صفحة رقم 219
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 5 ) فقط .
الأحقاف : ( 5 ) ومن أضل ممن . . . . .
) ومن أضل ممن يدعوا ( يقول : فلا أحد أضل ممن يعبد ) من دون الله ( من الآلهة
) من لا يستجيب له ( أبداً إذا دعاء يقول : لا تجيبهم الآلهة يعني الأصنام بشئ أبداً
) إلى يوم القيامة ( .
ثم قال : ( وهم عن دعائهم غافلون ) [ آية : 5 ] يعني الآلهة غافلون عن من يعبدها ،
فأخبر الله عنها في الدنيا .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 6 ) فقط .
الأحقاف : ( 6 ) وإذا حشر الناس . . . . .
ثم أخبر في الآخرة ، فقال : ( وإذا حشر الناس ( في الآخرة يقول : إذا جمع الناس في
الآخرة ) كانوا لهم أعداء ( يقول كانت الآلهة أعداء لمن يعبدها ) وكانوا بعبادتهم كافرين (
[ آية : 6 ] يقول : تبرأت الآلهة من عبادتهم إياها ، فذلك قوله : ( فكفى بالله شهيدا (
إلى قوله : ( لغافلين ( في يونس [ الآية ( 29 ] .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 7 ) فقط .
الأحقاف : ( 7 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
قوله : ( وإذا تتلى عليهم ءاياتنا ( يعني القرآن ) بينات ( يقول : بيان الحلال والحرام
) قال الذين كفروا ( من أهل مكة ) للحق لما جاءهم هذا سخرٌ مبينٌ ) [ آية : 7 ] . يقول :
القرآن حين جاءهم قالوا : هذا سحر مبين .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 8 ) فقط .
الأحقاف : ( 8 ) أم يقولون افتراه . . . . .
) أم يقولون افتراه ( وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
ما هذا القرآن إلا شئ
ابتدعته من تلقاء نفسك ؟ أيعجز الله أن يبعث نبياً غيرك ؟ وأنت أحقرنا وأصغرنا وأضعفنا
ركناً وأقلنا حيلة ، أو يرسل ملكاً ، إن هذا الذي جئت به لأمر عظيم ، فقال الله عز وجل
لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( قل ( لهم : يا محمد ) إن افتريناه ( من تلقاء نفسي ) فلا تملكون لي من الله شيئا ( يقول : لا تقدرون أن تردوني من عذابه ) هو أعلم بما تفيضون فيه ( ) يقول : الله
أعلم بما تقولون في القرآن ) كفى به شهيدا ( يقول : فلا شاهد أفضل من الله ) بيني(3/219)
صفحة رقم 220
وبينكم ( بأن القرآن جاء من الله ) وهو الغفور ( في تأخير العذاب عنهم ) الرحيم (
[ آية : 8 ] حين لا يعجل عليهم بالعقوبة . وأنزل في قوله كفار مكة أما وجد الله رسولاً
غيرك .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 9 ) فقط .
الأحقاف : ( 9 ) قل ما كنت . . . . .
قوله تعالى : ( قل ( لهم يا محمد : ( ما كنت بدعاً من الرسل ( فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ما
أنا بأول رسول بعث ، قد بعث قبلي رسل كثير ) وما أدري ما يفعل بي ولا بكم (
أيرحمني وإياكم ، أو يعذبني وإياكم ) إن أتبع ( يقول : ما أتبع ) إلا ما يوحي إلى ( من
القرآن ، يقول : إذا أمرأت بأمر فعلته ، ولا أبتدع ما لم أمر به ) وما أنا إلا نذيرٌ مبينٌ (
[ آية : 9 ] ، يعني نذير بين هي منسوخة نسختها : ( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ( إلى آخر
الآيات .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 10 ) فقط .
الأحقاف : ( 10 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل أرءيتم إن كان من عند الله وكفرتم به ( وذلك أن خمسين رجلاً من اليهود أتوا
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده عبد الله بن سلام ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لليهود : ' ألستم تعلمون أن عبد الله
بن سلام سيدكم وأعلمكم ؟ ' قالوا : بلى ومنه نقتبس ، وإنا لا نؤمن بك حتى يتبعك عبد
الله بن سلام ، وعبد الله بن سلام يسمع ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' أرأيتم إن اتبعني عبد الله بن
سلام وآمن بي أفتؤمنون بي ؟ ' فقال بعضهم : نعم ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' فمن أعلمكم بعد
عبد الله بن سلام ' ، فأتاه ، فقال : ' أنت أعلم اليهود ' ، فقال عبد الله : أعلم مني ، قال :
' فمن أعلم اليهود بعد عبد الله ؟ ' فسكت ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' أنت أعلم اليهود بعد عبد(3/220)
صفحة رقم 221
الله ' ، قال : كذلك يزعمون ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
فإني أدعوكم إلى الله وإلى عبادته ودينه ' ،
قالوا : لن نتبعك وندع دين موسى ، فخرج عبد الله بن سلام من الستر ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
' هذا عبد الله قد آمن بي ' ، فجادلهم عبد الله بن سلام ملياً ، فجعل يخبرهم بعث النبي
( صلى الله عليه وسلم ) وصفته في التورة ، فقال ابن صوريا :
إن عبد الله بن سلام شيخ كبير قد ذهب عقله
ما يتكلم إلا بما يجئ على لسانه ، فذلك قوله : ( قل أرءيتم إن كان من عند الله وكفرتم
به ( .
) وشهد شاهد من بني إسرائيل ( يعني عبد الله بن سلام ) على مثله ( يعني على
مثل ما شهد عليه يامين بن يامين ، كان أسلم قبل عبد الله بن سلام وكان يامين من بني
إسرائيل من أهل التوراة ) فئامن ( بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : فأمن ) واستكبرتم ( يقول صدق
ابن سلام بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) واستكبرتم أنتم عن الهدى عن الإيمان يعني اليهود ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) [ آية : 10 ] يعني اليهود إلى الحجة مثلها في براءة .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 11 ) فقط .
الأحقاف : ( 11 ) وقال الذين كفروا . . . . .
ثم رجع إلى كفار مكة فقال : ( وقال الذين كفروا ( من أهل مكة ) للذين ءامنوا (
لخزاعة : ( لو كان خيرا ما سبقونا إليه ( وذلك أنهم قالوا لو كان الذي جاء به محمد
حقاً : أن القرآن من الله ما سبقونا يقول ما سبقنا إلى الإيمان به أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ،
)( وإذ لم يهتدوا ( هم ) به فسيقولون هذا ( القرآن ) أفك ( يعني كذب
) قديم ) [ آية : 11 ] من محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 12 ) فقط .
الأحقاف : ( 12 ) ومن قبله كتاب . . . . .
يقول الله تعالى : ( ومن قبله كتاب موسى ( ومن قبل هذا القرآن كذبوا بالتوراة
لقولهم ' إنا بكل كافرون ' في القصص [ القصص : 48 ] ، ثم قال : ( إماما ( لمن اهتدى(3/221)
صفحة رقم 222
به ) ورحمة ( من العذاب لمن اهتدى به ) وهذا ( القرآن ) كتاب مصدق (
للكتب التي كانت قبله ) لسانا عربيا ( يقول أنزلناه فرآنا ' عربياً ' ليفقهوا لما فيه
) لينذر ( بوعيد القرآن ) الذين ظلموا ( من كفار مشركي مكة ) و ( هذا القرآن
) وبشرى ( ما فيه من الثواب لمن آمن به ) للمحسنين ) [ آية : 12 ] يعني الموحدين .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 13 ) فقط .
الأحقاف : ( 13 ) إن الذين قالوا . . . . .
) إن الذين قالوا ربنا الله ( فعرفوا ) ثم استقاموا ( على المعرفة بالله ولم يرتدوا عنها
) فلا خوف عليهم ( من العذاب ) ولا هم يحزنون ) [ آية : 13 ] من الموت ، ثم أخبر
بثوابهم فقال :
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 14 ) فقط .
الأحقاف : ( 14 ) أولئك أصحاب الجنة . . . . .
) أؤلئك أصحاب الجنة خالدين فيها ( لا يموتون ) جزاء بما كانوا يعملون ) [ آية : 14 ] .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 15 ) فقط .
الأحقاف : ( 15 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . .
قوله : ( ووصينا الإنسن بوالديه إحساناً ( يعني براً بهم نزلت في أبي بكر الصديق ،
رضي الله عنه ، ابن أبي قحافة ، وأم أبي بكر بن أبي قحافة واسمها أم الخير بنت صخر بن
عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ) حملته أمه كرها ووضعته كرها ( يعني حملته
في مشقة ووضعته في مشقة ) وحمله ( في البطن تسعة أشهر ) وفصاله ( من اللبن
واحداً وعشرين شهراً فهذا ) ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده ( ثماني عشرة سنة ) وبلغ أربعين سنة ( فهو في القوة والشدة من ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة فلما بلغ أبو(3/222)
صفحة رقم 223
بمر أربعين سنة ، صدق بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) قال رب أوزعني ( يقول ألهمني ) أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي ( بالإسلام ) وعلى والدي ( يعني أبا قحافة بن عمرو بن كعب بن سعد
بن تيم بن مرة ، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو ، ثم قال : ( و ( ألهمني ) وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي ( يقول واجعل أولادي مؤمنين فأسلموا أجمعين نظيرها
أجمعين نظيرها في المؤمن قوله : ( ومن صلح من آبائهم ) [ غافر : 8 ] يقول : من آمن ،
ثم قال أبو بكر : ( إني تبت إليك ( من الشرك ) وإني من المسلمين ) [ آية : 15 ] يعني
من المخلصين بالتوحيد .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 16 ) فقط .
الأحقاف : ( 16 ) أولئك الذين نتقبل . . . . .
ثم نعت المسلمين فقال : ( أؤلئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ( يقول : نجزيهم
بإحسانهم ولا نجزيهم بمساوئهم ، والكفار يجزيهم بإساءتهم ويبطل إحسانهم لأنهم
عملوا ما ليس بحسنة ، ثم رجع إلى المؤمنين ، فقال : ( ونتجاوز عن سيئاتهم ( ولا يفعل
ذلك بالكافر ) في ( يعني مع ) أصحاب الجنة وعد الصدق ( يعني وعد الحق وهو الجنة
) الذي كانوا يوعدون ) [ آية : 16 ] وعدهم الله ، تعالى ، الجنة في الآخرة على ألسنة
الرسل في الدنيا .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 17 ) فقط .
الأحقاف : ( 17 ) والذي قال لوالديه . . . . .
وقوله : ( والذي قال لولديه ( فهو عبد الرحمن بن أبي بكر ، وأمه رومان بنت عمرو(3/223)
صفحة رقم 224
بن عامر الكندي دعاه أبواه إلى الإسلام وأخبراه بالبعث بعد الموت ، فقال لوالديه : ( أبي
لكما ( يعني قبحاً لكما الردئ من الكلام ) أتعدانني أن أخرج ( من الأرض يعني أن
يبعثني بعد الموت ) وقد خلت القرون من قبلي ( يعني الأم الخالية فلم أرا أحداً منهم
يبعث ، فأين عبد الله بن جدعان ؟ وأين عثمان بن عمرو ، وأين عامر بن عمرو ؟ كلهم من
قريش وهم أجداده ، فلم أر أحداً منهم أتانا ، فقال أبواه : اللهم اهده ، اللهم أقبل بقبلة
إليك ، اللهم تب عليه ، فذلك قوله : ( وهما يستغيثان الله ( يعني يدعوان الله له بالهدى ،
أن يهديه ويقبل بقلبه ، ثم يقولان : ( ويلك ءامنٌ ( صدق بالبعث الذي فيه أجزاء الأعمال
) إن وعد الله حق فيقول ( عبد الرحمن ) ما هذا إلا أساطير الأولين ) [ آية : 17 ] ما
هذا الذي تقولان إلا كأحاديث الأولين .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 18 ) فقط .
الأحقاف : ( 18 ) أولئك الذين حق . . . . .
وكذبهم بقول الله ، تعالى : ( أؤلئك ( النفر الثلاثة ) الذين ( ذكرهم عبد الرحمن
) حق عليهم القول ( يقول : وجب عليهم العذاب ) في أمم ( يعني مع أمم ) قد خلت من قبلهم من ( من كفار ) الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ) [ 18 ] .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 19 ) فقط .
الأحقاف : ( 19 ) ولكل درجات مما . . . . .
وقوله تعالى : ( ولكل درجات مما عملوا ( يعني فضائل بأعمالهم ) وليوفيهم ( مجازة
) أعمالهم وهم لا يظلمون ) [ آية : 19 ] في أعمالهم .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 20 ) فقط .
الأحقاف : ( 20 ) ويوم يعرض الذين . . . . .
وقوله : ( ويوم يعرض الذين كفروا ( يعني كفار مكة ) على النار ( حين كشف الغطاء
عنها لهم فينظرون إليها يعني كفار مكة فيقال لهم : ( أذهبتم طيباتكم ( يعني الرزق
والنعمة التي كنتم فيها ) في حياتكم الدنيا ( ولم تؤدوا شكرها ) واستمتعتم بها ( يعني
بالطيبات فلا نعمة لكم ) فاليوم تجزون ( في الآخرة بأعمالكم الخبيثة ) عذاب الهون (
يعني عذاب الهوان ) بما كنتم تستكبرون ( يعني بما كنتم تتكبرون ) في الأرض ( عن
الإيمان فتعلمون فيها ) بغير الحق ( يعني بالمعاصي ) وبما كنتم تفسقون ) [ آية : 20 ]
يعني تعصون .(3/224)
صفحة رقم 225
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 21 ) فقط .
الأحقاف : ( 21 ) واذكر أخا عاد . . . . .
وقوله ) واذكر ( يا محمد لأهل مكة ) أخا عاد ( في النسب وليس بأخيهم في
الدين ، يعني هود النبي ، عليه السلام ، ) إذ أنذر قومه بالأحقاف ( والأحقاف الرمل عند
دك الرمل باليمن في حضر موت ) وقد خلت ( يعني مضت ) النذر من بين يديه
يعني الرسل من بين يديه ) ومن خلفه ( يقوله قد مضت الرسل إلى قومهم من قبل
هود ، كان منهم نوح ، عليه السلام ، وإدريس جد أبي نوح ، ثم قال ومن بعد هود ، يعني
قد مضت الرسل إلى قومهم : ( ألا تعبدوا إلا الله ( يقول لم يبعث الله رسولاً من قبل
هود ، ولا بعده إلا أمر بعبادة الله ، جل وعز ، ) إني أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيمٍ ) [ آية :
21 ] في الدنيا لشدته .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 22 ) فقط .
الأحقاف : ( 22 ) قالوا أجئتنا لتأفكنا . . . . .
) قالوا ( اليهود : ( أجئتنا لتأفكنا ( يعني لتصدنا وتكذبنا ) عن ) ) عباده ( ( ءالهتنا
فأتنا بما تعدنا ) ) من العذاب ( ( إن كنت من الصادقين ) [ آية : 22 ] بأن العذاب نازل
بنا ، فرد عليهم هود :
تفسير سورة الأحقاف إلى الآية ( 23 ) فقط .
الأحقاف : ( 23 ) قال إنما العلم . . . . .
) قال إنما العلم عند الله ( يعني نزول العذاب بكم علمه عند الله إذا شاء أنزله
) وأبلغكم ما أرسلت به ( إليكم من نزول العذاب بكم ) ولكني أراكم قوماً
تجهلون ) [ آية : 23 ] العذاب .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 24 ) فقط .
الأحقاف : ( 24 ) فلما رأوه عارضا . . . . .
) فلما رأوه ) ) العذاب ( ( عارضاً مستقبل أو أوديتهم ( والعارض بعذ السحابة التي لم
تطبق السماء التي يرى ما فيها من المطر ) قالوا ( لهود : ( هذا عارضٌ ممطرنا ( لأن المطر
كان حبس عنهم وكانت السحابة إذا جاءت من قل ذلك الوادي مطروا ، قال هود :
ليس هذا العارض ممطركم ) بل هو ) ) ولكنه ( ( ما استعجلتم به ريحٌ ) ) لكم ( ( فيها
عذابٌ أليمٌ ) [ آية : 24 ] يعني وجع(3/225)
صفحة رقم 226
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 25 ) فقط .
الأحقاف : ( 25 ) تدمر كل شيء . . . . .
وكان استعجالهم حين قالوا : يا هود ) فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (
[ الأعراف : 7 ] ، وكانوا أهل عمود سيارة في الربيع فإذا هاج العمود رجعوا إلى منازلهم
وكانوا من قبيلة آدم بن شيم بن سام بن توح ، وكانوا أصهاره ، وكان طول أحدهم اثني
عشر ذراعاً ، وكان فيهم الملك ، فلما كذبوا هوداً حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين فلما
دنا هلاكهم أوحى الله إلى الخزان ، خزان الريح أن أرسلوا عليهم من الريح مثل منخر
الثور .
فقالت الخزان : يا رب ، إذا تنسف الريح الأرض ومن عليها ، قال : أرسلوا عليهم مثل
خرق الخاتم ، يعني على قدر حلقة الخاتم ، ففعلوا فجاءت ريح باردة شديدة تسمى الدبور
من وراء كاوك الرمل وكان المطر يأتيهم من تلك الناحية فيما مضى فمن ثم : قالوا هذا
عارض ممطرنا ، فعمد هو فخط على نفسه ، وعلى المؤمنين خطا إلى أصل شجرة ينبع من
ساقها عين فلم يدخل عليهم من الريح إلا النسيم الطيب ، وجعلت الريح شدتها تجئ
بالطعن بين السماء والأرض ، فلما رأوا أنهار ريح قالوا : يا هود ، إن ريحك هذا لا تزيل
أقدامنا ، وقالوا : من أشد منا قوة ، يعني بطشاً فقاموا صفوفاً فاستقبلوها بصدورهم
فأزالت الريح أقدامهم ، فقالوا : يا هود ، إن ريحك هذه تزيل أقدامنا فألقتهم الريح
لوجوههم ونسفت عليهم الرمل حتى إنه يسمع أنينن احده من تحت الرمل ، فذلك قوله :
( أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) [ فصلت : 15 ] ، وقال لهم هود
حين جاءتهم الريح إنها : ( تدمر كل شئٍ بأمر ربها ( يعني تهلك كل شئ من عاد
بأمر ربهما من الناس والأموال والدواب ، بإذن ربها يقول الله ، تعالى لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) :
( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ( بالشجر ولم يبق لهم شئ ) كذلك ( يقول هكذا(3/226)
صفحة رقم 227
) نجزي ( بالعذاب ) القوم المجرمين ) [ آية : 25 ] بتكذيبهم وهاجت الريح غدوة
وسكنت بالعشي اليوم الثامن عند غروب الشمس ، فذلك قوله : ( سخرها عليهم سبع ليال ) [ الحاقة : 7 ] يعني كامة دائمة متتابعة ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
نصرت بالصبا وأهلكت
عاد بالدبور ، ثم بعث الله طيراً سوداً فالتقطتهم حتى ألقتهم في البحر ' .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 26 ) فقط .
الأحقاف : ( 26 ) ولقد مكناهم فيما . . . . .
ثم خوف كفار مكة فقال : ( ولقد مكانهم ( يعني عاداً ) فيما إن مكانكم ( يا
أهل مكة ) فيه ( يعني في الذي أعطيناكم في الأرض من الخير والتمكن في الدنيا ،
يعني مكناكم في الأرض يا أهل مكة ) وجعلنا لهم ( في الخير والتمكين في الأرض
) سمعا وأبصارا وأفئدة ( يعني القلوب كما جعلنا لكم أهل مكة ) فما أغنى عنهم ( من
العذاب ) سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئٍ ( يقول لم تغن عنهم ما جعلنا من
العذاب ) إذ كانوا يجحدون بآيات الله ( يعني عذاب الله ، تعالى ، ) وحاق بهم (
يعني ووجب لهم سور العذاب ب ) ما كانوا به ( يعني العذاب ) يستهزءون ) [ آية :
26 ] هذا مثل ضربه الله لقريش حين قالوا : إنه غير كائن .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 27 ) فقط .
الأحقاف : ( 27 ) ولقد أهلكنا ما . . . . .
قوله : ( ولقد أهلكنا ( بالعذاب ) ما حولكم من القرى ( يعني القرون قوم نوح ،
وقوم صالح ، وقوم لوط ، فأما قوم لوط فهم بين المدينة والشام ، وأما عاد فكانوا باليمن .
قوله : ( وصرفنا الآيات ( في أمور شتى يقول :
نبعث مع كل نبي إلى أمته آية ليست
لغيرهم ) لعلهم ( يقول لكي ) يرجعون ) [ آية : 27 ] من الكفر إلى الإيمان فلم يتوبوا
فأهلكهم الله بالعذاب .(3/227)
صفحة رقم 228
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 28 ) فقط .
الأحقاف : ( 28 ) فلولا نصرهم الذين . . . . .
قوله : ( فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً ءالهةً ( يقول فهلا منعتهم آلهتهم
من العذاب الذي نزل بهم ) بل ضلوا عنهم ( يعني بل ضلت عنهم الآلهة فلم تنفعهم
عند نزول العذاب بهم ) وذلك إفكهم ( يعني كذبهم بأنها آلهة ) وما كانوا يفترون ) [ آية : 28 ] في قولهم من الشرك .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 29 ) فقط .
الأحقاف : ( 29 ) وإذ صرفنا إليك . . . . .
قوله : ( وإذ صرفنا إليك ( يعني وجهنا إليك يا محمد ) نفراً من الجن يستمعون
القرءان ( فقرأ من الجن تسعة نفر من أشراف الجن وساداتهم من أهل اليمن من قرية
يقال لها :
نصيبين ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يبطن نخلة يقرأ القرآن في صلاة الفجر ، ) فلما حضروه ( فلما حضروا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) قالوا ( قال بعضهم لبعض : ( أنصتوا ( للقرآن ،
وكادوا ، أن يرتكبوه من الحرص ، فذلك قوله : ( كادوا يكونون عليه لبدا ) [ الجن :
9 ] ، ) فلما قضى ( يقول فلما فرغ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من صلاته ) ولوا ( يعني انصرفوا ) إلى قومهم ( يعني الجن ) منذرين ) [ آية : 29 ] ، يعني مؤمنين .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 20 ) فقط .
الأحقاف : ( 30 ) قالوا يا قومنا . . . . .
) قالو ا ياقومنا إنا سمعنا ( محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) يتلوه ) كتابا ( يعني يقرأ محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كتاباً ،
يعني شيئاً عجباً ، يعني قرآناً ) أنزل ( على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) من بعد موسى ( عليه السلام ،
وكانوا مؤمنين بموسى ) مصدقا لما بين يديه ( يقول يصدق كتاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلى الحق (
يعني إلى الهدى ) وإلى طريق مستقيم ) [ آية : 30 ] يعني يدعوا إلى الدين المستقيم وهو
الإسلام فلما أتوا قومهم قالوا لهم :(3/228)
صفحة رقم 229
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 21 ) فقط .
الأحقاف : ( 31 ) يا قومنا أجيبوا . . . . .
) ياقومنا أجيبوا داعي الله وءامنوا به ( يقول أجيبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإيمان وصدقوا
به ) يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ) [ آية : 31 ] يعني ويؤمنكم من
عذاب وجيع .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 32 ) فقط .
الأحقاف : ( 32 ) ومن لا يجب . . . . .
) ومن لا يجب داعي الله ( يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإيمان ) فليس بمعجز في الأرض (
يقول فليس بسابق الله فيقول هرباً في الأرض حتى يجزيه بعمله الخبيث ) وليس له من دونه أولياء ( يعني ليس له أقرباء يمنعونه من الله ، عز وجل ) أؤلئك ( الذين لا يجيبون
إلى الإيمان . ) في ضلال مبين ) [ آية : 32 ] يعني بين هذا قول الجن التسعة فأقبل إلى النبي
( صلى الله عليه وسلم ) من الذين أنذروا مع التسعة تكلمه سبعين رجلاً من الجن من العام المقبل فلقوا النبي
( صلى الله عليه وسلم ) بالبطحاء ، فقرأ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : القرآن وأمرهم ونهاهم ، وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تلك الليل قبل أن
يلقاهم لأصحابه : ' ليقم معي منكم رجل ليس في قلبه مثقال حبة خردل من شك ' فقام
عبد الله بن مسعود ومعه إداوة فيها نبيذ ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لابن مسعود : ' قم مكانك ' ،
وخط النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خطاً ، وقال : ' لا تبرح حتى أرجع إليك إن شاء الله ، ثم قال : إن سمعت
صوتاً أو جلبة أو شيئاً يفزعك فلا تخرج من مكانك ' فوقف عبد الله حتى أصبح ، ودخل
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الشعب ، وقال له : ' لا تخرج من الخط فإن أنت خرجت اختطفت الليلة ' ،
وأنطلق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ عليهم القرآن ويعلمهم ويؤدبهم واختصم رجلاً منهم في دم إلى
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرفعوا أصواتهم فسمع ابن مسعود الصوت فقال : والله ، لاتينه فلعل كفار
قريش أن يكونوا مكروا به فلما أراد الخروج من الخط ذكر وصية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم
يخرج ووقف عبد الله حت أصبح ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الشعب يعلمهم ويؤدبهم حتى أصبح
فانصرف الجن وأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ابن مسعود فقال عبد الله : يا نبي الله ، ما زلت قائماً حتى
حتى
رجعت إلى ، وقد سمعت أصواتاً مرتفعة حتى هممت بالخروج فذكرت قولك فأقمت .
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
اختصموا في قتلى لهم كانوا أصابوها في الجاهلية فقضيت بينهم ،
ثم قال : امعك طهوراً ؟ ' قال : نعم ، نبيذ في إداوة ، فقال : ' ثمرة طيبة وماء طهور عذب ،(3/229)
صفحة رقم 230
صب على ' فصب عليه ابن مسعود ، فتوضأ منه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلما أراد أن يصليا أقبل
الرجالن اللذان اختصما في الدم حتى وقفا عليه رآهما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ظن أنهما رجعا
يختصمان في الدم ، فقال : ' ما لكما ألم أقض بينكما ؟ ' قالا : يا رسول الله ، إنا جئنا نصلي
معك ونقتدي بك فقام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الصلاة ، وقام ابن مسعود والرجلان من الجن وراء
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فصلوا معه فذلك قوله : ( أنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبد ) [ الجن : 19 ] من حبهم إياه ، ثم انصرفوا من عنده مؤمنين فلم يبعث الله ، عز
وجل ، نبياً إلى الإنس والجن قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . فقالوا : يا رسول الله ، مر لنا برزق حتى
نتزود في سفرنا ؟ فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإن لكم أن يعود العظم لحماً والبعر حباً هذا لكم
إلى يوم القيامة فلا يحل للمسلم أن يستنجي بالعظم ولا بالبعر ، ولا بالرجيع ، يعني رجيع
الدواب ، ولم يبعث الله نبياً إلى الجن والأنس قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
وقال ابن مسعود :
لقد رأيت رجالاً مستنكرين طولاً سوداً كأنهم من أزد شنوءة لو
خرجت من ذلك الخط لظننت أني سأختطف .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 33 ) فقط .
الأحقاف : ( 33 ) أو لم يروا . . . . .
قوله : ( أولم يروا ( يقول أو لم يعلموا ) أن الله الذي خلق السماوات والأرض (
نزلت في أبي خلف الجمحي عمد فأخذ عظماً حائلاً نخرا فأتى به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا
محمد ، أتعدنا إذا بليت عظامنا ، وكنا رفاتاً أن الله يبعثنا جديداً ، وجعل يفت العظم
ويذريه في الريح ، ويقول : يا محمد ، من يحيى هذا ؟ قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : يحيى الله هذا ، ثم
يميتك ، ثم يبعثك في الآخرة ويدخلك النار ' ، فأنزل الله ، تعالى يعظه ليعتبر في خلق الله
فيوحده ، أو لم يروا أن الله ، أو لم يعلموا أن الله الذي خلق السموات والأرض ، لأنهم
مقرون أن الله الذي خلقهما وحده .
) ولم يعي بخلقهن بقدرٍ على أن يحى الموتى ( في الآخرة ، وهما أشد خلقاً من خلق
الإنسان بعد أن يموت ولم يعي بخلقهن إذ خلقهن ، يعني عن بعث الموتى نظيرها في يس ،
ثم قال لنبيه ، ( صلى الله عليه وسلم ) ) بلي ( يبعثهم ) إنه على كل شئٍ ( من البعث وغيره
) قدير ) [ آية : 33 ] فلما كفر أهل مكة بالعذاب أخبرهم الله بمنزلتهم في الآخرة ،(3/230)
صفحة رقم 231
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 24 ) فقط .
الأحقاف : ( 34 ) ويوم يعرض الذين . . . . .
فقال : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار ( يعني إذا كشف الغطاء عنها لهم فنظروا
إليها .
فقال الله لهم : ( أليس هذا ( العذاب الذي ترون ) بالحق قالوا بلى وربنا ( أنه
الحق .
) قال ( الله ، تعالى : ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) [ آية : 34 ] بالعذاب بأنه
غير كائن .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 25 ) فقط .
الأحقاف : ( 35 ) فاصبر كما صبر . . . . .
قوله : ( فاصبر ( يا محمد على الأذى والتكذيب يعزي نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر ) كما صبر
أؤلوا العزم ( يعني أولو الصبر ) من الرسل ( يعني إبراهيم ، وأيواب ، وإسحاق ،
ويعقوب ، ونوح ، عليهم السلام .
نزلت هذه الآية يوم أحد فأمره أن يصبر على ما أصابه ولا يدعو على قومه مثل قوله :
( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ) [ طه : 115 ] ، ثم ذكر له صبر
الأنبياء وأولى العزم من قبله من الرسل على البلاء منهم إبراهيم ، خليل الرحمن عليه
السلام ، حين ألقى في النار ، ونوح ، عليه السلام على تكذيب قومه وكان يضرب حتى(3/231)
صفحة رقم 232
يغشى عليه ، فإذا أفاق ، قال :
اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون شيئاً ، وإسحاق في أمر
الذبح ، ويعقوب في ذهاب بصره من حزنه على يوسف حين ألقى في الجب والسجن ،
وأيوب ، عليه السلام ، في صبره على البلاء .
ويونس بن متى ، عليه السلام ، في بطن الحوت ، وغيرهم صبروا على البلاء ، ومنهم
اثنا عشر نبياً ببيت المقدس ، فأوحى الله تعالى إليهم أني منتقم من بني إسرائيل بما صنعوا
بيحيى بن زكريا فإن شئتم أن تختاروا أن أنزل بكم النقمة وأنجى بقية بني إسرائيل وإن
كرهتم أنزلت النقمة والعقوبة بهم وأنجيتكم فاستقام رأيهم على أن ينزل بهم العقوبة ،
وهو اثنا عشر وينجي قومهم فدعوا ربهم أن ينزل بهم العقوبة وينجى بني إسرائيل
فسلط عليهم ملوك أهل الأرض فأهلكوهم فمنهم من نشر بالمنشار ، ومنهم من سلخ
رأسه ووجهه ، ومنهم من رفع على الخشب ، ومنهم من أحرق بالنار ، ومنهم من شدخ
رأسه وأمر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يصبر كما صبر هؤلاء فإنه قد نزل بهم ما لم ينزل بك .
ثم قال : ( ولا تستعجل لهم ( وذلك أن كفار مكة ، حين أخبرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالعذاب
سألوه متى هذا الوعد الذي تعدنا يقول الله تعالى ، لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ولا تستعجل لهم بالعذاب
) كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا ( في الدنيا ولم يروها ) إلا ساعة من نهار ( يوم
واحد من أيام الدنيا ) بلغ ( يعني تبليغ فيها يقول هذا الأمر بلاغ لهم فيها ) فهل يهلك ( بالعذاب ) إلا القوم الفاسقون ) [ آية : 35 ] يعني العاصون لله ، عز وجل ، فيما
أمرهم من أمره ونهيه ويقال هذا الأمر هو بلاغ لهم بل ما استعجلتم به ريح فيها عذاب
أليم ، يعني وجيع لقولهم لهود : ( فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) [ الأعراف :
70 ] .
قوله : ( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ) [ الشعراء : 218 - مع 219 ] ، يعني صلاتك مع المصلين في جماعة ، الذي استخرجك من أصلاب الرجال
وأرحام النساء وأخرجك من صلب عبد الله طيباً .(3/232)
صفحة رقم 233
4
سورة محمد
مدنية ، عددها ثمان وثلاثون آية كوفية
تفسير سورة محمد من الآية ( 1 ) فقط .
محمد : ( 1 ) الذين كفروا وصدوا . . . . .
) الذين كفروا ( بتوحيد الله ، يعني كفار مكة ) وصدوا ( الناس ) عن سبيل الله (
يقول : منعوا الناس عن دين الله الإسلام ) أضل أعمالهم ) [ آية : 1 ] يقول : أبطل الله
أعمالهم ، يعني نفقتهم في غزوة بدر ومسيرهم ومكرهم أبطل الله ذلك كله في الآخرة ،
أبطال أعمالهم التي عملوا في الدنيا لأنها كانت في غير إيمان نزلت في اثنى عشر رجلاً
من قريش ، وهم المطعمون من كفار مكة في مسيرهم إلى قتال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ببدر منهم أبو
جهل والحارث ابنا هشام ، وشيبة وعتيبة ابنا ربيعة ، وأمية وأبي ابنا خلف ، ومنبه ونبيه
ابنا الحجاج ، وأبو البحتري بن هشام ، وربيعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن
عامر بن نوفل .
تفسير سورة محمد من الآية ( 2 ) فقط .
محمد : ( 2 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
ثم ) والذين ءامنوا ( يعني صدقوا بتوحيد الله ) وعملوا الصالحات ( الصالحة
) وءامنوا ( يعني وصدقوا ) بما نزل على محمد ( ( صلى الله عليه وسلم ) من القرآن ) وهو الحق ( يعني
القرآن ) من ربهم كفر عنهم ( يقول : محا عنهم ) سيئاتهم ( يعني ذنوبهم الشرك وغيرها
بتصديقهم ) وأصلح بالهم ) [ آية : 2 ] يقول : أصلح بالتوحيد حالهم في سعة الرزق ،
نزلت بني هاشم وبني عبد المطلب .
تفسير سورة محمد من الآية ( 3 ) فقط .
محمد : ( 3 ) ذلك بأن الذين . . . . .
ثم رجع إلى الاثنى عشر المطعمين يوم بدر فيها تقديم ) ذلك ( يقول : هذا الإبطال
كان ) بأن الذين كفروا ( بتوحيد الله ) اتبعوا الباطل ( يعني عبادة الشيطان .(3/233)
صفحة رقم 234
ثم قال : ( وأن الذين ءامنوا ( يعني صدقوا بتوحيد الله ) اتبعوا الحق من ربهم ( يعني به
القرآن ) كذلك ( يقول : هكذا ) يضرب الله للناس أمثالهم ) [ آية : 3 ] حين أضل أعمال
الكفار ، وكفر سيئات المؤمنين ، ثم علم المؤمنين كيف يصنعون بالكفار ؟
تفسير سورة محمد من الآية ( 4 ) فقط .
محمد : ( 4 ) فإذا لقيتم الذين . . . . .
فقال : ( فإذا لقيتم الذين كفروا ( من مشركي العرب بتوحيد الله تعالى ) فضرب الرقاب ( يعني الأعناق ) حتى إذا أثخنتموهم ( يعني قهرتموهم بالسيف وظهرتم عليهم
) فشدوا الوثاق ( يعني الأسر ) فإما منا بعد ( يعني عتقاً بعد الأسر فيمن عليهم ) وإما فداء ( يقول : فيفتدى نفسه بما له ليقوى به المسلمون على المشركين ، ثم نسختها آية
السيف في براءة ، وهي قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ التوبة : 5 ] ،
يعني مشركي العرب خاصة .
) حتى تضع الحرب أوزارها ( يعني ترك الشرك ، حتى لا يكون في العرب مشرك ، وأمر
ألا يقبل منهم إلا الإسلام ، ثم استأنف ، فقال : ( ذلك ( يقول هذا أمر الله في المن
والفداء . حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني الهذيل ، قال : قال مقاتل ، إذا
أسلمت العرب وضعت الحرب أوزارها ، وقال في سورة الصف : ( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) [ الصف : 14 ] بمحمد
حين أسلمت العرب .
فقال : ( ولو يشاء الله لانتصر منهم ( يقول : لانتقم منهم ) ولكن ليبلوا ( يعني يبتلى
بقتال الكفار ) بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله ( يعني قتلى بدر ) فلن يضل أعمالهم ) [ آية : 4 ] يعني لن يبطل أعمالهم الحسنة .
تفسير سورة محمد من الآية ( 5 ) فقط .
محمد : ( 5 ) سيهديهم ويصلح بالهم
) سيهديهم ( إلى الهدى ، يعني التوحيد في القبر ) ويصلح بالهم ) [ آية : 5 ] يعني
حالهم في الآخرة .
تفسير سورة محمد من الآية ( 6 ) فقط .
محمد : ( 6 ) ويدخلهم الجنة عرفها . . . . .
) ويدخلهم الجنة عرفها لهم ) [ آية : 6 ] يعني عرفوا منازلهم في الجنة ، كما عرفوا(3/234)
صفحة رقم 235
منازلهم في الآخرة ، يذهب كل رجل إلى منزله .
تفسير سورة محمد من الآية ( 7 ) فقط .
محمد : ( 7 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ( يقول : إن تعينوا الله ورسوله حتى يوحد
) ينصركم ( يقول : يعينكم ) ويثبت أقدامكم ) [ آية : 7 ] للنصر فلا تزول عند الثبات .
تفسير سورة محمد من الآية ( 8 ) فقط .
محمد : ( 8 ) والذين كفروا فتعسا . . . . .
) والذين كفروا فتعسا لهم ( يعني فنكساً لهم وخيبة ، يقال : وقما لهم عند الهزيمة
) وأضل أعمالهم ) [ آية : 8 ] ، يعني أبطلها .
تفسير سورة محمد من الآية ( 9 ) فقط .
محمد : ( 9 ) ذلك بأنهم كرهوا . . . . .
) ذلك ( الإبطال ) بأنهم كرهوا ( الإيمان ب ) ما أنزل الله ( من القرآن على النبي
( صلى الله عليه وسلم ) يعني الكفار الذين قتلوا من أهل مكة ) فأحبط أعملهم ) [ آية : 9 ] لأنها لم تكن في
إيمان ، ثم عرف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ، ليعتبروا .
تفسير سورة محمد من الآية ( 10 ) فقط .
محمد : ( 10 ) أفلم يسيروا في . . . . .
فقال : ( أفلم يسيروا في الأرض ( يعني كفار مكة ) فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( من كفار الأمم الخالية عاد وثمود وقوم لوط ) دمر الله عليهم ( بألوان العذاب ،
ثم قال : ( وللكافرين ( من هذه الأمة ) أمثالها ) [ آية : 10 ] يقول : مثل عذاب الأمم
الخالية .
تفسير سورة محمد من الآية ( 11 ) فقط .
محمد : ( 11 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك بأن الله ( يقول : هذا النصر ببدر في القديم إنما كان بأن الله ) مولى الذين
ءامنوا ) يقول : ولي الذين صدقوا بتوحيد الله عز وجل حين نصرهم ) وأن الكافرين لا
مولى لهم ) [ آية : 11 ] يقول : لا ولي لهم في النصر ، ثم ذكر مستقر المؤمنين والكافرين
في الآخرة .
تفسير سورة محمد من الآية ( 12 ) فقط .(3/235)
صفحة رقم 236
محمد : ( 12 ) إن الله يدخل . . . . .
فقال : ( إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنتٍ تجري من تحتها الأنهار ( يعني
البساتين تجري من تحتها الأنهار ) والذين كفروا يتمتعون ويأكلون ( لا يلتفتون إلى الآخرة
) كما تأكل الأنعام ( يقول : ليس لهم هم إلا الأكل والشرب في الدنيا ، ثم قال :
( والنار مثوى لهم ) [ آية : 12 ] يقول : هي مأواهم ، ثم خوفهم ليحذروا .
تفسير سورة محمد من الآية ( 13 ) فقط .
محمد : ( 13 ) وكأين من قرية . . . . .
فقال : ( وكأين ( يقول : وكم ) من قرية ( قد مضت فيما خلا كانت ) هي أشد قوة ( يعني أشد بطشاً وأكثر عدداً ) من قريتك ( يعني مكة ) التي أخرجتك ( يعني
أهل مكة حين أخرجوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم رجع إلى الأمم الخالية في التقديم .
فقال : ( أهلكناهم ( بالعذاب حين كذبوا رسلهم ) فلا ناصر لهم ) [ آية : 13 ]
يقول : فلم يكن لهم مانع يمنعهم من العذاب الذي نزل بهم .
تفسير سورة محمد من الآية ( 14 ) فقط .
محمد : ( 14 ) أفمن كان على . . . . .
قوله : ( أفمن كان على بينة من ربه ( يعني على بيان من ربه وهو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) كمن زين له سوء عمله ( الكفر ) واتبعوا أهواءهم ) [ آية : 14 ] نزلت في نفر من قريش ، في
أبي جهل بن هشام ، وأبي حذيفة بن المغيرة المخزوميين ، فليسا بسواء ، لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
مصيرة إلى الجنة ، وأبو حذيفة ، وأبو جهل مخلدان في النار .
تفسير سورة محمد من الآية ( 15 ) فقط .
محمد : ( 15 ) مثل الجنة التي . . . . .
ثم قال : ( مثل الجنة التي وعد المتقون ( الشرك ، يقول :
شبة الجنة في الفضل ، والخير
كشبة النار في الشدة وألوان العذاب ، ثم ذكر ما أعد لأهل الجنة من الشراب ، وما أعد
لأهل النار في الشدة وألوان العذاب ، ثم ذكر ما أعد لأهل الجنة من الشراب ، وما أعد
لأهل النار من الشراب .
فقال : ( فيها ( يعني في الجنة ) أنهارٌ من ماءٍ غير ءاسنٍ ( يقول : لا يتغير كما يتغير
ماء أهل الدنيا فينتن ) وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ( كما يتغير لبن أهل الدنيا عن حاله(3/236)
صفحة رقم 237
الأولى فيمخض ( صلى الله عليه وسلم ) ( وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين ( لا يصدون عنها ، ولا يسكرون كخمر
الدنيا تجري لذة للشاربين ) وأنهرٌ من عسلٍ مصفى ( ليس فيها عكر ، ولا كدر كعسل
أهل الدنيا ، فهذه الأنهار الأربعة تفجر من الكوثر إلى سائر أهل الجنة .
قوله : ( ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرةٌ ) ) لذنوبهم ( ( من ربهم ( فهذا للمتقين
الشرك في الآخرة ، ثم ذكر مستقر الكفار ، فقال : ( كمن هو خالدٌ في النار ( يعني أبا
جهل بن هشام ، وأبا حذيفة المخزومين وأصحابهما في النار ) وسقوا ماءً حميماً ( يعني
شديد الحر الذي قد انتهى حره تستعر عليهم جهنم ، فهي تغلي منذ خلقت السماوات
والأرض ) فقطع ) ) الماء ( ( أمعاءهم ) [ آية : 15 ] في الخوف من شدة الحر .
تفسير سورة محمد من الآية ( 16 ) فقط .
محمد : ( 16 ) ومنهم من يستمع . . . . .
) ومنهم ( يعني من المنافقين ) من يستمع إليك ( يعني إلى حديثك بالقرآن يا محمد
) حتى إذا خرجوا من عندك ( منهم رفاعة بن زيد ، والحارث بن عمرو ، وحليف بني
زهرة ، وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خطب يوم الجمعة ، فعاب المنافقين وكانوا في المسجد
فكظموا عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلما خرجوا ، يعني المنافقين ، من الجمعة .
) قالوا للذين أوتوا العلم ( وهو الهدى ، يعني القرآن ، يعني عبد الله بن مسعود الهذلي
) ماذا قال ) ) محمد ( ( ءانفاً ( وقد سمعوا قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يفقهوه ، يقول الله تعالى :
( أؤلئك الذين طبع الله على قلوبهم ( يعني ختم الله على قلوبهم بالكفر فلا يعقلون الإيمان
) واتبعوا أهواءهم ) [ آية : 16 ] في الكفر ، ثم ذكر المؤمنين .
تفسير سورة محمد من الآية ( 17 ) فقط .
محمد : ( 17 ) والذين اهتدوا زادهم . . . . .
فقال : ( والذين اهتدوا ( من الضلالة ) زادهم هدىً ( بالمحكم الذي نسخ الأمر الأول
) وءاتاهم تقواهم ) [ آية : 17 ] يقول : وبين لهم التقوى ، يعني عملاً بالمحكم حتى علموا
بالمحكم .
تفسير سورة محمد من الآية ( 18 ) فقط .
محمد : ( 18 ) فهل ينظرون إلا . . . . .
ثم خوف أهل مكة ، فقال : ( فهل ينظرون إلا الساعة ( يعني القيامة ) أن تأتيهم(3/237)
صفحة رقم 238
بغتةً ( يعني فجأة ) فقد جاء أشراطها ( يعني أعلامها ، يعني انشقاق القمر وخروج
الدجال وخروج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقد عاينوا هذا كله ، يقول : ( فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم (
[ آية : 18 ] فيها تقديم يقول : من أين لهم التذكرة والتوبة عند الساعة إذا جاءتهم وقد
فرطوا فيها ؟
تفسير سورة محمد من الآية ( 19 ) فقط .
محمد : ( 19 ) فاعلم أنه لا . . . . .
) فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك و ( لذنوب المؤمنين والمؤمنات ، يعني
المصدقين بتوحيد الله والمصدقات ) وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ( يعني
منتشركم بالنهار ) ومثواكم ) [ آية : 19 ] يعني مأواكم بالليل .
تفسير سورة محمد من الآية ( 20 ) فقط .
محمد : ( 20 ) ويقول الذين آمنوا . . . . .
) ويقول الذين ءامنوا ( يعني صدقوا بالقرآن ) لولا نزلت سورةٌ ( وذلك أن
المؤمنين اشتاقوا إلى الوحي ، فقالوا : هلا نزلت سورة ؟ يقول الله تعالى : ( فإذا أنزلت
سورةٌ محكمةٌ ( يعني بالمحكمة ما فيها من الحلال والحرام ) وذكر فيها القتال ( وطاعة
الله والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقول معروف حسن فرج بها المؤمنون ، فيها تقديم .
ثم ذكر المنافقين ، فذلك قوله : ( رأيت الذين في قلوبهم مرضٌ ( يعني الشك في
القرآن منهم عبد الله بن أبي ، ورفاعة بن زيد ، والحارث بن عمرو ) ينظرون إليك نظر
المغشى عليه من الموت ( غما وكراهية لنزول القرآن يقول الله تعالى : ( فأولى لهم (
[ آية : 20 ] فهذا وعيد .
تفسير سورة محمد من الآية ( 21 ) فقط .
محمد : ( 21 ) طاعة وقول معروف . . . . .
) طاعةٌ وقولٌ معروفٌ فإذا عزم الأمر ( يعني جد الأمر عند دقائق الأمور ) فلو
صدقوا الله ( في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما جاء به ) لكان خيراً لهم ) [ آية : 21 ] من الشرك .
تفسير سورة محمد من الآية ( 22 ) فقط .
محمد : ( 22 ) فهل عسيتم إن . . . . .
) فهل عسيتم ( يعني منافقي اليهود ) إن توليتم أن تفسدوا في الأرض ( بالمعاصي(3/238)
صفحة رقم 239
) وتقطعوا أرحامكم ) [ آية : 22 ] قال : وكان بينهم وبين الأنصار قرابة .
تفسير سورة محمد من الآية ( 23 ) فقط .
محمد : ( 23 ) أولئك الذين لعنهم . . . . .
) أؤلئك الذين لعنهم الله فأصمهم ( فلم يسمعوا الهدى ) وأعمى أبصارهم ) [ آية :
23 ] فلا يبصروا الهدى .
تفسير سورة محمد من الآية ( 24 ) فقط .
محمد : ( 24 ) أفلا يتدبرون القرآن . . . . .
) أفلا يتدبرون القرءان ( يقول : أفلا يسمعون القرآن ) أم على قلوب أقفالها (
[ آية : 24 ] يعني الطبع على القلوب .
تفسير سورة محمد من الآية ( 25 ) فقط .
محمد : ( 25 ) إن الذين ارتدوا . . . . .
ثم ذكر اليهود ، فقال : ( إن الذين ارتدوا ( عن إيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) بعد المعرفة ) على أدبارهم ( يعني أعقابهم كفاراً ) من بعد ما تبين لهم الهدى ( يعني أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم )
يبين لهم في التوراة أن نبي ورسول ) الشياطن سول لهم ( يعني زين لهم ترك الهدى ،
يعني إيماناً بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأملي ( الله ) لهم ) [ آية : 25 ] .
تفسير سورة محمد من الآية ( 26 ) فقط .
محمد : ( 26 ) ذلك بأنهم قالوا . . . . .
) ذلك ( فيها تقديم وأمهل الله لهم حين قالوا : ليس محمد نسبي ، فلم يعجل عليهم ،
ثم انتقم منهم حين قتل أهل قريظة ، وأجل أهل النضير ، يقول ذلك الذي أصابهم من
القتل والجلاء ) بأنهم قالوا للذين كرهوا ( يعني تركوا الإيمان ، يعني المنافقين ) ما نزل الله ( من القرآن ) سنطيعكم في بعض الأمر ( قالت اليهود للمنافقين في
تكذيب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو بعض الأمر ، قالوا ذلك سراً فيما بينهم ، فذلك قوله : ( والله يعلم إسرارهم ) [ آية : 26 ] يعني اليهود والمنافقين .
تفسير سورة محمد من الآية ( 27 ) فقط .
محمد : ( 27 ) فكيف إذا توفتهم . . . . .
ثم خوفهم ، فقال : ( فكيف إذا توفتهم الملائكة ( يعني ملك الموت وحده
) يضربون وجوههم وأدبارهم ) [ آية : 27 ] عند الموت .(3/239)
صفحة رقم 240
تفسير سورة محمد من الآية ( 28 ) فقط .
محمد : ( 28 ) ذلك بأنهم اتبعوا . . . . .
) ذلك ( الضرب الذي أصابهم عند الموت ) بأنهم اتبعوا ما أسخط الله ( من
الكفر بالنبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) وكرهوا رضوانه ( يقول : وتركوا رضوان الله في إيمان
بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) فأحبط أعمالهم ) [ آية : 28 ] التي عملوها في غير إيمان ، ثم رجع إلى
عبد الله بن أبي ، ورفاعة بن زيد ، والحارث بن عمرو .
تفسير سورة محمد من الآية ( 29 ) فقط .
محمد : ( 29 ) أم حسب الذين . . . . .
فقال : ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض ( يعني الشك بالقرآن ، وهم المنافقون
) أن لن يخرج الله أضغانهم ) [ آية : 29 ] يعني أن لن يظهر الله الغش الذي في قلويهم
للمؤمنين .
تفسير سورة محمد من الآية ( 30 ) فقط .
محمد : ( 30 ) ولو نشاء لأريناكهم . . . . .
) ولو نشاء لأريناكهم ( يعني لأعلمناكم ، كقوله : ( بما أراك الله ) [ النساء :
105 ] ، يعني بما أعلمك الله ) فلعرفتهم بسيمهم ( يعني بعلامتهم الخبيثة ) ولتعرفنهم في لحن القول ( يعني في كذبهم عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلم يخف على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منافق بعد هذه
الآية .
ثم رجع إلى المؤمنين أهل التوحيد ، فقال : ( والله يعلم أعمالكم ) [ آية : 30 ] من
الخير والشر .
تفسير سورة محمد من الآية ( 31 ) فقط .
محمد : ( 31 ) ولنبلونكم حتى نعلم . . . . .
) ولنبلونكم ( بالقتال ، يعني لنبتلينكم ، معشر المسلمين بالقتال ) حتى نعلم المجاهدين منكم ( يعني كي نرى من يجاهد منكم ) و ( من يصبر من ) والصابرين (
على أمر الله ) ونبلوا أخباركم ) [ آية : 31 ] يعني ونختبر أعمالكم .
تفسير سورة محمد من الآية ( 32 ) فقط .
محمد : ( 32 ) إن الذين كفروا . . . . .
ثم استأنف ) إن الذين كفروا ( يعني اليهود ) وصدوا عن سبيل الله ( يعني عن دين(3/240)
صفحة رقم 241
الله الإسلام ) وشاقوا الرسول ( يعني وعادوا نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) من بعد ما تبين لهم ( في
التوراة ) الهدى ( بأنه نبي رسول ، يعني بالهدى أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ف ) لن يضروا الله (
يقول : فلن ينقصوا الله من ملكه وقدرته ) شيئا ( حين شاقوا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وصدوا
الناس عن الإسلام إنما يضرون أنفسهم ) وسيحبط ( في الآخرة ) أعمالهم ) [ آية :
32 ] التي عملوها في الدنيا .
تفسير سورة محمد من الآية ( 32 ) فقط .
محمد : ( 33 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( وذلك أن أناساً من أعراب بني أسد
بن خزيمة قدموا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالمدينة ، فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
أتيناك بأهلينا طائعين عفواً بغير
قتال وتركنا الأموال والعشائر ، وكل قبيلة في العرب قاتلوك حتى أسلموا كرهاً ، فلنا
عليك حق ، فاعرف ذلك لنا ، فأنزل الله تعالى في الحجرات : ( يمنون عليك أن أسلموا ( إلى آيتين [ الحجرات : 17 ، 18 ] . وأنزل الله تعالى : ^ يأيها الذين ءامنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( . ) ولا تبطلوا أعمالكم ) [ 33 ] بالمن ولكن أخلصوها لله
تعالى .
تفسير سورة محمد من الآية ( 34 ) فقط .
محمد : ( 34 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا ( بتوحيد الله ) وصدوا ( الناس ) عن سبيل الله ( يعني عن دين
الإسلام ) ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ) [ آية : 34 ] وذلك أن المسلم كان يقتل
ذا رحمه على الإسلام ، فقالوا :
يا رسول الله ، أين آباؤنا وإخواننا الذين قاتلوا فقتلوا ؟ فقال
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' هم في النار ' ، فقال رجل من القوم : أين ولده وهو عدي بن حاتم ؟ فقال
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' في النار ' ، فولى الرجل وله بكاء فدعاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : ' ما لك ' ؟ فقال : يا
نبي الله ، أجدني أرحمه وأرثى له ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' فإن والدي ووالد إبراهيم وولدك في
النار ، فليكن لك أسوة في ، وفي إبراهيم خليله ' ، فذهب بعض وجده . فقال : يا نبي الله ،
وأين المحاسن التي كان يعملها ؟ قال : ' يخفف الله عنه بها من العذاب ، فأنزل الله فيهم ' ،
' إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ' .(3/241)
صفحة رقم 242
تفسير سورة محمد من الآية ( 25 ) فقط .
محمد : ( 35 ) فلا تهنوا وتدعوا . . . . .
ثم قال : ( فلا تهنوا ( يقول ك فلا تضعفوا ) وتدعوا ( يعني نبدؤهم بالدعاء ) إلى السلم ( يقول : فلا تضعفوا وتدعوا العرب إلى الصلح والموادعة ) وأنتم الأعلون ( يقول :
وأنتم الغالبون عليهم ، وكان هذا يوم أحد يقول : ( والله معكم ( في النصر يا معشر
المؤمنين لكم ) ولن يتركم ( يقول : ولن يبطلكم ) أعمالكم ) [ آية : 35 ] الحسنة .
تفسير سورة محمد من الآية ( 36 ) فقط .
محمد : ( 36 ) إنما الحياة الدنيا . . . . .
) إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا ( يقول : وإن تصدقوا بالله وحده لا
شريك له ، وتتقوا معاصي الله ) يؤتكم أجوركم ( في الآخرة يعني جزاءكم في الآخرة
أعمالكم ) ولا يسئلكم أموالكم ) [ آية : 36 ] .
تفسير سورة محمد من الآية ( 37 ) فقط .
محمد : ( 37 ) إن يسألكموها فيحفكم . . . . .
ثم نزلت بعد ) إن يسئلكموها ( يعني الأموال فنسخت هذه الآية ، ولا يسألكم
أموالكم ، ثم قال : ( فيحفكم ( ذلك يعني كثرة المسألة ) تبخلوا ويخرج أضغانكم (
[ آية : 37 ] يعني ما في قلوبكم من الحب للمال والغش والغل ، ولكنه فرض عليكم
يسيراً .
تفسير سورة محمد من الآية ( 38 ) فقط .
محمد : ( 38 ) ها أنتم هؤلاء . . . . .
ثم قال : ( هأنتم هؤلاء ( معشر المؤمنين ) تدعون لتنفقوا ( أموالكم ) في سبيل الله ( يعني في طاعة الله ) فمنكم من يبخل ( بالنفقة في سبيل الله ) ومن يبخل (
بالنفقة ) فإنما يبخل ( بالخير والفضل ) عن نفسه ( في الآخرة لأنه لو أنفق في حق
الله أعطاه الله الجنة في الآخرة ) والله الغني ( عما عندكم من الأموال ) وأنتم الفقراء ( إلى ما عنده من الخير والرحمة والبركة ) وإن تتولوا ( يقول : تعرضوا عما
افترضت عليكم من حقي ) يستبدل ( بكم ) قوما غيركم ( يعني أمثل منكم وأطوع
لله منك ) ثم لا يكونوا أمثالكم ) [ آية : 38 ] في المعاصي بل يكونوا خيراً منكم
وأطوع .(3/242)
صفحة رقم 243
قوله : ' إن تنصروا الله ' حتى يوحد ' ينصركم ' على عدوكم ' ويثبت أقدامكم ' فلا
تزول عند اللقاء عن التوحيد .
قال : وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
نصرت بالرعب مسيرة شهر ' ، فما ترك التوحيد قوم إلا
سقطوا من عين الله ، وسلط الله عليهم السبى ، ) وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ( يعني الأنصار .(3/243)
صفحة رقم 244
48
سورة الفتح
مدنية عددها تسع وعشرون آية كوفي
تفسير سورة الفتح من الآية ( 1 ) فقط .
الفتح : ( 1 ) إنا فتحنا لك . . . . .
) إنا فتحنا لك ( يوم الحديبية ) فتحا مبينا ) [ آية : 1 ] وذلك أن الله تعالى أنزل بمكة
على نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) [ الأحقاف : 9 ] ، ففرح كفار مكة
بذلك ، وقالوا : واللات والعزى وما أمره وأمرنا عند إلهه الذي يعبده إلا واحد ولولا أنه
ابتدع هذا الأمر من تلقاء نفسه لكان ربه الذي بعثه يخبره بما يفعل به ، وبمن اتبعه كما
فعل بسليمان بن داود ، وبعيسى ابن مريم والحواريين ، وكيف أخبرهم بمصيرهم ؟ فأما
محمد فلا علم له بما يفعل به ، ولا بنا إن هذا لهو الضلال ، فشق على المسلمين نزول هذه
الاية ، فقال أبو بكر ، وعمر ، رضي الله عنهما ، للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
ألا تخبرنا ما الله فاعل بك ؟
فقال : ' ما أحدث الله إلى أمر بعد ' ، فلما قدم المدينة ، قال عبد الله بن أبي رأس المنافقين :
كيف تتبعون رجلاً لا يدري ما يفعل الله به ، ولا بمن تبعه ؟ وضحكوا من المؤمنين ، وعلم
الله ما في قلوب المؤمنين من الحزن ، وعلم فرح المشركين من أهل مكة ، وفرح المنافقين
من أهل المدينة ، فأنزل الله تعالى بالمدينة بعدما رجع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الحديبية ) إنا فتحنا لك ( يعني قضينا لك ) فتحا مبينا ( يعني قضاء بيناً ، يعني الإسلام .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 2 ) فقط .
الفتح : ( 2 ) ليغفر لك الله . . . . .
) ليغفر ( يعني لكي يغفر ) لك الله ( الإسلام ) ما تقدم من ذنبك ( يعني ما كان
في الجاهلية ) وما تأخر ( يعني وبعد النبوة ) ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما (
[ آية : 2 ] يعني ديناً مستقيماً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 3 ) فقط .
الفتح : ( 3 ) وينصرك الله نصرا . . . . .
) وينصرك الله ( يقول : ولكن ينصرك الله بالإسلام على عدوك ) نصرا عزيزا ) [ آية :
3 ] يعني منيعاً فلا تذل الذي قضى الله له : المغفرة والغنيمة والإسلام والنصر فنسخت(3/244)
صفحة رقم 245
هذه الآية ، قوله : ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) [ الأحقاف : 9 ] فأخبر الله تعالى
نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بما يفعل به ، فنزلت هذه الآية على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما سمع عبد الله بن أبي رأس
المنافقين بنزول هذه الآية على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأن الله قد غفر له ذنبه ، وأنه يفتح له على
عدوه ، ويهديه صراطاً مستقيماً ، وينصره نصراً عزيزاً ، قال لأصحابه :
يزعم محمد أن الله
قد غفر له ذنبه ، وينصره على عدوه ، هيهات هيهات لقد بقي له من العدو أكثر وأكثر
فأين فارس والروم ، وهم أكثر عدواً وأشد بأساً وأعز عزيزاً ؟ ولن يظهر عليهم محمد ،
أيظن محمد أنهم مثل هذه العصابة التي قد نزل بين أظهرهم ، وقد غلبهم بكذبه وأباطليه ،
وقد جعل لنفسه مخرجاً ، ولا علم له بما يفعل به ، ولا بمن تبعه ، إن هذا لهو الخلاف المبين .
فخرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على أصحابه ، فقال :
لقد نزلت على آية لهي أحب إلي مما بين
السماء والأرض ' ، فقرأ عليهم : ( إن فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ( إلى آخر
الآية ، فقال أصحابه : هنيئاً مريئاً ، يا رسول الله ، قد علمنا الآن ما لك عند الله ، وما يفعل
بك ، فما لنا عند الله ، وما يفعل بنا ، فنزلت في سورة الأحزاب : ( وبشر المؤمنين
والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار ) [ الأحزاب : 47 ] .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 4 ) فقط .
الفتح : ( 4 ) هو الذي أنزل . . . . .
) هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ( يعني الطمأنينة ) ليزدادوا ( يعني لكي
يزدادوا ) إيماناً مع إيمناهم ( يعني تصديقاً مع تصديقهم الذي أمرهم الله به في كتابه
فيقروا أن يكتبوا باسمك اللهم ، ويقروا بأن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ،
وذلك أنه لما نزل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالحديبية بعثت قريش منهم سهيل بن عمرو القرشي ،
وحويطب بن عبد العزى ، ومكرز بن حفص بن الأحنف على أن يعرضوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم )
أن يرجع من عامه ذلك ، على أن تخلى قريش له مكة من العام المقبل ثلاثة أيام ، ففعل
ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكتبوا بينهم وبينه كتاباً ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، لعلي بن أبي طالب ، عليه
السلام : ' اكتب بيننا كتاباً : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ' ، فقال سهيل بن عمرو
وأصحابه : ما نعرف هذا ، ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم . فهم أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم )
ألا يقروا بذلك ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لعلي ، عليه السلام : ' اكتب ما يقولون ' ، فكتب باسمك
اللهم .(3/245)
صفحة رقم 246
ثم قال :
اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة ' ، فقال سهيل بن عمرو
وأصحابه : لقد ظلمناك إن علمنا أنك رسول الله ، ونمنعك ونردك عن بيته ، ولا نكتب
هذا ، ولكن اكتب الذي نعرف : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة . فقال
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' يا علي ، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ، وأنا أشهد أني رسول
الله ، وأنا محمد بن عبد الله ' ، فهم المسلمون ألا يقروا أن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد
بن عبد الله ، فأنزل الله السكينة ، يعني الطمأنينة عليهم . فذلك قوله : ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ( ، أن يقروا لقريش حتى يكتبوا باسمك اللهم ، إلى آخر القصة ،
وأنزل في قول أهل مكة لا نعرف أنك رسول الله ولو علمنا ذلك لقد ظلمنك حين
نمنعك عن بيته ) وكفى بالله شهيدا ) [ الفتح : 28 ] أن محمداً رسول الله ، فلا شاهد
أفضل منه .
) ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما ) [ آية : 4 ] عليماً بخلقه ، حكيماً
في أمره .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 5 ) فقط .
الفتح : ( 5 ) ليدخل المؤمنين والمؤمنات . . . . .
) ليدخل المؤمنين والمؤمنات ( يعني لكي يدخل المؤمنين والمؤمنات بالإسلام ) جنات تجري من تحتها الأنهار ( من تحت البساتين ) خالدين فيها ( لا يموتون ) و ( لكي
) ويكفر عنهم سيئاتهم ( يعني يمحو عنهم ذنوبهم ) وكان ذلك ( الخير ) عند الله فوزا عظيما ) [ آية : 5 ] فأخبر الله تعالى نبيه بما يفعل بالمؤمنين ، فانطلق عبد الله بن أبي
رأس المنافقين في نفر معه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : ما لنا عند الله ؟ فنزلت ) بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ( يعني وجيعاً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 6 ) فقط .
الفتح : ( 6 ) ويعذب المنافقين والمنافقات . . . . .
) ويعذب ( يعني ولكي يعذب ) المنافقين والمنافقات ( من أهل المدينة عبد الله
بن أبي ، وأصحابه ) والمشركين والمشركات ( يعني من أهل مكة ) الظانين بالله ظن السوء ( وكان ظنهم حين قالوا : واللات والعزى ما نحن وهو عند الله إلا بمنزلة واحدة ،(3/246)
صفحة رقم 247
وأن محمداً لا ينصر فبئس ما ظنوا .
يقول الله : ( عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم ( في الآخرة
) جهنم وساءت مصيرا ) [ آية : 6 ] يعني : وبئس المصير ، وأنزل الله تعالى في قول عبد
الله بن أبي حين قال : فأين أهل فارس والروم ؟
تفسير سورة الفتح من الآية ( 7 ) فقط .
الفتح : ( 7 ) ولله جنود السماوات . . . . .
) ولله جنود السماوات ( يعني الملائكة ) والأرض ( يعني المؤمنين ، فهؤلاء أكثر من
فارس والروم ) وكان الله عزيزا ( في ملكه ) حكيما ) [ آية : 7 ] في أمره ، فحكم النصر
للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأنزل في قول عبد الله بن أبي ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( أي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ) إن الله قوي عزيز ) [ المجادلة : 21 ] يقول : أقوى وأعز من أهل فارس
والروم لقول عبد الله بن أبي هم أشد بأساً وأعز عزيزاً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 8 ) فقط .
الفتح : ( 8 ) إنا أرسلناك شاهدا . . . . .
) إنا أرسلناك ( يا محمد إلى هذه الأمة ) شهدا ( عليها بالرسالة ) و ( أرسلناك
) ومبشرا ( بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة ) ونذيرا ) [ 8 ] من النار .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 9 ) فقط .
الفتح : ( 9 ) لتؤمنوا بالله ورسوله . . . . .
) لتؤمنوا بالله ( يعني لتصدقوا بالله أنه واحد لا شريك له ) ورسوله ( محمداً
( صلى الله عليه وسلم ) ) وتعزروه ( يعني تنصروه وتعاونوه على أمره كله ) وتوقروه ( يعني وتعظموا
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وتسبحوه بكرة وأصيلا ) [ آية : 9 ] يعني وتصلوا لله بالغداة والعشي ،
وتعزروه مثل قوله في الأعراف : ( الذين آمنوا به وعزروه ( . ولما قال المسلمون للنبي
( صلى الله عليه وسلم ) :
إنا نخشى ألا يفي المشركون بشرطهم فعند ذلك تبايعوا على أن يقاتلوا ، ولا يفروا
يقول : الله رضي عنهم إبيعتهم .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 10 ) فقط .
الفتح : ( 10 ) إن الذين يبايعونك . . . . .
) إن الذين يبايعوك ( يوم الحديبية تحت الشجرة في الحرم ، وهي بيعة الرضوان ،
كان المسلمون يومئذٍ ألفاً وأربع مائة رجل ، فبايعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على أن يقاتلوا ولا يفروا
من العدو ، فقال : ( إنما يبايعون الله يد الله ( بالوفاء لهم بما وعدهم من الخير ) فوق(3/247)
صفحة رقم 248
أيديهم ( حين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنا نبايعك على ألا نفر ونقاتل فاعرف لنا ذلك ) فمن
نكث ( بالبيعة ) فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عهد عليه الله ( من البيعة
) فسيؤتيه ) ) في الآخرة ( ( أجراً ( يعني جزاء ) عظيماً ) [ آية : 10 ] يعني في الجنة
نصيباً وافراً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 11 ) فقط .
الفتح : ( 11 ) سيقول لك المخلفون . . . . .
) سيقول لك المخلفون من الأعراب ( مخافة القتال وهم مزينة وجهينة وأسلم وغفار
وأشجع ) شغلتنا أموالنا وأهلونا ( في التخلف وكانت منازلهم بين مكة والمدينة
) فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ( يعني يتكلمون بألسنتهم ) ما ليس في قلوبهم ( من
أمر الاستغفار لا يبالون استغفر لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أم لا ) قل ( لهم يا محمد : ( فمن يملك (
يعني فمن يقدر ) لكم من الله شيئاً ( نظيرها في الأحزاب ) إن أراد بكم ضراًّ ( يعني
الهزيمة ) أو أراد بكم نفعاً ( يعني الفتح والنصر ، يعني حين يقول : فمن يملك دفع الضر
عنكم ، أو منع النفع غير الله ، بل الله يملك ذلك كله .
ثم استأنف ) بل كان الله بما تعملون خبيراً ) [ آية : 11 ] في تخلفكم وقولكم إن محمداً
( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه كلفوا شيئاً لا يطيقونه ، ولا يرجعون أبداً ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مر بهم
فاستنفرهم ، فقال بعضهم لبعض : إن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، أصحابه أكلة رأس لأهل مكة لا يرجع
هو وأصحابه أبداً فأين تذهبون ؟ أتقتلون أنفسكم ؟ انتظروا حتى تنظروا ما يكون من
أمره ، فأنزل الله عز وجل لقولهم له قالوا : ( شغلتنا أموالنا وأهلونا ( :
تفسير سورة الفتح من الآية ( 12 ) فقط .
الفتح : ( 12 ) بل ظننتم أن . . . . .
) بل ( منعكم من السير أنكم ) ظننتم أن لن ينقلب الرسول ( يقول : أن لن يرجع
الرسول ) والمؤمنون ( من الحديبية ) إلى أهليهم أبداً وزين ذلك في قلوبكم وظننتم
ظن السوء ( فبئس ما ظنوا ظن السوء حين زين لهم في قلوبهم وأيأسهم أن محمداً
وأصحابه لا يرجعون أبداً .
نظيرها في الأحزاب : ( وتظنون بالله الظنون ) [ الأحزاب : 10 ] ، يعني الإياسة من(3/248)
صفحة رقم 249
النصير ، فقال الله تعالى ) وكنتم قوما بورا ) [ آية : 12 ] يعني هلكي بلغة عمان ، مثل
قوله : ( وأحلوا قومهم دار البوار ) [ إبراهيم : 28 ] ، أي دار الهلاك ، ومثل قوله :
( تجارة لن تبور ) [ فاطر : 29 ] يعني لن تهلك .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 13 ) فقط .
الفتح : ( 13 ) ومن لم يؤمن . . . . .
) ومن لم يؤمن بالله ( يعني بصدق بتوحيد الله ) ورسوله ( محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) فإنا أعتدنا ( في الآخرة ) للكافرين سعيرا ) [ آية : 13 ] يعني وقوداً ، فعظم نفسه وأخبر أنه
غنى عن عباده .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 14 ) فقط .
الفتح : ( 14 ) ولله ملك السماوات . . . . .
فقال : ( ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا ( لذنوب المؤمنين ) رحيما ) [ آية : 14 ] بهم .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 15 ) فقط .
الفتح : ( 15 ) سيقول المخلفون إذا . . . . .
) سيقول المخلفون ( عن الحديبية مخافة القتل ) إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ( يعني غنائم خيبر ) ذرونا نتبعكم ( إلى خيبر ، وكان الله تعالى وعد نبيه ( صلى الله عليه وسلم )
بالحديبية أن يفتح عليه خيبر ، ونهاه عن أن يسير معه أحد من المتخلفين ، فلما رجع النبي
( صلى الله عليه وسلم ) من الحديبية يريد خيبر ، قال المخلفون : ذرونا نتبعكم فنصيب معكم من الغنائم ،
فقال الله تعالى : ( يريدون أن يبدلوا كلام الله ( يعني أن يغيروا كلام الله الذي أمر
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو ألا يسير معه أحد منهم ) قل لن تتبعونا كذلكم ( يعني هكذا
) قال الله ( بالحديبية ) من قبل ( خيبر أن لا تتبعونا ) فسيقولون ( للمؤمنين إن
الله لم ينهكم ) بل تحسدوننا ( بل منعكم الحسد أن نصيب معكم الغنائم . ثم قال :
( بل كانوا لا يفقهون ( النهي من الله ) إلا قليلا ) [ آية : 15 ] منهم .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 16 ) فقط .(3/249)
صفحة رقم 250
الفتح : ( 16 ) قل للمخلفين من . . . . .
ثم قال ) قل للمخلفين من الأعراب ( عن الحديبية مخافة القتل ) ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ( يعني أهل اليمامة يعني بني حنيفة ، مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفي
وقومه ، دعاهم أبو بكر ، رضي الله عنه ، إلى قتال أهل اليمامة ، يعني هؤلاء الأحياء
الخمسة جهينة ، ومزينة ، وأشجع ، وغفار ، وأسلم ) تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا ( أبا
بكر إذا دعاكم إلى قتالهم ) يؤتكم الله أجرا حسنا ( في الآخرة ، يعني جزاء كريماً في
الجنة ) وإن تتولوا ( يعني تعرضوا عن قتال أهل اليمامة ) كما توليتم ( يعني كما
أعرضتم ) من قبل ( عن قتال الكفار يوم الحديبية ) يعذبكم ( الله في الآخرة ) عذابا أليما ) [ آية : 16 ] يعني وجيعاً .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، قال : قال مقاتل : خلافة أبي بكر ،
رضي الله عنه ، في هذه الآية مؤكدة .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 17 ) فقط .
الفتح : ( 17 ) ليس على الأعمى . . . . .
ثم عذر أهل الزمانة ، فقال : ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ( في تخلفهم عن الحديبية ، يقول : من تخلف عن الحديبية من هؤلاء
المعذورين ، فمن شاء منهم أن يسير معكم فليسر ) ومن يطع الله ورسوله ( في الغزو
) يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول ( يعني يعرض عن طاعتهما في التخلف
من غير عذر ) يعذبه عذابا أليما ) [ آية : 17 ] يعني وجيعاً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 18 ) فقط .
الفتح : ( 18 ) لقد رضي الله . . . . .
) لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ( بالحديبية يقول :
رضى ببيعتهم إياك ) فعلم ما في قلوبهم ( من الكراهية للبيعة على أن يقاتلوا ولا يفروا
في أمر البيعة ) فأنزل السكينة عليهم وأثابهم ( يعني وأعطاهم ) فتحا قريبا ) [ آية :
18 ] يعني مغانم خيبر .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 19 ) فقط .
الفتح : ( 19 ) ومغانم كثيرة يأخذونها . . . . .
) ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا ( يعني منيعاً ) حكيما ) [ آية : 19 ] في
أمره فحكم على أهل خيبر القتل والسبي .(3/250)
صفحة رقم 251
تفسير سورة الفتح من الآية ( 20 ) فقط .
الفتح : ( 20 ) وعدكم الله مغانم . . . . .
ثم قال : ( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ( مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن بعده إلى يوم
القيامة ) فعجل لكم هذه ( يعني غنيمة خيبر ) وكف أيدي الناس عنكم ( يعني حلفاء
أهل خيبر أسد ، وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر ، وذلك أن مالك بن عوف النضري ،
وعيينة بن حصن الفزاري ، ومن معهما من أسد وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر ،
فقذف الله في قلوبهم الرعب ، فانصرفوا عنهم ، فذلك قوله : ( وكف أيدي الناس عنكم (
يعني أسد وغطفان .
) ولتكون ( يعني ولكي تكون هزيمتهم من غير قتال ) ءايةً للمؤمنين ويهديكم
صراطاً مستقيماً ) [ آية : 20 ] يعني تزدادون بالإسلام تصديقاً مما ترون من عدة الله في
القرآن من الفتح والغنيمة كما قال نظيرها في المدثر : ( ويزداد الذين آمنوا إيمانا (
[ المدثر : 31 ] ، يعني تصديقاً بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وبما جاء به في خزنة جهنم .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 21 ) فقط .
الفتح : ( 21 ) وأخرى لم تقدروا . . . . .
قوله : ( وأخرى لم تقدروا عليها ( يعني قوى فارس والروم وغيرها ) قد أحاط الله (
علمه ) بها ( أن يفتحها على يدي المؤمنين ) وكان الله على كل شئٍ ( من القرى
) قديرا ) [ آية : 21 ] على فتحها .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 22 ) فقط .
الفتح : ( 22 ) ولو قاتلكم الذين . . . . .
قال : ( ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ( منهزمين ) ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ) [ آية : 22 ] يعني ولا مانعاً يمنعهم من الهزيمة .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 23 ) فقط .
الفتح : ( 23 ) سنة الله التي . . . . .
يقول كذلك كان ) سنة الله التي قد خلت من قبل ( كفار مكة حين هزموا ببدر
فهؤلاء بمنزلتهم ) ولن تجد لسنة الله تبديلا ) [ آية : 23 ] يعني تحويلاً .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 24 ) فقط .(3/251)
صفحة رقم 252
الفتح : ( 24 ) وهو الذي كف . . . . .
ثم قال : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ( يعني كفار مكة يوم الحديبية
) ببطن مكة ( يوم الحديبية ، يعني ببطن أرض مكة كلها والحرم كله مكة ) من بعد أن أظفركم عليهم ( وقد كانوا خرجوا يقاتلون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فهزمهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالطعن والنبل
حتى أدخلهم بيوت مكة ) وكان الله بما تعملون بصيرا ) [ آية : 24 ] .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 25 ) فقط .
الفتح : ( 25 ) هم الذين كفروا . . . . .
ثم قال : ( هم الذين كفروا ( يعني كفار مكة ) وصدوكم عن المسجد الحرام (
أن تطوفوا به ) و ( صدوار ) والهدى ( في عمرتكم يوم الحديبية ) معكوفا ( يعني
محبوساً ، وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أهدى عام الحديبية في عمرته مائة بدنة ، ويقال : ستين بدنة ،
فمنعوه ) أن يبلغ ( الهدى ) محله ( يعني منحره .
ثم قال : ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ( أنهم مؤمنون ) أن
تطئوهم ( بالقتل بغير علم تعلمونه منهم ) فتصيبكم منهم معرةٌ بغير علمٍ ) يعني
فينالكم من قتلهم عنت فيها تقديم ، لأدخلكم من عامكم هذا مكة ) ليدخل ( لكي
يدخل ) الله في رحمته من يشاء ( منهم عياش بن أبي ربيعة ، وأبو جندل بن سهيل بن
عمرو ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام بن المغيرة ، كلهم من قريش ، وعبد
الله بن أسد الثقفي .
يقول : ( لو تزيلوا ( يقول : لو اعتزل المؤمنون الذين بمكة من كفارهم ) لعذبنا
الذين كفروا منهم ( يعني كفار مكة ) عذاباً أليماً ) [ آية : 25 ] يعني وجيعاً ، وهو
القتل بالسيف .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 26 ) فقط .
الفتح : ( 26 ) إذ جعل الذين . . . . .
قوله : ( إذ جعل الذين كفروا ( من أهل مكة ) في قلوبهم الحمية حميةً
الجاهلية ( وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قدم عام الحديبية في ذي القعدة معتمراً ، ومعه الهدى ،(3/252)
صفحة رقم 253
فقال كفار مكة : قتل آباءنا وإخواننا ، ثم أتانا يدخل علينا في منازلنا ونساءنا ، وتقول
العرب : إنه دخل على رغم آنافنا ، والله لا يدخلها أبداً علينا ، فتلك الحمية التي في
قلوبهم .
) فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم ( يعني أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
) كلمة التقوى ( يعني كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله ) وكانوا أحق بها ( من
كفار مكة ) و ( كانوا ) وأهلها ( في علم الله عز وجل ) وكان الله بكل شئٍ
عليماً ) [ آية : 26 ] بأنهم كانوا أهل التوحيد في علم الله عز وجل .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 27 ) فقط .
الفتح : ( 27 ) لقد صدق الله . . . . .
قوله : ( لقد صدق الله رسوله الرءيا بالحق ( وذلك أن الله عز وجل أرى النبي ( صلى الله عليه وسلم )
في المنام ، وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه وأصحابه حلقوا وقصروا ، فأخبر
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك أصحابه ففرحوا واستبشروا وحبسوا أنهم داخلوه في عامهم ذلك ،
وقالوا : إن رؤيا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حق ، فردهم الله عز وجل عن دخول المسجد الحرام إلى غنيمة
خيبر ، فقال المنافقون عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن رسل ، ورفاعة بن التابوه : والله ، ما
حلقنا ولا قصرنا ، ولا رأينا المسجد الحرام ، فأنزل الله تعالى : ( لقد صدق الله رسوله
الرءيا بالحق ( .
) لتدخلن المسجد الحرام ( يعني العام المقبل ) إن شاء الله ( يستثنى على نفسه
مثل قوله : ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ( ويكون ذلك تأديباً للمؤمنين ألا
يتركوا الاستثناء ، في رد المشيئة إلى الله تعالى ) ءامنين ( من العدو ) محلقين رءوسكم
ومقصرين ( من أشعاركم ) لا تخافون ( عدوكم ) فعلم ( الله أنه يفتح عليهم خيبر
قبل ذلك فعلم ) ما لم تعلموا ( فذلك قوله : ( فجعل من دون ذلك ( يعني قبل ذلك
الحلق والتقصير ) فتحا قريبا ) [ 27 ] يعني عنيمة خيبر وفتحها ، فلما كان في العام
المقبل بعدما رجع من خيبر أدخله الله هو وأصحابه المسجد الحرام ، فأقاموا بمكة ثلاثة أيام
فحلقوا وقصروا تصديق رؤيا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 28 ) فقط .(3/253)
صفحة رقم 254
الفتح : ( 28 ) هو الذي أرسل . . . . .
) هو الذي أرسل رسوله ( محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) بالهدى ( من الضلالة ) ودين الحق (
يعني دين الإسلام لأن كل دين باطل غير الإسلام ) ليظهره على الدين كله ( يعني
على ملة أهل الأديان كلها ، ففعل الله ذلك به حتى قتلوا وأقروا بالخراج ، وظهر الإسلام
على أهل كل دين ) ولو كره المشركون ) [ الصف : 9 ] يعني العرب .
ثم قال : ( وكفى بالله شهيدا ) [ آية : 28 ] فلا شاهد أفضل من الله تعالى
بأن
محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) رسول الله ، فلما كتبوا الكتاب يوم الحديبية ، وكان كتبه علي بن أبي طالب ،
عليه السلام ، فقال سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى : لا نعرف أنك رسول الله ،
ولو عرفنا ذلك لقد ظلمناك إذا حين نمنعك عن دخول بيته ، فلما أكروا أنه رسول الله ،
أنزل الله تعالى : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ( من الضلال ) ودين الحق ( إلى
آخر السورة .
تفسير سورة الفتح من الآية ( 29 ) فقط .
الفتح : ( 29 ) محمد رسول الله . . . . .
ثم قال تعالى للذين أنكروا أنه رسول الله : ( محمد رسول الله والذين معه ( من المؤمنين
) أشداء ( يعني غلظاء ) على الكفار رحماء بينهم ( يقول : متوادين بعضهم لبعض
) تراهم ركعاً وسجداً ( يقول : إذا رأيتهم تعرف أنهم أهل ركوع وسجود في الصلوات
) يبتغون فضلا ( يعني رزقاً ) من الله ورضوناً ( يعني يطلبون رضى ربهم
) سيماهم ( يعني علامتهم ) في وجوههم ( الهدى والسمت الحسن ) من أثر السجود ( يعني من أثر الصلاة ) ذلك مثلهم في التوراة ( يقول : ذلك الذي ذكر من
نعت أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في التوراة .
ثم ذكر نعتهم في الأنجيل ، فقال : ( ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطئه ( يعني
الحلقة وهو النبت الواحد في أول ما يخرج ) فئازره ( يعني فأغانه أصحابه ، يعني الوابلة
التي تنبت حول الساق فآزره كما آزر الحلقة والوابلة بعضه بعضاً ، فاما شطأه ، فهو
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) خرج وحده كما خرج النبت وحده ، وأما الوابلة التي تنبت حول الشطأه ، فاجتمعت فهم المؤمنون كانوا في قلة كما كان أول الزرع دقيقاً ، ثم زاد نبت الزرع(3/254)
صفحة رقم 255
فغلظ فآزره ) فاستغلظ ( كما آزر المؤمنون بعضهم بعضاً حتى إذا استغلظوا واستووا
على أمرهم كما استغلظ هذا الزرع .
) فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ( فكما يعجب الزراع حسن
زرعه حين استوى قائماً على سوقه ، فكذلك يغيظ الكفار كثرة المؤمنين واجتماعهم . ثم
قال : ( وعد الله الذين ءامنوا ( يعني صدقوا ) وعملوا الصالحات ( من الأعمال ) منهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجرا عظيما ) [ آية : 29 ] يعني به الجنة .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : قال الهذيل ، عن محمد بن إسحاق : قال :
المعرة الدية ، ويقال : الشين .(3/255)
صفحة رقم 256
49
سورة الحجرات
مدنية عددها ثماني عشرة آية كوفي
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 1 ) فقط .
الحجرات : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ( نزلت في ثلاثة نفر ، وذلك أن
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث سرية إلى ناحية أرض تهامة ، وكانوا سبعة وعشرين رجلاً منهم
عروة بن أسماء السلمي ، والحكم بن كيسان المخزومي ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ،
وبشير الأنصاري ، واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري من النقباء ، وكتب صحيفة
ودفعها إلى حرام بن ملحان ليقرأها على العدو ، فكان طريقهم على بني سليم وبينهم
وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) موادعة .
ودس المنافقون إلى بني عامر بن صعصعة ، وهم حرب على المسلمين ، إن أصحاب
محمد مغرورون يختلفون من بين ثلاثة وأربعة فأرصدوهم وهم على بئر معونة ، وهو ماء
لبني عامر فسار القوم ليلاً ، وأضل أربعة منهم بعيراً لهم منهم بشير الأنصاري ، فأقاموا
حتى أصبحوا ، وسار المسلمون حتى أتوا على بني عامر ، وهم حول الماء ، وعليهم
بن الطفيل العامري ، فدعاهم المنذر بن عمرو إلى الإسلام ، وقرأ عليهم حرام الصحيفة ،
فأبوا فاقتتلوا قتالاً شديداً ، فلما عرفوا أنهم مقتولون ، قالوا : اللهم ، إنك تعلم أن رسولك
أرسلنا ، وإنا لا نجد من يبلغ عنا رسولك غيرك ، فاقرئه منا السلام ، فقد رضينا بحسن
قضائك لنا .
وحمل عامر بن الطفيل على حرام فطعنه فقتله ، وقتل بقيتهم غير المنذر بن عمرو ، فإنه
كان دارعاً مقنعاً ، وعروة بن أسماء السلمي ، فقتل المنذر بعد ذلك ، فقالوا لعروة : لو شئنا
لقتلناك ، فأنت آمن فإن شئت فارجع إلينا ، وإن شئت فاذهب إلى غيرنا ، فأنت آمن ، قال
عروة : إني عاهدت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أضع يدي في يد مشرك ولا أتخذه ولياً ، وجعل يحمل عليهم ، ويضربونه يعرض رماحهم ويناشدونه ، ويأبي عليهم فرموه بالنيل حتى(3/256)
صفحة رقم 257
قتلوه ، وأتى جبريل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأخبره بحالهم ، فنعاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأصحابه ، وقال : أرسل
إخوانكم يقرأونكم السلام فاستغفروا لهم . ووجده الأربعة بعيرهم حين أصبحوا ، فساروا
فلما دنوا من ماء بني عامر لقيتهم وليدة لبني عامر ، فقالت : أمن أصحاب محمد أنتم ؟
فقالوا : نعم ، رجاء أن تسلم ، فقالت : إن إخوانكم قد قتلوا حول الماء ، النجاء النجاء ، ألا
ترون إلى النسور والعقبان قد تعلقن بلحومهم .
فقال بشير الأنصاري :
دونكم بعيركم أنظر لكم ، فسار نحوهم فرأى إخوانهم مقتلين
كأمثال البدن حول الماء ، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم ، وقال لهم : ما ترون ؟ قالوا : نرجع
إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنخبره الخبر ، فقال بشير : لكني لا أرجع الله ، حتى أتغدى من غداء القوم ، فاقرءوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مني السلام ورحمة الله ، ثم أتاهم فحمل عليهم ، فناشدوه
أن أرجع فأبى ، وحمل عليهم ، فقتل منهم ، ثم قتل بعد ، فرجع الثلاثة يسلون بغيرهم سلا ،
فأتوا المدينة عند جنوح الليل ، فلقوا رجلين من بني سليم جائين من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ،
فقالوا : من أنتما ؟ قالا : من بني عامر ، لأنهم كانوا قريباً من بني عامر بالمدينة ، ولا
يشعرن بصنيع بني عامر .
فقالوا : هذين من الذين قتلوا إخواننا ، فقتلوهما وسلبوهما ، ثم دخلوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم )
ليخبروه فوجدوا الخبر قد سبق إليه ، ثم قالوا :
يا نبي الله ، غشينا المدينة عند المساء فلقينا
رجلين من بني عامر فقتلناهم ، وهذا سلبهما ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' بل هما من بني سليم من
حلفائي بئسما صنعتما ، هذان رجلان من بني سليم كانا جاءا في أمر الموادعة ' ، فنزلت
فيهم : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ( يقول : لا تعجلوا بقتل
أحد ، ولا بأمر حتى تستأمروا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فوعظهم في ذلك ، وأقبل قوم السلميين ، فقالوا
للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إن صاحبينا قتلا عندك ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' إن صاحبكم اعتزيا إلى عدونا فقتلا
جميعاً ' ، وأخبرهم الخبر ، ولكننا سنعقل عن صاحبيكم لكل واحد منهما مائة من الإبل ،
فجعل دية المشرك المعاهد ، كدية الحر المسلم .
قال : ( واتقوا الله ( في المعاصي ) إن الله سميع ( لمقالتكم ) عليم ) [ آية : 1 ] بخلقه .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 2 ) فقط .
الحجرات : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم ( يعني كلامكم ) فوق صوت النبي ( يعني(3/257)
صفحة رقم 258
فوق كلام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : احفظوا الكلام عنده ، نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس ،
وشماس الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج ، وكان في أذنيه وقر ، وكان إذا تكلم عند
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رفع صوته .
ثم قال : ( ولا تجهروا له بالقول ( وفيه نزلت هذه الآية : ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) [ النور : 63 ] يقول : لا تدعوه باسمه يا محمد ، ويا ابن
عبد الله ) كجهر بعضكم لبعض ( يقول : كما يدعو الرجل منكم باسمه يا فلان ، ويا
ابن فلان ، ولكن عظموه ووقروه وفخموه وقولوا له : يا رسول الله ، ويا نبي الله ، يؤدبهم
) أن تحبط أعلماكم ( يعني أن تبطل حسناتكم إن لم تحفظوا أصواتكم عند النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وتعظموه وتوقروه وتدعوه باسم النبوة ، فإنه يحبط أعمالكم .
) وأنتم لا تشعرون ) [ آية : 2 ] أن ذلك يحبطها ، فلما نزلت هذه الآية أقام ثابت بن
قيس في منزله مهموماً حزيناً مخافة أن يكون حبط عمله ، وكان بدرياً ، فانطلق جاره
سعد بن عبادة الأنصاري إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأخبره بقول ثابت بن قيس ، بأنه قد حبط
عمله ، وهو في الآخرة من الخاسرين ، وهو في النار . فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لسعد : ' اذهب
فأخبره ، أنك لم تعن بهذه الآية ، ولست من أهل النار ، بل أنت من أهل الجنة ، وغيرك من
أهل النار ، يعني عبد الله بن أبي المنافق ، فاخرج إلينا ' فرجع سعد إلى ثابت فأخبره بقول
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ففرح وخرج إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين رآه : ' مرحباً برجل يزعم أنه
من أهل النار ، بل غيرك من أهل النار ، يعني عبد الله بن أبي ، وكان جاره ، وأنت من أهل
الجنة ' . فكان ثابت بعد ذلك إذا كان عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خفض صوته فلا يسمع من يليه .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 2 ) فقط .
الحجرات : ( 3 ) إن الذين يغضون . . . . .
فنزلت فيه بعد الآية الأولى : ( إن الذين يغضون أصواتهم ( يعني يخفضون كلامهم
) عند رسول الله أؤلئك الذين امتحن الله ( يعني أخلص الله ) قلوبهم للتقوى لهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجر ( يعني جزاء ) عظيم ) [ آية : 3 ] يعني : الجنة ، فقال ثابت
بعد ذلك : ما يسرني أني لم أجهر بصوتي عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأني لم أخفض صوتي
إذا امتحن الله قلبي للتقوى ، وجعل لي مغفرة لذنوبي ، وجعل لي أجراً عظيماً يعني الجنة ،
فلما كان على عهد أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، غزا ثابت إلى اليمامة فرأى(3/258)
صفحة رقم 259
المسلمين قد انهزموا ، فقال لهم : أف لكم ، ولما تصنعون ، اللهم إني أعتذر إليك من صنيع
هؤلاء ، ثم نظر إلى المشركين ، فقال : أف لكم ، ولما تعبدون من دون الله ، اللهم إني أبرأ
إليك مما يعبد هؤلاء ، ثم قاتلهم حتى قتل ، رحمة الله عليه .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 4 ) فقط .
الحجرات : ( 4 ) إن الذين ينادونك . . . . .
) إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) [ آية : 4 ] نزلت في
تسعة رهط ثمانية منهم من بني تميم ، ورجل من قيس ، فمنهم الأقرع بن حابس المجاشعي ،
وقيس بن عاصم المنقري ، والزبرقان بن بدر الهذلي ، وخالد بن مالك ، وسويد بن هشام
النهشليين ، والقعقاع بن معبد ، وعطاء بن حابس ، ووكيع بن وكيع من بني دارم ، وعيينة
بن حصن الفزاري ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصاب طائفة من ذراري بني العنبر ، فقدموا
المدينة في الظهيرة لفداء ذراريهم ، فتذكروا ما كان من أمرهم فبكت الذراري إليهم ،
فنهضوا إلى المسجد والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في منزله فاستعجلوا الباب لما أبطأ عليهم النبي ( صلى الله عليه وسلم )
فنادى أكثرهم من وراء الحجرات : يا محمد ، مرتين ألا تخرج إلينا فقد جئنا في الفداء ,
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ويلك ما لك حداك المنادي ' ، فقال : أما والله إن حمدي لك زين ،
وإن ذمي لك شين ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ويلكم ذلكم الله ' ، فلم يصبروا حتى يخرج إليهم
( صلى الله عليه وسلم ) .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 5 ) فقط .
الحجرات : ( 5 ) ولو أنهم صبروا . . . . .
فذلك قوله : ( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم ( يعني بالخير لو أنهم
صبروا حتى تخرج إليهم لأطلقتهم من غير فداء . ثم قال : ( والله غفور رحيم ) [ آية : 5 ]
لقولهم : يا محمد ألا تخرج إلينا .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 6 ) فقط .
الحجرات : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله : ( يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبإٍ ( وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعث الوليد بن
عقبة بن أبي معيط الأموي إلى بني المصطلق ، وهم حي من خزاعة ، ليقبض صدقة
أموالهم ، فلما بلغهم ذلك فرحوا واجتمعوا ليتلقوه ، فبلغ الوليد ذلك فخافهم على نفسه ،
وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية من أجل شئ كانوا أصابوه ، فرجع إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،(3/259)
صفحة رقم 260
فقال طردوني ومنعوني الصدقة ، وكفروا بعد إسلامهم ، فلما قال ذلك انتدب المسلمون
لقتالهم .
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
إلا حتى أعلم العلم ' ، فلما بلغهم أن الوليد رجع من عندهم ، بعثوا
وفداً من وجوههم فقدموا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة ، فقالوا : يا رسول الله ، إنك أرسلت إلينا
من يأخذ صدقاتنا فسررنا بذلك ، وأردنا أن نتلقاه ، فذكر لنا أنه رجع من بعض الطريق
فخفنا أنه إنما رده غضب علينا ، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله ، والله ما رأيناه
ولا أتانا ، ولكن حمله على ذلك شئ كان بيننا وبينه في الجاهلية ، فهو يطلب يدخل
الجاهلية ، فصدقهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
فأنزل الله تعالى في الوليد ثلاث آيات متواليات بفسقه وكذبه ) يأيها الذين ءامنوا إن
جاءكم فاسقٌ بنبإٍ ( يقول : إن جاءكم كاذب بحديث كذب ) فتبينوا أن تصيبوا ( قتل
) قوما بجهالة ( وأنتم جهال بأمرهم ، يعني بني المصطلق ) فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ( يعني الذين انتدبوا لقتال بني المصطلق [ آية : 6 ] .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 7 ) فقط .
الحجرات : ( 7 ) واعلموا أن فيكم . . . . .
) واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم ( يقول : لو أطاعكم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين انتدبتم
لقتالهم ) في كثير من الأمر لعنتم ( يعني لأثمتم في دينكم .
ثم ذكرهم النعم ، فقال : ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان ( يعني التصديق ) وزينه في قلوبكم ( للثواب الذي وعدكم ) وكره إليكم الكفر والفسوق ( يعني الإثم
) والعصيان ( يعني بغض إليكم المعاصي للعقاب الذي وعد أهله فمن عمل بذلك منكم
وترك ما نهاه عنه ) أؤلئك هم الراشدون ) [ آية : 7 ] يعني المهتدين .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 8 ) فقط .
الحجرات : ( 8 ) فضلا من الله . . . . .
) فضلا من الله ونعمة ( يقول : الإيمان الذي حببه إليكم فضلاً من الله ونعمة ، يعني
رحمة ) والله عليم ( بخلقه ) حكيم ) [ آية : 8 ] في أمره .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 9 ) فقط .(3/260)
صفحة رقم 261
الحجرات : ( 9 ) وإن طائفتان من . . . . .
قوله : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقف على حمار لع
يقال له : يعفور ، فبال الحمار ، فقال عبد الله بن أبي للنبي : خل للناس مسيل الريح من
نتن هذا الحمار ، ثم قال : أف وأمسك بأنفه ، فشق على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ، فانصرف النبي
( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال عبد الله بن أبي رواحة : ألا أراك أمسكت على أنفك من بول حماره ، والله لهو
أطيب ريح عرض منك ، فلجا في القول فاجتمع قوم ضرب النعال والأيدي والسعف ،
فرجع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إليهم فأصلح بينهم ، فأنزل الله تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( يعني الأوس والخزرج اقتتلوا . ) فأصلحوا بينهما ( بكتاب الله عز وجل ، فإن
كره بعضهم الصلح .
قال الله : ( فإن بغت إحداهما على الأخرى ( ولم ترجع إلى الصلح ) فقاتلوا التي تبغي (
بالسيف ، يعني التي لم ترجع ) حتى تفئ إلى أمر الله ( يعني حتى ترجع إلى الصلح
الذي أمره ) فإن فاءت ( يعني فإن رجعت إلى الصلح ) فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا ( يعني وأعدلوا ) إن الله يحب المقسطين ) [ آية : 9 ] يعني الذين يعدلون بين
الناس .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 10 ) فقط .
الحجرات : ( 10 ) إنما المؤمنون إخوة . . . . .
ثم قال : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ( يعني الأوس والخزرج ) واتقوا الله ( ولا تعصوه ، لما كان بينكم ، قوله : ( لعلكم ترحمون ) [ آية : 10 ] يعني لكم ترحموا
فلا تعذبوا لما كان بينكم .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 11 ) فقط .
الحجرات : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله : ( يأيها الذين ءامنوا لا يسخر قومٌ من قومٍ ( يقول : لا يستهزئ من الرجل من أخيه ،
فيقول : إنك ردئ المعيشة ، لئيم الحسب ، وأشباه ذلك مما ينقصه به من أمر ديناه ، ولعله
خير منه عند الله تعالى ، فأما الذين استهزءوا فهم الذين نادوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من وراء
الحجرات ، وقد استهزءوا من الموالي عمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، وبلال المؤذن ،(3/261)
صفحة رقم 262
وخباب بن الأرت ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعامر بن فهيرة ، وغيرهم من الفقراء ، قال :
وإن سالم مولى أبي حذيفة كان معه راية المسلمين يوم اليمامة ، فقالوا له : إنا نخشى
عليك ، فقال سالم : بئس حامل القرآن أنا إذاً ، فقاتل حتى قتل .
ثم قال : ( عسى أن يكونوا خيرا منهم ( عند الله ) ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ( نزلت في عائشة بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، استهزأت من قصر أم سلمة
بنت أبي أمية ، ثم قال : ( ولا تلمزوا أنفسكم ( يقول : لا يطعن بعضكم على بعض ، فإن ذلك معصية ) تنابزوا بالألقاب ( وذلك ان كعب بن مالك الأنصاري كان يكون
على المقسم فكان بينه وبين عبد الله بن الحدرد الأسلمي بعض الكلام ، فقال له : يا
أعرابي ، فقال له عبد الله : يا يهودي ، ثم انطلق عبد الله فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : ' لعلك قلت له : يا يهودي ' ؟ قال : نعم قد قلت له ذلك إذ لقبني أعرابياً ، وأنا
معاجر ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا تدخلا على حتى ينزل الله توبتكما ' ، فأوثقا أنفسهما إلى سارية المسجد إلى جنب المنبر .
فأنزل الله تعالى فيهما : ( ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ( يقول : لا يعير
الرجل أخاه المسلم بالملة التي كان عليها قبل الإسلام ، ولا يسميه بغير أهل دينه فإنه
) بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ( يعني بئس الاسم هذا ، أن يسميه باسم الكفر بعد
الإيمان ، يعني بعد ما تاب وآمن بالله تعالى ) ومن لم يتب ( من قوله ) فأؤلئك هم
الظالمون ) [ آية : 11 ] فلما أنزل الله تعالى توبتهما وبين أمرهما تابا إلى الله تعالى من
قولهما وحلا أنفسهما من الوثائق .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 12 ) فقط .
الحجرات : ( 12 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله : ( يأيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ( يقول :
لا تحققوا الظن ، وذلك أن
الرجل يسمع من أخيه كلاماً لا يريد به سوء ، أو يدخل مدخلاً لا يريد به سواءً فيراه
أخوه المسلم ، أو يسمعه فيظن به سواءً ، فلا بأس ما لم يتكلم به ، فإن تكلم به أثم ، فذلك
قوله : ( إن بعض الظن إثم ( ثم قال : ( ولا تجسسوا ( يعني لا يبحث الرجل عن
عيب أخيه المسلم ، فإن ذلك معصية ) ولا يغتب بعضكم بعضا ( نزلت في فتير ، ويقال :(3/262)
صفحة رقم 263
فهير خادم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وذلك أنه قيل له : إنك وخيم ثقيل بخيل ، والغيبة أن يقول الرجل
المسلم لأخيه ما فيه من العيب ، فإن قال ما ليس فيه فقد بهته .
ثم ضرب للغيبة مثلاً ، فقال : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ( يقول :
إذا غاب عنك المسلم ، فهو حين تذكره بسوء بمنزلة الشئ الميت ،
لأنه لا يسمع بعيبك إياه ، فكذلك الميت لا يسمع ما قلت له ، فذلك قوله : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ( يعني كما كرهتم أكل لحم الميت ،
فأكرهوا الغيبة لإخوانكم ) واتقوا الله ( في الغيبة فلا تغتابوا الناس ) إن الله ثوابٌ (
على من تاب ) رحيم ) [ آية : 12 ] بهم بعد التوبة ، والغيبة أن تقول لأخيك ما فيه من
العيب ، فإن قلت ما ليس فيه فقد بهته ، وإن قلت ما بلغك فهذا الإفك .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 13 ) فقط .
