صفحة رقم 177
الفرقان : ( فإنه يتوب إلى الله متابا ) [ الفرقان : 71 ] .
تفسير سورة الرعد من آية : [ - 31 ]
الرعد : ( 31 ) ولو أن قرآنا . . . . .
) ولو أن قرءاناً سيرت به الجبال ( ، وذلك أن أبا جهل بن هشام المخزومي ، قال
لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) : سير لنا بقرآنك هذا الجبل عن مكة ، فإنها أرض ضيقة ، فتتسع فيها ، ونتخذ
فها المزارع والمصانع ، كما سخرت لداود ، عليه السلام ، إن كنت نبياً كما تزعم ، قال
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا أطيق ذلك ' قال أبو جهل : فلا عليك ، فسخر لنا هذه الريح ، فنركبها
إلى الشام ، فنقضي ميرتنا ، ثم نرجع من يومنا ، فقد شق علينا طول السفر ، كما سخرت
لسليمان كما زعمت ، فلست بأهون على الله من سليمان ، إن كنت نبياً كما تزعم ،
وكان يركبها سليمان وقومه غدوة ، فيسير مسيرة شهر ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا أطيق ذلك ' .
قال أبو جهل : فلا عليك ، أبعث لنا رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا ، منهم قصي
بن كلاب ، فإنه كان شيخاً صدوقاً ، فنسأله عما أمامنا مما تخبرنا انه كائن بعد الموت احق
ما تقول أم باطل ؟ فقد كان عيسى يفعل ذلك بقومه كما زعمت ، فلست بأهون على
الله من عيسى إن كنت نبياً كما تزعم ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ليس إلى ذلك ' قال أبو جهل :
فإن كنت غير فاعل ، فلا ألفينك تذكر آلهتنا بسوء ، فأنزل الله تعالى : ( ولو أن قرءاناً
سيرت به الجبال ( ) أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ( ، يقول : لو أن قرآنا
فعل ذلك به قبل هذا القرآن ، لفعلناه بقرآن محمد ، عليه السلام ، ولكنه شيء أعطيه
رسلي .
فذلك قوله : ( بل لله الأمر جميعاً ( ، يقول : بل جميع ذلك الأمر كان من الله ليس
من قبل القرآن ، ) أفلم يايئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولا يزال
الذين كفروا ( من أهل مكة ، ) تصيبهم بما صنعوا قارعة ( ، يقول : تصيبهم بما كفروا
بالله بائقة ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا يزال يبعث سراياه ، فيغيرون حول مكة ، فيصيبون(2/177)
صفحة رقم 178
من أنفسهم ومواشيهم وأنعامهم ، فيها تقديم ، ثم قال : ( أو تحل قريباً من دارهم ( ،
يقول : أو تنزل يا محمد بحضرتهم يوم الحديبية قريبين ، ) حتى يأتي وعد الله ( في فتح
مكة ، وكان الله تعالى وعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يفتح عليه مكة ، فذلك قوله : ( إن الله لا يخلف الميعاد ) [ آية : 31 ] .
تفسير سورة الرعد من آية [ 32 - 34 ] .
الرعد : ( 32 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
) ولقد استهزئ برسل من قبلك ( من الرسل قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، أخبروا قومهم بنزول
العذاب عليهم في الدنيا ، فكذبوهم واستهزءوا منهم بأن العذاب ليس بنازل بهم ، فلما
أخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كفار مكة استهزءوا منه ، فأنزل الله تعالى يعزي نبيه ، عليه السلام ، ليصبر
على تكذيبهم إياه بالعذاب ، ) ولقد استهزئ برسل من قبلك ( ) فأمليت ( ، يعني
فأمهلت ) للذين كفروا ( ، فلم أعجل عليهم بالعقوبة ، ) ثم أخذتهم ( بالعذاب ،
)( فكيف كان عقاب ) [ آية : 32 ] ، يعني عذاب ، أليس وجدوه حقاً ؟ .
الرعد : ( 33 ) أفمن هو قائم . . . . .
) أفمن هو قآئم على كل نفس بما كسبت ( من خير وشر ، يقول : الله قائم على كل
بر وفاجر ، على الله رزقهم وطعامهم ، ) وجعلوا لله شركاء ( ، يعني وصنعوا لله شبهاً ،
وهو أحق أن يعبد من غيره ، ) قل ( لهم يا محمد : ( سموهم ( ، يقول : ما أسماء هؤلاء
الشركاء ، وأين مستقرهم ، يعني الملائكة ؛ لأنهم عبدوهم ، ويقال : الأوثان ، ولو سموهم
لكذبوا .
ثم قال : ( أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض ( بأن معه شريكاً ، ) أم بظاهر من
القول ( ، يقول : بل بأمر باطل كذب ، كقوله في الزخرف : ( أم أنا خير من هذا الذي ) [ الزخرف : 52 ] ، يقول : أنا خير ، ثم قال : ( بل ( ، يعني لكن ، ) زين للذين كفروا ( من أهل مكة ) مكرهم ( ، يعني قول الشرك ، ) وصدوا عن السبيل ( ، يعني
وصدوا الناس عن السبيل ، يعني دين الله الإسلام ، ) ومن يظل الله ( ، يقول : ومن يضله
الله ، ) فما له من هاد ) [ آية : 33 ] إلى دينه .(2/178)
صفحة رقم 179
الرعد : ( 34 ) لهم عذاب في . . . . .
) لهم عذاب في الحيوة الدنيا ( ، يعني القتل ببدر ، ) ولعذاب الأخرة أشق ( مما أصابهم
من القتل ببدر ، وضرب الملائكة الوجوه والأدبار ، وتعجيل أرواحهم إلى النار ، ) وما لهم
من الله من واقٍ ) [ آية : 34 ] ، يعني يقي العذاب عنهم .
تفسير سورة الرعد من آية : [ 35 - 37 ] .
الرعد : ( 35 ) مثل الجنة التي . . . . .
) مثل الجنة التي وعد المتقون ( ، يعني شبه الجنة في الفضل والخير ، كشبه
النار في شدة العذاب ، ثم نعت الجنة ، فقال : ( تجرى من تحتها الأنهار أكلها دآئم ( ،
يعني طعامها لا يزول ولا ينقطع ، وهكذا ) وظلها ( ، ثم قال : ( تلك ( الجنة ) عقبى
الذين اتقوا ( ، عاقبة حسناهم الجنة ، ) وعقبى الكفرين النار ) [ آية : 35 ] ، يعنى
وعاقبة الذين كفروا بتوحيد الله النار .
الرعد : ( 36 ) والذين آتيناهم الكتاب . . . . .
) والذين ءاتينهم الكتب ( ، يقول : أعطيناهم التوراة ، وهم عبد الله بن سلام
وأصحابه ، مؤمنو أهل التوراة ، ) يفرحون بما أنزل إليك ( من القرآن ، ثم قال : ( ومن
الأحزاب ( ، يعني ابن أمية ، وابن المغيرة ، وآل أبي طلحة بن عبد العزى بن قصي ، ) من
ينكر بعضه ( ، أنكروا الرحمن ، والبعث ، ومحمداً ، عليه السلام ، ) قل إنمآ أمرت أن أعبد
الله ( ، يعني أوحد الله ، ) ولآ أشرك به ( شيئاً ، ) إليه أدعوا ( ، يعني إلى معرفته ،
وهو التوحيد ، أدعو ، ) وإليه مئاب ) [ آية : 36 ] ، يعني وإليه المرجع .
الرعد : ( 37 ) وكذلك أنزلناه حكما . . . . .
) وكذلك أنزلنه حكماً عربياً ولئن اتبعت أهوآءهم ( ، يعني حين دعى إلى ملة آبائه ،
)( بعد ما جاءك من العلم ( ، يعني من البيان ، ) ما لك من الله من ولي ( ، يعني قريباً
ينفعك ، ) ولا واقٍ ) [ آية : 37 ] ، يعني يقي العذاب عنك .
تفسير سورة الرعد من آية : [ 38 - 40 ] .(2/179)
صفحة رقم 180
الرعد : ( 38 ) ولقد أرسلنا رسلا . . . . .
) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك ( ، يعني الأنبياء قبلك ، ) وجعلنا لهم أزوجا وذريةً ( ،
يعني النساء والأولاد ، ) وما كان لرسول أن يأتى بئايةٍ ( ، وذلك أن كفار مكة سألوا
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتيهم بآية ، فقال الله تعالى : ( وما كان لرسول أن يأتى بئايةٍ ( ، إلى قومه ،
)( إلا بإذن الله ( ، يعني إلا بأمر الله ، ) لكل أجل كتاب ) [ آية : 38 ] ، يقول : لا
ينزل من السماء كتاب إلا بأجل .
الرعد : ( 39 ) يمحو الله ما . . . . .
) يمحوا الله ما يشآء ( ، يقول : ينسخ الله ما يشاء من القرآن ، ) ويثبت ( ، يقول :
ويقر من حكم الناسخ ما يشاء ، فلا ينسخه ، ) وعنده أم الكتب ) [ آية : 39 ] ،
يعني أصل الكتاي ، يقول : الناسخ من الكتاب ، والمنسوخ فهو في أم الكتاب ، يعني بأم
الكتاب اللوح المحفوظ .
الرعد : ( 40 ) وإما نرينك بعض . . . . .
) وإن ما نرينك ( ، يعني وإن نرينك يا محمد في حياتك ، ) بعض الذي نعدهم (
من العذاب في الدنيا ، يعني القتل ببدر وسائر بهم العذاب بعد الموت ، ثم قال : ( أو نتوفينك ( ، يقول : أو نميتك يا محمد قبل أن نعذبهم في الدنيا ، يعني كفار مكة ، ) فإنما عليك ( يا محمد ) البلغ ( من الله إلى عباده ، ) وعلينا الحساب ) [ آية : 40 ] ،
يقول : وعلينا الجزاء الأوفى في الآخرة ، كقوله عز وجل في الشعراء : ( إن حسابهم إلا على ربي ) [ الشعراء : 113 ] ، يعني ما جزاءهم إلا على ربي .
تفسير سورة الرعد من آية : [ - 41 ] .
الرعد : ( 41 ) أو لم يروا . . . . .
) أولم يروا ( ، يعني كفار مكة ، ) أنا نأتي الأرض ( ، يعني أرض مكة ، ) ننقصها من
أطرافها ( ، يعنى ما حولها يقول : لا يزال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنون يغلبون على ما حول مكة
من الأرض ، فكيف لا يعتبرون بما يرون أنه ينقص من أهل الكفر ويزداد في المسلمين(2/180)
صفحة رقم 181
) والله يحكم لا معقب لحكمه ( ، يقول : والله يقضي لا راد لقضاء في نقصان ما حول
مكة ونصر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) وهو سريع الحساب ) [ آية : 41 ] ، يقول : كأنه قد جاء
فحاسبهم .
تفسير سورة الرعد من آية : [ 42 - 43 ] .
الرعد : ( 42 ) وقد مكر الذين . . . . .
) وقد مكر الذين من قبلهم ( ، يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية ، يعني قوم صالح ،
عليه السلام ، حين أرادوا قتل صالح ، عليه السلام ، فهكذا كفار مكة حين أجمع أمرهم
على قتل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في دار الندوة ، يقول الله عز وجل : ( فلله المكر جميعاً ( ، يقول :
جميع ما يمكرون بإذن الله عز وجل ، والله ) يعلم ما تكسب كل نفس ( ، يعني ما تعمل
كل نفس ، بر وفاجر ، من خير أو شر ، ) وسيعلم الكفر ( كفار مكة في الاخرة ،
)( لمن عقبى الدار ) [ آية : 42 ] ، يعني دار الجنة ، ألهم أم للمؤمنين ؟ .
الرعد : ( 43 ) ويقول الذين كفروا . . . . .
) ويقول الذين كفروا ( ، يقول : قالت اليهود : ( لست مرسلاً ( يا محمد ، لم
يبعثك الله رسولاً ، فأنزل الله عز وجل ، ) قل ( لليهود : ( كفى بالله شهيدا ( ،
فلا شاهد أفضل من الله عز وجل ، ) بيني وبينكم ( بأني نبي رسول ، ) ومن عنده
علم الكتب ) [ آية : 43 ] ، يقول : ويشهد من عنده التوراة ، عبد الله بن سلام ، فهو
يشهد أني نبي رسول مكتوب في التوراة .(2/181)
صفحة رقم 182
( سورة إبراهيم )
1 ( عليه السلام )
1 ( مكية كلها ، غير قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ) [ آية : ( 1 ( 28 ، 29 ] الآيتين مدنيتين ، وهي اثنتان وخمسون آية كوفية )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 1 ]
إبراهيم : ( 1 ) الر كتاب أنزلناه . . . . .
) الر كتب أنزلنه إليك ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) لتخرج الناس من الظلمت إلى
النور ( ، يعني من الشرك إلى الإيمان ، ) بإذن ربهم ، يعني بأمر ربهم ، ) إلى
صرط ( ، يعني إلى دين ، ) العزيز ( في ملكه ، ) الحميد ) [ آية : 1 ] في أمره عند خلقه .
تفسير سورة إبراهيم من آية : [ 2 - 4 ] .
إبراهيم : ( 2 ) الله الذي له . . . . .
ثم دل على نفسه تعالى ذكره ، فقال : ( الله الذي له ما في السموت وما في الأرض
وويل للكفرين ( ، من أهل مكة ، بتوحيد الله ، ) من عذاب شديد ) [ آية : 2 ] .
إبراهيم : ( 3 ) الذين يستحبون الحياة . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال تعالى : ( الذين يستحبون الحيوة الدنيا ( الفانية ، ) على
الآخرة ( الباقية ، ) ويصدون عن سبيل الله ( ، يعني عن دين الإسلام ، ) ويبغونها
عوجاً ( ، يعني سبيل الله عوجاً ، يقول : ويريدون بملة الإسلام زيغاً ، وهو الميل ، ) أولئك
في ضلل بعيد ( ) آية : 3 ( ، يعني في خسران طويل ، وذلك أن رءوس كفار مكة كانوا
ينهون الناس عن اتباع محمد [ ( صلى الله عليه وسلم ) ] ، وعن اتباع دينه(2/182)
صفحة رقم 183
إبراهيم : ( 4 ) وما أرسلنا من . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( ، يعني بلغة قومه
ليفهموا قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فذلك قوله سبحانه : ( ليبين لهم فيضل الله من يشاء (
على ألسنة الرسل عن دينه الهدى ، ) ويهدي ( إلى دينه ، الهدى على ألسنة الرسل ،
)( من يشاء ( ، ثم رد تعالى ذكره المشيئة إلى نفسه ، فقال : ( وهو العزيز ( في
ملكه ، ) الحكيم ) [ آية : 4 ] ، حكم الضلالة والهدى لمن يشاء .
تفسير سورة إبراهيم من آية : [ 5 - 8 ] .
إبراهيم : ( 5 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
) ولقد أرسلنا موسى بئايتنا ( ، اليد والعصا ، ) أن أخرج قومك ( ، يعني
أن ادع قومك بني إسرائيل ، ) من الظلمت إلى النور ( ، يعني من الشرك إلى
الإيمان ، ) وذكرهم بأيم الله ( ، يقول : عظهم وخوفهم بمثل عذاب الأليم الخالية ،
فيحذروا فيؤمنوا ، ) إن في ذلك ( ، يقول : إن في هلاك الأمم الخالية ، ) لايت ( ،
يعني لعبرة ) لكل صبار شكور ) [ آية : 5 ] ، يعني المؤمن صبور على أمر الله عز
وجل عند البلاء الشديد ، شكور لله تعالى في نعمه .
إبراهيم : ( 6 ) وإذ قال موسى . . . . .
) وإذ قال موسى لقومه ( ، بني إسرائيل : ( اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم ( ، يعني أنقذكم ، ) من ءال فرعون ( ، يعني أهل مصر ، ) يسومونكم ( ،
يعني يعذبونكم ، ) سوء ( ، يعني شدة ، ) العذاب ( ، ثم بين العذاب ، فقال :
( ويذبحون أبناءكم ( ، في حجور أمهاتهم ، ) ويستحيون نساءكم ( ، يعني
قتل البنين وترك البنات ، قتل فرعون منهم ثمانية عشر طفلاً ، ) وفي ذلكم ( ، يعني
فيما أخبركم من قتل الأبناء وترك البنات ، ) بلاء ( ، يعني نقمة ، ) من ربكم(2/183)
صفحة رقم 184
عظيم ) [ آية : 6 ] ، كقول سبحانه : ( إن هذا لهو البلاء المبين ) [ الصافات : 106 ] ،
يعني النعمة البينة ، وكقوله : ( وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين ) [ الدخان : 33 ] ،
يعني نعمة بينة .
إبراهيم : ( 7 ) وإذ تأذن ربكم . . . . .
) وإذ تأذن ربكم ( ، نظيرها في الأعراف : ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى
يوم القامة ) [ الأعراف : 167 ] ، وإذ قال ربكم : ( لئن شكرتم لأزيدنكم ( ،
يعنى لئن وحدتم الله عز وجل ، كقوله سبحانه : ( وسيجزى الله الشاكرين ) [ آل
عمران : 144 ] ، يعني الموحدين ، لأزيدنكم خيراً في الدنيا ، ) ولئن كفرتم ( بتوحيد
الله ، ) إن عذابي لشديد ) [ آية : 7 ] لمن كفر بالله عز وجل في الآخرة .
إبراهيم : ( 8 ) وقال موسى إن . . . . .
) وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني ( ، عن عبادة خلقه ،
)( حميد ) [ آية : 8 ] ، عن خلقه في سلطانه .
تفسير سورة إبراهيم من آية : [ 9 - 12 ] .
إبراهيم : ( 9 ) ألم يأتكم نبأ . . . . .
ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال سبحانه :
( ألم يأتكم نبؤا ( ، يعني حديث ، ) الذين من قبلكم ) من الأم حديث ) قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ( من الأمم التي عذبت ، عاد ، وثمود ، وقوم
إبراهيم ، وقوم لوط ، وغيرهم ، ) لا يعلمهم ( ، يعني لا يعلم عدتهم أحد ، ) إلا الله (
عز وجل ، ) جآءتهم رسلهم بالبينت ( ، يعني أخبرت الرسل قومهم بنزول العذاب
بهم ، نظيرها في الروم : ( وجاءتهم رسلهم بالبيات ) [ الروم : 9 ] ، يعني بنزول
العذاب بهم في الدنيا .(2/184)
صفحة رقم 185
) فردوا أيديهم في أفواههم ( ، يقول : وضع الكفار أيديهم في أفواههم ، ثم قالوا
للرسل : اسكتوا ، فإنكم كذبة ، يعنون الرسل ، وأن العذاب ليس بنازل بنا في الدنيا ،
)( وقالوا ( للرسل : ( إنا كفرنا بما أرسلتم به ( ، يعني بالتوحيد ، ) وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) [ آية : 9 ] يعني بالريبة أنهم لا يعرفون شكهم .
إبراهيم : ( 10 ) قالت رسلهم أفي . . . . .
) قالت ( لهم ) رسلهم أفي الله شك ( ، يقول : أفي التوحيد لله شك ؟
) فاطر ( ، يعني خالق ، ) السماوات والأرض يدعوكم ( إلى معرفته ، ) ليغفر لكم من ذنوبكم ( ، والمن هاهنا صلة ، كقوله سبحانه : ( شرع لكم من الدين ) [ الشورى :
13 ] ، ) ويؤخركم ( في عافية ، ) إلى أجل مسمى ( ، يقول : إلى منتهى
آجالكم ، فلا يعاقبكم بالسنين ، فردوا على الرسل ، ) قالوا ( لهم : ( إن أنتم ( ، يعني
ما أنتم ، ) إلا بشر مثلنا ( ، لا تفضلونا في شيء ، ) تريدون أن تصدونا ( ، يعني تمنعونا ،
)( عما كان يعبد ءاباؤنا ( ، يعني دين آبائهم ، ) فأتونا بسلطان مبين ) [ آية :
10 ] ، يعني بحجة بينة ، قالوا للرسل : ائتونا من عند الله بكتاب فيه حجة بأنكم رسله ،
فإن أتيتمونا كان لكم حجة بأنكم رسله .
إبراهيم : ( 11 ) قالت لهم رسلهم . . . . .
) قالت لهم رسلهم إن نحن ( ، يعني ما نحن ، ) إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن ( ،
يعني ينعم ، ) على من يشاء من عباده ( ، فيخصه بالنبوة والرسالة ، ) وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان ( ، يعني بكتاب من الله بالرسالة ، ) إلا بإذن الله ( ، يعني إلا بأمر
الله ، ) وعلى الله فليتوكل ( ، يقول : بالله فليثق ، ) المؤمنون ) [ آية : 11 ] ، لقولهم
للرسل لنخرجنكم من أرضنا .
إبراهيم : ( 12 ) وما لنا ألا . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وما لنا ألا نتوكل على الله ( ، يعني وما لنا ألا نثق بالله ،
)( وقد هدانا سبلنا ( ، يعني لديننا ، ) ولنصبرن على ما ءاذيتمونا وعلى الله فليتوكل
المتوكلون ) [ آية : 12 ] ، يعني وبالله فليثق الواثقون .
تفسير سورة إبراهيم من آية : [ 13 - 17 ] .(2/185)
صفحة رقم 186
إبراهيم : ( 13 ) وقال الذين كفروا . . . . .
وكان أذاهم للرسل أن قالوا : ( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ( ، يعني دينهم الكفر ، فهذا الأذى الذي صبروا عليه ، ) فأوحى إليهم ربهم ( ، يعني إلى الرسل ، ) لنهلكن الظلمين ) [ آية : 13 ] ، يعني المشركين في
الدنيا ولننصرنكم .
إبراهيم : ( 14 ) ولنسكننكم الأرض من . . . . .
يعني ) ولنسكننكم الأرض من بعدهم ( ، يعني هلاكهم ، ) ذلك ( الإنسان في
الدنيا ، ) لمن خاف مقامي ( ، يعني مقام ربه عز وجل في الآخرة ، ) و ( لمن ) وخاف وعيد ) [ آية : 14 ] في الآخرة .
إبراهيم : ( 15 ) واستفتحوا وخاب كل . . . . .
واستفتحوا ، يعني دعوا ربهم واستنصروا ، وذلك أن الرسل أنذروا قومهم
العذاب في الدنيا ، فردوا عليهم : أنكم كذبة ، ثم قالوا : اللهم إن كانت رسلنا صادقين
فعذبا ، فذلك قوله تعالى : ( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) [ الأعراف :
70 ] ، فذلك قوله سبحانه : ( واستفتحوا ( ، يعني مشركي مكة ، وفيهم أبو جهل ، يعني
ودعوا ربهم ، يقول الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( وخاب كل جبار عنيد ) [ آية : 15 ] ،
يعني وخسر عند نزول العذاب كل متكبر عن توحيد الله عز وجل ، نزلت في أبي جهل ،
)( عنيد ( ، يعني معرض عن الإيمان مجانباً له .
إبراهيم : ( 16 ) من ورائه جهنم . . . . .
ثم قال لهذا الجبار وهو في الدنيا : ( من ورائه جهنم ( ، من بعدهم ، يعني من بعد
موته ، ) ويسقى من ماء صديد ) [ آية : 16 ] ، يعني خليطة القيح والدم الذي يخرج من
أجداف الكفار يسقى الأشقياء .
إبراهيم : ( 17 ) يتجرعه ولا يكاد . . . . .
) يتجرعه ( تجرعاً ، ) ولا يكاد يسيغه ( البتة ، نظيرها : ( إذا أخرج يده لم يكد يراها ) [ النور : 40 ] ، يقول : لا يراها البتة ، ) ويأتيه الموت ( في النار
) من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه ( هذا ، يعني ومن بعد إحدى وعشرين
ألف سنة يفتح عليهم باب يقال له : الهيهات ، فتأكل ناره نار جهنم وأهلها ، كما تأكل(2/186)
صفحة رقم 187
نار الدنيا القطن المندوف ، ويأتيه الموت في النار من كل مكان ، وما هو بميت ، ) ومن ورائه ( ) عذاب غليظ ) [ آية : 17 ] ، يعني شديد لا يفتر عنهم .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 18 - 20 ] .
إبراهيم : ( 18 ) مثل الذين كفروا . . . . .
) مثل الذين كفروا بربهم ( ، يعني بتوحيد ربهم ، مثل ) أعمالهم ( الخبيثة في
غير إيمان ، ) كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ( في يوم شديد الريح ، فلم ير منه
شيء ، فكذلك أعمال الكفار ، ) لا يقدرون مما كسبوا على شيء ( ، يقول : لا يقدرون
على ثواب شيء عملوا في الدنيا ، ولا تنفعهم أعمالهم ؛ لأنها لم تكن في إيمان ، ثم
قال : ( ذلك ( الكفر ، ) هو الضلل البعيد ) [ آية : 18 ] ، يعني الطويل .
إبراهيم : ( 19 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله خلق السموت والأرض بالحق ( ، لم يخلقهما باطلاً لغير شيء ،
ولكن خلقهما لأمر هو كائن ، ثم قال سبحانه لكفار هذه الأمة : ( إن يشأ يذهبكم (
بالهلاك إن عصيتموه ، ) ويأت بخلق جديد ) [ آية : 19 ] ، يعني بخلق غيركم أمثل وأطوع
لله منكم .
إبراهيم : ( 20 ) وما ذلك على . . . . .
) وما ذلك على الله بعزيز ) [ آية : 20 ] ، يقول : هذا على الله هين يسير ، ) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( ، نظيرها في الملائكة .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 21 - 22 ] .
إبراهيم : ( 21 ) وبرزوا لله جميعا . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وبرزوا لله جميعا ( ، يقول : وخرجوا من قبورهم إلى الله جميعاً ،
يعني بالجميع أنه لم يغادر منهم أحد إلا بعث بعد موته ، ) فقال الضعفؤا ( ، وهم(2/187)
صفحة رقم 188
الأتباع من كفار بني آدم ، ) للذين استكبروا ( ، يعني للذين تكبروا عن الإيمان بالله عز
وجل ، وهو التوحيد ، وهم الكبراء في الشرف والغنى القادة ، ) إنا كنا لكم تبعا (
لدينكم في الدنيا ، ) فهل أنتم مغنون عنا ( معشر الكبراء ، ) من عذاب الله من
شيءٍ ( ، باتباعنا إياكم .
) قالوا ( ، يعني قالت الكبراء للضعفاء : ( لو هدانا الله لهدينكم سواء
علينا ( ، ذلك أن أهل النار قال بعضهم لبعض : تعالوا نجزع من العذاب ، لعل ربنا
يرحمنا ، فجزعوا مقدار خمسمائة عام ، فلم يغن عنهم الجزع شيئاً ، ثم قالوا : تعالوا نصبر
لعل الله يرحمنا ، فصبروا مقدار خمسمائة عام ، فلم يغن عنهم الصبر شيئاً ، فقالوا عند
ذلك : ( سواء علينا ( ) أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ) [ آية : 21 ] ، من مهرب
عنها .
إبراهيم : ( 22 ) وقال الشيطان لما . . . . .
) وقال الشيطن ( ، ، يعني إبليس ، ) لما قضي الأمر ( ، يعني حين قضي العذاب ،
وذلك أن إبليس لما دخل هو ومن معه على أثره النار ، قام خطيباً في النار ، فقال : يا أهل
النار : ( إن الله وعدكم ( على ألسنة الرسل ، ) وعد الحق ( ، يعني وعد الصدق
أن هذا اليوم كائن ، ) ووعدتكم ( أنه ليس بكائن ، ) فأخلقتكم ( الوعد ، ) وما كان
لي عليكم من سلطن ( ، يعني من ملك في الشرك ، فأكرهكم على متابعتي ، يعني على
ديني ، إلا في الدعاء .
فذلك قوله عز وجل : ( إلا أن دعوتكم ( ، يعني إلا أن زينت لكم ، ) فاستجبتم لي ( بالطاعة وتركتم طاعة ربكم ، ) فلا تلوموني ( باتباعكم إياي ، ) ولوموا أنفسكم ( بترككم أمر ربكم ، ) ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ( ،
يقول : ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي ، ) إني كفرت ( ، يقول : تبرأت اليوم ) بما أشركتمون ( مع الله في الطاعة ، ) من قبل ( في الدنيا ، ) إن الظلمين ( ، يعني
إن المشركين ، ) لهم عذاب أليم ) [ آية : 22 ] ، يعني وجيع .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 23 - 26 ] .(2/188)
صفحة رقم 189
إبراهيم : ( 23 ) وأدخل الذين آمنوا . . . . .
) وأدخل الذين ءامنوا ( ، يعني صدقوا بتوحيد الله عز وجل ، ) وعملوا الصالحات ( ، وأدوا الفرائض ، ) جنت تجري من تحتها الأنهار ( ، يعني تجري العيون
من تحت بساتينها ، ) خالدين فيها ( لا يموتون ، ) بإذن ربهم ( ، يعني بأمر ربهم
ادخلوا الجنة ، ) تحيتهم فيها سلم ) [ آية : 23 ] ، يقول : تسلم الملائكة عليهم في الجنة .
إبراهيم : ( 24 ) ألم تر كيف . . . . .
) ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة ( ، يعني حسنة ، يعني كلمة الإخلاص ،
وهي التوحيد ، ) كشجرة طيبة ( ، يعني بالطيبة الحسنة ، كما أنه ليس في الكلام شيء
أحسن ولا أطيب من الإخلاص ، قول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فكذلك ليس
في الثمار شيء أحلى ولا أطيب من الرطبة ، وهي النخلة ، ) أصلها ثابت ( في الأرض ،
)( وفرعها ( ، يعني رأسها ، ) في السماء ) [ آية : 24 ] ، يقول : هكذا الإخلاص ينبت
في قلب المؤمن ، كما تنبت النخلة في الأرض ، إذا تكلم بها المؤمن ، فإنها تصعد إلى
السماء ، كما أن النخلة رأسها في السماء ، كما أن النخلة لها فضل على الشجر في
الطول ، والطيب ، والحلاوة ، فكذلك كلمة الإخلاص لها فضل على سائر الكلام .
إبراهيم : ( 25 ) تؤتي أكلها كل . . . . .
) تؤتي أكلها كل حين ( ، يقول : إن النخلة تؤتي ثمرها كل ستة أشهر ، ) بإذن ربها ( ، يعني بأمر ربها ، فهكذا المؤمن يتكلم بالتوحيد ، ويعمل الخير ليلاً ونهاراً ، غدوة
وعشياً ، بمنزلة ، النخلة ، وهذا مثل المؤمن ، ثم قال سبحانه : ( ويضرب الله الأمثال للناس ( ، يعني ويصف الله الأشياء للناس ، ) لعلهم يتذكرون ) [ آية : 25 ] ، أي
يتفكرون في أمثال الله تعالى ، فيوحدونه .
إبراهيم : ( 26 ) ومثل كلمة خبيثة . . . . .
ثم ضرب مثلاً آخر للكافرين ، فقال سبحانه : ( ومثل كلمة خبيثة ( ، يعني دعوة
الشرك ، ) كشجرة خبيثة ( في المرارة ، يعني الحنظل ، ) اجتثت ( ، يعني انتزعت ،
)( من فوق الأرض ما لها من قرار ) [ آية : 26 ] ، يقول : ما لها من أصل ، فهكذا كلمة
الكافر ليس لها أصل ، كما أن الحنظل أخبث الطعام ، فكذلك كلمة الكفر أخبث الدعوة ،
وكما أن الحنظل ليس فيه ثمر ، وليس لها بركة ولا منفعة ، فكذلك الكافر لا خير فيه ، ولا
فرع له في السماء يصعد فيه عمله ، ولا أصل في الأرض ، بمنزلة الحنظلة ، يذهب بها(2/189)
صفحة رقم 190
الريح ، وكذلك الكافر ، فذلك قوله سبحانه : ( كرماد اشتدت به الريح ) [ إبراهيم :
18 ] ، هاجت يميناً وشمالاً ، مرة هاهنا ومرة هاهنا .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 27 - 30 ] .
إبراهيم : ( 27 ) يثبت الله الذين . . . . .
ثم ذكر المؤمنين بالتوحيد في حياتهم وبعد موتهم ، فقال سبحانه : ( يثبت الله
الذين ءامنوا بالقول الثابت ( ، وهو التوحيد ، ) في الحيوة الدنيا ( ، ثم قال : ( و (
يثبتهم ) وفي الآخرة ( ، يعني في قبره في أمر منكر ونكير بالتوحيد ، وذلك أن
المؤمن يدخل عليه ملكان أحدهما منكر والآخر نكير ، فيجلسانه في القبر ، فيسألانه : من
ربك ؟ وما دينك ؟ ومن رسولك ؟ فيقول : ربي الله عز وجل ، وديني الإسلام ، ومحمد ( صلى الله عليه وسلم )
رسولي ، فيقولان له : وقيت وهديت ، ثم يقولان : ' اللهم إن عبدك أرضاك فأرضه ، فذلك
قوله سبحانه : ( وفي الآخرة ( ، أي يثبت الله قول الذين آمنوا .
ثم ذكر الكافر في قبره حين يدخل عليه منكر ونكير ، يطآن في أشعارهما ، ويحفران
الأرض بأنيابهما ، وينالان الأرض بأيديها ، أعينهما كالبرق الخاطف ، وأصواتهما
كالرعد القاصف ، ومعهما مرزبة من حديد ، لو اجتمع عليها أهل منى أن يقلوها ما
أقلوها ، فيقولان له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان له : لا
دريت ولا تليت ، ثم يقولان : اللهم إن عبدك قد أسخطك فاسخط عليه .
فيضربانه بتلك المرزبة ضربة ينهشم كل عضو في جسده ، ويلتهب قبره ناراً ، ويصيح
صيحة يسمعها كل شيء غير الثقلين ، فيلعنونه ، فذلك قوله عز وجل : ( ويلعنهم اللاعنون ) [ البقرة : 159 ] ، حتى إن شاة القصاب والشفرة على حلقها لا يهمها ما
بها ، فتقول : لعن الله هذا ، كان يحبس عنا الرزق بسببه ، هذا لمن يضله الله عز وجل عن
التوحيد ، فذلك قوله : ( ويضل الله الظلمين ( ، يعني المشركين ، حيث لا يوفق لهم
ذلك حين يسأل في قبره : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ ) ويفعل الله ما يشاء (
[ آية : 27 ] فيهما ، فمشيئته أن يثيب المؤمنين ويضل الكافرين .
إبراهيم : ( 28 ) ألم تر إلى . . . . .
) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا ( ، هذه مدينه إلى آخر الآيتين ، وبقية(2/190)
صفحة رقم 191
السورة مكية : ( أَلم تَر إِلى الذين بدلُوا نعمت الله كُفراً ( ، وهم بنو أمية ، وبنو المغيرة
المخزومي ، وكانت النعمة أن الله أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف ، يعنى القتل
والسبي ، ثم بعث فيهم رسولاً يدعوهم إلى معرفة رب النعمة عز وجل ، فكفروا
بهذه النعمة وبدلوها ، ثم قال الله عز وجل : ( وأحلوا قومهم دار البوار ) [ آية : 28 ] ،
يعنى دار الهلاك بلغة عمان ، فأهلكوا قومهم ببدر .
إبراهيم : ( 29 ) جهنم يصلونها وبئس . . . . .
ثم يصيرون بعد القتل إلى جهنم يوم القيامة ، فذلك قوله عز وجل : ( جهنم يصلونها وبئس القرار ) [ آية : 29 ] ، يعنى وبئس المستقر .
إبراهيم : ( 30 ) وجعلوا لله أندادا . . . . .
ثم ذكر كفار قريش ، فقال تعالى : ( وجعلوا ( ، يعنى ووصفوا ) لله أندادا ( ، يعنى
شركاء ، ) ليضلوا عن سبيله ( ، يعنى ليستنزلوا عن دينه الإسلام ، ) قل تمتعوا ( في
داركم قليلاً ، ) فإن مصيركم إلى النار ) [ آية : 30 ] .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 31 - 34 ] .
إبراهيم : ( 31 ) قل لعبادي الذين . . . . .
) قُل لِعبادي الذين ءامنوا يقيمُوا الصلواة وينفقواْ مِما رزقناهُم ( من الأموال ، ) سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ( ، يعنى لا فداء ، ) ولا خلال ) [ آية : 31 ] ، يعنى
ولا خلة ؛ لأن الرجل إذا نزل به ما يكره في الدنيا قبل موته ، قبل منه الفداء ، أو يشفع له
خليله ، والخليل المحب ، وليس في الآخرة من ذلك شيء ، وإنما هي أعمالهم يثابون عليها .
إبراهيم : ( 32 ) الله الذي خلق . . . . .
) الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء ( ، يعنى المطر ، ) فأخرج به ( ، يعنى بالمطر ، ) من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك ( ، يعنى السفن ،
)( لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار ) [ آية : 32 ] .
إبراهيم : ( 33 ) وسخر لكم الشمس . . . . .
) وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ( إلى يوم القيامة ، ) وَسَخَرَ لَكُمُ اليل
والنَّهار ) [ آية : 33 ] ، في هذه منفعة لبني آدم(2/191)
صفحة رقم 192
إبراهيم : ( 34 ) وآتاكم من كل . . . . .
) وءاتاكُم ( ، يقول : وأعطاكم ) من كل ما سألتموه ( ، يعنى ما لم تسألوه ولا
طلبتموه ، ولكن أعطيتكم من رحمتي ، يعنى ما ذكر مما سخر للناس في هؤلاء الآيات
فهذا كله من النعم ، ثم قال سبحانه : ( وإِن تعدواْ نِعمتَ الله لا تحصوها إِن الإنسان
لظلومٌ ( لنفسه في خطيئته ، ) كفار ) [ آية : 34 ] ، يعنى كافر في نعمته التي ذكر ،
فلم يعبده .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : سمعت أبا صالح في قوله عز وجل : ( من كل ما سألتموه ( ، قال : أعطاكم ما لم تسألوه ، ومن قراءة : كل ما سألتموه ، بدون من
يقول : استجاب لكم ، فأعطاكم ما سألتموه ، والله أعلم .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 35 - 41 ] .
إبراهيم : ( 35 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
) وَإذ قال إبراهيم رَب اجعل هذا البلد ءامناً ( ، يعنى مكة ، فكان أمناً لهم في
الجاهلية ، ) واجنبني وبني ( ، يعنى وولدي ، ) أن نعبد الأصنام ) [ آية : 35 ] ، وقد
علم أن ذريته مختلفون في التوحيد .
إبراهيم : ( 36 ) رب إنهن أضللن . . . . .
قال : ( رب إنهن أضللن ( ، يعنى الأصنام ، ) كثيرا من الناس ( ، يعنى أضللن
بعبادتهن كثيراً من الناس ، ) فمن تبعني ( على ديني ، ) فإنه مني ( على ملتي ، ) ومن عصاني ( ، فكفر ، ) فإنك غفور رحيم ) [ آية : 36 ] ، أن تتوب عليه ، فتهديه إلى
التوحيد ، نظيرها في الأحزاب : ( ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ) [ الأحزاب : 24 ] .
إبراهيم : ( 37 ) ربنا إني أسكنت . . . . .
) ربنا إني أسكنت من ذريتي ( ، يعنى إسماعيل ابني خاصة ، ) بواد غير ذي زرع ( ،
يعنى لا حرث فيها ، ولا ماء ، يعنى مكة ، ) عند بيتك المحرم ( ، حرمه لئلا يستحل فيه(2/192)
صفحة رقم 193
ما لا يحل ، فيها تقديم ، ) ربنا ليقيموا الصلاة ( ، يعنى اجنبني وبني أن نعبد الأصنام ،
لكي يصلوا لك عند بيتك المحرم ، ويعبدونك ، ) فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ( ، يقول : اجعل قوماً من الناس تهوى إليهم ، يعنى إلى إسماعيل وذريته ،
)( وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) [ آية : 37 ] ، ولو قال : اجعل أفئدة الناس تهوي
إليهم ، لازدحم عليهم الحرز والديلم ، ولكنه قال : ( فاجعل أفئدة من الناس ( .
إبراهيم : ( 38 ) ربنا إنك تعلم . . . . .
) ربنا إنك تعلم ما نخفي ( ، يعنى ما نسر من أمر إسماعيل في نفسي من الجزع عليه
أنه في غير معيشة ، ولا ماء في أرض غربة ، ثم قال : ( وما نعلن ( ، يعنى من قوله :
( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ( ، يعني مكة ، فهذى الذي أعلن
) وَمَا يخفى عَلى الله من شيء في الأرض ولا في السَّماء ) [ آية : 83 ] .
إبراهيم : ( 39 ) الحمد لله الذي . . . . .
) الحمد لله الذي وهب لي على الكبر ( بالأرض المقدسة بعدما هاجر إليها ،
)( إسماعيل وإسحاق ( ، ووهب لي إسماعيل من هاجر جاريته وإبراهيم يومئذ ابن ستين
سنة ، ووهب له إسحاق ، وهو ابن سبعين سنة ، فالأنبياء كلهم من إسحاق غير نبينا محمد
( صلى الله عليه وسلم ) ، فإنه من ذرية إسماعيل ، ثم قال إبراهيم : ( إن ربي لسميع الدعاء ) [ آية : 39 ] .
إبراهيم : ( 40 ) رب اجعلني مقيم . . . . .
) رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ( ، فاجعلهم أيضاً مقيمين الصلاة ، ) ربنا وتقبل دعاء ) [ آية : 40 ] ، يقول : ربنا واستجب دعائي في إقامة الصلاة لنفسه
ولذريته .
إبراهيم : ( 41 ) ربنا اغفر لي . . . . .
) ربنا اغفر لي ولوالدي ( ، يعنى أبويه ، ) وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) [ آية :
41 ] .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 42 - 43 ] .
إبراهيم : ( 42 ) ولا تحسبن الله . . . . .
) ولا تحسبن الله ( يا محمد ، ) غافلا عما يعمل الظالمون ( ، يعنى مشركي
مكة ، ) إنما يؤخرهم ( عن العذاب في الدنيا ، ) ليوم تشخص فيه الأبصار ) [ آية :
42 ] ، يعنى فاتحة شاخصة أعينهم ، وذلك أنهم إذا عاينوا النار ، فيها تقديم ، في الآخرة ،(2/193)
صفحة رقم 194
شخصت أبصارهم في يطرفون ، فيها تقديم ، وذلك قوله سبحانه : ( لا يرتد إليهم طرفهم ( ، يعنى لا يطرفون .
إبراهيم : ( 43 ) مهطعين مقنعي رؤوسهم . . . . .
ثم قال : ( مهطعين ( ، يعنى مقبلين إلى النار ، ينظرون إليها ، ينظرون في غير
طرف ، ) مقنعي ( ، يعنى رافعي ) رُءوسهم ( إليها ، ) لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ) [ آية : 43 ] .
وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار شهقوا شهقة زالت منها قلوبهم عن أماكنها ،
فتنشب في حلوقهم ، فصارت قلوبهم : ( هواء ( بين الصدور والحناجر ، فلا تخرج من
أفواههم ، ولا ترجع إلى أماكنها ، فذلك قوله سبحانه في حم المؤمن : ( إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ) [ غافر : 18 ] ، يعنى مكروبين ، فلما بلغت القلوب الحناجر ، ونشبت
في حلوقهم ، انقطعت أصواتهم وغصت ألسنتهم .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 44 - 47 ] .
إبراهيم : ( 44 ) وأنذر الناس يوم . . . . .
) وأنذر ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) الناس ( ، يعنى كفار مكة ، ) يوم يأتيهم العذاب ( في
الآخرة ، ) فيقول الذين ظلموا ( ، يعنى مشركي مكة ، فيسألون الرجعة إلى الدنيا
فيقولون في الآخرة : ( ربنا أخرنا إلى أجل قريب ( ؛ لأن الخروج من الدنيا إلى قريب ،
)( نجب دعوتك ( إلى التوحيد ، ) ونتبع الرسل ( ، يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال لهم : ( أولم تكونوا أقسمتم ( ، يعنى حلفتم ، ) من قبل ( في الدنيا إذا متم ، ) ما لكم من زوال ) [ آية : 44 ] إلى البعث بعد الموت ، وذلك قوله سبحانه في النحل : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ) [ النحل : 83 ] .
إبراهيم : ( 45 ) وسكنتم في مساكن . . . . .
) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ( ، يعنى ضروا بأنفسهم ، يعنى الأمم(2/194)
صفحة رقم 195
الخالية ، الذين عذبوا في الدنيا ، يعنى قوم هود وغيرهم ، ) وتبين لكم كيف فعلنا بهم ( ، يقول : كيف عذبناهم ، ) وضربنا لكم الأمثال ) [ آية : 45 ] ، يعنى ووصفنا
لكم الأشياء ، يقول : وبينا لكم العذاب لتوحدوا ربكم عز وجل ، يخوف كفار مكة بمثل
عذاب الأمم الخالية ؛ لئلا يكذبوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
إبراهيم : ( 46 ) وقد مكروا مكرهم . . . . .
ثم أخبر عن فعل نمروذ بن كنعان الجبار ، فقال : ( وقد مكروا مكرهم ( ، يقول :
فعلهم ، يعنى التابوت فيها الرجلان اللذان كانا في التابوت ، والنسور الأربعة ، ) وعند الله مكرهم ( ، يقول : عند الله مكرهم ، يعنى فعلهم ، ) وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) [ آية : 46 ] ، نظيرها في بني إسرائيل : ( وإن كادوا ليفتنونك (
[ الإسراء : 73 ] ، يعنى وقد كادوا ، وقد كان نمروذ بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه ،
وهو أول من ملك الأرض كلها ، وذلك أنه بنى صرحاً ببابل زعم ليتناول إله السماء ،
فخر عليهم السقف ، وهو البناء من فوقهم . .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن ابن إسحاق ،
عن عبد الرحمن بن دانيال ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، في قوله سبحانه :
( وإن كان مكرهم ( ، قال : أمر نمروذ بن كنعان عدو الله ، فنحت التابوت ، وجعل له
باباً من أعلاه ، وباباً من أسفله ، ثم صعد إلى أربع نسور ، ثم أوثق كل نسر بقائمة
التابوت ، ثم جعل في أعلى التابوت لحماً شديد الحمرة ، في أربعة نواحي التابوت حيال
النسور ، ثم جعل رجلين في التابوت ، فنهضت النسور تريد اللحم ، فارتفع التابوت إلى
السماء ، فلما ارتفع ما شاء الله ، قال أحد الرجلين لصاحبه : فاتح باب التابوت الأسفل
فانظر كيف ترى الأرض ؟ ففتح فنظر ، قال : أراها كالعروة البيضاء .
ثم قال له : افتح الباب الأعلى ، فانظر إلى السماء ، هل ازددنا منها قرباً ؟ قال : ففتح
الباب الأعلى ، فإذا هي كهيئتها ، وارتفعت النسور تريد اللحم ، فلما ارتفعا جداً ، لم
تدعهما الريح أن يصعدا ، فقال أحدهما لصاحبه : افتح الباب الأسفل فانظر كيف ترى
الأرض ؟ قال : ففتح ، قال : إنها سوداء ظلمة ، ولا أرى منها شيئاً ، قال : اردد الباب
الأسفل ، وافتح الباب الأعلى ، فانظر إلى السماء ، هل ازددنا منها قرباً ؟ ففتح الباب
الأعلى ، فقال : أراها كهيئتها .
قال لصاحبه : نكس التابوت ، فنكسه فتصوب اللحم ، وصارت النسور فوق التابوت(2/195)
صفحة رقم 196
واللحم أسفل ، ثم هوت النسور منصبة تريد اللحم ، فسمعت الجبال وحفيف التابوت
وخفيف أجنحة النسور ، ففزعت وظنت أنه أمر نزل من السماء ، فكادت أن تزول من
أماكنها من مخافة الله عز وجل ، فذلك قوله : ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ( .
إبراهيم : ( 47 ) فلا تحسبن الله . . . . .
ثم خوف كفار مكة ، فقال سبحانه : ( فلا تحسبن الله ( يا محمد ، ) مخلف وعده رسله ( في نزول العذاب بكفار مكة في الدنيا ، ) أن الله عزيز ( ، يعنى منيع في
مكة ، ) ذو انتقام ) [ آية : 47 ] من أهل معصيته .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 48 - 50 ] .
إبراهيم : ( 48 ) يوم تبدل الأرض . . . . .
) يوم تبدل الأرض غير الأرض ( ، يقول : تبدل صورة الأرض التي عليها بنو آدم
بيضاء نقية ، لم يسفك عليها دم ، ولم يعمل عليها معصية ، وهي أرض الصراط ، وعمق
الصراط خمسمائة عام ، ) و ( تبدل ) والسماوات ( ، فلا تكون شيئاً ، ) وبرزوا لله ( ، يقول : وخرجوا من قبورهم ، ولا يستترون من الله بشيء ، في أرض مستوية مثل
الأدم ، ممدودة ، ليس عليها جبل ، ولا بناء ، ولا نبت ، ولا شيء ، ) الواحد ( لا شريك
له ، ) القهار ) [ آية : 48 ] ، يعنى القاهر لخلقه .
إبراهيم : ( 49 ) وترى المجرمين يومئذ . . . . .
) وترى المجرمين ( ، يعنى كفار مكة ، ) يومئذ مقرنين في الأصفاد ) [ آية : 49 ] ،
يعنى موثقين في السلاسل والأغلال ، صفدت أيديهم إلى أعناقهم في الحديد .
إبراهيم : ( 50 ) سرابيلهم من قطران . . . . .
) سرابيلهم من قطران ( ، يعنى قمصهم من نحاس ذائب ، ) وتغشى وجوههم النار ) [ آية : 50 ] ؛ لأنهم يتقون النار بوجوههم .
تفسير سورة إبراهيم من الآية : [ 51 - 52 ] .
إبراهيم : ( 51 ) ليجزي الله كل . . . . .
) ليجزي ( ، أي ليجزئهم ) الله ( ، فيها تقديم ، يقول : وبرزوا من قبورهم ، لكي(2/196)
صفحة رقم 197
يجزى الله ) كل نفس ما كسبت ( ، يقول : كل نفس ، بر وفاجر ما كسبت ، يعنى ما
عملت من خير أو شر ، ) إن الله سريع الحساب ) [ آية : 51 ] ، يقول : كأنه قد جاء
الحساب يخوفهم ، فإذا أخذ الله عز وجل في حسابهم ، فرغ من حساب الخلائق على
مقدار نصف يوم من أيام الدنيا .
إبراهيم : ( 52 ) هذا بلاغ للناس . . . . .
) هذا بلاغ للناس ( ، يعنى كفار مكة ، ) ولينذروا به ( ، يعنى لينذروا بما في
القرآن ، ) وليعلموا أنما هو إله واحد ( لا شريك له ، ) وليذكر ( فيما يسمع من
مواعظ القرآن ، ) أولوا الألباب ) [ آية : 52 ] ، يعنى أهل اللب والعقل .(2/197)
صفحة رقم 198
( سُورة الِحجْر )
1 ( مكية كلها ، وهي تسع وتسعون آية باتفاق )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 1 - 2 ]
الحجر : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . .
) الر تِلك ءايتُ الكِتابِ وقُرءانٍ مُبينٍ ) [ آية : 1 ] ، يعنى بين ما فيه .
الحجر : ( 2 ) ربما يود الذين . . . . .
) ربما يود الذين كفروا ( من أهل مكة في الآخرة ، ) لو كانوا مسلمين ) [ آية :
2 ] ، يعنى مخلصين في الدنيا بالتوحيد .
الحجر : ( 3 ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا . . . . .
وذلك قوله سبحانه : ( ذرهم يأكلوا ( ، يقول : خل يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عن كفار مكة
إذا كذبوك يأكلوا ، ) ويتمتعوا ( في دنياهم ، ) ويلههم الأمل ( ، يعنى طول الأمل
عن الآخرة ، ) فسوف يعلمون ) [ آية : 3 ] ، هذا وعيد .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 4 - 9 ] .
الحجر : ( 4 ) وما أهلكنا من . . . . .
ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ، فقال سبحانه : ( وما أهلكنا من قرية ( ، يقول : وما عذبنا من قرية ، ) إلا ولها ( بهلاكها ) كتاب معلوم ) [ آية :
4 ] ، يعنى موقوت في اللوح المحفوظ إلى أجل ، وكذلك كفار مكة عذابهم إلى أجل
معلوم ، يعنى القتل ببدر .
الحجر : ( 5 ) ما تسبق من . . . . .
) ما تسبق من أمة ( عذبت ) أَجلها وَما يستئخُرونَ ) [ آية : 5 ] يقول : ما
يتقدمون من أجلهم ، ولا يتأخرون عنه .
الحجر : ( 6 ) وقالوا يا أيها . . . . .
) وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر ( ، يعنى القرآن ، ) إنك لمجنون ) [ آية : 6 ] ،(2/198)
صفحة رقم 199
يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، نزلت في عبد الله بن أمية بن المغيرة المخزومي ، والنضر بن الحارث ، هو
ابن علقمة ، من بني عبد الدار بن قصي ، ونوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ، كلهم
من قريش ، والوليد بن المغيرة ، قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إنك لمجنون .
الحجر : ( 7 ) لو ما تأتينا . . . . .
وقالوا له : ( لو ما تأتينا ( ، يعنى أفلا تجيئنا ) بالملائكة ( ، فتخبرنا بأنك نبي
مرسل ، ) إن كنت من الصادقين ) [ آية : 7 ] بأنك نبي مرسل ، ولو نزلت الملائكة
لنزلت إليهم بالعذاب .
الحجر : ( 8 ) ما ننزل الملائكة . . . . .
) مَا تتنزَلُ الملائكةَ إِلا بِالحَق وَما كَانُواْ إِذا منظَرِينَ ) [ آية : 8 ] ، يقول : لو نزلت
الملائكة بالعذاب ، إذا لم يناظروا حتى يعذبوا ، يعنى كفار مكة .
الحجر : ( 9 ) إنا نحن نزلنا . . . . .
يقول الله عز وجل : ( إنا نحن نزلنا الذكر ( ، يعنى القرآن على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) وإنا له لحافظون ) [ آية : 9 ] ؛ لأن الشياطين لا يصلون إليه ؛ لقولهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إنك لمجنون يعلمك
الري .
تفسير سورة الحجر الآية [ 10 - 15 ] .
الحجر : ( 10 ) ولقد أرسلنا من . . . . .
) ولقد أرسلنا من قبلك ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الرسل ، ) في شيع ( ، يعنى في فرق ،
)( الأولين ) [ آية : 10 ] ، يعنى الأمم الخالية .
الحجر : ( 11 ) وما يأتيهم من . . . . .
) وما يأتيهم من رسول ( ، ينذرهم بالعذاب في الدنيا ، ) إِلا كَانوا به يستهزءونَ (
[ آية : 11 ] بأن العذاب ليس بنازل بهم .
الحجر : ( 12 ) كذلك نسلكه في . . . . .
) كذلك نسلكه ( ، يعنى هكذا نجعله ، يعنى الكفر بالعذاب ، ) في قلوب المجرمين ) [ آية : 12 ] ، يعنى كفار مكة .
الحجر : ( 13 ) لا يؤمنون به . . . . .
) لا يؤمنون به ( ، يعنى بالعذاب ، ثم قال سبحانه : ( وقد خلت سنة الأولين ) [ آية :
13 ] بالتكذيب لرسلهم بالعذاب ، يعنى الأمم الخالية الذين أهلكوا بالعذاب في الدنيا .
الحجر : ( 14 ) ولو فتحنا عليهم . . . . .
) ولو فتحنا عليهم ( ، يعنى على كفار مكة ، ) بابا من السماء ( ، فينظرون إلى
الملائكة عياناً كيف يصعدون إلى السماء ، ) فظلوا فيه يعرجون ) [ آية : 14 ] ، يقول :(2/199)
صفحة رقم 200
فمالوا في الباب يصعدون .
الحجر : ( 15 ) لقالوا إنما سكرت . . . . .
ولو عاينوا ذلك ، ) لقالوا ( من كفرهم : ( إنما سكرت أبصارنا ( مخففة ، يعنى
سدت ، ولقالوا : ( بل نحن قوم مسحورون ) [ آية : 15 ] .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني الهذيل ، قال : حدثنا مقاتل ، عن عبد
الكريم ، عن حسان ، عن جابر ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، أنه سُئل عن : ( السماء ذات البروج (
[ البروج : 1 ] ، فقال : ' الكواكب ' ، وسُئل عن : ( الذي جعل في السماء بروجا (
[ الفرقان : 61 ] ، قال : ' الكواكب ' ، مثل البروج مشيدة ، قال : ' القصور ' .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 16 - 21 ] .
الحجر : ( 16 ) ولقد جعلنا في . . . . .
) ولقد جعلنا في السماء بروجا ( ، قال : الكواكب ، ) وزيناها ( ، يعنى السماء
بالكواكب ، ) للناظرين ) [ آية : 16 ] إليها ، يعنى أهل الأرض .
الحجر : ( 17 ) وحفظناها من كل . . . . .
) وحفظناها ( ، يعنى السماء بالكواكب ، ) من كل شيطان رجيم ) [ آية : 17 ] ،
يعنى ملعون ؛ لئلا يستمعوا إلى كلام الملائكة .
الحجر : ( 18 ) إلا من استرق . . . . .
ثم استثنى من الشياطين ، فقال سبحانه : ( إلا من استرق السمع ( ، يعنى من اختطف
السمع من كلام الملائكة ، ) فأتبعه شهاب مبين ) [ آية : 18 ] ، يعنى الكوكب المضيء
وهو الثاقب ، ونظيرها في الصافات : ( فأتبعه شهاب ثاقب ) [ الصافات : 10 ] ،
الحجر : ( 19 ) والأرض مددناها وألقينا . . . . .
) والأرض مددناها ( ، يعنى بسطناها ، يعنى مسيرة خمسمائة عام طولها وعرضها وغلظها
مثله ، فبسطها من تحت الكعبة .
ثم قال عز وجل : ( وألقينا فيها رواسي ( ، يعنى الجبال الراسيات في الأرض
الطوال ، ) أن تميد بكم ) [ النحل : 15 ] ، يقول : لئلا تزول بكم الأرض ، وتمور بمن
عليها ، ) وَأَنبتنا فيها من كُل شَيءٍ موزونٍ ) [ آية : 19 ] ، يقول : وأخرجنا من الأرض كل(2/200)
صفحة رقم 201
شيء موزون ، يعنى من كل ألوان النبات معلوم .
الحجر : ( 20 ) وجعلنا لكم فيها . . . . .
) وجعلنا لكم فيها ( ، يعنى في الأرض ، ) معايش ( ، مما عليها من النبات ، ثم قال
سبحانه : ( ومن لستم له برازقين ) [ آية : 20 ] ، يقول : لستم أنتم ترزقونهم ، ولكن أنا
أرزقهم ، يعنى الدواب ، والطير ، معايشهم مما في الأرض من رزق .
الحجر : ( 21 ) وإن من شيء . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وَإِن من شيءٍ إِلا عندنا خزائنُهُ ( ، يقول : ما من شيء من الرزق
إلا عندنا مفاتيحه ، وهو بأيدينا ليس بأيديكم ، ) وما ننزله ( يعنى الرزق ، وهو المطر
وحده ، ) إلا بقدر معلوم ) [ آية : 21 ] ، يعنى موقوت .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 22 - 25 ] .
الحجر : ( 22 ) وأرسلنا الرياح لواقح . . . . .
) وأرسلنا الرياح لواقح ( ، وذلك أن الله يرسل الريح ، فتأخذ الماء بكيل معلوم من
سماء الدنيا ، ثم تثير الرياح والسحاب ، فتلقى الريح السحاب بالماء الذي فيها من ماء
النبت ، ثم تسوق تلك الرياح السحاب إلى الأرض التي أمر الرعد أن يمطرها ، فذلك قوله
سبحانه : ( فأنزلنا من السماء ماء ( ، يعنى المطر ، ) فأَسقينكُموهُ وَما أَنتم ( ، يعنى يا
بني آدم ، ) له بخازنين ) [ آية : 22 ] ، يقول : لستم أنتم بخازنيها ، فتكون مفاتيحها
بأيديكم ولكنها بيدي .
الحجر : ( 23 ) وإنا لنحن نحيي . . . . .
) وَإنا لنحنُ نُحي ونُميتُ ( ، يقول الله تعالى : أنا أحي الموتى ، وأميت الأحياء ، ) ونحن الوارثون ) [ آية : 23 ] ، يعنى ونميت الخلق ويبقي الرب تعالى ويرثهم .
الحجر : ( 24 ) ولقد علمنا المستقدمين . . . . .
) ولقد علمنا المستقدمين منكم ( ، يعنى من بني آدم من مات منكم ، ) وَلقد علمنا
المستئخرينَ ) [ آية : 24 ] ، يقول : من بقي منكم فلم يمت ، ونظيرها في ق والقرآن : ( وقَدْ
عَلِمنا ما تنقص الأرض مِنهم ) [ ق : 4 ] .
الحجر : ( 25 ) وإن ربك هو . . . . .
) وإن ربك ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) هو يحشرهم ( ، يعنى من تقدم منهم ومن تأخر ،
يقول : وهو يجمعهم في الآخرة ، ) إنه حكيم ( حكيم البعث ، ثم قال : ( عليم ) [ آية :
25 ] ببعثهم .
تفسير سورة الحجر من آية : [ 26 - 31 ] .(2/201)
صفحة رقم 202
الحجر : ( 26 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
) ولقد خلقنا الإنسان ( ، يعنى آدم ، ) من صلصال ( . حدثنا عبيد الله ، حدثني أبي ،
حدثني الهذيل ، عن مقاتل ، والضحاك ، عن ابن عباس : الصلصال الطين الجيد ، يعنى الجر
إذا ذهب عنه الماء تشقق ، فإذا حرك تقعقع ، ) من حمإ ( ، يعنى الأسود ، ) مسنون (
[ آية : 26 ] ، يعنى المنتن ، فكان التراب مبتلاً ، فصار أسود منتناً .
الحجر : ( 27 ) والجان خلقناه من . . . . .
ثم قال : ( والجان ( ، يعنى إبليس ، ) خلقناه من قبل ( آدم ، ) من نار السموم ) [ آية :
27 ] ، يعنى صافي ليس فيه دخان ، وهو المارج من نار ، يعنى الجان ، وإنما سمى إبليس
الجان ؛ لأنه من حي من الملائكة ، يقال لهم : الجن ، والجن جماعة ، والجان واحد .
الحجر : ( 28 ) وإذ قال ربك . . . . .
) وإذ قال ( ، يعنى وقد قال : ( ربك للملائكة ( الذين في الأرض ، منهم إبليس ، قال
لهم : قبل أن يخلق آدم ، عليه السلام : ( إني خالق بشرا ( ، يعنى آدم ، ) من صلصال من حمإ ( ، يعنى أسود ، ) مسنون ) [ آية : 28 ] ، يعنى منتن .
الحجر : ( 29 ) فإذا سويته ونفخت . . . . .
) فإذا سويته ( ، يعنى سويت خلقه ، ) ونفخت فيه ( ، يعنى آدم ، ) من روحي فقعوا له ساجدين ) [ آية : 29 ] ، يقول : فاسجدوا لآدم .
الحجر : ( 30 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . .
) فسجد الملائكة ( الذين هم في الأرض ، ) كلهم أجمعون ) [ آية : 30 ] .
الحجر : ( 31 ) إلا إبليس أبى . . . . .
ثم استثنى من الملائكة إبليس ، فقال سبحانه : ( إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ) [ آية : 31 ] لآدم ، عليه السلام .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 32 - 48 ] .(2/202)
صفحة رقم 203
الحجر : ( 32 ) قال يا إبليس . . . . .
) قال يا إبليس ما لك ألا تكون ( في السجود ، ) مع الساجدين ) [ آية : 32 ] ، يعنى
الملائكة الذين سجدوا لآدم ، عليه السلام .
الحجر : ( 33 ) قال لم أكن . . . . .
) قال لم أكن لأسجد لبشر ( ، يعنى آدم ، ) خلقته من صلصال ( ، يعنى الطين ،
)( من حمإ ( ، يعنى أسود ، ) مسنون ) [ آية : 33 ] ، يعنى منتن ، فأول ما خلق من آدم ،
عليه السلام ، عجب الذنب ، ثم ركب فيه سائر خلقه ، وآخر ما خلق من آدم ، عليه
السلام ، أظفاره ، وتأكل الأرض عظام الميت كلها ، غير عجب الذنب ، غير عظام الأنبياء ،
عليهم السلام ، فإنها لا تأكلها الأرض ، وفي العجب يركب بنو آدم يوم القيامة .
الحجر : ( 34 ) قال فاخرج منها . . . . .
ثم ) قال فاخرج منها ( ، يعنى من ملكوت السماء ، ) فإنك رجيم ) [ آية : 34 ] ،
يعنى ملعون ، وهو إبليس .
الحجر : ( 35 ) وإن عليك اللعنة . . . . .
) وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) [ آية : 35 ] .
الحجر : ( 36 ) قال رب فأنظرني . . . . .
) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ) [ آية : 36 ] ، يعنى يبعث الناس بعد الموت ، يقول :
أجلني إلى يوم النفخة الثانية ، كقوله سبحانه : ( فنظرة إلى ميسرة ) [ البقرة : 280 ] ،
يعني فأجله إلى ميسرة .
الحجر : ( 37 ) قال فإنك من . . . . .
) قال فإنك من المنظرين ) [ آية : 37 ] لا تموت .
الحجر : ( 38 ) إلى يوم الوقت . . . . .
) إلى يوم الوقت المعلوم ) [ آية : 38 ] ، يعنى إلى أجل موقوت ، وهي النفخة الأولى ،
وإنما أراد عدو الله الأجل إلى يوم يبعثون ؛ لئلا يذوق الموت ؛ لأنه قد علم أنه لا يموت بعد
البعث .
الحجر : ( 39 ) قال رب بما . . . . .
) قال ( إبليس : ( رب بما أغويتني ( ، يقول : أما إذا أضللتني ، ) لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ) [ آية : 39 ] ، يعنى ولأضلنهم عن الهدى أجمعين .
الحجر : ( 40 ) إلا عبادك منهم . . . . .
ثم استثنى عدو الله إبليس ، فقال : ( إلا عبادك منهم المخلصين ) [ آية : 40 ] ،
يعنى أهل التوحيد ، وقد علم إبليس أن الله استخلص عباداً لدينه ، ليس له عليهم سلطان ،
فذلك قوله سبحانه : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( ، يعنى ما لك أن تضلهم
عن الهدى ، ) وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ] ، يعنى حرزاً ومانعاً لعباده .
الحجر : ( 41 ) قال هذا صراط . . . . .
) قال ( الله تعالى : ( هذا صراط علي ( ، يقول : هذا طريق الحق الهدى إلى ،(2/203)
صفحة رقم 204
) مستقيم ) [ آية : 41 ] ، يعنى الحق ، كقوله : ( لتكونوا شهداء على الناس (
[ البقرة : 143 ] ، يعنى للناس ، نظيرها في هود ، قوله : ( إن ربي على صراط مستقيم (
[ هود : 56 ] ، يعنى المستقيم الحق المبين .
الحجر : ( 42 ) إن عبادي ليس . . . . .
ثم قال سبحانه : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) [ آية :
42 ] ، يعنى من المضلين .
الحجر : ( 43 ) وإن جهنم لموعدهم . . . . .
) وإن جهنم لموعدهم أجمعين ) [ آية : 43 ] ، يعنى كفار الجن والإنس ، وإبليس وذريته .
الحجر : ( 44 ) لها سبعة أبواب . . . . .
) لها سبعة أبواب ( ، بعضها أسفل من بعض ، كل باب أشد حراً من الذي فوقه
بسبعين جزءاً ، بين كل بابين سبعين سنة ، أولها جهنم ، ثم لظى ، ثم الحطمة ، ثم السعير ،
ثم الجحيم ، ثم الهاوية ، ثم سقر ، ) لكل باب منهم جزء مقسوم ) [ آية : 44 ] ، يعنى
عدد معلوم من كفار الجن والإنس ، يعنى الباب الثاني يضعف على الباب الأعلى في شدة
العذاب سبعين ضعفاً .
الحجر : ( 45 ) إن المتقين في . . . . .
) إن المتقين ( الشرك ، ) في جنات وعيون ) [ آية : 45 ] ، يعنى بساتين وأنهار
جارية .
الحجر : ( 46 ) ادخلوها بسلام آمنين
) ادخلوها بسلام ( ، سلم الله عز وجل لهم أمرهم ، وتجاوز عنهم ، نظيرها في الواقعة ،
ثم قال : ( ءامينَ ) [ آية : 46 ] من الخوف .
الحجر : ( 47 ) ونزعنا ما في . . . . .
) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( ، يقول : أخرجنا ما في قلوبهم من الغش الذي كان
في الدنيا بعضهم لبعض ، فصاروا متحابين ، ) إخوانا على سرر متقابلين ) [ آية : 47 ] ، في
الزيارة ، يرى بعضهم بعضاً ، متقابلين على الأسرة يتحدثون .
الحجر : ( 48 ) لا يمسهم فيها . . . . .
ثم أخبر عنهم سبحانه ، فقال : ( لا يمسهم فيها نصب ( ، يقول : لا تصيبهم فيها
مشقة في أجسادهم ، كما كان في الدنيا ، ) وما هم منها ( ، من الجنة ، ) بمخرجين (
[ آية : 48 ] أبدا ، ولا بميتين أبداً(2/204)
صفحة رقم 205
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 49 - 56 ] .
الحجر : ( 49 ) نبئ عبادي أني . . . . .
قال الله تعالى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( نبئ عبادي ( ، يقول : أخبر عبادي ، ) أني أنا الغفور ( لذنوب المؤمنين ، ) الرحيم ) [ آية : 49 ] لمن تاب منهم .
الحجر : ( 50 ) وأن عذابي هو . . . . .
) و ( أخبرهم ، ) وأن عذابي هو العذاب الأليم ) [ آية : 50 ] ، يعنى الوجيع لمن
عصاني .
الحجر : ( 51 ) ونبئهم عن ضيف . . . . .
) ونبئهم ( ، يعنى وأخبرهم ) عن ضيف إبراهيم ) [ آية : 51 ] ، ملكان أحدهما
جبريل ، والآخر ميكائيل .
الحجر : ( 52 ) إذ دخلوا عليه . . . . .
) إذ دخلوا عليه ( على إبراهيم ، ) فقالوا سلاما ( ، فسلموا عليه وسلم عليهما ، ) قال إنا منكم وجلون ) [ آية : 52 ] ، يعنى خائفين ، وذلك أن إبراهيم ، عليه السلام ، قرب إليهم
العجل ، فلم يأكلوا منه ، فخاف إبراهيم ، عليه السلام ، وكان في زمان إبراهيم ، عليه
السلام ، إذا أكل الرجل عند الرجل طعاماً ، أمن من شره ، فلما رأى إبراهيم ، عليه
السلام ، أيديهم لا تصل إلى العجل ، خاف شرهم .
الحجر : ( 53 ) قالوا لا توجل . . . . .
) قالوا ( ، قال له جبريل ، عليه السلام : ( لا توجل ( ، يقول : لا تخف ، ) إنا نبشرك بغلام عليم ) [ آية : 53 ] ، وهو إسحاق ، عليه السلام .
الحجر : ( 54 ) قال أبشرتموني على . . . . .
) قال ( لهم إبراهيم ، عليه السلام : ( أبشرتموني ( بالولد ، ) على أن مسني الكبر ( ، على كبر سني ، ) فبم تبشرون ) [ آية : 54 ] ، قال ذلك إبراهيم ، عليه
السلام ، تعجباً لكبره وكبر امرأته .
الحجر : ( 55 ) قالوا بشرناك بالحق . . . . .
) قالوا ( ، قال جبريل ، عليه السلام : ( بشرناك ( ، يعنى نبشرك ، ) بالحق ( ، يعنى
بالصدق أن الولد لكائن ، ) فلا تكن ( يا إبراهيم ) من القانطين ) [ آية : 55 ] ،(2/205)
صفحة رقم 206
يعنى لا تيأس .
الحجر : ( 56 ) قال ومن يقنط . . . . .
) قال ( إبراهيم ، عليه السلام ، ) ومن يقنط ( ، يعنى ومن ييئس ) من رحمة ربه إلا الضالون ) [ آية : 56 ] ، يعنى المشركين .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 57 - 77 ]
الحجر : ( 57 ) قال فما خطبكم . . . . .
) قال ( إبراهيم : ( فما خطبكم ( ، يعنى فما أمركم ، ) أيها المرسلون ) [ آية :
57 ] .
الحجر : ( 58 ) قالوا إنا أرسلنا . . . . .
) قالوا ( ، أي قال جبريل ، عليه السلام : ( إنا أرسلنا ( بالعذاب ) إلى قوم مجرمين ) [ آية : 58 ] .
الحجر : ( 59 ) إلا آل لوط . . . . .
) إِلا ءال لُوط إِنا لمُنجوهم أَجمعين ) [ آية : 59 ] .
الحجر : ( 60 ) إلا امرأته قدرنا . . . . .
ثم استثنى جبريل ، عليه السلام ، امرأة لوط ، فقال : ( إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ) [ آية : 60 ] ، يعنى الباقين في العذاب ، فخرجوا من عند إبراهيم ، عليه
السلام ، بالأرض المقدسة ، فأتوا لوطاً بأرض سدوم من ساعتهم ، فلم يعرفهم لوط ، عليه
السلام ، وظن أنهم رجال
الحجر : ( 61 ) فلما جاء آل . . . . .
فذلك قوله سبحانه : ( فَلما جاء ءال لُوطٍ المُرسلونَ ) [ آية : 61 ] ، فيها تقديم ،(2/206)
صفحة رقم 207
يقول : جاء المرسلون إلى لوط .
الحجر : ( 62 ) قال إنكم قوم . . . . .
) قال ( لهم لوط : ( إنكم قوم منكرون ) [ آية : 62 ] أنكرهم ، ولم يعلم أنهم
ملائكة ؛ لأنهم كانوا في صورة الرجال .
الحجر : ( 63 ) قالوا بل جئناك . . . . .
) قالوا بل ( ، قال جبريل ، عليه السلام : قد ) جئناك ( يا لوط ) بما كانوا فيه يمترون ) [ آية : 63 ] ، يعنى بما كان قومك بالعذاب يمترون ، يعنى يشكون في العذاب
أنه ليس بنازل بهم في الدنيا .
الحجر : ( 64 ) وأتيناك بالحق وإنا . . . . .
) وأتيناك بالحق ( ، جئناك بالصدق ، ) وإنا لصادقون ) [ آية : 64 ] بما تقول إنا
جئناهم بالعذاب .
الحجر : ( 65 ) فأسر بأهلك بقطع . . . . .
فقالوا للوط : ( فأسر بِأهلكَ ( ، يعنى امرأته وابنته ريثا وزعوثا ، ) بِقطع ( ، يعنى
ببعض ، وهو السحر ، ) مِن اليل واتبعِ أَدبارهُم ( ، يعنى سر من وراء أهلك تسوقهم ،
)( وَلاَ يلتفت منكُم أحداً ( البتة ، يقول : ولا ينظر أحد منكم وراءه ، ) وامضوا حيث تؤمرون ) [ آية : 65 ] إلى الشام .
الحجر : ( 66 ) وقضينا إليه ذلك . . . . .
) وقضينا إليه ( ، يقول : وعهدنا إلى لوط ، ) ذلك الأمر ( ، يعنى أمر العذاب ،
)( أن دابر ( ، يعنى أصل ) هؤلاء ( القوم ) مقطوع مصبحين ) [ آية : 66 ] ، يقول :
إذا أصبحوا نزل بهم العذاب .
الحجر : ( 67 ) وجاء أهل المدينة . . . . .
) وجاء أهل المدينة يستبشرون ) [ آية : 67 ] بدخول الرجال منزل لوط .
الحجر : ( 68 ) قال إن هؤلاء . . . . .
ثم ) قال ( لهم لوط : ( إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون ) [ آية : 68 ] فيهم ، ولوط ، عليه
السلام ، يرى أنهم رجال .
الحجر : ( 69 ) واتقوا الله ولا . . . . .
) واتقوا الله ولا تخزون ) [ آية : 69 ] فيهم .
الحجر : ( 70 ) قالوا أو لم . . . . .
) قالوا أَولم ننهكَ عن العالمينَ ) [ آية : 70 ] ، أن تضيف منهم أحداً ؛ لأن لوطاً
كان يحذرهم لئلا يؤتون في أدبارهم ، فعرض عليهم ابنتيه من الحياء تزويجاً ، واسم
إحداهما ريثا ، والأخرى زعوثا .
فذلك قوله :
الحجر : ( 71 ) قال هؤلاء بناتي . . . . .
) قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ) [ آية : 71 ] لا بد فتزوجوهن .
الحجر : ( 72 ) لعمرك إنهم لفي . . . . .
يقول الله عز وجل : ( لعمرك ( ، كلمة من كلام العرب ، ) إنهم لفي سكرتهم يعمهون ((2/207)
صفحة رقم 208
[ آية : 72 ] ، يعنى لفي ضلالتهم يترددون .
الحجر : ( 73 ) فأخذتهم الصيحة مشرقين
) فأخذتهم الصيحة ( ، يعنى صيحة جبريل ، عليه السلام ، ) مشرقين ) [ آية : 73 ] ،
يعنى حين طلعت الشمس .
الحجر : ( 74 ) فجعلنا عاليها سافلها . . . . .
) فجعلنا ( المدائن الأربع ) عاليها سافلها وأمطرنا عليهم ( سدوم ، ودامورا ، وعاموا ،
وصابورا ، وأمطرنا على من كان خارجاً من المدينة ، ) حِجارةً من سِجيلٍ ) [ آية : 74 ]
ولعل الرجل منهم يكون في قرية أخرى ، فيأتيه الحجر فيقتله ، ) مِن سِجيلٍ ( ، يعنى
الحجارة خلطها الطين .
الحجر : ( 75 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لأيت ( ، يقول : إن هلاك قوم لوط لعبرة ، ) للمتوسمين ) [ آية : 75 ] ،
يقول : للناظرين من بعدهم ، فيحذرون مثل عقوبتهم .
الحجر : ( 76 ) وإنها لبسبيل مقيم
) وإنها لبسبيل مقيم ) [ آية : 76 ] ، يعنى قرى لوط التي أهلكت بطريق مستقيم ،
يعنى واضح مقيم يمر عليها أهل مكة وغيرهم ، وهي بين مكة والشام .
الحجر : ( 77 ) إن في ذلك . . . . .
) إِن في ذلك الآية ( ، يعنى إن في هلاك قوم لوط لعبرة ، ) للمؤمنين ) [ آية : 77 ] ،
يعنى للمصدقين بتوحيد الله عز وجل لمن بعدهم ، فيحذرون عقوبتهم ، يخوف كفار مكة
بمثل عذاب الأمم الخالية .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 78 - 84 ] .
الحجر : ( 78 ) وإن كان أصحاب . . . . .
) وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين ) [ آية : 78 ] ، يعنى لمشركين ، فهم قوم شعيب ،
عليه السلام ، والأيكة الغيضة من الشجر ، وكان أكثر الشجر الدوم ، وهو المقل
الحجر : ( 79 ) فانتقمنا منهم وإنهما . . . . .
) فانتقمنا منهم ( بالعذاب ، ) وإنهما ( ، يعنى قوم لوط ، وقوم شعيب ، ) لبإمام (
يعنى طريق ، ) مبين ) [ آية : 79 ] ، يعنى مستقيم ، وكان عذاب قوم شعيب ، عليه
السلام ، أن الله عز وجل حبس عنهم الرياح ، فأصابهم حر شديد لم ينفعهم من الحر
شيء وهم في منازلهم ، فلما أصابهم ذلك الحر ، خرجوا من منازلهم إلى الغيضة ليستظلوا
بها من الحر ، فأصابهم من الحر أشد مما أصابهم في منازلهم ، ثم بعث الله عز وجل لهم(2/208)
صفحة رقم 209
سحابة فيها عذاب ، فنادى بعضهم بعضاً ليخرجوا من الغيضة ، فيستظلون تحت السحابة
لشدة حر الشمس يلتمسون بها الروح ، فلما لجئوا إليها أهلكهم الله عز وجل فيها حراً
وغماً تحت السحابة .
قال : حدثنا عبيد الله ، سمعت أبي ، قال : سمعت أبا صالح يقول : غلت أدمغتهم في
رءوسهم ، كما يغلى الماء في المرجل على النار ، من شدة الحر تحت السحابة ، فذلك قوله
سبحانه : ( فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم ) [ الشعراء : 189 ] .
الحجر : ( 80 ) ولقد كذب أصحاب . . . . .
) ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ) [ آية : 80 ] ، يعنى قوم صالح ، واسم القرية
الحجر ، وهو بوادي القرى ، يعنى بالمرسلين صالحاً وحده ، عليه السلام ، يقول : كذبوا
صالحاً .
الحجر : ( 81 ) وآتيناهم آياتنا فكانوا . . . . .
) وءاتينهُم ءايتنا ( ، يعنى الناقة آية لهم ، فكانت ترويهم من اللبن في يوم شربها من
غير أن يكلفوا مؤنة ، ) فكذبوا عنها معرضينَ ) [ آية : 81 ] ، حين لم يتفكروا في أمر الناقة
وابنها فيعتبروا .
الحجر : ( 82 ) وكانوا ينحتون من . . . . .
فأخبر عنهم ، فقال سبحانهُ : ( وَكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً ءامنينَ ) [ آية : 82 ] ،
من أن تقع عليهم الجبال إذا نحتوها وجوفوها .
الحجر : ( 83 ) فأخذتهم الصيحة مصبحين
) فأخذتهم الصيحة ( ، يعنى صيحة جبريل ، عليه السلام ، ) مصبحين ) [ آية : 83 ]
يوم السبت ، فخمدوا أجمعون .
الحجر : ( 84 ) فما أغنى عنهم . . . . .
يقول الله عز وجل : ( فما أغنى عنهم ( من العذاب الذي نزل بهم ، ) مَا كانواْ
يكسبُونَ ) [ آية : 84 ] ، من الكفر والتكذيب ، فعقروا الناقة يوم الأربعاء ، فأهلكهم الله
يوم السبت .
تفسير سورة الحجر الآية : [ 85 - 93 ] .(2/209)
صفحة رقم 210
الحجر : ( 85 ) وما خلقنا السماوات . . . . .
) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( ، يقول : لم يخلقهما الله عز وجل
باطلاً ، خلقهما لأمر هو كائن ، ) وإن الساعة لآتية ( ، يقول : القيامة كائنة ،
)( فاصفح الصفح الجميل ) [ آية : 85 ] ، يقول للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : فأعرض عن كفار مكة
الإعراض الحسن ، فنسخ السيف الإعراض والصفح .
الحجر : ( 86 ) إن ربك هو . . . . .
) إِن ربك هُو الخالقُ ( لخلقه في الآخرة بعد الموت ، ) العلم ) [ آية : 86 ]
ببعثهم .
الحجر : ( 87 ) ولقد آتيناك سبعا . . . . .
) وَلقد ءاتينك سَبعاً من المثاني ( ، يعنى ولقد أعطيناك فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات
) والقُرءانُ ( كله مثاني ، ثم قال : ( العظيم ) [ آية : 87 ] ، يعنى سائر القرآن كله .
الحجر : ( 88 ) لا تمدن عينيك . . . . .
) لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ( يعنى أصنافاً منهم من المال ، ) ولا تحزن عليهم ( ، إن تولوا عنك ، ) واخفض جناحك للمؤمنين ) [ آية : 88 ] ، يقول : لين
جناحك للمؤمنين ، فلا تغلظ لهم .
الحجر : ( 89 ) وقل إني أنا . . . . .
) وقل ( لكفار مكة : ( إني أنا النذير المبين ) [ آية : 89 ] من العذاب .
الحجر : ( 90 ) كما أنزلنا على . . . . .
قال سبحانه : ( كما أنزلنا على المقتسمين ) [ آية : 90 ] ، فيها تقديم ، يقول : أنزلنا
المثاني والقرآن العظيم ، كما أنزلنا التوراة والإنجيل على النصارى واليهود ، فهم
المقتسمون ، فاقتسموا الكتاب ، فآمنت اليهود بالتوراة ، وكفروا بالإنجيل والقرآن ، وآمنت
النصارى بالإنجيل ، وكفروا بالقرآن والتوراة ، هذا الذي اقتسموا ، آمنوا ببعض ما أنزل
إليهم من الكتاب ، وكفروا ببعض .
الحجر : ( 91 ) الذين جعلوا القرآن . . . . .
ثم نعت اليهود والنصارى ، فقال سبحانه : ( الذين جعلوا القرءان عِضين ) [ آية :
91 ] ، جعلوا القرآن أعضاء ، كأعضاء الجزور ، فرقوا الكتاب ولم يجتمعوا على الإيمان
بالكتب كلها ، فأقسم الله تعالى بنفسه للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
الحجر : ( 92 ) فوربك لنسألنهم أجمعين
قال سبحانه : ( فوربك ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) لنسئلنهم أَجمعين ) [ آية : 92 ] .
الحجر : ( 93 ) عما كانوا يعملون
) عما كانوا يعملون ) [ آية : 93 ] من الكفر والتكذيب .
تفسير سورة الحجر من الآية : [ 94 - 97 ] .(2/210)
صفحة رقم 211
الحجر : ( 94 ) فاصدع بما تؤمر . . . . .
) فاصدع بما تؤمر ( ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أسر النبوة وكتمها سنتين ، فقال الله عز
وجل لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( فاصدع بما تؤمر ( ، يقول : امض لما تؤمر من تبليغ الرسالة ، فلما بلغ
عن ربه عز وجل استقبله كفار مكة بالأذى والتكذيب في وجهه ، فقال تعالى : ( وأعرض عن المشركين ) [ آية : 94 ] ، يعنى عن أذى المشركين إياك ، فأمره الله عز وجل بالإعراض
والصبر على الأذى ، ثم نسختها آية السيف .
الحجر : ( 95 ) إنا كفيناك المستهزئين
ثم قال سبحانه : ( إِنا كفيناك المُستهزءينَ ) [ آية : 95 ] ، وذلك أن الوليد بن المغيرة
المخزومي حين حضر الموسم ، قال : يا معشر قريش ، إن محمداً قد علا أمره في البلاد ،
وما أرى الناس براجعين حتى يلقونه ، وهو رجل حلو الكلام ، إذا كلم الرجل ذهب
بعقله ، وإني لا آمن أن يصدقه بعضهم ، فابعثوا رهطاً من ذوي الحجى والرأي ، فليجلسوا
على طريق مكة مسيرة ليلة أو ليلتين ، فمن سأل عن محمد ، فليقل بعضهم : إنه ساحر
يفرق بين الاثنين ، ويقول بعضهم : إنه كاهن يخبر بما يكون في غد لئلا تروه خير من أن
تروه ، فبعثوا في كل طريق بأربعة من قريش ، وأقام الوليد بن المغيرة بمكة ، فمن دخل
مكة في غير طريق سالك يريد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تلقاهم الوليد ، فيقول : هو ساحر كذا ، ومن
دخل من طريق لقيه الستة عشر ، فقالوا : هو شاعر ، وكذاب ، ومجنون .
ففعلوا ذلك ، وانصدع الناس عن قولهم ، فشق ذلك على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان يرجو أن
يلقاه الناس ، فيعرض عليهم أمره ، فمنعه هؤلاء المستهزءون من قريش ، ففرحت قريش
حين تفرق الناس عن قولهم ، وقالوا : ما عند صاحبكم إلا غروراً ، يعنون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
فقالت قريش : هذا دأبنا ودأبك ، فذلك قوله سبحانه : ( وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ) [ النحل : 24 ] .
وكان منهم من يقول : بئس وافد القوم أنا إن انصرفت قبل أن ألقي صاحبي ، فيدخل
مكة فيلقي المؤمنين ، فيقول : ما هذا الأمر ؟ فيقولون : خيراً أنزل الله عز وجل كتاباً .
وبعث رسولاً ، فذلك قوله سبحانه : ( ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ) [ النحل : 30 ]
فنزل جبريل ، عليه السلام ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند الكعبة ، فمر به الوليد بن المغيرة بن عبد الله ،
فقال جبريل ، عليه السلام ، للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : كيف تجد هذا ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' بئس عبد الله
هذا ' فأهوى جبريل بيده إلى فوق كعبة ، فقال : قد كفيتك .(2/211)
صفحة رقم 212
فمر الوليد في حائط فيه نبل لبني المصطلق ، وهي حي من خزاعة يتبختر فيهما ، فتعلق
السهم بردائه قبل أن يبلغ منزله ، فنفض السهم وهو يمشي برجله ، فأصاب السهم أكحله
فقطعه ، فلما بات تلك الليلة انتفضت به جراحته ، ومر به العاص بن وائل ، فقال جبريل
كيف تجد هذا ؟ قال : ' بئس عبد الله هذا ' ، فأهوى جبريل بيده إلى باطن قدمه ، فقال : قد
كفيتك ، وركب العاص حماراً من مكة يريد الطائف ، فاضطجع الحمار به على شبرقة
ذات شوك ، فدخلت شوكة في باطن قدمه فانتفخت ، فقتله الله عز وجل تلك الليلة .
ومر به الحارث بن قيس بن عمرو بن ربيعة بن سهم ، فقال جبريل ، عليه السلام :
كيف تجد هذا ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' بئس عبد الله هذا ' ، فأهوى جبريل ، عليه السلام ، إلى
رأسه ، فانتفخ رأسه ، فمات منها ، ومر به السود بن عبد العزى بن وهب بن عبد مناف
بن زهرة ، فقال جبريل ، عليه السلام : كيف تجد هذا ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ' بئس عبد الله
هذا ، إلا أنه ابن خالي ' ، فأهوى جبريل ، عليه السلام ، بيده إلى بطنه ، فقال : قد كفيتك
فعطش ، فلم يروا من الشراب حتى مات .
ومر الأسود بن عبد المطلب بن المنذر بن عبد العزى بن قصي ، فقال جبريل : كيف
تجد هذا ؟ قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' بئس عبد الله هذا ' ، قال : قد كفيتك أمره ، ثم ضرب ضربة
بحبل من تراب ، رمي في وجهه فعمي ، فمات منها ، وأما بعكك وأحرم ، فهما أخوان ابنا
الحجاج بن السياق بن عبد الدار بن قصي ، فأما أحدهما فأخذته الدبيلة ، وأما الآخر ،
فذات الجنب ، فماتا كلاهما ، فأنزل الله عز وجل : ( إنا كفيناك المستهزئين ( ، يعنى
هؤلاء السبعة من قريش .
الحجر : ( 96 ) الذين يجعلون مع . . . . .
ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( الذين يجعلونَ مَع الله إِلهاً ءاخر فسوف يعلمونَ ) [ آية :
96 ] ، هذا وعيد لهم بعد القتل .
الحجر : ( 97 ) ولقد نعلم أنك . . . . .
) ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ) [ آية : 97 ] ، حين قالوا : إنك ساحر ،
ومجنون ، وكاهن ، وحين قالوا : هذا دأبنا ودأبك .
تفسير سورة الحجر الآية : [ 98 - 99 ] .
الحجر : ( 98 ) فسبح بحمد ربك . . . . .
) فسبح بحمد ربك ( ، يقول : فصل بأمر ربك ، ) وكن من الساجدين ) [ آية : 98 ] ،
يعنى المصلين .
الحجر : ( 99 ) واعبد ربك حتى . . . . .
) واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ آية : 99 ] ، فإن عند الموت يعاين الخير والشر .(2/212)
صفحة رقم 213
( سورة النحل )
مقدمة
( مكية كلها ) ( غير قوله تعالى : ( وإن عاقبتم ) [ آية : 126 - 128 ] إلى آخر السورة )
.
( وقوله تعالى : ( ثم إن ربك للذين هاجروا ) [ آية : 110 ] الآية . )
( وقوله تعالى : ( من كفر بالله من بعد إيمانه ) [ الآية : 106 ] الآية )
.
( وقوله تعالى : ( والذين هاجروا ) [ آية : 41 ] الآية . )
( وقوله تعالى : ( وضرب الله مثلا قرية ( الآية : 112 ] الآية . )
فإن هذه الآيات مدنيات ، وهي مائة وثمان وعشرون آية كوفية .
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة النحل من الآية : [ 1 - 2 ] .
النحل : ( 1 ) أتى أمر الله . . . . .
) أتى أمر الله ( ، وذلك أن كفار مكة لما أخبرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الساعة ، فخوفهم بها
أنها كائنة ، فقالوا : متى تكون ؟ تكذيباً بها ، فأنزل الله عز وجل : يا عبادي
) أتى أمر الله ( ، ) فلا تستعجلوه ( ، أي فلا تستعجلوا وعيدي ، أنزل الله عز وجل أيضاً في قولهم :
حم عسق : ( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ) [ الشورى : 18 ] ، فلما سمع النبي
( صلى الله عليه وسلم ) من جبريل ، عليه السلام : ( أتى أمر الله ( ، وثب قائماً ، وكان جالساً ، مخافة الساعة ،
فقال جبريل ، عليه السلام : ( فلا تستعجلوه ( ، فاطمأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند ذلك ، ثم قال :
( سبحانه ( ، نزه الرب تعالى نفسه عن شرك أهل مكة ، ثم عظم نفسه جل جلاله ،
فقال : ( وَتَعَلى ( ، يعنى وارتفع ، ) عما يشركون ) [ آية : 1 ] .
النحل : ( 2 ) ينزل الملائكة بالروح . . . . .
) ينزل الملائكة ( ، يعنى جبريل ، عليه السلام ، ) بالروح ( ، يقول : بالوحي ، ) من أمره ( ، يعنى بأمره ، ) على من يشاء من عباده ( من الأنبياء ، عليهم السلام ، ثم أمرهم
الله عز وجل أن ينذروا الناس ، فقال : ( أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) [ آية :
2 ] ، يعنى فاعبدون .(2/213)
صفحة رقم 214
تفسير سورة النحل الآية : [ 2 - 7 ] .
النحل : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
) خلق السماوات والأرض بالحق ( ، يقول : لم يخلقهما باطلاً لغير شيء ، ولكن
خلقهما لأمر هو كائن ، ) تعالىَ ( ، يعنى ارتفع ، ) عما يشركون ) [ آية : 3 ] به .
النحل : ( 4 ) خلق الإنسان من . . . . .
) خلق الإنسان من نطفة ( ، يعنى أبي بن خلف الجمحي ، قتله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم
أُحد ، ) فإذا هو خصيم مبين ) [ آية : 4 ] ، قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : كيف يبعث الله هذه العظام ،
وجعل يفتها ويذريها في الريح ، ونظيرها في آخر يس : ( قال من يحيي العظام وهي رميم ) [ يس : 78 ] .
النحل : ( 5 ) والأنعام خلقها لكم . . . . .
ثم قال تعالى : ( والأنعام ( ، يعنى الإبل ، والبقر ، والغنم ، ) خلقها لكم فيها دفء ( ، يعنى ما تستدفئون به من أصوافها ، وأوبارها ، وأشعارها أثاثاً ، ) ومنافع (
في ظهورها ، وألبانها ، ) ومنها تأكلون ) [ آية : 5 ] ، يعنى من لحم الغنم .
النحل : ( 6 ) ولكم فيها جمال . . . . .
) ولكم فيها ( ، يعنى في الأنعام ، ) جمال حين تريحون ( ، يعنى حين تروح من
مراعيها إليكم عند المساء ، ) وحين تسرحون ) [ آية : 6 ( ، من عندكم بكرة إلى الرعي .
النحل : ( 7 ) وتحمل أثقالكم إلى . . . . .
) وتحملُ أثقالكُمُ ( ، يعنى الإبل ، والبقر ، ) إِلى بلدٍ لم تكونواْ بلغيه إِلا بشق
الأنفس ( ، يعنى بجهد الأنفس ، ) إِن ربكُم لرءوفٌ ( ، يعنى لرفيق ، ) رحيمٌ (
[ آية : 7 ] بكم فيما جعل لكم من الأنعام من المنافع .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 8 - 13 ] .(2/214)
صفحة رقم 215
النحل : ( 8 ) والخيل والبغال والحمير . . . . .
ثم ذكرهم النعم : ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ( ، يقول : لكم في
ركوبها جمال وزينة ، يعنى الشارة الحسنة ، ) ويخلق ما لا تعلمون ) [ آية : 8 ] من الخلق ،
كقوله تعالى : ( فخرج على قومه في زينته ) [ القصص : 79 ] ، يعنى في شارته .
النحل : ( 9 ) وعلى الله قصد . . . . .
قال سبحانه : ( وعلى الله قصد السبيل ( ، يعنى بيان الهدي ، ) ومنها جائر ( ،
يقول : ومن السبيل ما تكون جائرة على الهدي ، ) ولو شاء لهداكم أجمعين ) [ آية :
9 ] إلى دينه .
النحل : ( 10 ) هو الذي أنزل . . . . .
) هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ( ، يعنى المطر لكم منه شراب ،
)( ومنه شجر فيه تسيمون ) [ آية : 10 ] ، يعنى وفيه ترعون أنعامكم .
النحل : ( 11 ) ينبت لكم به . . . . .
) ينبت لكم به ( بالمطر ، ) الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية ( ، فيما ذكر لكم من النبات لعبرة ، ) لقوم يتفكرون ) [ آية : 11 ] ، في توحيد الله عز وجل .
النحل : ( 12 ) وسخر لكم الليل . . . . .
) وسخر لكم اليل والنهار والشمس والقمر والنُّجوم مُسخرات بِأمره إِن في ذلك
لايتٍ ( ، يقول : فيما سخر لكم في هذه الآيات لعبرة ، ) لقوم يعقلون ) [ آية : 12 ]
في توحيد الله عز وجل .
النحل : ( 13 ) وما ذرأ لكم . . . . .
) وما ذرأ لكم ( ، يعنى وما خلق لكم ، ) في الأرض ( من الدواب ، والطير ،
والشجر ، ) مختلفا ألوانه إن في ذلك ( ، يعنى فيما ذكر من الخلق في الأرض ،
)( لآية لقوم يذكرون ) [ آية : 13 ] ، في توحيد الله عز وجل ، وما ترون من
صنعه وعجائبه .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 14 - 19 ] .(2/215)
صفحة رقم 216
النحل : ( 14 ) وهو الذي سخر . . . . .
) وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ( ، وهو السمك ما أصيد ،
أو ألقاه الماء وهو حي ، ) وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ( ، يعنى اللؤلؤ ، ) وترى الفلك ( ، يعنى السفن ، ) مواخر فيه ( ، يعنى في البحر مقبلة ومدبرة بريح واحد ،
)( ولتبتغوا من فضله ( ، يعنى سخر لكم الفلك لتبتغوا من فضله ، ) ولعلكم تشكرون ) [ آية : 14 ] ربكم في نعمه عز وجل .
النحل : ( 15 ) وألقى في الأرض . . . . .
) وألقى في الأرض رواسي ( ، يعنى الجبال ، ) أن تميد بكم ( ، يعنى لئلا تزول
بكم الأرض فتميل بمن عليها ، ) وأنهارا ( ، تجري ، ) وسبلا ( ، ، يعنى وطرقاً ، ) لعلكم تهتدون ( ، [ آية : 15 ] ، يعنى تعرفون طرقها .
النحل : ( 16 ) وعلامات وبالنجم هم . . . . .
) وعلامات ( ، يعنى الجبال ، كقوله سبحانه : ( كالأعلام ) [ الرحمن : 24 ] ، يعنى
الجبال ، ) وبالنجم هم يهتدون ( ، [ آية : 16 ] .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال مقاتل : هي بنات نعش ،
والجدي ، والفرقدان ، والقطب ، قال : بعينها لأنهن لا يزلن عن أماكنهن شتاء ولا صيفاً ،
يعنى بالجبال ، والكواكب ، وبها يعرفون الطرق في البر والبحر ، كقوله سبحانه : ( لا يهتدون سبيلا ) [ النساء : 98 ] ، يعنى لا يعرفون .
النحل : ( 17 ) أفمن يخلق كمن . . . . .
ثم قال عز وجل : ( أفمن يخلق ( ، هذه الأشياء من أول السورة إلى هذه الآية ،
)( كمن لا يخلق ( شيئاً من الآلهة : اللات ، والعزى ، ومناة ، وهبل ، التي تعبد من دون الله
عز وجل ، ) أفلا تذكرون ) [ آية : 17 ] ، يعنى أفلا تعتبرون في صنعه فتوحدونه عز
وجل .
النحل : ( 18 ) وإن تعدوا نعمة . . . . .
) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور ( ، في تأخير العذاب عنهم ،
)( رحيم ) [ آية : 18 ] بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة .(2/216)
صفحة رقم 217
النحل : ( 19 ) والله يعلم ما . . . . .
) والله يعلم ما تسرون ( في قلوبكم ، يعنى الخراصين الذي أسروا الكيد بالبعثة في
طريق مكة ممن يصد الناس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالموسم ، ) و ( يعلم ) وما تعلنون ) [ آية :
19 ] ، يعنى يعلم ما تظهرون بألسنتكم ، حين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : هذا دأبنا ودأبك .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 20 - 23 ] .
النحل : ( 20 ) والذين يدعون من . . . . .
ثم ذكر الآلهة ، فقال سبحانه لكفار مكة : ( والذين يدعُونَ ( ، يعنى يعبدون ، ) من دون الله ( ، يعنى اللات ، والعزى ، ومناة ، وهبل ، ) لا يخلقون شيئا ( ، ، ذباباً ولا غيرها ،
)( وهم يخلقون ( ، [ آية : 20 ] ، وهم ينحتونها بأيديهم .
النحل : ( 21 ) أموات غير أحياء . . . . .
ثم وصفهم ، فقال تعالى : ( أموات ( ، لا تتكلم ، ولا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تنفع ، ولا
تضر ، ) غير أحياء ( ، لا روح فيها ، ثم نعت كفار مكة ، فقال : ( وما يشعرون أيان يبعثون ) [ آية : 21 ] ، يعنى متى يبعثون ، نظيرها في سورة النمل : ( لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ( ، [ النمل : 65 ] ، وهم
الخراصون .
النحل : ( 22 ) إلهكم إله واحد . . . . .
ثم قال سبحانه : ( إلهكم إله واحد ( ، ، فلا تعبدوا غيره ، ثم نعتهم تعالى ، فقال :
( فالذين لا يؤمنون بالآخرة ( ، يعنى لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، ثم
نعتهم ، فقال سبحانه : ( قلوبهم منكرة ( ، لتوحيد الله عز وجل أنه واحد ، ) وهم مستكبرون ) [ آية : 22 ] عن التوحيد .
النحل : ( 23 ) لا جرم أن . . . . .
) لا جرم ( ، قسماً ، ) أن الله يعلم ما يسرون ( ، في قلوبهم حين أسروا وبعثوا
في كل طريق من الطرق رهطاً ؛ ليصدوا الناس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) وما يعلنون ( ، حين
أظهروا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقالوا : هذا دأبنا ودأبك ، ) إنه لا يحب المستكبرين ) [ آية : 23 ] ،
يعنى المتكبرين عن التوحيد .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 24 - 26 ] .(2/217)
صفحة رقم 218
النحل : ( 24 ) وإذا قيل لهم . . . . .
ثم وصفهم ، فقال سبحانه : ( وإذا قيل لهم ( ، يعنى الخراصين ، ) ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ) [ آية : 24 ] ، وذلك أن الوليد بن المغيرة المخزومي ، قال لكفار
قريش : إن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) حلو اللسان ، إذا كلم الرجل ذهب بعقله ، فابعثوا رهطاً من ذوي
الرأي منكم والحجا في طريق مكة ، على مسيرة ليلة أو ليلتين ، إني لا آمن أن يصدقه
بعضهم ، فمن سأل عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فليقل بعضهم : إنه ساحر ، يفرق بين الاثنين ، وليقل
بعضهم : إنه لمجنون ، يهذي في جنونه ، وليقل بعضهم : إنه شاعر ، لم يضبط الروي ، وليقل
بعضهم : إنه كاهن ، يخبر بما يكون في غد ، وإن لم تروه خيراً من أن تروه ، لم يتبعه على
دينه إلا العبيد والسفهاء ، يحدث عن حديث الأولين ، وقد فارقه خيار قومه وشيوخهم .
فبعثوا ستة عشر رجلاً من قريش ، في أربع طرق ، على كل طريق أربعة نفر ، وأقام
الوليد بن المغيرة بمكة على الطريق ، فمن جاء يسأل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، لقيه الوليد ، فقال له
مثل مقالة الآخرين ، فيصدع الناس عن قولهم ، وشق ذلك على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان يرجو
أن يتلقاهُ الناس ، فيعرض عليهم أمره ، ففرحت قريش حين تفرق الناس عن قولهم ، وهم
يقولون : ما عند صاحبكم خير ، يعنون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وما بلغنا عنه إلا الغرور ، وفيهم
المستهزءون من قريش ، فأنزل الله عز وجل فيهم : ( وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ( ، يعنى حديث الأولين وكذبهم .
النحل : ( 25 ) ليحملوا أوزارهم كاملة . . . . .
يقول الله تعالى : قالوا ذلك ) ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ( ، يعنى يحملوا
خطيئتهم كاملة يوم القيامة ، ) ومن أوزار الذين ( ، يعنى من خطايا الذين
) يضلونهم ( ، يعنى يستنزلونهم ، ) بغير علم ( يعلمونه ، فيها تقديم ، قال عز وجل :
( ألا ساء ما يزرون ) [ الآية : 25 ] ، يعنى ألا بئس ما يحملون ، يعنى يعملون .
النحل : ( 26 ) قد مكر الذين . . . . .
ثم قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( قد مكر الذين ( ، يعنى قد فعل الذين ) من قبلهم ( ،
يعنى قبل كفار مكة ، يعنى نمروذ بن كنعان الجبار الذي ملك الأرض ، وبنى الصرح
ببابل ؛ ليتناول فيما زعم إله السماء ، تبارك وتعالى ، وهو الذي حاج إبراهيم في ربه عز
وجل ، وهو أول من ملك الأرض كلها ، وملك الأرض كلها ثلاثة نفر : نمروذ بن كنعان
وذو القرنين ، واسمه الإسكندر قيصر ، ثم تبع بن أبي ضراحيل الحميري .(2/218)
صفحة رقم 219
فلما بني نمروذ الصرح طوله في السماء فرسخين ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، في
صورة شيخ كبير ، فقال : ما تريد أن تصنع ؟ قال : أريد أن أصعد إلى السماء ، فأغلب
أهلها كما غلبت أهل الأرض ، فقال له جبريل ، عليه السلام : إن بينك وبين السماء
مسيرة خمسمائة عام ، والتي تليها مثل ذلك ، وغلظها مثل ذلك ، وهي سبع سموات ، ثم
كل سماء كذلك ، فأبي إلا أن يبني ، فصاح جبريل ، عليه السلام ، صيحة فطار رأس
الصرح ، فوقع في البحر ، ووقع البقية عليهم ، فذلك قوله عز وجل : ( فأتى الله بنيانهم من القواعد ( ، يعنى من الأصل ، ) فخر عليهم السقف من فوقهم ( ، يعنى فوقع
عليهم البناء الأعلى من فوق رؤوسهم ، ) وأتاهم ( ، يعني وجاءهم ) العذاب من حيث لا يشعرون ) [ آية : 26 ] من بعد ذلك ، وبعدما اتخذ النسور ، وهي الصيحة من
جبريل ، عليه السلام .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 27 - 29 ] .
النحل : ( 27 ) ثم يوم القيامة . . . . .
ثم رجع إلى الخراصين في التقديم ، فقال سبحانه : ( ثم يوم القيامة يخزيهم ( ، يعنى
يعذبهم ، كقوله سبحانه : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ) [ التحريم :
8 ] ، يعنى لا يعذب الله النبي المؤمنين ، ) ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ( ، يعنى تحاجون فيهم ، ) قال الذين أوتوا العلم ( ، وهم الحفظة من الملائكة :
( إن الخزي اليوم ( ، يعنى الهوان ، ) والسوء ( ، يعنى العذاب ، ) على الكافرين (
[ آية : 27 ] .
النحل : ( 28 ) الذين تتوفاهم الملائكة . . . . .
ثم نعتهم ، فقال : ( الذين تتوفهم الملائكة ( ، يعنى ملك الموت وأعوانه ، ) ظالمي أنفسهم ( ، وهم ستة ، وثلاثة يلون أرواح المؤمنين ، وثلاثة يلون أرواح الكافرين ، ) فألقوا
السلام ( ، يعني الخضوع والاستسلام ، ثم قالوا : ( ما كنا نعمل من سوء ( ، يعنى من
شرك ؛ لقولهم في الأنعام : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) [ الأنعام : 23 ] ، فكذبهم الله
عز وجل ، فردت عليهم خزنة جهنم من الملائكة ، فقالوا : ( بلي ( قد عملتم السوء ،(2/219)
صفحة رقم 220
) إن الله عليم بما كنتم تعملون ) [ آية : 28 ] ، يعنى بما كنتم مشركين .
النحل : ( 29 ) فادخلوا أبواب جهنم . . . . .
قالت الخزنة لهم : ( فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها ( من الموت ، ) فلبئس مثوى ( ، يعنى مأوى ، ) المتكبرين ) [ آية : 29 ] عن التوحيد ، فأخبر الله عنهم في
الدنيا ، وأخبر بمصيرهم في الآخرة .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 30 - 34 ] .
النحل : ( 30 ) وقيل للذين اتقوا . . . . .
ثم قال تعالى : ( وقيل للذين اتقوا ( ، يعنى الذين عبدوا ربهم : ( ماذا أنزل ربكم قالوا ( أنزل ) خيرا ( ، وذلك أن الرجل كان يبعثه قومه وافداً إلى مكة ليأتيهم بخبر
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيأتي الموسم ، فيمر على هؤلاء الرهط من قريش الذين على طرق مكة ،
فيسألهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيصدونه عنه لئلا يلقاه ، فيقول : بئس الرجل الوافد أنا لقومي أن
أرجع قبل أن ألقى محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأنا منه على مسيرة ليلة أو ليلتين ، وأسمع منه ، فيسير حتى
يدخل مكة ، فيلقي المؤمنين ، فيسألهم عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وعن قولهم ، فيقولون للوافد : أنزل
الله عز وجل خيراً ، بعث رسولاً ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأنزل كتاباً يأمر فيه بالخير ، وينهي عن الشر ،
ففيهم نزلت : ( وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ( ، ثم انقطع الكلام .
يقول الله سبحانه : ( للذين أحسنوا ( العمل ) في هذه الدنيا ( لهم ) حسنة (
في الآخرة ، يعني الجنة ، ) ولدار الآخرة خير ( ، يعنى الجنة أفضل من ثواب المشركين
في الدنيا الذي ذكر في هذه الآية الأولى ، يقول الله تعالى : ( ولنعم دار المتقين ) [ آية :
30 ] الشرك ، يثنى على الجنة .
النحل : ( 31 ) جنات عدن يدخلونها . . . . .
ثم بين لهم الدار ، فقال سبحانه : ( جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار ( ، يعنى
الأنهار تجري تحت البساتين ، ) لَهُم فِيها ما يشاءونَ ( ، يعنى في الجنان ، ) كذلك يجزي الله المتقين ) [ آية : 31 ] الشرك .(2/220)
صفحة رقم 221
النحل : ( 32 ) الذين تتوفاهم الملائكة . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال جل ثناؤهُ : ( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ( في الدنيا ، يعنى
ملك الموت وحده ، ثم انقطع الكلام ، ثم أخبر سبحانه عن قول خزنة الجنة من الملائكة
في الآخرة لهم ، ) يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) [ آية : 32 ] في
دار الدنيا .
النحل : ( 33 ) هل ينظرون إلا . . . . .
ثم رجع إلى كفار مكة ، فقال : ( هل ( ، يعنى ما ) ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ( بالموت ، يعنى ملك الموت وحده ، عليه السلام ، ) أو يأتي أمر ربك ( ،
يعنى العذاب في الدنيا ، ) كذلك ( ، يعنى هكذا ، ) فعل الذين ( ، يعنى لعن الذين
) من قبلهم ( ، ونزل العذاب بهم قبل كفار مكة من الأمم الخالية ، ) وما ظلمهم الله ( ، فعذبهم على غير ذنب ، ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) [ آية : 33 ] .
النحل : ( 34 ) فأصابهم سيئات ما . . . . .
) فأصابهم سيئات ( ، يعنى عذاب ) ما عملواْ ( ، يعنى في الدنيا ، ) وحاق بهم ( ،
يعنى ودار بهم العذاب ، ) ما كانوا به ( بالعذاب ، ) يستهزءونَ ) [ آية : 34 ] بأنه
غير نازل بهم في الدنيا .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 35 - 37 ] .
النحل : ( 35 ) وقال الذين أشركوا . . . . .
) وقال الذين أشركوا ( مع الله غيره ، يعنى كفار مكة : ( لو شاء اللهُ ما عبدنا من
دونه من شيءٍ ( من الآلهة ، ) نَحنُ ولاَ ءاباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيءٍ ( ، من
الحرث والأنعام ، ولكن الله أمرنا بتحريم ذلك ، يقول الله عز وجل : ( كذلك ( ، يعنى
هكذا ) فعل الذين من قبلهم ( من الأمم الخالية برسلهم ، كما كذبت كفار مكة ،
وتحريم ما أحل الله من الحرث والأنعام ، فلما كذبوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال الله عز وجل : ( فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ) [ آية : 35 ] ، يقول : ما على الرسول إلا أن يبلغ ويبين لكم
أن الله عز وجل لم يحرم الحرث والأنعام .
النحل : ( 36 ) ولقد بعثنا في . . . . .
ثم قال عز وجل : ( ولقد بعثنا في كُل أُمة رسولاً اعبدواْ الله ( ، يعنى أن(2/221)
صفحة رقم 222
وحدوا الله ، ) واجتنبوا الطاغوت ( ، يعنى عبادة الأوثان ، ) فمنهم من هدى الله ( إلى
دينه ، ) ومنهم من حقت عليه ( ، يعنى وجبت ، ) الظلالةُ فسيرواْ في الأرض فانظرواْ
كيفَ كانَ عاقبةُ المُكذبينَ ) [ آية : 36 ] ، رسلهم بالعذاب الذين حقت عليهم
الضلالة في الدنيا ، يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ، ليحذروا عقوبته ، ولا
يكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) .
النحل : ( 37 ) إن تحرص على . . . . .
وقال سبحانه : ( إن تحرص على هداهم ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) فإن الله لا يهدي ( إلى
دينه ، ) من يضل ( ، يقول : من أضله الله فلا هادي له ، ) وما لهم من ناصرين (
[ آية : 37 ] ، يعنى مانعين من العذاب .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 38 - 40 ] .
النحل : ( 38 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( ، يقول : جهدوا في أيمانهم حين حلفوا بالله عز
وجل ، يقول الله سبحانه : إن القسم بالله لجهد أيمانهم ، يعنى كفار مكة ، ) لا يبعث الله من يموت ( ، فكذبهم الله عز وجل ، فقال : ( بلي ( يبعثهم الله عز وجل ، ) وعدا عليه حقا ( ، نظيرها في الأنبياء : ( كما بدأنا أول خلق نعيده ) [ الأنبياء : 104 ] ، يقول الله
تعالى : كما بدأنهم فخلقتهم ولم يكونوا شيئاً ، ) ولكن أكثر الناس ( ، يعنى أهل
مكة ) لا يعلمون ) [ آية : 38 ] أنهم مبعثون من بعد الموت .
النحل : ( 39 ) ليبين لهم الذي . . . . .
يبعثهم الله ؛ ) ليبين لهم ( ، يعنى ليحكم الله بينهم في الآخرة ، ) الذين يختلفونَ
فيه ( ، يعنى البعث ، ) وليعلم الذين كفروا ( بالبعث ) أنهم كانوا كاذبين ) [ آية :
39 ] بأن الله لا يبعث الموتى .
النحل : ( 40 ) إنما قولنا لشيء . . . . .
ثم قال سبحانه : ( إنما قولنا ( ، يعنى أمرنا في البعث ، ) لشيءٍ إِذا أردناهُ أن نقُولَ
لَهُ ( مرة واحدة : ( كن فيكون ) [ آية : 40 ] لا يثنى قوله مرتين .(2/222)
صفحة رقم 223
تفسير سورة النحل من الآية : [ 41 - 47 ] .
النحل : ( 41 ) والذين هاجروا في . . . . .
ثم قال سبحانه : ( والذين هاجروا ( قومهم إلى المدينة ، واعتزلوا بدينهم من
المشركين ، ) في الله ( ، وفروا إلى الله عز وجل ، ) من بعد ما ظلموا ( ، يعنى من بعد ما
عذبوا على الإيمان بمكة ، نزلت في خمسة نفر : عمار بن ياسر مولى أبي حذيفة بن المغيرة
المخزومي ، وبلال بن أبي رباح المؤذن ، وصهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان بن
النمر بن قاسط ، وخباب بن الأرت ، وهو عبد الله بن سعد بن خزيمة بن كعب مولى لأم
أنما امرأة الأخنس بن شريق .
) لنبوئنهم ( ، يعنى لنعطينهم ) في الدنيا حسنة ( ، يعنى بالحسنة الرزق الواسع ،
)( ولأجر ( ، يعنى جزاء ) الآخرة ( ، يعنى الجنة ، ) أكبر ( ، يعنى أعظم مما أعطوه
في الدنيا من الرزق ، ) لو كانوا ( ، يعنى أن لو كانوا ) يعلمون ) [ آية : 41 ] .
النحل : ( 42 ) الذين صبروا وعلى . . . . .
ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( الذين صبروا ( على العذاب في الدنيا ، ) وعلى ربهم يتوكلون ) [ آية : 42 ] ، يعنى وبه يثقون .
النحل : ( 43 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ( ، نزلت في أبي جهل بن هشام ،
والوليد بن المغيرة ، وعقبة بن أبي معيط ، وذلك أنهم قالوا في سبحان : ( أبعث الله بشرا رسولا ) [ الإسراء : 94 ] بأكل ويشرب ، وتلاك الملائكة ، فأنزل الله عز وجل :
( وما أرسلنا من قبلك ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) إلا رجالا نوحي إليهم ( ، ثم قال : ( فسئلوا
أهل الذكر ( ، يعنى التوراة ، ) إن كنتم لا تعلمون ) [ آية : 43 ] بأن الرسل كانوا من
البشر ، فسيخبرونكم أن الله عز وجل لم يبعث رسولاً إلا من الإنس .
النحل : ( 44 ) بالبينات والزبر وأنزلنا . . . . .
يعنى ) بالبينات ( بالآيات ، ) والزبر ( ، يعنى حديث الكتب ، ) وأنزلنا إليك الذكر ( ، يعنى القرآن ، ) لتبين للناس ما نزل إليهم ( من ربهم ، ) ولعلهم ( ، يعنى(2/223)
صفحة رقم 224
لكي ) يتفكرون ) [ آية : 44 ] فيؤمنوا .
النحل : ( 45 ) أفأمن الذين مكروا . . . . .
ثم خوف كفار مكة ، فقال سبحانه : ( أفأمن الذين مكروا السيئات ( ، يعنى الذين
قالوا الشرك ، ) أن يخسف الله بهم الأرض ( ، يعنى جانبا منها ، ) أو يأتيهم ( غير
الخسف ، ) العذاب من حيث لا يشعرون ) [ آية : 45 ] ، يعنى لا يعلمون أنه يأتيهم منه .
النحل : ( 46 ) أو يأخذهم في . . . . .
) أو يأخذهم ( العذاب ، ) في تقلبهم ( في الليل والنهار ، ) فما هم بمعجزين (
[ آية : 46 ] ، يعنى سابقي الله عز وجل بأعمالهم الخبيثة ، حتى يجزيهم بها .
النحل : ( 47 ) أو يأخذهم على . . . . .
) أو يأخذهم على تخوف ( ، يقول : يأخذ أهل هذه القرية بالعذاب ويترك الأخرى قريباً
منها لكي يخافوا فيعتبروا ، يخوفهم بمثل ذلك ، ) فإن ربكم لرءوفٌ ( ، يعنى يرق لهم ،
)( رحيم ) [ آية : 47 ] بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 48 - 50 ] .
النحل : ( 48 ) أو لم يروا . . . . .
ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا في سنعه ، فق قال سبحانه : ( أَولم يروا إلى ما خلق الله من
شيء ( في الأرض ، ) يتفيؤا ظلالهُ عن اليمين والشمائل سُجداً ( ، وذلك أن الشجر ،
والبنيان ، والجبال ، والدواب ، وكل شيء ، إذا طلعت عليه الشمس يتحول ظل كل شيء
عن اليمين قبل المغرب ، فذلك قوله سبحانه : ( يتفيؤا ظلالهُ ( ، يعنى يتحول الظل ،
فإذا زالت الشمس ، تحول الظل عن الشمال قبل المشرق ، كسجود كل شيء في الأرض
لله تعالى ، ظله في النهار سجداً ، ) لله ( ، يقول : ( وهم داخرون ) [ آية : 48 ] ، يعنى
صاغرون .
النحل : ( 49 ) ولله يسجد ما . . . . .
) ولله يسجد ما في السماوات ( من الملائكة ، ) وما في الأرض من دابة ( أيضاً
يسجدون .
قال : قال مقاتل ، رحمه الله : إذا قال : ما في السموات ، يعنى من الملائكة وغيرهم
وكل شيء في السماء ، والأرض ، والجبال ، والأشجار ، وكل شيء في الأرض ، وإذا قال :(2/224)
صفحة رقم 225
من في السموات ، يعنى كل ذي روح من الملائكة ، والآدميين ، والطير ، والوحوش ،
والدواب ، والسباع ، والهوام ، والحيتان في الماء ، وكل ذي روح أيضاً سجدون .
ثم نعت الله الملائكة ، فقال : ( والملائكة وهم لا يستكبرون ) [ آية : 49 ] ، يعنى لا
يتكبرون عن السجود .
النحل : ( 50 ) يخافون ربهم من . . . . .
) يخافون ربهم من فوقهم ( ، الذي هو فوقهم ؛ لأن الله تعالى فوق كل شيء ، خلق
العرش ، والعرش فوق كل شيء ، ) ويفعلون ما يؤمرون ) [ آية : 50 ] .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 51 - 52 ] .
النحل : ( 51 ) وقال الله لا . . . . .
) وقال اللهُ لا تتخذوا إلاهين اثنين ( ، وذلك أن رجلاً من المسلمين دعا الله عز
وجل في صلاته ، ودعا الرحمن ، فقال رجل من المشركين : أليس يزعم محمد ( صلى الله عليه وسلم )
وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً ، فما بال هذا يدعو ربين اثنين ، فأنزل الله عز وجل في
قوله : ( وقال اللهُ لا تتخذوا إلاهينِ اثنين ( ) إنما هو إله واحد فإياي فارهبون ) [ آية :
51 ] ، يعنى إياي فخافون في ترك التوحيد ، فمن لم يوحد فله النار .
النحل : ( 52 ) وله ما في . . . . .
ثم عظم الرب تبارك وتعالى نفسه من أن يكون معه إله آخر ، فقال عز وجل : ( وله ما في السماوات والأرض ( من الخلق عبيده وفي ملكه ، ) وله الدين واصبا ( ، يعنى الإسلام
دائماً ، ) أفغير الله ( من الآلهة ) تتقون ) [ آية : 52 ] ، يعنى تعبدون ، يعنى كفار مكة .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 53 - 59 ] .
النحل : ( 53 ) وما بكم من . . . . .
ثم ذكرهم النعم ، فقال سبحانه : ( وما بكم من نعمة فمن الله ( ، ليوحدوا رب هذه
النعم ، يعنى بالنعم الخير والعافية ، ) ثم إذا مسكم الضر ( ، يعنى الشدة ، وهو الجوع ،(2/225)
صفحة رقم 226
والبلاء ، وهو قحط المطر بمكة سبع سنين ، ) فإليه تجئرونَ ) [ آية : 53 ] ، يعنى
تضرعون بالدعاء ، لا تدعون غيره أن يكشف عنكم ما نزل بكم من البلاء والدعاء حين
قالوا في حم الدخان : ( ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ) [ الدخان : 12 ] ، يعنى
مصدقين بالتوحيد .
النحل : ( 54 ) ثم إذا كشف . . . . .
) ثم إذا كشف الضر عنكم ( ، يعنى الشدة ، وهو الجوع ، وأرسل السماء بالمطر
مدراراً ، ) إذا فريق منكم بربهم يشركون ) [ آية : 54 ] ، يعنى يتركون التوحيد لله تعالى في
الرخاء ، فيعبدون غيره ، وقد وحدوه في الضر .
النحل : ( 55 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . .
) ليكفرواْ بما ءاتيناهم ( ، يعنى لئلا يكفروا بالذي أعطيناهم من الخير والخصب في
كشف الضر عنهم ، وهو الجوع ، ) فتمتعوا ( إلى آجالكم قليلاً ، ) فسوف تعلمون (
[ آية : 55 ] ، هذا وعيد ، نظيرها في الروم ، وإبراهيم ، والعنكبوت .
النحل : ( 56 ) ويجعلون لما لا . . . . .
) ويجعلون ( ، يعنى ويصفون ) لما لا يعلمون ( من الآلهة أنها آلهة ، ) نصيبا مما رزقناهم ( ، من الحرث والأنعام ، ) تالله ( ، قل لهم يا محمد : والله ) لتسئلن ( في
الآخرة ، ) عما كنتم تفترون ) [ آية : 56 ] حين زعمتم أن الله أمركم بتحريم الحرث
والأنعام .
النحل : ( 57 ) ويجعلون لله البنات . . . . .
ثم قال يعنيهم : ( ويجعلون ( ، يعنى ويصفون ) لله البنات ( ، حين زعموا أن
الملائكة بنات الله تعالى ، ) سبحانه ( ، نزه نفسه عن قولهم ، ثم قال عز وجل : ( ولهم ما يشتهون ) [ آية : 57 ] من البنين .
النحل : ( 58 ) وإذا بشر أحدهم . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ( ، فقيل له : ولدت لك ابنة ،
)( ظل وجهه مسودا ( ، يعنى متغيراً ، ) وهو كظيم ) [ آية : 58 ] ، يعنى مكروباً .
النحل : ( 59 ) يتوارى من القوم . . . . .
) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ( ، يعنى لا يريد أن يسمع تلك البشرى أحداً ،
ثم أخبر عن صنيعه بولده ، فقال سبحانه : ( أيمسكه على هون ( ، فأما الله فقد علم أنه
صانع أحدهما لا محالة ، ) أم يدسه ( ، وهي حية ، ) في التراب ألا ساء ما يحكمون ((2/226)
صفحة رقم 227
[ آية : 59 ] ، يعنى ألا بئس ما يقضون ، حين زعموا أن لي البنات وهو يكرهونها
لأنفسهم .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 60 - 63 ] .
النحل : ( 60 ) للذين لا يؤمنون . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : ( للذين لا يؤمنون بالآخرة ( ، يعني لا يصدقون بالبعث
الذي فيه جزاء الأعمال ، ) مثل السوء ( ، يعني شبه السوء ، ) ولله المثل الأعلى ( ؛ لأنه
تبارك وتعالى رباً واحد لا شريك له ولد ، ) وهو العزيز ( في ملكه ، جل جلاله ؛
لقولهم : إن الله لا يقدر على البعث ، ) الحكيم ) [ آية : 60 ] في أمره حكم البعث .
النحل : ( 61 ) ولو يؤاخذ الله . . . . .
ثم قال عز وجل : ( ولو يؤاخذ الله الناس ( ، يعني كفار مكة ، ) يظلمهم ( ، يعنى بما
علموا من الكفر والتكذيب ، لعجل لهم العقوبة ، ) ما ترك عليها من دابة ( ، يعنى فوق الأرض من دابة ، يعنى يقحط المطر ، فتموت الدواب ، ) ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ( ،
الذي وقت لهم في اللوح المحفوظ ، ) فإذا جاء أجلهم ( ، يعنى وقت عذابهم في الدنيا ،
)( لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون ( ) آية : 61 ( ، يعنى لا يتأخرون عن أجلهم حتى
يعذبوا في الدنيا .
النحل : ( 62 ) ويجعلون لله ما . . . . .
) ويجعلون ( ، يعنى ويصفون ، ) لله ما يكرهون ( من البنات ، يقولون : لله
البنات ، ) وتصف ( ، يعني وتقول ) ألسنتهم الكذب ( ب ) أن لهم الحسنى (
البنين وله البنات ، ) لا جرم ( قسماً حقاً ، ) أن لهم النار وأنهم مفرطون ) [ آية : 62 ] ،
يعنى متروكون في النار ؛ لقولهم : لله البنات .
النحل : ( 63 ) تالله لقد أرسلنا . . . . .
) تالله ( ، يعنى والله ، ) لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ( ، فكذبوهم ، ) فزين لهم الشيطان أعمالهم ( ، الكفر والتكذيب ، ) فهو وليهم اليوم ( ، يعنى الشيطان وليهم في(2/227)
صفحة رقم 228
الآخرة ، ) ولهم عذاب أليم ) [ آية : 63 ] ، يعنى وجيع .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 64 - 67 ] .
النحل : ( 64 ) وما أنزلنا عليك . . . . .
) وما أنزلنا عليك ( يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) الكتاب ( ، يعنى القرآن ، ) إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ( ، وذلك أن أهل مكة اختلفوا في القرآن ، فآمن به بعضهم ، وكفر بعضهم ،
)( وهدى ( من الضلالة ، ) ورحمة ( من العذاب لمن آمن بالقرآن ، فذلك قوله :
( لقوم يؤمنون ) [ آية : 64 ] ، يعنى يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله عز وجل .
النحل : ( 65 ) والله أنزل من . . . . .
ثم ذكر صنعه ليعرف توحيده ، فقال تعالى : ( والله أنزل من السماء ماء ( ، يعنى المطر ،
)( فأحيا به الأرض بعد موتها ( بالنبات ، ) إن في ذلك لآية ( ، يقول : إن في المطر والنبات
لعبرة وآية ، ) لقوم يسمعون ) [ آية : 65 ] المواعظ .
النحل : ( 66 ) وإن لكم في . . . . .
) وإن لكم في الأنعام لعبرة ( ، يعنى التفكر ، ) نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا ( من القذر ، ) سائغا للشاربين ) [ آية : 66 ] ، يسيغ من يشربه ، وهو لا يسيغ
الفرث والدم .
النحل : ( 67 ) ومن ثمرات النخيل . . . . .
ثم قال سبحانه : ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ( ، يعنى
بالثمرات ؛ لأنها جماعة ثمر ، يعنى بالسكر ما حرم من الشراب مما يسكرون من ثمره ، يعنى
النخيل والأعناب ، ) ورزقا حسنا ( ، يعنى طيباً ، نسختها الآية التي في المائدة ، كقوله عز
وجل : ( قرضا حسنا ) [ البقرة : 245 ] ، يعنى طيبة بها أنفسهم ، بما لا يسكر منها من
الشراب وثمرتها ، فهذا الرزق الحسن ، ثم قال سبحانه : ( إن في ذلك لآية لقوم يعقلون (
[ آية : 67 ] ، يعنى فيما ذكر من اللبن والثمار لعبرة لقوم يعقلون بتوحيد الله وجل .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 68 - 70 ] .(2/228)
صفحة رقم 229
النحل : ( 68 ) وأوحى ربك إلى . . . . .
ثم قال : ( وأوحى ربك إلى النحل ( إلهاماً من الله عز وجل ، يقول : قذف فيها ، ) أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ) [ آية : 68 ] ، يعنى ومما يبنون من البيوت .
النحل : ( 69 ) ثم كلي من . . . . .
) ثم كلى من كل الثمرت فاسلكى ( ، يقول : فادخلى ، ) سبل ربك ( في الجبال وخلل
الشجر ، ) ذللا ( ؛ لأن الله تعالى ذلل لها طرفها حيثما توجهت ، ) يخرج من بطونها شراب ( ، يعنى عملاً ، ) مختلف الونة ( ، أبيض ، وأصفر ، وأحمر ، ) فيه شفاء للناس ( ،
يعنى العسل شفاء لبعض الأوجاع ، ) إن في ذلك لآية ( ، يعنى فيما ذكر من أمر النحل
وما يخرج من بطونها لعبرة ، ) لقوم يتفكرون ) [ آية : 69 ] في توحيد الله عز وجل .
النحل : ( 70 ) والله خلقكم ثم . . . . .
ثم قال سبحانه : ( والله خلقكم ( ، ولم تكونوا شيئاً لتعتبروا في البعث ، ) ثم
يتوفكم ( ، عند آجالكم ، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ( ، يعنى الهرم ، ) لكى لا يعلم بعد
علم شيئاً إن الله عليم ( بالبعث أنه كائن ، ) قدير ) [ آية : 70 ] ، يعنى قادراً عليه .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 71 ]
النحل : ( 71 ) والله فضل بعضكم . . . . .
) والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ( ، يعنى جعل بعضكم أحراراً ، وبعضكم
عبيداً ، فوسع على بعض الناس ، وقتر على بعض ، ) فما الذين فضلوا ( ، يعنى الرزق من
الأموال ، ) برآدى رزقهم ( ، يقول : برادى أموالهم ، ) على ما ملكت أيمنهم ( ، يعنى
عبيدهم ، يقول : أفيشركونهم وعبيدهم في أموالهم ، ) فهم فيه سواء ( ، فيكونون فيه
سواء ، بأنهم قوم لا يعقلون شيئاً ، ) أفبنعمة الله يجحدون ) [ آية : 71 ] ، يعنى
ينكرون بأن الله يكون واحداً لا شريك له ، وهو رب هذه النعم ، يقول : كيف أشرك
الملائكة وغيرهم في ملكي وأنتم لا ترضون الشركة من عبيدكم في أموال ، فكما لا
تدخهلون عبيدكم في أموالكم ، فكذلك لا أدخل معي شريكاً في ملكي ، وهم عبادي ،
وذلك حين قال كفار مكة في إحرامهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه ،
وما ملك ، نظيرها في الروم : ( ضرب لكم مثلاً من أنفسكم . . . ) [ الروم : 28 ] إلى
آخر الآية .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 72 - 74 ] .(2/229)
صفحة رقم 230
النحل : ( 72 ) والله جعل لكم . . . . .
) والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( ، يقول : بعضكم من بعض ، ) وجعل لكم من
أزوجكم بنين وحفدة ( ، يعنى بالبنين الصغار ، والحفدة الكفار يحفدون أباهم بالخدمة ،
وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يخدمهم أولادهم ، قال عز وجل : ( ورزقكم من
الطيبت ( ، ينى الحب والعسل ونحوه ، وجعل رزق غيركم من الدواب والطير لا يشبه
أرزاقكم في الطيب والحسن ، ) أفبالبطل يؤمنون ( ، يعنى أفبالشيطان يصدقون بأن مع
الله عز وجل شريكاً ، ) وبنعمت الله ( الذي أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف ،
)( هم يكفرون ) [ آية : 72 ] بتوحيد الله ، أفلا يؤمنون برب هذه النعم فيوحدونه .
النحل : ( 73 ) ويعبدون من دون . . . . .
ثم رجع إلى كفار مكة ، ثم ذكر عبادتهم الملائكة ، فقال سبحانه : ( ويعبدون من دون الله ما لا يملك ( ، يعنى ما لا يقدر ، ) لهم رزقاً من السموت ( ، يعنى المطر ،
)( والأرض ( ، يعنى النبات ، ) شيئا ( منه ، ) ولا يستطيعون ) [ آية : 73 ] ذلك .
النحل : ( 74 ) فلا تضربوا لله . . . . .
) فلا تضربوا لله الأمثال ( ، يعنى الأشباه ، فلا تصفوا مع الله شريكاً ، فإنه لا إله غيره ،
)( أن الله يعلم ( أن ليس له شريك ، ) وأنتم لا تعلمون ) [ آية : 74 ] أن لله شريكاً .
تفسير سورة النحل من آية : [ 75 ] .
النحل : ( 75 ) ضرب الله مثلا . . . . .
ثم ضرب للكفار مثلاً ليعتبروا ، فقال : ( ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على
شىء ( ، من الخير والمنفعة في طاعة الله عز وجل ، نزلت في أبي الحواجر مولى هشام بن
عمرو بن الحارث بن ربيعة القرشي ، من بني عامر بن لؤي ، يقول : فكذلك الكافر لا
يقدر أن ينفق خيراً لمعاده ، ثم قال عز وجل : ( ومن رزقنه منا رزقاً حسناً ( ، يعنى
واسعاً ، وهو المؤمن هشام ، ) فهو ينفق منه ( ، فيما ينفعه في آخرته ، ) سرا وجهرا ( ، يعنى علانية ، ) هل يستون ( الكافر الذي لا ينفق خيراً لمعاده ، والمؤمن
الذي ينفق في خير لمعاده ، ثم جمعهم ، فقال تعالى : ( الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) [ آية : 75 ] بتوحيد الله عز وجل .(2/230)
صفحة رقم 231
تفسير سورة النحل من الآية : [ 76 ] .
النحل : ( 76 ) وضرب الله مثلا . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وضرب الله ( ، يعنى وصف الله مثلاً آخر لنفسه عز وجل ،
والصنم ليعتبروا ، فقال : ( وضرب الله ( ) مثلا ( ، يعنى شبهاً ، ) رجلين أحدهما أبكم ( ، يعنى الأخرس الذي لا يتكلم ، وهو الصنم ، ) لا يقدر على شىء ( ، من
المنفعة والخير ، ) وهو كل على موله ( ، يعنى الصنم عيال على مولاه الذي يعبده ،
ينفق عليه ويكنه من الحر والشمس ويكنفه ، ) أينما يوجهه ( ، يقول : أينما يدعوه
من شرق أو غرب ، من ليل أو نهار ، ) لا يأت بخير ( ، يقول : لا يجيئه بخير ، ) هل يستوي هو ( ، يعنى هذا الصنم ، ) ومن يأمر بالعدل ( ، يعنى الرب نفسه عز وجل
يأمر بالتوحيد ، ) وهو على صرط مستقيم ) [ آية : 76 ] ، يعن الرب نفسه عز وجل
يقول : أنا على الحق المستقيم ، ويقال : أحد الرجلين عثمان بن عفان ، رضوان الله عليه ،
والآخر أبو العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن زهرة .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 77 - 78 ] .
النحل : ( 77 ) ولله غيب السماوات . . . . .
) ولله غيب السموت والأرض ( ، وذلك أن كفار مكة سألوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : متى الساعة ؟
فأنزل الله عز وجل : ( ولله غيب السموت والأرض ( ، وغيب الساعة ، ليس ذلك إلى
أحد من العباد ، ثم قال سبحانه : ( وما أمر الساعة ( ، يعنى أمر تأتي ، يعنى البعث ،
)( إلا كلمح البصر ( ، يعنى كرجوع الطرف ، ) أو هو أقرب ( ، يقول : بل هو أسرع
من لمح البصر ، ) إن الله على كل شىء ( من البعث وغيره ، ) قدير ) [ آية :
77 ] .
النحل : ( 78 ) والله أخرجكم من . . . . .
) والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ( ، فعلمكم بعد ذلك الجهل ،
)( وجعل لكم السمع والأبصر والأفئدة ( ، يعنى القلوب ، ) لعلكم تشكرون ) [ آية :
78 ] رب هذه النهم تعالى ذكره في حسن خلقكم فتوحدونه(2/231)
صفحة رقم 232
تفسير سورة النحل من الآية : [ 79 - 80 ] .
النحل : ( 79 ) ألم يروا إلى . . . . .
ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا ، فقال عز وجل : ( أم يروا ( ، يعنى ألا ينظروا ) إلى
الطير مسخرت في جو السماء ( ، يعنى في كبد السماء ، ) ما يمسكهن ( عند
بسط الأجنحة وعند قبضها أحد ) إلا الله ( تبارك وتعالى ، ) إن في ذلك لأيتٍ ( ، يعنى
إن في هذه لعبرة ، ) لقوم يؤمنون ) [ آية : 79 ] ، يعنى يصدقون بتوحيد الله عز وجل .
النحل : ( 80 ) والله جعل لكم . . . . .
ثم ذكرهم النعم ، فقال سبحانه : ( والله جعل لكم بيوتكم سكناً ( تسكنون
فيه ، ) وجعل لكم من جلود الأنعم بيوتاً ( ، يعنى مما على جلودها من أصوافها وأوبارها ،
وأشعارها ، تتخذون منها بيوتاً ، يعنى الأبنية ، والخيم ، والفساطيط ، وغيرها ،
)( تستخفونها ( في الحمل ، ) يوم ظعنكم ( ، يعنى حين رحلتكم وأسفاركم ،
وتستخفونها ) ويوم إقامتكم ( حين تقيمون في الأسفار وتستخفونها ، يعنى الأبيات
التي تتخذونها ، ولا يشق عليكم ضرب الأبينة ، ثم قال سبحانه : ( ومن أصوافها ( ،
يعنى الضأن ، ) وأوبارها ( ، يعنى الإبل ، ) وأشعارها ( ، يعنى المعز ، ) أثثا ( ، يعنى
الثياب التي تتخذ منها ، ) ومتعاً إلى حين ) [ آية : 80 ] ، يعنى بلاغاً إلى أن تبلى .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 81 - 83 ] .
النحل : ( 81 ) والله جعل لكم . . . . .
ثم قال : ( والله جعل لكم مما خلق ظللاً ( ، يعنى البيوت والأبنية ، ) وجعل
لكم من الجبال أكنناً ( ؛ لتسكنوا فيها ، يعنى البيوت والأبنية ، ) وجعل لكم
سربيل تقيكم ( ، يعنى القمص تقيكم ) الحر ( ، يعنى من الكتان ، والقطن ،
والصوف ، ) وسربيل تقيكم بأسكم ( ، من القتل والجراحات ، يعنى درع الحديد(2/232)
صفحة رقم 233
بإذن الله عز وجل ، ) كذلك ( ، يعنى هكذا ، ) يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ) [ آية : 81 ] ، يعنى لكى تسلموا ، نظيرها في سبأ ، والأنبياء : ( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ) [ الأنبياء : 80 ] ، يعنى
فهل أنتم مخلصون لكي تخلصوا إليه بالتوحيد .
النحل : ( 82 ) فإن تولوا فإنما . . . . .
) فإن تولوا ( ، يقول : فإن أعرضوا عن التوحيد ، ) فإنمآ عليك البلغ المبين ) [ آية :
82 ] ، يقول : عليك يا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن تبلغ وتبين لهم أن الله عز وجل واحد لا شريك له .
النحل : ( 83 ) يعرفون نعمة الله . . . . .
) يعرفون نعمت الله ( التي ذكرهم في هؤلاء الآيات من قوله عز وجل : ( جعل لكم من بيوتكم سكنا ( إلى أن قال : ( لعلكم تسلمون ( ، فتعرفون هذه النعم
أنها كلها من الله عز وجل ، وذلك أن كفار مكة كانوا إذا سئلوا : من أعطاكم هذا
الخير ؟ قالوا : الله أعطانا ، فإن دعوا إلى التوحيد للذي أعطاهم ، قالوا : إنما ورثناه عن
آبائنا ، فذلك قوله عز وجل : ( ثم ينكرونها وأكثرهم الكفرون ) [ آية : 83 ]
بتوحيد رب هذه النعم تعالى ذكره .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 84 - 87 ] .
النحل : ( 84 ) ويوم نبعث من . . . . .
ثم قال جل اسمه : ( ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ( ، يعنى نبيهاً شاهداً على أمته
بالرسالة أنه بلغهم ، ) ثم لا يؤذن للذين كفروا ( في الاعتذار ، ) ولا هم يستعتبون ) [ آية : 84 ] ، نظيرها : ( يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ) [ غافر : 52 ] .
النحل : ( 85 ) وإذا رأى الذين . . . . .
) وإذا رءاَ ( ، يعنى وإذا عاين ، ) الذين ظلموا ( ، يعنى كفروا ، ) العذاب ( ، يعنى
النار ، ) فلا يخفف عنهم ( ، يعنى العذاب ، ) ولا هم ينظرون ) [ آية : 85 ] ، يعنى ولا
يناظر بهم ، فذلك قوله سبحانه : ( يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ) [ غافر : 52 ] .
النحل : ( 86 ) وإذا رأى الذين . . . . .
) وإذا رءا الذين أشركوا شركاءهم ( من الأصنام : اللات ، والعزى ، ومناة ،
)( قالوا ربنا هؤلآء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك ( ، يعنى نعبد من دونك ،
)( فألقوا إليهم القول ( ، فردت شركاؤهم عليهم القول ، ) إنكم لكذبون ((2/233)
صفحة رقم 234
[ آية : 86 ] ما كنا لكم آلهة .
النحل : ( 87 ) وألقوا إلى الله . . . . .
) وألقوا إلى الله يومئذ السلم ( ، يعنى كفار مكة استسلموا له وخضعوا له ، ) وضل عنهم ( في الآخرة ، ) ما كانوا يفترون ) [ آية : 87 ] ، يعنى يشركون من الكذب في
الدنيا بأن مع الله شريكاً .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 88 - 89 ] .
النحل : ( 88 ) الذين كفروا وصدوا . . . . .
) الذين كفروا ( بتوحيد الله ، ) وصدوا عن سبيل الله ( ، يعنى منعوا الناس من
دين الله الإسلام ، وهم القادة في الكفر ، يعنى كفار مكة ، ) زدنهم عذاباً فوق العذاب بما
كانوا يفسدون ) [ آية : 88 ] ، يعنى يعملون في الأرض بالمعاصي ، وذلك أنه يجري
من تحت العرش على رءوس أهل النار خمسة أنهار من نحاس ذائب ، وله من نار ، نهران
يجريان على مقدار نهار الدنيا ، وثلاثة أنهار على مقدار ليل الدنيا ، فتلك الزيادة ، فذلك
قوله سبحانه : ( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) [ الرحمن : 35 ] .
النحل : ( 89 ) ويوم نبعث في . . . . .
) ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم ( ، يعنى نبيهم ، وهو شاهد على
أمته أنه بلغهم الرسالة ، ) وجئنا بك ( يا محمد ) شهيدا على هؤلاء ( ، يعنى أمة محمد
( صلى الله عليه وسلم ) أنه بلغهم الرسالة ، ) ونزلنا عليك الكتب تبيناً لكل شيءٍ ( ، من أمره ، ونهيه ،
ووعده ، ووعيده ، وخبر الأمم الخالية ، وهذا القرآن ، ) وهدى ( من الضلالة ،
)( ورحمة ( من العذاب لمن عمل به ، ) وبشرى ( ، يعنى ما فيه من الثواب ،
)( للمسلمين ) [ آية : 89 ] ، يعنى المخلصين .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 90 - 93 ](2/234)
صفحة رقم 235
النحل : ( 90 ) إن الله يأمر . . . . .
) إن الله يأمر بالعدل ( بالتوحيد ، ) والإحسن ( ، يعنى العفو عن الناس ،
)( وإيتآئ ( ، يعنى وإعطاء ، ) ذي القربى ( المال ، يعنى صلة قرابة الرجل ، كقوله :
( وآت ذا القربى حقه ) [ الإسراء : 26 ] ، يعنى صلته ، ثم قال سبحانه : ( وينهى عن الفحشاء ( ، يعنى المعاصي ، ) والمنكر ( ، يعنى الشرك وما لا يعرف من القول ،
)( والبغي ( ، يعنى ظلم الناس ، ) يعظكم ( ، يعنى يؤدبكم ، ) لعلكم تذكرون ) [ آية : 90 ] ، يعنى لكي تذكروا فتتأدبوا .
لما نزلت هذه الآية بمكة ، قال أبو طالب بن عبد المطلب : يا آل غالب ، اتبعوا محمداً
( صلى الله عليه وسلم ) تفلحوا وترشدوا ، والله إن ابن أخي ليأمر بمكارمٍ الأخلاق ، وبالأمر الحسن ، ولا يأمر
إلا بحسن الأخلاق ، والله لئن كان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) صادقاً أو كاذباً ، ما يدعوكم إلا إلى الخير ،
فبلغ ذلك الوليد بن المغيرة ، فقال : إن كان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قاله ، فنعم ما قال ، وإن إلهه قاله ،
فنعم ما قال ، فأتنا بلسانه ، ولم يصدق محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) بما جاء به ولم يتبعه ، فنزلت : ( أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا ( بلسانه ) وأكدى ) [ النجم : 33 ، 34 ] ، يعنى وقطع
ذلك .
النحل : ( 91 ) وأوفوا بعهد الله . . . . .
ثم قال عز وجل : ( وأَفواْ بعهد الله إِذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد
توكيدها ( ، يقول : لا تنقضوا الأيمان بعد تشديدها وتغليظها ، ) وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ( ، يعنى شهيداً في وفاء العهد ، ) إن الله يعلم ما تفعلون ) [ آية :
91 ] في الوفاء والنقض .
النحل : ( 92 ) ولا تكونوا كالتي . . . . .
ثم ضرب مثلاً لمن ينقض العهد ، فقال سبحانه : ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ( ، يعنى امرأة من قريش حمقاء مصاحبة أسلمت بمكة تسمى ريطة بنت عمرو بن
كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وسميت جعرانة لحماقتها ، وكانت إذا غزلت الشعر أو
الكتان نقضته ، قال الله عز وجل : لا تنقضوا العهود بعد توكيدها ، كما نقضت المرأة
الحمقاء غزلها ، ) من بعد قوة ( ، من بعد ما أبرمته ، ) أَنكثاً ( ، يعنى نقضاً ، فلا هي
تركت الغزل فينتفع به ، ولا هي كفت عن العمل ، فذلك الذي يعطى العهد ، ثم ينقضه ،
لا هو حين أعطى العهد وفى به ، ولا هو ترك العهد فلم يعطه ، ) من بعد قوة ( ، يعنى(2/235)
صفحة رقم 236
من بعد جده ، ولم يأثم بربه .
ثم قال سبحانه : ( تتخذون أيمانكم ( ، يعنى العهد ، ) دخلا بينكم ( ، يعنى مكراً
وخديعة يستحل به نقض العهد ، ) أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به ( ، يعنى إنما يبتليكم الله بالكثرة ، ) وليبينن لكم ( ، يعنى من لا يفي بالعهد ، يعنى
وليحكمن بينكم ، ) يوم القيامة ما كنتم فيه ( من الدين ، ) تختلفون ) [ آية : 92 ] .
النحل : ( 93 ) ولو شاء الله . . . . .
ثم قال سبحانه : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ( ، يعنى على ملة الإسلام ،
)( ولكن يضل ( عن الإسلام ، ) من يشاءُ ويهدي ( إلى الإسلام ، ) من يشاء
ولتسئلنَّ ( يوم القيامة ) عما كنتم تعملون ) [ آية : 93 ] في الدنيا .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 94 - 98 ] .
النحل : ( 94 ) ولا تتخذوا أيمانكم . . . . .
ثم قال سبحانه : ( ولا تتخذوا أيمانكم ( ، يعنى العهد ، ) دخلا بينكم ( بالمكر
والخديعة ، ) فتزل قدم بعد ثبوتها ( ، يقول : إن ناقض العهد يزل في دينه كما تزل قدم
الرجل بعد الاستقامة ، ) وتذوقوا السوء ( ، يعنى العقوبة ، ) بما صددتم عن سبيل الله ( ، يعنى بما منعتم الناس عن دين الله الإسلام ، ) ولكم عذاب عظيم ) [ آية : 94 ]
في الآخرة .
النحل : ( 95 ) ولا تشتروا بعهد . . . . .
ثم وعظهم ، فقال سبحانه : ( ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ( ، يقول : ولا تبيعوا
الوفاء بالعهد فتنقضونه بعرض يسير من الدنيا ، ) إنما عند الله ( من الثواب لمن وفى
منكم بالعهد ، ) هو خير لكم ( من العاجل ، ) إن كنتم تعلمون ) [ آية : 95 ] .
النحل : ( 96 ) ما عندكم ينفد . . . . .
ثم زهدهم في الأموال ، فقال سبحانه : ( ما عندكم ( من الأموال ) ينفذُ ( ، يعنى
يفنى ) وما عند الله ( في الآخرة من الثواب ، ) باق ( ، يعنى دائم لا يزول عن أهله ،
)( ولنجزين الذين صبروا ( على أمر الله عز وجل في وفاء العهد في الآخرة ، ) أَجرهم(2/236)
صفحة رقم 237
بأحسن ما كانواْ ( ، يعنى بأحسن الذي كانوا ) يعملُونَ ) [ آية : 96 ] في الدنيا ،
ويعفو عن سيئاتهم ، فلا يجزيهم بها أبداً ، نزلت في امرئ القيس بن عباس الكندي
حين حكم عبدان بن أشرع الحضرمي في أرضه وراده على حقه .
النحل : ( 97 ) من عمل صالحا . . . . .
ثم قال تعالى : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن ( ، يعنى مصدق
بتوحيد الله عز وجل ، ) فلنحيينهُ حيوة طَيبةً ( ، يعنى حياة حسنة في الدنيا ،
)( ولنجزينهم أجرهم بأَحسن ( ، يعنى جزاءهم في الآخرة بأحسن ) ما كانواْ ) ) بأحسن الذي كانوا ( ( يعملونَ ) [ آية : 97 ] في الدنيا ، ولهم مساوئ لا يجزيهم بها
أبداً
النحل : ( 98 ) فإذا قرأت القرآن . . . . .
) فَإذا قَرأَت القُرءان ( في الصلاة ، ) فاستعذ بِالله من الشيطان الرجيم ) [ آية : 98 ] ،
يعنى إبليس الملعون .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 99 - 103 ] .
النحل : ( 99 ) إنه ليس له . . . . .
) إِنهُ ليس له سُلطان ( ، يعنى ملك ، ) عَلى الذين ءامنوا ( في علم الله في الشرك ،
فيضلهم عن الهدى ، ) وَعَلَى ربهم يتوكلونَ ) [ آية : 99 ] ، يقول : بالله يتقون .
النحل : ( 100 ) إنما سلطانه على . . . . .
) إِنما سُلطانهُ ( ، يعنى ملكه ، ) على الذين يتولونه ( ، يعنى يتبعونهُ على أمره ،
فيضلهم عن دينهم الإسلام ، ) والذين هُم به ( ، يعنى بالله ، ) مُشركُونَ ) [ آية :
100 ] ، كقوله سبحانه : ( وما كان لي عليكم من سلطانٍ ) [ إبراهيم : 22 ] من ملك ،
يعنى إبليس على أمره .
النحل : ( 101 ) وإذا بدلنا آية . . . . .
قوله عز وجل : ( وإِذا بدلنا ءايةٍ مكانَ ءايةٍ ( ، يعنى وإذا حولنا آية فيها
شدة فنسخناها وجئنا مكانها بغيرها ألين منها ، ) واللهُ أَعلم بِما يُنزلُ ( من التبديل
من غيره ، ) قالوا ( ، قال كفار مكة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إِنما أنت مُفتر ( ، يعنى متقول
على الله الكذب من تلقاء نفسك ، قلت كذا وكذا ، ثم نقضته وجئت بغيره ، ) بَل(2/237)
صفحة رقم 238
أَكثرهُمُ لا يعلمونَ ) [ آية : 101 ] أن الله أنزله ، فإنك لا تقول إلا ما قد قيل لك .
النحل : ( 102 ) قل نزله روح . . . . .
) قُل ( يا محمد لكفار مكة : هذا القرآن ، ) نَزلَهُ ) ) علي ( ( رُوح القُدس ( ، يعنى
جبريل ، عليه السلام ، ) من ربك بالحق ( ، لم ينزله باطلاً ، ) ليثبت ( ، يعنى
ليستيقن ، ) الذين ءامنوا ( ، يعنى صدقوا بما في القرآن من الثواب ، ) وَهُدى ( من
الضلالة ، ) وبُشرى ( لما فيه من الرحمة ، ) للمُسلمينَ ) [ آية : 102 ] ، يعنى
المخلصين بالتوحيد ، وأنزل الله عز وجل : ( يمحو الله ما يشاء ) ) من القرآن ( ( ويثبتُ ( ، فينسخه ويثبت الناسخ ، ) وعندهُ أُم الكِتابِ ) [ الرعد : 39 ] .
النحل : ( 103 ) ولقد نعلم أنهم . . . . .
) ولقد نعلم أَنهم يقولون إِنما يُعلمُهُ بشرٌ ( ، وذلك أن غلاماً لعامر بن الحضرمي
القرشي يهودياً أعجمياً ، كان يتكلم بالرومية يسمى يسار ، ويكنى أبا فكيهة ، كان كفار
مكة إذا رأوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يحدثه ، قالوا : إنما يعلمه يسار أبو فكيهة ، فأنزل الله تعالى : ( وَلقد
نعلمُ أَنهم يقولونَ إِنما يعلمهُ بشرٌ ( ، ثم أخبر عن كذبهم ، فقال سبحانه :
( لسَانُ الذي يلحدُونَ إِليه ( ، يعنى يميلون ، كقوله سبحانه : ( وَمن يُردْ فيه
بإلحادٍ ) [ الحج : 25 ] ، يعنى يميل ، ) أعجميٌ ( ، رومي ، يعنى أبا فكيهة ، ) وهذا ) ) القرآن ( ( لِسَانُ عربيٌ مُبينُ ) [ آية : 103 ] ، يعنى بين يعقلونه ، نظيرها في حم
السجدة قوله سبحانه : ( ولو جعلناهُ قُرآناً أعجمياً لقالوا لولا فُصلت آياته أأعجمي
وعربيُّ ) [ فصلت : 44 ] ، لقالوا : محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عربي ، والقرآن أعجمي ، فذلك قوله
سبحانه : ( قُرآناً أعجمياً ( إلى آخر الآية .
فضربه سيده ، فقال : إنك تعلم محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال أبو فكيهة : بل هو يعلمني ، فأنزل الله
عز وجل في قولهم : ( وإِنهُ لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمينُ ) [ الشعراء :
[ 192 ، 193 ] ؛ لقولهم : إنما يعلم محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) يسار أبو فكيهة .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 104 - 110 ] .(2/238)
صفحة رقم 239
النحل : ( 104 ) إن الذين لا . . . . .
ثم قال : ( إِن الذين لا يؤمنونَ بِئايت الله ( ، يعنى لا يصدقون بالقرآن أنه جاء من
الله عز وجل ، ويزعمون أن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) يتعلم من أبي فكيهة ، ) لا يهديهم الله ( لدينه ،
)( ولهم ( في الآخرة ، ) عذاب أليم ) [ آية : 104 ] ، يعنى وجيع .
النحل : ( 105 ) إنما يفتري الكذب . . . . .
ثم رجع إلى قول المشركين حين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إنما أنت مفتر تقول هذا القرآن من
تلقاء نفسك ، فأنزل الله تعالى : ( إنما يفتري ( ، يعنى يتقول ) الكذب الذين لا
يؤمنونَ بئايت الله ( ، يعنى لا يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله عز وجل ، ) وأولئك هم الكاذبون ) [ آية : 105 ] في قولهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنه مفتر .
النحل : ( 106 ) من كفر بالله . . . . .
) من كفر بالله من بعد إيمانه ( ، نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح
القرشي ، ومقيس بن ضبابة الليثي ، وعبد الله بن أنس بن حنظل ، من بني تميم بن مرة ،
وطعمة بن أبيرق الأنصاري ، من بني ظفر بن الحارث ، وقيس بن الوليد بن المغيرة
المخزومي ، وقيس بن الفاكه بن المغيرة المخزومي ، قتلا ببدر ، ثم استثنى ، فقال : ( إلا من أكره ( على الكفر ، ) وقلبه مطمئن ( ، يعنى راض ، ) بالإيمان ( كقوله عز
وجل : ( فإن أصابه خير اطمأن به ) [ الحج : 11 ] ، نزلت في جبر غلام عامر بن
الحضرمي ، كان يهودياً فأسلم حين سمع أمر يوسف وإخوته ، فضربه سيده حتى يرجع
إلى اليهودية ، ثم قال عز وجل : ( ولكن من شرح ( من وسع ، ) بالكفر صدرا ( إلى
أربع آيات ، يعنى عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وهؤلاء المسلمين ، ) فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ) [ آية : 106 ] في الآخرة .
النحل : ( 107 ) ذلك بأنهم استحبوا . . . . .
) ذلك ( الغذب والعذاب ، ) بأنهم استحبوا ( ، يعنى اختاروا ، ) الحيوة
الدنيا ( الفانية ) على الآخرة ( الباقية ، ) وأن الله لا يهدي ( إلى دينه ، ) القوم الكافرين ) [ آية : 107 ] .
النحل : ( 108 ) أولئك الذين طبع . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : ( أولئك الذين طبع الله ( ، يعنى ختم الله ، ) على(2/239)
صفحة رقم 240
قلوبهم ) ) بالكفر ( ( و ) ) علي ( ( وسمعهم و ) ) علي ( ( وأَبصارهم ( ، فهم لا
يسمعون الهدى ولا يبصرونه ، ) وَأَولئكَ هُمُ الغافلُونَ ) [ آية : 108 ] عن الآخرة .
النحل : ( 109 ) لا جرم أنهم . . . . .
) لا جرم ( ، قسماً حقاً ، ) أَنهم في الآخرة هُمُ الخاسرونَ ) [ آية :
109 ] .
النحل : ( 110 ) ثم إن ربك . . . . .
) ثُم إِن ربك للذين هاجروا ( من مكة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالمدينة ، ) من بعد
ما فتنوا ( ، يعنى من بعد ما عذبوا على الإيمان بمكة ، ) ثم جاهدوا ( مع النبي
( صلى الله عليه وسلم ) ، ) وصبروا إِن ربك من بعدها ( ، يعنى من بعد الفتنة ، ) لغفورٌ ( لما سلف
من ذنوبهم ، ) رحيمٌ ) [ آية : 110 ] بهم فيها ، نزلت في عياش بن أبي ربيعة
المخزومي ، وأبي جندل بن سهيل بن عمرو القرشي ، من بني عامر بن لؤي ، وسلمة بن
هشام بن المغيرة ، والوليد بن المغيرة المخزومي ، وعبد الله بن أسيد الثقفي .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 111 - 114 ] .
النحل : ( 111 ) يوم تأتي كل . . . . .
) يوم تأتي كُل نفس تجادل ( ، يعنى تخاصم ) عن نفسها وتوفى ( ، يعنى وتوفر ،
)( كُل نفسِ ( ، بر وفاجر ، ) ما عملت ( في الدنيا من خير أو شر ، ) وهم لا
يظلمونَ ) [ آية : 111 ] في أعمالهم ، ولا تسأل الرجعة كل نفس في القرآن ، إلا
كافرة .
النحل : ( 112 ) وضرب الله مثلا . . . . .
) وَضَرَبَ اللهُ مثلاً ( ، يعنى وصف الله شبهاً ، ) قريةً ( ، يعني مكة ، ) كانت
ءامنة مطمئنة ( ، أهلها من القتل والسبي ، ) يأتيها رزقها رغداً ( ، يعنى ما شاءوا ،
)( من كل مكانٍ ( ، يعنى من كل النواحي ، من اليمن ، والشام ، والحبش ، ثم بعث فيهم
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) رسولاً يدعوهم إلى معرفة رب هذه النعم وتوحيده جل ثناؤه ، فإنه من لم
يوحده لا يعرفه ، ) فكفرت بِأَنعمِ اللهِ ( حين لم يوحدوه ، وقد جعل الله لهم الرزق
والأمن في الجاهلية ، نظيرها في القصص والعنكبوت قوله سبحانه : ( يُجبى إِليه ثمرات(2/240)
صفحة رقم 241
كُل شيءٍ ) [ القصص : 57 ] ، وقوله عز وجل في العنكبوت : ( أَولم يرواْ أَنا جعلنا
حرماً آمنا ويتخطفُ الناسُ من حولهم ) [ العنكبوت : 67 ] ، ) فأذاقها الله ( في
الإسلام ما كان دفع عنها في الجاهلية ، ) لِباسَ الجُوع ) ) سبع سنين ( ( والخوفِ ( ،
يعنى القتل ، ) بِما كانوا يصنعونَ ) [ آية : 112 ] ، يعنى بما كانوا يعملون من
الكفر والتكذيب .
النحل : ( 113 ) ولقد جاءهم رسول . . . . .
) ولقد جاءهم رسولٌ ( ، يعنى محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) منهم ( ، يعرفونه ولا ينكرونه ،
)( فكذبوهُ فَأَخذهم العذابُ ( ، يعنى الجوع سبع سنين ، ) وهم ظلمونَ ) [ آية :
113 ] .
النحل : ( 114 ) فكلوا مما رزقكم . . . . .
) فكلوا مما رزقكمُ الله ( يا معشر المسلمين ما حرمت قريش ، وثقيف ،
وخزاعة ، وبنو مدلج ، وعامر بن صعصعة ، والحارث ، وعامر بن عبد مناة ، للآلهة من
الحرث والأنعام ، ) حَللاً طيباً واشكروا نعمت اللهِ ( فيما رزقكم من تحليل الحرث
والأنعام ، ) إن كُنتم إِياهُ تعبدونَ ) [ آية : 114 ] ، ولا تحرموا ما أحل الله لكم من
الحرث والأنعام .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 115 - 119 ] .
النحل : ( 115 ) إنما حرم عليكم . . . . .
ثم بين ما حرم ، قال عز وجل : ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل ( ، يعنى وما ذبح ) لغير الله به ( من الآلهة ، ) فمن اضطر ( إلى شيء مما
حرم الله عز وجل في هذه الآية ، ) غير باغ ( يستحلها في دينه ، ) ولا عاد ( ، يعنى
ولا معتد لم يضطر إليه فأكله ، ) فإن الله غفور ( لما أصاب من الحرام ، ) رحيم (
[ آية : 115 ] بهم حين أحل لهم عند الاضطرار .
النحل : ( 116 ) ولا تقولوا لما . . . . .
ثم عاب من حرم ما أحل الله عز وجل ، فقال سبحانه : ( ولا تقولوا لما تصف ( ،(2/241)
صفحة رقم 242
يعنى لما تقول ، ) ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ( ، يعنى ما حرموا للآلهة من
الحرث والأنعام ، وما أحلوا منها ، ) لتفتروا على الله الكذب ( ، يعنى يزعمون أن الله عز
وجل أمرهم بتحريم الحرث والأنعام ، ثم خوفهم ، فقال سبحانه : ( إن الذين يفترون على الله الكذب ( بأنه أمر بتحريمه ، ) لا يفلحون ) [ آية : 116 ] في الآخرة ، يعنى لا
يفوزون .
النحل : ( 117 ) متاع قليل ولهم . . . . .
ثم استأنف ، فقال سبحانه : ( متاع قليل ( ، يتمتعون في الدنيا ، ) ولهم عذاب أليم (
[ آية : 117 ] ، يقول : في الآخرة يصيرون إلى عذاب وجيع .
النحل : ( 118 ) وعلى الذين هادوا . . . . .
ثم بين ما حرم على اليهود ، فقال سبحانه : ( وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل ( في سورة الأنعام ، قبل سورة النحل ، قال سبحانه : ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا ( ، يعنى المبعر ، ) أو ما اختلط ( من الشحم ) بعظم ) [ الأنعام : 146 ] ،
فهو لهم حلال من قبل سورة النحل ، ) وَما ظلمناهُم ( بتحريمنا عليهم الشحوم واللحوم
وكل ذي ظفر ، ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) [ آية : 118 ] بقتلهم الأنبياء ،
واستحلال الربا والأموال ، وبصدهم الناس عن دين الله عز وجل .
النحل : ( 119 ) ثم إن ربك . . . . .
) ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ( ، نزلت في جبر غلام ابن الحضرمي ،
أكره على الكفر بعد إسلامه ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، يقول : راض بالإيمان ، فعمد النبي
( صلى الله عليه وسلم ) فاشتراه وحل وثاقه ، وتاب من الكفر وزوجه مولاة لبني عبد الدار ، فأنزل الله عز
وجل فيه : ( ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ( ، فكل ذنب من المؤمن فهو
جهل منه ، ) ثم تابوا من بعد ذلك ( السوء ، ) وأصلحوا ( العمل ، ) إن ربك من بعدها لغفور ( ، يعنى بعد الفتنة لغفور لما سلف من ذنوبهم ، ) رحيم ) [ آية : 119 ] بهم
فيما بقي .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 120 - 122 ] .(2/242)
صفحة رقم 243
النحل : ( 120 ) إن إبراهيم كان . . . . .
) إن إبراهيم كان أمة ( ، يعنى معلماً ، يعنى إماماً يقتدي به في الخير ، ) قانتا (
مطيعاً ) لله حنيفا ( ، يعنى مخلصاً ، ) ولم يك من المشركين ) [ آية : 120 ] يهودياً ولا
نصرانياً .
النحل : ( 121 ) شاكرا لأنعمه اجتباه . . . . .
) شاكرا لأنعمه ( ، يعنى لأنعم الله عز وجل ، ) اجتباه ( ، يعنى استخلصه
للرسالة والنبوة ، ) وهداه إلى صراط مستقيم ) [ آية : 121 ] ، يعنى إلى دين مستقيم ، وهو
الإسلام .
النحل : ( 122 ) وآتيناه في الدنيا . . . . .
) وءاتينهُ في الدنيا حسنةٌ ( ، يقول : وأعطينا إبراهيم في الدنيا مقالة حسنة بمضيته
وصبره على رضا ربه عز وجل ، حين ألقى في النار ، وكسر الأصنام ، وأراد ذبح ابنه
إسحاق ، والثناء الحسن من أهل الأديان كلها يتولونه جميعاً ، ولا يتبرأ منه أحد منهم ،
)( وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) [ آية : 122 ] .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 123 - 124 ] .
النحل : ( 123 ) ثم أوحينا إليك . . . . .
) ثم أوحينا إليك ( يا محمد ، ) أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ( ، يعنى الإسلام حنيفاً ،
يعنى مخلصاً ، ) وما كان من المشركين ) [ آية : 123 ] .
النحل : ( 124 ) إنما جعل السبت . . . . .
) إنما جُعل السبتُ على الذين اختلفوا فيه ( ، يوم السبت ، وذلك أن موسى ، عليه
السلام ، أمر بني إسرائيل أن يتفرغوا كل سبعة أيام للعبادة ، يعنى يوم الجمعة ، وأن يتركوا
فيه عمل دنياهم ، فقالوا لموسى ، عليه السلام : نتفرغ يوم السبت ، فإن الله تعالى لم يخلق
يوم السبت شيئاً ، فاجعل لنا السبت عيداً نتعبد فيه ، فقال موسى ، عليه السلام : إنما أُمرت
بيوم الجمعة ، فقال أحبارهم : انظروا إلى ما يأمركم به نبيكم ، فانتهوا إليه وخذوا به ،
فأبوا إلا يوم السبت ، فلما رأى موسى ، عليه السلام ، حرصهم على يوم السبت ،
واجتماعهم عليه ، أمرهم به ، فاستحلوا فيه المعاصي ، فذلك قوله عز وجل : ( إِنما جُعَلَ
السبتُ على الذينَ اختلفُوا فيه ( ، يقول : إنما أمر بالسبت على الذين كان اختلافهم فيه
حين قال بعضهم : يوم السبت ، وقال بعضهم : اتبعوا أمر نبيكم في الجمعة ، ثم قال
سبحانه : ( وَإِن ربك ليحكم ( ، يعنى ليقضي ، ) بينهم يوم القيامة فيما كانوا
فيه ( ، يعنى في يوم السبت ، ) يختلفونَ ) [ آية : 124 ] .(2/243)
صفحة رقم 244
تفسير سورة النحل من الآية : [ 125 - 126 ] .
النحل : ( 125 ) ادع إلى سبيل . . . . .
ثم إن الله عز وجل قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ادع إلى سبيل ربك ( ، يعنى دين ربك ، وهو
الإسلام ، ) بالحكمة ( ، يعنى بالقرآن ، ) والموعظة الحسنة ( ، يعنى بما فيه من الأمر
والنهي ، ) وجادلهم ( ، يعنى أهل الكتاب ، ) بالتي هي أحسن ( ، بما في القرآن من
الأمر والنهي ، ) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ( ، يعنى دينه الإسلام ، ) وهو أعلم بالمهتدين ) [ آية : 125 ] ، يعنى بمن قدر الله له الهدى من غيره .
النحل : ( 126 ) وإن عاقبتم فعاقبوا . . . . .
) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( ، وذلك أن كفار مكة قتلوا يوم
أحد طائفة من المؤمنين ، ومثلوا بهم ، منهم حمزة بن عبد المطلب ، عم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ،
بقروا بطنه ، وقطعوا مذاكيره وأدخلوها في فيه ، وحنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة ،
فحلف المسلمون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : لئن دالنا الله عز وجل منهم ، لنمثلن بهم أحياء ، فأنزل الله
عز وجل : ( فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( ، يقول : مثلواهم بموتاكم ، لا تمثلوا بالأحياء
منهم ، ) ولئن صبرتم ( عن المثلة ، ) لهو خير للصابرين ) [ آية : 126 ] من المثلة ،
نزلت في الأنصار .
تفسير سورة النحل من الآية : [ 127 - 128 ] .
النحل : ( 127 ) واصبر وما صبرك . . . . .
ثم قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكانوا مثلوا بعمه حمزة بن عبد المطلب ، عليه السلام :
( واصبر ( على المثلة البتة ، ) وَما صبركَ إِلا بالله وما صبركَ إِلا بالله ( ، يقول : أنا
ألهمك حتى تصبر ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للأنصار : ' إني قد أمرت بالصبر البتة ، أفتصبرون ؟ ' .
قالوا : يا رسول الله ، أما إذا صبرت وأمرت بالصبر ، فإنا نصبر ، يقول الله تعالى : ( ولا تحزن عليهم ( إِن تولوا عنك ، فلم يجيبوك إلى الإيمان ، ) ولا تك في ضيق مما يمكرون ) [ آية : 127 ] ، يقول : لا يضيقن صدرك مما يمكرون ، يعنى مما يقولون ،
يعنى كفار مكة ، حين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، أيام الموسم : هذا دأبنا ودأبك ، وهم الخراصون ،
وهم المستهزءون ، فضاق صدر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بما قالوا .(2/244)
صفحة رقم 245
النحل : ( 128 ) إن الله مع . . . . .
يقول الله عز وجل : ( إن الله مع الذين اتقوا ( الشرك في العون والنصر لهم ،
)( والذين هم محسنون ) [ آية : 128 ] ، يعنى في إيمانهم .(2/245)
صفحة رقم 246
( سورة الإسراء )
مقدمة
( سورة بني إسرائيل ، مكية كلها ، إلا هذه الآيات ، فإنهن مدنيات )
1 ( وهي قوله تعالى : ( وقل رب أدخلني مدخل صدق ) [ آية : 80 ] الآية . ) 1 ( وقوله تعالى : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله ( إلى قوله : ( خُشوعاً ) [ آية : 107 - 109 ]
1 ( وقوله تعالى : ( إِن ربكَ أَحاط بالناس . . . ) [ آية : 60 ] الآية . )
وقوله تعالى : ( وإن كادوا ليفتنونك . . . ) [ آية : 73 ] الآية .
1 ( وقوله تعالى : ( ولولا أن ثبتناك . . . ) [ آية : 74 ، 75 ] الآيتين . ) 1 ( وقوله تعالى : ( وَإن كادواْ ليستفزونك من الأرض . . . ) [ آية : 76 ] الآية . )
1 ( عددها مائة وإحدى عشرة آية كوفية . )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة النحل من الآية : [ 1 ] .
الإسراء : ( 1 ) سبحان الذي أسرى . . . . .
) سُبحانَ ( ، يعنى عجب ، ) الذي أَسرى بِعبدِهِ ( ، في رجب ، يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
)( ليلاً منَ المسجد الحرام إِلى المسجد الأقصا ( ، يعنى بيت المقدس ، قبل الهجرة بسنة ،
وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة ، وعرضت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة أنهار : نهر من
لبن ، ونهر من عسل ، ونهر من خمر ، فلم يشرب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الخمر ، فقال جبريل : أما إن
الله حرمها على أمتك ، ) الذي باركنا حَولهُ ( ، يعنى بالبركة الماء ، والشجر ، والخير ،
)( لنريهُ من ءايتنا ( ، فكان مما رأى من الآيات البراق ، والرجال ، والملائكة ، وصلى
بالنبيين تلك ، ) إِنهُ هُو السَّميع البَصيرُ ) [ آية : 1 ] .
وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصبح بمكة ليلة أسرى به من مكة ، فقال لأم هانئ ابنة أبي
طالب ، وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي : ' لقد رأيت الليلة عجباً ' ، قالت : وما
ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال : ' لقد صليت في مصلاي هذا صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ،(2/246)
صفحة رقم 247
وصليت فيما بينهما في بيت المقدس ' ، فقالت : وكيف فعلت ؟ قال : ' أتاني جبريل ، عليه
السلام ، وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام ، وأخذ بيدي وأخرجني من الباب ،
وميكائيل ، عليه السلام ، بالباب معه دابة ، فوق الحمار ودون البغل ، ووجهها كوجه
الإنسان ، وخدها كخد الفرس ، وعرفها كعرف الفرس ، بلقاء ، سيلاء ، مضطربة الخلق ،
لها جناحان ، ذنبها كذنب البقر ، وحافزها كأظلاف البقر ، خطوها عند منتهى بصرها ،
كان سليمان بن داود ، عليه السلام ، يغدوا عليها مسيرة شهر ، فحملاني عليها ، ثم أخذا
يزفان بي حتى أتيت بيت المقدس ، ومثل لي النبيون ، فصليت بهم ، ورأيت
ورأيت ' .
فلما أراد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقوم فيخرج ، أخذت أم هانئ بحبرته ، قالت : أين تخرج ؟ قال :
' أخرج إلى قريش ، فأخبرهم بالذي رأيت ' ، فقالت : لا تفعل ، فوالله ليجتر أن عليك
المكذب ، وليمترين فيك المصدق ، قال : ' وإن كذبوني لأخرجن ' ، ونزع يدها من حبرته ،
فخرج إلى المسجد ، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر ، فقام عليهم ،
فقال : ' ألا أحدثكم بالعجب ؟ ' ، قالوا : أخبرنا ، فإن أمرك كله عجب ، قال : ' لقد صليت
في هذا الوادي صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس ، ومثل لي
النبيون ، فصليت بهم وكلمت بعضهم ' ، فصدقه المؤمنون ، وكذبه المشركون .
فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف : ما ثكلتني يدي على هذا الكذاب ألا
لن أكون ذلك اليوم جزعاً ، فأخذك بيدي أخذاً ، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس ،
ورجعتك من ليلتك ، ونحن لا نبلغه إلا في أربعين ليلة بعد شق الأنفس ، أشهد أنك
كذاب ساحر ، فبينما هم كذلك ، إذ جاء أبو بكر الصديق ، رضوان الله عليه ، فقالت
قريش : يا أبا بكر ، ألا تسمع ما يقول صاحبك ، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر
بمكة ، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس ، قال أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه : إن كان
قال ذلك ، فقد صدق .
وقال أبو بكر ، رضي الله عنه ، للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : بأبي أنت وأمي ، حدثني عن باب بيت
المقدس ، وعن البيت ، وعن سواريه ، وعن الصخرة ، وعن هذا كله ، فأخبره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
فألتزمه أبو بكر ، فقال : أشهد أنك صادق ، فسمى يومئذ الصديق ، اسمه : عتيق بن عثمان
ابن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة ، فقال المسلمون : يا رسول الله ، كيف رأيت
الأنبياء ، عليهم السلام ؟ قال : ' رأيت عيسى ابن مريم ( صلى الله عليه وسلم ) رجلاً أبيض ، فوق الربعة ،
ودون الطويل ، ظاهر الدم ، عريض الصدر ، جعد الرأس ، يعلوه صهوبة ، أشبه الناس بعروة
بن معتب الثفي ' .(2/247)
صفحة رقم 248
' ورأيت موسى ، عليه السلام ، رجلاً طويلاً ، آدم شديد الأدمة ، ضرب اللحم ، سبط
الشعر أشعر كأنه من رجال أزد شنوءة ، لو لبس قميصين لرؤى شعره منهما ، ورأيت
إبراهيم عليه السلام ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، فبدأني بالسلام والمصافحة والترحم ،
ورأيت الدجال ، رجلاً جسيماً ، لحيماً ، آدم ، جعد الرأس ، كث اللحية ، ممسوح العين ،
أحلى الجبهة براق الثنايا ، مكتوب بين عينيه كافر ، شبيه بفطن بن عبد العزى ' .
' ورأيت عمرو بن ربيعة بن يحيى بن قمعة بن خندف الخزاعي ، والحارث بن كعب
ابن عمرو ، وعليهما وفرة يجران قصبهما في النار ' ، يعنى أمعاءهما ، قيل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ولم ؟
قال : ' لأنهما أول من سيبا السائبة ، واتخذا البحيرة والوصيلة والحام ، وأول من سميا اللات
والعزى ، وأمرا بعبادتهما ، وغيرا دين الحنيفية ملة إبراهيم ، عليه السلام ، ونصبا الأوثان
حول الكعبة ، فأما عمرو بن ربيعة ، فهو رجل قصير ، أشبه الناس به هذا ، يعنى أكثم بن
الجون الخزاعي ' ، فقال أكثم : يا رسول الله ، أيضرني شبهه ؟ قال : ' لا أنت مؤمن وهو
كافر ' .
فقال رجل من كفار قريش للمطعم بن عدي : عجلت على ابن أخيك ، ثم قال كهيئة
المستهزئ : رويدك يا محمد حتى نسألك عن عيرنا ، هل رأيتها في الطريق ؟ قال : ' نعم ' ،
قال : فأين رأيتها ؟ قال : ' رأيت عير بني فلان بالروحاء نزولاً ، قد ضلت لهم ناقة ، وهم
في طلبها ، فمررت على رجالهم وليس بها أحد منهم ، فوجدت في إناء لهم ماء ، فشربت
منه وتوضأت ، فاسألوهم إذا أتوكم ، هل كان ذلك ؟ ' ، قالوا : هذه آية .
قال : ' ومررت على عير بني فلان ، في وادي كذا وكذا ، في ساعة كذا وكذا من
الليل ، ومعي جبريل وميكائيل ، عليهما السلام ، فنفرت منا إبلهم ، فوقعت ناقة حمراء
فانكسرت ، فهم يجبرونها ، فاسألوهم إذا أتوكم ، هل كان ذلك ؟ ' ، قالوا : نعم ، هذه آية ،
قال رجل منهم : فأين تركت عيرنا ؟ قال : ' تركتها بالتنعيم قبيل ' ، قال : فإن كنت
صادقاً ، فهي قادمة الآن ، قال : ' نعم ' ، قال : فأخبرنا بعدتها وأحمالها وما فيها ، قال :
' كنت عن ذلك مشغولاً ، غير أن برنساً كان لهم على البعير الذي يقدم الركب ، فسقط
البرنس فرجع حبشي من القوم فأصابه ، فوضعه على آخر الركب ، فاسألوهم إذا أتوكم
هل كان ذلك ' .
فبينا هو ( صلى الله عليه وسلم ) يحدثهم ، إذ مثل الله عز وجل له كل شيء حتى نظر إلى عدتها وأحمالها
ومن فيها ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' أين السائل آنفاً عن إبله ، فإن عدتها وأحمالها ومن فيها كذا(2/248)
صفحة رقم 249
وكذا ، ويقدمها جمل أورق ، وهي قادمة الآن ' ، فانطلقوا يسعون ، فإذا هي منحدرة من
عتبة التنعيم ، وإذا هي وأحمالها وعدتها وما فيها كما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال المشركون : لقد
صدق الوليد بن المغيرة ، إن هذا لساحر مبين ، وما يجري محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بين أظهرنا متى
تقدم عيرنا ، وما حالها وأحمالها ومن فيها ، فكفوا بعض الأذى سنة .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 2 - 3 ] .
الإسراء : ( 2 ) وآتينا موسى الكتاب . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وءاتينا مُوسى الكتاب ( ، يقول : أعطينا موسى التوراة ، ) وجعلناه هدى ( ، يعنى التوراة هدى ، ) لبني إسرائيل ( من الضلالة ، ) ألا تتخذوا من دوني وكيلا ) [ آية : 2 ] ، يعنى ولياً ، فيها تقديم .
الإسراء : ( 3 ) ذرية من حملنا . . . . .
يا ) ذرية ( آدم ، ) من حملنا مع نوح ( في السفينة ، ألا تتخذوا من دوني
وكيلاً ، يعنى الأهل ، يعني ولياً ، ثم أثنى على نوح بن لملك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال سبحانه :
( إنه كان عبدا شكورا ) [ آية : 3 ] ، فكان من شكره أنه كان يذكر الله عز وجل
حين يأكل ويشرب ، ويحمد الله تعالى حين يفرغ ، ويذكر الله سبحانه حين يقوم ويقعد ،
ويذكر الله جل ثناؤه حين يستجد الثوب الجديد ، وحين يخلق ، ويذكر الله عز وجل حين
يدخل ويخرج وينام ويستيقظ ، ويذكر الله جل ثناؤهُ بكل خطوة يخطوها ، وبكل عمل
يعمله ، فسماه الله عز وجل عبداً شكوراً
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 4 - 8 ] .
الإسراء : ( 4 ) وقضينا إلى بني . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ( ، يقول : وعهدنا إليهم في
التوراة ، ) لتفسدن ( لتهلكن ) في الأرض مرتين ( ، فكان بين الهلاكين مائتا سنة
وعشر سنين ، ) ولتعلن علوا كبيرا ) [ آية : 4 ] ، يقول : ولتقهرن قهراً شديداً حتى(2/249)
صفحة رقم 250
تذلوا ، وذلك بمعصيتهم الله عز وجل .
فذلك قوله تعالى :
الإسراء : ( 8 ) عسى ربكم أن . . . . .
) فإذا جاء وعدُ أُولهما ( ، يعنى وقت أول الهلاكين ، ) بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ( ، بختنصر المجوسي ملك بابل وأصحابه ، ) فجاسوا خلال الديار ( ، يعنى فقتل الناس في الأزقة ، وسبي ذراريهم ، وخرب بيت المقدس ،
وألقى فيه الجيف ، وحرق التوراة ، ورجع بالسبي إلى بابل ، فذلك قوله سبحانه : ( وكان وعدا مفعولا ) [ آية : 5 ] ، يعنى وعداً كائناً لا بد منه ، فكانوا ببابل سبعين سنة .
الإسراء : ( 9 ) إن هذا القرآن . . . . .
