واعلم أن كبرياءه تعالى ذاتي له قائمبنفسه لا بغيره من المكبرين فهو أكبر من أن يكبره غيره بالتكبير الحادث ولذا قال عليه السلام ليلة المعراج لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فهو المبكر والمثنى لذاته بذاته بتكبير وثناء قديم من الأزل إلى الأبد {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} جميع ثوب من اللباس أي فطهرها مما ليس بطاهر بحفظها وصيانتها عن النجاسات وغسلها بالماء الطاهر بعد تلطخها فإنه قبيح بالمؤمن الطيب أن يحمل خبيثاً سواء كان في حال الصلاة أو في غيرها وبتقصيرها أيضاً فإن طولها يؤدي إلى جر الذيول على القاذورات فيكون التطهير كناية عن التقصير لأنه من لوزمه ومعنى التقصير أن تكون إلى إنصاف الساقين أولى الكعب فإنه عليه السلام جعل اية طول لإزار إلى إلى الكعب وتوعد على ما تحته بالنار.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
وحضرت مرتضى رضي الله عنه كفت كوتاه كن جامه را.
فإنه أتقى وأنقى وأبقى وهو أول ما أمر به عليه السلام من رفض العادت المذمومة فإن المشركين ما كانوا يصونون ثيابهم عن النجاسات وفه انتقال من تطهير الباطن إلى تطهير الظاهر لأن الغالب إن من نقى باطنه أبي إلا اجتناب الخبث وإيثار الطارة في كل شيء فإن الدين بنى على النظافة ولا يدخل الجنة إلا نظيف والله يحب الناسك النظيف وفي الحديث غسل الإناء وطهارة الفناء يورثن الغنى وفي المرفوع نظفوا أفواهكم فإنها طرق القرآن قال الراغب الطهارة ضربان طهارة جسم وطهارة نفس وقد حمل عليهما عامة الآيات وقوله : {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قيل : معناه نفسك نهما عن المعايب انتهى.
أو طهرقلبك كما في القاموس أو أخلاقك فحسن قاله الحسن وفي الخبر حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مدخل الأبرار أو عملك فأصلح كما في الكواشي ومنه الحديث يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات فيهما أي علميه الخبيث والطيب كما في عين المعاني وإنه ليبعث في ثيابه أي أعماله كما في القامو أو أهلك فطهرهم من الخطايا بالوعظ والتأديب والعرب تسمى الأهل ثوباً ولباساً قال تعالى : هن لباس لكم وأنتم لباس لهن.
(كما في كشف الأسرار) : وقال ابن عباس لا تلبسها على معصية ولا على غدار البسها وأنت بر طاهرك ما في فتح الرحمن قال الشاعر :
وإني بحمد الله لا ثوب فاخر
لبست ولا من غدرة
225
أتقنع
وذلك إن الغادر والفاجر يسمى دنس الثيات كما أن أهل الصدق والوفاء يسمى طاهر الثياب.
ودر نفحات ازشيخ أبو الحسن شاذلي قدس سره نقل ميكندكه حضرت رسالت را درخواب ديدم ومرا كفت أي على طهر ثيابك من الدنس تحفظ بمدد الله في كل نفس يعني اكيزه كردان جامهاى خود را از رك تابهره مندكردى بمد وتأييد خداي تعالى درهره نفسي كفتم يا رسول الله ثياب من كدامست فرمودكه برتو حق تعالى نج خلعت وشانيد خلعت محبت وخلعت معرفت ووخلعت توحيدو خلعت ايمن وخلعت اسلام هركه خدا يرا دوست دارد بروى آسان شود هريز وهركه خدا يرابشنا سد در نظروى خردنمايد هريز وهركه خدا يرا به يكانكى بداند بوي شريك نيارد هي يزرا وهركه خداي تعالى را ايمان إرد ايمن كرد داز هريز وهركه باسلام متصف بودخدا يراعاصى نشود واكر عاصي شود اعتذار كندو ون اعتذار كند قبول افتد بفضل الله تعالى س شيخ فرمود ازاينجا داسنتم قول خدا يرا وثيابك فطهر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
درتو وشيد لطف يزداني
خلعتي از صفات روحاني
دراش ازلوث خشم وشهوت دور
تابا كيزكى شوى مشهور
(10/174)
والرجز فاهجر} قرأ عاصم في رواية حفص الرجز بالضم والباقون بكسر الراء ومعناهم واحد وهو الأوثان وقد سبق معنى الهجر في المزمل أي ارفض عبادة الأوثان ولا تقربها كما قال إبراهيم عليه السلام واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ويقال الرجز العذاب أي واهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدي إليه من الماآثم سمى ما يؤدي إلى العذاب رجزاً على تسمية المسبب باسم سببه والمراد الدوام على الهجر لأنه كان بريئاً من عبادة الأوثان ونحوها {وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} برفع تستكثر لأنه مستقبل في معنى الحال أي ولا تعط مستكثراً أي رائياً لما تعطيه كثيراً أو طالباً للكثير على إنه نهى عن الاستغرار وهو أن يهب شيئاً وهو يطمع أن يتعوض من الموهوب له أكثر مما أعطاه وهو جائز ومنه الحديث المستغزر يثاب من هبته أي يعوض منها والغزارة بالغين المعجمة وتقديم ازاي الكثرة فهو إما للتحريم وهو خاص برسول الله صلى الله عليه وسلّم لعلو منصبه في الأخلاق الحسنة ومن ذلك حلت الزكاة لفقرا أمته ولم تحل له ولأهله لشرفه أو للتنزيه للكل أي له ولأمته وقال بعضهم هو من لمنة لأن من يمن بما يعطي يستكثره ويعتد به والمنة تهدم الصنيعة خصوصاً إذا من بعمله على الله بأن يعده كثيراً فإن العمل من الله منة عليه كما قال تعالى : [المدثر : 7]{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} ومن شكر طول عمره بالعبادة لم يقض شكر نعمة الإيجاد فضلاً عما لا يحصى من أنواع الجود ولربك فاصبر} أي فاصبر لحكم ربك ولا تتألم من أذية المشركين فإن المأمور بالتبليغ لا يخلو عن أذى الناس ولكن بالصبر يستحيل المر حلواً وبالتمر يحصل الذوق.
تحمل و زهرت نما يدنخست
ولي شهد كردد ودر طبع رست
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
وقال بعض أهل المعرفة أي جرد صبرك عن ملاحظة الغير في جميع المراتب في الصبر عن المعصية والصبر على الله والصبر في لبلاء كما قال تعالى : [المدثر : 8]{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ} .
وقال القاشاني : يا أيها المدثر
226
أي المتلبس بدثار البدن المنجب بصورته قم عما ركنت إليه وتلبست به من أشغال الطبيعة وانتبه من رقدة الغفلة فأنذر نفسك وقواك وجميع من عداك عذاب يوم عظيم وإن كنت تكبر شيئاً وتعظم قدره فخصص ربك بالتعظيم والتكبير لا يعظم في عينك غيره وليصغر في قلبك كل ما سواه بمشاهدة كبريائه وظاهرك فطهره أولاً قبل تطهير باطنك عن مدانس الأخلاق وقبائح الأفعال ومذام العادات ورجز الهيولي المؤدي إلى العذاب ، فاهجر أي جرد باطنك عن اللواحق المادية والهيئات الجسمانية الفاسقة والغواشي الظلمانية والهيولانية ولا تعط المال عند تجردك عنه مستغزراً طالباً للأعواض والثواب الكثير به فإن ذلك احتجاب بالنعمة عن المنعم وقصور همة بل خالصاً لوجه الله أفعل ما تفعل صابراً على الفضيلة له لا لشيء آخر غيره فإذا نقر في الناقور} الناقور بمعنى ما ينقر فيه والمراد الصور وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل مرة للإصعاق وأخرى للإحياء فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت يعني جعل الشءي بحيث يظهر منه الصوت بنوع قرع وامراد هنا النفخ إذ هو نوع ضرب للهواء الخارج من الحلقوم أي فإذا نفخ في الصور والفاء للسببية أي سبية ما بعدها لما قبلها دون العكس فهي بمعنى اللام السببية كأنه قيل اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة إذا هم وتلقى عاقبة صبرك عليه والعامل في إذا ما دل عليه قوله تعالى {فَذَالِكَ يَوْمَـاـاِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَـافِرِينَ} فإن معناه عسر الأمر على الكافرين من جهة العذاب وسوء الحساب وذلك إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ ويومئذٍ بدل منه مبني على الفتح لإضافة إلى غير متمكن وهو إذ والتقدير إذ نقر فيه والخبر يوم عسير وعلى متعلقة بعسير دل عليه قوله تعالى : [المدثر : 10]{وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَـافِرِينَ عَسِيرًا} كأنه قيل فيوم النقر يوم عسير عليهم غير يسير} خبر بعد خبر وتأكيد لعسره عليهم لقطع احتمال يسره بوجه دون وجه مشعر تيسره على المؤمنين ثم المراد به يوم النفخة الثانية التي يحيى الناس عندها إذ هي التي يخص عسرها بالكافرين جميعاً وإما النفخة الأولى فهي مختصة بمن كان حياً عند وقوعها وقد جاء في الأخبار إن في الصور ثقبً بعدد الأرواح كلها وإنها تجمع في تلك الثقب في النفخة الثانية فيخرج عند النفخ من كل ثقبة روح إلى الجسد الذي نزع منه فيعود الجسدح ياً بإذن الله تعالى وفي الحديث كيف أنعم وصاحب القرن قد لتقم قرنه ينظر متى يؤمر أن ينفخ فيه فقيل له كيف نصنع قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل.
وقال القاشاني ينقر في البدن المبعوث فينقش فيه الهيئات السيئة المردية الموجبة للعذاب أو الحسنة المنجية الموجبة للثواب ولا يخفى عسر ذلك اليوم على المحجوبين على أحد وإن خفي يسرة على غيرهم إلا على المحققين من أهل الكشف والعيان
(10/175)
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
{ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} حال إما من الياء أي ذرني وحدي معه فإني أكفيكه في لانتقام منه أو من التاء أي خلقته وحدي لم يشكرني في خلقه أحداً أؤمن العائد المحذوف أي ومن خلقته وحيداً فريداً لا مال له ولا ولد نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي وكان يلقب في قومه بالوحيد زعماً منهم إنه لا نظير
227
له في وجاهته ولا في ماله كان يفتخر بنفسه ويقول أنا الوحيد ابن الوحيد ليس لي في العرب نظير لا لأبي المغيرة نظير أيضاً فسماه الله بالوحيد تهكماً به واستهزاء بلقبه كقوله تعالى : {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وصرفاً له عن الغرض الذي يؤمونه من مدحه إلى هة ذمه بكونه وحيداً من المال والولد أو وحيداً من أبيه ونسبه لأنه كان زنيماً وهو من ألحق بالقوم ولسي منهم ما مر أو وحيداً في الشرارة والخباثة والدناءة وجعلت له مالاً ممدودا} أي مبسوط أكثيراً وهو ما كان له بين مكة ولطائف من صنوف الأوال وقال النوري كان له ألف ألف دينار {وَبَنِينَ} ودادم اورا سران {شُهُودًا} جمع شاهد مثل قاعد وقعود وشهده كسمعه حضره أي حضوراً معه بمكة يتمتع بمشاهدتهم لا يفار قونه للتصرف في عمل أو تجارة لكونهم مكفيين لوفور نعمهم وكثرة خدمهم أو حضوراً معه في الأندية والمحافل لوجاهتهم واعتبارهم وكان له عشرة بنين أسلم منهم ثلاثة خالد وهشام وعمارة قاله المفسرون وأطبق المحدثون على أن الوليد بن الوليد أسلم وعمارة قتل كافراً أما يوم بدرأ وفي الحبشة على يد النجاشي قال السهيلي رحمه الله هم هشام بن الوليد والوليد بن الوليد وخالد بن لوليد الذي يقالله سيف الله وإما غير هؤلاء ممن مات منهم على دين الجاهلية فلم نسمه {وَمَهَّدتُّ لَه تَمْهِيدًا} وبسطت له الرياسة واجاه العريض فأتممت عليه النعمة فإن اجتماع المال والجاه هو الكمال عند أه الدنيا ولذا كان يلقب ريحانة قريش واليرحانة نبت طيب الرائحة والولد والرزق.
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى الوليد بن مغيرة النفس الوحيدة في الشر والظلم والجور والجهل وكثرة أموال أعماله السيئة الذميمة وثروة أجاس أخلاقه الذميمة وإلى بني أتباعه الخبيثة الخسيسة وبسطة وسلطنته ورياسته ووجاهته عند أرباب النفوس المتمردة عن أوامر الحق ونواهيه المعربدة مع الحق وأهاليه وهم القوى الطبيعية الظلمانية يعني دعني وإياه فإني أسلط عليه أبا بكر الخفي وعمر الروح وعثمان السر وعلى القلب حتى أنهم بأنوار روحانيتهم يطمسون ظلمات نفسانيته ويغيرون على أعماله ويقتلون بني أتباعه وشيعته ويطوون بساط سلطنته ويسدون باب بسطته {ثُمَّ يَطْمَعُ} يرجو {أَنْ أَزِيدَ} على ما أوتيه من المال والولد وثم استبعاد واستنكار لطمعه وحرصه إما لأنه لا مزيد على ما أوتيه سعة وكثرة يعني إنه أوتى غاية ما أوتى عادة لأمثاله أولاته مناف لما هو عليه من كفران النعم ومعاندة المنعم أي لا يجمع له بعد اليوم بين الكفر والمزيد من النعم {كَلا} ردع وزجر له عن طمعه الفارغ وقطع لرائه الخائب فيكون متصلاً بما قبله {إِنَّه كَانَ لايَـاتِنَا عَنِيدًا} يقال عند خالف الحق ورده عارفاً بهفهو عنيد وعاند يعني منكر وستيزه كننده.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
والمعاندة المفارقة والمجانبة والمعارضة بالخلاف كالعناد والعنيد هنا بمعنى المعاند كالجليس والأكيل والعشير بمعنى المجالس والمؤاكل والمعاشر وهو تعليل لما قبلها على وجه الاستئناف التحقيقي فإن معاندة آيات المنعم وهي الآيات القرآنية مع وضوحها وكفران له مع سبوغها مما يوجب حرمانه بالكلية وإنما أوتى ما أوتى استدراجاً وتقديم لآياتنا على متعلقه وهو عنيداً يدل على التخصيص فتخصيص العناد بها مع كونه
228
تاركاً للعناد في سائر الأشياء يدل على غاية الخسران قيل ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله حتى هلك وهو فقير.
آكس كه نصيحت زعزيزان نكند كوش
بسيار بخايد سر انكشت ندامت
(10/176)
{سَأُرْهِقُه صَعُودًا} قال الراغب : رهقه الأمر غشيه بقهر يقال رهقته وأرهقته مثل رفته وأردفته وتبعته واتبعته ومنه أرهقت الصلاة أي أخرتها حتى غشى وقت الأخرى والصعود العقبة الشاقة ويستعار لكل مشاق وهو مفعول ثان لأرحق وفي بعض التفاسير صعوداً إما فعول بمعنى فاعل يستوي فيه المذكر والمؤنث مثل عقبة كؤود فيكون من قبيل تسمية المحل باسم الحال أو بمعنى مفعول من صعده وهو الظاهر فيكون تذكيره إما باعتبار كون موصوفه طريقاً أو باتباع مثل كؤود والمعنى سأكلفه كرهاً بدل ما يطمعه من الزيادة ارتقاء عقبه شاقة المصعد على حذف المضاف بحيث تغشاه شدة ومشقة من جميع الجوانب على أن يكون الإرهاق تكليف الشيء العظيم المشقة بحيث تغشى المكلف شدته ومشقته من جميع الجوانب وقال الغزالي رحمه الله حالة تصعد فيها نفسه للنزع وإن لم يتعقبه موت انتهى.
وهو مثال لما يلقى من العذاب الصعب الذي لا يطاق ويجوز أن يحمل على حقيقته كما قال عليه السلام الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى كذا أبداً.
يعني بر بالاي آن نتوان رفت اورادر زنجير هاي آتشين كشيده ازيش مى كشند واز عقب كرزهاي آتشين كشيده از س مى كشند واز عقب كرزهاي آتشين ميزنند تابر آنجا ميروددر هفتا دسال وبازكشتن وزير افتادن أو همنين است.
قوله سبعين خريفاً أي سبعين عاماً لأن الخريف آخر السنة فيه تتم الثمار وتدرك فصار بذلك كأنه العام كله وهذا كما تسمى العلة الصورية علة تامة لذلك قال في "القاموس" الخريف كأمير ثلاثة أشهربين القيظ والشتاء تخترف فيا الثمار أي تجتنى وعنه عليه السلام يكلف أن يصعد عقبه في لنار كلما وضع يده عليها ذابت فإذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت فإذا رفعها عادت {إِنَّه فَكَّرَ وَقَدَّرَ} تعليل للوعيد واستحقاقه له من التفكير بمعنى التفكر والتأمل كما قال في تاج المصادر التفكير انديشه كردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
والتقدير اندازه وتهيئه كردن.
أي فكر ماذا يقول ي حق القرآن وشأنه من جهة الطعن وقدر في نفسه ما يقوله وهياء {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} تعجيب من تقديره وإصابته فيه الغرض الذي كان ينتحيه قريش قاتلهم الله أو ثناء عليه بطريق الاستهزاء به على معنى إن هذا لذي ذكره وهو كون القرآن سحراً في غاية الركاكة والسقوط أو حكاية لما ذكروه من قولهم قتل كيف قدر تهكماً بهم وبإعجابهم بتقديره واستعاظمهم لقوله ومعنى قولهم قتله الله ما أشجعه وأخزاه الله ماأشعره الأشعار بأنه قد بلغ من الشجاعة والشعر مبلغاً حقيقاً بأن يدعو عليه حاسده بذلك وقد سبق في قاتلهم الله في المنافقين مزيد البيان.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص229 حتى ص240 رقم24
(روى) : إن الوليد مر بالنبي عليه السلام وهو يقر أحم السجدة وفي بعض التفاسير فواتح سورة حم المؤمن فقال لبني مخزوم والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة أي حسناً وبهجة وقبولاً وإن أعلاه لمثمر وإن
229
اسفله لمغدق أي كثير الماء شبه القرآن بالشجرة الغضة الطرية التي استحكم أصلها بكثرة الماء وأثمرت فروعها في السماء وأثبت له أعلى وأسفل ولأعلاه الأثمار ولأسفله الأغداق على طريق الخييل.
(قال الكاشفي) : مراورا حلاوتي وعذوبتي هست كه هي سخن رانباشد وبروى طر أوتى وتازكي هست كه هي حديثي رانبود أعلاي آن نهال مثمر سعادات كليه وأسفل اين شجره طيبه عروق فضائل وحكم عليه است.
ثم قال الوليد وإنه يعلو ولا يعلى فقالت قريش صبأ والله الوليد أي مال عن دينه وخرج إلى ين غيره والله لتصبأن قريش كلهم أي بمتابته لكونه رئيس القوم فقال ابن أخيه أبو جهل أنا أكفيكموه فقعد عنده حزيناً وكلمه ما أحماه أي أغضبه.
يعني كفت كه قريش ميكويند توسخنان محمداً عليه السلام سند ميدهى وآنرا بزرك ميدارى وثنا ميكويى تا از فضله طعام ايشان بهره بردارى اكرنين است تاهمه قريش فراهم شوند وترا كفايتي حاصل كنندتا ازطعام ايشان بي نياز شوى وليد اين سخن از أبو جهل بشنيد درخشم شد كفت الم تعلم قريش أني من أكثرهم ما لا وولد واين أصحاب محمد خود هركز ازطعام سير نشوند واز فقر وفاقه نياسا ينده صورت بنددكه ايشانرا فضله طعام بودتابديكرى دهند س هردوبر خاستتد وبرا انجمن قريش شادند وليد كفت شماكه قريش ايدبدانيدكه حال وكار اين محمد در عرب منتشر كشت وموسم حج نزديكست كه عرب مى آيند وازحال وى رسند جواب ايشان ه خواهيداد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
(10/177)
تزعمون إنه مجنون فهل رأيتموه يخنق لأن العرب كانت تعتقد أن الشيطان ويخنق المجنون ويتخبطه وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن وتزعمون إنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعراً قط وتزعمون إنه كذاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذاب فقالوا في كل ذلك اللهم لا ثم قالوا فما هو وما تقول في حقه ففكر فقال ما هو الاسا حر أمار أيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولد ومواليه وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن أهل بابل فارتج النادي فرحاً وتفرقوا معجبين بقوله متعجبين منه راضين به {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} تكرير للتعجب للمبالغة في التشنيع وثم للدلالة على أن النكرة الثانية في التعجيب أبلغ من الأولى أي للتراخي بحسب الرتبة وإن اللائق في شأنه ليس إلا هذا القول دعاء عليه وفيما بعد على أصلها من الترخي الزماني {ثُمَّ نَظَرَ} أي في القرآن مرة بعد مرة وتأمل فيه {ثُمَّ عَبَسَ} فقلت وجه يعني روى فاهم كشيد وترش كرفت.
لا لم يجد فيه مطعناً ولم يدر ماذا يقول {وَبَسَرَ} اتباع لعبس قال سعدي المفتي لكن عطف الاتباع على المتبوع غير معروف والظاهر أن كلا منهما له معنى مغاير لمعنى الآخر فعبس بمعنى قطب وجهه وبسر بمعنى قبض مابين عينيه من السوء وأسود وجهه منه ذكره الحلبي والعدة عليه وقال الراغب البسر الاستعجال بالشءي قبل أوانه نحو ابسر الرجل حاجته طلبها في غير أوانها وقوله ثم عبس وبسر اي أظهر العبوس قبل أوانه نحو أبسر ارجل حاجته طلبها في غير أوانها وقوله ثم عبس وبسر أي أظهر العبوس قبل أوانه وفي غير وقته انتهى.
{ثُمَّ أَدْبَرَ} عن الحق {وَاسْتَكْبَرَ} عن أتباعه {فَقَالَ} عقيب توليه عن الحق {أَنْ} نافية بمعنى ما لذا أورد إلا بعدها {هَـاذَآ} الذي يقوله محمد عليه السلام ، أي القرآن
230
{إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} أي يروى ويتعلم من الغير وليس هو من سحره بنفسه يقال أثرت الحديث آثهر أثراً إذا حدثت به عن قوم في آثارهم أي عد ما ماتوا هذا هو الأصل ثم كان بمعنى الرواية عمن كان وحديث مأثور أي منقول ينقله خلف عن سلف وأدعية مأثورة أي مروية عن الأكابر وفي تعلم لسحر لحكمة رخصة واعتقاد حقيته والعمل به كفر كما قيل : (عرفت الشر لا للشر لكني لتوقيه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
ومن لم يعرف الشر من الناس يقع فيه) وقد سبق معناه وما يتعلق به في مواضعه {إِنْ هَـاذَآ} ما هذا {إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ} تأكيد لما قبله ولذا أخرى عن العاطف قاله تمرداً وعناداً لا على سبيل الاعتقاد لما روى قبل إنه أقر بأن القرآن ليس من كلام الأنس والجن وأراد بالبشر يساراً وجبراً وأبا فكيهة أما الأولان فكانا عبدين من بلاد فارس وكانا بمكة وكان النبي عليه السلام يجلس عندهما وأما أبو فكيهة فكان غلاماً رومياً يتردد إلى مكة من طرف مسيلمة الكذاب في اليمامة {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} أي أدخله جهنم لما قال في الصحاح سقر اسم من أسماء النار وقال ابن عباس رضي الله عنهما اسم للطبقة السادسة من جهنم يقال سقرته الشمس إذا آذته وآلمته وسميت سقر لا يلامها قوله سأصليه سقر بدل من سأرهقه صعود أبدل الاشتمال سواء جعل مثلاً لما يلقى من الشدائد أو اسم جبل من نار لأن سقر تشتمل على كل منهما {وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا سَقَرُ} ما الأولى مبتدأ وإدراك خبره وما الثانية خبر لقوله سقر لأنها المفيدة لما قصد إفدته من التهويل والتفظيع دون العكس كما سبق في الحاقة والمعنى أي شيء أعلمك ما سقر في وصفها يعني إنه خارج عن دائرة إدراك العقول ففيه تعظيم لشأنه {لا تُبْقِى وَلا تَذَرُ} بيان لوصفها وحالها وانجاز للوعد الضمني الذي يلوح به وما أدراك ما سقرأى لا تبقى شيئاً يلقى فيها إلا أهلكته بالإحراق وإذا هلك لم تذره هالكاً حتى يعاد خلقاً جديداً وتهلكه أهلاكاً ثانياً وهكذا كما قال تعالى : {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَـاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} أو لا تبقى على شيء أي لا تترحم عليه ولا تدعه من الهلاك بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة لأنها خلقت من غضب الجبار قال في تهذيب المصادر الإبقاء باقي كردن ونيز شفقت بردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
(10/178)
وقيل : لا تبقى حياً ولا نذر ميتاً كقوله تعالى : ثم لا يموت فيها ولا يحيى لواحة للبشر} يقال لاحت النار الشيء إذا أحرقته وسودته ولاحه السفر أو العطش أي غيره وذلك أن الشيء إذا كان فيه دسومة فإذا أحرق أسود والبشر جمع بشرة وهي ظاهر جلد أي إنسان أي مغيرة لأعلى الجلد وظواهره مسودة لها قيل تلفح الجلد لفسحة فتدعه أشد سوداً من الليل فإن قلت لا يمكن وصفها بتسويد البشرة مع قوله لا تبقى ولا تذر قلت لسي في الآية دلالة على إنها تفنى بالكلية مع إنه يجوز أن يكون الإفناء بعد التسويد ويل لائحة للناس على أن لواحة اسم فاعل من لاح يلوح أي ظهر وأن البشر بمعنى الناس قيل إنها تلوح للبشر من مسيرة خمسمائة عام فهو كقوله تعالى : [المدثر : 30]{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى} فيصل إلى الكافر سمومها وحرورها كما يصل إلى المؤمن ريح الجنة ونسيمها من مسيرة خمسمائة عام عليها} أي على سقر {تِسْعَةَ عَشَرَ} أي مكاً يتولون أمرها ويتسلطون على أهلها وهم مالك وثمانية عشر معه أعينهم كالبرق
231
الخاطف وأنيابهم كالصياصي وإشعارهم تمس أقدامهم بخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبي أحدهم مسيرة سينة نزعت منهم الرأفة والرحمة يأخذ أحدهم سبعين ألفاً في كفه ويرميهم حيث أراد من جهنم قيل هذه التسعة عشر عد الرؤساء والنقباء وآما جملة أشخاصهم فكما قال تعالى وما يلعم جنود ربك إلا هو فيجو أن يكون لكل واحد منهم أعوان لا تعد ولا تحصى ذكر أرباب المعاني والمعرفة في تقدير هذا العدد وتخصيصه وجوهاً (منها أن سبب فساد النفس الإنسانية في قوتها النظرية والعملية هو القوى الحيوانية والطبيعية فالقوى الحيوانية هي الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والشهوة والغضب ومجموعها اثنتا عشرة وإما القوى الطبيعية فهي الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة فالمجموع تسع عشر قال ابن الشيخ والمراد بالقوى الحيونية القوى التي تختص بالحيوان من بين المواليد الثلاثة الحيوان والنبات ولمعدن وهي قسمان مدركة وفاعلة فالماركة أي ما لها مدخل في الإدراك بالمشاهدة والحفظ عشر وهي الحواس لخمس الظاهرة والخمس الباطنة والفاعلة أي ما لها مدخل في الفعل إما باعثة أو محركة وهما اثنتان الشهوة والغصب والقوى الطبيعية هي القوى التي لا تختص بالحيوان بل توجد في النبات أيضاً وهي سبع ثلاث منها مخدومة وهي الغاذية والنامية والمولدة وأربع منها خوادم وهي الجاذبة والهاضمة والماسكة والدافعة فلما كان منشأ الآفات هو هذه القوى لتسع عشرة كان عدد الزبانية هكذا قال سعدي امفتي وأنت خبير بأن إثبت هذه القوى بناؤه على الأصول الفلسفية ونقى الفاعل المختار فيصان تفسير كلام الله عن أمثاله أي وإن ذكرها الامام في التفسير الكبير وتبعه من بعده وقال أيضاً والحق أن يحال علمه إلى الله تعالى فالعقول البشرية قاصرة عن إدراك أمثاله انتهى ويرده ما قال الامام السهيلي في الأمالي أن النكتة التي من أجلها كانوا تسعة عشر عدداً ولم يكونوا أكثر وأقل فلعمري إن في الكتاب والسنة لدليلاً عليها وإشارة إليها ولكنها كالسر المكنون والناس أسرع شيء إلى إنكار ما لم يألفوه وتزييف ما لم يعرفوه ولا يؤمن في شنرها وذكرها سوء التأويل لقصور أكثر الإفهام عن الوعي والتحصيل مع قلة الإنصاف في هذا الجبل انتهى.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
ومنها أن أبواب جهنم سبعة سنة) منها للكفار وواحد للفساق ثم إن الكفار يدخلون النار لأمور ثلاثة ترك الاتقاد وترك الإقرار وترك العمل فيكون لكل باب من تلك الأباب الستة ثلاثة فالمجموع ثمانية عشر وإما باب الفساق فليس هناك إلا ترك العمل فالمجموع تسعة عشر.
(ومنها إن الساعات أربع وعشرون خمس) منها مشغولة بالصلوات الخمس فيبقى منها تسع عشرة مشغولة بغير العبادة مصروفة إلى ما يؤاخذ به بأنواع العذاب يعني إنه لم يخلق في مقابلة الخمس التي جعلت مواقيت الصلاة زبانية تكريماً لها فلا يلزم الاختصاص بالمصلين من عصاة المؤمنين كما في حواشي سعدى المفتي فلا جرم صار عد الزبانية تسعة عشر ومنها إنه تعالى حفظ جهم بما حفظ به الأرض من الجبال وهي مائة وتسعون أصلها تسعة.
(ومنها إن المدبرت للعالم النجوم السيارة وهي سبعة والبروج الاثنا عشر الموكلة بتدبير العالم السفلى المؤثرة فيه تقمعهم بسياط التأثير وترديهم في مهاويها) ومنها ما قال السجاوندي في عين
232
المعاني قد تكلموا في حكمة العدد على أنه لا تطلب للأعداد العلل فإن التسعة أكثر الآحاد والعشرة أقل العشرات فقد جمع بين أكثر القليل وأقل الكثير يعني إن التسعة شعر عدد جامع بينهما فلهذا كانت الزبانية على هذا العدد.
(10/179)
(ومنها ما قال في كشف الأرار أن قوله بسم الله الرحمن الرحيم) تسعة عشر حرفاً وعدد الزبانية تسعة عشر ملكاً فيدفع المؤمن بكل حرف منها واحداف منهم وقد سبقت رحمته غضبه ومنها ما لاح لهذا الفقير قبل الإطلاع على ما في كشف الأسرار وهو أن عدد حروف البسملة عشر (كما قال المولى الجامي) :
نوزده حر فست كه هده هزار
عالم ازو يافته فيض عميم
ولما كانت البسملة آية الرحمة والكفار والفساق لم يقبله هذه الآية حيث سلكوا سبيل الكفر والمعاصي خلق الله في مقابلة كل حرف منها ملكاً من الغب الجلال وجعله آية الغضب كما جعل خازن الجنة آية الرحمة دل على ما قلنا قوله عليه السلام يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنيناً وهو أكبر الحيات بالفارسية ادر.
في فمه أنياب مثل اسنة الرماح وهو طويل كالنخلة السحوق أحمر العينين مثل الدم واسع الفم والجوف يبتلع الإنسان والحيوان وسره إه كفر بالله وبأسمائه الحسنى التي هي تسعة وتسعون فاستحق أن يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا بعددها في قبره اذي هو حفرة من حفر الينران فلا يلزم أن يسلط عليه ذلك العدد في النار فالتسع عدد القهر والحصر والانقراض لأنه ينقرض عن أهل النار امداد الرحمة الرحيمية.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
ومنها ما في التأويلات النجمية : من أن اختلال النفوس البشرية بحسب العمل والعلم والدخول في جهنم البعد والطرد واللعن والحجاب والاحتجاب) مترتب على موجباتها وهي تسعة غير الحواس الخمس الطاهرة والخمس الباطنة وهي الأعضا والجوراح السبع التي ورد بها الحديث بقوله عليه السلام أمرت أن أسجد عى سبعة أعضاء وآراب والطبيعة البرية المشتملة على الكل المؤثرة في الكل بحسب الظاهر والباطن ويجوز أن تكون القوة الغضبية والشهوية بدل الطبيعة فصرا الكل تسعة عشر {وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَـابَ النَّارِ} أي المدبرين لأمرها القائمين بتعذيب أهلها فأصحاب النار هنا غير أصحاب النار في قوله تعالى : {لا يَسْتَوِى أَصْحَـابُ النَّارِ وَأَصْحَـابُ الْجَنَّةِ} وفي كشف الأسرار وما جعلنا خزنة أصحاب النار فخذف المضاف انتهى.
وفيه بعد لأنهم خزنة النار لا خزنة أصحابها إلا ملائكة} ليخالفوا جنس المعذبين من الثقلين فلا يرقوا لهم ولا يميلوا إليهم فإن المجانسة مظنة الرأفة فلذا بعث الرسول من جنسنا ليرحم بنا ولأنهم أقوى الخلق وأقومهم بحق الله وبالغضب له تعالى وأشدهم بأساً وعن النبي عليه السلام لقوة أحدهم مثل قوة الثقلين يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمى بهم في النار ويرمى بالجبل عليهم ويروى إنه لما نزل قوله تعالى : {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} قال أبو جهل لقريش أيعجز كل عشرة مكم أن يبطشوا برجل منهم فقال أبو الأسود ابن أسيد بن كلدة الجمحي وكان شديد البطش والقوة حتى كان من قوته إنه إذا قام على أديم واجتمع جماعة على إزالة رجلية عنه لم يقدروا عليه فكانوا يشدون الأديم حتى يتقطع قطعاً ورجلاه على حالهما أنا أكفيكم سبعة عشر منهم فاكفوني أنتم
233
اثنين فنزلت أي وما جعلناهم رجالاً من جنسكم يطاقون فمن ذا الذي يغب الملائكة والواحد منهم يأخذ أرواح جميع الخلق وللواحد منهم من القوة ما يقلب الأرض فيجعل عاليها سافلها.
وتمام آدميان طاقت دياريك فرشته تدارند تا بمقاومت كجا بسر آيند وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا} أي وما جعلنا عددهم إلا العدد الذي تسبب لافتتانهم ووقوعهم في الكفر وهو التسعة عشر فعبر بالأثر عن المؤثر أي بالفتنة عن العدد المخصوص تنبيهاً على التلازم بينهما وحمل الكلام على هذا لأن جعل من دواخل المبتدأ والخبر فوجب حمل مفعوله الثاني على الأول ولا يصح حمل افتتان الكفار على عدد الزبانية إلا بالتوجيه المذكور فإن عدتهم سبب للفتنة لا فتنة نفسها ثم ليس المراد مجرد جعل عددهم ذلك العدد المعين في نفس الأمر بل جعله في القرآن أيضاً كذلك وهو الحكم بأن عليها تسعة عشر إذ بذلك يتحقق افتتانهم باستقلالهم له واستبعادهم لتولى هذا العدد القليل أمر الجم الغفير واستهزائهم به حسبما ذكر وعليه يدور ما سيأتي من استيقان أهل الكتاب وازدياد المؤمنين إيماناً {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ} متعلق بالجعل على المعنى المذكور والسين للطلب أي ليكتسبوا اليقين بنبوته عليه السلام وصدق القرآن لما شاهدوا ما فيه موافقاً لما في كتابهم وفي عين المعاني سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن خزنة النار وعددهم فأجاب عليه السلام بأنهم تسعة عشر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
(10/180)
يعني دوباربا صابع يدين اشارت فرمود ودر كرت دوم ابهام يمنى را امساك فرمود {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِيمَـانًا} أي بزداد إيمانهم كيفية بما رأوا من تسليم أهل الكتاب وتصديقهم إنه كذلك أو كمية بانضمام إيمانهم بذلك إلى إيمانهم بسائر ما انزل {وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ وَالْمُؤْمِنُونَ} تأكيد لما قبله من الاستيقان وازدياد الإيمان فإن نفي ضد الشيء بعد إثبات وقوعه أبلغ في الإثبات ونفي لما قد يعترى المستيقني والمؤمن من شبهة ما فيحصل له يقين جازم بحيث لا شك بعده وإنما لم ينظم المؤمنين في سلك أهل الكتاب في نفي الارتياب حيث لم يقل ولا يرتابوا للتنبيه على تباين النفيين حالاً فإن انتفاء الارتياب من أهل الكتاب مقارن لما ينافيه من الجحود ومن المؤمنين مقارن لما يقتضيه من الإيمن وكم بينهما والتعبير عنهم باسم الفاعل بعد ذكرهم بالموصول والصلة الفعلية المنبئة عن الحدوث للإيذان بثباتهم على الإيمان بعد ازدياده ورسوخهم في ذلك {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شك أو نفاق فإن كلا منهما من الأمراض الباطنة فيكون أحباراً بما سيكون في المدية بعد الهجرة إذا النفاق إنما حدث بالمدينة وكان أهل مكة إما مؤمناً حقاً وإما مكذباً وإما شاكاً {وَالْكَـافِرُونَ} المصرون على التكذيب فإن قلت كيف يجوز أن يكون قولهم هذا مقصود الله تعالى قلت اللام ليست على حقيقتها بل للعاقبة فلا أشكال {مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَـاذَا مَثَلا} تمييز لهذا أو حال منه بمعنى ممثلاً به كقوله هذه ناقة الله لكم آية أي أي شيء أراد بهذا العد المستغرب استعراب المثل فإطلاق المثل على هذا العدد على سبيل الاستعارة حيث شبهوه بالمثل المضروب وهو القول السائر في الغرابة حيث لم يكن عقداً تاماً كعشرين أو ثلاثين والاستفهام لإنكار أنه من عند
234
الله بناء على أنه لو كان من عنده لما جاء ناقصاً وأفراد قولهم هذا بالتعليل مع كونه من باب فتنتهم للاشعار باستقلاله في الشناعة {كَذَالِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَآءُ} ذلك إشارة إلى ما قبله من معنى الضلال أي يضل الله من يشاء إضلاله كأبي جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم وعددهم إضلالاً كائناً مثل ما ذكر من الإضلال لا إضلالاً أنى منه لصرف اختياره إلى جنب الضلال عند مشاهدته لآيات الله الناطقة بالحق وأصله أن الله لا يضل إلا بحسب الضلالة الأزلية لأن الضلال وصرف الاختيار إلى جانبه كل منهما من مقتضى عينه الثابتة
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
{وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ} هدايته كأصحاب محمد عليه السلام هدايته كائنة مثل ما ذكر من الهداية لا هداية أدنى منها لصرف اختياره عند مشاهدة تلك الآيات إلى جانب الهدى وحقيقته إن الله لا يهي إلا بموجب الهداية الأزلية إذ الاهتداء وصرف الاختيار إلى جانبه كل منهما من أحواله الأزلية فلا يجوز خلافه في عالم العين في الأبد {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ} أي جموع خلقه التي من جملتها الملائكة المذكورون والجنود جمع جند بالضم وهو العسكر وكلم جتمع وكل صنف من الخلق على حدة وفي الحديث إن الله جنوداً منها العسل {إِلا هُوَ} لفرط كثرتها وفي حديث موسى عليه السلام إنه سأل ربه عن عدد أهل السماء فقال تعالى اثنا عشر سبطاً عدد كل سبط عدد لتراب وفي "الأسرار المحمدية" ، ليس في العالم موضع بيت ولا زاوية إلا وهو معمور بما لا يعلمه إلا الله والدليل على ذلك أمر النبي عليه السلام بالتستر في الخلوة وإن لا يجامع الرجل امرأته عريانين وفيه إشارة إلى أن الله في اختيار عدد الزبانية حكمة وإلا فجنوده خارجة عن دائرة العد والضبط قال القاشاني : وما يعلم عدد الجنود وكميتها وكيفيتها وحقيقتها إلا هو لإحاطة علمه بالماهيات وأحوالها.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
(10/181)
وفي التأويلات النجمية : إلا هويتة الجامعة لجميع جنود التعينات الغير المتناهية بحسب الأسماء الجزئية والجزئيات الأسماء قال بعض العارفين خلقت الملائكة على مراتب فأرواح ليس لهم عقل إلا تعظيم جناب الله وليس لهم وجه مصروف إلى العالم ولا إلى نفوسهم قد هيمهم جلال الله واختطفهم عنهم فهم فيه حيارى سكارى وأرواح مدبرة أجساماً طبيعية أرضية وهي أرواح إلا ناسي وأرواح الحيوانات من جمس عنصري طبيعي وهذه الأرواح المدبرة لهذه الأجسام مقصورة عليها مسخر بعضها لبعض كما قال تعالى : {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} وأرواح آخر مسخرات لمصالحنا وهم على طبقات كثيرة فمنهم الموكل بالوحي ومنهم لموكل بالإلقاء ومنهم الموكل بالأرزاق ومنهم الموكل بقبض الأرواح ومنهم الموكل بإحياء الموتى ومنهم الموكل بالاستغفار للمؤمنين والدعاء لهم ومنهم الموكل بالغراسات في الجنة جزاء لأعمال العباد ومنهم غير ذلك وإما مراتبهم وتفاوتهم ففيهم الأكبر والكبير فجبريل أكبر من عزرائيل وميكائيل أكبر من جبريل وإسرافيل أكبر من ميكائيل وقال بعضهم : هذه الجنود ليست معدة للمحاربة بل هي لترتيب المملكة الظاهرة للعالم الأعلى والأسفل ، لأنه إذا كان ما في السموات وما في الأرض جنوده فلمن يقاتلون فما بقي إلا أن المراد بهم جنود التسخير إذ العالم كله مسخر بعضه لبعض وجمع الملائكة
235
مسخرون لنا بأسرهم تحتى أيدي الأثني عشر ملكاً الذين ولاهم الله على عالم الخلق ومقرهم في الفلك الأقصى كل وال في برج كأبراج سور المدينة الس على تخت وقد رفع الله الحجاب بين هؤلاء الولاة وبين اللوح المحفوظ فرأوا فيه مسطراً أسماءهم ومراتبهم وما شاء الله أن يجريه على أيديهم في عالم الخلق إلى يوم القيامة فارتقم ذلك كله في نفوسهم وعلوه علماً محفوظاً لا يتبدل ولا يتغير كما علمنا نحن أسماءهم وأحوالهم من مقابلة قلوبنا للوح المحفوظ ثم إن الله جعل لكل واحد من هؤلاء الولاة حاجبين ينفذ إن أوامرهم إلى نوابهم وجعل بين كل حاجبين سفيراً يمشي بينهما بما يلقى إليه كل واحد منهما وعين الله لهؤلاء الذين جعلهم حجاباً لهؤلاء الولاة في الفلك الثاني منازل يسكنونها وأنزلهم إليها وهي الثماني والعشرون منزلة التي تسمى المنازل لتي ذكرها الله بقوله والقمر قدرناه منازل يعني في سيرة ينزل كل يوم منزلة منها إلى أن ينتهي إلى آخرها ثم يدور دورة أخرى ليعلموا بسيرة وسير الشمس والخنس عدد السنين والحساب وكل شيء فصله الحق لنا تفصيلاً فأسكن في هذه المنازل هذه الملائكة وهم حجاب أولئك الولاة الذين في الفلك ثم إن الله أمر هؤلاء أن يجعلوا لهم نواباً ونقباء في السموات السبع في كل سماء نقيباًك ما لحجاب لهم لينظروا في مصالح العالم العنصري بما يلقيه إليهم هؤلاء الولاة ويأمرونهم به وهو قوله تعالى وأوحى في كل سماء أمرها فجعل الله أجسام هذه الكواكب النقباء أجساماً نيرة مستديرة ونفخ فيها أرواحهم وأنزلها في السموات السبع في كل سماء واحد منهم وقال لهم قد جعلتكم تستخرجون ما عند هؤلاء لأثنى عشر والياً بواسطة الحجاب الثمانية والعشرين كما يأخذ أولئك الولاة عن اللوح المحفوظ ثم جعل الله لكل نقيب من هؤلاء السبعة النقباء فلكاً يسبح فيه هو له كالجواد للراكب وهكذا الحجاب لهم أفلاك يسجون فيها إذ كان لهم التصرف في حوادث العالم والاستشراف عليه ولهم سدنة وأعولمن يزيدون على الألف إعطاهم الله مراكب سماها أفلاكاً فهم أيضاً يسجون فيها وهي تدور بهم على المملكة في كل يوم مرة فلا يفوتهم شي من المملكة أصلاً من ملك السموات والأرض فتدور الولاة وهؤلاء الحجاب والنقباء والسدنة كلهم في خدمة هؤلاء الولاة والكل مسخرون في حقنا إذ كنا نحن المقصود الأعظم من العالم كله قال تعالى : وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه وسبب دوران الأفلاك علينا كل يوم دورة إنما هو لينظر هؤلاء الولاة فيم تدعو حاجة الخلق إليه من الأمور فيسدوا خللهم وينفذوا أحكام الله فيهم من كونه مريداً في خلقه لا من كونه آمراً إليه فينفذون الأقدار فيهم في أزمان مختلفة وكما جعل الله زمم هذه الأمور بأيدي هؤلاء الجماعة من الملائكة واقعد منهم من اقعد في برجه ومسكنه الذي فيه تخت ملكه وانزل من أنزل من الحجاب والنقباء إلى منازلهم في سمواتهم كذلك جعل في كل سماء ملاكئة مسخرة وجعلهم على طبقت فمنهم ل العروج بالليل والنهار من الحق إليا ومنا إلى الحق في كل صباح ومساء ولا يقولون الأخير في حقنا ومنهم المستغفرون لمن في الأرض ومنهم المستغفرون للمؤمنين لغلبة الغيرة الإهية عليهم كما غلبت الرحمة على
236
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
(10/182)
المستغفرين لمن في الأرض ومنهم الموكلون بإيصال الشرائع ومنهم الموكلون بالممات ومنهم الموكلون بالإلهام وهم الموصولون العلوم إلى القلوب ومنهم الموكلون بالأرحام بتصوير ما يكونفي الأرحام ومنهم الموكلون بنفخ الأرواح ومنهم الملائكة التسعة عشر الموكلون بالفشاعة لمن دخل النار ومنهم الموكلون بالأرزا ومنهم الموكلون بالأمطار ومنهم الصافات والزاجرات والتاليات والمقسمات والمرسلات والناشرات والنازعات والناشطات والسابقات والساحات والملقيات والمدبرات ولذلك قالوا وما منا إلا له مقام معلوم فما من حادث بحدثه الله في العالم إلا وقد وكل الله بإجرائه الملائكة ولكن بأمر هؤلاء الولاة من الملائكة فلا يزالون تحت سلطانهم إذ هم خصائص الله ثم إن العامة ما تشهد من هؤلاء الملائكة إلا منازلهم التي هي أجرام الكواكب ولا تشهد أعيان الحجاب ولا النقباء وأما أهل الكشف فيشهدونهم في منازلهم عياناً.
