصدقهم والوفاء قولاً وفعلاَ ، وليعذب المنافقين بما صدر عنهم من الأعمال والأحوال المحكية الخ ، وقوله قولاً وفعلا نشر للصدق والوفاء فالوفاء في الفعل كالصدق في القول ففي قوله بصدقهم اكتفاء ، ولم يقل في المنافقين بنفاقهم لقوله أو يتوب الخ فإنه يستدعي فعلاً خاصاً بهم ، ولم يقل ليثيب كمقابله إشارة إلى أنّ الثواب مقصود بالذات ، والعذاب بالعرض وهو السرّ في تخصيص! المشبه بجانب التعذيب. قوله : ( والتوبة عليهم الخ ) يعني أنّ التوبة المسندة إليه تعالى بمعنى قبول توبة العباد إن تابوا ، وحذف الشرط لظهور استلزام المذكور له فتكون متأخرة عن توبتهم ، أو هي مجاز عن توفيقهم للتوبة فتكون متقدمة وكلا المعنيين وارد كما في القاموص ، وقوله يعني الأحزاب من المشركين واليهود ولا يأباه كون مساكن اليهود حول المدينة كما توهم لردّهم من محل تحزبهم إلى مساكنهم ، وقوله مغيظين وفي نسخة متغيظين وهو إشارة إلى أنّ الجار والمجرور حال والباء فيه للمصاحبة. قوله : ( بتداخل ) بأن تكون الجملة حالاً من ضمير غيظهم والتعاقب على أنهما حالان من ضمير كفروا وقد جوّز في هذه الجملة أن تكون مستأنفة لبيان سبب غيظهم أو بدلاً وهو مراد الزمخشريّ بالبيان كما صرّحوا به نلا نظر فيه ، وقوله وكفى الله الخ في المغني كفى بمعنى اكتف فتزاد الباء في فاعله نحو كفى بالله شهيدا وبمعنى أغنى فيتعدى لواحد كقوله قليل منك يكفيني ، وزيادة الباء في مفعوله قليل ككفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع وبمعنى وقي فيتعدى لاثنين كقوله : { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ } [ سورة البقرة ، الآية : 137 ] ومنه هذه الآية وتفسيرها بأغنى على الحذف والإيصال لا وجه له. قوله : ( ما يتحصن به ) يعني القلاع والحصون ويقال بمعنى وتفسيرها بأغنى على الحذف والإيصال لا وجه له. قوله. ( ما ينحصن به ) يعني القلاع
والحصون ويقال بمعنى يطلق على ما حمر لكونها مما يحتمى به ويمتنع وشوكة الديك ما في رجله كالمخلب ، وقوله قرئ بالضم أي ضمّ العين اتباعاً وهي مروية عن ابن عامر رحمه الله والكسائيّ ، وأمّ ضمّ سين تأسرون فعن أبي حيوة وهي شاذة والمتواتر فيها الكسر. قوله تعالى : ( { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ } الخ ) جملة مستأنفة ، وغير نظمها لما فيه من شبه الجمع والتفريق البديعي ، وما قيل إنه للدلالة على الانحصار في ا الفريقين فيه نظر ، وقوله : " صبيحة الليلة " صريح في وقوع غزوة بني قريظة والخندق في منة واحدة لكن النووي قال إنّ الأولى في الخامسة والثانية في الرابعة وما ذكره المصنف رحمه الله موافق لما ني صحيح البخاريّ ، ولأمتك بالهمزة بعد اللام وتبدل الفاء بمعنى درعك ونزعها ترك لبسها ، وقوله جهدهم الحصار رأى شق عليهم المحاصرة ، وقوله تنزلون على حكمي أي تنزلون من الحصن وأنتم راضون بحكمي ، وقوله فرضوا به أي بحكم سعد رضي الله عته ، وتكبيره صلى الله عليه وسلم فرحا وتعجباً من موافقة حكمه لما حكم به الله ، وقد كان أعلمه جبريل عليه الصلاة والسلام به كما ذكره في الكشاف ، وقوله سبعة أرقعة جمع رقيع وهي السماء مطلقاً أو سماء الدنيا والمراد سبع سموات حقيقة أو تغليباً ، وقوله سبعة لتأويل السماء بالسقف وكون حكم الله من فوقها إما باعتبار اللوح المحفوظ كما قيل أو باعتبار نزول الملائكة بالوحي منه. قوله : ( فتكلم فيه الأنصار ) أي طلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يشركهم معهم ، وقوله فقال : " إنكم في منازلكم " أي أنتم الآن في دياركم غير محتاجين لهذا كالمهاجرين فإنهم غرباء وليس معناه إنكم ما حضرتم الوقعة والغنيمة لمن شهدها كما توهم ،
وقد كان ذلك فيئاً غنيمة فمحله أهل الحاجة ، وقوله طعمة بضم فسكون أي هو رزق خاص به صلى الله عليه وسلم لأنه صفيّ أو فيء فلذا لم يعط منه الأنصار ، وقوله وقيل خيبر قيل إنه أنسب وقوله وقيل كل أرض تفتح الخ فالخطاب لا يخص بالحاضرين. قوله : إ فتعالين ) أصل تعال أمر بالصعود لمكان عال ، ثم غلب في الأمر بالمجيء مطلقا والمراد به هنا الإرادة وذكر زينة الدنيا تخصيص بعد تعميم ، وقوله أعطيكن المتعة الخ المتعة ما يعطى للمطلقة من درع وخمار وملحقة على حسب السعة والإقتار وتفصيله في الفروع ، وقوله طلاقا من غير ضرار تفسير للتسريح الجميل ، وهو في الأصل(7/167)
ج7ص168
مطلق الإرسال ، ثم كني به عن الطلاق فموجبه كالتخيير البينونة لأنه حكم الكناية عندنا ، وعند الشافعيّ كما ذكره المصنف الطلاق ، ولو كان رجعيا وقد اتفق المفسررن هنا على تفسيره به ، والبدعة بمعنى الطلاق البدعي المعروف عند الفقهاء ، وقوله لا يحل لك النساء أي الزيادة على عدتهن بعدما كان مرخصا له فيه إحسانا من الله لما اخترن رسوله صلى الله عليه وسلم. قوله : ( يدل على أن المخيرة الخ ) يعني أنّ التعليق للتسريح بمعنى الطلاق بإرادتهن للدنيا وزينتها الواقع في مقابلة إرادة الرسول صلى الله عليه وسلم دل على أنه مع الإرادة الثانية لا يقع الطلاق ، والا لم يقع القسم موقعه كما لا يخفى وما ذكره المصنف مبني على مذهبه من أنه طلاق رجعي كما في شرح الرافعيّ ، فما قيل من إنه دليل على أنه لا تقع البينونة وأما إنه لا يقع الطلاق أصلاً فلا دلالة له عليه إلزام له بما لا يلتزمه وكأنه غفلة عن مذهبه نعم هو عندنا يدل على نفي البينونة ، ونفي الرجعة معلوم من شيء آخر مثبت عندنا وبدؤه كح! بعائشة رضي الله عنها لأنها أحب إليه وأكمل عقلاً ( بقي هنا بحث ) أورده بعض المتأخرين على استدلال فقهاء المذاهب على هذه المسألة بهذه الآية ، وهو أنّ تخييره صلى الله عليه وسلم لم يكن من التخيير الذي الكلام فيه ، وهو أن توقم الطلاق على نفسها بل على إنها إن اختارت نفسها طلقها صلى الله عليه وسلم لقوله : " أسرّحكن " ففي الاستدلال بها وفيما ذكر من النقل نظر ، والذي خطر ببالي إذ رأيت كبار أرباب المذاهب استدلوا بهذه الآية على ما ذكر أنه ليس مرادهم أنّ ما فيها هو المسألة المذكورة في الفروع إذ ليس في الآية
ج 7 / م اسلأ
ذكر الاختيار المضاف لنفسها بل المراد أنه إذا كانت الإرادة المخير فيها هنا للطلاق وعدمه كما شهدت به الآثار لا للدنيا والآخرة كما فسره به بعض السلف لزم ما ذكر لأنّ القائل بأنّ اختيارها لزوجها طلاق جعل قوله اختاري كناية وقع بها لطلاق ، وقوله أسرّحكن أي أطلقكن المرتب على اختيار غيره إمّا أن يراد به طلاق باختيار غيه كنفسها فتخصيصه به يقتضي أنه لا يقع باختيار. فإن أريد به طلاق أوقع بعده لأنه لم يقع به اقتضى ما ذكرناه بالطريق الأولى فتأمّل. قوله : ( خلافاً لزيد الخ ) فإنّ قوله اختاري كناية عندهم عن الطلاق فيقع ، وان اختارت الزوج وقوله وتقديم التمتيع أي مع أنه يكون بعد الطلاق لتسببه عنه ليذكر إعطاء لهن قبل الطلاق الموحش لهن ، ولأنه مناسب لما قبله من الدنيا ، وقوله وقيل لأنّ الفرقة الخ يعني أن قوله إن كنتن تردن الحياة الدنيا هو الذي علق عليه الطلاق كأنه قيل إن اخترتن الدنيا فأنتن طوالق كما إذا علق الطلاق على الاختيار بقوله إن اخترت نفسك فأنت طالق فإرادة الدنيا لكونه المعلق عليه بمنزلة الطلاق وذكر المتعة في محله والسراج ليس بمعنى الطلاق بل الإخراح من البيوت بعده وهذا أيضا مما فسرت به الآية كما ذكره الرازي في الأحكام وقوله فإنه أي الاختيار ، وفي نسخة فإنها أي الفرقة تعليل لكون الاختيار كالطلاق المعلق ، وقوله واختلف في وجوبه أي المتعة وذكره لتأويله بما يعطي ونحوه كالتمتيع وليس في النظم ما يدل على وجوبه كما تمسك به القائل بالوجوب وهي عندنا مستحبة للمدخول بها واجبة في غيرها على تفصيل فيه كما عرف في الفروع وتنكير أجراً للتكثير لا للتعظيم لإفادة الوصل له ودونه بمعنى عنده ، وقوله ومن للتبيين قيل ويجوز فيه التبعيض على أنّ المحسنات المختارات لله ورسوله وغنى واختيار الجميع لم يعلم وقت النزول ، وهو بعيد. قوله : ( ظاهر قبحها ) تفسير له على فتح الياء وقد تقدم تفسيره في سورة النساء ، وقوله فضل المذنب وهن أفضل من غيرهن والنعمة عليهن برسول
الله صلى الله عليه وسلم في الدارين من أعظم النعم ، وقوله لا يمنعه عن التضعيف الخ لأنّ عدّه يسيرا عليه تهديد كما مرّ قريبا ، وقوله من يدم على الطاعة لأنّ أحد معاني القنوت الدوام على الطاعة ، وله معان عشرة ليس هذا محلها. قوله : ( ولعل ذكر الله للتعظيم لقوله الخ ) أي لأنّ قوله وتعمل الخ مدلوله طاعة الله والأصل في العطف المغايرة فذكر الله إنما هو لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بجعل طاعته غير منفكة عن طاعة الله ، وفي بعض النسخ أو لقوله وهو من زيادة الناسخ إذ لا معنى لها ولو فسر القنوت بالخشوع خلا من التكرار أيضاً ، وقوله أيضا أي كما قرأ به يقنت وقوله ويؤتها أي قرئ يؤتها بالياء التحتية على أنّ فيه ضميراً مستترا لله ، وقوله زيادة على أجرها الذي كان مرّتين(7/168)
ج7ص169
وهذا تفسير لكريماً لأنّ معناه الكثير الخير والنفع. قوله : ( أصل أحد وحد بمعنى الواخد ثم وضع في النفي العام الخ ) قيل عليه الموضوع في النفي العام همزته أصلية غير منقلبة عن الواو كما نص عليه النحاة ، وأجيب بأنّ المذكور في النحو إنّ ما همزته أصلية يختص بالنفي ولا يمنعون اسنعمال ما همزته واو في النفي أيضاً وتعقب بأنّ السؤال عن وجه جعل همزته منقلبة باق مع أنّ الذي همزته غير منقلبة هو المختص بالعقلاء ، والمشهور باستواء الواحد والكثير فيه وهو أنسب هنا على ما ذكره من المعنى ، وقيل أيضا كيف يتأتى الجواب المذكور أوّلاً وهو معنى آخر إلا أن يستعمل لمعنى آخر غير النفي العام ، وقد قاك أبو علي همزة أحد المستعمل في النفي للاستغراق أصلية لا بدل من الواو فالأولى أن يقال ه ، ذكر قول لبعض النحاة ، وقد قال الرضى إنّ همزته في كل مكان بدل من الواو وكل هذا لاث. ي الغليل كما قاله القرافي في كتابه المسمى بالعقد المنظوم في ألفاظ العموم يستشكلون هذا بأن اللفظين صورتهما واحدة ومعنى الوحدة يتناولهما والواو فيها أصلية فيلزم قطعا انقلاب ألفه عنها وجعل أحدهما منقلبا دون الآخر تحكم ، وقد أشكل هذا على كثير من الفضلاء حتى أطلعني الله على جوابه ، وهو أنّ أحداً الذي لا يستعمل إلا في النفي معناه إنسان بإجماع أهل اللغة وأحد الذي يستعمل في الإثبات معناه الفرد من العدد فإذا تغاير مسماهما تغاير اشتقاقهما لأنه لا بد فيه من المناسبة بين اللفظ ، والمعنى ولا يكفي فيه أحدهما فإذا كان المقصود به الإنسان فهو الذي لا يستعمل إلا في النفي وهمزته أصلية وان قصد به العدد ونصف الاثنين فهو الصالح للإثبات والنفي وألفه منقلبة عن واو ا هـ ، إذا عرفت هذا فما وقع للمصنف تبعاً للزمخشري هنا ليس كما ينبغي فإنه على تسليم الفرق المذكور ينبغي أن تكون الهمزة هنا أصلية كما قاله أبو حيان رحمه الله
وجواب الطيبي لا يجدي نفعا وكل ما ذكر بعده خبط عشواء فتأمّل. قوله : ( والمعنى لستن كجماعة واحدة الخ ) في الانتصاف أراد المطابقة بين المتفاضلين فإنّ نساء النبي جماعة ولو حمل على الواحدة كان أبلغ أي ليست واحدة منكن كواحدة من آحاد النساء فيلزم تفضيل الجماعة على الجماعة دون عكس ، ورد بأنه لا شك أن اسم ليس ضمير الجماعة وقد حمل عليه كأحد وبين بقوله من النساء وتعريفه للجنس فيجب حمل أحد بمقتضى السياق على الجماعة كقوله فما منكم من أحد عنه حاجزين ، ولو حمل على الواحد لزم التفضيل بحسب الوحدات ويرجع المعنى إلى تفضيل كلهن على واحدة واحدة من النساء ولا ارتياب في بطلانه أمّا تأويله بليست واحدة منكن فخلاف الظاهر وأمّا قوله يلزم الخ فجوابه أنّ تفضيل كل واحدة منهن يعلم من دليل آخر كقوله : { وأزّواجه أمّهاتكم } [ سورة الأحزاب ، الآية : 60 ] ونحوه فما قيل على هذا يكون الأحد بمعنى الواحد لا موضوعا في النفي العام ، والأولى أن يفسر بجماعة واحدة كانت أو أكثر ليعمّ النفي ، ويناسب مقام تفضيلهن ، ثم هذا يفيد بحسب عرف الاستعمال تفضيل كل منها على سائر النساء لأنّ فضلها يكون عالياً لفضل كل منها فلا حاجة إلى تقدير ليست إحداكن كامرأة لأنه خلاف الظاهر ، أو يقال المقصود تفضيل الجماعة لا كل منها إذ لا شك أنّ بعضهن ليست بأفضل من فاطمة رضي اللّه عنها فليس التقدير أولى كما توهم ، ا هـ ليس بصحيح أوّله لأنه شامل للقليل والكثير فلا يكون بمعنى الواحد نعم ما ذكره بعده كلام حسن فتأمّله ، وقد اغتر بعضهم بما في الانتصاف فقال ما قال. قوله : ( مخالفة حكم اللّه ورضا رسوله ( صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنه من التقوى بمعناها المعروف في لسان الشرع وجعله بمعنى استقبلتن الرجال ، وان كان صحيحاً لغة وقد ورد بمعنى الاستقبال في القرآن كثيراً كقوله : { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ } [ سورة الزمر ، الآية : 24 ] كما أشار إليه الراغب لا يتأتى هنا لأنه لا يستعمل في مثله إلا مع المتعلق الذي يحصل به الوقاية كقوله بوجهه في الآية وباليد في قول النابغة : فتناولته واتقينا باليد
ليكون قرينة على إرادة غير المعنى الشرعي ، فالقول بأنه غير معروف في اللغة فلا يناسب الفصاحة خطأ ، وأمّا تمسك من فسره به هنا بأنه أبلغ في المدح لأنهن متقيات فليس بشيء لأن المراد دوامهن على التقوى مع أنّ المقصود به التهييج بجعل طلب الدنيا ، والميل إلى ما تميل إليه النساء لبعده من مقامهن بمنزلة الخروج من التقوى. قوله : ( مثل قول المريبات ( أي الموقعات في الريب في طهارتهن ، وهذا هو الصحيح ووقع في بعض النسخ المزينات أي الزانيات(7/169)
ج7ص170
بالمعجمة والأولى أولى ، وقوله فجور أي نية فجور واضماره ، وقوله عقيب نهيهن
مأخوذ من الفاء وهو إشارة إلى أنه لتعقيب النهي لا المنهي ، والعين على قراءة الجزم مكسورة لالتقاء الساكنين ، وقوله بعيدا عن الريبة تفسير لقوله حسناً.
قوله : ( من وقر يقر وقارا ) إذا سكن ، وقيل إنه من وقرت أوقر وقراً إذا جلست كذا في مفردات الراغب والمعنى عليهما لا تخرجن من البيوت ، ولا تتبرجن وأصله أو قرن ولا خلط في كلامه كما توهم. قوله : ( أو من قر يقرّ المضاعف ( وهو من باب ضرب وعلى ما بعده من باب علم وعلى الأخير هو أجوف ومعنى قار اجتمع ومته القارة اسم قبيلة وهو على قراءة الفتح كخفن ، ومعناه أجمعن أنفسكن في البيوت وحذف الأولى من الراءين ، وقيل المحذوف الثانية إمّا ابتداء لكراهة التضعيف أو بعد قلبها ياء ، ونقل الكسرة إلى ما قبلها. قوله : ( ويؤيده الخ ( إذ لا يحتمل المعتل حينئذ لكنه قيل عليه انّ مجيئه من باب علم لغة قليلة أنكرها المازني ، وأمّا كون التضعيف لا يجوّز الحذف بدون الكسر فقياس الزمخشري له على ظل غير سديد فغير مسلم. قوله : ( ولا تتبختزن ) هو منقول عن قتادة ومجاهد وقد فسر أيضا بلا تظهرن الزينة وتقدم تفصيله ، وقوله مثل تبرج النساء الخ إشارة إلى أنّ المصدر تشبيهيّ مثل له صوت صوت حمار ، وبيان لحاصل المعنى ، وقيل إنه لبيان أنّ فيه إضمار مضافين أي تبرح نساء أيام الجاهلية ، وأن إضافة النساء على معنى في ، وقوله وقيل الخ عطفه لأنّ ما قبله تفسير لها بالقديمة مطلقا من غير تعيين كما في هذا فلا يقال إنّ الظاهر ترك الواو ، وما بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام قيل إنه ثمانمائة سنة والنساء فيه قباج والرجال حسان فلذا كانت تدعوهن لأنفسهن ، وقوله كانت المرأة هو على الأخير كما في الكشاف لا عليهما كما قيل. قوله : ( جاهلية الكفر ) هي ما كان قبل ظهور الإسلام من التكبر والتجبر والتفاخر بالدنيا ، وكثرة البغايا وقوله ويعضده أي يقوّي إطلاقه على الفسق في الإسلام ، والمعنى نهيهن عن التشبه بأهل جاهلية الكفر وقوله لأبي
الدرداء تبع فيه الزمخشريّ ، وهو غلط كما قاله العراقي وغيره وإنما هو أبو ذرّ رضي الله عنهما كما في الصحيحين وليس في الحديث جاهلية الكفر ، وكان شاتم رجلاً أمّه أعجمية فعيره بها فشكاه للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقوله تعالى : { أَقِمْنَ الصَّلَاةَ } [ سورة الأحزاب ، الآية : 33 ] الخ خصهما لأنهما أساس العبادات البدنية والمالية كما مرّ. قوله : ( الذنب المدنس لعرضكم ) إشارة إلى أنّ أصل الرجس ما يدنس من المستقدرات استعير للإثم كما استعير الطهر لضده ، ولذا يقال هو نقي العرض كما سيأتي ، وقوله وهو تعليل الخ أي جملة مستأنفة في جواب سؤال مقدر فيفيد التعليل ، وقوله ولذلك أي ولكون المقصود تعليل أمره ونهيه بإرادة تطهيرهم من الذنوب عمم الحكم بقوله أطعن الرسول على ما فسره به بعد تخصيصه بالصلاة والزكاة فيقتضي الطهارة التامّة ليطابق التعليل المعلل ، أو عمم الحكم بقوله اطعن الرسول على ما فسره به بعد تخصيصه بالصلاة والزكاة فيقتضي الطهارة التامّة ليطابق التعليل المعلل ، أو عمم الحكم المذكور في التعليل لغيرهن فقيل أهل البيت ، وأتى بضمير الذكور تغليباً ليشمل الرجال والنساء لوجود العلة فيهم ، وقوله نصب على المدح فيقدر أمدح أو أعني وأمّا نصبه على الاختصاص فضعيف لقلة وقوعه بعد ضمير المخاطب كما قاله ابن هشام ، وقوله واستعارة الخ تقدم بيانه ، وقوله والترشيح لمناسبة الطهارة له وهو ظاهر ، وما قيل الملائم للمشبه به النجس سهو ويصمح أن يكون مستعارا لصونهم أيضا. قوله : ( لما روي الخ ) الحديث صحيح لكنه لا يدل على ما
ذكره كما سيأتي ، والمرط بكسر فسكون الإزار والمرحل بالإهمال كمعظم برد فيه تصاوير رحال وتفسير الجوهري له بازار خزفية علم غير جيد إنما ذلك تفسير المرجل بالجيم كما في القاموس ، والواقع في الحديث بالحاء المهملة كما ضبطه النووي رحمه الله ونقله عن الجمهور والاسندلال به على عصتهم لتطهيرهم من الذنوب ليس بصحيح لأنه يجوز كونه بالعفو عنها بل هو أظهر لاقتضاء التطهير وقوع المطهر عته ، وكون إجماعهم حجة مبني على العصمة من الكذب ، وقوله لا يناسب ما قبل الخ أي من ذكر أزواجه. قوله : ( الجامع بين الأمرين ) أي كونه آيات الله وحكمته ويجوز أن يراد بالحكمة نصائحه صلى الله عليه وسلم وأحاديثه ، وقوله جعلهن الخ من قوله في بيوتكن وبرحاء بضم الباء والمد شدّته لأنه كان يعتريه صلى الله عليه وسلم شبه الغشي أحياناً ، وقوله مما يوجب بيان لما أنعم ، وقوله حثا الخ تعليل لقوله تذكير. قوله : ( يعلم ويدبر ما يصلح في الدين ) بيان لقوله لطيفا(7/170)
ج7ص171
خبيرا ، وقيل اللطيف ناظر للآيات لدقة إعجازها والخبير للحكمة لمناسبتها للخبرة ، وقوله أو يعلم قيل الظاهر عطفه بالواو وفيه نظر ، وقوله الداخليه في السلم وهو ضدّ الحرب أو المفوّضين أمرهم لله كقوله : { أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ } [ سورة أن عمران ، الآية : 20 ] وفسرهما بالمعنى اللغوي ليفيد ذكرهما معا ، وقوله الداخلين تفسير للمسلمين والمسلمات معاً على التغليب لا للمسلمات لعدم صحته ولا للمسلمين والا لقدم. قوله : ( بما يجب أن يصدّق به ) وفي نسخة يصدّق بدون صلة فحمل على الحذف والإيصال على أنّ أصله يصدق
به ، وقوله في القول والعمل لأنه يتعدى لهما فيقال صدق القتال كما يقال صدق الحديث ، ولكن الظاهر أنّ الأوّل مجاز فالجمع بينهما وان جاز عند المصنف لكن لا حاجة إليه مع أن القنوت يغني عنه ، وقوله بقلوبهم هو الأصل وخشوع الجوارح تابع له وقوله بما وجب لو أطلقه كالذي بعده كان أشمل وأولى كما في الكشاف ، وما قيل إنّ استحقاق الوعد به فيه نظر وكذا قوله عن الحرام كان الأولى تركه ، وأخر الذكر لعمومه وشرفه ولذكر الله أكبر ، ولذا جمع الذكر القلبي مع اللساني ، وقوله لما اقترفوا أي اكتسبوا وخص الصغائر لأنه الوارد أو لاستلزام ما قبله لعدمها لا على ما ذهب إليه المعتزلة. قوله : ( والتدرع بهذه الخصال ( أي الاتصال وفيه استعارة حسنة لتشبيهها بالدرع في صيانة صاحبها ، وقوله : فما فينا خير أي أمر يحمد ليثني الله عليه ، وهو يحتمل النفي والاستفهام بتقدير أفما والظاهر أنّ ضمير فينا للأزواج وقيل إنه للنساء على العموم وإلا يلزم تأخر نزول يا نساء النبي الآية عن هذه الآية لأنه خاص بهن لا يتجاوز غيرهن ، وقد قيل بعدم لزوم ما ذكره لأنّ تلكا لآيات في بيان شرفهن فتأمّل. قوله : ( وعطف الإناث على الذكور الخ ) وجه كونه ضروريا أنّ تغاير الذوات المشتركة في حكم يستلزم العطف ما لم يقصد السرد على طريق التعديد ، وقوله وعطف الزوجين أراد بالزوجين مجموع كل مذكر ومؤنث كعطف مجموع المؤمنين والمؤمنات على مجموع المسلمين ، والمسلمات فإنه لا يلزم عطفه لكنه عطف هنا للدلالة على اجتماع الصفات ، ولو ترك العطف جاز والمعدّ لهم المغفرة والأجر العظيم وعطف مبتدأ خبره لتغاير الخ ، وقوله فليس معطوف على الخبر لا خبر لأنّ الفاء لا تزاد في مثله وفيه إشارة إلى أنّ الأزواج معطوفة على أمثالها لا كل على ما قبله على تهج الأوّل والآخر والظاهر والباطن. قوله : ( ما صح له ) بناء على ما ذكره الزمخشريّ من أنه يلزم الإفراد في نحو ما جاءني من رجل ولا امرأة إلا أكرمته حتى وجه الجمع في يكون لهم الخيرة بأنه أرجع الضمير على المعنى لا على اللفظ لعمومه إذ وقع تحت النفي ، وإن كان ما ذكر غير مسلم عند أكثر النحاة حتى قال أبو حيان إنّ ما في الكشاف غير صحيح لأنّ العطف بالواو والمذكور في النحو إذا كان العطف بأو نحو من جاءك من شريف أو
وضيع أكرمه فلا يجوز ذلك إلا بتأويل الحذف وفي هذه المسألة كلام طويل في شرح التسهيل لا يهمنا هنا ، والمراد عدم صحته شرعا أو ما أمكن لأن ما شاء اللّه كان ، وما لم يشأ لم يكن والقضاء بعد المشيئة. قوله : ( ودّكر اللّه لتعظيم أمره ) أي ما أمر به أو شأنه فإنّ ذكر الله مع أنّ الآمر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم للدلالة على أنه بمنزلة من الله بحيث تعد أوامره أوامر الله ، أو أنه لما كان ما يفعله بأمره لأنه لا ينطق عن الهوى ذكرت الجلالة ، وقدمت للدلالة على ذلك فالنظم على هذا على نمط والله ورسوله أحق أن يرضوه ، وعلى الأوّل من قبيل فإنّ لله خمسه وللرسول فالواو بمعنى أو وليسا وجها واحدا كما قيل فإنه بعيد لحمل قوله قضاءه قضاؤه على دعوى الاتحاد حقيقة والحامل على هذا العطف بالواو وهو سهل. قوله : ( لآنه نزل الخ ) تعليل لكونه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الله للتعظيم ونحوه والسبب الأوّل أصح رواية ولذا قدم ، وأمّ كلثوم رضي الله عنها أول من هاجر من النساء ولما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بتزوّج زيد قالت هي وأخوها أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوّجني عبده ، وقوله والخيرة ما يتخير فهو صفة مشبهة والمذكور في النحو أنه مصدر وأنه لم يجيء من المصادر على وزنه غير طيرة والمعنى المصدري أنسب هنا وهو مختاره في القصص ، وقوله من أمرهم متعلق بالخيرة أو حال منها. قوله : ( أن يختاروا ) كذا في الكشاف مع جعله الخيرة بمعنى المتخير فقال بعض شراحه أن أوّل كلامه إشارة إلى مصدريته وما بعده إشارة إلى أنه يكون بمعنى المفعول ، ولا يخفى تعسفه فالصواب أنّ أن(7/171)
ج7ص172
يختاروا تفسير لأن يكون لهم الخيرة لا للخيرة وفائدته الإشارة إلى أن يكون هنا ليس بمعنى يصح ككان السابقة بل هي للذلالة على الوقوع فافهم. قوله : ( وجمع الضمير الآوّل ) قد قدمنا تقريره ، واعتبر عمومه وإن كان سبب نزوله خاصا دفعا لتوهم اختصاصه بسبب النزول أو ليؤذن بأنه كما لا يصح ما اختاروه مع الانفراد لا يصح مع الجمع أيضا كي لا يتوهم أن للجمعية قوّة تصححه. قوله : ( وجمع الثاني ) أي ضمير من أمرهم مع أنه للرسول صلى الله عليه وسلم أو له ولله وعلى كل فليس مقتضى الظاهر جمعه قيل لا يظهر امتناع عوده على ما عاد عليه الأوّل مع ترجيحه بعدم التفكيك فيه على أن يكون المعنى ناشئة من أمرهم المعنى دواعيهم السابقة إلى اختيار خلاف ما أمر اللّه ، ورسوله صلى الله عليه وسلم أو المعنى الاختيار في شيء من أمرهم أي دواعيهم فيه
بعد ، وردّ هذا بأنه قليل الجدوى ضرورة أن الخيرة ناشئة من دواعيهم أو واقعة في أمورهم وهو بين مستغن عن البيان بخلاف ما إذا كان المعنى بدل أمره الذي قضاه صلى الله عليه وسلم أو متجاوزين عن أمره لتأكيده وتقرير للنفي فهذا هو المانع من عوده إلى ما عاد عليه الأوّل ، وهو كلام حسن والقراءة بالياء للفصل ولأنّ تأنيثه غير حقيقي ولبعضهم هنا كلام واه تركه أولى من ذكره. قوله : ( وتوفيقك لعتقه واختصاصه ) بالمحبة ، والتبني ومزيد القرب منه صلى الله عليه وسلم وهو من أجل النعم ولو أخر هذا كان أولى وزيد بن حارثة رضي الله عنه تقدم ذكره وبيانه ، ومقامه أجل من أن يخفى قيل وايراده هنا بهذا العنوان لبيان منافاة حاله لما صدر عنه صلى الله عليه وسلم من إظهار خلاف ما في ضميره إذ هو يقع للاستحياء أو الاحتشام ، وهو لا يتصوّر في حق زيد ويجوز أن يكون بيانا لحكمة إخفائه صلى الله عليه وسلم لأنه مما يطعن به الناس كما قيل :
وأظلم أهل الظلم من بات حط سداً لمن بات في نعمائه يتقلب
فأعرفه. قوله : ( وذلك أنه الخ ) هذا الحديث ذكره الثعلبي ، وهو في الطبرى بمعناه عن
عبد الرحمن بن أسلم وفي شرح المواقف إن هذه القصة مما يجب صيانة النبي عوو عن مثله فإن صحت فميل القلب غير مقدور مع ما فيه من الابتلاء لهما ، والظاهر أن الله لما أراد نسخ تحريم زوجة الدقي أوحى إليه بتزوّج زينب إذا طلقها زيد فلم يبادر له صلى الله عليه وسلم مخافة طعن الأعداء فعوتب عليه ، وهو توجيه وجيه ، وقوله لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم صريح فيه والقضة شبيهة بقصة داود عليه الصلاة والسلام لا سيما ، وقد كان النزول عن الزوجة في صدر الهجرة جارياً بينهم من غير حرج فيه وقوله : وقعت في نفسه أي وقعت محبتها وهي كناية عن الميل الاضطرارفي ، وكان لم يمل لتزوّجها حين إرادته فلذا قال مقلب القلوب أي مغير أحوالها ودواعيها ، وقوله لشرفها أي شرف نسبها بقرابتها من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل إنها كانت تطمع في طلاقها وتزوّج النبي صلى الله عليه وسلم بها وفعل زيد رضي الله عنه كان لذلك ، ولكنه لم يصرّح به تأدبا وقوله أرابك أي أوقعك في ريب أو شك فيها لأنه يقال رابه وأرابه ويجوز كون الهمزة للاستفهام. قوله : ( فلا تطلقها ضرارا ) إنما ذكره لاقتضاء أمره بالتقوى مخالفة الطلاق لها فإما
أن يكون الطلاق نفسه ضرراً لأنه منهي عنه ويورث وحثة أو يكون ضرراً إذا كان بغير سبب ظاهر لأنه يوهم أنه علم منها ما يكره فلا يقال إن الأولى الاقتصار على قوله لا تطلقها ، وقوله أو تعللا أي تكلفا لعلة وسبب هو تكبرها وعطفه بأو لأنه أراد بالضرار ما لا وجه له ، فلا وجه لما قيل الأولى عطفه بالواو وجعله في الكشاف وجهاً آخر مقابلاً للتطليق ، وهذا أحسن وتعدية أمسك بعلى لتضمينه معنى الحبس. قوله : ( وهو نكاحها الخ ) الأوّل هو الأصح ، وأمّا قوله أو إرادة طلاقها فقد رده القاضي عياض في الشفاء ، وقال لا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الظاهر وأن يأمر زيداً بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها كما ذكره جماعة من المفسرين الخ ، وليس المراد به أنه حسده عليها حتى يكون حسدا مذموماً بل مجرّد خطوره بباله بعد العلم بأنه يريد مفارقتها فلا محذور فيه فتأمّل. قوله : ( تعييرهم إياك به ) أي عذهم نكاحها عارا عليك فليس المراد بالخشية هنا الخوف ، بل الاستحياء من قول(7/172)
ج7ص173
الناس تزوّج زوجة ابنه كما قاله ابن فورك ، وقوله إن كان فيه أي في ذلك الأمر ويجوز أن يراد تخشاه في كل أمر فيفيد ما ذكر على الوجه الأبلغ والمعنى والله وحده أحق بالخشية كما يفيده مقابلة خشية الناس. قوله : ( والواو للحال ) يعني الواو الثالثة ، وأمّا الأوليان فعاطفتان على تقول وتحتملان الحالية على تقدير المبتدأ أي وأنت تخفى ، وأنت تخشى لكونه مضارعا مثبتا ، واختاره الزمخشريّ وكلام المصنف رحمه الله تعالى يحتمله قال صاحب الكشف كلامه صريح في أنه تجوز الحالية بدون تقدير على خلاف المشهور وكأنه مذهبه ، وقد صرّح به في مواضعمن كتابه وتبعه أبو حيان فليس التقدير متفقاً عليه. قوله : ( وليست المعاتبة الخ ) فإن كتم ما لا يحتاج إليه في الشرع جائز له ، وقاله الناس أي قولهم فهو مصدرا والقائلين منهم فهو جمع كالسادة ، وهذا وما بعده لف ونشر مرتب ناظر لقوله وهو نكاحها أو إرادة طلاقها ، وقوله فإن الأولى الخ إشارة إلى أن العتاب على ترك الأولى لا على ذنب منه ، وقوله أن يصمت الخ غير قوله في الكشاف كأنّ الذي أراد منه عز وجل أن يصمت لأنه مبني على مذهب المعتزلة مع أنه لا يواقفه أيضاً كما في الكشف. قوله : ( حاجة ) تفسير للوطر لأنه الحاجة المهمة كما قاله الراغب وقوله ملها وفي نسخة بحيث ملها ولم يبق الخ والملل السآمة من الشيء ، ولعل ملله منها كان لتفرسه في أنها لا تدوم على زوجيته ، وقوله وطلقها الخ قدّره لتوقف التزويج عليه ، ولذا جعله بعضهم كناية عن الطلاق. قوله : ( وقيل قضاء الوطر كناية الخ ) مرضه لأنه عدول عن الظاهر مع أنه لا يغني عن التقدير لقوله وانقضت عدتها وجعلها كناية عن الطلاق وانقضاء العدة يم يقولوا به ، وأمّ قوله إذا قضوا
منهن وطراً فهو كهذا أيضاً يقدر فيه ما قدر هنا ، ولذا لم يفسره لأنه معلوم مما هنا لسقط قول بعضهم لا أدري ما وجه عدم ارتضائه هذا القول مع تعين ما ذكر من التعليل في قوله إذا قضوا منهن وطراً لإرادة الطلاق ، وانقضاء العدة منه كناية أو مجازاً ولا يشترط الحكم ببلوغ الحاجة منهن والظاهر الاتحاد فيهما. قوله : ( بلا واسطة عقد ( أصالة ووكالة ، وقوله وقيل مؤيد للأوّل وفي كان ضمير مستتر لزيد والسفير الرسول ، والخطبة بكسر الخاء في النكاج وضمير إيمانه لزيد أيضاً ، وقوله علة أي قوله لكيلا الخ علة ومتعلق بقوله زوّجناكها ، وقوله وهو دليل الخ أي ما ثبت له صلى الله عليه وسلم من الأحكام ثابت لأمته إلا ما علم أنه من خصوصياته بدليل ، وهو على الأوّل ظاهر ، وأما إذا كان بلا واسطة فالمراد مطلق تزوّج زوجات الأدعياء ، وقوله أمره الذي يريده الأمر واحد الأمور أي ما يريده من الأمور يوجد لا محالة ومكوّنا بمعنى مخلوقاً ، وقوله لأرزاقهم جمع رزقة بفتح الراء والعامة تكسرها وهو ما يقطعه السلطان ويرسم به كما في الكشف ، والحرج الإثم والضيق وقد فسره بهما بعضهم بناء على جواز استعمال المشترك في معنييه مطلقاً أو في النفي. قوله : ( سن ذلك سنة ) إشارة إلى أنه مصدر منصوب بفعل مقدر من لفظه لا على الإغراء كما قاله ابن عطية ولا بتقدير عليكم لما مرّ ولم يرض ما في الكشاف من كونه اسماً موضوعا موضع المصدر كتربا وجندلاً وكأنه لم يثبت عنده مصدريته ، وقوله ذلك ليس إشارة إلى المطلق الذي في ضمن المقيد ، وهو عدم الحرج كما توهم بل إلى المقيد ، وقوله سنة في الذين الخ مصدر تشبيهي ، وقوله وهي أي سنته فيهم تفسير للمشبه به ولى ذ ا وقع في نسخة هي بضمير المؤنث وفي أخرى هو رعاية لتذكير الخبر ، وليس راجعا لذلك كما قيل وأباح لهم بمعنى أحل لهم ولذا عداه باللام. قوله تعالى : ( { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا } الخ ) القضاء الإرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه والقدرة عبارة عن إيجاده إياها على تقدير مخصوص معين ، وفي التفسير الكبير القضاء ما يكون مقصوداً في الأصل والقدر ما يكون تابعاً والخير كله بقضاء ، وما في العالم من الضرر بقدر كالزنا والقتل فلذا لما قال زوّجناكها ذيله بقوله وكان أمر الله مفعولاً لكونه مقصوداً أصليا ، وخيراً مقضيا ولما قال الله في الذين خلوا إشارة إلى قصة داود عليه الصلاة والسلام ، وامرأة أوريا قال قدراً مقدوراً ، وهو مخالف للمشهور في معنى القضاء والقدر ولما اختاره في غير هذا المحل من انّ قصة أوريا لا أصل لها
مع أن ما ذكره لا يناسب السياق من كونه لنفي الحرج ولو كان كما ادعاه كان المقابل له القضاء لا الأمر. قوله : ( قضاء مقضياً ) فسر القدر بالقضاء ، وقد مرّ الفرق(7/173)
ج7ص174
بينهما لكن كل منهما يستعمل بمعنى الآخر فالمراد إيجاد ما تعلقت به الإرادة ، وقوله قدرا مقدوراً وقضاء مقضياً كظل ظليل وليل أليل في قصد التأكيد ، واليه أشار بقوله حكما مبتوتا أي مقطوعا به والأمر مصدر والمراد أنّ اتباعه والعمل بموجبه لازم مقضي في نفسه أو هو كالمقضي في لزوم اتباعه ، أو اسم والمعنى كان مراده ذا قدر أو عن قدر ، وقوله قرئ رسالة الله الإفراد لجعلها لاتفاقها في الأصول وكونها من الله بمنزلة شيء واحد وان اختلفت أحكامها. قوله : ( تعريض بعد تصريح ( بأنّ اللّه أحق أن تخشاه والتعريض لأنه وصف به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهو أولى بالاقتداء بسيرتهم والاتصاف بصفتهم ، وقوله كافيا لأنّ الحسب يكون بمعنى الكفاية ومنه حسبي الله أو هو بمعنى المحاسب على الذنوب ، وقوله فينبغي الخ على التفسيرين. قوله : ( ولا ينتقض عمومه ) أي عموم حكم هذه الآية من أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أبا لأحد من رجالهم بما ذكر من أولاده الذكور فإنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال بل ماتوا صغارا فلو فرض بلوغهم أو قيل الرجل مطلق الذكر خرج هؤلاء عن حكم النفي بقيد الإضافة ، وأولاده صلى الله عليه وسلم مذكورون في السير تفصيلا ، ولا يرد على المصنف رحمه اللّه أن القاسم والطاهر أيضا ولدا بمكة كما صح في السير وهذه السورة مدنية لأنّ المراد أنه لم يكن في الماضمي وقيل هذا مطلقا فتأمل ، وقوله فيثبت منصوب على جوأب النفي ، فإن قلت كيف يختص الرجل بالبالغ مع أنه في القرآن حيث ورد عام كقوله : { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً } وغيره وقول الفقهاء لو حلف لا يكلم رجلا وكلم صبياً حنث ، قلت اختصاصه به في عرف اللغة مما لا شبهة فيه وما ورد في النظم وارد على أصل اللغة أو هو على الأصل وثبوت حكم البالغ فيه بدلالة النص ، وكذا ما ذكره الفقهاء على الأصل مع أن الإيمان عندهم مبناها العرف لا اللغة فلا يرد على هذا شيء كما توهم ، وقد أورد على الشق الثاني أنه لا ينتظم مع التأكيد بقوله خاتم النبيين وسيأتي دفعه وما فيه وما ذكر أيضاً جوأب عن الحسن والحسين رضي الله عنهما. قوله : ( وكل رسول أبو أمته ( ظاهره أنه يصح إطلاق الأب عليه صلى الله عليه وسلم كما تطلق الأم على زوجاته ، ونقل الطيبي فيه خلافا عن الشافعية وفي الروضة لا يجوز أن يقال هو أبو المؤمنين لظاهر هذه الآية ، وقوله وزيد منهم أي من
أمته ، وقوله خبر مبتدأ تقديره هو وقوله من عرفتم الخ في نسخة أب من غير وراثة ، والنصب مع التخفيف بتقدير كان أو للعطف بالواو وقيل يتعين الأوّل. قوله. ( وآخرهم ) هو على قراءة الكسر لأنه اسم فاعل بمعنى الذي ختم ، وقوله أو ختموا به على قراءة الفتح لأنه اسم آلة لما يفعل به كالطابع لما يطبع به والقالب ، وإن كان مآل معناه للآخر أيضاً فقوله على قراءة عاصم قيد للثاني. قوله : ( ولو كان له ابن بالغ الخ ( كذا في الكشاف ورده في الكشف ومنعه بعضهم فقال الملازمة ممنوعة إذ كثير من أولاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يكونوا أنبياء فإنه أعلم حيث يجعل رسالاته والحديث على تقدير صحته لا يدل على كليته التي هي المدّعي ( أقول ) إمّا صحة الحديث فلا شبهة فيها لأنه رواه ابن ماجه وغيره كما ذكره ابن حجر ، وأمّا الكلية فليس مبناها على اللزوم العقلي والقياس المنطقي بل على مقتضى الحكمة الإلهية ، وهي أنّ الله أكرم بعض الرسل بجعل أولادهم أنبياء كالخليل ونبينا صلى الله عليه وسلم أكرمهم وأفضلهم فلو عاس أولاده اقتضى تشريف الله له ذلك وأمّا كونه يجوز أن يكون أبا رجل ولا يكون نبيا لعدم وصوله لسن النبوّة يعني الأربعين فليس بشيء لأنّ تعين ذلك السن للنبوّة غير متعين ، ولا يتوقف عليه كما يتبادر إلى الذهن من غير نظر لما جرت به العادة في الواقع ، ثم أجاب عن الملازمة في الكشف بأنها مستفادة من الآية لأنه لولاها لم يكن للاستدراك معنى إذ لكن تتوسط بين متقابلين فلا بد من منافاة بنوّتهم له لكونه خاتم الرسل ، وهو إنما يكون باستلزام بنوّتهم لنبوّتهم ولا يقدح فيه قوله رسول الله كما يتوهم لأنه لو سلم رسالتهم لكانت إما في عصر. وهي تنافي رسالته أو بعده ، وهي تنافي خاتميته وقد تكلف بعض أهل العصر لتوجيه الاستدراك الغث والسمين ، وقد يقال الاستدراك يكفي فيه أنه لما كان عدم النسل من الذكور يفهم منه أنه لا يبقى حكمه ، ويدوم ذكره استدراك بما ذكر ، أو أنه لما نفيت أبوته مع اشتهار أن كل رسول أب لأمته ربما يوهم نفي رسالته فاستدرك ذلك(7/174)
ج7ص175
فعلم منه أنّ المنفي الأبوّة الحقيقية ، وما قيل من أنّ قوله لو كان له ابن بالغ ناظر إلى الوجه الأوّل من الجواب عن النقض ، وأما على الثاني فيجوز أن يقال كما أنّ قوله رسول الله يفيد كونه أبا لأمته من الحيثية التي ذكرها يفيد قوله خاتم النبيين امتداد هذه الأبوة إلى القيامة ، وهذا لا يحصل من قوله رسولط الله وهو دفع لما أورد من أنّ الثاني لا ينتظم مع التأكيد يعني أنه لما قال إنه ليس أبا حقيقيا قال لكنه أب من حيث شفقته فما ذكر مؤكد للأبوة المثبتة لا للمنفية إذ لا يتعين ذلك فإنّ قوله رجاله لا رجالكم الخطاب فيه للأمة وأولاده من أمته فيدخلون في رجالكم ( قلت ( هذه مغالطة باردة لأن الإضافة للعهد الخارجي فالمراد به من أولاده لا من أولادكم.
قوله : ( ولا يقدح فيه نزول عيسى الخ ) أي لا يقدح في كونه خاتم النبيين ما ذكر ، وقيل
عليه كونه على دينه لا ينافي استقلاله في الرسالة كما لم يناف ذلك أوّل بعثته مع أمره بالعمل بالتوراة فالجواب هو أنه كان نبيا قبله لا بعده فلا ينافي كونه خاتماً للأنبياء على معنى أنه آخرهم بعثة ، والجواب بأنّ ما ذكره المصنف رحمه الله جواب واحد وقدم قوله لأنه الخ اهتماماً به ، ثم أشار بمع الدالة على المتبوعية إلى أن ما بعدها هو العمدة في الجواب وسياق المصنف رحمه الله ينادي على خلافه فالظاهر أن المراد من كونه على دينه انسلاخه عن وصف النبوّة ، والرسالة بأن يبلغ ما يبلغه عن الوحي وإنما يحكم بما يلقي عن نبينا ، ولذا لم يتقدم لإمامة الصلاة مع المهدي فلا يتهم ورود ما ذكر بوجه. قوله : ( ينلب الأوقات ) يعني أنّ كثرته بالعدد وكونه في أغلب الأوقات فجعل الأوقات مغلوبة مجازا وبجوز نصب الأوقات على الظرفية أي يغلب على غيره في الأوقات ، وقوله ويعمّ الأنواع يعني إنّ كثرته بكثرة أنواعه ، وقوله بما هو أهله في نسخة أنواع ما هو أهله وهما بمعنى ، والجملة صفة ذكراً مفسرة له والضمير المرفوع لله والمجرور للموصول ، وهو أولى من عكسه وان جازوا لتمجيد التعظيم بما يليق فهو من ذكر العام بعد الخاص. قوله : ( خصوصاً ) إشارة إلى أنه يجوز أن يراد العموم كما يقال صباحا ومساء بمعنى دائما. قوله : ( لكونهما مشهودين ) أي يحضرهما ملائكة الليل والنهار لالتقائهما فيهما ، وهذا يدل على فضلهما وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار " فدلالته على ما ذكر محل نظر ، وقوله لأنه العمدة إذ هو تنزبه وتخلية مقدمة على غيرها ، وقوله وقيل الفعلان أي اذكروا وسبحو. ومرضه لأنه على تفسيره بغلبة الأوقات يكون شاملا لهما فلا حاجة لتعلقه بالأوّل على التنازع. قوله : ( وقيل المراد بالتسبيح الصلاة ) بإطلاق الجزء على الكل ومرضه لأنه تجوز من غير ضرورة. قوله : ( وملانكتة ) معطوف على الضمير في يصلي للفصل
بينهما لا على ما هو ، وقوله بالرحمة تفسير لصلاة الله بالاستغفار لصلاة الملائكة كما هو المشهور ، وقوله والاهتمام الخ راجع لهما يعني أن المراد بالصلاة هنا معنى مجازي شامل لهما فهو من عموم المجاز لا من استعمال اللفظ في معنييه ، وان كان جائزا في مذهبه لكن الاهتمام من الله يقتضي رحمتهم ومن الملائكة يقتضي الاستغفار لهم ، واليه أشار بقوله والمراد الخ وهو مراد صاحب الكشاف كما حمله عليه الطيبي رحمه الله وان كانت عبارته ظاهرة في خلافه فلا يرد عليه أنه مخالف لمذهبه فيحتاج إلى ما وجهه به شراحه من أنّ الفاعل لتعدده يصيره كتعدد لفظ يصلي ، وهو مخالف لكلامهم ، أو هو من المشاكلة كقوله خذوا حذركم وأسلحتكم وان كان لكل وجهة. قوله : ( مستعار ) أي لفظ الصلاة بمعنى الدعاء لأنه الأشهر ، والمراد بالاستعارة معناها المشهور فإنّ العناية تشبه الدعاء لمقارنة كل منهما للميل ، أو المعنى اللغوي ليشمل المجاز المرسل لأنّ الدعاء مسبب عن العناية فذكر المسبب وأريد السبب. قوله : ) وقيل الترحم ) معطوف على قوله والمراد بالصلاة الخ أي المراد بها هنا الترحم وأصله عطف صلويه ، وهما عرقان في منتهى الفخذ ينعطفان من المنحنى ومنه المصلى في خيول الحلية لأن رأسه محاذية لصلا ما يقدمه ، ثم وضعت للصلاة المعروفة لما فيها من الانحناء والانعطاف في الركوع والسجود ، وصارت حقيقة مشهورة فيها ، ثم تجوز بها من الانعطاف الصوري إلى الانعطاف المعنوي ، وهو الترحم والرأفة وقال الطيبي هذا أقرب لقوله : { لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } [ سورة الحديد ، الآية : 9 ] الخ لأنه نص عليه بقوله وكان(7/175)
ج7ص176
بالمؤمنين رحيما فدلّ على أن المراد بالصلاة الرحمة ، وأشار المصنف رحمه اللّه إلى جوابه بقوله في تفسيره حتى اعتنى الخ لكنه عدول عن الظاهر. قوله : ( واستغفار الملائكة الخ ( إشارة إلى أنّ استغفارهم أي دعاءهم بالمغفرة داخل فيه لأنه ترحم عليهم وسبب لرحمة اللّه لهم ، وقوله من ظلمات الكفر الخ إشارة إلى أنّ الظلمات والنور هنا استعارة ، وإنافة قدرهم بمعنى إعلائه وتشريفه ، وقوله واستعمل الخ بيان لدخول صلاة الملائكة فيه لأنه تذييل لهما. قوله : ) من إضافة المصدر إلى المفعول ) وبجوز أن يكون مضافاً للفاعل والمعنى يحيي بعضهم بعضاً به والمحيي لهم على الأوّل الملائكة أو اللّه ، وقوله إخبار أي لادعاء لأنه أبلغ هنا على إضافته للمفعول ، وقوله سلام المراد به لفظه وهو خبر تحية هنا فلا يتوهم أنه جملة أخرى مع أنه لا
محذور فيه وقوله ولعل اختلاف النظم إذ عدل عن الاسمية في تحيتهم سلام إلى الفعلية في أعد الخ ، والمبالغة في التعبير بالماضي الدال على التحقق ، والظاهر أنّ الأعداد مقدم على الدخول واقع أوّلاً فالعدول لموافقة الواقع فتأمّل. قوله : ( ونجاتهم ) أي هدايتهم بدليل قوله بعد. وضلالهم فعبر عن السبب بالمسبب ، وقوله وهو حال مقدرة لأنه لم يكن وقت الإرسال شاهداً إذ الشهادة عند التحمل والأداء ، وتخصيص كونها مقدرة بهذا يشير إلى أنّ ما بعده ليس منها كما صرّح به في الكشف فيجعل الإرسال ممتذ التحقق المقارنة ، وعليه لا تتحقق الشهادة بالتحمل وحده كما قيل لأنه إذا لوحظ امتداده وأطلقت الشهادة على التحمل فقط يكون هذا مقارناً أيضا وكونه خلاف العرف فيه نظر ويجوز أن لا يعتبر الامتداد وتكون مقدرة في الكل وليس في كلامه ما ينافيه. قوله تعالى : ( { وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } ا لم يقل ومنذراً بل عدل إلى صيغة المبالغة لعموم الإنذار للمؤمنين العاصين والكافرين وخصوص الأوّل بالمؤمنين ، ولذا قدم لشرفهم ولأنه المقصود الأصلي إذ هو صلى الله عليه وسلم إنما أرسل رحمة للعالمين على أنه جبر ما فيه من المبالغة بقوله وبشر المؤمنين. قوله : ( بتيسيره الخ ( يعني أن الإذن هنا مجاز عن التيسير والتسهيل لأنّ من أذن له في أمر يسهل عليه الدخول فيه لا سيما إذا كان الاذن هو الله لأنه إذا أذن في شيء فقد أراده ، وهيأ أسبابه ولم يحمله على حقيقته وان صح هنا أن يأذن له اللّه حقيقة في الدعوة لأنّ قوله أرسلناك يدل على الإذن فهذا أتم فائدة ، وقوله أطلق له أي أطلق الإذن على التيسير مجازا مرسلاً لأنه سببه ، ولم يقل استعمل فيه ليطابق قوله قيد به أي بالإذن إشارة إلى تعلقه بدا عيادون ما قبله وإن جاز رجوعه للجميع لكن صعوبة الدعوة تناسب التخصيص. قوله : ( يستضاء به الخ ) قال الفاضل اليمني إنه تشبيه إمّا مركب عقليّ أو تمثيليّ منتزع من عدّة أمور أو مفرّق وكلام المصنف رحمه الله محتمل للوجوه أيضاً فيشبه في ذاته بالسراج ، وما يدعو إليه بالنور أو المجموع بالمجموع وقوله يستضاء به بالنسبة للضالين ، وقوله يقتبس بالنسبة للمهديين ولم يلتفت إلى ما جوّزه الزمخشريّ من جعل السراج المنير القرآن لما فيه من التكلف. قوله : ( على سائر الآمم ) متعلق بفضلا على أنه بمعنى زيداً لأن أصل معنى لفضل
الزيادة ولو جعل بمعنى العطاء والإحسان لم يحتج إلى ما ذكر ، وقوله جزاء أعمالهم في نسخة أجر أعمالهم وهما بمعنى واحد وجعله عطفاً على أمر مقدر لئلا يعطف الإنشاء على الخبر حتى يجعل من عطف القصة ، أو يجعل المعطوف عليه في معنى الأمر لأنه في معنى إدعهم مبشراً ومنذراً وبتقديره أيضا تتم المقابلة واللف والنشر كما سيأتي ، وقوله تهييج الخ لأنه لم يطعهم حتى ينهى أو هو لأمّته ، وقوله إيذاءهم الخ يعني على أنّ المصدر مضاف للفاعل أو المفعول ، وتحتفل بمعنى تبال وقوله ولذلك أي لحمله على الثاني وكون إيذاء بمعنى أذى ذكره الراغب فلا عبرة بقوله في القاموس لا تقل إيذاء وقد تقدم تفصيله. قوله : ( ولعله ثعالى لما وصفه الخ ) يعني أنه تعالى وصفه بخمس صفات من قوله شاهداً إلى منيراً وقابل كلاً منها بما يقتضيه فقابل الشاهد براقب المقدّر لأنّ الشاهد لا بدّ له من مراقبة ما يشهد عليه ، وقوله كالتفصيل يعني فيدلي عليه ويغني عنه والمبالاة معطوف على مراقبة وهو مبنيّ على الأوّل في أذاهم ، وقد قيل عليه إنه كذا وقع في جميع النسخ لكنه تصحيف عن موافقة فانه المناسب لقوله ولا تطع ولا حاجة إليه فإنّ المراقبة الاحتراز كما في كتب اللغة ، وهي تقتضي الخوف والمبالاة فاستعمل في لازم معناه فلذا عطف عليه ، والمبالاة ليبين المراد منه ، وقوله بالاكتفاء يعني(7/176)
ج7ص177
في قوله وكفى بالله وكيلاً ، ومن أناره الله هو الرسول صلى الله عليه وسلم وبرهاناً حال أو مفعول ثان لتضمنه معنى الجعل ، وقوله يكتفي أي باللّه عما سواه وهو موافق لما في الكشاف في غير تقدير المراقبة ، ومقابلتها للشاهد. قوله : ( بألف الخ ) أي تماسوهن ، وقوله من عددت يعني أنه مطاوعه ، وقوله أو تعدونها فافتعل بمعنى فعل وقوله حق الأزواج قيل عليه ليس كذلك بل هي حق الولد والشرع ، ولذا لا تسقط بإسقاطه كما صرّحوا به وليس بشيء لأنه ليس المراد أنها صرف حقه بل أنّ نفعها وفائدتها عائد عليه لأنها لصيانة مائه ونسبه الراجع إليه ، وهو لا ينافي كون الشرع والولد له حق فيها يمنع إسقاطها مع أنّ بعض حقوق العبد لا تسقط بإسقاطه كما بين في الفروع. قوله : ( وعن ابن كثير الخ ا لم يذكر هذه القراءة في النشر ، وقال ابن عطية إنها لم تصح عن ابن كثير وردّه في الدر المصون ، وقوله على إبدال الخ قيل عليه إنه تخريج غير صحيح لأنّ عد يعد من باب نصر كما في كتب اللغة فلا وجه لفتح التاء لو كنت مبدلة من الدال فالظاهر حمله على حذف إحدى
الدالين تخفيفاً ، وأمّا حمل كلام المصنف عليه فلا تساعده العبارة ، وقوله تعتدون فيها إشارة إلى أنه على الحذف والإيصال في هذا الوجه. قوله : ( وظاهره ) أي ظاهر النظم لتقييده ، وجوب العدة بالمماسة ونفيه قبلها وعند عدمها وليس هذا من مفهومه حتى يقال إنا لا نقول به كما توهم لأنه منطوق صريح لكن ما ذكروه مبنيّ على تفسير المس بالجماع ، وقد قيل إنّ حقيقته اللمس فالنص ساكت عن الجماع والخلوة إلا أنه لم يرد ظاهره حتى لو مسها بيده في غير خلوة لم تلزم العدّة بلا خلاف فدلّ ذلك على أنه يكنى به عن معنى آخر من لوازم الاتصال فهو الجماع ، وما في معناه من الخلوة الصحيحة قيل ولكون منطوقه ساكتا عنهما سماه بعضهم مفهوماً ، وما قيل من أنه لا تجب ديانة حتى لو تزوّجت وهي متيقنة بعدم الدخول حل لها ، وإنما تجب قضاء فلا يصدقها القاضي لوجود المقتضى وانتفاء المانع لا يخفى بعده وهو وان نقله فقهاؤنا فقد صرّحوا بأنه لا يعوّل عليه والعجب من المحشي أنه أجاب به مع نقل كلامهم فالحق ما سمعته أوّلاً. قوله : ( وتخصيص المؤمنات الخ ) يعني أنه لبيان الأخرى والأليق بعدما فصل في البقرة نكاح الكتابيات ، وقوله والحكم عامّ حال ، وقوله وفائدة ثم الخ يعني نفي العدة مع تراخيه وبعد مدته لأنه ربما يتوهم أنّ له دخلا في إيجاب العدة كالخلوة لاحتمال الملاقاة سراً ، وقوله ريثما تمكن الإصابة أي مقدار إمكانها وتأثيره في النسب إذا ادّعت أنّ ما ولد لها منه ومضى زمن مدة الحمل. قوله : ( ويجورّ أن يؤوّل التمتيع الخ ) أي يحمل الأمر بالمتعة هنا على ما يعمّ نصف المهر والمتعة المعروفة في الفقه على أنها بمعنى العطاء مطلقاً فيكونا لأمر عليهما للوجوب أو تحمل المتعة على معناها المعروف ، والأمر على ما يشمل الوجوب والندب بناء على استحبابها لغير المفروض لها ، وهو قول الشافعيّ الجديد وفي القديم أنها واجبة وعندنا مختلف فيه فبعضهم على الاستحباب وآخرون على نفي الاستحباب والوجوب ووقع لصاحب الهداية سهو في هذه المسألة في قوله وتستحب المتعة لكل مطلقة لا لمن طلقها قبل الدخول ، وقد سمي لها مهراً فإنّ الصواب ولم يسم لها مهرا كما قاله الفاضل المحشي ، وقوله أخرجوهن الخ أصل التسريح الإخراح للرير ، ثم شاع فيما ذكر وقوله ولا يجوز تفسيره الخ أي السراح الجميل ، وقوله مرتب على الطلاق لعطفه على متعوهن الواقع بعد الفاء فيلزم رتب الطلاق السنيّ على الطلاق ولا وجه له. قوله : ( والضمير لغير المدخول بهن ) يعني فلا
يمكن أن يكو طلاقاً آخر مرتبا على الطلاق الأوّل لأنّ غير المدخول بهن لا يتصوّر فيها لحوق طلاق بعد طلاق آخر مع أنها إذا طلقت بانت. قوله : ( لأنّ المهر ) بيان لوجه إطلاق الأجر عليه ، وقوله لإعطائها أي الأجور معجلة قبل الدخول كما يفهم من معنى آتيت ظاهراً ، وان جاز أن يؤوّل الإعطاء أوّلاً بالإعطاء ، وما في حكمه كالتسمية في العقد كما في الكشاف كما جعل إعطاء الجزية شاملا لالتزامها في قوله حتى يعطوا الجزية إذ كل منهما لا يمكن إبقاؤه على ظاهره ، وجعل وجه التخصيص عليه أيضاً اختياراً للأولى ، وهو التسمية لأنه أولى من تركها وان جاز العقد بدونها وعليه مهر المثل ، وظن بعضهم لعدم فهم مراده مع ظهوره أنّ بين طرفي كلامه تدافعا وهو من بعض الظن نعم ما فعله المصنف أظهر ، وأحسن وكون التعجيل أفضل لبراءة الذمّة(7/177)
ج7ص178
وطيب النفس معروف مشهور. قوله : ( بكونها مسبية ) أي باشر سباءها وشاهده ، وقوله لا يتحقق بدء أمرها لجواز كون السبي ليس في محله ولذا نكح بعض المتورّعين الجواري بعقد بعد الشراء مع القول بعدم صحة العقد على الإماء لكنه قيل إنه يشكل بمارية رضي الله عنها فإنها لم تكن مسبية وعندي أنه غير وارد لأنّ هدايا أهل الحرب للإمام لها حكم الفيء ، ولذا أمر السلطان بوضعها في بيت المال ، وتقييد بالجرّ عطف على قوله كتقييد والقرائب جمع قريبة ، والمعية للتشريك في الهجرة لا للمقارنة في الزمان كقوله أسلمت مع سليمان قال أبو حيان رحمه الله يقال دخل فلان معي وخرج معي إذا كان عمله كعمله دمان لم يقترنا في الزمان ، وهو كلام حسن. قوله تعالى : ( { وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ } ) الآية قد سئل كثيراً عن حكمة أفراد العمّ والخال دون العمة ، والخالة حتى إنّ السبكيّ رحمه الله صنف جزأ فيه سماه بذل الهمة في أفراد العئم وجمع العمة وقد رأيت لهم فيه كلمات ضعيفة كقول الرازي أنّ العمّ والخال على زنة المصدر وقيل إنه يعمّ إذا أضيف والعمة ، والخالة لا تعمّ لتاء الوحدة ، وهي إن لم تمنعه حقيقة تأباه ظاهراً ولا يأباه قوله في سورة النور { بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ } لأنه على لأصل وأحسن منه ما قيل إنّ أعمامه صلى الله عليه وسلم العباس وحمزة رضي الله عنهما وأبو طالب وبنات العباس كن ذات أزواج لا يليق ذكرهن ، وحمزة رضي الله عنه أخوه من الرضاع لا تحل له بناته ، وأبو طالب ابنته أمّ هانئ لم تكن مهاجرة ومعنى كلام المصنف أن النساء المهاجرات أفضل من غيرهن فلذلك خصصن بالذكر لا لأنّ من لم يهاجر يحرم عليه ، وهو أحد قولين في المسألة. قوله : ( ويحتمل تقييد الحمل بذلك في حقه خاصة ) هذا هو القول الثاني قال السيوطي رحمه الله في خصائصه الصغرى مما حرّم عليه صلى الله عليه وسلم خاصة نكاح من لم تهاجر في أحد الوجهين انتهى ، وفي بعض شروح الكشاف أنه حرّم عليه ، ثم نسخ فقد علمت
أنّ فيه قولين عندهم ذكراً في الحديث وكتب الشافعية فما قيل عليه من أنّ كونه للتقييد ، وما قبله لبيان الأفضل يفيد معارضة في النقل ، وهي لا تمنعه مما لا ووجه له. قوله : ) ويعضده ) أي يعضد القول الثاني ومن ذهب إلى خلافه يقول بعد تسليم صحة هذا الخبر هذا فهم من تول أم هانئ لا رواية عنه صلى الله عليه وسلم أو المراد إنهن يشبهن المحرّمات لاختياره الأفضل منهن ، وأمّ هانى اسمها فاختة ، وقوله فاعتذرت إليه أي قالت له صلى الله عليه وسلم إني مصيبة أي ذات صبية وأطفال والطلقاء من أسلم بعد فتح مكة كالطلقى لكون النبيّ صلى الله عليه وسلم من عليهم وأطلقهم عامّة دون أسر لهم ، والطليق الأسير الذي يطلق ووقع في بعض النسخ من الطلقى ، وهو الأصح فنزول هذه الآية يكون بعد الفتح ، ويكون قوله خالصة متعلقاً بقوله أحللنا كما سيشير إليه. قوله : ( نصب بفعل يفسره ما بعده ) وفي نسخة ما قبله ، وهي أصلح ولذا اقتصر عليها القاضي زكريا وتقديره ونحل لك امرأة وإنما قدره لما ستعمله في الوجه الآتي وتقديره مضارعا أولى لما سيأتي ومن قدر أحللنا فهو مستقبل أيضاً لوقوعه جوابا للشرط فلا يرد عليه أنه لو صح تعلقه بأحللنا لم يحتج للتأويل كما قيل ، وقوله ولا يدفعه أي يدفع نصبه بالعطف على ما قبله بأحللنا إن امرأة موصوف بهذين الشرطين ، والفعل بعد الشرط مستقبل ، وان كان لفظه ماضيا سواء الشرط والجواب وأحللنا ماض معنى فلا يصح كونه جوابا ولا قائما مقامه كما قاله أبو البقاء والجواب إن أحللنا بمعنى أعلمنا بالحل ، وهو مستقبل كما تقول أبحت لك أن تكلم فلانا إن سلم عليك والتأويل به يكون بالنسبة للجميع لا للأخير فقط فإنه مع ما فيه من الجمع بين الحقيقة ، والمجاز تعسف لكون لفظ واحد ماضيا ومستقبلاً معا وهو بعيد ( وفيه بحث ) فإنّ الإعلام بحل ذوات الأجور على هذا قد مضى إليها فالمحذور باق إلا أن يراد تجرّده عن الزمان المخصوص ، والمعنى نعلمك بحل كل من هذه بعد وقوعه كما قيل ، ولا يخفى ما فيه وأمّا حمل قوله إن وهبت على الحال أو النعت أي مفروضة أو مقدورة فلا يحتمله كلام المصنف رحمه الله ولا وجه لحمله عليه فتأمّل. قوله : ( إن اتفق ) وقوع هبة له ، وهو إشارة إلى القول بعدم وقوعه أو وقوعه مع عدم قبوله على ما ذكر. بعض شراح الكشاف ، وقوله ولذلك نكره أي امرأة مؤمنة إذ ليست معلومة وأيضاً إن الدالة على أنه أمر مفروض تشير لذلك. قوله : ( ميمونة الخ ) ميمونة بنت الحرث توفي زوجها(7/178)
ج7ص179
فتزوّجها النبيّ صلى الله عليه وسلم سنة سبع ، وأمّ شريك بنت جابر طلقها النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بها ، وكانت وهبت نفسها له صلى الله عليه وسلم وخولة بنت حكيم وهبت
نفسها للنبيّ صلى الله عليه وسلم فأرخاها فتزوّجها عثمان بن مظعون بإذنه ، وقوله أو مدة إن وهبت فيكون في محل نصب على الظرفية وأكثر النحاة لا يجيزونه في غير المصدر الصريح كآتيك خفوق النجم ، وغير ما المصدرية فقول المصنف إنه كقولك ما دام الخ غير متجه إلا أنّ من النحويين من أجازه ، وقد جوّز في هذه القراءة أن يكون بدلاً من امرأة. قوله : ( شرط للشرط الأوّل ) يعني أنّ الشرط في مثله قيد للأوّل ، ولذا أعربه النحاة حالاً لأنها قيد واشترط الفقهاء تقدم الثاني في الوجود حتى لو قال إن ركبت إن أكلت فأن طالق لا تطلق ما لم يتقدم اكل على الركوب ليتحقق تقييد الحالية لكن السمين استشكله بما هنا لأنهم جعلوه بمنزلة القبول لأن القصة في الواقع كذلك على ما عليه عامّة المفسرين فمن غير القبول في عبارة المصنف بالإيجاب لينطبق على القاعدة لم يصب ، ثم قال إنه غرضه على علماء عصره فلم يجدوا مخلصا منه إلا بأنّ هذه القاعدة ليست بكلية بل مخصوصة بما لم يقم قرينة على تأخر الثاني كما في نحو إن تزوّجتك إن طلقتك فعبدي حرّ فإنّ الطلاق لا يتقدّم التزوّج ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، ثم قال فمن جعل الشرط الثاني هنا مقدما لم يصب فإرادة طلب النكاح كناية عن القبول ، وليس المراد بها الإرادة المتقدمة. قوله : ( والعدول عن الخطاب ) في قوله بنات عمك الخ وقوله مكرّراً أي لفظ النبيّ ، وقوله الرجوع إليه أي إلى الخطاب ، وقوله لأجله أي لأجل شرف النبوّة وهذا شامل لتخصيص الله له بهذا ولهبتهن أنفسهن فإنه لم يكن حرصاً على الرجال بل على الفوز بشرف خدمته ، والنزول في معدن الفضل فيرتفع ما في هبتهن الصادر من عائشة غيرة عليه سك!ب! فليس محل هذا العدول بعد قوله خالصة لك ، وليس هذا محل تقرير النبوّة كما توهم. قوله : ( واحتج به ) أي بقوله خالصة لكونه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه لأبي حنيفة رحمه الله ، وقوله لأنّ اللفظ تابع للمعنى يعني لما خص به جواز المعنى خص به جواز اللفظ ، وعليه منع ظاهر فالآية لا تصلح دليلا لا لنا ولا لهم لأنّ معنى وهبت ملكت بعضها بلا مهر بأفي عبارة كانت إن اتفق ذلك ، وحيث لم يكن هذا نصا في كون تمليكه بلفظ الهبة لم يصلح لأن يكون دليلا على صحة النكاح بلفظ الهبة خصوصاً إذا كان من خواصه صلى الله عليه وسلم وادّعاء الاشتراك في اللفظ يحتاج إلى دليل فكيف يصح استدلال أبي حنيفة على الشافعيّ بهذه الآية كما فصله شرّاح الكشاف والحق أبلج ، ولهم في هذا المقام كلام طويل أكثره مدخول فلذا تركناه. قوله : ( والاستنكاح طلب النكاح ) هذا أصل معناه لغة ، وقد مرّ أنّ المراد به القبول هنا فسقط ما قيل إن الأولى تفسيره بالنكاح لأن الاستفعال يجيء بمعنى الثلاثيّ ولا تكرار فيه كما توهم ولا ركاكة بناء على أنّ
حاصله طلب القبول ، وقوله مصدر مؤكد أي للجملة قبله كوعد الله وصبغة اللّه ، وفاعلة غير عزيز في المصادر كما قاله الزمخشريّ : وقوله أو إحلال ما أحللنا لك فإن كان معناه لا تحل أزواجه واماؤه لأحد بعده ورجع لما تقدم لم يبق فيها متمسك للشافعيّ أصلاً وشرائط العقد مفصلة في الفقه ، وقوله حيث لم يسم أي يعين ويعلم منه وجوبه إذا سمي بالطريق الأولى. قوله : ( من توسيع الأمر فيها ) بعدم تعيين العدد كالحرأئر ، وقوله كيف ينبغي الخ معمول علمنا أي علمنا ما ينبغي فيه وفعلناه على مقتضى علمنا وحكمتنا ، وقوله اعتراض خبر أي قوله علمنا إلى هنا جملة معترضة بين التعليل ، والمعلل وقوله لا لمجرّد قصد التوسيع عليه والعلة وان دلت على أنه للتوسيع بصريحها لكن الاعتراض الدال على أنّ الفرق بينه وبين العباد على ما ينبغي من الحكمة دال على عدم القصر عليه ، وهذه الدلالة عند الاعتراض أقوى من التأخير ولو جعل الاعتراض لتقرير الخلوص جاز أيضاً والتوسيع في زيادة العدد ، والتضييق في مغ غير المهاجرات معه ، وقوله لما يعسر التحرز عنه أو لما يشاء وهو الأولى. قوله : ( تؤخرها ) بتأخير قسمها لأنه رخص له فيه في قول أو بترك مضاجعتها فما بعده تفسير له ، وكذا قوله تضم إليك أي في القسم أو المضاجعة ، وقوله بالياء أي بدل الهمزة ومعناه تؤخر أيضاً ، وقوله أو تطلق هو تفسير ابن عباس رضمي الله(7/179)
ج7ص180
عنهما قيل وهو تمثيل إذ لا مانع من إرادة الجميع ، وقوله في شيء من ذلك أي المذكور قيل ظاهره أنه جعل من ابتغيت عطفاً على من تشاء الثاني ، والمراد غير المطلقة بقرينة المقابلة ولا يخفي قلة فائدته والعموم لا يمنع ما جوّز فيه من كون من هذه شرطية منصوبة بما بعدها ، وقوله فلا الخ جوابها أي من طلبتها من النسوة التي عزلتها فليس عليك في ذلك جناح ويجوز كونها موصولة ، والجملة خبرها والتقدير من ابتغيتها لا جناح عليك في ابتغائها ، وقيل فيه حذف معطوف أي ممن عزلت ومن لم تعزل سواء لا جناج عليك كما تقول من لقيك ممن لم يلقك جميعهم لك شاكر ولا يخفى بعده وقد جوّز في من أن تكون بدلية لا سيما إذا كانت الآية الثانية منسوخة بها.