ثم إن الله عز وجل استنقذهم على يد كروس بن مزدك الفارس ، فردهم إلى بيت
المقدس ، فذلك قوله عز وجل : ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين ( ، حتى كثروا ، فذلك قوله عز وجل : ( وجعلناكم أكثر نفيرا ) [ آية : 6 ] ،
يعنى أكثر رجالاً منكم قبل ذلك ، فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين ، فيهم أنبياء .
الإسراء : ( 7 ) إن أحسنتم أحسنتم . . . . .
ثم قال سبحانه : ( إن أحسنتم ( العمل لله بعد هذه المرة ، ) أحسنتم لأنفسكم ( ،
فلا تهلكوا ، ) وإن أسأتم فلها ( ، يعنى وإن عصيتم فعلى أنفسكم ، فعادوا إلى المعاصي
الثانية ، فسلط الله عليهم أيضاً انطباخوس بن سيس الرومي ملك أرض نينوي ، فذلك
قوله عز وجل ) فإذا جاء وعد الآخرة ( ، يعنى وقت آخر الهلاكين ، ) لِيسوئوا
وجوهكم ( ، يعنى ليقبح وجوهكم ، فقتلهم وسبي ذراريهم ، وخرب بيت المقدس ،
وألقى فيه الجيف ، وقتل علماءهم ، وحرق التوراة ، فذلك قوله عز وجل : ( وليدخلواْ
المسجد ليدخلوا المسجدِ ( ، يعنى بيت المقدس ، انطياخوس بن سيس ومن معه بيت
المقدس ، ) كما دخلوه أول مرة ( ، يقول : كما دخله بختنصر المجوسي وأصحابه قبل
ذلك ، قال سبحانه : ( وليتبروا ما علوا تتبيرا ) [ آية : 7 ] ، يقول عز وجل : وليدمروا ما
علوا ، يقول : ما ظهروا عليه تدميراً ، كقوله سبحانه في الفرقان : ( وكلا تبرنا تتبيرا (
[ الفرقان : 39 ] ، يعنى وكلا دمرنا تدميراً .
الإسراء : ( 8 ) عسى ربكم أن . . . . .
ثم قال : ( عسى ربكم أن يرحمكم ( ، فلا يسلط عليكم القتل والسبي ، ثم إن الله عز(2/250)
صفحة رقم 251
وجل استنقذهم على يدي المقياس ، فردهم إلى بيت المقدس فعمروه ، ورد الله عز وجل
إليهم ألفتهم ، وبعث فيهم أنبياء ، ثم قال لهم : ( وإن عدتم عدنا ( ، يقول : وإن عدتم إلى
المعاصي عدنا عليكم بأشد مما أصابكم ، يعنى من القتل والسبي ، فعادوا إلى الكفر ، وقتلوا
يحيى بن زكريا ، فسلط الله عليهم ططس بن استاتوس الرومي ، ويقال : اصطفابوس ، فقتل
على دم يحيى بن زكريا مائة ألف وثمانين ألفا من اليهود ، فهم الذين قتلوا الرقيب على
عيسى الذي كان شبه لهم ، وسبي ذراريهم ، وأخرق التوراة ، وخرب بيت المقدس ، وألقى
فيه الجيف ، وذبح فيه الجنازير ، فلم يزل خراباً حتى جاء الإسلام ، فعمره المسلمون ،
)( وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) [ آية : 8 ] ، يعنى محسباً لا يخرجون منها أبداً ، كقوله عز
وجل : ( للفقراء الذين أحصروا ) [ البقرة : 273 ] ، يعنى حبسوا في سبيل الله .
تفسير سورة الإسراء : [ 9 - 12 ] .
الإسراء : ( 9 ) إن هذا القرآن . . . . .
) إن هذا القرآن يهدي ( ، يعنى يدعو ، ) للتي هي أقوم ( ، يعنى أصوب ،
)( ويبشر ( القرآن ، ) المؤمنين ( ، يعنى المصدقين ، ) الذين يعملون الصالحات ( من
الأعمال بما فيه من الثواب ، فذلك قوله سبحانه : ( أن لهم أجرا كبيرا ) [ آية : 9 ] ، يعنى
جزاء عظيماً في الآخرة .
الإسراء : ( 10 ) وأن الذين لا . . . . .
) وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة ( ، يعنى بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، ) أعتدنا لهم عذابا أليما ) [ آية : 10 ] ، يعنى عذاباً وجيعاً .
الإسراء : ( 11 ) ويدع الإنسان بالشر . . . . .
) ويدع الإنسان بالشر ( على نفسه ، يعنى النضر بن الحارث ، حين قال : ( ائتنا بعذاب أليم ) [ الأنفال : 32 ] ، ) دعاءه بالخير ( ، كدعائه بالخير لنفسه ، ) وكان الإنسان عجولا ) [ آية : 11 ] ، يعنى آدم ، عليه السلام ، حين نفخ فيه الروح من قبل رأسه ، فلما
بلغت الروح وسطه عجل ، فأراد أن يجلس قبل أن تتم الروح وتبلغ إلى قدميه ، فقال الله
عز وجل : ( وكان الإنسان عجولا ( ، وكذلك النضر يستعجل بالدعاء على نفسه كعجلة
آدم عليه السلام ، في خلق نفسه ، إذا أراد أن يجلس قبل أن يتم دخول الروح فيه ، فتبلغ(2/251)
صفحة رقم 252
الروح إلى قدميه ، فعجلة الناس كلهم ورثوها عن أبيهم آدم ، عليه السلام ، فذلك قوله
سبحانه : ( وكان الإنسان عجولا (
الإسراء : ( 12 ) وجعلنا الليل والنهار . . . . .
) وجعلنا اليل والنهار ءايتين ، يعنى علامتين مضيئتين ، فكان ضوء القمر مثل ضوء
الشمس ، فلم يعرف الليل من النهار ، يقول الله تعالى : ( فمحونا ءاية اليل ( ، يعنى علامة
القمر ، فالمحو السواد الذي في وسط القمر ، فمحي من القمر تسعة وستين جزءاً ، واحد
من سبعين جزءاً من الشمس ، فعرف الليل من النهار ، ) وجعلنا ءاية ( ، يعنى علامة
) النهار ( ، وهي الشمس ، ) مُبصرةً ( ، يعنى أقررنا ضوءها فيها ، ) لتبتغوا فضلاً من
ربكم ( ، يعنى رزقاً ، ) ولتعلموا ) ) بها ( ( عدد السنين والحساب وكل شيءٍ فصلاناهُ
تفصيلاً ) [ آية : 12 ] ، يعنى بيناه تبياناً .
تفسير سورة الإسراء من آية [ 13 - 15 ]
الإسراء : ( 13 ) وكل إنسان ألزمناه . . . . .
) وكل إِنسان ألزمناهُ طائرهُ ( ، يعنى عمله الذي عمل ، خيراً كان أو شراً ، فهو ) في
عُنقه ( لا يفارقه حتى يحاسب عليه ، ) ونُخرج لَهُ يوم القيامة كتاباً يلقهُ منشوراً ) [ آية :
13 ] ، وذلك أن ابن آدم إذا ما طويت صحيفته التي فيها عمله ، فإذا كان يوم القيامة ،
نشر كتابة ، فدفع إليه منشوراً .
الإسراء : ( 14 ) اقرأ كتابك كفى . . . . .
ثم يقال له : ( اقرأ كتابكَ كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ) [ آية : 14 ] ، يعنى شهيداً ،
فلا شاهد عليك أفضل من نفسك ، وذلك حين قالوا : ( والله ربنا ما كنا مشركينَ (
الأنعام : 23 ] ، ختم الله على ألسنتهم ، ثم أمر الجوارح ، فشهدت عليه بشركة وتكذيبه ،
وذلك قوله سبحانه : ( كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ( ، وذلك قوله عز وجل : ( بل الإنسان على نفسه بصيرةُ ) [ القيامة : 14 ] ، يعنى جوارحهم حين شهدت عليهم
أنفسهم ، وألسنتهم ، وأيديهم ، وأرجلهم .
الإسراء : ( 15 ) من اهتدى فإنما . . . . .
) من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ) ) الخير ( ( ومن ضل ( عن الهدى ، فإنما يضل عليها ، أي على نفسه ، يقول : فعلى نفسه إثم ضلالته ، ) ولا تزر وزارةٌ وزر أخرى ( ،
يقول : لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى ، ) وما كنا معذبين ( في الدنيا أحداً ، ) حتى(2/252)
صفحة رقم 253
نبعث رسولاً ) [ آية : 15 ] لينذرهم بالعذاب في الدنيا بأنه نازل بهم ، كقوله سبحانه :
( وما أهلكنا ) ) في الدنيا ( ( من قريةٍ إلا لها منذرون ) [ الشعراء : 208 ] .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 17 - 22 ] .
الإسراء : ( 16 ) وإذا أردنا أن . . . . .
) وإذا أردنا أن نهلك قريةً ( بالعذاب في الدنيا ، ) أمرنا مترفيها ( ، يقوله : أكثرنا
جبابرتها فبطروا في المعيشة ، ) ففسقوا فيها ( ، يقول : فعصوا في القرية ، ) فحق عليها
القول ( ، يعنى فوجب عليهم الذي سبق لهم في علم الله عز وجل ، ) فدمرنها تدميراً (
[ آية : 16 ] ، يقول : فأهلكناها بالعذاب هلاكاً .
الإسراء : ( 17 ) وكم أهلكنا من . . . . .
يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ، فقال سبحانه : ( وكم أهلكنا ( بالعذاب
في الدنيا ، ) من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده ( ، يقول : كفار مكة ، ) خبيرا
بصيراً ) [ آية : 17 ] ، يقول الله عز وجل : فلا أحد أخبر بذنوب العباد من الله عز وجل ،
يعنى كفار مكة .
الإسراء : ( 18 ) من كان يريد . . . . .
) من كان يريد ) ) في الدنيا ( ( العاجلة عجلنا له فيها ( ، يعنى في الدنيا ، ) ما نشاء
لمن نريد ) ) من المال ( ( ثم جعلنا له جهنم ( ، يقول : ثم نصيره إلى جهنم ، ) يصلها
مذموماً ) ) عند الله ( ( مدحوراً ) [ آية : 18 ] ، يعنى مطروداً في النار ، نزلت في ثلاثة نفر
من ثقيف ، فرقد بن يمامة ، وأبي فاطمة بن البحتري ، وصفوان ، وفلان ، وفلان .
الإسراء : ( 19 ) ومن أراد الآخرة . . . . .
) ومن أراد الأخرة ( من الأبرار بعلمه الحسن ، وهو مؤمن ، يعنى بالدار الآخرة ،
)( وسعى لها سعيها ( ، يقول : للآخرة عملها ، ) وهو مؤمن ( ، يعنى مصدق
بتوحيد الله عز وجل ، ) فأولئك كان سعيهم مشكوراً ) [ آية : 19 ] ، فشكر الله عز
وجل سعيهم ، فجزاهم بعلمهم الجنة ، نزلت في بلال المؤذن وغيره .
الإسراء : ( 20 ) كلا نمد هؤلاء . . . . .
ثم قال سبحانه : ( كلاً نمد هؤلآء وهؤلآء ( البر والفاجر ، يعنى هؤلاء النفر من(2/253)
صفحة رقم 254
المسلمين ، وهؤلاء النفر من ثقيف ، ) من عطاء ربك ( ، يعنى رزق ربك ، ) وما كان عطاء ربك ( ، يعنى رزق ربك ، ) محظورا ) [ آية : 20 ] ، يعنى ممسكاً ، يعنى ممنوعاً .
الإسراء : ( 21 ) انظر كيف فضلنا . . . . .
) انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ( ، يعنى الفجار ، يعنى من كفار ثقيف على
بعض في الرزق في الدنيا ، يعنى الأبرار بلال بن رباح ومن معه ، ) وللآخرة أكبر
درجت ( في الآخرة ، يعنى أعظم فضائل ، ) وأكبر ( ، يعنى وأعظم ) تفضيلا (
[ آية : 21 ] من فضائل الدنيا ، فلما صار هؤلاء إلى الآخرة ، أعطى هؤلاء المؤمنون بلال
ومن معه ، أعطوا في الآخرة فضلاً كبيراً أكثر مما أعطى الفجار في الدنيا ، يعنى ثقيفاً .
الإسراء : ( 22 ) لا تجعل مع . . . . .
) لا تجعل مع الله إلهاً ءاخر ( ، يقول للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : لا تضف مع الله إلهاً ، وذلك حين
دعى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى ملة آبائه ، ) فتقعد مذموما ( ، ملوماً تلام عند الناس ، ) مخذولا (
[ آية : 22 ] في عذاب الله تعالى .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 23 - 24 ] .
الإسراء : ( 23 ) وقضى ربك ألا . . . . .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن
مسعود ، أنه كان في المصحف : ووصى ربك ، فالتزق الواو بالصاد ، فقال : ( وقضى ربك ( ، يعنى وعهد ربك ، ) ألا تعبدوا إلا إياه ( ، يعنى ألا توحدوا غيره ، ) وبالوين
إحسنا ( براً بهما ، ) إما يبلغن عندك الكبر ( ، يعنى أبويه ، يعنى سعد بن أبي
وقاص ، ) أحدهما ( ، يعنى أحد الأبوين ، ) أو كلاهما ( ، فبرهما ، ) فلا تقل لهما أف ( ، يعنى الكلام الرديء ، أن تقول : اللهم أرحني منهما ، أو تغلظ عليهما في
القول عند كبرهما ، ومعالجتك إياهما وعند مبط القذر عنهما ، ) ولا تنهرهما ( عند
المعالجة ، يعنى تغلظ لهما القول : ( وقل لهما قولا كريما ) [ آية : 23 ] ، يعنى حسناً
ليناً .
الإسراء : ( 24 ) واخفض لهما جناح . . . . .
) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ( ، يقول : تلين جناحك لهما رحمة بهما ،(2/254)
صفحة رقم 255
) وقل رب ارحمهما ( عندما تعالج منهما ، ) كما ربياني صغيرا ) [ آية : 24 ] ، يعنى كما
عالجا ذلك منى صغيراً ، فالطف بهما ، واعصهما في الشرك ، فإنه ليس معصيتك إياهما
في الشرك قطيعة لهما ، ثم نسخت : ( رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ( ، ) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) [ التوبة : 113 ] .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 25 - 28 ] .
الإسراء : ( 25 ) ربكم أعلم بما . . . . .
ثم قال تعالى : ( ربكم أعلم بما في نفوسكم ( ، يقول : هو أعلم بما في نفوسكم منكم
من البر للوالدين عند كبرهما ، فذلك قوله تعالى : ( إن تكونوا صلحين ( ، يعنى محتسبين
مما تعالجون منهما أو لا تحسبون ، ) فإنه كان للأوبين غفورا ) [ آية : 25 ] ، يعنى
المتراجعين من الذنوب إلى طاعة الوالدين غفوراً .
الإسراء : ( 26 ) وآت ذا القربى . . . . .
) وءات ( ، يعنى فأعط ، ) ذا القربى حقه ( ، يعنى صلته ، ثم قال تعالى :
( والمسكين ( ، يعنى السائل ، فتصدق عليه ، ) و ( حق ) وابن السبيل ( أن تحسن
إليه ، وهو الضيف نازل عليه ، قوله سبحانه : ( ولا تبذراً تبذيرا ) [ آية : 26 ] ، يعنى
المنفقين في غير حق .
الإسراء : ( 27 ) إن المبذرين كانوا . . . . .
ثم قال : ( إن المبذرين ( ، يعنى المنفقين ، يعنى كفار مكة ، في غير حق ، ) كانوا
إخوان الشيطين ( في المعاصي ، ) وكان الشيطن ( ، يعنى إبليس وحده ، ) لربه كفورا ) [ آية : 27 ] ، يعنى عاص .
الإسراء : ( 28 ) وإما تعرضن عنهم . . . . .
ثم رجع إلى المسكين وابن السبيل ، فقال : ( وإما تعرضن عنهم ( ، نزلت في خباب ،
وبلال ، ومهجع ، وعمار ، ونحوهم من الفقراء ، كانوا يسألون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلا يجد ما
يعطيهم فيعرض عنهم فيسكت ، ثم قال عز وجل : ( ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ( ، يعنى
انتظار رزق من ربك ، ) ترجوها ( من الله أن يأتيك ، ) فقل لهم قولا ميسورا ) [ آية :
28 ] ، يقول : اردد عليهم معروفاً ، يعنى العدة الحسنة أنه سيكون فأعطيكم .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 29 - 30 ] .(2/255)
صفحة رقم 256
الإسراء : ( 29 ) ولا تجعل يدك . . . . .
ثم علمهم كيف يعمل في النفقة ، فقال سبحانه : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ( ،
يقول : ولا تمسك يدك من البخل عن النفقة في الحق ، ) ولا تبسطها ( ، يعنى في
العطية ، ) كل البسط ( ، فلا تبقى عندك ، فإن سئلت لم تجد ما تعطيهم كقوله : ( يد الله مغلولة ) [ المائدة : 64 ] ، ) فتقعد ملوما ( يلومك الناس ، ) محسورا ) [ آية : 29 ] ،
يعنى منقطعاً بك ، كقوله سبحانه في تبارك الملك : ( وهو حسير ) [ الملك : 4 ] ، يعنى
منقطع به .
الإسراء : ( 30 ) إن ربك يبسط . . . . .
) إن ربك يبسط الرزق ( ، يعنى يوسع الرزق ، ) لمن يشاء ويقدر ( ، يعنى ويقتر
على من يشاء ، ) إنه كان بعباده خبيرا ( ، بأمر الرزق بالسعة والتقتير ، ) بصيرا ) [ آية :
30 ] به .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 31 - 34 ]
الإسراء : ( 31 ) ولا تقتلوا أولادكم . . . . .
) ولا تقتلوا أولادكم ( ، يعنى دفن البنات وهن أحياء ، ) خشيةَ إملقٍ ( ، يعنى مخافة
للفقر ، ) نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً ( ، يعنى إثماً ، ) كبيرا ) [ آية :
31 ] .
الإسراء : ( 32 ) ولا تقربوا الزنى . . . . .
قوله سبحانه : ( ولا تقربوا الزنى إنه كان فحشة ( ، يعنى معصية ، ) وساء سبيلا (
[ آية : 32 ] ، يعنى المسلك ، لم يكن يومئذ في الزنا حد ، حتى نزل الحد بالمدنية في سورة
النور .
الإسراء : ( 33 ) ولا تقتلوا النفس . . . . .
[ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله ] قتلها ، يعنى باغياً ، ) إلا بالحق ( الذي يقتل
فيقتل به ، ) ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه ( ، يعنى ولى المقتول ، ) سلطنا ( ، يعنى
مسلطاً على القتلى إن شاء قبله ، وإن شاء عفا عنه ، وإن شاء أخذ الدية ، ثم قال لولى(2/256)
صفحة رقم 257
المقتول : ( فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) [ آية : 33 ] من أمر الله عز وجل
في كتابه ، جعل الأمر إليه ، ولا تقتلن غير القاتل ، فإن من قتل غير القاتل ، فقد أسرف ؛
لقوله سبحانه : ( إنه كان منصورا ( .
الإسراء : ( 34 ) ولا تقربوا مال . . . . .
) ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ( ، إلا لتنمى ماله بالأرباح ، نسختها : ( إن تخالطوهم فإخوانكم ) [ البقرة : 220 ] ، ) حتى يبلغ أشده ( ، يعنى ثماني عشرة سنة ،
)( وأوفوا بالعهد ( فيما بينكم وبين الناس ، ) إن العهد ( إذا نقض ، ) كان مسئولاً (
[ آية : 34 ] ، يقول : الله سائلكم عنه في الآخرة .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 25 - 40 ] .
الإسراء : ( 35 ) وأوفوا الكيل إذا . . . . .
) وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس ( ، يعنى بالميزان بلغة الروم ، ) المستقيم ذلك (
الوفاء ، ) خير ( من النقصان ، ) وأحسن تأويلا ) [ آية : 35 ] ، يعنى وخير عاقبة في
الآخرة .
الإسراء : ( 36 ) ولا تقف ما . . . . .
) ولا تقف ما ليس لك به علم ( ، يقول : ولا ترم بالشرك ، فإنه ليس لك به علم إن
لي شريكاً ، ثم حذرهم : ( إن السمع والبصير والفؤاد ( ، يعنى القلب ، ) كل أولئك كان
عنه مسئولاً ) [ آية : 36 ] ، يعنى عن الشرك مسئولاً في الآخرة .
الإسراء : ( 37 ) ولا تمش في . . . . .
) ولا تمش في الأرض مرحا ( ، يعنى بالعظمة ، والخيلاء ، والكبرياء ، ) إنك لن تخرق الأرض ( إذا مشيت بالخيلاء والكبرياء ، ) ولن تبلغ ( رأسك ، ) الجبال طولا ) [ آية :
37 ] إذا تكبرت .
الإسراء : ( 38 ) كل ذلك كان . . . . .
) كل ذلك ( ، يعنى كل ما أمر الله عز وجل به ، ونهى عنه في هؤلاء الآيات ،
)( كان سيئه ( ، يعنى ترى ما أمر الله عز وجل به ، ونهى عنه في هؤلاء الآيات ، أي
وركوب ما نهى عنه ، كان ) عند ربك مكروها ) [ آية : 38 ] .(2/257)
صفحة رقم 258
الإسراء : ( 39 ) ذلك مما أوحى . . . . .
) ذلك مما آوحى إليك ربك ( ، أي ذلك أمر الله به ونهى عنه في هؤلاء
الآيات ، ) من الحكمة ( التي أوحاها إليك يا محمد ، ثم قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ولا تجعل مع
الله إلهاً ءاخر ( ، فإن فعلت ، ) فتلقى في جهنم ملوما ( ، تلوم نفسك يومئذ ، ) مدحورا (
[ آية : 39 ] ، يعنى مطروداً في النار ، كقوله سبحانه : ( ويقذفون من كل جانب دحورا ) [ الصافات : 8 ، 9 ] ، يعنى طرداً .
الإسراء : ( 40 ) أفأصفاكم ربكم بالبنين . . . . .
قل يا محمد لكفار مكة : ( أفأصفاكم ربكم بالبنين ( ، نزلت هذه الآية بعد قوله :
( قل لو كان معه آلهة كما يقولون ) [ الإسراء : 42 ] ، يعنى مشركي العرب حين
قالوا : الملائكة بنات الرحمن ، ) واتخذ ( لنفسه ) من الملائكة إِنثاً ( ، يعنى البنات ،
)( إنكم لتقولون قولا عظيما ) [ آية : 40 ] حين تقولون : إن الملائكة بنات الله عز وجل .
تفسير سورة الإسراء : [ 41 - 43 ] .
الإسراء : ( 41 ) ولقد صرفنا في . . . . .
) ولقد صرفنا في هذا القرءان ( في أمور شتى ، ) ليذكروا ( فيعتبروا ، ) وما يزيدهم (
القرآن ، ) إلا نفورا ) [ آية : 41 ] ، يعنى إلا تباعداً عن الإيمان بالقرآن ، كقوله تعالى :
( بل لجوا في عتو ونفور ) [ الملك : 21 ] ، يعني تباعداً .
الإسراء : ( 42 ) قل لو كان . . . . .
) قل ( لكفار مكة : ( لو كان معهُ ءالهة كما يقولون ( ، حين يزعمون أن الملائكة
بنات الرحمن ، فيعبدونهم ليشفعوا لهم عند الله عز وجل في الآخرة ، ) إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ) [ آية : 42 ] ، ليغلبوه ويقهروه ، كفعل ملوك الأرض بعضهم ببعض ، يلتمس
بعضهم أن يقهر صاحبه ويعلوه .
الإسراء : ( 43 ) سبحانه وتعالى عما . . . . .
ثم قال : ( سبحانه ( نزه نفسه تعالى عن قول البهتان ، فقال : ( وتعالى ( ، يعنى
وارتفع ، ) عما يقولون ( من البهتان ، ) علوا كبيرا ) [ آية : 43 ] ، نظيرها في المؤمنين .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 44 - 45 ] .
الإسراء : ( 44 ) تسبح له السماوات . . . . .
ثم عظم نفسه جل جلاله ، فقال سبحانه : ( تسبح له ( ، يعنى تذكره ، ) السموات السبع(2/258)
صفحة رقم 259
والأرض ومن فيهن وإِن شيءٍ ( ، يعنى وما من شيء ، ) إلا يُسبحُ بحمده ( ، يقول : إلا
يذكر الله بأمره ، يعني من نبت ، إذا كان في معدنه ، ) يسبحون بحمد ربهم ) [ الزمر : 75 ] ، كقوله سبحانه : ( ويسبحُ الرعد بحمده ) [ الرعد : 13 ] ، يعنى بأمره ، من
نبت ، أو دابة ، أو خلق ، ) ولكن لا تفقهون تسبيحهم ( ، يقول : ولكن لا تسمعون ذكرهم
لله عز وجل ، ) إِنهُ كان حليماً ( عنهم ، يعنى عن شركهم ، ) غفوراً ) [ آية : 44 ] ، يعنى
ذو تجاوز عن قولهم ، لقوله : ( لو كان معهُ آلهة ( كما يزعمون ، ) إذا لابتغوا إلى
ذي العرش سبيلاً ( ، بأن الملائكة بنات الله ، حين لا يعجل عليهم بالعقوبة ،
)( غفوراً ( في تأخير العذاب عنهم إلى المدة ، مثلها في سورة الملائكة ، قوله سبحانه :
( إِن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولاً . . . ) [ فاطر : 41 ] آخر الآية : ، ) إنَّهُ
كان حليماً ( ، يعنى ذو تجاوز عن شركهم ، ) غَفُوراً ( في تأخير العذاب عنهم إلى
المدة .
الإسراء : ( 45 ) وإذا قرأت القرآن . . . . .
) وَإذا قرأَت القرآن ( في الصلاة أو غير الصلاة ، ) جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون
بِالأخرة ( ، يعنى لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، ) حجاباً مستوراً ) [ آية :
45 ] ، نزلت في أبي لهب وامرأته ، وأبي البحتري ، وزمعة اسمه عمرو بن الأسود ،
وسهيل ، وحويطب ، كلهم من قريش ، يعنى بالحجاب المستور .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 46 - 52 ] .
الإسراء : ( 46 ) وجعلنا على قلوبهم . . . . .
قوله تعالى : ( وجعلنا على قُلوبهم أكنةً ( ، يعنى الغطاء على القلوب ، ) أَن يفقهوهُ ( ،
لئلا يفقهوا القرآن ، ) وفي ءاذانهم وقراً ( ، يعنى ثقلاً لئلا يسمعوا القرآن ، ) وإذا ذكرت
ربك في القرآن وحدهُ ( ، فقلت : لا إله إلا الله ، ) ولوا على أدبرهم نُفوراً ) [ آية : 46 ] ، يعنى
أعرضوا عن التوحيد ونفروا عنه كراهية التوحيد ، وذلك حين قال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يود(2/259)
صفحة رقم 260
دخلوا على أبي طالب وهم الملأ ، فقال : ' قولوا : لا إله إلا الله ، تملكون بها العرب وتدين
لكم العجم .
الإسراء : ( 47 ) نحن أعلم بما . . . . .
) نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك ( يا محمد وأنت تقرأ القرآن ، ) وإذ هم نجوى ( ، فبين نجواهم في سورة الأنبياء : ( وأسروا النجوى الذين ظلموا ( ، يعنى فيما
بينهم ، ) هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ) [ الأنبياء : 3 ] ،
فذلك قوله سبحانهُ : ( إذ يقول الظالمون ( ، يعنى الوليد بن المغيرة وأصحابه ، ) إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ) [ آية : 47 ] ، يعنى بالمسحور المغلوب على عقله ، نظيرها في
الفرقان : ( وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ) [ الفرقان : 8 ] .
الإسراء : ( 48 ) انظر كيف ضربوا . . . . .
) انظر كيف ضربوا لك الأمثال ( ، يعنى كيف وصفوا لك الأنبياء حين قالوا : إنك
ساحر ، ) فضلوا ( عن الهدي ، ) فلا يستطيعون ( ، يعنى فلا يجدون ، ) سبيلا ) [ آية :
48 ] ، يعنى لا يقدرون على مخرج مما قالوا لك بأنك ساحر .
الإسراء : ( 49 ) وقالوا أئذا كنا . . . . .
) وقالوا أَءذا كنا عظماً ورفاتاً ( ، يعنى تراباً ، ) أَءنا لمبعوثونَ ( بعد الموت ، ) خلقا جديدا ) [ آية : 49 ] ، يعنى البعث .
الإسراء : ( 50 ) قل كونوا حجارة . . . . .
و ) قل ( لهم يا محمد : ( كونوا حجارة ( في القوة ، ) أو حديدا ) [ آية : 50 ] في
الشدة ، فسوف يميتكم ثم يبعثكم ، ثم تحيون من الموت .
الإسراء : ( 51 ) أو خلقا مما . . . . .
) أو خلقا مما يكبر في صدوركم ( ، يعنى مما يعظم في قلوبكم ، قل لو كنتم أنتم
الموت لأمتكم ثم بعثتكم في الآخرة ، ) فسيقولون من يعيدنا ( ، يعني من يبعثنا أحياء من بعد الموت ، ) قل الذي فطركم أول مرة ( ، يعنى خلقكم أول مرة في الدنيا ولم تكونوا
شيئاً ، فهو الذي يبعثكم في الآخرة ، ) فسينغضون إليك ( ، يعنى يهزون إليك ،
)( رُءوسهم ( استهزاء وتكذيباً بالبعث ، ) ويقولون متى هو ( ، يعنون البعث ، ) قل عسى أن يكون ( البعث ) قريبا ) [ آية : 51 ] .
الإسراء : ( 52 ) يوم يدعوكم فتستجيبون . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : ( يوم يدعوكم ( من قبوركم في الآخرة ،
)( فتستجيبون بحمده ( ، يعنى تجيبون الداعي بأمره ، ) وتظنون ( ، يعنى وتحسبون
) أن ( ، يعنى ما ) لبثتم ( في القبور ، ) إلا قليلا ) [ آية : 52 ] ، وذلك أن إسرافيل
قائم على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن ، فيقول : أيتها اللحوم المتفرقة ،
وأيتها العروق المتقطعة ، وأيتها الشعور المتفرقة ، اخرجوا إلى فصل القضاء لتنفخ فيكم(2/260)
صفحة رقم 261
أرواحكم ، وتجازون بأعمالكم ، فيخرجون ، ويديم المنادي الصوت ، فيخرجون من
قبورهم ، ويسمعون الصوت ، فيسعون إليه ، فذلك قوله سبحانه : ( فإذا هم جميع لدنيا
مُحضرونَ ) [ يس : 53 ] .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 53 - 55 ] .
الإسراء : ( 53 ) وقل لعبادي يقولوا . . . . .
) وقل لعبادي ( ، يعنى عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، ) يقولوا التي هي أحسن ( ،
ليرد خيراً على من شتمه ، وذلك أن رجلاً من كفار مكة شتمه ، فهم به عمر ، رضي الله ،
فأمره الله عز وجل بالصفح والمغفرة ، نظيرها في الجاثية : ( قل للذين آمنوا (
[ الجاثية : 14 ] إلى آخر الآية ، ) إِن الشيطان ينزع بينهم ( ، يعنى يغري بينهم ، ) إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ) [ آية : 53 ] .
الإسراء : ( 54 ) ربكم أعلم بكم . . . . .
) ربكم أعلم بكم ( من غيره ، ) إن يشأ يرحمكم ( ، فيتوب عليكم ، ) أَو إِن يشاء
يعذبكم ( ، فيميتكم على الكفر ، نظيرها في الأحزاب : ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات ) [ الأحزاب : 73 ] ، ) وما أرسلناك عليهم وكيلا ) [ آية : 54 ] ، يعنى
مسيطراً عليهم .
الإسراء : ( 55 ) وربك أعلم بمن . . . . .
) وربكَ أَعلمُ بمن في السموات والأرض ولقد فضلنا بعض النبين على بعض ( ، منهم من كلم
الله ، ومنهم من اتخذه الله خليلاً ، ومنهم من سخر الله له الطير ، والجبال ، ومنهم من أعطى
ملكاً عظيماً ، ومنهم من يحيى الموتى ، ويبرئ الأكمة والأبرص ، ومنهم من رفعه الله عز
وجل إلى السماء ، فكل واحد منهم فضل بأمر لم يعطه غيره ، فهذا تفضيل بعضهم على
بعض ، ثم قال سبحانه : ( وءاتينا ( ، يعنى وأعطينا ) داود زبورا ) [ آية : 55 ] ، مائة
وخمسين سورة ، ليس فيها حكم ، ولا حد ، ولا فريضة ، ولا حلال ، ولا حرام ، وإنما هو
ثناء على الله عز وجل ، وتمجيد وتحميد .
تفسير سورة الإسراء الآية : [ 56 - 58 ] .(2/261)
صفحة رقم 262
الإسراء : ( 56 ) قل ادعوا الذين . . . . .
) قل ( لكفار مكة : ( ادعوا الذين زعمتم ( أنهم آلهة ) من دونه ( ، من دون الله ،
يعنى الملائكة ، فليكشفوا الضر عنكم ، يعنى الجوع سبع سنين إذا نزل بكم ، ثم أخبر عن
الملائكة الذين عبدوهم ، فقال سبحانه : ( فلا يملكون ( ، يعنى لا يقدرون على
) كشف الضر عنكم ( ، يعنى الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين حتى أكلوا الميتة ،
والكلاب ، والجيف ، فيرفعونه عنكم ، ) ولا تحويلا ) [ آية : 56 ] ، يقول : ولا تقدر
الملائكة على تحويل هذا الضر عنكم إلى غيره ، فكيف تعبدونهم ، مثلها في سورة سبأ :
( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة ) [ سبأ : 22 ] ، يعنى
أصغر النمل التي لا تكاد أن ترى من الصغر ، وهي النملة الحمراء .
الإسراء : ( 57 ) أولئك الذين يدعون . . . . .
ثم قال بعضهم : ( أولئك الذين يدعون ( ، يقول : أولئك الملائكة الذين تعدونهم ،
)( يبتغون إلى ربهم الوسيلة ( ، يعنى الزلفة ، وهي القربة بطاعتهم ، ) أيهم أقرب ( إلى
الله درجة ، مثل قوله سبحانه : ( وابتغوا إليه الوسيلة ) [ المائدة : 35 ] ، يعنى القربة إلى
الله عز وجل ، ) ويرجون رحمته ( ، يعنى جنته ، نظيرها في البقرة : ( أولئك يرجون رحمة الله ) [ البقرة : 218 ] ، يعنى جنة الله عز وجل ، ) ويخافون عذابه ( ، يعنى
الملائكة ، ) إن عذاب ربك كان محذورا ) [ آية : 57 ] ، يقول : يحذره الخائفون له ، فابتغوا
إليه الزلفة كما تبتغي الملائكة وخافوا أنتم عذابه كما يخافون ، وارجعوا أنتم رحمته كما
يرجون : ف ) إن عذاب ربك كان محذورا ( .
الإسراء : ( 58 ) وإن من قرية . . . . .
) وإن من قرية ( ، يقول : وما من قرية طالحة أو صالحة ، ) إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا ( ، فأما الصالحة ، فهلاكها بالموت ، وأما الصالحة ،
فيأخذها العذاب في الدنيا ، ) كان ذلك ( ، يعنى هلاك الصالحة بالموت ، وعذاب الطالحة
في الدنيا ، ) في الكتاب مسطورا ) [ آية : 58 ] ، يعنى في أم الكتاب مكتوباً ، يعنى اللوح
المحفوظ ، فتموت أو ينزل بها ذلك .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 59 - 60 ] .(2/262)
صفحة رقم 263
الإسراء : ( 59 ) وما منعنا أن . . . . .
) وما منعنا أَن نُرسل بالأيت ( مع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وذلك أن عبد الله بن أبي أمية بن
المغيرة ، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومين ، سألاً للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يريهم الله الآيات
كما فعل بالقرون الأولى ، وسؤالهما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنهما قالا في هذه السورة : ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ( إلى آخر الآيات ، فأنزل الله عز وجل :
( وما منعنا أن نُرسل بالأيتِ ( إلى قومك كما سألوا ، ) إلا أن كذب بها الأولون ( ،
يعنى الأمم الخالية ، فعذبتهم ، ولو جئتهم بآية فردوها وكذبوا بها أهلكناهم ، كما فعلنا
بالقرآن الأولى ، فلذلك أخرنا الآيات عنهم ، ثم قال سبحانه : ( وءاتينا ( ، يعنى
وأعطينا ، ) ثُمود الناقة مُصرةً ( ، يعنى معاينة يبصرونها ، ) فظلموا بها ( ، يعنى فجحدوا
بها أنها ليست من الله عز وجل ، ثم عقروها ، ثم قال عز وجل : ( وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) [ آية : 59 ] للناس ، فإن لم يؤمنوا بها عذبوا في الدنيا .
الإسراء : ( 60 ) وإذ قلنا لك . . . . .
) وإذ ( ، يعنى وقد ) قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ( ، يعنى حين أحاط علمه
بأهل مكة أن يفتحها على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال سبحانه : ( وما جعلنا الرءيا التي أريناك إلا
فتنةً للناس ( ، يعنى الإسراء ليلة أسرى به إلى بيت المقدس ، فكانت لأهل مكة فتنة ، ثم
قال سبحانه : ( والشجرة الملعونة في القرآن ( ، يعنى شجرة الزقوم ، ثم قال سبحانه :
( ويخوفهم ( بها ، يعنى بالنار والزقوم ، ) فما يزيدهم ( التخويف ، ) إلا طغيانا ( ،
يعنى إلا ضلالاً ، ) كبيرا ) [ آية : 60 ] ، يعنى شديداً ، وقال أيضاً في الصفات لقولهم
الزقوم التمر والزبد : ( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) [ الصفات : 64 ، 65 ] ، ولا يشبه طلع النخل .
وذلك أن الله عز وجل ذكر شجرة الزقوم في القرآن ، فقال أبو جهل : يا معشر
قريش ، إن محمد يخوفكم بشجرة الزقوم ، ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر ، ومحمد
يزعم أن النار تنبت الشجرة ، فهل تدورن ما الزقوم ؟ فقال عبد الله بن الزبعري السهمي :
إن الزقوم بلسان بربر : التمر والزبد ، قال أبو الجهل : يا جارية ، ابغنا تمراً ، فجاءته ، فقال
لقريش وهم حوله : تزقموا من هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد ، فأنزل الله تبارك
وتعالى : ( ويُخوفهم فما يزيدهم إِلا طغيناً كبِيراً ( ، يعنى شديداً .(2/263)
صفحة رقم 264
تفسير سورة الإسراء الآية : [ 61 - 64 ] .
الإسراء : ( 61 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( ، منهم إبليس ، ) فسجدوا ( ثم استثنى ،
فقال : ( إلا إِبليس قال ءاسجدُ لمن خلقت طيناً ) [ آية : 61 ] ، وأنا خلقتني من نار ، يقول
ذلك تكبيراً .
الإسراء : ( 62 ) قال أرأيتك هذا . . . . .
ثم ) قال ( إبليس لربه عز وجل : ( أَرءيتك هذا الذي كرمت على ( ، يعنى فضلته
على بالسجود ، يعنى آدم ، أنا ناري وهو طيني ، ) لئن أخرتن ( ، يقول : لئن متعتني
) إلى يوم القيامة لأحتنكن ( ، يعنى لأحتوين ) ذريته ( ذرية آدم ، ) إلا قليلا (
[ آية : 62 ] حتى يطيعوني ، يعنى بالقليل الذي أراد الله عز وجل ، فقال : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) [ الحجر : 42 ] ، يعنى ملكاً .
الإسراء : ( 63 ) قال اذهب فمن . . . . .
ثم ) قال اذهب فمن تبعك منهم ( على دينك ، يعنى من ذرية آدم ، ) فإن جهنم جزاؤكم ( بأعمالكم الخبيثة ، ) جزاء ( ، يعنى الكفر جزاء ، ) موفورا ) [ آية : 63 ] ،
يعنى وافراً لا يفتر عنهم من عذابها شيء .
الإسراء : ( 64 ) واستفزز من استطعت . . . . .
ثم قال سبحانه : ( واستفزز ( ، يقول : واستزل ) من استطعت منهم بصوتك ( ، يعنى
بدعائك ، ) وأجلب ( ، يعنى واستعن ) عليهم بخيلك ( ، يعنى كل راكب يسير في
معصيته ، ) ورجلك ( ، يعنى كل راجل يمشي في معصية الله عز وجل من الجن
والإنس من يطيعك منهم ، ) وشاركهم في الأموال ( ، يقول : زين لهم في الأموال ، يعنى
كل مال حرام ، وما حرموا من الحرث والأنعام ، ) والأولاد ( .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثنا أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك ، عن ابن
عباس ، قال : إن الزنا ، والغضب ، والأولاد ، يعنى كل ولد من حرام ، فهذا كله من طاعة
إبليس وشركته .
ثم قال سبحانه : ( وعدهم ( ، يعنى ومنيهم الغرور ألا بعث ، ) وَما يعدهم(2/264)
صفحة رقم 265
الشيطان إِلا غُروراً ) [ آية : 64 ] ، يعنى باطلاً الذي ليس بشيء .
تفسير سورة الإسراء الآية : [ 65 - 69 ] .
الإسراء : ( 65 ) إن عبادي ليس . . . . .
) إِن عبادي ) ) المخلصين ( ( ليس لك عليهم سُلطانٌ ( ملك في الكفر والشرك أن
تضلهم عن الهدى ، ) وكفى بربك وكيلاً ) [ آية : 65 ] ، يعنى حرزاً ومانعاً ، فلا أحد
أمنع من الله عز وجل ، فلا يخلص إليهم إبليس .
الإسراء : ( 66 ) ربكم الذي يزجي . . . . .
) ربكم الذي يزجي لكم ( ، يعنى يسوق لكم ، ) الفُلكَ في البحر لتبتغواْ من
فضلهِ ) ) الرزق ( ( إِنهُ كانَ بِكم رحيماً ) [ آية : 66 ] .
الإسراء : ( 67 ) وإذا مسكم الضر . . . . .
) وَإذا مسكم الضُر ( ، يقول : إذا أصابكم ) في البحر ضل من تدعونَ ( ، يعنى بطل ،
مثل قوله عز وجل : ( أَضل أعمالهم ) [ محمد : 1 ] ، يعنى أبطل ، من تدعون من الآلهة ،
يعنى تعبدون فلا تدعونهم إنما تدعون الله عز وجل ، فذلك قوله سبحانه : ( إِلا إِياهُ ( ،
يعني نفسه عز وجل ، ) فلما نجاكم ( الرب جل جلاله من البحر ، ) إِلى البر أعرضتم (
عن الدعاء في الرخاء ، فلا تدعون الله عز وجل ، ) وكان الإنسان كفوراً ) [ آية : 67 ]
للنعم حين أنجاه الله تعالى من أهوال البحر إلى البر ، فلم يعبده .
الإسراء : ( 68 ) أفأمنتم أن يخسف . . . . .
ثم خوفهم ، فقال سبحانه : ( أَفأمنتم ( إذا أخرجتم من البحر إلى الساحل ، ) إن
يخسف بكم جانب البر ( ، يعنى ناحية من البر ، ) أَو يُرسل عليكم ) ) في البر ( ( حاصباً ( ، يعنى الحجارة ، ) ثم لا تجدوا لكم وكيلاً ) [ آية : 68 ] ، يقول : ثم لا
تجدوا مانعاً يمنعكم من الله عز وجل .
الإسراء : ( 69 ) أم أمنتم أن . . . . .
ثم قال سبحانه : ( أَم أمنتم أَن يعيدكم فيه ) ) في البحر ( ( تارة أُخرى ( ، يعنى مرة
أخرى ، نظيرها في طه : ( وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى ) [ طه : 55 ] ،
)( فيرسل عليكم قاصفاً ( ، يعنى عاصفاً ، ) من الريح ( ، وهي الشدة ، ) فيغرقكم بما
كفرتم ( النعم حين أنجاكم من الغرق ، ونقضتم العهد وأنتم في البر ، ) ثم لا تجدوا لكُم(2/265)
صفحة رقم 266
علينا به تبيعاً ) [ آية : 69 ] ، يقول : لا تجدوا علينا به تبعة مما أصبناكم به من العذاب .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 70 - 72 ] .
الإسراء : ( 70 ) ولقد كرمنا بني . . . . .
ثم ذكرهم النعم ، فقال سبحانه : ( ولقد كرمنا بني آدم ( ، يقول : فضلناهم على
غيرهم من الحيوان غير الملائكة حين أكلوا وشربوا بأيديهم ، وسائر الطير والدواب
يأكلون بأفواههم ، ثم قال عز وجل : ( وحملناهم في البر ( على الرطب ، يعنى الدواب ،
)( و ) ) حملناهم في ( ( والبحر ( ، على اليابس ، يعنى السفن ، ) ورزقناهم ( من غير
رزق الدواب ، ) من الطيبات وفضلناهم على كَثيرٍ ممن خلقنا ( من الحيوان ،
)( تفضيلاً ) [ آية : 70 ] ، يعنى بالتفضيل أكلهم بأيديهم .
الإسراء : ( 71 ) يوم ندعوا كل . . . . .
) يَوم ندعوا كُل أُناس بإمامهم ( ، يعنى كل أمة بكتابهم الذي عملوا في الدنيا
من الخير والشر ، مثل قوله عز وجل في يس : ( وكل شيءٍ أحصيناهُ في إمام مُبين (
[ يس : 12 ] ، وهو اللوح المحفوظ ، ) فمن أُوتي كتابهُ بيمينه فأولئك يقرءون
كتابهم ( الذي عملوه في الدنيا ، ) ولا يظلمونَ فتيلاً ) [ آية : 71 ] ، يعنى بالفتيل
القشر الذي يكون في شق النواة .
الإسراء : ( 72 ) ومن كان في . . . . .
) ومن كان في هذه ) ) النعم ( ( أَعمى ( ، يعنى الكافر ، عمى عنها وهو معاينها ، فلم
يعرف أنها من الله عز وجل ، فيشكو ربها ، فيعرفه فيوحده تبارك وتعالى ، ) فَهُوَ في
الآخرة أَعمى ( ، يقول : فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة من البعث والحساب والجنة
والنار أعمى ، ) وأَضل سَبيلاً ) [ آية : 72 ] ، يعنى وأخطأ طريقاً .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 73 - 75 ] .
الإسراء : ( 73 ) وإن كادوا ليفتنونك . . . . .
) وَإن كادوا ليفتنونك ( ، يعنى ثقيفاً ، يقول : وقد كادوا أن يفتنوك ، يعنى قد هموا(2/266)
صفحة رقم 267
أن يصدوك ، ) عن الذي أوحينا إليك ( ، كقوله سبحانه في المائدة : ( واحذرهم أن يفتنوك ( ، يعنى يصدوك ، ) عن بعض ما أنزل الله إليك ) [ المائدة : 49 ] ، وذلك أن
ثقيفاً أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : نحن إخوانك ، وأصهارك ، وجيرانك ، ونحن خير أهل نجد لك
سلماً ، وأضره عليك حرباً ، فإن نسلم تسلم نجد كلها ، وإن نحاربك يحاربك من وراءنا ،
فأعطنا الذي نريد ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' وما تريدون ؟ ' ، قالوا نسلم على ألا تجش ، ولا
نعش ، ولا نحني ، يقولون : على ألا نصلي ، ولا نكسر أصناماً بأيدينا ، وكل رباً لنا على
الناس فهو لنا ، وكل رباً للناس فهو عنا موضوع ، ومن وجدناه في وادي وج يقطع
شجرها انتزعنا عنه ثيابه ، وضربنا ظهره وبطنه ، وحرمته كحرمة مكة ، وصيده وطيره
وشجره ، وتستعمل على بني مالك رجلاً ، وعلى الأحلاف رجلاً ، وأن تمتعنا باللات
والعزى سنة ولا نكسرها بأيدينا من غير أن نعبدها ؛ ليعرف الناس كرامتنا عليك وفضلنا
عليهم .
فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' أما قولكم : لا تجشي ، ولا نعشي ، والربا ، فلكم ، وأما
قولكم : لا نحني ، فإنه لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود ' ، قالوا : نفعل ذلك ،
وإن كان علينا فيه دناءة ، ' وأما قولكم : لا نكسر أصنامنا بأيدينا ، فإنا سنأمر من يكسرها
غيركم ' ، ثم سكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : تمتعنا باللات سنة ، فأعرض عنهم ، وجعل يكره
أن يقول : لا ، فيأبون الإسلام ، فقالت ثقيف للنبي [ ( صلى الله عليه وسلم ) ] : إن كان بك ملامة العرب في
كسر أصنامهم وترك أصنامنا ، فقل لهم : إن ربي أمرني أن أقر اللات بأرضهم سنة .
فقال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، عند ذلك : أحرقتم قلب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذكر
اللات ، أحرق الله أكبادكم ، لا ، ولا ونعمة ، غير أن الله عز وجل لا يدع الشرك في
أرض يعبد الله تعالى فيها ، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس ، وإما أن تلحقوا بأرضكم ،
فأنزل الله عز وجل : ( وإن كادوا ليفتنونك ( ، يقول : وإن كادوا ليصدونك ، ) عن الذي أوحينا إليك ( ) لتفتري علينا غيره ( ، يقول سبحانه : لتقول علينا غيره ما لم
نقل ؛ لقولهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : قل إن الله أمرني أن أقرها ، ) وإذا لاتخذوك خليلا ) [ آية :
73 ] ، يعنى محباً ، نظيرها في الفرقان : ( فلانا خليلا ) [ الفرقان : 28 ] ، يعنى محباً ،
لطواعيتكم إياهم على ما أرادوك عليه إذاً لأحبوك .
الإسراء : ( 74 ) ولولا أن ثبتناك . . . . .
) ولولا أن ثبتناك ( يا محمد بالسكوت ، فأمرت بكسر الآلهة ، إذاً لركنت إلى
المعصية ، ) لقد كدت تركن ( ، تقول : لقد هممت سويعة أن تميل ، ) إِليهم شيئاً(2/267)
صفحة رقم 268
قَليلاً ) [ آية : 74 ] ، يعنى أمراً يسيراً ، يقول : لقد هممت سويعة ، كقوله : ( فتتولى
بركنه ) [ الذاريات : 39 ] ، يعنى بميله أمراً يسيراً .
الإسراء : ( 75 ) إذا لأذقناك ضعف . . . . .
يقول : لقد هممت سويعة أن تميل إليهم ، ولو أطعتهم فيما سألوك ، ) إِذا
لأذقناكَ ( العذاب في الدنيا والآخرة ، فذلك قوله سبحانه : ( إِذا لأذقناكَ ) ) ( ( ضِعف الحيوة وضعف الممات ( ، يقول سبحانه : إذاً لأذقناك ضعف العذاب في الدنيا
في حياتك ، وفي مماتك بعد ، ) ثم لا تجد لك علينا نصيراً ) [ آية : 75 ] ، يعنى مانعاً
يمنعك منا .
تفسير سورة الإسراء من الآية [ 76 - 77 ]
الإسراء : ( 76 ) وإن كادوا ليستفزونك . . . . .
) وَإِن ( ، يعنى وقد ) كَادوا ليستفزونك ( ، يعنى ليستزلونك ) من الأرض ( ،
يعنى أرض المدينة ، نزلت في حيي بن أخطب واليهود ، وذلك أنهم كرهوا قدوم النبي
( صلى الله عليه وسلم ) المدينة وحسدوه ، وقالوا : يا محمد ، إنك لتعلم أن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء ،
إنما أرض الأنبياء والرسل أرض المحشر أرض الشام ، ومتى رأيت الله بعث الأنبياء في
أرض تهامة ، فإن كنت نبياً ، فأخرج إليها ، فإنما يمنعك منها مخافة أن يغلبك الروم ، فإن
كنت نبياً ، فسيمنعك الله كما منع الأنبياء قبلك ، فخرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) متوجهاً إلى الشام ،
فعسكر على رأس ثلاثة أميال بذي الحليفة لتنضم إليه أصحابه ، فأتاه جبريل ، عليه
السلام ، بهذه الآية : ( كَادوا ليستفزونك من الأرض ( ) ليُخرجوك منها وإذا لا
يلبثون خلافك إلا قليلاً ) [ آية : 76 ] ، يقول سبحانه : لو فعلوا ذلك لم ينظروا من
بعدك إلا يسيراً حتى يعذبوا في الدنيا .
الإسراء : ( 77 ) سنة من قد . . . . .
فرجع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) سُنة من قد أرسلنا قبلك من رُسلنا ( ، يقول الله سبحانه :
كذلك سنة الله عز وجل في أهل المعاصي ، يعنى الأمم الخالية إن كذبوا رسلهم أن
يعذبوا ، ) ولا تجد لسُنتنا تحويلاً ) [ آية : 77 ] ، إن قوله حق في أمر العذاب ، يقول :
السنة واحدة فيما مضى وفيما بقى .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 78 - 82 ] .(2/268)
صفحة رقم 269
الإسراء : ( 78 ) أقم الصلاة لدلوك . . . . .
) أقم الصلاة لدلوك الشمس ( ، يعنى إذا زالت الشمس عن بطن السماء ، يعنى عند
صلاة الأولى والعصر ، ) إلى غسق الليل ( ، يعنى ظلمة الليل إذا ذهب الشفق ، يعنى صلاة
المغرب والعشاء ، ) وقرءان الفجر ( ، يعنى قرآن صلاة الغداة ، ) إن قرءان الفجر كان
مشهوداً ) [ آية : 78 ] ، تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، جميع صلاة الخمس في هذه
الآية كلها .
الإسراء : ( 79 ) ومن الليل فتهجد . . . . .
ثم قال عز وجل : ( ومن اليل فتهجد به نافلة لك ( ، بعد المغفرة ؛ لأنه الله عز وجل
قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأجر ، فما كان من عمل فهو نافلة ، مثل قوله سبحانه :
( ووهبنا له إسحاق ( ، حين سأل الولد ، ) ويعقوب نافلة ) [ الأنبياء : 72 ] ، يعنى
فضلاً على مسألته ، ) عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) [ آية : 79 ] ، يعنى مقام
الشفاعة في أصحاب الأعراف يحمده الخلق كلهم ، والعسى من الله عز وجل واجب .
الإسراء : ( 80 ) وقل رب أدخلني . . . . .
فرجع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقال له جبريل ، عليه السلام : ( وقل رب أدخلني ( المدينة ، ) مدخل صدق ( ، يعنى آمناً على رغم أنف اليهود ، ) وأخرجني ( من المدينة إلى مكة ، ) مخرج صدق ( ، يعنى آمنا على رغم أنف كفار مكة ظاهراً عليهم ، ) واجعل لي من لدنك ( ،
يعنى من عندك ، ) سلطنا نصيراً ) [ آية : 80 ] ، يعنى النصر على أهل مكة ، ففعل الله
تعالى ذلك به ، فافتتحها .
الإسراء : ( 81 ) وقل جاء الحق . . . . .
فلما افتتحها رأى ثلاثمائة وستين صنما حول الكعبة ، وأساف ونائلة أحدهما عند
الركن ، والآخر عند الحجر الأسود ، وفي يدي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قضيب ، فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم )
يضرب رءوسهم ويقول : ( وقل جاء الحق ( ، يعنى الإسلام ، ) وزهق البطل ( ، يعنى
وذهب عبادة الشيطان ، يعنى الأوثان ، ) إن الباطل ( ، يعنى إن عبادة الشيطان ، يعنى
عبادة الأصنام ، ) كان زهوقا ) [ آية : 81 ] ، يعنى ذاهباً ، مثل قوله سبحانه : ( فإذا هو زاهق ) [ الأنبياء : 18 ] ، يعنى ذاهب .
الإسراء : ( 82 ) وننزل من القرآن . . . . .
) ونزل من القرءان ما هو شفاءٌ ( للقلوب ، يعنى بياناً للحلال والحرام ، ) ورحمة (
من العذاب لمن آمن بالقرآن ، قوله سبحانه : ( ورحمة ( ) للمؤمنين ولا يزيد ( القرآن(2/269)
صفحة رقم 270
) الظالمين إلا خسارا ) [ آية : 82 ] ، يعنى خسراناً .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 83 - 84 ] .
الإسراء : ( 83 ) وإذا أنعمنا على . . . . .
) وإذا أنعمنا على الإنسان ( ، يعنى الكافر بالخير ، يعنى الرزق ، ) أعرض ( عن الدعاء ،
)( وئا بجانبه ( ، يقول : وتباعد بجانبه ، ) وإذا مسه الشر ( ، يعنى وإذا أصابه الفقر ،
)( كان يُئوساً ) [ آية : 83 ] ، يعنى آيساً من الخير .
الإسراء : ( 84 ) قل كل يعمل . . . . .
) قل كل يعمل على شاكلته ( ، المحسن والمسيء على شاكلته ، على جديلته التي هو
عليها ، ) فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا ) [ آية : 84 ] .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 85 - 87 ] .
الإسراء : ( 85 ) ويسألونك عن الروح . . . . .
) ويسئلونك عن الروح ( ، نزلت في أبي جهل وأصحابه ، ) قل الروح من أمر ربي ( ، وهو ملك عظيم على صورة إنسان أعظم من كل مخلوق غير العرض ، فهو حافظ
على الملائكة ، وجهه كوجه الإنسان ، ثم قال سبحانه : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (
[ آية : 85 ] ، عند كثيراً عندكم ، وذلك أن اليهود قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إن في التوراة علم كل
شيء ، وقال الله تبارك وتعالى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : قل لليهود : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( ،
عندي كثيراً عندكم ، وعلم التوراة عندكم كثير .
فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : من قال هذا ؟ فوالله ما قاله لك إلا عدو لنا ، يعنون جبريل ، عليه
السلام ، ثم قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : خاصة لنا إنا لم نؤت من العلم إلا قيلاً ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
' بل الناس كلهما عامة ' ، فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ولا أنت ولا أصحابك ؟ فقال : ' نعم ' ،
فقالوا : كيف تجمع بين هاتين ؟ تزعم أنك أوتيت الحكمة ، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي
خيراً كثيراً ، وتزعم أنك لم تؤت من العلم إلا قليلاً ، فنزلت : ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ) [ لقمان : 27 ] إلى آخر الآية ، نزلت : ( قل لو كان البحر مدادا ) [ الكهف : 109 ] إلى آخر الآية :
الإسراء : ( 86 ) ولئن شئنا لنذهبن . . . . .
ثم قال سبحانه : ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ( من القرآن ، وذلك حين(2/270)
صفحة رقم 271
دعى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى دين آبائه ، ) ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ) [ آية : 86 ] ، يعنى
مانعاً يمنعك منا .
الإسراء : ( 87 ) إلا رحمة من . . . . .
فاستثنى عز وجل : ( إلا رحمة من ربك ( ، يعنى القرآن كان رحمة من ربك
اختصك بها ، ) إن فضله كان عليك كبيرا ) [ آية : 87 ] ، يعنى عظيماً حين اختصك
بذلك .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 88 - 96 ] .
الإسراء : ( 88 ) قل لئن اجتمعت . . . . .
) قل لئن اجتمعت الإنس والجن ( ، وذلك أن الله عز وجل أنزل في سورة هود :
( قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) [ هود : 13 ] ، فلم يطيقوا ذلك ، فقال الله تبارك
وتعالى لهم في سورة يونس : ( فأتوا بسورة ) [ يونس : 38 ] واحدة مثله ، فلم يطيقوا
ذلك ، وأخبر الله تبارك وتعالى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن ( ، فعان
بعضهم بعضاً ، ) على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ( ، يقول : لا يقدرون على
أن يأتوا بمثله ، ) ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) [ آية : 88 ] ، يعنى معيناً
الإسراء : ( 89 ) ولقد صرفنا للناس . . . . .
) ولقد صرفنا للناس ( ، يعنى ضربنا ، ) في هذا القرآن من كل مثل ( ، يعنى من كل
شبه في أمور شتى ، ) فأبى أكثر الناس إلا كفورا ) [ آية : 89 ] ، يعنى إلا كفراً
بالقرآن .
الإسراء : ( 90 ) وقالوا لن نؤمن . . . . .
) وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) [ آية : 90 ] ، يعنى من أرض
مكة ينبوعاً ، يعنى عيناً تجري ، وذلك أن أبا جهل قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : سير لنا الجبال ، أو(2/271)
صفحة رقم 272
ابعث لنا الموتى فنكلمهم ، أو سخر لنا الريح ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا أطيق ذلك ، فقال
عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، وهو ابن عم أبي جهل ، والحارث بن هشام ،
وهما ابنا عم ، فقالا : يا محمد ، إن كنت لست فاعلاً لقومك شيئاً مما سألوك ، فأرنا
كرامتك على الله بأمر تعرفه ، فجر لبني أبيك ينبوعاً بمكة مكان زمزم ، فقد شق علينا
الميح .
الإسراء : ( 91 ) أو تكون لك . . . . .
) أو تكون لك جنة ( ، يعنى بستاناً ، ) من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ) [ آية : 91 ] ، يقول : تجري العيون في وسط النخيل ، والأعناب ، والشجر .
الإسراء : ( 92 ) أو تسقط السماء . . . . .
) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) [ آية :
92 ] .
الإسراء : ( 93 ) أو يكون لك . . . . .
) أو يكون لك بيت من زخرف ( ، يعنى من ذهب ، فإن لم تستطع شيئاً من هذا ،
فأسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً ، يعنى جانباً من السماء ، كما زعمت في سورة
سبأ : ( إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا ( ، يعنى جانباً ، ) من السماء ) [ سبأ : 9 ] .
ثم قال : والذي يحلف به عبد الله ، لا أصدقك ولا أؤمن بك حتى تسند سلماً ، فترقى
فيها إلى السماء ، وأنا أنظر إليك ، فتأتي بكتاب من عند الله عز وجل بأنك رسوله ، أو
يأمرنا باتباعك ، وتجيء الملائكة يشهدون أن الله كتبه ، ثم قال : والله ما أدري إن فعلت
ذلك أؤمن بك أم لا ، فذلك قوله سبحانه : ( أو تأتي بالله ( ، معاينة ، فيخبرنا أنك نبي
رسول ، أو تأتي بالملائكة قبيلاً ، يعنى كفيلاً ، يشهدون بأنك رسول الله عز وجل .
فذلك قوله : ( أَو ترقى في السماءِ ولن نُؤمن لِرٌ قيكَ حتى تُنزلَ علينا ( ، يعنى من السماء ،
)( كتابا نقرؤه ( من الله عز وجل بأنك رسوله خاصة ، فأنزل الله تعالى ، ) قل ( لكفار
مكة ) سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ) [ آية : 93 ] ، نزه نفسه جل جلاله عن
تكذيبهم إياه لقولهم لم يبعث محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) رسولاً ، يقول : ما أنا إلا رسول من البشر .
الإسراء : ( 94 ) وما منع الناس . . . . .
) وما منع الناس ( ، يعنى رءوس كفار مكة ، ) أن يؤمنوا ( ، يعنى أن يصدقوا
بالقرآن ، ) إذ جاءهم الهدى ( ، يعنى البيان ، وهو القرآن ؛ لأن القرآن هدى من الضلالة ،
)( إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ) [ آية : 94 ] ، نزلت في المستهزئين والمطعمين ببدر .(2/272)
صفحة رقم 273
فأنزل الله تبارك وتعالى :
الإسراء : ( 95 ) قل لو كان . . . . .
) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ( ،
يعنى مقيمين بها ، مثل قوله سبحانه في النساء : ( فإذا اطمأنتم ( ، يقول : فإذا أقمتم
) فأقيموا الصلاة ) [ النساء : 103 ] ، ) لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا (
[ آية : 95 ] .
الإسراء : ( 96 ) قل كفى بالله . . . . .
) قُل كفى بِالله شهيداً بيني وبينكم ( ، يقول : فلا أحد أفضل من الله شاهداً
بأني رسول الله إليكم ، ) إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ) [ آية : 69 ] ، حين اختص محمداً
( صلى الله عليه وسلم ) بالرسالة .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 97 - 98 ] .
الإسراء : ( 97 ) ومن يهد الله . . . . .
) ومن يهد الله ( لدينه ، ) فهو المهتد ومن يضلل ( عن دينه ، ) فلن تجد لهم أولياء من دونه ( ، يعنى أصحاباً من دون الله يهدونهم إلى الإسلام من الضلالة ، ) ونحشرهم يوم القيامة ( بعد الحساب ، ) على وجوههم ( ، قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : كيف يمشون على
وجوههم ؟ قال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' من أمشاهم على أقدامهم ؟ ' ، قالوا : الله أمشاهم ، قال
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' فإن الذي أمشاهم على أقدامهم هو الذي يمشيهم على وجوههم .
ثم قال سبحانه : ( عميا وبكما وصما ( ، وذلك إذا قيل لهم : ( اخسؤوا فيها ولا تكلمون ) [ المؤمنون : 108 ] ، فصاروا فيها عمياً لا يبصرون أبداً ، وصماً لا يسمعون
أبداً ، ثم قال : ( مأواهم ( ، يعنى مصيرهم ) جهنم ( ، قوله سبحانه : ( كلما خبت ( ، وذلك إذا أكلتهم النار ، فلم يبق منهم غير العظام ، وصاروا فحماً ، سكنت
النار ، هو الخبت ، ) زِرناهُم سعيراً ) [ آية : 97 ] ، وذلك أن النار إذا أكلتهم بدلوا
جلوداً غيرها جدداً في النار ، فتسعر عليهم ، فذلك قوله سبحانه : ( زدناهم سعيرا ( ،
يعنى وقوداً فهذا أمرهم أبداً .
الإسراء : ( 98 ) ذلك جزاؤهم بأنهم . . . . .
و ) ذلك ( العذاب والنار ، ) جزاؤهم بأَنهم كفروا بئايتنا ( ، يعنى بآيات القرآن ،
)( وَقالوا أَءذا كُنا عظاماً ورفاتاً ( ، يعنى تراباً ، ) أَءنا لمبعوثونَ خلقاً جديداً ) [ آية : 98 ] ،
يعنون البعث سيرة الخلق الأول ، منهم أبي بن خلف ، وأبو الأشدين ، يقول الله :(2/273)
صفحة رقم 274
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 99 - 100 ] .
الإسراء : ( 99 ) أولم يروا أن . . . . .
) أولم يروا ( ، يقول : أو لم يعلموا ، ) أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ( ، يعنى مثل خلقهم في الآخرة ، يقول : لأنهم مقرون بأن الله
خلقهم ، ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [ لقمان : 25 ] ،
ولا يقدرون أن يقولوا غير ذلك ، وهم مع ذلك يعبدون غير الله عز وجل كما خلقهم في
الدنيا .
فخلق السماوات والأرض أعظم وأكبر من خلق الإنسان ؛ لأنهم مقرون بأن الله
خلقهم وخلق السماوات والأرض ، ) وجعل لهم أجلا ( مسمى يبعثون فيه ، ) لا ريب فيه ( ، يعنى لا شك فيه في البعث أنه كائن ، ) فأبى الظالمون إلا كفورا ) [ آية : 99 ] ،
يعنى إلا كفراً بالبعث ، يعنى مشركي مكة .
الإسراء : ( 100 ) قل لو أنتم . . . . .
) قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ( ، يعنى مفاتيح الرزق ، يعنى مقاليد
السموات ، يقول : لو كان الرزق بأيديكم وكنتم تقسمونه ، ) إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ( ، لأمسكتموه مخافة الفقر والفاقة ، ) وكان الإنسان ( ، يعنى الكافر ، ) قتورا (
[ آية : 100 ] ، يعنى بخيلاً ممسكاً عن نفسه .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 100 - 102 ]
الإسراء : ( 101 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد ءاتينا ( ، يعنى أعطينا ) مُوسى تسع ءايت بيناتٍ ( ، يعنى واضحات : اليد ،
والعصا بالأرض المقدسة ، وسبع آيات بأرض مصر : الطوفان ، والجراد ، والقمل ،
والضفادع ، والدم ، والسنين ، والطمس على الدنانير والدراهم ، أولها العصا ، وآخرها
الطمس ، ) فَسئل بني إسرائيل ( عن ذلك ، ) إذ جاءهم ( موسى بالهدى ، ) فقال له فرعون إني لأظنك ( ، يقول : إني لأحسبك ، ) يا موسى مسحورا ) [ آية : 101 ] ، يعنى
مغلوباً على عقله .(2/274)
صفحة رقم 275
الإسراء : ( 102 ) قال لقد علمت . . . . .
) قال ( موسى لفرعون : ( لقد علمت ( يا فرعون ، ) ما أنزل هؤلاء (
هؤلاء الآيات التسع ، ) إلا رب السماوات والأرض بصائر ( ، يعنى تبصرة وتذكرة ، ولن يقدر
أحد على أن يأتي أحد بآية واحدة مثل هذه ، ) وإني لأظنك ( ، يعني لأحسبك ،
)( يا فرعون مثبورا ) [ آية : 102 ] ، يعنى ملعوناً ، اسمه : فيطوس .
الإسراء : ( 103 ) فأراد أن يستفزهم . . . . .
) فأراد أن يستفزهم من الأرض ( ، يعنى أن يخرجهم من أرض مصر ، مثل قوله
سبحانه : ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها ) [ الإسراء : 76 ] ،
يعنى أرض المدينة ، ) فأغرقناه ومن معه جميعا ) [ آية : 103 ] من الجنود .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 104 - 106 ] .
الإسراء : ( 104 ) وقلنا من بعده . . . . .
) وقلنا من بعده ( ، يعنى من بعد فرعون ، ) لبني إسرائيل ( ، وهم سبعون ألفاً من
وراء نهر الصين معهم التوراة : ( اسكنوا الأرض ( ، وذلك من بعد موسى ، ومن بعد
يوشع بن نون ، ) فإذا جاء وعد الآخرة ( ، يعنى ميقات الآخرة ، يعنى يوم القيامة ، ) جئنا بكم ( وبقوم موسى ، ) لفيفا ) [ آية : 104 ] ، يعنى جميعاً .
فهم وراء الصين ، فساروا من بيت المقدس في سنة ونصف سنة ، ستة آلاف فرسخ ،
وبينهم وبين الناس نهر من رمل يجري ، اسمه : أردف ، يجمد كل سبت ، وذلك أن بني
إسرائيل قتلوا الأنبياء ، وعبدوا الأوثان ، فقال المؤمنون منهم : اللهم فرق بيننا وبينهم ،
فضرب الله عز وجل سرباً في الأرض من بيت المقدس إلى وراء الصين ، فجعلوا يسيرون
فيه ، يفتح أمامهم ويسد خلفهم ، وجعل لهم عموداً من نار ، فأنزل الله عز وجل عليهم
المن والسلوى ، كل ذلك في المسير ، وهم الذين ذكرهم الله عز وجل في الأعراف :
( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ الأعراف : 150 ] .
فلما أسرى بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) تلك الليلة ، أتاهم فعلمهم الأذان ، والصلاة ، وسوراً من القرآن ،
فأسلموا ، فهم القوم المؤمنون ، ليست لهم ذنوب ، وهم يجامعون نساءهم بالليل ، وأتاهم
جبريل ، عليه السلام ، مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فسلموا عليه قبل أن يسلم عليهم ، فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
لولا الخطايا التي في أمتك لصافحتهم الملائكة .
الإسراء : ( 105 ) وبالحق أنزلناه وبالحق . . . . .
) وبالحق أنزلناه ( ، لما كذب كفار مكة ، يقول الله تبارك وتعالى : ( وبالحق أنزلناه ( ،(2/275)
صفحة رقم 276
من اللوح المحفوظ ، يعنى القرآن على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) وبالحق نزل ( به جبريل ، عليه السلام ،
لم ينزله باطلاً لغير شيء ، ) وما أرسلناك إلا مبشرا ( بالجنة ، ) ونذيرا ) [ آية : 105 ] من
النار .
الإسراء : ( 106 ) وقرآنا فرقناه لتقرأه . . . . .
) وَقُرءاناً فرقناهُ ( ، يعنى قطعناه ، يعنى فرقناه بين أوله وآخره ، عشرون سنة تترى ، لم
ننزله جملة واحدة ، مثلها في الفرقان : ( لولا نزل عليه القرآن جملة ) [ الفرقان : 32 ] ) ل ( كي ) لتقرأه على الناس على مكث ( ، يعنى على ترتيل للحفظة ، ) ونزلناه تنزيلا ) [ آية : 106 ] في ترسل آيات ، ثم بعد آيات ، يعنى القرآن .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 107 - 109 ] .
الإسراء : ( 107 ) قل آمنوا به . . . . .
) قل ( لكفار مكة : ( ءامنوا بِهِ ( ، يعنى القرآن ، ) أو لا تؤمنوا ( ، يقول : صدقوا
بالقرآن أو لا تصدقوا به ، ) إن الذين أوتوا العلم ( بالتوراة ) من قبله ( ، يعنى من قبل
هذا القرآن ، ) إذا يتلى عليهم ( ، يعنى القرآن ، يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه ،
)( يخرون للأذقان ( ، يعنى يقعون لوجوههم ) سجدا ) [ آية : 107 ] .
الإسراء : ( 108 ) ويقولون سبحان ربنا . . . . .
) ويقولون سبحان ربنا ( ، الذي أنزله ، يعنى القرآن أنه من الله عز وجل ، ) إن كان ( ،
يعنى لقد كان ، ) وعد ربنا ( في التوراة ، ) لمفعولا ) [ آية : 108 ] أنهُ منزله على محمد
( صلى الله عليه وسلم ) ، فكان فاعلاً .
الإسراء : ( 109 ) ويخرون للأذقان يبكون . . . . .
) ويخرون ( يعنى ويقعون ، ) للأذقان ( لوجوههم سجداً ، ) يبكون ويزيدهم خشوعا ) [ آية : 109 ] ، يقول : يزيدهم القرآن تواضعاً ، لما في القرآن من الوعد والوعيد .
تفسير سورة الإسراء من الآية : [ 110 - 111 ] .
الإسراء : ( 110 ) قل ادعوا الله . . . . .
) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ( ، وذلك أن رجلاً من المسلمين دعا الله عز وجل ،(2/276)
صفحة رقم 277
ودعا الرحمن في صلاته ، فقال أبو جهل بن هشام : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم
يعبدون رباً واحداً ، فما بال هذا يدعو ربين اثنين ، أولستم تعلمون أن الله اسم ، والرحمن
اسم ، قالوا : بلى ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ( .
فدعا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الرجل ، فقال : ' يا فُلان ، ادع الله ، أو ادع الرحمن ، ورغم لآناف
المشركين ' ، ) أيا ما تدعوا ( ، يقول : فأيهما تدعو ، ) فله الأسماء الحسنى ( ، يعنى
الأسماء الحسنى التي في آخر الحشر ، وسائر ما في القرآن ، ) ولا تجهر بصلاتك ( ، وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان بمكة يصلي إلى جانب دار أبي سفيان عند الصفا ، فجهر بالقرآن في
صلاة الغداة ، فقال أبو جهل : لم تفتري على الله ، فإذا سمع ذلك منه خفض صوته ، فلا
يسمع أصحابه القرآن ، فقال أبو جهل : ألم تروا يا معشر قريش ما فعلت بابن أبي كبشة
حتى خفض صوته ، فأنزل الله تعالى ذكره : ( ولا تجهر بصلاتك ( ، يعنى بقراءتك في
صلاتك ، فيسمع المشركين فيوءذوك ، ) ولا تخافت بها ( ، يقول : ولا تسر بها ، يعنى
بالقرآن ، فلا يسمع أصحابك ، ) واتبع بَينَ ذلك سَبيلاً ) [ آية : 110 ] ، يعنى مسلكاً ،
يعنى بين الخفض والرفع .
الإسراء : ( 111 ) وقل الحمد لله . . . . .
) وقل الحمد لله ( ، وذلكَ أن اليهود قالوا : عزير ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح
ابن الله ، وقالت العرب : إن الله عز وجل شريكاً من الملائكة ، فأكذبهم الله عز وجل فيها ،
فنزه نفسه تبارك وتعالى مما قالوا ، فأنزل الله جل جلاله : ( وقل الحمد لله ( ، الذي علمك
هذه الآية ، ) الذي لم يتخذ ولدا ( ، عزيراً وعيسى ، ) ولم يكن له شريك ( من الملائكة ،
)( في الملك ولم يكن له ولي ( ، يعنى صاحباً ينتصر به ، ) من الذل ( ، كما يلتمس الناس
النصر ، إن فاجأهم أمر يكرهونه ، ) وكبره تكبيرا ) [ آية : 111 ] ، يقول : وعظمه يا محمد
تعظيماً ، فإنه من قال : إن لله عز وجل ولداً ، أو شريكاً ، لم يعظمه ، يقول : نزهه عن هذه
الخصال التي قالت النصارى ، واليهود ، والعرب .(2/277)
صفحة رقم 278
( سورة الكهف )
مقدمة
( مكية كلها ) 1 ( وفيها من المدني قوله تعالى من أولها ، إلى قوله : ( 1 ( ) أحسن عملا ) [ آية : 1 - 7 ] ) 1 ( عددها مائة وعشر آيات )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة الكهف الآية : [ 1 - 5 ] .
الكهف : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . .
) الحمد لله ( ، وذلك أَن اليهود قالوا : يزعم محمد أنه لا ينزل عليه الكتاب مختلفاً ،
فإن كان صادقاً بأنه من الله عز وجل ، فلما يأت به مختلفاً ، فإن التوراة نزلت كل فصل
على ناحية ، فأنزل الله في قولهم : ( الحمد لله ( ) الذي أنزل على عبده الكتاب ( ، يعنى
القرآن ، ) ولم يجعل له عوجا ) [ آية : 1 ] ، يعنى مختلفاً .
الكهف : ( 2 ) قيما لينذر بأسا . . . . .
أنزله ) قيما ( مستقيماً ، ) لينذر ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بما في القرآن ، ) بأسا ( ، يعنى
عذاباً ، ) شديدا من لدنه ( ، يعنى من عنده ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لليهود : ' أدعوكم إلى الله
عز وجل ، وأنذركم بأسه ، فإن تتوبوا يكفر عنكم سيئاتكم ، ويؤتكم أجوركم مرتين ' ،
فقال كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد ، وحيي بن أخطب ، وفنحاص اليهودي ، ومن
أهل قينقاع : أليس عزير ولد الله ، فأدعوه ولداً لله ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' أعوذ بالله أن أدعو
لله تبارك وتعالى ولداً ، ولكن عزير عبد الله داخر ' ، يعنى صاغراً ، قالوا : فإنا نجده في
كتابنا وحدثتنا به آباؤنا ، فاعتزلهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حزيناً ، فقال أبو بكر ، وعمر ، وعثمان بن
مظعون ، وزيد بن حارثة ، رضي الله عنهم ، للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : لا يحزنك قولهم وكفرهم ، إن الله
معنا ، فأنزل الله عز وجل : ( ويبشر المؤمنين ( بثواب ما في القرآن ، يعنى هؤلاء النفر ،(2/278)
صفحة رقم 279
) الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ) [ آية : 2 ] ، يعنى جزاء كريماً ، يعنى
الجنة .
الكهف : ( 3 ) ماكثين فيه أبدا
) ماكثين فيه ( ، يعنى الجزاء في الجنة ، يقول : مقيمين فيها ، ) أبدا ) [ آية : 3 ] .
الكهف : ( 4 ) وينذر الذين قالوا . . . . .
ثم ذكر اليهود ، فقال : ( وينذر ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) الذين قالوا اتخذ الله ولدا (
[ آية : 4 ] ، يعنون عزيراً .
الكهف : ( 5 ) ما لهم به . . . . .
يقول الله تبارك وتعالى : ( ما لهم به من علم ولا لآبائهم ( ، لقولهم : نجده في كتابنا ،
وحدثتنا به آباؤنا ، قال الله تعالى : ( كبرت ( ، يعنى عظمت ، ) كلمة تخرج من أفواههم إن ( ، يعنى ما ) يقولون إلا كذبا ) [ آية : 5 ] ؛ لقولهم : عزير ابن الله عز
وجل .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 7 - 8 ] .
الكهف : ( 6 ) فلعلك باخع نفسك . . . . .
ثم قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين أحزنه قولهم ، قال سبحانه : ( فلعلك ( ، يعنى فعساك ،
)( باخع نفسك علىءاثارهم ( ، يعنى قاتلاً نفسك على آثارهم ، يعنى عليهم أسفاً ، يعنى
حزناً ، نظيرها في الشعراء : ( لعلك باخع نفسك ) [ الشعراء : 3 ] ، يقول : قاتل نفسك
حزناً ، في التقديم ، ) إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ( ، يعنى لم يصدقوا بالقرآن ، ) أسفا (
[ آية : 6 ] .
الكهف : ( 7 ) إنا جعلنا ما . . . . .
) إنا جعلنا ما على الأرض ( من النبت عاماً بعام ، ) زينة لها لنبلوهم ( ، يعنى
لنختبرهم ، ) أيهم أحسن عملا ) [ آية : 7 ] .
الكهف : ( 8 ) وإنا لجاعلون ما . . . . .
) وإنا لجاعلون ( في الآخرة ، ) ما عليها ( ، يعنى ما على الأرض من شيء ،
)( صعيدا ( ، يعنى مستوياً ، ) جرزا ) [ آية : 8 ] ، يعنى ملساء ليس عليها جبل ، ولا
نبت ، كما خلقت أول مرة .(2/279)
صفحة رقم 280
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 9 - 12 ] .
الكهف : ( 9 ) أم حسبت أن . . . . .
) أم حسبت أن أصحاب الكهف ( ، والكهف ثقب يكون في الجبل كهيئة الغار ،
واسمه : بانجلوس ، ) والرقيم ( ، كتاب كتيه رجلان قاضيان صالحان ، أحدهما ماتوس ،
والآخر أسطوس ، كانا يكتمان إيمانهما ، وكانا في منزل دقيوس الجبار ، وهو الملك الذي
فر منه الفتية ، وكتبا أمر الفتية في لوح من رصاص ، ثم جعلاهُ في تابوت من نحاس ، ثم
جعلاهُ في البناء الذي سدوا به باب الكهف ، فقال : لعل الله عز وجل أن يطلع على
هؤلاء الفتية ؛ ليعلموا إذا قرأوا الكتاب ، قال سبحانه : ( كانوا من ءاياتنا عجباً ) [ آية :
9 ] .
يقول سبحانه : أوحينا إليك من أمر الأمم الخالية ، وعلمناك من أمر الخلق ، وأمر ما
كان ، وأمر ما يكون قبل أصحاب الكهف ، فهو أعجب من أصحاب الكهف ، وليس
أصحاب الكهف بأعجب مما أوحينا إليك ، ) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم ( يعنى بالرقيم الكتاب الذي كتبه القاضيان ، مثل قوله عز وجل : ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ) [ المطففين : 7 - 9 ] ، يعنى كتاب
مكتوب ، ) كانوا من ءاياتنا عجباً ( ، يخبره به .
وذلك أن أبا جهل قال لقريش : ابعثوا نفراً منكم إلى يهود يثرب ، فيسألونهم عن
صاحبكم أنبي هو أم كذاب ؟ فإنا نرى أن ننصرف عنه ، فبعثوا خمسة نفر ، منهم : النضر
بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط ، فلما قدموا المدينة ، قالوا لليهود : أتيناكم لأمر حدث
فينا لا يزداد إلا نماء ، وإنا له كارهون ، وقد خفنا أن يفسد علينا ديننا ، ويلبس علينا
أمرنا ، وهو حقير فقير يتيم ، يدعو إلى الرحمن ، ولا نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب ،
وقد علمتم أنه لم يأمر قط إلا بالفساد والقتال ، ويأتيه بذلك زعم جبريل ، عليه السلام ،
وهو عدو لكم ، فأخبرونا هل تجدونه في كتابكم ؟
قالوا : نجد نعته كما تقولون ، قالوا : إن في قومه من هو أشرف منه ، وأكبر سناً ، فلا
نصدقه ، قالوا : نجد قومه أشد الناس عليه ، وهذا زمانه الذي يخرج فيه ، قالوا : إنما يعلمه(2/280)
صفحة رقم 281
الكذاب مسيلمة ، فحدثونا بأشياء تسأله عنها لا يعلمها مسيلمة ، ولا يعلمها إلا نبي ،
قالوا : سلوه عن ثلاث خصال ، فإن أصابهن فهو نبي ، وإلا فهو كذاب ، سلوه عن
أصحاب الكهف ، فقصوا عليهم أمرهم ، وسلوه عن ذي القرنين ، فإنه كان ملكاً ، وكان
أمره كذا وكذا ، وسلوه عن الروح ، فإن أخبركم عنه بقليل أو كثير ، فهو كذاب ، فقصوا
عليهم ، فرجعوا بذلك وأعجبهم .
فأتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال أبو جهل : يا ابن عبد المطلب ، إنا سائلوك عن ثلاث خصال ،
فإن علمتهن فأنت صادق ، وإلا فأنت كاذب ، فذر ذكر آلهتنا ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ما هن ؟
سلوني عما شئتم ' ، قالوا : نسألك عن أصحاب الكهف ، فقد أخبرنا عنهم ، ونسأل عن
ذي القرنين ، فقد أخبرنا عنه بالعجب ، ونسألك عن الروح ، فقد ذكر لنا من أمره
عجب ، فإن علمتهن ، فأنت معذور ، وإن جهلتهن ، فأنت مغرور مسحور ، فقال لهم النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : ' ارجعوا إلى غداً أخبركم ' ، ولم يستثن ، فمكث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاث أيام .
ثم أتاه جبريل ، عليه السلام ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' يا جبريل ، إن القوم سألوني عن ثلاث
خصال ' ، فقال جبريل ، عليه السلام : بهن أتيتك ، إن الله عز وجل يقول : ( أَم حَسبتَ
أَن أَصحاب الكهف والرقيم كانوا من ءاياتنا عجباً ( ،
الكهف : ( 10 ) إذ أوى الفتية . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : ( إِذ
أوى الفتيةُ إِلى الكهف فقالوا ربنا ءاتنا من لدُنك رحمةً ( من عندك رحمة ، يعنى رزقاً ،
)( وهيِّء لنا من أَمرنا رشداً ) [ آية : 10 ] ، يعنى تيسيراً ، فيها تقديم ،
الكهف : ( 11 ) فضربنا على آذانهم . . . . .
فضربنا عَلىءاذانهم ( ، رقوداً ، ) في الكهف سنينَ عدداً ) [ آية : 11 ] ، يعنى
ثلاثمائة سنة وتسع سنين .
الكهف : ( 12 ) ثم بعثناهم لنعلم . . . . .
) ثُم بعثناهم ( ، من بعد نومهم ، ) لنعلم أي الحِزبين ( ، يعنى لنرى مؤمنهم
ومشركهم ، ) أَحصى لما لبثواْ ( في رقودهم ، ) أمداً ) [ آية : 12 ] ، يعنى أجلاً ، فكان
مؤمنوهم الذين كتبوا أمر الفتية هم أعلم بما لبثوا من كفارهم ، فلما بعثوا ، يعنى الفتية من
نومهم ، أتوا القرية ، فأسلم أهل القرية كلهم .
تفسير سورة الكهف الآية : [ 13 - 24 ] .(2/281)
صفحة رقم 282
الكهف : ( 13 ) نحن نقص عليك . . . . .
) نحن نقص عليك نبأهم بالحق إِنهم فتيةُ ءامنوا بربهم ( ، يعنى صدقوا بتوحيد
ربهم ، ) وزدناهم هدى ) [ آية : 13 ] ، حين فارقوا قومهم .
الكهف : ( 14 ) وربطنا على قلوبهم . . . . .
) وربطنا على قلوبهم ( بالإيمان ، ) إذ قاموا ( ، على أرجلهم قياماً ، ) فقالوا ربنا (
وهو ) رب السماوات والأرض لن ندعوا ( ، يعنى لن نعبد ) من دونه إلها ( ، يعنى براً
غير الله عز وجل ، كفعل قومنا ، ولئن فعلنا ، ) لقد قلنا إذا ( على الله ) شططا ) [ آية :
14 ] ، يعنى جوراً ، نظيرها في ص : ( ولا تشطط واهدنا ) [ ص : 22 ] ، وفي سورة
الجن : ( وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) [ الجن : 4 ] .
الكهف : ( 15 ) هؤلاء قومنا اتخذوا . . . . .
ثم قال سبحانه : ( هؤلاء قومنا اتخذوا من دُونه ءالهة ( ، يعبدونها ، ) لولا ( ،(2/282)
صفحة رقم 283
يعنى هلا ، ) يأتون عليهم بسلطان بين ( ، يعنى على الآلهة بحجة بينة بأنها آلهة ،
)( فمن ( ، يعنى فلا أحد ، ) أظلم ممن افترى على الله كذبا ) [ آية : 15 ] ، بأن معه
آلهة .
الكهف : ( 16 ) وإذ اعتزلتموهم وما . . . . .
ثم قال الفتية بعضهم لبعض : ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون ( ، من دون الله من
الآلهة ، ثم استثنوا ، فقالوا : ( إلا الله ( ، فلا تعتزلوا معرفته ؛ لأنهم عرفوا أن الله تعالى
ربهم ، وهو خلقهم وخلق الأشياء كلها ، ثم قال بعضهم لبعض : ( فأوا إِلى الكهف ( ،
يعنى انتهوا إلى الكهف ، كقوله سبحانه : ( إذ أوينا إلى الصخرة ) [ الكهف : 63 ] ،
)( ينشر لكم ( ، يعنى يبسط لكم ، ) ربكم من رحمته ( رزقاً ، ) ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ) [ آية : 16 ] ، يعنى ما يرفق بكم ، فهيأ الله لكم الرقود في الغار ، فكان هذا من
قول الفتية .
الكهف : ( 17 ) وترى الشمس إذا . . . . .
يقول الله تبارك وتعالى : ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ( ، يعنى
تميل عن كهفهم فتدعهم ، ) ذات اليمين وإذا غربت ( الشمس ، ) تقرضهم ( ، يعني
تدعهم ) ذات الشمال وهم في فجوة منه ( ، يعنى في زاوية من الكهف ، ) ذلك ( ،
يعنى هذا الذي ذكر من أمر الفتية ، ) من ءايت اللهِ ( ، يعنى من علامات الله وصنعه ،
)( من يهد الله ( لدينه ، ) فهو المهتد ومن يضلل ( ، عن دينه الإسلام ، ) فلن تجد له وليا ( ، يعنى صاحباً ، ) مرشدا ) [ آية : 17 ] ، يعنى يرشده إلى الهدى ؛ لأن وليه مثله
في الضلالة .
الكهف : ( 18 ) وتحسبهم أيقاظا وهم . . . . .
) وتحسبهم أيقاظا ( ، حين يقلبون ، وأعينهم مفتحة . حدثنا عبيد الله ، قال : حدثنا
أبي عن الهذيل ، قال : قال مقاتل ، عن الضحاك : كان يقلبهم جبريل ، عليه السلام ، كل
عام مرتين ؛ لئلا تأكل الأرض لحومهم ، ) وهم رقود ( ، يعنى نيام ، ) ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ( ، على جنوبهم ، وهم رقود لا يشعرون ، ) وكلبهم ( ، اسمه : قمطير ،
)( باسط ذراعيه بالوصيد ( ، يعنى الفضاء الذي على باب الكهف ، وكان الكلب
لمكسلمينا ، وكان راعي غنم ، فبسط الكلب ذراعيه على باب الكهف ؛ ليحرسهم ، وأنام
الله عز وجل الكلب في تلك السنين ، كما أنام الفتية ، يقول للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لو اطلعت عليهم ( ، حين نقلبهم ، ) لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ) [ آية : 18 ] .(2/283)
صفحة رقم 284
الكهف : ( 19 ) وكذلك بعثناهم ليتساءلوا . . . . .
) وكذلك ( ، يعنى وهكذا ، ) بعثناهم ( من نومهم فقاموا ، ) ليتساءلوا بينهم ( ، ف ) قال قائل منهم ( ، وهو مكسلمينا ، وهو أكبرهم سناً ، ) كم لبثتم (
رقوداً ، ) قالوا لبثنا يوما ( ، وكانوا دخلوا الغار غدوة ، وبعثوا من آخر النهار ، فمن ثم
قالوا : ( أو بعض يوم قالوا ( ، يعنى الأكبر ، وهو مكسلمينا وحده ، ) ربكم أعلم بما لبثتم ( في رقودكم منكم ، فردوا العلم إلى الله عز وجل ، ثم قال مكسلمينا :
( فابعثوا أحدكم بورقكم ( ، يعنى الدراهم ، ) هذه ( التي معكم . ) إلى المدينة ( ، فبعثوا يمليخا ، ) فلينظر أيها أزكى طعاما ( ، يعنى أطيب طعاماً ،
)( فليأتكم برزق منه وليتلطف ( ، يعنى وليترفق حتى لا يفطن له ، ) ولا يشعرن بكم أحدا ) [ آية : 19 ] ، يعنى ولا يعلمن بمكانكم أحداً من الناس .
الكهف : ( 20 ) إنهم إن يظهروا . . . . .
) إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ( ، يعنى يقتلوكم ، ) أو يعيدوكم في ملتهم ( ، يعنى في دينهم الكفر ، ) ولن تفلحوا إذا أبدا ) [ آية : 20 ] ، كان هذا من
قول مكسلمينا ، يقوله للفتية ، فلما ذهب يمليخا إلى القرية ، أنكروا دراهم دقيوس الجبار
الذي فر منه الفتية ، فلما رأوا ذلك ، قالوا : هذا رجل كنزاً ، فلما خاف أن يعذب ،
لأخبرهم بأمر الفتية ، فانطلقوا معه إلى الكهف ، فلما انتهى يمليخا إلى الكهف ودخل ،
سد الله عز وجل باب الكهف عليهم ، فلم يخلص إليهم أحد .
الكهف : ( 21 ) وكذلك أعثرنا عليهم . . . . .
) وكذلك أعثرنا ( ، يقول : وهكذا أطلعنا ) عليهم ليعلموا ( ، يعنى ليعلم كفارهم
ومكذبوهم بالبعث إذا نظروا إليهم ، ) إن وعد الله حق ( في البعث أنه كائن ،
)( و ( ليعلموا ) إن الساعة ( آتية ، يعنى قائمة ، ) لا ريب فيها ( ، يعنى لا شك
فيها ، في القيامة بأنها كائنة ، ) إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم ( ، يعنى إذا يخلفون في القول في أمرهم ، فكان التنازع بينهم أن قالوا : كيف
نصنع بالفتية ؟ قال بعضهم : نبني عليهم بنياناً ، وقال بعضهم ، وهم المؤمنون : ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ) [ آية : 21 ] ، فبنوا مسجداً على باب
الكهف .
الكهف : ( 22 ) سيقولون ثلاثة رابعهم . . . . .
) سيقولون ( ، يعنى نصارى نجران : الفتية ) ثلاثة ( نفر ، ) رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم ( ، يقول الله عز وجل : ( رجما بالغيب ( ، يعنى قذفاً(2/284)
صفحة رقم 285
بالظن لا يستيقنونه ، ) ويقولون ( هم ) سبعة وثامنهم كلبهم ( ، وإنما صاروا
بالواو واو ؛ لأنه انقطع الكلام ، وقال أبو العباس ثعلب : ألفوا هذه الواو الحال ، كان
المعنى : وهذه حالهم عند ذكر الكلب ، هذا قول نصارى نجران السيد والعاقب ومن
معهما من المار يعقوبيين ، وهم حزب النصارى ، ) قل ( للنصارى : ( ربي أعلم بعدتهم ( من غيره ، ) ما يعلمهم ( ، يعنى عدتهم ، ثم استثنى : ( إلا قليل ( ، قل : ما
يعلم عدة الفتية إلا قليل من النسطورية ، وهم حزب من النصارى ، وأما الذين غلبوا على
أمرهم ، فهم المؤمنون الذين كانوا يقولون : ابنوا عليهم بنياناً بنداسيس الصلح ومن معه ،
)( فلا تمار فيهم ( ، يعنى لا تمار يا محمد النصارى في أمر الفتية ، ) إلا مراء ظاهرا (
يعنى حقاً بما في القرآن ، يقول سبحانه : حسبك بما قصصنا عليك من أمرهم ، ) ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) [ آية : 22 ] ، يقول : ولا تسأل عن أمر الفتية أحداً من
النصارى .
الكهف : ( 23 ) ولا تقولن لشيء . . . . .
) وَلا تقولن لشائ إني فاعلٌ ذلك غداً ) [ آية : 23 ] .
) إلا أن يشاء الله ( ، وذلك حين سأل أبو جهل وأصحابه عن أصحاب الكهف ،
فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ارجعوا إلىَّ غداً حتى أخبركم ' ، ولم يستثن ، فأنزل الله عز وجل :
( ولا تقولن لشائٍ إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله (
الكهف : ( 24 ) إلا أن يشاء . . . . .
) واذكر ربك إذا نسيت ( ، يقول : إذا ذكرت الاستثناء فاستثن ، يقول الله : قل : إن شاء الله قبل أن ينزل
الوحي إليك في أصحاب الكهف ، ) وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا (
[ آية : 24 ] لقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لهم : ' ارجعوا إلي غداً حتى أخبركم عما سألتم ' ، فقال عز
وجل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : وقل لهم عسى أن يرشدني ربي لأسرع من هذا الميعاد رشداً .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 25 - 26 ] .
الكهف : ( 25 ) ولبثوا في كهفهم . . . . .
ثم قالت النصارى أيضاً : ( ولبثوا في كهفهم ( رقوداً ، ) ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ) [ آية : 25 ] ، فيها تقديم ، لا تتغير ألوانهم ، ولا أشعارهم ، ولا ثيابهم .
الكهف : ( 26 ) قل الله أعلم . . . . .
) قل ( لنصارى نجران يا محمد : ( الله أعلم بما لبثوا ( في رقودهم ، ) له غيب
السماوات والأرض ( ، يعنى ما يكون في السموات والأرض ، ) أبصر به وأسمع ( ،(2/285)
صفحة رقم 286
يقول : لا أحد أبصر من الله عز وجل بما لبثوا في رقودهم ، ولا أحد أسمع ، ) ما لهم ( ،
يعنى النصارى ، ) من دونه من ولي ( ، يعنى قريباً ينفعهم ، ) ولا يشرك ( الله ) في حكمه أحدا ) [ آية : 26 ] .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 27 - 29 ] .
الكهف : ( 27 ) واتل ما أوحي . . . . .
) واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ( ، يقول : أخبر كفار مكة الذين سألوا عن
أصحاب الكهف بما أوحينا إليك من أمرهم ، لا تنقص ولا تزيد ، ) لا مبدل لكلماته ( ، يقول : لا تحويل لقوله ؛ لأن قوله تعالى ذكره حق ، ثم حذر الله عز وجل
نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) إن زاد أو نقص ، ثم قال سبحانه : ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) [ آية : 27 ] ،
يعنى مدخلاً ، يقول : لا تقل في أصحاب الكهف إلا ما قد قيل لك ، فإن فعلت فإنك لن
تجد من دون الله عز وجل ملجأ تلجأ إليه ليمتعك منا .
الكهف : ( 28 ) واصبر نفسك مع . . . . .
) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ( ، يعنى يعبدون ربهم ، يعنى بالصلاة له ،
)( بالغداوة والعشى ( طرفي النهار ، ) يريدون وجهه ( ، يعنى يبتغون بصلاتهم
وصومهم وجه ربهم ، ) ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا ( ، نزلت في
عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو الفزارى ، وذلك أنه دخل على النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وعنده الموالى وفقراء العرب ، منهم : بلال بن رباح المؤذن ، وعمار بن ياسر ، وصهيب بن
سنان ، وخباب بن الأرت ، وعامر بن فهيرة ، ومهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب ،
وهو أول شهيد قتل يوم بدر ، رضى الله عنهم ، وأيمن ابن أم أيمن ، ومن العرب أبو هريرة
الدوسي ، وعبد الله بن مسعود الهذلى ، وغيرهم ، وكان على بعضهم شملة قد عرق فيها .
فقال عيينة بن حصن للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إن لنا شرفاً وحسباً ، فإذا دخلنا عليك فاعرف لنا(2/286)
صفحة رقم 287
ذلك ، فأخرج هذا وضرباءه عنا ، فوالله إنه ليؤذينا ريحه ، يعنى جبته آنفاً ، فإذا خرجنا من
عندك فأذن لهم إن بدا لك أن يدخلوا عليك ، فاجعل لنا مجلساً ولهم مجلس ، فأنزل الله عز
وجل ) ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ( ، يعنى القرآن ، ) واتبع هواه ( ، يعنى وآثر
هواه ، ) وكان أمره ( الذي يذكر من شرفة وحسبه ، ) فرطا ) [ آية : 28 ] ، يعنى ضائعاً
في القيامة ، مثل قوله : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) [ الأنعام : 38 ] ، يعنى ما
ضيعنا .
الكهف : ( 29 ) وقل الحق من . . . . .
) وقل الحق من ربكم ( ، يعنى القرآن ، ) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( ، هذا
وعيد ، نظيرها في حم السجدة : ( اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ) [ فصلت :
45 ] ، يعنى من شاء فليصدق بالقرآن ، ومن شاء فليكفر بما فيه ، ثم ذكر مصير الكافر
والمؤمن ، فقال : ( إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ( ، وذلك أنه يخرج عنق من
النار فيحيط بهم ، فذلك السرادق ، ثم قال سبحانه : ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل ( ، يقول : أسود غليظ كدردى الزيت ، ) يشوي الوجوه ( ، وذلك أنه إذا دنا
من فيه ، اشتوى وجهه من شدة حر الشراب ، ثم قال سبحانه : ( بئس الشراب وساءت مرتفقا ) [ آية : 29 ] ، يقول : وبئس المنزل .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 30 - 31 ] .
الكهف : ( 30 ) إن الذين آمنوا . . . . .
ثم ذكر مصير المؤمنين ؛ فقال سبحانه : ( إن الذين ءامنوا وعلموا الصالحات إنا لا
نضيع أجر من أحسن عملاً ) [ آية : 30 ] ، يقول : لا نضيع أجر من أحسن العمل ، ولكنا
نجزيه بإحسانه .
الكهف : ( 31 ) أولئك لهم جنات . . . . .
) أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار ( ، يقول : تجري الأنهار من تحت
البساتين ، ) يحلون فيها من أساور من ذهب ( ، وأساور من لؤلؤ ، ) ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ( ، يعنى الديباج بلغة فارس ، ) متكئين فيها ( ، في الجنة ، ) على الأرائك ( ، يعنى الحجال مضروبة على السرر ، ) نعم الثواب ( الجنة ، يثنى عليها عمل(2/287)
صفحة رقم 288
الأبرار ، ) وحسنت مرتفقا ) [ آية : 31 ] فيها تقديم ، يقول : إنا لا نضيع عمل الأبرار ، لا
نضيع جزاء من أحسن عملاً .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 32 - 44 ] .
الكهف : ( 32 ) واضرب لهم مثلا . . . . .
) واضرب لهم ( ، يعنى وصف لهم ، يعنى لأهل مكة ، ) مثلا ( ، يعنى شبهاً ) رجلين ( ، أحدهما مؤمن واسمه يمليخا ، والآخر كافر ، واسمه فرطس ، وهما أخوان من ،
بنى إسرائيل مات أبوهما ، فورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار ، فعمد
المؤمن فأنفق ماله على الفقراء واليتامى والمساكين ، وعمد الكافر فاتخذ المنازل ، والحيوان ،
والبساتين ، فذلك قوله سبحانه : ( جعلنا لأحدهما ( ، يعنى الكافر ، ) جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ) [ آية : 32 ] .
الكهف : ( 32 ) واضرب لهم مثلا . . . . .
) كلتا الجنتين ءاتت أكلها ( ، يعنى أعطت ثمراتها كلها ، ) ولم تظلم منه شيئا ( ،
يعنى ولم تنقص من الثمر شيئاً ، يعنى جمله وافراً ، نظيرها في البقرة : ( وما ظلمونا (
[ البقرة : 57 ] ، يعنى وما نقصونا ، ) وفجرنا خلالهما نهرا ) [ آية : 33 ] ، يعنى أجرينا النهر
وسط الجنتين .
الكهف : ( 34 ) وكان له ثمر . . . . .
) وكان له ثمر ( ، يقول : وكان للكافر مال من الذهب والفضة ، وغيرها من أصناف
الأموال ، فلما افتقر المؤمن ، أتى أخاه الكافر متعرضاً لمعروفه ، فقال له المؤمن : إني أخوك ،(2/288)
صفحة رقم 289
وهو ضامر البطن ، رث الثياب ، والكفر ظاهر الدم ، غليظ الرقبة ، جيد المركب والكسوة ،
فقال الكافر للمؤمن : إن كنت كما تزعم أنك أخي ، فأين مالك الذي ورثت من أبيك ؟
قال : أقرضته إلهي الملي الوفي ، فقدمته لنفسي ولولدي ، فقال : وإنك لتصدق أن الله يرد
دين العباد ، هيهات هيهات ، ضيعت نفسك ، وأهلكت مالك ، فذلك قوله سبحانه :
( فقال ( الكافر ) لصاحبه ( ، وهو المؤمن ، ) وهو يحاوره ( ، يعنى يراجعه ، يقول :
( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) [ آية : 34 ] ، يعنى وأكثر ولداً .
الكهف : ( 35 ) ودخل جنته وهو . . . . .
) ودخل ( الكافر ) جنته ( ، وهو بستانه ، ) وهو ظالم لنفسه قال ما أظن ( ،
يعنى ما أحسب ) أن تبيد ( ، يعنى أن تهلك ، ) هذه ( الجنة ) أبدا ) [ آية : 35 ] .
الكهف : ( 36 ) وما أظن الساعة . . . . .
قال : ( وما أظن الساعة قائمة ( ، يعنى القيامة كائنة كما تقول ، ) ولئن رددت إلى ربي ( في الآخرة ، ) لأجدن خيرا منها ( ، يعنى أفضل منها ، من جنتي ، ) منقلبا (
[ آية : 36 ] ، يعنى مرجعاً .
الكهف : ( 37 ) قال له صاحبه . . . . .
فرد عليه ، ) قال له صاحبه ( المؤمن ، ) وهو يحاوره ( ، يعنى يراجعه : ( أكفرت بالذين خلقك من تراب ( ، يعنى آدم ، عليه السلام ؛ لأن أول خلقه التراب ، ثم قال : ( ثم من نطفة ثم سواك ( ، يعنى خلقك فجعلك ) رجلا ) [ آية : 37 ] .
الكهف : ( 38 ) لكن هو الله . . . . .
) لكنا ( أقول : ( هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ) [ آية : 38 ]
الكهف : ( 39 ) ولولا إذ دخلت . . . . .
ثم قال للكافر : ( ولولا ( ، يعنى هلا ، ) إذ دخلت جنتك ( ، يعنى بستانك
) قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ( ، يعنى فهلا قلت بمشيئة الله أعطيتها بغير حوله مني
ولا قوة ، ثم قال المؤمن للكافر يرد عليه ، ) إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ) [ آية :
39 ] .
الكهف : ( 40 ) فعسى ربي أن . . . . .
) فعسى ربي أن يؤتين خيرا ( ، يعنى أفضل ، ) من جنتك ويرسل عليها ( ، يعنى على
جنتك ، ) حسبانا ( ، يعنى عذاباً ، ) من السماء فتصبح ( جنتك ، ) صعيدا ( ، يعنى
مستوياً ليس فيه شيء ، ) زلفاً ) [ آية : 40 ] ، يعنى أملساً .
الكهف : ( 41 ) أو يصبح ماؤها . . . . .
) أو يصبح ماؤها غورا ( ، يعنى يغور في الأرض فيذهب ، ) فلن تستطيع له طلبا (
[ آية : 41 ] ، يقول : فلن تقدر على الماء ، ثم افترقا ، فأرسل الله عز وجل على جنته بالليل(2/289)
صفحة رقم 290
عذاباً من السماء ، فاحترقت ، وغار ماؤها بقوله : و ) ما أظن أن تبيد هذه أبدا ( ،
)( وما أظن الساعة قائمة ( .
الكهف : ( 42 ) وأحيط بثمره فأصبح . . . . .
) وأحيط بثمره ( الهلاك ، فلما أصبح ورأى جنته هالكة ، ضرب بكفه على
الأخرى ، ندامة على ما أنفق فيها ، فذلك قوله سبحانه : ( فأصبح يقلب كفيه ( ، يعنى
يصفق بكفيه ندامة ، ) على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ( ، يقول : ساقطة من فوقها ،
)( ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحداً ) [ آية : 42 ] .
الكهف : ( 43 ) ولم تكن له . . . . .
يقول الله تعالى : ( ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله ( ، يعنى جنداً يمنعونه من
عذاب الله الذي نزل بجنته ، ) وما كان منتصرا ( ) آية : 43 ( ، يعنى ممتنعاً .
الكهف : ( 44 ) هنالك الولاية لله . . . . .
) هنالك الولاية ( ، يعنى السلطان ، ليس في ذلك اليوم سلطان غيره ، مثل قوله عز
وجل : ( والأمر يومئذ لله ) [ الانفطار : 19 ] ، ليس في ذلك اليوم أمر إلا لله عز
وجل ، والأمر أيضاً في الدنيا ، لكن جعل في الدنيا ملوكاً يأمرون ، ومن قرأها بفتح
الواو ، جعلها من الموالاة ، ) هنالك الولاية لله ( ، يعنى البعث الذي كفر به فرطس ، ) لله الحق ( وحده لا يملكه أحد ، ولا ينازعه أحد ، ) هو خير ثوابا ( ، يعنى أفضل ثواباً ،
)( وخير عقبا ) [ آية : 44 ] ، يعنى أفضل عاقبة لهذا المؤمن من عاقبة هذا الكافر الذي
جعل مرجعه إلى النار .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 45 - 49 ] .
الكهف : ( 45 ) واضرب لهم مثل . . . . .
) واضرب لهم ( ، لكفار مكة ، ) مثل ( ، يعنى شبه ، ) الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من
السماء فاختلط به ( ، يعنى بالماء ، ) نبات الأرض فأصبح ( النبت ) هشيما ( ، يعنى
يابساً ، ) تذروه الرياح ( ، يقول سبحانه : مثل الدنيا ، كمثل النبت ، بينما هو أخضر ، إذ
هو قد يبس وهلك ، فكذلك تهلك الدنيا إذا جاءت الآخرة ، ) وكان الله على كل شيء ((2/290)
صفحة رقم 291
من البعث وغيره ، ) مقتدرا ) [ آية : 45 ] .
الكهف : ( 46 ) المال والبنون زينة . . . . .
) المال والبنون زينة الحيوة الدنيا ( ، يعنى حسنها ، ) والباقيات الصالحات ( ، يعنى :
سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ) خير ( ، يعنى أفضل ، ) عند ربك ثوابا ( في الآخرة ، ) وخير أملا ) [ آية : 46 ] ، يعني وأفضل رجاء مما يرجو الكافر فإن
ثواب الكافر من الدنيا النار ، ومرجعهم إليها .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل بن سليمان ، عن علقمة بن
مرثد وغيره ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ' الباقيات الصالحات : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ' .
الكهف : ( 47 ) ويوم نسير الجبال . . . . .
) ويوم نسير الجبال ( من أماكنها ) وترى الأرض بارزة ( من الجبال والبناء والشجر
وغيره ، ) وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) [ آية : 47 ] فلم يبق منهم أحد إلا حشرناه .
الكهف : ( 48 ) وعرضوا على ربك . . . . .
) وعرضوا على ربك صفا ( ، يعنى جميعاً ، نظيرها في طه : ( ثم ائتوا صفا ) [ طه :
64 ] ، يعنى جميعاً ، ) لقد جئتمونا ( فرادى ليس معكم من دنياكم شيء ، ) كما خلقناكم أول مرة ( ، حين ولدوا وليس لهم شيء ، ) بل زعمتم ( في الدنيا ، ) ألن نجعل لكم موعدا ) [ آية : 48 ] ، يعنى ميقاتاً في الآخرة تبعثون فيه .
الكهف : ( 49 ) ووضع الكتاب فترى . . . . .
) ووضع الكتاب ( ، بما كانوا عملوا في الدنيا بأيديهم ، ) فترى المجرمين مشفقين مما فيه ( ، من المعاصي ، ) ويقولون ياويلتنا ( ، دعوا بالويل ، ) مال هذا الكتاب لا
يغادر ( ، يعنى لا يبقي سيئة : ( صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ( ، يعنى إلا أحصى
الكتاب السيئات ، ) ووجدوا ما عملوا ( ، يعنى تعجل له عمله كله ، ) حاضرا ( ، لا
يغادر منه شيئاً ، ) ولا يظلم ربك أحدا ) [ آية : 49 ] في عمله الذي عمل حتى يجزيه به .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 50 - 51 ] .
الكهف : ( 50 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
) وإذ قلنا للملائكة ( ، يعنى وقد قلنا للملائكة : ( اسجدوا لآدم فسجدوا ( ، ثم
استثنى ، فقال : ( إلا إبليس كان من الجن ( ، وهو حي من الملائكة ، يقال لهم : الجن ،(2/291)
صفحة رقم 292
) ففسق عن أمر ربه ( ، يعنى فعصى تكبراً عن أمر ربه حين أمره بالسجود لآدم ، قال
الله عز وجل : ( أفتتخذونه ( ، يعنى إبليس ، ) وذريته ( ، يعنى الشياطين ، ) أولياء من دوني ( ، يعنى آلهة من دوني ، ) وهو لكم عدوٌ ( ، يعنى إبليس والشياطين لكم
معشر بني آدم عدو ، ) بئس للظالمين ( ، يعنى المشركين ، ) بدلا ) [ آية : 50 ] ، يقول :
بئس ما استبدلوا بعبادة الله عز وجل ، عبادة إبليس ، فبئس البدل هذا .
الكهف : ( 51 ) ما أشهدتهم خلق . . . . .
) ما أشهدتهم ( ، يعنى ما أحضرتهم ، ) خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ( ،
يعنى إبليس وذريته ، ثم قال تعالى : ( وما كنت متخذ المضلين ) [ آية : 51 ] ، الذين
أضلوا بني آدم وذريته ، ) عضدا ( ، يعنى عزاً وعوناً فيما خلقت من خلق السموات
والأرض ومن خلقهم .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 52 - 56 ] .
الكهف : ( 52 ) ويوم يقول نادوا . . . . .
) ويوم يقول ( للمشركين ، ) نادوا شركائي ( ، سلوا الآلهة ، ) الذين زعمتم (
أنهم معي شركاء ، أهم آلهة ؟ ) فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ( ، يقول : فسألوهم ، فلم
يجيبوهم بأنها آلهة ، ) وجعلنا بينهم ( وبين شركائهم ، ) موبقا ) [ آية : 52 ] ، يعنى وادياً
عميقاً في جهنم .
الكهف : ( 53 ) ورأى المجرمون النار . . . . .
) ورءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ( ، يعنى فعلموا أنهم مواقعوها ، يعنى
داخلوها ، نظيرها في براءة : ( وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ) [ التوبة : 118 ] ،
يعنى وعلموا ، ) ولم يجدوا عنها مصرفا ) [ آية : 53 ] ، يقول : ولم يقدر أحد من الآلهة أن
يصرف النار عنهم .
الكهف : ( 54 ) ولقد صرفنا في . . . . .
) ولقد صرفنا ( ، يعنى لونا ، يعنى وصفنا ، ) في هذا القرءان للناس من كل
مثل ( ، من كل شبه في أمور شتى ، ) وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ) [ آية : 54 ] .
الكهف : ( 55 ) وما منع الناس . . . . .
) وما منع الناس ( ، يعنى المستهزئين والمطعمين في غزاة بدر ، ) أن يؤمنوا ( ، يعنى(2/292)
صفحة رقم 293
أن يصدقوا بالقرآن ، ) إذ جاءهم الهدى ( ، يعنى البيان ، وهو القرآن ، وهو هدى من
الضلالة ، ) ويستغفروا ربهم ( من الشرك ، ) إلا أن تأتيهم سنة الأولين ( ، يعنى أن
ينزل بهم مثل عذاب الأمم الخالية في الدنيا ، فنزل ذلك بهم في الدنيا ببدر من القتل ،
وضرب الملائكة الوجوه والأدبار ، وتعجيل أرواحهم إلى النار ، ثم قال سبحانه : ( أو يأتيهم العذاب قبلا ) [ آية : 55 ] ، يعنى عياناً .
الكهف : ( 56 ) وما نرسل المرسلين . . . . .
) وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ( بالجنة ، ) ومنذرين ( من النار ؛ لقول كفار مكة
للنبي في بني إسرائيل : ( أبعث الله بشرا رسولا ) [ الإسراء : 94 ] ، ) ويجادل الذين كفروا ( من أهل مكة ، ) بالباطل ( ، وجدالهم بالباطل قولهم للرسل : ما أنتم إلا
بشر مثلنا ، وما أنتم برسل الله ، ) ليدحضوا به الحق ( ، يعنى ليبطلوا بقولهم الحق الذي
جاءت به الرسل ، عليهم السلام ، ومثله قوله سبحانه في حم المؤمن : ( ليدحضوا به الحق ) [ غافر : 5 ] ، يعنى ليبطلوا به الحق ، ) واتخذوا ءاياتي وما أنذروا هزوا ) [ آية :
56 ] ، يعني آيات القرآن وما أنذروا فيه من الوعيد استهزاء منهم ، أنه ليس من الله عز
وجل ، يعنى القرآن والوعيد ليسا بشيء .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 57 - 59 ] .
الكهف : ( 57 ) ومن أظلم ممن . . . . .
) ومن أظلم ممن ذكر بئايات ربه فأعرض عنها ( ، يقول : فلا أحد أظلم ممن وعظ
بآيات ربه ، يعنى القرآن ، نزلت في المطعمين والمستهزئين ، فأعرض عن الإيمان بآيات الله
القرآن ، فلم يؤمن بها ، ) ونسي ما قدمت يداه ( ، يعنى ترك ما سلف من ذنوبه ، فلم
يستغفر منها من الشرك ، ) إنا جعلنا على قلوبهم أكنة ( ، يعنى الغطاء على القلوب ،
)( أن يفقهوه ( ، يعنى القرآن ، ) وفىءاذانهم وقراً ( ؛ لئلا يسمعوا القرآن ، ) وإن تدعهم ( يا محمد ) إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ) [ آية : 57 ] من أجل الأكنة
والوقر ، يعنى كفار مكة .
الكهف : ( 58 ) وربك الغفور ذو . . . . .
) وربك الغفور ( ، يعنى إذا تجاوز عنهم في تأخير العذاب عنهم ، ) ذو الرحمة ( ،(2/293)
صفحة رقم 294
يعنى ذا النعمة حين لا يعجل بالعقوبة ، ) لو يؤاخذهم بما كسبوا ( من الذنوب ،
)( لعجل لهم العذاب ( في الدنيا ، ) بل ( العذاب ) لهم موعد ( ، يعنى ميقاتاً يعذبون
فيه ، ) لن يجدوا من دونه موئلا ) [ آية : 58 ] ، يعنى ملجأ يلجئون إليه .
الكهف : ( 59 ) وتلك القرى أهلكناهم . . . . .
) وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا ( بالعذاب في الدنيا ، يعنى أشركوا ، ) وجعلنا لمهلكهم ( بالعذاب ، ) موعدا ) [ آية : 59 ] ، يعنى ميقاتاً ، وهكذا وقت هلاك كفار
مكة ببدر .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 60 - 73 ] .
الكهف : ( 60 ) وإذ قال موسى . . . . .
) وإذ قال موسى لفتاه ( ، يوشع بن نون ، وهو ابن أخت موسى ، من سبط
يوسف بن يعقوب ، عليهم السلام : ( لا أبرح ( ، يعنى لا أزال أطلب الخضر ، وهو من
ولد عاميل ، من بنى إسرائيل ، ) حتى أبلغ مجمع البحرين ( ، يقال لأحدهما :
الرش ، وللآخر : الكر ، فيجتمعان فيصيران نهراً واحداً ، ثم يقع في البحر من وراء
أذربيجان ، ) أو أمضي حقبا ) [ آية : 60 ] ، يعنى دهراً ، ويقال : الحقب ثمانون سنة .
الكهف : ( 61 ) فلما بلغا مجمع . . . . .
) فلما بلغا ( ، يعنى موسى ويوشع بن نون ، ) مجمع بينهما ( بين البحرين ،
)( نسيا حوتهما ( ، وذلك أن موسى ، عليه السلام ، لما علم ما في التوراة ، وفيها تفصيل(2/294)
صفحة رقم 295
كل شئ ، قال له رجل من بني إسرائيل : هل في الأرض أحد أعلم منك ؟ قال : لا ، ما
بقي أحد من عباد الله هو أعلم مني ، فأوحى الله عز وجل إليه : أن رجلاً من عبادي
يسكن جزائر البحر ، يقال له : الخضر ، هو أعلم منك ، قال : فكيف لي به ؟ قال جبريل ،
عليه السلام : أحمل معك سمكة مالحة ، فحيث تنساها تجد الخضر هنالك .
فسار موسى ويوشع بن نون ، ومعهما خبز وسمكة مالحة في مكتل على ساحل
البحر ، فأوى إلى الصخرة قليلاً ، والصخرة بأرض تسمى : مروان ، على ساحل بحر أيلة ،
وعندها عين تسمى : عين الحياة ، فباتا عندها تلك الليلة ، وقرب موسى المكتل من العين
وفيها السمكة ، فأصابها المال فعاشت ، ونام موسى ، فوقعت السمكة في البحر ، فجعل لا
يمس صفحتها شئ من الماء إلا انفلق عنه ، فقام الماء من كل جانب ، وصار أثر الحوت
في الماء كهيئة السرب في الأرض ، واقتصد الحوت في مجراه ليلحقاه ، فذلك قوله
سبحانه : ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) [ آية : 61 ] ، يعنى الحوت اتخذ سبيله ، يعنى طريقه
في البحر سرباً ، يقول : كهيئة فم القربة .
الكهف : ( 62 ) فلما جاوزا قال . . . . .
فلما أصبحا ومشياً ، نسى يوشع بن نون أن يخبر موسى ، عليه السلام ، بالحوت حتى
أصبحا وجاعا ، ) فلما جاوزا قال ( موسى ) لفتاه ( ، ليوشع : ( ءاتنا غداءنا لقد لقينا
من سفرنا هذا نصباً ) [ آية : 62 ] ، يعنى مشقة في أبداننا ، مثل قوله سبحانه : ( أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ) [ ص : 41 ] ، يعنى مشقة .
الكهف : ( 63 ) قال أرأيت إذ . . . . .
) قال ( يوشع لموسى : ( أرءيت إذ أوينا إلى الصخرة ( ، يعنى انتهينا إلى الصخرة ،
وهى في الماء ، ) فإني نسيت الحوت ( ، أن أذكر لك أمره ، ) وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله ( ، يعنى موسى ، عليه السلام ، طريقة ) في البحر عجبا ) [ آية : 63 ] ،
فعجب موسى من أمر الحوت .
الكهف : ( 64 ) قال ذلك ما . . . . .
فلما أخبر يوشع موسى ، عليه السلام ، بأمر الحوت ، ) قال ( موسى : ( ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ) [ آية : 64 ] ، يقول : فرجعا يقصان آثارهما ، كقوله
سبحانه في القصص : ( قصيه ) [ القصص : 11 ] ، يعنى اتبعي أثره ، فأخذا ، يعنى موسى
ويوشع ، في البحر في أثر الحوت ، حتى لقيا الخضر ، عليه السلام ، في جزيرة في البحر .
فذلك قوله سبحانه :
الكهف : ( 65 ) فوجدا عبدا من . . . . .
) فوجدا عبدا من عبادنا ( ، قائماً يصلي ، ) ءاتيناه رحمةً من
عندنا ( ، يقول : أعطيناه النعمة ، وهي النبوة ، ) وعلمناه من لدنا علما ) [ آية : 65 ] ،(2/295)
صفحة رقم 296
يقول : من عندنا علماً ، وعلى الخضر ، عليه السلام ، جبة صوف ، واسمه : اليسع ، وإنما سمي
اليسع ؛ لأن علمه وسع ست سموات وست أرضين ، فأتاه موسى ويوشع من خلفه ،
فسلما عليه ، فأنكر الخضر السلام بأرضه وانصرف ، فرأى موسى فعرفه ، فقال : وعليك
السلام يا نبي بني إسرائيل ، فقال موسى : وما يدريك أني نبي بني إسرائيل ؟ قال : أدراني
الذي أرشدك إلى وأدراك بي .
الكهف : ( 66 ) قال له موسى . . . . .
) قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ) [ آية : 66 ] ، يعنى علماً ،
قال الخضر ، عليه السلام : كفى بالتوراة علماً ، وببني إسرائيل شغلا ، فأعاد موسى
الكلام .
الكهف : ( 67 ) قال إنك لن . . . . .
ف ) قال ( الخضر : ( إنك لن تستطيع معي صبرا ) [ آية : 67 ] ، ، قال موسى : ولم ؟ قال :
لأني أعمل أعمالاً لا تعرفها ، ولا تصبر على ما ترى من العجائب حتى تسألني عنه .
الكهف : ( 68 ) وكيف تصبر على . . . . .
) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ) [ آية : 68 ] ، يعنى علماً .
الكهف : ( 69 ) قال ستجدني إن . . . . .
) قال ستجدني إن شاء الله صابرا ( ، قال مقاتل : فلم يصبر مولى ، ولم يأثم بقوله :
( ستجدني إن شاء الله صابرا ( ، على ما رأى من العجائب ، فلا أسألك عنها ، ) ولا أعصي لك أمرا ) [ آية : 69 ] فيما أمرتني به ، أو نهيتني عنه .
الكهف : ( 70 ) قال فإن اتبعتني . . . . .
) قال ( الخضر ، عليه السلام : ( فإن اتبعتني فلا تسئلنى عن شيء حتى أحدث لك منه
ذكراً ) [ آية : 70 ] ، يقول : حتى أبين لك بيانه .
الكهف : ( 71 ) فانطلقا حتى إذا . . . . .
) فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها ( ، فمرت سفينة فيها ناس ، فقال الخضر : يا
أهل السفينة ، احملونا معكم في بحر أيلة ، قال بعضهم : إن هؤلاء لصوص ، فلا تحملوهم
معنا ، قال صاحب السفينة : أرى وجوه أنبياء ، وما هم بلصوص ، فحملهم بأجر ، فعمد
الخضر فضرب ناحية السفينة بقدوم فخرقها ، فدخل الماء فيها ، فعمد موسى ، فأخذ ثياباً
فدسها في خرق السفينة ، فلم يدخل الماء ، وكان موسى ، عليه السلام ، ينكر الظلم ، فقام
موسى إلى الخضر ، عليهما السلام ، فأخذ بلحيته ، و ) قال ( له سموى : ( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ) [ آية : 71 ] ، يعنى لقد أتيت أمراً منكراً ، فالتزمه الخضر ،
وذكره الصحبة ، وناشده بالله ، وركب الخضر على الخرق ؛ لئلا يدخلها الماء .
الكهف : ( 72 ) قال ألم أقل . . . . .
) قال ( له الخضر : ( ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ) [ آية : 72 ] ، على ما ترى(2/296)
صفحة رقم 297
من العجائب ، قال يوشع لموسى : اذكر العهد الذي أعطيته من نفسك .
الكهف : ( 73 ) قال لا تؤاخذني . . . . .
) قال ( موسى : ( لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني ( ، يعني تغشيني ، ) من أمري عسرا ) [ آية : 73 ] ، يعنى من قولي عسراً ، ثم قعد موسى مهموماً يقول في نفسه : لقد
كنت غنياً عن اتباع هذا الرجل ، وأنا في بني إسرائيل أقرئهم كتاب الله عز وجل غدوة
وعشياً ، فعلم الخضر ما حدث به موسى نفسه ، وجاء طير يدور ، يرون أنه خطاف ، حتى
وقع على ساحل البحر ، فنكث بمنقاره في البحر ، ثم وقع على صدر السفينة ، ثم صوت ،
فقال الخضر لموسى : أتدرك ما يقول هذا الطائر ؟ قال موسى : لا أدري ، قال الخضر :
يقول : ما علم الخضر وعلم موسى في علم الله إلا كقدر ما رفعت بمنقاري من ماء البحر
في قدر البحر .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 75 - 82 ] .
الكهف : ( 74 ) فانطلقا حتى إذا . . . . .
ثم خرجا من السفينة على بحر إيله ، ) فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما ( سداسياً ،
)( فقتله ( الخضر بحجر أسود ، واسم الغلام : حسين بن كازري ، واسم أمه : سهوي ،
فلم يصبر موسى حين رأى المنكر ألا ينكره ، ف ) قال ( للخضر : ( أقتلت نفسا زكية ( ،
يعنى لا ذنب لها ، ولم يجب عليها القتل ، ) بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ) [ آية : 74 ] .
يقول أتيت أمراً فظيعاً ، قال يوشع لموسى : اذكر العهد الذي أعطيته عن نفسك .
الكهف : ( 75 ) قال ألم أقل . . . . .
) قال ( الخضر لموسى ، عليهما السلام : ( أَلم أَقُل لك إِنك لن تستطيع معَي(2/297)
صفحة رقم 298
صبراً ) [ آية : 75 ] ، وإنما قال : ( أَلم أَقُل لكَ ( لأنه كان قد تقدم إليه قبل ذلك بقوله :
( إنك لن تستطيع معي صبراً ( ، على ما ترى من العجائب .
الكهف : ( 76 ) قال إن سألتك . . . . .
) قال ) ) موسى ( ( إن سألتك عن شيء بعدها ( ، يعنى بعد قتل النفس ، ) فَلا تُصاحبني
قد بلغت من لدني عُذراً ) [ آية : 76 ] ، يقول : لقد أبلغت في العذر إلى .
الكهف : ( 77 ) فانطلقا حتى إذا . . . . .
) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها ( الطعام ، تسمى القرية : باجروان ،
ويقال : أنطاكية . قال مقاتل : قال قتادة : هي القرية ، ) فأبوا أَن يضيفوهما ( ، يعنى أن
يطعموهما ، ) فوجدا فيها جداراً يريد أَن ينقض ( ، كانوا بلوا الطين ، ) فأقامه (
الخضر جديداً فسواه ، ) قَالَ ( موسى : عمدت إلى قوم لم يطعمونا ولم يضيفونا ،
فأقمت لهم جدارهم فسويته لهم بغير أجر ، يعنى بغير طعام ولا شيء ، ) لَو شئت لتخذت
عليه أَجراً ) [ آية : 77 ] ، أي لو شئت أعطيت عليه شيئاً .
الكهف : ( 78 ) قال هذا فراق . . . . .
) قال ( الخضر : ( هذا فراقُ بيني وبينك سأنبئكَ بتأويلِ ( ، يعنى بعاقبة ، ) مَا لم
تستطع عليه صَبراً ) [ آية : 78 ] ، كقوله سبحانه : ( يوم يأتي تأويلهُ ) [ الأعراف :
53 ] ، يعنى عاقبته .
الكهف : ( 79 ) أما السفينة فكانت . . . . .
ثم قال الخضر لموسى ، عليهما السلام : ( أَما السفينةُ فكانت لمساكين يعملونَ في البحر
فأردتُ أَن أعيبها ( ، يعني أن أخرقها ، ) وكان ورائهم ملك ( ، يعنى أمامهم ، كقوله سبحانه
) ويذرونَ وراءهم يوماً ثقيلاً ) [ الإنسان : 27 ] ، واسم الملك : مبدلة بن جلندي
الأزدي ، ) يأخذ كُل سَفينةٍ ( صالحة صحيحة سوية ، ) غَصباً ) [ آية : 79 ] ، كقوله
سبحانه : ( فلما آتاهما صالحاً ) [ الأعراف : 190 ] ، يعنى سوياً ، يعنى غصباً من
أهلها ، يقول : فعلت ذلك ؛ لئلا ينتزعها من أهلها ظلماً ، وهم لا يضرهم خرقها .
الكهف : ( 80 ) وأما الغلام فكان . . . . .
) وأَما الغُلامُ فكان أَبواهُ مُؤمنينِ ( ، وكان الغلام كافراً ، يقطع الطريق ، ويحدث
الحدث ، ويلجأ إليهما ويجادلان عنه ، ويحلفان بالله ما فعله ، وهم يحسبون أنه برئ من
الشر ، قال الخضر : ( فخشينا ( ، يعنى فعلمنا ، كقوله سبحانه : ( وَإِن امرأة خافت من
بعلها نشوزاً ) [ النساء : 128 ] ، يعنى علمت ، وكقوله تعالى : ( وَإن خفتم شقاق
بينهما ) [ النساء : 35 ] ، يعنى علمتم ، ) أَن يرهقهما ( ، يعنى يغشيهما ، ) طُغياناً ( ،(2/298)
صفحة رقم 299
يعنى ظلماً ، ) وكفرا ) [ آية : 80 ] ، وفي قراءة أبي بن كعب : فخاف ربك ، يعنى
فعلم ربك .
الكهف : ( 81 ) فأردنا أن يبدلهما . . . . .
) فأردنا أن يبدلهما ربهما ( ، يعنى لأبويه لقتل الغلام ، والعرب تسمى الغلام غلاماً ،
ما لم تسو لحيته ، فأردنا أن يبدلهما ربهما ، يعنى يبدل والديه ، ) خيراً منهُ زكوةً ( ، يعنى
عملاً ، ) وأقرب رحما ) [ آية : 81 ] ، يعنى وأحسن منه براً بوالده ، وكان في شرف
وعده ، وبلغنا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ' إن الله عز وجل أبدلهما غلاماً مكان المقتول ، ولو
عاش المقتول لهلكا في سببه ' .
الكهف : ( 82 ) وأما الجدار فكان . . . . .
) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة ( ، يعنى في قرية تسمى : باجروان ،
ويقال : هي أنطاكية ، ) وكان تحته كنز لهما ( ، حدثنا عبيد الله قال : حدثنا أبي ، عن
مقاتل ، عن الضحاك ومجاهد ، قال : صحفاً فيها العلم ، ويقال : المال ، ) وكان أبوهما صالحا ( ، يعنى ذا أمانة ، اسم الأب : كاشح ، واسم الأم : دهنا ، واسم أحد الغلامين :
أصرم ، والآخر صريم ، ) فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما ( ، والأشد
ثماني عشرة سنة ، ) رحمة من ربك ( ، يقول : نعمة من ربك للغلامين ، ) وما فعلته ( ،
وما فعلت هذا ، ) عن أمري ( ، ولكن الله أمرني به ، ) ذلك تأويل ( ، يعني عاقبة ، ) ما لم تسطع عليه صبرا ) [ آية : 82 ] ، يعنى هذا عاقبة ما رأيت من العجائب ، نظيرها : ( هل ينظرون إلا تأويله ) [ الأعراف : 53 ] ، يعنى عاقبة ما ذكر الله تعالى في القرآن من
الوعيد .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 83 - 86 ] .
الكهف : ( 83 ) ويسألونك عن ذي . . . . .
) ويسألونك عن ذي القرنين ( ، يعنى الإسكندر قيصر ، ويسمى : الملك القابض ، على
قاف ، وهو جبل محيط بالعالم ، ذو القرنين ، وإنما سمى ذو القرنين ؛ لأنهُ أتى قرني الشمس
المشرق والمغرب ، ) قُل سأتلوا عليكم منهُ ( يا أهل مكة ، ) ذكرا ) [ آية : 83 ] ،
يعنى علماً .
الكهف : ( 84 ) إنا مكنا له . . . . .
) إِنا مكناً له في الأرض وءاتيناهُ من كُل شيء سبباً ) [ آية : 84 ] ، يعنى علم أسباب منازل
الأرض وطرقها ،
الكهف : ( 85 ) فأتبع سببا
) فأتبع سببا ) [ آية : 85 ] .(2/299)
صفحة رقم 300
الكهف : ( 86 ) حتى إذا بلغ . . . . .
) حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ( ، يعنى حارة سوداء ، قال ابن
عباس : إذا طلعت الشمس أشد حراً منها إذا غربت ، ) ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين ( ، أوحى الله عز وجل إليه ، جاءه جبريل ، عليه السلام ، فخبره : قلنا : فقال : ( إِما
أَن تعذب وَإِما أن تتخذ فيهم حُسناً [ آية : 86 ] ، يقول : وإما أن تعفو عنهم ، كل هذا مما
أمره الله عز وجل به وخيره .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 87 - 93 ] .
الكهف : ( 87 ) قال أما من . . . . .
) قال ( ذو القرنين : ( أَما من ظلم فسوف نُعذبهُ ( ، يعنى نقتله ، ) ثُم يردُ إِلى ربه
فيعذبه ( في الآخرة بالنار ، ) عذاباً نكراً ) [ آية : 87 ] ، يعنى فظيعاً .
الكهف : ( 88 ) وأما من آمن . . . . .
) وَأَما من ءامن ( ، يعنى صدق بتوحيد الله عز وجل ، ) وَعمل صالحاً فَلهُ جزاءً
الحسنى ( ، يعنى الجنة ، ) وسنقول له من أَمرنا يُسراً ) [ آية : 88 ] ، يقول : سنعده معروفاً ،
فلم يؤمن منهم غير رجل واحد ،
الكهف : ( 89 ) ثم أتبع سببا
) ثم اتبع سبباً ) [ آية : 89 ] ، يعنى علم منازل الأرض
وطرقها .
الكهف : ( 90 ) حتى إذا بلغ . . . . .
) حتى إِذا بلغَ مطلع الشمس وجدها تطلع على قومٍ لم نجعل لهم من دونها ستراً ) [ آية :
90 ] ، يعنى من دون الشمس ستراً كانوا يستقرون في الأرض في أسراب من شدة الحر ،
وكانوا في مكان لا يستقر عليهم البناء ، فإذا زالت الشمس خرجوا إلى معايشهم .
الكهف : ( 91 ) كذلك وقد أحطنا . . . . .
ثم قال : ( كذلك ( ، يعنى هكذا بلغ مطلع الشمس كما بلغ مغربها ، ثم استأنف
فقال سبحانه : ( وقد أحطنا بما لديه خبراً ) [ آية : 91 ] ، يعنى بما عنده علماً ،
الكهف : ( 92 ) ثم أتبع سببا
) ثُم اتبع
سبباً ) [ آية : 92 ] ، يعنى علم منازل الأرض وطرقها .
الكهف : ( 93 ) حتى إذا بلغ . . . . .
) حتى إِذا بلغ بين السدين ( ، يعنى بين الجبلين ، ) وجد من دونهما قوماً لا يكادونَ
يفقهون قولاً ) [ آية : 93 ] ، يعنى لم يكن أحد يعرف لغتهم .
) قالوا يا ذا القرنين إِن يأجوج ومأَجوجَ ( ، وهما أخوان من ولد يافث بن نوح ، ) مُفسدون(2/300)
صفحة رقم 301
في الأَرض ( ، يعنى بالفساد القتل ، يعنى أرض المسلمين ، ) فهل نجعل لك خرجاً ( ، يعنى
جعلاً ، ) عَلَى أَن تجعل بيننا وبينهم سداً ) [ آية : 94 ] ، لا يصلون إلينا .
تفسير سورة الكهف من الآية [ 94 - 100 ] .
الكهف : ( 95 ) قال ما مكني . . . . .
) قال ( ذو القرنين : ( ما مكني فيه ربي خيرٌ ( ، يقول : ما أعطاني ربي من الخير ،
خير من جعلكم ، يعنى أعطيتكم ، ) فأعينوني بقوةٍ ( ، يعنى بعدد رجال ، مثل قوله عز
وجل في سورة هود : ( ويزدكم قوةَ إلى قوتكم ) [ هود : 52 ] ، يعنى عدداً إلى
عددكم ، ) أَجعل بينكم وبينهم ردماً ) [ آية : 95 ] لا يصلون إليكم .
الكهف : ( 96 ) آتوني زبر الحديد . . . . .
) ءاتوني زُبر الحديد ( ، يعني قطع الحديد ، ) حتى إِذا ساوى بين الصدفين ( ، يعنى
حشى بين الجبلين بالحديد ، والصدفين الجبلين ، وبينهما واد عظيم ، ف ) قال انفخواْ ( على
الحديد ، ) حتى إِذا جعله ناراً قال ءاتوني أفرغ عليه قطراً ) [ آية : 96 ] ، قال : أعطوني
الصفر المذاب أصبه عليه ليلحمه فيكون أشد له .
قال رجل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : قد رأيت سد يأجوج ومأجوج ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' انعته لي ' ،
قال : هو كالبرد المحبر ، طريقة سوداء وطريقة حمراء ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' نعم قد رأيته ' ،
الكهف : ( 97 ) فما اسطاعوا أن . . . . .
يقول الله عز وجل : ( فما استطاعوا ( ، يعنى فما قدروا ، ) أَن يظهروهُ ( على أن يعلوه
من فوقه ، مثل قوله في الزخرف : ( معارج عليها يظهرونَ ) [ الزخرف : 33 ] ، يعنى
يرقون ، ) وما استطاعوا ( ، يعنى وما قدروا ، ) له نقباً ) [ آية : 97 ] .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو صالح ، عن مقاتل ، عن أبي
إسحاق ، قال : قال علي بن أبي طالب ، عليه السلام : أنهم خلف الردم ، لا يموت منهم
رجل حتى يولد له ألف ذكر لصلبه ، وهم يغدون إليه كل يوم ويعالجون الردم ، فإذا(2/301)
صفحة رقم 302
أمسوا يقولون : نرجع فنفتحه غداً ، ولا يستثنون ، حتى يولد فيهم رجل مسلم ، فإذا غدوا
إليه ، قال لهم المسلم : قولوا : باسم الله ، ويعالجون حتى يتركوه رقيقاً كقشر البيض ، ويروا
ضوء الشمس ، فإذا أصبحوا غدوا عليه ، فيقول لهم المسلم : نرجع غداً إن شاء الله
فنفتحه ، فإذا غدوا عليه ، قال لهم المسلم : قولوا : باسم الله ، فينقبونه ، فيخرجون منه ،
فيطوفون الأرض ، ويشربون ماء الفرات ، فيجئ آخرهم ، فيقول : قد كان هاهنا مرة
ماء ، ويأكلون كل شيء حتى الشجر ، ولا يأتون على شيء من غيرها إلا قاموه .
الكهف : ( 98 ) قال هذا رحمة . . . . .
فلما فرغ ذو القرنين من بناء الردم : ( قال هذا ( ، يعنى هذا الردم ، ) رحمة ( ، يعنى
نعمة ، ) من ربي ( ، للمسلمين ، فلا يخرجون إلى أرض المسلمين ، ) فإذا جاء وعد ربي (
في الردم وقع الردم ، فذلك قوله : ( جعله دكاء ( ، يعنى الردم وقع ، فيخرجون إلى أرض
المسلمين ، ) وكان وعد ربي حقا ) [ آية : 98 ] في وقوع الردم ، يعنى صدقاً فإذا خرجوا
هرب ثلث أهل الشام ، ويقاتلهم الثلث ، ويستسلم لهم الثلث .
الكهف : ( 99 ) وتركنا بعضهم يومئذ . . . . .
ثم أخبر سبحانه ، فقال : ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ( ، يعنى يوم فرغ ذو
القرنين من الردم ، ) يموج في بعض ( ، يعنى من وراء الردم ، لا يستطيعون الخروج منه ،
)( ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا ) [ آية : 99 ] ، يعنى بالجمع ، لم يغادر منهم أحد إلا حشره .
الكهف : ( 100 ) وعرضنا جهنم يومئذ . . . . .
) وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين ( ، بالقرآن من أهل مكة ، ) عرضا ) [ آية : 100 ] ،
يعنى بالعرض كشف الغطاء عنهم .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 101 - 102 ] .
الكهف : ( 101 ) الذين كانت أعينهم . . . . .
) الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري ( ، يعنى عليها غشاوة الإيمان بالقرآن ، لا
يبصرون الهدى بالقرآن ، ) وكانوا لا يستطيعون سمعا ) [ آية : 101 ] ، يعنى الإيمان
بالقرآن سمعاً ، كقوله سبحانه : ( إِنا جعلنا على قلوبهم أَكنة أَن يفقهوهُ وفي ءاذانهم
وقراً ) [ الكهف : 57 ] ، يعنى ثقلاً .
الكهف : ( 102 ) أفحسب الذين كفروا . . . . .
) أفحسب الذين كفروا ( ، من أهل مكة ، ) أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ( ،
يعنى بالآلهة بأن ذلك نافعهم ، وأنها تشفع لهم ، ثم أخبر بمنزلتهم في الآخرة ، فقال(2/302)
صفحة رقم 303
سبحانه : ( إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ) [ آية : 102 ] ، يعنى منزلاً .
تفسير سورة الكهف من الآية : [ 103 - 108 ] .
الكهف : ( 103 ) قل هل ننبئكم . . . . .
) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ) [ آية : 103 ] ، يعنى أصحاب الصوامع من النصارى .
الكهف : ( 104 ) الذين ضل سعيهم . . . . .
ثم نعتهم ، فقال : ( الذين ضل سعيهم ( ، يعنى حبطت أعمالهم التي عملوها ، ) في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) [ آية : 104 ] .
الكهف : ( 105 ) أولئك الذين كفروا . . . . .
) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ( ، يعنى القرآن ، ) ولقائه ( ، يعنى بالعبث الذي
فيه جزاء الأعمال ، ) فحبطت أعمالهم ( ، يعنى فبطلت أعمالهم الحسنة ، فلا تقبل منهم ؛
لأنها كانت في غير إيمان ، ) فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) [ آية : 105 ] من خير قدر
مثقال جناح بعوضة .
الكهف : ( 106 ) ذلك جزاؤهم جهنم . . . . .
) ذلك جزاؤهم ( ، يقول : هذا جزاؤهم ، ) جهنم بما كفروا ( بالقرآن ، ) واتخذوا
ءاياتي ( ، يعنى القرآن ، ) ورسلي ( ، يعنى محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) هزوا ) [ آية : 106 ] ، يعنى
استهزاء بهما أنهما ليسا من الله عز وجل .
الكهف : ( 107 ) إن الذين آمنوا . . . . .
ثم ذكر المؤمنين ، وما أعد لهم ، فقال سبحانه : ( إِن الذين ءامنوا ( ، يعنى صدقوا ،
)( وعملوا الصالحات ( من الأعمال ، ) كانت لهم جنات الفردوس نزلا ) [ آية : 107 ] ، بلغة
الروم ، يعنى البساتين عليها الحيطان .
الكهف : ( 108 ) خالدين فيها لا . . . . .
) خالدين فيها ( ، لا يموتون ، ) لا يبغون عنها حولا ) [ آية : 108 ] ، يعنى تحولاً إلى
غيرها ، وذلك أن اليهود قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : تزعم أنك أوتيت الحكمة ، والحكمة العلم كله ،
وتزعم أنه لا علم لك بالروح ، وتزعم أن ) الروح من أمر ربي ) [ الإسراء : 85 ] ،
فكيف يكون هذا ؟ فقال الله تعالى ذكره لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : إنك أوتيت علماً ، وعلمك في علم
الله قليل .
تفسير سورة الكهف من آية : [ 109 - 110 ] .(2/303)
صفحة رقم 304
الكهف : ( 109 ) قل لو كان . . . . .
فقال سبحانه لليهود : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي ( ، يعنى علم ربي جل
جلاله ، ) لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ( ، يعنى علم ربي ، ) ولو جئنا بمثله مددا ) [ آية : 109 ] ، بخبر الناس أنه لا يدرك أحد علم الله عز وجل .
الكهف : ( 110 ) قل إنما أنا . . . . .
) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( ، يقول : ربكم رب واحد ،
)( فمن كان يرجوا لقاء ربه ( ، يقول : من كان يخشى البعث في الآخرة ، نزلت في جندب
بن زهير الأزدي ، ثم العامري ، قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إنا لنعمل العمل نريد به وجه الله عز
وجل ، فيثنى به علينا ، فيعجبنا ذلك ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' إن الله لغني لا يقبل ما شورك
فيه ' ، فأنزل الله عز وجل : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه ( ) فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) [ آية : 110 ] .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، قال : قال النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : ' يقول الله عز وجل : أنا خير شريك ، من أشركني في عمل ، جعلت العمل كله
لشريكي ، ، ولا أقبل إلا ما كان لي خالصاً ' .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن شيبان أبي معاوية التميمي ، قال :
إن الله عز وجل ليحفظ الصالحين في أبنائهم ؛ لقوله عز وجل : ( وكان أبوهما صالحا (
[ الكهف : 82 ] .
قال : اسم الكهف : بانجلوس ، واسم القرية : اللوس ، واسم المدينة : أفسوس ، واسم
الكلب : قطمير ، واسم القاضيين ، أحدهما : مارنوس ، والآخر : اسطوس ، واسم الملك
دقيوس ، وأسماء أهل الكهف : دوانس ، ونواس ، مارطونس ، رسارنوس ، وقاطلس ،
وطسططنوس ، ومكسلمينا ، ويمليخا .
وحدثنا عبيد الله ، قال : وحدثني أبي ، عن الهذيل ، عن غياث بن إبراهيم ، عن عطاء
بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، قال : ما في الأرض لغة إلا أنزلها الله في القرآن ، وقال :
اسم جبريل : عبد الله ، واسم ميكائيل : عبيد الله .
قال : وحدثني أبي ، عن الهذيل ، عن الليث بن سعد ، عن عطاء بن خالد ، قال : يحج(2/304)
صفحة رقم 305
عيسى إذا نزل في سبعين ألفاً ، فيهم أصحاب الكهف ، فإنهم لم يموتوا ولم يحجوا .(2/305)
صفحة رقم 306
( سورة مريم )
1 ( مكية كلها ، إلا آية سجدتها ، فإنها مدنية ، وهي ثمان وتسعون آية كوفي )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة مريم من آية : [ 1 ] .
مريم : ( 1 ) كهيعص
) كهيعص ) [ آية : 1 ] ، كاف ، هاد ، عالم ، صادق ، هذا ثناء الرب تبارك
وتعالى على نفسه ، يقول : كافياً لخلقه ، هادياً لعباده ، الياء من الهادي ، عالم ببريته ، صادق
في قوله عز وجل .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 2 - 9 ] .
مريم : ( 2 ) ذكر رحمة ربك . . . . .
ثم قال سبحانه : ( ذكر رحمت ربكَ ( ، يعنى نعمة ربك يا محمد ، ) عبده زكريا ) [ آية : 2 ] ابن برخيا ، وذلك أن الله تعالى ذكر عبده زكريا بالرحمة .
مريم : ( 3 ) إذ نادى ربه . . . . .
) إذ نادى ربه نداء خفيا ) [ آية : 3 ] ، يقول : إذ دعا ربه دعاء سراً ، وإنما دعا ربه
عز وجل سراً ؛ لئلا يقول الناس : انظروا إلى هذا الشيخ الكبير ، يسأل الولد على كبره .
مريم : ( 4 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني وهن العظم مني ( ، يعنى ضعف العظم مني ، ) واشتعل الرأس شيبا ( ، يعنى بياضاً ، ) ولم أكن بدعائك رب شقيا ) [ آية : 4 ] ، يعنى خائباً فيما
خلا ، كنت تستجيب لي ، فلا تخيبني في دعائي إياك بالولد .(2/306)
صفحة رقم 307
مريم : ( 5 ) وإني خفت الموالي . . . . .
) وَإني خفت الموالي من وراءى وكانت امرأتي عاقراً ( ، يقول : خفت الكلالة ،
وهم العصبة من بعد موتي أن يرثوا مالي ، ) فهب لي من لدنك وليا ) [ آية : 5 ] ، يعنى
من عندك ولداً .
مريم : ( 6 ) يرثني ويرث من . . . . .
) يرثني ( ، يرث مالي ، ) ويرث من ءال يعقوب ( ابن ماثان علمهم ، ورياستهم
في الأحبار ، وكان يعقوب وعمران أبو مريم أخوين ابنا ماثان ، ومريم ابنة عمران بن
ماثان ، ) واجعله رب رضيا ) [ آية : 6 ] ، يعنى صالحاً .
مريم : ( 7 ) يا زكريا إنا . . . . .
فاستجاب الله عز وجل لزكريا في الولد ، فأتاه جبريل وهو يصلي ، فقال :
( يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ) [ آية : 7 ] ، لم
يكن أحد من الناس فيما خلا يسمى يحيى ، وإنما سماه يحيى ؛ لأنه أحياه من بين شيخ كبير
وعجوز عاقر .
مريم : ( 8 ) قال رب أنى . . . . .
فلما بشر ميتين بالولد ، ) قال رب أنى يكون لي غلام ( ، يعنى من أين يكون لي
غلام ؟ ) وكانت امرأتي عاقرا ( ، أيليشفع لا تلد ، ) وقد بلغت ( أنا ) من الكبر عتيا ) [ آية : 8 ] ، يعنى بؤساً ، وكان زكريا يومئذ ابن خمس وسبعين سنة .
مريم : ( 9 ) قال كذلك قال . . . . .
) قال ( له جبريل ، عليه السلام : ( كذلك ( ، يعنى هكذا ، ) قال ربك ( إنه
ليكون لك غلام ، ) هو علي هين وقد خلقتك من قبل ( أن تسألني الولد ، ) ولم تك شيئا ) [ آية : 9 ] .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 10 - 15 ] .
مريم : ( 10 ) قال رب اجعل . . . . .
) قال ( زكريا : ( رب اجعل لي ءايةً ( ، يعنى علماً للحبل ، فسأل الآية بعد(2/307)
صفحة رقم 308
مشافهة جبريل ، ) قال ( جبريل ، عليه السلام ، ) ءايتكَ ( إذا جامعتها على طهر
فحبلت ، فإنك تصبح تلك الليلة لا تستنكر من نفسك خرساً ، ولا مرضاً ، ولكن لا
تستطيع الكلام ، ) ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ) [ آية : 10 ] أنت فيهن سوي
صحيح ، فأخذ بلسانه عقوبة حين سأل الآية بعد مشافهة جبريل ، عليهما السلام ، ولم
يحبس الله عز وجل لسانه عن ذكره ولا عن الصلاة .
مريم : ( 11 ) فخرج على قومه . . . . .
) فخرج ( زكريا ) على قومه ( ، بني إسرائيل ، ) من المحراب ( ، يعنى من
المسجد ، ) فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ) [ آية : 11 ] ، يقول : كتب كتاباً بيده ،
وهو الوحي إليهم : أن صلوا بالغداة والعشي .
مريم : ( 12 ) يا يحيى خذ . . . . .
) يا يحيى خذ الكتاب ( ، يعنى التوراة ، ) بقوة ( ، يعنى بجد ومواظبة عليه ،
)( وءاتينهُ الحكم صبياً ) [ آية : 12 ] ، يعنى وأعطينا يحيى العلم والفهم وهو ابن ثلاث
سنين .
مريم : ( 13 ) وحنانا من لدنا . . . . .
) وحنانا من لدنا ( ، يقول : رحمة من عندنا ، ) وزكاة ( ، يعنى جعله صالحاً وطهره
من الذنوب ، ) وكان تقيا ) [ آية : 13 ] ، يعنى مسلماً .
مريم : ( 14 ) وبرا بوالديه ولم . . . . .
) وبرا بوالديه ( ، يقول : وجعلناه مطيعاً لوالديه ، ) ولم يكن جبارا ( ، يعنى متكبراً
عن عبادة الله عز وجل ، ) عصيا ) [ آية : 14 ] ، يعنى ولا عاص لربه .
مريم : ( 15 ) وسلام عليه يوم . . . . .
) وسلام عليه ( ، يعنى على يحيى ، عليه السلام ، ) يوم ولد ( ، يعنى حين ولد ، مثل
قوله سبحانه : ( في كتاب الله يوم خلق السماوات ) [ التوبة : 36 ] ، يعنى حين خلق
السموات ، قال عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) : ( يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) [ مريم : 33 ] ،
يعنى حين أموت ، وحين أبعث ، ) وسلام عليه يوم ولد ( ) ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) [ آية : 15 ] ، يعنى حين يبعث بعد الموت .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 16 - 21 ] .(2/308)
صفحة رقم 309
مريم : ( 16 ) واذكر في الكتاب . . . . .
) واذكر ( لأهل مكة ، ) في الكتاب مريم ( ، يعنى في القرآن ابنة عمران بن ماثان ،
ويعقوب بن ماثان ، من نسل سليمان بن داود عليهم السلام ، ) إذ انتبذت ( ، يعنى إذ
انفردت ، ) من أهلها مكانا شرقيا ) [ آية : 16 ] ، فجلست في المشرقة ؛ لأنه كان الشتاء .
مريم : ( 17 ) فاتخذت من دونهم . . . . .
) فاتخذت من دونهم حجابا ( ، يعنى جبلاً ، فجعلت الجبل بينها وبينهم ، فلم يرها
أحد منهم ، كقوله في ص : ( حتى توارت بالحجاب ) [ ص : 32 ] ، يعنى الجبل ، وهو
دون ق بمسيرة سنة ، والشمس تغرب من ورائه ، ) فأرسلنا إليها روحنا ( ، يعنى جبريل ،
عليه السلام ، ) فتمثل لها بشرا سويا ) [ آية : 17 ] ، يعنى إنساناً سوياً ، يعنى سوى
الخلق ، على صورة شاب أمرد ، جعد الرأس .
مريم : ( 18 ) قالت إني أعوذ . . . . .
فلما رأته حسبته إنساناً ، ) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) [ آية : 18 ] ،
يعنى مخلصاً لله عز وجل تعبده .
مريم : ( 19 ) قال إنما أنا . . . . .
) قال ( جبريل ، عليه السلام : ( إنما أنا رسول ربك لأهب لك ( بأمر الله عز
وجل ، ) غلاما زكيا ) [ آية : 19 ] ، يعنى مخلصاً ، يقول صالحاً .
مريم : ( 20 ) قالت أنى يكون . . . . .
) قالت ( مريم : ( إني ( من أين ) يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ( ، يعنى ولم
يكن لي زوج ، ) ولم أك بغيا ) [ آية : 20 ] ، يعنى ولم أركب فاحشة .
مريم : ( 21 ) قال كذلك قال . . . . .
) قال ( جبريل ، عليه السلام : ( كذلك ( ، يعنى هكذا ، ) قال ربك ( إنه
يكون لك ولد من غير زوج ، ) هو على ( ، على الله ، ) هين ( ، يعنى يسير أن يخلق
في بطنك ولداً من غير بشر ، ) ولنجعلهُ ءايةً ( ، يقول : ولكي نجعله عبرة ،
)( للناس ( ، يعنى في بني إسرائيل ، ) ورحمة ( ، يعنى ونعمة ، ) منا ( لمن تبعه على
دينه ، مثل قوله سبحانه : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [ الأنبياء : 107 ] ، يعنى
بالرحمة النعمة لمن اتبعه على دينه ، ) وكان ( عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) من غير بشر ، ) أمرا مقضيا ) [ آية : 21 ] ، قد قضى الله عز وجل في اللوح المحفوظ أنه كائن لا بد .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 22 - 33 ] .(2/309)
صفحة رقم 310
مريم : ( 22 ) فحملته فانتبذت به . . . . .
) فحملته ( أمه مريم ، عليها السلام ، وهي ابنة ثلاث عشرة سنة ، ومكثت مع
عيسى ، عليه السلام ، ثلاثاً وثلاثين سنة ، وعاشت بعدما رفع عيسى ست سنين ، فماتت
ولها اثنتان وخمسون سنة ، فحملته أمه في ساعة واحدة ، وصور في ساعة واحدة ،
وأرضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها ، وقد كانت حاضت حيضتين قبل
حمله ، ) فانتبذت به ( ، يعنى فانفردت بعيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) مكانا قصيا ) [ آية : 22 ] ،
يعنى نائياً من أهلها من وراء الحيل .
مريم : ( 23 ) فأجاءها المخاض إلى . . . . .
) فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ( ، يعنى فألجأها ، ولم يكن لها سعف ،
)( قالت ( مريم : ( يا ليتني مت قبل هذا ( الولد حياء من الناس ، ثم قالت : ( وكنت نسيا منسيا ) [ آية : 23 ] ، يعنى كالشيء الهالك الذي لا يذكر فينسى .
مريم : ( 24 ) فناداها من تحتها . . . . .
) فناداها ( جبريل ، عليه السلام ، ) من تحتها ( ، يعنى من أسفل منها في الأرض ،
وهي فوقه على رابية ، وجبريل ، عليه السلام ، يناديها بهذا الكلام : ( ألا تخزني ( ، ذلك
حين تمنت الموت ، ) قد جعل ربك تحتك سريا ) [ آية : 24 ] ، يعنى الجدول الصغير من
الأنهار .
مريم : ( 25 ) وهزي إليك بجذع . . . . .
وقال جبريل ، عليه السلام ، لها : ( وهزي إليك ( ، يعنى وحركي إليك ، ) بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ) [ آية : 25 ] ، يعنى بالجني ما ترطب به من البسر ،
وكانت شجرة يابسة ، فاخضرت وهي تنظر ، وحملت الرطب مكانها وهي تنظر ، ثم
نضجت وهي تنظر ، ثم أجرى الله عز وجل لها نهراً من الأردن حتى جاءها ، فكان
بينهما وبين جبريل ، عليه السلام ، وهذا كلام جبريل لها ، وإنما جعل الله عز وجل ذلك
لتؤمن بأمر عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ولا تعجب منه .(2/310)
صفحة رقم 311
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : قال مقاتل : وأخبرت عن
ليث بن أبي سليم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( إني نذرت للرحمن صوما ( ،
يعنى صمتاً .
مريم : ( 26 ) فكلي واشربي وقري . . . . .
) فكلي ( من النخلة ، ) واشربي ( من الماء العذب ، ) وقري عينا ( بالولد ، ) فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما ( ، يعنى صمتاً ، ) فلن أكلم اليوم إنسيا ) [ آية : 26 ] في عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) .
مريم : ( 27 ) فأتت به قومها . . . . .
) فأتت به قومها ( بالولد ، ) تحمله ( إلى بني إسرائيل في حجرها ملفوفاً في
خرق ، ) قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) [ آية : 27 ] ، يقول : أتيت أمراً منكراً .
مريم : ( 28 ) يا أخت هارون . . . . .
) ياأُخت هَارونَ ( الذي هو أخو موسى . حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن
الهذيل ، قال : قال مقاتل : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' إنما عنوا هارون أخا موسى ؛ لأنها كانت
من نسله ' ، ) ما كان أبوك ( عمران ، ) امرأ سوء ( ، يعنى بزان ، كقوله سبحانه :
( من أراد بأهلك سوءا ) [ يوسف : 25 ] ، يعنى الزنا ، وكقوله سبحانه : ( ما علمنا عليه من سوء ) [ يوسف : 51 ] ، وكان عمران من عظماء بني إسرائيل ، ) وما كانت أمك ( جنة ، ) بغيا ) [ آية : 28 ] بزانية ، فمن أين هذا الولد ؟
مريم : ( 29 ) فأشارت إليه قالوا . . . . .
) فأشارت إليه ( ، يعنى إلى ابنها عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) أن كلموه ، ) قالوا ( ، قال قومها :
( كيف نكلم من كان ( ، يعنى من هو ، ) في المهد ( ، يعنى في حجر أمه ملفوفاً في
خرق ، ) صبيا ) [ آية : 29 ] ، فدنا زكريا من الصبي ، فقال : تكلم يا صبي بعذرك إن
كان لك عذر .
مريم : ( 30 ) قال إني عبد . . . . .
ف ) قال ( الصبي ، وهو يومئذ ولد ، ) إني عبد الله ( ، وكذبت النصارى فيما
يقولون ، فأول ما تكلم به الصبي أنه أقر لله بالعبودية ، ) ءاتاني الكتاب ( ، يعنى أعطاني
الإنجيل فعلمنيه ، ) وجعلني نبيا ) [ آية : 30 ] .
مريم : ( 31 ) وجعلني مباركا أين . . . . .
) وجعلني مباركا ( ، يعني معلماً مؤدباً في الخير ، ) أين ما كنت ( من الأرض ،
)( وأوصاني ب ( إقامة ) بالصلاة و ( إيتاء ) والزكاة ما دمت حيا ) [ آية : 31 ] .
مريم : ( 32 ) وبرا بوالدتي ولم . . . . .
) وبرا بوالدتي ( ، يقول : وأوصاني أن أكون براً بوالدتي ، يعنى مطيعاً لأمي مريم ،(2/311)
صفحة رقم 312
) ولم يجعلني جبارا ( ، يعنى متكبراً عن عبادة الله ، ) شقيا ) [ آية : 32 ] ، يعنى عاصياً .
لله عز وجل .
مريم : ( 33 ) والسلام علي يوم . . . . .
) والسلام علي يوم ولدت ( ، فلما ذكر الوالدة ، ولم يذكر الوالد ، ضمه زكريا إلى
صدره ، وقال : أشهد أنك عبد الله ورسوله ، ) والسلام علي يوم ولدت ( ، يعنى حين
ولدت ، ) ويوم أموت ( ، يعنى وحين أموت ، ) ويوم أبعث حيا ) [ آية : 33 ] ، يعنى
وحين أبعث حياً بعد الموت في الآخرة ، ثم لم يتكلم بعد ذلك حتى كان بمنزلة غيره من
الصبيان ، فلما قال : ( وبرا بوالدتي ( ، ضمه زكريا .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 34 - 40 ] .
مريم : ( 34 ) ذلك عيسى ابن . . . . .
يقول الله عز وجل : ( ذلك عيسى ابن مريم قول الحق ( ، يعنى هذا عيسى ابن
مريم قول العدل ، يعنى الصدق ، ) الذي فيه يمترون ) [ آية : 34 ] ، يعنى الذي فيه
يشكون في أمر عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهم النصارى .
مريم : ( 35 ) ما كان لله . . . . .
) ما كان لله أن يتخذ من ولد ( ، يعنى عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) سبحانه ( ، نزه نفسه عز
وجل ، ) إذا قضى أمرا ( كان في علمه ، يعنى عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) فإنما يقول له كن فيكون (
[ آية : 35 ] ، مرة واحدة لا يثنى القول فيه مرتين .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، قال : حدثني مقاتل ، عن الضحاك ،
عن ابن عباس ، أنه قال : ( كن فيكون ( بالفارسية ، لا يثنى القول مرتين ، إذا قال مرة
كان .
مريم : ( 36 ) وإن الله ربي . . . . .
ثم قال عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) لبني إسرائيل : ( وإن الله ربي وربكم فاعبدوه ( ، يعنى فوحدوه ،
)( هذا ( التوحيد ) صراط مستقيم ) [ آية : 36 ] ، يعنى دين الإسلام مستقيم ، وغير
دين الإسلام أعوج ليس بمستقيم .(2/312)
صفحة رقم 313
مريم : ( 37 ) فاختلف الأحزاب من . . . . .
) فاختلفت الأحزاب ( ، يعنى النصارى ، ) من بينهم ( ، تحزبوا في عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاث
فرق : النسطورية قالوا : عيسى ابن الله ، ) وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ) [ الإسراء :
43 ] ، والماريعقوبية قالوا : عيسى هو الله ، ) سبحانه وتعالى عما يقولون ) [ الإسراء :
43 ] ، والملكانيون قالوا : ( إن الله ثالث ثلاثة ) [ المائدة : 73 ] ، يقول الله : وحده لا
شريك له : ( فويل للذين كفروا ( ، يعنى تحزبوا في عيسى ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) من مشهد يوم عظيم (
[ آية : 37 ] لديه ، يعنى يوم القيامة .
مريم : ( 38 ) أسمع بهم وأبصر . . . . .
) أسمع بهم وأبصر ( ، يقول : هم يوم القيامة أسمع قوم وأبصر بما كانوا فيه من الوعيد
وغيره ، ) يوم يأتوننا ( في الآخرة ، فذلك قوله سبحانه : ( ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) [ السجدة : 21 ] ، ثم قال سبحانه : ( لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ) [ آية : 38 ] ، يعنى المشركين اليوم في الدنيا في ضلال مبين ، فلا يسمعون
اليوم ، ولا يبصرون ما يكون في الآخرة .
مريم : ( 39 ) وأنذرهم يوم الحسرة . . . . .
) وأنذرهم ( ، يعنى كفار مكة ، ) يوم الحسرة ( ، يوم يذبح الموت كأنه كبش أملح .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، عن عثمان بن سليم ، عن
عبد الله بن عباس ، أنه قال : يجعل الموت في صورة كبش أملح ، فيذبحه جبريل بين الجنة
والنار ، وهم ينظرون إليه ، فيقال لأهل الجنة : خلود فلا موت فيها ، ولأهل النار : خلود
فلا موت فيها ، فلولا ما قضى الله عز وجل على أهل النار من تعمير أرواحهم في
أبدانهم لماتوا من الحسرة .
ثم قال سبحانه : ( إذ قضي الأمر ( ، يعنى إذا قضي العذاب ، ) وهم في غفلة ( اليوم ،
)( وهم لا يؤمنون ) [ آية : 39 ] ، يعنى لا يصدقون بما يكون في الآخرة .
مريم : ( 40 ) إنا نحن نرث . . . . .
) إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ( ، يعنى نميتهم ويبقى الرب جل جلاله ، ونرث أهل
السماء وأهل الأرض ، ثم قال سبحانه : ( وإلينا يرجعون ) [ آية : 40 ] ، يعنى في الآخرة
بعد الموت .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 41 - 50 ] .(2/313)
صفحة رقم 314
مريم : ( 41 ) واذكر في الكتاب . . . . .
) واذكر ( يا محمد لأهل مكة ، ) في الكتاب ( ، يعنى في القرآن الكريم أمر ) إبراهيم إنه كان صديقا ( ، يعنى مؤمناً بالله تعالى ، ) نبيا ) [ آية : 41 ] ، مثل قوله سبحانه : ( وأمه صديقة ) [ المائدة : 75 ] ، يعنى مؤمنة .
مريم : ( 42 ) إذ قال لأبيه . . . . .
) إذ قال لأبيه ( آزر : ( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ( الصوت ، ) ولا يبصر ( شيئاً ،
يعنى الأصنام ، ) ولا يغني عنك شيئا ) [ آية : 42 ] في الآخرة .
مريم : ( 43 ) يا أبت إني . . . . .
) ياأَبتِ إِني قد جاءني من العلمِ ( ، يعنى البيان ، ) ما لم يأتك ( ، يعنى ما يكون
من بعد الموت ، ) فاتبعني ( على ديني ، ) أهدك صراطا سويا ) [ آية : 43 ] ، يعنى طريقاً
عدلاً ، يعنى دين الإسلام .
مريم : ( 44 ) يا أبت لا . . . . .
) ياأبت لا تعبدُ الشيطان ( ، يعنى لا تطع الشيطان في العبادة ، ) إن الشيطان كان للرحمن عصيا ) [ آية : 44 ] ، يعنى عاصاً ملعوناً .
مريم : ( 45 ) يا أبت إني . . . . .
) ياأبتِ إِني أخاف أَن يمسكَ ( ، يعنى أن يصيبك ، ) عذاب من الرحمن ( في الآخرة ،
)( فتكون للشيطان وليا ) [ آية : 45 ] ، يعنى قريباً في الآخرة .
مريم : ( 46 ) قال أراغب أنت . . . . .
فرد عليه أبوه ف ) قالَ أَراغب أَنت عن ءالهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنكَ ( ، يعنى
لئن لم تسكت لأشتمنك ، ) واهجرني مليا ) [ آية : 46 ] ، يعنى أيام حياتك ، ويقال :
طويلاً ، واعتزلني وأطل هجراني ، وكل شيء في القرآن لأرجمنك ، يعني به القتل ، غير
هذا .
مريم : ( 47 ) قال سلام عليك . . . . .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن أبي صالح ، عن مقاتل ، عن ابن عباس :
واعتزلني سالم العرض لا يصيبك مني معرة ، ) قال ( إبراهيم : ( سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ) [ آية : 47 ] ، يعنى لطيفاً رحيماً .
مريم : ( 48 ) وأعتزلكم وما تدعون . . . . .
) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ( ، وأعتزل ما تعبدون من دون الله من الآلهة ،(2/314)
صفحة رقم 315
فكان اعتزاله إياهم أنه فارقهم من كوثا ، فهاجر منها إلى الأرض المقدسة ، ثم قال
إبراهيم : ( وَأدعوا ربي ( في الاستغفار لك ، ) عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ) [ آية : 48 ] ، يعنى خائباً بدعائي لك بالمغفرة .
مريم : ( 49 ) فلما اعتزلهم وما . . . . .
) فلما اعتزلهم و ( واعتزل ) وما يعبدون من دون الله ( من الآلهة ، وهي الأصنام ،
وذهب مهاجراً منها ، ) وَهبنا لهُ ( بعد الهجرة إلى الأرض المقدسة ، ) إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ) [ آية : 49 ] ، يعنى إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب .
مريم : ( 50 ) ووهبنا لهم من . . . . .
) ووهبنا لهم من رحمتنا ( ، يعنى من نعمتنا ، ) وجعلنا لهم لسان صدق عليا ) [ آية :
50 ] ، يعنى ثناء حسناً رفيقاً يثنى عليهم جميع أهل الأديان بعدهم .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 51 - 55 ] .
مريم : ( 51 ) واذكر في الكتاب . . . . .
) واذكر ( لأهل مكة ، ) في الكتاب موسى إنه كان مخلصا ( ، يعنى مسلماً موحداً ،
)( وكان رسولا نبيا ) [ آية : 51 ] .
مريم : ( 52 ) وناديناه من جانب . . . . .
) وناديناه ( ، يعنى دعوناه ليلة الجمعة ، ) من جانب الطور الأيمن ( يعنى من ناحية
الجبل ، ) وقربناه نجيا ) [ آية : 52 ] ، يعنى كلمناه من قرب ، وكان بينهما حجاب خفي
سمع صرير القلم ، ويقال : صريف القلم .
مريم : ( 53 ) ووهبنا له من . . . . .
) ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ) [ آية : 53 ] ، فوهب الله عز وجل له أخاه
هارون ، وذلك حين سأل موسى ، عليه السلام ، ربه عز وجل ، فقال : ( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي ) [ طه : 29 ، 30 ] ، وحين قال : ( فأرسل إلى هارون (
[ الشعراء : 13 ] .
مريم : ( 54 ) واذكر في الكتاب . . . . .
) واذكر في الكتاب ( ، يعنى واذكر لأهل مكة في القرآن أمر ) إسماعيل ( بن
إبراهيم لصلبه ، ) إنه كان صادق الوعد ( ، وذلك أن إسماعيل ، عليه السلام ، وعد رجلاً
أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه ، فأقام ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع الرجل إليه ، ) وكان رسولا نبيا ) [ آية : 54 ] .(2/315)
صفحة رقم 316
مريم : ( 55 ) وكان يأمر أهله . . . . .
) وكان يأمر أهله ( ، كقوله سبحانه في طه : ( وأمر أهلك ) [ طه : 132 ] ، يعنى
قومك ، ) بالصلاة ( ، وفي قراءة ابن مسعود : وكان يأمر قومه بالصلاة ، ) والزكاة وكان عند ربه مرضيا ) [ آية : 55 ] .
تفسير سورة مريم الآية : [ 56 - 58 ] .
مريم : ( 56 ) واذكر في الكتاب . . . . .
) واذكر ( لأهل مكة ، ) في الكتاب ( ، يعنى القرآن ، ) إدريس ( ، وهو جد أبي
نوح ، واسمه : أخنوخ ، عليه السلام ، ) إنه كان صديقا ( ، يعنى مؤمناً بتوحيد الله عز
وجل ، ) نبيا ) [ آية : 56 ] .
مريم : ( 57 ) ورفعناه مكانا عليا
) ورفعناه مكانا عليا ( آية : 57 ] ، يعنى في السماء الرابعة ، وفيما مات ، وذلك حين
دعا للملك الذي يسوق الشمس .
مريم : ( 58 ) أولئك الذين أنعم . . . . .
) أولئك الذين أنعم الله عليهم ( بالنبوة ) من النبين ( ، يعنى هؤلاء الذين سموا في
هؤلاء الآيات ، ) من ذرية ءادم ( ، ثم إدريس ، ) وممن حملنا مع نوح ( في السفينة ،
يقول : ومن ذرية من حملنا مع نوح في السفينة ، وهو إبراهيم ، ) ومن ذرية إبراهيم ( ،
إسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ) و ( من ذرية ) وإسرائيل ( ، وهو يعقوب ، وموسى ،
وهارون ، ) وممن هدينا ( للإسلام ، ) واجتبينا ( واستخلصنا للرسالة والنبوة ، ) إذا تتلى
عليهم ءاياتُ الرحمن ( ، يعنى إذا قرئ عليهم كلام الرحمن ، يعنى القرآن ، ) خروا سجدا (
على وجوههم ، ) وبكيا ) [ آية : 58 ] ، يعني يبكون ، نزلت في مؤمني أهل التوراة
عبد الله بن سلام وأصحابه ، نظيرها في بني إسرائيل : ( يخرون للأذقان سجدا (
[ الإسراء : 107 ] ، ) ويخرون للأذقان يبكون ) [ الإسراء : 109 ] .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 59 - 66 ] .(2/316)
صفحة رقم 317
مريم : ( 59 ) فخلف من بعدهم . . . . .
) فخلف من بعدهم خلف ( ، يعنى من بعد النبيين خلف السوء ، يعنى اليهود ، فهذا
مثل ضربه الله عز وجل لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، يقول : ولا تكونوا خلف السوء مثل اليهود ، ثم
نعتهم ، فقال سبحانه : ( أضاعوا الصلاة ( ، يعنى أخروها عن مواقيتها ، ) واتبعوا الشهوات ( ، يعنى الذين استحلوا تزويج بنت الأخت من الأب ، نظيرها في النساء :
( الذين يتبعون الشهوات ( ، [ النساء : 27 ] ، يعنى الزنا ، ) فسوف يلقون غيا ) [ آية :
59 ] في الآخرة ، وهو واد في جهنم .
مريم : ( 60 ) إلا من تاب . . . . .
) إلا من تاب ( من الشرك ، ) وءامن ( بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، يعنى وصدق بتوحيد الله عز
وجل ، ) وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون ( ، يعنى ولا ينقضون ) شيئا (
[ آية : 60 ] من أعمالهم الحسنة حتى يجازوا بها ، فيجزيهم ربهم .
مريم : ( 61 ) جنات عدن التي . . . . .
) جنات عدن التي وعد الرحمن عباده ( المؤمنين على ألسنة الرسل في الدنيا ،
)( بالغيب ( ولم يروه ، ) إنه كان وعده مأتيا ) [ آية : 61 ] ، يعنى جائياً لا خلف له .
مريم : ( 62 ) لا يسمعون فيها . . . . .
) لا يسمعون فيها ( ، يعنى في الجنة ، ) لغوا ( ، يعنى الحلف إذا شربوا الخمر ، يعنى
لا يحلفون كما يحلف أهل الدنيا إذا شربوا ، نظيرها في الواقعة ، وفي الصافات ، ثم قال :
( إلا سلاما ( ، يعنى سلام الملائكة عليهم فيها ، ) ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) [ آية : 62 ] ، يعنى بالرزق الفاكهة على مقدار طرفي النهار في الدنيا .
مريم : ( 63 ) تلك الجنة التي . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : ( تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) [ آية :
63 ] ، يعنى مخلصاً لله عز وجل .
مريم : ( 64 ) وما نتنزل إلا . . . . .
) وما نتنزل إلا بأمر ربك ( ، وذلك أن جبريل ، عليه السلام ، احتبس على النبي ( صلى الله عليه وسلم )
أربعين يوماً ، ويقال : ثلاثة أيام : فقال مشركو مكة : قد ودعه ربه وقلاه ، فلما نزل
جبريل ، عليه السلام ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' يا جبريل ، ما جئت حتى اشتقت إليك ' ، قال : وأنا
إليك كنت أشد شوقاً ، ونزل في قولهم : ( والضحى والليل إذا سجى ) [ سورة
الضحى ] ، ) ألم نشرح لك ) [ سورة الشرح ] جميعاً ، وقال جبريل ، عليه السلام :
( وما نتنزل ( من السماء ) إلا بأمر ربك ( ، ) له ما بين أيدينا ( من أمر الآخرة ،
)( وما خلفنا ( من أمر الدنيا ، ) وما بين ذلك ( ، يعنى ما بين الدنيا والآخرة ، يعنى ما
بين النفختين ، ) وما كان ربك نسيا ) [ آية : 64 ] لقول كفار مكة : نسيه ربه وقلاه .(2/317)
صفحة رقم 318
مريم : ( 65 ) رب السماوات والأرض . . . . .
يقول : لم ينسك ربك يا محمد ، ) رب السماوات والأرض ( ، يعنى والأرضين ، ) وما بينهما ( من الخلق ، ) فأعبدهُ ( ، يعنى فوحده ، ) واصطبر لعبادته ( ، يقول : واصبر على
توحيد الله عز وجل ولا تعجل حتى يأتيك أمري ، ثم قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( هل تعلم له سميا ) [ آية : 65 ] ، يقول جل جلاله : هل تعلم من الآلهة من شيء اسمه الله عز وجل ؛
لأن الله تعالى ذكره يمنعهم من ذلك .
مريم : ( 66 ) ويقول الإنسان أئذا . . . . .
) ويقول الإنسان ( ، وهو أبي بن خلف الجمحي : ( أَءذا ما مت لسوف أُخرجُ حَياً (
[ آية : 66 ] من الأرض بعد الموت ، يقول ذلك تكذيباً بالبعث .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 67 - 72 ] .
مريم : ( 67 ) أولا يذكر الإنسان . . . . .
يقول الله عز وجل يعظه ليعتبر ) أولا يذكر الإنسان ( ، يقول : أولاً يتذكر
الإنسان في خلق نفسه ، ) أنا خلقناه ( أول مرة ، يعنى أول خلق خلقناهُ ، ) من قبل ولم يك شيئا ) [ آية : 67 ] .
مريم : ( 68 ) فوربك لنحشرنهم والشياطين . . . . .
فأقسم الرب عز وجل ليبعثهم في الآخرة ، فقال : ( فوربك ( يا محمد ،
)( لنحشرنهم ( ، يعنى لنجمعنهم ) والشياطين ( معهم الذين أضلوهم في الآخرة ،
)( ثم لنحضرنهم حول جهنم ( ، يعنى في جهنم ، ) جثيا ) [ آية : 68 ] ، يعنى جميعاً
على الركب .
مريم : ( 69 ) ثم لننزعن من . . . . .
) ثم لننزعن من كل شيعة ( ، يقول : لنخرجن ، ثم نبدأ بهم من كل ملة ، ) أيهم أشد على الرحمن عتيا ) [ آية : 69 ] ، يعنى عتوا في الكفر ، يعنى القادة ، فيعذبهم في النار .
مريم : ( 70 ) ثم لنحن أعلم . . . . .
) ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ) [ آية : 70 ] ، يعنى من هو أولى بها ، يعنى
القادة في الكفر .
مريم : ( 71 ) وإن منكم إلا . . . . .
) وإن منكم إلا واردها ( ، يعنى وما منكم أحداً إلا داخلها ، يعنى جهنم ، البر
والفاجر .(2/318)
صفحة رقم 319
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن علقمة بن
مرثد ، عن نافع بن الأزرق ، أنه سأل ابن عباس عن الورود ، فقال : يا نافع ، أما أنا وأنت ،
فندخلها ، فانظر هل نخرج منها أم لا ؟ .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك ، عن
ابن عباس ، قال : للورود في القرآن أربعة مواضع ، يعنى به الدخول :
( وإن منكم إلا واردها ) [ مريم : 71 ] ، يعنى داخلها .
) فأوردهم النار ) [ هود : 98 ] ، يعنى فأدخلهم .
) حصب جهنم أنتم لها واردون ) [ الأنبياء : 98 ] ، يعنى داخلون : ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ) [ الأنبياء : 99 ] ، يعنى ما دخلوها .
حدثنا عبيد الله ، فقال : حدثني أبي ، قال : حدثني الهذيل ، عن مقاتل ، قال : يجعل الله
النار على المؤمنين يومئذ برداً وسلاماً ، كما جعلها على إبراهيم ، عليه السلام ، فذلك قوله
عز وجل : ( كان على ربك حتما مقضيا ) [ آية : 71 ] ، قال : قضاء واجباً قد قضاه في
اللوح المحفوظ أنه كائن لا بد ، غير الأنبياء ، عليهم السلام ، فتكون على المؤمنين برداً
وسلاماً .
مريم : ( 72 ) ثم ننجي الذين . . . . .
) ثم ننجي الذين اتقوا ( الشرك منها ، يعنى أهل التوحيد ، فنخرجهم منها ، ) ونذر الظالمين ( ، يعنى المشركين ، ) فيها ( ، يعنى في جهنم ، ) جثيا ) [ آية : 72 ] على
الركب .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 73 - 76 ] .
مريم : ( 73 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) وَإذا تُتلى عليهم ءاياتنا ( ، يعنى القرآن ، ) بينات ( ، يعنى واضحات ، ) قال الذين كفروا ( ، وهم النضر بن الحارث بن علقمة وغيره ، ) للذين ءامنوا أي الفريقين خيرٌ
مقاماً ( ، وذلك أنهم لبسوا أحسن الثياب ، ودهنوا الرءوس ، ثم قالوا للمؤمنين : أي(2/319)
صفحة رقم 320
الفريقين نحن أو أنتم خير ؟ يعنى أفضل مقاماً للمساكن من مساكن مكة ، ومثله في حم
الدخان : ( ومقام كريم ) [ الدخان : 26 ] ، يعنى ومساكن طيبة ، ) وأحسن نديا (
[ آية : 73 ] ، يعنى مجالساً ، كقوله سبحانه : ( وتأتون في ناديكم المنكر ) [ العنكبوت :
29 ] ، يعنى في مجالسكم .
مريم : ( 74 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . .
يقول الله عز وجل يخوفهم : ( وكم أهلكنا ( بالعذاب في الدنيا ، ) قبلهم ( ، قبل
أهل مكة ، ) من قرن ( ، يعنى أمة ، كقوله عز وجل : ( أهلكنا القرون ) [ يونس :
13 ] ، يعنى الأمم الخالية ، ) هم أحسن أثاثا ( ، يعنى ألين متاعاً ، ) ورءياً ) [ آية :
74 ] ، وأحسن منظراً من أهل مكة ، فأهلك الله عز وجل أموالهم وصورهم .
مريم : ( 75 ) قل من كان . . . . .