الحجرات : ( 13 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( يعني آدم وحواء نزلت في بلال
المؤذن ، وقالوا :
في سلمان الفارسي ، وفي أربعة نفر من قريش ، في عتاب بن أسيد بن
أبي العيص ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وأبي سفيان بن حرب ، كلهم من
قريش ، وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما فتح مكة أمر بلالاً فصعد ظهر الكعبة وأذن ، وأراد أن
يذل المشركين بذلك ، فلما صعد بلال وأذن . قال عتاب بن أسيد : الحمد لله الذي قبض
أسيد قبل هذا اليوم ، وقال الحارث بن هشام : عجبت لهذا العبد الحبشي أما وجد رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا هذا الغراب الأسود ، وقال سهيل بن عمرو : إن يكره الله شيئاً يغيره ، وقال
أبو سفيان : أما أنا فلا أقول ، فإني لو قلت شيئاً لتشهدن على السماء ولتخبرن عني
الأرض .
فنزل جبريل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره بقولهم ، فدعاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ' كيف ثلت ما
عتاب ' ؟ قال : قلت : الحمد الذي قبض أسيد قبل هذا اليوم ، قال : ' صدقت ' ، ثم قال
للحارث بن هشام : ' كيف قلت ' ؟ قال : عجبت لهذا العبد الحبشي ، وأما وجد رسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) إلا هذا الغراب الأسود ، قال : ' صدقت ' ، ثم قال لسهيل بن عمرو : ' كيف قلت ' ؟
قال : قلت : إن يكره الله شيئاً يغيره ، قال : ' صدقت ' ، ثم قال لأبي سفيان : ' كيف
قلت ' ؟ قال : قلت : أما أنا فلا أقول شيئاً ، فإني لو قلت شيئاً لتشهدن على السماء(3/263)
صفحة رقم 264
والأرض ولتخبرن عني الأرض ، قال : ' صدقت ' ، فأنزل الله تعالى فيهم : ' ) يا أيها الناس (
يعني بلالاً وهؤلاء الأربعة ) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( وعني آدم وحواء
) وجعلنكم شعوباً ( يعني رءوس القبائل ربيعة ومضر وبنو تميم والأزد ) وقبائل ( يعني
الأفخاذ بنو سعد ، وبنو عامر ، وبنو قيس ، ونحوه ) لتعارفوا ( في النسب ، ثم قال : ( إن أكرمكم ( يعني بلالاً ) عند الله أنقاكم إن الله عليمٌ خبيرٌ ) [ آية : 13 ] يعني أن أتقاكم
بلال .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 14 ) فقط .
الحجرات : ( 14 ) قالت الأعراب آمنا . . . . .
) قالت الأعراب ءامناً قل لم تؤمنوا ( نزلت في أعراب جهينة ، ومزينة ، وأسلم ،
وغفار ، وأشجع كانت منازلهم بين مكة والمدينة ، فكانوا إذا مرت بهم سرية من سرايا
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قالوا :
آمنا ليأمنوا على دمائهم وأموالهم ، وكان يومئذٍ من قال : لا إله إلا الله
يأمن على نفسه وماله ، فمر بهم خالد بن الوليد في سرية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا : آمنا ، فلم
يعرض لهم ، ولا لأموالهم ، فلما سار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الحديبية واستنفرهم معه ، فقال بعضهم
لبعض : إن محمداً وأصحابه أكلة رأس لأهل مكة ، وأنهم كلفوا شيئاً لا يرجعون عنه أبداً
فأين تذهبون تقتلون أنفسكم ؟ انتظروا حتى ننظر ما يكون من أمره ، فذلك قوله في
الفتح : ( بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ( إلى آخر الآية
[ الفتح : 12 ] .
فنزلت فيهم : ( قالت الأعراب ءامناً ( يعني صدقنا ، ) قل لم ( يا محمد : ( قل لم (
لم تصدقوا ) تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ( يعني قولوا أقررنا باللسان ، واستسلمنا
لتسلم لنا أموالنا ) ولما يدخل الإيمان ( يعني ولما يدخل التصديق ) في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله ( في قتال أهل اليمامة حيث قال في سورة الفتح : ( ستدعون إلى قوم أولى
بأس شديد ) [ الفتح : 16 ] يعني قتال مسليمة بن حبيب الكذاب ، وقومه بني حنيفة ،
)( وإن تطيعوا الله ورسوله ( إذا دعيتم إلى قتالهم ) لا يلتكم ( يعني لا ينقصكم ) من
أعمالكم شيئاً ( الحسنة يعني جهاد أهل اليمامة حين دعاهم أبو بكر ، رضي الله عنه
) إن الله غفورٌ ( يعني ذو تجاوز لما كان قبل ذلك يوم الحديبية ) رحيمٌ ) [ آية : 14 ]
بهم إذا فعلوا ذلك نظيرها في الفتح .(3/264)
صفحة رقم 265
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 15 ) فقط .
الحجرات : ( 15 ) إنما المؤمنون الذين . . . . .
ثم أخبر عن المؤمنين فنعتهم لقول هؤلاء الأعراب آمناً ، فقال : ( إنما المؤمنون (
المصدقون في إيمانهم ) الذين ءامنوا ( يعني صدقوا ) بالله ( بأنه واحد لا شريك له
) ورسوله ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنه نبي رسول وكتابه حقه ) ثم لم يرتابوا ( يعني لم يشكوا
في دينهم بعد الإيمان ) وجاهدوا ( العدو مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( بأموالهم وأنفسهم ( يعني
باشروا القتال بأنفسهم ) في سبيل الله ( يعني في طاعة الله ) أؤلئك هم
الصادقون ) [ آية : 15 ] في إيمانهم .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 16 ) فقط .
الحجرات : ( 16 ) قل أتعلمون الله . . . . .
) قل ( يا محمد ، لجهينة ، ومزينة ، وأسلم ، وغفار ، وأشجع : ( أتعلمون الله بدينكم ( حين قالوا : آمنا بألسنتهم ، وليس ذلك في قلوبهم ، فأخبرهم أنه يعلم ما في
قلوبهم ، وما في قلوب أهل السماوات ، فقال : ( والله يعلم ( غيب ) ما في السموت (
يعني ما في قلوب أهل السماوات من الملائكة ، فقال : ( وما في الأرض ( يعني ويعلم غيب ما
في قلوب اهل الأرض من التصديق وغيره ) والله بكل شيءٍ ( مما في قلوبهم من
التصديق وغيره ) عليم ) [ آية : 16 ] .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 17 ) فقط .
الحجرات : ( 17 ) يمنون عليك أن . . . . .
) يمنون عليك أن أسلموا ( نزلت في أناس من الأعراب بني أسد بن خزيمة ،
قدموا
على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : جئناك وأتيناك بأهلنا طائعين عفواً على غير قتال ، وتركنا الأموال
والعشائر وكل قبيلة في العرب قاتلوك حتى أسلموا ، فلنا عليك حق ، فاعرف لنا ذلك ،
فنزلت : ( يمنون عليك ( يا محمد ) إن أسلموا ( .
) قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صدقين (
[ آية : 17 ] في إيمانكم .
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 18 ) فقط .(3/265)
صفحة رقم 266
الحجرات : ( 18 ) إن الله يعلم . . . . .
) إن الله يعلم غيب السماوات ( يعني غيب ما في قلوب أهل السماوات من الملائكة
) والأرض ( يعني يعلم ما في قلوب أهل الأرضين من التصديق وغيره ، ) والله بصير بما تعملون ) [ آية : 18 ] من التصديق وغيره .(3/266)
صفحة رقم 267
50
سورة ق
عددها خمس وأربعون آية كوفية
تفسير سورة الحجرات من الآية ( 1 ) فقط .
ق : ( 1 ) ق والقرآن المجيد
) ق والقرءان المجيد ) [ آية : 1 ] وقاف جبل من زمردة خضراء محيط بالعالم ،
فخضرة السماء منه ليس من الخلق شئ على خلقه وتنبت الجبال منه ، وهو وراء الجبال
وعروق الجبال كلها من قاف ، فإذا أراد الله تعالى زلزلة أرض أوحى إلى الملك الذي عنده
أن يحرك عرقاً من الجبل ، فتتحرك الأرض التي يريد وهو أول حبل خلق ، ثم أبو قبيس
بعده ، وهو الجبل الذي الصفا تحته ودون قاف بمسيرة سنة ، جبل تغرب فيه الشمس يقال
له : الحجاب ، فذلك قوله تعالى : ( حتى توارت بالحجاب ) [ ص : 32 ] ، يعني بالجبل ،
وهو من وراء الحجاب ، وله وجه كوجه الإنسان وقلب كقلوب الملائكة في الخشية لله
تعالى ، وهو من وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه ، والحجاب دون قاف
بمسيرة سنة ، وما بينهما ظلمة ، والشمس تغرب من وراء الحجاب
الحجاب في أصل الجبل ، فذلك
قوله : ( ) حتى توارت بالحجاب ( يعني بالجبل ، وذلك قوله في مريم : ( فاتخذت من
دونهم حجاباً ) [ مريم : 17 ] ، يعني جبلاً .
) والقرآن المجيد ( يعني والقرآن الكريم ، فأقسم تعالى بهما .
) بل عجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم فقال الكافرون هذا شئٌ عجيبٌ ( .
ق : ( 2 ) بل عجبوا أن . . . . .
ثم استأنف ) بل عجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم ( يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) فقال الكافرون ( من
أهل مكة ) هذا شئٌ عجيبٌ ) [ آية : 2 ] يعني هكذا الأمر عجيب أن يكون محمد رسولاً ،
وذلك أن كفار مكة كذبوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : ليس من الله .
تفسير سورة ق من الآية ( 2 ) فقط .
ق : ( 3 ) أئذا متنا وكنا . . . . .
وقالوا أيضاً : ( أءنا متنا وكنا تراباً ذلك رجع ( إلى الحياة ) بعيدٌ ) [ آية : 3 ] بأن(3/267)
صفحة رقم 268
البعث غير كائن ، نزلت في أبي بن خلف الجمحي ، وأبي الأشدين واسمه أسيدة بن كلدة ، وهما من بني جمح ، ونبيه ، ومنبه أخوين ابنى الحجاج السهميين ، وكلهم من
قريش ، وقالوا : إن الله لا يحيينا ، وكيف يقدر علينا إذا كنا تراباً وضللنا في الأرض ؟ .
تفسير سورة ق من الآية ( 4 ) فقط .
ق : ( 4 ) قد علمنا ما . . . . .
يقول الله تعالى : ( قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ( يقول : ما أكلت من الموتى من
لحوم ، وعروق ، وعظام بني آدم ، ما خلا العصعص ، ما خلا العصعص ، وتأكل لحوم الأنبياء ، والعروق ، ما
خلا عظامهم مع علمي فيهم ) وعندنا كتاب حفيظ ) [ 4 ] يعني محفوظ من الشياطين ،
يعني اللوح المحفوظ ، قل بل الله يبعثهم .
تفسير سورة ق من الآية ( 5 ) فقط .
ق : ( 5 ) بل كذبوا بالحق . . . . .
ثم استأنف ) بل كذبوا بالحق ( يعني القرآن ) لما جاءهم ) يعني حين جاءهم به
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) فهم في أمرٍ مريجٍ ) [ آية : 5 ] يعني مختلف ملتبس ، ثم وعظ كفار مكة
ليعتبروا .
تفسير سورة ق من الآية ( 6 ) فقط .
ق : ( 6 ) أفلم ينظروا إلى . . . . .
فقال : ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها ) ) بغير عمد ( ( وزيناها (
بالكواكب ) وما لها من فروجٍ ) [ 6 ] يعني من خلل .
تفسير سورة ق من الآية ( 7 ) فقط .
ق : ( 7 ) والأرض مددناها وألقينا . . . . .
) والأرض ( أو لم يروا إلى الأرض كيف ) مددناها ( يعني بسطناها مسيرة خمس
مائة سنة من تحت الكعبة ) وألقينا فيها رواسي ( يعني الجبال وهي سنتة أجبل ، والجبال
كلها من هذه السنة الأجبل ) وأنبتنا فيها ) ) في الأرض ( ( من كل زوجٍ ( يعني من كل
صنف من النبت ) بهيجٍ ) [ آية : 7 ] يعني حسن .
تفسير سورة ق من الآية ( 8 ) فقط .
ق : ( 8 ) تبصرة وذكرى لكل . . . . .
) تبصرةً وذكرى ( يعني هذا الذي ذكر من خلقه جعله تبصرة وتفكرة ) لكل عبدٍ
منيبٍ ) [ آية : 8 ] يعني مخلص القلب بالتوحيد .
تفسير سورة ق من الآية ( 9 ) إلى الآية ( 10 ) .
ق : ( 9 ) ونزلنا من السماء . . . . .
ثم قال : ( ونزلنا من السماء ماءً مباركاً ( يعني المطر فيه البركة حياة كل شئ(3/268)
صفحة رقم 269
) فأنبتنا به ( بالمطر ) جنات ( يعني بساتين ) وحب الحصيد ) [ آية : 9 ] يعني
حين يخرج من سنبلة
ق : ( 10 ) والنخل باسقات لها . . . . .
) و ( أنبتنا الماء ) والنخل باسقات ( يعني النخل الطوال ) لها طلع ( يعني الثمر ) نضيد ) [ آية : 10 ] يعني منضود بعضه على بعض مثل قوله :
( وطلح منضود ) [ الواقعة : 9 ] .
تفسير سورة ق من الآية ( 11 ) فقط .
ق : ( 11 ) رزقا للعباد وأحيينا . . . . .
وجعلنا هذا كله ) رزقا للعباد ( . ثم قال ) وأحيينا به ( بالماء ) بلدة ميتا ( لم
يكن عليها نبت فنبتت الأرض ، ثم قال : ( كذلك الخروج ) [ آية : 11 ] يقول : وهكذا
تخرجون من القبور بالماء ، كما أخرجت النبت من الأرض بالماء ، فهذا كله من صنيعه
ليعرفوا توحيد الرب وقدرته على البعث .
تفسير سورة ق من الآية ( 12 ) فقط .
ق : ( 12 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
) كذبت قبلهم ( قبل أهل مكة ) قوم نوح وأصحاب الرس ( يعني أصحاب البئر اسمها
فلج ، وهي البئر التي قتل فيها حبيب النجار صاحب ياسين ) وثمود ) [ آية : 12 ] .
تفسير سورة ق من الآية ( 13 ) إلى الآية ( 14 ) .
ق : ( 13 - 14 ) وعاد وفرعون وإخوان . . . . .
) وعاد وفرعون وإخوان لوط ) [ آية : 13 ] ) وأصحاب الأيكة ( يعني غيضة الشجر
أكثرها الدوم المقل ، وهم قوم شعيب ، عليه السلام ، ) وقوم تبع ( ابن أبي شراح ، ويقال :
شراحيل الحموي ) كل ( كل هؤلاء ) كذب الرسل فحق وعبدٍ ) [ آية : 14 ] يعني فوجب
عليهم عذابي فعذبتهم فاحذروا يا أهل مكة مثل عذاب الأمم الخالية ، فلا تكذبوا محمداً
( صلى الله عليه وسلم ) ، لما قال كفار مكة : ( ذلك رجع بعيد ) [ ق : 2 ] .
تفسير سورة ق من الآية ( 15 ) فقط .
ق : ( 15 ) أفعيينا بالخلق الأول . . . . .
فأنزل الله تعالى : ( أفعيينا بالخلق الأول ( في أول هذه السورة ، وذلك أن كفار مكة
كذبوا بالبعث ، يقول الله تعالى :
أعجزت عن الخلق حين خلقتهم ، ولم يكونوا شيئاً ،
فكيف أعيى عن بعثهم ، فلم يصدقوا ، فقال الله تعالى بل يبعثهم الله .
ثم استأنف ، فقال : ( بل هم في لبس من خلق جديد ) [ آية : 15 ] يقول في شك من
البعث بعد الموت .(3/269)
صفحة رقم 270
تفسير سورة ق من الآية ( 16 ) فقط .
ق : ( 16 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
ثم قال : ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ( يعني قلبه ) ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) [ آية : 16 ] وهو عرق خالط القلب فعلم الرب تعالى أقرب إلى القلب من
ذلك العرق .
تفسير سورة ق من الآية ( 17 ) فقط .
ق : ( 17 ) إذ يتلقى المتلقيان . . . . .
ثم قال : ( إذ يتلقى المتلقيان ( يعني الملكين يتلقيان عمل ابن آدم ومنطقه ) عن اليمين ( ملك يكتب الحسنات ) وعن الشمال ( ملك ) قعيد ) [ آية : 17 ] يكتب
السيئات فلا يكتب صاحب الشمال إلا بإذن صاحب اليمين ، فإن تكلم ابن آدم بأمر
ليس له ولا عليه اختلفاً في الكتاب ، فإذا اختلفا نوديا من السماء ما لم يكتبه صاحب
السيئات فليكتبه صاحب الحسنات .
تفسير سورة ق من الآية ( 18 ) فقط .
ق : ( 18 ) ما يلفظ من . . . . .
فذلك قوله : ( ما يلفظ ( ابن آدم ) من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ آية : 18 ] يقول :
إلا عنده حافظ قعيد يعني ملكيه .
تفسير سورة ق من الآية ( 19 ) فقط .
ق : ( 19 ) وجاءت سكرة الموت . . . . .
قوله : ( وجاءت سكرة ( يعني غمرة ) الموت بالحق ( يعني أنه حق كائن ) ذلك ما كنت منه تحيد ) [ آية : 19 ] يعني من الموت تحيد ، يعني يفر ابن آدم ، يعني بالفرار
كراهيته للموت .
تفسير سورة ق من الآية ( 20 ) فقط .
ق : ( 20 ) ونفخ في الصور . . . . .
قوله : ( ونفخ في الصور ( يعني النفخة الآخرة ) ذلك يوم الوعيد ) [ آية : 20 ] يعني
بالوعيد العذاب في الآخرة .
تفسير سورة ق من الآية ( 21 ) فقط .
ق : ( 21 ) وجاءت كل نفس . . . . .
) وجاءت ( في الآخرة ) كل نفس ( كافرة ) معها سائق ( يعني ملك يسوقها إلى
محشرها ) وشهيد ) [ 21 ] يعني ملكها هو هو شاهد عليها بعلمها .(3/270)
صفحة رقم 271
تفسير سورة ق من الآية ( 22 ) فقط .
ق : ( 22 ) لقد كنت في . . . . .
) لقد كنت ( يا كافر ) في غفلة من هذا ( اليوم ) فكشفنا عنك غطاءك ( يعني عن
غطاء الآخرة ) فبصرك اليوم حديد ) [ آية : 22 ] يعني يشخص بصره ، ويديم النظر فلا
يطرف حتى يعاين في الآخرة ما كان يكذب به في الدنيا .
تفسير سورة ق من الآية ( 23 ) فقط .
ق : ( 23 ) وقال قرينه هذا . . . . .
) وقال قرينه ( في الآخرة يعني صاحبه وملكه الذي كان يكتب عمله السيئ في دار
الدنيا ) هذا ما لدي عتيد ) [ آية : 23 ] يقول لربه : قد كنت وكلتني في الدنيا ، فهذا
عندي معد حاضر من عمله الخبي قد أتيتك به وبعمله ، نزلت في الوليد بن المغيرة
المخزومي .
تفسير سورة ق من الآية ( 24 ) فقط .
ق : ( 24 ) ألقيا في جهنم . . . . .
يقول الله تعالى : ( ألقيا في جهنم ( يعني الخازن ، وهو في كلام العرب خذاه يخاطب
الواحد مخاطبة الاثنين للواحد ) كل كفار عنيد ) [ آية : 24 ] يعني المعرض عن توحيد
الله تعالى ، وهو الوليد بن المغيرة .
تفسير سورة ق من الآية ( 25 ) إلى الآية ( 26 ) .
ق : ( 25 ) مناع للخير معتد . . . . .
ثم ذكر عمله ، فقال : ( مناع للخير ( يعني منع ابن أخيه وأهله عن الإسلام ، وكان لا
يعطي في حق الله ، ويسر الغشم والظلم ، فهو ) معتد مريب ) [ آية : 25 ] يعني شاكاً في
توحيد الله تعالى ، يعني الوليد ، ثم نعته
ق : ( 26 ) الذي جعل مع . . . . .
) الذي جعل مع الله ءالهاً ءاخر ( في الدنيا
) فألقياه ( يعني الخازن ) في العذاب الشديد ) [ آية : 26 ] يعني عذاب جهنم .
تفسير سورة ق من الآية ( 27 ) إلى الآية ( 30 ) .
ق : ( 27 ) قال قرينه ربنا . . . . .
) قال قرينه ( يعني صاحبه وهو شيطانه الذي كان يزين له الباطل والشر ) ربنا ما أطغيته ( فيما يعتذر إلى ربه يقول : لم يكن لي قوة أن أضله بغير سلطانك ) ولكن كان في
ضليلٍ بعيدٍ ) [ آية : 27 ] يعني شيطانه ولكن كان في الدنيا الوليد بن المغيرة المخزومي(3/271)
صفحة رقم 272
في ضلال بعيد في خسران طويل
ق : ( 28 ) قال لا تختصموا . . . . .
) قال ( الله تعالى لابن آدم وشيطانه الذي أغواه :
( لا تختصموا لدي ( يعني عندي ) وقد قدمت إليكم بالوعيد ) [ آية : 28 ] يقول : قد
أخبرتكم في الدنيا بعذابي في الآخرة .
ق : ( 29 ) ما يبدل القول . . . . .
) ما يبدل القول لدي ( يعني عندي الذي قلت لكم في الدنيا من الوعيد قد قضيت ما
أنا قاض ) وما أنا بظلام للعبيد ) [ آية : 29 ] يقول : لم أعذب على غير ذنب
ق : ( 30 ) يوم نقول لجهنم . . . . .
) يوم نقول ( يقول الرب ) لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ) [ آية : 30 ] فينتقض . قال
مقاتل : قال ابن عباس : وتقول قط قط ، وتقول قد امتلأت ، فليس في مزيد ، تقول : ليس
في سعة ، وفي الجنة سعة ، فيخلق الله لها خلقاً فيسكنون فضاءها .
تفسير سورة ق من الآية ( 31 ) إلى الآية ( 34 ) .
ق : ( 31 ) وأزلفت الجنة للمتقين . . . . .
) وأزلفت الجنة ( يعني قربت الجنة ) للمتقين ( الشرك ) غير بعيد ) [ آية : 31 ]
فينظرون إليها قبل دخولها حين تنصب عن يمين العرش يقول :
ق : ( 32 ) هذا ما توعدون . . . . .
) هذا ( الخير ) ما توعدون لكل أواب ( مطيع ) حفيظ ) [ 32 ] لأمر الله عز وجل ، فقال :
ق : ( 33 ) من خشي الرحمن . . . . .
) من خشي الرحمن بالغيب ( فأطاعه ولم يراه ) وجاء ( في الآخرة ) بقلب منيب ) [ آية : 33 ] يعني بقلب
مخلص
ق : ( 34 ) ادخلوها بسلام ذلك . . . . .
) ادخلوها ( يعني الجنة ) بسلام ( يقول : فسلم الله لهم أمرهم وتجاوز عن
سيئاتهم وشكر لهم اليسير من أعمالهم الصالحة ) ذلك يوم الخلود ) [ آية : 34 ] في الجنة
لا موت فيها ، يعني في الجنة .
تفسير سورة ق من الآية ( 35 ) فقط .
ق : ( 35 ) لهم ما يشاؤون . . . . .
) لهم ما يشاءون ( من الخير ) فيها ( وذلك أن أهل الجنة يزورون ربهم على مقدار
كل يوم جمعة في رمال المسك ، فيقول : سلوني ، فيسألونه الرضا ؟ فيقول : رضاي أحلكم
داري ، وأنيلكم كرامتي ، ثم يقرب إليهم ما لم تره عين ، ولم تسمعه أذن ، ولم يخطر على
قلب بشر ، ثم يقول : سلوني ما شئتم ، فيسألون حتى تنتهي مسألتهم فيعطون على ما
سألوا وفوق ذلك . فذلك قوله : ( لهم ما يشاءون فيها ( ، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم
يسألوا ، ولم يتمنوا ، ولم يخطر على قلب بشر من جنة عدن ، فذلك قوله : ( ولدينا مزيد ) [ آية : 35 ] يعني وعندنا مزيد .
تفسير سورة ق من الآية ( 36 ) فقط .(3/272)
صفحة رقم 273
ق : ( 36 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . .
ثم خوف كفار مكة ، : فقال ) وكم أهلكنا ( بالعذاب ) قبلهم ( يعنى قبل كفار
مكة ) من قرن ( يعنى أمة ) هم أشد منهم ( من أهل مكة ) بطشا ( يعني قوة
) فنقبوا ) يعنى هربوا ) فى البلاد ( ويقال : حولوا فى البلاد ) هل من محيصٍ ) [ آية :
36 ] يقول : هل من فرار .
تفسير سورة ق من الآية ( 37 ) فقط
ق : ( 37 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك ( يعني في هلاكهم في الدنيا ) لذكرى ( يعني لتذكرة ) لمن كان
له قلبٌ ( يعني حياً يعقل الخير ) أو ألقى السمع ( يقول : أن ألقى بأذنيه السمع ) وهو
شهيدٌ ) [ آية : 37 ] يعني وهو شاهد القلب غير غائب .
تفسير سورة ق من الآية ( 39 ) فقط .
ق : ( 38 ) ولقد خلقنا السماوات . . . . .
) ولقد خلقنا السموات والأرض ( وذلك أن اليهود ، قالوا :
إن الله حين فرغ من
خلق السماوات والأرض ، وما بينهما في ستة أيام ، استراح يوم السابع ، وهو يوم
السبت ، فلذلك لا يعلمون يوم السبت شيئاً .
) ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ ( ومقدار كل يوم ألف
سنة من أيامكم هذه ) وما مسنا ( يعني وما أصابنا ) من لغوبٍ ) [ آية : 38 ] يعني
يقول الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) .
تفسير سورة ق من الآية ( 40 ) إلى الآية ( 42 ) .
ق : ( 39 ) فاصبر على ما . . . . .
) فاصبر على ما يقولون ( لقولهم إن الله استراح يوم السابع ) وسبح بحمد ربك (
يقول :
وصل بأمر ربك ) قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) [ آية : 39 ] يقول : صلى
بالغداة والعشي ، يعني صلاة الفجر والظهر والعصر
ق : ( 40 ) ومن الليل فسبحه . . . . .
) ومن اليل فسبحه ( يقول : فصل
المغرب والعشاء ) وأدبار السجود ) [ آية : 40 ] يعني الركعتين بعد صلاة المغرب وقتهما
ما لم يغب الشفق
ق : ( 41 ) واستمع يوم يناد . . . . .
) وأستمع ( يا محمد ) يوم يناد المناد ( فهو إسرافيل وهي النفخة
الآخرة ) من مكانٍ قريبٍ ) [ آية : 41 ] يعني من الأرض نظيرها في سبأ : ( وأخذوا من(3/273)
صفحة رقم 274
مكان قريب ) [ سبأ : 51 ] ، يعني من تحت أرجلهم ، وهو إسرافيل ، عليه السلام ، قائم
على صخرة بيت المقدس ، وهي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً ، فيسمع
الخلائق كلهم فيجتمعون ببيت المقدس ، وهي وسط الأرض ، وهو المكان القريب ، وهو
ق : ( 42 ) يوم يسمعون الصيحة . . . . .
) يوم يسمعون الصيحة بالحق ( يعني نفخة إسرافيل الثانية بالحق ، يعني أنها كائنة ، فذلك
قوله : ( ذلك يوم الخروج ) [ آية : 42 ] من القبور .
تفسير سورة ق من الآية ( 42 ) فقط .
ق : ( 43 ) إنا نحن نحيي . . . . .
) إنا نحن نحيء ) ) الموتى ( ( ونميت ) ) الأحياء ( ( وإلينا المصير ) [ آية : 43 ] يعني
مصير الخلائق إلى الله في الآخرة .
تفسير سورة ق من الآية ( 44 ) فقط .
ق : ( 44 ) يوم تشقق الأرض . . . . .
فقال : ( يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ( إلى الصوت نظيرها في ) سأل سائل (
[ المعارج : 1 ] ) ذلك حشرٌ علينا يسيرٌ ) [ 44 ] يعني جميع الخلائق علينا هين ، وينادي
في القرن ، ويقول لأهل القبور : أيتها العظام البالية ، وأيتها اللحوم المتمزقة ، وأيتها العروق
المنقطعة ، وأيتها الشعور المتفرقة ، اخرجوا لتنفخ فيكم أرواحكم ، وتجازون بأعمالكم
و يديم الملك الصوت . فذلك قوله : ( يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ( من
القبور .
تفسير سورة ق من الآية ( 45 ) فقط .
ق : ( 45 ) نحن أعلم بما . . . . .
) نحن أعلم بما يقولون ( في السر مما يكره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، يعني كفار مكة ) وما أنت
عليهم ( يا محمد ) بجبارٍ ( يعني بمسلط فتقتلهم ) فذكر ( يعني فعظ أهل مكة
) بالقرءان ، يعني بوعيد القرآن ) من يخاف وعيد ) [ آية : 45 ] وعيدي عذابي في
الآخرة ، فيحذر المعاصي .(3/274)
صفحة رقم 275
51
سورة الذاريات
مكية عددها ستون آية كوفي
تفسير سورة الذاريات من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 6 ) .
الذاريات : ( 1 ) والذاريات ذروا
) والذريات ذرواً ) [ آية : 1 ] يعني الرياح ذرت ذروا
الذاريات : ( 2 ) فالحاملات وقرا
) فالحاملت وقراً ) [ آية : 2 ]
) يعني السحاب موقرة من الماء
الذاريات : ( 3 ) فالجاريات يسرا
) فالجاريات يسراً ) [ آية : 3 ] يعني السفن مرت مراً
الذاريات : ( 4 ) فالمقسمات أمرا
) فالمقسمت أمراً ) [ آية : 4 ] يعني أربعة من الملائكة جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ،
وملك الموت ، يقسمون الأمر بين الخلائق ، وهم المدبرات أمراً بأمره في بلاده وعباده ،
فأقسم الله تعالى ، بهؤلاء الآيات
الذاريات : ( 5 ) إنما توعدون لصادق
) إنما توعدون ( يعني إن الذي توعدون من أمر الساعة
) لصادق ) [ آية : 5 ] يعني الحق ) و ( أقسم بهن أيضاً
الذاريات : ( 6 ) وإن الدين لواقع
) وإن الدين لواقعٌ ) [ آية : 6 ]
يعني إن الحساب لكائن .
تفسير سورة الذاريات من الآية ( 7 ) إلى الآية ( 12 ) .
الذاريات : ( 7 ) والسماء ذات الحبك
) و ) ) أقسم ب ( ( والسماء ذات الحبك ) [ آية : 7 ] يعني مثل الطرائق التي تكون في
الرمل من الريح ، ومثل تصيبه الريح ، فيركب بعضه بعضاً .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : قال أبو صالح : ( والسماء ذات الحبك ( الخلق
الحسن
الذاريات : ( 8 ) إنكم لفي قول . . . . .
) إنكم ( يا أهل مكة ) لفي قولٍ ( يعني القرآن ) مختلفٍ ) [ آية : 8 ] شك
يؤمن به بعضكم ويكفر به بعضكم
الذاريات : ( 9 ) يؤفك عنه من . . . . .
) يؤفك عنه من أفك ) [ آية : 9 ] يعني عن الإيمان
بالقرآن ، يعني يصرف عن القرآن من كذب به ، يعني الخراصين ، يقول : الكذابون الذين
يخرصون الكذب .
الذاريات : ( 10 ) قتل الخراصون
) قتل ( يعني لعن ) الخرصون ) [ آية : 10 ] نظيرها في النحل ، وكانوا سبعة عشر(3/275)
صفحة رقم 276
رجلاً ، فقال لهم الوليد بن المغيرة المخزومي :
لينطلق كل أربعة منكم أيام الموسم ،
فليجلسوا على طريق ليصدوا الناس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتخرصهم ، أنهم قالوا للناس ، إنه
ساحر ، ومجنون ، وشاعر ، وكاهن ، وكذاب ، وبقي الوليد بمكة يصدقهم بما يقولون ، ثم
نعتهم ، فقال :
الذاريات : ( 11 ) الذين هم في . . . . .
) الذين هم في غمرة ساهون ) [ آية : 11 ] يعني في غفلة لاهون عن أمر
الله تعالى
الذاريات : ( 12 ) يسألون أيان يوم . . . . .
) يسئلون ( النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) أيان ( يقول : متى ) يوم الدين ) [ آية : 12 ] يعني يوم
الحساب ، فقالوا : يا محمد ، وهم الحراصون متى يكون الذي تعدنا به تكذيباً به ، من أمر
الحساب .
تفسير سورة الطور من الآية ( 13 ) إلى الآية ( 14 ) .
الذاريات : ( 13 ) يوم هم على . . . . .
فأخبر الله عز وجل عن ذلك اليوم ، فقال : ( يوم هم على النار يفتنون ) [ آية : 13 ]
يعني يعذبون ، يحرقون ، كقوله : ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ) [ البروج : 10 ] ،
الذاريات : ( 14 ) ذوقوا فتنتكم هذا . . . . .
وقال لهم خزنتها : ( ذوقوا فتنتكم ( يعني عذابكم ) هذا ( العذاب ) الذي كنتم به تستعجلون ) [ آية : 14 ] في الدنيا استهزاء به وتكذيباً بأنه غير نازل بنا ، لقولهم في الدنيا
للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : متى هذا الوعد الذي تعدنا به .
تفسير سورة الطور من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 16 ) .
الذاريات : ( 15 ) إن المتقين في . . . . .
) إن المتقين في جنات وعيون ) [ آية : 15 ] يعني بساتين وأنهار جارية
الذاريات : ( 16 ) آخذين ما آتاهم . . . . .
) ءاخذين ( في
الآخرة ) ما ءاتتهم ربهم ( يعني ما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة في الجنة ، ثم أثنى
عليهم ، فقال : ( إنهم كانوا قبل ذلك ( الثواب في الدنيا ) محسنين ) [ آية : 16 ] في
أعمالهم .
تفسير سورة الطور من الآية ( 17 ) إلى الآية ( 19 ) .
الذاريات : ( 17 ) كانوا قليلا من . . . . .
ثم قال : إنهم ) كانوا قليلاً من اليل ما يهجعون ) [ آية : 17 ] ما ينامون
الذاريات : ( 18 ) وبالأسحار هم يستغفرون
) وبالأسحار (
يعني آخر الليل ) هم يستغفرون ) [ آية : 18 ] يعني يصلون
الذاريات : ( 19 ) وفي أموالهم حق . . . . .
) وفي أموالهم حق للسائل (
يعني المسكين ) والمحروم ) [ آية : 19 ] الفقير الذي لا سهم له ، ولم يجعل الله للفقراء
سهما في الفئ ولا في الخمس ، فمن سمى الفقير المحروم ، لأن الله حرمهم نصيبهم ، فملما(3/276)
صفحة رقم 277
نزلت براءة بدأ الله بهم ، فقال تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء ) [ التوبة : 60 ] ، فبدأ
بهم ، فنسخت هذه الآية المحروم .
تفسير سورة الذاريات من الآية ( 20 ) إلى الآية ( 22 ) .
الذاريات : ( 20 ) وفي الأرض آيات . . . . .
ثم قال : ( وفي الأرض ءاياتٌ للموقنين ) [ آية : 20 ] يعني ما فيها من الجبال والبحار
والأشجار والثمار والنبت عاماً بعام ، ففي هذا كله آيات يعني عبرة للموقنين بالرب
تعالى لتعرفوا صنعه ، فتوحدوه
الذاريات : ( 21 ) وفي أنفسكم أفلا . . . . .
) وفي ( خلق ) أنفسكم ( حين كنتم نطفة ، ثم علقة ،
ثم مضغة ، ثم عظاماً ، ثم لحماً ، ثم ينفخ فيه الروح ، ففي هذا كله آية ) أفلا ( يعني
أفهلا ) تبصرون ) [ آية : 21 ] قدرة الرب تعالى أن الذي خلقكم قادر على أن يبعثكم
كما خلقكم ، ثم قال :
الذاريات : ( 22 ) وفي السماء رزقكم . . . . .
) وفي السماء رزقكم ( يعني المطر ) وما توعدون ) [ آية : 22 ] في
أمر الساعة .
تفسير سورة الذاريات من الآية ( 23 ) فقط .
الذاريات : ( 23 ) فورب السماء والأرض . . . . .
ثم أقسم الرب تعالى بنفسه : ( فورب السماء والأرض إنه لحق ( يعني لكائن ، يعني أمر
الساعة ) مثل ما أنكم تنطقون ) [ آية : 23 ] يعني تتكلمون .
تفسير سورة الذاريات من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 27 ) .
الذاريات : ( 24 ) هل أتاك حديث . . . . .
) هل أتاك ( يعني قد أتاك يا محمد ) حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) [ آية : 24 ]
يعني جبريل وميكائيل ، وملك آخر أمكرمهم إبراهيم ، وأحسن القيام ، ورأى هيئتهم
حسنة ، وكان لا يقوم على رأس ضيف قبل هؤلاء ، فقام هو وامرأته سارة لخدمتهم ،
فسلمت الملائكة على إبراهيم
الذاريات : ( 25 ) إذ دخلوا عليه . . . . .
) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما ( فرد عليهم إبراهيم ف ) قال(3/277)
صفحة رقم 278
سلمٌ ) ) ثم قال ( ( قومٌ منكرون ) [ آية : 25 ] يقول : أنكرهم إبراهيم ، صلى الله عليه ،
وظن أنهم من الإنس
الذاريات : ( 26 ) فراغ إلى أهله . . . . .
) فراغَ ( يعني فمال ) إلى أهله فجاء ) ) إليهم ( ( بعجلٍ سمينٍ (
[ آية : 26 ]
الذاريات : ( 27 ) فقربه إليهم قال . . . . .
) فقربه إليهم ( وهو مشوي و ) قال ) ) إبراهيم ( ( ألا تأكلون ) [ آية :
27 ] فقالوا : يا إبراهيم ، لا نأكل إلا بالثمن ، قال إبراهيم : كانوا وأعطوا الثمن ، فقالوا :
وما ثمنه ؟ قال : إذا أكلتم فقولوا بسم الله ، وإذا فرغتم ، فقولوا : الحمد لله ، فعجبت الملائكة
لقوله فلما رأى إبراهيم ، عليه السلام ، أيدي الملائكة لا تصل إلى العجل .
الذاريات : ( 28 ) فأوجس منهم خيفة . . . . .
) فأوجس منهم خيفةً ( فخاف وأخذته الرعدة وضحكت امرأته سارة ، وهي قائمة
من رعدة إبراهيم ، وقالت في نفسها : إبراهيم معه أهله ، وولده ، وخدمه وهؤلاء ثلاثة
نفر ، فقال جبريل ، صلى الله عليه ، لسارة : أيتها الصالحة ، إنك ستلدين غلاماً ، فذلك
قوله : ( قالوا لا تخف وبشروه بغلامٍ ( يعني إسحاق ) عليمٍ ) [ آية : 28 ] يعني حليم
الذاريات : ( 29 ) فأقبلت امرأته في . . . . .
) فأقبلت امرأته ) ) سأره ( ( في صرةٍ ( يعني في صيحة ، وقالت : أوه يا عجباه ) فصكت
وجهها ( فضربت بيدها جبينها ، أو خدها تعجباً ) وقالت عجوزٌ ) ) من الكبر ( ( عقيمٌ (
[ آية : 29 ] من الولد
الذاريات : ( 30 ) قالوا كذلك قال . . . . .
) قالوا ( قال جبريل ، صلى الله عليه : ( كذلك ( يعني هكذا
) قال ربك ( ستلدين غلاماً ) إنه هو الحكيم ( حكم أمر الولد في بطن سارة
) العليم ) [ آية : 30 ] بخلقه ، فلما رأى إبراهيم ، عليه السلام ، أنهم الملائكة
الذاريات : ( 31 ) قال فما خطبكم . . . . .
) قال ) ) لهم ( ( فما خطبكم ( يعني ما أمركم ) أيها المرسلون ) [ آية : 31 ]
الذاريات : ( 32 ) قالوا إنا أرسلنا . . . . .
) قالوا (
قال جبريل ، ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) إنا أرسلنا إلى قومٍ مجرمين ) [ آية : 32 ] يعني كفاراً
ظلمة يعنون قوم لوطٍ
الذاريات : ( 33 ) لنرسل عليهم حجارة . . . . .
) لنرسل ( يعني لكي نرسل ) عليهم حجارةً من طينٍ ) [ آية : 33 ]
خلطة الحجارة ، الطين ملزق بالحجر .
الذاريات : ( 34 ) مسومة عند ربك . . . . .
) مسومةً ( يعني معلمة ) عند ربك للمسرفين ) [ آية : 34 ] يعني المشركين والشرك
أسرف الذنوب وأعظمها
الذاريات : ( 35 ) فأخرجنا من كان . . . . .
) فأخرجنا من كان فيها ( يعني في قرية لوط ) من المؤمنين (
[ آية : 35 ] يعني المصدقين بتوحيد الله تعالى
الذاريات : ( 36 ) فما وجدنا فيها . . . . .
) فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين ) [ آية :
36 ] يعني المخلصين فهو لوط وابنتيه ريثا للكبرى زعونا الصغرى
الذاريات : ( 37 ) وتركنا فيها آية . . . . .
) وتركنا فيها ءايةً (
يعني عبرة لمن بعدهم ) للذين يخافون العذاب الأليم ) [ آية : 37 ] يعني الوجيع .
تفسير سورة الطور من الآية ( 28 ) إلى الآية ( 40 ) .(3/278)
صفحة رقم 279
الذاريات : ( 38 ) وفي موسى إذ . . . . .
نظيرها في هود ) وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ) [ آية : 38 ] يعني بحجة
بينةٍ واضحة وهي اليد والعصا
الذاريات : ( 39 ) فتولى بركنه وقال . . . . .
) فتولى بركنه ( يعني فأعرض فرعون عن الحق بميله ، يعني
عن ا لإيمان حين ، قال : ( ما أريكم ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) [ غافر :
29 ] .
) وقال ( فرعون لموسى ، عليه السلام ، هو ) سحرٌ أو مجنونٌ ) [ آية : 39 ]
الذاريات : ( 40 ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم . . . . .
يقول الله
تعالى : ( فأخذنه ( يعني فرعون ) وجنوده فنبذنهم في اليم ( يعني في نهر مصر النيل ،
فأغرقوا أجمعين ، ثم قال لفرعون : ( وهو مليم ) [ آية : 40 ] يعني مذنب يقول استلام
إلى ربه .
تفسير سورة الذاريات من الآية ( 41 ) إلى الآية ( 42 ) .
الذاريات : ( 41 ) وفي عاد إذ . . . . .
) وفي عاد إذ أرسلنا عليهم ( باليمن ) الريح العقيم ) [ آية : 41 ] التي تهلك ولا تلقح
الشجر ولا تثير السحاب ، وهي عذاب على من أرسلت عليه ،
الذاريات : ( 42 ) ما تذر من . . . . .
يقول الله تعالى : ( ما تذر ( تلك الريح ) من شئٍ أنت عليه ( من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم ) إلا جعلته كالرميم ) [ آية : 42 ] يقول : إلا جعلته باليا كالتراب بعد ما كانوا مثل نخل منقعر
صاروا رميماً .
تفسير سورة الذاريات من الآية ( 43 ) إلى الآية ( 45 ) .
الذاريات : ( 43 ) وفي ثمود إذ . . . . .
) وفي ثمود ( آية ) إذ قيل لهم ( قال لهم نبيهم صالح : ( تمتعوا حتى حين ) [ آية :
43 ] يعني إلى آجالكم
الذاريات : ( 44 ) فعتوا عن أمر . . . . .
) فعتوا ( يقول : فعصوا ) عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة (
يعني العذاب ، وهو الموت من صيحة جبريل ، صلى الله عليه ) وهم ينظرون ) [ آية : 44 ]
الذاريات : ( 45 ) فما استطاعوا من . . . . .
) فما استطاعوا من قيام ( يعني أن يقوموا للعذاب حين غشيهم ) وما كانوا منتصرين (
[ آية : 45 ] يعني ممتنعين من العذاب حين أهلكوا .
تفسير سورة الذاريات من الآية ( 46 ) فقط .
الذاريات : ( 46 ) وقوم نوح من . . . . .
) و ( في ) وقوم نوح ( آية ) من قبل ( هؤلاء الذين ذكر ) إنهم كانوا قوما فاسقين ) [ آية : 46 ] يعني عاصين .(3/279)
صفحة رقم 280
تفسير سورة الطور من الآية ( 47 ) إلى الآية ( 49 ) .
الذاريات : ( 47 ) والسماء بنيناها بأيد . . . . .
) و ( في ) والسماء ( آية ) بنيناها بأييدٍ ( يعني بقوة ) وإنا لموسعون ) [ آية : 47 ]
يعني نحن قادرون على أن نوسعها كما نريد ) و ( في
الذاريات : ( 48 ) والأرض فرشناها فنعم . . . . .
) والأرض ( آية ) فرشناها (
مسيرة خمس مائة عام في خمس مائة عام من تحت الكعبة ) فنعم المهادون ) [ آية : 48 ]
يعني الرب تعالى نفسه
الذاريات : ( 49 ) ومن كل شيء . . . . .
) ومن كل شئٍ خلقنا زوجين ( يعني صنفين يعيني الليل والنهار ،
والدنيا والآخرة ، والشمس والقمر ، والبر والبحر ، والشتاء والصيف ، والبرد والحر ،
والسهل والجبل ، والسبخة والعذبة ) لعلكم تذكرون ) [ آية : 49 ] فيما خلق أنه ليس له
عدل ولا مثيل ، فتوحدونه .
تفسير سورة الطور من الآية ( 50 ) إلى الآية ( 53 ) .
الذاريات : ( 50 ) ففروا إلى الله . . . . .
) ففروا إلى الله ( من ذنوبكم ) إني لكم منه نذير مبين ) [ آية : 50 ]
الذاريات : ( 51 ) ولا تجعلوا مع . . . . .
) ولا تجعلوا مع
الله إلهاً ءاخر ( فإن فعلتم ف ) إني لكم منه نذير ( يعني من عذابه ) مبين ) [ آية :
51 ] فردوا عليه إنك ساحر مجنون ، يقول الله تعالى
الذاريات : ( 52 ) كذلك ما أتى . . . . .
) كذلك ( يعني هكذا ) ما أتى الذين من قبلهم ( يعني الأمم الخالية ) من رسول إلا قالوا ( لرسولهم هو ) ساحر أو مجنون (
[ آية : 52 ] كقول كفار مكة لمحمد ^ يقول الله :
الذاريات : ( 53 ) أتواصوا به بل . . . . .
) أتواصلوا به ( يقول : أوصى الأول الآخر ان يقولوا ذلك لرسلهم . ثم قال : ] ) بل هم قومٌ طاغون ) [ آية : 53 ] يعني عاصين .
تفسير سورة الطور من الآية ( 54 ) إلى الآية ( 55 ) .
الذاريات : ( 54 ) فتول عنهم فما . . . . .
) فتول عنهم ( يعني فأعرض عنهم ، فقد بلغت وأعذرت ) فما أنت ( يا محمد
) بملومٍ ) [ آية : 54 ] يقول : فلا تلوم ،
الذاريات : ( 55 ) وذكر فإن الذكرى . . . . .
فحزن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مخافة أن ينزل بهم العذاب ،
فأنزل الله تعالى ) وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) [ آية : 55 ] .
تفسير سورة الطور من الآية ( 56 ) فقط .
الذاريات : ( 56 ) وما خلقت الجن . . . . .
فوعظ كفار مكة بوعيد القرآن ، فقال : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (
[ آية : 56 ] يعني إلا ليوحدون ، وقالوا : إلا ليعرفون يعني ما أمرتهم إلا بالعبادة ، ولو أنهم(3/280)
صفحة رقم 281
خلقوا للعبادة ، ما عصوا طرفة عين .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، عن أبي صالح ، قال :
إلا ليوحدون ، قال أبو صالح :
الأمر يقعصى والخلق لا يعصي .
قال أبو العباس الزيات :
سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلب ، سئل عن هذه الآية : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( قال ليعبدني من عبدني منهم .
تفسير سورة الذاريات من الآية ( 57 ) إلى الآية ( 60 ) .
الذاريات : ( 57 ) ما أريد منهم . . . . .
) ما أريد منهم من رزق ( يقول : لم أسأهم أن يرزقوا أحداً ) وما أريد أن يطعمون (
[ آية : 57 ] يعني أن يرزقون
الذاريات : ( 58 ) إن الله هو . . . . .
) إن الله هو الرزاق ذو القوة ( يعني البطش في هلاكهم
ببدر ) المتين ) [ آية : 58 ] يعني الشديد
الذاريات : ( 59 ) فإن للذين ظلموا . . . . .
) فإن للذين ظلموا ( يعني مشركي مكة
) ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ( يعني نصيباً من العذاب في الدنيا ، مثل نصيب أصحابهم في
الشرك ، يعني الأمم الخالية الذين عذبوا في الدنيا ) فلا يستعجلون ) [ آية : 59 ] العذاب
تدذيباً به
الذاريات : ( 60 ) فويل للذين كفروا . . . . .
) فويل للذين كفروا ( يعني كفار مكة ) من يومهم ( في الآخر ة
) الذي ( فيه ) يوعدون ) [ آية : 60 ] العذاب .(3/281)
صفحة رقم 282
52
سورة الطور
مكية وعددها تسع وأربعون آية كوفى
تفسير سورة الطور من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 6 ) .
الطور : ( 1 ) والطور
قال : لما كذب كفار مكة أقسم الله تعالى ، فقال : ( والطور ) [ آية : 1 ] يعني الجبل
بلغة النبط ، الذي كلم الله عليه موسى ، عليه السلام ، بالأرض المقدسة
الطور : ( 2 ) وكتاب مسطور
) وكتاب مسطور ) [ آية : 2 ] يعني أعمال بني آدم مكتوبة يقول : أعمالهم تخرج إليهم يومئذٍ ، يعني
يوم القيامة
الطور : ( 3 ) في رق منشور
) في رق ( يعني أديم الصحف ) منشور ) [ آية : 3 ]
الطور : ( 4 ) والبيت المعمور
) والبيت المعمور (
[ آية : 4 ] واسمه الصراح ، وهو في السماء الخامسة ، ويقال : في سماء الدنيا حيال الكعبة
في العرض والموضع غير أن طوله كما بين السماء والأرض وعمارته أنه يدخله كل يوم
سبعون ألف ملك يصلون فيه يقال لهم : الجن ، ومنهم كان إبليس ، وهم حي من الملائكة ،
لم يدخلوه قط ، ولا يعودون فيه إلى يوم القيامة ، ثم ينزلون إلى البيت الحرام ، فيطوفون به
ويصلون فيه ، ثم يصعدون إلى السماء ، فلا يهبطون إليه أبداً
الطور : ( 5 ) والسقف المرفوع
) والسقف المرفوع ) [ آية :
5 ] يعني السماء رفع من الأرض مسير خمس مائة عام ، يعني السماوات
الطور : ( 6 ) والبحر المسجور
) والبحر المسجور ) [ آية : 6 ] تحت العرش الممتلئ من الماء يسمى بحر الحيوان يحيى الله به الموتى
فيما بين النفختين .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : قال الهذيل :
سمعت المبارك بن فضالة ، عن
الحسن في قوله : ( والبحر المسجور ( قال : المملوء مثل قوله : ( ثم في النار يسجرون ) [ غافر : 72 ] ، قال : ولم أسمع مقاتل .
تفسير سورة الطور من الآية ( 7 ) إلى الآية ( 10 ) .
الطور : ( 7 ) إن عذاب ربك . . . . .
فأقسم الله تعالى بهؤلاء الآيات ، فقال : ( إن عذاب ربك لواقع ) [ آية : 7 ] بالكفار(3/282)
صفحة رقم 283
الطور : ( 8 ) ما له من . . . . .
) ما له ( يعني العذاب ) من دافع ) [ آية : 8 ] في الآخرة يدفع عنهم ، ثم أخبر متى
يقع بهم العذاب ؟ فقال :
الطور : ( 9 ) يوم تمور السماء . . . . .
) يوم تمور السماء مورا ) [ آية : 9 ] يعني استدارتها وتحريكها
بعضها في بعض من الخوف
الطور : ( 10 ) وتسير الجبال سيرا
) وتسير الجبال سيرا ) [ آية : 10 ] من أمكنتها حتى
تستوي بالأرض كالأديم الممدود .
تفسير سورة الطور من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 14 ) .
الطور : ( 11 ) فويل يومئذ للمكذبين
) فويل يومئذ للمكذبين ) [ آية : 11 ] بالعذاب ، ثم نعتهم ، فقال :
الطور : ( 12 ) الذين هم في . . . . .
) الذين هم في خوض يلعبون ) [ آية : 12 ] يعني في باطل لاهون ، ثم قال : والويل لهم
الطور : ( 13 ) يوم يدعون إلى . . . . .
) يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) [ آية : 13 ] وذلك أن خزنة جهنم بعد الحساب يغلون بأيدي الكفار إلى
أعناقهم ، ثم يجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ، وراء ظهورهم ، ثم يدفعونهم في جهنم دفعاً
على وجوههم ، إذا دنوا منها قالت لهم خزنتها :
الطور : ( 14 ) هذه النار التي . . . . .
) هذه النار التي كنتم بها تكذبون (
[ آية : 14 ] في الدنيا .
تفسير سورة الطور من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 16 ) .
الطور : ( 15 ) أفسحر هذا أم . . . . .
) أفسحر هذا ( العذاب الذي ترون ، فإنكم زعمتم في الدنيا أن الرسل سحرة ) أم أنتم لا تبصرون ) [ آية : 15 ] فلما ألقوا في النار ، قالت لهم الخزنة :
الطور : ( 16 ) اصلوها فاصبروا أو . . . . .
) اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون ) [ آية : 16 ] من الكفر والتكذيب في
الدنيا .
تفسير سورة الطور من الآية ( 17 ) إلى الآية ( 20 ) .
الطور : ( 17 ) إن المتقين في . . . . .
) إن المتقين ( يعني الذين يتقون الشرك ) في جنات ( يعني البساتين ) ونعيم (
[ آية : 17 ]
الطور : ( 18 ) فاكهين بما آتاهم . . . . .
) فاكهين ( يعني معجبين ومن قرأها فاكهين ، يعني ناعمين محبورين ) بما
ءاتاهم ( يعني بما أعطاهم ) ربهم ( في الجنة من الخير والكرامة ) ووقاهم ربهم عذاب الجحيم ) [ آية : 18 ]
الطور : ( 19 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . .
) كلوا واشربوا هنيئاً ( يعني الذي ليس عليهم مشقة ، ولا تبعة
حلالاً لا يحاسبون عليه ) بما كنتم تعملون ) [ آية : 19 ] في الدنيا
الطور : ( 20 ) متكئين على سرر . . . . .
) متكئين على سررٍ(3/283)
صفحة رقم 284
مصفوفةٍ ( يعني مصففة في الخيام ) وزوجناهم بحورٍ عينٍ ) [ آية : 20 ] يعني البيضاء
المنعمة ' عين ' يعني العيناء الحسنة العين .
تفسير سورة الطور من الآية ( 21 ) فقط .
الطور : ( 21 ) والذين آمنوا واتبعتهم . . . . .
ثم قال في التقديم : ( والذين ءامنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمانٍ ( يعني من أدرك العمل من
أولاد بني آدم المؤمنين فعمل خيراً فهم مع آبائهم في الجنة ، ثم قال : ( ألحقنا بهم
ذريتهم ( يعني الصغار الذين لم يبلغوا العمل من أولاد المؤمنين فهم معهم وأوزاجهم في
الدرجة لتقر أعينهم ) وما ألتناهم من عملهم من شئٍ ( يقول : وما نقصنا الآباء إذا كانوا
مع الأبناء من عملهم شيئاً ، ثم قال : ( كل امرئٍ ) ) كافر ( ( بما كسب ( يعني بما عمل
من الشرك ) رهينٌ ) [ آية : 21 ] يعني مرتهن بعمله في النار .
تفسير سورة الطور من الآية ( 22 ) إلى الآية ( 23 ) .
الطور : ( 22 ) وأمددناهم بفاكهة ولحم . . . . .
ثم رجع إلى الذين آمنوا ، فقال : ( وأمددناهم بفاكهةٍ ولحمٍ ) ) لحم طير ( ( مما
يشتهون ) [ آية : 22 ] يعني مما يتخيرون من ألوان الفاكهة ، ومن لحوم الطير
الطور : ( 23 ) يتنازعون فيها كأسا . . . . .
) يتنازعون
فيها ( يعني يتعاطون في الجنة تعطيهم الخدم بأيديهم ري المخدوم من الأشربة ، فهذا
التعاطي ) كأساً ( يعني الخمر ) لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ ) [ آية : 23 ] يعني لا حلف في
شربهم ، ولا مأثم يعني ولا كذب ، كفعل أهل الدنيا إذا شربوا الخمير نظيرها في
الواقعة .
تفسير سورة الطور من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 29 ) .
الطور : ( 24 ) ويطوف عليهم غلمان . . . . .
) ويطوف عليهم غلمانٌ لهم ( لا يكبرون أبداً ) كأنهم لؤلؤٌ مكنونٌ ) [ آية : 24 ](3/284)
صفحة رقم 285
يقول : كأنهم في الحسن والبياض مثل اللؤلؤ المكنون في الصدف لم تمسسه الأيدي ، ولم
تره الأعين ، ولم يخطر على قلب بشر
الطور : ( 25 ) وأقبل بعضهم على . . . . .
) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) [ آية : 25 ]
يقول : إذا زار بعضهم بعضاً في الجنة فيتساءلون بينهم عما كانوا فيه من الشفقة في
الدنيا ، فذلك قوله :
الطور : ( 26 ) قالوا إنا كنا . . . . .
) قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ) [ آية : 26 ] من العذاب
الطور : ( 27 ) فمن الله علينا . . . . .
) فمن الله علينا ( بالمغفرة ) ووقنا عذاب السموم ) [ آية : 27 ] يعني الريح الحارة
في جهنم ، وما فيها من أنواع العذاب
الطور : ( 28 ) إنا كنا من . . . . .
) إنا كنا من قبل ( في الدنيا ) ندعوه (
ندعو الرب ) إنه هو البر ( الصادق في قوله : ( الرحيم ) [ آية : 28 ] بالمؤمنين
الطور : ( 29 ) فذكر فما أنت . . . . .
) فذكر ( يا محمد أهل مكة ) فما أنت بنعمت ربك ( يعني برحمة ربك ، وهو
القرآن ) بكاهن ( يبتدع العلم من غير وحي ) ولا مجنون ) [ آية : 29 ] كما يقول
كفار مكة .
تفسير سورة الطور من الآية ( 20 ) إلى الآية ( 21 ) .
الطور : ( 30 ) أم يقولون شاعر . . . . .
) أم يقولون شاعر نتربص به ( نزلت في عقبة بن أبي معيط ، والحارث بن قيس ، وأبي
جهل بن هشام ، والنضر بن الحارث ، والمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد المناف ، قالوا :
إن محمداً شاعر فنتربص به ) ريب المنون ) [ آية : 30 ] يعني حوادث الموت ، قالوا :
توفى
أبو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عبد الله بن عبد المطلب وهو شاب ، ونحن نرجو من اللات والعزى أن
تميت محمداً شاباً كما مات أبوه ، يعني بريب المنون حوادث الموت ، يقول الله تعالى لنبيه
( صلى الله عليه وسلم ) :
الطور : ( 31 ) قل تربصوا فإني . . . . .
) قل تربصوا ( بمحمد الموت ) فإني معكم من المتربصين ) [ آية : 31 ] بكم
العذاب فقتلهم الله ببدر .
تفسير سورة الطور من الآية ( 32 ) فقط .
الطور : ( 32 ) أم تأمرهم أحلامهم . . . . .
) أم تأمرهم أحلامهم ( يقول : أتأمرهم أحلامهم ) بهذا ( والميم هاهنا صلة بأنه شاعر
مجنون كاهن يقول الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) :
فاستفتهم هل تدلهم أحلامهم وعقولهم على هذا
القول أنه شاعر مجنون كاهن . ) أم هم ( بل هم ) قومٌ طاعون ) [ آية : 32 ] يعني
عاصين .
تفسير سورة الطور من الآية ( 32 ) إلى الآية ( 36 ) .(3/285)
صفحة رقم 286
الطور : ( 33 ) أم يقولون تقوله . . . . .
) أم يقولون ( يعني أيقولون إن محمداً ) تقوله ( تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه
اختلقه ) بل لا يؤمنون ) [ آية : 33 ] يعني لا يصدقون بالقرآن
الطور : ( 34 ) فليأتوا بحديث مثله . . . . .
) فليأتوا بحديث مثله (
يعني من تلقاء أنفسهم مثل هذا القرآن كما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لقولهم إن محمدً تقوله
) إن كانوا صادقين ) [ آية : 34 ] بأن محمداً تقوله
الطور : ( 35 ) أم خلقوا من . . . . .
) أم خلقوا من غير شئٍ ( يقول :
أكانوا خلقوا من غير شئ ) أم هم الخالقون ( آية : 35 ] يعني أم هم خلقوا الخلق
الطور : ( 36 ) أم خلقوا السماوات . . . . .
) أم خلقوا السماوات والأرض ( يعني أخلقوا السماوات والأرض ؟ ثم قال : ( بل (
ذلك خلقهم في الإضمار بل ) لا يوقنون ) [ آية : 36 ] بتوحيد الله الذي خلقهما أنه
واحد لا شريك له .
تفسير سورة الطور من الآية ( 37 ) فقط .
الطور : ( 37 ) أم عندهم خزائن . . . . .
) أم عندهم خزائن ( يعني أعندهم خزائن ) ربك ( يعني أعندهم خزائن ربك
يقول بأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة فيضعونها حيث شاءوا ، يقول : ولكن الله يختار لها
من يشاء من عباده ، لقولهم : ( أأنزل عليه الذكر من بيننا ) [ ص : 8 ] ، فأنزل الله
تعالى : ( أم هم المصيطرون ) [ آية : 37 ] يعني أم هم المسيطرون على الناس فيجبرونهم
على ما شاءوا ويمنعونهم عما شاءوا .
تفسير سورة الطور من الآية ( 28 ) فقط .
الطور : ( 38 ) أم لهم سلم . . . . .
) أم لهم سلم يستمعون فيه ( يعني ألهم سلم إلى السماء يصعدون فيه ، يعني عليه ، مثل
قوله : ( لأصلبنكم في جذوع النخل ( يعني على جذوع النخل ، فيستمعون الوحي
من الله تعالى إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) فليأت مستمعهم ( يعني صاحبهم الذي يستمع الوحي ) بسلطان مبين ) [ آية : 38 ] يعني بحجة بينة بأنه يقدر على أن يسمع الوحي من الله
تعالى .
تفسير سورة الطور من الآية ( 29 ) فقط .
الطور : ( 39 ) أم له البنات . . . . .
) أم له البنت ولكم البنون ) [ آية : 39 ] وذلك أنهم قالوا :
الملائكة بنات الله ، فقال
الله تعال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) في الصافات : ( فاستفتهم ( يعني سلهم ) ألربك البنات ولهم البنون ) [ الصافات : 149 ] .
فسألهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في هذه السورة : ( أم له البنات ولكم البنون ) [ الطور : 39 ] ،(3/286)
صفحة رقم 287
وفي النجم قال : ( ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى ) [ النجم : 21 ، 22 ] .
تفسير سورة الطور من الآية ( 40 ) إلى الآية ( 42 ) .
الطور : ( 40 ) أم تسألهم أجرا . . . . .
) أم تسئلهم أجراًّ ( على الإيمان يعني جزاء ، يعني خراجاً ) فهم من مغرمٍ متقلبون (
[ آية : 40 ] يقول : أنقلهم الغرم فلا يستطيعون الإيمان من أجل الغرم
الطور : ( 41 ) أم عندهم الغيب . . . . .
) أم عندهم (
يقول : أعندهم علم ) الغيب ( بأن الله لا يبعثهم ، وأن ما يقول محمد غير كائن ، ومعهم
بذلك كتاب ) فهم يكتبون ) [ آية : 41 ] ما شاءوا
الطور : ( 42 ) أم يريدون كيدا . . . . .
) أم يريدون ( يقول : أيريدون في دار
الندوة ) كيدا ( يعني مكراً بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) فالذين كفروا ( من أهل مكة ) هم المكيدون ) [ آية : 42 ] يقول : هم الممكور بهم ، فقتلهم الله عز وجل ببدر .
تفسير سورة الطور من الآية ( 42 ) إلى الآية ( 46 ) .
الطور : ( 43 ) أم لهم إله . . . . .
) أم لهم ( يقول : ألهم ) إله غير الله ( يمنعهم من دوننا من مكرنا بهم ، يعني القتل
ببدر فنزه الرب نفسه تعالى من أن يكون معه شريك ، فذلك قوله : ( سبحن الله عما
يشركون ) [ آية : 43 ] معه ، ثم ذكر قسوة قلوبهم ، فقال :
الطور : ( 44 ) وإن يروا كسفا . . . . .
) وإن يروا كسفا من السماء (
يقول : جانباً من السماء ) ساقطا ( عليهم لهلاكهم ) يقولوا ( من تكذيبهم هذا
) سحاب مركوم ) [ آية : 44 ] بعضه على بعض
الطور : ( 45 ) فذرهم حتى يلاقوا . . . . .
) فذرهم ( فخل عنهم يا محمد ) حتى
يلقوا يومهم ( في الآخرة ) الذي فيه يصعقون ) [ آية : 45 ] يعني يعذبون .
الطور : ( 46 ) يوم لا يغني . . . . .
ثم أخبر عن ذلك اليوم ، فقال : ( يوم لا يغني عنهم ( في الآخرة ) كيدهم شيئا (
يعني مكرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) شيئاً من العذاب ) ولا هم ينصرون ) [ آية : 46 ] يعني ولا هم
يمنعون من العذاب ، ثم أوعدهم أيضاً العذاب في الدنيا .
تفسير سورة الطور من الآية ( 47 ) فقط .
الطور : ( 47 ) وإن للذين ظلموا . . . . .
فقال : ( وإن للذين ظلموا ( يعني كفار مكة ) عذابا دون ذلك ( يعني دون عذاب
الآخرة عذاباً في الدنيا القتل ببدر ) ولكن أكرهم لا يعلمون ) [ آية : 47 ] بالعذاب أنه
نازل بهم فكذبوه .(3/287)
صفحة رقم 288
تفسير سورة الطور من الآية ( 48 ) إلى الآية ( 49 ) .
الطور : ( 48 ) واصبر لحكم ربك . . . . .
فقال يعزى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( واصبر لحكم ربك ( يعني لقضاء ربك على تكذيبهم إياك
) فإنك بأعنينا ( يقول : إنك يعين الله تعالى ) وسبح بحمد ربك ( يقول : وصلى بأمر
ربك ) حين تقوم ) [ آية : 48 ] إلى الصلاة المكتوبة
الطور : ( 49 ) ومن الليل فسبحه . . . . .
) ومن اليل فسبحه ( يعني فصل
المغرب والعشاء ) و ( صل ) وإدبار النجوم ) [ 49 ] يعني الركعتين قبل صلاة الغداة
وقتهما بعد طلوع الفجر .
قوله : ( وسبح بحمد ربك ( يقول : اذكره بأمره ، مثل قوله : ( وإن من شئ
إلا يسبح بحمده ) [ الإسراء : 44 ] ، ومثل قوله : ( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده (
[ الإسراء : 52 ] .(3/288)
صفحة رقم 289
53
سورة النجم
تفسير سورة الطور من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 2 ) .
النجم : ( 1 ) والنجم إذا هوى
أقسم الله عز وجل ب : ( والنجم إذا هوى ( يقول : ( ما كذب الفؤاد ما رأى ( ،
وهي أول سورة أعلنها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بمكة ، فلما بلغ آخرها سجد ، وسجد من بحضرته من
مؤمني الإنس والجن والشجر ، وذلك أن كفار مكة قالوا :
إن محمداً يقول هذا القرآن من
تلقاء نفسه ، فأقسم الله بالقرآن فقال : ( والنجم إذا هوى ) [ آية : 1 ] يعني من السماء إلى
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) مثل قوله : ( فلا أقسم بمواقع النجوم [ الواقعة : 75 ] ، وكان القرآن إذا نزل
إنما ينزل نجوماً ثلاث آيات وأربع ونحو ذلك ، والسورة والسورتان ، فأقسم الله بالقرآن ،
فقال :
النجم : ( 2 ) ما ضل صاحبكم . . . . .
) ما ضل صاحبكم ) ) محمد ( ( وما غوى ) [ آية : 2 ] وما تكلم بالباطل .
تفسير سورة النجم من الآية ( 2 ) إلى الآية ( 9 ) .
النجم : ( 3 ) وما ينطق عن . . . . .
) وما ينطق ( محمد هذا القرآن ) عن الهوى ) [ آية : 3 ] من تلقاء نفسه
النجم : ( 4 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو إلا
وحىٌ يوحى ) [ آية : 4 ] إليه يقول : ما هذا القرآن إلا وحى من الله تعالى يأتيه به جبريل ،
( صلى الله عليه وسلم ) ، فذلك قوله :
النجم : ( 5 ) علمه شديد القوى
) علمه شديد القوى ) [ آية : 5 ] يعني القوة في كل شئ ، يعني جبريل ،
ثم قال :
النجم : ( 6 ) ذو مرة فاستوى
) ذو مرةٍ ^ ) يعني جبريل ، عليه السلام ، يقول : ذو قوة ) فاستوى ) [ آية : 6 ]
يعني سوياً حسن الخلق
النجم : ( 7 ) وهو بالأفق الأعلى
) وهو بالأفق الأعلى ) [ آية : 7 ] يعني من قبل المطلع
النجم : ( 8 ) ثم دنا فتدلى
) ثم دنا (
الرب تعالى من محمد ) فتدلى ) [ آية : 8 ] وذلك ليلة أسرى بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى السماء
السابعة
النجم : ( 9 ) فكان قاب قوسين . . . . .
) فكان ) ) منه ( ( قاب قوسين ) 6 يعني قدر ما بين طرفي القوس من قسى العرب
) أو أدنى ) [ آية : 9 ] يعني أدنى أو أقرب من ذلك .
حدثنا عبد الله ، قال :
سمعت أبا العباس يقول : ( قاب قوسين ( ، يعني قدر طول
قوسين من قسى العرب .(3/289)
صفحة رقم 290
تفسير سورة النجم من الآية ( 10 ) إلى الآية ( 15 ) .
النجم : ( 10 ) فأوحى إلى عبده . . . . .
) فأوحى إلى عبده ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ما أوحي ) [ آية : 10 ]
النجم : ( 11 ) ما كذب الفؤاد . . . . .
) ما كذب الفؤاد ما رأى (
[ آية : 11 ] يعني ما كذب قلب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ما رأى بصره من أمر ربه تلك الليلة
النجم : ( 12 ) أفتمارونه على ما . . . . .
) أفتمرونه على ما يرى ) [ آية : 12 ]
النجم : ( 13 ) ولقد رآه نزلة . . . . .
) ولقد رءاه نزلةً أخرى ) [ آية : 13 ] يقول : رأى
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ربه بقلبه مرة أخرى ، رآه
النجم : ( 14 ) عند سدرة المنتهى
) عند سدرة المنتهى ) [ آية : 14 ] أغصانها اللؤلؤ
والياقوت والزبرجد ، وهي شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة العليا .
النجم : ( 15 ) عندها جنة المأوى
) عندها جنة المأوى ) [ آية : 15 ] تأوى إليها أرواح الشهداء أحياء يرزقون ، وإنما
سميت المنتهى لأنها ينتهي إليها علم كل مخلوق ، ولا يعلم ما وراءها أحد إلا الله عز وجل
كل ورقة منها تظل أمة من الأمم على كل ورقة منها ملك يذكر الله عز وجل ، ولو أن
ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض نوراً تحمل لهم الحلل والثمار من
جميع الألوان ، ولو أن رجلاً ركب حقة فطاف على ساقها ، ما بلغ المكان الذي ركب
منه حتى يقتله الهرم ، وهي طوبى التي ذكر الله تعالى في كتابه : طوبى لهم وحسن
مآب ) [ الرعد : 29 ] ينبع من ساق السدرة عينان أحدهم السلسبيل ، والأخرى الكوثر ،
فينفجر من الكوثر أربعة أنهار التي ذكر الله تعالى في سورة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، الماء واللبن
والعسل والخمر .
تفسير سورة النجم من الآية ( 16 ) إلى الآية ( 22 ) .
النجم : ( 16 ) إذ يغشى السدرة . . . . .
ثم قال : ( إذ يغشى السدرة ما يغشى ) [ آية : 16 ]
النجم : ( 17 ) ما زاغ البصر . . . . .
) ما زاغ البصر ( يعني بصر محمد
( صلى الله عليه وسلم ) يعني ما مال ) وما طغى ) [ آية : 17 ] يعني وما ظلم ، لقد صدق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بما رأى
تلك الليلة
النجم : ( 18 ) لقد رأى من . . . . .
) لقد رأى ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) من ءايات ربه الكبرى ) [ آية : 18 ] وذلك
أن النبي
( صلى الله عليه وسلم ) رأى رفرفاً اخضر قد غطى الأفق ، فذلك من آيات ربه الكبرى
النجم : ( 19 ) أفرأيتم اللات والعزى
) أفرءيتم اللات
والعزى ) [ آية : 19 ]
النجم : ( 20 ) ومناة الثالثة الأخرى
) ومنوة الثالثة الأخرى ) [ آية : 20 ] وإنما سميت اللات والعزى
لأنهم أرادوا أن يسموا الله ، فمنعهم الله فصارت اللات وأرادوا أن يسموا العزيز ، فمنعهم(3/290)
صفحة رقم 291
فصارت العزى
النجم : ( 21 ) ألكم الذكر وله . . . . .
) ألكم الذكر وله الأنثى ) [ آية : 21 ] حين قالوا :
إن الملائكة بنات الله
النجم : ( 22 ) تلك إذا قسمة . . . . .
) تلك إذا قسمة ضيزى ) [ آية : 22 ] يعني جائزة عوجاء أن يكون لهم الذكر وله الأنثى .
تفسير سورة النجم من الآية ( 23 ) إلى الآية ( 25 ) .
النجم : ( 23 ) إن هي إلا . . . . .
ثم ذكر آلهتم ، فقال : ( إن هي ( يقول : ما هي ) إلا أسماءٌ سميتموها أنتم وءاباؤكم
ما أنزل الله بها من سلطانٍ ( بأنها آلهة من قوله : ( أم لكم سلطان مبين ) [ الصافات :
156 ] يعني كتاب فيه حجة ، مثل قوله : ( أم أنزلنا عليهم سلطانا ) [ الروم : 35 ] ،
يعني كتاباً لهم فيه حجة ) إن يتبعون إلا الظن ( يقول : ما لهم من علم بأنها آلهة إلا ظناً
ما يستيقنون بأن اللات والعزى ومناة آلهة ) وما تهوى الأنفس ( يعني القلوب ) ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) [ آية : 23 ] يعني القرآن
النجم : ( 24 ) أم للإنسان ما . . . . .
) أم للإنسان ما تمنى ) [ آية : 24 ] بأن
الملائكة تشفع لهم ، وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ سورة النجم ، والليل إذا يغشى ، أعلنهما
بمكة ، فلما بلغ ) أفرأيتم اللات والعزى ومناة ( نعس فألقى الشيطان على لسانه تلك
' الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلا ' عندها الشفاعة ترتجي ، يعني الملائكة ففرح كفار
مكة ورجوا أن يكون للملائكة شفاعة ، فلما بلغ آخرها سجد ، وسجد المؤمنون تصديقاً
لله تعالى وسجد كفار مكة عند ذكر الآلهة غير أن الوليد بن المغيرة ، وكان شيخاً كبيراً ،
فرفع التراب إلى جبهته فسجد عليه ، فقال : يحيا كما تحيا أم أيمن وصواحبتها ، وكانت أم
أيمن خادم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) و أيمن خادم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قتل يوم خيبر .
وقال في الأنعام : ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) [ الأنعام : 12 ] ، لا
شك فيه ) ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى ) [ النجم :
31 ] ، فلما رجوا أن للملائكة شفاعة ، أنزل الله تعالى :
النجم : ( 25 ) فلله الآخرة والأولى
) فلله الآخرة والأولى ) [ آية :
25 ] يعني الدنيا والآخرة .
تفسير سورة النجم من الآية ( 26 ) فقط .
النجم : ( 26 ) وكم من ملك . . . . .
) وكم من ملك في السماوات لا تغني ( يقول : لا تنفع ) شفاعتهم شيئا ( ، ثم
استثنى ، فقال : ( إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ( من بني آدم فيشفع له ، ) ويرضي (
[ آية : 26 ] الله له بالتوحيد .(3/291)
صفحة رقم 292
تفسير سورة النجم من الآية ( 27 ) إلى الآية ( 30 ) .
النجم : ( 27 ) إن الذين لا . . . . .
) أن الذين لا يؤمنون بالآخرة ( يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال
) ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ) [ آية : 27 ] حين زعموا أن الملائكة أناث ، وأنها تشفع
لهم ، يقول الله :
النجم : ( 28 ) وما لهم به . . . . .
) وما لهم به ( بذلك ) من علم ( أنها أناث ) إن يتبعون إلا الظن (
يقول : ما يتبعون إلا الظن وما يستيقنون أنها أناث ) وإن الظن لا يغني من الحق شيئا (
[ آية : 28 ]
النجم : ( 29 ) فأعرض عن من . . . . .
) فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ( يعني عن من أعرض عن الإيمان بالقرآن ) ولم يرد إلا الحياة الدنيا ) [ آية : 29 ]
النجم : ( 30 ) ذلك مبلغهم من . . . . .
) ذلك مبلغهم من العلم ( يعني من مبلغ رأيهم من
العلم أن الملائكة أناث وأنها تشفع لهم ) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ( يعني عن
الهدى من غيره ) وهو أعلم ( من غيره ) بمن اهتدى ) [ آية : 30 ] منكم ، ثم عظم
نفسه بأنه غنى عن عبادتهم والملائكة وغيرهم عبيده وفي ملكه .
تفسير سورة النجم من الآية ( 21 ) فقط .
النجم : ( 31 ) ولله ما في . . . . .
فقال : ( ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزى الذين أسئوا بما عملوا ( في الآخرة
) الذين أسئوا بما عملوا ( من الشرك في الدنيا ، أنه قال في الأنعام ، والنساء :
( ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) [ الأنعام : 12 ، النساء : 87 ] يعني لا شك
في البعث أنه كائن ) ليجزى الذين أسئوا بما عملوا ( من الشرك في الدنيا ) ويجزي الذين أحسنوا ( التوحيد في الدنيا ) بالحسنى ) [ 31 ] وهي الجنة ، ثم نعت المتقين .
تفسير سورة النجم من الآية ( 32 ) فقط .
النجم : ( 32 ) الذين يجتنبون كبائر . . . . .
فقال : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم ( يعني كل ذنب يختم بالنار ) والفواحش ( يعني
كل ذنب فيه حد ) إلا اللمم ( يعني ما بين الحدين .
نزلت في نبهان التمار ، وذلك أنه كان له حانوت يبيع فيه التمر ، فأتته امرأة تريد(3/292)
صفحة رقم 293
تمراً ، فقالت لها : ادخلي الحانوت ، فإن فيه تمراً جيداً ، فلما دخلت رادوها عن نفسها ،
فأبت عليه ، فلما رأت الشر خرجت فوثب إليها ، فضرب عجزها بيده ، فقال : والله ، ما
نلت مني حاجتك ، ولا حفظت غيبة أخيك المسلم .
فذهبت المرأة وندم الرجل ، فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره بصنيعه ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
ويحك يا نبهان ، فلعل زوجها غاز في سبيل الله ' ، فقال : الله ورسوله أعلم ، فقال : ' أما
علمت أن الله يغار للغازي ما لا يغار للمقيم ' ، فلقى أبا بكر ، رضي الله عنه ، فأعلمه ،
فقال : ويحك فلعل زوجها غاز في سبيل الله ، فقال : الله أعلم ، ثم رجع فلقي عمر بن
الخطاب ، رضي الله عنه ، فأخبره ، فقال : ويحك لعل زوجها غاز في سبيل الله ، قال : الله
أعلم ، فصرعه عمر فوطئه ، ثم انطلق به إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : يا رسول الله ، إخواننا غزاة
في سبيل الله تكسر الرماح في صدورهم يخلف هذا ونحوه أهليهم بسوء ، فاضرب عنقه ،
فضحك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ' أرسله يا عمر ' ، فنزلت فيه : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ( يعني ضربه عجزيتها بيده ) إن ربك واسع المغفرة ( لمن تاب .
ثم قال : ( هو أعلم بكم ( من غيره ) إذ أنشأكم من الأرض ( يعني خلقكم من
تراب ) و ( هو أعلم بكم ) وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ( يعني جنين الذي يوكن
في بطن أمه ) فلاتزكوا أنفسكم ( قال : وقال ناس من المسلمين : صلينا وفعلنا فزكوا
أنفسهم ، فقال الله تعالى : ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) [ آية : 32 ] .
تفسير سورة النجم من الآية ( 33 ) إلى الآية ( 42 ) .
النجم : ( 33 ) أفرأيت الذي تولى
) أفرءيت الذي تولي ) [ آية : 33 ] عن الحق يعني الوليد بن المغيرة
النجم : ( 34 ) وأعطى قليلا وأكدى
) وأعطى قليلا (
من الخير بلسانه ) وأكدى ) [ آية : 34 ] يعني قطع
النجم : ( 35 ) أعنده علم الغيب . . . . .
) أعنده علم الغيب ( بأن الله لا يبعثه
) فهو يرى ) [ آية : 35 ] الإقامة على الكفر نظيرها في الطور ، وفي ن : ( أم عندهم الغيب فهم يكتبون ) [ الطور : 41 ، القلم : 47 ] .
النجم : ( 36 ) أم لم ينبأ . . . . .
) أم لم ينبأ ( يعني يحدث ) بما في صحف موسى ) [ آية : 36 ] يعني التوراة كتاب
موسى
النجم : ( 37 ) وإبراهيم الذي وفى
) و ( صحف ) وإبراهيم الذي وفى ) [ آية : 37 ] لله بالبلاغ ، وبلغ قومه ما(3/293)
صفحة رقم 294
النجم : ( 38 ) ألا تزر وازرة . . . . .
أمره الله تعالى ) ألا تزر وازرة وزر أخرى ) [ آية : 38 ] يقول :
لا تحمل نفس خطيئة نفس
أخرى
النجم : ( 39 ) وأن ليس للإنسان . . . . .
) وأن ليس للإنسان ( في الآخرة ) إلا ما سعى ) [ آية : 39 ] يعني إلا ما عمل في
الدنيا
النجم : ( 40 ) وأن سعيه سوف . . . . .
) وأن سعيه ( يعني عمله في الدنيا ) سوف يرى ) [ آية : 40 ] في الآخرة حين
ينظر إليه
النجم : ( 41 ) ثم يجزاه الجزاء . . . . .
) ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) [ آية : 41 ] يوفيه جزاء عمله في الدنيا كاملاً ، ثم
أخبر عن هذا الإنسان الذي قال له ، فقال :
النجم : ( 42 ) وأن إلى ربك . . . . .
) وأن إلى ربك المنتهى ) [ آية : 42 ] ينتهي
إليه بعمله .
تفسير سورة النجم من الآية ( 42 ) إلى الآية ( 54 ) .
ثم أخبره عن صنعه ، فقال :
النجم : ( 43 ) وأنه هو أضحك . . . . .
) وأنه هو أضحك وأبكى ) [ آية : 43 ] يقول :
أضحك
واحداً وأبكى آخر ، وأيضاً أضحك أهل الجنة ، وأبكى أهل النار
النجم : ( 44 ) وأنه هو أمات . . . . .
) وأنه هو أمات (
الأحياء ) وأحيا ) [ آية : 44 ] الموتى
النجم : ( 45 ) وأنه خلق الزوجين . . . . .
) وأنه خلق الزوجين ( الرجل والمراة كل واحد
منهما زوج الآخر ) الذكر والأنثى ) [ آية : 45 ] خلقهما .
النجم : ( 46 ) من نطفة إذا . . . . .
) من نطفة إذا تمنى ) [ آية : 46 ]
يعني إذا تدفق المنى
النجم : ( 47 ) وأن عليه النشأة . . . . .
) وأن عليه النشأة الأخرى ) [ آية : 47 ] يعني الخلق الآخر يعني البعث
في الآخرة بعد الموت
النجم : ( 48 ) وأنه هو أغنى . . . . .
) وأنه هو أغنى وأقنى ) [ آية : 48 ] يقول : مول وأرضى هذا الإنسان
بما أعطى .
النجم : ( 49 ) وأنه هو رب . . . . .
ثم قال : ( وأنه هو رب الشعرى ) [ آية : 49 ] قال مقاتل :
الشعرى اليمانية النيرة
الجنوبية كوكب مضئ ، وهي التي تتبع الجوزاء ، ويقال : لها المزن والعبور ، كان أناس من
الأعراب من خزاعة ، وغسان ، وغطفان ، يعبدونها ، وهي الكوكب الذي يطلع بعد الجوزاء ، قال الله تعالى أنا ربها فاعبدوني
النجم : ( 50 ) وأنه أهلك عادا . . . . .
) وأنه أهلك عادا الأولى ) [ آية : 50 ] بالعذاب ،
وذلك أن أهل عاد وثمود ، وأهل السواد ، وأهل الموصل ، وأهل العال كلها من ولد إرم بن
سام بن نوح ، عليه السلام ، فمن ثم قال : ( أهلك عادا الأولى ( يعني قوم هود بالعذاب .
النجم : ( 51 ) وثمود فما أبقى
) و ( أهلك ) وثموداً ( بالعذاب ) فما أبقى ) [ آية : 51 ] منهم أحد ) و (
أهلك
النجم : ( 52 ) وقوم نوح من . . . . .
) وقوم نوح ( بالغرق ) من قبل ( هلاك عاد وثمود ) إنهم كانوا هم أظلم وأطغى (
[ آية : 52 ] من عاد وثمود ، وذلك أن نوحاً دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً فلم(3/294)
صفحة رقم 295
يجيبوه ، حتى إن الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه فينطلق به إلى نوح ، عليه السلام ، فيقول
له : احذر هذا ، فإنه كذاب فإن أبي قد مشى بي إلى هذا وأنا مثلك ، فحذرني منه ،
فأحذره ، فيموت الكبير على الكفر ، وينشؤ الصغير على وصية أبيه ، فنشأ قرن بعد قرن
على الكفر ، هم كانوا أظلم وأطغى ، فبقي من نسلهم ، بعد عاد أهل السواد ، وأهل الجزيرة ، وأهل العال ، فمن ثم قال : ( عادا الأولى ( .
النجم : ( 53 ) والمؤتفكة أهوى
ثم قال : ( و ( أهلك ) والمؤتفكة ( يعني الكذبة ) أهوى ) [ آية : 53 ] يعني
قرى قوم لوط ، وذلك أن جبريل ، عليه السلام ، أدخل جناحه فرفعها إلى السماء حتى
سمعت ملائكة سماء الدنيا أصوات الديكة ، ونباح الكلاب ، ثم فلبها فهوت من السماء
إلى الأرض مقلوبة ، قال :
النجم : ( 54 ) فغشاها ما غشى
) فغشاها ما غشى ) 6 [ آية : 54 ] يعني الحجارة التي غشاها من
كان خارجاً من القرية ، أو كان في زرعه ، أو في ضرعه .
تفسير سورة النجم من الآية ( 55 ) إلى الآية ( 56 ) .
النجم : ( 55 ) فبأي آلاء ربك . . . . .
ثم قال : ( فبأي ءالاء ربك ( يعني بأي نعمة ربك ) تتمارى ) [ آية : 55 ] يعني يشك
فيها ابن آدم
النجم : ( 56 ) هذا نذير من . . . . .
) هذا نذيرٌ من النذر الأولى ) [ آية : 56 ] فيها تقديم ، يقول : هذا الذي أخبر
عن هلاك الأمم الخالية ، يعني قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، يخوف كفار مكة
ليحذروا معصيته .
تفسير سورة النجم من الآية ( 57 ) وإلى الآية ( 58 ) .
النجم : ( 57 ) أزفت الآزفة
) أزفت الأزفة ) [ آية : 57 ] يعني اقتربت الساعة
النجم : ( 58 ) ليس لها من . . . . .
) ليس لها من دون الله كاشفةٌ ) [ آية 58 : ] يقول : لا يكشفها أحد إلا الله ، يعني الساعة لا يكشفها أحد من الآلهة إلا الله تعالى الذي يكشفها . تفسير من آية ( 59 ) إلى آية ( 62
النجم : ( 59 ) أفمن هذا الحديث . . . . .
) أفمن هذا الحديث ( يعني القرآن ) تعجبون ) [ آية : 59 ] تكذيبا به
النجم : ( 60 ) وتضحكون ولا تبكون
) وتضحكون (
استهزاء ) ولا تبكون ) [ آية : 60 ] يعني كفار مكة مما فيه من الوعيد
النجم : ( 61 ) وأنتم سامدون
) وأنتم سامدون (
[ آية : 61 ] يعني لاهون عن القرآن ، بلغة اليمن
النجم : ( 62 ) فاسجدوا لله واعبدوا
) فاسجدوا لله ( يعني صلوا الصلوات
الخمس ) واعبدوا ) [ آية : 62 ] يعني وحدوا الرب تعالى .(3/295)
صفحة رقم 296
54
سورة القمر
سورة القمر مكية ، عددها خمس وخمسون آية
تفسير سورة القمر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 6 ) .
القمر : ( 1 ) اقتربت الساعة وانشق . . . . .
) اقتربت الساعة ( يعني القيامة ، ومن علامة ذلك ،
خروج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، والدخان ،
وانشقاق القمر ، وذلك أن كفار مكة سألوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يريهم آية فانشق القمر نصفين ،
فقالوا : هذا عمل السحرة ، يقول الله تعالى : ( وانشق القمر ) [ آية : 1 ]
القمر : ( 2 ) وإن يروا آية . . . . .
) وإن يروا
ءايةً ( يعني انشقاق القمر ) يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ) [ آية : 2 ] يعني سحر ذاهب ،
فاستمر ، ثم التأم القمر بعد ذلك ، يقول الله تعالى :
القمر : ( 3 ) وكذبوا واتبعوا أهواءهم . . . . .
) وكذبوا ( بالآية يعني بالقمر أنه
ليس من الله تعالى ) واتبعوا أهواءهم وكل أمر ( هذا وعيد ) مستقر ) [ آية : 3 ]
يعني لكل حديث منتهى وحقيقة ، يعني العذاب في الدنيا القتل ببدر ، ومنه في الآخرة
عذاب النار
القمر : ( 4 ) ولقد جاءهم من . . . . .
) ولقد جاءهم من الأنباء ( يعني جاء أهل مكة من حديث القرآن ) ما فيه مزدجر ) [ آية : 4 ] يعني موعظة لهم ، وهو النهي عن المعاصي جاءهم
القمر : ( 5 ) حكمة بالغة فما . . . . .
) حكمة بالغة ( يعني القرآن نظيرها في يونس : ( و ما تغني الآيات والنذر عن
قوم لا يؤمنون ) [ يونس : 101 ] ، يقول : أرسلت إليهم وأنذرتهم فكفروا بما جاءهم من
البيان ) فما تغن النذر ) [ آية : 5 ]
القمر : ( 6 ) فتول عنهم يوم . . . . .
) فتول عنهم ( يعني فأعرض عن كفار مكة إلى
) يوم يدع الداع ( وهو إسرافيل ينفخ الثانية قائماً على صخرة بيت المقدس ) إلى شئٍ
نكرٍ ) [ آية : 6 ] يعني إلى أمر فظيع .
تفسير سورة القمر من الآية ( 7 ) إلى الآية ( 9 ) .(3/296)
صفحة رقم 297
القمر : ( 7 ) خشعا أبصارهم يخرجون . . . . .
) خشعا ( يعني ذليلة خافضة ) أبصارهم ( عند معاينة النار ) يخرجون من الأحداث (
يعني القبور ) كأنهم جراد منتشر ) [ آية : 7 ] حين انتشر من معدنه فشبه الناس بالجراد إذا
خرجوا من قبورهم
القمر : ( 8 ) مهطعين إلى الداع . . . . .
) مهطعين إلى الداع ( يعني مقبلين سراعاً إذا خرجوا من القبور إلى
صوت إسرافيل القائم على الصخرة التي ببيت المقدس ، فيهون على المؤمنين الحشر ،
كأدنى صلاتهم ، والكفار يكبون على وجوههم ، فلا يقومون مقاماً ، ولا يخرجون مخرجاً
إلا عسر عليهم في كل موطن شدة ومشقة ، فذلك قوله : ( يقول الكافرون هذا يوم عسر (
[ آية : 8 ]
القمر : ( 9 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
) كذبت قبلهم ( قبل أهل مكة ) قوم نوح فكذبوا عبدنا ( نوحاً ) وقالوا (
لنوح : ( مجنونٌ وازدحر ) [ آية : 9 ] يعني استطار القلب من وأوعدوه بالقتل وضربوه .
تفسير سورة القمر من الآية ( 10 ) إلى الآية ( 14 ) .
القمر : ( 10 ) فدعا ربه أني . . . . .
) فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ) [ آية : 10 ] بعدما كان يضرب في كل يوم مرتين حتى
يغشى عليه ، فإذا أفاق قال :
اللهم اهذ قومي فإنهم لا يعلمون . قال أبو محمد : قال أبو
العباس : ( وازدجر ( دفع عما أراد منهم .
القمر : ( 11 ) ففتحنا أبواب السماء . . . . .
فأجابه الله تعالى : ( ففتحنا أبواب السماء ( أربعين يوماً ) بماء منهمر ) [ آية : 11 ] يعني
منصب كثير
القمر : ( 12 ) وفجرنا الأرض عيونا . . . . .
) وفجرنا الأرض ( أربعين يوماً ) عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ) [ آية :
12 ] وذلك أن ماء السماء وماء الأرض قدر الله تعالى كليهما ، فكانا سواء لم يزاد ماء
السماء على ماء الأرض ، وكان ماء السماء بارداً مثل الثلج ، وماء الأرض حاراً مثل
الحميم ، فذلك قوله : ( على أمر قد قدر ( لأن الماء ارتفع فوق كل جبل ثلاثين يوماً ،
ويقال : أربعين ذراعاً ، فكان الماء الذي على الأرض ، والذي على رءوس الجبال فابتلعت
الأرض ماءها ، وبقي ماء السماء أربعين يوماً ، لم تشربه الأرض ، فهذه البحور التي على
الأرض منها .
القمر : ( 13 ) وحملناه على ذات . . . . .
) وحملناه ( نوحاً ) على ذات ألواح ( يعني ألواح السفينة ، وهي من ساج ، ثم قال :
( ودسر ) [ آية : 13 ] يعني مسامير من حديد تشد به السفينة ، كان بابها في عرضها
القمر : ( 14 ) تجري بأعيننا جزاء . . . . .
) تجري بأعيننا ( يقول : تجري السفينة في الماء بعين الماء بعين الله تعال ، فأغرق الله قوم نوح ، فذلك
الغرق ) جزاء لمن كان كفر ) [ آية : 14 ] يعني نوحاً المكفور به .(3/297)
صفحة رقم 298
تفسير سورة القمر من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 18 ) .
القمر : ( 15 ) ولقد تركناها آية . . . . .
) ولقد تركناها ءايةً ( يعني السفينة كانت عبرة وآية لمن بعدهم من الناس ، نظيرها في
الحاقة ، وفي الصافات ، وفي العنكبوت .
) فهل من مذكرٍ ) [ آية : 15 ي يقول :
هل من يتذكر ؟ فيعلم أن ذلك الحق فيعتبر
ويخاف عقوبة الله تعالى
القمر : ( 16 ) فكيف كان عذابي . . . . .
) فكيف كان عذابي ونذر ) [ آية : 16 ]
القمر : ( 17 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . .
) ولقد يسرنا ( يقول :
هوناً ) القرءان للذكر ( يعني ليتذكروا فيه ) فهل من مذكرٍ ) [ آية : 17 ] يعني فيتذكر
فيه ولو أن الله تعالى يسر القرآن للذكر ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله تعالى ، ولكن
الله تعالى يسره على خلقه فيقرءونه على كل حال
القمر : ( 18 ) كذبت عاد فكيف . . . . .
) كذبت عاد ( هوداً بالعذاب
) فكيف كان عذابي ونذر ) [ آية : 18 ] يقول : الذي أنذر قومه ألم يجدوه حقاً ؟ .
تفسير سورة القمر من الآية ( 19 ) إلى الآية ( 20 ) .
القمر : ( 19 ) إنا أرسلنا عليهم . . . . .
ثم أخبر عن عذابهم ، فقال : ( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ( يعني باردة شديدة ) في يوم نحس ( يعني شديد ) مستمر ) [ آية : 19 ] يقول :
استمرت عليهم الريح لا تفتر عنهم
سبع ليال ، وثمانية أيام حسوماً دائمة
القمر : ( 20 ) تنزع الناس كأنهم . . . . .
) تنزع ( الريح أرواح ) الناس ( من أجسادهم فتصرعهم ، ثم شبههم ، فقال : ( كأنهم أعجار نخلٍ ( يعني أصول النخل ) منقعر ) [ آية :
20 ] يقول : انعقرت النخلة من أصلها ، فوقعت وهو المنقطع .
فشبههم حين وقعوا من شدة العذاب بالنخيل الساقطة التي ليست لها رءوس وشبههم
بالنخيل لطولهم ، كان طول كل رجل منهم اثني عشر ذراعاً .
تفسير سورة القمر من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 27 ) .
القمر : ( 21 - 23 ) فكيف كان عذابي . . . . .
) فكيف كان عذابي ونذير ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكرٍ كذبت ثمود
بالنذر ) [ آية : 23 ] يعني بالرسل
القمر : ( 24 ) فقالوا أبشرا منا . . . . .
) فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه ( يعنون صالحاً ) إنا إذا(3/298)
صفحة رقم 299
لفي ضلالٍ وسعرٍ ) [ آية : 24 ] يعني لفي شفاء وعناء إن تبعنا صالحاً
القمر : ( 25 ) أؤلقي الذكر عليه . . . . .
) أءلقي الذكر عليه (
يعني أنزل عليه الوحي ) من بيننا ( يعنون صالحاً ، صلى الله عليه ، ونحن أفضل منه عند
الله منزلة ، فقالوا : ( بل هو كذابٌ أشرٌ ) [ آية : 25 ] يعني بطر مرح ، قال صالح :
القمر : ( 26 ) سيعلمون غدا من . . . . .
) سيعلمون غداً ( عند نزول العذاب ) من الكذاب الأشر ) [ آية : 26 ] فهذا وعيد أنا
أم أنتم
القمر : ( 27 ) إنا مرسلو الناقة . . . . .
) إنا مرسلوا الناقة فتنةً لهم ( لنبتليهم بها ) فارتقبهم ( يعني انتظروهم ، فإن
العذاب نازل بهم ) واصطبر ) [ آية : 27 ] على الأذى .
تفسير سورة القمر من الآية ( 28 ) إلى الآية ( 33 ) .
القمر : ( 28 ) ونبئهم أن الماء . . . . .
) ونبئهم أن الماء قسمةٌ ( يوم للناقة ويمو لأهل القرية ) بينهم كل شربٍ محتضرٌ ) [ آية :
28 ] يعني اليوم والناقة ، يقول :
إذا كان يوم الناقة حضرت شربها ، وإذا كان يومهم
حضروا شربهم
القمر : ( 29 ) فنادوا صاحبهم فتعاطى . . . . .
) فنادوا صاحبهم ( بعدما كانوا منعوا الماء وكان القوم على شراب لهم
ففنى الماء ، فبعثوا رجلاً ليأتيهم الماء ليمزجوا به الخمر ، فوجدوا الناقة على الماء ، فرجع ،
وأخبر أصحابه ، فقالوا لقدار بن سالف : اعقروها ، وكانوا ثمانية فأخذ قدار السيف
فعقرها ، وهو عاقر الناقة .
فذلك قوله : ( فتعاطى فعقر ) [ آية : 29 ] فتناول الناقة بالسيف فعقرها
القمر : ( 30 ) فكيف كان عذابي . . . . .
) فكيف كان
عذابي ونذرٍ ) [ آية : 30 ] يعني الذي أنذر قومه ألم يجدوه ؟ حقاً ، فلما أيقن بالهلاك تكفنوا
بالأنطاع وتطيبوا بالمر ، ثم دخلوا حفرهم صبيحة يوم الرابع ، ثم أخبر عن عذابهم .
القمر : ( 31 ) إنا أرسلنا عليهم . . . . .
فقال : ( إنا أرسلنا عليهم صيحةً واحدةً ( من جبريل ، عليه السلام ، وذلك أنه قام في
ناحية القرية فصاح صيحة فخمدوا أجمعين ) فكانوا كهشيمٍ المحتظر ) [ آية : 31 ] شبههم
في الهلاك بالهشيم البالي ، يعني الحظيرة من القصب ونحوها تحظر على الغنم ، أصابها ماء
السماء ، وحر الشمس ، حتى بليت من طول الزمان ، قال أبو محمد : قال أبو العباس أحمد
بن يحيى : الهشيم النبت الذي أتى عليه حر الشمس ، وطول المدة ، فإذا مسسته لم تجده
شيئاً .
القمر : ( 32 - 33 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . .
) ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مذكرٍ كذبت قوم لوطٍ بالنذر ) [ آية : 33 ] يعني
بالرسل .(3/299)
صفحة رقم 300
تفسير سورة القمر من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 25 ) .
القمر : ( 34 ) إنا أرسلنا عليهم . . . . .
ثم أخبر عن عذبهم ، فقال : ( إنا أرسلنا عليهم حاصبا ( يعني الحجارة من فوقهم ، ثم
استثنى فقال : ( إلا ءال لوطٍ ( ابنته ريثا وزعونا ) نجيناهم ( من العذاب ) بسحر (
[ آية : 34 ] يعني بقطع من آخر الليل ، وكان ذلك
القمر : ( 35 ) نعمة من عندنا . . . . .
) نعمة من عندنا ( على آل لوط حين
أنجى الله تعالى آل لوط ) كذلك ( يعني هكذا ) نجزي ( بالنجاة ) من شكر ) [ آية :
35 ] يعني من وحد الله تعالى ، وصدق بما جاءت به الرسل لم يعذب مع المشركين في
الدنيا ، كقوله : ( وسيجزي الله الشاكرين ) [ آل عمران : 144 ] يعني الموحدين .
تفسير سورة القمر من الآية ( 36 ) إلى الآية ( 39 ) .
القمر : ( 36 ) ولقد أنذرهم بطشتنا . . . . .
ثم قال : ( ولقد أنذرهم ( لوط ) بطشتنا ( يعني العذاب ) فتماروا بالنذر ) [ آية :
36 ] يقول : شكوا في العذاب بأنه غير نازل بهم الدنيا
القمر : ( 37 ) ولقد راودوه عن . . . . .
) ولقد رودوه عن ضيفه (
جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) ومعه ملكان ) فطمسنا أعينهم ) 6 يقول : فحولنا أبصارهم إلى العمى ، وذلك
أنهم كسروا الباب ، ودخلوا على الرسل يريدون منهم ما كانوا يعملون بغيرهم ، فلطمهم
جبريل بجناحيه فذهبت أبصارهم ) فذوقوا عذابي ونذرٍ ) [ آية : 37 ] يقول : هذا الذي
أنذروا ألم يجدوه حقاً ؟
القمر : ( 38 ) ولقد صبحهم بكرة . . . . .
) ولقد صبحهم بكرةً عذابٌ مستقرٌّ ) [ آية : 38 ] يقول : استقر
بهم العذاب بكرة
القمر : ( 39 ) فذوقوا عذابي ونذر
) فذوقوا عذابي ونذرٍ ) [ آية : 39 ] يقول : هذا الذي أنذروا ألم يجدوه
حقاً ؟
تفسير سورة القمر من الآية ( 40 ) إلى الآية ( 42 ) .
القمر : ( 40 - 41 ) ولقد يسرنا القرآن . . . . .
) ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مذكر ولقد جاء ءال فرعون النذر ) [ آية : 41 ] يعني
الرسل موسى وهارون ، عليهما السلام ، يعني بآل فرعون القبط ، وكان فرعون قبطياً
يقول :
القمر : ( 42 ) كذبوا بآياتنا كلها . . . . .