ثم اعلم أن الله قد جعل في هذا العالم العنصري خلقاً من جنسهم ولاة عليهم نظير العالم العلوي فمنهم الرسل والخلفاء والسلاطين والملوك وولاة أمور جميع العالم من القضاة وأضرابهم ثم جعل بين أرواح هؤلاء الولاة الذين هم في الأرض والولاة الذين هم في السموات مناسبات ودقائق تمتد إليهم بلعدل مطهرة من الشوائب مقدسمة عن العيوب فيقبل هؤلاء الولاة الأرضيون منهم بحسب استعداتدهم فمن كان استعداده حسناً قوياً قبل ذلك الأمر على صورته طاهراً مطهراً فكان والي عدل وإمام فضل ومن كان استعداده رديئاً قبل ذلك الأمر الطاهر ورده إلى شكله من الرداءة والقبح والجور فكان وإلى جور ونائب ظلم وبخل فلا يلومن إلا نفسه فهذه أمهات مراتب حكام العالم أصحاب المراتب على سبيل الإجمال وإما لرعية فلا يحصى عددهم إلا الله ولله تعالى في الأرض ملائكة لا يصعدون إلى السماء أبداً وملائكة في السماء لا ينزلون إلى الأرض أبداً كل قد علم صلاته وتسبيحه بإلهام من الله تعالى كذا في كتاب الجواهر للامام الشعراني رحمه الله وما هي} أي سقر وذكر صفتها {إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} إلا تذكرة وعظة وإنذار لهم بسوء عاقبة الكفر والضلال وتخصيص الأنس مع أنها تذكرة للجن أيضاً لأنهم هم الأصل في القصد بالتذكرة أو وما عدة الخزنة إلا تذكرة لهم ليتذكروا ويعلموا أن الله قادر على أن يعذب الكثير الغير المحصور من كفار الثقلين وعصاتهم بهذا العدد بل هو لا يحتاج في ذلك إلى أعوان وأنصار أصلاً فإنه لو قلب شعرة واحدة في عين ابن آدم أو سلط الألم على عرق واحد من عرق بدنه لكفاه ذلك بلاء ومحنة وإنما عين العدد وخلق الجنود لحكمة لا لاحتياج ويجوز أن يعود الضمير إلى الآيات الناطقة بأحوال سقر فإنها تذكرة لاشتمالها على الإنذار {كَلا} ردع لمن أنكر سقر أي رتدع عن أنكارها فإنها حق أو إنكار ونفي لأن تكون لهم تذكرة فإن كونها ذكرى للبشرى لا ينفي بعضهم لا يتذكرون بل يعرضون عنها بسوء اختيارهم ألا يرى إلى قوله تعالى : {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ} مقسم به مجرور بواو القسم يعني وسوكند بماه كه معرفت أوقات وآجال بوى باز بسته است.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
وفي "فتح الرحمن" تخصيص تشريف وتنبيه على النظر في عجائبه وقدرته في حركاته
237
المختلفة التيهي مع كثرتها واختلافها على نظام واحد لا يختل وقال أبو الليث وخالق القمر يعني الهلال بعد ثالثه {وَالَّيْلِ} معطوف على القمر وكذا الصبح يعني وبحرمه شب {إِذْ} بسكون الذال وهو ظرف لما مضى من الزمان {أَدْبَرَ} على وزن أفعل أي انصرف وذهب فإن الأدبار نقيض الإقبال {وَالصُّبْحِ} قال في "القاموس" الصبح الفجر أو أول النهار والجمع أصباح وفي "المفردات" الصبح والصباح أول النهار وهو وقت ما احمر الأفق بحاجب الشمس {إِذَآ} ظرف لما يتسقبل من الزمان واتفقوا على إذا ههنا نظراً إلى تأخره عن الليل من وجه {أَسْفَرَ} أي ضاء وانكشف فإن الأسفار بالفارسية روشن شدن.
(10/183)
قال الراغبي : اللسفر كشف الغطاء ويختص ذلك بالأعيان نحو سفر العمامة عن الرأس والخمار عن الوجه والأسفار يختص باللون نحو والصبح إذا أسفر أي أشرق لونه ووجهه وأسفروا بالفجر تؤجروا من قولهم اسفرت أي دخلت فيه نحو أصبحت وفي قوت القلوب الفجر الثاني هو انشقاق شفق الشمس وهو بريق بياضها الذي تحت الحمرة وهو الشفق الثاني على ضد غروبها لأن شفقها الأول من الشعءا هو الحمرة بعد الغروب وبعد الحمرة البياض وهو الشفق الثني من أول الليل وهو آخر سلطان شعاع الشمس وبعد اليبضا سواد الليل وغسقه ثم ينقلب ذلك على الضد فيكون بده طلوعها الشفق الأول وهو البياض وبعده الحمرة وهو شفقها الثاني وهو أول سلطانها من آخر الليل وبعده طلوع قرص الشمس فالفجر هو انفجار شعاع الشمس من الفلك الأسفل إذا ظهرت على وجه أرض الدنيا يستر عينها الجبال والبحار والأقاليم المشرفة العالية ويظهر شعاعها منتشراً إلى وسط الدنيا عرضاً مستطيراً انتهى.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
قال الكاشفي) : اقسم بالقمر أي بالقلب المستعد الصافي القابل للإنذار المتعظ به المنتفع بتذكره تعظيماً وبليل ظلمه النفس إذ أد بري أي ذهب بانقشاع ظلمتها عن القلب بإشراق نورا لروح عليه وتلالي طوالعه وبصبح طلوع ذلك إذا أسفر فزالت الظلمة بكليتها وتنور القلب انتهى.
فظهر من هذا حسن موقع ذكر القمر والليل والصبح في مقام ذكر سقر ودواهيها لأن سقر إشارة إلى الطبيعة وجهنم النفس {إِنَّهَا لاحْدَى الْكُبَرِ} جواب للقسم والكبر جمع الكبرى جعت الف التأنيث كتائه وألحقت بها فكما جمعت فعلة على فعل كركبة وركب جمعت فعلى عليها وإلا ففعلى لا تجمع على فعل بل على فعالى كحبلى وحبالى والمعنى إن سقر لإحدى البلايا أو لإحدى الدواهي الكبر الكثيرة وهي أي سقر واحدة في العظم لا نظيرة لها كقولك إنه أحد الرجال هذا إذا كان منكر السقر وإن كان منكراً لعدة الخزنة فالمعنى إنها من إحدى الحجج أكبر نذيراً من قدرة الله على قهر العصاة من لدن آدم عليه السلام ، إلى قيام الساعة من الجن والأنس حيث استعمل على تعذيبهم هذا العدد القليل وإن كان منكر الآيات فالمعنى إنها لإحدى الآيات الكبرى {نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ} نمييز من نسبة إحدى الكبر إلى اسم أن لأن معناه إنها من معظمات الدواهي التي خلقها الله للتعذيب فيصح أن ينتصب منه التمييز كما تقول هي إحدى النساء عفافاً والنذير مصدر كالنكير والمعنى لإحدى الكبر إنذاراً أي من جهة الإنذار أول مما دلت
238
عليه الجملة أي معنى قوله إنها لإحدى الكبر أي كبرت مندرة وحذ التاء مع أن فعيلارً بمعنى فاعل يفرق فيه بين المذكر والمؤنث لكون ضمير إنها في تأويل العذاب أو لكون النذير بمعنى ذات إنذار على معنى النسب كقولهم امرأة ظاهر أي ذات طهارة {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} بدل من للبشر بإعادة الجار وإن يتقدم مفعول شاء ومنكم حال من أي نذيراً لمن شاء منكم أن يسبق إلى الخير والجنة والطاعة فيهديه الله أو لم يشأ ذلك ويتأخر بالمعصية فيضله وفيه إشارة إلى أن لكسب العبد دخلاً في حصول المرحومية والمحرومية.
وفي التأويلات النجمية : اقسم بنور قمر الشريعة الزهراء وبظلمة ليل الطيعة الظلماء وبصبح الحقيقة البيضاء حين غلبت على غلس الطبيعة أن الجبود مظاهر إحدى هذه المراتب الكلية الكبرى أما أهل الشريعة وأما أهل الحقيقة وأما أهل الطبيعة وقوله نذيراً للبشر أي جعلنا الحصر في المراتب الثلاث الكلية ليتنبه الإنسان ويحترز أن يكون من أهل الإنذار لمن شاء منكم أن يتقدم إلى مقام الشريعة أو يتأخر إلى مقام الطبعة ولما كان مقام الحقيقة أعلى المرتب ولم يصل إليه إلا النذر من الكمل أعرض عن ذكره انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
(10/184)
ويجوز أن يكون أهل الحقيقة داخلاً في أن يتقدم لأنه وأهل الشريعة كل منهما عن المتقدمين وإن كان بينهما فرق في التقدم وتفاوت في السير والمسارعة والحاصل إلا أهل أن ستعداد تقدموا باكتساب الفضائل والخيرات والكمالات إلى مقام القلب والروح والسر وإما غيرهم فتأخروا بالميل إلى البدن وشهواته ولذاته فوقعوا في ورطة الطبيعة {كُلُّ نَفْس} من نفوس الأنس والجن المكلفين {بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} مرهونة عند الله بكسبها محبوسة ثابتة وفي بعض التفاسير بسبب ما كسبت من الأعمال السيئة من رهن الشيء أي دام وثبت وأرهنته أي تركته مقيماً عنده وثابتاً والرهن ما وضع عندك لينوب مناب ما أخذ منك والمرتهن هو الذي يأخذ المرهون ونفس المكلف محبوسة ثابتة عند الله بما أوجبه عليه من التكاليف التي هي حق خالص له تعالى فإن أداها المكلف كما وجبت عليه فك رقبته وخلص نفسه وإلا بقيت نفسه مرهونة محبوسة عنده وقال بعضهم الرهينة اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم على أن تكون التاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية وفي فتح الرحمن للمبالغة أو على تأنيث اللفظ لأعلى معنى الإنسان ونحوه وليس أي الرهينة صفة وإلا لقيل رهين لأن فعيلاً بمعنى مفعول لا تدخله التاء ل يستوي فيه المذكر والمؤنث إلا أن يحمل على ما هو بمعنى الفاعل فإنه يؤتى في مؤنثه بالتاء كما في عكسه في قوله تعالى : {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} قال الراغب : قيل في قوله كل نفس بما كسبت رهينة إنه فعيل بمعنى فاعل أي ثابتة مقيمة وقيل بمعنى مفعول أي كل نفس مقامة في جزاء ما قدم من عملها ولما كان الرهن يتصور من حبسه استعير ذلك للمحتسب أي شيء كان إلا أصحاب اليمين} استثناء متصل من كل نفس لكثرتها في المعنى وأصحاب اليمين أهل الأعمال الصالحة من المؤمنين أي فإنهم فاكون رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم كما يفك الراهن رهنه بأداء الدين.
قال القاشاني كل نفس بمكسوبها رهن عند الله لإفكاك لها لاستيلاء هيئات أعالها وآثار أفعالها عليها ولزومها إياها وعدم انفكاكها
239
عنه الأصحاب اليمين من السعداء الذين تجردوا عن اليهئات الجسدانية وخلصوا إلى مقام الفطرة ففكوا رقابهم من الرهن {فِى جَنَّـاتٍ} كأنه قيل ما بال أصحاب اليمين فقيل لهم في جنات لا يكتنه كنهها ولا يوصف وصفها كما دل عليه التنكير والمراد أن كلا منهم ينال جنة منها {يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ} تفاعل هنا بمعنى فعل أي يسألون المجرمين عن أحوالهم وقد حذف المسؤول لكونه عين المسؤول عنه ولدلالة ما بعده عليه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص240 حتى ص250 رقم25
(10/185)
(يروى) : إن الله يطلع أهل الجنة وهم في الجنة حتى يرون أهل النار وهم في النار فيسألونهم {مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ} مقدر بقول هو حال مقدرة من فاعل يتساءلون أي قائلين أي شيء أدخلكم فيها وكان سبباً لدخولكم من سلكت الخيط في الأبرة سلكاً أي أدخلته فيها فهو من اسلك بمعنى الإدخال لا من السلوك بمعنى الذهاب فإن قلت : لم يسألونهم وهم عالمون بذلك قلت توبيخاً لهم وتحسيراً ولتكون حكاية الله ذلك في كتابه تذكرة للسامعين قرأ أبو عمر وسلكم بإدغام الكاف في الكاف والباقون بالإظهار {قَالُوا} أي المجرمون مجيبين للسائلين {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} لصلوات الواجبة فعدم إقرارنا بفرضية الصلاة وعدم أدائها سلكنا فيها أله نكن حذف النون للتخليف مع كثرة الاستعمال {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} على معنى استمرار نفي الإطعام لا على نفي استمرار الإطعام والمراد أيضاً الإطعام الواجب وإلا فما ليس بواجب من الصلاة والإطعام لا يجوز التعذيب على تركه وكانوا يقولون أنطعم من لو يشاء الله أطعمه فكان لا يرحمون المساكين بالإطعام ولا يحضون عليه أيضاً كما سبق ففيه ذم للبخل ودلالة على أن الكفار مخاطبون بالفروع في حق المؤاخذة قال في التوضيح الكفار مخاطبون بالإيمان والعقوبات والمعاملات إجماعاً أما العبادات فهم مخاطبون بها في حق المؤاخذة في الآخرة اتفاقاً أيضاً لقوله تعالى [المدثر : 27-45]{مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ} الآيات أما في حق وجوب الأداء فمختلف فيه قال العراقيون من مشايخنا نعم وقال مشايخ ديارنا لا وفي بعض التفاسير وللحنفي أن يقول هذا إنما هو تأسف منهم على تفريطيهم في كسب الخير وحرمانهم مما ناله المصلون والمزكون من المؤمنين ولا يلزم من ذلك أن يكونوا مأمورين بالعمل قبل الإيمان وكنا نخوض مع الخائضين} أي نشرع في الباطل مع الشارعين فيه والمراد بالباطل ذم النبي عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم وغيبتهم وقولهم بأنه شعر أو ساحر أو كاهن وغير ذلك والخوض في الأصل بمعنى الشروع مطلقاً في أي شيء كان ثم غلب في العرف بممنى الشروع في الباطل والقبيح وما لا ينبغي وفي الحديث أكثر الناس ذنوباً يوم القيامة أكثرهم خوضاً في معصية الله {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} أي بيوم الجزاء أضافوه إلى الجزاء مع أن فيه من الدواهي والأهوال ما لا غاية له لأنه أدهاها وإنهم ملابسوه وقد مضت بقية الوداهي وتأخير جنايتهم هذه مع كونها أعظم من الكل إذ هو تكذيب القيامة وإنكارها كفر والأمور الثلاثة المتقدمة فسق لتفخيمها والترقي من القبيح إلى القبيح كأنهم قالوا وكنا بعد ذلك كله مكذبين بيوم الدين وبيان كون تكذيبهم به مقارناً لسائر جناياتهم المعدودة مستمراً إلى آخر عمرهم حسبما ينطق به قولهم {حَتَّى أَتَـاـانَا الْيَقِينُ} أي الموت ومقدماته فإنه أمر متيقن لا شك في إتيانه وبالفارسية
240
بعد بما مرك ومقدمات أو برهمان حال مرديم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
(10/186)
فإن قلت : أيريدون إن كل واحد منهم بمجموع هذه الأربع دخل النار أم دخلها بعضهم بهذه وبعضهم بهذه قلت يحتمل الأمرين جميعاً كافي الكشاف وفيه إشارة إلى أن بقاءهم في سقر الظبيعة إنما كان بسبب هذه الرذائل والذمائم {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـاعَةُ الشَّـافِعِينَ} من الأنبياء والملائكة وغيرهم أي لو قدر اجتماعهم على شفاعتهم على سبيل فرض المحال لا تنفعهم تلك الشفاعة فليس المراد أهم يشفعون لهم ولا تنفعهم شفاعتهم إذا الشافعة يوم القيامة موقوفة على الأذن وقابلية المحل فلو وقعت من المأذون للقابل قبلت والكافر ليس بقابل لها فلا إذن في الشفاعة له فلا شفاعة ولا نفع في الحقيقة وفيه دليل على صحة الشفاعة ونفعنا يومئذٍ لعصاة المؤمنين وإلا لما كان لتخصيصهم بعدم منفعة الشفاعة وجه قال ابن مسعود رضي الله عنه تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى في النار إلا أربعة ثم تلا قوله قالوا لم نك من المصلين إلى قوله بيوم الدين وقال ابن عباس رضي الله عنهما إن محمداً عليه السلام يشفع ثلاث مرات ثم تشفع الملائكة ثم الأنبياء ثم الآباء ثم الأبناء ثم يقول الله بقيت رحمتي ولاي دع في النار إلا من حرمت عليه الجنة ويقول الرجل من أهل النار لواحد من أهل الجنة يات فلان أما تعرفني أنا الذي سقيتك شربة ويقول آخر أنا الذي وهبت لك وضوأ ويقول آخر أطعمتك لقمة وآخر كسوتك خرقة وعلى هذا فيشفع له فيدخله الجنة أما قبل دخول النار أو بعدهم فما لهم عن التذكرة معرضين} الفاء لترتيب أنكال إعراضهم عن القرآن بغير سبب على ما قبلها من موجبت الإقبال عليه والاتعاظ به من سوء حال المكذبين ومعرضين حال من الضمير في الجار الوقع خبراً لما الاستفهامسية وعن متعلقة به أي فإذا كان حال المكذبين به على ما ذكر فأي شيء حصل لهم معرضين عن القرآن مع تعاضد موجبات الإقبال عليه وتأكد الدواعي للإيمان به وفي "كشف الأسرار" س ه رشسيدست ايشانراكه ازنين ندى روكردانيده انده يقال لإعراض يكون بالجحود وبترك الاتباع له {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ} حال من المستكن في معرضين بطريق التداخل وحمر جمع حمار وهو معروف ويكون وحشياً وهو المراد هنا ومستنفرة من نفرت الدواب بمعنى هربت لا من نفر الحاج والمعنى مشبهين بحمر نافة يعني خران رميدكان.
فاستنفر بمعنى نفر كما إن استعجب بمعنى عجب وقال الزمخشري كأنهم حمر تطلب النفار من نفوسها بسبب إنهم جمعوا هم نفوسهم للنفار وحملوه عليها فأبقى السين على بابها من الطلب قال الراغب : مستنفرة قد قرىء بفتح الفاء وكسرها فإذا كسر الفاء فمعناه نافرة وإذا فتح فمعناه منفرة {فَرَّتْ مِن قَسْوَرَة} أي من أسد لأن الوحشية إذا عاينت الأسد تهرب أشد الهرب ، ومثل القسورة الحيدرة لفظاً ، ومعنى وهي فعولة من القسر وهو القهر والغلبة ، لأنه يغلب السبع ويقهرها.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
قال ابن عباس رضي الله عنهما : القسورة هو الأسد بلسان الحبشة ، وقيل : هي جماعة الرماة الذين يتصيدونها.
(وقال الكاشفي) : كريخنذ از شيريا از صياد ياريسمان دام يا مردم تيرانداز يا آوازهاى مختلف.
شبهوا في أعراضهم عن القرآن واستماع ما فيه من المواعظ ، وشرادهم
241
عنه ، بحمر جدت في نفارها مما أفزعها.
يعني : نانه خرابيا باني ازياهامى كريزد ايشان از استماع قرآن مى كريزند زيراكه كوش سخن شنوودل ند ذر ندارند كما أشار إليه في المثنوى :
ازكجا اين قوم ويغام ازكجا
ازجادى جان كجا باشد رجا
فهمهاى كج مج كوته نظر
صد خيال بد در آرد در نكر
راز جزبار ازدان انباز نيست
راز اندركوش منكر راز نيست
وفيه من ذمهم وتهجين حالهم ما لا يخفى يعني إن في تشبيههم بالحمر شهادة عليهم بالبله ولا ترى مثل نفار حمر الوحش وإطرادها في العدو إذا خافت من شيء ومن أراد إهانة غليظة لأحد والتشنيع عليه باشنع شيء شبهه بالحمار.
(روى) أن واحداً من العلماء كان يعظ الناس في مسجد جامع وحوله جماعة كثيرة فرأى ذلك رجل من البله وكان قد فقد حماره فناى لواعظ وقال إني فقدت حماراً فاسأل هذه الجماعة لعل واحداً منهم رآه فقال له الواعظ اقعد مكانك حتى أدلك عليه فقعد الرجل فإذا واحد من أهل الملجس قام وأخذ في أن يذهب فقال الواعظ للرجل خذ هذا فإنه حمارك والمظاهر أنه قال ذلك القول أخذ من هذا الكلام فإنه فر من تذكرة الملك العلامة {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىاٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً} عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل لا يكلفون بتلك التذكرة ولا يرضون بها عنادا ومكابرة بل يريد كل واحد منهم أن يؤتى قراطيس تنشر وتقرأ وذلك إنهم أي أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية وأصحابهما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم لن نتبعك حتى تأتي كل واحد منا بكتب من السماء أو يصبح عند رأس كل رجل منا أوراق منشورة يعني مهر بركرفته.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
(10/187)
عنوانها من رب العالمين إلى فلان ابن فلا تؤمر فيها باتباعك أي بأن يقال اتبع محمداً فإنه رسول من قبلي إليك كما قالوا ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرأه وامرىء قال في "القاموس" المرء مثلثة الميم الإنسان أو الرجل ولا يجمع من لفظه ومع ألف الوصل ثلاث لغات فتح الراء دائماً وإعرابها دائماً وأن مع صلته مفعول يريد وصحفاً مفعول ثان ليؤتى والأول ضمير كل ومنتشرة صفة صحف جمع صحيفة بمعنى الكتاب قال في تاج المصادر وصحف منتشرة شدد للكثرة {كَلا} ردع عن اقتراحهم الآيات وإرادتهم ما أرادوه فإنهم إنما اقترحوها تعنتاً وعناداً لأهدى ورشاداً {بَل لا يَخَافُونَ الاخِرَةَ} لاستهلاكهم في محبة الدنيا فلعدم خوفهم منها أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف {كَلا} ردع عن إعراضهم عن التذكرة {إِنَّهُ} الضمير في إنه وفى ذكره للتذكرة لأنها بمعنى الذكر أو القرآن كالموعظة بمعنى الوعظ والصيحة بمعنى الصوت {تَذْكِرَةٌ} أي تذكرة فالتنوين للتعظيم أي تذكرة بليغة كافية وفي برهان القرآن أي تذكير للحق وعدل إليها للفاصلة {فَمَن} س هركه {شَآءَ} أن يذكره ويتعظ به قبل الحلول في القبر {ذَكَرَهُ} أي جعله نصب عينه وحاز بسببه سعادة الدارين فإنه ممكن من ذلك {وَمَا يَذْكُرُونَ} بمجرد مشيئتهم للذكر كما هو المفهوم من ظاهر قوله تعالى فمن شاء ذكره إذ لا تأثير لمشيئته العبد وإرادته في أفعاله وضمير الجمع إما أن يعود إلى الكفرة لأن
242
الكلام بهم أو إلى من نظر إلى عموم المعنى لشموله لكل من المكلفين {إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ} استثناء مفرغ من أعمل العلل أو من أعم الأحوال أي وما يذكرون لعلة من العلل أو في حال من الأحوال إلا بأن يشاء الله أو حال أن يشاء الله ذكرهم وهذا تصريح بأن أفعال العبد بمشيئة الله لا بإرادة نفسه قال في عين المعاني فمن شاء الخ تخييير بإعطاء المكنة لتحقيق العبودية وقوله إلا أن يشاء الله تخيير إمضاء القدرة لتحقيق الألوهية {هُوَ} أي الله تعالى {أَهْلُ التَّقْوَى} أي حقيق بأن يتقى عقابه ويؤمن به ويطاع فلتقوى مصدر من المبنى للمفعول {وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} حقيق بأن يغفر لمن آمن به وأطعه قال بعضهم التقوى هو التبري من كل شيء سوى الله فمن لزم الآداب في التقوى فهو أهل المغفرة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
تفسير سورة القيامة
تسع وثلاثون أو أربعون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 242
{لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} لا صلة لتوكيد القسم وما كان لتوكيد مدخوله لا يدل على النفي وإن كان في الأصل للنفي قال الشاعر :
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة
وكاد ضمير القلب لا يتقطع
أي يتقطع والمعنى بالفارسية هراينه سوكند ميخورم بروز رستاخيز أو للنفي لكن لا لنفي نفس الأقسام بل لنفي ما ينبىء هل عنه من إعظام المقسم به وتفخيمه كأن معنى لا أقسم بكذا لا أعظمه بأقسامي به حق إعظامه فإنه حقيق بأكثر من ذلك وأكثر أو لنفي كلام معهود قبل القسم روده كأنهم أنكروا البعث فقيل لا أي ليس الأمر كذلك ثم قيل اقسم بيوم القيامة كقولك لا والله إن البعث حق وأياماً كان ففي الأقسام على تحقق البعث بيوم القيامة من الجزالة ما لا مزيد عليه وإما ما قيل من أن المعنى نفي الأقسام لوضوح الأمر فبأياه تعيين المقسم به وتفخيم شأن القسم به قال المغيرة بن شعبة رحمه الله يقولون القيامة وإنما قيامة أحدهم موله وشهد علقمة جنازة فلما دفن قال أما هذا فقد قامت قيامته ونظمه بعضهم :
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
خرجت من الدنيا وقامت قيامتي
غداة أقل الحاملون جنازتي
{وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} قال في عين المعاني القسم بالشيء تنبيه على تعظيمه أو ما فيه من لطف الصنع وعظم النعمة وتكرير ذكر القسم تنبيه على أن كلا من المقسم به مقصود مستقل بالقسم لما إن له نوع فضل يقتضي ذلك واللوم عذل الإنسان بنسبة ما فيه لوم والمراد بالنفس اللوامة هي النفس الواقعة بين الأمارة والمطمئنة فلها وجهان.
وجه يلي النفس الأمارة وهو وجه الإسلام فإذا نظرت إلى الأمارة بهذ الوجه تلومها على ترك المتابعة والأقدام على المخالفة وتلوم أيضاً نفسها على ما فات عنها في الأيام الماضية من الأعمال والطاعات والمراتعة في المراتع الحيوانية الظلمانية.
ووجه يلي النفس المطمئنة وهو وجه
243(10/188)
الإيمان فإذا نظرت بهذا الوجه إلى المطمئنة وتنورت بنوارنيتها والصبغت بصبغتها تلوم أيضاً نفسها على التقصيرت الواقعة منها والمحذورات الكائنة عليها فهي لا تزال لائمة لها قئمة على سوق لومها إلى أن تتحقق بمقام الاطمئنان ولذلك ستحقت أن أقسم الله بها على قيام البعث والنشر والحشر قال القاشاني جمع بين القيامة والنفس اللوامة في القسم بهما تعظيماً لشأنهما وتناسباً بينهما إذ النفس اللومة هي المصدقة بها المقرة بوقوعها المهيئة لأسبابها لأنها تلوم نفسها أبداً في التقصير والتقاعد عن الخيرات وإن أحسنت لحرصها على الزيادة في الخير وأعمال البرتيقنا بالزاء فكيف بها إن أخطأت وفرطت وبدرت من بادرة غفلة ونسياناً اتهى.
هذا ودع عنك القيل والقال وجواب القسم محذوف دل عليه قوله تعالى : {أَيَحْسَبُ الانسَـانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} وهو ليبعثن والمراد بالإنسان الجنس والإسناد إلى الكل بحسب البعض كثير والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه وإن محففة من الثقيلة وضمير الشأن الذي هو اسمها محذوف والعظام جمع عظم وهو قصب الحيوان الذي عليه اللحم بالفارسية استخوان.
ويجيء جمع عظيم أيضاً ككرام وكريم وكبار وكبير ومنه الموالي العظام والمعنى أيحسب إلا نسوان الذي ينكر البعث إن الشأن والحديث لن نجمع عظامه البالية فإن ذلك حسبان باطل فإنا نجمعها بعد تشتتها ورجوعها رميماً ورقاتاً مختلطاً بالتراب وبعد ما نسفتها الرياح وطيرتها في أقطار الأرض وألقتها في البحار لمجازاته بما عمل في الدنيا وقيل إن عدى بن أبي ربيعة ختن الأخنس بن شريف وهما اللذان كان عليه السلام يقول فيهما اللهم اكفني جاري اسوء قال الرسول الله يا محمد حدثني عن يوم القيامة متى يكون وكيف أمره فأخبره فقال لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يعني أكذب حسي أو أيجمع الله هذه العظام فيكون الكلام خارجاً على قول المنكر كقوله من يحيي العظام وهي رميم وقيل ذكر العظام وارد نفسه كلها لأن العظام قالب النفس لا يستوي الخلق إلا باستوائها ودل هذا الإنكار على إنه ناشىء من الشبهة وذلك بالنسبة إلى البعض والله قار على الإحياء لا شبهة في بالنسبة إلى القال المتفكر المستدل إيجاب لما ذكر بعد النفي وهو الجمع أي نجمعها وبالفارسية آرى جمع كنيم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
حال كوننا {قَـادِرِينَ} فهو حال مؤكدة من الضمير المستكن في تجمع المقدر بعد بلى {عَلَى أَن نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ} أي نجمع سلامياته ونضم بعضها إلى بعض كما كانت مع صغرها ولطافتها فكيف بكبار العظام وهو جمع سلامي كحبارى وهي العظام الصغار ي اليد والرجل وفي الحديث كلا سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس أي على صاحبه صدقة من أي أنواع الصدقة من قول وفعل ومال وفي "القاموس" البنان الأصابع أو أطرافها قال الراغب البنان الأصابع قيل سميت بذلك لأن بها إصلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن بي بها ما يريد أي يقيم يقال ابن بالمكان يبن لذلك خص في قوله تعالى : [القيامة : 14-4]{بَلَى قَـادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ} وقوله : واضربوا منهم كل بنان خصه لأجل إنها يقاتل بها ويدافع أو المعنى على نسوى أصابعه التي هي أطرافه وآخر ما يتم به خلفه فالبنان مفرد اللفظ مجموع المعنى كالتمر وفيه جهتان الصغر وكونه طرفاً فإلى أي جهة
244
نظر ثبت المطلوب بالأولوية ولذا خص بالذكر ثم في العظام إشارة إلى كبار أعماله الحسنة والسيئة وفي البنان إلى صغار أفعاله الحسنة والسيئة فإن الله تعالى يجمع كلا منها ويجازي عليها بل يريد الإنسان ليفجر أمامه} الفجر شق الشيء شقاً واسعاً والفجور شق ستر الديانة وقال بعضهم : الفجور الميل فالكاذب والمكذب والفاسق فاجر أي مائل عن الحق ومنه قول الأعرابي في حق عمر رضي الله عنه.
(10/189)
اغفر له اللهم إن كان فجر أي كذب ، واللام للتأكيد مثل قوله وانصح لكم في أنصحكم وإن يفجر مفعول يريد وقد يقال مفعوله محذوف يدل عليه قوله ليفجر أمامه والتقدير يريد شهواته ومعاصيه وقال سعدي المفتي الظاهر أن يريد ههنا منزلة نمزلة اللازم ومصدره مقدر بلام الاستغراق بمعونة المقام يعني مقام تقبيح حال الإنسان أي يوقع جميع إرادته ليفجر وجعل أبو حيان بل لمجرد الإضراب عن الكلام الأول وهو نجمعها قادرين من غير إبطال المضمون والأخذ في بيان ما عليه الإنسان من إنهماكه في الفجرو من غير عطف وقال غيره عطف على أيحسب إما على إنه استفهام مثله اضرب عن التوبيخ بذلك إلى التوبيخ بهذا أو على إنه إيجاب انتقل إليه من الاستفهام مثله اضرب عن التوبيخ بذلك إلى التوبيخ بهذا أو على إنه إجياب انتقل إليه من الاستفهام وهذا أبلغ وأولى والمعنى بل يريد الإنسان ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله نم الزمان لايرعوى عنه فالإمام ههنا مستعار للزمان من المكان وقال الراغب يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها وقيل معناه : يذنب ويقول غداً أتوب ثم لا يفعل فيكون ذلك فجور البذله عهداً لا يفي به.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
وقال الكاشفي) : بلكه خواهد آدمي آنكه دروغ كويد بآنه اورا دريش است ازبعث وحساب.
وفيه إشارة إلى أن الإنسان المحجوب يريد ليفجر أمامه بحسب الاعتقاد والنية قبل الإتيان بالفعل وذلك بالعزم المؤاخذ به على ما عرف في محله {يَسْـاَلُ} سؤال استبعاد واستهزاء {أَيَّانَ} أصله أي آن وهو خبر مقدم لقوله {يَوْمُ الْقِيَـامَةِ} أي متى يكون والجملة استئناف تعليلي كأنه قيل ما يفعل حين يريد أن يفجر ويميل عن الحق فقيل يستهزىء ويقول أيان يوم القيامة أو حال من الإنسان في قوله بل يريد ازٌّسان أي ليس إنكاره للبعث لاشتباه الأمر وعدم قيام الدليل على صحة ابعث بل يريد أن يستمر على فجوره في حال كونه سائلاً متى تكون القيامة فدل هذا الإنكار على أن الإنسان يميل بطبعه إلى الشهوات والفكرة في البعث تنغصها عليه فلا جرم ينكره وأبى عن الإقرار به فقوله : أيحسب الإنسان.
.
.
الخ.
دل على الشبهة والجهل وقوله : {بَلْ يُرِيدُ} .
.
الخ على الشهوة والتجاهل فالآيتان بحسب الشخصين وفيه إشارة إلى أن المحجوب يسأل أيان يوم القيامة لاحتجابه بنفسه الظلمانية لايشاهد القيامة فيكل ساعة ولحظة بل في كل لمحة وطرفة لتعاقب التجليين الأفنائي والإبقائي كما قال تعالى : بل هم في لبس من خلق جديد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
فإذا برق البصر} أي : تحير واضطرب وجال فزعاً من أهوال يوم القيامة من برق الرجل ، إذا نظر إلى البرق فدهش ثم استعمل في كل حيرة وإن لم يكن هناك نظر إلى البرق وهو واحد بروق السحاب ولمعانه {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} أي ذهب
245
ضوؤه فإن خسف يستعمل لازماً ومتعدياً يقال : خسف القمر وخسفه الله أو ذهب نفسه من خسف المكان أي : ذهب في الأرض ولكن هذا المعنى لا يناسب ما بعد الآية قال بعضهم : أصل الخسف النقصان ويكون في الوصف وفي الذات وفيه رد لمن عبد القمر فإن القمر لو كان إلهاً كما أن عمه بدافع عن نفسه الخسوف ولما ذهب ضوؤه قال في فتح الرحمن الخسوف والكسوف معناهما واحد وهو ذهاب ضوء أحد النيرين أو بعضه وصلاة الكسوف سنة مؤكدة فإذا كسفت الشمس أو القمر فزعوا للصلاة وهي لكسوف الشمس ركعتان كهيئة النافلة ويصلي بهم أمام الجمعة ويطيل القراءة ولا يجهر ولا يخطب وخسوف القمر ليس له اجتماع ويصلي الناس إن منازلهم ركعتين كسائر النوافل {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} في ذهاب الضوء كما روى عن النبي عليه السلام ، أو جمع بينهما في الطلوع من المغرب أو في الإلقاء في النار ليكون حسرة على من يعبدهما وجاز تكرار القمر لأنه أخبر عنه بغير الخبر الأول ، وقال القاشاني : فإذا برق البصر أي تحير وهش شاخصاً من فزع الموت وخسف قمر القلب لذهاب نور العقل عنه وجمع شمس الروح وقمرا لقلب بأن جعلا شيئاً واحداً طالعاً من مغرب البدن لا يعبر لهما رتبتان كما كان حال الحياة بل انحدار روحاً واحداً انتهى.
{يَقُولُ الانسَـانُ} المنكر للقيامة وهو عامل في إذا {يَوْمَـاـاِذٍ} أي يوم إذ تقع هذه الأمور قول الآيس من حيث إنه لا يرى شيئاً من علامات ممكنة للفرار كما يقول من أيس من وجدان زيد اين زيد حيث لم يجد علامة أصابته {أَيْنَ الْمَفَرُّ} أي الفرار وقال سعدي المفتي ولعله لا منع من الإبقاء على حقيقته والقول بصدور هذا الكلام باء على توهمه لتحيره {كَلا} ردع عن طلب المفر وتمنيه قال سعدي المفتي : هذا لا يناسب أن يقوله قول الآيس إذ لا طلب حينئذٍ ثم قوله كلا من قول الله تعالى وجوز أن يكون من قول الإنسان لنفسه وهو بعيد {لا وَزَرَ} لا ملجأ يعني بناه كاه نباشد كافر انرا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
(10/190)
مستعار من الجبل فإن الوزر محركة الجبل المنيع ثم يقال لكل ما التجأت إليه وتحصنت به وزر تشبيهاً له وخبر لا محذوف أي لا ملجأ ثمة أو في الوجود ومن بلاغات الزمخشري اتل على كل من وزر كلالاً وزر أي أتل عليه هذه الآية ومعنى وزر الأول بالفارسية كناه كردن.
فإن العزر بالكسر الإثم وقال بعضهم :
لعمرك ما في الفتى من وزر
من الموت يدركه ولكبر
أي لا ملجأ للفار من الموت والكبر إذ كل منهما من الأمر الإلهي والأمر المحكم القضاء المبرم يدرك الإنسان لا محالة {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَـاـاِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} أي إليه تعالى وحده استقرار العباد أي لا يتوجهون إلا إلى حيث أمرهم الله نم مقام حسابه أو إلى حكمه استقرار أمرهم فإن الملك يومئذٍ ا فهو كقوله إن إلى ربك ارجعى وإن إلى ربك المنتهى وإليه ترجعون أي إلى حيث لا حاكم ولا مالك سواه أو إلى مشيئته موضع قرارهم يدخل من يشاء الجنة ومن يشاء النار فيكون المستقر اسم مكان وهو مرفوع بالابتداء وإلى ربك خبره ويومئذٍ معمول إلى ربك ولا يجوز أن يكون معمول المستقر لأنه إن كان مصدراً بمعنى الاستقرار فلا يتقدم معموله عليه وإن كان اسم مكان فلا عمل له البتة وكذا الكلام في قوله إلى ربك يومئذٍ المساق ونحوه {يُنَبَّؤُا الانسَـانُ يَوْمَـاـاِذ} أي يخبر كل امرىء برا كان أو فاجراً عند وزن الأعمال وحال
246
العرض والمحاسبة والمخبر هو الله أو الملك بأمره أو كتابه ينشره {بِمَا قَدَّمَ} أي عمل من عمل خيراً كان أو شراً فيثاب بالأول ويعاقب بالثاني {وَأَخَّرَ} أي لم يعمل خيراً كان أو شراً فيعاقب بالأول ويثاب بالثاني أو بما قدم من حسنة أو سيئة وبما أخر من حسنة أو سيئة فعمل بها بعده أو بما قدم من مال تصدق به في حياته وبما أخر فخلفه أو وقفه أو أوصى به أو بأول عمله وآخره.
(شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري قدس سره) : فرموده كه كناه ازيش فرستي بجرأت ومال ازس بكذارى بحسرت كناه رابتوبه نيست كن تانماند ومال را بصدقه يش فرست تابماند.
كرفرستى زيش به باشد
كه بحرست زس نكاه كنى
وفي الحديث : "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه فينظر ايمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة {بَلِ الانسَـانُ عَلَى نَفْسِه بَصِيرَةٌ} الإنسان مبتدأ وبصيرة خبره وعلى نفسه متعلق ببصيرة بتقدير على أعمال نفسه والموصوف محذوف أي بل هو حجة بصيرة وبينة واضحة على أعمال نفسه شاهدة جوارحه وأعضاؤه بما صدر عنه من الأفعال السيئة كما يعرب عنه كلمة على وما سيأتي من الجملة الحالية ووصفت بالبصارة مجاراً في الإسناد كما وصفت الآيات بالأبصار في قوله تعالى : {فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ءَايَـاتُنَا مُبْصِرَةً} أو عين بصيرة أو ذو بصيرة أو التاء للمبالغة كما في علامة ونسابة ومعنى بل الترقي أي ينبأ الإنسان بأعماله بل هو لا يحتاج إلى أن يخبره غيره فإنه يومئذٍ عالم بتفاصيل أحواله شاهد على نفسه لأن جوارحه تنطق بذلك ، قال القاشاني : بل الإنسان حجة بينة يشهد بعلمه لبقاء هيئة أعماله المكتوبة عليه في نفسه ورسوخها في ذته وصيرورة صفاته صور أعضائه فلا حاجة إلى أن ينبأ من خارج.
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
باش نا ز صدمه صور سرافيلى شود
صورت خوبت نهان وسيرت زشت آشكار
ولو ألقى معاذيره} حال من المستكن في بصيرة أو من مرفوع ينبأ أي هو بصيرة على نفسه تشهد عليه جوارحه وتقبل شهادتها ولو جاء بكل معذرة يمكن أن يعتذر بها عن نفسه ويجادل عنها بأن يقول مثلاً لم أفعل أو فعلت لأجل كذا أو لم أعمل أو وجد مانع أو كنت فقيراً ذا عيال أو خفت فلاناً أو طمعت في عطائه إلى غير ذلك من المعاذير الغير النافعة.
ه ندين عذر انكيزى وندين حيله هاسازى
جوميانى كه ميدانم وميدانم كه ميداني
أو ينبأ بأعماله ولو اعتذر بكل عذر في الذب عنها فإن الذب والدفع لا رواج له يومئذٍ لأنه يوم ظهور الحق بحقيقته والمعاذير اسم جمع للمعذرة كالمناكير اسم جمع للمنكر وقيل : جمع معذار وهو الستر بلغة أهل اليمن أي ولو أرخى فتوره ، يعني : إن احتجابه واستتاره عن المخلوقات في حال مباشرة المعصية في الدنيا لا يغني عنه شيئاً لأن عليه من نفسه بصيرة ومن الحفظة شهوداً وفي "الكشاف" لأنه يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب {لا تُحَرِّكْ بِهِ} أي :
247(10/191)
بالقرآن {لِسَانَكَ} ما دام جبيل يقرأ ويلقى عليك {لِتَعْجَلَ بِهِ} أي بأخذه أي لتأخذه على عجلة مخافة يتفلت {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} في صدرك بحكم الوعد بحيث لا يخفى عليك شيء من معانيه بتقدير المضاف أي إنبات قراءته في لسانك بحيث تقرأه متى شئت فالقرآن مصدر بمعنى القراءة كالغفران بمعنى المغفرة مضاف إلى مفعوله والقرآن ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل وليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال قرأت القوم إذا جمعتهم {فَإِذَا قَرَأْنَـاهُ} أي أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل وإسناد القراءة إلى نون العظمة للمبالغة في إيجاب التأني {فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ} أي فاشرع فيه بعد فراغ جبريل منه لا مهلة وقال ابن عباس رضي الله عنهما ، فإذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به وقال الواسطي رحمه الله جمعه في السر وقرآنه في العلانية {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أي بيان ما أشكل عليك من معانيه وأحكامه سمى ما يشرح المجمل والمبهم من الكلام بياناً لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره وفي ثم دليل على إنه يجوز تأخر البيان عن وقت الخطاب لا عن وقت الحاجة إلى العمل لأنه تكليف بما لا يطاق قال أهل التفسير كان عليه السلام إذا لقن الوحي نازع جبريل القراءة ولم يصبر إلى أن يتمها مسارعة إلى الحفظ وخوفاً من أن يفلت منه فأمر بأن يستنصت له ملقياً إليه قلبه وسمعه حتى يقض إليه الوحي كما قال تعالى :
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
{وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ} من قبل أن يقضي إليك وحيه ثم يقضيه بالدراسة إلى أن يرسخ فيه وعن بعض العارفين إنه قال فيه إشارة إلى صحة الأخذ عن الله بواسطة كأنه تعالى يقول خذه عن جبريل كأنك ما علمته إلا منه ولا تسابق بما عندك منا من غير واسطة وأكابر المحققين يسمون هذه الجهة التي هي عدم الوسائط بالوجه الخاص والفلاسفة ينكرون هذا الوجه ويقولون لا ارتباط بين الحق والموودات إلا من جهة الأسباب والوسائط فليس عندهم أن يقول الإنسان أخبرني ربي أي بلا واسطة وهم مخطئون في هذا الحكم فإنه لما كان ارتباط كل ممكن بالحق من حيث الممكن من جهتين جهة الوحدة وجهة الكثرة وجب أن تكون جهة الوحدة بلا واسطة وهو الوجه الخاص وجهة الكثرة بواسطة وهو الوجه العام ولما كان نبينا عليه السلام ، أكمل الخلق في جهة الوحدة لكون أحكام كثرته وإمكانه مستهلكة بالكلية في وحدة الحق وأحكام وجوبه كان يأخذ عن الله بلا واسطة أي من الوجه الخاص وكان ينطبع في قلبه ما يريد الحق أن يخبره به فإذا جاءه الكلام من جهة الوسائط أي من الوجه العام بصور الألفاظ والعبارات التي استدعتها أحوال المخاطبين كان يبادر إليه بالنطق به لعلمه بمعناه بسبب تلقيه إياه من حيث اللاواسطة لينفس عن نفسه ما يجده من الكربة والشدة التي يلقاها مزاجه من التنزل الروحاني فإن الطبيعة تنزعج من ذلك للمباينة الثابتة بين المزاج وبين الروحاللكي فعرف الحق نبينا عليه السلام إن القرآن وإن أخذته عنا من حيث معناه بلا واسطة فإن إنزالنا إياه مرة أخرى من جهة الوسائط يتضمن فوائد زائدة منا مراعاة إفهام المخاطبين به لأن الخلق المخاطبين بالقرآن حكم ارتباطهم بالحق إنما هو من جهة سلسلة الترتيب
248
والوسائط كما هو الظاهر بالنسبة إلى أكثرهم فلا يفهمون عن الله إلا من تلك الجهة ومنها معرفتك اكتساء تلك المعاني العبارة الكاملة وتستجلى في مظاهرها من الحروف والكلمات فتجمع بين كمالاته الباطنة واظاهرة فيتجلى بها روحانيتك وجسمانيتك ثم يتعدى الأمر منك إلى أمتك فيأخذ كل منهم حصته منه علماً وعملاً ففي قوله تعالى : لا تحرك به لسانك.
.
الخ.
تعليم وتأديب إما التعليم فما أشير إليه من أن باب جهة الوحدة مسدود على أكثر الناس فلا يفهمون عن الله إلى من الجهة النماسبة لحالهم وهي جهة الوسائط والكثرة الإمكانية وإما التأديب فإنه لما كان الآتي بالوحي من الله جبريل فمتى بودر بذكر ما أتى به كان كالتعجيل له وإظهار الاستغناء عنه هذا خلل في الأدب بلا شك سيما مع المعلم المرشد ومن هذا التقرير عرف أن قوله تعالى : لا تحرك به.