قوله : ( ذلك التفويض ) أو الإيواء والأوّل أنسب لفظاً لأنّ ذلك للبعيد وهذا معنى لأن قزة عيونهن بالذات إنما هي بالإيواء ، وأقرب تفسير أدنى ، وقوله إلى قرّة إشارة إلى أنه على نزع الخافض وهو قياسي فيه ، وقوله عيونهن إشارة إلى أنّ جمع القلة أريد به الكثرة هنا وهو جائز ، وقوله قلة حزنهن إشارة إلى أن مع الترجيح لا يخلون من حزن مّا ولذا قال والله يعلم ما في قلوبكم للتهديد وقيل القلة بمعنى النفي اختيرت لمجانسة القرّة ، والأوّل أظهر ، وقيل إنه !ه مع تفويض القسم له لم يترك التسوية أصلاً كرما منه إلا لسودة رضي الله عنها فإنها وهبت نوبتها لعائشة رضي الله عنها ، وقوله فتطمئن نفوسهن أي لكونه بأمر الله ولأنّ اللّه سوى بينهن لكنه فوّض له ما يقتضيه شأنه ، وقوله تأكيداً لهن أي من آتيتهن إما على أنّ الإشارة للإيواء فظاهر ، وأمّا إذا كان للتفويض فآتيتهن بتأويل صنعت معهن فيعم ترك القسم والمضاجعة ، وقوله فاجتهدوا أي جدوا في تحسين ما في القلوب من الرضا والنية الحسنة. قوله : ) بذات الصدور ) خصه للتصريح به في غير هذا المحل ولقوله قبله ما في قلوبكم ، وقوله فهو حقيق بأن يتقي لأنّ غضب الحليم أعظم فانتقامه أشدّ ، وقوله تأنيث الجمع غير حقيقي وقد وقع الفصل أيضا والمراد بالنساء الجنس الشامل للواحدة ولم يؤت بمفرد لأنه لا مفرد له من لفظه ، والمرأة شامل للجارية وليست بمرادة هنا واختصاص النساء بالحرائر بحكم العرف ، فما قيل إنه لا دلالة على ما ذكر والاستثناء دال على خلافه ليس بشيء ولا يلزمه كون الاستثناء منقطعا على أصل اللغة ولو التزم لا محذور فيه. قوله : ( من بعد التع ( بناء على أنه حزم عليه ما فوقها وهو قول لهم ، وقوله أو من بعد اليوم أخره لأنه ليس لقوله ولا أن تبدل بهن فائدة تامّة ، وقوله من مزيد الخ فيشمل النهي تبدل الكل والبعض ، وقوله حسن الأزواج فالضمير على تفسيره للأزواج والمراد بهن من يعرضن بدلاً من أزواجه فتسميتهن أزواجاً باعتبار ما يعرض مآلاً والداعي له إن الباء تدخل في المتروك دون المأخوذ فلو كانت داخلة على المأخوذ كان ضمير بهن للنساء وكانت الأزواج على ظاهرها أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم من غير تجوز وكان ضمير حسنهن للنساء لا
للأزواح ، وهو أسلم من التكلف والداعي له ما ذكرنا وسيأتي تفصيله في سورة سبأ . قوله : ( لتوغله قي التنكير ) هذا مخالف لكلام النحاة فإنهم جوّزوا الحال من النكرة إذا وقعت منفية لأنها تستغرق فيزول إبهامها كما صرّح به الرضى فما ذكره مقتض. لا مانع ، وأما ما قيل من أن منع التنكير لذلك للزوم التباس الحال بالصفة ، وهو مندفع بالواو فليس له وجه لأن المصنف تابع للزمخشريّ في جواز دخول الواو على الصفة لتأكيد لصوقها كما صرّحوا به ، وأما كون ذي الحال إذا كان نكرة يجب تقديمها فغير مسلم في الجملة المقرونة بالواو لكونه بصورة العاطف. قوله : ( وتقديره مفروضاً إعجابك الخ ) دفع لما يتوهم من أن لو تقتضي امتناع مدخولها والحال تدل على ثبوت أمر لذيها فبينهما تناف بأنه مؤوّل بوصف وجودي ، وهو ما ذكر له ، وقوله في أنّ الآية الدالة على عدم حل النساء له بعد ذلك منسوخة أم لا والناسخ إنا أحللنا كما قيل أو قوله تؤوي الخ كما ذكره المصنف رحمه الله لكنه على تفسيرها بالطلاق ، وعدمه وتقدير تأخير نزولها إذ لا يمكن النسخ مع التقدّم فقول بعضهم إنه من الأعاجيب إذ نسخت آية متقدمة آية متأخرة نظر الظاهر ترتيب المصحف والا فهو غير متصوّر ، ووجه النسخ على تفسيرها بتطلق من تشاء إنه يدل بعمومه على أنه أبيح له الطلاق ، والإمساك لكل من يريد فيدل على أنه له تطليق منكوحاته ، ونكاح من يريد(7/180)
ج7ص181
من غيرهن إذ ليس المراد بالإمساك إمساك من سبق نكاحه فقط لعموم من يشاء وقوله تؤوي ليس مقيدا بمنهن ولا حاجة إلى جعل ما ذكر هنا قرينة على إرادة ذلك كما توهم. قوله : ( وقيل الخ ) مرضه لأنّ بعد بمعنى غير حينئذ ولا إن تبدل تكرير للتأكيد والاستثناء لا يخلو من شيء لاندراج مملوك اليمين في الأربعة السابقة. قوله : ( وقيل متقطع ا لاختصاص الشاء بالحرائر في الاستعمال كما مر وتبديلهن أزواجاً كالصريح فيه. قوله : " لا وقت أنّ يؤفإن لكم ) يعني أن هذا أصله فحذف المفماف وحل المضاف إليه محله فانتصب على الظرفية وفي انتصاب المصدر غير الصمريح وغير ما فيه ما الدوامية على الظرفية قولان للنحاة أشهرهما أنه لا يجوز وقد جوّزه بعضهم فاعتراض أبي حيان ومن تابعه ليس بشيء ومن توهم إن حذف المضاف غير النصب على الظرفية فقد زاد في الطنبور نغمة. قوله : ( أو إلا مأذوناً لكم ) أي المصدر المؤوّل باسم المفعول في محل نصب على الحال مستثنى من أعتم الأحوال كما كان ما قبله مستثنى من أعتم الأوقات وهو مفرع فيهما إلا أن في هذا مخالفة لقول
النحاة المصدر المسبوك معرفة دائماً كما صرّح به في المغني والحق أنه سطحي وأنه قد يكون نكرة كما قيل في قوله ما كان هذا القرآن أن يفتري معناه مفترى فمن قال كون المصدر بمعنى المفعول غير معروف في المؤوّل لم يصب ويجوز أن يقدر قبله حرف جرّ وهو باء المصاحبة والمعنى إلا مصحوبين بالإذن. قوله : ( لأنه متضمن معنى يدعى ا لأنه يقال إذن له في كذا ولا يتعدى بإلى وقوله وإن أذن أي في الدخول إلى الدار ولو صريحاً ما لم يكن مدعواً للطعام فإنّ كل إذن ليس دعوة إذ الدعوة أخص لأنها الإذن بالدخول واكل فلا وجه لما قيل إنّ الإذن هنا الإذن دلالة كفتح الباب ورفع الحجاب ولزوم الإذن في كل دخول من دليل خارج إذ ليس في الآية ما يقتضي التكرّر كما قاله الزيلعي رحمه الله. قوله : ( كما أشعر به الخ ) وجه الإشعار أنه حال من فاعل تدخلوا كما صرح به فيفيد أن الإذن المطلق بالدخول من غير إذن في الحضور للطعام لا يكون إذناً بحضوره كما ترى الحكماء يؤذن في الدخول عليهم لحوائج الناس دون حضور مائدتهم فلذا قيد النهي بعدم انتظارهم لإحضار الطعام فيدخلون عند وضعه وقد أذن في الدخول مطلقاً أو لأنّ المدعوّ للطعام لا ينتظره لأنه هيئ له وهذا مع ظهوره قد تكلفوا له ما لا حاجة إليه. قوله : ( حال من فاعل لا تدخلوا الخ ) وفي الكشاف إنه وقع الاستثناء على الوقت والحال معاً كأنه قيل لا تدخلوا بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقت الإذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين وردّه أبو حيان بأنه لا يقع بعد إلا في الاستثناء إلا المستثنى أو صفته إذ لا لا يتعدّد الاستثناء بأداة واحدة عند الجمهور وأجازه الكسائيّ والأخفش فيجوز ما قام القوم إلا يوم الجمعة ضاحكين والمانعون له يؤوّلون ما ورد منه بتقدير فيقدرون هنا أدخلوها غير ناظرين وهذه الحال يحتمل أن تكون مقدّرة واذا كان أن يؤذن حالاً فهي مترادفة. قوله : ( أو المجرور في لكم ) فالعامل يؤذن ولا محذور فيه وقوله وهو غير جائز عند البصريين ويجوز عند الكوفيين إذا لم يقع لبس كما هنا ولو أبرز قيل غير ناظر أنتم لا ناظرين أنتم كما قدره الزمخشري فإنه على لغة ضعيفة وتوله مصدر أنى الطعام الخ وقيل إنه بمعنى الوقت والآن وقوله ولا تمكثوا تفسير لقوله تفرّقوا لأنّ التفرّق ليس بلازم حتى لو ذهبوا جميعاً حصل المقصود. قوله : ( والآية الخ ) يتحينون بالحاء المهملة من الحين أي ينتظرون حين الطعام ويقصدونه وقوله مخصوصة خبر بعد
خبر أو حال وقوله وبأمثالهم ممن يفعل مثله في المستقبل فالنهي مخصوص بمن دخل بغير دعوة وجلس منتظراً للطعام من غير حاجة فلا يفيد النهي عن الدخول بإذن لغير طعام ولا الجلوس لمهمّ آخر ولذا قيل إنها آية الثقلاء وقد قيل بتنازع الفعلين تدخلوا ويؤذن في قوله إلى طعام ولا بأس به وأما ما قيل من إنها عامة لغير المحارم وخصوص السبب له يصلح مخصصاً كما قرّروه وتقيد الإذن بقوله إلى طعام معتبر هنا دون المفهوم فمعناه أنّ الآية ليست مخصوصة بهم نعم يكون وجهاً لتقييد الإذن بائطعام فيندفع وهم إعتبار مفهوم الموافقة عند الحنفية لا المخالفة عند الشافعية حتى يقال أين هذا من ذاك فتأمل. قوله : ( لحديث بعضكم بعضا ) فاللام تعليلية أو زائدة وقوله بالتسمع له أي سمعه أو استراقه وقوله عطف على ناظرين فهو مجرور ولا زائدة(7/181)
ج7ص182
ويجوز عطفه على غير فيكون منصوبا كقوله : { وَلاَ الضَّالِّينَ } والفعل المقدر معطوف على المذكور ومستأنسين حينئذ حال مقدرة أو مقارنة ، وقوله اللبث فسره به لأنه هو المؤذي له في الحقيقة وأما كونه إشارة إلى الدخول على غير الوجه المذكور فيشمل النظر والاستئناس ، أو إليهما باعتبار المذكور فغير ملائم للسياق والسباق ، وقوله إشغاله من أشغله وهي لغة ، وإن كانت رديئة حتى وقع الصاحب لمن كتب له إن رأى مولانا أن يأمر لإشغالي ببعض أشغاله فوقع له من كتب إشغالي لا يصلح لأشغالي. قوله : ( من إخراجكم ) يعني أنّ فيه تقدير مضاف ، وهو إخراج ب!ليل ما بعده فإنه يدل على أنّ المستحيي منه معنى من المعاني لا ذوإتهم ليتوارد النفي ، والإثبات على شيء واحد كما يقتضيه نظام الكلام فمعناه لا يترك تأديبكم والتأديب بإخراجهم لأنه كان يؤذيه ووضع الحق موضمع الإخراح لتعظيم جانبه ، كما أشار إليه بقوله يعني الخ وهذا على أنّ الإشارة للبث فإن كانت لغيره قدر المنع عما ذكر ، وقيل إنّ فيه مقدراً أي ولا مخرجكم فيستحيي للفاء التعليلية واولاه عطف بالواو ورد بأنّ الفاء إنما تدخل على المسبب ودخولها على السبب بتأويله به فالفاء في محلها وفيما ذكره كثرة الإضمار ، وعدم توارد النفي والإثبات على مورد واحد وفيه ما لا يخفى. قوله : ( يعني أن إخراجكم الخ ) في الكشف يريد أنه لو كان الاستحياء من أنفسهم لقال : { والله لا يستحى منكم } فإن قلت الاستحياء من زيد للإخراج مثلا هو الحقيقة والاستحياء من إخراجه توسع بجعل ما نشأ منه الفعل كأصله وكلاهما صحيح فيصح إيقاع أحدهما موقع الآخر ، قلت أراد أنه لا بد من ملاحظة معنى الإخراج فإما أن يقدر الإخراج ، ويوقع عليه فيكثر الإضمار ولا يتطابق اللفظ نفيا وإثباتا ، وأما أن يقدر
المضاف فيقل ويتطابق ومع وجود المرجح وفقدان المانع لا وجه للعدول فلا بد من ذكره وهذا بناء على أنّ الأصل في من أن تدخل على من يحتشمه لا على ما احتشم لأجله ، وأما كون أصله يستحيي منكم من إخراجكم والله لا يستحيي منكم من إخراجكم على أنه من الاحتباك فيكاد أن يكون من الهذيان فضلا عن كونه أنسب بإعجاز القرآن كما توهم. قوله : ( كما لم يتركه الله ترك الحي ) يشير إلى أنّ إطلاق الاستحياء عليه ، وإن كان منفياً كما مر على نهج الاستعارة بأنه شبه تركه له على أنه غير مرضي محمود كترك من ترك الفعل لاستحيائه منه أو هو مجاز مرسل استعمل الاستحياء في لازمه ، وهو الترك ويجوز أن يكون مشاكلة ، وقوله ترك الحي ظاهر في استعارة ومن ردّ على من جوّزها بأن المذكور في النظم الاستحياء لا الترك لم يصب بوجه ، والله لا يستحي من الحق وحذف إحدى الياءين لغة شائعة وهي إما الأولى والثانية واعلالها ظاهر. قوله : ( روي أن عمر رضي اللّه عنه الخ ) رواه النسائي والحديث الذي بعده أيضاً رواه البخاري والنسائي وما ذكره أحد موافقات عمر رضي الله عنه وهي مشهورة ، وقوله المستعيذة بالعين المهملة والذال المعجمة وهي امرأة تزوّجها النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل بها ورأته قالت أعوذ بالله منك فقال لها : " لقد عذت بمعاذ وطلقها وأمر أسامة فمتعها بثلالة أثواب " وذكر ابن سيد الناس في السيرة في اسمها خلافاً عند ذكر زوجاته التي فارقهن فقيل عمرة بنت يزيد الكلابية ، وقيل فاطمة بنت الضحاك الكلابي وقيل غير ذلك ، وقوله فهثم عمر رضي الله
عنه برجمهما لأنه لا ينعقد النكاج على أمهات المؤمنين فيكون زنا ، وتوله قبل أن يمسها يقتضي أنّ المراد بالدخول بها مجامعتها لا مجرّد الخلوة ، وهو كذلك وظاهره أنّ هذا الحكم مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم ، وقوله على ألسنتكم متعلق بتبدوا. قوله : ( وفي هذا التعميم الخ ( في قوله بكل شيء وشيئا دون أن يقول به وتبدوه ، وقوله مع البرهان أي على إثبات علمه بما يتعلق بزوجاته لأنّ علمه بكل شيء خفي وظاهر يدل على علمه به بطريق برهاني والتهويل المزيد ومبالغة الوعيد لأنّ العالم بتفاصيل كل شيء إذا أرأد العقاب عليه يكون عقابه أشد ، وأكثر كما ورد في الحديث : " من نوقش الحساب عذب " . قوله : ( أو لأنه كره ترك الخ ( هو قول للفقهاء كما نص عليه المفسرون لكنه قيل عليه إنّ هذه العلة ، وهو احتمال أن يصفا لأبنائهما وهما يجوز لهما التزوّج بها جار في النساء كلهن ممن لم يكن أمهات محارم فينبغي التعويل على الأوّل. قوله : ( من العبيد والإماء ( هو مذهب الشافعي رحمه الله ومذهب أبي حنيفة أنه مخصوص بالإماء فمن تبع المصنف(7/182)
ج7ص183
رحمه اللّه من الحنفية هنا فقد وهم ، وقد مز تفصيله في سورة النور. قوله : ( يعتنون بإظهار شرقه ( إشارة إلى ما تقدم من أن الصلاة بمعنى الدعاء تجوز بها عن الاعتناء بصلاح أمره واظهار شرفه ، وقد مرّ أنه أرجح من جعله بمعنى الترحم مجازاً من الصلاة بمعنى العبادة المعروفة ومعنى الاعتناء بما ذكر إعلاء ذكره ، وإبقاء شريعته واشاعة جلالته في الدنيا والآخرة ، وليس فيه جميع بين الحقيقة والمجاز. قوله : ( وقولوا اللهئم صل على محمد ) فيكون اعتناء الناس بالطلب من الله أن يعتني به للإشارة إلى قصور وسعهم عن أداء
حقه ، وهو من عموم المجاز لكن قال بعض الفضلاء إن سوق الآية لا يجاب اقتدائنا به تعالى فناسب ، اتحاد المغني مع اتحاد اللفظ فاندفع به اعتراضه في التلويح فانظره. قوله : ( وقولوا الخ ) أي قولوا ما يدل عليه بأي عبارة كانت أو هو تمثيل وتسليماً مصدر مؤكد قال الإمام ولم يؤكد الصلاة لأنها مؤكدة بقوله إن الله وملائكته الخ ، وقيل إنه من الاحتباك فحذف عليه من أحدهما والمصدر من الآخر ، وقد قال بعض الفضلاء إنه سئل في منامه لم خص السلام بالمؤمنين دون الله والملائكة ، ولم يذكر له جوابا قلت وقد لاح لي فيه نكتة سرّية وهي أن السلام تسليمه عما يؤذيه فلما جاءت هذه الآية عقيب ذكر ما يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والأذية إنما هي من البشر ، وقد صدرت منهم فناسب التخصيص بهم ، والتأكيد وإليه الإشارة بما ذكر بعده ، وقوله وانقادوا الخ فالسلام من التسليم والانقياد. قوله : ( والآية تدل على وجوب الصلاة والسلام ) لأنّ الأصل في الأمر الوجوب ، وقوله في الجملة أي من غير تعيين مقدار وزمان وتكرار ولذلك اختلف فيه السلف ، وقوله كلما جرى ذكره ذهب إليه الإمام الطحاوي من الحنفية ، وقوله رغم الخ رواه الترمذي وغيره ورغم بكسر الغين المعجمة وفتحها في الماضي وبفتحها وضمها في المضارع وأرغمه بمعنى ألصقه بالرغام ، وهو التراب ثم صار عبارة عن الذلة وهي جملة دعائية تدل على إثم تاركها وكذا ما بعده ، وهو حديث صحيح أيضا رواه الطبراني والبزار من طرق ، وفي الشفاء أنه صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال : " آمين ثم صعد فقال آمبن ثم صعد فقال آمين فسأله معاذ رضي اللّه عنه عن ذلك فقال. إن جبريل أتاتي فقال : يا محمد من سميت بين يديه فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله فقل آمين فقلت آمين وقال من أدرك رمضان فلم يقبل منه فمات مثل ذلك ومن أدرك أبويه أو أحدهما فمات مثل ذلك " انتهى والكلام عليه مفصل في شرح الشفاء. قوله : ( وتجوز الصلاة على غيره تبعاً ( وكذا السلام أيضاً في غير سلام تحية الأحياء ، واختلف في الكراهية هل هي تحريمية أو تنزيهية والصحيح الثاني ، وكذا اختلف في دعاء البشر للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالرحمة وصحح السيوطي رحمه الله في نكت
الأذكار إنه يجوز تبعاً للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، ويكره استقلالاً. قوله؟ ( يرتكبون الخ ) فالمراد بالأذية لهما ارتكاب ما لا يرضيا به مجازاً مرسلاً لأنه سبب أو لازم له ، وان كان بالنسبة لغيره فإنه كاف في العلاقة وذكر الله ولرسوله على ظاهره ، وقوله أو يؤذون رسول اللّه على أنّ الأذية على حقيقتها والمقصود ذكر الرسول ، وذكر الله إنما هو لتعظيمه ببيان قربه وكونه حبيبه المختص به حتى كان لم يؤذيه يؤذيه كما أن من يطيعه يطيع الله. قوله : ( ومن جوّرّ إطلاق اللفظ الخ ) كاستعمال اللفظ المشترك في معنييه أو في حقيقته ، ومجازه الذي جوّزه الشافعية ، وقوله باعتبار المعمولين الواقع في بعض النسخ إشارة إلى ما ذكره في الإنصاف من أنّ تعدد المعمول بمنزلة تكرّر لفظ العامل فيجيء فيه الجمع بين المعنيين ، وان كان قد ادعى هو أنه ليس من الجمع الممنوع وردّه الشرّاح كما مرّ والمراد بالمعنيين معنيي الأذية فيكون بالنسبة إلى الله ارتكاب ما يكره مجازا وبالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم على ظاهره ، ويمكن إرجاعه إلى عموم المجاز كما عرف في أمثاله ورباعيته بفتح الراء المهملة سن بين الثية والناب ، وقد كسرت في غزوة أحد كما هو مشهور. قوله : ( كانوا يؤذون علياً كرّم الله وجهه ) حال أو استئناف ، وقوله يبتغون بالغين المعجمة أو بالمهملة ومرّض هذا لأنّ قوله بغير ما اكتسبوا يأباه ظاهره إلا أن يحمل على قصد الاكتساب وارادته ، وقوله فقد احتملوا خبر الموصول المتضمن معنى الشرط. قوله : ( ومن للتبعيض الخ ) وقد قال في الكشاف : إنه يحتمل وجهين إن يتجلبين(7/183)
ج7ص184
ببعض ما لهن من الجلابيب فيكون البعض واحداً منها أو يكون المراد ببعضه جزأ منه بأن ترخى بعض الجلباب ، وفضله على وجهها فتتقنع به والتجلبب على الأوّل لبس الجلباب على البدن كله ، وعلى هذا التقنع بستر الرأس والوجه مع إرخاء الباقي على بقية البدن ، وقوله يدنين يحتمل أن يكون مقول القول ، وهو خبر بمعنى الأمر أو جواب الأمر على حذ { قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ } [ سورة إبراهيم ، الآية : 31 ] والجلباب إزار واسع يلتحف به فما قيل إنّ النظم عليهن دون على
وجوههن ، وقد فسره يستر وجوههن وأبدانهن به فكيف يصح الحمل على التبعيض حينئذ إذ لا يصح لفظ البعض في موضع من إلا أن يبقى بعض من الجلباب غير مستعمل في الوجه ، والبدن ليس بشيء لأن قوله عليهن إما على تقدير مضاف أي على رؤسهن أو وجوههن ، أو على أنه مفهوم منه وإن لم يقدر ، وأما قوله وأبدانهن فبيان للواقع لأنها إذا أرخت على الوجه بعضه بقي باقيه على البدن لكن المأمور به ضم بعض منه لأنّ به الصيانة. قوله : ( عن الإماء والقينا! ) إما من عطف أحد المترادفين أو المراد بالقينات البغايا وأما إرادة المغنية فلا وجه له ، وقوله يميزن فالمراد بالمعرفة التمييز مجازاً لأنه المقصود ولو أبقى على معناه صح ، قال السبكي في طبقاته واستنبط أحمد بن عيسى من فقهاء الشافعية من هذه الآية أنّ ما يفعله العلماء والسادات من تغيير لباسهم وعمائمهم أمر حسن ، وان لم يفعله السلف لأن فيه تمييزا لهم حتى يعرفوا فيعمل بأقوالهم. قوله : ( لما سلف أليس المراد به أمر التجلبب قبل نزول هذه الآية حتى يقال إنه لا ذنب قبل الورود في الشرع فهو مبني على الاعتزال ، والقبح العقلي بل المراد ما سلف من ذنوبكم المنهيّ عنها مطلقا فيغفرها إن شاء ولو سلم إرادته فالنهي عنه معلوم من آية الحجاب التزاماً ، وقيل المراد لما عسى يصدر من الإخلال في التستر. قوله تعالى : ( { وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } الخ ) إمّا أن يراد بالمنافقين والمرّاض والمرجفين قوم مخصوصون ، ويكون العطف لتغاير الصفات مع اتحاد الذات على حد :
إلى الملك القرم وابن الهمام
أو يراد بهم أقوام مختلفون في الذوات والصفات فعلى الأوّل تكون الأوصاف الثلاثة للمنافقين ، وهو الموافق لما عرف من وصفهم بالذين في قلوبهم مرض كما مرّ في البقرة ، والأراجيف بالمدينة أكثرها منهم لكنه لا يوافق ما ذيل به من الوعيد بالإجلاء والقتل فإنه لم يقع للمنافقين ، وعلى الثاني هم المنافقون ، وقوم ضعاف الدين كالمؤلفة قلوبهم أو الفسقة وأهل الفجور والأوّل أصح لأنه لم يكن الثاني في صدر الإسلام ، والمرجفون اليهود الذين كانوا مجاورين لهم بالمدينة ، وهذا هو الظاهر من كلام الشيخين وقد وقع القتال والإجلاء لمن لم ينته منهم وهم اليهود وهذا لا عبار عليه ، وقوله عن تزلزلهم متعلق بينته وهو على طريق اللف والنشر فهذا ناظر لضعف الإيمان وقلة الثبات وما بعده للفجور وقوله إخبار السوء كالهزيمة ،
وقوله الأخبار الكاذب بصيغة المصدر وفي نسخة الأخبار الكاذبة بصيغة الجمع ، وقوله لكونه متزلزلاً أي في نفسه أو لاضطراب قلوب المؤمنين به ، وقوله بقتالهم واجلائهم أي بقتال بعض منهم وإجلاء بعض آخر ، وقوله لنأمرنك إشارة إلى أنّ الإغراء وهو التحريش تجوز به هنا عن الأمر ، وقوله ما يضطرّهم ما مصدرية وهو معطوف على إجلائهم. قوله : ) وثم للدلالة على أنّ الجلاء الخ ) يعني أنها للتفاوت الرتبى والدلالة على أنّ ما بعدها أبعد مما قبلها وأعظم وأشد عندهم ، وقوله زماناً الخ فهو منصوب على الظرفية أو المصدرية وأما نصبه على الحال والمعنى أنهم قليلون أي أذلاء وملعونين صفته فلا يخفى حاله. قوله : ( نصب على الشتم ) أي بفعل مقدّر كأذم ونحوه مما يدل على الشتم ، وهذه العبارة نما أتستعملها النحاة في النعت المقطوع ، واذا كان حالاً فهو من فاعل يجاورونك ، وقوله والاستثناء شامل له أي للحال بناء على أنه يجوز أن يستثنى بأداة واحدة معا شيئان ، وقد تقدم ما فيه ومنع أكثر النحاة له. قوله : ) ولا يجورّ أن ينتصب الخ ) أي على أنه حال من ضمير أخذوا وقتلوا الخ أي لأنّ ما بعد أداة الشرط لا يعمل فيما قبلها مطلقا وفي المسألة ثلاثة أقوال للنحاة ، المنع مطلقاً والجواز مطلقاً ، والجواز في معمول الجواب والمنع في معمول الشرط وقوله لأنه لا يبذلها على أنّ المبدل هو الله. قوله : ( عن وقت قيامها ) إمّا لأنّ الساعة اسم الزمان أو لأنه على تقدير مضاف وقيامها وقوعها ، وقوله استهزاء إن كان السؤال من المشركين المنكرين لها والتعنت من(7/184)
ج7ص185
المنافقين ، والامتحان من اليهود لأنهم يعلمون من التوراة أنها مما أخفاه الله فيسألونه ليمتحنوه هل يوافقها وحياً أو لا. قوله : ( شيئاً قريباً ) توجيه لتذكير. وهو خبر عن ضمير الساعة المؤنث بأنه صفة للخبر المذكور لا خبر بحسب الأصل ، أو هو ظرف منصوب على الظرفية فإنّ قريبا وبعيداً يكونان ظرفين فليس صفة مشتقة حتى تجري عليه أحكام التذكير والتأنيث ، وقوله في معنى اليوم والوقت كما مرّ والوقت شاملى لليوم فليس فية مخالفة لما مرّ كما توهم ، وقد تقدم في أنّ وحمة الله قريب
وجوه أخر ، وقوله وفيه الخ أي في ة وله وما يدريك الخ ، والمستعجلين هم المستهزؤون لأنّ استعجالهم استهزاء نشأ عن إنكارهم ، وفي نسخة بدل الممتحنين المتعنتين ، وقوله شديدة الاتقاد لأنّ تسعير النار إيقادها في الشدّة من فعيل صيغة المبالغة ، وقوله يحفظهم لأنّ الولي يكون بمعنى الحافظ المتولى للأمر.
قوله : ( كاللحم يشو! ) وفي الكشاف تشبيه بقطعة لحم في قدر تغلي ترامى بها الغليان
من جهة إلى جهة ، وقوله أو من حال إلى حال فالمراد تغيير هيآتها من سواد وتقدير وغيره ، وقوده وقرك! تقلب أي بفتح التاء وأصله ما ذكر ونقلب بنون العظمة أو بالتاء والبناء للفاعل لأنه قرئ بهما ، والظرف يوم وهو متعلق بيقولون ، وقد جوّز فيه تعلقه بمحذوف كاذكر أو بيجدون أو نصيراً فيقولون حال أو استئناف ، والقادة كالسادة لفظا ومعنى ، وقوله الذين لقنوهم الكفر إشارة إلى ما أطاعوهم فيه. قوله : ( على جمع الجمع ) فهو شاذ كبيوتات وكون سادة جمعاً هو المشهور ، وقيل اسم جمع فإن كان جمعاً لسيد فشاذ ، وان كان جمعاً لمفرد مقدّر وهو سائد كان ككافر وكفرة لكنه شاذ أيضاً لأنّ فاعلاً لا يجمع على فعلة إلا في الصحيح ، وقوله السبيلا بالف الإطلاق تقدّم توجيهه ومعناه جعلونا ضالين عن السبيل ، وقوله أشدّ اللعن وأعظمه لأنّ الكبر يستعار للعظمة مثل كبرت كلمة ، وليس هذا من التنوين وان كان للتعظيم أيضا. قوله : ( فأظهر براءته صلى الله عليه وسلم من مقولهم يعني مؤذ! ومضمونه ) يعني أنّ القول هنا بمعنى المقول سواء كانت ما موصولة أو مصدرية والمصدر مؤوّل بالمفعول ، والمراد بالمقول مدلوله الواقع في الخارج ، وبرأه بمعنى أظهر براءته وكذبهم فيما أسند إليه وإنما أوّل الفعل بإظهاره لأنّ المرتب على أذاهم ظهور تبرئته لا تبرئته لأنها مقدمة عليه ، واستعمال الفعل مجاز عن إظهاره والمقول بمعنى المضمون كما يقال قالة للسبة وهي ما يسب به أمر شائع لا يكاد لكثرته يعدّ تأويلاَ فما قيل إنه تعالى لما أظهر براءته مما افتروه عليه انقطعت كلماتهم فيه فبرئ من قولهم على أن برّأه بمعنى خلصه من قولهم لقطعه عنه فهو تكلف لأنّ قطع قولهم ليس مقصوداً بالذات ، حتى لو
انقطع باي طريق كان طابق ما في النظم بل المراد انقطاعه لظهور خلافه فلا بد من ملاحظة ما ذكره المصنف ، وأما كون البراءة لا تكون إلا من الدين أو الجب فليس مسلماً عند القائل ، وان ذكره شراح الكشاف لتأويله البراءة بما ذكره. قوله : ( قذفوه بعيب في بدنه الخ ) الأدرة بضم الهمزة وسكون الدال المهملة وراء مهملة مفتوحة ، وهاء تأنيث مرض ينتفخ منه الخصيتان ويكبران جدا لانصباب مادّة أو ريح غليظ فيهما ورجل آدر بالمد كآدم به أدرة ، وفرط تستره لأنه صلى الله عليه وسلم يكره أن يكشف شيئاً من جسده فظنوه لمرض فيه يخفيه ، واطلاع الله عليه لما اغتسل ووضمع ثيابه على حجر فذهب الحجر بها ، وظل يجري خلفه عريانا وهم ينظرون إليه كما هو مشهور في الآثار ، وقوله ذا قربة ووجاهة لأ نه من الجاه عند العظماء وهو التقرّب والعظمة والعزة. قوله : ( قاصدا إلى الحق الخ ) أي متوجهاً إليه كما يتوجه السهم إلى الهدف لأنه من قولهم سدد سهمه إذا وجهه للغرض المرمى ، وقوله من سدج يسد أي بكسر سين مضارعه ومصدره السداد بفتح أوّله وأما سد يسد بالضم فمعناه من سد الثلمة والسداد بالكسر ما يسد به ، وقوله والمراد النهي عن ضده ، وهو القول الذي ليس بسديد لأنّ الأمر بشيء يلزمه النهي عن ضده والمقام للنهي عما يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا عطفه على ا اضهي السابق وهو المناسب لما مرّ والمراد بزينب بنت جحش أم المؤمنين رضي اللّه عنها وحديثها فصتها من تطليق زيد رضي الله عنه لها ، وتزوّح النبيّ صلى الله عليه وسلم بها. قوله : ( تقرير للوعد السابق الخ ) أي بيان له على وجه التأكيد ، ولذا لم يعطف والوعد قوله فاز فوزا عظيما لأنّ المراعي لها فائز كما أشار إليه وقوله إنه(7/185)
ج7ص186
كان ظلوماً جهولاً بتقدير إن لم يراع حقا فلا يأباه كما قيل مع أن قوله بتعظيم الطاعة يدفعه فتأمّل. قوله : ( وسماها ) أي الطاعة أمانة ظاهره أنّ الأمانة مستعارة هنا للطاعة ، وليس بمراد بل هو بيان لحاصل المعنى على الوجهين وسياتي الكلام عليهما ، وقوله والمعنى الخ شروع في بيان معنى الآية وما فيها من الاستعارة وقد قرّره الزمخشري على وجهين وله ولشراحه فيه كلام طويل الذيل ، والذي ارتضاه المدقق في الكشف أنّ فيه وجهين الأوّل أنه أريد بالأمانة الطاعة المجازية ليتناول اللائق بالجماد والمكلفين والعرض والإشفاق والإباء عن الحمل أي الخيانة ،
وعدم الأداء مجازات متفرّعة على التمثيل الذي مداره على تشبيه الجماد بمأمور متبادر إلى الامتثال تعريضا للأنسان بأنه كان أحق بذلك ، وفيه تفخيم لشأن الطاعة بأنّ مشابهها يتسارع له الجماد لعظمة شأنه فكيف بها ونظيره ما مرّ في قوله : { اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [ سورة فصلت ، الآية : ا ا ] وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل كما نص عليه ثمة وان اختلف الغرض فيهما والثاني أريد فيه بالأمانة الطاعة الحقيقية لما كلفه الإنسان والعرض والإشفاق والإباء حقيقة والحمل بمعنى الاحتمال لا الخيانة ، وحقيقة التمثيل إنه مثل حال التكليف في صعوبته وثقل محمله الخ والغرض تصوير عظم الأمانة وهو المراد بقوله ثمة ، ويجوز أن يكون تخييلاً ومنه ظهر أنّ التخييل تمقيل خاص والتصوير لا ينافي كونه تمثيلاً وما لهج به بعضهم من الكناية الإيمائية وأخذ الزبدة من غير نظر لحقيقة التمثيل لا يطابق الحقيقة ، والإصطلاج ولا يغني عن الرجوع لما مرّ مع تناقضه في مواضع وهذا أبسط موضع حقق المصنف فيه التمثيل فليحذ على مثاله فيما يرد من أمثاله ، وهذا زبدته بعد مخضه وتبيين خالصه ومخضه وللنظر فيه مجال ، ولكن لكل مقام مقال. قوله : ( بحيث لو عرضت الخ ) هذا هو الوجه الثاني فالمراد بالأممافة الطاعة الحقيقية ، وهو استعارة مركبة وتمثيل تخييليّ على حد قولهم لو قيل للشحم أين تذهب لقال أسوّي العوج ، والمراد أنّ ما كلفه الإنسان على ضعفه لو كلف هذه الأجرام حمله أبته فشبهت حالة الإنسان المحققة بحالة مقدرة مفروضة ومفرداته على حفيقتها والإشفاق الخوف مع الاعتناء. قوله : ( حيث لم يف بها ( أي بالأمانة ، وهو إشارة إلى أنّ فيه مقدراً بعد قوله حملها أي وغذر أو لم يف ، وقوله وهذا وصف للجنس الخ لأنّ منهم من وفى بما عاهد الله عليه كالنبيين الصديقين ، وهذه الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا وتأكيدها لأنها مظنة للتردد. قوله : ( وقيل المراد بالأمانة الطاعة الخ ) يعني إنّ هذه الأجرام انقادت لأمر الله انقياد مثلها تكويناً وتسوية والإنسان لم يكن حاله كذلك وهو عاقل مكلف فالأمانة الطاعة المجازية الشاملة للإنسان والجماد وهو الوجه الأوّل وهو مختار الزجاج والمقصود تعظيم شأن الطاعة وتوبيخ الإنسان ففيه تقرير لما قبله أيضا ، وهو تجوّز في مفردات عدة أو تمثيل يتفرع عليه تلك المجازات على ما مرّ في الكشف فالطاعة قبول الأمر وسرعة الانفعال ، وقوله استدعاؤها أي تسخيرها كما بينه بقوله الذي يعم الخ ، والمراد بالمختار ما يقابل الجماد من المخلوقات ،
وقوله وبحملها الخيانة بتشبيه الأمانة قبل أدائها والمراد إتيان ما يتأتى منها ولا يخفى بعدهما. قوله : ( وقيل إنه تعالى الخ ) هذا التفسير نقله البغوي والطيبي عن السلف ولا بعد أن يخلق الله فيها فهما لخطابه فأجابت بأنها ميسرة لما خلقت له وأما كونها استحقرت أنفسها عن التكليف فلا يتم به الجواب. قوله : ( ولعل المراد بالآمانة العقل أو التكليف ) وفي نسخة والتكليف بالواو وهي أولى ليخرج الملك وعلى الأوّل تخصيص الإنسان دون الملك والجن لأن الكلام معه ، وليس الأوّل ناظرا إلى كون السموات إحياء عاقلة والثاني إلى خلافه كما توهم فإنه مما لا يلتفت إليه ، وهذا وجه رابع في الآية وليس من تتمة الثالث كما يتوهم ، وقيل المراد بالأمانة المختصة بالإنسان وهي مظهر لصفات الألوهية ، ولذا سمي بالعالم اكبر كما قيل :
وتزعم إنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
قوله : ( اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن ( أي من حيث الخصوصيات كالإعراض والصفات(7/186)
ج7ص187
لا بالنظر إلى الذات الجسمية حتى يرد عليه أنّ الأجسام متماثلة يقبل كل منها ما يقبل الآخر عند أهل الحق واستعدادها بجعل الله لها مستعذة ، وقوله استعداده لها أي مع ما فيه من العقل ليتم المراد. قوله : ( لما غلب عليه من القوّة الفضبية ( الداعية للظلم والشهوية الداعية للجهل بعواقب الأمور ففيه لف ونشر مرتب ، وقوله علة للحمل عليه بيان لاختياره لهذا الوجه بأنه ينتظم فيه قوله إنه كان ظلوما جهولاً مع ما قبله على أنه علة باعتبار حمل العقل عليه بمعنى إيداعه فيه لأجل إصلاج ما فيه من القؤتين المحتاجتين إلى سلطان العقل الحاكم عليهما فكأنه قيل حملناه ذلك لما فيه من القوى المحتاجة لقهره وضبطه ، وقوله فإن من فوائد العقل الخ ظاهر على النسختين أما على عطفه بالواو فأظهروا ما على الأخرى فلاستلزام كل منهما للآخر كما أشار إليه بقوله ومعظم مقصود الخ ، وقيل إن قوله فإنّ الخ ناظر إلى إرادة العقل بالأمانة ، وقوله معظم الخ ناظر إلى كون المراد بها التكليف فقيه لف ونشر مرتب ، ومهيمنا بمعنى ناظراً ورقيبا والمراد به حافظاً فهو تفسير له ، وقوله كسر سورتهما أي تضعيف شدتهما. قوله : ( تعليل
للحمل الخ ) يعني أنه علة للحمل مجازاً فهي لام العاقبة ولو جعل علة للعرض لم يحتج إلى التجوّز لكنه تبع فيه الزمخشري وفيه على هذا التفات ، وقوله وذكر التوبة في الوعد يعني كان مقتضى المقابلة أن يقول وينعم أو يثيب ونحوه لكنه عدل عنه لنكتة كما ذكره ، وقوله من قرأ الخ الحديث موضوع تمت السورة والحمد لله والصلاة والسلام على من أنزلت عليه وعلى آله وصحبه.
سورة سبأ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( وقيل إلا وقال الخ ) وفي نسخة والذين الخ وهما سهو والصواب ، ويرى الذين
أوتوا العلم إذ ليس في نظمها ما ذكره ، وكذا ما ذكره من عدد الآيات صوابه خمس وخمسون أو أربع وخمسون فإنه المذكور في كتب الإعداد كما قاله الداني والاختلاف في قوله عن يمين وشمال الخ. قوله : ( خلقاً ونعمة ) وفي نسخة وملكاً والثانية هي الموافقة لما ذكره في غير هذه الآية والأولى هي الموافقة للكشاف ، ولما بعده من قوله تمام نعمته وهما تمييزان للنسبة ، وقوله فله الحمد في الدنيا ليس إشارة إلى معطوف عليه مقدر في النظم بل بيان لحاصل المعنى لأنّ السموات والأرض عبارة عن هذا العالم بأسره وهو يشتمل على النعم الدنيوية فعلم من التوصيف بقوله الذي الخ إنه محمود على نعم الدنيا ، ولما قيد الثاني بكونه في الآخرة علم أنّ الأوّل محله الدنيا فصار المعنى أنه المحمود على نعم الدنيا فيها ، وعلى نعم الآخرة فيها أو هو من الاحتباك وأصله الحمد لله الخ في الدنيا وله ما في الآخرة والحمد فيها فأثبت في كل منهما ما حذف من الآخر ، وقوله لكمال قدرته إشارة إلى أنّ الحمد الثناء بالجميل سواء كان في مقابلة نعمة أم لا ، وقوله وله الحمد في الآخرة معطوف على الصلة أو اعتراض إن كانت جملة يعلم حالية. قوله : ( لأنّ ما في الآخرة أيضاً كذلك ) أي له خلقاً ونعمة وملكا ، وقوله من عطف المقيد بكونه في الآخرة على المطلق عن ذلك وما يقابله بل هو من عطف مقيد على مقيد كما قرّرناه لك من أنّ معناه الحمد في الدنيا لخالف الدنيا ، وما فيها من النعم وقوله تقديم الصلاة أراد قوله له ، ولا يرد عليه إنه لا حاجة في إفادة ما ذكر إلى التقديم لأنّ اللام الاختصاصية تفيده ، ولا ينقضه دخولها في الحمد على نعم الدنيا لأنها أيضاً مقصورة عليه في الحقيقة ، وإنما الفرق بينهما إنها تكون صورة لغيره وما في الآخرة لا يكون لغيره صورة ولا حقيقة لأنه مبنيّ على أنّ الاختصاص المستفاد من اللام معنا. الحصر ، وليس كذلك فإنهم ارتضوا أنه بمعنى الملابسة التامّة لا الحصر كما فصله الفاضل الليثي ، ولو سلم فهو تأكيد الحصر لا لحصر الحصر. قوله : ( ولا كذلك نعم الآخرة ) قيل عليه إنها أيضاً قد يكون فيها التوسط كما يحصل
بشفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والكرام المشفعين ، وا! الحمد لا يلزم أن يكون في مقابلة نعمة كالشكر والثاني ظاهر الدفع لأنه في العرف يكون بمعنى الشكر ، وهو المراد هنا إلا أنّ قوله لكمال قدرته ينبو عنه ، وأمّا الأوّل(7/187)
ج7ص188
فقد دفع بأنّ المراد بالتوسط هنا وصول النعمة بيد المتوسط حتى كأنها من عنده وفيه نظر فإنه يكفي للحمد التسبب في الجملة فما ذكر غير صاف من الكدر. قوله : ( الذي أحكم الخ ) هو بيان لحاصل المعنى لأنّ ما يصنع بحكمه يكون محكما ولا حاجة إلى جعله إشارة إلى أنّ فعيلا بمعنى مفعل ، وقد قال بعض أهل اللغة بعدم وجوده في كلام العرب ، وقوله ببواطن الأشياء فسره به بناء على ما قاله بعض أهل اللغة من أن الخبرة تختص به لأنها من خبر الأرض إذا شقها لا لمناسبته لما بعده وإن كانت حاصلة ، ثم إن علم الباطن سواء أريد الظاهر أو الخفيّ يستلزم غيره فلا يتوهم أنّ التعميم أولى كما قيل. قوله : ( يعلم الخ ) إمّا تفسير للخبير أو حال أو مستأنف ، وقوله ينبع في آخر كأنه ذكر. ليعلم أنه نفذ فيها إذ لولاه لم يعلم أنّ في باطنها ماء أو المراد أنه يعلم بالنابع منها في أيّ موضع مبدأ نفوذه ولذا ذكر العيون فيما بعده فلا يرد أنه ينبغي أن يذكر هذا فيما بعده ، والمراد بالحيوان المطلق لأنه كله مخلوق من التراب أو المتولد منه ، والفلزات بكسر الفاء واللام وتشديد الزاي ما ينطرق ويذوب من المعدنيات ، أو المراد به جميع المعدنيات كما ذكره الجاربردى والمقادير المراد بها مقادير الأعمار والأمور المقدرة ، والأنداء جمع ند على خلاف القياس ، وهو معروف وفي نسخة الأندية والولوح يكون بالوضمع فيها ، ومعنى العروج معنى الاستقرار فلذا عداه بفي دون إلى والسماء جهة العلوّ مطلقا كما مرّ. قوله تعالى : ( { وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ } ) فذم الرحمة لأنها منشأ المغفرة أو للفاصلة ، وقوله للمفرّطين الخ بناء على أنّ ذلك لهم في الدنيا وما بعده على أنه في الآخرة ولو عممه لهما كان أولى ، وقوله مع ما له الخ إشارة إلى مناسبته لما قبله لأنه من أعظم النعم أيضاً فلا يتوهم أنّ المناسب لما قبله ذكر الكريم فاصلتها تذييل لما قبلها فينتظم أتمّ انتظام. قوله : ( أو استبطاء استهزاء ) هذا أيضاً إنكار إلا أنه يريد يتضمن الاسنهزاء والنفي فيه مجاز عن الاستبطاء وفي الأوّل هو على حقيقته ، وقوله وتأكيد لما نفوه لأنّ بلي لإثبات ما نفى فقوله لتأتينكم تأكيد على تأكيد كما أشار إليه بقوله تكرير لإيجابه أي لإيجاب المجيء ، وقيل المعنى لما أوجبه بلى. قوله : ( مقرر الوصف المقسم به ) وهو ربي ووصفه عالم
الغيب ، وجعله وصفاً لا عطف بيان أو بدلا لأنه أريد به الدوام والثبوت فإضافته محضة معرّفة أو المراد بوصفه الربوبية والصفات عدم غروب شيء عن علمه وجزاء المحسنين وما تضمنه ذلك ، وقوله تقرّر إمكانه أي إمكان ما أنكروه من مجيء الساعة ولم يقل تقرّر وقوعه اقتصاراً على مقدار الكفاية في ردّ استبعادهم بأنّ علمه محيط بجميع الأشياء فيعلم أوقاتها ، وما في تعجيلها وتأخيرها من الحكم فيظهرها على ما اقتضته حكمته ، وتعلقت به مشيئته كما فصله في سورة الأنعام. قوله : ( ويؤيده القراءة بالفتح ) أي النصب لأنه شبيه بالمضاف ولا حاجة إلى تخريجه على لغة فيه كما ذكره النحاة في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا مانع لما أعطيت " ، ووجه التأييد أنها من النواسخ فاسمها مبتدأ في الأصل ، والعطف فيه غير متجه كما بينه بقوله ولا يجوز الخ. قوله : ( لآنّ الاستثناء الخ ) أي لأنّ الاستثناء حينئذ إذا كان متصلاً يقتضي أنّ ما في الكتاب وهو اللوح المحفوظ عزب عنه فغاب عن علمه وليس كذلك ، وقوله اللهم الخ إشارة إلى ضعفه كما هو معروف في الاستعمال والمعنى حينئذ لا يبعد عن غيبه شيء إلا ما كان في اللوح لبروزه من الغيب إلى الشهادة ، قال أبو حيان : ولا يحتاج إلى هذا إذا جعل الكتاب ليس اللوح المحفوظ ، وأمّا ما قيل عليه من أنه لا يساعده المعنى لأنّ الغيبيّ إذا برز إلى الشهادة لم يعزب عنه بل بقي في الغيب على ما كان عليه مع بروزه فمعناه أنّ كونه في اللوح كناية عن كونه من جملة معلوماته ، وهي إمّا مغيبة وأمّا ظاهرة وكل مغيب سيظهر والا كان معدوما لا مغيبا ، وظهوره وقت ظهوره لا يرفع كونه مغيبا فلا يكون الاستثناء متصلاً ألا تراك لو قتل علم الساعة مغيب عن الناس إلا علمهم بها حين تقوم ، ويشاهدونها لم يكن هذا الاستثناء متصلا ومن لم يقف على مراده قال : كيف يبقى من الغيب على ما كان والغيبة والبروز صفتان متقابلتان ينافي الاتصاف بأحدهما الاتصاف بالآخر فتأمل ، وإذا كان الاستثناء منقطعا فالمعنى أنّ ما في اللوح يطلع عليه في الملأ الأعلى فليس بغيب ، وكذا إذا كان المعنى(7/188)
ج7ص189
أنه لا يعزب عنه إلا ما هو عنده في أمّ الكتاب على نهج قوله :
ولا عيب فيهم غيرأن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
فيكون مؤكداً لعدم العزوب ويروى أيضاً بجرّ أصغر وأكبر وفيها إشكال مع جوابه في البحر والدر المصون. قوله : ( علة لقوله لتأتينكم ) ولم يجعله علة لقوله لا يعزب لأنّ علمه تعالى ليس لأجل الجزاء ، وقد جوّزه أبو البقاء وجوّز أيضاً تعلقه بمتعلق في كتاب ، وقوله بيان لما يقتضي إتيانها بالمثناة الفوقية والنون لأنّ المقتضى لمجيء الساعة جزاء المحسن والمسيء ، ووقع في بعض النسخ إثباتها بالمثلثة والموحدة بعدها والمثناة الفوقية والمعنى أنّ الجزاء مقتض لإثبات الأشياء في علمه أو في اللوح فيكون مرتبطاً بجملة ما قبله ، والأولى أولى. قوله : الا تعب الخ ا لأن الكريم من شأت أن لا يتعب من يحسن إليه ، ولا يمن عليه فوصف بوصف صاحبه ، وقوله والذين سعوا الخ جوّز فيه أن يكون مبتدأ وجملة أولئك الخ خبره وأن يعطف على الذين قبله أي ويجزي الذين سعوا ويكون جملة أولئك التي بعده مستأنفة ، والتي قبله معترضة قيل وعلى هذا يحتمل مدلولهما أن يكون هو الثواب والعقاب وأن يكون غيره مما هو أعظم منه كدوام رضا الله وسخطه ، وهو غير متوجه وكيف يتأتى حمله على رضوان الله وضحده وقد صرّح فيه بالمغفرة والرزق في مقابله بالعذاب وجعل الأوّل جزاء. قوله : ( مثبطين ) أي معوّقين ومانعين وتقدّم فيه كلام في سورة الحج وسيأتي في آخر هذه السورة ، وقوله سيئ العذاب بناء على أنّ الرجز أشد العذاب فيكون قوله أليم صفة مؤكدة واذا كان مطلقه فهي مؤسسة وكون أليم بمعنى مؤلم تقدم ما فيه ، واذا رفع أليم فهو صفة عذاب. قوله : ( ويعلم ) فرأى علمية لا بصرية ، وشايعهم بمعنى تابعهم ووافقهم وقوله أو من مسلمي أهل الكتاب في الكشاف ويجوز أن يريد وليعلم من لم يؤمن من الأحبار أنه هو الحق فيزدادوا حسرة ، وغماً وتركه المصنف قيل لأنّ وصفهم بأولى العلم يأباه لأنها صفة مادحة ، وهو غير مسلم عنده كما أشار إليه بأنّ المراد ازدياد حسرتهم ، وقد وصفوا بمثله كقوله : !تيناهم الكتاب } [ سورة البقرة ، الآية : 121 ] فالظاهر أنه لمقابلته بقوله : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } والفرق بين الوجهين أنّ علمهم من النبيّ صلى الله عليه وسلم على الأوّل دون الثاني وقوله من رفع الحق الخ يعني ومن نصبه جعله ضمير فصل. قوله : ( وهو ) أي يرى مرفوع بضمة مقدرة على آخره ، وقوله مستأنف أي ابتداء كلام
غير معطوف على ما قبله ، وقيل إنه عطف على قوله : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ } على معنى وقال الجهلة : لا ساعة وعلم أولوا العلم أنه الحق الذي نطق به الكتاب المنزل عليك بالحق ، ولو فسر أولوا العلم على هذا بالأحبار الذين لم يؤمنوا لم يستقم المعنى ، وأما على وجه النصب فصحيح لصلوحه تعليلا كما بينه ، وقد جعل تكلفاً بعيدا لأنّ دلالة النظم إنما هي على الاهتمام بشأن القرآن لا غير وأنت خبير بأنّ ما قبله من قوله : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ } [ سورة مبأ ، الآية : 7 ] الخ في شأن الساعة ومنكري الحشر فكيف يكون ما ذكره بعيدا بسلامة الأمير فذكر حقية القرآن هنا بطريق الاستطراد ، والمقصود بالذات حقية ما نطق به من أمر الساعة. قوله : ( وقيل منصوب ) أي يرى صنصوب بفتحة مقدرة فقوله والذين سعوا معطوف على الموصول الأوّل ، أو مبتدأ والجملة معترضة فلا يضرّ الفصل كما توهم. قوله تعالى : ( { وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } ) فيه وجوه أحدها أنه مستأنف وفاعله إمّا ضمير الذي أنزل أو الله فقوله العزيز الحميد التفات الثاني أنه معطوف على الحق بتقدير ، وأنه يهدي الثالث أنه معطوف عليه عطف الفعل على الاسم كقوله صافات ويقبضن الرابع أنه حال بتقدير وهو يهدي وتخصيص الوصفين للتحريض على الرهبة والرغبة ، وقوله الذي الخ تفسير للصراط. قوله : ( قال بعضهم لبعض ) بيان لحاصل المعنى لا لأنه من إسناد ما للبعض إلى الكل كما قيل وقوله يعنون محمدا عليه الصلاة والسلام والتعبير عنه برجل المنكر من باب التجاهل كأنهم لم يعرفوا منه إلا أنه رجل ، وهو عندهم أشهر من الشمل :
وليس قولك من هذا بضائره والعرب تعرف من أنكرت والعجم
وقوله يحدّثكم بأعجب الأعاجيب كما قالوا :
حياة بعد موت ثم حشر حديث خرافة يا أم عمرو(7/189)
ج7ص190
وهذا ماخوذ من النبأ لأنه الإخبار بأمر مستغرب ، وتنكير رجل لتنزيلهم قائله منزلة من لا يعرف حتى كأنه رجل غريب يحدثهم بما يحكي للهزؤ والسخرية ، ولذا قالوا استهزاء وتهكماً هل ندلكم كأنه لكونه لا يعبؤ به مجهول المكان محتاج لدلالة دليل عليه قيل ، وحذفوا المنبأ عنه ظاهراً إشارة إلى أنه مما لا يتفوّه به وفيه نظر وما قيل إنه من دلالة المقام لا الكلام من بعض الأوهام. قوله : ( كل تمزيق وتفريق ) إشارة إلى أنّ ممزق مصدر ميمي ، وقوله وتقديم الظرف يعني إذا والمراد بتقديمها إيقاعها مقدّمة في المنبأ به لا أنها كانت مؤخرة فقدمت لأنها
قيد لما بعدها معنى ، وحقه التأخير عما قيد به فهو كقولهم ضيق فم الركية ويدل عليه جعل عاملها محذوفاً لا ما ذكر بعدها ولولاه كان كلامه متناقضاً ، فما قيل عليه من أنّ الشرطية حقها التقديم فما الحاجة إلى لعذر ولا حاجة إلى الإخراج عن معنى الشرط ، وقد أضمر جزاؤها ناشئ من عدم التأمّل في كلامه ، وكذا ما قيل من أنه يجوز اعتبار تقديمها على كونها شرطية معمولة للجزاء حتى قال الشريف في شرح المفتاح إنه على هذا القول يجوز أن يفيد الحصر في نحو إذا خلوت قرأت فإنه مع بعده لا يوافق ما ذكره المصنف ، واذا الشرطية إذا كان جوابها جملة اسمية يقترن بالفاء كما صرّحوا به إلا أنه قال في شرح المفتاح أنها تركت هنا لأنه بمعنى تجدد خلقكم فعدل إلى الاسمية للدلالة على التحقق ، وفيه نظر لأنها لو اقترنت بالفاء لم تزل دلالتها على التحقق فتأمّل. قوله : ( وعامله محذوف ) كتبعثون أو تحشرون مقدر قبلها إن لم تكن شرطية وبعد هذا الكلام على أنه جواب إن كانت شرطية ، وقوله للدلالة على البعد أي بعد المدعي في أوّل الأمر من تجديد الخلق فإنّ تفريقهم غاية التفريق يبعد الإعادة ، والمبالغة من قوله كل ممزق ، وقوله وعامله محذوف مرّ تقديره ، وقوله فإنّ ما قبله يعني ينبئكم أو يدلكم ، وقوله لم يقارنه يعني أنّ التنبئة ليست في وقت التمزيق وما بعده أي بعد إذا من الجملة مضاف إليه والمضاف إليه لا يعمل في المضاف أو ما هو في موقع الجواب ، وهو مصدر بأنّ وهي لها الصدر فلا يعمل ما بعده فيما قبله من خلق أو جديد ، وما ذكره المصنف مما ارتضاه بعض النحاة قال الطيبي قال السجاوندي : إذا إنما تعمل فيما بعدها إذا كان مجزوما بها وهو مخصوص بالضرورة فلا يخرج عليه القرآن فإذا لم تجزم كانت مضافة ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف فسقط ما قيل إنا نمنع الإضافة فإنهم أجمعوا على أنها إذا جزمت لا تضاف فما الدليل على وجوب الإضافة إذا لم تجزم ، وقد عزا ابن هشام كون عامل إذا فعل الشرط إلى المحققين مع أنه بناء على شرطيتها ، وقد تقدم أنها لمحض الظرفية ثم إنّ الجملة الشرطية بتمامها معمولة لينبئكم لأنه بمعنى يقول لكم كما ذكره المعرب. قوله : ( يحتمل أن يكون مكاناً ) أي اسم مكان لا مصدراً فينتصب كل على الظرفية لأنّ كلاً لها حكم ما تضاف إليه كما في قوله : ( ذهب كل مذهب ) وقوله السيول على طريق التمثيل لأنّ أجزاء الميت في قبره إذا تبدّدت ، وصارت أجزاء دقيقة إنما ينقلها من مكانها السيل في الأكثر فلا وجه لما قيل إن التمزيق لا اختصاص له بالسيول فكان الأولى أن يقول طرحتكم الرياح ، وقوله طرحته أي المذهب وفي نسخة طرحتكم وهي أظهر. قوله : ( وجديد بمعنى فاعل ) أي فعيل بمعنى فاعل من جد الثوب ، والشيء بمعنى صار جديداً وهو لازم فلا يكون بمعنى مفعول ، وقيل بمعنى مفعول من جده بمعنى قطعه ، ثم شاع في كل جديد وإن لم يكن مقطوعا كالبناء والسبب في
الخلاف أنهم رأوا العرب لا يؤنثوه ويقولون ملحفة جديد لا جديدة فذهب الكوفيون إلى أنه بمعنى مفعول والبصريون إلى خلافه ، وقالوا ترك التأنيث لتأوبله بشيء جديد أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول. قوله : ( يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه ) جعل الجنون موهما وملقياً تجوز لأنه يتخيل لغلبة الخلط السوداوي تخيلات توهمه ذلك أو أنّ أحداً يكلمه ويلقيه عليه ، وقوله واستدلّ الخ أي استدلّ به أبو عمرو الجاحظ على أنّ من الكلام الخبري ما هو واسطة بين الصدق والكذب على ما عرف من مذهبه فيه لأنه فابل كلام المجنون بالكذب وهم لا يعتقدون صدقه فيكون غير صادق ولا كاذب وأجابوا عنه بأنّ الافتراء الكذب عن عمد لا مطلق الكذب كما ذكره أهل اللغة فيكون تقسيما للكذب بأنه عن عمد أولاً فلا يثبت ما ذكر هذا محصل كلامه فقوله غير معتقدين الخ حال من ضمير جعلهم وضمير صدقه له كب! أو لخبره والمآل واحد ، وقوله بين(7/190)
ج7ص191
الصدق والكذب إمّا على ظاهره أو بمعنى الصادق والكاذب ، وهذا هو الموافق لظاهر قوله وهو كل خبر الخ وقوله لأنّ الافتراء الخ إشارة إلى ما مز على أن كلام المجنون لا حكم فيه والمقسم إليهما الخبر هو ما اشتمل عليه فلا يضرّ خروجه كالإنشائيات والتصوّرات ، وان نوقش فيه بأنّ مناط الصدق والكذب اشتماله على الحكم بحسب الظاهر ( بقي ههنا بحث ) وهو أنّ أم هنا تحتمل الاتصال والانقطاع عندهم لكن الطيبي قال إنّ الاستدلال والجواب مبنيّ على الاتصال ، وهو مدخول من وجهين أحدهما أنّ الآية بقرينة السياق والسباق واردة في البعث لا في دعوى الرسالة ، وثانيهما أن أم ظاهرة في الانقطاع لاختلاف الجملتين فعلية واسمية فالظاهر أنهم لما استهزؤوا به وبكلامه في الحشر وعقبوه بقولهم أفترى على الله كذبا أضربوا عنه ترقيا إلى ما هو أشنع كأنهم قالوا دعوا حديث الافتراء فإنّ هنا ما هو أطمّ لأنّ العاقل كيف يحدث بمثله وردّه في الكشف بأنها متصلة والعدول إلى الاسمية إشارة إلى أنّ الثابت هو ذلك الشق ، والتفابل لأنّ المجنون لا افتراء له فالاستدلال على الانقطاع بتخالف العديلين ساقط ، والترقي المذكور حاصل مع الاتصال أيضا ثم إنّ ابتناء الاستدلال على الاتصال غير مسلم فتأمّل. قوله : ( رد من دلّه عليهم ترديدهم الخ ) يعني أنّ الإضراب لإبطال ما قبله بقسميه مع إثباته لهم ما هو أقبح وأشد ، ولذا وضع الذين لا يؤمنون موضع الضمير توبيخا لهم ، وايماء إلى سبب الحكم بما بعده وفي عبارته ركاكة إذ كان الظاهر إضافة الإثبات لما وأفظع بالفاء والظاء المعجمة بمعنى أقبح وأشنع ، وهو أظهر مما في بعض النسخ من أقطع بالقاف والطاء المهملة أي قاطه لبطلان القسمين ولا يخفى بعده ، وان زعم
بعضهم أنه الملائم للمقام. قوله : ( وهو الضلال الخ ) الضمير راجع لما ، وقوله من العذاب بيان لما هو مؤداه أي ما يؤدّي إليه الضلال وهو العذاب ، وقوله وجعله رسيلا له أي قريناً له في الوقوع لأنّ الاقتران في النظم يناسب الاقتران في الوقوع ، والاسمية الدالة على ثبوتهما ظاهرة فيه فلا يضرّ كون الواو لا دلالة لها على القران ، وقوله للمبالغة لإشعاره بانهم في العذاب من وقت الضلال بل قبله لسرعة أدائه إليه ولتحقق استحقاقهم له ، وقوله وصف الضلال به مبالغة لأنّ ضلالهم إذا كان بعيداً في نفسه فكيف بهم أنفسهم ففيه مبالغة أخرى. قوله : ( وما يحتمل فيه ) معطوف على ما يعاينونه ، وضمير فيه لما يعاينونه أو لما يدل أي ذكرهم بمخلوقاته العظام الدالة على قدرته الكاملة ونبههم على ما يحتمل أن يقع فيها من الخسف ، واسقاط الكسف وقوله إزاحة وتهديد ألف ونشر مرتب أي لما يعاين وما يحتمل ، وإزاحة الاستحالة بكمال القدرة ، وقوله جعلوه افتراء أي من النبيّ صلى الله عليه وسلم وهزؤا أي منهم بما ذكره لهم وقوله والمعنى أعموا فلم ينظروا إشارة إلى أنّ الهمزة داخلة على مقدر هو المعطوف عليه كما هو مذهب النحاة ، وينظروا تفسير ليروا لأنها بصرية لا علمية ، ولذا لم يعد بنفسه وما أحاط بجوانبهم تفسير لما بين ايديهم ، وما خلفهم وهذا ناظر لما يعاينونه ، وقوله وأنا إن نشاء الخ إلى ما يحتمل ، وقوله لقوله أفتري على الله لأنه من قبيل الغيبة فتلك القراءة على الالتفات وقوله بالتحريك قد مرّ أنّ الساكن إمّا جمع كسفة أو فعل بمعنى مفعول أو مخفف من المصدر. قوله : ( النظر الخ ) أي الإشارة لمصدر يروا وذكر لتأويله بالنظر وعطف عليه التفكر لأنه المراد من النظر ، وقوله ما يدلآن عليه معطوف على النظر لا على الضمير المجرور من غير إعادة الجار لضعفه وضمير يدلان للنظر والتفكر أو للسماء والأرض! ، وقوله فإنه يكون لخ بيان لوجه تخصيص المنيب بالذكر ، وقوله منا أي بغير واسطة. قوله : ( اي على سائر الأنبياء الخ ) فالفضل بمعنى الزيادة وهو المتعدي بعلى بخلاف الذي بمعنى التفضل والإحسان فالمفضل عليه على
الأوّل إما سائر الأنبياء السابقين عليه أو أنبياء بني إسرائيل ، أو ما عدا نبينا صلى الله عليه وسلم لأنه ما من فضيلة في أحد من الأنبياء إلا وقد أوتي مثلها بالفعل ، أو مكن منها فلم يختر إظهارها ولا مانع من إبقائه على ظاهره إذ قد يكون في المفضول ما ليس في غيره ، وقد انفرد بما ذكر هنا. قوله : ( أو على سائر الناس الخ ) قيل عليه إن أريد إن كلاً منها فضل لا يوجد في سائر الناس فعدم مثل ملكه وصوته محل شبهة ، وان أريد المجموع من حيث هو ففيه أنه غير موجود في الأنبياء أيضاً فلا وجه لتخصيصه بالثاني ، وأما كونه يندرح فيه على الأوّل ما سوى النبوّة كما(7/191)
ج7ص192
قيل فغير صحيح لأنّ ملك سليمان أعظم من ملكه ، ولو سبق كان ملكاً أيضا وفي الكتب الإلهية ما هو أعظم من الزبور إلا أن يراد أنبياء زمانه فتأمل. قوله : ( رجعي معه ) أي كرّري لأنّ الأوب الرجوع والنوحة عطف على التسبيح ، وعلى متعلق به وقوله أو بحملها إياه الخ قد نوقش فيه بأنه مع كون لفظ معه يأباه لا اختصاص له به حتى يفضل به على غيره أو يكون معجزة له فهو ارتكاب تجوّز من غير داع يحمله عليه وكذا أورد على ما بعده أنّ الجبال أوتاد الأرض ، ولم ينقل مثله عن داود عليه الصلاة والسلام أو غيره داع يحمله عليه ، وكذا أورد على ما بعده أنّ الجبال أوتاد الأرض ، ولم ينقل مثله عن داود عليه الصلاة والسلام أو غيره وعلى هذا فهو من التأويب وهو سير النهاو ، وقوله بإضمار قولنا أو قلنا الظاهر إنه لف ونشر مرتب وان جاز إبدال الجملة من المفرد عند النحاة فعلى البدلية من فضلاً يقدر قولنا وعلى الثاني قلنا ، وهو إمّا بدل كل من كل أو اشتمال. قوله : ( عطف على محل الجبال ا لأنه في محل نصب لكنه يلزم عليه ، وعلى ما بعده عطف المعرّف بأل وهو لا تدخل عليه يا علي المنادى وفي جوازه ومنعه اختلاف للنحاة ومن أجازه استدل بقوله :
ألا يا زيد والضحاك سيرا
ونحوه مما فصل في محله ، وتأييد الرفع له بناء على الظاهر المتبادر وأن الظاهر لا يعطف على الضمير المستتر في الأمر وان أجازه بعض النحاة على التغليب كما سيذكره المصنف ، وقد مرّ الكلام فيه في سورة البقرة ، وتشبيهها بحركة الإعراب لعروضها. قوله : ( أو على فضلاَ ) فإيتاؤها بمعنى تسخيرها أو بتقدير مضاف أي تسخير الطير ويجوز نصبه بسخرنا مقدراً ، وقوله أو مفعولاً معه ولا ياباه معه سواء تعلق بأوبى على أنه ظرف لغواً وجعل حالاً
لأنهما معمولان متغايران إذ الظرف والحال غير المفعول معه ، وكل منها باب على حدة وإنما الموهم لذلك لفظ المعية ، فما اعترض به أبو حيان من أنه لا يفضي الفعل إلى اثنين من مفعول معه إلا على البدل أو العطف كما لا يجوز جاء زيد مع عمرو مع زينب غير متوجه ، وان ظنوه كذلك وأقبح من الذنب الاعتذار حيث أجيب بأنه حذفت واو العطف من قوله والطير للاستثقال ، أو اعتبر تعلق الثاني بعد تعلق الأوّل ، وقوله وعلى هذا الخ لاتحادهما معنى كما في الوجهين الأوّلين حيث عطفا على الجبال. قوله : ( وكان الأصل الخ ) يعني أنه كان مقتضى الظاهر أن يكون النظم هكذا فعدل عنه لما ذكره فعلى هذا هو استعارة تمثيلية أو فيه مكنية وتخييلية في يا جبال وأوّبي ، والإحماء إيقاد النار عليه والطرق الضرب بالمطرقة ، وقوله بالأنته أي جعله ليناً متعلق بجعلنا والباء للسببية. قوله : ) أمرناه الخ ) قدّره لأنّ أن المفسرة لا بدّ أن يتقدّمها ما يتضمن معنى القول دون حروفه لكن حذف المفسر لم يعهد ، وقوله أو مصدرية يحتمل أنه على تقدير أمرنا أيضا والتقدير أمرناه بعمل سابغات ، أو هو إذا لم يقدر فيقدر اللام ويتعلق بالنا أي الناه لعمل السابغات وهذا أولى ، وقوله دروعا واسعات ففيه موصوف مقدر والسابغ الطويل التام وقوله وقرئ صابغات أي بإبدال السين صاد الأجل الغين ، وقوله بحيث يتناسب حلقها جمع حلقة فتقديرها جعلها على مقادير متناسبة. قوله : ( أو قدر مساميرها الخ ) أي أجعلها على مقدار معين غلظاً وغيره مناسبة للثقب الذي هيئ لها من ملتقى طرفي الحلقة فإنها إن كانت دقيقة اضطربت فيها فلم تمسك طرفيها ، وان كانت غليظة خرقت طرف الحلقة الموضوعة فيه فلا تمسكه أيضاً. قوله : ) ورد ) أي تفسيره الثاني بقدر مساميرها الخ قال البقاعي أخبرنا بعض من رأى ما نسب إلى داود عليه الصلاة والسلام أنه بغير مسامير فقيل عدم الحاجة إلى التسمير على تقدير لين الحديد بالإنته أما لو لين بقوّته فلا بد من التسمير ، وقيل ليس ردّ المصنف رحمه الله مبنياً على عدم الحاجة بل على الرواية على ما نبهت عليه ولو سلم فإذا لان الحديد كالشمع بقوّته لم يبق حاجة للتسمير ، وهذا كله لا محصل له فإنّ الإنة الحديد التي أعطاها الله له صلى الله عليه وسلم إما بجعله كالشمع من غير نار معجزة له أو بإيداع قوّة في يديه بحيث إنه إذا
فركه كسره كما يريد ، وعلى كل فبعد جمع الحلق إذا أدخل بعضها في بعض لا بد من انفصال طرفي كل حلقة فإذا أدخل بعضها في بعض احتاج بعده للتسمير لتصير محكمة ، وهذا لا ينافي كونه معجزة قبله فإن قال إنه رواية فقد نقل في الدرّ المنثور عن قتادة وابن عباس ومجاهد من طرق مختلفة أنّ السرد في الآية بمعنى المسامير فكيف يقابل هذا بنقل البقافي عن مجهول لا يلتفت لمثله ، وقول المصنف ويؤيده الخ في تأييده نظر لما عرفت ، وقوله الضمير لداود(7/192)
ج7ص193
وأهله لفهمهم التزاما من ذكره ، وقوله فأجازيكم الخ فالمقصود منه الترغيب والترهيب ، وقوله وقرئ الرياح أي بالرفع. قوله : ( جريها بالنداة مسيرة شهر الخ ) إنما قدروه كذلك لأنّ الغدوّ والرواج ليسا نفس الشهر وإنما يكونان فيه ، وفي الأمالي الحاجبية فائدة إعادة لفظ شهر الإعلام بمقدار زمن الرواح والألفاظ المبينة للمقادير لا سحين إضمارها كما لا يحسن في التمييز فتقول زنة هذا مثقال ، وهذا مثقال بدون إضمار وليس هذا من وضعالظاهر موضع المضمر فتأمل. قوله : ( النحاس المذاب ) من قطر يقطر قطراً وقطرانا بسكون الطاء وفتحها وأماً القطران المعروف فبكسرها ، والعامة تسكنه والعين إن كانت هنا بمعنى الماء المعين أي الجاري وإضافته كلجين الماء فلا تجوّز في نسبته وإنما هو من مجاز الأول ، وقد قيل إنّ فيه مجازين في التشبيه وفي الطرف باعتبار الأول على أنّ العين منبع الماء ولا حاجة إليه لكن قوله ، ولذلك أي لتشبيه عين القطر بالينبوع سماه عينا يقتضي ما ذكر. قوله : ( عطف على الريح ( فهو في محل نصب وكون ما ذكر من الجن معطوفا على الريح ، ومن يعمل بدل منه تكلف ويعمل إما منزل منزلة اللازم أو مفعوله مقدّر يفسره ما سيأتي ليكون تفصيلا بعد الإجمال وهو أوقع في النفس ، وقوله بأمره قد مرّ تحقيقه وتفسير. بتيسيره وهو قريب منه ، وقوله وقرئ يزغ أي بصيغة المعلوم فمفعوله محذوف أي نفسه أو غيره وقد ضبط في بعض النسخ بصيغة المجهول فلا يحتاج إلى تقدير مفعول ، وفوله عذاب الآخرة وقد فسر بعذاب الدنيا لأنه روي أنه كان يحرق من يخالفه وهو أظهر. قوله : ( قصور حصينة ) هذا أصل معنى المحراب ، وسمي باسم صاحبه لأنه يحارب غيره في حمايته ومحراب من صيغ المبالغة ، وليس منقولاً من اسم الآلة وإن جوّزه بعضهم فيه ولابن حبوس :
جمع الشجاعة والخشوع لربه ما أحسن اهحراب في محرابه
ثم نقل إلى الطاق التي يقف بحذائها الإمام ، وهي مما أحدث في المساجد ولم يكن في الصدر الأول كما قاله السيوطي رحمه الله ولذاكره الفقهاء الوقوف في داخلها ، وقوله لأنها يذب أي يمنع إشارة لما مر وفسر مجاهد المحاريب بالمساجد على أنها من تسمية الكل باسم جزئه ، وجملة يعملون مستأنفة أو حال وقوله على ما اعتادوا الخ أي على هيآتهم في عبادتهم التي كانوا يعتادونها وهو صفة صور أو حال منها ، وقوله ليروها متعلق بيعملون. قوله : ( وحرمة الثصاوير شرع مجدّود ) وفي نسخة شرع محمد جواب عن سؤال مقدر وقوله روي الخ تأييد له ، واشارة إلى ضعف ما قيل إنها كانت صور شجر أو حيوان ناقص بعض الأعضاء ، وهو مما جوّز في شرعنا وإنما حرم لأنه بمرور الزمان اتخذها الجهلة مما يعبد وظنوا وضعها لذلك فشاعت عبادة الأصنام. قوله : ( وصحاف ) جمع صحفة وهي كالجفنة ، والقصعة ما يوضع فيه الطعام مطلقا كما ذكره الراغب فلا يرد عليه تعريف بعض أهل اللغة بأنّ الجفنة أعظم القصاع ، ثم يليها القصعة وهي ما تشبع عشرة ثم الصحفة وهي ما تشبع خمسة ، ثم الميكلة وهي ما تشبع ثلاثة أو اثنين ، ثم الصحيفة فلا ينبغي تفسيرها بها ولو سلم فالمراد بها هنا المطلق بقرينة قوله كالجواب ، وقوله من الجباية وهي الجمع فهو في الأصل مجاز في الطرف أو النسبة لأنها مجبيّ لها لا جابية ، ثم غلبت على الإناء المخصوص غلبة الدابة في ذوات الأربع ، والأثافي جمع أثفية بضم الهمزة وتشديد الياء ، وهي ما يوضمع عليه القدر. قوله : ( حكاية لما قيل لهم ) بتقدير قلنا مستأنفاً أو قائلين حال من فاعل سخرنا المقدر ، وقوله على العلة أي مفعول له وفيه إشارة إلى أنّ العمل حقه أن يكون للشكر لا للرجاء والخوف ، وداود عليه الصلاة والسلام قد يدخل هنا في آله فإنّ آل الرجل قد يعمه ، وقوله أو المصدر أي المفعول المطلق لأنّ العمل نوع من الشكر فهو كقعدت القرفصاء ، وقوله أو الوصف له أي للمصدر على أنّ أصله عملا شكراً والحال بتأويله بثاكرين لأنّ الشكر يعم القلب والجوارح واذا كان مفعولاً به فهو كقوله عملت الطاعة ، وقيل إنّ أعملوا أقيم مقام اشكروا مشاكلة لقوله يعملون وقال ابن الحاجب إنه جعل مفعولاً به تجوّزاً. قوله : ( المتوفر أداء الشكر ) المتوفر معناه المستزيد وضمنه معنى القائم فعداه بعلى ، وقوله أكثر أوقاته أي لا يفرق بين الرخاء والشدة ، وقوله ومع ذلك الخ(7/193)
ج7ص194
تفسير
لقوله قليل وقوله لأنّ توفيقه الخ وقد نظم هذا القائل بقوله :
إذاكان شكري نعمة الله نعمة عليّ له في مثلهايجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتحح ا!ص
إذا مس بالنعماء عمّ سرورها وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
قوله : ( ولذلك قيل الخ ) إشارة إلى ما ذكره الإمام الغزالي في الإحياء من أنّ داود عليه الصلاة والسلام قال في مناجاته يا رب إذا كان إلهامك للشكر وأقدارك عليه نعمة فكيف يتأتى لي شكرك فقال : يا داود إذا عرفت هذا فقد شكرتني. قوله : ( اكه ) أي ضمير دلهم لآل سليمان وأتباعه ومرضه لأنّ قوله بعده تبينت الجن يأباه بحسب الظاهر وعليه يجعل كلاما مستأنفا ، والأرضة بفتحات دويبة تأكل الخشب ونحوه وتسمى سرفة ، وقوله أضيفت إلى فعلها يعني أنّ الأرض هنا ليس ما يقابل السماء بل هو مصدر أرضت أرضاً إذا أكلت وقد قيل في نظم :
كل ما في القرآن من ذكرأرض لا التي في سبا فضذالسماء
وقيل إنها أضيفت إلى الأرض لأنّ فعلها في اكثر فيها والأوّل أولى ويؤيده القراءة بالفتح ، ونسبة الدلالة إليها نسبة إلى السبب البعيد لأنّ الدال خروره لما كسرت العصا لضعفها بأكلها منها ، وقوله وهو تأثر الخشبة الخ لأنه مصدر لمطاوعه ومن فسر الساكن به يريد أنه أريد بالمصدر معنى الحاصل بالمصدر مجازاً أو هو مصدر المبني للمجهول ليتفق معنى القراءتين فليس بسهو ناشئ من عدم الفرق بين الساكن ، والمتحرّك كما توهم. قوله : ) يقال أرضت الخ ) يعني أنّ المفتوح مصدو لفعل يفعل من باب علم المطاوع لفعل يفعل فعلاَ كضرب يضرب ضربا ، وقوله مثل أكلت القوادح بالقاف والدال والحاء المهملتين جمع قادحة وهي دودة تكون في الأسنان ، وهو معنى قوله في الكشاف من باب فعلته ففعل كقولك أكلت القوادح الأسنان أكلاً فأكلت أكلا انتهى لا فرق بينهما كما توهم ، وإنما جعل الأرض! بالسكون مصدر المجهول لما ذكرناه. قوله : ( من نسأت البعير إدّا طردته ) أو من نسأته إذا أخرته ومنه النسيء فهي العصا الكبيرة التي تكون مع الراعي وإضرابه ، وقوله قلباً أي بقلبها ألفاً أو بحذفها بالكلية ، وقوله بين بين ببنائهما على الفتح كخمسة عشر أي بين الهمزة والألف ، وقوله ومنساءته أي وقرئ منساءته
بالمد والميضأة آلة التوضي وتطلق على محله أيضا ، وقوله ومن سأته أي قرئ من ساته بمن الجارة وسأته بالجرّ بمعنى طرف العصاة وأصلها ما انعطف من طرفي القوس استعيرت لما ذكر إما استعارة اصطلاحية لأنه قيل إنها كانت خضراء فاعوجبت بالاتكاء عليها أو لغوية باستعمال المقيد في المطلق فلا وجه لمنع الأوّل ، ووقع في بعض النسخ مشتقا بمعنى مأخوذاً فالاشتقاق بمعناه اللغوي كما ذكره بعضهم وهذه القراءة مروية عق سعيد بن جبير ، وعن الكسائيّ العرب تقول سأة القوس وسئتها كضعة وضعة بفتح أوّله وكسره ، وبما ذكرناه علم رد ما قاله البطليوسي بعدما نقل هذه القراءة عن الفراء إنه تعجرف لا يجوز أن يستعمل في كتاب الله تعالى لم تأت به رواية ولا سماع ومع ذلك هو غير موافق لقصة سليمان لأنه لم يكن معتمدا على قوس ، وإنما كان معتمدا على عصا ووقع في بعض النسخ وقرئ منساته بالألف بدلاً من الهمزة وهي لغة قريش ، وقيل إنه على غير القياس لأنّ الهمزة المتحرّكة لا تبدل ألفا ومنسيته بإبدالها ياء ، وقراءة ابن ذكوان وهشام بهمزة ساكنة وقحة بفتح القاف وكسرها بمعنى الوقاحة فهو محذوف الفاء كعدة وأما سئة فالمحذوف لامها واوا أو ياء. قوله : ( علمت الجن بعد التباس الأمر الخ ) يعني أنّ تبين بمعنى ظهر لكنه هنا بمعنى علم لما بينا لظهور والعلم من الملازمة ، والمراد بالجن ضعفاؤهم فهم علموا إنّ رؤساءهم لو كانوا يعلمون الغيب كما توهموا وأوهموهم ذلك ما التبس عليهم الأمر أو الجنس بأن يسند للكل ما للبعض أو أنهم كانوا يزعمون علم ذلك بما يتلقفونه من الملائكة ، أو المراد كبارهم المدعون لذلك وهم وإن كانوا عالمين قبل ذلك لكن أريد التهكم بهم كما تقول للمبطل إذا أدحضت حجته هل تبينت إنك مبطل وقد كان متبيناً ، وقوله بعد التباص الأمر أي(7/194)
ج7ص195
أمر سليمان في حياته ومماته لا علمهم بالغيب وعدمه وان جاز إذا أريد بالجن ضعفاؤهم والمراد بالعذاب الأعمال الشاقة ، وقوله حيثما وقع أي في زمان وقوعه فإنّ حيث قد يستعار للزمان.