) قل ( لهم : ( من كان في الضلالة ( ، يعنى من هو في الشرك ، ) فليمدد له الرحمن مدا ( ، في الخير ؛ لقولهم للمؤمنين : ( أي الفريقين خير مقاما ( ، ) حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب ( في الدنيا ، يعنى القتل ببدر ، ) وإما الساعة ( ، يعنى القيامة ،
)( فسيعلمون من هو شر مكانا ( ، يعنى شر منزلاً ، ) وأضعف جندا ) [ آية : 75 ] ،
يعنى وأقل فئة هم أم المؤمنون .
مريم : ( 76 ) ويزيد الله الذين . . . . .
) ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ( من الضلالة ، يعنى يزيدهم إيماناً ، ) والباقيات الصالحات ( ، وهي أربع كلمات : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، من
قالها فهو ) خير ( ، يعنى أفضل ، ) عند ربك ثوابا ( الآخرة ) وخير مردا ) [ آية :
76 ] ، يعنى أفضل مرجعاً من ثواب الكافر النار ، ومرجعهم إليها .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 77 - 82 ] .
مريم : ( 77 ) أفرأيت الذي كفر . . . . .
) أَفرءيت الذي كفر بئايتنا ( ، آيات القرآن ، نزلت في العاص بن وائل بن هشام
ابن سعد بن سعيد بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي السهمي ، وذلك أن خباب
ابن الأرت صاغ له شيئاً من الحلي ، فلما طلب منه الأجر ، قال لخباب ، وهو مسلم حين(2/320)
صفحة رقم 321
طلب أجر الصياغة : ألستم تزعمون أن في الجنة الحرير والذهب والفضة وولدان مخلدون ؟
قال خباب بن الأرت : نعم ، قال العاص : فميعاد ما بيننا الجنة ، ) وقال لأوتين ( في
الجنة ، يعنى في الآخرة ، ) مالا وولدا ) [ آية : 77 ] أفضل مما أوتيت في الدنيا ، فأقضيك
في الآخرة ، يقول ذلك مستهزئاً ؛ لأنه لا يؤمن بما في القرآن من الثواب والعقاب .
مريم : ( 78 ) أطلع الغيب أم . . . . .
يقول الله تعالى : ( اطلع ( على ) الغيب ( ، يعنى العاص ، حين يقول : إنه يعطى في
الآخرة ما يعطي المؤمنون ، ) أم اتخذ عند الرحمن عهدا ) [ آية : 78 ] ، يقول : أم اعتقد
عند الرحمن التوحيد .
مريم : ( 79 ) كلا سنكتب ما . . . . .
) كلا ( لا يعطي العاص ما يعطي المؤمنون ، ثم استأنف ، فقال سبحانه :
( سنكتب ما يقول ( ، يعنى من الحفظة من الملائكة تكتب ما يقول العاص أنه يعطي ما
يعطي المؤمنون في الجنة ، ) ونمد له من العذاب مدا ) [ آية : 79 ] ، يعنى الذي لا انقطاع
له .
مريم : ( 80 ) ونرثه ما يقول . . . . .
) ونرثه ما يقول ( أنه يعطي في الجنة ما يعطي المؤمنون ، فنرثه عنه ويعطاه غيره ، ثم
قال سبحانه : ( ويأتينا فردا ) [ آية : 80 ] ، العاص في الآخرة ، ليس معه شيء من دنياه .
مريم : ( 81 ) واتخذوا من دون . . . . .
ثم ذكر كفار مكة : العاص ، والنضر ، وأبا جهل ، وغيرهم ، فقال سبحانه : ( واتخذوا
من دُونَ اللهِ ءالهةً ( ، يعنى اللات ، والعزى ، ومناة ، وهبل ، ) ليكونوا لهم عزا ) [ آية :
81 ] ، يعنى منعاً يمنعونهم من الله عز وجل ، نظيرها في يس : ( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ) [ يس : 74 ] ، يعنى يمنعون .
مريم : ( 82 ) كلا سيكفرون بعبادتهم . . . . .
يقول الله عز وجل : ( كلا ( لا تمنعهم الآلهة من الله ، ثم استأنف فقال :
( سيكفرون بعبادتهم ( ، يقول : ستبرأ الآلهة في الآخرة من كل من كان يعبدها في
الدنيا ، ) ويكونون عليهم ضدا ) [ آية : 82 ] ، يقول : تكون آلهتهم يومئذ لهم أعداء ، كقوله
سبحانه : ( لتكونوا شهداء على الناس ) [ البقرة : 143 ] ، يعنى للناس ، وكقوله
سبحانه : ( وما ذبح على النصب ) [ المائدة : 3 ] ، يعنى للنصب .
تفسير سورة الآية : [ 83 - 92 ] .(2/321)
صفحة رقم 322
مريم : ( 83 ) ألم تر أنا . . . . .
) ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين ( ، يعنى المستهزئين من قريش حين قال
سبحانه إبليس ، وهو الشيطان : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك ) [ الإسراء :
64 ] ، يعنى بدعائك إلى آخر الآية : ثم قال سبحانه : ( تؤزهم أزا ) [ آية : 83 ] ، يعنى
تزعجهم إزعاجاً ، وتغريهم إغراء ، تزين لهم الذي هم عليه من الشرك ، ويقول : إن الأمر
الذي أنتم عليه لأمر حق .
مريم : ( 84 ) فلا تعجل عليهم . . . . .
) فلا تعجل عليهم ( ، يقول للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : فلا تستعجل لهم بالعذاب ، ) إنما نعد لهم ( آجالهم ) عدا ) [ آية : 84 ] ، يعنى الأنفاس .
مريم : ( 85 ) يوم نحشر المتقين . . . . .
ثم ننزل بهم العذاب ، ) يوم نحشر المتقين ( الشرك ، يعنى الموحدين ، ) إلى الرحمن وفدا ) [ آية : 85 ] ، على النجائب على رحلاتها منابر الحضر .
مريم : ( 86 ) ونسوق المجرمين إلى . . . . .
) ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) [ آية : 86 ] ، يرونها في الدخول وهم عطاش .
مريم : ( 87 ) لا يملكون الشفاعة . . . . .
) لا يملكون الشفاعة ( ، يقول : لا تقدر الملائكة على الشافعة لأحد ، ثم استثنى ،
فقال : ( إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) [ آية : 87 ] ، يعنى إلا من اعتقد التوحيد عند
الرحمن جل جلاله ، وهي شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له .
مريم : ( 88 ) وقالوا اتخذ الرحمن . . . . .
) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ) [ آية : 88 ] من الملائكة ، حين قالوا : إنهن بنات الله
تعالى ، منهم : النضر بن الحارث .
مريم : ( 89 ) لقد جئتم شيئا . . . . .
يقول الله عز وجل : ( لَقد جئتم شيئاً إِذاً ) [ آية : 89 ] ، يقول : قلتم قولاً عظيماً ،
نظيرها في بني إسرائيل : ( إنكم لتقولون قولا عظيما ) [ الإسراء : 40 ] ، حين قالوا :
الملائكة بنات الرحمن عز وجل .
مريم : ( 90 ) تكاد السماوات يتفطرن . . . . .
) تكاد السماوات يتفطرن منه ( ، يعنى مما قالوا : إن الملائكة بنات الرحمن ،
)( وتنشق الأرض ( من أطرافها ، ) وتخر الجبال هدا ) [ آية : 90 ] ، يعنى وقعا ، وإنما ذكر
السماوات والأرض والجبال ؛ لعظمهن وشدتهن ، مما قالوا من البهتان .(2/322)
صفحة رقم 323
مريم : ( 91 ) أن دعوا للرحمن . . . . .
) أن دعوا للرحمن ولدا ) [ آية : 91 ] ، أن قالوا : للرحمن ولداً .
مريم : ( 92 ) وما ينبغي للرحمن . . . . .
) وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) [ آية : 92 ] .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 93 - 95 ] .
مريم : ( 93 ) إن كل من . . . . .
) إن كل من في السماوات والأرض ( من الملائكة وغيرهم ، وعزير ، وعيسى ، ومريم ،
وغيرهم ، فهؤلاء في الأرض ، ) إِلا ءاتى الرحمن عبداً ) [ آية : 93 ] ، يقول : إلا وهو مقر
له بالعبودية .
مريم : ( 94 ) لقد أحصاهم وعدهم . . . . .
) لقد أحصاهم ( ، يقول : أحصى أسماءهم في اللوح المحفوظ ، ) وعدهم عدا ) [ آية :
94 ] ، يقول سبحانه : علم عددهم .
مريم : ( 95 ) وكلهم آتيه يوم . . . . .
) وَكلهم ءاتيه ( ، يقول : وكل من فيهما جائيه في الآخرة ، ) يوم القيامة فردا (
[ آية : 95 ] ، يعنى وحده ليس معه من دنياه شيء .
تفسير سورة مريم من الآية : [ 96 - 98 ] .
مريم : ( 96 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إِن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لَهُمُ الرحمن وُداً ) [ آية : 96 ] ، يقول :
يجعل محبتهم في قلوب المؤمنين فيحبونهم .
مريم : ( 97 ) فإنما يسرناه بلسانك . . . . .
) فإنما يسرناه بلسانك ( ، يقول : فإنما بيناه على لسانك يا محمد ، يعنى القرآن ،
)( لتبشر به ( ، يعنى بما في القرآن ، ) المتقين ( الشرك ، يعنى الموحدين ،
)( وتنذر به ( ، يعنى بما في القرآن من الوعيد ، ) قوما لدا ) [ آية : 97 ] ، يعنى جدلاء
خصماً بالباطل ، الأخنس بن شريق .
مريم : ( 98 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . .
ثم خوف كفار مكة ، فقال سبحانه : ( وكم أهلكنا قبلهم ( ، يعنى بالعذاب في
الدنيا ، ) من قرن ( ، يعنى قبل كفار مكة من أمة ، ) هل تحس ( ، يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
يقول : هل ترى ) منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) [ آية : 98 ] ، يعنى صوتاً يحذر بمثل
عذاب الأمم الخالية ؛ لئلا يكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) .(2/323)
صفحة رقم 324
( سورة طه )
1 ( سورة مكية ، هي خمس وثلاثون ومائة آية كوفي )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
طه : ( 1 ) طه
) طه ) [ آية : 1 ]
طه : ( 2 ) ما أنزلنا عليك . . . . .
) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) [ آية : 2 ] وذلك أن أبا جهل
والوليد بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، والمطعم بن عدي ، قالوا للنبي ، ( صلى الله عليه وسلم ) : إنك لتشقى
حين تركت دين آبائك فائتنا ببراءة أنه ليس مع إلهك إله ، فقال لهم النبي ، ( صلى الله عليه وسلم ) : ' بل
بعثت رحمة للعالمين ' ، قالوا : بل أنت شقي ، فأنزل الله ، عز وجل ، في قولهم للنبي ، ( صلى الله عليه وسلم ) :
( طه ( يعنى يا رجل وهو بالسريانية ، ) مَا أَنزلنا عليك القرآن لتقشى ( يعنى ما أنزلناه
عليك .
طه : ( 3 ) إلا تذكرة لمن . . . . .
) إلا تذكرة لمن يخشى ) [ آية : 3 ] الله .
طه : ( 4 ) تنزيلا ممن خلق . . . . .
) تنزيلا ممن خلق الأرض ( كلها ) والسماوات ( السبع ) العلي ) [ آية : 4 ] يعنى
الرفيع من الأرض .
تفسير سورة من الآية : [ 5 - 8 ] .
طه : ( 5 ) الرحمن على العرش . . . . .
) الرحمن على العرش استوى ) [ آية : 5 ] في التقديم قبل خلق السموات والأرض
يعنى استقر .
طه : ( 6 ) له ما في . . . . .
ثم عظم الرب ، عز وجل ، نفسه فقال : سبحانه : ( له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) [ آية : 6 ] يعنى بالثرى الأرض السفلى وتحتها الصخرة والملك
والثور والحوت والماء والريح تهب في الهواء .(2/324)
صفحة رقم 325
طه : ( 7 ) وإن تجهر بالقول . . . . .
) وإن تجهر بالقول ( يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وإن تعلن بالقول ) فإنه يعلم السر ( يعنى ما
أسر العبد في نفسه ) و ( ما ) وأخفى ) [ آية : 7 ] من السر ، مالا يعلم أنه يعلمه ،
وهو عامله ، فيعلم الله ذلك كله .
طه : ( 8 ) الله لا إله . . . . .
ثم وحد نفسه ، تبارك وتعالى ، إذ لم ' يوحده ' كفار مكة ، فقال سبحانه : ( الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ) [ آية : 8 ] وهي التي في آخر سورة الحشر ونحوه ،
لقولهم : ائتنا ببراءة أنه ليس مع إلهك
تفسير سورة طه من الآية : [ 9 - 16 ] .
طه : ( 9 ) وهل أتاك حديث . . . . .
) وهل أتاك ( يقول : وقد جاءك ) حديث موسى ) [ آية : 9 ] .
طه : ( 10 ) إذ رأى نارا . . . . .
) إذ رءا ناراً ( ليلة الجمعة في الشتاء بأرض المقدسة ) فقال لأهله ( يعني امرأته
وولد ) امكثوا ( مكانكم ) إني ءانستُ ناراً ( يعني أني رأيت ناراً ، وهو نور رب
العالمين تبارك وتعالى ) لعلي ءآتيكم منها بقبس ( فأقتبس النار لكي تصطلون من البرد
) أو أجد على النار هدى ) [ آية : 10 ] يعني من يرشدني إلى الطريق وكان موسى ،
عليه السلام قد تحير ليلاً وضل الطريق ، فلما انتهى إليها سمع تسبيح الملائكة ورأى نوراً
عظيماً فخاف وألقى الله عز وجل ، عليه السكينة .
طه : ( 11 ) فلما أتاها نودي . . . . .
) فلما أتاها ( انتهى إليها ) نودي يا موسى ) [ آية : 11 ] .
طه : ( 12 ) إني أنا ربك . . . . .
) إني أنا ربك فاخلع نعليك ( من قدمتك وكانتا من جلد حمار ميت غير ذكي ،
فخلعها موسى ، عليه السلام ، وألقاهما من وراء الوادي ) إنك بالواد المقدس ( يعنى
بالوادي المطهر ) طوى ) [ آية : 12 ] وهو اسم الوادي .
طه : ( 13 ) وأنا اخترتك فاستمع . . . . .
) وأنا اخترتك ( يا موسى للرسالة ) فاستمع لما يوحى ) [ آية : 13 ] يعنى للذي يوحى
إليك .
طه : ( 14 ) إنني أنا الله . . . . .
والوحي ما ذكر الله . عز وجل : ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا ((2/325)
صفحة رقم 326
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن علقمة بن
مرثد ، عن كعب : أن موسى ، عليه السلام ، كلمه ربه مرتين ، ورأى محمد ، صلى الله عليه
وسلم ربه ، جل جلاله ، مرتين ، وعصى آدم ، عليه السلام ، ربه تعالى ، مرتين .
حدثنا عبيد الله ، قال : وحدثني أبي ، عن الهذيل ، عن حماد بن عمرو النصيبي ، عن
عبد الحميد بن يوسف ، قال صياح الدراج : ' الرحمن على العرش استوى ' .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن صيفي بن سالم ، عن عمرو بن
عبيد ، عن الحسن ، في قوله ، عز وجل : ( أكاد أخفيها ( قال : أخفيها من نفسي ، قال
هذيل : ولم أسمع مقاتلا .
قوله سبحانه : ( فاعبدني ( يعنى فوحدني ، فإنه ليس معي إله ، ثم قال تعالى : ( وأقم الصلاة لذكري ) [ آية : 14 ] يقول : لتذكرني بها ، يا موسى .
طه : ( 15 ) إن الساعة آتية . . . . .
ثم استأنف ) إِن الساعة ءاتيةُ ( يقول : إن الساعة جائية لا بد ) أكاد أخفيها (
من نفسي في قراءة ابن مسعود ، فكيف يعلمها أحد ، وقد كدت أن أخفيها من نفسي ،
لئلا يعلمها مخلوق ) لتجزى كل نفس ( يقول سبحانه : الساعة آتية لتجزى كل نفس بر
وفاجر ) بما تسعى ) [ آية : 15 ] إذا جاءت الساعة يعنى بما تعمل في الدنيا .
طه : ( 16 ) فلا يصدنك عنها . . . . .
) فلا يصدنك عنها ( يا محمد ، يعنى عن إيمان بالساعة ) من لا يؤمن بها ( يعنى من
لا يصدق بها أنها كائنة ) واتبع هواه ( ثم قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( فتردى ) [ آية : 16 ]
يعنى فتهلك إن صدوك عن الإيمان بالساعة ، فيها تقديم .
تفسير سورة طه من الآية : [ 17 - 37 ] .(2/326)
صفحة رقم 327
طه : ( 17 ) وما تلك بيمينك . . . . .
ثم قال عز وجل ، في مخاطبته لموسى عليه السلام : ( وما تلك بيمينك يا موسى (
[ آية : 17 ] يعنى عصاه كانت بيده اليمنى ، قال ذلك لموسى عليه السلام ، وهو يريد أن
يحولها حية .
طه : ( 18 ) قال هي عصاي . . . . .
) قال ( موسى عليه السلام : ( هِىَ عصاي أَتوكؤا عليها ( يقول : أعتمد عليها
إذا مشيت ) وأهش بها على غنمي ( يقول : أخبط بها الشجر فيتهاش الورق في
الأرض ، فتأكله غنمي إذا رعيتها ، وكانت صغاراً لا تعلون الشجر ، وكان موسى عليه
السلام ، يضرب بعصاه الشجر فيتهاش الورق في الأرض فتأكله غنمه . ) ولي فيها (
يعنى في العصا ) مَئاربُ أُخرى ) [ آية : 18 ] يعنى حوائج أخرى ، وكان موسى ، عليه
السلام ، يحمل زاده وسقاءه على عصاه ، ويضرب الأرض بعصاه فيخرج ما يأكل يومه ،
ويركزها في الأرض فيخرج الماء ، فإذا رفعها ذهب الماء ، وتضئ بالليل في غير قمر
ليهتدي بها ، ويرد بها غنمه عليه ، فتقيه بإذن الله ، عز وجل ، من الآفات ، ويقتل بها
الحيات والعقارب بإذن الله ، عز وجل .
طه : ( 19 ) قال ألقها يا . . . . .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، قال : دفع جبريل ، عليه
السلام ، العصا إلى موسى ، عليه السلام ، وهو متوجه إلى مدين بالليل ، واسم العصا نفعة .
) قال ( الله عز وجل : ( ألقها يا موسى ) [ آية : 19 ] .
طه : ( 20 ) فألقاها فإذا هي . . . . .
) فألقاها ( من يده اليمنى ) فإذا هي حية تسعى ) [ آية : 20 ] على بطنها ذكراً
أشعر ، له عرف ، فخاف موسى ، عليه السلام ، أن يأخذها .
طه : ( 21 ) قال خذها ولا . . . . .
ف ) قال ( له ربه عز وجل : ( خذها ولا تخف ( منها ) سنعيدها سيرتها الأولى ) [ آية : 21 ] يعنى سنعيدها عصا كهيئتها الأولى عصا ، كما كانت أول مرة ،
فأهوى موسى بيده إلى ذنبها فقبض عليها ، فصارت عصا كما كانت .
طه : ( 22 ) واضمم يدك إلى . . . . .
) واضمم يدك ( يعنى كفك ) إلى جناحك ( يعنى عضدك ) تخرج بيضاء من غيرِ(2/327)
صفحة رقم 328
سُوء ( يعنى من غير برص ، فأخرج يده من مدرعته وكانت مضربة ، فخرجت بيضاء لها
شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر ، ثم قال : ( ءايةً أُخرى ) [ آية : 22 ] يعنى اليد آية أخرى سوى العصا .
طه : ( 23 ) لنريك من آياتنا . . . . .
) لِنريكَ من ءاياتنا الكُبرى ) [ آية : 23 ] يعنى اليد ، كانت أكبر وأعجب أمراً من
العصا ، فذلك قوله سبحانه : ( فأراه الآية الكبرى ) [ النازعات : 20 ] يعنى اليد .
طه : ( 24 ) اذهب إلى فرعون . . . . .
) أذهب إِلى فرعون إِنه طَغى ) [ آية : 24 ] يقول : إنه عصى ، فادعوه إلى عبادتي ،
وأعلم أني قد ربطت على قبله ؛ فلم يؤمن ، فأتاه ملك خازن من خزان الريح ، فقال له :
انطلق لما أمرت .
طه : ( 25 ) قال رب اشرح . . . . .
) قَالَ ) ) موسى ( ( رَب اشرح لي صدري ) [ آية : 25 ] يقول : أوسع لي قلبي ، قال له
الملك : انطلق لما أمرت به ، فإن هذا قد عجز عنه جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل عليهم
السلام .
طه : ( 26 ) ويسر لي أمري
ثم قال موسى : ( وَيسر لي أَمري ) [ آية : 26 ] يقول : وهون عليَّ ما أمرتني به من البلاغ إلى فرعون وقومه ، ولا تعسره على .
طه : ( 27 ) واحلل عقدة من . . . . .
) واحلل عقدةً من لساني ) [ آية : 27 ] وكان في لسانه رتة يعني الثقل ، هذا الحرف
عن محمد بن هانئ .
طه : ( 28 ) يفقهوا قولي
) يفقهواْ قولي ) [ آية : 28 ] يعنى كلامي .
طه : ( 29 ) واجعل لي وزيرا . . . . .
) واجعل لي وزيراً ( يقول : بالدخول إلى فرعون ، يعنى عوناً ) من أهلي ) [ آية : 29 ]
لكي يصدقني فرعون .
طه : ( 30 ) هارون أخي
) هارونَ أَخي ) [ آية : 30 ]
طه : ( 31 ) اشدد به أزري
) أشدد به أَزري ) [ آية : 31 ] يقول : اشدد به ظهري
وليكون عوناً لي .
طه : ( 32 ) وأشركه في أمري
) وأشركهُ في أمري ) [ آية : 32 ] الذي أمرتني به ، يتعظون لأمرنا
ونتعاون كلانا جميعاً .
طه : ( 33 ) كي نسبحك كثيرا
) كي نسبحك كثيراً ) [ آية : 33 ] في الصلاة
طه : ( 34 ) ونذكرك كثيرا
) ونذكرك كثيراً ) [ آية :
34 ] باللسان
طه : ( 35 ) إنك كنت بنا . . . . .
) إِنك كُنتَ بنا بصيراً ) [ آية : 35 ] يقول : ما أبصرك بنا .
طه : ( 36 ) قال قد أوتيت . . . . .
) قَالَ ( عز وجل : ( قد أُوتيت سُؤلك يا موسى ) [ آية : 36 ] ومسألتك لنفسك خيراً ،
عن العقدة في اللسان ولأخيك .
طه : ( 37 ) ولقد مننا عليك . . . . .
) ولقد مننا عليك ( يعنى أنعمنا عليك مع النبوة ) مَرةً أُخرى ) [ آية : 37 ] .
تفسير سورة طه من الآية : [ 38 - 47 ] .(2/328)
صفحة رقم 329
طه : ( 38 ) إذ أوحينا إلى . . . . .
ثم بين النعمة ، فقال سبحانه : ( إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ) [ آية : 38 ] ، واسمها
يوخاند .
طه : ( 39 ) أن اقذفيه في . . . . .
) أن اقذفيه ( أن اجعليه ) في التابوت ( والمؤمن الذي صنع التابوت اسمه خربيل بن
صابوث ) فاقذفيه في اليم ( يعنى في نهر مصر ، وهو النيل ) فليلقه اليم بالساحل ( على
شاطئ البحر ) يأخذه عدو لي وعدو له ( يعنى فرعون عدو الله ، عز وجل ، وعدو
لموسى ، عليه السلام ) وألقيت عليك محبة مني ( فألقى الله ، عز وجل ، على موسى ، عليه
السلام ، المحبة فأحبوه حين رأوه فهذه النعمة الأخرى ) ولتصنع على عيني ) [ آية :
39 ] حين قذف التابوت في البحر ، وحين التقط ، وحين غذى ، فكل ذلك بعين الله عز
وجل ، فلما التقطه جعل موسى لا يقبل ثدي امرأة .
طه : ( 40 ) إذ تمشي أختك . . . . .
) إذ تمشي أختك ( مريم ) فتقول ( لآل فرعون : ( هل أدلكم على من يكفله (
يعنى على من يضمه ويرضعه لكم ، فقالوا : نعم ، فذهبت أخته فجاءت بالأم فقبل ثديها ،
فذلك قوله سبحانه : ( فرجعناك إلى أمك ( يعنى ) كي تقر عينها ولا تحزن ( عليك
) وقتلت ( حين بلغ أشده ثماني عشرة سنة ) نفسا ( بمصر ) فنجيناك من الغم (
يعنى من القتل ، وكان مغموماً مخافة أن يقتل مكان القتيل ) وفتناك فتونا ( يعنى ابتليناك
ببلاء على أثر بلاء ، يعنى بالبلاء النقم منذ يوم ولد إلى أن بعثه الله ، عز وجل ، رسولاً
) فلبثت سنين ( يعنى عشر سنين ) في أهل مدين ( حين كان مع شعيب ، عليهما(2/329)
صفحة رقم 330
السلام ) ثم جئت على قدر ( يعنى ميقات ) يا موسى ) [ آية : 40 ] .
طه : ( 41 ) واصطنعتك لنفسي
) واصطنعتك لنفسي ) [ آية : 41 ] وهو ابن أربعين سنة ، يقول : واخترتك لنفسي
رسولاً
طه : ( 42 ) اذهب أنت وأخوك . . . . .
) اذهب أنت وأخوك ( هارون ) بئاياتي ( يعنى اليد والعصا ، وهارون يومئذ
غائب بمصر ، فالتقيا موسى وهارون ، عليهما السلام ، من قبل أن يصلا إلى فرعون ) ولا تنيا في ذكري ) [ آية : 42 ] يقول : ولا تضعفا في أمري ، في قراءة ابن مسعود : ' ولا تهنا
في ذكرى في البلاغ إلى فرعون ' يجرئهما على فرعون .
طه : ( 43 ) اذهبا إلى فرعون . . . . .
) اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) [ آية : 43 ] يقول : عصى الله ، عز وجل ، أربعمائة سنة
طه : ( 44 ) فقولا له قولا . . . . .
) فقولا له قولا لينا ( يقول : ادعواه بالكنية ، يعنى بالقول اللين ، هل لك إلى أن تزكي ،
وأهديك إلى ربك فتخشى ) لعله يتذكر أو يخشى ) [ آية : 44 ] .
طه : ( 45 ) قالا ربنا إننا . . . . .
) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا ( يعنى أن يعجل علينا بالقتل ) أو أن يطغى (
[ آية : 45 ] يعنى يستعصى .
طه : ( 46 ) قال لا تخافا . . . . .
) قال لا تخافا ( القتل ) إنني معكما ( في الدفع عنكما ، فذلك قوله سبحانه :
( فلا يصلون إليكما ) [ القصص : 35 ] ثم قال : ( اسمع ( جواب فرعون ) واري (
[ آية : 46 ] يقول : وأعلم ما يقول ، كقوله : ( لتحكم بين الناس بما أراك الله (
يعنى بما أعلمك الله ، عز وجل .
طه : ( 47 ) فأتياه فقولا إنا . . . . .
) فأتياه فقولا إنا رسولا ربك ( فانقطع كلام الله عز وجل لموسى ، عليه السلام ،
فلما أتيا فرعون ، قال موسى لفرعون : ( فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم ( يقول : ولا
تستعبدهم بالعمل ، يعنى بقوله : معنا ، يعنى نفسه وأخاه ) قد جئناك بئاية ( يعنى
بعلامة ) من ربك ( وهي اليد والعصا ) وَ السلامُ على من اتبع الهُدى ) [ آية : 47 ] يقول :
والسلام على من آمن بالله ، عز وجل .
تفسير سورة طه من الآية : [ 48 - 59 ] .(2/330)
صفحة رقم 331
طه : ( 48 ) إنا قد أوحي . . . . .
) إنا قد أوحي إلينا أن العذاب ( في الآخرة ) على من كذب ( بتوحيد الله ، عز
وجل ) وتولى ) [ آية : 48 ] يعنى وأعرض عنه .
طه : ( 49 ) قال فمن ربكما . . . . .
) قال ( فرعون : ( فمن ربكما يا موسى ) [ آية : 49 ]
طه : ( 50 ) قال ربنا الذي . . . . .
) قال ربنا الذي أعطى كُل
شيء ( من الدواب ) خلقه ( يعنى صورته التي تصلح له ) ثم هدى ) [ آية : 50 ]
يقول : هداه إلى معيشته ومرعاه ، فمنها ما يأكل الحب ، ومنها ما يأكل اللحم .
طه : ( 51 ) قال فما بال . . . . .
) قال ( فرعون : يا موسى ) فما بال القرون الأولى ) [ آية : 51 ] يقول : مؤمن آل
فرعون في حم المؤمن : ( يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ) [ غافر : 30 ، 31 ] في الهلاك ، فلما سمع ذلك
فرعون من المؤمن ، قال لموسى : ( فما بال القرون الأولى ( فلم يعلم موسى ما أمرهم ؟
لأن التوراة إنما أزلت على موسى ، عليه السلام ، بعد هلاك فرعون وقومه .
طه : ( 52 ) قال علمها عند . . . . .
فمن ثم رد عليه موسى : ف ) قال علمها عند ربي في كتاب ( يعنى اللوح المحفوظ
) لا يضل ربي ( يعنى لا يخطئ ذلك الكتاب ربي ) ولا ينسى ) [ آية : 52 ] ما فيه ،
فلما أنزل الله ، عز وجل ، عليه التوراة أعلمه ، وبين له فيها القرون الأولى .
طه : ( 53 ) الذي جعل لكم . . . . .
ثم ذكر موسى ، عليه السلام ، صنع الله ، عز وجل ليعتبر به فرعون ، فقال : ( الذي جعل لكم الأرض مهدا ( يعنى فراشاً ) وسلك لكم ( يعنى وجعل لكم ) فيها سبلا (
يعنى طرقاً في الأرض ) وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به ( يعنى بالمطر ) أزواجا من نبات شتى ) [ آية : 53 ] من الأرض يعنى مختلفاً من كل لون من النبت منها للدواب ، ومنها
للناس .
طه : ( 54 ) كلوا وارعوا أنعامكم . . . . .
) كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك ( يعنى فيما ذكر من هذه الآية ) لآيات ( يعنى
لعبرة ) لأولي النهى ) [ آية : 54 ] يعنى لذوي العقول في توحيد الله ، عز وجل ، هذا
قول موسى ، عليه السلام ، لفرعون .(2/331)
صفحة رقم 332
طه : ( 55 ) منها خلقناكم وفيها . . . . .
ثم قال الله عز وجل : ( منها خلقناكم ( يعنى أول مرة خلقكم من الأرض من
التراب الذي ذكر في هذه الآية التي قبلها ) وفيها نعيدكم ( إذا متم ) ومنها نخرجكم (
يوم القيامة أحياء بعد الموت ) تارة أخرى ) [ آية : 55 ] يعنى مرة أخرى .
طه : ( 56 ) ولقد أريناه آياتنا . . . . .
) ولقد أريناهُ ءاياتنا كُلها ( يعنى فرعون ، الآيات السبع : الطوفان ، والجراد ، والقمل ،
والضفادع ، والدم ، والطمس ، والسنين ، والعصا ، واليد ، ) فكذب ( بها ، بأنها ليست من الله ، عز وجل ، ) وابي ) [ آية : 56 ] أن يصدق بها ، وزعم أنها سحر .
طه : ( 57 ) قال أجئتنا لتخرجنا . . . . .
) قال ( فرعون لموسى : ( أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ) [ آية : 57 ]
طه : ( 58 ) فلنأتينك بسحر مثله . . . . .
اليد والعصا ) فلنأتينك بسحر مثله ( يعنى بمثل سحرك ) فاجعل بيننا وبينك موعدا (
يعنى وقتاً ) لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى ) [ آية : 58 ] يعنى ميقاتاً ، يعنى عدلاً
كقوله سبحانه : ( أصحاب الصراط السوي ) [ طه : 135 ] يعنى العدل .
طه : ( 59 ) قال موعدكم يوم . . . . .
) قال ( موسى لفرعون : ( موعدكم يوم الزينة ( يعنى يوم عيد لهم في كل سنة
واحد ، وهو يوم النيروز ) وأن يحشر الناس ضحى ) [ آية : 59 ] يعنى نهاراً في اليوم الذي
فيه العيد ، مثل قوله : ( بأسنا ضحى ) [ الأعراف : 98 ] يعنى نهاراً ، وبعث فرعون
شرطة فحشرهم للميعاد .
تفسير سورة طه من الآية : [ 60 - 73 ] .(2/332)
صفحة رقم 333
طه : ( 60 ) فتولى فرعون فجمع . . . . .
) فتولى فرعون ( يقول : أعرض فرعون عن الحق الذي دعي إليه ) فجمع كيده (
يعني سحرته ) ثم آتي ) [ آية : 60 ]
طه : ( 61 ) قال لهم موسى . . . . .
) قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا ( لقولهم : إن اليد والعصا ليستا من الله ، عز وجل ، وإنها سحر ) فيسحتكم (
يعنى فهلككم جميعاً ) بعذاب وقد خاب ( يعنى وقد خسر ) من افترى ) [ آية : 61 ]
وقال الكذب على الله عز وجل .
طه : ( 62 ) فتنازعوا أمرهم بينهم . . . . .
) فتنازعوا أمرهم بينهم ( يعنى اختلفوا في قولهم بينهم نظيرها في الكهف : ( إذ يتنازعون بينهم أمرهم ) [ الكهف : 21 ] ، ) وأسروا النجوى ) [ آية : 62 ] من موسى
وهارون ، عليهما السلام .
طه : ( 63 ) قالوا إن هذان . . . . .
فنجواهم أن ) قالوا إِن هذان لساحرن يُريدان أَن يخرجاكم من أرضكم ( يعنى أرض
مصر ) بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ) [ آية : 63 ] يقول : يغلبانكم على الرجال
والأمثال ، جمع أمثل ، وهو الممتاز من الرجال ، من أهل العقول والشرف ، فيتبعون موسى
وهارون ، ويتركون فرعون .
طه : ( 64 ) فأجمعوا كيدكم ثم . . . . .
) فأجمعوا كيدكم ( يعنى سحركم ، هذا قول فرعون لوجوه سحرة قومه ) ثم ائتوا صفا ( يعنى جميعاً ) وقد أفلح ( يعنى وقد سعد ) اليوم من استعلى ) [ آية : 64 ]
يعنى من غلب .
طه : ( 65 ) قالوا يا موسى . . . . .
) قالوا يا موسى إما أن تلقي ( عصاك من يدك ) وإما أن نكون ( نحن ) أول من ألقى (
[ آية : 65 ] .
طه : ( 66 ) قال بل ألقوا . . . . .
) قال بل ألقوا ( فلما ألقوا ) فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه ( يعنى إلى موسى
) من سحرهم أنها تسعى ) [ آية : 66 ] وكانت حبالاً وهي ولا تتحرك .
طه : ( 67 ) فأوجس في نفسه . . . . .
) فأوجس ( يعنى فوقع ) في نفسه خيفة موسى ) [ آية : 67 ] يعنى خاف موسى إن
صنع القوم مثل صنعه أن يشكوا فيه فلا يتبعوه ، ويشك فيه من تابعه
طه : ( 68 ) قلنا لا تخف . . . . .
) قُلنا لا تخف إِنك(2/333)
صفحة رقم 334
أَنت الأَعلى ) [ آية : 68 ] يعنى الغالب نظيرها ) وأَنتم الأعلون ) [ آل عمران : 139 ،
محمد : 35 ] الغالبون ، هذا قول جبريل لموسى ، عليه السلام ، عن أمر به ، عز وجل ، وهو
على يمينه تلك الساعة .
طه : ( 69 ) وألق ما في . . . . .
) وَأَلقى ما في يمينكَ ( يعنى عصاه ، ففعل ، فإذا هي حية ) تلقف ( يقول : تلقم ) مَا
صنعوا ( من السحر حتى تلقمت الحبال والعصي ) إِنما صنعوا كيدُ ساحرٍ ( يقول : إن
الذي عملوا هو عمل ساحر ، يعنى كبيرهم ، وما صنع موسى فليس بسحر ) ولا يُفلح
الساحرُ حيث أَتى ) [ آية : 69 ] أينما كان الساحر فلا يفلح .
طه : ( 70 ) فألقي السحرة سجدا . . . . .
) فألقى السحرة سجداً ( لله تبارك وتعالى ، وكانوا ثلاثة وسبعين ساحراً أكبرهم اسمه
شمعون ، فلما التقمت الحبال والعصي ألقاهم الله ، عز وجل ، على وجوههم سجداً ) قالوا
ءامنا ( يعنى صدقنا ) بِرب هارونَ وموسى ) [ آية : 70 ] .
طه : ( 71 ) قال آمنتم له . . . . .
) قالَ ) ) فرعون ( ( ءامنتم لَهُ ( يعنى صدقتم لموسى ) قبل أَن ءاذن لكم ( يقول :
قبل أن آمركم بالإيمان لموسى ) إِنهُ لكبيركم ( يعنى لعظيمكم في السحر ، هو ) الذي
علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلافٍ ( يعنى اليد اليمنى والرجل اليسرى
) وَلأصلبنكم في جذوع النخل ( مثل قوله تعالى : ( أم لهم سلم يستمعون فيه . . . . (
[ الطور : 38 ] يعنى عليه ) ولتعلمن أينا أَشد عذاباً وأَبقى ) [ آية : 71 ] أنا أو رب موسى
وهارون ) وأَبقى ( وأدوم عذاباً .
طه : ( 72 ) قالوا لن نؤثرك . . . . .
) قالوا ( يعنى قالت السحرة : ( لن نؤثركَ ( يعنى لن نختارك ) على ما جاءنا من
البينات ( يعنون اليد والعصا ) و ) ) لا على ( ( والذي فطرنا ( يعنى خلقنا ، يعنون ربهم ،
عز وجل ، الذي خلقهم ) فاقض ( يعنى فاحكم فينا ) ما أَنت قاضٍ ( يعنى حاكم من
القطع والصلب ) إِنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) [ آية : 72 ] .
طه : ( 73 ) إنا آمنا بربنا . . . . .
) إِنا ءامنا بربنا ( يقول : إنا صدقنا بتوحيد الله ، عز وجل ، ) ليغفر لنا خطايانا (
يقول : سحرنا ) و ) ) يغفر لنا ( ( وما ) ) الذي ( ( أَكرهتنا عليه ( يعنى ما جبرتنا عليه
) من السحر والله خيرٌ وأَبقى ) [ آية : 73 ] يقول الله جل جلاله أفضل منك وأدوم منك يا
فرعون ، فإنك تموت ويبقى الرب وحده تعالى جده ؛ لقول فرعون : ( . . . أينا أشد عذاباً
وأبقى ) [ طه : 71 ] .
تفسير سورة طه من الآية : [ 74 - 76 ] .(2/334)
صفحة رقم 335
طه : ( 74 ) إنه من يأت . . . . .
) إنه من يأت ربه مجرما ( يعنى مشركاً في الآخرة ، وأنت هو يا فرعون ) فإن له جهنم لا يموت فيها ( فيستريح ) ولا يحيى ) [ آية : 74 ] فتنفعه الحياة ، نظيرها في
) سبح اسم ربك الأعلى ) [ الأعلى : 1 ] .
طه : ( 75 ) ومن يأته مؤمنا . . . . .
) ومن يأته ( في الآخرة ) مؤمنا ( يعنى مصدقاً بتوحيد الله ، عز وجل ، ) قد عمل الصالحات ( من الأعمال ) فأولئك لهم الدرجات العلى ) [ آية : 75 ] يعنى الفضائل الرفيعة
في الجنة من الأعمال .
طه : ( 76 ) جنات عدن تجري . . . . .
) جنات عدن تجري من تحتها الأنهار ( يعنى تحت البساتين الأنهار ) خالدين فيها ( لا
يموتون ) وذلك جزاء ( يعنى الخلود جزاء ) من تزكى ) [ آية : 76 ] .
تفسير سورة طه من الآية : [ 77 - 79 ] .
طه : ( 77 ) ولقد أوحينا إلى . . . . .
) ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ( ليلاً بأرض مصر ) فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ( من آل فرعون من ورائك ) ولا تخشى ) [ آية : 77 ] الغرق
في البحر أمامك ؛ لأن بني إسرائيل قالوا لموسى : هذا فرعون قد لحقنا بالجنود ، وهذا
البحر قد غشينا ، فليس لنا منقذ ، فنزلت : ( لا تخاف دركا ولا تخشى ( أوجب ذلك
على نفسه تعالى :
طه : ( 78 ) فأتبعهم فرعون بجنوده . . . . .
) فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم ) [ آية : 78 ] يعنى الغرق ،
طه : ( 79 ) وأضل فرعون قومه . . . . .
) وأضل فرعون قومه ( القبط ) وما هدى ) [ آية : 79 ] يقول : وما هداهم ، وذلك أن فرعون قال
لقومه في حم المؤمن : ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد (
[ غافر : 29 ] ، فأضلهم ولم يهدهم ، فذلك قوله عز وجل : ( وما هدى ( .
تفسير سورة طه من الآية : [ 80 - 82 ] .(2/335)
صفحة رقم 336
طه : ( 80 ) يا بني إسرائيل . . . . .
كما قال تعالى : ( يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ( فرعون وقومه ) وواعدناكم جانب الطور الأيمن ( يعنى حين سار موسى مع السبعين عن يمين الجبل ، فأعطى التوراة
) ونزلنا عليكم المن والسلوى ) [ آية : 80 ] في التيه ، أما المن فالترنجبين كان بين أعينهم
بالليل على شجرهم أبيض كأنه الثلج ، حلو مثل العسل ، فيغدون عليه فيأخذون منه ما
يكفيهم يومهم ذلك ، ولا يرفعون منه لغد ، ويأخذون يوم الجمعة ليومين ؛ لأن السبت
كان عندهم لا يسيحون فيه ولا يعملون فيه ، هذا لهم وهم في التيه مع موسى عليه
السلام ، وتنبت ثيابهم مع أولادهم ، أما الرجال فكانت ثيابهم لا تبلى ، ولا تخرف ، ولا
تدنس ، وأما السلوى وهو الطير ، وذلك أن بني إسرائيل سألوا موسى اللحم وهم في
التيه ، فسأل موسى ، عليه السلام ، ربه عز وجل ذلك ، فقال الله : لأطعمنهم أقل الطير
لحماً فبعث الله سبحانه سحاباً فأمطرت سماناً ، وجمعتهم الريح الجنوب ، وهي طير حمر
تكون في طريق مصر ، فمطرت قدر ميل في عرض الأرض ، وقدر طول رمح في السماء .
طه : ( 81 ) كلوا من طيبات . . . . .
يقول الله تعالى ذكره : ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ( يعنى بالطيبات الحلال من
الرزق ) ولا تطغوا فيه ( يقول : ولا تعصوا في الرزق ، يعنى فيما رزقناكم من المن
والسلوى فترفعوا منه لغد ، وكان الله سبحانه قد نهاهم أن يرفعوا منه لغد فعصوا الله ، عز
وجل ، ورفعوا منه ، وقددوا ، فتدود ونتن ، ولولا صنيع بني إسرائيل لم يتغير الطعام أبداً
ولولا حواء زوج آدم ، عليهما السلام ، لم تخن أنثى زوجها الدهر ، فذلك قوله : ( ولا تطغوا فيه ( كقوله تعالى لفرعون ) إنه طغى ( يعنى عصى ) فيحل عليكم غضبي ( يعنى فيجب عليكم عذابي ) ومن يحلل عليه غضبي ( عذابي ) فقد هوى (
[ آية : 81 ] يقول : ومن وجب عليه عذابي فقد هلك .
طه : ( 82 ) وإني لغفار لمن . . . . .
) وإني لغفار لمن تاب ( من الشرك عن عبادة العجل ) وءامن ( يعنى وصدق
بتوحيد الله ، عز وجل ، ) وعمل صالحا ثم اهتدى ) [ آية : 82 ] يعنى عرف أن لعمله ثواباً
يجازى به كقوله سبحانه : ( وبالنجم هم يهتدون ) [ النحل : 16 ] يعنى يعرفون
الطريق .
تفسير سورة طه من الآية : [ 83 - 88 ] .(2/336)
صفحة رقم 337
طه : ( 83 ) وما أعجلك عن . . . . .
) وما أعجلك عن قومك يا موسى ) [ آية : 83 ] ، يعنى السبعين الذين اختارهم
موسى حين ذهبوا معه إلى الطور ليأخذوا التوراة من ربه ، عز وجل ، فلما ساروا عجل
موسى ، عليه السلام ، شوقاً إلى ربه تبارك وتعالى ، وخلف السبعين ، وأمرهم أن يتبعوه إلى
الجبل ، فقال الله عز وجل له : ( وما أعجلك عن قومك ( ؟ السبعين .
طه : ( 84 ) قال هم أولاء . . . . .
) قال ( لربه جل وعز : ( هم أولاء على أثري ( يجيئون من بعدي ) وعجلت ( يعنى
أسرعت ) إليك رب لترضى ) [ آية : 84 ] يقول : حتى ترضى عني .
طه : ( 85 ) قال فإنا قد . . . . .
) قال ( الله جل جلاله : ( فإنا قد فتنا قومك ( يعني الذين خلفهم مع هارون على
ساحل البحر سوى السبعين ) من بعدك ( بالعجل ) وأضلهم السامري ) [ آية : 85 ]
حين أمرهم بعبادة العجل وكانوا أثنى عشر ألفا .
طه : ( 86 ) فرجع موسى إلى . . . . .
) فرجع موسى ( من الجبل ) إلى قومه غضبان ( عليهم ) أسفا ( حزيناً لعبادتهم
العجل ) قال ( لهم ) ياقوم أَلم يعدكم ربكم وعداً حَسناً ( يعنى حقاً كقوله سبحانه
في البقرة : ( وقولوا للناس حسنا ) [ البقرة : 80 ] يعنى حقاً في محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، أن
يعطيكم التوراة فيها بيان كل شيء ، والوعد حين قال عز وجل : ( وواعدناكم جانب الطور الأيمن ) [ طه : 80 ] حين سار موسى مع السبعين ليأخذوا التوراة ، فطال عليهم
العهد ، يعنى ميعاده إياهم أربعين يوماً ، فذلك قوله تعالى : ( أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب ( يعنى أَن يجب عليكم عذاب ، كقوله تعالى : ( قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب ) [ الأعراف ] يعنى عذاب ) من ربكم فأخلفتم موعدي ) [ آية : 86 ] يعنى الأربعين يوماً ، وذلك أنهم عدوا الأيام والليالي ، فعدوا عشرين
يوماً وعشرين ليلة ، ثم قالوا لهارون : قد تم الأجل الذي كان بيننا وبين موسى ، فعند ذلك
أضلهم السامري .
طه : ( 87 ) قالوا ما أخلفنا . . . . .
) قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ( ونحن نملك أمرنا ) ولكنا حملنا أوزارا ( يعنى
خطاباً ؛ لأن ذلك حملهم على صنع العجل وعبادته ) من زينة القوم ( يقول : من حلي(2/337)
صفحة رقم 338
آل فرعون الذهب والفضة ، وذلك أنه لما مضى خمسة وثلاثون يوماً ، قال لهم السامري
وهو من بني إسرائيل : يا أهل مصر ، إن موسى لا يأتيكم ، فانظروا هذا الوزر ، هو
الرجس الذي على نسائكم وأولادكم من حلي آل فرعون الذي أخذتموه منهم غصباً ،
فتطهروا منه ، واقذفوه في النار .
ففعلوا ذلك وجمعوه فعمد السامري ؛ فأخذه ثم صاغه عجلاً لست وثلاثين يوماً ،
وسبعة وثلاثين يوماً ، وثمانية وثلاثين يوماً ، فصاغه في ثلاثة أيام ، ثم قذف القبضة التي
أخذها من أثر حافر فرس جبريل ، عليه السلام ، فخار العجل خورة واحدة ، ولم يثن ،
فأمرهم السامري بعبادة العجل لتسعة وثلاثين يوماً ، ثم أتاهم موسى ، عليه السلام ، من
الغد لتمام أربعين يوماً ، فذلك قوله سبحانه ) فقذفناها فكذلك ( يعنى هكذا ) ألقى السامري ) [ آية : 87 ] الحلي في النار .
طه : ( 88 ) فأخرج لهم عجلا . . . . .
) فأخرج لهم عجلا جسدا ( يعنى بالجسد أنه لا روح فيه ) له خوار ( يعنى له
صوت ) فقالوا ( قال السامري وحده : ( هذا إلهكم وإله موسى ( معشر بني
إسرائيل ، وذلك أن بني إسرائيل لما عبروا البحر مروا على العمالقة وهم عكوف على
أصنام لهم ، قالوا لموسى : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، فاغتنمها السامري ، فلما اتخذه قال :
هذا إلهكم وإله موسى معشر بني إسرائيل ) فنسي ) [ آية : 88 ] يقول : فترك موسى
ربه وهو هذا ، وقد ذهب موسى يزعم خطاب ربه ، يقول الله جل جلاله .
تفسير سورة طه من الآية : [ 89 - 97 ] .
طه : ( 89 ) أفلا يرون ألا . . . . .
) أفلا ( يعنى أفهلا ) يرون ألا ( أنه ) يرجع إليهم قولا ( أنه لا يكلمهم العجل(2/338)
صفحة رقم 339
) ولا يملك ( يقول : لا يقدر ) لهم ضرا ( يقول : لا يقدر العجل على أن يرفع عنهم
سوءاً ) ولا نفعا ) [ آية : 89 ] يقول : ولا يسوق إليهم خيراً .
طه : ( 90 ) ولقد قال لهم . . . . .
) ولقد قال لهم هارون من قبل ( أن يأتيهم موسى من الطور ) ياقوم إِنما فتنتم
بِهِ ( يعنى ابتليتم بالعجل ) وإن ربكم الرحمن فاتبعوني ( على ديني ) وأطيعوا أمري (
[ آية : 90 ] يعنى قولي .
طه : ( 91 ) قالوا لن نبرح . . . . .
) قالوا لن نبرح عليه عاكفين ( قالوا لن نبرح على العجل واقفين نعبده ، كقوله
سبحانه : ( لا أبرح ( يعنى لا أزال ) حتى أبلغ مجمع البحرين ) [ الكهف : 60 ]
) حتى يرجع إلينا موسى ) [ آية : 91 ] .
طه : ( 92 ) قال يا هارون . . . . .
فلما رجع موسى ) قال ( لهارون : ( يا هرونُ منعك إِذ رأيتهم ضلواْ ) [ آية : 92 ]
يعنى أشركوا
طه : ( 93 ) ألا تتبعن أفعصيت . . . . .
) ألا تتبعن ( يقول ألا اتبعت أمري فأنكرت عليهم ) أفعصيت أمري ) [ آية : 93 ] يقول افتركت قولي ، كقوله سبحانه : ( ولا تطيعوا أمر المسرفين (
[ الشعراء : 151 ] .
طه : ( 94 ) قال يا ابن . . . . .
) قال ( هارون لموسى عليهما السلام : ( يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ( فإني لو
أنكرت لصاروا حزبين يقتل بعضهم بعضا و ) إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) [ آية : 94 ] يقول ولم تحفظ وصيتي في الأعراف قوله سبحانه
لهارون : ( اخلفني في قومي وأصلح ) [ الأعراف : 142 ] وكان هارون أحب بني
إسرائيل من موسى ، صلى الله عليهما ، ولقد سمت بنو إسرائيل على اسم هارون سبعين
ألفاً من حبه ، عليه السلام .
طه : ( 95 ) قال فما خطبك . . . . .
) قال فما خطبك ( يعنى فما أمرك ؟ ) يا سمريُ ) [ آية : 95 ] يقول : فما حملك
على ما أرى
طه : ( 96 ) قال بصرت بما . . . . .
) قال ( السامري : ( بصرت بما لم يبصروا به ( يقول : بما لم يفطنوا به
يقول : عرفت لم يعرفوه من أمر فرس جبريل ، عليه السلام ، ) فقبضت قبضة من أثر ( فرس ) الرسول ( يعنى تحت فرس جبريل ، عليه السلام ، ) فنبذتها ( في
النار على أثر الحلي ) وكذلك سولت لي نفسي ) [ آية : 96 ] يقول : هكذا زينت لي
نفسي أن أفعل ذلك
طه : ( 97 ) قال فاذهب فإن . . . . .
) قال فأذهب فإن لك في الحيوة ( إلى أن تموت ) أَن تقول لا(2/339)
صفحة رقم 340
مساسَ ( يعنى لا تخالط الناس ) وإن لك ) ) في الآخرة ( ( موعداً ( يعنى يوم القيامة
) لن تخلفهُ ( يقول : لن تغيب عنه ) وانظر إِلى إِلهكَ ( يعنى العجل ) الذي ظلت
عليه عاكفاً ( يقول : أقمت عليه عابداً له ) لنحرقنهُ ( بالنار وبالمبرد ) ثم لننسفنهُ
في اليمِ نسفاً ) [ آية : 97 ] يقول : لننبذنه في اليم نبذاً .
تفسير سورة طه من الآية : [ 98 - 104 ] .
طه : ( 98 ) إنما إلهكم الله . . . . .
) إنما إلهكم اللهُ الذي لا إله إلا هو وسع ( يعنى ملأ ) كُل شيء علماً ) [ آية :
98 ] فعلمه تبارك وتعالى .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، قال : علم عز
وجل من يعبده ، ومن لا يعبده قبل خلقهم ، جل جلاله .
طه : ( 99 ) كذلك نقص عليك . . . . .
) كذلك ( يعنى هكذا ) نقص عليكَ ( يا محمد ) من أنباءِ ( يعنى من أحاديث
) ما قد سبق ( من قبلك من الأمم الخالية ) وقد ءاتيناك من لدنا ذكراً ) [ آية : 99 ]
يقول : قد أعطيناك من عندنا تبياناً يعنى القرآن .
طه : ( 100 ) من أعرض عنه . . . . .
) من أَعرض عنهُ ( يعنى عن إيمان بالقرآن ) فإنه يحملُ يومَ القيامة وزراً ) [ آية :
100 ] يعنى إثماً بإعراضه عن القرآن يحمله على ظهره .
طه : ( 101 ) خالدين فيه وساء . . . . .
) خالدين فيهِ ( يعني في الوزر في النار ) وساء لهم ( يعنى وبئس لهم ) يوم القيامة
حملاً ) [ آية : 101 ] يعنى إثماً ، والوزر هو الخطأ الكبير .
طه : ( 102 ) يوم ينفخ في . . . . .
) يَومَ ينفخُ في الصور ونحشرُ المُجرمينَ ( يعنى المشركين إلى النار ) يومئذ زُرقاً (
[ آية : 102 ] زرق الأعين .
طه : ( 103 ) يتخافتون بينهم إن . . . . .
) يتخافتونَ ( يعنى يتساءلون ) بينهم ( يقول بعضهم لبعض : ( إِن ( يعنى ما(2/340)
صفحة رقم 341
) لبثتم إِلا عشراً ) [ آية : 103 ] يعنى عشر ليال .
طه : ( 104 ) نحن أعلم بما . . . . .
) نحنُ أَعلم بما يقولونَ إِذ يقولُ أَمثلهم طريقةً ( يعنى أمثلهم نجوى ورأيا ) إِن
لبثتم ) ) في القبور ( ( إِلا يوماً ) [ آية : 104 ] واحداً .
تفسير سورة طه من الآية : [ 105 - 110 ] .
طه : ( 105 ) ويسألونك عن الجبال . . . . .
) ويسئلونك عن الجبال ( نزلت في رجل من ثقيف ) فقل ينسفها ربي نسفاً ) [ آية :
105 ] من الأرض من أصولها .
طه : ( 106 ) فيذرها قاعا صفصفا
) فيذرها قاعاً ( لا تراب فيها ) صَفصفاً ) [ آية : 106 ] لا نبت فيها .
طه : ( 107 ) لا ترى فيها . . . . .
) لا ترى فيها عوجاً ( يعنى خفضاً ) ولا أمتاً ) [ آية : 107 ] يعنى رفعاً .
طه : ( 108 ) يومئذ يتبعون الداعي . . . . .
) يومئذ يتبعونَ الداعي ( يعنى صوت الملك الذي هو قائم على صخرة بيت
المقدس ، وهو إسرافيل ، عليه السلام ، حين ينفخ في الصور ، يعنى في القرن ، لا يزيغون
ولا يروغون عنه يميناً ولا شمالاً ، يعنى لا يميلون عنه ، كقوله سبحانه : ( . . . تبغونها
عوجاً . . . ) [ آل عمران : 99 ] يعنى زيغاً وهو الميل ) لا عوجَ لَهُ ( يعنى عنه ،
يستقيمون قبل الصوت نظيرها ) . . . . ولم يجعل له عوجاً . . . ) [ الكهف : 1 ] ) وخشعتِ
الأصوات للرحمن فلا تسمعُ إِلا همساً ) [ آية : 108 ] إلا خفياً من الأصوات مثل وطء
الأقدام .
طه : ( 109 ) يومئذ لا تنفع . . . . .
) يومئذ لا تنفعُ الشفاعةُ ( يعنى شفاعة الملائكة ) إِلا من أَذن له الرحمنُ ( أن يشفع
له ) ورضى لهُ قولاً ) [ آية : 109 ] يعنى التوحيد .
طه : ( 110 ) يعلم ما بين . . . . .
) يعلمُ ( الله عز وجل ) ما بين أيديهم وما خلفهُم ( يقول : ما كان قبل أن يخلق
الملائكة ، وما كان بعد خلقهم ) ولا يحيطون به عليماً ) [ آية : 110 ] يعنى بالله عز
وجل علماً هو أعظم من ذلك .
تفسير سورة طه من الآية : [ 111 - 114 ] .(2/341)
صفحة رقم 342
طه : ( 111 ) وعنت الوجوه للحي . . . . .
) وعنت الوجوه ( يعنى استسلمت الوجوه ) للحي ( الذي لا يموت
) القيوم ( يعني القائم على كل شيء ) وقد خاب من حمل ظلما ) [ آية : 111 ]
يقول : وقد خسر من حمل شركاً يوم القيامة على ظهره .
طه : ( 112 ) ومن يعمل من . . . . .
) ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ( مصدق بتوحيد الله عز وجل ) فلا يخاف ظلما ( في الآخرة ، يعنى أن تظلم حسناته كلها حتى لا يجازى بحسناته كلها ) ولا هضما ) [ آية : 112 ] يعنى ولا ينقص منها شيئاً ، مثل قوله عز وجل : ( فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) [ الجن : 13 ] .
طه : ( 113 ) وكذلك أنزلناه قرآنا . . . . .
) وكذلك ( يعنى وهكذا ) أَنزلناهُ قرءاناً عربياً ( ليفقهوه ) وصرفنا ( يعنى
وصنفنا ) فيه ( يعنى لوناً فيه ، يعنى في القرآن ) من ( ألوان ) الوعيد ( للأمم
الخالية في الدنيا من الحصب ، والخسف ، والغرق ، والصيحة ، فهذا الوعيد لهم ) لعلهم (
يعنى لكي ) يتقون ( يعنى لكي يخلصوا التوحيد بوعيدنا في القرآن ) أو يحدث لهم (
يعنى الوعيد ) ذكرا ) [ آية : 113 ] عظة فيخافون فيؤمنون .
طه : ( 114 ) فتعالى الله الملك . . . . .
) فتعالى الله ( يعنى ارتفع الله ) الملك الحق ( لأن غيره ، عز وجل ، وما سواه من
الآلهة باطل ) ولا تعجل بالقرءان ( وذلك أن جبريل ، عليه السلام ، كان إذا أخبر النبي
( صلى الله عليه وسلم ) ، بالوحي لم يفرغ جبريل ، عليه السلام ، من آخر الكلام ، حتى يتكلم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
بأوله ، فقال الله عز وجل : ( ولا تعجل ( بقراءة القرآن ) من قبل أن يقضى إليك وحيه ( يقول : من قبل أن يتمه لك جبريل ، عليه السلام ، ) وقل رب زدني علما ) [ آية :
114 ] يعنى قرآناً .
تفسير سورة طه من الآية : [ 115 - 127 ] .(2/342)
صفحة رقم 343
طه : ( 115 ) ولقد عهدنا إلى . . . . .
) ولقد عهدنا إِلىءادم من قبل ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ألا يأكل من الشجرة ) فنسي ( يقول :
فترك آدم العهد ، كقوله : ( وإله موسى فنسي ) [ طه : 88 ] يقول : ترك ، وكقوله
سبحانه : ( إنا نسيناكم ) [ السجدة : 14 ] يقول : تركناكم ، وكقوله : ( فنسوا حظا ) [ المائدة : 14 ] يعنى تركوا ، فلما نسى العهد سمى الإنسان ، فأكل منها ) ولم نجد له عزما ) [ آية : 115 ] يعنى صبراً عن أكلها .
طه : ( 116 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
) وإذ قلنا ( يعنى وقد قلنا ) للملائكة اسجدوا لآدم ( إذ نفخ فيه الروح
) فسجدوا ( ثم استثنى فقال : ( إلا إبليس ( لم يسجد ف ) أبى ) [ آية : 116 ] أن
يسجد .
طه : ( 117 ) فقلنا يا آدم . . . . .
) فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك ( حواء ) فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى (
[ آية : 117 ] بالعمل بيديك ، وكان يأكل من الجنة رغداً من غير أن يعمل بيده ، فلما
أصاب الخطيئة أكل من عمل يده ، فكان يعمل ويأكل
طه : ( 118 ) إن لك ألا . . . . .
) إن لك ( يا آدم ) ألا تجوع فيها ولا تعرى ) [ آية : 118 ] .
طه : ( 119 ) وأنك لا تظمأ . . . . .
) وَأَنك لا تظمؤا فيها ( يعنى لا تعطش في الجنة ) ولا تضحى ) [ آية : 119 ]
يقول : لا يصيبك حر الشمس ، فيؤذيك فتفرق .
طه : ( 120 ) فوسوس إليه الشيطان . . . . .
) فوسوس إليه الشيطان ( يعنى إبليس وحده ف ) قال يا آدم هل أدلك (
يقول : ألا أدلك ) على شجرة الخلد ( من أكل منها خلد في الجنة فلا يموت ) و (
على ) وملك لا يبلى ) [ آية : 120 ] يقول : لا يفنى .
طه : ( 121 ) فأكلا منها فبدت . . . . .
) فَأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما ( يقول : ظهرت لهما عوراتهما ) وطفقا يخصفان عليهما ( يقول : وجعلا يخصفان ، يقول : يلزقان الورق بعضه على بعض ) مِن(2/343)
صفحة رقم 344
ورق الجنة ( ورق التين ليستتروا به في الجنة ) وعصى آدم ربه فغوى ) [ آية : 121 ] .
يعنى فضل وتولى عن طاعة ربه ، عز وجل .
طه : ( 122 ) ثم اجتباه ربه . . . . .
) ثُم اجتباهُ ربهُ ( يعنى استخلصه ربه عز وجل ) فتاب عليه ( من ذنبه
) وهدى ) [ آية : 122 ] يعنى وهداه للتوبة .
طه : ( 123 ) قال اهبطا منها . . . . .
) قال اهبطا منها جميعاً ( يعنى آدم وإبليس ) بعضكم لبعض عَدُوٌ ( يقول : إبليس
وذريته عدو لآدم وذريته ) فإما ( يعنى فإن ) يأتينكم ( يعنى ذرية آدم ) مني
هُدى ( يعنى رسلاً معهم كتب فيها البيان ) فمن اتبع هُداى ( يعنى رسلي وكتابي
) فَلاَ يضل ) ) في الدنيا ( ( ولا يشقى ) [ آية : 123 ] في الآخرة .
طه : ( 124 ) ومن أعرض عن . . . . .
) ومن أَعرض عن ذكري ( يعنى عن إيمان بالقرآن نزلت في الأسود بن عبد الأسود
المخزومي ، قتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر على الحوض ) فإِن لَهُ معيشة ضنكاً (
يعنى معيشة سوء لأنها في معاصي الله عز وجل الضنك والضيق ) ونحشرهُ يوم
القيامة أَعمى ) [ آية : 124 ] عن حجته .
طه : ( 125 ) قال رب لم . . . . .
) قَالَ ربِّ لم حشرتني أَعمى ( عن حجتي ) وقد كُنتُ بصيراً ) [ آية : 125 ] في
الدنيا عليماً بها ، وهذا مثل قوله سبحانه : ( هلك عني سلطانية ) [ الحاقة : 29 ] يعنى
ضلت عني حجتي ، وهذا قوله حين شهدت عليه الجوارح بالشرك والكفر .
طه : ( 126 ) قال كذلك أتتك . . . . .
) قال ) ) الله تعالى ( ( كذلكَ ( يعنى هكذا ) أَتتكَ ءايتنا ( يعنى آيات القرآن
) فنسيتها ( يعنى فتركت إيماناً بآيات القرآن ) وكذلك اليوم تنسى ) [ آية : 126 ] في
الآخرة تترك في النار ، ولا تخرج منها ، ولا نذكرك .
طه : ( 127 ) وكذلك نجزي من . . . . .
) وكذلك نجزى من أَسرف ( يعنى وهكذا نجزي من أشرك في الدنيا بالنار في الآخرة
) ولم يُؤمن بئايت ربه ( يقول : ولم يؤمن بالقرآن ) ولعذاب الآخرة أَشد ( مما أصابه
في الدنيا من القتل ببدر ) وَأَبقى ) [ آية : 127 ] يعنى وأدوم من عذاب الدنيا ، ثم خوف
كفار مكة .
تفسير سورة طه من الآية : [ 128 - 129 ] .
طه : ( 128 ) أفلم يهد لهم . . . . .
فقال سبحانه ) أَفلم يهد لهم ( يقول : أو لم نبين لهم ) كم أهلكنا ( بالعذاب(2/344)
صفحة رقم 345
) قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ( يقول : يمرون في قراهم فيرون هلاكهم يعنى عاداً
وثموداً ، وقوم لوط ، وقوم شعيب ) إن في ذلك ( يعنى إن في هلاكهم بالعذاب في الدنيا
) لآيات ( لعبرة ) لأولي النهى ) [ آية : 128 ] يعنى لذوي العقول فيحذرون مثل
عقوبتهم .
طه : ( 129 ) ولولا كلمة سبقت . . . . .
) ولولا كلمة سبقت من ربك ( في تأخير العذاب عنهم إلى تلك المدة ) لكان لزاما وأجل مسمى ) [ آية : 129 ] يعنى يوم القيامة ) لكان لزاما ( للزمهم العذاب في الدنيا
كلزوم الغريم الغريم .
تفسير سورة طه من الآية : [ 130 - 132 ] .
طه : ( 130 ) فاصبر على ما . . . . .
) فاصبر على ما يقولون ( من تكذيبهم إياك بالعذاب ) وسبح بحمد ربك ( يعنى
صل بأمر ربك ) قبل طلوع الشمس ( يعنى الفجر ) وقبل غروبها ( يعنى الظهر والعصر
) ومن ءانائ اليل ( يعنى المغرب والعشاء ، ) فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ) [ آية :
130 ] يا محمد في الآخرة بثواب الله عز وجل .
قال مقاتل : كانت الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي ، فلما عرج بالنبي ( صلى الله عليه وسلم )
فرضت عليه خمس صلوات ركعتين ركعتين غير المغرب ، ، فلما هاجر إلى المدينة أمر بتمام
الصلوات ولها ثلاثة أحوال .
طه : ( 131 ) ولا تمدن عينيك . . . . .
) ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ( يعنى كفار مكة من الرزق أصنافاً
منهم من الأموال ، فإنها ) زهرة ( يعنى زينة ) الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ( يقول :
أعطيناهم ذلك لكي نبتليهم ) ورزق ربك ( في الآخرة يعنى الجنة ) خير وأبقى ) [ آية :
131 ] يعنى أفضل وأدوم وأبقى مما أعطى كفار مكة .
طه : ( 132 ) وأمر أهلك بالصلاة . . . . .
) وأمر أهلك ( يعنى قومك ) بالصلاة ( كقوله سبحانه : ( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ) [ مريم : 55 ] يعنى قومه ) واصطبر عليها ( يعنى الصلاة ، فإنا ) لا نسألك رزقا ( إنما نسألك العبادة ) نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) [ آية : 132 ] يعنى عاقبة
التقوى دار الجنة ، لقوله عز وجل : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد
منهم من رزق وما أريد يطعمون ) [ الذاريات : 56 ، 57 ] إنما أريد منهم العبادة .(2/345)
صفحة رقم 346
تفسير سورة طه من الآية : [ 133 - 135 ] .
طه : ( 133 ) وقالوا لولا يأتينا . . . . .
) وقالوا ( أي كفار مكة : ( لولا ( يعنى هلا ) يأتينا بئايةٍ من ربهِ ( فتعلم أنه
نبي رسول كما كانت الأنبياء تجئ بها إلى قومهم ، يقول الله عز وجل : ( أَولم تَأَتهم بينةُ
ما في الصُحُفِ الأُولىَ ) [ آية : 133 ] يعنى بيان كتب إبراهيم وموسى الذي كان قبل
كتاب محمد ، صلى الله عليهم أجمعين .
طه : ( 134 ) ولو أنا أهلكناهم . . . . .
) ولو أنا أهلكناهم بعذاب ( في الدنيا ) من قبله ( يعنى من قبل هذا القرآن في
الآخرة ) لقالوا ربنا لولا ( يعنى هلا ) أرسلت إلينا رسولا ( معه كتاب ) فنتبعِ
ءاياتكَ ( يعنى آيات القرآن ) من قبل أن نذل ( يعنى نستذل ) ونخزى ) [ آية :
134 ] يعنى ونعذب في الدنيا ، نظيرها في القصص .
طه : ( 135 ) قل كل متربص . . . . .
) قل كل متربص ( وذلك أن كفار مكة ، قالوا : نتربص بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، الموت لأن
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، أوعدهم العذاب في الدنيا ، فأنزل الله عز وجل : ( قل ( لكفار مكة
) كل متربص ( أنتم بمحمد الموت ، ومحمد يتربص بكم العذاب في الدنيا ) فتربصوا فستعلمون ( إذا نزل بكم العذاب في الدنيا ) من أصحاب الصراط السوي ( يعنى العدل
أنحن أم أنتم ) ومن اهتدى ) [ آية : 135 ] منا ومنكم .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، قال : سمعت الواقدي ، ولم أسمع مقاتلاً
يحدث عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، في قوله عز وجل : ( خيرا منه زكاة وأقرب رحما ) [ الكهف :
81 ] قال : أعقبت بعد ذلك غلاماً .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي الهذيل ، عن المسيب ، عن السدي ، ومقاتل ، عن
حذيفة ، أنه لما حان للخضر وموسى ، عليهما السلام ، أن يفترقا ، قال له الخضر : يا
موسى ، لو صبرت لأتيت على ألف عجيبة أعجب مما رأيت ، قال : فبكى موسى على فراقه .
فقال موسى للخضر : أوصني يا نبي الله ، قال له الخضر : يا موسى ، اجعل همك في(2/346)
صفحة رقم 347
معادك ، ولا تخض فيما لا يعنيك ، ولا تأمن الخوف في أمنك ، ولا تيأس من الأمن في
خوفك ، ولا تذر الإحسان في قدرتك ، وتدبر الأمور في عاقبتك . قال له موسى عليه
السلام : زدني رحمك الله ، قال له الخضر : إياك والإعجاب بنفسك ، والتفريط فيما بقى
من عمرك ، وأحذر من لا يغفل عنك ، قال له موسى ، صلى الله عليهما : زدني رحمك
الله ، قال له الخضر : إياك واللجاجة ، ولا تمش في غير حاجة ، ولا تضحك من غير
عجب ، ولا تعيرن أحداً من الخاطئين بخطاياهم بعد الندم ، وأبك على خطيئتك يا بن
عمران .
قال له موسى ( صلى الله عليه وسلم ) : قد أبلغت في الوصية ، فأتم الله عليك نعمته ، وغمرك في رحمته ،
وكلأك من عدوه ، قال له الخضر : آمين ، فأوصني يا موسى .
قال له موسى : إياك والغضب إلا في الله تعالى ، ولا ترض عن أحد إلا في الله عز
وجل ، ولا تحب لدنيا ، ولا تبغض لدنيا تخرج من الإيمان ، وتدخلك في الكفر . قال
الخضر ، عليهما السلام : قد أبلغت في الوصية ، فأعانك الله على طاعته ، وأراك السرور
في أمرك ، وحببك إلى خلقه ، وأوسع عليك من فضله ، قال له موسى : آمين .
فبينما هما جلوس على ساحل البحر إذ انقضت خطافة فنقرت بمنقارها من البحر
نقرتين .
قال موسى للخضر عليهما السلام : يا نبي الله ، هل تعلم ما نقص من البحر ؟ قال له
الخضر : لولا ما نراد فيه لأخبرتك ، قال موسى للخضر يا نبي الله ، هل من شيء ليس
فيه بركة ؟ قال له الخضر : نعم يا موسى ، ما من شيء إلا وفيه بركة ما خلا آجال العباد ،
ومدتهم ، ولولا ذلك لفني الناس . قال موسى : وكيف ذلك ؟ قال له الخضر : لأن كل
شيء ينقص منه ، فلا يزاد فيه ينقطع ، قال له موسى : يا نبي الله ، من أجل أي شيء
أعطاك الله عز وجل من بين العباد أن لا تموت حتى نسأل الله تعالى ، واطلعت على ما
في قلوب العباد تنظر بعين الله عز وجل ؟
قال له الخضر : يا موسى ، بالصبر عن معصية الله ، عز وجل ، والشكر لله ، عز وجل
في نعمته ، وسلامة القلب لا أخاف ولا أرجو دون الله أحداً .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، قال : سمعت عبد القدوس يحدث عن
الحسن ، قال : سمعت ابن عباس على المنبر يقول : ( فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه(2/347)
صفحة رقم 348
زكاة وأقرب رحماً ) [ الكهف : 81 ] ، قال : جارية مكان الغلام .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثنا أبي ، عن الهذيل ، عن المسيب ، عن رجل ، عن ابن عباس ،
في قوله عز وجل : ( . . . وكان تحته كنز لهما . . . ( قال : كان لوحاً من ذهب
مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلا الله ، أحمد رسول الله ، عجبت لمن يؤمن
بالقدر كيف يحزن ؟ وعجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح ؟ وعجبت لمن يرى الدنيا وتصريف أهلهما كيف يطمئن إليها ؟
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن أبي يوسف ، عن الحسن بن
عمارة ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله عز وجل : ( . . . لا تؤاخذني بما
نسيت . . . ( ، قال : لم ينس ، ولكن هذا من معاريض الكلام .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : سمعت المسيب يحدث
عن عبيد الله بن مالك ، عن علي ، رضي الله عنه ، وقد لقيه ، قال : إن الترك سرية خرجوا
من يأجوج ومأجوج يغيرون على الناس فردم ذو القرنين دونهم فبقوا . قال مقاتل : إنما
سموا الترك ؛ لأنهم تركوا خلف الردم .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن أبي المليح ، عن ميمون بن
مهران ، عن ابن عباس ، قال : انتهى ذو القرنين إلى ملك من ملوك الأرض ، فقال لذي
القرنين : إنك قد بلغت ما لم يبلغه أحد ، وقد أخبرت أن عندكَ علماً ، وأنا سائلك عن
خصال أربع ، فإن أنت أخبرتني عنهم علمت أنك عالم .
ما اثنان قائمان ؟ واثنان ساعيان ؟ واثنان مشتركان ؟ واثنان متباغضان ؟ قال له ذو
القرنين : أما الاثنان القائمان فالسموات والأرض لم يزولا منذ خلقهما الله ، عز وجل ،
وأما الاثنان الساعيان فالشمس والقمر لم يزالا دائبين منذ خلقهما الله ، عز وجل ، وأما
الاثنان المشتركان فالليل والنهار يأخذ كل واحد منهما من صاحبه ، وأما الاثنان
المتباغضان فالموت والحياة لا يحب أحدهما صاحبة أبداً ، قال : صدقت ، فإنك من علماء
أهل الأرض .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن المسعودي ، عن عون بن عبد الله
المزني ، عن مطرف بن الشخير ، أنه قال : فضل العلم خير من فضل العمل ، وخير العمل
أوسطه ، والحسنة بين السيئتين .(2/348)
صفحة رقم 349
قوله سبحانه : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ( سيئة ) واتبغ بين ذلك
سبيلاً ) [ الإسراء : 110 ] حسنة . قال الهذيل : ولم أسمع مقاتلاً .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال الهذيل : قال مقاتل : تفسير آدم ، عليه السلام ،
لأنه خلق من أديم الأرض ، وتفسير حواء ؛ لأنها خلقت من حي ، وتفسير نوح لأنهُ ناح
على قومه ، وتفسير إبراهيم أبو الأمم ، ويقال : أب رحيم ، وتفسير إسحاق لضحك سارة ،
ويعقوب لأنه خرج من بطن أمه قابض على عقب العيص ، وتفسير يوسف زيادة في
الحسن ، وتفسير يحيى : أحيى من بين ميتين ، لأنه خرج من بين شيخ كبير ، وعجوز عاقر ،
صلى الله عليهم أجمعين .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك ،
عن ابن عباس ، قال : دخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ابنة عمته أم هانئ فنعس ، فوضعت له
وسادة ، فوضع رأسه فنام ، فبينا هو نائم إذ ضحك في منامه ، ثم وثب فاستوى جالساً ،
فقالت أم هانئ : لقد سرني ما رأيت في وجهك ، يا رسول الله ، من البشرى ، فقال : ' يا
أم هانئ ، إن جبريل ، عليه السلام ، أخبرني في منامي أن ربي عز وجل قد وهب لي أمتي
كلهم يوم القيامة ، وقال لي : لو استوهبت غيرهم لأعطيناكهم ، ففرحت لذلك
وضحكت ' ، ثم وضع رأسه فنام فضحك ، ثم وثب فجلس ، فقالت له أم هانئ : بأبي
أنت وأمي ، لقد سرني ما رأيت من البشرى في وجهك ، قال : ' يا أم هانئ ، أتاني
جبريل ، عليه السلام فأخبرني أن الجنة تشتاق إلى ، وإلى أمتي ، فضحكت من ذلك
وفرحت ' .
قالت أم هانئ : يحق لك يا رسول الله ، أن تفرح ، ثم وضع رأسه فنام فضحك في
منامه ، فاستوى جالساً ، فقالت أم هانئ : لقد سرني ما رأيت من البشرى في وجهك يا
رسول الله ، قال : ' يا أم هانئ ، عرضت على أمتي ، فإذا معهم قضبان النور ، إن القضيب
التي في أيديهم ، فقال : ذلك الإسلام يا محمد ، صلى الله عليك ، وفتحت أبواب الجنة في
منامي فنظرت إلى داخلها من خارجها ، فإذا فيها قصور الدر والياقوت ، فقلت : لمن هذه ؟
فقال : لك يا محمد ولأمتك ، ولقد زينها الله عز وجل لك ، ولأمتك ، قبل أن يخلقك بألفي
عام ، فضحكت من ذلك ' ، قالت أم هانئ : يحق لك أن تضحك وتفرح هنيئاً لك مريئاً ،
يا نبي الله ، بما أعطاك ربك .(2/349)
صفحة رقم 350
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك ، عن
ابن عباس ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لما خلق الله عز وجل جنة الفردوس وغرسها بيده ، فلما
فرغ منها لم ترعين ، ولم يخطر على قلب بشر مثلها وما فيها ، فقال لها تبارك وتعالى :
تزيني . فتزينت ، ثم قال لها : تزيني . فتزينت ، ثم قال لها : تكلمي . فتكلمت ، قالت : ( قد أفلح المؤمنون ) [ آية : المؤمنون : 1 ] قال لها : من هم ؟ قالت : الموحدون أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
) أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) [ المؤمنون : 10 ،
11 ] ثم أغلق بابها ، فلا يفتح إلى يوم القيامة فما يجيئهم من طيب الشجر ، فهو من
خلال بابها ، والحور يوم القيامة على بابها ، وأنا قائم على الحوض أرد عنه أمم الكفار
كما يرى الراعي غرائب الإبل ، حتى تأتي أمتي غراً محجلين من آثار الوضوء أعرفهم
فيشربون من ذلك الحوض ، فمن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً ' ، فقال معاذ : يا رسول
الله ، لقد سعد الذين يشربون من ذلك الحوض ، فقال : ' ويحك يا معاذ ، من خلق في بطن
أمه موحداً ، ويؤمن برسوله ، فهو يشرب من ذلك الحوض ، ويدخل الفردوس ' ، قال
معاذ : ما أكثر ما يخلق في بطن أمه مشركاً ، ثم يولد وهو مشرك ، ثم يموت مؤمناً ، فقال :
' يا معاذ ، ويحك من مات مسلماً فقد خلق في ظهر آدم مسلماً ، ثم تداولته ظهور
المشركين حتى أدركني ، فآمن بي ، فأولئك إخواني ، وأنتم أصحابي ' ، ثم قرأ رسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) : ( إخوانا على سرر متقابلين ) [ الحجر : 47 ] .(2/350)
صفحة رقم 351
( سورة الأنبياء )
1 ( مكية وهي مائة واثنتا عشرة آية ، كوفية )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 1 - 6 ]
الأنبياء : ( 1 ) اقترب للناس حسابهم . . . . .
) اقترب للناس حسابهم ( نزلت في كفار مكة ) وهم في غفلة معرضون ) [ آية :
1 ] لا يؤمنون به يعنى بالحساب يوم القيامة .
الأنبياء : ( 2 ) ما يأتيهم من . . . . .
ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم ( يعنى من بيان من ربهم
يعنى القرآن ) محدث ( يقول : الذي يحدث الله ، عز وجل ، إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من القرآن لا
محدث عند الله تعالى ) إلا استمعوه وهم يلعبون ) [ آية : 2 ] يعنى لاهين عن القرآن .
الأنبياء : ( 3 ) لاهية قلوبهم وأسروا . . . . .
) لاهية قلوبهم ( يعنى غافلة قلوبهم عنه ) وأسروا النجوى ( ) الذين ظلموا ( فهو
أبو جهل ، والوليد بن المغيرة ، وعقبة بن أبي معيط ، قالوا سراً فيما بينهم : ( هل هذا (
يعنون محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا بشر مثلكم ( لا يفضلكم بشيء فتتبعونه ) أفتأتون السحر ( يعنى القرآن ) وأنتم تبصرون ) [ آية : 3 ] أنه سحر .
الأنبياء : ( 4 ) قال ربي يعلم . . . . .
) قال ( لهم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ربي يعلم القول ( يعنى السر الذي فيما بينهم ) في السماء والأرض وهو السميع ( لسرهم ) العليم ) [ آية : 4 ] به .
الأنبياء : ( 5 ) بل قالوا أضغاث . . . . .
) بل قالوا أضغاث أحلام ( يعنى جماعات أحلام يعنون القرآن قالوا : هي أحلام
كاذبة مختلطة يراها محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في المنام فيخبرنا بها ، ثم قال : ( بل افتراه ( يعنون بل
يخلق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) القرآن من تلقاء نفسه ، ثم قال : ( بل هو ( يعنى محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) شاعر (
فإن كان صادقاً ) فليأتنا بئاية كما أُرسل الأولونَ ) [ آية : 5 ] من الأنبياء ، عليهم(2/351)
صفحة رقم 352
السلام ، بالآيات إلى قومهم ، كل هذا من قول هؤلاء النفر ، كما أرسل موسى ، وعيسى ،
وداود ، وسليمان عليهم السلام ، بالآيات والعجائب .
الأنبياء : ( 6 ) ما آمنت قبلهم . . . . .
يقول الله عز وجل : ( مَا ءامنت ( يقول : ما صدقت بالآيات ) قبلهم ( يعنى قبل
كفار مكة ) من قرية أهلكناها ( بالعذاب في الدنيا ، يعنى كفار الأمم الخالية ) أفهم يؤمنون ) [ آية : 6 ] يعنى كفار مكة أفهم يصدقون بالآيات ، فقد كذبت بها الأمم
الخالية من قبلهم ، بأنهم لا يصدقون ، ثم قالوا في الفرقان : ( أهذا الذي بعث الله رسولا ) [ الفرقان : 41 ] يأكل ويشرب وترك الملائكة فلم يرسلهم .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 7 - 15 ] .
الأنبياء : ( 7 ) وما أرسلنا قبلك . . . . .
فأنزل الله عز وجل في قولهم : ( وَمَا أَرسلنا قبلك إِلا رجالاً نُوحي إِليهم فسئلوا ( يا معشر
كفار مكة ) أهل الذكر ( يعنى مؤمني أهل التوراة ) إن كنتم لا تعلمون (
[ آية : 7 ] إن الرسل كانوا من البشر فسيخبرونكم أن الله عز وجل ما بعث رسولاً إلا من
البشر ، ونزل في قولهم : ( أهذا الذي بعث الله رسولا ( يأكل ويشرب ويترك
الملائكة فلا يرسلهم .
الأنبياء : ( 8 ) وما جعلناهم جسدا . . . . .
فقال سبحانه : ( وما جعلناهم جسدا ( يعنى الأنبياء ، عليهم السلام ، والجسد الذي
ليس فيه روح ، كقوله سبحانه : ( عجلا جسدا ) [ طه : 88 ] ) لا يأكلون الطعام ( ولا يشربون ولكن جعلناهم جسداً فيها أرواح ، يأكلون الطعام ، ويذوقون
الموت ، وذلك قوله سبحانه : ( وما كانوا خالدين ) [ آية : 8 ] في الدنيا .
الأنبياء : ( 9 ) ثم صدقناهم الوعد . . . . .
) ثم صدقناهم الوعد ( يعنى الرسل الوعد ، يعنى العذاب في الدنيا إلى قومهم
) فأنجيناهم ( يعنى الرسل من العذاب ) ومن نشاء ( من المؤمنين ) وأهلكنا المسرفين ) [ آية : 9 ] يقول : وعذبنا المشركين في الدنيا ، قال أبو محمد : قال أبو العباس(2/352)
صفحة رقم 353
ثعلب : قال الفراء : ( وما جعلناهم جسدا ( إلا ليأكلوا الطعام .
الأنبياء : ( 10 ) لقد أنزلنا إليكم . . . . .
) لقد أنزلنا إليكم ( يا أهل مكة ) كتابا فيه ذكركم ( يعنى شرفكم ) أفلا تعقلون ) [ آية : 10 ] مثل قوله تعالى : ( وإنه لذكر لك ولقومك ) [ الزخرف : 44 ]
يعنى شرفاً لك ولقومك .
الأنبياء : ( 11 ) وكم قصمنا من . . . . .
) وكم قصمنا من قرية ( يعنى أهلكنا من قرية بالعذاب في الدنيا قبل أهل مكة
) كانت ظالمة وأنشأنا بعدها ( يقول : وجعلنا بعد هلاك الأمم الخالية ) قَوماً
ءاخرينَ ) [ آية : 11 ] يعنى قوماً كانوا باليمن في قرية تسمى حضور ، وذلك أنهم
قتلوا نبياً من الأنبياء ، عليهم السلام ، فسلط الله ، عز وجل ، جند بخت نصر فقتلوهم ،
كما سلط بخت نصر والروم على اليهود ببيت المقدس فقتلوهم ، وسبوهم حين قتلوا يحيى
بن زكريا وغيره من الأنبياء ، عليهم السلام .
الأنبياء : ( 12 ) فلما أحسوا بأسنا . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( فلما أحسوا بأسنا ( يقول : فلما رأوا عذابنا يعنى أهل
حضور ) إذا هم منها يركضون ) [ آية : 12 ] يقول : إذا هم من القرية يهربون ، قالت لهم
الملائكة كهيئة الاستهزاء .
الأنبياء : ( 13 ) لا تركضوا وارجعوا . . . . .
) لا تركضوا ( يقول : لا تهربوا ) وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ( يعنى إلى ما خولتم فيه
من الأموال ) و ( إلى ) ومساكنكم ( يعنى قريتكم التي هربتم منها ) لعلكم
تسئلونَ ) [ آية : 13 ] كما سئلتم الإيمان قبل نزول العذاب فلما رأوا العذاب
الأنبياء : ( 14 ) قالوا يا ويلنا . . . . .
) قالواْ
ياويلنا إِنا كنا ظالمين ) [ آية : 14 ] .
الأنبياء : ( 15 ) فما زالت تلك . . . . .
يقول الله عز وجل : ( فما زالت تلك دعواهم ( يقول : فما زال الويل قولهم ) حتى جعلناهم حصيدا خامدين ) [ آية : 15 ] يقول : أطفأناهم بالسيف ، فخمدوا مثل النار إذا
طفئت فخمدت .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 16 - 18 ] .
الأنبياء : ( 16 ) وما خلقنا السماء . . . . .
) وما خلقنا السماء والأرض ( يعنى السموات السبع والأرضين السبع ) وما بينهما (
من الخلق ) لعبينَ ) [ آية : 16 ] يعنى عابثين لغير شيء ولكن خلقناهما لأمر هو كائن .(2/353)
صفحة رقم 354
الأنبياء : ( 17 ) لو أردنا أن . . . . .
) لو أردنا أن نتخذ لهوا ( يعنى ولداً ، وذلك أن نصارى نجران السيد والعاقب ، ومن
معهما ، قالوا : عيسى ابن الله ، فقال الله عز وجل : ( لو أردنا أن نتخذ لهوا ( ) لاتخذناه من لدنا ( يعنى من عندنا من الملائكة ؛ لأنهم أطيب وأطهر من عيسى ، ولم نتخذه من
أهل الأرض ، ثم قال سبحانه : ( إن كنا فاعلين ) [ آية : 17 ] يقول : ما كنا فاعلين
ذلك أن نتخذ ولداً ، مثلها في الزخرف .
الأنبياء : ( 18 ) بل نقذف بالحق . . . . .
) بل نقذف ( بل نرمي ) بالحق ( الذي قال الله عز وجل : ( إن كنا فاعلين (
) على الباطل ( الذي قالوا : إن لله عز وجل ولداً ) فيدمغه فإذا هو زاهق ( يعنى
ذاهب ) ولكم الويل مما تصفون ) [ آية : 18 ] يقول : لكم الويل في الآخرة مما تقولون
من البهتان بأن لله ولداً .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 19 - 24 ] .
الأنبياء : ( 19 ) وله من في . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وله من في السماوات والأرض ( عبيده وفي ملكه ، وعيسى بن
مريم ، وعزيز ، والملائكة وغيرهم ، ثم قال سبحانه : ( ومن عندهُ ( من الملائكة ) لا يستكبرون ( يعنى لا يتكبرون ) عن عبادته ولا يستحسرون ) [ آية : 19 ] يعنى ولا
يعيون ، كقوله عز وجل : ( وهو حسير ) [ الملك : 4 ] وهو معي ،
الأنبياء : ( 20 ) يسبحون الليل والنهار . . . . .
ثم قال تعالى
ذكره : ( يسبحون ( يعنى يذكرون الله عز وجل .
) اليل والنهار لا يفترونَ ) [ آية : 20 ] يقول : لا يستريحون من ذكر الله عز وجل
ليست لهم فترة ولا سآمة .
الأنبياء : ( 21 ) أم اتخذوا آلهة . . . . .
) أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون ) [ آية : 21 ] .
الأنبياء : ( 22 ) لو كان فيهما . . . . .
) لو كان فيهما آلهة ( يعنى آلهة كثيرة ) إلا الله ( يعنى غير الله عز وجل
) لفسدتا ( يعنى لهلكتا يعنى السموات والأرض وما بينهما ) فسبحان الله رب العرش عما يصفون ) [ آية : 22 ] نزه الرب نفسه ، تبارك وتعالى ، عن قولهم بأن مع الله ، عز وجل
إلها .(2/354)
صفحة رقم 355
الأنبياء : ( 23 ) لا يسأل عما . . . . .
ثم قال سبحانه : ( لا يُسئلُ عما يفعلُ ( يقول : لا يسأل الله تعالى عما يفعله في خلقه
) وَهُم يسئلونَ ) [ آية : 23 ] يقول سبحانه ، يسأل الله الملائكة في الآخرة : ( أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ) [ الفرقان : 17 ] ؟ ويسألهم ، ويقول للملائكة :
( أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ) [ سبأ : 40 ] .
الأنبياء : ( 24 ) أم اتخذوا من . . . . .
) أم اتخذوا من دونه آلهة قل ( لكفار مكة : ( هاتوا برهانكم ( يعنى حجتكم ،
أن مع الله ، عز وجل ، إلهاً كما زعمتم ) هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ( يقول : هذا
القرآن فيه خبر من معي ، وخبر من قبلي من الكتب ، ليس فيه أن مع الله ، عز وجل ، إلهاً
كما زعمتم ) بل أكثرهم ( يعنى كفار مكة ) لا يعلمون الحق ( يعنى التوحيد ) فهم معرضون ) [ آية : 24 ] عنه عن التوحيد ، كقوله عز وجل : ( بل جاء بالحق (
[ آية : الصافات : 37 ] يعنى بالتوحيد .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 25 - 28 ] .
الأنبياء : ( 25 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ آية :
25 ] يعنى فوحدون .
الأنبياء : ( 26 ) وقالوا اتخذ الرحمن . . . . .
) وقالوا ( أي كفار مكة ، منهم النضر بن الحارث ) اتخذ الرحمن ولدا ( قالوا : إن
الملائكة بنات الله تعالى ، فنزه الرب جل جلاله نفسه عن قولهم ، فقال : ( سبحانه بل (
هم يعنى الملائكة ) عباد مكرمون ) [ آية : 26 ] لعبادة ربهم ، وليسوا ببنات الرحمن ،
ولكن الله أكرمهم بعبادته .
الأنبياء : ( 27 ) لا يسبقونه بالقول . . . . .
ثم أخبر عن الملائكة ، فقال : ( لا يسبقونه بالقول ( يعنى الملائكة لا يسبقون
ربهم بأمر ، يقول : الملائكة لم تأمر كفار مكة بعبادتهم إياها ، ثم قال : ( وهم ( يعنى(2/355)
صفحة رقم 356
الملائكة ) بأمره يعملون ) [ آية : 27 ] يقول : لا تعمل الملائكة إلا بأمره ، فأخبر الله
عز وجل عن الملائكة أنهم عباد يخافون ربهم ويقدسونه ويعبدونه .
الأنبياء : ( 28 ) يعلم ما بين . . . . .
) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( يقول الرب عز وجل : يعلم ما كان قبل أن يخلق
الملائكة ، ويعلم ما كان بعد خلقهم ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( يقول : لا تشفع
الملائكة إلا لمن رضي الله أن يشفع له ، يعنى من أهل التوحيد الذين لا يقولون إن الملائكة
بنات الله عز وجل ، لأن كفار مكة زعموا أن الملائكة تشفع لهم في الآخرة إلى الله عز
وجل ، ثم قال سبحانه - يعنى الملائكة : ( وهم من خشيته مشفقون ) [ آية : 28 ]
يعنى خائفين .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 29 - 34 ] .
الأنبياء : ( 29 ) ومن يقل منهم . . . . .
) ومن يقل منهم ( يعنى من الملائكة ) إني إله من دونه ( يعنى من دون الله
عز وجل ) فذلك ( يعنى فهذا الذي يقول : إني إله من دونه ) نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ) [ آية : 29 ] النار حين زعموا أن مع الله ، عز وجل ، إلهاً ، ولم يقل ذلك
أحد من الملائكة غير إبليس عدو الله رأس الكفر .
الأنبياء : ( 30 ) أولم ير الذين . . . . .
) أولم ير الذين كفروا ( يقول : أولم يعلم الذين كفروا من أهل مكة ) أن السماوات والأرض كانتا رتقا ( يعنى ملتزقين ، وذلك أن الله تبارك وتعالى أمر بخار الماء فارتفع ،
فخلق منه السماوات السبع ، فأبان إحداهما من الأخرى ، فذلك قوله : ( ففتقناهما ( ثم
قال سبحانه : ( وجعلنا من الماء كُل شيءٍ حي ( يقول : وجعلنا الماء حياة كل شيء
يشرب الماء ) أفلا يؤمنون ) [ آية : 30 ] يقول : أفلا يصدقون بتوحيد الله عز وجل مما
يرون من صنعه .
الأنبياء : ( 31 ) وجعلنا في الأرض . . . . .
) وجعلنا في الأرض رواسي ( يعني الجبال أرسيت في الأرض ، فأثبت الأرض بالجبال(2/356)
صفحة رقم 357
) أن تميد بهم ( لئلا تزول الأرض بهم ) وجعلنا فيها ( يعني في الجبال ) فجاجا (
يعنى كل شعب في جبل فيه منذ ) سبلا ( يعنى طرفاً ) لعلهم يهتدون ) [ آية :
31 ] يقول : لكي يعرفوا طرقها .
الأنبياء : ( 32 ) وجعلنا السماء سقفا . . . . .
) وجعلنا السماء سقفا ( يعنى المرفوع ) محفوظا ( من الشياطين لئلا يسمعوا إلى
كلام الملائكة ، فيخبروا الناس ) وهم عن ءايتها ( يعنى الشمس والقمر والنجوم وغيرها
) معرضون ) [ آية : 32 ] فلا يتفكرون فيما يرون من صنعه ، عز وجل ، فيوحدونه .
الأنبياء : ( 33 ) وهو الذي خلق . . . . .
) وهو الذي خلق اليل والنهار والشمس والقمر كُلٌ في فلك يسبحونَ ) [ آية : 33 ] يقول :
يدخلان من قبل المغرب فيجريان تحت الأرض حتى يخرجا من قبل المشرق ، ثم يجريان
في السماء إلى المغرب ، فذلك قوله سبحانه : ( كل ( يعنى الشمس والقمر ) في فلك (
يعنى في دوران ) يسبحون ( يعنى يجرون ، فذلك دورانهما .
الأنبياء : ( 34 ) وما جعلنا لبشر . . . . .
) وما جعلنا لبشر ( وذلك أن قوماً قالوا : إن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) لا يموت ، فأنزل الله عز
وجل : ( وما جعلنا لبشر ( يعنى لنبي من الأنبياء ) من قبلك الخلد ( في الدنيا فلا
يموت فيها ، بل يموتون ، فلما نزلت هذه الآية ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لجبريل عليه السلام : ' فمن
يكون في أمتي من بعدي ' ، فأنزل الله عز وجل : ( أَفإين مِت ( يعنى محمداً ( صلى الله عليه وسلم )
) فهم الخالدون ) [ آية : 34 ] فإنهم يموتون أيضاً .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 35 - 38 ] .
الأنبياء : ( 35 ) كل نفس ذائقة . . . . .
ثم قال عز وجل : ( كل نفس ذائقة الموت ( يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وغيره ) ونبلوكم (
يقول : ونختبركم ) بالشر ( يعنى بالشدة لتصبروا ) و ( ب ) والخير فتنة ( يعنى
بالرخاء لتشكروا فتنة ، يقول : هما بلاء يبتليكم بهما ) وإلينا ( في الآخرة
) ترجعون ) [ آية : 35 ] بعد الموت فنجزيكم بأعمالكم .
الأنبياء : ( 36 ) وإذا رآك الذين . . . . .
) وَإذا رءاك الذين كفرواْ ( يعنى أبا جهل ) إن يتخذونك إلا هزوا (
وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مر على أبي سفيان بن حرب ، وعلى أبي جهل بن هشام ، فقال أبو
جهل لأبي سفيان كالمستهزئ : انظروا إلى نبي بني عبد مناف . فقال أبو سفيان لأبي(2/357)
صفحة رقم 358
جهل حمية ، وهو من بني عبد شمس بن عبد مناف : وما ننكر أن يكون نبياً في بني عبد
مناف ، فسمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قولهما ، فقال لأبي جهل : ' ما أراك منتهياً حتى ينزل الله عز
وجل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة ، وأما أنت يا أبا سفيان ، فإنما قلت الذي قلت
حمية ' ، فأنزل الله عز وجل : ( وَإِذا رءاك الذين كفروا ( يعنى أبا جهل ) إن يتخذونك إلا هزوا ( استهزاء .
وقال أبو جهل حين رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( أَهذا الذي يذكر ءالهتكم ( اللات
والعزى ومناة بسوء يقول الله عز وجل : ( وهم بذكر ( يعنى بتوحيد ) الرحمن هم كافرون ) [ آية : 36 ] وذلك أن أبا جهل قال : إن الرحمن مسيلمة بن حبيب الحنفي
الكذاب .
الأنبياء : ( 37 ) خلق الإنسان من . . . . .
) خلق الإنسان ( يعنى آدم أبو البشر ) من عجل ( وذلك أن كفار قريش
استعجلوا بالعذاب في الدنيا من قبل أن يأتيهم تكذيباً به ، كما استعجل آدم عليه السلام
الجلوس من قبل أن تتم فيه الروح من قبل رأسه يوم الجمعة ، فأراد أن يجلس من قبل أن
تتم فيه الروح إلى قدميه ، فلما بلغت الروح وسطه ونظر إلى حسن خلقه أراد أن يجلس
ونصفه طين ، فورث الناس كلهم العجلة من آدم ، عليه السلام ، لم تجد منفذاً فرجعت من
أنفه فعطس ، فقال : الحمد لله رب العالمين ، فهذه أول كلمة تكلم بها . وبلغنا أن الله عز
وجل رد عليه ، فقال : لهذا خلقتك يرحمك ربك . فسبقت رحمته غضبه ، فلما استعجل
كفار مكة العذاب في الدنيا نزلت . ) خلق الإنسان من عجل ( لأنهم من ذريته يقول
الله ، عز وجل ، لكفار مكة : ف ) سَأوريكمُ ءاياتي ( يعنى عذابي القتل ) فلا تستعجلون ) [ آية : 37 ] يقول : فلا تعجلوا بالعذاب .
الأنبياء : ( 38 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) [ آية : 38 ] وذلك أن كفار مكة
قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : متى هذا العذاب الذي تعدنا ، إن كنت صادقاً ، يقولون ذلك مستهزئين
تكذيباً بالعذاب .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 39 - 44 ] .(2/358)
صفحة رقم 359
الأنبياء : ( 39 ) لو يعلم الذين . . . . .
فأنزل الله عز وجل ) لو يعلم الذين كفروا ( من أهل مكة ) حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ( ، وذلك أن أيديهم تغل إلى أعناقهم ، وتجعل في
أعناقهم صخرة من الكبريت ، فتشتعل النار فيها ، فلا يستطيعون أن يتقوا النار إلا
بوجوههم . فذلك قوله سبحانه : ( أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة (
[ الزمر : 24 ] وذلك قوله : حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم لو علموا
ذلك ما استعجلوا بالعذاب ، ثم قال سبحانه : ( ولا هم ينصرون ) [ آية : 39 ] يقول :
ولا هم يمنعون من العذاب .
الأنبياء : ( 40 ) بل تأتيهم بغتة . . . . .
ثم قال تعالى : ( بل تأتيهم ( الساعة ) بغتة ( يعنى فجأة ) فتبهتهم ( يقول :
فتفجؤهم ) فلا يستطيعون ردها ( يعنى أن يردوها ) ولا هم ينظرون ) [ آية : 40 ]
يقول : ولا يناظر بهم العذاب حتى يعذبوا
الأنبياء : ( 41 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
) ولقد استهزئ برسل من قبلك ( كما
استهزئ بك يا محمد ، يعزى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب ، وذلك أن
مكذبي الأمم الخالية كذبوا رسلهم بأن العذاب ليس بنازل بهم في الدنيا ، فلما أخبر
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كفار مكة استهزءوا منه تكذيباً بالعذاب .
يقول الله عز وجل : ( فحاق بالذين ( يعنى فدار بهم ) سخروا منهم ما ( يعنى
الذي ) كانوا به يستهزئون ) [ آية : 41 ] بأنه غير نازل بهم .
الأنبياء : ( 42 ) قل من يكلؤكم . . . . .
) قل من يكلؤكم ( يقول : من يحرسكم ) بِاليل والنَّهار من ( عذاب ) الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون ) [ آية : 42 ] يعنى القرآن ، معرضون عنه .
الأنبياء : ( 43 ) أم لهم آلهة . . . . .
ثم قال سبحانه : ( أم لهم آلهة ( نزلت في الحارث بن قيس السهمي ، وفيه نزلت
أيضاً في الفرقان : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ( فقال سبحانه : ( أم لهم آلهة ( ) تمنعهم ( من العذاب ) من دوننا ( يعنى من دون الله عز وجل فيها
تقديم ، ثم أخبر عن الآلهة ، فقال تعالى : ( لا يستطيعون نصر أنفسهم ( يقول : لا
تستطيع الآلهة أن تمنع نفسها من سوء أريد بها ، ثم قال سبحانه : ( ولا هم ( يعنى من(2/359)
صفحة رقم 360
يعبد الآلهة ) مما يصحبون ) [ آية : 43 ] يعنى ولا هم منا يجارون ، يقول الله تعالى : لا
يجيرهم مني ولا يؤمنهم مني أحد .
الأنبياء : ( 44 ) بل متعنا هؤلاء . . . . .
) بل متعنا هؤلاء ( يعنى كفار مكة ) وءاباءهم حتى طال عليهم العُمر أَفلا
يرونَ ( يعنى أفهلا يرون ) أَنا نأتي الأرض ( يعنى أرض مكة ) ننقصها من
أَطرافها ( يعنى نغلبهم على ما حول أرض مكة ) أفهم الغالبون ) [ آية : 44 ] يعنى
كفار مكة ، أو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنون ؟ بل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ، رضي الله عنهم ، هم
الغالبون لهم ، وربه محمود .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 45 - 47 ] .
الأنبياء : ( 45 ) قل إنما أنذركم . . . . .
) قل ( لكفار مكة : ( إنما أنذركم بالوحي ( بما في القرآن من الوعيد ) ولا يسمع ( يا محمد ) الصم الدعاء ( هذا مثل ضربه الله ، عز وجل ، للكافر يقول : إن
الأصم إذا ناديته لم يسمع ، فكذلك الكافر لا يسمع الوعيد والهدى ) إذا ما ينذرون (
[ آية : 45 ] .
الأنبياء : ( 46 ) ولئن مستهم نفحة . . . . .
) ولئن مستهم نفحة ( يقول : ولئن أصابتهم عقوبة ) مِنَ عذاب ربك ليقولنَ
ياويلنا إِنا كُنا ظالمين ) [ آية : 46 ] .
الأنبياء : ( 47 ) ونضع الموازين القسط . . . . .
) ونضع ( الأعمال في ) الموازين القسط ( يعنى العدل ) ليوم القيامة ( فجبريل ،
عليه السلام ، يلي موازين أعمال بني آدم ) فلا تظلم نفس شيئا ( يقول : لا ينقصون
شيئاً من أعمالهم ) وإن كان مثقال حبة ( يعنى وزن حبة ) من خردل أتينا بها ( يعنى جئنا بها ، بالحبة ) وكفى بنا حاسبين ) [ آية : 47 ] يقول سبحانه :
وكفى بنا من سرعة الحساب .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 48 - 50 ] .(2/360)
صفحة رقم 361
الأنبياء : ( 48 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) وَلقد ءاتينا مُوسى وهارون الفرقان ( يعنى التوراة ) وضياء ( يعنى ونوراً من
الضلالة ، يعنى التوراة ) وذكرا ( يعنى وتفكراً ) للمتقين ) [ آية : 48 ] الشرك .
الأنبياء : ( 49 ) الذين يخشون ربهم . . . . .
ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( الذين يخشون ربهم بالغيب ( فأطاعوه ، ولم يروه ) وهم من الساعة مشفقون ) [ آية : 49 ] يعنى من القيامة خائفين .
الأنبياء : ( 50 ) وهذا ذكر مبارك . . . . .
) وهذا ( القول ) ذكر ( يعنى بيان ) مبارك أنزلناه أفأنتم ( يا أهل مكة ) له منكرون ) [ آية : 50 ] يقول سبحانه : لا تعرفونه فتؤمنون به .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 51 - 70 ] .
الأنبياء : ( 51 ) ولقد آتينا إبراهيم . . . . .
) وَلقد ءاتينا إبراهيم رُشدهُ من قبلُ ( يقول : ولقد أعطينا إبراهيم هداه في السر ،
وهو صغير من قبل موسى وهارون ) وكنا به عالمين ) [ آية : 51 ] يقول الله عز وجل :
وكنا بإبراهيم عالمين بطاعته لنا .
الأنبياء : ( 52 ) إذ قال لأبيه . . . . .
) إذ قال لأبيه ( آزر : ( وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ) [ آية : 52 ]
تعبدونها .(2/361)
صفحة رقم 362
الأنبياء : ( 53 ) قالوا وجدنا آباءنا . . . . .
) قالوا وجدنا ءاباءنا لها عابدين ) [ آية : 53 ] .
الأنبياء : ( 54 ) قال لقد كنتم . . . . .
) قال ( لهم إبراهيم : ( لقد كُنتم أَنتم وءاباؤكم في ضلالٍ مُبين ) [ آية : 54 ] .
الأنبياء : ( 55 ) قالوا أجئتنا بالحق . . . . .
) قالوا أجئتنا ( يا إبراهيم ) بالحق أم أنت من اللاعبين ) [ آية : 55 ] قالوا : أجد هذا
القول منك ، أم لعب يا إبراهيم .
الأنبياء : ( 56 ) قال بل ربكم . . . . .
) قال ( إبراهيم ) بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن ( يعنى الذي
خلقهن .
) وأنا على ذلكم ( يعنى على ما أقول لكم ) من الشاهدين ) [ آية : 56 ] بأن
ربكم الذي خلق السموات والأرض .
الأنبياء : ( 57 ) وتالله لأكيدن أصنامكم . . . . .
) وتالله ( يقول والله ، ) لأكيدن أصنامكم ( بالسوء ، يعنى أنه يكسرها ، وهي
اثنان وسبعون صنماً من ذهب ، وفضة ، ونحاس ، وحديد ، وخشب ) بعد أن تولوا مدبرين ) [ آية : 57 ] ، يعنى ذاهبين إلى عيدكم ، وكان لهم عيد في كل سنة يوماً واحد ،
وكانوا إذا خرجوا قربوا إليها الطعام ، ثم يسجدون لها ثم يخرجون ، ثم إذا جاؤا من
عيدهم بدؤوا بها ، فسجدوا لها ، ثم تفرقوا إلى منازلهم ، فسمع قول إبراهيم ( صلى الله عليه وسلم ) رجل
منهم ، حين قال : ( وتالله لأكيدن أصناكم بعد أن تولوا مدبرين ( فلما خرجوا دخل
إبراهيم على الأصنام والطعام بين أيديها .
الأنبياء : ( 58 ) فجعلهم جذاذا إلا . . . . .
) فجعلهم جذاذا ( يعنى قطعاً ، كقوله سبحانه : ( . . . عطاء غير مجذوذ ( يعنى
غير مقطوع ، ثم استثنى ) إلا كبيرا لهم ( يعنى أكبر الأصنام ، فلم يقطعه ، وهو من
ذهب ولؤلؤ ، وعيناه ياقوتتان حمراوان تتوقدان في الظلمة ، لهما بريق كبريق النار ، وهو
في مقدم البيت ، فلما كسرهم وضع الفأس بين يدي الصنم الأكبر ، ثم قال : ( لعلهم إليه يرجعون ) [ آية : 58 ] يقول : إلى الصنم الأكبر يرجعون من عيدهم ، فلما رجعوا
من عيدهم دخلوا على الأصنام ، فإذا هي مجذوذة
الأنبياء : ( 59 ) قالوا من فعل . . . . .
) قالوا ( يعنى نمروذ بن كنعان وحده ،
هو الذي قال : ( من فعل هذا بئالهتنا إِنهُ لمن الظالمينَ ) [ آية : 59 ] لنا حين انتهك
هذا منا ، قال الرجل الذي كان يسمع قول إبراهيم عليه السلام حين قال : ( وتالله لأكيدن أصنامكم ) [ الأنبياء : 57 ] .
الأنبياء : ( 60 ) قالوا سمعنا فتى . . . . .
) قالوا سمعنا فتى يذكرهم ( بسوء ، فذلك قوله(2/362)
صفحة رقم 363
يعنى الرجل وحده ، قال : سمعت فتى يذكرهم بسوء ، إضمار ) يقال له إبراهيم ) [ آية :
60 ] .
الأنبياء : ( 61 ) قالوا فأتوا به . . . . .
) قالوا ( قال نمروذ الجبار : ( فأتوا به على أعين الناس ( يعنى على رءوس الناس
) لعلهم يشهدون ) [ آية : 61 ] عليه بفعله ويشهدون عقوبته ، فلما جاءوا به
الأنبياء : ( 62 ) قالوا أأنت فعلت . . . . .
) قالوا ( قال نمروذ : ( ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يإبراهيم ) [ آية : 62 ] يعنى أنت
كسرتها .
الأنبياء : ( 63 ) قال بل فعله . . . . .
) قال ( إبراهيم : ( بل فعله كبيرهم هذا ( يعنى أعظم الأصنام الذي في يده
الفأس ، غضب حين سويتم بينه وبين الأصنام الصغار ، فقطعها ) فسئلوهم إن كانوا
ينطقون ) [ آية : 63 ] يقول : سلوا الأصنام المجذوذة من قطعها ؟ إن قدروا على الكلام .
الأنبياء : ( 64 ) فرجعوا إلى أنفسهم . . . . .
) فرجعوا إلى أنفسهم ( فلاموها ) فقالوا ( فقال بعضهم لبعض : ( إنكم أنتم الظالمون ) [ آية : 64 ] لإبراهيم حين تزعمون أنه قطعها والفأس في يد الصنم الأكبر ،
ثم قالوا بعد ذلك : كيف يكسرها وهو مثلها .
الأنبياء : ( 65 ) ثم نكسوا على . . . . .
فذلك قوله سبحانه : ( ثم نكسوا على رءوسهم ( يقول : رجعوا عن قولهم الأول
فقالوا لإبراهيم : ( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) [ آيه : 65 ] فتخبرنا من كسرها .
حدثنا محمد ؛ قال : حدثنا أبو القاسم ، قال : الهذيل سمعت عبد القدوس ، ولم أسمع
مقاتلاً ، يحدث عن الحسن ) ثم تكسوا على رءوسهم ( يعنى على الرؤساء والأشراف .
الأنبياء : ( 66 ) قال أفتعبدون من . . . . .
) قال ( لهم إبراهيم عند ذلك : ( أفتعبدون من دون الله ( من الآلهة ) ما لا ينفعكم شيئا ( إن عبدتموهم ) ولا يضركم ) [ آية : 66 ] إن لم تعبدوهم .
الأنبياء : ( 67 ) أف لكم ولما . . . . .
ثم قال لهم إبراهيم : ( أف لكم ( يعنى بقوله : أفٍ لكم ، الكلام الردئ ) ولما تعبدون ( من الأصنام ) من دون الله ( عز وجل ) أفلا ( يعنى أفهلا
) تعقلون ) [ آية : 67 ] أنها ليست بآلهة .
الأنبياء : ( 68 ) قالوا حرقوه وانصروا . . . . .
) قالوا حرقوه ( بالنار ) وانصروا ءالهتكم ( يقول : انتقموا منه ) إن كنتم فاعلين ) [ آية : 68 ] ذلك به ، فألقوه في النار ، يعنى إبراهيم ( صلى الله عليه وسلم ) .
الأنبياء : ( 69 ) قلنا يا نار . . . . .
ويقول الله ، عز وجل : ( قلنا يا نار كوني بردا ( من الحر ) وسلاما على إبراهيم ) [ آية :
69 ] يقول : وسلميه من البرد ، ولو لم يقل : وسلاماً ، لأهلكه بردها
الأنبياء : ( 70 ) وأرادوا به كيدا . . . . .
) وأرادوا به كيدا ((2/363)
صفحة رقم 364
يعنى بإبراهيم حين خرج من النار ، فلما نظر إليه الناس بادروا ليخبروا نمروذ ، فجعل
بعضهم يكلم بعضاً ، فلا يفقهون كلامهم ، فبلبل الله ألسنتهم على سبعين لغة ، فمن ثم
سميت بابل ، وحجزهم الله عنه ) فجعلناهم الأخسرين ) [ آية : 70 ] .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 71 : 73 ] .
الأنبياء : ( 71 ) ونجيناه ولوطا إلى . . . . .
) ونجيناه ( يعنى إبراهيم ) ولوطا ( من أرض كوثا ، ومعهما سارة شر نمروذ
بن كنعان الجبار ) إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) [ آية : 71 ] يعنى الناس إلى
الأرض المقدسة ، وبركتها الماء والشجر والنبت .
الأنبياء : ( 72 ) ووهبنا له إسحاق . . . . .
) ووهبنا له ( يعنى لإبراهيم ) إسحاق ( ثم قال : ( ويعقوب نافلة ( يعنى فضلاً
على مسألته في إسحاق ) وكلا جعلنا ( يعنى إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، جعلناهم
) صالحين ) [ آية : 72 ] .
الأنبياء : ( 73 ) وجعلناهم أئمة يهدون . . . . .
) وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ( يقول : جعلناهم قادرة للخير يدعون الناس إلى أمر
الله ، عز وجل ، ) وأوحينا إليهم فعل الخيرات ( يعنى الأعمال الصالحة ، ) وأقام الصلاة ( ) وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) [ آية : 73 ] يعنى موحدين .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 74 - 82 ] .(2/364)
صفحة رقم 365
الأنبياء : ( 74 ) ولوطا آتيناه حكما . . . . .
) ولوطاً ءاتينه ( يعنى أعطيناه ) حكما ( يعنى الفهم والعقل ) وعلما ونجينه
من القرية ( يعنى سدوم ) التي كانت تعمل الخبائث ( يعنى السيئ من العمل إتيان
الرجال في أدبارهم ، فأنجى الله لوطاً وأهله ، وعذب القرية بالخسف والحصب ) إنهم
كانوا قولهم سوء فسقين ) [ آية : 74 ] .
الأنبياء : ( 75 ) وأدخلناه في رحمتنا . . . . .
) وأدخلنه في رحمتنا ( يعنى نعمتنا ، وهي النبوة ، كقوله عز وجل : ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ( بالنبوة ) إنه من الصلحين ) [ آية : 75 ] .
الأنبياء : ( 76 ) ونوحا إذ نادى . . . . .
) ونوحا إذ نادى من قبل ( إبراهيم ، ولوطاً ، وإسحاق ، وكان نداؤه حين ، قال :
( أني مغلوب فانتصر ( ) فاستجبنا له ( دعاءه ) فنجينه وأهله من
الكرب العظيم ) [ آية : 76 ] يعنى الهول الشديد يعنى الغرق .
الأنبياء : ( 77 ) ونصرناه من القوم . . . . .
) ونصرنه من القوم ( في قراءة أبي بن كعب ' ونصرناه على القوم ' ) الذين كذبوا
بئايتنا ( يعنى كذبوا بنزول العذاب عليهم في الدنيا ، وكان نصره هلاك قومه ) إنهم
كانوا قوم سوء فأغرقنهم أجمعين ) [ آية : 77 ] لم ننج منهم أحداً .
الأنبياء : ( 78 ) وداود وسليمان إذ . . . . .
) وداود وسليمن إذ يحكمان في الحرث ( يعنى الكرم ) إذ نفشت فيه غنم القوم (
يعنى النفش بالليل والسرح بالنهار ) وكنا لحكمهم شهدين ) [ آية : 78 ] يعنى داود
وسليمان ، صلى الله عليهما ، وصاحب الغنم ، وصاحب الكرم ، وذلك أن راعياً جمع غنمه
بالليل إلى جانب كرم رجل ، فدخلت الغنم الكرم فأكلته ، وصاحبها لا يشعر بها ، فلما
أصبحوا أتوا داود النبي ، عليه السلام ، فقصوا عليه أمرهم ، فنظر داود ثمن الحرث ، فإذا
هو قريب من ثمن الغنم ، فقضى بالغنم لصاحب الحرث ، فمروا بسليمان ، فقال : كيف
قضى لكم نبي الله ؟ فأخبراه ، فقال سليمان : نعم ما قضى نبي الله ، وغيره أرفق للفريقين ،
فدخل رب الغنم على داود ، فأخبره بقول سليمان فأرسل داود إلى سليمان فأتاه ، فعزم
عليه بحقه ، بحق النبوة ، لما أخبرتني ، فقال : عدل الملك ، وغيره أرفق ، فقال داود : وما هو ؟
قال سليمان : تدفع الغنم إلى صاحب الحرث ، فله أولادها وأصوافها وألبانها وسمنها ،
وعلى رب الغنم أن يزرع لصاحب الحرث مثل حرثه ، فإذا بلغ وكان مثله يوم أفسده ،
دفع إليه حرثه ، وقبض غنمه ، قال : داود نعم ما قضيت ، فأجار قضاءه ، وكان هذا بيت
المقدس .
الأنبياء : ( 79 ) ففهمناها سليمان وكلا . . . . .
يقول الله عز وجل : ( ففهمنها سليمن ( يعنى القضية ليس يعني به الحكم ، ولو كان(2/365)
صفحة رقم 366
الحكم لقال ففهمناه ) وكلا ( يعنى داود وسليمان ) ءاتينا ( يعنى أعطينا ) حكما وعلما ( يعنى الفهم والعلم ، فصوب قضاء سليمان ، ولم يعنف داود ) وسخرنا مع داود الجبال يسبحن ( يعنى يذكرن الله ، عز وجل ، كلما ذكر داود ربه ، عز وجل ، ذكرت
الجبال ربها معه ) و ( سخرنا له ) والطير وكنا فاعلين ) [ آية : 79 ] ذلك بداود .
الأنبياء : ( 80 ) وعلمناه صنعة لبوس . . . . .
) وعلمناه صنعة لبوس لكم ( يعنى الدروع من حديد ، وكان داود أو من
اتخذها ) لتحصنكم من بأسكم ( يعنى من حربكم من القتل والجراحات ) فهل أنتم شاكرون ) [ آية : 80 ] لربكم في نعمه فتوحدونه استفهام . قال الفراء : يعنى فهل أنتم
شاكرون ؟ معنى الأمر أي اشكروا ، ومثله ) فهل أنتم منتهون ) [ المائدة : 91 ] أي
انتهوا .
الأنبياء : ( 81 ) ولسليمان الريح عاصفة . . . . .
) و ( سخرنا ) ولسليمان الريح عاصفة ( يعنى شديدة ) تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ( يعنى الأرض المقدسة ، يعنى بالبركة الماء والشجر ) وكنا بِكل شيءٍ ( مما
أعطيناهما ) علمينً ) [ آية : 81 ] .
الأنبياء : ( 82 ) ومن الشياطين من . . . . .
) ومن الشياطين من يغوصون له ( لسليمان في البحر ، فيخرجون له اللؤلؤ ، وهو
أول من استخرج اللؤلؤ من البحر ) ويعملون ( له ) عملا دون ذلك ( يعنى غير
الغياصة من تماثيل ومحاريب وجفان كالجراب وقدور راسيات ، ) وكنا لهم ( يعنى
الشياطين ) حافظين ) [ آية : 82 ] على سليمان لئلا يتفرقوا عنه .
تفسير سورة الأنبياء من الآية [ 83 - 91 ] .(2/366)
صفحة رقم 367
الأنبياء : ( 83 ) وأيوب إذ نادى . . . . .
) وأيوب إذ نادى ربه ( يعنى دعا ربه ، عز وجل ، ) أني مسني الضر ( يعنى
أصابني البلاء ) وأَنت أَرحم الرحمين ) [ آية : 83 ] .
الأنبياء : ( 84 ) فاستجبنا له فكشفنا . . . . .
) فاستجبنا له ( دعاءه ) فكشفنا ما به من ضُرٍ وءاتيناهُ أَهله ( فأحياهم الله ،
عز وجل ) ومثلهم معهم ( وكانت امرأة أيوب ولدت قبل البلاء سبع بنين وثلاث
بنات ، فأحياهم الله ، عز وجل ، ومثلهم معهم ) رحمة ( يقول : نعمة ) من عندنا وذكرى للعابدين ) [ آية : 84 ] يقول : وتفكراً للموحدين فأعطاه الله ، عز وجل ، مثل
كل شيء ذهب له ، يعنى أيوب ، وكان أيوب من أعبد الناس فجهد إبليس ليزيله عن
عبادة ربه ، عز وجل ، فلم يستطع .
الأنبياء : ( 85 ) وإسماعيل وإدريس وذا . . . . .
) وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ) [ آية : 85 ]
الأنبياء : ( 86 ) وأدخلناهم في رحمتنا . . . . .
) وأدخلناهم في رحمتنا ( يعنى في نعمتنا وهي النبوة ) إنهم من الصالحين ) [ آية : 86 ] يعنى
من المؤمنين .
الأنبياء : ( 87 ) وذا النون إذ . . . . .
) وذا النون ( يعنى يونس بن متى ، عليه السلام ، ) إذ ذهب مغاضبا ( يعنى مراغماً
لقومه ، لحزقيل بن أجار ، ومن معه من بني إسرائيل ، ففارقهم من غير أن يؤمنوا ) فظن أن لن نقدر عليه ( فحسب يونس أن لن نعاقبه بما صنع ) فنادى ( يقول : فدعا ربه
) في الظلمات ( يعنى ظلمات ثلاث ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ،
فنادى : ( أن لا إله إلا أنت ( يوحد ربه ، عز وجل ، ) سبحانك ( نزه تعالى أن
يكون ظلمه ، ثم أقر على نفسه بالظلم ، فقال : ( إني كنت من الظالمين ) [ آية :
87 ] يقول يونس عليه السلام : إني ظلمت نفسي .
الأنبياء : ( 88 ) فاستجبنا له ونجيناه . . . . .
) فاستجبنا له ( دعاءه ) ونجيناه من الغم ( يعنى من بطن الحوت ) وكذلك ننجي المؤمنين ) [ آية : 88 ] قال أبو محمد : قال أبو العباس ثعلب : قال الفراء : أن لن
نقدر عليه . ونقدرعليه ، لمعنى واحد ، وهو من قوله قدرت الشيء ، لا قدرت ، معناه من
التقدير لا من القدر ، ومثله في سورة الفجر : ( فقدر عليه رزقه ) [ الفجر : 16 ] من
التقدير ، والتقتير ، لا من القدرة ، بلغنا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ' مكث يونس ، عليه السلام ، في
بطن الحوت ثلاثة أيام ' . وعن كعب قال : أربعين يوماً .
الأنبياء : ( 89 ) وزكريا إذ نادى . . . . .
) وزكريا إذ نادى ربه ( يعنى دعا ربه في آل عمران ، وفي مريم ، قال : ( رب لا تذرني فردا ( يعنى وحيداً ، وهب لي ولياً يرثني ) وأنت خير الوارثين ) [ آية :(2/367)
صفحة رقم 368
89 ] يعنى أنت خير من يرث العباد .
الأنبياء : ( 90 ) فاستجبنا له ووهبنا . . . . .
) فاستجبنا له ( دعاءه ) ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه ( يعنى
امرأته فحاضت ، وكانت لا تحيض من الكبر ) إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ( يعنى أعمال الصالحات ، يعنى زكريا وامرأته ) ويدعوننا رغبا ( في ثواب
الله ، عز وجل ، ) ورهبا ( من عذاب الله ، عز وجل ، ) وكانوا لنا خاشعين (
[ آية : 90 ] يعنى لله سبحانه متواضعين .
الأنبياء : ( 91 ) والتي أحصنت فرجها . . . . .
) والتي أحصنت فرجها ( من الفواحش ، لأنها قذفت ، وهي مريم بنت عمران ، أم
عيسى ، صلى الله عليهما ، ) فنفخنا فيها من روحنا ( نفخ جبريل ، عليه السلام ،
في جيبها ، فحملت من نفخة جبريل بعيسى ، صلى الله عليهم ، ) وجعلناها وابنها (
عيسى ، صلى الله عليه ، ) ءاية للعالمينَ ) [ آية : 91 ] يعنى عبرة لبني إسرائيل ،
فكانا آية إذ حملت مريم ، عليها السلام ، من غير بشر ، وولدت عيسى من غير أب ، صلى الله عليه .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 92 - 96 ] .
الأنبياء : ( 92 ) إن هذه أمتكم . . . . .
) إن هذه أمتكم أمة واحدة ( يقول : إن هذه ملتكم التي أنتم عليها ، يعنى
شريعة الإسلام هي ملة واحدة كانت عليها الأنبياء والمؤمنون الذين نجوا من عذاب الله ،
عز وجل ، ) وأنا ربكم فاعبدون ) [ آية : 92 ] يعنى فوحدون .
الأنبياء : ( 93 ) وتقطعوا أمرهم بينهم . . . . .
) وتقطعوا أمرهم بينهم ( فرقوا دينهم الإسلام الذي أمروا به فيما بينهم ، فصاروا
زبراً يعنى فرقاً ) كل ( كل أهل تلك الأديان ) إلينا راجعون ) [ آية : 93 ] في
الآخرة .
الأنبياء : ( 94 ) فمن يعمل من . . . . .
) فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ( يقول : وهو مصدق بتوحيد الله ، عز(2/368)
صفحة رقم 369
وجل ، ) فلا كفران لسعيه ( يعنى لعمله يقول : يشكر الله ، عز وجل ، عمله ) وإنا له كاتبون ) [ آية : 94 ] يكتب له سعيه الحفظة من الملائكة .
الأنبياء : ( 95 ) وحرام على قرية . . . . .
) وحرام على قرية ( فيما خلا ) أهلكناها ( بالعذاب في الدنيا ) أنهم لا يرجعون ) [ آية : 95 ] يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية في الدنيا .
الأنبياء : ( 96 ) حتى إذا فتحت . . . . .
) حتى إذا فتحت ( يعنى أرسلت ) يأجوج ومأجوج ( وهما أخوان لأب وأم ،
وهما من نسل يافث بن نوح ) وهم من كل حدب ينسلون ) [ آية : 96 ] يقول :
من كل مكان يخرجون من كل جبل ، وأرض ، وبلد وخروجهم عند اقتراب الساعة .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 97 - 102 ] .
الأنبياء : ( 97 ) واقترب الوعد الحق . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( واقترب الوعد الحق ( يعنى وعد البعث أنه حق كائن
) فإذا هي شاخصة ( يعنى فاتحة ) أبصار الذين كفروا ( بالبعث لا يطرفون مما
يرون من العجائب التي كانوا يكفرون بها في الدنيا ، قالوا : ( يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا ( اليوم ، ثم ذكر قول الرسل لهم في الدنيا أن البعث كائن ، فقالوا :
( بل كنا ظالمين ) [ آية : 97 ] أخبرنا بهذا اليوم فكذبنا به .
الأنبياء : ( 98 ) إنكم وما تعبدون . . . . .
) إنكم ( يعنى كفار مكة ) وما تعبدون من دون الله حصب جهنم (
يعنى رمياً في جهنم ترمون فيها ) أنتم لها واردون ) [ آية : 98 ] يعنى داخلون .
الأنبياء : ( 99 ) لو كان هؤلاء . . . . .
) لو كان هؤلاء ( الأوثان ) آلهة ما وردوها ( يعنى ما دخلوها ، يعني(2/369)
صفحة رقم 370
جهنم ، لامتنعت من دخولها ) وكل ( يعنى الأوثان ومن يعبدها ) فيها ( يعنى في
جهنم ) خالدون ) [ آية : 99 ] نزلت في بني سهم ، منهم : العاص بن وائل ، والحارث
وعدي ابني قيس ، وعبد الله بن الزبعري بن قيس ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دخل المسجد
الحرام ، ونفر من بني سهم جلوس في الحطيم ، وحول الكعبة ثلاث مائة وستون صنماً ،
فأشار بيده إليهم ، فقال : ( إنكم وما تعبدون من دون الله ( يعنى الأصنام
) حصب جهنم أنتم لها واردون ) [ الأنبياء : 98 - 99 ] إلى آيتين ، ثم خرج فدخل ابن
الزبعري ، وهم يخوضون فيما ذكر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لهم ولآلهتهم ، فقال : ما هذا الذي تخوضون ؟
فذكروا له قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال ابن الزبعري : والله ، لئن قالها بين يدي لأخصمنه . فدخل
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من ساعته ، فقال ابن الزبعري : أهي لنا ولآلهتنا خاصة ؟ أم لنا ولآلهتنا ولجميع
الأمم ولآلهتهم ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ولآلهتهم ' . قال :
خصمتك ورب الكعبة ، ألست تزعم أن عيسى نبي ، وتثني عليه ، وعلى أمه خيراً ، قد
علمت أن النصارى يعبدونهما ، وعزيز يعبد ، والملائكة تعبد ، فإن كان هؤلاء معنا قد
رضينا أنهم معنا ، فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
الأنبياء : ( 100 ) لهم فيها زفير . . . . .
ثم قال سبحانه : ( لهم فيها زفيرٌ ( يعنى آخر نهيق الحمار ) وهم فيها لا يسمعون ) [ آية : 100 ] الصوت ، وذلك حين يقال لأهل النار : اخسئوا فيها ولا
تكلمون ، فصاروا بكماً وعمياً وصماً .
الأنبياء : ( 101 ) إن الذين سبقت . . . . .
ثم استثنى ممن كان يعبد أنهم لا يدخلون جهنم ، فقال سبحانه : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ( الجنة ) أولئك عنها ( يعنى جهنم ) مبعدون ) [ آية : 101 ] يعنى
عيسى ، وعزيراً ، ومريم ، والملائكة ، عليهم السلام ) لا يسمعون حسيسها ( يقول : لا
يسمع أهل الجنة صوت جهنم حين يقال لهم : اخسئوا فيها ، ولا تكلموا ، فتغلق عليهم
أبوابها ، فلا تفتح عنهم أبداً ، ولا يسمع أحد صوتها .
الأنبياء : ( 102 ) لا يسمعون حسيسها . . . . .
) وهم ( يعنى هؤلاء ) في ما اشتهت أنفسهم خالدون ) [ آية : 102 ] يعنى لا
يموتون ، فلما سمع بنو سهم بما استثنى الله ، عز وجل ، ممن يعبد من الآلهة ، عزير ، وعيسى ،
ومريم ، والملائكة ، قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : هلا استثنيت هؤلاء حين سألناك ، فلما خلوت
تفكرت .
الأنبياء : ( 103 ) لا يحزنهم الفزع . . . . .
قوله سبحانه : ( لا يحزنهم الفزع الأكبر ( .(2/370)
صفحة رقم 371
حدثنا أبو محمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن نعمان ، عن
سليم ، عن ابن عباس ، أنه قال على منبر البصرة : ما تقولون في تفسير هذه الآية : [ لاَ
يحزنهم الفزع الأكبر ] ؟ ثلاث مرات فلم يجبه أحد .
فقال : تفسير هذه الآية : أن الله ، عز وجل ، إذا ادخل أهل الجنة ، ورأوا ما فيها من
النعيم ذكروا الموت ، فيخافون أن يكون آخر ذلك الموت فيحزنهم ذلك ، وأهل النار إذا
دخلوا النار ورأوا ما فيها من العذاب يرجون أن يكون آخر ذلك الموت ، فأراد الله ، عز وجل ، أن يقطع حزن أهل الجنة ، ويقطع رجاء أهل النار ، فيبعث الله ، عز وجل ، ملكاً
وهو جبريل ، عليه السلام ، ومعه الموت في صورة كبش أملح ، فيشرف به على أهل
الجنة ؛ فينادي : يا أهل الجنة ، فيسمع أعلاها درجة وأسفلها درجة ، والجنة درجات ،
فيجيبه أهل الجنة ، فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ثم ينصرف
به إلى النار ، فيشرف به عليهم فينادي أهل النار ، فيسمع أعلاها دركاً ، وأسفلها دركاً ،
والنار دركات ، فيجيبونه ، فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ثم
يرده إلى مكان مرتفع بين الجنة والنار حيث ينظر إليه أهل الجنة ، وأهل النار ، فيقول
الملك : إنا ذابحوه ، فيقول أهل الجنة بأجمعهم : نعم ، لكي يأمنوا الموت ، ويقول أهل النار
بأجمعهم : لا ، لكي يذوقوا الموت ، قال : فيعمد الملك إلى الكبش الأملح ، وهو الموت
فيذبحه ، وأهل الجنة وأهل النار ينظرون إليه ، فينادي الملك : يا أهل الجنة ، خلود لا موت
فيه ، فيأمنون الموت . فذلك قوله تعالى : ( لا يحزنهم الفزع الأكبر ( ثم ينادي
الملك : يا أهل النار ، خلود لا موت فيه .
قال ابن عباس : فلولا ما قضى الله ، عز وجل ، على أهل الجنة من الخلود في الجنة ،
لماتوا من فرحتهم تلك ، ولولا ما قضى الله ، عز وجل ، على أهل النار من تعمير الأرواح
في الأبدان لماتوا حزناً . فذلك قوله ، عز وجل : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ) [ مريم : 39 ] يعنى إذ وجب لهم العذاب ، يعنى ذبح الموت ، فاستيقنوا الخلود
في النار والحسرة والندامة ، فذلك قول الله ، عز وجل ، للمؤمنين : ( لا يحزنهم الفزع الأكبر ( يعنى الموت بعد ما دخلوا الجنة .
) وتتلقاهم الملائكة ( يعنى الحفظة الذين كتبوا أعمال بني آدم ، حين خرجوا
من قبورهم ، قالوا للمؤمنين : ( هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) [ آية : 103 ] فيه الجنة(2/371)
صفحة رقم 372
تفسير سورة الأنبياء الآية : [ 104 - 106 ] .
الأنبياء : ( 104 ) يوم نطوي السماء . . . . .
ثم قال : ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ( يعنى كطي الصحيفة
فيها الكتاب ، ثم قال سبحانه : ( كما بدأنا أول خلق نعيده ( وذلك أن كفار مكة
أقسموا بالله جهد أيمانهم في سورة النحل : ( لا يبعث الله من يموت ) [ النحل : 38 ] ، فأكذبهم الله ، عز وجل ، فقال سبحانه بلى وعداً عليه حقاً : ( كما بدأنا أول خلق نعيده ( يقول : هكذا نعيد خلقهم في الآخرة ، كما خلقناهم في الدنيا .
) وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) [ آية : 104 ]
الأنبياء : ( 105 ) ولقد كتبنا في . . . . .
) ولقد كتبنا في الزبور ( يعنى
التوراة والإنجيل والزبور ، ) من بعد الذكر ( يعنى اللوح المحفوظ ) إن الأرض ( لله
) يرثها عبادي الصالحون ) [ آية : 105 ] يعنى المؤمنون .
الأنبياء : ( 106 ) إن في هذا . . . . .
) إن في هذا ( القرآن ) لبلغاً ( إلى الجنة ) لقوم عابدين ) [ آية : 106 ]
يعنى موحدين .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 107 - 109 ] .
الأنبياء : ( 107 ) وما أرسلناك إلا . . . . .
) وما أرسلناك ( يا محمد ) إلا رحمة للعالمين ) [ آية : 107 ] يعنى الجن
والإنس ، فمن تبع محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) على دينه ، فهو له رحمة كقوله سبحانه : لعيسى ابن مريم
صلى الله عليه : ( ورحمة منا ) [ مريم : 21 ] لمن تبعه على دينه ، ومن لم يتبعه على
دينه صرف عنهم البلاء ، كان بين أظهرهم . فذلك قوله سبحانه : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) [ الأنفال : 33 ] كقوله لعيسى ابن مريم ، صلى الله عليه :
( ورحمة منا ( لمن تبعه على دينه .
الأنبياء : ( 108 ) قل إنما يوحى . . . . .
قال أبو جهل لعنه الله للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : أعمل أنت لإلهك يا محمد ، ونحن لآلهتنا ، ) قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( يقول : إنما ربكم رب واحد ) فهل أنتم(2/372)
صفحة رقم 373
مسلمونَ ) [ آية : 108 ] يعنى مخلصون
الأنبياء : ( 109 ) فإن تولوا فقل . . . . .
) فَإن تولوا ( يقول : فإن أعرضوا عن الإيمان
) فقل ( لكفار مكة : ( ءاذنتكم على سواءٍ ( يقول : نادينكم على أمرين ) و ) ) قل لهم ( ( وَإن أَدري ( يعنى ما أدري ) أَقريب أَم بعيدٌ ما توعدُونَ ) [ آية :
109 ] بنزول العذاب بكم في الدنيا .
تفسير سورة الأنبياء من الآية : [ 110 - 112 ] .
الأنبياء : ( 110 ) إنه يعلم الجهر . . . . .
وقل لهم : ( إِنهُ يعلمُ الجهر ( يعنى العلانية ) من القول ويعلم ما
تكتمونَ ) [ آية : 110 ] يعنى ما تسرون من تكذيبهم بالعذاب ، فأما الجهر ، فإن
كفار مكة حين أخبرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالعذاب كانوا يقولون : ( متى هذا الوعد إن كنتم
صادقين ) [ سبأ : 29 ، يس : 48 ] والكتمان أنهم ، قالوا : إن العذاب ليس بكائن
الأنبياء : ( 111 ) وإن أدري لعله . . . . .
) وَ (
قل لهم : يا محمد ، ) وإِن أدري ( يقول : ما أدري ) لعلهُ ( يعنى فلعل تأخير العذاب
عنكم في الدنيا ، يعنى القتل ببدر ) فتنةٌ لكم ( نظيرها في سورة الجن ، فيقولون : لو
كان حقاً لنزل بنا العذاب ) ومتاع إلى حين ) [ آية : 111 ] يعنى وبلاغاً إلى آجالكم ، ثم
ينزل بكم العذاب ببدر
الأنبياء : ( 112 ) قال رب احكم . . . . .
) قُلْ رَبِّ احْكُم بِالحَقِّ ( يعني اقض بالعدل بيننا ، وبين كفار مكة ، فقضي الله لهم القتل ببدر ، ) وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ) [ آية : 112 ]
فأمر الله ، عز وجل ، النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يستعين به ، عز وجل ، على ما يقولون من تكذيبهم
بالبعث والعذاب .
قال الهذيل : قال الشماخ في الجاهلية :
النبع منبته بالصخر ضاحية
والنخل ينبت بين الماء والعجل
يعني الطين .
قال : وحدثنا عبيد الله ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو ررق في قوله ، عز وجل :
( وأوحينا إليهم فعل الخيرات ( قال : التطوع ، ولم أسمع الهذيل .(2/373)
صفحة رقم 374
( سورة الحج )
مقدمة
( مكية ، إلا عشر آيات ، فإنها نزلت بالمدينة ، من قوله : ( يا أيها ( إلى قوله تعالى :
( شديد ) [ الحج : 1 ، 2 ] نزلت في غزوة بني المصطلق بالمدينة ) ( وإلا قوله تعالى : ( سواء العاكف فيه ) [ الحج : 25 ] الآية ، نزلت في عبد الله
ابن أنس بن خطل . قوله تعالى : ( وليعلم الذين أوتوا العلم ) [ آية : الحج : 54 ]
الآية نزلت في أهل التوراة . وقوله تعالى : ( والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ) [ الحج : 58 ،
59 ] الآيتين . وقوله تعالى : ( أذن للذين يقاتلون ( إلى قوله : ( قوي عزيز (
[ الحج : 39 ، 40 ] ، وقوله : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ( الآية : [ الحج :
11 ] الآية . )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة الحج من الآية : [ 1 - 2 ] .
الحج : ( 1 ) يا أيها الناس . . . . .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، ) يا أيها الناس اتقوا ربكم ( يخوفهم ، يقول : اخشوا ربكم ) إِن زلزلة الساعة شيءُ عظيمٌ ) [ آية :
1 ] .
الحج : ( 2 ) يوم ترونها تذهل . . . . .
) يوم ترونها تذهل كل مرضعة ( يقول : تدع البنين لشدة الفزع من الساعة ،
وذلك قبل النفخة الأولى ينادي مناد من السماء الدنيا ، يا أيها الناس ، جاء أمر الله ،
فيسمع صوته أهل الأرض جميعاً فيفزعون فزعاً شديداً ، ويموج بعضهم في بعض ،
ويشيب فيها الصغير ، ويسكر فيها الكبير ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، وتدع المراضع
البنين من الفزع الشديد ، فذلك قوله عز وجل : ( يوم ترونها تذهل كل مرضعة ( .(2/374)
صفحة رقم 375
) عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ( النساء والدواب حملها من شدة
الفزع ) وترى الناس سكارى ( من الخوف ) وما هم بسكارى ( من الشراب
) ولكن عذاب الله شديد ) [ آية : 2 ] نزلت هاتان الآيتان ليلاً والناس يسيرون في
غزاة بني المصطلق ، وهم حي خزاعة ، فقرأها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تلك الليلة على الناس ثلاث
مرات ، ثم قال : ' هل تدرون أي يوم هذا ' ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ' هذا يوم
يقول الله عز وجل لآدم عليه السلام : قم فابعث بعث النار من ذريتك ، فيقول : يا رب
وما بعث النار ، قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ، إلى النار ، وواحد إلى
الجنة ' ، فلما سمع القوم ذلك اشتد عليهم وحزنوا ، فلما أصبحوا أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : فقالوا :
وما توبتنا وما حيلتنا ، فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ابشروا فإن معكم خليقتين لم يكونا في أمة
قط إلا كثرتها يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، ما أنتم في الناس إلا
كشعرة بيضاء في ثور أسود ، أو كشعرة سوداء في ثور أبيض ، أو كالرقم في ذراع
الدابة ، أو كالشامة في سنام البعير ، فابشروا وقاربوا وسددوا واعملوا .
ثم قال : ' أيسركم أن تكونوا ربع أهل الجنة ' ؟ قالوا : من أين لنا ذلك يا رسول الله ؟
قال : ' أفيسركم أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟ ' قالوا : من أين لنا ذلك يا رسول الله ، قال :
' أيسركم أن تكونوا شطر أهل الجنة ' ؟ قالوا : من أين لنا ذلك يا رسول الله ، قال :
' فإنكم أكثر أهل الجنة ، أهل الجنة عشرون ومائة صف ، أمتي من ذلك ثمانون صفاً ،
وسائر أهل الجنة أربعون صفاً ، ومع هؤلاء أيضاً سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب
مع كل رجل سبعون ألفاً ' .
فقالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : ' هم لا يرقون ، ولا يسترقون ، ولا يكتون ، ولا
يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ' . فقام عكاشة بن محصن الأسدي ، فقال : يا رسول الله ،
ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : ' فإنك منهم ' ، فقام رجل آخر من رهط ابن مسعود من
هذيل ، فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : ' سبقك بها عكاشة ' .
تفسير سورة الحج من الآية : [ 3 - 4 ] .
الحج : ( 3 ) ومن الناس من . . . . .
قوله سبحانه : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ( يعلمه نزلت في النضر بن(2/375)
صفحة رقم 376
الحارث القرشي ، وأمه ، اسمها صفية بنت الحارث بن عثمان بن عبد الدار بن قصي ، قال :
( ويتبع ( النصر ) كل شيطان مريد ) [ آية : 3 ] يعنى مارد .
الحج : ( 4 ) كتب عليه أنه . . . . .
) كتب عليه ( يعنى قضي عليه ، يعنى الشيطان ) أنه من تولاه ( يعنى من اتبع
الشيطان ) فأنه يضله ( عن الهدى ) فأنه يضله ( ) ويهديه ( يعنى ويدعوه
) إلى عذاب السعير ) [ آية : 4 ] يعنى الوقود ، ثم ذكر صنعه ليعتبروا في البعث .
تفسير سورة الحج من الآية : [ 5 - 7 ] .
الحج : ( 5 ) يا أيها الناس . . . . .
فقال سبحانه : ( يا أيها الناس ( يعنى كفار مكة ) إن كنتم في ريب من البعث (
يعنى في شك من البعث بعد الموت ، فانظروا إلى بدء خلقكم ) فإنا خلقناكم من تراب (
ولم تكونوا شيئاً ) ثم من نطفة ثم من علقة ( مثل الدم ) ثم من مضغة مخلقة (
يعنى من النطقة مخلقة ) وغير مخلقة ( يعنى السقط يخرج من بطن أمه مصوراً ، وغير
مصور ) لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء ( فلا يكون سقطاً ) إلى أجل مسمى ( يقول : خروجه من بطن أمه ليعتبروا في البعث ، ولا يشكوا فيه أن الذي بدأ
خلقكم ، لقادر على أن يعيدكم بعد الموت .
ثم قال سبحانه : ( ثم نخرجكم ( من بطون أمهاتكم ) طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ( ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة ) ومنكم من يتوفى ( من قبل أن
يبلغ أشده ) ومنكم من يرد ( بعد الشباب ) إلى أرذل العمر ( يعنى الهرم
) لكيلا يعلم من بعد علم ( كان يعلمه ) شيئا ( فذكر بدء الخلق ، ثم ذكر
الأرض الميتة كيف يحيها ليعتبروا في البعث ، فإن البعث ليس بأشد من بدء الخلق ، ومن
الأرض حين يحيها من بعد موتها ، فذلك قوله سبحانه : ( وترى الأرض هامدة ( يعنى
ميتة ليس نبت يعنى متهشمة ) فإذا أنزلنا عليها الماء ( يعنى المطر ) اهتزت ((2/376)
صفحة رقم 377
الأرض ، يعنى تحركت بالنبات ، كقوله : ( تهتز كأنها جان ) [ القصص : 31 ] أي تحرك
كأنها حية . ثم قال للأرض : ( وربت ( يعنى وأضعفت النبات ) وأنبتت من كل زوج بهيج ) [ آية : 5 ] يعنى من كل صنف من النبات حسن .
الحج : ( 6 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك ( يقول : هذا الذي فعل ، هذا الذي ذكر من صنعه ، يدل على توحيده بصنعه
) بأن الله هو الحق ( وغيره من الآلهة باطل ) وَأَنهُ يُحي الموتى ( في الآخرة ) وَأَنهُ علَى
كُل شيءٍ قديرٌ ) [ آية : 6 ] من البعث وغيره قدير .
الحج : ( 7 ) وأن الساعة آتية . . . . .
) وَأَنَّ الساعة ءاتيةٌ لا ريب ( يعنى لا شك ) فيها ( أنها كائنة ) وأن الله يبعث ( في الآخرة ) من في القبور ) [ آية : 7 ] من الأموات ، فلا تشكوا في البعث .
تفسير سورة الحج من الآية : [ 8 - 10 ] .
الحج : ( 8 ) ومن الناس من . . . . .
) ومن الناس ( يعنى النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن السياف بن عبد الدار
ابن قصي بن كلاب بن مرة ، ومن الناس ) من يجادل في الله بغير علم ( يعنى يخاصم في
الله ، عز وجل ، أن الملائكة بنات الله تعالى ) ولا هدى ولا كتاب منير ) [ آية : 8 ] ) ولا هدى ( ولا بيان معه من الله ، عز وجل ، بما يقول : ولا كتاب من الله تعالى ) منير (
يعنى مضيئاً فيه حجة بأن الملائكة بنات الله فيخاصم بهذا .
الحج : ( 9 ) ثاني عطفه ليضل . . . . .
قال الفراء وأبو عبيدة في قوله
عز وجل : ( ثاني عطفه ( يقول : يتبختر في مشيته تكبيراً .
ثم أخبر عن النضر ، فقال سبحانه : ( ثاني عطفه ( يقول : يلوي عنقه عن الإيمان
) ليضل عن سبيل الله ( يقول : ليستزل عن دين الإسلام ) له في الدنيا خزي ( يعنى
القتل ببدر ) ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ) [ آية : 9 ] يعنى نحرقه بالنار .
الحج : ( 10 ) ذلك بما قدمت . . . . .
) ذلك ( العذاب ) بما قدمت يداك ( من الكفر والتكذيب ) وأن الله ليس بظلام للعبيد ) [ آية : 10 ] فيعذب على غير ذنب .
تفسير سورة الحج من الآية : [ 11 - 13 ] .(2/377)
صفحة رقم 378
الحج : ( 11 ) ومن الناس من . . . . .
) ومن الناس من يعبد الله على حرف ( يعنى على شك ، نزلت في أناس من أعراب
أسد بن خزيمة ، وغطفان .
قال مقاتل : إذا سألك رجل على كم حرف تعبد الله ، عز وجل ، فقل : لا أعبد الله
على شيء من الحروف ، ولكن أعبد الله تعالى ولا أشرك به شيئاً ؛ لأنه واحد لا شريك
له .
كان الرجل يهاجر إلى المدينة ، فإن أخصبت أرضه ، ونتجت فرسه ، وولد له غلام ،
وصح بالمدينة ، وتتابعت عليه الصدقات ، قال : هذا دين حسن ، يعنى الإسلام .
فذلك قوله تعالى : ( فإن أصابه خير اطمأن به ( يقول : رضي بالإسلام ، وإن أجدبت
أرضه ، ولم تنتج فرسه ، وولدت له جارية ، وسقم بالمدينة ، ولم يجد عليه بالصدقات ، قال :
هذا دين سوء ، ما أصابني من ديني هذا الذي كنت عليه إلا شراً فرجع عن دينه ، فذلك
قوله سبحانه : ( وإن أصابته فتنة ( يعنى بلاء ) انقلب على وجهه ( يقول : رجع إلى
دينه الأول كافراً ) خسر الدنيا والآخرة ( خسر دنياه التي كان يحبها ، فخرج منها
ثم أفضى إلى الآخرة وليس له فيها شيء ، مثل قوله : ( إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) [ الزمر : 15 ] يقول الله عز وجل : ( ذلك هو الخسران المبين ) [ آية : 11 ] يقول : ذلك هو الغبن البين ، ثم أخبر عن هذا المرتد عن
الإسلام .
الحج : ( 12 ) يدعو من دون . . . . .
فقال سبحانه : ( يدعواْ ( يعنى يعبد ) من دون الله ( يعنى الصنم ) ما لا يضره ( في الدنيا إن لم يعبده ) وما لا ينفعه ( في الآخرة إن عبده ) ذلك هو الضلال البعيد ) [ آية : 12 ] يعنى الطويل .
الحج : ( 13 ) يدعو لمن ضره . . . . .
) يدعواْ ( يعنى يعبد ) لمن ضره ( في الآخرة ) أقرب من نفعه ( في الدنيا
) لبئس المولى ( يعنى الولي ) ولبئس العشير ) [ آية : 13 ] يعنى الصاحب ، كقوله
سبحانه : ( وعاشروهن بالمعروف ) [ النساء : 19 ] يعنى وصاحبوهن بالمعروف .(2/378)
صفحة رقم 379
الحج : ( 14 ) إن الله يدخل . . . . .
ثم ذكر ما أعد للصالحين ، فقال سبحانه : ( إِن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا
الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ( يقول : تجري العيون من تحت البساتين ) إن الله يفعل ما يريد ) [ آية : 14 ] .
الحج : ( 15 ) من كان يظن . . . . .
) من كان يظن ( يعنى يحسب ، ) أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة ( يعنى النبي
( صلى الله عليه وسلم ) ) فليمدد بسبب إلى السماء ( يعنى بحبل إلى سقف البيت ) ثم ليقطع ( يعنى
ليختنق ) فلينظر هل يذهبن كيده ( يقول : فعله بنفسه إذا فعل ذلك ، هل يذهبن ذلك
ما يجد في قلبه من الغيظ بأن محمداً لا ينصر ) ما يغيظ ) [ آية : 15 ] هل يذهب ذلك
ما يجد في قلبه من الغيظ ، نزلت في نفر من أسد وغطفان ، قالوا : إنا نخاف ألا ينصر
محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود ، فلا يجيرونا ولا يأوونا .
الحج : ( 16 ) وكذلك أنزلناه آيات . . . . .
) وكذلك ( يعنى وهكذا ) أنزلناه ( يعنى القرآن ) ءايات بيناتٍ ( يعنى
واضحات ) وأن الله يهدي ( إلى دينه ) من يريد ) [ آية : 16 ] .
الحج : ( 17 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إِن الذين ءامنوا والذين هادواْ والصابئينَ ( قوم يعبدون الملائكة ، ويصلون للقبلة ،
ويقرأون الزبور ) والنصارى والمجوس ( يعبدون الشمس ، والقمر ، والنيران ، ) والذين أشركوا ( يعنى مشركي العرب يعبدون الأوثان ، فالأديان ستة ، فواحد لله ، عز وجل ،
وهو الإسلام ، وخمسة للشيطان ) إن الله يفصل ( يعنى يحكم ) بينهم يوم القيامة
إِن اللهَ على كُل شيءٍ ( من أعمالهم ) شهيد ) [ آية : 17 ] .
الحج : ( 18 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر ( يعنى ألم تعلم ) أن الله يسجد له من في السماوات ( من الملائكة وغيرهم
) ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم ( سجود هؤلاء الثلاثة حين تغرب الشمس
قبل المغرب لله تعالى تحت العرش ) و ( يسجد ) والجبال والشجر والدواب ( ظلهم
حين تطلع الشمس ، وحين تزول إذا تحول ظل كل شيء فهو سجوده ، ثم قال سبحانه :
( و ( يسجد ) وكثير من الناس ( يعنى المؤمنين ) و ( يسجد ) وكثير ( ممن
) حق عليه العذاب ( من كفار الإنس والجن سجودهم هو سجود ظلالهم ) ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ) [ آية : 18 ] في خلقه ، فقرأ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هذه
الآية فسجد لها هو وأصحابه ، رضي الله عنهم .
الحج : ( 19 ) هذان خصمان اختصموا . . . . .
) هذان خصمان اختصموا في ربهم ( نزلت في المؤمنين وأهل الكتاب ، ثم بين ما(2/379)
صفحة رقم 380
أعد للخصمين ، فقال : ( فالذين كفروا ( يعنى اليهود والنصارى ) قطعت لهم (
يعنى جعلت لهم ) ثياب من نار ( يعنى قمصاً من نحاس من نار ، فيها تقديم ) يُصب
من فوق رءوسهم الحميمُ ) [ آية : 19 ] إذا ضربه الملك بالمقمعة ثقب رأسه ، ثم صب فيه
الحميم الذي قد انتهى حره .
الحج : ( 20 ) يصهر به ما . . . . .
) يصهر ( يعنى يذاب ) به ( يعنى بالحميم ) ما في بطونهم والجلود ) [ آية : 20 ] يقول : وتنضج الجلود .
الحج : ( 21 ) ولهم مقامع من . . . . .
) ولهم مقمعُ من حديد ) [ آية : 21 ]
الحج : ( 22 ) كلما أرادوا أن . . . . .
) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ( وذلك إذا جاشت جهنم ألقت الرجال في أعلى الأبواب فيريدون الخروج
فتعيدهم الملائكة ، يعنى الخزان فيها بالمقامع ، وتقول لهم الخزانة إذا ضربوهم بالمقامع :
( وذوقوا عذاب الحريق ) [ آية : 22 ] يعنى النار ، ثم ذكر ما أعد الله ، عز وجل ،
للمؤمنين ،
الحج : ( 23 ) إن الله يدخل . . . . .
فقال سبحانه : ( إِن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناتٍ تجري
من تحتها الأنهار ( يقول : تجري العيون من تحت البساتين ) يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ( أي أساور من لؤلؤ ) ولباسهم فيها حرير ) [ آية : 23 ]
مما يلي الجسد الحرير ، وأعلاه السندس والإستبرق
الحج : ( 24 ) وهدوا إلى الطيب . . . . .
) وهدوا ( في الدنيا ) إلى الطيب من القول ( يعنى التوحيد ، وهو قول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كقوله :
( كلمة طيبة ) [ إبراهيم : 24 ] يعنى التوحيد ) وهدوا إلى صراط ( يعنى دين
الإسلام ) الحميد ) [ آية : 24 ] عند خلقه يحمده أولياؤه
الحج : ( 25 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ( يقول : ويمنعون الناس عن دين الناس عن دين الله ، عز وجل ، ) و ( عن ) والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه ( يعنى المقيم في الحرم ، وهم أهل مكة
) والباد ( يعنى من دخل مكة من غير أهلها ) ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ( يقول :
من لجأ إلى الحرم يميل فيه بشرك ) نذقه من عذاب أليم ) [ آية : 25 ] يعنى وجيعاً نزلت
في عبد الله بن أنس بن خطل القرشي من بني تيم بن مرة ، وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
بعث عبد الله مع رجلين أحدهما مهاجر ، والآخر من الأنصار ، فافتخروا في الأنساب ،
فغضب ابن خطل ، فقتل الأنصاري ، ثم هرب إلى مكة ، ورجع المهاجر إلى المدينة ، فأمر
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بقتل عبد الله يوم فتح مكة ، فقتله أبو برزة الأسلمي ، وسعد بن حريث
القرشي ، أخو عمرو بن حريث .(2/380)
صفحة رقم 381
الحج : ( 26 ) وإذ بوأنا لإبراهيم . . . . .
قوله عز وجل : ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ( المعمور ، قال : دللنا إبراهيم
عليه ، فبناه مع ابنه إسماعيل ، عليهما السلام ، وليس له أثر ولا أساس ، كان الطوفان محا
أثره ، ورفعه الله ، عز وجل ، ليالي الطوفان إلى السماء فعمرته الملائكة ، وهو البيت
المعمور ، قال الله عز وجل لإبراهيم : ( أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي ( من الأوثان
لا تنصب حوله وثناً ) للطائفين ( بالبيت ) والقائمين ( يعنى المقيمين بمكة من
أهلها ) والركع السجود ) [ آية : 26 ] يعنى في الصلوات الخمس ، وفي الطواف حول
البيت من أهل مكة وغيرهم ، والبيت الحرام اليوم مكان البيت المعمور ، ولو أن حجراً
وقع من البيت المعمور وقع على البيت الحرام ، وهو في العرض والطول مثله ، إلا أن قامته
كما بين السماء والأرض .
الحج : ( 27 ) وأذن في الناس . . . . .
) وأذن ( يا إبراهيم ) في الناس ( يعنى المؤمنين ) بالحج ( فصعد أبا قبيس ، وهو
الجبل الذي الصفا في أصله ، فنادى يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، إن الله عز وجل يأمركم
أن تحجوا بيته ، فسمع نداء إبراهيم ، عليه السلام ، كل مؤمن على ظهر الأرض ، ويقال :
في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فالتلبية اليوم جواب نداء إبراهيم ، عليه السلام ، عن
أمر ربه ، عز وجل ، فذلك قوله سبحانه : ( يأتوك رجالا ( يعنى على أرجلهم مشاة
) وعلى كل ضامر ( يعنى الإبل ) يأتين من كل فج عميق ) [ آية : 27 ] يعنى
يجيء من كل مكان بعيد .
الحج : ( 28 ) ليشهدوا منافع لهم . . . . .
) ليشهدوا منافع لهم ( يعنى الأجر في الآخرة في مناسكهم ) و ( لكي
) ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ( يعنى ثلاثة أيام ، يوم النحر ، ويومين بعده
إلى غروب الشمس ) على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس (
يعنى الضرير الزمن ) الفقير ) [ آية : 28 ] الذي ليس له شيء .
الحج : ( 29 ) ثم ليقضوا تفثهم . . . . .
) ثم ليقضوا تفثهم ( يعنى حلق الرأس ، والذبح ، والجمار ، ) وليوفوا ( يعنى
لكي يوفوا ) نذورهم ( في حج ، أو عمرة بما أوجبوا على أنفسهم من هدى ، أو غيره ،
)( وليطوفوا بالبيت العتيق ) [ آية : 29 ] أعتق في الجاهلية من القتل ، والسبي ،
والخراب . قال الفراء : أعتق من الفرق ، ومن أن يدعي ملكه أحد من الجبابرة ، ويقال :
العتيق القديم .(2/381)
صفحة رقم 382
الحج : ( 30 ) ذلك ومن يعظم . . . . .
) ذلك ومن يعظم حرمات الله ( يعنى أمر المناسك كلها ) فهو خير له عند ربه ( في الآخرة ) وأحلت لكم ( بهيمة ) الأنعام ( التي حرموا للآلهة في
سورة الأنعام ) إلا ما يتلى عليكم ( من التحريم في أول سورة المائدة
) فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( فيها تقديم يقول : اتقوا عبادة اللات والعزى
ومناة ، وهي الأوثان ) واجتنبوا قول الزور ) [ آية : 30 ] يقول : اتقوا الكذب ، وهو الشرك .
حدثنا أبو محمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن محمد بن
علي ، في قوله تعالى : ( واجتنبوا قول الزور ( قال : الكذب وهو الشرك في التلبية ،
وذلك أن الخمس قريش ، وخزاعة ، وكنانة ، وعامر بن صعصعة ، في الجاهلية كانوا
يقولون في التلبية : لبيك اللهم لبيك ، ليبك لا شريك لك ، إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما
ملك ، يعنون الملائكة التي تعبد هذا هو قول الزور لقولهم : إلا شريكاً هو لك .
وكان أهل اليمن في الجاهلية يقولون في التلبية : نحن عراباً عك عك إليك عانية ،
عبادك اليمانية ، كيما نحج الثانية ، على القلاص الناحية . وكانت تميم تقول في إحرامها :
لبيك ما نهارنا نجره ، إدلاجه وبرده وحره ، لا يتقي شيئاً ولا يضره ، حجاً لرب مستقيم
بره .
وكانت ربيعة تقول : لبيك اللهم حجاً حقاً ، تعبداً ورقاً ، لم نأتك للمناحة ، ولا حباً
للرباحة . وكانت قيس عيلان تقول : لبيك لولا أن بكراً دونكا ، بنو أغيار وهم يلونكا ،
ببرك الناس ويفخرونكا ، ما زال منا عجيجاً يأتونكا .
وكانت جرهم تقول في إحرامها : لبيك إن جرهما عبادك ، والناس طرف وهم
تلادك ، وهم لعمري عمروا بلادك ، لا يطاق ربنا يعادك ، وهم الأولون على ميعادك ،
وهم يعادون كل من يعادك ، حتى يقيموا الذين في وادك . وكانت قضاعة تقول : لبيك
رب الحل والإحرام ، ارحم مقام عبد وآم ، أتوك يمشون على الأقدام .
وكانت أسد وغطفان تقول في إحرامها بشعر اليمن : لبيك ، إليك تعدوا قلقا
وضينها ، معترضاً في بطنها جنينها ، مخالفاً دين النصارى دينها ، وكانت النساء تطفن
بالليل عراة ، وقال بعضهم : لا بل نهاراً تأخذ إحداهن حاشية برد تستر به ، وتقول : اليوم
يبدوا بعضه أو كله ، وما بدا منه فلا أحله ، كم من لبيب عقله يضله ، وناظر ينظر فما يمله(2/382)
صفحة رقم 383
ضخم من الجثم عظيم ظله .
وكانت تلبيه آدم ، عليه السلام : لبيك الله لبيك عبد خلقته بيديك ، كرمت فأعطيت ،
قربت فأدنين ، تباركت وتعاليت ، أنت رب البيت .
فأنزل الله عز وجل : ( واجتنبوا قول الزور ( يعنى الكذب ، وهو الشرك في
الإحرام ،
الحج : ( 31 ) حنفاء لله غير . . . . .
) حنفاء لله ( يعنى مخلصين لله بالتوحيد ) غير مشركين به ( ثم عظم الشرك ،
فقال : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير ( يعنى فتذهب به الطير
النسور ) أو تهوي به الريح في مكان سحيق ) [ آية : 31 ] يعنى بعيداً ، فهذا مثل الشرك
في البعد من الله ، عز وجل .
الحج : ( 32 ) ذلك ومن يعظم . . . . .
) ذلك ( يقول : هذا الذي أمر اجتناب الأوثان ) ومن يعظم شعائر الله ( يعنى
البدن من أعظمها وأسمنها ) فإنها من تقوى القلوب ) [ آية : 32 ] يعنى من إخلاص
القلوب
الحج : ( 33 ) لكم فيها منافع . . . . .
) لكم فيها ( في البدن ) منافع ( في ظهورها وألبانها ) إلى أجل مسمى (
يقول : إلى أن تقلد ، أو تشعر ، أو تسمى هديا ، فهذا الأجل المسمى ، فإذا فعل ذلك بها لا
يحمل عليها إلا مضطراً ويركبها بالمعروف ، ويشرب فضل ولدها من اللبن ، ولا يجهد
الحلب حتى لا ينهك أجسامها .
) ثم محلها إلى البيت العتيق ) [ الآية : 33 ] يعنى منحرها إلى أرض الحرم كله
كقوله سبحانه : ( فلا يقربوا المسجد الحرام ( يعنى أرض الحرم كله ، ثم ينحر ويأكل
ويطعم ، إن شاء نحر الإبل ، وإن ذبح الغنم ، أو البقر ، ثم تصدق به كله ، وإن شاء
أكل وأمسك منه ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون شيئاً من البدن ، فأنزل الله ،
عز وجل ، فكلوا منها وأطعموا ، فليس الأكل بواجب ، ولكنه رخصة ، كقوله سبحانه
) وإذا حللتم فاصطادوا ) [ المائدة : 2 ] وليس الصيد بواجب ولكنه رخصة .
الحج : ( 34 ) ولكل أمة جعلنا . . . . .
) ولكل أمة ( يعنى لكل قوم من المؤمنين فيما خلا ، كقوله سبحانه : ( أن تكون أمة هي أربى من أمة ) [ النحل : 92 ] أن يكون قوم أكثر من قوم ، ثم قال :
( جعلنا منسكا ( يعنى ذبحاً ، يعنى هراقة الدماء ) ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ( وإنما خص الأنعام من البهائم ؛ لأن من البهائم ما ليس من الأنعام ،
وإنما سميت البهائم ؛ لأنها لا تتكلم ) فإلهكم إله واحد ( ليس له شريك يقول : فربكم
رب واحد ) فله أسلموا وبشر المخبتين ) [ آية : 34 ] يعنى المخلصين بالجنة .(2/383)
صفحة رقم 384
الحج : ( 35 ) الذين إذا ذكر . . . . .
ثم نعتهم فقال : ( الذين إذا ذكر الله وجلت ( يعنى خافت ) قلوبهم والصابرين على ما أصابهم ( من أمر الله ) والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) [ آية : 35 ] من الأموال .
الحج : ( 36 ) والبدن جعلناها لكم . . . . .
قوله عز وجل : ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ( يعنى من أمر المناسك ) لكم فيها خير ( يقول : لكم في نحرها أجر في الآخرة ومنفعة في الدنيا ، وإنما سميت البدن ؛
لأنها تقلد وتشعر وتساق إلى مكة ، والهدى الذي ينحر بمكة ، ولم يقلد ، ولم يشعر والجزور البعير الذي ليس ببدنه ، ولا بهدي
) فاذكروا اسم الله عليها ( إذا نحرت ) صواف ( يعنى معقولة يدها اليسرى قائمة
على ثلاثة قوائم مستقبلات القبلة . قال الفراء : صواف ، يعنى يصفها ، ثم ينحرها ، فهذا
تعليم من الله ، عز وجل ، فمن شاء نحرها على جنبها .
) فإذا وجبت جنوبها ( يعنى فإذا خرت لجنبها على الأرض بعد نحرها ) فكلوا منها وأطعموا القانع ( يعنى الراضي الذي يقنع بما يعطي ، وهو السائل ) والمعتر (
الذي يتعرض للمسألة ، ولا يتكلم فهذا تعليم من الله ، عز وجل ، فمن شاء أكل ، ومن لم
يشأ لم يأكل ، ومن شاء أطعم ، ثم قال سبحانه : ( كذلك سخرناها ( يعنى هكذا ذللناها
) لكم ( يعنى المدن ) لعلكم تشكرون ) [ آية : 36 ] ربكم ، عز وجل ، في نعمه .
الحج : ( 37 ) لن ينال الله . . . . .
) لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ( وذلك أن كفار العرب كانوا في الجاهلية إذا نحروا
البدن عند زمزم أخذوا دماءها فنضحوها قبل الكعبة ، وقالوا : اللهم تقبل منا ، فأراد
المسلمون أن يفعلوا ذلك ، فأنزل الله ، عز وجل ، ) لن ينال الله لحومها ولا دماؤها (
) ولكن يناله التقوى منكم ( يقول : النحر هو تقوى منكم ، فالتقوى هو الذي ينال الله
ويرفعه إليه ، فأما اللحوم والدماء فلا يرفعه إليه ، ) كذلك سخرها لكم ( يعنى البدن
) لتكبروا ( لتعظموا ) الله على ما هداكم ( لدينه ) وبشر المحسنين ) [ آية :
37 ] بالجنة فمن فعل ما ذكر الله في هذه الآيات فقد أحسن .
الحج : ( 38 ) إن الله يدافع . . . . .
قوله عز وجل : ( إِن
الله يدفعُ ( كفار مكة ) عن الذين ءامنوا ( بمكة ، هذا حين أمر المؤمنين بالكف عن
كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم ، فاستشاروا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قتالهم في السر ، فنهاهم الله(2/384)
صفحة رقم 385
عز وجل ، ثم قال : ( إن الله لا يحب كل خوان ( يعنى كل عاص ) كفور ) [ آية :
38 ] بتوحيد الله ، عز وجل ، يعنى كفار مكة .
الحج : ( 39 ) أذن للذين يقاتلون . . . . .
فلما قدموا المدينة أذن الله ، عز وجل ، للمؤمنين في القتال بعد النهي بمكة ، فقال
سبحانه : ( أذن للذين يقاتلون ( في سبيل الله ) بأنهم ظلموا ( ظلمهم كفار مكة
) وإن الله على نصرهم لقدير ) [ آية : 39 ] فنصرهم الله تعالى على كفار مكة بعد النهي ،
الحج : ( 40 ) الذين أخرجوا من . . . . .
ثم أخبر عن ظلم كفار مكة ، فقال سبحانه : ( الذين أخرجوا من ديارهم ( وذلك أنهم
عذبوا منهم طائفة ، وآذوا بعضهم بالألسن ، حتى هربوا من مكة إلى المدينة ) بغير حق إلا أن يقولوا ( يقول : لم يخرج كفار مكة المؤمنين من ديارهم ، إلا أن يقولوا : ( ربنا الله ( فعرفوه ووحدوهُ ، ثم قال سبحانه : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ( يقول :
لولا أن يدفع الله المشركين بالمسلمين لغلب المشركون فقتلوا المسلمين ) لهدمت ( يقول :
لخربت ) صوامع ( الرهبان ) وبيع ( النصارى ) وصلوات ( يعنى اليهود
) ومساجد ( المسلمين ) يذكر فيها اسم الله كثيرا ( كل هؤلاء الملل يذكرون الله
كثيراً في مساجدهم ، فدفع الله ، عز وجل ، بالمسلمين عنها .
ثم قال سبحانه : وتعالى : ( ولينصرن الله ( على عدوه ) من ينصره ( يعنى من
يعنيه حتى يوحد الله ، عز وجل ، ) إن الله لقوي ( في نصر أوليائه ) عزيز ) [ آية :
40 ] يعنى منيع في ملكه وسلطانه نظيرها في الحديد ) وليعلم الله من ينصره ) [ الحديد : 25 ] يعنى من يوحده ، وغيرها في الأحزاب ، وهود ، وهو سبحانه أقوى
وأعز من خلقه .
الحج : ( 41 ) الذين إن مكناهم . . . . .
) الذين إن مكناهم في الأرض ( يعنى أرض المدينة وهم المؤمنون بعد القهر بمكة ، ثم
أخبر عنهم ، فقال تعالى ) أقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة وأمروا بالمعروفِ ( يعنى
التوحيد الذي يعرف ) ونهوا عن المنكر ( الذي لا يعرف ، وهو الشرك ) ولله عاقبة الأمور ) [ آية : 41 ] يعنى عاقبة أمر العباد إليه في الآخرة
الحج : ( 42 ) وإن يكذبوك فقد . . . . .
) وإن يكذبوك ( يا محمد
يعزى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب ) فقد كذبت قبلهم ( يعنى قبل
أهل مكة ) قوم نوح وعاد وثمود ) [ آية : 42 ]
الحج : ( 43 ) وقوم إبراهيم وقوم . . . . .
) وقوم إبراهيم وقوم لوط ) [ آية : 43 ] .
الحج : ( 44 ) وأصحاب مدين وكذب . . . . .
) وأصحاب مدين ( يعنى قوم شعيب ، عليه السلام ، كل هؤلاء كذبوا رسلهم ) وكذبَ(2/385)
صفحة رقم 386
مُوسى ( يعنى عصى موسى ، عليه السلام ، لأنه ولد فيهم كما ولد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فيهم
) فأمليتُ ( يعنى فأمهلت ) للكافرينَ ( فلم أعجل عليهم بالعذاب ) ثم
أَخذتهم ( بعد الإمهال بالعذاب ) فكيف كان نكيرٍ ) [ آية : 44 ] يعنى تغييري أليس
وجدوه حقاً ، فكذلك كذب كفار مكة كما كذبت مكذبي الأمم الخالية .
الحج : ( 45 ) فكأين من قرية . . . . .
) فكأن من قريةٍ ( يعنى وكم من قرية أهلكناها بالعذاب في الدنيا ) أَهلكناها
وهي ظالمة فهي خاوية ( يعنى خربة ) على عُرُوشها ( يعنى ساقطة من فوقها ،
يعنى بالعروش سقوف البيت ، أي ليس فيها مساكن ) وَبئرٍ معطلةٍ ( يعنى خالية لا
تستعمل ) وقصر مشيدٍ ) [ آية : 45 ] يعنى طويلاً في السماء ليس له أهل .
الحج : ( 46 ) أفلم يسيروا في . . . . .
) أَفلم يسيروا في الأرض ( يقول : فلو ساروا في الأرض فتفكروا ) فتكون لهم قلوب
يعقلونَ بها ( المواعظ ) أَو ءاذانٌ يسمعونَ بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القُلوب التي
في الصُدورٍ ) [ آية : 46 ] .
الحج : ( 47 ) ويستعجلونك بالعذاب ولن . . . . .
) ويستعجلونك بالعذاب ( نزلت في النضر بن الحارث القرشي يقول الله تعالى :
( ولن يخلفَ الله وعده ( في العذاب بأنه كائن ببدر ، يعنى القتل ) وإِن يوماً عند ربكَ
كألفِ سنةٍ مما تعدونَ ) [ آية : 47 ] وهي الأيام الست التي خلق الله فيهن السموات
والأرض ، وإنما قال الله تعالى ذلك لاستعجالهم بالعذاب ، فاليوم عند الله ، عز وجل ،
كألف سنة .
الحج : ( 48 ) وكأين من قرية . . . . .
فمن ثم قال : ( وَكأَين من قريةٍ أَمليتُ لها ( يعنى أمهلت لها ، فلم أعجل عليها
بالعذاب ) وهي ظالمةٌ ثم أخذتها ( بعد الإملاء بالعذاب ، ) وَإِلىِّ ) ) إلى الله ( ( المصير ) [ آية : 48 ] يقول : إلى الله يصيرون .
الحج : ( 49 ) قل يا أيها . . . . .
) قُل يأَيُها النَّاس ( يعنى كفار مكة ) إِنما أَنا لكم نذيرٌ مُبينٌ ) [ آية : 49 ] يعنى بين
الحج : ( 50 ) فالذين آمنوا وعملوا . . . . .
) فالذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزقٌ كريمٌ ) [ آية : 50 ]
الحج : ( 51 ) والذين سعوا في . . . . .
) والذين سعوا
في ءايتنا معجزينَ ( يعنى في القرآن مثبطين ، يعنى كفار مكة يثبطون الناس عن الإيمان
بالقرآن .
) أُولئكَ أَصحاب الجحيم ) [ آية : 51 ]
الحج : ( 52 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أَرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبي إلا
إذا تمنى ( يعنى إذا حدث نفسه ) أَلقى الشيطانُ في أُمنيته ( يعنى في حديثه مثل(2/386)
صفحة رقم 387
قوله : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) [ البقرة : 178 ] يقول :
إلا ما يحدثوا عنها ، يعنى التوراة وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ في الصلاة عند مقام
إبراهيم ( صلى الله عليه وسلم ) فنعس ، فقال : ' أفرأيتم اللات والعزى ، ومناة الثالثة الأخرى ، تلك الغرانيق
العلى ، عندها الشفاعة ترتجى ' ، فلما سمع كفار مكة أن لآلهتهم شفاعة فرحوا ، ثم رجع
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى ) [ طه : 114 ] فذلك قوله سبحانه : ( فينسخ الله ما يلقي الشيطان ( على لسان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ثُم يحكم اللهُ ءايتهِ ( من الباطل الذي يلقي
الشيطان على لسان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) والله عليم حكيم ) [ آية : 52 ] .
الحج : ( 53 ) ليجعل ما يلقي . . . . .
) ليجعل ما يلقي الشيطان ( على لسان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما يرجون من شفاعة آلهتم
) فتنة للذين في قلوبهم مرض ( يعنى الشك ) والقاسية قلوبهم ( يعنى الجافية قلوبهم
عن الإيمان ، فلم تلن له ) وإن الظالمين ( يعنى كفار مكة ) لفي شقاق بعيد (
[ آية : 53 ] يعنى لفي ضلال بعيد ، يعنى طويل .
الحج : ( 54 ) وليعلم الذين أوتوا . . . . .
ثم ذكر المؤمنين سبحانه : ( وليعلم الذين أوتوا العلم ( بالله عز وجل ) إنه (
يعنى القرآن ) الحق من ربك فيؤمنوا به ( يعنى فيصدقوا به ) فتخبت ( يعنى
فتخلص ) لَهُ قُلوبهم وإِن اللهَ لهادِ الذين ءامنوا إِلى صراط مُستقيم ) [ آية : 54 ] يعنى
ديناً مستقيماً .
الحج : ( 55 ) ولا يزال الذين . . . . .
) ولا يزالُ الذين كفروا ( من أهل مكة أبو جهل وأصحابه ) في مرية منه (
يعنى في شك من القرآن ) حتى تأتيهم الساعة بغتة ( يعنى فجأة ) أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ) [ آية : 55 ] يعنى بلا رأفة ولا رحمة القتل ببدر ،
الحج : ( 56 ) الملك يومئذ لله . . . . .
ثم قال في التقديم :
( الملك يومئذ لله ( يعنى يوم القيامة لا ينازعه فيه أحد ، واليوم في الدنيا ينازعه غيره
في ملكه .
) يحكم بينهم ( ثم بين حكمه في كفار مكة ، فقال سبحانه : ( فالذين
ءامنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ) [ آية : 56 ]
الحج : ( 57 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
) والذين كفروا ( بتوحيد الله
) وكذبوا بئايتنا ( بالقرآن بأنه ليس من الله عز وجل ) فأولئك لهم عذاب مهين ) [ آية : 57 ] يعنى الهوان .
الحج : ( 58 ) والذين هاجروا في . . . . .
) والذين هاجروا في سبيل الله ( إلى المدينة ) ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم(2/387)
صفحة رقم 388
اللهُ ) ) في الآخرة ( ( رزقاً حسناً ( يعنى كريماً ) وَإن اللهَ لهو خيرُ
الرازقينَ ) [ آية : 58 ] وذلك أن نفراً من المسلمين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) نحن نقاتل
المشركين ، فنقتل منهم ولا نستشهد ، فما لنا شهادة ، فأشركهم الله عز وجل جميعاً في
الجنة ، فنزلت فيهم آيتان .
الحج : ( 59 ) ليدخلنهم مدخلا يرضونه . . . . .
فقال : ( لَيُدخلنهم مُدخلاً يرضونهُ وإن اللهَ لعليمُ ) ) لقولهم ( ( حليمٌ (
[ آية : 59 ] عنهم . لقولهم : أنا نقاتل ولا نستشهد ،
الحج : ( 60 ) ذلك ومن عاقب . . . . .
) ذلك ومن عاقب ( وذلك أن
مشركي مكة لقوا المسلمين لليلة بقيت من المحرم ، فقال بعضهم لبعض : إن أصحاب محمد
يكرهون القتال في الشهر الحرام ، فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون أن يقاتلوهم في
الشهر الحرام ، فأبى المشركون إلا القتال . فبغوا على المسلمين فقاتلوهم وحملوا عليهم
وثبت المسلمون فنصر الله ، عز وجل ، المسلمين عليهم ، فوقع في أنفس المسلمين من
القتال في الشهر الحرام ، فأنزل الله عز وجل ذلك ومن عاقب ، هذا جزاء من عاقب .
) بِمثل ما عوقب به ثُم بغي عليه لينصرنه اللهُ إِن الله لعفو ) ) عنهم ( ( غَفورٌ ) [ آية : 60 ] لقتالهم في الشهر الحرام
الحج : ( 61 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلكَ ( يعنى هذا الذي فعل من
قدرته ، ثم بين قدرته ، جل جلاله ، فقال سبحانه : ذلك ) بِأنَ الله يُولجُ اليل في
النهار ويولج النهارَ في اليل ( يعنى انتقاص كل واحد منهما من الآخر ، حتى
يكون النهار خمس عشرة ساعة ، والليل تسع ساعات في كل سنة ) وَأَن اللهَ سميعُ (
بأعمالهم ) بصيرٌ ) [ آية : 61 ] بها .
الحج : ( 62 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلكَ ( يعنى هذا الذي فعل ذلك ، يدل على توحيده بصنعه ) بِأن اللهَ هُو
الحق وأَن ما يدعونَ من دونهِ ( يعنى يعبدون من دونه من الآلهة ) هُوَ الباطِلُ (
الذي ليس بشيء ، ولا ينفعهم عبادتهم ، ثم عظم نفسه تبارك اسمه ، فقال : ( وَأَن اللهِ
هُو العليُ ( يعنى الرفيع فوق خلقه ) الكبير ) [ آية : 62 ] فلا شيء أعظم منه .
الحج : ( 63 ) ألم تر أن . . . . .
) أَلم تَر أَن الله أنزل من السماء ماءً ( ، يعنى المطر ، ) فتصبحُ الأرض
مخضرةً ( من النبات ) إِن اللهَ لطيفُ ( باستخراج النبت ) خَبيرٌ ) [ آية : 63 ]
الحج : ( 64 ) له ما في . . . . .
ثم
قال تعالى : ( لَهُ ما في السموات وما في الأرض ( عبيده ، وفي ملكه ) وَإن اللهَ لهُوَ
الغنيُ ( من عباده خلقه ) الحميد ) [ آية : 64 ] عند خلقه في سلطانه .