.
الخ واقع في البين بطريق الاستطارد فإنه لما كان من شأنه عليه اسلام ، الاستعجال عند نول كل وحي على ما سبق من الوجه ولم ينه عنه إلى أن أوحى إليه هذه السورة من أولها إلى قوله : ولو ألقى معاذيره وعجل في ذلك سئر المرات نهى عنه بقوله لا تحرك الخ ثم عاد الكلام إلى تكملة ما ابتدىء به من خطاب الناس ونظيره ما لو ألقى المدرس على الطالب مسألة وتشاغل الطالب بشيء لا يليق بمجلس الدرس فقال ألق إلى بالك وتفهم ما أقول ثم كمل المسألة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
(10/192)
يقول الفقير : أيده الله القدير لاح لي في سر المناسبة وجه لطيف أيضاً وهو أن الله تعالى بين قبل قوله لا تحرك به.
.
الخ.
جمع العظام ومتفرقات العناصر التي هي أركان ظاهر الوجود ثم انتقل إلى جمع القرآن وأجزائه التي هي أساس باطن الوجود فقال بعد قوله أيحسب الإنسان إن لن نجمع عظامه إن علينا جمعه فاجتمع الجمع بالجمع والحمد تعالى وقد تحير طائفة من قدماء الروافض خذلهم الله تعالى حيث لم يجدوا المناسبة فزعموا إن هذا القرآن غير وبدل وزيد فيه ونقص.
وفي التأويلات النجمية : اعلم أن كل ما استعد لإطلاق الشيئية عليه فله ملك وملكوت لقوله تعالى : بيده ملكوت كل شيء ، والقرآن أشرف الأشياء وأكملها فله أيضاً ملك وملكوت فأما ملكه فهو الأحكام والشرائع الظاهرة التي تتعلق بمصالح الأمة من العبادات المالية والبدنية والجنايات والوصايات وأمثالها وإما ملكوته فهو الأسرار الإلهية والحقائق اللاهوتية اتي تتعلق ببواطن خواص الأمة وأخص الخواص بل بخلاصة أخص الخواص من المكاشفات والمشاهدات السرية والمعاينات الروحية ولكل واحد من الملك والملكوت مدركات يدرك بها لا غير لأن الوجدانيات والذوقيات لا تسعها ألسنة العبارات لأنها منقطع الإشارات فقوله لا تحرك.
.
الخ يشير إلى عدم تعبيره بلسان الظاهر عن أسرار الباطن والحقائق الآبية عن تصرف العبارات فيها بالتعبير عنها وإن مظهره الجامع جامع بين ملك القرآن وملكوته وهو عليه السلام ، يتبع بظاهره ملكه وبباطنه ملكوته نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المتبعين للقرآن في كل زمان كلا} عود إلى تكملة ما ابتدىء به الكلام يعني نه نانست أي آدميان كه مان برده آيد درامر عقبى {بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} أي الدنيا يعني دنياي شتاب كننده را {وَتَذَرُونَ الاخِرَةَ}
249
فلا تعملون لها بل تنكرونها.
وفي التأويلات النجمية : تحبون نعمة شهوة الدنيا وتذرون نعمة خمول الآخرة والخطاب للأمة وجوه يومئذٍ ناضرة} النضرة طراوة البشرة وجمالها وذلك من أثر التنعم والناضر الغض الناعم من كل شيء أي وجوه كثيرة وهي وجوه المؤمنين المخلصين يوم إذ تقوم القيامة بهية متهللة يشاهد عليها نضرة النعيم ورونقه كما قال تعالى في آية أخرى تعرف فيه وجوههم نضرة النعيم على أن وجوه مبتدأ وناضرة خبره ويومئذٍ منصوب باضرة وصحة وقوع النكرة مبتد لأن المقام مقام تفصيل {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قوله ناظرة خبر ثان للمبتدأ وإلى ربها متعلق بها والنظر تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشي ورؤيته والمراد بنظر الوجوه نظر العيون التي فيها بطريق ذكر المحل وإرادة الحال وهذا عند أهل القال وإما عند أهل الحال ف ينحصر النظر في البصر والإجاء القيد والله منزه عن ذلك بل ينقلب الباطن ظاهراً والظاهر بصراً بجميع الأجزاء فيشاهد الحق به كما يشاهد بالبصيرة في الدنيا والآخرة عالم اللطافة ولذا لا حكم للقالب والجسد الظاهر هنا وإنما الحكم للقلب والروح الظاهر صور الأعضاء بهما فاعرف جداً.
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
بزركى را رسيد ندكه :
راه ازدكام جانب است كفت ازجانب تونيست
ون ازتو دركذشتى از همه جانبها راهست
ون بصديقان باكردند وزان ره ساختند
جزيدل رفتن دران ره يك قدم را بارنيست
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص250 حتى ص258 رقم26
والمعنى : أن الوجوه تراه تعالى عياناً مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه وتشاهده تعالى ، بلا كيف ولا على جهة وحق لها إن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.
مثل مؤمن مثل بازاست بازرا ون بكيرند وخواهندكه شايسته دست شاه كردد مدتي شم أو بدون وزند بندى برايش نهند در خانه تاريك باز دارند از جفتش جدا كنند يك ندى بكر سنكيش مبتلى كنندنا ضعيف ونحيف كردد ووطن خويش فراموش كند وطبع كذا شتكى دست بدارد آنكه بعاقبت شمش بكشايند شمعي يشر وى بيفروزند طبلى از بهروي بزنند طعمه كوشت يش وى نهند وست شاه مقروي شازند باخود كويد دركل عالم كرا بود اين كرامت كه مراست شمع يش ديده من آواز طبل نواى من كوشت مرغ طعمه من دست شاه جاي من بر مثال اين حال ون خوانندكه بنده مؤمن راحله خلت وشانند وشراب محبت نوشانند باوى همين معاملت كنند مدتي در هار ديوار لحد باز درند كيرايى از دست وروايى زد قدم بستانند بينانيى از ديده بردارند روز كارى برين صفت بكذارند آنكه ناكاه طبل قيامت بزنند بنده از خاك لحد ر برآرد شم بكشايد نور بهشت بيند دنيا فراموش كند شراب وصل نوش كند بر مائده خلد بنشنيد نانه آن باز شم بازكند خودرا بردست شاه بيند بنده مؤمن شم بازكند خودرا تقدع صدق بيند سلام ملك شنود ديدار ملك بيتد ميان طوبى وزلفى وحسنى شادان ونازان در جلال
250
وجمال حق نكران اينست كه رب العالمين كفت.
(10/193)
وليس هذا في جميع الأحوال حتى يافيه نظرها إلى غيره من الأشياء الكثيرة والأولى إن التقديم للاهتمام ورعاية الفاصلة لأن التقييد ببعض الأحوال تقييد بلا دليل ومناف المقام المدح المقتضى لعموم الأحوال وغير مناسب لقوله وجوه يومئذٍ ناضرة لعمومه في الأحوال ولو سلم فاختصاص ادعائي فإن النظر إلى غيره في جنب النظر إليه لا يعد نظراً بل هو بمنزلة العدم ما في قوله : زيد الجواد هكذا قالوا ولكن من أهل الجنة من فاز بالتجلي الذاتي الأبدي الذي لا حجاب بعده ولا مستقر للكمل دونه وهو الذي إشار إليه عليه السلام بقوله صنف من أهل الجنة لا يستتر الرب عنهم ولا يحتجب وكان بذكره أيضاً في دعائه ويقوله وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم أبداً دئماً سرمداً دون ضراء مضرة ولا فتنة مضلة فالراء المضرة حصول الحجاب بعد التجلي والتجلي بصفة تستلزم سدل الحجب والفتنة المضلة كل شبهة توجب خللاً أو نقصاً في العلم والشهود.
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
آورده اند اورا دهريك ازاواد اين كلما تست اللهم إني أسألك النظرة إلى وجهك الكريم هركس ببهشت آرزويى دارد وعاشق جز آروزى ديدن ديدارندارد ير طريقت كفت بهره عارف دربهشت سه يزاست سماع وشراب وديدار سماع راكفت.
(فهم في روضة يحبرون) شراب راكفت (وسقاهم ربهم شراباً طهوراً) ديدار كفت (وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة) سماع بهره كوش شراب بره لب ديدار بهره ديده سماع واجدانرا شراب عاشقا نرا ديدار محبا نرا سماع طرب افزايد شراب زبان كشايد ديدار صفت ربايد سماع مطلبو را نقد كند شراب را زجلوه كند ديدارعارف را فرد كند سماع را هفت اندام رهى كوش ون ساقي اوست شراب همه نوش ديداررا زير هرموى ديده روشن.
ثم إن جميع أهل السنة حملوا هذه الآية على إنها متضمنة رؤية المؤمنينتعالى بلا تكييف ولا تحديد ولا يصح تأويل من قال لا ضرر ربها ونحوه وجعله الزمخشري كناية عن معنى التوقع والرجاء على معنى أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه وجوابه إنه لا يعدل إلى الكناية بلا ضرورة داعية إليها وهي ههنا مفقودة فالأحاديث الصحيحة تدل عى تعين جانب الحقيقة وأما قوله عليه السلام : جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم الإراء الكبرياء على وجهه حيث إن المعتزلة قالوا إن الرداء حجاب بين المرتدي والنظارين فلا تمكن الرؤية فجوابه إنهم حجبوا عن أن المرتدي لا يحجب عن الحجاب إذ المراد بالوجه الذات وبرداء الكبرياء هو العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامعة للحقائق الإمكانية والإلهية يعني رداء كبرياء نفس مظهرست ومشاهده ذات بدون مظهري محالست.
والرداء هو الكبرياء وإضفته للبيان والكبرياء رداؤه الذي يلبسه عقول العلماء بالله للتفهيم فلا رداء هناك حقيقة فالرتبة الحجابية باقية أبداً وهي رتبة المظهر لأنها كالمرآة وأما قوله عليه السلام : "حين سئل هل رأيت ربك ليلة المعراج" فقال نور أني أراه فمعناه إن النور المجرد لا تمكن رؤيته يعني إنما تتعذر الرؤية والإدراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب
251
والإضافات فأما في المظاهر ومن وراء حجابية المراتب فالإدراك ممكن ومن المعتزلة من فسر النظر بالانتظار وجعل قوله إلى أسماء مفرداً بمعنى النعمة مضافاً إلى الرب جمعه آلاء فيكون مفعولاً مقدماً لقوله ناظرة بمعنى منتظرة والتقدير وجوه يومئذ منتظرة نعمة ربها ورد بأن الانتظار لا يسند إلى الوجه سواء أريد به المعنى الحقيقي أو أريد به اعين بطريق ذكر المحل وإرادة الحال وتفسير الوجه بالذات وجملة الشخص خلاف الظاهر وبأن الانتظار لا يعدى بإلى أن جعل حرفاً وأخذه بمعنى النعمة في هذا المقام يخالف المعقول لأن الانتظار يعد من الآلام ونعيم الجنة حاضر لأهلها ويخالف المنقول أيضاً وهو أنه عليه السلام قال : أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسريره مسيرة ألف سنة يعني تاهزال ساله راه آنرا بيندوا كرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية يعني بمقدار ازان ثم قرأ عليه السلام وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة فقد فسر النظر بنظر العين والرؤية فظهر أن المخالف اتبع رأيه وهواه.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
(10/194)
وروى) إنه عليه السلام نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته وهو بفتح التاء وتشديد الميم من الضم ، أصله لا تتضامون ، أي لا ينضم بعضكم إلى بعض ولا يقول أرنيه بل كل ينفرد برؤيه وروى بتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم فتكون التاء حينئذٍ مضمومة يعني لا ينالكم ظلم بأن يرى بعضكم دون بعض بل تستوون كلكم في رؤيته تعالى وهذا حديث مشهور تلقه الأمة بالقبول ومعنى التشبيه فيه تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح لا تشبيه المرئي بالمرئي فثبت أن المؤمنين يرونه بغير كيف ولا كم وضرب من مثال فينسون النعيم إذ رأوه فيا خسران أهل الاعتزال وسئل مالك بن أنس رضي الله عنهما عن قوله تعالى : {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وقيل له إن قوماً يقولون إلى ثوابه فقال مالك كذبوا فأين هم عن قوله تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون ثم قال الناس ينظرون إلى الله بأعينهم ولو لم ير المؤنمون ربهم يوم القيامة لم يعذب الله الكفار بالحجاب وقال صاحب العقد الفريد ومن اعتقد غير هذا فهو مبتدع زنديق وقد يشهد للمطلوب ويرد دعوى أهل البدعة أن الرؤية هي اللذة الكبرى فكيف يكون المؤمنون محرومين منها والدار دار اللذة فينبغي للمؤمن أن تكون همته من نعم الجنة نعمة اللقاء فإن غيرها نعم بهيمية مشتركة قال بعض العارفين : دلت الآية على أن القوم ينظرون إلى الله تعاى في حال السحو والبسط لأن النضرة من أمارات البسط فلا يتداخلهم حياء ولا دهشة وإلا لتنغص عيشهم بل لوعاً ينوه بوصف الجلال الصرف لهلكوا في أول سطوة من سطواته فهم يرونه في حال الإنس بنوره بل به يرونه وهنالك وجود العارف كله عين يرى حبيبه بجميع وجوده وتلك العيون مستفادة من تجلى الحق فقوم لهم بالنظر من نفسه إلى نفسه ويظهر سر الوحدة بين العاشق والمعشوق والرؤية تقتضي بقاء الرائي وهو من مقتضيات عالم الصفات واستهلاك العبد في وجود الحق أتم كما هو مقتضى بقاء الرائي وهو من مقتضيات عالم الصفات واستهلاك العبد في وجود الحق أتم كما هو مقتضى عالم الذات قال النصر أبادي قدس سره من الناس ناس طلبوا الرؤية واشتاقوا إليه تعالى ومنهم العارفون الذين اكتفوا برؤية الله لهم فقالوا رؤيتنا ونظرنا فيه علل ورؤيه ونظره بلا علة فهو أتم بركة واشتمل نفعاً وقال بعضهم : القرب المذكور في قوله تعالى : ونحن
252
أقرب إليه من حبل الوليد هو الذي منع الخلق عن الإدراك للحق كما إن الهواء لما كان مباشر الحاسة البصر لم يدركه البصر وكذلك الما إذ غاص الغائص فيه وفتح عينيه يمنعه قربه من حاسة بصره أن يراه والحق أقرب إلى الإنسان من نفسه فكان لاي رى لقربه كما إنه تعالى لا يرى لبعده وعلو ذاته اين التراب من رب الأرباب ولكن إذا أراد العبد أن يراه تنزل من علوه ورفع عبده إلى رؤيته فآه به ولذلك قال عليه السلام : إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر وهما في شأنهما متوسطان في القرب والبعد فاية القرب حجاب كما أن غاية البعد حجاب والكل يراه في الدنيا لا يعرف إنه هو وفرق بين العارفو غيره ألا ترى إنه ذا كان في قلبك لقاء شخص وأنت لا تعرفه بعينه فلقيك وسلم عليك وأنت لم تعرفه فقد رأيته وما رأيته كالسلطان إذا دار في بلده متنكراً فإنه يراه كثير من الناس ولا يعرفه ثم إن منهم من يقول لم يتيسر لي رؤية السلطان إلى الآن وأنا أريد أن أنظر إليه مع إنه نظر إليه مراراً فهو في حال بصره أعمى فما أشد حجابه ثم إنه لو اتفق له النظر إليه فربما لا يتعمق ففرق بين ناظر وناظر بحسب حدة بصره وضعفه ولذا قالوا إنما تفاوتت الأفراد في حضرة لشهود مع كونهم على بساط الحق الذي لا نقص فيه لأنهم إنما يشهدون في حقائقهم ولو شهدوا عين الذات لتساووا في الفضيلة وقال بعض العارفين اللخق أقرب جار للحق تعالى وذلك من أعظم البشرى فإن للجار حقاً مشروعاً معروفاً يعرفه العلماء بالله فينبغي لكل مسلم أن يحضر هذا الجوار الإلهي عند الموت حين يطلب من الحق ما يستحقه الجار على جاره من حيث ما شرع قال تعالى لنبيه عليه السلام قل رب حكم بالحق أي الحق الذي شرعته لنا تعاملنا به حتى لا ننكر شيئا منه مما يقتضيه لكرم الإلهي فهو دعاء افتقار وخضوع وذل.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
(10/195)
حكى) إن الحجاج أراد قتل شخص فقال له لي إليك حاجة قال ما هي قال أريد أن أمشي معك ثلاث خطوات ففعل الحجاج فقال الشخص حق هذه الصبحة أن تعفو عني فعفا عنه ووجوه يومئذٍ} يتعلق بقوله {بَاسِرَةٌ} أي شديدة العبوس مظلمة ليس عليها أثر السرور أصلاً وهي وجوه الكفرة والمنافقين ، وقال الراغب : البسر الاستعجال بالشيء قبل أوانه فإن قيل فقوله : [القيامة : 22-25]{وَوُجُوهٌ يَوْمَـاـاِذا بَاسِرَةٌ} ليس يفعلون ذلك قبل الموت وقد قلت إن ذلك يقال فيما كان قبل وقته قيل إن ذلك إشارة إلى حالهم قبل الانتهاء بهم إلى النار فخص لفظ البسر تنبيهاً على أن ذلك مع ما ينالهم من بعد يجري مجرى التكلف ومجر ما يفعل قبل ومنه ويدل على ذلك قوله تعالى تظن} توقع أربابها بحسب الامارات والجملة خبر بعد خبرور جح أبو حيان والطيبي تفسير الظن بمعنى اليقين ولا ينافيه أن المصدرية كما توهم فإنها إنما لا تقع بعد فعل التحقق الصرف فأما بعد فعل الظن أو ما يؤدي معنى العلم فتجيء المصدرية والمشددة والمخففة نص عليه الرضى {أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} داهية عظيمة تقصم فقار الظهر ومنه سمى الفقير فإن الفقر كسر فقار ظهره فجعله فقيراً أي مفقوراً وهو كناية عن غاية الشدة وعدم القدرة على التحمل فهي توقع ذلك كما تتوقع الوجوه الناضرة أن يفعل بها كل خير بناء على أن قضية المقابلة بين الآيتين تقتضي ذلك قال بعضهم : أصح آنست كه آن بلا حجابست ازرؤيت رب الأرباب.
(مصراع) كه از
253
فراق بتردر جهان بلايى نيست.
وفي التأويلات النجمية : [القيامة : 22-15]{وُجُوهٌ يَوْمَـاـاِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} لا إلى غيره بسبب الإعراض عن الدنيا في هذا اليوم والإقبال على الله ووجوه يومئذٍ باسرة.
تظن أن يفعل بها فاقرة بسبب الإقبال على الدنيا في هذا اليوم والإدبار عن الله جزاء وفاقاً وقال بعضهم : وجوه يومئذٍ ناضرة للتنور بنور القدس والاتصال بعالم النور والسرور والنعيم الدائم ووجوه يومئذٍ باسرة كالحه لجهامة هيئاتها وظلمة ما بها من الجحيم والنيران وسماجة ما تراه هنالك من الأهوال وسوء الجيران كلا} ردع عن إيثار العاجلة على الآخرة أي ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا لما بين أيديكم من الموت الذي ينقطع عنده ما بينكم وبين العاجلة من العلاقة {إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِىَ} الضمير للنفس وإن لم يجر لها ذكر لأن الكلام الذي وقعت فيه يدل عليها وتقول العرب أرسلت يريدون جاء المطر ولا تكاد تسمعهم يذكرون السماء ءَ إذا بلغت النفس الناطقة وهي الروح الإنساني أالي الصر وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال فإذا بلغت إليها يكون وقت الغرغرة وبالفارسية ون برسد روح باستخوا نهاي سينه وكردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
وفي "كشف الأسرار" وقت كه جان بنبر كردن رسد.
جمع ترقوة بفتح التءا والواو وسكون الراء وضم القاف قال في "القاموس" الترقوة ولا تضم تاؤه العظم بين ثغرة النحر والعاتق انتهى.
والعاتق موضع الرداء من المنكب قال بعضهم : لكل أحد ترقوتان ولكن جمع التراقي باعتبار الأفراد وبلوغ النفس التراقي كناية عن عدم الإشفاء يعني بكناره اورسيدن ونزديك شدن.
والعامل في إذا بلغت معنى قوله إلى ربك يومئذٍ المساق أي إذا بلغت النفس الحلقوم رفعت وسيقت إلى الله أي إلى موضع أمر الله أن ترفع إليه {وَقِيلَ مَنْا رَاقٍ} معطوف على بلغت وقف حفص على من وقفة يسيرة من غير تنفس قال بعضهم لعل وجهه استثقال الراء المشددة التي بعدها قاف غليظ تلفظ في الإدغام واستكراه القطع التام بين المبتدأ والخبر والاستفهام والمستفهم عنه في النفس والفرار من الإظهار دون سكتة لأنه يعد من اللحن عند اتصال النون الساكنة بالراء بين أهل القراءة وقال من حضر صاحبها من يرقيه يعني افسون ميكنند.
وينجبه مما هو فيه من الرقية وهو التعويذ بما به يحصل الشفاء كما يقال بسم الله أرقيك وفعله من باب ضرب والاستفهام على هذا يحتمل أن يكون بمعنى الطلب كأن الذين حول ذلك الإنسان طلبوا له طبيباً يعالجه وراقياً يرقيه ويحتمل أن يكون استفهاماً بمعنى الإنكار كما يقال عند اليأس من الذي يقدر أن يرقى هذا الإنسان المشرف على الموت وهو الظاهر كما قال الراغب من راق أي من يرقية تنبيهاً على أنه لا راقي يرقيه فيحييه وذلك إشارة إلى نحو ما قال :
وإذا المنية أنشبت أظفارها
الفي كل تميمة لا تنفع
التميمة خرزات كان العرب يعلقونها على أولادهم خوفاً من العين وهو باطل لقوله عليه السلام : من علق تميمة فقد أشرك وإياها أراد صاحب البيت المذكور وقيل : و من كلام ملائكة الموت يقولون أيكم يرقى بروحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب من
254
(10/196)
الرقي وفعله من باب علم وقوله ملائكة الرحمة لا يمانعه قوله فلا صدق ولا صلى الآيات لأن الضمير فيه لجنس الإنسان فلا يتعين كون المحتضر من أهل النار قال الكلبي يحضر العبد عند الموت سبعة أملاك من ملائكة الرحمة وسبعة من ملائكة العذاب مع ملك الموت فإذا بلغت نفس العبد التراقي نظر بعضهم إلى بعض أيهم يرقى بروحه إلى السماء فهو قوله من راق وقال ابن عباس رضي الله عنهما إن الملائكة يكرهون القرب من الكافر فيقول ملك الموت من يرقى بروح هذا الكافر {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} وأيقن المحتضر حين عاين ملائكة الموت ما نزل به هو الفراق من الدنيا المحبوبة ونعيمها التي ضيع العمر النفيس في كسب متاعها الخسيس وعبر عما حصل له من المعرفة حيئنذٍ بالظن لأن الإنسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه فإنه يطمع في الحياة لشدة حبه لهذه الحياة العاجلة ولا ينقطع رجاؤه عنها فلا يحصل له يقين الموت بل ظنه الغالب على رجاء الحياة قال الامام هذه الآية تدل على أن الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد موت المعدن وإن الله تعالى سمى الموت فراقاً والفراق إنما يكون إذا كانت الروح باقية فإن الفراق والوصال صفة وهي تستدعى وجود الموصوف قال المزني دخلت على الشافعي في مرة موته فقلت كيف أصبحت قال أصبحت من الدنيا رحلاً وللإخوان مفارقاً ولسوء عمى ملاقياً ولكأس المنية شارباً وعلى الله وارداً فلا أدرى أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ثم أنشأ يقول :
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك اعظما
وقال بعضهم :
فراق ليس يشبهه فراق
قد انقطع الرجاء عن التلاق
وفي الحديث : "إن العبد ليعالج كرب الموت وسكراته وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض" يقول السلام عليك أفارقك وتفارقني إلى يوم القيامة.
(قال الشيخ سعدى) :
كوس رحلت بكوفت دست أجل
أي در شعم ودع سر بكنيد
أي كف ودست وساعد وبازو
همه توديع يكدكر بكنيد
بر من افتاده مرك دشمن كام
آخر أي دوستان كذر بكنيد
روز كارم بشد بناداني
من نكردم از شما حذر بكنيد
قال يحيى بن معاذ رحمه الله إذا دخل الميت القبر قام على شفير قبره أربعة أملاك واحد عند رأسه والثاني عند رجليه والثالث عن يمينه والرابع عن يساره فيقول الذي عند رأسه يا ابن آدم أرفضت الآجال أي تفرقت وأنصيت الآمال أي هزلت ويقول الذي عن يمينه ذهبت الأموال وبقيت الأعمال ويقول الذي عن يساره ذهبت الأشغال وبقي الوبال ويقول الذي عند رجليه طوبى لك إن كان كسبك من الحلال وكنت مشتغلاً بخدمة ذي الجلال {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} الالتفف برهم ييدن أي والتفت ساقه بساقه والتوت عليها عند قلق الموت فالساق العضو المخصوص والتفافهما اجتماعهما والتواء
255
أحداهما بالأخرى أو التفت شدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة على أن الساق مثل في الشدة وجه المجاز الإنسان إذا دهمته شدة شمر لها عن ساقيه فقيل للأمر الشديد ساق من حيث إن ظهورها لازم لظهور ذلك الأمور قد سبق في قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق وعن سعيد بن امسيب هما سقاه حين تلفان في أكفائه {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَـاـاِذٍ الْمَسَاقُ} أي إلى الله وإلى حكمه يساق الإنسان لا إلى غيره أي يساق إلى حيث لا حكم هناك إلا الله.
(وقال الكاشفي) : بسوى جزاى رورد كارتو آروز باز كشت باشد همه كس را.
فالمساق مصدر ميمي بمعنى السوق بالفارسية راندن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
(10/197)
والألف واللام عوض عن المضاف إليه أي سوق الإنسان {فَلا صَدَّقَ} الإنسان ما يجب تصديقه من الرسول والقرآن الذي نزل عليه أي لم يصدق فلا ههنا بمعنى لم وإنما دخلت على الماضي لقوة التكرار يعني حسن دخول لا على الماضي تكراره كما تقول لا قام ولا قعد وقلما تقول العرب لا وحدها حتى تتبعها أخرى تقول لا زيد في الدار ولا عمرو أو فلا صدق ماله بمعنى لا زكاة فحينئذٍ يطلب وجه لترجيح الزكاة على الصلاة مع أن دأب القرآن تقديم الصلاة ولعل وجهه ما كان كفار مكة عليه من منع المساكين وعدم الحض على طعامهم في وقت الضرورة القوية وأيضاً على تأخير ولا صلى مراعاة الفواصل كما لا يخفى {وَلا صَلَّى} ما فرض عليه وفيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بالفروع في حق المؤاخذة يعني إن الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة كما يستحقها بترك الإيمان وإن لم يجب أداؤها عليه في الدنيا {وَلَـاكِن كَذَّبَ} ما ذكر من الرسول والقرآن والاستدراك لدفع احتمال الشك فإن نفى التصديق لا يستلزم إثبات التكذب لكون الشك بين التصديق والتكذيب فإذا لا تكرار في الآية {وَتَوَلَّى} واعرض عن الطاعةولرسوله {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ} أهل بيته أو إلى أصحابه {يَتَمَطَّى} يتبختر ويختال في مشيه افتخاراً بذلك وبالفارسية س باز كشت بسوى كسان خودمى خرايمد ازروى افتخاركه من نين ونين كارى كرده أم يعني تكذيب وتولى.
من المط وهو المد فإن المتبختر يمد خطاه يعني أن التمدد في المشي من لوازم التبختر فجعل كناية عنه فيكون أصله يتمطط بمعنى يتمدد أبدلت الطاء الأخيرة ياء كراهة اجتماع الأمثال كما في تقي البازي أو من المطا مقصوراً وهو الظهر فإنه يلويه ويحركه في تبختره فألفه مبدلة من واو ويتمطى جمة حالية من فاعل ذهب وفي الحديث إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس واروم كأن بأسهم بينهم والمطيطاء كحميراء التبختر ومد اليدين في المشي والبأص شدة الحرب {أَوْلَى لَكَ} وأي برتواى إنسان مكذب {فَأَوْلَى} س وأي برتو {ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} تكرير للتأكيد فهو مستعمل في موضع ويل لك مشتق من الولي وهو القرب ولمراد دعاء عليه بأن يليه مكروه وأصله أولاك الله ما تكرهه واللام مزيدة كما في ردف لكم نقل الثلاثي إلى أفعل فعدى إلى مفعولين وفي "القاموس" أولى لك تهديد ووعيد أي قاربه ما يهلكه أو أولى لك الهلاك فيكون اسماً بمعنى أحرى أي الهلاك أولى وأحرى لك من كل شي فيكون خبر مبتدأ محذوف.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
وقال الكاشفي) : أولى لك
256
سزاوارست ترامركى سخت فأولى س سزاوارست ترا عذاب أليم در قبر ثم أولى لك س نيك سزا وارست تراهول قيامت فأولى س بغايت سزاست ترا خلود در دوزخ.
(10/198)
وروى إنه لما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء وهزه مرة أو مرتين ولكزه في صدره وقال له أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى فقال أبو جهل أتوعدني يا محمد ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً وإني لأعز أهل هذا الوادي فلما كان يوم بدر صرعه الله شر مصرع وقتله أسوء قتلة اقعصه بنا عفراء وأجهز عليه ابن مسعود رضي الله عنه واقعصه قتله مكانه وأجهز على الجريح أثبت قتل وأسره وتمم عليه وكان رسول الله عليه السلام يقول إن لكل أمة فرعوناً وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل {أَيَحْسَبُ الانسَـانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} أي يحيى حال كونه مهملاً فلا يكلف ولا يجزي وقيل أن يترك في قبره فلا يبعث سدى المهمل يقال أسدبت أبلى أسداء أي ملتها وتقول أسديت حاجتي وسديتها إذا متها ولم تقضها وتكرير الإنكار لحسبانها يتضمن تكرير إنكاره للحشرو يتضمن الاستدلال على صحة البعث أيضاً وتقريره إن إعطاء القدرة ولآلة والفعل بدون التكليف والأمر بالمحاسن والنهي عن المفاسد يقتضي كونه تعالى راضياً بقبائح الأعمال وذلك لا يليق بحكمته إذا لا بد من التكليف في الدنيا والتكليف لا يليق بالكريم الرحيم إلا لأن يميز الذين آمنوا وعملوا الصالحات من المفسدين في الأرض ولا يجعل المتقين كالفجار ويجازي كل نفس بما تسعى والمجازاة قد لا تكون في الدنيا فلا بد من البعث والقيامة وإنما لم تكن الدنيا دار المجازاة لضيقها وقد قال بعض الكبار من طلب تعجيل نتائج أعماله وأحواله في هذه الدار فقد أساء الأدب وعامل الموطن بما لا تقتضيه حقيقته {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّ يُمْنَى} الخ ستئناف وارد لإبطال الحسبان المذكور فإن مداره لما كان استبعادهم للإعادة استدل على تحققها ببدء الخلق وقال ابن الشيخ هو استدلال على صحة البعث بدليل ثان والاستفهام بمعنى التوبيخ والنطفة بالضم الماء الصافي قل أو كثر والمني ماء الرجل والمرأة أي ما خلق منه حيوان فالحبل لا يكون إلا من الماءين ويمني بالياء صفة منى وبالتاء صفة نطفة بمعنى يصب ويراق في الرحم ولذا سميت من كالى وهي قرية بمكة لما يمنى فيها من دماء القرابين والمعنى ألم يكن الإنسان ماء قليلاً كائناً منماء معروف بخسة القدر واستقذار الطبع ولذا نكرهما يمنى ويصب في الرحم نبه سبحانه بهذا على خسة قدر الإنسان أولاً وكمال أقدرته ثانياً حيث صير مثل هذا الشي الدني بشراً سوياً وقال بعضهم فائدة قوله يمنى للإشارة إلى حقارة حاله كأنه قيل إنه مخلوق من لنمي الذي يرجي على مخرج النجاسة فكيف يليق بمثل هذا أن يتمرد عن طاعة الله فيما أمر به ونهى إلا أنه تعالى عبر عن هذا المعنى على سبيل الرمز كما في قوله تعالى في عيسى ومريم عليهما السلام كانا يأكلان الطعام والمراد منه قضاء الحاجة كناية
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً} أي ثم كان لمني بعد أربعين يوماً قطعة دم جامد غليظ أحمر بقدرة الله تعالى بعد ما كان ماء أبيض كقوله تعالى : [المؤمنون : 14-38]{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} وهو عطف على قوله : ألم يك لأن إنكار عدم الكون يفيد ثبوت المكون فالتقديرك ان الإنسان نطفة ثم كان علقة فخلق} أي فقدر بأن
257
جعلها مضغة مخلقة بعد أربعين أخرى أي قطعة لحم قابل لتفريق الأعضاء وتمييز بعضها من بعض وجعل المضغة عظاماً تتميز بها الأعضاء بأن صلبها فكسا العظام لحماً يحسن به خلقه وتصويره ويسعد لإفاضة القوى ونفخ الروح {فَسَوَّى} فعدله وكمن نشأته.
(قال الكاشفي) : س رلست كردصورت واندام اورا وووح دردميد.
وفي المفرات جعل خلقه على ما اقتضته الحكمة الإلهية أي جعله معادلاً لما تقتضيه الحكمة وقال بعضهم : معنى التسوية والتعديل جعل كل عضو من أعضائه الزوج معادلاً لزوجه {فَجَعَلَ مِنْهُ} أي من الإنسان باعتبار الجنس أو من المني وجعل بمعنى خلق ولذا اكتفى بمفعول واحد وهو قوله {الزَّوْجَيْنِ} أي الصنفين {الذَّكَرَ وَالانثَى} بدل من الزوجين ويجوز أن يكونا منصوبين بإضمار أعني ولا يخفى إن الفاء تفيد التعقيب فلا بد من مغايرة بين المتعاقبين فلعل قوله فخلق فسوى محمول على مقدار مقدر من الخلق يصلح به للتفرقة بين الزوجين وقوله فجعل منه الزوجين على التفرقة الواقعة {أَلَيْسَ ذَالِكَ} العظيم الشان الذي أنشأ هذا الإنشاء البديع {بِقَـادِرٍ عَلَى أَن يُحِْـاىَ الْمَوْتَى} وهو أهون من البدء في قياس العقل لوجود المادة وهو عجب الذنب والعناصر الأصلية.
(10/199)
(روى) أن النبي عليه السلام كان إذا قرأها قال سبحانك اللهم بلى تنزيهاً له تعالى عن عدم القدرة على الإحياء وإثبتاً لوقوعها عليه وفي رواية بلى والله بلى والله وقال ابن عباس رضي الله عنهما من قرأ سبح اسم ربك الأعلى إما ما كان أو غيره فليقل سبحان ربي الأعلى ومن قرأ لا أقسم بيوم القيامة فإذا انتهى إلى آخرها فليقل سبحانك اللهم يلي إماماً كان أو غيره وفي الحديث : "من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها أليس بالله بأحكم الحاكمين فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ لا أقسم بيوم القيامة فانتهى إلى أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى فليقل سبحانك بلى ومن قرأ والمرسلات عرفاً فبلغ فبأي حديث بعده يؤمنون فليقل آمناً بالله".
وفي الآية إشارة إلى أن الله يحيى موتى أهل الدنيا بالإعراض عنها والإقابل على الآخرة والمولى أيضاً يحيى موتى النفوس بسطوع أنوار القلوب عليها وأيضاً يحيى موتى القلوب تحت ظلمة لنفوس الكافرة الظلمة بنور الروح والسر والخفى ومن أسند العجز إلى الله فقد كفر بالله نسألتعالى العصمة وحسن الخاتمة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 243
تفسير سورة الإنسان
إحدى وثلاثون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 257
{هَلْ أَتَى} استفهام تقرير وتقريب فإن هل بمعنى قد والأصل أهل أتى أي قد أتى وبالفارسية آيا آمد يعني بدرستى كه آمد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
تركوا الألف قبل هل لأنها لا تقع إلا في الاستفهام وإنما لزوم أداة الاستفهام ملفوظة أو مقدرة إذا كان بمعنى قد ليستفاد التقرير من همزة الاستفهام والتقريب من قد فإنها موضوعة لتقريب الماضي إلى الحال والدليل على أن الاستفهام غير مراد
258
إن الاستفهام على الله محال فلا بد من حمله على الخبر تقول هل وعظتك ومقصودك أن تحمله على الإقرار بأنك قد وعظته وقد يجيء بمعنى الجحد تقول وهل يقدر أحد على مثل هذا فتحمله على أن يقول لا يقدر أحد غيرك {عَلَى الانسَانِ} قبل زمان قريب والمراد جنس الإنسان لقوله من نطفة لأن آدم لم يخلق منها ثم المراد بالجنس بنوا آدم أو ما يعمه وبنيه على التغليب أو نسبه حال البعض إلى الكل للملابسة على المجاز {حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} الحين زمان مطلق ووقت مبهم يلح لجميع الأزمان طال أو قصر وفي المفردات الحين وقت بلوغ الشي وحصوله وهو مبهم ويتخصص بالمضاف إليه نحو ولات حين مناص ومن قال حين على أوجه للأجل والمنية وللساعة وللزمان المطلق إنما فسر ذلك بحسب ما وجده قد علق به والدهر الزمان الطويل والمعنى طائفة محدودة كائنة من الزمن الممتد وهي مدة لبثه في بطن أمه تسعة أشهر أن صار شيئاً مذكوراً على ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما {لَمْ يَكُنِ} فيه فالجملة صفة أخرى لحين بحذف الضمير {شَيْاًا مَّذْكُورًا} بل كان شيئاً منسياً غير مذكور بالإنسانية أصلاً نطفة في الأصلاب فما بين كونه نطفة وكونه شيئاً مذكوراً بالإنسانية مقدار محدود من الزمان وتقدم عالم الأرواح لا يوجب كونه شئاً مذكوراً عند الخلق ما لم يتعلق بالبدن ولم يخرج إلى عالم الأجسام.
(روى) أن الصديق أو عمر رضي الله عهما كما في عين المعاني لما سمع رجلاً يقرأ هذه الآية بكى وقال ليتها تمت فلا شيء أراد ليت تلك تمت وهي كونه شيئاً غير مذكور ولم يخلق ولم يكلف ومعنى الاستفهام التقريري في الآية أن يحمل من ينكر البعث على الإقرار بأنه نعم أتى عليه في زمان قريب من زمان الحال حين من الدهر لم يكن فيه شيئاً مذكوراً فيقال له من أحدثه بعد أن لم يكن كيف يمتنع عليه بعثه وإحياؤه بعد موته وقال القاشاني أي كان شيئاً في علم الله بل في نفس الأمر لقدم روحه ولكنه لم يذكر فيما بين الناس لكونه في عالم الغيب وعدم شعو من في عالم الشهادة به.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258(10/200)
وفي التأويلات النجمية : أعلم أن للإنسان صورة علمية غيبية وصورة عينية شهادية وهو من حيث كلتا الصورتين مذكور عند الله أزلاً وأبداً لا يعزب عن علمه مثقال ذرة لعلمه الأزلي الأبدي بالأشياء قبل إيجاد الأشياء وقبل وجوده خلق الخلق وهم معدومون في كتم العدم وعلمه بنفسه يستلزم علمه بأعيان الأشياء لأن الأشياء مظاهر أسمائه وصفاته وهي عين ذاته فافهم أي ما أتى على الإنسن حين من الأحيان وهو كان منسياً فيه بالنسبة إلى الحق وكيف وهو مخلوق على صورته وصورته حاضرة له مشهودة عنده وهل للاستفهام الإنكاري بخلاف المحجوبين عن علم المعرفة والحكمة الإلهية وقال جعفر الصادق رضي الله عنه هل أتى عليك يا إنسان وقت لم يكن الله ذاكراً لك فيه {إِنَّا خَلَقْنَا الانسَـانَ} أي خلقناه يعني جسمه والإظهار لزيادة التقرير {مِن نُّطْفَةٍ} حتى كان علقة في أربعين يوماً ومضغة في ثمانين ومنفوخاً فيه الروح في مائة وعشرين يوماً كما كان أبوهو آدم خلق من طين فألقى بين مكة والطائف فأقام أربعين سنة ثم من حمأ مسنون فأقام أربعين سة أخرى ثم من صلصال فأقام أربيعن سنة أخرى فتم خلقه في مائة وعشرين سنة فنفخ فيه الروح على ما جاء في رواية الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما فما كان
259
سنين في آدم كان أياماً في أولاده وحمل بعضهم الإنسان الأول على آدم والثاني على أولاده على أن يكون الحين هو الزمن الطيول الممتد الذي لا يعرف مقاره والأول وهو حمله في كلا الموضعين على الجنس أظهر لأن المقصود تذكير الإنسان كيفية الخلق بعد أن لم يكن ليتذكر أول أمره من عدم كونه شيئاً مذكوراً أو آخر أمره من كونه شيئاً مذكوراً مخلوقاً من ماء حقير فلا يستبعد البعث كما سبق {أَمْشَاجٍ} أخلاط بالفارسية آميختها.
جمع مشج كسبب أو كتف على لغتيه أو مشيج من مشجت الشيء إذا خلطته وصف النطفة بالجمع مع أفرادها لما إن المراد بها مجموع الماءين يختطان في الرحم ولكل منهما أوصاف مختلفة من اللون والرقة والغلظ وخواص متباينية فإن ماء الرجل أبيض غليظ فيه قوة العقد وماء المرأة أصفر رقيق فيه قوة الانعقاد فيخلق منهما الولد فأيهما علا صاحبه كان الشبه له وما كان من عصب وعظم وقوة فمن ماء الرجل وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة على ما روى في المرفوع وفي الخبر ما من مولدو إلا وقد ذر على نطفته من تربة حفرته كل واحد منهما مشيج بالآخر وقال الحسن رحمه الله ، نطفة مشيجة بدم وهو دم الحيض فإذا حبلت ارتفع الحيض وإليه ذهب صاحب "القاموس" حيث قال ونطفة أمشاج مختلطة بماء المرأة ودمها انتهى فيكون النطفتان ودمها جمعاً وقال الراغب : هو عبارة عما جعل الله بالنطفة من القوى المختلفة المشار إليها بقوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة الآية انتهى.
فيكون معنى أمشاج ألوان وأطوار على ما قال قتادة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وفي التأويلات النجمية : أي من نطفة قوة القابلية الممتشجة المختلطة بنطفة قوة الفاعلية أي خلقناه من نطفة الفيض الأقدس المتعلق بالفاعل ونطفة الفيض المقدس المتعلق بالقابل فالفيض الأقدس الذاتي بمنزلة ماء الرجل والفيض المقدس إلا سمائي بمنزلة بمنزلة ماء المرأة {نَّبْتَلِيهِ} حال مقدرة من فاعل خلقنا أي مريدين ابتلاءه واختباره بالتكليف فيما سيأتي ليتعلق علمنا بأحواله تفصيلاً في العين بعد تعلقه بها إجمالاً في العلم وليظهر أحوال بعضهم لبعض من القبول والرد والسعادة والشقاوة {فَجَعَلْنَـاهُ سَمِيعَا بَصِيرًا} ليتمكن من استماع الآيات التنزيلية ومشاهدة الآيات التكوينية فهو كالمسبب عن الابتلاء أي عن إرادته فلذلك عطف على الخلق المقيد به بالفاء كأنه قيل إنا خلقناه مريدين تكليفه فأعطيناه ما يصح معه التكليف والابتلاء وهو السمع والبصر وسائر آلات التفهيم والتمييز وطوى ذكر العقل لأن المراد ذكر ما هو من أسبابه والآلة التي بها يستكمل فطريقه الأول لأكثر الخلق من السعداء السمع ثم البصر ثم تفهم العقل وفي اختيار صيغة المبالغة إشارة إلى كمال إحسنه إليه وتمام إنعامه وبصيراً مفعول ثان بعد ثان لجعلناه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وفي التأويلات النجمية : فجعلناه سميعاً جميع المسموعات بصيراً جميع المبصرات كما قال كنت سمعه وبصره فبي يسمع وبي يبصر فلا يفوته شيء من المسموعات ولا من المبصرات فافهم جداً يا مسكين وقال أبو عثمان المغربي قدس سره ابتلى الله الخلق بتسعة أمشاج ثلاث فتانات هي سمعه وبصره ولسانه وثلاث كافرات هي نفسه وهواه وعدوه الشيطان وثلاث مؤمنات هي عقله وروحه وقلبه فإذا أيد الله العبد بالمعونة قهر العقل على
260
(10/201)
القلب فملكه واستأسر النفس والهوى فلم يجد إلى الحركة سبيلاً فجانست النفس الروح وجانس الهوى العقل وصارت كلمة الله هي العليا قال الله تعالى قاتلوهم حتى لا تكون فتنة {إِنَّا هَدَيْنَـاهُ السَّبِيلَ} مرتب على ما قبله من إعطاء الحواس فإنه استئناف تعليلي لجعله سميعاً بصيراً يعني إن إعطاء الحواس الظاهرة والباطنة والتحلى بها متقدم على الهداية والمعنى أريناه وعرفناه طريق الخير والشر والنجاة والهلاك بإنزال الآيات ونصب الدلائل كما قال وهديناه النجدين أي بيا له طريق الخير والشر فإن النجد الطريق الواضح المرتفع فالمراد بالهداية مجرد الدلالة لا الدلالة الموصلة إلى البغية كما في بعض التفاسير {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} حالان من مفعول هديناه قال في الإرشاد أي مكناه وأقدرناه على سلوك الطريق الموصل إلى البغية في حالتيه جميعاً فأما التفصيل ذي الحال فإنه مجمل من حيث الدلالة على الأحوال لا يعلم إن المراد هدايته في حال كفره أو في حال إيمانه وبالتفصيل تبين إنها تعلقت به في كل واحدة من لحالين فالشاكر الموحد والكفور الجاحد لأن الشكر الإقرار بالنمعم ورأس الكفر إن جحوده ويقال شاكر النعمة وكفورها.