) كذبوا بأياتنا كلها ( يعني بالآيات التسع اليد ، والعصا ، والطمس ، والسنين ،
والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ) فأخذناهم أخذ عزيزٍ ( في انتقامه
) مقتدرٍ ) [ آية : 42 ] على هلاكهم .(3/300)
صفحة رقم 301
تفسير سورة القمر من الآية ( 42 ) إلى الآية ( 45 ) .
القمر : ( 43 ) أكفاركم خير من . . . . .
ثم خوف مفار مكة ، فقال : ( أكفاركم خيرٌ من أؤلئكم ( يعني أكفار أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
خير من كفار الأمم الخالية الذين ذكرهم في هذه السورة ، يقول :
أليس أهلكتهم
بالعذاب بتكذيبهم الرسل ، فلستم خيراً منهم إن كذبتم محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) أن يهلككم بالعذاب
) أم لكم براءة في الزبر ) [ آية : 43 ] يعني في الكتاب يقول : ألكم براءة من العذاب في
الكتاب أنه لن يصبيكم من العذاب ما أصاب الأمم الخالية ؟ فعذبهم الله ببدر بالقتل
القمر : ( 44 ) أم يقولون نحن . . . . .
) أم يقولون نحن جميع منتصر ) [ آية : 44 ] من عدونا يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأصحابه يقول الله تعالى
لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) :
القمر : ( 45 ) سيهزم الجمع ويولون . . . . .
) سيهزم الجمع ( يعني جمع أهل بدر ) ويولون الدبر ) [ آية : 45 ] يعني
الأدبار لا
يلوون على شئ ، وقتل عبد الله بن مسعود أبا جهل بن هشام بسيف أبي
جهل ، وأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : أنه رأى في جسده مثل لهب النار ، قال : ' ذلك ضرب الملائكة ' ،
وأجهز على أبي جهل عوف ومعاذ ابنا عفراء .
تفسير سورة القمر من الآية ( 46 ) إلى الآية ( 51 ) .
القمر : ( 46 ) بل الساعة موعدهم . . . . .
ثم أوعدهم ، فقال : ( بل الساعة ( يعني يوم القيامة ) موعدكم ( بعد القتل
) والساعة ( يعني والقيامة ) أدهى ( يعني أفظع ) وأمر ) [ آية : 46 ] من القتل يقول :
القتل يسير ببدر ، ولكن عذاب جهنم أدهى وأمر عليهم من قتل بدر ، ثم أخبر عنهم ،
فقال :
القمر : ( 47 ) إن المجرمين في . . . . .
) إن المجرمين ( في الدنيا ) في ضلال ( يعني في شقاء ) وسعر ( آية : 47 ]
يعني وعناء ، ثم أخبر بمستقرهم في الآخرة ، فقال :
القمر : ( 48 ) يوم يسحبون في . . . . .
) يوم يسحبون في النار على وجوههم (
بعد العرض تسحبهم الملائكة ، وتقول الخزنة : ( ذوقوا مس سقر ) [ آية : 48 ] يعني عذاب
سقر
القمر : ( 49 ) إنا كل شيء . . . . .
) إنا كل شئٍ خلقناه بقدرٍ ) [ آية : 49 ] يقول : قدر الله لهم العذاب ودخول سقر
القمر : ( 50 ) وما أمرنا إلا . . . . .
) وما أمرنا ( في الساعة ) إلا واحدة ( يعني إلا مرة واحدة لا مثنوية لها ) كلمجٍ
بالبصر ) [ آية : 50 ] يعني مجنوح الطرف
القمر : ( 51 ) ولقد أهلكنا أشياعكم . . . . .
) ولقد أهلكنا ( بالعذاب ) أشياعكم (
يعني عذبنا إخواتكم أهل ملتكم ، يا أهل مكة ، يعني الأمم الخالية حين كذبوا رسلهم
) فهل من مدكر ) [ آية : 51 ] يقول : فهل من متذكر فيعلم أن ذلك حق فيعتبر
ويخاف ، فلا يكذب محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) .(3/301)
صفحة رقم 302
تفسير سورة القمر من الآية ( 52 ) إلى الآية ( 55 ) .
القمر : ( 52 ) وكل شيء فعلوه . . . . .
ثم قال : ( وكل شئٍ فعلوه في الزبر ) [ آية : 52 ] يعني الأمم الخالية ، قال : كل
شئ عملوه مكتوب في اللوح المحفوظ
القمر : ( 53 ) وكل صغير وكبير . . . . .
) وكل صغير وكبير مستطر ) [ آية : 53 ]
القمر : ( 54 ) إن المتقين في . . . . .
) إن المتقين في جنات ( يعني البساتين ) ونهر ) [ آية : 54 ] يعني الأنهار الجارية ، ويقال :
السعة مثل قوله في الكهف : ( وفجرنا خلالهما نهرا ) [ الكهف : 33 ] ،
القمر : ( 55 ) في مقعد صدق . . . . .
) في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) [ آية : 55 ] على ما يشاء ، وذلك أن أهل الجنة يدخلون على
ربهم تعالى على مقدار كل يوم جمعة ، فيجلسون إليه على قدر أعمالهم في الدنيا ، وبقدر
ثوابهم في الآخرة ، فيعطون في ذلك المجلس ما يحبون من شئ ، ثم يعطيهم الرب تعالى ،
ما لم يسألوه من الخير من جنة عدن ما لم تراه عين ، ولم تسمعه أذن ، ولم يخطر على قلب
بشر .(3/302)
صفحة رقم 303
55
سورة الرحمن
مكية ، عددها ثمان وسبعون آية كوفى
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 4 ) .
الرحمن : ( 1 ) الرحمن
قوله : ( الرحمن ) [ آية : 1 ] وذلك أنه لما نزل : ( اسجدوا للرحمن ) [ الفرقان :
60 ] قال كفار مكة : ( وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا ) [ الفرقان : 60 ] ، فأنكروا
الرحمن ، وقالوا : لا نعرف الرحمن ، فأخبر الله تعالى عن نفسه ، وذكر صنعه ليعرف
فيوحد ، فقال : ( الرحمن ( الذي أنكروه هو الذي
الرحمن : ( 2 - 3 ) علم القرآن
) علم القرءان خلق
الإنسان ) [ آية : 3 ] يعني آدم
الرحمن : ( 4 ) علمه البيان
( 2 علمه البيان ) [ آية : 4 ] يعني بيان كل شئ .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 5 ) إلى الآية ( 11 ) .
الرحمن : ( 5 ) الشمس والقمر بحسبان
) الشمس والقمر بحسبان ) [ آية : 5 ] مطالعهما ومغاربهما ثمانين ومائة مطلع ،
وثمانين ومائة مغرب ، لتعلموا بها عدد السنين والحساب .
الرحمن : ( 6 ) والنجم والشجر يسجدان
ثم قال : ( والنجم ( يعني كل نبت ليس له ساق ) والشجر ( كل نب له ساق
) يسجدان ) [ آية : 6 ] يعني سجودهما ظلهما طرفي النهار حين نزول الشمس ، وعند
طلوعها إذا تحول ظل الشجرة فهو سجودها ، ثم قال :
الرحمن : ( 7 ) والسماء رفعها ووضع . . . . .
( 2 والسماء رفعها ( من الأرض
مسيرة خم مائة عام ) ووضع الميزان ) [ آية : 7 ] الذي يزن به الناس وضعه الله عدلاً
بين الناس
الرحمن : ( 8 ) ألا تطغوا في . . . . .
( 2 ألا تطغوا في الميزان ) [ آية : 8 ] يعني ألا تظلموا في الميزان
الرحمن : ( 9 ) وأقيموا الوزن بالقسط . . . . .
( 2 وأقيموا الوزن بالقسط ( يعني اللسان بالعدل ) ولا تخسروا ( يعني ولا تنقصوا ) الميزان )
الرحمن : ( 10 ) والأرض وضعها للأنام
) والأرض وضعها للأنام ) [ آية : 10 ] يعني للخليقة من أهل الأرض
الرحمن : ( 11 ) فيها فاكهة والنخل . . . . .
( 2 فيها ((3/303)
صفحة رقم 304
يعني في الأرض ) فاكهة والنخل ذات الأكمام ) [ آية : 11 ] يعني ذات الأجواف ، مثل
قوله : ( وما تخرج من ثمرات من أكمامها ) [ فصلت : 47 ] ، يعني البر والشعير .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 12 ) إلى الآية ( 13 ) .
الرحمن : ( 12 ) والحب ذو العصف . . . . .
) والحب ( فيها يعني في الأرض أيضاً ، الحب : يعني البر والشعير ) ذو العصف (
يعني ورق الزرع الذي يكون فيه الحب ) والريحان ) [ آية : 12 ] يعني الرزق نظيرها
في الواقعة ) فروح وريحان ) [ الواقعة : 89 ] يعني الرزق بلسان حمير الذي يخرج من
الحب من دقيق أو سوابق ، أو غيره .
الرحمن : ( 13 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
فذكر ما خلق من النعم ، فقال : ( فبأئ ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 13 ] يعني الجن
والإنس ، يعني فبأي نعماء ربكما تكذبان بأنها ليست من الله تعالى .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 14 ) إلى الآية ( 16 ) .
الرحمن : ( 14 ) خلق الإنسان من . . . . .
ثم قال : ( خلق الإنسان ( يعني آدم ، عليه السلام ) من صلصلٍ ( يعني من
تراب الرمل ، ومعه الطين الحر ، قال ابن عباس :
الصلصال : الطين الجيد إذا ذهب عنه
الماء ، فتشقق ، فإذا تحرك تقعقع ، وأما قوله : ( كالفخار ) [ آية : 14 ] يعني هو بمنزلة
الفخار من قبل أن يطبخ ، يقول :
كان ابن آدم من قبل أن ينفخ فيه الروح بمنزلة الفخار
أجوف
الرحمن : ( 15 ) وخلق الجان من . . . . .
( 2 وخلق الجان ( يعني إبليس ) من مارج من نار ) [ آية : 15 ] يعني من لهب
النار صاف ليس له دخان ، وإنما سمى الجان لأنه من حي من الملائكة ، يقال لهم : الجن ،
فالجن الجماعة ، والجان الواحد ، وكان حسن خلقهما من النعم . فمن ثم قال :
الرحمن : ( 16 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي
ءالاء ( يعني نعماء ) ربكما تكذبان ) [ آية : 16 ] .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 17 ) إلى الآية ( 18 ) .
الرحمن : ( 17 ) رب المشرقين ورب . . . . .
) رب المشرقين ( مشرق أطول يوم في السنة ، وهو خمس عشرة ساعة ، ومشرق أقصر
يوم في السنة ، وهو تسع ساعات ) ورب المغربين ) [ آية : 17 ] يعني مغاربهما يعني
مغرب أطول ليلة ويوم في السنة ، وأقصر ليلة ويوم في السنة فهما يومان في السنة ، ثم
جمعهما ، فقال : ( رب المشارق والمغارب 2 )
الرحمن : ( 18 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 18 ] أنها
ليست من الله تعالى .(3/304)
صفحة رقم 305
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 19 ) إلى الآية ( 23 ) .
الرحمن : ( 19 ) مرج البحرين يلتقيان
قوله : ( مرج البحرين ( يعني خلع البحرين ماء المالح ، وماء العذب خلع أحدهما على
الآخر ) يلتقيان ) [ آية : 19 ] .
قال أبو محمد :
قال أبو العباس أحمد بن يحيى : مرج يعني خلق . وقال الفراء : مرج
البحرين يعني أرسلهما . وقال أبو عبيدة : مجازه مرجت الدابة ، أي خلعت عنقها .
الرحمن : ( 20 ) بينهما برزخ لا . . . . .
) بينهما برزخ ( يعني حاجزاً حجز الله أحدهما عن الآخرة بقدرته ) ف ( ( لا يبتغيان (
[ آية : 20 ] يعني لا يبغي أحدهما على الآخر ، فلا يختلطان ولا يتغير طعمهما ، وكان هذا
من النعم ، فلذلك قال :
الرحمن : ( 21 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما ( يعني فبأي نعماء ربكما ) تكذبان ) [ آية :
21 ] أنها ليست من الله تعالى
الرحمن : ( 22 ) يخرج منهما اللؤلؤ . . . . .
) يخرج منهما ( من الماءين جميعاً ، ماء الملح ، وماء العذب ،
ومن ماء السماء ) اللؤلؤ ( الصغار ) والمرجان ) [ آية : 22 ] يعني الدر العظام
الرحمن : ( 23 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي
ءالاء ( يعني نعماء ) ربكما تكذبان ) [ آية : 23 ] فهذا من النعم .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 28 ) .
الرحمن : ( 24 ) وله الجوار المنشآت . . . . .
قوله : ( وله الجوار ( يعني السفن ) المنشئات ( يعني المخلوقات ) في البحر كالأعلام (
[ آية : 24 ] يعني كالجبال يشبه السفن في البحر كالجبال في البر ، فكانت السفن من
النعم ، ثم قال :
الرحمن : ( 25 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 25 ] يعني نعماء ربكما تكذبان ، قوله :
الرحمن : ( 26 ) كل من عليها . . . . .
) كل من عليها فانٍ ) [ آية : 26 ] يعني من على الأرض من الحيوان ، فإن يعني هالك
الرحمن : ( 27 - 28 ) ويبقى وجه ربك . . . . .
) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فبأي ءالاء ( يعني نعماء ) ربكما تكذبان ) [ آية :
28 ] فلما نزلت هذه الآية ، قالت الملائكة الذين في السماء : هلك أهل الأرض العجب
لهم كيف تنفعهم المعيشة حتى أنزل الله تعالى في القصص : ( كل شئ هالك إلا
وجهه ) [ القصص : 88 ] ، يعني كل شئ من الحيوان في السماوات والأرض يموت إلا
وجهه يقول : إلا الله ، فأيقنوا عند ذلك كلهم بالهلاك .
تفسير سورة الرحمن ( 29 ) إلى ( 32 ) .(3/305)
صفحة رقم 306
الرحمن : ( 29 ) يسأله من في . . . . .
قوله : ( يسئله من في السموات والأرض ( يعني يسأل أهل الأرض الله الرزق ، وتسأل
الملائكة أيضاً لهم الرزق والمغفرة ) كل يوم هو في شأن ) [ آية : 29 ] وذلك أن اليهود
قالت : إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً ، فأنزل الله : ( كل يوم هو في شأن ( يوم السبت
وغيره ، وشأنه أنه يحدث في خلقه ما يشاء من خلق ، أو عذاب ، أو شدة ، أو رحمة ، أو
رخاء ، أو رزق ، أو حياة ، أو موت ، فمن مات محى اسمه من اللوح المحفوظ
الرحمن : ( 30 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء
ربكما تكذبان ) [ آية : 30 ] يعني نعماء ركماً تكذبان أنها ليست من الله تعالى .
الرحمن : ( 31 ) سنفرغ لكم أيها . . . . .
) سنفرع (
لكم أيه الثقلان ) [ آية : 31 ] يعني سنفرغ لحساب الإنس والجن ، ولم يعن به الشياطين ،
لأنهم هم أغووا الإنس والجن ، وهذا من كلام العرب يقول : سأفرغ لك ، وإنه لفارغ
قبل ذلك ، وهذا تهديد والله تعالى لا يشغله شئ يقول : سيفرغ الله في الآخرة لحسابكم
أيها الثقلان يعني الجن والإنس .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : قال أبو صالح : قال سعيد بن جبير : في قوله :
( سنفرغ لكم ( يقول : سأقصد لحسابكم
الرحمن : ( 32 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 32 ] .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 22 ) إلى الآية ( 24 ) .
الرحمن : ( 33 ) يا معشر الجن . . . . .
قوله : ( يامعشر الجن والإنس ( قد جاء آجالكم ، فهذا وعيد من الله تعالى ، يقول : ( يا
معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) [ الأنعام : 130 ] ، لأن الشياطين أضلوهما ،
فبعث فيهم رسلاً منهم ، قال : ( إن استطعتم أن تنفذوا من أفطار ( يعني من قطري
) السموات والأرض ( يقول : أن تنفذوا من أطراف السماوات والأرض هرباً من الموت
) فانفذوا لا تنقذون ( يعني لا تنفذوا ) إلا بسلطان ) [ آية : 33 ] يعني إلا بمكلي حيثما
توجهتهم فثم ملكي ، فأنا آخذكم بالموت
الرحمن : ( 34 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما ( يعني نعماء ربكما
) تكذبان ) [ آية : 34 ] أن أحداً يقدر على هذا غير الله تعالى .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 25 ) إلى الآية ( 26 ) .
الرحمن : ( 35 ) يرسل عليكما شواظ . . . . .
قوله : ( ير سل عليكما شواظٌ من نارٍ ( يعني كفار الجن والإنس في الآخرة شواظ من نار ، يعني لهب النار ليس له دخان ) ونحاسٌ ( يعني الصفر الذائب وهي خمسة أنهار
تجري من تحت العرش على رءوس أهل النار ثلاثة أنهار على مقدار الليل ، ونهران على(3/306)
صفحة رقم 307
مقدار أنهار الدنيا ) فلا تنتصران ) [ آية : 35 ] يعني فلا تمتنعان من ذلك ، فذلك قوله في
سورة النحل : ( زدناهم عذابا فوق العذاب ) [ النحل : 88 ] ، يعني الأنهار الخمس بما
كانوا يفسدون
الرحمن : ( 36 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ( يعني نعماء ) ربكما تكذبان ) [ آية : 36 ] .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 27 ) إلى الآية ( 40 ) .
الرحمن : ( 37 ) فإذا انشقت السماء . . . . .
) فإذا انشقت السماء ( يعني انفرجت من المجرة ، وهو البياض الذي يرى في وسط
السماء ، وهو شرج السماء لنزول من فيها ، يعني الرب تعالى والملائكة ) فكانت ( يعني
فصارت من الخوف ) وردة كالدهان ) [ آية : 37 ] شبه لونها في التغير والتلون بدهان
الورد الصافي .
قال أبو صالح : شبه لونها بلون دهن الورد ، ويقال : بلون الفرس الورد يكون في
الربيع كميتاً أشقر ، وفي الشتاء أحمر ، فإذا اشتد البرد كان أغبر فشبه لون السماء في
اختلاف أحوالها بلون الفرس في الأزمنة المختلفة .
وقال الفراء : ( في قوله : ( وردةً كالدهان ( أراد بالوردة الفرس الورد ، يكون في
الربيع وردة إلى الصفرة ، فإذا اشتد البرد كانت حمراء ، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة
إلى الغبرة فشبه تلون السماء بتلون الورد من الخيل ، وشبه الوردة في اختلاف ألوانها
بالدهن لاختلاف ألوانه ، ويقال : كدهان الأديم يعني لونه .
الرحمن : ( 38 - 39 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيومئذٍ لا يسئل عن ذنبه ( يعني عن عمله ) إنسٌ ولا
جانٌ ) [ آية : 39 ] لأن الرب تعالى قد أحصى عليه عمله
الرحمن : ( 40 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما
تكذبان ) [ آية : 40 ] .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 41 ) إلى الآية ( 42 ) .
الرحمن : ( 41 ) يعرف المجرمون بسيماهم . . . . .
قوله : ( يعرف المجرمون بسيماهم ( بعد الحساب يعني بسواد الوجوه وزرقه الأعين
) فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) [ آية : 41 ] وذلك أن خزنة جهنم بعد الحساب يغلون أيديهم
إلى أعناقهم ، ثم يجمعون بين نواصيهم إلى أقدامهم من ظهورهم ، ثم يدفعونهم في النار
على وجوههم ، فإذا دنوا منها قالت لهم الخزنة : ( هذه النار التي كنتم بها تكذبون ((3/307)
صفحة رقم 308
[ الطور : 14 ] في الدنيا
الرحمن : ( 42 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 42 ] .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 42 ) إلى الآية ( 45 ) .
الرحمن : ( 43 ) هذه جهنم التي . . . . .
قوله : ( هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ) [ آية : 43 ] يعني الكافرين في الدنيا
الرحمن : ( 44 ) يطوفون بينها وبين . . . . .
) يطوفون بينها ( يعني جهنم شواظاً ) يطوفون بينهما وبين حميمٍ ءانٍ ) [ آية : 44 ] شواظاً يعني
بالحميم الماء الحار الذي قد انتهى غليانه يعني الذي على حتى حره لا يسترحون ساعة
من غم يطاف عليهم في ألوان عذابهم ، فذلك قوله : ( ثم أن مرجعهم ( من الزقوم
والحميم ، يعني الشراب ، ) لإلى الجحيم ) [ الصافات : 68 ] ، فيذهب به مرة إلى الزقوم ،
ثم إلى الجحيم ، ثم إلى منازلهم في جهنم ، فذلك قوله : ( يطوفون بينهما وبين حميمٍ ءانٍ ) ) 2
الرحمن : ( 45 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
( فبأي ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 45 ] .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 46 ) إلى ( 47 ) .
الرحمن : ( 46 ) ولمن خاف مقام . . . . .
قوله تعالى : ( ولمن خاف مقام ربه ( يوم القيامة في الآخرة ) جنتان ) [ آية : 46 ]
يعني جنة عدن ، وجنة النعيم ، وهما للصديقين ، والشهداء ، والمقربين ، والسابقين ، وهو
الرجل يهم بالمعصية ، فيذكر مقامه بين يدي الله عز وجل ، فيخاف فيتركها ، فله جنتان .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : قال أبو صالح ، عن مقاتل ، عن عطاء ، عن ابن
عباس ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، أنه قال : ' هل تدرون ما الجنتان ' ؟ قالوا ' الله ورسوله أعلم ، قال :
' هما بستانان في ريض الجنة كل واحد منهما مسير خمس مائة عام ، في وسط كل
بستان دار في دار من نور على نور ، ليس منهما بستان إلا يعتز بنعمة وخضرة قرارها ثابت ، وفرعها ثابت وشجرها نابت .
الرحمن : ( 47 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 47 ] .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 48 ) إلى الآية ( 55 ) .
الرحمن : ( 48 ) ذواتا أفنان
ثم نعت الجنتين ، فقال : ( ذواتاً أفنانٍ ) [ آية : 48 ] يعني ذواتا أغصان يتماس أطراف
شجرها بعضه بعضاً كالمعروشات
الرحمن : ( 49 - 50 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان ) [ آية :(3/308)
صفحة رقم 309
50 ] في عين أخدود من ماء غير آسن
الرحمن : ( 51 - 52 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهما من كل
فاكهةٍ ( من كل ألوان الفاكهة ) زوجان ) [ آية : 52 ] يعني صنفان
الرحمن : ( 53 - 54 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ( يعني
نعماء ) ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من إستبرق ( يعني ظاهرها من الديباج
الأخضر فوق الفرش الديباج ، وهي بلغة فارس ، نظيرها في آخر السورة : ( متكئين على رفرف خضر ) [ الرحمن : 76 ] ، يعني المحابس الخضر على الفرش .
ثم قال : ( وجنى الجنتين دان ) [ آية : 54 ] يعني ثمره ، وجنى الشجر في الجنتين دان ،
يقول :
ما يجتنى في الجنتين دان يقول : طول الشجر لهذا المجتنى قريب يتناوله الرجل إن
شاء جالساً ، وإن شاء أو متكئاً ، أو قائماً
الرحمن : ( 55 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ( يعني نعماء ) ربكما تكذبان (
[ آية : 55 ] .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 56 ) إلى الآية ( 69 ) .
الرحمن : ( 56 ) فيهن قاصرات الطرف . . . . .
) فيهن ( يعني في هذه الجنان الأربع في التقديم : جنة عدن ، وجنة النعيم ، وجنة
الفردوس ، وجنة المأوى ، ففي هذه الجنان الأربع جنان كثيرة في الكثرة مثل ورق
الشجر ، ونجوم السماء ، يقول : ( فيهن قاصرات الطرف ( يعني النساء يقول : حافظات
النظر عن الرجال ، لا ينظرن إلى أحد غير أزواجهن ولا يشتهين غيرهم ) لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ) [ آية : 56 ] لأنهن خلقن في الجنة مع شجر الجنة يعني لم يطمثهن إنس
قبل أهل الجنة ، ولا جان يعني جن .
حدثنا عبد الله ، قال : قال أبي : قال أبو صالح : قال مقاتل : ( لم يطمثهن ( لم
يدميهن . قال أبو محمد : وقال الفراء : الطمث الدم ، يقال : طمثتها أدميتها .
الرحمن : ( 57 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء
ربكما تكذبان ) [ آية : 57 ] ، ثم نعتهن ، فقال :
الرحمن : ( 58 ) كأنهن الياقوت والمرجان
) كأنهن ( في الشبه في صفاء
) الياقوت ( الأحمر ) و ( في بياض ) والمرجان ) [ آية : 58 ] يعني الدر العظام ،
الرحمن : ( 59 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 59 ] .(3/309)
صفحة رقم 310
الرحمن : ( 60 ) هل جزاء الإحسان . . . . .
ثم قال : ( هل جزاء الإحسان ( في الدنيا ) إلا الإحسان ) [ آية : 60 ] في الآخرة
الرحمن : ( 61 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 61 ] ثم ذكر جنات أصحاب اليمين ، فقال :
الرحمن : ( 62 ) ومن دونهما جنتان
) ومن دونهما ( يعني ومن دون جنتي المقربين والصديقين ، والشهداء في الفضل ) جنتان (
[ آية : 62 ] وهما جنة الفردوس ، وجنة المأوى
الرحمن : ( 63 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 63 ] ،
ثم نعتهما فقال :
الرحمن : ( 64 ) مدهامتان
) مدهامتان ) [ آية : 64 ] سوداوان من الري والخضرة
الرحمن : ( 65 - 66 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء
ربكما تكذبان فيهما عينان نضاحتان ) [ آية : 66 ] مملؤتان من كل خير لا ينتقصان
الرحمن : ( 67 - 69 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان فيهما فاكهةٌ ونخلٌ ورمانٌ فبأي ءالاء ربكما تكذبان (
[ آية : 69 ] .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 70 ) إلى الآية ( 73 ) .
الرحمن : ( 70 ) فيهن خيرات حسان
ثم قال : و ) فيهن ( يعني في الجنان الأربع ) خيراتٌ حسانٌ ) 6 [ آية : 70 ] يعني
خيرات الأخلاق حسان الوجوه
الرحمن : ( 71 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 17 ] ثم نعتهن ، فقال :
الرحمن : ( 72 ) حور مقصورات في . . . . .
) حورٌ مقصوراتٌ في الخيام ) [ آية : 72 ] يعني بالحوار البيضاء ، وبالمقصورات المحبوسات
على أزواجهن في الخيام ، يعني الدر المجوف الدرة الواحدة مثل القصر العظيم جوفاء على
قدر ميل في السماء طولها فرسخ ، وعرضها فرسخ ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب ،
فذلك قوله تعالى : ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ) [ الرعد : 23 ] .
الرحمن : ( 73 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي
ءالاء ربكما تكذبان ) [ آية : 73 ] .
تفسير سورة الرحمن من الآية ( 74 ) إلى الآية ( 78 ) .
الرحمن : ( 74 ) لم يطمثهن إنس . . . . .
ثم قال : ( لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جانٌ ) [ آية : 74 ] لأنهن خلقن في الجنة ، يعني لم
يطأهن إنس قبل أهل الجنة ، ولا جان ، يعني ولا جنى
الرحمن : ( 75 - 76 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان
متكئين على رفرفٍ خضرٍ ( يعني المحابس فوق الفرش ) وعبقريٍ حسانٍ ) [ آية : 76 ] يعني
لزرابي ، وهي الطنافس المخملة ، وهي الحسان
الرحمن : ( 77 - 78 ) فبأي آلاء ربكما . . . . .
) فبأي ءالاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك
ذي الجلال ( يعني بالجلال العظيم ) والإكرام ) [ آية : 78 ] يعني الكريم ، فلا أكرم منه ،
يمدح الرب نفسه تبارك وتعالى .(3/310)
صفحة رقم 311
56
سورة الواقعة
مكية ، عددها ست وتسعون آية كوفى
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 3 ) .
الواقعة : ( 1 ) إذا وقعت الواقعة
) إذا وقعت الواقعة ) [ آية : 1 ] يعني إذا وقعت الصيحة ، وهي النفخة الأولى
الواقعة : ( 2 ) ليس لوقعتها كاذبة
) ليس
لوقعها ( يعني ليس لصيحتها ) كاذبة ) [ آية : 2 ] أنها كائنة ليس لها مثنوية ولا ارتداد
الواقعة : ( 3 ) خافضة رافعة
) خافضة ( يقول :
أسمعت القريب ، ثم قال : ( رافعة ) [ آية : 3 ] يقول : أسمعت البعيد ،
فكانت صيحة ، يعني فصارت صيحة واحدة ، أسمعت القريب والبعيد .
قال أبو محمد :
قال الفراء عن الكلبي : ( خافضة ( قوماً إلى النار ، و ) رافعة ( قوماً
إلى الجنة . وقال غيره . ) خافضة ( أسمعت أهل الأرض ، و ) رافعة ( أسمعت أهل
السماء .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 4 ) فقط .
الواقعة : ( 4 ) إذا رجت الأرض . . . . .
ثم قال : ( إذا رجت الأرض رجا ) [ آية : 4 ] يعني إذا زلزلت الأرض زلزلها ، يعني رجا
شدة الزلزلة لا تسكن حتى تلقى كل شئ في بطنها على ظهرها ، يقول : إنها تضطرب
وترتج لأن زلزلة الدنيا لا تلبث حتى تسكن ، وزلزلة الآخرة لا تسكن ، وترتج كرج
الصبى في المهد حتى ينكسر كل شئ عليها من جبل ، أو مدينة ، أو بناء ، أو شجر
فيدخل فيها كل شئ خرج منها من شجر ، أو نبات ، وتلقى ما فيها من الموتى ، والكنوز
على ظهرها .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 5 ) إلى الآية ( 6 ) .
الواقعة : ( 5 ) وبست الجبال بسا
قوله : ( وبست الجبال بسا ) [ آية : 5 ] يعني فتت الجبال فتاً
الواقعة : ( 6 ) فكانت هباء منبثا
) فكانت ( يقول
فصارت بعد القوة والشدة ، عروقها في الأرض السابعة السفلى ، ورأسها فوق الأرض
العليا من الخوف ) هباء منبثا ) [ آية : 6 ] يعني الغبار الذي تراه في الشمس إذا دخل من(3/311)
صفحة رقم 312
الكوة في البيت ، والمنبث الذي ليس بشئ ، والهباء المنثور الذي يسطع من حوافر الخيل
من الغبار ، قال عبد الله بذلك ، حدثني أبي ، عن أبي صالح ، عن مقاتل ، عن الحارث ، عن
علي ، عليه السلام .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 7 ) إلى الآية ( 23 ) .
الواقعة : ( 7 ) وكنتم أزواجا ثلاثة
ثم قال عز وجل : ( وكنتم ( في الآخرة ) أزواجا ثلاثة ) [ 7 ] يعني أصنافاً ثلاثة ،
صنفان في الجنة ، وصنف في النار ، ثم أخبر عنهم ، فقال :
الواقعة : ( 8 ) فأصحاب الميمنة ما . . . . .
) فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ) [ آية : 8 ] يقول :
ما لأصحاب اليمين من الخير والكرامة في الجنة
الواقعة : ( 9 ) وأصحاب المشأمة ما . . . . .
) وأصحاب
المشئمة ما أصحاب المشئمة ) [ آية : 9 ] يقول : ما لأصحاب المشأمة من الشر في جهنم ، ثم
قال :
الواقعة : ( 10 ) والسابقون السابقون
) والسابقون ( إلى الأنبياء منهم أبو بكر ، وعلي ، رضي الله عنهما ، هم
) السابقون ) [ آية : 10 ] إلى الإيمان بالله ورسوله من كل أمة ، هم السابقون إلى الجنة .
الواقعة : ( 11 ) أولئك المقربون
ثم أخبر عنهم ، فقال : ( أؤلئك المقربون ) [ آية : 11 ] عند الله تعالى في الدرجات
والفضائل
الواقعة : ( 12 ) في جنات النعيم
) في جنات النعيم ) [ آية : 12 ] ، ثم قال يعني السابقين
الواقعة : ( 13 ) ثلة من الأولين
) ثلة من الأولين (
[ 13 ] يعني جمعاً من الأولين ، يعني سابق الأمم الخالية ، وهم الذين عاينوا الأنبياء ، عليهم
السلام ، فلم يشكوا فيهم طرفة عين ، فهم السابقون ، فلما نزلت :
الواقعة : ( 14 ) وقليل من الآخرين
) وقليل من الآخرين (
[ آية : 14 ] يعني أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فهم أقل من سابق الأمم الخالية ، ثم ذكر ما أعد الله
للسابقين من الخير في جنات النعيم ، فقال :
الواقعة : ( 15 ) على سرر موضونة
) على سرر موضونة ) [ آية : 15 ] كوضن
الخرز في السلك ، يعني بالموضون السرر وتشبكها مشبكة أوساطها بقضبان الدر
والياقوت الزبرجد
الواقعة : ( 16 ) متكئين عليها متقابلين
) متكئين عليها ( يعني على السرر عليها الفرش ) متقابلين (
[ آية : 16 ] إذا زار بعضهم بعضاً
الواقعة : ( 17 ) يطوف عليهم ولدان . . . . .
) يطوف عليهم ولدان ( يعني غلمان لا يكبرون
) مخلدون ) [ آية : 17 ] لا يموتون
الواقعة : ( 18 ) بأكواب وأباريق وكأس . . . . .
) ب ( أيدي الغلمان ) بأكواب ( يعني الأكواب
العظام من فضة المدورة الرءوس ليس لها عرى ولا خراطيم ) وأباريق من فضة في(3/312)
صفحة رقم 313
صفاء القوارير . فذلك قوله في ) هل أتى على الإنسان ) [ الإنسان : 1 ] ) كانت قواريرا قوارير من فضة ) [ الإنسان : 15 ، 16 ] .
ثم قال : ( وكأس من معين ) [ آية : 18 ] يعني من خمر جار ، وكل معين في القرآن ،
فهو جار غير الذي في ) تبارك الذي بيده الملك ) [ الملك : 1 ] يعني به زمزم ، ) إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ) [ الملك : 3 ] ، يعني ظاهراً تناله الدلاء ، وكل
شئ في القرآن كأس ، فهو الخمر
الواقعة : ( 19 ) لا يصدعون عنها . . . . .
) لا يصدعون عنها ( فتوجع رءوسهم ) ولا ينزفون (
[ آية : 19 ] بها
الواقعة : ( 20 ) وفاكهة مما يتخيرون
) وفاكهة مما يتخيرون ) [ آية : 20 ] يعني يختارون من ألوان الفاكهة
الواقعة : ( 21 ) ولحم طير مما . . . . .
) ولحم طير ( يعني من لحم الطير ) مما يشتهون ) [ آية : 21 ] إن شاءوا شواء ، وإن
شاءوا قديداً كل طير ينعت نفسه لولي الله تعالى
الواقعة : ( 22 ) وحور عين
) وحور عين ) [ آية : 22 ] يعني البيضاء
العيناء حسان الأعين
الواقعة : ( 23 ) كأمثال اللؤلؤ المكنون
) كأمثال اللؤلؤ المكنون ) [ آية : 23 ] فشبههم في الكن كأمثال
اللؤلؤ المكنون في الصدف المطبق عليه ، لم تمسه الأيدي ، ولم تره الأعين ، ولم يخطر على
قلب بشر ، كأحسن ما يكون .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 26 ) .
الواقعة : ( 24 ) جزاء بما كانوا . . . . .
هذا الذي ذكر لهم في الآخرة ) جزاء بما كانوا يعملون ) [ آية : 24 ] في الدنيا
الواقعة : ( 25 ) لا يسمعون فيها . . . . .
) لا يسمعون فيها ( يعني الجنة ) لغوا ولا تأثيما ) [ آية : 25 ] يقول :
لا يسمع في الجنة بعضهم
من بعض لغواً يعني الحلف ، ولا تأثيماً يعني كذباً عند الشراب ، كفعل أهل الدنيا إذا
شربوا الخمر
الواقعة : ( 26 ) إلا قيلا سلاما . . . . .
) إلا قيلا سلاما سلاما ) [ آية : 26 ] يعني كثرة السلام من الملائكة نظيرها في
الرعد : ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ) [ الرعد : 23 ، 24 ] .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 27 ) إلى الآية ( 40 ) .
الواقعة : ( 27 ) وأصحاب اليمين ما . . . . .
ثم قال : ( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ) [ آية : 27 ] يقول : ما لأصحاب اليمين من
الخير ، ثم ذكر ما أعد الله لهم من الخير في الآخرة ، فقال :
الواقعة : ( 28 ) في سدر مخضود
) في سدر مخضود ) [ آية : 28 ](3/313)
صفحة رقم 314
يعني الذي لا شوك له كسدر أهل الدنيا
الواقعة : ( 29 ) وطلح منضود
) وطلح منضود ) [ آية : 29 ] يعني المتراكب
بعضه فوق بعض ، نظيرها ) لها طلع نضيد ) [ ق : 10 ] ، يعني المنضود
الواقعة : ( 30 ) وظل ممدود
) وظلٍ
ممدودٍ ) 6 [ آية : 30 ] دائم لا يزول لا شمس فيه كمثل ما يزول الظل في الدنيا
الواقعة : ( 31 ) وماء مسكوب
) وماءٍ
مسكوبٍ ) [ 31 ] يعني منصباً كثيراً
الواقعة : ( 32 - 33 ) وفاكهة كثيرة
) وفاكهةٍ كثيرةٍ لا مقطوعةٍ ( عنهم أبداً هي
لهم أبداً في كل حين وساعة ) ولا ممنوعةٍ ) [ آية : 33 ] يقول : ولا يمنعونها ليست لها
خشونة ألين من الزبد وأحلى من العسل .
الواقعة : ( 34 ) وفرش مرفوعة
) وفرشٍ مرفوعةٍ ) [ آية : 34 ] فوق السرر بعضها فوق بعض على قدر سبعين غرفة من
غرف الدنيا
الواقعة : ( 35 ) إنا أنشأناهن إنشاء
) إنا أنشأناهن إنشاءً ) [ آية : 35 ] يعني ما ذكر من الحور العين قبل ذلك ،
فنعتهن في التقديم يعني نشأ أهل الدنيا العجز الشمط ، يقول : خلقهن في الآخرة خلقاً
بعد الخلق الأول في الدنيا
الواقعة : ( 36 ) فجعلناهن أبكارا
) فجعلناهن أبكاراً ) [ آية : 36 ] يعني شواباً كلهن على ميلاد
واحد بنات ثلاث وثلاثين سنة
الواقعة : ( 37 ) عربا أترابا
) عرباً أتراباً ) [ آية : 37 ] يقول : هذا الذي ذكر
الواقعة : ( 38 ) لأصحاب اليمين
) لأصحاب اليمين ) [ آية : 38 ] ,
الواقعة : ( 39 ) ثلة من الأولين
ثم أخبر عنهم ، فقال : ( ثلةٌ من الأولين ) [ آية : 39 ] يعني جمع من الأولين ، يعني
الأمم الخالية
الواقعة : ( 40 ) وثلة من الآخرين
) وثلةٌ من الأخرين ) [ آية : 40 ] يعني أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فإن أمة محمد أكثر
أهل الجنة ، وهم سابقو الأمم الخالية ومقربوها .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، حدثنا أبو صالح ، عن مقاتل ، عن محمد بن علي ،
عن ابن عباس ، قال : إن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً فأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ثمانون صفا ، وسائر
الأمم أربعون صفاً ، وسابقوا الأمم ومقربوها أكثر من سابقي هذه الأمة ومقربيها .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 41 ) إلى الآية ( 44 ) .
الواقعة : ( 41 ) وأصحاب الشمال ما . . . . .
ثم قال : ( وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ) [ آية : 41 ] يقول : ما لأصحاب الشمال من
الشر ، ثم ذكر ما أعد لهم في الآخرة من الشر ، فقال :
الواقعة : ( 42 ) في سموم وحميم
) في سمومٍ ( يعني ريحاً حارة
تخرج من الصخرة التي في جهنم فتقطع الوجوه وسائر اللحوم .
ثم قال : ( وحميمٍ ) [ آية : 42 ] يعني ظلا أسود كهيئة الدخان يخرج من جهنم ،
فيكون فوق رءوسهم وهم في السرادق ثلاث فرق ، فذلك قوله : ( انطلقوا إلى ظل ذي
ثلاث شعب ( وهي في السرادق ، وذلك قوله في الكهف أيضاً : ( أحاط بهم(3/314)
صفحة رقم 315
سرادقها ( فيقليون تحتها من حر السرادق ، فيأخذهم فيها الغيثان ، وتقطع الأمعاء في
أجوافهم والسرادق عنق يخرج من لهب النار فيدور حول الكفار ، ثم يخرج عنق آخر من
الجانب الآخر فيصل إلى الآخر ، فيحيط بهم السرادق ، فذلك قوله : ( أحاط بهم
سرادقها ) ) 2
الواقعة : ( 43 ) وظل من يحموم
( وظل من يحموم ) [ آية : 43 ] رءوسهم ثلاث فرق فيقيلون فيها قبل
دخولهم جهنم ، فذلك قوله في الفرقان : ( أصحاب الجنة يومئذٍ ( في الجنة مع الأزواج
) خير مستقراً وأحسن مقيلاً ) [ الفرقان : 24 ] من مقيل الكفار في السرادق ، تحت
ظل من يحموم .
الواقعة : ( 44 ) لا بارد ولا . . . . .
ثم نعت الظل ، فقال : ( لا باردٍ ( المقيل ) ولا كريمٍ ) [ آية : 44 ] يعني ولا حسن
المنزل ، ثم نعت أعمالهم التي أوجب الله عز وجل لهم بها ما ذكر من النار .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 45 ) إلى الآية ( 48 ) .
الواقعة : ( 45 ) إنهم كانوا قبل . . . . .
فقال : ( إنهم كانوا قبل ذلك ) ) في الدنيا ( ( مترفين ) [ آية : 45 ] يعني منعمين في
ترك أمر الله ، تعالى ،
الواقعة : ( 46 ) وكانوا يصرون على . . . . .
) وكانوا يصرون على الحنث العظيم ) [ آية : 46 ] يعني يقيمون على الذنب
الكبير وهو الشرك ، نظيرها في آل عمران : ( ولم يصروا على ما فعلوا ) [ الآية : 135 ]
يعني ولم يقيموا ، وقال في سورة نوح : ( وأصروا ) [ الآية : 7 ] يعني وأقاموا ، وفي
سورة الجاثية : ( ثم يصر مستكبراً ) [ الآية : 8 ] يعني ثم يقيم منكبرا ، يقيمون على
الذنب العظيم وهو الشرك ،
الواقعة : ( 47 ) وكانوا يقولون أئذا . . . . .
) وكانوا ( مع شركهم ) يقولون ) ) في الدنيا ( ( أئذا متنا
وكنا تراباً وعظماً أءنا لمبعوثون ) [ آية : 47 ]
الواقعة : ( 48 ) أو آباؤنا الأولون
) أو ) ) يبعث ( ( ءاباؤنا الأولون ) [ آية : 48 ]
تعجباً .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 49 ) إلى الآية ( 57 ) .
الواقعة : ( 49 ) قل إن الأولين . . . . .
يقول الله تعالى : ( قل ( لهم يا محمد ) إن الأولين ( يعني الأمم الخالية
) والأخرين ) [ آية : 49 ] يعني أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
الواقعة : ( 50 ) لمجموعون إلى ميقات . . . . .
) لمجموعون إلى ميقات ( يعني إلى وقت
) يومٍ معلومٍ ) [ آية : 50 ] في الآخرة ، ثم ذكر طعامهم وشرابهم في الآخرة ، فقال :
الواقعة : ( 51 ) ثم إنكم أيها . . . . .
) ثم(3/315)
صفحة رقم 316
إنكم ( يا أهل مكة ) أيها الضالون ( عن الهدى يعني المشركين ، ثم قال : ( المكذبون (
[ آية : 51 ] بالبعث لقولهم أو يبعث آبائنا الأولين ؟
الواقعة : ( 52 ) لآكلون من شجر . . . . .
) لأكلون من شجرٍ من زقومٍ ) [ آية : 52 ]
الواقعة : ( 53 ) فمالئون منها البطون
) فمالئون منها ( يعني من طلعها وثمرها ) البطون ) [ آية : 35 ]
الواقعة : ( 54 ) فشاربون عليه من . . . . .
) فشربون عليه ( يعني
على الأكل ) من الحميم ) [ آية : 54 ] يعني الشراب الحار الذي قد انتهى حره
الواقعة : ( 55 ) فشاربون شرب الهيم
) فشربون
شرب الهيم ) [ آية : 55 ] يعني بالهيم الإبل يأخذها ، يقال له : الهيم ، فلا تروي من
الشراب ، وذلك أنه يلقى على أهل النار العطش كل يوم مرتين حتى يشربوا الشراب
الهيم
الواقعة : ( 56 ) هذا نزلهم يوم . . . . .
) هذا ( الذي ذكر من الزقوم والشراب ) نزلهم يوم الدين ) [ آية : 56 ] يعني يم
الحساب
الواقعة : ( 57 ) نحن خلقناكم فلولا . . . . .
) نحن خلقناكم ( ولم تكونوا شيئاً وأنتم تعلمون ف ) فلولا ( يعني فهلا
) تصدقون ) [ آية : 57 ] بالبعث .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 58 ) إلى الآية ( 62 ) .
الواقعة : ( 58 ) أفرأيتم ما تمنون
ثم أخبر عن صنعه ليعتبروا فقال ) أفرءيتم ما تمنون ) [ آية : 58 ] يعني النطفة الماء
الدافق
الواقعة : ( 59 ) أأنتم تخلقونه أم . . . . .
) ءأنتم تخلقونه ) ) بشرا ( ( أم نحن الخالقون ) [ آية : 59 ] له ، بل نحن نخلقه
الواقعة : ( 60 ) نحن قدرنا بينكم . . . . .
) نحن
قدرنا بينكم الموت ( فمنكم من يموت صغيراً ، ومنكم من يموت كبيراً ، أو يموت شاباً ، أو
شيخاً ، أو يبلغ أرذل العمر ، ثم خوفهم ، فقال : ( وما نحن بمسبوقين ) [ آية : 60 ] يعني
بمعجزين إن أردنا ذلك
الواقعة : ( 61 ) على أن نبدل . . . . .
) على أن نبدل أمثالكم ( على أن نخلق مثلكم أو أمثل منكم
) وننشئكم ( يعني ونخلقكم سور خلقكم ) في ما لا تعلمون ) [ آية : 61 ] من الصورة
الواقعة : ( 62 ) ولقد علمتم النشأة . . . . .
) ولقد علمتم النشأة الأولى ( يعني الخلق الأول حين خلقتم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم
من مضغة ، ولم تكونوا شيئاً ) فلولا ( يعني فهلا ) تذكرون ) [ آية : 62 ] في البعث أنه
قادر على أن يبعثكم ، كما خلقكم أول مرة ولم تكوتوا شيئاً .
تفسير سورة من الآية ( 62 ) إلى الآية ( 67 ) .
الواقعة : ( 63 ) أفرأيتم ما تحرثون
) أفرءيتم ما تحرثون ) [ آية : 63 ]
الواقعة : ( 64 ) أأنتم تزرعونه أم . . . . .
) ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) [ آية : 64 ] يعني
نحن الحافظون يقول أنتم تنبتونه أم نحن المنبتون له
الواقعة : ( 65 ) لو نشاء لجعلناه . . . . .
) لو نشاء ( إذا أدرك وبلغ
) لجعلناه حطماً ( يعني هالكاً ) فظلتم تفكهون ) [ آية : 65 ] يعني تعجبون وقلتم(3/316)
صفحة رقم 317
الواقعة : ( 66 ) إنا لمغرمون
) إنا لمغرمون ) [ آية : 66 ] يعني إنا لمولع بنا الغرم ، ولقلتم بل حرمنا خيرها
الواقعة : ( 67 ) بل نحن محرومون
) بل نحن محرومون ) [ آية : 67 ] .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 68 ) إلى الآية ( 73 ) .
الواقعة : ( 68 ) أفرأيتم الماء الذي . . . . .
) أفرءيتم الماء الذي تشربون ) [ آية : 68 ]
الواقعة : ( 69 ) أأنتم أنزلتموه من . . . . .
) ءأنتم أنزلتموه من المزن ( يعني من
السحاب ) أم نحن المنزلون ) [ آية : 69 ]
الواقعة : ( 70 ) لو نشاء جعلناه . . . . .
) لو نشاء ( بعد العذوبة ) جعلناه أجاجا (
يعني مالحاً مراً من شدة الملوحة ) فلولا ( يعني فهلا ) تشكرون ) [ آية : 70 ] رب
هذه النعم فتوحدونه حين سقاكم ماء عذباً
الواقعة : ( 71 ) أفرأيتم النار التي . . . . .
) أفرءيتم النار التي تورون ) [ آية : 71 ] يعني
توقدون من الشجر والحجارة والقصب إلا العناب
الواقعة : ( 72 ) أأنتم أنشأتم شجرتها . . . . .
) ءأنتم أنشأتم ( يعني خلقتم
) شجرتها أم نحن المنشئون ) [ آية : 72 ] يعني الخالقون
الواقعة : ( 73 ) نحن جعلناها تذكرة . . . . .
) نحن جعلناها ( هذه النار التي
في الدنيا ) تذكرة ( لنار جهنم الكبرى ) و ( هي ) ومتاعا للمقوين ) [ آية : 73 ]
يعني متاعاً للمسافرين لمن كان بأرض فلاة وللأعراب .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 74 ) إلى الآية ( 85 ) .
الواقعة : ( 74 ) فسبح باسم ربك . . . . .
) فسبح ( يقول اذكر التوحيد ) باسم ربك ( يا محمد ) العظيم ) [ آية : 74 ]
يعني الكبير فلا أكبر منه
الواقعة : ( 75 ) فلا أقسم بمواقع . . . . .
) فلا أقسم بمواقع النجوم ) [ آية : 75 ] يعني بمساقط
النجوم من القرآن كله أوله وآخره في ليلة القدر نزل من اللوح المحفوظ من السماء
السابعة إلى السماء الدنيا إلى السفرة ، وهم الكتبة من الملائكة نظيرها في عبس وتولى :
( بأيدي سفرة كرام بررة ) [ الآية : 15 - 16 ] ثم عظم القسم فقال :
الواقعة : ( 76 ) وإنه لقسم لو . . . . .
) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) [ آية : 76 ]
الواقعة : ( 77 ) إنه لقرآن كريم
) إنه لقرءانٌ كريمٌ ) [ آية : 77 ] أقسم بأنه قرآن كريم .
ثم قال في حم السجدة : ( وإنه لكتاب عزيز ) [ فصلت : 41 ] كرمه الله وأعزه ،
فقال هذا القرآن
الواقعة : ( 78 ) في كتاب مكنون
) في كتاب مكنون ) [ آية : 78 ] يعني مستور من خلقه ، عند الله في(3/317)
صفحة رقم 318
اللوح المحفوظ عن يمين العرش
الواقعة : ( 79 ) لا يمسه إلا . . . . .
) لا يمسه إلا المطهرون ) [ آية : 79 ] لا يمس ذلك
الكتاب إلا المظهرون من الذنوب ، وهم الملائكة السفرة في سماء الدنيا ، ينظر إليه الرب ،
جل وعز ، كل يوم ثم قال هذا القرآن :
الواقعة : ( 80 ) تنزيل من رب . . . . .
) تنزيل من رب العالمين ) [ آية : 80 ]
الواقعة : ( 81 ) أفبهذا الحديث أنتم . . . . .
) أفبهذا الحديث ( يعني القرآن ) أنتم مدهنون ) [ آية : 81 ] يعني تكفرون ، مثل قوله : ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) [ القلم : 9 ]
الواقعة : ( 82 ) وتجعلون رزقكم أنكم . . . . .
) وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) [ آية : 82 ] وذلك أن
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غزا أحياء من العرب في حر شديد ، فغني ما كان عند الناس من الماء ، فطمثوا
ظمأ شديداً ، ونزلوا على غير ماء ، فقالوا : يا رسول الله ، استسق لنا ، قال : فلعل إذا
استسقيت فسقيتم تقولون هذا نوء كذا وكذا قالوا : يا رسول الله ، قد ذهب وخبر
الأنواه ، فتوضأ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصلى ثم دعا ربه فهاجت الريح وثارت سحابة فلم يلبثوا حتى
غشيهم السحاب ركاماً فمطروا مطراً جواداً حتى سألت الأودية فشربوا وسقوا وغسلوا
ركابهم وملاوا أسقيتهم ، فخرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فمر على رجل وهو يغرف بقدح من الوادي
وهو يقول : هذا نوء كذا وكذا ، فكان المطر رزقاً من الله فجعلوه للأنواء ولم يشكروا
نعمة الله ، تعالى ، وتجعلون رزقكم يعني المطر بالأنواء أنكم تكذبون ، يقول أنا رزقنكم فلا
تكذبون وتجعلونه للأنواء .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 86 ) إلى الآية ( 91 ) .
الواقعة : ( 83 ) فلولا إذا بلغت . . . . .
ثم وعظهم فقال : ( فلولا ( يعني فهلا ) إذا بلغت ( هذه النفس ) الحلقوم ) [ آية :
83 ] يعني التراقي
الواقعة : ( 84 ) وأنتم حينئذ تنظرون
) وأنتم حينئذ تنظرون ) [ آية : 84 ] إلى أمري وسلطاني
الواقعة : ( 85 ) ونحن أقرب إليه . . . . .
) ونحن أقرب إليه منكم ( يعني ملك الموت وحده إذ أتاه ليقبض روحه ) ولكن لا تبصرون ) [ آية :
85 ] ثم قال :
الواقعة : ( 86 ) فلولا إن كنتم . . . . .
) فلولا ( يعني فهلا ) إن كنتم غير مدينين ) [ آية : 86 ] يعني غير
محاسبين ، نظيرها في فاتحة الكتاب ) مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 1 ] يعني يوم
الحساب ، وقال في : ( أرأيت الذين يكذب بالدين ) [ الماعون : 1 ] يعني بالحساب ،
وقال في الذاريات : ( إن الدين لواقع ) [ الآية : 6 ] يعني الحساب لكائن ، وقال أيضاً
في الصافات : ( أإنا لمدينون ) [ الآية : 3 ] يعني إنا لمحاسبون
الواقعة : ( 87 ) ترجعونها إن كنتم . . . . .
) ترجعونها إن كنتم صادقين ) [ آية : 87 ] .
الواقعة : ( 88 ) فأما إن كان . . . . .
) فأما إن كان ( هذا الميت ) ) من المقربين ) [ آية : 88 ] عند الله في الدرجات(3/318)
صفحة رقم 319
والتفضيل ، يعني ما كان فيه لشدة الموت وكربه
الواقعة : ( 89 ) فروح وريحان وجنة . . . . .
) فروح ( يعني فراحة ) وريحان (
يعني الرزق في الجنة بلسان خير ) وجنت نعيمٍ ) [ آية : 89 ] .
تفسير سورة الواقعة من الآية ( 92 ) إلى الآية ( 96 ) .
الواقعة : ( 90 ) وأما إن كان . . . . .
وأما إن كان ( هذا الميت ) من أصحاب اليمين ) [ آية : 90 ]
الواقعة : ( 91 ) فسلام لك من . . . . .
) فسلامٌ لك من أصحاب
اليمين ) [ آية : 91 ] يقول سلم الله ذنوبهم وغفرها فتجاوز عن سيئاتهم وتقبل حسناتهم
الواقعة : ( 92 ) وأما إن كان . . . . .
) وأما إن كان ( هذا الميت ) من المكذبين ( بالبعث ) الضالين ) [ آية : 92 ] عن
الهدى
الواقعة : ( 93 ) فنزل من حميم
) فنزلٌ من حميمٍ ) [ آية : 93 ] يعني الحار الشديد الذي قد انتهى حره
الواقعة : ( 94 ) وتصلية جحيم
) وتصليه
جحيمٍ ) [ آية : 94 ] يقول ما عظم من النار
الواقعة : ( 95 ) إن هذا لهو . . . . .
) إن هذا ( الذي ذكر للمقربين وأصحاب
اليمين ، وللمكذبين الضالين ) لهو حق اليقين ) [ آية : 95 ] لا شك
الواقعة : ( 96 ) فسبح باسم ربك . . . . .
) فسبح ( يقول
فاذكر ) باسم ربك ( بالتوحيد ، ثم قال : ربك يا محمد ) العظيم ) 6 [ آية : 96 ] فلا شئ
أكبر منه ، فعظم الرب ، جل جلاله ، نفسه .(3/319)
صفحة رقم 320
5
سورة الحديد
عددها تسع وعشرون آية كوفى
تفسير سورة الحديد من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 6 ) .
الحديد : ( 1 ) سبح لله ما . . . . .
) سبح لله ما في السماوات ( يعني ذكر الله الملائكة وغيرهم والشمس والقمر والنجوم
) و ( ما في ) والأرض ( من الجبال ، والبحار ، والأنهار ، والأشجار ، و الدواب ،
والطير ، والنبات ، وما بينهما يعني الرياح ، والسحاب ، وكل خلق فيهما ، ولكن لا
تفقهون تسبيحهن ) وهو العزيز ( في ملكه ) الحكيم ) [ آية : 1 ] في أمره
الحديد : ( 2 ) له ملك السماوات . . . . .
( 2 له ملك (
يعني له ما في ) السماوات والأرض يحي ( الموتى ) ويميت ( الأحياء ) وهو على كل
شئٍ ( من حياة وموت ) قدير ) [ آية : 2 ]
الحديد : ( 3 ) هو الأول والآخر . . . . .
( 2 هو الأول ( قبل كل شئ ) و ( هو
) والآخر ( بعد الخلق ) و ( هو ) والظهر ( فوق كل شئ ، يعني السماوات
) و ( وهو ) والباطن ( دون كل شئ يعلم ما تحت الأرضين ) وهو بكل شئٍ عليمٌ
الحديد : ( 4 ) هو الذي خلق . . . . .
هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش ( قبل خلقهما
) يعلم ما يلج في الأرض ( من المطر ) وما يخرج منها ( النبات ) وما ينزل من السماء ( من
الملائكة ) وما يعرج ( يعني وما يصعد ) فيها ( يعني في السماوات من الملائكة
) وهو معكم ( يعني علمه ) أين ما كنتم ( من الأرض ) والله بما تعملون بصير )
الحديد : ( 5 ) له ملك السماوات . . . . .
) له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور ) [ آية : 5 ] يعني أمور الخلائق في الآخرة
الحديد : ( 6 ) يولج الليل في . . . . .
) يولج اليل في النهار ويولج النهار في اليل ( يعني زيادة كل منهما ونقصانه ، فذلك قوله :
( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ) [ الزمر : 5 ] ، يعني يسلط كل(3/320)
صفحة رقم 321
واحد منهما على صاحبه في وقته حتى يصير الليل خمس عشرة ساعة ، والنهار تسع
ساعات . ) وهو عليم بذات الصدور ) [ آية : 6 ] يعني بما فيها من خير أو شر .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 7 ) إلى الآية ( 8 ) .
الحديد : ( 7 ) آمنوا بالله ورسوله . . . . .
قوله : ( ءامنوا بالله ( يعني صدقوا الله ، يعني بتوحيد الله تعالى ) ورسوله ( محمد
( صلى الله عليه وسلم ) ) وأنفقوا ( في سبيل الله ، يعني في طاعة الله تعالى ) مما جعلكم مستخلفين فيه (
من أموالكم التي غيركم الله فيها ) فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبيرٌ ) [ آية : 7 ] يعني
جزاء حسناً في الجنة ، ثم قال :
الحديد : ( 8 ) وما لكم لا . . . . .
) وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حين
) يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم ( يعني يوم أخرجكم من صلب آدم ، عليه
السلام ، وأقروا له بالمعرفة والربوبية ) إن كنتم ( يعني إذ كنتم ) مؤمنين ) [ آية : 8 ] .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 9 ) فقط .
الحديد : ( 9 ) هو الذي ينزل . . . . .
) هو الذي ينزل على عبده ( محمد ) ) ءاياتٍ بيناتٍ ( يعني القرآن بين ما فيه من
أمره ونهيه ) ليخرجكم من الظلمات إلى النور ( يعني من الشرك إلى الإيمان ) وإن الله بكم
لرءوفٌ رحيمٌ ) [ آية : 9 ] حين هداكم لدينه وبعث فيكم محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأنزل عليكم كتابه .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 10 ) فقط .
الحديد : ( 10 ) وما لكم ألا . . . . .
ثم قال : ( وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ( يعني في طاعة الله إن كنتم مؤمنين ،
فأنفقوا في سبيل الله ، فإن بخلتم ، فإن الله يرثكم ويرث أهل السماوات والأرض ، فذلك
قوله : ( ولله ميراث السموات والأرض ( يفنون كلهم ، ويبقى الرب تعالى وحده ، فالعباد يرث
بعضهم بعضاً ، والرب يبقى فيرثهم ، قوله : ( لا يستوي منكم ( في الفضل والسابقة
) من أنفق من ) ) ماله ( ( قبل الفتح ( فتح مكة ) وقاتل ) ) العدو ( ( أؤلئك أعظم درجةً (
يعني جزاء ) من الذين أنفقوا من بعد ( بعد فتح مكة ) وقاتلوا ) ) العدو ( ( وكلاًّ وعد الله
الحسنى ( يعني الجنة ، يعني كلا الفريقين وعد الله الجنة ) والله بما تعملون خبيرٌ ) [ آية :
10 ] بما أنفقتم من أموالكم ، وهو مولاكم يعني وليكم .(3/321)
صفحة رقم 322
تفسير سورة الحديد من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 13 ) .
الحديد : ( 11 ) من ذا الذي . . . . .
قوله تعالى : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ( يعني طيبة به نفسه على أهل الفاقة
) فيضاعفه له وله أجر كريم ) [ آية : 11 ] يعني جزاء حسناً في الجنة ، نزلت في أبي
الدحداح الأنصاري
الحديد : ( 12 ) يوم ترى المؤمنين . . . . .
) يوم ترى ( يا محمد ) المؤمنين والمؤمنات ( على الصراط ) يسعى نورهم بين أيديهم ( دليل إلى الجنة ) وبأيمنهم ( يعني بتصديقهم في الدنيا ، أعطوا النور في
الآخرة على الصراط ، يعني بتوحيد الله تعالى ، تقول الحفظة لهم : ( بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ( لا يموتون ) ذلك هو الفوز العظيم ) [ آية : 12 ]
الحديد : ( 13 ) يوم يقول المنافقون . . . . .
) يوم يقول
المنافقون والمنافقت للذين ءامنوا ( وهم على الصراط ) انظرونا ( يعني ارقبونا ) نقيس
من نوركم ( فنمضى معكم ) قيل ( يعني قالت الملائكة : ( ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ( من
حيث جئتم فالتمسوا نوراً من الظلمة ، فرجعوا فلم يجدوا شيئاً ) فضرب ( الله ) بينهم (
يعني بين أصحاب الأعراف وبين المنافقين ) بسور له باب ( يعني بالسور حائط بين أهل
الجنة ، وبين أهل النار ) باطنه ( يعني باطن السور ) فيه الرحمة ( وهو مما يلي الجنة
) وظاهره ( من قبل النار ، وهو الحجاب ضرب بين أهل الجنة والنار ، وهو السور ،
والأعراف ما ارتفع من السور ، ) الرحمة ( يعني الجنة ، ) وظاهره من قبله العذاب (
[ آية : 13 ] .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 14 ) إلى الآية ( 15 ) .
الحديد : ( 14 ) ينادونهم ألم نكن . . . . .
) ينادونهم ( يعني يناديهم المنافقون من وراء السور . ) ألم نكن معكم ( في دنياكم
) قالوا بلى ( كنتم معنا في ظاهر الأمر ) ولكنكم فتنتم ( يعني أكفرتم ) أنفسكم ( بنعم
وسوف عن دينكم ) وتربصتم ( يعني بمحمد الموت ، وقلتم يوشك محمد أن يموت
فنستريح منه ) وارتبتم ( يعني شككتم في محمد أنه نبي ) وغرتكم الأماني ( عن
دينكم ، وقلتم يوشك محمد أن يموت فيذهب الإسلام فنستريح ) حتى جاء أمر الله ((3/322)
صفحة رقم 323
الموت ) وغركم بالله الغرور ) [ آية : 14 ] يعني الشياطين
الحديد : ( 15 ) فاليوم لا يؤخذ . . . . .
) فاليوم ( في الآخرة ) لا يؤخذ منكم ( معشر المنافقين ) فدية ولا من الذين كفروا ( بتوحيد الله تعالى يعني مشركي
العرب ) مأواكم النار ( يعني مأوى المنافقين والمشركين في الناب ) هي مولكم (
يعني وليكم ) وبئس المصير ) [ آية : 15 ] وذلك أنه يعطي كل مؤمن كافر ، فيقال : هذا
فداؤك من النار ، فذلك قوله : ( لا يؤخذ منكم فدية ( يعني من المنافقين ، ولا من
الذين كفروا ، إنما تؤخذ الفدية من المؤمنين .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 16 ) فقط .
الحديد : ( 16 ) ألم يأن للذين . . . . .
قوله : ( ألم بأن ( نزلت في المنافقين بعد الهجرة بستة أشهر ، وذلك أنهم سألوا
سلمان الفارسي ذات يوم ، فقالوا :
حدثنا عما في التوراة ، فإن فيها العجائب ، فنزلت :
( آلر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلنا قرآناً عربياً لعلكم تعقلون نحن نقص عليك
أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ) [ يوسف : 1 - 3 ] . يخبرهم أن القرآن
أحسن من غيره ، يعني أنفع لهم فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا فسألوا
سلمان ، فقالوا : حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب ، فنزلت : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ( يعني القرآن
) ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) [ الزمر : 23 ] ، فكفوا عن سؤال سلمان ما
شاء الله .
ثم عادوا أيضاً فسألوا : فقالوا حدثنا عما في التوراة ، فإن فيها العجائب ، فأنزل الله
تعالى : ( ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ( يعني المنافقين يقول : ألم ينل ،
ويقال : لم يحن ، للذين أقروا باللسان وأقروا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ، يقول : أن ترق
قلوبهم لذكر الله عز وجل ، وهو القرآن يعني إذا ذكر الله ) وما نزل من الحق ( يعني
القرآن ، يعني وعظهم ، فقال : ( ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب ( في القساوة ) من قبل ( من قبل أن يبعث النبي ) فطال عليهم الأمد ( يعني طول الأجل ، وخروج
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان المنافقون لا ترق قلوبهم لذكر الله ) فقست قلوبهم ( فلم تلن ) وكثيرٌ منهم
فسقون ) [ آية : 16 ] .(3/323)
صفحة رقم 324
تفسير سورة الحديد من الآية ( 17 ) فقط .
الحديد : ( 17 ) اعلموا أن الله . . . . .
قوله : ( اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الأيات ( يعني بالآيات النبت
) لعلكم تعقلون ) [ آية : 17 ] يقول : لكي تعقلوا وتتفكروا في أمر البعث .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 18 ) إلى الآية ( 19 ) .
الحديد : ( 18 ) إن المصدقين والمصدقات . . . . .
قوله : ( إن المصدقين ( من أموالهم ) والمصدقات ( نزلت في أبي الدحداح
الأنصاري ، وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر الناس بالصدقة ورغبهم في ثوابها ، فقال أبو
الدحداح الأنصاري : يا رسول الله ، فإني قد جعلت حديقتي صدقة لله ولرسوله ، ثم جاء
إلى الحديقة ، وأم الدحداح في الحديقة ، فقال : يا أم الدحداح ، إني قد جعلت حديقتي
صدقة لله ولرسوله ، فخذي بيد صبيتاه فأخرجيهم من الحائط ، فلما أصابهم حر الشمس
بكوا ، فقالت أمهم : لا تبكوا فإن أباكم قد باع حائطه من ربه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :
كم من نخلة مذلاً عذوقها قد رأيتها لأبي الدحداح في الجنة ' ، فنزلت فيه : ( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا ( يعني محتسباً طيبة بها نفسه ) يضاعف لهم ولهم أجر كريم ) [ آية : 18 ] يعني جزاء حسناً في الجنة .
الحديد : ( 19 ) والذين آمنوا بالله . . . . .
فقال الفقراء : ليس لنا أموال نجاهد بها ، أو نتصدق بها ، فأنزل الله تعالى : ( والذين
ءامنوا ( يعني صدقوا ) بالله ( بتوحيد الله تعالى ) ورسله ( كلهم ) أؤلئك هم
الصديقون ( بالله وبالرسل ولم يشكوا فيهم ساعة ، ثم استأنف ، فقال : ( والشهداء (
يعني من استشهد منهم ) عند ربهم لهم أجرهم ( يعني جزاؤهم وفضلهم ) ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ( يعني بالقرآن ) أؤلئك أصحاب الجحيم ) [ آية : 19 ]
يعني ما عظم من النار .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 20 ) فقط .
الحديد : ( 20 ) اعلموا أنما الحياة . . . . .
) اعلموا أنما الحياة الدنيا ( زهدهم في الدنيا لكي لا يرغبوا فيها ، فقال : ( لعبٌ ولهوٌ(3/324)
صفحة رقم 325
وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد ( والمنازل والمراكب فمثلها ومثل من
يؤثرها على الآخرة ) كمثل غيثٍ ( يعني المطر ينبت منه المراعي ) أعجب الكفار نباته
ثم يهيج فتراه مصفراًّ ( فينما هو أخضر إذ تراه مصفرا ) ثم يكون حطاماً ( هالكاً لا
ينبت فيه ، فكذلك من يؤثر الدنيا على الآخرة ، ثم يكون له : ( وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ ) ) ثم قال ( ( ومغفرةٌ من الله ورضوانٌ ) ) للمؤمنين ( ( وما الحيوة الدنيا إلا متعٌ الغرور (
[ آية : 20 ] الفاني .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 21 ) فقط .
الحديد : ( 21 ) سابقوا إلى مغفرة . . . . .
قوله : ( سابقوا ( بالأعمال الصالحة وهي الصلوات والخمس ) إلى مغفرةٍ من ربكم (
لذنوبكم ) وجنةٍ عرضها كعرض السماء والأرض ( يعني السماوات السبع والأرضين السبع
لو ألصقت السماوات السبع بعضها إلى بعض ، ثم ألصقت السماوات بالأرضين لكانت
الجنان في عرضها جميعاً ، ولم يذكر طولها ) أعدت للذين ءامنوا بالله ( يعني صدقوا
بتوحيد الله عز وجل ) ورسله ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنه نبي يقول الله تعالى : ( ذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء ( من عباده فيخصهم بذلك ) والله ذو الفضل العظيم ) [ آية : 21 ] .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 22 ) فقط .
الحديد : ( 22 ) ما أصاب من . . . . .
) ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ( من قحط المطر ، وقلة النبات ، ونقص الثمار ، ) ولا
في أنفسكم ( يقول :
ما أصاب هذه النفس من البلاء وإقامة الحدود عليها ) إلا في
كتابٍ ( مكتوب يعني اللوح المحفوظ ) من قبل أن نبرأها ( يعني من قبل أن يخلق
هذه النفس ) إن ذلك ( الذي أصابها في كتاب يعني اللوح المحفوظ أن ذلك ) على
الله يسيرٌ ) [ آية : 22 ] يقول : هين على الله تعالى .
وبإسناده مقاتل ، قال :
حدثني عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، قال :
خلق الله تعالى
اللوح المحفوظ مسيرة خمس مائة عام في خمس مائة عام ، وهو من درة بيضاء صفحتاه من
ياقوت أحمر كلامه نور ، وكتابه النور والقلم من نور طوله خمس مائة عام .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 23 ) فقط .(3/325)
صفحة رقم 326
الحديد : ( 23 ) لكي لا تأسوا . . . . .
قوله : ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ( من الخير والغنيمة ) ولا تفرحوا بما
إتتكم ( من الخير فتختالوا وتفخروا ، فذلك قوله : ( والله لا يحب كل مختال فخور ) [ آية : 23 ] يعني متكبر عن عبادة الله عز وجل فخور في نعم الله تعالى لا
يشكر .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 24 ) فقط .
الحديد : ( 24 ) الذين يبخلون ويأمرون . . . . .
ثم قال : ( الذين يبخلون ( يعني رؤوس اليهود يبخلون بخلوا بأمر محمد ( صلى الله عليه وسلم )
وكتموه ليصيبوا الفضل من اليهود من سفلتهم ) ويأمرون الناس بالبخل ( يقول :
ويأمرون الناس بالكتمان والناس في هذه الآية اليهود أمروهم بكتمان أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم )
) ومن يتول ( يعني ومن أعرض عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فبخل ) فإن الله هو الغني الحميد (
[ آية : 24 ] غني عما عندكم حميد عند خلقه .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 25 ) إلى الآية ( 26 ) .
الحديد : ( 25 ) لقد أرسلنا رسلنا . . . . .
قوله : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ( يعني بالآيات ) وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ( يعني العدل ) ليقوم الناس ( يعني لكي يقوم الناس ) بالقسط ( يعني
بالعدل ) وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ( يقول : من أمري كان الحديد فيه بأس شديد
للحرب ) ومنافع للناس ( في معايشهم ) وليعلم الله ( يعني ولكي يرى الله ) من ينصره ( على عدوه ) و ( ينصر ) ورسله ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : وحده فيعينه على أمره
حتى يظهر ولم يره ) بالغيب إن الله قوي ( في أمره ) عزيز ) [ آية : 25 ] في ملكه
الحديد : ( 26 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
) ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة ( فهم خمسة وعشرون نبياً
) والكتاب ( يعني الكتب الأربعة منهم إسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، وأيوب ،
وهو من ولد العيص ، والأسباط وهم اثنا عشر منهم روبيل ، وشمعون ، ولاوي ، ويهوذا ،
ونفتولن ، وزبولن ، وحاد ، ودان ، وأشر ، واستاخر ، ويوسف ، وبينامين ، وموسى ،
وهارون ، وداود ، وسليمان ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، التوراة ، والإنجيل ،(3/326)
صفحة رقم 327
والزبور ، والفرقان ، فهذه الكتب ) فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) [ آية : 26 ]
يعني عاصين .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 27 ) إلى الآية ( 28 ) .
الحديد : ( 27 ) ثم قفينا على . . . . .
) ثم قفينا ( يعني اتبعنا ) علىءاثرهم ( من بعدهم يعني من بعد نوح وإبراهيم
وذريتهما ) برسلنا ( في الأمم ) وقفينا بعيسى ابن مريم ( يقول : واتبعنا بعيسى ابن
مريم ) وءاتيناه ( يعني وأعطيناه ) الإنجيل ( في بطن أمه ) وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه ( يعني اتبعوا عيسى ) رأفة ورحمة ( يعني المودة ، كقوله : ( رحماء بينهم ) [ الفتح : 29 ] ، يقول : متوادين بعضهم لبعض جعل الله ذلك في قلوب المؤمنين
بعضهم لبعض .
ثم استأنف الكلام ، فقال : ( ورهبانية ابتدعوها ( وذلك أنه لما كثر المشركون وهزموا
المؤمنين وأذلوهم بعد عيسى ابن مريم ، واعتزلوا واتخذوا الصوامع فطال عليهم ذلك ،
فرجع بعضهم عن دين عيسى ، عليه السلام ، وابتدعوا النصرانية ، فقال الله عز وجل :
( ورهبانية ابتدعوها ( تبتلوا فيها للعبادة في التقديم ) ما كتبناها عليهم ( ولم نأمرهم
بها ) إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها ( يقول : لم يرعوا ما أمروا به يقول :
فما أطاعوني فيها ، ولا أحسنوا حين تهودوا وتنصروا ، وأقام أناس منهم على دين
عيسى ، عليه السلام ، حتى أدركوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) فأمنوا به وهم أربعون رجلاً اثنان وثلاثون
رجلاً من أرض الحبشة ، وثمانية من أرض الشام ، فهم الذين كنى الله عنهم ، فقال :
( فئاتينا الذين ءامنوا ( يقول : أعطينا الذين آمنوا ) منهم أجرهم ( يعني صدقوا يعني جزاءهم وهو الجنة .
قال : ( وكثير منهم فاسقون ) [ آية : 27 ] يعني الذين تهودوا ، وتنصروا فجعل الله
تعالى لمن آمن بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل الإنجيل أجرهم مرتين بإيمانهم بالكتاب الأول ، وكتاب
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فافتحروا على أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك ، فقالوا : نحن أفضل منكم في الأجر(3/327)
صفحة رقم 328
لنا أجران بإيماننا بالكتاب الأول ، والكتاب الآخر الذي جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فشق على
المسلمين ، فقالوا : ما بالنا قد هاجرنا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وآمنا به قبلكم ، وغزونا معه ، وأنتم لم
تغزو ، فأنزل الله تعالى :
الحديد : ( 28 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله ( يعني وحدوا الله ) وءامنوا
برسوله ( يقول : صدقوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنه نبي رسول ) يؤتكم كفلين ( يعني أجرين
) من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ( يعني تمرون به على الصراط إلى الجنة نوراً
تهتدون به ) ويغفر لكم ( ذنوبكم ) والله غفور ( لذنوب المؤمنين ) رحيم ) [ آية :
28 ] بهم .
تفسير سورة الحديد من الآية ( 29 ) فقط .
الحديد : ( 29 ) لئلا يعلم أهل . . . . .
) لئلا يعلم ( يعني لكيلا يعلم ) أهل الكتاب ( يعني مؤمني أهل الإنجيل هؤلاء
الأربعون رجلاً ) ألا يقدرون على شئٍ من فضل الله ( وهو الإسلام إلا برحمته ) وأن الفضل بيد الله ( الإسلام ) يؤتيه من يشاء ( من عباده ) والله ذو الفضل العظيم ) [ آية :
29 ] فأشرك المؤمنين في الكفلين مع أهل الإنجيل .
قوله : ( ما كتبناها عليهم ) [ الحديد : 28 ] يقول : ما أمرناهم بها ، كقوله :
( ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ) [ المائدة : 21 ] يعني التي أمركم الله
تعالى .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن المسيب ، عن أبي روق في
قوله : ( فما رعوها حق رعايتها ( يقول : ما وحدوني فيها .(3/328)
صفحة رقم 329
58
سورة المجادلة
مدنية ، عددها اثنتان وعشرون آية كوفى
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 1 ) فقط .
المجادلة : ( 1 ) قد سمع الله . . . . .
قوله : ( قد سمع الله قول التي تجادلك ( يعني تكلمك ) في زوجها وتشتكي ( يغنى
وتضرع ) إلى الله والله يسمع تجاوركما ( يعني خولة ، امرأة أوس بن الصامت ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم )
) إن الله سميع ( تحاوركما ) بصير ) [ آية : 1 ] وذلك
أن خولة بنت ثعلبة بن مالك بن
أحرم الأنصاري ، من بني عمرو بن عوف بن الخزرج ، كانت حسنة الجسم ، فرآها
زوجها ساجدة في صلاتها ، فلما انصرفت أرادها زوجها فأبت عليه ، فغضب ، فقال :
أنت علي كظهر أمي ، واسمه أوس بن الصامت ، أخو عبادة بن الصامت بن قيس بن
أحرم الأنصاري ، فأتت خولة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالت : إن زوجي ، يا رسول الله ، تزوجني وأنا
شابة ، ذات مال ، وأهل ، حتى إذا أكل مالي ، وأفنى شبابي ، وكبرت سني ، ووهى
عظمي ، جعلني عليه كظهر أمه ، ثم ندم ، فهل من شئ يجمعني وإياه ، فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم )
عنها ، وكان الظهار ، والإيلاء ، وعدد النجوم من طلاق الجاهلية ، فوقت الله تعالى في
الإيلاء أربعة أشهر ، وجعل في الظهار الكفارة ، ووقت من عدد النجوم ثلاث تطليقات .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 2 ) فقط .
المجادلة : ( 2 ) الذين يظاهرون منكم . . . . .
فأنزل الله تعالى : ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهتهم إلا التي
ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول ( يعني الظهار والمنكر من القول الذي لا يعرف
) وزورا ( يعني كذباً ) وإن الله لعفو ( يحبن لم يعاقبه ) غفور ) [ آية : 2 ] له لتحريمه
الحلال .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 3 ) إلى الآية ( 4 )(3/329)
صفحة رقم 330
المجادلة : ( 3 ) والذين يظاهرون من . . . . .
) والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ( يعني يعودون للجماع الذي حرموه
على أنفسهم ) فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ( يعني الجماع ) ذلكم توعظون به (
فوعظهم الله في ذلك ) والله بما تعملون ( من الكفارة ) خبير ) [ آية : 3 ] به .
قال أبو محمد :
سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول : ( ثم يعودون لما قالوا ( يعني
لنقض ما عقدوا من الحلف
المجادلة : ( 4 ) فمن لم يجد . . . . .
) فمن لم يجد ( التحرير ) فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ( يعني الجماع ) فمن لم يستطع ( الصيام ) فإطعام ستين مسكينا ( لكل
مسكين نصف صاع حنطة ) ذلك ( يعني هذا الذي ذكر من الكفارة ) لتؤمنوا بالله (
يقول : لكي تصدقوا بالله ) ورسوله ( إن الله قريب إذا دعوتموه في أمر الظهار ،
وتصدقوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيما قال لكم من الكفارة حين جعل لكم مخرجاً ، ) لتؤمنوا بالله ورسوله ( ، يعني تصدقوا بالله ورسوله ) وتلك حدود الله ( يعني سنة الله وأمره في كفارة الظهار ، فلما نزلت هذه الآية دعا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) زوجها ، فقال : ' ما حملك على ما
قلت ' ؟ قال : الشيطان ، فهل لي من رجعة تجمعني وإياها ؟ قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' نعم ، هل
عندك تحرير رقبة ' ؟ قال : لا ، إلا أن تحيط بمالي كله ، قال : ' فتستطيع صوماً ، فتصوم
شهرين متتابعين ' ؟ قال : يا رسول الله ، إني إذا لم آكل في اليوم مرتين ، أو ثلاث مرات
اشتد على وكل بصري ، وكان ضرير البصر ، قال : ' فهل عندك إطعام ستين مسكيناً ' ؟
قال : لا ، إلا بصلة منك وعون ، فأعانه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، بخمسة عشر صاعاً ، وجاء هو بمثل
ذلك فتلك ثلاثون صاعاً من تمر لكل مسكين نصف صاع ، ذلكم يعني أمر الكفارة
توعظون به ، فوعظهم الله تعالى في أمر الكفارة والله بما تعملون خبير ، ) وتلك حدود الله ( ، يعني سنة الله ) وللكفرين ( من اليهود والنصارى ) عذاب أليم ) [ 4 ] .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 5 ) فقط .
المجادلة : ( 5 ) إن الذين يحادون . . . . .
قوله : ( إن الذين يحادون الله ( يعني يعادون الله ) ورسوله كبتوا كما كبت ( يعني أخزوا
كما أخزى ) الذين من قبلهم ( من الأمم الخالية ) وقد أنزلنا ءاياتٍ بيناتٍ ( يعني القرآن(3/330)
صفحة رقم 331
فيه البيان أمره ونهيه ) وللكافرين عذاب مهين ) [ آية : 5 ] نزلت في اليهود والمنافقين
) مهين ( يعني الهوان .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 6 ) فقط .
المجادلة : ( 6 ) يوم يبعثهم الله . . . . .
قوله : ( يوم يبعثهم الله جميعا ( الأولين والآخرين نزلت في المنافقين في أمر المناجاة
) فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه ( يقول : حفظ الله أعمالهم الخبيثة ، ونسوا هم
أعمالهم ) والله على كل شئٍ ( من أعمالهم ) شهيد ) [ آية : 6 ] يعني شاهده .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 7 ) فقط .
المجادلة : ( 7 ) ألم تر أن . . . . .
قوله : ( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ( يقول : أحاط علمه بذلك كله
) ما يكون من نجوى ثلاثة ( يعني نفر ثلاثة ) إلا هو رابعهم ( يعني علمه معهم إذا
تناجوا ) ولا خمسة إلا هو سادسهم ( يعني علمه معهم ) ولا أدنى من ذلك ( يعني ولا
أقل من ثلاث نفر وهما اثنان ) ولا أكثر ( من خمسة نفر ) إلا هو ( يعني إلا وعلمه
) معهم أين ما كانوا ( من الأرض ) ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيمة ( يعني بما يتناجون فيه
) إن الله بكل شئٍ ( من أعمالهم ) عليم ) [ آية : 7 ] .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 8 ) فقط .
المجادلة : ( 8 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى (
يعني اليهود كان بينهم وبين محمد ( صلى الله عليه وسلم )
موادعة ، فإذا رأوا رجلاً من المسلمين وحده يتناجون بينهم ، فيظن المسلم أنهم يتناجون
بقتله ، أو بما يكره ، فيترك الطريق من المخافة ، فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فنهاهم عن النجوى ،
فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى ، فقال الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما ( للذي ) نهوا عنه ويتنجون بالإثم ( يعني بالمعصية ) والعدوان ( يعني الظلم
) ومعصيت الرسول ( يعني حين نهاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن النجوى فعصوه .(3/331)
صفحة رقم 332
ثم أخبر عنهم ، فقال : ( وإذا جاءوك حيوك ( يعني كعب بن الأشرف ، وحيى بن
أخطب ، وكعب بن أسيد ، وأبو ياسر ، وغيرهم ) حيوك لم يحيك به الله ( يعني اليهود ،
قالوا : انطلقوا بنا إلى محمد ، فنشتمه علانية كما نشتمه في السر ، فقالوا : السام ، يعنون
بالسام السآمة والفترة ، ويقولون :
تسأمون يعني تتركون دينكم ، فقالت عائشة ، رضي الله
عنها : عليكم السام ، والذام ، والفان ، يا إخوان القردة والخنازير ، فكره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قول
عائشة ، وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' مهلاً يا عائشة ، عليك بالرفق ، فإنه ما وضع في شئ إلا زانه ،
ولا نزع من شئ إلا شانه ' ، فقال جبريل ، عليه السلام : إنه لا يسلمون عليك ولكنهم
يشتمونك ، فلما خرجت اليهود من عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال بعضهم لبعض : إن كان محمد لا
يعلم ما نقول له ، فالله يعلمه ، ولو كان نبياً لأعلمه الله ما نقول ، فذلك قوله : ( ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ( لنبيه وأصحابه يقول الله ) حسبهم جهنم ( شدة
عذابها ) يصلونها فبئس المصير ) [ آية : 8 ] يعني بئس المرجع إلى النار .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 9 ) فقط .
المجادلة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا إذا تناجيتم ( يعني الذين أقروا باللسان ، وهم المنافقون منهم عبد
الله بن أبي ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وغيرهم ،
كان نجواهم أنهم كانوا يخبرون
عن سرايا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما يشق على من أقام من المؤمنين ، وبلغنا أن ذلك كان في سرية
جعفر بن أبي طالب ، وزيد بن حارثة ، وعبد الله بن رواحة ، قتلوا يوم مؤتة ، ولعل حميم
أحدهم في السرية ، فإذا رأوه تناجوا بينهم فيظن المسلم أن حميمه قد قتل فيحزن ، لذلك ،
فنهاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن النجوى ) فلا تتنجوا بالإثم والعدوان ( يعني المعصية والظلم
) ومعصيت الرسول ( لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان نهاهم عن ذلك ، ثم قال ) وتنجوا بالبر والتقوى (
يعني الطاعة ، وترك المعصية ، ثم خوفهم فقال : ( واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) [ آية : 9 ]
بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 10 ) فقط .
المجادلة : ( 10 ) إنما النجوى من . . . . .
ثم قال : ( إنما النجوى ( يعني نجوى المنافقين ) من ( تزيين ) الشيطان ليحزن الذين
ءامنوا وليس بضارهم إلا بإذن الله ( يعني إلا يأذن الله في ضره ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) [ آية : 10 ] يعني بالله فليثق المصدقون .(3/332)
صفحة رقم 333
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 11 ) فقط .
المجادلة : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس ( وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جلس في
صفة ضيقة ، ومعه أصحابه فجاء نفر من أهل بدر ، منهم ، ثابت بن قيس بن شماس
الأنصاري ، فسلموا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فرد عليهم ، ثم سلموا على القوم ، فردوا عليهم ،
وجعلوا ينتظرون ليوسع لهم فلم يفعلوا ، فشق قيامهم على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكان يكرم أهل
بدر وذلك يوم الجمعة ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قم يا فلان ، وقم يا فلان ، لمن لم يكن من
أهل بدر ، جدد القيام من أهل بدر ، فعرف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الكراهية في وجه من أقيم منهم ،
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : رحم الله رجلاً تفسح الأخيه ، فجعلوا يقومون لهم بعد ذلك ، فقال
المنافقون للمسلمين : أتزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس ، فوالله ما عدل على هؤلاء ،
إن قوماً سبقوا فأخذوا مجلسهم وأحبوا قربه فأقامهم ، وأجلس من أبطأ عن الخير ، فوالله
إن أمر صاحبكم كله فيه اختلاف ، فأنزل الله تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم
تفسحوا في المجالس ( يعني أوسعوا في المجالس ) فافسحوا ( يقول أوسعوا ) يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا ( يقول : وإذا قال لكم نبيكم : ارتفعوا عن المجلس فارتفعوا
فإن الله يأجركم إذا أطعتم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال : ( يرفع الله الذين ءامنوا منكم ( يعني أهل
بدر ) و ( يرفع الله ) والذين أوتوا العلم ( منكم فيها تقديم يعني بالقرآن ) درجات (
يعني الفضائل إلى الجنة على من سواهم ممن لا يقرأ القرآن من المهاجرين والتابعين ) والله بما تعملون خبير ) [ آية : 11 ] في أمر المجلس وغيره .
حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا الهذيل ، قال مقاتل بن سليمان : إذا انتهى المؤمنون
إلى باب الجنة ، يقال للمؤمن الذي ليس بعالم : أدخل الجنة بعملك الصالح ، ويقال للعالم
قم على باب الجنة ، فاشفع الناس .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 12 ) إلى الآية ( 13 ) .(3/333)
صفحة رقم 334
المجادلة : ( 12 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) فقدموا بين يدي نجوكم صدقةً (
يعني الصدقة ) ذلك خير لكم ( من إمساكه ) وأطهر ( لذنوبكم ؛ نزلت في الأغنياء
) فإن لم تجدوا ( الصدقة على الفقراء ) فإن الله غفور رحيم ) [ آية : 12 ] لمن لا يجد
الصدقة ، وذلك أن الأغنياء كانوا يكثرون مناجأة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويغلبون الفقراء على مجالس
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم ، فلما أمرهم بالصدقة
عند المنأجاة انتهو عند ذلك ، وقدرت الفقراء على كلام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومجالسته ولم يقدم
أحد من أهل الميسرة بصدقة غير علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قدم ديناراً ، وكلم
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عشر كلمات فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى أنزل الله تعالى :
المجادلة : ( 13 ) أأشفقتم أن تقدموا . . . . .
) ءأشفقتم ( يقول أشق
عليكم ) أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ( يعني أهل الميسرة ولو فعلتم لكان خيراً لكم
) فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ( يقول وتجاوز الله عنكم ) فأقيموا الصلاة ( لمواقيتها
) وءاتوا الزكوة ( لحينها ) وأطيعوا لله ورسوله ( فنسخت الزكاة الصدقة التي كانت عند
المناجاة ) والله خبير بما تعملون ) [ آية : 13 ] .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 14 ) إلى الآية ( 17 ) .
المجادلة : ( 14 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله : ( ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ( يقول ألم تنظر يا محمد إلى الذين
ناصحوا اليهود بولايتهم فهو عبد الله بن نتيل المنافق ، يقول الله تعالى : ( ما هم ( يعني
المنافقين عند الله ) منكم ( يا معشر المسلمين ) ولا منهم ( يعني من اليهود في الدين
والولاية فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لعبد الله بن نتيل : ' إنك تواد اليهود ' فحلف عبد الله بالله إنه لم
يفعل وأنه ناصح ، فأنزل الله تعالى : ( ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ) [ آية : 14 ] أنهم
كذبة
المجادلة : ( 15 ) أعد الله لهم . . . . .
) أعد الله لهم ( في الآخرة ) عذابا شديدا إنهم ساء ( يعني بئس ) ما كانوا يعملون ) [ آية : 15 ]
المجادلة : ( 16 ) اتخذوا أيمانهم جنة . . . . .
) اتخذوا أيمانهم ( يعني حلفهم ) جنة ( من القتل ) فصدوا (
الناس ) عن سبيل الله ( يعني دين الله الإسلام ) فلهم عذاب مهين ) [ آية : 16 ] فقال
رجل من المنافقين : إن محمد يزعم أنا لا ننصر يوم القيامة ، لقد شقينا إذاً ، إنا لأذل من
البعوض ، والله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا إن كانت قيامة ، فأما اليوم
فلا نبهذلها ، وكلن نبذلها يؤمئذٍ لكي ننصر ، فأنزل الله تعالى :
المجادلة : ( 17 ) لن تغني عنهم . . . . .
) لن تغني عنهم أموالهم ولا(3/334)
صفحة رقم 335
أولدهم من الله شيئاً ) ) يوم القيامة ( ( أؤلئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ آية : 17 ] يعني
مقيمين في النار لا يموتون .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 18 ) إلى الآية ( 19 ) .
المجادلة : ( 18 ) يوم يبعثهم الله . . . . .
قوله : ( يوم يبعثهم الله جميعاً ( يعني المنافقين ) فيحلفون له كما يحلفون لكم ( وذلك أنهم
كانوا إذ قالوا شيئاً أو عملوا شيئاً وأرادوه ، سألهم المؤمنون عن ذلك ، فيقولون : والله لقد
أردنا الخير فيصدقهم المؤمنون بذلك ، فإذا كان يوم القيامة سئلوا عن أعمالهم الخبيثة
فاستعانوا بالكذب كعادتهم في الدنيا فذلك قوله يحلفون لله في الآخرة كما يحلفون لكم
في الدنيا ) ويحسبون أنهم على شئٍ ( من الدين فلن يغني عنهم ذلك من الله شيئاً ) ألا
إنهم هم الكذبون ) [ آية : 18 ] في قولهم
المجادلة : ( 19 ) استحوذ عليهم الشيطان . . . . .
) استحوذ عليهم الشيطان ( يقول غلب عليهم
الشيطان ) فأنسهم ذكر الله أؤلئك حزب ( يعني شيعة ) الشيطان ألا إن حزب ( يعني شيعة
) الشيطان هم الخاسرون ) [ آية : 19 ] .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 20 ) إلى الآية ( 21 ) .
المجادلة : ( 20 ) إن الذين يحادون . . . . .
قوله : ( إن الذين يحادون الله ( يعني يعادون الله ) ورسوله أؤلئك في الأذلين ) [ 20 ]
يعني في الهالكين
المجادلة : ( 21 ) كتب الله لأغلبن . . . . .
) كتب الله ( يعني قضى الله ) لأغلبن أنا ورسلي ( يعني النبي
( صلى الله عليه وسلم ) ، وذلك أن المؤمنين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
لئن فتح الله علينا مكة ، وخيبر وما حولها فنحن
نرجو أن يظهرنا الله ما عاش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على أهل الشام وفارس والروم . فقال عبد الله بن
أبي المسلمين : أتظنون بالله أن أهل الروم وفارس كبعض أهل هذه القوى التي غلبتموهم
عليها ، كلا والله لهم أكثر جمعاً ، وعدداً ، فأنزل الله تعالى في قول عبد الله بن أبي : ( ولله
جنود السموات والأرض ) [ الفتح : 4 ] وأنزل : ' كتب الله كتاباً وأمضاه ' لأغلبن أنا
ورسلي ' يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ) إن الله قويٌّ عزيزٌ ) [ آية : 21 ] يقول أقوى ، وأعز
من أهل الشام والروم وفارس .
تفسير سورة المجادلة من الآية ( 22 ) فقط .(3/335)
صفحة رقم 336
المجادلة : ( 22 ) لا تجد قوما . . . . .
وقوله : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر ) يعني يصدقون بالله أنه واحد لا
شريك له ، ويصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ) يوادون من حاد الله ورسوله (
يعني يناصحون من عادى الله ورسوله ، نزلت في حاطب بن أبي بلتعة العلمي حين
كتب إلى أهل مكة ، ) ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم
أؤلئك ( الذين لم يفعلوا ذلك ) كتب ( يقول جعل ) في قلوبهم الإيمان ( يعني
التصديق نظيرها في آل عمران : ( فاكتبنا مع الشاهدين ) [ الآية : 53 ] يعني فاجعلنا مع
الشاهدين ، وقال أيضاً في الأعراف : ( فسأكتبها للذين يتقون ) [ الآية : 156 ] يعني
فسأجعلها ) وأيدهم بروحٍ منه ( يقول قولهم برحمة من الله عجلت لهم في الدنيا
) ويدخلهم ) ) في الآخرة ( ( جناتٍ ( يعني بساتين ) تجري من تحتها الأنهار ( مطردة
) خالدين فيها ( يعني مقيمن في الجنة لا يموتون ) رضي الله عنهم ( بأعمالهم الحسنة
) ورضوا عنه ( يعني عن الله بالثواب والفوز ) أؤلئك ( الذين ذكر ) حزب الله (
يعني شيعة الله ) ألا إن حزب الله ( يعني ألا أن شيعة الله ) هم المفلحون ) [ آية :
22 ] يعني الفائزين .(3/336)
صفحة رقم 337
59
سورة الحشر
مدنية عددها أربع وعشرون آية كوفي
تفسير سورة الحشر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 2 ) .
الحشر : ( 1 ) سبح لله ما . . . . .
) سبح لله ما في السماوات وما في الأرض ( يقول ذكر الله ما في السموات من الملائكة ،
وما في الأرض من الخلق ) وهو العزيز ( في ملكه ) الحكيم ) [ آية : 1 ] في أمره
الحشر : ( 2 ) هو الذي أخرج . . . . .
) هو الذي أخرج الذين كفروا ( يعني يهود بني النضير ) من أهل الكتاب ( بعد قتال أحد أخرجهم ) من ديارهم لأول الحشر ( يعني القتال والحشر الثاني للقيامة ، وهو الجلاء من
المدينة إلى الشام وأذرعات ) ما ظننتم ( يقول للمؤمنين ما حسبتم ) أن يخرجوا وظنوا ( يعني وحسبوا ) أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتهم الله من حيث لم يحتسبوا (
يعني من قبل قتل كعب بن الأشرف ، ثم قال : ' ) وقذف في قلوبهم الرعب ( بقتل كعب بن
الأشرف أرعبهم الله بقتله لأنه كان رأسهم وسيدهم قتله محمد بن مسلمة الأنصاري ،
وكان أخاه من الرضاعة وغيره ، وكان محمد ليلة قتل كعب بن الأشرف أخو محمد بن
سلمة ، وأبو ليل ، وعتبة كلهم من الأنصار .
قوله : ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ( وذلك
أن المنافقين دسوا وكتبوا إلى
اليهود ألا يخرجوا من الحصن ، وأن يدبروا على الأزقة وحصونها ، فإن قاتلتم محمداً فنحن
معكم لا نخذلكم ولننصرنكم ، ولئن أخرجتم لنخرجن معكم ، فلما سار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إليهم
وجدهم ينوحون على كعب بن الأشرف ، قالوا : يا محمد ، واعية على أثر واعية ، وباكية
على أثر باكية ، وناتحة أعلى ناتجة ، قال : نعم ، قالوا : فذرنا نبكي شجونا ، ثم ناتمر لأمرك ،
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : أخرجوا من المدينة ، قالوا : الموت أقرب إلينا من ذلك ، فنادوا الحرب ،(3/337)
صفحة رقم 338
واقتتلوا وكان المؤمنون إذا ظهروا على درب من دروبهم تأخروا إلى الذي يليه فتقبوه من
دبره ، ثم حصنوها ويخرب المسلمون ما ظهروا عليه من نقض بيوتهم ، فيبتون دورباً ،
على أفواه الأزقة ، فذلك قوله : يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) فاعتبروا يا أولي الأبصار ) [ آية : 2 ] يعني المؤمنين أهل البصيرة في أمر الله ، وأمر النضير .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 3 ) إلى ( 5 ) .
الحشر : ( 3 ) ولولا أن كتب . . . . .
ثم قال : ( ولولا أن كتاب الله ( يعني قضى الله ، نظيرها في المجادلة قوله : ( كتب الله لأغلبن ) [ الآية : 21 ] يعني قضى الله ) عليهم الجلاء ( من المدينة ) لعذبهم في الدنيا ( بالقتل بأيديكم ) ولهم في الآخرة عذاب النار ) [ آية : 3 ]
الحشر : ( 4 ) ذلك بأنهم شاقوا . . . . .
) ذلك ( الذي نزل
بهم من الجلاء ) بأنهم شاقوا الله ورسوله ( يعني عادوا الله ورسوله ) ومن يشاق الله (
ورسوله يعني ومن يعادي الله ورسوله ) فإن الله شديد العقاب ) [ آية : 4 ] إذا عاقب ،
نظيرها في هود : ( لا يجرمنكم شقاقي ) [ الآية : 89 ] يعني عداوتي ) وليخزي الفاسقين ) [ الحشر : 5 ] يعني وليهن اليهود وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر بقطع ضرب من
النخيل من أجود التمر يقال له اللين شديد الصفرة ترى النواة من اللحى من أجود التمر
بغيب فيه الضرس ، والنخلة أحب إلى أحدهم من وضيف ، فجزع أعداء الله لما رأوا ذلك
الضرب من النخيل يقطع ، فقالوا : يا محمد ، أوجدت فيما أنزل الله عليك الفساد في
الأرض أو الإصلاح في الأرض ، فأكثروا القول ووجد المسلمون ذمامة من قطعهم
النخيل خشية أن يكون فساداً .
الحشر : ( 5 ) ما قطعتم من . . . . .
فأنزل الله تعالى : ( ما قطعتم من لينة ( وكانوا قطعوا أربع نخلات كرام عن أمر
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غير العجوة ) أو تركتموها قائمة على أصولها ( هو كله ) فبإذن الله ( يعني
بأمر الله ) وليخزي الفاسقين ) [ آية : 5 ] لكي يخزى الفاسقين وهم اليهود بقطع النخل ،
فكان قطع النخل ذلاً لهم وهواناً .
قال أبو محمد : قال الفراء :
كل شئ من النخيل سوى العجوة فهو اللين .
قال أبو محمد : قال الفراء :
حدثني حسان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن(3/338)
صفحة رقم 339
عباس ، قال : أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بقطع النخل كله إلا العجوة ذلك اليوم فكل شئ سوى
العجوة فهو اللين .
وقال أبو محمد : وقال أبو عبيدة :
اللين ألوان النخل سوى العجوة والبرني ، واحدتها
لينة .
فلما يأس اليهود أعداء الله من عون المنافقين رعبوا رعباً شديداً بعد قتال إحد
وعشرين ليلة ، فسألوا الصلح فصالحهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على أن يؤمنهم على دمائهم وذرايهم
وعلى أن لكل ثلاثة منهم بعيراً يجعلون عليه ما شاءوا من عيال أو متاع وتعيد أموالهم فيئاً
للمسلمين ، فساروا قبل الشام إلى أذرعات وأريحا ، وكان ما تركوا من الأموال فيئاً
للمسلمين ، فسأل الناس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الخمس كما خمس يوم بدر ، ووقع في أنفسهم حين لم
يخمسا .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 6 ) فقط .
الحشر : ( 6 ) وما أفاء الله . . . . .
فأنزل الله تعالى : ( وما أفاء الله على رسوله منهم ( يعني أموال بني النضير ) فما أوجفتم عليه ( يعني على الفئ ) من خيل ولا ركاب ( يعني الإبل يقول لم تركبوا
فرساً ، ولا بعيراً ، ولكن مشيتم مشياً حتى فتحتموها ، غير أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ركب حماراً له ،
فذلك قوله : ( ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، يعنيهم ) والله على
كل شئٍ ( من النصر وفتحها ) قدير ) [ آية : 6 ] .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 7 ) فقط .
الحشر : ( 7 ) ما أفاء الله . . . . .