قوله : ( أو ظهرت الجن الخ ) على أن تبين بمعناه الأصلي فهو غير متعد لمفعول كما في الوجه الأول وأن لو الخ بدل من الجن بدلط اشتمال والظهور في الحقيقة مسند للبدل لأنه المتصف بالظهور كما أشار إليه بقوله أي ظهر أنّ الخ لأنّ المبدل منه في نية الطرج ، وليس فيه مضاف مقدر هذا بدل منه بدل كل من كل أي أمر الجن كما قيل قيل وهذا فيه قياس مطوفي بعض مقدماته أي لكنهم لبثوا فهم لا يعلمون. قوله : ( وذلك ) إشارة إلى جميع ما مرّ أي وبيان ذلك الخ ، وقوله في موضحع فسطاط موسى عليه الصلاة والسلام الفسطاط الخيمة بويت الشعر ونحوه ، وقد استشكل هذا بأن موسى لم يدخل بيت المقدس حتى أنه عند موته سأل الله تعالى
أن يدنيه منه مقدار رمية حجر فدفن عند الكثيب الأحمر وهو ضريحه المعروف الآن وأجيب بأنهم كان عندهم فسطاط له يتوارثونه ، ويضربونه ثمة تبركا يتعبدون فيه فبني البيت في ذلك الموضع لا أنه كان يضرب هناك في زمن موسى عليه الصلاة والسلام ، ولا يخفى بعده وا! مثله لا يقال بالرأي فإن كان فأهلا ومرحبا ، ولو قيل المراد مجمع العبادة على دين موسى كما وقع في الحديث فسطاط إيمان وقال القرطبي في التذكرة المراد به فرقة منحازة عن غيرها مجتمعة تشبيها بالخيمة أو المدينة كان أظهر. قوله : ( فلم يتم بعد إذ دنا أجله ( في العبارة قلاقة والمراد به وقت دنا أجله منه وأعلم به على ما فصل في الكشاف ، وقد مز في سورة النمل إنه أتمه وتعبد فيه وتجهز بعده للحج ففيه روايتان كما نقله البغوي ، وامّا تسمية ما قارب الفراغ فراغا ثمة وما قارب الشيء له حكمه فخلاف الظاهر ، وقوله يعمى أي يستر على الجن موته. قوله : ( فوجدوه قد مات منذ سنة ) تخمينا واقتصاراً على الأقلى والا فيجوز أن تكون الأرضة بدأت بالأكل بعد موته بزمان كثير ، وأمّا كون بدئها في حياته فبعيد وكونه بالوحي إلى نبي في ذلك الزمان كما قيل واه جدّاً لأنه لو كن كذلك لم يحتاجوا إلى تخمينه بإلقاء الأرضة لتأكل من العصا بعده. قوله : ( لأولاد سبا بن يشجب الخ ) يشجب على زنة مضارع بضم الجيم ، وقوله لأنه صار اسم القبيلة ففيه العلمية والتانيث بعدما كان اسم رجل ، ومع قوله اسم القبيلة لا يتأتى جعل قوله : أولاد سبا إشارة إلى تقدير مضاف كما توهم ولم يذكر احتمالط كونه اسم البلدة كما مرّ في النمل استغناء بذكره ثمة وعليه فضمير مساكنهم لأهلها أو استخدام. قوله : ) ولعله أخرجه بين بين الخ ا لم يذكر هذه القراءة في النشر لكنه نقل عن عقيل تسكينها بنية الوقف فإن صحت هذه الرواية فلا مانع من حملها على ظاهرها فإن الهمزة إذا سكنت يطرد قلبها من جنس حركة ما قبلها وهذا أحسن من توهيم الراوي فإن مبني الروايات ونقلها على التحقيق ، وقد ذكر المعرب أنه رواية عن أبي عمرو والمروي عن ابن كثير القصر والتنوين ، وإنما حمله على ما ذكر لأنه القياس في الهمزة المتحرّكة. قوله : ( في مواضع سكناهم ) فهي اسم مكان لا مصدر ،
وقوله يقال لها مأرب كمنزل كما في القاموس وفي نسخة مأربة بتاء ، وقوله بالإفرإد والفتح فهو اسم مكان على القياس ولا حاجة إلى جعل المفرد بمعنى الجمع كقوله :
كلوا في بعض بطنكم تعفوا
حتى يقال إنه مصدر بمعنى السكنى لأنّ ما ذكر يختص بالضرورة عند سيبويه فإنّ المسكن كالدار يطلق على المأوى للجميع وان كان قطراً واسعا كما تسمى الدنيا دارا بلا تأويل ، ثم إنه قيل إنّ في بمعنى عند فإنّ المساكن محفوفة بالجنتين لا ظرف لهما ، وقيل إنه لا حاجة إلى هذا فإنّ القريب من الشيء قد يجعل فيه مبالغة في شدة القرب ولكل وجهة وهذا ما لم يرد بالمساكن دياوهم دون مقامهم فإن أريد فلا حاجة إلى التأويل أصلاً. قوله : ( بالكسر حملا على ما شذ ) كان الظاهر أن يقول على خلاف القياس إذ لا معنى للحمل على الشاذ فإنه لا يقاس عليه ، وإنما شذ لأنّ ما ضمت عين مضارعه أو فتحت قياس المفعل منه زماناً ومكانا ومصدراً الفتح لا غير ، وقد قيل إنّ الكسر لغة شائعة لأهل الحجاز. قوله : ( علامة دالة على وجود الصانع ) تفسير لآية وقوله من الأمور العجيبة التي يعجز البشر عنها فإنها تدلّ على وجود مبدعها ، وقدرته التامّة كالأجرام العظام المصدر بذكرها السورة وكونه مجازيا للمسيء ، والمحسن هو بمقتضى حكمته وأنه لم يوجدنا عبثا وهو(7/195)
ج7ص196
مأخوذ من ذكر البعث أوّلاً ، وقوله معاضدة أي مقوية للبرهان الذي في أوّل السورة كما صرّح به هناك وفي قوله أفلم يروا الخ ، وقوله كما في قصتي الخ إشارة للمناسة التامّة بين هذا وما قبله وأيضاً في هذه ذمّ الكفور كما في تلك مدح الشكور. قوله : ( 1 لآية جنتان ا لو قدره هي جنتان كان أظهر ولا حاجة إلى أن يقال المراد قصتهما لا هما في أنفسهما كما في الكشاف لأنّ البدل لا يشترط فيه المطابقة أفراداً ، وغيره ولذا لم يؤوّله في الوجه السابق وكذا الخبر إذا كان غير مشتق ، وأما قوله جماعتان فبيان للواقع ولأنه أعظم وأدل على المقصود وقوله كل واحدة الخ إشارة إلى وجه إطلاق الجنة على كل جماعة منها ، وقوله تضايفها ضبط بالفاء أي تنضم إليها وتتصل بها حتى تكون في حكم شيء واحد وان تباينت حدودها وملاكها ، أو بالقاف وليس فيه ضيق في المعنى كما قيل لأنه كما يطلق التفسح على الانفصال كقوله تفسحوا في المجالس يطلق الضيق على الاتصال لأنه لازم معناه. قوله : ( أو بستاناً كل رجل الخ ) يعني أنّ لكل واحد جنتين إحداهما
عن يمينه والأخرى عن شماله فلا يحتاج إلى توجيه العدول إلى التثنية ، وأما ما قيل من أنها لو جمعت لزم أنّ لكل مسكن رجل جنة واحدة لمقابلة الجمع بالجمع فقد ردّ بأنّ قوله عن يمين وشمال يدفعه لأنه بالنظر إلى كل مسكن إلا أنها لو جمعت أو هم أنّ لكل مسكن جنات عن يمين وجنات عن شمال ، وهذا لا محذور فيه إلا أن يدعى أنه مخالف للواقع. قوله : ( حكاية لما قال الخ ) فهي جملة مستأنفة بتقدير قول حقيقي أو فرضي وقوله أو دلالة معطوف على قوله حكاية وليس بينه وبين ما قبله كثير فرق ، وقوله استئناف للدلالة أي للتصريح به أو لتأكيده إذ ما قبله دال عليه أيضا ، والفرطات ما يصدر من غير قصد تامّ من الصغائر والعاهة الأمراض لأنها لم تكن وبائية لطيب هوائها والهامّة بتشديد الميم ما يهمّ على الأرض أي يدلث كالعقارب والبراغيث ، وقوله عن الشكر هذا هو المناسب لما قبله ويدخل فيه الإعراض عن الإيمان لأنه أعظم الكفر والكفران. قوله : ( سيل الآمر العوم الخ ) قدر فيه موصوفا ليتخلص من إضافة الموصوف للصفة التي أباها أكثر النحاة ، وعرم مثلث الراء بمعنى اشتد ، وشرس من شراسة الخلق بمعنى صعوبته ، وقوله أو المطر بالجرّ عطف على الأمر فالعرم بمعنى الشديد والإضافة على ظاهرها ، والجرد بضم الجيم وفتح الراء المهملة والذال المعجمة نوع من الفيران قيل إنه أعمى ويسمى الخلد أيضا ، وقوله أضاف إليه الخ إشارة إلى أنّ الإضافة لأدنى ملابسة ، والسكر بفتح السين وكسرها وسكون الكاف ، ثم راء مهملة الجسر والسد على الماء وضربته بمعنى صنعته وبنته وحقنت بمعنى حبست وجمعت ، والشحر بكسر الشين المعجمة وقد تفتح وسكون الحاء المهملة وبعدها راء مهملة واد بين عمان وعدن من أرض اليمن وفيه مساكن سبا ويطلق على الوادي ومجرى الماء مطلقاً. توله : ( أو المسناة التي عقدت سكرا ) هذا تفسير آخر للعرم وهي مفعلة من سنيته بمعنى سقيته ومته البيانية للساقية ، وهي الدلو المستقى به ويطلق على البعير الذي يخرجه وفسرها الطيبي رحمه اللّه بما يردّ ماء السيل عن البساتين وقوله جمع عرمة كشجر وشجرة ، وقيل لا راحد له والمركومة بمعنى الموضوع بعضها فوق بعض لتكون سداً.
قوله : ( ثمر بشع ) أي كريه منفور وهو تفسير لأكل الخمط أو للخمط نفسه ، وهو المناسب لقوله فإنّ الخمط الخ وقوله أخذ طعما من مرارة أي فيه مرارة الطعم بحيث لا يؤكل ، وقوله أكل بالتنوين والإضافة وعلى الإضافة هو ظاهر إذ اكل الثمر والخمط شجره وعلى التنوين أصله ذوإني أكل أكل خمط كما بينه المصنف وعلى كل حال فليس فيه توصيف بالجامد حتى يقال إن في كلام المصنف رحمه الله إشارة إلى أنّ الخمط ، أريد به معنى البشع مجازاً ويلتجأ إلى أنه ورد وصفا بمعنى الحامض أو المرّ نقلاً عن البقاعي ومثله لا يعتمد على كلامه في مقابلة ما فسره به الثقات كالراغب والزمخشري ، وغيره أما على الإضافة فظاهر وأما على عدمها فلما ذكر. المصنف من تقدير أصله وقوله والتقدير أي على الوجوه كلها لا على الأخيرين فقط لما عرفت وقوله أوّلاً ثمر بشع بيان لحاصل المعنى لا إشارة إلى الوصفية. قوله : ( أو كل شجر لا شوك له ( كذا في مفردات الراغب وعليه اعتماد المصنف رحمه الله ، وفي الكشاف عن أبي عبيدة أنه كل شجر ذي شوك وكذا وقع في بعض النسخ هنا وقد رشحت بأن الأشجار التي لها شوك قليلة النفع ، وأنّ الشوك مضرة حاضرة فيناسب(7/196)
ج7ص197
المقام ، ولذا اختاره في الكشف وفيه نظر. قوله : ( معطوفان على كل لا على خمط ( على التفاسير لخمط وعلى تقدير المضاف وعدمه ، وتعليله بقوله فانّ الخ على الأوّل دون الثاني لأنه لا اشتباه فيه ، وهذا بناء على ما مرّ وقد عرفت ما فيه ، والطرفاء بالمد شجر لا ثمر له وهو نوع من الأثل بالمثلثة وثمر الطرفاء المذكور في الطب لا يضر لأنه لا يعتمد على الكتب الطبية في مثله ، وقوله ووصف السدر ظاهر إذا كان صفة له وكذا إن كان وصفاً الشيء المبين به فإنه وصف له معنى والجنى الثمر واحده جناة ، والنبق بفتح النون وكسر الباء حمل السدر وثمره وهو معروف وتسكن بائه تخفيفا كما قيل :
أرسلت خوخاً به ظللنا تعيش في نعمة ونبقا
يعني أنه لطيب ثمره جعله الله قليلا فيما بدلوا به لأنه لو كثر كان نعمة لا نقمة وإنما أوتوه تذكيراً للنعم الزائلة ليكون حسرة عليهم ، ولذا قيل المراد بالسدر نوع منه لا ثمر له يسمى الضال وهو أنسب ، وقوله وتسمية البدل جنتين إشارة إلى أنّ الباء داخلة على المتروك وللمشاكلة لأنّ الجنة ما فيه أشجار مثمرة ، وقوله بتخفيف أكل أي تسكين الكاف وغيرهما ضمها. قوله : ( بكفرانهم ) إشارة إلى أنّ ما مصدرية سوأء كان من الكفر أو الكفران ، وقوله إذ
روي الخ اعترض عليه بأنه مخالف لقوله هنا وكان ذلك بين عيسى ونبينا عليهما أفضل الصلاة والسلام سواء قلنا إنه لا نبي بينهما أو بينهما أربعة أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب ، وهو خالف العبسي كما مرّ في المائدة فإنه بعث لقومه وبنو إسرائيل لم يبعثوا للعرب ففيه خلل من وجهين كما قيل إلا أن يقال ما بين عيسى ، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو خراب السد وما ذكر هنا على رواية في جملة قومهم من سبا بن يشجب إلى أن أهلكهم الله أجمعين فتأمّل. قوله : ( وتقديم المفعول للتعظيم لا للتخصيص ) المراد بالمفعول ذلك المشار به إلى التبديل ولما كان الجزاء غير مقصور عليه لتمزيقهم الآتي وغيره جعله لتعظيم الجزاء أي عده أمرا عظيما مهولاً كما يدل عليه اسم الإشارة للبعيد أيضا. قوله : ( وهل يجازي بمثل ما فعلنا ) يعني ليس المراد بالجزاء هنا ما يشمل الثواب ، والعقاب لأنه لا يتأتى معه الحصر بل جزاء مخصوص بجنس ما مرّ وهو العقاب الخاص فلا يتوجه على الحصر إشكال بعد التخصيص ، وهو أنّ عصاة المؤمنين يجازون أيضاً على سيئاتهم لأنهم لا يجازون في الدنيا بمثل هذا الجزاء المستأصل مع أنّ العقوبات الدنيوية للمؤمن مكفرات ، وليس معاقبا على جميع ما يصدر منه كما أشار إليه في الكشف ، وقوله البليغ من صيغة فعول. قوله : ( نجازي بالنون والكفور بالنصب ) على أنّ المجازي هو الله والمجازاة المكافأة ولم يرد في القرآن إلا مع العقاب بخلاف الجزاء فإنه عامّ وقد يخص بالخير ونقل الفرق بينهما ابن جنى وأما قول الراغب إنه يقال جزيته وجازيته ولم يجيء في القرآن إلا جزى دون جازى ، وذلك لأنّ المجازاة المكافأة وهي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ونعمة الله تعالى عن ذلك ، ولذا لم يستعمل لفظ المكافأة فيه تعالى فغير ظاهر لأنه يرد عليه ما هنا وهو قول آخر غير ما مرّ عن ابن جنى ومنهم من اختلط ذلك عليه فافهم. قوله تعالى : ( { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى } الخ ) معطوف بمجموعه على مجموع ما قبله عطف القصة على القصة نذكر أوّلاً ما أنعم به عليهم من الجنتين ، ثم تبديلهما بما مرّ ثم ذكر هنا ما كان أنعم به عليهم أيضا قبل هلاكهم بالسيل من جعل بلادهم متصلة بأنزه البلاد وأوسعها ، واتصال العمران بن بلادهم والثأم فإنه كما قيل :
بجيرانها تغلو الديار وترخص
ثم عقابهم بجعلها منفصلة عنها. قوله : ( متواصلة يظهر بعضها لبعض ) فسره بوجهين الأوّل الاتصال وقرب بعضها من بعض بحيث يظهر لمن في بعضها ما في مقابلته من الأخرى أو أنها جعلت موضوعة على الطرق ليسهل سير السابلة فيها ، والفرق بينهما ظاهر. قوله :
( وقدّرنا ) أي جعلنا بين قراها مقادير مساوية فمن سار من قرية صباحا وصل إلى أخرى وقت الظهيرة والقيلولة ومن سار بعد الظهر وصل إلى أخرى عند الغروب فلا يحتاج لحمل زاد ولا مبيت في أرض خالية ، ولا يخاف من عدوّ ونحوه وهذا معنى قوله بحيث الخ. قوله : ( سيروا فيها ) في إشعار بشدة القرب حتى كانهم لم يخرجوا من نفس القرى ، وقوله بلسان الحال كأنهم لما تمكنوا منه جعلوا مأمورين به فالأمر للإباحة والمقال على(7/197)
ج7ص198
لسان نبي ونحوه كما مرّ. قوله : ( متى شثتم من ليل أو نهار ) بيان لفائدة ذكر الليالي والأيام والسير لا يخلو عنهما بأنه لاستمرارا منها بحيث لا تختلف أوقاته ، أو المراد الأمن وإن طالت مدته فهو للتكثير أو هو كناية عن مدة أعمارهم وتقديم الليالي لسبقها ، وفي الأوّلين لأنها مظنة الخوف أيضا ودلالته على ما ذكر بطريق الكناية وقد يجعل في بعضها مجازا. قوله : ( أشروا النعمة ) أي سئموا وبطروا كما يشتهي من أكثر من شيء ضده كبني إسرائيل إذ طلبوا الثوم والبصل بدلاً من المن والسلوى فطلبوا تبديل اتصال العمار بالمفاوز والقفار ليظهروا بقدرتهم الفخر ، والكبر على الفقراء العاجزين ، وقوله ملوا العافية في بعض النسخ قلوا بمعنى استقلوا والظاهر أنه تحريف. قوله : ( وترا الخ ) قراءة هشام بعد بتشديد العين وأنه فعل أمر والباقون باعد طلبا من المفاعلة وفاعل بمعنى فعل فعلى الأمر طلبوا البعد لبطرهم ، وعلى الخبر فهو إمّا شكوى من مسافة ما بين قراهم مع قصرها لتجاوزهم في الترفه والتنعم ، أو شكوى من بعد الأسفار التي طلبوها أوّلاً بعد وقوعها فيتقارب المعنى على القراءتين كما قاله أبو حيان : أو دعاء بلفظ الخبر ونصب بين بعد كل فعل متعدّ في إحدى هذه القراآت ماضياً كان أو أمراً عند أبي حيان على أنه مفعول به لا ظرف ، ويؤيده أنه قرى برفعه وضم نونه أو على الظرفية والفعل منزل منزلة اللازم أو متعد مفعوله محذوف تقدير بعد السير بين أسفارنا وهو أسهل من إخراج الظرف الغير المتصرّف عن ظرفيته وفي قراءة سفرنا بالإفراد وهي شاذة. قوله : ( وإسناذ الفعل إلى بين ) برفعه لفظا أو محلاً على أنّ حركته بنائية كما ذهب إليه الأخفش وهما قراءتان ويجوز إضمار الفاعل على أنه ضمير المصدر أو السير ونصب بين على الظرفية كما مرّ تحقيقه في قوله : { تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [ سورة
الأنعام ، الآية : 94 ] وقوله حيث بطروا النعمة والبطر طغيان من كثرة النعم وهذا على قراءة الأمر وارادة معنى الطلب ، وقوله أو لم يعتدوا بها بالعطف بأو كما في أكثر النسخ على وجوه الخبرية والقراآت الأخيرة ، وكذا على العطف بالواو على ما في بعضها ، وقيل هذه النسخة أولى لأن كلا من البطر وعدم الاعتداد حاصل على كل من الوجوه أو ظلمهم أنفسهم لتقلبهم وعدم رضاهم بحاله فتأمّل. قوله : ( يتحدّث الناس بهم تعجباً ) إشارة إلى أنّ الأحاديث جمع أحدوثة وهي ما يتحدث به على سبيل التلهي والاستغراب لا جمع حديث على خلاف القياس كما مرّ تفصيله وأن جعلهم نفس الأحاديث إمّا على المبالغة أو تقدير المضاف لأنهم متحدّث بهم ، وقوله تفرقوا أيدي سبأ أي مثل أيدي سبأ فحذف المضاف وإنما قدر فيه مع اقتضاء المعنى لأنه معرفة بالإضافة وقد وقع حالاً فجعل الحال في الحقيقة منل المقدّر لأنه لا يتعرّف بالإضافة والمعنى متفرّقين تفرّق أيدي سبأ وسبا مهموز في الأصل لكنه ورد في هذا المثل بألف لينة فلا يغير وروى أيادي سبأ والأيدي هنا بمعنى الأولاد لأنه يعتضد بهم ، وقيل إنه بمعنى البلاد أو الطلاق من قولهم خذيد البحر أي طريقه وجانبه أي تفرقوا في طرق شتى والظاهر أنه على هذا منصوب على الظرفية بدون تقدير فيه كما أشار إليه الفاضل اليمني وفي المفصل الأيدي إلا نفس كناية أو مجازاً قال في الكشف وهو أحسن فتأمّل. قوله : ( ففرقناهم الخ ) قيل أشار بالفاء إلى أنّ الجملة جارية مجرى التفسير للتي قبلها والأولى ما في بعض النسخ فرقناهم بلا فاء تفسيراً لمزقناهم كما قيل والأحسن جعل الفاء مفسرة لما في النظم لتغاير الجملتين فيه كما لا يخفى ، وقوله غاية التفريق إشارة إلى أنّ ممزق مصدر ميمي كما مر وكل هنا للمبالغة كما في هو الرجل كل الرجل. قوله : ( والأزد بعمان ) بضم العين وتخفيف الميم قال الجوهري : عمان مخفف بلد وأما الذي بالشام فهو عمان بالفتح والتشديد وهو غير مراد هنا لتقدم ذكر الشام ، وقوله عن المعاصي أخذه من مقابلة شكور فلا وجه لما قيل الأنسب صبار على النعم بأن لا يبطروا إلى دفعه بإدخال البطر في المعاصي. قوله : ( أي صدق في ظته ) يعني أنه على قراءة التخفيف ورفع إبليس ونصب ظنه منصوب على الظرفية بنزع الخافض ، وأصله في ظنه أي وجد ظنه مصيباً في الواقع فصدق حينثذ بمعنى أصاب مجازاً ولا حاجة إلى جعل الظن نوعا من القول ، وقوله أو صدق بظن ظنه فظنه منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر كفعلته جهدك أي وأنت تجهد جهدك فالمصدر وعامله في موقع الحال وصدق مفسر بما مرّ. قوله : ( ويجورّ الخ ( فينتصب ظنه على أنه مفعول به لأنّ الصدق(7/198)
ج7ص199
أصله في الأقوال والفول متعد والمعنى حقق ظنه
كما في الحديث : " صدق وعده ونصر عبده " قال تعالى : { رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } [ سورة الأحزاب ، الآية : 23 ] قال الراغب : الصدق والكذب أصلهما في القول ماضياً كان أو مستقبلاً وعدا كان أو غيره ولا يكونان بالقصد الأوّل إلا في الخير ، ا هـ فضمير لأنه للصدق وقيل إنه للظن وهو من القول إما مجاز الشدة الاتصال بينهما أو حقيقة على أنّ المراد من الظن ما هو لفظي ، أو على أن يراد بالقول القول النفسي وهو يوصف بالصدق فتأمل. قوله : ( بمعنى حقق ظنه ) أي صدّق بمعنى حقق مجازاً لأنه ظن شيئا فوقع فحققه وهذا صريح فيما مرّ ، وقوله بمعنى وجده ظنه صادقاً والعرب تقول صدقك ظنك ، والمعنى أنّ إبليس كان يسوّل له ظنه شيئا فيهم فلما وقع جعل كأنه صدقه وعلى متعلق بصدق لا بالظن كما قاله ابن جنى وقوله خيله إغواءهم برفع إغواؤهم على الفاعلية أو نصبه على الحذف ، والإيصال وفاعله ضمير الظن أي خيل له إغواءهم ، وقوله على الإبدال أي إبدال الظن من إبليس بدل اشتمال ، وقوله وذلك أي ظنه فضمير عليهم لسبأ أو لبني آدم مطلقا وقوله حين رأى أباهم النبي هو آدم صلى الله عليه وسلم وهذا بيان للوجه الثاني ووصفه بالنبوّة لأنه إذا ضعف عزمه مع نبوّته فما بالك بأولاده ولم يدر ما في أولاده من أولي العزم وما ركب معطوف على أباهم. قوله : ( أو سمع من الملانكة قولهم أتجعل فيها الخ ) فكان ما سمعه سبباً لظنه وعزمه على إغوائهم وإضلالهم وهذا جار على الوجهين في ضمير عليهم ويجوز أن يكون على الوجه الثاني. قوله : ( إلا فريقاً هم المؤمنون ) فمن بيانية ومتبعو. على هذا هم الكفار ، وهذا ظاهر على إرجاع ضمير عليهم لبني آدم وعلى أن يراد سبأ يلزم إيمان بعض منهم وعلى الثاني فمن تبعيضية والمراد مطلق الاتباع الذي هو أعمّ من الكفر. قوله : ( تسلط واستيلاء ( فالسلطان مصدر بمعنى التسلط ، وفسره بالوسوسة ليوافق ما في غير هذه الآية من نفي سلطانه لأنه بمعنى التسلط بالقهر التام والاستثناء مفرغ من أعنم العلل أي ما كان تسليطه لأمر من الأمور إلا للعلم وقد جوّز فيه الانقطاع ، وهو بعيد أي ما كان له
تسلط عليهم لكنا مكناه من الاتغواء لنعلم الخ. قوله : " لا ليتعلق علمنا الخ ) يعني أنّ العلم المستقبل المعلل به هنا ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب فالمعنى ما سلطناه عليهم إلا ليبرز من كون الغيب ما علمناه فتظهر الحكمة فيه ، ويتحقق ما أردناه من الجزاء أو لازمه وهو ظهور المعلوم وقد جوّز فيه أن يكون المعنى لعلمنا الأزلي بأنهم من أهل الشك كقعدت عن الحرب جبناً فنعلم بمعنى الماضي ، وهو بعيد ويجوز أن يكون المعنى لنجزي على الإيمان وضده. قوله : ( أو ليتميز المؤمن من الشاك ( فالمراد بنعلم نجعل المؤمن متميزاً من غيره في الخارج فيتميز عند الناس على أنه مضمن معنى نميز لا لأنه مجاز بعلاقة السببية لأن العلم صفة توجب تمييزاً لأنّ التمييز المذكور للعالم ، وذلك في علم البشر فسقط ما قيل إن أراد ليتميز لنا فهو مآل المعنى الأوّل وإن أراد لغيرنا فضمير المتكلم يأباه فالأولى جعله مجازاً بمعنى ليظهر علمنا. قوله : ( أو ليؤمن من قدّر إيمانه الخ ) فالمراد من وقوع العلم في المستقبل وقوع المعلوم لأنه لازمه كما مرّ وقوله والمراد من حصول العلم حصول متعلقه هو على الوجه الأخير فليس المعنى ليعلم إيمان من يؤمن وشك من يشك كما توهم ووجه المبالغة جعل المعلوم عين العلم. قوله : ( وفي نظم الصلتين ( أي في تغايرهما حيث جعلت صلة الموصول الأوّل فعلية والثاني اسمية ، ومفابلة الإيمان بالشك وتغيير الصلات وكان الظاهر أن يقال من يؤمن بالآخرة ممن لا يؤمن بها لنكتة ، وهي أنه قوبل الإيمان بالشك ليؤذن بأنّ أدنى مراتب الكفر مهلكة والجزم بعدمها ليس بلازم وأورد المضارع في الأولى إشارة إلى أنّ المعتبر في الإيمان الخاتمة ولأنه يحصل بنظر تدريجي متجدد وأتى بالثانية اسمية إشارة إلى أن المضر الدوام ، والثبات عليه إلى الموت ونكر شكا لتقليل وأتى بفي إشارة إلى أنّ قليله كأنه محيط به وعذاه بمن دون في وقدمه لأنه إنما يضرّه الشك الناشئ منها ، وأنه يكفي شك ما فيما يتعلق بها. قوله : ( والزنتان متآخيتان ) أي فعيل ومفاعل بمعنى يردان بمعنى واحد كثيراً كالجليس بمعنى المجالس ، والرضيع بمعنى المراضمع وليس المحافظ بمعنى المواظب المداوم بل بمعنى الوكيل القائم على أحواله وأموره ، وقوله للمشركين إشارة إلى أنّ الأمر والخطاب لنبينا صلى الله(7/199)
ج7ص200
عليه وسلم وأن المقول له مشركو قومه.
قوله : ( أي زعمتموهم ا-لهة الخ ) قال ابن هشام الأولى أن يقدر زعمتم أنهم آلهة لأن الغالب على زعم أن لا يقع على المفعولين الصريحين بل على ما يسد مسذهما من أن وصلتها ، ولم يقع في التنزيل إلا كذلك يعني أنه اكثر في كلامهم ولم يقع مصرّحا به في
القرآن إلا على الأكثر فالأشسب أن يوافق المقدّر المصرح به فلا وجه لما قيل من أنه اعترف بوقوعه على صريحهما في قوله :
زعمتني شيخا ولست بشيخ
فلا ضيق على من قذ ره كذلك. قوله : ) حذف الآوّل ) يعني أنّ مفعولي زعم محذوفان ، وتقديرهما ما ذكر وحذف الأوّل تخفيفا لأنّ الصلة والموصول بمنزلة اسم واحد ففيه طول يطلق تخفيفه والثاني لأنّ المجار والمجرور صفة له سدت مسده فلا يلزم إجحاف بحذفهما معا ، وقوله ولا يجوز الخ لأنه مع أنه لا يجوز حذف أحد مفعولي هذا الباب لا يصح أن يكون هذا مفعولاً ثانياً لأنه لا يتمّ به الكلام ويلتئم النظام إذ لا يفيدهم من دون الله معنى تامّا بل ليس بصحيح عند التامّل ، وقوله ولا لا يملكون أي لا يصح أن يكون المفعول الثاني قوله لا يملكون لأنّ ما زعموه ليس كونهم غير مالكين بل خلافه ، وليس هذا أيضاً بزعم لو سلم أنه صدر منهم بل حق. قوله : ( والمعنى ادعوهم الخ ) فالأمر مقصود به التوبيخ والتعجيز ، وقوله لعلهم يستجيبون الخ أي راجين استجابتهم لكم ، وقوله ثم أجاب الخ يعني أنه كلام مستأنف في موقع الجواب ويجوز! دير ، ثم أجيب عنهم قائلا لا يملكون الخ ، وقوله وذكرهما للعموم الخ يعني أنّ السموات والأهـ ض! يعبر بهما عن جميع الموجودات كالأنصار والمهاجرين لجميع الصحابة فلا يتوهم أنهم سملكون في غيرهما ، وقوله أو لأنّ ا-لهتهم الخ فالمراد نفي قدرة السماوي منهم على أمر سماويّ والأرضيّ على أمر أرضيّ فعدم قدرته على غيره بالطريق الأولى ، وقوله أو لأنّ الأسباب الخ فالمراد نفي قدرتهم بشيء من الأسباب القريبة فكيف بغيرها وليس المراد أنّ في للسببية كما توهم ، وقوله استئناف لبيان حالهم في الواقع وأنهم إذا لم يملكوا ذلك كيف يكونون آلهة تعبد. قوله : ( ولا تنفعهم ) في النسخة التي عندنا بالواو وفي غيرها بالفاء وهي الفاء الداخلة على النتيجة إشارة إلى أنّ المقصود من الكلام نفي شفاعتهم لهم لكنه ذكر بأمر عامّ ليكون طريقاً برهانياً فلا حاجة إلى ما قيل إنّ المقصود لا شفاعة لهم فلا
نفع ، وهو تفريع على لا يملكون لأنه لا يلائم قوله إذ لا الخ وزعمهم إذ قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله. قوله : ( أذن له أن يشفع الخ ) يعني أنّ المراد إمّا الإذن للشافع في الشفاعة والتكلم عنده لعلوّ شأنه ، أو الإذن في التكلم في شان المشفوع فيفيد أنه لا يتكلم عنده إلا من أذن له وفيما أذن له فيه وفيه دلالة على عظمته أيضاً فالضمير في له إمّا للشافع ولا كلام فيه لأنّ الشافعة فعل الشافع ، والإذن في الفعل أي لا تنفع شفاعة شفيع إلا إذا أذن له أن يشفع أو للمشفوع له وهو لم يصدر عنه فعل حتى يؤذن له فيه فإمّا أن يقدر فيه مضاف أي لشفيعه فاللام صلة إذن أو صلته مقدرة ، وهذه لام التعليل فالتقدير لمن أذن لشفيعه له ، وإنما ارتكب هذا لأنّ المشفوع له هو المنتفع بالشفاعة وهو من أذن لأجله لا له وهو الذي يقتضيه السياق ، والاستثناء المفرّغ من أعمّ الأحوال أي كائنة لمن كانت إلا كائنة لمن الخ أو من أعئم الذوات أي لا تنفع لأحد إلا لمن الخ ، واللام لا تتعلق بتنفع لأنه لا يتعدى إلا بنفسه ، وقوله أن يشفع بصيغة المجهول والفعلان تنازعا له ويجوز أن يكون بصيغة المعلوم على أنّ فاعله ضمير الشافع والأوّل أولى. قوله : ( لعلوّ شأنه ) الظاهر أنّ المراد لعلوّ شأنه تعالى أن يتكلم عنده أحد في أحد ما لم يأذن له فهو على الوجهين ، وفوله لم يثبت ذلك الإشارة إلى الإذن أي لم يثبت الإذن لمن زعمتموهم شفعاء في الشفاعة لكم ، وقد جوّز فهي كون الضمير للشافع وعلوّ شأنه حيث أهل للشفاعة عند اللّه أو للمشفوع ، وعلوّ شأنه بالإيمان على أنّ التعليل مخصوص بالثاني إشارة لترجيحه فالإشارة إلى علوّ الثأن بالتوحيد والإيمان ولا يخفى ركاكة وصف المشفوع له بعلوّ الشأن ، وقوله واللام أي لام لمن إذا كان من عبارة عن الشافع لام اختصاص وعلى الثاني ، وكون من عبارة عن المشفوع له اللام للتعليل واللام الثانية تابعة للأولى ، وقوله بضنم الهمزة من أذن على مبنيّ للمفعول وله قائم مقام فاعله. قوله : ( غاية لمفهوم الكلام الخ ا لما لم يكن قبلها مغياً بحسب الظاهر ولا بد منه ذهب أبو حيان إلى أنه غاية لقوله(7/200)
ج7ص201
فاتبعوه ولا يخفى بعده وفيه وجوه أخر أقربها ما ذكره المصنف تبعاً للزمخشريّ أنه غاية لما فهم مما قبله كما ورد مصرّحا به في سورة عمّ من أنّ ثمة موقفاً مهولاً عظيماً يقومون منتظرين للشفاعة راجين للإذن فيها فلا يزالون كذلك حتى إذا فزع الخ ، وقوله كشف الفزع إشارة إلى معنى فزع وأنّ التفعيل فيه للسلب كقردت الجمل إذا رميت قراده ، والشافعي والمشفوع لهم تفسير لضمير قلوبهم. قوله : ( وقيل الضمير ) أي في قلوبهم للملائكة لأنهم مما عبد ولأنهم من الشفعاء المأذون لهم في
الكلام ومرضه لخفائه ، وقوله على البناء للفاعل والفاعل ضمير الله المستتر أي أزال اللّه الفزع عنهم ، وقوله وقرئ فرّغ أي بالتفعيل وصيغة المجهول من الفراغ بالفاء والغين المعجمة وهو بمعنى أزيل ونفى أيضا وعن قلوبهم نائب الفاعل وأصله فرغ الوجل عن قلوبهم. قوله : ( وهو الإذن بالشفاعة ) تفسير للحق ، وقوله لمن ارتضى جار على المعنيين في اللام ، وقوله ليس لملك الخ بيان لمناسبته وارتباطه بأوّل الكلام ، وقوله يريد به ثقرير الخ أو حملهم على الإقرار بالله تعالى ووجه الإشعار أمره النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن يجيب وتوليه الإجابة له دونهم كما مرّ. قوله : ( من الموحدين الخ ) بيان للفريقين والمتوحد بالنصب مفعول للموحدين وهو عبارة عن الله تعالى ، والرزق بالفتح مصدر بمعنى إعطاء الرزق وبالعبادة متعلق بالموحدين والمشركين معطوف على الموحدين والجماد منصوب مفعول للمشركين ، والنازل وفي نسخة المنزل صفة الجماد والمراد نزوله في الدرجة السافلة من درجات الممكنات لأنّ منها إنسانا وحيوانا وهو أخسها ومع هذا جعلوه شريكا للّه جل وعزل شأنه ، وقوله لعلى أحد الأمرين خبران في كلام المصنف وأمّا في النظم ففيه أقوال فقيل قوله لعلى هدى الخ خبر الأوّل وخبر الثاني محذوف ، وقيل على العكس وقيل هو خبر لهما من غير تقدير لأنّ المعنى أنّ أحدنا لفي أحد هذين الأمرين فما الحاجة إلى التقدير من غير ضرورة ، وفي كلام المصنف إيماء لهذا ، وقيل إنّ ما ذكره بحسب المعنى وما ذكروه مقتضى الصناعة وفيه نظر. قوله : ( من الهدى والضلال المبين ) أفرده ليطابق ما في النظم وإن كان وصفا لهما لأنّ الوصف والضمير يلزم إفراده بعد المعطوف بأو وفي نسخة المبينين وهي أظهر ، وقوله أبلغ من التصريح لأنه في صورة الإنصات المسكت أي الذي يسكت الخصم لانقطاع حجته وفي نسخة المبكت ، وهو بمعناه والمشاغب بالغين المعجمة من الشغب وهو الخصام وتهييج الشرّ ، وهذا فن من فنون البلاغة يسمى الكلام المنصف. قوله : ( أتهجوه الخ ) هو من قصيدة لحسان بن ثابت وضي الله عنه قالها في فتح مكة وأوّلها :
عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء
ومنها وهو خطاب لأبي سفيان بن حرب يجيبه عما كان هجا به النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه رضي الله تعالى عنه :
هجوت محمدافأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء فشركمالخيركما الفداء
هجوت مبرأبراً جميلاَ أمين الله شيمته الوفاء.
إلى آخر القصيدة. قوله : ( وقيل إنه على اللف والنشر ( أي المرتب وهو ظاهر ، وقوله
وفيه نظر قد بين النظر بأنه لو قصد ، للف بأن يكون على هدى راجعا لقوله : إنا وأو في ضلال راجعاً لإياكم كان العطف بالواو ولا بأو وكونها بمعنى الواو كما في قوله :
سيان كسر رغيفه أوكسرعظم من عظامه
بعيد جدا إلا أنه قيل إنه لو جعل فيه إيماء لذلك لم يبعد. قوله : ) واختلاف الحرفين
الخ ) يعني قوله على هدى وفي ضلال أدخل علي على الأوّل وفي على الثاني للدلالة على استعلاء صاحب الهدى وتمكنه ، واطلاعه على ما يريد كالواقف على مكان عال أو الراكب على جواد وانغماس الضال في ضلاله حتى كأنه في مهواة مظلمة ففيه استعارة مكنية أو تبعية كما مرّ تقرير. في قوله تعالى : { عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ } [ سورة البقرة ، الآية ت 5 ] والمنار البناء المرتفع كالمنارة(7/201)
ج7ص202
ومرتبك بالراء المهملة والمثناة الفوقية والباء الموحدة ، ثم كاف الواقع في شذة لا يكاد يتخلص منها والمطمورة مكان تحت الأرض! مظلم يحبس فيه وما وقع في بعض النسخ ممطورة اسم مفعول من المطر تحريف ويتفصى بالفاء بمعنى يتخلص ، ويجوز أن يكون بالقاف بمعنى يبعد والأوّل أقرب. قوله : ( هذا أدخل في الإنصاف الخ ( حيث أسند الأجرام إلى أنفسهم بصيغة الماضي الدالة على التحقق والعمل إليهم بصيغة المضارع ، وان كان فيه تعريض كما في شرح المفتاح ولا وجه لإنكاره كما قيل ، والإخبات بالمثناة الخضوع والتذلل لاعترافهم بأنهم مجرمون لأنّ المرء لا يخلو من زلة. قوله : ( في القضايا المنغلقة ) أي الخفية المشكلة فكيف بالواضحة كإبطال الشرك ، وإحقاق التوحيد وفيه إشارة إلى وجه تسمية فصل الخصومات فتحا
وأنه في الأصل لتشبيه ما حكم فه بأمر مغلق كما يشبه بأمر منعقد في تولهم حلال المشكلات وخص المنغلقة إشارة إلى أنّ المبالغة في فتاح في الكيف وإن جاز أن يكون في الكم ولأنّ غيرها يعلم فتحه بالطريق الأولى. قوله : ( وهو استفسار عن شبهتهم الخ ) جوّز المعرب في رأي هنا أن تكون علمية متعدية بهمزة النقل إلى ثلاثة مفاعيل ياء المتكلم والموصول وشركاء وعائد الموصول محذوف أي ألحقتموهم ، وأن تكون بصرية تعدّت بالنقل لاثنين ياء المتكلم والموصول ، وشركاء حال ولا ضعف في هذا كما قاله ابن عطية بل فيه توبيخ لهم إذ لم يرد حقيقته لأنه كان يراهم ويعلمهم فهو مجاز وتمثيل والمعنى ما زعمتموه شريكا إذا برز للعيون ، وهو خشب وحجر تمت فضيحتكم ، وقد جوّز الزمخشري فيه الوجهين كما أشار إليه بقوله وكان يراهم ويعرفهم ، وقد صرّح به بعض شرّاحه فمن قصره على أحدهما فقد قصر ، وقوله بعد إبطال المقايسة إبطالها بقوله أروني كما صرّح به الزمخشري. قوله : ( الموصوف بالغلبة وكمأل القدرة ) تفسير للعزيز وما بعده للحكيم ، وقوله وهؤلاء الملحقون بصيغة المفعول ، والمراد المعبودات التي ألحقت باللّه وجعلت شركاء متصفة بضد ذلك مما ينافي الألوهية أو بصيغة الفاعل ومتسمة مفعوله ، وهذا مأخوذ من الحصر فتأمّل. قوله : ( والضمير ) يعني هو لله فهو ضمير مبهم عائد لما في الذهن وما بعده يفسره ، وهو الله الوأقع خبرا له والعزيز الحكيم على هذا صفتان له وإنما اختار هذا ولم يجعله عائدا على ربنا في قوله يجمع بيننا ربنا لما في التفسير بعد الإبهام من الفخامة كما في قوله : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وإن هي إلا حياتنا الدنيا بناء على جواز عود الضمير في مثله على المتأخر ، وإذا كان ضممير شان فالله مبتدأ والعزيز الحكيم خبره والجملة خبر ضمير الثان لأنّ خبره لا يكون إلا جملة على الصحيح ، وقد قيل إنّ معنى قوله لله أنه عائد على الرب المذكوو سابقاً والعبارة تحتمله. قوله : ( إلا إرسالة عامة لهم ( يعني أنّ كافة اسم فاعل من الكف صفة لمصدر محذوف وتاؤه للتأنيث ، وهو الذي اختاره الزمخشريّ ، وقد اعترض عليه بأنّ كافة لم ترد عن العرب إلا منصوبة على الحال مختصة بالمتعدد من العقلاء وأنّ حذف الموصوف ، واقامة الصفة مقامه إنما يكون لما عهد وصفه بها بحيث لا يصلح لغيره وأجيب بأنه هنا غير ما التزم فيه الحالية ، وان رجعا إلى معنى واحد وما قيل من أنه لم تستعمله العرب إلا كذلك ليى بشيء ، د!اقامة الصفة مقام موصوفها منقاس مطرد بدون شرط إذا قامت عليه قرينة ، وذكر الفعل قبله دال على تقدير مصدره كما في قصت طويلاً حسناً أي قياما طويلاً حسنا ، وما ذكر كله من التزام ما لا يلزم فقد قال في شرح اللباب إنه
سمع خلافه في كلام البلغاء ، وقد صح أنّ عمر رضي الله عنه قال في كتابه لآل بني كاكلة قد جعلت هكذا لآل بني كاكلة على كافة بيت المسلمين لكل عام مائتي مثقال ذهبا إبريزا وقال له عليّ أيضاً حين أمضاه ، وقال في شرح المقاصد إنه بخطهما موجود محفوظ إلى الآن بديار العراق فقد استعملوه في غير العقلاء ، وغير منصوب على الحالية كما فصلناه في شرح الدرة ، فما قيل من أنه لم تستعمله العرب إلا كذلك وأنّ ما ذكر في حذف الموصوف لا يصلح للسندية مكابرة لأنّ الطول والحسن يكثر وصف الذوات به دون الأفعال ، وأمّا ما مرّ من أنّ هذه غير ما يلزم فيه الحالية فمع أنه لا حاجة إليه لم سمعته لا يفيد لأنّ مدعاهم لزوم هذه اللفظة لها. قوله : ( من الكف ) بمعنى المنع لكنها تجوّز بها عن معنى عامّة فقوله إذا عمتهم ، الخ بيان لوجه التجوّز المصحح له والمرجح اشتهاره في الدلالة على العموم حتى هجر معناه الحقيقيّ ، وصار هذا كأنه حقيقته وقطع النظر فيه عن معنى المنع بالكلية فلا يتوهم(7/202)
ج7ص203
تخصيص إرساله بالإنذار ، ويدفع بأنّ قوله بشيرا ونذيراً يأباه كما قيل. قوله : ( أو إلا جامعاً لهم في الإبلاغ ) أي إلا في حال كونك جامعا لجميع الناس في إبلاغ ما أرسلت به لهم واعرابه ما ذكر وهو دال على المقصود من الكلام ، وهو عموم رسالته صلى الله عليه وسلم وهذا هو الوجه الثاني فيه وهو مختار الزجاح ، وما اعترض به عليه من أن كف بمعنى جمع ليس بمحفوظ في اللفة غير مسلم لأنه يقال كف القميص إذا جمع حاشتيه ، وكف الجرح إذا ربطه بخرقة تحيط به وقد قال ابن دريد كل شيء جمعته فقد كففته مع أنه يجوز أن يكون مجازاً من المنع لأنّ ما يجمع يمتنع تفرّقه وانتشاره وكون ذي الحال متعدداً في كافة ليس بلازم لقول عمر رضي الله عنه كافة بيت المسلمين كما مرّ فلا يرد عليه ما ذكر. قوله : ( والتاء للميالغة ا لا للتأنيث على هذا ، وعلى الأوّل لتأنيث موصوفه واعتراض ابن مالك بأنها مخصوصة بصيغة المبالغة كنسابة وفروقة غير مسلم لورودها في راوية ونحوه ، وقد قيل إنه أيضاً مصدر كانكاذبة بمعنى الكذب جعل حالاً مبالغة أو بتقدير مضاف أو هو منصوب على أنه مفعول له. قوله : ( ولا يجوز جعلها حالاً من الناس الخ ) هذا بناء على ما اختاره كثير من النحاة من أن الحال لا تتقدم على معمولها المجرور بالحرف أو بالإضافة ، وقد ذهب إلى خلافه كثير من متقدمي النحاة واختاره أبو حيان والرضى وجعلوا هذا الوجه أحسن في الآية ، وما عداه تكلف لكنه اعترض عليه بأنه يلزمه عمل ما قبل إلا فيما بعدها يعني للناس وليس بمستثني ولا مستنثى منه ، ولا تابع له وقد منعوه أيضاً ، وأجيب بأنّ تقديره وما أرسلناك للناس إلا كافة فهو مقدّم رتبة ومثله كاف في صحة العمل وفيه نظر لأنّ الممنوع تخطي إلا العامل لغير استثناء وما ذكره لا يدفعه مع تعسفه فالأحسن أن يجعل مستثنى على أنّ الاسنثناء فيه مفرّغ وأصله وما أرسلناك لشيء من الأشياء إلا لتبليغ الناس كافة ، وأمّ تقديره بما أرسلناك للخلق مطلقاً إلا للناس كافة على أنه مستثنى فركيك جداً ، والاعتراض
بأنه يحتاج إلى جعل اللام بمعنى إلى ليس بشيء لأنّ أرسل يتعدى باللام ، والى كما ذكره أبو حيان وغيره فلا حاجة إلى جعلها بمعنى إلى أو تعليلية وعموم رسالته صلى الله عليه وسلم ثابت بأدلته القوية في الأصول ، وكتب الحديث فلا نطيل هنا بما وقع في بعض الحواشي. قوله : ( من فرط جهلهم ( جعل الحامل لهم على هذا القول فرط الجهل أي زيادته لأنّ مثله لا يصدر عمن يعلم حقيته ولو سلم صدوره تعنتاً وعنادا مع علمهم فمثل هذا العلم يعد جهلا بل الجهل خير منه ، وأمّا عدم عطفه بالفاء فلظهور تفرعه على ما قبله ومثله يوكل إلى ذهن السامع فالاعتراض! بمثله والجواب بأنّ فرط الجهل غير الجهل أو أنّ هذا حال بعض ، وذاك حال بعض آخر كله من ضيق العطن. قوله : ( وعد يوم ) أي يوم عظيم لأنّ تنوينه للتعظيم ، وهو إشارة إلى أن الميعاد مصدر ميمي أو اسم أقيم مقام المصدر على ما نقل عن أبي عبيدة وهو بمعنى الموعود ورجح سذا لوقوعه جواباً لقولهم متى هذا الوعد ، وقوله أو زمان وعد على أف اسم زمان فإن مفعالاً يكون اسم زمان ومكان كالميلاد والمدراس فإضمافته على هذا لليوم ، وهو اسم زمان لبيان زمان الوعد بأنه يوم مخصوص ، وأيد بقراءته منوّنا مع رفع يوم على البدلية فإنه يقتضي أنه نفس اليوم ، وكونه بدل اشتمال بعيد وكذا كون أصله ميعاد ميعاد فحذف المضاف. قوله : ( وقرئ يوماً ) بنصبه منوّنا بعد تنوين ميعاد فنصبه بتقدير أعني على أنه قطع لتعظيمه ، ويجوز هذا في الرفع أيضاً أو هو منصوب على الظرفية ، والعامل فيه مضاف مقدر أي لكم إنجاز وعد في يوم صفته كيت وكيت أو الميعاد على أنه مصدر بمعنى الموعود لا اسم زمان. قوله : ( وهو جواب تهديد الخ ) جواب عن السؤال بانه كيف طابق الجواب سؤالهم بأنّ سؤالهم تعنت ، وانكار فلذا أجيبوا بالتهديد وليس هذا من الأسلوب الحكيم كما قيل وان أمكن جعله منه بتكلف ، وأمّا كون هذا جوابا لأنّ تنكير يوم في قوّة أن يقال لا يعلمه إلا اللّه فتعسف لا حاجة إليه. قوله : ( فيل إنّ كفار مكة الخ ) مرضه لأنه ل! في السياق ، والسباق ما يدل عليه وقوله وقيل الذي بين يديه يوم القيامة فكيون بين يديه عبارة عن المستقبل فإنه قد يراد به ما مضى ، وقد يراد به ما
سيأتي ومرضه لأنّ ما بين يدي الشيء يكون من جنسه لكن محصله على هذا إنهم لم يؤمنوا بالقرآن ولا بما دل عليه ، وأمّا اذعاء أنّ اكثر كونه للمتقدم فغير مسلم. قوله تعالى : ( { وَلَوْ تَرَىَ } ) الخطاب للنبيّ صلى(7/203)
ج7ص204
الله عليه وسلم ، أو لكل واقف عليه ومفعوله إذ أو محذوف ولو للتمني لا جواب له أو مقدر كلا يمكن بيانه ونحوه والظالمون ظاهر وضمع موضع المضمر للتسجيل ، وبيان علة استحقاقهم ويرجع حال ويقولون استئناف ويتحاورون بحاء وراء مهملتين بمعنى يجيب بعضهم بعضا ، وقوله : ( لولا إضلالكم فيه ) إشارة لتقدير مضاف أو هو بيان لمآل المعنى. قوله : ( وأثبتوا أنهم الخ ) لأنّ الهمزة للإنكار ، والذي يليها هو المنكر وقد وليها ضمير الرؤساء فليس المنكر الصد بل وقوعه منهم وهذا معنى قوله بنوا الخ ، وقوله لم يكن إجرامنا الصاذ أي كما زعم رؤساؤهم من أنّ إجرامهم بسوء اختيارهم هو الصادّ لهم ، ودائباً بالباء الموحدة بمعنى دائما بالميم ، وقوله أغرتم علينا رأينا كذا وقع في النسخ ، والظاهر غيرتم علينا رأينا ، وكونه من الإغارة وهي الغارة على العدوّ لنهب وقتل أريد به غلبتم علينا في رأينا علاج بعض المرض ، وقوله إذ تأمروننا بدل من الليل والنهار أو تعليل لمكرهم. قوله : ( والعاطف يعطفه الخ ) إشارة إلى السؤال المذكور في الكشاف عن اقتران كلام المستضعفين بالعاطف دون كلام المستكبرين فقيل وقال الذين استضعفوا الخ والجواب على وجه يتضمن بيان حال الجمل كلها فصلاَ ووصلا أنّ قوله أوّلاً يقول الذين استضعفوا استئناف لبيان تلك المحاورة ، أو بدل من يرجع الخ فلذا لم يجر عطفه ، ولما كان قول المستضعفين أوّلاً اعتراضاً على رؤسائهم وقول الرؤساء قال الذين استكبروا جواباً عنه ترك العاطف لأنّ الجواب لا يعطف على السؤال في المحكيّ عنه ، وكذا في الحكاية وان كان ربما قرن بالفاء ، ثم لما رجع المستضعفون إلى كلامهم ثانيا عطف على كلامهم الأوّل وان تغايرا مضياً واستقبالاً ، وقيل إنّ النكتة فيه إنه لما حكى قول المستضعفين بعد قوله يرجع بعضهم إلى بعض القول كان مظنة أن يقال فماذا قال الذين استكبروا للذين استضعفوا وهل كان بين الفريقين تراجع قول فقيل قال الذين اسنكبروا كذا ،
وقال الذين استضعفوا كذا فأخرج مجموع القولين مخرج الجواب وعطف بعض الجواب على بعض وأمّا الاعتراض على ما هنا بأن المعطوف فعل الحكاية لا كلامهم المحكي ففي كلامهم مسامحة ، وأنّ ما ذكر منقوض! بقوله تعالى : { قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } [ سورة الأعراف ، الآية : 75 ] فإنه مرّ فيها كلام المستكبرين وجيء بالجواب محذوف العاطف على طريقة الاستئناف ، ثم جيء بكلام آخر لهم ولم يعطف كما هنا بل استؤنف تكثيراً للمعنى مع تقليل لفظه فليس بوارد لأنه فرق بين الآيتين فإنّ كلام المستكبرين ثانيا وقع موقع الجواب فلذا لم يعطفه على كلامهم الأوّل بخلاف ما نحن فيه ، ثم إنه لا مانع من عطفه على قال الذين استكبروا على أنهما تفصيل للمحاورة أيضاً فتدبره. قوله : ( وإضافة المكر الخ ) يعني أنه من التجوّز في الإسناد بحسب الأصل لأنه مصدر فلما أضيف إلى ظرفه وهو الليل والنهار أجرى فيه مجرى المفعول وأضيف إليه حتى كأنه ممكور به أو مجرى الفاعل حتى كأنهما ماكران وان كان المعنى على مكركم في الليل والنهار ، وأما الإضافة على معنى في فمع أنّ المحققين لم يقولوا بها لم يلتفتوا إليها هنا لأنها تفوّت ما قصد من المبالغة البليغة. قوله : ( وقرئ مكر الليل الخ ) نصباً على المصدر بفعل مقدر تقديره مكرتم ظاهر إلا أنه قيل إنه لم ير النصب في شيء من الكتب إلا مع التشديد فكأنه سهو وقوله ومكر الليل أي قرئ مكرّ الليل بفتح الميم والكاف وتشديد الراء من الكرور بمعنى المجيء ، والذهاب كما في قوله :
كرّ الغداة وكرّ العشيّ
قوله : ( وأضمر ) أي أخفى الفريقان من الذين ظلموا وهم المستكبرون والمستضعفون
وهذا تفسير لأسرّوا وبيان لمرجع ضميره باعتبار حاصل المعنى ، وهو عائد على الظالمين لكنه أشار إلى أنه على وجه العموم إذ لو كان المراد ظاهره ثني الضمير ثم أنّ ندامة المستكبرين على الضلال والإضلال وندامة المستضعفين على الضلال فقط إذ حصول ندامتهم على الإضلال أيضا باعتبار قبوله تكلف. قوله : ( وأخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير ( قيل كيف يتأتى هذا مع قول المستضعفين لرؤسائهم لولا أنتم لكنا مؤمنين وأيّ ندامة أشد من هذا ، وأيضا مخافة التعيير في مثل ذلك المقام بعد فالأولى ما مر في سورة يونس من أنهم بهتوا بما عاينوا فلم يقدروا على النطق ، وهو المناسب لقوله لما رأوا وأما كون القول(7/204)
ج7ص205
المذكور ولوما للرؤساء وما أخفوه الندامة وهي لوم نفسه وبينهما بون فلا يخفى حاله ، واذا كان بمعنى الإظهار ففي غاية
الظهور. قوله : ( نتنويهاً بذمّهم ) أي إظهارا له وأصل التنويه في المدح ، وقوله بموجب بكسر الجيم ، وأغلاله بفتح الهمزة بصيغة الجمع لأنّ فعله غل لا أغل. قوله : ( وتعدية يجزي الخ ) ظاهره أنّ الجزاء ليس بمعنى القضاء وأنه لا يتعد! لمفعولين بنفسه ، وكلام الراغب يخالفه فانه بعد تفسيره به قال : ويقال جزيته كذا وبكذا ، ويؤيده قوله تعالى : { وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا } [ سورة الإنسان ، الآية : 12 ] فلا حاجة إلى التضمين واذا ضمن فكيفية تقدير. أشهر من أن تذكر فمن قال إن تعدّبه لمفعولين لم يوجد في كتب اللغة وإنه إنما يتعدى لأحدهما بعن فقد أخطأ ، وقوله أوبنزع الخافض وهو إمّا الباء أو عن أو على فإنه ورد تعديته بها جميعاً. قوله : ( تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما مني به ) أي ابتلى به يقال فيته بكذا أي ابتليته ، وهو بصيغة المجهول والمعنى مناه الله به من مخالفة قومه وعداوتهم له :
وضرّ ذوي القربى أشدّ مضاضة على المرء من وقع الحسام المصمم
والسهام أنكؤها أدناها ، وقوله المتنعمين تفسير للمترفين كما مر ، وقوله المعظم من الإعظام بمعنى اجمثار يقال هذا معظمه أي أكثره وهو صفة الداعي أو منصوب على الظرفية أي في الأكثر من الأحوال ، وقوله الانهماك في الشهوات خبر إنّ أي المنهمك هو المتنعم فيلزمه التكبر والمفاخرة المؤدّيان إلى التكذيب ، وفي بعض النسخ المفاخرة بلا واو على أنه الخبر ، والانهماك بالواو عطف عليها وماكه للأوّل وفي بعضها لأن الداعي المعظم إليه التكبر والمفاخرة على أنه الخبر والانهماك بالواو عطفاً عليه ، وهي أظهر وأكثر فلا سهو فيه كما قيل والتهكم في قولهم وما نحن بمعذبين أو في قوله أرسلتم كما قيل والمفاخرة بالأموال والأولاد ، وظاهره أنّ هذا من أمته ولا باع فيه لدخوله في العموم. قوله : ( على مقايلة الجمع بالجمع ) الجمع الأوّل الرسل المدلول عليه بقوله أرسلتم ، والثاني كافرون فقد كفر كل برسوله ، وخاطبه بمثله فلا تغليب في الخطاب في أرسلتم ، وقيل إنه غلب المخاطب على جنس الرسل أو على اتباعه وليس لانقسام الآحاد على الآحاد فإنه لا يطرد فضمير أرسلتم إمّا تهكما أو تغليباً على من آمن به وليس المعنى عليه بل للدلالة على أنّ كلاً منهم كافر بكل منهم ، وقيل الجمع الأوّل نذير لأنه يفيد العموم في الحكاية لا المحكي بوقوعه في سياق النفي وليس كل قوم منكراً لجميع الرسل فحمل على المقابلة ، وما ذكرناه أوّلاً أقرب وأسلم من التكلف. قوله : ( فنحن أولى بما
تدّعونه ) من الكرامة في الآخرة ، ولذا قال إن أمكن لإنكارهم البعث فقاسوا أمر الآخرة على أمر الدنيا وظنوا أنّ المنعم هنا منعم ثمة وايلاء نحن النفي إشارة إلى أنّ المؤمنين معذبون استهانة بهم لظنهم أنّ المال ، والولد يدفع العذاب عنهم كما قاله بعض المشركين. قوله : ) رد لحسبانهم ) وفي نسخة ردا بالنصب على أنه مفعول له أي ردا لما ظنوه من أنهم أولى بما يدعونه وأنهم لا يعذبون لكثرة أموالهم وأولادهم الدالة على كرامتهم عند الله تعالى ولا حاجة إلى تخصيصه باحد الحسبانين حتى يكون إشارة إلى ترجيح الوجه الثاني. قوله : ( لم يكن بمشيئته ) أي لو كان ذلك بطريق الإيجاب عليه نافي المشيئة على ما أشار إليه بعض المدققين من أنّ الواجب إمّا عبارة عما يستحق تاركه الذمّ كما قاله بعض المعتزلة أو ما تركه مخل بالحكمة كما قاله بعض آخر أو ما قدّر الله على نفسه أن يفعل ولا يتركه وان كان تركه جائزا كما اختاره بعض الصوفية ، والمتكلمين كما يشعر به النصوص كحرّمت الظلم على نفسي والأوّل باطل لأنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء فلا يتوجه إليه ذمّ أصلا وهو المحمود في كل فعاله ، وكذا الثاني لعلمنا بأنّ جميع أفعاله تتضمن حكماً ومصالح لا يحيط بها علمنا على أنّ رعاية الحكمة المصلحة لا تجب عليه تعالى ولا يسئل عما يفعل وكذا الثالث لأنه إن قيل بامتناع صدور خلافه عنه فينافي الاختيار على ما صرح به في تعريفه من جواز الترك ، وان لم يقل به فات معنى الوجوب إذ محصله إنه تعالى لا يتركه بمقتضى جري العادة وليس من الوجوب في شيء فهو مجرّد اصطلاح ، اهـ محصله فقد علمت أن الإيجاب ينافي الاختيار والمشيئة عند التحقيق كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه :
ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق(7/205)
ج7ص206
فلا وجه لما قيل إنّ المشيئة تجامع الإيجاب ، ولا لما قيل من أنّ المنافي لها هو الإيجاب عليه لا الإيجاب الناشئ منه تعالى ، ودلالة الكرامة على زعمهم تقتضي الأوّل وأنّ كون المبدأ منه لا يقتضي الإيجاب عليه لأنّ صيرورته مبدأ بجعله تعالى لخلقه باختياره ، وأنّ الأولى أن تفسير المشيئة في الآية باستقلالها كما هو مقتضى تخصيص البسط والقدر بها ليلزم أن لا يكون لكرامة يدل البسط عليها دلالة القدر على الهوأن ولا حاجة أيضا إلى ما قيل إنه تقرير لشبههم على زعمهم من أنّ أكرم الأكرمين لا يهين من أكرمه ولش الشرك سبباً للإهانة لمشاهدتهم خلافه فيكون جوابه منع كونه إكراما لاستواء المعادي ، والموالي فيه لحكمة لا ما
ذكره المصنف فتأمل. قوله : ( كما قال وما أموالكم الخ ) قيل لأنّ نفي التقريب يفهم منه تحقق البعد عرفا فيدل على أنه استدراج ، ولا يرد عليه شيء فتأمل وقوله قربة تفسير لزلفى واشارة إلى أنه مصدر من غير لفظه ، وقوله والتي الخ يعني أنه أوقع هنا على الأموال والأولاد وهي جماعات وهذا مفرد مؤنث فوجهه بأن المجموع بمعنى جماعة فلذا أفرد وأنث لا إنه على تقدير مضاف في النظم ، وهو لفظ جماعة أو هي صفة لموصوف مفرد مؤنث تقديره بالتقوى أو بالخصلة ، وفي الكشاف أنّ التي بمعنى التقوى من غير تقدير. قوله : ( استثناء من مفعول تقربكم ) فهو استثناء منقطع لأنّ الضمير عبارة عن الكفرة فهو في محل نصب أو رفع على أنه مبتدأ ما بعده خبره أو خبره مقدر كما قاله أبو البقاء : وقيل إنه متصل على أن يجعلي الخطاب عامّا للكفرة والمؤمنين ، أو على أنه ابتداء كلام لا مقولاً لهم ، وفي شرح الكشاف إن هذا إنما يصح على الوجه الأوّل بجعل التي عبارة عن الأموال والأولاد أما إذا كانت عبارة عن التقوى فلا لأنه يلزم أن تكون الأموال والأولاد تقوى في حق غير من أمن وعمل صالحا لكن غير مقرّبة فالوجه أن يجعل على هذا استثناء من الأموال والأولاد على تقدير مضاف فيه كما أشار إليه المصنف رحمه الله أي إلا أموال من آمن الخ وأولادهم فإنها تقوى على أن يجعل الأموال والأولاد تقوى مبالغة كقوله : { إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ سورة الشعرأء ، الآية : 89 ] على وجه ، وقيل إنه يصح على الوجه الثاني أيضاً ولا يتعين ما ذكر إذ يصح أن يقال وما أموالكم بتقوى إلا المؤمنين ، وحاصله أن المال لا يقع تقوى مقرّ بالأحد إلا للمؤمنين واذا كان الاستثناء منقطعا اتضح وصح ما ذكره ، وقوله أو من أموالكم الخ جعله الزجاج بدلاً من الضمير المجرور فلا يحتاج عليه إلى تقدير مضاف ( بقي هنا بحث ) وهو أنه أورد على جعله استثناء من ضمير تقرّ بكم أنه يلزمه إبدال الظاهر من ضمير المخاطب ويرد بأنه لا يلزمه الإبدال بل هو منصوب على الاستثناء ، واذا كان منقطعاً فهو مبتدأ كما مرّ مع أنّ الفراء وجماعة أجازوه لكنه لا يجوز هنا لمعنى آخر كما فصله في البحر والدرّ المصون. قوله : ( أن يجارّوا الضعف ) أي الثواب
المضاعف ، وهو بيان لحاصل المعنى لظهور أنّ المجازي هو الله وليس لبيان إنه مصدر من المبني للمجهول حتى يقال إن بعض النحاة نازع في صحته ، وقوله والأصل أي الأكثر وفي نسخة بدله والإضافة ، وقوله على الأصل أي بتنوين جزاء ورفعه ونصب الضعف ، وقوله وعن يعقوب الخ في الإعراب رواية الأوّل عن قتادة ، والثاني عنه وعن يعقوب وقوله على التمييز عن نسبة الضعف أو هو حال من فاعل لهم إن كان الضعف مبتدأ ، ومنه إن كان فاعلاً وقوله أو المصدر أي يجزون جزاء لأنّ في لهم دلالة على أنهم يجزون به ولا حاجة إلى دلالة لهم عليه لأنّ المصدر المنصوب يكفي في الدلالة على فعله فتدبر وقوله على إرادة الجنس لأنّ لكل أحد غرفة والمفرد أخ! مع عدم اللبس فيه ، وقوله بالردّة فالمراد السعي في إبطالها ، وبحتمل أنه على تقدير مضاف فيه. قوله : ( سابقين لأنبيائنا أو ظانين الخ ) قال الراغب أصل معنى العجز التأخر لكون المتاخر خلف عجز السابق أو عنده أو في عجز الأمر ، ثم تعورف فيما هو معروف فالمراد هنا بالمعاجزة إما المسابقة لتأخر المسبوق بتقدم السابق ، ومعنى المفاعلة غير مقصود هنا إذ المقصود السبق ، وعدم قدرة غيرهم عليهم لغلبتهم عليهم فلذا لم يقل في تفسيره مسابقين فغلبتهم إمّا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهي متصوّرة أو لله وهي غير متصوّرة فلذا جعلها بناء على زعمهم الفاسد ، وظنهم الباطل لا إنه موضوع له. قوله : ( فهذا في شخص واحد الخ ) بدليل قوله له وما قيل(7/206)
ج7ص207
في آية العنكبوت من أنّ الضمير في موضمع من لأنه مبهم غير معين فضميره مثله ، وليس المراد شخصا واحداً باعتبار وقتين لأنه لو أريد ذلك لصدّر يقدر بأداة التعاقب لا يعارض ما ذكر هنا كما قيل لأنه لا تكرار ثمة فأجراه على مقتضى ظاهره من العموم بخلاف ما هنا. قوله : ( فلا تكرير ) بل فيه تقرير لأن التوسيع والتقتير ليسا لكرامة ولا هو إن فإنه لو كان كذلك لم يتصف بهما شخص واحد ، وقوله إمّا عاجلا أو آجلا المراد بالعاجل ما في الدنيا وبالآجل ما في الآخرة ويجوز أن يريد ما تراخى زمانه ، وأمّا تخصيصه بالآخرة فلا وجه له وهو مناف لما ورد في الأحاديث الصحيحة نحو " لكل منفق خلف ولكل ممسك تلف " فلذا لم يرتضه المصنف رحمه الله وان نقله الزمخشري عن مجاهد ، وعدّ الزمخشري من الخلف القناعة فإنها كنز لا يفنى. قوله : ( لا حقيقة لرارّقيتة ) أورد عليه وعلى نظائره ابن
عبد السلام في أماليه كما نقله السيوطي في شرح السنن وادّعاه بعضهم من نتائج قريحته هنا أنه لا بدّ من مشاركة المفضل للمفضل عليه في أصل الفعل حقيقة لا صورة وأجاب الآمدي بأنّ معناه خير من تسمى بهذا الاسم وأطلق عليه ، وقد أجيب بأجوبة أخر في قوله أحسن الخالقين وكلها مدخولة فلا بد من جعل الرازقين بمعنى الموصلين للرزق والواهيين له بجعله حقيقة في هذا كما صرح به الراغب حيث قال الرزق العطاء الجاري والرازق يقال لخالق الرزق ومعطيه فيقال رازق لغير الله ولا يقال لغيره تعالى رزاق ولا حاجة إلى ما قيل إنه من عموم المجاز أو من استعماله في حقيقته ومجازه بناء على تجويزه. قوله : ( تقريعاً الخ ) فالمقصود من خطاب الملائكة تقريع المشركين لعلمه بما ستجيب به الملائكة ، وقوله وتخصيص الملائكة أي تخصيصهم بالذكر هنا في حكاية ما قيل لهم في ذلك الموقف ، وليس المراد الحصر كما يتوهم من تقديم إياكم حتى يقال الحصر بالنسبة للأصنام ، والا فقد قيل مثله لعيسى عليه الصلاة والسلام في قوله " نت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين فتدبر. قوله : ( لآنهم أشرف شركائهم ) إن كان الخطاب مع غير أهل الكتاب لتبادره من المشركين فشرفية الأصنام على زعمهم ولا يرد عيسى عليه الصلاة والسلام ، والجواب بما مر متمش هنا ويؤيده قوله والصالحون للخطاب. قوله : ( ولأن عبادتهم ) يعني الملائكة مبدأ الشرك في العرب هذا بناء على ما وقع في بعض كتب القصص ، والتواريخ كما نقله ابن الوردي في تاريخه من أنّ سبب حدوث الأصنام في العرب أن عمرو بن لحيّ أوّل من عبد الأصنام في العرب ودعاهم لذلك فأطاعوه وكان مرّ بقوم بالشام رآهم يعبدون الأصنام فسألهم فقالوا له هذه أرباب نتخذها على شكل الهياكل العلوية نستنصر بها ونستسقي فتبعهم ، وأتى بصنم معه فاستمرّ العرب على ذلك إلى أن جاء الإسلام وعبادة عيسى عليه الصلاة والسلام بعد ذلك بزمان كثير ، وقد مرّت إليه إشارة في تفسير قوله تماثيل في هذه السورة ، وما روي إنها صور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام رواية أخرى فلا وجه لما قيل إنّ هذا لا أصل له ، وقوله بالياء فيهما أي في قوله يحشر ويقول. قوله : ( لا موالاة الخ ) تفسير لقوله من دونهم وقوله حيث أطاعوهم فعبادتهم مجاز عن إطاعتهم فيما سوّلوه لهم وفيما
بعده حقيقة ، وقوله أو للمشركين فضمير كانوا للأكثر وهذا كالبيان له وقوله واكثر بمعنى الكل يعني على الثاني ، ويجوز أن يبقى على ظاهره لأنّ منهم من لم يؤمن بهم وعبدهم اتباعا لقومه كأبي طالب وأيضا لا حاجة إلى التوجيه على الوجه الثاني إذ لم يتمثل الجن للكل. قوله : ( إذ الأمر فيه كله له الخ ) إن كان المراد بالنفع والضرّ الثواب والعقاب الأمر فيه كله من جنسهما لأنها دار الجزاء فلا غبار عليه ، وان أريد الأعئم منهما ورد أنّ بعضهم قد ينفع بعضا كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالشفاعة فإما أن يقال إنها لا تكون بدون إذن كما مرّ فالنفع في الحقيقة منه تعالى أو المراد بالملك الاستقلال فيه وكونه كما يختار لا كما يختار له فإنه يقال هو مالك لأمره لمن يثصرف فيه كيف يشاء فلا يرد ما قيل إنّ إيقاع الشفاعة ملك لها. قوله : ( عطف على لا يملك الخ ) قيل إنه عطف على قول للملائكة لا على لا يملك كما قيل لأنه يقال يوم القيامة خطاباً للملائكة مترتباً على جوابهم المحكي ، وهذا حكاية له صلى الله عليه وسلم لما سيقال للعبدة إثر ما يقال للملائكة أي يوم نحشرهم ، ثم نقول للملائكة كذا ويقولون كذا ونقول للمشركين ذوقوا الخ يكون من الأحوال والأهوال ما لا يحيط به نطاق المقال ، وقيل الأحسن(7/207)
ج7ص208
إنه عطف على عامل قوله فاليوم ، وهو العامل في قوله يوم نحشرهم الخ والذي جنح إليه المصنف رحمه الله تعالى قربه من غير مانع فليس ما ذكر بأمر خفيّ يحتاج إلى التطويل والإنشاء الطويل. قوله تعالى : ( { عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } ) وقع الموصول هنا وصفاً للمضاف إليه وفي السجدة في قوله : { عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ } [ سورة السجدة ، الآية : 20 ] الخ صفة للمضاف فقيل لأنهم ثمة كانوا ملابسين للعذاب كما صرّح به في النظم فوصف لهم ثمة ما لابسوه وهنا عند رؤية النار عقب الحشر فوصف لهم ما عاينوه وكونه نعتاً للمضاف على أنّ تأنيثه مكتسب تكلف سمج هنا ، وأما ما قيل من أنه دليل قاطع على أنّ عود الضمير إلى المضاف إليه إذا لم يكن فيه ليس حسن فمن قال إنه مخل بالبلاغة فقد وهم فليس بصحيح مدعى وسندا ، أمّا الأوّل فلأن مرادهم إنه إذا كان ضمير يصح عوده على كل منهما من غير مرجح ولم يكن المضاف فيه كلاً ومثلاَ ، ونحوه مما يكون المضاف والمضاف إليه شيئاً واحداً حقيقة أو حكماً مما المقصود فيه بالذات المضاف واليه وذكر الأوّل لإفادة عموم أو خصوص ، وما نحن فيه من هذا القبيل لأن العذاب لازم للنار حتى لو لم يذكر فهم معناه فهنا يجوز عوده على كل منهما والمرجح ما ذكر ، وأما السند فلأنّ هذا من الوصف لا من عود الضمير الذي ذكره صدر الأفاضل فإنّ
الضمير للموصول ، وقوله ما هذا الإشارة للتحقير ، ويستتبعكم بمعنى يجعلكم من أتباعه ، وقوله مطابقة ما فيه يعني من الحشر والتوحيد ، وقوله بإضافته الخ فسره به لأنّ الافتراء الكذب على الغير وبه يغاير ما قبله فيكون تأسيسا. قوله : ( لآمر النبوة ) تفسير لقوله للحق وجعل النبوّة سحرا لما معها من الخارق للعادة وجعل الإسلام سحراً لتفريقه بين المرء وزوجه وولده ، ولما كان على تفسيره بالقرآن يلزم التكرار أو التدافع دفعه بما ذكر ، وقل إن كلا منهما مقول طائفة منهم ، وقوله وفي تكرير الفعل أراد بالتكرير ثاني الذكر لا مجموعهما والفعل قال ذكر هنا مع تقدمه ومع التصريح بالقائل وعنوانه بأنه كافر وأتى به ، وبمقوله معرفا فهو معرفة بالموصولية ومقوله بأل العهدية المساوية للموصولية في العهد فلذا قال في اللامين تغليبا وللحق متعلق بكفروا واللام بمعنى الباء أو هي تعليلية ، وقوله من الإشارة بيان للعهدية لأنها إشارة ذهنية ، وقوله من المبادهة أي المسارعة والمفاجأة لأنّ لما تفيد وقوعهما في وقت واحد من غير فاصل والبت القطع ، وقوله وفي تكرير الخ خبر مقدّم وانكار مبتدأ ، وقوله تمهيداً للقول مفعول له تعليل للخير أو تمييز له أو للمبادهة ومعناه بسطا وتبيينا والإنكار والتعجب من فحواه. قوله : ( وفيها دليل على صحة الإشراك ) الواو حالية أو عاطفة على جملة يدرسونها وضمير فيها للكتب ، وهذا القيد هو المقصود بالنفي أي لا دليل لهم على صحة الشرك ، وجمع الكتب إشارة إلى أنه لشدة بطلانه واستحالة إثباته بدليل سمعيّ أو عقلي يحتاج إلى تكرر الأدلة وقوّتها فكيف يدعي ما تواترت الأدلة النيرة على خلافه ، وقوله وما أرسلنا الآية يعني أنهم أميون كانوا في فترة لا عذر لهم في الشرك ولا في عدم الاستجابة لك كأهل الكتاب الذين لهم كتب ودين يابون تركه وبحتجون على عدم المتابعة بأنّ نبيهم حذرهم ترك دينه مع أنه بين البطلان لثبوت أمر من قبله باتباعه ، وتبشير الكتب به وفيه من التهكم والتجهيل ما لا يخفى. قوله تعالى : ( { وَمَا بَلَغُوا } الخ ) جملة حالية والمعشار بمعنى العشر ، وقوله وما بلغ الخ إشارة إلى أنّ ضمير بلغوا الكفار قريش وضمير آتيناهم للذين من قبلهم وفي الوجه الذي بعده على العكس ، وقوله من البينات والهدى أو من الفضل والشرف بنبيه الكريم وبيته العظيم. قوله : ( فحين كذبوا الخ (
قدره في النظم إشارة إلى مقارنة التكذيب لمجيء النكير لأنّ فاء فكيف الفصيحة تنبي عنه كما ذكره شراح الكشاف ، وما قيل من أنّ تقدير المظروف وهو جاءهم إنكاريّ يغني عنه فتقديره إنما هو لبيان الواقع المعلوم من شهرته ليس بشيء لأنه إشارة إلى أنّ المعطوف عليه مقرون بالفاء السببية الدالة على المقارنة وذكر الظرف لبيان ذلك لا لأنه مقدر فيه ، ولما كان قوله فكذبوا كالمكرّر مع ما قبله وليس تأكيدا لعطفه بالفاء فسر الأوّل في الكشاف بقوله فعل صن قبلهم التكذيب ، وأقدموا عليه وجعل تكذيب الرسل مسبباً عنه كقوله أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد فقيل إنه من قبيل إذا قمتم إلى الصلاة ، وردّ بأنه لم يرد ذلك بل مراده إن كذب الذين من قبلهم بمعنى فعلوا التكذيب على تنزيل المتعدّى(7/208)
ج7ص209
منزلة اللازم او هو معطوف على قوله وما بلغوا الخ. قوله : ( جاءهم إنكاري بالتدمير ) جعل التدمير إنكارا تنزيلا للفعل منزلة القول كما في توله :
ونشتم بالأفعال لا بالتكلم
أو على نحو :
تحية بينهم ضرب وجيع
ولم يقدره فأهلكناهم فكيف كان عاقبة إنكارهم ، وان كان أظهر لأنّ التجوّز في المقدر
الغاز إشارة إلى أنه مذكور بالقوّة لظهور إفصاج المذكور عنه والنكير بمعنى الإنكار ، وهو تغيير المنكر وقوله فليحذر الخ إشارة إلى أنّ المقصود من ذكره التخويف. قوله : ( ولا تكرير الخ ) إشارة إلى جواب السؤال المقدر كما بينا. ، وقوله لأنّ الأوّل للتكثير يعني أن معنى كذب السابق أنهم أكثروا الكذب وألفوه فصار سجية لهم حتى اجترؤوا على تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام فصيغة فعل فيه للكثير وفي هذا للتعدية والمكذب فيهما متحد وقوله وما بلغوا الخ اعتراض فمن فسره بأن القصد إلى كثرتهم ، وقوتهم فقط وذكر التكذيب لأجله لم يصب وكذا من أورد عليه أنه لا حاجة إلى ذكره ثانيا مع كفاية الأوّل ، ثم قال : توهم التكرار إنما هو إذا لم يكن التقدير فحين كذبوا والا فالثاني ظرف غير مقصود بالبيان ، وإنما يتوهم هذا لو قدر فجاءهم إنكاري فتأمّل. قوله : ( أو الأوّل مطلق الخ ا لتنزيله منزلة اللازم كما مرّ والمعنى وقع منهم التكذيب وفعلوا التكذيب وهذا ما اختاره الزمخشري واقترانه بالفاء لأنّ التقييد بعد الإطلاق تفسير معنى ولو جعل ضمير فكذبا لمشركي العرب لأنّ تكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم تكذيب للكل ، والفاء للفذلكة لم يتوهم فيه تكرار كما قيل. قوله : ( بخصلة واحدة ) إشارة إلى أنه صفة
لمقدّر وقوله هي ما دل الخ إشارة إلى أنّ قوله إن تقوموا بدل من قوله واحدة أو عطف بيان ، وقوله وهو القيام الخ فالمراد به حقيقته على أنه قيام من مجلسه للتفكر وما بعده على أنه مجاز عن الجدّ والاجتهاد والمراد بالأمر ما سيأتي ، وقوله لله بمعنى خالصا له وقوله يشوّس الخاطر أي يفرق الأفكار وهو بناء على الخطأ المشهور ، والصواب فيه يهوش كما فصل في درة الغواص وقوله ومحله أي محل أن تقوموا. قوله : ( أو البيان ا لم يذكر في بعض النسخ وعلى ذكره اعترض بأنّ واحدة نكرة وأن تقوموا معرفة لتقديره بقيامكم وعطف البيان يشترط فيه أن يكون معرفة من معرفة ، أو توافقتهما تعريفا وتنكيرا على ما عرف من مذهبي النحاة فيه وأما تخالفهما تعريفاً وتنكيرا فلم يجوّزه أحد من النحاة ، وما اعتذر به في المغني عن الكشاف من أنه أراد بعطف البيان البدل لا يتاتى هنا لجمعه بينهما والجواب عنه أن الزمخشريّ كما قاله ابن مالك في التسهيل ذهب إلى جواز تخالفهما ، ثم إن كون المصدر المسبوك معرفة أو مؤوّلاً بمعرفة دائما غير مسلم ورجح الطيبي تقدير يعني وقال إنه أنسب لأنّ ذكر الواحدة مقصود هنا وأعني مضارع عناه الأمر إذا أهمه فأعرفه. قوله : ( فتعلموا ما به جنون الخ ( يحتمل أنه إشارة إلى تقدير ما ذكر لدلالة التفكر عليه لكونه طريقه أو أنّ التفكر مجاز عن العلم فلذا عمل في الجملة المعلق عنها وذهب ابن مالك في التسهيل إلى أنّ تفكير يعلق حملاً له على أفعال القلوب ولو حمل على التضمين لم يبعد والتعبير بصاحبكم للإيماء إلى أنّ حاله معروف مشهور بينهم لأنه نشأ بين أظهرهم معروفاً بقوّة العقل ، ورزانة الحلم وسداد القول والفعل ، وقوله يحمله على ذلك إشارة إلى أمر محمد صلى الله عليه وسلم السابق ودعواه النبوّة. قوله : ( أو استئناف الخ ) معطوف على مقدر أو على ما قبله بحسب المعنى لأنّ المراد أنه معمول لما قبله أو لما دل عليه أو استئناف ويترتب عليهما الوقف وعدمه ، وقوله منبه الخ ليس مخصوصاً بالاستئناف بل هو جار عليهما ، والأمر الخطير العظيم النبوّة والرسالة العامة يعني أنّ عدم جنونه معلوم لهم ومدعي هذا إمّ صادق أو مجنون فكيف ، وقد سطعت براهين صدقه ومرض الاستفهام لأنه مع كونه خلاف الظاهر ومجازا عن الإنكار مآله إلى النفي فطيّ المسافة أولى من التطويل بلا طائل ، والباء بمعنى في ومن زائدة على النفي بيانية على الاستفهام ، وقوله ثم تتفكروا الخ يعني
أنه على هذا الظاهر تعلقه بما قبله وان احتمل الاستئناف. قوله : ( لآنه مبعوث في نسم الساعة ) يعني أنّ إنذاره بين يدي العذاب إنذاره بعذاب القيامة وقد قرب وقوعه لأنّ مبعثه في آخر الدنيا وعلى قرب منها كما ورد في الحديث الذي رواه اقرمذي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت في نسم الساعة " ومعناه قربها إما لأنّ النسم جمع نسمة وهي(7/209)
ج7ص210
الواحد من البشر أي في ناس وجيل خلقهم الله قريبا منها أو هو من نسم الريح وهو ما يهب بلين في أوائلها فالمعنى بعثت وقد أقبلت أوائل الساعة ، وقيل النسم النفس وقد روي نفس الساعة وهو أيضا بمعنى القرب لأنّ من قرب منك وصل إليك نفسه.