الحج : ( 65 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أَن الله سخر ( يعنى ذلك ) لكم ما في الأرض والفلك ( يقول : وسخر(2/388)
صفحة رقم 389
الفلك ، يعني السفن ) تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض ( يقول :
لئلا تقع على الأرض ) إِلا بإذنه إِن الله بِالناس لرءوفٌ ( يعنى لرفيق ) رحيم ) [ آية :
65 ] بهم ، فيما سخر لهم ، وحبس عنهم السماء ، فلا تقع عليهم فيهلكوا .
الحج : ( 66 ) وهو الذي أحياكم . . . . .
) وهو الذي أحياكم ( يعنى خلقكم ، ولم تكونوا شيئاً ) ثم يميتكم ( عند
آجالكم ) ثم يحييكم ( بعد موتكم في الآخرة ) إن الإنسان لكفور ) [ آية :
66 ] لنعم الله ، عز وجل ، في حسن خلقه حين لا يوحده .
الحج : ( 67 ) لكل أمة جعلنا . . . . .
ثم قال سبحانه : ( لكل أمة ( يعنى لكل قوم فيما خلا ) جعلنا منسكا ( يعنى
ذبحاً يعنى هراقة الدماء ذبيحة في عيدهم ) هم ناسكوه ( يعنى ذابحوه كقوله :
( إن صلاتي ونسكي ) [ الأنعام : 162 ] يعنى ذبيحتي ) فلا ينازعنك في الأمر ( يعنى في أمر الذبائح ، فإنك أولى بالأمر منهم ، أي من كفار خزاعة وغيرهم ،
نزلت في بديل بن ورقاء الخزاعي ، وبشر بن سفيان الخزاعي ، ويزيد بن الحلبس ، من بني
الحارث بن عبد مناف لقولهم للمسلمين ، في الأنعام ، ما قتلتم أنتم بأيديكم فهو حلال
وما قتل الله فهو حرام يعنون الميتة ، ثم قال سبحانه : ( وادع إلى ربك ( يعنى إلى معرفة
ربك وهو التوحيد ) إنك لعلى هدى ( يعنى لعلي دين ) مستقيم ) [ آية : 67 ] .
الحج : ( 68 ) وإن جادلوك فقل . . . . .
) وإن جادلوك ( في أمر الذبائح ، يعنى هؤلاء النفر ) فقل الله أعلم بما تعملون (
[ آية : 68 ] وبما نعمل ، وذلك حين اختلفوا في أمر الذبائح .
الحج : ( 69 ) الله يحكم بينكم . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( الله يحكم ( يعنى يقضي ) بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ) [ آية : 69 ]
من الدين : نسختها آية : السيف .
الحج : ( 70 ) ألم تعلم أن . . . . .
قوله عز وجل : ( ألم تعلم ( يا محمد ) أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك ( العلم ) في كتاب ( يعنى اللوح المحفوظ ) ان ذلك ( الكتاب ) على الله يسير ) [ آية : 70 ] يعنى هيناً .
الحج : ( 71 ) ويعبدون من دون . . . . .
) ويعبدون من دون الله ( من الآلهة ) ما لم ينزل به سلطانا ( يعنى ما لم ينزل به
كتاباً من السماء لهم فيه حجة بأنها آلهة ) وما ليس لهم به علم ( أنها آلهة ) وما للظالمين من نصير ) [ آية : 71 ] يقول : وما للمشركين من مانع من العذاب .
الحج : ( 72 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) وَإذا تُتلى عليهم ءايتنا بيناتٍ ( يعنى واضحات ) تعرفُ في وجوهُ الذينَ كفرواْ(2/389)
صفحة رقم 390
المُنكر ( ينكرون القرآن أن يكون من الله عز وجل ) يكادونَ يسطونَ بالذينَ
يتلونَ عليهم ءاياتنا ( يقول : يكادون يقعون بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) من كراهيتهم للقرآن ،
وقالوا : ما شأن محمد وأصحابه أحق بهذا الأمر منا ، والله إنهم لأشر خلق الله ، فأنزل الله عز وجل عز ) قل ( لهم يا محمد : ( أفأنبئكم بشر من ذلكم النار ( يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وأصحابه ) وعدها الله الذين كفروا ( من وعده الله النار وصار إليها ، يعنى الكفار ،
فهم شرار الخلق ) وبئس المصير ) [ آية : 72 ] النار حين يصيرون إليها ، ونزل فيهم في
الفرقان : ( الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل
سبيلاً . . . ) [ الفرقان : 34 ] .
الحج : ( 73 ) يا أيها الناس . . . . .
) يأيها الناس ( يعنى كفار مكة ) ضرب مثل ( يعنى شبهاً وهو الصنم
) فاستمعوا له ( ثم أخبر عنه ، فقال سبحانه : ( إن الذين تدعون من دون الله (
من الأصنام يعنى اللات والعزى ومناة وهبل ) لن ( يستطيعوا أن ) يخلقوا ذباباً ولو
اجتمعوا له ( يقول : لو اجتمعت الآلهة على أن يخلقوا ذباباً ما استطاعوا ، ثم قال عز
وجل : ( وإن يسلبهم الذباب شيئاً ( مما على الآلهة من ثياب أو حلى أو طيب ) لا
يستنقذوه منه ( يقول : لا تقدر الآلهة أن تستفيد من الذباب ما أخذ منها ، ثم قال :
( ضعف الطالب والمطلوب ) [ آية : 37 ] فأما الطالب فهو الصنم ، وأما المطلوب فهو
الذباب ، فالطالب هو الصنم الذي يسلبه الذباب ولا يمتنع منه ، والمطلوب هو الذباب ،
فأخبر الله عن الصنم أنه لا قوة له ، ولا حيلة ، فكيف تعبدون ما لا يخلق ذباب ، ولا يمتنع
من الذباب .
الحج : ( 74 ) ما قدروا الله . . . . .
قوله عز وجل : ( ما قدروا الله حق قدره ( يقول : ما عظموا الله حق عظمته حين
أشركوا به ولم يوحدوه ) إن الله لقوى ( في أمره ) عزيز ) [ آية : 74 ] أي منيع في
ملكه ،
الحج : ( 75 ) الله يصطفي من . . . . .
قوله عز وجل : ( الله يصطفى من الملئكة رسلاً ( وهم : جبريل ،
وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، والحفظة الذين يكتبون أعمال بني آدم .
) ومن الناس ( رسلاً ، منهم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فيجعلهم أنبياء ) إن الله سميع (
بمقالتهم ) بصيرٌ ) [ آية : 75 ] بمن يتخذه رسولاً
الحج : ( 76 ) يعلم ما بين . . . . .
) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم (
يقول : يعلم ما كان قبل خلق الملائكة والأنبياء ، ويعلم ما يكون من بعدهم ) وإلى الله
ترجع الأمور ) [ آية : 76 ] في الآخرة .(2/390)
صفحة رقم 391
الحج : ( 77 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله عز وجل : ( يأيها الذين ءامنو اركعوا واسجدوا ( يأمرهم بالصلاة
) واعبدوا ربكم ( يعنى وحدوا ربكم ) وافعلوا الخير ( الذي أمركم به
) لعلكم ( يعنى لكي ) تفلحون ) [ آية : 77 ] يقول : من فعل ذلك فقد أفلح .
الحج : ( 78 ) وجاهدوا في الله . . . . .
) وجاهدوا في الله ( يأمرهم بالعمل ) حق جهاده ( يقول : اعملوا لله بالخير حق
عمله نسختها الآية التي في التغابن ، وهي : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) [ التغابن :
16 ] . ثم قال : ( هو اجتباكم ( يقول الله عز وجل : استخلصكم لدينه ) وما جعل عليكم في الدين ( يعنى في الإسلام ) من حرج ( يعنى من ضيق ، ولكن جعله واسعاً هو
) ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم ( يقول الله عز وجل : سماكم ) المسلمين ( فيها
تقديم ) من قبل ( قرآن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في الكتب الأولى ) وفي هذا ( القرآن أيضاً سماكم
المسلمين ) ليكون الرسول ( يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) شهيدا عليكم ( أنه بلغ الرسالة
) وتكونوا ( أنتم يا معشر أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، يعنى مؤمنيهم ) شهداء على الناس ( يعنى
شهداء للرسل أنهم بلغوا قومهم الرسالة ) فأقيموا الصلاة ( يقول : أتموها ) وءاتوا
الزكوة ( يقول : أعطوا الزكاة من أموالكم ) واعتصموا بالله ( يقول : وثقوا بالله ، فإذا
فعلتم ذلك ) هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير ) [ آية : 78 ] يقول : نعم المولى هو
لكم ، ونعم النصير هو لكم .(2/391)
صفحة رقم 392
( سورة المؤمنون )
( سورة المؤمنين مكية كلها ، وهي مائة وثماني عشرة آية كوفية )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 1 - 11 ] .
المؤمنون : ( 1 ) قد أفلح المؤمنون
) قد أفلح المؤمنون ) [ آية : 1 ] يعنى سعد المؤمنون ، يعنى المصدقين بتوحيد الله عز
وجل .
المؤمنون : ( 2 ) الذين هم في . . . . .
ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( الذين هم في صلاتهم خاشعون ) [ آية : 2 ] يقول : متواضعون
يعنى إذا صلى لم يعرف من عن يمينه ، ومن عن شماله
المؤمنون : ( 3 ) والذين هم عن . . . . .
) والذين هم عن اللغو معرضون (
[ آية : 3 ] يعنى اللغو : الشتم والأذى إذا سمعوه من كفار مكة لإسلامهم ، وفيهم نزلت
) مروا باللغو مروا كراما ) [ الفرقان : 72 ] يعنى معرضين عنه .
المؤمنون : ( 4 ) والذين هم للزكاة . . . . .
) والذين هم للزكوة فعلون ) [ آية : 4 ] يعنى زكاة أموالهم
المؤمنون : ( 5 ) والذين هم لفروجهم . . . . .
) والذين هم لفروجهم
حفظون ) [ آية : 5 ] عن الفواحش .
المؤمنون : ( 6 ) إلا على أزواجهم . . . . .
ثم استثنى ، فقال سبحانه : ( إلا على أزوجهم (
يعنى حلائلهم ) أو ما ملكت أيمنهم ( من الولائد ) فإنهم غير ملومين ) [ آية : 6 ]
يعنى لا يلامون على الحلال .
المؤمنون : ( 7 ) فمن ابتغى وراء . . . . .
) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) [ آية : 7 ] يقول : فمن ابتغى الفواحش بعد
الحلال ، فهو معتد ،
المؤمنون : ( 8 ) والذين هم لأماناتهم . . . . .
) والذين هم لأمنتهم وعهدهم راعون ) [ آية : 8 ] يقول : يحافظون
على أداء الأمانة ، ووفاء العهد ،
المؤمنون : ( 9 ) والذين هم على . . . . .
) والذين هم على صلواتهم يحافظون ) [ آية : 9 ] على
المواقيت .
المؤمنون : ( 10 ) أولئك هم الوارثون
ثم أخبر بثوابهم ، فقال : ( أولئك هم الورثون ) [ آية : 10 ] ثم بين ما يرثون ، فقال :(2/392)
صفحة رقم 393
المؤمنون : ( 11 ) الذين يرثون الفردوس . . . . .
) الذين يرثون الفردوس ( يعنى البستان عليه الحيطان ، بالرومية ) هم فيها خلدون (
[ آية : 11 ] يعنى في الجنة لا يموتون .
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 12 - 22 ] .
المؤمنون : ( 12 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
قوله عز وجل : ( ولقد خلقنا الإنسان ( يعنى آدم ( صلى الله عليه وسلم ) ) من سلالة من طين ) [ آية :
12 ] والسلالة : إذا عصر الطين انسل الطين والماء من بين أصابعه .
المؤمنون : ( 13 ) ثم جعلناه نطفة . . . . .
) ثم جعلنه نطفةً ( يعنى ذرية آدم ) في قرار مكين ) [ آية : 13 ] يعنى الرحم : تمكن
النطفة في الرحم
المؤمنون : ( 14 ) ثم خلقنا النطفة . . . . .
) ثم خلقنا النطفة علقة ( يقول : تحول الماء فصار دماً ) فخلقنا العلقة مضغة ( يعنى فتحول الدم فصار لحماً مثل المضغة ) فخلقنا المضغة عظماً فكسونا
العظم لحماً ثم أنشأنه ( يقول : خلقناه ، ) خلقاً ءاخر ( يعنى الروح ينفخ فيه بعد
خلقه ، فقال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : قبل أن يتم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الآية : ( تبارك الله أحسن الخالقين ( ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' هكذا أنزلت يا عمر ' .
) فتبارك الله أحسن الخلقين ) [ آية : 14 ] يقول : هو أحسن المصورين ، يعنى من
الذين خلقوا التماثيل وغيرها التي لا يتحرك منها شيء
المؤمنون : ( 15 ) ثم إنكم بعد . . . . .
) ثم إنكم بعد ذلك ( الخلق بعد
ما ذكر من تمام خلق الإنسان ) لميتون ) [ آية : 15 ] عند آجالكم ) ثم إنكم ( بعد
الموت
المؤمنون : ( 16 ) ثم إنكم يوم . . . . .
) يوم القيمة تبعثون ) [ آية : 16 ] يعنى تحيون بعد الموت .
المؤمنون : ( 17 ) ولقد خلقنا فوقكم . . . . .
) ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ( يعنى سموات غلظ كل سماء مسيرة خمس مائة
عام ، وبين كل سماء مسيرة خمس مائة عام ) وما كنا عن الخلق غفلين ) [ آية : 17 ] يعنى(2/393)
صفحة رقم 394
عن خلق السماء وغيره
المؤمنون : ( 18 ) وأنزلنا من السماء . . . . .
) وأنزلنا من السماء ماء بقدر ( ما يكفيكم من المعيشة ، يعنى
العيون ) فأسكناه ( يعنى فجعلنا ) في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون ) [ آية : 18 ]
فيغور في الأرض ، يعنى فلا يقدر عليه .
المؤمنون : ( 19 ) فأنشأنا لكم به . . . . .
) فأنشأنا ( يعنى فخلقنا ) لكم به ( بالماء ) جنت ( يعنى البساتين ) من نخيل
وأعنب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون ) [ آية : 19 ] ،
المؤمنون : ( 20 ) وشجرة تخرج من . . . . .
ثم قال : ( و ( خلقنا
) وشجرة ( يعنى الزيتون ، وهو أول زيتونة خلقت ) تخرج من طور سيناء ( يقول :
تنبت في أصل الجبل الذي كلم الله ، عز وجل ، عليه موسى ، عليه السلام ، ) تنبت بالدهن ( يعنى تخرج بالذي فيه الدهن ، يقول : هذه الشجرة تشرب الماء ، وتخرج
الزيت ، فجعل الله ، عز وجل ، في هذه الشجرة أدماً ودهنا ) و ( هي ) وصبغ للآكلين ) [ آية : 20 ] وكل جبل يحمل الثمار ، فهو سيناء يعنى الحسن .
المؤمنون : ( 21 ) وإن لكم في . . . . .
) وإن لكم في الأنعام ( يعنى الإبل والبقر والغنم ) لعبرة نسقيكم مما في بطونها (
يعنى اللبن ) ولكم فيها منفع كثيرةٌ ( يعنى في ظهورها وألبانها وأوبارها وأصوافها
وأشعارها ) ومنها تأكلون ) [ آية : 21 ] يعنى من النعم ،
المؤمنون : ( 22 ) وعليها وعلى الفلك . . . . .
ثم قال : ( وعليها ( يعنى الإبل
) وعلى الفلك تحملون ) [ آية : 22 ] على ظهورها في أسفاركم ، ففي هذا الذين ذكر من
هؤلاء الآيات عبرة في توحيد الرب ، عز وجل .
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 23 - 30 ] .(2/394)
صفحة رقم 395
المؤمنون : ( 23 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ( يعنى وحدوا الله ) ما لكم من إله غيره ( ليس لكم رب غيره ) أفلا تتقون ) [ آية : 23 ] يقول : أفلا تعبدون الله ، عز
وجل ،
المؤمنون : ( 24 ) فقال الملأ الذين . . . . .
) فقال الملؤا ( يعنى الأشراف ) الذين كفروا من قومه ما هذا ( يعنون نوحاً ) إلا بشر مثلكم ( ليس له عليكم فضل في شئ فتتبعونه ) يريد ( نوح ) أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ( يعنى لأرسل ) ملائكة ( إلينا فكانوا رسله ) ما سمعنا بهذا ( التوحيد ) في ءابائنا الأولين ) [ آية : 24 ] .
المؤمنون : ( 25 ) إن هو إلا . . . . .
) ان هو ( يعنون نوحاً ) إلا رجل به جنة ( ، يعنى جنوناً ) فتربصوا به حتى حين ) [ آية : 25 ] يعنون الموت
المؤمنون : ( 26 ) قال رب انصرني . . . . .
) قال ( نوح : ( رب انصرني بما كذبون ) [ آية : 26 ] .
يقول : انصرني بتحقيق قولي في العذاب بأنه نازل بهم في الدنيا .
المؤمنون : ( 27 ) فأوحينا إليه أن . . . . .
) فأوحينا إليه أن اصنع الفلك ( يقول : اجعل السفينة ) بأعيننا ووحينا ( كما
نأمرك ) فإذا جاء أمرنا ( يقول عز وجل : فإذا جاء قولنا في نزول العذاب بهم في
الدنيا ، يعنى الغرق ) وفار ( الماء من ) التنور ( وكان التنور في أقصى مكان من
دار نوح ، وهو التنور الذي يخبز فيه ، وكان في الشام بعين وردة ، ) فاسلك فيها من كل زوجين اثنين ( ذكر وأنثى ) وأهلك ( فاحملهم معك في السفينة ، ثم استثنى
من الأهل ) إلا من سبق عليه القول منهم ( يعنى من سبقت عليهم كلمة العذاب
فكان ابنه وامرأته ممن سبق عليه القول من أهله ، ثم قال تعالى : ( ولا تخاطبني ( يقول :
ولا تراجعني ) في الذين ظلموا ( يعنى أشركوا ) إنهم مغرقون ) [ آية : 27 ] يعنى
بقوله : ولا تخاطبني . قول نوح عليه السلام لربه عز وجل : ( إن ابني من أهلي (
[ هود : 45 ] يقول الله : ولا تراجعني في ابنك كنعان ، فإنه من الذين ظلموا
المؤمنون : ( 28 ) فإذا استويت أنت . . . . .
ثم قال سبحانه : ( فإذا استويت أنت ومن معك ( من المؤمنين ) على الفلك ( يعنى
السفينة ) فقل الحمد لله الذي نجينا من القوم الظلمين ) [ آية : 28 ] يعنى المشركين
المؤمنون : ( 29 ) وقل رب أنزلني . . . . .
) وقل رب أنزلني ( من السفينة ) منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ) [ آية : 29 ] من غيرك ، يعنى بالبركة
أنهم توالدوا وكثروا .
المؤمنون : ( 30 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لأيت ( يقول : إن في هلاك قوم نوح بالغرق لعبرة لمن بعدهم ، ثم قال :
( وأن ( يعنى وقد ) كنا لمبتلين ) [ آية : 30 ] بالغرق .
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 31 -(2/395)
صفحة رقم 396
المؤمنون : ( 31 ) ثم أنشأنا من . . . . .
) ثم أنشأنا ( يعنى قوم هود ، عليه السلام ، ) من بعدهم ( يعنى من بعد قوم نوح
) قرناً ءاخرين ) [ آية : 31 ] وهم قوم هود ، عليه السلام ،
المؤمنون : ( 32 ) فأرسلنا فيهم رسولا . . . . .
) فأرسلنا فيهم رسولا منهم ( يعنى
من أنفسهم ) أن اعبدوا الله ( يعنى أن وحدوا الله ) ما لكم من إله غيره ( يقول : ليس
لكم رب غيره ) أفلا تتقون ) [ آية : 32 ] يعنى أفهلا تعبدون الله ، عز وجل .
المؤمنون : ( 33 ) وقال الملأ من . . . . .
) وقال الملأ ( يعنى الأشراف ) من قومه الذين كفروا ( بتوحيد الله ، عز وجل ،
)( وكذبوا بلقاء الآخرة ( يعنى بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ) وأترفنهم ( يعنى
وأغنيناهم ) في الحيوة الدنيا ما هذا ( يعنون هوداً ، عليه السلام ، ) إلا بشر مثلكم (
ليس له عليكم فضل ) يأكلون مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ) [ آية : 33 ]
المؤمنون : ( 34 ) ولئن أطعتم بشرا . . . . .
) ولئن
أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذا لخسرون ) [ آية : 34 ] يعنى لعجزة ، مثلها في يوسف عليه
السلام .
المؤمنون : ( 35 ) أيعدكم أنكم إذا . . . . .
) أيعدكم ( هود ) أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظماً أنكم مخرجون ) [ آية : 35 ] من
الأرض أحياء بعد الموت
المؤمنون : ( 36 ) هيهات هيهات لما . . . . .
) هيهات هيهات لما توعدون ) [ آية : 36 ] يقول : هذا
حديث قد درس ، فلا يذكر ) إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ( يعنى نموت نحن
ويحيا آخرون من أصلابنا ، فنحن كذلك أبداً
المؤمنون : ( 37 ) إن هي إلا . . . . .
) وما نحن بمبعوثين ) [ آية : 37 ] بعد الموت
مثلها في الجاثية .
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 38 - 44 ] .(2/396)
صفحة رقم 397
المؤمنون : ( 38 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين ) [ آية : 38 ]
المؤمنون : ( 39 ) قال رب انصرني . . . . .
) قال ( هو :
( رب انصرني بما كذبون ) [ آية : 39 ] وذلك أن هوداً ، عليه السلام ، أخبرهم أن العذاب
نازل بهم في الدنيا ، فكذبوه ، فقال : رب انصرني بما كذبون في أمر العذاب
المؤمنون : ( 40 ) قال عما قليل . . . . .
) قال عما قليل ( قال : عن قليل ) ليصبحن ندمين ) [ آية : 40 ] .
المؤمنون : ( 41 ) فأخذتهم الصيحة بالحق . . . . .
) فأخذتهم الصيحة بالحق ( يعنى صيحة جبريل ، عليه السلام ، فصاح صيحة واحدة
فماتوا أجمعين ، فلم يبق منهم أحد ) فجعلنهم غثاء ( يعنى كالشيء البالي من نبت
الأرض يحمله السيل ، فشبه أجسادهم بالشيء البالي ، ) فبعدا ( في الهلاك ) للقوم
الظلمين ) [ آية : 41 ] يعنى المشركين
المؤمنون : ( 42 ) ثم أنشأنا من . . . . .
) ثم أنشأنا ( يعنى خلقنا ) من بعدهم قرونا
ءاخرين ) [ آية : 42 ] يعنى قوماً آخرين ،
المؤمنون : ( 43 ) ما تسبق من . . . . .
فأهلكناهم بالعذاب في الدنيا ) ما تسبق من أمة
أجلها وما يستئخرون ) [ آية : 43 ] عنه .
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 45 - 54 ] .
المؤمنون : ( 44 ) ثم أرسلنا رسلنا . . . . .
) ثم أرسلنا رسلنا تترا ( يعنى الأنبياء ، تترا : بعضهم على أثر بعض ) كل ما جاء أمة رسولها كذبوه ( فلم يصدقوه ) فأتبعنا بعضهم بعضا ( في العقوبات ) وجعلنهم أحاديث (
لمن بعدهم من الناس يتحدثون بأمرهم وشأنهم ) فبعدا ( في الهلاك ) لقوم لا يؤمنون (
[ آية : 44 ] يعنى لا يصدقون بتوحيد الله ، عز وجل .
المؤمنون : ( 45 ) ثم أرسلنا موسى . . . . .
) ثم أرسلنا موسى وأخاه هرون بئايتا وسلطن مبين ) [ آية : 45 ]
المؤمنون : ( 46 ) إلى فرعون وملئه . . . . .
) إلى فرعون
وملإيه ( يعنى حجة بينة ) فاستكبروا ( يعنى فتكبروا عن الإيمان بالله ، عز وجل ، ) وكانوا قوما عالين ) [ آية : 46 ] يعنى متكبرين عن توحيد الله .(2/397)
صفحة رقم 398
المؤمنون : ( 47 ) فقالوا أنؤمن لبشرين . . . . .
) فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ( يعنى أنصدق إنسانين مثلنا ليس لهما علينا فضل
) وقومهما ( يعنى بني إسرائيل ) لنا عابدون ) [ آية : 47 ] ،
المؤمنون : ( 48 ) فكذبوهما فكانوا من . . . . .
) فكذبوهما فكانوا من المهلكين ) [ آية : 48 ] بالغرق
المؤمنون : ( 49 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد ءاتينا موسى الكتاب ( يعنى التوراة ) لعلهم يهتدون ) [ آية : 49 ] من الضلالة ، يعنى بني إسرائيل ، لأن التوراة نزلت بعد هلاك
فرعون وقومه .
المؤمنون : ( 50 ) وجعلنا ابن مريم . . . . .
قوله عز وجل : ( وجعلنا ابن مريم وأمه ( يعنى عيسى وأمه مريم ، عليهما السلام ،
)( ءاية ( يعنى عبرة لبني إسرائيل ، لأن مريم حملت من غير بشر ، وخلق ابنها من غير
أب ، ) وءاويناهما ( من الأرض المقدسة ) إلى ربوة ( يعنى الغوطة من أرض الشام
بدشق ، يعنى بالربوة المكان المرتفع من الأرض ) ذات قرار ( يعنى استواء ) ومعين (
[ آية : 50 ] يعنى الماء الجاري .
المؤمنون : ( 51 ) يا أيها الرسل . . . . .
) يا أيها الرسل ( يعنى محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) كلوا من الطيبات ( الحلال من الرزق ) واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) [ آية : 51 ]
المؤمنون : ( 52 ) وإن هذه أمتكم . . . . .
) وإن هذه أمتكم أمة واحدة ( يقول : هذه
ملتكم التي أنتم عليها ، يعنى ملة الإسلام ، ملة واحدة ، عليها كانت الأنبياء ، عليهم
السلام ، والمؤمنون الذين نجوا من العذاب ، الذين ذكرهم الله ، عز وجل ، في هذه السورة ،
ثم قال سبحانه : ( وأنا ربكم فاتقون ) [ آية : 52 ] يعنى فاعبدون بالإخلاص .
المؤمنون : ( 53 ) فتقطعوا أمرهم بينهم . . . . .
) فتقطعوا أمرهم بينهم ( يقول : فارقوا دينهم الذي أمروا به فيما بينهم ، ودخلوا في
غيره ) زبرا ( يعنى قطعاً ، كقوله : ( آتوني زبر الحديد ) [ الكهف : 96 ] يعنى قطع
الحديد ، يعنى فرقاً فصاروا أحزاباً يهوداً ، ونصارى ، وصابئين ، ومجوساً ، وأصنافاً شتى
كثيرة ، ثم قال سبحانه : ( كل حزب بما لديهم فرحون ) [ آية : 53 ] يقول : كل أهل بما
عندهم من الدين راضون به .
المؤمنون : ( 54 ) فذرهم في غمرتهم . . . . .
ثم ذكر كفار مكة ، فقال تعالى للبني ( صلى الله عليه وسلم ) : ( فذرهم في غمرتهم حتى حين ) [ آية : 54 ]
يقول : خل عنهم في غفلتهم إلى أن أقتلهم ببدر .
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 55 - 64 ] .(2/398)
صفحة رقم 399
المؤمنون : ( 55 ) أيحسبون أنما نمدهم . . . . .
ثم قال سبحانه : ( أيحسبون أنما نمدهم به ( يعنى نعطيهم ) من مال وبنين ) [ آية :
55 ]
المؤمنون : ( 56 ) نسارع لهم في . . . . .
) نسارع لهم في الخيرات ( يعنى المال والولد لكرامتهم على الله ، عز وجل ، يقول :
( بل لا يشعرون ) [ آية : 56 ] أن الذي أعطاهم من المال والبنين هو شر لهم : ( إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ) [ آل عمران : 178 ] .
المؤمنون : ( 57 ) إن الذين هم . . . . .
ثم ذكر المؤمنين ، فقال سبحانه : ( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ) [ آية : 57 ]
يعنى من عذابه
المؤمنون : ( 58 ) والذين هم بآيات . . . . .
) والذين هُم بئايت ربهم يؤمنون ) [ آية : 58 ] يعنى هم يصدقون بالقرآن
أنه من الله ، عز وجل ، ث
المؤمنون : ( 59 ) والذين هم بربهم . . . . .
م قال تعالى : ( والذين هم بربهم لا يشركون ) [ آية : 59 ] معه غيره
ولكنهم يوحدون ربهم .
المؤمنون : ( 60 ) والذين يؤتون ما . . . . .
) والذين يؤتون ما ءاتوا ( يعنى يعطون ما أعطوا من الصدقات والخيرات ) وقلوبهم وجلة ( يعنى خائفة لله من عذابه ، يعلمون ) أنهم إلى ربهم راجعون ) [ آية : 60 ] في
الآخرة ، فيعملون على علم ، فيجزيهم بأعمالهم ، فكذلك المؤمن ينفق ويتصدق وجلا من
خشية الله ، عز وجل ،
المؤمنون : ( 61 ) أولئك يسارعون في . . . . .
ثم نعتهم فقال : ( أولئك يسارعون في الخيرات ( يعنى يسارعون
في الأعمال الصالحة التي ذكرها لهم في هذه الآية ) وهم لها سابقون ) [ آية : 61 ]
الخيرات التي يسارعون إليها .
المؤمنون : ( 62 ) ولا نكلف نفسا . . . . .
) ولا نكلف نفسا إلا وسعها ( يقول : لا نكلف نفساً من العمل إلا ما أطاقت ،
)( ولدينا ( يعنى وعندنا ) كتاب ( يعنى أعمالهم التي يعملون في اللوح المحفوظ
) ينطق بالحق وهم لا يظلمون ) [ آية : 62 ] في أعمالهم
المؤمنون : ( 63 ) بل قلوبهم في . . . . .
) بل قلوبهم ( يعنى الكفار ) في غمرة من هذا ( يقول : في غفلة من إيمان بهذا القرآن ) ولهم أعمال من دون ذلك ( يقول :
لهم أعمال خبيثة دون الأعمال الصالحة ، يعنى غير الأعمال الصالحة التي ذكرت عن
المؤمنين في هذه الآية ، وفي الآية الأولى ، ) هم لها عاملون ) [ آية : 63 ] يقول : هم لتلك(2/399)
صفحة رقم 400
الأعمال الخبيثة عاملون ، التي هي في اللوح المحفوظ أنهم سيعملونها ، لا بد لهم من أن
يعملوها .
المؤمنون : ( 64 ) حتى إذا أخذنا . . . . .
) حتى إذا أخذنا مترفيهم ( يعنى أغنياءهم وجبابرتهم ) بالعذاب ( يعنى القتل ببدر
) إِذا هُم يجئرونَ ) [ آية : 64 ] إذا هم يضجون إلى الله ، عز وجل ، حين نزل بهم
العذاب ،
المؤمنون : ( 65 ) لا تجأروا اليوم . . . . .
يقول الله عز وجل : ( لاَ تجئروا اليوم ( لا تضجوا اليوم ) إنكم منا لا تنصرون (
[ آية : 65 ] يقول : لا تمنعون منا ، حتى تعذبوا بعد القتل ببدر .
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 66 - 73 ] .
المؤمنون : ( 66 ) قد كانت آياتي . . . . .
) قد كانت ءاياتي ( يعنى القرآن ) تتلى عليكم ( يعنى على كفار مكة ) فكنتم على أعقابكم تنكصون ) [ آية : 66 ] يعنى تتأخرون عن إيمان به ، تكذيباً بالقرآن ،
المؤمنون : ( 67 ) مستكبرين به سامرا . . . . .
ثم نعتهم
فقال سبحانه : ( مستكبرين به ( يعنى آمنين بالحرم بأن لهم البيت الحرام ) سامرا (
بالليل إضمار في الباطل ، وأنتم آمنون فيه ، ثم قال : ( تهجرون ) [ آية : 67 ] القرآن
فلا تؤمنون به ، نزلت في الملأ من قريش الذين مشوا إلى أبي طالب .
المؤمنون : ( 68 ) أفلم يدبروا القول . . . . .
) أفلم يدبروا القول ( يعنى أفلم يستمعوا القرآن ) أَم جاءهم ما لم يأتِ ءابائهم الأولينَ (
[ آية : 68 ] يقول : قد جاء أهل مكة النذر ، كما جاء آباءهم وأجدادهم الأولين ،
المؤمنون : ( 69 ) أم لم يعرفوا . . . . .
) أم لم يعرفوا رسولهم ( يعنى محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) بوجهه ونسبه ) فهم له منكرون ) [ آية : 69 ] فلا
يعرفونه ، بل يعرفونه
المؤمنون : ( 70 ) أم يقولون به . . . . .
) أم يقولون به جنة ( قالوا : إن بمحمد جنوناً ، يقول الله ، عز
وجل : ( بل جاءهم ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) بالحق ( يعنى بالتوحيد ) وأكثرهم للحق ( يعنى
التوحيد ) كارهون ) [ آية : 70 ] .(2/400)
صفحة رقم 401
المؤمنون : ( 71 ) ولو اتبع الحق . . . . .
يقول الله ، عز وجل : ( ولو اتبع الحق أهواءهم ( يعنى لو اتبع الله أهواء كفار
مكة ، فجعل مع نفسه شريكاً ) لفسدت ( يعنى لهلكت ) السماوات والأرض ومن فيهن ( من الخلق ) بل أتيناهم بذكرهم ( يعنى بشرفهم يعنى القرآن ) فهم عن ذكرهم معرضون ) [ آية : 71 ] يعنى القرآن معرضون عنه فلا يؤمنون به .
المؤمنون : ( 72 ) أم تسألهم خرجا . . . . .
) أم تسألهم ( يا محمد ) خرجا ( أجراً على الإيمان بالقرآن ) فخراج ربك ( يعنى
فأجر ربك ) خير ( يعنى أفضل من خراجهم ) وهو خير الرازقين ) [ آية : 72 ]
المؤمنون : ( 73 ) وإنك لتدعوهم إلى . . . . .
) وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ) [ آية : 73 ] يعنى الإسلام لا عوج فيه .
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 74 - 79 ] .
المؤمنون : ( 74 ) وإن الذين لا . . . . .
) وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة ( يعنى لا يصدقون بالبعث ) عن الصراط لناكبون (
[ آية : 74 ] يعنى عن الدين لعادلون .
المؤمنون : ( 75 ) ولو رحمناهم وكشفنا . . . . .
) ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ( يعنى الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين ،
لقولهم في حم الدخان : ( ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ) [ الدخان : 12 ]
فليس قولهم باستكانة ولا توبة ، ولكنه كذب منهم كما كذب فرعون وقومه حين قالوا
لموسى : ( لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ) [ الأعراف : 134 ] . فأخبر الله ، عز
وجل ، عن كفار مكة ، فقال سبحانه : ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ( ) للجوا في طغيانهم يعمهون ) [ آية : 75 ] يقول : لتمادوا في ضلالتهم يترددون فيها وما آمنوا .
المؤمنون : ( 76 ) ولقد أخذناهم بالعذاب . . . . .
ثم قال تعالى : ( ولقد أخذناهم بالعذاب ( يعنى الجوع ) فما استكانوا لربهم ( يقول :
فما استسلموا ، يعنى الخضوع لربهم ) وما يتضرعون ) [ آية : 76 ] يعنى وما كانوا
يرغبون إلى الله ، عز وجل ، في الدعاء .
المؤمنون : ( 77 ) حتى إذا فتحنا . . . . .
) حتى إذا فتحنا ( يعنى أرسلنا ) عليهم بابا ذا عذاب شديد ( يعنى الجوع ) إذا هم فيه مبلسون ) [ آية : 77 ] يعنى آيسين من الخير والرزق نظيرها في سورة الروم .(2/401)
صفحة رقم 402
المؤمنون : ( 78 ) وهو الذي أنشأ . . . . .
) وهو الذي أنشأ لكم ( يعنى خلق لكم ) السمع والأبصار والأفئدة ( يعنى القلوب
فهذا من النعم ) قليلا ما تشكرون ) [ آية : 78 ] يعنى بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه
النعم فيوحدونه ،
المؤمنون : ( 79 ) وهو الذي ذرأكم . . . . .
) وهو الذي ذرأكم ( يعنى خلقكم ) في الأرض وإليه تحشرون ) [ آية :
79 ] في الآخرة .
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 80 - 89 ] .
المؤمنون : ( 80 ) وهو الذي يحيي . . . . .
) وهو الذي يحي ( الموتى ) ويميت ( الأحياء ) وَله اختلافُ اليل والنهار أفلا
تعقلونَ ) [ آية : 80 ] توحيد ربكم فيما ترون من صنعه فتعتبرون ،
المؤمنون : ( 81 ) بل قالوا مثل . . . . .
) بل قالوا مثل ما قال الأولون ) [ آية : 81 ] يعنى كفار مكة ، قالوا مثل قول الأمم الخالية
المؤمنون : ( 82 ) قالوا أئذا متنا . . . . .
) قالوا أَءذا
متنا وكنا تُراباً وعظاماً أءنا لمبعوثونَ ) [ آية : 82 ] قالوا ذلك تعجباً وجحداً ، وليس
باستفهام .
المؤمنون : ( 83 ) لقد وعدنا نحن . . . . .
نزلت في آل طلحة بن عبد العزى منهم : شيبة ، وطلحة ، وعثمان ، وأبو سعيد
ومشافع ، وأرطأة ، وابن شرحبيل ، والنضر بن الحارث ، وأبو الحارث بن علقمة ، ) لقد
وعدنا نحنُ وءاباؤنا هذا من قبل ( يعنى البعث ) إن هذا ( الذي يقول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا أساطير الأولين ) [ آية : 83 ] يعنى أحاديث الأولين وكذبهم
المؤمنون : ( 84 ) قل لمن الأرض . . . . .
) قل ( لكفار مكة :
( لمن الأرض ومن فيها ( من الخلق ، حين كفروا بتوحيد الله ، عز وجل ، ) إن كنتم تعلمون ) [ آية : 84 ] خلقهما
المؤمنون : ( 85 ) سيقولون لله قل . . . . .
) سيقولون لله قل أفلا تذكرون ) [ آية : 85 ] في توحيد
الله ، عز وجل ، فتوحدونه .
المؤمنون : ( 86 ) قل من رب . . . . .
) قل ( لهم : ( من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ) [ آية : 86 ]
المؤمنون : ( 87 ) سيقولون لله قل . . . . .
) سيقولون لله قل أفلا تتقون ) [ آية : 87 ] يعنى أفلا تعبدون الله ، عز وجل ،(2/402)
صفحة رقم 403
المؤمنون : ( 88 ) قل من بيده . . . . .
) قل من بيده ملكوت ( يعنى خلق ) كل شيءٍ وهو يجير ولا يُجارُ عليه ( يقول :
يؤمن ولا يؤمن عليه أحد ) إن كنتم تعلمون ) [ آية : 88 ]
المؤمنون : ( 89 ) سيقولون لله قل . . . . .
) سيقولون لله قل فأنى تسحرون ) [ آية : 89 ] قل فمن أين سحرتم فأنكرتم أن الله تعالى واحد لا شريك له ،
وأنتم مقرون بأنه خلق الأشياء كلها ، فأكذبهم الله ، عز وجل ، حين أشركوا به ،
المؤمنون : ( 90 ) بل أتيناهم بالحق . . . . .
فقال
سبحانه : ( بل أتيناهم بالحق ( يقول : بل جئناهم بالتوحيد ) وإنهم لكاذبون ) [ آية :
90 ] .
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 91 - 100 ] .
المؤمنون : ( 91 ) ما اتخذ الله . . . . .
في قولهم إن الملائكة بنات الله ، عز وجل ، يقول الله تعالى : ( ما اتخذ الله من ولد (
يعنى الملائكة ) وما كان معه من إله ( يعنى من شريك ، فلو كان معه إله ) إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ( كفعل ملوك الدنيا يلتمس بعضهم قهر
بعض ، ثم نزه الرب نفسه ، جل جلاله ، عن مقالتهم فقال تعالى : ( سبحان الله عما يصفون ) [ آية : 91 ] يعنى عما يقولون بأن الملائكة بنات الرحمن
المؤمنون : ( 92 ) عالم الغيب والشهادة . . . . .
) عالم الغيب والشهادة ( يعنى غيب ما كان ، وما يكون ، والشهادة ) فتعالى ( يعنى فارتفع ) عما يشركون ) [ آية : 92 ] لقولهم الملائكة بنات الله
المؤمنون : ( 93 ) قل رب إما . . . . .
) قل رب إما تريني ما يوعدون (
[ آية : 93 ] من العذاب ، يعنى القتل ببدر ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أراد أن يدعو على كفار
مكة ،
المؤمنون : ( 94 ) رب فلا تجعلني . . . . .
ثم قال : ( رب فلا تجعلني في القوم الظالمين ) [ آية : 94 ]
المؤمنون : ( 95 ) وإنا على أن . . . . .
) وإنا على أن نريك ما نعدهم ( من العذاب ) لقدرون ) [ آية : 95 ] ،
المؤمنون : ( 96 ) ادفع بالتي هي . . . . .
ثم قال الله عز وجل يعزي نبيه ( صلى الله عليه وسلم )
ليصبر على الأذى : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة ( نزلت في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) نحن أعلم بما يصفون ) [ آية : 96 ] من الكذب .
المؤمنون : ( 97 ) وقل رب أعوذ . . . . .
ثم أمره أن يتعوذ من الشيطان ، فقال تعالى : ( وَقُل رب أَعوذ بك من همزاتِ(2/403)
صفحة رقم 404
الشياطين ) [ آية : 97 ] يعنى الشياطين في أمر أبي جهل ،
المؤمنون : ( 98 ) وأعوذ بك رب . . . . .
) وَأَعوذُ بك رب أن
يحضرون ) [ آية : 98 ]
المؤمنون : ( 99 ) حتى إذا جاء . . . . .
) حتى إذا جاء أحدهم الموت ( يعنى الكفار ) قال رب ارجعون (
[ آية : 99 ] إلى الدنيا حين يعاين ملك الموت يؤخذ بلسانه ، فينظر إلى سيئاته قبل الموت ،
فلما هجم على الخزي سأل الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحاً فيما ترك ، فذلك قوله
سبحانه : ( رب ارجعون ( إلى الدنيا
المؤمنون : ( 100 ) لعلي أعمل صالحا . . . . .
) لعلي ( يعنى لكي ) أعمل صالحاً فيما تركت (
من العمل الصالح ، يعنى الإيمان ، يقول عز وجل : ( كلا ( لا يرد إلى الدنيا .
ثم استأنف فقال : ( إنها كلمةُ هو قائلها ( يعنى بالكلمة قوله : ( رب ارجعونِ ( ،
ثم قال سبحانه : ( ومن ورائهم برزخُ ( يعنى ومن بعد الموت أجل ) إِلى يوم يبعثونَ (
[ آية : 100 ] يعنى يحشرون بعد الموت .
تفسير سورة المؤمنون من الآية [ 101 - 111 ]
المؤمنون : ( 101 ) فإذا نفخ في . . . . .
) فإذا نفخ في الصور ( يعنى النفخة الثانية ) فَلا أنساب بينهم ( يعنى لا نسبة بينهم
عم ، وابن عم ، وأخ ، وابن أخ ، وغيره ، ) يومئذٍ ولا يتساءلون ) [ آية : 101 ] يقول :
ولا يسأل حميم حميماً
المؤمنون : ( 102 ) فمن ثقلت موازينه . . . . .
) فمن ثقلت موازينهُ ( بالعمل الصالح ، يعنى المؤمنين ) فأُولئك هم
المُفلحونَ ) [ آية : 102 ] يعنى الفائزين .
المؤمنون : ( 103 ) ومن خفت موازينه . . . . .
) ومن خفت موازينه ( يعنى الكفار ) فَأُولئكَ الذين خسروا ( يعنى غبنوا
) أنفسهم في جهنم خالدونَ ) [ آية : 103 ] لا يموتون
المؤمنون : ( 104 ) تلفح وجوههم النار . . . . .
) تلفح ( يعنى تنفخ ) وجوههم
النار وهم فيها كلحونَ ) [ آية : 104 ] عابسين شفته العليا قالصة لا تغطي أنيابه ، وشفته
السفلى تضرب بطنه ، وثناياه خارجة من فيه بين شفتيه أربعون ذراعاً ، بذراع الرجل
الطويل من الخلق الأول كل ناب له مثل أحد .
المؤمنون : ( 105 ) ألم تكن آياتي . . . . .
يقال لكفار مكة : ( أَلم تكن ءايتي تُتلى(2/404)
صفحة رقم 405
عليكم ( يقول : ألم يكن القرآن يقرأ عليكم في أمر هذا اليوم ، وما هو كائن فيكم ،
)( فكنتم بها تكذبونَ ) [ آية : 105 ] نظيرها في الزمر .
المؤمنون : ( 106 ) قالوا ربنا غلبت . . . . .
) قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ( التي كتبت علينا ) وكنا قوماً ضالين ) [ آية :
106 ] عن الهدى ،
المؤمنون : ( 107 ) ربنا أخرجنا منها . . . . .
ثم قالوا : ( ربنا أخرجنا منها ( يعنى من النار ) فَإن عُدنا ( إلى الكفر
والتكذيب ) فإنا ظالمونَ ) [ آية : 107 ]
المؤمنون : ( 108 ) قال اخسؤوا فيها . . . . .
ثم رد مقدار الدنيا منذ خلقت إلى أن تفنى
سبع مرات ) قال اخسئوا فيها ( يقول : اصغروا في النار ) ولاَ تكلمونَ ) [ آية :
108 ] فلا يتكلم أهل النار بعدها أبداً غير أن لهم زفيراً أول نهيق الحمار ، وشهيقاً آخر
نهيق الحمار ،
المؤمنون : ( 109 ) إنه كان فريق . . . . .
ثم قال عز وجل : ( إِنهُ كان فريقٌ من عبادي ) ) المؤمنين ( ( يقولونَ ربنا
ءامنا ( يعنى صدقنا بالتوحيد ) فاغفر لنا وارحمنا وأنت خيرُ الراحمين ) [ آية : 109 ] .
المؤمنون : ( 110 ) فاتخذتموهم سخريا حتى . . . . .
) فاتخذتموهم سخريا ( وذلك أن رءوس كفار قريش المستهزئين : أبا جهل ، وعتبة ،
والوليد ، وأمية ، ونحوهم ، اتخذوا فقراء أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سخرياً يستهزءون بهم ،
ويضحكون من خباب ، وعمار ، وبلال ، وسالم مولى أبي حذيفة ، ونحوهم من فقراء
العرب ، فازدروهم ، ثم قال : ( حتى أنسوكم ذكري ( حتى ترككم الاستهزاء بهم عن
الإيمان بالقرآن ) وكنتم منهم ( يا معشر كفار قريش من الفقراء ) تضحكونَ ) [ آية :
110 ] استهزاء بهم نظيرها في ص ،
المؤمنون : ( 111 ) إني جزيتهم اليوم . . . . .
يقول الله عز وجل : ( إني جزيتهم اليوم ) ) في الآخرة ( ( بما صبروا ( على الأذى والاستهزاء ، يعنى الفقراء من العرب والموالى ) أَنهم
هم الفائزونَ ) [ آية : 111 ] يعنى هم الناجون .
تفسير سورة المؤمنون من الآية : [ 112 - 118 ] .
المؤمنون : ( 112 ) قال كم لبثتم . . . . .
) قل ( عز وجل للكفار : ( كم لبثتم في الأرض ( في الدنيا ، يعنى في القبور
) عدد سنينَ ) [ آية : 112 ]
المؤمنون : ( 113 ) قالوا لبثنا يوما . . . . .
) قالوا لبثنا يوماً أو بعض يومٍ ( استقلوا ذلك يرون أنهم لم(2/405)
صفحة رقم 406
يلبثوا في قبورهم إلا يوماً أو بعض يوم ، ثم قال الكفار لله تعالى أو لغيره : ( فسئل
العادينَ ) [ آية : 113 ] يقول : فسل الحساب ، يعنى ملك الموت وأعوانه .
المؤمنون : ( 114 ) قال إن لبثتم . . . . .
) قال إن لبثتم ( في القبور ) إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ) [ آية : 114 ] إذا
لعلمتم أنكم لم تلبثوا إلا قليلاً ، ولكنكم لا تعلمون كم لبثتم في القبور يقول الله ، عز
وجل :
المؤمنون : ( 115 ) أفحسبتم أنما خلقناكم . . . . .
) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ( يعنى لعباً وباطلاً لغير شيء ، أن لا تعذبوا إذا
كفرتم ) و ( حسبتم ) وأنكم إلينا لا ترجعون ) [ آية : 115 ] في الآخرة
المؤمنون : ( 116 ) فتعالى الله الملك . . . . .
) فتعالى الله ( يعنى ارتفع الله ، عز وجل ، ) الملك الحق ( أن يكون خلق شيئاً عبساً ما خلق
شيئاً إلا لشيء يكون ، لقولهم أن معه إلهاً ، ثم وحد الرب نفسه تبارك وتعالى ، فقال :
( لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) [ آية : 116 ] .
المؤمنون : ( 117 ) ومن يدع مع . . . . .
) ومن يدع مع الله ( يعنى ومن يصف مع الله ) إِلهاً ءاخر لا برهان له به ( يعنى لا
حجة له بالكفر ، ولا عذر يوم القيامة ، نزلت في الحارث بن قيس السهمي أحد
المستهزئين ) فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ) [ آية : 117 ] يقول :
جزاء الكافرين ، أنه لا يفلح يعنى لا يسعد في الآخرة عند ربه ، عز وجل ،
المؤمنون : ( 118 ) وقل رب اغفر . . . . .
) وقل رب اغفر ( الذنوب ) وارحم وأَنت خيرُ الرحمين ) [ آية : 118 ] من غيرك يقول : من كان
يرحم أحداً ، فإن الله عز وجل بعباده أرحم ، وهو خير ، يعنى أفضل رحمة من أولئك
الذين لا يرحمون .(2/406)
صفحة رقم 407
( سورة النور )
مقدمة
( مدنية وهي أربع وستون آية كوفية )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة النور من الآية : [ 1 - 9 ] .
النور : ( 1 ) سورة أنزلناها وفرضناها . . . . .
) سورة ( يريد فريضة وحكم ) أنزلناها وفرضناها ( يعنى وبيناها ) وأَنزلنا فيها ءايات
بيناتٍ ( يعنى عز وجل آيات القرآن بينات ، يعنى واضحات ، يعنى حدوده تعالى وأمره
ونهيه ، ) لعلكم ( يعنى لكي ) تذكرون ) [ آية : 1 ] ، فتتبعون ما فيه من الحدود والنهي .
النور : ( 2 ) الزانية والزاني فاجلدوا . . . . .
) الزانية والزاني ( إذا لم يحصنا ) فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ( يجلد الرجل على
بشرته وعليه إزار ، وتجلد المرأة جالسة عليها درعها ) ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله (
يعنى رقة في أمر الله ، عز وجل ، من تعطيل الحدود عليهما ، ) إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ( الذي فيه جزاء الأعمال ، فلا تعطلوا الحد ، ) وليشهد عذابهما ( يعنى جلدهما(2/407)
صفحة رقم 408
) طائفة من المؤمنين ) [ آية : 2 ] يعنى رجلين فصاعدا ، يكون ذلك نكالا لهما وعظه
للمؤمنين .
النور : ( 3 ) الزاني لا ينكح . . . . .
قال الفراء : الطائفة الواحد فما فوقه ) الزاني ( من أهل الكتاب ) لا ينكح إلا زانية ( من أهل الكتاب ، ) أو ( ينكح ) مشركة ( من غير أهل الكتاب من العرب ،
يعنى الولائد اللاتي يزنين بالأجر علانية منهن أم شريك جارية عمرو بن عمير
المخزومي ، وأم مهزول جارية بن أبي السائب بن عايذ ، وشريفة جارية زمعة بن الأسود ،
وجلالة جارية سهيل بن عمرو ، وقريبة جارية هشام بن عمرو ، وفرشي جارية عبد الله
ابن خطل ، وأم عليط جارية صفوان بن أمية ، وحنة القبطية جارية عبد الله بن خطل ، وأم
عليط جارية صفوان بن أمية ، وحنة القبطية جارية العاص بن وائل ، وأميمة جارية عبد
الله بن أبي ، ومسيكة بنت أمية جارية عبد الله بن نفيل ، كل امرأة منهن رفعت علامة
على بابها ، كعلامة البيطار ليعرف أنها زانية ، وذلك أن نفراً من المؤمنين سألوا النبي ( صلى الله عليه وسلم )
عن تزويجهن بالمدينة ، قالوا : إئذن لنا في تزويجهن ، فإنهن أخصب أهل المدينة وأكثر
خيراً ، والمدينة غالية السعر ، والخبز بها قليل ، وقد أصابنا الجهد ، فإذا جاء الله ، عز وجل ،
بالخير طلقناهن وتزوجنا المسلمات ، فأنزل الله عز وجل : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ( ) والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك ( يقول : وحرم تزويجهن ) على المؤمنين ) [ آية : 3 ] .
النور : ( 4 ) والذين يرمون المحصنات . . . . .
) والذين يرمون المحصنات ( يعنى نساء المؤمنين بالزنا ) ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ( من
الرجال على قولهم ) فاجلدوهم ثمانين جلدة ( يجلد بين الضربين على ثيابه ) ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ( ما دام حياً ) وأولئك هم الفاسقون ) [ آية : 4 ] يعنى العاصين في مقالتهم .
النور : ( 5 ) إلا الذين تابوا . . . . .
ثم استثنى ، فقال : ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك ( يعنى بعد الرمي ) وأصلحوا ( العمل
فليسوا بفساق ) فإن الله غفور ( لقذفهم ) رحيم ) [ آية : 5 ] بهم فقرأ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هاتين
الآيتين في خطبة يوم الجمعة ، فقال عاصم بن عدي الأنصاري للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : جعلني الله
فداك ، لو أن رجلاً منا وجد على بطن امرأته رجلاً ، فتكلم جلد ثمانين جلدة ، ولا تقبل
له شهادة في المسلمين أبداً ، ويسميه المسلمون فاسقاً ، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة
شهداء ، إلى أن تلتمس أحدنا أربعة شهداء فقد فرغ الرجل من حاجته ،
النور : ( 6 ) والذين يرمون أزواجهم . . . . .
فأنزل الله عز
وجل في قوله : ( والذين يرمون أزواجهم ( بالزنا ) ولم يكن لهم شهداء إِلا أَنفسهم فشهادة(2/408)
صفحة رقم 409
أَحدهم ( يعنى الزوج ) أَربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ) [ آية : 6 ] إلى ثلاث آيات ،
فابتلى الله ، عز وجل ، عاصماً بذلك في يوم الجمعة الأخرى ، فأتاه ابن عمه عويمر
الأنصاري من بني العجلان بن عمرو بن عوف ، وتحته ابنة عمه أخي أبيه ، فرماها بابن
عمه شريك بن السحماء ، والخليل والزوج والمرأة كلهم من بني عمرو بن عوف ، وكلهم
بنو عم عاصم ، فقال : يا عاصم ، لقد رأيت شريكاً على بطن امرأتي ، فاسترجع عاصم ،
فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : أرأيت سؤالي عن هذه والذين يرمون أزواجهم ، فقد ابتليت بها في
أهل بيتي ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' وما ذاك يا عاصم ' فقال : أتاني ابن عمي فأخبرني أنه وجد
ابن عم لنا على بطن امرأته ، فأرسل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الزوج والخليل والمرأة ، فأتوه فقال النبي
( صلى الله عليه وسلم ) لزوجها عويمر : ' ويحك اتق الله ، عز وجل ، في خليلتك وابنة عمك أن تقذفها
بالزنا ' . فقال الزوج : أقسم لك بالله ، عز وجل ، إني رأيته معها على بطنها ، وإنها لحبلى
منه ، وما قربتها منذ أربعة أشهر .
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للمرأة - خولة بنت قيس الأنصارية - : ' ويحك ما يقول زوجك ' ،
قالت : أحلف بالله إنه لكاذب ، ولكنه غار ، ولقد رآني معه نطيل السمر بالليل ، والجلوس
بالنهار ، فما رأيت ذلك في وجهه ، وما نهاني عنه قط ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للخليل : ' ويحك
ما يقول ابن عمك ' فحدثه مثل قولها ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للزوج والمرأة : ' قوماً فأحلفا
بالله ، عز وجل ' ، فقام الزوج عند المنبر دبر صلاة العصر يوم الجمعة ، وهو عويمر بن أمية ،
فقال : أشهد بالله أن فلانة زانية ، يعنى امرأته خولة ، وإني لمن الصادقين ، ثم قال الثانية :
أشهد بالله أن فلانة زانية ، ولقد رأيت شريكاً على بطنها ، وإني لمن الصادقين ، ثم قال
الثالثة : أشهد بالله أن فلانة زانية ، وأنها لحبلى من غيري ، وإني لمن الصادقين ، ثم قال في
الرابعة : أشهد بالله أن فلانة زانية ، وما قربتها منذ أربعة أشهر ، وإني لمن الصادقين ، ثم
قال الخامسة : لعنة الله على عويمر ، إن كان من الكاذبين عليها في قوله .
النور : ( 7 ) والخامسة أن لعنة . . . . .
) والخامسة أَن
لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ) [ آية : 7 ] .(2/409)
صفحة رقم 410
ثم قامت خولة بنت قيس الأنصاري مقام زوجها ، فقالت : أشهد بالله ما أنا بزانية
وإن زوجي لمن الكاذبين ، ثم قالت : الثانية : أشهد بالله ما أنا بزانية ، وما رأى شريكاً على
بطني ، وإن زوجي لمن الكاذبين ، ثم قالت الثالثة : أشهد بالله ما أنا بزانية ، وإني لحبلى منه
وإنه لمن الكاذبين ، ثم قالت الرابعة : أشهد بالله ما أنا بزانية ، وما رأى على من ريبة ولا
فاحشة ، وإن زوجي لمن الكاذبين ، ثم قالت الخامسة : غضب الله على خولة إن كان
عويمراً من الصادقين في قوله : ففرق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بينهما .
النور : ( 8 ) ويدرأ عنها العذاب . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( ويدرؤا عنها العذاب ( يقول : يدفع عنها الحد لشهادتها بعد
) أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ) [ آية : 8 ]
النور : ( 9 ) والخامسة أن غضب . . . . .
) والخامسة أن غضب الله عليها إن كان ( زوجها ) من الصادقين ) [ آية : 9 ] في قوله ، وكان الخليل رجلاً أسود ابن
حبشية ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' إذا ولدت فلا ترضع ولدها حتى تأتوني به ' ، فأتوه بولدها ،
فإذا هو أشبه الناس بالخليل ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لولا الأيمان ، لكان لي فيهما أمر ' .
والمتلاعنان يفترقان فلا يجتمعان أبداً ، وإن صدقت زوجها لم يتلاعنا ، فإن كان زوجها
جامعها بعد الدخول بها رجمت ويرثها زوجها ، وإن كان لم يجمعها جلدت مائة وهي
امرأته ، وإن كان الزوج رجع عن قوله قبل أن يفرغا من الملاعنة جلد ثمانين جلدة
وكانت امرأته كما هي .
تفسير سورة النور من الآية : [ 10 - 18 ] .(2/410)
صفحة رقم 411
النور : ( 10 ) ولولا فضل الله . . . . .
ثم قال الله عز وجل : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( يعنى ونعمته لأظهر المريب
يعنى الكاذب منهما ، ثم قال : ( وأن الله تواب ( على التائب ) حكيم ) [ آية : 10 ]
حكم الملاعنة ،
النور : ( 11 ) إن الذين جاؤوا . . . . .
ثم قال عز وجل : ( إن الذين جاءو بالإفك ( يعنى بالكذب ) عصبة منكم ( وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انطلق غازياً ، وانطلقت معه عائشة بنت أبي بكر ، رضي الله عز وجل عنهما ، زوج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ومع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذ رفيق له ، يقال له : صفوان بن معطل ، من
بني سليم ، وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا سار ليلاً مكث صفوان في مكانه ، حتى يصبح ، فإن
سقط من المسلمين شيء من متاعهم حمله إلى العسكر فعرفه ، فإذا جاء صاحبه دفعه إليه ،
وأن عائشة ، رضي الله عنهما ، لما نودي بالرحيل ذات ليلة ركبت الرحل ، فدخلت
هودجها ، ثم ذكرت حلياً كان لها نسيته في المنزل ، فنزلت لتأخذ الحلى ، ولا يشعر بها
صاحب البعير ، فانبعث فسار مع المعسكر ، فلما وجدت عائشة ، رضي الله عنهما ، حليها ،
وكان جزعاً ظفارياً لا ذهب فيه ، ولا فضة ، ولا جوهر ، فإذا البعير قد ذهب ، فجعلت
تمشي على إثره وهي تبكي ، وأصبح صفوان بن المعطل في المنزل ، ثم سار في أثر النبي
( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ، فإذا هو بعائشة ، رضي الله عنها ، قد غطت وجهها تبكي ، فقال صفوان :
من هذا ؟ فقالت : أنا عائشة ، فاسترجع ونزل عن بعيره ، وقال : ما شأنك يا أم المؤمنين ؟
فحدثته بأمر الحلى فحملها على بعيره ، ونزل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ففقد عائشة ، رضي الله عنها ، فلم
يجدها فلبثوا ما شاء الله ، ثم جاء صفوا وقد حملها على بعيره ، فقذفها عبد الله بن أبي
وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف ، وحمنة بنت
جحش أخت عبد الله بن جحش الأسدي .
يقول الله تعالى : ( لا تحسبوه شرا لكم ( لأنكم تؤجرون على ما قد قيل لكم من
الأذى ) بل هو خير لكم ( حين أمرتم بالتثبت والغطة ) لكل امرى منهم ما اكتسب من
الإثم ( على قدر ما خاص فيه من أمر عائشة ، رضي الله عنها ، وصفوان بن المعطل
السلمي ، ) والذي تولى كبره منهم ( يعنى عظمة منهم ، يعنى من العصبة ، وهو عبد الله
ابن أبي رأس المنافقين ، وهو الذي قال : ما برئت منه ، وما برئ منها ، ) له عذاب عظيم ) [ آية : 11 ] أي شديد .(2/411)
صفحة رقم 412
ففي هذه الآية عبرة لجميع المسلمين إذا كانت بينهم خطيئة ، فمن أعلن عليها بفعل ،
أو كلام ، أو عرض ، أو أعجبه ذلك ، أو رضى ربه ، فهو شريك في تلك الخطيئة على قدر
ما كان بينهم ، والذي تولى كبره ، يعنى الذي ولى الخطيئة بنفسه ، فهو أعظم إثماً عند الله ، عز وجل وهو المأخوذ به ، قال : فإذا كانت خطيئة بين المسلمين فمن شهد وكره ، فهو مثل
الغائب ، ومن غاب ورضى فهو كمن شهد ، ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة ،
رضي الله عنها ،
النور : ( 12 ) لولا إذ سمعتموه . . . . .
فقال : ( لولا إذ سمعتموه ( يقول : هلا إذ سمعتم قذف عائشة ، رضي الله
عنها ، بصفوان كذبتم به ألا ) ظن المؤمنون والمؤمنت ( لأن فيهم حمنة بنت جحش
) بأنفسهم خيرا ( يقول : ألا ظن بعضهم ببعض خيراً بأنهم لم يزنوا ) و ( ألا ) وقالوا هذا إفك مبين ) [ آية : 12 ] يقول : ألا قالوا هذا القذف كذب بين ،
النور : ( 13 ) لولا جاؤوا عليه . . . . .
ثم ذكر الذين قذفوا
عائشة ، فقال : ( لولا ( يعنى هلا ) جاءو عليه ( يعنى على القذف ) بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء ( : بأربعة شهداء ) فأولئك عند الله هم الكذبون ) [ آية : 13 ] في
قولهم ، يعنى الذين قذفوا عائشة ، رحمها الله ،
النور : ( 14 ) ولولا فضل الله . . . . .
ثم قال : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته (
يعنى ونعمته ) في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم ) [ آية : 14 ] يقول :
لأصابكم فيما قلتم من القذف العقوبة في الدنيا والآخرة ، فيها تقديم
النور : ( 15 ) إذ تلقونه بألسنتكم . . . . .
) إذ تلقونه بألسنتكم ( يقول : إذا يرونه بعضكم عن بعض ) وتقولون بأفواهكم ( يعنى بألسنتكم
) ما ليس لكم به علم ( يقول : من غير أن تعلموا أن الذي قلتم من القذف حق
) وتحسبونه هينا ( يقول : تحسبون القذف ذنباً هيناً ) وهو عند الله عظيم ) [ آية : 15 ]
في الوزر ،
النور : ( 16 ) ولولا إذ سمعتموه . . . . .
ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة ، رضي الله عنها ، فقال سبحانه :
( ولولا ( يعنى هلا ) إذ سمعتموه ( يعنى القذف ) قلتم ما يكون لنا ( يعنى ما ينبغي
لنا ) أن نتكلم بهذا ( الأمر هلا قلتم مثل ما قال سعد بن معاذ ، رضي الله عنه ، وذلك أن
سعداً لما سمع القول في أمر عائشة ، قال : سبحانك هذا بهتان عظيم .
ثم قال عز وجل : ألا قلتم ) سبحانك ( يعنى ألا نزهتم الرب جل جلاله عن أن
يعصى وقلتم ) هذا ( القول ) بهتن عظيم ) [ آية : 16 ] لشدة قولهم ، والبهتان الذي
يبهت ، فيقول ما لم يكن من قذف أو غيره ،
النور : ( 17 ) يعظكم الله أن . . . . .
ثم وعظ الذين خاضوا في أمر عائشة رضي(2/412)
صفحة رقم 413
الله عنها ، فقال : ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ( يعنى القذف أبداَ ) إن كنتم مؤمنين ) [ آية : 17 ]
النور : ( 18 ) ويبين الله لكم . . . . .
) ويبين الله لكم الآيات ( يعنى أموره ) والله عليم حكيم ) [ آية : 18 ] .
تفسير سورة النور من الآية : [ 19 - 20 ] .
النور : ( 19 ) إن الذين يحبون . . . . .
) إن الذين يحبون ( يعنى من قذف عائشة ، رضي الله عنها ، وصفوان ) أن تشيع الفاحشة ( يعنى أن يظهر الزنا ، أحبوا ما شاع لعائشة ، رضي الله عنها ، من الثناء السيئ
) في الذين ءامنوا ( في صفوان وعائشة ، رضي الله عنهما ، ) لهم عذاب أليم ( يعنى
وجيع ) في الدنيا والآخرة ( يعنى عذاب النار ) والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) [ آية : 19 ]
النور : ( 20 ) ولولا فضل الله . . . . .
) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( يعنى نعمته لعاقبكم فيها قلتم لعائشة ، رضي الله
عنها ، ثم قال عز وجل : ( وأن الله رءوف ( يعنى رفيق بكم ) رحيم ) [ آية : 20 ] بكم
حين عفا عنكم ، فلم يعاقبكم في أمر عائشة ، رضي الله عنها .
تفسير سورة النور من الآية : [ 21 - 22 ] .
النور : ( 21 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ( يعنى تزيين الشيطان في قذف
عائشة ، رضي الله عنها ، ) ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء ( يعنى بالمعاصي
) والمنكر ( يعنى ما لا يعرف ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( يعنى نعمته ) ما زكي ( يعنى ما صلح ) منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي ( يعنى يصلح ) من يشاء والله سميع ( لقولهم لعائشة ) عليم ) [ آية : 21 ] به .(2/413)
صفحة رقم 414
النور : ( 22 ) ولا يأتل أولوا . . . . .
) ولا يأتل ( يعنى ولا يحلف ) أولوا الفضل منكم ( يعنى في الغنى ) والسعة (
في الرزق ، يعنى أبا بكر الصديق ، رضي الله عنه ، ) أن يؤتوا أولي القربى ( يعنى مسطح بن
أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف ، وأمه اسمها أسماء بنت أبي جندل بن نهشل ، قرابة
أبي بكر الصديق ابن خالته ، ) والمساكين ( لأن مسطحاً كان فقيراً ) والمهاجرين في سبيل الله ( لأنه كان من المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة ) وليعفوا ( يعنى وليتركوا
) وليصفحوا ( يعنى وليتجاوزوا عن مسطح ) ألا تحبون ( يعنى أبا بكر ) أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) [ آية : 22 ] يعنى بالمؤمنين ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأبي بكر رضي الله
عنه : ' أما تحب أن يغفر الله تعالى لك ' ؟ قال : بلى ، قال : ' فاعف واصفح ' ، فقال أبو بكر
رضي الله عنه : قد عفوت وصفحت لا أمنعه معروفاً بعد اليوم ، وقد جعلت له مثل ما
كان قبل اليوم ، وكان أبو بكر ، رضي الله عنه ، قد حرمه تلك العطية حين ذكر عائشة ،
رضي الله عنها ، بالسوء .
تفسير سورة النور من الآية : [ 23 - 26 ] .
النور : ( 23 ) إن الذين يرمون . . . . .
) إن الذين يرمون ( يعنى يقذفون بالزنا ) الحصنت ( لفروجهن عفائف ، يعنى
عائشة ، رضي الله عنها ، ) الغفلت ( عن الفواحش ) المؤمنت ( يعنى المصدقات
) لعنوا ( يعنى عذبوا بالجلد ثمانين ، ) في الدنيا و ( في ) والآخرة ( بعذاب النار ،
يعني عبد الله بن أبي يعذب بالنار ؛ لأنه منافق ) ولهم عذاب عظيم ) [ آية : 23 ] ثم
ضرب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عبد الله بن أبي ، وحسان بن ثابت ، ومسطح ، وحمنة بنت جحش ، كل
واحد منهم ثمانين في قذف عائشة ، رضي الله عنها .(2/414)
صفحة رقم 415
النور : ( 24 ) يوم تشهد عليهم . . . . .
) يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ) [ آية : 24 ]
النور : ( 25 ) يومئذ يوفيهم الله . . . . .
) يومئذ ( في
الآخرة ) يوفيهم الله دينهم الحق ( يعنى حسابهم بالعدل لا يظلمون ) ويعلمون أن الله هو الحق المبين ) [ آية : 25 ] يعنى العدل البين .
النور : ( 26 ) الخبيثات للخبيثين والخبيثون . . . . .
ثم قال تعالى : ( الخبيثات ( يعنى السيئ من الكلام ) للخبيثين ( من الرجال
والنساء الذين قذفوا عائشة ، لأنه يليق بهم الكلام السيئ ) والخبيثون ( من الرجال
والنساء ) للخبيثات ( يعنى السيئ من الكلام لأنه يليق بهم الكلام السيئ .
ثم قال سبحانه : ( والطيبات ( يعنى الحسن من الكلام ) للطيبين ( من الرجال
والنساء ، يعنى عز وجل الذين ظنوا بالمؤمنين والمؤمنات خيراً ) والطيبون ( من الرجال
والنساء ) للطيبات ( يعنى الحسن من الكلام ، لأنه يليق بهم الكلام الحسن ، ثم قال
تعالى : ( أولئك مبرءون مما يقولون ( يعنى مما يقول هؤلاء القاذفون الذين قذفوا عائشة ،
رضي الله عنها ، هم مبرأون من الخبيثات من الكلام ) لهم مغفرة ( لذنوبهم ) ورزوق
كريم ) [ آية : 26 ] يعنى رزقاً حسناً في الجنة .
تفسير سورة النور من الآية : [ 27 - 29 ] .
النور : ( 27 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا ( يعنى حتى
تستأذنوا ) وتسلموا على أهلها ( فيها تقديم فابدءوا بالسلام قبل الاستئذان ، وذلك أنهم
كانوا في الجاهلية يقول بعضهم لبعض : حييت صباحاً ومساءً ، فهذه كانت تحية القوم
بينهم ، حتى نزلت هذه الآية ، ثم قال : ( ذلكم ( يعنى السلام والاستئذان ) خير لكم ( يعنى أفضل لكم من أن تدخلوا بغير إذن ) لعلكم تذكرون ) [ آية : 27 ] أن
التسليم والاستئذان خير لكم ، فتأخذون به ، ويأخذ أهل البيت حذرهم ،
النور : ( 28 ) فإن لم تجدوا . . . . .
) فإن لم تجدوا(2/415)
صفحة رقم 416
فيها أحداً ( يعنى في البيوت ) فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ( في الدخول ) وإن قيل
لكم ارجعوا فأرجعوا ( ولا تقعدوا ولا تقوموا على أبواب الناس ، فإن لهم حوائج ) هو
أزكى لكم ( يقول : الرجعة خير لكم من القيام والقعود على أبوابهم ، ) والله بما تعملون
عليم ) [ آية : 28 ] إن دخلتم بإذن أو بغير إذن ، فمن دخل بيتاً بغير إذن أهله ، قال له
ملكاه اللذان يكتبان عليه : أف لك عصيت وآذيت ، يعنى عصيت الله ، عز وجل ، وآذيت
أهل البيت ،
النور : ( 29 ) ليس عليكم جناح . . . . .
فلما نزلت آية التسليم والاستئذان في البيوت ، قال أبو بكر الصديق ، رضى
الله عنه ، للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : فكيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام على ظهر الطريق ليس
فيها ساكن ؟ فأنزل الله عز وجل في قول أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه : ( ليس عليكم
جناح ( يعنى حرج ) أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونه ( ليس بها ساكن ) فيها متع ( يعنى
منافع ) لكم ( من البرد والحر ، يعنى الخانات والفنادق ) والله يعلم ما تبدون ( يعنى
ما تعلنون بألسنتكم ) وما تكتمون ) [ آية : 29 ] يعنى ما تسرون في قلوبكم .
تفسير سورة النور من الآية : [ 30 - 31 ] .
النور : ( 30 ) قل للمؤمنين يغضوا . . . . .
) قل للمؤمنين يغضوا ( يخفضوا ) من أبصرهم ( ومن هاهنا صلة ، يعنى يحفظوا
أبصارهم كلها عما لا يحل النظر إليه ، ) ويحفظوا فروجهم ( عن الفواحش ) وذلك (
الغض للبصر ، والحفظ للفرج ) أزكى لهم ( يعنى خيراً لهم ، من أن لا يغضوا الأبصار ، ولا
يحفظوا الفروج ، ثم قال عز وجل : ( إن الله خبير بما يصنعون ) [ آية : 30 ] في الأبصار
والفروج ، نزلت هذه الآية والتي بعدها في أسماء بنت مرشد كان لها في بني حارثة نخل
يسمى الوعل ، فجعلت النساء يدخلنه غير متواريات ، يظهرن ما على صدورهن
وأرجلهن وأشعارهن ، فقالت أسماء : ما أقبح هذا .(2/416)
صفحة رقم 417
النور : ( 31 ) وقل للمؤمنات يغضضن . . . . .
فأنزل الله عز وجل ، ) وقل للمؤمنت يغضضن من أبصرهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين
زينتهن إلا ما ظهر منها ( يعنى الوجه والكفين وموضع السوارين ) وليضربن بخمرهن على جيوبهن ( يعنى على صدورهن ) ولا يبدين زينتهن ( يعنى عز وجل ولا يضعن
الجلباب ) إلا لبعولتهن ( يعنى أزواجهن ) أو ءابائهن أو ءاباء بعولتهن أو
أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخونهن أو بني إخونهن أو بني أخوتهن ( .
ثم قال : ( أو نسائهن ( يعنى نساء المؤمنات كلهن ) أو ما ملكت أيمنهن ( من
العبيد ) أو التابعين ( وهو الرجل تبع الرجل فيكون معه من غير عبيده ، من ) غير أولي الإربة من الرجال ( يقول : من لا حاجة له في النساء : الشيخ الهرم ، والعنين ،
والخصى ، والعجوب ، ونحوه ، ثم قال سبحانه : ( أو الطفل ( يعنى الغلمان الصغار
الذين لم يظهروا على عورات النساء ( لا يدرون ما النساء من الصغر ، فلا بأس بالمرأة
أن تضع الجلباب عند هؤلاء المسلمين في هذه الآية ، ثم قال تعالى : ( ولا يضربن
بأرجلهن ( يقول : ولا يحركن أرجلهن ) ليعلم ما يخفين من زينتهن ( يعنى الخلخال ، وذلك أن المرأة يكون في رجلها خلخال فتحرك رجلها عمداً ليسمع صوت الجلاجل ،
فذلك قوله عز وجل : ( ولا يضربن بأرجلهنَّ ( ) وتوبوا إِلى الله جميعاً ( من الذنوب
التي أصابوها مما في هذه السورة ) آية المُؤمنون ( مما نهى عنه عز وجل من أول
هذه السورة إلى هذه الآية ) لعلكم ( يعنى لكي ) تُفلحونَ ) [ آية : 31 ] .
تفسير سورة النور من الآية : [ 32 - 34 ] .
النور : ( 32 ) وأنكحوا الأيامى منكم . . . . .
) وَأَنكحوا الأيمي منكم ( يعنى الأحرار بعضكم بعضاً ، يعنى من الأزواج من رجل ،
أو امرأة ، وهما حران فأمر الله ، عز وجل ، أن يزوجا ، ثم قال سبحانه : ( وَ ) ) انكحوا ( ( والصالحينَ من عبادكم وإمائكم ( يقول : وزوجوا المؤمنين من عبيدكم وإمائكم ، فإنه
أغض للبصر ، وأحفظ للفرج ، ثم رجع إلى الأحرار ، فيها تقديم ) إِن يكونواْ فقرآء ( لا
سعة لهم في التزويج ) يعنهم اللهُ من فضله ( الواسع فوعدهم أن يوسع عليهم عند(2/417)
صفحة رقم 418
التزويج ) والله واسع ( لخلقه ) عليم ) [ آية : 32 ] بهم ، فقال عمر ، رضي الله عنه :
ما رأيت أعجز ممن لم يلتمس الغناء في الباءة ، يعنى النساء ، يعنى قول الله ، عز وجل :
( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ( .
النور : ( 33 ) وليستعفف الذين لا . . . . .
) وليستعفف ( عن الزنا ، ويقال : نكاح الأمة ) الذين لا يجدون نكاحا ( يعنى سعة
التزويج ) حتى يغنيهم الله من فضله ( يعنى برزقه فيتزوج الحرائر تزوجوا الإماء ، ) والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم ( يعنى عبيدكم ) فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ( يعنى
مالاً ، نزلت في حويطب بن عبد العزى ، وفي غلامه صبيح القبطي ، وذلك أنه طلب إلى
سيده المكاتبة على مائة دينار ، ثم وضع عنه عشرين ديناراً ، فأداها وعتق ، ثم إن صبيحاً
يوم حنين أصابه سهم فمات منه ، ثم أمر الله تبارك تعالى أن يعينوا في الرقاب ، فقال :
( وءاتوهم ( يعنى وأعطوهم ) مَن مالِ اللهِ الذي ءاتكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء (
يقول : ولا تكرهوا ولائدكم على الزنا ، نزلت في عبد الله بن أبي المنافق ، وفي جاريته
أميمة ، وفي عبد الله بن نتيل المنافق ، وفي جاريته مسيكة ، وهي بنت أميمة ، ومنهن أيضاً
معاذة ، وأروى ، وعمرة ، وقتيلة ، فأتت أميمة وابنتها مسيكة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالت : إنا نكره
على الزنا ، فأنزل الله عز وجل ، هذهذ الآية : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ( ) إن أردن تحصنا ( يعنى تعففاً عن الفواحش ، ) لتبتغوا عرض الحيوة الدنيا ( يعنى كسبهن وأولادهن .
من لزنا ) ومن يكرههن ( على الزنا ) فإن الله من بعد إكراههن ( لهن في قراءة ابن
مسعود ) غفور ( لذنوبهن ) رحيم ) [ آية : 33 ] بهن ، لأنهن مكرهات .
النور : ( 34 ) ولقد أنزلنا إليكم . . . . .
) ولقد أنزلنا إِليكم ءايت مبيناتٍ ( يعني الحلال والحرام والحدود وأمره ونهيه مما ذكر
في هذه السورة إلى هذه الآية ، ثم قال سبحانه : ( ومثلا من الذين خلوا من قبلكم ( يعنى
سنن العذاب في الأمم الخالية ، ) حين كذبوا رسلهم ( ) وموعظة ( يعنى وعظة
) للمتقين ) [ آية : 34 ] .
تفسير سورة النور من الآية : [ 35 - 38 ] .(2/418)
صفحة رقم 419
النور : ( 35 ) الله نور السماوات . . . . .
) الله نور السماوات والأرض ( يقول : الله هادي أهل السموات والأرض ، ثم
انقطع الكلام ، وأخذ في نعت نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وما ضرب له من المثل ، فقال سبحانه : ( مثل نوره ( مثل نور محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إذا كان مستودعاً في صلب أبيه عبد الله بن عبد المطلب
) كمشكوة ( يعنى بالمشكاة الكوة ليست بالنافذة ) فيها مصباح ( يعنى السراج
) المصباح في زجاجة ( الصافية تامة الصفاء ، يعنى بالمشكاة صلب عبد الله أبي محمد
( صلى الله عليه وسلم ) ، ويعنى بالزجاجة جسد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ويعنى بالسراج الإيمان في جسد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما
خرجت الزجاجة فيها المصباح من الكوة صارت الكوة مظلمة ، فذهب نورها ، والكوة
مثل عبد الله ، ثم شبه الزجاجة بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) في كتب الأنبياء ، عليهم السلام ، لا خفاء فيه
كضوء الكوكب الدري ، وهو الزهرة في الكواكب ، ويقال : المشتري وهو البرجرس
بالسريانية ، ) الزُّجاجة كأنها كوكبٌ ذُري يوقد من شجرةٍ مُباركةِ ( يعنى بالشجرة
المباركة إبراهيم خليل الرحمن ( صلى الله عليه وسلم ) ، يقول : يوقد محمد من إبراهيم ، عليهما السلام ، وهو
من ذريته ، ثم ذكر إبراهيم عليه السلام ، فقال سبحانه : ( زيتونة ( قال : طاعة حسنة
) لا شرقية ولا غربية ( يقول : لم يكن إبراهيم ، عليه السلام ، يصلي قبل المشرق كفعل
النصارى ، ولا قبل المغرب كفعل اليهود ، ولكنه كان يصلي قبل الكعبة ، ثم قال : ( يكادُ
زيتها يضيء ولو لم تمسسهُ نارٌ ( يعنى إبراهيم يكاد علمه يضيء .
وسمعت من يحكي ، عن أبي صالح في قوله تعالى : ( يكاد زيتها يضيءُ ( قال : يكاد
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتكلم بالنبوة قبل أن يوحي إليه ، يقول : ( ولو لم تمسسه نار ( يقول :
ولو لم تأته النبوة لكانت طاعته مع طاعة الأنبياء ، عليهم السلام ، ثم قال عز وجل :
( نور على نور ( قال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) نبي خرج من صلب نبي ، يعنى إبراهيم ، عليهما السلام ،
)( يهدي الله لنوره من يشاء ( قال : يهدي الله لدينه من يشاء من عباده ، وكأن الكوة مثلا
لعبد الله بن عبد المطلب ، ومثل السراج مثل الإيمان ، ومثل الزجاجة مثل جسد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ،
ومثل الشجرة المباركة مثل إبراهيم ، عليهما السلام ، فذلك قوله عز وجل : ( ويضربُ
اللهُ الأمثال للناس واللهُ بكل شيءٍ عليمٌ ) [ آية : 35 ] .(2/419)
صفحة رقم 420
النور : ( 36 ) في بيوت أذن . . . . .
) في بيوت أذن الله أن ترفع ( يقول : أمر الله ، عز وجل ، أن ترفع ، يعنى أن تبنى ، أمر الله
عز وجل برفعها وعمارتها ) و ( أمر أن ) ويذكر فيها اسمه ( يعنى يوحد الله عز
وجل نظيرها في البقرة : ( يسبح له فيها بالغدو والآصال ) [ آية : 36 ] يقول : يصلي لله
عز وجل .
النور : ( 37 ) رجال لا تلهيهم . . . . .
) رجال ( فيها تقديم بالغدو والعشي ، ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( لا تلهيهم تجارة (
يعنى شراء ) ولا بيع عن ذكر الله ( يعنى الصلوات المفروضة ) وَإِقام الصلوة وإيتاء الزكوة (
يقول : لا تلهيهم التجارة عن إقام الصلاة ، وإعطاء الزكاة ، ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه :
( يخافون يوما تتقلب فيه القلوب ( حين زالت من أماكنها من الصدور فنشبت في
حلوقهم عند الحناجر ، قال : ( والأبصار ) [ آية : 37 ] يعنى تقلب أبصارهم فتكون
حلوقهم عند الحناجر ، قال : ( والأبصار ) [ آية : 37 ] يعنى تقلب أبصارهن فتكون
رزقاً .
النور : ( 38 ) ليجزيهم الله أحسن . . . . .
) ليجزيهم الله أحسن ما ( يعنى الذي ) عملوا ( من الخير ولهم مساوئ ، فلا يجزيهم
بها ) ويزيدهم ( على أعمالهم ) من فضله ( فضلاً على أعمالهم ) والله يرزق من يشاء بغير حساب ) [ آية : 38 ] يقول الله تعالى : ليس فوقي ملك يحاسبني ، أنا الملك ، أعطي
من شئت بغير حساب ، لا أخاف من أحد يحاسبني .
تفسير سورة النور من الآية : [ 39 - 40 ] .
النور : ( 39 ) والذين كفروا أعمالهم . . . . .
) والذين كفروا ( بتوحيد الله مثل ) أعمالهم ( الخبيثة ) كسراب بقيعة ( يعنى
عز وجل بالسراب الذي يرى في الشمس بأرض قاع ) يحسبه الظمئانُ ( يعنى
العطشان ) ماء ( فيطلبه ويظن أنه قادر عليه ) حتى إذا جاءه ( يعنى أتاه ) لم يجده شيئا ( فهكذا الكافر إذا انتهى إلى عمله يوم القيامة وجده لم يغن عنه شيئاً ، لأنه عمله
في غير إيمان ، كما لم يجد العطشان السراب شيئاً حتى انتهى إليه ، فمات من العطش
فهكذا الكافر يهلك يوم القيامة كما هلك العطشان حين انتهى إلى السراب ، يقول :(2/420)
صفحة رقم 421
) ووجد الله ( جل جلاله بالمرصاد ، ) عنده ( عمله ) فوفاه حسابه ( يقول : فجازاه
بعمله لم يظلمه ) والله سريع الحساب ) [ آية : 39 ] يخوفه بالحساب كأنه قد كان ، نزلت
في شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، وكان يلتمس الدين في الجاهلية ، ويلبس
الصفر ، فكفر في الإسلام .
النور : ( 40 ) أو كظلمات في . . . . .
ثم ضرب الله عز وجل لشيبة وكفره بالإيمان مثلاً آخر ، فقال : ( أو كظلمات في بحر لجي ( يعنى في بحر عميق ، والبحر إذا كان عميقاً كان أشد لظلمته ، يعنى بالظلمات
الظلمة التي فيها الكافر ، والبحر اللجي قلب الكافر ) يغشيهُ موجٌ ( فوق الماء ، ثم
يذهب عنه ذلك الموج ، ثم يغشاه موج آخر مكان الموج الأول . فذلك قوله عز وجل :
( يغشاهُ موجٌ من فوقه موج من فوقه سحاب ظُلمتُ ( فهي ظلمة الموج ، وظلمة الليل ،
وظلمة البحر والسحاب ، يقول : وهذه ظلمات ) بعضها فوق بعض ( فهكذا الكافر قبله
مظلم في صدر مظلم ، في جسد مظلم ، لا يبصر نور الإيمان ، كما أن صاحب البحر
) إذا أخرج يده ( في ظلمة الماء ) لم يكد يرها ( يعنى لم يرها البتة ، فذلك قوله عز
وجل : ( ومن لم يجعل الله له نورا ( يعنى الهدى الإيمان ) فما له من نور ) [ آية : 40 ] يعنى
من هدى .
) إذا أخرج يده لم يكد يراها ( لم يقارب به البصر ، كقوله الرجل لم يصب ، ولم
يقارب .
تفسير سورة النور من الآية : [ 41 - 45 ] .
النور : ( 41 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله يسبح له ( يقول : ألم تعلم أن الله يذكره ) من في السماوات ( من
الملائكة ) و ( من في ) والأرض ( من المؤمنين : من الإنس والجن ) والطير صافات (
الأجنحة ) كل ( من فيها : في السموات والأرض ) قد علم صلاته ( من الملائكة ،(2/421)
صفحة رقم 422
والمؤمنين من الجن والإنس ، ثم قال عز وجل : ( وتسبيحه ( يعنى ويذكره كل مخلوق
بلغته غير كفار الإنس والجن ) والله عليم بما يفعلون ) [ آية : 41 ] .
النور : ( 42 ) ولله ملك السماوات . . . . .
) ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير ) [ آية : 42 ] في الآخرة
النور : ( 43 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله (
يقول : ألم تعلم أن الله ) يزجي ( يعنى يسوق ) سحابا ثم يؤلف بينه ( يعنى يضم بعضه
إلى بعض ، ) ثم يجعله ركاما ( يعنى قطعاً يحمل بعضها على إثر بعض ، ثم يؤلف بينه ،
يعنى يضم السحاب بعضه إلى بعض بعد الركام ) فترى الودق يخرج من خلاله ( يقول :
فترى المطر يخرج من خلال السحاب ، ) وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به (
بالبرد ) من يشاء ( فيضر في زرعه وثمره ، ) ويصرفه عن من يشاء ( فلا يضره في زرعه ،
ولا في ثمره ) يكاد سنا برقه ( يقول : ضوء برقه ) يذهب بالأبصار ) [ آية : 43 ] .
النور : ( 44 ) يقلب الله الليل . . . . .
) يُقلبُ اللهُ اليلَ والنهار ( يعنى بالتقلب اختلافهما : أنه يأتي بالليل ويذهب بالنهار ،
ثم يأتي بالنهار ، ويذهب بالليل ) إن في ذلك ( الذي ذكر من صنعه ) لعبرة لأولي الأبصار ) [ آية : 44 ] يعنى لأهل البصائر في أمر الله ، عز وجل .
النور : ( 45 ) والله خلق كل . . . . .
) والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ( يعنى الهوام ) ومنهم من يمشي على رجلين ( الإنس والجن والطير ) ومنهم من يمشي على أربع ( قوائم يعنى الدواب والأنعام
والوحش والسباع ) يخلق اللهُ ما يشاء إِن الله على كل شيءٍ ( من الخلق ) قدير ) [ آية :
45 ] .
تفسير سورة النور من الآية : [ 46 - 53 ] .(2/422)
صفحة رقم 423
النور : ( 46 ) لقد أنزلنا آيات . . . . .
) لقد أَنزلنا ءايت مُبيناتٍ ( لما فيه من أمره ونهيه ) والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) [ آية : 46 ] يعنى إلى دين مستقيم ، يعنى الإسلام ، وغيره من الأديان ليس
بمستقيم .
النور : ( 47 ) ويقولون آمنا بالله . . . . .
) ويقولونَ ءامنا باللهِ ( يعنى صدقنا بتوحيد الله ، عز وجل ، ) وبالرسول ( يعنى
محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) أنه من الله ، عز وجل ، نزلت في بشر المنافق ، ) وأطعنا ( قولهما ) ثم يتولى فريق منهم ( يعنى ثم يعرض عن طاعتهما طائفة منهم ) من بعد ذلك ( يعنى من بعد
الإيمان بالله ، عز وجل ، ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وما أولئك بالمؤمنين ) [ آية : 47 ] يعنى عز وجل
بشر المنافق .
النور : ( 48 ) وإذا دعوا إلى . . . . .
ثم أخبر عنه ، فقال تعالى : ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم ( يعنى
من المنافقين ) معرضون ) [ آية : 48 ] عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى كعب بن الأشرف ، وذلك أن
رجلاً من اليهود كان بينه وبين بشر خصومة ، وأن اليهودي دعا بشراً إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
ودعاه بشر إلى كعب ، فقال بشر : إن محمداً يحيف علينا .
النور : ( 49 ) وإن يكن لهم . . . . .
يقول الله عز وجل : ( وإن يكن لهم الحق ( يعنى بشر المنافق ) يأتوا إليه مذعنين (
[ آية : 49 ] يأتوا إليه طائعين مسارعين إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم )
النور : ( 50 ) أفي قلوبهم مرض . . . . .
) أفي قلوبهم مرض ( يعنى الكفر
) أم ارتابوا ( أم شكوا في القرآن ) أم يخافون أن يحيف الله عليهم ( يعنى أن يجور الله عز
وجل عليهم ) ورسوله بل أولئك هم الظالمون ) [ آية : 50 ] ، ثم نعت الصادقين في
إيمانهم .
النور : ( 51 ) إنما كان قول . . . . .
فقال سبحانه : ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ( يعنى إلى كتابه
ورسوله ، يعنى أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا ( قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأطعنا (
أمره ) وأولئك هم المفلحون ) [ آية : 51 ] .
النور : ( 52 ) ومن يطع الله . . . . .
) ومن يطع الله ورسوله ( في أمر الحكم ) ويخش الله ( في ذنوبه التي عملها ، ثم
قال تعالى : ( ويتقه ( ومن يتق الله تعالى ، فيما بعد فلم يعصه ) فأولئك هم الفائزون (
[ آية : 52 ] ، يعنى الناجون من النار ، فلما بين الله ، عز وجل ، كراهية المنافقين لحكم النبي
( صلى الله عليه وسلم ) أتوه ، فقالوا : والله لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا أفنحن لا(2/423)
صفحة رقم 424
نرضى بحكمك ،
النور : ( 53 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
فأنزل الله تبارك وتعالى فيما حلفوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( وأقسموا بالله (
يعنى حلفوا بالله ، يعنى المنافقين ) جهد أيمانهم ( فإنه من حلف بالله عز وجل ، فقد
اجتهد في اليمين ، ) لئن أمرتهم ( يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) ليخرجن ( من الديار والأموال
كلها ) قل ( لهم : ( لا تقسموا ( لا تحلفوا ، ولكن هذه منكم ) طاعة معروفة ( يعنى
طاعة حسنة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن الله خبير بما تعملون ) [ آية : 53 ] من الإيمان والشرك .
تفسير سورة النور من الآية : [ 54 - 57 ] .
النور : ( 54 ) قل أطيعوا الله . . . . .
ثم أمرهم بطاعته عز وجل وطاعة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال تعالى : ( قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( فيما أمرتم ، ) فإن تولوا ( يعنى أعرضتم عن طاعتهما ، ) فإنما عليه ( يعنى
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ما حمل وعليكم ما حملتم ( يقول : فإنما على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ما أمر من تبليغ
الرسالة ، وعليكم ما أمرتم من طاعتهما ، ثم قال تعالى : ( وإن تطيعوه ( يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم )
ليس عليه إلا أن يبلغ ويبين ) وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) [ آية : 54 ] .
النور : ( 55 ) وعد الله الذين . . . . .
) وعد اللهُ الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ( وذلك أن كفار مكة صدوا المسلمين
عن العمرة عام الحديبية ، فقال المسلمون : لو أن الله عز وجل فتح علينا مكة ودخلناها
آمنين ، فسمع الله عز وجل قولهم فأنزل الله تبارك وتعالى : ( وَعد اللهُ الذين ءامنوا منكم
وعملوا الصالحات ( ) ليستخلفنهم في الأرض ( يعنى أرض مكة ) كما استخلف الذين من قبلهم ( من بني إسرائيل وغيرهم ، وعدهم أن يستخلفهم بعد هلاك كفار
مكة ) وليمكنن لهم دينهم ( الإسلام حتى يشيع الإسلام ) الذي ارتضى لهم ( يعنى
الذي رضي لهم ) وليبدلنهم من بعد خوفهم ( من كفار أهل مكة ) آمنا ( لا يخافون
أحداً ) يعبدونني ( يعنى يوحدونني ) لا يشركون بي شيئا ( من الآلهة ) ومن كفر بعد ذلك ( التمكين في الأرض ) فأولئك هم الفاسقون ) [ آية : 55 ] يعنى العاصين .(2/424)
صفحة رقم 425
النور : ( 56 ) وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . .
) وأقيموا الصلاة ( يعنى وأتموا الصلاة ، ) وءاتوا الزكاة وأَطيعوا الرسولَ ( فيما أمركم
) لعلكم ترحمون ) [ آية : 56 ] يقول : لكي ترحموا ، فلا تعذبوا
النور : ( 57 ) لا تحسبن الذين . . . . .
) لا تحسبن الذي
كفروا ( من أهل مكة ) معجزينَ ( ، يعنى سابقي الله ) في الأرض ( حتى يجزيهم
الله عز وجل بكفرهم ) ومأواهم النار ولبئس المصير ) [ آية : 57 ] .
تفسير سورة النور من الآية : [ 58 - 60 ] .
النور : ( 58 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأَيها الذين ءامنوا ليستئذنكم ( في بيوتكم ) الذين ملكت أيمانكم ( يعنى العبيد
والولائد في كل وقت ، نزلت في أسماء بنت أبي مرشد ، قالت : إنه ليدخل على الرجل
والمرأة ، ولعلهما أن يكونا في لحاف واحد لا علم لهما ، فنزلت هذه ، فقال سبحانه :
( و ( ليستأذنكم ) والذين لم يبلغوا الحلم منكم ( يعنى من الأحرار من الصبيان ) ثلاث مرات ( لأنها ساعات غفلة وغيرة ) من قبل صلوة الفجر وحينَ تضعون ثيابكم من الظهيرةٍ (
يعنى نصف النهار ) ومن بعد صلوة العِشاء ثلثُ عورات لكم ( يقول : هذه ساعات غفلة
وغيره ) ليس عليكم ( معشر المؤمنين ، يعنى أرباب البيوت ) ولا عليهم ( يعنى الخدم
والصبيان الصغار ) جناح بعدهن ( يعنى بعد العورات الثلاث ) طوافون عليكم ( يعنى
بالطوافين يتقلبون عليكم ليلاً ونهاراً يدخلون ويخرجون بغير استئذان ) بعضكم على بعض كذلك ( يعنى هكذا ) يُبين الله لكم الأيت ( يعنى أمره ونهيه في الاستئذان
) والله عليم حكيم ) [ آية : 58 ] حكم ما ذكر من الاستئذان في هذه الآية :
النور : ( 59 ) وإذا بلغ الأطفال . . . . .
) وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ( يعنى من الأحرار ) فليستئذنوا كما استئذن الذينَ
من قبلهم ( يعنى من الكبار من ولد الرجل وأقربائه ، ويقال : من العبيد ) وَكذلك يبينُ
الله لكم ءايته ( يعنى أمره ) والله عليم حكيم ) [ آية : 59 ] حكم الاستئذان
بعد العورات الثلاث على الأطفال إذا احتلموا .(2/425)
صفحة رقم 426
النور : ( 60 ) والقواعد من النساء . . . . .
) والقواعد ( عن الحيض ) من النساء ( يعنى المرأة الكبيرة التي لا تحيض من الكبر
) التي لا يرجونَ نكاحاً ( يعنى تزويجاً ) فليس عليهن جناح ( يعنى حرج ) أن يضعن ثيابهن ( في قراءة ابن مسعود : ' من ثيابهن ' ، وهو الجلباب الذي يكون
فوق الخمار ) غير متبرجات بزينة ( لا تريد بوضع الجلباب أن ترى زينتها يعنى الحلي
قال عز وجل : ( وأن يستعففن ( ولا يضعن الجلباب ) خير لهن ( من وضع الجلباب ) والله سميع عليم ) [ آية : 60 ] .
تفسير سورة النور من الآية : [ 61 ] .
النور : ( 61 ) ليس على الأعمى . . . . .
) ليس على الأعمى حرج ( نزلت في الأنصار ، وذلك أنه لما نزلت : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) [ النساء :
10 ] ، ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) [ النساء : 29 ] ، قالت
الأنصار : ما بالمدينة مال أعز من الطعام ، فكانوا لا يأكلون مع الأعمى ، لأنه لا يبصر
موضع الطعام ، ولا مع الأعرج ، لأنه لا يطيق الزحام ، ولا مع المريض ، لأنه لا يطيق أن
يأكل كما يأكل الصحيح ، وكان الرجل يدعو حميمه ، وذا قرابته ، وصديقه إلى طعامه ،
فيقول : أطعم من هو أفقر إليه مني ، فأني أكره أن آكل أموال الناس بالباطل ، والطعام
أفضل المال ، فأنزل الله عز وجل : ( ليس على الأعمى حرج ( ) ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ( في الأكل معهم ) ولا على أنفسكم ( لأنهم يأكلون على حده
) أَن تأكلواْ من بيوتكم أَو بيوت ءابائكم أَو بيوت أُمهاتكم أَو بيوتِ إِخوانكم أو
بيوتِ أَخواتكم أو بيوت أَعمامكم أَو بيوتِ عماتكم أَو بيوتِ أَخوالكم أَو بيوت
خالتكم أو ما ملكتم مفاتحهُ ( يعنى خزائنه ، يعنى عبيدكم وإمائكم ) أو صديقكم ( نزلت في مالك بن زيد ، وكان صديقه الحارث بن عمرو ، وذلك أن(2/426)
صفحة رقم 427
الحارث خرج غازياً وخلف مالكاً في أهله وماله وولده ، فلما رجع رأى مالكاً مجهوداً
قال : ما أصابك ؟ قال : لم يكن عندي شيء ، ولم يحل لي أكل مالك ، ثم قال سبحانه :
( ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ( وذلك أنهم كانوا يأكلون
على حدة ، ولا يأكلون جميعاً ، يرون أن أكله ذنب ، يقول الله عز وجل : ( تأكلوا جميعا أو أشتاتا ( ، وكانت بنو ليث بن بكر لا يأكل الرجل منهم حتى يجد من يأكل
معه ، أو يدركه الجهد ، فيأخذ عنزة له فيركزها ويلقي عليها ثوباً تحرجاً أن يأكل وحده ،
فلما جاء الإسلام فعلوا ذلك ، وكان المسلمون إذا سافروا اجتمع نفر منهم فجمعوا
نفقاتهم وطعامهم في مكان ، فإن غاب رجل منهم لم يأكلوا حتى يرجع صاحبهم مخافة
الإثم .
فنزلت : ( ليس عليكم جُناج أَن تأكلوا جميعاً ( إن كنتم جماعة ) أو أشتاتا ( يعنى متفرقين ) فإذا دخلتم بيوتا ( للمسلمين ) فسلموا على أنفسكم ( يعنى
بعضكم على بعض ، يعنى أهل دينكم يقول : السلام ) تحية من عند الله مباركة (
يعنى من سلم أجر ، فهي البركة ) طيبة ( حسنة ) كذلك يبين الله لكم الآيات ( يعنى أمره في أمر الطعام والتسليم ) لعلكم تعقلون ) [ آية : 61 ] .
تفسير سورة النور من الآية : [ 62 - 64 ] .
النور : ( 62 ) إنما المؤمنون الذين . . . . .
) إِنما المُؤمنونَ الذين ءامنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معهُ ( أي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) على أمر جامع ( يقول : إذا اجتمعوا على أمر هو لله عز وجل طاعة ، ) لم يذهبوا ( يعنى لم
يفارقوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) حتى يستئذنوه إِن الذين يستئذنونك أَولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله
فإذا استئذنوكَ لبعض شأنهم ( يعنى لبعض أمرهم ) فأذن لمن شئت منهم ( يعنى
من المؤمنين ، نزلت في عمر بن الخطاب ، رضوان الله عليه ، في غزاة تبوك ، وذلك أنه
استأذن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الرجعة أن يسمع المنافقين ، إلى أهله فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' انطلق فوالله(2/427)
صفحة رقم 428
ما أنت بمنافق ' ، يريد أن يسمع المنافقين ، فلما سمعوا ذلك ، قالوا : ما بال محمد إذا استأذنه
أصحابه أذن لهم ، فإذا استأذناه لم يأذن لنا ، فواللات ما نراه يعدل ، وإنما زعم أنه جاء
ليعدل ، ثم قال : ( واستغفر لهم ( يعنى للمؤمنين ) الله إن الله غفور رحيم ) [ آية :
62 ] .
النور : ( 63 ) لا تجعلوا دعاء . . . . .
) لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ( يقول الله عز وجل : لا
تدعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) باسمه يا محمد ، ويا ابن عبد الله ، إذا كلمتموه كما يدعو بعضكم بعضاً
باسمه يا فلان ، ويا ابن فلان ، ولكن عظموه وشرفوه ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقولوا : يا رسول الله ، يا نبي
الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، نظيرها في الحجرات : ( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ( وذلك
أن المنافقين كان يثقل عليهم يوم الجمعة قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحديثه إذا كانوا معه على أمر
جامع ، فيقوم المنافق وينسل ويلوذ بالرجال وبالسارية ، لئلا يراه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى يخرج من
المسجد ، ويدعوه باسمه يا محمد ، ويا ابن عبد الله ، فنزلت هؤلاء الآيات قوله سبحانه :
( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ( فخوفهم عقوبته ، فقال سبحانه :
( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ( يعنى عن أمر الله عز وجل ) أن تصيبهم فتنة ( يعنى
الكفر ) أو يصيبهم عذاب أليم ) [ آية : 63 ] يعنى وجيعاً ، يعنى القيل في الدنيا .
النور : ( 64 ) ألا إن لله . . . . .
ثم عظم نفسه جل جلاله ، فقال تعالى : ( ألا إن لله ما في السماوات والأرض ( من
الخلق عبيده وفي ملكه ) قد يعلم ما أنتم عليه ( من الإيمان والنفاق ) ويوم يرجعون إليه ( أي إلى الله في الآخرة ) فينبئهم بما عملوا ( من خير أو شر ) وَالله بكل شيءٍ (
من أعمالكم ) عليم ) [ آية : 64 ] به عز وجل .(2/428)
صفحة رقم 429
( سُورة الفرقان )
( سورة الفرقان مكية وهي سبع وسبعون آية كوفية )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
الفرقان : ( 1 ) تبارك الذي نزل . . . . .
) تبارك ( حدثنا أبو جعفر محمد بن هانئ ، قال : حدثنا أبو القاسم الحسين بن عون ،
قال : حدثنا أبو صالح الهذيل بن حبيب الزيداني ، قال : حدثنا مقاتل بن سليمان في قوله
عز وجل : ( تبارك ( يقول : افتعل البركة ) الذي نزل الفرقان على عبده ( يعنى
القرآن ، وهو المخرج من الشبهات على عبده محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ليكون ( محمد ( صلى الله عليه وسلم )
) للعالمين نذيرا ) [ آية : 1 ] يعنى للإنس والجن نذيراً نظيرها في فاتحة الكتاب : ( رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] .
الفرقان : ( 2 ) الذي له ملك . . . . .
ثم عظم الرب عز وجل نفسه عن شركهم ، فقال سبحانه : ( الذي له ملك السماوات والأرض ( وحده ) ولم يتخذ ولدا ( لقول اليهود والنصارى : عزيز ابن الله ، والمسيح
ابن الله ، ) ولم يكن له شريك في الملك ( من الملائكة ، وذلك أن العرب ، قالوا : إن الله عز
وجل شريكاً من الملائكة ، فعبدوهم ، فأكذبهم الله عز وجل ، نظيرها في آخر بني
إسرائيل ، ) وَخلق كُل شيءٍ فقدره تقديراً ) [ آية : 2 ] كما ينبغي أن يخلقه .
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 3 ] .
الفرقان : ( 3 ) واتخذوا من دونه . . . . .
) واتخذوا ( يعنى كفار مكة ) من دونه ءالهةً ( يعنى اللات والعزى يعبدونهم ،
)( لا يخلقون شيئا ( ذباباً ولا غيره ، ) وهم يخلقون ( يعنى الآلهة لا تخلق شيئاً ، وهي
تخلق ، ينحتونها بأيديهم ، ثم يعبدونها ، نظيرها في مريم ، وفي يس ، وفي الأحقاف ، ثم(2/429)
صفحة رقم 430
أخبر عن الآلهة ، فقال تعالى : ( ولا يملكون لأنفسهم ضرا ( يقول : لا تقدير الآلهة أن
تمتنع ممن أراد بها سوءاً ) ولا نفعا ( يقول : ولا تسوق الآلهة إلى أنفسها نفعاً ، ثم قال
تعالى : ( ولا يملكون ( يعنى الآلهة ) موتا ( يعنى أن تميت أحداً ، ثم قال عز وجل :
( وَلا حيوة ( يعنى ولا يحبون أحداً يعنى الآلهة ) ولا نشورا ) [ آية : 3 ] أن تبعت
الأموات ، فكيف تعبدون من لا يقدر على شيء من هذا ، وتتركون عبادة ربكم الذي
يملك ذلك كله .
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 4 - 8 ] .
الفرقان : ( 4 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه ( قال النضر بن الحارث من بني عبد
الدار : ما هذا القرآن إلا كذب اختلقه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من تلقاء نفسه ، ثم قال : ( وَأَعانَهُ عليهِ
قومُ ءاخرون ( يقول : النضر عاون محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) عداس مولى حويطب بن عبد العزى ،
ويسار غلام العامر بن الحضرمي ، وجبر مولى عامر بن الحضرمي ، كان يهودياً ، فأسلم ،
وكان هؤلاء الثلاثة من أهل الكتاب يقول الله تعالى : ( فقد جاءو ظلماً وزوراً ) [ آية : 4 ]
قالوا : شركاً وكذباً حين يزعمون أن الملائكة بنات الله ، عز وجل ، وحين قالوا : إن
القرآن ليس من الله عز وجل إنما اختلقه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من تلقاه نفسه .
الفرقان : ( 5 ) وقالوا أساطير الأولين . . . . .
) وقالوا أساطير الأولين ( وقال النضر : هذا القرآن حديث الأولين أحاديث رستم
وإستفندباز ) اكتتبها ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) [ آية :
5 ] يقول : هؤلاء النفر الثلاثة يعلمون محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) طرفي النهار بالغداة والعشي .
الفرقان : ( 6 ) قل أنزله الذي . . . . .
) قل ( لهم يا محمد ) أنزله الذي يعلم السر ( وذلك أنهم قالوا بمكة سراً : ( هل هذا إلا بشر مثلكم ( لأنه إنسي مثلكم ، بل هو ساحر ، ) أفتأتون السحر وأنتم(2/430)
صفحة رقم 431
تبصرون ( إلى آيتين ، فأنزل الله عز وجل : ( قُل أَنزلهُ الذي يعلمُ السرَّ ( ) في السماواتِ
والأرض إِنه كان غفوراً رحيماً ) [ آية : 6 ] حين لا يعجل عليهم بالعقوبة .
الفرقان : ( 7 ) وقالوا ما لهذا . . . . .
) وَقالوا مالِ هذا الرسولِ ( يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) يأَكُل الطعام ويمشي في الأسواق لولا
أَنزل إِليه ملكٌ فيكونَ معه نذيراً ) [ آية : 7 ] يعنى رسولاً يصدق محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) بما جاء
الفرقان : ( 8 ) أو يلقى إليه . . . . .
) أَو يُلقي إليه كنز ( يعنى أو ينزل إليه مال من السماء ، فيقسمه بيننا ) أَو
تكون له جنةٌ ( يعنى بستاناً ) يأَكل منها ( هذا قول النضر بن الحارث ، وعبد
الله بن أمية ، ونوفل بن خويلد ، كلهم من قريش ) وَقال الظالمون ( يعنى هؤلاء
) إِن ( يعنى ما ) تتبعون إِلا رجلاً مسحوراً ) [ آية : 8 ] يعنى أنه مغلوب على عقله ،
فأنزل الله تبارك وتعالى في قولهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق : ( وما
أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) [ الفرقان :
20 ] يقول : هكذا كان المرسلون من قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
تفسير سورة الفرقان من الآية [ 9 - 14 ] .
الفرقان : ( 9 ) انظر كيف ضربوا . . . . .
ونزل في قولهم إن محمداً مسحور ، قوله تعالى : ( انظر كيف ضربوا لك الأمثالَ (
يقول : انظر كيف وصفوا لك الأشياء ، حين زعموا أنك ساحر ، ) فضلوا ) ) عن الهدى ( ( فلا يستطيعونَ سبيلاً ) [ آية : 9 ] يقول : لا يجدون مخرجاً مما قالوا لك بأنك ساحر .
ونزل في قولهم : لولا أنزل ، يعنى هلا ألقى ، إليه كنز ، أو تكون له جنة يأكل منها ،
الفرقان : ( 10 ) تبارك الذي إن . . . . .
فقال تبارك وتعالى : ( تبارك الذي ( ) إِن شاء جعل لك خيراً من ذلك ( يعنى أفضل من
الكنز والجنة في الدنيا ، وجعل لك في الآخرة ) جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ( يقول :
بينها الأنهار ) ويجعل لك قصوراً ) [ آية : 10 ] يعنى بيوتاً في الجنة ، وذلك أن فريشاً
يسمون بيوت الطين القصور(2/431)
صفحة رقم 432
الفرقان : ( 11 ) بل كذبوا بالساعة . . . . .
) بل كذبوا بالساعة ( يعنى عز وجل بالقيامة ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أخبرهم بالبعث
فكذبوه ، يقول الله تعالى : ( وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) [ آية : 11 ] يعنى وقوداً
الفرقان : ( 12 ) إذا رأتهم من . . . . .
) إذا رأتهم ( السعير ، وهي جهنم ) من مكان بعيد ( يعنى مسيرة مائة سنة ) سمعوا لها ( من شدة غضبها عليهم ) تغيظا وزفيرا ) [ آية : 12 ] يعنى آخر نهيق الحمار .
الفرقان : ( 13 ) وإذا ألقوا منها . . . . .
) وإذا ألقوا منها ( يعنى جهنم ) مكانا ضيقا ( لضيق الرمح في الزج
) مقرنين (
يعنى موثقين في الحديد قرناء مع الشياطين ) دعوا هنا لك ثبوراً ) [ آية : 13 ] يقول :
دعوا عند ذلك بالويل .
الفرقان : ( 14 ) لا تدعوا اليوم . . . . .
يقول الخزان : ( لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ( يعنى ويلاً واحداً ) وادعوا ثبورا كثيرا ) [ آية : 14 ] يعنى ويلاً كثيراً ، لأنه دائم لهم أبداً .
تفسير سورة الفرقان الآية : [ 15 - 20 ] .
الفرقان : ( 15 ) قل أذلك خير . . . . .
) قل ( لكفار مكة : ( أذلك ( الذي ذكر من النار ) خير ( أفضل ) أم جنة الخلد ( يعنى التي لا انقطاع لها ) التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ( بأعمالهم
الحسنة ) ومصيرا ) [ آية : 15 ] يعنى ومرجعاً .
الفرقان : ( 16 ) لهم فيها ما . . . . .
) لهم فيها ما يشاءونَ خالدينَ ( فيها لا يموتون ) كان على ربك وعدا ( منه في
الدنيا ) مُسئولاً ) [ آية : 16 ] يسأله في الآخرة المتقون إنجاز ما وعدهم في الدنيا ، وهي
الجنة ،
الفرقان : ( 17 ) ويوم يحشرهم وما . . . . .
) ويوم يحشرهم ( يعنى يجمعهم ، يعنى كفار مكة ) و ( يحشر ) وما يعبدون من دون الله ( من الملائكة ) فيقول ( للملائكة : ( ءأنتم أضللتم عبادي(2/432)
صفحة رقم 433
هؤلاء ( يقول : أنتم أمرتموهم بعبادتكم ؟ ) أَم هم ضلوا السبيل ) [ آية : 17 ] يقول : أو
هم أخطئوا طريق الهدى ، فتبرأت الملائكة .
الفرقان : ( 18 ) قالوا سبحانك ما . . . . .
ف ) قالوا سُبحانك ( نزهوه تبارك وتعالى أن يكون معه آلهة ) ما كان ينبغي لنا أن نتخذَ
من دونكَ من أَولياء ( يعنى ما لنا أن نتخذ من دونك ولياً أنت ولينا من دونهم
) ولكن متعتهم ( يعنى كفار مكة ) وَ ) ) متعت ( ( وءاباءهم ) ) من قبلهم ( ( حتى
نسوا الذكر ( يقول : حتى تركوا إيماناً بالقرآن ) وكانوا قوماً بوراً ) [ آية : 18 ] يعنى
هلكى .
الفرقان : ( 19 ) فقد كذبوكم بما . . . . .
يقول الله تعالى لكفار مكة : ( فقد كذبوكم ) ) الملائكة ( ( بما يقولونَ ( بأنهم لم
يأمروكم بعبادتهم ) فما تستطيعونَ صرفاً ولا نصراً ( يقول : لا تقدر الملائكة صرف
العذاب عنكم ) و لا نصراً ( يعنى ولا منعاً يمنعونكم منه ) ومن يظلم منكم ( يعنى
يشرك بالله في الدنيا ، فيموت على الشرك ) نُذقهُ ) ) في الآخرة ( ( عذاباً كبيراً (
[ آية : 19 ] يعنى شديداً ، وكقوله في بني إسرائيل : ( ولتعلن علواً كبيراً ( يعنى
شديداً .
الفرقان : ( 20 ) وما أرسلنا قبلك . . . . .
) وما أرسلنا قبلك من المرسلينَ ( لقول كفار مكة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : أنه يأكل الطعام
ويمشي في الأسواق ، ) إِلا إِنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا
بعضكم لبعضٍ فتنةً ( ابتلينا بعضاً ببعض ، ذلك حين أسلم أبو ذو الغفاري ،
رضي الله عنه ، وعبد الله بن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وصهيب وبلال ، وخباب بن
الأرت ، وجبر مولى عامر بن الحضرمي ، وسالم مولى أبي حذيفة ، والنمر بن قاسط ،
وعامر بن فهيرة ، ومهجع بن عبد الله ، ونحوهم من الفقراء ، فقال أبو جهل ، وأمية ،
والوليد ، وعقبة ، وسهيل ، والمستهزئون من قريش : انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمداً
( صلى الله عليه وسلم ) من موالينا وأعواننا رذالة كل قبيلة فازدروهم ، فقال الله تبارك وتعالى لهؤلاء الفقراء
من العرب والموالى : ( أَتصبرونَ ( ؟ على الأذى والاستهزاء ) وكان ربكَ بصيراً (
[ آية : 20 ] أن تصبروا ، فصبروا ولم يجزعوا ، فأنزل الله عز وجل فيهم : ( إني جزيتهم(2/433)
صفحة رقم 434
اليوم بما صبروا ( على الأذى والاستهزاء من كفار قريش ) أنهم هم الفائزون (
[ المؤمنون : 111 ] يعنى الناجين من العذاب .
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 21 - 26 ] .
الفرقان : ( 21 ) وقال الذين لا . . . . .
) وَقال الذين لا يرجونَ لقاءنا ( يعنى لا يخشون البعث ، نزلت في عبد الله بن أمية ،
والوليد بن المغيرة ، ومكرز بن حفص بن الأحنف ، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس
العامري ، ويغيض بن عامر بن هشام ، ) لولا ( يعنى هلا ) أَنزل علينا الملائكة (
فكانوا رسلاً إلينا ، ) أَو نرى ربنا ( فيخبرنا أنك رسول ، يقول الله تعالى : ( لقد
استكبروا ( يقول : تكبروا ) في أنفسهم وعتو عُتواً كبيراً ) [ آية : 21 ] يقول : علوا في
القوم علواً شديداً حين قالوا : أو نرى ربنا ، فهكذا العلو في القول .
الفرقان : ( 22 ) يوم يرون الملائكة . . . . .
يقول الله تبارك وتعالى : ( يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمينَ ( وذلك أن كفار
مكة إذا خرجوا من قبورهم ، قالت لهم الحفظة من الملائكة عليهم ، السلام : حرام محرم
عليكم أيها المجرمون ، أن يكون لكم من البشرى شيء ، حين رأيتمونا ، كما بشر المؤمنون
في حم السجدة ، فذلك قوله : ( ويقولونَ ( يعنى الحفظة من الملائكة للكفار : ( حجراً
محجوراً ) [ آية : 22 ] يعنى حراماً محرماً عليكم أيها المجرمون البشارة كما بشر المؤمنون .
الفرقان : ( 23 ) وقدمنا إلى ما . . . . .
) وقدمنا ( يعنى وجئنا ، ويقال : وعمدنا ) إِلى ما عملوا من عملٍ فجعلناهُ هباء
منثوراً ) [ آية : 23 ] يعنى كالغبار الذي يسطع من حوافر الدواب
الفرقان : ( 24 ) أصحاب الجنة يومئذ . . . . .
) أَصحابُ الجنة
يومئذ خيرٌ مستقراً ( يعنى أفضل منزلاً في الجنة ، ) وَأَحسنُ مقيلاً ) [ آية : 24 ] يعنى
القائلة ، وذلك أنه يخفف عنهم الحساب ، ثم تقليون من يومهم ذلك في الجنة مقدار
نصف يوم من أيام الدنيا ، فيما يشتهون من التحف والكرامة ، فذلك قوله تعالى :
( وَأَحسن مقيلاً ( من مقيل الكفار ، وذلك أنه إذا فرغ من عرض الكفار ، أخرج لهم
عنق من النار يحبط بهم ، فذلك قوله في الكهف : ( أحاط بهم سرادقها ) [ الكهف :(2/434)
صفحة رقم 435
29 ] ، ثم خرج من النار دخان ظل أسود ، فيتفرق عليهم ، من فوقهم ثلاث فرق ، وهم في
السرادق فينطلقون يستظلون تحتها مما أصابهم من حر السرادق ، فيأخذهم الغثيان والشدة
من حره ، وهو أخف العذاب ، فيقبلون فيها لا مقيل راحة ، فذلك مقيل أهل النار ، ثم
يدخلون النار أفواجاً أَفواجاً .
الفرقان : ( 25 ) ويوم تشقق السماء . . . . .
) ويوم تشقق السماء بالغمام ( يعنى السموات السبع ، يقول : عن الغمام وهو أبيض
كهيئة الضبابة ، لنزول الرب عز وجل ، وملائكته ، فذلك قوله سبحانه ) ونزل الملائكة ( من السماء إلى الأرض عند انشقاقها ) تنزيلا ) [ آية : 25 ] لحساب
الثقلين كقوله عز وجل في البقرة ) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظل من
الغمام ) [ البقرة : 210 ] .
الفرقان : ( 26 ) الملك يومئذ الحق . . . . .
) الملك يومئذ الحق للرحمن ( وحده جل جلاله ، واليوم الكفار ينازعونه في أمره ،
)( وكان يوما على الكافرين عسيرا ) [ آية : 26 ] يقول : عسر عليهم يومئذ مواطن يوم
لشدته القيامة ومشقته ، ويهون على المؤمن كأذني صلاته .
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 27 - 31 ]
الفرقان : ( 27 ) ويوم يعض الظالم . . . . .
) ويوم يعض الظالم على يديه ( يعنى ندامه ، يعنى عقبة بن أبي معيط بن عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، وذلك أنه كان يكثر مجالسة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ، فقال
له خليله وهو أمية بن خلف الجمحي : يا عقبة ، ما أراك إلا قد صبأت إلى حديث هذا
الرجل ، يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : لم أفعل ، فقال : وجهي من وجهك حرام إن لم تتفل في
وجه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وتبرأ منه حتى يعلم قومك وعشيرتك أنك غير مفارق لهم ، ففعل ذلك
عقبة ، فأنزل الله عز وجل في عقبة بن أبي معيط : ( ويوم يعض الظالم على يديه ( من
الندامة .(2/435)
صفحة رقم 436
الفرقان : ( 28 ) يا ويلتى ليتني . . . . .
) يقول يا ليتني ( يتمنى ) اتخذت مع الرسول سبيلا ) [ آية : 27 ] إلى الهدى
) يا ويلتى ( يدعوا بالويل ، ثم يتمنى ، فيقول : يا ) ليتني لم أتخذ فلانا ( يعنى أمية
) خليلا ) [ آية : 28 ] يعنى يا ليتني لم أطع فلاناً ، يعنى أمية بن خلف ، فقتله النبي ( صلى الله عليه وسلم )
يوم بدر ، وقتل عاصم بن أبي الأفلح الأنصاري صبراً بأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولم يقتل
من الأسرى يوم بدر من قريش غيره ، والنضر بن الحارث .
الفرقان : ( 29 ) لقد أضلني عن . . . . .
يقول عبقة : ( لقد أضلني ( لقد ردني ) عن الذكر ( يعنى عن الإيمان بالقرآن
) بعد إذ جاءني ( يعنى حين جاءني ) وكان الشيطان ( في الآخرة ) للإنسان (
يعنى عقبة ) خذولا ) [ آية : 29 ] يقول : يتبرأ منه ، ونزل فيهما : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو ) [ الزخرف : 67 ] .
الفرقان : ( 30 ) وقال الرسول يا . . . . .
) وقال الرسول يا رب إن قومي ( قريشاً ) اتخذوا هذا القرءان مهجوراً ) [ آية : 30 ]
يقول : تركوا الإيمان بهذا القرآن ، فهم مجانبون له ،
الفرقان : ( 31 ) وكذلك جعلنا لكل . . . . .
يقول الله عز وجل : يعزي نبيه ( صلى الله عليه وسلم )
) وكذلك ( يعنى وهكذا ) جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ( نزلت في أبي جهل
وحده ، أي فلا يكبرن عليك ، فإن الأنبياء قبلك قد لقيت هذا التكذيب من قومهم ثم
قال عز وجل : ( وكفى بربك هاديا ( إلى دينه ) ونصيرا ) [ آية : 31 ] يعنى ومانعاً
فلا أحد أهدى من الله عز وجل ، ولا أمنع منه .
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 32 - 26 ] .
الفرقان : ( 32 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا لولا نزل ( يعنى هلا نزل ) عليه القرءان جُملة واحدة ( كما جاء
به موسى وعيسى يقول : ( كذلك لتثبت به فؤادك ( يعنى ليثبت القرآن في قلبك
) ورتلناه ترتيلا ) [ آية : 32 ] يعنى نرسله ترسلاً آيات ، ثم آيات ، ذلك قوله سبحانه :
( وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ) [ الإسراء : 106 ] .
الفرقان : ( 33 ) ولا يأتونك بمثل . . . . .
ثم قال عز وجل : ( ولا يأتونك بمثل ( يخاصمونك به إضمار لقولهم : لولا نزل عليه
القرآن جملة واحدة ، ونحوه في القرآن مما يخاصمون به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيرد الله عز وجل(2/436)
صفحة رقم 437
عليهم قولهم ، فذلك قوله عز وجل : ( إلا جئناك بالحق ( فيما تخصمهم به ) وأحسن تفسيرا ) [ آية : 33 ] يعنى وأحسن تبياناً فترد به خصومتهم .
الفرقان : ( 34 ) الذين يحشرون على . . . . .
ثم أخبر الله عز وجل بمستقرهم في الآخرة ، فقال سبحانه : ( الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ) [ آية : 34 ] يعنى وأخطأ طريق
الهدى في الدنيا من المؤمنين .
الفرقان : ( 35 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد ءاتينا مُوسى الكتاب ( يقول : أعطينا موسى ، عليه السلام ، التوراة ) وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا ) [ آية : 35 ] يعنى معيناً ، ثم انقطع الكلام فأخبر الله عز وجل
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ،
الفرقان : ( 36 ) فقلنا اذهبا إلى . . . . .
فقال سبحانه : ( فقلنا اذهبا إلى القوم ( يعنى أهل مصر ) الذين كذبواْ
بئايتنا ( يعنى الآيات التسع ) فدمرناهم تدميرا ) [ آية : 36 ] يعنى أهلكناهم
بالعذاب هلاكاً يعنى الغرق .
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 37 - 44 ] .
الفرقان : ( 37 ) وقوم نوح لما . . . . .
) وقوم نوح لما ( يعنى حين ) كذبوا الرسل ( يعنى نوحاً وحده ) أَغرقناهم
وجعلناهم للناس ءايةٌ ( يعنى عبرة لمن بعدهم ) وأعتدنا للظالمين عذابا أليما ) [ آية :
37 ] . يعنى وجيعاً .
الفرقان : ( 38 ) وعادا وثمود وأصحاب . . . . .
ثم قال تعالى : ( و ( أهلكنا ) وعاداً وثمودا وأصحاب الرس ( يعنى البئر التي قتل فيها
صاحب ياسين بأنطاكية التي بالشام ) وقرونا ( يعنى وأهلكنا أمما ) بين ذلك ( ما
بين عاد إلى أصحاب الرس ) كثيرا ) [ آية : 38 ] .(2/437)
صفحة رقم 438
الفرقان : ( 39 ) وكلا ضربنا له . . . . .
) وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا ) [ آية : 39 ] وكلاً دمرنا بالعذاب
تدميراً
الفرقان : ( 40 ) ولقد أتوا على . . . . .
) ولقد أتوا على القرية التي أمطرت ( بالحجارة ) مطر السوء ( يعنى قرية لوط
عليه السلام ، كل حجر في العظم على قدر كل إنسان ، ) أفلم يكونوا يرونها ( ؟
فيعتبروا ، ) بل كانوا لا يرجون نشورا ) [ آية : 40 ] يقول عز وجل : بل كانوا لا يخشون
بعثاً ، نظيرها في تبارك الملك : ( وإليه النشور ) [ الملك : 15 ] يعنى الإحياء .
الفرقان : ( 41 ) وإذا رأوك إن . . . . .
) وإذا رأوك ( يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا ) [ آية : 41 ] ( صلى الله عليه وسلم ) نزلت في أبي جهل لعنه الله ،
الفرقان : ( 42 ) إن كاد ليضلنا . . . . .
ثم قال أبو جهل : ( إن كادَ
ليضلنا عن ءالهتنا ( يعنى ليستزلنا عن عبادة آلهتنا ، ) لولا أن صبرنا ( يعنى تثبتنا
) عليها ( يعنى على عبادتها ليدخلنا في دينه ، يقول الله تبارك وتعالى : ( وسوف يعلمون حين يرون العذاب ( في الآخرة ) من أضل سبيلا ) [ آية : 42 ] يعنى من أخطأ
طريق الهدى أهم أم المؤمنون ؟
الفرقان : ( 43 ) أرأيت من اتخذ . . . . .
فنزلت ) أَرءيت من اتخذ إِلههُ هواهُ ( وذلك أن
الحارث بن قيس السهمي هوى شيئاً فعبده ، ) أفأنت ( يا محمد ) تكون عليه وكيلا ) [ آية : 43 ] يعنى مسيطراً يقول : تريد أن تبدل المشيئة إلى الهدى والضلالة .
الفرقان : ( 44 ) أم تحسب أن . . . . .
) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون ( إلى الهدى ) أو يعقلون ( الهدى ، ثم شبههم
بالبهائم ، فقال سبحانه : ( إن هم إلا كالأنعام ( في الأكل والشرب لا يلتفتون إلى الآخرة
) بل هم أضل سبيلا ) [ آية : 44 ] يقول : بل هم أخطأ طريقاً من البهائم ، لأنها تعرف
ربها وتذكره ، وكفار مكة لا يعرفون ربهم فيوحدونه .
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 46 - 52 ] . .(2/438)
صفحة رقم 439
الفرقان : ( 45 ) ألم تر إلى . . . . .
) ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ( ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ) ولو شاء لجعله ساكنا ( يقول تبارك وتعالى : لو شاء لجعل الظل دائماً لا يزول إلى يوم القيامة ،
)( ثم جعلنا الشمس عليه ( يعنى على الظل ) دليلا ) [ آية : 45 ] تتلوه الشمس فتدفعه ،
حتى تأتي على الظل كله .
الفرقان : ( 46 ) ثم قبضناه إلينا . . . . .
) ثم قبضناه إلينا ( يعنى الظل ) قبضا يسيرا ) [ آية : 46 ] يعنى خفيفاً
الفرقان : ( 47 ) وهو الذي جعل . . . . .
) وَهُو
الذي جعل لكم اليل لِباساً ( يعنى سكناً ) والنوم سباتا ( يعنى الإنسان مسبوتاً لا يعقل
كأنه ميت ، ) وجعل النهار نشورا ) [ آية : 47 ] ينتشرون فيه لابتغاء الرزق .
الفرقان : ( 48 ) وهو الذي أرسل . . . . .
) وهو الذي أرسل الرياح بشرا ( يعنى يبشر السحاب بالمطر ) بين يدي رحمته ( ، يعنى قدام المطر ) وأنزلنا من السماء ماء ( يعنى المطر ) طهورا ) [ آية : 48 ] .
للمؤمنين
الفرقان : ( 49 ) لنحيي به بلدة . . . . .
) لنحيي به ( المطر ) بلدة ميتا ( ليس فيه نبت فينبت بالمطر ) ونسقيه (
بالرياح والمطر ) مما خلقنا أنعاما ( في تلك البلدة ) وأناسي كثيرا ) [ آية : 49 ] في
تلك البلدة .
الفرقان : ( 50 ) ولقد صرفناه بينهم . . . . .
) ولقد صرفناه بينهم ( يعنى المطر بين الناس يصرف المطر أحياناً مرة بهذا البلدة ، ومرة
ببلد آخر ، فذلك التصرف ، ) ليذكروا ( في صنعه ، فيعتبروا في توحيد الله عز وجل ،
فيوحده ) فأبى أكثر الناس إلا كفورا ) [ آية : 50 ] يعنى إلا كفراً بالله تعالى في
نعمه .
الفرقان : ( 51 ) ولو شئنا لبعثنا . . . . .
) ولو شئنا لبعثنا ( زمانك يا محمد ) في كل قرية نذيرا ) [ آية : 51 ] يعنى
رسولاً ،
الفرقان : ( 52 ) فلا تطع الكافرين . . . . .
ولكن بعثناك إلى القرى كلها رسولاً اختصصناك بها ) فلا تطع الكافرين (
يعنى كفار مكة ، دعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى ملة آبائه ) وجهدهم به ( يعنى بالقرآن ) جهادا كبيرا ) [ آية : 52 ] يعنى شديداً .
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 53 - 60 ] .(2/439)
صفحة رقم 440
الفرقان : ( 53 ) وهو الذي مرج . . . . .
) وهو الذي مرج البحرين ( يعنى ماء المالح على ماء العذب ، ) هذا عذب فرات (
يعنى تبارك تعالى خلداً طيباً ) وهذا ملح أجاج ( يعنى مراً من شدة الملوحة ، ) وجعل بينهما برزخا ( يعنى أجلاً ) وحجرا محجورا ) [ آية : 53 ] يعنى حجاباً محجوباً ، فلا
يختلطان ، ولا يفسد طعم الماء العذب .
الفرقان : ( 54 ) وهو الذي خلق . . . . .
) وهو الذي خلق من الماء بشرا ( يعنى النطفة إنساناً ) فجعله ( يعنى الإنسان
) نسبا وصهرا ( أما النسب فالقرابة له خمس نسوة ، أمهاتكم اللاتي أرضعنكم
وأخواتكم من الرضاعة ، وأمهات نسائكم ، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم ،
اللاتي دخلتم بهن ، فإن لم تكونوا دخلتم بهن ، فلا جناح عليكم ، وحلائل أبنائكم ، فهذا
من الصهر ، ثم قال تعالى : ( وكان ربك قديرا ) [ آية : 54 ] على ما أراده .
الفرقان : ( 55 ) ويعبدون من دون . . . . .
) ويعبدون من دون الله ( من الملائكة ) ما لا ينفعهم ( في الآخرة إن عبدوهم
) ولا يضرهم ( في الدنيا إذا لم يعبدوهم ) وكان الكافر ( يعنى أبا جهل ) على ربه ظهيرا ) [ آية : 55 ] يعنى معيناً للمشركين على ألا يوحدوا الله عز وجل .
الفرقان : ( 56 ) وما أرسلناك إلا . . . . .
) وما أرسلناك إلا مبشرا ( بالجنة ) ونذيرا ) [ آية : 56 ] من النار
الفرقان : ( 57 ) قل ما أسألكم . . . . .
) قُل ما أسئلكم
عليه ( يعنى على الإيمان ) من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ) [ آية : 57 ] .
لطاعته .
الفرقان : ( 58 ) وتوكل على الحي . . . . .
) وتوكل على الحي الذي لا يموت ( وذلك حين دعى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى ملة آبائه
) وسبح بحمده ( أي بحمد ربك ، يقول : واذكر بأمره ، ) وكفى به بذنوب عباده خبيرا ) [ آية : 58 ] يعنى بذنوب كفار مكة ، فلا أحد أخبر ، ولا أعلم بذنوب العباد من
الله عز وجل
الفرقان : ( 59 ) الذي خلق السماوات . . . . .
ثم عظم نفسه تبارك وتعالى ، فقال عز وجل : ( الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ( قبل ذلك ) الرحمن ( جل جلاله ) فسئل به
خبيراً ) [ آية : 59 ] يعنى فاسأل بالله خبيراً يا من تسأل عنه محمداً .(2/440)
صفحة رقم 441
الفرقان : ( 60 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم ( لكفار مكة ) اسجدوا للرحمن ( عز وجل ، وذلك أن أبا جهل قال :
يا محمد ، إن كنت تعلم الشعر ، فنحن عارفون لك ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' الشعر غير هذا ، إن
هذا كلام الرحمن ' ، عز وجل ، قال أبو جهل : بخ بخ أجل ، لعمر الله ، إنه لكلام الرحمن
الذي باليمامة ، فهو يعلمك ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' الرحمن هو الله عز وجل ، الذي في السماء ،
ومن عنده يأتي جبريل ، عليه السلام ' . فقال أبو جهل : يا آل غالب ، من يعذرني من ابن
أبي كبشة ، يزعم أن ربه واحد ، وهو يقول : الله يعلمني ، والرحمن يعلمني ، ألستم تعلمون ،
أن هذين إلهين ؟ قال الوليد بن المغيرة ، وعتبة ، وعقبة : ما نعلم الله والرحمن إلا اسمين ، فأما
الله فقد عرفناه ، وهو الذي خلق ما نرى ، وأما الرحمن فلا نعلمه إلا مسيلمة الكذاب ، ثم
قال : يا ابن أبي كبشة ، تدعو إلى عبادة الرحمن الذي باليمامة . فأنزل الله عز وجل :
( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن ( يعنى صلوا للرحمن ) قالوا وما الرحمن ( فانكروه
) أنسجد لما تأمرنا ( يعنى نصلي للذي تأمرنا ، يعنون مسيلمة ) وزادهم نفورا ) [ آية :
60 ] يقول : زادهم ذكر الرحمن تباعداً من الإيمان .
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 61 - 66 ] .
الفرقان : ( 61 ) تبارك الذي جعل . . . . .
) تبارك الذي جعل في السماء بروجا ( يعنى مضيئاً ) وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا (
[ آية : 61 ]
الفرقان : ( 62 ) وهو الذي جعل . . . . .
) وهو الذي جعل اليل والنهار خلفةً ( فجعل النهار خلفاً من الليل لمن كانت
له حاجة ، وكان مشغولاً ) لمن أراد أن يذكر ( الله عز وجل ) أو أراد شكورا (
[ آية : 62 ] في الليل والنهار ، يعنى عبادته .
الفرقان : ( 63 ) وعباد الرحمن الذين . . . . .
) وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ( يعنى حلماً في اقتصاد ، ) وإذا خاطبهم الجاهلون ( يعنى السفهاء ) قالوا سلاما ) [ آية : 63 ] يقول : إذا سمعوا الشتم
والأذى من كفار مكة من أجل الإسلام ردوا معروفاً .
الفرقان : ( 64 ) والذين يبيتون لربهم . . . . .
) والذين يبيتون لربهم ( بالليل في الصلاة ) سُجداً وقيماً ) [ آية : 64 ]
الفرقان : ( 65 ) والذين يقولون ربنا . . . . .
) والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ) [ آية : 65 ] يعنى(2/441)
صفحة رقم 442
لازماً لصاحبه لا يفارقه ،
الفرقان : ( 66 ) إنها ساءت مستقرا . . . . .
) إنها ساءت مستقرا ومقاما ) [ آية : 66 ] يعنى بئس المستقر
وبئس الخلود ، كقوله سبحانه : ( دار المقامة ) [ فاطر : 35 ] يعنى دار الخلد .
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 67 - 71 ] .
الفرقان : ( 67 ) والذين إذا أنفقوا . . . . .
) والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ( في غير حق ، ) ولم يقتروا ( يعنى ولم يمسكوا عن
حق ، ) وكان بين ذلك قواما ) [ آية : 67 ] يعنى بين الإسراف والإقتار مقتصداً
الفرقان : ( 68 ) والذين لا يدعون . . . . .
) والذين لا يدعون ( يعنى لا يعبدون ) مع الله إلهاً ءاخر ولا يقتلون النفس التي حرم
الله ( قتلها ) إلا بالحق ( يعنى بالقصاص ) ولا يزنون ومن يفعل ذلك ( جميعاً ) يلق أثاما ) [ آية : 68 ] يعنى جزاؤه ، وادياً في جهنم .
الفرقان : ( 69 ) يضاعف له العذاب . . . . .
) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه ( يعنى في العذاب ) مهانا ) [ آية : ] 69 ] يعنى يهان فيه : نزلت بمكة ، فلما هاجر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة ، كتب وحشي بن
جبيش غلام المطعم عدة ابن نوفل بن عبد مناف ، إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد ما قتل حمزة : هل لي
من توبة وقد أشركت وقتلت وزنيت ؟ فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأنزل الله فيه بعد سنتين .
الفرقان : ( 70 ) إلا من تاب . . . . .
فقال سبحانه : ( إلا من تاب ( من الشرك ) وَءامن ( يعنى وصدق بتوحيد الله
عز وجل ) وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله ( يعنى يحول الله عز وجل
) سيئاتهم حسنات ( والتبديل من العمل السيئ إلى العمل الصالح ) وكان الله غفورا (
لما كان في الشرك ) رحيما ) [ آية : 70 ] به في الإسلام ، فأسلم وحشي ، وكان وحشي
قد قتل حمزة بن عبد المطلب عليه السلام بوم أحد ، ثم أسلم ، فأمره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فخرب
مسجد المنافقين ، ثم قتل مسيلمة الكذاب باليمامة على عهد أبي بكر الصديق ، رضي الله
عنه ، فكان وحشي يقول : أنا الذي قتلت خير الناس ، يعنى حمزة ، وأنا الذي قتلت شر(2/442)
صفحة رقم 443
الناس ، يعنى مسيلمة الكذاب ، فلما قبل الله عز وجل توبة وحشي ، قال كفار مكة : كلنا
قد عمل عَمل وحشي ، فقد قبل الله عز وجل توبته ، ولم ينزل فينا شيء فأنزل الله عز
وجل في كفار مكة : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) [ الزمر : 53 ] في الإسلام ، يعنى بالإسراف الذنوب العظام
الشرك والقتل والزنا ، فكان بين هذه الآية : ( ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ) [ الفرقان : 68 ] إلى آخر الآية ، وبين الآية التي في النساء ) ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) [ النساء : 93 ] إلى آخر الآية ، ثماني سنين .
الفرقان : ( 71 ) ومن تاب وعمل . . . . .
) ومن تابَ ( من الشرك ) وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ) [ آية : 71 ] يعنى
مناصحاً لا يعود إلى نكل الذنب .
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 72 - 77 ] .
الفرقان : ( 72 ) والذين لا يشهدون . . . . .
) والذين لا يشهدون الزور ( يعنى لا يحضرون الذنب يعنى الشرك ) وإذا مروا باللغو مروا كراما ) [ آية : 72 ] يقول : إذا سمعوا من كفار مكة الشتم والأذى على
الإسلام مروا كراماً معرضين عنهم ، كقوله سبحانه : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه (
[ القصص : 55 ] .
الفرقان : ( 73 ) والذين إذا ذكروا . . . . .
) والذين إذا ذكروا بئايت ربهم ( يعنى والذين إذا وعظوا بآيات القرآن ) لم يخروا عليها صما وعميانا ) [ آية : 73 ] يقول : لم يقفوا عليها صماً لم يسمعوها ، ولا
عمياناً لم يبصروها ، كفعل مشركي مكة ، ولكنهم سمعوا وأبصروا وانتفعوا به .
الفرقان : ( 74 ) والذين يقولون ربنا . . . . .
) والذين يقولونَ ربنا هب لنا من أَزواجنا وذريتنا قُرة أَعين ( يقول : اجعلهم
صالحين ، فتقر أعيننا بذلك ، ) واجعلنا للمتقين إماما ) [ آية : 74 ] يقول : واجعلنا أئمة
يقتدي بنا في الخير .(2/443)
صفحة رقم 444
الفرقان : ( 75 ) أولئك يجزون الغرفة . . . . .
) أُولئك يجزؤن الغرفة بما صبروا ويلقونَ فيها تحيةً وسلاماً ) [ آية : 75 ]
نظيرها في الزمر : ( لهم غرف فوقها غرف مبنية ) [ الزمر : 20 ] .
قال أبو محمد : سألت أبا صالح عنها ، فقال : قال مقاتل : اجعلنا نقتدي بصالح أسلافنا ،
حتى يقتدي بنا من بعدنا ، بما صبروا على أمر الله عز وجل ، ويلقون فيها تحية ، يعنى
السلام ، ثم قال : وسلاماً يقول : وسلم الله لهم أمرهم وتجاوز عنهم ، ويقال : التسليم من
الملائكة عليهم
الفرقان : ( 76 ) خالدين فيها حسنت . . . . .
) خالدين فيها ( لا يموتون أبداً ) حسنت مستقرا ( فيها
) ومقاما ) [ آية : 76 ] يعنى الخلود .
الفرقان : ( 77 ) قل ما يعبأ . . . . .
) قُل ما يعبؤا بكم ( يقول : ما يفعل بكم ) ربي لولا دعاؤكم ( يقول : لولا
عبادتكم ) فقد كذبتم ( النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، يعدُ كفار مكة ) فسوف يكون لزاما ) [ آية :
77 ] يلزمكم العذاب ببدر ، فقتلوا وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم ، وعجل الله
تعالى بأرواحهم إلى النار ، فيعرضون عليها طرفي النهار .(2/444)
صفحة رقم 445
( سورة الشعراء )
مقدمة
( سورة الشعراء مكية ، غير آيتين فإنهما مدنيتان )
1 ( أحدهما : قوله تعالى : ( أو لم يكن لهم آية أن يعلمه ( الآية ) 1 ( والأخرى قوله تعالى : ( والشعراء يتبعهم الغاون ( ) 1 ( وبعض أهل التفسير يقول : إن من قوله تعالى : ( والشعراء ( إلى آخرها ، وهن ) 1 ( أربع آيات مدنيات ، والله أعلم بما أنزل )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
.
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 1 - 9 ] .
الشعراء : ( 1 ) طسم
) طسم ) [ آية : 1 ]
الشعراء : ( 2 ) تلك آيات الكتاب . . . . .
) تلك ءايتُ الكتاب المُبين ) [ آية : 2 ] ، يعنى عز جل ما بين
فيه من أمره ، ونهيه ، وحلاله ، وحرامه .
الشعراء : ( 3 ) لعلك باخع نفسك . . . . .
) لعلك ( يا محمد ) باخع نفسك ( ، وذلك حين كذب به كفار مكة ، منهم : الوليد
بن المغيرة ، وأبو جهل ، وأمية بن خلف ، فشق على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : تكذيبهم إياه ، فأنزل الله عز
وجل : ( لعلك باخع نفسك ( ، يعنى قاتلاً نفسك حزناً ) ألا يكونوا مؤمنين ) [ آية : 3 ] ،
يعنى ألا يكونوا مصدقين بالقول أنه من عند الله عز وجل ، نظيرها في الكهف :
( فلعلك باخع نفسك على آثارهم ) [ الكهف : 6 ] .
الشعراء : ( 4 ) إن نشأ ننزل . . . . .
) إن نشأ ( ، يعنى لو نشاء ، ) نُنزل عليهم من السماءِ ءايةً فظلت ( ، يعنى فمالت ) أعناقهم لها ( ، يعنى للآية ، ) خاضعين ) [ آية : 4 ] ، يعنى مقبلين إليها مؤمنين بالآية .
الشعراء : ( 5 ) وما يأتيهم من . . . . .
) وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث ( ، يقول : ما يحدث الله عز وجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من(2/445)
صفحة رقم 446
القرآن ، ) إلا كانوا عنه ( ، يعنى عن الإيمان بالقرآن ) معرضين ) [ آية : 5 ] .
الشعراء : ( 6 ) فقد كذبوا فسيأتيهم . . . . .
) فقد كذبوا ( بالحق ، يعنى بالقرآن لما جاءهم ، يعنى حين جاءهم محمد ( صلى الله عليه وسلم )
) فسيأتيهم أنبؤا ( يعنى حديث ) مَا كانوا به يستهزءونَ ) [ آية : 6 ] وذلك أنهم حين
كذبوا بالقرآن ، أوعدهم الله عز وجل بالقتل ببدر ، ثم وعظهم ليعتبروا .
الشعراء : ( 7 ) أو لم يروا . . . . .
فقال عز وجل : ( أَولم يروا إِلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريمٍ ) [ آية : 7 ] يقول
كم أخرجنا من الأرض من كل صنف من ألوان النبت حسن .
الشعراء : ( 8 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية ( يقول : إن في النبت لعبرة في توحيد الله عز وجل ، أنهُ واحد
) وما كان أكثرهم ( يعنى أهل مكة ) مؤمنين ) [ آية : 8 ] يعنى مصدقين بالتوحيد .
الشعراء : ( 9 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز ) [ آية : 9 ] في نقمته منهم ببدر ) الرحيم ( حين لا يعجل
عليهم بالعقوبة إلى الوقت المحدد لهم .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 10 - 15 ] .
الشعراء : ( 10 ) وإذ نادى ربك . . . . .
) وإذ نادى ربك ( يقول : وإذ أمر ربك يا محمد ) موسى أن ائت القوم الظالمين ) [ آية : 10 ] يعنى المشركين .
الشعراء : ( 11 ) قوم فرعون ألا . . . . .
) قوم فرعون ( واسمه فيطوس بأرض مصر ، وقل لهم يا موسى : ( ألا يتقون (
[ آية : 11 ] يعنى ألا يعبدون الله عز وجل .
الشعراء : ( 12 ) قال رب إني . . . . .
) قال ( موسى : ( رب إني أخاف أن يكذبون (
[ آية : 12 ] فيما أقول .
الشعراء : ( 13 ) ويضيق صدري ولا . . . . .
) و ( أخاف أن ) ويضيق صدري ( يعنى يضيق قلبي ، ) ولا ينطلق لساني (
بالبلاغ ) فأرسل إلى هارون ) [ آية : 13 ] يقول : فأرسل معي هارون ، كقوله في النساء :
( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ) [ النساء : 2 ] ، يعنى مع أموالكم .
الشعراء : ( 14 ) ولهم علي ذنب . . . . .
) ولهم علي ذنب ( يعنى عندي ذنب ، يعنى قتل النفس ) أخاف أن يقتلون ) [ آية : 14 ] .
الشعراء : ( 15 ) قال كلا فاذهبا . . . . .
) قال كلا فاذهبا بئايتنا ( لا تخافا القتل ) إنا معكم مستمعون ) [ آية : 15 ] .(2/446)
صفحة رقم 447
تفسير سورة الفرقان من الآية : [ 16 - 26 ] .
الشعراء : ( 16 ) فأتيا فرعون فقولا . . . . .
) فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ) [ آية : 16 ] كقوله سبحانه : ( فأتياه فقولا إنا رسولا ربك ) [ طه : 47 ] ، يعنى نفسه وهارون ، رسولا ربك لقول فرعون :
أنا الرب والإله ، ثم انقطع الكلام .
ثم انطلق موسى ( صلى الله عليه وسلم ) إلى مصر وهارون بمصر ، فانطلقا كلاهما إلى فرعون ، فلم يأذن
لهما سنة في الدخول ، فلما دخلا عليه ، قال موسى لفرعون : ( إنا ( ، يعنى نفسه
وهارون ، عليه السلام ، ) رسول رب العالمين (
الشعراء : ( 17 - 18 ) أن أرسل معنا . . . . .
) أن أرسل معنا بني إسرائيل ) [ آية : 17 ] إلى أرض فلسطين لا تستعبدهم ، فعرف
فرعون موسى ، لأنه رباه في بيته ، فلما قتل موسى ، عليه السلام ، النفس هرب من مصر ،
فلما أتاه ) قال ( فرعون له : ( ألم نربك فينا وليدا ( يعنى صبياً ) ولبثت فينا ( يعنى
عندنا ) من عمرك سنين ) [ آية : 18 ] يعنى ثلاثين سنة .
الشعراء : ( 19 ) وفعلت فعلتك التي . . . . .
) وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) [ آية : 19 ]
الشعراء : ( 20 ) قال فعلتها إذا . . . . .
) قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ) [ آية : 20 ] يعنى من الجاهلين ، وهي قراءة ابن مسعود : ' فعلتها إذا وأنا من
الجاهلين ' .
الشعراء : ( 21 ) ففررت منكم لما . . . . .
) ففررت منكم ( إلى مدين ) لما خفتكم ( أن تقتلون ) فوهب لي ربي حكما (
يعنى العلم والفهم ) وجعلني من المرسلين ) [ آية : 21 ] إليكم .
الشعراء : ( 22 ) وتلك نعمة تمنها . . . . .
ثم قال لفرعون : ( وتلك نعمة تمنها علي ( يا فرعون تمن على بإحسانك إلى خاصة فيما
زعمت ، وتنسى إساءتك ) أن عبدت ( يقول : استعبدت ) بني إسرائيل ) [ آية : 22 ]
فاتخذهم عبيداً لقومك القبط ، وكان فرعون قد قهرهم أربع مائة وثلاثين سنة ، ويقال :(2/447)
صفحة رقم 448
وأربعين سنة ، وإنما كانت بنو إسرائيل بمصر حين أتاها يعقوب وبنوه وحشمه ، حين أتوا يوسف .
الشعراء : ( 23 ) قال فرعون وما . . . . .
) قال فرعون ( لموسى : ( وما رب العالمين ) [ آية : 23 ] منكراً له .
الشعراء : ( 24 ) قال رب السماوات . . . . .
) قال ( موسى .
) رب السماوات والأرض وما بينهما ( من العجائب ) إن كنتم موقنين ) [ آية : 24 ]
بتوحيد الله عز وجل
الشعراء : ( 25 ) قال لمن حوله . . . . .
) قال ( فرعون ) لمن حوله ( يعنى الأشراف ، وكان حوله
خمسون ومائة من أشرافهم أصحاب الأثرة : ( أَلا تسمتعونَ ) [ آية : 25 ] إلى قول هذا
يعنى موسى
الشعراء : ( 26 ) قال ربكم ورب . . . . .
) قال ( موسى : هو ) ربكم ورب ءابائكم الأولين ) [ آية : 26 ] .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 27 - 46 ] .
الشعراء : ( 27 ) قال إن رسولكم . . . . .
) قال ( فرعون لهم : ( إن رسولكم ( يعنى موسى ) الذي أرسل إليكم لمجنون ) [ آية :
27 ]
الشعراء : ( 28 ) قال رب المشرق . . . . .
) قال ( موسى : هو ) رب المشرق والمغرب ( يعنى مشرق ومغرب يوم ،
يستوي الليل والنهار في السنة يومين ، ويسمى البرج الميزان ، ثم قال : ( وما بينهما (
يعنى ما بين المشرق والمغرب من جبل أو بناء ، أو شجر ، أو شيء ، ) إن كنتم تعقلون (
[ آية : 28 ] توحيد الله عز وجل .
الشعراء : ( 29 ) قال لئن اتخذت . . . . .
) قال ( فرعون : ( لئن اتخذت إلها غيري ( يعنى رباً ) لأجعلنك من المسجونين ((2/448)
صفحة رقم 449
[ آية : 29 ] يعنى من المحبوسين .
الشعراء : ( 30 ) قال أولو جئتك . . . . .
) قال ( موسى : ( أَولو جئتكَ بشيءٍ مُبينٍ ) [ آية : 30 ] .
يعنى بأمر بين ، يعنى اليد والعصا ، يستبين لك أمري فتصدقني .
الشعراء : ( 31 ) قال فأت به . . . . .
) قال ( فرعون : ( فأت به إن كنت من الصادقين ) [ آية : 31 ] بأنك رسول رب العالمين إلينا .
الشعراء : ( 32 ) فألقى عصاه فإذا . . . . .
) فألقى عصاه ( وفي يد موسى ، عليه السلام ، عصاه ، وكانت من الآس ، قال ابن
عباس : إن جبريل دفع العصا إلى موسى ، عليهما السلام ، بالليل حين توجه إلى مدين
وكان آدم ، عليه السلام ، أخرج بالعصا من الجنة ، فلما مات آدم قبضها جبريل ، عليه
السلام ، فقال موسى لفرعون : ما هذه بيدي ؟ قال فرعون : هذه عصا ، فألقاها موسى من
يده ) فإذا هي ثعبان مبين ) [ آية : 32 ] يعنى حية ذكر أصفر أشعر العنق عظيم ملأ الدار
عظماً ، قائم على ذنبه يتملظ على فرعون وقومه يتوعدهم ، قال فرعون : خذها يا موسى ،
مخافة أن تبتلعه ، فأخذ بذبها ، فصارت عصاً مثل ما كانت ، قال فرعون : هل من آية
أخرى غيرها ؟ قال موسى : نعم ، فأبرز يده ، قال لفرعون : ما هذه ؟ قال فرعون هذه :
يدك ، فأدخلها في جيبه وهي مدرعة مصرية من صوف .
الشعراء : ( 33 ) ونزع يده فإذا . . . . .
) ونزع يده ( يعنى أخرج يده من المدرعة ) فإذا هي بيضاء للناظرين ) [ آية : 33 ] لها
شعاع مثل شعاع الشمس من شدة بياضها يغشى العصر .
الشعراء : ( 34 ) قال للملإ حوله . . . . .
) قال ( فرعون ) للملا (
يعنى الأشراف ) حوله إن هذا ( يعنى موسى ) لساحر عليم ) [ آية : 34 ] بالسحر
الشعراء : ( 35 ) يريد أن يخرجكم . . . . .
) يريد أن يخرجكم من أرضكم ( يعنى مصر ) بسحره فماذا تأمرون ) [ آية : 35 ]
يقول : فماذا تشيرون عليّ ، فرد عليه الملأ من قومه ، يعنى الأشراف .
الشعراء : ( 36 ) قالوا أرجه وأخاه . . . . .
) قالوا أرجه وأخاه ( يقول : احبسهما جميعاً ، ولا تقتلهما ، حتى ننظر ما أمرهما
) وابعث في المدائن ( يعنى في القرى ) حاشرين ) [ آية : 36 ] يحشرون عليك السحرة
الشعراء : ( 37 ) يأتوك بكل سحار . . . . .
فذلك قوله سبحانه : ( يأتوك بكل سحار عليم ) [ آية : 37 ] يعنى عالم بالسحر .
الشعراء : ( 38 ) فجمع السحرة لميقات . . . . .
) فجمع السحرة لميقات يوم معلوم ) [ آية : 38 ] يعنى موقت ، وهو يوم عيدهم ، وهو
يوم الزينة ، وهم اثنتان وسبعون ساحراً من أهل فارس ، وبقيتهم من بني إسرائيل .
الشعراء : ( 39 ) وقيل للناس هل . . . . .
) وقيل للناس ( يعنى لأهل مصر ) هل أنتم مجتمعون ) [ آية : 39 ] إلى السحرة
الشعراء : ( 40 ) لعلنا نتبع السحرة . . . . .
) لعلنا نتبع السحرة ( على أمرهم ) إن كانوا هم الغالبين ) [ آية : 40 ] لموسى وأخيه ، واجتمعوا ،
فقال موسى للساحر الأكبر : تؤمن بي إن غلبتك ؟ قال الساحر : لآتين بسحر لا يغلبه
سحر ، فإن غلبتني لأومنن بك ، وفرعون ينظر إليهما ، ولا يفهم ما يقولان .(2/449)
صفحة رقم 450
الشعراء : ( 41 ) فلما جاء السحرة . . . . .
) فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا ( يعنى جعلاً ) إن كنا نحن الغالبين ) [ آية :
41 ] لموسى وأخيه .
الشعراء : ( 42 ) قال نعم وإنكم . . . . .
) قال ( فرعون : ( نعم ( لكم الجعل ) وإنكم إذا لمن المقربين ) [ آية : 42 ] عندي في المنزلة سوى الجعل .
الشعراء : ( 43 ) قال لهم موسى . . . . .
) قال لهم موسى ألقوا ( ما في أيديكم من الحبال
والعصي ) ما أنتم ملقون ) [ آية : 43 ]
الشعراء : ( 44 ) فألقوا حبالهم وعصيهم . . . . .
) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون ( يعنى
بعظمة فرعون ، كقولهم لشعيب : ( وما أنت علينا بعزيز ) [ هود : 91 ] ، يعنى بعظيم .
) إنا لنحن الغالبون ) [ آية : 44 ] فإذا هي حيات في أعين الناس ، وفي عين موسى
وهارون تسعى إلى موسى وأخيه ، وإنما هي حبال وعصي لا تحرك ، فخاف موسى ، فقال
جبريل لموسى ، عليه السلام : ألق عصاك ، فإذا هي حية عظيمة سدت الأفق برأسها
وعلقت ذنبها في قبة لفرعون طول القبة سبعون ذراعاً في السماء ، وذلك في المحرم يوم
السبت لثماني ليال خلون من المحرم ، ثم إن حية موسى فتحت فاها ، فجعلت تلقم تلك
الحيات ، فلم يبق منها شيء .
الشعراء : ( 45 ) فألقى موسى عصاه . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ) [ آية : 45 ] يعنى
فإذا هي تلقم ما يكذبون من سحرهم ، ثم أخذ موسى ، عليه السلام ، بذنبها فإذا هي
عصا كما كانت ، فقال السحرة بعضهم لبعض : لو كان هذا سحر لبقيت الحبال
والعصي .
الشعراء : ( 46 ) فألقي السحرة ساجدين
فذلك قوله عز وجل : ( فألقي السحرة ساجدين ) [ آية : 46 ] لله عز وجل .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 47 - 51 ] .
الشعراء : ( 47 ) قالوا آمنا برب . . . . .
) قالوا ءامنا برب العالمينَ ) [ آية : 47 ] لقول موسى : أنا رسول رب العالمين ، فقال
فرعون : أنا رب العالمين .
الشعراء : ( 48 ) رب موسى وهارون
قالت السحرة : ( رب موسى وهارون ) [ آية : 48 ] فبهت فرعون
عند ذلك ، وألقى بيديه .
الشعراء : ( 49 ) قال آمنتم له . . . . .
ف ) قال ( فرعون للسحرة : ( ءامنتم لَهُ ( يقول : صدقتم
بموسى ) قبل أَن ءاذن لكم ( يقول : من قبل أن آمركم بالإيمان به ، ثم قال فرعون
للسحرة : ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ( إن هذا لمكر مكرتموه ، يقول : إن هذا لقول
قلتموه أنتم ، يعنى به السحرة وموسى في المدينة ، يعنى في أهل مدين لتخرجوا منها(2/450)
صفحة رقم 451
أهلها بقول الساحر الأكبر لموسى ، حين قال : لئن غلبتني لأؤمن بك ، ) فلسوف تعلمون (
هذا وعيد ، فأخبرهم بالوعيد ، فقال : ( لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ( يعنى اليد اليمنى
والرجل اليسرى ، ) ولأصلبنكم أجمعين ) [ آية : 49 ] في جذوع النخل .
الشعراء : ( 50 ) قالوا لا ضير . . . . .
فردت عليه السحرة حين أوعدهم بالقتل والصلب ، ) قالوا لا ضير ( ما عسيت أن
تصنع هل هو إلا أن تقتلنا ) إنا إلى ربنا منقلبون ) [ آية : 50 ] يعنى لراجعون إلى الآخرة
الشعراء : ( 51 ) إنا نطمع أن . . . . .
) إنا نطمع ( أي نرجو ) أن يغفر لنا ربنا خطايانا ( ، يعنى سحرنا ) أن كنا أول المؤمنين ) [ آية : 51 ] يعنى أول المصدقين بتوحيد الله عز وجل من أهل مصر ، فقطعهم
وصلبهم فرعون من يومه ، قال ابن عباس : كانوا أول النهار سحرة وآخر النهار شهداء .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 52 - 68 ] .
الشعراء : ( 52 ) وأوحينا إلى موسى . . . . .
) وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ( بني إسرائيل ليلاً ) إنكم متبعون ) [ آية : 52 ]
يعنى يتبعكم فرعون وقومه ، فأمر جبريل ، عليه السلام ، كل أهل أربعة أبيات من بني
إسرائيل في بيت ، ويعلم تلك الأبواب بدم الخراف ، فإن الله عز وجل يبعث الملائكة إلى
أهل مصر ، فمن لم يروا على بابه دماً دخلوا بيته فقتلوا أبكارهم ، من أنفسهم وأنعامهم ،
فيشغلهم دفنهم إذا أصبحوا عن طلب موسى ، ففعلوا واستعاروا حلى أهل مصر ، فساروا
من ليلتهم قبل البحر ، هارون على المقدمة ، وموسى على الساقة ، فأصبح فرعون من الغد .
يوم الأحد ، وقد قتلت الملائكة أبكارهم ، فاشتغلوا بدفنهم ، ثم جمع الجموع فساروا يوم
الاثنين في طلب موسى ، عليه السلام ، وأصحابه ، وهامان على مقدمة فرعون في ألفي
ألف وخمس مائة ، ويقال : ألف أَلف مقاتل .
الشعراء : ( 53 ) فأرسل فرعون في . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( فأرسل فرعون في المدائن حاشرين ) [ آية : 53 ] يحشرون الناس(2/451)
صفحة رقم 452
في طلب موسى ، عليه السلام ، وهارون ، عليه السلام ، وبني إسرائيل ،
الشعراء : ( 54 ) إن هؤلاء لشرذمة . . . . .
ثم قال فرعون :
( إن هؤلاء ( يعنى بني إسرائيل ) لشرذمة ( يعنى عصابة ) قليلون ) [ آية : 54 ] وهم
ست مائة
الشعراء : ( 55 ) وإنهم لنا لغائظون
) وإنهم لنا لغائظون ) [ آية : 55 ] لقتلهم أبكارنا ، ثم هربوا منا
الشعراء : ( 56 ) وإنا لجميع حاذرون
) وإنا لجميع حاذرون ) [ آية : 56 ] علينا السلاح .
الشعراء : ( 57 ) فأخرجناهم من جنات . . . . .
يقول الله تعالى : ( فأخرجناهم ( من مصر ) من جنات ( يعنى البساتين ) وعيون (
[ آية : 57 ] يعنى أنهار جارية ) وكنوز ( يعنى الأموال الظاهرة من الذهب والفضة ، وإنما
سمى كنزاً ، لأنه لم يعط حق الله عز وجل منه ، وكل ما لم يعط حق الله تعالى منه ، فهو
كنز ، وإن كان ظاهراً .
الشعراء : ( 58 ) وكنوز ومقام كريم
قال سبحانه : ( ومقام كريم ) [ آية : 58 ] يعنى المساكن الحسان
) كذلك ( هكذا فعلنا بهم في الخروج من مصر ، وما كانوا فيه من الخير .
الشعراء : ( 59 ) كذلك وأورثناها بني . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وأورثناها بني إسرائيل ) [ آية : 59 ] ، وذلك أن الله عز وجل رد بني
إسرائيل بعدما أغرق فرعون وقومه إلى مصر ،
الشعراء : ( 60 ) فأتبعوهم مشرقين
) فأتبعوهم ( يقول : فاتبعهم فرعون وقومه
) مشرقين ) [ آية : 60 ] يعنى ضحى
الشعراء : ( 61 ) فلما تراءى الجمعان . . . . .
) فلما ترءا الجمعان ( يعنى جمع موسى ، عليه
السلام ، وجمع فرعون ، فعاين بعضهم بعضا ، ) قال أصحاب موسى إنا لمدركون ) [ آية :
61 ] هذا فرعون وقومه لحقونا من ورائنا ، وهذا البحر أمامنا قد غشينا ، ولا منقذ لنا
منه .
الشعراء : ( 62 ) قال كلا إن . . . . .
) قال ( موسى ، عليه السلام : ( كلا ( لا يدركوننا ) إن معي ربي سيهدين ) [ آية :
62 ] الطريق ، وذلك أن جبريل ، عليه السلام ، حين أتاه فأمره بالمسير من مصر ، قال :
موعد ما بيننا وبينك البحر ، فعلم موسى ، عليه السلام ، أن الله عز وجل سيجعل له
مخرجاً ، وذلك يوم الاثنين العاشر من المحرم .
الشعراء : ( 63 ) فأوحينا إلى موسى . . . . .
فلما صار موسى إلى البحر أوحى الله عز وجل إليه ، ) فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ( فجاءه جبريل ، عليه السلام ، فقال : اضرب بعصاك البحر ، فضربه بعصاه
في أربع ساعات من النهار ، ) فانفلق ( البحر فانشق الماء اثنى عشر طريقاً يابساً ، كل
طريق طوله فرسخان وعرضه فرسخان ، وقام الماء عن يمين الماء ، وعن يساره ، كالجبل
العظيم ، فذلك قوله عز وجل : ( فكان كُل فريق كالطود العظيم ) [ آية : 63 ] يعنى(2/452)
صفحة رقم 453
كالجبلين المقابلين كل واحد منهما على الآخر ، وفيهما كوى من طريق إلى طريق لينظر
بعضهم إلى بعض إذا ساروا فيه ليكون آنس لهم إذا نظر بعضهم إلى بعض ، فسلك كل
سبط من بني إسرائيل في طريق لا يخالطهم أحد من غيرهم ، وكانوا اثنى عشر سبطاً ،
فساروا في اثنى عشر طريقاً فقطعوا البحر ، وهو نهر النيل بين أيلة ، ومصر ، نصف النهار
في ست ساعات من النهار يوم الاثنين ، وهو يوم العاشر من المحرم ، فصام موسى ، عليه
السلام ، يوم العاشر شكراً لله عز وجل حين أنجاه الله عز وجل ، وأغرق عدوه فرعون ،
فمن ثم تصومه اليهود ، وسار فرعون وقومه في تمام ثمانية ساعات ، فلما توسطوا البحر
تفرقت الطرق عليهم ، فأغرقهم الله عز وجل أجمعين .
الشعراء : ( 64 ) وأزلفنا ثم الآخرين
فذلك قوله تعالى : ( وأزلفنا ثم الآخرين ) [ آية : 64 ] يعنى هناك الآخرين ، قربناً
فرعون وجنوده في مسالك بني إسرائيل
الشعراء : ( 65 ) وأنجينا موسى ومن . . . . .
) وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ) [ آية : 65 ] من
الغرق فلم يبقى أحد إلا نجا
الشعراء : ( 66 ) ثم أغرقنا الآخرين
) ثم أغرقنا الآخرين ) [ آية : 66 ] يعنى فرعون وقومه في
تمام تسع ساعات من النهار ، ثم أوحى الله عز وجل إلى البحر ، فألقى فرعون على
الساحل في ساعة ، فتلك عشر ساعات ، وبقي من النهار ساعتان .
الشعراء : ( 67 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية ( يقول : في هلاك فرعون وقومه لعبرة لمن بعدهم ، ) وما كان أكثرهم مؤمنين ) [ آية : 67 ] يقول : لم يكن أكثر أهل مصر مصدقين بتوحيد الله عز
وجل ، ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا ، ولم يؤمن من أهل مصر غير آسية
امرأة فرعون ، وحزقيل المؤمن من آل فرعون ، وفيه الماشطة ، ومريم ابنة ناموثية التي دلت
على عظام يوسف .
الشعراء : ( 68 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز ( في نقمته من أعدائه حين انتقم منهم ) الرحيم ) [ آية :
68 ] بالمؤمنين حين أنجاهم من العذاب ، وكان موسى بمصر ثلاثين سنة ، فلما قتل النفس
خرج إلى مدين هارباً على رجليه في الصيف بغير زاد ، وكان راعياً عشر سنين ، ثم بعثه
الله رسولاً وهو ابن أربعين سنة ، ثم دعا قومه ثلاثين سنة ، ثم قطع البحر ، فعاش خمسين
سنة ، فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان دعا فرعون وقومه عشر سنين ، فلما
أبوا أرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل ، وإلى آخر الآية ، ثم لبث فيهم أيضاً
عشرين سنة كل ذلك ثلاثين سنة ، فلم يؤمنوا فأغرقهم الله أجمعين ، فعاش موسى ، عليه(2/453)
صفحة رقم 454
السلام ، عشرين ومائة سنة .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 69 - 89 ] .
الشعراء : ( 69 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
) واتل عليهم ( على أهل مكة ) نبأ ( يعنى حديث ) إبراهيم ) [ آية : 69 ]
الشعراء : ( 70 ) إذ قال لأبيه . . . . .
) إذ قال لأبيه ( آزر ) وقومه ما تعبدون ) [ آية : 70 ] ) قالوا نعبد أصناما ( من ذهب
وفضة ، وحديد ، ونحاس ، وخشب ،
الشعراء : ( 71 ) قالوا نعبد أصناما . . . . .
) فنظل لها عاكفين ) [ آية : 71 ] يقول : فتقيم عليها
عاكفين ، وهي اثنان وسبعون
الشعراء : ( 72 ) قال هل يسمعونكم . . . . .
) قال ( إبراهيم ، عليه السلام : ( هل يسمعونكم إذ تدعون (
[ آية : 72 ] يقول : هل تجيبكم الأصنام إذا دعوتموهم ،
الشعراء : ( 73 ) أو ينفعونكم أو . . . . .
) أو ينفعونكم ( في شيء إذا
عبدتموها ، ) أو يضرون ) [ آية : 73 ] يضرونكم بشيء إن لم تعبدوها فردوا على إبراهيم .
الشعراء : ( 74 ) قالوا بل وجدنا . . . . .
) قَالوا بل وجدنا ءاباءنا كذلك يفعلون ) [ آية : 74 ] يعنى هكذا يعبدون الأصنام
الشعراء : ( 75 ) قال أفرأيتم ما . . . . .
) قال (
إبراهيم : ( أَفرءيتم ما كنتم تعبدونَ ) [ آية : 75 ] من الأصنام
الشعراء : ( 76 ) أنتم وآباؤكم الأقدمون
) أنتم وءاباؤكم
الأقدمون ) [ آية : 76 ] ،
الشعراء : ( 77 ) فإنهم عدو لي . . . . .
) فإنهم عدو لي ( أنا برئ مما تعبدون ، ثم استثنى إبراهيم عليه
السلام مما يعبدون رب العالمين جل جلاله ، وعبادتهم الله ، لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو
ربهم الذي خلقهم قوله : ( إلا رب العالمين ) [ آية : 77 ] مما تعبدون ، فإني لا أتبرأ منه
وإقرارهم بالله عز وجل أنه خلقهم ، وهو ربهم وهم عباده .
الشعراء : ( 78 ) الذي خلقني فهو . . . . .
ثم ذكر إبراهيم ، عليه السلام ، نعم رب العالمين تعالى ، فقال : ( الذي خلقني فهو يهدين ) [ آية : 78 ]
الشعراء : ( 79 ) والذي هو يطعمني . . . . .
) والذي هو يطعمني ( إذا جعت ) ويسقين ) [ آية : 79 ] إذا(2/454)
صفحة رقم 455
عطشت ،
الشعراء : ( 80 ) وإذا مرضت فهو . . . . .
) وإذا مرضت فهو يشفين ) [ آية : 80 ]
الشعراء : ( 81 ) والذي يميتني ثم . . . . .
) والذي يميتني ( في الدنيا ) ثم يحيين ) [ آية : 81 ] بعد الموت في الآخرة ،
الشعراء : ( 82 ) والذي أطمع أن . . . . .
) والذي أطمع ( يعنى أرجو ) أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) [ آية : 82 ] يعنى يوم الحساب ، يقول : أنا أعبد الذي يفعل هذا بي
ولا أعبد غيره ، وخطيئة إبراهيم ثلاث كذبات ، حين قال عن سارة : هذه أختي ، وحين
قال : إني سقيم ، وحين قال : بل فعله كبيرهم هذا ، إحداهن لنفسه ، واثنتان لله ، عز
وجل ، ربه تعالى ذكره .
الشعراء : ( 83 ) رب هب لي . . . . .
فقال : ( رب هب لي حكما ( يعني الفهم والعلم ) وألحقني بالصالحين ) [ آية :
83 ] يعنى الأنبياء عليهم السلام ،
الشعراء : ( 84 ) واجعل لي لسان . . . . .
) واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) [ آية : 84 ] يعنى
ثناء حسناً يقال : من بعدي في الناس ، فأعطاه الله عز وجل ذلك ، فكل أهل دين يقولون :
إبراهيم ، عليه السلام ، ويثنون عليه ،
الشعراء : ( 85 ) واجعلني من ورثة . . . . .
ثم قال : ( واجعلني من ورثة جنة النعيم ) [ آية : 85 ]
يقول : اجعلني ممن يرث الجنة .
الشعراء : ( 86 ) واغفر لأبي إنه . . . . .
) واغفر لأبي إنه كان من الضالين ) [ آية : 86 ] يعنى من المشركين ،
الشعراء : ( 87 ) ولا تخزني يوم . . . . .
) ولا تخزني ( يعنى
لا تعذبني ) يوم يبعثون ) [ آية : 87 ] يعنى يوم تبعث الخلق بعد الموت .
الشعراء : ( 88 ) يوم لا ينفع . . . . .
ثم نعت إبراهيم ، عليه السلام ، ذلك اليوم ، فقال : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون ) [ آية :
88 ] من العذاب من بعد الموت ،
الشعراء : ( 89 ) إلا من أتى . . . . .
) إلا من أتى الله ( في الآخرة ) بقلب سليم ) [ آية :
89 ] من الشرك مخلصاً لله عز وجل بالتوحيد ، فينفعه يوم البعث ماله وولده .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 90 - 104 ] .
الشعراء : ( 90 ) وأزلفت الجنة للمتقين
) وأزلفت ( يعنى وقربت ) الجنة للمتقين ) [ آية : 90 ]
الشعراء : ( 91 ) وبرزت الجحيم للغاوين
) وبرزت الجحيم ( يعنى
وكشف الغطاء عن الجحيم ) للغاوين ) [ آية : 91 ] من كفار بني آدم ، وهم الضالون
عن الهدى .
الشعراء : ( 92 ) وقيل لهم أين . . . . .
) وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون ) [ آية : 92 ] .(2/455)
صفحة رقم 456
الشعراء : ( 93 ) من دون الله . . . . .
) من دون الله ( لأنهم عبدوا الشيطان نظيرها في الصافات ) هل ينصرونكم أو ينتصرون ) [ آية : 93 ] يعنى هل يمنعونكم النار ، أو يمتنعون منها .
الشعراء : ( 94 ) فكبكبوا فيها هم . . . . .
) فكبكبوا فيها ( يعنى فقذفوا في النار ، يعنى فقذفهم الخزنة في النار ) هم ( يعنى
كفار بني آدم ) والغاونَ ) [ آية : 94 ] يعنى الشياطين الذين أغووا بني آدم ،
الشعراء : ( 95 ) وجنود إبليس أجمعون
ثم قال
تعالى : ( وجنود إبليس أجمعون ) [ آية : 95 ] يعنى ذرية إبليس كلهم .
الشعراء : ( 96 ) قالوا وهم فيها . . . . .
) قالوا وهم فيها يختصمون ) [ آية : 96 ] في النار ، فيها تقديم ، وذلك أن الكفار من
بني آدم ،
الشعراء : ( 97 ) تالله إن كنا . . . . .
قالوا للشياطين : ( تالله ( يعنى والله ) أن ( لقد ) كنا لفي ضلال مبين (
[ آية : 97 ]
الشعراء : ( 98 ) إذ نسويكم برب . . . . .
) إذ نسويكم ( يعنى نعدلكم يا معشر الشياطين ) برب العالمين ) [ آية :
98 ] في الطاعة فهذه خصومتهم .
الشعراء : ( 99 ) وما أضلنا إلا . . . . .
ثم قال كفار مكة من بني آدم : ( وما أضلنا ( عن الهدى ) إلا المجرمون ) [ آية :
99 ] يعنى الشياطين ، ثم أظهروا الندامة ، فقالوا :
الشعراء : ( 100 ) فما لنا من . . . . .
) فما لنا من شافعين ) [ آية : 100 ] من
الملائكة والنبيين .
الشعراء : ( 101 ) ولا صديق حميم
) ولا صديق حميم ) [ آية : 101 ] يعنى القريب الشفيق ، فيشفعون لنا كما
يشفع المؤمنين ، وذلك أنهم لما رأوا كيف يشفع الله عز وجل ، والملائكة ، والنبيين في أهل
التوحيد ، قالوا عند ذلك : ( فما لنا من شافعين ( إلى آخر الآية .
حدثنا أبو محمد ، قال : حدثني الهذيل ، قال : قال مقاتل : استكثروا من صداقة المؤمنين ،
فإن المؤمنين يشفعون يوم القيامة ، فذلك قوله سبحانه : ( ولا صديق حميم ( .
الشعراء : ( 102 ) فلو أن لنا . . . . .
ثم قال : ( فلو أن لنا كرة ( يعنى رجعة إلى الدنيا ) فنكون من المؤمنين ) [ آية : 102 ]
يعنى من المصدقين بالتوحيد ،
الشعراء : ( 103 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية ( يعنى إن في هلاك قوم إبراهيم لعبرة لمن
بعدهم ) وما كان أكثرهم مؤمنين ) [ آية : 103 ] يقول : لو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا
في الدنيا .
الشعراء : ( 104 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز ( في نقمته ) الرحيم ) [ آية : 104 ] بالمؤمنين هلك قوم
إبراهيم بالصيحة تفسيره في سورة العنكبوت .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 105 - 122 ] .(2/456)
صفحة رقم 457
الشعراء : ( 105 ) كذبت قوم نوح . . . . .
) كذبت قوم نوح المرسلين ) [ آية : 105 ] يعنى كذبوا نوحاً وحده ، نظيرها في اقتربت
الساعة
الشعراء : ( 106 ) إذ قال لهم . . . . .
) إذ قال لهم أخوهم نوح ( ليس بأخيهم في الدين ، ولكن أخوهم في النسب ) ألا تتقون ) [ آية : 106 ] يعنى ألا تخشون الله عز وجل .
الشعراء : ( 107 ) إني لكم رسول . . . . .
) إني لكم رسول أمين ) [ آية : 107 ] فيما بينكم وبين ربكم
الشعراء : ( 108 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله ( يعنى
فاعبدوا الله ) وأطيعون ) [ آية : 108 ] فيما آمركم به من النصيحة
الشعراء : ( 109 ) وما أسألكم عليه . . . . .
) وما أَسئلكم عليهِ من
أجرٍ ( يعنى جعلاً ، وذلك أنهم قالوا للأنبياء . إنما تريدون أن تملكوا علينا في أموالنا ،
فردت عليهم الأنبياء ، فقالوا : لا نسألكم عليه من أجر ، يعنى على الإيمان جعلاً .
) إن أجري ( يعنى جزائي ) إلا على رب العالمين ) [ آية : 109 ]
الشعراء : ( 110 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله ( يعنى
فاعبدوا الله ) وأطيعون ) [ آية : 110 ] فيما آمركم به من النصيحة
الشعراء : ( 111 ) قالوا أنؤمن لك . . . . .
) قالوا ( لنوح
) أنؤمن لك ( أنصدقك بقولك ) واتبعك الأرذلون ) [ آية : 111 ] يعنى السفلة .
الشعراء : ( 112 ) قال وما علمي . . . . .
) قال ( نوح ، عليه السلام : ( وما علمي بما كانوا يعملون ) [ آية : 112 ] يقول : لم
أكن أعلم أن الله يهديهم للإيمان من بينكم ويدعكم ، ثم قال نوح ، عليه السلام :
الشعراء : ( 113 ) إن حسابهم إلا . . . . .
) إن حسابهم ( يعنى ما جزاء الأرذلون ) إلا على ربي لو تشعرون ) [ آية : 113 ] .
الشعراء : ( 114 ) وما أنا بطارد . . . . .
) وما أنا بطارد المؤمنين ) [ آية : 114 ] يقول : وما أنا بالذي لا يقبل الإيمان من الذين
تزعمون أنهم الأرذلون عندكم
الشعراء : ( 115 ) إن أنا إلا . . . . .
) إن أنا ( يعنى ما أنا ) إلا نذير مبين ) [ آية : 115 ]
يعنى رسول بين
الشعراء : ( 116 ) قالوا لئن لم . . . . .
) قالوا لئن لم تنته ( يعنى لئن لم تسكت ) يا نوح ( عنا ) لتكونن من المرجومين ) [ آية : 116 ] يعنى من المقتولين .
الشعراء : ( 117 ) قال رب إن . . . . .
) قال ( نوح : ( رب إن قومي كذبون ) [ آية : 117 ] البعث
الشعراء : ( 118 ) فافتح بيني وبينهم . . . . .
) فافتح وبينهم فتحاً (
يقول : اقض بيني وبينهم قضاء ، يعنى العذاب ، ) ونجني ومن معي من المؤمنين ) [ آية :
118 ] من الغرق ، فنجاه الله عز وجل(2/457)
صفحة رقم 458
الشعراء : ( 119 ) فأنجيناه ومن معه . . . . .
) فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ) [ آية : 119 ] يعنى الموقر من الناس والطير
والحيوان كلها ، من كل صنف ذكر وأنثى ،
الشعراء : ( 120 ) ثم أغرقنا بعد . . . . .
) ثم أغرقنا بعد ( أهل السفينة
) الباقين (
[ آية : 120 ] يعنى من بقي منهم ممن لم يركب السفينة
الشعراء : ( 121 ) إن في ذلك . . . . .
) إِني في ذلك لأيةٍ ( يقول : إن في
هلاك قوم نوح لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة ، ليحذروا مثل عقوبتهم ، ثم قال تعالى :
( وما كان أكثرهم مؤمنين ) [ آية : 121 ] يعنى مصدقين بتوحيد الله عز وجل ، يقول :
كان أكثرهم كافرين بالتوحيد ، ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا .
الشعراء : ( 122 ) وإن ربك لهو . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وإن ربك لهو العزيز ( في نقمته منهم بالغرق ) الرحيم ) [ آية :
122 ] بالمؤمنين إذ نجاهم من الغرق ، إنما ذكر الله تعالى تكذيب الأمم الخالية رسلهم ، لما
كذب كفار قريش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالرسالة ، أخبر الله عز وجل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه أرسله كما أرسل
نوحاً وهوداً وصالحاً ولوطاً وشعيباً ، فكذبهم قومهم ، فكذلك أنت يا محمد ، وذكر عقوبة
الذين كذبوا رسلهم لئلا يكذب كفار قريش محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، فحذرهم مثل عذاب الأمم
الخالية .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 123 - 140 ] .
الشعراء : ( 123 ) كذبت عاد المرسلين
) كذبت عاد المرسلين ) [ آية : 123 ]
الشعراء : ( 124 ) إذ قال لهم . . . . .
) إذ قال لهم أخوهم هود ( ليس بأخيهم في الدين
ولكن أخوهم في النسب ، ) ألا تتقون ) [ آية : 124 ] يعنى ألا تخشون الله عز وجل ،
الشعراء : ( 125 ) إني لكم رسول . . . . .
) إني لكم رسول أمين ) [ آية : 125 ] فيما بينكم وبين ربكم ،
الشعراء : ( 126 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله ( يعنى فاعبدوا
الله ، ) وأطيعون ) [ آية : 126 ] فيما آمركم به من النصيحة
الشعراء : ( 127 ) وما أسألكم عليه . . . . .
) وما أسئلكم عليه من أَجرٍ (
يقول : لا أسألكم على الإيمان جعلاً ) إن أجري ( يقول : ما أجرى ) إلا على رب العالمين ) [ آية : 127 ] .(2/458)
صفحة رقم 459
الشعراء : ( 128 ) أتبنون بكل ريع . . . . .
) أتبنون بكل ريع ( يعنى طريق ) ءاية ( يعنى علماً ) تعبثون ) [ آية : 128 ] يعنى
تلعبون ، وذلك أنهم كانوا إذا سافروا لا يهتدون إلا بالنجوم ، فبنوا القصور الطوال عبثاً
يقول : علماً بكل طريق يهتدون بها في طريقهم ،
الشعراء : ( 129 ) وتتخذون مصانع لعلكم . . . . .
) وتتخذون مصانع ( يعنى القصور
ليذكروا بها هذا منزل بني فلان ، وبني فلان ) لعلكم ( يعنى كأنكم ) تخلدون (
[ آية : 129 ] في الدنيا فلا تموتون .
الشعراء : ( 130 ) وإذا بطشتم بطشتم . . . . .
) وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) [ آية : 130 ] يقول : إذا أخذتم فقتلتم في غير
حق ، كفعل الجبارين ، والجبار من يقتل بغير حق ،
الشعراء : ( 131 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون ) [ آية : 131 ]
الشعراء : ( 132 ) واتقوا الذي أمدكم . . . . .
) واتقوا الذي أمدكم ( يقول : اتقوا الله الذي أعطاكم ) بما تعلمون ) [ آية : 132 ] من
الخير .
الشعراء : ( 133 ) أمدكم بأنعام وبنين
ثم أخبر بالذي أعطاهم ، فقال سبحانه : ( أمدكم بأنعام وبنين ) [ آية : 133 ]
الشعراء : ( 134 ) وجنات وعيون
) وجنات ( يقول : البساتين ) وعيون ) [ آية : 134 ] يعنى وأنهار جارية أعطاهم هذا
الخير كله ،
الشعراء : ( 135 ) إني أخاف عليكم . . . . .
بعدما أخبرهم عن قوم نوح بالغرق ، قال : فإن لم تؤمنوا ف ) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) [ آية : 135 ] إن ينزل بكم في الدنيا ،
الشعراء : ( 136 ) قالوا سواء علينا . . . . .
يعنى بالعظيم الشديد فردوا
عليه السلام ) قالوا سواء علينا أوعظت ( بالعذاب ) أم لم تكن من الواعظين ) [ آية :
136 ]
الشعراء : ( 137 ) إن هذا إلا . . . . .
) إن هذا إلا خلق الأولين ) [ آية : 137 ] يعنى ما هذا العذاب الذي يقول هود إلا
أحاديث الأولين
الشعراء : ( 138 ) وما نحن بمعذبين
) وما نحن بمعذبين ) [ آية : 138 ] .
الشعراء : ( 139 ) فكذبوه فأهلكناهم إن . . . . .
) فكذبوه ( بالعذاب في الدنيا ) فأهلكناهم ( بالريح ) إن في ذلك لآية ( يقول :
إن في هلاكهم بالريح لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة ، فيحذروا مثل عقوبتهم ، ثم قال
سبحانه : ( وما كان أكثرهم مؤمنين ) [ آية : 139 ] ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في
الدنيا ،
الشعراء : ( 140 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز ( في نقمته من أعدائه حين أهلكهم بالريح ) الرحيم (
[ آية : 140 ] بالمؤمنين حين أنجاهم
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 141 - 159 ] .(2/459)
صفحة رقم 460
الشعراء : ( 141 ) كذبت ثمود المرسلين
) كذبت ثمود المرسلين ) [ آية : 141 ] يعنى صالحاً وحده
الشعراء : ( 142 ) إذ قال لهم . . . . .
) إذ قال لهم أخوهم صالح (
في النسب ، وليس بأخيهم في الدنيا ، ) ألا تتقون ) [ آية : 142 ] يعنى ألا تخشون الله عز وجل
الشعراء : ( 143 ) إني لكم رسول . . . . .
) إني لكم رسول أمين ) [ آية : 143 ] فيما بينكم وبين الله عز وجل .
الشعراء : ( 144 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون ) [ آية : 144 ] فيما آمركم به
الشعراء : ( 145 ) وما أسألكم عليه . . . . .
) وما أسئلكم عليه ( يعنى على
الإيمان ) من أجر ( يعنى جعلاً ) إن أجري ( يعنى جزائي ) إلا على رب العالمين ) [ آية :
145 ] ثم قال صالح عليه السلام :
الشعراء : ( 146 ) أتتركون في ما . . . . .
) أتتركون في ماههنا ( من الخير ) ءامنين ) [ آية :
146 ] من الموت .
الشعراء : ( 147 ) في جنات وعيون
ثم أخبر عن الخير ، فقال سبحانه : ( في جنات وعيون ) [ آية : 147 ]
الشعراء : ( 148 ) وزروع ونخل طلعها . . . . .
) وزروع ونخل طلعها هضيم ) [ آية : 148 ] يعنى طلعها متراكب بعضها على بعض من الكثرة
الشعراء : ( 149 ) وتنحتون من الجبال . . . . .
) وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ) [ آية : 149 ] يعنى حاذقين بنحتها
الشعراء : ( 150 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون ) [ آية : 150 ] فيما آمركم به من النصحية ، ) ولا تطيعوا أمر المسرفين ) [ آية :
151 ] يعنى التسعة الذين عقروا الناقة ،
الشعراء : ( 152 ) الذين يفسدون في . . . . .
ثم نعتهم ، فقال : تعالى ) الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) [ آية : 152 ] يقول : الذين يعصون في الأرض ، ولا يطيعون الله عز وجل ،
فيما أمرهم به ،
الشعراء : ( 153 ) قالوا إنما أنت . . . . .
) قالوا إنما أنت من المسحرين ) [ آية : 153 ] .
حدثنا أبو محمد ، قال : حدثنا الأثرم ، قال أبو عبيدة والفراء : المسحر المخلوق ، ويقال
أيضاً : الذي له سحر يجتمع فيه طعامه أسفل نحره ، لأن نصف العنق نحر ، ونصفه سحر .
الشعراء : ( 154 ) ما أنت إلا . . . . .
) ما أنت إلا بشر مثلنا ( يقول : إنما أنت بشر مثلنا في المنزلة ، ولا تفضلنا في شيء
لست بملك ، ولا رسول ، ) فأَت بئاية إِن كنت من الصادقين ) [ آية : 154 ] بأنك
رسول الله إلينا ، فقال لهم صالح : إن الله عز وجل سيخرج لكم من هذه الصخرة ناقة
وبراء عشراء ، يعنى حامل ، قال مقاتل : كانت الناقة من غير نسل ، ثم انشقت عن الناقة .
الشعراء : ( 155 ) قال هذه ناقة . . . . .
و ) قال ( لهم صالح ، عليه السلام : ( هذه ناقة ( الله لكم آية بأني رسول الله(2/460)
صفحة رقم 461
) لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ) [ آية : 155 ] وكان للناقة يوم ، ولهم يوم ، وإذا كان
شرب يوم الناقة من الماء كانوا في لبن ما شاءوا ، وليس لهم ماء ، فإذا كان يومهم ، لم
يكن للناقة ماء ، وكان لأهل القرية ولمواشيهم يوم ، ولها يوم آخر ، فذروها تأكل في
أرض الله .
الشعراء : ( 156 ) ولا تمسوها بسوء . . . . .
) ولا تمسوها بسوء ( يعني ولا تعقروها . ) فيأخذكم عذاب يوم عظيم ) [ آية : 156 ]
في الدنيا
الشعراء : ( 157 ) فعقروها فأصبحوا نادمين
) فعقروها ( يوم الأربعاء ، فماتت ) فأصبحوا نادمين ) [ آية : 157 ] على
عقرها ،
الشعراء : ( 158 ) فأخذهم العذاب إن . . . . .
) فأخذهم العذاب ( يوم السبت من صيحة جبريل ، عليه السلام ، فماتوا أجمعين
) إن في ذلك لآية ( يعنى في هلاكهم بالصيحة لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة يحذر
كفار مكة مثل عذابهم .
ثم قال سبحانه : ( وما كان أكثرهم مؤمنين ) [ آية : 158 ] يعنى لو كان أكثرهم
مؤمنين ما عذبوا في الدنيا
الشعراء : ( 159 ) وإن ربك لهو . . . . .
) إن ربك لهو العزيز ( في نقمته من أعدائه ) الرحيم (
[ آية : 159 ] بالمؤمنين ، وعاد وثمود ابنا عم ، ثمود بن عابر بن أرم بن سام بن نوح ، وهود
بن شالح .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 160 - 175 ] .
الشعراء : ( 160 ) كذبت قوم لوط . . . . .
) كذبت قوم لوط المرسلين ) [ آية : 160 ] كذبوا لوطاً وحده ، ولوط بن حراز بن آزر ،
فسارة أخت لوط ، عليه السلام ،
الشعراء : ( 161 ) إذ قال لهم . . . . .
) إذ قال لهم أخوهم لوط ( ابن حراز ) ألا تتقون ) [ آية :
161 ] يعنى ألا تخشون الله عز وجل .
الشعراء : ( 162 ) إني لكم رسول . . . . .
) إني لكم رسول أمين ) [ آية : 162 ]
الشعراء : ( 163 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون ) [ آية : 163 ] فيما آمركم
به من النصيحة
الشعراء : ( 164 ) وما أسألكم عليه . . . . .
) وما أَسئلكم عليه من أجر ( يعنى ما أسألكم على الإيمان من جعل ) إن أجري ( يعني ما جزائي ) إلا على رب العالمين ) [ آية : 164 ] .(2/461)
صفحة رقم 462
الشعراء : ( 165 ) أتأتون الذكران من . . . . .
) أتأتون الذكران من العالمين ) [ آية : 165 ] يعنى نكاح الرجال
الشعراء : ( 166 ) وتذرون ما خلق . . . . .
) وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ( يعنى بالأزواج فروج نسائكم ) بل أنتم قوم عادون ) [ آية : 166 ]
يعنى معتدين
الشعراء : ( 167 ) قالوا لئن لم . . . . .
) قالوا لئن لم تنته ( يعنى لئن لم تسكت عنا ) يا لوط لتكونن من
المُجرمينَ ) [ آية : 167 ] من القرية ،
الشعراء : ( 168 ) قال إني لعملكم . . . . .
) قال ( لوط : ( إني لعملكم ( يعني إتيان الرجال
) من القالين ) [ آية : 168 ] يعنى الماقتين
الشعراء : ( 169 ) رب نجني وأهلي . . . . .
) رب نجني وأهلي مما يعملون ) [ آية : 169 ] من
الخبائث
الشعراء : ( 170 ) فنجيناه وأهله أجمعين
) فنجيناه وأهله أجمعين ) [ آية : 170 ] .
الشعراء : ( 171 ) إلا عجوزا في . . . . .
ثم استثنى ، فقال : ( إلا عجوزا في الغابرين ) [ آية : 171 ] يعنى الباقين في العذاب
يعنى امرأته
الشعراء : ( 172 ) ثم دمرنا الآخرين
) ثم دمرنا ( يعنى أهلكنا ) الآخرين ) [ آية : 172 ] بالخسف والحصب ،
فذلك قوله تعالى :
الشعراء : ( 173 ) وأمطرنا عليهم مطرا . . . . .
) وأمطرنا عليهم مطرا ( يعنى الحجارة ) فساء ( يعنى فبئس ) مطر المنذرين ) [ آية : 173 ] يعنى الذين أنذروا بالعذاب خسف الله بقرى قوم لوط ، وأرسل
الحجارة على من كان خارجاً من القرية .
الشعراء : ( 174 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية ( يعنى إن في هلاكهم بالخسف والحصب لعبرة لهذه الأمة ، ثم قال
تعالى : ( وما كان أكثرهم مؤمنين ) [ آية : 174 ] لو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا
الشعراء : ( 175 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز ( في نقمته ) الرحيم ) [ آية : 175 ] بالمؤمنين ، وذلك قوله تعالى :
( ولقد أنذرهم بطشنا ) [ القمر : 36 ] .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 176 - 189 ] .
الشعراء : ( 176 ) كذب أصحاب الأيكة . . . . .
) كذب أًصحاب لئيكة ( يعنى غيطة الشجر ، كان أكثر الشجر الدوم ، وهو المقل
) المرسلين ) [ آية : 176 ] يعنى كذبوا شعيباً ، عليه السلام ، وحده ، وشعيب بن نويب
ابن مدين بن إبراهيم خليل الرحمن .(2/462)
صفحة رقم 463
الشعراء : ( 177 ) إذ قال لهم . . . . .
) إذ قال لهم شعيب ( ولم يكن شعيب من نسبهم ، فلذلك لم يقل عز وجل أخوهم
شعيب ، وقد كان أرسل إلى أمة غيرهم أيضاً إلى ولد مدين ، وشعيب من نسائهم ، فمن
ثم قال في هذه السورة : ( إذ قال لهم شعيب ( ولم يقل أخوهم ، لأنه ليس من نسلهم ،
)( ألا تتقون ) [ آية : 177 ] يقول : ألا تخشون الله عز وجل ؟
الشعراء : ( 178 ) إني لكم رسول . . . . .
) إني لكم رسول أمين ) [ آية : 178 ]
الشعراء : ( 179 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون ) [ آية : 179 ] فيما آمركم
به من النصيحة
الشعراء : ( 180 ) وما أسألكم عليه . . . . .
) وما أسئلكم عليهِ ( يعنى على الإيمان ) من أجر ( يعنى من جعل
) إن أجري ( يعنى ما جزائي ) إلا على رب العالمين ) [ آية : 180 ] .
الشعراء : ( 181 ) أوفوا الكيل ولا . . . . .
) أوفوا الكيل ( ولا تنقصوه ) ولا تكونوا من المخسرين ) [ آية : 181 ] يعنى من
المنقصين للكيل
الشعراء : ( 182 ) وزنوا بالقسطاس المستقيم
) وزنوا بالقسطاس المستقيم ) [ آية : 182 ] يعنى بالميزان المستقيم
والميزان بلغة الروم القسطاس ،
الشعراء : ( 183 ) ولا تبخسوا الناس . . . . .
) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( يقول : ولا تنقصوا الناس
حقوقهم في الكيل والميزان . ) ولا تعثوا في الأرض ( يعنى ولا تسعوا في الأرض
) مفسدين ) [ آية : 183 ] بالمعاصي .
الشعراء : ( 184 ) واتقوا الذي خلقكم . . . . .
) واتقوا ( يقول : واخشوا أن يعذبكم في الدنيا ) الذي خلقكم و ( خلق
) والجبلة ( يعنى الخليقة ) الأولين ) [ آية : 184 ] يعنى الأمم الخالية الذين عذبوا
في الدنيا قوم نوح وصالح ، وقوم لوط .
الشعراء : ( 185 ) قالوا إنما أنت . . . . .
) قالوا إنما أنت من المسحرين ) [ آية : 185 ] يعنى أنت بشر مثلنا لست بملك ، ولا
رسول ،
الشعراء : ( 186 ) وما أنت إلا . . . . .
فذلك قوله سبحانه : ( وما أنت إلا بشر مثلنا ( لا تفضلنا في شيء فنتبعك ،
)( وإن نظنك ( يقول : وقد نحسبك يا شعيب ، ) لمن الكاذبين ) [ آية : 186 ] يعنى
حين تزعم أنك نبي رسول .
الشعراء : ( 187 ) فأسقط علينا كسفا . . . . .
) فأسقط علينا كسفا ( يعنى جانباً ) من السماء إن كنت من الصادقين ) [ آية :
187 ] بأن العذاب نازل بنا لقوله في هود : ( وإِني أخاف عليكم عذاب يوم محيط (
[ هود : 84 ] .
الشعراء : ( 188 ) قال ربي أعلم . . . . .
) قال ( شعيب : ( ربي أعلم ( من غيره ) بما تعملون ) [ آية : 188 ]
من نقصان الكيل والميزان ،
الشعراء : ( 189 ) فكذبوه فأخذهم عذاب . . . . .
) فكذبوه ( بالعذاب ، ) فأخذهم عذاب يوم الظلة ( وذلك
أن الله عز وجل كان حبس عنهم الريح والظل ، فأصابهم حر شديد ، فخرجوا من(2/463)
صفحة رقم 464
منازلهم ، فرفع الله عز وجل سحابه فيها عذاب بعد ما أصابهم الحر سبعة أيام ، فانقلبوا
ليستظلوا تحتها ، فأهلكهم الله عز وجل حراً وغماً تحت السحابة ، فذلك قوله عز وجل :
( إنه كان عذاب يوم عظيم ) [ آية : 189 ] لشدته .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 190 - 207 ] .
الشعراء : ( 190 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية ( إن في هلاكهم بالحر والغم لعبرة لمن بعدهم ، يحذر كفار مكة
أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال عز وجل : ( وما كان أكثرهم مؤمنين ) [ آية : 190 ] يعنى لو كان أكثرهم مؤمنين ما عذبوا في الدنيا
الشعراء : ( 191 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز ( في نقمته من أعدائه
) الرحيم ) [ آية : 191 ] بالمؤمنين .
الشعراء : ( 192 ) وإنه لتنزيل رب . . . . .
) وإنه لتنزيل رب العالمين ) [ آية : 192 ] وذلك أنه لما قال كفار مكة : إن محمداً ( صلى الله عليه وسلم )
يتعلم القرآن من أبي فكيهة ، ويجيء به الري ، وهو شيطان ، فيلقيه على لسان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ،
فأكذبهم الله تعالى ، فقال عز وجل : ( وإنه لتنزيل رب العالمين ( يعنى القرآن
الشعراء : ( 193 ) نزل به الروح . . . . .
) نزل به الروح الأمين ) [ آية : 193 ] يعنى جبريل ، عليه السلام ، أمين فيما استودعه الله عز وجل
من الرسالة إلى الأنبياء ، عليهم السلام ، نزله ) على قلبك ( ليثبت به قلبك يا محمد ،
الشعراء : ( 194 ) على قلبك لتكون . . . . .
) لتكون من المنذرين ) [ آية : 194 ] .
الشعراء : ( 195 ) بلسان عربي مبين
أنزله ) بلسان عربي مبين ) [ آية : 195 ] ليفقهوا ما فيه لقوله ، إنما يعلمه أبو فكيهة ،
وكان أبو فكيهة أعجمياً ،
الشعراء : ( 196 ) وإنه لفي زبر . . . . .
ثم قال سبحانه : ( وإنه لفي زبر الأولين ) [ آية : 196 ] يقول
أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونعته في كتب الأولين .
الشعراء : ( 197 ) أو لم يكن . . . . .
ثم قال : ( أو لم يكن ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) لهم ءايةً ( يعنى لكفار مكة ) أن يعلمه علماء بني إسرائيل ) [ آية : 197 ] يعنى ابن سلام وأصحابه ،
الشعراء : ( 198 ) ولو نزلناه على . . . . .
) ولو نزلنهُ ( يعنى القرآن ) على(2/464)
صفحة رقم 465
بعض الأعجمينَ ) [ آية : 198 ] يعنى أبا فكيهة ، يقول : لو أنزلناه على رجل ليس
بعربي اللسان
الشعراء : ( 199 ) فقرأه عليهم ما . . . . .
) فقرأهُ عليهم ( على كفار مكة ، لقالوا : ما نفقه قوله ، ) ما كانوا به
مؤمنينَ ) [ آية : 199 ] يعنى بالقرآن مصدقين بأنه من الله عز وجل ،
الشعراء : ( 200 ) كذلك سلكناه في . . . . .
) كذلكَ
سلكناهُ ( يعنى هكذا جعلنا الكفر بالقرآن ) في قلوب المُجرمين ) [ آية : 200 ] .
الشعراء : ( 201 ) لا يؤمنون به . . . . .
) لا يؤمنون به ( يعنى بالقرآن ) حتى يروا العذاب الأليم ) [ آية : 201 ] يعنى
الوجيع ،
الشعراء : ( 202 ) فيأتيهم بغتة وهم . . . . .
) فيأتيهم ) ) العذاب ( ( بغته ( يعنى فجأة ) وهم لا يشعرون ) [ آية :
202 ] فيتمنون الرجعة والنظرة ،
الشعراء : ( 203 ) فيقولوا هل نحن . . . . .
فذلك قوله سبحانه : ( فيقولوا ( يعنى كفار مكة ) هل
نحن منظرون ) [ آية : 203 ] فنعتب ونراجع ، فلما أوعدهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) العذاب ، قالوا : فمتى
هذا العذاب ؟ تكذيباً به .
الشعراء : ( 204 ) أفبعذابنا يستعجلون
يقول الله عز وجل : ( أَفبعذابنا يستعجلونَ ) [ آية : 204 ]
الشعراء : ( 205 ) أفرأيت إن متعناهم . . . . .
) أَفرءيت إِن متعنهم
سنين ) [ آية : 205 ] في الدنيا
الشعراء : ( 206 ) ثم جاءهم ما . . . . .
) ثُم جاءهم ( بعد ذلك العذاب ) ما كانوا يوعدونَ (
[ آية : 206 ]
الشعراء : ( 207 ) ما أغنى عنهم . . . . .
) ما أغنى عنهم ) ) من العذاب ( ( ما كانوا يمتعونَ ) [ آية : 207 ] في الدنيا .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 208 - 220 ] .
الشعراء : ( 208 ) وما أهلكنا من . . . . .
ثم خوفهم ، فقال سبحانه : ( وَمَا أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ ( فيما خلا بالعذاب في الدنيا
) إلا لها منذرونَ ) [ آية : 208 ] يعنى رسلاً تنذرهم العذاب بأنه نازل بهم في الدنيا
الشعراء : ( 209 ) ذكرى وما كنا . . . . .
) ذكرى ( يقول : العذاب يذكر ويفكر ، ) وما كنا ظالمينَ ) [ آية : 209 ] فنعذب
على غير ذنب كان منهم ظلماً ، قالت قريش : إنه يجيء بالقرآن الري ، يعنون الشيطان ،
فيلقيه على لسان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فكذبوه بما جاء به .(2/465)
صفحة رقم 466
الشعراء : ( 210 ) وما تنزلت به . . . . .
فأنزل الله عز وجل : ( وما تنزلت به الشياطين ) [ آية : 210 ]
الشعراء : ( 211 ) وما ينبغي لهم . . . . .
) وما ينبغي لهم ( إن
ينزلوا بالقرآن ) وما يستطيعون ) [ آية : 211 ] لأنه حيل بينهم وبين السمع بالملائكة
والشهب ، وذلك أنهم كانوا يستمعون إلى السماء قبل أن يبعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما بعث
رمتهم الملائكة بالشهب
الشعراء : ( 212 ) إنهم عن السمع . . . . .
فذلك قوله سبحانه : ( إنهم عن السمع لمعزولون ) [ آية : 212 ] بالملائكة والكواكب
الشعراء : ( 213 ) فلا تدع مع . . . . .
) فلا تدع ( يعني ) مع الله إلهاً ءاخر ( وذلك حين دعى إلى دين آبائه ، فقال : لا تدع
يعني فلا تعبد مع الله إلهاً آخر ) فتكون من المعذبين ) [ آية : 213 ]
الشعراء : ( 214 ) وأنذر عشيرتك الأقربين
) وأنذر عشيرتك الأقربين ) [ آية : 214 ] لما نزلت هذه الآية قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' إني أرسلت إلى الناس
عامة ، وأرسلت إليكم يا بني هاشم ، وبني المطلب خاصة ، ' وهم الأقربون ، وهما أخوان
ابنا عبد مناف .
الشعراء : ( 215 ) واخفض جناحك لمن . . . . .
) واخفض جناحك ( يعني لين لهم جناحك ) لمن اتبعك من المؤمنين ) [ آية : 215 ]
الشعراء : ( 216 ) فإن عصوك فقل . . . . .
) فإن عصوك ( يعني بني هاشم ، وبني عبد المطلب ، فلم يجيبوك إلى الإيمان ) فقل إِني
برئ مما تعملونَ ) [ آية : 216 ] من الشرك والكفر .
الشعراء : ( 217 ) وتوكل على العزيز . . . . .
) وتوكل ( يعنى وثق بالله عز وجل ) على العزيز ( في نقمته ) الرحيم ) [ آية :
217 ] بهم حين لا يعجل عليهم بالعقوبة ، وذلك حين دعى إلى ملة آبائه ،
الشعراء : ( 218 ) الذي يراك حين . . . . .
ثم قال
سبحانه : ( الذي يراك حين تقوم ) [ آية : 218 ] وحدك إلى الصلاة .
الشعراء : ( 219 ) وتقلبك في الساجدين
) وتقلبك ( يعنى ويرى ركوعك وسجودك وقيامك فهذا التقلب ) في الساجدين (
[ آية : 219 ] يعني ويراك مع المصلين في جماعة
الشعراء : ( 220 ) إنه هو السميع . . . . .
) إنه هو السميع ( لما قالوا حين دعى إلى
دين آبائه ) العليم ) [ آية : 220 ] بما قال كفار مكة .
تفسير سورة الشعراء من الآية : [ 221 - 227 ] .(2/466)
صفحة رقم 467
الشعراء : ( 221 ) هل أنبئكم على . . . . .
) هل أنبئكم على من تنزل الشياطين ) [ آية : 221 ] لقولهم : إنما نجيء به الري فيلقيه على
لسان محمد ( صلى الله عليه وسلم )
الشعراء : ( 222 ) تنزل على كل . . . . .
) تنزل على كل أفاك ( يعنى كذاب ) أثيم ) [ آية : 222 ] بربه منهم
مسيلمة الكذاب ، وكعب بن الأشرف ، ) يلقون السمع ( يقول : تلقى الشياطين بآذنهم
إلى السمع في السماء لكلام الملائكة ، وذلك أن الله عز وجل إذا أراد أمراً في أهل
الأرض أعلم به أهل السماوات من الملائكة ، فتكلموا به ، فتسمع الشياطين لكلام
الملائكة ، وترميهم بالشهب فيخطفون الخطفة ،
الشعراء : ( 223 ) يلقون السمع وأكثرهم . . . . .
ثم قال عز وجل : ( وأكثرهم كاذبون ) [ آية : 223 ] يعنى الشياطين حين يخبرون الكهنة أنه يكون في الأرض كذا
وكذا .
الشعراء : ( 224 ) والشعراء يتبعهم الغاوون
ثم قال سبحانه : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) [ آية : 224 ] منهم عبد الله بن
الزبعري السهمي ، وأبو سفيان بن عبد المطلب ، وهميرة بن أبي وهب المخزومي ،
ومشافع بن عبد مناف عمير الجمحي ، وأبو عزة اسمه عمرو بن عبد الله ، كلهم من
قريش ، وأمية بن أبي الصلت الثقفي ، تكلموا بالكذب والباطل ، وقالوا : نحن نقول مثل
قول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قالوا الشعر ، واجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون من أشعارهم ،
ويروون عنهم ، حتى يهجون .
الشعراء : ( 225 ) ألم تر أنهم . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ) [ آية : 225 ] يعنى في كل
طريق ، يعنى في كل فن من الكلام يأخذون ،
الشعراء : ( 226 ) وأنهم يقولون ما . . . . .
) وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) [ آية :
226 ] . فعلنا وفعلنا وهم كذبة ، فاستأذن شعراء المسلمين أن يقتصوا من المشركين منهم
عبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، من بني سلمة بن خثم ، كلهم
من الأنصار ، فأذن لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فهجوا المشركين ، ومدحوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : فأنزل الله تعالى :
( والشعراء يتبعهم الغاوون ( إلى آخر آيتين .
ث
الشعراء : ( 227 ) إلا الذين آمنوا . . . . .
م استثنى عز وجل شعراء المسلمين ، فقال : ( إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا
الله كثيراً ونتصروا ( على المشركين ) من بعده ما ظلموا ( يقول : انتصر شعراء المسلمين
من شعراء المشركين ، فقال : ( وسيعلم الذين ظلموا ( يعنى أشركوا ) أي منقلب ينقلبون (
[ آية : 227 ] يقول : ينقلبون في الآخرة إلى الخسران .
حدثنا عبيد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن رجل ، عن الفضيل بن
عيسى الرقاشي ، قال : ( بلسان عربي مبين ( ، قال : فضله على الألسن .(2/467)
صفحة رقم 468
قال الهذيل : سمعت المسيب يحدث عن أبي روق ، قال : كانت ناقة صالح عليه
السلام ، يوضع لها الإناء فتدر فيه اللبن .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن علي بن عاصم ، عن الفضل بن
عيسى الرقاشي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال :
' لما كلم الله عز وجل موسى ، عليه السلام ، فوق الطور ، فسمع كلاماً فوق الكلام
الأول ، فقال : يا رب هذا كلامك الذي كلمتني به ، قال : لا يا موسى ، إنما كلمتك بقوة
عشرة آلاف لسان ، ولي قوة الألسن كلها ، وأنا أقوى من ذلك ، فلما رجع موسى ، عليه
السلام ، إلى قومه ، قالوا : يا موسى ، صف لنا كلام الرحمن ؟ قال : سبحان الله ، لا
أستطيع ، قالوا : فشبهه ، قال : ألم تروا إلى أصوات الصواعق التي تقتل بأحلى حلاوة إن
سمعتموه ، فإنه قريب منه ، وليس به ' .(2/468)
صفحة رقم 469
( سورة النمل )
مقدمة
( سورة النمل مكية ، وهي ثلاث وتسعون آية كوفية )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة النمل من الآية : [ 1 - 6 ] .
النمل : ( 1 ) طس تلك آيات . . . . .
) طس تلك ءايت القرآن وكتاب مُبين ) [ آية : 1 ] يعنى بين ما فيه أمره ونهيه
النمل : ( 2 ) هدى وبشرى للمؤمنين
) هدى ( يعنى بيان من الضلالة لمن عمل به ، ) وبشرى ( لما فيه من الثواب
) للمؤمنين ) [ آية : 2 ] يعنى للمصدقين بالقرآن بأنه من الله عز وجل .
النمل : ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . .
ثم نعتهم ، فقال سبحانه : ( الذين يقيمون الصلاة ( يعنى يتمون الصلاة المكتوبة
) ويؤتون الزكوة ( يعنى ويعطون الزكاة المفروضة ) وهم بالآخرة ( يعنى بالبعث الذي
فيه جزاء الأعمال ) هم يوقنون ) [ آية : 3 ] .
النمل : ( 4 ) إن الذين لا . . . . .
) أن الذين لا يؤمنون بالآخرة ( يعنى لا يصدقون بالبعث ) زينا لهم أعمالهم ( يعنى ضلالتهم ) فهم يعمهون ) [ آية : 4 ] يعنى يترددون فيها
النمل : ( 5 ) أولئك الذين لهم . . . . .
) أولئك الذين لهم سوء ( يعنى
شدة ) العذاب ( في الآخرة ) وهم في الآخرة الأخسرونَ ) [ آية : 5 ] .
النمل : ( 6 ) وإنك لتلقى القرآن . . . . .
) وإنك لتلقى ( يعني لتؤتى ) القرآن ( كقوله سبحانه : ( وما يلقاها (
[ فضلت : 35 ] يعنى وما يؤتاها ، ثم قال : ( من لدن حكيم ( في أمره ) عليم ) [ آية : 6 ]
بأعمال الخلق .
تفسير سورة النمل من الآية : [ 7 - 14 ] .(2/469)
صفحة رقم 470
النمل : ( 7 ) إذ قال موسى . . . . .
) إذ قال موسى لأهله ( يعنى امرأته حين رأى النار ) إِني ءانست ناراً ( يقول : إني
رأيت ناراً ، وهو نور رب العزة جل ثناؤه ، رآه ليلة الجمعة عن يمين الجبل بالأرض
المقدسة ) سئاتيكم منها بخير ( أين الطريق ، وقد كان تحير وترك الطريق ، ثم قال : فإن لم
أجد من يخبرني الطريق ، ) أو ءاتيكم بشهاب قبس ( يقول : آتيكم بنار قبسة مضيئة
) لعلكم تصطلحون ) [ آية : 7 ] من البرد .
النمل : ( 8 ) فلما جاءها نودي . . . . .
) فلما جاءها ( يعني النار ، وهو نور رب العزة ، تبارك وتعالى ، ) نودى أن بروك من في
النار ومن حولها ( يعنى الملائكة ) وسبحان الله رب العالمين ) [ آية : 8 ] في التقديم ،
النمل : ( 9 ) يا موسى إنه . . . . .
ثم
قال : ( يا موسى إنه أنا الله ( يقول : إن النور الذي رأيت أنا ) العزيز الحكيم ) [ آية : 9 ]
النمل : ( 10 ) وألق عصاك فلما . . . . .
) وَأَلق عصاك فلما رءاها تهتز ( ينعى تحرك ) كأنها جان ( يعني كأنها كانت حية ) ولى مدبرا ( من الخوف من الحية ) ولم يعقب ( يعنى ولم يرجع ، يقول الله عز وجل
) يا موسى لا تخف ( من الحية ) إني لا يخاف لدي ( يعنى عندي ) المرسلون ) [ آية : 10 ]
النمل : ( 11 ) إلا من ظلم . . . . .
) إلا من ظلم ( نفسه من الرسل ، فإنه يخاف ، فكان منهم آدم ، ويونس
وسليمان ، وأخوة يوسف ، وموسى بقتله النفس ، عليهم السلام ، ) ثم بدل حسنا بعد سوء ( يعنى فمن بدل إحساناً بعد إساءته ) فإني غفور رحيم ) [ آية : 11 ] .
النمل : ( 12 ) وأدخل يدك في . . . . .
) وأدخل يدك ( اليمن ) في جيبك ( يعنى جيب المدرعة من قبل صدره ، وهي
مضربة ) تخرج ( اليد من المدرعة ) بيضاء ( لها شعاع كشعاع الشمس
) من غير سوء ( يعنى من غير برص ، ثم انقطع الكلام ، يقول الله تبارك وتعالى لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) : ( في
تسع ءايت ( يعنى أعطى تسع آيات اليد ، والعصا ، والطوفان ، والجراد ، والقمل
والضفادع ، والدم ، والسنين ، والطمس ، فآيتان منهما أعطى موسى ، عليه السلام ،
بالأرض المقدسة اليد والعصى ، حين أرسل إلى فرعون ، وأعطى سبع آيات بأرض مصر(2/470)
صفحة رقم 471
حين كذبوه ، فكان أولها اليد ، وآخرها الطمس ، يقول : ( إلى فرعون ( واسمه فيطوس
) وقومه ( أهل مصر ) إنهم كانوا قوما فاسقين ) [ آية : 13 ] يعنى عاصين .
النمل : ( 13 ) فلما جاءتهم آياتنا . . . . .
) فلما جاءتهم ءايتنا مُبصرةً ( يعنى مبينة معانية يرونها ) قالوا ( : يا موسى
) هذا ( الذي جئت به ) سحر مبين ) [ آية : 13 ] يعنى بين ، يقول الله عز وجل :
النمل : ( 14 ) وجحدوا بها واستيقنتها . . . . .
) وجحدوا بها ( يعنى بالآيات ، يعني بعد المعرفة ، فيها تقديم ) واستيقنتها أنفسهم ( أنها
من الله عز وجل ، وأنها ليست بسحر ) ظلما ( شركاً ) وعلوا ( تكبراً ) فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ) [ آية : 14 ] في الأرض بالمعاصي ، كان عاقبتهم الغرق ، وإنما
استيقنوا بالآيات أنها من الله ، لدعاء موسى ربه أن يكشف عنهم الرجز ، فكشفه عنهم ،
وقد علموا ذلك .
تفسير سورة النمل من الآية : [ 15 - 26 ] .
النمل : ( 15 ) ولقد آتينا داود . . . . .
) ولقد ءاتينا ( يعنى أعطينا ) داود وسليمان علما ( بالقضاء ، وبكلام الطير ، وبكلام
الدواب ، ) وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) [ آية : 15 ] يعنى(2/471)
صفحة رقم 472
بالقضاء ، والنبوة ، والكتاب ، وكلام البهائم ، والملك الذي أعطاهما الله عز وجل ، وكان
سليمان أعظم ملكاً من داود ، وأفطن منه ، وكان داود أكثر تعبداً من سليمان .
النمل : ( 16 ) وورث سليمان داود . . . . .
) وورث سليمان داود ( يعنى ورث سليمان علم داود وملكه ، ) وقال ( سليمان لبني
إسرائيل : ( يأيها الناسُ علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيءٍ ( يعنى أعطينا الملك والنبوة
والكتاب والرياح ، وسخرت لنا الشياطين ، ومنطق الدواب ، ومحاريب وتماثيل ، وجفان
والكتاب والرياح ، وسخرت لنا الشياطين ، ومنطق الدواب ، ومخاريب ، وتماثيل ، وجفان
كالجوابي ، وقدرو راسيات وعن القطر يعنى عين الصفر .
) إن هذا ( الذي أعطينا ) لهو الفضل المبين ) [ آية : 16 ] يعنى البين
النمل : ( 17 ) وحشر لسليمان جنوده . . . . .
) وحشر لسليمان ( يعنى وجمع لسليمان ) جنوده من الجن ( طائفة ) و ( من ) الإنس و (
من ) الطير ( طائفة ) فهم يوزعون ) [ آية : 17 ] يعنى يساقون ، وكان سليمان
استعمل جنداً يرد الأول على الآخر حتى ينام الناس .
النمل : ( 18 ) حتى إذا أتوا . . . . .
وقال عز وجل ) حتى إذا أتوا على واد النمل ( من أرض الشام ) قالت نملة (
واسمها الجرمى ) يا أيها النمل ادخلوا ( وهن خارجات ، فقالت : ادخلوا
) مساكنكم ( يعنى بيوتكم ) لا يحطمنكم سليمان ( يعني لا يهلكنكم سليمان
) وجنوده وهم لا يشعرون ) [ آية : 18 ] بهلاككم ، فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال .
فانتهى إليها سليمان حين قالت : ( وهم لا يشعرون ( .
النمل : ( 19 ) فتبسم ضاحكا من . . . . .
) فتبسم ضاحكا من قولها ( ضحك من ثناءها على سليمان بعدله في ملكه ، أنه
لو يشعر بكم لم يحطمكم ، يعنى بالضحك الكشر ، وقال سليمان : لقد علمت النمل أنه
ملك لا بغي فيه ، ولا فخر ولئن علم بنا قبل يغشانا لم نوطأ ، ثم وقف سليمان بمن
معه من الجنود ليدخل النمل مساكنهم ، ثم حمد ربه عز وجل حين علمه منطق كل
شيء فسمع كلام النملة ) وقال رب أوزعني ( يعني ألهمني ) أَن أَن أشكر نعمتك التي
أَنعمت علي وعلى والدي ( من قبلي ، يعنى أبويه داود ، وأمه بتشايع بنت الياثن ، ) و (
ألهمني ) وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك ( يعني بنعمتك ) في ( يعني مع(2/472)
صفحة رقم 473
) عبادك الصالحين ) [ آية : 19 ] الجنة .
النمل : ( 20 ) وتفقد الطير فقال . . . . .
) وتفقد الطير ( يعني الهدهد حين سار من بيت المقدس قبل اليمن ، فلما مر بالمدينة
وقف ، فقال إن الله عز وجل : سيبعث من هاهنا نبياً طوبى لمن تبعه ، فلما أراد أن ينزل
) فقال مالي لا أرى الهدهد أم ( والميم ها هنا صلة ، كقوله تعالى : ( أم عندهم ( يعنى
أعندهم ) الغيب فيهم يكتبون ) [ الطور : 41 ، والقلم : 47 ] أم ) كان من الغائبين ) [ آية : 20 ] .
النمل : ( 21 ) لأعذبنه عذابا شديدا . . . . .
) لأعذبنه عذابا شديدا ( يعنى لأنتفن ريشه ، فلا يطير مع الطير حولاً ) أَو
لأأذبحنهُ ( يعنى لأقتلنه ، ) أو ليأتيني بسلطان مبين ) [ آية : 21 ] يعنى حجة بينة أعذره
بها ،
النمل : ( 22 ) فمكث غير بعيد . . . . .
) فمكث غير بعيد ( يقول : لم يلبث إلا قليلاً ، حتى جاء الهدهد ، فوقع بين يدي
سليمان ، عليه السلام ، فجعل ينكث بمنقاره ويومئ برأسه إلى سليمان ، ) فقال (
لسليمان : ( أحطت بما لم تحط به ( يقول : علمت ما لم تعلم به ) وجئتك ( بأمر لم
تخبرك به الجن ، ولم تنصحك فيه ، ولم يعمل به الإنس ، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا
جنودك ، وجئتك ) من ( أرض ) سبا ( باليمن ) بنبإ يقين ) [ آية : 22 ] يقول :
بحديث لا شك فيه ، فقال سليمان : وما ذلك ؟
النمل : ( 23 ) إني وجدت امرأة . . . . .
قال الهدهد : ( إني وجدت امرأة تملكهم ( يعنى تملك أهل سبأ ) وأوتيت ( يعنى
وأعطيت ) من كل شيءٍ ( يكون باليمن ، يعنى العلم والمال والجنود والسلطان والزينة
وأنواع الخير ، فهذا كله من كلام الهدهد ، وقال الهدهد : ( ولها عرش عظيم ) [ آية :
23 ] يعنى ضخم ثمانون ذراعاً في ثمانين ذراعاً ، وارتفاع السرير من الأرض أيضاً ثمانون
ذراعاً في ثمانين ذراعاً ، مكلل بالجواهر ، والمرأة اسمها بلقيس بنت أبي سرح ، وهي من
الإنس وأمها من الجن ، اسمها فارمة بنت الصخر .
النمل : ( 24 ) وجدتها وقومها يسجدون . . . . .
ثم قال : ( وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم (
السيئة ، يعنى سجودهم للشمس ) فصدهم عن السبيل ( يعنى عن الهدى ) فهم لا يهتدون ) [ آية : 24 ] .
النمل : ( 25 ) ألا يسجدوا لله . . . . .
ثم قال الهدهد : ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء ( يعنى الغيث ) في السماوات
والأرض ويعلم ما يخفون ( في قلوبكم ) وما تعلنون ) [ آية : 25 ] بألسنتكم
النمل : ( 26 ) الله لا إله . . . . .
) الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ) [ آية : 26 ] يعنى بالعظيم العرش .(2/473)
صفحة رقم 474
تفسير سورة النمل من الآية : [ 27 - 37 ] .
النمل : ( 27 ) قال سننظر أصدقت . . . . .
) قال ( سليمان للهدهد : دلنا على الماء ) سننظر ( فيما تقول ، ) أصدقت (
في قولك ) أم كنت ( يعنى أم أنت ) من الكاذبين ) [ آية : 27 ] مثل قوله عز وجل :
( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ آل عمران : 110 ] .
النمل : ( 28 ) اذهب بكتابي هذا . . . . .
وكان الهدهد يدلهم على قرب الماء من الأرض إذا نزلوا ، فدلهم على ماء ، فنزلوا
واحتفروا الركايا ، وروى الناس والدواب ، وكانوا قد عطشوا ، فدعا سليمان الهدهد
وقال : ( اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ( يعنى إلى أهل سبأ ) ثم تول ( يقول : ثم
انصرف ) عنهم فانظر ماذا يرجعون ) [ آية : 28 ] الجواب ، فحمل الهدهد الكتاب بمنقاره ،
فطار حتى وقف على رأس المرأة ، فرفرف ساعة والناس ينظرون ، فرفعت المرأة رأسها ،
فألقى الهدهد الكتاب في حجرها ، فلما رأت الكتاب ورأت الخاتم رعدت وخضعت ،
وخضع من معها من الجنود ، لأن ملك سليمان ، عليه السلام ، كان في خاتمه فعرفوا أن
الذي أرسل هذا الطير أعظم من ملكها ، فقال : إن ملكاً رسله الطير ، إن ذلك
الملك عظيم ، فقرأت هي الكتاب ، وكانت عربية من قوم تبع بن أبي شراحيل الحميري ،
وقومها من قوم تبع ، وهم عرب ، فأخبرتهم بما في الكتاب ، ولم يكن فيه شيء غير : ' أنه
من سليمان ، وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا على ' ألا تعظموا على ' وأتوني
مسلمين ' . قال أبو صالح : ويقال : مختوم .
النمل : ( 29 ) قالت يا أيها . . . . .
ف ) قالت ( المرأة لهم : ( يأيها الملؤا ( يعنى الأشراف ، ) إني ألقي إلي كتاب كريم (
[ آية : 29 ] يعنى كتاب حسن
النمل : ( 30 ) إنه من سليمان . . . . .
) إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) [ آية : 30 ] .(2/474)
صفحة رقم 475
النمل : ( 31 ) ألا تعلوا علي . . . . .
) ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ) [ آية : 31 ] . ثم قالت : إن يكن هذا الملك يقاتل على
الدنيا ، فإنا نمده بما أراد من الدنيا ، وإن كان يقاتل لربه . فإنه لا يطلب الدنيا ، ولا يريدها ،
ولا يقبل منا شيئاً غير الإسلام .
النمل : ( 32 ) قالت يا أيها . . . . .
ثم استشارتهم ف ) قالت يأيها الملؤا ( يعنى الأشراف ، وهم : ثلاث مائة ، وثلاثة عشر
قائداً ، مع كل مائة ألف ، وهم أهل مشورتها ، فقالت لهم ) أفتوني في أمري ( من هذا
) ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ) [ آية : 32 ] تقول : ما كنت قاضية أمراً حتى
تحضرون .
النمل : ( 33 ) قالوا نحن أولوا . . . . .
) قالوا ( لها : ( نحن أولوا قوة ( يعنى عدة كثيرة في الرجال كقوله : ( فأعينوني بقوة ) [ الكهف : 95 ] ، يعنى بالرجال ) وَأَولوا بأس شديد ( في الحرب ، يعنى الشجاعة
) والأمر إليك ( يقول : قد أخبرناك بما عندنا وما نجاوز ما تقولين ، ) فانظري ماذا تأمرين (
[ آية : 33 ] يعنى ماذا تشيرين علينا ، كقول فرعون لقومه : ( فماذا تأمرون ) [ الشعراء :
35 ] يعنى ماذا تشيرون علي .
النمل : ( 34 ) قالت إن الملوك . . . . .
) قالت إِن المُلوك إذا ادخلوا قرية أَفسدوها ( يعن أهلكوها ، كقوله عز وجل :
( لفسدت السماوات والأرض ( يعنى لهلكتها ومن فيهن ، ثم قال : ( وجعلوا أعزة أهلها أذلة ( يعنى أهانوا أشرافها وكبراءها لكي يستقيم لهم الأمر ، يقول الله عز وجل :
( وكذلك يفعلون ) [ آية : 34 ] كما قالت .
النمل : ( 35 ) وإني مرسلة إليهم . . . . .
ثم قالت المرأة لأهل مشورتها : ( وإني مرسلة إليهم بهدية ( أصانعهم على ملكي إن
كانوا أهل دنيا ، ) فناظرة بم يرجع المرسلون ) [ آية : 35 ] من عنده بالجواب ، فأرسلت
بالهدية مع الوفد عليهم المنذر بن عمر ، والهدية مائة وصيف ، ومائة وصيفة ، وجعلت
للجارية قصة أمامها ، وقصة مؤخرها ، وجعلت للغلام قصة أمامه ، وذؤابة وسط رأسه ،
وألبستهم لباساً واحداً ، وبعثت بحقة فيها جوهرتان إحدهما مثقوبة والأخرى غير
مثقوبة . وقالت للوفد : إن كان نبياً ، فسيميز بين الجواري والغلمان ويخبر بما في الحقة ،
ويرد الهدية فلا يقبلها ، وإن كان ملكاً فسيقبل الهدية ولا يعلم ما في الحقة ، فلما انتهت
الهدية إلى سليمان ، عليه السلام ، ميز بين الوصفاء والوصائف من قبل الوضوء ، وذلك أنهُ(2/475)
صفحة رقم 476
أمرهم بالوضوء فكانت الجارية تصب الماء على بطن ساعدها ، والغلام على ظهر ساعده ،
فيميز بين الوصفاء والوصائف وحرك الحقة ، وجاء جبريل ، عليه السلام ، فأخبره بما فيها
فقيل له : ادخل في المثقوبة خيطاً من غير حيلة إنس ولا جان ، وأثقب الأخرى من غير
حيلة إنس ولا جان ، وكانت الجوهرة المثقوبة معوجة ، فأتته دودة تكون في الفضفضة
وهي الرطبة ، فربط في مؤخرها خيطاً ، فدخلت الجوهرة حتى أنقذت الخيط إلى الجانب
الآخر ، فجعل رزقها في الفضة ، وجاءت الأرضة فقالت لسليمان : اجعل رزقي في
الخشب والسقوف والبيوت ، قال : نعم ، فثقبت الجوهرة فهذه حيلة من غير إنس ولا
جان .
وسألوه ماء لم ينزل من السماء ، ولم يخرج من الأرض ، فأمر بالخيل فأجريت حتى
عرقت فجمع العرق في شيء حتى صفا وجعله في قداح الزجاج ، فعجب الوفد من
علمه ، وجاء جبريل ، عليه السلام ، فأخبره بما في الحقة فأخبرهم سليمان بما فيها ، ثم رد
سليمان الهدية .
النمل : ( 36 ) فلما جاء سليمان . . . . .
) فلما جاء سليمان قال ( للوفد : ( أَتمدونن بمال فما ءاتنِيَ الله خيرٌ مما ءاتاكم ( يقول :
فما أعطاني الله تعالى من الإسلام والنبوة والجنود خير مما أعطاكم ) بل أنتم بهديتكم تفرحون ) [ آية : 36 ] يعنى إذا أهدى بعضكم إلى بعض ، فأما أنا فلا أفرح بها إنما أريد
منكم الإسلام .
النمل : ( 37 ) ارجع إليهم فلنأتينهم . . . . .
ثم قال سليمان لأمير الوفد . ) ارجع إليهم ( بالهدية ) فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها (
لا طاقة لهم بها من الجن والإنس ، ) ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ) [ آية : 37 ] يعنى
مذلين بالإنس والجن .
تفسير سورة النمل من الآية : [ 38 - 44 ](2/476)
صفحة رقم 477
النمل : ( 38 ) قال يا أيها . . . . .
ثم ) قال يأيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مُسلمينَ ) [ آية : 38 ] يعنى مخلصين
بالتوحيد ، وإنما علم سليمان أنها تسلم ، لأنه أوحى إليه بذلك ، فذلك قال : ( قبل أن يأتوني مسلمين ( فيحرم علي سريرها ، لأن الرجل إذا أسلم حرم ماله ودمعه ، وكان
سريرها من ذهب قوائمه اللؤلؤ والجوهر ، مستور بالحرير والديباج ، عليه الحجلة .
النمل : ( 39 ) قال عفريت من . . . . .
) قال عفريت من الجن ( يعنى مارد من الجن اسمه : الحقيق ، ) أَنا ءاتيك به ( يعنى
سريرها ) قبل أن تقوم من مقامك ( يعنى من مجلسك ، وكان سليمان ، عليه السلام ، يجلس
للناس غدوة فيقضي بينهم حتى يضحى الضحى الأكبر ، ثم يقوم ، فقال : أنا آتيك به قبل
أن تحضر مقامك ، وذلك أني أضع قدمي عند منتهى بصري فليس شيء أسرع مني ،
فآتيك بالعرش ، وأنت في مجلسك ، ) وإني عليه ( يعنى على حمل السرير ) لقوي ( على
حمله ) امين ) [ آية : 39 ] على ما في السرير من المال .
النمل : ( 40 ) قال الذي عنده . . . . .
قال سليمان أريد أسرع من ذلك : ( قال الذي عنده علم من الكتاب ( وهو رجل من
الإنس من بني إسرائيل كان يعلم اسم الله الأعظم ، وكان الرجل اسمه آصف بن برخيا
بن شمعيا بن دانيال ) أَنا ءاتيك به ( بالسرير ) قبل أن يرتد إليك طرفك ( الذي هو على
منتهى بصرك ، وهو جاءٍ إليك ، فقال سليمان : لقد أسرعت أن فعلت ذلك ، فدعا الرجل
باسم الله الأعظم ، ومنه ذو الجلال والإكرام ، فاحتمل السرير احتمالاً فوضع بين يدي
سليمان ، وكانت المرأة قد أقبلت إلى سليمان حين جاءها الوفد ، وخلفت السرير في
أرضها باليمن في سبعة أبيات بعضها في بعض أقفالها من حديد ، ومعها مفاتيح الأبيات
السبعة ، ) فلما رءاهُ ( فلما رأى سليمان العرش ) مستقرا عنده ( تعجب منه ف ) قال هذا ( السرير ) من فضل ربي ( أعطانيه ) ليبلوني ( يقول ليختبرني ) ءاشكرُ ( الله
عز وجل في نعمة حين أتيت العرش ) أم أكفر ( بنعم الله إذا رأيت من هو دوني أعلم
مني ، فعزم الله عز وجل له على الشكر .
فقال عز وجل : ( ومن شكر ( في نعمة ) فإنما يشكر لنفسه ( يقول : فإنما يعمل(2/477)
صفحة رقم 478
لنفسه ) ومن كفر ( النعم ) فإن ربي غني ( عن عبادة خلقه ) كريم ) [ آية : 40 ]
مثلها في لقمان : ( فإن ربي غني حميد ) [ آية : 12 ] .
النمل : ( 41 ) قال نكروا لها . . . . .
) قال ( سليمان : ( نكروا لها عرشها ( زيدوا في السرير ، وانقصوا منه ، ) ننظر (
إذا جاءت ) أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ) [ آية : 41 ] يقول : أتعرف العرش أم
تكون من الذين لا يعرفون ؟
النمل : ( 42 ) فلما جاءت قيل . . . . .
) فلما جاءت ( المرأة ) قيل ( لها ) أهكذا عرشك ( فأجابتهم ف ) قالت كأنه هو (
وقد عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها ، ولو قيل لها : هذا عرشك ؟ لقالت :
نعم ، قيل لها : فإنه عرشك فما أغنى عنه إغلاق الأبواب ؟ يقول سليمان : ( وأوتينا العلم ( من الله عز وجل ) من قبلها ( يعنى من قبل أن يجيء العرش والصرح وغيره ،
)( وكنا مسلمين ) [ آية : 42 ] يعنى وكنا مخلصين بالتوحيد من قبلها .
النمل : ( 43 ) وصدها ما كانت . . . . .
) وصدها ( عن الإسلام ) ما كانت تعبد من دون الله ( من عبادة الشمس ) إنها كانت من قوم كافرين ) [ آية : 43 ]
النمل : ( 44 ) قيل لها ادخلي . . . . .
) قيل لها ادخلي الصرح ( وهو قصر من قوارير على الماء تحته
السمك ، ) فلما رأته حسبته لجة ( يعنى غدير الماء ) وكشفت عن ساقها ( يعنى رجليها
لتخوض الماء إلى سليمان ، وهو على السرير في مقدم البيت ، وذلك أنها لما أقبلت قالت
الجن : لقد لقينا من سليمان ما لقينا من التعب ، فلو قد اجتمع سليمان وهذه المرأة وما
عندها من العلم لهلكنا ، وكانت أمها جنية ، فقالوا : تعالوا نبغضها إلى سليمان ، نقول : إن
قوارير فوق الماء ، وأرسل فيه السمك لتحسب أنه الماء فتكشف عن رجليها فينظر
سليمان أصدقته الجن أم كذبته ، وجعل سريره في مقدم البيت ، فلما رأت الصرح حسبته
لجة الماء وكشفت عن ساقيها ، فنظر إليها سليمان ، فإذا هي من أحسن الناس قدمين
ورأى على ساقها شعراً كثيراً فكره سليمان ذلك ، فقالت : إن الرمانة لا تدري ما هي
حتى تذوقها ، قال سليمان : ما لا يحلو في العين لا يحلو في الفم ، فلما رأت الجن أن
سليمان رأى ساقيها ، قالت الجن : لا تكشفي عن ساقيك ) قال إنه صرح ممرد ( يعنى
أملس ) من قوارير ( فلما رأت السرير والصرح علمت أن ملكها ليس بشيء عند ملك
سليمان ، وأن ملكه من ملك الله عز وجل .
ف ) قالت ( حين دخلت الصرح ) رب إني ظلمت نفسي ( يعنى بعبادتها الشمس(2/478)
صفحة رقم 479
) وأسلمت ( يعنى أخلصت ) مع سليمان ( بالتوحيد ) لله رب العالمين ) [ آية : 44 ]
خرت لله عز وجل ساجدة ، وتابت إلى الله عز وجل من شركها .
واتخذها سليمان عليه السلام لنفسه ، فولدت له داود بن سليمان ، عليهم السلام ، وأمر لها بقرية من الشام يجئ لها خراجها ، وكانت عذراً فاتخذت الحمامات من
أجلها . وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' كانت من أحسن نساء العالمين ساقين ، وهي من أزواج سليمان
في الجنة ' ، فقالت عائشة ، رضي الله عنها ، للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : هي أحسن ساقين مني ، قال النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : ' أنت أحسن ساقين في الجنة ' .
تفسير سورة النمل من الآية : [ 45 - 50 ] .
النمل : ( 45 ) ولقد أرسلنا إلى . . . . .
وكان سليمان عليه السلام يسير بها معه إذا سار ) ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله ( يعنى وحدوا الله ) فإذا هم فريقان يختصمون ) [ آية : 45 ] مؤمنين
وكافرين ، وكانت خصومتهم الآية التي في الأعراف : ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون فعقروا الناقة (
[ الآيات : 75 - 77 ] ووعدهم صالح العذاب ، فقالوا : ( يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ) [ الأعراف : 77 ] فرد عليهم صالح :
النمل : ( 46 ) قال يا قوم . . . . .
) قال ياقوم لم تستعجلون
بالسيئة قبل الحسنة ( يقول : لم تستعجلون بالعذاب قبل العافية ) لولا ( يعنى هلا
) تستغفرون الله ( من الشرك ) لعلكم ( يعنى لكي ) ترحمون ) [ آية : 46 ]
فلا تعذبوا في الدنيا
النمل : ( 47 ) قالوا اطيرنا بك . . . . .
ف ) قالوا ( يا صالح ) اطيرنا ( يعنى تشاءمنا ) بك وبمن معك ( على دينك ، وذلك
أنه قحط المطر عنهم وجاعوا ، فقال : أصابنا هذا الشر من شؤمك وشؤم أصحابك(2/479)
صفحة رقم 480
ف ) قال ( لهم عليه السلام : إنما ) طئركم عند الله ( يقول : الذي أصابكم هو مكتوب
في أعناقكم ) بل أنتم قوم تفتنون ) [ آية : 47 ] يعنى تبتلون ، وإنما ابتليتم بذنوبكم .
النمل : ( 48 ) وكان في المدينة . . . . .
) وكان في المدينة ( قرية صالح : الجمر ) تسعة رهط يفسدون في الأرض ( يعنى
يعملون في الأرض بالمعاصي ) ولا يصلحون ) [ آية : 48 ] يعنى ولا يطيعون الله عز
وجل فيها منهم : قدار بن سالف بن جدع ، عاقر الناقة ، واسم أمه قديرة ، ومصدع ،
وداب ، ويباب إخوة بني مهرج ، وعائذ بن عبيد ، وهذيل ، وذو أعين وهما أخوان ابنا
عمرو ، وهديم ، وصواب ، فعقروا الناقة ليلة الأربعاء ، وأهلكهم الله عز وجل يوم السبت
بصيحة جبريل ، عليه السلام .
النمل : ( 49 ) قالوا تقاسموا بالله . . . . .
) قالوا تقاسموا بالله ( يعنى تحالفوا بالله عز وجل ) لنبيتنه وأهله ( ليلاً بالقتل
يعنى صالحاً وأهله ، ) ثم لنقولن لوليه ( يعنى ذا رحم صالح أن سألوا عنه ) ما شهدنا مهلك أهله ( قالوا : ما ندري من قتل صالحاً وأهله ، ما نعرف الذين قتلوه ) وإنا لصادقون ) [ آية : 49 ] فيما نقول .
النمل : ( 50 ) ومكروا مكرا ومكرنا . . . . .
يقول عز وجل : ( ومكروا مكرا ( حين أرادوا قتل صالح ، عليه السلام ، وأهله ،
يقول الله تعالى ) ومكرنا مكرا ( حين جثم الجبل عليهم ) وهم لا يشعرون (
[ آية : 50 ] .
تفسير سورة النمل من الآية : [ 51 - 58 ] .
النمل : ( 51 ) فانظر كيف كان . . . . .
) فانظر ( يا محمد ) كيف كان عاقبة مكرهم ( يعنى عاقبة عملهم ،
وصنيعهم ، ) أنا دمرناهم ( يعنى التسعة ، يعنى أهلكناهم بالجبل حين جثم عليهم ،
)( و ( دمرنا ) وقومهم أجمعين ) [ آية : 51 ] بصيحة جبريل ، عليه السلام ، فلم نبقى
منهم أحداً .
النمل : ( 52 ) فتلك بيوتهم خاوية . . . . .
) فتلك بيوتهم خاوية ( يعنى خربة ليس بها سكان ، ) بما ظلموا ( يعنى بما(2/480)
صفحة رقم 481
أشركوا ) إن في ذلك لآية ( يعني أن في هلاكهم لعبرة ) لقوم يعلمون ) [ آية :
52 ] بتوحيد الله عز وجل ،
النمل : ( 53 ) وأنجينا الذين آمنوا . . . . .
) وأَنجينا الذين ءامنوا ( يعنى الذين صدقوا ، من العذاب
) وكانوا يتقون ) [ آية : 53 ] الشرك .
النمل : ( 54 - 55 ) ولوطا إذ قال . . . . .
) ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ( يعنى المعاصي ، يعنى بالمعصية إتيان
الرجال شهوة من دون النساء ) وأنتم تبصرون أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ( ) بل أنتم ( يعنى ولكن أنتم ) قوم تجهلون ) [ آية : 55 ]
النمل : ( 56 ) فما كان جواب . . . . .
) فما كان جواب قومه ( قوم لوط حين نهاهم عن المعاصي ) إلا أن قالوا ( بعضهم لبعض
) أخرجوا ءال لوطٍ ( يعنى لوطاً وابنتيه ) من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) [ آية : 56 ]
يعنى لوطاً وحده ، يتطهرون مثلها في الأعراف : ( يتطهرون ) [ الآية : 82 ] يعنى
يتنزهون عن إتيان الرجال فإنا لا نحب أن يكون بين أظهرنا من ينهانا عن عملنا .
النمل : ( 57 ) فأنجيناه وأهله إلا . . . . .
يقول الله عز وجل : ( فأنجينهُ ( من العذاب ) وأهله ( يعنى وابنتيه ريثا وزعوثا ،
ثم استثنى ، فقال سبحانه : ( إلا امرأته ( لم ننجها ) قدرناها ( يقول : قدرنا تركها
) من الغابرين ) [ آية : 57 ] .
النمل : ( 58 ) وأمطرنا عليهم مطرا . . . . .
) وأمطرنا عليهم مطرا ( يعنى الحجارة ) فساء ( يعنى فبئس ) مطر المنذرين (
[ آية : 58 ] يعنى الذين أنذروا بالعذاب ، فذلك قوله عز وجل : ( ولقد أنذرهم بطشتنا ) [ القمر : 36 ] يعنى عذابنا .
تفسير سورة النمل من الآية : [ 59 - 64 ] .(2/481)
صفحة رقم 482
النمل : ( 59 ) قل الحمد لله . . . . .
و ) قل ( يا محمد ) الحمد لله ( في هلاك الأمم الخالية ، يعنى ما ذكر في هذه
السورة من هلاك فرعون وقومه ، وثمود ، وقوم لوط ، وقل : الحمد لله الذي علمك هذا
الأمر الذي ذكر ، ثم قال : ( وسلم على عبادهِ الذين اصطفى ( يعنى الذين اختارهم الله
عز وجل لنفسه للرسالة ، فسلام الله على الأنبياء ، عليهم السلام ، ثم قال الله عز وجل :
( ءالله خيرُ أما يشركونَ ) [ آية : 59 ] له ، يقول : الله تبارك وتعالى أفضل أم الآلهة التي
تعبدونها ؟ يعنى كفار مكة كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأ هذه الآية ، قال : ' بل ، الله خير وأبقى
وأجل وأكرم ' .
النمل : ( 60 ) أم من خلق . . . . .
) أَمن خلق السموات والأرض وأَنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ( يعنى
حيطان النخل والشجر ) ذات بهجة ( يعنى ذات حسن ) ما كان لكم ( يعنى
ما ينبغي لكم ) أن تنبتوا شجرها ( فتجعلوا اللآلهة نصيباً مما أخرج الله عز وجل لكم
من الأرض بالمطر ، ثم قال سبحانه استفهام : ( أَءلهٌ مع الله ( يعينه على صنعه جل
جلاله ، ثم قال تعالى : ( بل هم قوم يعدلون ) [ آية : 60 ] يعنى يشركون ، يعنى كفار
مكة .
النمل : ( 61 ) أم من جعل . . . . .
ثم قال سبحانه : ( أَمن جعل الأرض قراراً ( يعنى مستقراً لا تميد بأهلها ) وجعل
خلاها ( يعنى فجر نواحي الأرض ) أَنهراً ( فهي تطرد ، ) وجعل لها رواسي ( يعنى
الجبال ، فتثبت بها الأرض لئلا تزول بمن على ظهرها ، ) وجعل بين البحرين ( الماء
المالح والماء العذب ) حاجزا ( حجز الله عز وجل بينهما بأمره ، فلا يختلطان ، ) أَءلهُ مَع
الله ( يعينه على صنعه عز وجل ، ) بل أكثرهم ( يعنى لكن أكثرهم ، يعنى أهل مكة
) لا يعلمون ) [ آية : 61 ] بتوحيد ربهم .
النمل : ( 62 ) أم من يجيب . . . . .
) أَمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشفُ السوء ( يعنى الضر ) ويجعلكم خُلفاء
الأرض أَءلهٌ مع الله ( يعينه على صنعه ) قليلا ما تذكرون ) [ آية : 62 ] يقول : ما
أقل ما تذكرون
النمل : ( 63 ) أم من يهديكم . . . . .
) أَمن يهديكم في ظُلمات ( يقول : أم من يرشدكم في أهوال ) البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ( يقول : يبسط السحاب قدام المطر ،
كقوله في عسق : ( وينشر رحمته ( ، الشورى [ آية : 28 ] يعنى ويبسط رحمته بالمطر ،
)( أَءلهٌ مع الله ( يعينه على صنعه عز وجل ، ثم قال : ( تعالى الله ( يعنى ارتفع الله .(2/482)
صفحة رقم 483
يعظم نفسه جل جلاله ) عما يشركون ) [ آية : 63 ] به من الآلهة .
النمل : ( 64 ) أم من يبدأ . . . . .
ثم قال تعالى : ( أَمن يبدؤا الخلق ثم يعيده ( يقول : من بدأ الخلق فخلقهم ، ولم يكونوا
شيئاً ، ثم يعيده في الآخرة ، ) ومن يرزقكم من السماء ( يعنى المطر ) والأرض ( يعنى
النبت ) أَءلهٌ مع الله ( يعنيه على صنعه عز وجل ، ) قل ( لكفار مكة : ( هاتوا برهانكم ( يعنى هلموا بحجتكم بأنه صنع شيئاً من هذا غير الله عز وجل من الآلة ،
فتكون لكم الحجة على الله تعالى ) إن كنتم صادقين ) [ آية : 64 ] بأن مع الله آلهة
كما زعمتم ، يعنى الملائكة .
تفسير سورة النمل من الآية : [ 65 - 75 ] .
النمل : ( 65 ) قل لا يعلم . . . . .
) قل لا يعلم من في السماوات ( يعنى الملائكة ) والأرض ( الناس ) الغيب ( يعنى
البعث ، يعنى غيب الساعة ) إلا الله ( وحده ، عز وجل ، ثم قال عز وجل : ( وما يشعرون أيان يبعثون ) [ آية : 65 ] يقول لكفار مكة : وما يشعرون متى يبعثون بعد الموت
لأنهم يكفرون بالبعث .
النمل : ( 66 ) بل ادارك علمهم . . . . .
) بل ادارك علمهم في الآخرة ( يقول : علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا
فيه ، وعموا عنه في الدنيا ، ) بل هم ( اليوم ) في شك منها ( يعنى من الساعة ) بل هم منها عمون ) [ آية : 66 ] في الدنيا
النمل : ( 67 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا أَءذا كنا تُراباً وءاباؤنا أئنا(2/483)
صفحة رقم 484
لمُخرجونَ ) [ آية : 67 ] من القبور أحياء نزلت في أبي طلحة ، وشيبة ، ومشافع
وشرحبيل ، والحارث وأبوه ، وأطأة بن شرحبيل ،
النمل : ( 68 ) لقد وعدنا هذا . . . . .
) لقد وعدنا هذا ( الذي يقول محمد
( صلى الله عليه وسلم ) يعنون البعث ) نحن وءاباؤنا من قبلُ ( يعنون من قبلنا ) إِن هذا ( الذي يقول محمد
( صلى الله عليه وسلم ) : ( إِلا أَساطير الأولين ) [ آية : 68 ] يعنى أحاديث الأولين وكذبهم .
النمل : ( 69 ) قل سيروا في . . . . .
) قُل ( لكفار مكة : ( سيروا في الأرض فأنظروا كيف كان عاقبة المُجرمين ) [ آية :
69 ] يعنى كفار الأمم الخالية كيف كان عاقبتهم في الدنيا الهلاك ، يخوف كفار مكة
مثل عذاب الأمم الخالية ، لئلا يكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) وقد رأوا هلاك قوم لوط ، وعاد ، وثمود .
النمل : ( 70 ) ولا تحزن عليهم . . . . .
ثم قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ولا تحزن عليهم ( يعنى على كفار مكة إن تولوا عنك ، ولم
يجيبوك ، ) وَلا تكن في ضيق مما يمكرونَ ) [ آية : 70 ] يقول : لا يضيق صدرك بما يقولون
هذا دأبنا ودأبك أيام الموسم ، وهم الخراصون وهم المستهزءون .
النمل : ( 71 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) وَيقولونَ متى هذا الوعد ( يعنون العذاب ، ) إِن كنتم صادقين ) [ آية : 71 ] يعنى
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده بأن العذاب نازل بنا ،
النمل : ( 72 ) قل عسى أن . . . . .
) قُل عسى أَن يكون ردف لكم ( يعنى قريب لكم
) بعض الذي تستعجلون ) [ آية : 72 ] فكان بعض العذاب القتل ببدر ، وسائر العذاب
لهم فيما بعد الموت .
النمل : ( 73 ) وإن ربك لذو . . . . .
ثم قال : ( وَإِن ربك لذو فضلٍ على الناس ( يعنى على كفار مكة حين لا يعجل عليهم
العذاب حين أرادوه ) ولكن أكثرهم ( يعنى أكثر أهل مكة ) لا يشكرونَ ) [ آية :
73 ] الرب عز وجل في تأخير العذب عنهم ،
النمل : ( 74 ) وإن ربك ليعلم . . . . .
) وَإِن ربك ليعلمُ ما تكن صدورهم (
يعنى ما تسر قلوبهم ) وَما يعلنون ) [ آية : 74 ] بألسنتهم .
النمل : ( 75 ) وما من غائبة . . . . .
) وما من غائبةٍ ( يعنى علم غيب ما يكون من العذاب ) في السماء والأرض ( وذلك
حين استعجلوه بالعذاب ) إِلا في كتابٍ مُبينٍ ) [ آية : 75 ] يقول : إلا هو بين في اللوح
المحفوظ .
تفسير سورة النمل من الآية : [ 76 - 82 ](2/484)
صفحة رقم 485
النمل : ( 76 ) إن هذا القرآن . . . . .
) إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه ( يعنى في القرآن
) يختلفون ) [ آية : 76 ] يقول : هذا القرآن مبين لأهل الكتاب اختلافهم ،
النمل : ( 77 ) وإنه لهدى ورحمة . . . . .
) وإنه لهدى ( من الضلالة ) ورحمة ( من العذاب لمن آمن به ، فذلك قوله عز وجل :
( للمؤمنين ) [ آية : 77 ] بالقرآن أنه من ربك
النمل : ( 78 ) إن ربك يقضي . . . . .
) إن ربك يقضي بينهم ( يعنى بين بني
إسرائيل ) بحكمه وهو العزيز العليم ) [ آية : 78 ]
النمل : ( 79 ) فتوكل على الله . . . . .
) فتوكل على الله ( يعنى فثق بالله عز وجل ، وذلك حين دعى إلى ملة آبائه فأمره أن
يثق بالله عز وجل ولا يهوله قول أهل مكة ، ) إنك على الحق المبين ) [ آية : 79 ] يعنى
على الدين البين وهو الإسلام ،
النمل : ( 80 ) إنك لا تسمع . . . . .
ثم ضرب لكفار مكة مثلاً ، فقال سبحانه : ( انك ( يا
محمد ) لا تسمع الموتى ( في النداء ، فشبه كفار مكة بالأموات كما لا يسمع الميت
النداء ، كذلك لا تسمع الكفار النداء ، ولا تفقهه ، ) ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين (
[ آية : 80 ] يقول : إن الأصم إذا ولى مدبراً ، ثم ناديته لم يسمع الدعاء ، وكذلك الكفار لا
يسمع الإيمان إذا دعى إليه .
النمل : ( 81 ) وما أنت بهادي . . . . .
ثم قال عز وجل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( وما أنت بهدي العمي ( إلى الإيمان ) عن ضلالتهم (
يعنى عن كفرهم ) إن تسمع ( يقول : ما تسمع الإيمان ) إِلا من يُؤمن بئايتنا ( إلا من
يصدق بالقرآن أنه من الله عز وجل ، ) فهم مسلمون ) [ آية : 81 ] يقول : فهم مخلصون
بتوحيد الله عز وجل .
النمل : ( 82 ) وإذا وقع القول . . . . .
) وإذا وقع القول عليهم ( يقول : إذا نزل العذاب بهم ، ) أخرجنا لهم دابة من الأرض ( تخرج من الصفا الذي بمكة ) تكلمهم ( بالعربية تقول : ( ان الناس (
يعنى كفار مكة ) كانوا بئايتنا ( يعنى بخروج الدابة ) لا يوقنون ) [ آية : 82 ] هذا قول
الدابة للناس : إن الناس بخروجي لا يوقنون ، لأن خروجها آية من آيات الله عز وجل ،(2/485)
صفحة رقم 486
فإذا رآها الناس كلهم عادت إلى مكانها من حيث خرجت لها أربع قوائم ، وزغب ،
وريش ، ولها جناحان ، واسمها أفضى ، فإذا خرجت بلغ رأسها السحاب .
تفسير سورة النمل من الآية : [ 83 - 86 ] .
النمل : ( 83 ) ويوم نحشر من . . . . .
) ويوم نحشر من كل أمة فوجا ( يعنى زمراً ) ممن يكذب بئايتنا فهم يوزعون ) [ آية :
83 ] يعنى فهم يساقون إلى النار
النمل : ( 84 ) حتى إذا جاؤوا . . . . .
) حتى إذا جاءو قال أَكذبتم بئايتي ( يعنى بالساعة
) ولم يحيطوا بها علماً ( أنها باطل ) أَما ذا كنتم تعلمون ) [ آية : 84 ] .
النمل : ( 85 ) ووقع القول عليهم . . . . .
) ووقع القول عليهم ( يعنى ونزل العذاب بهم ) بما ظلموا ( يعنى بما أشركوا ) فهم لا ينطقون ) [ آية : 85 ] يعنى لا يتكلمون فيها ،
النمل : ( 86 ) ألم يروا أنا . . . . .
ثم وعظ كفار مكة ليعتبروا في صنعه
فيوحدوه عز وجل ، فقال تعالى : ( أَلم يروا أَنا جعلنا اليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً إِن
في ذلك لأيتٍ ( يقول : إن فيهما لعبرة ) لقوم يؤمنون ) [ آية : 86 ] يعنى لقوم يصدقون
بتوحيد الله عز وجل .
تفسير سورة النمل من الآية : [ 87 - 93 ] .
النمل : ( 87 ) ويوم ينفخ في . . . . .
) ويوم ينفخ في الصور ففزع ( يقول : فمات ) من في السماوات ومن في الأرض ( من
شدة الخوف والفزع ، ) إلا من شاء الله ( يعنى جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك
الموت ، عليهم السلام ، ) وكل أتوهُ دخرينَ ) [ آية : 87 ] يعنى وكل البر والفاجر أتوه
في الآخرة صاغرين .(2/486)
صفحة رقم 487
النمل : ( 88 ) وترى الجبال تحسبها . . . . .
) وترى الجبال تحسبها جامدة ( يعنى تحسبها مكانها ) وهي تمر مر السحاب ( فتستوي
في الأرض ) صنع الله الذي أتقن ( يعنى الذي أحكم ) كل شيءٍ إنهُ خبير بما
تفعلون ) [ آية : 88 ] يعنى إنه خبير بما فعلتم ، نظيرها في الروم .
النمل : ( 89 ) من جاء بالحسنة . . . . .
) من جاء بالحسنة ( في الآخرة يعنى بلا إله إلا الله ) فله خير منها ( فيما تقديم يقول
له : منها خير ) وهم من فزع يومئذ ءامنون ) [ آية : 89 ] .
حدثني الهذيل ، عن مقاتل ، عن ثابت البناني ، عن كعب بن عجرة ، عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في
قوله عز وجل : ( من جاء بالحسنة ( ،
النمل : ( 90 ) ومن جاء بالسيئة . . . . .
) ومن جاء بالسيئة ( قال : ' هذه تنجي ، وهذه
تردى ' .
) ومن جاء بالسيئة ( يعنى بالشرك ) فكبت وجوههم في النار ( ثم تقول لهم خزنة
جهنم : ( هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ) [ آية : 90 ] من الشرك
النمل : ( 91 ) إنما أمرت أن . . . . .
) إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلد ( يعنى مكة ) الذي حرمها ( من القتل والسبي وحرم فيها الصيد
وغيره فلا يستحل فيها ما لا ينبغي ) وله ( ملك ) كل شيءٍ وأمرتُ أن أكونَ من
المسلمين ) [ آية : 91 ] يعنى من المخلصين بالتوحيد
النمل : ( 92 ) وأن أتلو القرآن . . . . .
) و ( أمرت ) أَن أتلوا القرآن (
عليكم يا أهل مكة ) فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل ( عن الإيمان بالقرآن مثلها
في الزمر ، ) فقل إنما أنا من المنذرين ) [ آية : 92 ] يعنى من المرسلين يعنى أنا كأحد
الرسل .
النمل : ( 93 ) وقل الحمد لله . . . . .
) وقل ( يا محمد ) لحمد لله سيريكم ءايته ( يعنى العذاب في الدنيا ) فتعرفونها (
أنها حق ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أخبرهم بالعذاب أنه نازل بهم فكذبوه ، فنزلت : ( سيريكم
ءايته ( يعنى القتل ببدر إذا نزل بكم فلا تستعجلون ، ثم قال سبحانه : ( وما ربك بغافل
عما تعملونَ ) [ آية : 93 ] هذا وعيد ، فعذبهم الله عز وجل بالقتل ، وضربت الملائكة
وجوههم وأدبارهم وعجل الله بأرواحهم إلى النار .(2/487)
صفحة رقم 488
( سورة القصص )
مقدمة
( مكية ) 1 ( وفيها من المدني : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ( إلى قوله ) سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) [ الآيات : 52 - 55 ] . ) 1 ( وفيها آية ليست بمكية ولا مدنية قوله : ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) [ آية : 85 ] نزلت بالجحفة أثناء الهجرة )
1 ( وعداد آياتها ثمان ثمانون آية كوفية )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة القصص من الآية : [ 1 - 3 ] .
القصص : ( 1 ) طسم
) طسم ) [ آية : 1 ]
القصص : ( 2 ) تلك آيات الكتاب . . . . .
) تلك ءايت الكتاب ( يعنى القرآن ) المبين ) [ آية : 2 ] يعنى
بين ما فيه
القصص : ( 3 ) نتلوا عليك من . . . . .
) نتلوا عليك ( يعنى نقرأ عليك يا محمد ) من نبإ ( يعنى من حديث
) موسى وفرعون ( اسمه فيطوس ) بالحق لقوم يؤمنون ) [ آية : 3 ] يعنى يصدقون
بالقرآن .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 4 - 6 ] .
القصص : ( 4 ) إن فرعون علا . . . . .
ثم أخبر عن فرعون ، فقال سبحانه : ( إن فرعون علا ( يعنى تعظم ) في الأرض (
يعنى أرض مصر ) وجعل أهلها ( يعنى من أهل مصر ) شيعا ( يعنى أحزاباً
) يستضعف طائفة منهم ( يعنى من أهل مصر يستضعف بني إسرائيل ) يذبح ( يعنى
يقتل ) أبناءهم ( يعنى أبناء بني إسرائيل ) ويستحي نساءهم ( يقول : ويترك بناتهم(2/488)
صفحة رقم 489
فلا يقتلهن ، وكان جميع من قتل من بني إسرائيل ، ثمانية عشر طفلاً ) إنه ( يعنى
فرعون ) كان من المفسدين ) [ آية : 4 ] يعنى كان يعمل في الأرض بالمعاصي .
القصص : ( 5 ) ونريد أن نمن . . . . .
يقول الله عز وجل : ( ونريد أن نمن ( يقول : نريد أن ننعم ) على الذين استضعفوا ( يعنى بني إسرائيل حين أنجاهم من آل فرعون ) في الأرض ونجعلهم أئمة ( يعنى قادة في الخير ، يقتدي بهم في الخير ) ونجعلهم الوارثين ) [ آية : 5 ]
لأرض مصر بعد هلاك فرعون .
القصص : ( 6 ) ونمكن لهم في . . . . .
) ونمكن لهم في الأرض ( يعنى في أرض مصر ) ونرى فرعون وهمان وجنودهما (
القبط ) منهم ( يعنى من بني إسرائيل ) ما كانوا يحذرون ) [ آية : 6 ] من مولود
بني إسرائيل أن يكون هلاكهم في سببه ، وهو موسى ( صلى الله عليه وسلم ) ، وذلك أن الكهنة أخبروا
فرعون أنه يولد في هذه السنة مولود في بني إسرائيل يكون هلاكك في سببه ، فجعل
فرعون على نساء بني إسرائيل قوابل من نساء أهل مصر ، وأمرهن أن يقتلن كل مولود
ذكر يولد من بني إسرائيل مخافة ما بلغه ، فلم يزل الله عز وجل بلطفه يصنع لموسى ، عليه
السلام ، حتى نزل بآل فرعون من الهلاك ما كانوا يحذرون ، وملك فرعون أربع مائة
سنة ، وستة وأربعين سنة .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 7 - 13 ] .
القصص : ( 7 ) وأوحينا إلى أم . . . . .
) وأوحينا إلى أم موسى ( واسمها يوكابد من ولد لاوى بن يعقوب ) أن أرضعيه ( فأمرها جبريل ، عليه السلام ، بذلك ) فإذا خفت عليه ( القتل وكانت(2/489)
صفحة رقم 490
أرضعته ثلاثة أشهر ، وكان خوفها أنه كان يبكي من قلة اللبن ، فيسمع الجيران بكاء
الصبي ، فقال : ( فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ( يعنى في البحر ، وهو بحر النيل ،
فقالت : رب ، إني قد علمت أنك قادر على ما تشاء ، ولكن كيف لي أن ينجو صبي
صغير من عمق البحر ، وبطون الحيتان ، فأوحى الله عز وجل إليها أن تجعله في التابوت ،
ثم تقذفه في اليم ، فإني أوكل به ملك يحفظه في اليم ، فصنع لها التابوت حزقيل القبطي ،
ووضعت موسى في التابوت ، ثم ألقته في البحر يقول الله عز وجل : ( ولا تخافي ( عليه ،
الضيعة ) ولا تحزني ( عليه القتل ) إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) [ آية : 7 ]
إلى مصر فصدقت ، بذلك ففعل الله عز وجل ذلك به ، وبارك الله تعالى على موسى ، عليه
السلام ، وهو في بطن أمه ثلاث مائة وستين بركة .
القصص : ( 8 ) فالتقطه آل فرعون . . . . .
) فالتقطه ءال فرعون ( من البحر من بين الماء والشجر ، وهو في التابوت ، فمن
ثم سمي موسى ، بلغة القبط الماء : مو ، والشجر : سى ، فسموه موسى ، ثم قال تعالى
) ليكون لهم عدوا ( في الهلاك ) وحزنا ( يعنى وغيظاً في قتل الأبكار ، فذلك قوله
عز وجل : ( وإنهم لنا لغائظون ) [ الشعر : 55 ] لقتلهم أبكارنا ، ثم قال سبحانه :
( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) [ آية : 8 ] .
القصص : ( 9 ) وقالت امرأة فرعون . . . . .
) وقالت امرأتُ فرعونَ ( واسمها آسية بنت مزاحم ، عليها السلام : ( قرت عين لي
ولك لا تقتلوهُ ( فإنا آتينا به من أرض أخرى ، وليس من بني إسرائيل ، ) عسى أن ينفعنا ( فنصيب منه خيراً ) أو نتخذه ولدا ( يقول الله عز وجل : ( وهم لا يشعرون ) [ آية : 9 ] أن هلاكهم في سببه .
القصص : ( 10 ) وأصبح فؤاد أم . . . . .
) وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به ( وذلك أنها رأت التابوت
يرفعه موج ويضعه آخر ، فخشيت عليه الغرق ، فكادت تصيح شفقة عليه ، فذلك قوله
عز وجل : ( إن كادت لتبدي به ( يقول : إن همت لتشعر أهل مصر بموسى ، عليه
السلام ، أنه ولدها ) لولا أن ربطنا على قلبها ( بالإيمان ) لتكون من المؤمنين (
[ آية : 10 ] يعنى من المصدقين بتوحيد الله عز وجل ، حين قال لها : ( إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ( .
القصص : ( 11 ) وقالت لأخته قصيه . . . . .
) وقالت ( أم موسى ) لأخته ( يعنى أخت موسى لأبيه وأمه ، واسمها مريم :
( قصيه ( يعنى قصى أثره في البحر ، وهو في التابوت يجري في الماء ، حتى تعلمي(2/490)
صفحة رقم 491
علمه من يأخذه ) فبصرت به عن جنب ( يعنى كأنها مجانبة له بعيداً من أن ترقبه
كقوله تعالى : ( والجار الجنب ) [ النساء : 36 ] يعنى بعيداً منهم من قوم آخرين ،
وعينها إلى التابوت معرضة بوجهها عنه إلى غيره ، ) وهم لا يشعرون ) [ آية : 11 ] أنها
ترقبه .
القصص : ( 12 ) وحرمنا عليه المراضع . . . . .
) وحرمنا عليه المراضع من قبل ( أن يصير إلى أمه ، وذلك أنه لم يقبل ثدي امرأة
) فقالت ( أخته مريم : ( هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ( يعنى يضمنون لكم
رضاعة ، ) وهم له ( للولد ) ناصحون ) [ آية : 12 ] هن أشفق عليه وأنصح له من
غيره ، فأرسل إليها فجاءت ، فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها .
القصص : ( 13 ) فرددناه إلى أمه . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ( لقوله : ( إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ( ثم قال تعالى : ( ولكن أكثرهم ( يعنى أهل مصر ) لا يعلمون ) [ آية : 13 ] بأن وعد الله عز وجل حق .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 14 - 15 ] .
القصص : ( 14 ) ولما بلغ أشده . . . . .
) ولما بلغ ( موسى ) أشده ( يعنى لثماني عشرة سنة ، ) واستوى ( يعنى أربعين
سنة ) ءاتيناهُ حكماً وعلماً ( يقول : أعطيناه علماً وفهماً ، ) وكذلك نجزي المحسنين (
[ آية : 14 ] يقول : هكذا نجزي من أحسن ، يعنى من آمن بالله عز وجل ، وكان بقرية
تدعى خانين على رأس فرسخين ، فأتى المدينة فدخلها نصف النهار .
القصص : ( 15 ) ودخل المدينة على . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( ودخل المدينة ( يعنى القرية ) على حين غفلة من أهلها (
يعنى نصف النهار ، وقت القائلة ، ) فوجد فيها رجلين ( كافرين ) يقتتلان هذا من شيعته ( يعنى هذا من جنس موسى ، من بني إسرائيل ) وهذا ( الآخر ) من عدوه (
من القبط ، ) فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى ( بكفه مرة واحدة ،
)( فقضى عليه ( الموت ، وكان موسى ، عليه السلام ، شديد البطش ، ثم ندم موسى ، عليه
السلام ، فقال : إني لم أومر بالقتل ، ) قال هذا من عمل الشيطان ( يعنى من تزيين الشيطان
) إنه عدو مضل مبين ) [ آية : 15 ] .(2/491)
صفحة رقم 492
تفسير سورة القصص من الآية : [ 16 - 19 ] .
القصص : ( 16 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني ظلمت نفسي ( يعني أضررت نفسي بقتل النفس ، ) فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ) [ آية : 16 ] بخلقه
القصص : ( 17 ) قال رب بما . . . . .
) قال رب بما أنعمت علي ( يقول : إذ أنعمت
علي بالمغفرة ، فلم تعاقبني بالقتل ، ) فلن ( أعوذ أن ) أكون ظهيرا للمجرمين ) [ آية :
17 ] يعنى معيناً للكافرين ، فيما بعد اليوم ، لأن الذي نصره موسى كان كافراً .
القصص : ( 18 ) فأصبح في المدينة . . . . .
) فأصبح ( موسى من الغد ) في المدينة خائفا يترقب ( يعنى ينتظر الطلب ، ) فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه ( يعنى يستغيثهُ ثانية على رجل آخر كافر من القبط
) قال له موسى ( للذي نصره بالأمس ، الإسرائيلي : ( إنك لغوي مبين ) [ آية : 18 ]
يقول : إنك لمضل مبين قتلت أمس في سببك رجلاً .
القصص : ( 19 ) فلما أن أراد . . . . .
) فلما أن أراد أن يبطش ( الثانية بالقبطي ) بالذي هو عدو لهما ( يعنى عدواً لموسى
وعدواً للإسرائيلي ، ظن الإسرائيلي أن موسى يريد أن يبطش به لقول موسى له : ( إنك لغوي مبين ( ) قال ( الإسرائيلي : ( يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد ( يعنى ما تريد ) إلا أن تكون جبارا ( يعنى قتالاً ) في الأرض ( مثل سيرة الجبابرة
القتل في غير حق ) وما تريد أن تكون من المصلحين ) [ آية : 19 ] يعنى من المطيعين لله عز
وجل في الأرض ، ولم يكن أهل مصر علموا بالقاتل ، حتى أفشى الإسرائيلي على
موسى ، فلما سمع القبطي بذلك انطلق ، فأخبرهم أن موسى هو القاتل ، فائتمروا بينهم
بقتل موسى .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 20 - 28 ] .(2/492)
صفحة رقم 493
القصص : ( 20 ) وجاء رجل من . . . . .
) وجاء رجل ( فجاء حزقيل بن صابون القبطي ، وهو المؤمن ) من أقصا المدينة (
يعنى أقصى القرية ) يسعى ( على رجليه ، ف ) قال يا موسى إن الملأ ( من أهل مصر
) يأتمرون بك ليقتلوك ( بقتلك القبطي ، ) فأخرج ( من القرية ) إني لك من الناصحين ) [ آية : 20 ] .
القصص : ( 21 ) فخرج منها خائفا . . . . .
) فخرج ( موسى ، عليه السلام ، ) منها ( من القرية ) خائفا ( أن يقتل ) يترقب (
يعنى ينتظر الطلب ، وهو هارب منهم ) قال رب نجني من القوم الظالمين ) [ آية : 21 ] يعنى
المشركين ، أهل مصر ، فاستجاب الله عز وجل له ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، فأمره أن
يسير تلقاء مدين ، وأعطاه العصا ، فسار من مصر إلى مدين في عشرة أيام بغير دليل .
القصص : ( 22 ) ولما توجه تلقاء . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( ولما توجه تلقاء مدين ( بغير دليل خشي أن يضل الطريق
) قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) [ آية : 22 ] يعنى يرشدني قصد الطريق إلى
مدين فبلغ مدين .
القصص : ( 23 ) ولما ورد ماء . . . . .
فذلك قوله تعالى : ( ولما ورد ماء مدين ( ابن إبراهيم خليل الرحمن
لصلبه عليهم السلام ، وكان الماء لمدين فنسب إليه ، ثم قال : ( وجد عليه أمة ( يقول :
وجد موسى على الماء جماعة ) من الناس يسقون ( أغنامهم ، ) ووجد من دونهم امرأتين تذودان ( يعنى حابستين الغنم لتسقي فضل ماء الرعاء ، وهما ابنتا شعيب النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : واسم الكبرى صبورا ، واسم الصغرى عبرا ، وكانتا توأمتين ، فولدت الأولى قبل
الأخرى بنصف نهار ، ) قال ( لهما موسى : ( ما خطبكما ( يعنى ما أمركما ، ) قالتا لا نسقي ( الغنم ) حتى يصدر الرعاء ( بالغنم راجعة من الماء إلى الرعي ، فنسقي
فضلتهم ) وأبونا شيخ كبير ) [ آية : 23 ] لا يستطيع أن يسقى الغنم من الكبر ، فقال
لهما موسى ، عليه السلام : أين الماء ؟ فانطلقا به إلى الماء ، فإذا الحجر على رأس البئر لا(2/493)
صفحة رقم 494
يزيله إلا عصابة من الناس ، فرفعه موسى ، عليه السلام ، وحده بيده ، ثم أخذ الدلو ، فأدلى
دلواً واحداً ، فأفرغه في الحوض ، ثم دعا بالبركة .
القصص : ( 24 ) فسقى لهما ثم . . . . .
) فسقى لهما ( الغنم ، فرويت ) ثم تولي ( يعنى انصرف ) إلى الظل ( ظل
شجرة ، فجلس تحتها من شدة الحر وهو جائع ، ) فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) [ آية : 24 ] يعنى إلى الطعام ، فرجعت الكبيرة إلى موسى لتدعوه .
القصص : ( 25 ) فجاءته إحداهما تمشي . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( فجاءته إحداهما ( يعنى الكبرى ) تمشي على استحياء (
يعنى على حياء ، وهي التي تزوجها موسى ، عليه السلام ، ف ) قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ( وبين موسى وبين أبيها ثلاثة أميال ، فلولا الجوع الذي
أصابه ما اتبعها ، فقام يمشي معها ، ثم أمرها أن تمشي خلفه وتدله بصوتها على الطريق
كراهية أن ينظر إليها ، وهما على غير جادة ، يقول : ( فلما جاءه ( : فلما أتى موسى
شعيباً ، عليهما السلام ، ) وقص عليه ( يعنى على شعيب ) القصص ( الذي كان من
أمره أجمع ، أمر القوابل اللائى قتلن أولاد بني إسرائيل ، وحين ولد وحين قذف في
التابوت في اليم ، ثم المراضع بعد التابوت ، حتى أخبره بقتل الرجل من القبط ، ) قال (
له شعيب : ( لا تخف نجوت من القوم الظالمين ) [ آية : 25 ] يعنى المشركين .
القصص : ( 26 ) قالت إحداهما يا . . . . .
) قالت إحداهما ( وهي الكبرى ) ياأبت استئجره إن خير من استئجرت ( يقول :
إن الذي استأجرت هو ) القوي الأمين ) [ آية : 26 ] قال شعيب لابنته : من أين علمت
قوته ؟ وأمانته ؟ قالت : أزال الحجر وحده عن رأس البئر ، وكان لا يطيقه إلا رجال ،
وذكرت أنه أمرها أن تمشي خلفه كراهية أن ينظر إليها .
القصص : ( 27 ) قال إني أريد . . . . .
ف ) قال ( شعيب لموسى ، عليهما السلام : ( إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي ( يعنى
أن أزواجك إحدى ابنتي ) هاتين على أن تأجرني ( نفسك ) ثمنى حجج فإن اتممت
عشراً ( يعنى عشر سنين ، ) فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ( في العشر
) ستجدني إن شاء الله من الصالحين ) [ آية : 27 ] يعنى من الرافقين بك ، كقول
موسى لأخيه هارون : ( اخلفني في قومي وأصلح ) [ آية : الأعراف : 142 ] يعنى
وارفق بهم ، في سورة الأعراف(2/494)
صفحة رقم 495
القصص : ( 28 ) قال ذلك بيني . . . . .
) قال ( موسى : ( ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت ( ثماني سنين ، أو
عشر سنين ، ) فلا عدوان ( يعنى فلا سبيل ) علي والله على ما نقول وكيل ) [ آية : ] 28 ] يعنى شهيد فيما بيننا ، كقوله عز وجل : ( وكفى بالله وكيلا ) [ النساء : 81 ]
يعنى شهيداً ، فأتم موسى ، عليه السلام ، عشر سنين على أن يزوج ابنته الكبرى
اسمها
صبورا بنت شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم ،
تفسير سورة القصص من الآية : [ 29 - 32 ] .
القصص : ( 29 ) فلما قضى موسى . . . . .
) فلما قضى موسى الأجل ( السنين العشر ، ) وسار بأهله ( ليلة الجمعة
) ءانس ( يعنى رأى ) من جانب ( يعنى من ناحية ) الطور ( يعنى الجبل ) نارا (
وهو النور بأرض المقدسة ، ف ) قال لأهله امكثوا ( مكانكم ) إني ءانست ناراً ( يقول :
إن رأيت ناراً ) لعلىءاتيكم منها بخبر ( أين الطريق وكان قد تحير ليلاً ، فإن لم أجد من
يخبرني ، ) أو جذوة ( يعنى آتيكم بشعلة ، وهو عود قد احترق بعضه ) من النار لعلكم ( يعنى لكي ) تصطلون ) [ آية : 29 ] من البرد ، فترك موسى ، عليه السلام ،
امرأته وولده في البرية بين مصر ومدين ، ثم استقام فذهب بالرسالة ، فأقمت امرأته
مكانها ثلاثين سنة في البرية مع ولدها وغنمها ، فمر بها راع فعرفها ، وهي حزينة تبكي ،
فانطلق بها إلى أبيها .
القصص : ( 30 ) فلما أتاها نودي . . . . .
) فلما أتاها ( أتى النار ) نودي ( ليلاً ) من شاطىء يعنى من جانب ( ، يعنى
من الناحية ) الواد الأيمن ( يعنى يمين الجبل ) في البقعة المباركة ( والمباركة ، لأن
الله عز وجل كلم موسى ، عليه السلام ، في تلك البقعة نودى ) من الشجرة ( وهي(2/495)
صفحة رقم 496
عوسجة ، وكان حول العوسجة شجر الزيتون ، فنودى ) أن ياموسى ( في اتقديم
) إني أنا الله ( الذي ناديتك ) رب العالمين ) [ آية : 30 ] هذا كلامه عز وجل
لموسى ، عليه السلام .
القصص : ( 31 ) وأن ألق عصاك . . . . .
) وأن ألق عصاك ( وهي ورق الآس أس الجنة من يدك ) فلما رءاها تهتز ( تحرك
) كأنها جان ( يقول : كأنها حية لم تزل . قال الهذيل ، عن غير مقاتل : ( كأنها جان (
يعنى شيطان ) ولى مدبرا ( من الرهب من الحية ، يعنى من الخوف ، فيها تقديم ) ولم يعقب ( يعنى ولم يرجع ، سبحانه : ( يا موسى أقبل ولا تخف ( من الحية ) إنك من الآمنين ) [ آية : 31 ] من الحية .
القصص : ( 32 ) اسلك يدك في . . . . .
) اسلك ( يعنى ادخل ) يدك ( اليمنى ) في جيبك ( فجعلها في جيبه من قبل
الصدر ، وهى مدرعة من صوف مضربة ) تخرج ( يدك من الجيب ) بيضاء من غير سوء ( يعنى من غير برص لها شعاع كشعاع الشمس ، يغشى البصر ) واضمم إليك جناحك ( يعنى عضدك من يدك ) من الرهب فذانك برهانان من ربك ( يعنى آيتين
من ربك يعنى اليد والعصا ) إلى فرعون وملإيه إنهم كانوا قوماً فاسقين ) [ آية : ] 32 ] يعنى عاصين .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 33 - 37 ] .
القصص : ( 33 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ) [ آية : 33 ]
القصص : ( 34 ) وأخي هارون هو . . . . .
) وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا ( يعنى عوناً لكى ) يصدقني ( وهارون يومئذ بمصر
لكي يصدقني فرعون ) إني أخاف أن يكذبون ) [ آية : 34 ] .
القصص : ( 35 ) قال سنشد عضدك . . . . .
) قال سنشد عضدك بأخيك ( يعنى ظهرك بأخيك هارون ) ونجعل لكما سلطانا (
يعنى حجة بآياتنا ، يعنى اليد والعصا ، فيها تقديم ) فلا يصلون إليكما ( بقتل ، يعنى
فرعون وقومه لقولهما في طه : ( إننا نخاف أن يفرط علينا بالقاتل أو أن يطغى ( ،(2/496)
صفحة رقم 497
فذلك قوله سبحانه : ( فلا يصلون إليكما ( ) بئاياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ) [ آية : ] 35 ] .
القصص : ( 36 ) فلما جاءهم موسى . . . . .
) فلما جاءهم موسى بئاياتنا ( اليد والعصا ) بينات ( يعنى واضحات التي في طه
والشعراء ، ) قالوا ما هذا ( الذي جئت به يا موسى ، ) إلا سحر مفترى ( افتريته يا
موسى ، أنت تقولته وهارون ) و ( قالوا : ( وما سمعنا بهذا في ءابائنا الأولين (
[ آية : 36 ] يعنى اليد والعصا .
القصص : ( 37 ) وقال موسى ربي . . . . .
) و ( لما كذبوه بما جاء به ) وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده (
فإني جئت بالهدى من عند الله عز وجل ، ) و ( هو أعلم ب ) ومن تكون له عاقبة الدار ( يعنى دار الجنة ألنا أو لكم ؟ ثم قال : ( إنه لا يفلح الظالمون ) [ آية : 37 ] في
الآخرة لا يفوز المشركون ، يعنى لا يسعدون .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 38 - 42 ] .
القصص : ( 38 ) وقال فرعون يا . . . . .
) وقال فرعون يا أيها الملأ ( يعنى الأشراف من قومه ) ما علمت لكم من إله غيري ( هذا القول من فرعون كفر ) فأوقد لي ياهامان على الطين فأجعل لي صرحاً (
يقول : أوقد النار على الطين حتى يصير اللبن أجراً ، وكان فرعون أول من طبخ الأجر
وبناه ، ) فاجعل لي صرحا ( يعنى قصراً طويلاً ، ) لعلي أطلع إلى إله موسى ( فبنى ،
وكان ملاطة خبث القوارير ، فكان الرجل لا يستطيع القيام عليه مخافة أن تنسفه الريح ،
ثم قال فرعون : فاطلع إلى إله موسى ) وإني لأظنه ( يقول : إني لأحسب موسى
) من الكاذبين ) [ آية : 38 ] بما يقول : إن في السماء إلهاً .
القصص : ( 39 ) واستكبر هو وجنوده . . . . .
) واستكبر ( فرعون ) هو وجنوده ( عن الإيمان ) في الأرض بغير الحق (
يعنى بالمعاصي ) وظنوا ( يقول : وحسبوا ) أنهم إلينا لا يرجعون ) [ آية : 39 ] .
أحياء بعد الموت في الآخرة .(2/497)
صفحة رقم 498
يقول الله عز وجل : ( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ( يعنى فقذفناهم في نهر
النيل الذي بمصر ) فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) [ آية : 40 ] يعنى
المشركين ، أهل مصر كان عاقبتهم الغرق ،
القصص : ( 41 ) وجعلناهم أئمة يدعون . . . . .
) وجعلنهم أئمةً ( يعنى قادة في الشرك
) يدعون إلى النار ( يعنى يدعون إلى الشرك ، وجعل فرعون والملأ قادة الشرك ،
وأتبعناهم أهل مصر ) ويوم القيامة لا ينصرون ) [ آية : 41 ] يعنى لا يمنعون من
العذاب
القصص : ( 42 ) وأتبعناهم في هذه . . . . .
) وأتبعنهم في هذه الدنيا لعنة ( يعنى الغرق ) ويوم القيمة ( في النار
) هم من المقبوحين ) [ آية : 42 ] .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 43 - 48 ] .
القصص : ( 43 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد ءاتينا موسى الكتب من بعد ما أهلكنا ( بالعذاب في الدنيا ) القرون الأولى ( يعنى نوحاً ، وعاداً ، وقوم إبراهيم ، وقوم لوط ، وقوم شعيب ، وغيرهم كانوا قبل
موسى ، ثم قال عز وجل : ( بصائر للناس ( يقول : في هلاك الأمم الحالية بصيرة لبني
إسرائيل ، ) وهدى ( يعنى التوراة هدى من الضلالة لمن عمل بها ، ) ورحمة ( لم آمن
بها من العذاب ) لعلهم ( يعنى لكي ) يتذكرون ) [ آية : 43 ] فيؤمنوا بتوحيد الله ،
عز وجل .
القصص : ( 44 ) وما كنت بجانب . . . . .
) وما كنت ( يا محمد ) بجانب ( يعنى بناحية ، كقوله عز وجل : ( جانب البر (
[ الإسراء : 68 ] يعنى ناحية البر ) الغربي ( بالأرض المقدسة ، والغربي ، يعنى غربي
الجبل حيث تغرب الشمس ) إذ قضينا إلى موسى الأمر ( يقول : إذ عهدنا إلى موسى
الرسالة إلى فرعون وقومه ، ) وما كنت من الشاهدين ) [ آية : 44 ] لذلك الأمر .(2/498)
صفحة رقم 499
القصص : ( 45 ) ولكنا أنشأنا قرونا . . . . .
) ولكنا أنشأنا قرونا ( يعنى خلفنا قروناً ، ) فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا ( يعنى شاهداً ) في أهل مدين تتلوا عليهم ءاياتنا ( يعنى تشهد مدين ، فتقرأ
على أهل مكة أمرهم ) ولكنا كنا مرسلين ) [ آية : 45 ] يعنى أرسلناك إلى أهل
مكة لتخبرهم بأمر مدين .
القصص : ( 46 ) وما كنت بجانب . . . . .
) وما كنت بجانب الطور ( يعنى بناحية من الجبل الذي كلم الله عز وجل عليه
موسى ، عليه السلام ، ) إذ نادينا ( يعنى إذ كلمنا موسى ، وآتيناه التوراة ) ولكن رحمة من ربك ( يقول : ولكن القرآن رحمة ، يعنى نعمة من ربك النبوة اختصصت
بها ، إذ أوحينا إليك أمرهم لتعرف كفار نبوتك ، فذلك قوله : ( لتنذر قوما ( يعنى
أهل مكة بالقرآن ) ما أتاهم من نذير ( يعنى رسولاً ) من قبلك لعلهم ( يعنى لكي
) يتذكرون ) [ آية : 46 ] فيؤمنوا .
القصص : ( 47 ) ولولا أن تصيبهم . . . . .
) ولولا أن تصيبهم مصيبة ( يعنى العذاب في الدنيا ) بما قدمت أيديهم ( من
المعاصي ، يعنى كفار مكة ) فيقولوا ربنا لولآ أرسلت إلينا رسولاً فنتبع ءاياتك ( يعنى
القرآن ) ونكون من المؤمنين ) [ آية : 47 ] يعنى المصدقين ، فيها تقديم ، يقول : لولا
أن يقولوا : ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ، ونكون من المؤمنين لأصابتهم
مصيبة بما قدمت أيديهم .
القصص : ( 48 ) فلما جاءهم الحق . . . . .
) فلما جاءهم الحق ( يعنى القرآن ) من عندنا قالوا لولا ( يعنى هلا ) أوتي مثل ما أوتي موسى ( يعنى أعطى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) القرآن جملة مكتوبة كما أعطى موسى التوراة
) أولم يكفروا بما أوتى موسى من قبل ( قرآن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) قالوا سحران تظاهرا ( يعنون
التوراة والقرآن ، ومن قرأ ' ساحران ' يعنى موسى ومحمداً ، صلى الله عليهما ، ' تظاهرا ' ،
يعنى تعاونا على الضلالة ، يقول : صدق كل واحد منهما الآخر ، ) وقالوا إنا بكل كافرون ) [ آية : 48 ] يعني بالتوراة وبالقرآن لا نؤمن بهما .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 49 - 55 ] .(2/499)
صفحة رقم 500
القصص : ( 49 ) قل فأتوا بكتاب . . . . .
يقول الله عز وجل لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) : ( قل ( لكفار مكة ) فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى ( لأهله ) منهما أتبعه إن كنتم صادقين ) [ آية : 49 ] بأنهما ساحران تظاهرا
القصص : ( 50 ) فإن لم يستجيبوا . . . . .
) فإن لم يستجيبوا لك ( فإن لم يفعلوا : أن يأتوا بمثل التوراة والقرآن ) فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ( بغير علم ) ومن أضل ( يقول : فلا أحد أضل ) ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) [ آية : 50 ] إلى دينه عز وجل .
القصص : ( 51 ) ولقد وصلنا لهم . . . . .
) ولقد وصلنا لهم القول ( يقول : ولقد بينا لكفار مكة ما في القرآن من الأمم
الخالية ، كيف عذبوا بتكذيبهم رسلهم ، ) لعلهم ( يعنى لكي ) يتذكرون ) [ آية :
51 ] فيخافوا فيؤمنوا .
القصص : ( 52 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
) الذين ءاتيناهم الكتاب ( يعنى أعطيناهم الإنجيل ) من قبله ( يعنى القرآن ) هم به يؤمنون ) [ آية : 52 ] يعنى هم بالقرآن مصدقون بأنه من الله عز وجل نزلت في مسلمى
أهل الإنجيل ، وهم أربعون رجلاً من أهل الإنجيل ، أقبلوا من الشام بحيري ، وأبرهة ،
والأشراف ، ودريد ، وتمام ، وأيمن ، وإدريس ، ونافع .
القصص : ( 53 ) وإذا يتلى عليهم . . . . .
فنعتهم الله عز وجل ، فقال سبحانه : ( وإذا يتلى عليهم ( آياتنا ، يقول : وإذا قرئ عليهم
القرآن ) قالوا ءامنا به ( يعني صدقنا بالقرآن ) إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ) [ آية : 53 ] يقول : إنا كنا من قبل هذا القرآن مخلصين لله عز وجل بالتوحيد .
القصص : ( 54 ) أولئك يؤتون أجرهم . . . . .
يقول الله عز وجل : ( أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ( أجراً بتمسكهم بالإسلام
حين أدركوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، فآمنوا به ، وأجرهم بالإيمان بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلما اتبعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم )
شتمهم كفار قومهم في متابعة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فصفحوا عنهم وردوا معروفاً ، فأنزل الله عز
وجل : ( ويدرءون بالحسنة السيئة ( ما سمعوا من قومهم من الأذى ) ومما رزقنهم (
من الأموال ) ينفقون ) [ آية : 54 ] في طاعة الله عز وجل .
القصص : ( 55 ) وإذا سمعوا اللغو . . . . .
) وإذا سمعوا اللغو ( من قومهم ، من الشر والشتم والأذى ، ) أعرضوا عنه (
يعنى عن اللغو ، فلم يردوا عليهم مثل ما قيل لهم ، ) وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ( يعنى
لنا ديننا ولكم دينكم ، وذلك حين عيروهم بترك دينهم ، وقالوا لكفار قومهم : ( سلام(2/500)
صفحة رقم 501
عليكم ( يقول : ردوا عليهم معروفاً ) لا نبتغي الجاهلين ) [ آية : 55 ] يعنى لا نريد أن
تكون مع أهل الجهل والسفة .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 56 - 59 ] .
القصص : ( 56 ) إنك لا تهدي . . . . .
) إنك لا تهدى من أحببت ( وذلك أن أبا طالب بن عبد المطلب ، قال : يا معشر بني
هاشم ، أطيعوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، وصدقوه تفلحوا وترشدوا ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' يا عم ، تأمرهم
بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك ' ، قال : فما تريد يا ابن أخي ؟ قال : ' أريد منك كلمة
واحدة ، فإنك في آخر يوم من الدنيا ، أن تقول : لا إله إلا الله ، أشهد لك بها عند الله '
عز وجل ، قال : يا ابن أخي ، قد عملت أنك صادق ، ولكنى أكره أن يقال : جزع عند
الموت ، ولولا أن يكون عليك ، وعلى بني أبيك غضاضة وسبة لقلتها ، ولأقررت بعينك
عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك ، ولكن سوف أموت على ملة أشياخ
عبد المطلب ، وهاشم وعبد مناف ، فأنزل الله عز وجل : ( إنك ( يا محمد ) لا تهدي من
أَحببت ) ) إلى الإسلام ( ( ولكن الله يهدي من يشاء وهو أَعلم بالمهتدين ) [ آية : 56 ]
يقول : وهو أعلم بمن قدر له الهدى .
القصص : ( 57 ) وقالوا إن نتبع . . . . .
) وقالوا إِن نتبع الهُدى معك نتخطف من أرضنا ( نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد
مناف القرشي ، وذلك أنه قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إنا لنعلم أن الذي تقول حق ، ولكنا يمنعنا أن
نتبع الهدى معك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا ، يعنى مكة ، فإنما نحن أكلة رأس
العرب ، ولا طاقة لنا بهم ، يقول الله تعالى : ( أَوَلم نمكن لهم حرماً ءامناً يجبى إليه (
يحمل إلى الحرم ) ثمراتُ كل شيء ( يعنى بكل شيء من ألوان الثمار ) رزقاً من لدنا (
يعنى من عندنا ) ولكن أكثرهم ( يعنى أهل مكة ) لا يعلمون ) [ آية : 57 ]
يقول : هم يأكلون رزقي ويعبدون غيري وهم آمنون في الحرم من القتل والسبى ،(2/501)
صفحة رقم 502
فكيف يخافون لو أسلموا أن لا يكون ذلك لهم ، نجعل لهم الحرم آمناً من الشرك ونخوفهم
في الإسلام ؟ فإنا لا نفعل ذلك بهم لو أسلموا .
القصص : ( 58 ) وكم أهلكنا من . . . . .
ثم خوفهم عز وجل ، فقال سبحانه : ( وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها (
يقول : بطروا وأشروا يتقلبون في رزق الله عز وجل ، فلم يشكروا الله تعالى في نعمه
فأهلكهم بالعذاب ) فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم ( يعنى من بعد هلاك أهلها
) إلا قليلا ( من المساكن فقد يسكن في بعضها ) وكنا نحن الوارثين ) [ آية : 58 ]
لما خلفوا من بعد هلاكهم يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية حين قالوا : نتخوف
أن نتخطف من مكة .
القصص : ( 59 ) وما كان ربك . . . . .
ثم قال الله عز وجل : ( وما كان ربك مهلك القرى ( يعنى معذب أهل القرى الخالية
) حتى يبعث في أمها رسولا ( يعنى في أكبر تلك القرى رسولاً ، وهي مكة ) يتلوا عليهم
ءاياتنا ( يقول : يخبرهم الرسول بالعذاب بأنه نازل بهم في الدنيا إن لم يؤمنوا ) وما كنا مهلكي القرى ( يعنى معذبي أهل القرى في الدنيا ) إلا وأهلها ظالمون (
[ آية : 59 ] يقول : إلا وهم مذنبون ، يقول : لم نعذب على غير ذنب .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 60 - 70 ] .
القصص : ( 60 ) وما أوتيتم من . . . . .
) وما أوتيتم من شيءٍ ( يقول : وما أعطيتم من خير ، يعنى به كفار مكة ) فمتاع
الحيوة الدنيا وزينتها ( يقول : تمتعون في أيام حياتكم ، فمتاع الحياة الدنيا وزينتها إلى فناء(2/502)
صفحة رقم 503
) وما عند الله ( من الثواب ) خير وأبقى ( يعنى أفضل وأدوم لأهله مما أعطيتم في
الدنيا ) أفلا تعقلون ) [ آية : 60 ] أن الباقي خير من الفاني الذاهب .
القصص : ( 61 ) أفمن وعدناه وعدا . . . . .
) أفمن وعدناه ( يعنى أفمن وعده الله عز وجل ، يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الدنيا ) وعدا حسنا ( يعنى الجنة ) فهو لاقيه ( فهو معاينة يقول : مصيبة ) كمن متعناه متاع الحيوة
الدنيا ( بالمال ) ثم هو يوم القيامة من المحضرين ) [ آية : 61 ] النار ، يعنى أبا جهل بن
هشام ، لعنه الله ، ليسا بسواء ، نظيرها في الأنعام .
القصص : ( 62 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . .
) ويوم يناديهم ( يعنى كفار مكة ) فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ) [ آية :
62 ] في الدنيا أن معي شريكاً
القصص : ( 63 ) قال الذين حق . . . . .
) قال الذين حق عليهم القول ( يعنى وجب عليهم كلمة
العذاب وهم الشياطين ، حق عليهم القول يوم قال الله تعالى وذكره ، لإبليس : ( لأملأن جهنم منكم أجمعين ) [ الأعراف : 18 ] ، فقالت الشياطين في الآخرة : ( ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا ( يعنون كفار بني آدم ، يعنى هؤلاء الذين أضللناهم كما ضللنا
) تبرأنا إليك ( منهم يا رب ) ما كانوا إيانا يعبدون ) [ آية : 63 ] فتبرأت الشياطين
ممن كان يعبدها .
القصص : ( 64 ) وقيل ادعوا شركاءكم . . . . .
) وقيل ( لكفار بني آدم ) ادعوا شركاءكم ( يقول سلوا الآلهة : أهم الآلهة ؟ ) فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ( يقول : سألوهم فلم تجبهم الآلهة ، نظيرها في الكهف . يقول الله تعالى :
( ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ) [ آية : 64 ] من الضلالة يقول : لو أنهم كانوا
مهتدين في الدنيا ما رأوا العذاب في الآخرة .
القصص : ( 65 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . .
) ويوم يناديهم ( يقول : ويوم يسألهم ، يعنى كفار مكة يسألهم الله عز وجل ، ) فيقول ماذا أجبتم المرسلين ) [ آية : 65 ] في التوحيد
القصص : ( 66 - 67 ) فعميت عليهم الأنباء . . . . .
) فعميت عليهم الأنباء ( يعنى الحجج
) يومئذ فهم لا يتساءلون ) [ آية : 66 ] يعنى لا يسأل بعضهم بعضاً عن الحجج ، لأن
الله تعالى ادحض حجتهم ، وأكل ألسنتهم ، فذلك قوله تعالى : ( فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون ( ) فأما من تاب ( من الشرك ) وءامن ( يعنى وصدق
بتوحيد الله عز وجل ، ) وعمل صالحا فعسى ( والعسى من الله عز وجل واجب ) أن يكون من المفلحين ) [ آية : 67 ] .
القصص : ( 68 ) وربك يخلق ما . . . . .
) وربك يخلق ما يشاء ويختار ( وذلك أن الوليد قال في ' حم ' الزخرف : ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) [ آية : 31 ] يعنى نفسه ، وأبا
مسعود الثقفي ، فذلك قوله سبحانه : ( ويختار ( أي للرسالة والنبوة من يشاء ، فشاء(2/503)
صفحة رقم 504
جل جلاله ، لأن يجعلها في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وليست النبوة والرسالة بأيديهم ، ولكنها بيد الله
عز وجل ، ثم قال سبحانه : ( ما كان لهم الخيرة ( من أمرهم ، ثم نزه نفسه تبارك
وتعالى عن قول الوليد حين قال : ( اجعل ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) الآلهة : إلهاً واحداً إن هذا
لشيء عجاب ) [ ص : 5 ] ، فكفر بتوحيد الله عز وجل ، فأنزل الله سبحانه ينزه نفسه
عز وجل عن شركهم ، فقال : ( سبحان الله وتعالى ( يعنى وارتفع ) عما يشركون (
[ آية : 68 ] به غيره عز وجل .
القصص : ( 69 ) وربك يعلم ما . . . . .
ثم قال عز وجل : ( وربك يعلم ما تكن صدورهم ( يعنى ما تسر قلوبهم ) وما يعلنون ) [ آية : 69 ] بألسنتهم ، نظيرها في النمل ، ثم وحد الرب نفسه تبارك وتعالى
حين لم يوحده كفار مكة ، الوليد وأصحابه .
القصص : ( 70 ) وهو الله لا . . . . .
فقال سبحانه : ( وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة ( يعنى يحمده
أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الآخرة ، يعنى أهل الجنة ) وله الحكم وإليه ترجعون (
[ آية : 70 ] بعد الموت في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 71 - 75 ] .
القصص : ( 71 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل ( يا محمد ، لكفار مكة ، ) أَرءيتم إِن جعل الله عليكم اليل سرمداً إلى يومٍ
القيامة ( فدامت ظلمته ) من إله غير الله يأتيكم بضياء ( يعنى بضوء النهار ،
)( أفلا ( يعنى أفهلا ) تسمعون ) [ آية : 71 ] المواعظ ،
القصص : ( 72 ) قل أرأيتم إن . . . . .
و ) قل ( لهم ) أَرءيتم إِن
جعل اللهُ عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غيرُ الله يأتيكم بليل تسكنونَ
فيه ( من النصب ) أفلا ( يعنى أفهلا ) تبصرون ) [ آية : 72 ]
القصص : ( 73 ) ومن رحمته جعل . . . . .
ثم أخبر عن صنعه تعالى ذكره ، فقال سبحانه : ( ومن رحمته جعل لكم اليل والنهار
لتسكنوا ( يعنى لتستقروا ) فيه ( بالليل من النصب ) ولتبتغوا ( بالنهار ) من(2/504)
صفحة رقم 505
فضله ( يعنى الرزق ) ولعلكم تشكرون ) [ آية : 73 ] ربكم في نعمه ، فتوحدوه عز
وجل .
القصص : ( 74 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . .
) ويوم يناديهم ( يعنى يسألهم ) فيقول أين شركاءي الذين كنتم تزعمون (
[ آية : 74 ] في الدنيا
القصص : ( 75 ) ونزعنا من كل . . . . .
) ونزعنا ( يقول : وأخرجنا ) من كل أُمةٍ شهيداً ( يعنى
رسولها ونبيها يشهد عليها بالبلاغ والرسالة ) فقلنا ( لهم يعنى للكفار : ( هاتوا (
هلموا ) برهانكم ( يعنى حجتكم بأن معي شريكاً ، فلم يكن لهم حجة ، ) فعلموا أَن
الحق لله ( يعنى التوحيد لله عز وجل ، ) وضل عنهم ) ) في الآخرة ( ( ما كانوا
يفترونَ ) [ آية : 75 ] في الدنيا بأن مع الله سبحانه شريكاً .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 76 - 79 ] .
القصص : ( 76 ) إن قارون كان . . . . .
) إِن قُرون كان من قومٍ مُوسى ( يعنى من بني إسرائيل ، وكان ابن عمه ، قارون
بن أصهر بن قوهت بن لاوي بن يعقوب ، وموسى بن عمران بن قوهت ) فبغى عليهمٌ (
يقول : بغي قارون على بني إسرائيل من أجل كنزه ما له ) وءاتيناهُ ( يعنى وأعطيناه
) من الكنوز ( يعنى من الأموال ) ما إن مفاتحه ( يعنى خزائنه ) لتنوا بالعصبة أُولى
القوة ( والعصبة من عشرة نفر إلى أربعين ، فإذا كانوا أربعين فهم أولو قوة يقول : لتعجز
العصبة أولى القوة عن حمل الخزائن ) إِذ قال له قومه ) ) بنو إسرائيل ( ( لا تفرح ( يقول :
لا تمرح ولا تبطر ولا تفخر بما أوتيت من الأموال ، ) إِن الله لا يحب الفرحينَ ) [ آية :
76 ] يعنى المرحين البطرين .
القصص : ( 77 ) وابتغ فيما آتاك . . . . .
) و ( قالوا له : ( وابتغ فيما ءاتك الله ( يعنى فيما أعطاك الله عز وجل من
الأموال والخير ، ) الدار الأخرة ( يعنى دار الجنة ، ) و لا تنس نصيبكَ ( يعنى ولا
تترك حظك ) من الدنيا ( أن تعمل فيها لآخرتك ، ) وأَحسن ( العطية في الصدقة(2/505)
صفحة رقم 506
والخير فيما يرضى الله عز وجل ، ) كما أحسن الله إليك ولا تبغ ( بإحسان الله إليك
) الفساد في الأرض ( يقول : لا تعمل فيها بالمعاصي ، ) إن الله لا يحب المفسدين ) [ آية :
77 ] .
القصص : ( 78 ) قال إنما أوتيته . . . . .
فرد قارون على قومه حين أمروه أن يطيع الله عز وجل في ماله ، وفيما أمره أن يطيع
الله عز وجل في ماله ، وفيما أمره ، ف ) قال ( لهم ) إنما أوتيته ( يعنى إنما أعطيته
يعنى المال ) على علم عندي ( يقول : على خير علمه الله عز وجل عندي ، يقول الله عز
وجل : ( أولم يعلم ( قارون ) أن الله قد أهلك ( بالعذاب ) من قبله من القرون (
حين كذبوا رسلهم ) من هو أشد منه ( من قارون ) قوة ( وبطشاً ) وأكثر جمعا (
من الأموال ، منهم نمروذ الجبار وغيره ، ثم قال عز وجل : ( ولا يسئل عن ذنوبهم
المجرمون ) [ آية : 78 ] يقول : ولا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية
الذين عذبوا في الدنيا ، فإن الله عز وجل قد أحصى أعمالهم الخبيثة وعلمها .
القصص : ( 79 ) فخرج على قومه . . . . .
) فخرج ( قارون ) على قومه في زينته ( قومه بني إسرائيل ، الزينة ، يعنى الشارة
الحسنة خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأرجوان ، ومعه آلاف فارس
على الخيل عليهم وعلى دوابهم الأرجوان ، ومعه ثلاث مائة جارية بيض عليهن الحلي
والثياب الحمر على البغال الشهب ، فلما نظر المؤمنون إلى تلك الزينة والجمال ، ) قال
الذين يريدون الحيوة الدنيا ( وهم أهل التوحيد ) ياليت لنا مثل ما أُوتي ( يعنى مثل
ما أعطى ) قارون ( من الأموال ، ) إنه لذو حظ عظيم ) [ آية : 79 ] يقول : إنه لذو
نصيب وافر في الدنيا .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 80 - 83 ] .
القصص : ( 80 ) وقال الذين أوتوا . . . . .
) وقال الذين أوتوا العلم ( بما وعد الله في الآخرة للذين تمنوا مثل مما أعطى قارون
) ويلكم ثواب الله خيرٌ لمن ءامن ( يعنى لمن صدق بتوحيد الله عز وجل ، ) وعمل(2/506)
صفحة رقم 507
صالحاً ( خير مما أوتى قارون في الدنيا ، ) ولا يلقاها ( يعنى الأعمال الصالحة ، يعنى
ولا يؤتاها ) إِلا الصابرون ) [ آية : 80 ]
القصص : ( 81 ) فخسفنا به وبداره . . . . .
) فخسفنا به ( يعنى بقارون ، وذلك أن الله عز وجل أمر الأرض أن تطيع موسى ،
عليه السلام ، فأمر موسى الأرض أن تأخذ قارون ، فأخذته إلى قدميه ، فدعا قارون موسى
وذكره الرحم ، فأمرها موسى ، عليه السلام ، أن تبتلعه ، فهو يتجلجل في الأرض كل يوم
قامة رجل إلى يوم القيامة ، فقالت بنو إسرائيل : إن موسى إنما أهلك قارون حتى يأخذ
ماله وداره ، فخسف الله عز وجل بعد قارون بثلاثة أيام ، بداره وماله الصامت ، فانقطع
الكلام ، فذلك قوله عز وجل : ( فخسفنا به ( يعنى بقارون ) وبداره الأرض فما كان
له من فئة ينصرونه من دون الله ( يقول الله عز وجل : لم يكن لقارون جند يمنعونه من الله
عز وجل ، ) وما كان من المنتصرين ) [ آية : 81 ] يقول : وما كان قارون من الممتنعين
مما نزل به من الخسف .
القصص : ( 82 ) وأصبح الذين تمنوا . . . . .
) وأَصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس ( بعدما خسف به ) يقولون ويكأن الله (
يعنى لكن الله ) يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ( يعنى يوسع الرزق على من
يشاء ، ويقتر على من يشاء ، وقالوا : ( لولا أَن من الله علينا ( يعنى لولا أن الله عز وجل
أنعم علينا بالإيمان ) لخسف بنا ) ) ثم قال ( ( ويكأنه ( يعنى ولكنه ) لا يفلح ( لا
يسعد ) الكافرون ) [ آية : 82 ] .
القصص : ( 83 ) تلك الدار الآخرة . . . . .
) تلك الدار الآخرة ( يعنى الجنة ) نجعلها للذين لا يريدون علوا ( يعنى تعظيماً تعظماً ) في
الأرض ( عن الإيمان بالتوحيد ، ) ولا فساداً ( يقول : ولا يريدون فيها عملاً بالمعاصي ،
)( والعاقبةُ ) ) في الآخرة ( ( للمتقين ) [ آية : 83 ] من الشرك في الدنيا .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 84 - 88 ] .(2/507)
صفحة رقم 508
القصص : ( 84 ) من جاء بالحسنة . . . . .
) من جاء بالحسنة ( يعنى بكلمة الإخلاص ، وهي لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ،
)( فله خير منها ( في التقديم ، يقول : فله منها خير ، ) ومن جاء بالسيئة ( يعنى الشرك
يقول : من جاء في الآخرة بالشرك ، ) فلا يجزى الذين عملوا السيئات ( يعنى الذين
عملوا الشرك ) إلا ما كانوا يعملون ) [ آية : 84 ] من الشرك ، فإن جزاء الشرك النار ،
فلا ذنب أعظم من الشرك ، ولا عذاب أعظم من النار .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أبو القاسم ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن علقمة بن
مرثد ، قال : ذكر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، هذه الآية : ( من جاء بالحسنة ( ) ومن جاء بالسيئة (
فقال : ' هذه تنجي وهذه تردى ' .
وقال مقاتل : إنه بلغه عن كعب بن عجرة ، قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ( من جاء بالحسنة ( فهي لا إله إلا الله ، ) ومن جاء بالسيئة ( فهي الشرك ، فهذه تنجي ، وهذه
تردى ،
القصص : ( 85 ) إن الذي فرض . . . . .
قوله عز وجل : ( إن الذي فرض عليك القرآن ( وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خرج
من الغار ليلاً ، ثم هاجر من وجهه ذلك إلى المدينة ، فسار في غير الطريق مخافة الطلب ،
فلما أمن رجع إلى الطريق ، فنزل بالجحفة بين مكة والمدينة ، وعرف الطريق إلى مكة ،
فاشتاق إليها ، وذكر مولده ومولد أبيه ، فأتاه جبريل ، عليه السلام ، فقال : ' أتشتاق إلى
بلدك ومولدك ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : نعم ، فقال : جبريل : إن الله عز وجل يقول : ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ( ، يعنى إلى مكة ظاهراً عليهم ، فنزلت هذه الآية
بالجحفة ليست بمكية ، ولا مدنية ) قل ربي أعلم من جاء بالهدى ( وذلك أن كفار مكة
كذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقالوا : إنك في ضلال ، فأنزل الله تبارك وتعالى في قولهم ) قل ربي أعلم من جاء بالهدى ( فأنا الذي جئت بالهدى من عند الله عز وجل ، ) و ( هو أعلم
) ومن هو في ضلال مبين ) [ آية : 85 ] يقول : أنحن أم أنتم .
القصص : ( 86 ) وما كنت ترجو . . . . .
) وما كنت ترجوا ( يا محمد ) أن يلقى إليك الكتاب ( يعنى أن ينزل عليك
القرآن يذكره النعم ، وقال : ما كان الكتاب ) إلا رحمة ( يعنى عز وجل نعمة ) من ربك ( اختصصت بها يا محمد ، وذلك حين دعى إلى دين آبائه ، فأوحى الله عز وجل
إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في ذلك ، فقال : ( فلا تكونن ظهيرا ( يعنى معيناً ) للكافرين ) [ آية :
86 ] على دينهم .
القصص : ( 87 ) ولا يصدنك عن . . . . .
) ولا يصدنك ( كفار مكة ) عن ءايات الله ( يعنى عن إيمان بالقرآن ) بعد إذ أنزلت إليك وادع ( الناس ) الي ( معرفة ) ربك ( عز وجل ، وهو التوحيد ، ثم أوعز إلى(2/508)
صفحة رقم 509
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحذره ، فقال سبحانه : ( ولا تكونن من المشركين ) [ آية : 87 ] وذلك حين
دعي إلى دين آبائه .
القصص : ( 88 ) ولا تدع مع . . . . .
فحذره الله عز وجل أن يتبع دينهم ، فقال سبحانه : ( ولا تدع ( يقول : ولا تعبد
) مع الله ( تعالى ) إِلهاً ءاخر ( فإنه واحد ليس معه شريك ، ثم وحد نفسه جل
جلاله ، فقال : ( لا إله إلا هو كل شيءٍ هالك إلا وجههُ ( يقول سبحانه : كل شيء من
الحيوان ميت ، ثم استثنى نفسه جل جلاله بأنه تعالى حي دائم لا يموت ، فقال جل
جلاله : ( إلا وجهه ( يعنى إلا هو ) له الحكم ( يعنى القضاء ) وإليه ترجعون ) [ آية :
88 ] أحياء في الآخرة ، فيجزيكم عز وجل بأعمالكم .(2/509)
صفحة رقم 510
( سورة العنكبوت )
سورة العنكبوت مكية
سبب النزول
( ويقال : نزلت بين مكة والمدينة في طريقه حين هاجر ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهي تسع وستون آية
كوفية . )
( بسم الله الرحمن الرحيم )
تفسير سورة العنكبوت من الآية : [ 1 - 6 ] .
العنكبوت : ( 1 ) الم
) الم ) [ آية : 1 ]
العنكبوت : ( 2 ) أحسب الناس أن . . . . .
) أحسب الناس أن يتركوا ( نزلت في مهجع بن عبد الله مولى
عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر ، وهو أول من
يدعى إلى الجنة من شهداء أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فجزع عليه أبواه .
وكان الله تبارك وتعالى بين للمسلمين أنه لا بد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله عز
وجل ، وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذ : ' سيد الشهداء مهجع ' ، وكان رماه عامر بن الحضرمي
بسهم فقتله ، فأنزل الله عز وجل في أبويه عبد الله وامرأته : ( الم ) [ آية : 1 ] ) أحسب
الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون ) [ آية : 2 ] يقول : أحسبوا أن يتركوا عن
التصديق بتوحيد الله عز وجل ، ولا يبتلون في إيمانهم :
العنكبوت : ( 3 ) ولقد فتنا الذين . . . . .
) ولقد فتنا ( يقول : ولقد ابتلينا ) الذين من قبلهم ( يعنى من قبل هذه الأمة من
المؤمنين ، ) فليعلمن الله الذين ( يقول : فليرين الله الذين ) صدقوا ( في إيمانهم من هذه
الأمة عند البلاء ، فيصبروا لقضاء الله عز وجل ، ) وليعلمن ( يقول : وليرين
) الكاذبين ) [ آية : 3 ] في إيمانهم فيشكوا عند البلاء .(2/510)
صفحة رقم 511
العنكبوت : ( 4 ) أم حسب الذين . . . . .
ثم وعظ كفار العرب ، فقال سبحانه : ( أم حسب الذين يعملون السيئات ( يعنى
الشرك نزلت في بني عبد شمس ) أن يسبقونا ( يعنى أن يفوتونا بأعمالهم السيئة حتى
يجزيهم بها في الدنيا ، فقتلهم الله عز وجل ببدر منهم شيبة وعتبة ابنا ربيعة ، والوليد بن
عتبة بن ربيعة ، وحنظلة بن أبي سفيان بن حرب ، وعبيده بن سعد بن العاص بن أمية ،
وعقبة بن أبي معيط ، والعاص بن وائل ، ثم قال عز وجل : ( ساء ما يحكمون ) [ آية :
4 ] يعنى ما يقضون ، يعنى بني عبد شمس بن عبد مناف .
العنكبوت : ( 5 ) من كان يرجو . . . . .
ثم قال تعالى : ( من كان يرجوا لقاء الله ( يقول : من خشي البعث في الآخرة ، فليعمل
لذلك اليوم ، ) فإن أجل الله لآت ( يعنى يوم القيامة ) وهو السميع العليم ) [ آية : 5 ]
لقول بني عبد شمس بن عبد مناف حين قالوا : إنا نعطي في الآخرة ما يعطى المؤمنون ،
يعنى بالمؤمنين بني هاشم ، وبني عبد المطلب بن عبد مناف ، العليم به .
نزلت ) من كان يرجوا لقاء اللهِ ( في بني هاشم ، وبني عبد المطلب ابني عبد مناف ،
منهم على بن أبي طالب ، وحمزة ، وجعفر ، عليهم السلام ، وعبيدة بن الحارث ، والحصين ،
والطفيل ابنا الحارث بن المطلب ، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، وزيد بن حارثة ،
وأبو هند ، وأبو ليلى مولى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأيمن ابن أم أيمن قتيل يوم حنين ، رضي الله عنه ،
العنكبوت : ( 6 ) ومن جاهد فإنما . . . . .
ثم
قال تعالى : ( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ( يقول : من يعمل الخير فإنما يعمل لنفسه ،
يقول : إنما أعمالهم لأنفسهم ) إن الله لغني عن العالمين ) [ آية : 6 ] يعنى عن أعمال
القبيلتين بني هاشم ، وبني عبد المطلب ، ابني عبد مناف .
تفسير سورة العنكبوت من الآية : [ 7 - 11 ] .
العنكبوت : ( 7 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
ثم قال عز وجل أيضاً يعنيهم : ( والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم
ولنجزينهم أَحسن الذي كانوا يعملون ) [ آية : 7 ] فيجزيهم بإحسانهم ، ولا يجزيهم
بمساوئهم ، يعنى بني هاشم ، وبني المطلب(2/511)
صفحة رقم 512
العنكبوت : ( 8 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . .
ثم قال الله عز وجل : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ( نزلت في سعد بن أبي وقاص
الزهري ، رضي الله عنه ، وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
) وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم ( بأن معي شريكاً ) فلا تطعهما ( في
الشرك ) إلي مرجعكم ( في الآخرة ) فأنبئكم بما كنتم تعملون ) [ آية : 8 ] يعنى
سعداً ، رضي الله عنه ، وذلك أنه حين أسلم حلفت أمه لا تأكل طعاماً ، ولا تشرب
شراباً ، ولا تدخل [ كنا ] ، حتى يرجع سعد عن الإسلام ، فجعل سعد يترضاها ، فأبت
عليه ، وكان بها باراً فأتى سعد ، رضي الله عنه ، النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فشكى إليه فنزلت في سعد
رضي الله عنه ، هذه الآية ، فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يترضاها ويجهد بها على أن تأكل وتشرب ،
فأبت حتى يئس منها ، وكان أحب ولدها إليها .
العنكبوت : ( 9 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
) والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحينَ ) [ آية : 9 ]
العنكبوت : ( 10 ) ومن الناس من . . . . .
) ومن الناس من
يقولُ ءامنا بالله فإذا أُوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ( نزلت في عياش بن أبي
ربيعة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم القرشي ، وذلك أن عياشاً أسلم ، فخاف أهل بيته ،
فهرب إلى المدينة بدينه قبل أن يهاجر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إليها ، فحلفت أمه أسماء بنت مخرمة بن
أبي جندل بن نهشل التميمي ألا تأكل ولا تشرب ، ولا تغسل رأسها ، ولا تدخل كناً
حتى يرجع إليها ، فصبرت ثلاثة أيام ، ثم أكلت وشربت ، فركب أبو جهل عدو الله
والحارث ابنا هشام ، وهما أخواه لأمه ، وهما بنو عم حتى أتيا المدينة ، فلقياه ، فقال أبو
جهل لأخيه عياش : قد علمت أنك كنت أحب إلى أمك من جميع ولدها ، وآثر عندها .
لأنه كان أصغرهم سناً ، وكان بها باراً ، وقد حلفت أمك ألا تأكل ، ولا تشرب ، ولا
تغسل رأسها ، ولا تدخل بيتاً ، حتى ترجع إليها ، وأنت تزعم أن في دينك بر الوالدين ،
فارجع إليها ، فإن ربك الذي بالمدينة هو بمكة فاعبدوه بها ، فأخذ عياش عليهم المواثيق ألا
يحركاه ، فاتبعهما ، فأوثقاه ، ثم جلده كل واحد منهما مائة جلدة حتى يبرأ من دين محمد
( صلى الله عليه وسلم ) ، فأنزل الله عز وجل في عياش : ( ومن الناس من يقول ءامنا بالله ( يعنى صدقنا
بتوحيد الله ، ) فإذا أوذي في الله ( يعنى ضربهما إياه ) جعل فتنة الناس ( يقول : جعل
عذاب الناس في الدنيا كعذاب الله في الآخرة ، كقوله عز وجل : ( يوم هم على النار يفتنون ) [ الذاريات : 13 ] ، يعنى يعذبون .(2/512)
صفحة رقم 513
ثم استأنف ) ولئن جاء نصر من ربك ( على عدوك بمكة وغيرها ، إذا كان للمؤمنين
دولة ) ليقولن ( المنافقون للمؤمنين ) إِذا كنا معكم ( على عدوكم ، وإذا رأوا دولة
للكافرين شكوا في إيمانهم ، ) أو ليس الله ( يعنى عز وجل ، أو ما الله ) بأعلم بما في صدور العالمين ) [ آية : 10 ] من الإيمان والنفاق .
العنكبوت : ( 11 ) وليعلمن الله الذين . . . . .
) وليعلمن الله ( يعنى وليرين الله ) الذين ءامنوا ( يعنى صدقوا عند البلاء
والتمحيص ، ) وليعلمن ( يعنى وليرين ) المنافقين ) [ آية : 11 ] في إيمانهم ،
فيشكوا عند البلاء والتمحيص .
تفسير سورة العنكبوت من الآية : [ 12 - 15 ] .
العنكبوت : ( 12 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا ( يعنى أبا سفيان ) للذين ءامنوا ( نزلت في عمر بن
الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وخباب بن الأرت ، رضي الله عنهم ، ختن عمر بن الخطاب ،
رضي الله عنه ، على أخته أم جميل ) اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ( ، وذلك أن أبا
سفيان بن حرب بن أمية ، قال لهؤلاء النفر : اتبعوا ملة آبائنا ، ونحن الكفلاء بكل تبعة من
الله تصيبكم ، وأهل مكة علينا شهداء ، فذلك قوله تعالى : ( ولنحمل خطاياكم ( ، يقول
الله عز وجل : ( وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون ) [ آية : 12 ]
فيما يقولون :
العنكبوت : ( 13 ) وليحملن أثقالهم وأثقالا . . . . .
) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( ، يعنى وليحملن أوزارهم التي عملوا ، وأوزاراً
مع أوزارهم ؛ لقولهم للمؤمنين : ( اتبعوا سبيلنا ( ) مع ( ، يعنى إلى أوزارهم التي عملوا
لأنفسهم ، ) وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون ) [ آية : 13 ] ، من الكذب ؛
لقولهم : نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله عز وجل .
العنكبوت : ( 14 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ( ، يدعوهم إلى
الإيمان بالله عز وجل ، فكذبوه ، ) فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ) [ آية : 14 ] يعنى
الماء طغى على كل شيء ، فأغرقوا .(2/513)
صفحة رقم 514
العنكبوت : ( 15 ) فأنجيناه وأصحاب السفينة . . . . .
) فأنجيناه ( ، يعنى نوحاً ، عليه السلام ، ) وأصحاب السفينة ( من الغرق ،
)( وجعلناها ( ، يعنى السفينة ، ) ءاية للعالمين ) [ آية : 15 ] ، يعنى لمن يعدهم من
الناس .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 16 - 22 ] .
العنكبوت : ( 16 ) وإبراهيم إذ قال . . . . .
) وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله ( ، يعنى وحدوا الله . ) واتقوه ( ، يعنى واخشوه ،
)( ذلكم ( ، يعنى عبادة الله ، ) خير لكم ( من عبادة الأوثان ، ) إن كنتم تعلمون ) [ آية : 16 ] ، ولكنكم لا تعلمون .
العنكبوت : ( 17 ) إنما تعبدون من . . . . .
) إنما تعبدون من دون الله أوثانا ( ، يعنى أصناماً ، ) وتخلقون إفكا ( ، يعنى
تعملونها بأيديكم ، ثم تزعمون أنها آلهة كذباً وأنتم تنحتونها ، فذلك قوله عز وجل :
( والله خلقكم وما تعملون ) [ الصافات : 96 ] بأيديكم من الأصنام ، فقال سبحانه :
( إن الذين تعبدون من دون الله ( من الآلهة ، ) لا يملكون ( ، يقول : لا يقدرون
) لكم رزقا ( ، على رزق ، ) فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه ( ، يعنى وحدوه ،
)( واشكروا له ( ، واشكروا الله في النعم ، فإن مصيركم إليه ، فذلك قوله تعالى : ( إليه ترجعون ) [ آية : 17 ] أحياء بعد الموت .
العنكبوت : ( 18 ) وإن تكذبوا فقد . . . . .
) وإن تكذبوا ( ، يعنى كفار مكة يكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) بالعذاب وبالبعث ، ) فقد كذب أمم من قبلكم ( ، يعنى من قبل كفار مكة كذبوا رسلهم بالعذاب ، ) وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) [ آية : 18 ] ، يقول : وما على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلا أن يبين لكم أمر
العذاب(2/514)
صفحة رقم 515
العنكبوت : ( 19 ) أو لم يروا . . . . .
) أَوَلَمْ يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده ( ، كما خلقهم ، يقول : أولم يعلم
كفار مكة كيف بدأ الله عز وجل خلق الإنسان من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ،
ثم عظاماً ، ثم لحماً ، ولم يكونوا شيئاً ، ثم هلكوا ، ثم يعيدهم في الآخرة ) ان ذلك على الله يسير ) [ آية : 19 ] ، يقول : إعادتهم في الآخرة على الله عز وجل هين .
العنكبوت : ( 20 ) قل سيروا في . . . . .
ثم قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( قل ( لهم : ( سيروا في الأرض ( ؛ ليعتبروا في أمر البعث ، ) فانظروا كيف بدأ الخلق ( ، يعني خلق السماوات والأرض وما فيها من الخلق ؛ لأنهم
يعلمون أن الله عز وجل خلق الأشياء كلها ، ) ثم ( إن ) الله ينشئ النشأة الآخرة ( ،
يعنى بعيد الخلق الأول ، يقول : هكذا يخلق الخلق الآخر ، يعنى البعث بعد الموت كما بدأ
الخلق الأول ، إنما ذكر النشأة الآخرة ؛ لأنها بعد الخلق الأول ، ) إِن الله على كُل شيءٍ (
من البعث وغيره ) قدير ) [ آية : 20 ] .
العنكبوت : ( 21 ) يعذب من يشاء . . . . .
) يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون ) [ آية : 21 ] ، يعنى وإليه ترجعون بعد
الموت يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم ،
العنكبوت : ( 22 ) وما أنتم بمعجزين . . . . .
) وما أنتم بمعجزين ( ، يعنى كفار مكة
بمعجزين ، يعنى بسابقين الله عز وجل فتفوتوه ، ) في الأرض ( كنتم ، ) ولا في السماء ( ، كنتم أينما كنتم حتى يجزيكم بأعمالكم السيئة ، ) وما لكم من دون الله من ولي ( ، يعنى من قريب لينفعكم ، ) ولا نصير ) [ آية : 22 ] ، يعنى ولا مانع يمنعكم
من الله عز وجل .
تفسير سورة العنكبوت من الآية : [ 23 - 26 ] .
العنكبوت : ( 23 ) والذين كفروا بآيات . . . . .
) والذين كفروا بئايات الله ( ، يعنى بالقرآن ، ) ولقائه ( ، وكفروا بالبعث ،
)( أُولئك يئسوا من رحمتي ( ، يعنى من جنتي ، ) وَأُولئك لهم عذابُ أليم ) [ آية : 23 ] .
يعنى وجيعاً .
العنكبوت : ( 24 ) فما كان جواب . . . . .
ثم ذكر إبراهيم ، عليه السلام ، في التقديم ، قال : ( فما كان جواب قومه ( .
يعنى قوم إبراهيم ، عليه السلام ، حين دعاهم إلى الله عز وجل ونهاهم عن عبادة الأصنام .(2/515)
صفحة رقم 516
) إِلا أَن قالوا اقتلوهُ أو حرقوهُ ( بالنار ، فقذفوه في النار ، ) فأنجاه الله من النار إن في
ذلك لآيات ( ، يعنى عز وجل إن في النار التي لم تحرق إبراهيم ، عليه السلام ، لعبرة
) لقوم يؤمنون ) [ آية : 24 ] يعنى يصدقون بتوحيد الله عز وجل .
العنكبوت : ( 25 ) وقال إنما اتخذتم . . . . .
) وقال ( لهم إبراهيم عليه السلام : ( إِنما اتخذتم ( الأوثان آلهة ، ) من دون الله ( عز وجل ، ) أَوثاناً مودة بينكم في الحيوة الدنيا ( ، يعنى بين الأتباع والقادة
مودة على عبادة الأصنام ، ) ثم ( إذا كان ) يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض (
يقول : تتبرأ القادة من الأتباع ، ) ويلعن بعضكم بعضاً ( ، يقول : ويلعن الأتباع
القادة من الأمم الخالية وهذه الأمة ثم قال لهم إبراهيم ، عليه السلام : ( ومأواكم
النار ( ، يعنى مصيركم إلى النار ، ) ومالكم من ناصرين ) [ آية : 25 ] ، يعنى
مانعين من العذاب يمنعونكم منه .
العنكبوت : ( 26 ) فآمن له لوط . . . . .
) فئامن له لوطٌ ( ، يعنى فصدق بإبراهيم لوط ، عليهما السلام ، وهو أول من
صدق بإبراهيم حين رأى إبراهيم لم تضره النار ، ) قال ( إبراهيم ، عليه السلام : ( إني
مهاجر إلى ربي ( يعنى هجر قومه المشركين من أرض كوثا هو ولوط ، وسارة أخت
لوط ، عليهم السلام ، إلى أرض المقدسة ، ) إلى ربي ( ، يعنى إلى رضا ربي ، وقال في
الصافات : ( إني ذاهب إلى ربي ( ، يعنى إلى رضا ربي ، ) سيهدين ) [ الصافات :
99 ] ، فهاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة ، ) إِنه هو العزيز الحكيم ) [ آية : 26 ] .
تفسير سورة العنكبوت من الآية : [ 27 - 32 ] .
العنكبوت : ( 27 ) ووهبنا له إسحاق . . . . .
) ووهبنا له ( ، يعنى لإبراهيم ، ) وإسحاق ويعقوب ( ابن إسحاق بالأرض المقدسة ،
)( وجعلنا في ذريته ( ، يعنى ذرية إبراهيم ، ) النبوة ( ، يعنى إسماعيل ، وإسحاق ،(2/516)
صفحة رقم 517
ويعقوب ، عليهم السلام ، ) والكتاب ( ، يعنى صحف إبراهيم ، ) وءاتيناه أَجره ( ،
يعنى أعطيناه جزاءه ، ) في الدنيا ( ، يعنى الثناء الحسن ، والمقالة الحسنة من أهل الأديان
كلها ؛ لمضيه على رضوان الله حين ألقى في النار ، وكسر الأصنام ، ومضيه على ذبح ابنه ،
فجميع أهل الأديان يقولون : إبراهيم منا لا يتبرأ منه أحد ، ) وإنه ( ، يعنى إبراهيم ) في الآخرة لمن الصالحين ) [ آية : 27 ] ، نظيرها في النحل .
العنكبوت : ( 28 ) ولوطا إذ قال . . . . .
) ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ( ، يعنى المعصية ، يعنى إتيان
الرجال في أدبارهم ليلاً ، ) ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) [ آية :
28 ] ، فيما مضى قبلكم ، وكانوا لا يأتون إلا الغرباء .
العنكبوت : ( 29 ) أئنكم لتأتون الرجال . . . . .
ثم قال عز وجل : ( أَئنكم لتأتون الرجال وتقطعونَ السبيل ( ، يعنى المسافر ، وذلك
أنهم إذا جلسوا في ناديهم ، يعنى في مجالسهم رموا ابن السبيل بالحجارة والخذف ،
فيقطعون سبيل المسافر ، فذلك قوله عز وجل : ( وتأَتونَ في ناديكم المنكر (
يعنى في مجالسكم المنكر ، يعنى الحذف بالحجارة ، ) فما كان جواب قومه ( ، أي
قوم لوط ، عليه السلام ، حين نهاهم عن الفاحشة والمنكر ، ) إلا أن قالوا ( للوط ، عليه
السلام : ( ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ) [ آية : 29 ] ، يعنى بأن العذاب
نازل بهم في الدنيا .
العنكبوت : ( 30 ) قال رب انصرني . . . . .
فدعا لوط ربه عز وجل ، ف ) قال رب انصرني على القوم المفسدين ) [ آية :
30 ] ، يعنى العاصين ، يعنى بالفساد إتيان الرجال في أدبارهم ، يقول : رب انصرني
بتحقيق قولي في العذاب عليهم بما كذبون ، يعنى بتكذيبهم إياي حين قالوا : إن العذاب
ليس بنازل بهم في الدنيا ، فأهلكهم الله عز وجل بالخسف والحصب ، وكان لوط ، عليه
السلام ، قد أنذرهم العذاب ، فذلك قوله : ( ولقد أنذرهم بطشتنا ) [ القمر : 36 ] ،
يعنى عذابنا .
العنكبوت : ( 31 ) ولما جاءت رسلنا . . . . .
) ولما جاءت رسلنا ( ، يعنى الملائكة ، ) إبراهيم بالبشرى ( بالولد ، ) قالوا (
لإبراهيم : ( إِنا مهلكوا أهل هذه القرية ( ، يعنون قرية لوط ، ) إن أهلها كانوا
ظالمينَ ) [ آية : 31 ] .
العنكبوت : ( 32 ) قال إن فيها . . . . .
) قال إِن فيها لوطاً نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله ( ، يعنى لوطا ، ثم
استثنى ، فقال : ( إلا امرأته كانت من الغابرين ) [ آية : 32 ] ، يعنى الباقين في
العذاب .(2/517)
صفحة رقم 518
تفسير سورة العنكبوت من آية [ 33 - 35 ] .
العنكبوت : ( 33 ) ولما أن جاءت . . . . .
) ولما أَن جاءت رسلنا ( الملائكة ، ) لوطاً ( ، وحسب أنهم من الإنس ، ) سئ
بهم ( ، يعنى كرههم لوط لصنيع قومه بالرجال ، ) وضاق بهم ذرعاً ( ، يعنى بضيافة
الملائكة ذرعاً ، يعنى مخافة عليهم أن يفضحوهم ، ) وقالوا ( ، وقالت الرسل للوط ، عليه
السلام : ( لا تخف ولا تحزن ( ؛ لأن قومه وعدوه ، فقالوا : معك رجال سحروا أبصارنا ،
فستعلم ما تقلى عذابهم ، فقالت الرسل : ( إنا منجوك وأهلك ( ، ثم استثنى امرأته ،
فذلك قوله عز وجل : ( إلا امرأتك كانت من الغابرين ) [ آية : 33 ] ، يعنى من
الباقين في العذاب ، فهلك قوم لوط ، ثم أهلكت بعد بحجر أصابها فقتلها .
العنكبوت : ( 34 ) إنا منزلون على . . . . .
) إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا ( ، يعنى عذاباً ، ) من السماء ( على قرى لوط ، يعنى الخسف والحصب ، ) بما كانوا يفسقون ) [ آية : 34 ] ، يعنى يعصون ،
العنكبوت : ( 35 ) ولقد تركنا منها . . . . .
) ولقد تركنا منها ءاية ( ، يعنى من قرية لوط آية ، ) بينه ( ، يعنى علامة واضحة ،
يعنى هلاكهم ، ) لقوم يعقلون ) [ آية : 35 ] ، بتوحيد الله عز وجل ، كانت قرية
لوط بين المدينة والشام ، وولد لوط بعد هلاك قومه ابنتان ، وكان له ابنتان قبل هلاكهم ،
ثم مات لوط ، وكان أولاده مؤمنين من بعده .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 36 - 40 ] .
العنكبوت : ( 36 ) وإلى مدين أخاهم . . . . .
) و ( أرسلنا ) إلى مدين أخاهم شعيبا ( بن نويب بن مدين بن إبراهيم خليل
الرحمن ، جل جلاله ، لصلبه ، ) فقالَ ياقوم اعبدوا الله ( ، يعنى وحدوا الله ، ) وارجوا(2/518)
صفحة رقم 519
اليوم الأخر ( ، يعنى واخشوا البعث الذي فيه جزاء الأعمال ، ) ولا تعثوا ( ، يعنى ولا
تسعوا ، ) في الأرض مفسدين ) [ آية : 36 ] ، يعنى بالمعاصي في نقصان الكيل والميزان ،
وهو الفساد في الأرض .
العنكبوت : ( 37 ) فكذبوه فأخذتهم الرجفة . . . . .
) فكذبوه ( بالعذاب حين أوعدهم أنه نازل بهم في الدنيا ، ) فأخذتهم
الرجفة فأصبحوا في دارهم ( ، يعنى عز وجل في محلتهم وعسكرهم ، ) جاثمين (
[ آية : 37 ] أمواتاً خامدين مثل النار إذا أطفئت ، بينما هي تقد إذا هي طفئت ، فشبه
أرواحهم في أجسادهم وهم أحياء مثل النار إذا تقد ، ثم شبه هلاكهم بالنار إذا طفئت ،
بينما هم أحياء إذ صاح بهم جبريل ، عليه السلام ، فصعقوا أمواتاً أجمعين .
العنكبوت : ( 38 ) وعادا وثمود وقد . . . . .
) و ) ) أهلكنا ( ( وعاداً وثموداً ( ، وهما ابنا عم ، ) وقد تبين لكم ( يا أهل
مكة ، ) من مساكنهم ( ، يعنى منازلهم آية في هلاكهم ، ) وزين لهم الشيطان
أعمالهم ( السيئة ، ) فصدهم ) ) الشيطان ( ( عن السبيل ( ، أي طريق الهدى ، ) وكانوا
مستبصرين ) [ آية : 38 ] في دينهم يحسبون أنهم على هدى .
العنكبوت : ( 39 ) وقارون وفرعون وهامان . . . . .
) و ) ) أهلكنا ( ( وقارون وفرعون ( ، واسمه فيطوس ، ) وهامان ( قهرمان
فرعون ودستوره ، ) ولقد جاءهم موسى بالبينات ( ، أخبرهم أن العذاب نازل بهم في
الدنيا ، فكذبوه وادعوا أنه غير نازل بهم في الدنيا ، ) فاستكبروا في الأرض وما كانوا
سابقين ) [ آية : 39 ] ، يعنى فتكبروا بذنوبهم ، يعنى بتكذيبهم الرسل ، كقوله تعالى : ( اعترفوا بذنوبهم ) [ التوبة : 102 ] ، يعنى بتكذيبهم الرسل ، وكفروا به ، ) فدمدم
عليهم ربهم بذنبهم ) [ الشمس : 14 ] ، يعنى بتكذيبهم صالحاً .
العنكبوت : ( 40 ) فكلا أخذنا بذنبه . . . . .
قال عز وجل : ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ( ، يعنى من
الحجارة ، وهم قوم لوط ، ) ومنهم من أخذته الصيحة ( ، يعنى صيحة جبريل ، عليه
السلام ، وهم قوم صالح ، وقوم شعيب ، وقوم هود ، وقوم إبراهيم ، ) ومنهم من خسفنا
به الأرض ( ، يعنى قارون وأصحابه ، ) ومنهم من أغرقنا ( ، يعنى قوم نوح ، وقوم
فرعون ، ) وما كان الله ليظلمهم ( ، فيعذبهم على غير ذنب ، ) ولكن كانوا
أنفسهم يظلمونَ ) [ آية : 40 ] يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ؛ لئلا
يكذبوا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
تفسير سورة العنكبوت من الآية : [ 41 - 45 ] .(2/519)
صفحة رقم 520
العنكبوت : ( 41 ) مثل الذين اتخذوا . . . . .
ثم قال عز وجل : ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ( يعنى الآلهة ، وهي
الأصنام اللات والعزى ومناة وهبل ، ) كمثل العنكبوت ( وذلك أن الله عز وجل
ضرب مثل الصنم في الضعف ، يعنى كشبه العنكبوت إذا ) اتخذت بيتا وإن أوهن (
يعنى أضعف ) البيوت ( كلها ) لبيت العنكبوت ( فكذلك ضعف الصنم هو
أضعف من بيت العنكبوت ) لو ( يعنى إن ) كانوا يعلمون ) [ آية : 41 ] ولكن
لا يعلمون .
العنكبوت : ( 42 ) إن الله يعلم . . . . .
ثم قال تعالى : ( إِن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ( يعنى الأصنام ) وهو العزيز الحكيم ) [ آية : 42 ] يعنى العزيز في ملكه الحكيم في أمره .
العنكبوت : ( 43 ) وتلك الأمثال نضربها . . . . .
ثم قال عز وجل : ( وتلك الأمثال نضربها للناس ( يقول : وتلك الأشباه نبينها
لكفار مكة ، فيما ذكر من أمر الصنم ، ) وما يعقلها إلا العالمون ) [ آية : 43 ] يقول :
الذين يعقلون عن الله عز وجل الأمثال .
العنكبوت : ( 44 ) خلق الله السماوات . . . . .
) خلق الله السماوات والأرض بالحق ( لم يخلقهما باطلاً لغير شيء خلقهما لأمر هو
كائن ) إن في ذلك لآية للمؤمنين ) [ آية : 44 ] يقول : إن في خلقهما لعبرة
للمصدقين بتوحيد الله عز وجل .
العنكبوت : ( 45 ) اتل ما أوحي . . . . .
) اتل ما أوحي إليك من الكتاب ( يعنى اقرأ على أهل الكتاب ما أنزل إليك من
القرآن ، ثم قال تعالى : ( وَأَقِم ( يعنى وأتم ) الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء ( يعنى عن المعاصي ) والمنكر ( يعنى المنكر ما لا يعرف يقول : إن الإنسان
ما دام يصلي لله عز وجل ، فقد انتهى عن الفحشاء والمنكر لا يعمل بها ما دام يصلي
حتى ينصرف ، ثم قال عز وجل : ( ولذكر الله أكبر ( يعنى إذا صليت لله تعالى
فذكرته فذكرك الله بخير ، وذكر الله إياك أفضل من ذكرك إياه في الصلاة ، ) والله يعلم ما تصنعون ) [ آية : 45 ] في صلاتكم .(2/520)
صفحة رقم 521
تفسير سورة العنكبوت من الآية : [ 46 - 51 ] .
العنكبوت : ( 46 ) ولا تجادلوا أهل . . . . .
) ولا تجادلوا ( يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ) أهل الكتاب ( البتة يعنى مؤمنيهم
عبد الله بن سلام وأصحابه ، ) إلا بالتي هي أحسن ( فيها تقديم ، يقول : جادلهم قل لهم
بالقرآن وأخبرهم عن القرآن ، نسختها آية السيف في براءة ، فقال تعالى : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) [ التوبة : 29 ] ) إلا الذين ظلموا منهم وقولوا ( لهم
يعنى ظلمة اليهود ) ءامنا بالذي أُنزل إلينا ( يعنى القرآن ) وأنزل إليكم ( يعنى
التوراة ) و ( قولوا لهم : ( وإلهنا وإلهكم واحد ( ربنا وربكم واحد ) ونحن له مسلمون ) [ آية : 46 ] يعنى مخلصين بالتوحيد .
العنكبوت : ( 47 ) وكذلك أنزلنا إليك . . . . .
) وكذلك ( يعنى وهكذا ) أنزلنا إليك الكتاب ( كما أنزلنا التوراة على أهل
الكتاب ، ليبين لهم عز وجل يعنى ليخبرهم ، ثم ذكر مؤمني أهل التوراة عبد الله بن سلام
وأصحابه ، فقل سبحانه : ( فالذين ءاتيناهم الكتاب ( يعنى أعطيناهم التوراة ، يعنى ابن
سلام وأصحابه ) يؤمنون به ( يصدقون بقرآن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنه من الله عز وجل ، ثم
ذكر مسلمي مكة ، فقال : ( ومن هؤلاء من يؤمن به ( يعنى يصدق بقرآن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنه
من الله جاء ، ثم قال : ( وما يجحد بآياتنا ( يعنى آيات القرآن بعد المعرفة ، لأنهم
يعلمون أن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) نبي ، وأن القرآن حق من الله عز وجل ، ) إلا الكافرون (
[ آية : 47 ] من اليهود .
العنكبوت : ( 48 ) وما كنت تتلو . . . . .
) وما كنت ( يا محمد ) تتلوا ( يعنى تقرأ ) من قبله ( يعنى من قبل القرآن
) من كتاب ولا تخطه بيمينك ( فلو كنت يا محمد نتلو القرآن أو تخطه ، لقالت اليهود
إنما كتبه من تلقاء نفسه ، و ) إذا لارتاب ( يقول : وإذاً لشك ) المبطلون ) [ آية :(2/521)
صفحة رقم 522
48 ] يعنى الكاذبين ، يعنى كفار اليهود إذاً لشكوا فيك يا محمد ، إذا لقالوا : إن الذي نجد
في التوراة نعته ، هو أمي لا يقرأ الكتاب ولا يخطه بيده .
العنكبوت : ( 49 ) بل هو آيات . . . . .
ثم ذكر مؤمني أهل التوراة ، فقال : ( بل هو ( يا محمد ) ءايات بيناتٌ (
يعنى
علامات واضحات بأنه أمي لا يقرأ الكتاب ولا يخطه بيده ، ) في صدور ( يعنى في
قلوب ) الذين أوتوا العلم ( بالتوراة ، يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه ، ثم قال عز
وجل : ( وما يجحد بئاياتنا ( يعنى ببعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في التوراة بأنه أمي لا يقرأ
الكتاب ، ولا يخطه بيده ، وهو مكتوب في التوراة ، فكتموا أمره وجحدوا ، فذلك قوله
عز وجل : ( وما يجحد بئاياتنا ( يعنى ببعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في التوراة ) إلا الظالمون ) [ آية : 49 ] يعني كفار اليهود .
العنكبوت : ( 50 ) وقالوا لولا أنزل . . . . .
) وقالوا لولا أُنزل عليه ءاياتٌ من ربه ( قال كفار مكة : هلا أنزل على محمد ( صلى الله عليه وسلم )
آيات من ربه إلينا ، كما كان تجيء إلى قومهم ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
قال : ( قل ( لهم ) إنما الآيات عند الله ( فإذا شاء أرسلها وليست بيدي ، ) وإنما أنا نذير مبين ) [ آية : 50 ] .
العنكبوت : ( 51 ) أو لم يكفهم . . . . .
فلما سألوه الآية ، قال الله تعالى : ( أَولم يكفهم ( بالآية من القرآن ) أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ( فيه خبر ما قبلهم ، وما بعدهم ، ) إن في ذلك ( يعنى
عز وجل في القرآن ) لرحمة ( لمن آمن به وعمل به ، ) وذكرى ( يعنى وتذكرة
) لقوم يؤمنون ) [ آية : 51 ] يعنى يصدقون بالقرآن أنه من الله عز وجل ، فكذبوا
بالقرآن فنزل :
تفسير سورة العنكبوت من الآية : [ 52 - 55 ] .
العنكبوت : ( 52 ) قل كفى بالله . . . . .
) قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا ( يعنى فلا شاهد أفضل من الله بيننا ) يعلم
ما في السموات والأرض والذين ءامنوا بالباطل ( يعنى صدقوا بعبادة الشيطان
) وكفروا بالله ( بتوحيد الله ) أولئك هم الخاسرون ) [ آية : 52 ] .(2/522)
صفحة رقم 523
العنكبوت : ( 53 ) ويستعجلونك بالعذاب ولولا . . . . .
) ويستعجلونك بالعذاب ( استهزاء وتكذيباً به ، ونزلت في النضر بن الحارث ، حيث
قال : ( فأمطر علينا ( في الدنيا ) حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم (
[ الأنفال : 32 ] يقول : ذلك استهزاء وتكذيباً ، فنزلت فيه : ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى ( في الآخرة ) لجاءهم العذاب ( الذين استعجلوه في الدنيا ، ) وليأتينهم (
العذاب في الآخرة ) بغتة ( يعنى فجأة ) وهم لا يشعرون ) [ آية : 53 ] يعنى ، يعلمون
به حتى ينزل بهم العذاب .
العنكبوت : ( 54 ) يستعجلونك بالعذاب وإن . . . . .
ثم قال سبحانه : ( يستعجلونك بالعذاب ( يعنى النضر بن الحارث ، ) وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) [ آية : 54 ] ، ثم أخبر بمنازلهم يوم القيامة ،
العنكبوت : ( 55 ) يوم يغشاهم العذاب . . . . .
فقال تعالى : ( يوم يغشاهم العذاب ( وهم في النار ) من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( يعنى بذلك لهم من فوقهم ظل
من النار ومن تحتهم ظلل ، يعنى بين طبقتين من نار ، ) ويقول ( لهم الخزنة ) ذوقوا (
جزاء ) ما كنتم تعملون ) [ آية : 55 ] من الكفر والتكذيب .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 56 - 63 ] .
العنكبوت : ( 56 ) يا عبادي الذين . . . . .
) يا عبادي الذين ءامنوا ( نزلت في ضعفاء مسلمي أهل مكة إن كنتم في ضيق بمكة
من إظهار الإيمان ، ف ) إن أرضي ( يعنى أرض الله بالمدينة ) واسعة ( من الضيق ) فإياي فاعبدون ) [ آية : 56 ] يعنى فوحدوني بالمدينة علانية
العنكبوت : ( 57 ) كل نفس ذائقة . . . . .
ثم خوفهم الموت ليهاجروا ، فقال تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون (
[ آية : 57 ] في الآخرة بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم .
العنكبوت : ( 58 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
ثم ذكر المهاجرين ، فقال سبحانه : ( والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لتبوئنهم ( يعنى
لننزلنهم ) من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ( لا تموتون في الجنة ) نعم أجر ( يعنى جزاء ) العاملين ) [ آية : 58 ] لله عز وجل .(2/523)
صفحة رقم 524
العنكبوت : ( 59 ) الذين صبروا وعلى . . . . .
ثم نعتهم ، فقال عز وجل : ( الذين صبروا ( على الهجرة ) وعلى ربهم يتوكلون ) [ آية :
59 ] يعنى وبالله يثقون في هجرتهم ، وذلك أن أحدهم كان يقول : بمكة أهاجر إلى
المدينة وليس لي بها مال ، ولا معيشة .
العنكبوت : ( 60 ) وكأين من دابة . . . . .
فوعظهم الله ليعتبروا ، فقال : ( وكأين ( يعنى وكم ) من دابة ( في الأرض أو
طير ) لا تحمل ( يعنى لا ترفع ) رزقها ( معها ) الله يرزقها ( حيث توجهت
) وإياكم ( يعنى يرزقكم إن هاجرتم إلى المدينة ) وهو السميع العليم ) [ آية : 60 ]
لقولهم : إنا لا نجد ما ننفق في المدينة .
العنكبوت : ( 61 ) ولئن سألتهم من . . . . .
ثم قال عز وجل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ولئن سألتهم ( يعنى ولئن سألت كفار مكة
) من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله ( وحده خلقهم ) فأنى يؤفكون ) [ آية :
61 ] يعنى عز وجل من أين تكذبون يعنى بتوحيدي .
العنكبوت : ( 62 ) الله يبسط الرزق . . . . .
ثم رجع إلى الذين رغبهم في الهجرة ، والذين قالوا : لا نجد ما ننفق ، فقال عز وجل :
( الله يبسط ( يعنى يوسع ) الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ( يعنى ويقتر على من
يشاء ) إِن الله بكل شيءٍ عليمٌ ) [ آية : 62 ] من البسط على من يشاء ، والتقتير عليه .
العنكبوت : ( 63 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم ( يعنى كفار مكة ) من نزل من السماء ماء ( يعنى المطر ، ) فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ( يفعل ذلك ) قل الحمد لله ( بإقرارهم بذلك ) بل أكثرهم لا يعقلون ) [ آية : 63 ] بتوحيد ربهم ، وهم مقرون بأن الله عز وجل خلق
الأشياء كلها وحده .
تفسير سورة القصص من الآية : [ 64 - 69 ] .(2/524)
صفحة رقم 525
العنكبوت : ( 64 ) وما هذه الحياة . . . . .
ثم قال تعالى : ( وما هذه الحيوة الدنيا إلا لهو ولعب ( يعنى وباطلاً ) وإن الدار الآخرة ( يعنى الجنة ) لهي الحيوان ( يقول : لهي دار الحياة لا موت فيها ) لو كانوا يعلمون ) [ آية : 64 ] ولكنهم لا يعلمون .
العنكبوت : ( 65 ) فإذا ركبوا في . . . . .
) فإذا ركبوا في الفلك ( يعنى السفن ، يعنى كفار مكة يعظهم ليعتبروا ) دعوا الله مخلصين له الدين ( يعنى موحدين له بالتوحيد ) فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) [ آية :
65 ] فلا يوحدون كما يوحدونه عز وجل في البحر .
العنكبوت : ( 66 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . .
) ليكفروا بما ءاتيناهم ( يعنى لئلا يكفروا بما أعطيناهم في البحر من العافية حين
سلمهم الله عز وجل من البلاء وأنجاهم من اليم ، ) وليتمتعوا ( إلى منتهى آجالهم
) فسوف يعلمون ) [ آية : 66 ] هذا وعيد .
العنكبوت : ( 67 ) أو لم يروا . . . . .
) أولم يروا ( يعنى كفار مكة يعظهم ليعتبروا ) أَنا جعلنا حرماً ءامنا ويتخطف الناس
من حولهم ( فيقتلون ويسبون فادفع عنهم ، وهم يأكلون رزقي ويعبدون غيري ، فلست
أسلط عليهم عدوهم إذا أسلموا نزلت في الحارث بن نوفل القرشي ، نظيرها في ' طسم '
القصص ، ثم بين لهم ما يعبدون ، فقال سبحانه : ( أفبالباطل يؤمنون ( ؟ يعنى أفبالشيطان
يصدقون أن لله تعالى شريكاً ، ) وبنعمة الله ( الذي أطعمهم من جوع ، وآمنهم من
خوف ) يكفرون ) [ آية : 67 ] فلا يؤمنون برب هذه النعمة ، فيوحدونه عز وجل .
العنكبوت : ( 68 ) ومن أظلم ممن . . . . .
ثم قال تعالى ذكره : ( ومن أظلم ( يقول : فلا أحد أظلم ، ) ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق ( يعنى بالتوحيد ) لما جاءه ( يعنى حين جاءه ، ثم قال تعالى :
( أليس في جهنم ( يقول : أما لهذا المكذب بالتوحيد في جهنم ) مثوى ( يعنى مأوى
) للكافرين ) [ آية : 68 ] بالتوحيد .
العنكبوت : ( 69 ) والذين جاهدوا فينا . . . . .
) والذين جاهدوا فينا ( يعنى عملوا بالخير لله عز وجل ، مثلها في آخر الحج ،
)( لنهدينهم سبلنا ( يعنى ديننا ) وإن الله لمع المحسنين ) [ آية : 69 ] لهم في العون لهم .
تم بحمد الله الجزء الثاني ، ويليه بإذن الله الجزء الثالث والأخير ، وأوله سورة الروم(2/525)
صفحة رقم 3
30
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الروم
سورة الروم مكية ، وهي ستون آية كوفى
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن أبي بكر الهذلى ، عن
عكرمة ، قال :
أقتتل الروم وفارس فهزمت الروم ، فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه فشق
عليهم وهم بمكة ، وفرح الكفار وشمتوا فقتلوا أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا لهم : إنكم أهل
كتاب ، والروم أهل كتاب فقد ظهر إخواننا أهل فارس على إخوانكم من الروم فأنزل
الله تبارك وتعالى : ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض ( وأدنى الأرض يؤمئذ أذرعات
فيها كان القتال ) وهم من بعد غليهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل (
أن يظهر الروم على فارس ومن بعد ما ظهرت ، قال : فخرج أبو بكر الصديق ، رضوان
الله عليه ، إلى الكفار .
فقال : أفرحتم لظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقر الله أعينكم ليظهرن
الله الروم على فارس ، أخبرنا بذلك نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له أبى بن خلف الجمحى : كذبت
يا أبا فصيل ، فقال أبو بكر ، رضى الله عنه : أنت أكذب يا عدو الله ، فقال : أناجيك عشر
قلائص منى ، وعشر قلائص منك إلى ثلاث سنين ، ثم جاء أبو بكر ، رضى الله عنه ، إلى
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ناجيت عدو الله أبى بن خلف أن يظهر الله عز وجل الروم على فارس
إلى ثلاث سنين ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ما كذلك ذكرت لك ' ، إنما قال الله عز وجل :
( بضع سنين ) 6 والبضع ما بين الثلاث إلى التسع فاذهب فزايدهم في الخطر ، ومادهم
في الأجل ، فخرج أبو بكر رضى الله عنه ، فلقى أبى بن خلف .
فقال : لعلك ندمت يا أبا عامر ، قال : فقال : تعالى أزايدك في الخطر ، وأمادكم في
الأجل ، فنجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين ، قال : قد فعلت ، قال : وكانت امرأة بفارس(3/3)
صفحة رقم 4
لا تلد إلا ملوكاً أبطالاً ، فدعاها كسرى ، فقال : إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشاً
واستعمل رجلاً من بنيك ، فأشيرى على أيهم استعمل ، فقالت : هذا فلان وسمته وهو
أروغ من ثعلب وأجبن من صقر ، وهذا الفرخان وهو أنقذ من السنان ، وهو شهر بران ،
وهو أحلم من الأرزان فاستعمل أيهم شئت .
قال إني استعمل الحليم ، فبعث شهر بران على الجيش ، فسار الروم إلى أرض فارس ،
فظهر عليهم وخرب مدائنهم ، وقطع زيتونهم ، فلما ظهرت فارس على الروم جلس
الفرخان يشرب ، فقال لأصحابه : قد رأيت في المنام أني جالس على سرير كسر ، فعمد
الملاقون المبلغون بالأحاديث ، فكتبوا إلى كسرى أن عبدك الفرخان يتمنى في المنام أن
يقعد على سريرك ، فكتب كسرى إلى شهربران إذا جاءك كتابي هذا فابعث برأس
أخيك الفرخان ، فكتب إليه شهربران أيها الملك إن الفرخان له صولة ونكاية في العدو ،
فلا تفعل ، فكتب إليه كسرى إن في رجال فارس منه خلفاً وبدلاً ، فعجل على برأسه
فراجعه .
فقال : أيها الملك ، إنك لن تجد من الفرخان بدلاً صولة ونكاية ، فغضب كسرى فلم
يجبه وبعث بريداً إلى أهل فارس الذين بالروم : إني قد نزعت عنكم شهربران واستعملت
عليكم الفرخان ، ودفع إلى صاحب البريد صحيفة صغيرة ، فقال : إذا ولي الفرخان وانقاد
له أخوه ، فادفع إليه الصحيفة ، فلما قرأ شهربران الكتاب قال : سمعاً وطاعة ووضع تاجه
على رأس أخيه ، ونزل عن سريره ، وجلس عليه الفرخان ، ودفع الرسول الصحيفة إليه ،
فقال : ائتونى بشهربران ، فأتى به ليضرب عنقه ، فقال شهربران : لا تعجل حتى أكتب
وصيتى ، قال : فكتبها ، فدعا بسقط فيه ثلاث صحائف .
وقال : ويحك أنت ابن أمي وأبي ، وهذه ثلاث صحائف جاءتني في قتلك ، فراجعت
فيك كسرى ثلاث مرات ، فقال الفرخان : أمنا والله كانت أعرف بنا ، أنت أحلم من
الأزرق حين راجعت في ثلاث مرات ، وأنا أنفذ من السنان حين أردت قتلك بكتاب
واحد ، ثم رد الملك إلى أخيه ، وكان أكبر منه ، فكتب شهربران إلى قيصر إن لي إليك
حاجة لا تحملها البرد ، ولا تبلغها الصحف ، فالقنى ولا تلقني إلا في خمسين رومياً ، فإني
ألقاك في خمسين فارسياً ، فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي ، فجعل يبثهم في الطرق ،
وبعث بين يديه العيون مخافة أن يكون مكراً منه حتى أتته عيونه أن ليس معه إلا خمسين
رجلاً ، ثم بسطت لهم بسط ، فمشياً عليها ونزلاً عن برذونيهما إلى قبة من ديباج ضربت(3/4)
صفحة رقم 5
لهما عراها ذهب ، وأزرارها فضة ، وأطنابها إبريسم ، مع أحدهما سكين نصابها زمرد
أخضر ، وقرابها من ذهب ، ومع الآخر سكين نصابها من فارهرة خضراء ، وقرابها من
ذهب ، ودعوا ترجماناً بينهما .
فقال شهربران لقيصر : إن الذين كسروا شوكتك وأطفئوا جمرتك وخربوا مدائنك
وقطعوا شجرك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا ، وإن كسرى حسدنا على ذلك ، وأرادني
على قتل أخي ، وأراد أخي على قتلى ، فأبينا ، فخالفناه جميعاً ، فنحن نقاتله معك ، فقال :
أصبتما ، فأشار أحدهما إلى الآخر السر بين اثنين ، فإذا جاوزهما فشا ، فقتلا الترجمان
بسكينيهما ، وأهلك الله عز وجل كسرى ، وجاء الخبر إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم الحديبة ، ففرح
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه بظهور الروم ، فذلك قوله عز وجل : ( وهم من بعد غليهم
سيغلبون ( .
تفسير سورة الروم من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 7 ) .
الروم : ( 1 ) الم
) الم ) [ آية : 1 ]
الروم : ( 2 ) غلبت الروم
) غلبت الروم ) [ آية : 2 ] وذلك أن أهل فارس غلبوا على الروم
الروم : ( 3 ) في أدنى الأرض . . . . .
) في أدنى الأرض ( يعني أرض الأردن وفلسطين ، ثم قال عز وجل : ( وهم ( يعني
الروم ) من بعد غلبهم سيغلبون ) [ آية : 3 ] أهل فارس .
الروم : ( 4 ) في بضع سنين . . . . .
) في بضع سنين ) 6 يعني خمس سنين ، أو سبع سنين إلى تسع ، ) لله الأمر من
قبل ( حين ظهرت فارس على الروم ، ) ومن بعد ( ما ظهرت الروم على فارس ،
)( ويومئذٍ يفرح المؤمنون ) [ آية : 4 ] وذلك أن فارس غلبت الروم ، ففرح بذلك
كفار مكة ، فقالوا : إ ن فارس ليس لهم كتاب ، ونحن منهم ، وقد غلبوا أهل الروم ، وهم
أهل كتاب قبلكم ، فنحن أيضاً نغلبكم كما غلبت فارس الروم ، فخاطرهم أبو بكر
الصديق ، رضي الله عنه ، على أن يظهر الله عز وجل الروم على فارس ، فلما كان يوم بدر
غلب المسلمون كفار مكة ، وأتى المسلمين الخبر بعد ذلك ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنون بالحديبية(3/5)
صفحة رقم 6
أن الروم قد غلبوا أهل فارس ، ففرح المسلمون بذلك ، فذلك قوله تبارك وتعالى :
( ويومئذ يفرح المؤمنون 2 )
الروم : ( 5 ) بنصر الله ينصر . . . . .
( 2 بنصر الله ينصر من يشاء ( فنصر الله عز وجل
الروم على فارس ، ونصر المؤمنين على المشركين يوم بدر .
قال أبو محمد :
سألت أبا العباس ثعلب عن البضع والنيف ، فقال البضع : من ثلاث إلى
تسع ، والنيف : من واحد إلى خمسة ، وربما أدخلت كل واحدة على صاحبتها فتجوز
مجازها ، فأخذ أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، الخطر من صفوان بن أمية ، والنبي ( صلى الله عليه وسلم )
بالحديبية مقيم حين صده المشركين عن دخول مكة ، ) وهو العزيز ( يعني المنيع في
ملكه ) الرحيم ) [ آية : 5 ] بالمؤمنين حين نصرهم .
الروم : ( 6 ) وعد الله لا . . . . .
) وعد الله لا يخلف الله وعده ( وذلك أن الله عز وجل وعد المؤمنين في أول السورة
أن يظهر الروم على فارس حين قال تعالى : ( وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( على
أهل فارس ، وذلك قوله عز وجل : ( وعد الله لا يخلف الله وعده ( بأن الروم تظهر على
فارس ، ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ آية : 6 ] يعني كفار مكة .
الروم : ( 7 ) يعلمون ظاهرا من . . . . .