قوله : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ( يعني قريظة والنضير ، وخيبر ، وفدك ،
وقريتي عرينة ) فلله وللرسول ولذي القربى ( يعني قرابة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) واليتامى والمسكين وابن
السبيل كي لا يكون دولةً ( يعني يكون المال دولة ) بين الأغنياء منكم ( يعني لئلا يغلب
الأغنياء الفقراء على الفئ ، فيقسمونه بينهم ، فأعطى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الفئ للمهاجرين ، ولم
يعط الأنصار غير رجلين ، منهم سهل بن حنيف ، وسماك بن خرشة ،
أعطاهما النبي ( صلى الله عليه وسلم )
أرضاً من أرض النضير ، وإنما سموا المهاجرين لأنهم هجروا المشركين وفارقوهم ، قوله :(3/339)
صفحة رقم 340
) وما ءاتاكم الرسول ( يقول : ما أعطاكم الرسول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من الفئ ) فخذوه وما
نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله ( يخوفهم الله من المعاصي . ثم
خوفهم ، فقال : ( أن الله شديد العقاب ) [ آية : 7 ] إذا عاقب أهل المعاصي .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 8 ) فقط .
الحشر : ( 8 ) للفقراء المهاجرين الذين . . . . .
ثم ذكر الفئ فقال : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ( أخرجهم
كفار مكة ) يبتغون ( يعني يطلبون ) فضلا من الله ( يعني رزقاً من الله في الجنة
) ورضوانا ( يعني رضي ربهم ) وينصرون الله ورسوله ( محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) أؤلئك هم
الصادقون ) [ آية : 8 ] في إيمانهم وليسوا بكاذبين في إيمانهم كالمنافقين ، ثم ذكر الأنصار
فأثنى عليهم حين طابت أنفسهم عن الفئ ، إذ جعل المهاجرين دونهم .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 9 ) فقط .
الحشر : ( 9 ) والذين تبوؤوا الدار . . . . .
فقال : ( والذين تبوءو الدار ( يعني أوطنوا دار المدينة من قبل هجرة المؤمنين ، إليهم
بسنين .
ثم قال : ( والإيمان من قبلهم ( من قبل هجرة المهاجرين ، ثم قال : للأنصار : ( يحبون من هاجر إليهم ( من المؤمنين ) ولا يجدون في صدورهم ( يعني قلوبهم ) حاجة مما أوتوا ( يعني مما أعطى إخوانهم المهاجرين من الفئ ) ويؤثرون على أنفسهم ( يقول :
لا تضيق ) ولو كان بهم خصاصة ( يعني الفاقة فآثروا المهاجرين بالفئ على أنفسهم ،
ثم قال : ( ومن يوق شح نفسه ( يعني ومن يقيه الله حرص نفسه ، سعني الأنصار حين
طابت أنفسهم عن الفئ لإخوانهم ) فأؤلئك هم المفلحون ) [ آية : 9 ] فقد ذهب
صنفان المهاجرون والأنصار بقي صنف واحد ، وهم التابعون الذين دخلوا في الإسلام
إلى يوم القيامة .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 10 ) فقط .(3/340)
صفحة رقم 341
الحشر : ( 10 ) والذين جاؤوا من . . . . .
) والذين جاءوا من بعدهم ( يعني من بعد المهاجرين والأنصار ، فدخلوا في الإسلام
إلى يوم القيامة ، وهم التابعون ) يقولون ربنا اغفر لنا ولإخوننا الذين سبقونا
بالإيمان ( الماضين من المهاجرين ، والأنصار فهذا استغفار ، ثم قال التابعون : ( ولا تجعل
في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيمٌ ) [ آية : 10 ] .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 12 ) .
الحشر : ( 11 ) ألم تر إلى . . . . .
وأنزل في دس المنافقين إلى اليهود أنا معكم في النصر والخروج ، فقال ) ألم تر إلى الذين نافقوا ( نزلت في عبد الله بن نتيل ، وعبد الله بن أبي رافع بن يزيد ، كلهم من
الأنصار ) يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ( من اليهود منهم حيى بن
أخطب ، وجدي ، وأبو ياسر ، ومالك بن الضيف ، وأهل قريظة ) لئن أخرجتم ( لئن
أخرجتكم محمد من المدينة كما أخرج أهل النضير ) لتخرجن معكم ولا نطيع فيكم
أحداً ( يقول : لا نطيع في خذلانكم أحداً ) أبدا ( يعني بأحد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ) وإن قوتلتم لننصرنكم ( يعني لنقاتلن معكم .
فكذبهم الله تعالى ، فقال : ( والله يشهد إنهم لكاذبون
الحشر : ( 12 ) لئن أخرجوا لا . . . . .
لئن أخرجوا ( كم أخرج
أهل النضير من المدينة ) لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا ( يعني لئن قاتلهم المسلمون ) لا ينصرونهم ( يعني لا يعانوهم يقول الله تعالى : ( ولئن نصروهم ( يعني ولئن عاونوهم
) ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) [ آية : 12 ] فغرهم المنافقون ، فلزموا الحصن ، حتى
قتلوا وأسروا ، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى
ذراريهم ، ، فقتل منهم أربع مائة وخمسين رجلاً ، وسبى سبع مائة وخمسين رجلاً ، فذلك
قوله في الأحزاب : ( فريقا يقتلون ( يعني المقاتلة الأربع مائة وخمسين ) وتأسرون فريقا ) [ الأحزاب : 26 ] ، يعني السبع مائة .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 13 ) إلى الآية ( 15 ) .(3/341)
صفحة رقم 342
الحشر : ( 13 ) لأنتم أشد رهبة . . . . .
ثم قال ) لأنتم ( معشر المسلمين ) أشد رهبة في صدورهم من الله ( يعني قلوب
المنافقين ) ذلك بأنهم قومٌ لا يفقهون ) 6 [ آية : 13 ] فيعتبرون
الحشر : ( 14 ) لا يقاتلونكم جميعا . . . . .
) لا يقاتلونكم جميعاً
إلا في قرى محصنةٍ أو من وراء جدرٍ بأسهم بينهم شديدٌ ( يقول الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) :
( تحسبهم ( يا محمد ) جميعاً ( المنافقين واليهود ) وقلوبهم شتى ( يعني متفرقة
مختلفة ) ذلك بأنهم قومٌ لا يعقلون [ آية : 14 ] عن الله فيوحدونه
الحشر : ( 15 ) كمثل الذين من . . . . .
) كمثل الذين من قبلهم ( يعني من قبل أهل بدر ، كان قبل ذلك بسنتين ، فذلك قوله : ( قريبا ذاقوا وبال أمرهم ( يعني جزاء ذنبهم ، ذاقوا القتل ببدر ) ولهم عذاب أليم ) [ آية : 15 ] .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 16 ) إلى الآية ( 17 ) .
الحشر : ( 16 ) كمثل الشيطان إذ . . . . .
ثم ضرب مثلاً حين غروا اليهود فتبوؤا منهم عند الشدة وأسلموهم ، فقال : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ( وذلك أنه كان راهباً في بني إسرائيل اسمه برصيصاً ،
وكان في صومعته أربعين عاماً ، يعبد الله ، ولا يكلم أحداً ، ولا يشرف على أحد ، وكان
لا يكل من ذكر الله عز وجل ، وكان الشيطان لا يقدر عليه مع ذكره الله تعالى .
فقال الشيطان لإبليس :
قد غلبني برصيصاً ، ولست أقدر عليه ، فقال إبليس : اذهب ،
فانصب له ما نصبت لأبيه من قبل ، وكانت جارية ثلاثة من بني إسرائيل عظيمة الشرف
جميلة من أهل بيت صدق ، ولها إخوة فجاء الشيطان إليها ، فدخل في جوفها فخنقها
حتى ازبدت ، فالتمس إخواتها لها الأطباء ، وضربوا لها ظهراً وبطناً ويميناً وشمالاً ، فأتاهم
الشيطان في منامهم ، فقال : عليكم ببرصيصاً الراهب ، فليدع لها ، فإنه مستجاب الدعاء ،
فلما أصبحوا ، قال بعضهم لبعض : انطلقوا بأختنا إلى برصيصا الراهب ، فليدع لها ، فإنا
نرجوا البركة في دعائه ، فانطلقوا بها إليه ، فقالوا : يا برصيصاً أشرف علينا ، وكلمنا فإنا
بنو فلان ، وإنما جئنا لباب حسنة ، وأجر ، فأشرف فكلمهم وكلموه ، فلما رد عليها وجد
الشيطان خللاً فدخل في جوفه ، ووسوس إليه ، فقال : يا برصيصا هذا باب حسنة وأجر ،
تدعو الله لها فيشفيها ، فأمرهم أن يدخلوها الحربة وينطلقوا هم ، فأدخلوها الحربة
ومضوا ، وكان برصيصاً لا يتهم في بني إسرائيل ، فقال له الشيطان : يا برصيصا انزل
فضع يدك على بطنها ، وناصيتها ، وادع لها ، فما زال به حتى أنزله من صومعته ، فلما نزل
خرج منه ، فدخل في جوف الجارية فاضطربت ، وانكسفت ، فلما رأى ذلك ، ولم يكن
له عهد بالنساء وقه بها .(3/342)
صفحة رقم 343
قال الشيطان : يا برصيصا يا أعبد بني إسرائيل ما صنعت ؟ الزنا بعد العبادة يا
برصيصا ؟ إن هذه تخبر أخواتها بما أتيت لها فتفتضح في بني إسرائيل فاعمد إليها ، فاقتلها
وادفنها في التراب ، ثم اصعد إلى صومعتك ، وتب إلى الله ، وتعبد فإذا جاء أخوتها ،
فسألوا عنها ، فأخبرهم أنك دعوت لها ، وأن الجني طار عنها ، وأنهم طاروا بها ، فمن هذا
الذي يتهمك في بني إسرائيل ، فقتلها ودفنها في الحرية ، فلما جاء إخواتها ، قالوا : أين
أختنا ؟ فقال : أختكم طارت بها الجن ، فرجعوا وهم لا يتهمونه ، فأتاهم الشيطان في
المنام ، فقال : إن برصيصاً قد فضح أختكم ، فلما أصبحوا جعل كل واحد منهم يكلم
صاحبه بما رأى ، فتكلم بما رأى .
فقال الآخر :
لقد رأيت مثل ما رأيت ، فقال الثالث : مثل ذلك ، فلم يرفعوا بذلك
رأساً حتى رأوا ثلاث ليال ، فانطلقوا إلى برصيصا ، فقالوا : أين أختاً ؟ فقال : لا أدري
طارت بها الجن ، فدخلوا الخربة ، فإذا هم بالتراب ناتئ في الخربة فضربوه بأرجلهم فإذا
هم بأختهم فأتوه ، فقالوا : يا عدو الله ، قتلت أختنا ، فانطلقوا إلى ذلك فأخبروه ، فبعث
إليه فاستنزله من صومعته ، ونحتوا له خشبه ، فأوثقوه عليها فأتاه الشيطان ، فقال : أتعرفني
يا برصيصا ، قال : ى ، قال : أنا الذي أنزلتك هذه المنزلة ، فإن فعلت ما آمرك به
استنقذتك مما أنت فيه ، وأطلعتك إلى صومعتك ؟ قال : وبماذا ؟ قال : أتمثل لك في
صورتي ، فتسجد إلى سجدة واحدة وأنجيك مما هنا ؟ قال : نعم ، فتمثل له الشيطان في
صورته فسجد له وكفر بالله فانطلق الشيطان ، وتركه ، وقتل برصيصاً ، فذلك قوله :
كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر ) فلما كفر قال إني برئٌ منك إني أخاف الله رب
العالمين ) [ آية : 16 ]
الحشر : ( 17 ) فكان عاقبتهما أنهما . . . . .
) فكان عاقبتهما ( يعني الشطان والإنسان ) أنهما في النار خالدين فيها ( الشيطان والراهب ) وذلك جزؤا الظالمين ) [ آية : 17 ] يقول : هكذا ثواب
المنافقين واليهود والنار .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 18 ) فقط .
الحشر : ( 18 ) يا أيها الذين . . . . .
ثم حذر الممنين ولاية اليهود ، فقال : ( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ (
يعني ولتعلم نفس ) ما قدمت لغد ( يعني ما عملت لغد ، يعني ليوم القيامة ) واتقوا الله ( يحذرهم ولاية اليهود ) إن الله خيرٌ بما تعملون ) [ آية : 18 ] من الخير والشر ،
ومن معاونة اليهود ، ثم وعظ المؤمنين ألا يتركوا أمره ، ولا يكونوا بمنزلة أهل الكتال .(3/343)
صفحة رقم 344
تفسير سورة الحشر من الآية ( 19 ) فقط .
الحشر : ( 19 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
فقال : ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله ( يعني تركوا أمر الله ) فأنساهم أنفسهم ( أن
يقدموا لها خيراً ) أؤلئك هم الفاسقون ) [ آية : 19 ] يعني العاصين .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 20 ) فقط .
الحشر : ( 20 ) لا يستوي أصحاب . . . . .
ثم ذكر مستقر الفريقين ، فقال : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ( يوم القيامة
في الثواب والمنزلة ) أصحاب الجنة هم الفائزون ) [ آية : 20 ] يعني هم الناجون من
النار ، وأصحاب النار هم في النار خالدون فيها أبداً .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 21 ) فقط .
الحشر : ( 21 ) لو أنزلنا هذا . . . . .
ثم وعظهم ، فقال : ( لو أنزلنا هذا القرءان ( الذي فيه أمره ونهيه ، ووعده ووعيده ،
وحرامه وحلاله ) على جبل ( وحملته إياه ) لرأيته ( يا محمد ) خاشعا ( يعني
خاضعاً ) متصدعا من خشية الله ( فكيف لا يرق هذا الإنسان ولا يخشى الله فأمر الله
الناس الذين هم أضعف من الجبل الأصم الذي عروقه في الأرض السالعة ورأسه في
السماء أن يأخذوا القرآن بالخشية والشدة ، والتخشع ، فضرب الله لذلك مثلاً ، فقال :
( وتلك الأمثل نضربها للناس لعلهم ( يعني لكي ) يتفكرون ) [ آية : 21 ] في
أمثال الله فيعتبروا في الربوبية .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 22 ) فقط .
الحشر : ( 22 ) هو الله الذي . . . . .
فوحد الرب نفسيه ، فقال : ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب ( يعني غيب
ما كان وما يكون ) والشهادة ( يعني شهادته بالحق في كل شئ ) هو الرحمن الرحيم ) [ آية : 22 ] اسمان رقيقان ، أحدهما أرق من الآخر ، فلما ذكر ) الرحمن الرحيم ( ، قال مشركون العرب : ما نعرف الرحمن الرحيم إ نما اسمه الله .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 23 ) فقط .
الحشر : ( 23 ) هو الله الذي . . . . .
فأراد الله تعالى أن يخبرهم أن له أسماء كثيرة ، فقال : ( هو الذي لا إله إلا هو عالم(3/344)
صفحة رقم 345
الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ( اسم الرب ، تعالى ، هو الله وتفسير الله : اسم
الربوبية القاهر لخلقه وسائر أسمائه على فعاله ) هو الله الذي لا إله إلا هو ( فوحد
نفسه ، فقال لنفسه : ( الملك ( يعني يملك كل شئ دونه ) القدوس ( يعني الطاهر
) السلمم ( يسلم عباده من ظلمة ) المؤمن ( يؤمن أولياءه من عذابه
) المهيمن ( يعني الشهيد على عباده بأعمالهم من خير أو شر ، كقوله : ( ومهينما
عليه ) [ المائدة : 48 ] كقوله : ( شاهداً عليكم ) [ المزمل : 15 ] على عباده بأعملهم
من خير أو شر المصدق بكتابه الذي أنزله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) العزيز ( يعني المنيع
بقدرته في ملكه ) الجبار ( يعني القاهر على ما أراد بخلقه ) المتكبر ( يعني
المتعظم على كل شئ ) سبحان الله ( نزه الرب نفسه عن قولهم البهتان ) عما
يشركون ) [ آية : 23 ] معه فنزه الرب نفسه أن يكون له شريك ، فقال : ' سبحان الله
عما يشركون ' معه غيره أن يكون له شريك .
تفسير سورة الحشر من الآية ( 24 ) فقط .
الحشر : ( 24 ) هو الله الخالق . . . . .
ثم قال عن نفسه : ( هو الله الخالق ( يعني خالق كل شئ خلق النطفة والمضغة ، ثم
قال : ( البارئ ( الأنفس حين يراها بعد مضغة إنساناً فجعل له العينين ، والأذنين ،
واليدين ، والرجلين ، ثم قال : ( المصور ( في الأرحام ، كيف يشاء ذكر وأنثى ، أبيض
وأسود ، سوى وغير سوى ، ثم قال : ( له الأسماء الحسنى ( يعني الرحمن الرحيم العزيز
الجبار المتكبر ، ونحوها من الأسماء يعني هذه الأسماء التي ذكرها في هذه السورة ، ثم قال :
( يسبح له ما في السموات والأرض ( يعني يذكره ويوحده ما في السموات والأرض وما
فيها من الخلق وغيره ) وهو العزيز ( في ملكه ) الحكيم ) [ آية : 24 ] في أمره .
قوله : ( الرحمن الرحيم ( الرحيم أرق من الرحمن يعني المترحم يعني المتعطف
بالرحمة على خلقه .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، وحدثنا الهذيل عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن
ابن سيرين ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وبإسناده عن مقاتل ، عن قتادة ، عن ابن سيرين ، عن أبي
هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال :
إن لله تسعة وتسعين اسماً في القرآن فمن أحصاها دخل(3/345)
صفحة رقم 346
حدثنا عبد اله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن المسيب ، قال سبحان الله :
انصاف لله من السوء .
وقال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : سبحان الله كلمة رضيها الله لنفسه .
وقال الهذيل : قال مقاتل : سبحان الله في القرآن تنزيه نزه نفسه ، من السوء إلا أول
بني إسرائيل ) سبحان الذي أسرى بعبده ) [ الإسراء : 1 ] يقول عجب و ) سبحان الذي خلق الأزواج ) [ يس : 36 ] يعني عجب الذي خلق الأزواج ، وقوله : ( سبحان الله حين تمسون ( يقول صلوا لله .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن هشيم ، عن داود بن أبي
هند ، عن مطرف بن الشخير ، قال :
إن الله تعالى لم يكلنا في القرآن على القدر .(3/346)
صفحة رقم 347
60
سورة الممتحنة
سورة الامتحان مدنية عددها ثلاث عشرة آية كوفية
الممتحنة : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . .
تفسير سورة الممتحنة من الآية ( 1 ) فقط .
) يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أؤلياء ( وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر الناس
بالجهاد وعسكر ، وكعب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة ، إن محمداً قد عسكر ، وما أراه ألا يريدكم فخذوا حذركم وأرسل بالكتاب مع سارة مولاة أبى عمرو بن صيفي
بن هاشم وكانت قد جاءت من مكة إلى المدينة فأعطاها حاطب بن أبي بلتعة عشرة
دنانير على أن تبلغ كتابه أهل مكة وجاء جبريل ، فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأمر الكتاب ، وأمر
حاطب فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، والزبير بن العوام ، وقال
لهما : إن أعطتكما الكتاب غفوا خلياً سبيلها ، وإن أبت فاضربا عنقها ، فسارا حتى أدركا
بالحجفة وسألاها عن الكتاب فخلقت ، ما معها كاب ، وقالت : لأنا إلى خيركم أفقر مني
إلى ذلك ، فاتبحثاها ، فلم يجدا معها شيئاً ، فقا الزبير لعلي بن أبي طالب ، رضي الله
عنهما أرجع بنا ، فإنا لا ترى معها شيئاً .
فقال علي :
والله لأضربن عنقها ، والله ما كذب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا كذبنا ، فقال
الزبير : ثدقت اضرب عنقها ، فسل على سيفه ، فلما عرفت الجد منهما أخذت عليهما
المواثيق ، لئن أعطيتكما الكتاب لا تقتلاني ، ولا تسبياني ، ولا ترداني إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ،
ولتخليان سبيلي فأعطياها المواثيق ، فاستخرجت الصحيفة من ذؤايتها ودفعتها فخليا
سبيلها وأقبلا بالصحيفة فوضعاها في يدي رسول الله فقرأها ، فأرسل إلى حاطب بين أبي
بلتعة ، فقال له : أتعرف هذا الكتاب ؟ قال : نعم ، قال : فما حملك على أن تنذر بنا
عدونا ؟ .(3/347)
صفحة رقم 348
قال حاطب :
اعف عني عفا الله عنك ، فوالذي أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ
أسلمت ولا كذبتك منذ صدقتك ، ولا أبغضتك منذ أحببتك ، ولا واليتهم منذ هاديتهم ،
وقد علمت أن كتابي لا ينفعهم ولا يضرك فاعذرني ، جعلني الله فداك فإنه ليس من
أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع ماله وعشيرته غيري وكنت حليفاً وليس من أنفس
القوم ، وكان حلفائي قد هاجروا كلهم ، وكنت كثير المال والضيعة بمكة فخفت
المشركين على مالي فكتبت إليهم لأتوسل بها وأتخذها عندهم مودة لأدفع عن مالي ، وقد
علمت أن الله منزل بهم خزيه ونقمته وليس كتابي يغني عنهم شيئاً ، فعرف رسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) أنه قد ثدق فيما قال ، فأنزل الله تعالى عظة للمؤمنين أن يعودوا لمثل صنيع حاطب
بن أبي بلتعة ، فقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ( .
) تلقون إليهم بالمودة ( يعني الصحيفة ) وقد كفروا بما جاءكم من الحق ( يعني
القرآن ) يخرجون الرسول ( من مكة ) وإياكم ( قد أخرجوا من دياركم يعني من مكة
) إن تؤمنوا ( يعني بأن آمنتم ) بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي (
فلا تلقوا إليهم بالمودة ) تسرون إليهم بالمودة ( يعني بالصحيفة فيها النصيحة ) وأنا أعلم بما أخفيتم ( يعني بما أسررتم في أنفسكم من المودة والولاية ) وما أعلنتم ( لهم من
الولاية ) ومن يفعله منكم ( يعني ومن يسر بالمودة إلى الكفار ) فقد ضل سواء السبيل (
[ آية : 1 ] يقول فقد أخطأ قصد طريق الهدى ، وفي حاطب نزلت هذه الآية : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) [ المجادلة : 22 ] إلى آخر
الآية .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي قال : حدثنا الهذيل عن المسيب ، عن الكلبي ، عن
أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال :
أقبلت سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن
عبد مناف من مكة إلى المدينة المنورة ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتجهز لفتح مكة فلما رآها
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال : مالك ، يا سارة ؟ أمسلمة جئت ؟ قالت : لا ، قال : أفمهاجرة جئت ؟
قالت : لا ، قال : فما حاجتك ؟ قالت : كنتم الأصل والمواللا والعشيرة وقد ذهب موالي ،
وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتكسوني وتنفقوا علي وتحملوني ، فقال النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : ' فأين أنت من شباب أهل مكة ' ، وكانت امرأة مغنية ناتحة ، فقالت : يا محمد ، ما
كلب أحد منهم شيئاً منذ كانتوقعة بدر ، قال فحث عليها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بني عبد
المطلب وبني هاشم فكسوها وأعطوها نفقة وحملوها ، فلما أرادت الخروج إلى مكة أتاها(3/348)
صفحة رقم 349
حاطب بن أبي بلتعة من أهل اليمن حليف للزبير بن العوام فجعل لها جعلاً على أن تبلغ
كتابه إلى آخر الحديث .
تفسير سورة الممتحنة من الآية ( 2 ) إلى الآية ( 3 ) .
الممتحنة : ( 2 ) إن يثقفوكم يكونوا . . . . .
ثم أخبر المؤمنين بعداوة كفار مكة إياهم ، فقال : ( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ( يقول
إن يظهروا عليكم وأنتم على دينكم الإسلام مفارقين لهم ) ويبسطوا إليكم أيديهم ( بالقتل ) وألسنتهم بالسوء ( يعني الشتم ) وودوا لو تكفرون ) [ آية : 2 ] إن ظهروا عليكم
يعني إن ترجعوا إلى دينهم فإن فعلتم ذلك
الممتحنة : ( 3 ) لن تنفعكم أرحامكم . . . . .
) لن تنفعكم ( يعني لا تغني عنكم
) أرحامكم ( يعني أقرباءكم ) ولا أولدكم يوم القيامة يفصل بينكم ( بالعدل ) والله بما تعملون بصير ) [ آية : 3 ] به .
تفسير سورة الممتحنة من الآية ( 4 ) فقط .
الممتحنة : ( 4 ) قد كانت لكم . . . . .
قوله : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ( من المؤمنين ) إذ قالوا لقومهم
إنا برءؤا منكم ومما تعبدون من دون الله ( من الآلهة ) كفرنا بكم ( يقول تبرأنا منكم
) وبدا ( يعني وظهر ) بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ( يعني
تصدقوا بالله وحده ) إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ( يقول الله تبرموا من كفار قومكم
فقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه من المؤمنين في البراءة من قومهم
وليس لكم أسوة حسنة في الاستغفار للمشركين ، يقول إبراهيم : لأستغفرن لك ، وإنما
كانت موعده وعدها أبو إبراهيم إياه أنه يؤمن فلما تبين له عند موته أنه عبد الله تبرأ منه
حين مات على الشرك ، وحجب عنه الاستغفار .
ثم قال إبراهيم : ( وما أملك لك من الله من شئٍ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير (
[ آية : 4 ] .
تفسير سورة الممتحنة من الآية ( 5 ) فقط .(3/349)
صفحة رقم 350
الممتحنة : ( 5 ) ربنا لا تجعلنا . . . . .
) ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ( تقتر علينا بالرزق ، تبسط لهم في الرزق ، فنحتاج
إليهم فيكون ذلك فتنة لنا ) واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ) [ آية : 5 ] وفي قراءة
ابن مسعود : ' إنك أنت الغفور الرحيم ' نظيرها في آخر المائدة [ الآية : 118 ] .
تفسير سورة الممتحنة من الآية ( 6 ) فقط .
الممتحنة : ( 6 ) لقد كان لكم . . . . .
وقوله : ( لقد كان لكم فيهم ( يعني في إبراهيم والذين معه ) أسوة حسنة ( في
الاقتداء بهم ) لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر ( يقول لمن كلن يخشى الله ، ويخشى البعث
الذي فيه جزاء الأعمال ) ومن يتول ( يقول ومن يعرض عن الحق ) فإن الله هو الغني (
عن عباده ) الحميد ) [ آية : 6 ] في سلطانه عنه خلقه .
تفسير سورة الممتحنة من الآية ( 7 ) فقط .
الممتحنة : ( 7 ) عسى الله أن . . . . .
قوله : ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم ( من كفار مكة ) مودة (
وذلك أن الله تعالى حين أخبر المؤمنين بعداوة كفار مكة والبراءة منهم ، وذكر لهم فعل
إبراهيم والذين معه في البراءة من قومهم ، فلما أخبر ذلك عادوا أقرباءهم وأرحامهم لهم
العداوة ، وعلم الله شدة وجد المؤمنين في ذلك ، فأنزل الله تعالى : ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ( فلم أسلم أهل مكة خالطهم المسلمون وناكحوهم ،
وتزوج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أم حبيبة بنت أبي سفيان فهذه المودة التي ذكر الله تعالى ، بقول الله
تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( والله قدير ( على المودة ) والله غفور ( لذنوب كفار مكة لمن تاب
منهم وأسلم ) رحيم ) [ آية : 7 ] بهم بعد الإسلام ، ثم رخص في صلة الذين لم يناصبوا
الحرب للمسلمين ، ولم يظاهروا عليهم المشركين .
تفسير سورة الممتحنة من الآية ( 8 ) إلى الآية ( 9 ) .
الممتحنة : ( 8 ) لا ينهاكم الله . . . . .
فذلك قوله : ( لا ينهكم الله عن ( صلة ) الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم ( من
مكة ) من دياركم أن تبروهم ( يقول : أن تصلوهم ) وتقسطوا إليهم ( بالعدل يعني توفوا(3/350)
صفحة رقم 351
إليهم بعهدهم ) عن الله يحب المقسطين ) [ آية : 8 ] الذين يعدلون بين الناس ، نزلت في
خزاعة منهم هلال بن عويمر ، وينى خزيمة وبني مدلج منهم مسراقة بن مالك ، وعبد يزيد
بن عبد مناة ، والحارث بن عبد مناة .
الممتحنة : ( 9 ) إنما ينهاكم الله . . . . .
ثم قال : ( إنما ينهاكم الله عن ( صلة ) الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من ديارهم (
يعني كفار مكة أخرجوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه من مكة كرهية الإسلام ) وظاهروا (
يقول : وعاونوا المشركين ) على إخراجكم أن تولوهم ( بأن توالوهم ) ومن يتولهم ( منكم
) فأؤلئك هم الظالمون ) [ آية : 9 ] ثم نسخت براءة هاتين الأيتين : ( اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ التوبة : 5 ] .
تفسير سورة الممتحنة من الآية ( 10 ) فقط .
الممتحنة : ( 10 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله : ( يأيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات مهجراتٍ ( وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) صالح
أهل مكة يوم الحديبية ، وكتب بينه وبينهم كتاباً فكان في الكتاب أن من لحق أهل مكة
من المسلمين ، فهم لهم ، ومن لحق منهم بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) رده عليهم ، وجاءت امرأة إلى النبي
( صلى الله عليه وسلم ) اسمها سبيعة بنت الحارث الأسلمية ، في الموادعة ، وكانت تحت صيفى بن الراهب
من كفار مكة فجاء زوجها يطلبها ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ردها علينا فإن بيننا وبينك
شرطاً ' ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' إنما كان الشرط في الرجال ، ولم يكن في النساء ' .
فأنزل الله تعالى : ( إذا جاءكم المؤمنات مهجراتٍ ( ) فامتحنوهن ( يعني سبيعة
فامتحنها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال :
بالله ، ما أخرجك من قومك حدثاً ، ولا كراهية لزوجك ، ولا
بغضاً له ، ولا خرجت إلا حرصاً على الإسلام ورغبة فيه ، ولا تريدين غير ذلك ؟ فهذه
المحنة يقول الله تعالى : ( الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات ( من قبل المحنة يعني سبيعة
) فلا ترجعوهن ( يعني فلا تردهن ) الي ( أزواجهن ) الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ( يقول لا تحل مؤمنة لكافر ، ولا كافر لمؤمنة ، قال : ( وءاتوهم ما أنفقوا ( يقول
أعطوا أزواجهم الكفار ما أنفقوا عليهن من المهر يعني يرد المهر يتزوجها من المسلمين
فإن لم يتزوجها أحد من المسلمين فليس لزوجها الكافر شيئاً ) ولا جناح عليكم ( يعني(3/351)
صفحة رقم 352
ولا حرج عليكم ) أن تنكحوهن إذا ءاتيتموهن ( يقول : إذا أعطيتموهن ) أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر ( يعني بعقد الكوافر يقول :
لا تعتد بامرأتك الكافرة ، فإنها ليست
لك بامرأة يقول : هذا الذي يتزوج هذه المهاجرة ، وذلك أن المرأة الكافرة تكون في
موضع من قومها ، ولها أهل كثير فيمسكها إرادة أن يتعزز بأهلها وقومها من الناس ،
فتزوجها عمر بن الخطاب .
ويقال :
تزوجها أبو السنابل بن بعكك بن السباق بن عبد الدار بن قصي ، وفيه نزلت
هذه الآية وفي أصحابه ، وكانت امرأة عمر بن الخطاب ، رضي الله عنها ، بمكة واسمها
قريبة بنت أبي أمية ، وهشام بن العاص بن وائل ، وامرأته هند بنت أبي جهل ، وعياض بن
شداد الفهري وامرأته أم الحكم بنت أبي سفيان ، وشماش بن عثمان المخزومي ، وامرأته
يربوع بنت عاتكة ، وعمرو بن عبد عمرو ، وهو ذو اليدين ، وامرأته هند بنت عبد العزى ، فتزوج امرأة عمر بن الخطاب أبو سفيان بن حرب ، فقال الله تعالى في المخاطبة :
( فلا ترجعوهن إلى الكفار ( إلى آخر الآية ، هذا محكم لم ينسخ ، ونسخت براءة النفقة .
) وسئلوا ما أنفقتم ( يقول :
إن ذهبت امرأة أحدكم إلى الكفار ، فاسألوا الذي
يتزوجها أن يرد مهرها على زوجها المسلم والنفقة ، ثم قال : ( وليسئلوا ما أنفقوا ( من المهر
يقول :
إن جاءت امرأة من أهل مكة مهاجرة إليهم فليرد الذي يتزوجها مهرها على
زوجها الأول ، فإن تزوجت إحدى المرأتين اللتان جاءتا مسلمة ولحقت بكم ، ولم تتزوج
الأخرى ، فليرد الذي تزوجها مهرها على زوجها ، وليس لزوج المرأة الأخرى مهر ، حتى
تتزوج امرأته ، فإن لم يعط كفار مكة المهر طائعين ، فإذا ظهرتم عليهم ، فخذوا منهم
المهر ، وإن كرهوا ، كان هذا لأهل مكة خاصة موادعة ، فذلك قوله : ( ذلكم حكم الله يحكم بينكم ( يعني بين المسلمين والكافرين في أمر النفقة ) والله عليم ( بخلقه
) حكيم ) [ آية : 10 ] في أمره حين حكم النفقة .
ثم نسخ هذا كله آية السيف في براءة ، غير هذين الحرفين ) لاهن حل لهم ولا هم
يحلون لهن ) [ التوبة : 5 ] .
تفسير سورة الممتحنة من الآية ( 11 ) فقط .
الممتحنة : ( 11 ) وإن فاتكم شيء . . . . .
ثم قال : في النفقة : ( وإن فاتكم شئٌ من أزواجكم إلى الكفار ( وهي أم الحكم بنت أبي(3/352)
صفحة رقم 353
سفيان تركت زوجها عياض بن غنم بن شداد القرشي ، ثم الفهري من بني عامر بن
لؤي ، ثم أتت الطائف ، فتزوجت رجلاً من ثقيف .
) وإن فاتكم شئٌ من أزوجكم ( يعني أحد أزواجكم ) إلى الكفار ( يعني إن لحقت
امرأة مؤمنة إلى الكفار ، يعني كفار الحرب الذين ليس بينكم ، وبينهم عهد وأوجهاً مسلم
) فعاقبتم ( يقول : فإن غنمتم ، وأعقبكم الله مالاً ) فئاتوا ( وأعطوا ) الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ( يعني المهر ما أصبتم من الغنيمة قبل أن تخمس الخمس ، ثم يرفع
الخمس ، ثم تقسم الغنيمة بعد الخمس بين المسلمين ، ثم قال : ( واتقوا الله ( ولا تعصوه
فيما أمركم به ) الذي أنتم به مؤمنون ) [ آية : 11 ] يعن بالله مصدقين ، وكل هؤلاء
الآيات نسختها في براءة آية السيف [ الآية : 5 ] .
تفسير سورة الممتحنة من الآية ( 12 ) فقط .
الممتحنة : ( 12 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ( وذلك يوم فتح
مكة ، لما فرغ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من بيعة الرجال ، وهو جالس على الصفا ، وعمر بن الخطاب ،
رضي الله عنه ، أسفل منه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
أبايعكن على ألا تشركن بالله شيئاً ' ،
وكانت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان منتقبه مع النساء ، فرفعت رأسها ، فقالت : والله ،
إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيتك أخذته على الرجال ، فقد أعطيناكه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
( ولا يشرقن ( ، فقالت : والله إني لأصيب من مال أبي سفيان هنات ، فما أدري أتحلهن
لي أم لا ؟ فقال أبو سفيان : نعم ، ما أصبت من شئ فيما مضى وفيما غير فهو لك
حلال ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' وإنك لهند بنت عتبة ' ، فقالت : نعم ، فاعف عما سلف عفا الله
عنك ، ثم قال : ( ولا يزنين ( قالت : وهل تزني الحرة ؟ ثم قال : ( ولا يقتلن أولدهن (
فقالت : ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً ، فأنتم وهم أعلم ، فضحك عمر بن الخطاب
حتى استلقى ، ويقال : إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ضحك من قولها .
ثم قال : ( ولا يأتين ببهتنٍ يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ( والبهتان
أن تقذف المرأة
ولداً من غير زوجها على زوجها ، فتقول لزوجها هو منك وليس منه ، قالت : والله إن
البهتان لقبيح ، ولبعض التجاوز أمثل ، وما تأمر إلا بالرشد ومكارم الأخلاقن ثم قال :(3/353)
صفحة رقم 354
) ولا يعصينك في معروف ( يعني في طاعة الله تعالى فيما
نهى عنه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن النوح
وشد شعر وتمزيق الثياب ، أو تخلو غريب في حضر ، ولا تسافر فوق ثلاثة أيام إلا مع ذي
محرم ونحو ذلك ، قالت هند : ما جلسنا في مجلسنا هذا ، وفي أنفسنا أن نعصيك في شئ
فأقر النسوة بما أخذ عليهن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فذلك قوله : ( فبائعهن واستغفر لهن الله إن الله
غفورٌ ( لما كان في الشرك ) رحيم ) [ آية : 12 ] فيما بقي .
تفسير سورة الممتحنة من الآية ( 13 ) فقط .
الممتحنة : ( 13 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله : ( يأيها الذين ءامنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم ( يعني اليهود نزلت في عبد
الله بن أبي ، ومالك بن دخشم
كانت اليهود زينوا لهم ترك الإسلام ، فكان أناس من
فقراء المسلمين يخبرون اليهود عن أخبار المسلمين ليتواصلوا بذلك فيصيبون من ثمارهم
وطعامهم ، فنهى الله عز وجل عن ذلك .
ثم قال : ( قد يئسوا من الآخرة ( يعني اليهود ) كما يئس الكفار من أصحاب القبور (
[ آية : 13 ] وذلك
أن الكافر إذا دخل قبره أتاه ملك شديد الانتهار ، فأجلسه ، ثم يسأله :
من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن رسولك ؟ فيقول : لا أدري ، فيقول الملك : أبعدك الله ، انظر يا
عدو الله إلى منزلك من النار ، فينظر إليها ، ويدعو بالويل ، ويقول له الملك : هذا لك ، يا
عدو الله ، فلو كنت آمنت بريك لدخلت الجنة ، ثم فينظر إليها ، فيقول : لمن هذا ؟ فيقول
له الملك : هذا لمن آمن بالله ، فيكون حسرة عليه ، وينقطع رجاءه منها ويعلم عند ذلك أنه
لا حظ له فيها ، وييأس من خير الجنة ، فذلك قوله لكفار أهل الدنيا الأحياء منهم ) قد يئسوا من ( نعيم ) الآخرة ( كما أيس هذا الكفار من أصحاب القبور عاينوا منازلهم
في النار في الآخرة .(3/354)
صفحة رقم 355
61
سورة الصف
مكية ، عددها أربع عشرة آية
تفسير سورة الصف من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 4 ) .
الصف : ( 1 ) سبح لله ما . . . . .
) سبح لله ( يعني ذكر الله ) ما في السماوات ( من الملائكة ) وما في الأرض ( من
شئ من الخلق غير كفار الجن والإنس ) وهو العزيز ( في ملكه ) الحكيم ) [ آية : 1 ]
في أمره
الصف : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) [ آية : 2 ] ، ثم قال :
الصف : ( 3 ) كبر مقتا عند . . . . .
) كبر مقتا ( يعني عظم بغضاً ) عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) [ آية : 3 ] يعظهم بذلك ،
وذلك أن المؤمنين قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه ، فأنزل الله تعالى :
الصف : ( 4 ) إن الله يحب . . . . .
) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله ( يعني في طاعته ) صفاً كأنهم بينات
مرصوصٌ ) [ آية : 4 ] يعني ملتصق بعضه في بعض في الصف ، فأخبرهم الله بأحب
الأعمال إليه بعد الإيمان فكرهوا القتال ، فوعظهم الله وأدبهم ، فقال : ( لم تقولون ما لا تفعلون ( نزلت هذه الآية في الأنصار في الأوس والخزرج منهم عبد الله بن رواحة
وغيره .
تفسير سورة الصف من الآية ( 5 ) فقط .
الصف : ( 5 ) وإذ قال موسى . . . . .
) وإذ قال موسى لقومه ( وهم مؤمنون ، وهم الأسباط اثنا عشر سبطاً ) ياقوم لم
تؤذونني ( قالوا : إنه آدر نظيرها في الأحزاب قوله : ( لا تكونوا كالذين آذوا موسى ) [ الأحزاب : 69 ] ، ثم رجع إلى مخاطبة موسى ، فقال : ( وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا ( يقول : ما لوا عن الحق وعدلوا عنه ) أزاغ الله ( يعني(3/355)
صفحة رقم 356
أمال الله ) قلوبهم والله لا يهدي ( إلى ديمه من الضلالة ) القوم الفاسقين ) [ آية : 5 ]
يعني العاصين .
تفسير سورة الصف من الآية ( 6 ) فقط .
الصف : ( 6 ) وإذ قال عيسى . . . . .
) وإذ قال عيسى ابن مريم يابنى إسرءيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي ( يعني الذي قبلي
) من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ( بالسريانية فارقليطاً ) فلما جاءهم ( عيسى
) بالبينات ( يعني بالعجائب التي كان يصنعها ) قالوا هذا سحر مبين ) [ آية : 6 ] الذي
يصنع عيسى سحر مبين .
تفسير سورة الصف من الآية ( 7 ) إلى الآية ( 8 ) .
الصف : ( 7 ) ومن أظلم ممن . . . . .
قوله : ( ومن أظلم ( يقول : فلا أحد أظلم منه يعني اليهود ) ممن افترى على الله الكذب ( حين زعموا أنه ساحر ) وهو يدعى إلى الإسلام ( يعني اليهود ) والله لا يهدي (
من الضلالة إلى دينه ) القوم الظالمين ) [ آية : 7 ] يعني في علمه ، قوله :
الصف : ( 8 ) يريدون ليطفئوا نور . . . . .
) يريدون ليطفئوا نور الله ( يعني دين الله ) بأفواههم ( يعني بألسنتهم ، وهم اليهود والنصارى ، حين كتموا
أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ودينه في التوراة والإنجيل ) والله متم نوره ( يعني مظهر دينه ) ولو كره
الكفرون ) [ آية : 8 ] يعني اليهود والنصارى .
تفسير سورة الصف من الآية ( 9 ) إلى الآية ( 10 ) .
الصف : ( 9 ) هو الذي أرسل . . . . .
ثم قال : ( هو الذي أرسل رسوله ( محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) بالهدى ودين الحق ( يعني الإسلام ،
يعني دين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ليظهره على الدين كله ( يعني الأديان كلها ، ففعل الله تعالى ذلك ،
وأظهر دين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على أهل كل دين ، حين قتلهم فأدوا إليه الجزية مثل قوله :
( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) [ الصف : 14 ] . ) ولو كره المشركون ) [ آية : 9 ] من العرب يعني كفار قريش ، لما نزلت هذه الآية : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) [ الصف : 3 ] ، قال بعضهم : يا
رسول الله ، فما لنا من الأجر إذا جاهدنا في سبيل الله ، فأنزل الله تعالى :
الصف : ( 10 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين
ءامنوا هل أدلكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ ) [ آية : 10 ] يعني وجيع ، فقال المسلمون : والله ،(3/356)
صفحة رقم 357
لو علمنا ما هذه التجارة لأعطينا فيها الأموال والأولاد والأهلين . فبين الله لهم ما هذه
التجارة ؟ يعني التوحيد .
تفسير سورة الصف من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 13 ) .
الصف : ( 11 ) تؤمنون بالله ورسوله . . . . .
قال : فأنزل الله تعالى : ( تؤمنون بالله ( يعني تصدقون بتوحيد الله ) ورسوله ( محمد ( صلى الله عليه وسلم )
أنه نبي ورسول ) وتجاهدون في سبيل الله ( يعني في طاعة الله ) بأمولكم وأنفسكم
ذلكم ( يعني الإيمان والجهاد ) خير لكم ( من غيره ) إن كنتم تعلمون ) [ آية : 11 ] فإذا
فعلتم ذلك
الصف : ( 12 ) يغفر لكم ذنوبكم . . . . .
) يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة ( يعني حسنة
في منازل الجنة ) في جنات عدن ( وجنة عدن قصبة الجنان ، وهي أشرف الجنان
) ذلك ( الثواب هو ) الفوز العظيم
الصف : ( 13 ) وأخرى تحبونها نصر . . . . .
وأخرى تحبونها ( ولكم سوى الجنة أيضاً عدة
الدنيا ) نصر من الله ( على عدوكم إذا جاهدتم ) ) وفتح قريب ( يعني ونصر عاجل في
الدنيا ) وبشر ( بالنصر يا محمد ) المؤمنين ) [ آية : 13 ] في الدنيا ، وبالجنة في الآخرة ،
فحمد القوم ربهم حين بشرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بهذا .
تفسير سورة الصف من الآية ( 14 ) فقط .
الصف : ( 14 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله : ( يأيها الذين ءامنوا كونوا أنصار الله ( يعني صبروا أنصاراً الله ، يقول :
من قاتل في
سبيل الله ، يريد بقتاله أن تعلو كلمة الله ، وهي لا إله إلا الله ، وأن يعبد الله لا يشرك به
شيئاً ، فقد نصر الله تعالى ، يقول : انصروا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) كما نصر الحواريون عيسى ابن
مريم ، عليه السلام ، وكانوا أقل منكم ، وذلك أن عيسى ، عليه السلام ، مر بهم وهم
ببيت المقدس ، وهم يقصرون الثياب ، والحواريون بالنبطية مبيضو الثياب ، فدعاهم إلى
الله ، فأجابوه ، فذلك قوله : ( كما قال عيسى ابن مريم للحوارين من أنصاري إلى الله ( يقول : مع
الله ، يقول : من يمنعني من الله ) قال الحواريون نحن أنصار الله ( وهم الذين أجابوا عيسى ،
عليه السلام .
) فئامنت طائفةٌ من بني إسرءيل ( بعيسى ، عليه السلام ، ) وكفرت طائفة ( ثم انقطع(3/357)
صفحة رقم 358
الكلام ) فأيدنا الذين ءامنوا ( يقول : قوينا الذين آمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) [ آية : 14 ] بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) على أهل الأديان .
قوله : ( فلما جاءهم ( عيسى ) بالبينات ) [ الصف : 6 ] يعني ما كان يخلق من
الطين ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيى الموتى ، قالت اليهود : هذا الذي يصنع عيسى
سحر مبين ، يعني بين .(3/358)
صفحة رقم 359
62
سورة الجمعة
مدنية ، عددها إحدى عشرة آية كوفية
تفسير سورة الجمعة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 4 ) .
الجمعة : ( 1 ) يسبح لله ما . . . . .
قوله : ( يسبح لله ( يعني يذكر الله ) ما في السماوات وما في الأرض ( من شئ غير
كفار الجن والإنس ، ثم نعت الرب نفسه ، فقال : ( الملك ( الذي يملك كل شئ
) القدوس ( الطاهر ) العزيز ( في مكله ) الحكيم ) [ آية : 1 ] في امره
الجمعة : ( 2 ) هو الذي بعث . . . . .
) هو الذي
بعث في الأمين ( يعني العرب الذين لا يقرءون الكتاب ولا يكتبون بأيديهم ) رسولا منهم ( فهو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) يتلوا عليهم ( يعني يقرأ عليهم ) ءايته ( يعني آيات القرآن
) ويزكيهم ( يعني ويصلحهم فيوحدونه ) ويعلمهم الكتاب ( يعني ولكي يعلمهم ما
يتلو من القرآن ) والحكمة ( وموعظ القرآن الحلال والحرام ) وأن ( يعنى وقد ) كانوا من قبل ( أن يبعث محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) لفي ضلال مبين ) [ آية : 2 ] يعني بين وهو الشرك
الجمعة : ( 3 ) وآخرين منهم لما . . . . .
) وءاخرين منهم ( الباقين من هذه الأمة فمن بقي منهم ) لما يلحقوا بهم ( يعني بأوائلهم
من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وهو العزيز ( في ملكه ) الحكيم ) [ آية : 3 ] في أمره .
الجمعة : ( 4 ) ذلك فضل الله . . . . .
ثم قال : ( ذلك فضل الله ( يعنى الإسلام ) يؤتيه من يشاء ( يقول : فضل الله
الإسلام يعطيه من يشاء ) والله ذو الفضل ( الإسلام ) العظيم ) [ آية : 4 ] يعني الفوز
بالنجاة والإسلام .
تفسير سورة الجمعة من الآية ( 5 ) فقط .
الجمعة : ( 5 ) مثل الذين حملوا . . . . .
مثل الذين حملوا التوراة ( يعني اليهود تحملوا العمل بما في التوراة فقرءوها ) ثم(3/359)
صفحة رقم 360
لم يحملوها ( يقول : لم يعلموا بما فيها ) كمثل الحمار يحمل أسفاراً ( يقول :
كمثل
الحمار يحمل كتاباً لا يدري ما فيه ، كذلك اليهود حين لم يعملوا بما في التوراة ، فضرب
الله تعالى لهم مثلاً ، فقال : ( بئس مثل القوم الذين كذبوا بأيات الله ( يعني القرآن
) والله لا يهدي ( إلى دينه من الضلالة ) القوم الظالمين ) [ آية : 5 ] في علمه .
تفسير سورة الجمعة من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 7 ) .
الجمعة : ( 6 ) قل يا أيها . . . . .
قوله تعالى : ( قل يأيها الذين هادوا ( وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كتب إلى يهود المدينة
يدعوهم إلى الإسلام ، فكتب يهود المدينة إلى يهود خيبر أن محمداً يزعم أنه نبى ، وأنه
يدعونا وإياكم إلى دينه ، فإن كنتم تريدون متابعته فاكتبوا إلينا ببيان ذلك ، وإلا فأنتم
ونحن على أمر واحد لا نؤمن بمحمد ، ولا نتبعه ، فغضبت يهود خيبر ، فكتبوا إلى يهود
المدينة كتاباً قبيحاً ، وكتبوا أن إبراهيم كان صديقاً نبياً ، وكان من بعد إبراهيم إسحاق
صديقاً نبياً ، وكان من بعد إسحاق يعقوب صديقاً نبياً ، وولد يعقوب اثنا عشر ، فولد
لكل رجل منهم أمة من الناس ، ثم كان من بعدهم موسى ، ومن بعد موسى عزيز ، فكان
موسى يقرأ التوراة من الألواح .
وكان عزيز يقرؤها ظاهراً ، ولولا أنه كان ولداً لله ونبيه وصفيه لم يعطه ذلك ، فنحن
وأنتم سبطه ، وسبط من اتخذه الله خليلاً ، ومن سبط من كلمه الله تكليماً ، فنحن أحق
بالنبوة والرسالة من محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ومتى كان الأنبياء من جزائر العرب ؟ ما سمعنا بنبي قط
كان من العرب إلا هذا الرجل الذي تزعمون ، على أنا نجد ذكره في التوراة فإن تبعتموه
صغركم ووضعكمن فنحن أبناء الله وأحباؤه .
فقال الله تعالى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( قل يأيها الذين هادوا ^ ) لليهود ) إن زعمتم ( يعني
إذ زعمتم ) أنكم أؤلياء لله ) ) في الآخرة ( ( من دون الناس ) ) وأحباؤه ( ( فتمنوا الموت
إن كنتم صادقين ) [ آية : 6 ] بأنكم أولياؤه وأحباؤه ، وأن الله ليس بمعذبكم ، ثم أخبر
عنهم ، فقال :
الجمعة : ( 7 ) ولا يتمنونه أبدا . . . . .
) ولا يتمونه أبداً بما قدمت أيديهم ( من ذنوبهم وتكذيبهم بالله ورسوله
) والله عليمٌ بالظالمين ) [ آية : 7 ] يعني اليهود .
تفسير سورة الجمعة من الآية ( 8 ) فقط .(3/360)
صفحة رقم 361
الجمعة : ( 8 ) قل إن الموت . . . . .
) قل ( لهم يا محمد ) إن الموت الذي تفرون منه ( يعني تكرهونه ) فإنه
ملقيكم ( لا محالة ) ثم تردون ( في الآخرة ) إلى علم الغيب والشهادة ( يعني
عالم كل غيب وشاهد كل نجوى ) فينبئكم بما كنتم تعملون ) [ 8 ] .
تفسير سورة الجمعة من الآية ( 9 ) إلى الآية ( 10 ) .
الجمعة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلوة ( يقول :
إذا نودي إلى الصلاة والمن هاهنا
صلة ) من يوم الجمعة ( يعني إذا جلس الإمام على المنبر ) فاسعوا إلى ذكر الله (
يقول : فامضوا إلى الصلاة المكتوبة ) وذروا البيع ذلكم ( يعني الصلاة ) خير لكم (
من البيع والشراء ) إن كنتم تعلمون ) [ آية : 9 ] .
الجمعة : ( 10 ) فإذا قضيت الصلاة . . . . .
) فإذا قضيت الصلاة ( من يوم الجمعة ) فانتشروا في الأرض ( فهذه رخصة بعد
النبي وأحل لهم ابتغاء الرزق بعد الصلاة ، فمن شاء خرج إلى تجارة ، ومن شاء لم يفعل ،
فذلك قوله : ( وابتغوا من فضل الله ( يعني الرزق ) واذكروا الله كثيرا ( باللسان
) لعلكم ( يعني لكي ) تفلحون ) [ آية : 10 ] .
تفسير سورة الجمعة من الآية ( 11 ) فقط .
الجمعة : ( 11 ) وإذا رأوا تجارة . . . . .
قوله : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا ( وذلك
أن العير كانت إذا قدمت المدينة استقبلوها
بالطبل والتصفيق ، فخرج الناس من المسجد غير اثني عشر رجلاً وامرأة ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
' انظروا كم في المسجد ' ؟ فقالوا : اثنا عشر رجلاً وامرأة ، ثم جاءت غير أخرى ،
فخرجوا غير اثني عشر رجلاً وامرأة ، ثم أن دحيه بن خليفة الكلبي من بني عامر بن
عوف أقبل بتجارة من الشام قبل أن يسلم ، وكان يحمل معه أنواع التجارة ، وكان يتلقاه
أهل المدينة بالطبل والتصفيق ، ووافق قدومه يوم الجمعة ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) قائم على المنبر
يخطب ، فخرج إليه الناس ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' انظروا كم بقي في المسجد ' ، فقالوا : اثنا
عشر رجلاً وامرأة ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لولا هؤلاء لقد سومت لهم الحجارة ' .
فأنزل الله تعالى : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ( على المنبر ) قل ما عند الله خير من اللهو ( يعني من الطبل والتصفيق ) ومن التجارة ( التي جاء بها(3/361)
صفحة رقم 362
دحية ) والله خير الرازقين ) [ آية : 11 ] من غيره .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا هشيم ، قال : كان في الإثنى عشر أبو بكر وعمر ، رضي الله عنهما .(3/362)
صفحة رقم 363
63
سورة المنافقون
مدنية عددها إحدى عشرة آية كوفية
تفسير سورة المنافقون من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 2 ) .
المنافقون : ( 1 ) إذا جاءك المنافقون . . . . .
) إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد ( يعني نحلف ) إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد ( يعني يقسم ) إن المنافقين لكذبون ) [ آية : 1 ] في حلفهم
المنافقون : ( 2 ) اتخذوا أيمانهم جنة . . . . .
) اتخذوا أيمانهم ( يعني حلفهم الذي حلفوا أنك لرسول الله ) جنة ( من القتل ) فصدوا (
الناس ) عن سبيل الله ( يعني دين الإسلام ) إنهم ساء ما ( يعني بئس ما ) كانوا يعملون ) [ آية : 2 ] يعني النفاق
المنافقون : ( 3 ) ذلك بأنهم آمنوا . . . . .
) ذلك بأنهم ءامنوا ( يعني أقروا ) ثم كفروا فطبع على قلوبهم ( بالكفر ) فهم لا يفقهون ) [ آية : 3 ] .
تفسير سورة المنافقون من الآية ( 4 ) فقط .
المنافقون : ( 4 ) وإذا رأيتهم تعجبك . . . . .
) وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ( يعني عبد الله بن أبي ،
وكان رجلاً جسيماً
صبيحاً ذاق اللسان ، فإذا قال ، سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لقوله : ( وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة ( فيها تقديم يقول : كأن أجسامهم خشب بعضها على بعض قياماً ، لا نسمع ،
ولا نعقل ، لأنها خشب ليست فيها أرواح ، فكذلك المنافقون لا يسمعون الإيمان ولا
يعقلون ، ليس في أجوافهم إيمان فشب أجسامهم بالخشب ) يحسبون كل صيحةٍ أنها
) عليهم ( يقول : إذا نادى مناد في العسكر أو أفلتت دابة ، أو أنشدت ضالة يعني
طلبت ، ظنوا أنما يرادون بذلك مما في قلوبهم من الرعب .
ثم قال : ( هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله ( يعني لعنهم الله ) أنى ( يعنى من أين
) يؤفكون ) [ آية : 4 ] يعني يكذبون .(3/363)
صفحة رقم 364
تفسير سورة المنافقون من الآية ( 5 ) إلى الآية ( 6 ) .
المنافقون : ( 5 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم ( يعني عبد الله بن أبي ) تعالوا يستغفر لكم رسول الله ) يعني عبد
الله بن أبي ) لووا رءوسهم ( يعني عطفوا رءوسهم رغبة عن الاستغفار ) ورأيتهم
يصدون ( عن الاستغفار ) وهم مستكبرون ) [ آية : 5 ] يعني عطف رأسه معرضاً ، فقال
عبد الله بن أبي للذي دعاه إلى استغفار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما قلت ؟ كأنه لم يسمع حين دعاه إلى
الاستغفار ، يقول الله تعالى :
المنافقون : ( 6 ) سواء عليهم أستغفرت . . . . .
) سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله
لهم إن الله لا يهدي ( من الضلالة إلى دينه ) القوم الفاسقين ) [ آية : 6 ] يعني
العاصين ، يعني عبد الله بن أبي .
تفسير سورة المنافقون من الآية ( 7 ) فقط .
المنافقون : ( 7 ) هم الذين يقولون . . . . .
ثم قال : ( هم الذين يقولون ( يعني عبد الله بن أبي ) لا تنفقوا على من عند رسول
الله ( وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما رجع غانماً من غزاة بني لحيان ، وهم حي من هذيل ،
هاجت ريح شديدة ليلاً ، وضلت ناقة رسول الله ، فلما أصبحوا ، قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ما
هذه الريح ؟ قال : ' موت رجل من رءوس المنافقين توفى بالمدينة ' ، قالوا : من هو ؟ قال :
' رفاعة بن التابوه ' ، فقال رجال منافق : كيف يزعم محمد أنه يعلم الغيب ، ولا يعلم مكان
ناقته أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته ؟ فقال له رجل : اسكت ، فوالله لو أن محمداً
يعلم بهذا الزعم لأنزل عليه فينا ، ثم قام المنافق ، فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فوجده يحدث أصحابه أن
رجلاً من المنافقين شمت بي ، بأن ضالت ناقتي ، قال : كيف يزعم محمد أنه يعلم الغيب ،
أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته ؟ ' لعمرى ، لقد كذب ، ما أزعم أني أعلم
الغيب ، ولا أعلمه ، ولكن الله تعالى أخبرني بقوله ، وبمكان ناقتي ، وهي في الشعب ، وقد
تعلق زمامها بشجرة ' .
فخرجوا من عنده يسعون قبل الشعب ، فإذا هي كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فجاءوا بها ،
والمنافق ينظر ، فصدق مكانه ، ثم رجع إلى أصحابه ، فقال : أذكركم الله ، هل قام أحد
منكم من مجلسه ؟ أو ذكر حديثي هذا إلى أحد ؟ قالوا : لا ، قال : أشهد أن محمداً رسول(3/364)
صفحة رقم 365
الله ، والله لكأني لم أسلم إلا يومي هذا ، قالوا : وما ذاك ؟ قال : وجدت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يحدث
الناس بحديثى الذي كرت لكم ، وأنا أشهد أن الله أطلعه ، وأنه لصادق ، فسار حتى دنا
من المدينة فتحاور رجلان أحدهم عامري ، والآخر جهني ، فأعان عبد الله بن أبي المنافق
الجهني ، وأعان جعال بن عبد الله بن سعيد العامري ، وكان جعال فقيراً ، فقال عبد الله
لجعال : وإنك لهناك ، فقال : وما يمنعني أن أفعل ذلك فاشتد لسان جعال على عبد الله ،
فقال عبد الله : مثلى ومثلك كما قال الأول ممن كلبك يأكلك ، والذي يحلف به عبد الله
لأذرتك ، ولهمك غير هذا .
قال جعال : ليس بيدك ، وإنما الرزق بيد الله تعالى ، فرجع عبد الله غضبان ؟ فقال
لأصحابه : والله ، ولو كنتم تمنعون جعالاً ، وأصحاب جعال الطعام الذي من أجله ركبوا
رقابكم لأوشكوا أن يذروا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم ، لا تنفقوا عليهم
) حتى ينفضوا ( يعني حتى يتفرقوا من حول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال :
لو أن جعالاً أتى
محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره لصدقه ، وزعم أني ظالم ، ولعمري ، إني ظالم إذ جئنا بمحمد من مكة ،
وقد طرده قومه فواسيناه بأنفسنا ، وجعلناه على رقابنا ، أما والله ، لئن رجعنا إلى المدينة
ليخرجن الأعز منها الأذل ، ولنجعلن علينا رجلاً منا ، يعني نفسه ، يعني بالأعز نفسه
وأصحابه ، ويعني بالأذل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ، فقال زيد بن أرقم الأنصاري ، وهو غلام
شاب : أنت والله الذليل القصير المبغض في قومك ، ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) في عز من الرحمن ، ومودة
من المسلمين ، والله لا أحبك بعد هذا الكلام أبداً .
فقال عبد الله :
إنما كنت ألعب معك ، فقام زيد فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فشق عليه قول عبد
الله بن أبي ، وفشا في الناس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غضب على عبد الله لخبر زيد ، فأرسل النبي
( صلى الله عليه وسلم ) إلى عبد الله ، فأتاه ومعه رجال من الأنصار يرفدونه ويكذبون عنه ، فقال له النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني عنك ' ، قال عبد الله : والذي أنزل عليك
الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك قط ، وإن زيداً لكاذب وما عملت عملاً قط أرجى في
نفسي أن يدخلني الله به الجنة من غزاتي هذه معك ، وصدقه الأنصار ، وقالوا : يا رسول
الله ، شيخنا وسيدنا لا يصدق عليه قول غلام من غلمان الأنصار مشى بكذب ونميمة
فعذره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وفشت الملامة لزيد في الأنصار ، وقالوا : كذب زيد ، وكذبه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
وكان زيد يساير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في المسير قبل ذلك ، فاستحى بعد ذلك أن يدنو من النبي
( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله تعالى تصديق زيد ، وتكذيب عبد الله ، فقال : ( هم ( يعني عبد الله(3/365)
صفحة رقم 366
) الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ( يعني مفاتيح الرزق والمطر والنبات ) ولكن المنافقين لا يفقهون ) [ آية : 7 ]
الخير .
سورة المنافقون من الآية ( 8 ) فقط .
المنافقون : ( 8 ) يقولون لئن رجعنا . . . . .
ثم قال : يعني عبد الله ) يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل (
يعني الأمنع منها الأذل ) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( فهؤلاء أعز من المنافقين
) ولكن المنافقين لا يعلمون ) [ آية : 8 ] ذلك ، فانطلق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يسير ويتخلل على
ناقته حتى أدرك زيداً فأخذ بأذنه ففركها حتى أحمر وجهه ، فقال لزيد : أبشر فإن الله
تعال قد عذرك ، ووقى سمعك ، وصدقك ، وقرأ عليه الآيتين ، وعلى الناس فعرفوا صدق
زيد ، وكذب عبد الله .
تفسير سورة المنافقون من الآية ( 9 ) إلى الآية ( 11 ) .
المنافقون : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله : ( يأيها الذين ءامنوا ( يعني أقروا يعني المنافقين ) الجمع تلهكم أمولكم ولا
أولدكم عن ذكر الله ( يعني الصلاة المكتوبة ) ومن يفعل ذلك ( يعني ترك
الصلاة ) فأؤلئك هم الخاسرون
المنافقون : ( 10 ) وأنفقوا من ما . . . . .
وأنفقوا من ما رزقنكم ( من الأموال ) من قبل أن يأتي أحدكم الموت ( يعني المنافق ، فيسأل الرجعة عند الموت إلى الدنيا ، ليزكى ماله ،
ويعمل فيها بأمر الله عز وجل ، فذلك قوله : ( فيقول رب لولا ( يعني هلا ) أخرتني إلى أجل قريب ( لأن الخروج من الدنيا إلى قريب ) فأصدق ( يعني فأزكى مالي ) وأكن من الصالحين ) [ 10 ] يعني المؤمنين ، مثل قوله : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من
فضله لنصدقن ولنكون من الصالحين ) [ التوبة : 75 ] ، يعني المؤمنين
المنافقون : ( 11 ) ولن يؤخر الله . . . . .
) ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ) [ آية : 11 ] من الخير والشر ، يعني المنافقين .(3/366)
صفحة رقم 367
64
سورة التغابن
مدنية ، وفيها مكي ، عددها ثماني عشرة آية كوفى
تفسير سورة التغابن من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 4 ) .
التغابن : ( 1 ) يسبح لله ما . . . . .
) يسبح لله ( يعني يذكر الله ) ما في السماوات ( من الملائكة ) وما في الأرض ( من
شئ من الخلق غير كفار الجن والإنس ) له الملك ( لا يملك أحد غيره ) وله الحمد (
في سلطانه عند خلقه ) وهو على كل شئٍ ( أراده ) قدير
التغابن : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . .
هو الذي خلقكم (
من آدم وحواء وكان بدء خلقهما من تراب ) فمنكم كافر ومنكم مؤمن ( يعني
مصدق بتوحيد الله تعالى .
) والله بما تعملون بصير
التغابن : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
خلق السماوات والأرض بالحق ( يقول : لم يخلقهما
باطلاً خلقهما لأمر هو كائن ) وصوركم ( يعني خلقكم في الأرحام ) فأحسن صوركم (
ولم يخلقكم على صورة الدواب ، والطير ، فأحسن صوركم يعني فأحسن خلقكم ) وإليه المصير ) [ آية : 3 ] في الآخرة
التغابن : ( 4 ) يعلم ما في . . . . .
) يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون ( في قلوبكم
من أعمالكم ) وما تعلنون ( منها بألسنتكم ) والله عليم بذات الصدور ) [ آية : 4 ] يعني
القلوب من الخير والشر .
تفسير سورة التغابن من الآية ( 5 ) إلى الآية ( 6 ) .
التغابن : ( 5 ) ألم يأتكم نبأ . . . . .
) ألم يأتكم ( يا أهل مكة ) نبؤا ( يعني حديث ) الذين كفروا من قبل ( أهل
مكة حديث الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم رسلهم ) فذاقوا وبال أمرهم ( يقول :(3/367)
صفحة رقم 368
ذاقوا العذاب جواء ثواب أعمالهم في الدنيا ) ولهم عذاب أليم
التغابن : ( 6 ) ذلك بأنه كانت . . . . .
ذلك بأنه ( يعني
ذلك بأن العذاب الذي نزل بهم في الدنيا ) كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ( يعني البيان
) فقالوا أبشرٌ يهتدوننا فكفروا وتولوا ( عن الإيمان ) واستغنى الله ( عن عبادتهم ) والله غني ( عن عباده خلقه ) حميد ) [ آية : 6 ] في سلطانه عند خلقه .
تفسير سورة التغابن من الآية ( 7 ) إلى الآية ( 8 ) .
التغابن : ( 7 ) زعم الذين كفروا . . . . .
) زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ( بعد الموت فأكذبهم الله تعالى ، فقال : ( قل ( يا محمد
لأهل مكة : ( بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن ( في الآخرة ) بما عملتم ( الدنيا ) وذلك ( يعني
البعث والحساب ) على الله يسيرٌ
التغابن : ( 8 ) فآمنوا بالله ورسوله . . . . .
فئامنوا ( يعني صدقوا ) بالله ( أنه واحد لا
شريك له ) ورسوله ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) والنور ( يعني القرآن ) الذي أنزلنا ( على محمد
( صلى الله عليه وسلم ) ) والله بما تعملون ( من خير أو شر ) خبير ) [ آية : 8 ] .
تفسير سورة التغابن من الآية ( 9 ) إلى الآية ( 10 ) .
التغابن : ( 9 ) يوم يجمعكم ليوم . . . . .
) يوم يجمعكم ليوم الجمع ( يعني جمع أهل السماوات وجمع أهل الأرض ) ذلك يوم التغابن ( يعني أهل الهدى تغبن أهل الضلالة ، فلا غبن أعظم منه فريق في الجنة ، وفريق
في السعير ، ) ومن يؤمن بالله ( أنه واحد لا شريك له ) ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته
ويدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خلدين فيها أبداً ( لا يموتون و ) ذلك ( الثواب
الذي ذكر الله تعالى هو ) الفوز العظيم ) [ آية : 9 ] .
التغابن : ( 10 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ( يعني القرآن ) أؤلئك أصحاب النار خالدين
فيها وبئس المصير ) [ آية : 10 ] .
تفسير سورة التغابن من الآية ( 11 ) فقط .
التغابن : ( 11 ) ما أصاب من . . . . .
) ما أصاب ( ابن آدم ) من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه ( يعني(3/368)
صفحة رقم 369
ومن يصدق بالله في المصيبة ، ويعلم أن المصيبة من الله ويسلم لأمر الله يهده الله تعالى
للاسترجاع ، فذلك قوله : ( يهد قلبه ( للاسترجاع ، يقول : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) [ البقرة : 156 ] ، وفي سورة البقرة يقول : ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) [ البقرة : 157 ] للاسترجاع ) والله بكل شئٍ (
من هذا ) عليم ) [ آية : 11 ] .
تفسير سورة التغابن من الآية ( 12 ) إلى الآية ( 13 ) .
التغابن : ( 12 ) وأطيعوا الله وأطيعوا . . . . .
) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم ( يعني أعرضتم عن طاعتهما ) فإنما على رسولنا ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) البلغ المبين ) [ آية : 12 ]
التغابن : ( 13 ) الله لا إله . . . . .
) الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) [ آية : 13 ] يقول : به فليثق الواثقون .
تفسير سورة التغابن من الآية ( 14 ) فقط .
التغابن : ( 14 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا ( نزلت في الأشجع ) إن من أزوجكم وأولدكم عدواًّ
لكم ( يعني إذا أمروكم بالإثم ، وذلك أن الرجل كان إذا أراد الهجرة ، قال له أهله
وولده : ننشدك الله أن تذهب وتدع أهلك وولدك ومالك ، نضيع بعدك ، ونصير عيالاً
بالمدينة ، لا معاش لنا فيثبطونه ، فمنهم من يقيم ، ومنهم من يهاجر ، ولا يطيع أهله ،
فيقول : تثبطونا عن الهجرة ، لئن جمعنا الله وإياكم لنعاقبنكم ، ولا نصلكم ، ولا تصيبون
منا خيراً .
يقول الله : ( فاحذروهم ( أن تطيعوهم في ترك الهجرة ، ثم أمرهم بالعفو والصفح
والتجاوز ، فقال : ( وأن تعفوا ( عنهم يعني وإن تتركوهم ، وتعرضوا ، وتتجاوزا عنهم
) وتصفحوا وتغفروا ( خير لكم ) فإن الله غفور ( لذنوب المؤمنين ) رحيم (
[ آية : 14 ] بخلقه ، ثم وعظهم .
تفسير سورة التغابن من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 16 ) .(3/369)
صفحة رقم 370
التغابن : ( 15 ) إنما أموالكم وأولادكم . . . . .
فقال : ( أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( يعني بلاء وشغل عن الآخرة ) والله عنده أجر ( يعني جزاء ) عظيم ) [ آية : 15 ] يعني الجنة
التغابن : ( 16 ) فاتقوا الله ما . . . . .
) فاتقوا الله ( في أمره ونهيه
) ما استطعتم ( يعني ما أطعتم ) واسمعوا ( له مواعظه ) وأطيعوا ( أمره
) وأنفقوا ( من أموالكم في حق الله ) خيرا لأنفسكم ( .
ثم رغبهم في النفقة ، فقال : ( ومن يوق شح نفسه فأؤلئك هم المفلحون ) [ آية :
16 ] أي يعطى حق الله من ماله .
تفسير سورة التغابن من الآية ( 17 ) فقط . [ 17 ] .
التغابن : ( 17 ) إن تقرضوا الله . . . . .
ثم قال : ( إن تقرضوا الله ( يعني التطوع ) قرضا حسنا ( يعني طيبة بها أنفسكم
تحتسبها ) يضاعفه لكم ( يعني القرض ) ويغفر لكم ( بالصدقة ) والله شكور (
لصدقاتكم حين يضاعفها لكم ) حليم ) [ آية : 17 ] عن عقوبة ذنوبكم حين غفرها
لكم ، وعن من يمن بصدقته ، ولم يحتسبها .
تفسير سورة التغابن من الآية ( 18 ) فقط .
التغابن : ( 18 ) عالم الغيب والشهادة . . . . .
) الغيب والشهادة ( يعني عالم كل غيب ، يعني غيب ما في قلبه من المن ، وقلة
الخشية ، وشاهد كل نجوى ) العزيز ( يعني المنيع في ملكه ) الحكيم ) [ آية : 18 ] في
أمره .(3/370)
صفحة رقم 371
65
سورة الطلاق
مدنية ، عددها اثنتا عشر آية كوفى
تفسير سورة الطلاق من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 3 ) .
الطلاق : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ( نزلت في عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعتبة بن
عمرو المازني ، وطفيل بن الحارث ، وعمرو بن سعيد بن العاص ) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ( يعني طاهراً من غير جماع ) وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم ( فلا تعصوه فيما أمركم به ) لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ( من
قبل أنفسهن ما دمن في العدة وعليهن الرجعة ) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( يعني
العصيان البين وهو النشوز ) وتلك حدود الله ( يعني سنة الله وأمره أن تطلق المرأة للعدة
طاهرة من غير حيض ولا جماع ) ومن يتعد حدود الله ( يعني سنة الله وأمره فيطلق
لغير العدة ) فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) [ آية : 1 ] يعني بعد
التطليقة والتطليقتين أمراً يعني الرجعة
الطلاق : ( 2 ) فإذا بلغن أجلهن . . . . .
) فإذا بلغن أجلهن ( يعني به انقضاء العدة قبل أن
تغتسل ) فأمسكوهن ( إذا راجعتموهن ) بمعروف ( يعني طاعة الله ) أو فارقوهن بمعروف ( يعني طاعة الله في غير إضرار فهذا هو الإحسان ) وأشهدوا ( على الطلاق
والمراجعة ) ذوي عدل منكم ( ثم قال للشهود ) وأقيموا الشهادة لله ( على وجهها
) ذلكم ( الذي ذكر الله تعالى من الطلاق والمراجعة ) يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ( يعني يصدق بالله أنه واحد لا شريك له ، وبالبعث الذي فيه جزاء
الأعمال ، فليفعل ما أمره الله .(3/371)
صفحة رقم 372
ثم قال : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) [ آية : 2 ] نزلت في عوف بن مالك
الأشجعي ،
جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ن فشكا إليه الحاجة والفاقة ، فأمره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالصبر ، وكان
ابن له أسير ، في أيدي مشركي العرب فهرب منهم فأصاب منهم إبلاً ومتاعاً ، ثم إنه
رجع إلى أبيه ، فانطلق أبوه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأخبره بالخبر ، وسأله : أيحل له أن يأكل من
الذي أتاه ابنه ؟ فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' نعم ' ، فأنزل الله تعالى : ( ومن يتق الله ( فيصبر
) يجعل له مخرجا ( من الشدة
الطلاق : ( 3 ) ويرزقه من حيث . . . . .
) ويرزقه من حيث لا يحتسب ( يعني من حيث لا يأمل ، ولا
يرجو فرزقه الله تعالى من حيث لا يأمل ولا يرجو .
ثم قال : ( ومن يتوكل على الله ( في الرزق فيثق به ) فهو حسبه إن الله بالغ أمره (
فيما نزل به من الشدة والبلاء ) قد جعل الله لكل شئٍ ( من الشدة والرخاء ) قدرا (
[ آية : 3 ] يعني متى يكون هذا الغني فقيراً ؟ ومتى يكون هذا الفقير غنياً ؟ فقدر الله ذلك
كله ، لا يقدم ولا يؤخر . فقال رجل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين نزلت : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) [ البقرة : 228 ] ، فما عدة المرأة التي لا تحيض ؟ وقال خلاد
الأنصاري : ما عدة من لم تحض من صغر ؟ وما عدة الحبلى ؟
تفسير سورة الطلاق من الآية ( 4 ) فقط .
الطلاق : ( 4 ) واللائي يئسن من . . . . .
فأنزل الله عز وجل في اللاتي قعدن عن المحيض : ( والئ بئسن من المحيض من
نسائكم ( يعني القواعد من النساء اللاتي قعدن عن المحيض ) إن ارتبتم ( يعني
شككتم ، فلم يدر كم عدتها ) فعدتهن ثلاثة أشهر ( إذا طلقن ، ثم قال : ( والتي لم
يحضن ( فكذلك أيضاً يعني عدة الجوارى اللاتي لم يبلغن الحيض ، وقد نكحن ، ثم
طلقن ، فعدتهن ثلاثة أشهر .
ثم قال : ( وأؤلت الأحمال أجلهن ( يعني الحبلى فعدتهن ) أن يضعن حملهن ( يقول
فإن كانت هذه الملطلقة حبلى فأجلها إلى أن تضع حملها ، ثم رجع إلى الطلاق ، فقال :
( ومن يتق الله ( في أمر الطلاق ) يجعل له من أمره يسرا ) [ آية : 4 ] يقول : ومن يتق
الله فيطلق كما أمره الله تعالى ، ويطيع الله في النفقة ، والمسكن ، ييسر الله أمره ، ويوفقه
للعمل الصالح .(3/372)
صفحة رقم 373
تفسير سورة الطلاق من الآية ( 5 ) فقط .
الطلاق : ( 5 ) ذلك أمر الله . . . . .
) ذلك ( الذي ذكر من الطلاق والنفقة والمسكن ، ) أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله ( في أمره ما ذكر ) يكفر عنه سيئاته ( يعني يغفر له ذنوبه ) ويعظم له أجرا (
[ آية : 5 ] يعني الجزاء ، يعني يضاعفه له .
تفسير سورة الطلاق من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 7 ) .
الطلاق : ( 6 ) أسكنوهن من حيث . . . . .
) أسكنوهن ( يعني المطلقة الواحدة والثنتين ) من حيث سكنتم من وجدكم ( يعني من
سعتكم في النفقة ، والمسكن ، ) ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولت حملٍ ( يعني
المطلقة وهي حبلى ) فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم ( أولادكم إذا وضعن
حملهن ) فئاتوهن أجورهن ( يعني فأعطوهن أجورهن ) وأتمروا بينكم ( يعني الرجل
والمرأة ) بمعروف ( يقول : حتى تنفقوا من النفقة على أمر بمعروف ) وإن تعاسرتم ( يعني
الرجل والمرأة وإذا أراد الرجل أقل مما طلبت المرأة من النفقة فلم يتفقوا على أمر
) فسترضع له ( يعني للرجل امرأة ) أخرى ) [ آية : 6 ] يقول : ليلتمس غيرها من
المراضع .
الطلاق : ( 7 ) لينفق ذو سعة . . . . .
ثم قال : ( لينفق ( في المراضع ) ذو سعة ( في المال ) من سعته ( الذي أوسع
الله له على قدره ) ومن قدر ( يعني فتر ) عليه رزقه ( مثل قوله : ( إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه ) [ الأنبياء : 87 ] يعني نضيق عليه في بطن الحوت ، ) فلينفق (
في المراضع قدر فقره ) مما ءاتاته الله ( يعني مما أعطاه الله من الرزق على قدر طاقته ،
فذلك قوله : ( لا يكلف الله ( في النفقة ) نفساً إلا ما ءاتاها ( يعني إلا ما أعطاها من
الرزق ) سيجعل الله بعد عسر يسرا ) [ آية : 7 ] يعني من بعد الفقر سعة في الرزق .
تفسير سورة الطلاق من الآية ( 8 ) إلى الآية ( 9 ) .(3/373)
صفحة رقم 374
الطلاق : ( 8 ) وكأين من قرية . . . . .
) وكأين ( يعني وكم ) من قرية ( يعني فيما خلا ) عتت ( يقول : خالفت ) عن أمر ربها و ( خالفت ) ورسله فحاسبنها حساباً شديداً ( يعني فحاسبها الله بعملها في
الدنيا فجزاها العذاب ) وعذبناها عذابا نكرا ) [ آية : 8 ] يعني فظيعاً ، فذلك قوله :
الطلاق : ( 9 ) فذاقت وبال أمرها . . . . .
) فذاقت ( العذاب في الدنيا ) وبال أمرها ( يعني جزاء ذنبها ) وكان عاقبة أمرها خسرا (
[ آية : 9 ] يقول : كان عاقبهم الخسران في الدنيا وفي الآخرة حين كذبوا فأخبر الله ،
عنهم بما أعد لهم في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة .
تفسير سورة الطلاق من الآية ( 11 ) فقط .
الطلاق : ( 10 ) أعد الله لهم . . . . .
فقال : ( أعد الله لهم ( في الآخرة ) عذابا شديدا فاتقوا الله ( يحدذرهم ) يا أولي الألباب ( يعني من كان له لب أو عقل فليعتبر فيما يسمع مسع الوعيد فينتفع بمواعظ الله
تعالى ، يخوف كفار مكة ، لئلا يكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) فينزل بهم ما نزل بالأمم الخالية حين
كذبوا رسلهم بالعذاب في الدنيا والآخرة .
ثم قال للذين آمنوا : ( فاتقوا الله يا أولي الألباب ( ثم نعتهم فقال : ( الذين ءامنوا قد أنزل
الله إليكم ذكراً ) [ آية : 10 ] يعني قرناً
الطلاق : ( 11 ) رسولا يتلو عليكم . . . . .
) رسولا ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( يتلوا عليكم ءايات
الله ( يعني يقرأ عليكم آيات القرآن ) مبيناتٍ ليخرج الذين ءامنوا ( في عمله ) وعملوا
الصالحت من الظلمات إلى النور ( يعني من الشرك إلى الإيمان ) ومن يؤمن بالله ( يعني
يصدق بالله أنه واحد لا شريك له ) ويعمل صالحا ( في إيمانه ) يدخله جنات ( يعني
البساتين ) تجري من تحتها الأنهار ( يقول : تجري من تحت البساتين الأنهار ) خلدين فيها ( يعني مقيمين فيها ) أبدا قد أحسن الله له رزقا ) [ آية : 11 ] يعني به الجنة .
تفسير سورة الطلاق من الآية ( 12 ) فقط .
الطلاق : ( 12 ) الله الذي خلق . . . . .
) الله الذي خلق سبع سماوات و ( خلق ) ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن ( يعني
الوحي من السماء العليا إلى الأرض السفلى ) لتعلموا أن الله على كل شئٍ قديرٌ وأن الله قد
أحاط بكل شئٍ علماً ) [ آية : 12 ] .(3/374)
صفحة رقم 375
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال :
سمعت أبا يوسف ، ولم
أسمع مقاتلاً يحدث عن حبيب بن حسان ، عن أبي الضحى ، في قوله : ( سبع سموتٍ ومن
الأرض مثلهن ( قال : آدم كآدم ، ونوح كنوح ، ونبي ومثل نبي ، وبه الهذيل ، عن وكيع ،
عن الأعمش ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : ( سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ( ، قال : لو حدثتكم تفسيرها لكفرتم وكفركم بها تكذيبكم ، قال
الهذيل : ولم أسمع مقاتلاً .(3/375)
صفحة رقم 376
66
سورة التحريم
مدنية عددها اثنتا عشرة آية
تفسير سورة التحريم من الآية ( 1 ) فقط .
التحريم : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ( يعني مارية القبطية وهي أم إبراهيم بن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ،
وذلك
أن حفصة بنت عمر بن الخطاب زارت أباها ، وكانت يومها عنده فلما رجعت
أبصرت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مع مارية القبطية في بيتها ، فلم تدخل حتى خرجت مارية ، فقالت
للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إني قد رأيت من كان معك في البيت يومي وعلى فراشي ، فلما رأى النبي
( صلى الله عليه وسلم ) في وجه حفصة الغيرة والكآبة ، قال لها : ' يا حفصة ، اكتعي على ، ولا تخبري عائشة
ولك على ألا أقربها أبداً ' .
وبإسناده ، قال مقاتل :
قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لحفصة : ' اكتعي علي حتى أبشرك أنه يلي الأمر
من بعدي أبو بكر ، وبعد أبو بكر أبوك ' فأمرها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ألا تخبر أحداً فعمدت حفصة ،
فأخبرت عائشة وكانتا متصافيتين ، فغضبت عائشة فلم تزل بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى حلف ألا
يقرب مارية القبطية ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي
مرضات أزوجك ( يعني حفصة ) والله غفور رحيم ) [ آية : 1 ] لهذه اليمين التي حلفت
عليها .
تفسير سورة التحريم من الآية ( 2 ) فقط .
التحريم : ( 2 ) قد فرض الله . . . . .
) قد فرض الله لكم ( يعني قد بين الله لكم نظيرها في سورة النور ) تحلة أيمانكم (
مثلها في المائدة : ( إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم ) [ الآية : 89 ] فأعتق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رقبة
في تحريم مارية ) والله موالكم وهو العليم ( بخلقه ) الحكيم ) [ آية : 2 ] في أمره حكم
الكفارة .
تفسير سورة التحريم من الآية ( 2 ) فقط .(3/376)
صفحة رقم 377
التحريم : ( 3 ) وإذ أسر النبي . . . . .
) وإذ أسر النبي إلى بعض أزوجه ( يعني حفصة ) حديثا فلما نبأت ( حفصة ) به (
عائشة يقول :
أخبرت به عائشة يعني الحديث الذي أسر إليها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من أمر مارية
) وأظهره الله عليه ( يعني أظهر الله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على قول حفصة لعائشة فدعاها النبي ( صلى الله عليه وسلم )
فأخبرها ببعض ما قالت لعائشة ، ولم يخبرها بعملها أجمع ، فذلك قوله : ( عرف ( النبي
( صلى الله عليه وسلم ) ) بعضه ( بعض الحديث ) أعرض عن بعض ( الحديث أن أبا بكر وعمر يملكان
بعده ) فلما نبأها ( النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) به ( بما أفشت عليه ) قالت ( حفصة للنبي ( صلى الله عليه وسلم )
) من أنبأك هذا ( الحديث ) قال ( النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) نبأني ( يعني أخبرني ) العليم (
بالسر ) الخبير ) [ آية : 3 ] به .
تفسير سورة التحريم ( 4 ) فقط .
التحريم : ( 4 ) إن تتوبا إلى . . . . .
) إن تتوبا إلى الله ( يعني حفصة وعائشة ) فقد صغت قلوبكما ( يعني مالت قلوبكما
) وإن تظهرا عليه ( يعني تعاونتما على معصية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأذاه ) فإن الله هو مولاه (
يعني وليه ) وجبريل ( ( صلى الله عليه وسلم ) ) وصالح ( ( المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ ) [ آية : 4 ]
للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يعني أعواناً للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليكما إن تظاهرتما عليه فلما نزلت هذه الآية هم النبي
( صلى الله عليه وسلم ) بطلاق حفصة حين أبدأت عليه . قال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : لو علم الله
في آل عمر خيراً ما طلقت حفصة ، فنزل جبريل على النبي ، صلى الله عليهما ، فقال لا
تطلقها : فإنها صوامة قوامة وهي من نسائك في الجنة ، فأمسكها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد ذلك .
تفسير من سورة التحريم من الآية ( 5 ) فقط .
التحريم : ( 5 ) عسى ربه إن . . . . .
ثم قال : ( عسى ربه ( يعني رب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن طلقكن ( النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فطلقها النبي
( صلى الله عليه وسلم ) واحدة وراجعها ) أن يبدله أزواجاً خيراً منكن ( ، ثم نعتهن ، فقال : ( مسلمتٍ ( يعني
مخلصات ) مؤمنتٍ ( يعني مصدقات بتوحيد الله تعالى ) قنتاتٍ ( يعني مطيعات
) تئبتٍ ( من الذنوب ) عبدتٍ ( يعني موحدات ) سئحتٍ ( يعني صائمات
) ثيبتٍ ( يعني أيمات لا أزواج لهن ) وأبكاراً ) [ آية : 5 ] عذارى لم يمسسن .
تفسير سورة التحريم من الآية ( 6 ) فقط .(3/377)
صفحة رقم 378
التحريم : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم ( بالأدب الصالح النار في الآخرة ) نارا وقودها الناس ( يعني أهلها ) والحجارة ( تتعلق في عنق الكافر مثل جبل الكبريت تشتعل عليه
النار بحرها على وجهه ) عليها ( يعني على النار ) ملئكةٌ ( يعني خزنتها التسعة عشر
) غلاظ شداد ( يعني أقوياء وذلك أن ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة وقوة أحدهم
أن يضرب بالمقمعة فيدفع بتلك الضربة سبعين ألفاً عظم كل إنسان مسيرة أيام فيهوى
في قعر جهنم أربعين سنة ، فيقع أحدهم لا حيا ولا ميتاً . ) لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) [ آية : 6 ] يعني خزنة جهنم .
تفسير سورة التحريم من الآية ( 7 ) فقط .
التحريم : ( 7 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين كفروا ( يعني كفار مكة ) لا تعتذروا اليوم ( يعني القيامة ) إنما تجزون ( في الآخرة ) ما كنتم تعملون ) [ آية : 7 ] في الدنيا .
تفسير سورة التحريم من الآية ( 8 ) فقط .
التحريم : ( 8 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبةً نصوحاً ( يعني صادقاً في توبته ، ولا يحدث
نفسه أن يعود إلى بالذنب الذي تاب منه أبداً ) عسى ربكم ( إن تبتم والعمى من الله
واجب ) أن يكفر عنكم سيئاتكم ( يعني يغفر لكم ذنوبكم ) ويدخلكم ( في
الآخرة ) جنات ( يعني البساتين ) تجري من تحتها ( من تحت البساتين ) الأنهار يوم لا يخزي الله النبي ( يعني لا يعذب الله النبي ) والذين ءامنوا معه ( كما يخزى الظلمة
) نورهم يسعى بين أيديهم ( ولهم على الصراط دليل إلى الجنة ، ثم قال : ( وبأيمانهم (
يقول : وبتصديقهم بالتوحيد في الدنيا أعطوا الفوز في الآخرة إلى الجنة ) يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا ( فهؤلاء أصحاب الأعراف الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم
فصارت سواء ) إنك على كل شئٍ ( من الفوز والمغفرة ) قدير ) [ آية : 8 ] .
تفسير سورة التحريم من الآية ( 9 ) فقط .(3/378)
صفحة رقم 379
التحريم : ( 9 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي جاهد الكفار ( بالسيف ) والمنافقين ( بالقول ) واغلظ عليهم (
يعني في الشدة بالقول عليهم ) ومأواهم جهنم وبئس المصير ) [ آية : 9 ] .
تفسير سورة التحريم من الآية ( 10 ) فقط .
التحريم : ( 10 ) ضرب الله مثلا . . . . .
) ضرب الله مثلا للذين كفروا ( يعني امرأة الكافر التي يتزوجها المسلم وهي
) امرأت نوحٍ وامرأت لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما ( في الدين
يقول : كانتا مخالفتين لدينهما ) فلم يغنيا عنهما من الله ( يعني نوح ولوط ، عليهما
السلام ، من كفرهما ) شيئا ( يعني أمرأتيهما ) وقيل ادخلا النار مع الداخلين (
[ آية : 10 ] حين عصيا يخوف عائشة وحفصة بتظاهرها على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فكذلك عائشة
وحفصة إن عصيا ربهما لم يغن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عنهما من الله شيئاً .
تفسير سورة التحريم من الآية ( 11 ) فقط .
التحريم : ( 11 ) وضرب الله مثلا . . . . .
ثم قال : ( وضرب الله مثلاً للذين ءامنوا ( يعني المرأة المسلمة التي يتزوجها
الكافر ، فإن كفر زوجها لم يضرها مع إسلامها شيئاً يقول لعائشة وحفصة : لا تكونا
بمنزلة امرأة لوط في المعصية ، وكونا بمنزلة ) امرأت فرعون ( ومريم في الطاعة ) إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ( الشرك ) ونجني من (
أهل مصر ) القوم الظالمين ) [ آية : 11 ] يعني المشركين فنظرت إلى منازلها في الجنة
قبل موتها .
تفسير سورة التحريم من الآية ( 12 ) فقط .
التحريم : ( 12 ) ومريم ابنة عمران . . . . .
) ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها ( عن الفواحش وإنما ذكرت بأنها أحصنت
فرجها لأنها قذفت بالزنا ) فنفخنا فيه من روحنا ( وهي مريم بنت عمران بن
ماثان بن عازور بن صاروى بن الردى بن آسال بن عازور بن النعمان بن أيبون بن
روبائيل بن سليتا بن أوباخش وهو ابن لو بانية بن بوشنا بن أيمن بن سلتا بن حزقيل بن
يونس ين متى بن إيحان بن بانومر بن عوريا بن معققا بن أمصيا بن نواسر بن حزالى بن(3/379)
صفحة رقم 380
يهورم بن يوسقط بن أسا بن راخيم بن سليمان بن داود بن أتسى بن عويد بن عمى
ناذب بن رام بن حضرون بن قارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ،
عليهم السلام ، روحنا يعني جبريل ، وذلك أن جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) مد مدرعتها بأصبعيه ، ثم نفخ
في جيبها ) وصدقت بكلمات ربها ( يعني بعيسى أنه نبي الله ) وكتبه وكانت ( يعني
الإنجيل وكانت مرمي ) من القنتين ) [ آية : 12 ] يعني من المطيعين لربها ، قالت عائشة ،
رضي الله عنها ، كيف لم يسمهما الله تعالى ؟ قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : لبغضهما يعني امرأة نوح
وامرأة لوط ، قالت عائشة : فما اسمها ؟ فأتاه جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : أخبر عائشة ، رضي الله
عنها ، أن اسم امرأة نوح والغة ، واسم امرأة لوط والهة .(3/380)
صفحة رقم 381
6
سورة الملك
مكية عددها ثلاثون آية
تفسير سورة الملك من الآية ( 1 ) فقط .
الملك : ( 1 ) تبارك الذي بيده . . . . .
قوله : ( تبارك ( يعني افتعل البركة ) الذي بيده الملك وهو على كل شئٍ ( أراده
) قدير ) [ آية : 1 ]
الملك : ( 2 ) الذي خلق الموت . . . . .
) الذي خلق الموت والحيوة ( فيميت الأحياء ويحيى الموتى من نطفة ،
ثم علقة ، ثم ينفخ فيه الروح ، فيصير حياً ، قوله تعالى : ( ليبلوكم ( يعني ليختبركم بها
) أيكم أحسن عملا ( .
حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو صالح ،
قال :
أخبرني مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن عبد الله بن عباس ، قال :
أيكم أتم للفريضة ) وهو العزيز ( في ملكه ، في نقمته لمن عصاه ، ) الغفور ) [ آية : 2 ]
للذنوب المؤمنين .
تفسير سورة الملك من الآية ( 2 ) إلى الآية ( 4 ) .
الملك : ( 3 ) الذي خلق سبع . . . . .
ثم أخبر عن خلقه ليعرف بتوحيد فقال : ( الذي خلق سبع سموت ( في يومين
) طباقا ( بعضها فوق بعض بين كل سماءين مسيرة خمسمائة سنة وغلظ كل سماء
مسيرة خمسمائة سنة ، قوله : ( ما ترى في خلق الرحمن من تفوتٍ ( يقول ما ترى ابن آدم
في خلق السموات من عيب ) فارجع البصر ( يعني أعد البصر ثانية إلى السموات ) هل ترى ( ابن آدم في السموات ) من فطور ) [ 3 ] يعني من فروج
الملك : ( 4 ) ثم ارجع البصر . . . . .
) ثم ارجع البصر كرتين (
يقول : أعد البصر الثانية ) ينقلب ) يعني يرجع ) إليك ( ابن آدم ) البصر خاسئاً (
يعني إذا اشتد البصر يقع فيه الماء ، خاسئاً : يعني صاغراً ) وهو حسيرٌ ) [ آية : 4 ] يعني
كالا منقطعاً لا يرى فيها عيباً ولا فطورا .(3/381)
صفحة رقم 382
تفسير سورة الملك من الآية ( 5 ) فقط .
الملك : ( 5 ) ولقد زينا السماء . . . . .
قوله : ( ولقد زينا السماء الدنيا ( لأنها أدنى السموات وأقربها من الأرض من غيرها
) بمصابيح ( وحفظاً يعني الكواكب ) وجعلنها ( يعني الكواكب ) رجوما ( يعني
رمياً ) للشياطين ( يعني إذا ارتقوا إلى السماء ) وأعتدنا لهم ( يعني للشياطين ) عذاب السعير ) [ آية : 5 ] يعني الوقود .
تفسير سورة الملك من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 11 ) .
الملك : ( 6 ) وللذين كفروا بربهم . . . . .
) وللذين كفروا بربهم ( وأعتدنا للذين كفروا بتوحيد الله ، لهم في الآخرة ) عذاب جهنم وبئس المصير ) [ آية : 6 ] حيث يصيروان إليها ، قوله :
الملك : ( 7 ) إذا ألقوا فيها . . . . .
) إذا ألقوا فيها ( يعني في
جهنم اختطفهم الخزنة بالكلاليب ) سمعوا لها شهيقا ( يعني مثل نهيق الحمار ) وهي تفور ) [ آية : 7 ] يعني تغلى
الملك : ( 8 ) تكاد تميز من . . . . .
) تكاد تميز ( تفرق جهنم عليهم ) من الغيظ ( على
الكفار تأخذهم .
ثم قال : ( كلما ألقي فيها فوج ( يعني زمرة اختطفتهم الخزنة بالكلاليب ، يعني مشركي
العرب واليهود والنصارى والمجوس ، وغيرهم ) سألهم خزنتها ( خزان جهنم ) ألم يأتكم نذير ) [ آية : 8 ] يعني رسول وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم )
الملك : ( 9 ) قالوا بلى قد . . . . .
) قالوا ( للخزنة : ( بلى قد جاءنا نذير فكذبنا ( بالنذير يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وقلنا ( للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ما نزل الله من شئٍ ( يعني ما
أرسل الله من أحد يعني من نبي ، وقالوا للرسول ، محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ما بعث الله من رسوله
) إن أنتم إلا في ضلال ( يعني إلا في شقاق ) كبير ) [ آية : 9 ] .
الملك : ( 10 ) وقالوا لو كنا . . . . .
) وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ( المواعظ ) ما كنا في أصحاب السعير ) [ آية : 10 ] يقول الله
تعالى :
الملك : ( 11 ) فاعترفوا بذنبهم فسحقا . . . . .
) فاعترفوا بذنبهم ( يعني بتكذيبهم الرسل ) فسحقا لأصحاب السعير ) [ 11 ]
يعني الوقود .
تفسير سورة الملك من الآية ( 12 ) إلى الآية ( 14 ) .(3/382)
صفحة رقم 383
الملك : ( 12 ) إن الذين يخشون . . . . .
ثم أخبر الله تعالى عن المؤمنين ، وما أعد لهم في الآخرة ، فقال : ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب ( ولم يروه ، فأمتوا ) لهم مغفرة ( للذنوبهم ) وأجر كبير ) [ آية : 12 ]
يعني جزاء كبيراً في الجنة
الملك : ( 13 ) وأسروا قولكم أو . . . . .
) وأسروا قولكم ( في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في القلوب ) أو اجهروا به (
يعني أو تكلموا به علانية ، يعني به كفار مكة ) إنه عليم بذات الصدور ) [ آية : 13 ]
يعني بما في القلوب .
الملك : ( 14 ) ألا يعلم من . . . . .
ثم قال : ( ألا يعلم من خلق ( يقول : أنا خلقت السر في القلوب ، ألا أكون عالماً بما
أخلق من السر في القلوب ) وهو اللطيف الخبير ) [ آية : 14 ] يعني لطف علمه بما في
القلوب ، خبير بما فيها من السر والوسوسة .
تفسير سورة الملك من الآية ( 15 ) فقط .
الملك : ( 15 ) هو الذي جعل . . . . .
قوله : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ( يقول : أثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها
) فامشوا ( يعني فمروا ) في مناكبها ( يعني في نواحيها وجوانبها آمنين كيف شئتم
) وكلوا من رزقه ( الحلال ) وإليه النشور ) [ آية : 15 ] يقول : إلى الله تبعثون من
قبوركم أحياء بعد الموت .
تفسير سورة الملك من الآية ( 16 ) إلى الآية ( 17 ) .
الملك : ( 16 ) أأمنتم من في . . . . .
ثم خوف كفار مكة ، فقال : ( ءأمنتم ( عقوبة ) من في السماء ( يعني الرب تبارك
وتعالى ، نفسه لأنه في السماء العليا ) أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ) [ آية : 16 ]
يعني فإذا هي تدور بكم إلى الأرض السفلى ، مثل قوله : ( يوم تمور السماء مورا (
[ الطور : 9 ] .
الملك : ( 17 ) أم أمنتم من . . . . .
ثم قال : ( أم أمنتم ( عقوبة ) من في السماء ( يعني الرب عز وجل ) أن يرسل عليكم حاصبا ( يعني الحجارة من السماء كما فعل بمن كان قبلكم من كفار العرب الخالية
قوم لوط وغيره ) فستعلمون ( يا أهل مكة عند نزول العذاب ) كيف نذير ) [ آية :
17 ] يقول : كيف عذابي .(3/383)
صفحة رقم 384
تفسير سورة الملك من الآية ( 18 ) إلى الآية ( 22 ) .
الملك : ( 18 ) ولقد كذب الذين . . . . .
) ولقد كذب الذين من قبلهم ( يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية رسلهم فعذبناهم
) فكيف كان نكير ) [ آية : 18 ] يعني تغييرى وإنكاري ألم يجدوا العذاب حقاً ، يخوف
كفار مكة ، ثم وعظهم ليعتبروا في صنع الله فيوحدونه ، فقال :
الملك : ( 19 ) أولم يروا إلى . . . . .
) أولم يروا إلى الطير فوقهم
صفاتٍ ( يعني الأجنحة ) ويقبضن ( الأجنحة حين يردن أن يعن ) ما يمسكهن ( عند القبض والبسط ) إلا الرحمن إنه بكل شئٍ ( من خلقه ) بصير ) [ آية : 19 ] .
الملك : ( 20 ) أم من هذا . . . . .
ثم خوفهم ، فقال : ( أمن هذا الذي هو جندٌ ( يعني حزب ) لكم ( يا أهل مكة ، يعني
فهابوه ) ينصركم ( يقول : يمنعكم ) من دون الرحمن ( إذا نزل بكم العذاب ) أن (
يعني ما ) الكفرون إلا في غرورٍ ) [ آية : 20 ] يقول : في باطل ، الذي ليس بشئ ، ثم قال
يخوفهم ليعتبروا :
الملك : ( 21 ) أم من هذا . . . . .
) أمن هذا الذي يرزقكم ( من المطر من الآلهة غيري ) إن أمسك رزقه (
عنكم فهاتوا المطر يقول الله تعالى : أنا الرزاق ، قال : ( بل لجوا في عتو ( يعني تمادوا في
الكفر ) ونفور ) [ آية : 21 ] يعني تباعد من الإيمان قوله :
الملك : ( 22 ) أفمن يمشي مكبا . . . . .
) أفمن يمشي مكبا على وجهه (
يعني الكافر يمشى ضالاً في الكفر أعمى القلب ، يعني أبا جهل بن هشام ، ) أهدى أمن
يمشي سوياًّ ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مؤمنا مهتدياً ، نقى القلب ) على صراط مستقيم ) [ آية : 22 ]
يعني طريق الإسلام .
تفسير سورة الملك من الآية ( 23 ) إلى الآية ( 24 ) .
الملك : ( 23 ) قل هو الذي . . . . .
) قل هو الذي أنشأكم ( يعني خلقكم ) وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ( يعنى
القلوب ) قليلا ما تشكرون ) [ آية : 23 ] يعنى بالقليل ، أنهم قوم لا يعلقون ، فيشكروا
رب هذه النعم البينة في حسن خلقهم ، فيوحدنه
الملك : ( 24 ) قل هو الذي . . . . .