قال الراغب : الكفور يقال في كافر النعمة وكافر الدين جميعاً ويجوز أن يكون إما للتقسيم بأن يعتبر ذو الحال من حيث إنه مطلق وهو اللفظ الدال على الماهية من حيث هي ويجعل كل واحد من مدخولي إما قيداً له فيحصل بالتقيد بكل منهما قسم منه أي مقسوماً إليهما بعضهم شاكر بالاهتداء والأخذ في وبعضهم كفور بالإعراض عنه وإيراد لكفور لمراعاة الفواصل أي رؤوس الآي والإشعار بأن الإنسان قلما يخلو من كفران ما وإنما المؤاخذة عليه الكفر المفرط والشكور قليل منهم ولذا لم يقل إما شكوراً وإما كفوراً وإما شاكراً وإما كافراً والحاصل إن الشاكر والكفور كنايتان عن المثاب والمعاقب ولما لم يكن مجرد الكفران مستلزماً للمواخذة لم يصح أن يجعل كناية عنها بخلاف مجرد الشكر فإنه ملزوم الإثابة بمقتضى وعد الكريم فأدير أمر الإثابة على مطلق الشكر لا على المبالغة فيه كما أدير المؤاخذة على المبالغة في لكفران لا على أصله وكل ذلك بمقتضى سعة رحمة الله وسبقها على غضبه وقرأ أبو السماك بفتح الهمزة في إما وهي قراءة حسنة والمعنى إما كون شاكراً فبتوفيقنا وإما كونه كفوراً فبسوء اختياره.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وفي التأويلات النجمية : إنا خيرناه في الاهتداء إلى سبيل التنكر المتعلق باليد اليمنى الجمالية أو إلى سبيل الكفر المتعلق باليد اليسرى الجلالية فاختار بعضهم سبيل الشكر من مقتضى حقائقهم واستعداداتهم الأزلية واختار بعضهم سبيل الكفر من مقتضى حقائقهم وقابلياتهم الأزلية أيضاً كما قال هؤلاء أهل الجنة ولا أبالي وهؤلاء أهل النار ولا أبالي أي المدح والذم يتعلق بهم لأبي ولما ذكر الفريقين اتبعهما الوعيد والوعد فقال {إِنَّآ أَعْتَدْنَا} هيأنا في الآخرة فإن الاعتاد إعداد الشي حتى يكون عتيداً حاضرا متى احتيج إليه {لِلْكَـافِرِينَ} من أفراد الإنسان الذي هيناه السبيل {سَلَـاسِلا} بها يقادون إلى جهنم وفي "كشف الأسرار" اعتدنا للكافرين في جهنم سلاسل كل سلسلة سبعون ذراعاً وهو بغير تنوين في قراءة حفص وإما الوقف فبالألف تارة وبدونها أخرى وتسلسل الشيء اضطراب كأنه تصور
261
منه تسلسل وتردد فتردد لفظه تنبيه على تردد معناه ومنه السلسلة وفي "القاموس" السلسلة أي بالفتح إيصال الشيء بالشيء وبالكسر دائرة من حديد ونحوه {وَأَغْلَـالا} بها يقيدون إهانة وتعذيباً لا خوفاً من الفرار جمع غل بالضم وهو ما تطوق به الرقبة للتعذي وقدسبق في الحاقة مفصلاً {وَسَعِيرًا} ناراً بها يحرقون يعني وآتشى أفروخته كه دران يوسته بسوزند.
وإنمايجرون إلى جهنم بالسلاسل لعدم انقيادهم للحق ويحقرون أن يقيدوا بالأغلال لعدم تواضعهمويحرقون بالنار لعدم احتراقهم بنار الخوف من الله تعالى وفيه إشارة إلى أن الله تعالى أعد للمحجوبين عن الحق المشغولين بالخلق سلاسل التعلقات الظاهرة بحب الدنيا وطلبها وإغلال العوائق الباطنة بالرغبة إليها وفيا ونار جهنم البعد والطرد واللعن وتقديم وعيد الكافرين مع تأرهم في مقام الإجمال للجمع بينهما في الذكر ولأن الإنذار أهم وأنفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين أحسن على أن في وصفهم تفصيلاً ربما يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الكريم {إِنَّ الابْرَارَ} شروع في بيان حسن حال الشاركين أثر بيان سوء حال الكافرين وإيرادهم بعنوان البر للإشعار بما استحقوا به ما نالوه من الكرامة السنية والأبرار جمع بر كرب وأرباب أو جمع بار كشاهد وإشهاد وهو من يبر خالقه أي يطيعه يقال بررته أبره كعلمته وضربته وعن الحسن رحمه الله البر من لا يؤذي الذر ولا يضمر الشر كما قيل :
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
ولا تؤذ نمو إن أردت كمالكا
فإن لها نفسها تطيب كمالكا
(10/202)
وفي "المفردات البر" خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر أي التوسع يفعل الخير وبر العبد ربه توسع في طاعته ويشمل الاعتقاد والأعمال الفرائض والنوافل وقال سهل رحمه الله : الأبرار الذين فيهم خلق من أخلاق العشرة الذين وعدلهم النبي عليه السلام بالجنة قال عليه السلام : إنثلاثمائة وستين خلقاً من لقبه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة قال أبو بكر رضي الله عنه ، هل في منها يا رسول الله قال كلها فيك يا أبا بكر وأحبها إلى الله السخام {يَشْرَبُونَ} في الجنة والشرب تناول كل مائع ماء كان أو غاره قال يشربون ابتاء كالمطيعين أو انتهاء كالمعذبين من المؤمنين بحكم العدل {مِن كَأْسٍ} هي الزجاجة إذا كانت فيها خمر وتطلق على نفس المر أيضاً على طريق ذكر المحل وإرادة الحال وهو المراد هنا عند الاوكثر حتى روى عن الضحاك إنه قال كل كاس في القرآن فإنما عنى به الخمر فمن على الأول ابتدائية وعلى الثاني تبعيضية أو بيانية {كَانَ} بتكوين الله {مِزَاجُهَا} أي ما تمزج تلك الكأس به يقال مزج الشراب خلطه ومزاج البدن ويمازجه من الصفراء والسوداء والبلغم والدم والكيفيات المناسبة لكل منها {كَافُورًا} أي ماء كافور وهو اسم عين في الجنة في المقام المحمدي وكذا سائر العيون ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده دون طعمه وإلا فنفس الكافور لا يشرب ونظيره حتى إذا جعله ناراً أي كنار والكافور طيب معروف يطيب به الأكفان والأموات لحسن رائحته واشتقاقه من الكفر وهو الستر لأنه يغطي الأشياء برائحته وفي "القاموس"
262
الكافور طيب معروف يكون من شجر بجبال بحر الهند والصين يظل خلقاً كثيراً وتالفه النمورة وخشبه أبيض هش ويوجد في أجوافه الكافور وهو أنواع ولونها أحمر وإنما تبيض بالتصعد وعين في الجنة انتهى.
والجملة صفة كأس {عَيْنًا} بدل من كافوراً يعني : كافور شمه ايست.
والعين الجارية ويقال لمنبع الماء تشبيهاً بها في الهيئة وفي سيلان الماء فيها {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} صفة عين وعباد الله هنا الأبرار من المؤمنين لأن إضافة التكريم إلى اسمه الأعظم مختصة بالمؤمن في الغالب كالإضافة إلى كناية التكلم كقول يا عبادي لرعايتهم حق الربوبية فمن لم يراعه فكأنه ليس بعبد له أي يشربون با الخمر لكونها ممزوجة بها كما تقول شربت الماء بالعسل فيكون كناية عن قوتها في لذتها وعلى هذا فيه إشارة إلى أن المقربين الأقوياء يشربون شراب الكافور صرفاً غير ممزوج والظاهر يشرب منها فالباء بمعنى من فان حروف العوامل ينوب بعضها مناب بعض ونظيره قوله تعالى : [الأعراف : 57-6]{فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ} أي أزال من السحاب الماء صرح به الشيخ المكي رحمه الله في قوت القلوب يفجرونها تفجيراً} التفجير والتفجرة آب راندن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وفي "المفردات" الفجر شق الشيء شقاً واسعاً كفجر الإنسان السكر يقال فجرته فنفجر وفجرته فتفجر والمعنى يجرونها حيث شاؤوا من منازلهم كما يفيده باء التفعيل إذ التشديد للكثرة إجراء سهلاً لا تمنع عليهم بل تجري جرياً بقوة واندفاع لأن الأنهار منقادة لأهل الجنة كالأشجار وغيرها فتفجيراً مصدر مؤكد للفعل المتضمن معنى السهولة والجملة صفة أخرى لعينا.
وفي التأويلات النجمية : يشير بالأبرار إلى عباد الله المخلصين المخصوصين بفيض الاسم الأعظم الشامل للأسماء للذين سقاهم ربهم المتجلى لهم باسمه الباسط بكأس المحبة طهور شراب العشق الممزوج بكافور برد اليقين المفجر الجاري في أنهار أرواحهم وأسرارهم وقلوبهم من فرط الرحمة وشمول النعمة.
وقال القاشاني : إن الأبرار السعداء الذين برزوا عن حجاب الآثار والأفعال واحتجبوا بحجب الصفات غير واقفين معها بل متوجهين إلى عين الذات مع البقاء في عالم الصفات وهم المتوسطون في السلوك يشربون من كأس محبة حسن الصفات لا صرفاً بل كان في شرابهم مزج من لذة محبة الذات وهي العين الكافورية المفيدة للذة يرد اليقين وبياض النورية وتفريح القلب المخترق بحرارة الشوق وتقويته فإن للكافور خاصية التبريد والتفريح والبياض والكافور عين يشرب بها صرفة عباد الله الذين هم خاصته من أهل الوحدة الذتية المخصوص محبتهم يعين الذات دون العسفات لا يفرقون بين القهر واللطف والرفق والعنف والنعمة والبلاء والشدة والرخاء بل تستقر محبتهم مع الأضداد وتستمر لذتهم في النعماء والضراء والرحمة والزحمة كما قال أحدهم :
هواي له فرض تعطف أم جفا
ومشربه عذب تكدر أم صفا
وكلت إلى المحبوب أمري كله
فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا
وأما الأبرار فلما كانوا يحبون المنعم واللطيف والرحيم لم تبق محبتهم عند تجلى القهار
263
والمبتلى والمنتقم بحالها ولا لذتهم بل يكرهون ذلك يفجرونها تفجير لأنهم مابعها لا اثنينية ثمة ولا غيرية وإلا لم يكن كافور الظلمة حجاب الأنانية واثنينيته وسواده انتهى.
(10/203)
قال بعضهم : اختلفت أحوالهم في الدنيا فاختلفت مشاربهم في الآخرة فكل يسفي ما يليق بحاله كعيون الحياء وعيون الصبر وعيون الوفاء وغير ذلك ثم إن الكأس إما نفسانية شيطانية وهي ما تكون لأهل الفسق في الدنيا وهي حرام وفي الحديث : "إذا تناول العبد كأس الخمر ناشده الإيمان بالله لا تدخلها على فاني لا استقر أنا وهي في وعا واحد فإن أبى وشربها نفر الإيمان نفرة لا يعود إليه أربعين صباحاً فإن تاب تاب الله عليه ، ونقص من عقله شيء لا يعود إليه أبداً" وإما جسمانية رحمانية وهي ما تكون للمؤمنين في دار الآخرة عطاء ومنحة من الله الوهاب وإما روحانية ربانية وهي ما تكون لأهل المحبة والشوق في الدارين وهي ألذ الأقداح قال مولانا جلال الدين قدس سره :
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
ألا يا ساقيا إني نظمئان ومشتاق
ادر كأساً ولا تنكر فإن القوم قد ذاقوا
خذ الدنيا وما فيها فإن العشق يكفين
لنا في العشق جنات وبلدان وأسواق
{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} استئناف كأنه قيل ماذا يفلعون حتى ينالوا تلك الرتبة العالية فقيل يوفون بما أوجبوه على أنفسهم فكيف بما أوجبه الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها فهو مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات والإيفاء بالشيء هو الإتيان به تاماً وافياً والنذر إيجاب الفعل المباح على نفسه تعظيماً بأن يقولعلى كذا من الصدقة وغيرها وإن شفى مريضي أورد ائبي فعلى كذا واختلفوا فيما إذا علق ذلك بما ليس من وجوه البر كما إذا قال إن دخل فلان الدار فعلى كذا ففي الناس من جعله كاليمين ومنهم من جعله من باب النذور قيل النذر كالوعد إلا أنه إذا كان من العباد فهو قذر وإذا كان من الله فهو وعد والنذر قربة مشروعة ولا يصح إلا ي الطاعة وفي الحديث "من نذر أن يطيع الله فليطعمه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" قال هارون بن معروف جاءني فتى فقال إن أبي حلف علي بالطلاق أن أشرب دواء مع مسكر فذهبت به إلى أبي عبد الله فلم يرخص له وقال : قال عليه السلام : "كل مسكر حرام وإذا جمع الأطباء على أن شفاء المريض في الخمر لا يشربها إذا كان له دواء آخر وإذا لم يكن يشربها ويتداوى بها" في قول ثم إن الاهتمام بما أوجب الله على عبده ينبغي أن يكون أكمل مما أوجه العبد على نفسه ومن الناس من هو على عكس ذلك فإنه يتهاون بما أوجبه الله عليه فإن يؤدي الصلاة الواجبة مثلاً وإذا نذر شيئاً في بعض المضايقات يسارع إلى الوفاء وليس إلا من الجهل.
وقال القاشاني : أي الأبرار يوفون بلعهد الذي كان بينهم وبينصبيحة يوم الأزل بأنهم إذا وجدوا التمكن بالآلات والأسباب أبرزوا ما في مكامن استعداداتهم وغيوب فطرتهم من الحقائق والمعارف والعلوم والفضائل وأخرجوها إلى الفعل بالتزكية والتصفية {وَيَخَافُونَ يَوْمًا} أي يوم القيامة {كَانَ شَرُّهُ} أي هو له وشدته وعذابه {مُسْتَطِيرًا} فاشياً منتشراً في الأقطار غاية الانتشار بالغاً أقصى المبالغ.
يعني يهمه كس
264
بهمه جا رسيده.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
(10/204)
من الاستطار الحريق أي النار وكذا الفجر قال في "القاموس" المستطير الساطع المنتشر واستطار الفجر انتشر وهو أبلغ من طار بمنزلة استنفر من نفر وأطلق الشر على أهوال القيامة وشدائدها المنتشرة غاية الانتشار حتى ملأت السموات والأرض مع إنها عين حكمة وصواب لكونها مضرة بالنسبة إلى من تنزل عليه ولا يلزم من ذلك إن لا يكون خيره مستطيراً أيضاً فإن ليوم القيامة أموراً سارة كما إن له أموراً ضارة وقال سهل رحمه الله البلايا والشدائد عامة في الآخرة للعامة والملامة خاصة للخالصة ثم إن يوفون الخ بيان لأعمالهم وإتيانهم لجميع الواجبات وقوله ويخافون.
.
الخ.
بيان لنياتهم حيث اعتقدوا يوم البعث والجزاء فخافوا منه فإن الطاعات إنما تتم بالنيات وبمجموع هذين الأمرين سماهم الله بالأبرار قال بعض العارفين يشير إلى أرباب السلوك في طريق الحق وطلب حيث أوجبوا على أنفسهم أنواع الرياضات وأصناف المجاهدات وتركوا الرقاد وأهلكوا بالجوع الأجساد وأحرقوا بالعطش الأكباد وسدوا الأذان من استماع كلام الأغيار وأعموا أبصارهم عن رؤية غير المحبوب الحقيقي وختموا على القلوب عن محبة غير المطلوب الأزلي خوفوا أنفسهم من يوم تجلى صفة القهر والسخط باستيلاء الهيئات المظلمة على القلب وهو نهاية مبالغ الشر فاجتهدوا حتى خلصهم الله مما خافوا وأدخلهم في حرمه الآمن {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} أي كائنين على حب الطعام ولحاجة إليه ونحوه لن تالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون أو على حب الإطعام فيطعمون بطيب النفس فالضمير إلى مصدر الفعل كما في قوله تعالى : {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أو كائنين على حب الله أو إطعاماً كائناً على حبه تعالى وهو الأنسب لما سيأتي من قوله لوجه الله فالمصدر مضاف إلى المفعول والفاعل متروك أي على حبهمويجوز أن يضاف إلى الفاعل والمفعول متروك أي على حب الله الإطعام والطعام خلاف الشراب وقد يطلق على الشراب أيضاً لأن طعم الشءي ذوقه مأكولاً أو مشروباً والظاهر الخصوص وإن جاز العموم.
واعلم أن مجامع الطاعات محصورة في أمرين الطاعة لأمر الله وإليه الإشارة بقوله يوفون بالنذر والشفقة على خلق الله وإليه الإشارة بقوله ويطعمون الطعام فإن الطعام وهو جعل الغير ط ما كناية عن الإحسان إلى المحتاجين والمواساة معهم بأي وجه كان وإن لم يكن ذلك بالطعام بعينه إلا أن الإحسان بالطام لما كان أشرف أنواع الإحسان عبر عن جنس الإحسان باسم هذا النوع كما في حواشي ابن الشيخ وقال بعض أهل المرعفة أي يتجردون عن المنافع المالية ويزكون أنفسهم عن الرذائل خصوصاً عن الشح لكون محبة المال أكثف الحجب فيتصفون بفضيلة الإيثار وسد خلة الغير في حال إحتياجهم أو يزكون أنفسهم عن رذيلة الجهل فيطعمون الطعام الروحاني من الحكم والشرائع على حب الله من ذكر من قوله مسكيناً} فقيراً لا شيء له عاجزاً عن الكسب وبالفارسية درويش بي مايه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وقال القاشاني المسكين الدائم السكون إلى تراب البدن {وَيَتِيمًا} طفلاً لا أب له {وَأَسِيرًا} الأسر الشد بالقد سمى الأسير بذلك ثم قيل لكل
265
مأخوذ مقيد وإن لم يكن مشدوداً بذلك والمعنى وأسيراً مأخوذاً لا يملك لنفسه نصراً ولا حيلة أي أسير كان فإنه عليه السلام ، كان يونى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول أحسن إليه لأنه يجب الطعام الأسير الكافر والإحسان إليه في داراً للإسلام بما دون الواجبات عند عامة العلماء إلى أن يرى الامام رأيه فيه من قتل أو من أو فداء أو استرقاق فإن القتل في حال لا ينافي وجوب الإطعام في حال أخرى ولا يجب إذ عوقب بوجه إن يعاقب بوجه آخر ولذا لا يحسن فيمن يلزمه القصاص أن يفعل به غير القتل أو المعنى أسيراً مؤمناً فيدخل فيه المملوك عبداً أو أمة وكذا المسبحون.
يعني مسبون از أهل فقركه در حقي از حقوق مسلمين حبس كرده باشند.
وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الغريم أسيراً فقال غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك أي بلإمهال والوضع عنه بعضاً أو كلا وهو كل الإحسان وفي الحديث : "من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ضل إلا ظله" أي حماه من حرارة القيامة وقيل الزوجة من لإسراء في يد الأزواج لما قال عليه السلام : "اتقوا الله في النساء فإنن عواني عندكم والعاني الأسير" وفي "القاموس" العواني النساء لأنهن يظلمن فلا ينتصرن.
وقال القاشاني : الأسير المحبوس في أسر الطبيعة وقيود صفات النفس.
وفي التأويلات النجمية : ويطمعون طعام المعراف والحكم الإلهية المحبوبة لهم مسكين السر لقرب انقياده تحت حكم الروح وذلته تحت عزته ويتيم القلب لبعد عهده ومكانه من أبيه الروح وأسير الأعضاء والجوارح المقيدين بقيود أحكام الشريعة وحبال آثار الطريقة انتهى.
{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} جزاين نيست كه ميخو رانيم شمارا أي طعامها براي رضاي خدا.
(10/205)
على إردة قول هو في موقع الحال من فاعل يطعمون أي قائلين ذلك بلسان الحال أو بلسان المقال إزاحة لتوهم المن المبطل للصدقة وتوقع المكافأة المنقصة للأجر.
هره دهى مى ده ومنت منه
وآنه بمنت دهى آن خود مده
منت ومزدى كه در احسان بود
وقت جزا موجب نقصان بود
وعن الصديقة رضي الله عنها إنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل الرسول ما قالوا فإذا ذكر دعاءهم دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصاً عند الله والوجه الجارحة عر به عن الذات لكونه أشرف الأعضاء وقال بعضهم الوجه مجاز عن الرضى لأن الرضى معلوم في الوجه وكذا السخط {لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً} على ذلك بالماء والنفس والفرق بين الجاء والأجر أن الأجر ما يعود من ثواب العمى دنيوياً كان أو أخروياً ويقال فيما كان عن عقد وما يجري مجرى العقد ولا يقال إلا في النافع وإما الجزاء فيقال فيما كان عن عقد وغير عقد ويقال في النافع والضار والمجازاة المكافأة وهي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها {وَلا شُكُورًا} أي شكراً باللسان ومدحاً ودعاء وهو مصدر على وكن الدخول والجملة تقرير وتأكيد لما قبلها.
قال القاشاني : لا نريد مكم مكافأة وثناء لعدم الاحتجاب بالأعراض والأعواض.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وفي التأويلات النجمية لا نريد منم جزاء بالذكر الجميل في الدنيا ولا شكوراً عن عذاب الآخرة إذ كل عمل يعمله العامل لثواب الآخرة لا يكون لوجه الله بل يكن لحظ نفسه كما قال تعالى :
266
{فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَـالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّه أَحَدَا} وقال عليه السلام : حكاية عنالله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك في معي غيري تركته وشركه والحاصل إن معاملة العبد المخلص إنما هي مع الله فلا حق له على الغير فكيف يريد ذلك وفيه نصح لمن أراد النصيحة فإن الإطعام ونحوه حرام بملاحظة الغير وحظ النفس فيجب أن يكون خالصاً لوجه الله من غير شوب بالرياء وبحظ المنعم.
زعمر واى سر شم اجرت مدار
و درخانه زيد باشى بكار
إنا نخاف من ربن يوماً} أي عذاب يوم وهو مفعلو خاف فمن ربنا حال متقدمة منه ولو أخر لكان فة له أو مفعوله قوله ربنا بواسطة الحرف على ما هو الأصل في تعديه لأنه يقال خاف منه فيكون يوماً بدلاً م محله بدون تقدير بناء على التعدية بنفسه أو بتقدير نخاف آخر {عَبُوسًا} من قبيل إسناد الفعل إلى زمانه والمعنى تعبس فيه الوجوه.
يعني روزى كه رويها دروترش كردد ازشدت أهوال.
كما روى أن الكافر يعبس يومئذٍ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران والعبوس قطوب الوجه من ضيق الصدر أو معنى عبوساً يشبه الأسد العبوس في الشدة والضراوة أي السطوة والأقدام على إيصال الضرر بالعنف والحدة لكل من رآه فهو من المبالغة في لتشبيه فإن العبوس الأسد كالعباس {قَمْطَرِيرًا} شديد العبوس فلذلك نفعل بكم ما نفعل رجاء أن يقينا ربنا بذلك شره لا لإرادة مكافأتكم فقوله : {إِنَّا نَخَافُ} .
.
الخ.
من إنما نطعمكم الخ في معرض التعليل لإطعامهم يقال وجه قمطرير أي منقبض من شدة العبوس وفي الكشاف القمطرير العبوس الذي يجمع بين عينيه.
وازامام حسن بصري رحمه الله رسيدندكه قمطرير يست فرمودكه سبحان الله ما أشد اسمه وهو أشد من اسمه يعني ه سخت است اسم روزقيامت وأوسخت تراست از اسم خود فوقاهم الله شر ذلك اليوم} بسبب خوفهم وتحفظهم منه.
يعني نكاه داشت خداي تعالى ايشانرا از بدى ورنج وهول وعذاب آن روز.
فشر مفعول ثان لوقى المتعدى إلى اثنين وفي الحديث الصحيح قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه ثم أذ وانصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عيه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع م افيه ثم قال : لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله له أي بسبب خشيته وقوله لئن قدر الله بتخفيف الدال من القدرة أي لئن تعلقت قدرته يوم البعث بعذاب جسمه ظن المسكين إنه بالفناء على الوجه المذكور يلتحق بالمحال وقدرة الله لا تتعلق بالمحال فلا يلزم منه الكفر فجمع رماده من البر والبحر محمول على جمع أجزائه الأصلية يوم القيامة ويجوز أن يحمل على حال البرزخ فإن السؤال فيه للروح والجسد جميعاً على ما هو المذهب الحق {وَلَقَّـاـاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} أي أعطاهم بدل عبوس الفجار وحزنهم نضرة في الوجوه يعني تازكي وخوبرويى وسروراً في القلبو يعني شادي وفرح دردل فهما مفعولان ثانيان وفي تاج المصادر التلقية يزى يش كسى وا آوردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وفي "المفردات" لقيته كذا إذا استقبلته به قال تعالى : {وَلَقَّـاـاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاـاهُم} أعطى كل واحد
267
(10/206)
منهم بطريق الأجر والعوض {بِمَا صَبَرُوا} ما مصدرية أي بسب صبرهم على مشاق الطاعات ومهاجرة هوى النفس في اجتناب المحرمات وإيثار الأموال وفي الحديث : "الصبر أربعة الصبر على الصدمة الأولى وعلى أداء الفرائض وعلى اجتناب المحارم وعلى المصائب {جَنَّةُ} مفعول ثان لجزاهم أي بستاناً يأكلون منه ما شاؤوا {وَحَرِيرًا} يلبسونه ويتزينون به وبالفارسية وجامه إبريسم بهشت بوشند.
فالمراد بالجنة ليس دار السعادة المشتملة على جميع العطايا والكرامات وإلا لما احتيج إلى ذكر الحرير بعد ذكر الجنة بل البستان كما ذكرنا فذكرها لا يغني عن ذكر الملبس ثم إن البستان في مقابلة الإطعام والصبر على الجوع والحرير في مقابلة الصبر على العرى لأن إيثار الأموال يؤدي إلى الجوع والعرى وعن ابن عباس رضي الله عنهما إن احسن والحسين رضي الله عنهما مرضاً فعادهما النبي عليه السلام في ناس معه فقالوا لعلي رضي الله عنه لو نذرت على ولديك نذراً يعني اكر نذر كنى براميد عافيت وشفاي فرزندان مكر صواب باشد.
فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما رضي الله عنهما أن برئاً مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام تقربا إلى الله وطلبا لمرضاته وشكراً له فشفيا فصاموا وما معهم شيء يفطرون عليه فاستقرض على من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير وهو جمع صاع وهو أربعة أمداد كل مد رطل وثلث قال الداودي معياره الذي لا يختلف أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما إذ ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي عليه السلام فطحنت فاطمة رضي الله عنها ، صاعاً يعني فاطمه زهراً ازان جويك صاع بآسيا دست آرد كرد.
وخبزت خمسة أقراص على عددهم جمع قرص بمعنى الخبزة فوصعوا بين أيديهم وقت الإفطار ليفطروا به فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم يا أهل
268
بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطمكم الله من موائد الجنة فآثروه يعني حضرت علي رضي الله عنه ، نصيب خود بدان مسكين دادر سائر أهل بيت موافقت كردند يعني سخن درويش بسمع على رسيد روى فرا فاطمة كرد وكفت.
فاطم ذات المجد واليقين
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين
قد قام بالباب له حنين
يشكو إلى الله ويستكين
يشكو إلينا جائعاً حزين
فاطمة رضي الله عنها اورا جواب داد وكفت.
أمرك يا ابن عم سمع طاعة
ما بيّ من لؤم ولا ضراعه
أرجو إذا أشبعت ذا مجاعه
ألحق بالأخيار والجماعة
وأدخل الخلد ولي شفاعه
آنكه طعام يش نهاده بودند جمله بدرويش دادند وبركر سنكى صبر كردند.
وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياماً.
فاطمة رضي الله عنها ، صاعي ديكر وآرد كرد وأذان نان.
فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد يتيم من أولاد المهاجرين استشهدوا لدي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.
حضرت علي رضي الله عنه ون سخن آن يتيم شنيد روى فرا فاطمة كرد وكفت.
إني لأعطيه ولا أبالي
وأوثر الله على عيالي
أمسوا جياعا وهموا أشبالي
أصغرهم يقتل في القتال
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص269 حتى ص280 رقم28
فا ثروه يعني همنان طعام كه دريش بود جمله بيتيم دادند وخود كر سنه خفتند ديكر روز آن صاع كه مانده بود فاطمة رضي الله عنها آنرا آرد كرد وتان خت.
فلما أمسوا ووضعوا الطعام بينأيديهم وقف عليهم أسير فقال : السلام عليكم أهل بيت النبوة أسير من الأساري أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.
آن طعام باسير دادند وبجز آب نشيدند وسه روز بران بكذشت.
(10/207)
فلما أصبحوا في اليوم الرابع أخذ علي بيد الحسن والحسين رضي الله عنهم فأقبلوا على النبي صلى الله عليه وسلّم فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال عليه السلام ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم وقام فانطلق معهم فرأ فاطمة في محرابها قد التصق ظرها ببطها وغرات عيناها فساءه ذلك فنزل جبريل عليه السلام وقال خذ يا محمد هنأك الله في أهل بيتك فاقرأه السورة ولا يلزم من هذا أن يكون المراد من الأبرار أهل البيت فقط لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيدخل فيه غيرهم بحسب الاشتراك في العمل وقد ضعفت القصة بتضعيف الراوي إلا أنها مشهورة بين العلماء مسفورة في الكتب قال الحكيم الترمذي رحمه الله ، هذا حديث مفتعل لا يروج إلا على أحمق جاعل ورواه ابن الجوزي في الموضوعات وقال لا شك في وضعه ثم صحة الرواية تقتضي كون الآية مدنية لأن إنكاح رسول الله فاطمة عليا كان بعد وقعة أحد وقد قال الجمهور إن السورة مكية هكذا قالوا سامحهم الله تعالى قال المولى الفناري في تفسير الفاتحة نقلاً عن جمع من العلماء الكبار إن هل أتى على الإنسان من السور النازلة في المدينة وكذا قال مجاهد وقتادة مدنية إلا آية واحدة وهي ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً فإنها مكية وكذا قال الحسن وعكرمة والماوردي مدنية إلا قوله فاصبر لحكم ربك إلى الآخر فإنه مكي ودل على ذلك إن الأسير إنما كان في المدينة بعد آية القتال والأمر بالجهاد فضمت الآيات المكية إلى الآيات المدنية فإن شئت قلت إنها أي السورة مكية وإن شئت قلت إنها مدنية على أن الآيات المدنية في هذه السورة أكثر كمية من الآيات المكية فالظاهر أن تسمى مدنية لا مكية ونحن لا نشك في صحة القصة والله أعلم {مُّتَّكِـاِينَ فِيهَا} أي في الجنة {عَلَى الارَآاـاِكِ} بر تختهاى آراسته.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
قوله متكئين حال من هم في جزاهم والعامل فيها جزى قيد المجازاة بتلك الحال لأنها أرفه الأحوال فكان غيرها لا يدخل في الجزاء والأرائك هي السرور في الحجال تكون في الجنة من الدر والياقوت موضونة بقضبان الذهب والفضة وألوان الجواهر جمع أريكة كسفينة ولا تكون أريكة حتى تكون في حجلة وهي بالتحريك واحدة حجال العروس وهي بيت مزين بالثياب والستور
269
والطاهر أن على الأرائك متعلق بمتكئين لأن الاتكاء يتعدى بعلي أي مستقرين متمكنين على الأرائك كقوله : متكئين على فرش ولا يبعد أن يتعلق بمقدر ويكون حالاً من ضمير متكئين أي متكئين فيها على الوسائد أو غيرها مستقرين على الأرائك فيكون الاتكاء بمعنى الاعتماد {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا} أي حرارة ولا برودة كما يرون في الدنيا لأن الحرارة غالبة على أرض العرب والبرودة على أرض على أرض العجم والروم وهو حال ثانية من الضمير أي يمر عليهم هواء معتدل لا حار ولا بارد مؤذد يعني إن قوله لا يرون الخ كناية عن هذا المعنى والزمهرير شدة البرد وازمهر اليوم اشتد برده وفي الحديث : "هواء الجنة سجسج لا حرفيه ولا قراي معتدل لا حر فيه ولا برد فإن القر بالضم البرد وفي الخبر عن النبي عليه السلام إنه قال اشتكت النار إلى ربها فقالت : أكل بعضي بعضاً فنفسني فإذن لها في كل عام بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم وأشد ما تجدون من الحر من حرها وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه ال فبينما أهل الجنة في الجنة أذرأوا ضوأ كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان له فيقول أهل الجنة يا رضوان قال : ربنا عز وجل لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً فيقول لهم رضوان ليست هذه بشمس ولا قمر ولكن هذه فاطمة وعلي رضي الله عنهما ضحكاً ضحكاً أشرقت الجنان من نور ضحكهما وفيهما أنزل الله تعالى هلى أتى على الإنسان حين من الدهر إلى قوله وكان سعيكم مشكوراً.
قال القاشاني : لا يرون في جنة الذات شمس حرارة الشوق إليها مع الحرمان ولا زمهرير برودة الوقوف مع الأكوان فإن الوقوف مع الكون برد قاسر وثقل عاصر.
(10/208)
وفي التأويلات النجمية : لا يرون في جنة الوصال حر شمس المشاهدة المفني للمشاهد بحيث لا يجد لذة الشهود لأن سطوة المشاهدة تفنى المشاهد بالكلية فلا يجد لذة الشهود من المحبوب المعبود وإلى هذا المعنى أشار النبي عليه السلام في دعائه اللهم أرزقنا لذ هدتك لا زمهرير برد الحجاب والاستتار {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـالُهَا} عطف على ما قبلها حال مثلها والظلال جمع ظل بالكسر نقيض الضح وظلالها فعل دنية من الدنو بمعنى القرب إما بحسب الجانب أو بحسب السمك والضمير إلى الجنة أو أشجارها ومعناه إن ظلال الأشجار في الجنة قربت من الأبرار من جوانبهم حتى صارت الأشجار بمنزلة المظلة عليهم وإن كان لا شمس فيها مؤذية لتظلهم منها ففيه بيان لزيادة نعيمهم وكمال راحتهم فإن الظل في الدنيا للراحة {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا} أي سخرت ثمارها لمتناوليها وسهل أخذها للقائم والقاعد والمضطجع تمام التسخير والتسهيل من الذل بالكسر وهو ضد الصعوبة والجملة حال من دانية أي تدنو ظلالها عليهم مذللة لهم قطوفها أو معطوفة على دانية أي دانية عليهم ظلالها ومذللة قطوفها وهو جمع قطف بكسر القاف بمعنى العنقود وقطفت العنب قطعته وسمى العنقود قطعاً لأنه يقطف ويقطع وقت الإدراك {وَيُطَافُ} يدر من طاف بمعنى دار والطواف والإطافة كلاهما لازم بالفارسية كرد يزى بكشتن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وإنما جاء بالتعدية هنا من الباء في بآنية {عَلَيْهِمْ}
270
أي عى الأبرار إذا أرادوا الشرب والطائف الدائر هو الخدم كما يجيء {بِـاَانِيَةٍ} أوعية جمع إناء نحو كساء وأكسية والأواني جمع الجمع كما في "المفردات" وأصل آنية أءنية بهمزتين مثل أفعلة.
قال في بعض التفاسير الباء فيها إن كانت للتعدية فهي قائمة مقام الفاعل لأنها مفعول له معنى وإلا فالظاهر أن يكون القائم مقامه عليهم {مِن فِضَّةٍ} نسب لآنية {وَأَكْوَابٍ} جمع كوب وهو الكوز العظيم المدور الرأس لا أذن له ولا عروة فيسهل الشرب منه من كلم وضع ولا يحتاج عند التناول إلى إدارته وهو مستعمل الآن في بلاد العرب لما وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم وصف شرابهم وقدم عليه وصف الأاني التي يشرب بها وذكره بلفظ المجهول لأن المقصود ما يطاف به لا الطائفون ثم ذكر الطائفين بقوله ويطوف الخ {كَانَتْ قَوَارِيرَا} جمع قارورة بالفارسية آبكينه.
وفي "القاموس" القارورة ما قر فيه الشراب ونحوه {قَوَارِيرَا مِن فِضَّةٍ} أي تكونت وحدثت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها ولين الفضة وبياضها يرى ما في داخلها من خارجها فكان تامة وقوراير الأول حال من فاعل كانت على المبالغة في التشبه يعني ان القوراير إنما تتكون من الزجاج لا من الفضة فليس المعنى إنها قوراير زجاجية متخذة من الفضة بل الحكم عليها بأنها قوراير وإنها من فضة من باب التشبيه البليغ لأنها في نفسها ليست زجاجاً ولا فضة لما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه قال ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء فثبت أن آنية الجنة مباينة في الحقيقة لقارورة الدنيا وفضتها ولأن قارورة الدنيا سريعة الانكسار والهلاك وما في الجنة لا ي قبل ذلك وفضة الدنيا كثيفة الجوهر لا لطافة فيها وما في الجنة ليس كذلك وإن شارك كل واحد منهما الآخر في بعض الأوصاف فشبهت بالفضة في بياضها ونقائها وبقائها وبالقارورة في شفافيتها وصفائها فهي حقيقة مغايرة لهما جامعة لأوصافهما وذلك كاف في صحة إطلاق اسم القارورة والفضة عليها وعن ابن عباس رضي الله عنهم إن أرض الجنة من فضة وأوافي كل أرض تتخذ من تربه تلك الأرض ويستفاد من هذا الكلام وجه آخر لكون تلك الأكواب من فضة ومن قوارير وهو أن أصل القوراير في الدنيا الرمل وأصل قوارير الجنة هو فضة الجنة فكما إن الله قادر على أن يقلب الرمل الكثيف زجاجة صافية فكذلك قادر على أن يقلب فضة الجنة قارورة صافية بالغرض من ذكر هذه الآية التنبيه على أن نسبة قارورة الجنة إلى قارورة الدنيا كنسبة الفضة الرمل فكما إن لا نسبة بين هذين الأصلين فكذا بين القارورتين كذا في "حواشي ابن الشخ قال بعضهم لعل الوجه في اختيار كون كانت تامة مع إمكان جعلها ناقصة وقوارير الأول خبراً بتكوين الله فيكون فيه تفخيم للآنية بكونها أثر قدرة الله تعالى وقوارير الثاني بدل من الأول على سبيل الإيضاح والتبيين أي قوارير مخلوقة من فضة والملة صفة لأكواب وقرىء بتنوين قوارير الثاني أيضاً وقرئاً بغير تنوين وقرىء الثاني بالرفع على هي قوارير قال ابن الجزري وكلهم وقفوا عليه بالألف إلا حمزة وورشا وإنما صرفه من صرفه لأنه وقع في مصحف
271
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
(10/209)
الامام بالألف وإنما كتب في المصحف بالألف لأنه رأس آية فشابه القوا في والفواصل التي تزاد فيها الألف للوقف {قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} صفة لقوارير ومعنى تقدير الشاربين المطاف عليهم لها أنهم قدروها في أنفسهم وأرادوا أن تكون على مقادير وأشكال معينة موافقة لشهواتهم فجاءت حسبما قدروها فإن منتهى ما يريده الرجل في الآنية التي يشرب منها الصفاء فقد ذكره الله بقوله كانت قوراير وأيضاً النقاء فقد ذكره الله بقوله من فضة وأيضاً الشكل والمقادر فقد ذكره الله بقوله كانت قوارير وأيضاً النقاء فقد ذكره الله بقوله من فضة وأيضاً الشكل والمقدار فقد ذكره الله بقوله قدروها تقديراً أو قدروها بأعمالهم الحسنة فجاءت على حسبها وقبل الضمير للطائفين بها المدلول عليهم بقوله ويطاف عليهم أي قدروا شرابها على إضمار المضاف على قدر استروائهم وريهم من غير زيادة ولا نقصان وهو ألذ للشارب لكونه على مقدار حاجته فإن طرفي الاعتدال مذمومان كما قال مجاهد لا فيض فيها ولا غيض أي لا كثرة ولا قلة وقال الضحاك على قدر أكف الخدم {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا} أي في الجنة بسقي الله أو بسقي الطائفين بأمر الله وفيه زيادة تعظيم لهم ليست في قوله يشربون من كأس بصيغة المعلوم {كَأْسًا} خمراً {كَانَ مِزَاجُهَا} ما تمزج به خلط {زَنجَبِيلا} الزنجبيل عرق يسرى في الأرض ونباته كالقصب والبردى وعلم منه إن ما كان مزاجها زنجبيلاً غير ما كان مزاجها كافوراً والمعنى زنجبيلاً أي ماء يشبه الزنجبيل في الطعم وكان الشراب الممزج به أطيب ما يستطيب العرب وألذ ما تستلذ به لأنه يحذو اللسان ويهضم اطعام كما في عين المعاني ولما كان في تسمية تلك العين بالزنجبيل توهم إن ليس فيها سلاسة الانحدار في الحق وسهولة مشغهاكما هو مقتضى اللذع والإحراق أزال ذلك الوهم بقوله {عَيْنًا} بدل من زنجبيلا {فِيهَا تُسَمَّى} عند الملائكة من خازن الجنة وأتباعه {سَلْسَبِيلا} لسلاسة انحدارها ف الحلق وسهولة مساغها فكان العين سميت بصفاتها قال بعضهم : يطلق عليها ذلك وتوصف به لا أنه علم لها يعني سلسبيل صفة لا اسم وإلا لامتنع من الصرف للعلمية والتأنيث ولم يقرأ به واحد من العشرة ويقال إنما صرف مع إنه اسم عين وهي مأنث معنوي لرعاية رأس الآية قال في الكواشي : لفظ مفرد بوزن فعلليل كدردبس يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفئه ولذلك حكم بزيادة الباء أي بعدم التفاوت في المعنى بوجودها وعدمها وإلا فالباء ليست من حروف الزيادة وقيل زيدت الباء على السلسال حتى صارت كلمة خماسية للدلالة على اية السلاسة والحلاوة وقال ابن المبارك من طريق الإشارة معنى السلسبيل سل من الله إليه سبيلاً قال ابن الشيخ جعل الله مزاج شراب الأبرار أولاً كافوراً وثانياً زنجبيلاً لأن المقصود الأهم حال الدخول البرودة لهجوم العطش عليهم من حر العرصت وعبور الصراط وبعد استيفاء حظوظهم من أنواع نعيمها ومطعوماتها تميل طباعهم إلى الأشربة التي تهيج الاشتهاء وتعيين على تهيئة ما تناولوه من المطعومات ويلتذ الطبع بشربها فلعل الوجه في تأخير ذكر ما يمزج به الزنجبيل عما يمزج به الكافور ذلك.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وفي التأويلات النجمية : يشير بالزنجبيل إلى شراب الوحدة الممزوجة بزنجبيل الكثرة المعقولة من مفهوم التوحيد وبالسلسبيل إلى شراب الوحدة الصافية عن الامتزاج
272
بزنجيل الكثرة وسميت سلسبيلا لسلاسة انحدارها وذلك لبساطتها وصرافتها وقال القاشاني كان مزاجها زنجبيل لذة الاشتياق فإنهم لا شوق لهم ليكون شرابهم الزنجبيل الصرف الذي هو غاية حرارة الطلب لوصولهم ولكن لهم الاشتياق للسير في الصفت وامتناع حصولهم على جميعها فلا تصفو محبتهم من لذة حرارة الطلب كما صفت لذة محبة المستغرقين في عين جمع الذات فكان شرابهم اعين الكافورية الصرفة والزنجبيل عين في الجنة لكون حرارة الشوق عين المحبة لناشئة من منبع الوحدة مع الهجران تسمى سلسبيلا لسلاستها في الحلق وذوقها قال العشاق المهجورين الطالبين السالكنين سبيل الوصال في ذوق وسكر من حرارة عشقهم لا بفاس ب ذوق {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} أي يدور على الأبرار {وِلْدَانٌ} فإنهم أخف في الخدمة جمع وليد وهو من قرب عهده بالولادة {مُّخَلَّدُونَ} أي دائمون عى ما هم عليه من الطراوة والبهاء لا يتغيرون أبداً وبالفارسية وبخدمت مي كردد برايشان غلاماني جون كودكان نوزاد جاويد مانده درحال طفوليت أو مقربون يعني سران كوشاواره دار.
(10/210)
والخلد لقرط وفي التاج له من الخلد وهو الروح كأنهم روحانيون لا جسم لهم {إِذَا رَأَيْتَهُمْ} يا من شأنه الرؤية {حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا} جمعه اللألى وتلألأ الشيء لمع لمعان اللؤلؤ {مَّنثُورًا} متفرقاً لحسنهم وصفاء ألوانهم وإشراق وجوههم وتفرقهم في مجلس الخدمة عند اشتغالهم بأنواع لخدمة وطوافهم على المخدومين مسارعين في الخدمة ولو اصطفوا على وتيرة واحدة لشبهوا اللؤلؤ المفهوم واللؤلؤ إذا كان متفرقاً يكون أحسن في المنظر من المنظوم لوقوع شعاع بعضه عى بعض بغاية بياضه وبريقه فيكون مخالفاً للمجتمع فيه والظاهر على ما ذهب إليه البعض منثوراً أي متفرقاً في الجنة فهو أحسن من القيد بمجلس الخدمة وشبهت الحور العين باللؤلؤ المكنون أي المخزون لأنهن لا ينتشرن انتشار الولدان بل هن حور مقصورات في الخيام قال في عين المعاني وفيه إشارة إلى أن الاستمتاع بظواهرهم يكون بخلاف الحور المشبهة بالبيض لأنه يجمع بياض للون إلى لذة العلم انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
ومنه يعلم أن لا لواطة في الجنة وأن قول من جوزها مردود باطل على ما حققناه مراراً قال بعضهم : منثوراً من سلكه على البساط وعن المأمون إه ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل وهو على بساط منسوج بالذهب وقد نثرت عليه نساء دار الخلافة اللؤلؤ فنظر إليه منثوراً على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقالدرابي نواس كأنه أبصر هذا حيث يقول :
كان صغرى وكبرى من فقاقعها
حصباء در على أرض من الذهب
وقال بعضهم : منثوراً من صدفه يعني إنهم شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا أنثر من صدفه وهو غير مثقوب لأنه أحسن وأكثر ماء وبالفارسية مرواريد افشانده شده از صدف يعني تروتازه كه هنوز دست كس بدان نرسيده ودر رونق وآب داد شان قصورى يدا نشده.
قال في كشف الأسرار : ولدان مخلدون أي غلمان ينشئهم الله لخدمة المؤمنين انتهى.
فسمى الغلمان ولدانا لأنهم على وصرتهم على أر في إطلاقهم عليهم خطاباً بما يتعارفه الناس فلا يلزم ولادتهم في الجنة
273
وقال في عين المعاني : "قيل إنهم ولدان الكفار يدخلون الجنة خدماً لأهلها بدليل إنهم سموا ولدانا ولا ولادة في الجنة انتهى.
وفي اللباب اختلفوا في الولدان فقيل أنشأهم الله لأهل الجنة من غير ولادة لأن الجنة لا ولادة فيها وهم الذين قالفيهم ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون أي مخزون مصون لم تمسه الأيدي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ما من أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام وكل غلام على علم ما عليه صاحبه وروى أن الحسن رحمه الله ، لما تلا هذه الآية قال قالوا يا رسول الله الخادم كاللؤلؤ لمكنون فكيف المخدوم فقال فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وروى عن علي رضي الله عنه والحسن البصري رضي الله عنه إن الولدان هنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغاراً ولا حسنة لهم ولا سيئة لهم وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة وعن الحسن رحمه الله ، لم تكن لهم حسنات يجازون بها ولا سيئات يعاقبون عليها فوضعوا هذا الموضع انتهى.