قوله : ( أيّ شيء سألتكم الخ ) إشارة إلى أنّ ما هنا شرطية ولا وجه لما قيل حينئذ الأولى تفسيرها بمهما لأنّ مهما أيضا معناه أي شيء فهو تكثير للسواد ، وتحتمل الموصولية أيضا فدخول الفاء لتضمنها معنى الشرط وهو ظاهر ، وقوله والمراد نفي السؤال لأن ما يسأله السائل يكون له فجعله للمسؤول منه كناية عن أنه لا يسأل أصلاً والتنبي تكلف دعوى النبوّة لمن لم يؤتها. قوله : ( ثم نفى كلاَ منهما ) أي الجنون والغرض! الدنيوي من النفع ، وهذا بناء على ما يتبادر من فحواه والمراد من الأجر مطلق الغرض والنفع حتى يشمل الجاه وغيره فلا يرد عليه أنه لا يلزم من نفي الأجر نفي النفع مطلقا ولا من السؤال نفي تحصيله بطريق غيره كالتضييق عليهم كما يشاهد من بعض الظلمة ، وقوله وقيل ما موصولة الخ ويحتمل النفي ، وقوله فهو لكم جواب شرط مقدر أي فإذا لم أسألكم فهو. قوله : ( مراد الخ ) خص هذا بالموصولية وان جوّزه الزمخشري في الشرطية لأن الموصولية تقتضي عهداً في الصلة وانه سؤال وقع في
الماضي فيناسب تفسيره بما ذكر فلذا لم يتبعه لأنّ الشرطية تقتضي أنه أمر غير معين بل مفروض لم يقع فلا تكن من الغافلين فالاستشهاد بالآية الأولى فيه خفاء فتأمّل. قوله : ( يلقيه وينزله الخ ) يعني أنّ أصل معنى لقذف الرمي بدفع شديد وليس معناه الحقيقي مرادا هنا فهو إما مجاز عن الإلقاء في القلب إن أريد بالحق الوحي وما يضاهيه وهو من استعمال المقيد في المطلق والباء الظاهر أنها زائدة ويجوز أن تكون للملابسة أو السبب أو بتضمين معنى الرمي ، وقوله أو يرمى به الباطل الخ على أنّ المراد بالحق مقابل الباطل والقذف به عليه إيراده عليه حتى يبطله ويزيله ففيه استعارة مصرحة تبعية والمستعار منه حسيّ ، والمستعار له عقلي والوجه الثالث هو مجاز عن إشاعته في الآفاق وهو استعارة أيضاً ويجوز أن يكون فيهما مكنية. قوله : ( على محل إن واسمها ا لم يجعل المحل لاسمها لأنه لا محل له إذ شرطه بقاء المحرز وهذا منعه بعض النحاة أيضا في غير العطف ، ولا يلزم على البدلية خلوّه من العائد لأنه ليس في نية الطرح من كل الوجوه وكسر الغيوب وضمه على أنه جمع والفتح على أنه مفرد للمبالغة كالصبور وفي نسخة الصيود بالدال المهملة. قوله : ( وزهق الباطل الخ ) بيان لحاصل المعنى وأنّ المراد بالباطل الشرك ، والإبداء والإعادة الاً وّل فعل أمر ابتداء والثاني أن يفعله على طريق الإعادة ولما كان الإنسان ما دام حيا لا يخلو عن ذلك كني به عن حياته ، وبنفيه عن هلاكه ثم شاع ذلك في كل ما ذهب وان لم يبق له أثر وان لم يكن ذا روح فهو كناية أيضا أو مجاز متفرّع على الكناية واليه أشار المصنف رحمه الله ، والفعلان منزلان منزلة اللازم أو المفعول محذوف. قوله : ( أقفر الخ ) الشعر لعبيد بن الأبرص قاله : عندما أراد النعمان قتله في يوم بؤسه وقصته مفصلة في مجمع الأمثال فلا حاجة لها هنا وأقفر بمعنى خلا والمراد به فارق أهله عبيد وإنما عبر به مشاكلة لقول النعمان لما قال له أنشدنا قولك :
أقفر من أهله ملحوب
الخ وملحوب اسم مكان وقوله وقيل الخ فعلى هذا لا كناية فيه والمعنى أنه لا يقدر على
شيء أو أيّ شيء يقدو عليه واطلاق الباطل على إبليس لأنه مبدؤه ومنشؤه ، وقوله والمعنى أي عليهما. قوله : ( فإنّ وبال ضلالي عليها ) الظاهر أنّ قوله على نفسي حال التقدير عائداً ضرر ذلك على نفسي وحمل النفس على معناها المتبادر ، ولذا قال لأنه الخ ولو حملها على معنى الذات صح ، وكان المعنى عليّ لا على غيري لكنه أجازه لما سيأتي في التقابل ، وقوله بهذا الاعتبار الخ دفع للسؤال من أنه لا تقابل فيه لأنّ الظاهر!ان اهتديت فلها كقوله : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا } أو يقال هنا فإنما أضل بنفسي بأنه فيه تقابل بحمسب المعنى لأنّ كل ضرر فهو منها وبسببها وهو كسبها وعليها وباله وأما جعل على للتعليل حتى يحصل التقابل بلا تأويل ففيه العدول عن الظاهر من غير نكتة ، وما في ما يوحي موصولة أو مصدرية ، وقوله بفتح الياء أي من ربي ولو أخره عن بيان المعنى كان أولى ، وقوله فإنّ الاهتداء الخ تفسير لقوله فبما الخ والمراد اهتداؤه صلى الله عليه وسلم فالتعريف للعهد أو كل اهتداء على(7/210)
ج7ص211
أنها للاستغراق كما مرّ فتثبت هدايته بطريق البرهان وهذا كناية عن لازمه ، وهو الهداية والتوفيق فلذا فسره به لأنه كان مهديا قبل الوحي وبعده. قوله : ) عند الموت ) أي خوفهم من الموت لما شاهدوه أو المراد البعث لأنه الفزع ا!بر أو هو من فزع الحرب في بدر والخطاب في ترى للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يقف عليه ومفعول ترى إمّا محذوف تقديره أي الكفار أو فزعهم أو لتنزيله منزلة اللازم أو هو إذ على التجوّز إذ المراد برؤية الزمان رؤية ما فيه. قوله : ( فلا فوت ) الفاء إن كانت سببية فهي داخلة على المسبب لأنّ عدم فوتهم من فزعهم وتحيرهم أو هي تعليلية فتدخل على السبب لترتب ذكره على ذكر المسبب ، واذا عطف أخذوا عليه فيكون هو المقصود بالتفريع بلا تكلف وقوله بهرب وما بعده كل منهما ناظر للجميع ، ويجوز جعله على التوزيع. قوله : ( من ظهر الأرض إلى بطنها ) ناظر إلى الموت وما بعده للبعث والأخير لبدر فهو لف ونشر مرتب والمراد بذكر قربه سرعة نزول العذاب بهم والاستهانة بهرم وبهلاكهم ، والقليب البئر والمراد بها بئر معينة ببدر رمى فيها جثث من قتل من المشركين كما هو مصرّح به في الحديث ومن لاغريب ما ذكره القرطبي في كتاب الملاحم من التذكرة في حديث طويل في جيش السفياني وانهم يتوجهون لمكة فإذا كانوا بالبيداء قال الله سبحانه وتعالى لجبريل عليه الصلاة والسلام اذهب فأبدهم فيضربها برجله ضرب يخسف اللّه بهم فذلك قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ } [ سورة سبأ ، الآية : 51 ] الخ فلا يبقى منهم إلا رجلان أحدهما بشير والآخر نذير وهما من جهينة ، ولذلك جاء وعند جهينة الخبر اليقين ا هـ . قوله : ( والعطف الخ ) ويجوز كونها حالاً من فاعل فزعوا أو من خبر لا المقدّر وهو لهم بتقدير قد ، وقوله قرى أخذ أي بصيغة المصمدر المرفوع ، وقوله هناك خبر قدّر مقدّما لأن المبتدأ نكرة ، وقوله بمحمد وقيل الضمير للعذاب كقوله فيما سيأتي في قوله : { وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ } أو للبعث لكن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم شامل لهما فلذا اختاره المصنف ، وقوله ني حيز التكليف الخ فإذا كان في القيامة فالبعد حقيقي واذا كان عند الموت فالبعد رتبي لأنه حالة يأس فنزل عدم القبول منزلة البعد الحسي. قوله : ( ثناولاً سهلاَ ) التناوس مطلق التناول كما قاله الراغب وصاحب القاموس فلو أبقاه على عمومه ولم يقيده كان أولى لكنه تبع الزمخشري فيه وهو ثقة ، وقوله وهو تمثيل حالهم الخ يعني أنه استعارة تمثيلية شبه إيمانهم حيث لا يقبل بمن كان عنده شيء يمكن أخذه فلما بعد عنه فرسخاً مد يده ليتناوله ، وقوله حالهم في الاستخلاص الخ أي طلب الخلاص هو المشبه ، وقوله بحال الخ هو المشبه به ، وقوله في الاشحالة هو وجه الشبه بينهما ، وقوله أو أنه فاعل فات وسقط من بعضها ففاعله ضمير يعود للخلاص أو للاستخلاص ، وقوله غلوة بالغين المعجمة واللام الساكنة ثم واو هي مقدار رمية سهم وهو هنا مثال للبعد كما أن الذراع مثال للقرب بدون قصد للتخصيص! ، وكونه بالعين المهملة تحريف من الناسخ وتناوله مصدر مضاف للمفعول أو للفاعل. قوله : ( على قلب الواو لضمتها ) همزة فإنها متى ضمت ضمة لازمة سواء كانت في الأوّل أو غيره جاز قلبها همزة لكن زاد أبو حيان فيه شرطين آخرين ورد على من أطلقه وهو أن لا تكون مدغمة كالتعوذ ولا في مصدر لم تقلب في فعله نحو تعاون تعاونا لأنّ المصدر يحمل فيه على فعله والشرط الأوّل صرّح به في التسهيل ، ولا كلام فيه وأنما الكلام في الثاني فإنه إذا سلمه له لا يصح القلب هنا فيتعين كون الهمزة أصلية وقد ذكر جوازاً لقلب الزجاج وناهيك به ، قوله : ( أو أنه من نأشت الشيء الخ ) فتكون على هذه القراءة الهمزة أصلية بدون قلب ويكون
اللفظ ، ورد من مادّتين ولا بعد فيه وأقحمني في بيت رؤبة بالقاف والحاء المهملة بمعنى ألجأني وأبو الخاموس بالخاء والشين المعجمتين علم رجل ، وقيل أفحم بالفاء والجاموس بالجيم ولست على ثقة منه ونأس بالهمز مصدر بمعنى الطلب مضاف للقدر والنؤس على وزن فعول صفته بمعنى الطالب. قوله : ( تمنى الخ ) هو من شعر لنهشل وهو :
ومولى عصاني واستبدبرأيه كما لم يطع فيما أشاء قصير
فلما رأى ما غب أمري وأمره وناءت بإعجاز الأمور صدور
تمنى نثيشاً أن يكون أطاعني وقد حدثن بعد الأمور أمور
فنئيشا على ما ذكر هنا بمعنى أخير ، وقال المعرّي في رسالة الغفران : النئيش ما طلب
بعدما فات وقد صحف(7/211)
ج7ص212
بعضهم هذا البيت وفيه كلام ليس هذا محله. قوله : ( فيكون بمعنى التناول من بعد ) يعني إذا كانت الهمزة أصلية يكون معنى التناوس التناول من بعد على الوجه الأخير كما في الكشاف لأن الأخير أو ما فات يقتضيه أو عليهما لأنّ الطلب لا يكون للشيء القريب منك الحاضر عندك فيكون قوله من مكان بعيد تأكيد ، وأمّا تجريده لمطلق التناول وان صح فعبارتهما تأباه ، وما قيل من أنّ البعد هنا زماني أي بعدما فات وقنه ليجمع بين بعد الزمان والمكان غير صحيح لأنّ المستعار منه إنما هو في المكان وما ذكره من أحوال المستعار له وأمّا كون بعد في العبارة بفتح الباء ، والجرّ بمعنى متأخر فلا ينبغي أن يلتفت إليه لما فيه من التعسف الغنيّ عن البيان. قوله : ( وقد كفروا به ) حال أو معطوف أو مستأنف والأوّل أقرب ، وقوله يرجمون تفسير ليقذفون وقد سبق بيانه قريباً ، وقوله بالظن بمعنى المظنون تفسير للغيب بمعنى الغائب فيكون معنى يقذفون بالغيب يتكلمون بما لم ينشأ عن تحقيق ويظهر لهم فلا ينافي كون قوله بما لم يظهر تفسيراً له لأنه بيان لأنّ الظن ما كان عن تخمين وعدم تثبت فقوله يتكلمون بما لم يظهر تفسير لقوله يرجمون بالظن ، وقوله في الرسول أو في العذاب لف ونشر مرتب لقوله بمحمد أو بالعذاب ، وقوله من جانب بعيد يعني المراد بالمكان البعيد الجهة البعيدة والحال التي لا تناسب وما تمحلوه في الرسول قولهم رجل يريد أن يصدّكم الخ ونحوه وفي
الآخرة قياسها على الدنيا وظن الأموال والأولاد تفيد فيها كما حكاه عنهم سابقاً في قوله ، وما نحن بمعذبين الخ. قوله : ( ولعله ) أي قوله ويقذفون الخ استعارة تمثيلية بتشبيه حالهم في ذلك أي في قولهم آمنا حيث لا ينفعهم بحال من رمى شيئا من مكان بعيد وهو لا يراه فإنه لا يتوهم إصابته ولا لحوقه لخفائه عنه وغاية بعده فباء بالغيب بمعنى في أي في محل غائب عن نظره أو للملابسة ، وقوله وقرئ يقذفون أي ببناء المجهول وفاعله الشياطين وقذفهم به إلقاؤه عليهم وتلقينهم له ، وقوله والعطف الخ أي على هذا يقذفون معطوف على قد كفروا وعبر بالمضارع لما ذكر فيكون هذا مما وقع في الدنيا فإن عطف على قالوا فهو تمثيل لحالهم في الآخرة وتلفظهم بالإيمان بعدما فات زمانه وضاع ، وقوله في تحصيل الخ متعلق بحالهم وحيل مبنيّ للمجهول ونائب الفاعل ضمير المصدر أي وقعت الحيلولة وتقدم نظيره ، والإشمام هنا بمعنى الروم ومن قبل متعلق بفعل أو بأشياعهم. قوله : ( موقع في الريبة الخ ) حاصله أنه إمّا من أراد به أوقعه في ريبة وتهمة فالهمزة للتعدية أو من أراب الرجل أي صار ذا رببة وهو مجاز إمّا بتشبيه الشك بإنسان على أنه استعارة مكنية وتخييلية أو على أنه إسناد مجازيّ أسند فيه ما لصاحب الشك للشك للمبالغة فتأمّله. قوله : ( من قرأ الخ ( هو حديث موضوع ومصافحة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ومرافقتهم لذكرهم وأحوالهم فيها تمت السورة والحمد لله رب العالمين ، وأفضل صلاة وسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سورة فاطر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( وآيها خمس وأريعون ) أي بمدّ الهمزة جمع آية وقال الدأني رحمه الله في كتاب العدد هي أربعون ويست آيات في المدني الأخير والشامي وخمس في عدد الباقين. قوله : ( مبدعهما من الفطر الخ ) يعني أن المراد به الإبداع وهو الإيجاد من غير سبق مثل ومادة ، وقد كان أصل معناه الشق ، ثم تجوّز به عما ذكر وشاع فيه حتى صار حقيقة أيضاً ثم إنه بين المناسبة بين المعنى الأوّل والثاني بقوله كأنه الخ وأشار بقوله كأنه إلى أنّ شق العدم ليس على حقيقته فإنّ الشق يختص بالأجسام لكنه أورد عليه أنّ في شق العدم متعلق الشق ليس السموات ، وهو المذكور في المنقول إليه ولا مجال لجعله مجازاً في النسبة أو تكلف مجاز الحذف والإيصال فيه كما قيل فلا مناسبة بين ما جعله أصلا وما أريد به ، وأمّا ما قيل من أنه لا مانع من حمله على أصله وهو الشق هنا ويكون إشارة إلى الأمطار والنبات ونزول الملائكة فليس بشيء لأنّ الأمطار لا معنى لكونها شاقة للسماء ، ولأنّ معنى الشق لا يناسب في مثل فطر الناس وكذا حمله على شق السماء ، ونسف الأرض(7/212)
ج7ص213
يوم القيامة لا يلائم الحمد وكله مما لا يلتفت إليه لكناد ذكرناه لئلا يتوهمه الناظر فيه شيئاً ، فالذي عليه المعوّل هنا أنّ المبتدع لما لم يكن فيه ولا معه شق محسوس جعله شقاً متوهماً وهو أنّ العدم لكونه الأصل جعل ما يوجد كانه خلفه أو فيه فشقه وخرح منه إلى العيان فالشاق ، والفاطر السموات والإجرام المبتدعة والفطر صفتها لأنّ الفعل يسند حقيقة في عرف اللغة لما يتحقق به وإن كان الفاعل حقيقة هو الله فتدبر. قوله : ( والإضافة محضة الخ ) فيصح كونه صفة للمعرفة ولا حاجة إلى أن يقال إنه بدل ، وهو قليل في المشتقات لكن قوله جاعلى إن كان بمعنى خالق ورسلاً حال فهو على قراءة الجرّ مثله وأمّا إن كان بمعنى مصير فرسلاً مفعول ثان ، ولم يكن بد من جعله عاملا واضافته لفظية فتتعين فيه البدلية على ما مرّ تفصيله في سورة الأنعام ، وقوله وسايط الخ إشارة إلى أنه بمعناه اللغويّ غير مختص برسل الملائكة كجبريل والإلهام والرؤيا بالنظر إلى الجميع والوحي مختص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وذكر الرؤيا بناء على أنها بواسطة ملك بلغ عنه ما يرى
على ما ورد في الحديث ، وقوله يوصلون الخ كالأمطار والرياح وغيرها وهم الموكلون بأمور العالم. قوله : ( ذوي أجنحة ) إشارة إلى أن أولي صفة رسلاَ وأنّ معناه ذوي ولا واحد له من لفظه ، وقوله متفاوتة الخ فزيادتها لعلوّ مرتبة من زيدت له ، وقوله ينزلن بها الخ ناظر لتفسير رسلاَ الأوّل وما بعد. لما بعده وأو هنا وفي الأوّل يحتمل أن تكون للترديد في التفسير والمراد أنه مفسر بهذا أو بهذا ويحتمل أنها للتنويع ، وقوله ولعله لم يرد الخ لأنه لولا هذا خرج جبرائيل ونحوه من عظماء الملائكة والظاهر أنّ ما ذكر شامل لجميع الملائكة ، وقوله أولى أجنحة الخ وصف كاشف لأنّ المراد جميعهم ولو أريد البعض منهم كان المناسب لمقام العظمة ذكر أعظمهم فلا بدّ مما ذكر فما ذكر للدلالة على التكثير والتفاوت فيها لا للتعيين ولا لنفي النقصان كما قيل لأنه لا يتوهم النقصان عن اثنين ، وما قيل إنه عدول عن الظاهر من غير داع له ، وأنّ قوله يزيد في الخلق ما يشاء يأباه من ضيق العطن لأنّ قوله يزيد الخ لا يدل على أنّ الزيادة في الأجنحة فتأمّل. قوله : ( استئناف الخ ) أي هي جملة مستانفة ، ولذا لم تعطف واستئنافها لفوائد كما أشار إليه بقوله للدلالة ، وقوله أمر بالجرّ معطوف على مقتضى ويجوز عطفه على الدلالة أو على مجرور على والأوّل أولى إذ المعنى أنه بمقتضى مشيئته لا بأمر يستدعيه ويقتضيه من ذواتهم ، وأمّا احتمال شق ثالث وهو أن يكون بأمر خارج كما قيل فلما كان لحكمة كان داخلا في الأوّل والفصول جمع فصل وهو المميز للذوات. قوله : ( لآنّ اختلاف الخ ) أي لو كان اختلاف النوع لذات النوع ، والمصنف لذات الصحنف لزم تنافي لوازم الأمور المتوافقة وكذا لو كان بسبب طبيعة الجنس المشترك بينهما فلا قصور في كلامه كما توهم ، وقوله إن كان لذواتهم وفي نسخة لذاتهم بالإفراد أي للذات المشتركة في الطبيعة النوعية أو الجنسية فقوله بالخواص راجع للأصناف ، والفصول للأنواع ومبني كلامه على عدم اختلاف الحقيقة الملكية ، وهو كاف لمقصوده من غير توقف على تماثل الأجسام لتأنيه على كونها أرواحا أو عقولاً مجرّدة فلا وجه لجعله مبناه. قوله : ( والآية متناولة الخ ) ملاحة الوجه وما بعده مثال للمعاني ويجوز إرجاء الأوّل للصور وحصافة العقل بالحاء والصاد المهملتين والفاء
استحكامه وقوته كما في القاموس. قوله : ( وتخصيص! بعض الآشياء الخ ) وفي نسخة الأسباب والأولى أولى فلا يلزم ترجيح المساوي وهذا تأكيد وتقرير لما قبله من المشيئة ، وقوله هو من تجوّز السبب للمسبب أي الفتح مجاز مرسل للإرسال بعلاقة السببية فإنّ فتح الباب مثلا سبب لإطلاق ما فيه وإرساله ولذا قابله بالإمساك والإطلاق كناية عن الإعطاء كما يقال أطلق السلطان للجند أرزاقهم فهو كناية متفرّعة على المجاز. قوله : ( واختلاف الضميرين ) العائدين لما حيث أنث الأوّل باعتبار المعنى وذكر الثاني باعتبار اللفظ وهذا هو الصحيح والمرجح ما أشار إليه بقوله لأنّ الموصول الخ ، وفي عبارته تسمح حيث أطلق الموصول على ما وهي شرطية هنا لجزمها وهو إشارة إلى أنها في الاً صل اسم موصول تضمن معنى الشرط كما ذكره بعض النحاة. قوله : ( بأنّ رحمتة سبقت غضبه ) كما ورد في الحديث الصحيح ، والمعنى سبق تقدم تعلقه في الوجود على تعلق الغضب لأنه إنما يكون بعد الوجود الذي هو أساب النعم وإلا فلا تقدم لأحد الصفتين(7/213)
ج7ص214
على الأخرى إذا كانا من الصفات الذاتية وقد فسر السبق في الحديث بالغلبة ، وقد حمل عليه كلام المصنف فالإشعار ظاهر لتخصيص الرحمة في الأوّل وتشريكها مع الغضب في الثاني الدال على غلبتها كما قيل ، وقوله وفي ذلك أي تفسيرها ولو جعله من تقدّمها في الذكر كان أظهر لكن تفسيره دون مقابله المقتضى لقصده والاعتناء به مشعر بذلك فتدبر. قوله : ( من بعد إمساكه ) ويجوز تفسيره بغيه كما مرّ وهذا أولى لأتي هذا مستفاد من قوله فلا مرسل له فالأولى أن يفسر فلا مرسل الخ فلا قادر على إرساله سواه كما قيل ، وقوله واتقان بالمثناة الفوقية ووقع في نسخة بالتحتية والأوّل هو الصحيح ، وقوله الملك المراد به عالم الشهادة الدال عليه ذكر السموات والأرض والملكوت عالم الغيب الدال عليه قوله جاعل الملائكة. قوله : ( احفظوها بمعرفة حقها ) فليس المراد مجرّد ذكرها باللسان بل الاعتراف بها على وجه يقتضي أداء حقوقها كما يقول الرجل لمن ينعم عليه اذكر أيادفي عندك فهو كناية عما
ذكر كما بينه الزمخشريّ. قوله : ( ثم أنكر الخ ) إشارة إلى أنّ الاستفهام في قوله هل من خالق الخ إنكاريّ فإن قلت قد قال الرضى وغيره من النحاة في الفرق بين الهمزة وهل أنّ الهمزة ترد في الإثبات للاستفهام والإنكار وهل لا تستعمل للإنكار قلت قد أجيب عنه بأن الإنكار ثلاثة أقسام إنكار على مدعي الوقوع كقوله : { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ } [ سورة الإسراء ، الآية : 40 ] ويلزمه النفي وانكار على من أوقع الشيء نحو أتضربه وهو أخوك وانكار لوقوع الشيء وششعمل هل في الأخير دون الأوّلين وهذا معنى قولهم الاستفهام بهل يراد به النفي كما في المغني ، وهو الذي أراده الرضى واعترض عليه بأن كلام المفتاج وشرحه للشريف يخالفه حيث قال لا يصح أن يراد بالمضارع الداخل عليه هل معنى الحال سواء قصد الاستفهام أو الإنكار وفيه نظر لأنّ الإطلاق لا ينافي التقييد. قوله تعالى : ( { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } ) في الكشاف إنه جفلة مفصولة لا محل لها مثل يرزقكم في الوجه الثالث ولو وصلتها كما وصلت يرزقكم لم يساعد عليه المعنى لأنّ قولك هل من خالق آخر سوى الله لا إله إلا ذلك الخالق غير مستقيم لأنّ قولك هل من خالق سوى الله إثبات لله فلو ذهبت تقول ذلك كنت مناقضا بالنفي بعد الإثبات ، وهذا مما أشكل على شرّاحه ولهم فيه كلام طويل وكانّ المصنف ذهب إلى أنه غير مستقيم فلذا تركه واذا كان كذلك فلا علينا إن تركنا ما تركه. قوله : ( للحمل على محل من خالق ) وهو الرفع لأنه مبتدأ خبره يرزقكم أو مقدر وهو لكم لا غير لأنّ المعنى ليس عليه ومن زائدة للتأكيد ، والوصفية لتوقله في التنكير حتى لا يتعرّف بالإضافة فلذا جوّز وصف النكرة به مع إضافته للمعرفة ، وقوله فإنّ الاستفهام بمعنى النفي توجيه للبدلية بحسب المعنى والصناعة لأنّ غير الله هو الخالق المنفي ولأنّ المعنى على الاستثناء أي لا خالق إلا الله والبدلية في الاستثناء بغير إنما تكون في الكلام المنفيّ لا توجيه لزيادة من ولا للابتداء بالنكرة كما قيل لأنه ليس في الكلام ما يدلّ عليه. قوله : ( أو لآنه فاعل خالق ) معطوف على قوله للحمل أي رفعه على أنه فاعل لخالق ، وهو حينئذ مبتدأ لا خبر له ولا وجه لتوقف أبي حيان بأنه لم يسمع إعماله مع زيادة من فإنّ شرط الزيادة والإعمال موجود من غير مانع فالتوقف من غير داع لا وجه له غير التعنت. قوله : ( أو استئناف مفسر له ) على أن خالق فاعل لفعل مضمر يفسره المذكور وأصله هل يرزقكم خالق ومن زائدة في الفاعل ، وقد اعترض على هذا الوجه بأنه قبيح شاذ في العربية فلا ينبغي حمل كلام الله عليه لأنّ هل لا تدخل على الاسم إذا كان في حيزها فعل نحو هل زيد خرج لاختصاصها بالأفعال في الأصل لكونها بمعنى قد وأصل هل أهل لكن استغنى عن
الهمزة للزومها لها ، ثم تطفلت على الهمزة في الدخول على جملة اسمية فإذا رأت الفعل في حيزها حتت لألفها المألوف على ما فيه كما فصل في النحو وقد أجيب عنه بأنّ الزمخشريّ لا يسلم ما قالوه كما صرّح به في المفصل لأنّ حرف الشرط كان مثلاً ألزم للفعل من هل لأنه لا يجوز دخوله على الجملة الاسمية كما دخلت عليها هل وقد جاز عمل الفعل مقدراً بعدها على شريطة التفسير كقوله : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ } [ سورة التوبة ، الآية : 6 ] فيجوز في هل بالطريق الأولى وهذا أحسن مما قيل إنه أراد به ذكر جملة الوجوه المحتملة ، وان كان بعضها غير جائز أو مستحسن كهذا وأمّا قول الطيبي إنّ هذا يحسن من البليغ إذا كان يتضمن معنى بليغاً مما يختص بالإضمار والتفسير كالإبهام ، ثم التفسير وكون(7/214)
ج7ص215
الاستفهام بالفعل أولى كما حسن مخالفته كالدخول على الجملة الاسمية بلا فارق بينهما فضعيف جداً لكنه ليس بسهو في فهم كلام المعترض كما توهم ، وأمّا تفسير كلامه هنا بأنّ المراد أنّ خالق مبتدأ خبره مقدّر أي وقوله يرزقكم مستأنف في جواب سؤال مقدر أيّ خالق يسأل عنه على أنه استئناف بيانيّ ، وما بعده استئناف نحويّ فليس بمراده كما صرّح به في الكشاف مع أنه لو حمل عليه جاز وعلى الأوّل فضمير له ليرزقكم المقدر فهو اسنخدام. قوله : ( وعلى الأخير ) إذا كان يرزقكم كلاما مستأنفاً ولم يكن صفة ، ولا مضمراً على شريطة التفسير والمعنى على النفي فيقتضي حينئذ عدم جواز إطلاق لفظ الخالق على غير الله إذ معناه لا خالق غير الله بخلافه على الوجوه الأخر ، فإنّ معناه لا خالق يرزق غير الله فالمختص مجموع الخالقية والرازقية أو الرازقية فيكون غيره خالقاً كما قاله المعتزلة من أنّ العبد خالق لأفعاله فجوّزوا لطلاقه على غيره. قوله : ( أي فتأص بهم الخ ) دفع لما يتوهم من أنّ الجواب مسبب عن الثرط وهذا أمر قد كان قبله بأنّ المراد التأسي بهم كما قيل :
قصوا عليّ حديث من قتل الهوى إنّ التأسي روح كل حزين
فالأصل فاصبر وتأص بمن قبلك فقد كذبوا وصبروا فحذف الجواب ، وأقيم هذا مقامه
وإن كان هذا هو الجواب بحسب العربية والمسبب في الحقيقة التأسي لكن لما كان المراد الحث عليه قدر بالأمر فلا يتوهم أنّ المستغني عنه الأمر بالتأسي كما أشار إليه المصنف ويجوز أن يجعل الجواب من غير تقدير ، ريكون المترتب عليه الإعلام والإخبار كما في وما بكم من نعمة فمن الله ، وقوله وتنكير الخ وللتكثير أيضاً. قوله : ( فيجازيك ) تفسير للمراد من ذكر
الرجوع أو بيان لما يترتب عليه ، وقوله لا خلف فيه بيان لأنه المراد فليست حقيته بمعنى وقوعه وقوله فيذهلكم فالغرور مجاز عنه والنهي على نمط لا أرينك ههنا ، وقوله الشيطان فتعريفه للعهد ويجوز التعميم ، وقوله فإنها وإن أمكنت بيان لما في الكشاف مما يخالفه بناء على الاعتزال وقطع الأمانيّ الفارغة بالكلية مما في حال الكفر فإنه اللازم من الآية فلا يتوهم مخالفته لأهل الحق ، وقوله وهو مصدر لغرّه وان قل في المتعدى وقعود مثال لهما لأنه مصدر وجمع قاعد أيضاً وعلى المصدرية الإسناد مجازيّ. قوله : ( عداوة عامّة ) من قوله لكم وقديمة من الاسمية أو هو بيان للواقع إشارة لقصة آدم وقوله في عقائدكم أي كونوا معتقدين لعداوته عن صميم قلب ، وإذا فعلتم فعلاً فأفطنوا له فيه فإنه يدخل عليكم فيه الرياء ويزين لكم القبائح ، وقوله وبيان لغرضه إشارة إلى أنّ اللام ليست للعاقبة. قوله : ( وقطع للأمانئ الفارغة ) هذا كلام حق وان كان ذا وجهين فإنّ من الأمانيئ الفارغة بل التي بعد فراغها كسرت أكوابها أمانيّ الكفرة فإنهم قالوا إنّ الله أكرمنا في الدنيا فلا يعذبنا في الآخرة كما مرّ ، وهو لم يقل أمانيّ عصاة المسلمين حتى يكون مخالفا لمذهب أهل الحق كما توهم وكيف يحمل عليه وقد نص على مراده بقوله قبيله وان أمكنت نعم هي كلمة حق أريد بها باطل في كلام الزمخشري فلا تغفل. قوله : ( وبناء للأمر كله على الإيمان الخ ) الظاهر أنّ مراده أمر الآخرة كله من الثواب والعقاب ، والعفو فإنّ ما فيها جميعه لا يخلو عن ذلك ومداره كله على الإيمان والعمل الصالح وعدمهما فإنه لا عقاب إلا بكفر أو معصية ولا عفو ولا ثواب إلا بإيمان أو عمل صالح ، وهذا مما لا شبهة فيه وكونه في الجميع على القطع من غير احتمال تخلف أصلاً مسكوت عنه ومعلوم من نصوص أخر فميس هذا مبنياً على الاعتزال كما قيل ، ولا دخل للام الاختصاص هنا بناء على أنّ المراد بالأمر الأمر النافع وكأنه جعل العذاب الشديد والأجر الكبير توصيفهما ليس للاحتراز بل لأنّ عذاب الآخرة كله شديد بالنسبة لما في الدنيا ، وكذا أجرها كله عظيم فالوصف للتوضيح لا للتقييد فلا يقال إنه تبع الزمخشري إما غفلة واما بناء على أنه المناسب للوعيد هنا فكلامه لا يخلو من كدر ولو تركه كان أحسن. قوله تعالى : ( { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ } ) أي
حسن له عمله السيء فهو من إضافة الصفة للموصوف ، وقوله تقرير له أي لما قبله من قوله الذين الخ وقوله بأن الخ بيان لتزيينه له ، وقوله على ما هي عليه أي في نفس الأمر لا بمجرّد الوهم والتخيل. قوله : ( فحذف الجواب الخ ) قال السكاكي في باب الإيجاز(7/215)
ج7ص216
قوله تعالى أفمن زين له الخ تتمته ذهبت نفسك عليهم فحذف لدلالة فلا تذهب نفسك عليهم الخ ، أو تتمته كمن هداه اللّه فحذف لدلالة فإن الله يضل الخ انتهى فقال السعد في شرحه المحذوف على التقدير الثاني خبر وعلى الأوّل يحتمك الجزاء فأطلق لفظ التتمة ليشملهما انتهى فقيل إنه سد باب الجزائية على التقدير الثاني لقول ابن هشام إنّ الظرف لا يكون جوابا للشرط ووجهه أنّ الرضى صرّح بأنه لا يكون مستقراً في غير الخبر والصفة والصلة والحال ولم يذكر الجزاء ، فلا يرد ما يتوهم من أنه إذا قدر متعلقه فعلا لم لا يكون جزاء وان لم يقرن بالفاء فإنه الأصل فيه فيندفع قول الثريف في حواشيه لا يجوز أن تكون من شرطية على هذا التقدير لانتفاء الفاء في الجزاء يعني أنّ تقدير الفاء داخلة على مبتدأ يكون الجار والمجرور خبره والجملة بتمامها جزاء غر جائز لما فيه من التكلف ، وليس هذا كحذف الجواب مع الفاء كما توهم إلا أن ابن مالك في شرح الألفية في باب الشرط جعل من في هذه الآية شرطية على التقديرين وهو ظاهر قول الزجاج هنا الجواب على ضربين أحدهما ما يدل عليه فلا تذهب نفسك الخ ويكون المعنى أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليهم حسرة ويكون فلا تذهب الخ يدد عليه ، ويجوز أن يكون الجواب محذوفاً فيكون المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله ويكون دليله فإن الله يضل الخ ، انتهى وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله أيضاً إذ لا يظهر للعدول عن التعبير بالخبر إلى الجواب وجه فمن يحتمل أن تكون موصولة وشرطية في الآية ، وما قيل من أنّ الموصولية فيها متعينة واطلاق الخبر على الجواب تسامح ليس بمسلم وان أيده بعضهم بأنه وقع في بعض النسخ الخبر بدل الجواب ، وفيه كلام يطول شرحه في الباب الخامس من المغني وشروحه فليحرّر ، وقوله عليه أي على الجواب. قوله : ( وقيل تقديره ) ضعفه لما فيه من الفصل بينه وبين دليل الجواب بقوله فإنّ الله ولا يظهر تقريره لما قبله وتفريعه عليه ولا تفريع قوله فإنّ الله الخ إلا بتقدير لا جدوى ، ولا فائدة في ذلك وكله تكلف والهمزة للإنكار ، وقوله فحذف الجواب يعلم حاله مما مرّ إذ الظاهر منه أنها شرطية لا موصولة على أن يريد بالجواب هنا الخبر تسمحا لكنه هنا أبعد إذ لا مانع من حمله على ظاهره ولم يجوزوا كون فرآه جوابا لركاكته صناعة ، ومعنى لأنّ الماضي لا يقترن بالفاء بدون قد ولأنه لا معنى لإنكار كونهم رأوه حسناً إلا بتكلف ، قيل ولم يلتفت لما في الكشاف من تقدير كمن لم يزين له وأنّ النبيّ-لمجت قال في جوابه : " لا " فرتب عليه قوله تعالى له : { فَإِنَّ اللَّهَ } الخ لبعده وفيه نظر وقد حمل بعضهم الجواب في كلامهم على معناه اللغوي دون النحوي وهو جواب الاستفهام كلا ونعم على أنّ الاستفهام على ظاهره ، وليس المراد به الإنكار وإنما استدعى الجواب ليرتب عليه ما يترتب فيكون على تقديره أفمن زين له كمن لم يزين له لا فإنّ اللّه يضل الخ وعلى تقدير أفمن زين له
سوء عمله ذهبت نفسك عليه حسرة نعم يحرض على هداية الناس ، ويكون ترتب قوله فانّ الله الخ لأن الهداية بيد الفياض فلذا رجوتها لهم ، وهو كلا حسن وإن كان لم يفصح عنه وكلام المصنف رحمه الله في حديث السببية ينبو عنه فتدبر. قوله : ( ومعناه الخ ) يعني أنّ هلاك نفسه بالحسرة عبارة عن التهالك فيها وشدتها كما يقال هلك عليه حبا ومات عليه حزنا وذهب بمعنى هلك. قوله : ( والفاآت الثلاث الخ ) الفاآت في النظم أربعة والمصنف رحمه الله أسقط واحدة جعلها عاطفة أي للعطف من غير مهلة دون سببية ولم يعينها فقيل إنها فاء فرآه لأنها عطفته على زين ولا يخفى أنّ رؤيته حسنا مسبب عما سوّله له شيطان الوهم والهوى وتقرير المصنف مناد على خلاف ما ذكره ، وقيل إنها فاء أفمن الخ فإنها رأس كلام وان قصد به تقرير ما قبله لا سيما إذا قلنا إنها عطفت على مقدّر كما هو مذهب المصنف رحمه الله على ما عرف في أمثاله ، وهو أقرب وستأني تتمة الكلام عليه. قوله : ( غير أن الآوليين الخ ) وجهه على الأوّل أن تزيين الأعمال وعدمه سبب للعذاب والأجر ، واضلال اللّه وهدايته سبب للتزيين الذي أراه القبيح حسنا وأما النهي عن تهالكه وتحسره عليهم فمسب عن أنّ الله خلق الناس على قسمين ضال ومهديّ ، وهو ظاهر ولذا ارتكبه من ارتكبه وعلى الثاني فاعتقاده الباطل حقا سبب لتزيينه عنده والإضلال والهداية سبب لذلك الاعتقاد ، وأمر الثالث كما مرّ(7/216)
ج7ص217
وللبحث فيه مجال ، والفاء قد تدخل على المسبب وقد تدخل على المسبب وان فرق بعضهم بينهما فجعل الأولى تعليلية والثانية سببية ، ولا مشاحة في الاصطلاح. قوله : ( وجمع الحسرات الخ ) يعني أنه مصدر صادق على القليل والكثير في الأصل لكنه جمع هنا لدلالة على زيادة حسرته التي كادت تذهب بنفسه لثدتها أو على تعدّدها بسبب تعدد أسبابها فالفرق بينهما ظاهر ، وقوله لأنّ المصدر الخ تقدم إنّ بعضهم اغتفره في الجار والمجرور ، وقوله أو بيان الخ فيكون ظرفا مستقرّاً متعلقه مقدر كأنه قيل على من تذهب فقيل عليهم ونصب حسرات على أنه مفعول أو حال. قوله : ( استحضاراً الخ ) إشارة إلى أنّ حكاية الحال تكون في الأمور المستغربة البديعة ، وانه لتمثيلها بجعلها كالحاضر المشاهد لأنّ الأمور الغريبة يهتم بها السامع فيزيد تصوره لها كأنها محسوسة له ، وقوله ولأنّ الخ الظاهر أن الأحداث مصدر مضاف للمفعول وهو الرياج ، والفاعلى هو الله تعالى والأحداث هو معنى الإرسال لأنه إيجاد خاص من اللّه تعالى لها ، وقوله بهذه الخاصية بالباء أو اللام كما في بعض النسخ وفي بعضها على هذه الخاصية والمقصود أن الإثارة خاصية لها وأثر
لا ينفك عنها فلا يوجد إلا بعد إيجادها فيكون مستقبلا بالنسبة إلى الإرسال فاستعمال المضارع فيه على ظاهره ، وحقيقته من غير تأويل لأنّ المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم والفاء دالة على عدم تراخيه وهو شيء آخر ، فما قيل من أنه مضاف للفاعل أي إحداث الرياح الإثارة وهي تحدث بعد إرسالها فللدّلالة عليه أتى بصيغة المستقبل ، والفاء وان دلت عليه لكن لا مانع من تعدد الدال على أمر واحد للاهتمام به كلام مغشوش مشوّس والحق ما سمعته. قوله : ( للدّلالة على استمرار الأمر ) يعني أنه أتى بما يدل على الماضي ثم بما يدل على المستقبل إشارة إلى استمرار ذلك ، وإنه لا يختص بزمان دون زمان إذ لا يصح المضي والاستقبال في شيء واحد إلا إذا قصد ذلك ، وتشديد الياء من ميت وهما بمعنى وقد يفرق بينهما ، وقوله وذكر السحاب كذكره جواب عن مرجع الضمير بأنه على ما يفهم منه بطريق الالتزام أو هو راجع إلى السحاب ونسبة الإحياء إليه لأنه سبب السبب ، وقوله أو والصائر الخ عطف على سبب السبب ، وهذا بناء على أنّ السحاب بخار متصاعد فقد يصير مطراً بعينه فالإسناد إليه لأنه أصله ، وهذا مع تكلفه لا فرق بينه وبين ما قبله يعتدّ به واستعارة الموت والحياة قد مرّت مفصلة ، وقيل إنه أشار بقوله بعد يبسها إلى أنّ الحياة مستعارة للرطوبة والموت لليبوسة لأنها تكون منشأ للآثار كالحياة وفيه نظر. توله : ( والعدول فيهما الخ ) وكون ضمير المتكلم أدخل في الاختصاص لأنه لا يحتمل الشركة كضمير الغائب ، وهذا الفعل مما اختص به تعالى فناسب ذكره بما هو أدل على الاختصاص ولما فيه من كمال القدرة أتى بضمير العظمة. قوله : ( أي مثل إحياء الموات الخ ) المراد بالموات الأرض التي لا نبات فيها فإنباته فيها قدرة عظيمة دالة على صحة الحشر والنثر ، والمعاد وقوله احتمال الخ أي إنّ النابت ثانياً زيادة أخرى غير مادة الأوّل ، ولا مدخل له في المقدورية ولا في صحتها مع أنه بعينه جار في القسمين أيضاً على ما عرف فيه من أنه إعادة معدوم أولاً كماه فصل في الكلام. قوله : ( وقيل في كيفية الإحياء ( أي وجهه أنه مثله في الكيفية لأنه بأمطار ماء كالمني تنبت به الأجسام من عجب الذنب على ما ورد في الآثار ، وهو معطوف على قوله في صحة المقدورية. قوله : ( الشرف والمنعة ) بفتحتين مصدر بمعنى العز والقوّة ويكون جمع مانع أيضا وتعريف العزة للجنس ، وفيما بعده للاستغراق بقرينة قوله
جميعاً ، وقوله فليطلبها الخ فوضع فيه السبب موضع المسبب لأنّ الطلب ممن هي له وفي ملكه جميعها مسبب عنه ، وعبر بما ذكر للعدول إلى المقصود وترك الوسيلة كما مرّ في قوله فانفجرت والطلب منه إنما يكون بالطاعة والانقياد إذ ما عداه لا يعد لعدم إيصاله للمطلوب فلذا عقبه بقوله : ( إليه يصمد الكلم الطيب ) الخ وجعل بعضهم المقدّر فليطع الله ، ولو أريد بالعزة الأولى جميعها وقدر الجواب فهو لا ينالها صح أيضا وهو أنسب بما بعده ، ولا ينافي قوله ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين وقوله تعز من تشاء الخ كما قيل. قوله : ( بيان لما يطلب به العزة ) أو لكون العزة كلها لله وهي بيده لأنها بالعمل الصالح ، وهو لا يعتد به ما لم يقبله أو هي مستأنفة وقوله وهو التوحيد تفسير للكلم الطيب لأنّ المراد به كلمة الشهادة وجمعها لتعددها بتعدد قائلها ، وقوله :(7/217)
ج7ص218
وصعودهما إمّا بناء على عطف العمل على الكلم أو لاستلزام الرفع له ، وقوله مجاز أي مرسل بعلاقة اللزوم أو استعارة بتشبيه القبول بالرفع إلى مكان عال. قوله : ( أو صعود الكتبة بصحيفتهما ) فيجعل الكلم والعمل مجازا عما كتب فيه بعلاقة الحلول ، والتجوّز في النسبة أو يقدر فيه مضاف أو يشبه وجوده الخارجي في السماء وكتابته فيها بالصعود فهو استعارة تبعية ، وقوله للكلم فإنه يذكر ويؤنث ، وفي قوله لا يقبل إشارة إلى أنّ الرفع كالصعود مجاز عن القبول أيضا ، وقوله ويؤيد. الخ فهو من الاشتغال ، وقيل في وجه التأييد أن الأصل توافق القراآت وفي هذه تعين الكلم للرّافعية والعمل للمرفوعية فتحمل عليه قراءة الرفع وفيه أنه كيف يتعين مع جواز أن يكون الرافع هو الله كما سيأتي فتأمّل. قوله : ( أو للعمل ) والضمير المنصوب للكلم وتحقيق الإيمان بإظهار آثاره إذ بها يعلم التصديق القلبي ، وتقويته بتثبيته لا رفع قدره وقوله وتخصيص العمل الخ أي إذا كان الضمير لله فجعله مخصوصاً بالذكر ونسبة رفع الله له لأنّ الضمير البارز له لا لهما ولا لصاحبه كما قيل سواء كان العمل مبتدأ أو معطوفا لأنّ فيه كلفة ومشقة إذ هو الجهاد اكبر وفيه إشارة إلى أنّ الرفع بمعنى الشرف. قوله : ( وقرئ يصعد من الإصعاد على البناءين ) أي مبنياً للمعلوم والمجهول والفاعل المصرح به والمحذوف من ذكر فالكلم إمّا منصوب أو مرفوع ، وقوله وعنه الخ رواه الحاكم والبيهقي والطبري عن ابن
مسعود رضي الله عنه ، وقوله فحيا من التحية يقال حياه الله أي أبقاه فهو في الحياة ، وقيل إنه من استقبال المحيا وهو الوجه وهو المناسب هنا على سبيل الاستعارة فالمعنى أنه يستقبل به الله والمراد رجاء رضا الله به ، وقوله فإذا لم يكن الخ أي على هذا التفسير والمراد لم يقبل قبولاً كاملاً إن لم يرد ما يشمل العمل القلبي كالتصديق. قوله : ( المكرات السيآت ) يعني السيآت منصوب على أنه صفة المصدر لأنّ مكر لازم وقد جوّز نصبه على تضمين يقصدون أو يكسبون وعلى الأوّل فيه مبالغة للوعيد الشديد على قصده أو هو إشارة إلى عدم تأثير مكرهم ، ودار الندوة دار بمكة كانوا يجتمعون فيها للمشاورة وفصل الأمور والندوة الاجتماع ومنه النادي وقصتها مشهورة ، والتداور تفاعل بمعنى دارة للرأي فيما بينهم والمحاورة فيه. قوله : ( لا يؤبه دونه ) يقال لا يؤبه ولا يعبأ بضعنى يعتدّ به يعني أنّ ما مكروا به لا يعتد به بالنسبة للعذاب المعدّ لهم عند الله ، وقوله يفسد أصل معنى البوار الكساد أو الهلاك فاستعير هنا للفساد وعدم التأثير لأنّ الكاسد يكسد لفساده ولأنّ الهالك فاسد لا أثر له. قوله : ( لأنا الأمور مقدّرة لا تتغير به ) أي بمكر أولئك ليس فيه حصر التأثير في التقدير ونفي اختيار العبد وكسبه حتى يكون على مذصب الجبرية كما توهم بل إن ما قدره الله لا يتغير كما أن ما علمه كذلك ، ولا حاجة إلى أن يقال المراد بالأمور أمور النبوّة فقط لأن للتقدير فيها تأثيراً ظاهرا لا يتغير ومثله بعدما قرّر من مذهب الأشاعرة في الكلام تعصب فتأمل. قوله : ( كما دل عليه بقوله واللّه ) إلى آخر الآية فإنه دل على أنّ كل ما يقع جار على مقتضى علمه وقدرته ، وقوله بخلق آدم الخ تقدّم فيه وجوه أخر فتذكرها. قوله : ( إلا معلومة له ) من في قوله من أنثى مزيدة في الفاعل ، وقوله بعلمه حال منه أي ملتبسة بعلمه وليس فيه تصريح بذي الحال لكن الظاهر أنه الحامل والواضع لا المحمول والموضوع لعدم ذكرهما ، ولا الحمل والوضع نفسهما لأنه خلاف الظاهر والمراد العلم بحملها ووضعها تفصيلاً لقوله ، ويعلم ما في الأرحام لأنه لو قصد العلم بذاتها لم يكن لذكر الحمل والوضع فاثدة فلا يتوهم أنه لا يلزم من العلم بالحامل العلم بحملها ، وسيأتي تفصيله في حم السجدة. قوله : ( وما يمدّ في عمره من مصيره إلى الكبر ) إمّا أن يريد أن معمر من مجاز الأول كقوله من قتل قتيلا لئلا يلزم تحصيل الحاصل كما قيل أو أن يعمر مضارع فيقتضي أن لا يكون معمرا بعد ولا ضرورة للحمل على الماضي كما قيل ، وأما ما أورد على الأوّل من أنه لا يلزم من تعمير المعمر تحصيل الحاصل فرده معلوم مما مرّ تحقيقه في قوله
هدى للمتقين كما فصله في الكشف. قوله : ( من عمر المعمر لغيره ) اللام متعلقة بينقص ولا حاجة لجعله للبيان أي هذا النقص كائن لغيره فالضمير راجع للمعمر ، والنقص لغيره إذ من عمر لا يتصوّر النقص من عمره فليس في إرجاع الضمير له إباء عنه كما توهم ، وليس هذا بعد تأويله بالصيرورة مستغنى عنه أيضا فتدبر ، وقوله بأن يعطي الخ أوله به بأنه لا يمكن الزيادة والنقص في شيء واحد.(7/218)
ج7ص219
قوله : ( والضمير له ) أي للمنقوص عمره لا للمعمر كما في الوجه السابق وهو وإن لم يصرّح به في حكم المذكور كما قيل :
وبضدها تتبين الأشياء
قيعود الضمير على ما علم من السياق. قوله : ( أو للمعمر على التسامح الخ ) فهو كقولهم
له عليّ درهم ونصفه أي نصف درهم آخر فيعود الضمير إلى نظير المذكور لا إلى عينه كما جوّزه ابن مالك في التسهيل ، وان قال ابن الصائغ ، هو خطأ لأنّ المراد مثل نصفه فالضمير عائد إلى ما قبله حقيقة لأنه مناقشة في المثال وليس المراد بالمعمر أو ضميره ، من من شأنه أن يعمر لأنه لو كان كذلك عاد الضمير عليه بعد التجوّز وليس بمراد ، ومحصل كلامهم هنا أنه اختلف في معنى معمر فقيل المزاد عمره بدليل ما يقابله من قوله ينقص الخ ، وقيل من يجعل له عمر وهل هو واحد أو شخصان فعلى الثاني هو شخص واحد قالوا مثلاَ يكتب عمره مائة ثم يكتب تحته مضى يوم مضى يومان وهكذا فكتابة الأصل هي التعمير والكتابة بعد ذلك هو النقص كما قيل :
حياتك أنفاس تعدفكلما مضى نفس منها انتقصت به جزأ
والضمير في عمره حينئذ راجع إلى المذكور والمعمر هو الذي جعل اللّه له عمرا طال أو
قصر وعلى القول الأوّل هو شخصان والمعمر الذي يزيد في عمره ، والضمير حينئذ راجع إلى معمر آخر إذ لا يكون المزيد من عمره منقوصاً من عمره ، وهذا قول الفرّاء وبعض النحويين وهو استخدام أو شبيه به وقد قيل عليه هب أنّ المعمر الثاني غير الأوّل أليس تد نسب النقص في المعمر إلى المعمر كما قلتم هو الذي زيد في عمره وأجيب بأن الأصل حينئذ وما يعمر من أحد فسمي معمراً باعتبار ما يؤول إليه وعاد الضمير باعتبار الأصل المحوّل عنه ومن العجيب ما قيل هنا إنّ السر المقدّر له عمر طويل وهو يجوز فيه أني بلغ فيه حدّ ذلك العمر وأن لا يبلغه ، ولا يلزمه تغيير ما قدر له لأنّ المقدر أنفاس معدودة لا أيام محدودة وعدّه سرا دقيقاً وهو مما لا يعوّل عل!يه عاقل ولم يقل به أحد غير بعض جهلة الهنود مع أنه مخالف لما ورد في الحديث الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة رضي الله عنها وقد دعت بطول عمر سألت
الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وقد أطال المحشي فيه وفي وده وهو غنيّ عنه وليس هذا من قبيل ضيق فم الركية كما قيل فتدبر. قوله : ( لا يثيب الله عبدا ولا يعاقبه ) هو مثال بناء على ما يتبادر منه من أنّ المراد يعاقب عبدا- آخر فلا يقال إنه لا يوافق مذهب أهل الحق ويتمحل للجواب عنه فإنّ المناقثة في المثال ليست من دأب المحصلين. قوله : ( وقيل الريادة والنقصان الخ ) فيكون المعمر والمتقص من عمره شخصاً واحدا بناء على ما ورد في الأحاديث من زيادة العمر ببعض الأعمال الصالحة كقوله : " الصدقة تزيد في العمر ) فيجوز أن يكون أحد معمراً إذا عمل عملاَ وينقص من عمره إذا لم يعمله وهذا لا يلزم منه تغيير التقدير لأنه في تقديره تعالى معلق أيضاً ، وإن كان ما في علمه الأزلي وقضائه المبرم لا محو فيه ولا إثبات وهذا ما عرف عن السلف ، ولذا جاز لادعاء بطول العمر ، وقال كعب ( 12 لو أنّ عمر رضي الله عنه دعا الله أخر أجله. قوله : ( وقيل المراد يالنقصان ما يمرّ من عمره الخ ) فما يعمر المعمر جملة عمر. وما ينقص منه ما مضى منه ، وقوله على البناء للفاعل أي بفتح الياء وضم القاف وفاعله ضمير المعمر ، أو عمره ومن زائدة في الفاعل وإن كان متعدّيا جاز كونه لله ، وقوله علم الله هو على الأوّل من وجوه النقص والزيادة ويجوز في الأخير أيضاً وما بعده على الأخيرين فتدبر ، وقوله إشارة إلى الحفظ أي المفهوم من كونه في الكتاب والزيادة والنقص مفهومان من فعليهما. قوله : ( ضرب مثل الخ ) هذا هو المشهور رواية ودراية ، وما قيل الأظهر إنه لبيان كمال القدرة العلية فلا يتكلف لتوجيه ما بعده ليس بشيء فترك لأجله ما في هذا من محاسن البلاغة وكسر العطش إزالته ، وقوله يحرق أي يؤذي شاربه ، وسيغ صفة مشبهة وملح كحذر كذلك وليس بمقصود من مالح لأنه لغة رديئة وان قيل به. قوله : ( استطراد الخ ) جواب عن سؤال مقدر ، وهو أنه لا يناسب ذكر منافع البحر الملح وقد شبه به الكافر ولا دخل له في عدم الاستواء بل
ربما يشعر به بوجوه أحدها أنه ذكر على طريق الاسنطراد لا على طريق القصد ، وليس هذا الجواب بقوي وأصل معنى الاستطراد أنّ الصائد يكون يعد وخلف صيد فيعرض له صيدآخر فيترك الأوّل ويذهب خلف الثاني فاستعير للانتقال من كلام إلى آخر يناسبه. قوله : ( أو تمام التمثيل الخ ) يعني أنه من جملة التمثيل(7/219)
ج7ص220
وبه يتم فكأنه قيل لا استواء بينهما فيما هو المقصود الأصلي ، وهو السقي منه وإزالة الظمأ وإن اشتركا من جهات أخر كالمؤمن والكافر يشتركان في أمور شتى ، ولكن ما هو المقصود الأصلي وهو فطرة الإيمان لا يشتركان فيه فلا عبرة بتلك المشاركة فجملة ومن كل الخ جملة حالية.