) قل هو الذي ذرأكم في الأرض ( يعنى
خلقكم في الأرض ) وإليه ( يعنى إلى الله ) تحشرون ) [ آية : 24 ] في الآخرة فيجزيكم
بأعمالكم .(3/384)
صفحة رقم 385
تفسير سورة الملك من الآية ( 25 ) إلى الآية ( 27 ) .
الملك : ( 25 ) ويقولون متى هذا . . . . .
قوله : ( ويقولون متى هذا الوعد ( يقول :
متى هذا الذي توعدنا به ، فأنزل الله عز
وجل : ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) [ آية : 25 ] بأن العذاب نازل بنا في
الدنيا ، يقول الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) :
الملك : ( 26 ) قل إنما العلم . . . . .
) قل ( لكفار مكة : ( إنما العلم ( يعني علم نزول
العذاب بكم ببدر ) عند الله ( وليس بيدي ) وإنما أنا نذير ( بالعذاب ) مبين (
[ آية : 26 ] . قوله :
الملك : ( 27 ) فلما رأوه زلفة . . . . .
) فلما رأوه زلفة ( يعني النار والعذاب في الآخرة قريباً ) سيئت وجوه (
الذين كفروا ( يعني شئ لذلك وجوهم ) وقيل ( لهم ، يعني قالت لهم الخزنة :
( هذا ) ) العذاب ( ( الذي كنتم به تدعون ) [ آية : 27 ] ، يعني تمترون في الدنيا .
تفسير سورة الملك من الآية ( 18 ) إلى الآية ( 20 ) .
الملك : ( 28 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل ( لكفار مكة يا محمد : ( أرءيتم إن أهلكني الله ( يقول : إن عذبني الله ) ومن
معي ) ) من المؤمنين ( ( أو رحمنا ( فلم يعذبنا ، وأنعم علينا ) فمن يجبر الكفرين ( يقول :
فمن يؤمنكم أنتم ) من عذابٍ أليمٍ ) [ آية : 28 ] يعني وجيع
الملك : ( 29 ) قل هو الرحمن . . . . .
) قل هو الرحمن ( الذي
يفعل ذلك ) ءامناً به ( يقول : صدقنا بتوحيده إن شاء أهلكنا أو عذبنا ) وعليه توكلنا (
يعني بالله وثقنا حين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
( إن أنتم إلا في ضلال مبين ( ، فرد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
( فستعلمون ( عند نزول العذاب ) من هو في ضللٍ مبينٍ ) [ آية : 29 ] يعني باطل ليس
بشئ أنحن أم أنتم ، نظيرها في طه [ الآية : 135 ] .
الملك : ( 30 ) قل أرأيتم إن . . . . .
ثم قال لأهل مكة : ( قل أرءيتم إن أصبح ماؤكم غوراً ( يعني ماء زمزم وغيره ) غوراً (
يعني غار في الأرض ، فذهب فلم تقدروا عليه ) فمن يأتيكم بماءٍ معين ) [ آية : 30 ] يعني
ظاهراً تناله الدلاء .(3/385)
صفحة رقم 386
68
سورة القلم
سورة ن ، مكية عددها اثنتان وخمسون آية كوفى
تفسير سورة القلم ( 1 ) فقط .
القلم : ( 1 ) ن والقلم وما . . . . .
قوله : ( ن والقلم ( يعني بنون الحوت وهو بحر تحت الأرض السفلى والقلم قلم
من نور يكتب به كما بين السماء والأرض كتب به اللوح المحفوظ ) وما يسطرون (
[ آية : 1 ] يقول : وما تكتب الملائكة من أعمال بني آدم ، وذلك حين قال كفار مكة ، أبو
جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وغيرهم :
إن محمداً مجنون ، فأقسم الله
تعالى بالحوت والقلم وما يسطرون الملائكة من أعمال بني آدم .
تفسير سورة القلم من الآية ( 2 ) إلى الآية ( 6 ) .
القلم : ( 2 ) ما أنت بنعمة . . . . .
فقال : ( ما أنت ( يا محمد ) بنعمة ربك ( يعني برحمة ربك ) بمجنون ) [ آية : 2 ]
القلم : ( 3 ) وإن لك لأجرا . . . . .
) وإن لك لأجرا غير ممنون ) [ آية : 3 ] يقول : غير منقوص لا يمن به عليك
القلم : ( 4 ) وإنك لعلى خلق . . . . .
) وإنك لعلى خلق عظيم ) [ آية : 4 ] يعني دين الإسلام
القلم : ( 5 - 6 ) فستبصر ويبصرون
) فستبصر ويبصرون بأياتكم المفتون (
[ آية : 6 ] يعني سترى يا محمد ويرى أهل مكة إذا نزل بهم العذاب ببدر بأيكم المفتون
يعني المجنون فهذا وعيد ، العذاب ببدر ، القتل وضرب الملائكة الوجوه والأدبار .
تفسير سورة القلم من الآية ( 7 ) إلى الآية ( 12 ) .
القلم : ( 7 ) إن ربك هو . . . . .
ثم قال : ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ( الهدى ) وهو أعلم بالمهتدين (
[ آية : 7 ] من غيره قوله
القلم : ( 8 ) فلا تطع المكذبين
) فلا تطع المكذبين ) [ آية : 8 ] حين دعى إلى دين آبائه وملتهم ،
نظيرها في سورة الفرقان [ الآية : 52 ] ، نزلت هذه الآية في بني المغيرة بن عبد الله بن(3/386)
صفحة رقم 387
عمرو بن مخزوم ، منهم الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، وعبد الله بن أبي
أمية ، وعبد الله بن مخزوم ، وعثمان ، ونوفل النبي عبد الله بن المغيرة ، والعاص ، وقيس ،
وعبد شمس ، وبنى الوليد سبعة : الوليد ، وخالد ، وعمارة ، وهشام ، والعاص ، وقيس ، وعبد
شمس ، بنو الوليد بن المغيرة ،
القلم : ( 9 ) ودوا لو تدهن . . . . .
) ودوا ( حين دعى إلى دين آبائه ) لو تدهن فيدهنون (
[ آية : 9 ] يقول : ودوا لو تكفر يا محمد ، فيكفرون فلا يؤمنون
القلم : ( 10 ) ولا تطع كل . . . . .
) ولا تطع كل حلاف مهين ) [ آية : 10 ] يعني الوليد بن المغيرة المخزومي ، يقول :
كان تاجراً ضعيف القلب ،
وذلك أنه كان عرض على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المال على أن يرجع عن دينه ، وذلك قوله تعالى :
( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) [ الإنسان : 24 ] ، يعني الوليد وعتبة
القلم : ( 11 ) هماز مشاء بنميم
) هماز ( يعني
معتاب ) مشاء بنميم ) [ آية : 11 ] كان يمشي بالنميمة
القلم : ( 12 ) مناع للخير معتد . . . . .
) مناع للخير ( يعني الإسلام
منع ابن أخيه وأهله الإسلام ) معتد ( يعني في الغشم والظلم ) أثيم ) [ آية : 12 ]
يعني أثيم بربه لغشمه وظلمه . نظيرها في : ( ويل للمطففين ) [ المطففين : 1 ] .
تفسير سورة القلم من الآية ( 13 ) إلى الآية ( 16 ) .
القلم : ( 13 ) عتل بعد ذلك . . . . .
) عتل بعد ذلك ( يقلو : مع ذلك النعت ) زنيم ) [ آية : 13 ] يعني بالعتل رحيب
الجوف موثق الحلق ، أكول شروب غشوم ظلوم ، ومعنى ) زنيم ( أنه كان في أصل
أذنه مثل زنمة الشاة مثل الزنمة التي تكون معلقة في لحى الشاة زيادة في خلقه
القلم : ( 14 ) أن كان ذا . . . . .
) أن كان ( يعني إذا كان ) ذا مال وبنين ) [ آية : 14 ]
القلم : ( 15 ) إذا تتلى عليه . . . . .
) إذا تتلى عليه ( يعنى الوليد
) آياتنا ( يعنى القرآن ) قال أساطير الأولين ) [ آية : 15 ] يقول : أحاديث
الأولين وكذبهم وهو حديث رستم واسفندباز يقول الله عز وجل :
القلم : ( 16 ) سنسمه على الخرطوم
) سنسمه ( بالسواد
) على الخرطوم ) [ آية : 16 ] يعنى على الأنف ، وهو الوليد ، وذلك أنه يسود وجهه
وتزوق عيناه ويصير منكوس الوجه مغلولاً في الحديد قبل دخول النار .
تفسير سورة القلم من الآية ( 17 ) إلى الآية ( 27 ) .(3/387)
صفحة رقم 388
القلم : ( 17 ) إنا بلوناهم كما . . . . .
ثم رجع في التقديم ، فقال : ( إنا بلونهم ( يقول : إنا ابتليناهم يعني أهل مكة بالجوع
) كما بلونا ( يقول : كما ابتلينا ) أصحاب الجنة ( بالجوع حين هلكت جنتهم ، كان فيها
نخل وزرع وأعناب ، ورثوها عن آبائهم ، واسم الجنة الصريم ، و هذا مثل ضربه الله تعالى
لأهل مكة ليعتبروا عن دينهم ، وكانت جنتهم دون صنعاء اليمن بفرسخين ، وكانوا
مسلمين ، وهذا بعد عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وكان آباؤهم صالحين ، يجعلون
للمساكين من الثمار والزرع والنخل ما أخطأ الرجل ، فلم يره حين يصرمه ، وما أخطأ
المنجل ، وما ذرته الريح ، وما بقي في الأرض من الطعام حين يرفع ، وكان هذا شيئاً
كثيراً ، فقال القوم : كثرت العيال ، وهذا طعام كثير ، أغدوا سراجنتكم فاصرموها ، ولا
تؤذنوا المساكين ، كان آباؤهم يخبرون المساكين فيجتمعون عند صرام جنتهم ، وعند
الحصاد .
إذا أقسموا ليصر منها مصبحين ) [ آية : 17 ] ليصر منها إذا أصبحوا
القلم : ( 18 ) ولا يستثنون
) ولا يستثنون ) [ آية :
18 ] فيقولون : إن شاء الله ، فسمع الله تعالى قولهم فبعث ناراً من السماء في الليل على
جنتهم فأحرقتها حتى صارت سوداء ، فذلك قوله :
القلم : ( 19 ) فطاف عليها طائف . . . . .
فطاف عليها ( يعني على الجنة
) طائف ( يعني عذاب ) من ربك ( يا محمد ليلاً ) وهم نائمون ) [ آية : 19 ]
القلم : ( 20 ) فأصبحت كالصريم
) فأصبحت كالصريم ) [ آية : 20 ] أصبحت يعني الجنة سوداء مثل الليل
القلم : ( 21 ) فتنادوا مصبحين
) فتنادوا مصبحين ) [ آية :
21 ] يقول : لما أصبحوا قال بعضهم لبعض :
القلم : ( 22 ) أن اغدوا على . . . . .
) أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين (
[ آية :
22 ] الجنة ، يقول : الحرث والثمار والزرع ، ولا يعلمون أنها احترقت
القلم : ( 23 ) فانطلقوا وهم يتخافتون
) فانطلقوا وهم
يتخافتون ) [ آية : 23 ]
القلم : ( 24 - 25 ) أن لا يدخلنها . . . . .
) أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكينٌ وغدواً على حردٍ قدرين ) [ آية :
25 ] على حدة في أنفسهم قادرين على جنتهم
القلم : ( 26 ) فلما رأوها قالوا . . . . .
) فلما رأوها ( ليس فيها شئ ظنوا أنهم
أخطأوا الطريق ) قالوا إنا لضالون ) [ آية : 26 ] عنها . ثم أنهم عرفوا الأعلام فعلموا أنهم
عقوبة . فقالوا :
القلم : ( 27 ) بل نحن محرومون
) بل نحن ( يعني ولكن نحن ) محرومون ) [ آية : 27 ] يقول : حرمنا خير
هذه الجنة .
تفسير سورة القلم من الآية ( 28 ) إلى الآية ( 33 ) .
القلم : ( 28 ) قال أوسطهم ألم . . . . .
) قال أوسطهم ( يعني أعدلهم قولاً ، نظيرها في سورة البقرة : ( أمة وسط ( يعني
عدلاً ) ألم أقل لكم لولا تسبحون ) [ آية : 28 ] فتقولون :
إن شاء الله تعالى
القلم : ( 29 - 30 ) قالوا سبحان ربنا . . . . .
) قالوا سبحان ربنا(3/388)
صفحة رقم 389
إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعضٍ يتلومون ) [ آية : 30 ] يقول : يلوم بعضهم
بعضاً في متع حقوق المساكين
القلم : ( 31 ) قالوا يا ويلنا . . . . .
) قالوا يويلنا إنا كنا طاغين ) [ آية : 31 ] يقول : لقد طغينا
في نعمة الله تعالى ، قالوا :
القلم : ( 32 ) عسى ربنا أن . . . . .
) عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها ( يعني خيراً من جنتنا التي
هلكت ) إنا إلى ربنا رغبون ) [ آية : 32 ] في الدعاء إليه يقول الله تعالى :
القلم : ( 33 ) كذلك العذاب ولعذاب . . . . .
) كذلك (
يعني هكذا ) العذاب ( هلاك جنتهم ) ولعذاب الأخرة أكبر ( يعني أعظم مما أصابهم إن لم
يتوبوا في الدنيا ) لو كانوا يعلمون ) [ آية : 33 ] .
تفسير سورة القلم من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 27 ) .
القلم : ( 34 ) إن للمتقين عند . . . . .
ولما أنزل الله تعالى ، هذه الآية ) إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ) [ آية : 34 ] قال
كفار مكة للمسلمين :
إنا نعطى في الآخرة من الخير أفضل مما تعطون يقول الله عز وجل :
القلم : ( 35 ) أفنجعل المسلمين كالمجرمين
) أفنجعل المسلمين ) ) في الآخرة ( ( كالمجرمين ) [ آية : 35 ] في الخير يقول عز وجل :
القلم : ( 36 ) ما لكم كيف . . . . .
) ما
لكم كيف تحكمون ) [ آية : 36 ] يعني تقضون إن هذا الحكم لجور أن تعطوا من الخير في
الآخرة ما يعطى للمسلمين
القلم : ( 37 ) أم لكم كتاب . . . . .
) أم لكم ( يعني يا أهل مكة ) كتابٌ فيه تدرسون ) [ آية :
37 ] يعني تقرأون .
تفسير سورة القلم من الآية ( 29 ) إلى الآية ( 41 ) .
القلم : ( 38 ) إن لكم فيه . . . . .
) إن لكم فيه ( أن تعطوا هذا الذي قلتم بأن لكم في الآخرة : ( لما تخيرون ) [ آية :
38 ] قل لهم : يا محمد ،
القلم : ( 39 ) أم لكم أيمان . . . . .
) أم لكم أيمانٌ علينا ( يعني ألكم عهود علينا ) بلغةٌ إلى يوم
القيمة ( يقول :
حلفنا لكم على يمين فهي لكم علينا بالغة لا تنقطع إلى يوم القيامة ) إن
لكم لما تحكمون ) [ آية : 39 ] يعني ما تقضون لأنفسكم في الآخرة من الخير
القلم : ( 40 ) سلهم أيهم بذلك . . . . .
) سلهم ( يا
محمد ، ) أيهم بذلك زعيمٌ ) [ آية : 40 ] يقول : أيهم بذلك كفيل بأن لهم في الآخرة ما
للمسلمين من الخير
القلم : ( 41 ) أم لهم شركاء . . . . .
) أم لهم ( يقول : ألهم ) شركاء ( يعني شهداء من غيرهم بالذي
يقولون : ( فليأتوا بشركائهم ( يعني بشدائهم فيشهدوا لهم بالذي يقولون ) إن كانوا
صادقين ) [ آية : 41 ] بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير .
تفسير سورة القلم من الآية ( 42 ) إلى الآية ( 43 ) .(3/389)
صفحة رقم 390
القلم : ( 42 ) يوم يكشف عن . . . . .
قوله : ( يوم يكشف عن ساق ( يعني قوله : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ( يعني عن
شدة الآخرة ) يوم ( ( ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) [ آية : 42 ] وذلك أنه تجمد أصلاب
الكفار فتكون كالصياصى عظماً واحداً مثل صياصي البقرة لأنهم لم يسجدوا في الدنيا
القلم : ( 43 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . .
) خاشعةً أبصارهم ( عند معاينة النار ) ترهقهم ذلةٌ ( يعنى تغشاهم مذلة ) وقد كانوا يدعون
إلى السجود ( يعني يؤمرون بالصلاة الخمس ) وهم سلمون ) [ آية : 43 ] يقول : كانوا
معافون في الدنيا فتصير أصلابهم مثل سفافيد الحديد .
قال مقاتل : قال ابن مسعود في قوله : ( يوم يكشف عن ساقٍ ( يعني فيضئ نور ساقه
الأرض ، فذلك قوله : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ( يعني نور ساقه اليمين هذا قول
عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه .
قال مقاتل : وقال ابن عباس ، رضي الله عنه ، في قوله : ( يوم يكشف عن ساقٍ ( يعني
عند شدة الآخرة ، كقوله : قامت الحرب على ساق ، قال : يكشف عن غطاء الآخرة
وأهوالها .
تفسير سورة القلم من الآية ( 44 ) إلى الآية ( 45 ) .
القلم : ( 44 ) فذرني ومن يكذب . . . . .
قوله : ( فذرني ( هذا تهديد ) ومن يكذب بهذا الحديث ( يقول : خل بيني وبين من
يكذب بهذا القرآن ، فأنا أنفرد بهلاكهم ) سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) [ آية : 44 ]
سنأخذهم بالعذاب من حيث يجهلون
القلم : ( 45 ) وأملي لهم إن . . . . .
) وأملى لهم ( يقول :
لا أعجل عليهم بالعذاب
) إن كيدي متينٌ ) [ آية : 45 ] يقول : إم أخذى بالعذاب شديد نزلت هذه الآية في
المستهزئين من قريش قتلهم الله تعالى في ليلة واحدة .
تفسير سورة القلم من الآية ( 46 ) إلى الآية ( 49 ) .
القلم : ( 46 ) أم تسألهم أجرا . . . . .
قوله : ( أم تسئلهم أجراً ( يعني خراجاً على الإيمان ) فهم من مغرمٍ مثقلون ) [ آية :
46 ] يقول : أثقلهم الغرم فلا يستطيعون الإكثار من أجل الغرم
القلم : ( 47 ) أم عندهم الغيب . . . . .
) أم عندهم ( يقول :(3/390)
صفحة رقم 391
أعندهم علم ) الغيب ( بأن الله لا يبعثهم وأن الذي يقول محمد غير كائن ، أم عندهم
بذلك كتاب ) فهم يكتبون ) [ آية : 47 ] ما شاءوا ، ثم قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
القلم : ( 48 ) فاصبر لحكم ربك . . . . .
) فاصبر ( على
الأذى ) لحكم ربك ( يعني لقضاء ربك الذي هو آت عليك ) ) ولا تكن كصاحب الحوت (
يعني يونس بن متى من أهل نينوى ، عليه السلام ، يقول لا تضجر كما ضجر يونس فإنه
لم يصبر ، يقول : لا تعجل كما عجل يونس ، ولا تغاضب كما غاضب يونس بن متى
فتعاقب كما عوقب يونس ) إذ نادى ( ربه في بطن الحوت وكان نداؤه في سورة
الأنبياء : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [ الآية : 87 ] .
ثم قال : ( وهو مكظومٌ ) [ آية : 48 ] يعني مكروب في بطن الحوت يعني السمكة
القلم : ( 49 ) لولا أن تداركه . . . . .
) لولا أن تدركه نعمةً من ربه لنبذ بالعراء وهو مذمومٌ ) [ آية : 49 ] ولكن تداركه نعمة يعنى
رحمة من ربه فنبذناه بالعراء وهو سقيم والعسراء البراز يعني لألقى بالبراز وهو مذموم .
تفسير سورة القلم من الآية ( 50 ) إلى الآية ( 52 ) .
القلم : ( 50 ) فاجتباه ربه فجعله . . . . .
) فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ) [ آية : 50 ]
القلم : ( 51 ) وإن يكاد الذين . . . . .
) وإن يكاد ( يقول :
قد كاد ) الذين
كفروا ( يعني المستهزئين من قريش ) ليزلقونك بأبصارهم ( يعني يبعدونك ) لما سمعوا
الذكر ( يقول : حين سمعوا القرآن كراهية له ) ويقولون إنه ) ) ان محمد ( ( لمجنونٌ ) [ آية :
51 ]
القلم : ( 52 ) وما هو إلا . . . . .
) وما هو ( يعني أن هو ) إلا ذكرٌ للعلمين ) [ آية : 52 ] يعني ما القرآن إلا تذكرة
للعالمين .(3/391)
صفحة رقم 392
69
سورة الحاقة
مكية عددها اثنتان وخمسون آية كوفى
تفسير سورة الحاقة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 4 ) .
الحاقة : ( 1 - 2 ) الحاقة
قوله تعالى : ( الحاقة ما الحاقة ) [ آية : 2 ] ثم بين ما الحاقة يعني الساعة التي
فيها حقائق الأعمال ، يقول يحق للمؤمنين عملهم ، ويحق للكافرين عملهم ، ثم قال النبي
( صلى الله عليه وسلم ) :
الحاقة : ( 3 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدرك ما الحاقة ) [ آية : 3 ] تعظيماً لها لشدتها ، ثم قال : هي القارعة ، والساعة
التي
الحاقة : ( 4 ) كذبت ثمود وعاد . . . . .
) كذبت ( بها ) ثمود وعاد بالقارعة ) [ آية : 4 ] نظيرها في سورة القارعة ، وإنما
سميت القارعة لأن الله عز وجل يقرع أعداءه بالعذاب .
تفسير سورة الحاقة من الآية ( 5 ) إلى الآية ( 12 ) .
الحاقة : ( 5 ) فأما ثمود فأهلكوا . . . . .
ثم أخبر الله تعالى عن عاد وثمود ، فقال : ( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ) [ آية : 5 ]
يقول :
عذبوا بطغيانهم ، والطغيان حملهم على تكذيب صالح النبي ( صلى الله عليه وسلم )
الحاقة : ( 6 ) وأما عاد فأهلكوا . . . . .
) وأما عاد فأهلكوا ( يعني عذبوا ) بريح صرصر ( يعني باردة ) عاتية ) [ آية : 6 ] شديدة
عتت على خزانها بغير رأفة ولا رحمة
الحاقة : ( 7 ) سخرها عليهم سبع . . . . .
) سخرها ( يعنى سلطها ) عليهم ( الرب تبارك
وتعالى ) سبع ليال وثمانية أيام حسوما ( فهي كاملة دائمة لا تفتر عنهم فيهن ، يعذبهم
بالريح كل يوم حتى أفنت أرواحهم يوم الثامن ) فترى ( يا محمد ) القوم فيها ( يعني
في ذلك الأيام ) صرعى ( يعني موتى ، يعني أمواتاً ، وكان طول كل رجل منهم اثنى
عشر ذراعاً .(3/392)
صفحة رقم 393
ثم شبههم بالنخل ، فقال : ( كأنهم أعجاز نخل ( فذكر النخل لطولهم ) خاوية (
[ آية : 7 ] يعني أصول نخل بالية التي ليست لها رءوس ، وبقيت أصلوها وذهبت أعناقها
الحاقة : ( 8 ) فهل ترى لهم . . . . .
) فهل ترى لهم من باقية ) [ آية : 8 ] يقول : لم تبق منهم أحداً
الحاقة : ( 9 ) وجاء فرعون ومن . . . . .
) وجاء فرعون ومن قبله (
يعني ومن معه ) والمؤتفكت ( يعنى والمكذبات ) بالخاطئة ) [ آية : 9 ] يعنى قريات
لوط الأربعة ، واسمها سدوم وعامورا وصابورا ودامورا ،
الحاقة : ( 10 ) فعصوا رسول ربهم . . . . .
) فعصوا رسول ربهم ( يعني لوطاً
) فأخذهم ( الله ) أخذة رابية ) [ آية : 10 ] يعنى شديدة ربت عليهم في الشدة أشد من
معاصيهم التي عملوها
الحاقة : ( 11 ) إنا لما طغى . . . . .
) إنا لما طغا الماء ( وارتفع فوق كل شئ أربعين ذراعاً ) حملنكم
في الجارية ) [ آية : 11 ] ، يعنى السفينة يقول : حملنا الآباء وأنت في أصلابهم في السفينة
الحاقة : ( 12 ) لنجعلها لكم تذكرة . . . . .
) لنجعلها لكم ( يعنى لكي نجعلها لكم ، يعنى في هلاك قوم نوح لكم يا معشر الأبناء
) تذكرة ( يعنى عظة وتذكرة ، يعنى وعبرة لكم ولمن بعدكم من الناس ) وتعيها أذنٌ
وعيةٌ ) [ آية : 12 ] يعنى حافظة لما سمعت فانتفعت بما سمعت من الموعظة .
تفسير سورة الحاقة من الآية ( 13 ) إلى الآية ( 18 ) .
الحاقة : ( 13 ) فإذا نفخ في . . . . .
) فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ) [ آية : 13 ] لا تثنى يعنى نفخة الآخرة .
الحاقة : ( 14 ) وحملت الأرض والجبال . . . . .
) وحملت الأرض ( يقول : حمل ما على الأرض من ماء ، أو شجر أو شئ ) و ( حملت
) والجبال ( من أماكنها فضربت على الأرض ) فدكتا دكةً وحدةً ) [ آية : 14 ] يعنى
فكسرتا كسرة واحدة ، فاستوت بما عليها مثل الأديم الممدود
الحاقة : ( 15 ) فيومئذ وقعت الواقعة
) فيومئذ وقعت الواقعة ) [ آية : 15 ] وقعت الصيحة الآخرة ، يعنى النفخة الآخرة
الحاقة : ( 16 ) وانشقت السماء فهي . . . . .
) وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ) [ آية : 16 ] ،
الحاقة : ( 17 ) والملك على أرجائها . . . . .
) والملك ( يقول :
انفجرت السماء لنزول الرب تبارك وتعالى وما
فيها من الملائكة ) على أرجائها ( يعنى نواحيها وأطرافها وهي السماء الدنيا ) ويحمل عرش ربك فوقهم ( على رؤسهم ) يومئذٍ ثمنيةٌ ) [ آية : 17 ] أجزاء من الكروبين لا يعلم
كثرتهم أحد إلا الله عز وجل
الحاقة : ( 18 ) يومئذ تعرضون لا . . . . .
) يومئذ تعرضون ( على الله فيحاسبكم بأعمالكم ) لا تخفى منكم خافية ) [ آية : 18 ] يقول : لا يخفى الصالح منكم ، ولا الطالح إذا عرضتم .
تفسير سورة الحاقة من الآية ( 19 ) إلى الآية ( 24 ) .(3/393)
صفحة رقم 394
الحاقة : ( 19 ) فأما من أوتي . . . . .
) فأما من أوتي كتابه بيمينه ( يقول : يعطيه ملكه الذي كان يكتب عمله في صحيفة
بيضاء منشورة ، نزلت هذه الآية في أبي سلمة بن عبد الأسود المخزومي ، وكان اسم أم
أبي سلمة برة بنت عبد المطلب ) فيقول هاؤم ( يعنى هاكم ) اقرءوا كتبيه ) [ آية : 19 ] .
الحاقة : ( 20 ) إني ظننت أني . . . . .
) إني ظننت أني ملقٍ حسابيه ) [ آية : 20 ]
الحاقة : ( 21 ) فهو في عيشة . . . . .
) فهو في عيشة راضية ) [ آية : 21 ] يقول : في
عيش يرضاه في الجنة فهو
الحاقة : ( 22 ) في جنة عالية
) في جنة عالية ) [ آية : 22 ] يعنى رفيعة في الغرف
الحاقة : ( 23 ) قطوفها دانية
) قطوفها دانية ) [ آية : 23 ] يعنى ثمرتها قريبة بعضها من بعض يأخذ منها إن شاء
جالساً ، وإن شاء متكئاً
الحاقة : ( 24 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . .
) كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم ( بما عملتم ) في الأيام الخالية (
[ آية : 24 ] في الدنيا .
تفسير سورة الحاقة من الآية ( 25 ) إلى الآ ية ( 37 ) .
الحاقة : ( 25 ) وأما من أوتي . . . . .
) وأما من أوتي كتابه بشماله ( يقول :
يعطيه ملكه الذي كان يكتب عمله في الدنيا
نزلت هذه الآية في الأسود بن عبد الأسود المخزومي قتله حمزة بن عبد المطلب على
الحوض ببدر ) فيقول ياليتني ( فيتمنى في الآخرة ) لم أوت كتابيه ) [ آية : 25 ]
الحاقة : ( 26 ) ولم أدر ما . . . . .
) ولم أدر ما حسابيه ) [ آية : 26 ]
الحاقة : ( 27 ) يا ليتها كانت . . . . .
) ياليتها كانت القاضية ) [ آية : 27 ] فيتمنى الموت
الحاقة : ( 28 ) ما أغنى عني . . . . .
) ما أغنى عني ماليه ) [ آية : 28 ] من النار
الحاقة : ( 29 ) هلك عني سلطانيه
) هلك عني سلطنيه ) [ آية : 29 ] يقول : ضلت عني يومئذٍ
حجتي شهدت عليه الجوارح بالشرك ، يقول الله لخزنة جهنم
الحاقة : ( 30 ) خذوه فغلوه
) خذوه فغلوه ) [ آية : 30 ]
يعني غلوا يديه إلى عنقه
الحاقة : ( 31 ) ثم الجحيم صلوه
) ثم الجحيم صلوه ) [ آية : 31 ] يعني الباب السادس من جهنم
فصلوه
الحاقة : ( 32 ) ثم في سلسلة . . . . .
) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ( بالذراع الأول ) فاسلكوه ) [ آية : 32 ]
فأدخلوه فيه . قال : قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
كل ذراع منها بذراع الرجل الطويل من الخلق
الأول ، ولو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص فكيف
بابن آدم وهي عليك وحدك ' . ا . ه .
الحاقة : ( 33 ) إنه كان لا . . . . .
قوله تعالى : ( إنه كان لا يؤمن بالله ( يعنى لا يصدق بالله ) العظيم ) [ آية : 33 ] بأنه
واحد لا شريك له
الحاقة : ( 34 ) ولا يحض على . . . . .
) ولا يحض ( نفسه ) على طعام المسكين ) [ آية : 34 ] يقول :
كان لا(3/394)
صفحة رقم 395
يطعم المسكين في الدنيا ، وفي قوله ، في قولة ابن مسعود
الحاقة : ( 35 ) فليس له اليوم . . . . .
) فليس له اليوم ( في الآخرة
) ههنا حميمٌ ) [ آية : 35 ] يعنى قريب يشفع له
الحاقة : ( 36 ) ولا طعام إلا . . . . .
) ولا ( وليس له ) طعام إلا من غسلين (
[ آية : 36 ] يعني الذي يسيل من القيح والدم من أهل النار ، يعنى فليس له شراب إلا من
حميم من عين من أصل الجحيم
الحاقة : ( 37 ) لا يأكله إلا . . . . .
) لا يأكله إ لا الخاطئون ) [ آية : 37 ] يعنى المجرمين .
تفسير سورة الحافة من الآية ( 28 ) إلى الآية ( 42 ) .
الحاقة : ( 38 ) فلا أقسم بما . . . . .
) فلا أقسم بما تبصرون ) [ آية : 38 ] من الخلق
الحاقة : ( 39 ) وما لا تبصرون
) وما لا تبصرون ) [ آية : 39 ] من الخلق ،
وذلك أن الوليد بن المغيرة ، قال :
إن محمداً ساحر ، فقال أبو جهل بن هشام : بل هو
مجنون ، فقال عقبة بن أبي معيط : بل هو شاعر ، وقال النضر : كاهن ، وقال أبى : كذب ،
فبرأه الله من قولهم فأقسم الله تعالى بالخلق
الحاقة : ( 40 ) إنه لقول رسول . . . . .
) إنه ( إن هذا القرآن ) لقول رسول كريم (
[ آية : 40 ] على الله يعني جبريل ، عليه السلام ، عن قول الله تعالى
الحاقة : ( 41 ) وما هو بقول . . . . .
) وما هو بقول شاعر (
لقول : عتبة ، وقول أبي جهل ) قليلا ما تؤمنون ) [ آية : 41 ] يعنى قليلاً ما تصدقون
بالقرآن ، يعني بالقليل أنهم لا يؤمنون .
الحاقة : ( 42 ) ولا بقول كاهن . . . . .
ثم قال : ( ولا ( هو يعني القرآن ) بقول كاهن قليلا ما تذكرون ) [ آية : 42 ] فتعتبرون .
تفسير سورة الحاقة من الآية ( 42 ) إلى الآية ( 52 ) .
الحاقة : ( 43 ) تنزيل من رب . . . . .
فأكذبهم الله فقال : بل القرآن ) تنزيل من رب العالمين ) [ آية : 43 ]
الحاقة : ( 44 ) ولو تقول علينا . . . . .
) ولو تقول علينا (
محمد شيئاً منه ) بعض الأقاويل ) [ آية : 44 ] يعنى من تلقاء نفسه ما لم نقل
الحاقة : ( 45 ) لأخذنا منه باليمين
) لأخذنا منه باليمين ) [ آية : 45 ] يقول : لانتقمنا منه بالحق كقوله : ( تأتوننا عن اليمين (
[ الصافات : 28 ] يعنى من قبل الحق بأنكم على الحق
الحاقة : ( 46 ) ثم لقطعنا منه . . . . .
) ثم لقطعنا منه الوتين ) [ آية : 46 ]
يعني عرق يكون في القلب وهو نياط القلب ، وإذا انقطع مات صاحبه
الحاقة : ( 47 ) فما منكم من . . . . .
) فما منكم من أحد عنه حاجزين ) [ آية : 47 ] ليس أحد منكم يحجز الرب عز وجل عن ذلك
الحاقة : ( 48 ) وإنه لتذكرة للمتقين
) وإنه ( وإن
هذا القرآن ) لتذكرة للمتقين ) [ آية : 48 ]
الحاقة : ( 49 ) وإنا لنعلم أن . . . . .
) وإنا لنعلم ( يا أهل مكة ) أن منكم مكذبين ) [ آية : 49 ]
الحاقة : ( 50 ) وإنه لحسرة على . . . . .
) وإنه لحسرةٌ على الكفرين ) [ آية : 50 ] يوم القيامة
الحاقة : ( 51 ) وإنه لحق اليقين
) وإنه ( وإن(3/395)
صفحة رقم 396
هذا القرآن ) لحق اليقين ) [ آية : 51 ] أنه من الله تعالى
الحاقة : ( 52 ) فسبح باسم ربك . . . . .
) فسبح ( يا محمد ، يعني التوحيد
) باسم ربك ) [ آية : 52 ] يقول :
اذكر اسم ربك ، يعنى التوحيد ، ثم قال : ( العظيم (
يعنى الرب العظيم فلا أكبر منه(3/396)
صفحة رقم 397
70
سورة المعارج
مكية عددها أربع وأربعون آية كوفى
تفسير سورة المعارج من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 7 ) .
المعارج : ( 1 ) سأل سائل بعذاب . . . . .
) سأل سائل بعذاب واقع ) [ آية : 1 ] نزلت في النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة
القرشى من بني عبد الدار بن قصي ،
وذلك أنه قالك اللهم إن مان ما يقول محمد هو
الحق من عندك فأمطر علينا حجارة السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فقتل يوم بدر ، فقال الله
عز وجل :
هذا العذاب الذي سأل النضر بن الحارث في الدنيا هو
المعارج : ( 2 ) للكافرين ليس له . . . . .
) للكفرين ( في
الآخرة ) ليس له دافع ) [ آية : 2 ] ) من الله ( يقول : لا يدفع عنهم أحد حين يقع
بهم العذاب .
المعارج : ( 3 ) من الله ذي . . . . .
ثم عظم الرب تبارك وتعالى نفسه فقال : ( من الله ذي المعارج ) [ آية : 3 ] يعنى
ذا الدرجات يعنى السموات والعرش فوقهم والله تعالى على العرش ، كقوله : ( ومعارج عليها يظهرون ) [ الزخرف : 34 ]
المعارج : ( 4 ) تعرج الملائكة والروح . . . . .
) تعرج ( يعني تصعد ) الملئكة ( من سماء
إلى سماء العرش ) والروح ( يعني جبريل ، عليه السلام ، ) إليه ( في الدنيا برزق
السموات السبع ، ثم أخبر الله عز وجل عن ذلك العذاب متى يقع بها فقال : ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) [ آية : 4 ] فيها تقديم ، وطول ذلك اليوم كأدنى صلاتهم ،
يقول : لو ولى حساب الخلائق وعرضهم غيري لم يفرغ الله منه إلا على مقدار نصف يوم من أيام الدنيا
فلا ينتصف النهار حتى يستقر أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، وهذه الآية نزلت
فيهم : ( أصحاب الجنة يؤمئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً ) [ الفرقان : 24 ] ، يقول :
ليس مقبلهم كمقبل أهل النار
المعارج : ( 5 ) فاصبر صبرا جميلا
) فاصبر ( يا محمد ) صبرا جميلا ) [ آية : 5 ] يعزى نبيه(3/397)
صفحة رقم 398
( صلى الله عليه وسلم ) صبراً لا جزع فيه تكذبهم إياك بأن العذاب غير كائن .
المعارج : ( 6 ) إنهم يرونه بعيدا
ثم قال : ( إنهم يرونه ( يعنى كفار مكة ) بعيدا ) [ آية : 6 ] يعنى العذاب أنه غير
كائن
المعارج : ( 7 ) ونراه قريبا
) ونراه قريبا ) [ آية : 7 ] أنه كائن .
تفسير سورة المعارج من الآية ( 8 ) إلى الآية ( 18 ) .
المعارج : ( 8 ) يوم تكون السماء . . . . .
ثم أخبر متى يقع بهم العذاب ؟ فقال : يقع بهم العذاب ) يوم تكون السماء كالمهل (
[ آية : 8 ] من الخوف ، يعنى أسود غليظاً كدردى الزيت بعد الشدة والقوة
المعارج : ( 9 ) وتكون الجبال كالعهن
) وتكون الجبال كالعهن ) [ آية : 9 ] فشبهها في اللين والوهن بالصوف المنفوش بعد القوة وذلك أوهن ما
يكون من الصوف
المعارج : ( 10 ) ولا يسأل حميم . . . . .
) ولا يسئل حميمٌ جميعاً ) [ آية : 10 ] يعنى قريب قريباً ، يقول : لا
يسأل الرجل قرابته ، ولا يكلمه من شدة الأهوال
المعارج : ( 11 ) يبصرونهم يود المجرم . . . . .
) يبصرونهم ( يقول : يعرفونهم ولا
يكلمونهم ، وذلك قوله : فهم لا يتساءلون ) خاشعة أبصارهم ) 6 [ القلم : 43 ] خافضة
أبصارهم ذليلة عند معاينة النار ) يود المجرم ( يعنى الكافر ) لو يفتدى من عذاب يومئذٍ ) ) يوم القيامة ( ( ببنيه ) [ آية : 11 ]
المعارج : ( 12 ) وصاحبته وأخيه
) وصحبته ( يعنى امرأته ) وأخيه ) [ آية : 12 ]
المعارج : ( 13 ) وفصيلته التي تؤويه
) وفصيلته التي تويه ) [ آية : 13 ] يعنى رهطه وفخذه الأدنى الذي يساوى إليهم
المعارج : ( 14 ) ومن في الأرض . . . . .
) ومن
في الأرض جميعاً ( من شئ ) ثم ينجيه ) [ آية : 14 ] يقول الله تعالى
المعارج : ( 15 ) كلا إنها لظى
) كلا ( لا ينجيه
ذلك لو افتدى بهذا كله ، ثم استأنف فقال : ( إنها لظى ) [ آية : 15 ] يعنى بلظى
استطالتها وقدرتها عليهم يعنى النار
المعارج : ( 16 ) نزاعة للشوى
) نزاعة للشوى ) [ آية : 16 ] يقول : تنزع النار الهامة ، والأطراف فلا تبقى
المعارج : ( 17 ) تدعو من أدبر . . . . .
) تدعوا من أدبر ( يعنى تدعو النار يوم القيامة ، تقول : إلى
أهلى فهذا دعاؤها لمن أدبر عن الإيمان ) وتولى ) [ آية : 17 ] يقول وأعرض عنه إلى
الكفرن قوله
المعارج : ( 18 ) وجمع فأوعى
: ) وجمع فأوعى ) [ آية : 18 ] يعنى فأكثر من المال وأمسك فلم يؤد حق الله
فيه .
تفسير سورة المعارج من الآية ( 19 ) إلى الآية ( 25 ) .(3/398)
صفحة رقم 399
المعارج : ( 19 ) إن الإنسان خلق . . . . .
) إن الإنسن خلق هلوعاً ) [ آية : 19 ] يعنى ضجراً فهو أمية بن خلف الجمحي ، ثم
نعته فقال :
المعارج : ( 20 ) إذا مسه الشر . . . . .
) إذا مسه الشر ( يقول : إذا أصابه ) جزوعا ) [ آية : 20 ]
المعارج : ( 21 ) وإذا مسه الخير . . . . .
) وإذا مسه الخير (
يعنى المال ) منوعا ) [ آية : 21 ] فمنع وبخل بحق الله تعالى ، ثم استأنف فقال :
المعارج : ( 22 ) إلا المصلين
) إلا المصلين ) [ آية : 22 ] فليسوا كذلك ، ثم نعتهم الله تعالى فقال
المعارج : ( 23 ) الذين هم على . . . . .
) الذين هم على صلاتهم (
يعنى الصلوات الخمس ) دائمون ) [ آية : 23 ] بالليل والنهار لا يدعونها
المعارج : ( 24 ) والذين في أموالهم . . . . .
) والذين في
أمولهم حقٌ معلومٌ ) [ آية : 24 ] يعنى مفروض
المعارج : ( 25 ) للسائل والمحروم
) للسائل ( يعنى المسكين ) والمحروم (
[ آية : 25 ] يعنى الفقير الذي لا سهم له في الخمس ولا الفئ
المعارج : ( 26 ) والذين يصدقون بيوم . . . . .
) والذين يصدقون بيوم الدين (
[ آية : 26 ] يعنى به الحساب يأنه كائن
المعارج : ( 27 ) والذين هم من . . . . .
) والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ) [ آية : 27 ]
يعنى وجلين أن يصيبهم
المعارج : ( 28 ) إن عذاب ربهم . . . . .
) إن عذاب ربهم غير مأمون ) [ آية : 28 ] يقول : لا يأمنوا للعذاب
من الشفقة والخوف
المعارج : ( 29 ) والذين هم لفروجهم . . . . .
) والذين هم لفروجهم حافظون ) [ آية 29 ] عن الفواحش ، ثم استثنى
فقال :
المعارج : ( 30 ) إلا على أزواجهم . . . . .
) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمنهم ( يعنى به الولائد ) فإنهم غير ملومين ( ) [ آية :
30 ] يعنى لا يلامون على الحلال
المعارج : ( 31 ) فمن ابتغى وراء . . . . .
) فمن ابتغى وراء ذلك ( بعد أزواجه وولائده مالاً يحل له
وهو الزنا ) فأؤلئك هم العادون ) [ آية : 31 ] يعنى المعتدين في دينهم
المعارج : ( 32 ) والذين هم لأماناتهم . . . . .
) والذين هم لأمنتهم
وعهدهم رعون ) [ آية : 32 ] يعنى يؤدون الأمانة ويوفون بالعهد ، ثم قال :
( راعون ( ويتعاهدونه كما يرعى الراعي الشفيق غنمه عن مواقع الهلكة
المعارج : ( 33 ) والذين هم بشهاداتهم . . . . .
) والذين هم
بشهدتهم قائمون ) [ آية : 33 ] يعنى يقومون بها بالحق لا يمنعونها ولا يكتمونها إذا دعوا
إليها
المعارج : ( 34 ) والذين هم على . . . . .
) والذين هم على صلاتهم الخمس ) يحافظون ) [ آية : 34 ] عليها في مواقيتها
المعارج : ( 35 ) أولئك في جنات . . . . .
) أؤلئك ( الذين هذه أعمالهم ) في جنتٍ مكرمون ) [ آية : 35 ] يعنى يكرمون فيها .
تفسير سورة المعارج من الآية ( 26 ) إلى الآية ( 41 ) .
المعارج : ( 36 ) فمال الذين كفروا . . . . .
) فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ( يعنى مقبلين ، نزلت هذه الآية في المستهزئين من
قريش ، والمطعمين في غزوة بدر مقبلين ، ينظرون عن يمين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) [ آية : 36 ]
المعارج : ( 37 ) عن اليمين وعن . . . . .
) عن(3/399)
صفحة رقم 400
اليمين وعن الشمال عزين ) [ آية : 37 ] يعنى حلقاً حلقاً جلوساً لا يدنون من النبي ( صلى الله عليه وسلم )
فينتفعون بمجلسه .
المعارج : ( 38 ) أيطمع كل امرئ . . . . .
ثم قال : ( أيطمع كل امرئٍ منهم ( يعنى قريشاً ) أن يدخل جنة نعيم ) [ آية : 38 ]
كل واحد منهم يقول :
إن لي في الجنة حقاً ، يقول : ذلك استهزاء ، يقول : أعطى منها ما
يعطى المؤمنون ، يقول الله تعالى :
المعارج : ( 39 ) كلا إنا خلقناهم . . . . .
) كلا ( لا يدخلها ، ثم استأنف فقال :
لما كذبوا
بالغيب ) إنا خلقنهم مما يعلمون ) [ آية : 39 ] خلقوا من نطفة ، ثم من علقمة ، ثم من
مضغة ، ثم قال
المعارج : ( 40 ) فلا أقسم برب . . . . .
) فلا أقسم ( يقول أقسم ) برب المشرق والمغرب ( وهو مائة وثمانون
مشرقاً ، ومائة وثمانون مغرباً فيها ، فأقسم الله تعالى بالمشارق والمغارب ، فقال : ( إنا
لقدرون ) [ آية : 40 ]
المعارج : ( 41 ) على أن نبدل . . . . .
) على أن نبدل خيراً منهم ( يعنى على أن نأتى بخلق أمثل منهم ، وأطوع
لله منهم ، وأرضى منهم ، ثم قال ) وما نحن بمسبوقين ) [ آية : 41 ] يعنى وما نحن بمعجزين
إن أرد ذلك .
تفسير سورة المعارج من الآية ( 42 ) إلى الآية ( 44 ) .
المعارج : ( 42 ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا . . . . .
) فذرهم ( خل عنهم يا محمد ) يخوضوا ( في الباطل ) ويلعبوا ( يعنى ويلهوا في
دنياهم ) حتى يلقوا يومهم ) ) في الآخرة ( ( الذي يوعدون ) [ آية : 42 ] العذاب ، ثم أخبر عن
ذلك اليوم الذي يعذب فيه كفار مكة فقال تبارك اسمه :
المعارج : ( 43 ) يوم يخرجون من . . . . .
) يوم يخرجون من الأجداث ( يعنى
القبور ) سراعاً ( إلى الصوت ) كأنهم إلى نصبٍ يوفضون ) [ آية : 43 ] يقول كأنهم إلى علم
يسعون إليه قد نصب لهم
المعارج : ( 44 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . .
) خاشعةً أبصرهم ( يعنى خافضة أبصارهم ذليلة عند معاينة النار
) ترهقهم ذلةٌ ( يعنى تغشاهم مذلة ، يقول : ( ذلك ( الذي ذكر من أمر القيامة ) اليوم
الذي كانوا يوعدون ) [ آية : 44 ] فيه في الدنيا العذاب ، وذلك أن الله أوعدهم في الدنيا على
ألسنة الرسل أن العذاب كائن لما كذب كفار مكة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال الله عز وجل :
( فذرهم ( يعنى قريشاً يعنى فخل عنهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي
يوعدون العذاب فيه .(3/400)
صفحة رقم 401
71
سورة نوح
مكية عددها ثمان وعشرون آية كوفى
تفسير سورة نوح من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 4 ) .
نوح : ( 1 ) إنا أرسلنا نوحا . . . . .
قوله : ( إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ( ونوح بالسريانية الساكن الذي سكنت إليه
الأرض ، وهو نوح بن لمك ( صلى الله عليه وسلم ) ) أن أنذر قومك ( العذاب ) من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ) [ آية : 1 ] يعني وجيعاً في الدنيا وهو الغرق
نوح : ( 2 ) قال يا قوم . . . . .
ف ) قال ياقوم إني لكم نذيرٌ ( من
العذاب ) مبين ) [ آية : 2 ] يعني بين
نوح : ( 3 ) أن اعبدوا الله . . . . .
) أن اعبدوا الله ( يقول :
أن وحدوا الله
) واتقوه ( أن تشركوا به شيئاً ) وأطيعون ) [ آية : 3 ] فما آمركم به من النصيحة بأنه
ليس له شريك ، فإذا فعلتم
نوح : ( 4 ) يغفر لكم من . . . . .
) يغفر لكم من ذنوبكم ( والمن هاهنا صلة ، يقول : يغفر لكم
ذنوبكم ) ويؤخركم إلى أجلٍ مسمى ) 6 يعني إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم بالسنين ولا
بغيره ) إن أجل الله ( في العذاب في الدنيا وهو الغرق ) إذا جاء لا يؤخر لو كنتم
تعلمون ) [ آية : 4 ] ولكنكم لا تعلمون .
تفسير سورة نوح من الآية ( 5 ) إلى الآية ( 14 ) .
نوح : ( 5 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً ) [ آية : 5 ] ليسمعوا دعائي
نوح : ( 6 ) فلم يزدهم دعائي . . . . .
) فلم يزدهم دعاءى إلا(3/401)
صفحة رقم 402
فراراً ) [ آية : 6 ] يعني تباعداً من الإيمان
نوح : ( 7 ) وإني كلما دعوتهم . . . . .
) وإني كلما دعوتهم ( إلى الإيمان ، يعني إلى
الاستغفار ) لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في ءاذانهم واستغشوا ثيابهم ( لئلا يسمعوا دعائي
) وأصروا ( وأقاموا على الكذب ) واستكبروا ( يعني وتكبروا عن الإيمان ) استكبارا (
[ آية : 7 ] يعني وتكبراً
نوح : ( 8 ) ثم إني دعوتهم . . . . .
) ثم إني دعوتهم جهاراً ) [ آية : 8 ] يعني مجاهرة وعلانية
نوح : ( 9 ) ثم إني أعلنت . . . . .
) ثم إني
أعلنت لهم ( يعني صحت إليهم علانية ) وأسررت لهم ( في بيوتهم ) إسراراً ) [ آية : 9 ] .
نوح : ( 10 ) فقلت استغفروا ربكم . . . . .
) فقلت استغفروا ربكم ( من الشرك ) إنه كان غفاراً ) [ آية : 10 ] للذنوب
نوح : ( 11 ) يرسل السماء عليكم . . . . .
) يرسل السماء عليكم مدراراً ) [ آية : 11 ] يعني المطر عليكم يجئ به متتابعاً
نوح : ( 12 ) ويمددكم بأموال وبنين . . . . .
) ويمددكم
بأموال وبنين ( وذلك أن قوم نوح كذبوا نوحاً زماناً طويلاً ، ثم حبس الله عليهم المطر
وعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ، فهلكت جناتهم ومواشيهم ، فصاحوا إلى نوح فقال
لهم : ( استغفروا ربكم ( من الشرك ) إنه كان غفاراً ( للذنوب ، كان ولم يزل غفاراً
للذنوب ) يرسل السماء عليكم ( يعنى المطر يجئ به ) مدراراً ( يعنى متتابعاً ) ويمددكم
بأموال وبنين ويجعل لكم جنتٍ ( يعنى البساتين ) ويجعل لكم أنهراً ) [ آية : 12 ] فدعاهم نوح
إلى توحيد الله تعالى ، قال : إنكم إذا وحدتم تصيبون الدنيا والآخرة جميعاً ، ثم قال :
نوح : ( 13 ) ما لكم لا . . . . .
) ما
لكم لا ترجون لله وقاراً ) [ آية : 13 ] يقول : ما لكم لا تخشون لله عظمة ، وقال ما لكم لا
تخافون يعني تفرقون لله عظمة في التوحيد ، فتوحيدونه فإنه لم توحدوه لم تعظموه .
نوح : ( 14 ) وقد خلقكم أطوارا
ثم قال : ( وقد خلقكم أطواراً ) [ آية : 14 ] يعني من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ،
ثم لحماً ، ثم عظماً ، وهي الأطوار .
تفسير سورة نوح من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 20 ) .
نوح : ( 15 ) ألم تروا كيف . . . . .
ثم وعظهم ليعتبروا في صنعه ، فقال : ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سمواتٍ طباقاً ) [ آية :
15 ] بعضها فوق بعض ما بين كل سماءين مسيرة خمسمامئة عام ، وعظمها مسيرة
خمسمائة عام
نوح : ( 16 ) وجعل القمر فيهن . . . . .
) وجعل القمر فيهن نوراً ( يعني معهن نوراً يعني خلق الشمس والقمر مع خلق السموات والأرض فجعلهن نوراً لأهل الأرض فجعل القمر نوره بالليل ) وجعل
الشمس سراجاً ) [ آية : 16 ] مضيئة بالنهار لأهل الأرض فينتشرون فيه
نوح : ( 17 ) والله أنبتكم من . . . . .
) والله أنبتكم من
الأرض نباتاً ) [ آية : 17 ] أول خلقكم من تراب الأرض ، نباتاً يعنى خلقاً
نوح : ( 18 ) ثم يعيدكم فيها . . . . .
) ثم يعيدكم(3/402)
صفحة رقم 403
فيها ) ) إذا متم ( ( ويخرجكم ( منها عند النفخة الآخرة ) إخراجاً ) [ آية : 18 ] أحياء
وإليه ترجعون
نوح : ( 19 ) والله جعل لكم . . . . .
) والله جعل لكم الأرض بساطاً ) [ آية : 19 ] مسيرة خمسمائة سنة من تحت
الكعبة
نوح : ( 20 ) لتسلكوا منها سبلا . . . . .
) لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً ) [ آية : 20 ] يعني طرقاً فجاجاً بي الجبال والرمال .
تفسير سورة نوح من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 25 ) .
نوح : ( 21 ) قال نوح رب . . . . .
) قال نوحٌ رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً ) [ آية : 21 ] يقول :
إن قوى وفقراءهم اتبعوا كبراءهم وأشرافهم لكثرة أموالهم وأولادهم فسلم يزدهم كثرة
المال والولد إلا خسارة
نوح : ( 22 ) ومكروا مكرا كبارا
) ومكروا ( مكر الكبراء والقادة ) مكراً كباراً ) [ آية : 22 ]
يقول قالوا قولاً عظيماً
نوح : ( 23 ) وقالوا لا تذرن . . . . .
) وقالوا ( وقولهم العظيم أنهم قالوا للضعفاء : ( لا تذرن ) ) عباده ( ( ءالهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا ( تذرن عبادة ) يغوث و ( لا تذرن عبادة ) ويعوق
و ( لا تذرن عبادة ) ونشراً ) [ آية : 23 ] فهذه أسماء الآلهة
نوح : ( 24 ) وقد أضلوا كثيرا . . . . .
) وقد أضلوا كثيراً ) ) من الناس ( ( ولا تزد الظلمين إلا ضللاً ) [ آية : 24 ] يعني إلا خساراً
نوح : ( 25 ) مما خطيئاتهم أغرقوا . . . . .
( مما خطيئتهم
أغرقوا ( يعني فبخطيئاتهم وكفرهم أغرقوا في الماء ) فادخلوا ( في الآخرة ) نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ) [ آية : 25 ] يعني فلم يجدوا لهم مانعاً يمنعهم من الغرق
ودخول النار في الآخرة .
تفسير سورة نوح من الآية ( 26 ) إلى الآية ( 28 ) .
نوح : ( 26 - 27 ) وقال نوح رب . . . . .
) وقال نوحٌ رب لا تذر على الأرض من الكفرين دياراً ) [ آية : 26 ] يعني أحداً ، وذلك أن
الله تبارك وتعالى ) وأوحي إلى نوح ( ( صلى الله عليه وسلم ) ) أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) [ هود : 36 ] وذلك
أن الله تعالى كان أخرج كل مؤمن من أصلابهم وأرحام
نسائهم ، فلما أخبر بذلك دعا عليهم ، قال : ( رب لا تذر على الأرض من الكفرين دياراً إنك إن
تذرهم ( على الحال التي أخبرت عنهم ، أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن ) يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) [ آية : 27 ] وكان الرجل منهم ينطلق بولده إلى نوح ،(3/403)
صفحة رقم 404
عليه السلام ، فيقول لولده : احذر هذا فإنه كذاب وإن والدى قد حذرنيه فيموت الكبير
على الكفر وينشأ الصغير على وصية أبيه ، فذلك قوله : ( يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ( فعم الدعاء بعد دعائه على الكفار ، فقال :
نوح : ( 28 ) رب اغفر لي . . . . .
) رب اغفر لي ولوالدى ) 6 وكان
مسلمين وكان اسم أبيه لمك بن متوشلخ ، واسم أمه هيجل بنت لا موش بن متشلوخ
) ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤنات ولا تزد الظلمين إلا تباراً ) [ آية 28 ] يعني
العذاب مثل قوله : ^ وكلا تبرنا تتبيراً ) [ الفرقان : 39 ] يعني دمرنا تدميراً فأغرقهم الله
تعالى وحمل معه في السفينة ثمانين نفساً أربعين رجلاً وأربعين امرأة ، وفيهم ثلاثة أولاد
لنوح منهم سام ، وحام ، ويافث ، فولد سام العرب ، وأهل السود ، وأهل فارس ، وأهل
الأهواز ، وأهل الحيرة ، وأهل الموصل ، وأهل العال ، وولد حام السودان كلها ، والقبط ،
والأندلس ، وبربر ، والسند ، والهند وولد يافث الترك ، والروم ، ويأجوج ، ومأجوج ،
والصين وأهل خراسان إلى حلوان .
وأما أسماء الآلهة فأما ود : فلكب بدومة الجندل ، وأما سواع : فلهذيل بساحل البحر ،
وأما يغوث : فلبنى غطيف وهم حي من مراد ، وأما يعوق : فلهمذان ، وأما نسر : فلحمير
لذى كلاع من حمير ، فكانت هذه الآلهة يعبدها قوم نوح حتى عبدتها العرب بعد ذلك ،
وأما اللات : فلثقيف ، وأما العزى ، فلسليم وغطفان وغشم ونصر بن معوبة وسعد بن
بكر ، وأما مناة : فكانت لقديد منزل بين مكة والمدينة ، وأما يساف ونائلة وهبل : فلأهل
مكة ، فكان يساف حيال الحجر الأسود ، ونائلة حيال الركن اليماني ، وهيل في جوف
الكعبة وكان طوله ثمانية عشر ذراعاً .(3/404)
صفحة رقم 405
72
سورة الجن
مكية عددها ثمان وعشرون آية كوفي
تفسير سورة الجن من الآية ( 1 ) فقط .
الجن : ( 1 ) قل أوحي إلي . . . . .
) قل أوحى إلى أنه أسمع نفرٌ من الجن ( وذلك أن السماء لم تكن تحرس في الفترة ما
بين عيسى إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فلما بعث الله عز وجل محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) حرست السماء ، ورميت
الشياطين بالشهب ، فقال : إبليس لقد حدث في الأرض حدتاً فاجتمعت الشياطين ، فقال
لهم إبليس : ائتونى بما حدث في الأرض من خبر ، قالوا : نبى بعث في أرض تهامة .
وكان في أول ما بعث تسعة نفر جاءوا من اليمين ، ركب من الجت ، ثم من أهل
نصيبين من أشراف الجن وساداتهم إلى أرض تهامة فساروا حتى بلغوا بطن نخلة ليلاً
فوجدوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قائماً يصلي مع نفر من أصحابه وهو يقرأ القرآن في صلاة الفجر
) فقالوا ( فذلك قول الجن يعني أولئك التسعة النفر يا قومنا ) إنا سمعنا قرءاناً عجباً (
يعني عزيزاً لا يوجد مثله [ آية : 1 ] .
تفسير سورة الجن من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 7 ) .
الجن : ( 2 ) يهدي إلى الرشد . . . . .
) يهدي إلى الرشد ( يقول : يدعو إلى الهدى ) فئامنا به ( يعني بالقرآن أنه من الله
تعالى ) ولن نشرك ب ( عبادة ) بربنا أحدا ) [ آية : 2 ] من خلقه
الجن : ( 3 ) وأنه تعالى جد . . . . .
) وأنه تعلى جد ربنا (
ارتفع ذكره وعظمته ) ما اتخذ صاحبة ( يعني امرأة ) ولا ولدا ) [ آية : 3 ]
الجن : ( 4 ) وأنه كان يقول . . . . .
) وأنه كان يقول سفيهنا ( يعني جاهلنا يعني كفارهم ) على الله شططا ) [ آية : 4 ] يعني جوراً بأن
مع اله شريكاً ، كقوله عز وجل في ص : ( ولا تشطط واهدنا ) [ الآية : 22 ] يقول : لا
تجر في الحكم
الجن : ( 5 ) وأنا ظننا أن . . . . .
) وأنا ظننا ( يعني حسبنا ) أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ) [ آية : 5 ]
بأن معه شريكاً
الجن : ( 6 ) وأنه كان رجال . . . . .
) وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ( من دون الله عز وجل ،
فأول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمن من بني حنيفة ، قم فشا ذلك في سائر العرب ،(3/405)
صفحة رقم 406
وذلك
أن الرجل كان يسافر في الجاهلية فإذا أدركه المساء في الأرض القفر قال : أعوذ
بسيد هذا الوادى من سفهاء قومه فيبيت آمنا في جوارهم حتى يصبح ، يقول : ( فزادوهم رهقا ) [ آية : 6 ] يقول : إن افنس زادت الجن رهقاً يعني غياً لتعوذهم بهم ، فزادوا الجن
فخراً في قومهم
الجن : ( 7 ) وأنهم ظنوا كما . . . . .
) وأنهم ظنوا كما ظننتم ( يعني حسب كفار الإنس الذين تعوذوا برجال
من الجن في الجاهلية كما حسبتم يا معشر كفار الجن ) أن لن يبعث الله أحدا ) [ آية : 7 ]
يعني رسولاً بعد عيسى بن مريم .
تفسير سورة الجن من الآية ( 8 ) إلى الآية ( 14 ) .
الجن : ( 8 ) وأنا لمسنا السماء . . . . .
وقالت الجن : ( وأنا لمسنا السماء فوجدنها ملئت حرساً شديداً ( من الملائكة
) وشهبا ) [ آية : 8 ] من الكواكب فهي تجرح ونخيل ولا تقتل
الجن : ( 9 ) وأنا كنا نقعد . . . . .
) وأنا كنا نقعد منها (
يعنى من السماء قبل أن يبعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وتحرس السماء ) مقعد للسمع فمن يستمع
الأن ( إلى السماء إذ بعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) يجد له شهابا ( يعني رسياً من الكواكب
و ) رصدا ) [ آية : 9 ] من الملائكة ، وقالت الجن مؤمنوهم
الجن : ( 10 ) وأنا لا ندري . . . . .
) وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض ( بإرسال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فيكذبونه فيهلكم ) أم أراد بهم ربهم رشدا ) [ آية : 10 ]
يقول : أم أراد أن يؤمنوا فيهتدوا
الجن : ( 11 ) وأنا منا الصالحون . . . . .
) وأنا منا الصلحون ومنا دون ذلك ( يعني دون المسلمين
كافرين ، فلذلك قوله : ( كنا طرائق قددا ) [ آية : 11 ] يقول : أهل ملل شتى ، مؤمنين
وكافرين ويهود ونصارى
الجن : ( 12 ) وأنا ظننا أن . . . . .
) وأنا ظننا ( يقول : علمنا ) أن لن نعجز الله في الأرض (
يعني أن لن نسبق الله في الأرض فنفوته ) ولن نعجزه ( يعني ولن نسبقه ) هربا ) [ آية :
12 ] فنفوته .
الجن : ( 13 ) وأنا لما سمعنا . . . . .
ثم قال : ( وأنا لما سمعنا الهدى ( يعني القرآن ) ءامنا به ( يقول :
صدقنا به أنه من
الله تعالى ) ) فمن يؤمن بربه ( فمن يصدق بتوحيد الله عز وجل ) فلا يخاف ) ) في الآخرة ( ( بخساً ( يقول : لن ينقص من حسناته شيئاً ، ثم قال : ( ولا ) ) يخاف ( ( رهقاً (
[ آية : 13 ] يقول : لا يخاف أن يظلم حسناته كلها حتى يجازى بعمله السئ كله ، مثل(3/406)
صفحة رقم 407
قوله تعالى : ( فلا يخاف ظلما ) [ طه : 112 ] أن ينقص من حسناته كلها ، ولا هضماً
أن يظلم من حسناته
الجن : ( 14 ) وأنا منا المسلمون . . . . .
) وأنا منا المسلمون ( يعني المخلصين ، هذا قول التسعة ) ومنا
القسطون ( يعني العادلين بالله وهم المردة ) فمن أسلم ( يقول : فمن أخلص لله عز
وجل من كفار الجن ) فأؤلئك تحروا رشداً ) [ آية : 14 ] يعني أخلصوا بالرشد .
تفسير سورة الجن من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 18 ) .
الجن : ( 15 ) وأما القاسطون فكانوا . . . . .
) وأما القسطون ( يعني العادلين بالله ) فكانوا لجهنم حطبا ) [ آية : 15 ] يعني وقوداً
فهذا كله قول مؤمنى الجن التسعة ، ثم رجع في التقديم إلى كفار مكة فقال :
الجن : ( 16 ) وأن لو استقاموا . . . . .
) وألو
استقموا على الطريقة ( يعني طريقة الهدى ) لأسقينهم ماءً غدقاً ) [ آية : 16 ] يعني كثيراً
من السماء ، وهو المطر ، بعد ما كان رفع عنهم المطر سبع سنين ، فيكثر خيرهم
الجن : ( 17 ) لنفتنهم فيه ومن . . . . .
) لنفتنهم فيه ( يقول لكي نبتليهم فيه بالخطب ، والخير ، كقوله في سورة الأعراف : ( ولو أن أهل القرى آمنو ( يقول : صدقوا ) واتقوا لفتحنا عليهم بركات السماء ) [ الآية :
96 ] يعني المطر والأرض ، يعني به النبات .
ثم قال : ( ومن يعرض عن ذكر ربه ( القرآن ) يسلكه عذابا صعدا ) [ آية : 17 ] يعني
شدة العذاب الذي لا راحة له فيه
الجن : ( 18 ) وأن المساجد لله . . . . .
) وأن المسجد لله ( يعني الكنائس والبيع والمساجد
لله ) فلا تدعوا مع الله أحدا ) [ آية : 18 ] وذلك أن اليهود والنصارى يشركون في
صلاتهم في البيع والكنائس ، فأمر الله المؤمنين أن يوحدوه .
الجن : ( 19 ) وأنه لما قام . . . . .
ثم رجع إلى مؤمني الجن التسعة فقال : ( وأنه لما قام عبد الله ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم )
) يدعوه ( يعني يعبده في بطن نخلة بين مكة والطائف ، ) كادوا يكونون عليه لبدا ) [ آية :
19 ] يقول :
كادوا أن يرتكبوه حرصاً على حفظ ما سمعوا من القرآن ، تعجباً ، وهم الجن
التسعة ، ثم انقطع الكلام ، قال عز وجل :
الجن : ( 20 ) قل إنما أدعو . . . . .
) قل إنما أدعوا ربي ( وذلك أن كفار قريش
قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بمكة : إنك جئت بأمر عظيم لم نسمع مثله قط ، وقد عاديت الناس كلهم ، فأرجع عن هذا الأمر فنحن تجيرك ، فأنزل الله تعالى : ( قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به
أحداً ) [ آية : 20 ] معه
الجن : ( 21 ) قل إني لا . . . . .
) قل ( لهم يا محمد ) إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) [ آية :
21 ] يقول : لا أقدر على أن أدفع عنكم ضراً ولا أسوق إليكم رشداً ، والله يملك ذلك
كله
الجن : ( 22 ) قل إني لن . . . . .
) قل إني لن يجيرني من الله ( يعني يمنعني من الله ) أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ((3/407)
صفحة رقم 408
[ آية : 22 ] يعنى ملجاً ولا حرزاً ،
الجن : ( 23 ) إلا بلاغا من . . . . .
ثم استثنى ، فقال : ( إلا بلغاً من الله ورسلته ( فذلك
الذي يجيرني من عذابه ، التبليغ لاستعجالهم بالعذاب ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
إني لا أملك لكم
ضرً ولا رشداً ' ) ومن يعص الله ورسوله ( في التوحيد فلا يؤمن ) فإن له نار جهنم
خلدين فيها أبداً ) [ آية : 23 ] يدخله ناراً خالداً فيها ، يعني معموا فيها لا يموتون ، ثم
انقطع الكلام ، فقال :
الجن : ( 24 ) حتى إذا رأوا . . . . .
) حتى إذا رأوا ما يوعدون ( من عذاب الآخرة ، وما يوعدون من
العذاب في الدنيا يعني القتل يبدو ) فسيعلمون ( يعني كفار مكة عند نزول العذاب
ببدر ، نظيرها في سورة مريم : ( من أضعف ناصرا ( كفار مكة أو المؤمنون ) و ( من
) وأقل عددا ) [ آية : 24 ] يعني جنداً أيقرب الله العذاب أم يؤخره ، لما سمعوا الذكر
يعني قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في العذاب يوم بدر ، قام النصر بن الحارث وغيره فقالوا : يا محمد ،
متى هذا الذي تعدنا ؟ تكذيباً به واسهتزأ ، يقول الله تبارك وتعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) في سورة
الأنبياء ، وفي هذه سورة
الجن : ( 25 ) قل إن أدري . . . . .
) قل إن أدري ( يعني ما أدري ) أقريب ما توعدون ( من
العذاب في الدنيا يعني القتل ببدر ) أم يجعل له ربي أمدا ) [ آية : 25 ] يعني أجلاً
بعيداً ، يقول : ما أدري أيقرب الله العذاب أو يؤخره ، يعني بالأمد الأجل ، القتل ببدر
الجن : ( 26 ) عالم الغيب فلا . . . . .
) علم الغيب ( يعني غيب نزول العذاب ) فلا يظهر على غيبه أحدا ) [ آية : 26 ]
من الناس ،
الجن : ( 27 ) إلا من ارتضى . . . . .
ثم استثنى فقال : ( إلا من ارتضى من رسول ( يعني رسل ربي فإنه يظهرهم
على العذاب متى يكون ، ومع جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) أعواناً من الملائكة يحفظون الأنبياء حتى يفرغ
جبريل من الوحي ، قوله : ( فإنه يسلك ( يعني يجعل ) من بين يديه ومن خلفه رصدا ) [ آية : 27 ] قال :
كان إذا بعث الله عز وجل نبياً أتاه إبليس على صورة جبريل
وبعث الله تعالى من بين يدي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن خلفه رصداً من الملائكة فا يسمع الشيطان
حتى يفرغ جبريل ، عليه السلام ، من الوحي إلى ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا جاء إبليس أخبرته به الملائكة
وقالوا : هذا إبليس ، وإذا أتاه جبريل
الجن : ( 28 ) ليعلم أن قد . . . . .
) ليعلم ( الرسول ) أن قد أبلغوا رسلت ربهم (
يقول ليعلم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن الأنبياء قبله قد حفظت ، وبلغت قومهم الرسالة ، كما حفظ
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبلغ الرسالة ، ثم قال : ( وأحاط بما لديهم ( يعني بما عندهم ) وأحصى كل شئٍ
عدداً ) [ آية : 28 ] يعني نزول العذاب بهم والله أعلم .(3/408)
صفحة رقم 409
73
سورة المزمل
مكية عددها عشرون آية كوفى
تفسير سورة المزمل من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 11 ) .
المزمل : ( 1 ) يا أيها المزمل
قوله : ( يا أيها المزمل ) [ آية : 1 ] يعني الذي ضم عليه ثيابه ، يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خرج من البيت وقد لبس ثيابه ، فناداه جبريل ، عليه السلام : ( يا أيها المزمل ( ، الذي قد تزمل بالثياب ، وقد ضمها عليه
المزمل : ( 2 ) قم الليل إلا . . . . .
) قم اليل إلا قليلاً ) [ آية : 2 ]
المزمل : ( 3 ) نصفه أو انقص . . . . .
) نصفه أو انقص منه قليلا ) [ آية : 3 ] يقول : انقص إلى ثلث الليل
المزمل : ( 4 ) أو زد عليه . . . . .
) أو زد عليه ( يعني
على النصف إلى الثلثين ، فخيره هذه الساعات ، وكان هذا بمكة قبل صلوات الخمس ، ثم
قال : ( ورتل القرءان ترتيلاً ) [ آية : 4 ] ترسل به ترسلاً على هينتك رويداً يعني عز
وجل بينه تبيناً
المزمل : ( 5 ) إنا سنلقي عليك . . . . .
) إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) [ آية : 5 ] يعني القرآن شديداً ، لما في القرآن
من الأمر والنهي والحدود والفرائض
المزمل : ( 6 ) إن ناشئة الليل . . . . .
) إن ناشئة اليل ( يعني الليل كله والقراءة فيه ) هي
أشد وطئاً وأقوم قيلاً ( يعني مواطأة بعضاً لبعض ) وأقوم قيلا ) [ آية : 6 ] بالليل وأثبت ،
لأنه فارغ القلب بالليل ، وهو أفرغ منه بالنهار .
المزمل : ( 7 ) إن لك في . . . . .
) إن لك في النهار سبحاً طويلاً ) [ آية : 7 ] يعني فراغاً طويلاً لنومك ولحاجتك ، وكانوا
لا يصلون إلا بالليل ، حتى
أنه كان الرجل يعلق نفسه بالليل ، فشق القيام عليه بالليل
المزمل : ( 8 ) واذكر اسم ربك . . . . .
) واذكر اسم ربك ( يعني بالتوحيد والإخلاص ) وتبتل إليه تبتيلاً ) [ آية : 8 ] يعني
وأخلص إليه إخلاصاً في الدعاء والعبادة ، ثم عظم الرب نفسه ، فقال :
المزمل : ( 9 ) رب المشرق والمغرب . . . . .
) رب المشرق (
يعني حيث تطلع الشمس ) و ) ) رب ( ( والمغرب ( حيث تغرب الشمس ، قال ابن(3/409)
صفحة رقم 410
عباس :
تطلع الشمس عند مدينة يقال لها : جابلقا لها ألف باب على كل باب منها ألف
حارس ، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه ، فقال : ( تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ) [ الكهف : 90 ] ، وتغرب عند مدينة يقال لها : جابرسا لها ألف ألف باب
على كل باب ألف حارس ، فيتصايحون فرقاً منها ، فلولا صياحهم لسمعتهم وجبتها إذا هي
سقطت .
ثم عظم الرب نفسه ، فقال : ( لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ آية : 9 ] هو رب المشرق
المغرب ، يعني يوم يستوي فيه الليل والنهار ، فذلك اليوم اثنتا عشرة ساعة ، وتلك الليلة
اثنتا عشرة ساعة ، فمشرق ذلك اليوم في برج الميزان ومغربه لا إله إلا هو ، فوحد الرب
نفسه ) فاتخذه وكيلا ( يقول : اتخذ الرب ولياً
المزمل : ( 10 ) واصبر على ما . . . . .
) واصبر على ما يقولون ( من تكذيبهم إياه
بالعذاب ومن الأذى ) واهجرهم هجرا جميلا ) [ آية : 10 ] يعني اعتزلهم اعتزالاً جميلاً
حسناً ، نسختها آية السيف في براءة
المزمل : ( 11 ) وذرني والمكذبين أولي . . . . .
) وذرني والمكذبين ( يقول : خل بيني وبين بني
المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ، فإن لي فيهم نقمة ببدر ) أولي النعمة ( في الغنى
والخير ) ومهلهم ( هذا وعيد ) قليلا ) [ آية : 11 ] حتى أهلكهم ببدر .
تفسير سورة المزمل من الآية ( 12 ) إلى الآية ( 15 ) .
المزمل : ( 12 ) إن لدينا أنكالا . . . . .
ثم قال : ( إن لدينا أنكالا وجحيما ) [ آية : 12 ] فالأنكال عقوبة من ألوان العذاب ،
ثم ذكر العقوبة ، فقال : وجحيماً ، يعني ما عظم من النار
المزمل : ( 13 ) وطعاما ذا غصة . . . . .
) وطعاما ذا غصة ( يعني
بالغصة الزقوم ) وعذابا أليما ) [ آية : 13 ] يعني وجيماً موجعاً
المزمل : ( 14 ) يوم ترجف الأرض . . . . .
) يوم ترجف الأرض (
يعني تحرك الأرض ) والجبال ( من الخوف ) وكانت الجبال ( يعني وصارت الجبال بعد
القوة والشدة ) كئيباً مهيلاً ) [ آية : 14 ] والمهيل الرمل الذي إذا حرك تبع بضعه بعضاً
المزمل : ( 15 ) إنا أرسلنا إليكم . . . . .
) إنا أرسلنا إليكم ( يا أهل مكة ) رسولا ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه ولد فيهم فأودروه
) شهداً عليكم ( أنه بلغكم الرسالة ، وقد استخفوا به ، وازدروه لأنه ولد فيها ) كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ) [ آية : 15 ] يعني موسى ، عليه السلام ، أي أنه كان ولد فيها فازدروه .
تفسير سورة المزمل من الآية ( 16 ) إلى الآية ( 19 ) .(3/410)
صفحة رقم 411
المزمل : ( 16 ) فعصى فرعون الرسول . . . . .
) فعصى فرعون الرسول فأخذنه أخذاً وبيلاً ) [ آية : 16 ] يعني شديداً ، وهو الغرق
يخوف كفار مكة بالعذاب ، أن لا يكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) فينزل بهم العذاب كما نزل بفرعون
وقومه حين كذبوا موسى ، عليه السلام ، نظيرها في الدخان [ الآية : 7 ، 24 ] .
المزمل : ( 17 ) فكيف تتقون إن . . . . .
) فكيف تتقون ( يعني وكيف لا يتقون عذاب يوم يجعل فيه الولدان شيباً ، ويسكر الكبير من غير
شراب ، ويشيب الصغير من غير كبر من أهوال يوم القيامة ) إن كفرتم ( في الدنيا
) يوما يجعل الولدان شيبا ) [ آية : 17 ] وذلك يوم يقول الله لآدم : قم ، فابعث بعث النار ،
من كل ألف تسع مائة ، وتسع وتسعين ، وواحد إلى الجنة فيساقون إلى النار سود الوجوه
زرق العيون مقرنين في الحديد ، فعند ذلك يسكر الكبير من الخوف ، ويشيب الصغير من
الفزع ، وتضع الحوامل ما في بطونها من الفزغ تماماً وغير تمام .
المزمل : ( 18 ) السماء منفطر به . . . . .
ثم قال عز وجل : ( السماء منفطر به ( السقف به يعني الرحمن لنزول الرحمن تبارك
وتعالى ) كان وعده مفعولا ) [ آية : 18 ] أن وعده مفعولاً في البعث ، يقول :
إن كائن
لا بد
المزمل : ( 19 ) إن هذه تذكرة . . . . .
) إن هذه تذكرة ( يعني آيات القرآن تذكرة يعني تفكرة ) فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) [ آية : 19 ] يعني بالطاعة .
تفسير سورة المزمل من الآية ( 20 ) فقط .
المزمل : ( 20 ) إن ربك يعلم . . . . .
) إن ربك يعلم أنك تقوم ( إلى الصلاة ) أدنى ( يعني أقل ) من ثلثي اليل ( وذلك
أن
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين كانوا يقومون في أول الإسلام من الليل نصفه وثلثه ، وهذا من قبل
أن تفرض الصلوات الخمس ، فقاموا سنة فشق ذلك عليهم ، فنزلت الرخصة بعد ذلك
عند السنة ، فذلك قوله : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اليل ونصفه وثلثه وطائفةٌ من الذين
معك ( من المؤمنين يقومون نصفه وثلثه ، ويقومون وينامون ) والله يقدر اليل والنهار علم
أن لن تحصوه ( يعني قيام ثلثي الليل الأول ، ولا نصف الليل ، ولا ثلث الليل ، ) فتاب عليكم ( يعني فتجاوز عنكم في التخفيف بعد قوله : ( قم الليل إلا قليلا ( ) وطائفة من الذين معك ) [ فاقرءوا ما تيسر من القرءان ( عليكم في الصلاة ) علم أن سيكون منكم
مرضى ( فلا يطيقون قيام الله ) وءاخرون يضربون في الأرض ( تجاراً ) يبتغون من فضل الله ((3/411)
صفحة رقم 412
يعني يطلبون من فضل الله الرزق ) وءاخرون يقتلون في سبيل الله ( ولا يصغون قيام الليل ،
فهذه رخصة من الله عز وجل لهم بعد التشديد .
ثم قال : ( فاقرءوا ما تيسر ( عليكم ) منه ( يعني من القرآن فلم يوقت شيئاً ، في
صلواتكم الخمس منه ) وأقيموا الصلاة ( يعني وأتموا الصلوات الخمس ، وأعطوا الزكاة
المفروضة ، من أموالكم ، فنسخ قيام الليل على المؤمنين ، وثبت قيام الليل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
وكان بين أول هذه السورة وآخرها سنة حتى فرضت الصلوات الخمس ، والزكاة ، فهما
واجبتان ، فذلك قوله : ( وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة ( يقول : وأعطوا الزكاة من أموالكم
) وأقرضوا الله ( يعني التطوع ) قرضا حسنا ( يعني بالحسن طيبة بها نفسه يحتسبها تطوعاً
بعد الفريضة ) وما تقدموا لأنفسكم من خير ( يعني بالحسن من طيبة بها نفسه يحتسبها تطوعا
يقول : ( تجدوه عند الله هو خيرا ( ثواباً عند الله في التقديم ، هو خيراً ، ) وأعظم أجرا (
يقول : أفضل مما أعطيتم من أموالكم وأعظم أجراً يعني وأكثر خيراً ، وأفضل خيراً في
الآخرة ) واستغفروا الله ( من الذنوب ) إن الله غفور ( لكم عند الاستغفار إذا
استغفرتموه ) رحيم ) [ آية : 20 ] حين رخص لكم بالتوبة .(3/412)
صفحة رقم 413
74
سورة المدثر
مكية ، عددها ست وخمسون آية كوفى
تفسير سورة المدثر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 7 ) .
المدثر : ( 1 ) يا أيها المدثر
) يا أيها المدثر ) [ آية : 1 ] يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وذلك أن كفار مكة آذوه ، فانطلق إلى
جبل حراء ليتوارى عنهم ، فبينما هو يمشي ، إذ سمع منادياً يقول : يا محمد ، فنظر يميناً
وشمالاً وإلى السماء ، فلم ير شيئاً ، فمضى على وجهه ، فنودي الثانية : يا محمد ، فنظر يميناً
وشمالاً ، ومن خلفه ، فلم ير شيئاً إلا السماء ، ففزع ، وقال : لعل هذا شيطان يدعوني ،
فمضى على وجهه ، فنودي في قفاه : يا محمد ، يا محمد ، فنظر خلفه ، وعن يمينه ، ثم نظر
إلى السماء ، فرأى مثل السرير بين السماء والأرض ، وعليه دربوكة قد غلطت الأفق ،
وعليه جبريل ، عليه السلام ، مثل النور المتوقد يتلألأ حتى كاد أن يغشى البصر ، ففزع
فزعاً شديداً ، ثم وقع مغشياً عليه ولبث ساعة .
ثم أفاق يمشي ربه رعدة شديدة ، ورجلاه تصطلكان راجعاً حتى دخل على خديجة ،
فدعا بماء فصبه عليه ، فقال ' دقروني ، فدثروه بقطيفة حتى استدفأ ، فلما أفاق ، قال : لقد
أشفقت على نفسي ، قالت له خديجة : أبشر فوالله لا يسوؤك الله أبداً لأنك تصدق
الحديث ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقرى الضيف ، وتعين على نوائب الخير .
فأتاه جبريل ، عليه السلام ، وهو متقنع بالقطيفة ، فقال : ( يا أيها المدثر ( بقطيفة ،
المتقنع فيها
المدثر : ( 2 ) قم فأنذر
) قم فأنذر ) [ آية : 2 ] كفار مكة العذاب أن لم يوحدوا الله تعالى
المدثر : ( 3 ) وربك فكبر
) وربك فكبر ) [ آية : 3 ] يعني فعظم ، ولا تعظمن كفار مكة في نفسك ، فقام من مضجعه ذلك ،
فقال : الله أكبر كبيراً ، فكبرت خديجة ، وخرجت وعلمت أنه قد أوحى إليه
المدثر : ( 4 ) وثيابك فطهر
) وثيابك فطهر ) [ آية : 4 ] يقول : طهر بالتوبة من المعاصي ، وكانت العرب تقول للرجل : إذا
أذنب أنه دنس الثياب ، وإذا توفى ، قالوا : إنه لطاهر الثياب
المدثر : ( 5 ) والرجز فاهجر
) والرجز فاهجر ) [ آية : 5 ](3/413)
صفحة رقم 414
يعنى الأوثان ، يساف ونائلة وهما صنمان عند البيت يمسح وجوههما من مر بهما من
كفار مكة ، فأمر الله تبارك وتعالى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجتنبهما ، يعني بالرجز أوثان لا تتحرك
بمنزلة الإبل ، يعني داء يأخذها ذلك الداء ، فلا تتحرك من وجع الرجز فشبه الآلهة بها .
المدثر : ( 6 ) ولا تمنن تستكثر
ثم قال : ( ولا تمنن تستكثر ) [ آية : 6 ] يقول : ولا تعط عطية لتعطى أكثر من عطيتك
المدثر : ( 7 ) ولربك فاصبر
) ولربك فاصبر ) [ آية : 7 ] يعزى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر على الأذى والتكذيب من كفار مكة .
تفسير سورة المدثر من الآية ( 8 ) إلى الآية ( 17 ) .
المدثر : ( 8 ) فإذا نقر في . . . . .
) فإذا نقر في الناقور ) [ آية : 8 ] يعني نفخ في الصور ، والناقور القرن الذين ينفخ فيه
إسرافيل ، وهو الصور
المدثر : ( 9 ) فذلك يومئذ يوم . . . . .
) فذلك يومئذ يوم عسير ) [ آية : 9 ] يعني مشقته وشدته ، ثم أخبر
على من عسره ، فقال
المدثر : ( 10 ) على الكافرين غير . . . . .
) على الكفرين غير يسيرٍ ) [ آية : 10 ] غير هين ، ويهون ذلك على
المؤمن كأدنى صلاته
المدثر : ( 11 ) ذرني ومن خلقت . . . . .
) ذرني ومن خلقت وحيدا ) [ آية : 11 ] يعني الوليد بن المغيرة
المخزومي ، كان يسمى الوحيد في قومه ، وذلك أن الله عز وجل أنزل على النبي ( صلى الله عليه وسلم )
) حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل الثوب شديد العقاب
ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ) [ غافر : 1 - 3 ] .
فلما نزلت هذه الآية قام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في المسجد الحرام فقرأها والوليد ابن المغيرة قريباً
منه يستمع إلى قراءته ، فلما فطن ( صلى الله عليه وسلم ) أن الوليد بن المغيرة يستمع إلى قراءته أعاد النبي ( صلى الله عليه وسلم )
يقرأ هذه الآية : ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز ( في ملكه ) العليم ( بخلقه
) غافر الذنب ( لمن تاب من الشرك ، ) وقابل التوب ( لمن تاب من الشرك ،
)( شديد العقاب ( لمن لم يتب من الشرك ) ذي الطول ( يعني ذي الغنى عمن لم
يوحد ، ثم وحد - الرب نفسه حين لم يوحده كفار مكة ، فقال : ( لا إله إلا هو إليه المصير ( يعني مصير الخلائق في الآخرة إليه ، فلما سمعها الوليد انطلق حتى أتى مجلس
بني مخزوم ، فقال : والله ، لقد سمعت من محمد كلاماً آنفاً ما هو من كلام الإنس ، ولا من
كلام الجن ، وأن أسفله لمعرق ، وأن أعلاه لموفق ، وأن له لحلاوة ، وأن عليه لطلاوة ، وأنه
ليعلو وما يعلى .(3/414)
صفحة رقم 415
ثم انصرف إلى منزله ، فقالت قريش : لقد سبأ الوليد ، والله لئن صبأ لتصبون قريش
كلها ، وكان يقال للوليد : ريحانة قريش ، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه ، فانطلق أبو جهل
حتى دخل على الوليد ، فقعد إليه كشبه الحزين ، فقال له الوليد : ما لي أراك يا ابن أخي
حزيناً ؟ فقال أبو جهل : ما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة ليعينوك على
كبرك ، ويزعمون أنك إنما زينت قول محمد لتصيب من فضل طعامه ، فغضب الوليد عند
ذلك ، وقال : أو ليس قد علمت قريش أني من أكثرهم مالاً وولداً ، وهل يشبع محمد
وأصحابه من الطعام ، فيكون لهم فضل ؟ فقال أبو جهل : فإنهم يزعمون أنك إنما زينت
قول محمد من أجل ذلك .
فقام الوليد فانطلق مع أبي جهل ، حتى أتى مجلس قوه بني مخزوم ، فقال : تزعمون أن
محمداً كاهن ، فهل سمعتموه يخبر بما يكون في غد ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : ويزعمون أن
محمداً شاعر ، فهل رأيتموه ينطق فيكم بشعر قط ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : وتزعمون أن
محمدً كذاب ، فهل رأيتموه يكذب فيكم قط ؟ قالوا : اللهم لا ، وكان يسمى محمد ( صلى الله عليه وسلم )
قبل النبوة الأمين ، فبرأه من هذه المغالة كلها .
فقالت قريش : وما هو أبا المغيرة ؟ فتفكر في نفسه ما يقول عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم نظر
فيما يقول عنه ، ثم عبس وجهه ، ويسر يعني وكلح ، فذلك قوله عز وجل : ( إنه فكر وقدر ( ، وما يقول لمحمد ، فقدر له السحر ، يقول الله تبارك وتعالى : ( فقتل ( يعني
لعن ) كيف قدر ( لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) السحر ، ثم نظر ، ثم عبس ، يقول : كلح وبسر ، يعني
وتغير لونه يعني أعرض عن الإيمان ) واستكبر عنه فقال ( الوليد لقومه : ( إ ن هذا (
الذي يقول محمد ) إلا سحر يؤثر ( فقال له قومه وما السحر يا أبا المغيرة ؟ وفرحوا ،
فقال : شئ يكون ببابل إذا تعلمه الإنسان يفرق بين الاثنين ومحمد يأثره ، ولما يحذفه بعد
وأيم الله ، لقد أصاب فيه حاجته أما رأيتموه فرق بين فلان وبين أهله ، وبين فلان وبين
أبيه ، وبين فلان وبين أخيه ، وبين فلان وبين مولاه ، فهذا الذي يقول محمد سحر يؤثر
عن مسليمة بن حبيب الحنفي الكذاب يقول : يرويه عنه ، فذلك قوله : ( إن هذا إلا سحر يؤثر ( يقول : إن هذا الذي يقول محمد إلا قول بشر .
قال الوليد بن المغيرة : عن يسار أبي فكيهة هو الذي يأتيه به من مسيلمة الكذاب ،
فجعل الله له سقر ، وهو الباب الخامس من جهنم ، فلما قال ذلك الوليد شقى ذلك على
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما لم يشق عليه ، فيما قذف بغيره من الكذب ، فأنزل الله تعالى على نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) (3/415)
صفحة رقم 416
يعزيه ليصبر على تكذيبهم ، فقال : يا محمد ) كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ) [ الذاريات : 52 ] ، وأنزل في الوليد بن المغيرة : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ( يقول : خل بيني يا محمد ، وبين من خلقت وحيداً ، يقول : حين لم يكن له
مال ولا بنون ، يعني خل بيني وبينه ، فأنا أتفرد بهلاكه ، وأما الوليد ، يعني خلقته ليس له
شئ ، يقول عز وجل فأعطيته المال والولد .
المدثر : ( 12 ) وجعلت له مالا . . . . .
فذلك قوله : ( وجعلت له مالا ممدودا ) [ آية : 12 ] يعني بالمال بستانه الذي له
بالطائف ، والممدود الذي لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفاً ، كقوله : ( وظل ممدو ( يعني
لا ينقطع
المدثر : ( 13 ) وبنين شهودا
) وبنين شهودا ) [ آية : 13 ] يعني حضوراً لا يغيبون أبداً عنه في تجارة ولا
غيرها لكثرة أموالهم بمكة ، وكلهم رجال منهم الوليد بن الوليد ، وخالد بن الوليد ، وهو
سيف الله أسلم بعد ذلك ، وعمارة بن الوليد ، وهشام بن الوليد ، والعاص بن الوليد ،
وقيس بن الوليد ، وعبد شمس بن الوليد .
المدثر : ( 14 ) ومهدت له تمهيدا
ثم قال : ( ومهدت له تمهيدا ) [ آية : 14 ] يقول :
بسطت له في المال والولد والخير
بسطاً
المدثر : ( 15 ) ثم يطمع أن . . . . .
) ثم يطمع أن أزيد ) [ آية : 15 ] لا أزيده بل أقطع ذلك عنه وأهلكه ، ثم منعه الله
المال ، فلم يعطه شيئاً حتى افتقر وسأل الناس ، فأهلكه الله تعالى ، ومات فقيراً في
المستهزئين ، ثم نعت عمله الخبيث ، فقال :
المدثر : ( 16 ) كلا إنه كان . . . . .
) كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ) [ آية : 16 ] يعني
كان عن آيات القرآن معرضاً مجانباً له لا يؤمن بالقرآن .
المدثر : ( 17 ) سأرهقه صعودا
ثم أخبر الله تعالى ما يصنع به في الآخرة ، فقال : ( سأرهقه صعودا ) [ آية : 17 ] يعني
سأكلفه أن يصعد على صخرة من النار ملساء في الباب الخامس ، واسم ذلك الباب
سقر ، في تلك الصخرة كوى تخرج منها ريح ، وهي ريح حارة ، وهي تناثر لحمه يقول
الله جل وعز : ( سأرهقه صعودا ( يقول : سأغشى وجهه تلك الصخرة ، وهي جبل من
نار طوله مسيرة سبعين سنة ، ويصعد به فيها على وجهه ، فإذا بلغ الكافر أعلاها انحط إلى
أسفلها ، ثم يكلف أيضا صعودها ، ويخرج إليه من كوى تلك الصخرة ريح باردة من
فوقها ومن تحتها تقطع تلك الريح لحمه ، وجلدة وجهه ، فكلما أصعد أصابته تلك الريح
وإذا انحط ، حتى ينتثر اللحم من العظم ، ثم يشرب من عية آنية ، التي قد انتهى حرها ،
فهذا دأبه أبداً .
تفسير سورة المدثر من الآية ( 18 ) إلى الآية ( 30 ) .(3/416)
صفحة رقم 417
المدثر : ( 18 ) إنه فكر وقدر
ثم قال ، يعنى الوليد بن المغيرة : ( إنه فكر ( في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فزعم أنه ساحر ، وقال
مثل ما قال في التقديم ) وقدر ) [ آية : 18 ] في قوله :
إن محمداً يفرق بين الإثنين
المدثر : ( 19 ) فقتل كيف قدر
) فقتل ( يقول : فلعن ) كيف قدر ) [ آية : 19 ] السحر
المدثر : ( 20 ) ثم قتل كيف . . . . .
) ثم قتل كيف قدر ) [ آية : 20 ]
يعنى ثم لعن كيف قدر
المدثر : ( 21 ) ثم نظر
) ثم نظر ) [ آية : 21 ] فيما يقول لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) من السحر
المدثر : ( 22 ) ثم عبس وبسر
) ثم عبس ( وجهه يعنى كلح كقوله : ( عبس وتولى ) [ عبس : 1 ] ، يعنى كلح وجوه ابن
أم مكتوم ) وبسر ) [ آية : 22 ] يعني وتغير لون وجهه
المدثر : ( 23 - 26 ) ثم أدبر واستكبر
) ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر ) [ آية : 26 ] يعني الباب
الخامس من جهنم .
المدثر : ( 27 ) وما أدراك ما . . . . .
ثم قال : ( وما أدرك ما سقر ) [ آية : 27 ] ثم أخبر الله عنها تعظيماً لها ، لشدتها ليعذبه
بها ، فقال :
المدثر : ( 28 ) لا تبقي ولا . . . . .
) لا تبقي ولا تذر ) [ آية : 28 ] يعني لا تبقى النار إذا رأتهم حتى تأكلهم ولا
تذرهم إذا حلفوا لها حتى تواقعهم
المدثر : ( 29 ) لواحة للبشر
) لواحة للبشر ) [ آية : 29 ] محرقة للخلق
المدثر : ( 30 ) عليها تسعة عشر
) عليها تسعة عشر ) [ آية : 30 ] يقول : في النار من الملائكة تسعة عشر خزنتها ، يعني مالكاً ، ومن
ومعه ثمانية عشر ملكاً ، أعينهم كالبرق الخاطف ، وأنيابهم كالصياصى ، يعني مثل قرون
البقر وأشعارهم تمس أقدامهم ، يخرج لهب النار من أفواههم ، ما بين منكبي أحدهم
مسيرة سبعين سنة يسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر ، قد نزعت منهم الرأفة والرحمة
غضاباً يدفع أحدهم سبعين ألفاً ، فليقيهم حيث أراد من جهنم ، فيهوى أحدهم في جهنم
مسيرة أربعين سنة ، لا تضرهم النار لأن نورهم أشد من حر النار ، ولولا ذلك لم يطيقوا
دخول النار طرفة عين ، فلما قال الله : ( عليها تسعة عشر ( ، قال أبو جهل بن هشام : يا
معشر قريش ، ما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر ، ويزعم أنهم خزنة جهنم يخوفكم بتسعة
عشر ، وأنتم ألدهم أيعجز كل مائة منكم أن تبطش بواحد منهم ، فيخرجوا منها .
وقال أبو الأشدين ، اسمه أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي :
أنا أكفيكم سبعة عشرة ،
أحمل منهم عشرة على ظهري ، وسبعة على صدري ، واكفوني منهم اثنين ، وكان
شديداً ، فسمى أبا الأشدين لشدته بذلك سمى ، وكنيته أبو الأعور .(3/417)
صفحة رقم 418
تفسير سورة المدثر من الآية ( 21 ) فقط .
المدثر : ( 31 ) وما جعلنا أصحاب . . . . .
قال الله تعالى : ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملئكة ( يعنى خزن النار ) وما جعلنا عدتهم (
يعنى قلتهم ) إلا فتنة للذين كفروا ( حين ، قال أبو الأشدين ، وأبو جهل ما قالا ، فأنزل
الله تعالى في قول أبي جهل : ما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر ، ) وما يعلم جنود ربك إلا هو ( يقول : ما يعلم كثرتهم أحد إلا الله .
وأنزل الله في قول أبي الأشدين :
أنا أكفيكم منهم سبعة عشرة : ( عليها ملائكة غلاظ شداد ) [ التحريم : 6 ] ) وما جعلنا أصحب النار إلا ملئكة ( يعنى خزان النار ) وما جعلنا عدتهم ( يعنى قلتهم ) إلا فتنة للذين كفروا ( . يعنى أبا جهل ، وأبا الأشدين ،
والمستهزئين من قريش ، ) ليستيقن ( لكي يستيقين ) الذين أوتوا الكتب ( يقول : ليعلم
مؤمنوا أهل التوراة أن الذي قال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حق ، لأن عدة خزان جهنم في التوارة تسعة عشر .
) ويزداد الذين ءامنوا إيمناً ( يعنى تصديقاً ولا يشكوا في محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بما جاء به ) ولا يرتاب ( يقول : ولكي لا يرتاب يعنى لكي لا يشك يقول : لئلا يشك ) الذين أوتوا
الكتب ( يعنى أهل التوراة ) و ( لا يشك ) والمؤمنون ( أن خزنة جهنم تسعة عشر
) وليقول الذين في قلوبهم مرض ( يعنى الشك ، وهم اليهود من أهل المدينة ) والكفرون ( من
أهل مكة ، يعنى مشركي العرب ) ماذا أراد الله بهذا مثلا ( يعنى ذكره عدة خزنة جهنم ،
يستقلونهم .
يقول الله عز وجل : ( كذلك يضل الله ( بهذا المثل ) من يشاء ( عن دينه ) ويهدى من
يشاء ) إلى دينه وأنزل في قول أبي جهل ، وأبي الأشدين ما لمحمد من الجنود إلا تسعة
عشر ، فقال الله تعالى : ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ( من الكثرة حين استقلوهم ، فقال أبو
جهل لقريش : أيعجز . . . مثل ما قال في التقديم ، وقالوا ما قالوا .
ثم رجع إلى سقر ، فقال : ( وما هي ( يعني سقر ) إلا ذكرى للبشر ) [ آية : 31 ] يعنى
سقر تذكر وتفكر . للعالم .(3/418)
صفحة رقم 419
تفسير سورة المدثر من الآية ( 32 ) إلى الآية ( 56 ) .
المدثر : ( 32 - 33 ) كلا والقمر
ثم أقسم الرب من أجل سقر ، فقال : ( كلا والقمر واليل إذ أدبر ) [ آية : 33 ]
يعنى إذا ذهبت ظلمته
المدثر : ( 34 ) والصبح إذا أسفر
) والصبح إذا أسفر ) [ آية : 34 ] يعني ضوءه عن ظلمة الليل
المدثر : ( 35 ) إنها لإحدى الكبر
) إنها ( إن سقر ) لإحدى الكبر ) [ آية : 35 ] من أبواب جهنم السبعة : جهنم ، ولظى ،
والحطمة ، والسعير ، وسقر ، والجحيم ، والهاوية
المدثر : ( 36 ) نذيرا للبشر
) نذيرا ( يعني تذكرة ) للبشر ) [ آية :
36 ] يعني للعالمين
المدثر : ( 37 ) لمن شاء منكم . . . . .
) لمن شاء منكم أن يتقدم ( في الخير ) أو يتأخر ) [ آية : 37 ] منه إلى
المعصية هذا تهديد ، كقوله : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) [ الكهف : 29 ] ،
وكقوله : ( اعملوا ما شئتم ) [ فصلت : 40 ] .
المدثر : ( 38 ) كل نفس بما . . . . .
) كل نفس بما كسبت رهينة ) [ آية : 38 ] يقول :
كل كافر مرتهن بذنوبه في النار ، ثم
استثنى ، فقال :
المدثر : ( 39 ) إلا أصحاب اليمين
) إلا أصحب اليمين ) [ آية : 39 ] الذي أعطوا كتبهم بأيمانهم ولا يرتهنون
بذنوبهم في النار ، ثم هم :
المدثر : ( 40 - 41 ) في جنات يتساءلون
) في جنات يتساءلون عن المجرمين ) [ آية : 41 ] فلما أخرج
الله أهل التوحيد من النار ، قال المؤمنون لمن بقي في النار :
المدثر : ( 42 ) ما سلككم في . . . . .
) ما سلككم في سقر ) [ آية :
42 ] يعني ما جعلكم في سقر ، يعني ما حبسكم في النار .
المدثر : ( 43 ) قالوا لم نك . . . . .
فأجابهم أهل النار عن أنفسهم : ( قالوا لم تك من المصلين ) [ آية : 43 ] في الدنيا لله
المدثر : ( 44 ) ولم نك نطعم . . . . .
) ولم نك نطعم المسكين ) [ آية : 44 ] في الدنيا
المدثر : ( 45 ) وكنا نخوض مع . . . . .
) وكنا نخوض مع الخائضين ) [ آية : 45 ]
في الدنيا في الباطل والتكذيب كما يخوض كفار مكة
المدثر : ( 46 ) وكنا نكذب بيوم . . . . .
) وكنا نكذب بيوم الدين ) [ آية :
46 ] يعني يوم الحساب أنه غير كائن
المدثر : ( 47 ) حتى أتانا اليقين
) حتى أتانا اليقين ) [ آية : 47 ] يعني الموت .
يقول الله تعالى :
المدثر : ( 48 ) فما تنفعهم شفاعة . . . . .
) فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) [ آية : 48 ] يعني لا ينالهم يومئذٍ شفاعة(3/419)
صفحة رقم 420
الملائكة والنبيين ،
المدثر : ( 49 ) فما لهم عن . . . . .