كلام اللباب فالله تعالى قادر على أن يجعل أموات الكفار الذين لا يليقون بالخدمة في الدنيا لغاية صغرهم في مرتبة القابلية لها في الآخرة بكمال قدرته وتمام رحمته قال النووي الصحيح الذي ذهب إليه المحققون إنهم من أهل الجنة وقال الطيبي في شرح المشكاة الحق التوقف أي لا الحكم بأنهم من أهل الجنة كما ذهب إليه البعض ولا بأنهم تبع لآبائهم في النار كما ذهب إليه البعض الآخر فالمذاهب إذا فيهم ثلاثة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وفي التأويلات النجمية : ويطوف عليهم ولدان مخلدون أي تجليات ذاتية مقرضون بقرطة الأسماء والصفات إذا رأيتهم حسبنهم لؤلؤ منثوراً من تشعشع أنوار الذات وتلألؤ أنوار العسفات والأسماء {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} وون بنكرى ونظر كنى دربهشت.
قال في الإرشاد : ليس له مفعول ملفوظ ولا مقدر ولا منوي بل معناه أي مآل المعن أن بصرك أينما وقع في الجنة {رَأَيْتَ نَعِيمًا} كثيراً لا يوصف وهو ما يتنعم به {وَمُلْكًا كَبِيرًا} أي واسعاً وهينئاً كما في الحديث أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه والآية من باب الترقي والتعميم يعني أن هناك أموراً آخراً على وأعظم من القدر المذكور.
در فصول آمده كه نعيم راحت أشباح است وملك كبير لذات أوراح نعيم ملاحظه دارست وملك كبير مشاهده ديدار وداربي دبدار بهي كرنيابد الجبار ثم الدار زاهد إن فردوس ميحويند وما ديدار دوست.
وفي التأويلات النجمية : يعني إذا تحققت بمقام التوحيد وحال الوحدة وصلت إلى نعيم الشهود والملك المشهود والكبير في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله انتهى.
(10/211)
فيكون المراد بالملك الكبير في النديا هو الشهود الحاصل لأهل الجنة المعنوية والملك بالضم بالفارسية ادشهى ولا سلطنة فوق سلطنة المعرفة والرؤية قال في بعض التفاسير الملك بالضم هو التصرف في المأمورين بالأمر والنهي ومنه الملك وإما الملك بالكسر فهو التصرف في الأعيان المملوكة بحسب المشيئة ومنه المالك والأول جامع للثاني لأن كل ملك مالك ولا عكس {عَـالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ} عاليهم ظرف على أنه خبر مقدم وثياب مبتدأ مؤخر والجملة حال من ضمير عليهم أي يطوف عليهم ولدان عالياً للمعطوف عليهم ثياب.
.
الخ.
أي فوقهم
274
وعلى ظهورهم ثياب سندس وهو الديباج الرقيق الفاخر الحسن وإضافة الثياب إلى السندس كإضافة الخاتم إلى الفضة وبالفارسية بربهشتيان يعني لباس زبرين ايشان جامهاى ديابى نازك.
ولميرض الزجاج بكون عاليهم نصباً على الظرف بمعنى فوقهم لأنه لم يعرف في الظروف وخضر جمع أخضر صفة ثياب كقوله ويلبسون ثياباً خضراً فالضمير للأبرار المطوف عليهم لأن المقام مقام تعداد نعيمهم وكرامتهم فالمناسب أن تكون الثياب الموصوفة لهم لا للولدان الطائفين وعن الامام أن المراد فوق خيامهم المضروبة عليهم والمعنى إن حجالهم من الحرير والديباج وهذا من علامات الملك {وَإِسْتَبْرَقٍ} بالرفع عطفاً على ثياب بحذف المضاف أي ثياب استبرق وهو معرب استبره.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
بمعنى الغليظ سبق بيانه في سورة الرحمن وهو بقطع الهمزة لكونه اسماً للديباج الغليظ الذي له بريق {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ} عطف على ويطوف عليهم وهو ماض لفظاً ومستقبل معنى وأساور مفعول ثان لحلوا بمعنى ويحلون والتجليد التزيين بالحلى وبالفارسية بأحلى زيور كردن.
وفيه تعظيم لهم بالنسبة إلى أن يقال وتحلوا وأساور جمع أسورة في جمع سوار وسوار المرأة أصله دستواره وكان الملوك في الزمان الأول ينحلون بها ويسوران من يكرمونه ولا ينافي هذه الآية ما في الكهف والحج من قوله من أساور من ذهب لإمكان الجمع بين السوار الذهب والسورا الفضة في أيديهم كما تجمع نساء الدنيا بين أنواع الحلى وما أحسن المعصم إذ يكون فيه سوار إن من جنسين وزيادة كالذهب والفضة واللؤلؤ وأيضاً لإمكان المعاقبة في الأوقات تارة يلبسون الذهب وأخرى يلبسون الفضة وأيضاً لإمكان التبعيض بأن يكون البعض ذهباً والبعض فضة فإن حلى أهل الجنة يختلف حسب اختلاف أعمالهم فللمقربين الذهب وللأبرار الفضة وأيضاً يعي كل أحد ما يرغب فيه ويميل طبعه إليه فإن الطباع مختلفة فرب إنسان يكون استحسانه لبياض الفضة فوق استحسانه صفرة الذهب {وَسَقَـاـاهُمْ} بياشاماند ايشانرا {رَبُّهُمْ شَرَابًا} هو ما يشرب {طَهُورًا} هذا الشراب الطهور نوع آخر يفوق النوعين السالفين كما يرشد إليه إسناد سقيه إلى رب العالمين وصفه بالهطورية لأنه يطهر باطنهم عن الأخلاق الذميمة والأشياء المؤذية كالغش والغل والحسد وينزع ما كان في أجوافهم من قذر وأذى وبه تحصل الصفوة المهيئة لانعكاس نور الجمال الإلهي في قلوبهم وهي الغاية القاصية من منازل الصديقين فلذا ختم بها مقالة ثواب الأبرار فالطهور بمعنى المطهر صيغة اسم الفاعل وقيل مبالغة الطاهر من حيث إنه ليس ينجس كخمر الدنيا وما مسته الأيدي القذرة والأقدم الدنسة ولا يؤول إلى أن يكون نجساً بل يرشح عرقاً من أبدانهم له ريح كريح المسك.
(قال الكاشفي) : يبايد دانست كه جوى كوثر دريهشت خاصه حضرت رسالت است وذكر آن درسوره كوثر خواهد آمد وهار جوى ديكر ازان مقتيانست آب وشير وخمر وعسل وشمه از صفات اودر سوره محمد مرقوم رقم بيان شد ودو شمه ازان ل خشيت است فيهما عينان تجريان ودو شمه ازان أهل يمين است فيهما عينان نضاختان واين هار شمه درسورة الرحمن آمد ديكر شمه رحيق ازان ابرارست وجشمه تسنيم ازان مقربان واين هردود رسوره مطففين مذكورند
275
ودوشمه ازان أهل بيت است كافور وزنجبيل كه آنرا سلسبيل خوانند وشراب طهور نيز از ايشانست ومحققان آنرا شراب شهود كوبندكه مرآت دل نوشنده را بلوامع أنوار قدم روشن ساخته ذير اي نقوش عكوس ازل وابد كرداند ووقت وحال اورا نان صافي سازدكه مطلقاً شوائب غيريه در مشارع وحدت نماند ورنك دوكانكى مدل كر دانيده جام مدامرا يك رنك سازد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
همه جامست ونيست كويى مى
يا مدامست ونيست كويى جام
عارفي كفته اكر فردا بزم نشينان دار بقارا براي آنكه سرور شراب طهور خواهند شانيد امروز باده نوشان خمخانه افضال را بنقدازان نصيبي تام داره اند.
ازسقاهم ربهم بين جمله ابرارمست
در جمال لا يزالي هفت ونج وارمست
أي جوانمرد شراب آن شرابست كه دست غيب دهدد رجام دل ريزد وعارف اورانوش كند قومي را شراب مست كرد وقومي راديدار.
وأسكر القوم دور كأس
وكان سكرى من المدير
(10/212)
بزركى را بخواب نمودندكه معروف كرى رحمه الله كرد عرش طراف مي كردورب العزة فرشتكا نرامى كفت اورا شناسيد كفتندنه كفت معروف كرخى است بمهر ما مست شده تاديده اوبرمانيايد هشيار نكرددهراكرا امروز شراب محبت نيست فردا اورا شراب طهور نيست.
قال بعضهم صليت خلف سهل بن عبد الله العتمة فيقرأ قوله تعالى : {وَسَقَـاـاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} فجعل يحرك فمه كأنه يمص فلما فرغ من صلاته قيل له أتقرأ أم تشرب قال : والله لو لم أجد لذته عند قراءته كلذتي عند شربه ما قرأته.
وفي التأويلات النجمية : قوله عاليهم الخ يشير إلى اتصاف أهل لجنة بملابس الصفات الإلهية والأخلاق الربانية من خضر أي من لصفات الذاتية واستبرق أي من الصفات الإسمائية وإلى تحليهم بحلى أساور الأسماء الذاتية والصفاتية الزاهرة لباهرة وساقهم ربهم بكأس الربوبية والتربية شراب المحبا الذتية الطاهرة عن شوب كدورة رقبة الأغيار إن هذا} على إضمار القول أي يقال لهم إن هذا الذي ترونه من فنون الكرامات ويجوز أن يكور خطاباً من الله في الدنيا للأبرار أي إن هذا الذي ذكر من أنواع العطايا {كَانَ لَكُمْ جَزَآءً} عوضاً بمقابلة أعمالكم الحسنة فإن قيل كيف يكون جزاء لأعمالهم وهي مخلوقةعند أهل السنة وأجيب بأنها لهم كسباً عندهم ولله خلفاً {وَكَانَ سَعْيُكُم} وهست شتافتن شمادركار خيرد ردنيا {مَّشْكُورًا} مرضياً مقبولاً مقابلاً بالثوب لخلوص نيتكم فيزداد بذلك فرحمه وسرورهم كما إن المعاقب يزداد غمه إذا قيل له هذا جزاء عملك الرديء فلشكر مجاز عن هذا المعنى تشبيهاً له بالشكر من حيث إنا مقابل للعمل كما إن الشكر مقابل للنعم قال بعضهم : أدنى الدرجات أن يكون العبد راضياً عن ربه وإليه
276
الإشارة بقوله كان لكم جزاء وأعلاها كونه مرضياً له وإليه الإشارة بقوله كان سعيكم مشكوراً ولما كان كونه مرضياً أعلى الدرجات ختم به ذكر مراتب الأبرار.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وفي التأويلات النجمية : إن هذا كان لكم جزاء لاقتضاء استعدادتكم الفطرية وكان سعيكم مشكوراً غير مضيع بسبب الرياء والسمعة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ تَنزِيلا} أي مفرقاً منجماً لحكم بالغة مقتضية له لا غير كما يعرف عنه تكرير الضمير مع أن فكأنه تعالى يقول إن هؤلاء الكفار يقولون إن ذلك كهانة وسحر فإنا الملك الحق أقول على سبيل التأكيد إن ذلك وحي حق وتنزيل صدق من عندي فلا تكترث بطعنهم فإنك أتت النبي الصادق المصدق {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} بتأخير نصرك على الكافرين فإن له عاقبة حميدة ولا تستعجل في أمر المقابلة والانتقام فإن الأمور مرهونة بأوقاتها وكل آت قريب {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ} أي من الكفار {ءَاثِمًا أَوْ كَفُورًا} أو لأحد الشيئين والتسوية بينهما فإذا قلت في الإثبات جالس الحسن أو ابن سيرين كان المعنى جالس أحدهما فكذا إذ قلت في النهي لا تكلم زيداً أو عمراً كان التقدير لا تكلم أحدهما والأحد عام لكل واحد منهما فهو في المعنى لأتكلم واحدا منهما فمآل المعنى في الآية ولا تطع كل واحد من مرتكب الإثك الداعي لك إليه ومن الغالي في الكفر الداعي إليه فاو للإباحة أي للدلالة على أنهما بيان في استحقاق العصيان أي عصان المخاطب للداعي إليهما والاستقلال به والتقسم إلى الآثم والكفور مع إن الداعين بجمعهم الكفر باعتبار ما يدعونه إليه من الإثم والكفر لا باعتبار انقسامهم في أنفسهم إلى الآثم والكفور لأنهم كانوا كفرة والكفر أخبث أنواع الإثم فلا معنى للقسمة بحسب نفس كفرهم وآثمهم وذلك إن ترتب النهي على الوصفين مشعر بعليتهما له فلا بد أن يكون النهي عن الإطاعة في الاسم والكفر لا فيما ليس بإثم ولا كفر فالمراد بالإثم ا عدا الكفر إذ العام إذا قوبل بالخاص يراد به ما عدا ذلك الخاص وخص الكفر بالذكر تنبيهاً على غاية خبثه من بين أنواع الإثم فكل كفور آثم وليس كل آثم كفوراً ولا بعد أن يراد بالآثم من هو تابع وبالكفور من هو متبوع.
(وقال الكاشفي) : آثماً كناهكارى راكه تراباً ثم خواند ون عتبة بن ربيعة كه كفت ازدعوت خود باز ايست تادختر خودار بتودهم أو كفورا وناساسي ركه ترا بكفر دعوت كندون وليد بن مغيره كه كفت بدين أباء رجوع كن تاترا توانكر سازم.
(10/213)
وفي نهيه عليه السلام عن الإطاعة فيما يدعونه إليه مع إنه ما كان يطيع أحداً منهم ولا يتصور في حقه ذلك إشارة إلى أن الناس محتاجون إلى مواصلة التنبيه والإرشاد من حيث إن طبيعتهم التي جبلوا عليها ركب فيها الشهوة الداعية إلى السهو والغفلة وإن أحداً لو استغنى عن توفيق الله وإمداده وإرشاده لكان أحق الناس به هو الرسول المعصوم فظهر إنه لا بد لكل مسلم أن يرغب إلى الله ويتضرع إليه أن يحفظه من الفتن والآفات في جميع أموره وقال القاشاني : ولا تطع منهم آثماً أي محتجباً بالصفات والأحوال أو بذاته عن الذات أو بصفات نفسه وهيئاتها عن الصفات أو كفوراً محتجباً بالأفعال والآثار واقفاً معها أو بأفعاله ومكسوباته عن الأفعال فتحجب بموافقتهم انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
عصمنا الله وإياكم من موفقة الأعداء مطلقاً {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً} أول النهار {وَأَصِيلا}
277
أي عشياً وهو آخر النهار أي وداوم على ذكره في جميع الأوقات فاريد بقوله بكرة وأصيلاً الدوام لأنه عليه السلام ، كان آتياً ينفس الذكر المأمور به وانتصابهما على الظرفية أو دم على صلاة الفجر والظهر والعصر فإن لأصل كما يطلق على ما بعد العصر إلى المغرب فكذا يطلق على ما بعد الزوال فيتناول وقتي الظهر والعصر وقال سعدي المفتي التأويل بالدوام إنما يحتاج إليه لو ثبتت فرضة الصلوات الخمس قبل نزولها والظاهر إنه كذلك فإنها فرضت ليلة المعراج.
يقول الفقير : وفيه إن الصلوات الخمس وإن فرضت ليلة المعراج إلا إن المعراج كان قبل الهجرة بسنة والتأريخ في نزول الآية مجهول أهي نازلة قبل المعراج أم بعده فإن كان الثاني ثبت مطلوبه وإلا فلا.
قال القاشاني : واذكر ذلك الذي هو الاسم الأعظم من أسمائه بالقيام بحقوقه وإظهار كمالاته في المبدأ والمنتهي بالصفات الفطرية من وقت طلوع النور الإلهي بإيجادها في الأزل وإيداع كمالاته فيها وغروبه بتعينها واحتجابه بها وإظهارها مع كمالاتها {وَمِنَ الَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} وفي بعض اليل فصل له ولعله صلاة المغرب والعشاء.
س معنى نين باشدكه بربنج نماز مداومت نماي.
وتقديم الظرف للاهتمام لما في صلاة الليل من مزيد كلفة وخلوص وأفضل الأعمال أشقها وأخلصها من الرياء فاستحقت الاهتمام بشأنها وقدم وقتها لذلك ثم الفاء لإفادة معنى الشرط كأنه قال مهما يكن من شيء فاسجد له ففيها وكادة أخرى لأمرها.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وفي التأويلات النجمية : واعبد ربك المطلق حق العبودية بالفناء فيه من ليل طبيعتك وغلس بشريتك إذ السجود صورة الفناء الذاتي والركوع صورة الفناء الصفاتي والقيام صورة الفناء الأفعالي فافهم بعض أسرار الصلاة {وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا} أي صل صلاة التهجد لأنه كان واجباً عليه في طائفة طويلة من الليل ثلثيه أو نصفه أو ثلثه فقوله ليلاً طويلاً نصب على الظرفية فإن قلت انتصاب ليلاً على الظرفية وطويلاً نعت له ومعناه سبحه في الليل الطويل فمن أين يفهم ما ذكرت من المعنى قلت ظاهر أن توصيف الليل بالول ليس للاحتراز عن القصير فإن الأمر بالتهجد يتناوله أيضاً فهو لتطويل زمان التسبيح وفي التعبير في التهجد بالتسبيح وتأخير ظرفه دلالة على إنه ليس في مرتبة ما قبله {إِنَّ هَـاؤُلاءِ} أي كفار مكة عاد إلى شرح أحوال الكفار بعد شرح صدره عليه السلام بما ذكر من قوله إنا نحن الخ {يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} دوست ميدارند سراي شتا بنده را يعني نيارا وينهمكون في لذاتها الفانية فهو الحامل لهم على الكفر والأعراض عن الاتباع لا اشتباه الخف عليهم {وَيَذَرُونَ} يتركون {وَرَآءَهُم} أي أمامهم لا يستعدون فهو حال من يوماً أو ينبذون وراء ظهورهم فهو ظرف ليذرون فوراء يستعمل في كل من أمام وخلف والظاهر في وجه الاستعمالين إن وراء اسم للجهة المتوارية أي المستترة المختفية عنك واستتار جهة الخلف عنك ظاهر وما في جهة الامام قد يكون متوارياً عنك غير مشاهد ومعاين لك فيشبه جهة الخلف في ذلك فيستعار له اسم الوراء {يَوْمًا ثَقِيلا} لا يعبأون به ويوماً مفعول بذرون وثقيلاً صفته ووصفه بالثقل مع إنه من صفات الأعيان الجسمية لا الامتدادات الوهمية لتشبيه شدته
278
وهو له بثقل الحمل الثقيل ففيه استعارة تخييلية وفي الآية وعيد لأهل الدنيا ونعيمها خصوصاً لأهل الظلم والرشوة {نَحْنُ} لا غيرنا {خَلَقْنَـاهُم} من نطفة {وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ} أي أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصابليتمكنوا بذلك من القيام والقعود والأخذ والدفع والحركة وحق الخالق المنعم أن يشكر ولا يكفر ففيه ترغيب والأسر الربط ومنه أسر الرجل إذا أوثق بالقد وقدر المضاف وهو المفاصل.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وفي كشف الأسرار) وآفرينش سان سخت بستيم تا آفرينش واندامان برجاي بود.
(10/214)
فمعناه شددنا خلقهم وقال الراغب : إشرة إلى الحكمة في تركيب الإنسان المأمور بتدبرها وتأملها في قوله وفي أنفسكم أفلا تبصرون وقيل وشددنا مخرج البول والغائط إذا خرج الأذى انقبض أو معناه إنه لا يسترخي قب الإرادة {وَإِذَا شِئْنَا} تبديلهم {بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ} أي بدلناهم بأمثالهم بعد إهلاكهم والتبديل يتعدى إلى مفعولين غالباً كقوله تعالى : يبدل الله سيئاتهم حسنات يعني يذهب بها ويأتي بدلها بحسنات {تَبْدِيلا} بديعاً لا ريب فيه وهو البعث كما ينبىء عنه كلمة إذا فالمثلثة في النشأة الأخرى ءٌّما هي في شدة الأسر وباعتبار الأجزاء الأصلية ولا ينافيها الغيرية بحسب العوارض كاللطافة والكثافة وبالفارسية وون خواستيم بدل كنيم ايشانرا بامثال ايشان در خلقت يعني ايشانرا بميرانيم ودر نشأت ثانيه بمانند همين صورت وهيأت مز آريم.
والمعنى وإذا شئنا بدلنا غيرهم ممن يطيع كقوله تعالى : [محمد : 38]{وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} ففيه ترهيب فالمثلثة باعتبار الصورة ولا ينافيها الغيرية باعتبار العمل والطاعة وإذا للدلالة على تحقق القدرة وقوة الداعية وإلا فالمناسب كلمة أن إذ لا تحقق لهذا التبديل.
قال القاشاني : نحن خلقناهم بتعيين استعداداتهم قويناهم باميثاق الأزلي والاتصال الحقيقي وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً بأن نسلب أفعالهم بأفعالنا ونمحو صفاتهم بصفاتنا ونفني ذواتهم بذاتنا فيكونوا أبدالاً إن هذه تذكرة} إشارة إلى السورة أو لآيات القريبة أي عظة مذكرة لما لا بد منه في تحصيل السعادة الأبدية جعلت عين التذكرة مبالغة وفي عين المعاني تذكرة أي أذكار بما غفلت عنه عقولهم.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
وقال الكاشفي) : يا معالمه أهل بيت در بذل وإيثار عبر تيست مؤمناً نراتا بمثل آن عمل كنند واز مثل اين جزاها بهره يابند {فَمَنْ} س هركه {شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّه سَبِيلا} أي فمن شاء أن يتخذ إليه تعالى سبيلاً أي وسيلة توصله إلى ثوابه اتخذه أي تقرب إله بالعمل بما في تضاعيفها وقال ابن الشيخ فمن شاء النجاة من ثقل ذلك اليوم وشدته اختار سبيلاً مقربً إلى مرضاة ربه وهو الطاعة {وَمَا تَشَآءُونَ إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ} تحقيق للحق وببيان أن مجرد مشيئتهم غير كافية في اتخاذ السبيل كما هو المفهوم من ظاهر الشرطية وإن مع الفعل في حكم المصدر الصريح في قيامه مقام الظرف والمعنى وما تشاؤون اتخاذ السبيل ولا تقدرون على تحصيله في وقت من الأوقات إلا وقت مشيئته تعالى تحصيله لكم إذ لا دخل لمشيئته العبد إلا في الكسب وإنما التأثير والخلق لمشيئة الله تعالى غاية ما في الباب إن المشيئة ليست من الأفعال الاختيارية للعبد بل هي متوقفة على أن يشاء الله إياها وذلك لا ينافي كون الفعل الذي تعلقت به مشيئة العبد
279
اختيارياً له واقعاً بمشيئته وإن لم تكن مشيئته مستقلة فيه وهو وهو الجبر المتوسط الذي يقول به أهل السنة ويقولون الأمر بين الأمرين أي بين القدر والجبر قال في عين المعاني ، قوله تعالى : [المزمل : 19-11]{فَمَن شَآءَ} .
.
الخ حجة تكليف العبودية وقوله تعالى : وما تشاؤون.
.
الخ إظهار قهر الألوهية إن الله كان عليماً حكيماً} بيان لكون مشيئته تعالى مبنية على أساس العلم والحكمة والمعنى إنه تعالى مبالغ في العلم والحكمة فيفعل ما يستأهله كل أحد فلا يشاء لهم إلا ما يستدعيه علمه وتقتضيه حكمته.
قال القاشاني : وما تشاؤون إلا بمشيئتي بأن أريد فتريدون فتكون إرادتكم مسبوقة بإراداتي بل عين إرادتي الظاهرة في مظاهرهم إن الله كان عليماً بما أودع فيم من العلوم حكيماً بكيفيته إيداعها وإبرازها فيهم بإظهار كمالهم {يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِ} بيان لأحكام مشيئته امرتبة على علمه وحكمته أي يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها وهو الذي يصرف مشئته نحو اتخاذ السبيل إليه تعالى حيث يوفقه لما يؤدي إلى دخول الجنة من الإيمان والطاعة {وَالظَّالِمِينَ} وهم الذين ضربوا مشيئتهم إلى خلاف ما ذكر {أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمَا} أي متناهياً في الإيلام قال الزجاج نصب الظالمين لأن ما قبله منصوب أي يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين ويكون أعدلهم تفسيراً لهذا المضمر وفي الآية إشارة إلى إدخال الله بعض عباده في رحمة معرفته وإما بعض عباده وهم الظالمون الواضعون الضلالة في مقام الهداية والجهالة في مقام المعرفة فإن الله أعدلهم عذاب الحجاب المؤلم للروح والجسم وأيضاً عذاباً بالوقوف على الرب لوقوفهم مع الغير ثم على النار لوقوفهم مع الآثار وختم الله السورة بالعذاب المعد يوم البعث والحشر ففيه حسن الخاتمة لموافقته الفاتحة على ما لا يخفى على أهل النفر والفهم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 258
تفسير سورة المرسلات
خمسون آية مكية استثنى منها وإذا قيل لهم اركعوا الآية
جزء : 10 رقم الصفحة : 279(10/215)
{وَالْمُرْسَلَـاتِ عُرْفًا * فَالْعَـاصِفَـاتِ عَصْفًا * وَالنَّـاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَـارِقَـاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَـاتِ ذِكْرًا} ،
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
الواو للقسم والمرسلات بمعنى الطوائ المرسلات جمع مرسلة بمعنى طائفة مرسلة باعتبار إن ملائكة كل يوم أو كل عام أو ك حادثة طائفة وعرفاً بمعنى متتابعة من عرف الفرس وهو الشعرات المتتابعة فوق عنقه فهو من باب الشتبيه البليغ بأن شبهت الملائكة المرسلون في تتابعهم بشعر عرف الفرس وانتصابه على الحالية إن جاريات بعضها أثر بعض كعرف الفرس أو العرف بمعنى المعروف والإحسان نقيض النكر بمعنى النمكر أي الشيء القبيح فإنهم إن أرسلوا لرحمة فظاهر وإن أرسلوا لعذاب الكفار فذلك معروف للأنبياء والمؤمنين يعني إن عذاب الأعداء إحسان للأولياء فانتصابه على العلية وعصفت الريح اشتدت وعصفا مصدر مؤكد وكذا نشراً وفرقاً والفاء للدلة على اتصال سرعة جريهن في نزولهن
280
وهبوطهن بالإرسال من غير مهلة وهي لعطف الصفة على الصفة إذا لموصوف متحد والنشر بمعنى البسط والعدول إلى الواو في الناشرات لأنها غير المرسلات فالقسم الأول وصفهم الله بوصفين يتعقب أحدهما على الآخر والقسم الثاني وصفهمبثلاثة أصواف كذلك والفرق الفصل والإلقاء هنا بمعنى الإيصال والإنزال لا الطرح وذكرا بمعنى الوحي مفعول الملقيات وترتيب الإلقاء على ما قبله بالفاء ينبغي أن يكون لتأويله بإرادة النشر والفرق وسيأتي تمامه اقسم الله بطوائف من الملائكة أرسلهن بأوامره بنحو التدبير وإيصال الأرزاق بالتصرف في الإطار والرياح وكتابة مال العباد بالليل والنهار وقبض الأرواح فعصفهن في مضيهن يعني سخت رفتند.
عصف الرياح مسارعة في الامتثال بالأمر وبطوائف أخرى نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي أو نشرت الشرائع في الأقطار أي فرقن واشعن أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل أي أحيين بما أو حين ففرقن بين الحق والباطل فألقين ذكراً إلى الأنبياء {عُذْرًا} لأهل الحق أي معذرة لهم في الدنيا والآخرة لاتباعهم الحق {أَوْ نُذْرًا} لأهل الباطل لعدم أتبعهم الحق وعذراً مصدر من عذر إذ محا الإساءة ونذراً اسم مصدر من أنذر إذا خوف لا مصدر لأنه لم يسمع فعل مصدراً من أفعل وانتصابهما على البدلية من ذكراً قال ابن الشيخ : إن كان الذكر المبدل منه بمعنى جميع الوحي يكون عذراً أو نذراً بدل البعض من الكل فإن ما يتعلق بمغفرة المطيعين وتخويف المعاندين بعض من جملة الوحي وإن أريد بالذكر المبدل منه ما يتعلق بسعادة المؤمن وشقاوة الكافر خاصة كيون بدل الكل من الكل فإن إلقاء ما يتعلق بسعادة المؤمن متحد بالذات مع القاء عذره نحو إساءته وكذا إلقاء ما يتعلق بشقاوة الكافر متحد مع إلقاء إنذاره عى كفره انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
أو انتصابهما على العلية لصفات المذكورة أو للأخيرة وحدها وهو الأولى بمعنى فاللاتي ألقين ذكراً لمحو ذنوب المعتذرين إلى الله بالتوبة والاستغفار ولتخويف المبطلين المصرين وفي كشف الأسرار لأجل الأعذار من الله إلى خلقه لئلا يكون لأحد حجة فيقول لما يأتني رسول ولأجل إنذارهم من عذاب الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما فيقوله عذراً أو نذراً قال : يقول الله يا ابن آدم إنما أمرضكم لا ذكركم وامحص به ذنوبكم واكفر به خطاياكم وربكم اعلم إن ذلك المرض يشتد عليكم وأنا في ذلك معتذر إليكم قال بعضهم : المعنى ورب المرسلات.
.
الخ.
وفي "الإرشاد" لعل تقديم نشر الشرائع ونشر النفوس والفرق على الإلقاء أي مع إن الظاهر إن الفرق بين الحق الباطل يكون مع النشر لا بعده وإن إلقاء الذكر إلى الأنبياء متقدم على نشر الشرائع في الأرض وإحياء النفوس الموتى والفرق بين الحق والباطل ف يظهر التعقيب بينهما للإيذان بكونها غاية للإلقاء حقيقة بالاعتناء بها أو للإشعار بأن كلا من الأوصاف المذكورة مستقل بالدلالة على استحقاق الطوائف الموصوفة بها للتفخيم والإجلال بالأقسام بهن ولو جيء بها على ترتيب الوقوع لربما فهم إن مجموع الإلقاء والنشر والفرق هو الموجب لما ذكر من الاستحقاق هذا وقد قيل في هذا المقام غير ذلك لكن الحمل على الملائكة
281
أوجه وأسد لما ذكرنا في المدثر أن المحققين على إنه من الملائكة المرسلات والناشرات والملقيات وغير ذلك.
(10/216)
(قال في كشف الأسرار) : در روز كار خفت عمر رضي الله عنه مردى نيامداز أهل عرقا نام أو صبيع وازعمر ذاريات ومرسلات رسيد صبيغ عادت داشت كه يوسته ازين معضلات آيات رسيدى يعني تاكه مردم در وفرومانند عمر اورا دره زد وكفت لو وجدتك محلوقاً لضربت الذي فيه عيناك يعني اكر من تراسر سترده يا فتم من ترا كردن زدم عمر رضي الله عنه اين سخن را ازبهر آن كفت كه از رسول خدا عليه السلام ، شنيده بود در صفت خوارج كه سيماهم التحليق كفت در امت من قومي خوارج يدا آيند نشان ايشان آنست كه ميان سر سترده دارند س عمر نامه نبشت باموسى الأشعري وكان أميراً على العراق كه يكسال اين صبيغ را مهجور داريد بوي منشينيد وسخن مكوييد س از يكسال صبيغ توبه كرد وعذر خواست وعمر رضي الله عنه توبه وعذروى قبول كرد شافعي رحمه الله كفت حكمي في أهل الكلام كحكم عمر في صبيغ قال في "القاموس" صبيغ كأمير بن عسيل كان يعنت الناس بالغوامض والسؤالات ففاه عمر إلى البصرة انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} جواب للقسم أي إن الذي توعدونه من مجيء القيامة كأه لا محالة فإنما هذه ليست هي الحصرية بل ما فيها موصولة وإن كتبت متصلة في خط المصحف والموعود هو مجيء القيامة لأن المذكور عقيب هذه الآية علامات يوم القيامة وقال الكلبي : المراد إن كل ما توعدون به من الخير والشر لواقع نظراً إلى عموم لفظ الموصول.
وفي التأويلات النجمية : إنام توعدون من يوم قيامة الفناء الكلي في الله لواقع حاصل بالنسبة إلى أهل المعرفة والشهود وأرباب الذوق والوجود وإما بالنسبة إلى أهل الحجاب والاحتجاب فسيقع إن كانوا مستعدين لرفع الحجاب وكشف النقاب وإلى ها الوقوع المحقق أشار بقوله كل شيء هالك إلا وجهه أي في الحال وبقول كل من عليها فان أي فإن في عين البقاء إذا لمقيد مستهلك في إطلاق المطلق استهلاك نور الكواكب في نور الشمس واستهلاك اعتبارات النصفية والثلثية والربعية في الاثنين والثلاثة والأربعة ثم أخبر عن ظهور آثار يوم القايمة وحصول دلائلها لأهل الشقاوة بقوله {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} محيت ومحقت ذوتها فإن الطمس محو الأثر الدال على الشيء وهو الموافق لقوله وإذا الكواكب انتثرت أو ذهب بنورها والأول أولى لأنه لا حاجة فيه إلى الإضمار والنجوم مرتفعة بفعل يفسره ما بعده أو بالابتداء وطمست خبره والأول أولى لأن إذا فيها معنى الشرط والشرط بالفعل أولى ومحل الجملة على الأعرابيين الجر بإذا وجواب إذا محذوف والتقدير فإذا طمست النجوم وقع ما توعدون أو بعشم أو جوزيتم على أعمالكم وحذف لدلالة قوله إنما توعدون لواقع عليه وفيه إشارة إلى محق نجوم الحواس العشر الظاهرة والباطنة عن إدراك الحقائق عند طلوع الشمس الحقيقة {وَإِذَا السَّمَآءُ فُرِجَتْ} صدعت من خوف الرحمن وشققت ووقعت فيها الفروج التي نفاها بقوله ومالها من فروج وفتحت فكانت أبواباً بالفرج الشق وكل مشقوق فرج وبالفارسة وآنكاه كه آسمان شكافته
282
كردد.
وفيه إشارة إلى صدع سماء الأرواح وشقا عند سطوات التجليات الجلالية {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} جعلت كالحب اذي ينسف بالمنسف وهو ما ينفض به الحب ويذري ونحوه وبست الجبال بساً فالنسف والبس بالفارسية راكنده كردن وداميدن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
(10/217)
وفيه إشارة إلى تلاشي جبال الخيالات والأوهام الفاسدة الكاسدة عند بوادي المشاهدات وهو أدى المعاينات {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} أي عين لهم الوقت الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم وذلك عند مجيئه حضوره إذ لا يتعين لهم قبل حصوله فإن علم ذلك إلى الله تعالى يعني إن تبيين وقت حضورهم لهم من جملة علامات القيامة من حيث إن ذلك التعيين ولتبيين لم يكن حاصلاً في الدنيا لعدم حصول الوقت فيال لهم عند حصوله احضروا للشهادة فقد جاء وقتها أو المعنى وإذا الرسل بلغوا الميقات الذي كانوا ينتظرونه وهو يوم القيامة فإن التوقي كما يجيء بمعنى تحديد الشيء وتعيين وقته فكذا يجيء بمعنى جعل الشيء منتهياً إلى وقته المحدود وعلى المعنى الأول لا يقع على الذوات يدون إضمار فإن الموقت هو الأحداث لا الجثث فلا يقل زيد موقت إلا أن يراد موقت حضوره وكذا توقيت الرسل إنما هو بالنسبة إلى حضورهم لا بالنسبة إلى ذواتهم لأن الذوات قارة لا يعتبر فها تعيين بخلاف الزمانيات المتجددة هكذا قالوا : وقال سعدي المفتي : وفي وقوعه على المعنى الثاني على الجثث بدون إضمار بحث ظاهر وإن ذهب إليه صاحب الكشف ونحوه وقرأ أبو عمرو وقتت على الأصل لأن من الوقت والباقون أبدلوا الواو همزة لأن الضمة من جنس الواو فالجمع بينهما يجري مجرى الجمع بين المثلين فيكون ثقيلاً ولهذا السبب تستثقل الكسرة على الياء ولم تبدل في نحو ولا تنسوا الفضل بينكم لأن ضمة الواو ليست بلازمة فيه وفي "كشف الأسرار" الألف والواو لغتان والعرب تبدل الألف من الواو تقول وسادة وإسادة وكتاب مؤرخ ومؤرخ وقوس موتر ومؤتر وفي الآية إشارة إلى رسل القلب والسر وتعيين وقت شهادتهم على أمة الأعضاء والجوارح {لايِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} مقدر بقول هو جواب لإذا في قوله وإذا الرسل اقتت أي يقال لأي يوم أخرت الأمور المتعلقة بالرسل أي بجمعهم وإحضارهم كما قال تعالى : [المائدة : 109-13]{يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ} والمراد تعظيم ذلك اليوم والتعجيب من هو له.
قال القاشاني : وإذا الرسل أي ملائكة الثواب والعقاب عينت وبلغت ميقاتها الذي عين لها إما لإيصال البشري والروح والراحة وإما لإيصل لعذاب والكرب والذلة ليوم عظيم أخرت عن معاجلة الثواب والعقاب في وقت الأعمال ورسل البشر وهم الأنبياء عينت وبلغت ميقاتها الذي عين لهم فيه الفرق بين المطيع والعاصي والسعيد والشقي فإن الرسل يعرفون كلا بسيماهم ليوم الفصل} بيان ليوم التأجيل وهو اليوم الذي يفصل في بين الخلائق ويقضي بالحقوق ويحكم بين المحسن والمسيء ويميز بين أرباب شهود الوحدة الذاتية وبين أصحاب شهود لكثرة الإسمائية والصفاتية وقال بعضهم : يفصلفيه بين البحيب وحبيبه إلا من كان معاملتهفي الله وبين الرسل وأمه وأبيه وأخيه إلا أن يكونوا متفقين على الحق والعدل {وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ} ما مبتدأ إدراك خبره
283
أي أي شيء جعلك درياً وعالماً ما هو وما كنهه إذا لم تر مثله وكذا لم ير أحد قبلك شدته حتى تسمع منه.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
قال الكاشفي) : وه يزداناكرد تراكه يست روز فصل ه كنه اورانتوان دانست.
(10/218)
فوضع موضع الضمير ليوم الفصل لزيادة تفظيع وتهويل على أن ما خبر ويوم الفصل مبتدأ لا بالعكس كما اختاره سيبويه لأن محط الفائدة بيان كون يوم الفصل أمراً بديعاً هائلاً لا يقادر قدره ولا يكتنه كنهه كما يفيده خبرية ما لا بيان كون أمر بديع من الأمور يوم الفصل كما يفيده عكسه {قِيلَ} وأي {يَوْمَـاـاِذٍ} أي ف ذلك اليوم الهائل {لِّلْمُكَذِّبِينَ} بيوم يفصل فيه الرحمن بين الخلائق أي الويل والهلاك ثابت فيه لهم والويل في الأصل مصدر منصوب ساد مسد فعل لا من لظفه فأصله أهلكة الله إهلاكاً أو هلك هو هلا كاعدل به إلى الرفع للدلالة على ثبات الهلاك ودوامه لمدعو عليه ويومئذٍ ظرفه أو صفته ووضع الويل موضع الإهلاك أو الهلاك فجاز وقوعه مبتدأ مع كونه نكرة فإنه لما كان مصدراً ساداً مسد فعله المتخصص بصدوره عن فاعل معين كانت النكرة المذكورة متخصصة بذلك الفاعل فساغ الابتداء بها لذلك كما قالوا في سلام عليك وقال بعضهم الويل واد في جهنم لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره أي ذاتب وقال الجنيد قدس سره الويل يومئذٍ لمن كان يدعى في الدنيا الدعاوي الباطلة {أَلَمْ نُهْلِكِ الاوَّلِينَ} كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ممن هلكوا قبل بعثة سيد المرسلين عليه السلام وذلك لتكذيبهم بيوم الفصل وهو استئناف إنكار لعدم الإهلاك إثباتاً وتقريراً له لأن نفي النفي يثبت الإثبات ويحقق الإهلاك فكأنه قيل لم يكن عدم الإهلاك بل قد أهلكناهم {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الاخِرِينَ} وهم الذين كانوا بد بعثته عليه اسلام وهو بالرفع على ثم نحن نتبعهم الآخرين من نظرائهم السالكين لمسلكهم في الكفر والتكذيب أي نجعلهم تابعين للأولين في الإهلام فليس الكلام معطوفاً على ما قبله لأن العطف يوجب أن يكون المعنى أهلكنا الأولين ثم اتبعناهم الآخرين في الإهلاك وليس كذلك لأن إهلاك إلا آخرين لم يقع بعد فلذلك رفع نتبع على أن يكون مقطوعاً عما قبله ويستأنف به الكلام على وجه الأخبار عما سيقع في المستقبل بإضمار المبتدأ وفيه وعيد لكفار مكة {كَذَالِكَ} أي فعلاً مثل ذلك الفعل الذي أخبر به فمحل الكاف النصب على أنه نعت لمصدر محذوف {نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
بكل من أجرم أي سنتنا جارية على ذلك وفيه تحذير من عاقبة الجرمو سوء أثره {وَيْلٌ} مكروهي بزرك {يَوْمَـاـاِذٍ} يوم إذا هلكناهم {لِّلْمُكَذِّبِينَ} بآيت الله وأنبيائه وليس فيه تكرير لما إن الويل الأول لعذاب الآخرة وهذا لعذاب الدنيا وفي برهان القرآن كررها في هذه السورة عشر مرات لأن كل واحدة منها ذكرت عقيب آية غير الأولى فلا يكون تكراراً مستهجناً ولو لم يكرر كان متوعداً على بعض دون بعض وقيل إن من عادة العرب التكرار والأطناب كما إن عادتهم الاقتصار والإيجاز ولأن بسط الكلام في الترغيب والترهيب دعى إلى إدراك البغية من الإيجاز وقد يجد كل أحد في نفسه من تأثير التكرار ما لإخفاء به {أَلَمْ نَخْلُقكُّم} أي ألم نحدثكم واتفق القراء على إدغام القاف في الكاف في هذا الحرف وذكر النقاش إنه في قراءة ابن كثير
284
ونافع برواية قالون وعاصم في رواية حفص بالإظهار قاله في الإيضاح {مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ} بهوان الحدوث والإمكان والابتذال من نطفة قذرة مهينة يعني خوار وبي مقدار.
والميم أصلية ومهانته قلته وخسته وكل شيء ابتذلته فلم تصنه فقد امتهنته أي خلقناكم منه ولذا عطف عليه قوله {فَجَعَلْنَـاهُ} أي الماء وبالفارسية س نكاه داشتيم آن آب را {فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ} وهو الرحم بكسر الحاء المهملة أي وعاء الولد في بطن الأم يعني در قرار كاه استواركه رحم است.
(10/219)
فالقرار موضع الاستقرار والمكين الحصين أي جعلنا ذلك الماء في مقر حصين يتمكن فيه الماء محفوظاً سالماً من التعرض له فمكين من المكانة بمعنى التمكن لا منها بمعنى المنزلة والمرتبة من الكون يقال رجل مكين في مكة أي متمكن فيها ومكين عند الأمير أي ذو منزلة ومرتبة عنده فيكون فعيلاً لا مفيلاً {إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} أي مقدار معلوم من الوقت الذي قدره الله للولادة تسعة أشهر أو أقل منها أو أكثر وهو في موضع الحال من الضمير المنصوب في فجعلناه أي مؤخراً إلى مقدار معلوم من الزمان {فَقَدَرْنَا} أي فقدرناه والمراد تقدير خلقه وجوارحه وأعضائه وألوانه ومدة حمله وحياته ويدل على كون قدر المخفف لغة بمعنى قدر المشدد قراءة نافع والكسائي بالتشديد {فَنِعْمَ الْقَـادِرُونَ} أي نحن بمعنى المقدرون وإلى هذا المعنى ذهب ابن مسعود رضي الله عنه ويجوز أن يكون فقدرنا من القدرة بمعنى فقدرنا على ذلك أي على خلقه وتصويره كيف شئنا وأردنا من مثل تلك المادة الحقيرة على إن المراد بالقدرة ما يقارن وجود المقدور بالفعل ويعضده قوله فنعم القادرون حيث خلقناه بقدرتنا وجعلنا على أحسن الصور والهيئات {وَيْلٌ} بزركتربلاي {يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} أي بقدرتنا على ذلك أو على الإعادة قال أبو الليث : أي الشدة من العذاب لمن يرى اللخق الأول فأنكر الخلق الثاني {أَلَمْ نَجْعَلِ الارْضَ كِفَاتًا} عرفهم أو لا نعمه إلا نفسية لأنها كالأصل ثم اتبعها النعم الآفاقية والكفت بأهم آوردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
والكفات اسم ما يكفت أي يضم ويجمع من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه كالضمام لما يضم والجماع لم يجمع نحو التقوى جماع كل خير والخمر جماع كل إثم وكفاتاً مفعول ثن لنجعل لأنه بمعنى ألم نصيرها كفتاً تكفت وتضم {أَحْيَآءً} كثيرة على ظهرها فهو منصبو بفعل مضمر يدل عليه كفاتاً وهو تكفت وإلا فالأسماء الجامدة وكذا أسماء الزمان والمكان وآصالة وإن كانت مشتقة لا تعمل وفي اسم المصدر خلاف وإما المصدر وجمع اسم الفاعل فهما من الأسماء العاملة فمن جعل الكفات مصدراً أو جمع اسم الفاعل وهو كافت كصيام جمع صائم جعله عاملاً ومن جعله اسماً لمن يكفت أو جمعاً للكفت بمعنى الوعاء منعه من العمل غير الزمخشري فإنه جعل كفاتاً وهو اسم عاملاً وقد طعن فيه {وَأَمْوَاتًا} غير محصورة في بطنها ولذا كانوا يسمون الأرض إما تشبيهاً لها بالأم في ضمها للناس إلى نفسها إحياء وأمواتاً كالأم التي تضم أولادها إليها وتضبطهم ولما كانوا ينضمون إليها جعلت كأنه تضمهم وأيضاً كما إن الأرض كفات الإحياء بمعنى إنهم يسكنون فيها كذلك إنها كفات لهم بمعنى إنها تكفت ما ينفصل من الإحياء من الأمور المستقذرة وتنكيرهما في معنى التعريف الاستغراقي لا لإفراد والنوعية ويجوز أن يقال الأرض
285
وإن كانت كفاتاً لجميع إحياء الإنس وأمواتهم لكن الإحياء والأموات غير منحصرة فيها لأن بعضا لحيوان يكفته الهواء والبعض الآخر يكفته الماء فلا تكون كفاتاً للجميع بل للبعض فيصح التنكير ونقل عن القفال إنه قال دلت الآية على وجوب قطع يد النباش من حيث إنه تعالى جعل الأرض كفات الميت فتكون حرزاً والسارق من الحرز يجب عليه القطع {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ} أي جبالاً ثوابت يعلى وبيافريديم درزمين كوههاي استوار واي برجا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
(10/220)
فمفعول جعلنا مقدر ورواسي صفة له من رسا الشيء يرسواي ثبت والجبال ثوابت على ظهر الأرض لا نزول {شَـامِخَـاتٍ} صفة بعد صفة والشامخ العالي المرتفع أي طوالاً شواهق يعني بلد وسر فراز ومنه شمخ بأنفه عبارة عن الكبر وفي "عين المعاني" رواسي أي ثوابت الأصول رواسخ العروق شامخات أي مرتفعات الفروع ووصف جمع المذكر بجمع المؤنث في غير العقلاء مطرد كأشهر معلومات ونحوه والتنكير للتفخيم أو للإشعار بأن ما يرى على ظهر الأرض من الجبال بعض منها وإن في عداد الجبال ما لم يعرف ولم ير فإن السماء فيها جبال أيضاً بدلالة قوله تعالى : ن جبال فيها من برد {وَأَسْقَيْنَـاكُم} وبياشامانيديم شمارا {مَّآءً فُرَاتًا} أي عذباً جداً بأن خلقنا فيها أنهاراً ومنابع أي جعلناه سقياً لكم ومكناكم من شربه وكذا من سقيه دوابكم ومزارعكم وسمى نهر الكوفة فراتًا للذته وقال أبو الليث ماء عذباً من السماء ومن الأرض يقال الفرات للواحد والجمع وتاؤه أصل والتنكير للتخفيم أو لإفادة التبعيض لأن في السماء ماء فراتاً أيضاف بل هي معدنه ومصبه {وَيْلٌ} واد في جهم {يَوْمَـاـاِذٍ} دران روز خطرناك {لِّلْمُكَذِّبِينَ} بأمثال هذه النعم العظيمة {انطَلِقُوا} أي يقال يومئذٍ للمكذبين بطريق التوبيخ والتقريع انطلقوا واذهبوا والقائلون خزنة النار وزبانية جهنم {إِلَى مَا كُنتُم بِه تُكَذِّبُونَ} في الدنيا من العذاب وبه متعلق بتكذبون قدم لرعاية نظم الآية {انطَلِقُوا} خصوصاً {إِلَى ظِلٍّ} أي ى ظل دخن نار جهنم كقوله تعالى : [الواقعة : 43-30]{وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} أي دخان غليظ أسود ذي ثلاث شعب} جمع شعبة يعني خداوندسه شاخ يتشعب لعظمه ثلاث شعب كما هو شأن الدخان العظيم تراه يتفرق ذوائب فقوله ذي ثلاث شعب كناية عن كون ذلك الدخان عظيماً بناء على أن التشعب من لوازمه وقيل يخرج لسان من النار فيحيط بالكفار كسرادق وهو ما يمد فوق صحن البيت ويتشعب من دخانها ثلاث شعب فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم والمؤمنون في ظل العرش قال القاضي أخذا من التفسير الكبير خصوصية الثلاث إما لأن حجاب النفس عنأنور القدس الحس والخيال والوهم أو لأن المؤدي إلى هذا العذاب هو القوة الوهمية الشيطانية الحالة في الدماغ المشوشة للنفس عن إدراك الحقائق والقوة الغضبية السبعية التي عن يمين القلب الدافعة للنفس عن القيام على حق الاعتدال والقوة الشهوية البهيمية التي عن يساره المانعة للنفس عن الاتصاف بالأوصاف الإلهية ولذلك قيل تقف شعبة فوق الكافر وشعبة عن يمينه وشعبة عن يساره فجميع ما يصدر عن الإنسان من العقائد الفاسدة والأعمال الباطلة لا ينشأ إلا من هذه القوى الثلاث الواهمة والغضبية والشهوية فهذه الثلاث لما كانت منبع جميع الآفات الصادرة عن
286
الإنسان تشعبت شعب العذات على حسبها.