) يعلمون ظهراً من الحيوة الدنيا ( يعني حرفتهم وحيلتهم ، ومتى يدرك زرعهم ، وما
يصلحهم في معايشهم لصلاح دنياهم ، ) وهم عن الأخرة هم غفلون ) [ آية : 7 ] حين لا
يؤمنون بها ، ثم وعظهم ليعتبروا ، فقال تعالى :
تفسير سورة الروم من الآية ( 8 ) إلى الآية ( 10 ) .
الروم : ( 8 ) أو لم يتفكروا . . . . .
) أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( يقول
سبحانه : لم يخلقهما عبثاً لغير شيء خلقهما لأمر هو كائن ، ) وأجل مسمى ( يقول :
السموات والأرض لهما أجل ينتهيان إليه ، يعني يوم القيامة ) وإن كثيرا من الناس (
يعني عز وجل كفار مكة ، ) بلقائ ربهم ( بالبعث بعد الموت ) لكفرون ) [ آية : 8 ] .
ثم خوفهم فقال عز وجل :(3/6)
صفحة رقم 7
الروم : ( 9 ) أو لم يسيروا . . . . .
) أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( يعني الأمم الخالية ،
فكان عاقبتهم العذاب في الدنيا ، ) كانوا أشد منهم ( من أهل مكة ) قوة وأثاروا الأرض وعمروها ( يعني وعاشوا في الأرض ) أكثر مما عمروها ( أكثر مما عاش فيها
كفار مكة ، ) وجاءتهم ( يعني الأمم الخالية ) رسلهم بالبينت ( يعني أخبرتهم بأمر
العذاب ، ) فما كان الله ليظلمهم ( فيعذبهم على غير ذنب ، ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) [ آية : 9 ]
الروم : ( 10 ) ثم كان عاقبة . . . . .
) ثم كان عقبة الذين أسئوا ( يعني أشركوا ) السوأى ( بعد
العذاب في الدنيا ) أن كذبوا بئايت الله ( يعني بأن كذبوا بالعذاب أنه ليس بنازل
بهم في الدنيا ، ) وكانوا بها ( يعني العذاب ) يستهزءون ) [ آية : 10 ] تكذيباً به أنه لا
يكون .
تفسير سورة الروم من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 19 ) .
الروم : ( 11 ) الله يبدأ الخلق . . . . .
ثم قال سبحانه : ( الله يبدؤا الخلق ثم يعيده ( يقول : الله بدأ الناس فخلقهم ، ثم
يعيدهم في الآخرة بعد الموت أحياء كما كانوا ، ) ثم إليه ترجعون ) [ آية : 11 ] في
الآخرة ، فيجزيهم بأعمالهم .
الروم : ( 12 ) ويوم تقوم الساعة . . . . .
) ويوم تقوم الساعة ( يعني يوم القيامة ) يبلس ( يعني ييأس ) المجرمون ) [ آية :
12 ] يعني كفار مكة من شفاعة الملائكة ،
الروم : ( 13 ) ولم يكن لهم . . . . .
) ولم يكن لهم من شركائهم ( من الملائكة
) شفعؤا ( فيشفعوا لهم ) و كانوا بشركائهم كفرين ) [ آية : 13 ] يعني تبرأت
الملائكة ممن كان يعبدها .
الروم : ( 14 ) ويوم تقوم الساعة . . . . .
) ويوم تقوم الساعة ( يوم القيامة ) يومئذ يتفرقون ) [ آية : 14 ] بعد الحساب إلى
الجنة ، وإلى النار ، فلا يجتمعون أبداً ، ثم أخبر بمنزلة الفريقين جميعاً ، فقال سبحانه :
الروم : ( 15 ) فأما الذين آمنوا . . . . .
) فأما(3/7)
صفحة رقم 8
الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فهم في روضةٍ يحبرون ) [ آية : 15 ] يعني في بساتين
يكرمون وينعمون فيها وهي الجنة .
الروم : ( 16 ) وأما الذين كفروا . . . . .
) وأما الذين كفروا ( بتوحيد الله عز وجل ، ) وكذبوا بئايتنا ( يعني القرآن ، ) ولقآئ
الأخرة ( يعني البعث ، ) فأولئك في العذاب محضرون ) [ آية : 16 ]
الروم : ( 17 ) فسبحان الله حين . . . . .
) فسبحن الله (
يعني فصلوا لله عز وجل ، ) حين تمسون ( يعني صلاة المغرب وصلاة العشاء ، ) وحين
تصبحون ) [ آية : 17 ] يعني صلاة الفجر .
الروم : ( 18 ) وله الحمد في . . . . .
) وله الحمد في السموات والأرض ( يحمده الملائكة في السموات ويحمده المؤمنون
في الأرض ، ) وعشياً ( يعني صلاة العصر ، ) وحين تظهرون ) [ آية : 18 ] يعني صلاة
الأولى ،
الروم : ( 19 ) يخرج الحي من . . . . .
) يخرج الحي من الميت ( يقول : يخرج الناس والدواب والطير من النطف وهي
ميتة ، ) ويخرج الميت ( يعني النطف ) من الحي ( يعني من الناس والدواب والطير ،
)( ويحي الأرض ( بالماء ) بعد موتها ( فينبت العشب فذلك حياتها ، ثم قال :
( وكذلك ( يعني وهكذا ) تخرجون ) [ آية : 19 ] يا بني آدم من الأرض أن الله عز
وجل يرسل يوم القيامة ماء الحيوان من السماء السابعة من البحر المسجور على الأرض
بين النفختين فتنبت عظام الخلق ولحومهم وجلودهم كما ينبت العشب من الأرض .
تفسير سورة الروم من الآية ( 10 ) إلى الآية ( 25 ) .
الروم : ( 20 ) ومن آياته أن . . . . .
) ومن ءايته ( يعني ومن علامات ربكم أنه واحد عز وجل ، وإن لم تروه فاعرفوا
توحيده بصنعه ، ) أن خلقكم من ترابٍ ( يعني آدم ( صلى الله عليه وسلم ) خلقه من طين ، ) ثم إذا أنتم
بشرٌ ( يعني ذرية آدم بشر ، ) تنتشرون ) [ آية : 20 ] في الأرض ، يعني تتبسطون في
الأرض ، كقوله سبحانه : ( وينشر ) [ الشورى : 28 ] يعني ويبسط رحمته .(3/8)
صفحة رقم 9
الروم : ( 21 ) ومن آياته أن . . . . .
) ( ومن ءايته ( يعني علاماته أن تعرفوا توحيده ، وإن لم تروه ) أن خلق لكم من أنفسكم ( يعني بعضكم من بعض ) أزوجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم ( وبين
أزواجكم ) مودة ( يعني الحب ) ورحمة ( ليس بينها وبينه رحم ) إن في ذلك لآيات ( يعني إن في هذا الذي ذكر لعبرة ) لقوم يتفكرون ) [ آية : 21 ] فيعتبرون في
توحيد الله عز وجل .
الروم : ( 22 ) ومن آياته خلق . . . . .
) ومن ءايته ( يعني ومن علامة الرب عز وجل ، أنه واحد فتعرفوا توحيده بصنعه
أن ) خلق السماوات والأرض ( وأنتم تعلمون ذلك ، كقوله سبحانه : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [ الزمر : 38 ] ) واختلف ألسنتكم ( عربي
وعجمي وغيره ) و ( اختلاف ) وألوانكم ( أبيض وأحمر وأسود ) إن في ذلك
لأيتٍ ( يعني أن في هذا الذي ذكر لعبرة ) للعلمين ) [ آية : 22 ] في توحيد الله عز
وجل .
الروم : ( 23 ) ومن آياته منامكم . . . . .
) ومن ءايته ( يعني ومن علامات الرب تعالى أن يعرف توحيده بصنعه ، ) منامكم
باليل ( يعني النوم ، ثم قال : ( و ( ب ) والنهار وابتغاؤكم من فضله ( يعني الرزق
) إن في ذلك لأيتٍ ( يعني إن في هذا الذي ذكر لعبرة ) لقوم يسمعون (
[ آية : 23 ] المواعظ ، فيوحدون ربهم عز وجل .
الروم : ( 24 ) ومن آياته يريكم . . . . .
) ومن ءايته ( يعني ومن علاماته أن تعرفوا توحيد الرب جل جلاله بصنعه ، وإن
لم تروه ) يريكم البرق خوفا ( من الصواعق لمن كان بأرض ، نظيرها في الرعد
) وطمعا ( في رحمته ، يعني المطر ) وينزل من السماء ماء ( يعني المطر ، ) فيحي به (
بالمطر ) الأرض ( بالنبات ) بعد موتها إن في ذلك ( يعني عز وجل في هذا الذي
ذكر ) لايت ( يعني لعبرة ) لقوم يعقلون ) [ آية : 24 ] عن الله عز وجل ،
فيوحدونه .
الروم : ( 25 ) ومن آياته أن . . . . .
) ومن ءايته ( يعني علاماته أن تعرفوا توحيد الله تعالى بصنعه ) أن تقوم السماء والأرض ( يعني السماوات السبع والأرضين السبع ؛ قال ابن مسعود :
قامتا على غير عمد
) يأمره ثم إذا دعاكم ( يدعو إسرافيل ( صلى الله عليه وسلم ) من صخرة بيت المقدس في الصور عن أمر
الله عز وجل ) دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ) [ آية : 25 ] وفي هذه كله الذي ذكره
من صنعه عبرة وتفكراً في توحيد الله عز وجل ، ثم عظم نفسه تعالى ذكره ، فقال :(3/9)
صفحة رقم 10
تفسير سورة الروم من الآية ( 26 ) إلى الآية ( 29 ) .
الروم : ( 26 ) وله من في . . . . .
) وله من في السماوات ( من الملائكة ) و ( من في ) والأرض ( من الإنس والجن ،
ومن يعبد من دون الله عز وجل ، كلهم عبيده وفي ملكه ، قال سبحانه : ( كلٌ له ،
قنتون ) [ آية : 26 ] يعني كل ما فيهما من الخلق لله قانتون ، يعني مقرون بالعبودية له
يعلمون أن الله جل جلاله ربهم ، وهم خلقهم ولم يكونوا شيئاً ، ثم يعيدهم ، ثم يبعثهم
في الآخرة أحياء بعد موتهم كما كانوا . ثم قال عز وجل :
الروم : ( 27 ) وهو الذي يبدأ . . . . .
) وهو الذي يبدؤوا الخلق ثم يعيده ( وهو الذي بدأ الخلق ، يعني خلق آدم ، فبدأ
خلقهم ولم يكونوا شيئاً ، ثم يعيدهم ، يعني يبعثهم في الآخرة أحياء بعد موتهم كما
كانوا ) وهو أهون عليه ( يقول : البعث أيسر عليه عندكم ، يا معشر الكفار في المثل
من الخلق الأول ، حين بدأ خلقهم نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظماً ، ثم لحماً ، فذلك
قوله عز وجل : ( وله المثل الأعلى في السماوات والأرض ( فإنه تبارك وتعالى رب واحد لا
شريك له ، ) وهو العزيز ( في ملكه ، لقولهم : إن الله عز وجل لا يقدر على البعث
) الحكيم ) [ آية : 27 ] في أمره حكم البعث .
الروم : ( 28 ) ضرب لكم مثلا . . . . .
) ضرب لكم مثلا من أنفسكم ( نزلت في كفار قريش ، وذلك أنهم كانوا يقولون في
إحرامهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ، فقال تعالى : ( ضرب لكم مثلا من أنفسكم ( يقول : وصف لكم يا معشر الأحرار ، من كفار قريش مثلاً يعني شبهاً من عبيدكم ، ) هل لكم ( استفهام ) من ما ملكت أيمنكم ( من العبيد ) من
شركاء في ما رزقنكم ( من الأموال ) فأنتم ( وعبيدكم ) فيه سواء ( في الرزق
ثم قال : ( تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ( يقول عز وجل : تخافون عبيدكم أن
يرثوكم بعد الموت كما تخافون أن يرثكم الأحرار من أوليائكم ، فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : لا ،
قال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' أفترضون لله عز وجل الشركة في ملكه وتكرهون الشرك في(3/10)
صفحة رقم 11
أموالكم ، فسكتوا ولم يجيبوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
إلا شريكاً هو لك تملكه ما ملك ، يعنون الملائكة ، قال : فكما لا تخافون أن يرثكم
عبيدكم ، فكذلك ليس لله عز وجل شريك ، ) كذلك نفصل الأيت ( يعني هكذا
نبين الآيات ) لقوم يعقلون ) [ آية : 28 ] عن الله عز وجل الأمثل ، فيوحدونه ، ثم
ذكرهم فقال سبحانه :
الروم : ( 29 ) بل اتبع الذين . . . . .
) بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم ( يعلمونه بان معه شريكاً ) فمن يهدي من أضل الله ( يقول : فمن يهدى إلى توحيد الله من قد أضله الله عز وجل عنه ، ) وما
لهم من نصرين ) [ آية : 29 ] يعني مانعين من الله عز وجل .
تفسير سورة الروم من الآية ( 20 ) إلى الآية ( 26 ) .
الروم : ( 30 ) فأقم وجهك للدين . . . . .
ثم قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إن لم يوحد كفار مكة ربهم ، فوحد أنت ربك يا محمد ، ) فأقم
وجهك للذين ( يعني فأخلص دينك الإسلام لله عز وجل ) حنيفا ( يعني مخلصاً
) فطرت الله التي فطر الناس عليها ( يعني ملة الإسلام التوحيد الذي خلقهم عليه ، ثم
أخذ الميثاق من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟
قالوا : بلى ربنا ، وأقروا له بالربوبية والمعرفة له تبارك وتعالى ، ثم قال سبحانه : ( لا تبديل لخلق الله ( يقول : لا تحويل لدين الله عز وجل الإسلام ) ذلك الدين القيم ( يعني
التوحيد وهو الدين المستقيم ، ) ولكن أكثر الناس ( يعني كفار مكة ) لا يعلمون ) [ آية : 30 ] توحيد الله عز وجل .
الروم : ( 31 ) منيبين إليه واتقوه . . . . .
ثم أمرهم بالإنابة من الكفر وأمرهم بالصلاة ، فقال عز وجل : ( منيبين إليه (
يقول : راجعين إليه من الكفر إلى التوحيد لله تعالى ذكره ، ) واتقوه ( يعني(3/11)
صفحة رقم 12
واخشوه ، ) وأقيموا ( يعني وأتموا ) الصلاة ولا تكونوا من المشركين ) [ آية : 31 ]
الروم : ( 32 ) من الذين فرقوا . . . . .
يقول : لكفار مكة كونوا من الموحدين لله عز وجل ولا تكونوا : ( من الذين فرقوا دينهم ( يعني أهل الأديان فرقوا دينهم الإسلام ، ) وكانوا شيعا ( يعني أحزاباً في
الدين يهود ونصارى ومجوس وغيره ونحو ذلك ، ) كل حزب لديهم فرحون ) [ آية :
32 ] كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون به .
الروم : ( 33 ) وإذا مس الناس . . . . .
) وإذا مس الناس ضر ( يعني كفار ضر ، يعني السنين ، وهو الجوع ، يعني قحط
المطر عليهم سبع سنين ، ) دعوا ربهم منيبين إليه ( يقول : عز وجل راجعين إليه يدعونه
أن يكشف عنهم الضر ، لقوله تعالى في حم الدخان : ( ربنا اكشف عنا العذاب (
[ الدخان : 12 ] يعني الجوع ) إنا مؤمنون ) [ الآية : 12 ] . قال تعالى : ( ثم إذا أذاقهم منه رحمة ( يعني إذا أعطاهم من عنده نعمة ، يعني المطر ) إذا فريق منهم بربهم يشركون (
[ آية : 33 ] يقول : تركوا توحيد ربهم في الرخاء ، وقد وحدوه في الضر .
الروم : ( 34 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . .
) ليكفروا ( يعني لكي يكفروا ) بما ءاتينهم ( بالذي أعطيناهم من الخير في
ذهاب الضر عنهم ، وهو الجوع ، ثم قال سبحانه : ( فتمتعوا ( قليلاً إلى آجالكم
) فسوف تعلمون ) [ آية : 34 ] هذا وعيد ، ثم ذكر شركهم ، فقال :
الروم : ( 35 ) أم أنزلنا عليهم . . . . .
) أم أنزلنا ( وأم
هاهنا صلة على أهل مكة ، يعني كفارهم ) ) عليهم سلطناً ( يعني كتاباً من السماء
) فهو يتكلم ( يعني ينطق ) بما كانوا به يشركون ) [ آية : 35 ] يعني ينطق بما يقولون
من الشرك . ثم ذكرهم أيضاً ، فقال سبحانه :
الروم : ( 36 ) وإذا أذقنا الناس . . . . .
) وإذا أذقنا الناس ( كفار مكة ) رحمةً ( يعني أعطينا كفار مكة رحمة ، يعني
المطر ) فرحوا بها وإن تصبهم سيئةٌ ( بلاء يعني الجوع أو شدة من قحط سبع سنين
) بما قدمت أيديهم ( من الذنوب ) إذا هم يقنطون ) [ آية : 36 ] يعني إذا هم من المطر
آيسون ، ثم وعظهم ليعتبروا . فقال تعالى :
تفسير سورة الروم من الآية ( 37 ) إلى الآية ( 41 ) .(3/12)
صفحة رقم 13
الروم : ( 37 ) أو لم يروا . . . . .
) أولم يروا الله يبسط الرزق لمن يشاء ( وذلك حين مطروا بعد سبع سنين ؛
) ويقدر ( على من يشاء ) إن في ذلك لأيتٍ ( يقول : إن في بسط الرزق والفتر لعبرة
) لقوم يؤمنون ) [ آية : 37 ] يعني يصدقون بتوحيد الله عز وجل .
الروم : ( 38 ) فآت ذا القربى . . . . .
) فئاتٍ ( يعني فأعط ) ذا القربى حقه ( يعني قرابة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحق القرابة والصلة ،
ثم قال سبحانه : ( والمسكين ( يعني السائل حقه أن يتصدق عليه ، ثم قال : ( وابن السبيل ( يعني حق الضيف نازل عليك أن تحسن إليه ) ذلك خير ( يقول : إعطاء الحق
أفضل ) للذين يريدون وجه الله ( من الإمساك عنهم ، ثم نعتهم ، عز وجل ، فقال :
( وأولئك هم المفلحون ) [ آية : 38 ] .
الروم : ( 39 ) وما آتيتم من . . . . .
ثم قال تعالى : ( وما ءاتيتم من رباً ( يقول : وما
أعطيتهم من عطية ) ليربوا في أموال الناس ( يعني تزدادوا في أموال الناس ، نزلت في أهل
الميسر من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، يقول : أعطيتهم من عطية ليلتمس بها الزيادة من الناس ،
)( فلا يربوا عند الله ( يقول : فلا تضاعف تلك العطية عند الله ، ولا تزكوا ، ولا إثم فيه ،
ثم بين الله عز وجل ما يربو من النفقة ، فقال عز وجل : ( وما ءاتيتم من زكوةٍ ( يقول :
وما أعطيتم من صدقة ) تريدون ( بها ) وجه الله ( ففيه الأضعاف ، فذلك قوله عز
وجل : ( فأؤلئك هم المضعفون ) [ آية : 39 ] الواحدة عشرة فصاعداً .
الروم : ( 40 ) الله الذي خلقكم . . . . .
ثم أخبر تبارك وتعالى عن صنعه ليعرف توحيد ، فقال تعالى : ( الله الذي خلقكم ( ولم
تكونوا شيئاً ) ثم رزقكم ثم يميتكم ( عند آجالكم ) ثم يحييكم ( في الآخرة
) هل من شركائكم ( مع الله ، يعني الملائكة الذين عبدوهم ) من يفعل من ذلكم مما (
ذكر في هذه الآية من الخلق والرزق والبعث بعد الموت من يفعل من ذلكم ) من شيءٍ (
ثم نزه نفسه جل جلاله عن الشركة ، فقال : ( سبحانه وتعلى ( يعني وارتفع ) عما يشركون ) [ آية : 40 ] ثم أخبرهم عن قحط المطر في البر ونقص الثمار في الريف يعني
القرى حيث تجري فيها الأنهار إنما أصابهم بتركهم التوحيد ، فقال :
الروم : ( 41 ) ظهر الفساد في . . . . .
) ظهر الفساد في البر والبحر ( يعني قحط المطر ، وقلة النبات في البر ، يعني حيث لا
تجري الأنهار ، وأهل العمود ، ثم قال : ( ظهر الفساد ( يعني قحط المطر ونقص الثمار
في البحر ، يعني في الريف يعني القرى حيث تجري فيها الأنهار ) بما كسبت أيدي(3/13)
صفحة رقم 14
الناس ( من المعاصي ، يعني كفار مكة ) ليذيقهم ( الله الجوع ) بعض الذي عملوا (
يعني الكفر والتكذيب في السنين السبع ) لعلهم ( يعني لكي ) يرجعون ) [ آية : 41 ]
من الكفر إلى الإيمان .
تفسير سورة الروم من الآية ( 42 ) إلى الآية ( 47 ) .
ثم خوفهم ، فقال سبحانه :
الروم : ( 42 ) قل سيروا في . . . . .
) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عقبة الذين من قبل (
يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية ) كان أكثرهم مشركين ) [ آية : 42 ] فكان
عاقبتهم الهلاك في الدنيا . ثم قال :
الروم : ( 43 ) فأقم وجهك للدين . . . . .
) فأقم وجهك للدين القيم ( يعني فأخلص دينك
للإسلام المستقيم ، فإن غير دين الإسلام ليس بمستقيم ) من قبل أن يأتي يومٌ ( يعني يوم
القيامة ) لا مرد له ( يعني لا يقدر أحد على رد ذلك اليوم ) من الله ( عز وجل
) يومئذٍ يصدعون ) [ آية : 43 ] يعني بعد الحساب يتفرقون إلى الجنة وإلى النار .
الروم : ( 44 ) من كفر فعليه . . . . .
) من كفر ) ) بالله ( ( فعليه ) ) إثم ( ( كفره ومن عمل صلحاً فلأنفسهم يمهدون ) [ آية :
44 ] يعني يقدمون
الروم : ( 45 ) ليجزي الذين آمنوا . . . . .
) ليجزى ( يعني لكي يجزى الله عز وجل في القيامة ) الذين
ءامنوا ( بتوحيد الله عز وجل ، ) وعملوا الصلحت من فضله إنه لا يحب الكفرين ) [ آية :
45 ] بتوحيد الله عز وجل .
الروم : ( 46 ) ومن آياته أن . . . . .
) ومن ءايته ( يعني ومن علاماته عز وجل ، وإن لم تروه ، أن تعرفوا توحيده بصنعه
عز وجل ) أن يرسل الرياح مبشراتٍ ( يعني يستبشر بها الناس رجاء المطر ) وليذيقكم من
رحمته ( يقول : وليعطيكم من نعمته يعني المطر ) ولتجزي الفلك ) ) في البحر ( ( بأمره
ولتبتغوا ) ) في البحر ( ( من فضله ( يعني الرزق كل هذا بالرياح ) ولعلكم تشكرون (
[ آية : 46 ] رب هذه النعم فتوحدونه .
الروم : ( 47 ) ولقد أرسلنا من . . . . .
ثم خوف كفار مكة لكي لا يكذبوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال سبحانه : ( ولقد أرسلنا من قبلك(3/14)
صفحة رقم 15
رسلاً إلى قومهم فجاءوهم بالبينت ( فأخبروا قومهم بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا إن لم
يؤمنوا ، فكذبوهم بالعذاب أنه غير نازل بهم في الدنيا ، فعذبهم الله عز وجل ، فذلك قوله
عز وجل : ( فانتقمنا ) ) بالعذاب ( ( من الذين أجرموا ( يعني الذين أشركوا ) وكان حقاًّ
علينا نصر المؤمنين ) [ آية : 47 ] يعني المصدقين للأنبياء ، عليهم السلام ، بالعذاب ، فكان
نصرهم أن الله عز وجل أنجاهم من العذاب مع الرس .
تفسير سورة الروم من الآية ( 48 ) إلى الآية ( 52 ) .
الروم : ( 48 ) الله الذي يرسل . . . . .
ثم أخبر عن صنعه ليعرف توحيده ، فقال عز وجل : ( الله الذي يرسل الريح فتثير سحاباً
فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً ( يقول : يجعل الريح السحاب قطعاً يحمل
بعضها على بعض فيضمه ، ثم يبسط السحاب في السماء كيف يشاء الله تعالى ، إن شاء
بسطه على مسيرة يوم ، أو بعض يوم ، أو مسيرة أيام يمطرون ، فذلك قوله عز وجل :
( فترى الودق يخرج ( يعني المطر يخرج ) من خلله ( يعني من خلال السحاب ) فإذا
أصاب به ( يعني بالمطر ) من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ) [ آية : 48 ] يعني إذا هم
يفرحون بالمطر عليهم .
الروم : ( 49 ) وإن كانوا من . . . . .
) وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله ( يعني من قبل نزول المطر في السنين
السبع حين قحط عليهم المطر ) لمبلسين ) [ آية : 49 ] يعني آيسين من المطر ،
الروم : ( 50 ) فانظر إلى آثار . . . . .
) فانظر ( يا محمد ) إلىءاثر رحمت الله ( يعني النبت من آثار المطر ) كيف يحي
الأرض بعد موتها ( بالمطر فتنبت من بعد موتها حين لم يكن فيها نبت ، ثم دل على
نفسه ، فقال : ( إن ذلك ( يقول : إن هذا الذي فعل ما ترون ) لمحى الموتى ( في
الآخرة ، فلا تكذبوا بالبعث ، يعني كفار مكة ، ثم قال تعالى : ( وهو على كل شيءٍ قديرٌ (
[ آية : 50 ] من البعث وغيره ، ثم وعظهم ليعتبروا ، فقال عز وجل :(3/15)
صفحة رقم 16
الروم : ( 51 ) ولئن أرسلنا ريحا . . . . .
) ولئن أرسلنا ريحا ( على هذا النبت الأخضر ) فرأوه ( النبت ) مصفرا ( من البرد
بعد الخضرة ) لظلوا من بعده يكفرون ) [ آية : 51 ] برب هذه النعم ، ثم عاب كفار
مكة ، فضرب لهم مثلاً ، فقال عز وجل :
الروم : ( 52 ) فإنك لا تسمع . . . . .
) فانك ( يا محمد ) لا تسمع الموتى ( النداء
فشبه الكفار بالأموات يقول : فكما لا يسمع الميت النداء ، فكذلك الكفار ولا يسمعون
الإيمان ولا يفقهون ، ثم قال : ( ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ) [ آية : 52 ]
فشبهوا أيضاً بالصم إذا ولوا مدبرين ، يقول : إن الأصم إذا ولى مدبراً ، ثم ناديته لا يسمع
الدعاء ، فكذلك الكافر لا يسمع الإيمان إذا دعى .
الروم : ( 53 ) وما أنت بهادي . . . . .
) وما أنت ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) بهد العمى ( للإيمان يقول : عموا عن الإيمان ) عن
ضللهم ( يعني كفرهم الذي هم عليه ، ثم أخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فمن يسمع الإيمان ، فقال
سبحانه : ( إن تسمع ( بالإيمان ) إلا من يؤمن بئايتنا ( يعني يصدق بالقرآن أنه جاء من
الله عز وجل ) فهم مسلمون ) [ آية : 53 ] يعني فهم مخلصون بالتوحيد .
تفسير سورة الروم من الآية ) 54 ) إلى الآية ( 57 ) .
الروم : ( 54 ) الله الذي خلقكم . . . . .
ثم أخبرهم عن خلق أنفسهم ليتفكر المكذب بالبعث في خلق نفسه ، فقال عز وجل :
( الله الذي خلقكم من ضعفٍ ( يعني من نطفة ) ثم جعل من بعد ضعفٍ قوةً ( يعني
شدة تمام خلقه ) ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفاً ( يقول : فجعل من بعد قوة الشباب الهرم
) و ) ) جعل ( ( وشيبةً ( يعني الشمط ) يخلق ما يشاء ( يعني هكذا يشاء أن يخلق
الإنسان كما وصف خلقه ، ثم قال : ( وهو ( يعني الرب نفسه جل جلاله
) العليم ( يعني العالم بالبعث ) القدير ) [ آية : 54 ] يعني القادر عليه .
الروم : ( 55 ) ويوم تقوم الساعة . . . . .
ثم قال عز وجل : ( ويوم تقوم الساعة ( يعني يوم القيامة ) يقسم ( يعني يحلف
) المجرمون ما لبثوا ) ) في القبور ( ( غير ساعةٍ ( وذلك أنهم استلقوا ذلك ، يقول الله
عز وجل : ( كذلك كانوا يؤفكون ) [ آية : 55 ] يقول : هكذا كانوا يكذبون بالبعث في(3/16)
صفحة رقم 17
الدنيا ، كما كذبوا أنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة ،
الروم : ( 56 ) وقال الذين أوتوا . . . . .
) وقال الذين أوتوا العلم والإيمن (
للكفار يوم القيامة : ( لقد لبثتم في كتب الله إلى يوم البعث ( فهذا قول مالك الموت لهم
في الآخرة .
ثم قال : ( فهذا يوم البعث ( الذي كنتم به تكذبون أنه غير كائن ) ولكنكم كنتم لا تعلمون ) [ آية : 56 ] كم لبثتم في القبور ،
الروم : ( 57 ) فيومئذ لا ينفع . . . . .
) فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا ( يعني
أشركوا ) معذرتهم ولا هم يستعتبون ) [ آية : 57 ] في الآخرة فيعتبون .
تفسير سورة من الآية ( 58 ) إلى الآية ( 60 ) .
الروم : ( 58 ) ولقد ضربنا للناس . . . . .
) ولقد ضربنا ( يعني وصفنا وبينا ، ) للناس في هذا القرءان من كل مثلٍ ( يعني من
كل شبه نظيرها في الزمر ، ) ولئن جئتهم ( يا محمد ) بئايةٍ ( كما سأل كفار مكة
) ليقولن الذين كفروا ( للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن أنتم إلا مبطلون ) [ آية : 58 ] لقالوا : ما أنت
يا محمد إلا كذاب ، وما هذه الآية من الله عز وجل ، كما كذبوا في انشقاق القمر حين
قالوا : هذا سحر .
الروم : ( 59 ) كذلك يطبع الله . . . . .
) كذلك يطبع الله ( يقول : هكذا يختم الله عز وجل بالكفر ) على قلوب الذين لا يعلمون ) [ آية : 59 ] توحيد الله عز وجل ، فلما أخبرهم الله عز وجل بالعذاب أنه
نازل بهم في الدنيا كذبوه ، فأنزل الله تبارك وتعالى :
الروم : ( 60 ) فاصبر إن وعد . . . . .
) فاصبر ( يا محمد على تكذيبهم
إياك بالعذاب ، يعزى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر ، فقال : فاصبر ) إن وعد الله حق ( يعني صدق ،
بالعذاب أنه نازل بهم في الدنيا ، فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : عجل لنا العذاب في الدنيا إن كنت
صادقاً ، هذا قول النضر بن الحارث القرشي من بني عبد الدار بن قصي ، فأنزل الله تعالى :
( ولا يستخفنك ) 6 ولا يستفزنك في تعجيل العذاب بهم ) الذين لا يوقنون ) [ آية :
60 ] بنزول العذاب عليهم في الدنيا ، فعذبهم الله عز وجل ، ببدر حين قتلهم وضربت
الملائكة وجوههم وأدرباهم ، وعجل الله أرواحهم إلى النار ، فهم يعرضون عليها كل يوم
طرفي النهار ما دامت الدنيا ، فقتل الله النضر بن الحارث ببدر ، وضرب عنقه علي بن أبي
طالب ، رضي الله عنه .(3/17)
صفحة رقم 18
31
سورة لقمان
سورة لقمان مكية ، وهي أربع وثلاثون آية كوفية
تفسير سورة لقمان من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 7 ) .
لقمان : ( 1 ) الم
) الم ) [ آية : 1 ]
لقمان : ( 2 ) تلك آيات الكتاب . . . . .
) تلك ءايت الكتاب الحكيم ) [ آية : 2 ] يعني عز وجل المحكم
من الباطل .
لقمان : ( 3 ) هدى ورحمة للمحسنين
) هدى ( من الضلالة ) ورحمة ( من العذاب ) للمحسنين ) [ آية : 3 ] يعني
للمتقين ، ثم نعتهم ، فقال سبحانه :
لقمان : ( 4 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . .
) الذين يقيمون الصلاة ( يعني يتمون الصلاة ، كقوله :
سبحانه : ( فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ) [ النساء : 103 ] ، ) ويؤتون الزكوة ( من
أموالهم ) وهم بالآخرة ( يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ) هم يوقنون ) [ آية : 4 ]
بأنه كائن .
لقمان : ( 5 ) أولئك على هدى . . . . .
) أولئك ( الذين فعلوا ذلك ) على هدى ( يعني بيان ) من ربهم وأؤلئك هم
المفلحون ) [ آية : 5 ]
لقمان : ( 6 ) ومن الناس من . . . . .
) ومن الناس ( يعني النضر بن الحارث ) من يشتري لهو الحديث ( يعني باطل الحديث ، يقول : باع القرآن بالحديث الباطل حديث رستم
وأسفندباز ، وزعم أن القرآن مثل حديث الأولين حديث رستم وأسفندباز ، ) ليضل عن سبيل الله ( يعني لكي يستنزل بحديث الباطل عن سبيل الله الإسلام ) بغير علم ( يعلمه
) ويتخذها هزوا ( يقول : ويتخذ آيات القرآن استهزاء به مثل حديث رستم
وأسفندباز ، وهو الذي قال : ما هذا القرآن إلا أساطير الأولين ، وذلك أن النضر بن
الحارث قدم إلى الحيرة تاجراً ، فوجد حديث رستم وأسفندباز ، فاشتراه ، ثم أتى به أهل(3/18)
صفحة رقم 19
مكة ، فقال : محمد يحدثكم عن عاد وثمود ، وإنما هو مثل حديث رستم وأسفندباز ، يقول
الله تعالى : ( أولئك لهم عذاب مهين ) [ آية : 6 ] يعني وجيعاً .
لقمان : ( 7 ) وإذا تتلى عليه . . . . .
ثم أخبر عن النضر ، فقال عز وجل : ( وإذا تتلى عليه ءايتنا ( يعني وإذا قرئ عليه
القرآن ) ولى مستكبرا ( يقول : أعرض متكبراً عن الإيمان بالقرآن يقول : ( كأن لم يسمعها ( يعني كأن لم يسمع آيات القرآن ) كأن في أذنيه وقرا ( يعني ثقلاً كأنه أصم
فلا يسمع القرآن ) فبشره بعذاب أليم ) [ آية : 7 ] فقتل ببدر قتله علي بن أبي طالب ،
عليه السلام .
تفسير سورة لقمان من الآية ( 8 ) إلى الآية ( 11 ) .
لقمان : ( 8 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحت ( في الآخرة ) لهم جنات النعيم ) [ آية : 8 ]
لقمان : ( 9 ) خالدين فيها وعد . . . . .
) خلدين فيها ( لا يموتون ) وعد الله حقا ( يعني صدقاً ، فإنه منجز لهم ما وعدهم
) وهو العزيز ( في ملكه ) الحكيم ) [ آية : 9 ] حكم لهم الجنة .
لقمان : ( 10 ) خلق السماوات بغير . . . . .
) خلق السموات ( السبع ) بغير عمد ( فيها تقديم ) ترونها ( يقول : هن قائمات
ليس لهن عمد ) وألقى في الأرض رواسي ( يعني الجبال ) أن تميد بكم ( يقول : لئلا تزول
بكم الأرض ) وبث فيها من كل دابة ( يقول : خلق في الأرض من كل دابة ) وأنزلنا من السماء ماء ( يعني المطر ) فأنبتنا فيها ( يقول : فأجرينا بالماء في الأرض ) من كل زوج كريم ) [ آية : 10 ] يعني كل صنف من ألوان النبت حسن .
لقمان : ( 11 ) هذا خلق الله . . . . .
) هذا ( الذي ذكر ) خلق الله ( عز وجل وصنعه ) فأروني ( يعني كفار مكة
) ماذا خلق الذين ( تدعون ، يعني تعبدون ) من دونه ( يعني الملائكة نظيرها في سبأ ،
والأحقاف ، ثم استأنف الكلام : ( بل الظلمون في ضللٍ مبينٍ ) [ آية : 11 ] يعني في
خسران بين .(3/19)
صفحة رقم 20
تفسير سورة لقمان من الآية ( 12 ) إلى الآية ( 19 ) .
لقمان : ( 12 ) ولقد آتينا لقمان . . . . .
) ولقد ءاتينا لقمان الحكمة ( أعطيناه العلم والفهم من غير نبوة فهذه نعمة ، فقلنا له :
( أن اشكر لله ( عز وجل في نعمه ، فيما أعطاك من الحكمة ، ) ومن يشكر ( لله
تعالى في نعمه ، فيوحده ) فإنما يشكر ( يعني فإنما يعمل الخير ، ) لنفسه ومن كفر (
النعم ، فلم يوحد ربه عز وجل ، ) فإن الله غني ( عن عبادة خلقه ) حميد ) [ آية :
12 ] عن خلقه في سلطانه .
لقمان : ( 13 ) وإذ قال لقمان . . . . .
) وإذ قال لقمان لابنه ( واسم ابنه أنعم ) وهو يعظه ( يعني عز وجل يؤدبه ،
)( يا بني لا تشرك بالله ( معه غيره ) إن الشرك لظلم عظيم ) [ آية : 13 ] كان ابنه
وامرأته كفاراً ، فما زال بهما حتى أسلما ، وزعموا أن لقمان كان ابن خالة أيوب ، صلى
الله عليه .
حدثنا عبيد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة بن دعامة ،
قال : كان لقمان رجلاً أفطس من أرض الحبشة ، قال هذيل : ولم أسمع مقاتلاً .
لقمان : ( 14 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . .
) ووصينا الإنسن بوالديه ( سعد بن أبي وقاص بوالديه ، يعني أباه اسمه مالك ، وأمه
حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ) حملته أمه ( حمنة ) وهنا على وهن ( يعني ضعفاً على ضعف ) وفصله في عامين أن اشكر لي ( يعني الله عز وجل
أن هداه للإسلام ) و ( اشكر ولوالديك ( النعم فيما أولياك ) إلى المصير ) [ آية :
14 ] فأجزيك بعملك .
لقمان : ( 15 ) وإن جاهداك على . . . . .
قال تعالى : ( وإن جهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علمٌ ( لا تعلم بأن معي(3/20)
صفحة رقم 21
شريكاً ) فلا تطعهما ( في الشرك ) وصاحبهما في الدنيا معروفا ( يعني بإحسان ، ثم
قال لسعد ، رضي الله عنه : ( واتبع سبيل من أناب إلي ( يعني دين من أقل إلى ، يعني
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال : ( ثم إلي مرجعكم ( في الآخرة ) فأنبئكم بما كنتم تعملون (
[ آية : 15 ] وقال ابن لقمان أنعم لأبيه : يا أبت ، إن عملت بالخطيئة حيث لا يراني أحد
كيف يعلمه الله ، عز وجل ، فرد عليه لقمان ، عليه السلام .
لقمان : ( 16 ) يا بني إنها . . . . .
) يا بني إنها إن تك مثقال حبة ( يعني وزن ذرة ) من خردل فتكن في صخرة ( التي
في الأرض السفلى ، وهي خضراء مجوفة لها ثلاث شعب على لون السماء ، ) أو ( تكن
الحبة ) في السماوات ( السبع ) أو في الأرض يأت بها الله ( يعني بتلك الحبة ) إن الله لطيف ( باستخراجها ) خبير ) [ آية : 16 ] بمكانها .
لقمان : ( 17 ) يا بني أقم . . . . .
) يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف ( يعني بالتوحيد ) وانه عن المنكر ( يعني الشر
الذي لا يعرف ) واصبر على ما أصابك ( فيهما من الأذى ) إن ذلك من عزم الأمور (
[ آية : 17 ] يقول : إن ذلك الصبر على الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من
حق الأمور التي أمر الله عز وجل بها ، وعزم عليها .
لقمان : ( 18 ) ولا تصعر خدك . . . . .
) و ( قال لقمان لابنه : ( ولا تصعر خدك للناس ( يقول : لا تعرض وجهك عن
فقراء الناس إذا كلموك فخراً بالخيلاء والعظمة ، ) ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ) [ آية : 18 ] يعني عز وجل كل بطر مرح فخور في نعم الله تعالى لا
يأخذها بالشكر .
لقمان : ( 19 ) واقصد في مشيك . . . . .
) واقصد في مشيك ( لا تختل في مشيك ، ولا تبطر حيث لا يحل ، ) واغضض ( يعني
واخفض ) من صوتك ( يعني من كلامك بأمر لقمان ابنه بالاقتصاد في المشي ، والمنطق ،
ثم ضرب للصوت الرفيع ، مثلاً ، فقال عز وجل : ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير (
[ آية : 19 ] يعني أقبح الأصوات لصوت الحمير ، لشدة صوتهن تقول العرب : هذا
أصوات الحمير ، وهذا صوت الحمير ، وتقول : هذا صوت الدجاج ، وهذا أصوات
الدجاج ، وتقول : هذا صوت النساء ، وأصوات النساء .
تفسير سورة لقمان من الآية ( 10 ) إلى الآية ( 21 ) .(3/21)
صفحة رقم 22
لقمان : ( 20 ) ألم تروا أن . . . . .
) ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات ) يعني الشمس والقمر والنجوم والسحاب
والرياح ، ) وما في الأرض ( يعني الجبال والأنهار فيها السفن والأشجار والنبت عاماً
بعام ، ثم قال : ( وأسبغ عليكم نعمه ( يقول : وأوسع عليكم نعمه ) ظهرةً ( يعني
تسوية الخلق والرزق والإسلام ، ) و باطنة ( يعني ما ستر من الذنوب من بني آدم ، فلم
يعلم بها أحد ولم يعاقب فيها ، فهذا كله من النعم ، فالحمد لله على ذلك حمداً كثيراً ،
ونسأله تمام النعمة في الدنيا والآخرة ، فإنه ولي كل حسنة ، ) ومن الناس ( يعني النضر
بن الحارث ) من يجدل ( يعني يخاصم ) في الله بغير علمٍ ( يعلمه حين يزعم أن لله عز
وجل البنات ، يعني الملائكة ، ) ولا هدىً ولا كتبٍ منيرٍ ) [ آية : 20 ] يعني لا بيان معه
من الله عز وجل ، يقول : ولا كتاب مضئ له فيه حجة بأن الملائكة بنات الله عز وجل .
لقمان : ( 21 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم ( يعني للنضر ) اتبعوا ما أنزل الله ( من الإيمان بالقرآن ) قالوا بل نتبع
ما وجدنا عليه ءاباءنا ( من الدين ، يقول الله عز وجل : ( أولو كان ( يعني وإن كان
) الشيطان يدعوهم إلى عذابٍ السعير ) [ آية : 21 ] يعني الوقود يتبعونه ، يعني النضر بن
الحارث مثله في سورة الحج ، ثم أخبر عن الموحدين ، فقال سبحانه :
تفسير سورة لقمان من الآية ( 22 ) إلى الآية ( 26 ) .
لقمان : ( 22 ) ومن يسلم وجهه . . . . .
) ومن يسلم وجهه إلى الله ( يقول : من يخلص دينه لله ، كقوله تعالى : ( ولكل
وجهة ) [ البقرة : 148 ] ، يعني لكل أهل دين ، ثم قال : ( وهو محسنٌ ( في عمله
) فقد استمسك ( يقول : فقد أخذ ) بالعروة الوثقى ( التي لا انفصام لها ، لا نقطاع لها
) وإلى الله عقبة الأمور ) [ آية : 22 ] يعني مصير أمور العباد إلى الله عز وجل في
الآخرة ، فيجزيهم بأعمالهم .
لقمان : ( 23 ) ومن كفر فلا . . . . .
) ومن كفر فلا يحزنك كفره ( وذلك أن كفار مكة ، قالوا : في حم عسق :
( افترى على الله كذباً ) [ الشورى : 24 ] ، يعنون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين يزعم أن القرآن جاء(3/22)
صفحة رقم 23
من الله عز وجل ، فشق على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قولهم وأحزنه ، فأنزل الله عز وجل : ' ) ومن كفر ( بالقرآن ) فلا يحزنك كفره ( ) إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا ( من المعاصي
) إن الله عليم بذات الصدور ) [ آية : 23 ] يقول : إن الله عز وجل عالم بما في قلب محمد
( صلى الله عليه وسلم ) من الحزن بما قالوا له ، ثم أخبر عز وجل عنهم ، فقال :
لقمان : ( 24 ) نمتعهم قليلا ثم . . . . .
) نمتعهم قليلا ( في الدنيا
إلى آجالهم ) ثم نضطرهم ( نصيرهم ) إلى عذاب غليظ ) [ آية : 24 ] يعني شديد لا
يفتر عنهم .
لقمان : ( 25 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل ( يعني ولكن
) أكثرهم لا يعلمون ) [ آية : 25 ] بتوحيد الله عز وجل ، ثم عظم نفسه عز وجل ،
لقمان : ( 26 ) لله ما في . . . . .
فقال : ( لله ما في السماوات والأرض ( من الخلق ، عبيده ، وفي ملكه ، ) إن الله هو الغني ( عن عباده خلقه ) الحميد ) [ آية : 26 ] عند خلقه في سلطانه .
تفسير سورة لقمان من الآية ( 27 ) إلى الآية ( 28 ) .
لقمان : ( 27 ) ولو أنما في . . . . .
) ولو أنما في الأرض من شجرةٍ أقلمٌ والبحر يمده من بعده سبعة أبحرٍ ما نفدت
كلمات الله ( يعني علم الله ، يقول : لو أن كل شجرة ذات ساق على وجه الأرض بريت
أقلاماً ، وكانت البحور السبعة مداداً ، فكتب بتلك الأقلام ، وجميع خلق الله عز وجل
يكتبون من البحور السبعة ، فكتبوا علم الله تعالى وعجائبه ، لنفدت تلك الأقلام وتلك
البحور ، ولم ينفد علم الله وكلماته ولا عجائبه ، لنفدت تلك الأقلام وتلك
البحور ، ولم ينفد علم الله وكلماته ولا عجائبه ، ) أن الله عزيز ( في ملكه ) حكيم (
[ آية : 27 ] في أمره يخبر الناس أن أحداً لا يدرك علمه .
لقمان : ( 28 ) ما خلقكم ولا . . . . .
) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ( نزلت في أبي بن خلف ، وأبي الأشدين
واسمه أسيد بن كلدة ، ومنبه ونبيه ابني الحجاج بن السباق بن حذيفة السهمي ، كلهم من
قريش ، وذلك أنهم قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : إن الله خلقنا أطواراً ، نطفة ، علقة ، مضغة ، عظاماً ،
لحماً ، ثم تزعم أنا نبعث خلقاً جديداً جميعاً في ساعة واحدة ، فقال الله عز وجل : ( ما خلقكم ( أيها الناس جميعاً على الله سبحانه في القدرة ، إلا كخلق نفس واحدة ، ) ولا بعثكم ( جميعاً على الله تعالى ، إلا كبعث نفس واحدة ) أن الله سميع بصير ) [ آية :
28 ] لما قالوا من الخلق والبعث .(3/23)
صفحة رقم 24
تفسير سورة لقمان من الآية ( 19 ) إلى الآية ( 20 ) .
لقمان : ( 29 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر ( يا محمد ) أن الله يولج اليل في النهار ويولج النهار في اليل ( يعني
انتقاض كل واحدٍ منهما من صاحبه حتى يصير أحدهما خمس عشرة ساعة والآخر سبع
ساعات ) وسخر الشمس والقمر ( لبني آدم ) كلٌ يجزى إلى أجلٍ ( وهو الأجل
ال ) مسمى وأن الله بما تعملون ( فيهما ) خبير ) [ آية : 29 ] .
لقمان : ( 30 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك ( يقول : هذا الذي ذكر من صنع الله ، والنهار والشمس والقمر ) بأن الله ( جل جلاله ) هو الحق ( وغير باطل يدل على توحيده بصنعه ، ثم قال تعالى :
( وأن ما يدعون ( يعني يعبدون ) من دونه ( من الآلهة هو ) الباطل ( لا تنفعكم
عبادتهم وليس بشئ ، ثم عظم نفسه عز وجل ، فقال سبحانه : ( وأن الله هو العلي (
يعني الرفيع فوق خلقه ) الكبير ) [ آية : 30 ] فلا أعظم منه ، ثم ذكر توحيده
وصنعه ، فقال سبحانه :
تفسير سورة لقمان من الآية ( 31 ) إلى الآية ( 32 ) .
لقمان : ( 31 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الفلك ( السفن ) تجري في البحر ( بالرياح ) بنعمت الله ( يعني برحمة
الله عز وجل ) ليريكم من ءايته ( يعني من علاماته ، وأنتم فيهن ، يعني ما ترون من
صنعه وعجائبه في البحر والابتغاء فيه الرزق والحلى ) إن في ذلك ( الذي ترون في
البحر ) لايت ( يعني لعبرة ) لكل صبار ( على أمر الله عز وجل عند البلاء في
البحر ) شكور ) [ آية : 31 ] لله تعالى في نعمه حين أنجاه من أهوال البحر ، ثم قال عز
وجل :
لقمان : ( 32 ) وإذا غشيهم موج . . . . .
) وإذا غشيهم ( في البحر ) موج كالظلل ( يعني كالجبال ) دعوا الله مخلصين له (
يعني موحدين له ) الدين ( يقول : التوحيد ) فلما نجهم ( من البحر ) إلى البر فمنهم مقتصد ( يعني عدل في وفاء العهد في البر ، فيما عاهد الله عز وجل عليه في البحر من(3/24)
صفحة رقم 25
التوحيد ، يعني المؤمن ، ثم ذكر المشرك الذي وحد الله في البحر حين دعاه مخلصاً ، ثم
ترك التوحيد في البر ونقض العهد ، فذلك قوله عز وجل : ( وما يجحد بئايتنا ( يعني
ترك العهد ) إلا كل ختار ( يعني غدار بالعهد ) كفور ) [ آية : 32 ] لله عز وجل
في نعمه في تركه التوحيد في البر .
تفسير سورة لقمان فقط من الآية وإلى الآية ( 22 ) .
لقمان : ( 33 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس اتقوا ربكم ( يقول الله تعالى : وحدوا ربك ) واخشوا يوما ( يخوفهم
يوم القيامة ) لا يجزى ( يعني لا يغنى ) والد عن ولده ( شيئاً من المنفعة ، يعني
الكفار ) ولا مولود هو جاز ( يعني هو مغن ) عن والده شيئا ( من المنفعة ) إن وعد الله حق ( في البعث أنه كائن ) فلا تغرنكم الحيوة الدنيا ( عن الإسلام ) ولا يغرنكم بالله الغرور ) [ آية : 33 ] يعني الباطل ، وهو الشيطان يعني به إبليس .
تفسير سورة لقمان فقط من الآية وإلى الآية ( 24 ) .
لقمان : ( 34 ) إن الله عنده . . . . .
) إن الله عنده علم الساعة ( نزلت في رجل اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة بن
محارب من أهل البادية آتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : إن أرضنا أجدبت فمتى الغيث ؟ وتركت
امرأتي حبلى فماذا تلد ؟ وقد علمت أين ولدت ، فبأي أرض أموت ؟ وقد علمت ما
عملت اليوم ، فما أعمل غداً ؟ ومتى الساعة ؟ فأنزل الله تبارك وتعالى في مسألة المحاربي :
( إن الله عنده علم الساعة ( يعني يوم القيامة لا يعلمها غيرها ، ) وينزل الغيث ( يعني
المطر ، ) ويعلم ما في الأرحام ( ذكراً ، أو أنثى ، أو غير سوى ، ) وما تدري نفس ( بر ،
وفاجر ، ) ماذا تكسب غدا ( من خير وشر ، ) وما تدري نفس بأي أرض تموت ( في
سهل ، أو جبل ، في بر ، أو بحر ، ) إن الله عليم خبير ) [ آية : 34 ] بهذا كله مما ذكر
في هذه الآية ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
أين السائل عن الساعة ' ؟ فقال المحاربي : ها أنذا ، فقرأ
عليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية .(3/25)
صفحة رقم 26
32
سورة السجدة
مكية إلا آية واحدة نزلت بالمدينة في الأنصار وهي قوله تعالى : ( تتجافى جنوبهم ) [ آية : 16 ] الآية .
وقال غير مقاتل فيها ثلاث آيات مدنيات ، وهي قوله تعالى : ( أفمن كان مؤمنا (
إلى قوله تعالى : ( يكذبون ( آية : 16 ، 17 ، 18 ] وعدد آياتها ثلاثون آية كوفية
تفسير سورة السجدة من الآية ( 1 ) وإلى الآية ( 2 ) .
السجدة : ( 1 ) الم
) الم ) [ آية : 1 ]
السجدة : ( 2 ) تنزيل الكتاب لا . . . . .
) تنزيل الكتب ( يعني القرآن ) لا ريب فيه ( يعني لا
شك فيه أنه نزل ) من رب العالمين ) [ آية : 2 ] جل وعز ، لقولهم :
السجدة : ( 3 ) أم يقولون افتراه . . . . .
) أم يقولون ( أنه
) افترنه ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من تلقاء نفسه ، فأكذبهم الله تعالى ، ) بل هو الحق ( يعني
القرآن ) من ربك ( ولو لم يكن من ربك لم يكن حقاً ، وكان باطلاً ) لتنذر قوما ( يعني كفار قريش ) ما آتنيهم ( يقول : لم يأتهم ) من نذير ( يعني من رسول ) من قبلك ( يا محمد ) لعلهم ( يعني لكي ) يهتدون ) [ آية : 3 ] من الضلالة :
تفسير سورة السجدة من الآية ( 4 ) إلى الآية ( 9 ) .(3/26)
صفحة رقم 27
السجدة : ( 4 ) الله الذي خلق . . . . .
) الله الذي خلق السماوات والأرض ( يدل على نفسه عز وجل بصنعه ) وما بينهما ( يعني السحاب والرياح والجبال والشمس والقمر والنجوم ) في ستة أيام ثم استوى على العرش ( قبل خلق السماوات والأرض وقبل كل شيء ) ما لكم من دونه من ولي ( يعني من قريب ينفعكم في الآخرة ، يعني كفار مكة ) ولا شفيع ( من الملائكة
) أفلا تتذكرون ) [ آية : 4 ] فيما ذكر الله عز وجل من صنعه فتوحدونه .
السجدة : ( 5 ) يدبر الأمر من . . . . .
ثم قال عز وجل : ( يدبر الأمر ( يقول : يفصل القضاء وحده ) من السماء إلى الأرض ( فينزل به جبريل صلى الله عليه ، ) ثم يعرج ( يقول : ثم يصعد الملك ) إليه في يوم ( واحد من أيام الدنيا ) كان مقداره ( أي مقدار ذلك اليوم ) ألف سنة مما تعدون ) [ آية : 5 ] أنتم لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمس مائة عام ، فذلك مسيرة
ألف سنة كل ذلك في يوم من أيام الدنيا .
السجدة : ( 6 ) ذلك عالم الغيب . . . . .
) ذلك ( يعني الذي ذكر من هذه الأشياء ) علم الغيب والشهدة العزيز ( في
ملكه ) الرحيم ) [ آية : 6 ] بخلقه مثلها في يس : ( ذلك تقدير العزيز العليم (
[ الأنعام : 96 ] ، ثم قال لنفسه عز وجل :
السجدة : ( 7 ) الذي أحسن كل . . . . .
) الذي أحسن كل شيءٍ خلقه ( يعني علم كيف
يخلق الأشياء من غير أن يعلمه أحد ، ) وبدأ خلق الإنسن ( يعني آدم ، عليه السلام ،
)( من طين ) [ آية : 7 ] كان أوله طيناً ، فلما نفخ فيه الروح صار لحماً ودماً .
السجدة : ( 8 ) ثم جعل نسله . . . . .
) ثم جعل نسله ( يعني ذرية آدم ، عليه السلام ، ) من سللةٍ ( يعني النطفة التي
نسل من الإنسان ) من ماء مهين ) [ آية : 8 ] يعني بالماء النطفة ، ويعني بالمهين الضعيف ،
ثم رجع إلى آدم في التقديم ، فقال تعالى :
السجدة : ( 9 ) ثم سواه ونفخ . . . . .
) ثم سواه ( يعني ثم سوى خلقه ) ونفخ فيه من روحه ( ، ثم رجع إلى ذرية آدم ، عليه السلام ، فقال سبحانه : ( وجعل لكم (
يعني ذرية آدم ، عليه السلام ، بعد النطفة ) السمع والأبصر والأفئدة قليلاً ما
تشكرون ) [ آية : 9 ] يعني بالقليل أنهم لا يشكرون رب هذه النعم في حسن خلقهم
فيوحدونه ، تقول العرب : إنك لقليل الفهم ، يعني لا يفهم ولا يفقه .
تفسير سورة السجدة من الآية ( 10 ) إلى الآية ( 14 ) .(3/27)
صفحة رقم 28
السجدة : ( 10 ) وقالوا أئذا ضللنا . . . . .
) وقالوا أءذا ضللنا ( يعني هلكنا ) في الأرض ( وكنا تراباً ) أءنا لفي خلقٍ جديد (
إنا لمبعوثون خلقا جديداً بعد الموت ، يعنون البعث ، ويعنون كما كنا تكذيباً بالبعث
نزلت في أبي بن خلف ، وأبي الأشدين اسمه أسيد بن كلدة بن خلف الجمحى ، ومنبه
ونبيه ابني الحجاج ، يقول الله عز وجل : ( بل ( نبعثهم ، نظيرها في ق والقرآن ، ثم
قال : ( هم بلقاء ربهم ( يعني بالبعث ) كفرون ) [ آية : 10 ] لا يؤمنون .
السجدة : ( 11 ) قل يتوفاكم ملك . . . . .
) قل يتوفكم ملك الموت الذي وكل بكم ( يزعمون أن اسمه عزرائيل ، وله أربعة
أجنحة جناح بالمشرق ، وجناح بالمغرب ، وجناح له في أقصى العالم من حيث تجئ الريح
الدبور ، وجناح له في أقصى العالم من حيث تجئ الريح الصبا ، ورجل له بالمشرق ،
ورجله الأخرى بالمغرب ، والخلق بين رجليه ورأسه في السماء العليا وجسده ، كما بين
السماء والأرض ، ووجهه عند ستر الحجب ، ) ثم إلى ربكم ترجعون ) [ آية : 11 ] بعد الموت أحياء فيجزيكم بأعمالكم .
السجدة : ( 12 ) ولو ترى إذ . . . . .
) ولو ترى ( يا محمد ) إذ المجرمون ( يعني عز وجل كفار مكة ) ناكسوا
رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا ( إلى الدنيا ) نعمل صلحاً إنا موقنون (
[ آية : 12 ] بالبعث . يقول الله جل ثناؤه :
السجدة : ( 13 ) ولو شئنا لآتينا . . . . .
) ولو شئنا لآتينا ( يعني لأعطينا ) كل نفس ( فاجرة ) هداها ) يعني بياتها ) ولكن حق القول مني ( يعني وجب العذاب
منى ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) [ آية : 13 ] يعني كفار الإنس
والجن جميعاً ، والقول الذي وجب من الله عز وجل لقوله لإبليس يوم عصاه في السجود
لآدم ، عليه السلام : ( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) [ ص : 85 ] ،
فإذا أدخلوا النار ، قالت الخزنة لهم :
السجدة : ( 14 ) فذوقوا بما نسيتم . . . . .
) فذوقوا ) ) العذاب ( ( بما نسيتم ( يعني بما تركتم
الإيمان ب ) لقاء يومكم هذا ( يعني البعث ) إنا نسينكم ( تقول الخزنة : إنا
تركناكم في العذاب ) وذوقوا عذاب الخلد ( الذي لا ينقطع ) بما كنتم تعملون (
[ آية : 14 ] من الكفر والتكذيب .
تفسير سورة السجدة من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 18 )(3/28)
صفحة رقم 29
السجدة : ( 15 ) إنما يؤمن بآياتنا . . . . .
) إنما يؤمن بئاياتنا ( يقول : يصدق بآياتنا ، يعني القرآن ) الذين إذا ذكروا بها (
يعني وعظوا بها ، يعني بآياتنا القرآن ) خروا سجدا ( على وجوههم ) وسبحوا بحمد ربهم ( وذكروا الله بأمره ) وهم لا يستكبرون ) [ آية : 15 ] يعني لا يتكبرون عن السجود
كفعل كفار مكة حين تكبروا عن السجود .
السجدة : ( 16 ) تتجافى جنوبهم عن . . . . .
) تتجافى جنوبهم عن المضاجع ( نزلت في الأنصار ) تتجافى جنوبهم ( يعني كانوا
يصلون بين المغرب والعشاء ) يدعون ربهم خوفا ( من عذابه ، ) وطمعا ( يعني ورجاء
في رحمته ، ) ومما رزقنهم ( من الأموال ) ينفقون ) [ آية : 16 ] في طاعة الله عز
وجل ، ثم أخبر بما أعد لهم ، فقال عز وجل :
السجدة : ( 17 ) فلا تعلم نفس . . . . .
) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم ( في جنات
عدن مما لم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب قائل ) من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) [ آية : 17 ] .
السجدة : ( 18 ) أفمن كان مؤمنا . . . . .
) أفمن كان مؤمنا ( وذلك أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط من بني أمية أخو عثمان
بن عفان ، رضي الله عنه ، من أمه ، قال لعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : اسكت فإنك
صبي ، وأنا أحد منك سناناً ، وأبسط منك لساناً ، وأكثر حشواً في الكتيبة منك ، قال له
على ، عليه السلام : اسكت فأنت فاسق ، فأنزل الله جل ذكره : ( أفمن كان مؤمنا ( يعني
علياً ، عليه السلام ، ) كمن كان فاسقا ( يعني الوليد ) لا يستون ) [ آية : 18 ] أن
يتوبوا من الفسق ، ثم أخبر بمنازل المؤمنين وفساق الكفار في الآخرة ، فقال سبحانه :
تفسير سورة السجدة من الآية ( 19 ) إلى الآية ( 22 ) .
السجدة : ( 19 ) أما الذين آمنوا . . . . .
) أما الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فلهم ( في الآخرة ) جنت المأوى ( مأوى
المؤمنين ، ويقال : مأوى أرواح الشهداء ) نزلا بما كانوا يعملون ) [ آية : 19 ) .
السجدة : ( 20 ) وأما الذين فسقوا . . . . .
) وأما الذين فسقوا ( يعني عصوا يعني الكفار ) فمأواهم ( يعني عز وجل فمصيرهم(3/29)
صفحة رقم 30
) النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ( وذلك أن جهنم إذا جاشت ألقت
الناس في أعلى النار ، فيريدون الخروج فتلقاهم الملائكة بالمقامع فيضربونهم ، فيهوى
أحدهم من الضربة إلى قعرها ، وتقول الخزنة إذا ضربوهم : ( ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ) [ آية : 20 ] بالبعث وبالعذاب بأنه ليس كائناً ، ثم قال عز وجل :
السجدة : ( 21 ) ولنذيقنهم من العذاب . . . . .
) ولنذيقنهم ( يعني كفار مكة ) من العذاب الأدنى ( يعني الجوع الذي
أصابهم في السنين السبع بمكة حين أكلوا العظام والموتى والجيف والكلاب عقوبة
بتكذيبهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال : ( دون العذاب الأكبر ( يعني القتل ببدر ، وهو أعظم من
العذاب الذي أصابهم من الجوع ) لعلهم ( يعني لكي ) يرجعون ) [ آية : 21 ] من
الكفر إلى الإيمان .
السجدة : ( 22 ) ومن أظلم ممن . . . . .
) ومن أظلم ( يقول : فلا أحد أظلم ) ممن ذكر بآيات ربه ( يقول : ممن وعظ
بآيات القرآن ) ثم أعرض عنها ( عن الإيمان ) إنا من المجرمين منتقمون ) [ آية : 22 ]
يعني كفار مكة نزلت في المطعمين والمستهزئين من قريش ، انتقم الله عز وجل منهم
بالقتل ببدر ، وضربت الملائكة الوجوه والأدبار ، وتعجيل أرواحهم إلى النار .
تفسير سورة السجدة من الآية ( 23 ) إلى الآية ( 26 ) .
السجدة : ( 23 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد ءاتينا موسى الكتاب ( يقول : أعطينا موسى ( صلى الله عليه وسلم ) التوراة ) فلا تكن ( يا
محمد ) في مرية من لقائه ( يقول : لا تكن في شك من لقاء موسى ، عليه السلام ،
التوراة ، فإن الله عز وجل ألقى الكتاب عليه ، يعني التوراة حقاً ، ) وجعلنه هدىً (
يعني التوراة هدى ) لبني إسرائيل ) [ آية : 23 ] من الضلالة .
السجدة : ( 24 ) وجعلنا منهم أئمة . . . . .
) وجعلنا منهم ( يعني من بني إسرائيل ) ائمة ( يعني قادة إلى الخير ) يهدون بأمرنا ( يعني يدعون الناس إلى أمر الله عز وجل ) لما صبروا ( يعني لما صبروا على
البلاء حين كلفوا بمصر ما لم يطيقوا من العمل فعل ذلك بهم باتباعهم موسى على دين
الله عز وجل ، قال تعالى : ( وكانوا بآياتنا ( يعني بالآيات التسع ) يوقنون ) [ آية :
24 ] بأنها من الله عز وجل .(3/30)
صفحة رقم 31
السجدة : ( 25 ) إن ربك هو . . . . .
) إن ربك هو يفصل بينهم ( يعني يقضي بينهم ، يعني بني إسرائيل ) يوم القيامة فيما كانوا فيه ( من الدين ) يختلفون ) [ آية : 25 ] ثم خوف كفار مكة ، فقال تعالى :
السجدة : ( 26 ) أولم يهد لهم . . . . .
) أو لم يهد لهم ( يعني يبين لهم ) كم أهلكنا ( بالعذاب ) من قبلهم من القرون ( يعني الأمم الخالية ) يمشون في مسكنهم ( يقول : يمرون على قراهم ، يعني
قوم لوط ، وصالح ، وهود ، عليهم فيرون هلاكهم ) إن في ذلك لأيتٍ ( يعني لعبرة ) أفلا يسمعون ) [ آية : 26 ] الوعيد بالمواعظ ، ثم وعظهم ليوحدوا ، فقال سبحانه :
تفسير سورة السجدة من الآية ( 27 ) إلى الآية ( 30 ) .
السجدة : ( 27 ) أولم يروا أنا . . . . .
) أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ( يعني الملساء ليس فيها نبت ) فنخرج به ( بالماء ) زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ) [ آية : 27 ] هذه الأعاجيب
فيوحدون ربهم عز وجل ،
السجدة : ( 28 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الفتح ( يعني القضاء وهو البعث
) إن كنتم صادقين ) [ آية : 28 ] وذلك أن المؤمنين قالوا : إن لنا يوماً نتنعم فيه ،
ونستريح ، فقال كفار مكة : متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ؟ يعنون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ،
تكذيباً بالبعث بأنه ليس بكائن ، فإن كان البعث حقاً صدقنا يومئذٍ ، فأنزل الله تبارك
وتعالى :
السجدة : ( 29 ) قل يوم الفتح . . . . .
) قل ( يا محمد ) يوم الفتح ( يعني القضاء ) لا ينفع الذين كفروا إيمنهم (
بالبعث لقولهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
إن كان البعث الذي تقول حقاً صدقنا يومئذٍ ، فذلك قوله عز
وجل : ( يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا ( بالبعث ، لقولهم : إن كان ذلك اليوم حقاً
صدقنا ) إيمانهم ولا هم ينظرون ) [ آية : 29 ] يقول : لا يناظر بهم العذاب حتى يقولوا ،
فلم نزلت هذه الآية أراد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يرسل إليهم فيجزيهم وينبؤهم ، فأنزل الله الله تبارك
وتعالى يعزى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) إلى مدة .
السجدة : ( 30 ) فأعرض عنهم وانتظر . . . . .
) فأعرض عنهم وانتظر ( بهم العذاب ، يعني القتل ببدر ) إنهم منتظرون (
[ آية : 30 ] العذاب ، يعني القتل ببدر ، فقتلهم الله وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم
وعجل الله أرواحهم إلى النار ، ثم إن آية السيف نسخت الإعراض .(3/31)
صفحة رقم 32
33
سورة الأحزاب
مدنية ، عدد آياتها ثلاث وسبعون آية كوفية
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
الأحزاب : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . .
) يأيها النبي اتق الله ولا تطع الكفرين والمنفقين ( وذلك أن عبد الله بن أبي ، وعبد الله
بن سعيد بن أبي سرح ، وطعمة بن أبيرق ، وهم المنافقون كتبوا مع غلام لطعمة إلى
مشركي مكة من قريش إلى أبي سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وأبي الأعور
رأس الأحزاب أن أقدموا علينا فسنكون لكم أعواناً فيما تريدون ، وإن شئتم مكرنا
بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) حتى يتبع دينكم الذي أنتم عليه ، فكتبوا إليهم : إنا لن نأتيكم حتى تأخذوا
العهد والميثاق من محمد ، فإنا نخشى أن يغدر بنا ، ثم نأتيكم فنقول وتقولون ، لعله يتبع
ديننا ، فلما جاءهم الكتاب ، انطلق هؤلاء المنافقون حتى أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : أتيناك في
أمر أبي سفيان بن حرب ، وأبي الأعور ، وعكرمة بن أبي جهل ، أن تعطيهم العهد
والميثاق على دمائهم وأموالهم ، فيأتون وتكلمهم لعل إلهك يهد قلوبهم ، فلما رأى رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك ، وكان حريصاً على أن يؤمنوا أعطاهم الأمان من نفسه ، فكتب المنافقون
إلى الكافرين ، من قريش أنا قد استمكنا من محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولقد أعطانا وإياكم الذي
تريدون ، فأقبلوا على اسم اللات والعزى لعلنا نزيله إلى ما نهواه ، ففرحوا بذلك .
ثم ركب كل رجل منهم راحلة حتى أتوا المدينة ، فلما دخلوا على عبد الله بن أبي ،(3/32)
صفحة رقم 33
أنزلهم وأكرمهم ورحب بهم ، وقال : أنا عند الذي يسركم محمد أذن ، ولو قد سمع
كلامنا وكلامكم لعله لا يعصينا فيما نأمره ، فأبشروا واستعينوا آلهتكم عليه ، فإنها نعم
العون لنا ولكم ، فلما رأوا ذلك منه قالوا : أرسل إلى أخواننا ، فأرسل عبد الله بن أبي إلى
طعمة وسعد أن إخواننا من أهل مكة قدموا علينا ، فلما أتاهم الرسول جاءوا فرحبوا بهم
ولزم بعضهم بعضاً من الفرح وهم قيام ، ثم جلسوا يرون أن يستنزلوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) عن
دينه .
فقال عبد الله بن أبي :
أما أنا فأقول له ما تسمعون لا أعدوا ذلك ولا أزيد ، أقول : إنا
معشر الأنصار لم نزل وإلهنا محمود بخير ، ونحن اليوم أفضل منذ أرسل إلينا محمد ، ونحن
كل يوم منه في مزيد ، ونحن نرجو بعد اليوم من إله محمد كل خير ، ولكن لو شاء محمد
قبل أمراً كان يكون ما عاش لنا وله ذكر في الأولين الذين مضوا ، ويذهب ذكره في
الآخرين على أن يقول : إن اللات والعزى لهما شفاعة يوم القيامة ، ولهما ذكر ومنفعة
على طاعتهما ، هذا قولى له .
قال أبو سفيان : نخشى علينا وعليكم الغدر والقتل ، فإن محمداً زعموا أنه لن يبقى بها
أحداً منا في شدة بغضه إيانا ، وإنا نخشى أن يكون يضمر لنا في نفسه ما كان لقي
أصحابه يوم أحد . قال عبد الله بن أبي : إنه إذا أعطى الأمان فإنه لن يغدر ، هو أكرم من
ذلك ، وأوفى بالعهد منا ، فلما أصبحوا أتوه فسلموا عليه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' مرحباً بأبي
سفيان اللهم اهد قلبه ' ، فقال أبو سفيان : اللهم يسر الذي هو خير ، فجلسوا فتكلموا
وعبد الله بن أبي ، فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ارفض ذكر اللات والعزة ومناة ، حجر يعبد بأرض
هذيل ، وقل : إن لهما شفاعة ومنفعة في الآخرة لمن عبدهما ، فنظر إليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وشق
عليه قولهم ، فقال عمر بن الخطاب ، رضوان الله عليه : ائذن لي يا رسول الله في قتلهم ،
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' إني قد أعطيتهم العهد والميثاق ' ، وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لو شعرت أنكم
تأتون هذا من الحديث لما أعطيتهم الأمان ' .
فقال أبو سفيان : ما بأس بهذا أن قوماً استأنسوا إليك يا محمد ورجوا منك أمراً ، فأما
إذا قطعت رجاءهم ، فإنه لا ينبغي أن تؤذيهم ، وعليك باللين والتؤدة لإخوانك
وأصحابك ، فإن هذا من قوم أكرموك ونصروك وأعانوك ولولاهم لكنت مطلوباً مقتولاً ،
وكنت في الأرض خائفاً لا يقبلك أحد ، فزجرهم عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ،
فقال : اخرجوا في لعنة الله وغضبه فعليكم رجس الله وغضبه وعذابه ما أكثر شركم ،(3/33)
صفحة رقم 34
وأقل خيركم وأبعدكم من الخير ، وأقربكم من الشر ، فخرجوا من عنده ، فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم )
أن يخرجهم من المدينة ، فقال بعضهم لبعض : لا نخرج حتى يعطينا العهد إلى أن نرجع إلى
بلادنا ، فأعطاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك ، فنزلت فيهم ) يأيها النبي اتق الله ولا تطع الكفرين (
يعني تبارك وتعالى أبا سفيان ، وعكرمة ، وأبا الأعور ، اسمه عمرو بن سفيان ، ثم قال :
( والمنفقين ( يعني عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وطعمة بن
أبيرق ، ) إن الله كان عليما حكيما ) [ آية : 1 ] .
فلما خرجوا من عنده قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ما لهؤلاء ؟ عليهم لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين
الأحزاب : ( 2 ) واتبع ما يوحى . . . . .
) واتبع ما يوحى إليك من ربك ( يعني ما في القرآن ) إن الله كان بما تعملون خبيرا ) [ آية : 2 ] .
الأحزاب : ( 3 ) وتوكل على الله . . . . .
) وتوكل على الله ( وثق الله فيما تسمع من الأذى ) وكفى بالله وكيلا ) [ آية :
3 ] ناصراً وولياً ومانعاً ، فلا أحد أمنع من الله تعالى ، وإنما نزلت فيها ) يأيها النبي اتق الله
ولا تطع الكفرين ( من أهل مكة ) والمنفقين ( من أهل المدينة ، يعني هؤلاء النفر الستة
المسمين ، ودع أذاهم إياك لقولهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : قل للآلهة شفاعة ومنفعة لمن عبدها
) وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ( يعني مانعاً فلا أحد أمنع من الله عز وجل ، ثم
قال :
الأحزاب : ( 4 ) ما جعل الله . . . . .
) ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ( نزلت في أبي معمر بن أنس الفهري ، كان
رجلاً حافظاً لما سمع وأهدى الناس بالطريق وكان لبيباً ، فقالت قريش : ما أحفظ أبا
معمر ، إلا أنه ذو قلبين ، فكان جميل يقول : إن في جوفي قلبين أحدهما أعقل من محمد ،
فلما كان يوم بدر انهزم وأخذ نعله في يده ، فقال له سليمان بن الحارث : أين تذهب يا
جميل ؟ تزعم أن لك قلبين أحدهما أعقل من محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
ثم قال : ( وما جعل أزواجكم الئى تظهرون منهن أمهاتكم ( يعني أوس بن الصامت بن
قيس الأنصاري من بني عوف بن الخزرج وامرأته خولة بنت قيس بن ثعلبة بن مالك بن
أصرم بن حرامة من بني عمرو بن عوف بن الخزرج .
ثم قال : ( وما جعل أدعياكم أبناءكم ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تبنى زيد بن حارثة اتخذه ولداً ،
فقال الناس : زيد بن محمد ، فضرب الله تعالى لذلك مثلاً ، فقال : ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ( ) وما جعل أدعياءكم ( فكما لا يكون للرجل الواحد قلبان ، كذلك لا(3/34)
صفحة رقم 35
يكون دعى الرجل ابنه يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وزيد بن حارثة بن قرة بن شرحبيل الكلبي ، من
بني عبد ود ، كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تبناه في الجاهلية وأخي بينه وبين حمزة بن عبد المطلب ،
رضي الله عنهما ، في الإسلام ، فجعل الفقير أخا الغنى ليعود عليه ، فلما تزوج النبي ( صلى الله عليه وسلم )
زينب بنت جحش ، وكانت تحت زيد بن حارثة ، قالت اليهود والمنافقون : تزوج محمد
امرأة ابنه ، وهو ينهانا عن ذلك ، فنزلت هذه الآية ، فذلك قوله سبحانه : ( وما جعل أدعياءكم ( يعني دعى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين ادعى زيداً ولداً ، فقال : هو البني ) أبناءكم (
يقول : لم يجعل أدعياءكم أبناءكم .
ثم قال : ( ذلكم ( الذي قلتم زيد بن محمد هو ) قولكم بأفواهكم ( يقول : إنكم
قلتموه بألسنتكم ) والله يقول الحق ( فيما قال من أمر زيد بن حارثة ) وهو يهدي السبيل ) [ آية : 4 ] يعني وهو يدل إلى طريق الحق ، ثم أخبر كيف يقولون في أمر زيد
بن حارثة .
فقال :
الأحزاب : ( 5 ) ادعوهم لآبائهم هو . . . . .
) ادعوهم لآبائهم ( يقول : قولوا زيد بن حارثة ولا تنسبوه إلى غير أبيه
) هو أقسط ( يعني أعدل ) عند الله ( فلما نزلت هذه الآية دعاه المسلمون إلى أبيه ،
فقال : زيد أنا بن حارثة معروف نسبي ، فقال الله تعالى : ( فإن لم تعلموا ءاباءهم
فإخوانكم في الدين ومواليكم ( يقول : فإن لم تعلموا لزيد أبا تنسبوه إليه ، فهو أخوكم في
الدين ومولاكم ، يقول : فلان مولى فلان ) وليس عليكم جناح ( يعني حرج ) فبما
أخطأتم به ( قبل النهي ونسبوه إلى غير أبيه ) ولكن ( الجناح في ) ما تعمدت قلوبكم ( بعد النهي ) وكان الله غفورا رحيما ) [ آية : 5 ] غفوراً لما كان من قولهم من
قبل أن زيد بن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) رحيماً فيما بقي ، فقال رجل من المسلمين في ذلك .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 8 ) .
الأحزاب : ( 6 ) النبي أولى بالمؤمنين . . . . .
فأنزل الله تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين ( في الطاعة له ) من أنفسهم ( يعني من
بعضهم لبعض ، فلما نزلت هذه الآية ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
من ترك دينا فعلى ، ومن ترك(3/35)
صفحة رقم 36
كلا ، يعني عيالاً ، فأنا أحق به ، ومن ترك مالاً فللورثة ' . ثم قال عز وجل : ( وأزواجه
أمهتهم ( ولا يحل لمسلم أن يتزوج من نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) شيئاً أبداً ، ثم قال عز وجل :
( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله ( يعني في المواريث ) من المؤمنين ( يعني الأنصار ، ثم قال : ( والمهجرين ( الذين هاجروا إليهم بالمدينة ،
وذلك أن الله تعالى أراد أنت يحرض المؤمنين على الهجرة بالمواريثا ، فلما نزلت هذه الآية
ورث المهاجرون بعضهم بعضاً على القرابة ، فإن كان مسلماً لم يهاجر لم يرثه ابنه ولا
أبوه ولا أخوه المهاجر ، إذا مات أحدهما ولم يهاجر الآخر .
) إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ( يعني إلى أقربائكم أن توصوا لهم من الميراث
للذين لم يهاجروا من المسلمين ، كانو ا بمكة أو بغيرها ، ثم قال : ( كان ذلك في الكتاب مسطورا ) [ آية : 6 ] يعني مكتوباً في اللوح المحفوظ أن المؤمنين أولى ببعض
في الميراث من الكفار ، فلما كثر المهاجرون رد الله عز وجل المواريث على أولى الأرحام
على كتاب الله في القسمة إن كان مهاجراً ، أو غير مهاجر ، فقال في آخر الأنفال :
( وأولو الأرحام ( من المسلمين ) بعضهم أولى ببعض ( مهاجر ، وغير مهاجر في
الميراث ) في كتاب الله إن الله بكل شيءٍ عليمٌ ) [ الأنفال : 75 ] ، فنسخت الآية
التي في الأنفال هذه الآية التي في الأحزاب .
الأحزاب : ( 7 ) وإذ أخذنا من . . . . .
) وإذ أخذنا من النبين ميثاقهم ومنك ( يا محمد ) ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ( فكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أولهم في الميثاق وآخرهم في البعث ، وذلك أن الله تبارك وتعالى
خلق آدم ، عليه السلام ، وأخرج منه ذريته ، فأخذ على ذريته من النبين أن يعبدوه ولا
يشركوا به شيئاً ، وأن يدعوا الناس إلى عبادة الله عز وجل ، وأن يصدق بعضهم بعضاً ،
وأن ينصحوا لقومهم ، فذلك قوله عز وجل : ( وأخذنا منهم ميثقاً غليظاً ) [ آية : 7 ]
الذي أخذ عليهم ، فل نبي بعثه الله عز وجل صدق من كان قبله ، ومن كان بعده من
الأنبياء ، عليهم السلام .
الأحزاب : ( 8 ) ليسأل الصادقين عن . . . . .
يقول عز وجل : ( ليسئل الصادقين عن صدقهم ( يعني النبين ، عليهم السلام ، هل
بلغوا الرسالة ) وأعد للكفرين ( بالرسل ) عذابا أليما ) [ آية : 8 ] يعني وجيعاً .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 9 ) إلى الآية ( 15 ) .(3/36)
صفحة رقم 37
الأحزاب : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم ( في الدفع عنكم وذلك أن أبا سفيان بن
حرب ، ومن معه من المشركين يوم الخندق تحزبوا في ثلاثة أمكنة على النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وأصحابه ، يقاتلونهم من كل وجه فبعث الله عز وجل عليهم بالليل ريحاً باردة ، وبعث الله
الملائكة ، فقطعت الري الأوتاد
، وأطفأت النيران ، وجالت الخيل بعضها في بعض ،
وكبرت الملائكة في ناحية عسكرهم ، فانهزم المشركون من غير قتال ، فأنزل الله عز وجل
يذكرهم ، فقال تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم ( في الدفع عنكم ) إذ جاءتكم جنود ( من المشركين يعني أبا سفيان بن حرب ومن اتبعه ) فأرسلنا عليهم ريحا (
شديدة ) وجنودا لم تروها ( من الملائكة ألف ملك فيهم جبريل عليه السلام ) وكان الله بما تعملون بصيرا ) [ آية : 9 ] .
الأحزاب : ( 10 ) إذ جاؤوكم من . . . . .
ثم أخبر عن حالهم ، فقال سبحانه : ( إذ جاءوكم من فوقكم ( من فوق الوادي من قبل
المشرق عليهم مالك بن عوف البصري ، وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان
معهم طليحة بن خويلد الأسدي ، وحيى بن أخطب اليهودي في اليهود يهود قريظة ،
وعامر بن الطفيل في هوزان ، ثم قال جل ثناؤه : ( ومن أسفل منكم ( يعني من بطن
الوادي من قبل المغرب ، وهو أبو سفيان بن حرب على أهل مكة معه يزيد بن خليس
على قريش والأعور السلمي من قبل الخندق ، فذلك قوله عز وجل : ( وإذا زاغت
الأبصر ( يعني شخصت الأبصار فرقاً ) وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ) [ آية : 10 ] يعني الإياس من النصر ، وإخلاف الأمر .
الأحزاب : ( 11 ) هنالك ابتلي المؤمنون . . . . .
يقول جل ثناؤه : ( هنالك ( يعني عند ذلك ) ابتلي المؤمنون ( بالقتال والحصر
) وزلزلوا زلزالا شديدا ) [ آية : 11 ] لما رأى الله عز وجل ما فيه المؤمنون من الجهد
والضعف بعث لهم ريحاً وجنوداً من الملائكة ، فأطفأت الريح نيرانهم ، وألقت أبنيتهم ،(3/37)
صفحة رقم 38
وأكفأت قدورهم ونزعت أوتادهم ، ونسفت التراب في وجوههم ، وجالت الدواب
بعضها في بعض ، وسمعوا تكبير الملائكة في نواحي عسكرهم فرعبوا ، فقال طليحة بن
خويلد الأسدي : إن محمداً قد بدأكم بالشر ، فالنجاة النجاة ، فنادى رئيس كل قوم
بالرحيل ، فانهزموا ليلاً بما استخفوا من أمتعتهم ، ورفضوا بعضها لا يبصرون شيئاً من
شدة الريح والظلمة ، فانهزموا فذلك قوله عز وجل : ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال ( بالريح والملائكة ) وكان الله قوياً
عزيزاً [ الأحزاب : 25 ] يعني منيعاً في ملكه حين هزمهم .
الأحزاب : ( 12 ) وإذ يقول المنافقون . . . . .
) وإذ يقول المنفقون ( منهم أوس بن قيظى ، ومعتب بن قشير الأنصاري ) والذين
في قلوبهم مرضٌ ( يعني الشك ) ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً ) [ آية : 12 ] وذلك أن
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما بلغه إقبال المشركين من مكة أمر فحفر كل بني أب على حدة ، وصار
سلمان الفارسي في بني هاشم ، فأتى سلمان على صخرة ، فلم يستطع قلعها ، فأخذ النبي
( صلى الله عليه وسلم ) المعول من سلمان ، فضرب به ثلاث ضربات ، فانصدع الحجر ، وسطع نور من
الحجر كأنه البرق ، فقال سلمان : يا رسول الله ، لقد رأيت من الحجر أمراً عجيباً وأنت
تضربه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' وهل رأيت ' ؟ قال : نعم ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' رأيت الضربة الأولى
قوى اليمن ، وفي الضربة الثانية أبيض المدائن ، وفي الضربة الثالث مدائن الروم ، ولقد
أوحى الله عز وجل إلى بأنه يفتحهن على أمتي ' ، فاستبشر المؤمنون ، وفشا ذلك في
المسلمين ، فلما رأوا شدة القتال ، والحصر ارتاب المنافقون ، فأساءوا القول .
قال معتب بن قشير بن عدي الأنصاري من الأوس من بني عمرو بن عوف : يعدنا
محمد فتح قصور اليمن ، وفارس ، والروم ، ولا يستطيع أحدنا أن يبرز إلى الجلاء حتى
يوضع فيه سهم هذا ، والله الغرور من قول ابن عبد المطلب ، وتابعه على ذلك نفر ، فأنزل
الله تعالى ) وإذ يقول المنفقون والذين في قلوبهم مرضٌ ( يعني كفراً ) ما وعدنا الله وسوله
إلا غروراً ( .
قال معتب بن قشير :
إن الذي يقول لهو الغرور ، ولم يقل إن الذي وعدنا الله ورسوله
غروراً ، لأنه لا يصدق بأن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) رسول ، فيصدقه ، فقال الله تعالى عن الذي قال محمد
هو ما وعد الله ، وهو قول الله عز وجل ، فأكذب الله معتباً .
الأحزاب : ( 13 ) وإذ قالت طائفة . . . . .
) وإذ قالت طائفةٌ منهم ( من المنافقين من بني سالم ) يأهل يثرب لا مقام لكم ((3/38)
صفحة رقم 39
مساكن لكم ) فارجعوا ( إلى المدينة خوفاً ورعباً من الجهد والقتال في الخندق ، يقول
ذلك المنافقون بعضهم لبعض ، ثم قال : ( ويستئذن فريقٌ منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورةٌ (
يعني خالية طائعة هذا قول بني حارثة بن الحارث ، وبني سلمة بن جشم ، وهما من
الأنصار وذلك أن بيوتهم كانت في ناحية من المدينة ، فقالوا : بيوتنا ضائعة نخشى عليها
السراق ، يقول الله تعالى : ( وما هي بعورة ( يعني بضائعة ) أن ( يعني ما ) يريدون إلا فرارا ) [ آية : 13 ] من القتل نزلت في قبليتن من الأنصار بني حارثة وبني سلمة بن
جشم ، وهموا أن يتركوا أماكنهم في الخندق ففيهم يقول الله تعالى : ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) [ آل عمران :
122 ] ، قالوا : بعدما نزلت هذه الآية ما يسرنا أنا لم نهم بالذي هممنا إذ كان الله ولينا .
الأحزاب : ( 14 ) ولو دخلت عليهم . . . . .
قوله تعالى : ( ولو دخلت عليهم من أقطارها ( يقول : ولو دخلت عليهم المدينة من
نواحيها يعني نواحي المدينة ) ثم سئلوا الفتنة ( يعني الشرك ) لآتوها ( يعني لأعطوها عفواً يقول : لو أن الأحزاب دخلوا المدينة ، ثم أمروهم بالشرك لأشركوا ) وما تلبثوا بها إلا يسيرا ) [ آية : 14 ] يقول : ما تحسبوا بالشرك إلا قليلاً حتى يعطوا طائعين
فيكفوا .
الأحزاب : ( 15 ) ولقد كانوا عاهدوا . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال سبحانه : ( ولقد كانوا عهدوا الله من قبل ( قتال الخندق وهم
سبعون رجلاً ليلة العقبة قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) اشترط لربك ولنفسك ما شئت ، فقال النبي
( صلى الله عليه وسلم ) :
أشترط لربي أن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئاً ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما
تمنعون منه أنفسكم وأولادكم ونساءكم ' ، قالوا : فما لنا إذا فعلنا يا نبي الله ، قال : لكم
النصر في الدنيا والجنة في الآخرة ، فقالوا : قد فعلنا ذلك ، فذلك قوله : وقد كانوا عاهدوا
الله من قبل ، يعني ليلة العقبة حين شرطوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) المنعة ) لا يولون الأدبر ( منهزمين
وذلك أنهم بايعوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنهم يمنعونه مما يمنعون أنفسهم وأولادهم وأموالهم ، يقول الله
عز وجل : ( وكان عهد الله مسئولاً ) [ آية : 15 ] يقول : أن الله يسأل يوم القيامة عن
نقض العهد ، فإن عدو الله إبليس سمع شرط الأنصار تلك الليلة ، فصاح صيحة أيقظت
الناس ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لإبليس : ' أخسأ عدو الله ' .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 16 ) إلى الآية ( 17 ) .(3/39)
صفحة رقم 40
الأحزاب : ( 16 ) قل لن ينفعكم . . . . .
) قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ( لن تزدادوا على آجالكم
) وإذا لا تمتعون ( في الدنيا ) إلا قليلا ) [ آية : 16 ] يعني إلى آجالكم القليل لا تزدادوا
عليها شيئاً .
الأحزاب : ( 17 ) قل من ذا . . . . .
) قل من ذا الذي يعصمكم من الله ( يعني يمنعكم من الله ) إن أراد بكم سوءا ( يعني
الهزيمة ) أو أراد بكم رحمة ( يعني خيراً وهو النصر يقول : من يقدر على دفع السوء
وصنيع الخير ، نظيرها في الفتح : ( قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا ) [ الفتح : 11 ] ، ثم قال عز وجل : ( ولا يجدون لهم من دون الله وليا (
يعني قريباً فينفعهم ) ولا نصيرا ) [ آية : 17 ] يعني مانعاً يمنعهم من الهزيمة ، إن أراد بكم
سواء أو أراد بكم رحمة .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 18 ) إلى الآية ( 20 ) .
الأحزاب : ( 18 ) قد يعلم الله . . . . .
) قد يعلم الله المعوقين منكم ( وذلك أن اليهود أرسلوا إلى المنافقين يوم الخندق ،
فقالوا : ماذا الذي حملكم أن تقتلوا أنفسكم بأيدي أبي سفيان ومن معه فإنهم إن قدروا
هذه المرة لم يستبقوا منكم أحداً ، أنا نشفق عليكم ، إنما أنتم إخواننا ، ونحن جييرانكم ،
)( والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ( فأقبل رجلان من المنافقين عبد الله بن أبي ، ورجل من
أصحابه على المؤمنين يعوقنهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه ، قالوا : لئن قدروا عليكم
هذه المرة لم يستبقوا منكم أحداً ، ما ترجون من محمد ؟ فوالله ما يرفدنا بخير ، ولا عند ه
خير ما هو إلا أن يقتلنا هاهنا وما لكم في صحبته خير ، هلم ننطلق إلى إخواننا وأصحابنا
خير ما هو إلا أن يقتلنا هاهنا وما لكم في صحبته خير ، هلم ننطلق إلى إخواننا وأصحابنا
يعنون اليهود ، فلم يزد قول المنافقين للمؤمنين إلا إيماناً وتسليماً واحتساباً ، فذلك قوله عز
وجل : ( قد يعلم الله المعوقين منكم ( يعني عبد الله بن أبي وأصحابه ، ويعلم القائلين
لإخوانهم يعني اليهود حين دعوا إخوانهم المنافقين حين قالوا هلم إلينا .
ثم قال : ( ولا يأتون ( يعني المنافقين ) البأس ( يعني القتال ) إلا قليلا ) [ آية :(3/40)
صفحة رقم 41
18 ] يعني بالقليل إلا رياء وسمعة من غير احتساب ، ثم أخبر عن المنافقين ، فقال تعالى :
الأحزاب : ( 19 ) أشحة عليكم فإذا . . . . .
) أشحة عليكم ( يقول : أشفقة من المنافقين عليكم حين يعوقونكم يا معشر المؤمنين ،
ثم أخبر عنهم عند القتال أنهم أجبن الناس قلوباً وأضعفهم يقيناً وأسوأهم ظناً بالله عز
وجل ) فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف ( وجاءت الغنيمة ) سلقوكم ( يعني رموكم ، يعني عبد الله بن أبي وأصحابه ،
يقول : ( بألسنة حداد ( يعني ألسنة سليطة باسطة بالشر يقولون : أعطونا الغنيمة فقد
كنا معكم فلستم بأحق بها منا ، يقول الله عز وجل : ( أشحة على الخير ( يعني الغنيمة
) أولئك لم يؤمنوا ( بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يصدقوا بتوحيد الله ) فأحبط الله أعملهم ( يقول :
أبطل جهادهم لأن أعملهم خبيثة وجهادهم لم يكن في إيمان ) وكان ذلك ( يعني حبط
أعمالهم ) على الله يسيرا ) [ آية : 19 ] يعني هيناً .
الأحزاب : ( 20 ) يحسبون الأحزاب لم . . . . .
ثم ذكر المنافقين فقال عز وجل : ( يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ( وذلك أن الأحزاب
الذي تحزبوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ، رضي الله عنهم ، في الخندق ، وكان أبو سفيان بن
حرب على أهل مكة ، وكان على بني المصطلق وهم من خزاعة يزيد بن الحليس
الخزاعي ، وكان على هوازن ، ومالك بن عوف النضري ، وكان على بني غطفان عيينة
بن حصن بن بدر الفزاري وكان على بني أسد طلحة بن خويلد الفقسي من بني أسد ،
ثك كانت اليهود فقذف الله عز وجل في قلبوهم الرعب ، وأرسل عليهم ريحاً وهي
الصبا فجعلت تطفئ نيرانهم وتلقى أبنيتهم وأنزل جنوداً لم تروها من الملائكة فكبروا في
في
عسكرهم فلما سمعوا التكبير قذف الله تعالى الرعب في قلوبهم ، وقالوا : قد بدأ محمد بالشر فانصرفوا إلى مكة راجعين عن الخندق والرعب الذي نزل بهم في الخندق ) وإن يأت الأحزاب ( يعني وإن يرجع الأحزاب إليهم للقتال ) يودوا ( يعني يود المنافقين
) لو أنهم بادون في الأعراب ( ولم يشهدوا القتال ) يسئلون عن أنبائكم ( يعني
عن حديثكم وخير ما فعل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ) ولو كانوا فيكم ( يشهدون القتال
) ما قاتلوا ( يعني المنافقين ) إلا قليلا ) [ آية : 20 ] يقول : ما قاتلوا إلا رياء وسمعة من
غير حسبة .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 27 ) .(3/41)
صفحة رقم 42
الأحزاب : ( 21 ) لقد كان لكم . . . . .
ثم قال عز وجل : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( أن كسرت رباعيته
وجرح فوق حاجبه وقتل عمه حمزه وآساكم بنفسه في مواطن الحرب والشدة ) لمن
كان يرجوا الله واليوم الآخر ( يعني لمن كان يخشى الله عز وجل وبخشى البعث الذي فيه
جزاء الأعمال ) وذكر الله كثيرا ) [ آية : 21 ] ثم نعت المؤمنين فقال :
الأحزاب : ( 22 ) ولما رأى المؤمنون . . . . .
) ولما رءا المؤمنون
الأحزاب ( يوم الخندق ، أبا سفيان وأصحابه وأصابهم الجهد وشدة القتال ) قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله ( في البقرة حين قال : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ الآية : 214 ] .
وقالوا : ( وصدق الله ورسوله ( ما قال في سورة البقرة ، يقول الله عز وجل : ( وما زادهم ( الجهد والبلاء في الخندق ) إلا إيمانا ( يعني تصديقاً بوعد الله عز وجل في
سورة البقرة أنه يبتليهم ) وتسليما ) [ آية : 22 ] لأمر الله وقضائه ، ثم نعت المؤمنين
فقال :
الأحزاب : ( 23 ) من المؤمنين رجال . . . . .
) من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عهدوا الله عليه ( ليلة العقبة بمكة ) فمنهم من قضى نحبه ( يعني أجله فمات على الوفاء يعني حمزة وأصحابه قتلوا يوم أحد ، رضي الله
عنهم ، ) ومنهم من ينتظر ( يعني المؤمنين من ينتظر أجله على الوفاء بالعهد ) وما بدلوا ( العهد ) تبديلا ) [ آية : 23 ] كما بدل المنافقين ، ثم قال :
الأحزاب : ( 24 ) ليجزي الله الصادقين . . . . .
) ليجزي الله (
بالإيمان والتسليم ) الصدقين ( بوفاء العهد ) بصدقهم ويعذب المنفقين ( ينقض
العهد ) إن شاء أو يتوب عليهم ( فيهديهم من النفاق إلى الإيمان ) إن الله كان غفورا رحيما ) [ آية : 24 ] يقول : الله عز وجل :
الأحزاب : ( 25 ) ورد الله الذين . . . . .
) ورد الله الذين كفروا بغيظهم ( يعني أبا
سفيان وجموعه من الأحزاب بغيظهم ) لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله
قوتاً ( في ملكة ) عزيزا ) [ آية : 25 ] في حكمة ، ثم ذكر يهود أهل قريظة حي بن
أخطب ومن معه الذين أعانوا المشركين يوم الخندق على قتال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال عز وجل(3/42)
صفحة رقم 43
الأحزاب : ( 26 ) وأنزل الذين ظاهروهم . . . . .
) وأنزل الذين ظهروهم من أهل الكتب من صياصيهم ( يعني أعانوهم ، تعني اليهود
أعانوا المشركين على قتال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين وذلك أن الله عز وجل حين هزم المشركين
عن الخندق بالريح والملائكة أتى جبريل عليه السلام على فرس ، فقال ( صلى الله عليه وسلم ) يا جبريل ، ما
هذا الغبار على وجه الفرس ، فقال : هذا الغبار من الريح التي أرسلها الله على أبي سفيان
ومن معه فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يمسح الغبار عن وجه الفرس وعن سرجه ، فقال له جبريل عليه
السلام : سر إلى بني قريظة فإن الله عز وجل داقهم لك دق البيض على الصفا .
فسار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى يهود بني قريظة فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة ثم نزلوا على
حكم سعد بن معاذ الأنصاري فحكم عليهم سعد أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم
فكبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال :
لقد حكم الله عز وجل ولقد رضي الله على عرشه بحكم سعد ،
وذلك أن جبريل كان قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : سر إلى بني قريظة فاتقل مقاتلتهم واسب ذراريهم
فإن الله عز وجل قد أذن لك فهم لك طعمة ، فذلك قوله عز وجل : ( وأنزل الذين
ظهروهم ( يعني اليهود أعانوا أبا سفيان ) من أهل الكتب ( يعني فريظة ) من صياصيهم ( يعني من حصونهم ) وقذف في قلوبهم الرعب فريقا ( يعني طائفة
) تقتلون ( فقتل منهم أربعمائة وخمسين رجلاً ) وتأسرون فريقا ) [ آية : 26 ] يعني
وتسبون طائفة سبعمائة وخمسين
الأحزاب : ( 27 ) وأورثكم أرضهم وديارهم . . . . .
) وأورثكم أرضهم وديرهم وأموالهم وأرضاً لم تطئوها (
يعني خيبر ) وكان الله على كل شيءٍ ( من القرى وغيرها ) قديرا ) [ آية : 27 ] أن
يفتحها على المسلمين .
فقال عمر بن الخطاب ،
رضي الله عنه ، ألا تخمس كما خمست يوم بدر ، قال : هذا
جعله الله لي دون المؤمنين ، فقال عمر ، رضي الله عنه : رضينا وسلمنا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
فقسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في أهله منها عشرين رأساً ثم جعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بقيته نصفين فبعث
النصف مع سعد بن عبادة الأنصاري إلى الشام وبعث بالنصف الباقي مع أوس بن قيظى
من الأنصار إلى غطفان وأمرهما أن يبتاعا الخيل فجلبا خيلاً عظيمة فقسمها النبي ( صلى الله عليه وسلم )
في المسلمين وتوفى سع بن معاذ ، رضي الله عنه ، من رمية أصابت أكحلة يوم الخندق
فانتقضت جراحته فنزفت الدم فمات رحمه الله وقد أعتقه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فاتبع النبي ( صلى الله عليه وسلم )
والمسلمون جنازته فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
لقد اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ' ، رضي الله
عنه .(3/43)
صفحة رقم 44
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 18 ) إلى الآية ( 24 ) .
الأحزاب : ( 28 ) يا أيها النبي . . . . .
) يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحيوة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن (
يقول كما يمتع الرجل امرأته إذا طلقها سوى المهر ) وأسرحكن سراحا جميلا ) [ آية :
28 ] يقول : حسناً في غير ضرار .
الأحزاب : ( 29 ) وإن كنتن تردن . . . . .
) وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة ( يعني الجنة ) فإن الله أعد للمحسنات
منكم أجراً عظيماً ) [ آية : 29 ] يعني الجنة .
فقالت عائشة بنت أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهما ، حين خيرهن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : بل
نختار الله والدار الآخرة ، ومالنا وللدنيا إنما جعلت الدنيا دار فناء والآخرة هي الباقية
أحب إلينا من الفانية ، فرضى نساؤه كلهن بقول عائشة ، رضي الله عنها ، فلما اخترن الله
ورسوله أنزل الله عز وجل : ( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ( إلى
آخر الآية [ آية : 52 ] .
الأحزاب : ( 30 ) يا نساء النبي . . . . .
) يانساء النبي من يأت منكن بفاحشةٍ مبينةٍ ( يعني العصيان للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) يضعف
لها العذاب ضعفين ( في الآخرة ) وكان ذلك على الله يسيرا ) [ آية : 30 ] يقول :
وكان عذابها على الله هيناً .
الأحزاب : ( 31 ) ومن يقنت منكن . . . . .
) ومن يقنت منكن لله ورسوله ( يعني ومن يطع منكن الله ورسوله ) وتعمل
صلحاً نؤتها أجرها مرتين ( في الآخرة بكل صلاة أو صيام أو تكبير أو تسبيح لها مكان
كل حسنة يكتب عشرون حسنة ) وأعتدنا لها رزقا كريما ) [ آية : 31 ] يعني حسناً ،
وهي الجنة .(3/44)
صفحة رقم 45
الأحزاب : ( 32 ) يا نساء النبي . . . . .
ثم قال : ( يانساء النبي لستن كأحد من النساء إن أتقيتن ( يعني الله ، فإنكن معشر
أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تنظرن إلى الوحي فأنتن أحق الناس بالتقوى ) فلا تخضعن بالقول (
يقول : فلا تومين بقول يقارف الفاحشة ) فيطمع الذي في قلبه مرض ( يعني الفجور في
أمر الزنا فزجرهن الله عز وجل عن الكلام مع الرجال وأمرهن بالعفة وضرب عليهن
الحجاب ، ثم قال تعالى : ( وقلن قولا معروفا ) [ آية : 32 ] يعني قولاً حسناً يعرف ولا
يقارف الفاحشة ، ومن يقذف نبياً ، أو امرأة نبي فعليه حدان سوى التغريب الذي يراه
الإمام .
الأحزاب : ( 33 ) وقرن في بيوتكن . . . . .
ثم قال عز وجل : ( وقرن في بيوتكن ( ولا تخرجن من الحجاب ) ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ( والتبرج أنها تلقى الخمار عن رأسها ولا تشده ، فيرى قرطها
وقلائدها ، ) ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ( قبل أن يبعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، مثل قوله :
( عادا الأولى ) [ النجم : 50 ] أمرهن أيضاً بالعفة وأمر بضرب الحجاب عليهن ، ثم
قال : ( وأقمن الصلوة وءاتين الزكوة ( يقول : وأعطين الزكاة ) وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ( يعني الإثم نهاهن عنه في هذه الآيات . ومن
الرجس الذي يذهبه الله عنهن إنزال الآيات بما أمرهن به . فإن تركهن ما أمرهن به
وارتكابهن ما نهاهن عنه من الرجس ، فذلك قوله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ( يا ) أهل البيت ( يعني نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنهن في بيته ) ويطهركم ( من الإثم
الذي ذكر في هذه الآيات ) تطهيرا ) [ آية : 33 ) .
وحدثني أبي ، عن الهذيل ، فقال :
قال مقاتل بن سليمان : يعني به نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم )
كلهن وليس معهن ذكر .
الأحزاب : ( 34 ) واذكرن ما يتلى . . . . .
) واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايت الله ( يعني القرآن ) والحكمة (
يعني أمره ونهيه في القرآن فوعظهن ليتفكرن وامتن عليهن ) إن الله كان لطيفا خبيرا (
[ آية : 34 ] يعني لطيف عليهن فنهاهن أن يخضعن بالقول خبيراً به .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 25 ) إلى الآية ( 27 ) .(3/45)
صفحة رقم 46
الأحزاب : ( 35 ) إن المسلمين والمسلمات . . . . .
) إن المسلمين والمسلمات ( وذلك أن أم سلمة بنت أبي أمية أم المؤمنين ، ونسيبة
بنت كعب الأنصاري ، قلن : ما شأن ربنا يذكر بنت أبي أمية ولا يذكر النساء في شيء
من كتابه نخشى ألا يكون فيهن خير ، ولا لله فيهن حاجة ، وقد تخلى عنهن . فأنزل الله
تعالى في قول أم سلمة ، ونسيبة بنت كعب ) إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ( يعني المصدقين بالتوحيد والمصدقات ) والقانتين والقانتت ( يعني المطيعين
والمطيعات ) والصدقين ( في إيمانهم ) والصبرين ( وصادقات في أيمانهن والصابرين على
أمر الله عز وجل ) والصبرات ( عليه ) والخشعين والخاشعات ( يعني المتواضعين
والمتواضعات ، قال مقاتل : من لا يعرف في الصلاة من عن يمينه ومن عن يساره من
الخشوع لله عز وجل ، فهو منهم .
) والمتصدقين ( بالمال ) والمتصدقات ( به ) والصئمين والصئمت ( قال
مقاتل : من صام شهر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر ، فهو من الصائمين ، فهو من أهل
هذه الآية ، ) والحفظين فروجهم ( عن الفواحش ) والحفظت ( من الفواحش
) والذاكرين الله كثيرا ( باللسان والذاكرات الله كثيراً باللسان ) والذكرات
أعد الله لهم ( في الآخرة ) مغفرة ( لذنوبهم ) وأجرا ( يعني وجزاء ) عظيما (
[ آية : 35 ] يعني الجنة ، وأنزل الله عز وجل أيضاً في أم سلمة ، رضي الله عنها ، في آخر
آل عمران : ( أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ) [ آل عمران : 195 ] ،
وفي حم المؤمن : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ( .
الأحزاب : ( 36 ) وما كان لمؤمن . . . . .
) وما كان لمؤمن ( يعني عبد الله بن جحش بن رباب بن صبرة بن مرة بن غنم بن
دودان الأسدي ، ثم قال : ( ولا مؤمنة ( يعني زينب بنت جحش أخت عبد الله بن
جحش ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خطب زينب بنت جحش على زيد بن حارثة ، وزينب هي
بنت عمة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهي بنت أميمة بنت عبد المطلب ، فكره عبد الله أن يزوجها من
زيد ، وكان زيد أعرابياً في الجاهلية مولى في الإسلام ، وكان أصابه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من سبي(3/46)
صفحة رقم 47
أهل الجاهلية ، فأعتقه وتبناه ، فقالت زينب : لا أرضاه لنفسي ، وأنا أتم نساء قريش ،
وكانت جميلة بيضاء ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
لقد رضيته لك ' ، فأنزل الله عز وجل : ( وما كان لمؤمن ( يعني عبد الله بن جحش ، ) ولا مؤمنة ( يعني زينب ) إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( وذلك أن زيد بن حارثة الكلبي ، قال :
يا نبي الله ، أخطب
على ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ومن يعجبك من النساء ' ؟ فقال : زينب بنت جحش ، فقال النبي
( صلى الله عليه وسلم ) : ' لقد أصبت أن لا نألو غير الحسن والجمال ، وما أذادها بفعل أنها أكرم من ذلك
نفساً ' ، فقال زيد : يا نبي الله ، إنك إذا كلمتها ، وتقول : عن زيداً أكرم الناس علي ، فإن
هذه امرأة حسناء ، وأخشى أن تردني ، فذلك أعظم في نفسي من كل شيء ، وعمد زيد
إلى علي ، رضي الله عنه ، فحمله على أن يكلم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال له زيد : انطلق إلى النبي ،
فإنه لن يعصيك ، فانطلق على معه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فإني فاعل ، وإني مرسلك يا علي إلى
أهلها ، فتكلمهم ، فرجع على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إني قد رضيته لكم ، وأقضى أن تنكحوه ،
فأنكحوه .
وساق إليهم عشرة دنانير وستين درهماً وخماراً وملحفة ودرعاً وإزاراً ، وخمسين مداً
من طعام وعشرة أمداد من تمر أعطاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك كله ، ودخل بها زيد ، فلم يلبث إلا
يسيراً حتى شكا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما يلقى منها ، فدخل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فوعظها ، فلما كلمها
أعجبه حسنها وجمالها وظرفها ، وكان أمراً قضاه الله عز وجل ، ثم رجع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفي
نفسه منها ما شاء الله عز وجل ، فكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يسأل زيداً بعد ذلك كيف هي معك ؟
فيشكوها إليه ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' اتق الله وأمسك عليك زوجك ' وفي قلبه غير ذلك ؛
فأنزل الله عز وجل ) ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللاً مبيناً ) [ آية : 36 ] يعني بينا ،
فلما نزلت هذه الآية جعل عبد الله بن جحش أمرها إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وقالت زينب للنبي
( صلى الله عليه وسلم ) :
قد جعلت أمري بيدك يا رسول الله ، فأنكها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) زيداً ، فمكثت عنده حيناً ،
ثم إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أتى زيداً فأبصر زينب قائمة ، وكانت حسناء بيضاء من أتم نساء قريش ،
فهويها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ' سبحان الله مقلب القلوب ' ، ففطن زيد ، فقال : يا رسول الله ،
ائذن لي في طلاقها ، فإن فيها كبراً ، تعظم على وتؤذيني بلسانها ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
' أمسك عليك زوج واتق الله ' ، ثم إن زيداً طلقها بعد ذلك .
الأحزاب : ( 37 ) وإذ تقول للذي . . . . .
فأنزل الله عز وجل : ( وإذ تقول ( يا محمد ) للذي أنعم الله عليه ( بالإسلام
) وأنعمت عليه ( بالعتق وكان زيد أعرابياً في الجاهلية مولى في الإسلام ، فسبى(3/47)
صفحة رقم 48
فأصابه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأعتقه ) أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ( يعني وتسر
في قلبك يا محمد ليت أنه طلقها ) ما الله مبديه ( يعني مظهره عليك حين ينزل به
قرآناً ) وتخشى ( قالة ) الناس ( في أمر زينب ) والله أحق أن تخشه ( في أمرها ، فقرأ
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية على الناس ، بما أظهر الله عليه من أمر زينب إذ هويها ، فقال عمر بن
الخطاب ، رضي الله عنه : لزكتم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شيئاً من القرآن لكتم هذه التي أظهرت
عليه ، يقول الله تعالى : ( فلما قضى زيد منها وطرا ( يعني حاجة وهي الجماع
) زوجنكها ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فطلقها زيداً بن حارثة ، فلما انقضت عدتها تزوجها
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكانت زينب ، رضي الله عنها ، تفخر على نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فتقول : زوجكن
الرجال ، والله عز وجل زوجني نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) .
ثم قال عز وجل : ( لكي لا يكون على المؤمنين حرجٌ في أزوج ( تزويج نساء
) أدعيائهم ( يقول : لكيلا يكون على الرجل حرج في أن يتزوج امرأة ابنه الذي تبناه ،
وليس من صلبه ) إذا قضوا منهن وطرا ( يعني حاجة ، وهو الجماع ) وكان أمر الله مفعولا ) [ آية : 37 ] يقول الله عز وجل : كان تزويج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) زينب كائناً ، فلما
تزوجها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال أنس : إن محمداً تزوج امرأة ابنه ، وهو ينهانا عن تزويجهن .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 37 ) إلى ( 40 ) .
الأحزاب : ( 38 ) ما كان على . . . . .
فأنزل الله تبارك وتعالى في قولهم : ( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ( يقول :
فيما أحل الله له ، ) سنة الله في الذين خلوا من قبل ( يقول : هكذا كانت سنة الله في
الذين خلوا من قبل محمد ، يعني داود النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين هوى المرأة التي فتن بها ، وهي امرأة
أوريا بن حنان ، فجمع الله بين داود ، وبين المرأة التي هويها ، وكذلك جمع الله عز وجل
بين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وبين زينب إذ هويها كما فعل بداود ، عليه السلام ، فذلك قوله عز وجل :
( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) [ آية : 38 ] فقدر الله عز وجل لداود ومحمد تزويجهما .
الأحزاب : ( 39 ) الذين يبلغون رسالات . . . . .
) الذين يبلغون رسلت الله ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة ) ويخشونه ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
يقول : محمد يخشى الله أن يكتم عن الناس ما أظهر الله عليه من أمر زينب إذ هويها(3/48)
صفحة رقم 49
) ولا يخشون أحدا إلا الله ( في البلاغ عن الله عز وجل ) وكفى بالله حسيبا ) [ آية : 39 ]
يعني شهيداً في أمر زينب إذ هويها فلا شاهد أفضل من الله عز وجل .
الأحزاب : ( 40 ) ما كان محمد . . . . .
وأنزل الله عز وجل في قول الناس إن محمداً تزوج امرأة ابنه ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( يعني زيد بن حارثة ، يقول : إن محمداً ليس بأب لزيد ) ولكن ( محمداً
) رسول الله وخاتم النبين ( يعني آخر النبيين لا نبي بعد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولو أن لمحمد ولداً
لكان نبياً رسولاً ، فمن ثم قال : ( وكان الله بكل شيءٍ عليماً ) [ آية : 40 ] يقول : لو كان
زيد بن محمد لكان نبياً ، فلما نزلت ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( قال النبي ( صلى الله عليه وسلم )
لزيد : ' لست لك بأب ' ، فقال زيد : يا رسول الله ، أنا زيد بن حارثة معروف نسبي .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 41 ) إلى الآية ( 48 ) .
الأحزاب : ( 41 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا اذكروا الله ( باللسان ) ذكرا كثيرا ) [ آية : 41 ] .
الأحزاب : ( 42 ) وسبحوه بكرة وأصيلا
) وسبحوه بكرة وأصيلا ) [ آية : 42 ] يعني صلوا بالغداة الفجر والعشي ، يعني الظهر
والعصر .
الأحزاب : ( 43 ) هو الذي يصلي . . . . .
) هو الذي يصلي عليكم وملئكته ( نزلت في الأنصار يقول : هو الذي يغفر لكم
ويأمر الملائكة بالاستغفار لكم ) ليخرجكم من الظالمت إلى النور ( يعني لكي يخرجكم
من الظلمات إلى النور ، يعني من الشرك إلى الإيمان ) وكان بالمؤمنين رحيما ) [ آية :
43 ] .
الأحزاب : ( 44 ) تحيتهم يوم يلقونه . . . . .
) تحيتهم يوم يلقونه سلمٌ ( يعني يوم يلقون الرب عز وجل في الآخرة سلام ، يعني
تسليم الملائكة عليهم ) وأعد لهم أجرا كريما ) [ آية : 44 ] يعني أجراً حسناً في الجنة .
الأحزاب : ( 45 ) يا أيها النبي . . . . .
) يأيها النبي إنا أرسلنك شهداً ( على هذه الأمة بتبليغ الرسالة ) ومبشرا ( بالجنة
والنصر في الدنيا على من خالفهم ) ونذيرا ) [ آية : 45 ] من النار .(3/49)
صفحة رقم 50
الأحزاب : ( 46 ) وداعيا إلى الله . . . . .
) وداعيا إلى الله ( يعني إلى معرفة الله عز وجل بالتوحيد ) بإذنه ( يعني بأمره
) وسراجا منيرا ) [ آية : 46 ] يعني هدى مضيئاً للناس
الأحزاب : ( 47 ) وبشر المؤمنين بأن . . . . .
) وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ) [ آية : 47 ] يعني الجنة .
الأحزاب : ( 48 ) ولا تطع الكافرين . . . . .
) ولا تطع الكفرين ( من أهل مكة : أبا سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ،
وأبا الأعور السلمي ، ) والمنافقين ( عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن سعد ، وطعمة بن
أبيرق ، حين قال أبو سفيان ومن معه من هؤلاء النفر : يا محمد ارفض ذكر آلهتنا ، وقل :
إن لهما شفاعة ومنفعة لمن عبدها ، ثم قال : ( ودع أذنهم ( إياك يعني الذين قالوا للنبي
( صلى الله عليه وسلم ) قل : إن لآلهتنا شفاعة ) وتوكل على الله ( يعني وثق بالله ) وكفى بالله وكيلا (
[ آية : 48 ] يعني مانعاً .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 49 ) إلى الآية ( 50 ) .
الأحزاب : ( 49 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ( يعني إذا تزوجتم المصدقات بتوحيد الله
) ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ( يعني من قبل أن تجامعوهن ) فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ( إن شاءت تزوجت من يومها ) فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ) [ آية :
49 ] يعني حسناً في غير ضرار .
الأحزاب : ( 50 ) يا أيها النبي . . . . .
) يأيها النبي إنا أحللنا لك أزوجك ( يعني النساء التسع ) التي ءاتيت أجورهن
و ( أحللنا لك ) وما ملكت يمينك ( يعني بالولاية : مارية القبطية أم إبراهيم ، وريحانة
بنت عمرو اليهودى ، وكانت سبيت من اليهود ) مما أفاء الله عليك و ( أحللنا لك
) وبنات عمك وبنات عمتك وبنات خالك وبنات خلتك التي هاجرن معك ( إلى المدينة
إضمار فإن كانت لم تهاجر إلى المدينة فلا يحل تزويجها .
ثم قال تعالى : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ( يعني أن(3/50)
صفحة رقم 51
يتزوجها بغير مهر ، وهي أم شريك بنت جابر بن ضباب بن حجر من بني عامر بن
لؤي ، وكانت تحت أبي الفكر الأزدي ، وولدت له غلامين شريكاً ومسلماً ، ويذكرون
أنه نزل عليها دلو من السماء فشربت منه ، ثم توفى عنها زوجها أبو الفكر ، فوهبت
نفسها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فلم يقبلها ، ولو فعله لكان له خاصة دون المؤمنين .
فإن وهبت امرأة يهودية أو نصرانية أو أعرابية نفسها فإنه لا يحل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن
يتزوجها ، ثم قال : ( خالصة لك ( الهبة يعني خاصة لك ، يا محمد ) من دون المؤمنين ( لا تحل هبة المرأة نفسها بغير مهر لغيرك من المؤمنين ، وكانت أم شريك قبل
أن تهب نفسها بغير للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) امرأة أبي الفكر الأزدي ، ثم الدوسي من رهط أبي
هريرة .
ثم أخبر الله عن المؤمنين ، فقال : ( قد علمنا ما فرضنا عليهم ( يعني ما أوجبنا على
المؤمنين ) في أزواجهم ( ألا يتزوجوا إلا أربع نسوة بمهر وبينة ) و ( أحللنا لهم
) وما ملكت أيمانهم ( يعني جماع الولاية ) لكيلا يكون عليك ( يا محمد
) حرج ( في الهبة بغير مهر فيها تقديم ) وكان الله غفورا رحيما ) [ آية : 50 ]
غفوراً في التزويج بغير مهر للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) رحيماً في تحليل ذلك له .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 51 ) إلى الآية ( 52 ) .
الأحزاب : ( 51 ) ترجي من تشاء . . . . .
ثم قال تعالى : ( ترجي من تشاء منهن ( توقف من بنات العم والعمة والخال والخالة
فلا تزوجها ) وتئوى ( يعني وتضم ) إليك من تشاء ( منهن فتتزوجها فخير الله عز
وجل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في تزويج القرابة ، فذلك قوله تعالى : ( ومن ابتغيت ( منهن فتزوجتها
) ممن عزلت ( منهن ) فلا جناح ( يعني فلا حرج ) عليك ذلك أدنى ( يقول : ذلك
أجدر ) أن تقر أعينهن ( يعني نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) التسع اللاتي اخترنه ، وذلك أنهن قلن
لو فتح الله مكة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فسيطلقنا غير عائشة ويتزوج أنسب منا ، فقال الله عز
وجل : ( ولا يحزن ( إذا علمن أنك لا تزوج عليهن إلا ما أحللنا لك من تزويج(3/51)
صفحة رقم 52
القرابة ، ثم قال : ( ويرضين ( يعني نساءه التسع ) بما ءاتيتهن ( يعني بما
) كلهن ( من النفقة ، وكان في نفقتهن قلة ) والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما ) [ آية : 51 ] ذو تجاوز .
الأحزاب : ( 52 ) لا يحل لك . . . . .
ثم حرم على النبي تزويج النساء غير التسع اللاتي اخترنه ، فقال : ( لا يحل لك النساء من بعد ( أزواجك التسع اللاتي عندك ، يقول : لا يحل لك أن تزداد عليهن ) ولا أن تبدل بهن ( يعني نساءه التسع ) من أزوجٍ ولو أعجبك حسنهن ( يعني أسماء ينت
عميس الخثعمية التي كانت امرأة جعفر ذي الجناحين ، ثم قال تعالى : ( إلا ما ملكت يمينك ( يعني الولاية ، ثم حذر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يركب في أمرهن ما لا ينبغي ، فقال :
( وكان الله على كل شيءٍ ( من العمل ) رقيبا ) [ آية : 52 ] حفيظاً .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 52 ) إلى الآية ( 54 ) .
الأحزاب : ( 53 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير نظرين
إنه ( يعني نضجه وبلاغه ) ولكن إذا دعيتم فادخلوا ( على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في بيته ) فإذا طعمتم ( الطعام ) فانتشروا ( يعني فقوموا من عنده وتفرقوا ) ولا مستئنسين لحديثٍ (
وذلك أنهم كانوا يجلسون عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قبل الطعام وبعد الطعام ، وكان ذلك في بيت
أم سلمة بنت أبي أمية أم المؤمنين ، فيتحدثون عنده طويلاً ، فكان ذلك يؤذيه ويستحيى
أن يقول لهم قوموا وربما أحرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو في بيته يتحدثون ، فذلك قوله عز وجل :
( ولا مستئنسين لحديثٍ ( ) إن ذلكم كان يؤذى النبي فيستحى منكم والله لا
يستحي من الحق ( ثم أمر الله تبارك وتعالى نبيه بالحجاب على نسائه ، فنزل الخيار
والتيمم في أمر عائشة .
ونزل الحجاب في أمر زينب بنت جحش ، فأمر الله تعالى المؤمنين ألا يكلموا نساء(3/52)
صفحة رقم 53
النبي إلا من وراء حجاب ، فذلك قوله : ( وإذا سألتموهن متعاً فسئلوهن من وراء حجابٍ
ذلكم أطهر لقلوبكم ( من الريبة ) وقلوبهن ( وأطهر لقلوبهن من الريبة ، فقال طلحة
بن عبيد الله القرشي من بني تيم بن مرة : ينهانا محمد أن ندخل على بنات عمنا ، يعني
عائشة ، رضي الله عنها ، وهما من بني تيم بن مرة ، ثم قال في نفسه : والله ، لئن مات
محمد وأنا حي لأتزوجن عائشة ، فأنزل الله تعالى في قول طلحة بن عبيد الله ) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ) [ آية : 53 ] لأن الله جعل نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على المؤمنين في الحرمة كأمهاتهم .
فمن ثم عظم الله تزويجهن على المؤمنين ، ثم أعلمهم الله أنه يعلم سرهم وعلانيتهم ،
فقال :
الأحزاب : ( 54 ) إن تبدوا شيئا . . . . .
) إن تبدوا ( إن تظهروا ) شيئا ( من أمركم يعني طلحة لقوله يمنعنا محمد من
الدخول على بنات عمنا ، فأعلن هذا القول ، ثم قال : ( أو تخفوه ( يعني أو تسروه في
قلوبكم يعني قوله : لأتزوجن عائشة بعد موت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) فإن الله كان بكل شيءٍ ( من
السر والعلانية ) عليما ) [ آية : 54 ] .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 55 ) إلى الآية ( 58 ) .
الأحزاب : ( 55 ) لا جناح عليهن . . . . .
ثم رخص في الدخول على نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من غير حجاب لأهل القرابة ، فقال :
( لا جناح ( يعني لا حرج ) عليهن ( في الدخول على نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( في ءابائهن
ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ( يعني كل حرة
مسلمة ) ولا ما ملكت أيمنهن ) يعني عبيد نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدخلوا عليهن من غير
حجاب أن يكون منهن ، أو منهم من لا يصلح ، فقال لهن : ( واتقين الله ( في دخولهم
عليكن ) إن الله كان على كل شيءٍ ) ) من أعمالكم ( ( شهيداً ) [ آية : 55 ] لم يغيب
عن الله عز وجل من يدخل عليهن إن كان منهن ، أو منهم ما لا يصلح .
الأحزاب : ( 56 ) إن الله وملائكته . . . . .
) إن الله وملئكته يصلون على النبي ( ( صلى الله عليه وسلم ) ، أما صلاة الرب عز وجل فالمغفرة للنبي(3/53)
صفحة رقم 54
( صلى الله عليه وسلم ) ، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا صلوا
عليه ( يعني استغفروا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وسلموا تسليما ) [ آية : 56 ] فلما نزلت هذه الآية
قال المسلمون : هذه لك ، يا رسول الله ، فما لنا ؟ فنزلت : ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ) [ الأحزاب :
43 ] .
الأحزاب : ( 57 ) إن الذين يؤذون . . . . .
) إن الذين يؤذون الله ورسوله ( يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) نزلت في اليهود من أهل المدينة ،
وكان أذاهم لله عز وجل أن زعموا أن لله ولداً ، وأنهم يخلقون كما يخلق الله عز وجل
يعني التماثيل والتصاوير ، وأما أذاهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فإنهم زعموا أن محمداً ساحر مجنون
شاعر كذاب ) لعنهم الله في الدنيا والآخرة ( يعني باللعنة في الدنيا العذاب والقتل
والجلاء ، وأما في الآخرة فإن الله يعذبهم بالنار ، فذلك قوله عز وجل : ( وأعد لهم عذابا مهينا ) [ آية : 57 ] يعني عذاب الهوان .
الأحزاب : ( 58 ) والذين يؤذون المؤمنين . . . . .
) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتناً (
والبهتان ما لم يكن ) وإثما مبينا ) [ آية : 58 ] يعني بيناً ، يقال : نزلت في علي بن أبي
طالب ، رضي الله عنه ، وذلك أن نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه ، وأن
عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال في خلافته لأبي بن كعب الأنصاري إني قرأت
هذه الآية : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ( إلى آخر الآية ، فوقعت مني كل
موقع ، والله إني لأضربهم وأعاقبهم ، فقال له أبي بن كعب ، رحمه الله : إنك لست منهم
إنك مؤدب معلم .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 59 ) إلى الآية ( 62 ) .
الأحزاب : ( 59 ) يا أيها النبي . . . . .
) يأيها النبي قل لأزوجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن ( يعني القناع
الذي يكون فوق الخمار وذلك أن المهاجرين قدموا المدينة ومعهم نساؤهم ، فنزلوا مع
الأنصار في ديارهم فضاقت الدور عنهم ، وكان النساء يخرجن بالليل إلى النخل فيقضين(3/54)
صفحة رقم 55
حوائجهن ، يعني البراز ، فكان المريب يرصد النساء بالليل ، فيأتيها فيعرض عليها
ويغمزها ، فإن هويت الجماع أعطاها أجرها ، وقضى حاجته ، وإن كانت عفيفة صاحت
فتركها ، وإنما كانوا يطلبون الولايد ، فلم تعرف الأمة في الحرة بالليل ، فذكر نساء
المؤمنين ذلك لأزواجهن ، وما يلقين بالليل من الزناة ، فذكروا ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأنزل الله
عز وجل : ( يأيها النبي قل لأزوجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن (
يعني القناع فوق الخمار ) ذلك أدنى ( يعني أجدر ) أن يعرفن ( في زيهن أنهن لسن
بمربيات ، وأنهن عفايف ، فلا يطمع فيهن أحد ) فلا يؤذين ( بالليل ) وكان الله غفورا ( في تأخير العذاب عنهم ) رحيما ) [ آية : 59 ] حين لا يعجل عليهم بالعقوبة .
الأحزاب : ( 60 ) لئن لم ينته . . . . .
ثم أوعدهم ، فقال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لئن لم ينته المنفقون ( عن نفاقهم ) والذين في قلوبهم مرض ( الفجور وهم الزناة ، ثم نعتهم بأعمالهم الخبيثة ، فقال : ( والمرجفون في المدينة ( يعني المنافقين كانوا يخبرون المؤمنين بالمدينة بما يكروهون من عدوهم ،
يقول : لئن لم ينتهوا عن الفجور والإرجاف والنفاق ) لتغرينك ( يا محمد ) بهم (
يقول : لنحملنك على قتلهم ) ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ) [ آية : 60 ] .
الأحزاب : ( 61 ) ملعونين أينما ثقفوا . . . . .
ونجعلهم ) ملعونين أينما ثقفوا ( فأوجب لهم اللعنة على كل حال أينما وجدوا
وأدركوا ) أخذوا وقتلوا تفتيلاً ) [ آية : 61 ] يقول : خذوهم واقتلوهم قتالاً ، فانتهوا
عن ذلك مخافة القتل .
الأحزاب : ( 62 ) سنة الله في . . . . .
) سنة الله في الذين خلوا من قبل ( هكذا كانت سنة الله في أهل بدر القتل ،
وهكذا سنة الله في هؤلاء الزناة وفي المرجفين القتل ، إن لم ينتهوا ) ولن تجد لسنة الله تبديلا ) [ آية : 62 ] يعني تحويلاً لأن قوله عز وجل حق في أمر القتل .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 62 ) إلى الآية ( 68 ) .
الأحزاب : ( 63 ) يسألك الناس عن . . . . .
) يسئلك الناس عن الساعة ( يعني القيامة ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يخطب ، فسأله
رجل عن الساعة ، فأوحى الله عز وجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( قل إنما علمها عند الله وما يدريك(3/55)
صفحة رقم 56
لعل الساعة ( يعني القيامة ) تكون قريباً ) [ آية : 63 ] .
الأحزاب : ( 64 ) إن الله لعن . . . . .
) إن الله لعن الكفرين ( يعني كفار مكة ) وأعد لهم سعيراً ) [ آية : 64 ] يعني وقوداً .
الأحزاب : ( 65 ) خالدين فيها أبدا . . . . .
) خلدين فيها أبداً لا يجدون ولياًّ ( يمنعهم ) ولا نصيراً ) [ آية : 65 ] يعني ولا مانعاً
يمنعهم من العذاب
الأحزاب : ( 66 ) يوم تقلب وجوههم . . . . .
) يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا (
[ آية : 66 ] يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) .
الأحزاب : ( 67 ) وقالوا ربنا إنا . . . . .
) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ( فهذا قول الأتباع من مشركي العرب من أهل
مكة ، قالوا : ربنا إنا أطعنا سادتنا ، نزلت في اثني عشر رجلاً وهم المطعمون يوم بدر
فيهم أبو جهل بن هشام ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وكبراءنا ، يعني ذوي الأسنان منا في
الكفر ) فأضلونا السبيلا ) [ آية : 67 ] يعني المطعمين في غزوة بدر والمستهزئين من
قريش فأضلونا عن سبيل الهدى ، يعني التوحيد .
الأحزاب : ( 68 ) ربنا آتهم ضعفين . . . . .
ثم قال الأتباع : ( ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب ( يعنون القادة والرءوس من كفار
قريش ) والعنهم لعناً كبيراً ) [ آية : 68 ] يعني عظيماً ، يعني اللعن على أثر اللعن .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 69 ) إلى الآية ( 71 ) .
الأحزاب : ( 69 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين ءاذوا موسى ( وذلك أن الله عز وجل وعظ المؤمنين
ألا يؤذوا محمداً فيقولون زيد بن محمد ، فإن ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أذى كما آذت بنو إسرائيل
موسى وزعموا أنه آدر . وذلك أن موسى ، عليه السلام ، كان فيه حياء شديد وكان لا
يغتسل في نهر ، ولا غيره إلا عليه إزار ، وكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ، فقالوا : ما يمنع
موسى أن يتجرد كما نتجرد إلا أنه آذر ، فانطلق موسى ، عليه السلام ، ذات يوم يغتسل
في عين بأرض الشام ، واستتر بصخرة ، ووضع ثيابه عليها ففرت الصخرة بثيابه ، وأتبعها
موسى ، عليه السلام ، متجرداً ، فلحقها فضربها بعصاه ، وكان موسى ، عليه السلام ، لا
يضع العصا من يده حيث ما كان ، وقال لها : ارجعي إلى مكانك ، فقالت : إنما أنا عبد
مأمورٍ لم تضربني فردها إلى مكانها فنظرت إليه بنو إسرائيل ، فإذا هو من أحسن الناس
خلقاً وأعدلهم صورة ، وكان سليماً ليس الذي قالوا ، فذلك قوله عز وجل : ( فبرأه الله
مما قالوا ( إنه آدر ) وكان عند الله وجيهاً ) [ آية : 69 ] يعني مكيناً .(3/56)
صفحة رقم 57
الأحزاب : ( 70 ) يا أيها الذين . . . . .
) يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ) [ آية : 70 ] يعني قولاً عدلاً ، وهو
التوحيد .
الأحزاب : ( 71 ) يصلح لكم أعمالكم . . . . .
) يصلح لكم ( يعني يزكي لكم ) أعملكم ( بالتوحيد ) ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله ( محمداً ) فقد فاز فوزا عظيما ) [ آية : 71 ] يقول : قد نجا بالخير
وأصاب منه نصيباً وافراً .
تفسير سورة الأحزاب من الآية ( 72 ) إلى الآية ( 73 ) .
الأحزاب : ( 72 ) إنا عرضنا الأمانة . . . . .
) إنا عرضنا الأمانة ( وهي الطاعة ) على السماوات والأرض والجبال ( على الثواب
والعقاب إن أحسنت جوزيت ، وإن عصيت عوقبت ) فأبين أن يحملنها ( يعني الطاعة
على الثواب والعقاب ، فلم يطقنها ) وأشفقن منها ( وأشفقن من العذاب مخافة ترك
الطاعة ، فقيل لأدم ، عليه السلام : أتحملها بما فيها ، قال آدم : وما فيها ، قال الله عز وجل :
فلم يلبث في الجنة إلا قليلاً ، يعني ساعتين من يموه حتى عصى ربه عز وجل ، وخان
الأمانة ، فذلك قوله عز وجل : ( وحملها الإنسان ( يعني آدم ، عليه السلام ، ) إنه كان ظلوما ( لنفسه بخطيئته ) جهولا ) [ آية : 72 ] بعاقبه ما تحمل من الطاعة على الثواب
والعقاب .
الأحزاب : ( 73 ) ليعذب الله المنافقين . . . . .
) ليعذب الله المنفقين ( يقول : عرضنا الأمانة على الإنسان لكي يعذب الله المنافقين
) والمنافقت والمشركين والمشركات ( بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل ، ونقضوا
الميثاق الذي أفروا به على أنفسهم ، يوم أخرجهم من ظهر آدم ، عليه السلام ، حين قال
عز وجل : ( ألست بربكم قالوا بلى ) [ الأعراف : 172 ) ، فنقضوا هذه المعرفة وتركوا
الطاعة يعني التوحيد ) ويتوب الله ( يقول : ولكي يتوب الله ) على المؤمنين والمؤمنات ( بما وفوا بالأمانة ولم ينقضوا الميثاق ) وكان الله غفورا ( لذبوبهم
) رحيما ) [ آية : 73 ] بهم .(3/57)
صفحة رقم 58
34
سورة سبأ
مكية عددها أربع وخمسون آية كوفية
تفسير سورة سبأ من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 4 ) .
سبأ : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . .
) الحمد لله ( وذلك أن كفار مكة لما كفروا بالبعث ، حمد الرب نفسه ، قال عز
وجل ) الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ( من الخلق ) وله الحمد في الآخرة ( يعني يحمده أولياؤه في الآخرة إذا دخلوا الجنة ، فقالوا : ( الحمد لله الذي صدقنا وعده ) [ الزمر : 74 ] ، و ) الحمد لله الذي هدانا لهذا ) [ الأعراف : 43 ] ،
)( وهو الحكيم ( حكم البعث ) الخبير ) [ آية : 1 ] به .
سبأ : ( 2 ) يعلم ما يلج . . . . .
) يعلم ما يلج في الأرض ( من المطر ) وما يخرج منها ( من النبات ) وما ينزل من السماء ( من المطر ) وما يعرج فيها ( يعني وما يصعد في السماء من الملائكة ) وهو الرحيم ( حين لا يعجل عليهم بالعذاب ) الغفور ) [ آية : 2 ] .
سبأ : ( 3 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا ( أبو سفيان لكفار مكة واللات والعزى ) لا تأتينا الساعة (
أبداً ، فلما حلف أبو سفيان بالأصنام حلف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالله عز وجل ، فقال الله عز وجل :
( قل ( يا محمد ) بلى وربي لتأتينكم ( الساعة ) علم الغيب ( غيب الساعة ) لا يعزب عنه ( من ) مثقال ذرة ( وزن أصغر النمل ) في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ( ولا أقل من ذلك المثقال ) ولا أكبر ( منه ولا أعظم من المثقال
) إلا في كتب مبينٍ ) [ آية : 3 ] إلا هو بين في اللوح المحفوظ .(3/58)
صفحة رقم 59
سبأ : ( 4 ) ليجزي الذين آمنوا . . . . .
) ليجزي ( لكي يجزى في الساعة ) الذين ءامنوا ( صدقوا ) وعملوا
الصلحت ( بالقسط بالعدل ) أولئك لهم مغفرة ( لذنوبهم ) ورزق كريم (
[ آية : 4 ] حسناً في الجنة .
تفسير سورة سبأ من الآية ( 5 ) إلى الآية ( 9 ) .
سبأ : ( 5 ) والذين سعوا في . . . . .
ثم ذكر كفار مكة ، فقال عز وجل : ( والذين سعو ( عملوا ) في ءايتنا ( يعني
القرآن ) معجزين ( مثبطين الناس عن الإيمان بالقرآن مثلها في الحج ) أولئك لهم عذاب من رجز أليم ) [ آية : 5 ] نظيرها في الجاثية .
سبأ : ( 6 ) ويرى الذين أوتوا . . . . .
) ويري ( ويعلم ) الذين أوتوا العلم ( بالله عز وجل ، يعني مؤمني أهل الكتاب
وهي قراءة ابن مسعود ، ' ويعلم الذين أوتوا الحكمة من قبل ' ، ) الذي أنزل إليك (
يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) من ربك هو الحق ( يعني القرآن ) ويهدي إلى صرطٍ ( ويدعو إلى
دين ) العزيز ( في ملكه ) الحميد ) [ آية : 6 ] في خلقه .
سبأ : ( 7 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا ( بالبعث أبو سفيان ، قال لكفار مكة : ( هل ندلكم ( ألا
ندلكم ) على رجل ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ينبئكم ( يخبركم أنكم ) إذا مزقتم كل ممزق (
يخبركم أنكم إذا تفرقتم في الأرض وذهبت اللحوم والعظام ، وكنتم تراباً ) إنكم لفي خلق جديد ) [ آية : 7 ] يعني البعث بعد الموت .
سبأ : ( 8 ) أفترى على الله . . . . .
ثم قال أبو سفيان : ( افترى ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) على الله كذبا ( حين يزعم أنا نبعث بعد
الموت ) أم به جنة ( يقول : أم بمحمد جنون ، فرد الله عز وجل عليهم ، فقال : ( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة ( لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال هم أكذب وأشد
فرية من محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حين كذبوا بالبعث ، ثم قال جل وعز : هم ) في العذاب ( في الآخرة
) والضلل البعيد ) [ آية : 8 ] الشقاء الطويل ، نظيرها في آخر اقتربت الساعة .(3/59)
صفحة رقم 60
سبأ : ( 9 ) أفلم يروا إلى . . . . .
ثم خوفهم ، فقال جل وعز : ( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم ( ثم بين ما هو ،
فقال جل وعز : ( من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض ( فتبتلهم ) أو نسقط عليهم كسفا من السماء ( يعني جانباً من السماء فنهلكهم بها ) إن في ذلك لآية (
يعني عبرة ) لكل عبد منيب ) [ آية : 9 ] مخلص بالتوحيد .
تفسير سورة سبأ من الآية ( 10 ) إلى الآية ( 14 ) .
سبأ : ( 10 ) ولقد آتينا داود . . . . .
) ولقد ءاتينا داود ( أعطينا داود ) منا فضلا ( النبوة كقوله عز وجل للنبي ( صلى الله عليه وسلم )
في سورة النساء : ( وكان فضل الله عليك عظيما ) [ النساء : 113 ] ، يعني النبوة
والكتاب ، فذلك قوله عز وجل ) ولقد ءاتينا داود منا فضلاً ( النبوة والزبور وما سخر له من الجبل والطير والحديد ثم بين ما أعطاه ، فقال عز وجل : ( ياجبال أوبى
معه ( سبحي معه مع داود ، عليه السلام ، يقول : اذكري الرب مع داود ، وهو التسبيح ،
ثم قال عز وجل : ( و ( سخرنا له ) والطير وألنا له الحديد ) [ آية : 10 ] فكان داود ،
عليه السلام ، يضفر الحديد ضفر العجين من غير نار ، فيتخذها دروعاً طوالاً .
سبأ : ( 11 ) أن اعمل سابغات . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( أن اعمل سابغات ( الدروع الطوال ، وكانت الدروع قبل
داود إنما هي صفائح الحديد مضروبة ، فكان داود ، عليه السلام ، يشد الدروع بمسامير ما
يقرعها بحديد ولا يدخلها النار ، فيقرع من الدروع في بعض النهار ، وبعض الليل ، بيده
ثمن ألف درهم ، قال لداود : ( وقدر في السرد ( يقول : قدر المسامير في الخلق ولا تعظم
المسامير فتنقصم ولا تضفر المسامير فتسلس ، ثم قال الله عز وجل لآل داود : ( وأعملوا
صلحاً ( يعني قولوا الحمد لله ) إني بما تعملون بصير ) [ آية : 11 ] .
ثم ذكر ابنه سليمان ، عليهما السلام ، وما أعطاه الله عز وجل من الخير والكرامة ،(3/60)
صفحة رقم 61
سبأ : ( 12 ) ولسليمان الريح غدوها . . . . .
فقال عز وجل : ( و ( سخرنا ) ولسليمن الريح غدوها شهرٌ ( يعني مسيرة شهر
فتحملهم الريح من بيت المقدس إلى أصطخر وتروح بهما ذا بلستان ) ورواحها شهر (
يعني مسيرة فتحملهم إلى بيت المقدس لا تحول طيراً من فوقهم ولا ورقة من تحتهم ولا
تثير تراباً ، ثم قال جل وعز : ( وأرسلنا له عين القطر ( يعني أخرجنا لسليمان عين الصفر
ثلاثة أيام تجي مجرى الماء بأرض اليمن ) ومن الجن من يعمل ( وسخرنا لسليمان من
الجن من يعمل ) بين يديه ( بين يدي سليمان ) بإذن ربه ( يعني رب سليمان عز
وجل ) ومن يزغ منهم ( ومن يعدل منهم ) عن أمرنا ( عن أمر سليمان ، عليه السلام ،
)( نذقه من عذاب السعير ) [ آية : 12 ] الوقود في الدنيا كان ملك بيده سوط من نار
من يزغ عن أمر سليمان ضربه بسوط من نار فذلك عذاب السعير .
سبأ : ( 13 ) يعملون له ما . . . . .
) يعملون له ما يشاء ( يعني الجن لسليمان ) من محاريب ( المساجد ) وتمثيل (
من نحاس ورخام من الأرض المقدسة وأصطخر من غير أن يعبدها أحد ، ثم قال جل
وعز : ( وجفان كالجواب ( وقصاع في العظم كحياض الإبل بأرض اليمن من العظم
يجلس على كل قصعة واحد ألف رجل يأكلون منها بين يدي سليمان ) وقدور (
عظام لها قوائم لا تتحرك ) راسيات ( ثابتات نتخذ من الجبال والقدور وعين الصفر
بأرض اليمن ، وكان ملك سليمان ما بين مصر وكابل ، ثم قال جل وعز : ( اعملوا ءال
داود شكراً ( بما أعطيتهم من الخير ، يقول الرب عز وجل : ( وقليل من عبادي الشكور (
[ آية : 13 ] .
سبأ : ( 14 ) فلما قضينا عليه . . . . .
) فلما قضينا عليه ( على سليمان ) الموت ( وذلك أن سليمان ، عليه السلام ،
كان دخل في السن وهو في بيت المقدس ) ما دلهم ( ما دل الجن ) على موته ( على
موت سليمان ) إلا دابة الأرض ( يعني الأرضة ، وذلك أن الجن كانوا يخبرون الإنس
أنهم يعملون الغيب الذي يكون في غد فابتلوا بموت سليمان ببت المقدس ، وكان داود
أسس بيت المقدس موضع فسطاط موسى ، عليه السلام ، فمات قبل أن يبنى فبناه سليمان
بالصخر والقار ، فلما حضره الموت قال لأهله : لا تخبروا الجن بموتى حتى يفرغوا من بناء
بيت المقدس ، وكان قد بقي منه عمل سنة ، فلما حضره الموت ، وهو متكئ على عصاه ،
وقد أوصى أن يكتم موته ، وقال : لا تبكوا على سنة لئلا يتفرق الجن عن بناء بيت
المقدس ، ففعلوا ، فلما بنوا سنة وفرغوا من بنائه سلط الله عز وجل عليه الأرضة عند رأس
الحول على أسفل عصاه ، فأكلته ، فذلك قوله : ( تأكل منسأته ( أسفل العصا فخر(3/61)
صفحة رقم 62
عند ذلك سليمان ميتاً ، فرأته الجن ، فتفرقت ، فذلك قوله عز وجل : ( فلما خر (
سليمان ) تبينت الجن ( يعني تبينت الإنس ) ان لو كانوا ( الجن ) ) يعلمون الغيب (
يعني غيب موت سليمان ) ما لبثوا ) ) حولا ( ( في العذاب المهين ) [ آية : 14 ] والشقاء
والنصب في بيت المقدس ، وإنما سموا الجن لأنهم استخفوا من الإنس ، فلم يروهم .
تفسير سورة سبأ من الآية ( 15 ) إلى الآية ( 21 ) .
سبأ : ( 15 ) لقد كان لسبإ . . . . .
) لقد كان لسبأ ( وهو زجل بن يشخب بن يعرب بن قحطان ) في مسكنهم
ءايةٌ ) ) ثم قال ( ( جنتان ) ) أحدهم ( ( عن يمينٍ ) ) الوادي ( ( و ( الأخرى عن ) وشمالٍ ( الوادي ، واسم الوادي العرم ، يقول الله عز وجل لأهل تلك الجنتين : ( كلوا
من رزق ربكم ( الذي في الجنتين ) واشكروا له ( لله فيما رزقكم ، ثم قال : أرض سبأ
) بلدةٌ طيبةٌ ( بأنها خرجت ثمارها ) و ( ربكم إن شكرتم فيما رزقكم ) ورب
غفورٌ ) [ آية : 15 ] للذنوب كانت المرأة تحمل مكتلاً على رأسها ، فتدخل البستان
فيمتلئ مكتلها من ألوان الفاكهة والثمار من غير أن تمس شيئاً بيدها ، وكان أهل سبأ إذا
أمطروا يأتيهم السيل من مسيرة أيام كثيرة إلى العرم ، فعمدوا فسدوا ما بين الجبلين
بالصخر والقار ، فاستد زماناً ، وارتفع الماء على حافتي الوادي ، فصار فيهما ألوان الفاكهة
والأعناب فعصوا ربهم ، فلم يشكروه ، فذلك قوله عز وجل :
سبأ : ( 16 ) فأعرضوا فأرسلنا عليهم . . . . .
) فأعرضوا ( عن الحق
) فأرسلنا عليهم سيل العرم ( والسيل هو الماء ، والعرم اسم الوادي سلط الله عز وجل
الفارة على البناء الذي بنو ، وتسمى الخلد ، فنقبت الردم ما بين الجبلين ، فخرج الماء
ويبست جناتهم ، وأبدلهم الله عز وجل مكان الفاكهة والأعناب ) وبدلنهم بجنتيهم جنتين
ذواتي أكلٍ خمطٍ ( وهو الأراك ) وأثلٍ ( يعني شجرة تسمى الطرفاء يتخذون منها(3/62)
صفحة رقم 63
الأقداح النضار ) وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ ) [ آية : 16 ] وثمره السدر النبق .
سبأ : ( 17 ) ذلك جزيناهم بما . . . . .
) ذلك ( الهلاك ) جزينهم بما كفروا ( كافأناهم بكفرهم ) وهل نجري إلا
الكفور ) [ آية : 17 ] وهل يكافأ بعمله السيئ إلا الكفور لله عز وجل في نعمه .
سبأ : ( 18 ) وجعلنا بينهم وبين . . . . .
ثم : ( وجعلنا بينهم ( بين أهل سبأ ) وبين القرى ( قرى الأرض المقدسة الأردن
وفلسطين ) التي بركنا فيها ( بالشجر والماء ) قرى ظهرةً ( متواصلة وكان
متجرهم من أرض اليمن إلى أرض الشام على كل ميل قرية وسوق ، لا يحلون عنده حتى
يرجعوا إلى اليمين من الشام ، فذلك قوله عز وجل : ( وقدرنا فيها السير ( للمبيت
والمقيل من قرية إلى قرية ) سيروا فيها ليالى وأياماً ءامنين ) [ آية : 18 ] من الجوع
والعطش والسباع ، فلم يشكروا ربهم وسالوا ربهم أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد
من بعض .
سبأ : ( 19 ) فقالوا ربنا باعد . . . . .
) فقالوا ربنا بعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلنهم أحاديث ( للناس ) ومزقنهم كل
ممزقٍ ( يقول الله عز وجل وفرقناهم في كل وجه ، فلما خرجوا من أرض سبأ ، ساروا ،
فأما الأزد فنزلوا البحرين وعمان ، وأما خزاعة فنزلوا مكة ، وأما الأنصار وهم الأوس
والخزرج ، فنزلوا المدينة ، وأما غسان فنزلوا بالشام ، فهذا تمزقهم ، فذلك قوله عز وجل :
' كل ممزق ' و ' جعلناهم أحاديث ' ) إن في ذلك لأيتٍ ( يعني في هلاك جنتيهم
وتفريقهم عبرة ) لكل صبار شكور ) [ آية : 19 ] يعني المؤمن من هذه الأمة صبور على
البلاء إذا ابتلى أهل سبأ ، ثم قال : شكور لله عز وجل في نعمه .
سبأ : ( 20 ) ولقد صدق عليهم . . . . .
) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ( وذلك أن إبليس خلق من نار السموم ، وخلق آدم
من طين ، ثم قال إبليس : إن النار ستغلب الطين ، فقال : ( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك ( الآية ، فمن ثم صدق بقول الله عز وجل : ( فاتبعوه ( ثم
استثنى عباده المخلصين ، فقال جل وعز : ( إلا فريقا ( طائفة ) من المؤمنين ) [ آية :
20 ] لم يتبعوه في الشرك ، وهم الذين قال الله : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) [ الحجر : 42 ] .
سبأ : ( 21 ) وما كان له . . . . .
ثم قال : ( وما كان له ( لإبليس ) عليهم من سلطان ( من ملك أن يضلهم عن
الهدى ) إلا لنعلم ( لنرى ) من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ( ليبين المؤمن من
الكافر ) وربك على كل شيءٍ ( من الإيمان والشك ) حفيظ ) [ آية : 21 ] رقيب .(3/63)
صفحة رقم 64
تفسير سورة سبأ من الآية ( 22 ) إلى الآية ( 30 ) .
سبأ : ( 22 ) قل ادعوا الذين . . . . .
) قل ( لكفار مكة ) ادعوا الذين زعمتم من دون الله ( أنهم آلهة ، يعني الملائكة
الذين عبدتموهم ، فليكشفوا الضر الذي نزل بكم من الجوع من السنين السبع ، نظيرها في
بني إسرائيل ، فأخبر الله عز وجل عن الملائكة أنهم ) لا يملكون ( لا يقدرون على
) مثقال ذرة ( يعني أصغر وزن النمل ) في السماوات ( في خلق السماوات ) ولا في الأرض ( فكيف يملكون كشف الضر عنكم ) وما لهم فيهما ( في خلق السماوات
والأرض ) من شرك ( يعني الملائكة ) وما له منهم ( من الملائكة ) من ظهير ) [ آية :
22 ] يعني عوناً على شئ .
سبأ : ( 23 ) ولا تنفع الشفاعة . . . . .
ثم ذكر الملائكة الذين رجوا منافعهم ، فقال جل وعز : ( ولا تنفع الشفعة ( شفاعة
الملائكة ) عنده ( لأحد ) إلا لمن أذن له ( أن يشفع من أهل التوحيد ، ثم أخبر
عن خوف الملائكة أنهم إذا سمعوا الوحي خروا سجداً من مخافة الساعة ، فكيف يعبدون
من هذه منزلته ؟ فهلا يعبدون من تخافه الملائكة ؟ قال : ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ( ) وذلك
أن أهل السماوات من الملائكة لم يكونوا سمعوا صوت الوحي ما بين زمن عيسى ومحمد
( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان بينهما قريب من ست مائة عام ، فلما نزل الوحي على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) سمعوا
صوت الوحي ، كوقع الحديد على الصفا ، فخروا سجداً مخافة القيامة ، إذا هبط جبريل
على أهل كل سماء ، فأخبرهم أنه الوحي ، فذلك قوله عز وجل : ( حتى إذا فزع عن قلوبهم ( تجلى الفزع عن قلوبهم قاموا من السجود ) قالوا ( فتسأل الملائكة بعضها
بعضاً ) ماذا قال ( جبريل عن ) ربكم قالوا الحق ( يعني الوحي ) وهو العلي ( الرفيع(3/64)
صفحة رقم 65
) الكبير ) [ آية : 23 ] العظيم فلا أعظم منه
سبأ : ( 24 ) قل من يرزقكم . . . . .
) قل ( لكفار مكة الذين يعبدون الملائكة ) من يرزقكم من السموت ( يعني
المطر ) والأرض ( يعني النبات فردوا في سورة يونس ، قالوا : ( الله ) [ يونس : 31 ] ،
يرزقنا إضمار ، قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( قل الله ( يرزقكم ، ثم انقطع الكلام ، وأما قوله :
( وإنا أو إياكم لعلي هدىً أو في ضللٍ مبينٍ ) [ آية : 24 ] قال كفار مكة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
تعالوا ننظر في معايشنا من أفضل دنيا نحن أم أنتم يا أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ؟ إنكم لعلى
ضلالة ، فرد عليهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ما نحن وأنتم على أمر واحد إن أحد الفريقين لعلى هدى ،
يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نفسه وأصحابه ، أو في ضلال مبين يعني كفار مكة الألف هاهنا صلة ،
مثل قوله عز وجل : ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ( .
سبأ : ( 25 ) قل لا تسألون . . . . .
) قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون ) [ آية : 25 ]
سبأ : ( 26 ) قل يجمع بيننا . . . . .
) قل ( يا محمد
لكفار مكة ) يجمع بيننا ربنا ( في الآخرة وأنتم ) ثم يفتح ( يقضي ) بيننا بالحق (
بالعدل ) وهو الفتاح ( القضاء ) العليم ) [ آية : 26 ] بما يقضى .
سبأ : ( 27 ) قل أروني الذين . . . . .
) قل ( لكفار مكة : ( أروني الذين ألحقتم به ( يعني بالله عز وجل
) شركاء ( من الملائكة هل خلقوا شيئاً يقول الله عز وجل : ( كلا ( ما خلقوا شيئاً ،
ثم استأنف ) بل هو الله ( الذي خلق الأشياء كلها ) العزيز الحكيم ) [ آية : 27 ]
العزيز في ملكه الحكيم في أمره . نظيرها في الأحقاف .
سبأ : ( 28 ) وما أرسلناك إلا . . . . .
) وما أرسلنك ( يعني يا محمد ) إلا كافة للناس ( عامة للناس ) بشيرا (
بالجنة لمن أجابه ) ونذيرا ( من النار ) ولكن أكثر الناس ( يعني أهل مكة ) لا يعلمون ) [ آية : 28 ] .
سبأ : ( 29 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الوعد ( الذي تعدنا يا محمد ) إن كنتم صادقين ) [ آية :
29 ] إن كنت صادقاً بأن العذاب نازل بنا في الدنيا
سبأ : ( 30 ) قل لكم ميعاد . . . . .
) قل لكم ميعاد ( ميقات في
العذاب ) يومٍ لا تستئخرون عنه ( عن المعياد ) ساعة ولا تستقدمون ) [ آية : 30 ] يعني لا
تتباعدون عنه ولا تتقدمون .
تفسير سورة سبأ من الآية ( 31 ) إلى الآية ( 33 ) .(3/65)
صفحة رقم 66
سبأ : ( 31 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا ( يعني الأسود بن عبد يغوث ، وثعلب وهما أخوان ابنا
الحارث بن السباق من بني عبد الدار بن قصي ) لن نؤمن ( لك لا نصدق ) بهذا
القرءان ولا بالذي بين يديه ( من الكتب التي نزلت قبل القرآن ، بين يديه التوراة والإنجيل
والزبور ) ولو ترى ( يا محمد ) إذ الظلمون ( يعني مشركي مكة ) موقوفون عند ربهم ( في الآخرة ) يرجع ( يرد ) بعضهم إلى بعض القول ( ثم أخبر عن
قولهم : ( يقول الذين استضعفوا ( وهم الأتباع ) للذين استكبروا ( الذين تكبروا عن
الإيمان ، وهم القادة في الكفر ) لولا أنتم لكنا مؤمنين ) [ آية : 31 ] لولا أنتم معشر
الكبراء لكنا مؤمنين يعني مصدقين بتوحيد الله عز وجل .
سبأ : ( 32 ) قال الذين استكبروا . . . . .
فردت القادة وهم الكبراء على الضعفاء وهم الأتباع : ( قال الذين استكبروا للذين
استضعفوا أنحن صددنكم عن الهدى ( يعني أنحن منعناكم عن الإيمان ) بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ) [ آية : 32 ] .
سبأ : ( 33 ) وقال الذين استضعفوا . . . . .
فردت الضعفاء على الكبراء ، فقالوا ) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر
اليل والنهار ( بل قولهم كذب بالليل والنهار ) إذ تأمروننا أن نكفر بالله ( بتوحيد الله
عز وجل ) ونجعل له أندادا ( يعني وتأمرونا أن نجعل له شريكاً ) وأسروا الندامة ( في
أنفسهم ) لما رأوا العذاب ( حين عاينوا العذاب في الآخرة ) وجعلنا الأغلل في أعناق
الذين كفروا ( وذلك أن الله عز وجل يأمر خزانة جهنم أن يجعلوا الأغلال في أعناق
الذين كفروا بتوحيد الله عز وجل ، وقالت لهم الخزنة : ( هل يجزون ( في الآخرة ) إلا ما كانوا يعملون ) [ آية : 33 ] من الكفر في الدنيا .
تفسير سبأ من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 29 ) .(3/66)
صفحة رقم 67
سبأ : ( 34 ) وما أرسلنا في . . . . .
) وما أرسلنا في قرية من نذير ( من رسول ) إلا قال مترفوها ( أعنياؤها وجبابرتها
للرسل ) إنا بما أرسلتم به ( بالتوحيد ) كفرون ) [ آية : 34 ] .
سبأ : ( 35 ) وقالوا نحن أكثر . . . . .
) وقالوا ( أيضاً لفقراء المسلمين أهؤلاء خير منا أم هم أولى بالله منا ) نحن أكثر
أموالاً وأولداً وما نحن بمعذبين ) [ آية : 35 ] .
سبأ : ( 36 ) قل إن ربي . . . . .
يقول الله عز وجل : ( قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( وقتر على من يشاء
) ولكن أكثر الناس ( كفار مكة ) لا يعلمون ) [ آية : 36 ] أن البسط والقتر بيد الله عز
وجل .
سبأ : ( 37 ) وما أموالكم ولا . . . . .
) وما أموالكم ولا أولدكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ( يعني قرابة ) إلا من ءامن ( صدق
بالله ) وعمل صلحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ( من الخير نجزي بالحسنة الواحدة
عشرة فصاعدا ، ثم قال عز وجل : ( وهم في الغرفات ( غرف الجنة ) ءامنون ) [ آية :
37 ] من الموت .
سبأ : ( 38 ) والذين يسعون في . . . . .
) والذين يسعون في ءايتنا معجزين ( يقول : عملوا بالتكذيب بالقرآن مثبطين عن
الإيمان بالقرآن ) أولئك في العذاب محضرون ) [ آية : 38 ] النار .
سبأ : ( 39 ) قل إن ربي . . . . .
) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ( يوسع الرزق على من يشاء ) من عباده ويقدر له ( ويقتر ) وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه ( يقول الله عز وجل أخلفه لكم
وأعطاكموه ) وهو خير الرزقين ) [ آية : 39 ] مثل قوله عز وجل : ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) [ الحديد : 7 ] .
تفسير سورة سبأ من الآية ( 40 ) إلى الآية ( 45 ) .(3/67)
صفحة رقم 68
سبأ : ( 40 ) ويوم يحشرهم جميعا . . . . .
) ويوم يحشرهم جميعا ( الملائكة ومن عبدها ، يعني يجمعهم جميعاً في الآخرة ) ثم يقول
للملئكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ) [ آية : 40 ] يعني عن أمركم عبدوكم فنزهت
الملائكة ربها عز وجل عن الشرك .
سبأ : ( 41 ) قالوا سبحانك أنت . . . . .
ف ) قالوا سبحنك أنت ولينا من دونهم ( ونحن منهم براء إضمار ما أمرنا بعبادتنا
) بل كانوا يعبدون الجن ( بل أطاعوا الشيطان في عبادتهم ) أكثرهم بهم مؤمنون (
[ آية : 41 ] مصدقين بالشيطان .
سبأ : ( 42 ) فاليوم لا يملك . . . . .
) فاليوم ( في الآخرة ) لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ( لا تقدر الملائكة على
أن تسوق إلى من عبدها نفعاً ، ولا تقدر على أن تدفع عنهم سوءاً ) ونقول للذين ظلموا (
يأمر الله الخزنة أن تقول للمشركين من أهل مكة : ( ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ) [ آية : 42 ] .
سبأ : ( 43 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) وإذا تتلى عليهم ءايتنا ( وإذا قرئ عليهم القرآن ) بينت ( ما فيه من الأمر والنهي
) قالوا ما هذا إلا رجل ( يعنون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) يريد أن يصدكم عما كان يعبد ءاباؤكم وقالوا ما
هذا ( القرآن ) إلا إفك ( كذب ) مفتري ( افتراه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من تلقاء نفسه ) وقال الذين كفروا ( من أهل مكة ) للحق لما جاءهم ( يعنون القرآن حين جاءهم ) إن هذا ( القرآن ) إلا سحر مبين ) [ آية : 43 ] .
سبأ : ( 44 ) وما آتيناهم من . . . . .
) وما ءاتينهم ( يعني وما أعطيناهم ) من كتب يدرسونها ( يعني يقرؤونها بأن مع
الله شريكاً نظيرها في الزخرف : ( أم آتيناهم كتابا ) [ الزخرف : 21 ] ، ونظيرها في
الملائكة [ فاطر : 32 ] ) وما أرسلنا إليهم ( يعني أهل مكة ) قبلك من نذير ) [ آية :
44 ] يا محمد من رسول لم ينزل كتاب ، ولا رسول قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إ لى العرب .
سبأ : ( 45 ) وكذب الذين من . . . . .
ثم قال جل وعز : ( وكذب الذين من قبلهم ( يعني الأمم الخالية كذبوا رسلهم قبل
كفار مكة ) وما بلغوا معشار ما ءاتينهم ( وما بلغ الكفار مكة ، عشر الذي أعطينا الأمم
الخالية من الأموال والعدة والعمر والقوة ) فكذبوا رسلي ( فأهلكناهم بالعذاب في الدنيا
حين كذبوا الرسل ) فكيف كان نكير ) [ آية : 45 ] تغييرى الشر فاحذروا ، يا أهل مكة
مثل عذاب الأمم الخالية .(3/68)
صفحة رقم 69
تفسير سورة سبأ من الآية ( 46 ) إلى الآية ( 54 ) .
سبأ : ( 46 ) قل إنما أعظكم . . . . .
) قل ( لكفار مكة ) إنما أعظكم بواحدة ( بكلمة واحدة كلمة الإخلاص
) أن تقوموا لله ( الحق ) مثنى وفردى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنةٍ ( ألا يتفكر
الرجل وحده ومع صاحبه فيعلم ويتفكر في خلق السماوات والأرض وما بينهما أن الله
جل وعز خلق هذه الأشياء وحده وأن محمداً لصادق وما به جنون ) ان هو ( يعني
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا نذير لكم ( مبين ، يعني بينا ) بين يدي عذاب شديد ) [ آية : 46 ] في
الآخرة .
سبأ : ( 47 ) قل ما سألتكم . . . . .
) قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ( وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سأل كفار مكة ألا يؤذوه
حتى يبلغ عن الله عز وجل الرسالة ، فقال بعضهم لبعض ، ما سألكم شططاً كفوا عنه ،
فسمعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوماً يذكر اللات والعزى في القرآن ، فقالوا : ما ينتهى هذا الرجل عن
عيب آلهتنا سألنا ألا نؤذيه فقد فعلنا ، وسألناه ألا يؤذينا في آلهتنا فلم يفعل ، فأكثروا في
ذلك ، فأنزل الله عز وجل : ( قل ما سألتكم ومن أجرٍ ( جعل ) فهو لكم إن أجري ( ما
جزائي ) إلا على الله وهو على كل شيءٍ شهيدٌ ) [ آية : 47 ] بأني نذير وما بي من جنون .
سبأ : ( 48 ) قل إن ربي . . . . .
) قل إن ربي يقذف بالحق ( يتكلم بالوحي ) علم الغيوب ) [ آية : 48 ] عالم كل
غيب ، وإذا قال جل وعز عالم الغيب فهو غيب واحد
سبأ : ( 49 ) قل جاء الحق . . . . .
) قل جاء الحق ( الإسلام ) وما يبدئ الباطل وما يعيد ) [ آية : 49 ] يقول : ما يبدئ الشيطان الخلق فيخلقهم وما يعيد
خلقهم في الآخرة فيبعثهم بعد الموت والله جل وعز يفعل ذلك .
سبأ : ( 50 ) قل إن ضللت . . . . .
) قل إن ضللت ( وذلك أن كفار مكة ، قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : لقد ضللت حين تركت دين(3/69)
صفحة رقم 70
آبائك ) فإنما أضل على نفسي ( إنما ضلالتي على نفسي ) وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ( من القرآن ) إنه سميع ( الدعاء ) قريب ) [ آية : 50 ] الإجابة .
سبأ : ( 51 ) ولو ترى إذ . . . . .
) ولو ترى إذ فرغوا فلا فوت ( يقول : إذا فزعوا عند معاينة العذاب ، نزلت في
السفياني ، وذلك أن السفياني يبعث ثلاثين ألف رجل من الشام مقاتلة إلى الحجاز عليهم
رجل اسمه بحير بن بجيلة ، فإذا انتهوا إلى البيداء خسف بهم ، فلا ينجو منهم أحد غير
رجل من جهينة اسمه ناجية يفلت وحده ، مقلوب وجهه وراء ظهره ، يرجع القهقري ،
فيخبر الناس بما لقى أصحابه . قال : ( وأخذوا من مكان قريب ) [ آية : 51 ] من تحت
أرجلهم .
سبأ : ( 52 ) وقالوا آمنا به . . . . .
) وقالوا ءامنا به ( حين رأوا العذاب يقول الله تعالى : ( وأنى لهم التناوش ( التوبة
عند معاينة العذاب ) من مكان بعيد ) [ آية : 52 ] الرجعة إلى التوبة بعيد منهم لأنه لا
يقبل منهم .
سبأ : ( 53 ) وقد كفروا به . . . . .
) وقد كفروا به ( بالقرآن ) من قبل ( نزول العذاب حين بعث الله عز وجل
محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) ويقذفون بالغيب ( يقول : ويتكلمون بالإيمان ) من مكان بعيد ) [ آية :
53 ] يقول : التوبة تباعد منهم ، فلا يقبل منهم وقد غيب عنهم الإيمان عند نزول
العذاب ، فلم يقدروا عليه عند نزول العذاب بهم في الدنيا
سبأ : ( 54 ) وحيل بينهم وبين . . . . .
) وحيل بينهم وبين ما يشتهون (
من أن تقبل التوبة منهم عند العذاب ) كما فعل بأشياعهم من قبل ( يقول : كما عذب
أوائلهم من الأمم الخالية من قبل هؤلاء ) إنهم كانوا في شك ( من العذاب بأنه غير نازل
بهم في الدنيا ) مريب ) [ آية : 54 ] يعني بمريب أنهم لا يعرفون شكهم ، ويقال : كان
هذا العذاب بالسيف يوم بدر ، وقالوا : آمنا به ، يعني بالقرآن .(3/70)
صفحة رقم 71
35
سورة فاطر
سورة الملائكة مكية ، عددها خمس وأربعون آية كوفية
تفسير سورة فاطر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
فاطر : ( 1 ) الحمد لله فاطر . . . . .
) الحمد لله ( الشكر لله ) فاطر ( يعني خالق ) السموات والأرض جاعل الملئكة
رسلاً ( منهم جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، والكرام الكاتبين ، عليهم
السلام ، ثم قال جل وعز : الملائكة ) أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ( يقول : من الملائكة من
له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ولإسرافيل ستة أجنحة ، ثم قال جل
وعز : ( يزيد في الخلق ما يشاء ( وذلك أن في الجنة نهراً يقال له نهر الحياة يدخله كل
يوم جبريل ، عليه السلام ، بعد ثلاث ساعات من النهار يغتسل فيه ، وله جناحان ينشرهما
في ذلك النهر ، ولجناحه سبعون ألف ريشة ، فيسقط من كل ريشة قطرة من ماء ، فيخلق
الله جل وعز منها ملكاً يسبح الله تعالى إلى يوم القيامة ، فذلك قوله عز وجل : ( يزيد في
الخلق ما يشاء إن الله على كل شيءٍ ( من خلق الأجنحة من الزبادة ) قدير ) [ آية : 1 ] يعني
يزيد في خلق الأجنحة على أربعة أجنحة ما يشاء .
فاطر : ( 2 ) ما يفتح الله . . . . .
) ما يفتح الله للناس من رحمة ( الرزق نظيرها في بني إسرائيل ابتغاء رحمة من ربك ،
يعني الرزق ) فلا ممسك لها ( لا يقدر أحد على حبسها ) وما يمسك ( وما يحبس من
الرزق ) فلا مرسل ( يعني الرزق ) له من بعده ( فلا معطي من بعد الله ) وهو العزيز (
في ملكه ) الحكيم ) [ آية : 2 ] في أمره .(3/71)
صفحة رقم 72
فاطر : ( 3 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس ( يعني أهل مكة ) اذكروا نعمت الله عليكم ( ثم أخبرهم بالنعمة ، فقال
جل وعز : ( هل من خلقٍ غير الله يرزقكم من السماء ( يعني المطر ) والأرض ( يعني
النبات ، ثم وحد جل جلاله ، فقال : ( لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ) [ آية : 3 ] .
فاطر : ( 4 ) وإن يكذبوك فقد . . . . .
) وإن يكذبوك ( يعزي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر على تكذيبهم إياه ) فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور ) [ آية : 4 ] أمور العباد تصير إلى جل وعز في الآخرة .
فاطر : ( 5 ) يا أيها الناس . . . . .
) يأيها الناس يعني كفار مكة ) إن وعد الله حقٌ ( في البعث أنه كائن ) فلا
تغرنكم الحيوة الدنيا ( عن الإسلام ) ولا يغرنكم بالله الغرور ) [ آية : 5 ] الباطل وهو
الشيطان .
تفسير سورة فاطر من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 10 ) .
فاطر : ( 6 ) إن الشيطان لكم . . . . .
ثم قال جل وعز : ( إن الشيطان لكم عدوٌ ( حين أمركم بالكفر بالله ) فاتخذوه
عدواً ( يقول : فعادوه بطاعة عز وجل ، ثم قال جل وعز : ( إنما يدعوا حزبه ( إنما
يدعو شيعته إلى الكفر بتوحيد الله عز وجل ، ) ليكونوا من أصحاب السعير ) [ آية : 6 ] يعني
الوقود .
فاطر : ( 7 ) الذين كفروا لهم . . . . .
ثم بين مستقر الكفار ، ومستقر المؤمنين ، فقال عز وجل : ( الذين كفروا ( بتوحيد الله
) لهم عذابٌ شديدٌ ) ) في الآخرة ( ( والذين ءامنوا ( صدقوا بتوحيد الله عز وجل ) وعملوا
الصالحت ( أدوا الفرائض ) لهم مغفرةٌ ( لذنوبهم يعني جزاءهم عند ربهم ) وأجرٌ
كبيرٌ ) [ آية : 7 ] في الجنة .
فاطر : ( 8 ) أفمن زين له . . . . .
) أفمن زين له سوء عمله ( نزلت في أبي جهل بن هشام ) فرءاه حسناً فإن الله
يضل ) ) عن الهدى ( ( من يشاء ( فلا يهديه إلى الإسلام ) ويهدي من يشاء ( لدنيه ) فلا
تذهب نفسك عليهم حسراتٍ ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : فلا تقتل نفسك ندامة عليهم ، يعني
أهل مكة ) إن الله عليمٌ بما يصنعون ( آية : 8 ] .(3/72)
صفحة رقم 73
فاطر : ( 9 ) والله الذي أرسل . . . . .
) والله الذي أرسل الريح فتثير سحاباً فغناه ( فسقنا السحاب ) إلى بلد ميت ( يعني
بالميت أنه ليس عليه نبت ) فأحيينا به ( بالماء ) الأرض ( فتنبت ) بعد موتها ( بعد إذ
لم يكن عليها نبت ) كذلك النشور ) [ آية : 9 ] هكذا يحيون يوم القيامة بالماء كما يحيى
الأرض بعد موتها
فاطر : ( 10 ) من كان يريد . . . . .
) من كان يريد العزة ( المنعة بعبادة الأوثان فليعتز بطاعة الله عز وجل .
) فلله العزة جميعا ( جميع من يتعزز فإنما يتعزز بإذن الله عز وجل ) إليه يصعد الكلم الطيب ( العمل الحسن يقول : إلى الله عز وجل يصعد في السماء التوحيد ) والعمل الصالح يرفعه ( يقول : شهادة ألا إله إلا الله ترفع العمل الصالح إلى الله عز وجل في
السماء ، ذكروا عن ابن عباس أنه قال : ( والعمل الصلح يرفعه ( الله إليه ، ثم ذكر جل
ثناؤه من لا يوحده ، فقال جل ثناؤه : ( والذين يمكرون السيئات ( الذين يقولون الشرك
) لهم عذاب شديد ( في الآخرة ، ثم أخبر عن شركهم ، فقال عز وجل : ( ومكر أولئك هو يبور ) [ آية : 10 ] وقولهم الشرك يهلك في الآخرة .
تفسير سورة فاطر من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 20 ) .
فاطر : ( 11 ) والله خلقكم من . . . . .
ثم دل جل وعز على نفسه ، فقال : ( والله خلقكم ( يعني بدأ خلقكم ) من تراب (
يعني آدم ، عليه السلام ) ثم من نطفة ( يعني نسله ) ثم جعلكم ( ذرية آدم ) أزواجاً(3/73)
صفحة رقم 74
وما تحمل من أنثى ( يقول : لا تحمل المرأة الولد ) ولا تضع ) ) الولد ( ( إلا بعلمه ( ثم
قال جل وعز : ( وما يعمر من معمرٍ ( يعني من قل عمره أو كثر فهو إلى أجله الذي
كتب له ، ثم قال جل وعز : ( ولا ينقص من عمره ( كل يوم حتى ينتهي إلى أجله ) إلا
في كتابٍ ( اللوح المحفوظ مكتوب قبل إن يخلقه ) إن ذلك على الله يسيرٌ ) [ آية : 11 ]
الأجل حين كتبه الله جل وعز في اللوح المحفوظ .
فاطر : ( 12 ) وما يستوي البحران . . . . .
) وما يستوى البحران ( يعني الماء العذاب والماء المالح ) هذا عذبٌ فراتٌ ( يعني
طيب ) سائغٌ شرابه ( يسيغه الشارب ) وهذا ملحٌ أجاجٌ ( مر لا ينبت ) ومن كلٍ (
من الماء المالح والعذب ) تأكلون لحماً طرياًّ ( السمك ) وتستخرجون حليةً ( يعني
اللؤلؤ ) تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر ( يعني بالمواخر أن سفينتين تجريان إحداهما
مقبلة والأخرى مدبرة بريح واحدة ، تستقبل إحداهما الأخرى ) لتبتغوا ) ) في البحر ( ( من فضله ) ) من رزقه ( ( ولعلكم تشكرون ) [ آية : 12 ] .
فاطر : ( 13 ) يولج الليل في . . . . .
) يولج اليل في النهار ويولج النهار في اليل ( انتقاص كل واحد منهما من الآخر
حتى يصير أحداهما إلى تسع ساعات والآخر إلى خمس عشرة ساعة ) وسخر الشمس
والقمر ( لبني آدم ) كلٌ يجري لأجلٍ مسمىً ( كلاهما دائبان يجريان إلى يوم
القيامة ، ثم دل على نفسه ، فقال جل وعز : ( ذلكم الله ربكم له الملك ( فاعرفوا
توحيده بصنعه ، ثم عاب الآلهة ، فقال : ( والذين تدعون ) ) الذين تعبدون ( ( من
دونه ) ) الأوثان ( ( ما يملكون من قطميرٍ ) [ آية : 13 ] قشر النوى الذي يكون على
النوى الرقيق .
فاطر : ( 14 ) إن تدعوهم لا . . . . .
ثم أخبر عن الآلهة اللات والعزى ومناة ، فقال سبحانه : ( إن تدعوهم لا يسمعوا
دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ( يقول : لو أن الأصنام سمعوا ما استجابوا لكم
) ويوم القيمة يكفرون بشرككم ( يقول : إن الأصنام يوم القيامة يتبرءون من عبادتكم
إياها ، فتقول للكفار : ما أمرناكم بعبادتنا ، نظيرها في يونس : ( فكفى بالله شهيداً بيننا
وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ) [ يونس : 29 ] ثم قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ولا ينبئك
مثل خبيرٍ ) [ آية : 14 ] يعني الرب نفسه سبحانه فلا أحد أخبر منه .
فاطر : ( 15 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله عز وجل : ( يأيها الناس ( يعني كفار مكة ) أنتم الفقراء إلى الله ( يعني
إلى ما عند الله تعالى ) والله هو الغني ) ) عن عبادتكم ( ( الحميد ) [ آية : 15 ] عند
خلقه .(3/74)
صفحة رقم 75
فاطر : ( 16 ) إن يشأ يذهبكم . . . . .
) إن يشأ يذهبكم ( أيها الناس بالهلاك إذا عصيتم ) ويأت بخلق جديد ) [ آية :
16 ] غيركم أمثل منكم .
فاطر : ( 17 ) وما ذلك على . . . . .
) وما ذلك على الله بعزيز ) [ آية : 17 ] إن فعل ذلك هو على الله هين .
فاطر : ( 18 ) ولا تزر وازرة . . . . .
) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى ) وإن تدع مثقلة (
من الوزر ) إلى حملها ( من الخطايا أن يحمل عنها ) لا يحمل منه ( من وزرها ) شيءٌ
ولو كان ذا قربى ( ولو كان بينهما قرابة ما حملت عنها شيئاً من وزرها ) إنما تنذر (
المؤمنين ) الذين يخشون ربهم بالغيب ( آمنوا به ولم يروه ) وأقاموا الصلاة ( أتموا
الصلاة المكتوبة ) ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ( ومن صلح فصلاحه لنفسه ) وإلى الله المصير ) [ آية : 18 ] فيجزى بالأعمال في الآخرة .
فاطر : ( 19 ) وما يستوي الأعمى . . . . .
ثم ضرب مثل المؤمن والكافر ، فقال جل وعز : ( وما يستوي الأعمى والبصير ) [ آية :
19 ] وما يستويان في الفضل والعمل الأعمى عن الهدى ، يعني الكافر والبصير بالهدى
المؤمن .
فاطر : ( 20 ) ولا الظلمات ولا . . . . .
) ولا ( تستوي ) الظلمات ولا النور ) [ آية 20 ] يعني بالظلمات الشرك والنور
يعني الإيمان .
تفسير سورة فاطر من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 30 ) .
فاطر : ( 21 ) ولا الظل ولا . . . . .
) ولا الظل ( يعني الجنة ) ولا الحرور ) [ آية : 21 ] يعني النار .(3/75)
صفحة رقم 76
فاطر : ( 22 ) وما يستوي الأحياء . . . . .
) وما يستوي الأحياء ( المؤمنين ) ولا الأموات ( يعني الكفار ، والبصير ، والظل والنور ،
والأحياء ، فهو مثل المؤمن ، والأعمى ، والظلمات ، والحرور ، والأموات ، فهو مثل الكافر ،
ثم قال جل وعز : ( إن الله يسمع ( الإيمان ) من يشاء وما أنت ( يا محمد ) بمسمع من في القبور ) [ آية : 22 ] و ذلك أن الله جل وعز شبه الكافر من الأحياء حين دعوا إلى
الإيمان فلم يسمعوا ، بالأموات أهل القبور الذين لا يسمعون الدعاء .
فاطر : ( 23 ) إن أنت إلا . . . . .
ثم قال للنبي ، عليه السلام ، حين لم يجيبوه إلى الإيمان : ( إن أنت إلا نذير ) [ آية : 23 ]
ما أنت إلا رسول
فاطر : ( 24 ) إنا أرسلناك بالحق . . . . .
) إنا أرسلناك بالحق ( لم نرسك رسولاً باطلاً لغير شيء ) بشيرا (
لأهل طاعته بالجنة ) ونذيرا ( من النار لأهل معصيته ، ثم قال : ( وإن من أمة ( وما من
أمة فيما مضى ) إلا خلا فيها نذير ) [ آية : 24 ] إلا جاءهم رسول غير أمة محمد ، فإنهم
لم يجئهم رسول قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، ولا يجيئهم إلى يوم القيامة .
فاطر : ( 25 ) وإن يكذبوك فقد . . . . .
) وإن يكذبوك ( يعزى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر فلست بأول رسول كذب ) فقد كذب الذين من قبلهم ( من الأمم الخالية ) جاءتهم رسلهم بالبينات ( بالآيات التي كانوا
يصنعون ويخبرون بها ) وبالزبر ( وبالأحاديث التي كانت قبلهم من المواعظ
) وبالكتاب المنير ) [ آية : 25 ] المضئ الذي فيه أمره ونهيه .
فاطر : ( 26 ) ثم أخذت الذين . . . . .
) ثم أخذت الذين كفروا ( بالعذاب ) فكيف كان نكير ) [ آية : 26 ] تغييري الشر .
فاطر : ( 27 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ( يعني المطر ) فأخرجنا به ( بالماء ) ثمرات مختلفا ألوانها ( بيض وحمر وصفر ) ومن الجبال ( أيضاً ) جدد بيض وحمر مختلف ألوانها ( يعني بالجدد الطرائق التي تكون في الجبال منها أبيض وأحمر ) و ( منها
) وغرابيب سود ) [ آية : 27 ] يعني الطوال السود .
فاطر : ( 28 ) ومن الناس والدواب . . . . .
ثم قال جل وعز : ( ومن الناس و الدواب والأنعام ( بيض وحمر وصفر وسود
) مختلف ألوانه ( اختلاف ألوان الثمار ، ثم قال جل وعز : ( كذلك إنما يخشى الله من
عباده العلمؤا ( فيها تقديم يقول : أشد الناس لله عز وجل خيفة أعلمهم الله تعالى
) أن الله عزيز ( في ملكه ) غفور ) [ آية : 28 ] لذنوب المؤمنين .