قوله : ( أو تفضيل للأجاج الخ ) جواب ثالث فيكون كقوله : { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ } [ سورة البقرة ، الآية : 74 ] بعد قوله فهي كالحجارة فحاصله أنه أفيد بعد التشبيه أنّ الكافر ليس كالأجاج بل أدنى منه لأنه يشارك العذب في منافي دون الكافر والمراد المشاركة فيما يكون من أمور الدنيا والآخرة لأنّ أمور الدنيا لا عبرة بها في ذاتها عند الله ، وهي مفقودة في الكافر بالكلية فلا يرد أن بين الوجهين تنافياً لأنّ في الأوّأى أثبت له منافع وهنا نفيت عنه مطلقا ، وما قيل من أنّ قوله وإن اتفق الخ يدفعه فإنه يشير لقلته ففي الثاني بني الحكم على اكثر وألغى النادر عن حيز الاعتبار وفي الأوّل نظير له غير ظاهر فإنه ليس بنادر في نفسه كما لا يخفى. قوله : ( والمراد بالحلية اللالي واليواقيث ) الأولى أن يقول كما في الكشاف المرجان بدل اليواقيت ، ولعل الياقوت عام في الأصل وتخصيصه بعرف طار وفيه تصريح بأنّ اللؤلؤ يخرج من المياه العذية ولا مانع منه ، وان لم نره والقول بأن النظم لا دلالة له عليه مما لا وجه له كالقول بأنه من إسناد ما للبعض إلى الكل كما في قوله : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } [ سورة الرحمن ، الآية : 22 ] . قوله : ( فيه ) قدم هنا وأخر في النحل فقيل لأنه علق هنا بترى وثمة بمواخر وهو لا يتم به المقصود ، وقوله ويجوز أن تتعلق الخ أي بمقدر كسخرنا البحرين وهياناهما ونحوه مما يشتمل على منافعهما ، وقوله باعتبار ما يقتضيه ظاهر الحال يعني أنّ الترجي عليه تعالى محال فهو مجاز والمراد اقتضاء ما ذكر من النعم للشكر حتى كأنّ كلا
يترجاه من المنعم عليه بها فهو تمثيل يؤول إلى أمره بالشكر لنا. قوله : ( هي مدّة الخ ( لأنّ الأجل يطلق على مجموع المدة وعلى غايتها وقوله أو يوم القيامة على أنه منتهى معين ، وقوله وفيها أي في هذه الإشارة إشعار بما ذكر لأنّ الأخبار والثناء عليه يقتضي ذلك ، وفي قوله الإخبار إشارة إلى أنّ الله خبر لا نعت أو عطف بيان لاسم الإشارة لأنه لا يقع العلم فيه كغيره ، وكونه باعتبار أصله قبل الغلبة تكلف ما لا حاجة إليه ، وقوله في قران والذين الخ بإضافة القران لما في النظم أي كونه مقارنا له في الاستئناف ، وهو معطوف عليه أو حال من الضمير المستتر في الظرف ، وفي القران إشارة لهذا والجملة مقرّرة لما في الجملة قبلها من الدلالة على العظمة كما سيأتي وعلى الوجه الأول هو معطوف على جملة ذلكم الله الخ أو حال أيضاً ، وقوله للدلالة الخ يعني أنّ قوله له الملك وما بعده مستأنف مقرّر لما قبله ودليل عليه كما أشار إليه شرّاح الكشاف فالتفرد بالألوهية والربوبية مستفاد من تعريف الظرفين في قوله : { ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ } وهذا مسوق لتقريره والاستدلال عليه إذ حاصله جمعي الملك والتصرّف في المبدأ والمنتهى له ، وليس لغيره منه نقير ولا قطمير ، ولذا قيل إنّ فيه قياساً منطقياً مطويا فسقط ما قيل من أنه يكفي فيه الأوّل لما فيه من تقديم الجارّ والمجرور المفيد للاختصاص ، واللفافة بكسر اللام ظرف رقيق يلف به. قوله : ( لأ!م ) أي الأصنام لا الملائكة وعيسى مما عبد من دون الله جماد وخصهم لأنّ الكلام مع المشركين ، وقوله أو لتبرئهم أي بلسان الحال لأنهم جماد أو لأنّ الله يخلق فيهم قوّة النطق وهو كناية عن عدم قدرتهم على النطق وكذا الكلام فيما بعده ، وقوله مما تدعون بالتشديد وهو الربوبية. قوله : ( فإنه الخببر على الحقيقة أليس المراد ما يقابل المجاز بل الواقع المتحقق لأنّ علمه تعالى ليس كعلم غيره بالأمور ، وقوله ما يعن لكم بكسر العين وتشديد النون أي ما يعرض لكم ويطرأ من الأحوال لوقوعه في مقابلة الأنفس وليس المراد به ما ظهر أمامك ، واعترض! كما قيل وان كان هذا أصله. قوله : ) وتعريف الفقراء للمبالغة ا لأنه لا عهد فيه فهي للجنس أو الاستغراق وحصر الجنس فيهم يفيد أنه لا فقير
سواهم مع افتقار جميع الممكنات لواجب الوجود فجعل هؤلاء لشدّة احتياجهم كأنه لا فقير سواهم مبالغة ، وقوله وانّ افتقار الخ الخ إشارة لما ذكر ، ولذا عطف بالواو كما هو في النسخ الصحيحة وأما عطفه بأو على ما وقع في بعضها فكأنه من سهو الناسخ وتوجيهه بأنّ شدة الافتقار على الأوّل في أنفسهم وفي هذا بالإضافة لغيرهم بعيد يأباه سياقه لا يقال مثل هذا الاحتياح موجود في الجن حتى يدخلون في الناس تغليباً(7/220)
ج7ص221
لأنه مما لا وجه له إذ هم لا يحتاجون في المطعم ، والملبس وغيره كما يحتاج الإنسان وضعفهم ليس كضعفه مع أنه لا يضر إذ الكلام مع من يظهر القوّة والعناد من الناس ، وأما احتمال كون القصر إضافياً بالنسبة إليه تعالى فمع كونه عدولاً عن الظاهر بلا ضرورة ومع فوات المبالغة المستفادة من العموم يكون قوله والله هو الغني مستدركاً والتأسيس خير من التأكيد فلا وجه للاقتداء بالإمام فيه ، وما ذكر من سبب النزول وأنه لما كثر الدعاء من النبيّ صلى الله عليه وسلم والإصرار من الكفارة قالوا لعل الله محتاج لعبادتنا فنزلت لا يفيده شيئا فإنّ قوله والله هو الغني كاف في الرد عليهم. قوله : ( المستغني على الإطلاق ) أي عن كل شيء ، وقوله المنعم تفسير لقوله الحميد فإنّ أصل معناه المحمود لكن المراد به هنا بطريق الكناية ذلك ليناسب ذكره بعد فقرهم إذ الغنيّ لا ينفع الفقير إلا إذا كان جواداً منعماً ومثله مستحق للحمد فأريد به المستحق للحمد لأنعامه لا الاستحقاق الذاتي ، وقوله على سائر الموجودأت أي جميعها من الإطلاق وعدم ذكر المتعلق ، وقوله حتى استحق أي بواسطة أنعامه لا الاستحقاق الذاتي فإنه ثابت على كل حال. قوله : ( بقوم آخرين ) هذا على أن خطاب يذهبكم للمشركين أو للعرب ، وقوله أطوع منكم أي أكثر طاعة لأنّ إذهابهم لا يكون إلا لعدم رضاه لعصيانهم ، وقوله بعالم آخر أي غير الناس بناء على أنه عامّ ، وقوله بمتعذر الخ لأنه من عز عليه كذا إذا صعب قال تعالى : { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [ سورة التوبة ، الآية : 28 ا ] والمتعذر أصعب من غيره. قوله : ( ولا تحمل نفس آ8ـلمة الخ ) آثمة تفسير لوازرة لأنّ الوزر الإثم وهو صفة نفس مقدرة ، ولذا أنث كأخرى وقوله وأما قوله الخ إشارة إلى أنّ هذه الآية لا تنافي تلك الآية التي في العنكبوت ، لأنّ ما ثم بالتسبب وهو المشار إليه في حديث من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة. قوله : ( ليس فيها
شيء من أوزار غيرهم ) ولا ينافيه قوله مع أثقالهم لأنّ المراد بأثقالهم ما كان بمباشرتهم وبما معه ما كان بسوقهم وتسببهم فهو لهؤلاء من وجه لأولئك من آخر. قوله : ( نفي أن يحمل عنها ذنبها الخ ) ضمير عنها للمثقلة أي لا تحمل عنها ذنبها سواء كان الحامل وازرا أم لا فبين بطلان زعم اتحادهما ، وعموم الحامل من عدم ذكر المدعوّ ظاهر فلا مجال لهذا الزعم ، وأما المثقلة فاخص من الوازرة ، ثم أنه قيل إنّ هذا نفي للحمل اختيارا والاً وّل نفي له إجباراً وأنه قريب مما ذكره المصنف رحمه الله وقد قيل عليه إنه يأباه قوله ولا تزر إذ المناسب حينئذ ولا يوزر على وازرة وزر أخر! وقوله لا يحمل منه شيء إذ المناسب للاختيار لا يحمل شيئاً ببناء الفاعل وأيضا حق نفي الإجبار أن يتعرّض له بعد نفي الاختيار فالظاهر أن الأوّل نفي للحمل الاختياري تكرّما من أنفسهم ردّ القول المضلين ولنحمل خطاياكم ، والثاني نفي له بعد الطلب منهم أعمّ من أن يكون اختيارا أو جبرا واذا لم يجبر عليها بعد الطلب والاستعانة علم عدم الجبر بدونه بالطريق الأولى فيعمّ النفي لأقسام الحمل كلها وهو كلام حسن إلا أنّ كلام المصنف رحمه الله ليس فيه تعرّض للإجبار وعدمه ، ولا تزر وازرة وزر أخرى وقوله ولو كان المدعوّ وقد قدر أيضا ولو كان الداعي والأوّل أحسن لأنّ الداعي هو المثقلة بعينه فيكون الظاهر عود الضمير عليه ، وتأنيثه فلا وجه لاستحسانه مع ركاكته. قوله : ) على حذف الخبر ) وتقديره ولو كان ذو قربى مدعوّا لا مدعوّها كما قدر لما فيه من الأخبار بالمعرفة عن النكرة وإن أمكن دفعه ، وقوله فإنها أي التامّة لا يلتئم معها النظم لأنّ هذه الجملة الشرطية كالتتميم والمبالغة في أن لا غياث أصلا ولو قدر المدعوّ ذا قربى ولو قدرته أن تدع النفس المثقلة إلى تخفيف ما عليها لا تجد معاوناً ، ولو وجد ذو قربى لم يحسن ذلك الحسن وملاحظة كون ذي القربى مدعوّاً بقرينة السياق ، وتقدير فيدعوه ونحوه لكونه خلاف الظاهر لا يتم مسه الا!ظام فتدبر. قو!ه : ( !ائبين الخ ) يعني أنّ بالغيب حال من الفاعل أو المفعول لأنه بتقدير عذاب ربهم وقد مرّ فيه وجوه أخر فتذكر ، وقوله فإنهم الخ إشارة إلى وجه التخصيص مع أنّ الإنذار للكفار أيضاً. قوله : ( واختلاف الفعلين لما مرّ ) في قوله الله الذي أرسل الرياح فتثير قالوا والمراد الوجه الثالث وهو استمرار الأمر فهو هنا لاستمرار الطاعة ، والانقياد لثبوتها في الماضي والمستقبل وإنما يتجه بجعل الخشية والإقامة كشيء واحد ويكفي أيضاً تلازمهما كما في المقيس عليه فتأمّل. قوله :
( وهو اعتراض الخ ) لأنّ(7/221)
ج7ص222
كونهما من التزكي أمر معلوم فإذا بين عود نفعهما على من قاما به كان ذلك داعيا لهما وحثا عليهما ، وما قيل من أنّ المعنى أنه تاكيد لوجوبهما أو نفعهما لا وجه له والاعتراض هنا سالم من الاعتراض فمن قال إنه ليس اعتراضاً نحوياً لعدم تعلق ما بعده بما قبله لم يصب ، وقوله وما يستوي معطوف على قوله أوّلاً وما يستوي. قوله : ( الكافر والمؤمن الخ ) على أنه ضرب مثلاَ لهما كالبحرين فهو بجملته استعارة تمثيلية أو في الأعمى والبصير استعارة مصرحة ، وقوله وقيل الخ فيكون من تتمة قوله ذلكم الله الآية وهو أيضاف استعارة تمثيلية والمعنى لا يستوي الله مع ما عبدتم ، أو الأعمى عبارة عن الصنم على أنه اسنعارة أو من استعمال المقيد في المطلق فالبصير على حقيقته. قوله : ( ولا الثواب ) وقدّم الظل ليكون مع ما قبله على نمط واحد فإنّ العمي والظلمة والظل متناسبة أو لسبق الرحمة كما مرّ مع ما فيه من رعاية الفاصلة ، وقوله وتكريرها على الشقين أي في النور والحرور والظل لمزيد التأكيد فإنّ أصله حصل بتصديرهما بالنفي وأما ترك ذلك في الأول فلأن قوله الأحياء والأموات لما كان بمعناه اكتفى بالتكرار فيه عن التكرار فيه ، وقيل كرّرت فيما فيه تضادّ والأعمى والبصير لا تضادّ بين ذاتيهما فإنّ الشخص بصير أعمى بعدما كان بصيرا ، وإن تضادّ وصفاهما وقيل لأنّ المخاطب في أوّل الكلام لا يقصر في فهم المرام وقيل وقيل وفي هذا كفاية. قوله : ( غلب على السموم ) بعدما كان بمعنى الشديد الحرارة مطلقاً ، وقيل السموم الخ وقيل الحرور بالليل والنهار وقوله ولذلك كرر الفعل إشارة إلى أنه مقصود بالتمثيل وجمع لذلك ، وقوله وقيل للعلماء والجهلاء فإنّ الموت والحياة كثيرا ما يستعار لهما كما قيل :
لايعجبن الجهول بزته فذاك ميت لباسه كفنه
وقوله يسمع المراد به سماع تدبر وقبول. قوله : ( محقين أو محقاً ) يعني أنّ بالحق حال
إما من فاعل أرسلنا أو من مفعوله أو هو صفة لمصدره والباء للمصاحبة ، وقوله صلة أي للأوّل
وحذفت صلة الثاني ولوضوحه أجمله. قوله : ( ينذو عنه ) أي عن الله ، وقوله والاكتفاء الخ يعني أنه في الأصل نذير وبشير فاكتفى بتقديره إيجازاً لما ذكر أو المراد أنه اقتصر على هذا ، وترك الآخر رأساً من غير تقدير وقيل خص بالذكر لأنّ البشارة لا تكون إلا بالسمع فهو من خصائص الأنبياء فالبشير نبي أو ناقل عنه بخلاف النذارة فإنها تكون سمعا وعقلاً فلذا وجد النذير في كل أمة ، وردّ بأن الحسن والقبح شرعيان عند أهل الحق فالإنذار كالأبشار لا يكون إلا سمعا ولو سلم فالإبشار يوجد أيضاً بالعقل كإثبات الفلاسفة اللذة الروحانية بعد الموت ، ورد بأن ما ذكر مبني على ما ذهب إليه الحنفية من أن لبعض الأشياء جهات حسن يدركها العقل كالإيمان بالله فبإدراكه يستحق العقاب كيلا يلزم الدور كما تقرّر في الأصول فلا ورود لما ذكره وهذا كله لا محصل له وكدر العين من أول مجراها ولولا التزام ما قيل وقال كان ترك هذا عين الكمال. قوله : ( ولآن الإنذار الخ ) وجه آخر للاقتصار وبه يندفع عن الأوّل أنه لم أكتفي بهذا دون ذاك مع حصول الإيجاز بالعكس ، وقوله على إرادة التفصيل يعني ليس المراد أن كل رسول جاء بجميع ما ذكر حتى يلزم أن يكون لكل رسول كتاب وعدد الرسل أكثر بكثير من الكتب كما هو معروف ، بل المراد أن بعضهم جاء بهذا وبعضهم جاء بهذا ولا ينافي جمع بعضها لبعض آخر كالكتاب مع المعجزة مثلاً ومآله لمنع الخلو منها ، وقوله ويجوز أن يراد الخ أي بالزبر والكتاب على إرادة الجنس فيهما وعبر بيجوز إشارة لبعده والوصفين زبر وكتاب بمعنى مزبور ومكتوب ، وقوله إنكاري بالعقوبة مرّ تفسير. وتفصيله في سورة سبأ . قوله : ( أجناسها وأصنافها الخ ) فسر الألوان بوجهين الأنواع كما يقال جاء بألوان من الطعام فاختلافها تعدد أصنافها ، وقوله كلا لإحاطة الأنواع أي كل نوع منها كالكمثري له أصناف متغايرة لذة وهيئة كما يرى في بعض ثمار الدنيا ، ويجوز أن يراد الإفراد ، وقوله أو هيئاتها الخ على أن يراد بالألوان معناها المعروف المدرك بالبصر وهذا أيضاً في الأنواع أو الأفراد. قوله تعالى : ( { وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ } ) إما معطوف على ما قبله بحسب المعنى أو حال ، وكونه استئنافاً مع ارتباطه بما قبله غير ظاهر ، وقوله ذو جدد بضم الجيم وفتح الدال ، وهي القراءة المشهورة جمع جدّة بالضم وهي الطريقة
من جده إذا قطعه وقال(7/222)
ج7ص223
أبو الفضل هي من الطرائق ما يخالف لونه لو ما يليه ومنه جدة الحمار للخط الذي في وسط ظهر. يخالف لونه وعلى كل فهو يحتاج إلى تقدير مضاف فيه إن لم يقصد المبالغة لأن الجبال ليست نفس الطرائق ، وما-له أن الجبال مختلفة ألوانها فيناسب قرينيه لأنه المقصود وان لم يكن قوله مختلف ألوانها صفة جدد فلا يرد عليه إنه إنما يتمشى عليه ، وهو خلاف المختار والخطط بضم ، ثم فتح جمع خطة بالضم كنقطة بمعنى الخط بالفتح ، ولذا قال للخطة السوداء : وما وقع في بعض النسخ من ترك التاء سهو من الناسخ ، وقيل لها خطة لفصلها وقطعها عن بقية لونه وأما خطة وخطط بالكسر فهي الأرض نفسها. قوله : ) وقرئ جدد بالضم ) جمع جديدة كسفينة وسفن ، وقيل جمع جديد كما ذكره المصنف رحمه الله وفي نسخة جديدة وهي أصح ، وهي قراءة الزهري وهي بمعنى الأولى وتجمع على جدائد أيضا قال : جون السراة له جدائد أربع
أي طرائق وخطوط واليه أشار بقوله بمعنى الجدد أي بضم ففتح ، وقوله جدد بفتحتين
هي مروية عن الزهري أيضاً ، وقدرة أبو حاتم هذه القراءة من حيث المعنى وصححها غيره وقال الجدد الطريق الواضح البين إلا أنه وضع المفرد موضع الجمع ولذا وصف بالجمع ، وأما كونه من وصفه بوصف أجزائه كنطفة أمثاج لاشتمال الطريق على قطع كما قيل فغير ظاهر ولا يناسب لجمع الجبال. قوله : ( بالثدّة والضعف ) إشارة إلى أن ألوانها فاعل مختلف لا مبتدا لأنه لو كان كذلك قيل مختلفة وأنه صفة لقوله بيض وحمر والمراد باختلافها تفاوتها لأنها مقولة بالتشكيك ولولا هذا التأويل لم يفد غير التأكيد ويحتمل أيضا أن يكون صفة جدد كما فصله المعم ب. قوله : ( ومنها غرابيب متحدة اللون ) أخذ الاتحاد من مقابلته لما اختلف لونه ، ولأنّ الغريب تأكيد للأسود كأسود حالك فيتبادر منه ذلك فلا وجه لما قيل من أنّ السواد لا يقتضي الاتحاد لجواز اختلافه كما في الأوّلين. قوله : ( وهو تثيد مضمر ( بالإضافة والمراد التأكيد الاصطلاحي لتصريح أهل العربية واللغة بأنها تأكيد للألوان فيقال أبيض يقق وأصفر فاقع وأسود حالك ، وغربيب وهو تأكيد لفظي لأنه يكون بإعادة اللفظ أو مرادفه ، وأما كون المؤكد لا يحذف كما ذكره بعض النحاة لتنافي الغرضين فيهما فإنّ التأكيد يقتضي الاعتناء والتقوية وقصد التطويل ، والحذف يقتضي خلافه فقد رده الصفار كما في شرح التسهيل بأن المحذوف لدليل كالمذكور فلا ينافي توكيده فحمل التأكيد هنا على الصفة المؤكدة ، وتأويل قوله ونظير ذلك في الصفة الصريح في خلافه بجعله بمعنى الصفة المخصصة تعسف من غير داع ، وقوله ومن حق التأكيد أي مطلقاً لا في الألوان كما توهم. قوله : ( يفسره ) يشير إلى ما في بعض شروح
المفصل من أنه حذف فيه الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ، ثم لما عرض في الصفة إيهام بينت بذكر الموصوف بعدها إما بإضافتها إليه كما في سحق عمامة أو بجعله بدلاً منها ، أو عطف بيان لها كما في العائذات الطير ويقاس عليه التأكيد فلا مخالفة بينهما كما قيل وكونه بدلاً أو عطف بيان للصفة وهي عين الموصوف لا ينافي كونه مفسرا فأعرفه. قوله : ( والمؤمن الخ ) هو من قصيدة النابغة المشهورة وتمامه :
ركبان مكة بين الغيل والسند
والواو للقسم أقسم بالله المؤمن الطير الملتجئات إلى حرم مكة زادها اللّه شرفا ومسحها
كناية عن أمنها حتى لا تفر من يد لامس ، والغيل والسند موضعان والعائذات مجرور بالإضافة لأنه يجوز إضافة الوصف ذي اللام لمثله أو منصوب بالكسرة على أنه مفعول لمؤمن والطير بدل منه أو عطف بيان ومن الوهم ما قيل إنه لا محل له من الإعراب لأنه إنما جيء به لتفسير المحذوف لأنّ ما ذكره النحاة ، إنما هو في الجملة المفسرة لا في المفرد غير متصوّر فيه ومن جوّز تقديم الصفة على موصوفها جعله صفة للطير. قوله : ( وفي مثله مزيد تكيدا لتأكيد المحذوف مرّتين مرة بغرابيب وأخرى بسود مع ما فيه من الإبهام والتفسير كما أشار إليه المصنف رحمه الله. قوله : ( كاختلاف الثمار الخ ) يعني أنه في محل نصب صفة مصدر مفذر ومختلف صفة مبتدأ من الناس خبره أي صنف مختلف ، وقيل إنه متعلق بما بعده والإشارة لما مرّ أي مثل المطر والاعتبار بمخلوقاته تعالى واختلاف ألوانها يخشى الله العلماء ورده المعرب بأن إنما لا يعمل ما بعدها فيما قبلها وبأنّ الوقف على كذلك من غير خلاف فيه عن أهل الأداء وبه ظهر ضعف ما قيل إن معناه الأمر(7/223)
ج7ص224
كذلك أي كما بين ولخص على أنه تخلص لذكر أولياء الله. قوله : ( فمن كان أعلم به أليس استطراداً كما قيل بل إشارة إلى أنّ المراد بالعلماء العالمون بالله لا بالنحو والصرف مثلاً ، وقوله : " إني أخشاكم دلّه وأتقاكم " الحديث صحيح رواه مالك
في الموطأ وغيره وسببه إنّ رجلا قبل امرأته وهو صائم على ما فصل فيه ، وقوله ولذلك أتبعه الخ أي لكون الخشية مشروطة بمعرفة اللّه ذكرت الخشية بعد ما يدل على كمال القدرة من قوله ألم تر الخ وفيه إشارة إلى ارتباطه بما قبله ، وقوله وقر! الخ تقدم تحقيقه وطعن صاحب النشر في هذه القراءة وقوله لأنّ المعظم الخ بيان لوجه العلاقة ، وهو ظاهر في أنه مجاز مرسل بعلاقة اللزوم فيجوز حمل كلامه عليه فالاسنعارة لغوية ، وقيل الخشية ترد بمعنى الاختيار كقوله : خشيت بني عمي فلم أرمثلهم
قوله : ( تعليل لوجوب الخشية الخ ) تعليلها بالعزة الدالة على كمال القدرة على الانتقام
ظاهر وأمّا دلالتها على خصوص المغفرة ففيها خفاء ، وقد قال الطيبي رحمه الله إنه دال على القدرة التامّة لأنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر على العقوبة وقد يقال إنه تكميل كما في قوله :
حليم إذا ما الحلم زين أهله سع الحلم في عين العدوّ مهيب
فتأمّل. قوله : ( يداومون على قراءته ) وفي نسخة يداومون قراءته على الحذف والإيصال
أو تضمينه معنى يلازمون لأنه يتعدى بعلى وإلاستمرار مأخوذ من المضارع الدال على الاستمرار ومن وقوعه صلة ومن اختلاف الفعلين كما مرّ في كثير والسمة العلامة ، والعنوان علامة الكتاب على ظهره وهو تشبيه بليغ وقوله أو متابعة ما فيه وفي نسخة عطفه بالواو إما لأن القراءة لا يعتد بها دون عمل أو لأن يتلو من تلاه إذا تبعه. قوله : ( أو جنس كتب الله الخ ) هذا أنسب بالتعبير بغير ما يخصه كالقرآن والأوّل أنسب بكون الإضافة للعهد ، وقوله فيكون ثناء على المصدقين من الأمم جميعا فيدخل فيهم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم دخولاً أوليا أو المقصود حثهم على أتباعهم ، وقد قيل ولأنه على إرادة الجنس لا يتعين ما ذكر لأنّ هؤلاء باتباع القرآن كأنهم اتبعوا سائر الكتب لأنه مصدق لما بين يديه مطابق لما فيها من أصول العقائد كما مرّ في قوله : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ } [ سورة الشعراء ، الآية : 105 ] فتأمل ، وقوله كيف اتفق فإنه يعبر بمثله عنه ومن خصهما بما ذكر فلأنه الأكمل فيهما ، وقوله تحصيل الخ فالتجارة استعارة لتحصيل الثواب بالطاعة وقول الطيبي بمزاولة الطاعة بناء على أن التجارة هي تعاطي ذلك لا الربح بالفعل فما ذكره أقرب لمعناه وما ذكره المصنف رحمه الله أسدّ في مغزاه فتدبر. قوله :
( لن تكسد ولن تهلك ) البوار ورد بمعنى الكساد والهلاك ، وهل هو حقيقة فيهما أو في الأوجل مجاز في الثاني أو العكس احتمالات نطق بكل واحد منها نصوص أهل اللغة ، والمصنف جمع بينهما بناء على مذهبه أو هو تفسير له بما يؤولط إليه وعلى الأوّل فهو ترشيح للاستعارة في التجارة. قوله : ( علة لمدلوله ( أي هو متعلق بما دل عليه لن وهو انتفاء الكساد ، وتنفق بمعنى تروج وفيه مع أنفقوا لمناسبة لأنّ الحرف لا يتعلق به الجارّ والمجرور على المشهور ومن لم يقف على مراده قال لا مانع من كونه علة للن تبور فلو ترك لفظ مدلول كان أصح ، وقوله أو عاقبة ليرجون لا يظهر لتعبيره بالعاقبة دون العلة وجه إلا التفنن ليصرج بأنها علة غائية ، وقد تبع فيه أبا البقاء ووجهه الطيبي بأنّ الكلام يدل على أن غرضهم عدم بوار تجارتهم لأن صلة الموصول علة لأنها تؤذن بتحقق الخبر ولم يذهب إليه الزمخشري لأنّ مثل هذه اللام إنما تكون في نحو فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزنا. قوله : ( أو لمدلول الخ ) بمعنى أنه متعلق بمقدر يدل عليه ما قبله كفعلوا ذلك والجملة المقدرة معترضة لئلا يفصل بأجنبيّ ، ويجوز تعلقه بما قبله على التنازع ، وقوله من فضله إن رجع لهما فهو ظاهر وان رجع للثاني فللدلالة على أنّ الأوّل كالواجب لكونه جزاء لهم بوعده. قوله : ( أي مجازيهم عليها الخ ) فإنّ الشكر في حقه تعالى لا يليق حمله على ظاهره فيحمل على الجزاء بالإحسان مجارّا ، وقوله أو خبران الخ فيقدر العائد وهو لهم والمعنى مغفورون مشكورون ، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر وحفص وأو أنفقوا لقربه ولأنّ القيد المتعقب لأمور متعددة يختص بالأخير لكنه مذهب أبي حنيفة كما قاله الطيبي فكأنه تبع فيه الزمخشري ويجوز أن يكون حالاً من مقدر والجملة معوّضة(7/224)
ج7ص225
أي فعلوا ذلك راجين فلا يرد عليه أنه فصل بأجنبي بين المبتدأ وخبره ، وأما التنازع في الحال فلا يخفي حاله.
قوله : ( يعني القرآن ومن للتبيين ) إذا كان المراد بالموحي جميعه من المتلو وبالقرآن ذلك ويصح أن يكون للتبعيض أيضاً فإن أريد بالموحي جنس الموحي المتلو أيضاً فهو بعض القرآن بمعنى المجموع ، ويجوز كونها بيانية على هذا أيضاً وقوله هو الحق إن كان الضمير للفصل وقصد الحصر فهو من قصر المسند إليه على المسند لا العكس لعدم استقامة المعنى إلا أن يقصد المبالغة. قوله : ( أحقه ) أي أحققه أو أجعله حقا فالعامل فيه مقدر يفهم من مضمون الجملة ، وهي حال مؤكدة لغيرها أو لنفسها وهو الظاهر من قوله لأن حقيته الخ وقوله عالم
بالبواطن معنى خبير كما مرّ تحقيقه والظواهر راجع للبصير لتعلقه بالمحسوسات ، وقوله فلو كان الخ بيان لارتباطه بما قبله من الوحي. قوله : ( الذي هو عيار الخ ) العيار بكسر العين مصدر عايرت المكاييل والموازين إذا قايستها بغيرها ليعلم صحتها وهو مجاز مرسل عما هنا يعلم به صحة غيره منها فما وافقه فهو صحيح من عند الله وما خالفه فليس منه بل هو محرف مبدل ، وقوله وتقديم الخبير على البصير إشارة إلى ما ذكر والى ذلك أشار لمجب! بقوله : " إن اللّه لا ينظر إلى أعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم " ولذا قالوا المرء بأصغريه فتدبر. قوله : ( حكمنا بتوريثه ) يعني أنّ توريث أمة محمد في الكتاب بعده في المستقبل فالتعبير بالماضي إما لأنّ المعنى حكمنا بتوريثه ، وقدّرناه فهو مجاز من إطلاق السبب على المسبب أو عبر عنه بالماضي لتحققه وهو معطوف على أوحينا بإقامة الظاهر مقام الضمير أو على الذي أوحينا الخ ، وثم للتراخي الزماني على الثاني والرتبي على الأوّل والمراد بالكتاب على هذا القرآن. قوله : ( أو أورثناه من الأمم السالفة ) فالمراد بالكتاب إما القرآن كما قيل إنه لفي زبر الأوّلين أو الجنس. قوله : ( والعطف ) أي على هذا الوجه على أن الذين يتلون الخ على المعنيين السابقين ، وثم للتراخي الزماني لأنّ التوريث بعده لكن الكلام في المضي فإن كان على ظاهره لأن توريثه من الأمم السالفة سابق على تلاوته لزم كون ، ثم للتفاوت الرتبي أو للتراخي في الأخبار ولذا جعله في الكشاف وشروحه متصلا بقوله وإن من أمة إلا خلا فيها نذير فذكر أوّلاً إرساله للرّمل ثم عقبه بما يختص برسوله عتيبرو من قوله والذي أوحينا الخ معترضا ثم أخبر بتوريثه الكتاب لهذه الأمة بعدما أعطى تلك الأمم من الزبر فثم للتراخي في الأخبار أو في الرتبة إيذانا بفضل هذه الأمة كما قرره الفاضل اليمني ، وغيره ولا يخفى ما بينهما من المخالفة وكلام المصنف رحمه الله محل تأمّل. قوله : ( اعتراض لبيان كيفية التوريث ا لأنه إذا صدقها لمطابقته لها في الأصول والتشريع في الجملة كان كأنه هي وكأنه انتقل إليهم ممن سلف ، وقوله أو الأمة الخ أما العلماء
فبالذات وأما غيرهم فبالواسطة فلا بعد فيه كما توهم. قوله تعالى : ( { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } ) الفاء للتفصيل لا للتعليل كما قيل والظالم لنفسه من ارتكب المعاصي سواء كان يظلم نفسه أو يظلم غيره والمصنف رحمه اللّه قصره على الأوّل إما لأنه مقتضى السياق لأنّ توريث الكتاب للعمل ، أو لأن من يظلم نفسه لا ينتهي عن ظلم غيره وادخاله فيه لأنّ من ظلم غيره ظلم نفسه فليس ببعيد لكن كلام المصنف رحمه اللّه ظاهر في خلافه ولام لنفسه للتقوية. قوله : ( بضم التعليم والإرشاد الخ ) الظاهر تفسيره بغلبة الحسنات وزيادة العمل لكنه لما كان خير الناس من ينفع الناس ونفع ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما ذكر ذكره لبيان الواقع لكن ما ذكره مناسب لما بعده فتأمل. قوله : ( وقيل الظالم الجاهل ا لظلمه نفسه بعدم تكميلها ولا يخفى أنه خلاف الظاهر فوجه تمريضه ظاهر ، وعليه فضمير منهم راجع للعباد أو للموصول على الوجه الثاني من إرادة الأمّة وتوريث الكتاب للجاهل كتوريث بعض الورثة السفهاء المضيعين لما ورثوه. قوله : ( وقيل الظالم المجرم ) أي من كان أغلب أحواله الجرم والعصيان وهذا التفسير ليس ببعيد ولا يظهر لتمريضه وجه وما وجه به من أنه لا يكون التقسيم بملاحظة الكتاب لا وجه له لأنّ مآله للعمل به وعدمه ، ومعنى الاقتصاد وهو التوسط والاعتدال فيه أظهر فإنّ صح ما ذكره فيه من الحديث فنور على نور وفيه نظر سيأتي ، وقوله مكفرة بصيغة المفعول ، وقوله وأما الذين ظلموا الخ أورد عليه أنه أنسب بالوجه الأوّل إذ الظاهر تعذيب المجرم ، وكذا الحساب اليسير يكون للعامل بالكتاب غالباً فلعل هذا(7/225)
ج7ص226
وجه تمريضه ، وقوله بغير حساب متعلق بيدخلون ويجوز تعلقه بيرزقون أيضا. قوله : ( وقيل الظالم الكافر الخ ) وجه تمريضه ظاهر لأن المتبادر أنه تفصيل للمصطفين لا للعباد فيخرج الكفرة ، وأما كون العباد المضاف لله مخصوصا بالمؤمنين فليس بمطرد ، وإنما يكون إذا قصد بالإضافة التشريف فلا وجه للتوجيه به هنا ، وقوله على أن الضمير أي في قوله فمنهم وكونه للموصول واصطفاؤهم بحسب الفطرة تعسف. قوله : ( وتقديمه ) أي على الوجوه كلها فقوله لكثرة الظالمين ناظر للأوّل ، وقوله ولأن الخ للثاني كما هو المتبادر ، وقيل إن الثاني يختص بغير الوجه الأخير من وجوه التفاسير للظالم بخلاف الوجه الأوّل فإنه يعم الوجوه ، وقيل الكل على الكلى فإنّ الركون متحقق في الكافر أيضاً وفيه نظر.
قوله : ( بمعنى الجهل والركون إلى الهوى مقتضى الجبلة ) أي الطبيعة والخلقة كما قيل :
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
أما الجهل فلخلو الإنسان في أوّل أمره عن الإدراك ، والركون إلى الهوى لحب الشهوات
ولا ينافي هذا سلامته في الفطرة الوارد في حديث " كل مولود يولد على الفطرة " لأنها فطرة الإسلام ومعرفة الخالق وهذا لا ينافي الجهل بغيه وتزيين أمور الدنيا في بادي نظره ، وقوله الاقتصاد الخ أي على كل من المعاني فيستحقان التأخير لعروضهما ، وأعلم أنّ ابن طلحة رحمه الله قال في كتاب الفوائد الجليلة إنّ السلف لهم في تفسير هذه الآية خمسة وأربعين قولاً منها إن المراد بهم الكافر والفاسق والمؤمن ، وقيل من أسلم بعد الفتح ومن أسلم قبله ومن أسلم قبل الهجرة وقيل من ترجحت سيآته ومن تساوت سيآته وحسناته ومن ترجحت حسناته وقيل من لا يبالي من أين ينال ومن يطلب قوته من الحلال ومن يكتفي من الدنيا بالبلاغ ، وقيل من يدخل النار ومن يحاسب حساباً يسيراً ومن لا يحاسب ، وقيل الفاسق والمخلط والتائب ، وقل من دام على العصيان إلى الموت ومن عصى ، ثم أطاع ومن يدوم على الطاعة ، وقيل من همه الدنيا ومن همه العقبى ومن همه المولى وقيل طالب الدنيا وطالب الغنى وطالب المولى ، وقيل طالب النجاة وطالب الدرجات وطالب المناجاة وقويل تارك الذلة ، وتارك الغفلة وتارك العلاقة وقيل من أوتي كتابه وراء ظهره ومن أوني كتابه بشماله ومن أوتي كتابه بيمينه ، وقيل من شغله معاشه عن معاده ومن شغله بهما ومن شغله معاده عن معاشه ، وقيل ذو الكبائر ذو الصغائر والمجتنب لهم وقيل من يدخل الجنة بالشفاعة ومن يدخلها بفضل اللّه ومن يدخلها بغير حساب ، وقيل من يأتي بالفرائض خوفا من النار ، ومن يأتي بها خوفا من النار ورضا واحتسابا ومن يأتي بها رضا واحتساباً ، وقيل الغافل عن الوقت والجماعة والمحافظ على الوقت دون الجماعة والمحافظ عليهما وقيل ن غلبت شهوته عقله ومن تساويا ومن غلب عقله شهوته ، وقيل المهتدي مع العلم والساعي مع العلم والعامل مع العلم وقيل من ينهي عن المنكر ويأتيه ومن يأتي المعروف ولا يأمر به ومن يأمر بالمعروف ويأتيه ، وقيل ذو الجور وذو العدل وذو الفضل وقيل ساكن البادية والحاضرة والمجاهد انتهى. قوله : ( مبتدأ وخبر الخ ( ردّ على الزمخشري إذ جعله بدلاً من الفضل الكبير الذي هو السبق بالخيرات المشار إليه بذلك ، ولما بينهما من المغايرة الظاهرة وعدم حسن أن يكون بدل اشتمال قال إنّ السبب في نيل الثواب نزل منزلة المسبب كأنه هو الطواب فأبدل منه جنات عدن فتكلف ، وتعسف ترويجاً لمذهبه ولذا لم يلتفت إليه المصنف. قوله : ( أو للمقتصد والسابق ) وهو مع ما فيه من الاحتياج للتأويل
المذكور من قصد الجنس حتى يصح فيه معنى الجمعية جار على الوجوه السالفة لا على تقدير أن يراد بالظالم الكافر فإن ظالم نفسه مطلقاً لا يحسن وعده بالجنة على النمط المذكور المشعر بأنه مستحق لما ذكر وأهل للتفضل عليه ولو جعل للسابق أيضا جاز لا سيما إذا كانت الإشارة للسبق. قوله : ( منصوب بفعل الخ ) وأمّا الاحتمال جره بدلاً من الخيرات فلما فيه من التكلف الذي ذكر. الزمخشري ، والفصل بين البدل والمبدل منه بأجنبيّ لم يلتفت إليه ، وقوله أو حال مقدرة قيل إنها لقرب الوقوع فيه تعد مقارنة ، وقوله يحلون الخ مرّ ما فيه مفصلا في الحج. قوله : ( أو من ذهب في صفاء اللؤلؤا لا يظهر له وجه إلا على تشبيه الذهب الخالص في بريقه(7/226)
ج7ص227
وصفائه باللؤلؤ لكن ليس هذا محل العطف ، وما قيل في توجيهه أنه من عطف أحد الوصفين على الآخر مع اتحاد الذات لا يتأتى مع أنهما اسماً عين جامدان ومثله مكابرة إلا أن يدعي التجوّز فيه ، وهو تكلف ظاهر ولا حاجة إليه لأنه لا يلزم من التحلي باللؤلؤ أن يكون سواراً وهو لم يعهد. قوله : ( همهم منخوف العاقبة الخ ) الأولى بقاؤه على عمومه ليشمل كل هنم وكل ما وقع في التفسير فهو تمثيل وفي الكشاف أكثروا فيها حتى قالوا همّ المعاش وكراء الدار ، ومعناه أنه يعئم كل حزن في الدارين. قوله : ( اثبع نفي النصب الخ ) يعني أن النصب المشقة التي تصيب من ينتصب لمزاولة أمر ، واللغوب الفتور الذي يلحقه بسبب النصب فهو نتيجة لازمة له وان جاز وجوده بدونه ففي ذكره معه تأكيد ومبالغة ، وقيل الأوّل جسمانيّ والثاني نفسانيّ ولكل وجهة وجملة لا يمسنا حال من أحد مفعولي أحل ، وقوله لا يحكم الخ أوّله لأنه لو كان بمعنى الإماتة لغا وقوله فيموتوا أو احتيج إلى تأويله بيستريحوا ، وأمّا قوله فيستريحوا فليس تفسيراً ليموتوا بل بيان لما يترتب عليه في الواقع وقوله ونصبه أي في جواب النفي. قوله : ) بل كلما خبت ) أي طفئت وأسعارها إشعالها والمراد دوام العذاب فلا ينافي تعذيبهم بالزمهرير ونحوه ،
وقوله مبالغ من صيغة فعول وكل كافر مبالغ فيه لأنّ كل كفر عظيم وأشار إلى أنه يجوز أن يكون من الكفر أو الكفران. قوله : ( يستعمل في الاستغاثة ) فيقال صريح للمستغيث لأنه يصيح غالباً ، وقوله لجهد بالدال المهملة لا بالراء كما في بعضها أي يجهد ويبالغ في مد صوته ويبذل جهده فيه ، واستغاثتهم بالله بدليل ما بعده لا ببعضهم لحيرتهم كما قيل ، وقوله بإضمار القول أي ويقولون بالعطف أو بدونه على أنه تفسير لما قبله أو قائلين على أنه حال منه ، وقوله بالوصف المذكور هو قوله غير الذي الخ وإنما ذكر ولم يكتف بالموصوف كما في قوله أرجعنا نعمل صالحا لما ذكره وقوله لتلافيه أي تلافي العمل غير الصالح. قوله : ( وإنهم كانوا يحسبون الخ ) هذا وجه آخر للتقييد والوصف فيه مقيد لا مؤكد كما في الأوّل لأنه بناء على أنهم كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً والأولى أن يقول ولأنهم كما في الكشاف. قوله : ) جواب من الله ) أي عن قولهم ربنا أخرجنا ، وهو توبيخ وتقريع لهم في الدنيا أو في الآخرة بتقدير فيقال لهم وهذا هو الظاهر من كونه جواباً ، وقوله ما يتذكر فيه إشارة إلى أنّ ما موصولة أو موصوفة لا مصدربة ظرفية كما قاله أبو حيان أي مدة التذكر لأنه قيل إنه غلط لأنّ ضمير فيه يأباه لأنها لا يعود عليها ضمير إلا على قول الأخفش باسميتها وهو ضعيف ولعله يجعل الضمير للعمر المفهوم من نعمر فلا غلط فيه كما قيل ولا يصح كونها نافية لفساد المعنى كما قاله ابن الحاجب رحمه الله. قوله صلى الله عليه وسلم : ( العمر الذي أعذر اللّه الخ ) حديث صحيح رواه الببخاري عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعذر الله إلي رجل أخر أجله حتى بلغ ستين سنة " قال في النهاية أي لم يبق فيه موضع للاعتذاو حيث أمهله فلم يعتذر يقال أعذر إذا بلغ أقصى الغاية ، ويحتمل أن تكون همزته للسلب ، وقوله والعطف أي عطف جاءكم الخ فليس
من عطف الخبر على الإنشاء لأنّ ما عطف عليه خبر معنى ويجوز عطفه أيضاً على نعمركم ودخول الهمزة عليهما سواء كانت للتقرير أو الإنكار ، وقوله وقيل العقل مرضه لما فيه من رائحة الاعتزال ، ولقلة فائدته فإنه مآل ما قبله من التذكر. قوله : ( وهي أخفى ما يكون ) لأنّ ذات الصدور ما كان مضمراً في صدر المرء ولا يعلمه غير صاحبه فلا يمكن اطلاع أحد عليه بخلاف غيره من الخفيات كالدقائن ، ونحوها فلا وجه لما قيل إنه غير بين ولا مبين. قوله : ( ملقى إليكم مقاليد التصرّف ) هو استعارة عن تمكينهم من التصرّف والانتفاع بما فيها على أنّ الخطاب عامّ والخلافة القيام مقام مالكها في إطلاق يده وتصرّفه فإن كان المراد أنه جعلهم خلفاً بعد خلف فيها لم يدلّ على التصرّف ، وجعله جمع خليفة لاطراد جمع فعيلة على فعائل ، وفعيل على فعلاء ككريم وكرماء وقد جوّز الواحديّ كون خلفاء جمع خليفة أيضاً وهو خلاف المشهور ، وقوله جزاء كفره فيه مضاف مقدر. قوله : ( بيان له ) أي قوله ولا يزيد الخ بيان وتفسير لقوله فعليه كفره أي جزاؤه فان قلت هو يقتضي ترك العطف كما تقزو في المعاني قلت لزيادة تفصيله نزل منزلة المغاير له كما ذكروه أيضا ، وقوله والتكرير أي تكرير قوله ولا يزيد الكافرين(7/227)
ج7ص228
وقوله لكل واحد من الأمرين أي المقت والخسارة يعني أنّ اقتضاءه لكل منهما بالاستقلال لا تبعية أحدهما للآخر ولا بد من ذكر كل في عبارة المصنف رحمه ألله لتفيد ، وما ذكر فما قيل إنّ الأولى طرحها سهو وقوله مستقل باقتضاء قبحه أي قبح الكفر يعني لو لم يكن الكفر مستوجبا لشيء سوى مقت الله كفى ذلك لقبحه ، وكذا لو لم يستوجب شيئا سوى الخسار كفى 0 قوله : ( أو لأنفسهم الخ ) فالإضافة فيه لأدنى ملابسة على الأوّل وعلى هذا فهم شركاء في أموالهم فالإضافة حقيقية والصفة مقيدة لا مؤكدة. قوله : ( بدل من أرأيتم الخ ) ويجوز أن يكون بدل كل لاتحادهما ، ولا يرد عليه أن البدل في حكم تكرير العامل ولا عامل هنا ولا أنّ المبدل من مدخول الهمزة يلزم إعادتها معه ولا أنّ البدل لا يصح في الجمل كما توهم أمّا الأوّل فإنما
هو في بدل المفردات كما صرّحوا به ، وأمّ الثاني فإنما هو إذا كان الاستفهام باقيا على معناه أمّا إذا انسلخ عنه كما هنا فليس ذلك بلازم ، وأمّا الثالث فلأنّ أهل العربية والمعاني نصوا على خلافه وقد ورد في كلام العرب كقوله :
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا
ويجوز كون أروني استئنافا على أنه حذف من أرأيتم وأروني إحدى المفعولين وعلى البدلية لا حذف أصلا وهو الداعي لارتكابه ، ويجوز أن يكون اعتراضا وماذا خلقوا ساذ مسد المفعول الثاني ، وعلى ما اختاره الرضى مستأنف والكلام فيه مفصل في النحو. قوله : ) أروتي أيّ جزء من الأرض استبذّوا بخلقه ) أي استقلوا به ، وإنما فسره بهذا وجعل ما استفهامية لأنّ أم منقطعة متضمنة لبل والهمزة وهي تقتضي التدرّح إذا لم يتقدمها خبر كأنه قيل أخبروني عن الذين تدعون من دون الله هل استبدوا بخلق شيء حتى يكونوا معبودين مثل الله ، ثم تنزل وقال ألهم شركة في الخلق ثم تنزل عنه إلى أم معهم بينة على الشرك. قوله : ( أم لهم شركة ) إشارة إلى أنّ الشرك مصدر بمعنى الشركة ويكون بمعنى النصيب ويكون اسما من أشرك باللّه ، وقوله فاستحقوا الخ يحتمل أنه مرتب على الشركة في السموات والظاهر أنه على ما سبق من الاستبداد بخلق جزء من الأرض والشركة في خلق السموات ، ولا يأبا. كون الأوّل يجامع الثاني وقد مرّ أنّ الكلام مبنيّ على الترقي ، ثم إنه قيل إنّ قوله خلق السموات إشارة إلى أنّ فيه مضافا مقدراف والأولى أن لا يقدر على أنّ المعنى أم لهم شركة معه فيهن خلقا ، وابقاء لأنّ المقصود نفي آيات الألوهية عن الشركاء ، وهذا منها كما قال : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ } [ سورة الروم ، الآية : 25 ] وما قدره المصنف هو الموافق لقوله ماذا خلقوا من الأرض لأنّ المناسب لإنكار خلق الله تعقيبه بخلق السماء فتدبر. قوله : ( ينطق على أنا ، لخذناهم شركاء ( من قولهم نطق الكتاب إذا بين وأوضح ومنه قوله تعالى : { هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ } [ سورة الجاثية ، الآية : 29 ] وهو مجاز متعارف في هذا والاستعمال على تعديه بعلى لأنه بمعنى يشهد ويدل ، وما قيل من أنه عدى بعلى لتضمينه معنى الدلالة كما عديت الحجة بالباء لتضمين معنى النطق والاستعمال على عكسه يأباه إنّ التضمين المصطلح يعطي مجموع المعنيين ، والمعنى الحقيقيّ للنطق غير متصوّر هنا وإيتاؤهم الكتاب ، وإن كانوا جمادا لأن الضمير للأصنام كما سيصرّح به بناء على زعمهم فليس قوله ينطق تفسيراللإيتاء لما ذكر كما قيل. قوله : ( بأنّ لهم شركة جعلية ) أي في جعل الأشياء وخلقها ، وقوله هم للمشركين في الموضعين لا للأصنام كما في الوجه السابق ، وعلى هذا فهو التفات كما قيل والظاهر ما قيل إنه بيان
للضمير الثاني فقط وأم منقطعة للإضراب عن الكلام السابق فلا التفات فيه ولا تفكيك للضمائر لأنه المناسب لآية الروم المذكورة فتأمّل. قوله : ( وقرأ نافع الخ ( قيل إنه مخالف لمعتاده من جعل ما اتفق عليه أكثر القراء أصلاً يبني عليه تفسيره خصوصاً وقد تضمنت قراءة الأكثر وجها لطيفاً كما أشار إليه وما ذكر غير ملتزم له كما يعرفه من تتبع كتابه وكم من محل مرّ على خلافه ، وهو يقول في كل إنه مخالف لعادته وإنما أخره لما فيه من التفصيل ولأن المراد بالبينة الكتاب فالظاهر إفراده ، ولذا احتاج العدول عنه إلى نكتة فأعرفه. قوله : ( لا بدّ فيه من تعاضد الدلائل ) الظاهر أنه على طريق التهكم فانّ الشرك لا يقوم عليه دليل فكيف يكون عليه دلائل متعاضدة فافهم. قوله : ( لما نفي أنواع الحجج الخ ا لا يرد عليه ما قيل من أنّ أنواع الحجج غير منحصرة فيما ذكر لجواز كونه وحيا غير متلو ، ولذا قال في آية الأحقاف أو أثار من(7/228)
ج7ص229
علم فجعل ذلك رابع الحجج لأنه مندرج فيما ذكر كما أشار إليه المصنف إذ المراد بما ذكر نفي الدليل العقليّ والسمعيّ أو خص نفي الكتاب إيماء إلى ما ذكر من أنه أمر خطر لا يكفي غير الوحي المتلوّ فيه ، وما ذكر ثمة من توسيع الميدان ، وارخاء العنان وأمّ كون المؤتى الكتاب إمّا المشركين أو معبوديهم فأيهما حمل عليه انتفى وبقي الآخر غير منفيّ فليس بشيء لأن الكتاب المؤتى لمعبوديهم مؤتى لهم والكتاب الإلهي المؤتى لهم بواسطة معبوديهم لأنهم وسايط بينهم وبين الله على زعمهم. قوله : ( والرؤساء الاتباع ) في النسخ الصحيحة عطفه بالواو ليشمل الكل وهو المراد وما في بعضها من العطف بأو بمعناها أيضا لأنها للتقسيم على سبيل منع الخلوّ ، وقوله بانهم متعلق بتغرير ولا يجوز أن يراد الشيطان لقوله : { وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا } [ سورة النساء ، الآية : 120 ] لأنه ياباه قوله بعضهم بعضاً. قوله : ( كراهة أن تزولا ) فهو مفعول له بتقدير مضاف كما مرّ وقوله فإنّ الخ تعليل للإمساك بمعنى الحفظ كما أشار إليه ، وفيه إشارة إلى أنّ الممكن كما هو محتاج إليه حال إيجاده محتاج في حال بقائه كما هو مذهب محققي أهل الكلام لأنّ علة الاحتياج الإمكان لا الوجود ، وقوله أو يمنعهما الخ فيمسك مجاز بمعنى يمنع وأن تزولا مفعول على الحذف والإيصال لأنه يتعدى بمن ، وقوله لأنّ الإمساك بيان لوجه التجوّز فيه ، ويجوز كون أن تزولا بدل اشتمال من السموات والأرض. قوله : ( والجملة سادة مسدّ الجوابين ) أي هي جواب القسم الدال عليه اللام وجوأب الشرط محذوف لدلالة جواب
القسيم عليه ، ولكونها عين المذكور جعل هذه الجملة ساذة مسدهما بحسب المعنى لا بحسب الصناعة ، وان نافية وأمسك بمعنى يمسك. قوله : ( حيث أمسكهما الخ ) بيان لموقع التذييل مما قبله لأنّ المراد حلمه تعالى عن المشركين مع عظيم جرمهم المقتضى لتعجيل العقوبة وتخريب العالم الذي هم فيه ، ومغفرته لمن تاب عن شركه بالإيمان ولولا كرم اللّه لم يجبّ الإسلام ما قبله فاندفع ما يتوهم من أنّ المقام يقتضي ذكر القدرة لا الحلم والمغفرة ، وقوله لئن جاءهم على المعنى وألا فهم قالوا جاءنا كما مرّ تحقيقه. قوله : ( أي من واحدة من الأمم الخ ) فإحدى بمعنى واحدة وتعريف الأمم للعهد ، والمراد الأمم الذين كذبوا رسلهم بقرينة سبب النزول والظاهر أنّ إحدى عام وان كان في الإثبات لأنّ المعنى أنهم أهدى من كل واحدة لا من واحدة ما فلا يقال إنه غير مناسب للمقام. قوله : ( أو من الأمّة التي الخ ) فالمراد تفضيلهم على تلك الأمم كما يقال هو واحد عصره وفي الكشف نقلاً عن الزمخشري أنّ العرب تقول للداهية العظيمة هي إحدى الأحد واحدى من سبع أي إحدى ليالي عاد في الشدة ، ودلالته هنا على تفضيلهم على سائر الأمم ليست بواضحة بخلاف واحد القوم فالتوجيه إنه على أسلوب :
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
يعني أنّ البعض المبهم قد يقصد به التعظيم كالتنكير فإحدى مثله ، وفيه إنّ إحدى المضاف
قد استعملته العرب للاستعظام فيدلّ على ما ذكر من التفضيل قال ابن مالك في التسهيل وقد يقال لما يستعظم مما لا نظير له هو إحدى الأحد انتهى لكن في شرحه للدماميني إنه إنما ثبت استعماله للمدح في إحدى ، ونحوه المضاف إلى جمع مأخوذ من لفظ كإحدى الأحد أو المضاف لوصف كأحد العلماء واحدى الكبر أمّ في أسماء الأجناس كالأمم فيحتاج إلى نقل وفيه بحث. قوله : ( على التسبب ) هو على الوجهين يعني أنّ النذير أو مجيئه سبب لزيادة النفور فلذا أسند إليه مجازا سواء علم فاعله الحقيقيّ وهم المزدادون أو لم يعلم كما في قوله :
يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظرا
وليس هو الله كما علم ثمة لأنّ الفعل لا يسند حقيقة لخالقه فتأمّل. قوله : ( وأصله وأن
مكروا الخ ) يعني أنه ليس من إضافة الموصوف للصفة والسيئ صفة لمكر آخر مقدر ، وهذا عامله كما فصله ولو قيل أصله مكر وأمكر السيء أي الفعل السيء أو الشخص على إقامة المصدر مقام فعله قصرا للمسافة جاز ، وأدخل المصنف الباء في قوله بالمصدر على المأخوذ وهو أحد استعماليه ، وقد مرّ فيه تفصيل صاحب الكشاف والفرق بين الإبدال والتبذل والتبديل مما ذهل عنه المعترض هنا فلا غبار عليه. قوله : ( وقرأ حمزة وحده ) الأولى خاف وحده فإنه روي عن غيره أيضاً قال في النشر قرأ حمزة بإسكان الهمزة في الوصل لتوالي الحركات تخفيفا كما أسكنها(7/229)
ج7ص230
أبو عمرو في بارئكم وهو أحسن هنا لكونها ظرفا وهو كثير في كلام العرب فلا يعبأ بمن قال إنه لحن كما فصله الفارسي في الحجة وهب مروية عن أبي عمرو والكسائيّ ، واذا وقف حمزة أبدلها ياء خالصة وكذا هشام إلا أنه يزيد الروم انتهى ، ويحيق بمعنى يحيط لكنه إنما ورد فيما يكره. قوله تعالى : ( { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } ) هو من إرسال المثل ومن أمثال العرب من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا ، وفي التوراة من حفر محواة وقع فيها ، وقراءة لا يحيق بالضم من أحاق المتعدي وفاعله الله كما ذكره المصنف رحمه الله. قوله : ( ينتظرون الخ ) هو مجاز بجعل ما يستقبل بمنزلة ما ينتظر ويتوقع ، وقوله سنة اللّه فيهم إشارة إلى أنه مضاف للمفعول لأنّ من الأوّلين مصدّقا ومكذبا ، وقد جرت عادته بتعذيب المكذب منهم. قوله : ( إذ لا يبدلها الخ ) إشارة إلى عدم التكرار فيه فتبديلها بجعل غير التعذيب ، وهو الرحمة مكان التعذيب هذا مراده وهو على ما في بعض النسخ من سقوط قوله تعذيباً ظاهر وعليها فغير التعذيب مفعول ثان ، وتعذيباً مفعول أوّل أي بجعل التعذيب غيره أي رحمة فسقط ما قيل إنّ المعنى على العكس بأن يرحمهم بدل تعذيبه. قوله : ( استشهاد ) أي طلب للشهادة من كل من يصلح لها والمقصود تشهيرهم ، وقوله وما كان الله أي ليس من شانه ذلك والواو حالية أو عاطفة وتفسير ليعجزه مرّ مراراً ، وقوله إنه تعليل لنفي الإعجاز. قوله : ( ظهر الأرض! ) فالضمير واجع لها لسبق ذكرها وليس من الإضمار قبل الذكر كما زعمه الرضى ، وقوله من
نسمة بفتحتين أي ذي روح من التنسم وهو التنفس ، واستنشاق النسيم ولكنه غلب استعماله في بني آدم كما في حديث من أعتق نسمة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار وليس معناها الروح حتى يكون مجازاً هنا كما توهم ، وهلاكهم بمعاصيهم لا بعد فيه ألا ترى قوله : { وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } [ سورة الأنفال ، الآية : 25 ] ولأنه يمتنع المطر ويفسد الهواء فيهلك الدواب. قوله : ( لقوله الخ ) وجه الدلالة أنّ الضمير للناس لأنه ضمير العقلاء ، وفيه ضعف لأنه لجميع من ذكر تغليباً ويوم القيامة هو الأجل المضروب لبقاء جنس المخلوقات فسقط ، ما قيل إنّ الناس كلهم لا يؤخرون للقيامة ، وقوله فيجازيهم إشارة إلى أن ما ذكر ليس هو الجزاء بل وضع موضعه لأنه مجاز عن الجزاء. قوله : ( عن النبتي صلى الله عليه وسلم ) وحديث موضوع ، ودعوة أبواب الجنان عبارة عن دعاء من بها من ملائكة الرضوان جعلنا الله ممن يدعي لتلك الأبواب من غير حساب ولا عقاب بجاه سيدنا ونبينا محمد-تخيرو وعلى جميع الأهل والأصحاب.
سورة يس
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : ( مكية ا لم يستثن منها قوله وتكتب ما قدموا وآثارهم بناء على أنها نزلت في بني سلمة من الأنصار لما أرادوا الانتقال من دورهم لجوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال أبو حيان ني البحر أنه ليس بقول صحيح ولا يرد عليه أنه أخرجه الترمذفي ، والحاكم ولفظه كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأرادوا الثقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية فقال صلى الله عليه وسلم : " إنّ آهساركم ئكتب ) فلم ينتقلوا لأنّ الحديث المذكور معارض بما في الصحيحين أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ لهم هذه الآية ، ولم يذكر أنها نزلت فيهم وقراءته لا تنافي تقدم النزول وهذا مراد أبي حيان لا أنه أنكر أصل الحديث كما توهم ، وكذا ما قيل إنّ قوله واذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله نزلت في المنافقين فتكون مدنية فإنه لا صحة له أيضاً والمعمة بضم الميم ، كر العين المهملة ، وبعدها ميم مشددة بوزن المهمة لأنها تعمّ صاحبها بخير الدارين وما ذكره ظاهر وقد مرّ أنّ أسماء السور توقيفية ، فإن قلت فعله عمّ لا أعمّ فكيف قيل معمة قلت قال ابن سيده : يقال عتم بمعروفه ولمّ المتاع فهو معئم وملمّ بضم الميم وكسرها ، ولم يقولوا عامّ ولانم على القياس ولا نظير لهما.
قوله : ( وآيها اثنان وثمانون ) وفي عدد آثر ثلاث وثمانون كما في كتاب العدد للداني ولا خلاف بينهما ، دمانما الخلاف في يس هل يوقف عليها لأنها آية برأسها أم لا. قوله : ( كالم في المعنى والإعراب ) فتجري فيه الوجوه السابقة في سورة البقرة(7/230)
ج7ص231
مفصلة حتى كونها حروفاً مقتطعة من أسماء اللّه فما قيل إنه لم يقل به هنا خطأ ، وقوله وقيل معناه يا إنسان فبل ما كان مصغراً كما سيصرح به بعده لأنّ تصغيره هنا ليس فيه معنى زائد عليه لأنّ الظاهر أنه للشفقة والمحبة كما يقال يا بني كما سيأتي. قوله : ( على أنّ أصله يا أنيسين الني ) تبع في هذا ما في الكشاف ، وقد اعترض عليه أبو حيان بأن المنقول عن العرب في تصغير إنسان أنيسيان بياء قبل الألف لا نعلمهم قالوا غير. وهو دليل على أن الإنسان من النسيان ، وأصله أنسيان فلما صغر ردّه لا صلة التصغير مع أنه لا بد من بنانه على الضمة حيحئذ وأيضا التصغير لا يجوز في أسماء الله والأنبياء بل الأمور المعظمة ، ولذا لما قال ابن قتيبة في مهيمن أنه مصغر مؤيمن أبدلت همزته هاء قالوا إنه قريب من الكفر ، وهذا كله غير وارد لأن من يقول أنيسيان على خلاف القياس ، وهو الأصح لا يلزمه فيما غير منه أن يقدّره على خلاف القياس ، وهو لم يلفظ به حتى يقال له نطقت بما لم تنطق به العرب بل هو أمر تقديري فإذا قال المقدّر مفروض عندي على القياس هل يتوجه عليه السؤال ، وأما بناؤه على الضم فلا كلام فيه فلعل من فسره به يقرؤه بالضم على الوجوه فيه واما أن التصغير ممنوع فيه فهو إنما يمتنع منا وأما من الله فله أن يطلق على نفسه وخلقه ما أراد ويحمل حينئذ على ما يليق كالتعظيم ، والتحبيب ونحوه من معاني التصغير كما قال أبن الفارض رحمه الله :
ماقلت حبيبي من التحقير بل يعذب اسم الشخص بالتصغير
وأما القول بأن المثبت مقدم على النافي فكلمة حق أريد بها باطل لأنّ ابن عباس رضي الله
عنه لم يقل إن أصله ذلك !انما فسره به وهذا من تصرفاته. قوله : ( كما قيل الخ ) التنظير في مجرّد الاقتصار على بعض الكلمة وأيمن كلمة قسم ، وتفصيله في النحو وقوله كأين فإنه حرّك للساكنين وفتح للخفه ومنع الصرف وموجب البناء تقدم في البقرة تفصيله ، ويجوز أن يكون الفتح لنصبه بعد حذف حرف القسم ، وقوله إن جعل يس مقسماً به لئلا يتوالى قسمان على مقسم عليه وفيه ما مرّ ، والحكيم إمّا استعارة أو تجوّز في الإسناد على ما مز فتذكر. قوله : ( لمن الذين أرسلوا على صراط سشقيم ) يشير إلى ان قوله على صراط ظرف لغو متعلق بالمرسلين ولما كان اسم الفاعل والمفعول يعمل بالحمل على الفعل أبرزه لذلك وللإشارة إلى أنه ليس المراد به ها
الحال أو الاسنقبال مع التصريح بأن أل فيه موصولة. قوله : ( وهو التوحيد ) فسره به لأنه الجادة المسلوكة للأنبياء والعقلاء ، والمراد بالأمور نوع الأحكام الشرعية الفرعية وقوله خبراً ثانيا والأوّل لمن المرسلين وفيه ضمير له صلى الله عليه وسلم فيجوز أن يكون هذا حالاً منه أو من عائد الموصول المستتر في اسم الفاعل ، وفيه وجوه أخر ككونه حالاً من نفس المرسلين أو من الكاف على رأي من يجوزه من المبتدأ. قوله : ( وفائدته وصف الشرع الخ ) أي على الوجوه كلها فإنّ كل مرسل سالك للطريق المستقيم في عقيدته ، ونهج شريعته يعني أنه وصف له بأنه من رسل الله ولشريعته التي أرسل بها بأنها طرق الرسل كلهم من قبله ، ولذا لم يقل إنك رسول مع أنه أخصر وأدلّ على المقصود لدلى* لته على ما ذكر على أبلغ وجه كما مرّ وهو على الوجوه ولا وجه لتخصيصه بغي الأوّل بناء على أنه من جملة الصلة المعينة للموصول ، وهي إنما تتم به فلا حاجة إلى بيان الفائدة فيه ، وهو غير مسلم فإن إرسال الرسل إنما يكون بالعقائد والشرائع الحقة فالإرسال يدل على ما ذكر التزاما لا نصا نعم تخصيصه بكونه خبراً لأنه محط الفائدة له وجه لكنه فصل بين العصا ولحائها وذكر في الكشاف وجهاً آخر تتم به الفائدة والدلالة على ما يدل عليه ما قبله بجعل التنكير للتعظيم حيث قال وأيضاً فإن التنكير فيه دال على أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة على صراط المستقيم لا يكتنه وصفه يعني أنه هاد ومرشد إلى أكمل الشرائع وأتمها أصولاً وفروعا كما أشار إليه شراحه وهذا شيء لم يعلم مما قبله فمن زعم أنه من نتائج أفكاره فقد جلب التمر إلى هجر. قوله : ( خبر محذوف ) أي هو والضمير للقرآن ، وقد تجوّز فيه أن يكون خبر يس إن كان اسماً للسورة أو مؤوّلاً بها والجملة القسمية معترضة ، والقسم لتأكيد المقسم عليه والمقسم به اهتماما فلا يقال إن الكفار ينكرون القرآن فكيف يقسم به لإلزامهم كما مرّ ، وقوله والمصدر بمعنى المفعول أو يجعل عين التنزيل مبالغة وفعله المقدر على النصب نزل ، وقوله على أصله أي معناه الأصلي وهو المصدرية لا مؤولاً باسم المفعول والجر(7/231)
ج7ص232
على البدلية من القرآن وكونه وصفا بالمصدر على خلاف الظاهر ولذا لم يذكره. قوله : ( أو بمعنى لمن المرسلين ) أي أرسلت لتنذر الخ لأنّ كونه بعض المرسلين يدل على أنه أرسل ، ولم يجعله متعلقاً بالمرسلين وان جاز صناعة لأنّ المرسلين لم يرسلوا الإنذار هؤلاء بل لإنذار أممهم فلو علق به احتاج إلى تكلف. قوله : ( غير منذر ) بصيغة المفعول المنوّن وآباؤهم نائب فاعل فما نافية والجملة صفة قوما مسندة تلك الجملة إلى الرسول ، والمفعول الثاني محذوف أي عذابا لقوله : { إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا } [ سورة النبأ ، الآية : 40 ] فما يحتمل أربعة أوجه الثانية والموصولية والموصوفة والمصدرية
والإنذار التخويف أو الإعلام والمراد به الأوّل ، ويجوز إرادة الثاني أيضاً ولما كان بين هذا التوجيه والتوجيه الآخر الدالّ على إنذار آبائهم وبين قوله ، وان من أمّة إلا خلا فيها نذير منافاة بحسب الظاهر وجهه بأنّ المراد آباؤهم الأقربون دون الأبعدين فإنّ إسماعيل عليه الصلاة والسلام أنذرهم وبلغهم شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وقد كان منهم من تمسك بشرعه وان اندرس على تطاول المدد ، وأما عيسى صلى الله عليه وسلم فلم يرسل إليهم على المشهور فلا يقال إن هؤلاء لم ينذروا مطلقاً بنا على أحد الأقوال في أهل الفترة وفي التعليل كلام مرّ. قوله : ( فيكون صفة مبينة لشدّة حاجتهم إلى إرساله ( فإنه بين أظهرهم وهم قوم لم يبلغهم ولا آباءهم الاًدنون الدعوة بخلافه على الوجه الآني فإنه ليس صفة ولا دلالة فيه على ما ذكر وهذا لا ينافي قوله وان من أمّة إلا خلا فيها نذير كما مر لأنّ أمة العرب خلا فيها نذير فالأمة أهل العصر جميعهم ، وأما عيسى عليه الصلاة والسلام ورسل أهل الكتاب فكانت بعثتهم مخصوصة ببني إسرائيل إذ عموم الرسالة مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم. قوله : ( أو الذي الخ ) فما موصولة أو موصوفة ، وقوله الأبعدون إشارة إلى التوفيق بين التوجيهين ، وقوله أو إنذار الخ فما مصدرية وهو مفعول مطلق والمنذر به العذاب. قوله : ( متعلق بالنفي ) أي تعلقاً معنوياً لتفرعه عليه وتسببه عنه فالفاء داخلة على المسبب واذا لم تكن ما نافية فهي داخلة على السبب فهي تعليلية ، وهو متعلق بقوله لمن المرسلين ويجوز تعلقه به على الأوّل أيضاً ويجوز تعلقه بقوله لتنذر على الوجوه وجعل الفاء تعليلية ، والضمير لهم أو لآبائهم وحق بمعنى ثبت ووجب ، وقوله لأملأن الخ مجمل والمراد ممن مات على الكفر منهم فإنهم محكوم عليهم بدخول جهنم. قوله : ( لأنهم ممن علم اللّه أنهم لا يؤمنون ) قيل عليه إنه على مذهب الأشاعرة من جعل العلم علة ويلزمه الجبر وأما على مذهبنا فذلك لاختيارهم الكفر وإصرارهم عليه ، وقد منعوا كون العلم الأزليّ علة وجعلوا علمه تابعا للمعلوم مسببا عنه ، ولذا قال في الكشاف يعني تعلق بهما هذا القول وثبت عليهم ووجب لأنهم ممن علم الله أنهم يموتون على الكفر فجعل تعلق هذا القول مسبباً عن موتهم على الكفر ، وعكسه المصنف فقال لأنهم ممن علم الخ أي لاختيارهم الكفر وكسبهم والإصرأر عليه فليس العلم علة مستقلة عندهم حتى يلزم الجبر بل لاختيارهم وكسبهم مدخل فيه على ما قرّر في أفعال العباد كما فصل في علم الكلام. قوله :
( تقرير لتصميمهم على الكفر الخ ) أي مجموعه استعارة تمثيلية فشبههم في عدم التفاتهم إلى الحق وعدم وصولهم إليه بمغلول بين سدين لا يلتفت ، ولا ينظر لما خلفه وما قدامه و!ي التيسير جمع الأيدي إلى الأذقان بالأغلال عبارة عن منع التوفيق حين استكبروا عن الحق لأف المتكبر يوصف برفع العنق والمتواضع بضده كما في قوله : { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ سورة الشعراء ، الآية : 4 ] وفي الانتصاف تصميمهم على الكفر مشبه بالوضع في الأغلال واستكبارهم بالأقماح وهي إلى الأذقان تتمة للزوم الأقماح وعدم الاعتبار بالأمم الخالية والتفكر في العواقب الآتية بالسدين من خلف ، وقدام فيكون فيه تشبيه متعدد والتمثيل أحسن منه ، وإنما اختير هذا لأنّ ما قبله وما بعده في ذكر أحوالهم في الدنيا ويؤيده ما روي في بعض التفاسير ، وذكره المصنف من أنّ سبب نزول هذه الآية أنّ أبا جهل لعنه الله حلف لئن رأى محمداً يصلي ليرضخن رأسه فأتى ومعه حجر فلما رفعه لصقت يده بالحجر وشلت يده فلما عاد رجع ف ، كان ، أو هو رجل من بني مخزوم وقع منه مثله وجعله أبو حيان لبيان أحوالهم في الآخرة على أنه حقيقة لا تمثيل فيه فورد عليه أنه يكون أجنبيا في البين ، وتوجيهه بأنه كالبيان لقوله : { حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ } لا يلائم ما فسره به المصنف لأنه وعيد قبل الوقوع أيضاً ، وقوله بتمثيلهم متعلق بتقرير وفي نسخة بتشبيههم ، وقوله في أنهم الخ متعلق بتمثيلهم(7/232)
ج7ص233
ولفت بكسر اللام وسكون الفاء بمعنى جانب لا النظر كما توهم وهو منصوب على نزع الخافض ، ويطأطؤ ، د بمعنى ينكسون ويخفضون ، وقوله له كما في بعض النسخ أي لأجل الحق فمن قال إنه سهر فقدسها. قوله : ( وبمن أحاط بهم سدّان الخ ) إشارة إلى أن قوله وجعلنا الخ تمثيل آخر لا أله تمثيلات أخر متعدّدة ولا المجموع تمثيل واحد كما يتوهم من التقرير السابق والجاز ، والمجرور متعلق بتمثيلهم أيضاً ولا حاجة إلى اعتبار تعلقه به بعد تعلق الأوّل لأنه معطوف وكذا قوله في أنهم الخ وقوله فغطى بالبناء للمجهول أو للمعلوم والضمير لله والمطمورة حب! مظلم تحت الأرض ، وأصله حفرة يجعل فيها الطعام وفي مطمورة الجهالة استعارة مكنية وتخييلية ومن بين أيديهم ومن خلفه قدامهم ووراءهم كناية عن جميع الجهات ، ووجه الشبه فيهما عقلي في المشبه حسي في المشبه به وهو في الحقيقة عدم القدرة على فعل ما ينبغي لهم فهو مشترك بينهما لكنه تسمح فذكر المقصود من عدم التفاتهم ، وممنوعيتهم كما في قوله كلام كالعسل في حلاوته كما قرر في المعاني فلا يتوهم أن ما ذكر لا يصلح وجها للشبه لعدم اشتراكه إذ المغلول قد يكون ملتفتاً للحق فتأمّل. قوله : ( وقيل ما كان بفعل الناس الخ ( مر
تفصيله في سورة الكهف ، وأنّ الخليل قال المضموم اسم والمفتوح مصدر والعشاء بالمهملة ضعف البصر وعلى هذا القول كل من لآيتين في رجل مخزومي واحد والجمع على طريقة قولهم بنو فلان فعلوا كذا والفاعل واحد منهم وعلى القراءة الأولى فيه مضاف مقدر أي أعشينا أبصارهم ، كما أشار إليه بقوله يغطي أبصارهم ، وقوله الآيتان الخ رواه ابن إسحق في السير وأبو نعيم في الدلائل ، وله أصل في البخاري وبنو مخزوم بطن من قريش ومنهم أبو جهل لعته الله ، والرضخ بالضاد والخاء المعجمتين الكسر بحجر كبير والدمغ شجة تبلغ الدماغ ، وقوله وسواء الخ لم يورده بالفاء مع ترتبه على ما قبله إمّا تفويضا لذهن السامع أو لأنه غير مقصود هناء قوله : ( إنذارا يترتب عليه البغية ) بكسر الباء وهي المقصود المطلوب قيده به ليصح الحصر ولثلا ينافي قوله لتنذر قوماً الخ ، وقوله اتبع الذكر إمّا بمعنى يتبع الذكر أو بمعنى ينفع إنذارك أو المراد إنذار عما يفرط من المؤمنين فلا يلزم تحصيل الحاصل كما توهم ، وقوله خاف عقابه ففيه مضاف مقدر ، وقوله قبل حلوله الخ تفسير للغيب على أنه حال من المضاف المقدر أو من الرحمن ، وقوله أو في سريرته أي في قلبه وما يضمره فيه مما لا يطلع عليه الناس فهو حال من الفاعل لأنه في العلانية رياء وقوله ولا يغتر برحمته إشارة إلى وجه التعبير بالرحمن هنا دون القهار مع أنه قد يتوهم أنه المناسب للمقام. قوله : ( 1 لأموات بالبعث ) فهو على حقيقتة والضمير لإفادة الحصر أو للتقوية وهو اسنئناف ، وقوله أو الجهال بالهداية لاسنعارة الموت والحياة لهما كما مر ، وهو تعليل لما قبله والضمير للحصر أو التقوية أيضاً فلا وجه للفرق بينهما وحبس بمعنى وقف وتفوه لأنه يحبس على ما وقف له ، وقوله اللوح الخ فسر أيضاً بعلمه الأزلي. قوله : ( من قولهم هنه الأشياء الخ ) قد مر تفصيله في سورة البقرة وأنّ ضرب اعتماله وأنه هل يتعدّى لمفعول أو مفعولين والمثل هنا بمعنى القصة الغريبة ، وقوله أي أجعل لهم مثل أصحاب
القرية الخ إشارة إلى أنّ مثلا مفعول ثان ، وقوله ويجوز الخ على القول بأنه متعدّ لواحد فمثل أصحاب القرية بدل من مثلا بدل كل من كل أو عطف بيان على لقول بجواز اختلافهما تعريفاً وتنكيراً أو المقدّر مفعول وهذا حال. قوله : ( بدل من أصحاب القرية ) أي بدل اشتمال أو ظرف للمقدر ، وجعله بدل كل على أنّ المراد بأصحاب القرية قصتهم وبالظرف ما فيه تكلف ما لا داعي له وقال جاءها دون جاءهم إشارة إلى أنهم أتوهم في مقرهم. قوله : ( والمرسلون رسل عيسى عليه الصلاة والسلام الخ ) قيل عليه إنه ينافي كون يحيى ويونس عليهما الصلاة والسلام نبين في نفسهما ، وقول المرسل لهم ما أنتم إلا بشر مثلنا إذ البشرية على زعمهم تنافي الرسالة من الله لا من غيره ، وأجيب بأنهم إمّا أن يكونوا دعوهم على وجه فهموا منه أنهم مبلغون عن الله دون واسطة أو أنهم جعلوا الرسل بمنزلة مرسلهم فخاطبوهم بما يبطل رسالته ، ونزلوه منزلة الحاضر تغليباً فقالوا ما قالوه بناء على ذلك أو معنى كونهم رسل عيسى عليه الصلاة والسلام أنهم على شريعتة ، وداعون بدعوته وأمره فتدبر ، وقوله يحيى ويونس وقع في نسخة بدله يوحنا وبولص ، وهو الذي صححه الشريف في شرح(7/233)
ج7ص234
المفتاح وبه يندفع السؤال الأوّل وهذه النسخة هي التي عليها المعوّل لأنّ يونس عليه الصلاة والسلام لم يدرك زمن عيسى ، وإن أدركه يحيى كما فصل في التواريخ ، وفي تاريخ ابن الوردي إنّ النصارى تسمى يحيى يوحنا والله أعلم. قوله : ( فقوّينا ) من قولهم للأرض الصلبة عزاز ومنه العز بمعناه المعروف ، وفيه لغتان التخفيف والتشديد وبهما قرئ في السبعة وهما بمعنى كشدّد وشدد ، وقوله وحذف المفعول أي لم يقل فعززناهما والمعزز بصيغة المفعول وبه نائب فاعله وليس فيه ضمير ، وقو؟ له إنا إليكم مرسلون أي من عيسى أو من الله على الوجهين السابقين ، وشمعون من الحواريين. قوله : ( فآمن حبيب
الخ ) ظاهره أنه كان كافرا ويحتمل أنه كان مؤمناً ولكنه آمن بما جاء به وفي مرآة الزمان قال أبو الحسين بن المنادى حبيب النجار هو نبيّ أصحاب الرس المذكور في القرآن وهو بعيد ، وقوله من أوجدك من فيه تحتمل الموصولية والاستفهام ومطموس العينين بمعنى أعمى بلا حدقة ، وقوله ليس الخ أي لا أخفي عنك ما في قلبي وضميري وقوله ثم قال أي شمعون أو الملك ، وقوله يشفع الخ أي يسأل الله قبول دعائهم لأن شمعون كان يدعو معهم سرّاً والبندقة واحدة البندق بالضم ، وهو طين مستدير يرمي به والذي يؤكل معرب فندق وعربيه جلوز وهو محتمل هنا أيضاً. قوله : ( ورفع بشر الخ ) أي لم ينصب كما في قوله ما هذا بشراً لمشابهتها ليس في الدلالة على النفي لأنّ شرط عملها أن لا ينتقض نفيها بدخول إلا على خبرها كما هنا لأنها تعمل بالحمل على ليس فإذا انتقض نفيها ضعف الشبيه فيها فبطل عملها خلافاً ليونس ، وقوله وما أنزل الرحمن الخ يقتضي إقرارهم بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ، ويتوسلون بالأصنام لكنه يخالف قولهم ألنا إله سوى اكهتنا الصابق فينبغي أن يجعل هذا من لاحكاية لا من المحكي ، وهم قالوا لا إله ولا رسالة فلا يرد عليه شيء والتعبير بالرحمن لحلمه عليهم ورحمته بعدم تعجيل العذاب حين الإنكار ومنه تعلم ما في كلام المحشي من الغفلة عما سبق. قوله : ( وهو يجري مجرى القسم ) أي في التأكيد والجواب بما يجاب به ، وأما كفر من قال علم الله كاذباً فأمر آخر وقوله وزادوا اللام أي في قولهم هنا دون الأوّل لمرسلون. قوله : ( لأنه جواب عن إنكارهم ) في الكشاف إنّ الأوّل ابتداء أخبار والثاني جواب عن إنكار وهذا مخالف لما في المفتاح من أنهم أكدوا في المرّة الأولى لأنّ تكذيب الاثنين تكذيب للثالث لاتحاد المقالة فلما بالغوا في تكذيبهم لهم في المرة الأولى فالتأكيد فيها للاعتناء والاهتمام
بالخبر قال الشريف وما ذهب إليه السكاكي أدق قال الفاضل اليمني إنما أكد لتنزيلهم منزلة من أنكر إرسال الثلاثة لأنه قد لاح ذلك من إنكار الاثنين فعلى هذا يكون ابتداء أخبار بالنظر إلى إخراج الكلام على مقتضى الظاهر ، وانكاريا بالنظر إلى إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر فظهر بهذا إن نظر صاحب الكشاف أدق ، وكلامه بالقبول أحق انتهى وفي الكشف أنه أراد بالابتداء إنه غير مسبوق بإخبار سابق ، ولم يرد أنه كلام مع خالي الذهن وهذا يصح إن جعل قوله فقالوا الخ تفصيلاً للمجمل وفيه لف في عدم تمييز قول الثالث ثقة بفهم السامع ، وإلا فالظاهر من قوله فكذبوهما سبق إنكاراً وجعل الابتداء باعتبار قول الثالث أو المجموع والأوّل هو الوجه وعليه ظاهر الآية يعني أنّ هذا الأخبار لما كان عن الثلاثة والمتبادر بشهادة الفاء أن القائل هو الثالث ، وكلامه لم يقع جواباً لإنكار لكنه علم إنكارهم لمقالته لاتحاد مرسلهما ، ومرسله بالكسر والمرسل به والإنكار إذا لم يصرح به ويحتج عليه دون ما يخالفه لاحتمال الرجوع عنه كما وقع لبعضهم فلذا كان تأكيد الأوّل بالاسمية ، وان والثاني بهما مع اللام والقسم والحاصل أن الإبتدائي عند أهل المعاني مقابل للإنكاري ، وما في حكمه وعند غيرهم ما ليس بجواب والزمخشري لما أوقعه مقابلاً للجواب ، والإنكار احتمل كلاً منهما فحمل تارة على هذا وأخرى على هذا لكن في كلامه نظر فانّ الوجه الأوّل الذي ارتضاه لا يخرج عما بعده فتأمل ، وما قيل من أن إنكارهم في كلام المصنف رحمه الله المراد به أشدّ الإنكار لأنّ هذا جواب عن إنكار أيضاً ، وان مراد الزمخشري بالابتداء ما هو بمنزلته بالنسبة إلى الثاني لا أنه ابتداء حقيقي فليس مما يلتفت إليه بعدما سمعت ، وكذا ما ذكره من أنّ(7/234)
ج7ص235
القصة تدل على زوال الإنكار عن جمع منهم فالكلام بالنسبة إلى هؤلاء ابتدائي لأنّ هؤلاء لم يذكر حالهم في النظم ، وإنما ذكر المنكرون لأنهم الأكثر ولأنّ المراد ذكر حال من طغى وتجبر وإنما أطلنا الكلام في هذا المقام لما وقع فيه من الأوهام.