) فما لهم عن التذكرة معرضين ) [ آية : 49 ] عن التذكرة يعنى عن القرآن
معرضين ، نزلت هذه الآية في كفار قريش حين أعرضوا ، ولم يؤمنوا بالحمر الوحشية
المذعورة .
المدثر : ( 50 ) كأنهم حمر مستنفرة
فقال : ( كأنهم حمر مستنفرة ) [ آية : 50 ] بتركهم القرآن إذا سمعوا منه مثل الحمر
المدثر : ( 51 ) فرت من قسورة
) فرت من قسورة ) [ آية : 51 ] يعني الرماة وقالوا الأسد
المدثر : ( 52 ) بل يريد كل . . . . .
) بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى ( يقول :
يعطى ) صحفا منشرة ) [ آية : 52 ] فيها كتاب من الله تعالى ، وذلك أن
كفار مكة قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، كان الرجل من بني إسرائيل ذنبه وكفارة ذنبه يصبح مكتوباً
عند رأسه ، فهلا ترينا مثل هؤلاء الآيات إن كنت رسولاً كما تزعم ، فقال جبريل : إن
شئت فعلنا بهم كفعلنا ببني إسرائيل ، وأخذناهم بما أخذنا به بني إسرائيل ، فكره النبي
( صلى الله عليه وسلم ) ، وقالوا : ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله بأن آلهتنا باطل ، وأن
الإله الذي في السماء حق ، وأنك رسول ، وأن الذي جئت به حق ، وتجئ معك بملائكة
يشهدون بذلك كقوله ابن أبي أمية في سورة بني إسرائيل يقول الله تبارك وتعالى :
المدثر : ( 53 ) كلا بل لا . . . . .
) كلا ( لا يؤمنون بالصحف التي أرادوها .
ثم استأنف ، فقال : ( بل ( لكن ) لا يخافون ( عذاب ) الآخرة ) [ آية : 53 ]
المدثر : ( 54 ) كلا إنه تذكرة
) كلا إنه تذكرة ) [ آية : 54 ] يعني القرآن
المدثر : ( 55 ) فمن شاء ذكره
) فمن شاء ذكره ) [ آية : 55 ] يعنى
فهمه ، يعنى القرآن ، ثم قال :
المدثر : ( 56 ) وما يذكرون إلا . . . . .
) وما يذكرون ( يعنى وما يشهدون ) إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) [ آية : 56 ] يعنى الرب تبارك وتعالى نفسه ، يقول : هو أهل أن يبقى
ولا يعصى ، وهو أهل المغفرة لمن يتوب عن المعاصي .(3/420)
صفحة رقم 421
75
سورة القيامة
مكية ، عددها أربعون آية كوفى
تفسير سورة القيامة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 7 ) .
القيامة : ( 1 ) لا أقسم بيوم . . . . .
ما أقسم الله بالكافرين في القرآن في غير هذه السورة قوله تعالى : ( لا أقسم بيوم
القيمة ) [ آية : 1 ] نظيرها ) واليوم الموعود ) [ البروج : 2 ] ، قال : وكان أهل الجاهلية ،
إذا أراد الرجل أن يقسم قال : لا أقسم
القيامة : ( 2 ) ولا أقسم بالنفس . . . . .
) ولا أقسم بالنفس اللوامة ) [ آية : 2 ] يقول : أقسم
بالنفس الكافرة التي تلوم نفسها في الآخرة ، فتقول : ( يالتينى قدمت لحياتي (
[ الفجر : 24 ] ) يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) [ الزمر : 56 ] ، يعنى في أمر
الله في الدنيا .
القيامة : ( 3 ) أيحسب الإنسان ألن . . . . .
) أيحسب ( هذا ) الإنسن ( يعني عدي بن ربيعة بن أبي سلمة ختن الأخنس بن
شريق ، وكان حليفاً لبنى زهرة ، فكفر بالبعث ، وذلك
أنه أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : يا
محمد ، حدثني عن يوم القيامة متى يكون ؟ وكيف أمرها وحالها ؟ فأخبره النبي ( صلى الله عليه وسلم )
بذلك . فقال : لو عاينت ذلك اليوم سأؤمن بك ، ثم قال : يا محمد ، أو يجمع الله العظام
يوم القيامة ؟ قال : ' نعم ' ، فاستهزأ منه ، فأنزل الله جل وعز ) لا أقسم بيوم القيمة
ولا أقسم بالنفس اللوامة أيحسب الإنسن ألن نجمع عظامه ) [ آية : 3 ] يقول : أن لن نبعثه
من بعد الموت ، فأقسم الله تعال أن يبعثه كما كان .
القيامة : ( 4 ) بلى قادرين على . . . . .
ثم قال : ( بلى قادرين ( يعني كنا قادرين ) على أن نسوي بنانه ) [ آية : 4 ] يعنى أصابعه ،
يعنى على أن نلحق الأصابع بالراحة ونسويه حتى نجعله مثل خف البعير ، فلا ينتفع بها
كما لا ينتفع البعير بها ما كان حياً ، نزلت هذه الآية في عدي بن ربيعة والأخنس بن
شريق ، ثم قال :
القيامة : ( 5 ) بل يريد الإنسان . . . . .
) بل يريد الإنسان ( يعنى عدي بن ربيعة ) ليفجر أمامه ) [ آية : 5 ] يعنى(3/421)
صفحة رقم 422
تقديم المعصية وتأخير التوبة يوماً بيوم يقول : سأتوب ، حتى يموت على شر عمله ، وقد
أهلك أمامه
القيامة : ( 6 ) يسأل أيان يوم . . . . .
) يسئل أيان يوم القيامة ) [ آية : 6 ] يعنى يسأل عدي متى يوم القيامة ؟ تكذيباً
بها ، فأخبر الله تعالى عن ذلك اليوم ، فقال :
القيامة : ( 7 ) فإذا برق البصر
) فإذا برق البصر ) [ آية : 7 ] يقول : إذا شخص
البصر ، فلا يطوف مما يرى من العجائب التي يراها مما كان يكفر بها في الدنيا أنه غير
كائن مثلها في سورة ) ق والقرآن المجيد ) [ ق : 1 ] .
تفسير سورة القيامة من الآية ( 8 ) إلى الآية ( 21 ) .
القيامة : ( 8 ) وخسف القمر
) وخسف القمر ) [ آية : 8 ] فذهب ضوءه
القيامة : ( 9 ) وجمع الشمس والقمر
) وجمع ( بين ) الشمس القمر ) [ وآية : 9 ]
كالبقرتين المقرونتين يوم القيامة قياماً بين يدي الخلائق ، ثم ذكر فقال :
القيامة : ( 10 ) يقول الإنسان يومئذ . . . . .
) يقول ( هذا
) الإنسن ( المكذب بيوم القيامة ) يومئذ أين المفر ) [ آية : 10 ] يعني أين المهرب حتى
أحرز نفسي يقول الله تبارك وتعالى :
القيامة : ( 11 ) كلا لا وزر
) كلا لا وزر ) [ آية : 11 ] يعني لا جبل يحرزك ،
ويسمى حمير الجبل وزر ، ثم استأنف ، فقال :
القيامة : ( 12 ) إلى ربك يومئذ . . . . .
) إلى ربك يومئذ المستقر ) [ آية : 12 ] يعنى
المتهى يومئذٍ إلى الله عز وجل لا تجد عنه مرحلاً
القيامة : ( 13 ) ينبأ الإنسان يومئذ . . . . .
) ينبؤا الإنسن يومئذٍ بما قدم ( لآخرته ، ثم
قال : ( و ( ما ) وأخر ) [ آية : 13 ] من خير أو شر بعد موته في دنياه ، فاستن بها قوم
بعده .
القيامة : ( 14 ) بل الإنسان على . . . . .
يقول الله تعالى : ( بل الإنسن على نفسه بصيرةٌ ) [ آية : 14 ] وذلك حين كتمت الألسن
في سورة الأنعامن وختم الله عليها في سورة ) ييس والقرآن الحكيم ( ، فقال
) اليوم نختم على أفواههم ) [ يس : 65 ] ، فنطقت الجوارح على الألسن بالشرك في
هذه السورة ، فلا شاهد أفضل من نفسك ، فذلك قوله تبارك وتعالى : ( بل الإنسن على
نفسه بصيرةٌ ( يعني جسده وجوارحه شاهدة عليه بعمله ، فذلك قوله تبارك وتعالى :
( كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ( يعني شاهداً ، ثم قال :
القيامة : ( 15 ) ولو ألقى معاذيره
) ولو ألقى معاذيره ) [ آية :
15 ] ولو أدلى بحجته لم تنفعه ، وكان جسده عليه شاهداً
القيامة : ( 16 - 18 ) لا تحرك به . . . . .
) لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه ( في قلبك يا محمد ) وقرءانه ) [ آية : 17 ] حتى نقريكه حتى
تعلمه وتحفظه في قلبك ) فإذا قرأنه ( يقول : فإذا تلوناه عليك يقول : إذا تلا عليك(3/422)
صفحة رقم 423
جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) ) فاتبع قرءانه ) [ آية : 18 ] يقول : فاتبع ما فيه ، وذلك
أن جبريل كان يأتي
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالوحي ، فإذا قرأه عليه تلاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قبل أن يفرغ جبريل من الوحي مخافة أن
لا يحفظه ، فقال الله تعالى : ( لا تحرك به لسانك ( بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل ( صلى الله عليه وسلم )
) لتعجل به إن علينا جمعه ( في قلبك ) وقرءانه ( عليك ، يعني نقريكه حتى
تحفظه .
القيامة : ( 19 ) ثم إن علينا . . . . .
) ثم إن علينا بيانه ) [ آية : 19 ] يعني أن نبين لك حلاله وحرامه ، كما قال الله
تعالى : ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) [ الأعلى : 14 ، 15 ] يقول الله
تعالى في هذه السورة
القيامة : ( 20 ) كلا بل تحبون . . . . .
) كلا بل ( لا تزكون ، ولا تصلون ، و ) تحبون العاجلة ) [ آية : 20 ]
يعني كفار مكة ، تحبون الدنيا
القيامة : ( 21 ) وتذرون الآخرة
) وتذرون ( عمل ) الآخرة ) [ آية : 21 ] يقول : تختارون
الحياة الدنيا على الآخرة ، فلا تطلبونها ، نظيرها في ) هل أتى على الإنسان ( ) تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ) [ القيامة : 20 ، 21 ] .
تفسير سورة القيامة من الآية ( 22 ) إلى الآية ( 33 ) .
القيامة : ( 22 ) وجوه يومئذ ناضرة
ثم قال : ( وجوه يومئذ ناضرة ) [ آية : 22 ] يعنى الحين والبياض ، ويعلوه النور
القيامة : ( 23 ) إلى ربها ناظرة
) إلى ربها ناظرة ) [ آية : 23 ] يعنى ينظرون إلى الله تعالى معاينة ، ثم قال جل وعز :
القيامة : ( 24 ) ووجوه يومئذ باسرة
) ووجوه يومئذ باسرة ) [ آية : 24 ] يعني متغيرة اللون
القيامة : ( 25 ) تظن أن يفعل . . . . .
) تظن ( يقول : تعلم ) أن يفعل بها فاقرة ) [ آية :
25 ] يقول : يفعل بها شر
القيامة : ( 26 ) كلا إذا بلغت . . . . .
) كلا ( لا يؤمن بما ذكر في أمر القيامة .
ثم قال : ( إذا بلغت ( الأنفس ) التراقي ) [ آية : 26 ] يعنى الحلقوم
القيامة : ( 27 - 28 ) وقيل من راق
) وقيل من راق وظن أنه الفراق ) [ آية : 28 ] يعنى وعلم أنه قد يفارق الدنيا
القيامة : ( 29 ) والتفت الساق بالساق
) والتفت الساق بالساق (
[ آية : 29 ] يعنى التف أمر الدنيا بالآخرة ، فصار واحداً كلاهما ، ثم قال :
القيامة : ( 30 ) إلى ربك يومئذ . . . . .
) إلى ربك يومئذ المساق ) [ آية : 30 ] يعني النهاية إلى الله في الآخرة ليس عنها مرحل ، ثم قال :
القيامة : ( 31 ) فلا صدق ولا . . . . .
) فلا صدق ولا صلى ) [ آية : 31 ] يقول : فلا صدق أبو جهل بالقرآن ولا صلى لله تعالى
القيامة : ( 32 ) ولكن كذب وتولى
) ولكن كذب وتولى ) [ آية : 32 ] يقول : ولكن كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان يقول : أعرض عن
الإيمان
القيامة : ( 33 ) ثم ذهب إلى . . . . .
) ثم ذهب إلى أهله يتمطى ) [ آية : 33 ] يقول : يتبختر ، وكذلك بنو المغيرة بن عبد(3/423)
صفحة رقم 424
الله بن عمر المخزومي إذا مشى أحدهم يختال في المشي .
تفسير سورة القيامة من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 40 ) .
القيامة : ( 34 - 35 ) أولى لك فأولى
) أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ) [ آية : 35 ] يعني وعيداً على أثر وعيد ، وذلك
أن أبا جهل تهدد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالقتل ، وأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أخذ تلابيب أبي جهل بالبطحاء ،
فدفع في صدره ، فقال : ( أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ( يعني أبا جهل حين تهدد
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالقتل ، فقال أبو جهل : إليك عني ، فإنك لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا
بي شيئاً ، لقد علمت قريش أني أعز أهل البطحاء وأكرمها ، فبأي ذلك تخوفنى يا ابن أبي
كبشة ، ثم انسل ذاهباً إلى منزله ، فذلك قوله : ( ثم ذهب إلى أهله يتمطى ( في التقديم .
القيامة : ( 36 ) أيحسب الإنسان أن . . . . .
ثم قال : ( أيحسب الإنسن أن يترك سدىً ) [ آية : 36 ] يعنى مهملاً لا يحاسب بعمله ،
يعنى أبا جهل إلى آخر السورة ، ثم قال :
القيامة : ( 37 ) ألم يك نطفة . . . . .
) ألم يك ( هذا الإنسان ) نطفة من مني يمنى (
[ آية : 37 ]
القيامة : ( 38 ) ثم كان علقة . . . . .
) ثم كان ( بعد النطفة ) علقة فخلق فسوى ) [ آية : 38 ] الله خلقه
القيامة : ( 39 ) فجعل منه الزوجين . . . . .
) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ) [ آية : 39 ]
القيامة : ( 40 ) أليس ذلك بقادر . . . . .
) أليس ذلك ( يعني أما ذلك ) بقدرٍ ( الذي بدأ خلق
هذا الإنسان ) على أن يحى الموتى [ آية : 40 ] يعني بقادر على البعث بعد الموت .(3/424)
صفحة رقم 425
76
سورة الإنسان
مكية ، عددها إحدى وثلاثون آية
تفسير سورة الإنسان من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 3 ) .
الإنسان : ( 1 ) هل أتى على . . . . .
قوله : ( هل أتى على الإنسن ( يعنى قد أتى على الإنسان ) حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) [ آية : 1 ] يعني به آدم لا يذكر ، وذلك أن الله حلق السماوات وأهلها ، والأرض
وما فيها من الجن قبل أن يخلق آدم ، عليه السلام ، بواحد وعشرين ألف سنة ، وهي ثلاثة
أسباع ، فكانوا لا يعرفون آدم ، ولا يذكرونه ، وكان سكان الأرض من الجن زماناً ودهراً ، ثم إنهم عصوا الله تعالى وضر بعضهم بعضاً ، فأرسل الله عليهم قبيلة من الملائكة ،
يقال لهم : الجن وإبليس فيهم ، وكان اسم إبليس الحارث ، أرسلهم الله على الجن ،
فطردوهم حتى أخرجوهم من الأرض إلى الظلمة خلف الحجاب ، وهو جبل تغيب
الشمس خلفه ، وفي أصله ، وفيما بين ذلك الجبل وبين جبل قاف مسيرة سنة كلها ظلمة
ومائ قائم ، ثم إن إبليس وجنده طهروا الأرض وعبدوه زماناً ، فما أراد الله تعالى أن يخلق
آدم ، صلى الله عليه ، أوحى إليهم أني جاعل في الأرض خليفة يعبدونني ، ويطهرون
الأرض ، فردوا إلى الله قوله ، وإبليس منهم : فقالوا : ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ، يعني
من يعصي فيها ، ويسفك الدماء ، كفعل الجن ، لا أنهم علموا الغيب ، ولكن قالوا ما
عرفوا عن الجن الذين عصوا ربهم ، وقالوا : نحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، يعنى ونطهر
لك الأرض ، فأوحى الله إليهم أنى أعلم ما لا تعملون ، ثم إن الله تبارك وتعالى ، قال : يا
جبريل ائتنى بطينن فهبط جبريل ، عليه السلام ، إلى الأرض فأخذ تراباً من تحت الكعبة
وهو أديم الأرض وصب عليه الماء ، فتركه زماناً ، حتى أنتن الطين فصار فوقها طين حر ،
وأسفلها حمأة .(3/425)
صفحة رقم 426
حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل بن سليمان ، عن عمرو بن شعيب ، عن
أبيه ، عن جده ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال : ' ما كان من الحر منها فهم أصحاب اليمين ،
وما كان من الحمأة فهم من أصحاب الشمال ' ، وذلك أن امرأ القيس بن عابس الكتمي ،
ومالك بن الضيف اليهودي اختصما بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في أمر آدم ، عليه السلام ،
وخلقه ، فقال مالك بن الضيف : إنما نجد في التوارة أن الله خلق آدم حين خلق السماوات
والأرض ، فأنزل الله عز وجل يكذب مالك بن الضيف اليهودي :
فقال : ( هل أتى على الإنسن حينٌ من الدهر ( يعنى واحداً وعشرين ألف سنة ، وهي
ثلاثة أسباع ، بعد خلق السموات والأرض ) لم يكن شيئا مذكورا ( يذكر ، ثم خلق
ذريته ، فقال :
الإنسان : ( 2 ) إنا خلقنا الإنسان . . . . .
) إنا خلقنا الإنسن من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه ( يعني ماء مختلطاً ، وهو ماء
الرجل ، وماء المرأة ، فإذا اختلطا ، فذلك المشج ، فماء الرجل غليظ أبيض ، فمنه العصب ،
والعظم ، والقوة ، ونطفة المرأة صفراء رقيقة ، فمنها اللحم ، والدم ، والشعر ، والظفر ،
فيختلطان فذلك الأمشاج ، فيها تقديم ، يقول : جعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه .
ثم قال : ( فجعلنه ( بعد النطفة ) سميعا بصيرا ) [ آية : 2 ] لنبتليه ، أي جعلناه نطفة ،
علقة ، مضغة ، ثم صار إنساناً بعد ماء ودم ) فجعلنه سمعياً بصيراً ( من بعد ما كان نطفة
ميتة ، ثم قال :
الإنسان : ( 3 ) إنا هديناه السبيل . . . . .
) إ نا هديناه السبيل ( يعنى سبيل الضلالة والهدى ) إما شاكرا ( أن
يكون ) شاكرا ( يعني موحداً في حسن خلقه لله تعالى ) وإما كفورا ) [ آية : 3 ] فلا
يوحده ، وأيضاً إما شاكراً لله في حسن خلقه وإما كفوراً ، يجعل هذه النعم لغير الله ، ثم
ذكر مستقر من أحسن من خلقه ، ثم كفر به وعبد غيره .
تفسير سورة الإنسان من الآية ( 4 ) إلى الآية ( 22 ) .(3/426)
صفحة رقم 427
الإنسان : ( 4 ) إنا أعتدنا للكافرين . . . . .
فقال : ( إنا أعتدنا للكفرين ( في الآخرة يعني يسرنا للكافرين يعنى لمن كفر
بنعم الله تعالى ) سلسلأ ( يعنى سلسلة طولها سبعون ذراعاً بذراع الرجل الطويل من
الخلق الأول .
حدثني أبي ، رحمه الله ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك بن
مزاحم الخراساني ،
عن علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال : ' لو أن
حلقة من سلاسل جهنم وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص ، فكيف يا
ابن آدم ، وهي عليك وحدك ' .
ثم قال : ( وأغللاً ( فأما السلاسل ففي أعناقهم ، وأما الأغلال ففي أيديهم ، ثم قال :
( وسعيرا ) [ آية : 4 ] يعنى وقوداً لا يطفأ ، ثم ذكر ما أعد للشاكرين من نعمة ، فقال :
الإنسان : ( 5 ) إن الأبرار يشربون . . . . .
) إن الأبرار ( يعنى الشاكرين المطيعين لله تعالى ، يعنى أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ،
وعلي ، وسلمان الفارسي ، وأبا ذر الغفاري ، وابن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وأبا عبيدة
بن الجراح ، وأبا الدرداء ، وابن عباس ) يشربون من كأس ( يعنى الخمر ، وأيضاً إن
الأبرار ، يعني علي بن أبي طالب وأصحابه الأبرار الشاكرين لله تعالى يشربون من كأس ،
سعنى من خمر ) كان مزاجها كافورا ) [ آية : 5 ] .
الإنسان : ( 6 ) عينا يشرب بها . . . . .
ثم ذكر الكافور ، فقال : ( عينا يشرب بها ( يعنى الخمر ) عباد الله يفجرونها تفجيرا (
[ آية : 6 ] يعنى أولياء الله يمزجون ذلك الخمر ، ثم جاء بذلك الماء ، فهو على برد الكافور ،
وطعم الزنجبيل ، وريح المسك لا بمسك أهل الدنيا ، ولا زنجبليهم ، ولا كافورهم ، ولكن
الله تعالى وصف ما عنده بما عندهم لتهتدى إليه القلوب ، ثم ذكر محاسنهم ، فقال :
الإنسان : ( 7 ) يوفون بالنذر ويخافون . . . . .
) يوفون بالنذر ( يعنى من نذر لله نذراً ، فقضى الله حاجته فيوفى لله بما قد نذره ، قال :
( ويخافون يوما ( يعني يوم القيامة ) كان شره مستطيرا ) [ آية : 7 ] يعني كان شراً فاشياً في
أهل السماوات والأرض ، فانشقت السماء ، وتناثرت الكواكب ، وفزعت الملائكة ،
وكورت الشمس ، والقمر ، فذهب ضوءها وبدلت الأرض ونسفت الجبال ، وغارت
المياه ، وتكسر كل شئ على الأرض من جبل ، أو بناء ، أو شجر ، ففشى شر يوم القيامة
فيها .(3/427)
صفحة رقم 428
الإنسان : ( 8 ) ويطعمون الطعام على . . . . .
وأما قوله : ( ويطعمون الطعام على حبه ( أي على حبهم الطعام ) مسكينا ويتيما وأسيرا (
[ آية : 8 ] نزلت في أبي الدحداح الأنصاري ، ويقال :
في علي بن أبي طالب ، رضي الله
عنه ، وذلك أنه صام يوماً ، فلما أراد أن يفطر دعا سائل ، فقال : عشوني بما عندكم ، فإني
لم أطعم اليوم شيئاً ، قال أبو الدحداح ، أو على : قومى فاثردى رغيفاً وصبى عليه مرقة ،
وأطعميه ، ففعلت ذلك فما لبثوا أن جاءت جارية يتيمة ، فقالت : أطعموني ، فإني ضعيفة
لم أطعم اليوم شيئاً ، قال : يا أم الدحداح ، : قومى فاثردى رغيفاً وأطعمها ، فإن هذه والله
أحق من ذلك المسكين ، فبينما هم كذلك إذ جاء على الباب سائل أسير ينادي : عشوا
الغريب في بلادكم ، فإني أسير في أيديكم وقد أجهدنى الجوع ، فبالذي أعزكم وأذلني
لما أطعمتموني ، فقال أبو الدحداح : يا أم الدحداح ، قومي ويحك فاثردى رغيفاً وأطعمي
الغريب الأسير ، فإن هذا أحق من أولئك فاطعموا ثلاث أرغفة ، وبقى لهم رغيف واحد ،
فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم يمدحهم بما فعلوا ، فقال : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ( يعنى باليتيم من لا أب له ولا أم ، ) وأسيرا ( من أسارى المشركين
الإنسان : ( 9 ) إنما نطعمكم لوجه . . . . .
) إنما نطعمكم لوجه الله ( يعنى لمرضات الله تعالى ) لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) [ آية : 9 ] يعني أن
تثنوا به علينا
الإنسان : ( 10 ) إنا نخاف من . . . . .
) إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا ( يعني يوم الشدة .
قال الفراء ، هو وأبو عبيدة : هو المنتهى في الشدة ) قمطريرا ) [ آية : 10 ] يعنى إذا عرق
الجبين فسال العرق بين عينيه من شدة الهول ، فذلك قوله : ( قمطريرا ( فشكر الله أمرهم ،
فقال :
الإنسان : ( 11 ) فوقاهم الله شر . . . . .
) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ( يعنى يوم القيامة شر جهنم ) ولقهم نضرةً وسروراً (
[ آية : 11 ] نضرة في الوجوه وسروراً في القلوب ، وذلك أن المسلم إذا خرج من قبره
يوم القيامة نظر أمامه ، فإذا هو بإنسان وجهه مثل الشمس يضحك طيب النفس ، وعليه
ثياب بيض ، وعلى رأس تاج ، فينظر إليه حتى يدنو منه ، فيقول : سلام عليك ، يا ولي الله ،
فيقول : وعليك السلام من أنت يا عبد الله أنت ملك من الملائكة . فيقول : لا ، والله ،
فيقول : أنت نبي من الأنبياء ؟ فيقول : لا والله ، فيقول : أنت من المقربين ؟ فيقول : لا والله ،
فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك الصالح أبشرك بالجنة ، والنجاة من النار ، فيقول له : يا
عبد الله ، الله أبعلم تبشرنى ؟ فيقول : نعم ، فيقول : ما تريد مني ؟ فيقول له : اركبني ،
فيقول : يا سبحان الله ، ما ينبغى لمثلك أن يركب عليه ، فيقول : بلى فإني طال ما ركبتك
في دار الدنيا ، فإني أسألك بوجه الله ، إلا ما ركبتنى ، فيقول : لا تخف أنا دليلك إلى الجنة
فيعم ذلك الفرح في وجهه حتى يتلألأ ، ويرى النور والسرور في قلبه ، فذلك قلبه :(3/428)
صفحة رقم 429
ولقاهم نضرة وسرورا ، وأما الكافر ، فإنه إذا خرج من قبره نظر أمامه ، فإذا هو برجل
قبيح ، الوجه أزرق العينين أسود الوجه اشد سواداً من القبر في ليلة مظلمة ، وثيابه سود
يجر أنيابه في الأرض تدهده دهدهة الرعد ، ريحه انتن من الجيفة ، فيقول : من أنت يا عدو
الله ؟ ويريد أن يعرض بوجهه عنه ، فيقول : يا عدو الله إلى إلى ، وأنا لك اليوم ، فيقول :
ويحك أشيطان أنت ؟ فيقول : لا والله ، ولكني عملك ، فيقول : ويحك ، ما تريد منى ؟
فيقول : أريد أن أركبك ، فيقول : أنشدك الله ، مهلاً فإنك تفضحني على رءوس الخلائق ،
فيقول : والله ما منك بد فطال ما ركبتنى فأنا اليوم أركبك ، قال فتركبه ، فذلك قوله :
( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ) [ الأنعام : 31 ] .
الإنسان : ( 12 ) وجزاهم بما صبروا . . . . .
ثم ذكر أولياءه ، فقال : ( وجراهم ( بعد البشارة ) بما صبروا ( على البلاء ) جنة وحريرا ) [ آية : 12 ] ، فأما الجنة فيتنعمون فيها ، وأما الحرير فليبسونه
الإنسان : ( 13 ) متكئين فيها على . . . . .
) متكئين فيها على الأرائك ( يعنى على السرر عليها الحجال ) لا يرون فيها شمسا ( لا يصيبهم حر الشمس
) ولا زمهريرا ) [ آية : 13 ] يعنى ولا يصيبهم برد الزمهرير لأنه ليس فيها شتاء ولا
صيف ، فأما قوله :
الإنسان : ( 14 ) ودانية عليهم ظلالها . . . . .
) ودانيةً عليهم ظللها ( يعنى ظلال الشجر ، وذلك أن أهل الجنة يأكلون
من الفواكه إن شاءوا نياماً ، وإن شاءوا قعوداً ، وإن شاءوا قياماً ، إذا أرادوا دنت منهم
حتى يأخذوا منها ، ثم تقوم قياماً ، فذلك قوله : ( وذللت قطوفها تذليلا ) [ آية : 14 ] يعنى
أغصانها تذليلاً .
الإنسان : ( 15 ) ويطاف عليهم بآنية . . . . .
قوله : ( ويطاف عليهم بئانيةٍ من فضةٍ وأكوابٍ ( فهي الأكواز مدورة الرءوس التي ليس لها
عرى ، قال : ( كانت قواريرا ) [ آية : 15 ] ولكنها من فضة ، وذلك أن قوارير الدنيا من
ترابها وقوارير الجنة من فضة ، فذلك قوله : ( كانت قواريرا ( ثم قطعها ، ثم استأنفن فقال :
الإنسان : ( 16 ) قوارير من فضة . . . . .
) قواريراً من فضة قدروها تقديراً ) [ آية : 16 ] يعني فدرت الأكواب على الإناء وقدر الإناء
على كف الخادم ورى القوم ، فذلك قوله : ( قدروها تقديرا ( . قال :
الإنسان : ( 17 ) ويسقون فيها كأسا . . . . .
) ويسقون فيها كأسا (
يعني خمراً ، وكل شراب في الإناء ليس بخمر ، وليس هو بكأس ، فقال : ( كان مزاجها زنجبيلا ) [ آية : 17 ] يعني كأنما قد مزج فيه الزنجبيل ، قوله :
الإنسان : ( 18 ) عينا فيها تسمى . . . . .
) عينا فيها تسمى سلسبيلا (
[ آية : 18 ] تسيل عليهم من جنة عدن ، فتمر على كل جنة ، ثم ترجع لهم الجنة كلها .
الإنسان : ( 19 ) ويطوف عليهم ولدان . . . . .
وأما قوله : ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون ( فأما الولدان فهم الغلمان الذين لا يشيبون
أبداً مخلدون ، يعنى لا يحتلمون ، ولا يشيبون أبداً هم على تلك الحال لا يختلفون و لا
يكبرون ، قال : ( إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ) [ آية : 19 ] في الحسن والبياض ، يعني في(3/429)
صفحة رقم 430
الكثرة ، مثل اللؤلؤ المنثور الذي لا يتناهى عدده ، قوله :
الإنسان : ( 20 ) وإذا رأيت ثم . . . . .
) وإذا رأيت ثم رأيت ( يعنى هنالك
في الجنة رأيت ) نعيما وملكا كبيرا ) [ آية : 20 ] وذلك أن الرجل من أهل الجنة له قصر ،
في ذلك القصر سبعون قصراً ، في كل قصر سبعون بيتاً ، كل بيت من لؤلؤة مجوفة طولها
في السماء فرسخ ، وعرضها فرسخ ، عليها أربعة ألف مصراع من ذهب ، في ذلك البيت
سرير منسوج بقضبان الدر والياقوت ، عن يمين السرير ، وعن يساره أربعون ألف كرسي
من ذهب قوائمها باقوت أحمر ، على ذلك السرير سبعون فراشاً ، كل فراش على لون ،
وهو جالس فوقها ، وهو متكئ على يساره عليه سبعون حلة من ديباج ، الذي بلى جسده
حريرة بيضاء ، و على جبهته أكليل مكلل بالزبرجد ، والياقوت ، وألوان الجواهر كل
جوهرة على لون .
وعلى رأسه تاج من ذهب فيه سبعون ذؤابة ، في كل ذؤابة درة ، تساوى مال المشرق
والمغرب ، وفي يديه ثلاث أسورة ، سوار من ذهب ، وسوار من فضة ، وسوار من لؤلؤ ،
وفي أصابع يديه ورجليه خواتيم من ذهب وفضة فيه ألوان الفصوص ، وبين يديه عشرة
آلاف غلالا يكبرون ولا يشيبون أبداً ، ويوضع بين يديه مائدة من ياقوتة حمراء ، طولها
ميل في ميل ، ويوضع على المائدة سبعون ألف إناء من ذهب وفضة في كل إناء سبعون
لوناً من الطعام ، يأخذ اللقمة بيديه ، فما يخطر على باله حتى تتحول اللقمة عن حالها التي
يشتهيها ، وبين يديه غلمان بأيديهم أكواب من ذهب ، وإناء من فضة معهم الخمر والماء ،
فيأكل على قدر أربعين رجلاً من الألوان كلها ، كلما شبع من لون من الطعام سقوه
شربة مما يشتهى من الأشربة فيتجشى .
فيفتح الله تعالى عليه ألف باب من الشهوة من الشراب ، فيدخل عليه الطير من
الأبواب ، كأمثال النجائب فيقومون بين يديه صفاً ، فينعت كل نقسه بصوت مطرب
لذيذ ألذ من كل غناء في الدنيا ، يقول : يا ولي الله ، كلني إني كنت أرعى في روضة
كذا وكذا ، من رياض الجنة ، فيحلون عليه أصواتها ، فيرفع بصره فينظر إليهم ، فينظر إلى
أزهاها صوتاً ، وأجودها نعتاً ، فيشتهيها ، فيعلم الله ما وراء شهوته في قلبه من حبه ،
فيجئ الطير فيقع على المائدة بعضه قديد ، وبعضه شواء ، أشد بياضاً من الثلج ، وأحلى من
العسل ، فيأكل حتى إذا شبع منها ، واكتفى طارت طيراً كما كانت ، فتخرج من الباب
الذي كانت دخلت منه .
فهو على الأرائك وزوجته مستقبلة ، يبصر وجهه في وجهها من الصفاء والبياض ،(3/430)
صفحة رقم 431
كلما أراد أن يجامعها ينظر إليها ، فيستحى أن يدعوها ، فتعلم ما يريد منها زوجها ، فتدنو
إليه ، فتقول : بأبي وأمي ، ارفع رأسك فانظر إلي فإنك اليوم لي ، وأنا لك فيجامعها على
قوة مائة رجل من الآولين ، وعلى شهوة أربعين رجلاً كلما أتاها وجدها عذراء ، لا يغفل
عنها مقدار أربعين يوماً ، فإذا فرغ وجد ريح المسك منها ، فيزداد حباً لها ، فيها أربعة
آلاف وثمان مائة زوجة مثلها لك زوجة سبعون خادماً وجارية .
حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن
الضحاك بن مزاحم ، عن علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، قال : لو أن جارية أو خادماً
خرجت إلى الدنيا لا قتتل عليها أهل الأرض كلهم ، حتى يتفانوا .
ولو أن الحور العين أرخت ذؤايتها في الأرض لأطفأت الشمس من نورها ، قيل : يا
رسول الله ، وكم بين الخادم والمخدوم ؟ قال :
والذي نفسي بيده ، إن بين الخادم والمخدوم
كالكوكب المضئ إلى جنب القمر في النصف ، قال : فبينما هو جالس على سريره إذ
يبعث الله عز وجل إليه مالكاً معه سبعون حلة كل حلة على لون واحد ، ومعه التسليم ،
والرضا ، فيجئ الملك حتى يقوم على بابه ، فيقول لحاجبه : ائذن لي على ولى الله ، فإني
رسول رب العالمين إليه ، فيقول الحاجب : والله ، ما أملك منه المناجاة ، ولكن سأذكرك إلى
من يليني من الحجبة ، فلا يزالون يذكرون بعضهم إلى بعض حتى يأتيه الخبر بعد سبعين
باباً ، يقول : يا ولي الله ، إن رسول رب العزة على الباب ، فيأذن له بالدخول عليه ، فيقول :
السلام عليك ، يا ولي الله ، إن الله يقرئك السلام ، وهو عنك راض ، فلولا أن الله تعالى لم
يقض عليه الموت لمات من الفرح ، فذلك قوله : ( وإذا رأيت ثم رأيت ( يا محمد ، ثم
يعنى هناك رأيت نعيماً ، يعني بالنعيم الذي هو فيه وملكاً كبيراً حين لا يدخل عليه
رسول رب العزة إلا بإذن .
الإنسان : ( 21 ) عاليهم ثياب سندس . . . . .
ثم قال ) عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق ( يعني الديباج ، وإنما قال : عاليهم لأن
الذي يلي جسده حريرة بيضاء ، قال : ( وحلوا أساور من فضة ( وقال في آية أخرى يحلون
[ آية : 21 ] وذلك أن علي باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان ، فإذا جاز الرجل
الصراط إلى العين ، يدخل في عين منها فيغتسل فيها ، فيخرج وريحه أطيب من المسك
طوله سبعون ذراعاً في السماء على طول آدم ، عليه السلام ، وميلاد عيسى ابن مريم ،
أبناء ثلاث وثلاثين سنة ، فأهل الجنة كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد يكبر الصغر(3/431)
صفحة رقم 432
حتى يكون ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وينحط الشيخ عن حاله إلى ثلاث وثلاثين سنة ،
كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد في حسن يوسف بن يعقوب عليهما السلام ،
ويشرب من العين الأخرى فينقى ما في صدره من غل ، أو هم ، أو حد ، أو حزن ، فيظهر
الله قلبه بذلك الماء ، فيخرج وقلبه على قلب أيوب ، عليه السلام ، ولسان محمد ( صلى الله عليه وسلم )
عربي ، ثم ينطلقون حتى يأتوا الباب ، فتقول لهم الخزنة : طبتم ، يقولون : نعم ، فتقول :
ادخو لها خالدين يبشرونهم بالخلود قبل الدخول ، بأنهم لا يخرجون منها أبداً ، فأول ما
يدخل من باب الجنة ، ومعه الملكان اللذان كانا معه في دار الدنيا الكرام الكاتبين ، فإذا
هو بملك معه بختية من ياقوتة حمراء زمامها ياقوتة خضراء ، فإذا كانت البختية من ياقوتة
خضراء كان زمامها من ياقوتة حمراء ، عليها راحلة مقدمها ومؤخرها در وياقوت ،
صفحتها الذهب والفضة ، ومعه سبعون حلة فيلبسه ويضع على رأسه التاج ، ومعه عشرة
آلاف غلام كاللؤلؤ المكنون ، فيقول : يا ولي الله ، اركب فإن هذا لك ، ولك مثلها
فيركبها ، ولها جناحان ، خطوة منها منتهى البصر فيسير على بختيته وبين يديه عشرة
آلاف غلام ، ومعه الملكان اللذان كانا معه في دار الدنيا حتى يأتي إلى قصوره فينزلها ،
الإنسان : ( 22 ) إن هذا كان . . . . .
) إن هذا ( الذي قضيت لكم ) كان لكم جزاء ( لأعمالكم ) وكان سعيكم ( يعني
عملكم ) مشكورا ) [ آية : 22 ] يعني شكر الله أعمالهم فأثابهم بها الجنة .
تفسير سورة الإنسان من الآية ( 23 ) إلى الآية ( 31 ) .
الإنسان : ( 23 - 24 ) إنا نحن نزلنا . . . . .
) إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلاً فاصبر لحكم ربك ( يعني حتى يحكم الله بينك
وبين أهل مكة ، ولا تشتم إذا شتمت ، ولا تغتظ إذا ضربت ) ولا تطع منهم ءاثماً أو
كفوراً ) [ آية : 24 ] وهو الوليد بن المغيرة بن هشام المخزومي ، قال : أو كفوراً ، أو هاهنا
صلة ، والكفور :
هو عتبة بن ربيعة ، وذلك أنهم خلوا به في دار الندوة ، وفيهم عمرو بن
عمير بن مسعود الثقفي ، فقالوا : يا محمد ، أخبرنا لم تركت دين آبائك وأجدادك ؟ فقال
الوليد بن المغيرة : إن طلبت ما لا أعطيتك نصف مالي على أن تدع مقالتك هذه ، وقال(3/432)
صفحة رقم 433
أبو البحتري بن هشام :
واللات والعزى إن ارتد عن دينه لأزوجنه ابنتى ، فإنها أحسن
النساء ، وأجملهن جمالاً ، وأفصحهن قولاً ، وأبلغهن علماً ، وقد علمت العزى بذلك ،
فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذلك فلم يجبهم شيئاً ، فقال ابن مسعود الثقفي : ما لك لا تجيبنا إن
كنت تخاف عذاب ربك وذمه أجرتك فضحك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند ذلك ، وقبض ثوبه وقام
عنهم ، وقال : أقوال وأضعف أعمال ، فأنزل الله عز وجل ) إنا نحن نزلنا عليك القرءان
تنزيلاً ( فيها تقديم ، وتأخير ) ولا تطع منهم ءاثماً أو كفوراً ( يعني الوليد بن المغيرة ، وأبا
البحتري بن هشام .
وقال في قول عمرو بن عمير بن مسعود الثقفي : ( قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ) [ الجن : 22 ] ، يعني لا يؤمننى من عذابه أحد ، ولن أجد
من دونه مهرباً ، ) إلا بلاغاً من الله ورسالاً له ) [ الجن : 23 ] .
الإنسان : ( 25 ) واذكر اسم ربك . . . . .
وأما قوله ) واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ) [ آية : 25 ] يعني إذا صليت صلاة الغداة
وهو بكرة ، فكبر واشهد أن لا إله إلا هو ، وأصيلاً إذا أمسيت وصليت صلاة المغرب ،
فكبره واشهد أن لا إله إلا هو ، فهو براءة من الشرك ، فذلك قوله : ( واذكر اسم ربك (
بشهادة أن لا إله إلا هو ، قال :
كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلى الغداة ، ثم يكبر ثلاثاً ، وإذا
صلى المغرب كبر ثلاثاً
الإنسان : ( 26 ) ومن الليل فاسجد . . . . .
) ومن اليل فاسجد له ( يعني صلاة العشاء والآخرة يقول : صل
له قبل أن تنام ) وسبحه ليلا طويلا ) [ آية : 26 ] يعني وصل له بالليل ، وكان قيام الليل
فريضة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فتهجد به نافلة لك .
ثم رجع إلى قوله عز وجل الأول : ( إنا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلاً فاصبر لحكم
ربك ( ،
الإنسان : ( 27 ) إن هؤلاء يحبون . . . . .
فقال : ( إن هؤلاء ( الذين يأمرونك بالكفر ) يحبون العاجلة ( يعنى الدنيا ،
لا يهمهم شئ إلا أمر الدنيا الذهب والفضة والبناء والثياب والدواب ) ويذرون وراءهم ( يعنى أمامه وكل شئ في القرآن وراءهم ، يعنى أمامهم ) يوما ثقيلا ) [ آية :
27 ] لأنها تثقل على الكافرين إذا حشروا وإذا وقفوا وإذا حاسبوهم ، وإذا جازوا
الصراط فهي مقدار ثلاث مائة سنة وأربعين سنة ، فأما المؤمن ، فإنه ييسر الله خروجه من
قبره ، وإذا حشره ، وإذا حاسبه ، وإذا جاز الصراط ، فذلك قوله : ( يؤمئذٍ يوم عسير
على الكافرين غير يسير ) [ المدثر : 9 ، 10 ] .
الإنسان : ( 28 ) نحن خلقناهم وشددنا . . . . .
وأما قوله : ( نحن خلقنهم ( في بطون أمهاتهم وهم نطفة ) وشددنا أسرهم ( حين(3/433)
صفحة رقم 434
صاروا شباناً يعنى أسرة الشباب ، وما خلق الله شيئاً أحسن من الشباب ، منور الوجه
أسود الشعر واللحية قوى البدن ، وقال : ( وإذا شئنا بدلنا أمثلهم ( ذلك السواد والنور
بالبياض والضعف ) تبديلا ) [ آية 28 ] من السواد حتى لا يبقى شئ منه إلا البياض ،
فعلم الله عز وجل ، فقال :
الإنسان : ( 29 ) إن هذه تذكرة . . . . .
) إن هذه ( إن هذا السواد والحسن والقبح ) تذكرة (
يعنى عبرة ) فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) [ آية : 29 ] يعنى فمن شاء اتخذ في هذه
التذكرة فيعتبر ، فيشكر الله ويوحده ، ويتخذ طريقاً إلى الجنة ، ثم رد المشيئة إليه ، فقال :
الإنسان : ( 30 ) وما تشاؤون إلا . . . . .
) وما تشاءون ( أنتم أن تتخذوا إلى ربكم سبيلاً ) إلا أن يشاء الله ( فهو عليكم عمل
الجنة ) إن الله كان عليما ( يعنى بأهل الجنة ) حكيما ) [ آية : 30 ] إذ حكم على أهل
الشقاء النار .
الإنسان : ( 31 ) يدخل من يشاء . . . . .
ثم ذكر العلم والقضاء بأنه إليه ، فقال : ( يدخل من يشاء في رحمته ( يعني في جنته
) والظلمين ( يعنى المشركين ) أعد لهم عذابا أليما ) [ آية : 31 ] يعنى وجيعاً .(3/434)
صفحة رقم 435
7
سورة المرسلات
مكية ، عددها خمسون آية
تفسير سورة المرسلات من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 7 ) .
المرسلات : ( 1 ) والمرسلات عرفا
قوله : ( والمرسلات عرفا ) [ آية : 1 ] يقول الملائكة وأرسلوا المعروف ، ثم قال :
المرسلات : ( 2 ) فالعاصفات عصفا
) فالعاصفت عصفاً ) [ آية : 2 ] وهي الرياح ، وأما قوله :
المرسلات : ( 3 ) والناشرات نشرا
) والنشرات نشراً ) [ آية : 3 ] وهي
أعمال بني آدم تنشر يوم القيامة ، أما قوله :
المرسلات : ( 4 ) فالفارقات فرقا
) فالفرقت فرقاً ) [ آية : 4 ] فهو القرآن فرق
بين الحق والباطل ، وأما قوله :
المرسلات : ( 5 ) فالملقيات ذكرا
) فالملقيت ذكراً ) [ آية : 5 ] فهو جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) وحده يلقى
الذكر على ألسنة الأنبياء والرسل ، وهو التاليات ذكراً ، قوله :
المرسلات : ( 6 ) عذرا أو نذرا
) عذرا أو نذرا ) [ آية : 6 ]
يقول : عذراً من الله ، ونذراً إلى خلقه قال :
المرسلات : ( 7 ) إنما توعدون لواقع
) إنما توعدون ( من أمر الساعة ) لواقع (
[ آية : 7 ] يعنى لكائن ، ثم ما يكون في ذلك اليوم أنه لكائن ، ) وإن الدين لواقع (
[ الصافات : 3 ] يقول : وأن الحساب لكائن .
تفسير سورة المرسلات من الآية ( 8 ) إلى الآية ( 14 ) .
المرسلات : ( 8 ) فإذا النجوم طمست
قوله : ( فإذا النجوم طمست ) [ آية : 8 ] بعد الضوء والبياض إلى السواد ، وأما قوله :
المرسلات : ( 9 ) وإذا السماء فرجت
) وإذا السماء فرجت ) [ آية : 9 ] يقول : انفرجت عن نزول من فيها من الملائكة ، ورب
العزة لحساب الخلائق
المرسلات : ( 10 ) وإذا الجبال نسفت
) وإذا الجبال نسفت ) [ آية : 10 ] يقول : من أصلها حتى استوت
بالأرض ، كما كانت أول مرة ، وأما قوله :
المرسلات : ( 11 ) وإذا الرسل أقتت
) وإذا الرسل أفتت ) [ آية : 11 ] يقول :
جمعت ، ثم رجع إلى الساعة في التقديم ، فقال :
المرسلات : ( 12 ) لأي يوم أجلت
) لأي يوم أجلت ) [ آية : 12 ] يقول : لأي
يوم أجلها يعنى الساعة يوم القيامة ، وجمع الملائكة .
المرسلات : ( 13 ) ليوم الفصل
قال تعالى : ( ليوم الفصل ) [ آية : 13 ] يعنى يوم القضاء
المرسلات : ( 14 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما يوم الفصل ((3/435)
صفحة رقم 436
[ آية : 14 ] ما هو ؟ تعظيماً لشدتها فكذبوا بذلك اليوم ، يقول الله تعالى فأوعدهم :
المرسلات : ( 15 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويلٌ
يؤمئذٍ للمكذبين ) [ آية : 15 ] بالبعث ، فقال :
يا محمد
المرسلات : ( 16 ) ألم نهلك الأولين
) ألم نهلك الأولين ) [ آية : 16 ]
الذين كذبوا بيوم القيامة أهلكتهم بالصيحة والخسف والمسخ والفرق والعدو
المرسلات : ( 17 ) ثم نتبعهم الآخرين
) ثم نتبعهم الآخرين ) [ آية : 17 ] بالأولين بالهلاك يعنى العذاب يعنى كفار مكة لما كذبوا بمحمد
( صلى الله عليه وسلم )
المرسلات : ( 18 ) كذلك نفعل بالمجرمين
) كذلك نفعل بالمجرمين ) [ آية : 18 ] يقول : هكذا نفعل بالمجرمين يعنى الكفار
الظلمة ، يخوف كفار مكة لئلا يكذبوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أي فاحذروا ، أيا أهل مكة ، أن نفعل
بكم كما فعلنا بالقرون الأولى ، ثم قال :
المرسلات : ( 19 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ) [ آية : 19 ] بالبعث ، ثم
بين لهم بدء خلق أنفسهم لئلا يكذبوا بالبعث ، وليعتبروا فقال : يا معشر المكذبين
المرسلات : ( 20 ) ألم نخلقكم من . . . . .
) ألم نخلقكم من ماء مهين ) [ آية : 20 ] يقول : ماء ضعيف وهو النطفة
المرسلات : ( 21 ) فجعلناه في قرار . . . . .
) فجعلنه في قرارٍ مكينٍ (
[ آية : 21 ] يعنى الماء يمكن في الرحم
المرسلات : ( 22 ) إلى قدر معلوم
) إلى قدر معلوم ) [ آية : 22 ] يعنى تسعة أشهر
المرسلات : ( 23 ) فقدرنا فنعم القادرون
) فقدرنا ( الصبى في رحم أمه تسعة أشهر ، ودون ذلك أو فوق ذلك فقال الله عز
وجل : ( فنعم القدرون ) [ آية : 23 ] .
تفسير سورة المرسلات من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 50 ) .
المرسلات : ( 24 ) ويل يومئذ للمكذبين
ثم قال : ( ويلٌ يومئذٍ للمكذبين ) [ آية : 24 ]
المرسلات : ( 25 ) ألم نجعل الأرض . . . . .
قال : ( ألم تجعل الأرض كفاتاً ) [ آية : 25 ](3/436)
صفحة رقم 437
المرسلات : ( 26 ) أحياء وأمواتا
( 2 أحياء وأمواتا ) [ آية : 26 ] يقول : أليس قد جعل لكم الأرض كفاتا لكم ، تدفنون فيها ،
أمواتكم وتبثون عليها أحياءكم ، وتسكنون عليها فقد كفت الموتى والأحياء ، فقال :
المرسلات : ( 27 ) وجعلنا فيها رواسي . . . . .
) وجعلنا فيها رواسى شمخت ( وهي جبال راسخة في الأرض وأتادا ، ثم قال : ( وأسقيناكم
ماءاً فراتاً ) [ آية : 27 ] يقول : ماء حلوا
المرسلات : ( 28 ) ويل يومئذ للمكذبين
( 2 ويل يومئذ للمكذبين ) [ آية : 28 ] بالبعث وقد
علموا أن الله تعالى قد خلق هذه الأشياء كلها ، قوله :
المرسلات : ( 29 - 30 ) انطلقوا إلى ما . . . . .
( 2 انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون (
[ آية : 29 ] في الدنيا أنه غير كائن وهي النار وذلك أنه إذا انطلق أهل النار وهي تهمهم ،
زفرت جهنم زفرة واحدة فيخرج عنق فيحيط بأهلها ، ثم تزفر زفرة أخرى فيخرج عتق
لها من نار وتحيط بهم ، ثم تزفر الثالثة فيخرج عنق فيحيط بالآخرين فتصير حولهم
سرادق من نار فيخرج دخان من جهنم فيقول فوقهم ، فيظن أهلها أنه ظل وأنه سينفعهم
من هذه النار ، فينطلقون كلهم بأجمعهم فيستظلون تحتها ، فيجدونها أشد حراً من
السرادق ، فذلك قوله : ( انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ( وهو شعب بجهنم ، أنهم كذبوا
الرسل في الدنيا بأن العذاب في الآخرة ليس كائن ، فتقول لهم الملائكة الخزان ) انطلقوا
إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظلٍ ذي ثلث شعبٍ ) [ آية : 30 ] لأنها تنقطع ثلاث قطع .
المرسلات : ( 31 ) لا ظليل ولا . . . . .
قوله : ( لا ظليل ( يقول : لا بارد ) ولا يغني من اللهب ) [ آية : 31 ] يقول : من ذلك
السرادق الذي قد أحاط حولهم ، ثم ذكر الظل فقال :
المرسلات : ( 32 ) إنها ترمي بشرر . . . . .
( 2 إنها ترمي بشرر كالقصر ) [ آية :
32 ] وهو أصول الشجر يكون في البرية ، فإذا جاء الشتاء قطعت أغصانها فتبقى أصولها ،
فيحرقها البرد فتسود فتراها في البرية كأمثال الجمال إذا أنيخب في البرية ، فذلك قوله :
( إنها ترمي بشرر كالقصر 2 )
المرسلات : ( 33 ) كأنه جمالة صفر
) كأنه جملتٌ صفرٌ ) [ آية : 33 ] يقول : كأنها جمال سوداء
إذا رأيتها من مكان بعيد
المرسلات : ( 34 ) ويل يومئذ للمكذبين
( 2 ويل يومئذ للمكذبين ) [ آية : 34 ] بالبعث ، ثم ذكر الويل متى
يكون ؟ فقال :
المرسلات : ( 35 ) هذا يوم لا . . . . .
( 2 هذا يوم لا ينطقون ) [ آية : 35 ]
المرسلات : ( 36 ) ولا يؤذن لهم . . . . .
( 2 ولا يؤذن لهم ( في الكلام
) فيعتذرون ) [ آية : 36 ] فقال أن تعتذروا
المرسلات : ( 37 ) ويل يومئذ للمكذبين
( 2 ويل يومئذ للمكذبين ) [ آية : 37 ] بالبعث ،
المرسلات : ( 38 ) هذا يوم الفصل . . . . .
ثم قال إن : ( هذا يوم الفصل ( وهو يوم القيامة وهو يوم الذين ) جمعنكم ( يا معشر
أهل مكة ، وسائر الناس ممن بعدكم ) والأولين ) [ آية : 38 ] الذين كذبوا بالبعث من
قبلكم من الأمم الخالية
المرسلات : ( 39 ) فإن كان لكم . . . . .
( 2 فإن كان لكم كيد فكيدون ) [ آية : 39 ] يقول : إن كان لكم
مكرنا مكروا
المرسلات : ( 40 ) ويل يومئذ للمكذبين
( 2 ويل يومئذ للمكذبين ) [ آية : 40 ] بالبعث .
المرسلات : ( 41 ) إن المتقين في . . . . .
قوله : ( إن المتقين ( يعني به الموحدين ) في ظللٍ وعيونٍ ) [ آية : 41 ] يعنى في
جنات ، يقول : في البساتين ونعيم فهو اللباس الذي يلبسون من سندس واستبرق والحرير(3/437)
صفحة رقم 438
والنساء
المرسلات : ( 42 ) وفواكه مما يشتهون
) وفواكه مما يشتهون ) [ آية : 42 ]
المرسلات : ( 43 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . .
) كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ) [ آية :
43 ] من الحسنات في دار الدنيا ، ثم يا محمد
المرسلات : ( 44 ) إنا كذلك نجزي . . . . .
) إنا كذلك نجزي المحسنين ) [ آية : 44 ]
يقول : هكذا تجزى المحسنين من أمتك بأعمالهم في الجنة ، ثم قال الله تعالى :
المرسلات : ( 45 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ) [ آية : 45 ] بالبعث
المرسلات : ( 46 ) كلوا وتمتعوا قليلا . . . . .
) كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ) [ آية : 46 ] فيحل بكم ما
أحل بالذين من قبلكم من العذاب
المرسلات : ( 47 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ) [ آية : 47 ] قال :
المرسلات : ( 48 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) [ آية : 48 ] يعنى الصلوات الخمس ، قالوا : لا نصلى إلا أن
يكون بين أيدينا أوثاناً
المرسلات : ( 49 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ) [ آية : 49 ] بالبعث
المرسلات : ( 50 ) فبأي حديث بعده . . . . .
) فبأي حديث بعده يؤمنون ) [ آية : 50 ] يعنى بالقرآن .(3/438)
صفحة رقم 439
78
سورة النبأ
مكية عددها أربعون آية كوفى
تفسير سورة النبأ من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 16 ) .
النبأ : ( 1 ) عم يتساءلون
) عم يتساءلون ) [ آية : 1 ]
النبأ : ( 2 ) عن النبإ العظيم
) عن النبإ العظيم ) [ آية : 2 ] استفهما للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن أي
شئ يتساءلون نزلت في أبي لبابة وأصحابه ، وذلك
أن كفار مكة كانوا يجتمعون عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويسمعون حديثه إذا حدثهم خالفوا قوله ، واستهزءوا منه وسخروا ،
فأنزل الله تعالى : ( أن إذا سمعتم ) يا محمد ) آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا
تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) [ النساء : 140 ] .
فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحدث المؤمنين فإذا رأى رجلاً من المشركين كف عن الحديث
حتى يذهب ، ثم اقبلوا بجماعتهم فقالوا : يا محمد أبخلت بما كنت تحدثنا ؟ لو أنك حدثتنا
عن القرون الأولى فإن حديثك عجب ، قال : لا ، والله لا أحدثكم بعد يومي هذا وربي
قد نهانى عنه فأنزل الله تعالى : ' عم يتساءلون عن النبإ العظيم ( يعنى القرآن
كقوله : ( قل هو نبأ عظيم ) [ ص : 67 ] لأنه كلام الله تعالى ، قال
النبأ : ( 3 ) الذي هم فيه . . . . .
) الذي هم فيه مختلفون ) [ آية : 3 ] يقول : لم يسألون عن القرآن وهم يخالفونه ، ولا يؤمنون به ؟ فصدق
بعضهم به ، وكفر بعضهم به ، فاختلفوا فيه ، ثم خوفهم الوعيد ، فقال :
النبأ : ( 4 ) كلا سيعلمون
) كلا سيعلمون (
[ آية : 4 ] إذا قتلوا ببدر وتوفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم ، يضربون وجوههم وأدبارهم ، ثم
قال :
النبأ : ( 5 ) ثم كلا سيعلمون
) ثم كلا سيعلمون ) [ آية : 5 ] وعيد على أثر وعيد نزلت في حيين من أحياء العرب(3/439)
صفحة رقم 440
يعنى عبد مناف بن قصي ، وبني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ، نظيرها في
) ألهاكم التكاثر ) [ التكاثر : 1 ] ثم ذكر صنعه ليعتبروا إذا بعثوا يوم القيامة وقد كذبوا
بالقيامة والبعث فعظم الرب نفسه تبارك وتعالى فقال :
النبأ : ( 6 ) ألم نجعل الأرض . . . . .
) ألم نجعل الأرض مهداً ) [ آية :
6 ] يعني فراشاً وأيضاً بساطاً مسيرة خمسمائة عام
النبأ : ( 7 ) والجبال أوتادا
) والجبال أوتادا ) [ آية : 7 ] على
الأرض لئلا تزول بأهلها فاستقرت وخلق الجبال بعد خلق الأرض .
النبأ : ( 8 ) وخلقناكم أزواجا
ثم قال : ( وخلقنكم أزوجاً ) [ آية : 8 ] يعنى أصنافاً ذكوراً وإناثاً ، سوداً وبيضاً وحمراً
وأدماً ، ولغات شتى ، فذلك قوله : ( وخلقنكم أزوجاً ( فهذا كله عظمته ، ثك ذكر نعمته
فقال :
النبأ : ( 9 ) وجعلنا نومكم سباتا
) وجعلنا نومكم سباتا ) [ آية : 9 ] يقول :
إذا دخل الليل أدرككم النوم فتستريحون ،
ولولا النوم ما استرحتم أبداً من الحرص وطلب المعيشة ، فذلك قوله : ( سباتا ( لأنه
يسبت والنائم مسبوت كأنه ميت لا يعقل
النبأ : ( 10 ) وجعلنا الليل لباسا
) وجعلنا اليل لباساً ) [ آية : 10 ] يعنى سكناً ،
كقوله : ( هن لباساً لكم ) [ البقرة : 187 ] يعنى سكناً لكم فألبسكم ظلمته على خير
وشر كثير ، ثم قال :
النبأ : ( 11 ) وجعلنا النهار معاشا
) وجعلنا النهار معاشا ) [ آية : 11 ] لكي تنتشروا لمعيشتكم فهذان
نعمتان من نعم الله عليكم ، ثم ذكر ملكه وجبروته وارتفاعه فقال :
النبأ : ( 12 ) وبنينا فوقكم سبعا . . . . .
) وبنينا فوقكم سبعا شدادا ) [ آية : 12 ] يعني بالسبع السموات وغلظ كل سماء مسيرة عام ، وبين كل سماءين
مثل ذلك نظير في المؤمنين : ( خلقنا فوقكم سبع طرائق ) [ الآية : 17 ] فذلك قوله :
( شدادا ( قال : وهي فوقكم يا بني آدم فاحذروا ، لا تخر عليكم إن عصيتم .
النبأ : ( 13 ) وجعلنا سراجا وهاجا
ثم قال : ( وجعلنا سراجا وهاجا ) [ آية : 13 ] يعنى الشمس وحرها مضيئاً ، يقول :
جعل فيها نوراً وحراً ، ثم ذكر نعمه فقال :
النبأ : ( 14 ) وأنزلنا من المعصرات . . . . .
) وأنزلنا من المعصرت ماءً ثجاجاً ) [ آية : 14 ]
يعنى مطراً كثيراً منصباً يتبع بعضه بعضاً ، وذلك أن الله عز وجل يرسل الياح فتأخذ الماء
من سماء الدنيا من بحر الأرزاق ، ولا تقوم الساعة ما دام به قطرة ماء ، فذلك قوله :
( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) [ الذاريات : 22 ] قال تجئ الريح فتثير سحاباً
فتلحقه ، ثم تمطر وتخرج الريح والمطر جميعاً من خلل السحاب ، قال :
النبأ : ( 15 ) لنخرج به حبا . . . . .
) لنخرج به ) 6 يعنى
بالمطر ) حباًّ ( يعنى بالحبوب كل شئ يزرع ويحصد من البر والشعير والسمسم
ونحوها من الحبوب ، قال : ( ونباتاً ) [ آية : 15 ] يعنى كل شئ ينبت في الجهال
وأصحارى من الشجر والكلا فذلك النبات ، وهي تنبت عاماً بعام من قبل نفسها
النبأ : ( 16 ) وجنات ألفافا
) وجنتٍ ألفافاً ) [ آية : 16 ] يعنى وبساتين ملتفة بعضها إلى بعض من كثرة الشجر .
تفسير سورة النبأ من الآية ( 17 ) إلى الآية ( 30 ) .(3/440)
صفحة رقم 441
النبأ : ( 17 ) إن يوم الفصل . . . . .
فقال : ( إن يوم الفصل ( يعنى يوم القضاء هو يوم القيامة بين الخلائق ) كان
ميقتاً ) [ آية : 17 ] يعنى كان ميقات الكافر ، وذلك أنهم كانوا يقولون : ( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) [ يس : 48 ] فأنزل الله عز وجل يخبرهم بأن ميقات ذلك
اليوم كائن يوم الفصل يا معشر الكفار ، فتجازون ما وعدكم على ألسنة الرسل ، ثم
أخبرهم أيضاً فقال :
النبأ : ( 18 ) يوم ينفخ في . . . . .
) يوم ينفخ في الصور ( وذلك أن إسرافيل ، عليه السلام ، ينفخ فيها
فيقول : أيتها العظام البالية ، وأيتها العروق المتقطعة ، وأيتها اللحوم المتمزقة ، وأيتها الأشعار
الساقطة ، اجتمعن لننفخ فيكم أرواحكم ، وأجازكم بأعمالكم ويديم الملك الصوت ،
فتجتمع الأرواح كلها في القرن ، والقرن طوله طول السموات والأرض ، فتخرج
أرواحهم مثل النحل سود وبيض شقى وسعيد ، أرواح المؤمنين ، بيض كأمثال النحل من
السماء إلى واد بدمشق يقال له : الجابية ، وتخرج أروح الكفار من الأرض السقلى سود
إلى ود بحضر موت يقال له : برهوت ، وكل روح أعرف بجسد صاحبه من أحدكم إلى
منزله ) فتأتون أفواجا ) [ آية : 18 ] ثم ينزل إسرافيل من فوق السماء السابعة فيجلس
على صخرة بيت المقدس ، فيأخذ أرواح الكفار والمؤمنين ويجعلهم في القرن ، ودائرة القرن
مسيرة خمسمائة عام ، ثم تنفخ في القرن فتطير الأرواح حتى تطبق ما بين السماء
والأرض ، فتذهب كل روح فتقع في جسد صاحبها ، فيخرج الناس من قبورهم فوجاً ،
فذلك قوله : ( فتأتون أفواجا ( يعنى زمراً زمراً ، وفرقاً فرقاً ، وأمماً أمماً ،
النبأ : ( 19 ) وفتحت السماء فكانت . . . . .
) وفتحت السماء (
يعنى وفرجت السماء ، يعنى وفتقت السماء فتقطعت ) فكانت أبوابا ) [ آية : 19 ] يعنى
خللاً خللاً فشبها الله بالغيم إذا انكشفت بعد المطر ، ثم تهيج به الريح الشمال الباردة
فينقطع فيصير كالأبواب
النبأ : ( 20 ) وسيرت الجبال فكانت . . . . .
) وسيرت الجبال ( يعني ونقلعت الجبال من أماكنها ، فطارت
بين السماء والأرض من خشية الله ، فضرب الله لها مثلاً ، فقال : ( فكانت سرابا ) [ آية :
20 ] يعنى مثل السراب يكون بالقاع يحسبه الظمآن ماء ، فإذا أتاه لم يجده شيئاً ، فذلك
قوله : ( تحسبها جامدة ) [ النمل : 88 ] يعنى من بعيد يحسبها جبلاً قائماً ، فإذا انتهى(3/441)
صفحة رقم 442
إليه ومسه لم يجده شيئاً ، فتصير الجبال أول مرة كالمهل ، ثم تصير الثانية كالعهن المنفوش ،
ثم تذهب فتصير لا شئ فتراها تحسبها جبالاً ، فإذا مسستها لم تجدها شيئاً ، فذلك قوله :
( وسيرت الجبال ( يعنى انقطعت الجبال من خشية الله عز وجل يوم القيامة فكانت سراباً
فما حالك يا بن آدم .
النبأ : ( 21 ) إن جهنم كانت . . . . .
) إن جهنم كانت مرصادا ) [ آية : 21 ]
النبأ : ( 22 ) للطاغين مآبا
) للطاغين ( يعنى الكافرين ) مئاباً ) [ آية :
22 ] يعنى المشركين مرجعاً إليها نزلت في الوليد بن المغيرة
النبأ : ( 23 ) لابثين فيها أحقابا
) لبثين فيها ( ثم ذكركم
يلبثون في النار فلم يوقت لهم فقال : ( لبثين فيها ( يعنى في جهنم ) أحقابا ) [ آية :
23 ] يعنى في جهنم أحقاباً وهي سبعة عشر حقباً ، يعنى الأزمنة والأحقاب لا يدرى
عدها ، ولا يعلم منتهاهه إلا الله عز وجل ، الحقب الواحد ثمانون سنة ، السنة فيها ثلاثمائة
وستون يوماً ، كل يوم فيها مقدار ألف سنة ، وكان هذا بمكة ، وأنزل الله عز وجل
النبأ : ( 24 ) لا يذوقون فيها . . . . .
) لا يذوقون فيها ( في تلك الأحقاب ) بردا ( يعنى برد الكافور ) ولا شرابا ) [ آية : 24 ]
يعنى الخمر كفعل أهل الجنة ،
النبأ : ( 25 ) إلا حميما وغساقا
ثم استثنى ، فقال : ( إلا حميما وغساقا ) [ آية : 25 ] ) إلا حميما ( يعنى حاراً ، وأيضاً لا يذقون في جهنم برداً ولا شراباً ، يعنى لا يذقون فيها
روحاً طيباً ، ولا شراباً بارداً ينفعهم من هذه النار .
قال أبو محمد :
قال أبو العباس أحمد بن يحيى ويقال البرد : اليوم ، ) إلا حميما ( يعنى
بالحميم المذاب الذي قد انتهى حره ، ) وغساقا ( الذي قد انتهى برده ، وهو الزمهرير
الذي انتهى برده
النبأ : ( 26 ) جزاء وفاقا
) جزاء وفاقا ) [ آية : 26 ] كما أنه ليس في الأعمال أخبث من
الشرك بالله عز وجل وكذ لم ليس من العذاب شئ أخبث من النار فوافقت النار الشرك ،
ثم قال
النبأ : ( 27 ) إنهم كانوا لا . . . . .
) إنهم كانوا لا يرجون حسابا ) [ آية : 27 ] يعنى أنهم كانوا لا يخافون من
العذاب أن يحاسبوا بأعمالهم الخبيثة إذا عملوها ، قال :
النبأ : ( 28 ) وكذبوا بآياتنا كذابا
) وكذبوا بئايتنا ( يعنى القرآن
) كذابا ) [ آية : 28 ] يعنى تكذيباً بما فيه من الأمر والنهي ، ثم رجع إلى أعمالهم الخبيثة
فقال :
النبأ : ( 29 ) وكل شيء أحصيناه . . . . .
) وكل شئٍ أحصينه ( من الأعمال ) كتباً ) [ آية : 29 ] يعنى ثبتناه مكتوباً
عندنا في كتاب حفيظ يعنى اللوح المحفوظ ) كتباً ( يعنى ما عملوا من السيئات
أثبتناه في اللوح المحفوظ مثلها ، في يس : ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) [ الآية :
12 ] ثم رجع إلى أهل النار الذين قال فيهم : ( لابثين فيها أحقاب ) [ النبأ : 23 ] فذكر
أن الخزنة تقول لهم :
النبأ : ( 30 ) فذوقوا فلن نزيدكم . . . . .
) فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) [ آية : 30 ] .
قال مقاتل ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
إنه قال : الزيادة خمسة أنهار من(3/442)
صفحة رقم 443
تحت العرش على رؤس أهل النار ثلاثة أنها على مقدار الليل ، ونهران على مقدار النهار ،
كقوله في النحل : ( زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ) [ الآية : 88 ] .
قال : ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ( بعد هذه السنين ، فأما الزيادة فالأنهار ، أما الآن
الذي ذكره الله عز وجل في الرحمن فليس له منتهى .
تفسير سورة النبأ من الآية ( 31 ) إلى الآية ( 40 ) .
النبأ : ( 31 ) إن للمتقين مفازا
ثم ذكر المؤمنين فقال : ( إن للمتقين مفازا ) [ آية : 31 ] يعنى النجاة من ذلك العذاب
الذي سماه للطاغين قال :
النبأ : ( 32 ) حدائق وأعنابا
) حدائق ( يعنى البساتين قد حدقت حواليها الحيطان
) وأعنابا ) [ آية : 32 ] يعنى الفواكه
النبأ : ( 33 ) وكواعب أترابا
) وكواعب ( يعنى النساء الكاعبة يعنى عذارى
يسكن في الجنة للرجال وقسموا لهن ) أترابا ) [ آية : 33 ] يعنى مستويات على ميلاد
واحد بنات ثلاث وثلاثين سنة ، وذلك أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة قام ملك على قصر
من ياقوت شرفه كاللؤلؤ المكنون فينادى بصوت رفيع يسمع أهل الجنة أولهم وآخرهم
وأسفلهم وأعلاهم ، فيقول أين الذين كانوا نزهو ا أسماعهم عن قينات الدنيا ومعازفها ،
قال ويأمر الله عز وجل جوارى فيرفعن أصواتهن جميعاً .
النبأ : ( 34 ) وكأسا دهاقا
ثم قال : ( وكأسا دهاقا ) [ آية : 34 ] يعنى وشراباً كثيراً
النبأ : ( 35 ) لا يسمعون فيها . . . . .
) لا يسمعون فيها ( إذا شربوا
) لغوا ( يعنى حلف الباطل ) ولا كذباً ) [ آية : 35 ] يقول : ولا يكذبون على شرابهم
كما يكذب أهل الدنيا إذا شربوا ، ثم جمع أهل النار وأهل الجنة فقال :
النبأ : ( 36 ) جزاء من ربك . . . . .
) جزاء ( يعنى
ثواباً ) من ربك عطاءاً حساباً ) [ آية : 36 ] يعنى يحاسب المسيئين فيجازهم بالنار ، ويحاسب
المؤمنين فيجازيهم بالجنة ، فأعطى هؤلاء وهؤلاء جزاءهم ولم يظلم هؤلاء المعذبين شيئاً ،
فذلك قوله : ( عطاءاً حساباً ( نظيرها في الشعراء : ( إن حسابهم إلا على ربي ) [ الآية :
113 ] يقول : إن جزاؤهم إلا على ربي ، ثم عظم الرب تعالى نفسه ودل على صنعه
فقال :
النبأ : ( 37 ) رب السماوات والأرض . . . . .
) رب السماوات والأرض وما بينهما ( يعنى الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والسحاب ،(3/443)
صفحة رقم 444
والرياح ، قال : هو ) الرحمن ( الرحيم ، وهم ) لا يملكون منه خطابا ) [ آية : 37 ] يعنى
المناجاة ، إذا استوى للحساب ثم أخبرهم متى يكون ذلك ؟ فقال :
النبأ : ( 38 ) يوم يقوم الروح . . . . .
) يوم يقوم الروح ( وهو
املك الذي قال الله عز وجل عنه : ( يسألونك عن الروح ) [ الإسراء : 85 ] وجهه
وجه آدم ، عليه السلام ، ونصفه من نار ، ونصفه من ثلج ، فيسبح بحمد ربه ويقول : رب
كما ألفت بين هذه النار وهذا الثلج ، تذيب هذه النار هذا الثلج ، ولا يطفئ هذا الثلج
هذه النار ، فكذلك ألف بين عبادك المؤمنين فاختصه الله تعالى من بين الخلق من عظمه ،
فقال : ( يوم يقوم الروح ( ثم انقطع الكلام ، فقال : ( والملئكة صفاً لا يتكلمون ( من
الخوف أربعين عاماً ، ) إلا من أذن له الرحمن ( بالكلام ) وقال صوابا ) [ آية : 38 ] يعني
شهادة ألا إله إلا الله ، فذلك الصواب
النبأ : ( 39 ) ذلك اليوم الحق . . . . .
) ذلك اليوم الحق ( لأن العرب قالوا : إن القيامة
باطل ، فذلك قوله : ( اليوم الحق ( ) فمن شاء اتخذ إ لى ربه مثاباً ) [ آية : 39 ] يعنى
منزلة يعنى الأعمال الصالحة ، ثم خوفهم أيضاً العذاب في الدنيا فقال :
النبأ : ( 40 ) إنا أنذرناكم عذابا . . . . .
) إنا أنذرنكم
عذاباً قريباً ( يعنى في الدنيا القتل ببدر ، وهلاك الأمم الخالية ، وإنما قال قريباً لأنها أقرب
من الآخرة ، ثم رجع إلى القول الأول حين قال : ( يوم يقوم الروح والملئكة صفاً ( فقال :
( يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ( يعنى الإنسان الخاطئ يرى عمله أسود مثل الجبل
) ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) [ آية : 40 ] وذلك أن الله عز وجل يجمع الوحوش
والسباع يوم القيامة فيقتص لبعضهم من بعض حقوقهم ، حتى ليأخذ للجماعة من القرناء
بحقها ، ثم يقول لهم : كونوا تراباً فيتمنى الكافر لو كان خنزيراً في الدنيا ثم صار تراباً
كما كانت الوحوش والسباع ثم صارت تراباً .(3/444)
صفحة رقم 445
79
سورة النازعات
مكية ، عددها ست وأربعون آية كوفى
تفسير سورة النازعات من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
النازعات : ( 1 ) والنازعات غرقا
قوله : ( والنازعت غرقاً ) [ آية : 1 ] فهو ملك الموت وحده ، ينزع روح الكافر حتى إذا
بلغ ترقوته غرقه في حلقه ، فيعذبه في حياته قبل أن يميته ، ثم ينشطها من حلقه كما
ينشط السفود الكثير الشمث من الصوف فينشط روح الكافر من قدمه إلى حلقه مثل
الصوف ، فذلك قوله :
النازعات : ( 2 ) والناشطات نشطا
) والنشطت نشطاً ) [ آية : 2 ] فهو ملك الموت فيخرج نفسه من
حلقه ومعها العروق كالغريق من الماء وأما قوله :
النازعات : ( 3 ) والسابحات سبحا
) والسبحت سبحاً ) [ آية : 3 ] وهو
ملك الموت وحده ، وهي روح المؤمن ولكن قال في التقديم :
النازعات : ( 4 ) فالسابقات سبقا
) فالسبقت سبقاً ( ثم
) والسبحت سبحاً ( تقبض روح المؤمن كالسابح في الماء لا يهوله الماء يقول : تستبق
الملائكة أرواحهم في حريرة بيضاء من حرير الجنة ، يسبقون بها ملائكة الرحمة ،
ووجوههم مثل الشمس عليهم تاج من نور ضاحكين مستبشرين طيبين ، فذلك قوله :
( تتوفاهم الملائكة طيبين ) [ النحل : 32 ] ، قال : ( والسبحت سبحاً ( يقول : تسبح
الملائكة في السموات لا تحجب روحه في السماء حتى يبلغ به الملك عند سدرة المنتهى
عندها مأوى أرواح المؤمنين فأما الكافر فإنه أول ما ينزل الملك الروح من جسده ،
فتستبق ملائكة الغضب وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم مثل البرق غضاب ، حرهم أشد
من حر النار فتوضع روحه على جمر مثل الكبريت ، فيضعون روحه عليه ، وتقلب روحه
عليه ، مثل السمك ، على الطابق ، ولا تفتح أبواب السماء فيهبط به الملك حتى يضعه في
سجين وهي الأرض السفلى تحت خد إبليس .
هذا معنى ) فالسبقت سبقاً ) [ آية : 4 ] أما قوله تعالى :
النازعات : ( 5 ) فالمدبرات أمرا
) فالمدبرت أمراً ) [ آية : 5 ]
فهم الملائكة منهم الخزان الذين يكونون مع الرياح ، ومع المطر ، ومع الكواكب ، وع(3/445)
صفحة رقم 446
الشمس ، والقمر ، ومع الإنس والجن ، فكذلك هم ، ويقال : جبريل ، وميكائيل ، وملك
الموت ، عليهم السلام ، الذين يدبرون أمر الله تعالى ، في عباده وبلاده ، وبأمره .
تفسير سورة النازعات من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 14 ) .
النازعات : ( 6 ) يوم ترجف الراجفة
وأما قوله تعالى : ( يوم ترجف الراجفة ) [ آية : 6 ] وهي النفخة الأولى وإنما سميت
الراجفة لأنها تميت الخلق كلهم ، كقوله : ( فأخذتهم الرجفة ) [ الأعراف : 78 ] يعنى
الموت ، من فوق سبع سموات من عند العرش فيموت الخلق كلهم .
النازعات : ( 7 ) تتبعها الرادفة
) تتبعها الرادفة ) [ آية : 7 ] وهي النفخة الثانية أردفت النفخة الأولى بينهما أربعون
سنة ، أسمعت الخلائق وهي عند صخرة بيت المقدس ، وذلك
أنه ينزل إسرافيل وترتفع
أرواح الكفار من تحت الأرض السفلى إلى واد يقال له : برهوت ، وهو بحضر موت ، وهو
كاشر وادٍ في الأرض ، وتنزل أرواح المؤمنين من فوق سبع سموات إلى واد يقال له :
الجابية ، وهو بالشام ، وهو خير واد في الأرض فيأخذ هؤلاء وهؤلاء جميعها إسرافيل
فيجعلهم في القرن وهو الصور فينفخ فيه ، فيقول أيتها العظام البالية ، وأيتها العروق
المنقطعة ، وأيتها اللحوم المتمزقة ، اخرجوا من قبوركم لتجازوا بأعمالكم ، ثم قال :
النازعات : ( 8 ) قلوب يومئذ واجفة
) قلوب يومئذ واجفة ) [ آية : 8 ] يعنى خائفة
النازعات : ( 9 ) أبصارها خاشعة
) أبصرها خشعةٌ ) [ آية : 9 ] يعنى ذليلة
مما رأت عند معاينة النار ، فخضعت كقوله : ( خاشعين من الذل ( مما ترى من
العجائب ومما ترى من أمر الآخرة .
النازعات : ( 10 ) يقولون أئنا لمردودون . . . . .
ثم أخبر الله عز وجل عن كفار مكة فقال : ( يقولون أءنا لمردودون في الحافرة ) [ آية :
10 ] تعجباً منها ، فيما تقديم ، يقولون إنا لراجعون على أقدامنا إلى الحياة بعد الموت ، هذا
قول كفار مكة ،
النازعات : ( 11 ) أئذا كنا عظاما . . . . .
) أءذا كنا عظماً نخرةً ) [ آية : 11 ] يعنى بالية ، أي : أنا لا نبعث خلقاً
كما كنا
النازعات : ( 12 ) قالوا تلك إذا . . . . .
) قالوا تلك إذا كرة خاسرة ) [ آية : 12 ] قالوا إن بعثنا بعد الموت إنا إذا
لخاسرون يعنى هالكون ، ثم قال الله تبارك وتعالى لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) :
النازعات : ( 13 ) فإنما هي زجرة . . . . .
) فإنما هي زجرةٌ وحدةٌ (
[ آية : 13 ] يقول : فإنما هي صيحة واحدة من غسرافيل ، عليه السلام ، فيسمعونها وهم
في بطن الأرض أمواتاً ولا يثنيها
النازعات : ( 14 ) فإذا هم بالساهرة
) فإذا هم بالساهرة ) [ آية : 14 ] يعنى الأرض الجديدة(3/446)
صفحة رقم 447
ذ 447
التي تبسط على هذه الأرض فيسلها الله عز وجل من تحتها كل يسل الثوب الخلق البالي ،
فذلك قوله : ( فإذا هم بالساهرة ( يقول بالأرض الأخرى واسمها الساهرة .
تفسير سورة النازعات من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 26 ) .
النازعات : ( 15 ) هل أتاك حديث . . . . .
قوله : ( هل أتتك حديث موسى ) [ آية : 15 ] قبل هذا
النازعات : ( 16 ) إذ ناداه ربه . . . . .
( 2 إذ ناداه ربه بالواد المقدس ( يقول :
بالوادي المطهر اسمه ) طوى ) [ آية : 16 ] لأن الله عز وجل طوى عليه القدس ، وكان
نداؤه إياه أنه قال : يا موسى ، فناداه من الشجرة ، وهي الشمران ، فقال : يا موسى ، إني
أنا ربك ، يا موسى ،
النازعات : ( 17 ) اذهب إلى فرعون . . . . .
( 2 اذهب إلى فرعون إنه طغى ) [ آية : 17 ] يقول :
إنه قد بلغ من طغيانه
أنه عبد ، وفي قراءة ابن مسعود ' طغى ' لأنه لم يعبد صنماً قط ولكنه دعا الناس إلى
عبادته ، فذلك قوله : ( إنه طغى 2 )
النازعات : ( 18 ) فقل هل لك . . . . .
( 2 فقل هل لك إلى أن تزكى ) [ آية : 18 ] يقول : هل لك
أن تصلح ما قد أفسدت ، يقول : وأدعوك لتوحيد الله
النازعات : ( 19 ) وأهديك إلى ربك . . . . .
( 2 وأهديك إلى ربك ( إلى عظمته
) فتخشى ) [ آية : 19 ] يخبر الله عز وجل محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) بخبره ، قال له فرعون : ما هي ؟ قال :
النازعات : ( 20 ) فأراه الآية الكبرى
( 2 فأراه الآية الكبرى ) [ آية : 20 ] وهي اليد والعصا أخرج يده بيضاء لها شعاع كشعاع
الشمس يغشى البصر ، فكانت اليد أعظم وأعجب من العصا من غير سوء يعني من غير
برص ، قال :
النازعات : ( 21 ) فكذب وعصى
( 2 فكذب وعصى ) [ آية : 21 ] وزعن أنه ليس من الله عز وجل ) وعصي (
فقال : إنه سحر ، ) وعصي ( أيضاً يعنى استعصى عن الإيمان ، قال :
النازعات : ( 22 ) ثم أدبر يسعى
( 2 ثم أدبر ( عن الحق
) يسعى ) [ آية : 22 ] يعنى في جمع السحر فهو قوله : ( فجمع كيده ) [ طه : 6 ] ثم
أتى بهم وذلك
النازعات : ( 23 ) فحشر فنادى
( 2 فحشر فنادى ) [ آية : 23 ] يقول حشر القبط
النازعات : ( 24 ) فقال أنا ربكم . . . . .
( 2 فقال أنا ربكم الأعلى ) [ آية :
24 ] وذلك أن موسى ( صلى الله عليه وسلم ) قال لفرعون : لك ملكك فلا يزول ، وذلك شبابك فلا تهرم ،
وذلك الجنة إذا مت ، على أن يقول ربي الله وأنا عبده ، فقال فرعون : إنك لعاجز بيننا
يكون الرجل ربا يعبد حتى يكون له رب ، فقال فرعون : ( أنا ربكم الأعلى ( يقول : ليس
لي رب فوق ، فذلك الأعلى
النازعات : ( 25 ) فأخذه الله نكال . . . . .
( 2 فأخذه الله ( بعقوبة قوله : ( نكال الآخرة والأولى ) [ آية : 25 ]
وكان بينهما أربعين سنة ، الأولى قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) [ القصص :
39 ] والآخرة قوله : ( أنا ربكم الأعلى ( ثم قال :
النازعات : ( 26 ) إن في ذلك . . . . .
( 2 إن في ذلك ( يقول : إن في هلاك(3/447)
صفحة رقم 448
فرعون وقومه ) لعبرة لمن يخشى ) [ آية : 26 ] يعنى لمن يذكر الله تعالى ، يقول :
لمن يخشى
عقوبة الله تعالى ، مثل ما فعل آل فرعون فلا يشرك ، يخوف كفار مكة لئلا يكذبوا محمداً
( صلى الله عليه وسلم ) فيجازيهم مثل ما حل بقوم فرعون من العذاب .
تفسير سورة النازعات من الآية ( 27 ) إلى الآية ( 33 ) .
النازعات : ( 27 ) أأنتم أشد خلقا . . . . .
ثم قال :
يا معشر العرب ) ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بنها ) [ آية : 27 ] يقول : أنتم أشد
قوة من السماء لأنه قال : ( إذا السماء انفطرت ) [ الأنفطار : 1 ] و ) إذا السماء انشق ) [ الانشقاق : 1 ] يقول : فما حالكم أنتم يا بني آدم ، وأنتم أضعف من السماء ؟
ثم قال : ( بنها 2 )
النازعات : ( 28 ) رفع سمكها فسواها
( 2 رفع سمكها ( يعني طولها مسيرة خمسمائة عام ) فسواها ) [ آية :
28 ] ليس فيها خلل ، قوله :
النازعات : ( 29 ) وأغطش ليلها وأخرج . . . . .
( 2 وأغطش ( يقول وأظلم ) ليلها وأخرج ضحها ) [ آية : 29 ]
يعنى وأبرز ، يقول : وأخرج شمسها ، وإنما صارت مؤنتة لأن ظلمة الليل في السموات
وظلمة الليل من السماء تجئ ، قال :
النازعات : ( 30 ) والأرض بعد ذلك . . . . .
) والأرض بعد ذلك دحها ) [ آية : 30 ] يقول : بعد بناء
السماء ، بسطها من تحت الكعبة مسيرة خمسمائة عام ، ثم قال :
النازعات : ( 31 ) أخرج منها ماءها . . . . .
) أخرج منها ماءها
ومرعها ) [ آية : 31 ] يقول : بحورها ونباتها لأن النبات والماء يكونان من الأرض
النازعات : ( 32 ) والجبال أرساها
) والجبال أرسها ) [ آية : 32 ] يقول : أوتدها في الأرض لئلا نزول ، فاستقرت بأهلها ، ثم
رجع إلى مرعاها ، فقال فيها :
النازعات : ( 33 ) متاعا لكم ولأنعامكم
) متعاً لكم ولأنعمكم ) [ آية : 33 ] يقول : معيشة لكم
ولمواشيكم .
تفسير سورة النازعات من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 41 ) .
النازعات : ( 34 ) فإذا جاءت الطامة . . . . .
) فإذا جاءت الطامة الكبرى ) [ آية : 34 ] يعنى العظمى ، وهي النفخة الآخرة من بيت
المقدس ، فذلك الطامة الكبرى ، وهي يوم القيامة .
قال الهذيل :
أغطش ليلها وأخرج ضحاها إنما صارت مؤنثة لأن ظلمة الليل والشمس
في السماء مؤنثة ، قال : وقال شاهر همذان يوم اليرموك :(3/448)
صفحة رقم 449
أقدم أبادهم على الأساوره
ولا تغرنك أكف بادره
وإنما فصرك ترب الساهره
ثم ترد بعدها في الحافره
من بعد ما كنت عظاماً ناخره
قال : وفي قوله : ( والسلام علي يوم ولدت ( يعني في الخلق الأول من غير أب ،
)( ويوم أموت ( من ضغطة القبر ، ) ويوم أبعث حيا ) [ مريم : 33 ] بالحجة على من
قال أني رب .
النازعات : ( 35 ) يوم يتذكر الإنسان . . . . .
ثم نعت الطامة فقال : ( يوم يتذكر الإنسن ما سعى ) [ آية : 35 ] يعنى يتذكر ما عمل
في الدنيا من الشر ، يجزى به في ذلك اليوم
النازعات : ( 36 ) وبرزت الجحيم لمن . . . . .
) وبرزت الجحيم لمن يرى ) [ آية : 36 ] لأن
الخلق يؤمئذ يبصرونها فمن كان منها أعمى في الدنيا ؟ فهو يؤمئذٍ يبصر ، قال :
النازعات : ( 37 ) فأما من طغى
) فأما من طغى ) [ آية : 37 ]
النازعات : ( 38 ) وآثر الحياة الدنيا
) وءاثر الحيوة الدنيا ) [ آية : 38 ] نزلت هذه الآية في النضر بن
الحارض بن علقمة بن كلدة ، وفي حبيب بن عبد يا ليل ، وأمية بن خلف الجمحى ، عتبة ،
وعتيبة ابنى أبي لهب ، فهؤلاء كفار ومنهم مصعب ، وأبو الدوم ابنا عمير ، وذلك أنهم
وجدوا جزوراً في البرية ضلت من الأعراب فنحروها وجعلوا يقتسمونها بينهم فأصاب
مصعب ، وأبو الدوم سهمين ، ثم إن مصعب ذكر مقامه بين يدي رب العالمين ، فخاف أن
يحاسبه الله تعالى يوم القيامة ، فقال :
إن سهمي وسهم أخي هو لكم ، فقال له عند ذلك
أمية بن خلف : وليم ؟ قال : إني أخاف أن يحاسبني الله به ، فقال له أمية بن خلف : هاته
وأنا أحمل عنك هذا الوزر عند إلهتك في الآخرة وفشت تلك المقالة في قريش في أمر
مصعب فأنزل الله تعالى : ( فأما من طغى ( الثابت على الشرك ، وآثر الحياة الدنيا على
الآخرة ، ولم يخف الله ولا حسابه فأكل الحرام
النازعات : ( 39 ) فإن الجحيم هي . . . . .
) فإن الجحيم هي المأوى ) [ آية : 39 ] ثم
ذكر مصعب ، قتل يوم أحد ، وأبا الدوم ابني عمير بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار
بن قصي ، فقال :
النازعات : ( 40 ) وأما من خاف . . . . .
) وأما من خاف مقام ربه ( يقول : مقام ذلك اليوم بين يدي ربه ) ونهى النفس عن الهوى ) [ آية : 40 ] يقول : قدر على معصيته فانتهى عنها مخافة حساب ذلك
اليوم
النازعات : ( 41 ) فإن الجنة هي . . . . .
) فإن الجنة هي المأوى ) [ آية : 41 ] نظيرها في النجم .
تفسير سورة النازعات من الآية ( 42 ) إلى الآية ( 46 ) .
النازعات : ( 42 ) يسألونك عن الساعة . . . . .
فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عند ذلك فقرأها عليهم ، فقالوا : متى هذا اليوم يا محمد ؟ فأنزل(3/449)
صفحة رقم 450
الله عز وجل : ( يسئلونك ( يعنى كفار مكة ) عن الساعة أبان مرسها ) [ آية : 42 ] فأجاب
الله عز وجل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في النمل فقال : ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ) [ الآية : 65 ] يقول : يسألونك عن القيامة متى قيامها ، فقال :
النازعات : ( 43 ) فيم أنت من . . . . .
) فيم أنت من
ذكرنها ) [ آية : 43 ] أي من أين تعلم ذلك
النازعات : ( 44 ) إلى ربك منتهاها
) إلى ربك منتهها ) [ آية : 44 ] يقول : منتهى
علم ذلك إلى الله عز وجل ، نظيرها في الأعراف ، ثم قال :
النازعات : ( 45 ) إنما أنت منذر . . . . .
) إنما أنت منذر من يخشها (
[ آية : 45 ] يقول : إنما أنت رسول تنذر بالساعة من يخشى ذلك اليوم ، ثم نعت ذلك
اليوم فقال :
النازعات : ( 46 ) كأنهم يوم يرونها . . . . .
) كأنهم يوم يرونها ( الساعة يظنون أنهم ) لم يلبثوا ( في الدنيا ونعيمها
) إلا عشية ( وهي ما بين صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس ) أو ضحها ) [ آية : 46 ]
يقول : أو ما بين طلوع الشمس إلى أن ترتفع الشمس على قدر عشية الدنيا أو ضحا
الدنيا .(3/450)
صفحة رقم 451
80
سورة عبس
مكية عددها اثنتان وأربعون آية كوفى
تفسير سورة عبس من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 7 ) .
عبس : ( 1 ) عبس وتولى
قوله : ( عبس وتولى ) [ آية : 1 ] يقول : عبس بوجهه وأعرض إلى غيره نزلت في عبد
الله بن أبي مسرح الأعمر ، وأمه أم مكتوم ، اسمه عمرو بن قيس بن زائدة بن رواحة بن
الأصم بن حجر بن عبد ود بن بغيض بن عامر بن لؤى بن غالب .
وأما أم مكتوم :
اسمها عاتكة بنت عامر بن عتكة بن عامر بن مخزوم بن يقظة بن مرة
بن كعب بن لؤى ، وذلك أنه ذات يوم كان جالساً في المسجد الحرام وحده ليس معه
ثان وكان رجلاً مكفوف البصر ، إذ نزل ملكان من السماء ليصليا في المسجد الحرام ،
فقالا : من هذا الأعمى الذي لا يبصر في ادنيا ولا في الآخرة ؟ قال أحدهما : ولكن
أعجب من أبي طالب يدعو الناس إلى الإسلام وهو لا يبصرهما ، ويسمع ذلك ، فقام
عبد الله حتى أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإذا معه أمية بن خلف ، والعباس بن عبد المطلب وهما
قيام بين يديه يعرض عليهما الإسلام ، فقال عبد الله : يا محمد ، قد جئتك تائباً فهل لي من
توبة ؟ فأعرض النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجهه عنه ، وأقبل بوجهه إلى العباس وأمية بن خلف ، فكرر عبد
الله كلامه فأعرض النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بوجهه وكلح فاستحيى عبد الله وظن أنه ليس له توبة
فرجع إلى منزله ، فأنزل الله عز وجل فيه : ( عبس وتولى ( يعنى كلح النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتولى
عبس : ( 2 ) أن جاءه الأعمى
) أن جاء الأعمى ) [ آية : 2 ] ثم قال :
عبس : ( 3 ) وما يدريك لعله . . . . .
) وما يدريك ( يا محمد ) لعله يزكى ) [ آية : 3 ]
يقول : لعله أن يؤمن فيصلى فيتذكر في القرآن بما قد أفسد
عبس : ( 4 ) أو يذكر فتنفعه . . . . .
) أو يذكر ( في القرآن
) فتنفعه الذكرى ) [ آية : 4 ] يعنى المواعظة ، يقول : أن تعرض عليه الإسلام فيؤمن فتنفه
تلك الكرى
عبس : ( 5 ) أما من استغنى
) أما من استغنى ) [ آية : 5 ] عن الله في نفسه يعنى أمية بن خلف
عبس : ( 6 ) فأنت له تصدى
) فأنت له(3/451)
صفحة رقم 452
تصدى ) [ آية : 6 ] يعنى تدعو وتقبل بوجهك
عبس : ( 7 ) وما عليك ألا . . . . .
) وما عليك ألا يزكى ) [ آية : 7 ] يقول : وما
عليك ألا يؤمن ولا يصلح ما قد أفسد ، هؤلاء النفر .
تفسير سورة عبس من الآية ( 8 ) إلى الآية ( 23 ) .
عبس : ( 8 ) وأما من جاءك . . . . .
) وأما من جاءك يسعى ) [ آية : 8 ] في الحر
عبس : ( 9 ) وهو يخشى
) وهو يخشى ) [ آية : 9 ] الله يعنى بن أن
كتوم
عبس : ( 10 ) فأنت عنه تلهى
) فأنت عنه ( يا محمد ) تلهى ) [ آية : 10 ] يعنى تعرض بوجهك عنه ، ثم وعظ
الله عز وجل النبي ( صلى الله عليه وسلم )
أن لا يقبل على من استغنى عنه فقال : لا تقبل عليهم لا تعرض
عن من جاءك يسعى ، ولا تقبل على من استغنى وتعرض عن من يخشى ربه ، فلما نزلت
هذه الآية في ابن مكتوم ، أكرمه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) واستخلفه بعد ذلك على المدينة مرتين في
غزواته ، ثم انقطع الكلام ، ثم استأنف فقال :
عبس : ( 11 ) كلا إنها تذكرة
) كلا إنها تذكرةٌ ) [ آية : 11 ] يعنى آيات
القرآن
عبس : ( 12 ) فمن شاء ذكره
) فمن شاء ذكره ) [ آية : 12 ] يعنى الرب تعالى نفسه ، يقول : من شاء الله تعالى
فهمه يعنى القرآن ، يقول من شاء ذكر ، أن يفرض الأمر إلى عباده .
عبس : ( 13 ) في صحف مكرمة
ثم قال : إن هذا القرآن ) في صحفٍ مكرمةٍ ) [ آية : 13 ] يعنى في كتب مكرمة
عبس : ( 14 ) مرفوعة مطهرة
) مرفوعةٍ ( يعنى به اللوح المحفوظ ، مرفوعة فوق السماء الرابعة ، نظيرها في الواقعة عند
الله ) مطهرةٍ ) [ آية : 14 ] من الشرك والكفر
عبس : ( 15 ) بأيدي سفرة
) بأيدي سفرةٍ ) [ آية : 15 ] يعنى تلك
الصحف بأيدي كتبة كرام مسلمين ، ثم اثنى على الملائكة الكتبة ، فقال :
عبس : ( 16 ) كرام بررة
) كرام ( يعنى
مسلمين ، وهم الملائكة ) بررةٍ ) [ آية : 16 ] يعنى مطعين لله تعالى أنقياء أبرار من
الذنوب ، وكان ينزل إليهم من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ، إلى الكتبة من
الملائكة ، ثم ينزل به جبريل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم انقطع الكلام ، فذلك قوله :
عبس : ( 17 ) قتل الإنسان ما . . . . .
) قتل الإنسن (
يعنى لعن الإنسان ) ما أكفره ) [ آية : 17 ] يقول : الذي أكفره ، نزلت هذه الآية في
عتيبة بنأبى لهب بن عبد المطلب ، وذلك أنه كان غضب على أبيه فأتى محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) فآمن
به ، فلما رضى أبوه عنه وصالحه وجهزه وسرحه إلى الشام بالتجارات فقال : بلغوا محمداً
عن غتبة أنه قد كفر بالنجم ، فلما سمع ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال : اللهم سلط عليه كلبك
يأكله فنزل ليلاً في بعض الطريق فجاء الأسد فأكله ، ثم قال وهو يعلم :
عبس : ( 18 ) من أي شيء . . . . .
) من أي شئٍ(3/452)
صفحة رقم 453
خلقه ) [ آية : 18 ] فأعلمه كيف خلقه ليعتبر في خلقه فقال :
عبس : ( 19 ) من نطفة خلقه . . . . .
) من نطفةٍ خلقه فقدره (
[ آية : 19 ] في بطن أمه من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم عظماً ، ثم روحاً ،
فقدر هذا الخلق في بطن أمه ثم أخرج من بطن أمه
عبس : ( 20 ) ثم السبيل يسره
) ثم السبيل يسره ) [ آية : 20 ] يعنى
هون طريقه في الخروج من بطن أمه يقول يسره للخروج أفلا يعتبر فيوحد الله في حسن خلقه فيشكر الله في نعمه
عبس : ( 21 ) ثم أماته فأقبره
) ثم أماته ( عند أجله ) فأقبره ) [ آية : 21 ] .
عبس : ( 22 ) ثم إذا شاء . . . . .
) ثم إذا شاء أنشره ) [ آية : 22 ] في الآخرة يعنى إذا شاء بعثه من بعد موته
عبس : ( 23 ) كلا لما يقض . . . . .
) كلا (
لا يؤمن الإنسان بالنشور ، ثم استأنف فقال : ( لما يقض ما أمره [ آية : 23 ] يعنى ما
عهد الله إليه أمر الميثاق الأول ، يعنى التوحيد ، يعنى بهآدم ، عليه السلام ، ثم استأنف ذكر
ما خلق عليه ، فذكر رزقه ليعتبر .
تفسير سورة عبس من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 32 ) .
عبس : ( 24 ) فلينظر الإنسان إلى . . . . .
فقال : ( فلينظر الإنسن ( يعنى عتبة بن أبي لهب ) إلى طعامه ) [ آية : 24 ] يعنى رزقه
عبس : ( 25 ) أنا صببنا الماء . . . . .
) أنا صببنا الماء صبا ) [ آية : 25 ] على الأرض يعنى المطر
عبس : ( 26 ) ثم شققنا الأرض . . . . .
) ثم شققنا الأرض شقا ) [ آية :
26 ] يعنى عن النبت والشجر
عبس : ( 27 ) فأنبتنا فيها حبا
) فأنبتنا فيها حبا ) [ آية : 27 ] يعنى الحبوب كلها
عبس : ( 28 ) وعنبا وقضبا
) وعنبا وقضبا ) [ آية : 28 ] يعنى به الرطاب
عبس : ( 29 ) وزيتونا ونخلا
) وزيتونا ( يعنى الرطبة التي يعصر منها الزيت
) ونخلا ) [ آية : 29 ]
عبس : ( 30 ) وحدائق غلبا
) وحدائق غلبا ) [ آية : 30 ] يعنى الشجر الملتف الشجرة التي
يدخل بعضها في جوف بعض
عبس : ( 31 ) وفاكهة وأبا
) وفكهة وأباًّ ) [ آية : 31 ] يعنى المرعى
عبس : ( 32 ) متاعا لكم ولأنعامكم
) متعاً لكم (
يقول : في هذا كله متاعاً لكم ) ولأنعمكم ) [ آية : 32 ] ففي هذا معتبر ، وقال النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : ' خلقتم من سبع ، ورزقتم من سبع ، وخرجتم على سبع ' .
تفسير سورة عبس من الآية ( 22 ) إلى الآية : 42 ) .
عبس : ( 33 ) فإذا جاءت الصاخة
) فإذا جاءت الصاخة ) [ آية : 33 ] يعني الصيحة صاخت أسماع الخلق بالصيحة من
الصائح يسمعها الخلق ، ثم عظم الرب عز وجل ، ذلك فقال :
عبس : ( 34 ) يوم يفر المرء . . . . .
) يوم يفر المرء من أخيه ((3/453)
صفحة رقم 454
[ آية : 34 ] يعنى لا يلتفت إليه
عبس : ( 35 ) وأمه وأبيه
) وأمه وأبيه ) [ آية : 35 ] .
عبس : ( 36 ) وصاحبته وبنيه
) وصحبه ( يعنى وامرأته ) وبنيه ) [ آية : 36 ]
عبس : ( 37 ) لكل امرئ منهم . . . . .
) لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه (
[ آية : 37 ] يعنى إذا وكل بكل إنسان ما يشغله ، عن هؤلاء الأقرباء
عبس : ( 38 ) وجوه يومئذ مسفرة
) وجوه يومئذ مسفرة ) [ آية : 38 ] يعني فرحة بهجة ، ثم نعتها فقال :
عبس : ( 39 ) ضاحكة مستبشرة
) ضاحكة مستبشرة ) [ آية : 39 ]
لما أعطيت منا لخير وإكرامة ، قال :
عبس : ( 40 ) ووجوه يومئذ عليها . . . . .
) ووجوهٌ يومئذٍ عليها غيرةٌ ) [ آية : 40 ] يعني السواد
كقوله : ( سنسمه ( بالسواد ) على الخرطوم ) [ القلم : 16 ]
عبس : ( 41 ) ترهقها قترة
) ترهقها قترة ) [ آية :
41 ] يعنى يغشاها الكسوف وهي الظلمة ، ثم أخبر الله عز وجل عنهم فقال :
عبس : ( 42 ) أولئك هم الكفرة . . . . .
) أؤلئك (
الذين كتب الله هذا لهم الشر في الآخرة ) هم الكفرة ( يعنى الجحدة والظلمة ، وهم
) الفجرة ) [ آية : 42 ] يعنى الكذبة .
قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' نزل القرآن في ليلة القدر جميعاً كله من اللوح المحفوظ إلى السفرة
من الملائكة في السماء الدنيا ، ثم أخبر به جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) في عشرين شهراً ، ثم أخبر به
جبريل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في عشرين سنة ' .(3/454)
صفحة رقم 455
81
سورة التكوير
مكية عددها تسعو عشرون آية كوفى
تفسير سورة التكوير من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 14 ) .
التكوير : ( 1 ) إذا الشمس كورت
) إذا الشمس كورت ) [ آية : 1 ] فذهب ضؤها
التكوير : ( 2 ) وإذا النجوم انكدرت
) وإذا النجوم انكدرت ) [ آية : 2 ] يعني
اكدارت الكواكب وتناثرت
التكوير : ( 3 ) وإذا الجبال سيرت
) وإذا الجبال سيرت ) [ آية : 3 ] من أماكنها واستوت
بالأرض كما كانت أول مرة
التكوير : ( 4 ) وإذا العشار عطلت
) وإذا العشار عطلت ) [ آية : 4 ] يعني إذا النوق الحوامل
أهملت ، يعني الناقة الحاملة نسيها أربابها ، وذلك أنه ليس شئ أحب إلى الأعراب من
الناقة الحاملة ، يقول : أهملها أربابها للأمر الذي عاينوه
التكوير : ( 5 ) وإذا الوحوش حشرت
) وإذا الوحوش حشرت ) [ آية : 5 ] يعنى جمعت
التكوير : ( 6 ) وإذا البحار سجرت
) وإذا البحار سجرت ) [ آية : 6 ] يعني فجرت بعضها في جوف بعض
العذب والمالح ، ملئت في البحر المسحور ، يعنى الممتلئ ، فصارت البحور كلها بحراً واحداً
مثل طشت فيه ماء .
التكوير : ( 7 ) وإذا النفوس زوجت
) وإذا النفوس زوجت ) [ آية : 7 ] أزوجت أنفس المؤمنين مع الحور العين ، وأزوجت
أنفس الكافرين مع الشياطين ، يعني ابن آدم وشيطانه مقروناً في السلسلة الواحدة
زوجان ، نظيرها في سورة الصافات ، قوله عز وجل : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) [ الصافات : 22 ] ، يعني قرناءهم
التكوير : ( 8 - 9 ) وإذا الموؤودة سئلت
) وإذا الموءدة سئلت ) [ آية : 8 ] يعني
دفن البنات ، وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا ولدت له الابنة دفنها في التراب ،
وهي حية ، فذلك قوله : ( صلى الله عليه وسلم ) ( وإذا الموءدة سئلت بأي ذنبٍ قتلت ) [ آية : 9 ] سأل قاتلها بأي
ذنب قتلها ، وهي حية لم تذنب قط فذلك قوله :
التكوير : ( 10 ) وإذا الصحف نشرت
) وإذا الصحف نشرت ) [ آية : 10 ] وذلك أن المرء إذا
مات طويت صحيفته ، فإذا كان يوم القيامة نشرت للجن والإنس فيطعون كتبهم ،(3/455)
صفحة رقم 456
فتعطيهم الحفظة منشوراً بأيمانهم وشمائلهم
التكوير : ( 11 ) وإذا السماء كشطت
) وإذا السماء كشطت ) [ آية : 11 ] عن من فيها
لنزول الرب تبارك وتعالى والملائكة ، ثم طويت .
التكوير : ( 12 ) وإذا الجحيم سعرت
) وإذا الجحيم سعرت ) [ آية : 12 ] يعني أوقدت لأعدائه
التكوير : ( 13 ) وإذا الجنة أزلفت
) وإذا الجنة أزلفت ( آية :
13 ] يعني قربت لأوليائه
التكوير : ( 14 ) علمت نفس ما . . . . .
) علمت نفس ما أحضرت ) [ آية : 14 يعني علمت ما عملت
فاستيقنت من خير ، أو شر تجزى به كل هذا يوم القيامة .
تفسير سورة التكوير من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 29 ) .
التكوير : ( 15 ) فلا أقسم بالخنس
ثم أقسم الرب تعالى ، فقال : ( فلا أقسم ( يعني أقسم ) بالخنس ) [ آية : 15 ] وهي
خمس من الكواكب ، بهرام ، والزهرة ، وزحل ، والبرجهس ، يعني المشتري ، وعطارد ،
والخنس التي خنست بالنهار فلا ترى ، وظهرت بالليل فترى ، قال :
التكوير : ( 16 ) الجوار الكنس
) الجوار الكنس (
[ آية : 16 ] لأنهن يجرين في السماء الكنس ، يعني تتوارى كما تتوارى الظباء في
كناسهن
التكوير : ( 17 ) والليل إذا عسعس
) واليل إذا عسعس ) [ آية : 16 ] يعني إذا أظلم
التكوير : ( 18 ) والصبح إذا تنفس
) والصبح إذا تنفس ) [ آية : 18 ]
يعني إذا أضاء لونه فأقسم الله تعالى بهؤلاء الآيات أن هذا القرآن
التكوير : ( 19 ) إنه لقول رسول . . . . .
) إنه لقول رسول كريم (
[ آية : 19 ] على الله ، يعني جبريل ، عليه السلام ، هو علم محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) :
التكوير : ( 20 ) ذي قوة عند . . . . .
) ذي قوة ( يعنى ذا
لطش ، وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين بعث قال إبليس : من لهذا النبي الذي خرج من ألارض
تهامة ؟ فقال شيطان ، واسمه الأبيض ، هو صاحب الأنبياء : أنا له ، فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فوجده
في بيت الصفا ، فلما انصرف قام الأبيض في صورة جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) ليوحى إليه ، فنزل
جبريل ، عليه السلام ، فقام وبينه وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فدفعه جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) بيده دفعة هينة فوقع
من مكة بأقصى الهند من فرقه . ) عند ذي العرش مكين ) [ آية : 20 ] جبريل ، عليه السلام ،
يقول : وهو وجيه عند الله عز وجل .
التكوير : ( 21 ) مطاع ثم أمين
ثم قال : ( مطاع ثم ( يعنى هنالك في السماوات ، كقوله : ( وأزلفنا ( يعنى قربنا ) ثم ( يعنى هنالك ، وكقوله : ( وإذا رأيت ثم ) [ الإنسان : 20 ] يعنى هنالك ،
وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة عرج به إلى السماوات رأى إبراهيم ( صلى الله عليه وسلم ) وموسى ، عليها السلام ،(3/456)
صفحة رقم 457
فصافحوه وأداره جبريل على الملائكة في السماوات فاستبشروا به ، وصافحوه ، ورأى
مالكاً خازن النار ، فلم يكلمه ولم يسلم عليه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لجبريل ، عليه السلام : ' من
هذا ' ؟ قال : هذا مالك خازن جهنم لم يتكلم قط ، وهؤلاء النفر معه ، فخزنة جهنم نزعت
منهم الرأفة والرحمة ، وألقى عليهم العبوس ، والغضب على أهل جهنم ، أما إنهم لو كلموا
أحداً منذ خلقوا لكلموك لكرامتك على الله عز وجل ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' قل له
فليكشف عن باب منها ' ، فكشف عن مثل منخر الثور منها ، فتخلخلت فجاءت بأمر عظيم ، حسبت أنها الساعة حتى أهيل منها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال لجبريل : ' مره فليردها ' ،
فأمره جبريل ، صلى الله عليه ، فأطاعه مالك ، عليه السلام ، فردها ، فذلك قوله : ( مطاع ثم أمين ) [ آية : 21 ] يسمى أميناً لما استودعه عز وجل من أمره في خلقه .
التكوير : ( 22 ) وما صاحبكم بمجنون
) وما صاحبكم بمجنون ) [ آية : 22 ] يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وذلك أن كفار مكة قالوا : إن
محمداً مجنون ، وإنما تقوله من تلقاء نفسه ،
التكوير : ( 23 ) ولقد رآه بالأفق . . . . .
) ولقد رءاه بالأفق المبين ) [ آية : 23 ] يعني من
قبل المطلع ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رأى جبريل ، عليه السلام ، في صورته من قبل المشرق
بجبال مكة ، قد ملأ الأفق وجلاه في الأرض ، ورأسه في السماء ، وجناح له من قبل
المشرج ، وجناح له من قبل المغرب ، في صورة البشر ، فقال : أنا جبريل ، وجعل يمسح عن
وجهه ، ويقول : أنا أخوك أنا جبريل ، حتى أفاق ، فقال المؤمنون : ما رأيناك منذ بعثت
أحسن منك اليوم ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' أتاني جبريل ، عليه السلام ، في صورته ، فعلقني هذا
من حسنه ' .
التكوير : ( 24 ) وما هو على . . . . .
) وما هو على الغيب بضنين ) [ آية : 24 ] بظنين ، يعني وما محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على القرآن بمتهم ،
ومن قرأ بضنين يعني ببخيل ،
التكوير : ( 25 ) وما هو بقول . . . . .
) وما هو بقول شيطنٍ رجيمٍ ) [ آية : 25 ] يعني ملعون ، وذلك
أن كفار مكة ، قالوا : إنما يجئ به الري ، وهو الشيطان ، واسمه الري فيلقيه على لسان محمد
( صلى الله عليه وسلم ) فيها تقديم ، يقول لكفار مكة :
التكوير : ( 26 ) فأين تذهبون
) فأين تذهبون ) [ آية : 26 ] يعنى أين تعجلون عن
كتابي وأمري لقولهم إن محمداً مجنون
التكوير : ( 27 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو إلا ذكرٌ للعلمين ) [ آية : 27 ] يعني ما في
القرآن إلا تذكرة وتفكر للعالمين
التكوير : ( 28 ) لمن شاء منكم . . . . .
) لمن شاء منكم ( يا أهل مكة ) أن يستقيم ) [ آية :
28 ] على الحق ، ثم رد المشيئة إلى نفسه ، فقال :
التكوير : ( 29 ) وما تشاؤون إلا . . . . .
) وما تشاءون ( الاستقامة ) إلا أن يشاء الله رب العالمين ) [ آية : 29 ] .
قوله : ( واليل إذا عسعس ( أظلم عن كل دابة ، الخنافس ، والحيات ، والعقارب ،
والسباع ، والوحوش .(3/457)
صفحة رقم 458
82
سورة الانفطار
مكية ، عددها تسع عشرة آية كوفى
سورة الانفطار من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
الإنفطار : ( 1 ) إذا السماء انفطرت
) إذا السماء انفطرت ) [ آية : 1 ] يعني انشقت ، يعني انفرجت من الخوف لنزول
الرب عز وجل والملائكة ، ثم طويت
الإنفطار : ( 2 ) وإذا الكواكب انتثرت
) وإذا الكوكب انتثرت ) [ آية : 2 ] يعني تساقطت
الإنفطار : ( 3 ) وإذا البحار فجرت
) وإذا البحار ( يعني العذب والمالح ) فجرت ) [ آية : 3 ] بعضها في جوف بعض ،
فصارت البحار بحراً واحداً ن فامتلأت
الإنفطار : ( 4 ) وإذا القبور بعثرت
) وإذا القبور بعثرت ) [ آية : 4 ] يعني بحثت عن من
فيها من الموتى
الإنفطار : ( 5 ) علمت نفس ما . . . . .
) علمت نفس ما قدمت ( من خير ) وأخرت ) [ آية : 5 ] من سيئة .
تفسير سورة الانفطار من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 19 ) .
الإنفطار : ( 6 ) يا أيها الإنسان . . . . .
) يأيها الإنسن ما غرك بربك الكريم ) [ آية : 6 ] نزلت في أبي الأشدين ، اسمه أسيد
بن كلدة ، وكان أعور شديد البطش ، فقال :
لئن أخذت بحلقة من باب الجنة ليدخلنها
بشر كثير ، ثم قتل يوم فتح مكة ، يعني غره الشيطان . ثم قال :
الإنفطار : ( 7 ) الذي خلقك فسواك . . . . .
) الذي خلقك فسوك
فعدلك ) [ آية : 7 ] يعني فقومك
الإنفطار : ( 8 ) في أي صورة . . . . .
) في أي صورة ما شاء ركبك ) [ آية : 8 ] يعنى لو شاء
ركبك في غير صورة الإنسان .
الإنفطار : ( 9 ) كلا بل تكذبون . . . . .
) كلا ( لا يؤمن هذا الإنسان بمن خلقه وصوره ، ثم قال : ( بل تكذبون بالدين (
[ آية : 9 ] يعنى الحساب
الإنفطار : ( 10 ) وإن عليكم لحافظين
) وإن عليكم لحفظين ) [ آية : 10 ] من الملائكة يحفظون(3/458)
صفحة رقم 459
أعمالكم ثم نعتهم ، فقال :
الإنفطار : ( 11 ) كراما كاتبين
) كراما ( يعنى مسلمين ) كتبين ) [ آية : 11 ] يكتبون
أعمال بني آدم بالسريانية ، فبأي لسان تكلم ابن آدم ؟ فإنه إنما يكتبونه بالسريانية
والحساب بالسريانية ، وإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية على لسان محمد ( صلى الله عليه وسلم )
الإنفطار : ( 12 ) يعلمون ما تفعلون
) يعلمون ما تفعلون ) [ آية : 12 ] من الخير والشر فيكتبون
الإنفطار : ( 13 ) إن الأبرار لفي . . . . .
) إن الأبرار ( يعنى المطيعين لله في الدنيا
) لفي نعيم ) [ آية : 13 ] يعنى نعيم الآخرة .
الإنفطار : ( 14 ) وإن الفجار لفي . . . . .
) وإن الفجار ( يعنى الظلمة في الدنيا ) لفي جحيم ) [ آية : 14 ] يعني النار يعنى ما
عظم منه
الإنفطار : ( 15 ) يصلونها يوم الدين
) يصلونها ( يصلون الجحيم ) يوم الدين ) [ آية : 15 ] يعنى يوم الحساب يوم
يدان بين العباد بأعمالهم
الإنفطار : ( 16 ) وما هم عنها . . . . .
) وما هم عنها بغائبين ) [ آية : 16 ] يعنى الفجار محضرون الجحيم
لا يغيبون عنها .
الإنفطار : ( 17 ) وما أدراك ما . . . . .
ثم قال : ( وما أدراك ما يوم الدين ) [ آية : 17 ] تعظيماً له ، كرره ، فقال :
الإنفطار : ( 18 ) ثم ما أدراك . . . . .
) ثم ما أدراك ما يوم الدين ) [ آية : 18 ] يعنى يوم الحساب ، ثم أخبر بنيه ( صلى الله عليه وسلم ) عن يوم الدنيا ،
فقال :
الإنفطار : ( 19 ) يوم لا تملك . . . . .
) يوم لا تملك ( يعنى لا تقدر ) نفس لنفس شيئا ( يعنى من المنفعة ، ثم قال :
( والأمر يومئذ لله ) [ آية : 19 ] يعنى يوم الدين كله لله وحده ، يعنى لا يملك يومئذ
أحد غيره ، وحده .(3/459)
صفحة رقم 460
83
سورة المطففين
مدنية ، عددها ست وثلاثون آية كوفى
تفسير سورة المطففين من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
المطففين : ( 1 ) ويل للمطففين
) ويل للمطففين ) [ آية : 1 ] الويل واد في جهنم بعده مسيرة سبعين سنة ، فيه
تسعون ألف شعب في كل شعب سبعون ألف شق ، في كل شق سبعون ألف مغار ، في
كل مغار سبعون ألف قصر ، في كل قصر سبعون ألف تابوت من حديد ، وفي التابوت
سبعون ألف شجرة ، في كل شجرة سبعون ألف غصن من نار ، في كل غسن سبعون
ألف ثمرة ، في كل ثمرة دودة طولها سبعون ذراعاً ، تحت كل شجرة سبعون ألف ثعبان ،
وسبعون ألف عقرب ، فأما الثعابين فطولهن مسيرة شهر في الغلظ مثل الجبال ، وأنيابها
مثل النخل ، وعقاربها مثل البغال الدهم لها ثلاث مائة وستون فقار ، في كل فقار قلة
سم ، وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين خرج إلى المدينة ، وكان بسوق الجاهلية لهم كيلين
وميزانين معلومة لا يعاب عليهم فيها ، فكان الرجل إذا اشترى اشترى بالكيل الزائد ، وإذا
باعه باعه بالناقص ، وكانوا يريجون بين الكيلين ، وبين الميزانين ، فلما قدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة
قال لهم : ' ويل لكم مما تصنعون ' ، فأنزل الله تعالى التصديق على لسانه ، فقال : ( ويل للمطففين ( .
المطففين : ( 2 - 3 ) الذين إذا اكتالوا . . . . .
ثم ذكر مساوئهم ، فقال : ( الذين إذا كنالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو
وزنوهم يخسرون ) [ آية : 3 ] يعنى ينقصون ، ثم خوفهم ، فقال : ( ألا يظن أؤلئك ( الذين يفعلون هذا
المطففين : ( 4 - 5 ) ألا يظن أولئك . . . . .
) أنهم مبعوثون ليوم عظيم ) [ آية : 5 ] .
تفسير سورة المطففين من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 17 ) .(3/460)
صفحة رقم 461
المطففين : ( 6 ) يوم يقوم الناس . . . . .
) يوم يقوم الناس لرب العالمين ) [ آية : 6 ] فهو مقدار ثلاث مائة عام إذا أخرجوا من
قبورهم ، فهم يجولون بعضهم إلى بعض قياماً ينظرون ، ثم خوفهم أيضاً ، فقال :
المطففين : ( 7 ) كلا إن كتاب . . . . .
) كلا (
وهي وعيد مثل ما يقو الإنسان : والله ، يحلف بربه والله تعال لا يقول : والله ، ولكنه
يقول : كلا ) إن كتب الفجار لفي سجين ) [ آية : 7 ] يعني أعمال المشركين مكتوبة مختومة
بالشر ، موضوعة تحت الأرض السفلى ، تحت خذ إبليس ، لأنه أطاعه ، وعصى ربه ، فذلك
المطففين : ( 8 ) وما أدراك ما . . . . .
قوله : ( وما أدرك ما سجينٌ ) [ آية : 8 ] تعظيماً لها .
المطففين : ( 9 ) كتاب مرقوم
قال : ( كتبٌ مرقومٌ ) [ آية : 9 ] ووعدهم أيضاً ، فقال :
المطففين : ( 10 ) ويل يومئذ للمكذبين
) ويل يومئذ للمكذبين ) [ آية :
10 ] بالبعث
المطففين : ( 11 ) الذين يكذبون بيوم . . . . .
) الذين يكذبون بيوم الدين ) [ آية : 11 ] يعنى بيوم الحساب الذي فيه جزاء
الأعمال ، فقال :
المطففين : ( 12 ) وما يكذب به . . . . .
) وما يكذب به ( بالحساب ) إلا كل معتد أثيم ) [ آية : 12 ] يقول :
معتد بربه حيث شك في نعمته ، وتعبد غيره ، فهو المعتد ، أثيم قلبه
المطففين : ( 13 ) إذا تتلى عليه . . . . .
) إذا تتلى عليه ءايتنا (
يعنى القرآن ) قال أسطير الأولين ) [ آية : 13 ] يعنى به كتاب الأولين ، مثل كتاب رستم ،
وأسفندباز ، فلما قدم ، قال : ما يحدثكم محمد ؟ قالوا : حدثنا عن القرون الأولى ،
قال : وأنا أحدثكم بمثل ما يحدثكم به محمد أيضاً ، فأنزل الله عز وجل ، وفيه : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ) [ لقمان :
6 ] ، فذلك قوله : ( إذا تتلى عليه ءايتنا قال أساطير الأولين ( .
المطففين : ( 14 ) كلا بل ران . . . . .
ثم وعدهم ، فقال : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) [ آية : 14 ] يقول :
طبعنا
على قلوبهم ، فهم لا يبصرون إلى مساوئهم ، فيقلعون عنها ، ثم أوعدهم ، فقال :
المطففين : ( 15 ) كلا إنهم عن . . . . .
) كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ آية : 15 ]
لأن أهل الجنة يرونه عياناً لا يحجبهم عنه ،
ويكلمهم ، وأما الكافر ، فإنه يقام خلف الحجاب فلا يكلمهم الله تعالى ولا ينظر إليهم ،
ولا يزكيهم حتى يأمر بهم إلى النار
المطففين : ( 16 - 17 ) ثم إنهم لصالوا . . . . .
) ثم إنهم ( يعني إذا حجبوا عن ربهم ) لصالوا الجحيم
ثم بقال ( لهم ) هذا الذي كنتم به تكذبون ) [ آية : 17 ] وذلك أن أهل النار يقول
لهم مالك خازن النار هذه : ( النار التي كنتم بها تكذبون ) [ سبأ : 42 ] ، ) أفسحر
هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجون ما كنتم
تعملون ) [ الطور : 15 ، 16 ] ، فذلك قوله : ( ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ( .(3/461)
صفحة رقم 462
تفسير سورة المطففين من الآية ( 18 ) إلى الآية ( 26 ) .
المطففين : ( 18 ) كلا إن كتاب . . . . .
ثم أوعدهم ، فقال : ( كلا ( ثم انقطع الكلام ، ثم رجع إلى قوله في : ويل
للمطففين ، فقال : ( إن كتب الأبرار لفي عليين ) [ آية : 18 ] لفي ساق العرش ، يعنى
أعمال المؤمنين وحسناتهم
المطففين : ( 19 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما عليون ) [ آية : 19 ] تعظيماً لها ، فقال :
المطففين : ( 20 ) كتاب مرقوم
) كتبٌ
مرقومٌ ) [ آية : 20 ] يعنى كتاب من كتب الخير مختوم ختم بالرحمة مكتوب عند الله عز
وجل
المطففين : ( 21 ) يشهده المقربون
) يشهده ( يشهد ذلك ) المقربون ) [ آية : 21 ] وهم الملائكة من كل سماء سبعة
أملاك من مقربي أهل كل سماء يشيعون ذلك العمل الذي يرضاه الله حتى ثبوته عند الله
جل وعز ، ثم يرجع كل ملك إلى مكانه .
المطففين : ( 22 ) إن الأبرار لفي . . . . .
ثم ذكر الأبرار ، فقال : ( إن الأبراز لفي نعيمٍ ) [ آية : 22 ] يعنى نعيم الجنة ، ثم بين
ذلك النعيم ، فقال :
المطففين : ( 23 ) على الأرائك ينظرون
) على الأرائك ينظرون ) [ آية : 23 ] إلى ذلك النعيم وهي السرر
والحجال ، فإذا كان سريراً ، ولم يكن عليه حجلة فهو السرير حينئذٍ ، وإذا كانت الحجلة ،
ولم يكن فيها سرير فهي الحجلة ، فإذا اجتمع السرير والحجلة ، فهي الأرائك يعني هؤلاء
جلوس ينظرون إلى ذلك النعيم .
المطففين : ( 24 ) تعرف في وجوههم . . . . .
يقول : ( تعرف في وجوههم نضرة النعيم ) [ آية : 24 ] لأنه يعلق في وجهه النور من
الفرح والنعيم ، فلا يخفى عليك إذا نظرت إليهم فرحون ، ثم قال :
المطففين : ( 25 ) يسقون من رحيق . . . . .
) يسقون من رحيق مختوم ) [ آية : 25 ] وهو الخمر الأبيض إذا انتهى طيبه
المطففين : ( 26 ) ختامه مسك وفي . . . . .
) ختمه مسكٌ ( إذا شرب
وفرغ ونزع الإناء من فيه وجد طعم المسك ) وفي ذلك ( يعنى فلينتازع المتنازعون ، وفيه
فليرغب الراغبون .
ثم قال : ( فليتنافس المتنافسون ) [ آية : 26 ] يعنى فليتنازع المتنازعون ، وفيه فليرغب(3/462)
صفحة رقم 463
الراغبون ، ثم قال :
المطففين : ( 27 - 28 ) ومزاجه من تسنيم
) ومزاجه من تسنيم عينا ( من جنة عدن ، فتنصب عليهم
أنصباباً ، فذلك قوله : ( يشرب بها المقربون ) [ آية : 28 ] يقول :
يشربون به الخمر من
ذلك الماء ، وهم أهل جنة عدن ، وهي أربعة جنان ، وهي قصبة الجنة ، ماء تسنيم يخرج من
جنة عدن ، والكوثر ، والسلسبيل ، ثم انقطع الكلام ، قوله :
المطففين : ( 29 ) إن الذين أجرموا . . . . .
) إن الذين أجرموا كانوا من
الذين ءامنوا يضحكون ) [ آية : 29 ] نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وأصحابه ،
وذلك
أنهم كانوا يمرون كل يوم على المنافقين واليهود وهم ذاهبون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ،
فإذا رأوهم سخروا منهم وتغامزوا في أمرهم ، وضحكوا منهم ، وإذا رجعوا إلى
أصحابهم ، ضحكوا منهم ، وذلك أن عبد الله بن نتيل لقى بدعة بن الأقرع ، فقال :
أشعرت أنا رأينا اليوم الأصلع فضحكنا من ؟ قال : كيف ؟ قال : لأنه يمشى بين أيديهم ،
وهم خلفه لا يجاوزنه ، كأنه هو الذي يدلهم على الطريق ، فسمع بذلك أبو بكر الصديق ،
رضي الله عنه ، فشق عليه وعلى أصحابه فتركوا ذلط الطريق وأخذوا طريقاً آخر ، فأنزل
الله عز وجل فيهم : ( إذن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون ( .
المطففين : ( 30 - 31 ) وإذا مروا بهم . . . . .
) وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ) [ آية : 31 ] يعني عبد الله بن نتيل ،
يعني إذا راجعوا إلى قومهم رجعوا معجبين بما هم عليه من الضلالة بما فعلوا بعلي
وأصحابه ، رحمهم الله :
المطففين : ( 32 - 33 ) وإذا رأوهم قالوا . . . . .
) وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم
حفظين ) [ آية : 33 ] .
المطففين : ( 34 - 35 ) فاليوم الذين آمنوا . . . . .
ثم أخبر بجزائهم على الله تعالى : ( فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون على
الأرائك ( والأرائك السرير في الحجلة ، يقول :
جلوس في الحجلة يضحكون من
أعدائهم ، وذلك أن لكل رجل من أهل الجنة ثلمة ، ينظرون إلى أعداء الله كيف يعذبون ؟
فإذا نظروا إلى أهل النار وما يلقون هم من رحمة الله عز وجل ، وعرفوا أن الله قد
أكرمهم ، فهم ضاحكون من أهل النار ، ويكلمونهم حتى يطبق على أهل النار أبوابها في
عمد من حديد من نار كأمثال الجبال ، فإذا أطبقت عليهم انسدت تلك الكوى ، فيمحو
الله أسماءهم ويخرجهم من قلوب المؤمنين ، فذلك قوله : ( ينظرون
المطففين : ( 36 ) هل ثوب الكفار . . . . .
هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ) [ آية : 36 ] يعنى ينظرون من الكوى ، فإذا رأوهم ، قالوا : والله قد ثوب
الكفار ما كانوا يفعلون .(3/463)
صفحة رقم 464
84
سورة الانشقاق
مكية ، عددها خمس وعشرون آية كوفى
تفسير سورة الانشقاق من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
الإنشقاق : ( 1 ) إذا السماء انشقت
قوله : ( إذا السماء انشقت ) [ آية : 1 ] يقول : انشقت لنزول رب العزة والملائكة ، فإنها
تنشق حتى يرى طرفاها ، ثم يرى خلقاً بالياً ، وذلك أن أخوين من بني أمية ، أحدهما
اسمه عبد الله بن عبد الأسد ، والآخر اسمه الأسود بن عبد الأسد ، أحدهما يؤمن بالله
واسمه عبد الله ، وأما الآخر فاسمه الأسود ، وهو الكافر ، فقال لأخيه عبد الله : آمنت
بمحمد ؟ قال : نعم ، قال : ويحك إن محمداً يزعم إذا متنا ومنا تراباً ، فإنا لمبعوثون في
الآخرة ، ويزعم أن الدنيا تنقطع ، فأخبرني ما حال الأرض يومئذٍ .
فأنزل الله عز وجل : ( إذا السماء انشقت
الإنشقاق : ( 2 ) وأذنت لربها وحقت
وأذنت لربها وحقت ) [ آية : 2 ] يقول :
انشقت وسمعت لربها وأطاعت ، وكان يحق لها ذلك
الإنشقاق : ( 3 ) وإذا الأرض مدت
) وإذا الأرض مدت ) [ آية : 3 ] مثل
الأديم المدود
الإنشقاق : ( 4 - 5 ) وألقت ما فيها . . . . .
) وألقت ما فيها ( من الحيوان ) وتخلت وأذنت لربها وحقت ) [ آية : 5 ]
يقول : سمعت لربها وأطاعت ، وكان يحق لها ذلك .
تفسير سورة الانشقاق من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 15 ) .
الإنشقاق : ( 6 ) يا أيها الإنسان . . . . .
ثم قال : ( يأيها الإنسن ( يعنى بالإنسان الأسود بن عبد الأسد ) إنك كادح إلى ربك كدحا ( إنك ساع إلى ربك سعياً ) فملقيه ) [ آية : 6 ] بعملك ، ثم قال :
الإنشقاق : ( 7 ) فأما من أوتي . . . . .
) فأما من
أوتي كتبه بمينه ) [ آية : 7 ] وهو عبد الله بن عبد الأسد ، ويكنى أبا سلمة
الإنشقاق : ( 8 ) فسوف يحاسب حسابا . . . . .
) فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) [ آية : 8 ] يقول : باليسير ، بأن الله لا يغير حسناته ولا يفضحه .(3/464)
صفحة رقم 465
وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة ، فإنهم يومج بعضهم في بعض ،
مقدار ثلاث مائة سنة ، حتى إذا استوى الرب جل وعز على كرسيه ليحاسب خلقه ، فإذا
جاء الرب تبارك وتعالى والملائكة صفاً صفاً ، فينظرون إلى الجنة ، وإلى النار ، ويجاء بالنار ،
من مسيرة خمس مائة عام ، عليها تسعون ألف زمام ، في كل زمام سبعون ألف ملك ،
متعلق يحبسونها عن الخلائق ، طول عنق أحدهم مسيرة سنة ، وغلظها مسيرة سنة ، ما بين
منكبى أحدهم مسيرة خمسين سنة ، وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم مثل البرق ، إذا تكلم
أحدهم ، تناثرت من فيه النار ، بيد كل واحد منهم مرزبة ، عليها ثلاث مائة وستون
رأساً ، كأمثال الجبال ، هي أخف بيده من الريشة ، فيجئون بها فيسوقونها ، حتى تقام عن
يسار العرش .
ويجاء بالجنة يزفونها كما تزف العروس إلى زوجها ، حتى تقام عن يمين العرش ، فإذا
ما عاين الخلائق النار ، وما أعد الله لأهلها ، ونظروا إلى ربهم وسكتوا ، فانقطعت عند
ذلك أصواتهم ، فلا يتكلم أحد منهم من فرق الله وعظمته ، ولما يرون من العجائب من
الملائكة ، ومن حملة العرش ، ومن أهل السماوات ، ومن جهنم ، ومن خزنتها ، فانقطعت
أصواتهم عند ذلك .
وترتعد مفاصلهم ، فإذا علم الله ما أصاب أولياءه من الخوف ، وبلغت القلوب
الجناجر ، فيقوم منادٍ عن يمين العرش ، فينادى : ( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ) [ الزخرف : 68 ] ، فيرفع عند ذلك الإنس والجن كلهم رءوسهم والمؤمنون
والكفار ، لأنهم عباده كلهم ، ثم ينادى في الثانية : ( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ) [ الزخرف : 69 ] ، فيرفع المؤمنون رءوسهم ، وينكس أهل الأديان كلهم
رءوسهم ، والناس سكوت مقدار أربعين عاماً ، فذلك قوله : ( هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) [ المرسلات : 35 ] ، 36 ] .
وقوله : ( لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) [ النبأ : 38 ] ، وقال : لا
إله إلا الله ، فذلك الصواب ، وقوله : ( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) [ طه : 108 ] ، فلا يجبهم الله ، ولا يكلمهم ، ولا يتكلمون هم مقدار أربعين
سنة ، يقول بعد ذلك لملك من الملائكة ، وهو جبريل ، عليه السلام :
ناد الرسل وابدأ
بالأمى ، قال : فيقوم الملك ، فينادى عند ذلك اين النبي الأمي ؟ فتقول الأنبياء عند ذلك :
كلنا نبيون وأميون فبين بين ، فيقول النبي العرب الأمى الحرمى ، فيقوم عند ذلك رسول(3/465)
صفحة رقم 466
الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيرفع صوته بالدعاء ، فيقول :
كم من ذنب قد عملتموه ونسيتموه ، وقد أحصاده
الله ، رب لا تفضح أمتي ، قال : فلا يزال يدنو من الله تعالى ، حتى يقوم بين يديه ، أقرب
خلقه إليه ، فيحمد الله ويثنى عليه ، ويذكر من الثناء على الله تعالى والحمد ، حتى تعجب الملائكة منه والخلائق .
فيقول الله عز وجل :
قد رضيت عنك يا محمد ، اذهب فناد أمتك ، فينادى ، وأول ما
يدعو يدعو من أمته عبد الله بن عبد الأسد ( ) أبا سلمة ، فلا يزال يدنو فيقربه الله عز
وجل منه فيحاسبه حساباً يسيراً ، واليسير الذي لا يأخذه بالذنب الذي عمله ، ولا
يغضب الله عز وجل عليه ، فيجعل سيئاته داخل صحيفته وحسناته ظاهر صحيفته ،
فيضوع على رأسه التاج من ذهب عليه تسعون ألف ذؤابة ، كل ذؤابة درة تساوي مال
المشرق والمغرب ويلبس سبعين حلة من الاستبرق والسندس ، فالذي يلى جسده حريرة
بيضاء .
فذلك قوله : ( ولباسهم فيها حرير ) [ الحج : 23 ] ، ويسور بثلاث أسورة ، سوار
من فضة ، وسوار من ذهب ، وسوار من لؤلؤ ، ويوضع إكليل مكلل بالدر والياقوت ، وقد
تلألأ في وجهه ، من نور ذلك ، فيرجع إلى إخوانه من المؤمنين ، فينظرون إليه وهو جاء
من عند الله ، فتقول الملائكة والناس والجن : والله لقد أكرم الله هذا ، لقد أعطى الله لهذا ،
فينظرون إلى كتابه فإذا سيئاته باطن صحيفته ، وإذا حسناته ظاهر كتابه ، فتقول عند ذلك
الملائكة ما كان أذنب هذا الآدمى ذنباً قط ، والله ، لقد اتقى هذا العبد ، فحق أن يكرم
مثل هذا العبد ، وهم لا يشعرون أن سيئاته باطن كتابه ، وذلك لمن أراد الله تعالى أن
يكرمه ولا يفضحه ، قال : فيأتي إخوانه من المسلمين ، فلا يعرفونه ، فيقول : أتعرفوني .
فيقولون كلهم : لا ، والله ، فيقول : إنما برحت الساعة ، وقد نسيتوني ، فيقول : أنا أبو
سلمة ، أبشروا بمثله يا معشر الإخوان ، لقد حاسبني ربي حساباً يسيراً ، وأكرمني ، فذلك
قوله : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( .
الإنشقاق : ( 9 ) وينقلب إلى أهله . . . . .
) وينقلب إلى أهله ( يقول : إلى قومه ) مسرورا ) [ آية : 9 ] فيعطى كتبابه بيمينه :
( فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه ) [ الحاقة : 19 ، 20 ] إلى(3/466)
صفحة رقم 467
آخر القصة ، ثم ينادى مناد بالأسود بن عبد الأسد ، أخي عبد الله المؤمن فيريد الشقى أن
يدنو ، فينتهرونه ، ويشق صدره حتى يخرج قلبه من وراء ظهره من بين كتفيه ، ويعطى
كتابه ، ويجعل كل حسنة عملها في دهره في باطن صحيفته ، لأنه لم يؤمن بالإيمان ،
وتجعل سيئاته ظاهر صحيفته ، ويحجب عن الله عز وجل فلا يراه ، ولكن ينادى مناد من
عند العرش يذكره مساوئه .
فكلما ذكر مساوئه : قال : أنا أعرف هذا ، لعنه الله ، فتجئ اللعنة من عند الله عز
وجل ، حتى تقع عليه ، فيلطخ باللعنة ، فيصير جسده مسيرة شهر في طول مسيرة ثلاثة
أيام ولياليهن ، ورأسه مثل الأقرع ، وهو جبل عظيم بالشام وأنيابه مثل أحد ، وحدقتاه
مثل جبل حراء ، الذي بمكة ، ومنخره مثل الووقين وهما جبلان ، وشعره في الكثرة مثل
الأجمعة ، وفي الطول مثل القصب ، وفي الغلظ مثل الرماح ، ويوضع على رأسه تاج من
نار ، ويلبس جبة من نحاس ذائب ، ويقلد حجراً من كبريت ، مثل الجبل تشتعل فيه النار ،
وتغل يداه إلى عنقه ، ويسود وجهه ، وهو أشد سواداً من القبر ، في ليلة مظلمة ، وتزق
عيناه ، فيرجع إلى إخوانه ، فأول ما يرونه يفزع منه الخلائق حتى يمسكوا على آنافهم من
شدة نتنه ، فيقولون : لقد أهان الله هذا العبد ، لقد أخزى الله هذا العبد ، فينظرون إلى
كتابه ، فإذا سيئاته ظاهرة ، وليس له من الحسنات شئ ، يقولون : أما كان لهذا العبد في
الله عز وجل حاجة ، ولا خافه يوماً قط ، ولا ساعة ، فحق لهذا العبد ، إذ أخزاه الله
وعذبه ، فتلعنه الملائكة أجمعون ، فإذا رجع إلى الموقف لم يعرفه أصحابه ، فيقول : أما
تعرفوني ؟ قالوا : لا والله ، فيقول : أنا الأسود بن عبد الأسد ، فينادى بأعلى صوته ، فيقول :
( يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه ) [ الحاقة : 25 - 28 ] .
الإنشقاق : ( 10 - 12 ) وأما من أوتي . . . . .
يقول : يا ليت كان الموت أن أموت فأستريح من هذا البلاء هلك عن حجتي اليوم ،
ثم يقول : الويل ، فيبشر أخوه المؤمنين ، ويبشر هذا الكفار ، فذلك قوله تعالى ) وأما من
أوتي كتبه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبوراً ويصلى سعيراً ) [ آية : 12 ] يقول : يدعو
بالويل ، ويدخل النار ، يقول :
الإنشقاق : ( 13 ) إنه كان في . . . . .
) إنه كان في أهله مسرورا ) [ آية : 13 ] يقول في قومه
كريماً ، قال فيذله الله عز وجل يوم القيامة ، قال :
الإنشقاق : ( 14 ) إنه ظن أن . . . . .
) إنه ظن أن لن يحور ) [ آية : 14 ] يقول :
أن لن يبعث الله تعالى
الإنشقاق : ( 15 ) بلى إن ربه . . . . .
) بلى إن ربه كان ) 6 يقول الذي خلقه ) به بصيراً ) [ آية : 15 ] إنه
شهيد لعلمه .(3/467)
صفحة رقم 468
تفسير سورة الانشقاق من الآية ( 16 ) إلى الآية ( 25 ] .
الإنشقاق : ( 16 ) فلا أقسم بالشفق
ثم أقسم الرب عز وجل ، فقال : ( فلا أقسم بالشفق ) [ آية : 16 ] فأما الشفق فهو
الضوء الذي يكون بعد غروب الشمس إلى أن تغيب ، قال :
الإنشقاق : ( 17 ) والليل وما وسق
) واليل وما وسق ) [ آية :
17 ] يقول : ما ساق من الظلمة
الإنشقاق : ( 18 ) والقمر إذا اتسق
) والقمر إذا انسق ) [ آية : 18 ] في ليلة ثلاث عشرة ،
وأربع عشرة ، وخمس عشرة ، فهن البيض ، فهو يستوى في الشهر ثلاث ليال يشتد
ضوءه ، ويجتمع من ثلاث عشرة ، فأقسم الله عز وجل بالشفق ، والليل وما وسق ، والقمر
إذا اتسق
الإنشقاق : ( 19 ) لتركبن طبقا عن . . . . .
) لتركبن ( هذا العبد ) طبقا عن طبق ) [ آية : 19 ] يقول : حالاً بعد حال
يقول : خلقاً من نطفة ، ثم صارت النطفة علقة ، ثم صارت العلقة مضغة ، ثم صارت
إنساناً ميتاً في بطن أمه ، حتى نفخ فيه الروح ، ثم صار إنساناً حياً ، ثم أخرجه الله تعالى
في بطن أمه ، حتى نفخ فيه الروح ، ثم صار إنساناً حياً ، ثم أخرجه الله تعالى من بطن
أمه ، فكان طفلاً ، ثم يبلغ أشده ، ثم شاخ وكبر ، ثم مات ولبث في قبره ، حتى صار
تراباً ، ثم أنشأه الله عز وجل بعد ذلك يوم القيامة .
الإنشقاق : ( 20 ) فما لهم لا . . . . .
قال : ( فما لهم لا يؤمنون ) [ آية : 20 ] بالبعث وقد كانوا من قبل هذا الذي وصفته
الإنشقاق : ( 21 ) وإذا قرئ عليهم . . . . .
) وإذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون ) [ آية : 21 ] وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ ذات
يوم ) واسجد واقترب ) [ العلق : 35 ] ، فسجد وسجد المؤمنون معه ، وكانت قريش
يصفقون فوق رءوسهم ، ويصفرون وكان الذي يصفر قريب القرابة من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ،
فذلك قوله : ( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ) [ الأنفال : 35 ] ، فلما
سجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يسجدوا وسخروا منه ، وكان إذا قرأ آذوه بالصفير والتصفيق ،
فأنزل الله عز وجل : ( فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون
الإنشقاق : ( 22 ) بل الذين كفروا . . . . .
بل الذين كفروا ( يقول : لكن الذين كفروا ) يكذبون
الإنشقاق : ( 23 ) والله أعلم بما . . . . .
والله أعلم بما يوعون (
[ آية : 23 ] يقول : بما يجمعون عليه من الإثم والفسوق
الإنشقاق : ( 24 ) فبشرهم بعذاب أليم
) فبشرهم ( يا محمد ) بعذاب أليم ) [ آية : 24 ] يقول : عذاب وجيع لأهل مكة كلهم ،
الإنشقاق : ( 25 ) إلا الذين آمنوا . . . . .
ثم استثنى لعلم قد سبق ،
فقال : ( إلا الذين ءامنوا وعملوا الصلحت لهم أجرٌ غير ممنون ) [ آية : 25 ] .(3/468)
صفحة رقم 469
85
سورة البروج
مكية ، عددها اثنتان وعشرون آية كوفى
تفسير سورة البروج من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 9 ) .
البروج : ( 1 ) والسماء ذات البروج
قوله : ( والسماء ذات البروج ) [ آية : 1 ] يقول : والسماء ذات النجوم ، نظيرها في تبارك :
( الذي جعل في السماء بروجا ( ، يقول : جعل في السماء نجوماً ، ) وجعل فيها سراجا ( ، وهي الشمس ) قمرا منيرا ) [ الفرقان : 61 ] .
البروج : ( 2 ) واليوم الموعود
وقوله تعالى : ( واليوم الموعود ) [ آية : 2 ] يقول : هو يوم القيامة الذي وعد الله عز وجل أولياءه الجنة ، ووأعداءه
النار ، فذلك قوله : ( واليوم الموعود .
البروج : ( 3 ) وشاهد ومشهود
) وشاهدٍ ومشهودٍ ) [ آية : 3 ] يقول : يوم النحر ، والفطر ، ويوم الجمعة ، فهذا قسم إن
) بطش ربك لشديد ) [ البروج : 12 ] ،
البروج : ( 4 ) قتل أصحاب الأخدود
قوله : ( قتل أصحب الأخدود ) [ آية : 4 ] وذلك
أن يوسف بن ذي نواس من أهل نجران كان حفر خداً ، وأوقد فيه النار ، فمن تكلم منهم
بالتوحيد أحرقه بالنار ، وذلك أنه كان قد آمن من قومه ثمانون رجلاً ، وتسع نسوة ،
فأمرهم أن يرتدوا عن الإسلام ، فأبوا فأخبرهم أنه سيعذبهم بالنار فرضوا لأمر الله عز
وجل ، فأحرقهم كلهم ، فلم يزل يلقى واحداً بعد واحد في النار حتى مرت امرأة ومعها
صبي لها صغيرة يرضع فلما نظرت المرأة إلى ولدها أشفقت عليه ، فرجعت فعرضوا عليها
أن تكفر فأبت فضربوها حتى رجعت فلم تزل ترجع مرة ، وتشفق مرة ، حتى تكلم
الصبي فقال لها : يا أماه إن بين يديك ناراً لا تطفأ أبداً ، فلما سمعت قول الطفل أحضرت
حتى ألقت نفسها في النار ، فجعل الله عز وجل أرواحهم في الجنة ، وأوحى الله تبارك
وتعالى إلى نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قتل أصحاب الأخدود يوسف بن ذي نواس وأصحابه .(3/469)
صفحة رقم 470
البروج : ( 5 - 6 ) النار ذات الوقود
ثم ذكر مساوئهم ، فقال : ( النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود ) [ آية : 6 ] يعنى
أصحابه قعود على شفة الخد
البروج : ( 7 ) وهم على ما . . . . .
) وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ) [ آية : 7 ] قال :
كانوا
يعرفون أن يوسف بن ذي نواس ليس يعذاب إلا بالإيمان ، ثم قال : يتعجب من سوء
صنعيهم ، فقال :
البروج : ( 8 ) وما نقموا منهم . . . . .
) وما نقموا منهم ( يقول : وأي ريبة رأوا منهم ؟ ما عذبهم ) إلا أن يؤمنوا بالله العزيز ( في نقمته ) الحميد ) [ آية : 8 ]
البروج : ( 9 ) الذي له ملك . . . . .
) الذي له ملك السموت والأرض والله
على كل شئٍ ( من السر والعلانية ) شهيد ) [ آية : 9 ] .
تفسير سورة البروج من الآية ( 10 ) فقط .
البروج : ( 10 ) إن الذين فتنوا . . . . .
ثم قال : ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ( نظيرها في سورة ) والذاريات ذروا (
[ الذاريات : 1 ] ، يقول : ( يوم هم على النار يفتنون ) [ الذاريات : 13 ] ، يعنى يحرقون .
ثم قال : ( ثم لم يتوبوا ( من ذلك ) فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ) [ آية : 10 ] .
تفسير سورة البروج من الآية ( 11 ) فقط .
البروج : ( 11 ) إن الذين آمنوا . . . . .
ثم قال : ( إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت ( وشهدوا أن لا إله الله ، فهو
الصالحات ، نظيرها حين قال الله عز وجل : ( إليه يصعد الكلم الطيب ) [ فاطر : 10 ] ،
فهو الحمد لله ، وسبحان الله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، يقول : يصعد ذلك إليه كله
بشهادة أن لا إله إلا الله ، ولولا هذا ما ارتفع لابن آدم عمل أبداً ، ثم قال : ( لهم جنتٌ
تجري من تحتها الأنهار ( يقول : البساتين تجري من تحتها الأنهار ، وهي العيون خالدين
فيها ما دامت الجنة ، فهم دائمون أبداً .
ثم قال : ( ذلك الفوز الكبير ) [ آية : 11 ] يقول : هذا النجاء الكبير ، يقول : من زحزح
عن النار ، وأدخل الجنة فقد نجا نجاء عظيماً .
تفسير سورة البروج من الآية ( 12 ) إلى الآية ( 16 ) .
البروج : ( 12 ) إن بطش ربك . . . . .
ثم رجع إلى قسمه الذي كان أقسم في أول السورة ، فقال : ( إن بطش ربك لشديد (
[ آية : 12 ] يقول :
إن عذاب ربك لشديد يقول : إذا غضب بطش ، وإذا بطش أهلك ، ثم(3/470)
صفحة رقم 471
عظم الرب عز وجل نفسه ، فقال :
البروج : ( 13 ) إنه هو يبدئ . . . . .
) إنه هو يبدئ ويعيد ) [ آية : 13 ] يقول :
بدأ خلق
النفس من نطفة ميتة ويحيه ، ثم قال :
البروج : ( 14 ) وهو الغفور الودود
) وهو الغفور ( للذنوب الكبائر لمن تاب منها
) الودود ) [ آية : 14 ] يقول : الشكور للعمل الصالح القليل إذا رضوه ، يقول : اشكر
العمل اليسير حتى أضاعفه للواحد عشرة فصاعداً ، ثم عظم الرب تبارك وتعالى ، نفسه
فقال :
البروج : ( 15 ) ذو العرش المجيد
) ذو العرش ( فإنه ما خلق الله عز وجل خلقاً أعظم من العرش لأن السموات
والأرض قد غابتا تحت العرش كالحلقة في الأرض الفلاة .
ثم قال : ( المجيد ) [ آية : 15 ] الجواد الكريم
البروج : ( 16 ) فعال لما يريد
) فعالٌ لما يريد ) [ آية : 16 ] يقول :
ليس يريد شيئاً إلا فعله ، يقول :
إن العبد يفرق من سيده أن يفعل ما يشاء ، والسيد يفرق
من أميره الذي هو عليه ، والأمير يفرق من الملك ، والملك يفرق من الله عز وجل ، والله
عز وجل لا يفرق من أحد أن يفعل ، فذلك قوله تعالى : ( فعالٌ لما يريد ( .
تفسير سورة البروج من الآية ( 17 ) إلى الآية ( 22 ) .
البروج : ( 17 ) هل أتاك حديث . . . . .
) هل ( يعنى قد ) أتتك حديث الجنود ) [ آية : 17 ] في القرآن
البروج : ( 18 ) فرعون وثمود
) فرعون وثمود ) [ آية :
18 ] قد عرفت ما فعل الله عز وجل يقوم فرعون ، حيث ساروا في طلب ، عليه السلام ،
وبنى إسرائيل ، وكانوا ألف ألف وخمس مائة ألف ، فساقهم الله تعال بآجالهم إلى البحر ،
فغرقهم الله أجمعين فمن الذي جاء يخاصمني فيهم ، قال : ( وثمود ( وهم قوم صالح
حيث عقروا الناقة وكذبوا صالحاً ثم تمتعوا في دارهم ثلاثة أيام ، فجاءهم العذاب يوم
السبت غدوة حين نهضت الشمس ) فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ( وجبريل ، عليه
السلام ، الذي كان دمدم ، لأنه صرخ صرخة فوقع بيوتهم عليهم فسواها ، يقول : فسوى
البيوت على قبورهم ، لأنهم لما استيقنوا بالهلكة عمدوا فحفروا قبوراً في منازلهم ،
وتحنطوا بالمر والصبر ، قال : فسواها يقول : استوت على قبورهم ، قال : فهل جاء أحد يخاصمني فيهم ، فذلك قوله : ( ولا يخاف عقباها ) [ الشمس : 15 ] ، قال : فاحذروا يا
أهل مكة ، فأنا المجيد الحق الذي ليس فوقي أحد .
البروج : ( 19 ) بل الذين كفروا . . . . .
ثم استأنف ، فقال : ( بل الذين كفروا في تكذيب ) [ آية : 19 ] يقول :
لكن يا محمد الذين
كفروا لا يؤمنون ، فلما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك ، وقرأ عليهم سأله رجل من جلسائه عن(3/471)
صفحة رقم 472
علم الله عز وجل في عباده شئ بداً له من بعدما خلقهم ، أو كان قبل أن يخلقوا ؟ فأنزل
الله عز وجل ،
البروج : ( 20 ) والله من ورائهم . . . . .
) والله من ورائهم محيط ) [ آية : 20 ]
البروج : ( 21 ) بل هو قرآن . . . . .
) بل هو ( يعنى لكن هو ) قرءانٌ
مجيدٌ ) [ آية : 21 ] يقول : هو قرآن مجيد ، يقول : هو كتاب مجيد
البروج : ( 22 ) في لوح محفوظ
) في لوح محفوظ ) [ آية :
22 ] قبل أن يخلقوا ، وأن الله عز وجل قد فرغ من علم عباده ، وعلم ما يعملون قبل أن
يخلقهم ، ولم يجبرهم على المعصية .(3/472)
صفحة رقم 473
86
سورة الطارق
مكية ، عددها سبع عشرة آية كوفى
تفسير سورة الطارق من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 17 ) .
الطارق : ( 1 - 2 ) والسماء والطارق
) والسماء والطاقر وما أدراك ( يا محمد ) ما الطارق ) [ آية : 2 ] فسرها له ؟ فقال :
الطارق : ( 3 ) النجم الثاقب
) النجم الثاقب ) [ آية : 3 ] يعنى المضئ إن
الطارق : ( 4 ) إن كل نفس . . . . .
) إن كل نفس لما عليها حافظ ) [ آية : 4 ] وذلك أن
الله عز وجل خلق النجوم ثلاثة نجوم يهتدى بها ، ونجوم رجوم للشياطين ، ونجوم مصابيح
الأرض ، فأقسم الله عز وجل بها ، فقال : إن كل نفس ما من نفس لما عليها حافظ من
الملائكة يكتبون حسناته وسيئاته ، قال : فإن لا يصدق هذا الإنسان بالبعث
الطارق : ( 5 ) فلينظر الإنسان مم . . . . .
) فلينظر
الإنسن مم خلق ) [ آية : 5 ] قال :
الطارق : ( 6 ) خلق من ماء . . . . .
) خلق من ماء دافق ) [ آية : 6 ] ثم فسر الماء الدافق ، فقال :
خلق من ماء الرجل ، والمرأة والتصق بعضه على بعض فخلق منه
الطارق : ( 7 ) يخرج من بين . . . . .
) يخرج ( ذلك الماء
) من بين الصلب والترائب ) [ آية : 7 ] يقول : من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، والترائب
موضع القلادة ، ، فأما ماء الرجل ، فإنه أبيض غليظ منه العصب والعظم ، وأما ماء المرأة ،
فإنه أصفر رقيق منه اللحم والدم والشعر
الطارق : ( 8 ) إنه على رجعه . . . . .
) إنه ( الرب تبارك وتعالى الذي خلقه من ماء
دافق .
) على رجعه لقادر ) [ آية : 8 ] قادر على أن يبعثه يوم القيامة
الطارق : ( 9 ) يوم تبلى السرائر
) يوم تبلى السرائر ) [ آية :
9 ] يوم تختبر السرائر كل سريرة من الذنوب عملها ابن آدم ،
الطارق : ( 10 ) فما له من . . . . .
) فما له من قوة ( يمتنع من
الله بقوته ) ولا ( له ) ناصر ) [ آية : 10 ] ينصره من الله تعالى ، ثم أقسم الله تعالى ،(3/473)
صفحة رقم 474
فقال :
الطارق : ( 11 ) والسماء ذات الرجع
) والسماء ذات الرجع ) [ آية : 11 ] ذات المطر
الطارق : ( 12 ) والأرض ذات الصدع
) والأرض ذات الصدع ) [ آية : 12 ]
بالنبات
الطارق : ( 13 ) إنه لقول فصل
) إنه لقول فصل ) [ آية : 13 ] يقول : إن الذي وصفته في هذه السورة لقول
فصل ، يقول لهو قول الحق .
الطارق : ( 14 ) وما هو بالهزل
ثم قال : ( وما هو بالهزل ) [ آية : 14 ] يقول : وما هو باللعب ، ثم انقطع الكلام ، وأما
قوله :
الطارق : ( 15 - 17 ) إنهم يكيدون كيدا
) إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً فمهل الكفرين أمهلهم رويداً ) [ آية : 17 ]
فإنهم لما رأوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد أظهر الإيمان ، وآمن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فلما
آمن عمر ، قال بعضهم لبعض : ما ترى أمر محمد إلا يزداد يوماً بيوم ، ونحن في نقصان
لا شك ، لأنه والله يفوق جمعنا وجماعتنا ، ويكثر ونقل ، ولا شك إلا أنه سيغلبنا ، فيخرجنا
من أرضنا ، ولكن قوموا بنا حتى نستشير في أمرهن فدخلوا دار الندوة منهم عتبة بن
ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، وأبو البحتري بن هشام ، وعمرو بن عمير
بن مسعود الثقفي ، فلما دخلوا دخل معهم إبليس في صورة رجل شيخ ، فنظروا إليه ،
فقالوا : يا شيخ من أدخلك علينا ؟ ومن أنت ؟ قد علمت أنا قد دخلنا هاهنا في أمرٍ ما
نريد أن يعلم به أحد ، قال إبليس : إني والله ، لست من أرض تهامة ، وإني رجل من
الأزد ، ويقال : من نجد ، قدمت اليمن وأنا أريد العراق ، في طلب حاجة ، ولكني رأيتكم
حسنة وجوهكم ، طيبة رائحتكم ، فأحببت أن أستريح وأسمع من أحاديثكم ، فقال بعضهم
لبعض : لا بأس علينا منه ، وإنه والله ليس من أرض تهامة ، قالوا : يا شيخ أغلق الباب
وأجلس .
فقال أبو جهل بن هشام : ما تقولون في هذا الرجل الذي قد خالف ديننا وسب
آلهتنا ، ويدعو إلى غير ديننا وليس يزداد أمره إلا كثرة ، ونحن في قلة وينبغي لنا أن نحتال ؟
ثم قال : يا عمر بن عمير ما تقول فيه ؟ قال عمرو : رأيى فيه أن نردفه على بعير وناقة ،
فنخرجه من الحرم ، فيكون شره على غيرنا .
قال إبليس : عند ذلك بئس الرأي رأيت يا شيخ ، تعمد إلى رجل قد ارتكب منكم ما
قد ارتكب ، وهو أمر عظيم ، فنظر دونه فلا شك أنه يذهب فيجمع جموعاً ، فيخرجكم
من أرضكم .
قالوا : ما تقول يا أبا البحترى ؟ قال : أما والله ، إن رأيى فيه ثابت ، قالوا : ما هو ؟ قال :
ندخله في بيت فنسد بابه عليه ، ونترك له ثلمة قدر ما يتناول منه طعامه وشرابه ونتربص
به إلى أن يموت .(3/474)
صفحة رقم 475
قال إبليس عند ذلك : بئس والله ، الرأي رأيت يا شيخ تعمدون إلى رجل هو عدو لكم
فتربونه ، فلا شك أن يغضب له قومه فيقاتلونكم حتى يخرجوه من أيديكم فما لكم
وللشر ؟ قالوا : صدق والله فما تقول : يا أبا جهل ؟ قال : تعمدون إلى كل بطن من قريش
فنختار منهم رجالاً فنمكنها من السيوف ويمشون كلهم بجماعتهم فيضربونه ، حتى
يقتلوه فلا يستطيع بنو هاشم أن تعادى قريشاً كلهم ، وتؤدون ديته .
قال إبليس : صدق والله ، الشاب فخرجوا على ذلك القول راضين بقتله ، وسمع عمه
أبو طالب ، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب ، فلم يخبر محمداً لعله أن يجزع من القتل ،
فيهرب ، فيكون مسبة عليهم ، فأنزل الله عز وجل : ( أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون (
[ الزخرف : 79 ] ، يقول : أم أجمعوا أمراً على قتل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فإنا مجمعون أمراً على قتلهم
ببدر ، وقال : ( أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون ) [ الطور : 42 ] ، وقال :
( إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً فمهل الكفرين أمهلهم رويداً ( .
قال : فسمع أبو طالب ما سمع ، قال : يا ابن أخي ما هذه الهينمة ؟ قال : أما تعلم يا عم
ما أرادت قريش ؟ قال :
سمعت ما سمعته يا ابن أخي ، قال : نعم ، قال : ومن أخبرك بذلك ؟
قال : ربي ، قال : أما والله ، يا ابن أخي إن ربط بك لحفيظ فامض لما أمرت يا ابن أخي ،
فليس عليك غضاضة .(3/475)
صفحة رقم 476
8
سورة الأعلى
سورة الأعلى مكية ، عددها تسع عشرة آية كوفى
تفسير سورة الأعلى من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 19 ) .
الأعلى : ( 1 ) سبح اسم ربك . . . . .
قوله : ( سبح اسم ربك ) [ آية : 1 ] يقول سبحانه : نزاه اسم ربك الأعلى ، يقول :
نزهه من الشرك بشهادة أن لا إله إلا الله ، فذلك قوله : ( الأعلى ( قال :
الأعلى : ( 2 ) الذي خلق فسوى
) الذي خلق (
الإنسان في بطن أمه من نطفة ، ثم من علقمة ، ثم من مضغة ، قال : ( فسوى ) [ آية : 2 ]
يقول : فسوى خلقه
الأعلى : ( 3 ) والذي قدر فهدى
) والذي قدر فهدى ) [ آية : 3 ] يقول : الذي قدر الولد في بطن أمه
تسعة أشهر ، فلما بلغ الوقت هداه للخروج من بطن أمه ، وأيضاً قوله : ( قدر فهدى (
يعني قدر الذكر والأنثى فعلمه ، كيف يأتيها ؟ وكيف تأتيه ؟ .
الأعلى : ( 4 ) والذي أخرج المرعى
وأما قوله : ( والذي أخرج المرعى ) [ آية : 4 ]
الأعلى : ( 5 ) فجعله غثاء أحوى
) فجعله غثاء أحوى ) [ آية : 5 ] بصنعه
يقول : الذي أخرج الحشيش والكلأ في الشتاء ، فتراه رطباً فيجعله بعد الرطوبة ، والخضرة
إلى اليبوسة ، قوله :
الأعلى : ( 6 ) سنقرئك فلا تنسى
) سنقرئك ( القرآن يا محمد نجمعه في قلبك ) فلا تنسى ) [ آية : 6 ]
فلا تنساه أبداً ، ثم استثنى ، فقال :
الأعلى : ( 7 ) إلا ما شاء . . . . .
) إلا ما شاء الله ( يعني إلا ما شاء الله فينسخها ،
ويأت بخير منها ، ثم قال : ( إنه يعلم الجهر وما يخفى ) [ آية : 7 ] يعلم الجهر من القول
والفعل ، وما يخفى منهما .
الأعلى : ( 8 ) ونيسرك لليسرى
) ونيسرك لليسرى ) [ آية : 8 ] يقول : ونبدلك مكان آية بأيسر منها ، ثم قال :(3/476)
صفحة رقم 477
الأعلى : ( 9 ) فذكر إن نفعت . . . . .
) فذكر ( يا محمد يقول : اذكر بشهادة أن لا إله إلا الله ) أن ( يعنى قد ) نفعت الذكرى ) [ آية : 9 ] شهادة أن لا إله إلا الله ، الذين من قبلك ، قال :
الأعلى : ( 10 ) سيذكر من يخشى
) سيذكر من يخشى (
[ آية : 10 ] يقول : سيوحد الله من يخشاه ، يقول : من يخشاه غفر له ، ولم يؤاخذه
الأعلى : ( 11 ) ويتجنبها الأشقى
) ويتجنبها الأشقى ) [ آية : 11 ] يقول : ويتهاون بها ، يعنى بالتوحيد الأشقى
الأعلى : ( 12 ) الذي يصلى النار . . . . .
) الذي (
قد سبق علم الله فيه بالشقاء الذي ) يصلى النار الكبرى ( آية : 12 ] وهي نار جهنم ،
قال :
الأعلى : ( 13 ) ثم لا يموت . . . . .
) ثم لا يموت فيها ولا يحيى ) [ آية : 13 ] يقول : لا يموت في النار فيستريح ، ولا يحيا
حياة طيبة ، ولكنه في بلاء ما دام في النار يأتيه الموت من كل مكان ، وما هو بميت
ويحترق كل يوم سبع مرات ، ثم يعاد إلى العذاب ليس له طعام إلا من لحمه ، فذلك قوله :
ولا طعام إلا من غسلين ، يأكل النار وتأكله وهو في النار ، لباسه النار ، وعلى رأسه نار ،
وفي عنقه نار ، وفي كل مفصل منه سبعة ألوان من ألوان العذاب ، لا يرحم أبداً ، ولا
يشبع أبداً ، ولا يموت أبداً ، ولا يعيش معيشة طيبة أبداً ، الله عليه غضبان ، والملائكة
غضاب ، وجهنم غضبانة .
الأعلى : ( 14 - 15 ) قد أفلح من . . . . .
قوله : ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) [ آية : 15 ] يقول :
قد أفلح من
أدى الزكاة ، وشهد أن لا إله إلا الله ، وصلى الصلوات الخمس ، قوله :
الأعلى : ( 16 ) بل تؤثرون الحياة . . . . .
) بل تؤثرون
الحيوة الدنيا ) [ آية : 16 ] يقول : بل تختارون الحياة الدنيا
الأعلى : ( 17 - 18 ) والآخرة خير وأبقى
) والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى ) [ آية : 18 ] يقول : الكتب الأولى
الأعلى : ( 19 ) صحف إبراهيم وموسى
) صحف إبراهيم ( كيف
إبراهيم ) و ( كتب ) وموسى ) [ آية : 19 ] وهي التوراة ، فأما صحف إبراهيم فقد
رفعت .(3/477)
صفحة رقم 478
88
سورة الغاشية
مكية ، عددها ست وعشرون آية
تفسير سورة الغاشية من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 26 ) .
الغاشية : ( 1 ) هل أتاك حديث . . . . .
) هل أتك حديث الغشية ) [ آية : 1 ] يعنى قد أتاك حديث أهل النار من قوله :
( تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ) [ المؤمنون : 104 ] ، وكل شئ في القرآن
) هل أتاك ( ، يقول : قد أتاك ، ثم أخبر عن حالهم ، فقال :
الغاشية : ( 2 ) وجوه يومئذ خاشعة
) وجوهٌ يومئذٍ خاشعةٌ [ آية :
2 ] يعنى ذليلة
الغاشية : ( 3 ) عاملة ناصبة
) عاملةٌ ناصبةٌ ) [ آية : 3 ] يعنى عاملة في النار ، النار تأكله ، ويأكل من
النار ، يعنى ناصبة للعذاب صاغرة
الغاشية : ( 4 - 5 ) تصلى نارا حامية
) تصلى ناراً حاميةً تسقى من عينٍ ءانيةٍ ) [ آية : 5 ]
يعنى من عين قد انتهى حرها ، وذلك أن جهنم تسعر عليهم منذ يوم خلقت إلى يوم
يدلخونها ، وهي عين تخرج من أصل جبل طولها مسيرة سبعين عاماً ، ماؤها أسود كدردى
الزيت ، كدر غليظ كثير الدعاميص ، تسقيه الملائكة بإناء من حديد من نار فيشربه ، فإذا
قرب الإناء من فيه أحرق شدقيه ، وتناثرت أنيابه وأضراسه ، فإذا بلغ صدره نضج قلبه ،
فإذا بلغ بطنه إلى كما يغلى الحميم من شدة الحر ، حتى يذوب كما يذوب الرصاص إذا
أصابه النار ، فيدعو الشقى بالويل ، فذلك قوله : ( تسقى من عينٍ ءانيةٍ ( .(3/478)
صفحة رقم 479
الغاشية : ( 6 ) ليس لهم طعام . . . . .
ثم أخبر عن طعام الشقى ، فقال : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) [ آية : 6 ] وهي
شجرة تكون بمكة كثيرة الشوك لا تقربها دابة في الأرض من شوكها ، ولا يستطيع أحد
أن يمسها من كثرة شوكها ، وتسميها قريش ، وهي رطبة في الربيع الشبرق ، وتصيب
الإبل من ورقها في الربيع ما دامت رطبة ، فإذا يبست لم تقربها الإبل ، وما من دابة في
الأرض من الهوام والسباع ، وما يؤذى بني آدم إلا مثلها في النار سلطها الله عز وجل
على أهلها ، لكنها من نار ، وما خلق الله شيئاً في النار إلا من النار ، ثم قال :
الغاشية : ( 7 ) لا يسمن ولا . . . . .
) لا يسمن ولا يغني من جوع ) [ آية : 7 ] فإنهم لا يطعمون من أجل الجوع ، وإنما من أجل العذاب .
الغاشية : ( 8 ) وجوه يومئذ ناعمة
ثم ذكر أولياءه من أهل طاعته ، فقال : ( وجوه يومئذ ناعمة ) [ آية : 8 ] يعنى فرحة
شبه الله عز وجل وجوههم بوجوه قوم فرحين ، إذا أصابوا الشراب طابت أنفسهم ،
فاجتمع الدم في وجوههم ، فاجتمع فرح القلوب وفرح الشراب ، فهو ضاحك الوجه
مبتسم طيب النفس ، ثم قال :
الغاشية : ( 9 ) لسعيها راضية
) لسعيها راضية ) [ آية : 9 ] يعنى قد رضى الله عمله ،
فأثابه الله عز وجل ذلك بعمله .
الغاشية : ( 10 ) في جنة عالية
قال : ( في جنة عالية ) [ آية : 10 ] وإنما سمها عالية لأن جهنم أسفل منها ، وهي
دركات ، والجنة درجات ، ثم قال :
الغاشية : ( 11 ) لا تسمع فيها . . . . .
) لا تسمع فيها لغيةً ) [ آية : 11 ] يقول : لا يسمع
بعضهم من بعض غيبة ، ولا كذب ، ولا شتم ، قوله :
الغاشية : ( 12 ) فيها عين جارية
) فيها عين جارية ) [ آية : 12 ] يعنى
في الجنة لأنها فيها تجري الأنهار
الغاشية : ( 13 ) فيها سرر مرفوعة
) فيها سرر مرفوعة ) [ آية : 13 ] منسوجة بقضبان الدر
والذهب عليها سبعون فراشاً ، كل فراش قدر غرفة من غرف الدنيا ، فذلك قوله : ( سرر مرفوعة ( .
الغاشية : ( 14 ) وأكواب موضوعة
وأكوابٌ موضوعةٌ ) [ آية : 14 ] يعنى مصفوفة وهي أكواب من فضة ، وهي من الصفاء
مثل القوارير مدورة الرءوس ليس لها عرى ولا خراطيم ،
الغاشية : ( 15 ) ونمارق مصفوفة
) ونمارق مصفوفةٌ ) [ آية : 15 ]
يعني الوسائد الكبار العظام مصفوفة على الطنافس ، وهي بلغة قريش خاصة ، ثم قال :
الغاشية : ( 16 ) وزرابي مبثوثة
) وزرابى مبثوثةٌ ) [ آية : 16 ] يعنى طنافس مبسوطة بعضها على بعض ، يذكرهم الله عز
وجل صنعه ليعتبر عباده فيحرصوا عليها ، ويرغبوا فيها ، ويحذروا النار ، فإن عقوبته على
قدر سلطاته وكرامته قدر سلطانه .
الغاشية : ( 17 ) أفلا ينظرون إلى . . . . .
ثم ذكر عجائبه ، فقال : ( أفلا ينظرون إلى الإبل ( لأن العرب لم يكونوا رأوا الفيل ،
وإنما ذكر لهم ما أبصروا ، ولو أنه قال : أفلا ينظرون إلى الفيلة ) كيف خلقت ) [ آية :(3/479)
صفحة رقم 480
17 ] لم يتعجبوا لها لأنهم لم يروها
الغاشية : ( 18 ) وإلى السماء كيف . . . . .
) وإلى السماء كيف رفعت ) [ آية : 18 ] من فوقهم خمس
مائة عام
الغاشية : ( 19 ) وإلى الجبال كيف . . . . .
) وإلى الجبال كيف نصبت ) [ آية : 19 ] على الأرض أوتاداً لئلا تزول بأهلها ، ثم
قال :
الغاشية : ( 20 ) وإلى الأرض كيف . . . . .
) وإلى الأرض كيف سطحت ) [ آية : 20 ] يعنى كيف بسطت من تحت الكعبة
مسيرة خمس مائة عام .
الغاشية : ( 21 ) فذكر إنما أنت . . . . .
ثم قال : ( فذكر ( أهل مكة يا محمد ) إنما أنت مذكر ) [ آية : 21 ] كالذين من
قبلك
الغاشية : ( 22 ) لست عليهم بمصيطر
) لست عليهم بمصيطر ) [ آية : 22 ] يقول : لست عليهم بملك ، ثم نسختها آية
السيف في براءة ، ثم قال :
الغاشية : ( 23 ) إلا من تولى . . . . .
) إلا من تولى ( يعنى أعرض ) وكفر ) [ آية : 23 ] بالإيمان
الغاشية : ( 24 ) فيعذبه الله العذاب . . . . .
) فيعذبه الله ( في الآخرة ) العذاب الأكبر ) [ آية : 24 ] وإنما سماه الله الأكبر لأن الله
كان أوعدهم القتل والجوع في الدنيا ، فقال : الأكبر ، لأنه أكبر من الجوع والقتل ، وهو
عذاب جهنم ، ثم قال :
الغاشية : ( 25 ) إن إلينا إيابهم
) إن إلينا إيابهم ) [ آية : 25 ] يعنى مصيرهم
الغاشية : ( 26 ) ثم إن علينا . . . . .
) ثم إن علينا حسابهم ) [ آية : 26 ] يعنى جزاءهم على الله هين .(3/480)
صفحة رقم 481
89
سورة الفجر
مكية ، عددها ثلاثون آية كوفى
تفسير سورة الفجر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 14 ) .
الفجر : ( 1 ) والفجر
) والفجر ) [ آية : 1 ] يعنى غداة جمع يوم النحر
الفجر : ( 2 ) وليال عشر
) وليال عشر ) [ آية : 2 ] فهي عشر
ليال قبل الأضحى ، وأما سماها الله ، عز وجل ، ليال عشر لأنها تسعة أيام وعشر ليال
الفجر : ( 3 ) والشفع والوتر
) والشفع والوتر ) [ آية : 3 ] وأما الشفع فهو آدم وحواء ، عليهما السلام ، وأما الوتر فهو
الله عز وجل
الفجر : ( 4 ) والليل إذا يسر
) واليل إذا يسر ) [ آية : 4 ] يعنى إذا أقبل ، وهي ليلة الأضحى فأقسم الله
بيوم النحر ، والعشر ، وبآدم وحواء ، وأقسم بنفسه ، فلما فرغ منها ، قال :
الفجر : ( 5 ) هل في ذلك . . . . .
) هل في ذلك قسم لذي حجر ) [ آية : 5 ] يعنى إن في ذلك القسم كفاية لذي اللب ، يعنى ذا العقل ،
فيعرف عظم هذا القسم ، فأقسم الله ) إن ربك لبالمرصاد ) [ الفجر : 14 ] .
الفجر : ( 6 ) ألم تر كيف . . . . .
وأما قوله : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد ) [ آية : 6 ] يعنى بقوم هود ، وإنما سماهم قوم
هود ، لأن أباهم كان اسمه ابن سمل بن لمك بن سام بن نوح ، مثل ما تقول العرب ربيعة
ومضر وخزاعة وسليم ، وكذلك عاد وثمود ، ثم ذكر قبيلة من قوم عاد ، فقال :
الفجر : ( 7 ) إرم ذات العماد
) إرم (
وهي قبيلة من قبائلهم اسمها إرم ، ثم قال : ( ذات العماد ) [ آية : 7 ] يعنى ذات
الأساطين ، وهي أساطين الرهبانيين التي تكون في الفيافى والرمال ، فشبه الله عز وجل
طولهم إذ كانوا قياماً في البرية بأنه مثل العماد ، وكان طول أحدهم ثمانية عشر ذراعاً ،
ويقال : اثنى عشر ذراعاً في السماء مثل أعظم أسطوانة تكون ، قال :
الفجر : ( 8 ) التي لم يخلق . . . . .
) التي لم يخلق مثلها
في البلد ) [ آية : 8 ] يقول :
ما خلق الله عز وجل مثل قوم عاد في الآدميين ، ولا مثل
إرم في قوم عاد .(3/481)
صفحة رقم 482
الفجر : ( 9 ) وثمود الذين جابوا . . . . .
ثم ذكر ثمود ، فقال : ( وثمود ( وهو أبوهم ، وبذلك سماهم ، وهم قوم صالح ، فقال :
( الذين جابوا الصخر بالواد ) [ آية : 9 ] يقول : الذين نقبوا الصخر بالوادى ، وذلك أنهم
كانوا يعمدون إلى أعظم جبل فيثقبونه ، فيجعلونه بيتاً ، ويجعلون بابه منها ، وغلقه منها ،
فذلك قوله : ( وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ) [ الشعراء : 149 ] ، ثم ذكر فرعون
واسمه مصعب بن جبر ، ويقال : الوليد بن مصعب ، فقال :
الفجر : ( 10 ) وفرعون ذي الأوتاد
) وفرعون ذي الأوتاد ) [ آية :
10 ] وذلك أنه أوثق الماشطة على أربع قوائم مستلقية ، ثم سرح عليها الحيات
والعقارب ، فلم يزلن يلسعنها ويلدغنها ، ويدخلون من قبلها ويخرجون من فيها حتى
ذابت كما يذوب الرصاص ، لأنه تكلمت بالتوحيد ، وذلك أنها كانت تمسط هيجل بنت
فرعون ، فوقع المشط من يدها ، فقالت : باسم الله وخيبة لمن كفر بالله ، فقالت ابنة
فرعون : وأي إله هذا الذي تذكرين ؟ قالت : إله موسى ، فذهبت فأخبرت أباها ، فكان
من أمرها ما كان ، فذلك قوله : ( وفرعون ذي الأوتاد ( يقول : إنه أوثق امرأة على أربع
قوائم من أجل أنها عرفتني .
الفجر : ( 11 ) الذين طغوا في . . . . .
ثم جمع عاداً وثمود وفرعون ، فقال : ( الذين طغوا في البلاد ) [ آية : 11 ] يعني الذين
عملوا فيها بالمعاصي
الفجر : ( 12 ) فأكثروا فيها الفساد
) فأكثروا فيها الفساد ) [ آية : 12 ] يقول : فأكثروا فيها المعاصي ،
فلما كثرت معصيتهم
الفجر : ( 13 ) فصب عليهم ربك . . . . .
) فصب عليهم ربك سوط عذاب ) [ آية : 13 ] يعنى نقمته وكانت
نقمته عذاباً ، ثم رجع إلى قسمه الأول ، فقال :
الفجر : ( 14 ) إن ربك لبالمرصاد
) إن ربك لبالمرصاد ) [ آية : 14 ] يعنى
بالصراط ، وذلك أن جهنم عليها سبع قناطر ، كل قنطرة مسيرة سبعين عاماً ، على كل
قنطرة ملائكة قيام ، وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم مثل البرق ، بأيديهم المحاسر والمحاجن ،
والكلاليب يسألون في أول قنطرة عن الإيمان ، وفي الثانية يسألون عن الصلوات الخمس ،
وفي الثالثة يسألون عن الزكاة ، وفي الرابعة يسألون عن صوم رمضان ، وفي الخامسة
يسألون عن حج البيت ، وفي السادسة يسألون عن العمرة ، وفي السابعة يسألون عن
مظالم الناس ، فذلك قوله : ( إن ربك لبالمرصاد ( .
تفسير سورة الفجر من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 30 ) .(3/482)
صفحة رقم 483
الفجر : ( 15 ) فأما الإنسان إذا . . . . .
وأما قوله : ( فأما الإنسن إذا ما ابتلته ربه فأكرمه ونعمهٍ فيقول ربي أكرمن ) [ آية : 15 ]
نزلت الآية في أمية بن خلف الجمحي ، وعبد الله بن نفيل ، أتاه يأمره بالمعروف ، وينهاه
عن المنكر ، ويذكره ذلك ، فقال له أمية بن خلف : ويحك أليس الله يقول : ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ) [ محمد : 11 ] ، قال عبد الله نفيل :
نعم ، قال : فما له أغناني وأفقرك ؟ قال : كذلك أراد الله ، قال أمية : بل أغنانى الله لكرامتي
عليه ، وأفقرك لهوانك عليه ، قال عبد الله بن خطل عند ذلك : لخليق أن يكون الله فعل
ذلك ، فأنزل الله تعالى : ( فأما الإنسن إذا ما ابتله ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن (
الفجر : ( 16 ) وأما إذا ما . . . . .
) وأما إذا ما ابتلته فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهنن ) [ آية : 1 6 ] قال : يقول : كلا ما أغنيت
هذا الغنى لكرامته ، ولا أفقرت هذا الفقير لهوانه على ، ولكن كذلك أردت أن أحسن إلى
هذا الغني في الدنيا ، وأهون على هذا الفقير حسابه يوم القيامة ، ثم قال في سورة
أخرى : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) [ آية : 5 ، 6 ] يقول : ليس من
شدة إلا بعدها رخاء ، ولا رخاء إلا بعده شدة .
الفجر : ( 17 ) كلا بل لا . . . . .
ثم انقطع الكلام ، ثم ذكر أمية بن خلف الجمحي ، وذكر مساوئه ، فقال : ( كلا (
ما الأمر كما قال أمية بن خلف ) بل ( يعنى لكل ) لا تكرمون اليتيم ) [ آية : 17 ]
الفجر : ( 18 ) ولا تحاضون على . . . . .
) ولا تحضون على طعام المسكين ) [ آية : 18 ] لأنهم لا يرجون بها الآخرة
الفجر : ( 19 ) وتأكلون التراث أكلا . . . . .
) وتأكلون التراث أكلا لما ) [ آية : 19 ] يعنى تأكلون الميراث أكلاً شديداً
الفجر : ( 20 ) وتحبون المال حبا . . . . .
) وتحبون المال حبا جما ) [ آية : 20 ] ويجمعون المال جمعاً كثيراً ، وهي بلغة مالك بن
كنانة ، ثم قال :
الفجر : ( 21 ) كلا إذا دكت . . . . .
) كلا ( ما يؤمنون بالآخرة وهو وعيد ، وأما قوله : ( إذا دكت الأرض دكا دكا ) [ آية : 21 ] يعني إذا تركت فاستوت الجبال مع الأرض الممدودة .
الفجر : ( 22 ) وجاء ربك والملك . . . . .
ثم قال : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) [ آية : 22 ] وذلك أنه تنشق السماوات
والأرض ، فتنزل ملائكة كل سماء ، وتقوم ملائكة كل سماء على حدة ، فيجئ الله ، تبارك
وتعالى ، كما قال : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك ) [ الأنعام :
158 ] ، وكما قال : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظل من الغمام والملائكة (
[ البقرة : 210 ] قياماً صفوفاً ، قال :
الفجر : ( 23 ) وجيء يومئذ بجهنم . . . . .
) وجأئ يومئذٍ بجهنم ( يجاء بها في مسيرة خمس(3/483)
صفحة رقم 484
مائة عام عليها سبعون ألف زمام على كل زمام سبعون ألف ملك ، متعلقون بها
يحبسونها عن الخلائق ، وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم مثل البرق ، فإذا تكلم أحدهم
تناثرت من فيه النار من فيه بيد كل ملك منهم مرزبة ، عليها ألفاً وسبعون رأساً كأمثال
الجبال ، وهي أخف في يده من الريش ، ولها سبعة رءوس كرءوس الأفاعي ، وأعينهم
زرق ، تنظر إلى الخلائق من شدة الغضب ، تريد أن تنفلت على الخلائق من غضب الله عز
وجل ، ويجاء بها حتى تقام على ساق .
ثم قال : ( يومئذٍ يتذكر الإنسن ( يعنى أمية بن خلف الجمحى إذا عاين الغار
والملائكة ، ثم قال : ( وأنى له الذكرى ) [ آية : 2 3 ] يعنى ومن أين له التذكرة في
الآخرة ؟ وقد كفر بها في الدنيا ، ثم قال يخبر عن حالهم ، وما يقولون في الآخرة إذا
عاينوا النار ، فقال :
الفجر : ( 24 ) يقول يا ليتني . . . . .
) يقول يا ليتني قدمت لحياتي ) [ آية : 24 ] في الدنيا لآخرتي يقول الله
تعالى :
الفجر : ( 25 ) فيومئذ لا يعذب . . . . .
) فيومئذ لا يعذب عذابه ( أي لا يعذب كعذاب الله ) أحد ) [ آية : 25 ] يعنى ليس
أعظم من الله تعالى سلطانه على قدر عظيمته ، وعذابه مثل سلطانه ، ثم قال :
الفجر : ( 26 ) ولا يوثق وثاقه . . . . .
) ولا يوثق وثاقه أحد ) [ آية : 26 ] يعنى ولا يوثق كوثاق الله عز وجل .
الفجر : ( 27 ) يا أيتها النفس . . . . .
قوله : ( يأيتها النفس المطمئنة ) [ آية : 27 ] يعنى المطمئنة بالإيمان
الفجر : ( 28 ) ارجعي إلى ربك . . . . .
) ارجعي إلى ربك راضية ( لعملك ) مرضية ) [ آية : 28 ] بما أعطاك الله عز وجل من الخير والجزاء
الفجر : ( 29 ) فادخلي في عبادي
) فادخلي (
في عبدى ) [ آية : 29 ] يعنى في رحمتى
الفجر : ( 30 ) وادخلي جنتي
) وادخلي ( من رحمتي في ) جنتى ) [ آية : 30 ]
نظيرها في طس النمل ، قول سليمان بن داود ، عليهما السلام : ( وأدخلني برحمتك في
عبادك الصالحين ) [ النمل : 19 ] نزلت هذه الآية في حبيب بن عدي الذي صلبه أهل
مكة ، وجعلوا وجهه نحو المدينة ، فقال :
اللهم إن كان لي عندك خير ، فحول وجهي نحو
قبلتها ، فحول الله عز وجل وجهه نحو هذه القبلة من غير أن يحوله أحد ، فلم يستطيع أن
يحوله عنها أحد .
حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال :
حدثنا مقاتل بن
سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عباس ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال : خلق الله
السماء الدنيا من ماء حرج مكفوف ، والثانية من حديد ، والثالثة من فضة ، والرابعة من
شبه ، والخامسة من ذهب ، والسادسة من ياقوتة حمراء ، والسابعة من نور عليها ملائكة
من نور قيام صفاً صفاً ، فذلك قوله : ( والصافات صفاً ) [ الصافات : 1 ] ، فهم أهل
السماء السابعة .(3/484)
صفحة رقم 485
90
سورة البلد
مكية ، عددها عشرون آية كوفى
تفسير سورة البلد من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 20 ) .
البلد : ( 1 ) لا أقسم بهذا . . . . .
قوله : ( لا أقسم بهذا البلد ) [ آية : 1 ] يعنى مكة
البلد : ( 2 ) وأنت حل بهذا . . . . .
) وأنت حل بهذا البلد ) [ آية : 2 ]
يعنى لم أحلها لأحد من قبلك ولا من بعدك ، وإنما أحللتها لك ساعة من النهار ، وذلك
أن الله عز وجل لم يفتح مكة على أحد غيره ، ولم يحل بها القتل لأحد ، غير ما قتل النبي
( صلى الله عليه وسلم ) مقيس بن ضبابة الكناني وغيره ، حين فتح مكة ، قال الله تبارك وتعالى :
البلد : ( 3 ) ووالد وما ولد
) ووالد وما ولد ) [ آية : 3 ] يعني آدم وذريته عليه السلام إلى أن تقوم الساعة ، فأقسم الله عز وجل
بمكة ، وبآدم وذريته
البلد : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . .
) لقد خلقنا الإنسن في كبدٍ ) [ آية : 4 ] منتصباً قائماً ، وذلك أن الله
تبارك وتعالى خلق كل شئ على أربع قوائم غير ابن آدم يمشي على رجلين ، نزلت هذه
الآية في الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف القرشي ، وذلك أنه أصاب ذنباً ، وهو
بالمدينة ، فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ما كفارته ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' اذهب فاعتق
رقبة ، أو أطعم ستين مسكيناً ' ، قال : ليس غير هذا ؟ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' هو الذي
أخبرتك ' ، فرجع من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو مهموم مغموم حتى أتى أصحابه ، فقال :
والله ، ما أعلم إلا أني لئن دخلت في دين محمد إن مالى لفى نقصان من الكفارات
والنفقة في سبيل الله ، ما يظن محمد إلا أنا وجدنا هذا المال في الطريق لقد أنفقت مالاً(3/485)
صفحة رقم 486
لبداً ، يعنى مالاً كثيراً ، فأنزل الله عز وجل ) لقد خلقنا الإنسن في كبدٍ ( .
البلد : ( 5 ) أيحسب أن لن . . . . .
) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ) [ آية : 5 ] يعنى بالأحد الله عز وجل ، يعنى نفسه ،
أيحسب هذا الإنسان أن لن يقدر الله عز وجل على أن يذهب بماله ، وإن أحرزه
البلد : ( 6 ) يقول أهلكت مالا . . . . .
) يقول أهلكت مالا لبدا ) [ آية : 6 ] ثم قال الله تعالى وهو بعده الخير :
البلد : ( 7 ) أيحسب أن لم . . . . .
) أيحسب أن لم يره أحد (
[ آية : 7 ] أو يحسب هذا الإنسان أن الله تعالى ليس يرى ما ينفق وليس يحصيه ؟ وهو يخلقه
عليه ، ثم ذكر النعم ، فقال :
البلد : ( 8 - 10 ) ألم نجعل له . . . . .
) ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهدينه
النجدين ) [ آية : 10 ] يقول : بيتاً له سبيل الخير والشر ، ثم حرضه على الكفارة ، فقال :
البلد : ( 11 ) فلا اقتحم العقبة
) فلا اقتحم العقبة ) [ آية : 11 ] وهو مثل ضربه الله عز وجل له يقول :
إن الذنوب بين
يديك مثل الجبل ، فإذا أعتقت رقبة اقتحم ذلك الذنوب حتى تذوب وتذهب ، كمثل
رجل بين يديه عقبة فيقتحم فيستوى بين يديه ، وكذلك من أصاب ذنباً واستغفر ربه ،
وكفره بصدقة تتقحم ذنوبه حتى تحطمها تحطيماً مثل الجبل إذا خر ، فيستوى مع
الأرض ، فذلك قوله : ( فلا اقتحم العقبة ( .
البلد : ( 12 ) وما أدراك ما . . . . .
قال : ( وما أدرك ما العقبة ) [ آية : 12 ] تعظيماً لها ، قال :
البلد : ( 13 - 14 ) فك رقبة
) قك رقبةٍ أو إطعمٌ
في يومٍ ذي مسغبةٍ ) [ آية : 14 ] يعنى مجاعة
البلد : ( 15 ) يتيما ذا مقربة
) يتيما ذا مقربة ) [ آية : 15 ] يعنى ذا قرابة
البلد : ( 16 ) أو مسكينا ذا . . . . .
) أو مسكينا ذا متربة ) [ آية : 16 ] يعنى فقيراً قد التصق ظهره بالتراب من العرى ، وشدة
الحاجة ، فيستحى أن يخرج ، فيسأل الناس ، وذلك كله لقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعتق رقبة ، أو
أطعم ستين مسكيناً ، يقول الله عز وجل أعجز أن يفعل من هذين الأمرين واحداً ، وكان
يظن أن الله تعالى لم يكن يراه إذا أنفق فيخلف عليه تلك النفقة ، فذلك قوله : ( أيحسب أن لم يره أحد ) [ البلد : 7 ] ، يعنى الله عز وجل .
البلد : ( 17 ) ثم كان من . . . . .
) ثم كان من الذين ءامنوا ( بالله تعالى وملائكته ، وكتبه ورسله وجنته وناره ) وتواصوا بالصبر ( يعنى على فرائض الله تعالى ما افترض عليهم في القرآن ، فإنهم إن لم يؤمنوا
بالله ، ولم يعملوا الصالحات ، ولم يصبروا على الفرائض ، لم أقبل منهم كفاراتهم
وصدقاتهم ، ثم ذكر الرحم ، فقال : ( وتواصوا بالمرحمة ) [ آية : 17 ] يعنى بالمرحمة ، يعنى
بالرحم ، فلا يقطعونها ، ثم قال
البلد : ( 18 ) أولئك أصحاب الميمنة
) أؤلئك ( يعنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات ،
وتواصوا بالصبر ، وتواصوا بالمرحمة هم ) أصحاب الميمنة ) [ آية : 18 ] الذين يؤتون كتبهم
بأيمانهم يوم القيامة ، قال :
البلد : ( 19 ) والذين كفروا بآياتنا . . . . .
) والذين كفروا بئايتنا ( يعني بالقرآن ) هم أصحب المشئمة (
[ آية : 19 ] يعنى الذين يعطون كتبهم بشمائلهم والمشأمة بلغة بني غطيف حي من مراد ،(3/486)
صفحة رقم 487
وكل ذلك يخوف الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف
البلد : ( 20 ) عليهم نار مؤصدة
) عليهم نارٌ موصدةٌ ) 6 [ آية :
20 ] يعنى مطبقة وهي جهنم .(3/487)
صفحة رقم 488
91
سورة الشمس
مكية ، عددها خمس عشرة آية كوفى
تفسير سورة الشمس من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 15 ) .
الشمس : ( 1 ) والشمس وضحاها
قوله : ( والشمس وضحها ) [ آية : 1 ] يعنى وحرها
الشمس : ( 2 ) والقمر إذا تلاها
) والقمر إذا تلاها ) [ آية : 2 ] يعنى
إذا تبعها يسير من خلفها ، وله حفيف في السماء
الشمس : ( 3 ) والنهار إذا جلاها
) والنهار إذا جلاها ) [ آية : 3 ] يعنى
جلاها الرب تبارك وتعالى من ظلمة الليل
الشمس : ( 4 ) والليل إذا يغشاها
) واليل إذا يغشها ) [ آية : 4 ] يعنى تغشى
ظلمته ضوء النهار
الشمس : ( 5 ) والسماء وما بناها
) والسماء وما بناها ) [ آية : 5 ] يعني وبالذي بناها ، ثم قال :
الشمس : ( 6 ) والأرض وما طحاها
) والأرض
وما طحها ) [ 6 ] يعنى أقسم بالأرض ، وبالذي بسطها ، يعني الرب تعالى نفسه ، ثم قال :
الشمس : ( 7 ) ونفس وما سواها
) ونفسٍ وما سوها ) [ آية : 7 ] يعني آدم ، وما سواها ، يعني وبالذي خلقها ، يعني نفسه
فسوى اليدين والرجلين والعينين والأذنين
الشمس : ( 8 ) فألهمها فجورها وتقواها
) فألهمها فجورها وتقوها ) [ آية : 8 ] يعني
وعلمها الضلالة والهدى .
الشمس : ( 9 ) قد أفلح من . . . . .
ثم عظم الرب نفسه ، فقال : ( قد أفلح من زكاها ) [ آية : 9 ] يعني قد أسعدها الله
يعني أصلحها الله تعالى ، فإنه من أصلحه الله ، فقد أفلح
الشمس : ( 10 ) وقد خاب من . . . . .
) وقد خاب من دساها ) [ آية :
10 ] يعني وقد هلك من أشقاه الله عز وجل ، ثم ذكر ثمود ، فقال :
الشمس : ( 11 - 12 ) كذبت ثمود بطغواها
) كذبت ثمود بطغواها ) [ آية : 11 ] يعني الطغيان والشقاء حملها على التكذيب ، لأنه طغى عليهم
الشقاء مرتين ، مرة بما كذبوا الله عز وجل وعموا عن الإيمان به ، والأخرى عقروا الناقة ،
فذلك قوله : ( كذبت ثمود بطغوها إذ انبعث أشقاها ) [ آية : 12 ] ، وأما قوله :(3/488)
صفحة رقم 489
الشمس : ( 13 ) فقال لهم رسول . . . . .
( 2 فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ) [ آية : 13 ] يعني بالرسول صالح ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو بين
لهم أمر الناقة وشربها ، وما يفعل الله عز وجل بهم إن كذبوا وعقروا الناقة ، فذلك قوله :
( فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها 2
الشمس : ( 14 ) فكذبوه فعقروها فدمدم . . . . .
( ( فكذبوه ( بما جاء به ) فعقروها ( يعني
قتلوا الناقة فحل بهم العذاب ، قال : ( فدمدم عليهم ربهم ) ) ثم قال ( ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ( يقول :
إنما كان بذنبهم ، بذلك أنهم لما
عقروا الناقة اتبعد الفصيل حتى صعد على جبل فصاح ثلاث مرات : يا صالح ، قتلت أمي
وفزع أهل المدينة كلهم إلى صالح ، فقالوا : ما جئتنا ؟ قال : حيلتكم أن تأخذوا الفصيل ، فعسى الله أن يكف عنكم العذاب في شأن الفصيل ، فلما صعدوا الجبل ليأخذوه فر من
بين أيديهم وتوارى فلم ير ، وغاب ، قالوا : يا صالح ، ما يفعل الله بنا ؟ قال : كم من صيحة
صالح الفصيل ؟ قالوا : ثلاث مرات ، قال : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك الوعد الذي
صالح الفصيل غير مكذوب ، يقول : إنه لا يكذب فيه ، قالوا : وما علامة ذلك يا صالح ؟
قال : غنكم تصفر وجوهكم يوم الثاني ، وتسود وجوهكم يوم الثالث ، ثال : ثم يأتيكم
العذاب يوم الرابع ، فلما أن كان اليوم الأول اصفرت وجوه القوم ، فلم يصدقوا ، وقالوا :
إنما هذه الصفرة من الخوف والفرق ، فلما كان اليوم الثاني احمرت وجوههم واستيقنوا
بالعذاب ، ثم إنهم عمدوا فحفروا لنفسهم قبوراً وتحنطوا بالمر والصبر وتكفتوا بالأنطاع ،
فلما أن كان اليوم الثالث اسودت وجوههم حتى لم يعرف بعضهم بعضاً من شدة
السواد ، والتغير ، فلما أن كان اليوم الرابع أصبحوا فدخلوا حفرهم ، فلما أشرقت
الشمس ، وارتفع النهار لم يأتهم العذاب ، فظنوا أن الله يرحمهم ، وخرجوا من قبورهم ،
ودعوا بعضهم بعضاً ، إذ نزل جبريل ، عليه السلام ، فسد ضوء الشمس حتى دخلوا في
قبورهم ، فصاح بهم جبريل ، عليه السلام ، فلما عاينوا جبريل ، عليه السلام ، ونظروا إلى
ضوء الشمس شدوا حتى دخلوا في قبورهم ، فناموا فصاح بهم جبريل صيحة أن قوموا عليكم لعنة الله ، فسالت أرواحهم من أجسادهم ، زلزلت بيوتهم حتى وقعت على
قبورهم إلى يوم القيامة ، فأصبحوا كأن لم يكن بمدينتهم شئ ، فذلك قوله : ( كان لم
يغنوا فيها ) [ هود : 68 ] وذلك قوله : ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها (
[ آية : 14 ] يعني فسوى بيوتهم على قبورهم ، قوله : ( ولا يخاف عقبها ) [ 15 ] .
قال في التقديم : ( إذ انبعث أشقاها ) ) 2 )
الشمس : ( 15 ) ولا يخاف عقباها
( ولا يخاف عقباها ( عاقر الناقة من الله عز
وجل ، وإنما كان أصحاب الشراب تسعة نفس منهم قدار بن قديرة ، وهو عاقر الناقة(3/489)
صفحة رقم 490
وسالف ، وجذع ، وقيل ، وجزيل ، وهذيل ، وجمال بن مالك ، وحبابة بن أذاذ ، وجميل بن
جواد .
فذلك قوله تعالى : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) [ النمل : 48 ] ، قال أبو صالح : بعض هؤلاء المسمين يوافق تسمية عاقري
الناقة في سورة النمل ، وهذا قول ، وأولئك قول قوم آخرين والله أعلم .(3/490)
صفحة رقم 491
92
سورة الليل
مكية ، عددها إحدى وعشرون آية
تفسير سورة الليل من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 21 ) .
الليل : ( 1 ) والليل إذا يغشى
قوله : ( واليل إذا يغشى ) [ آية : 1 ]
الليل : ( 2 ) والنهار إذا تجلى
) والنهار إذا تجلى ( آية : 2 ] أقسم الله عز وجل
بالليل إذا غشى ظلمته ضوء النهار ، والنهار إذا تجلى عن ظلمة الليل ، فقال : ( ان سعيكم ( إن أعمالكم ) لشتى ) [ الليل : 4 ] يا أهل مكة .
الليل : ( 3 ) وما خلق الذكر . . . . .
قوله : ( وما خلق الذكر والأنثى ) [ آية : 3 ] يعني آدم وحواء وما هاهنا صلة ، فأقسم الله
عز وجل بنفسه ، وبهؤلاء الآيات ، فقال : والذي خلق الذكر والأنثى ، نظيرها في
) الشمس وضحاها ) [ الشمس : 1 ] .
الليل : ( 4 ) إن سعيكم لشتى
) إن سعيكم لشتى ) [ آية : 4 ] يا أهل مكة ، يقول :
أعمالكم مختلفة في الخير والشر ثم
قال :
الليل : ( 5 ) فأما من أعطى . . . . .
) فأما من أعطى ( المال في حق الله عز وجل ) واتقى ) [ آية : 5 ] ونزلت هذه الآية
في أبي بكر الصديق ، رحمة الله عليه ، وذلك أنه مر على أبي سفيان ، وهو صخر بن
حرب ، وإذا هو يعذب بلالاً على إسلامه ، وقد وضع حجراً على صدره ، فهو يعذبه
عذاباً شديداً ن فقال له أبو بكر الصديق ، رحمة الله عليه : أتعذب عبداً على معرفة ربه ؟
قال أبو سفيان :
أما والله ، إنه لم يفسد هذا العبد الأسود غيركم ، أنت وصاحبك ، يعنى
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال له أبو بكر ، رضي الله عنه : هل لك أن أشتريه منك ؟ قال : نعم .(3/491)
صفحة رقم 492
قال أبو بكر : والله ما أجد لهذا العبد ثمناً ، قال له صخر بن حرب : والله إن جبلاً من
شعر أحب إلى منه ، فقال له الصديق أبو بكر : والله إنه خير من ملء الأرض ذهباً ، قال له
أبو سفيان : اشتره مني ، قال له أبو بكر : قد اشتريت هذا العبد الذي على ديني بعبد مثله
على دينك ، فرضى أبو سفيان ، فاشترى أبو بكر بلالاً ، رضي الله عنه ، فأعتقه .
قال أبو سفيان لأبي بكر ، رضي الله عنه : أفسدت مالك ومال أبي قحافة ، قال : أرجو
بذلك المغفرة من ربي ، قال : متى هذا ؟ قال أبو بكر ، رضي الله عنه : يوم تدخل سقر
تعذب ، قال : أليس تعدني هذا بعد الموت ؟ قال : نعم ، قال : فضحك الكافر واستلقى ،
وقال : يا عتيق أتعدني البعث بعد الموتى ؟ وتأمرني أن أرفض مالي إلى ذلك اليوم ؟ لقد
خسرت واللات والعزى إن مالك قد ضاع ، وإنك لا تصيب مثله أبداً ، قال له أبو بكر ،
رضي الله عنه : والله ، لأذكرنك هذا اليوم يا أبا سفيان ، فأنزل الله عز وجل : ( فأما من أعطى واتقى
الليل : ( 6 ) وصدق بالحسنى
وصدق بالحسنى ) [ آية : 6 ] يقول بعدة الله عز وجل أن يخلفه في الآخرة
خيراً ، إذا أعطى في حق الله عز وجل .