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
ذس هركه خواهدكه فردا ازين دخان كه ظل من يحموم اشارت بدانست ايمن كرد امروز بنور عقل متمسك شده ازتيركى صفت شيطاني وسبعي وبهيمي ببايد كذشت.
زتاريكى خشم وشهوت حذركن
كه ازدود آن شم دل تيره فردد
غضب ون در آمد رود عقل بيرون
هوى ون شود يره جان خيره كردد
ويحتمل أن تكون الخصوصية لتضيعهم القوى الثلاث اتي هي السمع والبصر والفؤاد كما قال تعالى وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون فشكرها ودعابتها مبدأ السعادات وعدم محافظتها وإتلافها منشأ الشقاوات.
(10/221)
يقول الفقير : عند وجه آخر وهو أن الإيمان عبارة عن الصديق والإقرار والعمل فجعلت كل شعبة من الثلاث بمقابلة واحدة من هذه الأركان دل على هذه قوله تعالى انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون فأورد التكذيب الذي هو صفة القلب فإن القلب لكونه مدارة الأعضاء والقوى إذا فسد فسد اللسان وسائر الأركان فالتكذيب ظلمة باطنة للقلب ضو عفت بظلمة ترك الإقرار والعمل فلما تضاعفت اظلمات الباطنة في الدنيا تضاعفت الظلمات الظاهرة في الآخرة لأن لكل عمل وصفة صورة شخصية جسدانية يوم القيامة {لا ظَلِيلٍ} أخذ من الظل للتأكيد كنوم نائم أي لا يظل من الحر وتوصيف الظل بأنه لا يظل من حر ذلك اليوم وهو حر النار للدلالة على أن تسمية ما يغشاهم من العذاب بالظل استهزاء بهم فإن شأن الظل أن يدفع عمن يستظل به مقاساة شدة الحر وإنه ينفعه ببرده ونسيمه والذي أمروا بالإنطلاق إليه يضاعف عليهم ما هم فيه من الحر والعذاب فضلاً عن أن يستريحوا ببرده أورد لما أوهمه لفظ الظل من الاسترواح كما مر في الواقعة {وَلا يُغْنِى مِنَ اللَّهَبِ} إي غير مغن لهم من حر اللهب كما يغنى ظل الدنيا من الحر فقوله لا ظليل في موضع الجر على إنه صفة لظل ولظف غير مانع للصفتية أي ظل غير ظليل وغير مغن ومفعول يغني محذوف هو شيئاً ومن لبيانه ويغني من أغنى عني وجهه أي أبعده لأن الغنى عن الشيء يباعده كما إن المحتاج إليه يقربه فصح أن يعبر بإغناء شيء عن شي عن إبعاده عنه فكان المعنى إن هذا الظل لا يظلكم من حر الشمس ولا يدفع عنكم لهب النار واللهب ما يعلو على النار إذا اضطرمت منأحمر وأصفر وأخضر.
وفي التأويلات النجمية : ظل الروح وظل القلب ظل ظليل ممدود نفعه وأثره وروحه لا ظل النفس والهوى.
وقال بعضهم : ظل شجرة النف الخبيثة المنقطعة عن نور الوحدة بظلمة ذتها ليس بظليل كظل شجرة طوبى فلا يفيد الروح والراحة بخلاف صل شجرة النفس الطيبة المنورة بنور الوحدة الغير المنشعبة إلى الشعب المختلفة المتضادة كالشيطانية والسبعية والبهيمية {إِنَّهَا} أي اتلشعب لأنها هي المذكورة لا النار {تَرْمِى بِشَرَرٍ} مى افكنددر آنروز شرار هاراكه هر شراره {كَالْقَصْرِ} ما نندكوشكى عظيم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
أي كل شررة كقصر من القصور في عظمها كما دل عى هذا التفسير قوله كأنه جمالة صفر فالشرر جمع شررة وهي ما تطاير من النار
287
في الجهات متفرقاً كالنجوم كما قال في "القاموس" الشرار والشرر ككتاب وجبل ما يتطاير من النار واحدتهما بهاء انتهى.
وكالقصر في موضع الصفة للشرر والقصر مفرد وهو البناء العالي ووصفه به الجمع باعتبار كل واحد من آحاده والقصر أيضاً الحطب الجزل ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية هي الخشب العظام المقطعة وكنا نعمد إلى الخشب فنقطعها ثلاثة 5رع وفوق ذلك ودونه ندخرها للشتاء فكنا نسميها الصقر أي لكونها مقصورة مقطوعة من الممدودة الطويلة تأمل في أن ناراً دخانها وشررها هكذا فما بالك بحال أهلها {كَأَنَّهُ} أي الشرر وفي فتح الرحمن كأنه أي النار ثم رد الضمير إلى لفظ النار دون معناها فقال كأنه {كَأَنَّه جِمَـالَتٌ} جمع جمل كحجارة في جمع حجر والتاء لتأنيث الجمع أو اسم جمع كالحجارة والجمل ذكر الإبل والناقة انثاه وإذا لم يكن في جماعة الإبل أنثى يقال جمالة بالكسر والصفر جمع أصفر والصفرة لون من الألوان الت بين السواد والبياض وهي أن البياض أقرب ولذلك قد يبعر بها عن السواد والمعنى كأن كل شررة جمل أصفر أو كجمل أسود لأن سواد الإبل يضرب إلى الصفرة كما قيل لبعض الظباء آدم لأن بياضها تعلوه كدرة ولأن صفر الإبل يشوب رؤوس إشعارها سواد وفي الحديث : "شرار جهم أسود كالقير" فالأول : وهو التشبيه بالقصر تشبيه في العظم ، والثاني : وهو التشبيه بالجمل في اللون والكثرة والتتابع والاختلاط والحركة وفي "المفردات".
قوله تعالى : {كَأَنَّه جِمَـالَتٌ صُفْرٌ} قيل : جمع أصفر وقيل : بل أراد به الصفر المخرج من المعادن ومنه قيل للنحاس صفر.
وفي التأويلات النجمية : كل صفة من الأوصاف البهيمية والسبعية والشيطانية بحسب الغلظة والشدة كالقصور امرتفعة والبروج المشيدة أو كأنه جمالة صفر عظيمة لهيكل طويلة الأشر من شدة قوة النار في ذلك الشرر وهي القوة الغضبية ويل} مشقت بسيار {يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} بأهوال يوم القيامة وأحوال العصاة فيه.
(10/222)
(وقال الكاشفي) : مرد روع زنانراست كه مشتق دوزخ وشرارهاى آنراباور ندارند {هَـاذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ} إشارة إلى وقت دخولهم النار ويوم مرفوع على إنه خبر هذا أي هذا يوم لا ينطقون فيه بشءي لما إن السؤال والجواب والحساب قد انقضت قبل ذلك وأيضاً يوم القيامة يوم طيول له مواطن ومواقيت ينطقون في وقت دون وقت فعبر عن كل وقت بيوم أولاً ينطقون بشيء ينفعهم فإن ذلك كلا نطق.
قال القاشاني : لا ينطقون لفقدان آلات النطق وعدم الأذن فيه بالختم على الأفواه ، وقال بعضهم : لا ينطقون من شدة تحيرهم وقوة دهشتهم وقال أبو عثمان رحمه الله ، أسكتهم هيبة الربوبية وحياء الذنوب كما قال الشيخ سعدى رحمه الله :
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
سر ار جيب غفلت بر آور كنون
كه فردا نماند بخجلت نكن
{وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ} ودستورى ندهد مرايشارنرا در اعتذار {فَيَعْتَذِرُونَ} عطف على يؤذن منتظم في سلك النفي أي لا يكن لهم إذن واعتذار متعقب له من غير أن يجعل الاعتذار مسبباً عن الأذن كما لو نصب والنصب يوهم إن لهم عذراً وقد منعوا من ذكره
288
وهو خلاف الواقع إذ لم كان لهم عذر لم يمنعوا وأي عذر لمن أعرض عن منعمه وكفر بأياديه ونعمه {وَيْلٌ} كرب واندوه {يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} بهذه الأخبار بما جاء من الحق الواقع البتة {هَـاذَا} اليوم الذي شاهدتم أهوالهم وأحواله {يَوْمُ الْفَصْلِ} بين الحق والباطل وقال البقلي : هذا يوم مفارقة النفس والشيطان عن جوار قلب العارف وانفصال كل شيء عن كل محب غير محبوبه حيث استغرق في جوده وشهوده ووجوده {جَمَعْنَـاكُمْ} يا أمة محمد {وَالاوَّلِينَ} من الأمم وهذا تقرير وبيان للفصل إذ الفصل بين المحق ولمبطل ولرسل لا يتحقق إلا بجمع الكل فلا بد من إحضارهم لا سيم عند من لا يجوز القضاء على الغائب {فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ} حيلة تدفعون بها عنكم العذاب والظاهر أن هذا الخطاب من الله للكفار {فَكِيدُونِ} أصل فكيدوني حذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة والنون للوقاية وهو أمر من كاد يكيد كيدا وهو المكر والاحتيال والخديعة والمعنى واحتالوا لأنفسكم وتخلصوا من عذابي إن قدرتم فإن جميع من كنتم تقلدونهم وتقدرون بهم حاضرون يعني حيله باخدا يش نرود وبمكر ودستان عذاب ازخود دفع نتوانيد كرد.
بمكر وحيله عذاب خداي رد نشود
نياز بايد واخلاص وناله سحري
توان خريد بيك آه ملك هردوجهان
ازان معامله غافل مشوكه حيف خوري
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص289 حتى ص297 رقم30
وهذا أمر إهانة وخطاب تعجيز تقريع لهم على كيدهم للمؤمنين في الدنيا وتخجيل لهم بأنهم كانوا في الدنيا يدفعون الحقوق عن أنفسهم ويطلون حقوق الناس بضروب الحيل والمكايد والتلبيسات فخاطبهم الله حين علموا إن الحيل منقطعة والتلبيسات غير ممكنة بقوله فإن كان لكم كيد فكيدون لما ذكر من التقريع والتخجيل ولإظهار عجزهم عن الكيد فإن مثل هذا الكلام لا يتكلم به إلا من تيقن بعجز مخاطبه عما هو بصدده وفي بعض التفاسير أي فإن وجد كيد نافع لكم على أن لكم متعلق بكان أو نافعاً لكم على إنه حال من كيد {وَيْلٌ} غم وغصة {يَوْمَـاـاِذٍ} دران روز هولناك {لِّلْمُكَذِّبِينَ} حيث ظهر أن لا حيلة لهم في الخلاص من العذاب {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} من الكفر والتكذيب لأنهم في مقابلة المكذبين ففيه رد على المعتزلة {فِى ظِلَـالٍ} جمع ظل كشعاب وشعب أو ظلة كقباب وقبة أي في ظلال ظليلة على الحقيقة كما يدل عليه الإطلاق يعني لا كظل المكذبين وبالفارسية درسايهاي درختان بهشت باشند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
قال بعضهم : الظاهر إنه أخبار عن كونهم تحت أشجار مثمرة لهم في جنانهم.
يقول الفقير : إلا ظهران كونم في ظلال كناية عن راحتهم العظمى لأن الظل للراحة وكذا قوله تعالى : [النساء : 57-41]{وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا} ونحوه وإنما ذكر الله الظل تشويقاً للقلوب لأن من البلاد ما هي حارة قليلة المياه والأشجار والظلال وعيون} عذبة دافعة عنهم العطش وبالفارسية وركنار شمهاى آب {وَفَوَاكِهَ} أي ألوان الفاكهة يعني ودرميان ميوها {مِمَّا يَشْتَهُونَ}
289
ويتمنون يعني از آنه آرزو كنند.
(10/223)
فيتناولونها لا عن جوع وامتلاء بل عن شهوة وتلذذ والحاصل إنهم مستقرون في فنون الترفه وأنواع التنعم خلاف ما عليه مخالفوهم {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِياـاَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} مقدر بقول هو حال من ضمير المتقين في الخبر أي مقولاً لهم كلوا من نعم الجنة وثمراتها واشربوا من مائها وشرابها أكلاً وشرباً هنيئاً شائغاً رافهاً بلا داء ولا تخمة بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة خصوصاً الصيام كما مضى في الحاقة وهذا أمر إكرام إظهاراً للرضى عنهم والمحبة لهم تمسك القائلون بالإيجاب العمل للثواب بالباء السببية والجواب إن السببية إنما هي بفضل الله ووعده الذي لا يخلف لا بالذات بحيث يمتنع عدمه أو يوجب النقص أو الظلم {إِنَّا كَذَالِكَ} الجزاء العظيم {نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ} أي في عقائدهم وأعمالهم لا جزاء أدنى منه {وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} حيث نال أعداؤهم هذا الثواب الجزيل وهم بقوا في العذاب المخلد الوبيل.
(وقال الكاشفي) : جهل وقبح وذم مراهل تكذيب راست كه بنعيم بهشت نمى كروند.
وفي التأويلات النجمية : إن المتقين بالله عما سواه أي المتقين بنور الوحدة عنظلمة الكثرة وبنور المعرفة عن ظلمية النكرة في ظلال الأوصاف الإلهية والأخلاق الربانية وعيون من مياه العلوم والحكم وفواكه مما يشتهون من التجليات الروحانية والتنزلات النورانية كلوا من أطعمة المواهب الهنية واشربوا من أشربة المشارب التوحيدية هنيئاً بما كنتم تعملون من الأعال الصالحة الأفعال الحسنة إنا كذلك نجزى المحسنين المشاهدين لجمالنا المطلق ويل يومئذٍ للمكذبين بإحسان الجزاء وجزاء الإحسان {كُلُوا} أي مكذبان از نعيم فانىء دنيا {وَتَمَتَّعُوا} تمتعاً {قَلِيلا} أو زماناً قليلاً يعني عيشوا مدة قليلة إلى منتهى آجالكم لأن زمان الدنيا قليل كمتاعها وبالفارسية وبرخوردار شويد زماني اندك {إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ} كافرون مستحقون للعذاب وبالفارسية بدرستى كه شما مشركانيد وعاقبت شمارا عذاب دائمست.
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
قوله كلوا الخ مقدر بقول هو حال من المكذبين قال في "الكواشي" لا أحب الوقف على المكذبين إن نصبت كلوا حالاً منه والمعنى الويل ثابت لهم مقولاً لهم ذلك نذكيراً لهم بحالهم في الدنيا بما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع الفاني عن قريب على النعيم الخالد فلا يرد كيف يقال لم ذلك ولا تمتع لهم فيها يعني إن هذا القول لهم في الآخرة لا يكون لطلب الأكل والتمتع منهم بنعيم النيا حيقة لعدم إمكانه بل إنما يقال لهم للتذكير المذكور فيكون الأمر أمر توبيخ وتحسير وتحزين وعلل ذلك بإجرامهم دلالة على إن كل مجرم مآله هذا أي ليس له إلا الأكل والتمتع أياماً قلائل ثم البقاء في الهلاك الأيدي {وَيْلٌ} وأي {يَوْمَـاـاِذٍ} دران روز جزا {لِّلْمُكَذِّبِينَ} حيث عرضوا أنفسهم للعذاب الدائم بالمتمتع القليل.
وفي التأويلات النجمية : إنكم مجرمون أي كاسبون الهيئات الردية والملكات الغير المرضية ويل يومئذٍ للمكذين بأن الأوصاف الحميدة أفضل من الأخلاق الذميمة {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} أي للمكذبين {ارْكَعُوا} أي أطيعوا الله واخشعوا وتواضعوا له بقبول وحيه اتباع دينه وارفضوا هذا الاستكبار والنخوة لأن الركوع والانحناء لأحد تواضع له وتعظيم والسجود أعظم منه في التواضع والتعظيم ومن ذلك قالوا
290
إن السجود لغير الله كفر إن كان للعبادة وخطر عظيم إن كان للتعظيم وفي حواشي ابن الشيخ لركوع في اللغة حقيقة في مطلق الانحناء الحسي وركوع الصلاة من جملة إفراده وتفيره بالإطاعة والخضوع مجاز لغوي تشبيهاً له بالانحناء الحسي {لا يَرْكَعُونَ} لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على ما هم عليه من الاستكبار وقيل : إذا أمروا بالصلاة أو بالركوع لا يفعلون إذ روى إنه نزل حين أمر رسول الله عليه السلام ، ثقيفاً بالصلاة فقالوا إنا لا خر ولا نجبي أي لا تقوم قيام الراكع فإنها سبة علينا أي إن هيئة لتجبية هيئة تظهر وترفع فيها السبة وهي الاست أي الدبر وهو عار وعيب علينا فقال عليه السلام لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود وفي بعض التفاسير كانوا في الجاهلية يسجدون للأصنام ولا يركعون لها فصار الركوع من أعلام صلاة المسلمينتعالى وفيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بالفروع في حق المؤاخذة في الآخرة كما سبق مراراً.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
قال الكاشفي) : مراد آنست كه مسلمان نشوند ه ركن أعظم إسلام بعد از شهادتين نمازاست.
وفيه ذم عظيم لتارك الصلاة حيث لا يجيب داعي الله أي المؤذن فإنه يدعو في الأوقات الخمسة المؤمنين إلى بيت الله وإقامة الصلاة وقس عليه سائر الداعين.
(10/224)
وفي التأويلات النجمية : وإذا قيل لهم اركعوا أي افنوا عن اللذات الحيوانية وأبقوا باللذات الروحانية إذ هي مناجاة الروح والسر مع الله ولا ألذ منها {وَيْلٌ يَوْمَااِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} نفرين آن روز بردروغ زنا نراست كه ركوع وسجود را تكذيب كنند وبشرف إسلام نمى رسند {فَبِأَىِّ حَدِيث} أي خبر يخبر بالحق وينطق بما كان وما يكون على الصدق {بَعْدَهُ} أي بعد القرآن الناطق بأحاديث الدارين وأخبار النشأتين على نمطبديع معجز مؤسس على حجج قاطعة وبراهين ساطعة {يُؤْمِنُونَ} إذا لم يؤمنوا به أي القرآن الجامع لجميع الأحاديث فقوله فبأي الخ جواب شرط محذوف وكلمة بعد بمنزلة ثم في إفادة التراخي الرتبي أي فإذا لم يؤمنوا به وهو موصوف بما ذكر فبأي كتاب يؤمنون ختم السورة بالتعجيب من الكفار لأن استفهام للتعجيب وبين إنهم في أقصى درجات التمرد والعناد حيث لم ينقادوا لمثل هذا البرهان الباهر والدليل القاطع على حقية الدين القويم من حيث كونه في أرفع درجات الفصاحة والبلاغة وفي أقصى طبقات الإعجاز.
در خبر آمده كه بعد ازخواندن اين آيت بايد كفت آمنا به ستدل بعض المعتزلة على أن القرآن ليس بقديم بقوله تعالى : حديث إذ الحديث ضد القديم لأن الحدوث والدم لا يجتمعان في شيء واحد ورد بأن الحديث هنا بمعنى الخبر لا بمعنى الحادث ولو سلم فالعبارة لا تدل على أن القرآن محدث لاحتمال أن يكون المراد فبأي حديث بعد القديم يؤمنون ولو سلم فإنما يدل على حوث الألفاظ الدالة على لمعاني ولا خلاف فيه وإنما الخلاف في دم المعنى القائم بذته تعالى روى أن المرسلات نزلت في غار قرب مسجد الخيف بمني يسمى غار والمرسلات.
يقول الفقير قد زرته وقرأت فيه السورة المذكورة وفي الصخرة العالية من الغار داخله أثر رأس النبي عليه السلام يتبرك به الآن والحمدعلى إفضاله وكثرة نواله وزيارة حرمه وحرم مصطفاه مظهر نرر جماله وكماله.
291
جزء : 10 رقم الصفحة : 280
تفسير سورة النبأ
أربعون أو إحدى وأربعون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 291(10/225)
{عَمَّ} أصله عن ما أدغمت النون في الميم لاشتراكهما في الغنة فصار عما ثم حذفت الألف كما في لم وبم وفيم وإلى م وعلى م فإنها في الأصل لما وبما وفيما وإلى ما وعلى ما إما فرقا بين الاستفهامية وغيرها أو قصداً لخفة لكثرة استعمالها وقد جاءت في العشر غير محذوفة كما ذكره أبو البقاء وما فيها من الإبهام للإيذان بفخامة شأن المسؤول عنه وهو له وخروجه عن حدود الأجناس المعهودة كأنه خفي جنسه فيسأل عنه فالاستفهام ليس على حقيقته بل لمجرد التفخيم فإن المسؤول عنه ليس بمجهول بالنسبة إلى الله تعالى إذ لا يخفى عليه خافية والمعنى عن أي شيء عظيم
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
{يَتَسَآءَلُونَ} أي أهل مكة وكانوا يتساءلون عن البعث والحشر الجسماني ويتحدثون فيما بينهم ويخوضون فيه إنكاراً واستهزاء لكن لا على طريقة التساؤل عن حقيقته ومسماه بل عن وقوعه الذي هو حال من أحواله ووصف من أوصافه فإن ما وإن وضعت لطلب حقائق الأشياء ومسميات أسمائها كما في قولك ما الملك وما الروح لكنها قد يطلب بها الصفة والحال تقول ما زيد فيقال عالم أو طبيب {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} النبأ الخبر الذي له شأن وخطر وهو جوابو بيان لشأن المسؤول عنه كأنه قبل عن أي شيء يتساءلون هل أخبكرم به ثم قيل بطريق الجواب عن النبأ العظيم الخارج عن دائرة علوم الخلق يتساءلون على منهاج قوله تعالى : [غافر : 16]{لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} والفائدة في أن يذكر السؤال ثم أن يذكر الجواب معه إن هذا الأسلوب أقرب إلى التفهيم والإيضاح فعن متعلقة بما يدل عليه المذكور من مضمر حقه أن يقدر بعدها مسارعة إلى البيان ومراعاة لترتيب السؤال فإن الجار فيه مقدم على متعلقه وقيل عن النبأ العظيم استفهام آخر بمعنى أعن النبأ العظيم أم عن غيره إلا أنه حذف منه حرف الاستفهام للدلالة المذكور عليه ونظيره قوله تعالى : أفأن مت فهم الخالدون أي أفهم الخالدون الذي هم فيه مختلفون} وصف للنبأ بعد وصفه بالعظيم تأكيد الخطرة أثر تأكيد وإشعاراً بمدار التساؤل عنه وفيه متعلق بمختلفون قدم عليه اهتماماً به ورعاية للفواصل وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثبات أي هم راسخون في الاختلاف فيه فمن جازم باستحالته يقول إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيي وما يهلكنا إلا الدهر وما نحن بمبعوثين ومن مقر يزعم أن آلهته تشفع له كما قالوا هؤلاء شفعاؤنا عنذد الله ونم شاك يقول ما ندري ما الساعة أن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين وفيه إشارة إلى القيامة الكبرى وهي البقاء بعد الفناء أو بعث القلب
292
بعد موت النفس فالروح وقواه تقربها والنفس وصفاتها تنكرها لأنها جاهلة فضلاً عن كونها ذائقة ومن لميذق لم يعرف (قال الكمال الخجندي) :
زاهد نعجب كركند از عشق نورهيز
كين لذت ابن باده ه اندكه نخوردست
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
(10/226)
فطوبى للذائقين ويا حسرة للمحرومين {كَلا سَيَعْلَمُونَ} ردع كما يستفاد من كلا ووعيد كما يستفاد من سيعلمون إن ما يتساءلون عنه حق لا دافع له واقع لا ريب فيه مقطوع لا شك فيه {ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ} إن ما يتساءلون عنه حق لا دافع له وقاع لا ريب فيه مقطوع لا شك فيه {ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ} تكرير للردع والوعيد للمبالغة في التأكيد والتشيد وثم لللالة على أن الوعيد الثاني أبلغ وأشد يعني إن ثم موضوعة للتراخي الزماني وقد تستعمل مجازاً في التراخي الرتبي أي لتباعد مابين المعطوفين في الشدة والفظاعة وذلك لتشبيه التباعد الرتبي بالتراخي الزماني في الاشتمال على مطلق التباعد بين الأمرين والمعنى المجازي هو المراد هنا لأن المقام مقام التشديد والتهديد وذلك إنما يكون آكد بالحمل عليه وبعضهم حملها على معناها الحقيقي فقال سيعلمون حقيته عند النزع ثم في يوم القيامة ولا شك إن القيامة متراخية بحسب الزمان عن وقت النزع أو سيعلمون حقبة البعث حين أن يبعثوا من قبورهم ثم حقية الجزاء بحسب العمل هذا وقد حمل اختلافهم فيه على مخالفتهم للنبي عليه السلام بأن يعتبر في الاختلاف محض صدور الفعل عن المتعدد لا على المخالفة بعضهم لبعض من الجانبين لأن الكل وإن استحق الردع والوعيد لكن استحقاق كل جانب لهما ليس لمخالفته للجانب الآخر إذ لا حقية في شيء منهما حتى يستحق من يخالفه المؤاخذة بل لمخالفته له عليه السلام فكلا ردع لهم عن التساؤل والاختلاف بالمعنيين المذكورين وسيعلمون وعيد لهم بطريق الاستئناف وتعليل للردع والسين للتقريب والتأكيد وليس مفعوله ما ينبىء عنه المقام من وقوع ما يتساءلون عنه ووقوع ما ختلفون فيه بل هو عبارة عما لا يلاقونه من فنون الدواهي والعقوبات والتعبير عن لقائها بالعلم لوقوعه في معرض التساؤل والاختلاف ولمعنى ليرتدهوا عما هم عليه فإنهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال إذا حل بهم العذاب والنكال {أَلَمْ نَجْعَلِ الارْضَ مِهَـادًا} الخ استئناف مسوق لتحقيق النبأ والمتساءل عنه بتعداد بعض الشواهد الناطقة بحقيته أثر ما نبه عليها بما ذكر من الردع والوعيد ومن هنا اتضح إن المتساءل عنه هو البعث لا القرآن أو نبوة النبي عليه السلام ، كما قيل والهمزة للتقرير والمهاد البساط والفراش وفي بعض الآيات جعل لكم الأرض فراشاً قال ابن الشيخ المهاد مصدر ما هدت بمعنى مهدت كسافرت بمعنى سفرت أطلق على الأرض الممهودة أي ألم نجعل الأرض بساطاً ممهوداً تتقلبون عليها ما يتقلب الرجل على بساطه وبالفارسية آيا نساخته ايم زمين را فراشي كسترده تاقراركاه شمابود وجاي تقلب.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
ومهادا مفعول ثان لجعل إن كان الجعل بمعنى التصيير وحال مقدرة إن كان بمعنى اللخق وجوز أن يكن جمع مهد كعاب كعب وجمعه لاختلاف أماكن الأرض من القرى والبلاد وغيرها أو للتصرف فيها بأن جعل بعضها مزارع وبعضها مساكن إلى غير ذلك وقرىء مهداً على تشبيهها بمهد الصبي وهو ما يمهد له فينوم عليه تسمية للمهود بالمصدر
293
{وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} المراد بجعلها أوتاداً لها إرساؤها بها لتسكن ولا تميد بأهلها إذك انت تميد على الماء كما يسرى البيت بالأوتاد فهو من باب التشبيه البليغ جمع وتد وهو ما يوتد ويحكم به المتزلزل المتحرك من اللوح وغيره بالفارسية ميخ.
فإن قيل أليست إرادة الله وقدرته كافيتين في التثبيت أجيب بأنه نعم إلا أنه مسبب الأسباب وذلك م كمال القدرة قال بعضهم الأوتاد على الحقيقة سادات الأولياء وخواص الأصفياء فإنهم جبال ثاتبة وبهم تثبت أرض الوجودو سئل أبو سعيد الخراز قدس سره عن الأوتاد والأبدال أبهم أفضل فقال الأوتاد قيل كيف فقال لأن الأبدال يتقلبون من حال إلى حال ويبدل بهم من مقام إلى مقام والأوتاد بلغ بهم النهاية وثبت أركانهم فهو الذين بهم قوام الخلق قال ابن عطاء الأوتاد هم أهل الاستقامة والصدق لا تغيرهم الأحوال وهم في مقام التمكين انتهى.
والأوتاد أربعة واحد يحفظ الشرق يقال له عبد الحي وواحد يحفظ الغرب يقال له عبد العيم وواحد يحفظ الشمال يقال له عبد المريد وواحد يحفظ الجنوب يقال له عبد القادر والإبدال سبعة يحفظون أقاليم الكرة علواً وسفلاً.
وجه تسميه آنست كه ون يكى ازايشان مرديكي ازهل تن يعني نجبا بدل اوشد وتتميمي هل تن بيكى از سيصد تن است يعني نقبا وتكميل سيصدتن بيكي از صلحاء وإبدال مقيم نشوند نيكجا مكر خسته باشند ومعالجه كنند وبخورند وبوشند ونكاح كنند يش ازانكه ابدال شوند وقطب الأبدال نظير كوكب سهيل كما إن قطب الإرشاد نظير الجدي وقطب إبدال درزمان نبي عليه السلام عصام الدين قزني بودعم أويس وون أو متوفى شد ابن عطا أحمد بود ازدهى كه ميان مكه ويمن است وبلال الحبشي رضي الله عنه درزمان نبي عليه السلام زبدلاي سبعه بودى.
(10/227)
وكان الشافعي رضي الله عنه من الأتاد الأربعة {وَخَلَقْنَـاكُمْ} عطف على المضارع المنفي بلم داخل في حكه فإنه في قوة إنا جعلنا أو على ما يقتضيه الإنكار التقريري فإنه في قوة أن يقال قد جعلنا {أَزْوَاجًا} أي حال كونكم أصنافاً ذكراً وأنثى ليسكن كل من الصنفين إلى الآخر وينتظم أمر المعاشرة والمعاش ويتسنى التناسل والزوج يقال لكل واحد من القرينين المزدوجين حيواناً أو غيره كالخف والنعل ولا يقال للاثنين زوج بل زوجان ولذا كان الصواب أن يقال قرضته بالمقراضين وقصصته بالمقصين لأنهما اثنان لا بالمقراض وبالمقص كذا قال الحريري : في درة الغواص وقال صاحب القاموس يقال للاثنين هما زوجان وهما زوج انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
ولعله من قبيل الاكتفاء بأحد الشقين عن الآخر وزوجة للمرأة لغة رديئة لقوله تعالى : [الإسراء : 12]{وَيَـاـاَادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} ويقال لكل ما يقترن بآخر مماثلاً له أو مضاداً زوج ولذا قال بعضهم : في الآية وخلقناكم حالك ونكم معروضين لأوصاف متقابلة كل واحد منها مزدوج بما يقابله كالفقر والغنى والصحة والمرض والعلم والجهل والقوة والضعف والذكورة والأنوثة والطول والقصر إلى غير ذلك وبه يصح الابتلاء فإن الفاضل يشتغل بالشكر والمفضول بالصبر ويعرف قدر النعمة عند الترقي من الصبر إلى الشكر وكل ذلك دليل على كمال القدرة ونهاية الحكمة وجعلنا} صيرنا {نَوْمَكُمْ} وهو استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه ولذا قل في أهل الرياضة لقلة
294
الرطوبة {سُبَاتًا} موتاً أي كالموت والمسبوت الميت من السبت وهو القطع لأنه مقطوع عن الحركة ومنه سمى يوم السبت لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السموات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام فقطع عمله يوم السبت فسمى بذلك وأيضاً هو يوم ينقطع فيه بنو إسرائيل عن العمل والنوم أحد التوفيين كما قال تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها أي ويتوفى التي لم تمت في منامها وذلك لما بينهما من المشاركة التامة في انقطاع أحكام الحياة فالتنوين للنوعية أي وجعلنا نومكم نوعاً من لموت وهو الموت الذي ينقطع ولا يدوم إذ لا ينقطع ضوء الروح إلا عن ظاهر البدن وبهذا الاعتبار قيل له أخو الموت والنوم بمقدار الحاجة نعمة جليلة قويل سبتا أي قطعاً عن الاحساس والحركة لا راحة القوى الحيوانية وإزاحة كلالها والأول هو اللائق بالمقام كما ستعرفه {وَجَعَلْنَا الَّيْلَ} الذي يقع فيه النوم {لِبَاسًا} يقال لبس الثوب استتر به وجعل اللباس لكل ما يغطي الإنسان عن قبيح فجعل الزوج لزوجها لباساً من حيث إنها تمنعه وتصده عن ععطاي قبيح كذا ابعل وأيضاً من حيث الاشتمال قال تعالى : {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} وجعل التقوى لباساً على طريق التمثيل والتشبيه وكذا جعل الخوف والجوع لباساً على التمثيل والتشبيه تصويراً له وذلك بحسب ما يقولون تدرع فلان الفقر ولبس لجوع والمعنى لباساً يستركم بظلامه كما يستركم اللباس ولعل المراد به ما يستتر به عند النوم من اللحاف ونحوه فإن شبه الليل به أكمل واعتباره في تحقيق المقصد أدخل صاحب فتوحات آورده شب لباس أصحاب لل است كه ايشانرا از نظر اغيار بوشاند تادر خلوت خود لذتت مكالمه يا محاضره يا مشاهده هريك فراخور استعداد خود برخوردارى يا بند حضرت شيخ الإسلام قدس سره فرمودكه كه شب رده روندكان راهست روز بازار بيدار إن سحركاه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
الليل للعاشقين ستر
يا ليت أوقاته تدوم
ون دردل شب خيال أويار منست
من بنده شب كه روز بازار منست
فهو تعالى جعل الليل محلاً للنوم الذي جعل موتاً كما جعل النهار محلاً لليقظة المعبر عنا بالحياة في قوله تعالى : وجعلنا النهار معاشا} أي وقت عيش أي حياة تبعثون فيه من نومكم الذي هو أخو الموت كما في قوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا} وجعل النهار نشوراً ولم يقل وجعل يقظتكم حياة لتتم المطابقة بينه وبين قوله : وجعلنا نوكم سباتاً بل عبر عن اليقظة النهار لكونه مستلزماً لها غالباً ولمراعاة مطابقة وجعلنا الليل ومنه يعلم قوله : وجلنا الليل لسي مستطرداً في البيت لذكر النوم في القرينة الأول فمعاش مصدر من عاش يعيش عيشاً ومعاشاً ومعيشة وعيشة وعلى هذا لا بد من تقدير المضاف ولذا قدروا لفظ الوقت ويحتمل أن يكون اسم زمان على صيغة مفعل فلا حاجة حينئذٍ إلى تقدير المضاف وتفسيره بوقت معاش إبراز لمعنى صيغة اسم الزمان وتفصيل لمفهومها.
وفي التأويلات النجمية : ألم نجعل أرض البشرية مهد استراحتكم وانتشاركم في أنواع المنافع البشرية وجبال نفوسكم القاسية قوائم أرض البشرية وخلقناكم أزواجاً زوج الروح وزوج النفس أو ذكر القلب وأنثى النفس
295
(10/228)
وجعلنا نومكم غفلتكم راحة واستراحة باستيفاء اللذات واستقصاء الشهوات وجعلنا ليل طبعتكم سترا لنهار روحانيتكم وجعلنا نهار روحانتيكم معاشاً تعيشون فيه بالطاعات والعبادات وهذه صورة البعث ونينا فوقكم} وبنا كرده ايم برسر شمارا {سَبْعًا شِدَادًا} جمع شديد أي سبع سموات قوية الخلق محكمة البناء لا يأثر فيها مر الدور ووكر العصور وقال أبو الليث : غلاظاً غلظ كل سما مسيرة خمسمائة عام والتعبيري عن خلقها بالبناء مبني على تنزيلها منزلة القباب المضروبة على اللخق وفيه إشارة إلى طبقات القلب السبع الأولى طبقة الصدور وهي معدن جوهر الإسلام والثانية طبقة القلب وهي محل جوهر الإيمان والثالثة الشغاف وهي معند العشق والمحبة والشفقة والرابعة الفؤاد وهو معدن المكاشفة والمشاهدة والرؤية والخامسة حبة القلب وهي مخصوصة بمحبة الله تعالى لا تعلق بها مبحة الكونين وعشق العالمين والسادسة السويداء وهي معدن العلم اللدني وبيت الحكمة والسابعة ببيت المعزة وهي قلب ولا كملين وفي هذا البيت أسرار إلهية الدني وبيت الحكمة والسابعة بيت العزة وهي قلب ولا كملين وفي هذا البيت أسرار إلهية لا تخرج من الباطن إلى الظاهر أصلاً ولا يظهر منها أثر قطعاً {وَجَعَلْنَا} أنشأنا وأبدعنا {سِرَاجًا} هو الشمس والتعبير عنها بالسراج من روادف التعبير عن خلق السموات بالبناء قال الراغب : السراج الزاهر بفتيلة ودهن ويعبر به عن كل شيء مضيء ويقال للسراج مصباح {وَهَّاجًا} وقاداً متلألئاً من وهجت النار إذا أضاءت أو بالغاً في الحرارة من الوهج وهو الحر وهو ما قال بعض المفسرين : سراجاً وهاجاً أي مضيئاً جامعاً بين النور والحرارة يعني راغى افروخته وتابان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
يقال : إن الشمس والقمر خلقا في بدء رهما من نور العرش ويرجعان في القيامة إلى نور العرش وذلك فيما روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه قال ألا أحدثكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول في الشمس والقمر وبدء خلقهما مصير أمرهما قال قلنا بلى يرحمك الله فقال إن رسول عليه السلام سئل عن ذلك فقال إن الله تعالى لما أبرز خلقه أحكاماً ولم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسين من نور عرشه فأما ما كان في سابق علمه أن يدعها شمساً فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها وما كان في سابق علمه إن يطمسها ويحولها قمراً فإنه خلقها دون الشمس في لعظم ولكن إنما يرى صغرهما لشدة ارتفعهما في السماء وبعدهما من الأرض فلو ترك الله الشمس والقمر كما كان خلقهما في بدء أمرهما لم يعرف الليل من النهار ولا لنهار من الليل ولا يدري الأجير متى يعمل ومتى يأخذ ره ولا يدري الصائم متى يصوم ومتى يفطر ولا دري المرى متى تعتد ولا يدري المسلمون متى وقت صلاته ومتى وقت حجهم فكان الرب تعالى انظر لعباده وارحم بهم فأرسل جبريل فأمر جناحه على وجه القمر فطمس منه الضوء وبقي فيه النور فذلك قوله تعالى : {وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءَايَتَيْنِا فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَآ ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخطوط فيه فهو أثر المحو قال فإذا قامت القيامة وقضى الله بين الناس وميز بين أهل الجنة ولنار ولم يدخلوهما بعد يدعو الرب تعالى بالشمس والقمر ويجاء بهما أسودين مكورين قد وقفاً في زلازل وبلابل ترعد فرائضهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن فإذا كانا
296
حيال العرش خر الله ساجدين فيقولان الهنا قد علمت طاعتنا لك ودأبنا في عبادتك وسرعنا للمضي في رك أيام الدنيا فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا فقد علمت أنا لم ندعهم إلى عبادتنا ولم نذهل عن عبادتك فيقول الرب صدقتما إني قد قضيت على نفسي أن أبدىء وأيعد وإني معيدكما إلى ما أبدأتكما منه فارجعا إلى ما خلقتكما منه فيقولان ربنا مم خلقتنا فيقول خلقتكما من نور عرشي فارجعا إليه قال فتلمع من كل وحدم نهما برقة تكاد تخطف الأبصار نوراً فيختلطان بنور لعرش فذلك قوله تعالى يبدىء ويعيد كذا في كشف الأسرار وقال الشيخ رضي الله عنه في الفتح المكي وأما الكواكب كلها فهي في جهم مظلمة الأجرام عظيمة الخلق وكذلك الشمس والقمر والطلوع والغروب لهما في جهم دائماً انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
يقول الفقير لعل التوفيق بين هذا وبين الخبر السابق إن كلا من الشمس والقمر حامل لشيئين النورية والحرارة فما كان فيهما من قبيل النور فيتصل بالعرش من غير جرم لأن الجرم لا يخلو من الغلظة والظلمة والكثافة وما كان من قبيل النار والحرارة فيتصل بالنار مع جرمهما فكل منهما يرجع إلى أصله فإن قلت كان الظاهر إن يتصل نورهما بنور النبي عليه السلام لأنهما مخلوقان من نوره قلت : إن العرش والكرسي خلقا من نوره وخلق القمران من نور العرش فهما في الحقيقة مخلوقان من نور النبي عليه السلام ومتصل نورهما بنوره والكل نوره والحمد تعالى.
(10/229)
شمسه مسند وهفت اختران
ختم رسل خواجه يغمبران
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص297 حتى ص308 رقم31
وأنزلنا} النون للعظمة وللإشارة إلى جمعية الذات والأسماء والصفات {مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} هي السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر ولم تعصرها بعد فالإنزال من المستعد لا من الواقع وإلا يلزم تحصيل الحاصل وهمزة اعصر للحينونة والمعصرات اسم فاعل يقال أحصد الزرع إذا حان له أن يحصد وأعصرت الجارية أي حان لها أن تعصر الطبيعة رحمها فتحيض وفي المفردات المعصر المرأة التي حاضت ودخلت في عصر شبابها انتهى.
ولو لم تكن للحينونة لكان ينبغي أن يقرأ المعصرت بفتح الصاد على إنه اسم مفعول لأن الرياح تعصرها ويجوز أن يكون المراد من المعصرات الرياح التي حان لها أن تعصر فتمطر فهي أيضاً اسم فاعل والهمزة للحينونة كذلك فإن قيل لم لم تجعل الهمزة للتعدية قلنا لأن الرياح عاصرة لا معصرة {مَآءً ثَجَّاجًا} أ منصباً بكثرة والمراد تتابع القطر حتى يكثر الماء فيعظم النفع به يقال ثج الماء أي سال بكثرة وانصب وثجه غيره أي أساله وصيه فهو لازم ومتعد ومن الثاني قوله عليه اسلام أفضل الحج العج والثج أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدى وفسره الزجاج بالصباب كأه يثج نفسه مبالغة فيكون متعدياً ولا منافاة بن هذا وبين قوله تعالى : [لقمان : 10-15]{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءَ} فإن ابتداء المطر إن كان من السماء يكون الإنزال منها إلى سحاب ومنه إلى الأرض وإلا فإنزاله منها باعتبار تكونه بأسباب سماوية من جملتها حرارة الشمس فإنها تثير وتصعد الأجزاء المائية من أعماق الأرض الرطبة أو من البحار والأنهار إلى جو الهواء فتنعقد سحاباً فتمطر فالإنزال من المعصرات حقيته
297
ومن السماء مجاز باعتبار السببية والله مسب الأسباب لنخرج به} أي بذلك الماء أي بسبب وصوله إلى الأرض واختلاطه بها وبما فيها وهذه اللام لام المصلحة لا لأم الغرض كما تقول المعتزلة
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
{حَبًّا} كثيراً يقتات به أي يكون قوتاً للإنسان وهو ما يقوم به بدنه كالحنطة والشعير ونحوهما وفي عين المعاني الحب اسم جنس يعني به الجمع قال الراغب الحب والحبة.