قوله : ( وهو ) أي كون ما بلغ نبينا بأنباء بينة هو المحسن للاستشهاد بعلمها لله الذي هو
في معنى القسم في قولهم ربنا يعلم الخ ولولاه لم يحسن إذ قسم المدعي ، ونحوه مما يصدر عن العاجز عن الدليل الذي لا متشبث له خصوصا بعلم الله الذي لا يطلع عليه أما إذا قاله تحقيقاً وتأكيداً لحجته البينة فلا. قوله : ( تشاء منا بكم ) أصل معناه كان في التفاؤل بالطير البارح والسانح ثم عم ، وقوله لاستغرابهم الخ أو لما وقع بينهم من افتراق الكلمة أو الشدائد ومنع المطر وهذا ديدن السفهاء في التبرك بما يوافق أهواءهم والتشاؤم بغيره ، وقوله سبب شؤمكم لأنّ الطائر يتشاءم به فهو سبب له فتجوز به عن مطلق السبب ، وقوله طيركم معكم الطير يكون جمع طائر ومفرداً بمعناه كما في كتب اللغة ، والأوّل أكثر فيحمل عليه ويفسر بأسباب التثاؤم
من الكفر والمعاصي ، وتركه المصنف وحمه الله لظهوره مما ذكر لأنّ طائركم وان كان مفرداً لكنه بالإضافة شامل لكل ما يتطير به فهو في معنى الجمع ، والقراءتان متوافقتان على كل حال ولا حاجة إلى تفسير الطير بالطائر ليتوافقا كما قيل ، ويؤيده أنه لم يقع في القرآن إلا جمعا كقوله : { وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ } [ سورة النور ، الآية : 41 ] وقال! الزجاج لا أعلم أحداً قرأ طيركم بدون ألف والزمخشري ثقة إذ مثل هذا لا يتجاسر عليه بدون نقل. قوله : ( وجواب الشرط محذوف ) قال المعرب اختلف سيبويه ، ويون! فيما إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب فذهب سيبويه إلى إجابة الاستفهام أي تقدير المستفهم عنه ويونس إلى إجابة الشرط فيقدر. سيبويه تتطيرون ، ويونس تتطيروا مجزوما وعلى القولين جواب الشرط محذوف انتهى فجواب الشرط مثل تطيرتم ، أو توعدتم بالرجم والتعذيب وقال أبو البقاء قدره كفرتم وردّه الطيبي بأنّ الكلام مع الكفار الموجود كفرهم فلا يعقد الشرط وكلام المصنف رحمه الله محتمل لهما فالقول بأنه على مذهب يونس ، وهم ولو قدّر قلتم ما قلتم ونحوه مما يعم حسن. قوله : ( وقد رّيدت ألف بين الهمزتين ) القراء السبعة على أنها همزة استفهام بعدها إن الشرطية وأصولهم في مثله التحقيق ، وادخال ألف بين الهمزتين أو التسهيل أو حذف الألف على ما يعرفه أهل الأداء وهذه قراءة أبي عمرو وقالون وهشام وعبر فيها بالمجهول وما للاختصار فلا اعتراض عليه بناء على أنه يعبر به في الشواذ مع أنه لم ينقل عنه مثله ولم يلتزمه ، وقوله بفتح أي قرئ بغتح أن المصدرية فقبلها لام جرّه مقدرة ، وهذه القراءة مع همزة الاستفهام وما بعدها بدونها- مع الفتح والكسر فإمّا أن تكون همزة الاستفهام مقدرة قبلها لتوافق القراءة الأخرى أو بدونه فيكون على صورة الخبر كما في الكشاف ، وهو مسوق للتعجب والتوبيخ أي تطيرتم إن ذكرتم أو لأن ذكرتم أو طائركم معكم لأن ذكرتم فلم تذكروا ولم تنتهوا على تعلقه بمقدر أو بطائركم على ما فصل في شرحه ولا بعد فيه كما قيل ، وقوله وأين الخ أي قرئ بهمزة مفتوحة بعدها ياء ساكنة مع تخفيف الكاف وهي أبلغ لأنّ مجرد ذكرهم إذا أثر الشؤم فكيف بوجودهم المشؤم. قوله : ( عادتكم الإسراف ) كونه عادة من تبوت الاسمية ، والاسم وذكر قوم الدال! على شيوعه فيهم ، وقوله في العصيان أو في الضلال الفرق بين الوجهين إنّ الإسراف إمّا في المعاصي أو في الضلال والغي والاضطراب على الأوّل على تقدير تسليم حصول الشؤم وسببه لكونه أضرب عما جعلوه سببا للشؤم إلى إثبات سبب آخر أعظم وأقوى منه وعلى الثاني الإضراب عن ذكر الشؤم وسببه إلى ذكر ضلالهم وغيهم وتماديهم فليس فيه ، إثبات للشؤم ولا لسببه فلذا قال في الأوّل فمن ثتم
جاءكم الشؤم ، وفي الثاني ولذلك توعدتم الخ هذا ما اختاره بعض شراح الكشاف وهو أحسن ما فيها من الوجوه والإضراب في الأوّل عن قوله طائركم معكم والجملة الشرطية معترضة ، وعلى الثاني عن مجموع ما قبله لا عن قوله أئن ذكرتم كما قيل وقيل إنه لف ونشر على تقدير الجزاء فالأولى على تقدير تطيرتم والثاني على تقدير توعدتم فتأمل ، وقوله أن يكرم ويتبرك به إشارة إلى أن ما هم فيه تعكيس لما يقتضيه النظر الصحيح. قوله تعالى : ( { وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ } ) قدم الجاو والمجرور على الفاعل الذي حقه التقدم بيانا لفضله إد هداه الله مع بعده عنهم ، وانّ بعده لم يمنعه عن ذلك ، ولذا عبر بالمدينة هنا بعد(7/235)
ج7ص236
التعبير بالعرية إشارة للسعد وأن الله يهدي من يشاء سواء قرب أم بعد ، وقال بعض الأدباء لما سمع قولهم الأطراف منازل الأشراف هذا مأخوذ من قوله تعالى من أقصى المدينة ، ولو قيل إنه لو أخرتوهم تعلقه بيسعى فلم يفد أنه من أهل المدينة مسكنه في طرفها وهو المقصود وسيأتي مثله ويسعى بمعنى يسرع حرصاً على نصح قومه أو بمعنى يقصد وجه الله كقوله وسعى لها سعيها وهذا وان كان مجازاً يجوز الحمل عليه لشهرته فلا غبار عليه. قوله : ( وكان ينحت ) بتثليث الحاء المهملة بمعنى يبري ، ويصنع وكونه كان يصنعها لا يوافق ظاهراً إيمانه بنبينا عليه الصلاة والسلام ، ولذا قيل الأصنام هنا بمعنى التماثيل التي كان نحتها مباحا في شرعهم وهو خلاف الظاهر ، وكذا ما قيل إيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم كان على يد الرسل مع أنه معارض لحديث سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالته طرفة عين ( علي ، وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون ( ، وتبشير الأمم السالفة والإيمان ينبينا قبل وجوده من خصائصه صلى الله عليه وسلم كإيمان تبع على ما عرف في السير وكتب الحديث ، وقوله وقيل الخ وجه مقابلته للأوّل ظاهر لأنه في الأوّل مخالط للناس صنع ، وفي هذا متباعد عنهم ووجه تمريضه إنه ينافي قوله تعالى من أقصى المدينة ، وقوله وهم مهتدون أي ثابتون على الاهتداء
وقوله تلطف أي الجل المحكي عنه هذا ، وقوله بإيراده أي إيراد قوله مالي الخ ووضعه موضع نصحه لنفسه ظاهرا لمامحاض عطف على الإرشاد ويجوز عطفه على المناصحة. قوله : ( ولذلك قال الخ ) أي لكون المراد تقريعهم وتوبيخهم لم يقل ، واليه أرجع مبالغة في تهديدهم بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب مواجهة وصريحاً فإنه لو قال واليه أرجع كان فيه تهديد بطريق التعريض ، وقد جوّز كونه من الاحتباك وأصله على ذكرهما في الطرفين فحذف من الأوّل ما ذكر في الثاني وعكسه ومثله لا يرتكب من غير ضرورة فالأولى تركه. قوله : ) ثم عاد إلى المساق الأوّل ) أي مناصحة نفسه تلطفا لإرشادهم ، وقوله لا تنفعني شفاعتهم أمّا على حذ قوله :
ولا ترى الضب بها لمجنحجر
أي لا شفاعة لهم حتى تنفع أو هو على فرض وقوعها لأنها غير واقعة ، وفي قوله أءاتخذ
إشارة إلى أنها ليست بلائقة للألوهية وهو تحميق لهم لأنّ ما يتخذ وبصنعه المخلوق كيف يعبد ، وقوله ولا ينقذون الإنقاد التخليص ترق من الأدنى للأعلى ، وقوله ما لا ينفع يعني الأصنام المعبودة دون الله. قوله : ( فاسمعوا إيماتي ) ففيه مضاف مقددماذ السماع لا يتعلق بالذوات وتقدير ما ذكر لقوله قبيله آمنت الخ فالمراد بايمانه قوله آمنت أو سمي الإقرار إيمانا للزومه له شطراً أو شرطا فالخطاب على هذا لقومه ، ومقصوده دعوتهم إلى الخير الذي اختاره لنفسه لا أن يغضبهم ويشغلهم عن الرسل بنفسه فإنّ تصريح المصنف بأنه من المساق الأوّل ينبو عنه بعض نبوة والأولى أن يفسر باسمعوا جميع ما قلته في هذا المساق ، واقبلوه فمانّ السماع يرد بمعنى القبول كسمع الله لمن حمده ، وقوله فأسرع الخ أي ليشهدهم على إيمانه واقراره به ليشهدوا له عند الله. قوله : ( بشرى بأنه من أهل الجنة ) يدخلها إذا دخلها المؤمنون ، والقائل له ملائكة الموت فالأمر للتبشير لا للإذن في الدخول حقيقة ، وقوله كسائر الشهداء فانهم يدخلونها عقب الموت بأن تطوف أرواحهم فيها وهم أحياء في قبورهم يشاهدون مقاماتهم فيها ، ويؤيده قوله جعلني من المكرمين. قوله : ( رفعه الله ( جواب لما وفي نسخة
فرفعه الله بالفاء فإنّ جوابها قد يقترن بها ، وان منعه بعض النحاة فعلى هذا يكون رفع حياً إلى الجنة كعيسى صلوات الله وسلامه عليه فإذا فنيت الجنة بفناء السماء ، ثم أعيدت أعيد له دخولها وهذا مرويّ عن الحسن. قوله : ( وإنما لم يقل له ) لأنّ الغرض ذكر المقول لا الاقائل ولا المقول له ، وتقدير السؤال ما حاله بعدما استشهد ، وقوله وكذلك الخ بكاف التشبيه أي هذه الجملة أيضاً مستأنفة استئنافا بيانيا كالتي قبلها في جواب فما قال إذ قيل له ذلك ووقع في نسخة لذلك باللام أي للاستئناف هذا الكلام أيضا ولا يخفى إنه تكلف لحسن الظن بالكاتب دون المصنف. توله : ( على دأب الأولياء الخ ) فإنهم مع ما فعلوه به لم يظهر غيظاً بل ترحما وشفقة ، وقوله وليعلموا بالعطف بالواو وهو الظاهر إذ لا منافاة بينهما وما وقع من عطفه بأو في بعض النسخ لتباين الغرض فيهما. قوله : ( وما خبرية ) أي موصولة والعائد مقدر أي به أي بسببه ، أو الذي غفره لي على أنّ غفر بمعنى الغفران(7/236)
ج7ص237
الذي غفره لي والمقصود تعظيم مغفرته له فتؤول إلى المصدرية ، وهذا هو المناسب لقوله وجعلني من المكرمين لا ما قدره الزمخشري بالذي غفره من الذنوب فإن تمنى علم ذنوبه ، وإن كانت مغفورة لا يحسن وكذا عطف قوله وجعلني من المكرمين عليه لا ينتظم ، وما قيل من أنّ الغرض! منه الإعلام بعظم مغفرة الله ووفور كرمه وسعة رحمته فلا يبعد حينئذ إرادة معنى الاطلاع عليها لذلك بل هو أوقع في النفس من ذكر المغفرة مجرّدة عن ذكر المغفور لاحتمال حقارته تكلف. قوله : ( أو استفهامية جاءت على الآصل ) من عدم حذف ألفها إذا جرت فإنّ اللغة الفصيحة حذفها فرقا بينها ، وبين الموصولة واثباتها شاذ ، ولذا اعترض ابن هشام على من خرج الآية عليه بأنه غير لائق بفصاحة القرآن الحمل عليه هذا ما قالوه برمتهم ، وتحقيقه ما في شرح أدب الكاتب أنها تسقط لما ذكر من الفرق إلا في قولهم بم شئت فإنها لم تثبت عند جميع العرب سواء كانت ما موصولة ، أو استفهامية فإن جرت باسم مضاف لم تحذف وخص الاستفهام لأنه اسم تامّ فهي معه كاسم واحد إلى آخر ما فصله اللبلى في شرحه ، وقد علم منه أنها قد تثبت في الاستفهام كما ذكره العلامة ، وتبعه المصنف فسقط ما اعترض به عليه. قوله : ( من بعد إهلاكه أو رفعه ) على
القولين السابقين من قتله ورفعه إلى السماء حيا ففيه مضاف مقدر هو أحد هذين ، وقوله كما أرسلنا الخ تمثيل لإرسال الملائكة فلا حاجة إلى جعل الماضي بمعنى المستقبل لأنّ السورة مكية كما قيل نعم قوله لإهلاكهم إمّا تغليب لبدر أو المراد لقصد إهلاكهم ، وان لم يقع لأنّ الخندق لم يكن فيه قتال واستحقاو هلاكهم بعدم إنزال جنده وكونه بصيحة واحدة ، وقوله إيماء بتعظيم الرسول لتخصيصه بقتال الملائكة معه وحمل الإيماء على الإشعار فعداه بالباء إذ الظاهر اللام أوالي. قوله : ( وما صح ) هو أحد معاني ما كان الواردة في القرآن كما مرّ ، وقوله وجعلنا ذلك أي إنزال الجند السماوية ، وقوله ما موصولة قيل إنها لو جعلت موصوفة كان أحسن لأنّ من قزاد بعد النفي إذا كان مجرورها نكرة ، وان كان يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ولعله وجه تمريضه مع كونه خلاف الظاهر. قوله : ( ما كانت الأخذة ) بصيغة المصدر أو اسم الفأعل وعطف المصدر عليه يرجح الأوّل وقدره لقوله أخذتهم الصيحة ، وقوله وقرئت أي صيحة بالرفع وكان ينبغي أن لا تلحقه تاء التأنيث لأنه لا يؤنث الفعل إذا كان فاعله مؤنثاً بعداً لا إلا نادراً فلا يقال ما قامت إلا هند بل ، ما قام لأنّ تقديره ما قام أحد لكنه قصد به مطابقة ما بعدا لا لأنه الفاعل في الحقيقة كما قرأ الحسن وغيره لا ترى إلا مساكنهم ، وقال لبيد :
وما بقيت إلا الضلوع الجراشع
ولذا أنكر أبو حاتم هذه القراءة ولا عبرة بإنكاره على أنّ تقدير المستثنى منه عامّا مؤنثاً ليطابق قراءة النصب لا مانع منه. قوله : ( شبهوا بالنار الخ ) ظاهره أنه استعارة بالكناية والخمود تخييلية ، ويجوز أن تكون تصريحية تبعية في الخمود بمعنى البرودة والسكون لأنّ الروج لفزعها من الصيحة تندفع إلى الباطن دفعة واحدة ، ثم تنحصر فتنطفئ الحرارة الغريزية لانحصارها وقد مرّ كلام الثريف فيه في شرح المفتاح وما عليه وله فتذكره ، وقوله كالنار المراد بها الجمر لأنها تطلق عليه والساطع صفتها لتأويلها بالجمر ولذا ذكره لا أنها صفة جرت على غير من هي له أي الساطع لهبها ، والساطع بمعنى المشرق وبيت لبيد من قصيدته العينية المشهورة ، ويحور
بالحاء والراء المهملتين بمعنى يعود ويرجع ومنه اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور ، والشهاب هنا شعلة النار. قوله : ( تعالى ( بفتح اللام وسكون الياء ويجوز كسر اللام في لغة ضعيفة كما مرّ وهي في الأصل أمر بالصعود لمكان عال ، ثم شاع في الأمر بالحضور مطلقاً كما قال بعض المتأخرين :
أيها المعرض عني حسبك الله تعالى
وقوله فهذه الخ إشارة إلى أنّ نداء الحسرة مجاز بتنزيلها منزلة العقلاء ، وقوله وهي أي الأحوال التي تورث الحسرة ما دلت عليه الآية وهو استهزاؤهم بالرسل على أنّ المراد بالعباد مطلق المجرمين أو أهل القرية فالجملة مستأنفة لبيان ما تحسر منه. قوله : ( ولقد تلهف الخ ( يعني أنّ التحسر هنا ، وقع من هؤلاء والمراد شدة خسرانهم حتى استحقوا أن يتحسر عليهم أهل الثقلين ، وقوله ويجوز الخ على أنّ التحسر من(7/237)
ج7ص238
الله ، ولما كانت الحسوة ما يلحق المتحسر من الندم حتى يبقى حسيرا وهو لا يليق به تعالى جعلوه استعارة بأن شبه حال العباد بحال من يتحسر عليه الله فرضاً فيقول يا حسرة على عبادي قيل ، وهو نظير قوله بل عجبت ، ويسخرون على القراءة بضنم التاء كما سيجيء في الصافات فالنداء للحسرة تعجب منه ، والمقصود تعظيم جنايتهم أي عدها أمرا عظيما يتعجب منه وتخسر بمعنى تفجع ، وقوله لتعظيم متعلق به أو باستعارة على أنّ المراد بها الاستعارة الاصطلاحية أو اللغوية ، وتأييد يا حسرتا لأنّ أصله يا حسرتي فقلبت الياء ألفا فتأمل. قوله : ( بإضماو فعلها ) أي يا قوم تحسروا حسرة فهو مفعول مطلق ، ويجوز تقدير انظروا أو اسمعوا وقوله أو المفعول أي بواسطة الحرف لأنه لا يتعدى بنفسه ، وأما الوقف على الحسرة بالهاء فلكونها حرف تأوّه وتأسف إلا أنه ينبغي حينئذ أن لا يتعلق به قرله على العباد لأنّ الوقف بين العامل ومعموله لا يحسن فيكون متعلقاً بمقدر أو خبر مبتدأ لبيان المتحسر عليه وتقديره الحسرة على العباد ، وقوله ألم يعلموا جعلها علمية لا بصرية لأنها لا تعلق على المشهور ، وفوله لأنّ أصلها الخ لأن الاشتراك خلاف الأصل لكن الظاهر أنّ كلاً منهما أصل برأسه بدليل اختلاف أحكام التمييز فيهما. قوله : ( بدل من كم على المعنى الخ ) فيه تسمح والمراد أنه بدل من جملة كم أهلكنا وقد أعربه سيبويه هكذا وتبعه الزجاج وقال
السيرافي في شرحه المعنى ألم يروا أنّ القرون التي أهلكناها لا يرجعون إليهم فأنهم الخ بدل من جملة كم أهلكنا لأنّ كم منصوب بأهلكنا إذ لا يعمل فيها ما قبلها فلو أبدل منه كان تقديره أهلكناها أنهم إليهم لا يرجعون ، ولا معنى له ولكن كم وما بعدها في تقدير ألم يروا الذين أهلكناهم من القرون فالمعنى ألم يعلموا أنّ القرون التي أهلكناهم من قبلهم لا يرجعون ، وفيه وجه آخر وهو أن يجعل صلة أهلكناهم أي أهلكناهم بأنهم إليهم لا يرجعون أي بهذا الرب من الهلاك انتهى ، وقوله على المعنى لأنّ كثرة المهلكين وعدم الرجوع ليس بينهما اتحاد بجزئية ولا كلية ، ولا ملابسة كما هو مقتض البدلية لكنه لما كان في معنى الذين أهلكناهم دمانهم لا يرجعون بمعنى غير راجعين اتضح فيه البدلية على أنه بدل اشتمال ، أو بدل كل من كل وبهذا سقط ما قيل إنه لا يصح فيه البدلية بوجه من الوجوه وانّ بدل المفرد من الجملة غير متعارف بل عكسه مع أنّ سيبوبه إذا ذكره فقد قالت حذام ، والقول بأنه بدل من كم وجعله على المعنى لعدم صحة تسليط عامله عليه لكنه لما كان معمولاً ليروا معنى صحت البدلية ولا يخفى ما فيه من التعسف الذي لا تساعده قواعد النحو ( بقي فيه وجوه أخر ) منها أنه معمول لمقدّر أي قد قضينا ، وحكمنا أنهم الخ والجملة حال من فاعل أهلكنا ومنها أنه معمول يروا وجملة كم أهلكنا معترضة ، ومنها أنّ كم أهلكنا معمول يروا ولام التعليل مقدرة قبل إنهم والمعلل يروا كما في شرح المغني ، وقد أورد عليه أنه لا فائدة فيه يعتذ بها وأنّ المراد باهلاكهم استثصالهم انتقاماً ، وعدم رجوعهم لا يدلّ إلا على إماتتهم ولا يخفى أنّ ما ذكره وارد على البدلية أيضا ، والظاهر أنّ المقصود من ذكره إمّا التهكم بهم وتحميقهم أو تقديم إليهم للحصر أي أنهم لا يرجعون إليهم بل إلينا فيكون ما بعده مؤكداً له ، وأمّا كونه تعليلاً لأهنكنا وضمير أنهم للقرون واليهم للرسل أي أهلكناهم لعدم رجوعهم للرسل أي متابعة دينهم الحق ، وقيل لا يرجعون دون لم يرجعوا للدلالة على الاستمرار وليس إليهم زائداً على هذا كما توهم أو هو على ما يتبادر منه من رجوع الأوّل للقرون ، والثاني لمن يرون والمعنى أنهم لا يرجعون لهم فيخبروهم بما حل بهم من العذاب ، وجزاء الاستهزاء حتى ينزجر هؤلاء فلذا أهلكناهم فتعسف ركيك المعنى دعاهم إليه عدم فهم ما قرّرناه ، وههنا كلمات أخر نثأت من قلة التدبر تركناها خوف الملل. قوله : ( للجزاء ( وفي الكشاف للحساب وليس ببعيد من الأوّل وقيل محضرون معذبون ، وقوله فعيل بمعنى مفعول أوّله به ليفيد ذكره بعد كل لأنها لإحاطة الإفراد ، وهذه تفيد اجتماعهم في المحشر ولذا جاء أجمع بعد كل في التأكيد ومحضرون خبر ثان أو نعت ، وقوله
خبر آية ولكونها عين المبتدأ كخبر ضمير الشأن لم يحتج لرابط ، وهذا حسن جدّاً إلا أنّ النحاة لم يصرّحوا به في غيره ، وقيل إنها مؤوّلة بمدلول هذا القول ، وأمّا كونها صفة لآية فلا وجه له ، وقوله أو صفة لها أي جملة أحييناها صفة للأرض لأ نه لم يرد بها أرض! معينة بل الجنس فهو كقوله :(7/238)
ج7ص239
ولقد أمرّ على اللئيم يسبني
وإليه أشار بقوله إذ لم الخ ولذا وقعت خبراً عن النكرة ، وأن كان الظاهر العكس حتى اعترض عليه المعرب بأنه مخالف للقواعد وقوله وهي أي الأرض! ، وكونها حالاً عاملها آية لما فيها من معنى الإعلام تكلف ركيك والاستئناف أرجحها. قوله : ( قدم الصلة ) وهي منه سواء كانت من ابتدائية أو تبعيضية ووجه الدلالة ما فيه من إيهام الحصر للاهتمام به حتى كأنه لا مأكول غيره ، والأعناب قيل هنا بص منى الكروم ولعله بتقدير مضاف أو مجاز بقرينة عطفه على النخيل ، وإلا فكلام المصنف مشعر بخلافه وهو جمع نخل كعبيد كما أشار إليه المصنف؟ وقيل إنه اسم جمع لأنه لم يطرد له مفرد معين كأكثر الجموع وقوله ، ولذلك جمعهما لتدل الجمعية على تعداد أنواعهما والدال على الجنس الحبّ ، واشعاره لأنه مقول على كثرة مختلفة الحقائق بخلاف النوع ، وفي نسخة فانه الدال بضمير وفي أخرى بدونه قيل والأولى أولى لدلالتها على الحصر الدال على الجنس في الحب دون النخيل ، والأعناب فيدلّ على أن دلالة لهما على الاختلاف بوجه ما لم يجمعا ، والحاصل أن حباً نكرة دالة على الجنس تعتم الأنواع ، وإن كانت في الإثبات لأنها في سياق الامتنان كما صرّح به في الأصول والنخيل والأعناب معرفان بأداة الاستغراق ، هو اسم نوع فيعنم الإفراد لأنه لا يلزم أن يكون تحته أصناف ، وأما قولهم جمع العالمين وهو اسم جنس ليشمل ما تحته من الأجناس فلا ينافيه كما قيل لأنّ المراد شمولاً ظاهرا متعينا وان حصل الإشعار بدونه ، وقيل إنما جمع للدلالة على مزيد النعمة أما الحب فبه قوام البدم وهو حاصل بالجنس ، وقوله ولا كذلك الدال على الأنواع يعني النخل والعنب ولذا لم يقل النوع. قوله : ( وذكر النخيل الخ ) التمور بالتاء المثناة يعني أنّ النخل ينتفع بخشبه وجريده وسعفه وطلعه فالنعمة ليست بتمره فقط ، وقد يقال في وجهه أنّ التمر لا يكون على النخل بل بعد جفافه وما عليه هو البلح وليس به تفكه ، وقوله ليطابق علة للمنفي لا للنفي والمطابقة بذكر المأكول ، وقوله شجرها أي النخل فهو كشجر الأراك أو التمور ، وآثار الصنع فيها ما للنخلة من الخواص لمشابهة الإنسان في موتها بقطع رأسها ورائحة طلعها ولقوحها
بالذكر وغير ذلك من خواصها المذكورة في الفلاحة. قوله : ( لفظاً ) أي بحسب الوزن ومعنى لأنّ معنى التفجير هو التفتيح ، والمخفف دال على معنى الفتح والمشدد دال على المبالغة والتكثير وقوله شيئاً من العيون فهو صفة موصوف مقدر ومن بيانية أو تبعيضية أو ابتدائية إن أريد بها المنابع لا زائد ة لأنها لا تزاد إلا في النفي ، ومجرورها نكرة عند الجمهور خلافاً للأخفش ، وقيل المفعول محذوف وهو ما ينتفع به. قوله : ( ثمر ما ذكر الخ ) يعني أنه كان الظاهر ثمرهما أي النخيل والأعناب فالضمير إمّا لما ذكر ليشملهما فإنّ الضمير قد يجري مجرى اسم الإشارة كما مرّ أو هو لله وإضافته له لأنه خالقه فالمعنى ليأكلوا مما خلقه الله ومما عملوه بأيديهم ففيه التفات من التكلم إلى الغيبة ، واعترض عليه بأنه ليس من مظانّ الالتفات لأنّ المقصود من الجنات وتفجير مياهها ثمرها فالتمكين من الانتفاع بأكله أولى بالتفخيم الدال على الامتنان فالظاهر إضافته لضمير العظيم بأن يقال ثمرنا ، ورد بأنه ذهب عليه أنّ ما سبق أفخم لأنها أفعال عامّة النفع ظاهرة في كمال القدرة والتمر أحط مرتبة من الحب فلا يستحق ذلك التفخيم ، ولذا لم يورد على أسلوب الاختصاص وجعل من خلق الله ، وقيل التمر لكون كماله بفعل العبد لا يستحق ذلك التعظيم ، وليس المقصود مما ذكر أوّلاً التمر حتى ينبو عنه كما توهم بل الاستدلال على الصانع القدير ومنع دلالته على كمال القدرة مكابرة وفهم انحطا! مرتبته من التأخير لا ينافي الدلالة بوجه آخر ، والأحسن أن الأكل والتعيش مما يشغل عن الله فيناسب الغيبة كما نبه على غفلتهم عن المنعم بقوله أفلا يشكرون ، فالالتفات واقع في موقعه وقيل الضمير للنخيل وتركت الأعناب غير مرجوع إليها لأنها في حكمه ، وقيل للماء وقيل للتفجير والإضافة لأدنى ملابسة ولا يخفى بعده. قوله : ( عطف على الثمر ) أو على محل من ثمره لا على الضمير المضاف إليه ، وقوله والمراد ما يتخذ الخ لم يرتض ما في الكشاف من تفسيره ما عملته أيديهم بالغرس ، والسقي والآبار لأنه مخالف للظاهر والدبس بكسر الدال المهملة وسكون الباء الموحدة والسين المهملة ما يعصر من التمر والزبيب ، وقد ورد بمعنى العسل وليس بمراد هنا. قوله : ( ويؤيد الأول الخ ) وكذا كتب في بعض المصاحف العثمانية ، ووجه التأييد أنّ(7/239)
ج7ص240
الموصول مع الصلة كاسم واحد فيحسن معه الحذف لاستطالته لاقتضائه العائد ، ودلالته عليه بجعله كالمذكور وتقدير اسم ظاهر غير ظاهر.
قوله : ( أمر بالشكر لأنّ إنكار ترك شيء يستلزم الأمر به ، وقوله الأنواع والأصناف هو كقول الزمخشريّ الأجناس والأصناف لأنّ المراد بهما المعنى اللغوي لا الاصطلاحي كما توهم مع أنّ النبت والشجر جنس لا نوع ، وقوله لا يطلعهم الله قعالى عليه أي بوجه مّا مما لا عين رأت ولا أذن سمعت إلا بالكنه لأنّ أكثر الأشياء لا قعلم بالكته. قوله : ( وآية لهم الليل الخ ) بيان لقدرته الباهرة في الزمان بعدما بينها في المكان ، وقوله نزيله ونكشفه الخ يعني أنه استعير لإزالة الضوء السلخ استعارة تبعية مصرحة والجامع ما يعقل من ترتب أحدهما على الآخر ، وقوله عن مكانه يشير إلى أنّ النهار طارى على الليل كما أن المسلوخ منه قبلى المسلوخ الذي هو كالغطاء الطارئ على المغطي لأنّ الليل سابق عرفا وشرعا وهذا هو تفسير الفراء ومن فيه ابتدائية أو تبعيضية وقيل سببية وما في المفتاح من أنّ المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل ، والمستعار منه ظهور المسلوخ من جلده وهو مأخوذ كما قال الفاضل اليمني من قول الزجاج معنى نسلخ نخرج منه النهار إخراجا لا يبقى معه شيء من ضوئه فالظهور في عبارة السكاكي بمعنى الخروج كما في قول عمر رضي الله عنه أظهر بمن معك من المسلمين ، ويؤل معناه إلى الزوال الذي في عبارة الكشاف كما في قول أبي ذؤيب :
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
أي زائل ومتميز عنه فسقط ما أورده عليه الخطيب من أنه لو أريد هذا قيل فإذا هم مبصرون بناء على أنّ المراد بالظهور ظاهر من غير احتياج إلى حمله على القلب أي ظهور الليل من ظلمة النهار ، ولا حاجة إلى جعل من بمعنى عن لأنّ الخروج يتعدى بعن والسلخ يكون بمعنى الكشط كما ذكره المصنف رحمه الله وبمعنى الإخراج كما ذكره السكاكي إلا أنّ التعقيب والمفاجأة فيه عرفي ، ولذا كان أتم فائدة على ما فصل في شرح التلخيص وحواشيه فإذا أردت تفصيله فانظره ، وقد قيل إنّ كلام الزمخشري والسكاكي شيء واحد من غير اختلاف بينهما يعني أن ظهور النهار بمعنى خروجه والخروج لما فيه من المفارقة كناية عن زواله فهو بمعناه بن غير تكلف لما ذكروه ، قال الراغب نسلخ منه النهار وننتزع وحقيقته نزع جلد الحيوان ، وهو متعد بمن لا بعن كما توهم. قوله : ( مستعار من سلخ الجلد ) قيل المستعار لفظ السلخ والمستعار منه معنى الكشط ، والمستعار له الإزالة وليس بشيء لأنه لم يرد المستعار منه اصطلاحا بل المراد أنه منقول منه بهذا المعنى إلى المعنى المجازي المراد فهذا من التغيير في
الوجوه الحسان ، والشراح على أنّ الاستعارة تصريحية وقد جوّز فيها أن تكون مكنية وتخييلية وقوله داخلون في الظلام يشير إلى أنّ التعقيب والفجائية في محلها ، وقد علمت أنها على الوجه الآخر كذلك فتدبر ، والدخول مستفاد من الهمزة لأنه كأصبح إذا دخل في وقت الصباج ، والإعراب ما مرّ في قوله وآية لهم الأرض فتذكره. قوله : الحدّ معين الخ ) فقوله الشمس تجري الخ معطوف على جملة الليل نسلخ الخ لأنه من آيات قدرته ، وإنما جعله مجازا عما ذكر لدوام حركتها فلا قرار لها فالمستقر على هدّا اسم مكان تقطعه في حركتها الدائمة ، ثم تعود ووجه الشبه على هذا الانتهاء إلى محل معين وان كان للمسافر قرار دونها وهذا ما تقطعه في السنة واللام تعليلية أو بمعنى إلى. قوله : ( أو لكبد السماء ) أي وسطها فالمستقرّ اسم مكان أيضا وجوّز فيه المصدرية ، وكلام المصنف رحمه اللّه يأباه واللام فيه كالأوّل وكونه محل قرار إمّا مجاز عن الحركة البطيئة أو هو باعتبار ما يتراءى ، وهذا هو الوجه الثاني. قوله : ( والشمس حيرى لها في الجوّ تدويم ) هو من قصيدة لذي الرمة وأوّلها :
أعن ترسمت من خرقاءمنزلة ماءالصبابة من عينيك مسجوم
وصدر. :
معرورياً رمض الرضراض تركضه
يصف سير فرسه وجربه في الظهيرة وشذة الحر ، ومعروريا بمهملات بمعنى سائر وحده ، والرمض حرّ الشمس على وجه الأرض والرضراض! الحصى والركض الجري والجوّ ما بين السماء والأرض والمراد به هنا وسط السماء والتدويم وقوف الطائر في الهواء ، وهو مجاز أو استعارة لوقوفها وسكونها وهو محل الشاهد ، وحيرى مؤنثة حيران استعارة أو تشبيه لها أيضا لأنّ المتحير يقف فيقدم رجلاً ويؤخر أخرى. قوله : ( أو لاستقرار لها الخ ) فهو مصدر ميمي ، واللام داخلة على الغاية أو(7/240)
ج7ص241
الحامل ولم يبين المراد بالاستقرار فيه فيحتمل أن يكون جارياً فيه ما قبله ، ويحتمل أن يكون راجعا لما بعده وقوله أو لمنتهى مقدر الخ فالاستقرار بمعنى الانتهاء والمستقرّ اسم مكان ، وهذا هو الوجه الأوّل إلا أنه ثمة ما ينتهي إليه باعتبار السنين وهذا باعتبار الأيام وهو باعتبار أجزاء قسيّ المقنطرات ارتفاعا وانخفاضاً وقوله ثم لا تعود الخ أورد عليه بعضهم اتحاد مشرقها في آخر القوس وأوّل الجدي وأيضا دورها في السنة الشمسية وهي تزيد
على ما ذكر باكثر من خمسة أيام فلا يتم أنّ لها في كل يوم ذلك ، ولذا قيل إنه تقريبي أكثري لا تحقيقي كلي فتدبر. قوله : ( أو لمنقطع جريها الخ ) فاستقرارها انقطاع حركتها إذا قامت القيامة ومستقرّ على هذا اسم زمان وفي الكشف تفسير آخر نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح عن أبي ذرّ قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غووب الشمس فقال : " يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه الشمس " قلت : الله ورسوله أعلم قال : " تذهب لتسجد تحت العرس فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي حيث جئت فتطلع من منربها ) وقرأ والشمس تجري لمستقرّ فهو قرارها أو محله في سجودها ، وقوله بمعنى ليس فترفع مستقرّاً وهو مبني على الفتح في القراءة التي قبلها وعموم كل مقدور معلوم من حذف معموله. قوله : ( ذلك الجري ( فالإشارة للمصدر المفهوم من الفعل ، وجعله كلال الفطن عن إحصاء الحكم أحسن مما في الكشاف من جعله عن إحصاء الحساب لوقوعه في الزيجات ، وقوله قدّرنا مسيره ففيه مضاف مقدر لأنه لا معنى لتقديره في نفسه منازل فقدرنا متعد لمفعولين لأنه بمعنى صيرنا ومسير اسم مكان ، واذا قدّر سيره المصدر فهو متعد لواحد ومنازل منصوب على الظرفية ويجوز كونه مفعولاً ثانيا بتقدير ذا منازل ، ويجوز أن يكون أصله قدرنا له على الحذف والإيصال وهو متعد لواحد. قوله : ) الشرطين ) بفتح الشين والراء مثنى شرط بفتحتين ، وهو العلامة وهما نجمان قيل ثلاثة عند قرن الحمل سميا به لأنهما علامة للمطر والريح ، والبطين تصغير البطن وهو بطن الحمل والثريا مصغر أيضا ، وفي الكشف هو ألية الحمل والدبران بفتحتين سمي به لأنه خلفها ، والهقعة بفتح الهاء وسكون القاف وفتح العين المهملة ثلاثة أنجم برأس الجوزاء شبهت بهقعة الفرس ، وهي كز وعلامة تجعل في أعلى عنقه والهنعة مثله إلا أن ثانيه نون وهي اسم سمة كر في منخفض! عتقه ، وهي خمسة أنجم على هيئتها
بمنكب الجوزاء والذراع نجمان سميا ذراعي الأسد والنثرة الفرجة بين الشاربين كوكبان بينهما مقدار شبر بأنف الأسد وهي أربعة أنجم والزبرة كوكبان نيران هما كاهلا الأسد والزبرة بضم الزاي معناها الكاهل والصرفة نجم نير بقلب الأسد سمي به لأنه عنده انصراف البرد ، والعوّاء ممدود ومقصور خمسة أنجم يقال لها ورك الأسد والسماك المراد به الأعزل لأنّ الرامح ليس من المنازل ، والغفر ثلاثة أنجم صغار من الميزان سميت بها لأن ضوءها مستتر لقلته ، والزبانا بالضم وآخره ألف زبانا العقرب قرناها وهما نجمان برأس العقرب والإكليل أربعة أنجم برأس العقرب ولذا سميت به وأصل معناه التاج ، والقلب قلب العقرب أيضا والشولة بفتح الشين المعجمة واللام ما ارتفع من ذنب العقرب وهما كوكبان عند ذنب العقرب ، والنعائم أصلها الخشبات الموضوعة على البئر وهي ثمانية أنجم بقرب المجردة والبلدة الفرجة بين الحاجبين ستة أنجم بالقوس في فرجه وسعد الذابح كوكب بين يديه آخر يزعمون أنه شاة يذبحها وسعد بلع ليس له مثله كأنه بلع شاته وسعد السعود لأنه في ابتدائه يبدو ما تتعيش به المواشي ، وسعد الأخبية لأنّ عند. كواكب تشبه بالخباء ، وقيل لأنه تخرج فيه الهوام وهذه الأربعة بالجدي والدلو والفرغ بفتح الفاء وسكون الراء المهملة وغين معجمة وهو مجرى الماء من الدلو وهماك وكبان متقاربان سميا به لكثرة الأمطار فيهما ، والرشاء بكسر الراء ومعناه واضح وقوله لا يتخطاه أي يتجاوزه قيل إنه أمر أغلبي إذ قد يتخطى ويتقاصر ، وقوله الاجتماع أي اجتماعه مع الشمس الذي يذهب به ضوءه الحاصل بالمقابلة ودق أي صار دقيقاً لعدم امتلاء نوره واستقواسه كونه كالقوس انحناء ، ونصب القمر بمقدّر على شريطة التفسير. قوله : ( وهو الذي يكون فيه قبيل الاجتماع ) مع الشمس وهو بعده ومعه لا يخرج عن منازله أيضاً لكنه لا يسمى قمراً على المشهور إلا من ثلاثة إلى ستة وعشرين(7/241)
ج7ص242
وبعدها يسمى هلالاً والناس يسمونه قمراً مطلقا وعلى العرف العام مشي المصنف ، والشمراخ بكسر الشين المعجمة وميم ساكنة بعدها راء مهملة وألف وخاء معجمة وهو كالشمروخ بالضم عيدان العنقود الذي عليه الرطب ، وما يجمعه مما فوقه يسمى العذق بكسر العين والكباسة كذا في المصباح وليس هو العنقود نفسه حتى يقال فيه تسامح لأنّ المشبه به عيدانه لا هو نفسه ، والمعوج بتشديد الجيم أو الواو كما في قوله :
فمن رام تقويمي فإني مقوّم ومن رام تعويجي فاني معوّج
قوله : ( فعلون ) فنونه زائدة كما في المصباح وذهب قوم ورجحه في القاموس واعراب السمين والراغب إلى أنها أصلية فوزنه فعلول وما ذكره المصنف أظهر ، وقوله كالعرجون أي بكسر العين وسكون الراء وفتح الجيم وبزيون بباء موحدة وزاي معجمة وياء مثناة تحتية ثم واو ونون بساط رومي ، وقيل هو السندس ، وقوله العتيق الذي مرّ عليه زمان ييبس فيه ويعوج ،
ولذا مرض القول بأنه ما مرّ عليه حول فصاعدا ، وقد يحصل له اليبس الذي يتم به الشبه فيما دونه ووجه الشبه فيه مركب وهو الاصفرار والدقة والإعوجاج. قوله : ( يصح لها وبتسهل ا لأنه مطاوع بغي بمعنى طلب فيكون في الاستعمال بمعنى تسخر وتسهل وقد يكون بمعنى حق ولاق ، وقوله في سرعة سير. فإنه يقطع البروج في شهر وهي في سنة ولولاه لم تنتظم الفصول والمنافع في التكوّن والتعيش وآثاره إعطاء الألوان ، ونحوها والشمس الإنضاج واو مكانه لأنه كلا في ذلك مخصوص ، وسلطانه قوّة نوره ليلا فلو أدركته الشمس محت نوره وطفأته وهذا قريب من الأوّل والفرق بينهما اعتباري. قوله : ( ولىللاء حرف النفي الشمس للدلالة على أنها مسخرة ) قد خفي وجه الدلالة على بعضهم حتى ذكر ما لا طائل تحته وتوقف في فهمه ، وقد قيل إنه يقتضي نفيها وإنها هالكة لا قدرة لها في نفسها على شيء ، وقيل إنه يريد أنه كان الظاهر أن يقال لا ينبغي للشمس وانه كالنتيجة لماقبله لكن تركت فاؤه تعويلاً على فهم السامع ، والفرق بين لا ينبغي للشمس ولا الشمس الخ أنّ الأوّل أبلغ وآكد لتقديم المسند إليه فيفيد أنها مسخرة ولا محصل لذلك كله ، والذي دار في خلدي أنه أراد أنّ دخول النفي على الموضوع ذاتا أو ما هو في حكمها يحتمل نفيها احتمالاً ظاهرا لا سيما إذا كان في حيزه قيل حقه أن يدخل عليه وهو قريب من قول المنطقيين السالبة تصدق بنفي الموضوع فإن كان كذلك كان عدما لا يصلح لصدور شيء عنه دالا يدل على نفي صفات له تقرّبه من العدم ، وهذا ما ذهب إليه الشافعية في قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات " حيث قدروا له صحة الأعمال واستدلوا به على وجوبها في الوضوء ورجحوه على تقدير الكمال بأنه أقرب إلى نفي الوجود المتبادر منه كما قرّروه في محله فبالقياس عليه يدل هذا على نفي صدور شيء عنها بالاختيار كما ذهب إليه بعض عبدة الكواكب ، والحكماء فلزم كونها مسخرة لله. قوله : ( لا يتيسر لها إلا ما أريد بها ) الحصر مأخوذ من فحوى الكلام وكونها مسخرة لا من تقديم المسند إليه ، وكان ينبغي أن يقول لا يصح ولا يتيسر بناء على تفسيره السابق فتأمّل. قوله : ( يسبقه فيفوته ) أي
يتقدّم على وقتة فيدخل قبل مضيه ، وقوله وقيل المراد بهما أي الليل والنهار آيتاهما أي الشمس والقمر لأنهما آية الليل والنهار قال تعالى : { فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً } [ سورة الإسراء ، الآية : 12 ] وهذا مختار الزمخشريّ ، وقوله فيكون عكساً للأوّل هو من تتمة القيل وأراد بالأوّل قوله لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر لأنّ محصله على هذا ولا القمر ينبغي له أن يدرك الشمس ، وليس المراد بالأوّل التفسير الأوّل لما قبله لأنه مناسب للآخر إذ المعنى لا يسبق القمر الشمس في سلطانها لأنّ الحكمة اقتضت لكل سلطاناً على حياله ، والتعبير بالليل والنهار للإشارة إلى اختلافهما أيضاً. قوله : ( وت!بديل الإدراك ) وهو اللحوق بالسبق على هذا القيل لأنه مناسب لسرعة سير القمر إذ السبق يشعر بالسرعة والإدراك بالبطء كما لا يخفى. قوله : ( وكلهم ) قدّر ضمير العقلاء لمشاكلة قوله يسبحون إذ عبر به فيه لتثبت فعل العقلاء لهم ، وقوله والضمير الخ توجيه لجمعه معه إنهما اثنان بأن اختلاف أحوالهما في المطالع ، وغيرها نزل منزلة تعداد إفرادهما ولذا يقال الشموس والأقمار ، وقوله مشعر بها أي بالكواكب لفهمها وخطورها بالبال إذا ذكرا فكانت مذكورة حكماً ، وقيل التقدير كل ذلك(7/242)
ج7ص243
والمراد بالفلك الفلك الأعلى لأنها تتحرّك بحركتة. قوله : ( يسيرون فبه بانبساط ) أي بسعة لأنّ السبح الأبعاد في السير وقد مرّ في سورة الأنبياء أنه من السباحة على التشبيه فتذكره ، وفي شرح أدب الكاتب لابن السيد معنى يسبحون يسيرون فيه بانبساط وكل من بسط في شيء فهو يسبح فيه ، ومنه السباحة في الماء اهـ. قوله : ( أولادهم ) المراد الكبار منهم لأنهم المبعوثون للتجارة ولمقابلتهم بالصبيان ، وقوله أو صبيانكم الخ فالمراد بالذزبة أهل البيت ، والاتباع مجازاً فلا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز كما قيل وإن كان ذلك جائزا عند الشافعية أو هو تغليب ولم يخصصه بالنساء كما في الكشاف ، وان ورد في الحديث إطلاقه عليهن مجازاً إطلاق السماء على المطر أو لعلاقة الحالية ، والمحلية كما أشار إليه بقوله لأنهن مزارعها أي لأنّ النساء منشأ الذرية تنشأ كما ينشأ الزرع من منابته لأنّ حمل النساء وحدها غير معتاد ، وقوله لأنهن أي النساء فهو تعليل لإطلاق الذرّية عليهن فقط ، وترك تعليل إطلاقه على الصبيان لظهوره وفي ضمير مزارعها استخدام لعوده على الذرّية بمعنى الأولاد ، وقوله وتخصيصهم توجيه لذكرهم فقط مع عدم الاختصاص بهم ، والتماسك الثبات والاستقرار فيها. قوله تعالى : ( { فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } ا لا
يخفى مناسبته لقوله قبله في ذلك يسبحون وذكر المشحون أقوى في الامتنان بسلامتهم فيه أو لأنه أبعد من الخطر ، وقوله المراد ذلك نوح فهو مفرد وتعريفه للعهد والمراد في الأوّل الجنس ومرضه لأنه محتاج للتأويل بخلاف الظاهر كما أشار إليه بقوله وحمل الله الخ أي معنى حمل الله حينثذ ، وأنث ضمير فيها الراجع للفلك لأنه يجوز تأنيثه لكونه بمعنى السفينة. قوله : ( وتخصيص الذرية الخ ) أي على هذا الوجه حمل ذريتهم خص بالذكر لأنه أبلغ في الامتنان لأنّ استقرارهم فيها وتماسكهم أصعب ولتضمنه بقاء عقبهم ، والتعجب من الآية لأنها أمر يتعجب منه وبقاء نسلهم ونجاتهم بسفينة واحدة أعجب ، والإيجاز لأنه كان الظاهر أن يقال حملناهم ومن معهم ليبقى نسلهم وعقبهم فذكر الذرية يدل على بقاء النسل ، وهو يستلزم سلامة أصولهم فدل بلفظه القليل على معنى كثير. قوله : ( من الإبل ) هو على التفسيرين السابقين لا على أن المراد بالفلك الجنس كما توهم إذ لا وجه لتخصيصه به ، وقوله فإنها سفائن البر لكثرة ما تحمل لا لتبليغها للمقصود فإنه لا يختص بها ، وقد شاع إطلاق السفينة عليها كما قيل : سفائن برّ والسراب بحارها
قوله : ( أو من السفن والزوارق ) جمع زورق وهو السفينة الصغيرة وهذا على الثاني وهو
أن يراد بالفلك سفينة نوج عليه الصلاة والسلام ولا يبعده قوله خلقنا لأنّ أفعال العباد مخلوقة لله وتبادر الإنشائية ممنوع. قوله : ) فلا مغيث لهم ) إشارة إلى أن الصريح يكون بمعنى المغيث وبمعنى الصارخ ، وهو المستغيث فهو من الأضداد كما صرح به أهل اللغة ويكون مصدرا بمعنى الإغاثة لأنه في الأصل بمعنى الصراخ وهو صوت مخصوص وكل منهما صحيح هنا ، واعتراض أبي حيان على الثاني بأنه يحتاج إلى نقل أنّ الصريح يكون مصدراً بمعنى الصراخ لا يدفعه أنّ الزمخشريّ ثقة يعتمد عليه فإنه لا يستدلط بمحل النزاع ، ولا يلزم من كون الصريح بمعنى المغيث أن يكون بمعنى الإغاثة إذا كان مصدراً لأنه مصدر الثلاثي فالذي يدفعه أنّ الصريخ كالصراخ مصدر للثلاثي وتجوّز به عن الإغاثة لأنّ المغيث ينادي من يستغيث به ، ويصرخ له ويقول جاءك العون والنصر وقد ورد بهذا المعنى قال المبرد رحمه الله في أوّل الكامل قال سلامة بن جندل :
كنا إذا ما أتانا صارخ قرع كان الصراخ له فزع الطنابيب
يقول إذا أتانا مستغيث كانت إغاثته الجد في نصرته ، اهـ ولا عطر بعد عروس. قوله :
( كقولهم أتاهم الصريخ ) قيل عليه أنه لا يصلح دليلا للمدعي لجواز كون الصريح فيه بمعنى
المغيث بل أتاهم أظهر فيه من معنى المصدرية ، وليس بشيء لأنّ وروده مصدراً بمعنى الصراخ صرّحوا به ، والمناقشة في المثال ليست بمرضية عند أرباب التحصيل فإنه لم يستدل به ، وقوله ينجون بالتخفيف والتشديد والثاني أنسب. قوله : ( إلا لرحمة ولتمتيع ) وفي نسخة وتمتيع بدون إعادة الجار يعني أنه منصوب على أنه مفعول له وهو استثناء مفرع من أعمّ المفاعيل والظاهر أنه استثناء متصل ، وقيل إنه منقطع أي ولكن رحمة من ربي هي التي تنجيهم كما مرّ في الأنعام وجوّز فيه كونه بتقدير الباء على الحذف والإيصال ، وقيل إنه منصوب على المصدرية لفعل مقدّر.(7/243)
ج7ص244
قوله : ( الوقائع التي خلت ) في الأمم الخالية المكذبة للرسل ، وهو تفسير لما بين الأيدي وهو بتقدير مضاف أي مثل الوقائع وكونه بدون تقدير مضاف للعبرة سيأتي بيانه ، وعذاب الآخرة تفسير لما خلفهم وكونه على العكس بأن يكون ما بين أيديهم في الآخرة وما خلفهم ما مضى في الدنيا لهم ، وقوله أو نوازل السماء تفسير آخر لما بين أيديهم وما خلفهم على اللف والنشر المرتب كما في الآية المذكورة المفسر ما فيها بما بعدها من قوله : { إِن نشأ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء } [ سورة سبأ ، الآية : 9 ] والمراد إحاطة العذاب بهم من جميع الجوانب إلا أنّ التلاوة في سبأ أفلم بالفاء دون الواو فهو سهو. قوله : ( أو عذاب الدنيا الخ ) على اللف والنشر المرتب أو عكسه على المشوّس وجعل الدنيا خلفاً لمضيها والآخرة بين الأيدي لاستقبالها فلا بعد فيه كما توهم وهذا يرجع للوجه الأوّل إلا أنه فرق بينهما بأنّ الأوّل مقيد بالمثلية دون هذا أو الأوّل ملاحظ فيه معنى التقدّم دونه ، وهذا إنما يتأتى على تقدير المضاف فيه أما إذا لم يقدّر فلا لكنه لا يناسب ما قبله ولا ما بعده فتدبر وقوله أو ما تقدم الخ على اللف والنشر والعكس لكنه اكتفى عنه بما مرّ. قوله : ( لتكونوا راجين الخ ) يعني أنّ الرجاء من جهة العباد لاستحالته على الله ، أو لتكونوا بحال يصح فيها رجاء الرحمة ويستقيم ولا فرق بينهما لأنه على فرض التقوى فتأمّل. قوله : ( أعرضوا ) هو الجواب المحذوف ، وقوله لأنهم الخ إشارة إلى ما في الكشاف كما أطبق عليه شراحه من أنّ هذه الجملة تذييل لما قبله فتكون معترضة أو حالاً مسوقة لتأكيد ما قبلها لشمولها لما تضمنته مع زيادة إفادة التعليل الدال على الجواب المقدر المعلل به فليس من حقها الفصل لأنها مستأنفة كما توهم ، والتمرن على العمل مداومته وتكراره. قوله : ( على محاويجكم ) يعني المحتاجين منكم جمع محوج اسم فاعل من
أحوج صار ذا حاجة قال في المصباح أحوج وزان أكرم من الحاجة فهو محوج وقياس جمعه بالواو والنون لأنه صفة عاقل والناس يقولون في الجمع محويج مثل سقاطير اص. ئوله : ( كفروا بمالصانع ) يعني أنكروا وجوده وهم المعطلة المنكرون لوجود الباري وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ولذا أظهر في مقام الإضمار ، وقوله بعد. لو يشاء الله لا ينافي ذلك لأنه تهكم أو مبنيّ على اعتقاد المخاطبين كما أشار إليه المصنف بقوله تهكما الخ. قوله : ( أنطعم ( لم يقل أننفق إمّا لأنه المراد من الإنفاق أو تطعم بمعنى نعطي أو لأنه يدل على منع غيره بالطريق الأولى ، وقوله على زعمكم إشارة إلى ما مرّ لأنهم معطلة ، وقول الزمخشري أنطعم المقول فيه هذا القول بينكم تصحيح لوقوع الشرطية لامتناعية صلة مع أنّ شأن الصلة أن تكون أمراً معهودا على ما صرح به في قوله : { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً } [ سورة النساء ، الآية : 9 ] لكنه اكتفى بما ذكر لكون الصلة والموصول كشيء واحد كما حققه الطيبي رحمه الله فما قيل إنه لا ملجئ إليه لكفاية البناء على الزعم في صحة المعنى غفلة عن مراده ، وقوله في الكشف أوّله به لأنهم كانوا معتقدين قدرة الله وارادته قيل إنه سهو أو سقط منه حرف النفي اللهمّ إلا أن يجعل الضمير للمخاطبين فيكون كقول المصنف على زعمكم. قوله : ( استطعمهم الخ ا لأنهم جعلوا الله نصيباً في حرثهم وأنعامهم كما مرّ ، وقوله أحق بذلك أي بعدم الإطعام وإنما قال إيهاماً وان كان الاستفهام الإنكاري صريحا فيه لأن مرادهم المنع مطلقا ، وقوله من فرط جهالتهم أي عنادهم ولو لم يشأ الله ذلك لم يأمر به ويحث عليه ، وقوله حيث أمرتمونا الخ فهو من مقول الكفلة وعداه بنفسه كقوله :
أمرتك الخير فافعل مط أمرت !هـ
وهذا على الوجوه كلها فهو إمّا تهكم أو عن اعتقاد ويحتمل أن يكون على الأخير. قوله : ( وهي النفخة الأولى ) أي التي يموت بها من بقي على وجه الأرض ، وقوله وأصله
يختصمون الخ فيه قرا آت كما ذكرها المصنف وتفصيلها على اختلاف الرواية فيها في النشر والدرّ المصون ، فأولاها بفتح الياء وكسر الخاء لالتقاء الساكنين والصاد على الأصل وأصله يختصمون ففعل فيه ما ذكره المصنف ، والثانية بكسر الياء اتباعاً للخاء المكسورة والثالثة بفتح الياء والخاء بنقل حركة التاء لها وأبو عمرو اختل!س حركتها أي خففها مع سرعة ، واستشكلت قراءة نافع بأنّ فيها الجمع بين ساكنين على غير حده فكأنه جائز عنده إذا كان الثاني مدغماً وفي عزوها على ما ذكره المصنف ما يخالف ما نقله القرّاء وليس هذا محله. قوله : ( وقرأ حمزة يخصمون ) أي بفتح الياء وسكون الخاء ، وتخفيف(7/244)
ج7ص245
الصاد من خصم الثلاثي وهذه مروية أيضاً عن أبي عمرو وقالون كما في البحر ، والمفعول محذوف أي يخصم بعضهم بعضاً وحذف المضاف إلى الفاعل فارتفع الضمير المجرور واستقرّ ، وتفصيله كما في الحجة أنّ ابن كثير وأبا عمرو قرآبفتح الياء الخاء غير أنّ أبا عمرو يختلس حركة الخاء قريبا من قول نافع ، وقرأ عاصم والكسائي وابن عامر بفتح الياء وكسر الخاء وهذه رواية خلف وغيره عن يحيى عن أبي بكر وقرأها نافع ساكنة الخاء مشذدة الصاد وورس بفتح الياء والخاء مشذدة الصاد وحمزة ساكنة الخاء خفيفة الصاد ، وعن عاصم أنه قرأ بكسر الياء والخاء ويهدي بكسر الياء والهاء وقال أبو عليّ : من قال يخصمون حذف الحركة من الحرف المدغم وألقاها على الساكن ، وهذا أحسن الوجوه بدليل قولهم ردّ وعض فألقوا حركة العين على الساكن ، ومن قال يخصمون حذف الحركة إلا أنه لم يلقها على الساكن كما ألقاها الأوّل ولو جعله بمنزلة قولهم مسنا السماء حذف الكسرة من العين ، ولم يلقها على الحرف الذي قبلها فلما لم يلقها التقى ساكنان فحرك ما قبل الحرف المدغم ، ومن قال : يخصمون جمع بين الساكنين الخاء والحرف المدغم ، ومن زعم أنّ ذلك ليس في طاقة ادّعى ما يعلم فساده بغير استدلال فأما من تال : يخصمون فتقدير. يخصم بعضهم بعضاً فحذف المضاف والمفعول به وهو كثير ، ويجوز أن يكون المعنى يخصمون مجادلهم عن أنفسهم فحذف المفعول ومعنى يخصمون يغلبون في الخصام خصومهم ، فأما يخصمون فعلى قول من قال أنت تخصم يريد تختصم فحذف الحركة وحركت الخاء لالتقاء الساكنين لأنه لم يلق الحركة المفتوحة على الفاء ، وكسر الياء التي للمضارعة لسبقها كسرة الخاء وهذه لغة حكاها سيبويه عن الخليل وهذه الياء كسرت في مواضع حكاها سيبويه في يسبأ وينحل ويخصمون ا هـ ، وتوصية مفعول به ليستطيعون أو مفعول مطلق لفعل مقدّر وتبغتهم بالغين المعجمة أي تفجؤهم.