فاطر : ( 29 ) إن الذين يتلون . . . . .
) إن الذين يتلون كتب الله وأقاموا الصلوة ( في مواقيتها ) وأنفقوا مما
رزقنهم ( من الأموال ) سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ) [ آية : 29 ] لن
تهلك ، هؤلاء قوم من المؤمنين أثنى الله جل وعز عليهم .(3/76)
صفحة رقم 77
فاطر : ( 30 ) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم . . . . .
) ليوفيهم أجورهم ( ليوفر لهم أعمالهم ) ويزيدهم ( على أعمالهم من الجنة
) من فضله إنه غفور ( للذنوب العظام ) شكور ) [ آية : 30 ] لحسناتهم .
تفسير سورة فاطر من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 40 ) .
فاطر : ( 31 ) والذي أوحينا إليك . . . . .
) والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه ( يقول : إن قرآن محمد
( صلى الله عليه وسلم ) يصدق ما قبله من الكتب التي أنزلها الله عز وجل على الأنبياء ، عليهم السلام ) إن الله بعباده لخبير ( بأعمالهم ) بصير ) [ آية : 31 ] بها .
فاطر : ( 32 ) ثم أورثنا الكتاب . . . . .
) ثم أورثنا الكتاب ( قرآن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) الذين اصطفينا ( اخترنا ) من عبادنا ( من
هذه الأمة ) فمنهم ظالم لنفسه ( أصحاب الكبائر من أهل التوحيد ) ومنهم مقتصد ( عدل في قوله ) ومنهم سابق بالخيرات ( الذين سبقوا إلى الأعمال الصالحة ،
وتصديق الأنبياء ) بإذن الله ( بأمر الله عز وجل ) ذلك هو الفضل الكبير (
[ آية : 32 ] دخول الجنة .
فاطر : ( 33 ) جنات عدن يدخلونها . . . . .
ثم أخبره بثوابهم ، فقال جل وعز : ( جنات عدن ( تجري من تحتها الأنهار(3/77)
صفحة رقم 78
) يدخلونها ( هؤلاء الأصناف الثلاثة ) يحلون فيها من أساور من ذهب ( بثلاث أسورة
) ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ) [ آية : 33 ] وقد حبس الظالم بعد هؤلاء الصنفين السابق
والمقتصد ، ما شاء الله من أجل ذنوبهم الكبيرة ، ثم غفرها لهم وتجاوز عنهم ، فأدخلوا
الجنة ، فلما دخلوها ، واستقرت بهم الدار حمدوا ربهم من المغفرة ودخول الجنة .
فاطر : ( 34 ) وقالوا الحمد لله . . . . .
) وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ( لأنهم لا يدرون ما يصنع الله عز وجل بهم
) إن ربنا لغفور ( للذنوب العظام ) شكور ) [ آية : 34 ] للحسنات وإن قلت ،
وهذا قول آخر شكور للعمل الضعيف القليل ، فهذا قول أهل الكبائر من أهل التوحيد .
فاطر : ( 35 ) الذي أحلنا دار . . . . .
ثم قالوا : الحمد لله ) الذي أحلنا دار المقامة ( يعني دار الخلود أقاموا فيها أبداً لا
يموتون ولا يتحولون عنها أبداً ) من فضله لا يمسنا فيها نصب ( لا يصيبنا في الجنة مشقة
في أجسادنا ) ولا يمسنا فيها لغوب ) [ آية : 35 ] ولا يصيبنا في الجنة عيا لما كان
يصيبهم في الدنيا من النصب في العبادة .
فاطر : ( 36 ) والذين كفروا لهم . . . . .
) والذين كفروا ( بتوحيد الله ) لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك ( هكذا ) نجزي كل كفور ) [ آية : 36 ] بالإيمان .
فاطر : ( 37 ) وهم يصطرخون فيها . . . . .
) وهم يصطرخون فيها ( يعني يستغيثون فيها والاستغاثة أنهم ينادون فيها ) ربنا
أخرجنا نعمل صلحاً غير الذي كنا نعمل ( من الشرك ، ثم قيل لهم : ( أولم نعمركم (
في الدنيا ) ما يتذكر فيه ( في العمر ) من تذكر وجاءكم النذير ( الرسول محمد
( صلى الله عليه وسلم ) ) فذوقوا ( العذاب ) فما للظالمين من نصير ) [ آية : 37 ] ما للمشركين من مانع
يمنعهم من الله عز وجل .
فاطر : ( 38 ) إن الله عالم . . . . .
) إن الله عالم غيب السماوات والأرض ( يعلم ما يكون فيهما وغيب ما في
قلوبهم أنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) إنه عليم بذات الصدور ) [ آية : 38 ] بما في
القلوب .
فاطر : ( 39 ) هو الذي جعلكم . . . . .
) هو الذي جعلكم خليف في الأرض ( من بعد الأمم الخالية ) فمن كفر فمن كفر (
بتوحيد الله ) فعليه ( عاقبة ) كفره ولا يزيد الكفارين كفرهم عند ربهم إلا مقتاً ( يقول :
الكافر لا يزداد في طول العمل إلا ازداد الله جل وعز له بغضاً ، ثم قال جل وعز : ( ولا
يزيد الكفرين كفرهم إلا خساراً ) [ آية : 39 ] لا يزداد الكافرون في طول العمل إلا
ازدادوا بكفرهم خساراً .(3/78)
صفحة رقم 79
فاطر : ( 40 ) قل أرأيتم شركاءكم . . . . .
) قل ( يا محمد لكفار مكة ) أرءيتم شركاءكم ( مع الله يعني الملائكة ) الذين تدعون ( يعني تعبدون ) من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض ( يقول : ماذا خلقت
الملائكة في الأرض كما خلق الله عز وجل أن كانوا آلهة ) أم لهم ( يعني أم لهم :
الملائكة ) شرك ( مع الله عز وجل في سلطانه ) في السموات أم ءاتينهم كتاباً فهم على بينتٍ
منه ( يقول : هل أعطينا كفار مكة فهم على بينة منه بأن مع الله عز وجل شريكاً من
الملائكة ، ثم استأنف ، فقال : ( بل إن يعد ( ما يعد ) الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ) [ آية : 40 ] ما يعد الشيطان كفار بني آدم من شفاعة الملائكة لهم في الآخرة إلا باطلاً .
تفسير سورة فاطر من الآية ( 41 ) إلى الآية ( 45 ) .
فاطر : ( 41 ) إن الله يمسك . . . . .
ثم عظم نفسه تعالى عما قالوا من الشرك ، فقال جل ثناؤه : ( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ( يقول : ألا تزولا عن موضعهما ) ولئن زالتا ( ولئن أرسلهما
فزالتا ) إن أمسكهما ( فمن يمسكهما ) من أحد من بعده ( الله يقول : لا يمسكهما من
أحد من بعده ، ثم قال في التقديم : ( إنه كان حليما ( عنهم عن قولهم الملائكة بنات الله
تعالى حين لا يعجل عليهم بالعقوبة ) غفورا ) [ آية : 41 ] ذو تجاوز .
فاطر : ( 42 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
) وأقسموا بالله ( يعني كفار مكة في الأنعام حين قالوا : ( لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ) [ الأنعام : 157 ] ) جهد أيمناهم ( بجهد الأيمان ) لئن جاءهم نذير ( يعني رسولاً ) ليكونن أهدى من إحدى الأمم ( يعني من اليهود والنصارى ،
يقول الله عز وجل : ( فلما جاءهم نذير ( وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ما زادهم إلا نفورا ) [ آية : 42 ]
ما زادهم الرسول ودعوته إلا تباعداً عن الهدى عن الإيمان .(3/79)
صفحة رقم 80
فاطر : ( 43 ) استكبارا في الأرض . . . . .
) استكباراً في الأرض ومكر السيئ ( قول الشرك ) ولا يحيق المكر السيئ ( ولا يدور
قول الشرك ) إلا بأهله ( كقوله عز وجل ) وحاق بهم ) [ هود : 8 ] ودار بهم
الآية ، ثم خوفهم ، فقال : ( فهل ينظرون ( ما ينظرون ) إلا سنت الأولين ( مثل
عقوبة الأمم الخالية ينزل بهم العذاب ببدر كما نزل بأوائلهم ) فلن تجد لسنت الله ( في
العذاب ) تبديلاً ولن تجد لسنت الله تحويلاً ) [ آية : 43 ] لا يقدر أحد أن يحول العذاب
عنهم .
فاطر : ( 44 ) أو لم يسيروا . . . . .
ثم قال جل وعز يعظهم : ( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من
قبلهم ( عاد ، وثمود ، وقوم لوط ) وكانوا أشد منهم قوة ( بطشاً ، فأهلكناهم ) وما كان الله ليعجزه ( ليفوته ) من شيءٍ ( من أحد ، كقوله عز وجل : ( وإن فاتكم شئٌ من
أزواجكم ) [ الممتحنة : 11 ] ، وقوله جل وعز في يس : ( وما أنزل الرحمن من
شيءٍ ) [ يس : 15 ] يعني من أحد ، يقول : لا يسبقه من أحد كان ) في السماوات ولا في الأرض ( فيفوته أحد كان في السماوات أو في الأرض حتى يجزيه بعمله ) إنه كان عليما ( بهم ) قديراً [ آية : 44 ] في نزول العذاب بهم إذا شاء .
فاطر : ( 45 ) ولو يؤاخذ الله . . . . .
) ولو يؤاخذ الله الناس ( كفار مكة ) بما كسبوا ( من الذنوب وهو الشرك
لعجل لهم العقوبة ، فذلك قوله عز وجل : ( ما ترك على ظهرها من دابةٍ ( فوق
الأرض من دابة لهلكت الدواب من قحط المطر ) ولكن يؤخرهم إلى أجلٍ مسمى ( إلى
الوقت الذي في اللوح المحفوظ ) فإذا جاء أجلهم ( وقت نزول العذاب بهم في الدنيا
) فإن الله كان بعباده بصيراً ) [ آية : 45 ] لم يزل الله عز وجل بعباده بصيراً .(3/80)
صفحة رقم 81
36
سورة يس
سورة يس مكية ، عدد آياتها ثلاث وثمانون آية كوفية
تفسير سورة يس من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
يس : ( 1 ) يس
) يس ) [ آية : 1 ] يعني عز وجل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : يا إنسان بلغة طئ ، ويس قلب
القرآن من قرأها فكأنما قرأ القرآن عشر مرات ، ومن قرأها ابتغاء وجه الله عز وجل ليلاً
غفر الله ذنوبه تلك الليلة ، ومن قرأها بالنهار ، فله مثل ذلك ، وذلك أن أبي بن خلف
الجمحي قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ما أرسل الله إلينا رسولاً ، وما أنت برسول وتابعه كفار مكة
على ذلك فأقسم الله عز وجل بالقرآن الحكيم يعني المحكم من الباطل .
يس : ( 2 ) والقرآن الحكيم
) والقرءان الحكيم ) [ آية : 2 ]
يس : ( 3 ) إنك لمن المرسلين
) انك ( يا محمد ) لمن المرسلين ) [ آية : 3 ]
يس : ( 4 ) على صراط مستقيم
) على صراط ( على طريق ) مستقيم ) [ آية : 4 ] دين الإسلام لأن غير دين الإسلام ليس
بمستقيم .
يس : ( 5 ) تنزيل العزيز الرحيم
ثم قال : هذا القرآن هو ) تنزيل ( من ) العزيز ( في ملكه ) الرحيم ) [ آية : 5 ]
بخلقة .
تفسير سورة يس من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 10 ) .
يس : ( 6 ) لتنذر قوما ما . . . . .
) لتنذر قوما ( بما في القرآن من الوعيد ) ما أنذر ءاباؤهم ( الأولون ) فهم غافلون ) [ آية : 6 ] .
يس : ( 7 ) لقد حق القول . . . . .
) لقد حق القول على أكثرهم ( لقوله لإبليس : ( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) [ ص : 85 ] لقد حق القول لقد وجب العذاب على أكثر أهل مكة
) فهم لا يؤمنون ) [ آية : 7 ] لا يصدقون بالقرآن .(3/81)
صفحة رقم 82
يس : ( 8 ) إنا جعلنا في . . . . .
) إنا جعلنا في أعنقهم أغللاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ) [ آية : 8 ] وذلك أن أبا
جهل بن هشام حلف لئن رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليدمغنه ، فأتاه أبو جهل وهو يصلي ومعه
الحجر فرفع الحجر ليدفع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيبست يده والتصق الحجر بيده فلما رجع إلى
أصحابه خلصوا يده فسألوه فأخبرهم بأمر الحجر ، فقال رجل آخر من بني المغيرة
المخزومي : أنا قتله ، فأخذ الحجر ، فلما دنا من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) طمس الله عز وجل على بصره
فلم ير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وسمع قراءته فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه .
يس : ( 9 ) وجعلنا من بين . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ( حين لم يروا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) [ آية : 9 ] حين لم ير أصحابه فسألوه ما صنعت ،
فقال : لقد سمعت قراءته وما رأيته .
فأنزل الله عز وجل في أبي جهل : ( إنا جعلنا في أعناقهم أغللاً فهي إلى الأذقان (
يعني بالأذقان الحنك فوق الغلصمه ، يقول رددنا أيديهم في أعناقهم فهم مقحمون يعني
أن يجمع يديه إلى عنقه ، وأنزل الله عز وجل في الرجل الآخر : ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ( يعني ظلمة فلم ير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن خلفهم سداًّ فلم ير أصحابه ،
الآية وكان معهم الوليد بن المغيرة .
يس : ( 10 ) وسواء عليهم أأنذرتهم . . . . .
) وسواءٌ عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم ( يا محمد ) لا يؤمنون ) [ آية : 10 ] بالقرآن
بأنه من الله عز وجل فلم يؤمن أحد من أولئك الرهط من بني مخزوم .
تفسير سورة يس من الآية ( 11 ) وإلى الآية ( 15 ) .
ثم نزل في أبي جهل : ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ( ) [ العلق : 9 - 10 ] ،
يس : ( 11 ) إنما تنذر من . . . . .
ثم قال جل وعز : ( إنما تنذر من اتبع الذكر ( القرآن ) وخشي الرحمن ( وخشي
عذاب الرحمن ) بالغيب ( ولم يره ) فبشره بمغفرة ( لذنوبهم ) وأجر كريم (
[ آية : 11 ] وجزاء حسناً في الجنة .
يس : ( 12 ) إنا نحن نحيي . . . . .
) إنا نحن نحي الموتى ( في الآخرة ) ونكتب ما قدموا ( في الدنيا في حياتهم(3/82)
صفحة رقم 83
من خير أو شر عملوه ) وءاثارهم ( ما استنوه من سنة خير أو شر فاقتدى به من بعد
موتهم ، وإن كان خيراً فله مثل أجر من عمل به ، ولا ينقص من أجورهم شئ ، وإن
كان شراً فعليه مثل وزر من عمل به ولا ينقص من أوزارهم شئ ، فذلك قوله عز
وجل : ( ينبؤ الإنسان يؤمئذٍ بما قدم وأخر ) [ القيامة : 13 ] ثم قال جل وعز : ( وكل
شيءٍ ( من الأعمل ) أحصيناه ( بيانه ) في إمام مبين ) [ آية : 12 ] كل شئ عملوه
في اللوح المحفوظ .
يس : ( 13 ) واضرب لهم مثلا . . . . .
) واضرب لهم مثلا ( وصف لهم يا محمد ، شبهاً لأهل مكة في الهلاك ) أصحاب القرية ( أنطاكية ) إذ جاءها المرسلون ) [ آية : 13 ] .
يس : ( 14 ) إذ أرسلنا إليهم . . . . .
) إذ أرسلنا إليهم اثنين ( تومان ويونس ) فكذبوهما فعززنا بثالث ( فقوينا يعني
فشددنا الرسولين بثالث حين صدقهما بتوحيد الله وحين أحيا الجارية وكان اسمه شمعون
وكان من الحواريين وكا وصى عيسى بن مريم ) فقالوا إنا إليكم مرسلون ) [ آية : 14 ]
فكذبوهما ولو فعلت ذلك بكم يا أهل مكة لكذبتم ، فقال شمعون للذلك : أشهد أنهما
رسولان أرسلهما ربك الذي في السماء ، فقال الملك لشمعون : أخبرني بعلامة ذلك ؟
فقال شمعون : إن ربي أمرني أن أبعث لك ابنتك ، فذهبوا إلى قبرها ، فضرب القبر برجله ،
فقال : قومي بإذن إلهنا الذي في السماء ، الذي أرسلنا إلى هذه القرية واشهدي لنا على
ولدك فخرجت الجارية من قبرها ، فعرفوها فقالت يا أهل القرية آمنوا بهؤلاء الرسل ،
وإني لأشهد أنهم أرسلوا إليكم ، فإن سلمتم يغفر لكم ربكم ، وإن أبيتم ينتقم الله منكم ،
ثم قالت لشمعون : ردني إلى مكاني فإني القوم لن يؤمنوا لكم ، فأخذ شمعون قبضة من
تراب قبرها فوضعها على رأسها ، ثم قال عودي مكانك ، فعادت ، فلم يؤمن منهم غير
حبيب النجار ، كان من بني إسرائيل ، وذلك أنه حين سمع بالرسل جاء مسرعاً فآمن
وترك عمله وكان قبله إيمانه مشركاً
يس : ( 15 ) قالوا ما أنتم . . . . .
) قالوا ( فقال القوم للرسل : ( ما أنتم إلا بشرٌ
مثلنا وما أنزل الرحمن من شيءٍ إن أنتم إلا تكذبون ) [ آية : 15 ] وكان فعل شمعون من
الحواريين فقال شمعون : إنا إليكم مرسلون أرسلنا إليكم ربكم الذي في السماء ما أنتم إلا
بشر مثلنا ما نرى لكم علينا من فضل في شئ وما أنزل الرحمن من شئ وما أرسل
الرحمن من أحد يعني لم يرسل رسولاً الآية .
تفسير سورة يس من الآية ( 16 ) إلى الآية ( 25 ) .(3/83)
صفحة رقم 84
يس : ( 16 ) قالوا ربنا يعلم . . . . .
) قالوا ( فقالت الرسل ) ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ) [ آية : 16 ] فإن كذبتمونا
يس : ( 17 ) وما علينا إلا . . . . .
) وما علينا إلا البالغ المبين ) [ آية : 17 ] ما علينا إلا أن نبلغ ونعلمكم ونبين لكم أن
الله واحد لا شريك .
يس : ( 18 ) قالوا إنا تطيرنا . . . . .
فقال القوم للرسل : ( قالوا إنا تطيرنا بكم ( يقول : تشاءمنا بكم ، وذلك أن المطر
حبس عنهم ، فقالوا : أصابنا هذا الشر يعنون قحط المطر من قبلكم ) لئن لم تنتهوا لنرجمنكم ( لئن لم تسكتوا عنا لنقتلنكم ) وليمسنكم ( يعني وليصيبنكم ) منا عذاب أليم ) [ آية : 18 ] يعني وجيعاً .
يس : ( 19 ) قالوا طائركم معكم . . . . .
) قالوا ( فقالت الرسل : ( طئركم معكم ( الذي أصابكم كان مكتوباً في أعناقكم
) أبن ذكرتم ( أئن وعظتم بالله عز وجل تطيرتم بنا ) بل أنتم قوم مسرفون ) [ آية :
19 ] قوم مشركون والشرك أسرف الذنوب .
يس : ( 20 ) وجاء من أقصى . . . . .
) وجاء من أقصا المدينة رجلٌ يسعى ( على رجليه اسمه حبيب بن ابريا ، أعور نجار ، من
بني إسرائيل كان في غار يعبد الله عز وجل فلما سمع بالرسل أتاهم وترك عمله ) قال
ياقوم اتبعوا المرسلين ) [ آية : 20 ] الثلاثة تومان ، ويونس ، وشمعون .
يس : ( 21 ) اتبعوا من لا . . . . .
) اتبعوا من لا يسئلكم أجراً وهم مهتدون ) [ آية : 21 ] فأخذوه فرفعوه إلى الملك ،
فقال له : برئت منا واتبعت عدونا .
يس : ( 22 ) وما لي لا . . . . .
فقال : ( وما لي لا أعبد الذي فطرني ( خلقني ) وإليه ترجعون ) [ آية : 22 ] .
يس : ( 23 ) أأتخذ من دونه . . . . .
) ءأتخذ من دونه ءالهةً إن يردن الرحمن بضرٍ لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ( لا تقد
الآلهة أن تشفع لي ، فتكشف الضر عني شفاعتها ) ولا ينقذون ) [ آية : 23 ] من الضر .
يس : ( 24 ) إني إذا لفي . . . . .
) إني إذاً لفي ضللٍ مبينٍ ) [ آية : 24 ] لفي خسران بين أن اتخذت من دون الله جل
وعز آلهة فوطئ حتى خرجت معاه من دبره ، فلما أمر بقتله .(3/84)
صفحة رقم 85
يس : ( 25 ) إني آمنت بربكم . . . . .
قال : يا قوم ) إني ءامنت بربكم فاسمعون ) [ آية : 25 ] فقتل ، ثم ألقى في البئر ،
وهي الرس ، وهم أصحاب الرس وقتل الرس الثلاثة .
تفسير سورة يس من الآية ( 16 ) إلى الآية ( 20 ) .
يس : ( 26 ) قيل ادخل الجنة . . . . .
) قيل ادخل الجنة ( فلما ذهبت روح حبيب إلى الجنة ودخلها وعاين ما فيها من
النعيم تمنى ف ) قال يا ليت قومي يعلمون ) [ آية : 26 ] بني إسرائيل .
يس : ( 27 ) بما غفر لي . . . . .
) بما ( بأي شيء ) غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) [ آية : 27 ] باتياعي المرسلين ،
فلو علموا لآمنوا بالرسل ، فنصح لهم في حياته ، وبعد موته .
يس : ( 28 ) وما أنزلنا على . . . . .
يقول الله عز وجل : ( وما أنزلنا على قومه من بعده ( يعني من بعد قتل حبيب
النجار ) من جند من السماء وما كنا منزلين ) [ آية : 28 ] الملائكة .
يس : ( 29 ) إن كانت إلا . . . . .
) إن كانت إلا صيحة واحدة ( من جبريل ، عليه السلام ، ليس لها مثنوية ) فإذا هم خامدون ) [ آية : 29 ] موتى مثل النار إذا طفئت لا يسمع لها صوت ، وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
إن صاحب يس اليوم في الجنة ، ومؤمن آل فرعون آل فرعون ومريم بنت عمران ، وآسية امرأة
فرعون ' .
يس : ( 30 ) يا حسرة على . . . . .
) ياحسرةً على العباد ( يا تدامة للعباد في الآخرة باستهزائهم بالرسل في الدنيا ، ثم
قال عز وجل : ( ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون ) [ آية : 30 ] .
تفسير سورة يس من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 25 ) .
يس : ( 31 ) ألم يروا كم . . . . .
ثم خوف كفار مكة ، فقال : ( ألم يروا ( ألم يعلموا ) كم أهلكنا ( بالعذاب
) قبلهم ( قبل كفار مكة ، فقال : ( من القرون
( الأمم عاد وثمود وقوم لوط ، فيرى أهل
مكة من هلاكهم ) أنهم إليهم لا يرجعون ) [ آية : 31 ] إلى الحياة الدنيا .(3/85)
صفحة رقم 86
يس : ( 32 ) وإن كل لما . . . . .
) وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) [ آية : 32 ] عندنا في الآخرة .
يس : ( 33 ) وآية لهم الأرض . . . . .
ثم وعظ كفار مكة ، فقال عز وجل : ( وءايةٌ لهم ( علامة لهم ) الأرض الميتة أحييناها ( بالمطر فتنبت ) وأخرجنا منها حبا ( السير والشعير الحبوب كلها ) فمنه يأكلون ) [ آية : 33 ] .
يس : ( 34 ) وجعلنا فيها جنات . . . . .
) وجعلنا فيها ( في الأرض ) جنات ( بساتين ) من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ) [ آية : 34 ] الجارية .
يس : ( 35 ) ليأكلوا من ثمره . . . . .
) ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم ( يقول : لم يكن ذلك من صنع أيديهم ولكنه
من فعلنا ) أفلا يشكرون ) [ آية : 35 ] رب هذه النعم فيوحدوه .
تفسير سورة يس من الآية ( 26 ) إلى الآية ( 40 ) .
يس : ( 36 ) سبحان الذي خلق . . . . .
) سبحان الذي خلق الأزواج كلها ( الأصناف كلها ) مما تنبت الأرض ( مما
تخرج الأرض من ألوان النبات والشجر ) ومن أنفسهم ( الذكر والأنثى ) ومما لا يعلمون ) [ آية : 36 ] من الخلق .
يس : ( 37 ) وآية لهم الليل . . . . .
ثم قال جل وعز : ( وءايةٌ لهم ( يقول : من علامة الرب لأهل مكة إذ لم يروه
) اليل نسلخ منه النهار ( ننزع ) فإذا هم مظلمون ) [ آية : 37 ] بالليل ، مثل قوله عز
وجل : ( الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) [ الأعراف : 175 ] .
يس : ( 38 ) والشمس تجري لمستقر . . . . .
) والشمس تجري لمستقر لها ( لوقت لها إلى يوم القيامة ، قال أبو ذر الغفاري :
غربت الشمس يوماً ، فسألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أين تغرب الشمس ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' تغرب في
عين حمئة وطينة سوداء ، ثم تخر ساجدة تحت العرش فتستأذن ، فيأذن لها ، فكأن قد قيل
لها ارجعي إلى حيث تغربين ' . ) ذلك ( الذي ذكر من الليل والنهار ، والشمس والقمر
يجري في ملكه بما قدر من أمرهما وخلقهما ) تقدير العزيز العليم ) [ آية : 38 ] .
يس : ( 39 ) والقمر قدرناه منازل . . . . .
ثم قال عز وجل : ( والقمر قدرنه منازل ( في السماء يزيد ، ثم يستوي ، ثم ينقص(3/86)
صفحة رقم 87
في آخر الشهر ) حتى عاد كالعرجون ( حتى عاد مثل الخيط كما يكون أول ما استهل
فيه كالعرجون ، يعني العذق اليابس المنحنى ) القديم ) [ آية : 39 ] الذي أتى عليه
الحول .
يس : ( 40 ) لا الشمس ينبغي . . . . .
ثم قال جل وعز : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ( فتضئ مع ضوء القمر ، لأن
الشمس سلطان النهار ، والقمر سلطان الليل ، ثم قال عز وجل : ( ولا اليل سابق
النهار ( يقول : ولا يدرك سواد الليل ضوء النهار ، فيغلبه على ضوئه ) وكل ( الليل
والنهار ) في فلك يسبحون ) [ آية : 40 ] في دوران يجرون يعني الشمس والقمر
يدخلان تحت الأرض من قبل المغرب ، فيخرجان من تحت الأرض ، حتى يخرجا من قبل
المشرق ، ثم يجريان في السماء حتى يغربا قبل المغرب ، فهذا دورانهما ، فذلك قوله عز
وجل : ( في فلك يسبحون ( يقول : وكلاهما في دوران يجريان إلى يوم القيامة .
تفسير سورة يس من الآية ( 41 ) إلى الآية ( 45 ) .
يس : ( 41 ) وآية لهم أنا . . . . .
) وءايةٌ لهم ( وعلامة لهم ، يعني كفار مكة ) أنا حملنا ذريتهم ( ذرية أهل مكة في
أصلاب آبائهم ) في الفلك المشحون ) [ آية : 41 ] يعني المرقر من الناس والدواب .
يس : ( 42 ) وخلقنا لهم من . . . . .
) وخلقنا لهم من مثله ( وجعلنا لهم من شبه سفينة نوح ) ما يركبون ) [ آية : 42 ]
فيها .
يس : ( 43 ) وإن نشأ نغرقهم . . . . .
) وإن نشأ نغرقهم ( في الماء ) فلا صريخ لهم ( لا مغيث لهم ) ولا هم ينقذون (
[ آية : 43 ] من الغرق .
يس : ( 44 ) إلا رحمة منا . . . . .
) إلا رحمة منا ( إلا نعمة منا حين لا نغرقهم ) ومتاعا إلى حين ) [ آية : 44 ] وبلاغاً
إلى آجالهم .
يس : ( 45 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم ( يقول : لا يصيبكم منا عذاب الأمم الخالية قبلكم
) وما خلفكم ( واتقوا ما بعدكم من عذاب الأمم فلا تكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) لعلكم ترحمون ) [ آية : 45 ] لكي ترحموا .(3/87)
صفحة رقم 88
تفسير سورة يس من الآية ( 46 ) إلى الآية ( 50 ) .
يس : ( 46 ) وما تأتيهم من . . . . .
) وما تأتيهم من ءايةٍ من ءايات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ) [ آية : 46 ] فلا يتفكروا .
يس : ( 47 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم أنفقوا ( وذلك أن المؤمنين قالوا بمكة لكفار قريش ، لأبي سفيان وغيره :
أنفقوا على المساكين من الذي زعمتم أنه لله ، وذلك أنهم كانوا يجعلون نصيباً لله من
الحرث والأنعام بمكة ، للمساكين ، فيقولون : هذا لله بزعمهم ، ويجعلون للآلهة نصيباً ، فإن
لم يزك ما جعلوه للآلهة من الحرث والأنعام ، وزكا ما جعلوه لله عز وجل ليس للألهة
شئ ، وهي تحتاج إلى نفقة ، فأخذوا ما جعلوه لله ، قالوا : لو شاء الله لأزكى نصيبه ولا
يعطون المساكين شيئاً مما زكى لآلهتهم .
فقال المؤمنون لكفار قريش : أنفقوا ) مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين ءامنوا (
فقالت كفار قريش : ( أنطعم ( المساكين الذي للآلهة ) من لو يشاء الله أطعمه ( يعني
رزقه لو شاء الله لأطعمه ، وقالوا لأصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إن أنتم إلا في ضللٍ مبينٍ (
[ آية : 47 ] .
يس : ( 48 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صدقين ) [ آية : 48 ] بأن العذاب نازل بنا في الدنيا
يقول الله عز وجل :
يس : ( 49 ) ما ينظرون إلا . . . . .
) ما ينظرون إلا صيحة واحدة ( لا مثنوية لها ) تأخذهم وهم يخصمون ) [ آية : 49 ] وهم يتكلمون في الأسواق ، والمجالس ، وهم أعز ما كانوا .
يس : ( 50 ) فلا يستطيعون توصية . . . . .
) فلا يستطيعون توصية ( يقول : أعجلوا عن التوصية فماتوا : ( ولا إلى أهلهم يرجعون ) [ آية : 50 ] يقول : ولا إلى منازلهم يرجعون من الأسواق ، فأخبر الله عز وجل بما يلقون في الأولى .
تفسير سورة يس من الآية ( 51 ) إلى الآية ( 55 ) .(3/88)
صفحة رقم 89
يس : ( 51 ) ونفخ في الصور . . . . .
ثم أخبر بما يلقون في الثانية إذا بعثوا ، فذلك قوله عز وجل ) ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث ( من القبور ) إلى ربهم ينسلون ) [ آية : 51 ] يخرجون إلى الله عز وجل
من قبورهم أحياء ، فلما رأوا العذاب ذكروا قول الرسل في الدنيا : أن البعث حق .
يس : ( 52 ) قالوا يا ويلنا . . . . .
) قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا ( وذلك أن أرواح الكفار كانوا يعرضون على
منازلهم من النار طرفي النهار كل يوم ، فلما كان بين النفختين رفع عنهم العذاب فرقدت
تلك الأرواح بين النفختين ، فلما بعثوا في النفخة الأخرى وعاينوا في القيامة ما كذبوا به
في الدنيا من البعث والحساب ، فدعوا بالويل ، ) قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا ( في
قراءة ابن مسعود : ' من ميتتنا ' ، قال حفظتهم من الملائكة : ( هذا ما وعد الرحمن ( على
ألسنة الرسل ، فذلك قوله عز وجل : ( وصدق المرسلون ) [ آية : 52 ] .
يس : ( 53 ) إن كانت إلا . . . . .
وذكر النفخة الثانية ، فقال سبحانه : ( إن ( يعني ما ) كانت إلا صيحةً
وحدةً ( من إسرافيل ) فإذا هم جميع ( الخلق كلهم ) لدينا ( عندنا ) محضرون (
[ آية : 53 ] بالأرض المقدسة فلسطين لنحاسبهم .
يس : ( 54 ) فاليوم لا تظلم . . . . .
) فاليوم ( في الآخرة ) لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون (
[ آية : 54 ] من الكفر جزاء الكافر النار .
يس : ( 55 ) إن أصحاب الجنة . . . . .
ثم قال جل وعز : ( إن أصحاب الجنة اليوم ( في الآخرة ) في شغل ( يعني شغلوا
بالنعيم ، بافتضاض العذارى عن ذكر أهل النار فلا يذكرونهم ولا يهتمون بهم ، ثم قال
جل وعز : ( فاكهون ) [ آية : 55 ] فكهون يعني معجبين بما هم فيه شغل النعيم
والكرامة .
تفسير سورة يس من الآية ( 56 ) إلى الآية ( 60 ) .
يس : ( 56 ) هم وأزواجهم في . . . . .
) هم وأزواجهم ( يعني الحور العين حلائلهم ) وفي ظللٍ ( ومن قرأ فاكهون ، يعني
ناعمين في ظلال كبار القصور ) على الأرائك ( على السرر عليها الحجال
) متكئون ) [ آية : 56 ] .
يس : ( 57 ) لهم فيها فاكهة . . . . .
) لهم فيها ( في الجنة ) فاكهة ولهم ما يدعون ) [ آية : 57 ] يتمنون ما شاءوا من(3/89)
صفحة رقم 90
الخير
يس : ( 58 ) سلام قولا من . . . . .
) سلام قولا من رب رحيم ) [ آية : 58 ] وذلك أن الملائكة تدخل على أهل الجنة من
كل باب يقولون : سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم
يس : ( 59 ) وامتازوا اليوم أيها . . . . .
) وامتازوا ( واعتزلوا
) اليوم ( في الآخرة ) أيها المجرمون ) [ آية : 59 ] وذلك حين اختلط الإنس والجن
والدواب دواب البر والبحر والطير ، فاقتص بعضهم من بعض ، ثم قيل لهم : كونوا تراباً
فبقى الإنس والجن خليطين إذ بعث الله عز وجل إليهم منادياً أن امتازوا اليوم يقول :
اعتزلوا اليوم أيها المجرمون ، من الصالحين .
تفسير سورة يس من الآية ( 61 ) إلى الآية ( 65 ) .
يس : ( 60 ) ألم أعهد إليكم . . . . .
) ألم أعهد إليكم ( الذين أمروا بالاعتزال ) يا بني ءادم ( في الدنيا ) أن لا تعبدوا الشيطان ( يعني إبليس وحده ، ولا تطيعوه في الشرك ) إنه لكم عدو مبين (
[ آية : 60 ] بين العداوة .
يس : ( 61 ) وأن اعبدوني هذا . . . . .
) وأن اعبدوني ( يقول : وحدوني ) هذا ( التوحيد ) صرطٌ مستقيمٌ ) [ آية :
61 ] دين الإسلام لأن غير دين الإسلام ليس بمستقيم
يس : ( 62 ) ولقد أضل منكم . . . . .
) ولقد أضل ( إبليس ) منكم (
عن الهدى ) جبلا ( خلقاً ) كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ) [ آية : 62 ] .
يس : ( 63 ) هذه جهنم التي . . . . .
فلما دنوا من النار قالت لهم خزانتها : ( هذه جهنم التي كنتم توعدون ) [ آية : 63 ]
في الدنيا ، فلما ألقوا في النار قالت لهم الخزنة :
يس : ( 64 ) اصلوها اليوم بما . . . . .
) اصلوها اليوم ( في الآخرة ) بما كنتم تكفرون ) [ آية : 64 ] في الدنيا .
يس : ( 65 ) اليوم نختم على . . . . .
) اليوم نختم ( وذلك أنهم سئلوا أي شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ، فقالوا : والله
ربنا ما كنا مشركين فيختم الله جل وعز على أفواههم وتتكلم أيديهم وأرجلهم
بشركهم ، فذلك قوله تعالى : ( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) [ آية : 65 ] بما كانوا يقولون من الشرك .
تفسير سورة يس من الآية ( 66 ) إلى الآية ( 70 ) .(3/90)
صفحة رقم 91
يس : ( 66 ) ولو نشاء لطمسنا . . . . .
) ولو نشاء لطمسنا على أعينهم ( نزلت في كفار مكة يقول : لو نشاء لحولنا
أبصارهم من الضلالة إلى الهدى ) فاستبقوا الصراط ( ولو طمست الكفر لاستبقوا
الصراط يقول : لأبصروا طريق الهدى ، ثم قال جل وعز : ( فأنى يبصرون ) [ آية :
66 ] فمن أين يبصرون الهدى إن لم أعم عليهم طريق الضلالة .
يس : ( 67 ) ولو نشاء لمسخناهم . . . . .
ثم خوفهم ، فقال جل وعز : ( ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم ( يقول
تعالى : لو شئت لمسختهم حجارة في منازلهم ليس فيها أرواح ) فما استطعوا مضياًّ ولا
يرجعون ) [ آية : 67 ] يقول : لا يتقدمون ولا يتأخرون .
يس : ( 68 ) ومن نعمره ننكسه . . . . .
) ومن نعمره ( فنطول عمره ) ننكسه في الخلق أفلا يعقلون ) [ آية : 68 ] .
يس : ( 69 ) وما علمناه الشعر . . . . .
) وما علمناه الشعر ( نزلت في عقبة بن أبي معيط وأصحابه ، قالوا :
إن القرآن شعر
) وما ينبغي له ( أن يعلمه ) ان هو ( يعني القرآن ) إلا ذكر ( تفكر ) وقرءانٌ
مبينٌ ) [ آية : 69 ] بين .
يس : ( 70 ) لينذر من كان . . . . .
) لينذر ( يعني لتنذر يا محمد بما في القرآن من الوعيد ) من كان حيا ( من كان
مهدياً في علم الله عز وجل ) ويحق القول ( ويجب العذاب ) على الكافرين ) [ آية :
70 ] بتوحيد الله عز وجل .
تفسير سورة يس من الآية ( 71 ) إلى الآية ( 75 ) .
يس : ( 71 ) أو لم يروا . . . . .
) أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا ( من فعلنا ) أنعاما ( الإبل والبقر والغنم
) فهم لها مالكون ) [ آية : 71 ] ضابطين .
يس : ( 72 ) وذللناها لهم فمنها . . . . .
) وذللناها ( كقوله عز وجل : ( ودللت قطوفها تدليلاً ) [ الإنسان : 14 ]
وذللناها فيحملون عليها ويسوقونها حيث شاءوا ، ولا تمتنع منها ) لهم فمنها ركوبهم (
حمولتهم الإبل والبقر ) ومنها يأكلون ) [ آية : 72 ] يعني الغنم .(3/91)
صفحة رقم 92
يس : ( 73 ) ولهم فيها منافع . . . . .
) ولهم فيها منافع ( في الأنعام ومنافع في الركوب عليها ، والحمل عليها ، وينتفعون
بأصوافها وأوبارها ، وأشعارها ، ثم قال عز وجل : ( و ( فيها ) ومشارب ( ألبانها
) أفلا يشكرون ) [ آية : 73 ] .
يس : ( 74 ) واتخذوا من دون . . . . .
ثم قال جل وعز : ( واتخذوا ( يعني كفار مكة ) من دون الله ءالهةً ( يعني اللات
والعزى ومناة ) لعلهم ينصرون ) [ آية : 74 ] لكي تمنعهم
يس : ( 75 ) لا يستطيعون نصرهم . . . . .
) لا يستطيعون نصرهم ( لا
تقدر الآلهة أن تمنعهم من العذاب .
ثم قال جل وعز : ( وهم لهم جند محضرون ) [ آية : 75 ] يقول كفار مكة للآلهة
حزب يغضبون لها ، ويحضرونها في الدنيا .
تفسير سورة يس من الآية ( 76 ) إلى الآية ( 80 ) .
يس : ( 76 ) فلا يحزنك قولهم . . . . .
) فلا يحزنك قولهم ( كفار مكة ) إنا نعلم ما يسرون ( من التكذيب ) وما يعلنون ) [ آية : 76 ] يظهرون من القول بألسنتهم حين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : كيف يبعث الله
هذا العظم علانية ، نزلت في أبي بن خلف الجمحي في أمر العظم ، وكان قد أضحكهم
بمقالته فهذا الذي أعلنوا ، وذلك أن أبا جهل ، والوليد بن المغيرة ، وعتبة وشيبة ابني ربيعة ،
وعقبة ، والعاص بن وائل ، كانوا جلوساً ، فقال لهم أبي بن خلف ، قال لهم في النفر من
قريش : إن محمداً يزعم أن الله يحيى الموتى ، وأنا آتيه بعظم فأسأله كيف يبعث الله هذا ؟
فانطلق أبي بن خلف فأخذ عظماً بالياً ، حائلاً نخراً ، فقال : يا محمد ، تزعم أن الله يحيى
الموتى بعد إذ بليت عظامنا وكنا تراباً تزعم أن الله يبعثنا خلقاً جديدً ، ثم جعل يفت
العظم ، ثم يذريه في الريح ، ويقول : يا محمد من يحيى هذا ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' يحيى الله
عز وجل هذا ، ثم يميتك ، ثم يبعثك ، ثم يدخلك نار جهنم ' .
يس : ( 77 ) أو لم ير . . . . .
فأنزل الله عز وجل في أبي بن خلف : ( أولم ير الإنسان ( يعني أو لم يعلم الإنسان
) أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ) [ آية : 77 ] بين الخصومة فيما يخاصم النبي
( صلى الله عليه وسلم ) عن البعث ، ثم قال :
يس : ( 78 ) وضرب لنا مثلا . . . . .
) وضرب لنا مثلا ( وصف لنا شبهاً في أمر العظم ) ونسى(3/92)
صفحة رقم 93
خلقه ( وترك المنظر في بدء خلق نفسه إذ خلق من نطفة ، ولم يكن قبل ذلك شيئاً
ف ) قال من يحي العظم وهي رميمٌ ) [ آية : 78 ] يعني بالية .
يس : ( 79 ) قل يحييها الذي . . . . .
) قل ( يا محمد لأبي ) يحييها ) ) يوم القيامة ( ( الذي أنشأها ) ) خلقها ( ( أول
مرةٍ ( في الدنيا ولم تك شيئاً ) وهو بكل خلقٍ عليمٌ ) [ آية : 79 ] عليم بخلقهم في
الدنيا عليم بخلقهم في الآخرة بعد الموت خلقاً جديداً .
يس : ( 80 ) الذي جعل لكم . . . . .
) الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون ) [ آية : 80 ] فالذي
يخرج من الشجر الأخضر النار ، فهو قادر على البعث ، ثم ذكر ما هو أعظم خلقاً من
خلق الإنسان .
تفسير سورة يس من الآية ( 81 ) إلى الآية ( 83 ) .
يس : ( 81 ) أو ليس الذي . . . . .
فقال جل وعز : ( أوليس الذي خلق السموات والأرض ( هذا أعظم خلقاً من خلق
الإنسان ) بقدرٍ على أن يخلق ) ) في الأرض ( ( مثلهم ( مثل خلقهم في الدنيا ، ثم قال
لنفسه تعالى : ( بلى ( قادر على ذلك ) وهو الخلق العليم ) [ آية : 81 ] بخلقهم في
الآخرة العليم ببعثهم .
يس : ( 82 ) إنما أمره إذا . . . . .
) إنما أمره إذاً أراد شيئاً ( أمر البعث وغيره ) أن يقول له ( مرة واحدة ) كن
فيكون ) [ آية : 82 ] لا يثنى قوله .
يس : ( 83 ) فسبحان الذي بيده . . . . .
ثم عظم نفسه عن قولهم ، فقال عز وجل : ( فسبحان الذي بيده ملكوت ) ) خلق ( ( كل شيءٍ وإليه ( من البعث وغيره ) ترجعون ) [ آية : 83 ] إلى الله عز وجل بعد الموت
لتكذيبهم .(3/93)
صفحة رقم 94
3
سورة الصافات
سورة الصافات مكية ، وعددها مائة واثنتان وثمانون آية كوفية
تفسير سورة الصافات من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
الصافات : ( 1 ) والصافات صفا
) والصفات صفاً ) [ آية : 1 ] يعني عز وجل صفوف الملائكة .
الصافات : ( 2 ) فالزاجرات زجرا
) فالزاجرات زجرا ) [ آية : 2 ] الملائكة يعني به الرعد ، وهو ملك اسمه الرعد يزجر
السحاب بصوته يسوقه إلى البلد الذي أمر أن يمطره ، والبرق مخاريق من نار يسوق بها
السحاب ، فإذا صف السحاب بعضه إلى بعض سطع منه نار فيصيب الله به من يشاء ،
وهي الصاعقة التي ذكر الله عز وجل في الرعد .
الصافات : ( 3 ) فالتاليات ذكرا
) فالتاليات ذكرا ) [ آية : 3 ] يعني به الملائكة ، وهو جبريل وحده ، عليه السلام ، يتلو
القرآن على الأنبياء من ربهم ، وهو الملقيات ذكراً ، يلقى الذكر على الأنبياء ، وذلك أن
كفار مكة قالوا : يجعل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الآلهة إلهاً واحداً .
الصافات : ( 4 ) إن إلهكم لواحد
فأقسم الله بهؤلاء الملائكة ) إن إلهاكم ( يعني أن ربكم ) لواجدٌ ) [ آية : 4 ] ليس له
شريك ، ثم عظم نفسه عن شركهم ، فقال عز وجل :
الصافات : ( 5 ) رب السماوات والأرض . . . . .
) رب السماوات والأرض وما بينهما (
يقول : أنا رب ما بينهما من شئ من الآلهة وغيرها ) و ( أنا ) ورب المشارق ) [ آية :
5 ] يعني مائة وسبعة وسبعين مشرقاً في السنة كلها ، والمغارب مثل ذلك .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 10 ) .
الصافات : ( 6 ) إنا زينا السماء . . . . .
ثم قال : ( إنا زينا السماء الدنيا ( لأنها أدنى السماء من الأرض وأقربها ) بزينة الكواكب ) [ آية : 6 ] وهي معلقة في السماء بهيئة القناديل .(3/94)
صفحة رقم 95
الصافات : ( 7 ) وحفظا من كل . . . . .
) وحفظا ( زينة السماء بالكواكب ) من كل شيطان مارد ) [ آية : 7 ] متمرد على الله
عز وجل في المعصية .
الصافات : ( 8 ) لا يسمعون إلى . . . . .
) لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ( يعني الملائكة وكانوا قبل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يسمعون كلام
الملائكة ) ويقذفون ( ويرمون ) من كل جانب ) [ آية : 8 ] من كل ناحية .
الصافات : ( 9 ) دحورا ولهم عذاب . . . . .
) دحورا ( يعني طرداً بالشهب من الكواكب ، ثم ترجع الكواكب إلى أمكنتها
) ولهم عذاب واصب ) [ آية : 9 ] يعني دائم للشياكين من يسمتع منهم ، ومن لم يستمع
عذاب دائم في الآخرة والكواكب تجرح ولا تقتل ، نظيرها في تبارك : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير ( .
[ تبارك : 5 ] .
الصافات : ( 10 ) إلا من خطف . . . . .
) إلا من خطف ( من الشياطين ) الخطفة ( يخطف من الملائكة ) فأتبعه شهاب ثاقب ) [ آية : 10 ] من الملائكة الكواكب ، يعني بالشهاب الثاقب ، ناراً مضيئة ، كقول
موسى : ( أو آتيكم بشهاب قبس ) [ النمل : 7 ] ، يعني بنار مضيئة ، فيها تقديم .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 15 ) .
الصافات : ( 11 ) فاستفتهم أهم أشد . . . . .
قال جل وعز : ( فاستفتهم ( يقول سلهم ) أهم أشد خلقا ( نزلت في أبي الأشدين
واسمه أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي ، وإنما كنى أبا الأشدين لشدة بطشه ، وفي ركانة
بن عبد يزيد بن هشام بن عبد مناف ، يقول :
سل هؤلاء أهم أشد خلقاً بعد موتهم لأنهم
كفروا بالبعث ) أم من خلقنا ( يعني خلق السماوات والأرض ، وما بينهما والمشارق ،
لأنهم يعملون أن الله جل وعز خلق هذه الأشياء ، ثم أخبر عن خلق الإنسان ، فقال جل
وعز : ( إنا خلقناهم ( يعني آدم ) من طين لازب ) [ آية : 11 ] يعني لازب بعضه في
البعض فهذا أهون خلقاً عند هذا المكذب بالبعث من خلق السماوات والأرض وما
بينهما والمشارق ، ونزلت في أبي الأشدين أيضاً ) أأنتم أشد خلقا ( بعثاً بعد الموت
) أم السماء بناها ) [ النازعات : 27 ] .
الصافات : ( 12 ) بل عجبت ويسخرون
ثم قال : ( بل عجبت ( يا محمد من القرآن حين أوحى إليك نظيرها في الرعد :
( وإن تعجب ( من القرآن ) فعجب قولهم ) [ الرعد : 5 ] ، فاعجب من قولهم(3/95)
صفحة رقم 96
بتكذيبهم بالبعث ، ثم قال جل وعز : ( ويسخرون ) [ آية : 12 ] يعني كفار مكة سخروا
من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين سمعوا منه القرآن .
الصافات : ( 13 ) وإذا ذكروا لا . . . . .
ثم قال ) وإذا ذكروا لا يذكرون ) [ آية : 13 ] وإذا وعظوا بالقرآن لا يتعظون
الصافات : ( 14 ) وإذا رأوا آية . . . . .
) وإذا رأوا
ءايةً ( يعني انشقاق القمر بمكة فصار نصفين ) يستسخرون ) [ آية : 14 ] سخروا ، فقالوا :
هذا عمل السحرة .
الصافات : ( 15 ) وقالوا إن هذا . . . . .
فذلك قوله عز وجل : ( وقالوا إن هذا إلا سحر مبين ) [ آية : 15 ] نظيرها اقتربت
الساعة : ( ويقولوا سحر مستمر ) [ القمر : 2 ] .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 16 ) إلى الآية ( 20 ) .
الصافات : ( 16 ) أئذا متنا وكنا . . . . .
) أءذا متنا وكنا تراباً وعظماً أءنا لمبعوثون ) [ آية : 16 ] بعد الموت .
الصافات : ( 17 ) أو آباؤنا الأولون
) أو ( يبعث ) ءاباؤنا
الأولون ) [ آية : 17 ] قالوا ذلك تعجباً ، يقول الله عز وجل لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) :
الصافات : ( 18 ) قل نعم وأنتم . . . . .
) قل ( لكفار
مكة : ( نعم وأنتم داخرون ) [ آية : 18 ] وأنتم صاغرون .
الصافات : ( 19 ) فإنما هي زجرة . . . . .
ثم أخبر عنهم عز وجل : ( فإنما هي زجرة واحدة ( صيحة واحدة من إسرافيل لا مثنوية
لها ) فإذا هم ينظرون ) [ آية : 19 ] إلى البعث الذي كذبوا به ، فلما نظروا وعاينوا البعث
ذكروا قول الرسل إن البعث حق .
الصافات : ( 20 ) وقالوا يا ويلنا . . . . .
) وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين ) [ آية : 20 ] يوم الحساب الذي أخبرنا به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فرددت
عليهم الحفظة من الملائكة .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 30 ) .
الصافات : ( 21 ) هذا يوم الفصل . . . . .
) هذا يوم الفصل ( يوم القضاء ) الذي كنتم به تكذبون ) [ آية : 21 ] بأنه كائن .
الصافات : ( 22 ) احشروا الذين ظلموا . . . . .
) احشروا الذين ظلموا ( الذين أشركوا من بني آدم ) وأزواجهم ( قرناءهم من(3/96)
صفحة رقم 97
الشياطين الذين أظلوهم وكل كافر مع شيطان في سلسلة واحدة ) وما كانوا يعبدون (
[ آية : 22 ] .
الصافات : ( 23 ) من دون الله . . . . .
) من دون الله ( يعني إبليس وجندة نزلت في كفار قريش نظيرها في يس : ( ألم أعهد إليكم ( الآية ) أن لا تعبدوا الشيطان ) [ يس : 6 ] ، يعني إبليس وحده
) فاهدوهم إلى صراط ( يعني ادعوهم إلى طريق ) الجحيم ) [ آية : 23 ] والجحيم ما عظم
الله عز وجل من النار .
الصافات : ( 24 ) وقفوهم إنهم مسؤولون
) وقفوهم إنهم مسئولون ) [ آية : 24 ] فلما سيقوا إلى النار حبسوا فسألهم خزنة جهنم
ألم تأتكم رسلكم بالبينات ؟ قالوا : بلى ، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين يقول
الخازن :
الصافات : ( 25 ) ما لكم لا . . . . .
) ما لكم لا تناصرون ) [ آية : 25 ] نظيرها في الشعراء : ( هل ينصرونكم (
[ الشعراء : 93 ] يقول الكفار : ما لشركائكم الشياطين لا يمنعونكم من العذاب .
الصافات : ( 26 ) بل هم اليوم . . . . .
يقول الله عز وجل لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) : ( بل هم اليوم مستسلمون ) [ آية : 26 ] للعذاب
الصافات : ( 27 ) وأقبل بعضهم على . . . . .
) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) [ آية : 27 ] يتكلمون
الصافات : ( 28 ) قالوا إنكم كنتم . . . . .
) قالوا ( : قال قائل من الكفار لشركائهم
الشياطين ) إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ) [ آية : 28 ] يعنون من قبل الحق ، نظيرها في
الحاقة : ( لأخذنا منه باليمين ) [ الحاقة : 45 ] بالحق ، وقالوا للشياطين : أنتم زينتم لنا ما
نحن عليه ، فقلتم إن هذا الذي نحن عليه هو الحق .
الصافات : ( 29 ) قالوا بل لم . . . . .
) قالوا ( قالت لهم الشياطين ) بل لم تكونوا مؤمنين ) [ آية : 29 ] مصدقين بتوحيد
الله عز وجل
الصافات : ( 30 ) وما كان لنا . . . . .
) وما كان لنا عليكم من سلطان ( من ملك فنكرهم على متابعتنا ) بل كنتم قوما طاغين ) [ آية : 30 ] عاصين .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 40 ) .
الصافات : ( 31 ) فحق علينا قول . . . . .
ثم قالت الشياطين : ( فحق علينا قول ربنا ( يوم قال لإبليس : ( لأملأن جهنم منك ) [ ص : 85 ] الآية ) إنا لذائقون ) [ آية : 31 ]
الصافات : ( 32 ) فأغويناكم إنا كنا . . . . .
) فأغويناكم ( يعني أضللناكم عن
الهدى ) إنا كنا غاوين ) [ آية : 32 ] ضالين .(3/97)
صفحة رقم 98
الصافات : ( 33 ) فإنهم يومئذ في . . . . .
يقول الله عز وجل : ( فإنهم يومئذ ( للكفار والشياطين ) في العذاب مشتركون ) [ آية :
33 ]
الصافات : ( 34 ) إنا كذلك نفعل . . . . .
) إنا كذلك نفعل بالمجرمين ) [ آية : 34 ] ثم أخبر عنهم جل وعز :
الصافات : ( 35 ) إنهم كانوا إذا . . . . .
) إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ) [ آية : 35 ] يتكبرون عن الهدى نزلت في الملأ من
قريش الذين مشوا إلى أبي طالب ، فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
قولوا لا إله إلا الله تملكون بها
العرب وتدين لكم العجم بها ' .
الصافات : ( 36 ) ويقولون أئنا لتاركوا . . . . .
) ويقولون أئنا لتاركوا ءالهتنا لشاعرٍ مجنون ) [ آية : 36 ] فقال جل وعز :
الصافات : ( 37 ) بل جاء بالحق . . . . .
) بل جاء بالحق ( يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) جاء بالتوحيد ) وصدق المرسلين ) [ آية : 37 ] قبله
الصافات : ( 38 ) إنكم لذائقوا العذاب . . . . .
) إنكم لذائقوا العذاب الأليم ) [ آية : 38 ] يعني الوجيع .
الصافات : ( 39 ) وما تجزون إلا . . . . .
) وما تجزون ( في الآخرة ) إلا ما كنتم تعملون ) [ آية : 39 ] في الدنيا من الشرك ،
جزاء الشرك النار ، ثم استثنى المؤمنين ، فقال :
الصافات : ( 40 ) إلا عباد الله . . . . .
) إلا عباد الله المخلصين ) [ آية : 40 ]
بالتوحيد لا يذوقون العذاب ، فأخبر ما أعد لهم .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 41 ) إلى الآية ( 50 ) .
الصافات : ( 41 ) أولئك لهم رزق . . . . .
فقال جل وعز : ( أولئك لهم رزق معلوم ) [ آية : 41 ] يعني بالمعلوم حين يشتهونه
يؤتون به .
الصافات : ( 42 ) فواكه وهم مكرمون
ثم بين الرزق ، فقال تبارك وتعالى : ( فواكه وهم مكرمون ) [ آية : 42 ]
الصافات : ( 43 ) في جنات النعيم
) في جنات النعيم ) [ آية : 43 ]
الصافات : ( 44 ) على سرر متقابلين
) على سرر متقابلين ) [ آية : 44 ] في الزيارة
الصافات : ( 45 ) يطاف عليهم بكأس . . . . .
) يطاف عليهم ( يعني
يتقلب عليهم بأيدي الغلمان الخدم ) بكأس ( يعني الخمر ) من معين ) [ آية : 45 ]
يعني الجاري
الصافات : ( 46 ) بيضاء لذة للشاربين
) بيضاء لذةٍ للشربين ) [ آية : 46 ]
الصافات : ( 47 ) لا فيها غول . . . . .
) لا فيها غول ( لا غائلة عليها يرجع
منها الرأس كفعل خمر الدنيا ) ولا هم عنها ينزفون ) [ آية : 47 ] يعني يسكرون فتنزف
عقولهم كخمر الدنيا .
الصافات : ( 48 ) وعندهم قاصرات الطرف . . . . .
) وعندهم قصرات الطرف ( حافظات النظر من الرجال غير أزواجهن لا يرون غيرهم
من العشق ، ثم قال : ( عين ) [ آية : 48 ] يعني حسان الأعين ،
الصافات : ( 49 ) كأنهن بيض مكنون
ثم شبههن ببياض البيض
الذي الصفرة في جوفه ، فقال : ( كأنهن بيض مكنون ) [ آية : 49 ] .(3/98)
صفحة رقم 99
الصافات : ( 50 ) فأقبل بعضهم على . . . . .
) فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) [ آية : 50 ] أي أهل الجنة حين يتكلمون ، يكلم
بعضهم بعضاً يقول :
تفسير سورة الصافات من الآية ( 51 ) إلى الآية ( 60 ) .
الصافات : ( 51 ) قال قائل منهم . . . . .
) قال قائل منهم إني كان لي قرين ) [ آية : 51 ] وذلك أن أخوين من بني إسرائيل اسم
أحدهما فطرس والآخر سلخاً ورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار ، فأما
أحدهما فأنفق ماله في طاعة الله عز وجل ، والمشرك الآخر أنفق ماله في معصية الله عز
وجل ومعيشة الدنيا ، وهما اللذان ذكرهما الله عز وجل في سورة الكهف . فلما صار
إلى الآخرة أدخل المؤمن الجنة ، وأدخل المشرك النار ، فلما أدخل الجنة المؤمن ذكر أخاه ،
فقال لإخوانه من أهل الجنة : إني كان لي قرين ، يعني صاحب .
الصافات : ( 52 ) يقول أئنك لمن . . . . .
) يقول أءنك لمن المصدقين ) [ آية : 52 ] بالبعث
الصافات : ( 53 ) أئذا متنا وكنا . . . . .
) أءذا متنا وكنا تراباً وعظماً أءنا لمدينون (
[ آية : 53 ] يعني لمحاسبين في أعمالنه ثم
الصافات : ( 54 ) قال هل أنتم . . . . .
) قال ( المؤمن لأخوانه في الجنة ) هل أنتم مطلعون ) [ آية : 54 ] إلى النار فتنظرون منزلة أخي فردوا عليه أنت أعرف به منا ، فاطلع
أنت ، ولأهل الجنة في منازلهم كوى ، فإذا شاءوا نظروا إلى أهل النار
الصافات : ( 55 ) فاطلع فرآه في . . . . .
) فاطلع ( المؤمن
) فرءاه ( فرأى أخاه ) في سواء ( يعني في وسط ) الجحيم ) [ آية : 55 ] أسود الوجه
أزرق العينين مقروناً مع شيطانه في سلسلة
الصافات : ( 56 ) قال تالله إن . . . . .
) قال ( المؤمن ) تالله إن كدت لتردين (
[ آية : 56 ] لتغوين ، فأنزل منزلك في النار .
الصافات : ( 57 ) ولولا نعمة ربي . . . . .
) ولولا نعمة ربي ( يقول : لولا ما أنعم الله علي بالإسلام ) لكنت من المحضرين (
[ آية : 57 ] النار ، ثم انقطع الكلام ، ثم أقبل المؤمن على أصحابه ، فقال :
الصافات : ( 58 ) أفما نحن بميتين
) أفما نحن بميتين ) [ آية : 58 ] عرف المؤمن أن كل نعيم معه الموت ، فليس بتام
الصافات : ( 59 ) إلا موتتنا الأولى . . . . .
) إ لا موتتنا
الأولى ( التي كانت في الدنيا ) وما نحن بمعذبين ) [ آية : 59 ] فقيل له : إنك لا تموت فيها .
الصافات : ( 60 ) إن هذا لهو . . . . .
فقال عند ذلك : ( إن هذا لهو الفوز العظيم ) [ آية : 60 ] ثم انقطع كلام المؤمن .(3/99)
صفحة رقم 100
تفسير سورة الصافات من الآية ( 61 ) إلى الآية ( 70 ) .
الصافات : ( 61 ) لمثل هذا فليعمل . . . . .
يقول الله عز وجل : ( لمثل هذا ( النعيم الذي ذكر قبل هذه الآية في قوله :
( أولئك لهم رزق معلوم ) [ الصافات : 41 ] . ) فليعمل العاملون ) [ آية : 61 ]
فليسارع المسارعين .
الصافات : ( 62 ) أذلك خير نزلا . . . . .
يقول الله عز وجل : ( أذلك خير نزلا ( للمؤمنين ) أم ( نزل الكافر ) شجرة الزقوم ) [ آية : 62 ] وهي النار للذين استكبروا عن لا إله إلا الله حين أمرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم )
بها ، ثم قال جل وعز :
الصافات : ( 63 ) إنا جعلناها فتنة . . . . .
) إنا جعلناها ( يعني الزقوم ) فتنة للظالمين ) [ آية : 63 ] يعني
لمشركي مكة منهم عبد الله بن الزبعري ، وأبو جهل بن هشام ، والملأ من قريش الذين
مشوا إلى أبي طلب ، وذلك أن ابن الزبعري ، قال : إن الزقوم بكلام اليمن التمر والزبد ،
فقال أبو جهل : يا جارية ، ابغنا تمراً وزبداً ، ثم قال لأصحابه : تزقموا من هذا الذي يخوفنا
به محمد ، يزعم أن النار تنبت الشجر والنار تحرق الشجر ، فكان الزقوم فتنة لهم ، فأخبر
الله عز وجل أنها لا تشبه النخل ، ولا طلعها كطلع النخل .
الصافات : ( 64 ) إنها شجرة تخرج . . . . .
فقال تبارك وتعالى : ( إنها شجرة تخرج ( تنبت ) في أصل الجحيم ) [ آية : 64 ]
الصافات : ( 65 ) طلعها كأنه رؤوس . . . . .
) طلعها ( تمرها ) كأنه رءوس الشياطين ) [ آية : 65 ]
الصافات : ( 66 ) فإنهم لآكلون منها . . . . .
) فإنهم لآكلون منها ( من ثمرتها
) فمالئون منها ( من ثمرها ) البطون ) [ آية : 66 ]
الصافات : ( 67 ) ثم إن لهم . . . . .
) ثم إن لهم عليها لشوبا ( يعني لمزاجاً
) من حميم ) [ آية : 67 ] يشربون على إثر الزقوم الحميم الحار الذي قد انتهى حره .
الصافات : ( 68 ) ثم إن مرجعهم . . . . .
) ثم إن مرجعهم ( يعد الزقوم وشرب الحميم ) لإلى الجحيم ) [ آية : 68 ] وذلك
قوله عز وجل : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) [ الرحمن : 44 ]
الصافات : ( 69 ) إنهم ألفوا آباءهم . . . . .
) إنهم ألفوا (
وجدوا ) ءاباءهم ضالين ) [ آية : 69 ] عن الهدى
الصافات : ( 70 ) فهم على آثارهم . . . . .
) فهم علىءاثرهم يهرعون ) [ آية : 70 ]
يقول : يسعون في مثل أعمال آبائهم .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 71 ) إلى الآية ( 80 ) .(3/100)
صفحة رقم 101
الصافات : ( 71 ) ولقد ضل قبلهم . . . . .
) ولقد ضل قبلهم ( قبل أهل مكة ) أكثر الأولين ) [ آية : 71 ] من الأمم
الصافات : ( 72 ) ولقد أرسلنا فيهم . . . . .
) ولقد أرسلنا فيهم منذرين ) [ آية : 72 ] ينذرونهم العذاب فكذبوا الرسل فعذبهم الله
عز وجل في الدنيا ، فذلك قوله عز وجل :
الصافات : ( 73 ) فانظر كيف كان . . . . .
) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ) [ آية :
73 ] يحذر كفار مكة لئلا يكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) فينزل بهم العذاب في الدنيا .
الصافات : ( 74 ) إلا عباد الله . . . . .
ثم استثنى ، فقال جل وعز : ( إلا عباد الله المخلصين ) [ آية : 74 ] الوحدين ،
فإنهم نجوا من العذاب بالتوحيد
الصافات : ( 75 ) ولقد نادانا نوح . . . . .
) ولقد نادتانا نوحٌ ( في اقتربت : ( أني مغلوب فانتصر ) [ القمر : 10 ] وفي الأنبياء [ الآية : 76 ] ، فأنجاه ربه فغرقهم بالماء ، فذلك قوله
عز وجل : ( فلنعم المجيبون ) [ آية : 75 ] يعني الرب نفسه تعالى .
الصافات : ( 76 ) ونجيناه وأهله من . . . . .
) ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ) [ آية : 76 ] الهول الشديد وهو الغرق
الصافات : ( 77 ) وجعلنا ذريته هم . . . . .
) وجعلنا ذريته ( ولد نوح ) هم الباقين ) [ آية : 77 ] وذلك أن أهل السفينة ماتوا ، ولم يكن لهم
نسل غير ولد نوح ، وكان الناس من ولد نوح ، فلذلك قال : ( هم الباقين ( فقال النبي
( صلى الله عليه وسلم ) :
سام أبو العرب ، ويافث أبو الروم ، وحام أبو الحبش ' .
الصافات : ( 78 ) وتركنا عليه في . . . . .
) وتركنا عليه في الآخرين ) [ آية : 78 ] يقول : ألقينا على نوح بعد موته ثناء حسناً ، يقال
له : من بعده في الآخرين خير ، فذلك قوله عز وجل :
الصافات : ( 79 ) سلام على نوح . . . . .
) سلام على نوح في العالمين ) [ آية :
79 ] يعني بالإسلام الثناء الحسن الذي ترك عليه من بعده في الناس .
الصافات : ( 80 ) إنا كذلك نجزي . . . . .
) إنا كذلك نجزي المحسنين ) [ آية : 80 ] هكذا نجزي كل محسن فجزاه الله عز وجل
بإحسانه الثناء الحسن في العالمين .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 81 ) إلى الآية ( 90 ) .
الصافات : ( 81 ) إنه من عبادنا . . . . .
) إنه من عبادنا المؤمنين ) [ آية : 81 ] يعني المصدقين بالتوحيد
الصافات : ( 82 ) ثم أغرقنا الآخرين
) ثم أغرقنا الآخرين ((3/101)
صفحة رقم 102
[ آية : 82 ] يعني قوم نوح
الصافات : ( 83 ) وإن من شيعته . . . . .
) وإن من شيعته لإبراهيم ) [ آية : 83 ] يقول : إبراهيم
على ملة نوح ، عليهما السلام ، قال الفراء : إبراهيم من شيعته محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
قال أبو محمد :
سألت أبا العباس عن ذلك ، فقال : كل من كان على دين رجل فهو
من شيعته ، كل نبي من شيعة إبراهيم صاحبه ، فإبراهيم من شيعة محمد ، ومحمد من شيعة
إبراهيم ، عليهما السلام .
الصافات : ( 84 ) إذ جاء ربه . . . . .
) إذ جاء ربه بقلب سليم ) [ آية : 84 ] يعني بقلب مخلص من الشرك
الصافات : ( 85 ) إذ قال لأبيه . . . . .
) إذ قال لأبيه (
آزر ) وقومه ماذا تعبدون ) [ آية : 85 ] من الأصنام
الصافات : ( 86 ) أئفكا آلهة دون . . . . .
) أئفكا ( يعني أكذباً ) ءالهةً دون
الله تريدون ) [ آية : 86 ] .
الصافات : ( 87 ) فما ظنكم برب . . . . .
) فما ظنكم برب العالمين ) [ آية : 87 ] إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره
الصافات : ( 88 ) فنظر نظرة في . . . . .
) فنظر ( إبراهيم
) نظرة في النجوم ) [ آية : 88 ] يعني الكواكب وذلك أنه رأى نجماً طلع
الصافات : ( 89 ) فقال إني سقيم
) فقال (
لقادتهم : ( إني سقيم ) [ آية : 89 ] وهو ذاهبون إلى عبدهم إني سقيم يعني وجيع ،
وذلك أنهم كانوا يعبدون الأصنام كانت اثنين وسبعين صنماً من ذهب وفضة وشبه
ونحاس وحديد وخشب ، وكان أكبر الأصنام عيناه من ياقوتتين حمراوين ، وهو من ذهب
وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم دخلوا قبل أن يخرجوا فيسجدون لها ويقربون الطعام ، ثم
يخرجون إلى عيدهم ، فإذا رجعوا من عيدهم ، فدخلوا عليها سجدوا لها ثم يتفرقون ، فلما
خرجوا إلى عيدهم اعتل إبراهيم بالطاعون ، وذلك أنهم كانوا ينظرون في النجوم ، فنظر
إبراهيم في النجوم ، فقال : إني سقيم ، قال الفراء :
كل من عمل فيه النقص ودب فيه
الفناء وكان منتظراً للموت فهو سقيم .
الصافات : ( 90 ) فتولوا عنه مدبرين
فذلك قوله عز وجل : ( فتولوا عنه مدبرين ) [ آية : 90 ] ذاهبين وقد وضعوا الطعام
والشراب بين يدي آلهتهم .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 91 ) إلى الآية ( 100 ) .
الصافات : ( 91 ) فراغ إلى آلهتهم . . . . .
) فراغ إلىءالهتهم ( إلى الصنم الكبير وهو في بيت ) فقال ( للآلهة ) ألا تأكلون ((3/102)
صفحة رقم 103
[ آية : 91 ] الطعام الذي بين أيديكم :
الصافات : ( 92 ) ما لكم لا . . . . .
) ما لكم لا تنطقون ) [ آية : 92 ] ما لكم لا
تكلمون ؟ ما لكم لا ترزدن جواباً ، أتأكلون ، أو لا تأكلون .
الصافات : ( 93 ) فراغ عليهم ضربا . . . . .
) فراغ ( يعني فمال إلى آلهتهم ) فراغ عليهم ( يعني فأقبل عليهم ) ضربا باليمين (
[ آية : 93 ] بيده اليمنى يكسرهم بالفأس ، فلما رجعوا من عيدهم ،
الصافات : ( 94 ) فأقبلوا إليه يزفون
) فأقبلوا إليه يزفون ( )
[ آية : 94 ] يمشون إلى إبراهيم يأخذونه بأيديهم
الصافات : ( 95 ) قال أتعبدون ما . . . . .
ف ) قال ( لهم إبراهيم : ( أتعبدون ما تنحتون ) [ آية : 95 ] وما تنحتون من الأصنام
الصافات : ( 96 ) والله خلقكم وما . . . . .
) والله خلقكم وما تعملون ) [ آية : 96 ]
وما تنحتون من الأصنام .
قال أبو محمد : قال الفراء : ( ضربا باليمين ( الذي حلفها عليها ، فقال : ( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ) [ الأنبياء : 57 ] ، قال أبو محمد : حدثني هناد ،
قال :
حدثنا ابن يمان ، قال : رأيت سفيان جائياً من السوق بالكوفة ، فقلت : من اين
أقبلت ؟ قال : من دار الصيادلة نهيتهم عن بيع الداذي ، وإني لأرى الشئ أنكره فلا
أستطيع تغييره ، فأبول دماً رجع إلى قول مقاتل .
الصافات : ( 97 ) قالوا ابنوا له . . . . .
) قالوا ابنوا له بنيانا ( قال ابن عباس :
بنوا حائطاً من حجارة طوله في السماء ثلاثون
ذراعاً ، وعرضه عشرون ذراعاً ) فألقوه في الجحيم ) [ آية : 97 ] في نار عظيمة قال الله
عز وجل في سورة الأنبياء : ( يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) [ الأنبياء :
69 ] ، ) وأرادو به كيداً ) [ الأنبياء : 70 ] سوءاً ، الآية وعلاهم إبراهيم ، عليه السلام ،
وسلمه الله عز وجل وحجزهم عنه ، فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى أهلكهم الله عز وجل ، فما
بقيت يومئذٍ دابة إلا جعلت تطفئ النار عن إبراهيم ، عليه السلام ، غير الوزغ كانت تنفخ
النار على إبراهيم ، فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بقتلها .
الصافات : ( 98 ) فأرادوا به كيدا . . . . .
) فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين ) [ آية : 98 ]
الصافات : ( 99 ) وقال إني ذاهب . . . . .
) وقال ) وهو ببابل ) إني
ذاهبٌ ( يعني مهاجر ) إلى ربي ( إلى رضى ربي بالأرض المقدسة ) سيهدين ) [ آية :
99 ] لدينه ، وهو أول من هاجر من الخلق ، وعه لوط وسارة ، فلما قدم الأرض المقدسة
سأل ربه الولد ، فقال :
الصافات : ( 100 ) رب هب لي . . . . .
) رب هب لي من الصالحين ) [ آية : 100 ] هب لي ولداً صالحاً ،
فاستجاب له .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 101 ) إلى الآية ( 115 ) .(3/103)
صفحة رقم 104
الصافات : ( 101 ) فبشرناه بغلام حليم
) فبشرناه بغلام حليم ) [ آية : 101 ] يعني عليم ، وهو العالم ، وهو إسحاق بن
سارة .
الصافات : ( 102 ) فلما بلغ معه . . . . .
) فلما بلغ معه ( مع أبيه ) السعي المشي إلى الجبل ) قال يابني إني أرى في
المنام ( لنذر كان عليه فيه يقول : إني أمرت في المنام ) أني أذبحك فانظر ماذا ترى (
فرد عليه إسحاق ) قال يأبت افعل ما تؤمر ( وأطع ربك فمن ثم لم يقل إسخاق
لإبراهيم ، عليهما السلام ، افعل ما رأيت ، ورأى إبراهيم ذلك ثلاث ليال متتابعات ،
وكان إسحاق قد صام وصلى قبل الذبح ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) [ آية :
102 ] على الذبح .
الصافات : ( 103 ) فلما أسلما وتله . . . . .
) فلما أسلما ( يقول : أسلما لأمر الله وطاعته ) وتله للجبين ) [ آية : 103 ] وكبه
لجبهته ، فلما أخذ بناصيته ليذبحه عرف الله تعالى منهما الصدق ، قال الفراء في قوله عز
وجل : ( ماذا ترى ( ؟ : مضموم التاء ، قال : المعنى ما ترى من الجلد والصبر على طاعة
الله عز وجل ، ومن قرأ ' ترى ' أراد إبراهيم أن يعلم ما عنده من العزم ، ثم هو ماض على
ذبحه ، كما أمره الله عز وجل رجع إلى مقاتل .
الصافات : ( 104 - 105 ) وناديناه أن يا . . . . .
) وندينه أن يإبراهيم قد صدقت الرؤيا ( في ذبح ابنك ، وخذ الكبش ) إنا
كذلك نجزي المحسنين ) [ آية : 105 ] هكذا نجزي كل محسن فجزاه الله عز وجل
بإحسانه وطاعته ، العفو عن ابنه إسحاق .
الصافات : ( 106 ) إن هذا لهو . . . . .
ثم قال عز وجل : ( إن هذا لهو البلؤا المبين ) [ آية : 106 ] يعني النعيم المبين حين
عفا عنه وفدى بالكبش
الصافات : ( 107 ) وفديناه بذبح عظيم
) وفديناه بذبحٍ عظيمٍ ) [ آية : 107 ] ببيت المقدس الكبش اسمه
رزين وكان من الوعل رعى في الجنة أربعين سنة قبل أن يذبح(3/104)
صفحة رقم 105
الصافات : ( 108 ) وتركنا عليه في . . . . .
) وتركنا ( وأبقينا ) عليه في الآخرين ) [ آية : 108 ] الثناء الحسن يقال له من بعد
موته في الأرض ، فذلك قوله عز وجل :
الصافات : ( 109 ) سلام على إبراهيم
) سلام على إبراهيم ) [ آية : 109 ] يعني بالسلام
الثناء الحسن ، يقال له من بعده في أهل الأديان ، في الناس كلهم .
الصافات : ( 110 ) كذلك نجزي المحسنين
) كذلك نجزي المحسنين ) [ آية : 110 ]
الصافات : ( 111 ) إنه من عبادنا . . . . .
) إنه من عبادنا المؤمنين ( آية : 111 ]
يعني المصدقين بالتوحيد
الصافات : ( 112 ) وبشرناه بإسحاق نبيا . . . . .
) وبشرنه بإسحاق نبياًّ من الصالحين ) [ آية : 112 ] يقول :
وبشرنا إبراهيم بنبوة إسحاق بعد العفو عنه
الصافات : ( 113 ) وباركنا عليه وعلى . . . . .
) وباركنا عليه ( على إبراهيم ) وعلى إسحاق ومن ذريتهما ( إبراهيم وإسحاق ) محسن ( مؤمن ) وظالم لنفسه ( يعني مشرك
) مبين ) [ آية : 113 ] .
الصافات : ( 114 ) ولقد مننا على . . . . .
) ولقد مننا ( أنعمنا ) على موسى وهارون ) [ آية : 114 ] بالنبوة وهلاك عدوهما
الصافات : ( 115 ) ونجيناهما وقومهما من . . . . .
) ونجيناهما وقومهما ( بني إسرائيل ) من الكرب العظيم من الكرب العظيم ) [ آية :
115 ] .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 116 ) وإلى الآية ( 120 ) .
الصافات : ( 116 ) ونصرناهم فكانوا هم . . . . .
) ونصرناهم ( على عدوهم . ) فكانوا هم الغالبين ) [ آية : 116 ] لفرعون وقومه
الصافات : ( 117 ) وآتيناهما الكتاب المستبين
) وءاتيناهما الكتاب المستبين ) [ آية : 117 ] يقول : أعيطناهم التوارة المستبين يعني بين ما
فيه .
الصافات : ( 118 ) وهديناهما الصراط المستقيم
) وهديناهما الصراط المستقيم ) [ آية : 118 ] دين الإسلام
الصافات : ( 119 ) وتركنا عليهما في . . . . .
) وتركنا عليهما في الآخرين ) [ آية : 119 ] أبقينا من بعدهما الثناء الحسن يقال لهما بعدهما ، وذلك قوله
عز وجل :
الصافات : ( 120 ) سلام على موسى . . . . .
) سلام على موسى وهارون ) [ آية : 120 ] يعني بالسلام الثناء الحسن .
الصافات : ( 121 ) إنا كذلك نجزي . . . . .
) إنا كذلك نجزي المحسنين ) [ آية : 121 ] هكذا نجزي كل من أحسن
الصافات : ( 122 ) إنهما من عبادنا . . . . .
) إنهما من عبادنا المؤمنين ) [ آية : 122 ]
الصافات : ( 123 ) وإن إلياس لمن . . . . .
) وإن إلياس ( ابن فنحن ) لمن المرسلين ) [ آية : 123 ] .(3/105)
صفحة رقم 106
الصافات : ( 124 ) إذ قال لقومه . . . . .
) إذ قال لقومه ألا تتقون ) [ آية : 124 ] يعني ألا تعبدون
الصافات : ( 125 ) أتدعون بعلا وتذرون . . . . .
) أتدعون بعلا ( أتعبدون
ربا بلغة اليمن الإله يسمى بعلاً وكان صنماً من ذهب ببعلبك بأرض الشام ، فكسره
إلياس ، ثم هرب منهم .
) وتذرون ( عبادة ) أحسن الخالقين ) [ آية : 125 ] فلا تعبدونه
الصافات : ( 126 ) الله ربكم ورب . . . . .
) الله ربكم ورب
ءابائكم الأولين ) [ آية : 126 ]
الصافات : ( 127 ) فكذبوه فإنهم لمحضرون
) فكذبوه ( فكذبوا إلياس النبي ، عليه السلام ،
)( فإنهم لمحضرون ) [ آية : 127 ] النار .
الصافات : ( 128 ) إلا عباد الله . . . . .
ثم استثنى ) إلا عباد الله المخلصين ) [ آية : 128 ] يعني المصدقين لا يحضرون النار
الصافات : ( 129 ) وتركنا عليه في . . . . .
) وتركنا عليه في الآخرين ) [ آية : 129 ]
الصافات : ( 130 ) سلام على إل . . . . .
) سلام على إل ياسين ) [ آية : 130 ] يعني بالسلام
الثناء الحسن والخير الذي ترك عليه في الآخرين .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 121 ) إلى الآية ( 144 ) .
الصافات : ( 131 ) إنا كذلك نجزي . . . . .
) إنا كذلك نجزي المحسنين ) [ آية : 131 ] هكذا نجزي كل محسن
الصافات : ( 132 ) إنه من عبادنا . . . . .
) إنه من عبادنا المؤمنين ) [ آية : 132 ] المصدقين بالتوحيد .
قال الفراء عن حيان الكلبي :
إل ياسين يعني به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فإذا قال سلام على إل
ياسين ، فالمعنى سلام على آل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وآل كل نبي من اتبعه على دينه ، وآل فرعون من اتبعه على دينه ، فذلك قوله عز وجل : ( أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) [ غافر :
46 ] . راجع إلى مقاتل :
الصافات : ( 133 ) وإن لوطا لمن . . . . .
) وإن لوطا لمن المرسلين ) [ آية : 133 ] أرسل إلى سدوم ، ودارموا ، وعامورا ،
وصابورا ، أربع مدائن كل مدينة مائة ألف
الصافات : ( 134 ) إذ نجيناه وأهله . . . . .
) إذ نجيناه وأهله أجمعين ) [ آية : 134 ] يعني
ابنتيه ريثا ، وزعونا .
الصافات : ( 135 ) إلا عجوزا في . . . . .
ثم استثنى امرأة ، فقال جل وعز : ( إلا عجوزا في الغابرين ) [ آية : 135 ] يعني في(3/106)
صفحة رقم 107
الباقين في العذاب
الصافات : ( 136 ) ثم دمرنا الآخرين
) ثم دمرنا الآخرين ) [ آية : 136 ] نظيرها في الشعراء ) الآخرين (
[ الشعراء : 172 ] ، ثم أهكلنا بقيتهم بالخسف والحصب .
الصافات : ( 137 ) وإنكم لتمرون عليهم . . . . .
) وانكم ( يا أهل مكة ) لتمرون عليهم مصبحين ) [ آية : 137 ]
الصافات : ( 138 ) وبالليل أفلا تعقلون
) وباليل أفلا
تعقلون ) [ آية : 138 ] على القرى نهاراً وليلاً وغدوة وعشية ، إذا انطلقتم إلى الشام
إلى التجارة ،
الصافات : ( 139 ) وإن يونس لمن . . . . .
) وإن يونس ( وهو ابن متى من أهل نينوى ) لمن المرسلين ) [ آية : 139 ] كان من بني إسرائيل .
الصافات : ( 140 ) إذ أبق إلى . . . . .
) إذ أبق إلى الفلك المشحون ) [ آية : 140 ] الموقر من الناس والدواب ، فساهم وذلك
أنه دخل السفينة ، فلف رأسه ونام في جانبها ، فوكل الله عز وجل به الحوت ، واسمها
اللخم ، فاحتبست سفينتهم ، ولم تجر ، فخاف القوم الغرق ، فقال بعضهم لبعض : إن فينا
لعبداً مذنباً ، قالوا له وهو ناحيتها : يا عبد الله من أنت ؟ ألا ترى أنا قد غرقنا ؟ قال : أنا
المطلوب أنا يونس بن متى ، فاقذفوني في البحر .
قالوا : نعوذ بالله أن نقذفك يا رسول الله ، فقارعهم ثلاث مرات كل ذلك يقرعونه ،
فقالوا : لا ، ولكن نكتب أسماءنا ، ثم نقذف بها في الماء ، ففعل ذلك ، فقالوا : اللهم إن
كان هذا طلبتك ، فغرق اسمه ، وخرج أسماءنا ، فغرق اسمه وارتفعت أسماؤهم ، ثم قالوا
الثانية : اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق أسماءنا وارفع اسمه ، فغرقت أسماءنا ، وارتفع اسمه ، ثم قالوا الثالثة : اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق اسمه ، وارفع أسماءنا ، فغرق اسمه
وارتفعت أسماؤهم ، فلما رأوا ذلك ثلاث مرات أخذوا بيده ليقذفوه في الماء .
ولم يكن أوحى الله إلى الحوت ماذا الذي يريد به ؟ فلما قذف أوحى إلى الحوت ،
وليس بينه وبين الماء إلا شبران ، لي في عبدي حاجة إني لم أجعل عبدي لك رزقاً ، ولكن
جعلت بطنك له مسجداً ، فلا تحسري له شعراً وبشراً ، ولا تردي عليه طعاماً ولا شراباً ،
قال : فقال له الماء والريح : أين أردت أن تهرب ؟ من الذي يعبد في السماء والأرض ،
فوالله إنا لنعبده ، وإنا لنخشى أن يعاقبنا ، وجعل يونس يذكر الله عز وجل ، ويذكر كل
شئ صنع ولا يدعوه فألهمه الله جل وعز عند الوقت ، فدعاه ففلق دعاءه البحر
والسحاب ، فنادى بالتوحيد ، ثم نزه الرب عز وجل ، أنه ليس أهل لأن يعصي ، ثم
اعترف ، فقال : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [ الأنبياء : 78 ] .
الصافات : ( 141 ) فساهم فكان من . . . . .
) فساهم فكان من المدحضين ) [ آية : 141 ] يعني فقارعهم فكان من المقروعين(3/107)
صفحة رقم 108
المغلوبين
الصافات : ( 142 ) فالتقمه الحوت وهو . . . . .
) فالتقمه الحوت وهو مليم ) [ آية : 142 ] يعني استلام إلى ربه ، قال الفراء : ألام
الرجل إذا استحق اللوم وهو مليم ، وقال أيضاً : وليم على أمر قد كان منه ، فهو ملوم
على ذلك ، رجع إلى قول مقاتل .
الصافات : ( 143 ) فلولا أنه كان . . . . .
) فلولا أنه كان ( قبل أن يلتقمه الحوت ) من المسبحين ) [ آية : 143 ] يعني من
المصلين قبل المعصية ، وكان في زمانه كثير الصلاة والذكر لله جل وعز ، فولا ذلك
الصافات : ( 144 ) للبث في بطنه . . . . .
) للبث في بطنه ( عقوبة فيه ) إلى يوم يبعثون ) [ آية : 144 ] الناس من قبورهم .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 145 ) إلى الآية ( 158 ) .
الصافات : ( 145 ) فنبذناه بالعراء وهو . . . . .
) فنبذناه ( ألقيناه ) بالعراء ( يعني البراري من الأرض التي ليس فيها نبت
) وهو سقيم ) [ آية : 145 ] يعني مستقام وجيع
الصافات : ( 146 ) وأنبتنا عليه شجرة . . . . .
) وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) [ آية :
146 ] يعني من قرع يأكل منها ، ويستظل بها ، وكانت تختلف إليه ، وعلة فيشرب من
لبنها ولا تفارقه .
الصافات : ( 147 ) وأرسلناه إلى مائة . . . . .
) وأرسلناه ( قبل أن يلتقمه الحوت ) إلى مائة ألف ( من الناس ) أو ( يعني بل
) يزيدون ) [ آية : 147 ] عشرون ألفاً على مائة ألف كقوله عز وجل : ( قاب قوسين أو أدنى ) [ النجم : 9 ] يعني بل أدنى أرسله إلى نينوى .
الصافات : ( 148 ) فآمنوا فمتعناهم إلى . . . . .
) فئامنوا ( فصدقوا
بتوحيد الله عز وجل ) فمتعناهم ( في الدنيا ) إلى حين ) [ آية : 148 ] منتهى آجالهم .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : وقال مقاتل :
كل شئ
ينبسط مثل القرع والكرم والقثاء والكشوتا ، ونحوها فهو يسمى يقطيناً .
قال الفراء : قال ابن عباس :
كل ورقة انشقت واستوت ، فهي يقطين .
وقال أبو عبيدة :
كل شجرة لا تقوم على ساق ، فهي يقطين .(3/108)
صفحة رقم 109
الصافات : ( 149 ) فاستفتهم ألربك البنات . . . . .
) فاستفتهم ( يقول للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فاسأل كفار مكة منهم النضر بن الحارث ) ألربك البنات ( يعني الملائكة ) ولهم البنون ) [ آية : 149 ] فسألهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الطور
والنجم وذلك أن جهينة ، وبنى سلمة عبدوا الملائكة وزعموا أن حياً من الملائكة يقال
لهم : الجن منهم إبليس أن الله عز وجل اتخذهم بنات لنفسه ، فقال لهم أبو بكر الصديق :
فمن أمهاتهم قالوا : سروات الجن .
الصافات : ( 150 ) أم خلقنا الملائكة . . . . .
يقول الله عز وجل : ( أم خلقنا الملئكة إناثاً وهم شهدون ) [ آية : 150 ]
الخلق الملائكة إنهم أناث نظيرها في الزخرف .
الصافات : ( 151 ) ألا إنهم من . . . . .
) ألا إنهم من إفكهم ( من كذبهم
) ليقولون ) [ آية : 151 ] .
الصافات : ( 152 ) ولد الله وإنهم . . . . .
) ولد الله وإنهم لكذبون ) [ آية : 152 ] في قولهم ، يقول الله عز وجل :
الصافات : ( 153 ) أصطفى البنات على . . . . .
) اصطفي (
استفهام ، أختار ) البنات على البنين ) [ آية : 153 ] والبنون أفضل من البنات
الصافات : ( 154 ) ما لكم كيف . . . . .
) ما لكم كيف تحكمون ) [ آية : 154 ] يعني كيف تقضون الجور حين يزعمون أن الله عز وجل
البنات ولكم البنون .
الصافات : ( 155 ) أفلا تذكرون
) أفلا تذكرون ) [ آية : 155 ] أنه لا يختار البنات على البنين
الصافات : ( 156 ) أم لكم سلطان . . . . .
) أم لكم ( بما تقولون
) سلطانٌ مبينٌ ) [ آية : 156 ] كتاب من الله عز وجل أن الملائكة بنات الله
الصافات : ( 157 ) فأتوا بكتابكم إن . . . . .
) فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين ) [ آية : 157 ] .
الصافات : ( 158 ) وجعلوا بينه وبين . . . . .
ثم قال جل وعز : ( وجعلوا ( ووصفوا ) بينه وبين الجنة نسبا ( بين الرب تعالى ،
والملائكة حين زعموا أنهم بنات الله عز وجل ) ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ) [ آية :
158 ] لقد علم ذلك الحي من الملائكة ، ومن قال : إنهم بنات الله إنهم لمحضرون النار .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 159 ) إلى الآية ( 176 ) .
الصافات : ( 159 ) سبحان الله عما . . . . .
) سبحان الله عما يصفون ) [ آية : 159 ] عما يقولون من الكذب
الصافات : ( 160 ) إلا عباد الله . . . . .
) إلا عباد الله المخلصين ) [ آية : 160 ] الموحدين ، فإنهم لا يحضرون النار .(3/109)
صفحة رقم 110
الصافات : ( 161 ) فإنكم وما تعبدون
) فإنكم ( يعني كفار مكة ) وما تعبدون ) [ آية : 161 ] من الآلهة
الصافات : ( 162 ) ما أنتم عليه . . . . .
) ما أنتم عليه (
على ما تعبدون من الأصنام ) بفاتنين ) [ آية : 162 ] يقول : بمضلين أحداً بآلهتكم
الصافات : ( 163 ) إلا من هو . . . . .
) إلا من هو صال الجحيم ) [ آية : 163 ] إلا من قدر الله عز وجل أنه يصلي الجحيم ، وسبقت له
الشقاوة .
الصافات : ( 164 ) وما منا إلا . . . . .
) وما منا إلا له مقام معلوم ) [ آية : 164 ]
الصافات : ( 165 ) وإنا لنحن الصافون
) وإنا لنحن الصافون ) [ آية : 165 ] يعني
صفوف الملائكة في السماوات في الصلاة
الصافات : ( 166 ) وإنا لنحن المسبحون
) وإنا لنحن المسبحون ) [ آية : 166 يعني
المصلين ، يخبر جبريل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعبارتهم لربهم عز وجل ، فكيف يعبدهم كفار مكة .
الصافات : ( 167 ) وإن كانوا ليقولون
قوله عز وجل : ( وإن كانوا ليقولون ) [ آية : 167 ] كفار مكة
الصافات : ( 168 ) لو أن عندنا . . . . .
) لو أن عندنا ذكرا من الأولين ) [ آية : 168 ] خبر الأمم الخالية كيف أهلكوا ، وما كان من أمرهم .
الصافات : ( 169 ) لكنا عباد الله . . . . .
) لكنا عباد الله المخلصين ) [ آية : 169 ] بالتوحيد نزلت في الملأ من قريش ، فق الله
عز وجل عليهم خبر الأولين ، وعلم الآخرين
الصافات : ( 170 ) فكفروا به فسوف . . . . .
) فكفروا به ( بالقرآن ) فسوف يعلمون (
[ آية : 170 ] هذا وعيد يعني القتل ببدر .
الصافات : ( 171 ) ولقد سبقت كلمتنا . . . . .
) ولقد سبقت كلمتنا ( بالنصر ) لعبادنا المرسلين ) [ آية : 171 ] يعني الأنبياء ، عليهم
السلام ، يعني بالكلمة قوله عز وجل : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) [ المجادلة : 21 ] ،
فهذه الكلمة التي سبقت للمرسلين .
الصافات : ( 172 ) إنهم لهم المنصورون
) إنهم لهم المنصورون ) [ آية : 172 ] على كفار قريش
الصافات : ( 173 ) وإن جندنا لهم . . . . .
) وإن جندنا لهم الغالبون ) [ آية :
173 ] حزبنا يعني المؤمنين لهم الغالبون الذين نجوا من عذاب الدنيا والآخرة ،
الصافات : ( 174 ) فتول عنهم حتى . . . . .
) فتول عنهم حتى حين ) [ آية : 174 ] يقول الله عز وجل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأعرض عن كفار مكة إلى العذاب
إلى القتل ببدر .
الصافات : ( 175 ) وأبصرهم فسوف يبصرون
) وأبصرهم ( إذا نزل بهم العذاب ببدر ) فسوف يبصرون ) [ آية : 175 ] العذاب ، فقالوا
للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : متى هذا الوعد ؟ تكذيباً به ، فأنزل الله عز وجل
الصافات : ( 176 ) أفبعذابنا يستعجلون
) أفبعذابنا يستعجلون ) [ آية :
176 ] .
تفسير سورة الصافات من الآية ( 177 ) إلى الآية ( 182 )(3/110)
صفحة رقم 111
الصافات : ( 177 ) فإذا نزل بساحتهم . . . . .
) فإذا نزل بساحتهم ( بحضرتهم ) فساء صباح ( فبئس صباح ) المنذرين ) [ آية :
177 ] الذين أنذروا العذاب ، ثم عاد فقال عز وجل :
الصافات : ( 178 ) وتول عنهم حتى . . . . .
) وتول عنهم حتى حين ) [ آية :
178 ] أعرض عنهم إلى تلك المدة القتل ببدر .
الصافات : ( 179 ) وأبصر فسوف يبصرون
) وأبصر ( وأبصر العذاب ) فسوف يبصرون ) [ آية : 179 ] العذاب ، ثم نزه نفسه
عن قولهم ، فقال جل وعز :
الصافات : ( 180 ) سبحان ربك رب . . . . .
) سبحان ربك رب العزة ( يعني عزة من يتعزز من ملوك
الدنيا ) عما يصفون ) [ آية : 180 ] عما يقولون من الكذب إن الملائكة بنات الله عز
وجل .
الصافات : ( 181 ) وسلام على المرسلين
) وسلام على المرسلين ) [ آية : 181 ] الذين بلغوا عن الله التوحيد
الصافات : ( 182 ) والحمد لله رب . . . . .
) والحمد لله رب العالمين ) [ آية : 182 ] على هلاك الآخرين الذين لم يوحدوا ربهم .(3/111)
صفحة رقم 112
38
سورة ص
مكية ، عددها ثمان وثمانون آية ، كوفي
تفسير سورة ص من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 10 ) .
ص : ( 1 ) ص والقرآن ذي . . . . .
) ص والقرءان ذي الذكر ) [ آية : 1 ] يعني ذا البيان
ص : ( 2 ) بل الذين كفروا . . . . .
) بل الذين كفروا ( بالتوحيد من
أهل مكة ) في عزة ( يعني في حمية ، كقوله في البقرة : ( أخذته العزة بالإثم (
[ البقرة : 206 ] الحمية ) وشقاق ) [ آية : 2 ] اختلاف .
ص : ( 3 ) كم أهلكنا من . . . . .
ثم خوفهم ، فقال جل وعز : ( كم أهلكنا من قبلهم ( من قبل كفار مكة ) من قرن (
من أمة بالعذاب في الدنيا ، الأمم الخالية ) فنادوا ( عند نزول العذاب في الدنيا ) ولات حين مناص ) [ آية : 3 ] يعني ليس هذا بحين قرار فخوفهم لكيلا يكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) .
ص : ( 4 ) وعجبوا أن جاءهم . . . . .
ثم قال جل وعز : ( وعجبوا أن جاءهم ( محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) منذر منهم ( رسول منهم ) وقال
الكفرون ( من أهل مكة ) هذا ساحر ( يفرق بين الإثنين ) كذاب ) [ آية : 4 ] يعنون
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين يزعم أنه رسول .
ص : ( 5 ) أجعل الآلهة إلها . . . . .
) أجعل الألهة إلهاً وحداً إن هذا لشيءٌ عجابٌ ) [ آية : 5 ] وذلك حين أسلم عمر بن
الخطاب ، رضي الله عنه ، فشق على قريش إسلام عمر ، وفرح به المؤمنون .
ص : ( 6 ) وانطلق الملأ منهم . . . . .
) وانطلق الملأ منهم ( وهم سبعة وعشرون رجلاً ، والمللأ في كلام العرب الأشراف
منهم الوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية وأبي ابنا خلف ، وغيرهم ، فقال الوليد
بن المغيرة : ( أن امشوا ( إلى أبي طالب ) واصبروا ( واثبتوا ) علي ( عبادة(3/112)
صفحة رقم 113
) ءالهتكم ( نظيرها في الفرقان : ( لولا أن صبرنا عليها ) [ الفرقان : 42 ] يعني ثبتنا ،
فقال الله عز وجل ، في الجواب : ( فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ) [ فصلت : 24 ] ،
فمشوا إلى أبي طالب ، فقالوا : أنت شيخنا وكبيرنا وسيدنا في أنفسنا وقد رأيت ما
فعلت السفهاء وإنا أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فأرسل أبو طالب إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم )
فأتاه ، فقال أبو طالب : هؤلاء قومك ، يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك ،
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' وماذا يسألوني ' ؟ قالوا : ارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال النبي
( صلى الله عليه وسلم ) لهم : ' أعطوني أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب ، وتدن لكم بها العجم ' ، فقال
أبو جهل : لله أبوك لنعطينكها وعشراً معها ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' قولوا لا إله إلا الله ' ،
فنفروا من ذلك ، فقاموا ، فقالوا : أجعل ، يعني وصف محمد الآلهة إلهاً واحداً أن تكون
الآلهة واحداً ) إن هذا لشيءٌ ( الأمر ) يراد ) [ آية : 6 ] .
ص : ( 7 ) ما سمعنا بهذا . . . . .
) ما سمعنا بهذا ( الأمر الذي يقول محمد ) في الملة الآخرة ( يعني ملة النصرانية ،
وهي آخر الملل لأن النصارى يزعمون أن مع الله عيسى ابن مريم ، ثم قال الوليد : ( إن هذا ( القرآن ) إلا اختلاق ) [ آية : 7 ] من محمد تقوله من تلقاء نفسه .
ص : ( 8 ) أأنزل عليه الذكر . . . . .
ثم قال الوليد : ( أءنزل عليه الذكر ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) من بيننا ( ونحن أكبر سناً
وأعظم شرفاً ، يقول الله عز وجل لقول الوليد : ( إن هذا إلا اختلاق ( يقول الله تعالى :
( بل هم في شك من ذكري ( يعني القرآن ) بل لما ( يعني لم ) يذوقوا عذاب ) [ آية : 8 ]
مثل قوله : ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) [ الحجرات : 14 ] ، يعني لم يدخل الإيمان
في قلوبكم .
ص : ( 9 ) أم عندهم خزائن . . . . .
) أم عندهم خزائن رحمة ربك ( يعني نعمة ربك ، وهي النبوة ، نظيرها في الزخرف :
( أهم يقسمون رحمة ربك ) [ الزخرف : 32 ] ، يعني النبوة يقول : بأيديهم مفاتيح
النبوة والرسالة ، فيضعونها حيث شاءوا ، فإنها ليست بأيديهم ولكنها بيد ) العزيز ( في
ملكه ) الوهاب ) [ آية : 9 ] الرسالة والنبوة لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
ص : ( 10 ) أم لهم ملك . . . . .
ثم قال ) أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما ( يعني كفار قريش يقول : ألهم
ملكهما وأمرهما ، بل الله يوحي الرسالة إلى من يشاء ، ثم قال : ( فليرتقوا في الأسباب (
[ آية : 10 ] يعني الأبواب إن كانوا صادقين بأن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) تخلقه من تلقاء نفسه ، يقول
الوليد : ( إن هذا إلا اختلاق ( الأسباب ، يعني الأبواب التي في السماء ، فليستمعوا(3/113)
صفحة رقم 114
إلى الوحي حين يوحي الله عز وجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
تفسير سورة ص من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 20 ) .
ص : ( 11 ) جند ما هنالك . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال : ( جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ) [ آية : 11 ] فأخبر الله
تعالى بهزيمتهم ببدر مثل قوله : ( سيهزم الجمع ) [ القمر : 45 ] ببدر والأحزاب بني
المغيرة ، وبني أمية ، وآل أبي طلحة .
ص : ( 12 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
) كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد ) [ آية : 12 ] كان يأخذ الرجل فيمده
بين أربعة أوتاد ، ووجهه إلى السماء ، وكان يوثق كل رجل إلى سارية مستلقياً بين
السماء والأرض ، فيتركه حتى يموت .
ص : ( 13 ) وثمود وقوم لوط . . . . .
) وثمود وقوم لوطٍ وأصحاب لئيكه ( يعني غيضة الشجر ، وهو المقل ، وهي قرية شعيب
يعزي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر على تكذيب كفار مكة ، كما كذبت الرسل قبله فصبروا ، ثم
قال : ( أؤلئك الأحزاب ) [ آية : 13 ] يعني الأمم الخالية .
ص : ( 14 ) إن كل إلا . . . . .
) إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ) [ آية : 14 ] يقول : فوجب عقابي عليهم
فاحذروا يا أهل مكة مثله فلا تكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، فكذبوه بالعذاب في الدنيا والآخرة ،
فقالوا : متى هذا العذاب ؟ .
ص : ( 15 ) وما ينظر هؤلاء . . . . .
فأنزل الله عز وجل : ( وما ينظر هؤلاء ( يعني كفار مكة يقول : ما ينظرون بالعذاب
) إلا صيحة واحدة ( يعني نفخة الأولى ليس لها مثنوية ، نظيرها في يس : ( صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ) [ يس : 49 ] ) ما لها من فواق ) [ آية : 15 ] يقول : ما
لها من مرد ولا رجعة .
ص : ( 16 ) وقالوا ربنا عجل . . . . .
) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا ( وذلك أن الله عز وجل ذكر في الحاقة أن الناس يعطون(3/114)
صفحة رقم 115
كتبهم بأيمانهم وشمائلهم ، فقال أبو جهل : عجل لنا قطنا ، يعني كتابنا الذي تزعم أنا
نعطي في الآخرة فعجله لنا ) قبل يوم الحساب ) [ آية : 16 ] يقول ذلك تكذيباً به .
ص : ( 17 ) اصبر على ما . . . . .
فأنزل الله عز وجل : ( اصبر على ما يقولون ( يعني أبا جهل يعزي نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر على
تكذيبهم ) واذكر عبدنا داود ( بن أشى ، ويقال : ميشا ، بن عويد بن فارض بن يهوذا بن
يعقوب ، عليه السلام ) ذا الأيد ( يعني القوة في العبادة ) إنه أواب ) [ آية : 17 ] يعني
مطيع .
ص : ( 18 ) إنا سخرنا الجبال . . . . .
) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ) [ آية : 18 ] وكان داود ، عليه السلام ،
إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه ففقه تسبيح الجبال .
ص : ( 19 ) والطير محشورة كل . . . . .
) والطير محشورة ( يعني مجموعة ، وسخرنا الطير محشورة ) كل له أواب ) [ آية : 19 ]
يقول : كل الطير لداود مطيع
ص : ( 20 ) وشددنا ملكه وآتيناه . . . . .
) وشددنا ملكه ( قال : كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون
ألفاً من بني إسرائيل ، ثم قال : ( وءاتينه الحكمة ( يعني وأعطيناه الفهم والعلم
) وفصل الخطاب ) [ آية : 20 ] يقول : وأعطيناه فصل القضاء : البينة على المدعي ، واليمين
على من أنكر .
تفسير سورة ص من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 25 ) .
ص : ( 21 ) وهل أتاك نبأ . . . . .
) وهل أئتك نبؤا ( يعني حديث ) الخصم إذ تسوروا المحراب ) [ آية : 21 ] وذلك
أن داود قال :
رب اتخذت إبراهيم خليلاً وكلمت موسى تكليماً ، فوددت أنك أعطيتني
من الذكر مثل ما أعطيتهما ، فقال له : إني ابتليتهما بما لم أبلك به ، فإن شئت ابتليتك بمثل
الذي ابتليتهما ، وأعطيتك مثل ما أعطيتهما من الذكر ، قال : نعم ، قال : أعمل عملك ،
فمكث داود ، عليه السلام ، ما شاء الله عز وجل ، يصوم نصف الدهر ، ويقوم نصف
الليل ، إذا صلى في المحراب فجاء طير حسن ملون ، فوقع إليه فتناوله ، فصار إلى الكوة ،(3/115)
صفحة رقم 116
فقام ليأخذه ، فوقع الطير في بستان ، فأشرف داود فرأى امراة تغتسل فتعجب من
حسنها ، وأبصرت المرأة ظله فنفضت شعرها فغطت جسمها ، فزاده بها عجباً ودخلت
المرأة منزلها ، وبعث داود غلاماً في أثرها إذا هي بتسامح امرأة أدريا بن حنان ، وزوجها ،
في الغزو في بعث البلقاء الذي بالشام ، مع نواب بن صوريا ابن أخت داود ، عليه
السلام ، فكتب داود إلى ابن أخته بعزيمة أن يقدم أدريا ، فيقاتل أهل البلقاء ، ولا يرجع
حتى يفتحها أو يقتل ، فقدمه فقتل ، رحمة الله عليه ، فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود ،
فولدت سليمان بن داود ، فبعث الله عز وجل إلى داود ، عليه السلام ، ملكين ليستنقذه
بالتوبة ، فأتوه يوم رأس المائة في المحراب ، وكان يوم عبادته الحرس حوله .
ص : ( 22 ) إذ دخلوا على . . . . .
) إذ دخلوا على داود ففزع منهم ( فلما رآهما داود قد تسوروا المحرب فزع داود ، وقال
في نفسه : لقد ضاع ملكي حين يدخل علي بغير أذن ، ) قالوا ( فقال أحدهما لداود :
( لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ( يعني بالعدل ) ولا تشطط (
يعني ولا تجر في القضاء ) واهدنا إلى سواء الصراط ) [ آية : 22 ] يقول : أرشدنا إلى قصد
الطريق .
ص : ( 23 ) إن هذا أخي . . . . .
ثم قال : ( إن هذا أخي ( يعني الملك الذي معه ) له تسع وتسعون نعجة ( يعني تسعة
وتسعون امرأة وهكذا كان لداود . ثم قال : ( ولي نعجة واحدة ( يعني امرأة واحدة
) فقال أكفلنيها ( يعني أعطنيها ) وعزني في الخطاب ) [ آية : 23 ] يعني غلبني في
المخاطبة ، إن دعا كان أكثر من ناصرً ، وإن بطش كان أشد مني بطشاً ، وإن تكلم كان
أبين مني في المخاطبة .
ص : ( 24 ) قال لقد ظلمك . . . . .
) قال ( داود : ( لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ( يعني بأخذه التي لك من
الواحدة ، إلى التسع والتسعين التي له ) وإن كثيرا من الخلطاء ( يعني الشركاء ) ليبغي بعضهم على بعض ( ليظلم بعضهم بعضاً ) الآ ( استثناء ، فقال : إلا ) الذين ءامنوا وعملوا
الصالحت ( لا يظلمون أحداُ ) وقليل ما هم ( يقول : هم قليل ، فلما قضى بينهما نظر
أحدهما إلى صاحبه فضحك ، فلم يفطن لهما ، فأحبا يعرفاه فصعدا تجاه وجهه ، وعلم أن
الله تبارك وتعالى ابتلاه بذلك ) وظن داود أنما فتنه ( يقول : وعلم داود أنا ابتليناه
) فاستغفر ربه وخر راكعا ( يقول : وقع ساجداً أربعين يوماً وليلة ) وأناب ) [ آية :
24 ] يعني ثم رجع من ذنبه تائباً إلى الله عز وجل ، ) وخر راكعا ( مثل قوله : ( ادخلوا الباب سجدا ) [ البقرة : 58 ] يعني ركوعاً .(3/116)
صفحة رقم 117
ص : ( 25 ) فغفرنا له ذلك . . . . .
) فغفرنا له ذلك ( يعني ذنبه ، ثم أخبر بما له في الآخرة ، فقال : ( وإن له عندنا لزلفى ( يعني لربة ) وحسن مئابٍ ) [ آية : 25 ] يعني وحسن مرجع .
تفسير سورة ص من الآية ( 26 ) من الآية ( 30 ) .
ص : ( 26 ) يا داود إنا . . . . .
) ياداود إنا جعلنك خليفةً في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ( يعني بالعدل ) ولا تتبع الهوى ( فتحكم بغير حق ) فيضلك عن سبيل الله ( يقول : يستنزلك الهوى عن طاعة الله
تعالى ) إن الذين يضلون عن سبيل الله ( يعني عن دين الإسلام ) لهم عذاب شديد بما نسوا ( يعني بما تركوا الإيمان ) يوم الحساب ) [ آية : 26 ] .
ص : ( 27 ) وما خلقنا السماء . . . . .
) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ( يعني لغير شئ ولكن خلقتهما لأمر هو
كائن ) ذلك ظن الذين كفروا ( من أهل مكة أنى خلقتهما لغير شئ ) فويل للذين كفروا من النار ) [ آية : 27 ] لما أنزل الله تبارك وتعالى في ' ن والقلم ' : ( إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ) [ القلم : 34 ] ، قال كفار قريش للمؤمنين : إنا نعطي من الخير في الآخرة
ما تعطون .
ص : ( 28 ) أم نجعل الذين . . . . .
فأنزل الله عز وجل : ( أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحت ( يعني بني هاشم ، وبني المطلب ، أخوي بني عبد مناف ، فيهم علي بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ،
وجعفر بن أبي طالب ، عليهم السلام ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب ، وطفيل بن الحارث
بن المطلب ، وزيد بن حارثة الكلبي ، وأيمن بن أم أيمن ، ومن كان يتبعه من بني هاشم
يقول : أنجعل هؤلاء ) كالمفسدين في الأرض ( بالمعاصي ، نزلت في بني عبد شمس بن عبد
مناف ، في عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة بن ربيعة ، وحنظلة بن أبي
سفيان ، وعبيدة بن سعيد بن العاص ، والعاص بن أبي أمية بن عبد شمس ، ثم قال : ( أم نجعل المتقين ( يعني بني هاشم ، وبني المطلب في الآخرة ) كالفجار ) [ آية : 28 ] .
ص : ( 29 ) كتاب أنزلناه إليك . . . . .
) كتابٌ أنزلنه إليك ( يا محمد ) مبارك ( يعني هو بركة لمن عمل بما فيه ) ليدبروا(3/117)
صفحة رقم 118
ءايته ( يعني ليسمعوا آيات القرآن ) وليتذكر ( بما فيه من المواعظ ) أولوا الألباب (
[ آية : 29 ] يعني أهل اللب والعقل .
ص : ( 30 ) ووهبنا لداود سليمان . . . . .
) ووهبنا لداود سليمان ( ثم أثنى على سليمان ، فقال سبحانه : ( نعم العبد ( وهذا
ثناء على عبده سليمان نعم العبد ، ) إنه أوابٌ ) [ آية : 30 ] يعني مطيع .
تفسير سورة ص من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 40 ) .
ص : ( 31 ) إذ عرض عليه . . . . .
) إذا عرض عليه بالعشي الصافات ( يعني بالصفن إذا رفعت الدابة إحدى يديها فتقوم
على ثلاث قوائم ، ثم قال : ( الجياد ) [ آية : 31 ] يعني السراع ، مثل قوله : ( فاذكروا
اسم الله عليها صواف ) [ الحج : 36 ] ، معلقة قائمة على ثلاث ، وذلك أن سليمان ،
عليه السلام ، صلى الأولى ، ثم جلس على كرسيه لتعرض عليه الخيل وعلى ألف فرس
كان ورثها من أبيه داود ، عليه السلام ، وكان أصابها من العمالقة ، فعرض عليه منها تسع
مائة ، فغابت الشمس ولم يصل العصر .
ص : ( 32 ) فقال إني أحببت . . . . .
فذلك قوله : ( فقال إني أحببت حب الخير ( يعني المال ، وهو الخيل الذي عرض عليه
) عن ذكر ربي ( يعني صلاة العصر ، كقوله : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن
ذكر الله ) [ النور : 37 ] ، يعني الصلوات الخمس ، ) حتى توارت بالحجاب ) [ آية : 32 ]
والحجاب جبل دون ' ق ' بمسيرة سنة تغرب الشمس من ورائه .
ص : ( 33 ) ردوها علي فطفق . . . . .
ثم قال : ( ردوها علي ( يعني كروهاً على ) فطفق مسحاً بالسوق والأعناق ) [ آية :
33 ] يقول : فجعل يمسح بالسيف سوقها وأعناقها فقطعها ، وبقي منها مائة فرس ، فما
كان في أيدي الناس اليوم فهي من نسل تلك المائة .
ص : ( 34 ) ولقد فتنا سليمان . . . . .
قوله : ( ولقد فتنا سليمان ( يعني بعدما ملك عشرين سنة ، ثم ملك أيضاً بعد الفتنة
عشرين سنة ، فذلك أربعين يقول : لقد ابتلينا سليمان أربعين يوماً ) وألقينا على كرسيه (
يعني سريره ) جسداً ( يعني رجلاً من الجن يقال له : صخر بن عفير بن عمرو بن(3/118)
صفحة رقم 119
شرحبيل ، ويقال :
إن إبليس جده ، ويقال أيضاً اسمه أسيد ) ثم أناب ) [ آية : 34 ] يقول :
ثم رجع بعد أربعين يوماً إلى ملكه وسلطانه ، وذلك أن سليمان غزا العمالقة ، فسبى من
نسائهم ، وكانت فيهم ابنة ملكهم ، فاتخذها لنفسه فاشتاقت إلى أبيها ، وكان بها من
الحسن والجمال حالاً يوصف فحزنت وهزلت وتغيرت ، فأنكرها سليمان أن يتخذ لها
شبه أبيها ، فاتخذ لها صنماً على شبه أبيها ، فكانت تنظر إليه في كل ساعة ، فذهب عنها
ما كانت تجد ، فكانت تكنس ذلك البيت وترشه ، حتى زين لها الشيطان فعبدت ذلك
الصنم بغير علم سليمان لذلك ، وكانت لسليمان جارية من أوثق أهله عنده قد كان
وكاها بخاتمه وكان سليمان لا يدخل الخلاء ، حتى يدفع خاتمه إلى تلك الجارية ، وإذا أتى
بعض نسائه فعل ذلك ، وأن سليمان أراد ذات يوم أن يدخل الخلاء ، فجاء صخر فألقاه
في البحر وجلس صخر في ملك سليمان ، وذهب عن سليمان البهاء ، والنور فخرج
يدور في قرى بني إسرائيل ، فكلما أتى سليمان قوماً رجموه وطردوه تعظيماً لسليمان ،
عليه السلام ، وكان سليمان إذا ليس خاتمه سجد له كل شئ يراه من الجن والشياطين
وتظله الطير ، وكان خرج في ملكه في ذي القعدة ، وعشر ذي الحجة ، ورجع إلى ملكه
يوم النحر .
وذلك قوله : ( ولقد فتنا سليمان ( أربعين يوماً ) ثم أناب ( يعني رجع إلى ملكه ،
وذلك أنه أتى ساحل البحر ، فوجد صياداً يصيد السمك فتصدق منه ، فتصدق عليه
بسمكة ، فشق بطنها ، فوجد الخاتم فلبسه ، فرجع إليه البهاء والنور ، وسجد له كل من
رآه وهرب صخر ، فدخل البحر ، فبعث في طلبه الشياطين ، فلم يقدروا عليه حتى
أشارت الشياطين على سليمان أن يتخذ على ساحل البحر ، كهيئة العين من الخمر ،
وجعلت الشياطين تشرب من ذلك الخمر ويلهون ، فسمع صخر جلبتهم ، فخرج إليهم ،
فقال لهم : ما هذا اللهو والطرب ، قالوا : مات سليمان بن داود وقد استرحنا منه ، غنحن
نشرب ونلهو ، فقال لهم : وأنا أيضاً أشرب وألهو معكم ، فلما شرب الخمر فسكر ،
أخذوه وأوثقوه وأتى به سليمان ، فحفر له حجراً ، فأدخل فيه وأطبق عليه بحجر آخر ،
وأذاب الرصاص ، فصب بين الحجرين وقذف به في البحر ، فهو فيه إلى اليوم .
ص : ( 35 ) قال رب اغفر . . . . .
فلما رجع سليمان إلى ملكه وسلطانه ) قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ) [ آية : 35 ] فوهب الله عز وجل له من الملك ما لم يكن له ، ولا
لأبيه داود ، عليهما السلام ، فزاده الرياح والشياطين بعد ذلك .(3/119)
صفحة رقم 120
ص : ( 36 ) فسخرنا له الريح . . . . .
فذلك قوله تعالى : ( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ) [ آية : 36 ] يقول :
مطيعة لسليمان حيث المراد أن تتوجه توجهت له ) و ( سخرنا له
ص : ( 37 ) والشياطين كل بناء . . . . .
) والشياطين كل بناء وغواص ) [ آية : 37 ] كانوا يبنون له ما يشاء من البينان ، وهو محاريب وتماثيل ويغوصون
له في البحر ، فيستخرجون له اللؤلؤ ، وكان سليمان أول من استخرج اللؤلؤ من البحر .
ص : ( 38 ) وآخرين مقرنين في . . . . .
قال : ( وءاخرين ( من مردة الشياطين ، إضمار ) مقرنين في الأصفاد ) [ آية : 38 ]
يعني موثقين في الحديد
ص : ( 39 ) هذا عطاؤنا فامنن . . . . .
) هذا عطاؤنا فامنن ( على من شئت من الشياطين ، فحل عنه
) أو أمسك ( يعني وأحبس في العمل والوثاق من شئت منهم ) بغير حساب ) [ آية :
39 ] يعني بلا تبعة عليك في الآخرة ، فيمن تمن عليه فترسله ، وفيمن نحبسه في العمل .
ثم أخبر بمنزلة سليمان في الآخرة ، فقال تعالى :
ص : ( 40 ) وإن له عندنا . . . . .
) وإن له عندنا لزلفى ( يعني لقربة
) وحسن مئابٍ ) [ آية : 40 ] يعني وحسن مرجع ، وكان لسليمان ثلاث مائة امرأة حرة
وسبع مائة سرية ، وكان لداود ، عليه السلام ، مائة امرأة حرة وتسع مائة سرية ، وكانت الأنبياء كلهم في الشدة غير داود وسليمان ، عليهما السلام .
تفسير سورة ص من الآية ( 41 ) إلى الآية ( 51 ) .
ص : ( 41 ) واذكر عبدنا أيوب . . . . .
واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه ( يعني إذ قال لربه : ( أني مسني الشيطان ( يقول :
أصابني الشيطان ) بنصبٍ ( يعني مشقة في جسده ) وعذابٍ ) [ آية : 41 ] في ماله .
ص : ( 42 ) اركض برجلك هذا . . . . .
) اركض ( يعني ادفع الأرض ) برجلك ( بأرض الشام ، فنبعت عين من تحت قدمه
فاغتسل ، فيها فخرج منها صحيحاً ، ثم مشى أربعين خطوة فدفع برجله الأخرى ، فنبعت
عين ماء أخرى ، ماء عذاب بارد شرب منها ، فذلك قوله : ( هذا مغتسلٌ ( الذي اغتسل
فيها ، ثم قال : ( باردٌ وشرابٌ ) [ آية : 42 ] الذي أشرب منه ، وكان داود يأكل سبع سنين
وسبعة أشهر ، وسبعة أيام وسبع ساعات متتابعات .(3/120)
صفحة رقم 121
ص : ( 43 ) ووهبنا له أهله . . . . .
) ووهبنا له أهله ومثلهم معهم ( فأضعف الله عز وجل له ، وكان له سبع بنين وثلاث
بنات قبل البلاء ، وولدت له امرأته بعد البلاء سبع بنين وثلاث بنات ، فأضعف الله له
) رحمة ( يعني نعمة ) منا ( ، ثم قال : ( وذكرى ( يعني تفكر ) لأولي الألباب (
[ آية : 43 ] يعني أهل اللب والعقل .
ص : ( 44 ) وخذ بيدك ضغثا . . . . .
) وخذ بيدك ضغثا ( يعني بالضغث القبضة الواحدة ، فأخذ عيدانا رطبة ، وهي الأسل
مائة عود عدد ما حلف عليه ، وكان حلف ليجلدن امرأته مائة جلدة ) فاضرب به ولا تحنث ( يعني ولا تأثم في يمينك التي حلفت عليها ، فعمد إليها فضربها بمائة عود ضربة
واحدة فأوجعها فبرئت يمينه ، وكان اسمها دنيا ، ثم أثنى الله عز وجل على أيوب ، فقال :
( إنا وجدنه صابراً ( على البلاء إضمار ) نعم العبد إنه أواب ) [ آية : 44 ] يعني مطيعاً لله
تعالى ، لما برأ أيوب فاغتسل كساه جبريل ، عليه السلام ، حلة .
ص : ( 45 ) واذكر عبادنا إبراهيم . . . . .
) واذكر ( يا محمد صبر ) عبادنا إبراهيم ( حين ألقى في النار ) و ( صبر
) وإسحاق ( للذبح ) و ( صبر ) ويعقوب ( في ذهاب بصره ، ولم يذكر إسماعيل بن
إبراهيم لأنه لم يبتل ، واسم أم يعقوب رفقاً ، ثم قال : ( أولي الأيدي ( يعني أولى القوة
في العبادة ، ثم قال : ( والأبصار ) [ آية : 45 ] يعني البصيرة في أمر الله ودينه .
ص : ( 46 ) إنا أخلصناهم بخالصة . . . . .
ثم ذكر الله تعالى هؤلاء الثلاثة إبراهيم وابنيه إسحاق ويعقوب بن إسحاق ، فقال :
( إنا أخلصناهم ( للنبوة والرسالة ) بخالصة ذكرى الدار ) [ آية : 46 ] .
حدثنا أبو جعفر ، قال :
حدثنا داود بن رشيد ، قال : حدثنا الوليد ، عن ابن جابر أنه
سمع عطاء الخراساني في قوله : ( أولي الأيدي والأبصار ( قال : القوة في العبادة
والبصر بالدين ، ) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ( يقول : وجعلناهم أذكر الناس
لدار الآخرة يعني الجنة .
ص : ( 47 ) وإنهم عندنا لمن . . . . .
) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) [ آية : 47 ] اختارهم الله على علم للرسالة
ص : ( 48 ) واذكر إسماعيل واليسع . . . . .
) واذكر ( صبر ) إسماعيل ( هو أشوبل بن هلقانا ) و ( صبر ) واليسع و ( صبر
) وذا الكفل وكل من الأخيار ) [ آية : 48 ] اختارهم الله عز وجل للنبوة ، فاصبر يا محمد
على الأذى كما صبر هؤلاء الستة على البلاء .
ص : ( 49 ) هذا ذكر وإن . . . . .
ثم قال : ( هذا ذكر ( يعني هذا بيان الذي ذكر الله من أمر الأنبياء في هذه السورة
) وإن للمتقين ( من هذه الأمة في الآخرة ) لحسن مئابٍ ) [ آية : 49 ] يعني مرجع
ص : ( 50 ) جنات عدن مفتحة . . . . .
) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ) [ آية : 50 ] .(3/121)
صفحة رقم 122
حدثنا أبو جعفر ، قال :
حدثنا بن رشيد ، قال : حدثنا جليد ، عن الحسن في قوله :
( مفتحة لهم الأبواب ( قال : أيوب يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ، يقال
لها : انفتحي ، انقفلي ، تكلم فتفهم وتتكلم .
حدثنا داود بن رشيد ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال :
سألت زهير بن محمد عن
قوله تعالى : ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) [ مريم : 62 ] ، قال : ليس في الجنة ليل ،
وهم في نور أبداً ولهم مقدار الليل بإرخاء الحجب ومقدار النهار .
ص : ( 51 ) متكئين فيها يدعون . . . . .
) متكئين فيها ( في الجنة على السرر ) يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ) [ آية :
51 ] .
تفسير سورة ص من الآية ( 52 ) إلى الآية ( 64 ) .
ص : ( 52 ) وعندهم قاصرات الطرف . . . . .
) وعندهم قصرات الطرف ( النظر عن الرجال لا ينظرن إلى غير أزواجهن لأنهن
عاشقات لأزواجهن ، قم قال : ( أتراب ) [ آية : 52 ] يعني مستويات على ميلاد واحد
بنات ثلاثة وثلاثين سنة .
ص : ( 53 ) هذا ما توعدون . . . . .
ثم قال : ( هذا ( الذي ذكر في هذه الآية ، ذكر يعني بيان من الخير في الجنة ) ما توعدون ليوم الحساب ) [ آية : 53 ] يعني ليوم الجزاء
ص : ( 54 ) إن هذا لرزقنا . . . . .
) إن هذا ( في الجنة ) لرزقنا ما له من نفاد ) [ آية : 54 ] يقول : هذا الرزق للمتقين .
ص : ( 55 ) هذا وإن للطاغين . . . . .
ثم ذكر الكفار ، فقال سبحانه : ( هذا وإن للطاغين لشر مئابٍ ) [ آية : 55 ] يعني
بئس المرجع ، ثم أخبر بالمرجع ، فقال :
ص : ( 56 ) جهنم يصلونها فبئس . . . . .
) جهنم يصلونها فبئس المهاد ) [ آية : 56 ] ما مهدوا
لأنفسهم من العذاب .
ص : ( 57 ) هذا فليذوقوه حميم . . . . .
) هذا فليذوقوه حميم ( يعني الحار الذي انتهى حره وطبخه ) وغساق ) [ آية : 57 ]
البارد الذي قد انتهى برده نظيرها في عم يتساءلون : ( حميما وغساقا ) [ النبأ : 25 ] ،(3/122)
صفحة رقم 123
فينطلق من الحار إلى البارد ، فتقطع جلودهم وتتصدع عظامهم وتحرق كما يحرق في
النار .
ص : ( 58 ) وآخر من شكله . . . . .
ثم قال : ( وءاخر من شكله أزواجٌ ) [ آية : 58 ] يقول : وآخر من شكله يعني من نحو
الحميم والغساق أصناف ، يعني ألوان من العذاب في الحميم يشبه بعضه بعضاً في شبه
العذاب
ص : ( 59 ) هذا فوج مقتحم . . . . .
) هذا فوجٌ مقحمٌ معكم ( وذلك أن القادة في الكفر المطمعين في غزاة بدر
والمستهزئين من رؤساء قريش دخلوا النار قبل الأتباع ، فقالت الخزنة للقادة وهم في
النار : ( هذا فوج ( يعني زمرة ) مقتحم معكم ( النار إضمار يعنون الأتباع ، قالت
القادة : ( لا مرحبا بهم ( قال الخزنة : ( إنهم صالوا النار ) [ آية : 59 ] معكم .
ص : ( 60 ) قالوا بل أنتم . . . . .
فردت الأتباع من كفار مكة على القادة : ( قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه ( زينتموه ) لنا ( هذا الكفر إذ تأمروننا في سورة سبأ أن تكفر بالله ، وتجعل له أنداداً
) فبئس القرار ) [ آية : 60 ] يعني فبئس المستقر .
ص : ( 61 ) قالوا ربنا من . . . . .
قالت الأتباع : ( قالوا ربنا من قدم لنا هذا ( يعني من زين لنا هذا ، يعني من سبب لنا
هذا الكفر ) فرده عذاباً ضعفاً في النار ) [ آية : 61 ]
ص : ( 62 ) وقالوا ما لنا . . . . .
) وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ) [ آية : 62 ] يعنون فقراء المؤمنين عمار ، وخباب ، وصهيب ، وبلال ، وسالم ،
ونحوهم .
ص : ( 63 ) أتخذناهم سخريا أم . . . . .
) أتخذناهم ( سخريا في الدنيا ، نظيرها في قد أفلح : ( أتخذنهم سخرياًّ ) [ آية :
المؤمنون : 110 ] ، ) أم زاغت عنهم الأبصار ) [ آية : 63 ] يقول : أم حارت أبصارهم
عناقهم معنا في النار ولا نراهم .
ص : ( 64 ) إن ذلك لحق . . . . .
) إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ) [ آية : 64 ] يعني خصومة القادة والأتباع في هذه
الآية ، ما قال بعضهم لبعض في الخصومة ، نظيرها في الأعراف ، وفي ' حم ' المؤمن حين
قالت : ( أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا ) [ الأعراف : 38 ] عن الهدى ، ثم ردت
أولاهم دخول النار على أخراهم دخول النار ، وهم الأتباع ، وقوله : ( إذ يتحاجون في النار ( إلى آخر الآية [ غافر : 47 ] .
تفسير سورة ص من الآية ( 65 ) إلى الآية ( 75 ) .(3/123)
صفحة رقم 124
ص : ( 65 ) قل إنما أنا . . . . .
) قل إنما أنا منذر ( يعني رسول ) وما من إله إلا الله الواحد ( لا شريك له
) القهار ) [ آية : 65 ] لخلقه ، ثم عظم نفسه عن شركهم ،
ص : ( 66 ) رب السماوات والأرض . . . . .
فقال سبحانه : ( رب السماوات والأرض وما بينهما ( فإن من يعبد فيهما ، فأنا ربهما ورب من فيهما ) العزيز ( في ملكه
) الغفار ) [ آية : 66 ] لمن تاب .
ص : ( 67 ) قل هو نبأ . . . . .
) قل هو نبؤاٌ عظيمٌ ) [ آية : 67 ] يعني القرآن حديث عظيم لأنه كلام الله عز وجل
ص : ( 68 ) أنتم عنه معرضون
) أنتم ( يا كفار مكة ) عنه معرضون ) [ آية : 68 ] يعني عن إيمان بالقرآن معرضون .
ص : ( 69 ) ما كان لي . . . . .
) ما كان لي من علم بالملإ الأعلى ( من الملائكة ) إذ يختصمون ) [ آية : 69 ] يعني
الخصومة حين قال لهم الرب تعالى : ( إني جاعل في الأرض خليفة ( قالت الملائكة :
( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك (
) قال ( الله لهم : ( إني أعلم ما لا تعلمون ) [ البقرة : 30 ] فهذه خصومتهم .
ص : ( 70 ) إن يوحى إلي . . . . .
) إن ( يعني إذ ) يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ) [ آية : 70 ] يعني رسول بين
ص : ( 71 ) إذ قال ربك . . . . .
) إذ
قال ربك للملئكة إني خالق بشراً من طينٍ ) [ آية : 71 ] يعني آدم ، وكان آدم ، عليه السلام ،
أول ما خلق منه عجب الذنب وآخر ما خلق منه أضفاره ، ثم ركب فيه سائر خلقه ،
يعني عجب الذنب ، وفيه يركب يوم القيامة كما ركب في الدنيا .
ص : ( 72 ) فإذا سويته ونفخت . . . . .
) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) [ آية : 72 ]
ص : ( 73 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . .
) فسجد الملئكة (
الذين كانوا في الأرض إضمار ) كلهم أجمعون ) [ آية : 73 ] ثم استثنى من الملائكة
إبليس ، وكان اسمه في الملائكة الحارث ، وسمى إبليس حين عصى أبليس من الخير .
ص : ( 74 ) إلا إبليس استكبر . . . . .
) إلا إبليس استكبر ( حين تكبر عن السجود لآدم ، عليه السلام ، ) وكان من
الكفرين ) [ آية : 74 ] في علم الله عز وجل
ص : ( 75 ) قال يا إبليس . . . . .
) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد ( ما لك ألا
تسجد ) لما خلقت بيدي أستكبرت ( يعني تكبرت ) أم كنت من العالين ) [ آية : 75 ]
يعني من المتعظمين .
تفسير سورة ص من الآية ( 76 ) إلى الآية ( 83 ) .(3/124)
صفحة رقم 125
ص : ( 76 ) قال أنا خير . . . . .
) قال أنا خيرٌ منه خلقني من نارٍ وخلقه من طينٍ ) [ آية : 76 ] والنار تغلب الطين
ص : ( 77 ) قال فاخرج منها . . . . .
) قال فاخرج منها ( يعني من الجنة ) فإنك رجيم ) [ آية : 77 ] يعني ملعون
ص : ( 78 ) وإن عليك لعنتي . . . . .
) وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ) [ آية : 78 ] .
ص : ( 79 ) قال رب فأنظرني . . . . .
) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ) [ آية : 79 ] يعني النفخة الثانية
ص : ( 80 ) قال فإنك من . . . . .
) قال فإنك من المنظرين ) [ آية : 80 ]
ص : ( 81 ) إلى يوم الوقت . . . . .
) إلى يوم الوقت المعلوم ) [ آية : 81 ] يعني إلى أجل موقوت
وهو النفخة الأولى .
ص : ( 82 ) قال فبعزتك لأغوينهم . . . . .
) قال ( إبليس لربه تبارك وتعالى : ( فبعزتك ( يقول : فبعظمتك ) لأغوينهم (
يقول : لأضلنهم ) أجمعين ) [ آية : 82 ] عن الهدى ، ثم استثنى إبليس ، فقال :
ص : ( 83 ) إلا عبادك منهم . . . . .
) إلا عبادك منهم المخلصين ) [ آية : 83 ] بالتوحيد ، فإني لا أستطيع أن أغويهم .
تفسير سورة ص من الآية ( 84 ) إلى الآية ( 88 ) .
ص : ( 84 ) قال فالحق والحق . . . . .
) قال ( الله عز وجل : ( فالحق والحق أقول ) [ آية : 84 ] يقول : قوله الحق فيها
تقديم ، وأقول الحق يعني قول الله عز وجل :
ص : ( 85 ) لأملأن جهنم منك . . . . .
) لأملأن جهنم منك ( يا إبليس ومن ذريتك
الشياطين ) وممن تبعك ( على دينك من كفار بني آدم ) منهم أجمعين ) [ آية : 85 ]
يعني من الفريقين جميعاً .
ص : ( 86 ) قل ما أسألكم . . . . .
) قل ما أسئلكم عليه من أجرٍ ( يعني من جعل ) وما أنا من المتكلفين ) [ آية : 86 ] هذا
القرآن من تلقاء نفسي
ص : ( 87 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو إلا ذكر ( يقول : ما القرآن إلا بيان ) للعالمين ) [ آية : 87 ]
ص : ( 88 ) ولتعلمن نبأه بعد . . . . .
) ولتعلمن ( يعني كفار مكة ) نبأه ( يعني القرآن ) بعد حين ) [ آية 88 ]
هذا وعيد لهم القتل ببدر ، مثل قوله في الصافات : ( فتول عنهم حتى حين (
[ الصافات : 174 ] يعني القتل ببدر .(3/125)
صفحة رقم 126
39
سورة الزمر
مكية إلا ثلاث آيات فيها نزلت في وحشي بن زيد وأصحابه بالمدينة
وهن قوله تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم (
إلى قوله : ( وأنتم لا تشعرون ) [ آية : الآيات : 53 - 54 ]
عددها خمس وسبعون آية كوفى
تفسير سورة الزمر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
الزمر : ( 1 ) تنزيل الكتاب من . . . . .
) تنزيل الكتاب من الله العزيز ( في ملكه ) الحكيم ) [ آية : 1 ] في أمره
الزمر : ( 2 ) إنا أنزلنا إليك . . . . .
) إنا أنزلنا إليك الكتاب ( يعني القرآن ) بالحق ( يقول : لم ننزله باطلاً لغير شئ
) فاعبد الله ( يقول : فوحد الله ) مخلصا له الدين ) [ آية : 2 ] يعني له التوحيد .
الزمر : ( 3 ) ألا لله الدين . . . . .
) ألا لله الدين الخالص ( يعني التوحيد وغيره من الأديان ليس بخالص ) والذين اتخذوا ( يعني كفار العرب ) من دونه أولياء ( فيها إضمار قالوا : ( ما نعبدهم (
يعني الآلهة ، نظيرها في ' حم عسق ' : ( والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم ) [ الشورى : 1 ] ، وذلك أن كفار العرب عبدوا الملائكة ، وقالوا : ما نعبدهم(3/126)
صفحة رقم 127
) إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( يعني منزلة فيشفعوا لنا إلى الله ) إن الله يحكم بينهم في ما
هم فيه ( من الدين ) يختلفون إن الله لا يهدي ( لدينه ) من هو كاذب كفار (
[ آية : 3 ] .
الزمر : ( 4 ) لو أراد الله . . . . .
) لو أراد الله أن يتخذ ولدا ( يعني عيسى ابن مريم ) لاصطفى ( يعني لاختار
) مما يخلق ما يشاء ( من الملائكة ، فإنها أطيب وأطهر من عيسى ، كقوله في الأنبياء :
( لو أردنا أن نتخذ لهوا ( يعني ولداً ، يعني عيسى ) لاتخذناه من لدنا ) [ الأنبياء :
17 ] يعني من عندنا من الملائكة ، ثم نزه نفسه عما قالوا من البهتان فقال : ( سبحانه هو الله الواحد ( لا شريك له ) القهار ) [ آية : 4 ] .
الزمر : ( 5 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
ثم عظم نفسه ، فقال : ( خلق السماوات والأرض بالحق ( لم يخلقهما باطلاً لغير
شئ ) يكور ( يعني يسلط ) اليل على النهار ويكور النهار ( يعني ويسلط النهار
) على اليل ( يعني انتقاص كل واحد منهما من الآخر ) وسخر الشمس والقمر (
لبني آدم ) كل يجري ( يعني الشمس والقمر ) لأجل مسمى ( يعني ليوم القيامة
يدل على نفسه بصنعه ليعرف توحيده ، ثم قال : ( إلا هو العزيز ( في ملكه
) الغفار ) [ آية : 5 ] لمن تاب إليه .
تفسير سورة الزمر من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 7 ) .
الزمر : ( 6 ) خلقكم من نفس . . . . .
) خلقكم من نفس واحدة ( يعني آدم ، عليه السلام ) ثم جعل منها زوجها ( يعني
حواء : ( وأنزل لكم من الأنعام ( يعني وجعل لكم من أمره مثل قوله في الأعراف : ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا ) [ الأعراف : 26 ] يقول جعلنا ، ومثل قوله : ( وأنزلنا الحديد ) [ الحديد : 25 ] يقول : وجعلنا الحديد ) وأنزل لكم من الأنعام ( يعني الإبل
والبقر والغنم ) ثمانية أزوجٍ ( يعني أصناف ، يعني أربعة ذكور ، وأربعة إناث ) يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ( يعني نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظماً ، ثم
الروح ) في ظلماتٍ ثلثٍ ( يعني البطن والرحم والمشيمة التي يكون فيها الولد ، ثم قال :(3/127)
صفحة رقم 128
) ذلكم الله ( الذي خلق هذه الأشياء هو ) ربك له الملك لا إله إلا هو فأني
تصرفون ) [ آية : 6 ] يقول : فمن أين تعدلون عنه إلى غيره .
الزمر : ( 7 ) إن تكفروا فإن . . . . .
يقول لكفار مكة : ( إن تكفروا ( بتوحيد الله ) فإن الله غني عنكم ( عن عبادتكم
) ولا يرضى لعباده الكفر ( الذين قال عز وجل : عنهم لإبليس : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) [ الحجر : 42 ] ، ) وإن تشكروا ( يعني توحدوا الله ) يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ( يقول : لا تحمل نفس خطيئة أخرى ) ثم إلى ربكم مرجعكم ( في
الآخرة ) فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور ) [ آية : 7 ] .
تفسير سورة الزمر من الآية ( 8 ) إلى الآية ( 10 ) .
الزمر : ( 8 ) وإذا مس الإنسان . . . . .
) وإذا مس ( يعني أصاب ) الإنسان ( يعني أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله
المخزومي ) ضر ( يعني بلاء أو شدة ) دعا ربه منيبا إليه ( يقول : راجعا إلى الله من
شركه موحداً يقول : اللهم اكشف ما بي ) ثم إذا خوله نعمة منه ( يقول : أعطاه الله
الخير ) نسي ( يعني ترك ) ما كان يدعوا إليه من قبل ( في ضره ) وجعل ( أبو حذيفة
) لله أندادا ( يعني شركاء ) ليضل عن سبيله ( يعني ليسترل عن دين الإسلام
) قل ( لأبي حذيفة ) تمتع بكفرك قليلا ( في الدنيا إلى أجلك ) إنك من أصحاب النار ) [ آية : 8 ] .
الزمر : ( 9 ) أم من هو . . . . .
ثم ذكر المؤمن ، فقال سبحانه : ( أمن هو قانتٌ ( يعني مطيع لله في صلاته ، وهو
عمار بن ياسر ) ءاناء اليل ساجداً ( يعني ساعات الليل ساجداً ) وقائما ( في صلاته
) يحذر ( عذاب ) الأخرة ويرجوا رحمة ربه ( يعني الجنة كمن لا يفعل ذلك ليسا
بسواء ) قل هل يستوي الذين يعلمون ( إن ما وعد الله إضمار في الآخرة من الثواب
والعقاب حق ، يعني عمار بن يسار ) والذين لا يعلمون ( يعني أبا حذيفة ) إنما يتذكر
أولوا الألباب ) [ آية : 9 ] يعني أهل اللب والعقل ، يعني عمار بن ياسر .(3/128)
صفحة رقم 129
الزمر : ( 10 ) قل يا عباد . . . . .
ثم قال : ( قل ياعباد الذين ءامنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا ( العمل ) في هذه الدنيا حسنة ( يعني الجنة ) وأرض الله واسعة ( يعني المدينة ) إنما يوفى الصابرون أجرهم ( يعني
جزاءهم الجنة وأرزاقهم فيها ) بغير حساب ) [ آية : 10 ] .
تفسير سورة الزمر من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 20 ) .
الزمر : ( 11 ) قل إني أمرت . . . . .
) قل إني أمرت أن أعبد الله ( وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
ما يحملك على
الذي أتيتنا به ، ألا تنظر إلى ملة أبيك عبد الله ، وملة جدك عبد المطلب ، وإلى سادة قومك
يعبدون اللات والعزى ومناة ، فتأخذ به ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( قل ( يا محمد ) إني أمرت أن أعبد الله ( يعني أن أوحد الله ) مخلصا له الدين ) [ آية : 11 ] يعني له التوحيد .
الزمر : ( 12 ) وأمرت لأن أكون . . . . .
) وأمرت لأن أكون أول المسلمين ) [ آية : 12 ] يعني المخلصين يتوحيد الله عز وجل
الزمر : ( 13 ) قل إني أخاف . . . . .
) قل ( لهم ) إني أخاف إن عصيت ربي ( فرجعت إلى ملة آبائي ) عذاب يوم عظيم ) [ آية :
13 ] .
الزمر : ( 14 ) قل الله أعبد . . . . .
) قل ( لهم يا محمد ) الله أعبد مخلصا ( موحداً ) له ديني ) [ آية : 14 ]
الزمر : ( 15 ) فاعبدوا ما شئتم . . . . .
) فاعبدوا (
أنتم ) ما شئتم من دونه ( من الآلهة ونزل فيهم أيضاً : ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) [ الزمر : 64 ] ) قل ( يا محمد ) إن الخاسرين الذين خسروا ( يعني غبنوا
) أنفسهم ( فصاروا إلى النار ) وأهليهم ( يعني وخسروا أهليهم من الأزواج والخدم
) يوم القيامة ألا ذلك ( يعني هذا ) هو الخسران المبين ) [ آية : 15 ] يعني البين حين لم
يوحدوا ربهم يعني وأهليهم في الدنيا .
الزمر : ( 16 ) لهم من فوقهم . . . . .
ثم قال : ( لهم من فوقهم ظلل من النار ( يعني أطباق من النار فتلهب عليهم ) ومن(3/129)
صفحة رقم 130
تحتهم ظللٌ ( يعني مهاداً من نار ) ذلك ( يقول : هذا الذي ذكر من ظلل النار ) يخوف
الله به عباده ياعباد فاتقون ) [ آية : 16 ] يعني فوحدون .
الزمر : ( 17 ) والذين اجتنبوا الطاغوت . . . . .
) والذين اجتنبوا الطاغوت ( يعني الأوثان ، وهي مؤنثة ) أن يعبدوها وأنابوا إلى الله ( يعني
ورجعوا من عبادة الأوثان إلى عبادة الله عز وجل ، فقال تعالى : ( لهم البشرى ( يعني
الجنة ) فبشر عباد ) [ آية : 17 ] فبشر عبادي بالجنة .
الزمر : ( 18 ) الذين يستمعون القول . . . . .
ثم نعتهم ، فقال : ( الذين يستمعون القول ( يعني القرآن ) فيتبعون أحسنه ( يعني
أحسن ما في القرآن من طاعة الله عز وجل ، ولا يتبعون المعاصي مثل قوله : ( واتبعوا
أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ( أي من طاعته ) أولئك الذين هداهم الله ( لدينه
) وأؤلئك هم أؤلوا الألبب ) [ آية : 18 ] يعني أهل اللب والعقل حين يستمعون فيتبعون
أحسنه من أمره ونهيه ، يعني أحسن ما فيه من أمره ونهيه ، ) ولا يتبعون السوء الذي
ذكره عن غيرهم ( .
الزمر : ( 19 ) أفمن حق عليه . . . . .
) أفمن حق عليه ( يعني وجب عليه ) كلمة العذاب ( يعني يوم قال لإبليس :
( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) [ هود : 119 ] ، ) أفأنت تنقذ من في النار (
[ آية : 19 ]
الزمر : ( 20 ) لكن الذين اتقوا . . . . .
) لكن الذين اتقوا ( وحدوا ) ربهم لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ ( ثم نعت
الغرف ، فقال : ( مبنيةٌ ( فيها تقديم ) تجري من تحتها ( تجري العيون من تحت الغرف ،
يعني أسفل منها ) الأنهر وعد الله ( هذا الخير ) لا يخلف الله الميعاد ) [ آية : 20 ] ما
وعدهم .
تفسير سورة الزمر من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 25 ) .
الزمر : ( 21 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم نر أن الله أنزل من السماء ماءً فسلكه ينبيع ( يعني فجعله عيوناً وركاياً ) في(3/130)
صفحة رقم 131
الأرض ثم يخرج به ( بالماء ) زرعاً مختلفاً ألوانه ثم يهيج ( يعني يبيس ) فتراه ( بعد
الخضرة ) مصفراًّ ثم يجعله حطاماً ( يعني هالكاً ، نظيرها : ( لا يحطمنكم سليمان
وجنوده ) [ النمل : 18 ] يعني لا يهلكنكم سليمان هذا مثل ضربه الله في الدنيا كمثل
النبت ، بينما هو أخضر إذ تغير فيبس ، ثم هلك ، فكذلك تهلك الدنيا بعد بهجتها
وزينتها ) إن في ذلك لذكرى ( يعني تفكر ) لأولي الألباب ) [ آية : 21 ] .
الزمر : ( 22 ) أفمن شرح الله . . . . .
) أفمن شرح الله صدره للإسلام ( يقول : أفمن وسع الله قلبه للتوحيد ) فهو على
نورٍ ( يعني على هدى ) من ربه ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) فويلٌ للقاسية ( يعني الجافية
) قلوبهم ( فلم تلن ، يعني أبا جهل ) من ذكر الله ( يعني عن توحيد الله ) أولئك في
ضللٍ مبينٍ ) [ آية : 22 ] يعني أبا جهل يقول الله تعالى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ليس المشرح صدره
بتوحيد الله كالقاسي قلبه ليسا بسواء .
الزمر : ( 23 ) الله نزل أحسن . . . . .
) الله نزل أحسن الحديث ( يعني القرآن ) كتبا متشابهاً ( يشبه بعضه بعضاً
) مثاني ( يعني يثني الأمر في القرآن مرتين أو ثلاثاً ، أو أكثر من نحو ذكر الأمم الخالية ،
ومن نحو ذكر الأنبياء ، ومن نحو ذكر آدم ، عليه السلام ، وإبليس ، ومن نحوه ذكر الجنة
والنار ، والبعث والحساب ، ومن نحو ذكر النبت والمطر ، ومن نحو ذكر العذاب ، ومن نحو
ذكر موسى وفرعون ، ثم قال : ( تقشعر منه ( يعني مما في القرآن من الوعيد ) جلود
الذين يخشون ) ) عذاب ( ( ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ( يعني إلى الجنة
وما فيها من الثواب ، ثم قال : ( ذلك ( الذي ذكر من القرآن ) هدى الله يهدي به (
يعني بالقرآن ) من يشاء ( لدينه ) ومن يضلل الله ) ) عن دينه ( ( فما له من هادٍ (
[ آية : 23 ] إلى دينه يقول : من أضله الله عن الهدى ، فلا أحد يهديه إليه .
الزمر : ( 24 ) أفمن يتقي بوجهه . . . . .
وقوله تعالى : أفمن يتقي بوجهه سوء ( يعني شدة ) العذاب يوم القيامة ( يقول :
ليس الضال الذي يتقي النار بوجهه كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه ، ليس
بسواء ، يقول الكافر يتقي بوجهه شدة العذاب ، وهو في النار مغلولة يده إلى عنقه ، وفي
عنقه حجر ضخم مثل الجبل العظيم من كبريت تشتعل النار في الحجر ، وهو معلق في
عنقه ، وتشتعل على وجهه فحرها ووهجها على وجهه لا يطيق دفعها عن وجهه من
أجل الأغلال التي في يده وعنقه ) وقيل ( وقالت الخزنة : ( للظالمين ذوقوا ( العذاب
ب ) ما كنتم تكسبون ) [ آية : 24 ] من الكفر والتكذيب .(3/131)
صفحة رقم 132
الزمر : ( 25 ) كذب الذين من . . . . .
) كذب الذين من قبلهم ( يعني قبل كفار مكة كذبوا رسلهم بالعذاب في الآخرة
بأنه غير نازل بهم ) فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) [ آية : 25 ] وعن غافلون
عنه .
تفسير سورة الزمر من الآية ( 26 ) إلى الآية ( 31 ) .
الزمر : ( 26 ) فأذاقهم الله الخزي . . . . .
) فأذاقهم الله الخزي ( يعني العذاب ) في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر ( مما
أصابهم في الدنيا ) لو كانوا يعلمون ) [ آية : 26 ] . ولكنهم لا يعلمون قوله :
الزمر : ( 27 ) ولقد ضربنا للناس . . . . .
) ولقد ضربنا ( يعني وضعنا ) للناس في هذا القرءان من كل مثلٍ ( من كل شبه ) لعلهم يتذكرون ) [ آية : 27 ] يعني كي يؤمنوا به .
الزمر : ( 28 ) قرآنا عربيا غير . . . . .
ثم قال : وصفنا ) قرءاناً عربياً ( ليفقهوه ) غير ذي عوج ( يعني ليس مختلفاً ، ولكنه
مستقيم ) لعلهم يتقون ) [ آية : 28 ]
الزمر : ( 29 ) ضرب الله مثلا . . . . .
) ضرب الله مثلا ( وذلك أن كفار قريش دعوا
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى ملة آبائه وإلى عبادة اللات والعزى ومناة ، فضرب لهم مثلاً ولآلهتهم مثلاً
الذين يعبدون من دون الله عز وجل ، فقال : ( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون (
يعني مختلفين يملكونه جميعاً ، ثم قال : ( ورجلا سلما لرجل ( يعني خالصاً لرجل لا
يشركه فيه أحد ، يقول : فهل يستويان ؟ يقول : هل يستوي من عبد آلهة شتى مختلفة يعني
الكفار والذي يعبد رباً واحداً يعني المؤمنين ؟ فذلك قوله : ( هل يستويان مثلا ( فقالوا :
لا يعني هل يستويان في الشبهن فخصهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . فقال : قل : ( الحمد لله ( حين
خصمهم ) بل أكثرهم لا يعلمون ) [ آية : 29 ] توحيد ربهم .
الزمر : ( 30 ) إنك ميت وإنهم . . . . .
فذلك قوله : ( إنك ميت ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وإنهم ميتون ) [ آية : 30 ] يعني أهل
مكة
الزمر : ( 31 ) ثم إنكم يوم . . . . .
) ثم إنكم يوم القيمة ( أنت يا محمد وكفار مكة يوم القيامة ) عند ربكم تختصمون ) [ آية : 31 ] .
تفسير سورة الزمر من الآية ( 32 ) إلى الآية ( 35 ) .(3/132)
صفحة رقم 133
الزمر : ( 32 ) فمن أظلم ممن . . . . .
) فمن أظلم ممن كذب على الله ( بأن له شريكاً ) وكذب بالصدق ( يعني بالحق وهو التوحيد ) إذ جاءه ( يعني لما جاءه البيان هذا المكب بالتوحيد ) أليس في جهنم مثوى ( يعني مأوى ) للكافرين ) [ آية : 32 ] .
الزمر : ( 33 ) والذي جاء بالصدق . . . . .
) والذين جاء بالصدق ( يعني بالحق ، وهو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جاء بالتوحيد ) وصدق به (
يعني بالتوحيد ، المؤمنون صدقوا بالذي جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، والمؤمنون أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ،
فذلك قوله : ( أؤلئك هم المتقون ) [ آية : 33 ] الشرك من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
الزمر : ( 34 ) لهم ما يشاؤون . . . . .
) لهم ما يشاءون ( في الجنة ) عند ربهم ( من الخير يعني ) ذلك جزاء المحسنين ) [ آية : 34 ] يعني الموحدين
الزمر : ( 35 ) ليكفر الله عنهم . . . . .
) ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ( من
المساوئ يعني يمحوها بالتوحيد ) ويجزيهم ( بالتوحيد ) أجرهم ( يعني جزاءهم
) بأحسن الذي كانوا يعملون ) [ آية : 35 ] يقول : يجزيهم بالمحاسن ولا يجزيهم بالمساوئ .
تفسير سورة الزمر من الآية ( 26 ) إلى الآية ( 40 ) .
الزمر : ( 36 ) أليس الله بكاف . . . . .
) أليس الله ( يعني أما الله ) بكاف عبده ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يكفيه عدوه ، ثم قال :
( ويخوفونك بالذين ( يعبدون ) من دونه ( اللات والعزى ومناة ، وذلك أن كفار
مكة ، قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
إن نخاف أن يصيبك من آلهتنا اللات والعزى ومناة جنون أو
خبل ، قوله : ( ومن يضلل الله ( عن الهدى ) فما له من هادٍ ) [ آية : 36 ] يهديه
للإسلام .
الزمر : ( 37 ) ومن يهد الله . . . . .
) ومن يهد الله ( لدينه ) فما له من مضل ( يقول : لا يستطيع أحد أن يضله(3/133)
صفحة رقم 134
) أليس الله بعزيز ( يعني بمنيع في ملكه ) ذي انتقام ) [ آية : 37 ] من عدوه يعني
كفار مكة .
الزمر : ( 38 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم ( يا محمد ) من خلق السماوات والأرض ( قال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
من
خلقهما ؟ قالوا : الله خلقهما ) ليقولن الله ( قال الله عز وجل لنبيه ، عليه السلام :
( قل أفرءيتم ما تدعون ( يعني تعبدون ) من دون الله ( من الآلهة ) إن أرادني الله (
يعني أصابني الله ) بضر ( يعني ببلاء أو شدة ) هل هن ( يعني الآلهة ) كاشفات ضره ( يقول : هل تقدر الآلهة أن تكشف ما نزل بي من النضر ) أو أرادني برحمة (
يعني بخير وعافية ) هل هن ( يعني الآلهة ) ممسكات رحمته ( يقول : هل تقدر الآلهة
أن تحبس عني هذه الرحمة ، فسألهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذلك فسكتوا ولم يجيبوه ، قال الله عز
وجل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( قل حسبي الله عليه يتوكل ( يعني يثق ) المتوكلون ) [ آية : 38 ]
يعني الواثقون .
الزمر : ( 39 ) قل يا قوم . . . . .
) قل ياقوم اعملوا على مكانتكم ( يعني على جديلتكم التي أنتم عليها ) إني عامل ( على جديلتي التي أمرت بها ) فسوف تعلمون ) [ آية : 39 ] هذا وعيد
الزمر : ( 40 ) من يأتيه عذاب . . . . .
) من يأتيه عذاب يخزيه ( يعني يهينه في الدنيا ) و ( من ) ويحل ( يعني يجب
) عليه عذاب مقيم ) [ آية : 40 ] يقول : دائم لا يزول عنه في الآخرة .
تفسير سورة الزمر من الآية ( 41 ) إلى الآية ( 45 ) .
الزمر : ( 41 ) إنا أنزلنا عليك . . . . .
) أنا أنزلنا عليك الكتاب ( يعني القرآن ) للناس بالحق فمن اهتدى ( بالقرآن
) فلنفسه ومن ضل ( عن الإيمان بالقرآن ) فإنما يضل عليها ( يقول : فضلالته على
نفسه ، يعني إثم ضلالته على نفسه ) وما أنت ( يا محمد ) عليهم بوكيل ) [ آية :(3/134)
صفحة رقم 135
41 ] يعني بمسيطر نسختها آية السيف .
الزمر : ( 42 ) الله يتوفى الأنفس . . . . .
) الله يتوفى الأنفس حين موتها ( يقول : عند أجلها ، يعني التي قضى الله عليها
الموت ، فيمسكها على الجسد في التقديم ) والتي لم تمت في منامها ( فتلك الأخرى
التي يرسلها إلى الجسد ) فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات ( لعلامات ) لقوم يتفكرون ) [ آية : 42 ] في أمر البعث .
الزمر : ( 43 ) أم اتخذوا من . . . . .
) أم اتخذوا من دون الله شفعاء ( نزلت في كفار مكة زعموا أن للملائكة شفاعة
) قل ( لهم : يا محمد ) أولو ( يعني إن ) كانوا لا يملكون شيئا ( من الشفاعة
) ولا يعقلون ) [ آية : 43 ] أنكم تعبدونهم نظيرها في الأنعام .
الزمر : ( 44 ) قل لله الشفاعة . . . . .
) قل لله الشفاعة جميعا ( فجميع من يشفع إنما هو بإذن الله ، ثم عظم نفسه ، فقال :
( له ملك السماوات والأرض ( وما بينهما من الملائكة وغيرهم عبيده وفي ملكه ) ثم إليه ترجعون ) [ آية : 44 ] .
الزمر : ( 45 ) وإذا ذكر الله . . . . .
) وإذا ذكر الله وحده اشمأزت ( يعني انقبضت ، ويقال : نفرت عن التوحيد
) قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ( يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ،
يعني كفار مكة ) وإذا ذكر الذين ( عبدوا ) من دونه ( من الآلهة ) إذا هم يستبشرون ) [ آية : 45 ] بذكرها وهذا يوم قرأ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سورة النجم بمكة ، فقرأ :
( اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ( تلك الغرانيق العلى ، عندها شفاعة ترتجي ،
ففرح كفار مكة حين سمعوا أن لها شفاعة .
تفسير سورة الزمر من الآية ( 46 ) إلى الآية ( 50 ) .
الزمر : ( 46 ) قل اللهم فاطر . . . . .
) قل اللهم ( أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول : ( فاطر السموات والأرض علم الغيب
والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ) [ آية : 46 ]
الزمر : ( 47 ) ولو أن للذين . . . . .
) ولو أن للذين(3/135)
صفحة رقم 136
ظلموا ( يعني لمشركي مكة يوم القيامة ) ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من
سوء ( يعني من شدة ) العذاب يوم القيامة وبدا لهم ( يعني وظهر لهم حين بعثوا ) من
الله ما لم يكونوا يحتسبون ) [ آية : 47 ] في الدنيا أنه نازل بهم في الآخرة .
الزمر : ( 48 ) وبدا لهم سيئات . . . . .
) وبدا لهم سيئات ما كسبوا ( يعني وظهر لهم حين بعثوا في الآخرة الشرك الذي
كانوا عليه حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك لقولهم ذلك في سورة الأنعام : ( والله
ربنا ما كنا مشركين ) [ الآية : 23 ] ) وحاق بهم ( يعني وجب لهم العذاب بتكذيبهم
واستهزائهم بالعذاب أنه غير كائن ، فذلك قوله : ( ما كانوا به ) ) بالعذاب ( ( يستهزءون ) [ آية : 48 ] .
الزمر : ( 49 ) فإذا مس الإنسان . . . . .
) فإذا مس ( يعني أصاب ) الإنسان ( يعني أبا حذيفة بن المغيرة ) ضرٌ ( يعني
بلاء أو شدة ) دعانا ( يعني دعا ربه منيباً يعني مخلصاً بالتوحيد أن يكشف ما به من
الضر ) ثم إذا خولناه نعمةً منا ( يقول : ثم إذا آتيناه ، يعني أعطيناه الخير ) قال إنما
أوتيته ( يعني إنما أعطيت الخير ) على علمٍ ( عندي يقول : على علم عندي ، يقول :
على علم علمه الله مني ، يقول الله عز وجل : ( بل هي فتنةٌ ( يعني بل تلك النعمة بلاء
ابتلى به ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ) [ آية : 49 ] ذلك .
الزمر : ( 50 ) قد قالها الذين . . . . .
) قد قالها الذين من قبلهم ( يقول : قد قالها قارون في القصص قبل أبي حذيفة :
( إنما أوتيته على علم عندي ) [ الآية : 78 ] يقول : على خير علمه الله عندي يقول الله
تبارك وتعالى : ( فما أغني عنهم ( من العذاب يعني الخسف ) ما كانوا يكسبون ) [ آية :
50 ] .
تفسير الزمر من الآية ( 51 ) إلى الآية ( 60 ) .(3/136)
صفحة رقم 137
الزمر : ( 51 ) فأصابهم سيئات ما . . . . .
) فأصابهم سيئات ما كسبوا ( يعني عقوبة ما كسبوا من الشرك ) والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين ) [ آية : 51 ] يعني وما هم بسابقي
الله عز وجل بأعمالهم الخبيثة حتى يجزيهم بها ، ثم وعظوا ليعتبروا في توحيده ، وذلك حين مطروا بعد سبع سنين فقال :
الزمر : ( 52 ) أولم يعلموا أن . . . . .
) أولم يعلموا أن الله يبسط ( يعني يوسع ) الرزق لمن
يشاء ويقدر ( يعني ويقتر على من يشاء ) إن في ذلك لآيات ( يعني لعلامات
) لقوم يؤمنون ) [ آية : 52 ] يعني يصدقون بتوحيد الله عز وجل .
الزمر : ( 53 ) قل يا عبادي . . . . .
) قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم ( نزلت في مشركي مكة وذلك أن الله عز
وجل أنزل في الفرقان : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) [ الآية : 68 ] فقال
وحشي ، مولى المطعم بن عدي بن نوفل :
إني قد فعلت هذه الخصال فكيف لي بالتوبة
فنزلت فيه : ( إلا من تاب وآمن وعملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات
وكان الله غفوراً رحيماً ) [ الفرقان : 70 ] فأسلم وحشي ، فقال مشركو مكة قد قبل
من وحشي توبته ، وقد نزل فيه ولم ينزل فينا فنزلت في مشركي مكة : ( ياعبادي الذين
أسرفوا على أنفسهم ( يعني بالإسراف : الشرك والقتل والزنا فلا ذنب أعظم إسرافاً من
الشرك ) لا تقنطوا ( يقول : لا تيأسوا ) من رحمة الله ( لأنهم ظنوا ألا توبة لهم ) إن الله يغفر الذنوب جميعا ( يعني الشرك والقتل والزنا الذي ذكر في سورة الفرقان ) إنه هو الغفور الرحيم ) [ آية : 53 ] لمن تاب منها ثم دعاهم إلى التوبة .
الزمر : ( 54 ) وأنيبوا إلى ربكم . . . . .
فقال سبحانه : ( وأنيبوا إلى ربكم ( يقول : وارجعوا من الذنوب إلى الله ) وأسلموا له ( يعني وأخلصوا له بالتوحيد ، ثم خوفهم فقال : ( من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ) [ آية : 54 ] يعني لا تمنعون من العذاب .
الزمر : ( 55 ) واتبعوا أحسن ما . . . . .
) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم ( من القرآن ) من ربكم ( يعني ما ذكر من
الطاعة من الحلال والحرام ) من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة ( يعني فجأة ) وأنتم لا تشعرون ) [ آية : 55 ] حين يفجؤكم من قبل
الزمر : ( 56 ) أن تقول نفس . . . . .
) أن تقول نفسٌ ياحسرتي ( يعني يا(3/137)
صفحة رقم 138
ندامتا ) على ما فرطت ( يعني ما ضيعت ) في جنب الله ( يعني في ذات الله يعني من
ذكر الله ) وإن كنت لمن الساخرين ) [ آية : 56 ] يعني لمن المستهزئين بالقرآن في الدنيا .
الزمر : ( 57 ) أو تقول لو . . . . .
) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ) [ آية : 57 ]
الزمر : ( 58 ) أو تقول حين . . . . .
) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة ( يعني رجعة إلى الدنيا ) فأكون من المحسنين ) [ آية :
58 ] يقول : فأكون من الموحدين لله عز وجل يقول الله تبارك وتعالى رد عليه
الزمر : ( 59 ) بلى قد جاءتك . . . . .
) بلى قد
جاءتك ءاياتي ( يعني آيات القرآن ) فكذبت بها ( أنها ليست من الله
) واستكبرت ( يعني وتكبرت عن إيمان بها ) وكنت من الكافرين ) [ آية : 59 ] ثم
أخبر بما لهم في الآخرة ، فقال سبحانه :
الزمر : ( 60 ) ويوم القيامة ترى . . . . .
) ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله ( بأن
معه شريكاً ) وجوههم مسودة أليس ( لهذا المكذب بتوحيد الله ) في جهنم مثوى (
يعني مأوى ) للمتكبرين ) [ آية : 60 ] عن التوحيد .
تفسير سورة الزمر من الآية ( 61 ) إلى الآية ( 70 ) .
الزمر : ( 61 ) وينجي الله الذين . . . . .
) وينجي الله ( من جهنم ) الذين اتقوا بمفازتهم ( يعني بنجاتهم بأعمالهم الحسنة
) لا يمسهم السوء ( يقول : لا يصيبهم العذاب ) ولا هم يحزنون ) [ آية : 61 ]
الزمر : ( 62 ) الله خالق كل . . . . .
) الله خلق كل شيءٍ وهو على كل شءٍ وكيلٌ ) [ آية : 62 ] يقول : رب كل شئ من
الخلق
الزمر : ( 63 ) له مقاليد السماوات . . . . .
) له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا ( من أهل مكة ) بآيات الله (
يعني بآيات القرآن ) أؤلئك هم الخاسرون ) [ آية : 63 ] في العقوبة
الزمر : ( 64 ) قل أفغير الله . . . . .
) قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) [ آية : 64 ] وذلك أن كفار قريش دعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى دين(3/138)
صفحة رقم 139
آبائه فحذر الله عز وجل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتبع دينهم فقال :
الزمر : ( 65 ) ولقد أوحي إليك . . . . .
) ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك ( من الأنبياء ) لئن أشركت ( بعد التوحيد ) ليحبطن ( يعني ليبطلن ) عملك (
الحسن إضمار الذي كان ) ولتكونن من الخاسرين ) [ آية : 65 ] في العقوبة .
الزمر : ( 66 ) بل الله فاعبد . . . . .
ثم أخبر بتوحيده ، فقال تعالى : ( بل الله فاعبد ( يقول : فوحد : ( وكن ( له ) من الشاكرين ) [ آية : 66 ] في نعمه في النبوة والرسالة .
الزمر : ( 67 ) وما قدروا الله . . . . .
قوله تعالى : ( وما قدروا الله حق قدره ( نزلت في المشركين ، يقول : وما عظموا الله
حق عظمته ) والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه (
مطويات يوم القيامة بيمنه فيها تقديم فيهما كلاهما في يمينه يعني في قبضته اليمنى ، قال
ابن عباس : يقبض على الأرض والسموات جميعاً فما يرى طرفهما من قبضته و يده
الأخرى يمين ) سبحناه ( نزه نفسه عن شركهم ) وتعلى ( وارتفع ) عما يشركون ) [ آية : 67 ] .
الزمر : ( 68 ) ونفخ في الصور . . . . .
) ونفخ في الصور ( وهو القرن وذلك أن إسرافيل وهو واضع فاه على القرن يشبه
البوق ودائرة رأس القرن كعرض السماء والأرض وهو شاخص ببصره نحو العرض ، يؤمر
فينفخ في القرن فإذا نفخ فيه : ( فصعق ( يعني فمات ) من في السماوات ومن في الأرض ( من شدة الصوت والفزع من فيها من الحيوان ، ثم استثنى ) إلا من شاء الله (
يعني جبريل ، وميكائيل ، ثم روح جبريل ، ثم روح إسرافيل ، ثم يأمر ملك الموت ،
فيموت ثم يدعهم ، فيما بلغنا أمواتاً أربعين سنة ، ثم يحيى الله عز وجل إسرافيل ، فيأمره
أن ينفخ الثانية ، فذلك قوله : ( ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ( على أرجلهم ) ينظرون (
[ آية : 68 ] إلى البعث الذي كذبوا به ، فذلك قوله تعالى : ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) [ المطففين : 6 ] مقدار ثلاث مائة عام
الزمر : ( 69 ) وأشرقت الأرض بنور . . . . .
) وأشرقت الأرض بنور ربها ( يعني بنور
ساقه ، فذلك قوله تعالى : ( يوم يكشف عن ساق ) [ القلم : 42 ] ) ووضع الكتاب (
الذي عملوا في أيديهم ليقرءوه ) وجأئ بالنبين ( فشهدوا عليهم بالبلاغ
) والشهداء ( يعني الحفظة من الملائكة ، فشهدوا عليهم بأعمالهم التي عملوها ) وقضي بينهم بالحق ( يعني بالعدل ) وهم لا يظلمون ) [ آية : 69 ] في أعمالهم .
الزمر : ( 70 ) ووفيت كل نفس . . . . .
) ووفيت كل نفس ( بر وفاجر ) ما عملت ( في الدنيا من خير أو شر ) وهو أعلم بما يفعلون ) [ آية : 70 ] يقول الرب تبارك وتعالى : أعلم بأعمالهم من النبيين والحفظة .(3/139)
صفحة رقم 140
تفسر سورة الزمر من الآية ( 71 ) إلى الآية ( 72 ) .
الزمر : ( 71 ) وسيق الذين كفروا . . . . .
) وسيق الذي كفروا ( بتوحيد الله ) إلى جهنم زمرا ( يعني أفواجاً من كفار
كل أمة على حدة ) حتى إذا جاءوها ( يعني جهنم ) فتحت أبوابها ( يومئذٍ وكانت
مغلقة ونشرت الصحف وكانت مطوية ) وقال لهم خزنتها ( يعني خزنة جهنم ) ألم يأتكم رسل منكم ( يعني من أنفسكم ) يتلون عليكم ( يعني يقرءون عليكم ) ءايات
ربكم ) القرآن ) وينذرونكم لقاء يومكم هذا ( يعني البعث ) قالوا بلى ( قد فعلوا
) ولكن حقت ( يعني وجبت ) كلمة العذاب ( يعني بالكلمة يوم قال لإبليس :
( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) [ ص : 85 ] ) على الكافرين ) [ آية :
71 ] .
الزمر : ( 72 ) قيل ادخلوا أبواب . . . . .
) قيل ( قالت لهم الخزنة : ( ادخلوا أبوب جهنم خالدين فيها ( لا يموتون ) فبئس
مثوى المتكبرين ) [ آية : 72 ] عن التوحيد .
تفسير سورة الزمر من الآية ( 73 ) إلى الآية ( 75 ) .
الزمر : ( 73 ) وسيق الذين اتقوا . . . . .
) وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً ( يعني أفواجاً ) حتى إذا جاءوها وفتحت
أبوابها ( وأبوات الجنة ثمانية مفتحة أبداً ) وقال لهم خزنتها سلامٌ عليكم طبتم فادخلوها
خالدين ) [ آية : 73 ] لا يموتون فيها .
الزمر : ( 74 ) وقالوا الحمد لله . . . . .
فلما دخلوها ) وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض ( يعني أرض
الجنة بأعمالنا ) نتبوأ من الجنة حيث نشاء ( يعني نتنزل منها حيث نشاء رضاهم
بمنازلهم منها ، يقول الله تبارك وتعالى : ( فنعم أجر العاملين ) [ آية : 74 ] وقال في هذه
السورة : ( الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض ( يعني أرض الجنة ، وقال في(3/140)
صفحة رقم 141
سورة الأنبياء : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض ( يعني أرض الجنة
) يرثها عبادي الصالحون ) [ الأنبياء : 105 ] .
الزمر : ( 75 ) وترى الملائكة حافين . . . . .
) وترى ( يا محمد ) الملئكة حافين من حول العرش ( يعني تحت العرش
) يسبحون بحمد ربهم ( يعني يذكرونه بأمر ربهم ) وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ) [ آية : 75 ] .
وذلك أن الله تبارك وتعالى افتتح الخلق بالحمد ، وختم بالحمد ، فقال : ( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ) [ الأنعام : 1 ] ، وختم بالحمد حين قال : ( وقضي بينهم بالحق ( يعني العدل ) وقيل الحمد لله رب العالمين ) [ الزمر : 75 ] .
حدثنا أبو جعفر ، قال : حدثنا أبو القاسم ، قال :
قال الهذيل ، حدثني جرير بن عبد
الحميد ، عن عطاء بن السائب ، عن ابن جبير ، في قوله تعالى : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ( قال : تقبض أنفس الأموات وترسل أنفس الأحياء إلى
أجل مسمى فلا تقبضها : ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) [ الزمر : 42 ] .(3/141)
صفحة رقم 142
40
سورة غافر
سورة المؤمن مكية ، عددها خمس وثمانون آية كوفى
تفسير سورة غافر من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
غافر : ( 1 ) حم
) حم ) [ آية : 1 ]
غافر : ( 2 ) تنزيل الكتاب من . . . . .
) تنزيل الكتاب من الله ( يقول :
قضى تنزيل الكتاب من الله
) العزيز ( في ملكه ) العليم ) [ آية : 2 ] بخلقه
غافر : ( 3 ) غافر الذنب وقابل . . . . .
) غافر الذنب ( يعني من الشرك
) وقابل التوب شديد العقاب ( لمن لم يوحده ) ذي الطول ( يعني ذي الغنى عمن لا
يوحده ، ثم وحد نفسه جل جلاله ، فقال : ( لا إله إلا هو إليه المصير ) [ آية : 3 ] يعني
مصير العباد إليه في الآخرة ، فيجزيهم بأعمالهم .
غافر : ( 4 ) ما يجادل في . . . . .
قوله : ( ما يجادل ( يعني يماري ) في ءايات الله ( يعني آيات القرآن ) إلا الذين كفروا ( يعني الحارث بن قيس السهمي ) فلا يغررك ( يا محمد ) تقلبهم في البلاد (
[ آية : 4 ] يعني كفار مكة يقول : لا يغررك ما هم فيه من الخير والسعة من الرزق ، فإنه
متاع قليل ممتعون به إلى آجالهم في الدنيا .
غافر : ( 5 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا ، فلا يكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال :
( كذبت قبلهم ( قبل أهل مكة ) قوم نوح ( الخالية رسلهم ) و ( كذبت
) والأحزاب ( يعني الأمم الخالية رسلهم ) من بعدهم ( يعني من بعد قوم نوح
) وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه ( يعني ليقتلوه ) وجادلهم ( يعني وخاصموا
رسلهم ) بالباطل ليدحضوا به الحق ( يعني ليبطلوا به الحق الذي جاءت به الرسل
وجدالهم أنهم قالوا لرسلهم : ما أنتم إلا بشر مثلنا ، وما نحن إلا بشر مثلكم ، ألا أرسل الله
ملائكة ، فهذا جدالهم كما قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) فأخذتهم ( بالعذاب ) فكيف كان عقاب (
[ آية : 5 ] يعني عقابي أليس وجده حقاً .(3/142)
صفحة رقم 143
1
تفسير سورة غافر من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 10 ) .
غافر : ( 6 ) وكذلك حقت كلمة . . . . .
) وكذلك ( يعني وهكذا عذبتهم ، وكذلك ) حقت كلمت ربك ( يقول : وجبت
كلمة العذاب من ربك ) على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ) [ آية : 6 ] حين قال
لإبليس : ( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) [ ص : 85 ] .
غافر : ( 7 ) الذين يحملون العرش . . . . .
قوله : ( الذين يحملون العرش ( فيها إضمار ، وهم أول من خلق الله تعالى من الملائكة
وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في سورة ' حم عسق ' : ( والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ) [ الشورى : 5 ] فاختص في ' حم ' المؤمن ، من
الملائكة حملة العرش ) ومن حوله ( يقول : ومن حول العرش من الملائكة ، واختص
استغفار الملائكة بالمؤمنين من أهل الأرض ، فقال : ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ( يقول : يذكرون الله بأمره ) ويؤمنون به ( ويصدقون بالله عز وجل بأنه
واحد لا شريك له ) ويستغفرون للذين ءامنوا ( حين قالوا : فاغفر للذين تابوا (
[ غافر : 7 ] .
وقالت الملائكة : ( ربنا وسعت كل شئٍ ( يعني ملأت كل شئ من الحيوان في
السماوات والأرض ) رحمةً ( يعني نعمة يتقلبون فيها ) وعلماً ( يقول : علم من
فيهما من الخلق ، وقالوا : ( فاغفر للذين تابوا ( من الشرك ) واتبعوا سبيلك ( يعني
دينك ) وقهم عذاب الجحيم ) [ آية : 7 ] .
غافر : ( 8 ) ربنا وأدخلهم جنات . . . . .
) ربنا وأدخلهم جنات عدنٍ التي وعدتهم ( على ألسنة الرسل ) و ( أدخل معهم
الجنة ) ومن صلح ( يعني من وحد الله من الذين آمنوا ) من ءاباءهم وأزواجهم
وذريتهم ( من الشرك ) إنك أنت العزيز الحكيم ) [ آية : 8 ] .(3/143)
صفحة رقم 144
غافر : ( 9 ) وقهم السيئات ومن . . . . .
ثم قال : ( وقهم السيئات ( يعني الشرك ) ومن تق السيئات ( في الدنيا
) يومئذ فقد رحمته ( يومئذ في الآخرة ) وذلك ( الذي ذكر من الثواب ) هو الفوز العظيم ) [ آية : 9 ] .
غافر : ( 10 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله : ( إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ) [ آية : 10 ] وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار في الآخرة
ودخلوها مقتوا أنفسهم ، فقالت لهم الملائكة ، وهم جزنة جهنم يومئذ : لمقت الله إياكم
في الدنيا حين دعيتم إلى الإيمان ، يعني التوحيد فكفرتم أكبر من مقتكم أنفسكم .
تفسير سورة غافر من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 15 ) .
غافر : ( 11 ) قالوا ربنا أمتنا . . . . .
) قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ( يعني كانوا نطفاً فخلقهم فهذه موتة وحياة ،
وأماتهم عند آجالهم ، ثم بعثهم في الآخرة ، فهذه موتة وحياة أخرى ، فهاتان موتتان
وحياتان ) فاعترفنا بذنوبنا ( بأن البعث حق ) فهل إلى خروج من سبيل ) [ آية :
11 ] قالوا : فهل لنا كرة إلى الدنيا مثلها في ' حم عسق ' .
غافر : ( 12 ) ذلكم بأنه إذا . . . . .
قوله : ( ذلكم ( المقت في التقديم إنما كان ) بأنه إذا دعي الله ( يعني إذا ذكر
الله ) وحده كفرتم ( به يعني بالتوحيد ) وإن يشرك به تؤمنوا ( يعني وإن يعدل به
تصدقوا ، ثم قال : ( فالحكم ( يعني القضاء ) لله العلي ( يعني الرفيع فوق خلقه
) الكبير ) [ آية : 12 ] يعني العظيم فلا شئ أعظم منه .
غافر : ( 13 ) هو الذي يريكم . . . . .
قوله تعالى : ( هو الذي يريكم ءاياته ( يعني السماوات والأرض ، والشمس ،
والقمر ، والنجوم ، والرياح ، والسحاب ، والليل ، والنهار ، والفلك في البحر ، والنبت ،
والثمار عاماً بعام ) وينزل لكم من السماء رزقا ( يعني المطر ) وما يتذكر ( في
هذا الصنع فيوحد الرب تعالى ) إلا من ينيب ) [ آية : 13 ] إلا من يرجع .
غافر : ( 14 ) فادعوا الله مخلصين . . . . .
ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال عز وجل ) فادعوا الله مخلصين ( يعني موحدين(3/144)
صفحة رقم 145
) له الدين ( يعني التوحيد ) ولو كره الكافرون ) [ آية : 14 ] من أهل مكة ، ثم عظم
نفسه عن شركهم ، فقال عز وجل :
غافر : ( 15 ) رفيع الدرجات ذو . . . . .
) رفيع الدرجات ( يقول : أنا فوق السماوات لأنها
ارتفعت من الأرض سبع سماوات ) ذو العرش ( يعني هو عليه ، يعني على العرش
) يلقي الروح من أمره ( يقول : ينزل الوحي من السماء بإذنه ) على من يشاء من عباده (
من الأنبياء ) لينذر ( النبيون بما في القرآن من الوعيد ) يوم التلاق ) [ آية : 15 ] يعني
يوم يلتقي الخالق والخلائق .
تفسير سورة غافر من الآية ( 16 ) إلى الآية ( 20 ) .
غافر : ( 16 ) يوم هم بارزون . . . . .
ثم ذكر ذلك اليوم ، فقال : ( يوم هم برزون ( من قبورهم على ظهر الأرض مثل
الأديم الممدود ) لا يخفى على الله منهم شيءٌ ( يقول : لا يستتر عن الله عز وجل منهم أحد ،
فيقول الرب تبارك وتعالى : ( لمن الملك اليوم ( يعني يوم القيامة حين قبض السموات
والأرض في يده اليمنى فلا يجيبه أحد ، فيقول لنفسه : ( لله الواحد ( لا شريك له
) القهار ) [ آية : 16 ] لخلقه حين أحياهم .
غافر : ( 17 ) اليوم تجزى كل . . . . .
) اليوم ( في الآخرة ) تجزى كل نفس ( بر وفاجر ) بما كسبت ( من خير أو
شر ) لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب [ آية : 17 ] يفرغ الله تعالى من حسابهم
في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا ،
غافر : ( 18 ) وأنذرهم يوم الآزفة . . . . .
قوله تعالى : ( وأنذرهم ( يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنذر أهل
مكة ) يوم الأزفة ( يعني اقتراب الساعة ) إذ القلوب لدى الحناجر ( وذلك أن الكفار
إذا عاينوا النار في الآخرة شخصت أبصارهم إليها فلا يطرفون وأخذتهم رعدة شديدة
من الخوف فشهقوا شهقة فزالت قلوبهم من أماكنها فنشبت في حلوقهم فلا تخرج من
أفواههم ولا ترج إلى أماكنها أبداً ، فذلك قوله تعالى : ( إذ القلوب ( يعني عند ) لدى
الحناجر ( ) كاظمين ( يعني مكروبين ) ما للظالمين ( يعني المشركين ) من
حميمٍ ( يعني قريب ينفعهم ) ولا شفيعٍ يطاع ) [ آية : 18 ] فيهم .(3/145)
صفحة رقم 146
غافر : ( 19 ) يعلم خائنة الأعين . . . . .
) يعلم خائنة الأعين ( يعني الغمزة فيما لا يحل بعينه والنظرة في المعصية ) وما تخفي الصدور ) [ آية : 19 ] يعني وما تسر القلوب من الشر
غافر : ( 20 ) والله يقضي بالحق . . . . .