يعني : بالفتح يقال في الحنطة والشعير ونحوهما من المطعومات والحب والحبة يعني بلكسر يقال في بزور الرياحين وحبة القلب تشبيهاً بالحبة في الهيئة {وَنَبَاتًا} كثيراً يعتلف به أي يكون علفاً للحيوان كالتبن والحشيش كما قال تعالى : [طه : 54-16]{كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَـامَكُمْ} وتقديم الحب مع تأخره عن النبات في الإخراج لأصلته وشرفه لأن غالبه غذاء الناس ويقال لنخرج به لؤلؤاً وعشباً قال عكرمة ما أنزل الله قطرة إلا أنبت بها عشبة في الأرض أو لؤلؤة في البحر انتهى.
وهو مخالف للمشهور من أن اللؤلؤ لا يتكون من كل مطر بل من المطر النازل في نيسان إلا أن يعمم اللؤلؤ إلى الدر وغيره وجنات} ليتفكه بها الإنسان والجنة في الأصل هي السترة من مصدر جنه إذا ستره تطلقه على النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه وعلى الأرض ذات الشجر قال الفراء الجنة ما فيه النخيل والفردوس ما فيه الكرم والمراد هنا هو الأشجار لا الأرض {أَلْفَافًا} أي ملتفة تداخل بعضها في بعض وهذا من محسنات الجنان كما ترى في بساتين الدنيا وبالفارسية درهم بييده يعني بسيار ونيكديكر نزديك.
قالوا لا واحد له كالأوزاع والأخياف الأوزاع بمعنى الجماعات المتفرقة كالأخياف فإنه أيضاً بمعنى الجماعات المتفرقة المختلطة ومنه الأخياف للأخوة من آباء شتى وأمهم واحدة أو الواحد لف ككن وأكنان أو لفيف كشريف وأشراف وهو جمع لف جمع لفاء كخضر وخضراء فيكون ألفاًا جمع الجمع أو جمع ملتفة بحذف الزوائد قال ابن الشيخ قدم ذا الحب لأنه هو الأصل في الغذاء وثنى بالنبات لاحتياج سائر الحيوانات إليه وأخرت الجنات لانعدام الحاجة الضرورية إلى الفواكه.
واعلم أن فيما ذكر من أفعاله تعالى دلالة على صحة البعث وحقيته من وجوه ثلاثة الأول باعتبار قدرته تعالى فإن من قدر على إنشاء هذه الأفعال البديعة من غير مثال يحتذيه وقانون ينتحيه كان على الإعادة أقدر وأقوى والثاني باعتبار علمه وحكمته فإن من أبدع هذه المصنوعات على نمط رائق مستتبع لغايات جليلة ونمافع جميلة عائدة إلى الخلق يستحيل إن يفنيها بالكلية ولا يجعل لها عاقبة باقية والثالث باعتبار نفس الفعل فإن اليقظة بعد النوم أنموذج للبعث بعد الموت يشاهدونها كل يوم وكذا إخراج الحب والنبات من الأرض الميتة يعاينونه كل حين كأنه قيل ألم تفعل هذه الأفعال الآفاقية والأنفسية الدالة يفنون الدلالات على حقية البعث الموجبة للإيمان به فمالكم تخوضون فيه إنكاراً وتتساءلون عنه استهزاء.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
(10/230)
وفي التأويلات النجمية وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً أي من سموات الأرواح بتحريك نفخات الألطاف مياه العلوم الذاتية والحكم الربانية صباً صباً لتخرج به حباً ونباتاً أي أنزلنا من سحائب سموات أرواحكم على أرض قلوبكم ماء العلوم والحكم لنخرج به حب المحبة الذاتية ونبات الشوق ولاشتيقا والود والانزعاج والعشق وأمثالها وجنات
298
ألفافاً جنة المحبة وجنة المودة وجنة العشق ملتف بعضها ببعض {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ} أي فصل الله بين الخلائق وبين السعداء والأشقياء باعتبار تفاوت الهيئات والصور والأخلاق والأعمال وتناسبها {كَانَ} في علمه وتقديره الأزلي وإلا فثبوت المقاتية ليوم الفصل غير مقيد بالزمان الماضي لأنه أمر مقرر قبل حدوث الزمان أيضاً {مِيقَـاتًا} وميعاد البعث الأولين والآخرين وما يترتب عليه من الجزاء ثواباً وعقاباً لا يكاد يتخطاه بالتقدم والتأخر فالميقات وهو الوقت الموقت أي المعين أخص من مطلق الوقت فهو هنا زمان مقيد بكونه وقت ظهور ما وعد الله من البعث والجزاء {يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ} بدل من يوم الفصل أو عطف بيان له مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله ولا ضير في تأخر الفصل عن النفخ فإنه زمان ممتد يقع في مبدئه النفخة وفي بقيته الفصل ومباديه وآثاره والنفخ نفخ الريح في الشيء ومنه نفخ الروح في النشأة الأولى كما فقال ونفخت فيه من روحي ويقال انتفخ بطنه ومنه استعير انتفخ النهار إذا ارتفع ورجل منفوخ أي سمين والصور القرن النوراني والنافخ فيه إسرافيل عليه السلام ، والمعنى يوم ينفخ في الصور نفخة ثانية للبعث حتى تتصل الأرواح بالأجساد وترجع بها إلى الحياة {فَتَأْتُونَ} خطاب عام والفاء فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليها وإيذاناً بغاية سرعة الإتيان كما في قوله تعالى : [البقرة : 60-18]{فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ} أي فتبعثون من قبوركم فتأتون إلى الموقف عقيب ذلك من غير لبث أصلاً أفواجاً} جمع فوج وهو جماعة من الناس في "المفردات" الجماعة المارة المسرعة أي حال كونكم أمما كل أمة مع أمامها كما في قوله تعالى : {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسا بِإِمَـامِهِمْ} أو زمراً وجماعات مختلفة الأحوال متباينة الأوضاع حسب اختلاف أعمالهم وتباينها عن معاذ رضي الله عنه أنه سأل عنها رسول الله فقال عليه السلام : يا معاذ سألت عن أمر عظيم من الأمور ثم أرسل عينيه وقال تحشر عشرة أصناف من أمتي بضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها يعني نكونسارن كه ايشانرا بروى بدوزخ ميكشند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
وبعضهم عمى وبعضهم صم بكم وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهي مدلاة على صدورهم يسيل القبح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم وبعضهم صلبون على جوذع من نار يعني بردارهاي آتشين آويخته.
وبعضهم أشدتنا من الجيف وبعضهم ملبسون جباباً سابة من قطران لازقة بجلودهم فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس وهو بالضم جمع قات بالتشديد بمعنى النمّام يعني سخن ين.
(حكى) إن رجلاً بع عبداً وقال للمشتري ما فيه عيب إلا النمية فقال رضيت فاشتراه فمكث الغلام أياماً ثم قال لزوجة مولاه إن زوجك لا يحبك وهو يريد أن تتسرى عليك فخذي الموسى وأحلقي من قفاه حين ينام شعرات حتى أسحر عليه فيحبك ثم قال للزوج إن امرأتك أخذت خليلاً وتريد أن تقتلك فتناوم لها حتى تعرف فتناوم فجاءت المرأة بالموسى فظن إنها تقتله فقام فقتلها فجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج فوقع القتال بين القبيلتين وطال الأمر وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت أي الحرام لأنه يسحت الدي والمروءة أي يستأصل وأما المنكسون
299
على وجوههم فأكلة الربا والتنكيس تعكيس هيئة القيام على الرجل بأن يجعل الرجل أعلى والرأس أسفل وبالفارسية نكو نسار كردن.
وأما العمى فالذين يجورون في الحكم وأما إليكم فالمعجبون بأعمالهم وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف قولهم أعمالهم وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون جيرانهم وأما المصلبون على جذوع من النار فالسعاة بين الناس إلى السلطان يعني غمازان وسعايت كتند كان بسلاطين وملوك.
(10/231)
وأما الذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات والذت ويمنعون حق الله في أمولهم وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخبلاء جمع جبة وهو ثوب معروف وفي لحديث نشر على ترتيب اللف وبيان المناسبة بين معاصيهم وبين الصور التي يحشرون عليها يطلب من علم التعبير ثم إنه فصل هيئت أهل المعاصي مع الأسباب المؤدية إليها لأنه أم إذ التخلية قبل التحلية واكتفى بالإشارة الإجمالية إلى هيئت الصالحين بقوله من أمتي يمن التبعيضية والحاصل إنه كما إن الأشقياء يحشرون على صور أعمالهم القبيحة كذلك السعداء يحشرون على صور أعمالهم الحسنة حتى يكون وجوه بعضهم كالقمر ليلة البدر أو كالشمس على ما جاء في صحيح الروايات وقال بعضهم المراد أمة الدعوة فتعم أصناف الكفرة والمؤمنين لا أمة الإجابة وإلا فالخوف على المؤمنين أيضاً في نهاية المرتبة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
يقول الفقير : الظاهر الثاني وهو إن المراد من الأمة الأشقياء من أهل الإجابة دل عليه إرساله عليه السلام عينيه حين البين وكذا بيان أصناف الأعمال من غير إدخال الكفر فيها إذ صور الكفرة أقبح مما ذكر في الحديث على ما ذكر في الأخبار الصحيحة ثم الحديث ذكره الثعلبي ونحوه في التفاسير وقبله أهل الطرفين ولا عبرة بما ذهب إليه ابن جحر من أنه ظهر وضع فإنه من الجهل بحقيقة الأمر إذ يوم القيامة يوم ظهور الصفات كما دل عليه قوله تعالى : يوم تبلى السر آثر ولا شك أن لكل صفة صورة مناسبة لها حسنة أو قبيحة ولم تنكره أحد من العقلاء على أنا وإن سلمنا أن لفظ الحديث موضوع فمعناه صحيح مؤيد بالأخبار الصحيحة فيا أيها المؤمن لا تكن قاسي القلب كالحجر وكن ممن يتفجر من قلبه أنهار الفيوض وينابيع الحكم واتهد أن لا تكون منم قيل فيه حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء فمن عباد الله المخلصين من يأخذ نم الله بلا واسطة الكتاب وإسناده فإنه مرتبة باقية إلى يوم القيامة قل من وضع قدمه عليها فلذا كثر الإنكار وأكب الناس على الرسوم والظواهر من غير إطلاع على الحقائق والبواطن نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل معرفته وفتحت السماء} عطف على ينفخ بمعنى تفتح وصيغة الماضي للدلالة على التحقق أي شقت وصدعت من هبة الله بعد أن كانت لا فطور فيها وبالفارسية وشكفته شود آسمان دران روز {فَكَانَتْ} س باشد ازبسبارى شكاف {أَبْوَابًا} ذات أبواب كثيرة لنزول الملائكة نزولاً غير معتاد وهو المراد بقوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام وهو الغمام الذي ذكر في قوله تعالى : {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} أي : أمره وبأسه في ظلل من الغمام والملائكة وقيل المراد من الفتح الكشف بإزالتها من مكانها كما قال تعالى : وإذا السماء كشطت ومن الأبواب الطرق والمسالك أي تكشط فتصير مكانها طرقاً
300
لا يسدها شيء وسيرت الجبال} المسير هو الله تعالى كما قال ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة أي وسيرت الجبال في الجو بتسيير الله وتسخيره على هيئاتها بعد قلعها عن مقرها وبالفارسية ورانده شود كوهها درهوا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
(10/232)
وذلك عند حشر الخلائق بعد النفخة الثانية ليشاهدوها ثم يفرقها في الهواء وذلك قوله تعالى : {فَكَانَتْ سَرَابًا} السراب ما تراه نصف النهار كأنه ماء.
قال الراغب : هو اللامع في المفازة كالماء وذلك لا نسرا به فى مرأى العين أي ذهابه وجرينه وكأن السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حيقة أي فصارت بتسييرها مثل اسراب أي شيئاً كلا شيء لتفرق أجزائها وانبثاث جواهرها كقوله تعالى : [الواقعة : 5]{وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنابَثًّا} أي غباراً منتشراً وهي وإن اندكت وانصدت عند النفخة الأولى لكن تسييرها كالسحاب وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية قيل : أول أحوال الجبال الاندكاك والانكسار كما قال تعالى : وحملت الأرض والجبال فد كتادكة واحدة وحالتها الثنية أن تصير كالعهن المنفوش وحالتها الثالثة أن تصير كالهباء وذلك بأن تنقطع وتتبدد بعد أن كان كالعهن كما قال فكانت هباء منبثاً وحالتها الرابعة أن تنسف وتقلع من أصولها لأنها مع الأحوال المتقدمة غارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها بإرسال الرياح عليها وهو المراد من قوله : فقل ينسفها ربي نسفاً وحالتها الخامسة إن الرياح ترفعها عن وجه الأرض فتطيرها في الهواء كأنها غبار وهو المراد بقوله تعالى : وترى الجبال تحسها جامدة وهي تمر مر السحاب أي تراها في رأي العين ساكنة في أماكنها والحال إنها تمر مر السحاب التي تسيرها الرياح سيراً حثيثاً وذلك إن الإجرام إذا تحركت نحواً من الأنحاء لا تكاد تتبين حركتها وإن كانت في غاية السرعة لا سيما من بعيد والحالة السادسة أن تصير سراباً يقول الفقير فيه إشارة إلى إزالة أنانية النفوس وتعيناتها فإنها عند القيامة البكرى التي هي عبارة عن الفناء في الله تصير سراباً حتى إذا جثها لم تجدها شيئاً ولكن العوام المحجوبون إذا رأوا أهل الفناء يأكلون مما يأكلون منه ويشربون مما يشربون منه يظنون إن نفوسهم باقية لبقاء نفوسهم لكنهم يظنون بهم الظن السوء إذ بنهم وبينهم بون بعيد قطعاً وفاروق عظيم جداً لأنهم أزالت رياح العناية والتوفيق جبال نفوسهم عن مقار أرض البشرية وجعلها الله متلاشية وفتحت سماء أرواحهم فكانت أباباً كباب السر والخفي والأخفى فدخلوا من هذه الأبواب إلى مقام أو أدنى فكانوا مع الحق حيثك ان الحق معهم ثم نزلوا من هذه الأبواب العالية الحقيقية الناظرة إلى عالم الولاية فدخلوا في أبواب العقل والقلب والمتخيلة والمفكرة والحافظة والذاكرة فكانوا في مقام قاب قوسين مع الخلق حيث كان الخلق معهم فلم يحتجبوا بالخلق عن الحق الذي وهو جانب الولاية ولا بالحق عن الخلق الذي هو جانب النبوة فكانوا في الظاهر مصداق قوله تعالى يوحي إلى فأين المحوبون عن مقامهم وإني لهم إدراك شأنه وحقيقة أمرهم إن جهنم كان مرصادا} أي إنها كانت في حكم الله وقضائه موضع رصد يرصد فيه ويرقب خزنة النار الكفار ليعذبوهم فيها فالمرصاد اسم للمكان الذي ير صدفيه كالنهاج اسم للمكان الذي ينهج فيه أي بسلك.
قال الراغب : المرصاد موضع الرصد
301
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
كالمرصد لكن يقال للمكان الذي اختص بالترصد والترقب وقوله إن جهم كانت مرصاداً تنبيه على إن عليها مجاز الناس انتهى.
كأن عمم المرصاد حيث إن الصراط محبس للأعداء وممر للأوليا والأول أولى لأن الترصد في مثل ذلك المكان الهائل إنما هو للتعذيب وهو للكفار والأشقياء {لِلطَّـاغِينَ} ممتعلق بمضمر هو أما نعت لمرصادا أي كائناً للطاغين وقوله تعالى {مَـاَابًا} بدل منه أي مرجعاً يرجعون إليه لا محالة وإما حال من مآبا قدمت عليه لكونه نكرة ولو تُرت لكانت صفة له قالوا الطاغي من طغى في دينه بالكفر وفي دنياه بالظلم وهو في اللغة من جاوز الحد في العصيان والمراد هنا المشركون لما دل عليه ما بعده من الآيات وعد أنهم لا يتناهى لكون اعتقادهم باطلاً وكذا إذا لم يعتقدوا شيئاً أصلاً وإن كان الاعتقاد صحيحاً كالمؤمن العاصي فعذابه متناه {لَّـابِثِينَ فِيهَآ} حال مقدرة من المستكن في للطاغين أي مقدرين اللبث فيها واللبث أن يستقر في المكان ولا يكاد ينفك عنه يقال ليث بالمكان أقام به ملازماً له {أَحْقَابًا} ظرف للثهم وهو مع حقب وهو ثمانون سنة أو أكثروا لدهر والسنة أو السنون كما في "القاموس" وأصل الحقب من الترادف والتتابع يقال أحقب إذا أردف ومنه الحقيبة وهي الرفادة في مؤخر القتب وكل ما شد في مؤخر رحل أو قتب فقد حتقب والمحقب المردف وفي تاج المصادر الأحقاب در حقيبه نهادن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
(10/233)
ومنه الحديث فأحقبها على ناقة أي أردفا على حقيبة الرحل والأرداف أزى فراشدن وازى كس در نشتن ودر نشاندن فمعنى أحقاباً دهورا متتابعة كلما مضى حقب تبعة حقب آخر إلى غير نهاية فإن الحقب لا يكاد يستعمل إلا لإيراد تتابع الأزمنة وتواليها كا قال أبو الليث إنما ذكر أحقاباً لأن ذلك كان أبعد شيء عندهم فذكر وتكلم بما يذهب إليه أوهامهم ويعرفونها وهو كناية عن التأييد أي يمكثون فيها أبدا انتهى.
دل عليه أن عمر رضي الله عنه سأل رجلاف من هجر عن الأحقاب فقال : ثمانون سنة كل يوم منها ألف سنة انتهى.
فإنهم إنما يريدون بمثله التأييد وكذا ما قال مجاهد : إن الأحقاب ثلاثة وأربعون حقباً كل حقب سبعون خريفاً كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً واليوم ألف سنة من أيام الدنيا كما روى ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وكذا لو أريد بالحقب الواحد سبعون ألف سنة اليوم منها ألف سنة كما روى عن الحبس البصري رحمه الله وقال الراغب : والصحيح أن الحقبة مدة من الزمان مهمة أي لا ثمانون عاماً وكذا قال في "القاموس" الحقبة بالكسر من الدهر مدة لا وقت لها انتهى.
والحاصل إن الأحقاب يدل على التاهي فهو وإن كان جمع قلة لكنه بنمزلة جمع كثرة وهو الحقوب أو بمنزلة الأحقاب المعرف بلام الاستغراق ولو كان فيه ما يدل على خروجهم منها فدلالته من قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق الدال على خلود الكفار كقوله تعالى : {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَـارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} لأن المنطوق راجح على المفهوم فلا يعارضه وقال أبو حيان المدة منسوخة بقوله فلن نزيدكم إلا عذاباً انتهى.
وسيأتي وجوه آخر لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقا} جملة مبتدأة ومعنى لا يذوقون لا يحسون وإلا فأصل الذوق وجود الطعم و(قال الكاشفي) : يعني نمى نمايند إلا أن يكون ذلك باعتبار الشراب والذوق في التعارف وإن كان للقليل فهو صالح للكثير
302
لوجود الذوق في الكثير أيضاً والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار وإلا فهم يذوقون في جهنم بد الزمهرير أي برداً ينتفعون به ويميلون إليه فتنكيره للنوعية قال قتادة كنى بالبرد عن الروح لما بالعرب من الحر حتى قالوا برد الله عيشك أي طيبه اعتباراً بما يجد الإنسن من اللذة في الحر من البرد وقال الراغب أصل البرد خلاف الحرارة وبرد كذا إذا ثبت ثبوت البرد واختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الجركة بالحر وبرد الإنسان مات وبده قتله ومنه السيوف لبوارد وذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح أو لما عرض له من السكون وقولهم للنوم برد إما لما يعرض له من البرد في ظهر جلده لأن النم يبرد صاحبه ألا ترى إن العطشان إذا نام سكن عطشه أو لما يعرض له من السكون وقد علم أن النوم من جنس لموت وقوله تعالى : {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا} أي نوماً حتى يستريحوا وبالفارسية تا آسايش يابدن وبرودت كسب كنند انتهى.
بزيدة والمراد بالشراب ما يسكن عطشهم وإلا بمعنى لكن والحميم الماء الحار الذي انتهى حره.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
وآن آبيست كه ون نزديك روى آرند كوشت روى دران ريزد وون بخورد امعا واحشا اره اره شود.
(10/234)
والغساق ما يغسق أي يسيل من جلود أهل النار ويقطر من صديدهم وقيحهم أخبر الله تعالى عن الطاغين بأنهم لا يذوقون في جهنم شيئاً ما من برد وروح ينفس عنهم حر النار ولا من شراب يسكن عطشهم ولكن يذوقون فيها حميماً وغساقاً فالاستثناء منقطع وقال الزجاج لا يذقون فيها برد رح ولا برد ظل ولا برد نوم فجعل البرد برد كل شيء له راحة فيكون قوله ولا شراباً بمعنى ولا ماء بارداً تخصيصاً بعد التعميم لكماله في الترويح فيكون مجموع البلاد والشراب بمعنى المروح فيكون قوله إلا حميماً وغساقاً مستثنى منقطعاً من البرد والشراب وإن فسر الغساق بالزمهرير فاستثناؤه من البرد فقط دون الشراب لأن الزمهرير ليس بما يشرب كما إن استثناء حميماً من الشراب والتأخير لتوافق رؤوس الآي ويؤيد الأول قوله عليه السلام لو أن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لا نتن أهل الدنيا وإن فسر ما يسيل من صديدهم فالاستثناء من الشراب وعن ابن مسعود رضي الله عنه الساق لون من ألوان العذاب وهو البلاد الشديد حتى إن أهل النار إذا ألقوا فيه سألوا الله أن يعذبهم في النار ألف سنة لما رأوا أهون عليهم من عذاب الزمهرير يوماً واحداً وقال شهرين حوشب الغساق واد في النار فيه ثلاثمائة وثلاثون شعباً في كل شعب ثلاثمائة وثلاثون بيتاً في كل بيت أربع زوايا في كل زاوية شجاع كأعظم ما خلق الله من الخلق في رأس كل شجاع سم والشجاع الحية هذا وقد جوز بعضهم أن يكون لا يذوقون حالاً من المنوى في لابثين لا كلاماً مستأنفاً أي لا بنين فيها أحقاباً غير ذائقين فيها شيئاً سواهما ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم والغساق من جنس رُر من العذاب فكيون حالاً متداخلة ويكون قوله أحقاباً ظرف لابثين المقيد بمضمون لا يذوقون وانتهاءه ذا المقيد لا يستلزم انتهاء مطلق اللبث فهو توقيت للعذاب لا للمكث في النار عن ابن مسعود رضي الله عنه لو علم أهل النار إنهم يلبثون في النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ولو علم أهل الجنة إنهم يلبثون في الجنة عدد حضى الدنيا لحزنوا وأيضاً يجوز أن يكون أحقاباً ظرفاً منصوباً بلا يذوقون على قول من يرى تقديم معمول ما بعد لا عليها لا ظرفاً
303
(10/235)
لقوله لابثين فحينئذٍ لا يكون فيه دلالة على تناهي الليث والخروج حيث لم يكون أحقاباً ظرف اللبث وأيضاً يجوز أن يكون أحقاباً ليس بظرف أصلاً بل هو حال من الضمير المستكن في لابثين بمعنى حقيين أي نكدين محرومين من الخير والبركة في السكون والحركة على أن يكون جمع حقب بفتح الحاء وكسر القاف من حقب الرجل إذا حرم الرزق وحقب العام إذا قل خيره ومطره وقوله لا يذوقون فيها برداً تفسير لكيدهم ولا يتوهم حينئذٍ تناهى مدة لبثهم فيها حتى يحتاج إلى التوجيه هذا ما قالوه في هذا المقام وروى عن عبد الله بن عمر وابن العاص رضي الله عنه إنه قال سيأتي على جهنم يوم تصفق أبوابها أي يضرب بعضها بعضاً وقد أسندت هذه الرواية إلى ابن مسعودرضي الله عنه كما في العرائس ويروى عنه إنه قال ليأتين على جهم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقاباً وفي العرائس أيضاً وقال الشعبي جهنم أسرع الدارين عمر أنا وأسرعهما خراباً وفي الحديث الصحيح ينبت الجرجير في قعر جهم أي لانطفاء النار وارتفاع العذاب بمقتى قوله سبقت رحمتي على غضبي كما في شرح الفصوص لداود القيصري والجرجير بالكسر بقلة معروفة كما في القاموس وقال المولى الجامي رحمه الله في شرح الفصوص أيضاً أعلم أن لأهل النار الخالدين فيها كما يظهر في كلام الشيخ رضي الله عنه وتابعيه حالات ثلاثاً الأولى إنهم إذا دخلوها تسلط لعذاب على ظواهرهم وبواطنهم وملكهم الجزع والاضطراب فطلبوا أن يخف عنهم العذاب أو أن يقضي عليهم أو أن يرجعوا إلى الدنيا فلم يجابوا إلى طلباتهم والثانية إنهم إذا لم يجابوا إلى طلباتهم وطنوا أنفسهم على العذاب فعند ذلك رفع الله العذاب عن بواطنه وخبت نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة والثالثة أنهم بعد مضي الأحقاب ألفوا العذاب وتعودوا به ولم يتعذبوا بشدته بعدطول مدته ولم يتألموا به وإن عظم إلى أن آل أمرهم إلى أن يتلذذوا به ويستعذبوه حتى لو هب عليهم نسيم من الجنة استكرهوه وتعذبوا به كالجعل وتأذيه برئحة الورد عافانا الله وجميع المسلمين من ذلك والجعل بضم اليم وفتح اليعن دويبة تكون بالروث والجمع جعلان بالكسر وقال المولى رمضان والمولى صالح الدين في شرح العقائد قا بعض الإسلاميين كل ما أخبر الله في القرآن من خلود أهل الدارين حق لكن إذا ذبح كبش الموت بين الجنة والنار ونودي أهلهما بالخلود فيهما أيس أهل النار من الخلاص فاعتادوا بالعذاب فلم يتألموا به حتى آل أمرهم إلى أن يتلذذوا به والوهب عليهم نسيم الجنة استكرهوا وتعذبوا به كالجعل يستطيب الروث ويتألم من الورد فيصدق حينئذٍ قوله تعالى : إن الله يغفر الذنوب جميعاً على عمومه لارتفاع العذاب عنهم ويصدق أيضاً قوله تعالى : لا يخفف عنهم العذاب لأن المراد العذاب المقدر لهم وقال بعض إلا كامل فكما إذا استقرا هل دار الجمال فيها يظهر عليهم أثر الجمال ويتذوقون به دائماً أبداً ويختفى جلال الجمال وأثره بحيث
304
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
(10/236)
يحسونه ولا يرونه ولا يتألمون به قطعاً سرمداً فكذلك إذا استقر أهل دار الجلال فيها بعد مرور الأحقاب يظهر على بواطنهم أثر جمال الجلال ويتذوقون به أبداً ويختفى عنهم أثر نار الجلال بحيث لا يحسونه ولا يرونه ولا يتألمون به سرمداف لكن ليس ذلك إلا بعد انقطاع حراق النار بواطنهم وظواهرهم بمرور الأحقاب وكل منهم تحرقه النار ألف سنة من سني الآخرة لشرك يوم واحد من أيام الدنيا والظاهر لعيهم بعد مرور الأحقاب هو الحال الذي يدوم عليهم أبداً وهو الحال الذي كانوا عليه في الأزل وما بينهما ابتلاآت رحمانية والابتلاء حادث قال تعالى : ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون عصمنا الله وإياكم من دار البوار انتهى.
فهذه كلمات القوم في هذه الآية ولا حرج في نقلها ونحن لا نشك في خلود الكفار وعذابهم أبداً فإن كان لهم العذاب عذاباًبعد مرور الأحقاب فقد بدالهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون كما أن المعتزلي يقطع في الدنيا بوجوب العذاب لغير التائب ثم قد يبدو له في الآخرة ما لم يكن يحتسبه من العفو وسئل الشيخ الامام مفتي الامام عز الدين ابن عبد السلام بعد موته في منام رآه السائل ما تقول فيما كنت تنكر من وصول ما يهدي من قراءة القرآن للموتى فقال هيهات وجدت الأمر خلاف ما كنت أظن قالوا خلود أهل النار من الكفار لا معارض له فبقي على عمومه وخلود أهل الكبائر له معارض فيحمل على المكث اطويل فأهل الظاهر والباطن متفقون على خلود الكفار سواء كانوا فيحمل على المكث الطويل فأهل الظاهر والباطن متفقون على خلود الكفار سواء كانوا فرعون وهامان ونمرودا ويغرهم وإنما اختلفوا في ارتفاع العذاب عن ظواهرهم بعد مرور الأحقاب وكل تأول بمبلغ علمه والنص أحق أن يتبع قال حجة الإسلام الكفرة ثلاث فرق منهم من بلغه اسم نبينا عليه السلام وصفته ودعوته كالمجاورين في دار الإسلام فهم الخالدون لا عذر لهم ومنهم من بلغه الاسم دون الصفة وسمع إن كذاباً مسلماً اسمه محمد ادعى النبوة ومنهم من لم يبلغه اسمه ولا رسمه وكل من هاتين الفرقتين معذور في الكفر ونقل مثله عن الأشعري كذا في شرح العقائد لمصلح الدين وقال المولى داود القيصري في شرح الفصوص الويعد هو العذاب الذي يتلعق بالاسم المتنقم وتظهر أحكامه في خمس طوائف لا غير لأن أهل النار إما مشرك أو كافر أو منافق أو عاص من المؤمنين وهو ينقسم إلى الموحد العارف الغير العامل والمحجوب وعد تسلط سلطان المنتقم عليهم يتعذبون بنيران الجحيم وأنواع العذاب غيرم خلدة على أهله لانقطاعه بشفاعة الشافعين وآخر من يشفع وهو أرحم الراحمين جزاء وفاقاً} أي جوروا بذلك جزاء وفاقاً لأعمالهم وأخلاقهم كأنه نفس الوفاق مبالغة أو ذا وفاق لها على حذف المضاف أو وافقها وفاقاً فيكون وفاقاً مصدراً مؤكداً لفعله كجزاء والجملة صفة لجزاء وجه الموافقة بينهما إنهم أتوا بمعصية عظيمة وهي الكفر فعوقبوا عقاباً عظيما وهو التعذيب بالنار فكما إنه لا ذنب أعظم من الشرك فكذا الأجزاء أقوى من التعذيب بالنار وجزاء سيئة سيئة مثلها فتوافقا وقيل كان وافقاً حيث لم يزد على قدر الاستحقاق ولم ينقص عنه قال سعدي المفتي : اعلم أن الكفار لما كان من نيتهم الاستمرار على الكفر كما سيشير إليه قوله تعالى :
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
{إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا} إذ معناه إنهم كانوا مستمرين على الكفر كما سيشير إليه قوله تعالى : إنهم كانوا لا يرجون حساباً إذ معناه إنهم كانوا مستمرين على الكفر كما سيشير إليه قوله تعالى : إنهم كان لا يرجون حساباً إذ معناه إنهم كانوا مستمرين على الكفر مع عدم توقع الحساب فوافقه عدم تناهي العذاب والليث فيها أحقاباً بعد أحقاب ولما كانوا مبدلين التصديق الذي
305
(10/237)
يروح النفس ويثلج به الصدر بالتكذيب الذي هو ضده جوزوا بالحميم والغساق بدل ما يجعل للمؤمنين مما يروحهم من برد الجنة وشرابها وللمناسبة بين الماء والعلم يعبر الماء في الرؤيا بالعلم وقال بعض أهل الحقئاق إن جهم الطبيعة الحيوانية يرصد فيها القوى البشرية وهي خزنة جهم طبيعية أرباب النفوس الأمارة والهوى المتبع للظالمين على نفوسهم بالاهوية والبدع والإباحة والزندقة والاتحاد والحلول والفضول مآبا لابثين فيها أحقاباً إلى وقت الانسلاخ عن حكم البشرية والتلبس بملابس الشريعة وخلع الطريقة والحقيقة لا يذوقون فيها رد اليقين برفع الحجاب عن وجه بشريتهم ولا شراب المحبة لانهماكهم في محبة الدنيا بسبب جهنم الطبيعة إلا حميماً وغساقاً يسيل من صديد طبيعتهم وقال القاشاني : إلا حميماً من أثر الجهل المركب وغساقاً من ظلمة هيئات محبة الجوهر الفاسقة والميل إليها جزاء موافقاً لما ارتكبوه من الأعمال وقدموه من العقائد والأخلاق وذلك العذاب لفساد العمل والعلم فلم يعلموا صالحاً رجاء الجزاء ولميعلموا علماً صالحاً فيصدقوا بالآيات إنهم كانوا لا يرجون حسابا} تعليل لاستحقاقهم الجزاء الذكور وبيان لفساد قوتهم العلمية أي كانوا ينكرون الآخرة ولا يخافون أن يحاسبوا بأعمالهم فلذا كانوا يقدمون على جميع المنكرات ولا يرغبون في شيء من الطاعات وفسر الرجاء بالخوف لأن الحساب من أصعب الأمور على الإنسان والشيء الصعب لا يقال فيه إنه يرجى بل يقال إنه يخاف ويخشى {وَكَذَّبُوا} بيان لفساد قوتهم النظرية {بآياتنا} الناطقة بذلك وفي بعض التفاسير بآياتنا القولية والفعلية الظاهرة على ألسنة الرسل وأيديهم {كِذَّابًا} أي تكذيباً مفرطاً ولذلك كانوا مصرين على الكفر وفنون المعاصي فعقوبوا بأهول العقاب جزاء وفاقاً وفعال من باب فعل شائع فيما بين الفصحاء مطرد مثل كلم كلاماً قال صاحب الكشاف وسمعني بعضهم أفسر آية فقال لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله قال بعضهم وأبدل من أحد حرفي تضعيف بعض الأسماء ياء لئلا يلتبس بهذا المصدر المشدد مثل الدينار فإن أصله الدنار ومثل السينات في قول عمر بن عبد العزيز لكاتبه في بسم الله طول الباء وأظهر السينات ودور الميم فإن أصله السنات جمع السن لا جمع السين لأنه ليس في البسملة إلا سين واحدة ويجوز أن يقال عبر عن السن بالسين مبالغة كأنه قيل اجعل سنه كسينه في الإظهار كما ذهب إليه الشريف
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
{وَكُلَّ شَىْءٍ} أي وأحصينا كل شيء من الأشياء التي من جملتها أعمالهم فانتصابه بمضمر يفسره قوله {أَحْصَيْنَـاهُ} أي حفظناه وضبطناه وذلك أي انتصابه بالإضمار على شريطة التفسير هو الراجح لتقدم جملة فعله ولا يضره كون هذه الجملة معترضة كما سيجيء أو لأن المقصود المهم هنا الأخبار عن الإحصاء لا الأخبار عن كل شيء {كِتَـابًا} مصدر مؤكد لأحصيناه من غير لفظه لما إن الإحصاء والكتابة من واد واحد أي يتشار كان في معنى الضبط كفأنه قال ولك شيء أحصيناه إحصاء مساويا في القوة والثبات بالعلم المقيد بالكتابة أو كتبناه كتاباً وأثبتناه إثباتاً ويجوز أن يكون من الاحتباك حذف فعل الثاني بقرينة الأول ومصدر الأول بقرينة الثاني أي
306
(10/238)
أحصيناه إحصاء وكتبناه كتاباً أو هو أي كتاباً حال بمعنى مكتوباً في الوح وفي صحف الحفظة والجملة اعتراض لتوكيد كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات بأنهما محفوظان للمجازاة.
قال القاشاني : وكل شيء من صور أعمالهم وهيئات عقائدهم ضبطناه ضبطاً بالكتابة عليهم في صحائف نفوسهم وصحائف النفوس السماوية {فَذُوقُوا} س بشيد عذاب دوزخ {فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} فوق عذابكم والفاء في فذوقو جزائية دلة على أن الأمر باذوق مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بلآيات ومعلل به فيكون وكل شيء الخل جملة معترضة بين السبب ومسببه تؤكد كل واحد من الطرفين لأنه كما يل على كون معاصيهم مضبوطة مكتوبة يدل على أن ما يتفرع عليها من العذاب كائن لا محالة مقدر على حسب استحقاقهم به وفي الالتفات المنبيء عن التشديد في التهديد وإيراد لن المفيدة لكون ترك الزيادة من قبيل ما لاي دخل تحت الصحة من الدلالة على تبالغ الغضب ما لا يخفى وقد روى عن النبي عليه السلام إن هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار أي لأن فيها الآياس من الخروج فكلما استغانوا من نوع من العذاب أغيثوا بأشد منه فتكون كل مرتبة منه متناهية في الشدة وإن كانت مراتبه ير متناهية بحسب العدد والمدة وهذا لا يخالف قوله تعالى : [آل عمران : 77-31]{وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} لأن المراد بالمنفي التكلم باللطف والإكرام لا بالقهر والجلال فإن قيل هذه الزيادة إنك انت غير مستحقة كانت ظلماً وإن كانت مستحقة كان تركها في أول الأمر إحساناً والكريم لا يليق به الرجوع في إحسانه فالجواب إنها مستحقة ودوامها زيادة لثقل العذاب وأيضاً ترك المستحق في بعض الأوقات لا يوجب الأبراء والإسقاط حتى يكون إيقاعه بعده رجوعاً في الإحسان وأيضاً كانوا يزيدون كفرهم وتكذيبهم وأذيتهم للرسول عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم فيزد الله عذابهم لزيادة الاستحقاق ف ظلم فإن قيل قوله فذوقوا الخ تكرار لأنه ذكر سابقاً إنهم لا يذوقون الخ قلنا إنه تكرار لزيادة المبالغة في تقرير الدعوى وهو كون العقاب جزاء وفاقاً إن للمتقين مفازاً} شروع في بين محاسن أحوال المؤمنين أثر بيان سوء أحوال الكفرة على ما هو العادة القرآنية ووجه تقديمبيان حالهم غنى عن البيان أي إن للذين يتقون الكفرو سائر القبائح من أعمال الكفرة فوزاً وظفراً بمباغيهم دل على هذا المعنى تفسيره با بعده بقوله حدائق.
.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
الخ أو موضع فوز فالمفاز على الأول مصدر ميمي وعلى الثاني اسم كان فإن قيل الخلاص من الهلاك أهم من الظفر باللذات فلم أهمل الأهم وذكر غير الأهم قلنا لأن الخلاص من الهلاك لا يستلزم الفوز بالنعيم لكونه حاصلاً لأصحاب الأعراف مع إنهم غير فائزين بالنعيم بخلاف الفوز بالنعيم فإنه يستلزم الخلاص من هلاك فكان ذكره أولى {حَدَآاـاِقَ وَأَعْنَـابًا} أي بساتين فيها أنواع الأشجار المثمرة وكروماً وهو تخصيص بعد التعميم لفضلها قوله حدائق بدل من مفازا بدل الاشتمال إن كان مصدراً ميمياً لأن الفوز يدل عليه دلالة التزامية أو البعض إن جعل مكاناً جمع حديقة وهي الروضة ذات الأشجار ويقال الحديقة كل بستان عليه حائط أي جدار وفيه من النخل والثمار وفي المفردات الحديقة قطعة من الأرض ذات
307
ماء سميت تشبيهاً بحدقة العين في الهيئة وحصول الماء فيها والأعناب جمع عنب بالفارسية أنكور.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص308 حتى ص319 رقم32
قال بعضهم : ذكر نفسها ولم يذكر شجرها وهو الكرم لأن زيادة الشرف يها لا في شجرها {وَكَوَاعِبَ} جمع كاعب ، يقال : كعبت المرأة كعوباً ظهر ثديها وارتفع ارتفاع الكعب ، أي : نساء عذارى فلكت ثديهن ، أي : استدارت وصارت كالكعب في النتوء.
يقال : فلك ثدي الجارية تفليكاً أي استدار كفلكة المغزل ويقال لهن النواهد جمع ناهد وناهدة وهي المرأة كعب ثديها وبدا للارتفاع {أَتْرَابًا} لدات أي مستويات في السن ولدة الرجل تربه وقرينه في السن والميلاد والهاء عوض عن الواو الذاهبة من أوله لأنه من الولادة قال الراغب أي لدات ينشأن معاً تشبيهاً في التساوي والتماثل بالترائب التي هي ضلوع الصدر ولوقوعهن على الأرض معاً.
در تفسير زاهدى آورده كه شنرده ساله باشند ومردان سي وسه ساله ور اكثر تفاسير هست كه اهل بهشت اززننان ومردن سي وسه ساله خواهند بود.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
(10/239)
والظاهر ما في تفسي الزاهدي وهو كونهن بنات ست عشرة لكونها نصف سن الرجال وأيضاً دل عليه الوصف بالكعوب وهو ارتفاع ثديهن والمراد إنن بالغات تمام كمال النساء في الحسن واللطافة والصلاح للمصاحبة والمعاشرة بحيث لا يكون في سن الصغر حتى تضعف الشهوة لهن ولا في سن الكبر حتى تنكسر الشهوة عنهن بل رواء الشباب أي ماؤه جار فيهن لم يشبن ولميتغير عن حد الحسن حسنهن وإنما ذكرن لأن بهن نظام الدنيا ولطافة الآخرة من جهة التنعم الجسماني {وَكَأْسًا دِهَاقًا} أي مملوءة بالخرم فدهاقاً بمعنى مهقة وصفت به الكأس للمبالغة في امتلائها يقال ادهق الحوض ودهقه ملأه {لا يَسْمَعُونَ} أي المتقون {فِيهَآ} أي في الحدائق {لَغْوًا وَلا كِذاَّبًا} أي لا ينطقون بلغو وهو ما يلغى ويطرح لعدم الفائدة فيه ولا يكذب بعضهم بعضاً حتى يسمعوا شيئاً من ذلك بخلاف حال أهل الدنيا في مجالسهم لا سيما عند شربهم.
قال بعض أهل المعرفة : لا يسمعون فيها كلاماً إلا من الحق فإن من تحقق بالحق لا يسمعه الحق إلا منه ولا يشهده سواه في الدنيا والآخرة {جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ} مصدر مؤكد منصوب بمعنى إن للمتقين مفازاً فإنه في قوة أن يقال جازي المتقين بمفاز جزاء عظيماً كائنا من ربك على أن التنوين للتعظيم {عَطَآءً} أي تفضلاً وإحساناً منه تعالى إذ لا يجب عليه شيء وذلك إن الله تعالى جعل الشيء الواحد جزاء وعطاء وهو يغر ظاهر لأن كونه جزءا يستدعى ثبوت الاستحقاق وكونه عطاء يستدعى عدم الاستحقاق فالجمع بينهما جمع بين المتنافيين لكن ذلك الاستحقاق إنما يثبت بحك الوعد لا من حيث إن الطاعة توجب الثواب على الله فذلك الثواب بالنظر إلى وعده تعالى إياه بمقابلة الطاعة يكون جزاء وبالنظر إلى إنه لا يجب على الله لأحد شيء يكون تفضلاً وعطاء وهذا بمقابلة قوله جزاء وفاقاً لأن جزاء المؤمنين من قبيل افضل لتضاعفه وجزاء الكافرين من قبيل العدل وهو بدل من جزاء بدل الكل من الكل لأن العطاء والجزاء متحدان ذاتا وإن تغايرا في المفهوم وفي جعله بدلاً من جزاء نكتة لطيفة وهي إن بيان كونه عطاء تفضلاً منه هو المقصود وبيان كونه جزاء وسيلة إليه فإن حق البل أن يكون مقصوداً بالنسبة وذكر المبدل
308
منه وسيلة إليه {حِسَابًا} صفة لعطاء بمعنى كافياً على إنه مصدر أقيم مقام الوصف أي محسباً وقيل على حسب أعمالهم بأن يجازي كل عمل بما وعدله من الإضعاف من عشرة وسبعمائة وغير حساب فما وعده الله من المضاعفة داخل في الحسب أي المقدار لأن الحسب بفتح السي وسكونها بمعنى القدر والتقدر على هذا عطاء بحساب فحذف الجار ونصب الام قال بعض أهل المعرفة : إذا كان الجزاء من الله لا يكون له نهاية لأنه لاي كون على حد الأعواض بل يكون فوق الحد لأنه ممن لا حد له ولا نهاية فعطاؤه لأحد له ولا نهاية وقال بعضهم : العطاء من الله موضع الفضل لا موضع الجزاء فالجزاء على الأعمال والفضل موهبة من الله يختص به الخواص من أهل وداده.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
وف التأويلات النجمية : إن للمتقين الذين يتقون عن نفوسهم المظلمة المدلهمة بالله وصفاته وأسمائه مفازاً أي فوز ذات الله وصفاته حدائق روضات القلوب المنزهة الأرضية وأعناباً أشجار المعاني والحقائق الثمرة عنب خمر المحبة الذاتية الخامرة عين العقل عن شهود الغير والغيرية وكواعب أتراباً أبكاراً اللطائف والمعارف وكأساً دهاقا مملوءة من شراب المحبة وخمر المعرفة لا يسمعون فيها لغواً من الهواجس النفسانية ولا كذاباً من الوساوس الشيطانية جزاء من ربك عطاء حساباً أي فضلاً تاماً كافياً من غير عمل.
وقال القاشاني : إن للمتقين المقابلين للطاغين المتعدين في أفعالهم حد العدالة مما عينه الشرع والعقل وهم المتزلون عن الرذائل وهيئات السوء من الأفعال مفازاً فوزاً ونجاة من النار التي هي مآب الطاغين حدائق من جنان الأخلاق وأعناباً من ثمرات الأفعال وهيئاتها وكواعب من صور آثار الأسماء في جنة الأفعال أتراباً متساوية في الترتيب وكأساً من لذة محبة الآثار مترعة ممزوجة بالزنجبيل والكافور لأن أهل جنة الآثار والأفعال لا مطمح لم إلى ما وراءها فهم محجوبون بالآثار عن المؤثر وبالعطاء عن المعطي عطاء حساباً كافياً يكفيهم بحسب هممهم ومطامح أبصارهم لأنهم لقصور استعداداتم لا يشتاقون إلى ما وراء ذلك فلا شيء ألذ لهم بحسب أذواقهم مما هم فيه {رَّبِّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} بدل من ربك والمراد رب كل شي وخالقه ومالكه {الرَّحْمَـانُ} مفض الخير والجود على كل موجود بحسب حكمته وبقدر استعداد المرحوم وهو بالجر صفة للرب وقيل صفة للأول وأياماً كان ففي ذكر ربوبيته تعالى للكل ورحمته الواسعة إشعار بمدار الجزاء المذكور قال القاشاني : أي ربهم المعطي إياهم ذلك العطاء هو الرحمن لأن عطاياهم من النعم الظاهرة الجليلة دون الباطنة الدقيقة فمشربهم من اسم الرحمن دون غيره.