قوله : ( إلى ربهم ينسلون ) لا منافاة بين هذا وبين ما وقع في آية أخرى فإذا هم قيام ينظرون لأنهما في زمان واحد متقارب قيل ، وذكر الرب في موقعه للإشارة إلى إسراعهم بعد الإساءة لمن أحسن إليهم حين اضطرّوا له وقوله بالضم أي ضم السين ، ومرقدنا قال المعرب يجوز أن يكون مصدرا بمعنى رقادنا وأن يكون مكاناً فهو مفرد أقيم مقام الجمع والأوّل أحسن لأنّ المصدر يفرد مطلقاً. قوله : ( يمعنى أهبنا ) ظاهره أنه يكون متعدّيا كالمزيد ، وقد قال ابن جنى أني لم أر له أصلاً ولا مر بنا في اللغة مهبوب إلا أن يكون على الحذف والإيصال وأصله هب بنا أي أيقظنا. قوله : ( وفيه ترشيح ورمز الخ ) أي فيما ذكر على قراءة هبنا وأهبنا أو على القراآت إشارة إلى أنّ في المرقد اسنعارة أصلية إن كان مصدوا وتبعية ، إن كان اسم مكان شبه الموت بالرقاد ثم استعير له اسمه ووجه الشبه الاستراحة من الأفعال الاختيارية وهي في المشبه به أقوى ، وإن توهم بعضهم أنه ليس بأقوى لظن إنه عدم ظهور الأفعال وهي في الموت أقوى ، وأما كونه البعث وهو في النوم أقوى وأشهر إذ لا شبهة فيه لأحد والقرينة صدوره من الموتى فمع أنه غير موافق لكلام المصنف لأحسن فيه لأنّ البعث القيام من النوم والقبر وهي حالة مضادّة له فلا يحسن جعلها وجهاً في غير الاستعارة التهكمية ، وليس هذا منها مع أنه لا يشترط فيه كونه أقوى فقط بل أو أشهر وأعرف ، ولا شك أنه أعرف في النوم لتكرّره على الحس ، وأما كون البعث ترشيحاً على التوجيه الثاني ففيه نظر لأنه لا اختصاص له بالنوم ولا بالموت فكما لا يصلح أن يكون قرينة لا يصلح أن يكون ترشيحاً فمن جعله ترشيحا فلعله لكونه أعرف في النوم من غير منكر له أو لأنه مشترك فيهما فلا يدل على أحد معنييه بدون قرينة ، وذكره مع الرقاد يتبادر منه معنى الهبوب من النوم فيكون ترشيحا ، أو هو حقيقة وهذا مجاز ألحق بالحقيقة في لسان الشرع ، وما قيل من أنّ المراد بالترشيح معناه اللغوي إذ لا تشبيه هنا ولا استعارة فلا معنى له أص!لأ. قوله : ( أو إشعار ) هذا وجه آخر بناء على أنهم قالوه لظنهم لاختلاط عقولهم أنهم كانوا نياما فهو على حقيقته ، وأما على النسخة الأخرى وهي عطفه بالواو لا بأو فإمّا أن يقال الواو بمعنى أو ويقال هذا إشعار بأنهم على حال من شأنها ذلك لا أنه وقع منهم ذلك الظن الذي ألحقه بالحقيقة في الواقع ، والظاهر أنّ النسخة الأولى هي الصحيحة لسلامتها من التكلف ، وتوهم النوم لأنه كالراحة بالنسبة لما بعده ، وما روي من أنّ البشر لهم نومة قبل الحشر غير صحيح كما في البحر ، وما قيل من أنه(7/245)
ج7ص246
لو استمرّ عذاب القبور لم يتأت منهم هذا المقال يعلم جوابه من قول المصنف لاختلاط عقولهم لأنهم ليس لهم فيها إدراك تام ، وقوله
ومن بعثنا الخ أي قرئ بمن الجازة والمصدر المجرور ، وقوله محذوفة الراجع أي العائد وتقديره وعده وصدقه أو فيه وعلى المصدرية المصدر فيه بمعنى المفعول. قواله : ( أو هذا صفة لمرقدنا ا لتأويله بمشتق فيصح الوقف عليه ، وقد روي عن حفص أنه وقف عليه وسكت سكتة خفيفة ، كما وقع في بعض النسخ فمن قال إن الوقف على مرقدنا عند الكل لثلا يتوهم أنّ هذا صفة لمرقدنا فقد أخطأ من وجهين ، وقوله خبر محذوف تقديره هو أو هذا وفيه من البديع صفة تسمى التجاذب ، وهو أن تكون كلمة تحتمل أن تكون من السابق أو اللاحق كما في شرح المفتاح للسيد ولم أر له مثالاً غير هذا ، وقوله من كلامهم أي الكفرة على أنهم أجابوا أنفسهم أو أجاب بعضهم بعضاً. قوله : ( معدول الخ ا لأنهم سالوا عن الفاعل فحقهم أن يجابوا به فعدل عنه لما ذكر فهو من الأسلوب الحكيم ، وهذا على الاحتمالين الأخيرين أو الكل ، وقوله الفعلة قدّره عامّاً مؤنثاً على قاعدة الاستثناء المفرّغ وقراءة الرفع يجري فيها ما مرّ ، وقوله بمجرّد تلك الصيحة من الفاء وإذا الفجائية والتهوين لكونه بمجرد الصيحة ، وقوله هي النفخة الخ النفخة صوت فيصح تفسيرها بها ولا تجوّز فيه لأنّ الصيحة مسببة عنها ، وقوله التي الخ فيه تسمح في التعبير. قوله : ( . قوله : ( حكاية لما يقال لهم ) فضمير تجزون وتعملون والخطاب للكفرة ، وتصوير الموعود وهو جزاؤهم على ما عملو. من غير ظلم والسكين من جعله حاضراً عندهم ، وشيئاً منصوب على المصدرية أو مفعول به على الحذف والإيصال ، ويجوز أن يكون إخباراً من الله عما لأهل المحشر على العموم بدليل تنكير نفس وتعريف اليوم للعهد لأنه في حكم المذكور والمراد به يوم القيامة لدلالة نفخ الصور عليه دلالة ركب السلطان على سلطان البلد قيعمّ الخطاب المؤمنين كما اختاره السكاكي ، وما قيل عليه من أنه يأباه الحصر لأنه تعالى يوفي
المؤمنين أجورهم ويزيدهم من فضله أضعافا مضاعفة فيرده أنّ المعنى أنّ الصالح لا ينقص ثوابه والطالح لا يزاد عقابه لأنّ الحكمة تأبى ما هو على صورة الطلم أما زيادة الثواب ونقص العقاب فليس كذلك ، أو المراد بقوله لا تجزون إلا ما كنتم تعملون أنكم لا تجزون إلا من جنس عملكم إن خيرا فخير وان شرا فشر فلا وجه لما ذكره. قوله : ( من الفكاهة بالضم ) وهي التمتع والتلذذ ماخوذ من الفاكهة وقد يكون بمعنى التحدث بما يسر وتنكير شغل للتعظيم كأنه شغل لا يدرك كنهه ، وقوله أعلى ما يحيط به بالإضافة إلى ما الموصولة أو الموصوفة ، وكونه على حذف من التفضيلية وان كان بحسب المعنى أحسن إلا أنّ حذف من وابقاء مجرورها ركيك وكونها نافية والجملة مستأنفة لبيان كونه أعلى خلاف الظاهر ، ويعرب بمهملتين من الإعراب وهو البيان وجوّز فيه كونه بالزاي المعجمة المضمومة أو المكسورة وفتح حرف المضارعة بمعنى يغيب ، ويبعد بعطفه على الجملة المنفية وهو تكلف. قوله : ( وقرأ الخ ( حاصله أنّ قراءة الكوفيين وابن عامر بضمتين والباقون بضم فسكون وهما لغتان للحجازيين كما قاله الفراء : وأبو السماك بفتحتين ويزيد النحوي وابن هبيرة بفتح فسكون ، والكل لغات فيه وقوله وشغل بفتحتين الخ معطوف على قوله شغل بالسكون بحسب المعنى ، والتقدير قرئ في شغل وفصل بينهما لأنّ هذه من الشواذ وفكهون جمع فكه كحذر وهي صفة مشبهة تدل على المبالغة والثبوت ، وقوله صلة أي متعلق به وبجوز كونه حالاً من ضمميره. قوله : ( وقرئ فكهون بالضم ) أي بضم الكاف وفتح الفاء وفعل من أوزان الصفة المشبهة كنطس بنون وطاء وسين مهملتين ، وهو لغة في نطس بوزن حذر وهو الحاذق الدقيق النظر الصادق الفراسة والعرب تسمى الطبيب لذلك نطاسياً من التنطس وهو استقصاء النظر ويكون بمعنى التطهر والتنزه. قوله : ( ويؤيده ( لأن ظلل بضم وفتح جمع ظلة ، وهي ما أظل لأظل بالكسر ولا منافاة بين هذا وبين ما مرّ في لقمان كما توهم ومتكئون خبر مبتدأ مقدر أي هم وعلى الأرائك متعلق به والجملة مستأنفة ، وهو معنى قول المصنف على الأرائك جملة مستأنفة لكن فيه تسمح أو خبر آخر لأنّ قوله وهم مبتدأ أو مؤكد للمستكن في فاكهون ، أو في قوله في شغل كما ذكره المصنف لكن فيه الفصل بين المؤكد وبينه بأجنبيّ ، وهو فاكهون قاله المعرب والأحكام الثلاثة التفكه والقعود على السرر والاتكاء(7/246)
ج7ص247
والمعطوف عليه هم أو المستتر وهذا على الوجوه على القول بمجيء الحال من المبتدأ ولا مانع من كون في ظلال خبرا آخر فسر الأرائك بالسرر المزينة ، وقيد. في المطففين بكونها
في الحجال ولك أن تقول إنه معنى مزينة وقد ذكرهما أهل اللغة معا. قوله : ( ما يدّعون ) يعني
أنه افتعال من الدعاء بمعنى الطلب ، وهو بمعنى الثلاثي أي كل ما طلبوه لأنفسهم يصل إليهم ، وقوله لأنفسهم إشارة إلى قول الإمام إنه ليس المراد أنهم يعطون بعد الطلب بل إنه حاصل لهم بدلي ن طلب كالمملوك إذا طلب من المالك فقال له لك ، ولك احتمل أنك مجاب لمطلوبك وأن ذلك حاصل لك فلم يفد ولا مانع من حمله على الأوّل فإنه للحصول بعد طلب لا سيما والمطلوب عظيم والمطلوب منه ملك كريم ، وأصله يد تعيون فقلبت التاء دالاً أو أدغصت وحذفت ياؤه على ما بين في اقصريف ، واشتوى من الشي وهو معروف واجتمل بالجيم بمعنى جمل أي أذاب الشحم ، وهما مثال للافتعال بمعنى الثلاثي ، وقوله أو ما يتداعونه يعني أنه افتعال بمعنى التفاعل والتداعي طلب بعضهم من بعض بالفعل لما فيه من التحاب أو المراد صحة الطلب كما مز ، وقوله أو ما يدعونه في الدنيا أي ما كانوا يدعون به ويطلبونه من اللّه فهو من الدعاء بمعناه المشهور ، وقوله وما الخ جوّز أبو حيان مصدريتها فالمصدر بمعنى المفعول وهو تكلف. قوله : ( بدل منها ) أي من ما على الوجهين وهو إمّا بدل كل من كل على أنّ ما أريد بها خاص أو على ادّعاء ألاتحاد تعظيماً أو بعض على أنها عامّة حلى الموصولية يلزم إبدال النكرة كير الموصوفة من المعرفة فإمّا أن يلتزم جوازه من غير قبح ، أو يقال هو في معنى الموصوف ومثله يكفي له ، وقوله أو صفة يعني على كونها نحرة موصوفة ، ولذا قال أخرى لأنه
لا توصف المعرفة بالنكرة فهو مؤوّل بسالم أو بتقدير ذي سلام واذا كان خبرا بمعنى سالم خالص لا شوب فيه فلهم متعلق به وقدّر الخبر مقدماً ليسوغ الابتداء بالنكرة ، وقوله على المصدر أي يسلمون سلاما بمعنى التحية أو السلامة وعلى الحالية فهو من الثاني كما أشار إليه ، وقوله والمعنى وفي نسخة بمعنى وهو على الوجوه إذا كان السلام بمعنى التحية ، وقوله على الاضصاص المراد به النص! على المدح بتقدير أعني وهذا أنسب بقوله من رب رحيم فإنه لا شيء أمدح من تسليمه عليهم وهو حينئذ جملة مستقلة. قوله : ( وذلك حين يسار بهم إلى الجنة
الخ ا لم يتعرض! كصاحب الكشاف لتوجيه عطفه لأنه بحسب الظاهر من عطف الإنشاء على الخبر فهو إمّا بتقدير ويقال امتازوا على أنه معطوف على يقال المقدّر العامل في قولاً ، وهو أقرب وأقل تكلفاً لأنّ حذف القول وقيام معموله مقامه كثير حتى قيل فيه هو البحر حدّث عنه ولا حرج ، أو يقال إنه من عطف القصة على القصة كما مرّ تفصيله في سورة البقرة أو يقال المعطوف مؤوّل بخبر لأنّ المراد أنّ المجرمين ممتازون متفرقون ليسوا كأهل الجنة مع أهلهم وأزواجهم وعدل عنه إلى الأمر لما فيه من التهويل والتعنيف ، وهذا أحسن مما اختاره السكاكي من تأويل الأوّل لأنّ محصله فليمتازوا عنكم يا أهل المحشر وامتازوا عنهم لما فيه من التكرار إذ يعلم من امتياز أحدهما امتياز الآخر كما في الكشف وان كان لكونه أمراً تقديريا لا محذور فيه مع أنّ الامتياز الأوّل امتياز على وجه الإكرام وتحقيق الوعد والآخر على وجه الإهانة وتعجيل الوعيد فيفيد كل منهما ما لا يفيده الآخر ، وأما كون امتازوا فعلا ماضياً والضمير المتصل لا المستتر للمؤمنين أي امتاز المؤمنون عنكم يا أيها المجرمون كما قيل فمع مخالفته للأسلوب المعروف من وقوع النداء مع الأمر نحو يوسف أعرض عن هذا قليل الجدوى ، وما ذكره من التحسير فيه ما قبله من ذكر ما هم عليه من التنعم. قوله : ( كقوله ويوم تقوم الخ ) أي في الدلالة على أنّ كلاً منهما متمس ش منفرد عن الآخر ، وقوله فإنّ لكل كافر الخ وهذا لا ينافي عتاب بعضهم بعضاً الوارد في آيآت أخر كقوله : { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ } [ سورة غافر ، الآية : 47 ] كما قيل إن أراد لكل شخص لأنه باعتبار الأزمنة والأمكنة أو الإشراف عليهم فإن أراد لكل صنف كافر كاليهود والنصارى فلا يحتاج إلى الدفع. قوله : ( وعهده إليهم ما نصب لهم من الحجج العقلية ) فيكون العهد استعارة لإقامة البراهين ، وقيل إنه حقيقة لأنه عبارة عما عهده في عالم الذو إذ قال لهم ألست بربكم ، ولذا قال يا بني آدم فتأمّل. قوله : ( وجعلها ) أي العبادة عبادة الشيطان فالتجوّز في الشبة إلى السبب ، ويجوز أن يكون استعارة بتشبيه طاعته بعبادته ، وقوله وقرئ الخ أي بكسر(7/247)
ج7ص248
حرف المضارعة ، وهو لغة في فعل بالكسر مطلقا وبعضهم لا يكسر ألياء كما في الكشاف وقوله وأجهد أي قرئ بابدال العين حاء مهملة وحدها أو بإبدالها مع إبدال الهاء وادغامها وهي لغة تميم ، وقيل إنّ الأوّل لغة هذيلى والثاني لغة تميص ، وقوله بالطاعة متعلق بعبادته أي الشيطان وهو إشارة إلى ما أسلفه
بقوله جعلها الخ. قوله : ( لبيان المقتضى للعهد بشقيه ) وهما عدم عبادة الشيطان وعبادة الله على أنّ الإشارة إلى ما عهد إليهم مطلقا أو بالشق الأخير وهو عبادة الله على أنّ الإشارة لعبادته لأنه المعروف في الصراط المستقيم ففيه لف ، ونشر مرتب وقيل الأول أولى لأن عبادته تعالى إذا لم تنفرد عن عبادة غيره لا تسمى صراطاً مستقيما وليس المراد بالثاني عبادته خاصة لذكره بعد النهي لأنه يعود إلى الأوّل لكن عبادته ما لم تكن كذلك لا يعتد بها فتأمل. قوله : ) والتنكير للمبالغة والتعظيم ) توجيه لتنكيره مع أنّ حقه أن يعرّف ، ويحصر الصراط المستقيم فيه ليتم التعليل بأنه عدل عنه لأن المراد أنه صراط بليغ في استقامته جامع لكل ما يجب أن يكون عليه ، وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف والتعريف فالتنوين للتعظيم. قوله :
( أو للتبعيض! توجيه آخر بأنّ تنوينه للتبعيض كما في قوله : { أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } ، [ سورة الإسرأء ، الآية : \ ، وهو وان لم يكن صراط مستقيم غيره إلا أن المراد كما في الكشاف الهضم من حقه على نهج الكلام المنصف توبيخاً أي لو كان بعض الطرق الموصوفة بالاستقامة كفى ذلك فكيف وهو الأصل والعمدة كما قيل :
وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة وأنت كل الناس
وفيه إدماج لأنّ المطلوب الاستقامة والأمر دائر معها وقليلها كثير ، وأما قوله فإن التوحيد
الخ فتوجيه آخر بحمله على ظاهره فإنّ الإشارة إلى توحيده بالعبادة ، وهو وان كان أجل الطرق المستقيمة إلا أنها لا تنحصر فيه لأنّ كل ما يجب اعتقاده طريق مستقيم فهو متعدّد وهذا وجه واحد منها لكنه رأسها ورئيسها ، وما قيل عليه من أنّ البعض يطلق على جزء الشيء وجزئيه والأوّل مدلولط من والثاني مدلول التنكير الدال على الفرد المنتشر أو الماهية مع وحدة ما وأنه لا نظر في كلام الزمخشري لاستعماله في مدلوله الحقيقي ، وأما المصنف رحمه الله فارتكب المجاز لأنه دائر بين أمرين جعل الكل بعضاً ادعاء للمبالغة ، واستعمال التنكير في معنى من التبعيضية فيميل إلى أيهما شاء وباب المجاز لا يغلق مبني على الفرق المذكور تبعا للشريف في حواشي المطول وهو مردود كما اعترف به القائل في رسالته التي صنفها في من التبعيضية لأن الزمخشريّ صرح بخلافه في مواضمع من الكشاف ، وقد سبقه الإمام المرزوقي به في قوله ليلا وعبد القاهر في قوله : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } فكأنه نسي ما قدمته يداه وافتخر به ثمة وهو الحق ، وما ذكره من أن كلام المصنف رحمه الله دائر بين أمرين لا أصل له أمّا الأول فمسلك الزمخشريّ كما سمعته وهو مصرح بخلافه ، وأمّا الثاني فمع تكلفه ليس في كلامه نفحة ورائحة منه. قوله : ( رجوع إلى بيان معاداة الشيطان ( بعدما بينها أولاً بقوله إنه لكم عدوّ مبين لأنها وان
كانت ظاهرة غنية عن البيان إلا أنهم لعدم جريهم على مقتضى علمهم جعلوا كالمنكرين فلذا كد فيما مضى ، وقوله أفلم تكونوا تعقلون هو لإنكار أن يكونوا يعقلون شيئاً مّا أو أن يكونوا من أولي العقل ، أو للتقرير أي لسمّ كذلك ادعاء لأنّ العائد له بعد ظهور. ليس بعاقل ، والجبل الخلق أي الخلائق أو الطبع المخلوق عليه والأوّل أظهر هنا قال الراغب قولهم جبله الله على كذا إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذي لا يتنقل كأنه جبل ومنه الجبلة ، ولما فيه من معنى العظم في الأصل أطلق على الجماعة وقد فسر بالأمّة والجماعة هنا والقراآت ظاهرة والمعنى فيها واحد والقراءة الأخيرة بكسر الجيم والياء المثناة التحتية قراءة عليّ وهي شاذة ومعناها الطائفة من الناس وقدّم بيان كونها لغات على ما بعده لأنها في الأول مفرد وفي الباقية جمع فلذا فصل بينهما ، والأمر في أصلوها للتحقير والإهانة ، وقوله بكفركم إشارة إلى أنّ ما مصدرية ويجوز موصوليتها. قوله تعالى : ( { الْيَوْمَ نَخْتِمُ } الخ ) قد وفق بينه وبين قوله يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بأنّ منهم من يعترف فتشهد عليهم الألسنة ، ومنهم من ينكر لقوله : { وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ سورة الأنعام ، الآية : 23 ] أو مبهوت فيختم على أفواههم وهذا بحسب تفاوت كفرهم ، وعتوهم واسناد الختم إليه تعالى(7/248)
ج7ص249
دون الكلام والشهادة قيل لأنه لئلا يحتمل الجبر عليه فدل على أنه باختيارهم بعد إقدار اللّه فإنه أدل على تفضيحهم ! قوله : ( بظهور آثار المعاصي عليها ) بأن تبدل هيآتها بأخرى يلهم الله أهل المحشر أنها علامة دالة على ما صدر منهم فجعلت الدلالة الحالية بمنزلة المقالية مجازاً ، ولا يمنع منه قوله : { أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [ سورة فصلت ، الآية : 21 ، ولا قوله كل شيء كما توهم فإنه فسره المصنف ثمة بدلالة الحال وكل شيء بكل حيّ لكنه مع قوله قالوا ظاهر فيه جدّا ، وكأنّ المعترف أراد هذا. قوله : ( لمسحنا ) بالحاء المهملة أي أذهبنا أحداقهم وأبصارهم حتى لو
أرادوا سلوك الطريق الواضح المألوف لهم لا يقدوون عليه ، ولما كان الصراط كالطريق مكاناً مختصاً ومثله لا ينصب على الظرفية أوّلوه بأنّ أصله إلى الصراط فنصبه بنزع الخافض ، أو هو مفعول به لتضمينه معنى ابتدروا وليس حقيقة كما توهم ، ونقل عن الأساس أو بجعله مفعولاً به لأنّ استبقوا يجيء بمعنى سبقوا فجعل مسبوقاً على التحوز في النسبة أو الاستعارة المكينة أو على أنه بمعنى جاوزوه كما ستعرفه ، أو هو منصوب على الظرفية على خلاف القياس أو على قول بعض النحاة كابن الطراوة أنه غير مختص د!ان صرح سيبويه بخلافه ، واستبقوا قيل المراد أرادوا الاستباق ، وقيل لا حاجة لتأويله فإنّ الأعمى يجوز شروعه في السباق. قوله : ) أو جعل المسبوق إليه مسبوقاً على الاتساع ) إن أراد بالاتساع التوسع في الظرف حتى ينصب على أنه مفعول به كما مرّ في الفاتحة في نحو ، ويوماً شهدناه فهو فرع صحة نصمبه على الظرفية والتأويل للفرار منه فلذا ردّ على اليمني إذ جعله منه وهو مراد صاحب الكشف ، ومن لم يفهم مراده خبط وخلط فيه وان أراد به إسقاط الخافض تسمحأ فهو الوجه الأوّل فالظاهر أنه أراد به التجوّز باستعماله في معنى جاوزه مجازا لأنه لازم له إذ المقصود من المبادرة مجاوزته ، ولا بد من هذا لأنه لو كان حقيقة كما هو ظاهر قوله في القاموس استبق الصراط جاوزه لم يكن اتساعاً ولو كان لازماً كما عليه اكثر أهل اللغة لم يكن له مفعول ولا يكون ثمة مسبوق فكيف يصح جعله استعارة مكنية ، وتخييلية وهل هو إلا تخيل فاسد فما ذكره المصنف رحمه الله هو بعينه ما في الكشاف لا فرق بينهما إلا أن ما في الكشاف يحتمل أنه حقيقة وبهذا سقط الاعتراض عن شراح الكشاف واطلاق الاتساع على المجاز كثير. قوله : ) فأنى يبصرون ) أنى بمعنى كيف والمقصود إنكار رؤيتهم وقوله بتغيير صورهم هو حقيقة المسخ ، دمانما ذكر إبطال القوى لقوله فما استطاعوا الخ والمكانة بمعنى المكان هنا وقد تكون في المرتبة والمنزلة ، ويجمدون بالجيم والدال المهملة مبنياً للفاعل ( و المفعول من الأفعال والخاء المعجمة تحريف والمراد أنهم لا يقدرون على مفارقة مكانهم ، والقراءة بالجمع لتعددهم. قوله : ) فوضع الفعل الخ ( لأنّ المعنى
والصناعة تقتضيه أو لمعنى ولا رجوعا وهو معطوف على المفعول ومفعول اسنطاع لا يكون جملة فهو من قبيل تسمع بالمعيدي فلا يدل على الاستمرار حتى يجعل وجهاً للعدول كما قيل ، وإذا كان بمعنى لا يرجعون عن تكذيبهم فهو معطوف على جملة ما استطاعوا ، وقوله لقلب الواو ياء تعليل لكسرها ووزنه فعول بالضم وأصله مضوي فلما قلبت الواو ياء لاجتماعها معها ساكنة قلبت الضمة قبلها كسرة لتخف وتناسبها ، وقوله كصثيّ بفتح الصاد المهملة بعدها همزة مكسورة ثم ياء مشددة مصدر صأي الديك أو الفرخ إذا صاح فهو مثال لمجيء فعيل مصدرا للمعتل كما في كتب اللغة والكشف ، فمن قال إنّ المراد أنه بوزنه لأنه ليس بمصدر فقدسها لظنه إنه بالباء الموحدة ، وقوله أحقاء لأنّ لو تقتضي أنه فرض ولم يقع ، وقوله لم نفعل إشارة إلى أنّ لو للمضيّ على أنه بالباء الموحدة ، وقوله أحقاء لأنّ لو تقتضي أنه فرض ولم يقع ، وقوله لم نفعل إشارة إلى أنّ لو للمضيّ على أصلها لا بمعنى إن ودخولها على المضارع لاستحضار الصورة والدلالة على استمرار الامتناع ، وقوله فلا يزال يتزايد ضعفه الخ تفسير لتقلبه وإشارة إلى أنه مستعار من التنكيس الحسي إلى المعنوي وبدء أمره مرفوع بكان أو منصوب على الظرفية وقوله فإنه أي تنكيس خلقه وإيجاده على تدرج لا ينافي المقدورية. قوله : ( اي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن الخ ) يعني أنّ تعليمه المنفي ما كان بالقرآن الذي زعموه شعراً حين أتى به فإنه لا يشابه الشعر لفظاً لعدم وزنه وتقفيته ولا معنى لأنّ الشعر تخيلات ، وهذا حكم وعقائد وشرائع فلو كانت الشاعرية المسندة له لذلك لم يصح بوجه من الوجوه فإنهم قاسوه على من يشعر بقراءة الدواوين ، وكثرة حفظها فالباء في قوله(7/249)
ج7ص250
بتعليم الخ للاسنعانة وجملة ما ينبغي معترضة ، وفيه إدماج لا كناية تلويحية وقياس مضمر لردّ قولهم بمعنى أنكم لم تعرفوا منه ذلك ولا سمعتموه منه ، وما يأتي به ليس على نهجه ويتوخى بمعنى يقصد ، ومبني الشعر ما ذكره ولذا قيل أعذبه أكذبه ، ومرادهم من إسناد الشاعرية أنه افترأء وتخيل والشعر يطلق في اللغة على قريب من مصطلح المنطق كما صرح به الراغب فلا يتوهم أنّ ما ذكر اصطلاح المنطقيين كما صرح به بعضهم. قوله : ( وما يصح له الشعر الخ ) يعني أن ينبغي مطاوع يبغي بمعنى يطلب ، والمراد كما قال ابن الحاجب لا يستقيم عقلا كقوله : { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا } [ سورة مريم ، الآية : 92 ] لأنه لو كان ممن يقول الشعر والمشاهد خلافه لتطرقت التهمة عقلاَ في أنّ ما جاء به من عند نفسه ، ولذا قال ويحق القول الخ لأنه لم يبق إلا العناد الموجب للهلاك فظهر ارتباطه بما قبله وما بعده. قوله : ( أنا الن!ئ لا كذب ) إشارة
إلى أنّ صفة النبوّة يستحيل معها الكذب فكأنه قال أنا النبيّ ، والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم وأنا متيقن أنّ الذي وعدني الله من النصر حق فلا يجوز عليّ الفرار والذي صححه أهل السير أنه قاله يوم حنين ، وهو على بغلته الشهباء وأبو سفيان بن الحرث آخذ بزمامها ، وقول شراح الكشاف إنه قاله بحنين حين نزل ودعا واستنصر مخالف للرواية وقوله هل أنت الخ قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين أصاب إصبعه حجر فدميت في بعض غزواته متمثلاَ به فلا ينافي ما قاله ابن هشام في السيرة من أنّ قائله الوليد بن المغيرة في قصة ذكرها ، وقيل لابن رواحة رضي الله عنه وأوّله :
يانفس إن لم تقتل قموشي هذاحمام الموت قد صليتي وماتمنيتيه قدأ!يتي أن تفعلي فعلهماهديتي
وهذا هو الذي صححه ابن الجوزي ولم يعزه لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقال إنه تمثل به ولم
يثبت أيضاً. قوله : ( اتفاقي من غير تكلف وقصد منه ) خبر لقوله قوله أي النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ودفع لما يرد على قولهم إنه لم يقل الشعر ولا يصح ذلك منه ، وقد روي هذا* ونحوه عنه بأن تعريف الشعر لكلام المقفي الموزون على سبيل القصد ، وهذا مما اتفق له من غير قصد لوزنه ومثله يقع كثيرا في الكلام المنثور ولا يسمى شعراً ولا قائله شاعرا ولا يتوهم أنّ انتسابه إلى جذه دون أبيه يعلم منه قصده لأنّ النسبة للجذ شائعة ، ولأنه كان مشهوراً بينهم بالصدق والشرف والعزة فلذا خصه بالذكر ليكون كالدليل على ما قبله. قوله : ( على أنّ الخليل ) ابن أحمد واضع علم العروض ما عد الخ بحور الشعر معروفة ، والرجز منها وسمي به لتقارب أجزائه وكثرة تغييراته من ارتجزت الإبل إذا أصابها الرجز وهو داء ترتعش منه ، ووزنه مستفعلن ست مرات فإذا حذف من كل مصراع منه جزء مسمى مجزواً فيصير مستفعلن أربع مرات كقوله : ياليتني فيهاجذع أخبّ فيها وأضع
إذا كانا مصراعي بيت وان حذف نصفه سمي مشطورا وإن حذف ثلثاه حتى بقي على
جزأين سمي منهوكا كقوله :
موسى المطر غيث بكر
فقوله : " أنا النبي لا كذب " إن كان نصف بيت فهو مجزوّ وان كان بيتا تامّا فهو منهوك ، وقوله : " هل أنت إلا إصبع دميت " الخ إن كان كل منهما بيتا فهو مشطور إلا فهو تام وفيه روايات فقيل الرجز كله ليس بشعر ، ولذا يسمى قائله راجزا لا شاعراً ، وعن الخليل إنّ المشطور منه والمنهوك ليس بشعر فمراد المصنف بالمشطور ما حذف منه شطر فأكثر فيدخل فيه المنهوك لكنه تسمح فيه وفي كون ما ذكر مشطوراً أو منهوكاً ما عرفت فهو غير متعين. قوله : ( حرك الباءين ) أي من كذب والمطلب وأعربهما فلا يكون موزونا ، وكذا غير قوله هل أنت الخ فيخرج عن نمط الشعر ، وعود الضمير على القرآن لأنه معلوم من السياق ، وهو المناسب لما بعده قيل وعليه فيجوز صدور الشعر عنه وتئ ولا يحتاج إلى توجيه وفيه نظر. قوله : ( عظة ) فالذكر من التذكير وهو الوعظ ، وكتاب سماوي تفسير لقرآن وظاهر الخ تفسير لمبين ، وقوله يؤيده الخ لتعين الخطاب للرّسول ، وقوله لما فيه من الإعجاز إشارة إلى جواز كون مبين من الإبانة لإظهار إعجازه أنه كلام لله تعالى فتأمّل. قوله : ( عاقلاَ فهما ) ففيه استعارة مصرحة بتشبيه العقل بالحياة ، والغافل الثاني بالغين المعجمة ، وكذا قوله أو مؤمنا لتشبيه الإيمان بالحياة بقرينة(7/250)
ج7ص251
مقابلته بالكافرين ويجوز كونه على هذا مجازاً مرسلا لأنه سبب للحياة الحقيقية الأبدية وفي كلامه إيماء له ، وقوله في علم الله توجيه للمضي في كل على الثاني بأنه باعتبار ما في علمه لتحققه ، وقيل إنه من مجاز الأول أو المشارفة فأطلق مؤمنا على من سيؤمن ، وقيل إن كان فيه بمعنى يكون وقوله وتخصيص أي على الوجهين أو على الثاني ، ويحق القول مرّ تحقيقه. فوله : ( المصرين على الكفر ( فسره به لأنهم هم الذين يجب تعذيبهم بمقتضى الوعيد ويؤخذ من المقابلة على الثاني ، وأما الصيغة فلا دلالة لها عليه كما قيل ، وقوله إشعار الخ الإشعار من التقابل ويجوز أن يجعل استعارة مكنية قرينتها استعارة أخرى. قوله : ( أولم الخ ) معطوف على مقدر أي ألم يعلموا بدائع صنعنا لأنه معلوم مما مرّ ، وقيل إنه
معطوف على قوله : { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا } الخ والأوّل للحث على التوحيد بالتحذير من النقم وهذا بالتذكير بالنعم ، وقوله تولينا إحداثه الخ إشارة أنّ عمل الأيدي مجاز عما ذكر كما سنبينه ، والحصر المذكور من إقحام الأيدي ودلالة المقام والظاهر إنه استعارة تمثيلية لكن كون ذكر الأيدي والإسناد استعارة تسمح إذ مجموع عملت أيدينا على هذا استعارة وليست الاستعارة من قبيل : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ } كما قيل ، ويجوز أن يكون من المجاز المتفرع على الكناية بأن يكنى عن الإيجاد بعمل الأيدي فيمن له ذلك ثم بعد الشيوع يستعمل لغيره ، وأمّا التجوّز في الأيدي وحدها فلا وجه له. قوله : ( مبالغة في الاختصاص الخ ( لأنّ المجاز أبلغ من الحقيقة ، وقوله هذا شيء عملته بيدي يدل على التفرد كما هو معروف في الاستعمال أي لا مدخل لغيري فيه لا خلقاً ولا كسبا ، والمراد بالأنعام الأزواج الثمانية ، وبديع خلقها مشاهد وكذا كثرة نفعها فلذا خصت دون غيرها وهذا كقوله أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. قوله : ( متملكون الخ ) فهو بمعناه المعروف ، وإنما قال : بتمليكنا بيانا للواقع ولما به الامتنان أو هو بمعنى التمكن من التصرف فالملك بمعنى القدرة والقهر من ملكت العجين إذا أجدت عجنه ومنه قوله أملك رأس البعير أي أمسكه وأضبطه ، وأخره لأنّ قوله وذللناها الخ على هذا يكون تأكيدا. قوله : ( أصبحت الخ ) هو من قصيدة للربيع بن منيع الفزاري يصف كبره وعلوّ سنه ، وقد سئل عن حاله وكان من المعمرين لا لابن هرمة كما في شرح الكتاب وأوّله :
أصبح مني الشباب مبتكرا إن يناعني فقدثوى عصرا
فارقنا قبل أن نفارقه لمامضى من جماعناوطرا
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا
قوله : ( مركويهم ) فهي فعول وفعولة بمعنى مفعول وليس الثاني جمعاً للأوّل لأنه لم يسمع فعوله في الجمع ولا في أسماء الجموع ، وعلى القراءة بالضم فهو مصدرك القعود فيه مضاف مقدر أو مؤوّل بالمفعول أو في قوله فمنها مضاف مقدر وهو منافع ، ومن ابتدائية أو تبعيضية لكن المصنف رحمه الله جعلها تبعيضية فتأمّل. قوله : ( أي ما يثلون لحمه أليس مراده
أنّ الموصوف حذف ، وبقيت صلته لأنه ممنوع عند بعض النحاة بل هو بيان للمعنى وأنّ التبعيض قبله باعتبار الجزئيات ، وهنا باعتبار الأجزاء ، وليس للإشارة إلى أنّ الفعل موضوع موضع المصدر ، وهو بمعنى المفعول للفاصلة إذ لا داعي له فإنّ الجملة معطوفة على الجملة قبلها من غير تأويل وإنما غير الأسلوب لأنه عام فيها جميعها ، وكثير مستمر بخلاف الركوب وغير.. قوله : ( من اللبن ) خص مع دخوله في المنافع لشرفه واعتناء العرب به وجمع لتعدد ألبانها وللإشارة إلى أنها جميعها مشروبة ، وهو تفسير لحاصل المعنى لأنه إذا كان موضعا فالمشارب هي نفسها لقوله فيها فإنها مقره ، واذا كان مصدراً فهو بمعنى المفعول وتعميم المشارب للزبد والجبن لا يصح إلا بالتغليب أو التجوّز لأنها غير مشروبة ، ولا حاجة إليه مع دخولها في المنإفع ، وقوله نعم الله مفعوله المقدّر وذلك ما مرّ من التذليل والخلق ونعمة سائر المنافع كما يدل عليه ما بعد. ، وقوله بعدما رأوا الخ إشارة إلى أرتباطه بقوله أولم يروا وانّ الاستفهام فيه إنكاريّ فهو في المعنى إثبات للرؤية وعلمهم تفرده بها أي يخلقها لقوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ سورة لقمان ، الآية : 25 ] وقوله(7/251)
ج7ص252
حزبهم بحاء مهملة وزاي معجمة وباء موحدة بمعنى أصابهم ونزل عليهم من الشدائد ، وقوله بالعكس أي لا قدرة لهم على النصرة والذت عنهم بل الذالث هم الكفرة ، والذلت الدفع وهذا في الدنيا. قوله : ( أو محضرون أثرهم في النار ) فيكون في الآخرة والواو عاطفة أو حالية وكذا على هذا الوجه إلا أنها تكون حالاً مقدرة وعلى هذا فجعلهم جندا تهكم واستهزاء وكذا لام لهم الدالة على النفع فلا يرد ما ذكر عليه ، وفي الكشاف وجه آخر وهو أنهم معدّون محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقوداً للنار ، ولا تفكيك فيه للضمائر كما توهم لأنه على كل حال أحد الضميرين للأصنام والآخر للكفرة ، وإنما يختلف الترتيب فيها ومثله ليس بتفكيك ولا بأس به ، وأمّ كون جند على ما ذكره المصنف باقياً على معناه وتفسيره مختص بمحضرون والمعنى أنهم جند لهم في الدنيا محضرون للنار أثرهم في الآخرة لاختصاص الإحضار بالشرّ فتعسف بعيد. قوله : ( فلا يحزنك الخ ) الفاء فصيحة أي إذا كان هذا حالهم فلا تحزن بسبب ما قالوه ، وبهذا
علمت معنى النهي هنا ، والتهجين نسبة الهجنة والقباحة ، وعلى الوجه الثاني يكون هذا راجعاً إلى قوله وما علمناه الشعر وعلى الأوّل متصل بما قبله ولهذا قدّمه لقربه ، وقوله فنجازيهم عليه فعلم اللّه بسرّهم وعلانيتهم مجاز عن مجازاتهم أو كناية عنه للزومه إذ علم الملك القادر بما جرى من عدوّ. الكافر مقتض لمجازاته ، وانتقامه وتقديم السرّ كما مرّ لبيان إحاطة علمه بحيث يستوي السرّ عنده والعلانية ، وقيل للإشارة إلى الاهتمام باصلاح الباطن فإنه ملاك الأمر أو لأنه محل الاشتباه المحتاج للبيان ، وما قدمناه هو المهئم المقدم ، وقوله ولذلك أي ولكونه تعليلا للنهي ، وقوله لو قرئ إشارة إلى أنه لم يقرأ به ولكنه جواب لمن قال إنه لا تصح القراءة به مع أنه لا فرق بينهما ، وقد جوّز فيه كونه مقول القول على الكسر وبدلاً منه على الفتح على أنه من باب الإلهاب والتعريض كقوله : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ } [ سورة يونس ، الآية : 105 ] ولا يخفى بعده فالوقف على قولهم ليس بمتعين كما يقال ، ثم إنه فسر يحزنك بيهمنك مؤكداً بالنون كما في أكثر النسخ وفي بعضها بدونها وهي ظاهرة فأما الأولى فوجه تأكيدها مع أنّ المفسر غير مؤكد إمّا الإشارة إلى ما يفيده من المبالغة في الحزن لأنه كناية كما في لا أرينك هنا أو مجاز في الإسناد ، وكلاهما مقتض للمبالغة فيه هذا إن قلنا إنّ الهمّ هنا بمعنى الحزن كما في القاموس فإن قلنا الحزن همّ في القلب يظهر أثره على صاحبه يكون أخص منه ، وأشد نوعية فتأكيده للإشارة إلى ذلك. قوله : ( تسلية ثانية الخ ) وأولاهما فلا يحزنك الخ ، وما قيل إنّ فيه إشارة إلى أنّ قوله أولم ير الخ معطوف على أولم يروا قبله والجمع ابتناء كل منهما على التعكيس فإنه خلق له ما خلق ليشكر فكفر وجحد النعم والمنعم ، وخلقه من نطفة قدرة ليكون منقاداً متذللا فطغى وتكبر وخاصم كما قاله الطيبي وافادة السياق للتهوين ظاهرة فإنك إذا قلت لأحد لا تحزن لقول فلان كذا فإنه يقول كذا أفاد أن مقالتة الثانية أعظم من الأولى ، والكلام في كونه أهون لأنه على الوجه الثاني ، وهو قوله أوفيك الخ مسلم ، وأمّا على الأوّل فلا وكونه ادّعاء لا يفيد هنا فلعله لأنه نسبة للعجز إليه تعالى وتحميق للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أشدّ كما أشأر إليه بقوله وفيه تقبيح الخ ( بقي ) أنه محل بحث لأنّ عطفه على ذلك لا يؤدّي ما ذكر فتأمّل. قوله :
( وفيه تقبيح بليغ لإنكاره ) أي الحشر حيث عد منكره مخاصماً لربه ، وقوله حيث عجب منه التعجب مأخوذ من الاستفهام فإنه يكون له كما في قوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ } بالآية } [ سورة البقرة ، الآية : 28 ] وتعقيب إنكاره بالفاء دماذا الفجائية على ما يقتضي خلافه مقوّ للتعجب فلا وجه لجعله إشارة إلى أنّ الفاء للاستبعاد كثم والتعجب لازم له فإنّ الفاء تدلّ على التعقيب فلا تصلح للاستبعاد ، وإنما جاء من ثم لكونها موضوعة للتراخي فتدبر. قوله : إ وجعله إفراطاً في الخصومة ) هو من صيغة خصيم الدالة على المبالغة وبينا هو معنى مبين على أنه من أبان بمعنى
بان ، وقوله ومنافاة الخ هو إمّا مرفوع معطوف على تقبيح كما ذهب إليه بعضهم فالمعنى في بيان ما ذكر منافاة كلام الكافر لأجل جحوده القدرة على أهون الأمرين فإنّ تسليم القدرة الإلهية مناف للخصومة المذكورة ، وامّا منصوب بالعطف على إفراطا كما قيل فما بعده تعليل له أو للتعجيب والجعل ، والأول أحسن لأنه تعالى لم يذكر تلك المنافاة لا صريحاً ولا ضمنا حتى يقال جعله منافاة وانّ كان ما فيه بمنزلة الجعل ، وقوله مما علمه أي الإنسان إشارة إلى أنّ رأي علمية وفي نسخة عمله(7/252)
ج7ص253
بتقديم الميم والأولى أولى ، وقوله ومقابلة النعمة يجوز رفعه ونصبه كما في قوله منافاة ، وقوله شريفا مكرماً حال من مفعول خلق أو مفعول ثان إن كان بمعنى صير ، وبالعقوق متعلق بمقابلة والحديث المذكور رواه البيهقي وبال بمعنى فإن ويفتته بمعنى يكسره. قوله : ( نعم ويبعثك ويدخلك النار ) ، جعل جوابهءسؤ كقوله تعالى : { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } [ سورة الصافات ، الآية : 18 ] في جواب أئذا متنا وكنا تراباً الآية وهو من الأسلوب الحكيم لأنه تضمن الزيادة كانه قيل له لا كلام في ذلك بل انظر في هذا ، وهو على أسلوب قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين كذا قرّره شزاج الكشاف قاطبة وتبعهم أرباب الحواشي هنا ، وقصدوا به الرد على قول بعض شرّاح الكشاف كما نقله الطيبي إنه ليس من الأسلوب الحكيم في شيء فإنه أجابه عما سأل مع زيادة والسؤال إمّا جدليّ فلا ينبغي أن يزاد عليه ولا يتقص أو للتعلم فالمسؤول منه كالطبيب يتحرّى ما هو المناسب كما إذا سأل مريض عن أكل الجبن فقال له إشرب ماءه أو من به مرّة صفراء عن شرب العسل فقال له مع النمل وما نحن فيه من قبيل الأخير ، وفيه إنه لا يوافق ما قرّر في المعاني فإنهم قالوا إنه العدول عن موجب الخطاب وتلقي السائل بغير ما يترقب سواء كان بالصرف إلى معنى آخر كما في جواب القبعثري ، أو بدونه كما في جواب السؤال عن حال الهلال ، وهو قريب مما سموه القول بالموجب وعلى كل حال فالزيادة ليست في شيء منه فإن كان اصطلاحا جديداً ، فقد ظلم القائل ظلماً شديدا. قوله : ( وقيل الخ ) الفرق بينه وبين ما مرّ أن خصيم بمعنى مميز قادر على الخصام وإن لم يخاصم ومبين فيه متعد والتعقيب ، والمفاجأة ناظر إلى خلقه لا إلى علمه ولا تسلية فيه ولذا مرضه ، وان كانت التسلية بما بعده من قوله وضرب الخ ، وهذا توطئة له ولذا لم
يتعين الأوّل كما قيل. قوله : ( أمرا عجيباً الخ ) ذكر فيه الزمخشريّ وجهين أحدهما هذا وهو إنّ المراد بالمثل الأمر العجيب وهو إنكار قدرته تعالى على إحياء الموتى فضرب المثل عليه هو قوله من يحيي العظام الخ ، وهو مجاز لمشابهته له في الدلالة على أمر بديع ، والثاني قوله وتشبيهه الخ أي جعله ضرب مثل لتضمنه التشبيه لأنه إذا وصفه بالعجز فقد جعله مثلا مشابها للخلق في العجز ، والمثل لكونه ما شبه مضربه بمورده يتضمن التشبيه فجعل هذا مثلا للمشابهة له إمّا في الدلالة على أمر غريب أو في تضمته تشبيه شيء بشيء ، ولما كان تشبيهه بخلقه هو الأمر العجيب جعلهما المصنف وجهاً واحداً فمن ظته اقتصر على أحد الوجهين لأنه المناسب للمقام فقد أخطأ. قوله : ( خلقنا إياه ) فالمصدر مضاف للمفعول ، ونسيانه إمّا حقيقة بأن لم يتذكره أو ترك تذكره لكفره وعناده أو هو كالناسي لعدم جريه على مقتضى التذكر ، وقوله منكراً معنى الاستفهام المراد منه ، وقوله ولعله فعيل الخ خالف الزمخشريّ في جعله اسماً جامداً كالرمّة والرفات فلذا لم يؤنث وهو جار على الجمع لأنّ له فعلا وهو رمّ بمعنى بلي كما ذكره أهل اللغة ، وهو وزن من أوزان الصفة فكونه جامداً غير ظاهر لكنه غلب استعماله غير جار على موصوف فالحق بالأسماء فلم يؤنث كما ذكره المصنف لأنّ فعيلاً بمعنى فاعل لا يستوي فيه المذكر والمؤنث إلا أن يكون بالحمل عليه بمعنى مفعول كما قاله ابن مالك هذا إن كان رمّ لازماً فإن كان متعذيا فهو بمعنى مفعول وتذكيره ظاهر ، ورمّه بمعنى أبلاه وأصل معناه ا!ل ، كما ذكره الأزهرقي من رمّت الإبل الحشيش فكأنّ ما بلي أكلته الأوض فمن قال الذي في القاموس رمّه بمعنى أصلحه وأحكمه وهو غير مناسب للمقام لم يصب ، والحاصل أنهم اختلفوا في وجه تذكيره بأن كان بمعنى مفعول والا فنقول إنه حمل عليه وقال الأزهرفي إنّ عظاماً لكونه بوزن المفرد ككتاب ، وقراب عومل معاملته وذكر له شواهد وهو غريب. قوله : ( وفيه دليل على أنّ العظم ذو حياة الخ ) هذه المسألة مما اختلف فيه الحكماء والفقهاء بناء على أنّ الحياة تستلزم الحس واعظام لا إحساس لها فلا يتألم بقطعها كما يشاهد في القرن ، وتألم العظام إنما هو لما يجاورها ، وقال ابن زهر في كتاب التيسير اضطرب كلام جالينوس في العظام هل لها إحساس أم لا والذي ظهر لي أنّ لها حساً بطيئا وليت شعري ما يمنعها من التعفن ، والتفت في الحياة غير حلول الروح الحيوأني فيها ا هـ ، و وينبني على هذا اختلاف الفقهاء في نجاستها وعدمه لكن فيه طريقان لنا أحدهما إنه لا حياة فيها حتى لا تتألم بقطعها والموت زوال الحياة فإذا لم يحلها الموت لم تكن نجسة وهو ما في الهداية فلما ودت عليهما(7/253)
ج7ص254
هذه الآية بحسب الظاهر قيل المراد بالعظام هنا صاحبها بتقدير ، أو تجوّز أو المراد بإحيائها ردّها لما كانت عليه غضة وطبة في بدن حيّ حساس ، والثاني أنّ نجاسة الميتة ليست لعينها بل لما فيها من الرطوبة
والدم السائل والعظم ليس فيه ذلك فلذا لم يكن نجسا وهذا لا يرد عليه شيء إلا أنه غير مسلم عند الشافعيّ ، وتمام تفصيله في الفروع ، ومن هذا علمت جوابه فيما استدلّ به لكن قيل الدليل في الحقيقة قل يحييها فلو أخره كان أولى ، وفيه نظر وفي قوله قل يحييها قياس جليّ.
تنبيه : ذكروا أن الشافعيّ قال العظم والشعر تحله الحياة وقال الحنفية لا حياة فيهما واستدل الشافعي بهذه الآية وأجابوا بأنّ معناها يحيى صاحبها أو المراد بإحيائها إعادتها لحالها الأولى وفيها دليل على المعاد ، وكان الفارابي يقول وددت لو أنّ أرسطوا وقف على القياس الجليّ في الآية ، وهو الله أنشأ العظام وأحياها أوّل مرّة وكل من أنشأ شيئا أوّلاً قادر على إنشائه وإحيائه ثانياً فينتج اًنّ الله قادر على إنشائها واحيائها بقواها ، وهذا مما اختصت به هذه السورة وإن قلنا سبب النزول الوارد لا بد من دخوله فكيف يتأتى ما قاله الحنفية قلت لا مانع من دخوله بتأويل إحيائها بإعادتها لحالها الأولى فتدبر. قوله : ( فإنّ قدرته الخ كما كانت ) خبر أن وتذكير ضمير القدرة في قوله لامتناع التغير فيه لتأويله بالمذكور ، وامتناعه لأنها صفة ذاتية قديمة ، وقبول المادّة لتاثير القدرة فيها لازم لها لأنه لإمكانها وهو لا ينفك عنها أيضا ، وقوله بعلمه ردّ على المعتزلة في قولهم إنه عالم بذاته لا بصفة زائدد عليها ، وقوله أصولها وفصولها ضبطه بعضهم بالضاد المعجمة ، وهو معنى زوائدها والظاهر أنه بالمهملة والمعنى هو ما ذكره أيضاً قال في المصباح يقال للنسب أصول وفصول فالفصول هي الفروع المتفرّعة عليها ، وأمّا قولهم ما له أصل ولا فصل فهو بمعنى حسب ونسب كما في المجمل ، ومواقعها محال وقوعها وطريق تمييزها إذا اختلطت بغيرها وقوله أو إحداث مثلها بناء على أنّ المعدوم لا يمكن إعادته بعينه ، والإعراض والقوى هي ما به تشخصه وتنوّعه. قوله : ( كالمرخ والعفار ) المرخ بالراء المهملة والخاء المعجمة ، والعفار بالعين والراء المهملتين يتخذ منها الزند الأعلى والزندة السفلى بمنزلة الذكر والأنثى على ما ذكره المصنف تبعاً للزمخشري المرخ ذكر والعفار أنثى واللفظ مساعد له وقد عكسه الجوهري لكنه يقبل ما تفرّد به إلا أنّ قوله :
إذ المرخ لم يور تحت العفاز
البيت يؤيده وفي المثل في كل شجر نار واستمجد المرخ ، والعفار ضرب للفاضل يفضل
على غيره وعن ابن عباس في كل شجر نار إلا العناب ولذا يتخذ منه مدق القصارين وفيه أقول :
أيا شجر العناب نارك أو قدت بقلبي وما العناب من شجر النار
ومن إرسال المثل المرخ والعفار لا يلدان غير النار والكاف إشارة إلى عدم انحصاره
فيهما لكنهما أسرع وريا ولذا خصا بالتمثيل. قوله : ( لا تشكون في أنها نار تخرج منه ( يشير به إلى أنه محقق لما قبله مؤكد له ولولاه لم يكن لذكره فائدة فاندفع ما قيل ليس في ذكره كثير نفع مع عدم دلالة اللفظ عليه ، ومضاذة الكيفية لأنّ الماء بارد رطب والنار حارة يابسة. قوله : ( على المعنى ( يعني أنه أنث رعاية لمعناه لأنه في معنى الأشجار والجمع يؤنث صفته ، وهو اسم جنس جمعيّ في معناه فيجوز تأنيثه كنخل خاوية ، وقيل لأنه في معنهى الشجرة كما أنث ضميره في قوله : { مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ } [ سورة الواقعة ، الآية : 53 ] الخ. قوله : ( في الصغر والحقارة ( لما كان المعنى قادر على إعادتهم كما هو قادر على خلقهم والمثلية ليست دالة على ذلك أوّلوه بوجهين الأوّل أنّ المراد بها هؤلاء الأجسام الصغيرة الحقيرة إمّا على أنّ المراد بمثلهم هم ، وأمثالهم أو هم على طريق الكناية في نحو مثلك يفعل كذا وهذا هو الوجه ، ولذا قدمه والثاني ما أشار إليه في قوله أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها وفي الكشاف ، أو أن يعيدهم لأنّ المعاد مثل المبتدأ وليس به وأورد عليه أنه خلاف المذهب الحق ورد بأنه لا خلاف بين المسلمين في إعادة الأجساد وأق المعاد عين المبتدأ ولولاه لم يكن الثواب والعقاب لمستحقه سواء كان معدوما أعيد بعينه ، أو متفزقا جمع بعينه على المذهبين وهؤلاء أجل من أن يخفى عليهم مثله فمراده أن إيجاد المعاد وخلقه ثانيا مثل الجاده ، وخلقه أوّلاً وليس إيجاده في الآخرة عبن إيجاده في الدنيا ، وهذا ما عناه المصنف أو هو متحد معه ويكفي في الاتحاد اتحاد الأصول(7/254)
ج7ص255
والصفات دون بعض العوارض الذي باعتباره كانت المماثلة المقتضية للمغايرة في الجملة ، ولذا ( ورد أهل الجنة جرد مرد ( ) وضرس الكافر كاحد ( وفيه نظر وأمّا عود ضمير مثلهم للسموات والأرض لشمولهما لمن فيهما من
العقلاء فلذا كان بضمير العقلاء تغليبا والمقصود به دفع قدم العالم المقتضى لعدم إمكان إعادته فمع تكلفه ومخالفته للظاهر يأباه أنّ الكلام مع المشركين ، وهم لا يعرفون مثله حتى يوردوه ويحتاج إلى دفعه لقولهم بحدوثه : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [ سورة لقمان ، الآية : 25 ] وما صح عدمه في وقت صح دائما وقوله وعن يعقوب أي في رواية عنه أنه قرأ بدل قوله بقادر يقدر فعلا مضارعا مرفوعاً بفتح الياء وسكون القاف كما ذكره في النشر.
قوله : ( لتقرير ما بعد النفي ) وهو خلقه وقدرته ، وقوله مشعر بأنه لا جوأب سواه لأنّ الجواب هنا منحصر في الإثبات والنفي وبلى لنقض النفي المقرون بالاستفهام وابطاله فتعين الآخر ، وقوله كثير المخلوقات الخ من صيغتي المبالغة واذا كان كذلك فلا شبهة في قدرته على الإعادة ، وقوله شأنه إشارة إلى أنّ الأمر واحد الأمور ، والمراد به شأنه الخاص في الإيجاد ، وقد جوّز فيه إرادة الأمر القولي فيوافق قوله إنما قولنا لشيء فيراد به القول النافذ ، وقوله تكوّن فهو من كان التامّة وهذا على ما ستسمعه وقوله فهو يكون إشارة إلى أنه مرفوع لا منصوب في جواب الأمر ولا بالعطف. قوله : ( وهو تمثيل لتأثير قدرته الخ ) يعني قوله كن فيكون استعارة تمثيلية والممثل الشيء المكوّن بسرعة من غير عمل واكة والممثل به أمر الآمر المطاع لمأمور مطيع على الفور ، وهذا اللفظ مستعار لذلك منه فقوله في حصول متعلق بتمثيل وقطعا علة له ، وقوله من غير امتناع أي من جانب المأمور ، وافتقار أي من جانب الآمر وضمير هو للشبهة وهو في الحقيقة مادّتها وأصلها وذكره رعاية للخبر وقد جوّز فيه أن يكون حقيقة بأن يراد تعلق الكلام النفسيّ بالشيء الحادث على أنّ كيفية الخلق على هذا الوجه ، واذا أريد بالأمر القول يكون هذا أظهر فيه وان احتمل التمثيل أيضاً. قوله : ( عطفاً على يقول ) وقد جوّز في سورة النحل كونه جوإبا للأمر ، وقد فصلناه ثمة وذكرنا ما له وما عليه والفاء في قوله فسبحان جزائية أو سببية لأنّ ما قبله سبب لتنزيه الله سبحانه. قوله : ( مالك الملك ) فسر الملكوت بالملك لأنه صيغة مبالغة منه فهو الملك التامّ ، وقد فسر في محل آخر بعالم الأمر والغيب فتخصيصه بالذكر لاختصاص التصرف فيه به من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة ، والتصرّف معنى قوله بيده وما
ضربوا له الخ إشارة إلى قوله وضرب لنا مثلا ، وقوله وتعجيب إما معنى آخر أو هما مرادان بناء على مذهبه في الجمع بين الحقيقة والمجاز والتعليل من التعليق به وجعله صلة ، والقدرة من تصرّفه في كل شيء. قوله : ( للمقرّين والمنكرين ا لف ونشر مرتب وقد قيل إنه وعيد بناء على أن الخطاب للمشركين كما مرّ توبيخاً لهم ، ولذا عدل عن مقتضى الظاهر وقد ذكرها صاحب النشر ، وقوله بهذه الآية أي قوله فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء الخ لأنها فذلكة شاملة لأمور المبدأ والمعاد ، ولذا سن قراءتها عند المحتضر وعلى الموتى. قوله : ( 1 نّ لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس الخ ) هذا الحديث رواه الترمذفي عن أنس رضي اللّه عنه ، وفيه كتبت له قراءة القرآن عشر مزات ، وعن الغزاليّ أنّ المدار على الإيمان وصحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهو مقرّر فيها على أبلغ وجه وأحسنه فلذا شبهت بالقلب الذي به صحة البدن وقوامه ، وقيل المراد بالقلب اللب المقصود لمن له لب فإنّ ما سواه مقدمات أو متممات والمقصود من إرسال الرسل !انزال الكتب إرشاد العباد إلى غايتهم الكمالية في المعاد وذلك بالتحقق والتخلق بما عبر عنه بالصراط المستقيم كما مرّ في الفاتحة وقد استحسن ما قاله حجة الإسلام الإمام الرازي : ولا يرد عليه سواء أريد بالصحة الثبوت أو ما يقابل البطلان والفساد أو ما يقابل المرض والسقم إنّ كل ما يجب الإيمان به لا يصح الإيمان بدونه فلا وجه لاختصاص الحشر ، والنشر بذلك كما قيل لما أفاده ذلك القيل من تميزه على ما سواه الموجب لفضله والمقتضى لتخصيصه من غير تكلف أنه ما يقابل السقم ومن صح إيمانه بالشحر خاف العقاب فارتدع عن المعاصي التي بها يضعف الإيمان فيكون كالمريض ، وكذا كون وجه الشبه أنّ به صلاح البدن وهو غير مشاهد في الحس وله تكشف(7/255)
ج7ص256
الحقائق وكذا الحشر من المغيبات التي بها الصلاح والسداد ، وفيها تنكشف الأمور للعباد. قوله : ( اثنتين وعشرين مرّة الخ ) قد عرفت أنه مخالف لرواية الترمذيّ عشر مرّات فإن قلت يلزم من هذا تفضيل الشيء على نفسه لأن يس من جملة القرآن قلت ليس هذا بلازم إذ يكفي في صحته التغاير الاعتباري فإن يس من حيث تلاوتها فردة غير كونها مقرونة في جملته كما إذا قلت الحسناء في الحلة الحمراء أحسن منها
في البيضاء وقد يكون للشيء مفردا ما ليس له مجموعا مع غيره كما يشاهد في بعض الأدوية ، ألا ترى آيات الحفظ جرّبت خاصيتها إذا كتبت مفردة دون ما إذا كانت في المصحف ، وقد قيل لبعض الملاحدة إنها تمنع سرقة المتاع فقال قد سرق المصحف وهي فيه ، وليس من أجل شخصاً وأكرمه على انفراده كمن كرمه مع قرنائه وأنداده ولعل هذا أقرب مما قيل المراد القراءة بالتدبر وبدونه ، أو المراد بقراءة القرآن قراءته دون يس ، وقول بعض المشايخ اللازم حصول الأجر بلا تناه لقارئها ولا محذور فيه مما لا مآل له فتأمّل. قوله : ( يصلون عليه ) أي يدعون له ويصلون عليه الثاني من الصلاة على الميت تمت السووة ، اللهمّ إني أسألك ببركة سورة يس أن تجعلنا من جوارك وحفظك في حصن حصين ، وأن تصلي وتسلم على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
سورة الصافات
بسم الله الرحمن الرحبم
لم يختلفوا في كونها مكية ولا في عدد آياتها والثاني غير مسلم لأنّ الداني نقل فيها خلافا!ض من قال إحدى ومنهم من قال اثنتان وثمانون آية. قوله : ) أقسم بالملافكة الصافين ( يعني أنّ الواو للقسم والمقسم به جماعة كان حقه أن يجمع جمع المذكر السالم فتأنيثه إمّا على أنه جمع صافة أي طائفة ، أو جماعة صافة فيكون في المعنى جمع الجمع أو على تأنيث مفرد باعتبار أنه ذات ونفس ، والمراد بالصافات الملائكة لقيامها مصطفة في مقام العبودية لمالك الملك ، وصفا وزجرا مصدر مؤكد وكذا ذكرا ويجوز فيه كونه مفعولاً به ، وقوله على مراتب يعني تقدم بعض صفوفهم على بعض باعتبار تقدم الرتبة ولقرب من حظيرة القدس ، وأما التفسير بأن منهم قياماً ومنهم ركوعاً ومنهم سجوداً فلا دلالة في اللفظ عليه ، ومنتظرين حال من ضمير الصافين وهذا لبيان الواقع في حكم اصطفافهم لا من مدلولط النظم. قوله : ) الزاجرين الإجرام الخ ) الزجر يكون بمعنى السوق والحث ، ويكون بمعنى المنع والنهي والى الأوّل أشار بما ذكر هنا ومعنى سوقها تسخيرها وتدبيرها لما خلقت له كإدارة حق الأفلاك وطلوع الأفلاك وغروبها واجراء المياه الأرضية ، واخراج النبات وارسال السحب وهو المشار إليه بقوله فالمدبرات أمراً ، وقوله أو الناس هو على الثاني ولا جمع فيه بين معني المشترك كما توهم إلا أن يكون في نسخة عطفه بالواو ، والإجرام وما عطف عليه هو مفعوله المقدّر ولم يتعرّض لمفعول القول الأوّل وظاهره أنه لا مفعول له لتنزيله منزلة اللازم كما قيل ، وقد رد بأن التقدير في أحدهما دون الآخر غير مناسب لاتساق النظام وهو مقدر أيضاً أي الصافات أنفسها ، ولم يصرّح به لظهور. وصرّح به في الثاني لتكثير الوجوه المحتملة فيه دون ما قبله وفيه نظر لأنه ليس في كلامه ما يشعر بما ذكر مع أنّ احتمال الوجوه جار في الأوّل أيضا كما في الكشاف بأن يقدر أقدامها في الصلاة أو أجنحتها في الهواء فلعله مال إلى ما ذهب إليه أبو البقاء فإنه كثيراً ما يتبعه من أنّ صفا مفعول به فهو مفرد أريد به الجمع أي الصافات صفوفها فتدبر. قوله : ( أو الشياطين ) الظاهر عطفه بالواو لأنّ من الملائكة من يفعل هذا ، ومنهم من يفعل الآخر وقوله
التالين آيات الله صفة بعد صفة إشارة إلى أنّ ذكرا بمعنى المذكور المتلوّ وهو مفعول الذاكرات ، ويحتمل أن يريد بيان مفعوله المقدر وذكرا مصدر مؤكد ليبهون على نسق واحد ، وجلايا قدسه بالجيم جمع جلية بمعنى مجلوّة أو ظاهرة وفسرت بالدلائل أو بالمعارف التي لا تكتم عن خواص خلقه ، أو بصفاته المقدسة التي يتحلى بها والثاني أقربها ، وقوله على أنبيائه إشارة إلى أنه من التلاوة على الغير لأنه المناسب لذكره عقب الزاجرات ولو قصد ما يكملها في نفسها قن!م عليه. قوله : ( أو بطوائف الإجرام المترتبة الخ ) معطوفة على قوله(7/256)
ج7ص257
بالملائكة وهو تفسير ثان يعني أنّ المراد بالصافات الأفلاك وصفها قصدها مرصوصة بعضها فوق بعض ولا معنى لإدخال طبقات العناصر في كلامه هنا كما توهم ، والزاجرات الأرواح الفلكية على مذهب الحكماء في إثبات أرواح ونفوس لها ، وهو ما عبر عنه في لسان الشريعة بالملائكة ، وزجرها بالمعنى الأوّل هو سوقها وتدبيرها ومن الناس من لم يعرفه فقوله طوائف الأجرام تفسير للصافات ، وقوله الأرواح الخ تفسير للتاليات والمراد بها الملائكة لأنها عندهم جواهر بسيطة ذات حياة ونطق يعني ملائكة عرشه والكروبيون المقرّبون الملازمون للتسبيح ، والتقديس فلذا وصفت بالتاليات. قوله : ( أو بنفوس العلماء ) وجه ثالث فالصافات نفوسهم ، وذواتهم المصطفة في عبادة ربهم والزجر لغيرهم عن الكفر والمعاصي وتلاوتهم لآياته وشرائعه ، وقوله أو بنفوس الغزاة جمع غاز وهو الوجه الرابع فصفوفهم في الحرب وزجرهم إمّا سوقهم للخيل وركضها أو منعهم وكفهم العدوّ ، وتلاوتهم ذكر الله تعالى في وقت القتال كما كان دأب الخلفاء والصحابة رضي الله عنهم فإنهم لا يشغلهم شيء عن ذكر الله ومبارزة العدوّ ومقابلته ، ومعارضته في الكرّ والفرّ. قوله : ( والعطف لاختلاف الذوات الخ ) هو إشارة إلى ما في الكشاف من أنّ الصفات المعطوفة بالفاء فيها ثلاث احتمالات الأوّل أن تدل على ترتب معانيها الوضعية في الوجود إذا كانت الذات فيها واحدة كقول ابن زيابة الحماسي :
يا لهف زيابة للحرث الصابح فالغانم فالآيب
وقد تقدم شرحه وما فيه يعني الذي صبح فغنم فآب أي رجع وهذا على أنّ المراد بها ذوات متحدة لكن صفها وجد أوّلاً لأنه كما لها في نفسها ، ثم وجد بعده الزجر للغير لأنه تكميل للغير يستعد به وهو واقع بعده ثم إفاضة الغير عليها بعد الاستعداد الثاني ، وهو مع
الاتحاد أيضاً أن تدل على تفاوت الصفات في الرتب ترقياً وتدلياً كخذ الأفضل فاكمل فالأعلى ، والثالث وهو مع التعدّد هو أن يكون لتفاوت موصوفاتها في الرتبة نحو رحم الله المحلقين فالمقصرين ، وما جعله الزمخشريّ ثلاثة أقسام جعله المصنف قسمين ، وقد قال شراح الكشاف إنّ القسمة رباعية لأنّ الترتيب إمّا بين الصفات أو بين الموصوفات وكل منهما إمّا بحسب الوجود أو الرتبة فالترتيب بين الصفات بحسب الوجود كما في البيت وبينها بحسب الرتبة نحو أتنم العقل فيك إذا كنت كهلا فشاباً وفي الموصوفات بحسب الوجود نحو وقفت كذا على بني بطنا فبطنا وفي الرتبة رحم الله المحلقين فالمقصرين ، ووجهه في الكشف بأنّ المراد من قول الزمخشري ترتب موصوفاتها في ذلك التفاوت من بعض الوجوه إذ لا تدل على ترتب الموصوفات في الوجود البتة ، ثم أنه يكون حقيقية في نحو رحم الله المحلقين الخ إذا أريد الترتب في الرحمة ومجازاً إن أريد الترتب في الفضل وكلاهما داخل في الدلالة على ترتب الموصوفات في التفاوت من بعض الوجوه ، وأما دلالتها على ترتب الصفات في غير الوجود فمجاز البتة ومته ظهر أنّ القسمة مثلثة ، 1 كل وكأنه يعني أنّ مدلولها الترتب الخارجي بين الصفات أو الموصوفات ، وهو إمّا من حيث وجود ذواتها أو من حيث تلبسها بالعامل ، وأما الترتب الرتبي وهو الثالث فمعنى مجازيّ لها اعتباري وبشرف الصفة وضده يكون الموصوف كدّلك وعكسه فليس بينهما فرق معتبر فلذا كانت مثلثة وحينئذ تظهر التثنية أيضاً فافهم وتدبر. قوله : ( لاختلاف الذوات ) أي في الثاني ، وهو محتمل في غيره أيضاً ولا تعيين فيه حتى يقال الأظهر أنّ الفاء للترتيب الرتبي كما قيل وهذا توجيه لا يثار الفاء على الواو وقوله فانّ المصنف الخ هذا لا يقتضي الترتب الوجودي إلا بتكلف مع أنه لا يناسب الثاني ، وتأخر التلاوة لأنها تحلية وما قبلها تخلية. قوله : ( أو الإساقة ) يقال أساقه إساقة إذا جعله سائقا كما أثبته أهل اللغة ، وقوله غير أنه الخ كون ما في المثال الذي ظنه حديثاً الفضل للمتقدم ظاهر لأنّ حلق المحرم أفضل من تقصير. فيكون من قبيل التنزل ، وأما كون ما في النظم على العكس ففيه نظر لأنه جعله في الكشاف وشروحه محتملا لهما من غير ترجيح فتأمّل. قوله : ( أو الرتبة ) عطف على الوجود ، وليس المراد الشرف لأنه يكون ترقيا وعكسه كما سيشير إليه ومن قال الظاهر أن يقول الشرف فقد غفل عما أراد ولا يضرّ كون المثال منه فلا حاجة إلى تكلف أنه المراد لما بينهما من الملازمة. قوله : ( رحم الله المحلقين الخ ) في الكشاف ، وقولك(7/257)
ج7ص258
رحم الله الخ وأصاب إذ لم يجعله حديثاً فانّ الحديث كما في الصحيحين وغيرهما إنه صلى الله عليه وسلم قال : " رحم اللّه المحلقين قالوا
والمقصرين يا رسول الله قال والمقصربن " وهو عطف تلقين بالواو ولا شاهد فيه فاعتراض الطيبي رحمه الله لا يرد عليه لكنه وارد على المصنف. قوله : ( على ما هو المألوف الخ ) من تثيد ما يهتم به بتقديم القسم ونحوه ، وهو دفع لما مرّ من أنه كلام مع منكر مكذب فلا فائدة في القسم ، ثم أشار إلى أنّ عدم فائدة القسم إنما تكون إذا لم يذكر برهانه وما يحققه ، وهو قد ذكر بقوله : { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } الخ وأما ما قيل من أنّ الصانع ووحدته قد تثبت بالدليل النقلي بعد ثبوت ذلك بالعقل ففائدة القسم ظاهرة هنا فغير تام هنا لأنّ الكلام مع من لا يعترف بالتوحيد. قوله : ( فإنّ وجودها الخ ) قد مرّ من المصنف مثله في سورة البقرة ويرد عليه أنه مبني على وجوب الأصلح كقوله في الإحياء ليس في الإمكان أبدع مما كان ، وقد شنع عليه كثيرون فيه بأنه مخالف للمذهب الحق من أنّ قدرته تعالى لا تتناهى ، وأنه قادر على أن يوجد عالما آخر أحسن وأكمل من هذا العالم وقد صنف فيه عدة رسائل ، والجواب عنه ما قاله الآمدي في كتابه غاية المرام في علم الكلام إنّ ما علم الله سبحانه وتعالى إنه لا يكون منه ما هو ممتنع لذاته كالجمع بين النقيضين ومنه ما هو ممتنع متعلق علم الله بعدم وجود مع إمكانه في ذاته والقدرة من حيث هي قدرة تتعلق به ، ولا معنى لكونه مقدوراً غير هذا فيطلق عليه مقدور وممكن بهذا الاعتبار فإن أطلق عليه أنه غير مقدوراً وممكن لأمر خارج وهو مخالفة علمه تعالى فلا محذور فيه ، ولذا قيل :
وليس في ليس في الإمكان ما فهموا وإنما هو في التحقيق تخييل
وفي كلام المصنف إشارة إليه 0 قوله : ( مع إمكان غيره ) قد عرفت أنه لا بدّ من هذا ليوافق المذهب الحق فما قيل إنه لا حاجة إليه إذ يكفي إمكان نفسه إنما الحاجة إليه في إثبات صفة الإرادة غفلة مع أنه ردّ بأنه لا بد منه في إثبات التوحيد فإنّ هذا الوجه ا!مل إذا كان واجباً لا ينتهض ما ذكره المتكلمون في برهان التمانع لإثباته دليلا عليه إذ يقال المانع من تعلق قدرة الآخر ، وارادته بغير هذا الوجه هو عدم إمكانه. قوله : ( دليل على وجود الصانع ) ذكره توطئة لقوله وحدته إذ التوحد مستلزم للوجود فلا وجه لما قيل من أته لا وجه لذكره إذ ليس الكلام فيه لقوله لواحد. قوله : ( ورث بدل من واحد ) فهو المقصود إلى أنه هو الرب الذي لا
يشاركه غيره ، واذا كان خبر محذوف فهو مرفوع على المدح. قوله : ) فيدل على أنها من خلقه ( ردّ على المعتزلة في خلق أفعال العباد قيل ووجها لدلالة خفي إذ لا يلزم من التربية الخلق وهو غير موجه لأنّ الرب كما يكون بمعنى المربي والسيد والمالك يكون بمعنى الخالق ، واضافته للسموات تعينه وهو المراد فتأمّل. قوله : ( مشارق الكواكب ) هو المناسب لقوله إنا زينا الخ وقوله وهي ثلثمائة وستون هو بتنزيل الأكثر منزلة الكل وعدم اعتبار الكسور إذ السنة الشمسية تزيد على ذلك بنحو ستة ، وقوله ولذلك اكتفى الخ هو جار على تفسيره بالكواكب أيضاً وفي قوله زينا إشارة إليه فلا يتوهم أنّ الاكتفاء يحصل بالعكس ، وهو الاقتصار على المغارب كما أشار إليه بقوله مع أنّ الشروق الخ ، وما قيل عليه إنه حينئذ تتمة لما قبله لأنه لا يتم بدونه لا وجه مستقل وأسلوب التحرير يأباه وقوله وبحسبها الدال على أصالتها يكفي وجها لعدم العكس فالوجه إنه جواب آخر مستقل كما فعله الإمام لأنّ الشروق لدلالته على أتم قدرة وأبلغ نعمة ينبغي الاكتفاء به غير متجه لأنّ مجرّد هذه الدلالة بدون الاستلزام غير كافية فجعل المجموع ، وجا واحداً أتم والإباء المذكور ممنوع ، قال الإمام : ولهذه الدقيقة استدل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالشروق حيث قال فإنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فتأمّل. قوله : ( وما قيل الخ ) فيكون على النصف من الأوّل فإنّ مشارقها من رأس السرطان إلى رأس الجدي متحدة معها من رأس الجدي إلى رأس السرطان بعد الاعتدالين فإن اعتبر ما كانت عليه وما عادت إليه واحداً كانت مائة وثمانين ، وان نظر إلى تغايرهما كانت ثلثمائة وستين فأوقاتها من أوّل الصيف إلى أوّل الشتاء ، ثم من أوّل الشتاء إلى أوّل الصيف فلك أن تنظر إلى الاتحاد والتغاير(7/258)
ج7ص259
بالانتقال والعود. قوله : ( القربى منكم ) إشارة إلى أن الدنيا هنا مؤنث أدنى بمعنى أقرب أفعل تفضيل ومنكم صلته التي يتعدى بها فعله لأنه يقال قرب منه لا من الداخلة على المفضل عليه حتى يرد عليه أنّ النحاة منعوا من اجتماع الألف ، واللام ومن فلا يقال الأفضل من زيد مثلا. قوله : ( والإضافة للبيان ) على معنى من لأنّ الزينة ما يزين به ، وقوله على إبدالها أي بدل كل أو هو عطف بيان وتذكير ضمير الزينة لتأويلها باللفظ أو ما يتزين به ، وقوله أو بزينة هي لها إذا فسرت الزينة بالأضواء لتغايرهما فالإضافة لامية ، كما أشار إليه بقوله لها وهذا التفسير منقول عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ، وقوله وأوضاعها تفسير آخر للزينة على كون الإضافة لامية والمراد بها
نسبة بعض الكواكب إلى بعض أو نسبة بعض أجزائها لبعض كالثريا. قوله : ( اسماً ( جامدا كالليقة بلام مكسورة من لاق بمعنى التصق ، وهو ما يجعل في الدواة من حرير ونحوه من الهخيوط المانعة لغوص القلم في الحبر وهي اسم جامد. قوله : ( والنصسب على الأصل ) وهو تهنوين المصدر وأعماله وجوّز أبو حيان كون الكواكب على النصب بدلاً من السماء بدل اشتمال ، ولا ينافيه كونه بلا ضمير كما هو في يدل البعض والاشتمال لأنه قد يستغني عنه إذا ظهر اتصال أحدهما بالآخر كما قررو. في قوله : { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّار } [ سورة البروج ، الآية : 4 ] أو يقال اللام بدل منه ويجوز كونه بدلاً من محل الجاز والمجرور أو المجرور وحده على القولين أو بتقدير أعنى فإن قلت إنّ ابن مالك اشترط في إعمال المصدر أن لا يبهون محدوداً ، وقال في شرحه المحدود ما فيه تاء الوحدة كالضربة ولم يحك فيه خلافا قلت ليس هذا منه فإنه وضع مع التاء كالكتابة ، والإصابة وليس كل تاء في المصدر للوحدة ، وأيضاً ليست هذه الصيغة صيغة الوحدة. قوله : ( إن تحقق لم يقدح الخ ) إشارة إلى أنه غير مقطوع به لا سيما عند أهل الشرع مع أنّ بعض علماء الهيئة شكك في تعين ما دلت عليه الأرصاد من أفلاكها وان كان قوله : { كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ سورة الأنبياء ، الآية : 33 ] يدل على اختلاف مراكزها في الجملة ، وقوله فإن الخ توجيه على تسليم ما ذكر بأنه يكفي لصحة كونها مزينة بها كونها كذلك في رأى العين وقوله كجواهر الخ إشارة إلى قوله :
وكان إجرام النجوم لوامعا درر نثرن على بساط أزرق
فوجه تقييد السماء بالدنيا لأنها ترى عليها فلا يرد أنه لا تمايز بين الدنيا والعليا في ذلك
كما توهم. قوله : ( بإضمار فعله ) فهو مفعول مطلق لفعل معطوف على زينا أي وحفظناها حفظاً ، وقوله باعتبار المعنى لأنه معنى مفعول له والعطف على المعنى غير عطف التوهم والعطف على الموضع ، وقوله بمري الشهب متعلق بحفظا وفيه إشارة إلى أنّ الكواكب يدخل فيها الشهب بطريق التغليب ، وان كانت مغايرة لها كما سيأتي. قوله : ( كلام مبتد " أي مستأنف اسمثنافاً نحو يا من غير تقدير سؤال لأنه لو قدر كان المتبادر أن يؤخذ من فحوى ما قبله فتقديره حينئذ لم يحفظ فيعود المحذور كما ذكره الزمخشري ، ويجوز أن يكون أيضاً بيانيا في جواب فما حالهم بعد الحفظ ، وأن يكون السؤال عما يكون عند الحفظ وعن كيفية الحفظ فقوله لا كيمعون جواب عن الأوّل أي يتمكنون من السماع ويقذفون جواب عن الثاني كما في بعض
شروح الكشاف ، وليس في كلامه ردّ على الزمخشري إذ منع تقدير السؤال مطلقاً كما تكلفه بعضهم فإنه يعيبه عبارة الزمخشري فلو صح إرادة المصنف رحمه الله ما ذكر لكان في كلام الزمخشري إشارة لجوازه لكن الحق أنّ الاستئناف لا مانع منه بأن يقدر ما ذكر ونحوه كما اتفق عليه شراح الكشاف ، وقوله فمانه يقتضي الخ أي لا يصح الوصفية لأنه لا معنى للحفظ ممن لا يسمع فيفسد على تقديره الكلام مع إيهامه عدم الحفعل ممن عداهم ، وما قيل من أنه لا محذور فيه لأنّ المراد حفظهم ممن لا يسمع بسبب هذا الحفظ فغايته أنه يصيرك { أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا }
[ سورة المؤمنون ، الآية : 44 ] { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ }
[ سورة النحل ، الآية : 12 ] قد ردّ بأنه تعسف لأنك لو قلت اضرب الرجل المضروب وأردت كونه مضروباً بهذا الضرب المأمور به لا يضرب آخر قبله رشقت بسهام الملام لخروجك عن سنن الكلام ، لكنه قيل إنّ المعنى لا يتمكنون من السماع مع الإصغاء أو لا يتمكنون من التسمع مبالغة في نفي السماع كأنهم مع مبالغتهم في الطلب لا يمكنهم ذلك ولا بد من ذلك جعل ، وصفاً له أو لا جمعاً(7/259)
ج7ص260
بين القراءتين وتوفية لحق الإصغاء المدلول عليه بإلى وحينئذ يكون الوصف شديد الطباق وأولى من قطع ما ليس بمنقطع معنى ، وهو كلام دقيق جدّاً به يصح ما منعوه وحاصله أنة ليس المنفي هنا السماع المطلق حتى يلزم ما ظنوه لأنه لما تعدّى بمالى وتضمن معنى الإصغاء صار المعنى حفظناها من شياطين لا تنصت لما فيها إنصاتاً تامّاً تضبط به
ما تقوله الملائكة ، وما-له حفظناها من شياطين مسترقة للسمع ، وقوله إلا من خطف الخ بناء على صحته فللّه درّه في بعد مغزاه ، واصابة مرماه ومن لم يقف على مراد. قال ما قال وماذا بعد الحق إلا الضلال ، وكون الأوصاف قبل العلم بها إخباراً غير مطرد كما مرّ ولا لزوم له هنا فتدبر. قوله : ( ولا علة للحفظ الخ ) إهدارها هو إبطال عملها النصب كما في أحضر الوغى على روايته مرفوعا وفيه رواية أخرى بالنصب ولا شاهد فيها ، وهو صدر بيت عجزه :
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
وهو من المعلقة المشهورة يخاطب من زجره ولامه في حضور الحرب خوف الهلاك ،
وعن التلذذ والتهتك في الملاذ ويقول هل تضمن ليس الخلود فإن مت لا خلود له يغتنم الفرص ولا يخاف الذي هو لا بد ملاقيه ، والوغى بالمعجمة الحرب والقتال وقوله فإن اجتماع ذلك الخ أي حذف اللام وأن ورفع الفعل ، لان كان كل منهما واقعاً في كلام الله وغيره أمّا اجتماعها فلا لأنه كم من حمل يقدر على حمل بعضه دون كله ، وعدل عن قول الزمخشري كل واحد من هذين الحذفين غير مردود على انفراده فإمّا اجتماعهما فمنكر لأنه اعترض عليه بأن مدّهب
الكوفيين تجويز هذين الحذفين قياساً كما قدروه في قوله : { يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ سورة النساء ، الآية : 176 ] لئلا تضلوا وقال بعض شراحه إنه ليس بجائز عنده بل يقدر في مثله كراهة ان تضلوا ونية شيء وكذا ما قيل إنه مراد الزمخشري لأنّ هذين الحذفين باسم الإشارة يقتضي حذفين مخصوصين وهو ما كان مع الإهدار مع أنه لا يلزم من تجويز الكوفيين حذف اللام ولا جواز حذف اللام ، وان وعلى كل حال فكلام المصنف رحمه الله أولى. توله : ( وتعدية السماع إلى الخ ) سمع له استعمالات فيتعدى إلى غير المسموع بنفسه كسمعت زيداً يتحدث ، وقد مرّ الكلام عليه وبالباء نحو قوله :
عمرك الفه هل سمعت براع ردّ في الضرع ما قرى في الحلاب
ويتعدى بإلى للمسموع كسمعت إلى حديثه والى غيره كسمعت إليه يتحدث ، وهو يفيد الإصغاء مع الإدراك كما في الكشاف والظاهر أنه تضمين ويحتمل التجوّز أيضا والمصنف رحمه الله اختار الأول ووجه المبالغة أنه يلزم من نفي الإصغاء نفيه بالطريق الأولى ، والتهويل لأنهم إذا كانوا مع إصغائهم لا يسمعون يدل على مانع عظيم ، ودهثة تذهلهم عن الإدراك ، وأمّا ما قيل من أنه عدى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء أي لا ينتهون بالسمع أو التسمع إلى الملأ الأعلى لتضمنه معنى الإصغاء لعدم لزوم انتفاء السمع أو التسمع إذ لا يلزم من انتفاء المجموع انتفاء كل جزء منه فالمبالغة فيه ، وهم فهو غفلة لأنه إذا انتفى المجموع فأمّا بجزأيه وهو أبلغ أو جزؤه الثاني فهو المطلوب ، أو الأوّل لزم منه انتفاء الثاني لأنّ من لا يصغي كيف يسمع فهو كقوله :
ولا ترى الضب بها ينحجر
فلا وجه لما قيل إنه من نفي القيد والمقيد وأمّا ما دل عليه كلام المصنف رحمه الله من
انّ تعدية التسمع بإلى على التضمين أيضا ففيه نظر لما سيأتي مع أنّ الظاهر أنه لا يخالف ثلاثيه ! التعدية فمتعه مكابرة والاستعمال لا يقتضي كون حقيقة فتدبر. قوله : ( ويدل عليه الخ ( لأن التسمع طلب السماع على ما تدل عليه صيغة التفعل كتحكم ، وتجرأ إذا طلب ذلك بتكلف أو كدونه فهو يدل على أنّ القراءة الأخرى موافقة لها معنى وطلب السماع يكون بالإصغاء فهي كل افقها وان لم يقل بالتضمين واذا انتفى تطلب السماع انتفى هو بالطريق الأولى لأنه مبدؤه غالبا لأن قلت كيف هذا ، وتطلبهم واقع حتى قيل إنه ترك بعضهم بعضا لذلك قلت هو إما ادّعاء للمبالغة في نفي سماعهم ، أو هو بعد وصولهم إلى السماء لخوفهم من الرجم حتى يدهشوا عن طلب السماع فضلاً عنه فاندفع ما قيل إنّ قول ابن عباس رضي اللّه عنهما يتسمعون فلا يسمعون كئمر القراءة بالتخفيف فتدبر. قوله : ( الملأ الأعلى ( لأنهم في الس!ء والملأ الأسفل الإنس
والجن ، وقد نقل عن ابن عباس تفسيره بالكتبة وإشراف الناس فالعلو معنوي. قوله : ( من جوانب السماء ( ليس المراد أن كل واحد يرمى من جميع الجوانب بلهو على التوزيع أي كل من صعد(7/260)
ج7ص261
من جانب رمي منه وضمير صعوده للجانب أو للسماء وذكر لتأويله ، وقوله أو مصدر أي مفعول مطلق ليقذفون كقعدت جلوساً لتنزيل المتلازمين منزلة المتحدين ، ولذا قال لأنه الخ فيقام دحورا مقام قذفاً أو يقذفون مقام يدحرون ، وقوله بمعنى مدحورين إمّا لأنه مصدر مؤول باسم المفعول ، وهو في معنى الجمع لشموله للكثير وكونه جمع داحر بمعنى مدحور كقاعد وقعوداً وعلى ظاهره تكلف ، وقوله ويقوّيه لأن فعولاً يكون بمعنى ما يفعل به كثيراً كطهور وغسول لما يتطهر ويغسل به. قوله : ) وهو ) أي على الفتح يحتمل أن يكون مصدراً كما يحتمل أن يكون اسماً لما يفعل به ، وأن يكون صفة كصبور لموصوف مقدر أي قد فاد حوراً طارداً لهم وفعول بالفتح في المصادر نادر وفي كتب التصريف لم يأت منه إلا خمسة أحرف الوضوء والطهور والولوغ والوقود والقبول كما حكي عن سيبويه وزيد عليه الوزوع بالزاي المعجمة ، والهوى بفتح الهاء بمعنى السقوط كما ذكره المصنف رحمه الله في سورة النجم وصرح به في القاموس ، والرسول بمعنى الرسالة كما مرّ في سورة الشعراء فهي ثمانية. قوله : ( عذاب آخر ( أي غير الرمي بالشهب المحرقة لهم ، وقوله دائم قيل هو حقيقة معناه ، وتفسيره بشديد تفسير له بلازمه. قوله : ( استثناء من واو يسمعون ) متصل وقد تبع فيما ذكره الزمخشري ، وفال ابن مالك إذا فصل بين المستثنى والمستثنى منه فالمختار النصب لأنّ الإبدال للتشاكل ، وقد فات بالتراخي وكونه منقطعاً على أنّ من شرطية جوابها فأتبعه أو من ضمير يقذفون أي هم لا يلبثون الأقدار الاختطاف تكلف ، وكان من حق المصنف رحمه اللّه أن يقدم تفسير الخطف على فأتبعه شهاب ثاقب ، وقوله الاختلاس أي الأخدّ بخفة وسرعة على غفلة المأخوذ منه ، وقوله ولذلك عرف الخطفة بلام العهد لأنّ المراد بها أمر معين معهود وفيه إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية ، ويجوز أن يكون مفعولاً به على إرادة الكلمة. قوله : ) وقرئ خطف الخ ( قراءة العامّة خطف بفتح الخاء وكسر الطاء مخففة وقرأ الحسن بكسرهما مع تشديد الطاء وهي لغة تميم ، وعنهما أيضاً وعن عيسى بفتح الخاء وكسر الطاء المشددة وأصله اختطف فسكنت التاء للإرغام وقبلها خاء ساكنة فكسرت لالتقاء الساكنين ، وسقطت همزة الوصل للاستغناء عنها ، ثم كسرت الطاء اتباعا لها وأمّا الثانية فمشكله لأنّ كسر الطاء في الأولى للاتباع ، وهو مفقود وقد وجه بأنه على
لتوهم لأنهم لما أرادوا الإدغام نقلوا حركة التاء إلى الخاء ففتحت فتوهموا كسرها لالتقاء الساكنين كما مرّ ، ثم اتبعوا الطاء للحركة المتوهمة ، واذا جرى التوهم في حركات الإعراب فهذا أولى وهو تعليل شذوذ ضعيف ، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما خطف بكسر الخاء والطاء الخفيفة اتباعا كنعم كذا أفاده المعرب ووجه كسر الخاء في الثانية لئلا يلتبس بفعل ولا يخفى ضعفه ، والأوّل مأخوذ من كلام الزجاج والى ما ذكر أشار المصنف رحمه الله. قوله : ( وأثبع ) من الأفعال بمعنى تبع الثلاثي فيتعدى لواحد أو لاثنين لأنه لم يجعل الخاطف تابعا وروي في الشواذ فأتبعه بالتشديد. قوله : ( والشهاب ما يرى كان كوكباً انقض ( أي مشابها للكوكب النازل من السماء فسره بالمتيقن منه ، وقوله وما قيل الخ إشارة إلى ما ذهب إليه الحكماء بناء على أن الشهب ليست كواكب بل أجزاء بخارية دخانية لطيفة ، وصلت كرة النار فاشتعلت ، وانقلبت ناراً ملتهبة فقد ترى ممتدة إلى طرف الدخان ، ثم ترى كأنها صفيت وقد تمكث زماناً كذوات الأذناب على ما فصلوه ، وقوله إن صح إشارة إلى عدم صحته لأنّ قوله زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين يقتضي خلافه وقوله فتخمين وقع في نسخة فيختنس أي ينزل وقوله ولقد زينا في نسخة إنا زينا وهو من سهو القلم ، ثم أوّله على فرض صحته بأنه ليس في القرآن ما يدل على أنها تنزل من الفلك حتى ينافي ما ذكر من حدوثها تحت كرة النار ، والزينة بها لا تقتضي كونها فيه حقيقة إذ يكفي كونه في رأى العين كذلك ، وقوله في الجوّ العالي إشارة إلى أنه يجوز أن يراد بالسماء جهة العلو لا الفلك فلا ينافي كلامهم إذ لا مانع من كون الشهب والمصابيح غير الكواكب فقوله فإنّ كل نير الخ تعليل لقوله ليس فيه الخ ، وجواب عن كونه مصباحا وزينة يقتضي انقضاضه من الفلك ، وقد جوّز إطلاق الكوكب عليه للمشابهة أيضا ، وقوله رجماً لشياطين الخ أي لا ينافي كونه للوقت انقضاضه في ذلك الوقت بمقتضى طبعه(7/261)
ج7ص262
لتقدير الله له كذلك. قوله : ) وما روي الخ ) أي أنه كان إرهاصا إذ قربت أو وقعت ولا دلالة على ما روي في الآثار فإنه وقع في بعضها ما يدل بظاهره على أنّ ذلك إنما وقع في ذلك الزمان مع أنّ المعروف خلافه والآيات دالة على أن حفظ السماء بها لم يحدث بل إن خلقها لذلك فإمّا أن يقال ما روي غير صحيح ، أو المراد منه أنه كثر ذلك جدا إذ ذاك ، أو أنه صار طاردا للشياطين بالكلية لكن الطعن في صحته غير صحيح
لأنه مروي عن ابن عباس في الصحيحين ، وما روي عن الشعبي من أنه لم يقذف بالنجوم حتى ولد صلى الله عليه وسلم فلما قذف بها جعل الناس يسيبون أنعامهم ، ويعتقون رقيقهم يظنون أنه القيامة فأتوا عبد ياليل الكاهن وقد عمي وأخبروه بذلك فقال انظروا إن كانت النجوم المعروفة من السيارة والثوابت فهو قيام الساعة ، والا فهو أمر حدث فنظروا فإذا هي غير معروفة فلم يمض زمن حتى أتى خبر النبي صلى الله عليه وسلم لا ينافي ما ذكر كما توهم فإنّ قوله لم يقذف الخ معناه لم يكثر القذف بها فكثرته لأمر أراده الله ، وهو حفظ السماء حفظاً كليا وقد قيل إنه يعني أنه لو كان بخاراً لم يختص بزمان فهو مبطل لقول الحكماء ومناف له فيجاب عنه بما ذكر ، وقوله حدث بميلاده في المنتظم لابن الجوزي إنه حدث بعد عشرين يوما من مبعثه وهو غير موافق لهذا ، وفي السير أن إبليس كان يخترق السموات قبل عيسى عليه الصلاة والسلام فلما بعث عيسى أو ولد حجب عن ثلاث سموات ، ولما ولد النبي صلى الله عليه وسلم حجب عنها كلها وقذفت الشياطين بالنجوم فقالت قريش قامت الساعة فقال عتبة بن ربيعة انظروا إلى العيوق فإن كان رمي به فقد آن قيام الساعة وإلا فلا قال السهيلي هذا صحيح لكن القذف بالنجوم كان قديما وهو كثير في أشعار الجاهلية ولما جاء الإسلام كثر وشدد ، ولذا قال تعالى : { مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا } [ سورة الجن ، الآية : 8 ] ولم يقل حرست وذلك لينحسم أمر الشياطين وتخليطهم ، ويصح الوحي فتكون الآية والحجة أقطع وان وجد استراق على الندرة قبل مبعثه وإنما ظهر في بدء أمره إرهاصاً فقد اتفقوا على أنه كان قبله ، وإنما شدد في بدء بعثته هذا ما اتفق عليه المحدثون. قوله : ( واختلف الخ ( أي هل يلزم من إصابته له إهلاكه أم لا ، وقوله فيرجع أي عن الاستراق أو إليه ، وقوله لكن الخ بناء على أنه يحترق إذ لو لم يخطئ المرمى ارتدعوا وكفوا عنه رأساً أي بالكلية ، وقوله ولا يقال الخ جواب عما يتوهم من أن المخلوق من النار لا تؤذيه. قوله : ( فاستخبرهم ا لأن الاستفتاء الاستخبار عن أمر حدث ومنه الفتى لحداثة سنه وأشد يكون بمعنى أقوى وأصعب وبكل منهما فسر هنا ، وقوله ما ذكر تفسير لمن خلقنا كما بينه وأراد به ما تقدّم صراحة ودلالة لأنّ تعريف الموصول عهدي في الأصل كما قرّر في شروج الرسالة الوضعية ، وعددنا المقروء به في الشواذ روي مخففاً ومشدداً أي من ذكرنا فيما سبق من الآيات وفاء فاستفتهم جواب شرط مقدر أي إذا عرفت ما مرّ والاستفهام تقريري أو إنكاري وفسوه باستخبرهم على الأصل
ولم يذكر الشيطان فيمن خلق لتحقيره أو لدخوله في المسؤولين ، وإطلاقه أي عدم بيانه لقرب عهده وسبق ذكره والإشارة لما مرّ وهذا على تفسيره الصافات الخ الأوّل. قوله : ( فإنه الفارق الخ ) إشارة إلى عدم ارتضاء تفسيره بالأمم الماضية كما في الكشاف فإنّ ما ذكر ليس فارقا بينهم لاشتراكهم فيه فتعقيبه بقوله إنا خلقناهم من طين لازب يدل على أنه ليس مادّة ما قبله. قوله : ( ولأن المراد إثبات المعاد ورد استحالته ) أي عده محالاً وجه آخر لتأييد ما ذكر لترجيح ما فسره به وقوله ، وتقريره أي تقرير إثبات المعاد بما ذكر أو ردّ استحالته ، وقوله لعدم قابلية المادة الخ بناء على أنّ المعاد هو الأجزاء الأصلية وقوله الحاصل الخ تفسير للازب لأنّ المراد لاصق بعضه ببعض ، وهو بامتزاجه بالماء وأصله الثابت أو اللازم كما يقال ضربة لازب. قوله : ( والأمر فيه ) أي في خلقهم من طين لا في إثبات المعاد لأنهم ومن قبلهم سواء في إنكاره كما توهم. قوله : ( وقد علموا الخ ) جواب عن سؤال مقدر تقديره إنما ينهض ما ذكر لو أقزوا بخلقهم من هذه المادة وهم جهلة معاندون ، وحاصله أنه مسلم عندهم أو مشاهد لا يسمع إنكاره فاعترافهم بحدوث العالم مطلقاً ، وهو يستلزم الاعتراف بحدوث ما فيه من إنسان وغيره فيلزمهم الاعتراف بما ذكر أو لأنهم لا ينكرون خلق آدم خاصة من الطين إن لم يعرفوا حدوث العالم جميعه(7/262)
ج7ص263
فالمقابلة بينه وبين العالم مع دخوله فيه ظاهرة وتولد بعض الحيوانات منه كالحشرات ، والفار مشاهد لهم لا ينكر ولا فرق بينه وبين غيره ففيه ترق في الإلزام ، وقوله بلا توسط مواقعة بالقاف والعين المهملة أي مجامعة الذكر للأنثى دفع لما يتوهم من أنهم خلقوا من أب وأمّ بالمجامعة ، وهذا ليس ثمة بأنه ثبت في رأى العين لهم خلافه. قوله : ( وإمّا لعدم قدرة القاعل ) معطوف على قوله إما لعدم قابلية المادّة ، وهو على القول الآخر في المعاد بإيجاد المعدوم ، وقوله ومن قدر وفي نسخة نإنّ من قدر وهو تعليل لقدرة الفاعل وقوله من ذلك يدأهم ، وفي نسخة بدؤهم والإشارة إلى الطين ، وقيل إلى مادّة البعث أو إلى اتحاد المادتين وقوله وقدرته ذاتية أي وما بالذات لا يزول ولا يقبل التغير بوجه. قوله تعالى : ( { بَلْ عَجِبْتَ } ) بفتح تاء المخاطب على خطاب الرسول أو كل من يقبله وبل للإضراب إمّا عن مقدر دلّ عليه
فاستفتهم أي هم لا يقرون بل الخ أو عن الأمر بالاستفتاء أي لا تستفتهم فإنهم معاندون بل انظر إلى تفاوت حالك ، وحالهم فإنك تعجب من قدرته الباهرة وانكارهم لما لا ينكروهم يهزؤون ويسخرون ، وجمع المصنف بين قدرة اللّه وانكار البعث في العجب والسخرية مخالفا للزمخشريّ في التفسير بكل منهما على الانفراد لأنه لا مانع منه مع كونه أتمّ فائدة وأشمل فلا وجه لجعل الواو بمعنى أو لأنه لا وجه للتعجب من قدرة الله ، وإنما يتعجب من الإنكار مع هذه القدرة التامّة فتأمّل. قوله : ( أي بلغ كمال قدرتي وكثرة خلائقي أتي تعجبت منها ) وفي نسخة فكيف بعبادي ، وقوله أو عجبت الخ خالف في هذا ما قبله فعطفه بأو الفاصلة ، ولذا جعل بعضهم الواو بمعنى أو إذ الفرق بينهما حتى يجوز الجمع في الأوّل دون الثاني غير ظاهر. قوله : ( والعجب من اللّه الخ ( يعني أنه أسند إليه تعالى في هذه القراءة وهو منزه عنه لأن العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسببه ، ولذا قيل العجب ما لا يعرف سببه ، واذا ظهر السبب بطل العجب ، وهو تعالى لا يخفى عليه خافية فلذا أوّلت هذه القراءة بوجوه فقوله على الفرض! والتخييل يحتمل تغايرهما واتحادهما فالفرض على أن يكون استعارة تخييلية تمثيلية كما في قوله : قال الحائط للوتد لم تشقني فقال سل من يدقني أي لو كان العجب مما يجوز على عجبت من هذه الحال ، والتخييل أن يكون استعارة مكنية وتخييلية كما في نحو لسان الحل ناطق فيجعل قعالى كأنه لإنكاره لحالهم يعدها أمراً غريباً ، ثم يثبت له العجب منها تخييلا واذا كانا بمعنى يراد الأوّل أو الثاني منهما وقيل فرض إنه تعالى لو كان ممن يتعجب لعجب من هذا على المشاكلة. قوله : ( أو على معنى الاستعظام اللارّم له ) فهو مجاز مرسل وهذا موافق للمشهور من أنّ ما لا يجوز عليه تعالى كالغضب يحمل على غايته كما مرّ وأورد عليه أنّ الاستعظام لا يجوز عليه تعالى أيضاً لأنّ كل عظيم سواه عند. حقير وفيه نظر لأنه ورد في القرآن وكان ذلك عند اللّه عظيما من غير تأويل وعظم الشيء بلوغه الغاية في الحسن أو القبح فلا وجه لما ذكر ، وقوله فإنه روعة الخ تعليل للوجه ا أصاني ، ويحتمل أنه تعليل لقوله والعجب من الله الخ أولهما ، والروعة بفتح الراء الفزع والخوف ويتجوّز بها عن الاستحسان أو الاستنكار المفرط لما يفجؤك ومنه قولهم أمر رائع ، وهو المراد هنا وعلى كل تقدير فهو تعالى منزه عنه. قوله : ( عند استعظام الشيء ) المراد بكونها عنده تعقبها له بسرعة حتى كأنهما في زمان واحدا وحصولها معه معية حقيقية فإنّ اللازم قد يكون كذلك كالإحراق للنار فلا ينافي كونه لازماً ، فما قيل إن استعظام الشيء مسبوق بانفعال يحصل في الروع أي القلب عن مشاهدة أمر غريب كجوهرة نفيسة ، وهو الروعة ليس بشيء وأعلم أنّ قوله والعجب الخ توجيه لإسناد
العجب إليه في هذه القراءة فهو لا يتصوّر كونه حقيقة منه تعالى ، وأمّا تعجب غير الله من أفعاله نحو ما أقدر الله ما أحلم الله فمنعه أبو حيان تبعاً لابن عصفور لأنّ معناه شيء أقدره أو حلمه وجوّزه السبكي لأنّ المتعجب هو الذاكر له ، وله فيه تألمف. قوله : ) وإذا وعظوا بشيء لا يتعظون به ) في الكشاف ودأبهم إنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به ، وهو أنسب وأبلغ مما ذكره المصنف فقيل إنه أخذ الاستمرار من إذا لأنّ الأصل فيها القطع والقطع إنما يحصل بالمشاهدة قبل الاختيار مراراً عدة أو من عطف المضارع على الماضي كما في ويسخرون أيضاً ، وقيل عليه قطع الله تعالى لا يتوقف على ما ذكر. والظاهر من عطف(7/263)
ج7ص264
المضارع على الماضي في الأمر المستغرب قصد الإحضار ، وتبعه من قال حمل القطع المدلول عليه بإذا على قطع المخاطب ، وهو لا يحصل إلا بما ذكر ولا مانع من حمله على قطع المتكلم ، ولذا ترك المصنف هذه الزيادة وليس كما زعموا ، إذ مراد العلامة أنّ عدم الاتعاظ مرّة لا يناسب مقام الذم فالأنسب أن يراد أنّ هذا دأبهم وديدنهم فلما رآه المدقق لائقاً بالنظم بين ما يدلّ عليه ليتأبد ما حاوله فقال الدال عليه إذا لأنها للقطع والعادة حصوله إذا كان المقطوع به مستقبلا بكثرة تكرّر صدور أمثاله فتجوّز بها عن التكرر هنا المستلزم للقطع ، أو هو مأخوذ من العطف وليس النظر إلى كونه للخلق أو الخالق مع أنّ كون قطع المخاطب لا يحصل إلا بما ذكر خلاف الواقع فالإيراد غفلة عن المراد. قوله : ( وإذا ذكر الخ ) فالتذكير ذكر الأدلة ، وعدم التذكير عدم الانتفاع بها ، وقوله يبالغون الخ إشارة إلى أنّ زيادة السين لتدلّ على زيادة المعنى لأنّ ما يطلب يرغب فيه ويستكثر مته ، وقوله أو يستدعي الخ فتكون السين للطلب على حقيقتها لطلب بعضهم من بعض ، وقوله ظاهر سحريته في نفسه يعني أنه من أبان اللازم. قوله : ) أصله أنبعث الخ ) أي يحسب الظاهر المتبادر وبعد التغيير إلى ما ذكر لما ذكر إن كانت ذا ظرفية فهي متعلقة بمقدر لأنّ ما بعد إنّ واللام لا يعمل فيما قبله ، وإن كانت شرطية فجوابها محذوف وفي عاملها الكلام المشهور وتقديره عليهما نبعث مقدماً ومؤخراً ، فقوله وقدّموا الظرف يعني في الكلام بحسب الظاهر لا أنه مقدّم على عامل له مذكور كما يتوهم ، وقوله مبالغة في الإنكار لتكرير حرفه وتصديره والاسمية ، وانّ أيضاً قد تشعر بتأكيد الإنكار وقوله مستنكر في نفسه لإعادة همزة الإنكار معه ، وقوله وفي هذه الحالة يعني حال موتهم وصيرورتهم عظاما رفاتا لإعادة
إنكار مصدراً للاهتمام فأبلغيته على أبلغ الوجوه كما لا يخفى وتقدير المصنف له بقوله أنبعث الخ ظاهر في الظرفية. قوله : ( عطف على محل إنّ واسمها ) هذا مبنيّ على مدّهب البصريين القائلين بعدم اشتراط المحرز وكون أن لا تعمل في الخبر ، والمخالف لهم يمنعه لأنّ الرفع للابتداء وقد زال بدخول الناسخ ، ولأنه لو عطف عليه كان مبعوثون خبراً عنهما وخبر المبتدأ رافعه الابتدا وخبر أنّ رافعه أنّ فتوارد عاملان على معمول واحد مع شروط أخر اشترطها الجمهور ، وقول المصنف على محل إن واسمها لا يدفع المحذور كما توهم بل يزيده لأنا لا نعلم من يقول إنّ أن المكسورة وما معها له محل من الإعراب فقد علمت ما في هذا الوجه فالأولى جعله مبتدأ محذوف الخبر وتعطف الجملة على الجملة. قوله : ( أو على الضمير في مبعوثون ) المستتر فيه ولا يشترط لصحة العطف تأكيده بل المفصل بأيّ شيء كان ، وقد فصل هنا بالهمزة كما أشار إليه المصنف بقوله فإنه الخ وردّ هذا الوجه أبو حيان بأنّ همزة الاستفهام لا تدخل على المعطوف إلا إذا كان جملة لئلا يلزم عمل ما قبل الهمزة فيما بعدها ، وهو غير جائز لصدارتها وهو ظاهر الورود والجواب بأنّ الهمزة هنا مؤكدة للاستبعاد فهي في النية مقدمة داخلة على الجملة في الحقيقة لكن فصل بينهما بما ذكر لا يجدي إلا بالعناية فإن الحرف لا يكرّر للتوكيد بدون مدخوله ، والمذكور في النحو أنّ الاسنفهام له المصدر من غير فرق بين مؤكد ومؤسس ، مع أنّ جوابه يعود عليه بالنقض لأنها إذا كانت في نية التقديم ينبغي أن لا يعتد بفصلها ، وفصل حرف واحد أمر قليل في الاعتداد بمثله ، وقوله لزيادة الاستبعاد أي أتى بالهمزة لزيادة الاستبعاد لأنّ إعادة من مات قبلهم أبعد في عقولهم القاصرة فعلى قراءة السكون لا احتمال للوجه الثاني ، وصاغرون بمعنى أذلاء. قوله : ( وإنما اكتفى به ) أي بقوله نعم من غير إقامة دليل للمنكرين لأنه تقدّم البرهان عليه في قوله فاستفهم الخ ولأنّ المخبر علم صدقه بمعجزاته الواقعة في الخارج التي دلّ عليها قوله : { وَإِذَا رَأَوْا آيَةً } وهزؤهم بها وتسميتهم لها سحرا عناد ومكابرة لا تضرّ طالب الحق ولا الناظر له بعد ظهوره ولذا أمره بقوله نعم دون زيادة والا لم يكن جواباً شافياً وإليه أشاو بقوله ، وقيام المعجز على صدق المخبر وأمّا القول بأنه يجدي لقيام الحجة عليهم في القيامة ، والحجة المنتظرة في القيامة لا تفيده هنا شيئاً وعدى القيام هنا بعلى لأنه من قام على كذا إذا استمرّ عليه كما في قوله : { دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا } [ سورة آل عمران ، الآية : 75 ] أو لتضمنه معنى الدلالة ونعم في القراءة الثانية بكسر العين. قوله : ( جواب شرط مقدّر الخ ) يعني أنّ الفاء واقعة في جواب شرط مقدّر كما ذكر.(7/264)
ج7ص265
ويجوز كما قال الزجاج أن يكون تفسيراً وتفصيلا للبعث المذكور قبل وهذه الجملة إمّا من مقول قل أو من قوله تعالى ، وكان المصنف لم يحتج للثاني لأنّ تفسير البعث الذي في كلامهم لا وجه له والذي في الجواب غير مصرّح به ، وتفسير ما كني عنه بنعم مما لم يعهد.