) والله يقضي بالحق ( يعني
يحكم بالعدل ) والذين يدعون من دونه لا يقضون ( يعني لا يحكمون ) بشيءٍ ( يعني
والذين يعبدون من دونه لا يقضون بشئ ، يعني آلهة كفار مكة ) إن الله هو السميع البصير ) [ آية : 20 ] .
تفسير سورة غافر من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 24 ) .
غافر : ( 21 ) أولم يسيروا في . . . . .
ثم خوفهم بمثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا فيوحدو الرب تبارك وتعالى فقال :
( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ( من الأمم الخالية
عاد ، وثمود ، وقوم لوط ) كانوا هم أشد منهم ( يعني من كفار مكة ) قوة ( يعني
بطشاً ) وءاثاراً في الأرض ( يعني أعمالاً وملكوا في الأرض ) فأخذهم الله بذنوبهم (
فعذبهم ) وما كان لهم من الله من واق ) [ آية : 21 ] يقي العذاب عنهم .
غافر : ( 22 ) ذلك بأنهم كانت . . . . .
يقول : ( ذلك ( العذاب إنما نزل بهم ) بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات (
يعني بالبيان ) فكفروا ( بالتوحيد ) فأخذهم الله ( بالعذاب ) إنه قوي ( في أمره
) شديد العقاب ) [ آية : 22 ] إذا عاقب يعني عقوبة الأمم الخالية .
غافر : ( 23 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
قوله تعالى : ( ولقد أرسلنا موسى بئايتنا ( يعني اليد والعصا ) وسلطانٍ مبينٍ (
[ آية : 23 ] يعني وحجة بينة
غافر : ( 24 ) إلى فرعون وهامان . . . . .
) إلى فرعون وهامان وقارون ( فلما رأوا اليد والعصا
قالوا ليستا من الله بل موسى ساحرن في اليد حين أخرجها بيضاء ، والعص حين صارت
حية ) فقالوا سحرٌ كذابٌ ) [ آية : 24 ] حين زعم أنه رسول رب العالمين .
تفسير سورة غافر من الآية ( 25 ) إلى الآية ( 28 ) .(3/146)
صفحة رقم 147
غافر : ( 25 ) فلما جاءهم بالحق . . . . .
) فلما جاءهم ( موسى ) بالحق من عندنا ( يعني اليد والعصا آمنت به بنو إسرائيل
ف ) قالوا ( أي قال فرعون وحده لقومه للملأ يعني الأشراف : ( اقتلوا أبناء الذين
ءامنوا معه ( يعني مع موسى ) واستحيوا نساءهم ( يقول : اقتلوا أبناهم ودعوا
البنات ، فلما هموا بذلك حبسهم الله عنهم حين اقطعهم البحر ، يقول الله عز وجل :
( وما كيد الكافرين إلا في ضلال ) [ آية : 25 ] يعني خسار يقول : ( وما كيد (
فرعون الذي أراد ببني إسرائيل من قتل الأبناء واستحياء النساء ) إلا في ضللٍ ( يعني
خسار .
غافر : ( 26 ) وقال فرعون ذروني . . . . .
) وقال فرعون ( لقومه القبط ) ذروني أقتل ( يقول : خلوا عني أقتل ) موسى وليدع ربه ( فليمنعه ربه من القتل ) إني أخاف أن يبدل دينكم ( يعني عبادتكم إياي
) أو أن يظهر في الأرض ( أرض مصر ) الفساد ) [ آية : 26 ] يعني بالفساد أن يقتل
أبناءكم ويستحيى نساءكم كما فعلتم بقومه يفعله بكم ، فلما قال فرعون لقومه :
( ذروني أقتل موسى ( .
غافر : ( 27 ) وقال موسى إني . . . . .
استعاذ موسى ) وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر ( يعني متعظم
عن الإيمان يعني التوحيد ) لا يؤمن بيوم الحساب ) [ آية : 27 ] يعني فرعون لا يصدق
بيوم يدان بين العباد
غافر : ( 28 ) وقال رجل مؤمن . . . . .
) وقال رجلٌ مؤمنٌ من ءال فرعون ( يعني قبطي مثل فرعون
) يكتم إيمانه ( مائة سنة حتى سمع قول فرعون في قتل موسى ، عليه السلام .
فقال المؤمن ) أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ( يعني
اليد والعصا ) وإن يك ( موسى ) كذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً ( في قوله
وكذبتموه ) يصبكم بعض الذي يعدكم ( من العذاب ) إن الله لا يهدي ( إلى دينه
) من هو مسرف كذاب ) [ آية : 28 ] يعني مشرك مفتن .
تفسير سورة غافر من الآية ( 29 ) إلى الآية ( 33 ) .(3/147)
صفحة رقم 148
غافر : ( 29 ) يا قوم لكم . . . . .
وقال المؤمن : ( ياقوم ( لأنه قبطي مثلهم ) لك الملك اليوم ظاهرين في الأرض (
يعني أرض مصر على أهلها ) فمن ينصرنا من بأس الله ( يقول : فمن يمنعنا من عذاب
الله عز وجل ) إن جاءنا ( لما سمع فرعون قول المؤمن ) قال ( عدو الله ) فرعون (
عند ذلك لقومه : ( ما أريكم ( من الهدى ) إلا ما أرى ( لنفسي ) وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) [ آية : 29 ] يقول : وما أدعوكم إلا إلى طريق الهدى ، بل يدلهم على سبيل
الغي .
غافر : ( 30 ) وقال الذي آمن . . . . .
) وقال الذي ءامن ( يعني صدق بتوحيد الله عز وجل ) يقوم إني أخاف عليكم (
في تكذيب موسى ) مثل يوم الأحزاب ) [ آية / 30 ] يعني مثل أيام عذاب الأمم الخالية
الذين كانوا رسلهم
غافر : ( 31 ) مثل دأب قوم . . . . .
) مثل دأب ( يعني مثل أشباه ) قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ) [ آية : 31 ] فيعذب على غير ذنب .
غافر : ( 32 ) ويا قوم إني . . . . .
ثم حذرهم المؤمن عذاب الآخرة ، فقال : ( وياقوم إني أخاف عليكم يوم التناد ) [ آية :
32 ] يعني يوم ينادي أهل الجنة أهل النار ) أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا (
[ الأعراف : 44 ] ، وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة : ( أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) [ الأعراف : 50 ] .
غافر : ( 33 ) يوم تولون مدبرين . . . . .
ثم أخبر المؤمن عن ذلك اليوم ، فقال : ( يوم تولون مدبرين ( يعني بعد الحساب إلى
النار ذاهبين ، كقوله : ( فتولوا عنه مدبرين ) [ الصافات : 90 ] يعني ذاهبين إلى عيدهم
) ما لكم من الله من عاصم ( يعني من مانع يمنعكم من الله عز وجل ) ومن يضلل الله (
عن الهدى ) فما له من هادً ) [ آية : 33 ] يعني من أحد يهديه إلى دين الله عز وجل .
تفسير سورة غافر من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 27 )(3/148)
صفحة رقم 149
غافر : ( 34 ) ولقد جاءكم يوسف . . . . .
ثم وعظهم ليتفكروا ، فقال : ( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ( ولم يكن رآه
المؤمن قط ، و ) من قبل ( موسى ) بالبينات ( يعني ببينات تعبير رؤيا الملك البقرات
السبع بالسنين .
) فما زلتم في شك مما جاءكم به ( يعني مما أخبركم من تصديق الرؤيا ) حتى إذا هلك ( يعني مات ) قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك ( يعني هكذا
) يضل الله ( عن الهدى إضمار ) من هو مسرف ( يعني من هو مشرك ) مرتاب (
[ آية : 34 ] يعني شاك في الله عز وجل ، لا يوحد الله تعالى .
غافر : ( 35 ) الذين يجادلون في . . . . .
قوله : ( الذين يجادلون في ءايات الله بغير سلطانٍ ( يعني بغير حجة ) آتاهم ( من
الله ) كبر مقتاً عند الله وعند الذين ءامنوا ( نزلت في المستهزئين من قريش يقول :
( كذلك ( يعني هكذا ) يطبع الله ( يعني يختم الله عز وجل بالكفر ) على كل قلب متكبر جبار ) [ آية : 35 ] يعني قتال يعني فرعون تكبر عن عبادة الله عز وجل ،
يعني التوحيد كقوله : ( إن تريد إلا أن تكون جبارا ) [ القصص : 19 ] ، يعني قتالاً .
غافر : ( 36 ) وقال فرعون يا . . . . .
) وقال فرعون ياهمان ابن لي صرحاً ( يعني قصراً مشيداً من آجر ) لعلي أبلغ الأسباب ) [ آية : 36 ]
غافر : ( 37 ) أسباب السماوات فأطلع . . . . .
) أسباب السماوات ( يعني أبواب السموات السبع يعني باب
كل سماء إلى السابعة ) فأطلع إلى إله موسى ( ثم قال فرعون لهامان : ( وإني لأظنه (
يعني إني لأحسب موسى ) كذبا ( فيما يقول : إن في السماء إلهاً ،
)( وكذلك ( يقول : وهكذا ) زين لفرعون سوء عمله ( أن يطلع إلى إله موسى ،
قال : ( وصد عن السبيل ( يقول : وصد فرعون الناس حين قال لهم : ما أريكم إلا ما
أرى فصدهم عن الهدى ) وما كيد فرعون إلا في تباب ) [ آية : 37 ] يقول : وما
قول فرعون إنه يطلع إله موسى إلا في خسار
تفسير سورة غافر من الآية ( 38 ) إلى الآية ( 42 ) .(3/149)
صفحة رقم 150
غافر : ( 38 ) وقال الذي آمن . . . . .
ثم نصح المؤمن لقومه : ( وقال الذي ءامن ياقوم اتبعون أهدكم سبيل
الرشاد ) [ آية : 38 ] يعني طريق الهدى
غافر : ( 39 ) يا قوم إنما . . . . .
) ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاعٌ ( قليل
) وإن الآخرة هي دار القرار ) [ آية : 39 ] يقول : تمتعون في الدنيا قليلاً ، ثم استقرت
الدار الآخرة بأهل الجنة وأهل النار ، يعني بالقرار لا زوال عنها .
غافر : ( 40 ) من عمل سيئة . . . . .
ثم أخبر بمستقر الفريقين جميعاً ، فقال تعالى : ( من عمل سيئة ( يعني الشرك ) فلا يجزى إلا مثلها ( فجزاء الشرك النار وهما عظيمان كقوله : ( جزاء وفاقا ) [ النبأ :
26 ] ) ومن عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأؤلئك يدخلون الجنة
يرزقون فيها بغير حسابٍ ) [ آية : 40 ] يقول : بلا تبعة في الجنة فيما يعطون فيها من الخير .
غافر : ( 41 ) ويا قوم ما . . . . .
ثم قال : ( وياقوم ما لي أدعوكم إلى النجوة ( من النار إضمار يعني التوحيد ) وتدعونني إلى النار ) [ آية : 41 ] يعني الشرك
غافر : ( 42 ) تدعونني لأكفر بالله . . . . .
) تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم ( بأن له شريكاً ) وأنا أدعوكم إلى العزيز ( في نقمته من أهل
الشرك ) الغفار ) [ آية : 42 ] لذنوب أهل التوحيد .
غافر : ( 43 ) لا جرم أنما . . . . .
ثم زهدهم في عبادة الآلهة ، فقال : ( لا جرم ( يعني حقاً ) أنما تدعونني إليه ( من
عبادة الآلهة ) ليس له دعوة ( مستجابة إضمار تنفعكم يقول : ليس يشئ ) في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله ( يعني مرجعنا بعد الموت إلى الله في الآخرة ) وأن المسرفين ( يعني المشركين ) هم أصحاب النار ) [ آية : 43 ] يومئذٍ فردوا عليه
نصيحته .
تفسير سورة غافر من الآية ( 44 ) إلى الآية ( 50 ) .(3/150)
صفحة رقم 151
غافر : ( 44 ) فستذكرون ما أقول . . . . .
فقال المؤمن : ( فستذكرون ( إذا نزل بكم العذاب ) ما أقول لكم ( من
النصيحة فأوعدوه ، فقال : ( وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) [ آية : 44 ]
واسمه حزبيل بن بر حيال ، فهرب المؤمن إلى الجبال فطلبه رجلان ، فلم يقدرا .
غافر : ( 45 ) فوقاه الله سيئات . . . . .
فذلك قوله : ( فوقاه الله سيئات ما مكروا ( يعني ما أرادوا به من الشر ) وحاق
بئال فرعون سوء العذاب ) [ آية : 45 ] يقول : ووجب بآل القبط ، وكان فرعون قبطياً ،
شدة العذاب ، يعني الغرق .
غافر : ( 46 ) النار يعرضون عليها . . . . .
قوله تعالى : ( النار يعرضون عليها ( وذلك أن أرواح آل فرعون ، وروح كل كافر
تعرض على منازلها كل يوم مرتين ) غدوا وعشيا ( ما دامت الدنيا ، ثم أخبر بمستقرهم
في الآخرة ، فقال : ( ويوم تقوم الساعة ( يعني القيامة يقال : ( أدخلوا ءال فرعون أشد
العذاب ) [ آية : 46 ] يعني أشد عذاب المشركين .
غافر : ( 47 ) وإذ يتحاجون في . . . . .
ثم أخبر عن خصومتهم في النار ، فقال : ( وإذ يتحاجون في النار ( يعني
يتخاصمون ) فيقول الضعفؤوا ( وهم الأتباع ) للذين استكبروا ( عن الإيمان ،
وهم القادة ) إنا كنا لكم تبعا ( في دينكم ) فهل أنتم ( يا معشر القادة
) مغنون عنا نصيبا من النار ) [ آية : 47 ] باتباعنا إياكم .
غافر : ( 48 ) قال الذين استكبروا . . . . .
) قال الذين استكبروا ( وهم القادة للضعفاء : ( إنا كل فيها ( نحن وأنتم
) إن الله قد حكم ( يعني قضى ) بين العباد ) [ آية : 48 ] قد أنزلنا منازلنا في
النار وأنزلكم منازلكم فيها .
غافر : ( 49 ) وقال الذين في . . . . .
) وقال الذين في النار ( فلما ذاق أهل النار شدة العذاب ، قالوا : ( لخزنة جهنم ادعوا ربكم ( يعني سلوا لنا ربكم ) يخفف عنا يوما ( من أيام الدنيا إضمار ) من العذاب ) [ آية : 49 ] .(3/151)
صفحة رقم 152
غافر : ( 50 ) قالوا أولم تك . . . . .
فردت عليهم الخزنة ف ) قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم ( يعني رسل منكم
) بالبينات ( يعني بالبيان ) قالوا بلى ( قد جاءتنا الرسل ) قالوا ( قالت لهم
الخزمة : ( فادعوا وما دعؤا الكافرين إلا في ضللٍ ) [ آية : 50 ] .
تفسير سورة غافر من الآية ( 51 ) إلى الآية ( 57 ) .
غافر : ( 51 ) إنا لننصر رسلنا . . . . .
) إنا للنصر رسلنا والذين ءامنوا في الحيوة الدنيا ( يعني بالنصر في الدنيا الحجة
التي معهم إلى العباد ) و ( نصرهم في الآخرة ) ويوم يقوم الأشهاد ) [ آية : 51 ] يعني
الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ ، ويشهدون على الكفار بتكذيبهم ، والنصر
للذين آمنوا :
أن الله تبارك وتعالى أجاهم مع الرسل من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة .
غافر : ( 52 ) يوم لا ينفع . . . . .
ثم أخبر عن ذلك اليوم ، فقال : ( يوم لا ينفع الظالمين ( يعني المشركين ) معذرتهم ولهم اللعنة ( يعني العذاب ) ولهم سوء الدار ) [ آية : 52 ] الضلالة نار جهنم .
غافر : ( 53 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد ءاتينا موسى ( يعني أعطيناه ) الهدى ( يعني التوراة هدى من الضلالة
) وأورثنا ( من بعد موسى ) بني إسرائيل الكتاب ) [ آية : 53 ] .
غافر : ( 54 ) هدى وذكرى لأولي . . . . .
) هدى ( من الضلالة ) وذكرى لأولي الألباب ) [ آية : 54 ] يعني تفكراً لأهل
اللب ، والعقل .
غافر : ( 55 ) فاصبر إن وعد . . . . .
قوله : ( فاصبر إن وعد الله حق ( وذلك أن الله تبارك وتعالى وعد النبي متى
يكون هذا الذي تعدنا ؟ يقولون ذلك استهزاء وتكذيباً بأنه غير كائن ، فأنزل الله عز وجل
يعزي نبيه ^ ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب ، فقال : ( فاصبر إن وعد الله حقٌ (
في العذاب أنه نازل بهم القتل ببدر ، وضرب الملائكة الوجوه والأدبار ، وتعجيل
أرواحهم إلى النار ، فهذا العذاب ) واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشى(3/152)
صفحة رقم 153
والإبكار ) [ آية : 55 ] يعني وصل بأمر ربك بالغداة ، يعني صلاة الغداة ، وصلاة العصر .
غافر : ( 56 ) إن الذين يجادلون . . . . .
قوله : ( إن الذين يجدلون في ءايات الله بغير سلطنٍ أتاهم ( وذلك أن
اليهود قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
إن صاحبنا يبعث في آخر الزمان ، وله سلطان يعنون الدجال ، ماء
البحر إلى ركبته ، والسحاب فوق رأسه ، فقال : ( إن الذين يجادلون في ءايات
الله ( يعني يمارون في آيات الله ، لأن الدجال آية من آيات الله عز وجل ) بغير
سلطانٍ أتاهم ( يعني بغير حجة أتتهم من الله ، إضمار بأن الدجال كما يقولون ، يقول الله عز وجل : ( إن في صدورهم إلا كبرٌ ( يقول : ما في قلوبهم إلا عظمة ) ما
هم ببالغيه ( إلى ذلك الكبر لقولهم : إن الدجال يملك الأرض ) فاستعذ بالله ( يا
محمد من فتنة الدجال ) إنه هو السميع ( لقولهم يعني اليهود ) البصير ) [ آية :
56 ] به .
غافر : ( 57 ) لخلق السماوات والأرض . . . . .
ثم قال : ( لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ( يعني بالناس في هذا
الموضع الدجال وحده يقول : خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ، يقول : هما
أعظم خلقاً من خلق الدجال ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ آية : 57 ] يعني اليهود .
تفسير سورة غافر من الآية ( 58 ) إلى الآية ( 61 ) .
غافر : ( 58 ) وما يستوي الأعمى . . . . .
ثم ضرب مثل المؤمن ، ومثل الكافر ، فقال تعالى : ( وما يستوى ( في الفضل
) الأعمى ( يعني الكافر ) والبصير ( يعني المؤمن ) والذين ءامنوا وعملوا الصالحات
ولا المسئ ( يعني وما يستوى في الفضل المؤمن المحسن ، ولا الكافر المسيئ ) قليلا
ما تتذكرون ) [ آية : 58 ] .
غافر : ( 59 ) إن الساعة لآتية . . . . .
قوله : ( إن الساعة لأتيةٌ لا ريب فيها ( يعني كائنة لا شك فيها ) ولكن أكثر
الناس لا يؤمنون ) [ آية : 59 ] يعني كفار مكة أكثرهم لا يصدقون بالبعث .(3/153)
صفحة رقم 154
غافر : ( 60 ) وقال ربكم ادعوني . . . . .
) وقال ربكم ( لأهل اليمن : ( ادعوني أستجب لكم ( ، ثم ذكر كفار مكة ،
فقال : ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي ( يعني عن التوحيد ) سيدخلون ( في
الآخرة ) جهنم داخرين ) [ آية : 60 ] يعني صاغرين .
غافر : ( 61 ) الله الذي جعل . . . . .
ثم ذكر النعم ، فقال تعالى : ( الله الذي جعل لكم اليل لتسكنوا فيه والنهار
مبصراً ( لابتغاء الرزق ، فهذا فضله ، فذلك قوله سبحانه : ( إن الله لذو فضل على الناس ( يعني كفار مكة ) ولكن أكثر الناس لا يشكرون [ آية : 61 ] ربهم في
نعمه فيوحدونه .
تفسير سورة غافر من الآية ( 62 ) إلى الآية ( 65 ) .
غافر : ( 62 ) ذلكم الله ربكم . . . . .
ثم دلهم على نفسه تعالى بصنعه ليوحد ، فقال : ( ذلكم الله ( الذي جعل الليل
والنهار وهو ) ربكم خلق كل شئٍ ( ثم وحد نفسه ، فقال : ( لا إله إلا هو فأنى
تؤفكون ) [ آية : 62 ] يقول : من أين تكذبون بأنه ليس بواحد لا شريك له ؟
غافر : ( 63 ) كذلك يؤفك الذين . . . . .
) كذلك يؤفك ( يعني هكذا يكذب بالتوحيد ) الذين كانوا بأيات الله ( يعني
آيات القرآن ) يجحدون ) [ آية : 63 ] .
غافر : ( 64 ) الله الذي جعل . . . . .
) الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم ( في الأرحام
يعني خلقكم ) فأحسن صوركم ( ولم يخلقكم على خلقة الدواب والطير ) ورزقكم
من الطيبات ( يعني من غير رزق الدواب والطير ، ثم دل على نفسه ، فقال ) ذلكم
الله ربكم ( الذي خلق الأرض والسماء وأحسن الخلق ورزق الطيبات ) فتبارك
الله رب العالمين ) [ آية : 64 ] .
غافر : ( 65 ) هو الحي لا . . . . .
) هو الحي لا إله إلا هو ( ثم أمره بتوحيده ، فقال تعالى : ( فادعوه
مخلصين ( يعني موحدين ) له الدين ( يعني له التوحيد ) الحمد لله رب العالمين (
[ آية : 65 ] .(3/154)
صفحة رقم 155
تفسير سورة غافر من الآية ( 66 ) إلى الآية ( 69 ) .
غافر : ( 66 ) قل إني نهيت . . . . .
) قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ( وذلك أن كفار مكة من
قريش قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
ما يحملك على هذا الذي أتيتنا به ألا تنظر إلى ملة أبيك عبد الله ،
وجدك عبد المطلب ، وإلى سادة قومك يعبدون اللات والعزى ومناة ، فتأخذ به ، فما
يحملك على ذلك إلا الحاجة ، فنحن نجمع لك من أموالنا ، فأمروه بترك عبادة الله تعالى ،
فأنزل الله ) قل ( يا محمد لكفار مكة : ( إني نهيت أن أعبد الذين تدعون ( يعني
تعبدون ) من دون الله ( من الآلهة ) لما جاءني ( يعني حين جاءني ) البينات من ربي وأمرت أن أسلم ( يعني أخلص التوحيد ) لرب العالمين ) [ آية : 66 ] .
غافر : ( 67 ) هو الذي خلقكم . . . . .
) هو الذي خلقكم من تراب ( وذلك أن كفار مكة كذبوا بالبعث ، فأخبرهم الله
عن بدء خلقهم ليعتبروا في البعث ، فقال تعالى : ( هو الذي خلقكم من تراب ( يعني
آدم ، عليه السلام ، ) ثم من نطفة ( يعني ذريته ) ثم من علقة ( يعني مثل الدم ) ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ( يعني ثماني عشرة سنة ، فهو في الأشد ما بين
الثماني عشرة إلى الأربعين سنة ) ثم لتكونوا شيوخا ( يعني لكي تكونوا سيوخاً
) ومنكم من يتوفى من قبل ( أن يكون شيخاً ) ولتبلغوا أجلا مسمى ( يعني الشيخ
والشاب جميعاً ) ولعلكم ( يعني ولكي ) تعقلون ) [ آية : 67 ] يقول : لكي
تعقلوا آثار ربكم في خلقكم بأنه قادر على أن يبعثكم كما خلقكم .
غافر : ( 68 ) هو الذي يحيي . . . . .
ثم قال : ( هو ( الله ) الذي يحي ( الموتى ) ويميت ( الأحياء ) فإذا قضى أمرا (
كان في علمه يعني البعث : ( فإنما يقول له كن فيكون ( فإنما يقول له كن فيكون [ آية :
68 ] مرة واحدة لا يثنى قوله .
غافر : ( 69 ) ألم تر إلى . . . . .
) ألم تر إلى الذين يجادلون في ءايات الله ( يعني آيات الله القرآن أنه ليس من الله عز
وجل ) أنى يصرفون ) [ آية : 69 ] يقول : من أين يعدلون عنه إلى غيره يعني كفار مكة .(3/155)
صفحة رقم 156
تفسير سورة غافر من الآية ( 70 ) إلى الآية ( 77 ) .
غافر : ( 70 ) الذين كذبوا بالكتاب . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال تعالى : ( الذين كذبوا بالكتاب ( يعني بالقرآن ) وبما أرسلنا به رسلنا ( يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) أرسل بالتوحيد ، فأوعدهم في الآخرة . فقال :
( فسوف يعلمون ) [ آية : 70 ] هذا وعيد .
غافر : ( 71 ) إذ الأغلال في . . . . .
ثم أخبر عن الوعيد ، فقال : ( إذ الأغلل في أعناقهم والسلاسل يسحبون ) [ آية : 71 ]
على الوجوه .
غافر : ( 72 ) في الحميم ثم . . . . .
) في الحميم ( يعني حر النار ) ثم في النار يسجرون ) [ آية : 72 ] يعني يوقدون ،
فصاروا وقودها .
غافر : ( 73 ) ثم قيل لهم . . . . .
) ثم قيل لهم ( قبل دخول النار ، يعني تقول لهم الخزنة : ( أين ما كنتم تشركون (
[ آية : 73 ] يعني تعبدون .
غافر : ( 74 ) من دون الله . . . . .
) من دون الله ( فهل يمنعونكم من النار يعني الآلهة ، و ) قالوا ضلوا عنا ( ضلت
عنا الآلهة ) بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا ( يعني لم نكن نعبد من قبل في الدنيا شيئاً إن
الذي كنا نعبد كان باطلاً لم يكن شيئاً ، ) كذلك ( يعني هكذا ) يضل الله
الكفرين ) [ آية : 74 ] .
غافر : ( 75 ) ذلكم بما كنتم . . . . .
) ذلكم ( السلاسل والأغلال والسحب ) بما كنتم تفرحون في الأرض ( يعني
تبطرون من الخيلاء والكبرياء ) بغير الحق وبما كنتم تمرحون ) [ آية : 75 ] يعني تعصون
في الأرض .
غافر : ( 76 ) ادخلوا أبواب جهنم . . . . .
) ادخلوا أبوب جهنم ( السبع ) خالدين فيها ( لا تموتون ) فبئس مثوى ( يعني
فبئس مأوى ) المتكبرين ) [ آية : 76 ] عن الإيمان .(3/156)
صفحة رقم 157
غافر : ( 77 ) فاصبر إن وعد . . . . .
) فاصبر إن وعد الله حق ( وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أخبر كفار مكة أن العذاب نازل
بهم ، فكذبوه ، فأنزل الله عز وجل يعزى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب ،
فقال : ( فاصبر إن وعد الله حق ( في العذاب أنه نازل بهم ببدر ، ) فإما نرينك (
في حياتك ) بعض الذي نعدهم ( من العذاب في الدنيا القتل ببدر ، وسائر العذاب بعد
الموت نازل بهم ، ثم قال : ( أو نتوفينك ( يا محمد قبل عذابهم في الدنيا ) فإلينا ( في
الآخرة ) يرجعون ) [ آية : 77 ] يعني يردون فنجزيهم بأعمالهم .
تفسير سورة غافر من الآية ( 78 ) إلى الآية ( 81 ) .
غافر : ( 78 ) ولقد أرسلنا رسلا . . . . .
) ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك ( يا محمد ) منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ( ذكرهم ) وما كان لرسولٍ أن يأتى بئايةٍ ( وذلك أن كفار مكة سألوا
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتيهم بآية يقول الله تعالى : ( وما كان لرسولٍ ( يعني وما ينبغي لرسول
) أن يأتي بئايةٍ ( إلى قومه ) إلا بإذن الله ( يعني إلا بأمر الله ) فإذا جاء أمر الله (
بالعذاب يعني القتل ببدر فيها تقديم ، ) قضى ( العذاب ) بالحق ( يعني لم يظلموا
حين عفوا ) وخسر هنالك ( يعني عند ذلك ) المبطلون ) [ آية : 78 ] يعني
المكذبين بالعذاب في الدنيا بأنه غير كائن .
غافر : ( 79 ) الله الذي جعل . . . . .
ثم ذكرهم صنعه ليعتبروا فيوحدوه ، فقال سبحانه : ( الله الذي جعل لكم الأنعام (
يعني الإبل والبقر ) لتركبوا منها ومنها تأكلون ) [ آية : 79 ] يعني الغنم .
غافر : ( 80 ) ولكم فيها منافع . . . . .
) ولكم فيها منافع ( في ظهورها ، وألبانها ، وأصوافها ، وأوبارها ، وأشعارها ،
)( ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ( ) يعني في قلوبكم ) وعليها ( يعني الإبل والبقر
) وعلى الفلك ( يعني السفن ) تحملون ) [ آية : 80 ] .
غافر : ( 81 ) ويريكم آياته فأي . . . . .
ثم قال : ( ويريكم ءاياته ( لهذا الذي ذكر من الفلك والأنعام من آياته ، فاعرفوا
توحيده بصنعه ، وإن لم تروه ، ثم قال : ( فأي ءايات الله تنكرون ) [ آية : 81 ] أنه ليس
من الله عز وجل .(3/157)
صفحة رقم 158
تفسير سورة غافر من الآية ( 81 ) إلى الآية 85 ) .
غافر : ( 82 ) أفلم يسيروا في . . . . .
ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ليحذروا ، فيوحدوه ، فقال تعالى :
( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( يعني قبل أهل مكة
من الأمم الخالية يعني عاداً ، وثمود ، وقوم لوط ، ) كانوا أكثر منهم ( من أهل مكة
عدداً ) وأشد قوة ( يعني بطشاً ، ) وءاثاراً في الأرض ( يعني أعمالاً وملكاً في الأرض ،
فكان عاقبتهم العذاب ) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ) [ آية : 82 ] في الدنيا حين
نزل بهم العذاب ، يقول : ما دفع عنهم العذاب أعمالهم الخبيثة .
غافر : ( 83 ) فلما جاءتهم رسلهم . . . . .
) فلما جاءتهم رسلهم بالبينات ( يعني بخبر العذاب أنه نازل بهم ) فرحوا ( في
الدنيا يعني رضوا ) بما عندهم من العلم ( فقالوا : لن نعذب ) وحاق بهم ( يعني
وجب العذاب لهم ب ) ما كانوا به ( بالعذاب ) يستهزءون ) [ آية : 83 ] أنه غير كائن .
غافر : ( 84 ) فلما رأوا بأسنا . . . . .
يقول تعالى : ( فلما رأوا بأسنا ( يعني عذابنا في الدنيا ) قالوا ءامنا بالله وحده ( لا
شريك له ) وكفرنا بما كنا به مشركين ) [ آية : 84 ] .
غافر : ( 85 ) فلم يك ينفعهم . . . . .
يقول الله عز وجل : ( فلم يك ينفعهم إيمناهم لما رأوا بأسنا ( يعني عذابنا في الدنيا ،
يقول : لم يك ينفعهم تصديقهم بالتوحيد حين رأوا عذابنا ) سنت الله التي قد خلت في
عباده ( بالعذاب في الذين خلوا من قبل يعني في الأمم الخالية إذا عاينوا العذاب لم
ينفعهم إيمانهم إلا قوم يونس ، فإنه رفع عنهم العذاب ) وخسر هنالك ( يقول : غبن عند
ذلك ) الكافرون ) [ آية : 85 ] بتوحيد الله عز وجل ، فاحذروا يا أهل مكة سنة الأمم
الخالية ، فلا تكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) .
قال مقاتل :
فرعون أول من طبخ الآجر ، وبنى به ، وقال : قتل جعفر ذو الجناحين ،
وابن رواحة ، وزيد بن حارثة ، بمؤتة قتلهم غسان ، وقتل خالد بن الوليد يوم فتح مكة من
بني جذيمة سبعين رجلاً .(3/158)
صفحة رقم 159
قال مقاتل :
عاد ، وثمود ابنا عم ، وموسى ، وقارون ابنا عم ، وإلياس ، واليسع ابنا عم ،
ويحيى ، وعيسى ابنا خالة .
قال مقاتل :
أم عبد المطلب سلمى بنت زيد بن عدي ، من بني عدي بن النجار ، وأم
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) آمنة بنت وهب ، من بني عبد مناف بن زهرة .(3/159)
صفحة رقم 160
41
سورة فصلت
مكية ، عددها أربع وخمسون آية كوفية
تفسير سورة فصلت من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 8 ) .
فصلت : ( 1 ) حم
) حم ) [ آية : آية : 1 ] .
فصلت : ( 2 ) تنزيل من الرحمن . . . . .
) تنزيل ( حم ، يعني ما حم في اللوح المحفوظ ، يعني ما قضى من الأمر ، ) من الرحمن الرحيم ) [ آية : 2 ] ، اسمان رقيقان ، أحدهما أرق من الآخر ، ) الرحمن ( ، يعني
المسترحم على خلقه ، و ) الرحيم ( ، أرق من الرحمن ، ) الرحيم ( اللطيف بهم .
فصلت : ( 3 ) كتاب فصلت آياته . . . . .
قوله : ( كتابٌ فصلت ءايته قرءاناً عربياً ( ؛ ليفقهوه ، ولو كان غير عربي ، ما علموه ،
فذلك قوله : ( لقوم يعلمون ) [ آية : 3 ] ما فيه .
فصلت : ( 4 ) بشيرا ونذيرا فأعرض . . . . .
ثم قال : القرآن ) بشيرا ( بالجنة ، ) ونذيرا ( من النار ، ) فأعرض أكثرهم ( ، يعني
أكثر أهل مكة عن القرآن ، ) فهم لا يسمعون ) [ آية : 4 ] الإيمان به .
فصلت : ( 5 ) وقالوا قلوبنا في . . . . .
) وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ( ، وذلك أن أبا جهل بن هشام ، وأبا سفيان
بن حرب ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ،
دخلوا على علي بن أبي طالب ، ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
عنده ، فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ' قولوا : لا إله إلا الله ' ، فشق ذلك عليهم ، ) وقالوا قلوبنا في أكنة ( ، يقولون : عليها الغطاء ، فلا تفقه ما تقول ، ) وفي ءاذاننا وقرٌ ( ، يعني
ثقل ، فلا تسمع ما تقول ، ثم إن أبا جهل بن هشام جعل ثوبه بينه وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم
قال : يا محمد ، أنت من ذلك الجانب ، ونحن من هذا الجانب ، ) ومن بيننا وبينك حجاب ( ، يعني ستر ، وهو الثوب الذي رفعه أبو جهل ، ) فاعمل ( يا محمد لإلهك
الذي أرسلك ، ) إننا عاملون ) [ آية : 5 ] لآلهتنا التي نعبدها .(3/160)
صفحة رقم 161
فصلت : ( 6 ) قل إنما أنا . . . . .
ثم قال تعالى : ( قل ( يا محمد لكفار مكة : ( إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( ؛ لقولهم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : اعمل أنت لإلهك ، ونحن لآلهتنا ، ثم قال
رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( فاستقيموا إليه ( بالتوحيد ، ) واستغفروه ( من الشرك ، ثم أوعدهم
إن لم يتوبوا من الشرك ، فقال : ( وويل للمشركين ) [ آية : 6 ] ، يعني كفار قريش .
فصلت : ( 7 ) الذين لا يؤتون . . . . .
) الذين لا يؤتون الزكوة ( ، يعني لا يعطون الصدقة ، ولا يطعمون الطعام ، ) وهم بالآخرة ( ، يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، ) هم كافرون ) [ آية : آية : 7 ] بها
بأنها غير كائنة .
فصلت : ( 8 ) إن الذين آمنوا . . . . .
ثم قال : ( إن الذين ءامنوا ( ، يعني صدقوا بالتوحيد ، ) وعملوا الصالحات ( من
الأعمال ، ) لهم أجر غير ممنون ) [ آية : 8 ] ، يعني غير منقوص في الآخرة .
تفسير سورة فصلت من الآية ( 9 ) إلى الآية ( 15 ) .
فصلت : ( 9 ) قل أئنكم لتكفرون . . . . .
) قل أئنكم لتكفرون ( بالتوحيد ، و ) بالذي خلق الأرض في يومين ( ، يوم الثلاثاء
ويوم الأربعاء ، ثم قال : ( وتجعلون له أندادا ( ، يعني شركاً ، ) ذلك ( الذي خلق
الأرض في يومين هو ) رب العالمين ) [ آية : 9 ] ، يعني الناس أجمعين .
فصلت : ( 10 ) وجعل فيها رواسي . . . . .
ثم قال : ( وجعل فيها روسي من فوقها ( ، يعني جعل الجبل من فوق الأرض أوتاداً
للأرض ؛ لئلا تزول بمن عليها ، ) وبارك فيها ( ، يعني في الأرض ، والبركة الزرع والثمار
والنبت وغيره ، ثم قال : ( وقدر فيها أقوتها في أربعة أيامٍ ( ، يقول : وقسم في الأرض
أرزاق العباد والبهائم ، ) سواء للسائلين ) [ آية : 10 ] ، يعني عدلاً لمن يسأل الرزق من
السائلين .(3/161)
صفحة رقم 162
فصلت : ( 11 ) ثم استوى إلى . . . . .
) ثم استوى إلى السماء وهي دخان ( ، قبل ذلك ، ) فقال لها وللأرض ائتيا طوعا ( عبادتي
ومعرفتي ، يعني أعطيا الطاعة طيعاً ، ) أو كرها ( ، وذلك أن اله تعالى حين خلقهما
عرض عليهما الطاعة بالشهوات واللذات ، على الثواب والعقاب ، فأبين أن يحملنها من
المخافة ، فقال لها الرب : ائتيا المعرفية لربكما والذكر له ، على غير ثواب ولا عقاب ،
طوعاً أو كرهاً ، ) قالتا أتينا طائعين ) [ آية : 11 ] ، يعني أعطيناه طائعين .
فصلت : ( 12 ) فقضاهن سبع سماوات . . . . .
) فقضاهن سبع سماوات ( ، يقول : فخلق السموات السبع ، ) في يومين ( ، الأحد
والاثنين ، ) وأوحي ( ، يقول : وأمر ) في كل سماء أمرها ( الذي أراده ، قال : ( وزينا السماء الدنيا ( ، يقول : لأنها أدنى السموات من الأرض ، ) بمصابيح ( ، يعني
الكواكب ، ) وحفظا ( بالكواكب ، يعني ما يرمي الشياطين بالشهاب ؛ لئلا يستمعوا
إلى السماء ، يقول : ( ذلك ( الذي ذكر من صنعه في هذه الآية ، ) تقدير العزيز ( في
ملكه ، ) العليم ) [ آية : 12 ] بخلقه .
فصلت : ( 13 ) فإن أعرضوا فقل . . . . .
) فإن أعرضوا ( عن الإيمان ، يعني التوحيد ، ) فقل أنذرتكم صاعقة ( في الدنيا ،
)( مثل صاعقة عاد وثمود ) [ آية : 13 ] ، يقول : مثل عذاب عاد وثمود ، وإنما خص عاداً
وثمود من بين الأمم ؛ لأن كفار مكة قد عاينوا هلاكهم باليمن والحجر .
قال مقاتل :
كل من يموت من عذاب ، أو سقم ، أو قتل ، فهو مصعوق .
فصلت : ( 14 ) إذ جاءتهم الرسل . . . . .
ثم قال : ( إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ( ، يعني من قبلهم ومن
بعدهم ، فقالوا لقومهم : ( ألا تعبدوا إلا الله ( ، يقول : وحدوا الله ، ) قالوا ( للرسل :
( لو شاء ربنا لأنزل ملئكةً ( ، فكانوا إلينا رسلاً ، ) فإنا بما أرسلتم به ( ، يعني بالتوحيد ،
)( كافرون ) [ آية : 14 ] لا نؤمن به .
فصلت : ( 15 ) فأما عاد فاستكبروا . . . . .
) فأما عاد فاستكبروا ( ، يعني فتكبروا عن الإيمان وعملوا ) في الأرض بغير الحق ( ، فخوفهم هود العذاب ، ) وقالوا من أشد منا قوة ( ، يعني بطشاً ، قال :
كان
الرجل منهم ينزع الصخرة من الجبل لشدته ، وكان طوله اثنا عشر ذراعاً ، ويقال : ثمانية
عشر ذراعاً ، وكانوا باليمن في حضر موت ، ) أولم يروا ( ، يقول : أو لم يعلموا ) أن
الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوةً ) ، يعني بطشاً ، ) وكانوا بأياتنا ( ، يعني بالعذاب ،
)( يجحدون ) [ آية : 15 ] أنه لا ينزل بهم ، فأرسل الله عليهم الريح فأهلكتهم .
تفسير سورة فصلت من الآية ( 16 ) إلى الآية ( 20 ) .(3/162)
صفحة رقم 163
فصلت : ( 16 ) فأرسلنا عليهم ريحا . . . . .
فذلك قوله تعالى : ( فأرسلنا ( ، فأرسل الله ) عليهم ريحا صرصرا ( ، يعني باردة ،
)( في أيام نحسات ( ، يعني شداداً ، وكانت ريح الدبور فأهلكتهم ، فذلك قوله :
( لنذيقهم ( ، يعني لكي نعذبهم ، ) عذاب الخزي ( ، يعني الهوان ، ) في الحيوة الدنيا ( ،
فهو الريح ، ) ولعذاب الأخرة أخرى ( ، يعني أشد وأكثر إهانة من الريح التي أهلكتهم
في الدنيا ، ) وهم لا ينصرون ) [ آية : 16 ] ، يعني لا يسمعون من العذاب .
قال عبد الله :
سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول : الصرصر ، الريح الباردة التي لها
صوت .
فصلت : ( 17 ) وأما ثمود فهديناهم . . . . .
ثم ذكر ثمود ، فقال : ( وأما ثمود فهدينهم ( ، يعني بينا لهم ، ) فاستحبوا العمى على الهدى ( ، يقول : اختاروا الكفر على الإيمان ، ) فأخذتهم صاعقة ( ، يعني صيحة جبريل ،
عليه السلام ، ) العذاب الهون بما كانوا يكسبون ) [ آية : 17 ] ، يعني يعملون من الشرك .
فصلت : ( 18 ) ونجينا الذين آمنوا . . . . .
ثم قال : ( ونجينا الذين ءامنوا ( ، يعني صدقوا بالتوحيد من العذاب الذي نزل
بكفارهم ، ) وكانوا يتقون ) [ آية : 18 ] الشرك .
فصلت : ( 19 ) ويوم يحشر أعداء . . . . .
قوله : ( ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون ) [ آية : 19 ] ، نزلت في صفوان
بن أمية الجمحي ، وفي ربيعة ، وعبد باليل ابني عمرو الثقفيين [ . . . . . . . . . . . . ] ، إلى خمس
آيات ، ويقال : إن الثلاثة نفر : صفوان بن أمية ، وفرقد بن ثمامة ، وأبو فاطمة ، ) فهم يوزعون ( ، يعني يساقون إلى النار ، تسوقهم خزنة جهنم .
فصلت : ( 20 ) حتى إذا ما . . . . .
) حتى إذا ما جاءوها ( ، يعني النار وعاينوها ، قيل لهم : أين شركاؤكم الذين كنتم
تزعمون في الدنيا ؟ قالوا عند ذلك : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) [ الأنعام : 23 ] ،
فختم الله على أفواههم ، وأوحى إلى الجوارح فنطقت بما كتمت الألسن من الشرك ،
فذلك قوله : ( شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم ( وأيديهم ، وأرجلهم ، ) بما كانوا يعملون ) [ آية : 20 ] من الشرك .(3/163)
صفحة رقم 164
تفسير سورة فصلت من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 24 ) .
فصلت : ( 21 ) وقالوا لجلودهم لم . . . . .
فلما شهدت عليهم الجوارح ، ) وقالوا لجلودهم ( ، قالت الألسن للجوارح : ( لم شهدتم علينا ( ، يعني الجوارح ، قالوا : أبعدكم الله ، إنما كنا نجاحش عنكم ، فلم شهدتم
علينا بالشرك ، ولم تكونوا تتكلمون في الدنيا ، ) قالوا ( ، قالت الجوارح للألسن :
( أنطقنا الله ( اليوم ، ) الذي أنطق كل شئٍ ( من الدواب وغيرها ، ) وهو خلقكم أول مرة ( ، يعني هو أنطغكم أول مرة من قبلها في الدنيا ، قبل أن ننطق نحن اليوم ، ) وإليه ترجعون ) [ آية : 21 ] ، يقول : إلى الله تردون في الآخرة ، فيجزيكم بأعمالكم ، في
التقديم .
فصلت : ( 22 ) وما كنتم تستترون . . . . .
وذلك أن هؤلاء النفر الثلاثة كانوا في ظل الكعبة يتكلمون ، فقال أحدهما : هل يعلم
الله ما تقول ؟ فقال الثاني : إن خفضنا لم يعلم ، وإن رفعنا علمه ، فقال الثالث :
إن كان الله
يسمع إذا رفعنا ، فإنه يسمع إذا خفضنا ، فسمع قولهم عبد الله بن مسعود ، فأخبر بقولهم
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأنزل الله في قولهم : ( وما كنتم تستترون ( ، يعني تستيقنون ، وقالوا :
تستكتمون ، ) أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم ( ، يعني
حسبتم ، ) أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ) [ آية : 22 ] ، يعني هؤلاء الثلاثة ، قول
بعضهم لبعض : هل يعلم الله ما نقول ؟ لقول الأول والثاني والثالث ، يقول : حسبتم
) أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون ( .
فصلت : ( 23 ) وذلكم ظنكم الذي . . . . .
) وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ( ، يقول : يقينكم الذي أيقنتم بربكم وعلمكم بالله
بأن الجوارح لا تشهد عليكم ، ولا تنطق ، وأن الله لا يخزيكم بأعمالكم الخبيثة ،
)( أرداكم ( ، يعني أهلككم سوء الظن ، ) فأصبحتم من الخاسرين ) [ آية : 23 ] بظنكم
السيئ ، كقوله لموسى : ( فتردى ) [ طه : 16 ] ، يقول فتهلك ، ) فأصبحتم من الخاسرين ( ، يعني من أهل النار .
فصلت : ( 24 ) فإن يصبروا فالنار . . . . .
) فإن يصبروا ( على النار ، ) فالنار مثوى لهم ( ، يعني فالنار مأواهم ، ) وإن(3/164)
صفحة رقم 165
يستعتبوا ) ) في الآخرة ( ( فما هم من المعتبين ) [ آية : 24 ] ، يقول : وإن يستقيلوا ربهم
في الآخرة ، فما هم من المقالين ، لا يقبل ذلك منهم .
تفسير سورة فصلت من الآية ( 25 ) إلى الآية ( 30 ) .
فصلت : ( 25 ) وقيضنا لهم قرناء . . . . .
ثم قال : ( وقيصنا لهم ) ) في الدنيا ( ( قرناء ( من الشياطين ، يقول : وهيأنا لهم
قرناء في الدنيا ، ) فزينوا لهم ( ، يقول : فحسنوا لهم ، كقوله : ( كذلك زين (
[ يونس : 12 ] ، يقول : حسن ) ما بين أيديهم ( ، يعني من أمر الآخرة ، وزينوا لهم
التكذيب بالبعث والحساب والثواب والعقاب أن ذلك ليس بكائن ، ) و ) ) زينوا لهم ( ( وما خلفهم ( من الدنيا ، فحسنوه في أعينهم ، وحببوها إليهم حتى لا يعملوا خيراً ،
)( وحق عليهم القول ( ، يعني وجب عليهم العذاب ، ) في أممٍ ( ، يعني مع أمم ، ) قد
خلت من قبلهم ( ، يعني من قبل كفار مكة ، ) من ) ) كفار ( ( الجن والإنس ( من الأمم
الخالية ، ) إنهم كانوا خاسرين ) [ آية : 25 ] .
فصلت : ( 26 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا ، يعني الكفار ، ) لا تسمعوا لهذا القرءان ) [ آية : . . . . . . . ] ، إلى
ثلاث آيات ، هذا قول أبي جهل ، وأبي سفيان لكفار قريش ، قالوا لهم :
إذا سمعتم القرآن
من محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ، فارفعوا أصواتكم بالأشعار والكلام في وجوههم ، حتى تلبسوا
عليهم قولهم فيسكتون ، فذلك قوله : ( والغوا فيه ( بالأشعار والكلام ، ) لعلكم تغلبون ) [ آية : 26 ] ، يعني لكي تغلبونهم فيسكتون .
فصلت : ( 27 ) فلنذيقن الذين كفروا . . . . .
فأخبر الله تعالى بمستقرهم في الآخرة ، فقال : ( فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ( ،
يعني أبا جهل وأصحابه ، ) ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ) [ آية : 27 ] من الشرك .(3/165)
صفحة رقم 166
فصلت : ( 28 ) ذلك جزاء أعداء . . . . .
) ذلك ( العذاب ) جزاء أعداء الله النار ( ، يعني أبا جهل وأصحابه ، ) لهم فيها دار الخلد ( لا يموتون ، ) جزاء بما كانوا بآياتنا ( ، يعني بآيات القرآن ، ) يجحدون ) [ آية :
28 ] أنه ليس من الله تعالى ، وقد عرفوا أن محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) صادق في قوله ، ونزل في أبي
جهل بن هشام ، وأبي بن خلف : ( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون (
[ فصلت : 40 ] الآية .
فصلت : ( 29 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس ( ؛ لأنهما أول من أقاما
على المعصية من الجن إبليس ، ومن الإنس ابن آدم قاتل هابيل رأس الخطيئة ، ) نجعلهما تحت أقدامنا ( ، يعني من أسلف منا في النار ، ) ليكونا من الأسفلين ) [ آية : 29 ] في
النار .
فصلت : ( 30 ) إن الذين قالوا . . . . .
ثم أخبر عن المؤمنين ، فقال : ( إن الذين قالوا ربنا الله ( ، فعرفوه ، ) ثم
استقموا ( على المعرفة ، ولم يرتدوا عنها ، ) تتنزل عليهم الملئكة ( في الآخرة
من السماء ، وهم الحفظة ، ) ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) [ آية : 30 ] ، وذلك أن المؤمن إذا خرج من قبره ، فينفض رأسه ، وملكه
قائم على رأسه يسلم عليه ، فيقول الملك للمؤمن : أتعرفني ؟ فيقول : لا ، فيقول : أنا الذي
كنت أكتب عملك الصالح ، فلا تخف ولا تحزن ، وأبشر بالجنة التي كنت توعد ، وذلك
أن الله وعدهم على ألسنة الرسل في الدنيا الجنة .
تفسير سورة فصلت من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 28 ) .
فصلت : ( 31 ) نحن أولياؤكم في . . . . .
وتقول الحفظة يومئذٍ للمؤمنين : ( نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا ( ، ونحن أولياؤكم(3/166)
صفحة رقم 167
اليوم ) وفي الآخرة ولكم فيها ( ، يعني في الجنة ، ) ما تشتهي أنفسكم ولكن فيها ما
تدعون ) [ آية : 31 ] ، يعني مما تتمنون .
فصلت : ( 32 ) نزلا من غفور . . . . .
هذا الذي أعطاكم الله كان ) نزلا من غفور رحيم ) [ آية : 32 ] .
فصلت : ( 33 ) ومن أحسن قولا . . . . .
قوله : ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ( ، يعني التوحيد ، ) وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) [ آية : 33 ] ، يعني المخلصين ، يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) .
فصلت : ( 34 ) ولا تستوي الحسنة . . . . .
قوله : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن ( ، وذلك أن أبا جهل
كان يؤذي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكان النبي مبغضاً له ، يكره رؤيته ، فأمر بالعفو والصفح ، يقول :
إذا فعلت ذلك ، ) فإذا الذي بينك وبينه عدوةٌ ( ، يعني أبا جهل ، ) كأنه ولي ( لك في
الدين ، ) حميم ) [ آية : 34 ] لك في النسب ، الشفيق عليك .
فصلت : ( 35 ) وما يلقاها إلا . . . . .
ثم أخبر نبيه ، عليه السلام : ( وما يلقاها ( ، يعني لا يؤتاها ، يعني الأعمال الصالحة ،
العفو والصفح ، ) إلا الذين صبروا ( على كظم الغيظ ، ) وما يلقاها ( ، يعني لا يؤتاها ،
)( إلا ذو حظ عظيم ) [ آية : 35 ] نصيباً وافراً في الجنة ، فأمره الله بالصبر ، والاستعاذة
من الشيطان في أمر أبي جهل .
فصلت : ( 36 ) وإما ينزغنك من . . . . .
) وإما ينزغنك ( ، يعني يفتننك في أمر أبي جهل والرد عنه ، ) من الشيطان نزغ ( ،
يعني فتنة ، ) فاستعذ بالله إنه هو السميع (
بالاستعاذة ، ) العليم ) [ آية : 36 ] بها ،
نظيرها في حم المؤمن : ( إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ) [ غافر : 56 ] ، وفي
الأعراف أمر أبي جهل .
فصلت : ( 37 ) ومن آياته الليل . . . . .
) ومن ءاياته ( أن يعرف التوحيد بصنعه ، وإن لم تروه ، ) اليل والنهار
والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ( ، يعني
الذي خلق هؤلاء الآيات ، ) إن كنتم إياه تعبدون ) [ آية : 37 ] ، فسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم )
والمؤمنون يومئذٍ ، فقال كفار مكة عند ذلك : بل نسجد للات ، والعزى ، ومناة .
فصلت : ( 38 ) فإن استكبروا فالذين . . . . .
يقول الله تعالى : ( فإن استكبروا ( عن السجود لله ، ) فالذين عند ربك ( من
الملائكة ، ) يسبحون له باليل والنهار وهم لا يسئمون ) [ آية : 38 ] ، يعني لا يملون من
الذكر له والعبادة ، وليست لهم فترة ولا شآمة .
تفسير سورة فصلت من الآية ( 29 ) إلى الآية ( 42 ) .(3/167)
صفحة رقم 168
فصلت : ( 39 ) ومن آياته أنك . . . . .
) ومن ءاياته ( أن يعرف التوحيد بصنعه ، وإن لم تروه ، ) أنك ترى الأرض خاشعة (
متهشمة غبراء لا نبت فيها ، ) فإذا أنزلنا عليها الماء ( ، يعني على الأرض المطر ، فصارت
حية ، ، فأنبتت ، و ) اهتزت ( بالخضرة ، ) وربت ( ، يقول : وأضعفت النبات ، ثم قال :
( إن الذي أحياها ( بعد موتها ، ) لمحى الموتى ( في الآخرة ، ليعتبر من يشك في
البعث ، ) إنه على كل شئٍ قديرٌ ) [ آية : 39 ] ، من البعث وغيره .
فصلت : ( 40 ) إن الذين يلحدون . . . . .
قوله : ( إن الذين يلحدون في ءاياتنا ( ، يعني أبا جهل ، يميل عن الإيمان بالقرآن ،
بالأشعار والباطل ، ) لا يخفون علينا ( ، يعني أبا جهل ، وأخبر الله تعالى بمستقره في
الآخرة ، فقال : ( أفمن يلقى في النار خير ( ، يعني أبا جهل ، خير ) أم من يأتي ءامناً يوم
القيامة ( ، يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ثم قال لكفار مكة : ( اعملوا ما شئتم ( ، هذا وعيد ، ) إنه
بما تعملون بصيرٌ ) [ آية : 40 ] ، من الشرك وغيره .
فصلت : ( 41 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا ( ، يعني أبا جهل ، ) بالذكر لما جاءهم ( ، يعني به القرآن حين
جاءهم ، وهو أبو جهل وكفار مكة ، ) وإنه لكتاب عزيز ) [ آية : 41 ] ، يقول : وإنه
لقرآن منيع من الباطل ، فلا يستذل ؛ لأنه كلام الله .
فصلت : ( 42 ) لا يأتيه الباطل . . . . .
) لا يأتيه الباطل من بين يديه ( ، يقول : لا يأتي القرآن بالتكذيب ، بل يصدق هذا
القرآن الكتب التي كانت قبله : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، ثم قال : ( ولا ( يأتيه
الباطل ) من خلفه ( ، يقول : لا يجيئه من بعده كتاب يبطله فيكذبه ، بل هو
) تنزيل ( ، يعني وحي ، ) من حكيم ( في أمره ، ) حميد ) [ آية : 42 ] عند خلقه .
فصلت : ( 43 ) ما يقال لك . . . . .
ثم قال : ( ما يقال لك ( يا محمد من التكذيب بالقرآن أنه ليس بنازل عليك ، ، ) إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ( من قومهم من التكذيب لهم أنه ليس العذاب بنازل بهم ،
يعزي نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليصبر على الأذى والتكذيب ، ) إن ربك لذو مغفرة ( ، يقول : ذو تجاوز
في تأخير العذاب عنهم إلى الوقت ، حين سألوا العذاب في الدنيا ، وإذا جاء الوقت ،(3/168)
صفحة رقم 169
وذو عقابٍ ( ، فهو ذو عقاب ) أليمٍ ) [ آية : 43 ] ، يعني وجيع ، كقوله : ( إن
تكونوا تألمون ) [ النساء : 104 ] ، إن كنتم تتوجعون .
تفسير سورة فصلت من الآية ( 44 ) إلى الآية ( 47 ) .
فصلت : ( 44 ) ولو جعلناه قرآنا . . . . .
قوله : ولو جعلنه قرءاناً أعجمياً ( ، وذلك
أن كفار قريش كانوا إذا رأوا النبي ( صلى الله عليه وسلم )
يدخل على يسار أبي فكيهة اليهودي [ ، فأخذه سيده فضربه ، وقال له : إنك
تعلم محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال يسار : بل هو يعلمني ، فأنزل الله عز وجل : ( ولو جعلنه قرءاناً
أعجمياً ( ، يقول : بلسان العجم ، ) لقالوا ( ، لقال كفار مكة : ( لولا فصلت ( ، يقول :
هلا بينت ) ءاياته ( بالعربية حتى نفقه ونعلم ما يقول محمد ، ) ءاعجميٌ ( ، ولقالوا :
إن القرآن أعجمي أنزل على محمد ، ) و ( وهو ) وعربي قل ( نزله الله عربياً لكي
يفقهوه ، ولا يكون لهم علة ، يقول الله تعالى : ( هو للذين ءامنوا هدىً ( من الضلالة ،
)( وشفاء ( لما في القلوب للذي فيه من التبيان ، ثم قال : ( والذين لا يؤمنون (
بالآخرة ، يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، ) في ءاذانهم وقرٌ ( ، يعني
ثقل ، فلا يسمعون الإيمان بالقرآن ، ) وهو عليهم عمى ( ، يعني عموا عنه ، يعني القرآن ،
فلم يبصروه ولم يفقهوه ، ) أؤلئك ينادون من مكان بعيدٍ ) [ آية : 44 ] إلى الإيمان بأنه
غير كائن ؛ لأنهم صم عنه ، وعمي ، وفي آذانهم وقر .
فصلت : ( 45 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
قوله : ( ولقد ءاتينا موسى الكتاب ( ، يقول : أعطينا موسى التوراة ، ) فاختلف فيه ( ،
يقول : فكفر به بعضهم ، ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( ، وهي كلمة الفصل
بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى ، يعني يوم القيامة ، يقول : لولا ذلك الأجل ،
)( لقضي ( ، يعني بين الذين آمنوا وبين الذين اختلفوا وكفروا بالكتاب ، لولا ذلك
الأجل ، لنزل بهم العذاب في الدنيا ، ) بينهم وإنهم لفي شكٍ منه ( ، يعني من
الكتاب ، ) مريب ) [ آية : 45 ] ، يعني أنهم لا يعرفون شكهم .(3/169)
صفحة رقم 170
فصلت : ( 46 ) من عمل صالحا . . . . .
ثم قال : ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء ( العمل ، ) فعليها ( ، يقول : إساءته
على نفسه ، ) وما ربك بظلام للعبيد ) [ آية : 46 ] .
فصلت : ( 47 ) إليه يرد علم . . . . .
) إليه يرد علم الساعة ( ، وذلك أن اليهود قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
أخبرنا عن الساعة ، فإن
كنت رسولاً كما زعمت علمتها ، وإلا علمنا أنك لست برسول ، ولا نصدقك ، قال
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا يعلمها إلا الله ، أرد علمها إلى الله ' ، فقال الله عز وجل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : فإن
كنت رددت علمها ، يعني علم الساعة إلى الله ، فإن الملائكة والخلق كلهم ردوا علم
الساعة ، يعني القيامة ، إلى الله عز وجل ، ) و ( يعلم ) وما تخرج من ثمرات من أكمامها ( ، يعني من أجوافهما ، يعني الطلع ، ) و ( يعلم ) وما تحمل من أنثى ( ذكراً
أو أنثى ، سوياً وغير سوي ، يقول : ( ولا تضع إلا بعلمه ( ، يقول : لا تحمل المرأة الولد ،
ولا تضعه إلا بعلمه ، ) ويوم يناديهم أين شركاءى قالوا ءاذنك ( ، يقول : أسمعناك ،
كقوله : ( وأذنت لربها ) [ الانشقاق : 2 ] ، يقول : سمعت لربها ، ) ما منا من شهيد (
[ آية : 47 ] يشهد بأن لك شريكاً ، فتبرءوا يومئذٍ من أن يكون مع الله شريك .
تفسير سورة فصلت من الآية ( 48 ) إلى الآية ( 50 ) .
فصلت : ( 48 ) وضل عنهم ما . . . . .
يقول : ( وضل عنهم ( في الآخرة ، ) ما كانوا يدعون ( ، يقول : ما
عبدوا في الدنيا ) من قبل وظنوا ( ، يعني وعلموا ، ) ما لهم من محيص ) [ آية : 48 ] ،
يعني من فرار من النار .
فصلت : ( 49 ) لا يسأم الإنسان . . . . .
) لا يسئم الإنسان ( ، يقول : لا يمل الكافر ، ) من دعاء الخير ( ، يقول : لا يزال
يدعو ربه الخير والعافية ، ) وإن مسه الشر ( ، يعني البلاء وشدة ، ) فيئوسٌ ( من الخير ،
)( قنوط ) [ آية : 49 ] من الرحمة .
فصلت : ( 50 ) ولئن أذقناه رحمة . . . . .
ثم قال : ( ولئن أذقنه رحمةً منا ( ، يقول : ولئن آتيناه خير وعافية ، ) من بعد ضراء مسته ( ، يعني بعد بلاء وشدة أصابته ، ) ليقولن هذا لي ( ، يقول : أنا أحق بهذا ، يقول :
( وما أظن ( ، يقول : ما أحسب ) الساعة قائمة ( ، يعني القيامة كائنة ، ثم قال(3/170)
صفحة رقم 171
الكافر : ( ولئن رجعت إلى ربي ( في ألاخرة إن كانت آخرة ، ) إن لي عنده للحسنى ( ، يعني الجنة كما أعطيت في الدنيا ، يقول الله تعالى : ( فلنبئن الذين كفروا
بما عملوا ( من أعمالهم الخبيثة ، ) ولنذيقنهم من عذاب غليظ ) [ آية : 50 ] ، يعني
شديد لا يقتر عنهم ، وهم فيه مبلسون .
تفسير سورة فصلت من الآية ( 51 ) إلى الآية ( 54 ) .
فصلت : ( 51 ) وإذا أنعمنا على . . . . .
ثم قال : ( وإذا أنعمنا على الإنسان ( بالخير والعافية ، ) أعرض ( عن الدعاء ، فلا يدعو
ربه ، ) ونئا بجانبه ( ، يقول : وتباعد بجانبه عن الدعاء في الرخاء ، ) وإذا مسه الشر ( ، بلاء أن شدة أصابته ، ) فذو دعاء عريض ) [ آية : 51 ] ، يعني دعاء كبير يسأل
ربه أن يكشف ما به من الشدة في الدعاء ، ويعرض عن الدعاء في الرخاء .
فصلت : ( 52 ) قل أرأيتم إن . . . . .
) قل ( يا محمد لكفار مكة : ( أرءيتم إن كان ( هذا القرآن ) من عند الله ثم كفرتم به ( ، وذلك أنهم قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ما هذا القرآن إلا شئ ابتدعته من تلقاء نفسك ، أما وجد الله رسولاً غيرك ، وأنت أحقرنا ، وأنت أضعفنا ركناً ، وأقلنا جنداً ، أو
يرسل ملكاً ، إن هذا الذي جئت به لأمر عظيم ، يقول الله : ( من أضل ( ، يقول : فلا
أحد أضل ، ) ممن هو في شقاق بعيد ) [ آية : 52 ] ، يعني في ضلال طويل .
فصلت : ( 53 ) سنريهم آياتنا في . . . . .
ثم خوفهم ، فقال : ( سنريهم ءاياتنا ( ، يعني عذابنا ، ) في الآفاق ( ، يعني في
البلاد ما بين اليمن والشام ، عذاب قوم عاد ، وثمود ، وقوم لوط ، كانوا تمرون عليهم ، ثم
قال : ( و ( نريهم العذاب ) وفي أنفسهم ( ، فهو القتل ببدل ، ) حتى يتبين لهم أنه الحق ( ، يعني أن هذا القرآن الحق من الله عز وجل ، ) أولم يكف بربك ( شاهداً أن
هذا القرآن جاء من الله عز وجل ، ) أنه على كل شئٍ شهيدٌ ) [ آية : 53 ] ، كقوله في
الأنعام : ( قل الله شهيد بيني وبينكم ) [ الأنعام : 19 ] .
فصلت : ( 54 ) ألا إنهم في . . . . .
) ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ( ، يعني في شك من البعث وغيره ، ) ألا إنه
بكل شئٍ محيطٌ ) [ آية : 54 ] .(3/171)
صفحة رقم 172
42
سورة الشورى
سورة حم عسق ، مكية ، عددها خمسون وثلاث آيات كوفى
تفسير سورة الشورى من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 10 ) .
الشورى : ( 1 ) حم
) حم ) [ آية : 1 ] .
الشورى : ( 2 ) عسق
) عسق ) [ آية 2 ] في أمر العذاب يا محمد ، فيها تقديم ، إليك
وإلى الأنبياء من قبلك .
الشورى : ( 3 ) كذلك يوحي إليك . . . . .
فمن ثم قال : ( كذلك يوحي إليك ( يا محمد ، ) وإلى الذين من قبلك ( من الأنبياء أنه
نازل بقومهم إذا كذبوا الرسل ، ثم عظم نفسه ، فقال له : يا محمد ، إنما ذلك بوحي ) الله العزيز ( في ملكه ، ) الحكيم ) [ آية : 3 ] في أمره .
الشورى : ( 4 ) له ما في . . . . .
) له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي ( ، يعني الرفيع فوق خلقه ، ) العظيم (
[ آية : 4 ] ، فلا أكبر منه .
الشورى : ( 5 ) تكاد السماوات يتفطرن . . . . .
) تكاد السموات يتعطرون من فوقهن ( ، يعني يتشققن من عظمة الرب الذي هو
فوقهن ، ثم قال : ( والملئكة يسبحون بحمد ربهم ( ، يعني يصلون بأمر بهم ،
)( ويستغفرون لمن في الأرض ( ، ثم بين في حم المؤمن ، أي الملائكة هم ، فقال :
( الذين يحملون العرش ومن حوله ( ، ثم بين لمن يستغفرون ، فقال : ( ويستغفرون(3/172)
صفحة رقم 173
للذين آمنوا ) [ غافر : 7 ] ، يعني المؤمنين ، فصارت هذه الآية منسوخة ، نسختها الآية
التي في حم المؤمن ، ثم قال : ( ألا إن الله هو الغفور ) ) لذنوبهم ( ( الرحيم ) [ آية : 5 ]
بهم .
الشورى : ( 6 ) والذين اتخذوا من . . . . .
قوله : ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ( ، يعبدونها من دون الله ، ) الله حفيظٌ
عليهم ( ، يعني رقيب عليهم ، ) وما أنت عليهم ( يا محمد ، ) بوكيلٍ ) [ آية : 6 ] ، يعني
بمسيطر .
الشورى : ( 7 ) وكذلك أوحينا إليك . . . . .
) وكذلك أوحينا إليك قرءاناً عربياً ( ليفقهوا ما فيه ، ) لتنذر ( ، يعني ولكني تنذر
بالقرآن يا محمد ) أم القرى ( ، وهي مكة ، وإنما سميت أم القرى ؛ لأن الأرض كلها
دحيت من تحت الكعبة ، قال : ( و ( لتنذر يا محمد بالقرآن ) ومن حولها ( ، يعني
حول مكة من القرى ، يعني قرى الأرض كلها ، ) و ) ) لكي ( ( وتنذر ) ) بالقرآن ( ( يوم
الجمع ( ، يعني جمع أهل السموات ، وجمع أهل الأرض ، ) لا ريب فيه ( ، يعني لا شك
فيه في البعث أنه كائن ، ثم بعد الجمع يتفرقون ، ) فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير ) [ آية :
7 ] ، يعني الوقود ، ثم لا يجتمعون أبداً .
الشورى : ( 8 ) ولو شاء الله . . . . .
قال : ( ولو شاء الله لجعلهم ( ، يعني كفار مكة ، ) أمة واحدةً ( ، يعني على ملة
الإسلام وحدها ، ) ولكن يدخل من يشاء في رحمته ( ، يعني في دينه الإسلام ،
)( والظالمون ( ، يعني مشركي مكة ، ) ما لهم من وليٍ ( ، يعني من قريب ينفعهم في
الآخرة ، ) ولا نصيرٍ ) [ آية : 8 ] ، يعني ولا مانع يمنعهم من العذاب ، عذاب النار .
الشورى : ( 9 ) أم اتخذوا من . . . . .
قوله : ( أم اتخذوا من دونه ) ) من الملائكة ( ( أؤلياء ( ، يعني آلهة ، وهم خزاعة وغيرهم
يعبدونها ، ) فالله هو الولي ، يعني الرب ، ) وهو يحى الموتى ( في الآخرة ، ) وهو على
كل شئٍ ( من البعث وغيره ، ) قدير ) [ آية : 9 ] .
الشورى : ( 10 ) وما اختلفتم فيه . . . . .
قوله : ( وما اختلفتم فيه من شئٍ فحكمه إلى الله ( ، وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم
بالقرآن ، وآمن بعضهم ، فقال الله تعالى : إن الذي اختلفتم فيه ، فإني أرد قضاءه إلى ، وأنا
أحكم فيه ، ثم دل على نفسه بصنعه ، فقال : ( ذلكم الله ( ، الذي يحيى الموتى ، ويميت
الأحياء ، هو أحياكم ، وهو الله ) ربي عليه توكلت ( ، يعني به أثق ، ) وإليه أنيب (
[ آية : 10 ] ، يقول : إليه أرجع .
تفسير سورة الشورى من الآية ( 11 ) وإلى الآية ( 13 ) .(3/173)
صفحة رقم 174
الشورى : ( 11 ) فاطر السماوات والأرض . . . . .
قوله : ( فاطر السماوات والأرض ( ، يعني خالق السموات والأرض ، ) جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( ، يقول : جعل بعضكم من بعض أزواجاً ، بعني الحلائل لتسكنوا إليهن ،
)( ومن الأنعام أزوجاً ( ، يعني ذكوراً وإناثاً ، ) يذرؤكم فيه ( ، يقول : يعيشكم فيه
فيما جعل من الذكور والإناث من الأنعام ، ثم عظم نفسه ، فقال : ( ليس كمثله
شئٌ ( في القدرة ، ) وهو السميع ( لقول كفار مكة ، ) البصير ) [ آية : 11 ] بما
خلق .
الشورى : ( 12 ) له مقاليد السماوات . . . . .
) له مقاليد السماوات ( ، يعني مفاتيح بلغة النبط ، ) مقاليد السماوات ( ، المطر ،
)( والأرض ( ، يعني النبات ، ) يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( ، يقول : يوسع الرزق على
من يشاء من عباده ويقتر على من يشاء ، ) إنه بكل شئٍ ( من البسط والقتر ،
)( عليم ) [ آية : 12 ] .
الشورى : ( 13 ) شرع لكم من . . . . .
قوله ) شرع لكم من الدين ( ، يقول : بين لكم ، ويقال : سن لكم آثار الإسلام ،
والمن هاهنا صلة ، ك ) ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك ( ، فيه تقديم ، ) وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ( ، يعني التوحيد ، ) ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ( ، يقول : عظم على مشركي مكة ، ) ما تدعوهم إليه ( يا محمد ؛ لقولهم :
( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشئٌ عجابٌ ) [ ص : 5 ] ، يعني التوحيد ، ثم
اختص أولياءه ، فقال : ( الله يجتبي إليه ( ، يقول : يستخلص لدينه ، ) من يشاء و ( هو
) ويهدى إليه ( إلى دينه ، ) من ينيب ) [ آية : 13 ] ، يعني من يراجع التوبة .
تفسير سورة الشورى من الآية ( 14 ) إلى الآية ( 15 ) .(3/174)
صفحة رقم 175
الشورى : ( 14 ) وما تفرقوا إلا . . . . .
ثم قال : ( وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ( ، يعني البيان ، ) بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك ( ، ولولا كلمة الفصل التي سبقت من ربك في الأخرة يا محمد
في تأخير العذاب عنهم ، ) إلى أجل مسمى ( ، يعني به القيامة ، ) لقضي بينهم ( ، بين
من آمن وبين من كفر ، ولولا ذلك لنزل بهم العذاب في الدنيا ، حين كذبوا واختلفوا ،
ثم قال : ( وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم ( قوم نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ،
أورثوا الكتاب من بعدهم ، اليهود ، والنصارى من بعد أنبيائهم ، ) لفي شك منه ( ،
يعني من الكتاب الذي عندهم ، ) مريب ) [ آية : 14 ] .
الشورى : ( 15 ) فلذلك فادع واستقم . . . . .
قوله : ( فلذلك فادع ( يعني إلى التوحيد ، يقول الله لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ادع أهل الكتاب
إلى معرفة ربك ، إلى هذا التوحيد ، ) واستقم ( ، يقول : وامض ، ) كما أمرت (
بالتوحيد ، كقوله في الزمر : ( فاعبد الله ) [ الزمر : 2 ] ، ) ولا تتبع أهواءهم ( في ترك
الدعاء ، وذلك حين دعاه أهل الكتاب إلى دينهم .
ثم قال : ( وقل ( لأهل الكتاب : ( ءامنت ( ، يقول : صدقت ، ) بما أنزل الله من كتاب ( ، يعني القرآن ، والتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، ) وأمرت لأعدل بينكم ( ، بين
أهل الكتاب في القول ، يقول : أعدل بما آتاني الله في كتابه ، والعدل أنه دعاهم إلى دينه ،
قوله : ( الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكن أعمالكم ( ، يقول : لنا ديننا الذي نحن عليه ،
ولكن دينكم الذي أنتم عليه ، ) لا حجة ( ، يقول : لا خصومة ، ) بيننا وبينكم ( في
الدين ، يعني أهل الكتاب ، نسختها آية القتال في براءة ، ) الله يجمع بيننا ( ، في
الآخرة ، فيجازينا بأعمالنا ، ويجازيكم ، ) وإليه المصير ) [ آية : 15 ] .
تفسير سورة الشورى من الآية ( 16 ) وإلى الآية ( 20 ) .(3/175)
صفحة رقم 176
الشورى : ( 16 ) والذين يحاجون في . . . . .
) والذين يحاجون ( ، يعني يخاصمون ، ) في الله ( ، فهم اليهود ، قدموا على النبي
( صلى الله عليه وسلم ) بمكة ، فقالوا للمسلمين : ديننا أفضل من دينكم ، ونبينا أفضل من نبيكم ، يقول : ( من بعد ما استجيب له ( ، يعني لله في الإيمان ، ) حجتهم داحضة ( ، يقول : خصومتهم باطلة
حين زعموا أن يدنهم أفضل من دين الإسلام ، ) عند ربهم وعليه غضبٌ ( من الله ،
)( ولهم عذاب شديد ) [ آية : 16 ] .
الشورى : ( 17 ) الله الذي أنزل . . . . .
) الله الذي أنزل الكتاب بالحق ( ، يقول : لم ينزله باطلاً لغير شئ ، ) والميزان ( ،
يعني العدل ، ) وما يدريك ( يا محمد ، ) لعل الساعة قريب ) [ آية : 17 ] ، وذلك أن
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذكر الساعة وعنده أبو فاطمة بن البحتري ، وفرقد بن ثمامة ، وصفوان بن أمية ،
فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : متى تكون الساعة ؟ تكذيباً بها ، فقال الله تعالى : ( وما يدريك لعل الساعة ( ، يعني القيامة ، ) قريب ( .
الشورى : ( 18 ) يستعجل بها الذين . . . . .
) يستعجل بها ( بالساعة ، ) الذين لا يؤمنون بها ( ، يعني لا يصدقون بها ، هؤلاء
الثلاثة نفر ، أنها كائنة ؛ لأنهم لا يخافون ما فيها ، ) والذين ءامنوا مشفقون منها ( ، يعني
بلال وأصحابه ، صدقوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بها ، يعني بالساعة ؛ لأنهم لا يدرون على ما يهجمون
منها ، ) ويعلمون أنها الحق ( الساعة أنها كائنة ، ثم ذكر الذين لا يؤمنون بالساعة ،
فقال : ( ألا إن الذين يمارون في الساعة ( ، يعني هؤلاء الثلاثة ، يعني يشكون في
القيامة ، ) لفي ضلال بعيد ) [ آية : 18 ] ، يعني طويل .
الشورى : ( 19 ) الله لطيف بعباده . . . . .
) الله لطيف بعباده ( ، البر منهم والفاجر ، لا يهلكهم جوعاً حين قال : ( إنا
كاشفوا العذاب قليلاً ) [ الدخان : 15 ] ، ) يرزق من يشاء وهو القوي ( في هلاكهم
ببدر ، ) العزيز ) [ آية : 19 ] في نقمته منهم .
الشورى : ( 20 ) من كان يريد . . . . .
) من كان يريد ( بعمله الحسن ، ) حرث الآخرة ( ، يقول : من كان من الأبرار
يريد بعمله الحسن ثواب الآخرة ، ) نزد له في حرثه ( ، يعني بلالاً وأصحابه حتى
يضاعف له في حرثه ، يقول : في عمله ، ) ومن كان ( من الفجار ، ) يريد ( بعمله
) حرث الدنيا ( ، يعني ثواب الدنيا ، ) نؤته منها وما له في الآخرة ( ، يعني الجنة لهؤلاء
الثلاثة ، ) من نصيب ) [ آية : 20 ] ، يعني من حظ ، ثم نسختها : ( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ) [ الإسراء : 18 ] .
تفسير سورة الشورى من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 26 ) .(3/176)
صفحة رقم 177
الشورى : ( 21 ) أم لهم شركاء . . . . .
قوله : ( أم لهم شركؤا شرعوا ( ، يقول : سنوا ، ) لهم من الدين ما لم يأذن به الله ( ، يعني كفار مكة ، يقول : ألهم آلهة يبينوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ، ثم قال :
( ولولا كلمة الفصل ( التي سبقت من الله في الآخرة أنه معذبهم ، يقول : لولا ذلك
الأجل ، ) لقضي بينهم ( ، يقول : لنزل بهم العذاب في الدنيا ، ) وإن الظالمين ( ،
يعني المشركين ، ) لهم عذاب أليم ) [ آية : 21 ] ، يعني وجيع .
الشورى : ( 22 ) ترى الظالمين مشفقين . . . . .
ثم أخبر بمستقر المؤمنين والكافرين في الآخرة ، فقال : ( ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا ( من الشرك ، ) وهو واقع بهم ( ، يعني العذاب ، في التقديم ، ثم قال :
( والذين ءامنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ( ، يعني بساتين الجنة ، ) لهم
ما يشاءون عند ربهم ذلك ( الذي ذكر من الجنة ، ) هو الفضل الكبير ) [ آية : 22 ] .
الشورى : ( 23 ) ذلك الذي يبشر . . . . .
ثم قال : ( ذلك الذي ( ، ذكر من الجنة ، ) يبشر الله عباده الذين ءامنوا ( ، يعني صدقوا ،
)( وعملوا الصالحات ( ، من الأعمال ، ) قل لا أسئلكم عليه أجراً ( ، يعني على الإيمان جزاء ،
)( إلا المودة في القربى ( ، يقول : إلا أن تصلوا قرابتي ، وتتبعوني ، وتكفوا عني الأذى ، ثم
نسختها : ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ) [ سبأ : 47 ] ، قوله : ( ومن يقترف حسنة ( ، يقول : ومن يكتسب حسنة واحدة ، ) نزد له فيها حسنا ( ، يقول : نضاعف له
الحسنة الواحدة ، عشراً فصاعداً ، ) إن الله غفور ( ، لذنوب هؤلاء ، ) شكور ) [ آية :
23 ] ، لمحاسنهم القليلة ، حين يضاعف الواحدة عشراً فصاعداً .
الشورى : ( 24 ) أم يقولون افترى . . . . .
قوله : ( أم يقولون ( كفار مكة إن محمداً ، ) افترى على الله كذبا ( ، حين زعم أن(3/177)
صفحة رقم 178
القرآن من عند الله ، فشق على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تكذيبهم إياه ، يقول الله تعالى : ( فإن يشاء الله
يختم على قلبك ( ، يقول : يربط على قلبك ، فلا يدخل في قلبك المشقة من قولهم بأن
محمداً كذاب مفتر ، ) ويمح الله ( إن شاء ) الباطل ( الذي يقولون أنك كذاب مفتر ،
من قلبك ، ) ويحق ( الله ) الحق ( ، وهو الإسلام ، ) بكلماته ( ، يعني القرآن الذي
أنزل عليه ، ) إنه عليم بذات الصدور ) [ آية : 24 ] ، يعني القلوب ، يعلم ما في قلب
محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من الحزن من قولهم بتكذيبهم إياه .
الشورى : ( 25 ) وهو الذي يقبل . . . . .
قوله : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ( ، يقول : ويتجاوز عن
الشرك الذي تابوا ، ) ويعلم ما تفعلون ) [ آية : 25 ] من خير أو شر .
الشورى : ( 26 ) ويستجيب الذين آمنوا . . . . .
) ويستجيب الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون ( من أهل مكة ،
)( لهم عذاب شديد ) [ آية : 26 ] ، لا يفتر عنهم .
تفسير سورة الشورى من الآية ( 27 ) وإلى الآية ( 35 ) .
الشورى : ( 27 ) ولو بسط الله . . . . .
قوله : ( ولو بسط الله الرزق ( ، يعني ولو وسع الله الرزق ، ) لعباده ( ، في ساعة
واحدة ، ) لبغوا ( يعني لعصوا ، ) في الأرض ( ، فيها تقديم ، ) ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير ) [ آية : 27 ] بهم .
الشورى : ( 28 ) وهو الذي ينزل . . . . .
) وهو الذي ينزل الغيث ( ، يعني المطر الذي حبس عنهم بمكة سبع سنين ، ) من بعد ما قنطوا ( ، يعني من بعد الإياسة ، ) وينشر رحمته ( ، يعني نعمته ببسط المطر ، ) وهو الولي ( ، ولي المؤمنين ، ) الحميد ) [ آية : 28 ] عند خلقه في نزول الغيث عليهم .
الشورى : ( 29 ) ومن آياته خلق . . . . .
) ومن ءاياته ( ، أن تعرفوا توحيد الرب وصنعه ، وإن لم تروه ، ) خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة ( ، يعني الملائكة في السموات والخلائق في الأرض ،(3/178)
صفحة رقم 179
) وهو على جمعهم ( في الآخرة ، ) إذا يشاء قدير ) [ آية : 29 ] .
الشورى : ( 30 ) وما أصابكم من . . . . .
قوله : ( وما أصابكم من مصيبة ( ، يعني المؤمنين من بلاء الدنيا وعقوبة من
اختلاج عرق ، أو خدش عود ، أو نكبة حجر ، أو عثرة قدم ، فصاعداً إلا بذئب ، فذلك
قوله : ( وما أصابكم من مصيبة ( ) فيما كسبت أيديكم ( من المعاصي ، ) ويعفوا
عن كثيرٍ ) [ آية : 30 ] ، يعني ويتجاوز عن كثير من الذنوب ، فلا يعاقب بها في الدنيا .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : قال أبو صالح :
بلغنا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ' ما
عفا الله عنه فهو أكثر ' ، وقال : بلغني أنه قال ، يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ما عفا الله عنه ، فلم
يعاقب به في الآخرة ' ، ثم تلا هذه الآية : ( من يعمل سوءا يجز به ) [ النساء : 123 ] ،
قال : هاتان الآيتان في الدنيا للمؤمنين .
الشورى : ( 31 ) وما أنتم بمعجزين . . . . .
قوله تعالى : ( وما أنتم بمعجزين ( ، يعني بسابقي الله هرباً ، ) في الأرض ( بأعمالكم
الخبيثة حتى يجزيكم بها ، ) وما لكم من دون الله من ولي ( ، يعني قريب ينفعكم ، ) ولا نصير ) [ آية : 31 ] ، يقول : ولا مانع يمنعكم من الله جل وعز .
الشورى : ( 32 ) ومن آياته الجوار . . . . .
) ومن ءاياته ( ، أن تعرفوا توحيده بصنعه ، وإن لم تروه ، ) الجوار في البحر كالأعلام (
[ آية : 32 ] ، يعني السفن تجري في البحر بالرياح كالأعلام ، شبه السفن في البحر
كالجبال في البر .
الشورى : ( 33 ) إن يشأ يسكن . . . . .
وقال : ( إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره ( قائمات على ظهر الماء ، فلا
تجري ، ) إن في ذلك ( الذي ترون ، يعني السفن إذا جرين وإذا ركدن ، ) لآيات ( ،
يعني لعبرة ، ) لكل صبار ( ، يقول : كل صبور على أمر الله ، ) شكور ) [ آية : 33 ] لله
تعالى في هذه النعمة .
الشورى : ( 34 ) أو يوبقهن بما . . . . .
ثم قال : ( أو يوبقهن ( ، يقول : وإن يشأ يهلكهن ، يعني السفن ، ) بما كسبوا ( ،
يعني بما عملوا من الشرك ، ) ويعف ( ، يعني يتجاوز ، ) عن كثير ) [ آية : 34 ] ، من
الذنوب ، فينجيهم من الغرق والهلكة .
الشورى : ( 35 ) ويعلم الذين يجادلون . . . . .
قال : ( ويعلم الذين يجادلون في ءاياتنا ما لهم من محيصٍ ) [ آية : 35 ] ، قال : ويعني من
فرار .
تفسير سورة الشورى من الآية ( 26 ) وإلى الآية ( 43 ) .(3/179)
صفحة رقم 180
الشورى : ( 36 ) فما أوتيتم من . . . . .
) فما أوتيتم من شئٍ فمتاع الحياة الدنيا ( ، تتمتعون بها قليلاً ، ) وما عند الله خير ( مما
أوتيتم في الدنيا ، ) وأبقى ( وأدام ) للذين ءامنوا و على ربهم يتوكلون ) [ آية : 36 ] ، يعني
وبربهم يثقون .
الشورى : ( 37 ) والذين يجتنبون كبائر . . . . .
ثم نعتهم ، فقال : ( والذين يجتنبون كبئر الإثم ( ، يقول : كل ذنب يختم بنار ،
)( والفواحش ( ، ما يقام فيه الحد في الدنيا ، ) وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) [ آية : 37 ] ،
يعني يتجاوزون عن ظلمهم ، فيكظمون الغيظ ويعفون ، نزلت في عمر بن الخطاب بن
نفيل بن عبد العزى بن فرط بن رازح بن عدي بن لؤي حين شتم بمكة ، فذلك قوله :
( قل للذين آمنوا يغفروا ( ، يعني يتجاوزوا عن الذين ) لا يرجون أيام الله (
[ الجاثية : 13 ] .
الشورى : ( 38 ) والذين استجابوا لربهم . . . . .
وقال : ( والذين استجابوا لربهم ( ، في الإيمان ، ) وأقاموا الصلاة ( ، يقول : وأتموا
الصلوات الخمس ، نزلت في الأنصار ، داوموا عليها ، ) وأمرهم شورى بينهم ( ، قال : كانت
قبل الإسلام ، وقبل قدوم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة ، إذا كان بينهم أمر ، أو أرادوا أمراً ، اجتمعوا فتشاوروا بينهم ، فأخذوا به ، فأثنى الله عليهم خيراً ، ثم قال : ( ومما رزقناهم ( من
الأموال ، ) ينفقون ) [ آية : 38 ] في طاعة الله .
الشورى : ( 39 ) والذين إذا أصابهم . . . . .
قال : ( والذين إذا أصابهم البغي ( ، يعني الظلم ، ) هم ينتصرون ) [ آية : 39 ] ، يعني
المجروح ينتصر من الظالم ، فيقتص منه .
الشورى : ( 40 ) وجزاء سيئة سيئة . . . . .
) وجزؤا سيئةٍ سيئةٌ مثلها ( ، أن يقتص منه المجروح كما أساء إليه ، ولا يزيد شيئاً ،
)( فمن عفا ( ، يعني فمن ترك الجارح ولم يقتص ، ) وأصلح ( العمل كان العفو من
الأعمال الصالحة ، ) فأجره على الله ( ، قال : جزاؤه على الله ، ) إنه لا يحب الظالمين (
[ آية : 40 ] ، يعني من بدأ بالظلم والجراءة .(3/180)
صفحة رقم 181
الشورى : ( 41 ) ولمن انتصر بعد . . . . .
ثم قال : ( ولمن انتصر بعد ظلمه ( ، يقول : إذا انتصر المجروح ، فاتص من الجارح ،
)( فأؤلئك ما عليهم ( ، يعني على الجارح ، ) من سبيل ) [ آية : 41 ] ، يعني العدوان ، حين
انتصر من الجارح .
الشورى : ( 42 ) إنما السبيل على . . . . .
) إنما السبيل ( ، يعني العدوان ، ) على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ( ،
يقول : يعملون فيها بالمعاصي ، ) أؤلئك لهم عذابٌ أليمٌ ) [ آية : 42 ] ، يعني وجيع .
الشورى : ( 43 ) ولمن صبر وغفر . . . . .
ثم بين أن الصبر والتجاوز أحب إلى الله ، وأنفع لهم من غيره ، ثم رجع إلى المجروح ،
فقال : ( ولمن صبر ( ولم يقتص ، ) وغفر ( وتجاوز ، ف ) ان ذلك ( الصبر والتجاوز ، ) لمن عزم الأمور ) [ آية : 43 ] ، يقول : من حق الأمور التي أمر الله عز وجل بها .
تفسير سورة الشورى من الآية ( 44 ) إلى الآية ( 48 ) .
الشورى : ( 44 ) ومن يضلل الله . . . . .
قوله تعالى : ( ومن يضلل الله ( عن الهدى ، ) فما له من ولي ( ، يقول : ومن يضلل الله
عن الهدى ، فما له من قريب يهديه إلى دينه ، ) من بعده ( ، مثلها في الجاثية ، قال :
( وترى الظالمين ( ، يعني المشركين ، ) لما رأوا العذاب ( في الآخرة ، ) يقولون هل إلى مرد من سبيل ) [ آية : 44 ] ، يقول : هل إلى الرجعة إلى الدنيا من سبيل .
الشورى : ( 45 ) وتراهم يعرضون عليها . . . . .
) وتراهم يعرضون عليها ( ، يعني على النار واقفين عليها ، ) خاشعين ( ، يعني
خاضعين ، ) من الذل ( الذي نزل بهم ، ) ينظرون من طرف خفي ( ، يعني يستخفون
بالنظر إليها يسارقون النظر ، ) وقال الذين ءامنوا ( ، يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ، وقالها في
الزمر ، ) إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم ( ، يعني غبنوا أنفسهم ، فصاروا إلى النار ،
)( و ( خسروا ) وأهليهم يوم القيامة ( ، يقول : وغبنوا أهليهم في الجنة ، فصاروا
لغيرهم ، ولو دخلوا الجنة أصابوا الأهل ، فلما دخلوا النار حرموا فصار ما في الجنة(3/181)
صفحة رقم 182
والأهلين لغيرهم ، ) ألا إن الظالمين ( ، يعني المشركين ، ) في عذاب مقيم ) [ آية :
45 ] ، يعني دائم لا يزول عنهم ، مثلها في الروم .
الشورى : ( 46 ) وما كان لهم . . . . .
) وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ( ، يقول : وما كان لهم من أقرباء
يمنعونهم من الله ، ) ومن يضلل الله ( عن الهدى ، ) فما له من سبيل ) [ آية : 46 ] إلى
الهدى .
الشورى : ( 47 ) استجيبوا لربكم من . . . . .
قوله : ( استجيبوا لربكم ( بالإيمان ، يعني التوحيد ، ) من قبل أن يأتي يوم لا مرد له ( ،
يعني لا رجعة لهم ، إذا جاء يوم القيامة لا يقدر أحد على دفعه ، ) من الله ( ، ثم أخبر
عنهم يومئذٍ ، فقال : ( ما لكم من ملجأ يومئذ ( ، يعني حرزاً يحرزكم من العذاب ، ) وما لكم من نكير ) [ آية : 47 ] من العذاب .
الشورى : ( 48 ) فإن أعرضوا فما . . . . .
) فإن أعرضوا ( عن الهدى ، ) فما أرسلناك عليهم حفيظا ( ، يعني رقيباً ، ) إن عليك
إلا البالغ ( يا محمد ، ) وإنا إذا أذقنا الإنسان ( ، يقول : إذا مسسنا ، وفي قراءة ابن
مسعود : وإنا إذا أذقنا الناس منه رحمة فرحوا بها ، يعني المطر ، ) منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة ( ، يعني كفار مكة ، يعني قحط في المطر ، ) بما قدمت أيديهم ( من
الكفر ، ) فإن الإنسن كفورٌ ) [ آية : 48 ] ، فيها تقديم ، لنعم ربه في كشف الضر عنه ،
يعني الجوع وقحط المطر ، نظيرها في الروم .
الشورى : ( 49 ) لله ملك السماوات . . . . .
ثم عظم نفسه ، فقال : ( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء ( في الرحم ،
)( يهب لمن يشاء إنثاً ( ، يعني البنات ، ) ويهب لمن يشاء الذكور ) [ آية : 49 ] ، يعني
البنين ، ليس فيهم أنثى .
تفسير سورة الشورى من الآية ( 49 ) وإلى الآية ( 53 ) .
الشورى : ( 50 ) أو يزوجهم ذكرانا . . . . .
) أو يزوجهم ( ، يقو ل : وإن يشأ نصفهم ، ) ذكرانا وإناثا ( ، يعني يولد له مرة بنين(3/182)
صفحة رقم 183
وبنات ، ذكوراً وإناثاً ، فنجعلهم له ، ) ويجعل من يشاء عقيما ( ، لا يولد له ، ) إنه عليم ( بخلقه ، ) قدير ) [ آية : 50 ] في أمر الولد والعقم وغيره .
الشورى : ( 51 ) وما كان لبشر . . . . .
قوله : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ( ، وذلك أن اليهود قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت صادقاً ، كما كلمه موسى ونظر إليه ، فإنا لن
نؤمن لك
حتى يعمل الله ذلك بك ، فقال الله لهم : لم أفعل ذلك بموسى ، وأنزل الله تعالى : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله ( ، يقول : ليس لنبي من الأنبياء أن يكلمه الله ) إلا وحيا ( ،
فيسمع الصوت فيفقه ، ) أو - حط من ورائ حجابٍ ( ، كما كان بينه وبين موسى ، ) أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ( ، يقول : أو يأتيه مني بوحي ، يقول : أو يأمره فيوحى ، ) ما يشاء إنه علي ( ، يعني رفيع فوق خلقه ، ) حكيم ) [ آية : 51 ] في أمره .
فقالوا للنبي : من أول المرسلين ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
أول المرسلين آدم ، عليه السلام ' ،
فقالوا : كم المرسلين ؟ قال : ' ثلاثمائة وخمسة عشر جماء الغفير ' ، ومن الأنبياء من يسمع
الصوت فيفقه ، ومن الأنبياء من يوحى إليه في المنام ، وإن جبريل ليأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما
يأتي الرجل صاحبه في ثياب البياض مكفوفة بالدر والياقوت ، ورخلاه مغموستان في
الخضرة .
الشورى : ( 52 ) وكذلك أوحينا إليك . . . . .
قوله تعالى : ( وكذلك ( ، يعني وهكذا ، ) أوحينا إليك روحا من أمرنا ( ، يعني الوحي
بأمرنا ، كما أوحينا إلى الأنبياء من قبلك حين ذكر الأنبياء من قبله ، فقال : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ( ، إلى آخر الآية .
قوله : ( ما كنت تدري ما الكتب ( يا محمد قبل الوحي ، ما الكتاب ، ) ولا الإيمان ولكن جعلناه ( ، يعني القرآن ) نورا ( ، يعني ضياء من العمى ، ) تهدى به ( ، يعني
بالقرآن من الضلالة إلى الهدى ، ) من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم (
[ آية : 52 ] ، يعني إنك لتدعو إلى دين مستقيم ، يعني الإسلام .
الشورى : ( 53 ) صراط الله الذي . . . . .
) صراط الله ( ، يقول : دين الله ، ) الذي له ما في السماوات وما في الأرض ( ، خلقه
وعبيده ، وفي قبضته ، ) ألا إلى الله تصير الأمور ) [ آية : 53 ] ، يعني أمور الخلائق في
الآخرة تصير إليه ، فيجزئهم بأعمالهم ، والله غفور لذنوب العباد ، رحيم بهم .
قال مقاتل :
سيد الملائكة إسرافيل ، وهو صاحب الصور ، وسيد الأنبياء محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ،
وسيد الشهداء هابيل بن آدم ، وسيد المؤذنين بلال بن رباح ، وسيد الشهور شهر(3/183)
صفحة رقم 184
رمضان ، وسيد الأيام يوم الجمعة ، وسيد السباع الأسد ، وسيد الطير النسر ، وسيد الأنعام
الثور ، وسيد الوحش الأيل ، وسيد البلاد مكة ، وسيد البقاع بكة ، وسيد البيوت الكعبة ،
وسيد البحور بحر موسى ، وسيد الجبال طور سيناء ، وسيد المجالس ما استقبل به القبلة ،
وسيد الصلاة صلاة المغرب .(3/184)
صفحة رقم 185
43
سورة الزخرف
مكية ، عددها تسع وثمانون آية كوفية
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 10 ) .
الزخرف : ( 1 ) حم
) حم ) [ آية : 1 ] .
الزخرف : ( 2 ) والكتاب المبين
) والكتاب المبين ) [ آية : 2 ] ، يعني البين ما فيه .
الزخرف : ( 3 ) إنا جعلناه قرآنا . . . . .
) إنا جعلناه قرءناً عربياً ( ؛ ليفقهوا ما فيه ، ولو كان غير عربي ما عقلوه ،
)( لعلكم ( ، يقول : لكي ، ) تعقلون ) [ آية : 3 ] ما فيه .
الزخرف : ( 4 ) وإنه في أم . . . . .
ثم قال : : ( وإنه في أم الكتاب ( ، يقول لأهل مكة : إن كذبتم بهذا القرآن ، فإن
نسخته في أصل الكتاب ، يعني اللوح المحفوظ ، ) لدينا لعلي ( ، يقول : عندنا مرفوع ،
)( حكيم ) [ آية : 4 ] ، يعني محكم من الباطل .
الزخرف : ( 5 ) أفنضرب عنكم الذكر . . . . .
قوله : ( أفتضرب عنكم الذكر صفحاً ( ، يقول لأهل مكة : أفنذهب عنكم هذا
القرآن سدى لا تسألون عن تكذيب به ، ) أن كنتم قوما مسرفين ) [ آية : 5 ] ، يعني
مشركين .
الزخرف : ( 6 ) وكم أرسلنا من . . . . .
) وكم أرسلنا من نبي في الأولين ) [ آية : 6 ] .
الزخرف : ( 7 ) وما يأتيهم من . . . . .
وما يأتيهم من نبيٍ ( ، ينذرهم العذاب ، ) إلا كانوا به ( ، يعني بالعذاب ،
)( يستهزءون ) [ آية : 7 ] بأنه غير نازل بهم .
الزخرف : ( 8 ) فأهلكنا أشد منهم . . . . .
) فأهلكنا ) ) بالعذاب ( ( أشد منهم بطشاً ( ، يعني قوة ، ) ومضى مثل ( ، يعنى(3/185)
صفحة رقم 186
شبه ، ) الأولين ) [ آية : 8 ] في العقوبة ، حين كذبوا رسلهم ، يقول : هكذا أمتك يا
محمد في سنة من مضى من الأمم الخالية في الهلاك .
الزخرف : ( 9 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم ( ، يقول لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) :
لئن سألت كفار مكة : ( من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز ( في ملكه ، ) العليم ) [ آية : 9 ] بخلقه .
الزخرف : ( 10 ) الذي جعل لكم . . . . .
ثم دل على نفسه بصنعه ليوحد ، فقال : ( الذي جعل لكم الأرض مهدا ( ، يعنى
فرشاً ، ) وجعل لكم فيها سبلا ( ، يعنى طرقاً تسلكونها ، ) لعلكم تهتدون ) [ آية :
10 ] ، يقول : لكي تعرفوا طرقها .
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 20 ) .
الزخرف : ( 11 ) والذي نزل من . . . . .
) والذي نزل من السماء ماء بقدر ( ، وهو المطر ، ) فأنشرنا به بلدة ميتا ( ، يقول :
فأحيينا به ، يعني بالماء ، بلدة ميتاً لا نبت فيها ، فلما أصابها الماء أنبتت ، ) كذلك ( ،
يقول : هكذا ) تخرجون ) [ آية : 11 ] من الأرض بالماء كما يخرج النبت .
الزخرف : ( 12 ) والذي خلق الأزواج . . . . .
ثم قال : ( والذي خلق الأزواج كلها ( ، يعني الأصناف كلها ، ) وجعل لكم من الفلك ( ، يعني السفن ، ) و ( من ) والأنعام ( ، يعني الإبل والبقر ، ) ما تركبون (
[ آية : 12 ] ، يعني الذي تركبون .
الزخرف : ( 13 ) لتستووا على ظهوره . . . . .
) لتستوا ( ، يعني لكي تستووا ، ) على ظهوره ( ، يعني ذكوراً وإناثاً من الإبل ،
)( ثم ( قال : لكي ) تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ( ، على ظهورها ، يعني يقولون :
الحمد لله ، ) و ( لكي ) وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا ( ، يعني ذلل لنا هذا(3/186)
صفحة رقم 187
المركب ، ) وما كنا له مقرنين ) [ آية : 13 ] ، يعني مطيقين .
الزخرف : ( 14 ) وإنا إلى ربنا . . . . .
) و ( لكي تقولوا : ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) [ آية : 14 ] ، يعني لراجعون .
الزخرف : ( 15 ) وجعلوا له من . . . . .
قوله : ( وجعلوا له ( ، يقول : وصفوا له ) من عباده ( من الملائكة ، ) جزءا ( ،
يعني عدلاً ، ، هو الولد ، فقالوا : إن الملائكة بنات الله تعالى ، يقول الله : ( إن الإنسان (
في قوله : ( لكفور مبين ) [ آية : 15 ] ، يقول : بين الكفر .
الزخرف : ( 16 ) أم اتخذ مما . . . . .
يقول الله تعالى رداً عليهم : ( أم ( يقول : ( اتخذ ( الرب لنفسه ) مما يخلق بنات ( ، فيها تقديم واستفهام اتخذ مما يخلق من ) من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) [ الزخرف : 18 ] بنات ؟ ) وأصفاكم بالبنين ) [ آية : 16 ] ، يقول :
واختصكم بالنبنين .
الزخرف : ( 17 ) وإذا بشر أحدهم . . . . .
ثم أخبر عنهم في التقديم ، فقال : ( وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ( ، يعني
شبهاً ، والمثل زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى ، ) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ) [ النحل :
58 ] ، ) ظل وجهه مسودا ( ، يعني متغيراً ، ) وهو كظيم ) [ آية : 17 ] ، يعني
مكروب .
الزخرف : ( 18 ) أو من ينشأ . . . . .
) أومن ينشؤا في الحلية ( ، يعنى ينبت في الزينة ، يعنى الحلى مع النساء ، يعنى
البنات ، ) وهو في الخصام غير مبين ) [ آية : 18 ] ، يقول : هذا الولد الأنثى ضعيف قليل
الحيلة ، وهو عند الخصومة والمحاربة غير بين ضعيف عنها .
الزخرف : ( 19 ) وجعلوا الملائكة الذين . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال : ( وجعلوا ( ، يقول : ووصفوا ) الملئكة الذين هم عبد الرحمن
إناثاً ( ؛ لقولهم :
إن الملائكة بنات الله ، يقول الله تعالى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ) أشهدوا خلقهم ( ؟
فسئلوا ، فقالوا : لا ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' فما يدريكم أنها إناث ؟ ' ، قالوا : سمعنا من آبائنا ،
وشهدوا أنهم لم يكذبوا ، وأنهم إناث ، قال الله تعالى : ( ستكتب شهادتهم ( بأن
الملائكة بنات الله في الدنيا ، ) ويسئلون ) [ آية : 19 ] عنهما في الآخرة حين شهدوا أن
الملائكة بنات الله .
الزخرف : ( 20 ) وقالوا لو شاء . . . . .
) وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ( ، يعنى الملائكة ، يقول الله تعالى : ( ما لهم بذلك من علم ( ، يقول : ما يقولون إلا الكذب إن الملائكة إناث ، ) إن هم إلا يخرصون ) [ آية :
20 ] ، يكذبون .(3/187)
صفحة رقم 188
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 23 ) .
الزخرف : ( 21 ) أم آتيناهم كتابا . . . . .
) أم ءاتيناهم ( ، يقول : أعطيناهم ، ) كتابا من قبله ( ، من قبل هذا القرآن بأن
يعبدوا غيره ، ) فهم به مستمسكون ) [ آية : 21 ] ، فإنا لم نعطهم .
الزخرف : ( 22 ) بل قالوا إنا . . . . .
) بل قالوا ( ، ولكنهم قالوا : ( إنا وجدنا ءاباءنا على أمةٍ وإنا علىءاثرهم مهتدون (
[ آية : 22 ] ، نزلت في الوليد بن المغيرة ، وصخر بن حرب ، وأبى جهل بن هشام ، وعتبة
وشيبة ابنا ربيعة ، كلهم من قريش .
الزخرف : ( 23 ) وكذلك ما أرسلنا . . . . .
) وكذلك ( ، يقول : وهكذا ) ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير ( ، يعني من رسول
فيما خلا ، ) إلا قال مترفوها ( ، يعني جباريها وكبراءها : ( إنا وجدنا ءاباءنا على أمةٍ ( ،
يعنى على ملة ، ) وإنا علىءاثارهم مقتدون ) [ آية : 23 ] بأعمالهم كما قال كفار مكة .
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 24 ) إلى الآية ( 31 ) .
الزخرف : ( 24 ) قال أولو جئتكم . . . . .
) قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه ءاباءكم ( من الدين ، ألا تتبعوني ؟ فردوا
على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ف ) قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ) [ آية : 24 ] ، يعنى بالتوحيد
كافرون .
الزخرف : ( 25 ) فانتقمنا منهم فانظر . . . . .
ثم رجع إلى الأمم الخالية ، فيها تقديم ، ثم قال : ( فانتقمنا منهم ( بالعذاب ، ) فانظر كيف كان عاقبة المكذبين ) [ آية : 25 ] بالعذاب ، يخوف كفار مكة بعذاب الأمم
الخالية ؛ لئلا يكذبوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) .
الزخرف : ( 26 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
) وإذ قال إبراهيم لأبيه ( آزر ، ) وقومه إنني براء مما تعبدون ) [ آية : 26 ] .
الزخرف : ( 27 ) إلا الذي فطرني . . . . .
ثم استثنى الرب نفسه ؛ لأنهم يعلمون أن الله ربهم ، فقال : ( إلا الذي فطرني ( ،(3/188)
صفحة رقم 189
يقول : خلقني ، فإني لا أتبرأ منه ، ) فإنه سيهدين ) [ آية : 27 ] لدينه .
الزخرف : ( 28 ) وجعلها كلمة باقية . . . . .
قوله تعالى : ( وجعلها كلمة باقية ( ، لا تزال ببقاء التوحيد ، ) في عقبه ) ، يعنى
ذريته ، يعنى ذرية إبراهيم ، ) لعلهم ( ، يعنى لكي ) يرجعون ) [ آية : 28 ] من الكفر إلى الإيمان ، يقول : التوحيد إلى يوم القيامة ، يبقى في ذرية إبراهيم ، عليه السلام ، ) لعلهم
يرجعون ( ، يقول : لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان .
الزخرف : ( 29 ) بل متعت هؤلاء . . . . .
قوله : ( بل متعت هؤلاء ، يعني كفار مكة ، ) وءاباءهم حتى جاءهم الحق ( ، يعني
القرآن ، ) ورسول مبين ) [ آية : 29 ] ، يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) بين أمره .
الزخرف : ( 30 ) ولما جاءهم الحق . . . . .
) ولما جاءهم الحق ( ، يعنى القرآن ) قالوا هذا ( القرآن ) سحر وإنا به كافرون (
[ آية : 30 ] ، لا نؤمن به ، نزلت في سفيان بن حرب ، وأبي جهل بن هشام ، وعتبة
وشيبة ، ثم قال الوليد بن المغيرة :
لو كان هذا القرآن حقاً ، لأنزل علي ، أو علي أبي
مسعود الثقفي ، واسمه عمرو بن عمير بن عوف جد المختار .
الزخرف : ( 31 ) وقالوا لولا نزل . . . . .
فأنزل الله تعالى في قول الوليد بن المغيرة : ( وقالوا لولا ( ، يعنى هلا ، ) نزل هذا
القرءان على رجلٍ من القريتين عظيمٍ ) [ آية : 31 ] ، القريتان مكة والطائف ، وكان عظمة أن
الوليد عظيم أهل مكة في الشرف ، وأبا مسعود عظيم أهل الطائف في الشرف .
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 32 ) إلى الآية ( 38 ) .
الزخرف : ( 32 ) أهم يقسمون رحمة . . . . .
يقول الله تعالى : ( أهم يقسمون رحمت ربك ( ، يقول : أبأيديهم مفاتيح الرسالة
فيضعونها حيث شاءوا ، ولكنها بيدي أختار من أشاء من عبادي للرسالة ، ثم قال :
( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ( ، يقول : لم نعط الوليد وأبا مسعود الذي
أعطيناهما من الغني لكرامتها على الله ، ولكنه قسم من الله بينهم ، ثم قال : ( ورفعنا(3/189)
صفحة رقم 190
بعضهم فوق بعضٍ دراجتٍ ( ، يعنى فضائل في الغني ، ) ليتخذ بعضهم ( ، يعنى الأحرار ،
)( بعضاً ( ، يعني الخدم ، ) سخرياً ( ، يعنى العبيد والخده سخره الله لهم ، ) ورحمت
ربك ( ، يعنى الجنة ، ) خيرٌ مما يجمعون ) [ آية : 32 ] ، يعني الأموال ، يعني الكفار .
الزخرف : ( 33 ) ولولا أن يكون . . . . .
ثم ذكرهم هوان الدنيا عليه ، فقال : ( ولولا أن يكون الناس أمةً واحدةً لجعلنا ( ،
يعني ملة واحدة ، يعني على الكفر ، يقول :
لولا أن ترغب الناس في الكفر ، إذا رأوا
الكفار في سعة من الخير والرزق ، ) لمن يكفر بالرحمن ( ، لهوان الدنيا عليه ، ) لبيوتهم
سقفاً من فضةٍ ( ، يعنى بالسقف سماء البيت ، ) ومعارج عليها يظهرون ) [ آية : 33 ] ،
يقول : درجاً على ظهور بيوتهم يرتقون .
الزخرف : ( 34 ) ولبيوتهم أبوابا وسررا . . . . .
) و ) ) لجعلنا ( ( ولبيوتهم أبوباً ) ) من فضة ( ( وسرراً عليها يتكئون ) [ آية : 34 ] ،
يعني ينامون .
الزخرف : ( 35 ) وزخرفا وإن كل . . . . .
) وزخرفاً ( ، يقول : وجعلنا كل شئ لهم من ذهب ، ) وإن كل ذلك ( ، يقول :
وما كل الذي ذكر ، ) لما ) ) الآ ( ( متاع الحياة الدنيا ( يتمتعون فيها قليلاً ،
)( والأخرة ( ، يعني دار الجنة ، ) عند ربك للمتقين ) [ آية : 35 ] خاصة لهم .
الزخرف : ( 36 ) ومن يعش عن . . . . .
قوله : ( ومن يعش عن ذكر ( ، يقول : ومن يعم بصره عن ذكر ) الرحمن نقيض له
شيطاناً فهو له قرينٌ ) [ آية : 36 ] في الدنيا ، يقول : صاحب يزين لهم الغي .
الزخرف : ( 37 ) وإنهم ليصدونهم عن . . . . .
) وإنهم ) ) وإن الشياطين ( ( ليصدونهم عن السبيل ( ، يعني سبيل الهدى ،
)( ويحسبون ( ، ويحسب بنو آدم ، ) أنهم مهتدون ) [ آية : 37 ] ، يعني على هدى .
الزخرف : ( 38 ) حتى إذا جاءنا . . . . .
) حتى إذا جاءنا ( ابن آدم وقرينه في الآخرة جعلا في سلسلة واحدة ، ) قال ( ابن
آدم لقرينه ، يعنى شيطانه : ( ياليت ( ، يتمنى ، ) بينى وبينك بعد المشرقين ( ، يعني ما
بين مشرق الصيف إلى مشرق الشتاء ، أطول يوم في السنة ، وأقصر يوم في السنة ،
)( فبئس القرين ) [ آية : 38 ] ، يقول : فبئس الصاحب معه في النار في سلسلة واحدة .
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 39 ) إلى الآية ( 45 ) .(3/190)
صفحة رقم 191
الزخرف : ( 39 ) ولن ينفعكم اليوم . . . . .
يقول الله تعالى : ( ولن ينفعكم اليوم ( في الآخرة الاعتذار ، ) إذ ظلمتم ( ،
يقول : إذ أشركتم في الدنيا ، ) إنكم ( وقرناءكم من الشياطين ) في العذاب مشتركون (
[ آية : 39 ] .
الزخرف : ( 40 ) أفأنت تسمع الصم . . . . .
يقول : ( أفأنت تسمع الصم ( الذين لا يسمعون الإيمان ، يعنى الكفار ، ) أو تهدي العمي ( الذين لا يبصرون الإيمان ، ) ومن كان في ضلل مبينٍ ) [ آية : 40 ] ، نزلت
في رجل من كفار مكة ، يعنى بين الضلالة .
الزخرف : ( 41 ) فإما نذهبن بك . . . . .
قوله : ( فإما نذهبن بك ( ، يقول : فنميتك يا محمد ، ) فإنا منهم ( ، يعني كفار مكة ،
)( منتقمون ) [ آية : 41 ] بعدك بالقتل يوم بدر .
الزخرف : ( 42 ) أو نرينك الذي . . . . .
) أو نرينك ( في حياتك ، ) الذي وعدانهم ( من العذاب ببدر ، ) فإنا عليهم مقتدرون ) [ آية : 42 ] .
الزخرف : ( 43 ) فاستمسك بالذي أوحي . . . . .
) فاستمسك بالذي أوحي إليك ( من القرآن ، ) إنك على صراط مستقيم ) [ آية : 43 ] ،
يعني دين مستقيم .
الزخرف : ( 44 ) وإنه لذكر لك . . . . .
) وإنه لذكر لك ( ، يقول : القرآن لشرف لك ، ) ولقومك ( ، ولمن آمن منهم ،
)( وسوف تسئلون ) [ آية : 44 ] في الآخرة عن من يكذب به .
الزخرف : ( 45 ) واسأل من أرسلنا . . . . .
ثم قال : ( وسئل من أرسلنا ( ، يعني الذين أرسلنا إليهم ، ) من قبلك من رسلنا أجعلنا
من دون الرحمن ءالهةً يعبدون ) [ آية : 45 ] ، يقول : سل يا محمد مؤمني أهل الكتاب هل
جاءهم رسول يدعوهم إلى غير عبادة الله ؟ .
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 46 ) إلى الآية ( 50 ) .
الزخرف : ( 46 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
قوله : ( ولقد أرسلنا موسى بأياتنا ( ، اليد والعصا ، ) إلى فرعون وملإيه فقال إني
رسول رب العالمين ) [ آية : 46 ] .(3/191)
صفحة رقم 192
الزخرف : ( 47 ) فلما جاءهم بآياتنا . . . . .
) فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون ) [ آية : 47 ] ، استهزاء وتكذيباً .
الزخرف : ( 48 ) وما نريهم من . . . . .
يقول الله تعالى : ( وما نريهم من ءايةٍ إلا هي أكبر من أختها ( ، يعني اليد بيضاء لها
شعاع مثل شعاع الشمس ، يغشى البصر ، فكانت اليد أكبر من العصا ، وكان موسى ،
عليه السلام ، بدأ بالعصا ، فألقاها وأخرج يده ، فلم يؤمنوا ، يقول الله تعالى : ( وأخذناهم بالعذاب ( ، يعني الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والطمس ، والسنين ،
)( لعلهم يرجعون ) [ آية : 48 ] ، يعني لكي يرجعوا من الكفر إلى الإيمان .
الزخرف : ( 49 ) وقالوا يا أيها . . . . .
) وقالوا ( لموسى : ( يأيه الساحر ادع لنا ربك ^ ) ، يقول : سل ) لنا ربك ( ، فلم
يفعل ، وقال : تسموني ساحراً ، وقال في سورة الأعراف : ( ادع لنا ربك ) [ الأعراف :
134 ] ، ) بما عهد عندك ( أن يكشف عنا العذاب ، ) إننا لمهتدون ) [ آية : 49 ] ،
يعني مؤمنين لك ، وكان الله تعالى عهد إلى موسى ، عليه السلام ، لئن آمنوا كشف عنهم ،
فذلك قوله : ( بما عهد عندك ( ، إن آمنا كشف عنا العذاب .
الزخرف : ( 50 ) فلما كشفنا عنهم . . . . .
فلما دعا موسى ربه كشف عنهم ، فلم يؤمنوا ، فذلك قوله : ( فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ) [ آية : 50 ] الذي عاهدوا عليه موسى ، عليه السلام : ( لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن ) [ الأعراف : 134 ] ، فلم يؤمنوا .
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 51 ) إلى الآية ( 55 ) .
الزخرف : ( 51 ) ونادى فرعون في . . . . .
قوله : ( ونادى فرعون ( القبطي ، ) في قومه ( القبط ، وكان نداؤه أنه ) قال
ياقوم أليس لي ملك مصر ( أربعين فرسخاً في أربعين فرسخاً ، ) وهذه الأنهار تجري من تحتي ( من أسفل مني ، ) أفلا ( ، يعني فهلا ، ) تبصرون ) [ آية : 51 ] ، ألهم جنان
وأنهار مثلها .
الزخرف : ( 52 ) أم أنا خير . . . . .
ثم قال فرعون : ( أم أنا خير ( ، يقول : أنا خير ، ) من هذا ( ، يعني موسى ، ) الذي هو مهين ( ، يعني ضعيف ذليل ، ) ولا يكاد يبين ) [ آية : 52 ] حجته ، يعني لسانه ؛ لأن
الله تعالى كان أذهب عقدة لسانه في طه ، حين قال : ( واحلل عقدة من لساني ((3/192)
صفحة رقم 193
[ طه : 27 ] ، قال الله تعالى : ( قد أوتيت سؤلك يا موسى ) [ طه : 36 ] .
الزخرف : ( 53 ) فلولا ألقي عليه . . . . .
ثم قال فرعون : ( فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب ( ، يقول : فلا ألقى عليه ربه الذي
أرسله ، ) أسورة من ذهب ( ، إن كان صادقاً أنه رسول ، ) أو جاء معه الملائكة مقترنين ) [ آية : 53 ] ، يعني متعاونين يعينونه على أمره الذي بعث إليه .
الزخرف : ( 54 ) فاستخف قومه فأطاعوه . . . . .
) فاستخف قومه ( ، يقول : استفز قومه القبط ، ) فأطاعوه ( في الذي قال لهم على
التكذيب ، حين قال لهم : ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد (
[ غافر : 29 ] ، فأطاعوه في الذي قال لهم ، ) إنهم كانوا قوما فاسقين ) [ آية : 54 ] ، يعني
عاصين .
الزخرف : ( 55 ) فلما آسفونا انتقمنا . . . . .
) فلما ءاسفونا ( ، يعني أغضبونا ، ) انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ) [ آية :
55 ] ، لم ينج منهم أحد .
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 56 ) إلى الآية ( 60 ) .
الزخرف : ( 56 ) فجعلناهم سلفا ومثلا . . . . .
) فجعلناهم سلفا ( ، يعني مضوا في العذاب ، ) ومثلا للآخرين ) [ آية : 56 ] ،
يعني عبرة لمن بعدهم .
الزخرف : ( 57 ) ولما ضرب ابن . . . . .
قوله : ( ولما ضرب ابن مريم مثلا ( ، والمثل حين زعموا أن الملائكة بنات الله ،
وذلك
أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دخل المسجد ، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً ، وفي المسجد
العاص بن وائل السهمي ، والحارث وعدي ابنا قيس ، كلهم من قريش ، من بني سهم ،
فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' ) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) [ الأنبياء : 98 ] ، إلى آيتين ، ثم خرج إلى باب الصفا ، فخاض المشركون في
ذلك ، فدخل عبد الله بن الزبعري السهمي ، فقال : تخوضون في ذكر الآلهة ، فذكروا له ما
قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لهم ولآلهتهم ، فقال عبد الله بن الزبعري : يا محمد ، أخاصة لنا ولآلهتنا ، أم
لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم وآلهتهم ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' بل هي لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم
ولآلهتهم ' .(3/193)
صفحة رقم 194
فقال عبد الله : خصمتك ورب الكعبة ، ألست تزعم أن عيسى ابن مريم نبي ، وتثنى
عليه وعلى أمه خيراً ، وقد علمت أن النصارى يعبدونهما ، وعزيز يعبد ، والملائكة تعبد ،
فإن كان هؤلاء في النار ، فقد رضينا أن نكون معهم ، فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لا ' ، فقال عبد
الله : أليس قد زعمت أنها لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم وآلهتهم ؟ خصمتك ورب الكعبة ،
فضجوا من ذلك ، فأنزل الله تعالى : ( عن الذين سبقت لهم منا الحسنى ( ، يعني
الملائكة ، وعزير ، وعيسى ، ومريم ، ) أولئك عنها مبعدون ) [ الأنبياء : 101 ] ، وأنزل :
( ولما ضرب ابن مريم مثلا ( ) إذا قومك منه يصدون ) [ آية : 57 ] ، يعني
يضجون تعجباً لذكر عيسى ، عليه السلام ، عبد الله بن الزبعري وأصحابه هم هؤلاء
النفر .
الزخرف : ( 58 ) وقالوا أآلهتنا خير . . . . .
) وقالوا ءألهتنا خيرٌ أم هو ( ، يعني عيسى ، وقالوا : ليس آلهتنا إن عذبت خيراً من
عيسى بأنه يعبد ، يقول الله تعالى : بل هو ) ما ضربوه لك إلا جدلا ( ، يقول : ما ذكروا
لك عيسى إلا ليجادلوك به ، ) بل هم قوم خصمون ) [ آية : 58 ] .
الزخرف : ( 59 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو إلا عبد ( ، يعني عيسى ، عليه السلام ، يقول : ما هو إلا عبد ، ) أنعمنا عليه ( بالنبوة ، ) وجعلناه مثلاً لبني إسرءيل ) [ آية : 59 ] ، يقول الله تعالى : حين ولد
من غير أب ، يعني آية وعبرة ليعتبروا .
الزخرف : ( 60 ) ولو نشاء لجعلنا . . . . .
قوله : ( ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ) [ آية : 60 ] مكانكم ، فكانوا
خلفاً منكم .
تفسيرة سورة الزخرف من الآية ( 61 ) إلى الآية ( 67 ) .
الزخرف : ( 61 ) وإنه لعلم للساعة . . . . .
ثم رجع في التقديم إلى عيسى ، فقال : ( وإنه لعلم للساعة ( ، يقول : نزوله من
السماء علامة للساعة ، ينزل على ثنيه أفيق ، وهو جبل ببيت المقدس ، يقال له : أفيق ، عليه(3/194)
صفحة رقم 195
ممصرتان ، دهين الرأس ، معه حربة ، يقتل بها الدجال ، يقول : نزول عيسى من السماء
علامة للساعة ، ) فلا تمترن بها ( ، يقول : لا تشكوا في الساعة ، ولا في القيامة أنها
كائنة ، قوله : ( واتبعون هذا صراط مستقيم ) [ آية : 61 ] .
الزخرف : ( 62 ) ولا يصدنكم الشيطان . . . . .
ثم قال : ( ولا يصدنكم الشياطن ( عن الهدى ، ) إنه لكم عدو مبين ) [ آية : 62 ] ،
يعني بين .
الزخرف : ( 63 ) ولما جاء عيسى . . . . .
) ولما جاء عيسى ( ، يعني بني إسرائيل ، ) بالبينات ( ، يعني الإنجيل ، ) قال ( لهم :
( قد جئتكم بالحكمة ( ، يعني الإنجيل ، فيه بيان الحلال والحرام ، ) ولأبئن لكم بعض
الذي تختلفون فيه ( ، من الحلال والحرام ، فبين لهم ما كان حرم عليهم من الشحوم ،
واللحوم ، وكل ذي ظفر ، فأخبرهم أنه لهم حلال في الإنجيل ، غير أنهم يقيمون على
السبت ، ) فاتقوا الله ( ولا تعبدوا غيره ، ) وأطيعون ) [ آية : 63 ] فيما آمركم به من
النصيحة ، فإنه ليس له شريك .
الزخرف : ( 64 ) إن الله هو . . . . .
) إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه ( ، يعني وحدوه ، ) هذا ( ، يعني هذا التوحيد ،
)( صرطٌ ( ، يعني دين ، ) مستقيم ) [ آية : 64 ] .
الزخرف : ( 65 ) فاختلف الأحزاب من . . . . .
) فاختلف الأحزاب من بينهم ( ، في الدين ، والأحزاب هم : النسطورية ، والماريعقوبية ،
والملكانية ، تجازبوا من بينهم في عيسى ، عليه السلام ، فقالت النسطورية : عيسى ابن الله ،
وقالت الماريعقوبية : إن الله هو المسيح ابن مريم ، وقالت الملكانية : إن الله ثالث ثلاثة ،
)( فويل للذين ظلموا ( ، يعني النصارى الذين قالوا في عيسى ما قالوا ، ) من عذاب يوم أليم ) [ آية : 65 ] ، يعني يوم القيامة ، وإنما سماه أليماً لشدته .
الزخرف : ( 66 ) هل ينظرون إلا . . . . .
ثم رجع إلى كفار قريش ، فقال : ( هل ينظرون إلا الساعة ( ، يعني يوم القيامة ،
)( أن تأتيهم بغتة ( ، فجأة ، ) وهم لا يشعرون ) [ آية : 66 ] بجيئتها .
الزخرف : ( 67 ) الأخلاء يومئذ بعضهم . . . . .
ثم قال : ( الأخلاء ( في الدنيا ، ) يومئذ ( في الآخرة ، ) بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) [ آية : 67 ] ، يعني الموحدين ، نزلت في أمية بن خلف الجمحي ، وعقبة بن
أبي معيط ، قتلا جميعاً ، وذلك أن عقبة
كان يجالس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويستمع إلى حديثه ، فقالت
قريش : قد سبأ عقبة وفارقنا ، فقال له أمية بن خلف : وجهي من وجهك حرام إن لقيت
محمداً فلم تتفل في وجهه ، حتى يعلم قومك أنك غير مفارقهم ، ففعل عقبة ذلك ، فقال
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' أما أنا لله على لئن أخذتك خارجاً من الحرم لأهريقن دمك ' ، فقال له : يا(3/195)
صفحة رقم 196
ابن أبي كبشة ، ومن أين تقدر على خارجاً ، فتكون لك مني السوء ، فلما كان
يوم بدر أسر ، فلما عاينه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذكر نذره ، فأمر علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ،
فضرب عنقه ، فقال عقبة ، يا معشر قريش ، ما بالي أقتل من بينكم ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
' بتكذيبك الله ورسوله ' ، فقال : من لأولادي ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ' لهم النار ' .
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 68 ) إلى الآية ( 73 ) .
الزخرف : ( 68 ) يا عباد لا . . . . .
ولما كان يوم القيامة ، وقع الخوف ، فقال : ( ياعباد لا خوفٌ عليكم ( ، يقول : رفع الله
الخوف عن المؤمنين ، ) اليوم ( ، يعني يوم القيامة ، ) ولا أنتم تحزنون ) [ آية : 68 ] ،
فإذا سمعوا النداء رفعوا رءوسهم .
الزخرف : ( 69 ) الذين آمنوا بآياتنا . . . . .
فلما قال : ( الذين ءامنوا بئاياتنا وكانوا مسلمين ) [ آية : 69 ] ، يقول : الذين صدقوا
بالقرآن وكانوا مخلصين بالتوحيد ، نكس أهل الأوثان والكفر رءوسهم ، ثم نادى : الذين
آمنوا وكانوا يتقون المعاصي ، فلم يبق صاحب كبيرة إلا نكس رأسه .
الزخرف : ( 70 ) ادخلوا الجنة أنتم . . . . .
ثم قال : ( ادخلوا الجنة ( يا أهل التوحيد ، ) أنتم وأزواجكم ( ، يعني وحلائلكم ،
)( تحبرون ) [ آية : 70 ] ، يعني تكرمون وتنعمون .
الزخرف : ( 71 ) يطاف عليهم بصحاف . . . . .
) يطاف عليهم ( بأيدي الغلمان ، ) بصحاف من ذهب وأكواب ( من فضة ، يعني
الأكواب التي ليس لها عرى مدورة الرأس في صفاء القوارير ، ثم قال : ( وفيها ما
تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خلدون ) [ آية : 71 ] لا تموتون .
الزخرف : ( 72 ) وتلك الجنة التي . . . . .
) وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) [ آية : 72 ] ،
الزخرف : ( 73 ) لكم فيها فاكهة . . . . .
) لكم فيها فاكهةٌ
كثيرةٌ منها تأكلون ) 6 [ آية : 73 ] .
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 74 ) إلى الآية ( 81 ) .(3/196)
صفحة رقم 197
الزخرف : ( 74 ) إن المجرمين في . . . . .
ثم قال : ( إن المجرمين ( ، يعني المشركين المسرفين ، ) في عذاب جهنم خالدون ) [ آية :
74 ] ، يعني لا يموتون .
الزخرف : ( 75 ) لا يفتر عنهم . . . . .
) لا يفتر عنهم ( ، العذاب طرفة عين ، ) وهم فيه ( ، يعني في العذاب ، ) مبلسون (
[ آية : 75 ] ، يعني آيسون من كل خير مستيقنين بكل عذاب ، مبشرين بكل سوء ، زرق
الأعين ، سود الوجوه .
الزخرف : ( 76 ) وما ظلمناهم ولكن . . . . .
ثم قال : ( وما ظلمناهم ( ، فنعذب على غير ذنب ، ) ولكن كانوا هم الظالمين ) [ آية :
76 ] .
الزخرف : ( 77 ) ونادوا يا مالك . . . . .
) ونادوا ( في النار : ( ياملك ( ، وهو خازن جهنم ، فقال : ماذا تريدون ؟ قالوا :
( ليقض علينا ربك ( ، فيسكت عنهم مالك ، فلا يجيبهم مقدار أربعين سنة ، ثم يوحي الله
تعالى إلى مالك بعد أربعين أن يجيبهم ، فرد عليهم مالك : ( قال إنكم ماكثون ) [ آية :
77 ] ، في العذاب ، يقول : مقيمون فيها .
الزخرف : ( 78 ) لقد جئناكم بالحق . . . . .
فقال مالك : ( لقد جئناك بالحق ( في الدنيا ، يعني التوحيد ، ) ولكن أكثركم للحق كارهون ) [ آية : 78 ] .
الزخرف : ( 79 ) أم أبرموا أمرا . . . . .
قوله : ( أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون ) [ آية : 79 ] ، يقول :
أم أجمعوا أمراً ، وذلك أن نفراً
من قريش ، منهم : أبو جهل بن هشام ، وعتبة بن وشيبة ابنا ربيعة ، وهشام بن عمرو ، وأبو
البحتري بن هشام ، وأمية بن أبي معيط ، وعيينة بن حصن الفزاري ، والوليد بن المغيرة ،
والنضر بن الحارث ، وأبي بن خلف ، بعد موت أبي طالب ، اجتمعوا في دار الندوة بمكة
ليمكروا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) سراً عند انقضاء المدة ، فأتاهم إبليس في صورة شيخ كبير ، فجلس
إليهم ، فقالوا له : ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا ؟ قال عدو الله : أنا رجل من أهل نجد ،
وقدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم ، طيبة ريحكم ، فأردت أن أسمع حديثكم ، وأشير
عليكم ، فإن كرهتم مجلسي خرجت من بينكم .
فقال بعضهم لبعض :
هذا رجل من أهل نجد ، ليس من أهل مكة ، فلا بأس عليكم
منه ، فتكلموا بالمكر بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال أبو البحتري بن هشام ، من بني أسد بن عبد(3/197)
صفحة رقم 198
العزي : أما أنا ، فأرى أن تأخذوا محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، فتجعلوه في بيت وتسدوا عليه بابه ، وتجعلوا
له كوة لطعامه وشرابه حتى يموت ، فقال إبليس : بئس الرأي رأيتم ، تعمدون إلى رجل له
فيكمك صغو ، قد سمع به من حولكم ، تحبسونه في بيت ، وتطعمونه وتسقونه ، فيوشك
الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عنه ، ويفسد جماعتكم ، ويسفك دمائكم ، قالوا : صدق
والله الشيخ .
فقال هشام بن عمرو ، من بني عامر بن لؤي :
أما أنا ، فأرى أن تحملوه على بعير ،
فتخرجوه من أرضكم ، فيذهب حيث شاء ، ويليه غيركم ، فقال إبليس : بئس الرأي
رأيتم ، تعمدون إلى رجل قد أفسد عليكم جماعتكم ، وتبعه طائفة منكم ، فتخرجونه إلى
غيركم فيفسدهم كما أفسدكم ، فيوشك بالله أن يميل بهم عليكم ، فقال أبو جهل :
صدق والله الشيخ .
فقال أبو جهل بن هشام : أما أنا ، فأرى أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش ، فتأخذون
من كل بطن منهم رجلاً ، فتعطون كل رجل منهم سيفاً ، فيضربونه جميعاً ، فلا يدري
قومه من يأخذون به ، وتؤدي قريش ديته ، فقال إبليس : صدق والله الشاب ، إن الأمر
لكما .
قال :
فتفرقوا عن قول أبي جهل ، فنزل جبريل ، عليه السلام ، فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بما
ائتمروا به ، وأمره بالخروج ، فخرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من ليلته إلى الغار ، وأنزل الله تعالى في
شرهم الذي أجمعوا عليه : ( أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون ( ، يقول : أم أجمعوا أمرهم على محمد
( صلى الله عليه وسلم ) بالشر ، فإنا مجمعون أمرنا على ما يكرهون ، فعندها قتل هؤلاء النفر ببدر .
الزخرف : ( 80 ) أم يحسبون أنا . . . . .
يقول : ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ( الذي بينهم ، ) ونجواهم ( الذي أجمعوا عليه
ليثبتوك في بيت ، أو يخرجوك من مكة ، أو يقتلوك ، ) بلي ( نسمع ذلك منهم ،
)( ورسلنا ( الملائكة الحفظة ، ) لديهم ) 6 ، يعني عندهم ) يكتبون ) [ آية : 80 ] .
الزخرف : ( 81 ) قل إن كان . . . . .
) قل ( يا محمد : ( إن كان للرحمن ولدٌ ( ، يعني ما كان للرحمن ولد ، ) فأنا أول
العابدين ) [ آية : 81 ] ، وذلك أن النضر بن الحارث ، من بني عبد الدار بن قصي ، قال :
إن الملائكة بنات الله ، فأنزل الله عز وجل : ( قل ( يا محمد : ( إن كان للرحمن ولدٌ ( ،
يعني ما كان للرحمن ولد ، ) فأنا أول العابدين ( ، يعني الموحدين من أهل مكة بأن لا
ولد .(3/198)
صفحة رقم 199
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 82 ) إلى الآية ( 84 ) .
الزخرف : ( 82 ) سبحان رب السماوات . . . . .
ونزه الرب نفسه عما كذبوا بالعذاب : ( سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون ) [ آية : 82 ] ، يعني عما يقولون من الكفر بربهم ، يعني كفار مكة حين كذبوا
بالعذاب في الآخرة ، وذلك أن الله تعالى وعدهم في الدنيا على ألسنة الرسل أن العذاب
كائن نازل بهم .
الزخرف : ( 83 ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا . . . . .
) فذرهم ( ، يقول : خل عنهم ، ) يخوضوا ( في باطلهم ، ) ويلعبوا ( ، يعني يلهوا
في دنساهم ، ) حتى يلقوا يومهم ( في الآخرة ، ) الذي يوعدون ) [ آية : 83 ] العذاب
فيه .
الزخرف : ( 84 ) وهو الذي في . . . . .
ثم قال : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ( ، فعظم نفسه عما قالوا ، فقال :
وهو الذي يوحد في السماء ، ويوحد في الأرض ، ) وهو الحكيم ( في ملكه ، الخبير
بخلقه ، ) العليم ) [ آية : 84 ] بهم .
تفسير سورة الزخرف من الآية ( 85 ) إلى الآية ( 89 ) .
الزخرف : ( 85 ) وتبارك الذي له . . . . .
ثم عظم نفسه عن شركهم ، فقال : ( وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة ( يعني القيامة ، ) وإليه ترجعون ) [ آية : 85 ] ، يعني تردون في
الآخرة ، فيجازيكم بأعمالكم .
الزخرف : ( 86 ) ولا يملك الذين . . . . .
) ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ( ، يقول : لا نقدر الملائكة الذين
يعبدونهم من دون الله الشفاعة ، وذلك أن النضر بن الحارث ونفراً معه ، قالوا :
إن كان ما
يقول محمد حقاً ، فنحن نتولى الملائكة ، وهم أحق بالشفاعة من محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، فأنزل الله :
( ولا يملك ( ، يقول : ولا يقدر ، ) الذين يدعون من دونه ( ، وهم الملائكة ،
)( الشفاعة ( ، يقول : لا تقدر الملائكة الذين تعبدونهم من دون الله على الشفاعة لأحد ،
ثم استثنى ، فقال : ( إلا من شهد بالحق ( ، يعني بالتوحيد من بني آدم ، فذلك قوله :(3/199)
صفحة رقم 200
) وهم يعلمون ) [ آية : 86 ] أن الله واحد لا شريك له ، فشفاعتهم لهؤلاء .
الزخرف : ( 87 ) ولئن سألتهم من . . . . .
قوله : ( ولئن سألتهم من خلقهم ( ، يعني أهل مكة كفارهم ، ) ليقولن الله ( ، وذلك
أنه لما نزلت في أول هذه السورة : ( خلق السماوات والأرض ( ، نزلت في آخرها :
( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ( ، فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
من خلقكم ورزقكم
وخلق السموات والأرض ؟ ' ، فقالوا : الله خالق الأشياء كلها ، وهو خلقنا ، قال الله تعالى
لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ' قل لهم : ( فأنى يؤفكون ) [ آية : 87 ] ، يقول : من أين يكذبون بأنه واحد لا
شريك له ، وأنتم مقرون أن الله خالق الأشياء وخلقكم ، ولم يشاركه أحد في ملكه فيما
خلق ؟ فكيف تعبدون غيره ؟ .
الزخرف : ( 88 ) وقيله يا رب . . . . .
فلما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : يا رب ، ) وقيله يارب إن هؤلاء ( ، يعني كفار مكة ، ) قوم لا يؤمنون ) [ آية : 88 ] ، يعني لا يصدقون ، وذلك أنه لما قال أيضاً في الفرقان : ( إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) [ الفرقان : 30 ] ، قال الله تعالى يسمع قوله ، فيها تقديم :
( يارب إن هؤلاء ( ، يعني كفار مكة ، ) قوم لا يؤمنون ( ، يعني لا يصدقون بالقرآن أنه
من الله عز وجل .
الزخرف : ( 89 ) فاصفح عنهم وقل . . . . .
يقول الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : ( فاصفح عنهم ( ، يعني فأعرض عنهم ، فيها تقديم ، ) وقل سلام ( ، أردد عليهم معروفاً ، ) فسوف يعلمون ) [ آية : 89 ] ، هذا وعيد ، حين ينزل بهم
العذاب ، فنسخ آية السيف الإعراض والسلام ، وذكر وعيدهم ، وفي حم المؤمن ، فقال :
( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون (
[ غافر : 71 ، 72 ] .(3/200)
صفحة رقم 201
44
سورة الدخان
مكية ، عددها تسع وخمسون آية كوفي
تفسير سورة الزخرف ( 1 ) إلى الآية ( 10 ) .
الدخان : ( 1 ) حم
) حم ) [ آية : 1 ] .
الدخان : ( 2 ) والكتاب المبين
) والكتاب المبين ) [ آية : 2 ] ، يعني البين ما فيه .
الدخان : ( 3 ) إنا أنزلناه في . . . . .
) إنا أنزلناه ( ، يعني القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ، إلى السفرة من الملائكة ، وهم
الكتبة ، وكان ينزل من اللوح المحفوظ كل ليلة قدر ، فينزل الله عز وجل من القرآن إلى
السماء الدنيا ، على قدر ما ينزل به جبريل ، عليه السلام ، في السنة إلى مثلها من العام
المقبل ، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر ، ) في ليلة مباركة ( ، وهي ليلة مباركة .
قال : وقال مقاتل :
نزل القرآن كله من اللوح المحفوظ إلى السفرة في ليلة واحدة ليلة
القدر ، فقبضه جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) من السفرة في عشرين شهراً ، وأداه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في عشرين
سنة ، وسميت ليلة القدر ليلة مباركة ، لما فيها من البركة والخير ، ثم قال : ( إنا كنا منذرين ) [ آية : 3 ] ، يعني بالقرآن .
الدخان : ( 4 ) فيها يفرق كل . . . . .
) فيها يفرق كل أمر حكيم ) [ آية : 4 ] ، يقول : يقضي الله في ليلة القدر كل أمر
محكم من الباطل ما يكون في السنة كلها إلى مثلها من العام المقبل من الخير ، والشر ،
والشدة ، والرخاء ، والمصائب .
الدخان : ( 5 ) أمرا من عندنا . . . . .
يقول الله تعالى : ( أمرا من عندنا ( ، يقول : كان أمراً منا ، ) إنا كنا مرسلين ) [ آية :
5 ] ، يعني منزلين هذا القرآن .
الدخان : ( 6 ) رحمة من ربك . . . . .
أنزلناه ) رحمة من ربك ( ، لمن آمن به ، ) إنه هو السميع ( لقولهم ، ) العليم (
[ آية : 6 ] به .(3/201)
صفحة رقم 202
الدخان : ( 7 ) رب السماوات والأرض . . . . .
) رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ) [ آية : 7 ] بتوحيد الرب
تعالى .
الدخان : ( 8 ) لا إله إلا . . . . .
وحد نفسه ، فقال : ( لا إله إلا هو يحي ويميت ( ، يقول : يحيى الموتى ، ويميت
الأحياء ، هو ) ربكم ورب ءابائكم الأولين ) [ آية : 8 ] .
الدخان : ( 9 ) بل هم في . . . . .
) بل هم ( ، لكن هم ، ) في شك ( من هذا القرآن ) يلعبون ) [ آية : 9 ] يعني
لاهون عنه .
الدخان : ( 10 ) فارتقب يوم تأتي . . . . .
قوله : ( فارتقب ( ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعا الله عز وجل على كفار قريش ، فقال :
' اللهم أعني عليهم بسبع سنين كسني يوسف ' ، فأصابتهم شدة ، حتى أكلوا العظام ،
والكلاب ، والجيف ، من شدة الجوع ، فكان الرجل يرى بينه وبين السماء الدخان
من
الجوع ، فذلك قوله : ( فارتقب ( ، يقول : فانتظر يا محمد ، ) يوم تأتي السماء بدخان مبين ) [ آية : 10 ] .
تفسير سورة الدخان من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 16 ) .
الدخان : ( 11 ) يغشى الناس هذا . . . . .
) يغشى الناس ( ، يعني أهل مكة ، ) هذا ( الجوع ، عذابٌ أليمٌ ) [ آية :
11 ] ، يعني وجيع .
الدخان : ( 12 ) ربنا اكشف عنا . . . . .
ثم إن أبا سفيان بن حرب ، وعتبة بن ربيعة ، والعاص بن وائل ، والمطعم بن عدي ،
وسهيل بن عمرو ، وشيبة بن ربيعة ، كلهم من قريش ، أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : ( يا محمد ،
استسق لنا ، فقالوا : ( ربنا اكشف عنا العذاب ( ، يعني الجوع ، ) إنا مؤمنون ) [ آية :
12 ] ، يعني إنا مصدقون بتوحيد الرب وبالقرآن .
الدخان : ( 13 ) أنى لهم الذكرى . . . . .
أنى لهم الذكرى ( ، يقول : من أين لهم التذكرة ، يعني الجوع الذي أصابهم بمكة ،
)( وقد جاءهم رسولٌ ( ، يعني محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ، ) مبينٌ ) [ آية : 13 ] ، يعني هو بين أمره ،
جاءهم بالهدى .
الدخان : ( 14 ) ثم تولوا عنه . . . . .
ثم تولوا عنه ( ، يقول : ثم أعرضوا عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الضلالة ، ) وقالوا معلمٌ(3/202)
صفحة رقم 203
مجنونٌ ) [ آية : 14 ] ، قال ذلك عتبة بن أبي معيط : إن محمداً مجنون ، وقالوا : إنا يعلمه
جبر غلام عامر بن الحضرمي ، وقالوا : لئن لم ينته جبر غلام عامر بن الحضرمي ، فأوعدوه
لنشترينه من سيده ، ثم لنصلينه حتى ينظر هل ينفعه محمد أو يغني عنه شيئاً ، ) بل هم في
سكٍ يلعبون ( ، يقول : بل هم من القرآن في شك لاهون ، فدعا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ' اللهم اسقنا مغيثاً عاماً ، طبقاً مطبقاً ، غدقاً ممرعاً مرياً ، عاجلاً غير ريث ، نافعاً غير
ضار ' ، فكشف الله تعالى عنهم العذاب .
الدخان : ( 15 ) إنا كاشفو العذاب . . . . .
فذلك قوله : ( إنا كاشفوا العذاب ( ، يعني الجوع ، ) قليلاً ( إلى يوم بدر ، ) إنكم
عائدون ) [ آية : 15 ] إلى الكفر ، فعادوا ، فانتقم الله منهم ببدر فقتلهم .
الدخان : ( 16 ) يوم نبطش البطشة . . . . .
فذلك قوله : ( يوم نبطش البطشة الكبرى ( ، يعني العظمى ، فكانت البطشة في
المدينة يوم بدر ، أكثر مما أصابهم من الجوع بمكة ، فذلك قوله : ( إنا منتقمون ) [ آية :
16 ] بالقتل ، وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم ، وعجل الله أرواحهم إلى النار .
تفسير سورة الدخان من الآية ( 17 ) إلى الآية ( 29 ) .
الدخان : ( 17 ) ولقد فتنا قبلهم . . . . .
) ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ( بموسى ( صلى الله عليه وسلم ) حتى ازدروه ، كما ازدرى أهل
مكة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ لأنه ولد فيهم فازدروه ، فكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فتنة لهم ، كما كان موسى ( صلى الله عليه وسلم )
فتنة لفرعون وقومه ، فقالت قريش : أنت أضعفنا وأقلنا حيلة ، فهذا حين ازدروه ، كما
ازدروا موسى ، عليه السلام ، حين قالوا : ( ألم نربك فينا وليداً ) [ الشعراء : 18 ] ،
فكانت فتنة لهم ، من أجل ذلك ذكر فرعون دون الأمم ، نظيرها في المزمل : ( إ نا أرسلنا
إليكم رسولاً ) [ المزمل : 15 ] .
قوله : ( ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ( كما فتنا قريشاً بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ؛ لأنهما ولدا
في قومهما ، ) وجاءهم رسولٌ كريمٌ ) [ آية : 17 ] ، يعني الخلق ، كان يتجاوز ويصفح ،(3/203)
صفحة رقم 204
يعني موسى حين سأل ربه أن يكشف عن أهل مصر الجراد والقمل .
الدخان : ( 18 ) أن أدوا إلي . . . . .
فقال موسى لفرعون : ( أن أدوا إلي عباد الله ( ، يعني أرسلوا معي بني إسرائيل ،
يقول : وخل سبيلهم ، فإنهم أحرار ولا تستعبدهم ، ) إني لكم رسول ( من الله ،
)( امين ) [ آية : 18 ] فيما بيني وبين ربكم .
الدخان : ( 19 ) وأن لا تعلوا . . . . .
) وأن لا تعلوا على الله ( ، يعني لا تعظموا على الله أن توحدوه ، ) إني ءاتيكم بسلطان
مبينٍ ) [ آية : 19 ] ، يعني حجة بينة ، كقوله : ألا تعلوا على الله ، يقول : ألا تعظموا على
الله ، ) إني ءاتيكم بسلطانٍ مبينٍ ( ، يعني حجة بينة ، وهي اليد والعصا ، فكذبوه ، فقال
فرعون في حم المؤمن : ( ذروني أقتل موسى ) [ غافر : 26 ] .
الدخان : ( 20 ) وإني عذت بربي . . . . .
فاستعاذ موسى ، فقال : ( وإني عذت بربي وربكم ( ، يعني فرعون وحده ، ) أن ترجمون ) [ آية : 20 ] ، يعني أن تقتلون .
الدخان : ( 21 ) وإن لم تؤمنوا . . . . .
) وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ) [ آية : 21 ] ، يقول : وإن لم تصدقوني ، يعني فرعون
وحده ، ) فاعتزلون ( ، فدعا موسى ربه في يونس ، فقال : ( ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ) [ يونس : 86 ] ، يعني نجي وبني إسرائيل ، وأرسل العذاب على أهل مصر .
الدخان : ( 22 ) فدعا ربه أن . . . . .
قوله تعالى : ( فدعا ربه أن هؤلاء ( ، يعني أهل مصر ، ) قوم مجرمون ) [ آية : 22 ] ،
فلا يؤمنون ، فاستجاب الله له .
الدخان : ( 23 ) فأسر بعبادي ليلا . . . . .
فأوحى الله تعالى إليه : ( فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون ) [ آية : 23 ] ، يقول :
يتبعكم فرعون وقومه .
الدخان : ( 24 ) واترك البحر رهوا . . . . .
) واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون ( ، وذلك أن بني إسرائيل لما قطعوا البحر ، قالوا
لموسى ( صلى الله عليه وسلم ) : فرق لنا البحر كما كان ، فإننا نخشى أن يقطع فرعون وقومه آثارنا ، فأراد
موسى ، عليه السلام ، أن يفعل ذلك ، كان الله تعالى أوحى إلى البحر أن يطيع موسى ،
عليه السلام ، فقال الله لموسى : ( واترك البحر رهوا ( ، يعني صفوفاً ، ويقال : ساكناً ،
)( إنهم ( ، إن فرعون وقومه ) جند مغرقون ) [ آية : 24 ] ، فأغرقهم الله في نهر مصر ،
وكان عرضه يومئذٍ فرسخين .
الدخان : ( 25 ) كم تركوا من . . . . .
فقال الله تعالى : ( كم تركوا ( من بعدهم ، يعني فرعون وقومه ، ) من جنات ( ،
يعني بساتين ، ) وعيون ) [ آية : 25 ] ، يعني الأنهار الجارية .(3/204)
صفحة رقم 205
الدخان : ( 26 ) وزروع ومقام كريم
) وزروع ومقام كريم ) [ آية : 26 ] ، يعني ومساكن حسان .
الدخان : ( 27 ) ونعمة كانوا فيها . . . . .
) ونعمة ( من العيش ، ) كانوا فيها فاكهين ) [ آية : 27 ] ، يعني أرض مصر معجبين .
الدخان : ( 28 ) كذلك وأورثناها قوما . . . . .
) كذلك ( ، يقول : هكذا فعلنا بهم في الخروج من مصر ، ثم قال : ( وأورثنها ،
يعني أرض مصر ، ) قوماً ءاخرين ) [ آية : 28 ] ، يعني بني إسرائيل ، فردهم الله إليها بعد
الخروج منها .
الدخان : ( 29 ) فما بكت عليهم . . . . .
ثم قال : ( فما بكت عليهم السماء والأرض ( ، وذلك أن المؤمن إذا مات بكى عليه
معالم سجوده من الأرض ، ومصعد عمله من السماء أربعين يوماً وليلة ، ويبكيان على
الأنبياء ثمانين يوماً وليلة ، ولا يبكيان على الكافر ، فذلك قوله : ( فما بكت عليهم السماء
والأرض ( ؛ لأنهم لم يصلوا لله في الأرض ، ولا كانت لهم أعمال صالحة تصعد إلى
السماء ؛ لكفرهم ، ) وما كانوا منظرين ) [ آية : 29 ] ، لم يناظروا بعد الآيات التسع حتى
عذبوا بالغرق .
تفسير سورة الدخان من الآية ( 20 ) إلى الآية ( 29 ) .
الدخان : ( 30 ) ولقد نجينا بني . . . . .
) ولقد نجينا بني إسراءيل من العذاب المهين ) [ آية : 30 ] ، يعني الهوان ، وذلك أن بني
إسرائيل آمنت بموسى وهارون ، فمن ثم قال فرعون : ( اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه
واستحيوا نساءهم ) [ غافر : 25 ] ، فلما هم بذلك ، قطع الله بهم البحر مع ذرياتهم
وذراريهم ، وأغرق فرعون ومن معه من القبط ، ) ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب
المهين ( ، يعني الهوان من فرعون من قتل الأبناء ، واستحياء النساء ، يعني البنات ، قبل
أن يبعث الله عز وجل موسى رسولاً ، مخافة أن يكون هلاكهم في سببه من فرعون للذي
أخبره به الكهنة أنه يكون ، وأنه يغلبك على ملكك .
الدخان : ( 31 ) من فرعون إنه . . . . .
ثم قال : ( من فرعون إنه كان عالياً ( عن التوحيد ، ) من المسرفين ) [ آية : 31 ] ،
يعني من المشركين .(3/205)
صفحة رقم 206
الدخان : ( 32 ) ولقد اخترناهم على . . . . .
ثم رجع إلى بني إسرائيل ، فقال : ( ولقد اخترانهم على علمٍ ( علمه الله عز وجل
منهم ، ) على العالمين ) [ آية : 32 ] ، يعني عالم ذلك الزمان .
الدخان : ( 33 ) وآتيناهم من الآيات . . . . .
) وءاتينهم ( ، يقول : وأعطيناهم ) من الآيات ( حين فلق البحر وأهلك عدوهم
فرعون ، وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، والحجر والعمود والتوراة ،
فيها بيان كل شئ ، فكل هذا الخير ابتلاهم الله به ، فلم يشكروا ربهم ، فذلك قوله :
( وءاتينهم من الأيات ( ) ما فيه بلؤاٌ مبينٌ ) [ آية : 33 ] ، يعني النعم البينة ، كقوله :
( إن هذا لهو البلاء المبين ) [ الصافات : 106 ] ، يعني النعم البينة .
الدخان : ( 34 ) إن هؤلاء ليقولون
قوله : ( إن هؤلاء ليقولون ) [ آية : 34 ] ، يعني كفار مكة .
الدخان : ( 35 ) إن هي إلا . . . . .
) إن هي إلا موتتنا الأولى ( ، وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لهم :
إنكم تبعثون من بعد
الموت ' ، فكذبوه ، فقالوا : إن هي إلا حياتنا الدنيا ، ) وما نحن بمنشرين ) [ آية : 35 ] ،
يعني بمبعوثين من بعد الموت .
الدخان : ( 36 ) فأتوا بآبائنا إن . . . . .
ثم قال : ( فأتوا بئابائنا إن كنتم صادقين ) [ آية : 36 ] ، أنا نحيا من بعد الموت ، وذلك
أن أبا جهل بن هشام قال في الرعد : يا محمد ، إن كنت نبياً فابعث لنا رجلين أو ثلاثة
ممن مات من آبائنا ، منهم قضي بن كلاب ، فإنه كان صادقاً ، وكان إمامهم ، فنسألهم
فيخبرونا عن ما هو كائن بعد الموت ، أحق ما تقول أم باطل ؟ إن كنت صادقاً بأن البعث
حق ، نظيرها في الجاثية قوله : ( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) [ الجاثية : 24 ] ، وما البعث بحق .
الدخان : ( 37 ) أهم خير أم . . . . .
فخوفوهم الله تعالى بمثل عذاب الأمم الخالية ، فقال : ( أهم خير أم قوم تبع ( ؛ لأن قوم
تبع أقرب في الهلاك إلى كفار مكة ، ) والذين من قبلهم ( من الأمم الخالية ، ) أهلكناهم (
بالعذاب ، ) إنهم كانوا مجرمين ) [ آية : 37 ] ، يعني مذنبين مقيمين على الشرك منهمكين
عليه .
الدخان : ( 38 ) وما خلقنا السماوات . . . . .
قوله : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ) [ آية : 38 ] ، يعني عابثين لغير
شئ ، يقول : لم أخلقهما باطلاً ، ولكن خلقتهما لأمر هو كائن .
الدخان : ( 39 ) ما خلقناهما إلا . . . . .
) ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم ( ، يعني كفار مكة ، ) لا يعلمون ) [ آية :
39 ] ، أنهما لم يخلقا باطلاً .(3/206)
صفحة رقم 207
تفسير سورة الدخان من الآية ( 40 ) إلى الآية ( 50 ) .
الدخان : ( 40 ) إن يوم الفصل . . . . .
ثم خوفهم ، فقال : ( إن يوم الفصل ( ، يعني يوم القضاء ، ) ميقاتهم ( ، يعني
ميعادهم ، ) أجمعين ) [ آية : 40 ] .
الدخان : ( 41 ) يوم لا يغني . . . . .
) يوم ( ، يعني يوم القيامة ، يقول : يوافي يوم القيامة الأولون والآخرون ، وهم يوم
الجمعة ، هذه الأمة وسواهم من الأمم الخالية ، ثم نعت الله تعالى ذلك اليوم ، فقال :
( يوم ( ) لا يغني مولى عن مولى شيئا ( ، وهم الكفار ، يقول : يوم لا يغني ولي عن
وليه ، يقول : لا يقدر قريب لقرابته الكافر شيئاً من المنفعة ، ) ولا هم ينصرون ) [ آية :
آية : 41 ] ، يقول : ولا هم يمنعون من العذاب .
الدخان : ( 42 ) إلا من رحم . . . . .
ثم استثنى المؤمنين ، فقال : ( إلا من رحم الله ( من المؤمنين ، فإنه يشفع لهم ، ) إنه
هو العزيز ( في نقمته من أعدائه الذين لا شفاعة لهم ، ) الرحيم ) [ آية : 42 ]
بالمؤمنين الذين استثنى في هذه الآية .
الدخان : ( 43 ) إن شجرة الزقوم
قوله : ( إن شجرت الزقوم ) [ آية : 43 ] ،
الدخان : ( 44 ) طعام الأثيم
) طعام الأثيم ) [ آية : 44 ] ، يعني
الآثم بربه ، فهو أبو جهل بن هشام ، وفي قراءة ابن مسعود : طعام الفاجر .
الدخان : ( 45 ) كالمهل يغلي في . . . . .
) كالمهل ( ، يعني الزقوم أسود غليظ كدردى الزيت ، ) يغلي في البطون ) [ آية : 45 ] .
الدخان : ( 46 ) كغلي الحميم
) كغلي الحميم ) [ آية : 46 ] ، يعني الماء الحار بلسان بربر وأفريقية ، الزقوم يعنون
التمر والزبد ، زعم ذلك عبد الله بن الزبعري السهمي ، وذلك أن أبا جهل قال لهم :
إن
محمداً يزعم أن النار تنبت الشجر ، وإنما النار تأكل الشجر ، فما الزقوم عندكم ؟ فقال عبد
الله بن الزبعري : التمر والزبد ، فقال أبو جهل بن هشام : يا جارية ، ابغنا تمراً وزبداً ،
فقال : تزقموا .(3/207)
صفحة رقم 208
الدخان : ( 47 ) خذوه فاعتلوه إلى . . . . .
يقول الله عز وجل للخزنة : ( خذوه ( ، يعني أبا جهل ، ) فاعتلوه ( ، يقول : فادفعوه
على وجهه ، ) إلى سواء الجحيم ) [ آية : 47 ] ، يعني وسط الجحيم ، وهو الباب السادس
من النار .
الدخان : ( 48 ) ثم صبوا فوق . . . . .
ثم قال : ( ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ) [ آية : 48 ] ، أبي جهل ، وذلك
أن الملك من خزان جهنم يضربه على رأسه بمقمعة من حديد ، فينقب عن دماغه ، فيجري
دماغه على جسده ، ثم يصب الملك في النقب ماء حميماً قد انتهى حره ، فيقع في بطنه .
الدخان : ( 49 ) ذق إنك أنت . . . . .
ثم يقول له الملك : ( ذق ( العذاب أيها المتعزز المتكرم ، يوبخه ويصغره بذلك ،
فيقول : ( انك ( زعمت في الدنيا ، ) أنت العزيز ( ، يعني المنيع ، ) الكريم (
[ آية : 49 ] ، يعني المتكرم .
الدخان : ( 50 ) إن هذا ما . . . . .
قال : فكان أبو جهل يقول في الدنيا :
أنا عز قريش وأكرمها ، فلما ذاق شدة العذاب
في الآخرة ، قال له الملك : ( إن هذا ما كنتم به تمترون ) [ آية : 50 ] ، يعني تشكون في
الدنيا أنه غير كائن ، فهذا مستقر الكفار .
تفسير سورة الدخان من الآية ( 51 ) إلى الآية ( 59 ) .
الدخان : ( 51 ) إن المتقين في . . . . .
ثم ذكر مستقر المؤمنين ، فقال : ( إن المتقين في مقام أمين ) [ آية : 51 ] ، في
مساكن آمنين من الخوف والموت .
الدخان : ( 52 ) في جنات وعيون
) في جنات وعيون ) [ آية : 52 ] ، يعني بساتين وأنهار جارية .
الدخان : ( 53 ) يلبسون من سندس . . . . .
) يلبسون من سندس وإستبرق ( ، يعني الديباج ، ) متقالبين ) [ آية : 53 ] في
الزيارة .
الدخان : ( 54 ) كذلك وزوجناهم بحور . . . . .
) كذلك وزوجناهم بحور ( ، يعني بيض الوجوه ، ) عين ) [ آية : 54 ] ، يعني
حسان العيون .
الدخان : ( 55 ) يدعون فيها بكل . . . . .
ثم أخبر عنهم ، فقال : ( يدعون فيها بكل فاكهة ( من ألوان الفاكهة ،
)( ءامنين ) [ آية : 55 ] من الموت .(3/208)
صفحة رقم 209
الدخان : ( 56 ) لا يذوقون فيها . . . . .
) لا يذوقون فيها الموت ( أبداً ) إلا الموتة الأولى ( التي كانت في الدنيا ،
)( ووقاهم ( ، يعني الرب تعالى ، ) عذاب الجحيم ) [ آية : 56 ] .
الدخان : ( 57 ) فضلا من ربك . . . . .
ذلك الذي ذكر في الجنة كان ) فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم ) [ آية : 57 ] ،
يعني الكبير ، يعني النجاة العظيمة .
الدخان : ( 58 ) فإنما يسرناه بلسانك . . . . .
قوله : ( فإنما يسرناه بلسانك ( ، يعني القرآن ، يقول : هوناه على لسانك ، ) لعلهم ( ،
يقول : لكي ) يتذكرون ) [ آية : 58 ] ، فيؤمنوا بالقرآن ، فلم يؤمنوا به .
الدخان : ( 59 ) فارتقب إنهم مرتقبون
يقول الله تعالى : ( فارتقب ( ، يقول : انتظر بهم العذاب ، ) إنهم مرتقبون ) [ آية :
59 ] ، يعني منتظرون بهم العذاب .(3/209)
صفحة رقم 210
45
سورة الجاثية
مكية ، عددها سبع وثلاثون آية ، كوفى
تفسير سورة الجاثية من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 5 ) .
الجاثية : ( 1 ) حم
) حم ) [ آية : 1 ] .
الجاثية : ( 2 ) تنزيل الكتاب من . . . . .
) تنزيل الكتاب من الله العزيز ( في ملكه ، ) الحكيم ) [ آية : 2 ]
في أمره .
الجاثية : ( 3 ) إن في السماوات . . . . .
) إن في السموات والأرض ) ، وهما خلقان عظيمان ) لأياتٍ للمؤمنين ) [ آية : 3 ] ، يعني
المصدقين بتوحيد الله عز وجل .
الجاثية : ( 4 ) وفي خلقكم وما . . . . .
) وفي خلقكم ( ، يعني وفي خلق أنفسكم إذ كنتم نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم
عظماً لحماً ، ثم الروح ، ) وما يبث من دابةٍ ( ، يقول : وما يخلق من دابة ، ) ءايتٌ لقومٍ
يوقنون ) [ آية : 4 ] بتوحيد الله .
الجاثية : ( 5 ) واختلاف الليل والنهار . . . . .
) و ( في ) واختلاف اليل والنهار ( ، وهما آيتان ، ) وما أنزل الله من السماء من رزقٍ ( ،
يعني المطر ، ) فأحيا به الأرض بعد موتها ( ، فأنبتت ، ) وتصريف الرياح ( في الرحمة
والعذاب ، ففي هذا كله ) ءاياتٌ لقومٍ يعقلون ) [ آية : 5 ] ، بتوحيد الله عز وجل .
تفسير سورة الجاثية من الآية ( 6 ) إلى الآية ( 11 ) .
الجاثية : ( 6 ) تلك آيات الله . . . . .
ثم رجع إلى أول السورة في التقديم ، فقال : ( تلك ءايات الله ( ، يعني تلك آيات(3/210)
صفحة رقم 211
القرآن ) نتلوها عليك ( يا محمد ، ) بالحق ( ، فإن لم يؤمنوا بهذا القرآن ، ) فبأي حديث بعد الله ( ، يعني بعد توحيد الله ، ) و ( بعد ) وما ءاياته ( ، يعني بعد آيات القرآن ،
)( يؤمنون ) [ آية : 6 ] ، يعني يصدقون .
الجاثية : ( 7 ) ويل لكل أفاك . . . . .
) ويل لكل أفاك ( ، يعني كذاب ، ) أثيم ) [ آية : 7 ] ، يقول آثم بربه ، وكذبه النضر
بن الحارث القرشي ، من بني عبد الدار .
الجاثية : ( 8 ) يسمع آيات الله . . . . .
) يسمع ءايات الله تتلى ( ، يعني القرآن ، ) عليه ثم يصر مستكبرا ( ، يعني يصر يقيم على
الكفر بآيات القرآن ، فيعرض عنها متكبراً ، يعن عن الإيمان بآيات القرآن ، ) كما لم
يسمعها ( ، يعني آيات القرآن وما فيه ، ) فبشره بعذاب أليم ) [ آية : 8 ] ، يعني وجيع ، فقتل
ببدر .
الجاثية : ( 9 ) وإذا علم من . . . . .
ثم أخبر عن النضر بن الحارث ، فقال : ( وإذا علم من ءاياتنا شيئاً ( ، يقول : إذا سمع من
آيات القرآن شيئاً ، ) اتخذها هزوا ( ، يعني استهزاء بها ، وذلك أنه زعم أن حديث
القرآن مثل حديث رستم واستفنذباز ، ) أؤلئك لهم ( ، يعني النضر بن الحارث
وأصحابه ، وهم قريش ، ) عذاب مهين ) [ آية : 9 ] ، يعني القرآن في الدنيا يوم بدر .
الجاثية : ( 10 ) من ورائهم جهنم . . . . .
ثم قال : ( من ورائهم جهنم ( ، يعني النضر بن الحارث ، يقول : لهم في الدنيا القتل
ببدر ، ومن بعده أيضاً لهم جهنم في الآخرة ، ) ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ( ، يقول : لا
تغني عنهم أموالهم التي جمعوها من جهنم شيئاً ، ) ولا ( ، يغني عنهم من جهنم ، ) ما
اتخذوا من دون الله أؤلياء ( ، يقول : ما عبدوا من دون الله من الآلهة ، ) ولهم عذاب عظيم (
[ آية : 10 ] ، يعني كبير ؛ لشدته .
الجاثية : ( 11 ) هذا هدى والذين . . . . .
) هذا هدى ( ، يقول : هذا القرآن بيان يهدي من الضلالة ، ) والذين كفروا ( من أهل
مكة ، ) بآيات ربهم ( ، يعني القرآن ، ) لهم عذاب من رجز أليم ) [ آية : 11 ] ، يقول : لهم
عذاب من العذاب الوجيع في جهنم .
تفسير سورة الجاثية من الآية ( 11 ) إلى الآية ( 19 ) .(3/211)
صفحة رقم 212
الجاثية : ( 12 ) الله الذي سخر . . . . .
ثم ذكرهم النعم ، فقال : ( الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه ( ، يقول : لكي
تجري السفن في البحر ، ) بأمره ( ، يعني بإذنه ، ) ولتبتغوا ( ما في البحر ، ) من فضله ( ، يعني الرزق ، ) ولعلكم ( ، يعني ولكي ، ) تشكرون ) [ آية : 12 ] الله في هذه
النعم فتوحدوه .
الجاثية : ( 13 ) وسخر لكم ما . . . . .
) وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ( ، يعني من الله ، ) إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) [ آية : 13 ] في صنع الله فيوحدونه .
الجاثية : ( 14 ) قل للذين آمنوا . . . . .
) قل للذين ءامنوا يغفروا ( ، يعني يتجاوزوا ، نزلت في عمر بن الخطاب ، رضي الله
عنه ، وذلك
أن رجلاً من كفار مكة شتم عمر بمكة ، فهم عمر أن يبطش به ، فأمره الله
بالعفو والتجاوز ، فقال : ( قل للذين ءامنوا ( ، يعني عمر ، ) يغفروا ( ، يعني يتجاوزوا ،
)( للذين لا يرجون أيام الله ( ، يعني لا يخشون عقوبات الله مثل عذاب الأمم الخالية ،
)( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) [ الشورى : 40 ] ، يقول : فجزاؤه على الله ، ثم
نسخ العفو والتجاوز آية السيف في براءة : ( فاقتلوا المشركين ) [ التوبة : 5 ] ، قوله :
( ليجزي ( بالمغفرة ، ) قوما بما كانوا يكسبون ) [ آية : 14 ] ، يعني يعملون من الخير .
الجاثية : ( 15 ) من عمل صالحا . . . . .
) من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء ( العمل ) فعليها ( ، يقول : إساءته على نفسه ،
)( ثم إلى ربكم ترجعون ) [ آية : 15 ] في الآخرة ، فيجزيكم بأعمالكم .
الجاثية : ( 16 ) ولقد آتينا بني . . . . .
قوله : ( ولقد ءاتينا ( ، يعني أعطينا ، ) بني إسرءيل الكتاب ( ، يعني التوراة ،
)( والحكم ( ، يعني الفهم الذي في التوراة والعلم ، ) والنبوة ( ، وذلك أنه كان فيهم
ألف نبي ، أولهم موسى ، وآخرهم عيسى ، عليهم السلام ، ) ورزقناهم ( ، يعني الحلال من
الرزق ، المن والسلوى ، ) من الطيبات وفضلناهم على العالمين ) [ آية : 16 ] ، يعني عالمي ذلك
الزمان بما أعطاهم الله من التوراة فيها تفصيل كل شئ ، والمن والسلوى ، والحجر ،
والغمام ، وعموداً كان يضئ لهم إذا ساروا بالليل ، وأنبت معهم ثيابهم لا تبلى ، ولا(3/212)
صفحة رقم 213
تخرق ، وظللنا عليهم الغمام ، وفضلناهم على العالمين في ذلك الزمان .
الجاثية : ( 17 ) وآتيناهم بينات من . . . . .
ثم قال : ( وءاتينهم ( آيات ) بينت ( واضحات ، ) من الأمر ( ، يعني أبين لهم
في التوراة الحلال ، والحرام ، والسنة ، وبيان مان كان قبلهم ، ثم اختلفوا في الدين بعد
يوشع بن نون ، فآمن بعضهم وكفر بعضهم ، ) فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ( ،
يعني البيان ، ) بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (
[ آية : 17 ] ، يعني في الدين يختلفون .
الجاثية : ( 18 ) ثم جعلناك على . . . . .
قوله : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر ( ، يعني بينات من الأمر ، وذلك أن كفار
قريش قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
ارجع إلى ملة أبيك عبد الله ، وجدك عبد المطلب ، وسادة قومك ،
فأنزل الله : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر ( ، يعني بينة من الأمر ، يعني الإسلام ،
)( فاتبعها ( ، يقول الله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : اتبع هذه الشريعة ، ) ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) [ آية : 18 ] توحيد الله ، يعني كفار قريش ، فيستزلونك عن أمر الله .
الجاثية : ( 19 ) إنهم لن يغنوا . . . . .
قوله تعالى : ( إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين ( ، يوم القيامة ، يعني
مشركي مكة ، ) بعضهم أؤلياء بعضٍ والله ولي المتقين ) [ آية : 19 ] الشرك .
تفسير سورة الجاثية من الآية ( 20 ) إلى الآية ( 25 ) .
الجاثية : ( 20 ) هذا بصائر للناس . . . . .
) هذا ( القرآن ) بصائر للناس ( ، يقول : هذا القرآن بصيرة للناس من الضلالة ،
)( و ( هو ) وهدى ( من الضلالة ، ) ورحمة ( من العذاب لمن آمن به ، ) لقوم يوقنون ) [ آية : 20 ] بالقرآن أنه من الله تعالى .
الجاثية : ( 21 ) أم حسب الذين . . . . .
) أم حسب الذين اجترحوا السيئات ( ، وذلك أن الله أنزل أن للمتقين عند ربهم في
الآخرة جنات النعيم ، فقال كفار مكة ، بنو عبد شمس بن عبد مناف بمكة ، لبني هاشم(3/213)
صفحة رقم 214
ولبني عبد المطلب بن عبد مناف للمؤمنين منهم : إنا نعطي في الآخرة من الخير مثل ما
تعطون ، فقال الله تعالى : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات ( ، يعني الذين عملوا الشرك ،
يعني كفار بني عبد شمس ، ) أن تجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحت ( من بني
هاشم ، وبني المطلب ، منهم : حمزة ، وعلي بن أبي طالب ، وعبيدة بن الحارث ، وعمر بن
الخطاب ، ) سوءاً محيهم ( في نعيم الدنيا ، ) و ( سواء ) ومماتهم ( في نعيم
الآخرة ، ) ساء ما يحكمون ) [ آية : 21 ] ، يقول : بئس ما يقضون من الجور حين يرون
أن لهم في الآخرة ما للمؤمنين ، في الآخرة الدرجات في الجنة ونعيمها للمؤمنين ،
والكافرون في النار يعذبون .
الجاثية : ( 22 ) وخلق الله السماوات . . . . .
قوله : ( وخلق الله السماوات والأرض بالحق ( ، يقول : لم أخلقهما عبثاً لغير شئ ،
ولكن خلقتهما لأمر هو كائن ، ) ولتجزى ( ، يقول : ولكي تجزي ) كل نفسس بما
كسبت ( ، يعني بما عملت في الدنيا من خير أو شر ، ) وهم لا يظلمون ) [ آية : 22 ]
في أعمالهم ، يعني لا ينقصون من حسناتهم ، ولا يزاد في سيئاتهم .
الجاثية : ( 23 ) أفرأيت من اتخذ . . . . .
قوله : ( أفرءيت من اتخذ إلهه هواه ( ، يعني الحارث بن قيس السهمي اتخذ إلهه هوى ،
وكام من المستهزئين ، وذلك أنه هوى الأوثان فعبدها ، ) وأضله الله على علم ( علمه فيه ،
)( وختم ( ، يقول : وطبع ، ) على سمعه ( ، فلا يسمع الهدى ، ) و ( على ) وقلبه ( ،
فلا يعقل الهدى ، ) وجعل على بصره غشاوة ( ، يعني الغطاء ، ) فمن يهديه من بعد الله ( إذ
أضله الله ، ) أفلا ( ، يعني أفهلا ) تذكرون ) [ آية : 23 ] فتعتبروا في صنع الله
فتوحدونه .
الجاثية : ( 24 ) وقالوا ما هي . . . . .
) وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ( ، يعني نموت نحن ويحيا آخرون ، فيخرجون من
أصلابنا ، فنحن كذلك ، فما نبعث أبداً ، ) وما يهلكنا إلا الدهر ( ، يقول : وما يميتنا إلا
طول العمر ، وطول اختلاف الليل والنهار ، ولا نبعث ، يقول الله تعالى : ( وما لهم بذلك من علم ( بأنهم لا يبعثون ، ) إن هم ( ، يقول : ما هم ) إلا يظنون ) [ آية : 24 ] ، ما
يستيقنون ، وبالظن تكلموا على غيرهم أنهم لا يبعثون .
الجاثية : ( 25 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
) وإذا تتلى عليهم ءاياتنا ( ، يعني القرآن ، ) بينت ( ، يعني واضحات من الحلال
والحرام ، ) ما كان حجتهم ( حين خاصموا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الرعد ، حين قالوا : سير لنا
الجبال ، وسخر لنا الرياح ، وابعث لنا رجلين أو ثلاثة من قريش من آبائنا ، منهم قصي بن(3/214)
صفحة رقم 215
كلاب ؛ فإنه كان صدوقاً ، وكان إمامهم ، فنسألهم عما تخبرنا به أنه كائن بعد الموت ،
فذلك قوله تعالى : ( ما كان حجتهم ( ) إلا أن قالوا ( للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ( ائتوا بئابائنا إن كنتم
صادقين ) [ آية : 25 ] ، هذا قول أبي جهل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال :
ابعث لنا رجلين أو ثلاثة إن
كنت من الصادقين بأن البعث حق .
تفسير سورة الجاثية من الآية ( 26 ) إلى الآية ( 30 ) .
الجاثية : ( 26 ) قل الله يحييكم . . . . .
قال الله تعالى : ( قل ( لهم يا محمد : ^ 0 الله يحييكم ( ، حين كانوا نطفة ، ) ثم يميتكم ( عند أجالكم ، ) ثم يجمعكم إلى يوم القيامة ( أولكم وآخركم ، ) لا ريب فيه ( ،
يقول : لا شك فيه ، يعني البعث أنه كائن ، ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ آية : 26 ]
أنهم يبعثون في الآخرة .
الجاثية : ( 27 ) ولله ملك السماوات . . . . .
ثم عظم الرب نفسه عما قالوا : أنه لا يقدر على البعث ، فقال : ( ولله ملك السموات
والأرض ويوم تقوم الساعة ) ، يعني يوم القيامة ، ) يومئذٍ يخسر المبطلون ) [ آية : 27 ] ، يعني
المكذبين بالبعث .
الجاثية : ( 28 ) وترى كل أمة . . . . .
) وترى كل أمةٍ جاثيةً ( على الركب عند الحساب ، يعني كل نفس ، ) كل أمةٍ تدعى إلى
كتابها ( الذي عملت في الدنيا من خير أو شر ، ثم يجزون بأعمالهم ، فذلك قوله :
( اليوم ( ، يعني في الآخرة ، ) تجزون ما كنتم تعملون ) [ آية : 28 ] في الدنيا .
الجاثية : ( 29 ) هذا كتابنا ينطق . . . . .
) هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ( من اللوح المحفوظ ، ) ما كنتم
تعملون ) [ آية : 29 ] قبل أن تعملونها .
الجاثية : ( 30 ) فأما الذين آمنوا . . . . .
حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني الهذيل ، عن مقاتل ، قال :
قال ابن
عباس : لا تكون نسخة إلا من كتاب ، ) فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحت فيدخلهم ربهم في رحمته ( ، يعني في جنته ، ) ذلك ( الدخول ، ) هو الفوز المبين ) [ آية : 30 ] .
تفسير سورة الجاثية من الآية ( 21 ) إلى الآية ( 25 ) .(3/215)
صفحة رقم 216
الجاثية : ( 31 ) وأما الذين كفروا . . . . .
) وأما الذين كفروا ( ، فيقول لهم الرب تعالى : ( أفلم تكن ءاياتي ( ، يعني القرآن ،
)( تتلى عليكم ( ، يقول : تقرأ عليكم ، ) فاستكبرتم ( ، يعني تكبرتم عن الإيمان بالقرآن ،
)( وكنتم قوما مجرمين ) [ آية : آية : 31 ] ، يعني مذنبين مشركين .
الجاثية : ( 32 ) وإذا قيل إن . . . . .
قوله : ( وإذا قيل إن وعد الله حق ( ، قال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) :
إن البعث حق ' ،
)( والساعة ( ، يعني القيامة ، ) لا ريب فيها ( ، يعني لا شك فيها أنها كائنة ، ) قلتم ( يا
أهل مكة : ( ما ندري ما الساعة إن نظن ( ، يعني ما نظن ) إلا ظنا ( على غير يقين ،
)( وما نحن بمستيقنين ) [ آية : 32 ] بالساعة أنها كائنة .
الجاثية : ( 33 ) وبدا لهم سيئات . . . . .
) وبدا لهم ( ، يقول : وظهر لهم في الآخرة ، ) سيئات ( ، يعني الشرك ، ) ما عملوا (
في الدنيا حين شهدت عليهم الجوارح ، ) وحاق ( ، يقول : ووجب العذاب ، ) بهم ما كانوا به ( بالعذاب ) يستهزءون ) [ آية : 33 ] أنه غير كائن .
الجاثية : ( 34 ) وقيل اليوم ننساكم . . . . .
وقال لهم الخزنة في الآخرة : ( وقيل اليوم ننساكم ( ، يقول : نترككم في العذاب ، ) كما نسيتم لقاء يومكم هذا ( ، يقول : كما تركتم إيماناً بهذا اليوم ، يعني البعث ، ) ومأواكم النار
وما لكم من ناصرين ) [ آية : 34 ] ، يعني مانعين من النار .
الجاثية : ( 35 ) ذلكم بأنكم اتخذتم . . . . .
) ذلكم بأنكم ( ، يقول : إنما نزل بكم العذاب في الآخرة بأنكم ) أتخذتم ءايات الله ( ،
يعني كلام الله ، ) هزوا ( ، يعني استهزاء ، حين قالوا : ساحر ، وشاعر ، وأساطير الأولين ،
)( وغرتكم الحياة الدنيا ( عن الإسلام ، ) فاليوم ( في الآخرة ، ) لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون ) [ آية : آية : 35 ] .
تفسير سورة الجاثية من الآية ( 26 ) إلى الآية ( 27 ) .
الجاثية : ( 36 ) فلله الحمد رب . . . . .
قوله : ( فلله الحمد ( ، يقول : الشكر لله ، ) رب السماوات ورب الأرض رب العالمين ((3/216)
صفحة رقم 217
[ آية : 36 ] ، يعني القيامة .
الجاثية : ( 37 ) وله الكبرياء في . . . . .
) وله الكبرياء ( ، يعني العظمة ، ) في السماوات والأرض وهو العزيز ( في ملكه ،
)( الحكيم ) [ آية : 37 ] ، في أمره ، ) وله الكبرياء ( ، يعني العظمة ، والسلطان ،
والقوة ، والقدرة في السموات والأرض ، ) وهو العزيز ( في ملكه ، ) الحكيم ( في
أمره الذي حكم .(3/217)
صفحة رقم 218
46
سورة الأحقاف
مكية عددها خمس وثلاثون آية كوفي
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 1 ) إلى الآية ( 2 ) .
الأحقاف : ( 1 ) حم
) حم ) [ آية : 1 ]
الأحقاف : ( 2 ) تنزيل الكتاب من . . . . .
) تنزيل الكتاب ( يقول قضاء نزول الكتاب يعني القرآن ) من الله العزيز ( في ملكه ) الحكيم ) [ آية : 2 ] في أمره .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 2 ) فقط .
الأحقاف : ( 3 ) ما خلقنا السماوات . . . . .
) ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما ( يعني الشمس والقمر والنجوم والسحاب
والرياح ) إلا بالحق ) 6 لم أخلقهما باطلاً لغير شئ خلقتهما لأمر هو كائن ، ثم قال :
( وأجلٍ مسمىًّ ( يقول خلقتهم لأجل مسمى ينتهي إليه ، يعني يوم القيامة ، فهو الأجل
المسمى .
ثم قال : ( والذين كفروا ( من أهل مكة ) عما أنذروا ( في القرآن من العذاب
) معرضون ) [ آية : 3 ] فلا يتفكرون .
تفسير سورة الأحقاف من الآية ( 4 ) فقط .
الأحقاف : ( 4 ) قل أرأيتم ما . . . . .
) قل ( يا محمد لأهل مكة ) أرءيتم ما تدعون ( يعني تعبدون ) من دون الله ( من
الآلهة ، يعني الملائكة ) أروني ماذا خلقوا من الأرض ( يعني الأرض كخلق الله إن كانوا
آلهة ، ثم قال : ( أم لهم ( يقول : ألهم ) شركٌ ) ) مع الله ( ( في ) ) ملك ( ( السموات (
كقوله : ( ما لهم فيهما من شرك ) [ سبأ : 22 ] ) ائتوني بكتابٍ من قبل هذا أو أثرةٍ
من علمٍ ( يقول : أو رواية ' تعلمونها ' من الأنبياء قبل هذا القرآن بأن له شريكاً ) إن
كنتم صادقين ) [ آية : 4 ] يعني اللات والعزى ومناة بأنهن له شركاء .(3/218)