الليل : ( 7 ) فسنيسره لليسرى
) فسنيسره لليسرى ) [ آية : 7 ] يعنى نيسره للعودة إلى أن يعطى فسنيسره للخير
الليل : ( 9 ) وكذب بالحسنى
) وأما من بخل واستغنى ) [ آية : 8 ] عن الله تعالى في نفسه ) وكذب بالحسنى ) [ آية : 9 ] يعنى بعدة
الله بأن يخلفه خيراً منه
الليل : ( 10 ) فسنيسره للعسرى
) فسنيسره للعسرى ) [ آية : 10 ] يقول : نعسر عليه أن يعطى خيراً
الليل : ( 11 ) وما يغني عنه . . . . .
) وما يغني عنه ماله ( الذي بخل به في الدنيا ) إذا تردى ) [ آية : 11 ] يعني إذا مات ،
وتردى في النار ، يعني أبا سفيان ، يقول الله تعالى :
الليل : ( 12 ) إن علينا للهدى
) إن علينا للهدى ) [ آية : 12 ] يعنى
بيان الهدى
الليل : ( 13 ) وإن لنا للآخرة . . . . .
) وإن لنا للآخرة والأولى ) [ آية : 13 ] يعني الدنيا والآخرة
الليل : ( 14 ) فأنذرتكم نارا تلظى
) فأنذرتكم ( يا أهل
مكة ) نارا تلظى ) [ آية : 14 ] يعني تتوقد وتشتعل
الليل : ( 15 ) لا يصلاها إلا . . . . .
) لا يصلها ( يعني النار ) إلا الأشقى ) [ آية : 15 ] يعني هؤلاء النفر من أهل مكة .
الليل : ( 16 ) الذي كذب وتولى
) الذي كذب وتولى ) [ آية : 16 ] الذين كذبوا بالقرآن وتولى يعني وأعرض عن
الإيمان
الليل : ( 17 ) وسيجنبها الأتقى
) وسيجنبها ( يعني النار ، يقول : يجنب الله النار ) الأتقى ) [ آية : 17 ] يعني أبا
بكر الصديق
الليل : ( 18 ) الذي يؤتي ماله . . . . .
) الذي يؤتي ماله يتزكى ) [ آية : 18 ] يعني يتصلح
الليل : ( 19 ) وما لأحد عنده . . . . .
) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ) [ آية : 19 ] وأيضاً ، وذلك أن أبا بكر ، رضي الله عنه ، وأرضاه مر على بلال
المؤذن ، وسيدة أمية بن خلف الجمحي يعذبه على الإسلام ، ويقول : لا أدعك حتى تترك
دين محمد ، فيقول بلال : أحد أحد .(3/492)
صفحة رقم 493
فقال أبو بكر ، رحمة الله عليه : أتعذب عبد الله على الإيمان بالله عز وجل ؟ فقال سيده
أمية : إما إنه لم يفسده على إلا أنت وصاحبك ، يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فاشتره مني ، قال : نعم ،
قال سيده أمية : بماذا ؟ قال أبو بكر : بعبد مثله على دينك ، فرضى ، فعمد أبو بكر ، رضي
الله عنه ، إلى عبد فاشتراه ، وقيض أبو بكر بلالاً ، رحمة الله عليه ، وأعتقه ، فقال أمية لأبي
بكر ، رضي الله عنه : لو أبيت إلا أن تشتريه بأوقية من ذهب لأعطيتكها ، قال أبو بكر ،
رضي الله عنه : وأنت لو أبيت إلا أربعين أوقية من ذهب لأعطيتكها .
فكره أبو قحافة عتقه ، فقال لأبي بكر :
أما عملت أن مولى القوم من أنفسهم ، فإذا
أعتقت فاعتق من له منظر وقوة ، وكان بلال أسود الوجه ، فأنزل الله عز وجل في أبي
بكر ، رضي الله عنه : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( يقول : يجزيه بذلك ، ولكن إنما
يعطى ماله
الليل : ( 20 ) إلا ابتغاء وجه . . . . .
) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) [ آية : 20 ] الرفيع فوق خلقه
الليل : ( 21 ) ولسوف يرضى
) ولسوف يرضى (
[ آية : 21 ] هذا العبد يعني أبا بكر ، رضي الله عنه ، وأن أبا بكر ، رضي الله عنه ، اشترى
تسعة نفر يعذبون على الإسلام ، منهم بلال المؤذن ، وعامر بن فهيرة ، وأخته ، وزنيرة ،
وابنتها ، وحارثة بن عمر ، وأم كياس ، والنهدية وابنتها ، كانت لامرأة من بني عبد الدار
تضربها على الإسلام ، فأعتقهم أبو بكر الصديق ، عليه السلام .(3/493)
صفحة رقم 494
93
سورة الضحى
مكية ، عددها إحدى عشرة آية كوفى
تفسير سورة الضحى من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 11 ) .
الضحى : ( 1 ) والضحى
قوله : ( والضحى ) [ آية : 1 ]
الضحى : ( 2 ) والليل إذا سجى
) واليل إذا سجى ) [ آية : 2 ] أقسم الله عز وجل ،
فقال : والضحى يعني حر الشمس وهي أول ساعة من النهار حين تطلع الشمس ، وبالليل
إذا سجى ، يعني إذا غطى بهيمه ضوء النهار ، فأقسم الله عز وجل ببدو الليل والنهار ،
فقال :
الضحى : ( 3 ) ما ودعك ربك . . . . .
) ما ودعك ربك ( يا محمد ) وما قلى ) [ آية : 3 ] يعني وما مقتك ، وذلك أن
جبريل ، عليه السلام ، لم ينزل على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أربعين يوماً ، ويقال : ثلاثة أيام ، فقال :
مشركوا العرب من أهل مكة : لو كان من الله للتتابع عليه الوحى ، كما كان يفعل بمن
كان قبله من الأنبياء ، فقد ودعه الله وتركه صاحبه ، فما يأتيه ، فقال المسلمون : يا رسول
الله ، فما نزل عليك الوحي ؟ قال : كيف ينزل على الوحي ، وأنتم لا تنقون براجمكم ، ولا
تقلمون أظفاركم ، قال : أقسم الله بهما ، يعني بالليل والنهار ، فقال : ما ودعك ربك ، يا
محمد ، وما قلى ، يقول : وما مفتك ، لقولهم قد ودعه ربه وقلاه ، فلما نزل جبريل ، عليه
السلام ، قال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' يا جبريل ، ما جئت حتى اشتقت إليك ' ، فقال جبريل ، عليه
السلام : أنا كنت إليك أشد شوقاً لكرامتك على الله عز وجل ، ولكني عبد مأمور ،
)( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا ( من الدنيا ) وما خلفنا ( من الآخرة
) وما بين ذلك ( ، يعنى بين الدنيا والآخرة بين النختين ، وهي أربعون سنة .
ثم قال : ( وما كان ربك نسيا ) [ مريم : 64 ] ، يقول : لم ينسك ربك يا محمد ،
الضحى : ( 4 ) وللآخرة خير لك . . . . .
) وللآخرة ( يعني الجنة ) خير لك من الأولى ) [ آية : 4 ] يعني من الدنيا ، يعني أنه قد(3/494)
صفحة رقم 495
دنت القيامة والآخرة خير لك من الدنيا
الضحى : ( 5 ) ولسوف يعطيك ربك . . . . .
) ولسوف يعطيك ربك ( في الآخرة ، وهو
الخير ) فترضى ) [ آية : 5 ] يعني حتى ترضى ، ثم ترضى ، ثم ترضى بما يعطيك ، ثم أخبره
الله عز وجل عن حاله التي كان عليها ، وذكره النعم ، فقال له جبريل عليه السلام :
الضحى : ( 6 ) ألم يجدك يتيما . . . . .
) ألم
يجدك يتيماً فئاوى ) [ آية : 6 ] يقول : فضمك إلى عنك أبي طالب ، فكفاك المؤنة ، فقال
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' من على ربي وهو أهل المن ' ، فقال جبريل ، عليه السلام :
الضحى : ( 7 ) ووجدك ضالا فهدى
) ووجدك ضالا (
عن الدلالة ) فهدى ) [ آية : 7 ] فهداك لدينه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' من على ربي وهو أهل
المن ' ، فقال جبريل ، عليه السلام :
الضحى : ( 8 ) ووجدك عائلا فأغنى
) ووجدك عائلا ( يعني فقيراً ) فأغنى ) [ آية : 8 ]
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' من على ربي ، وهو أهل المن ' .
الضحى : ( 9 ) فأما اليتيم فلا . . . . .
ثم وصاه الله عز وجل ، فقال : ( فأما اليتيم فلا تقهر ) [ آية : 9 ] يقول : لا تنهره ، ولا
تعبس في وجهه ، فقد كنت يتيماً
الضحى : ( 10 ) وأما السائل فلا . . . . .
) وأما السائل ( يعني الفقير المسكين ) فلا تنهر (
[ آية : 10 ] لا تنهره إذا سألك فقد كنت فقيراً
الضحى : ( 11 ) وأما بنعمة ربك . . . . .
) وأما بنعمة ربك فحدث ) [ آية : 11 ]
يعني اشكر الله على ما ذكر في هذه السورة ، وما صنع الله عز وجل بك من الخير ، إذ
قال : ألم تكن كذا ، ففعلت بك كذا ، أنزلت هاتين السورتين جميعاً بمكة : والضحى ،
والليل ، وألم نشرح لك صدرك ، فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يحدث بهما سراً إلى من يطمئن إليه ، ثم
أتاه جبريل ، عليه السلام ، بأعلى مكة فدفع الأرض بيديه فانفرت عين ماء ، فتوضأ
جبريل ، عليه السلام ، ليرى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وضوء الصلاة ، ثم توضأ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فصلى به
جبريل ، عليه السلام ، فلما انصرف أخبر خديجة ، ثم صلت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .(3/495)
صفحة رقم 496
94
سورة الشرح
سورة ألم نشرح ، عددها ثماني آيات كوفى
تفسير سورة الشرح من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 8 ) .
الشرح : ( 1 ) ألم نشرح لك . . . . .
قوله : ( ألم نشرح لك صدرك ) [ آية : 1 ] يقول : ألم نوسع لك صدرك بعد ما كان
ضيقاً لا يلج فيه الإيمان حتى هداه الله عز وجل ، وذلك قوله : ( ووجدك ضالا فهدى ) [ الضحى : 7 ] ، وقوله : ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) [ الشورى :
52 ] ، وذلك أن أربع مائة رجل من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من أصحاب الصفة ، كانوا قوماً
مسلمين ، فإذا تصدقوا عليهم شيئاً أكلوه وتصدقوا ببعضه على المساكين ، وكانوا يأوون
في مسجد رسول الله ، ولم يكن لهم بالمدينة قبيلة ، ولا عشيرة ، ثم إنهم خرجوا محتسبين يجاهدون المشركين ، وهم بنو سليم كان بينهم وبين المسلمين حرب فخرجوا
يجاهدونهم ، فقتل منهم سبعون رجلاً ، فشق ذلك على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وعلى المسلمين ، ثم إن
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يدعو عليهم في دبر كل صلاة الغداة يقنت فيها ، ويدعو عليهم أن
يهلكهم الله .
فقال الله تعالى : ( ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم
ظالمون ) [ آل عمران : 128 ] ، ثم عظم الرب تعالى نفسه ، فقال : ( ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم ) [ آل
عمران : 129 ] في تأخير العذاب عنهم ، لعلم قد سبق فيهم أن يسلموا ، وأنزل الله عز
وجل ) ألم نشرح لك صدرك ( يعني ألم يوسع لك صدرك ، يعني بالإيمان ، يقول : بالتوحيد
حتى تقولها ، قول : لا إله إلا الله .
الشرح : ( 2 ) ووضعنا عنك وزرك
) ووضعنا عنك وزرك ) [ آية : 2 ] يقول : وحططنا عنك ذنبك ،
الشرح : ( 3 ) الذي أنقض ظهرك
) الذي أنقض(3/496)
صفحة رقم 497
ظهرك ) [ آية : 3 ] يقول للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : كان أثقل ظهرك فوضعناه عنك ، لقوله : ( إنا فتحنا
لك فتحاً مبيناً ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك
صراطاً مستقيماً ) [ الفتح : 1 ، 2 ] يا محمد
الشرح : ( 4 ) ورفعنا لك ذكرك
) ورفعنا لك ذكرك ) [ آية : 4 ] في الناس
علماً ، كلما ذكر الله تعالى ذكر معه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى في خطبة النساء
الشرح : ( 5 ) فإن مع العسر . . . . .
) فإن مع العسر
يسراً ) [ آية : 5 ]
الشرح : ( 6 ) إن مع العسر . . . . .
) إن مع العسر يسراً ) [ آية : 6 ] يقول : إن مع الشدة الرخاء .
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند ذلك : ' لن يغلب ، إن شاء الله ، عسر واحد يسرين أبداً ' ، ثم قال :
الشرح : ( 7 - 8 ) فإذا فرغت فانصب
) فإذا فرغت ( يا محمد من الصلاة المكتوبة بعد التشهد والقراءة والركوع والسجود ،
وأنت جالس قبل أن تسلم ) فانصب وإلى ربك ( بالدعاء ) فارغب ) [ آية : 8 ] إليه
في المسألة ، فنهاه عن القنوت في صلاة الغداة .
حدثنا عبد الله بن ثابت ، حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : حدثنا مقاتل ، عن
عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عباس ، قال : فارقني خليلي على أربع خصال ، كان
يؤذن مرتين ، ويقيم مرتين ، ويسلم مرتين ، حتى يستبين بياض خده الأيمن والأيسر ، وكان
لا يقنت في صلاة الغداة ، وكان يسفر جداً ( صلى الله عليه وسلم ) .(3/497)
صفحة رقم 498
95
سورة التين
مكية وعددها ثمان آيات
تفسير سورة التين من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 8 ) .
التين : ( 1 ) والتين والزيتون
قوله : ( والتين والزيتون ) [ آية : 1 ] أقسم الله عز وجل بالتين الذي يؤكل ، والزيتون
الذي يخرج منه الزيت
التين : ( 2 ) وطور سينين
) وطور سينين ) [ آية : 2 ] يعني الجبل الحسن وهو بالنبطية ، وهو
الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى ، عليه السلام ، يوم أخذ التوراة ، وكل جبل لا
يحمل الثمر لا يقال له سيناء ،
التين : ( 3 ) وهذا البلد الأمين
) وهذا البلد الأمين ) [ آية : 3 ] يعني مكة يأمن فيه كل
خائف ، وكل أحد في الجاهلية والإسلام ، ولا تقام فيه الحدود فأقسم الله عز وجل
بهؤلاء الآيات الأربع .
التين : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . .
فقال : ( لقد خلقنا الإنسن في أحسن تقويم ) [ آية : 4 ] يعني يمشي على رجلين وغيره
يمشي على أربع ، وأحسن التقويم الشباب ، وحسن الصورة ،
التين : ( 5 ) ثم رددناه أسفل . . . . .
) ثم رددنه ( بعد الشباب
والصورة الحسنة ) أسفل سافلين ) [ آية : 5 ] يعني من الصورة لأنه يسقط حاجباه ،
ويذهب شبابه ، وعقله ، وقوته ، وصوته ، وصورته ، فلا يكون شيئاً أقبح منه ، وما خلق الله
شيئاً أحسن من الشباب ، ثم استثنى ، فقال :
التين : ( 6 ) إلا الذين آمنوا . . . . .
) إلا الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فلهم أجرٌ غير
ممنونٍ ) [ آية : 6 ] يعني غير منقوص ، لا يمن به عليهم ، يقول : ليس الأجر في الهرم إلا
للمؤمنين ، وذلك أن المؤمن إذا كبر ومرض كتب له حسناته في كبره ، وما كان يعمل
في شبابه وصحته لا ينقص ، ولا يمن له عليه ، وأما الكافر ، فإنه إذا شاخ وكبر ختم له
بالشرك ، ووجبت له النار فيموت والله تبارك وتعالى عليه غضبان ، والملائكة والسماوات
والأرض .(3/498)
صفحة رقم 499
التين : ( 7 ) فما يكذبك بعد . . . . .
قوله : ( فما يكذبك بعد بالدين ) [ آية : 7 ] يقول : ما يكذبك ، أيها الإنسان ، يعني عدي
بن ربيعة بالدين ، يعني بالبعث بعد الصورة الحسنة والشباب ، وبعد الهرم ، وفيه نزلت هذه
الآية ، يقول : يكذبك بالقيامة ، فيقول الله : الذي فعل ذلك به قادر على أن يبعثه
فيحاسبه ، ثم قال :
التين : ( 8 ) أليس الله بأحكم . . . . .
) أليس الله بأحكم الحكمين ) [ آية : 8 ] على أن يحكم بينك وبين أهل
مكة ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' بلى ، وانا على ذلك من الشاهدين ، يا أحكم الحاكمين ' ،
يعني يا أفصل الفاصلين ، يقول : يفصل بينك يا محمد وبين أهل التكذيب ، وكل شئ في
القرآن أليس الله يقول : أنا الله .
حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا الهذيل ، حدثنا مقاتل ، عن أبي عبيدة ، عن أنس بن
مالك ، قال :
من شاب رأسه في الإسلام ، ولحيته كانت له بكل شعرة حسنة ، وصارت
كل شعرة فيه نوراً يوم القيامة .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن خالد الزيات ، عن من
حدثه ، عن أنس بن مالك ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال :
المولود حتى يبلغ الحنث ، ما عمل من
حسنة كتبت لوالديه ، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ، ولا على والديه ، فإذا بلغ
الحنث ، وجرى عليه القلم أمر الملكان اللذان معه أن يتحفظا وأن يسددا ، فإذا بلغ أربعين
سنة في الإسلام أمنه الله عز وجل من البلايا الثلاثة من الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ
الخمسين خفف عنه حسابه ، فإذا بلغ الستين رزقه الله عز وجل الإتابة إليه ، فإذا بلغ
السبعين أحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين كتب له حسناته ، وتجاوز عن سيئاته ، فإذا
بلغ التسعين غفر له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر ، وشفع في أهل بيته ، وسمى عبد الله أسير
الله في أرضه ، فإذا بلغ أرذل العمر ) لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) [ الحج : 5 ] كتب
له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير ، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه ' .(3/499)
صفحة رقم 500
96
سورة العلق
مكية ، عددها تسع عشرة آية كوفى
سورة العلق من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 19 ) .
العلق : ( 1 ) اقرأ باسم ربك . . . . .
قوله : ( اقرأ باسم ربك ( يعني بالواحد ) الذي خلق ) [ آية : 1 ] يعني الإنسان ، وكان
أول شئ نزل من القرآن خمس آيات من أول هذه السورة
العلق : ( 2 ) خلق الإنسان من . . . . .
) خلق الإنسن من علقٍ ) [ آية :
2 ] وهي النطفة التي تكون عشرين ليلة ، ثم تصير ماء ودماً ، فذلك العلق ، قوله :
العلق : ( 3 ) اقرأ وربك الأكرم
) اقرأ وربك الأكرم ) [ آية : 3 ]
العلق : ( 4 ) الذي علم بالقلم
) الذي علم بالقلم ) [ آية : 4 ] وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دخل
المسجد الحرام ، فإذا أبو جهل يقلد إلهه الذي يعبده طوقاً من ذهب ، وقد طيبه بالمسك ،
وهو يقول : يا هبل لكل شئ سكن ، ولك خير جزاء ، أما وعزتك لأسرنك القابل ،
وذلك أنه كان ولد له في تلك السنة ألف من الإبل ، وجاءه عير من الشام فربح عشرة
آلاف مثقال من الذهب ، فجعل ذلك الشكر لهبل ، وهو صنم كان في جوف الكعبة
طوله ثمانية عشرة ذراعاً .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ويحك ، أعطاك إلهك وشكرت غيره ، أما والله لله فيك نقمة ،
فانظر متى تكون ؟ ويحك ، يا عم ، أدعوك إلى الله وحده ، فإنه ربك ورب آياتك الأولين ،
وهو خلقك ورزقك ، فإن اتبعتنى أصبت الدنيا والآخرة ' ، قال له : واللات والعزى ورب
هذه البنية لئن لم تنته عن مقالتك هذه ، فإن وجدتك هاهنا ، وأنت تعيد غير آلهتنا(3/500)
صفحة رقم 501
لأسفعنك على ناصيتك يقول : لأخرجنك على وجهك ، أليس هؤلاء بناته ، قال : وأني
يكون له ولد ؟ .
العلق : ( 5 ) علم الإنسان ما . . . . .
فأنزل الله عز وجل : ( علم الإنسن ما لم يعلم ) [ آية : 5 ] والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذٍ بالأراك
ضحى ، ثم بين ، فقال : ( خلق الإنسن من علقٍ ( يعنى من دم حتى تحولت النطفة دماً ، اقرأ
يا محمد ، ثم استأنف ، فقال : ( وربك الأكرم الذي علم ( الكتابة ) بالقلم علم
الإنسن ( من القرآن ) ما لم يعلم ( .
العلق : ( 6 ) كلا إن الإنسان . . . . .
ثم قال : ( كلا ( لا يعلم إن عملته ، ثم استأنف ، فقال : ( إن الإنسن ليطغى ) [ آية :
6 ] في نعم الله عز وجل ، يعنى أبا جهل بن هشام ، وكان إذا أصاب مالاً أشر يعنى
بطرفي ثيابه ، وفي مراكبه ، وفي طعامه وشرابه ، فذلك طغيانه ، إذا رأى نفسه استغنى ،
وكان موسراً طغى ، فخوفه الله الرجعة إليه ، فقال :
العلق : ( 7 - 8 ) أن رآه استغنى
) أن رءاه استغنى إن إلى ربك
الرجعى ) [ آية : 8 ] خوفه في القيامة في التقديم بعد أن قال : ( وربك الأكرم ( ، ثم هدده
فيما بعد بقوله : ( لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ) [ العلق : 15 ] ، ثم ذكر الناصية ، فقال :
( ناصية كاذبة خاطئة ) [ آية : 16 ] .
العلق : ( 9 - 10 ) أرأيت الذي ينهى
ثم قال : ( أرءيت الذي ينهى عبداً إذا صلى ) [ آية : 10 ] وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
فرضت عليه الصلاة بمكة ، فقال أبو جهل : لئن رأيت محمداً يصلي لأضربن عنقه ، فقال
الله ، عز وجل : ( أرءيت الذي ينهى عبداً إذا صلى ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، يقول الله تعالى :
العلق : ( 11 ) أرأيت إن كان . . . . .
) أرءيت إن كان ( ، يعنى محمداً ) على الهدى ) [ آية : 11 ]
العلق : ( 12 ) أو أمر بالتقوى
) أو أمر بالتقوى ) [ آية : 12 ]
يعني بالإخلاص
العلق : ( 13 ) أرأيت إن كذب . . . . .
) أرءيت إن كذب ( أبو جهل بالقرآن ) وتولى ) [ آية : 13 ] ، يعني
وأعرض
العلق : ( 14 ) ألم يعلم بأن . . . . .
) ألم يعلم ( أبو جهل ) بأن الله يرى ) [ آية : 14 ] النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ، ويرى جمع
أبي جهل .
العلق : ( 15 ) كلا لئن لم . . . . .
ثم قال : ( كلا ( لا يعلم أن الله عز وجل يرى ذلك كله ، ثم خوفه ، فقال : ( لئن لم ينته ( يعني أبا جهل عن محمد ، بالتكذيب والتولي ) لنسفعا بالناصية ) [ آية : 15 ] يقول :
لنأخذن بالناصية أخذاً شديداً ، ثم أخبر عنه أنه فاجر ، فقال :
العلق : ( 16 ) ناصية كاذبة خاطئة
) ناصية كذبةٍ خاطئةٍ ) [ آية :
16 ] يقول : إنما يجره الملك على وجهه في النار من خطيئته ، ثم قال :
العلق : ( 17 ) فليدع ناديه
) فليدع ناديه ) [ آية : 17 ] يعنى بني مخزوم ، يعني ناصره
العلق : ( 18 ) سندع الزبانية
) سندع الزبانية ) [ آية : 18 ] فهم أشد غضباً
عليه من بني مخزوم على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، لأنه قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : لئن لم تنته ورأيتك هاهنا(3/501)
صفحة رقم 502
فأراد بذلك أن يذل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأنزل فيه يذله ، فقال : لئن لم ينته عنك ، وعن
مقالته الشرك ) لنسفعا بالناصية ( ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' رأيت أبا جهل في طمطام من
نار يجر على وجهه في نار جهنم على جبال من جمر فيطرح في أوديتها ، فيقول : بأبي
محمد وأمي لقد كان ناصحاً لي ، وأراد بي خيراً ، ولكني كنت مسيئاً إلى نفسي ، وأردت
به شراً ، رب ردني إلى قومي ، فأؤمن به ، وآمر بني مخزوم أن يؤمنوا به .
العلق : ( 19 ) كلا لا تطعه . . . . .
قال : ( كلا لا نطعه واسجد واقترب ) [ آية : 19 ] لأنهم كانوا يبدؤون بالسجود ، ثم
بعد السجود بالركوع ، ثم بعد الركوع بالقيام ، فكانوا يقومون ، ويطلبون المسألة من
آلهتهم فأمر الله تعالى أن يسجدوا ويقتربوا ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسجد ، ثم يركع ، ثم
يقوم ، فيدعو الله تعالى ويحمد فخالف الله تعالى على المشركين بعد ذلك ، فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم )
أن يبدأ بالقيام ، ثم بالركوع ، ثم السجود .
قال : ( فليدع ناديه ( يعني ناصره ) سندع الزبانية ( يعني خزنة جهنم أرجلهم في
الأرضين السفلى ورءوسهم في السماء ) كلا لا تطعه ( يقول للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
لا تطع أبا
جهل في أن تترك الصلاة ، ) واسجد ( يقول : وصل لله عز وجل ) واقترب ( إليه
بإطاعة ، فلما سمع أبو جهل ذكر الزبانية ، قال : قد جاء وعد الله وانصرف عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
وقد كان هم به ، فلا رجع قالوا له : يا أبا الحكم خفته ؟ قال : لا ، ولكني خفت الزبانية .(3/502)
صفحة رقم 503
9
سورة القدر
مدنية ، عددها خمس آيات كوفى
تفسير سورة القدر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
القدر : ( 1 ) إنا أنزلناه في . . . . .
قوله : ( إنا أنزلنه ( يعني القرآن أنزله الله عز وجل من اللوح المحفوظ إلى سماء
الدنيا ، إلى السفرة ، وهم الكتبة من الملائكة ، وكان ينزل تلك الليلة من الوحي على قدر
ما ينزل به جبريل ، عليه السلام ، على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في السنة كلها إلى مثلها من قابل حتى
نزل القرآن كله ) في ليلة القدر ) [ آية : 1 ] من شهر رمضان من السماء ، ثم قال :
القدر : ( 2 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما
أدرك ما ليلة القدر ) [ آية : 2 ] تعظيماً لها ، ثم أخبر عنها ، فقال :
القدر : ( 3 ) ليلة القدر خير . . . . .
) ليلة القدر خير من ألف شهر ) [ آية : 3 ] يقول : العمل فيها خير من العمل في ألف شهر فيما سواها ليس فيها
ليلة القدر
القدر : ( 4 ) تنزل الملائكة والروح . . . . .
) تنزل الملئكة والروح فيها ( في تلك الليلة عند غروب الشمس ) بإذن ربهم ( يعني بأمر ربهم ) من كل أمر ) [ آية : 4 ] ينزلون فيها بالرحمة ، وبكل أمر قدره
الله وقضاه في تلك السنة ، ينزلون فيها ما يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل ، ثم
أخبر عن تلك الليلة ، فقال :
القدر : ( 5 ) سلام هي حتى . . . . .
) سلمٌ هي ( هي سلام وبركة وخير ) حتى مطلع الفجر (
[ آية : 5 ] .
حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال :
أخبرني مقاتل
بن حيان ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن أنس بن مالك ، عن مقاتل بن سليمان ، عن
الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الروح على صورة إنسان عظيم الخلقة ، وهو الذي قال
الله عز وجل : ( ويسألونك عن الروح ) [ الإسراء : 85 ] ، وهو الملك ، وهو يقوم مع
الملائكة صفاً .(3/503)
صفحة رقم 504
98
سورة البينة
سورة لم يكن مدنية ، عددها ثماني آيات كوفى
تفسير سورة البينة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 8 ) .
البينة : ( 1 ) لم يكن الذين . . . . .
قوله : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ( يعني اليهود والنصارى ) والمشركين (
يعني مشركي العرب ) منفكين ( يعني منتهين عن الكفر والشرك ، وذلك
أن أهل
الكتاب قالوا : متى يبعث الذي نجده في كتابنا ، وقالت العرب : ( لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين ) [ الصافات : 168 ، 169 ] ، فنزلت : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ( يعني اليهود والنصارى والمشركين ، يعني مشركي العرب
) منفكين ( يعني منتهين عن الكفر والشرك ) حتى تأتيهم البينة ) [ آية : 1 ] محمد ( صلى الله عليه وسلم )
فبين لهم ضلالتهم وشركهم .
البينة : ( 2 ) رسول من الله . . . . .
ثم أخبر الله عز وجل ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ( رسولٌ من الله يتلوا صحفاً مطهرةً ) [ آية :
2 ] يعني يقرأ صحفاً مطهرة ، يعني كتاباً لأنها جماعة فيها خصال كثيرة ، من كل نحو ،
مطهرة من الكفر والشرك يقول : يقرأ كتاباً ليس فيه كفر ولا شرك ، وكل شئ فيه
كتاب فإنه يسمى صحفاً .
البينة : ( 3 ) فيها كتب قيمة
ثم قال : ( فيها ( يعني في صحف محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) كتب قيمة ) [ آية : 3 ] يعني كتاباً
مستقيماً على الحق ليس فيه عوج ، ولا اختلاف ، وإنما سميت كتب لأن فيها أموراً شتى(3/504)
صفحة رقم 505
كثيرة مما ذكر الله عز وجل في القرآن ، ثم قال :
البينة : ( 4 ) وما تفرق الذين . . . . .
) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ( يعني
اليهود والنصارى في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) [ آية : 4 ] يعني البيان
يقول الله تعالى : لم يزل الذين كفروا مجتمعين على تصديق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، حتى بعث لأنه
نعته معهم في كتبهم ، فلما بعثه الله عز وجل من غير ولد إسحاق اختلفوا فيه ، فآمن
بعضهم : عبد الله بن سلام وأصحابه من أهل التوراة ، ومن أهل الإنجيل أربعون رجلاً
منهم بحيرى ، وكذب به سائر أهل الكتاب .
البينة : ( 5 ) وما أمروا إلا . . . . .
يقول الله عز وجل : ( وما أمروا ( يقول : ما أمرهم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ( يعني به التوحيد ) حنفاء ( يعني مسلمين غير مشركين ) و ( أمرهم أن
) ويقيموا الصلاة ( الخمس المكتوبة ) ويؤتوا الزكوة ( المفروضة ) وذلك دين القيمة (
[ آية : 5 ] يعني الملة المستقيمة ، ثم ذكر الله عز وجل المشركين يوم القيامة ، فقال :
البينة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن
الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها ( يقول : يقيمون فيها لا
يموتون .
ثم قال : ( أؤلئك هم شر البرية ) [ آية : 6 ] يعني شر الخليقة من أهل الأرض ، ثم
ذكر مستقر من صدق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال :
البينة : ( 7 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أؤلئك هو خير
البرية ) [ آية : 7 ] يعني خير الخليقة من أهل الأرض
البينة : ( 8 ) جزاؤهم عند ربهم . . . . .
) جزاؤهم ( يعني ثوابهم ) عند ربه ( في الآخرة ) جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهر خلدين فيها أبداً ( لا يموتون ) رضي الله عنهم ( بالطاعة ) ورضوا عنه ( بالثواب ) ذلك لمن خشي ربه ) [ آية : 8 ] في الدنيا ،
وكل شئ خلق من التراب ، فإنه يسمى البرية .(3/505)
صفحة رقم 506
99
سورة الزلزلة
مكية ، عددها ثماني آيات كوفى
تفسير سورة الزلزلة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 8 ) .
الزلزلة : ( 1 ) إذا زلزلت الأرض . . . . .
قوله : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) [ آية : 1 ] يقول : تزلزلت يوم القيامة من شدة
صوت إسرافيل ، عليه السلام ، يعني تحركت ، فتفطرت حتى تكسر كل شئ عليها
بزلزالها من شدة الزلزلة ، ولا تسكن حتى تلقى ما على ظهرها من جبل ، أو بناء ، أو
شجرة ، فيدخل فيها كل شئ خرج منها ، وزلزلت الدنيا ، فلا تلبث حتى تسكن
الزلزلة : ( 2 ) وأخرجت الأرض أثقالها
) وأخرجت الأرض أثقالها ) [ آية : 2 ] يقول : تحركت فاضطربت ، وأخرجت ما في
جوفها من الناس ، والدواب ، والجن ، وما عليها من الشياطين ، فصارت خالية ليس فيها
شئ ، وتبسط الأرض جديدة بيضاء ، كأنها الفضة ، أو كأنها خامة ، ولها شعاع كشعاع
الشمس ، لم يعمل عليها ذنب ، ولم يهرق فيها الدماء ، وذلك أنه إذا جاءت النفخة
الأولى ، يموت الخلق كلهم ، ثم النفخة الثانية .
فأما الأولى فينادى من تحت العرش من فوق السماء السابعة ، وأما الأخرى فمن بيت
المقدس ، يقعد إسرافيل على صخرة بيت المقدس ، فيقول : أيتها العظام البالية ، والعروق
المتقطعة ، واللحوم المتمزقة أخرجوا إلى فصل الفضاء ، لتجازوا بأعمالكم ، قال : فيخرجون
من قبورهم إلى الأرض الجديدة ، وتسمى الساهرة ، فذلك قوله تعالى : ( فإذا هم بالساهرة ( ، وأيضاً ) وأخرجت الأرض أثقالها ( أخرجت ما فيها من الموتى والأموال .
الزلزلة : ( 3 - 4 ) وقال الإنسان ما . . . . .
) وقال الإنسان ما لها ) [ آية : 3 ] قال الكافر جزعاً ما لها تنطق بما عمل عليها
) يومئذ تحدث أخبارها ) [ آية : 4 ] يقول : تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شر ،
تقول الأرض وحد الله على ظهري ، وصلى على ، وصام ، وحج ، واعتمر ، وجاهد ،(3/506)
صفحة رقم 507
وأطاع ربه ، فيفرح المؤمن بذلك وتقول الكافر : أشرك على ظهري ، وزنى ، وسرق ،
وشرب الخمر ، وفعل ، وفعل ، فتوبخه في وجهه ، وتشهد عليه أيضاً الجوارح ، والحفظة من
الملائكة ، مع علم الله عز وجل فيه ، وذلك الخزي العظيم ، فلما سمع الإنسان المكذب
عمله ، قال جزعاً : ( ما لها ( يعني للأرض تحدث بما عمل عليها ، فذلك قوله : ( وقال
الإنسان مالها ( في التقديم ، يقول له ) يومئذ تحدث أخبارها ( يقول : تشهد على أهلها
بما عملوا عليها من خير أو شر ، فلما سمع الكافر يومئذٍ ، قال : ما لها تنطق ؟ قال الملك
الذي كان موكلاً به في الدنيا يكتب حسناته وسيئاته ، قال : هذا الكلام الذي تسمع إنما
شهدت على أهلها .
الزلزلة : ( 5 ) بأن ربك أوحى . . . . .
) بأن ربك أوحى لها ) [ آية : 5 ] ) وقال الإنسان ما لها ( يعني الكافر ، يقول : يوحي
الله إليها بأن تحدث أخبارها ، وأيضاً أن ربك أوحى لها بالكلام ، فذلك قوله : ( أوحى لها ( ،
الزلزلة : ( 6 ) يومئذ يصدر الناس . . . . .
) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ( يعني يرجع الناس من بعد العرض والحساب إلى
منازلهم من الجنة والنار متفرقين ، كقوله : ( يومئذ يصدعون ) [ الروم : 43 ] ، يعني
يتفرقون فريق في الجنة ، وفريق في السعير .
وذكر فينا تقدم ) وأخرجت الأرض أثقالها ( ، ثم ذكر هنا ان الناس أخرجوا ) ليروا أعمالهم ) [ 6 ] الخير والشر ، يعني لكي يعاينوا أعمالهم ، وأيضاً ) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ( ، يقول : انتصف الناس فريقين والأشتات الذين لا يلتقون أبداً ، قال : ( ليروا
أعملهم ( ، ثم قال :
الزلزلة : ( 7 - 8 ) فمن يعمل مثقال . . . . .
) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) [ آية : 7 ] يقول : من يعمل
في الدنيا مثقال ذرة ، يعني وزن نملة أصغر النمل الأحمر التي لا تكاد نراها من صغرها ،
خيراً في التقديم يره يومئذٍ يوم القيامة في كتابه أيضاً ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ آية : 8 ] في صحيفته ، وذلك أن
العرب كانوا لا يتصدقون بالشئ القليل ، وكانوا لا يرون بالذنب الصغير بأساً ، فزهدهم
الله عز وجل في الذنب الحقير ، ورغبهم في الصدقة القليلة ، فقال : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( في كتابه والذرة
أصغر النمل وهي النملة الصغيرة ، وأيضاً فمن يعمل في الدنيا مثقال ذرة قدر نملة شراً يره
يوم القيامة في كتابه ، نزلت في رجلين بالمدينة ، كان أحدهما إذا أتاه السائل يستقل أن
يعطيه الكسرة أو النمرة ، ويقول : ما هذا بشئ إنما نؤجر على ما نعطى ونحن نحبه .
وقد قال الله عز وجل : ( ويطعمون الطعام على حبه ) [ الإنسان : 8 ] ، فيقول : ليس(3/507)
صفحة رقم 508
هذا مما يحب ، فيستقل ذلك ، ويرى أنه لا يؤجر عليه ، فيرد المسكين صفرا ، وكان الآخر
يتهاون بالذنب اليسير الكذبة ، والنظرة ، والغيبة ، وأشباه ذلك ، ويقول : ليس على من فعل
هذا شئ إنما وعد الله النار أهل الكبائر ، فأنزل الله عز وجل يرغبهم في القليل من الخير
أن يعطزه الله ، فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم اليسير من الشر ، فإنه يوشك أن يكثر ،
فالذنب الصغير في عين صاحبه يوم القيامة أعظم من الجبال الرواسي ، ولجميع محاسنه
التي عملها في دار الدنيا أصغر في عينه من حسنة واحدة .
حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن أبي روق ، في
قوله : ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ) [ الأنعام : 115 ] ، قال : لمن جاء بشرائع
الإسلام ، فله الجنة وعدلاً على أهل التكذيب فلهم النار .
أسماء بن دفن بالبصرة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ورحمة الله عليهم ، عمران بن
حصين ، وطلحة ، والزبير ، وزيد بن صوحان ، وأنس بن مالك .
أسماء من حفظ القرآن من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أبو الدرداء ، وابن مسعود ، ومعاذ
بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد .
قال مقاتل ، رحمه الله : شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم .
أيوب بن تارح بن عيصو .
داود بن أشى بن عويذ بن قارص بن يهوذا بن يعقوب .
إسحاق بن إبراهيم .
هود وهو عابر .
صالح بن أرفخشد بن سام بن نوح .
إبراهيم اسمه إبراهيم ، وفي الإنجيل أبو الأمم .
لوط بن حران بن آزر ، وهو ابن أخي إبراهيم ، وسميت حران به .
سارة أخت لوط بنت حران ، أخي إبراهيم ، وهي امرأته .
قال مقاتل :
الحسن عشرة أجزاء خمسة لحواء ، وثلاثة لسارة ، وواحد ليوسف ، وواحد
لسائر الناس .(3/508)
صفحة رقم 509
حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : حدثني المسيب
بن شريك ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ،
قال : قالت الملائكة : نحن المقربون منا حملة العرش ، ومنا الحفظة الكرام الكاتبون
جعلت الدنيا لبني آدم يأكلون ، ويشربون ، ويفرحون ، فاجعل لنا الجنة ، فأوحى الله
إليهم لا أجعل صالح ذرية من خلقته بيدي ، كمن قلت له كن فكان ، قال المسيب : ذلك
في كتاب الله عز وجل ) أولئك هم خير البرية ) [ آية : 7 ] ، يعني الخليقة .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : قال الهذيل : حدثني الحذاء عن شيبان ، عن
بشر بن سعاف ، عن عبد الله بن سلام ، قال : إن الله عز وجل لم يخلق خلقاً أكرم عليه
من آدم ، عليه السلام ، قال : فقلت : ولا من جبريل ، وميكائيل ، عليهما السلام ، فقال :
نعم ، إنما هم قوم محمولون على شئ كالشمس والقمر ، وحديث آخر أن المسجود له
أكرم على الله عز وجل من الساجد .(3/509)
صفحة رقم 510
100
سورة العاديات
مكية ، عددها إحدى عشرة آية كوفى
تفسير سورة العاديات من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 11 )
العاديات : ( 1 ) والعاديات ضبحا
قوله : ( والعاديت ضبحاً ) [ آية : 1 ] ذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعث سرية إلى حنين من
كنانة ، واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد النقباء ، فغابت فلم يأتي
النبي
( صلى الله عليه وسلم ) خبرها ، فأخبره الله عز وجل عنها ، فقال : ( والعاديت ضبحاً ( يعني الخيل ، وقيل : إن
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث سرية إلى أرض تهامة ، وأبطأ عليه الخبر ، فجعلت اليهود والمنافقون
إذا رأوا رجلاً من الأنصار أو من المهاجرين تناجوا بأمره ، فكان الرجل يظن أنه قد مات ،
أو قتل أخوه ، أو أبوه ، أو عمه ، وكان يجد من ذلك أمراً عظيماً ، فجاءه جبريل ، عليه
السلام ، يوم الجمعة عند وقت الضحى ، فقال : ( والعاديت ضبحاً ( يقول : غدت الخيل
إلى الغزو حتى أضبحت فعلت أنفاسها بأفواهها ، فكان لها ضباح كضباح الثعلب .
العاديات : ( 2 ) فالموريات قدحا
ثم قال : ( فالموريت قدحاً ) [ آية : 2 ] يقدحن بحوافرهن في الحجارة ناراً كنار أبي
حباحب ، وكان شيخاً من مصر في الجاهلية له نويرة تقدح مرة وتخمد مرة لكيلا يمر به
ضيف فشبه الله عز وجل ضوء وقع حوافرهن في أرض حصباء بنويرة أبي حباحب ،
وأيضاً ) فالموريت قدحاً ( قال : كانت تصيب حوافرهن الحجارة فتقدح منهن النار ، ثم
قال :
العاديات : ( 3 ) فالمغيرات صبحا
) فالمغيرات صبحا ) [ آية : 3 ] وذلك أن الخيل صبحت العدو بغارة يقول : غارت
عليهم صبحاً
العاديات : ( 4 ) فأثرن به نقعا
) فأثرن به نقعا ) [ آية : 4 ] يقول : فأثرن بجريهن يعني بحوافرهن نقعاً في
التراب .
حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال الفراء : النقع الغبار
العاديات : ( 5 ) فوسطن به جمعا
) فوسطن به جمعا ) [ آية : 5 ] يعني(3/510)
صفحة رقم 511
بعدوهن ، يقول : حين تعدو الخيل جمع القوم يعني العدو ، فأقسم الله عز وجل ، بالعاديات
ضبحاً ، وحدها
العاديات : ( 6 ) إن الإنسان لربه . . . . .
) إن الإنسن لربه لكنودٌ ) [ آية : 6 ] وأيضاً ) فوسطن به جمعا (
يقول : فوسطن بذلك الغبار جمعاً ، يقول :
حمل المسلمون عليهم ، فهزموهم ، فضرب
بعضهم بعضاً ، حتى ارتفع الوهج الذي كان ارتفع من حوافر الخيل إلى السماء ، فهزم الله
المشركين وقتلهم ، فأخبره الله عز وجل بعلامات الخيل ، والغبار ، وكيف فعل بهم ؟ فقال
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' يا جبريل ، ومتى كان هذا ' ؟ قال : اليوم ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبر
المسلمين بذلك ، وقرأ عليهم كتاب الله عز وجل ، ففرحوا واستبشروا ، وأخزى الله عز
وجل اليهود والمنافقين ) إن الإنسن لربه لكنودٌ ( يعني لكفور ، نزلت في قرط بن
عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي ، وهو الرجل الذي أكل وحده ، وأشبع بطنه وأجاع
عبده ، ومتع رفده ، ولم يعط قومه شيئاً ، يسمى بلسان بني مالك بن كنانة الكنود .
العاديات : ( 7 ) وإنه على ذلك . . . . .
ثم قال : ( وإنه على ذلك لشهيد ) [ آية : 7 ] يقول :
إن الله عز وجل على كفر قرط
لشهيد ، ثم أخبر عنه ، فقال :
العاديات : ( 8 ) وإنه لحب الخير . . . . .
) وإنه لحب الخير لشديد ) [ آية : 8 ] يعني المال ، ثم خوفه ،
فقال :
العاديات : ( 9 ) أفلا يعلم إذا . . . . .
) أفلا يعلم ( يعني فهلا يعلم ) إذا بعثر ( يعني بعث ) ما في القبور ) [ آية :
9 ] من الموتى
العاديات : ( 10 ) وحصل ما في . . . . .
) وحصل ما في الصدور ) [ آية : 10 ] من الخير والشر ، يعني تميز ما في
القلب
العاديات : ( 11 ) إن ربهم بهم . . . . .
) إن ربهم بهم يومئذ ( يعني يوم القيامة ) لخبير ) [ آية : 11 ] بالصالح منهم
والطالح .(3/511)
صفحة رقم 512
101
سورة القارعة
مكية ، عددها إحدى عشرة آية كوفى
تفسير سورة القارعة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 11 ) .
القارعة : ( 1 ) القارعة
قوله : ( القارعة ) [ آية : 1 ] ثم بين لهم
القارعة : ( 2 ) ما القارعة
) ما القارعة ) [ آية : 2 ] فقال : يقرع الله
عز وجل أعداءه ، ثم قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
القارعة : ( 3 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدرك ما القارعة ) [ آية : 3 ] تعظيماً لها
لشدتها ، وكل شئ في القرآن وما أدراك ، فقد أخبر به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكل شئ في القرآن
وما يدريك فمما لم يخبر به ، وفي الأحزاب : ( وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا (
[ الأحزاب : 63 ] .
وقال في هذه السورة : ( وما أدرك ما القارعة ( ثم أخبر عنها ، فقال :
القارعة : ( 4 ) يوم يكون الناس . . . . .
) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) [ آية : 4 ] يقول : إذا خرجوا من قبورهم تجول بعضهم
في بعض ، فشبههم بالفراش المبثوث ، وشبههم في الكثرة بالجراد المنتشر ، فقال :
( كأنهم جراد منتشر ) [ القمر : 7 ] ، ثم قال :
القارعة : ( 5 ) وتكون الجبال كالعهن . . . . .
) وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) [ آية : 5 ] يقول : تكون الجبال يومئذٍ بعد القوة والشدة كالصوف المندوف
عرقها في الأرض السفلى ، ورأسها في السماء ، يقول : هو جبل فإذا مسسته فهو لا شئ
من شدة الهول : فما حالك يومئذٍ يا ابن آدم ، قال : كالصوف المنفوش في الوهن ، أوهن
ما يكون الصوف إذا نقش
القارعة : ( 6 ) فأما من ثقلت . . . . .
) فأما من ثقلت موازينه ) [ آية : 6 ] يقول : من رجحت
موازينه بحسناته .
القارعة : ( 7 ) فهو في عيشة . . . . .
) فهو في عيشة راضية ) [ آية : 7 ] ولا يثقل الميزان إلا قول : لا إله إلا الله بقلوب(3/512)
صفحة رقم 513
المخلصين في الأعمال ، وهم الموحدون ، يعني في عيش في الجنة برضاه
القارعة : ( 8 ) وأما من خفت . . . . .
) وأما من خفت
موزينه ) [ آية : 8 ] بسيئاته وهو الشرك لأنه لا يرى شيئاً مما كسب إلا صار
كالرماد ، فاشتدت به الريح في يوم شديد الريح ، وكما أنه ليس في الأرض شئ أخبث
من الشر ، فهكذا ليس شئ أخف من الشرك في الميزان ، ولا إله إلا الله ثقيلة ،
وصاحبها ثقيل كريم رزين عند الله عز وجل ، فيأتي صاحب التوحيد بأعماله الصالحة
فيثقل ميزانه ، ويأتي صاحب الشرك بأعماله الصالحة فلا تكون له حسنة توزن معه ، فهو
خفيف ) فأما من ثقلت موازينه فهو في عشةٍ راضيةٍ ( وهي الجنة ، يعني
براضيه أنه لا يسخط بعد دخولها أبداً ، ) وأما من خفت موزينه ( وهو الشرك .
القارعة : ( 9 ) فأمه هاوية
) فأمه هاوية ) [ آية : 9 ] يقول : لا تحمله الأرض ، ولا تظله السماء ، ولا شئ
إلا النار ، فذلك قوله : ( فأمه هاوية ( يعني أصله هاوية ، كقوله : ( أم القرى (
[ الأنعام : 92 ] ، يعني أصل القرى يعني مكة .
القارعة : ( 10 - 11 ) وما أدراك ما . . . . .
ثم قال : ( وما أدرك ما هيه نارٌ حاميةٌ ) [ آية : 11 ] يقول : نار حامية
تحمي ستة أبواب من جهنم ، ) وأما من خفت موزينه ( يقول : خفت موازينه بسيئاته
وحق لميزان لا يقع فيه الحق أن يخف لأن الحق ثقيل مرئ ، والباطل خفيف وبئ ) وما
أدرك ما هيه ( تعظيماً لشدتها ، ثم أخبر عنها ، فقال : هي : ( نار حامية ( يقول :
انتهى حرها .(3/513)
صفحة رقم 514
102
سورة التكاثر
مكية ، عددها ثمان آيات
تفسير سورة التكاثر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 8 ) .
التكاثر : ( 1 ) ألهاكم التكاثر
) ألهكم التكاثر ) [ آية : 1 ] يعني شغلكم التكاثر ، وذلك أن حيين من قريش من
بني عبد مناف بن قصي ، وبني سهم بن عمرو بن مرة بن كعب ، كان بينهم لحاء
فافتخروا ، فتعادى السادة والأشراف ، فقال : بنو عبد مناف : نحن أكثر سيداً ، وأعز
عزيزاً ، وأعظم شرفاً ، وأمنع جانباً ، وأكثر عدداً ، فقال بنو سهم لبني عبد مناف : مثل
ذلك فكاثرهم بنو عبد مناف بالأحياء ، ثم قالوا : تعالوا نعد أمواتنا ، حتى أتوا المقابر
يعدونهم ، فقالوا : هذا قبر فلان ، وهذا قبر فلان ، فعد هؤلاء وهؤلاء موتاهم ، فكاثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات ، لأنهم كانوا أكثر عدداً في الجاهلية من بني عبد مناف ، فأنزل الله
في الحيين ) ألهكم التكاثر ( يقول : شغلكم التكاثر عن ذكر الآخرة ، فلم تزالوا
كذلك
التكاثر : ( 2 ) حتى زرتم المقابر
) حتى زرتم المقابر ) [ آية : 2 ] كلكم يقول : إلى أن أتيتم المقابر .
التكاثر : ( 3 ) كلا سوف تعلمون
ثم أوعدهم الله عز وجل ، فقال : ( كلا سوف تعلمون ) [ آية : 3 ] هذا وعيد ما نحن
فاعلون بذلك إذا نزل بكم الموت ، ثم قال :
التكاثر : ( 4 ) ثم كلا سوف . . . . .
) ثم كلا سوف تعلمون ) [ آية : 4 ] وهو
وعيد : إذا دخلتم قبوركم ، ثم قال :
التكاثر : ( 5 ) كلا لو تعلمون . . . . .
) كلا ( لا يؤمنون بالوعيد ، ثم استأنف ، فقال :
( لو تعلمون علم اليقين ) [ آية : 5 ] لا شك فيه
التكاثر : ( 6 ) لترون الجحيم
) لترون الجحيم ) [ آية : 6 ] لعلمتم
أنكم سترون الجحيم في الآخرة
التكاثر : ( 7 ) ثم لترونها عين . . . . .
) ثم لترونها عين اليقين ) [ آية : 7 ] لا شك فيه ،
يقول : لترون الجحيم في الآخرة معاينة ، والجحيم ما عظم من النار ، يقينها رؤية العين ،
سنعذبهم مرتين ، مرة عند الموت ، ومرة عند القبر ، ثم يردون إلى عذاب عظيم .
التكاثر : ( 8 ) ثم لتسألن يومئذ . . . . .
) ثم لتسئلن ( في الآخرة ) يومئذ عن النعيم ) [ آية : 8 ] يعني كفار مكة كانوا(3/514)
صفحة رقم 515
في الدنيا في الخير والنعمة ، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه ، وأيضاً ، فذلك
قوله : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها ) [ الأحقاف : 20 ] ، وقال :
( ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم ( ، وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الكفار في النار
صرخوا : يا مالك ، أضجت لحومنا ، وأحرقت جلودنا ، وجاعت وأعطشت أفواهنا ،
وأهلكت أبداننا ، فهل إلى خروج يوم واحد من سبيل من النار ، فيرد عليهم مالك يقول :
لا ، قالوا : ساعة من النهار ، قال : لا قالوا فردنا إلى الدنيا ، فنعمل غير الذي كنا نعمل ،
قال : فينادى مالك ، خازن النار ، بصوت غليظ جهير ، قال : فإذا نادى حسرت النار من
فوقه ، وسكن أهلها ، فيقول أبشروا فيرجون أن تكون عافية قد أتتهم ، ثم ينادهم : يا أهل النار ، فيقولون : لبيك : يا أهل البلاء ، فيقولون : لبيك ، فيقول : ( أذهبتم في
طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم
تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) [ الأحقاف : 20 ] ، يا أهل
الفرش والوسائد والنعمة في دار الدنيا ، كيف تجدون مس سقر ؟ قالوا : يأتينا العذاب من
كل مكان ، فهل إلى أن نموت ونستريح ، قال : فيقول : وعزة ربي لا أزيدكم إلا عذاباً ،
قال : فذلك قوله : ( ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم ( ، يعني الشكر للنعيم الذي أعطاه الله
عز وجل ، فلم يهتد ولم يشكر ، يعني الكافر .(3/515)
صفحة رقم 516
103
سورة العصر
مكية ، عددها ثلاث آيات كوفى
تفسير سورة العصر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 2 ) .
العصر : ( 1 ) والعصر
) والعصر ) [ 1 ] قسم ، أقسم الله عز وجل بعصر النهار ، وهو آخر ساعة من النهار ،
وأيضاً العصر سميت العصر حين تصويت الشمس للغروب ، وهو عصر النهار ، فأقسم الله
عز وجل بصلاة العصر .
العصر : ( 2 ) إن الإنسان لفي . . . . .
) إن الإنسن لفي خسرٍ ) [ آية : 2 ] نزلت في أبي لهب اسمه عبد العزى بن عبد
المطلب ، يعنى أنه لفى ضلال أبداً ، حتى يدخل النار ،
العصر : ( 3 ) إلا الذين آمنوا . . . . .
ثم استثنى ، فقال : ( إلا الذين ءامنوا
وعملوا الصالحات ( فليسوا في خسران ، ثم نعتهم ، فقال : ( وتواصوا بالحق ( يعني
بتوحيد الله عز وجل ) وتواصوا بالصبر ) [ آية : 3 ] يعنى على أمر الله عز وجل ، فمن فعل
هذين كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فليسوا من الخسران في شئ ، ولكنهم
في الجنان مخلدون .(3/516)
صفحة رقم 517
104
سورة الهمزة
مكية ، عددها تسع آيات كوفى
تفسير سورة الهمزة من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 9 ) .
الهمزة : ( 1 ) ويل لكل همزة . . . . .
) ويل لكل همزة ( يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه من
خلفه ) لمزة ) [ آية : 1 ] يعني الطاغي إذا رآه طغى عليه في وجهه : نزلت في الوليد بن
المغيرة المخزومي ، ثم نعته ، فقال :
الهمزة : ( 2 ) الذي جمع مالا . . . . .
) الذي جمع مالا وعدده ) [ آية : 2 ] يقول : الذي
استعد مالاً ليشترى به الخدم والحيوان يقول
الهمزة : ( 3 ) يحسب أن ماله . . . . .
) يحسب أن ماله أخلده ) [ آية : 3 ] من
الموت ، فلا يموت حتى يفنى ماله ، يقول الله عز وجل
الهمزة : ( 4 ) كلا لينبذن في . . . . .
) كلا ( لايخلده ماله وولده ، ثم
استأنف ، فقال : ( لينبذن في الحطمة ) [ آية : 4 ] يقول : ليتركن في الحطمة
الهمزة : ( 5 ) وما أدراك ما . . . . .
) وما أدراك ما الحطمة ) [ آية : 5 ] تعظيماً لشدتها ، تحطم العظام ، وتأكل اللحم حتى تهجم على
القلب .
الهمزة : ( 6 ) نار الله الموقدة
ثم أخبر عنها ، فقال : ( نار الله الموقدة ) [ آية : 6 ] على أهلها لا تخمد ، ثم نعتها ،
فقال
الهمزة : ( 7 ) التي تطلع على . . . . .
) التي تطلع على الأفئدة ) [ آية : 7 ] يقول : تأكل اللحم والجلود حتى يخلص حرها
إلى القلوب ، ثم تكسى لحماً جديداً ، ثم تقبل عليه وتأكله حتى يصير إلى منزلته الأولى
الهمزة : ( 8 ) إنها عليهم مؤصدة
) إنها عليهم مؤصدة ) [ آية : 8 ] يعني مطبقة
الهمزة : ( 9 ) في عمد ممددة
) في عمد ممددة ) [ آية : 9 ] يقول : طبقت
الأبواب ثم شدت بأوتاد من حديد من نار ، حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا يفتح
عليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح ، ولا يخرج منها غم آخر الأبد .
وأيضاً ) لكل همزة لمزة ( ، فأما الهمزة فالذي ينم الكلام إلى الناس وهو النمام ،
وأما اللمزة ، فهو الذي يلقب الرجل بما يكره ، وهو الوليد بن المغيرة ، كان رجلاً نماماً ،(3/517)
صفحة رقم 518
وكان يلقب الناس من التجبر والعظمة ، وإن يستهزئ بالناس ، وذلك أنه أنزل على رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا ) [ المدثر : 11 ، 12 ] ،
وكان له حديقتان ، حديقة بمكة ، وحديقة بالطائف ، وكان لا ينقطع خيره شتاء ولا
صيفاً ، فذلك قوله : ( مالا ممدودا وبنين شهودا ) [ المدثر : 12 ، 13 ] ، يعنى أرباب
البيوت ، وكان له سبعة بنين ، قال : ( ومهدت له شهوداً ) [ المدثر : 14 ] ، يقول :
بسطت له في المال كل البسط ، ) ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا (
[ المدثر : 15 ، 16 ] ، قال : والله ، قسمت مالي يميناً وشمالاً على قريش ما دمت حياً ما
فنى ، فكيف تعدني الفقر ؟ قال : أما والله ، إن الذي أعطاك ، قادر على أن يأخذه منك ،
فوقع في قلبه من ذلك شئ ، ثم عمد إلى ماله فعده ، ما كان ذهب أو فضة ، أو أرض ،
أو حديقة ، أو رقيق ، فعده وأحصاه .
فقال : يا محمد تعدني الفقر والله لو كان هذا خبزاً ما فنى ، فأنزل الله عز وجل :
[ آية صفحة 11 إلى آية 8 ] وذلك أن الشقي إذا دخل
النار طاف به الملك في أبوابها في ألوان العذاب وفتح له باب الحطمة ، وهي باب من
أبواب جهنم ، وهي نار تأكل النار من شدة حرها ، وما خمدت من يوم خلقها الله عز
وجل إلى يوم يدخلها ، فإذا فتح ذلك الباب وقعت النار عليه فأحرقته ، فتحرق الجلد
واللحم والعصب والعظم ولا تحرق القلب ولا العين ، وهو ما يعقل به ويبصر ، فذلك
قوله تعالى : ( التي تطلع على الأفئدة ( ثم تلا : ويأتيه الموت من كل مكان ، وما هو بميت ،
يقول : ليس في جسده موضع شعرة إلا والموت يأتيه من ذلك المكان ، ثم قال : ( إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة ( وذلك أنه إذا خرج الموحدون من الباب الأعلى ،
وهي جهنم ، قال أهل تلك السبعة الأبواب ، وهي أسفل درك من النار ، لأهل الباب
السادس : ( ما سلككم في سقر ( يقول : ما أدخلكم في سقر ، ) قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ) [ المدثر : 42 ، 44 ] إلى آخر الآيات ، ثم يقولون : تعالوا
حتى نجزع ، فيجزعون حقباً من الدهر فلا ينفعهم شيئاً ، ثم يقولون : تعالوا حتى نصرخ
فيصرخون حقبا من الدهر ، فلا يغنى عنهم شيئاً ، فيقولون : تعالوا : حتى نصبر ، فلعل الله
عز وجل إذا صبرنا وسكتنا أن يرحمنا ، فيصبرون حقباً من الدهر ، فلا يغنى عنهم شيئاً ،(3/518)
صفحة رقم 519
فيقولون : ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) [ إبراهيم : 21 ] ، ثم
ينادون : ( أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) [ المؤمنون : 107 ] ، فينادى رب العزة
من فوق العرش : ( اخسئوا فيها ولا تكلمون ) [ المؤمنون : 108 ] ، فتصم آذانهم
ويختم على قلوبهم ، وتغلق عليهو أبوابها ، فيطبق كل واحد على صاحبه ، بمسامير من
حديد من نار كأمثال الجبال ، فلا يلج فيها روح ، ولا يخرج منها حر النار ، ويأكلون من
النار ، ولا يسمع فيها إلا الزفير والشهيق ، نسأل الله المعافاة منها بفضله وجوده ، ورحمته .(3/519)
صفحة رقم 520
105
سورة الفيل
مكية ، عددها خمس آيات كوفى
تفسير سورة الفيل ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
الفيل : ( 1 ) ألم تر كيف . . . . .
) ألم تر ( ألم تعلم يا محمد ) كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) [ آية : 1 ] يعني أبرهة
بن الأشرم اليماني وأصحابه ، وذلك أنه كان بعث أبا يكسوم بن أبرهة اليماني الحبشي ،
وهو ابنه ، في جيش كثيف إلى مكة ، ومعهم الفيل ليخرب البيت الحرام ، ويجعل الفيل
مكان البيت بمكة ، ليعظم ويعبد كتعظيم الكعبة ، وأمره أن يقتل من حال بينه وبين ذلك ،
فسار أبو يكسوم بمن معه حتى نزل بالمعمس ، وهو واد دون الحرم بشئ يسير ، فلما
أرادوا أن يسوقوا الفيل إلى مكة لم يدخل الفيل الحرم ، وبرك ، فأمر أبو يكسوم أن يسقوه
الخمر ، فسقوه الخمر ويردونه في سياقه ، فلما أرادوا أن يسوقوه برك الثانية ، ولم يقم ،
وكلما خلوا سبيله ولي راجعاً إلى الوجه الذي جاء منه يهرول ، ففزعوا من ذلك
وانصرفوا عامهم ذلك ، فلما أن كان بعده بسنة أو بسنتين خرج قوم من قريش في تجارة
إلى أرض النجاشي ، حتى دنوا من ساحل البحر في سند حقف من أحقافها ببعية
النصارى ، وتسميها قريش الهيكل ، ويسميها النجاشي وأهله أرضة ما سر حسان ، فنزل
القوم في سندها ، فجمعوا حطباً ، وقدوا ناراً ، وشووا لحماً .
فلما أرادوا أن يرتحلوا تركوا النار ، كما هي في يوم عاصف ، فعجبت الريح واضطرم
الهيكل ناراً ، فانطلق الصريخ إلى النجاشي ، وجاءه الخبر فأسف عند ذلك غضباً للبيعة ،
وسمعت بذلك ملوك العرب الذين هم بحضرته ، فأتوا النجاشي منهم حجر بن شرحبيل ،
وأبو يكسوم الكنديان ، وأبرهة بن الصباح الكندي ، فقالوا : أيها الملك ، لا تكاد ولا
تغلب ، نحن مؤازرون لك على كعبة قريش التي بمكة ، فإنها فخرهم ومعتزهم على من(3/520)
صفحة رقم 521
بحضرتهم من العرب ، فننسف بناءها ، ونبيح دماءها ، وننتهب أموالها ، وتمنح حفائرها من
شئت من سوامك ، ونحن لك على ذلك مؤازرون ، فاعزم إذا شئت أو أحببت أيها الملك ،
فأرسل الملك الأسود بن مقصود ، فأمر عند ذلك بجنوده من مزارعي الأرض ، فأخرج
كتائبه جماهير معهم الفيل ، واسمه محمود ، فسار بهم وبمن معه من ملوك العرب تلقاء مكة
في حجائل تضيق عليهم الطرق ، فلما ساروا مروا بخيل لعبد المطلب ، جد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
مسومة وإبل ، فاستاقها .
فركب الراعي فرساً له أعوجياً كان يعده لعبد المطلب ، فأمعن في السير حتى دخل
مكة ، فصعد إلى الصفا فرقي عليه ، ثم نادى بصوت رفيع : يا صباحاه ، يا صباحاه ، أتتكم
السودان معها فيلها ، يريدون أن يهدموا كعبتكم ، ويدعوا عزكم ، ويبيحوا دماءكم ،
وينتهبوا أموالكم ، ويستأصلوا بيضتكم ، فالنجاء النجاء ، ثم قصد إلى عبد المطلب ، فأخبره
الأمر كله ، فركب عبد المطلب فرسه ، ثم أمعن جاداً في السير حتى هجم على عسكر
القوم ، فاستفتح له أبرهة بن الصباح ، وحجر بن شراحيل ، وكانا خلين ، فقالا : لعبد
المطلب ارجع إلى قومك ، فأخبرهم وأنذرهم أن هذا قد جاءكم حمياً أتيا ، فقال عبد
المطلب : واللات و العزى ، لا أرجع حتى أرجع معي بخيلي ، ولقاحي ، فلما عرفا أنه غير
راجع ونازع عن قوله قصداً به إلى النجاشي ، فقالا : كهيئة المستهزئين يستهزئان به : أيها
الملك ، أودد عليه أبله وخياله ، فإنما هو وقومه لك بالغداة ، فأمر بردها .
فقال عبد المطلب للنجاشي : هل لك إلى أن أعطيك أهلي ومالي ، وأهل قومي ،
وأموالهم ، ولقاحهم على أن تنصرف عن كعبة الله ؟ قال : لا ، فسار عبد المطلب بإبله
وخيله ، حتى أحرزها ، ونزل النجاشي ذا المجاز ، موضع سوق الجاهلية ، ومعه من العدد
والعدة كثير ، وانذعرت قريش وأعروا مكة ، فلحقوا بجبل حراء وثبير ، وما بينها من
الجبال ، وقال عبد المطلب لقريش : واللات ، والعزى لا أبرح البيت حتى يقضى الله
قضاءه ، فقد نبأني أجدادي أن للكعبة ، ربا يمنعها ، ولن تغلب النصرانية ، وهذه الجنود
جنود الله ، وبمكة يومئذٍ أبو مسعود الثقفي جد المختار ، وكان مكفوف البصر ، يقيظ
بالطائف ، ويشتو بمكة ، وكان رجلاً نبيلاً تستقسم الأمور برأيه ، وهو أول فاتق ، وأول
راتق ، وكان خلا لعبد المطلب ، فقال له عبد المطلب : يا أبا مسعود ، ماذا عندك هذا يوم
لا يتغنى عن رأيك ، قال له أبو مسعود : اصعد بنا الجبل حتى نتمكن فيه ، فصعدا الجبل
فتمكنا فيه ، فقال أبو مسعود لعبد المطلب : اعمد إلى ما ترى من إبلك ، فاجعلها حرماً(3/521)
صفحة رقم 522
لله ، وقلدها نعالاً ، ثم أرسلها في حرم الله ، فلعل بعض هؤلاء السودان أن يعقروها ،
فيغضب رب هذا البيت ، فيأخذهم عند غضبه ، ففعل ذلك عبد المطلب ، فعمد القوم إلى
تلك الإبل ، فحملوا عليها وعقروا بعضها ، فقال عبد المطلب عند ذلك ، وهو يبكي :
يا رب إن العبد يمنع رحله فأمنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدواً محالك
) فلم أسمع بأرجس من رجال
أرادوا العز فانتهكوا حراملك
فإن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك العز فانتهكوا حرامك
ثم دعا عليهم فقال : الله أخز الأسود بن مقصود ، الآخذ الهجمة بعد التقليد ، قلبها
إلى طماطم سود ، بين ثبير فالبيد والمروتين والمشاعر السود ، ويهدم البيت الحرم المصمود ،
قد أجمعوا ألا يكون لك عمود ، أخفرهم ربي فأنت محمود .
فقال أبو مسعود : إن لهذا البيت رباً يمنعه منعة ونحن له فلا ندري ما منعه ، فقد نزل
تبع ملك اليمن بصحن هذا البيت ، وأراد هدمه ، فمنعه الله عن ذلك ، وابتلاه وأظلم
عليهم ثلاثة أيام ، فلما رأى ذلك تبع كساه الثياب البيض من الشطرين وعظمه ، ونحر له
جزراً ، ثم قال أبو مسعود لعبد المطلب : انظر نحو البحر ما ترى ؟ فقال : أرى طيراً بيضاً
قد انساب مع شاطئ البحر ، فقال : ارمقها ببصرك أين قرارها ؟ قال : أراها قد أزرت على
رءوسنا ، فقال : هل تعرفها ؟ قال : لا والله ما أعرفها ، ما هي بنجدية ، ولا تهامية ، ولا
غربية ، ولا شرقية ، ولا يمانية ، ولا شامية ، وإنها تطير بأرضنا غير مؤنسة .
قال : ما قدرها ؟ قال : أشباه اليعاسيب في مناقيرها الحصى كأنها حصى الخذف قد
أقبلت ، وهي طير أبابيل يتبع بعضها بعضاً ، أمام كل رفقة منها طائر يقودها أحمر المنقار ،
أسود الرأس ، طويل العنق ، حتى إذا جازت بعسكر القوم ركدن فوق رءوسهم ، فلما
توافتها الرعال كلها هالت الطير ما في مناقيرها من الحجارة على من تحتها ، يقال : إنه
كان مكتوباً على كل حجر اسم صاحبه ، ثم إنها عادت راجعة من حيث جاءت ، فقال
أبو مسعود : لأمر ما هو كائن ، فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل إلى الأرض فمشيا ربوة
أو ربوتين ، فلم يؤنسا أحداً ، ثم دنوا فمشيا ربوة ، أو ربوتين أيضاً ، فلم يسمعا همساً ،
فقالا : عند ذلك بات القوم سامدين فأصبحوا نياماً لا يسمع لهم ركزاً ، وكانا قبل ذلك
يسمعان صياحهم ، وجلبة في أسواقهم ، فلما دنيا من عسكرهم ، فإذا هم خامدون يقع
الحجر في بيضة الرجل فيخرقها ، حتى يقع في دماغه ، ويخرق الفيل والدابة ، حتى يغيب(3/522)
صفحة رقم 523
في الأرض من شدة وقعه ، فعمد عبد المطلب ، فأخذ فأساً من فئوشهم فحفر حتى عمق
في الأرض وملأه من الذهب الأحمر والجوهر الجيد ، وحفر أيضاً لصاحبه فملأه من
الذهب والجوهم .
ثم قال لأبي مسعود :
هات خاتمك ، واختر أيهما شئت ، خذ إن شئت حفرتي ، وإن
شئت حفرتك ، وإن شئت فهما لك ، فقال أبو مسعود : اختر لي ، فقال عبد المطلب : إني
لم أجعل أجود المتاع في حفرتي وهي لك ، وجلس كل واحد منهما على حفرة صاحبه ،
ونادى عبد المطلب في الناس ، فتراجعوا فأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعاً ، وساد
عبد المطلب بذلك قريشاً ، وأعطوه المقادة ، فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود وأهلوهما
في غنى من ذلك المال ، ودفع الله عز وجل عن كعبته وقبلته وسلط عليهم جنوداً لا قبل
لهم بها ، وكان لهم بالمرصاد والأخذة الرابية ، وأنزل فيهم ) ألم تر ( ، يعني يخبر نبيه ( صلى الله عليه وسلم )
) كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ( يعني الأسود بن مقصود ، ومن معه من الجيش وملوك
العرب .
الفيل : ( 2 ) ألم يجعل كيدهم . . . . .
ثم أخبرهم عنهم ، فقال : ( ألم يجعل كيدهم في تضليل ) [ آية : 2 ] الذي أرادوا من
خراب الكعبة واستباحة أهلها ، ) في تضليل ( يعني خسار
الفيل : ( 3 ) وأرسل عليهم طيرا . . . . .
) وأرسل عليهم طيرا أبابيل (
[ آية : 3 ] يعني متتابعة كلها تترى بعضها على إثر بعض
الفيل : ( 4 ) ترميهم بحجارة من . . . . .
) ترميهم بحجارة من سجيل (
[ آية : 4 ] يعني بحجارة خلطها الطين
الفيل : ( 5 ) فجعلهم كعصف مأكول
) فجعلهم كعصف مأكول ) [ آية : 5 ] فشبههم
بورق الزرع المأكول يعني البالي ، وكان أصحاب الفيل قبل مولد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأربعين سنة ،
وهلكوا عند أدنى الحرم ، ولم يدخلوه قط .
قال عكرمة بن خالد :
حبست رب الجيش والأفيال
وقد رعوا بمكة الأجيال
قد خشينا منهم القتال
كل كريم ما جد بطال
يمشي يجر المجد والأذيال
ولا يبالي حيلة المختال
تركتهم ربي بشر حال
وقد لقوا أمراً له فعال ) ^
وقال صفوا بن أمية المخزومي :
يا واهب الحي الحلال الأحمس وما لهم من طارق ومنفس
أنت العزيز ربنا لا تدنس أنت حبست الفيل بالمعمس
حبست فإنه هكروس(3/523)
صفحة رقم 524
وقال ابن أبي الصلت :
إن آيات ربنا بينات
لا يمارى بهن إلا الكفور
حابس الفيل بالمعمس حتى
ظل يحبو كأنه معقور
وأسقى حلقه الحراب كما
قطر من ضحر كبكب محدور
حوله من ملوك كندة فتيان ملاويث في الهياج صقور
حالفوه ثم انذعروا عنه عظمه خلف ساقه مكسور
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور(3/524)
صفحة رقم 525
106
سورة قريش
مكية ، عددها أربع آيات
تفسير سورة قريش من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 4 ) .
قريش : ( 1 ) لإيلاف قريش
) لإيلف قريشٍ ) [ آية : 1 ] وذلك أن قريشاً كانوا تجاراً يختلفون إلى الأرض ، ثم
سميت قريش ، وكانوا يمتارون في الشتاء من الأردن ، وفلسطين ، لأن ساحل البحر أدفا ،
فإذا كان الصيف تركوا طريق الشتاء والبحر من أجل الحر ، وأخذوا إلى اليمن للميرة ،
فشق عليهم الاختلاف لهم ولا تجارة قد قطعناها عنهم ، فذلك :
قريش : ( 2 ) إيلافهم رحلة الشتاء . . . . .
) إلفهم رحلة الشتاء
والصيف ) [ آية : 2 ] فقذف الله عز وجل في قلوب الحبشة أن يحملوا الطعام في السفن
إلى مكة للبيع ، فحملوا إليهم فجعل أهل مكة يخرجون إليهم بالإبل والحمير ، فيشترون
الطعام على مسيرة يومين من مكة ، وتتابع ذلك عليهم سنين ، فكفاهم الله مؤنة الشتاء
والصيف .
قريش : ( 3 ) فليعبدوا رب هذا . . . . .
ثم قال : ( فليعبدوا رب هذا البيت ) [ آية : 3 ] لأن رب هذا البيت كفاهم مؤنة
الخوف والجوع ، فليألفوا العبادة له ، كما ألفوا الحبشة ، ولم يكونوا يرجونهم ،
قريش : ( 4 ) الذي أطعمهم من . . . . .
) الذي أطعمهم من جوع ( حين قذف في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم الطعام في السفن
) وءامنهم من خوفٍ ) [ آية : 4 ] يعني القتل والسبي ، وذلك أن العرب في الجاهلية كان
بقتل بعضهم بعضاً ، ويغير بعضهم على بعض ، فكان الله عز وجل يدفع عن أهل الحرم ،
ولا يسلط عليهم عدواً ، فذلك قوله : ( وءامنهم من خوفٍ ( .
وأيضاً ) لإيلف قريشٍ ( يقول : لا ميرة لقريش ، ولا اختلاف ، وذلك أن قريشاً
كانت لا تأتيهم التجار ، ولا يهتدون إليهم ، فكانت قريش تمتار لأهلها الطعام من الشام
في الشتاء ، ومن اليمن في الصيف ، وذلك أنهم كانوا في الشتاء ينطلقون إلى الشام
يمتاروا الطعام لأهلهم ، فإذا جاء الصيف انطلقوا إلى اليمن ، فكانت لهم رحلتان في الشتاء(3/525)
صفحة رقم 526
والصيف ، فرحمهم الله عز وجل فقذف في قلوب الحبش أن يحملوا إليهم الطعام في
السفن ، فكانوا يخرجون على مسيرة ليلة إلى جدة ، فيشترون الطعام وكفافهم الله مؤنة
الشتاء والصيف .
فأنزل الله عز وجل يذكرهم النعم ، فقال : ( لإيلف قريشٍ إلفهم رحلة الشتاء
والصيف ( والإيلاف من المؤنة والاختلاف ، ثم قال : ( فليعبدوا رب هذا البيت (
يقول : أخلصوا العبادة له ) الذي أطعمهم من جوع ( حين قذف في قلوب الحبشة أن
يحملوا إليهم الطعام في السفن ، ثم قال : ( وءامنهم من خوفٍ ( يعني القتل والسبي ، لأن
العرب كانت يقتل بعضهم بعضاً ، ويسبى بعضهم بعضاً ، وهم آمنون في الحرم .(3/526)
صفحة رقم 527
10
سورة الماعون
مكية ، عددها سبع آيات
تفسير سورة الماعون من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 7 ) .
الماعون : ( 1 ) أرأيت الذي يكذب . . . . .
) أرءيت الذي يكذب بالدين ) [ آية : 1 ] يعني بالحساب ، نزلت في العاص بن وائل
السهمي ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي ، زوج أم هاني بنت عبد المطلب عمة النبي
( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم أخبر عن المكذب بالدين ، فقال :
الماعون : ( 2 ) فذلك الذي يدع . . . . .
) فذلك الذي يدع اليتيم ) [ آية : 2 ]
يعني يدفعه عن حقه ، فلا يعطيه ، نظيرها : ( يوم يدعون إلى نار جهنم ) [ الطور : 13 ] ،
الماعون : ( 3 ) ولا يحض على . . . . .
ثم قال : ( ولا يحض نفسه ) على طعام المسكين ) [ آية : 3 ] يقول : لا يطعم المسكين
الماعون : ( 4 ) فويل للمصلين
) فويلٌ للمصلين ) [ آية : 4 ] يعني المنافقين في هذه الآية .
الماعون : ( 5 ) الذين هم عن . . . . .
ثم نعتهم ، فقال : ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) [ آية : 5 ] يعني لاهون عنها ، حتى
يذهب وقتها ، وإن كانوا في خلال ذلك يصلونها
الماعون : ( 6 ) الذين هم يراؤون
) الذين هم يراءون ) [ آية : 6 ]
الناس في الصلاة ، يقول : إذا أبصرهم الناس صلوا ، يراءون الناس بذلك ، ولا يريدون الله
عز وجل بها
الماعون : ( 7 ) ويمنعون الماعون
) ويمنعون الماعون ) [ آية : 7 ] يعني الزكاة المفروضة والماعون بلغى
قريش الماء .
قال أبو صالح ، وذكر عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، قال :
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' الماعون ، الإبرة ، والماء ، والنار ، وما يكون في البيت من نحو هذا
فيمنع .(3/527)
صفحة رقم 528
108
سورة الكوثر
مكية ، عددها ثلاث آيات كوفى
الكوثر : ( 1 ) إنا أعطيناك الكوثر
) إنا أعطينك الكوثر ) [ آية : 1 ] لأنه أكثر أنهار الجنة خيراً ، وذلك النهر عجاج
يطرد مثل السهم طينه المسك الآذفر ، ورضراضه الياقوت ، والزبرجد ، واللؤلؤ ، أشد بياضاً
من الثلج وألين من الزبد ، وأحلى من العسل ، حافتاه قباب الدر المجوف ، كل قبة طولها
فرسخ في فرسخ ، وعرضها فرسخ في فرسخ ، عليها أربعة آلاف مصراع من ذهب ، في
كل قبة زوجة من الحور العين ، لها سبعون خادماً ، فقال
رسول الله : ' يا جبريل ، ما
هذه الخيام ' ؟ قال جبريل ، عليه السلام : هذه مساكن أزواجك في الجنة ، يتفجر من
الكوثر أربعة أنهار لأهل الجنان التي ذكر الله عز وجل في سورة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) : الماء ،
والحمر ، واللبن ، والعسل .
الكوثر : ( 2 ) فصل لربك وانحر
ثم قال : ( فصل لربك ( يعني الصلوات الخمس ) وانحر ) [ آية : 2 ] البدن يوم
النحر ، فإن المشركين لا يصلون ولا يذبحون لله عز وجل ) إن شانئك هو الأبتر (
[ آية : 3 ] وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دخل المسجد الحرام من باب بني سهم بن عمرو بن
هصيص ، وأناس من قريش جلوس في المسجد ، فمضى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يجلس حتى خرج
من باب الصفا ، فنظروا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين خرج ولم يروه حين دخل ، ولم يعرفوه ، فتلقاه
العاص بن وائل السهمي بن هشام بن سعد بن سهم على باب الصفا ، وهو يدخل ،
وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد توفى ابنه عبد الله ، وكان الرجل إذا مات ولم يكن له من بعده ابن
يرثه ، سمى الأبتر ، فلما انتهى العاص إلى المقام قالوا : من الذي تلقاك ؟ قال : الأبتر .
فنزلت
الكوثر : ( 3 ) إن شانئك هو . . . . .
) إن شانئك هو الأبتر ( يعني أن مبغضك هو الأبتر ، يعني العاص بن
وائل السهمي ، هو الذي أبتر من الخير ، وأنت يا محمد ستذكر معي إذا ذكرت فرفع الله
عز وجل له ذكره في الناس عامة ، فيذكر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في كل عيد للمسلمين في صلواتهم ،
وفي الآذان ، والإقامة ، وفي كل موطن حتى خطبة النساء ، وخطبة الكلام ، وفي
الحاجات .(3/528)
صفحة رقم 529
109
سورة الكافرون
مكية ، عددها ست آيات
تفسير سورة الكافرون من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 6 ) .
الكافرون : ( 1 ) قل يا أيها . . . . .
) قل يأيها الكفرون ) [ آية : 1 ] نزلت في المستهزئين من قريش ، وذلك أن النبي
( صلى الله عليه وسلم ) قرأ بمكة ) والنجم إذا هوى ) [ والنجم ] ، فلما قرأ : ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) [ النجم : 19 ، 20 ] ، ألقى الشيطان على لسانه ، في وسنه ،
فقال : تلك الغرانيق العلا ، عندها الشافعة ترتجي فقال أبو جهل بن هشام ، وشيبة وعتبة
ابنا ربيعة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، والمستهزءون من قريش عشيا في دبر
الكعبة لا تفارقنا يا محمد إلا على أحد الأمرين تدخل معك في بعض دينك ونعبد إلهك ،
وتدخل معنا في بعض ديننا وتعبد آلهتنا ، أو تتبرأ من آلهتنا ونتبرأ من إلهك ، فأنزل الله عز
وجل ، فيهم تلك الساعة ) قل يا أيها الكافرون ( إلى آخر السورة ، فأتاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم )
بعد ، فقال : ( قل يأيها الكفرون ( ، قالوا : ما لك يا محمد ؟ قال :
الكافرون : ( 2 ) لا أعبد ما . . . . .
) لا أعبد ما تعبدون ) [ آية : 2 ] يقول : لا أعبد آلهتكم التي تعبدون اليوم
الكافرون : ( 3 ) ولا أنتم عابدون . . . . .
) ولا أنتم عبدون ( إلهي
الذي أعبده اليوم ) ما أعبد ) [ آية : 3 ] .
الكافرون : ( 4 ) ولا أنا عابد . . . . .
ثم قال : ( ولا أنا عابد ما عبدتم ) [ آية : 4 ] فيما بعد اليوم
الكافرون : ( 5 ) ولا أنتم عابدون . . . . .
) ولا أنتم عبدون ما
أعبد ) [ آية : 5 ] فيما بعد اليوم
الكافرون : ( 6 ) لكم دينكم ولي . . . . .
) لكم دينكم ( الذي أنتم عليه ) ولي دين ) [ آية : 6 ]
الذي أنا عليه ، ثم انصرف عنهم ، فقال بعضهم : تبرأها منكم فشتموه وآذوه ، ثم
نسختها آية السيف في براءة : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ التوبة : 5 ] .(3/529)
صفحة رقم 530
110
سورة النصر
مدنية ، عددها ثلاث آيات
تفسير سورة النصر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 3 ) .
النصر : ( 1 ) إذا جاء نصر . . . . .
) إذا جاء نصر الله والفتح ) [ آية : 1 ] نزلت هذه السورة بعد فتح مكة
والطائف
النصر : ( 2 ) ورأيت الناس يدخلون . . . . .
) ورأيت الناس يدخلون في دين الله ( يعني أهل اليمن ) أفواجا ) [ آية :
2 ] من كل وجه زمراً ، القبيلة بأسرها والقوم بأجمعهم ، ليس بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة ،
فقد حضر أجلك ،
النصر : ( 3 ) فسبح بحمد ربك . . . . .
) فسبح بحمد ربك ( يقول : فأكثر ذكر ربك ) واستغفره ( من
الذنوب .
) إنه كان توابا ) [ آية : 3 ] للمستغفرين كانت هذه السورة آية موت النبي ( صلى الله عليه وسلم )
فقرأها على أبي بكر وعمر ففرحا ، وسمعها عبد الله بن عباس فبكى ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
' صدقت ' ، فعاش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعدها ثمانين يوماً ، ومسح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيده على رأس ابن
عباس ، وقال : ' اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ' .(3/530)
صفحة رقم 531
111
سورة المسد
سورة تبت مكية ، عددها خمس آيات
تفسير سورة المسد من الآية ( 1 ) إلى الآية : ( 5 ) .
المسد : ( 1 ) تبت يدا أبي . . . . .
قوله : ( تبت يدا أبي لهب ( واسمه عبد العزى بن عبد المطلب ، وهو عم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
وإنما سمى أبو لهب لأن وجنتيه كانتا حمراوين ، كأنما يلتهب منهما النار ، وذلك
أنه لما
نزلت ) وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ الشعراء : 214 ] ، يعي بنى هاشم ، وبنى المطلب ،
وهما ابنا عبد مناف بن قصي ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
يا علي ، قد أمرت أن أنذر عشيرتي
الأقربين ، فاصنع لي طعاماً ، حتى أدعوهم عليه وأنذرهم ' فاشترى على ، رحمة الله عليه ،
رجل شاة فطبخها وجاء بعس من لبن ، فدعا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بني هاشم ، وبني المطلب إلى
طعامه ، وهم أربعون رجلاً غير رجل ، على رجل شاة ، وعس من لبن ، فأكلوا حتى
شبعوا ، وشربوا حتى رووا .
فقال أبو لهب :
لهذا ما سحركم به ، الرجال العشرة منا يأكلون الجذعة ، ويشربون
العس ، وإن محمداً قد أشبعكم أربعين رجلاً من رجل شاة ، ورواكم من عس من لبن ،
فلما سمع ذلك منه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شق عليه ، ولم ينذرهم تلك الليلة ، وأمر النبي علياً أن
يتخذ لهم ليلة اخرى مثل ذلك ، ففعل فأكلوا حتى شبعوا ، وشربوا حتى رووا ، فقال النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : ' يا بنى هاشم ، ويا بني المطلب ، أنا لكم النذير من الله ، وأنا لكم البشير من الله إني
قد جئتكم بما لم يجئ به أحد من العرب ، جئتكم في الدنيا بالشرف ، فأسلموا تسلموا ،
وأطيعوني تهتدوا ' فقال أبو لهب : تباً لك ، يا محمد ، سائر اليوم لهذا دعوتنا ؟ فأنزل الله
عز وجل فيه : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) [ آية : 1 ] يعنى وخسر أبو لهب .
المسد : ( 2 ) ما أغنى عنه . . . . .
ثم استأنف ، فقال : ( ما أغنى عنه ماله ( في الآخرة ) وما كسب ) [ آية : 2 ](3/531)
صفحة رقم 532
يعنى أولاده عتبة وعتيبة ومعتب لأن ولده من كسبه
المسد : ( 3 ) سيصلى نارا ذات . . . . .
) سيصلى ( يعنى سيغشى أبو
لهب ) نارا ذات لهب ) [ آية : 3 ] ليس لها دخان
المسد : ( 4 ) وامرأته حمالة الحطب
) وامرأته ) وهي أم جميل بنت
حرب ، وهي أخت أبي سفيان بن حرب ) حمالة الحطب ) [ آية : 4 ] يعني كل
شوك يعقر كانت تلقيه على طريق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليعقره .
المسد : ( 5 ) في جيدها حبل . . . . .
ثم أخبره بما يصنع بها في الآخرة ، فقال : ( في جيدها ( في عنقها يوم القيامة
) حبل من مسد ) [ آية : 5 ] يعنى سلسلة من حديد ، فلما نزلت هذه الآية في أبي لهب
قيل لها :
إن محمداً قد هجا زوجك ، وهجاك ، وهجا ولدك ، فغضبت وقامت فأمرت
وليدتها أن تحمل ما يكون في بطن الشاة من الفرث والدم والقذر ، فانطلقت لتستدل
على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لتلقى ذلك عليه فتصغره ، وتذله به ، لما بلغها عنه ، فأخبرت أنه في بيت
عند الصفا ، فلما انتهت إلى الباب سمع أبو بكر ، رحمة الله عليه ، كلامها ، وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم )
داخل البيت ، فقال أبو بكر ، رحمة الله عليه ، رسول الله ، إن أم جميل قد جاءت ، وما
أظنها جاءت بخير ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' اللهم خذ ببصرها ' ، أو كما قال جميعاً .
ثم قال لأبي بكر ، رحمة الله عليه :
دعها تدخل ، فإنها لن تراني ' ، فجلس النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وأبو بكر ، رحمة الله عليه ، فدخلت أم جميل البيت ، فرأت أبا بكر ، رحمة الله عليه ،
ولم تر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكانا جميعاً في مكان واحد ، فقالت : يا أبا بكر أين صاحبك ؟ فقال :
وما أردت منه يا أم جميل ؟ قالت : إنه بلغني أنه هجاني ، وهجا زوجي ، وهجا أولادي ،
وإني جئت بهذا الفرث لألقيه على وجهه ، ورأسه أذله بذلك ، فقال لها : والله ، ما هجاك ،
ولا هجا زوجك ، ولا هجا ولدك .
قالت : أحق ما تقول يا أبا بكر ، قال : نعم ، فقالت : أما إنك لصادق ، وأنت الصديق ،
وما أرى الناس إلا وقد كذبوا عليه ، فانصرفت إلى منزلها ، ثم إنه بدا لعتبة بن أبي لهب أن
يخرج إلى الشام في تجارة ، وتبعه ناس من قريش حتى بلغوا الصفاح ، فلما هموا أن
يرجعوا عنه إلى مكة ، قال لهم عتبة : إذا رجعتم إلى مكة ، فأخبروا محمداً بأني كفرت
ب ) النجم إذا هوى ) [ النجم : 1 ] ، وكانت أول سورة أعلنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما بلغ
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك ، قال :
اللهم سلط عليه كلبك يأكله ' ، فألقى الله عز وجل في قلب عتبة
الرعب لدعوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، و كان إذا سار ليلاً ما يكاد ينزل بليل .
فهجر بالليل ، فسار يومه وليلته ، وهم أن لا ينزل حتى يصبح ، فلما كان قبيل الصبح ،(3/532)
صفحة رقم 533
قال له أصحابه : هلكت الركاب ، فما زالوا به حتى نزل ، وعرس وإبله ، وهو مذعور ،
فأناخ الإبل حوله مثل السرادق ، وجعل الجواليق دون الإبل مثل السرادق ، ثم أنام
الرجال حوله دون الجواليق ، فجاء الأسد ، ومعه ملك يقوده ، فألقى الله عز وجل على
الإبل السكينة ، فسكنت .
فجعل الأسد يتخلل الإبل ، فدخل على عتبة وهو في وسطهم فأكله مكانه ، وبقى
عظامه وهم لا يشعرون ، فأنزل الله عز وجل في قوله حين قال لهم : قولوا لمحمد : إني
كفرت بالنجم إذا هوى ، يعني القرآن إذ نزل ، أنزل فيه : ( قتل الإنسان ( يعني لعن
الإنسان ) ما أكفره ) [ عبس : 17 ] يعني عتبة يقول : أي شئ أكفره بالقرآن ، إلى
آخر الآيات .
حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال :
كانت قريش
وأم جميل تقول : مذماً عصيناً ، وأمره أبينا .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) :
ومن لطف الله أن قريشاً تذم مذمماً ، وأنا محمد ' ( صلى الله عليه وسلم ) .(3/533)
صفحة رقم 534
112
سورة الإخلاص
مكية ، عددها أربع آيات
تفسير سورة الإخلاص من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 4 ) .
الإخلاص : ( 1 ) قل هو الله . . . . .
قوله : ( قل هو الله أحد ) [ آية : 1 ]
الإخلاص : ( 2 ) الله الصمد
) الله الصمد ) [ آية : 2 ] تعنى أحد لا
شريك له ، وذلك أن عامر بن الطفيل بن صعصعة العامري ، دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ،
فقال : يا رسول الله ، أما والله لئن دخلت في دينك ليدخلن من خلفي ، ولئن امتنعت
ليمتنعن من خلفي ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' فما تريد ' ؟ قال : أتبعك على أن تجعل لي الوبر
ولك المدر ، قال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا شرط في الإسلام ' ، قال : فاجعل لي الخلافة
بعدك ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا نبى بعدي ' ، قال : فأريد أن تفضلني على أصحابك ، قال
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا ، ولكنك أخوهم ، إن أحسنت إسلامك ' ، فقال : فتجعلني أخا بلال ،
وخباب بن الأرت ، وسلمان الفارسي ، وجعال ، قال : ' نعم ' ، فغضب ، وقال : أما والله
لأثيرن عليك ألف أشقر عليها ألف أمرد ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ويحك تخوفني ' ؟ قال
له جبريل ، عليه السلام ، عن ربه : لأثيرن على كل واحد منهم ألفاً من الملائكة ، طول
عنق أحدهم مسيرة سنة ، وغلظها مسيرة سنة ، وكان يكفيهم واحد ، ولكن الله عز وجل
أراد أن يعلمه كثرة جنوده ، فخرج من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو متعجب مما سمع منه ،
فلقيه الأربد بن قيس السهمي ، فقال له : ما شأنك ؟ وكان خليله فقص عليه قصته ، وقال :
إني دخلت على ابن أبي كبشة آنفاً ، فسألته الوبر ، وله المدر فأبى ، ثم سألته من بعده
فأبى ، ثم سألته أن يفضلني على أصحابه ، فأبى ، وقال : أنت أخوهم إن أحسنت
إسلامك ، فقال له : أفلا قتلته ؟ قال : لم أطق ذلك ، قال : فارجع بنا إليه ، فإن شئت حدثته
حتى أضرب عنقه ، فانطلقا على وجوههما ، حتى دخلا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقعد عامر
عن يمينه والأربد عن يساره ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علم ما يريدان ، قال : وجاء ملك من
الملائكة فعصر بطن الأربد بن قيس ، وأقبل عامر على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد وضع يده على(3/534)
صفحة رقم 535
فمه ، وهو يقول : يا محمد لقد خوفتني بأمر عظيم ، وبأقوام كثيرة فمن هؤلاء ؟ قال :
' جنودي وهم أكثر مما ذكرت لك ' ، قال : فأخبرني ما اسم ربك ؟ وما هو ؟ ومن خليله ؟
وما حيلته ؟ وكم هو ؟ وأبو من هو ؟ ومن أي حي هو ؟ ومن أخوه ' .
وكانت العرب يتخذون الأخلاء في الجاهلية ، فأنزل الله تعالى ) قل ( يا محمد ) هو الله أحد ( لقوله ما اسمه ؟ وكم هو ) الله الصمد ( لقوله ما طعامه ؟ ) الله الصمد ( الذي لا يأكل ولا يشرب ) لم يلد ( يقول : ولم يتخذ ولداً ) ولم يولد ) [ آية : 3 ] يقول : ليس له ولد يكتنى به ، لقوله : وابن من هو ؟ ثم قال : ( ولم يكن له كفوا أحد ) [ آية : 4 ] لقوله : من خليله ؟ ويقول : ليس له نظير ، ولا شبيه ،
فمن أين يتخذ الخليل ، فأشار بيده وبعينه إلى الأربد بن قيس ، وهو في جهد قد عصر
الملك بطنه حتى أراد أن يخرج خلاه من فيه ، وقد أهمته نفسه ، فقال الأربد : قم بنا ،
فقاما ، فقال له عامر : ويحك ما شأنك ؟ قال : وجدت عصراً شديداً في بطني ، ووجعاً
فما استطعت أن أرفع يدي .
قال : فأما الأربد بن قيس ، فخرج يومئذٍ من المدينة ، وكان يوماً متغيماً ، فأدركته
صاعقة في الطريق فقتلته ، وأما عامر بن الطفيل ، فوجاه جبريل ، عليه السلام ، في عنقه ،
فخرج في عنقه دبيله ، ويقال : طاعون فمرض بالمدينة ، فلم يأوه أحد إلا امرأة مجذوباً من
بني سلول ، فقال جزعاً من الموت : غدة كغدة البعير ، ومت في بيت سلولية ، أبرز إلى يا
موت ، فأنا قاتلك ، فأنزل الله عز وجل : ( وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال (
[ الرعد : 13 ] .
وأيضاً : ( قل هو الله أحد ( وذلك أن مشركي مكة ، قالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : أنعت
لنا ربك وصفه لنا ، وقال عامر بن الطفيل العامري : أخبرنا عن ربك أمن ذهب هو ، أو
من فضة ، أو من حديد ، أو من صفر ؟ وقالت اليهود : عزيزاً ابن الله ، وقد أنزل الله عز
وجل نعته في التوراة ، فأخبرنا عنه يا محمد ، فأنزل الله عز وجل في قولهم : ( قل ( يا
محمد ) هو الله أحد ( لا شريك له ) الله الصمد ( يعني الذي لا جوف له ،
كجوف المخلوقين ، ويقال : الصمد السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجهم وبالإقرار
والخضوع ،
الإخلاص : ( 3 ) لم يلد ولم . . . . .
) لم يلد ( فيورث ، ) ولم يولد ( فيشارك ، وذلك أن مشركي
العرب ، قالوا : الملائكة بنات الرحمن ، وقالت اليهود : عزيز ابن الله ، وقالت النصارى :
المسيح ابن الله ، فأكذبهم الله عز وجل ، فبرأ نفسه من قولهم ، فقال : ( لم يلد ( يعني(3/535)
صفحة رقم 536
لم يكن له ولد ) ولم يولد ( كما ولد عيسى وعزيز ومريم ،
الإخلاص : ( 4 ) ولم يكن له . . . . .
) ولم يكن له كفوا أحد ( يقول : لم يكن له عدل ، ولا مثل من الإلهة تبارك وتعالى علواً كبيراً .(3/536)
صفحة رقم 537
113
سورة الفلق
مكية ، عددها خمس آيات
تفسير سورة الفلق من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
الفلق : ( 1 ) قل أعوذ برب . . . . .
) قل أعوذ برب الفلق ) [ آية : 1 ] وذلك أن لبيد بن عاصم بن مالك ، ويقال : ابن
أعصم اليهودي ، سحر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في إحدى عشرة عقدة في وتر ، فجعله في بئر لها سبع
مواني في جف طلعة كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يستند إليها فدب فيه السحر ، واشتد عليه ثلاث
ليال ، حتى مرض مرضاً شديداً ، وجزعت النساء ، فنزلت المعوذات ، فبينما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
نائم إذ رأى كأن ملكين قد أتياه ، فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، ثم قال
أحدهما لصاحبه : ما شكواه ؟ قال : أصابه طب ، يقول : سحر ، قال : فمن طبه ؟ قال : لبيد
بن أعصم اليهودي ، قال : في أي شئ ؟ قال : تنزف البئر ، ثم يخرج قشر الطلعة فيحرقه ،
ثم يحل العقد ، كل عقدة بآية من المعوذتين ، فذلك شفاؤه ، فلما استيقظ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجه
علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، إلى البئر ، فاستخرج السحر وجاء به فأحرق ذلك
القشر ، ويقال : إن جبريل أخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بمكان السحر ، وقال جبريل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : حل
عقدة ، واقرأ آية ، ففعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك ، فجعل يذهب عنه ما كان يجد حتى برأ وانتشر
للنساء .
) قل أعوذ برب الفلق ( يعني برب الخلق
الفلق : ( 2 ) من شر ما . . . . .
) من شر ما خلق ) [ آية : 2 ] من الجن
والإنس
الفلق : ( 3 ) ومن شر غاسق . . . . .
) ومن شر غاسق ( يعني ظلمة الليل ) إذا وقب ) [ آية : 3 ] يعني إذا دخلت
ظلمة الليل في ضوء النهار ، إذا غابت الشمس فاختلط الظلام ،
الفلق : ( 4 ) ومن شر النفاثات . . . . .
) ومن شر النفاثات في العقد ) [ آية : 4 ] يعني السحر وآلاته ، يعني الرقية التي هي لله معصية ، يعنى به ما(3/537)
صفحة رقم 538
تنفثن من الرقى في العقدة ، والآخذة ، يعني به السحر فهن الساحرات المهيجات
الأخاذات
الفلق : ( 5 ) ومن شر حاسد . . . . .
) ومن شر حاسد إذا حسد ) [ آية : 5 ] يعني اليهود حين حسدوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
قال : فقال له جبريل ، عليه السلام : ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون ؟ قال : يا
جبريل ، ما هو ؟ قال : المعوذتان ، ) قل أعوذ برب الفلق ( ، و ) قل أعوذ برب الناس (
وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' قيل لي ، فقلت لكم ، فقولوا كما أقول ' ، قال : وكان ابن مسعود لا
يقرأ بهما في المكتوبة .(3/538)
صفحة رقم 539
114
سورة الناس
مكية ، عددها ست آيات
تفسير سورة الناس من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 6 ) .
الناس : ( 1 ) قل أعوذ برب . . . . .
) قل أعوذ برب الناس ) [ آية : 1 ] أمر الله عز وجل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتعوذ برب الناس
هو
الناس : ( 2 ) ملك الناس
) ملك الناس ) [ آية : 2 ] بملكهم في برهم ومجرهم ، وفاجرهم ، وصالحهم ،
وطالحهم ، وهو
الناس : ( 3 ) إله الناس
) إله الناس ) [ آية : 3 ] كلهم
الناس : ( 4 ) من شر الوسواس . . . . .
) من شر الوسواس الخناس (
[ آية : 4 ] وهو الشيطان في صورة خنزير معلق بالقلب في جسد ابن آدم ، وهو يجري
مجرى الدم ، سلطه الله على ذلك من الإنسان فذلك قوله :
الناس : ( 5 ) الذي يوسوس في . . . . .
) الذي يوسوس في صدور الناس ) [ آية : 5 ] فإذا انتهى ابن آدم وسوس في قلبه حتى يتبلع قلبه ، والخناس الذي
إذا ذكر الله ابن آدم خنس عن قلبه ، فذهب عنه ، ويخرج عن جسده ، ثم أمره الله أن
يتعوذ
الناس : ( 6 ) من الجنة والناس
) من ( شر ) الجنة والناس ) [ آية : 6 ] يعنى الجن والإنس .
تم بحمد الله(3/539)