قوله : ( فإنما البعثة زجرة ) إشارة إلى أنّ الضمير راجع إلى البعثة المفهومة مما قبله لا
مبهم يفسره الخبر وهو زجرة كما في قوله : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا } [ سورة الأنعام ، الآية : 29 ] كما في الكشاف لما فيه من عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة ، وقد مرّ تفصيله وقدروه في النازعات لا تستصعبوها فإنما هي زجرة الخ لأنّ الإنكار هناك أوضح كما في الكشاف ، وقوله من زجر الخ إشارة إلى أنه استعارة ، وقوله وأمرها أي الزجرة كأمركن في السرعة من غير توسط شيء وتخلف أصلاً كما مرّ في سورة يس وفي قوله كأمر إبهام لطيف ، وقوله فإذا هم الخ يعني أن ينظرون من النظر بالبصر أو بمعنى الانتظار. قوله : ( اليوم الذي نجارّي ) يعني الدين هنا بمعنى الجزاء كما في كما تدين تدان ، وقوله وقد تمّ به كلامهم وقيل كلامهم تمّ عند قولهم يا ويلنا ، ولذا وقف عليه أبو حاتم وما بعده كلام الذ. أو كلام الملائكة لهم كأنهم أجابوهم بأنه لا تنفع الولولة ، واختاره أبو حيان وتركه المصنف لأنه يكون تكرار اليوم للتأكيد والتأسيس خير منه. قوله : ( وقيل هو أيضاً من كلام بعضهم لبعض ( مرّضه لما فيه من التكرار وهو يؤيد ما قلناه ، والفرق بين المحسن والمسيء تمييز كل عن الآخر بدون قضاء فيغاير ما قبله ، وقوله أو أمر بعضهم أي الملائكة يأمر بعضهم بعضا بذلك وعلى الوجهين فهو حكاية ومقامهم محلهم إذا خرجوا من القبور. قوله : ( وقيل منه ) أي الموقف إلى الجحيم مزضه لأنه لا يلائم قوله : { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } لأنه كتعقيب الشيء على نفسه ، أو تسببه عنه فما قيل إنّ تعقيبه به يؤيده وإنما مرّضه لاقتضاء السياق للأوّل لأن الحشر يكون بالجمع من أماكن مختلفة فالفاء للسببية ، أو تعقيب كل شيء بحسبه ليس بشيء لاقتضاء السياق والسباق للاوّل. قوله : ( وأشباههم ) يعني أنّ الزوج المقارن كزوجي النعل فأطلق على لازمه ، وهو المماثل وبه فسر عمرو ابن عباس رضي اللّه عنهم ، وقوله في الكشاف وأشباههم من العصاة أهل الزنا مع أهل الزنا وأهل السرقة مع أهل السرقة تبعا للزجاج ليس مغايراً له كما توهم لأنه
عام مثل له كل بمثال فلا ضعف فيه لعدم صحة سنده ، والمصنف لم يقصد ردّ. ولذا روي عن عمر رضي الله عنه تفسيره بنسائهم لمماثلتهن لهم في الكفر ، وقوله مع عبدة الصنم إشارة إلى أنّ الواو يجوز أن تكون للمعية كما يجوز أن تكون عاطفة ، وقوله كقوله : { وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا } وهم أصحاب اليمين وأصحاب الشمال والسابقون إذ المراد به الأمثال المتقارنة كما هنا. قوله : ( أو نساءهم ) روي عن عمر رضي الله عنه ومجاهد والحسن وما بعده عن الضحاك ، وقوله من الأصنام وغيرها مما عبد من دون الله ، وأمّا عزير والمسيح ونحوهما فقد مرّ الجواب عنه ، وما نقل من قول ابن الزبعري وجواب النبيّ له بقوله : " بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم " كما قال تعالى : { بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ } [ سورة سبأ ، الآية : 41 ] وسيأتي ما في كلام المصنف من بيانه هنا وما قيل إنّ ما على عمومها والأصنام ونحوها غير داخلة لأنهم جميعهم إنما عبدوا الثياطين فمع مناقصته لما ذكره في غير هذه الآية كلام واه ، وتخيل فأسد غنيّ عن الرد ، وقوله زيادة في تحسيرهم مفعول له تعليل لحشرهم وما يعبدون. قوله : ( وهو عامّ مخصوص الخ ) يعني أنّ ما عام في كل معبود حتى الملائكة والمسيح وعزير لكنه خص منه البعض بهذه الآية ، أو أنّ عبادتهم إنما كانت للشياطين الحاملة لهم على ذلك كما مرّ ولكل وجه لكن تخصيص العام أقرب من هذا التجوّز البعيد مع أنّ تفسير أزواجهم بقرنائهم من الشياطين مناسب لتركه فلذا تركه فمن اقتصر عليه استسمن ذا ورم كما ذكرناه ، وقوله وفيه أي في قوله وما كانوا يعبدون وقد أطلق عليه في قوله : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ سورة لقمان ، الآية : 13 ] كما مرّ. قوله : ( فعرّفوهم طريقها ليسلكوها ) أي الجحيم أو طريقها والتعبير بالصراط والهداية للتهكم بهم. قوله : ( احبسوهم في الموقف ا لا عند مجيئهم للنار كما قيل ، والسؤال المعروف ثمة ما ذكره المصنف لا السؤال عن النصرة والشفاعة ولا دلالة في قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ } [ سورة فصدت ، الآية : 9 ا ] الخ على ما ذكره لأن جاؤوا بمعنى شارقوا المجيء ، أو جملة شهد حالية بتقدير قد ولا يليق إخراج النظم عما يظهر منه لمجرّد التشهي(7/265)
ج7ص266
مع أنّ ما ذكره وجه وتفسير آخر بينه المصنف أيضا بقوله مع جواز أنّ موقفهم الخ. قوله : ( والواو لا توجب الترتيب الخ ) دفع لما يرد من أن وقوفهم للسؤال مقدم على سوقهم في طريق الجحيم ، وظاهر النظم عكسه بأنّ الواو لا تقتضي ترتيباً كالفاء ، وثم فلا مانع من تقدم الثاني على الأوّل ولما كانت مخالفة الظاهر من غير نكتة لا تناسب بلاغة النظم أجاب بجواب آخر ، وهو قوله مع جواز أن موقفهم وفي نسخة اختلاف
وا!راب هنا ففي نسخة أن يكون موقفهم وفي نسخة موقفهم متعدداً ، وهي أظهرها وفي !خة أنه وفي نسخة موقفه بالإفراد وفي نسخة بعد الهدى ، والتوقيف للسؤال وفي نسخة تركه والمراد منها واحد فموقفه بمعنى موقف هذا السؤال وموقفهم يعني لهذا السؤال أي لا مانع من إ!ا!ء على ظاهره لأنّ معنى هداية صراط الجحيم إراءته والدلالة عليه ولا مانع من تقدّمها على مو!فلا السؤال فانّ المؤخر عنه إنما هو الدخول في الطريق والوصول إليها ، وأيضا يجوز أن جكون هذا سؤال آخر بعد السير أو الدخول على أنّ قوله : { مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ } تفسير له أو صراط الجحيم طريقهم له من قبورهم إلى مقرهم وهو ممتد فيجوز كون الموقف في بعض منه مؤخرا عن بعض ، وهذا إيضاحه بما لا مزيد عليه ، وقد خبطوا فيه خبطاً عجيباً كقول بعضهم معنى هوله مع جواز أن يكون موقف ما لكم لا تناصرون جواز كون موقف السؤال موقف سؤال !ا!كم لا تناصرون على حذف مضافين ، ويحتمل أن يكون موقفه بضمّ الميم على صيغة اسم ا!ا!لى واعتبر الصاحب بالصاحب. قوله تعالى : ( { بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } ) جوّز في الإضراب أن يكون عن مضمون ما قبله أي لا ينازعون في الوقوف ، وغيره بل ينقادون أو يخذلون أو عن قولى لا تناصص ون أي لا يقدر أحد على نصر أحد بل هم منضادون للعذاب أو هصخذولوه والانقياد لازم لطلب السلامة عرفاً فلذا استعمل فيه ، وقوله يسلم بعضهم بعضاً أصل م!اه !سلمه بالتشديد والمراد يخذله يقال أسلمه لكذا إذ أخذله فقول ويخذله عطف تفسير له ، والقرناء بمعنى الثياطين ، وقوله للتوبيخ أي لا للاستعلام. قوله : ( عن أق!وى لوجوه وأ!ظ الخ ( !!ني أنّ الاتباع يقولون للرؤساء في مخاصمتهم هذا ، وقد تجوّز به عن أحد هذه المعاني لأنّ يمين الإنسان أشرف وأقوى وبها يتيمن أيضاً ولذا يسمون اليسار شؤمى فتجوّز بها عن أحد هذه ا!افي على طريق الاستعارة لتشبيهها باليد اليمنى فيما ذكر ، وتحرير معنى الآية أنّ قوله قالوا ا!خ !سسير لقولن يتساءلون بمعنى يتخاصمون فيقول بعضهم لبعض في الجحيم أي الاتباع للرؤساء إنكم كنتم تصدوننا بقوتكم عن اتباع الحق ، وتزعمون أن ما أنتم عليه خير ودين حق فتخدعوننا وتفلوننا ، ولذا أجابوهم بقولهم بل لم تكونوا الخ. قوله : ( كأنكم تنفعونضا ( متعلق ببم ما قبله أو بالأخير وهو الخير ، وقوله نفع السانح الخ السانح والسنيح ما أتاك عن يمينك من طائر أو ظبي أو غيرهما ضد البارج ومن العرب من يتيمن بالسانح ويتشاءم بالبارج ومنهم من يتمثماءم بالسانح ، ويتيمن بالبارج قاله الخليل في العين وفي النهاية السانح ما جاء من جهة يسارك إلى يمينك والبارح ضدّه فقد علمت أنّ لأهل اللغة في تفسيرهما مذهبين وأنّ العرب في
التيمن والتشاؤم فرقتان منهم من يتيمن بهذا ومنهم من يتيم بالآخر ومراد المصنف تبعا للعلامة بالسانح ما يتيمن به ، وأنه ما جاء من جهة اليمين لأنه الموافق لقوله تعالى عن اليمين ووجه التيمن به أنه جاء من جهة اليمين وهي مباركة ووجه التيمن بضذه أنه متوجه لها وضذه أمكن ، ومته يعلم وجه عكس التسصية فقوله نفع السانح لبيان الاستعارة وتحقيقها فتدبر. قوله : ) مستعار من يمين الإنسان ( فالاستعارة تصريحية تحقيقية في اليمين وحده على المعاني السابقة فجهة اليمين استعيرت لجهة الخير والنفع ، وان كانت جهة الخير أيضاً وجاء منه مجاز أيضاً لأنه لشهرته التحق بالحقيقة فيجوز فيه المجاز على المجاز كما في المسافة على ما قرّر في الكشاف ، وشروحه لكن الظاهر أنه استعارة تمثيلية والتجوّز في مجموع قوله تأتوننا عن اليمين لمعنى تمنعوننا وتصدوننا فيسلم من التكلف ، ودعوى المجاز على المجاز كما اختاره بعضهم ، ثم إنّ المصنف خلط معنى القوّة مع هذه الوجوه مخالفاً لما في الكشاف وسيأتي الكلام عليه قريباً. قوله : ( هو أقوى الجانبين وأشرفه وأنفعه ا لف ونشر مرتب ناظر لتفسيره اليمين يعني شبه أقوى الوجوه في القوّة والدين في الشرف(7/266)
ج7ص267
والخير في النفع بجارحة اليمين فاستعيرت لإحداها ، وقوله ولذلك أي لما فيه من القوّة أو الشرف أو النفع سمي الجانب المعهود يميناً لما فيه من ذلك لأنّ اليمين في الأصل القوّة والبركة ، وتيمنت الناس بالسانح لكونه يأتي من اليمين أو يتوجه إليها كما بيناه. قوله : ) أو عن القوّة والقهر الخ ) معطوف على قوله عن أقوى الوجوه فيكون اليمين مجازاً عنه لا عن الوجه القوي والجهة ، وبهذا فارق الأوّل وليس فيه حيحئذ مجاز على المجاز بل ولا استعارة لأنه مجاز مرسل إمّا بإطلاق المحل على الحال أو السبب على المسبب ، ويجوز أن يكون استعارة بتشبيه القوّة بالجانب الأيمن في التقدم ونحوه والأوّل أولى ، وقوله فتفسروننا الخ بيان للمراد منه على هذا ، وقوله أو عن الحلف فتكون اليمين حقيقة بمعنى القسم ومعنى إتيانهم عنه أنهم يأتونهم مقسمين لهم على حقية ما هم عليه فالجار والمجرور حال ، وعن بمعنى البأء كما في قوله : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى } [ سورة النجم ، الآية : 3 ] أو هو ظرف لغو وتفسيره بالشهوة ، والهوى لأنّ اليمين موضع الكبد كما في القاموس غويب جداً. قوله : ( بل لم الخ ) إضراب عما قالوه ، وقوله أجابهم الرؤساء إشارة إلى أنّ السابق من كلام الاتباع فقولهم لم تكونوا مؤمنين إنكار لإضلالهم لأنهم أضلوا أنفسهم بالكفر ، وقولهم ما كان لنا الخ جواب آخر تسليمي على فرض! إضلالهم بأنهم لم يجبروهم عليه وإنما دعوهم له
فأجابوا له باختيارهم لموافقة ما دعوا له هواهم ، وقيل إنه جواب واحد محصله أنكم اتصفتم بالكفر من غير جبر عليه. قوله : ( ثم بينوا أنّ ضلال الفريقين ) أي الرؤساء واتباعهم ، وقوله : { كَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا } [ سورة مريم ، الآية : 21 ] أي بقضاء منه تعالى ، وهذا معنى قوله : { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا } أي وجب العذاب لجميعهم لقضائه تعالى بذلك ، وقضاؤه تعالى سواء قلنا برجوعه إلى صفة العلم كما هو مذهب الماتريدية أو إلى الإرادة كما هو مذهب الأشاعرة لا يستلزم الجبر كما قرروه في الكلام فإنه لا ينافي الكسب باختيارهم وضملال الفريقين هو معنى قوله أغويناكم إنا كنا غاوين ، ووقوعهم في العذاب معنى إنا لذائقون فما قيل من أنّ دلالة النظم عليه غير ظاهرة وأنه يجر إلى الجبر ظاهر الدفع أنه لو سلم الثاني يكون بياناً لمدعي هؤلاء الكفرة ، وهو باطل مع أنّ قوله وأنّ غاية الخ صريح في خلافه ، وقولن دعوهم إلى الغيّ معنى أغويناكم فليس المراد به حقيقته بل الحملى عليه. قوله : ( لأنهم كانوا على الغئ الخ ( هو معنى قوله إنا كنا غاوين إشارة إلى أنها جملة مستأنفة لتعليل س قبلها ، وقوله إيماء بأنّ الخ أي إشعار به ولذا عداه بالباء على عادته في التسامح في الصلات ووجه الإشعار أنهم لم يقولوا مغوين بصيغة المفعول لما فيه من الإشارة إلى أنّ غواية الاتباع ليست من الرؤساء كما بينه بقوله إذ لو كان كل غواية ناشئة من إغواء غاو آخر وتأثيره لكان لكل مغو مغو آخر وليس كذلك لأنّ أول غاو لا مغوى له ، وهذا كما في حديث العدوى [ فمن أعدى الأوّل ] كما في البخاري وليس المراد أنه برهان قطعيّ فيما ذكر بل إنه أمر جار على ما عرف في العرف ، والمحاورات فاندفع ما قيل عليه من أنه لا تلزم الكلية حتى يكون لهم مغو آخر أيضاً ، وأنّ قوله لو كان كل غواية الخ لا وجه له فإنّ للغواية أسباباً منها الإغواء قليس بلازم بخصوصه ، وبه سقط ما قيل إذا ئحققت غواية بلا إغواء يكون كل فرد كذلك لاتحاد الطبيعة إن اتحاد أفراد طبيعة في جميع الأمور غير لازم فتدبر. قوله : ( بالمشركين لقوله الخ ) يعني تخصيصهم لأنّ ما بعده معين له ،
وقوله لشاعر مجنون قيل إنه كالهذيان فإئا لشعر يقتضي عقلا تاما ، وفيه نظر وقوله رد عليهم إشارة إلى أنّ الإضراب إبطاليّ ، وفي قوله إنكم لذائقوا الخ التفات. قوله : ( وقرئ بنصب العذاب الخ ) يعني أنه بتقدير لذائقون العذاب فأسقطت النون للتخفيف كما أسقط الشاعر التنوين مع نصبه المفعول ، وعدم إضافته فيهما وقوله ولا ذاكر الله الخ هو شعر لأبي الأسود الدؤلي وأوّله :
فالفيته غير مستعتب
لا ذاكر الله الخ وذاكر روي بالجرّ وبالنصب بالعطف على غير أو مستعتب. قوله : ( وهو ضعيف في غير المحلى ) . قوله : أمّا ما كان صلة للألف واللام فورد حذفه كثيرا لاستطالة الصلة الداعية للتخفيف كما في قوله الحافظ وعورة العشيرة البيت ، وقوله وهو على الأصل أي قرئ بالنصب مع إثبات النون على الأصل والقاعدة في عدم حذفها في نحوه ، وقوله مثل ما عملتم لأنّ الجزاء من جنس العمل لا عينه. قوله : ( استثناء منقطع ) فقوله أولئك الخ مستأنف لبيان حالهم والاتصال مع عموم الضمير بعيد لما فيه من تفكيك(7/267)
ج7ص268
الضمائر ، ويحتاج إلى تكلف لأنّ عدم جزائهم بمثل العمل بمعنى الزيادة والمضاعفة أبعد وأبعد ، وأمّ كون المنقطع لا بد فيه من هذا التأويل أيضاً فغير مسلم لأنّ إلا مؤوّلة بلكن وما بعد المستثنى كخبرها كما ذكره النحاة فيصير التقدير لكن عباد الله المخلصين لهم رزق وفواكه ، الخ فلا حاجة لتكلف مثله ولا لتكلف أنّ الإخراج من مماثلة الشيء بالشيء فينتفي عنهم ، ويثبت جراء الحسن بالحسن والأحسن كما قيل ، وفي شروح التأويلات للسمرقندي أن الاستثناء محتمل أن يكون من قوله : { لَذَائِقُو الْعَذَابِ } فيكون الاستثناء حيمئذ حقيقة ، ويحتمل أن يكون من تجزون على أنّ ما كنتم تعملون بتقدير بما كنتم تعملون فالاستثناء لأنهم لا يجزون بما كانوا يعملون بل يعطون النعم تفضلاً منه تعالى لأنّ عبادتهم لا تؤدي شكر ما أنعم به عليهم في الدنيا ، وجزاء الكفرة في مقابلة العمل ومقدّر بقدره ، ولا يحتمل العفو والإسقاط بمقتضى الحكمة انتهى. قوله : ( خصائصه من الدوام الخ ) جواب عن سؤال صرح به السمرقندي بأنّ الرزق لا يكون معلوما إلا إذا كان مقدراً بمقدار لأنّ ما لا يتعين مقدأره لا يكون معلوما ، وقد قيل في آية أخرى يرزقون
فيها بغير حساب ، وما لا يدخل تحت الحساب لا يحد ولا يقدّر فلذا جعل معلوميته باعتبار وصفه ، وخصائصه المعلومة لهم من آيات أخر كقوله غير مقطوعة ولا ممنوعة ونحوه فلا ينافي ما في الآيات الأخر ، وقوله من الدوام الخ لم يرد به حصر الخصائص فيما ذكر وقد ذكر فيه في الكشاف ، وغيره وجوها أخر ككونه معلوم الوقت لقوله : { بُكْرَةً وَعَشِيًّا } [ سورة مريم ، الآية : 162 وقول قتادة المعلوم الجنة يأباه قوله في جنات وان كان المعنى على أن الجنة معينة لهم ، وهم مكرمون فيها بإقامة الظاهر مقام الضمير لأنّ جعلها مقرّ المرزوقين لا يلائم جعلها رزقا أما إذا كان للرزق فهو ظاهر الإباء كما في الكشف وكون المساكن رزقا للساكن فإذا اختلف العنوان لم يكن به بأس لا يدفعه كما توهم. قوله : ) أو تمحض اللذة ) في بعض النسخ عطفه بالواو ، وقوله ولذلك فسره بقوله فواكه إشارة إلى أنه عطف بيان وعلى غيره هو بدل كل أو بعض أو خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة ، وقوله محفوظة عن التحلل أي التحلل في البدن المحتاج لبدل فلا ينافي ما ورد في الحديث من إنه يتحلل بعض فضلات الغذاء بعرق طيب الرائحة فإنه الاحتياج إلى التقوت ليحصل من كيموسه بدل عما تحلله الحرارة الغريزية من أجزاء البدن كما ذكر. الأطباء وهو دفع لما يتوهم من منافاته لقوله : { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [ سورة الواقعة ، الآية : 21 ] لأنّ المراد بالفاكهة ثمة المعروفة وهنا ما يتلذذ به مطلقا. قوله : ( كما عليه وزق الدنيا ) من الكد والكسب ، وقوله ليس فيها إلا النعيم إشارة إلى أنّ الإضافة على معنى لام الاختصاص المفيدة للحصر ، وقد مرّ في ألم السجدة أن المراد في نعيم الجنات ومرّ ما فيه. قوله : ( وهو ظرف ا لقوله مكرمون أو معلوم ولذا لم يعين متعلقه ، وقوله خبر ثان إشارة إلى أنّ قوله لهم رزق معلوم خبر أوّل ويجوز كونه خبرهم أيضا ، وقوله يحتمل الحال أي من المستتر في مكرمون أو في جنات النعيم وكدّا قوله فيكون متقابلين حالاً أي من المستتر الخبر أو في قوله على سرر على احتماليه. قوله : ( بإناء فيه خمر ) إشارة إلى ما ذكره أهل اللغة من أنها لا تسمى كأسا حقيقة إلا وفيها شراب فإن خلت منه فهو قدج ، وقوله أو خمر مجازا من إطلاق المحل على الحال فيه لكنه مجاز مشهور بمنزلة الحقيقة ، وقوله وكأس الخ يشير إلى قول الأعشى من قصيدة له مشهورة :
وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منهابها
لكي يعلم الناس أني امرؤ أتيت اللذاذة من بابها
يعني ورب كاس شربتها لألتذ بسكرها وأخرى لأداوي بها خمار الأولى وكسلها كما
قال :
كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
فقوله شربت قرينة على أنه أراد بالكأس الخمر الذي فيها لأنّ تقدير شربت ما فيها تكلف
كما أن بيان الكأس بقوله من معين هنا قرينة على ذلك. قوله : ( ظاهر للعيون ) جار على وجه الأرض! كما تجري الأنهار ، أو خارج من العيون جمع عين وهو المنبع لأنها تطلق عليه ، وعلى ما يخرج منه فهو كقوله وأنهار من خمر ومعين كمعيب أصله معيون من عان أو هو من معن فهو فعيل إذا ظهر أو نبع ، وقوله وصف به الخ إشارة إلى أنه استعارة وانه في الأصل اسم مفعول أو صفة بوزن فعيل. قوله : ( لأنها تجري كالماء )(7/268)
ج7ص269
هذا بناء على أنها خمر حقيقة لكنها وصفت بالمعين تشبية لها به لكثرتها حتى تكون أنهاراً جارية في الجنان وقوله للأشعار بأنّ ما بالمد والقصر ، وهو وجه آخر مبني على أنه ماء جار على الحقيقة لكنه في حلاوة العسل وله تفريح ونشوة كنشوة الخمر ووجه الإشعار ظاهر لأنّ جعله خمراً يفيد أن فيه لذته ، ونشوته وكونه معيناً يدل على ماء أو جنس من المشروب يضاهيه في لونه ورقته فلا يخفى وجه الإشعار لمن له شعور ، وفائدته على الأوّل وصف الخمر بالرقة واللطافة ، وعلى الثاني وصف الماء باللذة والنشوة. قوله : الكمال الفذة ( بدل من قوله لما يطلب أو متعلق بجامع تعليل له ، وقوله وكذلك أي على الاحتمالين ، وقوله أيضاً أي كما أن قوله من معين صفة ، وقوله للمبالغة بجعل الملتذ به عين اللذة ، وقوله كطب بفتح الطاء بمعنى طبيب حاذق فهو فعل بسكون العين صفة كصعب بمعنى فعيل أو بكسرها كخشن أو بفتحها كحسن فسكن للإدغام ، وقوله في البيت ولذ فسره في الكشاف بنوم وفسره في الأساس يعيش لذيذ وهو الظاهر وعلى كليهما فهي شاهد لما ذكره لأنه على الأوّلين ليس باسم جامد له بل معنى لذيذ بغلب على النوم ، والتردد فيه لا وجه له والصرخدي الخمر منسوب لصرخة بلدة بالشام ينسب إليها الخمر الجيد ، والحدثان بفتحات شدائد الدهر ونوائبه التي تحدث فيه. قوله تعالى : ( { لَا فِيهَا غَوْلٌ } ) قدم فيه الظرت
للتخصيص ، والمعنى ليس فيها ما في خمر الدنيا من الخمار وفيه كلام في كتب المعاني والغائلة ما يخشى من الضرر ، وقوله كالخمار بضم الخاء صداع الخمر وأشار بالكاف إلى عدم حصر ضررها فيه ، وقوله ومنه الغول التي تذكرها العرب من شياطين الجن المهلكة ، وهل لها حقيقة أولاً فيه تفضيل في حياة الحيوان أي سميت به لإفسادها ، وفي المثل الغضب غول الحلم والمراد بالحلم العقل أو معناه المعروف أي مذهبه ومهلكه. قوله : ( يسكرون ( بيان لحاصل المعنى وهو على قراءته مجهولا وكذا قوله نرف الشارب على البناء للمفعول إذا ذهب عقله وادواكه من السكر كأنه ظرف للعقل ففرغ منه ، وقوله أفرداه الخ مع أنّ ذكر الخاص بعد العام مستغنى عنه لكنه للاعتناء بنفيه جعل كأنه نوع آخر فعطف عليه كما عطف جبريل على الملائكة تعظيماً له ، وقوله وقرأ الخ أي بضم الياء وكسر الزاي مضارع أنزف أي صار ذا نزف أي عقل أو شراب نافد ذاهب فالهمزة فيه للصيرورة أو للدخول في الشيء ولذا صار لازما فهو مثل كبه فأكب ، وسيأتي تحقيقه وهو أيضا بمعنى السكر لنفاد عقل السكران أو نفاذ شرابه لكثر شربه فيلزمه عليهما السكر ، ثم صار حقيقة فيه قال :
لعمري لئن أنزفتمو وصحوتمو
ويجوز أن يراد لا يفنى شرابهم أو ينفد حتى ينغص عيشهم ، وتعديته بعن لتضمينه معنى يصدرون عنها سكارى ، وقوله وأصله النفاد أي ما وضل له في الأصل نفاد شيء من شيء كنفاد الماء من البئر والدم من الجريح والعقل من السكران ، ونزحت الركية بمعنى أخرجت ماءها حتى نزفتها أي لم يبق فيها شيء منه ، والركية بفتح الراء البئر. قوله : ( قصرن أبصارهق على أزواجهت ) فلا ينظرن لغيرهم هو إمّا على ظاهره ، وكناية عن شدة الحسن المانع عن رؤية غيره أو عن إفراط المحبة ، وقوله نجل العيون بضم النون جمع عين نجلاء وهي التي اتسع شقها وليس المراد السعة المفرطحة فإنها غير ممدوحة ، ولذا قيل سعتها عبارة عن كثرة محانها ولا حاجة إليه. قوله : ( شبههن ببيض النعام الخ ) على عادة العرب في تشبيه النساء بها وخصت ببيض النعام لصفائه ، وكونه أحسن منظرا من سائره ولأنها تبيض في الفلاة وتبعد بيضها عن أن يمس ، ولذا قالت العرب للنساء بيضات الخدور كما بينه الزمخشري ولأن بياضه يشوبه قليل
صفرة مع لمعان كما في الدر ، وهو لون محمود جداً إذ البياض الصرف غير محمود وإنما يحمد إذا شابه قليل حمرة في الرجال وصفرة في النساء ، ولذا ورد في الحلية الشريفة أبيض ليس بالأمهق ، ومن الغريب قول بعض أهل العصر المراد به بيض طبخ وقشر لنعومته وطراوته لقول العامّة كأنها بيضة مقشرة ، وهذا من عدم معرفة كلام العرب ولولا خوف الإطالة ذكرت الأبيات حتى صرح فيها بهذا التشبيه. قوله : ( فيتحادثون على الشراب ) على للمعية أي مع شرب الشراب ، وقوله كعادة الشرب بفتح الشين وسكون الراء جمع شارب كصحب وصاحب ، وقوله وما بقيت الخ تبع فيه الزمخشري والذي رأيناه في كتب الأدب أنّ هذا الشعر لمحمد بن فياض من المحدّثين(7/269)
ج7ص270
وأنشدوه هكذا وهو الذي في الانتصاف :
وما بقيت من اللذات إلا محادثة الكرام على الشراب
ولثمك وجينتي قمرمنير يحول بوجهه ماءالشباب
وعارض معناه القائل :
وكان الصديق يزور الصديق لشرب المدام وعزف القيان
فصار الصديق يزور الصديق لبث الهموم وشكوى الزمان
وزاد فزورته إن أتى هروبامن الدين أومن زباني
وهذه نفثة مصدور خشيت أن تحرق السطور. قوله : ( والتعبير عنه الخ ) كان الظاهر توافق المتعاطفين مضياً واستقبالاً لكن أتى بصيغة الماضي لأنها لدلالتها على التحقق تفيده الإقبال على الحديث لكونه أعظم لذاتهم حقيق بالاعتناء فيؤكد لذلك قيل وهذا أولى من قول الزمخشري إنه جيء به على عادة الله في إخباره لاشتراك العلة بين المتعاطفين فكان ينبغي تناسبهما ، وقيل إنه لا يغني شيئاً لقوله قبله في أهل النار وأقبل بعضهم الخ وقد عطف ثمة على مضارع مع عدم تأتي ما ذكر هنا من الاعتناء فيه ، وفيما قالاه نظر لأن ما قاله الأوّل لا يخفى على أحد فضلا عن الزمخشريّ فالظاهر أنّ مراده إخبار الله عما صدر عن عباده وحكايته له عنهم كما في تلك الآية أيضاً والمعطوف عليه ليس كذللث لأنه إخبار عما أنعم به عليهم في الآخرة ، وهو لا يشتبه ولا يستغرب عند المخاطبين فلذا أكد الثاني دونه ومنه يعلم ترجيح ما في الكشاف مع أن المعتاد في أمثاله مما يدل على الشروع في أمر الماضي ، وأمّا الثاني دونه ومنه يعلم ترجيح ما في الكشاف مع أن المعتاد في أمثاله مما يدل على الشروع في أمر الماضي ، وأمّا الثاني ففي حيز المنع لأنّ المراد الاعتناء بالنسبة للمعطوف عليه ولا شك أنّ توبيخ بعضهم لبعض أعظم من توبيخ الغير ، وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله فما بين
المتعاطفين معترض أو من متعلقات الأول لثلا يطول الفصل فتدبر.
قوله : ( فإنه الخ ) تعليل لمقدر تقديره فيستحق التأكيد فإنه الخ وقوله ، وقرئ بتشديد الصاد من التصدق قيل إنه لا يلائم قوله بعده أئذا الخ وليس بشيء لأنه قيل إن رجلين شريكين ، وقيل أخوين ورثا ثمانمائة ألف دينار واقتسماها فعمد أحدهما ، وكان كافراً بماله فاشترى به بساتين وفرشاً وجواري يتنعم بها وأنفق الآخر ماله في وجوه الخير رجاء رحمة ربه ونعيمه المخلد ، وكان مؤمناً ثم أصاب الثاني فاقة فذهب إلى ذلك وطلب منه شيئاً فسأله عما كان له فأخبره بفعله فقال له إنك من المتصدقين لأنا بعد الموت والفناء نبعث ونجازى فنزلت هذه الآية في إعلام حالهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمن نزلت فيه متصدق ، ومصدّق أيضاً وما أنكره عليه ذلك الكافر أنه أنفق ليجازي على إنفاقه مما هو أعظم وأبقى فقد ضيع ماله لتصوّر ما لا أصل له ، وهو الجزاء الأخروي ولا يكون بدون البعث فلذا قدم إنكاره بل إنكاره رأسا للجزاء بقوله إنا لمدينون لأنه المقصود بالإنكار والنفي فقوله لمدينون أنسب بالثاني ، والنظم وكذا سبب النزول تمام المناسبة له إذ محصله أنت المتضق طلبا للجزاء في الآخرة فهل نحن بعدما نفنى نبعث ونجازى فما ذكروه مندفع بلاشبهة ، وكيف يتوهم عدم المناسبة وقد قرئ بها. قوله : ( ترابا وعظاماً ) قيل ذكر تراباً يكفي ويغني عن ذكر العظام ، وكونه للتنزل في الإنكار أو للتأكيد لا يرجحه بل يجوّزه فكأنه تصوير لحال ما يشاهده من الأجساد البالية من مصير اللحم ، وغيره ترابا عليها عظام نخرة ليذكره ويخطر بباله ما ينافي مدعاه. قوله : ( ذلك القائل ( أي كان لي قرين الخ يعني المذكور في قوله قال قائل منهم والمقول له جلساؤه ، ويقابل هذا القول ما سيأتي وقوله إلى أهل النار عداه بإلى لتضمينه معنى ناظرين ، وقوله لأريكم الخ إشارة إلى أن المقصود من قوله هل أنتم مطلعون سواء كان المراد منه الأمر أو العرض إراءتهم سوء حال قرينه ، وقوله يقول لهم أي لهؤلاء المتحادثين في الجنة ، وهل تحبون إشارة إلى أنه للعرض عليهم إن أرادوا ، واطلاع أهل الجنة على أهل النار ومعرفة من فيها مع ما بينهما من التباعد غير بعيد بانه يخلق الله لهم حدة نظر ، وقيل إنّ لهم طاقات في الجنة ينظرون منها من علو لأهل النار كما قاله السمرقندي. قوله : ( وعن أبي عمرو الخ ) المذكور في الإعرإب ، وكتب القرا آت أنّ أبا عمرو قرأ بسكون الطاء وفتح النون وكونها رواية شادة عنه كما قيل يحتاج(7/270)
ج7ص271
إلى نقل وإنما هي شاذة منقولة عن حماد وهشيم ، وقد قرئ مطلعون بالتشديد والتخفيف مع فتح النون
وكسرها كما سيأتي والتشديد من اطلع على الأمر إذا شاهده أو اطلع علينا أقبل ، والتخفيف من اطلعه عليه إذا أوقفه ليراه والأوّل لازم والثاني يكون متعدّيا ولازما بمعنى اطلع ، واطلع قرئ ماضياً مبنياً للفاعل من الافتعال وهمزته همزة وصل ، وقرئ فأطلع بهمزة قطع مضمومة وكسر اللام ماضياً مبنياً للمفعول ، وقوله فاطلع بالتشديد والتخفيف مضارعاً منصوبا في جواب الاستفهام واذا كان مبنياً للمفعول فنائبه ضمير المصدر أو ضمير المطلع عليه على الحذف والإيصال أو ضحمير القائل ، والقراءة في العشرة بالتشديد والتخفيف في مطلعون مع فتح النون ، واطلع بالماضي المعلوم المشدد على الأولى والمخفف المجهول في الثانية وما عداهما شاذ فأعرفه. قوله : ( وضم الألف ) أي همزة اطلع الساكن الطاء في هذه القراءة مضمومة على أنه ماض! مجهول فلامه مكسورة أو مضارع منصوب بصيغة المعلوم ، والمجهول فلامه مكسورة ومفتوحة وهو على متعد وكلام المصنف رحمه اللّه يحتملهما وان كان ما بعده أظهر في بعضها. قوله : ( على أنه جعل اطلاعهم سبب اطلاعه ) بسكون الطاء فيهما والسببية من الفاء إذ المعنى إن اطلعتموني أطلع والمقصود اطلاع الجميع ولكنه عبر بما ذكر رعاية للأدب الآتي ، وهذا المعنى أيضاً يتأتى على فتح النون ، وقوله يمنع الاستبداد به أي الاستقلال بالاطلاع لأن من الآداب أن لا ينظر في مجلسه لشيء ، ولا يفعل شيئا مما لم يشاركوه فيه فإن كان المخاطب بهل أنتم مطلعون الملائكة لم تحتج السببية إلى هذه النكتة ولذا أخره فخاطب الملائكة عطف على قوله جعل. قوله : ( على وضع المنصل موضع المتقصل ( يعني أنّ أصله على قراءة الكسر مطلعون إياي ، ثم جعل المنفصل متصلاً فقيل مطلعوني ، ثم حذفت الياء واكتفى عنها بالكسرة كما في قوله فكيف كان نكير هذا ما أراده المصنف رحمه الله تبعا للزمخشري ، وللنحاة في هذه المسألة كلام طويل حاصله أنّ نحو ضاربك وضاربيك ذهب سيبويه فيه إلى أنّ الضمير في محل جر بالإضافة ، ولذا حذف التنوين ونون التثنية والجمع وذهب الأخفش وهشام إلى أنه في محل نصب وحذفها للتخفيف حتى وردت ثابتة في نحو قوله :
هم الآمرون الخير والفاعلونه
وقوله :
أمسلمني للموت أنت فميت
فعنده أنّ النون في مثله تنوين حرك لالتقاء الساكنين ورد بأنه سمع مع الألف واللام قوله وليس الموافيني ، ومع أفعل التفضيل كما وقع في الحديث " غير الدجال أخوفني عليكم "
وإنما هذه نون وقاية ألحقت مع الوصف حملاً له على الفعل كما حمل ضماربونه في إثبات نونه على تضربونه وقد ردّ أبو حيان ما ذكر بانه ليس من محال المنفصل حتى يدعي أنّ المتصل وقع موقعه إذ لا يجوز أن يقال هند زيد ضارب إياها ولا زيد ضارب إياي لأنه لا يعدل إلى الانفصال ما دام الاتصال ممكناً وما أجاب به المعرب من أنه لا يسلم إنه يمكن الاتصال حالة ثبوت النون والتنوين قبل الضميربل يصير الموضع موضع المنفصل فصح ما قاله الزمخشري ، وكلام المصنف رحمه الله لا يصح على المذهبين لأنّ من قال إنها نون الوقاية قال الموضع موضع الاتصال ومن قال إنه تنوين قال أيضاً إذا ثبت ضرورة لزم الاتصال كما نقلناه آنفا وكذا ما قيل مراده أنّ الحذف لازم في الاختيار كما نبه عليه بتمثيله وفرض! الإبقاء لا يجدي فاسد لأنه يعود على المدّعي بالنقض إذ لو كان لازما لم تصح القراءة به ، وقد علمت أن مراده غير ما فهم. قوله : ( هاً الآمرون الخير والفاعلونه ) تمامه :
إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما
لا يعرف قائله ، ولذا قيل إنه مصنوع لا يصح الاستشهاد به ، وقيل إن الهاء هاء سكت حركت للضرورة وهو فرار من ضرورة لأخرى إذ تحريكها واثباتها في الوصل غير جائز ، وقوله أو شبه الخ عطف على قوله وضع الخ وهو مخصوص بتوجيه الجمع ، وأمّا المفرد كقوله أمسلمني فلا يتأتى فيه ، وقوله فاطلع عليهم أي على أهل النار لا على أصحابهم كما توهم وقوله وسطه لأنه ورد عن العرب انحنى سوائي أي وسطي كما أوضحه الزمخشري سمي به لاسنواء جانبيه ، وقوله لتهلكني لأنّ الردى الهلاك واللام هي الفارقة أي بين المخففة والنافية ، وقوله معك فيها أي في الجحيم لأنها مؤنثة ولو قال فيه بإعادته للسواء صح وهما سواء. قوله : ( عطف الخ ) هو أحد القولين كما فصله في المغني ، وقوله أنحن مخلدون الخ بناء على أنه قول المؤمنين لتوبيخ الكفار وبقي إنه في بعض النسخ بدون همز إشارة إلى أنّ الاستفهام(7/271)
ج7ص272
فيه تقريري ويجوز أن يكون من قولهم جميعا ، وقوله بمن شأنه الموت إشارة إلى ما في الصفة المشبهة من الدلالة على الثبوت ، وتوجيه للاستثناء ليكون متصلاَ وضمير هي للموتة الأولى ، وقوله متناولة الخ توجيه للموتة بتاء الوحدة بأنّ موتة القبر بعد السؤال داخلة في الأولى لأنّ ما بينهما من الحياة غير معتد به لأنه ليس إعادة تامّة ولا قارة. قوله : ( وقيل على الاستثناء المنقطع ( هو فيما
قبله استثناء مفرع من مصدر مقدّر وعلى هذا المعنى لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا كما في قوله : { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى } [ سورة الدخان ، الآية : 56 ] وسيأتي تحقيقه وقوله وذلك الخ يعني قوله أفما نحن بميتين الخ ويجوز أن يكون من كلام الجميع كما مرّ ، وقوله يحتمل أن يكون من كلامهم أي أهل الجنة الشامل للقائل والجلساء ، ولذا لم يقل كلامه ثم كما صرّح به فمن قال الأظهر أن يقول كلامه لم يصب. قوله : النيل مثل هذا ) ففيه مضاف مقدر ومثل يحتمل لإقحام كما في مثلك لا يبخل ، وقوله للحظوظ الدنيوية إشارة إلى ما يفيده تقديم الجار والمجرور من الحصر والانصرام الانقطاع واحتمال الأمرين كونه كلام الله أو كلامهم. قوله : ( ثمرها نزل أهل النار ) إشارة إلى أنّ فيه مضافاً مقدراً أي ثمر شجرة الزقوم لأنّ الشجرة ليست نفسها نزلاً والنزل بضمتين وبالزاي ما يعد للنازل من الطعام ، أو هو مستعار من الحاصل للشيء وله معان أخر كريع الطعام والفضل والبركة ولكن الأوّل هو المراد ليدل على ما ذكره من الدلالة ، والإشارة إلى ما مرّ من قوله رزق معلوم فواكه الخ لأنه رجوع إليه ، والقصة المذكورة بينهما ذكرت بطريق الاستطراد كما ذكره الزمخشري وإن جوّز بعضهم كونه من كلام هؤلاء ، وجعل ثمر الزقوم خيراً ونزلا تهكم بهم أو للمشاكلة ، وجوّز فيه المصنف الحالية من لاضمير في خير والتمييز من غير تمييز بينهما كما في الكشاف إذ جعله حالاً إذا كان ما يعد للنازل ، وتميزا إذا كان بمعنى الحاصل من الشيء إذ الحال يصدق على ذيها والرزق معد بخلاف التمييز فإنه يغاير المميز نحو هو الرجل كرما وشجاعة ، وحاصل الشيء غيره والمصنف اقتصر على أحد المعنيين ، وجوّز الوجهين فيكون التمييز كما في لله دره فارسا حيث ميزه بما يصدق عليه وحاله ظاهر ، وقوله دفرة بالدال المهملة يعني منتنة لا بالمعجمة دمان قيل إنه بمناه أيضا لأنّ المشهور أنّ الثاني يختص بالطيب فيقال مسك أذقر ، وتهامة سهل الحجاز مقابل نجد وقوله الموصوفة أي بما ذكر في هذه الآية. قوله : ( محنة وعذابا ( لما مرّ من أنّ الفتنة في الأصل الإذابة بالنار فلذا أطلق على العذاب وبالإذابة يعلم ما غش من غيره فلذا أطلق على
الابتلاء ، والحيوان الذي يعيش في النار هو السمندل وتفصيله في حياة الحيوان وقوله في قعر جهنم إشارة إلى أنّ الأصل هنا بمعنى أسفل كما يقال لأسفل الشجرة أصلها. قوله : ) حملها ( بفتح الحاء وهو ما على رأس أو شجر ، وقوله مستعار من طلع التمر الأولى أن يقول طلع النخل وهو أوّل ما يبدو قبل أن تخرح شماريخه أبيض غض مستطيل كالكوز فسمي به هذا إتا لأنه بشابهه في الشكل فيكون استعارة تصريحية أو لاستعماله بمعنى ما يطلع مطلقا فيكون كالرسن للأنف فهو مجاز مرسل ، وهذا معنى قوله في الكشاف استعارة لفظية أو معنوية وقد ذكر الطيبي له تفسيراً آخر بأنّ المراد باللفظية التصريحية وبالمعنوية المكنية ، وهو غريب واوظاهر لم يرده فقوله أو الطلوع معطوف على الشكل ، والهون بمعنى الفزع والخوف. قوله : ( وهو تشبيه بالمتخيل الخ ) رد على بعض الملاحدة إذ طعن فيه بأنه تشبيه بما لا يعرف بأنه لا يشترط أن يكون معروفا في الخارج بل يكفي كونه مركوزا في الذهن والخيال ألا ترى امرى القيس وهو ملك الشعراء يقول :
ومسنونة رزق كأنياب أغوال
وهو لم ير الغول ، والغول نوع من الشياطين لأنه في خيال كل أحد مرتسم بصورة قبيحة
وإن كان قابلا للتشكل ، كما أنهم إذ! استحسنوا شيئاً قالوا ما هو إلا ملك كما قرره أهل المعاني ، والأعراف جمع عرف وهو بضم فسكون شعر على ما تحت الرأس ، وقوله لعلها سميت بها لذلك أي لقبح منظرها سميت به على طريق التخيل أيضاً لكن المشبه به على الثاني متحقق لكنه لم يرتضه لكونه غير معروف لا في الذهن ولا في الخارج. قوله : ( من الشجرة أو من طلعها ) الظاهر أنه يريد أنّ الضمير للشجرة ، ومن ابتدائية أو تبعيضية وفيه مضاف مقدر ويؤيده أنه وقع في نسخة أي طلعها ، واما أنه على أنّ الضمير راجع للطلع وأنث لإضافته للمؤنث أو لتأويله بالثمرة ، أو للشجرة على التجوّز فجائز مع بعدما.(7/272)
ج7ص273
قوله : ( أي بعدما شبعوا الخ ) فثم للتراخي على حقيقتها ، وقوله ويجوز الخ فهو للتراخي الرتبي لأنّ شرابهم أشنع من مأكولهم بكثير إما ملء البطون فيعقبه ، وليس بشيء غير ما قبله متصوّر فيه تفاوت رتبي فلذا ترن بالفاء ، وقيل على الأوّل إنه يأباه عطفه بالفاء في آية أخرى { فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ }
[ سورة الواقعة ، الآية : 53- 54 ] فلا بد من عدم توسط زمان أو شيء آخر كطول الاستقاء بينهما لكن ملؤهم البطون أمر ممتد فباعتبار ابتدأئه يعطف بثم وباعتبار انتهائه بالفاء فتأمّل. قوله : ( من غساق ) بالتخفيف والتشديد عين فيها تسيل إليها سموم الحيات والعقارب ، أو ماء دموع الكفرة فيها والصديد ما يسيل من جراحهم ، وجلودهم فليس فيه جعل شيء قسيماً لنفسه حتى يقال أو للتخيير في التعبير ، ولا ينافيه تفسير غساق بصديد في محل آخر ، واذا ضم شين شويا فهو ما يشاب به كما أنّ القفل ما يقفل به. قوله : ( إلى دركاتها ) دفع لما يتوهم من أنه عود لما هم فيه ولا معنى له بأنّ المراد أنهم يوردون في الجحيم من مكان إلى آخر أدنى منه ، أو ذلك النزل! كان قبل الدخول فيها ولكونه خلاف الظاهر أخره ، وقوله يوردون الخ تفسير لقوله يطوفون الخ في الآية الثانية ، وقوله وقيل الحميم الخ هذا وجه في الجواب ثالث فيه أنّ الحميم خارج عن محل من النار يخرج المجرمون منه للسقي كما يخرج الدواب للماء ، وليس المراد أنه خارج عن الجحيم بالكلية حتى ينافي أنهم بعد دخول النار لا يخرجون منها بالاتفاق كما قيل بل إنه في غير مقرهم فيجوز أن يكون في طبقة زمهريرية منها مثلاً والانقلاب أظهر في الرد فلذا جعله مؤيداً له. قوله : ( كأنهم يزعجون ( أخذه من فعل الأهراع المجهول وقوله وفيه إشعار الخ هو من الإسراع المقرون بالفاء ، وقوله قبل قومك لأنهم المراد بالظالمين الراجع إليهم جميع الضمائر لأنهم المنكرون لخروج الشجر في النار فليس فيه تفكيك للضمائر كما توهم وإلاستثناء يحتمل الاتصال ، والانقطاع وقد تقدم الكلام فيه والخطاب في قوله فانظر. قوله : ) ولقد دعانا ( أي بإهلاك قومه إذ قال : { لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا }
[ سورة نوج ، الآية : 26 ] بقرينة قوله أيس من قومه. قوله : ) فحذف منها ما حذف ) هو محتمل لأن يريد بالمحذوف القسم لدلالة اللام عليه والمخصوص بالمدح وهو فحن ، وقوله فأجبناه الخ بيان لحاصل المعنى أو المحذوف ما ذكر وجملة فأجبناه أحسن الإجابة لأنّ المدح بحسن الجواب يقتضي تقدمه على أحسن الوجوه. قوله : ) من الغرق أو أذى !! ) وفي نسخة وأذى قومه وهي أحسن إذ لا مانع من الجمع وهو تفصيل لما قبله ولا يلزم التكرار على تفسيره بأذى قومه بل على تفسيره بالغرق لقوله ثم أغرقناكما فيل ، وقوله إذ هلك من عداهم الخ بيان لحصر الباقين في ذرّيته كما يفيده ضمير الفصل ، وقوله إذ روي الخ لا بد منه لأنه كان في السفينة من عداهـ ( لكنهم لم يعقبوا عقابا باقيا فلا يضرّنا وأولاده سام وحام ويافث ومنهم تشعبت الأمم كما فصل في التوايخ ، ولذا قيل آدم الثاني. قوله : ( هذا الكلام ( يعني قوله سلام على نوح في العالمين إذ لو لم يحك نصب لأنه مفعول تركنا كما قرأ به ابن مسعود رضي الله عنه فهو مبتدأ وخبر وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى الدعاء ، والحكاية إمّا بتركنا لتضمنه معنى القول بناء على مذهب الكوفيين أو بقول مقدر أي تركنا قولهم سلام ملى نوح ، وقوله يسلمون عليه تسليما إشارة إلى أنه إذا كان اسم مصدر من التسليم كان منصوبا على المصدرية على الأصل واذا كان سلاما من الله لا من الآخرين فتقديره ، وقلنا سلام الخ فمفعول تركنا على هذا محذوف كما ذكره. قوله : ( متعلق بالجار والمجرور ) هو إمّا على طاهره لأنه لنيابته عن عامله يعمل عمله أو المراد أنه متعلق بما تعلق به ، وفي قوله بثبوت هذه الئحية إيماء إليه أو المراد به التعلق المعنوي فيجوز كونه حالاً من الضمير المستتر فيه ، وقوله لى الملائكة إشارة إلى أنّ فيه شمولاً وعموماً لا يغني عنه قوله في الاخرين وكونه بدلاً منه يأباه !شره وفصله. قوله : ( من التكرمة ) بنجاته وتخليد الثناء عليه واحسانه مجاهدته في إعلاء كلمة الله وإزالة أعدائه ، وقوله تعليل لإحسانه المدلول عليه بالمحسنين والتعليل من سياق مثله مقرر لى المعاني ، وقوله إظهاراً لجلالة قدره أي قدر الإيمان حيث مدح من هو من كبار الرسل به في لمقصود بالصفة مدحلها لنفسها لا مدح موصوفها كما مرّ إذ الرسول لا يتصوّر انفكاكه عن الإيمان على ما بينه شراح الكشاف ، وما قيل عليه من أنه توجيه لتوصيفه بالإيمان دون تعليل الإحسان بالإيمان وهو(7/273)
ج7ص274
المقصود من قصور النظر لأن معنى تعليل الإحسان بالإيمان بيان
لحاصل المعنى والأصل تعليل كونه محسنا بكونه من العباد الموصوفين بالإيمان ، وليس المقصود هنا من إحسانه مجرّد إيمانه بل ما ينبني عليه فعدل عن المقصود لهذا ما ذكره من أصالته لأنه أساس لكل خير يوجد ، ومركز لدائرته ومسك خاتمته. قوله : ( ثم أغرقنا الخ ) ثم للتراخي الذكري إذ بقاء ذريته وما معه متأخر عن الإغراق ، وقوله شايعه أي تابعه ، وقوله في الإيمان وأصول الشريعة لأنّ الظاهر أنّ كلا منهما صاحب شريعة مستقلة ، وهذا المقدار متيقن وأصول الشريعة العقائد أو توانينها الكلبة من إجراء الأوامر الإلهية وفيه وجوه أخر كالتصلب في الدين وقوّة الصبر ، وقوله ولا يبعد الخ وجه آخر إذ لم ينقل اختلاف بينهما أو المراد في غالبها فيعطي للأكثر حكم الكل ، وقوله ألفان وستمائة الخ هو رواية وفيه أقوال أخر. قوله : ( متعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة الخ ) إن أراد أنه جامد لا يتعلق به شيء لكنه لما فيه من معنى الوصفية جاز تعلقه به ورد عليه ما قيل إنه يلزمه عمل في ما قبل لام الابتداء فيما بعدها ، والفصل بين العامل ومعموله بأجنبي فيجاب بأنه لا مانع منه لتوسعهم في الظروف ، وان أراد تعلقه بمقدّر يدل عليه ما ذكر كأنه قيل منى شايعه فقيل شايعه إذ الخ لم يرد عليه شيء لكن ظاهر الكلام الأوّل لجعله مقابلاً للحذف. قوله : ( من آفات القلوب ) وفي نسخة الذنوب والأولى أصح وأكثر فسليم على هذا سالم من جميع الآفات وآفاتها فساد العقائد والنيات السيئة والضمائر القبيحة ونحوه ، أو سالم من العلائق الدنيوية يعني ليس فيه شيء من محبتها والركون إليها والى أهلها فهو دائما مشغول بمحبة الله ومشاهدة عوارفه ومعارفه ، ولذا فسره بقوله خالص لله أي متمحض لجنابة كما قيل :
تملك بعض حبك كل قلبي فإن ترد الزيادة هات قلبا
وهذا مقام الخلة فليس! فيه جمع بين معنيي المشترك على مذهبه كما توهم. قوله : ( أو مخلص له ) يحتمل أن يكون بفتح اللام بزنة اسم المفعول بمعنى أنه أخلصه لله ، أو بكسرها اسم فاعل من أخلص المنزلة منزلة اللازم أي ذا إخلاص فلا يلزم كون القلب مخلصا لنفسه كما قيل. قوله : ( حزين ) فيكون استعارة من السليم بمعنى الملدوغ من حية أو عقرب فإنّ المعنى سمته سليما تفاؤلاً بسلامتة ، وصار حقيقة فيه يقال لدغنه الهموم ، وهو وجه لطيف لكن الأوّل أنسب بالمقام فلذا أخر هذا. قوله : ( ومعنى المجيء به الخ ) يعني كان الظاهر جاء ربه
سليم القلب فلم عدل عنه إلى ما في النظم ، وفي الكشاف معناه أخلص لله قلبه وعرف ذلك منه فضرب المجيء مثلاً لذلك ، اهـ وفي المطلع معنى مجيئه ربه أنه أخلص لله قلبه ، وعرف ذلك منه معرفة الغائب وأحواله بمجيئه وحضوره فضربه مثلاً وقال الإمام : معناه أنه أخلص لله قلبه فكأنه أتحف حضرته بذلك القلب ، فقيل المفهوم من المطلع أن الباء للملابسة ومن كلام الإمام أنها للتعدية وظاهر كلام المصنف الأوّل ، قيل وفي قول الزمخشري عرف ذلك إطلاق اسم العارف عليه وقد منعوه ولذا غير المصنف عبارته وقيل إنه بصيغة المجهول فلا يتجه ما ذكر عليه ، ثم إنّ ظاهر كلامهم أنّ في جاء استعارة تبعية تصريحية فشبه أخلاصه قلبه بمجيئه الغيبة عن حضرته تعالى إلا أنه لا معنى حينئذ لجعل سليم بمعنى الخالص أو المخلص كما قاله بعض الفضلاء ( أقول ) هذا جميع ما قالوه برمته والذي يقبله القلب السليم أنّ ما ذكروه من الاستعارة مقرّر وأن ما قاله المصنف هنا خالص أو مخلص بيان لمحصل المعنى فيصير معنى التركيب أنه أخلص لله قلبه السليم من الآفات ، أو المنقطع عن العلائق أو الحزين المنكسر فرب قلب سليم عن الأوّلين غير مخلص كما في القلوب البله وكذا الثالث ، وإنما عقده تقديمه التفسير ومخالفة الزمخشري إذ تركه ، وأما ما ذكروه في المعرفة ففيما أجيب به كفاية لكن أصل الاعتراف فيه توفف ، وان اشتهر فقد وقع في أوّل خطبة نهج البلاغة إطلاقه عليه تعالى في قوله عارفا بقرائنها واحيائها وقال شارحه أنه صحيح وكفى به حجة عليه فأعرفه. قوله : ( فقدّم المفعول للعناية ) لأنّ إنكاره أو التقرير به هو المقصود وفيه رعاية الفاصلة أيضاً ، وقوله على أنها الخ إشارة إلى أنه بدل كل من كل وليست الآلهة عين الكذب لكنها جعلت عينه مبالغة أو على التأويل(7/274)
ج7ص275
المعروف في أمثاله بالتقدير في الأوّل أو في الثاني كما ذكره فإن عبادتها إفك أي صرف للعبادة عن وجهها أو هو حال من فاعل تريدون ، أو من المفعول بتقدير مأفوكة لكن وقوع المصدر حالاً غير مقيس. قوله : ( بمن هو حقيق بالعبادة الخ ) فسر رب العالمين بالحقيق بالعبادة ليرتبط بما قبله من إنكار عبادة الأصنام ، ولذا جعله حجة عليه فالمعنى أنّ استحقاقه للعبادة أظهر من أن يختلج عرق شبهة فيه فأنكر ظنهم الكائن في بيان استحقاقه للعبادة ، وهو الذي حملهم على عبادة غيره ، وقوله لكونه الخ يعني أنه أقيم فيه الدليل ، والعلة مقام مدلوله ومعلوله لدلالته عليه. قوله : ( حتى تركشم عبادته ) مع كونه المستحق لها وحده لكونه المالك الحقيقي وما سواه مملوك وقد قيل :
كل مايصلح للمولى على العبد حرام
وقوله وأشركتم الخ أي تركتم عبادته خاصة ، وفي نسخة أو أشركتم وهو الأظهر فالمعنى
على الأوّل فما ظنكم به وهو حقيق بالعبادة أشككتم فيه حتى تركتم عبادته بالكلية ، وعلى الثاني أعلمتم أفي شيء هو حتى جعلتم الأصنام شركاءه وعلى الثالث ما ظنكم بعقابه حتى اجترأتم على الإفك عليه ، وفي كلامه لف ونشر وقوله والمعنى الخ يعني أنّ الاستفهام إنكاري والمراد من إنكار الظن إنكار ما يقتضيه ، ويصد بالصاد المهملة بمعنى يمنع. قوله : ( على طريقة الإلزام ) بناء على اعترافهم بأنه رب العالمين وجعله كالحجة دون أن يقول وهو حجة ملتزمة لأنه ليس صريحاً في الإلزام ولذا جعله على طريقته فتأمّل. قوله : ( فرأى مواقعها الخ ( إنما فسر به لأنّ ما يستدل به على حدوث أمر ليس هو رؤية أجرامها ففط بل مع ما يستدل به من أحوالها كاتصال بعضها ببعض ، وتقابلها وتقارنها ومواقعها مغاربها فالمراد بالنظر فيها التأمل في أحوالها ، أو في علمها المشروح فيه ما شاهده من ذلك أو في كتب النجوم وأحكامها ، ولذا عذاه بفي كما قيل :
هل من كتاب أوأخ أوفتى أنظر فيه أو له أو إليه
وقيل : لبعض الملوك ما تشتهي فقالط حبيب أنظر إليه ومحتاج أنظر له وكتاب أنظر فيه
فهو مجاز عما ذكر أو فيه مضاف مقدّر. قوله : ( ولا منع منه ( أي كيف ينظر في النجوم ، وهو نبيّ معصوم فأجاب بأنه ليس بممنوع شرعا وكون النجوم تدل على بعض الأمور لجعل اللّه لها علامة عليه جائز ، وإنما الممتنع اعتقاد أنها مؤثرة بنفسها والجزم بكلمة أحكامها وقد ذكر الكرماني في مناسكة أنّ النبيي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أراد السفر في آخر الشهر : " أتريد أن تخسر صفقتك وتخيب سعيك اصبر حتى يهل الهلال " مع أنه لم ينظر فيها حققة بل أوهمهم ذلك لأنهم كانوا منجمين فأظهر لهم ذلك لئلا يحضر معهم في مجامع كفرهم. قوله : ( سألوه أن يعيد معهم ) يقال عيد إذا حضر مع الناس في العيد كما يقال جمع إذا حضر الجمعة ، وعرّف إذا حضر عرفة فلما سألوه الذهاب معهم لعيدهم ، ومجمع كفرهم ذكر ذلك ليتخلف عنهم. قوله : ( أراهم أنه استدد بها ) أي أوهمهم أنه استدل بالنجوم على سقمه ، وقوله على أنه مشارف للسقم متعلق باستدل ، ولئلا متعلق بأراهم ومعيد بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الياء
المثناة التحتية محل عيدهم ، وإنما أوّل سقيم بالمشارفة لأنه غير سقيم بالفعل كما شاهدوه والسقيم بالفعل لا يحتاج للنظر في النجوم لذلك ، وظاهر عطف قوله أو أراد بأو كما في أكثر النسخ أن هذا تأويل مستقل فالتأويلات أربعة فالمراد أنه مستعد ل!سقام كما هو شأن كل أحد إذ المشارفة بمعناها المعروف غير موجودة فيؤول إلى الجواب الأخير ، أو المراد بسقيم صدور الكذب منه وأنه جائز إذا تضمن مصلحة والظاهر هو العطف بأو على أنّ الوجوه ثلاثة ، وسقم قلبه حزنه وغمه بجعل ذلك مرضاً على طريق التشبيه أو هو مجاز باستعماله في لازمه ، وهو الخروح عن الاعتدال فإنّ الاعتدال الحقيقي غير موجود أو أراد أنه مستعدّ للموت استعداد المريض فهو استعارة أو مجاز مرسل ، وإنما أوّلوه لأنه معصوم عن الكذب وتسميته كذبا في الأحاديث الصحيحة نظرا لظاهره ، وجعله ذنبا في حديث الشفاعة لأنه خلاف الأولى إذ عدل عن التصريح إلى التعريض ، ومن جوّز صدور الذنب عنهم لا يؤوله ، وقول الإمام إسناد الكذب إلى راوي الحديث أهون من إسناده إلى إبراهيم لا يلتفت له وقد روي في الصحيحين. قوله : ( ومنه المثل كفى بالسلامة داء ) هو حديث في مسند الفردوس فهو من الأمثال النبوية ، ومعناه أنّ حياة المرء سبب لموته فهو(7/275)
ج7ص276
المرض الحاضر ، وهو معنى كثير الأشعار القديمة كقول حميد بن ثور :
وحسبك داء أن تصح وتسلما
ومنه أخذ المتنبي قوله :
قداستشفيت من داءبداء وأقتل ما أعلك ماشفاكا
والبيت الذي ذكره المصنف للبيد من قصيدة وقبله :
كانت قناتي لا تلين لغامز فألانها الإصباح والإمساء
وجاهدا بمعنى مجتهداً ويصحني منأصحه إذا صيره صحيحا ، ولبيد كان ممن رزق العمر الطويل والمثل والبيت بيان للوجه الأخير. قوله : ( هاربين مخافة العدوى ( بفتح العين ، وهي
سراية المرض وعلى تفسيره هذا مدبرين حال مقيدة لا مؤكدة كما هو المتبادر ، وقوله فذهب الخ أصل معناه الميل في جانب ليخاع من خلفه فتجوّز به عما ذكره لأنه المناسب هنا والطعام المذكور كان يقرب للأصنام في أعيادهم ، وأتى بضمير العقلاء لمعاملته معهم معاملة العقلاء ، وقوله وأنّ الميل لمكروه ، وعلى للمضرّة كما في دعا عليه وضربا مصدر لراغ باعتبار المراد منه بطريق التجوّز أو بدلالة السياق ، ويجوز كونه حالاً بمعنى ضارباً أو مفعولاً له. قوله : ( وثقييده باليمين الخ ) فيكون المراد الضرب القوفي والباء في الأوّل للاستعانة ويجوز كونها للملابسة ، واليمين بمعنى القوّة مجازاً كما مرّ ، وفي الثاني للسببية. قوله : ( بعدما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسرة ) إشارة إلى التوفيق بين ما في هذه الآية وما في الأخرى سمعنا فتى يذكرهم الخ فإنّ هذه تقتضي أنهم شاهدوه ، وهو يكسرها فأسرعوا إليه وتلك تدلّ على أنهم لم يشاهدوه ، وإنما استدلوا بذمّه على أنه الكاسر لها بأنّ هذه لا تنافي تلك فإنّ معناها أنه حين كسرها لم يشعر به أحد وأقبالهم إليه يزفون بعد رجوعهم من عيدهم ، وسؤالهم عن الكاسر وقولهم فأتوا به على أعين الناس ، وليس في النظم ما ينافيه وأجيب أيضا بأنّ الرائي له بعض أتباعهم ولم يذكره لكبرائهم لصارف مّا حتى بلغهم فقالوا ما صدر عنهم وهو المذكور في سورة الأنبياء. قوله : ( من رّف النعام ) أي أسرع لخلطه الطيران بالمشي ، ولذا قيل زت العروس لا لسرعة المشي بها بل لخفة السرور ، ونشاطه ومصدره الزف والزفيف وأزفه حمله على الزفيف أو دخل فيه فيكون متعدياً ولازما من الثلاثي المعلوم قرأ جميع القراء إلا حمزة فإنه قرأه بضمّ الياء على أنه معلوم المزيد ، والقرا آت الباقية كلها شاذة فما نقله المصنف عن حمزة مخالف لما في جميع كتب القرا آت وقوله يزف بعضهم قدر مفعوله لأنّ أزف متعد وقد عرفت أنه يكون لازماً فلا يحتاج لتقديره ، وكون وزف بمعنى أسرع أثبته الثقات فلا يلتفت لمن أنكره ، وزفا بمعنى حدا استعير لمعنى أسرع كما أشار إليه بقوله كان الخ. قوله : ( وما تعملونه ( فما موصولة وعائدها محذوف ،
وهذا رجحه في الكشاف على المصدرية لكنه زعمأنه هو الموافق لمذهب أهل العدل لأنّ أهل السنة استدلوا بهذه الآية على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وبنره على كون ما مصدرية وأنه الأصل لعدم احتياجه إلى التقدير وليس هذا أيضاً بلازم كما أشار إليه المصنف وقال الزمخشريّ أنّ المعنى الآية يأباه إباء جلياً لأنه تعالى احتج عليهم بأنّ العابد والمعبود جميعا خلق الله فكيف !عبد المخلوق المخلوق على أنّ العابد هو الذي صوّره وشكله ، ولولاه لم يكن له صورة فلو قلت والله خلقكم وخلق عملكم لم تكن محتجا عليهم ، ولا كان لكلامك طباق وما في ما شحتون موصولة فلا يعدل بها عن أختها لما فيه من فلف النظم وتبتير. هذا محصله ، وهو كلام حسن لكنه حق أريد به باطل كما سنبينه. توله : ( فإن جوهرها بخلقه وشكلها وإن كان بفعلهم ( ردّ على الزمخشري إذ جعل الموصولية دالة على أنّ جوهرها أي مادّتها بخلقه تعالى دون تشكيلها ، وتصويرها فإنها من أفعال العباد المخلوقة لهم عنده فالموصولية لا تنافي مذهب أهل الحق إذ تعلق الفعل بالمشتق يقتضي تعلقه بمبدأ اشتقاقه فمعنى يحب التوّابين يحب ذواتهم وتوبتهم ، وقوله وان كان الخ أن فيه وصلية أي لهم مدخل في الفعل بالكسب الاختياري والمباشرة ، وإن كان الله خلقه كما هو مذهب الأشعرية ولا دلالة في كلامه على أنه لا مدخل لشلق الله في الشكل كما توهم ، وقوله ولذلك جعل من أعمالهم دفع لما قيل إنه كيف جعل . مخلوقا لله ومعمولاً لهم من غير احتياج إلى إيقاع الخلق على جوهرها والعمل على شكلها كما في الكشاف تاييدا لمذهبه ، وقوله فبأقداره الخ خبر(7/276)