(10/240)
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
وفي التأويلات النجمية : رب سموات الأرواح وأرض النفوس وما بينهما من السر والقلب وأقواهما الروحانية هو الرحمن أي الموصوف بجميع الأسماء والصفات الجمالية والجلالية لوقوعه بين الله الجامع وبين الرحيم فله وجه إلى الألوهية المشتملة على القهر وله أيضاً وجه إلى الرحيم الجمالي المحض {لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} استئناف مقرر لما أفادته الربوبية العامة من غاية العظمة والكبرياء واستقلاله تعالى بما ذكر من الجزاء والعطاء من غير أن كيون لأحد قدرة عليه وضمير لا يملكون لأهل السموات والأرض ومن في منه صلة للتأكيد على طريقة قولهم بعت منك
309
أي بعتك يعني : إنه صلة خطاباً قدم عليه فاقنلب بياناً والمعنى لا يملكون أن يخاطبوه تعالى من تلقاء أنفسهم كما ينبيء عنه لفظ الملك إذ المملوك لا يستحق على مالكه شيئاً خطاباً ما في شيء ما لتفرده بالعظمة والكبرياء وتوحده في ملكه بالأمر والنهي والخطاب والمراد نفي قدرتهم على أن يخاطبوه تعالى بشيء من نقص العذاب وزيادة الثواب من غير إذنه على أبلغ وجه وأكده كأنه قيل لا يملكون أن يخاطبوه بما سبق من الثواب والعقاب وبه يحصل الارتباط بين هذه الآية وبين ما قبلها من وعيد الكفار ووعد المؤمنين ويظهر منه إن نفي أن يملكوا خطابه لا ينافي الشفاعة بإذنه قال القاشاني : لأنهم أي أنه الأفعال لم يصلوا إلى مقام الصفات فلاحظ لهم من المكالمة {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والملائكة صَفًّا} آخر الملائكة هنا تعميماً بعد التخصيص وآخر الروح في القدر تخصيصاً بعد التعميم فالظاهر أن الروح من جنس الملائكة لكنه أعظم منهم خلقاً ورتبة وشرفاً إذ هو بمقابلة الروح الإنساني كما أن الملائكة بمقابلة القوى الروحانية ولا شك أن الروح أعظم من قواه التابعة له كالسلطان مع أمرائه وجنده ورعاياه وتفسير الروح بجبريل ضعيف وإن كان هو مشتهراً بكونه روح القدس والروح الأمين إذ كونه روحاً ليس بالنسبة إلى ذاته وإلا فالملائكة كلهم روحانيون وإن كانوا أجساماً لطيفة غير الأرواح المهمية وإنما هو بالنسبة إلى كونه نافخ الروح وحامل الوحي الذي هو كالروح في الإحياء وقد اتفقوا على أن إسرافيل أعظم من جبريل ومن غيره فلو كان أحد يقوم صفاً واحداً لكان هو إسرافيل دون جبرائيل والله أعلم.
بمراده من الروح وإن اختلفت الروايات فيه هذا ما لاح لي في هذا المقام بعون الملك العلام وصفاً حال أي مصطفين لكثرتهم وقيامهم بما أمر الله في أمر العباد وقيل هما صفان الروح صف والملائكة صف وقيل صفوف وهو الأوقف لقوله تعالى : [النبأ : 38]{وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} ويوم ظرف لقوله تعالى لا يتكلمون}
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
وقوله تعالى {إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ وَقَالَ صَوَابًا} بدل من ضمير لا يتكلمون العائد إلى أهل السموات والأرض الذين من جملتهم الروح والملائكة وهو أرجح لكون الكلام غير موجب والمستثنى منه مذكور في مثله يختار البدل على الاستثناء وذكر قيامهم واصطفافهم لتحقيق عظمة سلطانه تعالى وكبرياء بوبيته وتهويل يوم البعث الذي عليه مدار الكلام من مطلع السورة إلى مقطعها والجملة استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى : [النبأ : 38]{لا يَتَكَلَّمُونَ} .
.
الخ.
ومؤكد له على معنى أن أهل السموات والأرض إذا لم يقدروا يومئذٍ على أن يتكلموا بشيء من جنس الكلام إلا من أذن الله له منهم في التكلم وقال ذلك المأذون له قولاً صواباً أي حقاً صادقاً أو واقعاً في محله من يغر خطأ في قوله فكيف يملكون خطاب رب لعزة مع كونه أخص من مطلق الكلام وأعز منه مراماً وقيل إلا من أذن.
.
.
الخ منصوب على أصل الاستثناء والمعنى لا يتكلمون إلا في حق شخص أذن له الرحمن وقال ذلك الشخص صواباً أي حقاً هو التوحيد وكلمة الشهادة دون غيره من أهل الشرك فإنهم لم يقولوا في الدنيا صواباً بل تفوهوا بكلمة الكفر والشرك وإظهار الرحمن في موقع الإضمار للإيذان بأن مناط الإذن هو الرحمة البالغة لأن أحداً يستحقه عليه تعالى وفي عرائس البقلى من كان كلامه في الدنيا من حيث الأحوال
310
(10/241)
والأحوال من حث الوجد والوجد من حيث الكشف والكشف من حيث المشاهدة والمشاهدة من حيث المعاينة فهو مأذون في الدنيا والآخرة يتكلم مع الحق على بساط الحرمة والهيبة ينقذ الله به الخلائق من ورطة الهلاك قال ابن عطاء الخالص ما كان والصواب ما كان على وجه السنة وقال بعضهم : إنما تظهر الهيبة على العموم لأهل الجمع في ذلك اليوم وأما الخواص وأصحاب الحضور فهم أبدا بمشهد العز بنعت الهيبة وفيه إشارة إلا أن الأسرار والقلوب وقواهم الكائنين بين سموات لأراح وبين أرض النفوس لا يملكون أن يخاطبوا الحق في شفاعة النفس الأمارة والهوى المتبع بسب لحمة النسب الواقع بينهم إذ الكل أولاد الروح والقالب كما لم يملك نوح عليه السلام أن يخاطب الحق في حق ابنه كنعان بمعنى إنه لم يقدر على إنجائه إذ جاء الخطاب بقوله فلا تسألن ما ليس لك به علم ذلك} إشارة إلى يوم قيامهم على الوجه المذكور ومحله الرفع على الابتداء خبره ما بعده أي ذلك اليوم العظيم الذي يقوم فيه الروح والملائكة مصطفين غير قادرين هم ولا غير هم على التكلم من الهيبة والجلال {الْيَوْمُ الْحَقُّ} أي الثابت المتحق لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه وذلك لأنه متحقق علماً فلا بد أن يكون متحققاً وقوعاً كالصباح بعد مضي الليل وفيه إشارة إلى أنه واقع ثابت في جميع الأوقات والأحايين ولكن لا يبصرون به لاشتغالهم بالنفس الملهية وهواها الشاغل {فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّه مَـاَابًا} الفاء فصيحة تفصح عن شرط محذوف ومفعول المشيئة محذوف لوقوعها شرطاً وكون مفعولها مضمون الجزاء وانتفاء الغرابة في تعلقه بها حسب القاعدة المستمرة وإلى ربه متعلق بما أقدم عليه اهتماماً به ورعاية للفواصل كأنه قيل وإذا كان الأمر كما ذكر من تحقق اليوم المذكور لا محالة فمن شاه أن يتخذ مرجعاً إلى ثواب ربه الذي ذكر شأنه العظيم فعل ذلك بالإيمان والطاعة وقال قتادة مآباً أي سبيلاً وتعلق الجارية لما فيه من معنى الاقتضاء والإيصال.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
وفي التأويلات النجمية : مآبا أي مرجعاً ورجوعاً من الدنيا إلى الآخرة ومن الآخرة إلى رب الدنيا والآخرة لأنهما حرامان على أهل الله {إِنَّآ أَنذَرْنَـاكُمْ} أي بما ذكر في السورة من الآيات الناطقة بالبعث وبما بعده من الدواعي أو بها وبسائر القوارع الواردة في القرآن والخطاب لمشركي العرب وكفار قريش لأنهم كانوا ينكرون البعث وفي بعض التفاسير الظاهر عموم الخطاب كعموم من لأن في إنذا كل طائفة فائدة لهم {عَذَابًا قَرِيبًا} هو عذاب الآخرة وقربه لتحقق إتيانه حتماً ولأنه قريب بالنسبة إليه تعالى وممكن وإن رأوه بعيداً وغير ممكن فيرونه قريباً لقوله تعالى : {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَـاـاهَا} وقال بعض أهل المعرفة العذاب القريب هو عذاب الالتفات إلى النفس والدنيا والهوى.
وقال الشاقاني : هو عذاب الهيئات الفاسقة من الأعمال الفاسدة دون ما هو أبعد منه من عذاب القهر والسخط وهو ما قدمت أيديهم يوم ينظر المرء ما قدمت يداه} تثنية أصلها يدان سقطت نونها بالإضافة ويوم بدل من عذاباً أو ظرف لمضمر هو صفة له أي عذاباً كائناً يوم المرء أي يشاهد ما قدمه من خير أو شر يعني : بازيابدكردار هاي
311
خودرا ازخير وشر.
(10/242)
على إن ما موصولة منصوبة بينظر لأنه يتعدى بنفسه وبإلى والعائد محذوف أي قدمته أو ينظر أي شيء قدمت يداه على إنها استفهامية منصوبة بقدمت متعلقة بينظر فالمرء عام للمؤمن والكافر لأن كل أحد يرى عمله في ذلك اليوم مثبتاً في صحيفه خيراً كان أو شراً فيرجو المؤمن ثوابعلى صالح عمله ويخاف العقاب على سيئه وأما الكاف فكما قال الله تعالى {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يا لَيْتَنِى} أي يا قوم فالمندي محذوف ويجوز أن يكون بالمحض التحسر ولمجرد التنبيه من غير قصد إلى تعيين المنبه وبالفارسية أي كاشكي من {كُنتُ تُرَابَا} في الدنيا فلم اخلق ولم أكلف وهو في محل الرفع على إنه خبر ليت أو ليتني كنت تراباً في هذا اليوم فلم أبعث كقوله : يا ليتني لم أوت كتابيه إلى أن قال يا ليتها كانت القاضية وقيل يحشر الله الحيوان فيقتص للجماء من القرناء نطحتها أي قصاص المقابلة لا قصاص التكليف ثم يرده تراباً فيود الكافر حاله كما قال عليه السلام لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء وهذا صريح في حشر البهائم وإعادتها لقصاص المقابلة لا للجزاء ثواباً وعقاباً وقيل الكافر إبليس يرى آدم وولده وثوابهم فيتمنى أن يكون الشيء الذي احتقره حين قال خلقتني من نار وخلقته من طين يعني إبليس آدم را عيب مي كردكه ازخاك آفريده شده وخود رامي ستودكه من از آتش مخلوقم ون دران روز كرامت آدم وثواب فرزندان مؤمن أو مشاهده نمايد وعذاب وشذدت خودرا بينذ آروز بردكه كاشكى من ازخاك بودمي ونسبت بآدم داشتمي أي درويش اين دبدبه وطنطنه كه خاكيا نراست هي طبقة از طبقات مخلوقاً ترا نيست.
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
خاك راخوار وتيره ديد إبليس
كرد انكارش آن حسود خسيس
ماند غافل زنور باطن او
نشدا كه زسر كامل أو
بهر كنجى كه هست دردل خاك
اين صدا داده اند در أفلاك
كه بجز خاك نيست مظهر كل
خاك شو خاك تابرويد كل
وأما مؤمنوا الجن فلهم ثواب وعقاب فلا يعودونه تراباً وهو الأصح فيكون مؤمنوهم مع مؤمني الأنس في الجنة أو في الأعراف ونعيمهم ما يناسب مقامهم ويكون كفار هم مع كفار الأنس في النار وعذابهم بما يلائم شانهم وقيل هو تراب سجدة المؤمن تنطفىء به عنه النار وتراب قدمه عند قيامه في الصلاة فيتمنى الكافر أن يكون تراب قدمه.
وفي التأويلات النجمية : يوم ينظر المرء ما قدمت يد قلبه ويد نفسه من الإحسان والإساءة ويقول كافر النفس الساتر للحق يا ليتني كنت تراب أقدام الروح والسر والقلب متذللة بين يديهم مؤتمرة لأوامرهم ونواهيهم (وفي كشف الأسرار) از عظمت آن روز است كه بيست وهار ساعت شبانروز دنيارا بر مثال بيست وهار خزانه حشر كنند ودر عرصات قيامت حاضر كرداننديكان يكان خزانه ميكشيند وبربنده عرض ميد هند از ان خزانه بكشايند بربها وجمال ونور وضيا وآن آن ساعتست كه بنده ورخيرات وحسنات وطاعات بود بنده ون
312
حسن ونور بهاي آن بيند ندان شادي وطرب واهتزاز بر وغالب شودكه اكر نرا بر جمله دوزخيان قسمت كننداز دهشت آن شادي الم ودرد آتش فراموش كنند خزانه ديكر بكشايند تاريك ومظلم رنتن ووحشت وآن آن ساعتست كه بنده در معصيت بوده وحق ازره ظلمت ووحشت آن كردار درآيد ندان فزع وهول ورنج وغم ورا فرو كيردكه اكر بركل اهل بهشت قسمت كتند نعيم بهشت بر ايشان منغص شود خزانة ديكر بكشايند حالي كه درونه طاعت بودكه سبب شادي است نه معصيت كه موجب اندوهست وآن ساعتي است كه بنده در وخفته باشد يا غافل يا بمباحات دنيا مشغول بوده بنده بران حسرت خورد وعين عظيم بروراه يابد همنين خزائن يك يك ميكشايند وبر وعرضه ميكنند از ان ساعت كه در طاعت كرده شاد ميكردد وازان ساعت كه درو معصيت كرده رنجور ميشود وبر ساعتي كه مهمل كذاشته حسرت وغبن ميخورد وون كار مؤمن مقصر دران روز اين باشد س قياس كن كه حال كافر كونه باشد در حسرت وندامت وآه وزاري.
(10/243)
روى أبي بن كعب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قرأ عم يتساءلون سقاء الله برد الشراب يوم القيامة وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال النبي عليه السلام : "تعلموا أسوة عم يتساءلون عن النبأ العظيم ، وتعلموا ق والقرآن المجيد والنجم إذا هوى والسماء ذات البروج ، والسماء والطارق ، فإنكم لو تعلمون ما فيهن لعطلتم ما أنتم عليه وتعلمتموهن وتقربوا إلى الله بهن إن الله يغفر بهن كل ذنب إلا الشرك بالله" ، وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، قال : قلت يا رسول الله لقد أسرع إليك الشيب ، قال : شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت ، الكل في "كشف الأسرار" وفيه إشارة إلى أن من تعلم هذه السور ينبغي له أن يتعلم معانيها أيضاً إذ لا يحصل المقصود إلا به وتصريح بأن هم الآخرة ومطالعة الوعيد واستحضاره يشيب الإنسان ولذا ذم الحبر السمين والقاري السمين از لم يكن سمنياً إلا بالذهول عما قرأه ولو استحضره وهم به لشاب من همه وذاب من غمه لأن الشحم مع الهم لا ينعقد.
قال الشافعي رحمه الله : ما أفلح سمين قط إلا أن يكون محمد بن الحسن فقيل له ولم قال لأنه لا يخلو العاقل من إحدى حالتين إما أن يهم لآخرته ومعاده أو لدنياه ومعاشه والشحم مع الهم لا ينعقد فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم بعقد الشحم.
313
جزء : 10 رقم الصفحة : 292
تفسير سورة النازعات
خمس أو ست وأربعون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 313
{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} الواو للقسم والقسم يدل على عظم شأن المقسم به ولله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيهاً على ذلك العظم والنازعات جمع نازعة بمعنى طائفة من الملائكة نازعة فأنثت صفة الملائكة باعتبار كونهم طائفة ثم جمعت تلك الصفة فقيل نازعات بمعنى طوائف من الملائكة نازعات وقس عليه الناشطات نحوه وإلا فكان الظاهر أن يقال والنازعين والناشطين والنزع جذب الشيء من مقره بشدة والغرق مصدر بحذف الزوائد بمعنى الإغراق وهو بالفارسية غرقه كردن وكمان بزور كشيدن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
والغرق الرسوب في الماء وفي البلاء فهو مفعول مطلق للنازعات لأنه نوع من النزع فيكون شرطه موجوداً وهو اتفاق المصدر مع عامله والإغراق في النزع التوغل فيه والبلوغ إلى أقصى درجانه يقال أغرق النازع في القوس إذا بلغ غاية المد حتى انتهى إلى النصل أقسم الله بطوائف الملائكة اتي تنزع أرواح الكفار من أجسادهم إغراقاً في النزع يعني جان كافران بستختى نزع ميكنند.
وأيضاً يتزعونها منهم معكوساً من الأنامل والأظفار ومن تحت كل شعرة كما تنزع الأشجار المتفرقة العروق في أطراف الأرض وكما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول وكما يسلخ جلد الحيوان وهو حي وكما يضرب الإنسان ألف ضربة بالسيف بل أشد والملائكة وهم ملك الموت وأعوانه من ملائكة العذاب يطعنونهم بحربة مسمومة بسم جهنم والميت يظن أن بطنه قد ملىء شوكاً وكأن نفسه تخرج من ثقب أبرة وكأن السماء انطبقت على الأرض وهو بينهما فإذا نزعت نفس الكافر وهي ترعد أشبه شيء بالزئبق على قدر النحلة وعلى صورة عمله تأخذها الزبانية ويعذبونها في القبر وفي سجين وهو العذاب الروحاني ثم إذا قامت القيامة انضم الجسماني إلى الروحاني فقوله : [النازعات : 1 ، 2]{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} إشارة إلى كيفية قبض أرواح الكفار بشهادة مدلول اللفظ {وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} قسم آخر معنى بطريق العطف والنشط جذب الشيء من مقره برفق ولين ونصب نشطاً على المصدرية اقسم الله بطوائف الملائكة التي تنشط أرواح المؤمنين أي تخرجها من أبدانهم برفق ولين كما تنشط الدار من البئر يقال نشط الدلو من البئر ذا أخرجها وكما تنشط الشعرة من السمن وكما تنسل القطرة من السقاء وهم ملك الموت وأعوانه من ملائكة الرحمة ونفس المؤمن وإن كانت تجذب منأطراف البنان ورؤوس الأصابع أيضاً لكن لا يحس بالألم كما يحس به الكافر وأيضاً نفس المؤمن ليس لها شدة تعلق بالبدل كنفس الكافر لكونها منجذبة إلى عالم القدس وإنما يشتد الأمر على أهل التعلق دون أهل التجرد خصوصاً إذا كان ممن مات بالاختيار قبل الموت وأيضاً حين يجذبونها يدعونها أحياناً حتى تستريح وليس كذلك أرواح الكفار في قبضها لكن ربما يتعرض الشيطان للمؤمن الضعيف اليقين والقاصر في العمل إذا بلغ الروح التراقي فيأتيه في صورة أبيه وأمه وأخيه أو صديقه فيأمره باليهودية
314
أو النصرانية أو نحو ذلك نسأل الله السلامة.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 314(10/244)
حكى) إن إبليس عليه اللعنة تمثل للنبي عليه السلام يوماً وبيده قارورة ماء فقال أبيعه بإيمان الناس حالة النزع فبكى النبي عليه السلام حتى بكت أهل بيته فأوحى الله تعالى إليه إني أحفظ عبادي في تلك الحالة من كيده والميت يرى الملائكة حينئذٍ على صورة أعماله حسنة أو قبيحة فإذا أخذوا نفس المؤمن يلفونها في حرير الجنة وهي على قدر النحلة وعلى صورة عمله ما فقد شيء من عقله وعلمه المكتسب في الدنيا دل عليه قوله تعالى : حكاية عن حبيب النجار الشهيد في أنطاكية قال : يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين فيعرجون بها إلى الهواء ويهيئون له أسباب التنعيم في قبره وفي عليين وهو النعيم الروحاني ثم إذا قام الناس من قبورهم ازداد النعيم بانضمام الجسماني إلى الروحاني فقوله : والناشطات نشطاً إشارة إلى كيفية قبض أرواح المؤمنين بشهادة اللفظ ومدلوله أيضاً فإن قيل قد ثبت إن النبي عليه السلام أخذ روحه الطيب ببعض شدة حتى قال واكرباه وقال لا إله إلا الله إن للموت سكرات اللهم أعني على سكرات الموت أي غمزاته وكان يدخل يده الشريفة في قدح فيه ماء ثم يسح وجهه المنور بالماء ولما رأته فاطمة رضي الله عنها يغشاه الكرب قالت واكرب ابتاه فقال لها عليه السلام ليس على أبيك كرب بعد اليوم فإذا كان أمر النبي عليه السلام حين انتقاله هكذا فما وجه ما ذكر من الرفق واللين أجيب بأن مزاجه الشريف كان اعدل الأمزجة فأحس بالألم أكثر من غيره إذا لخفيف على الأخف ثقيل وأيضاً يحتمل أن يبتليه الله بذلك ليدعو الله في أن يجعل الموت لأمته سهلاً يسيراً وأيضاً قد روى إنه طلب من الله أن يحمل عليه بعض صعوبة الموت تخفيفاً عن أمته فإنه بالمؤمنين رؤوف رحيم وأيضاً فيه تسلية أمته إذا وقع لأحد منهم شيء من ذلك الكرب عند الموت وأيضاً لكي يحصل لمن شاهد من أهله ومن غيرهم من المسلمين الثواب لما يلحقهم عليه من المشقة كما قيل بمثل ذلك في حكمة ما يشاهد من حال الأطفال عند الموت من الكرب الشديد وأيضاً راحة الكمل في الشدة لأنها من باب الترقي في العلوم والدرجات وأقل الأمر للناقصين كفارة الذنوب فأهل الحقيقة لا شدة عليهم في الحقيقة لاستغراقهم في بحر الشهود وإنما الشدة لظواهرهم والحاصل كما إن النار لا ترفع عن الدنيا والدنيا قائم فكذا الشدة لا ترفع عن الظواهر في هذا الموطن {وَالسَّـابِحَـاتِ سَبْحًا} قسم آخر معنى أيضاً بطريق العطف والسبح المر السريع في الماء أو في الهواء وسبحاً نصب على المصدرية اقسم الله بطوائف الملائكة التي تسبح في مضيها أي تسرع فينزلون من السماء إلى الأرض مسرعين مشبين في سرعة نزولهم بمن يسبح في الماء وهذا من قبيل التعميم بعد التخصيص لأن نزول الأولين إنما هو لقبض الأرواح مطلقاً ونزول هؤلاء لعامة الأمور والأحوال
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
{فَالسَّـابِقَـاتِ سَبْقًا} عطف على السابحات بالفاء للدلالة على ترتب السبق على السبح بغير مهلة فالموصوف واحد ونصب سبقاً على المصدرية أي التي تسبق سبقاً إلى ما أمروا به ووكلوا عليه أي يصلون بسرعة والسبق كناية عن الإسراع فيما أمروا به لأن السبق وهو التقدم في السير من لوازم الإسراع فالسبق هنا لا يستلزم وجود المسبوق إذ لا مسبوق
315
(10/245)
{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} عطف على السابقات بالفاء للدلالة على ترتب التدبير على السبق بغير تراخ والتدبير التفكر في دبر الأمور وأمراً مفعول للمدبرات قال الراغب : يعني المئلاكة الموكلين بتدبير الأمور انتهى.
أي التي تدبر أمراً من الأمور الدنيوية والأخروية للعباد كما رسم لهم من غير تفريط وتقصير والمقسم عليه محذوف وهو لتبعثن لدلالة ما بعد عليه من ذكر القيامة وجه البعث إن الموت يستدعيه للأجر والجزاء لئلا يستمر الظلم والجور في الوجود وما ربك بظلام للعبيد فكان الله تعالى يقول إن الملائكة ينزلون لقبض الأرواح عند منتهى الآجال ثم ينجر الأمر إلى البعث لما ذكر فكان من شأن من يقر بالموت أن يقر بالبعث فلذا جمع بين القسم بالنازعات وين البعث الذي هو الجواب وفي عنوان هذه السورة وجوه كثيرة صفحنا عن ذكرها واخترنا سوق الكشاف فإنه هو الذي يقتضيه جزالة التنزيل.
وقال القاشاني اقسم بالنفوس المشتقاة التي غلب عليها النزوع إلى جناب الق غريقة في بحار الشوق والمحبة والتي تنشط م مقر النفس وأسر الطبيعة أي تخرج من قيود صفاتها وعلائق البدن من قولهم نور ناشط إذا خرج من بلد إلى بلد أو من قولهم نشط من عقاله والتي تسبح في بحار الصفات فتسبق إلى عين الذات ومقام الفناء في الوحدة فتدبر بالرجوع إلى الكثرة أمر الدعوة إلى الحق والهداية وأمر النظام في مقام التفصيل بعد الجمع انتهى.
ثم إن النفوس الشريفة لا يبعد أن يظهر منها آثار في هذا العالم سواء كانت مفارقة عن الأبدان أولاً فتكون مدبرات ألا ترى إن الإنسان قد يرى في المنام أن بعض الأموات برشده إلى مطلوبه ويرى أستاذه فيسأله عن مسألة فيحلها له سئل زرارة بعد أن توفي رضي الله عنه في المنام أي الأعمال أفضل عندكم فقال الرضى وقصر الأمل وعن بعضهم رأيت ورقاء بن بشر رحمه الله ، في المنام فقلت ما فعل الله بك قال نجوت بعد كل جهد قلت فأي الأعمال وجدتموها أفضل قال البكاء من خشية الله وقال بعضهم هلكت جارية في الطاعون فرآها أبوها في المنام فقال لها يا بنية أخبريني عن الآخرة قالت يا أبت قدمنا على أمر عظيم نعلم ولا نعمل وتعملون ولا تعلمون والله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في صحيفة عملي أحب إلى من الدنيا وما فيها ونظائره كثيرة لا تحصى وقد يدخل بعض الأحياء من جدار ونحوه على بعض من له حاجة فيقضيها وذلك على خرق العادة فإذا كان التدبير بيد الروح وهو في ها الموطن فكذا إذا انتقل منه إلى البرزخ بل هو بعد مفارقته البدن أشد تأثيراً وتدبيراً لأن الجسد حجاب في الجملة ألا ترى إن الشمس أشد إحراقاً إذا لم يحجبها غمام أو نحوه
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} منصوب بالجواب المضمر وهو لتبعثن والمراد بالراجفة الواقعة التي ترجف عندها الإجرام الساكنة كالأرض والجبال أي تتحرك حركة شديدة وتتزلزل زلزلة عظيمة من هول ذلك اليوم وهي النفخة الأولى أسند إليها الرجف مجازاً على طريق إسناد الفعل إلى سببه فإن حدوث تلك النخفة سبب لاضطراب الأجرام الساكنة من الرجفان وهي شدة الاضطراب ومنه الرجفة للزلزلة لما فيه من شدة الاضطراب وكثرة الانقلاب وفيه إشعار بأن تغير السفلى مقدم على تغير العلوي وإن لم يكن مقطوعاً {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} أي الواقعة التي تردف الأولى أي تجيء
316
(10/246)
بعدها وهي لنفخة الثانية لأنها تجيء بعد الأولى يقال ردفه كسمعه ونصره تبعه كأردفه وأردفته معه اركبته معه كما في "القاموس" وهي حال مقدرة من الراجفة مصححة لوقوع اليوم ظرفاً للبعث أي لتبعثن يوم النفخة الأولى حال كون النفخة الثانية تابعة لها لا قبل ذلك فإنه عبارة عن الزمان الممتد الذي تقع فيه النفختان وبينهما أربعون سنة كما قال في "الكشاف" لتبعثن في الوقت الواسع الذي تقع فيه النفختان وهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع وهو وقت النفخة الأخرى انتهى.
قال في "الإرشاد" واعتبار امتداد مع إن البعث لا يكون إلا عند النفخة الثانية لتهويل اليوم ببيان كونه موقعاً فلداهيتين عظيمتين لا يبقى عند وقوع الأولى حي الأمات ولا عند وقوع الثانية ميت إلا بعث وقام {قُلُوبٌ} مبتدأ وتنكيره يقوم مقام الوصف المخصص سواء حمل على التنويع وإن لم يذكر النوع المقابل فإن المعنى منسحب عليه أو على التكثير كما في شر أهر ذا ناب فإن التفخيم كما يكون بالكيفية يكون بالكمية أيضاً كأنه قيل قلوب كثيرة أو عاصية كما قال في التأويلات النجمية : قلوب النفس المتمردة الشاردة النافرة عن الحق {يَوْمَـاـاِذٍ} يوم إذ تقع النفختان وهو متعلق بقوله {وَاجِفَةٌ} أي شديدة الاضطراب من سوء أعمالهم وقبح أفعالهم فإن الوجيف عبارة عن شدة اضطراب القلب وقلقه من الخوف والوجل وعلم منه إن الواجفة ليست جميع القلوب بل قلوب الكفار فإن أهل الإيمان لا يخافون {أَبْصَـارُهَا} أي أبصار أصحابها كما دل عليه قوله يقولون وإلا فالقلوب لا أبصار لها وإنما أضاف الأبصار إلى القلوب لأنها محل الخوف وهو من صفاتها
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
{خَـاشِعَةٌ} ذليلة من الخوف بسبب الأعراض عن الله والإقبال على ما سواه يترقبون أي شيء ينزل عليهم من الأمور العظام وأسند الخشوع إليها مجازاً لأن أثره يظهر فيها {يَقُولُونَ} استئناف بياني أي هم يقولون الآن يعني إن منكري البعث ومكذبي الآيات الناطقة به إذا قيل لهم إنكم تبعثون يقولون منكرين له متعجبين منه أياماً {لَمَرْدُودُونَ} معادون بعد موتنا {فِى الْحَافِرَةِ} أي في الحالة الأولى يعنون الحياة من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقته التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشبه وتسميتها حافرة مع إنها محفورة وإنما الحافر هو الماشي في تلك الطريقة كقوله تعالى : [الحاقة : 21-12]{عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أي منسوبة إلى الحفر والرضى أو على تشبيه القابل بالفاعل أي في تعلق الحفر بكل منهما فأطلق اسم الثاني على الأول للمشابهة كما يقال صام نهاره تشبيهاً لزمان الفعل بفاعله وقال مجاهد والخليل بان أحمد الحافرة هي الأرض التي يحفر فيها القبور ولذا قال في التأويلات النجمية أي حافرة أجسادنا وقبور صدورنا أئذا} العامل في إذا مضمر يدل عليه مردودون أي أئذا {كُنَّا} يا ون كرديم ما {عِظَـامًا نَّخِرَةً} بالية نرد ونبعث مع كونها أبعد شيء من الحياة فهو تأكيد لإنكار الرد ونفيه بنسبته إلى حالة منافية له ظنوا إن من فساد البدن وتفرق أجزائه يلزم فساد ما هو الإنسان حقيقة وليس كذلك ولو سلم إن الإنسان هو هذا الهيكل المخصوص فلا نسلم امتاع إعادة المعدوم فإن الله قادر على كل الممكنات فيقدر على جمع الأجزاء العنصرية وإعادة الحياة إليها لأنها متميزة في علمه وإن كانت غير متميزة في علم الخلق كالماء مع اللبن فإنهما وإن امتزاجاً
317
لكن أحدهما متميز عن الآخر في علم الله وإن كان عقل الإنسان قاصراً عن إدراكه والنخر البلى يقال نخر العظم والخشب بكسر العين إذا بلى واسترخى وصار بحيث لو مس لتفتت ونخرة أبلغ من ناخرة لكونها من صيغ المبالغة أو صفة مشبهة دالة على الثبوت ولذا اختارها الأكثر والناخرة أشبه برؤوس الآي ولذا اختارها البعضو قيل النخرة غير الناخرة إذا النخرة بمعنى البالية وإما الناخرة فهي العظام الفارغة المجوفة التي يحصل فيها صوت من هبوب الريح من نخير النائم والمجنون لا من النخر بمعنى البلى قال الراغب : النخير صوت من الأنف وسمى خرق الأنف الذي يخرج منه النخير منخران فالمنخران ثقبتنا الأنف
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
(10/247)
{قَالُوا} اختيار الماضي هنا للإيذان بأن صدور هذا الكفر منهم ليس بطريق الاستمرار مثل كفرهم السابق المعبر عنه بالمضارع أي قالوا بطريق الاستهزاء بالحشر {تِلْكَ} الردة والرجعة في الحافرة وفيه إشعار بغاية بعدها من الوقوع في اعتقادهم {إِذًا} آنكاء ونران تقدير {كَرَّةٌ} الكر الرجوع والكرة المرة من الرجوع والجمع كرات {خَاسِرَةٌ} أي ذات خسران على إرادة النسبة من اسم الفاعل أو خاسرة أصحابها على الإسناد المجازي أي على طريق إسناد الفعل إلى ما يقارنه في الوجود كقولك تجارة رابحة والربح فعل أصحاب التجارة وهي عقد المبادلة والريح والتجارة متقارنان في الوجود وإلا فهم الخاسرون والكرة مخسور فيها أي إن صحت تلك الكرة فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها وهذا المعنى أفاده كلمة إذا فإنها حرف جواب وجزء عند الجمهور وإنما حمل قولهم هذا على الاستهزاء لأنهم أبرزوا ماقطعوا بانتفائه واستحالته في صورة المشكوك المحتمل الوقوع {فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} جواب من الله عن كلامهم بالإنكار وتعليل لمقدر أي لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله فإنها سهلة هينة في قدرته فإنما هي صيحة واحدة أي حاصلة بصيحة واحدة لا تكرر يسمعونها وهم في بطون الأرض وهي النفخة الثانية كنفخ واحد في صور الناس لإقامة القافلة عبر عن الكرة بالزجرة تنبيهاً على كمال اتصالها بها كأنها عينها يقال زجر البعير إذا صاح عليه {فَإِذَا هُم} س آنكاه ايشان وسائر خلايق {بِالسَّاهِرَةِ} أي فاجأوا الحصول بها وهو بيان لحضورهم الموقف عقيب الكرة التي عبر عنها بالزجرة وإذا المفاجأة تفيد حدوث ما أنكروه بسرعة على فجأة والساهرة الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك لأن السراب يجري فيها من قولهم عين ساهرة جارية الماء وفي ضدها نائمة يعني إن بياض الأرض عبارة عن خلوها عن الماء والكلأ شبه جريان السراب فيها بجريان الماء عليها فقيل لها ساهرة وقيل لأن سالكها لا ينام خوف الهلكة يقال سه كفرح لم ينم ليلاً أو هي جهنم لأن أهلها لا ينامون فيها أو كأنه مقلوب الصاد سينا من صهرته الشمس أحرقته وقال الراغب : حقيقتها الأرض التي يكثر الوطىء بها كأنها سهرت من ذلك وعن ابن عباس رضي الله عنهما إن الساهرة أرض من فضة لم يعض الله عليها قط خلقها حينئذٍ وقال الثوري الساهرة أرض الشام وقال وهب بن منبه جبل بيت المقدس وكفته اند سهره نام زمين است نزديك بيت المقدس در حوالى جبل اريحاكه محشر آنجا خواهد
318
بود خداي آنراكشاده كرداند ندانكه خواهد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص319 حتى ص330 رقم33
وفي الحديث بيت المقدس أرض المحشر والمنشر وقال المولى الفتارى في تفسير الفاتحة إن الناس إذا قاموا من قبورهم وأراد الله أن يبدل الأرض غير الأرضت مد الأرض بإذن الله ويكون المحشر فيكون الخلق عليه عندما يبدل الله الأرض كيف يشاء إما بالصورة وإما بأرض أخرى ما هم لعيها تسمى بالساهرة يمدها سبحانه مد الأديم ويزيد في سعتها أضعاف ما كانت من أحد وعشرين جزأ إلى تسعة وتسعين جزءاً حتى لا نرى عوجاً وإلا أمتاً.
وقال في التأويلات النجمية : فإذا هم بالساهرة أي يظهر أرض الحياة كما كانوا قبله ببطن أرض الممات {هَلْ أَتَـاـاكَ حَدِيثُ مُوسَى} كلام مستأنف وارد لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن تكذيب قومه بأنه يصيبهم مثل ما أصاب من كان أقوى منهم وأعظم يعني فرعون ومعنى هل أتاك أن اعتبر هذا أو ما أتاه من حديثه ترغيب له في استماع حديثه وحمل له على طلب الأخبار كأنه قيل هل أتاك حديث موسى قبل هذا أم أنا أخبرك به كما قال الحسن رحمه الله أعلام من الله لرسوله حديث موسى كقول الرجل لصاحبه هل بلغك ما لقى أهل البلد وهو يعلم إنه لم يبلغه وإنما قال ليخبره به انتهى.
وإن اعتبر إتيانه قبل هذا وهو المتبادر من الإيجاز في الاقتصاص استفهام تقرير له أي حمل له على الإقرار بأمر يعرفه قبل ذلك أي أليس قد أتاك حديثه وبالفارسية آي نين نيست كه آمد بتو خبر موسى كليم عليه السلام ، تاستلى دهى دل خودرا بر تكذيب قوم وخبز فرستادى ازو عده مؤمنان ووعيد كافران.
يعني قد جاءك وبلغك حديثه عن قريب كأنه لم يعلم بحديث موسى وإنه لم يأته بعد وإلا لما كان يتحزن على إصرار الكفار على إنكار البعث وعلى استهزائهم به بل يتسلى بذلك فهل بمعنى قد المقربة للحكم إلى الحال وهمزة الاستفهام قبلها محذوفة وهي للتقرير وزيد ليس لأنه أظهر دلالة على ذلك لا لأنه مقدر في النظم {إِذْ نَادَاـاهُ رَبُّهُ} ظرف للحديث والمناداة والنداء بالفارسية خواندن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
(10/248)
وفي "القاموس" النداء الصوت أي هل أتاك حديثه الواقع حين ناداه ربه إذ المراد خبره الحادث فلا بد له من زمان يحدث فيه لا ظرف للإتيان لاختلاف وقني الإتيان والنداء لأن الإتيان لم يقع في وقت النداء أو مفعول لا ذكر المقدور عليه وضع السجاوندي علامة الوقف اللازم على موسى وقال لأنه لو وصل صار إذ ظرفاً لإتيان الحديث وهو محال لعله لم يلتفت إلى عمل حديث لكونه هنا اسماً بمعنى الخبر مع وجود فعل قوي في العمل قبله وبالجملة لا يخلو عن إيهام فالوجه الوقف كذا في بعض التفاسير {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} المبارك المطهر بتطهير الله عما لا يليق حين مكالمته مع كليمه أو سمى مقدساً لوقوعه في حدود الأرض المقدسة المطهرة عن الشرك ونحوه وأصل الوادي الموضع الذي يسيل فيه الماء ومنه سمى المنفرج بين الجبلين وادياً والجمع أودية ويستعار للطريقة كالمذهب والأسلوب فيقال فلان في واد غير واد بك {طُوًى} بضم الطاء والتنوين تأويلاً له بالمكان أو بغير تنوين تأويلاً له بالبقعة قال الفراء الصرف أحب إلى إذ لم أجد في المعدول نظيراً أي لم أجد اسماً من الوادي عدل عن جهته غير طوى وهو اسم للوادي الذي بين المدينة ومصر فيكون عطف بيان له.
قال القاشاني : الوادي المقدس
319
هو عالم الروح المجرد لتقدسه عن التعلق بالمواد واسمه طوى لانطواء الموجودات كلها من الأجسام والنفوس تحته وفي طيه وقهره وهو عالم الصفات ومقام المكالمة من تجلياتها فلذلك ناداه بهذا الوادي ونهاية هذا العالم هو الأفق الأعلى الذي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنده جبريل على صورته {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ} على إرادة القول أي فقال له اذهب إلى فرعون {إِنَّه طَغَى} تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به والطغيان مجاوزة الحاي طغى على الخالق بأن كفر به وطغى على الخلق بأ تكبر عليه واستعبدهم فكما إن كمال العبودية لا يكون إلا بالصدق مع الحق وحسن الخلق مع الخلق فكذا كمال الغطاين يكون بسوء المعاملة معهما.
وقال القاشاني : أي ظهر بأنانيته وذلك إن فرعون كان ذا نفس قوية حكيماً عالماً سلك وادي الأفعال وقطع بوادي الصفات واحتجب بأنانيته وانتحل صفات الربوبية ونسبها إلى نفسه وذلك تفرعنه وجبروته وطغيانه فكان ممن قال فيه عليه السلام ، شر الناس من قامت القيامة عليه فهو حي لقيامة بنفسه وهواها في مقام توحيد الصفات وذلك من أقوى الحجب
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
{فَقُلْ} بعد ما أتيته {هَل لَّكَ} رغبة وتوجه {إِلَى أَن تَزَكَّى} بحذف إحدى التاءين من تتزكى أي تتطهر من دنس الكفر والطغيان ووسخ الكدورات البشرية والقاذورات الطبيعية فقوله لك خبر مبتدأ محذوف وإلى أن متعلق بذلك المبتدأ المضمر وقد يقال قوله هل لك مجاز عن أجذبك وادعوك والقرينة هي القريبة وهي المجاورة {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ} وأرشدك إلى معرفته فتعرفه أشار إلى أن في النظم مضافاً مضمراً وتقديم التزكية لتقدم التخلية على التحلية إذا لخشية لا تكون إلا بعد معرفته ، قال تعالى : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَـاؤُا} أي : العلماء بالله قيل : إنه تعالى قال في آخره ولن يفعل فقال موسى فكيف أمضي إليه وقد علمت إنه لن يفعل فأوحى إليه إن أمض لما تؤمر فإن في السماء اثني عشر ألف ملك يطلبون علم القدر فلم يدركوه وجعل الخشية غاية للهداية لأنها ملاك الأمر لأن من خشى الله أتى منه كل خير ومن أمن اجترأ على كل شر كما قال عليه السلام : من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل يقال أدلج القوم إذا ساروا من أول الليل وإن ساروا من آخر الليل فقد أدلجوا بالتسديد ثم إنه تعالى أمر موسى عليه السلام ، بأن يخاطبه بالاستفهام الذي معناه العرض ليستدعيه بالتلطف في القول ويستنزله بالمداراة من عتوه وهذا ضرب تفصيل لقوله تعالى : فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى إما كونه ليناً فلانة في صورة العرض لا في صورة الأمر صريحاً وليس فيه أيضاً ذكر نحو الشرك والجهل والكفر إن من متعلقات التزكي وإما اشتماله على بعض التفصيل فظاهر فأراه} س بنمود اورا موسى {الايَةَ الْكُبْرَى} الفاء فصيحة تفصح عن جمل قد طويت تعويلاً على تفصيلها في السور الأخرى فإنه جرى بينه وبين فرعون ما جرى من المحاورات إلى أن قال كنت جئت بآية فائت بها إن كنت من الصادقين أي فذهب إليه موسى بأمر الله فدعاه إلى التوحيد والطاعة وطلب هو منه المعجزة الدالة على صدقه في دعوته والإراءة إما من التبصيرا والتعريف فإن اللعين
320
حين أبصرها عرفها وادعاء سحريتها إنما كان إراءة منه وإظهاراً للتجلد ونسبتها إليه بالنظر إلى الظاهر كما أن نسبتها إلى نون العظمة في قوله ولقد أريناه آياتنا بالنظر إلى الحقيقة والمراد بالآية الكبرى قلب العصاحية والصغرى غيره من معجزاته الباقية وذلك إن القلب المذكور كان المقدم على الكل في الإراءة فينبغي أن يكون هو المراد على ما تقتضيه الفاء التعقيبية
(10/249)
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
{فَكَذَّبَ} فرعون بموسى وسمى معجزته سحراً عقيب رأية الآية من غير رؤية وتأمل وطلب شاهد من عقل وناصح من فكر وقلب لغاية استكباره وتمرده {وَعَصَى} الله بالتمرد بعد ما علم صحة الأمر ووجود الطاعة أشد عصيان وأقبحه حيث اجترأ على إنكار وجود رب العالمين رأساً فدل العطف على أن الذي ترتب على إراءة الآية الكبرى هو التكذيب الذي يكون عصياناًوهو التكذيب باللسان مع حصول الجزم بأن من كذبه ممن يجب تصديقه فأما تكذيب باللسان مع حصول الجزم بأن من كذبه ممن يجب تصديقه فأما تكذيب من لا يجب تصديقه فلا يكون عصياناً ويجوز أن يراد وعصى موسى فيما أمر به إلا أن الأل أدخل في ذمه وتقبيح حاله وكان اللعين وقومه مأمورين بعبادته تعالى وترك دعوى الربوبية لا بإرسال بني إسرائيل من الأسر والقسر فقط قال بعض أهل المعرفة آاه آية صرفاً ولو أراه أنوار الصفات في الآيات لم يكفر ولم يدع الربوبية إذ هناك موضع المحبة والعشق والإذعان لأن رؤية الصفات تقتضي التواضع ورؤية الذات تقتضي العربدة فكان هو محجوباً برؤية الآيات عن رؤية الصفات فلما لم يكن معه حظ شهود نور الصفة لم ينل عند رؤيتها حظ المحبة فلم يأت منه الانقياد والاذغان لذلك قال تعالى : {فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ} أي تولى عن الطاعة وكلمه ثم على هذا معناها التراخي الزماني إذا السعي في إبطال أمره يقتضي مهلة أو انصرف عن المجلس.
قال الراغب : أدبر أي اعرض وولى دبره {يَسْعَى} يجتهد في معارضة الآية تمرداً وعناداً لا اعتقاداً بأنها يمكن معارضتها فهو تعلل بالباطل دفعاً للمجلس وهو حال من فاعل أدبر بمعنى مسرعاً مجتهداً وفي "الكشاف" لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسرع في مشيته قال الحسن رحمه الله كان رجلاً طياشاً {فَحَشَرَ} أي فجمع السحرة لقوله تعالى : [النازعات : 23]{فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى الْمَدَآاـاِنِ حَـاشِرِينَ} وقوله تعالى : فتولى فرعون فجمع كيده أي : ما يكاد به من السحرة وآلاتهم ، ويجوز أن يراد جميع الناس فنادى} بنفسه في المقام الذي اجتمعوا فيه ، معه أو بواسطة المنادي {فَقَالَ} لقيامة مقام الحكومة والسلطنة {أَنَا رَبُّكُمُ الاعْلَى} لا رب فوقي أي لى من كل من يلي أمركم على أن تكون صيغة التفضيل بالنسبة إلى من كان تحت ولايته من الملوك والأمراء.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
وقال الكاشفي) : يعني أصنام كه بر صورت منند همه ايشان خدايا نند ومن اهمه برترم.
ولما اعدى العلوية قيل لموسى عليه السلام في مقابلة هذا الكلام إنك أنت الأعلى لأن الغلبة على سحره غلبة عليه والحاصل إنه لم يرد بهذا القول إنه خالق السموات والأرض والجبال والنبات والحيوان فإن العلمب فساد ذلك ضروري ومن شك فيه كان مجنوناً ولو كان مجنوناً لما جاز من الله بعثة الرسول إليه بل الرجل كان دهرياً منكراً للصانع والحشر والنشر
321
وكان يقول ليس للعالم إله حتى يكون له عليكم أمر ونهى أو يبعث إليكم رسولاً بل المربى لكم والمحسن إليكم أنا لا غيري قال بعضهم : كان ينبغي له عند ظهور ذله وعجزه بانقلاب العصا حية إن لا يقول ذلك القول فكأنه صار في ذلك الوقت كالمعتوه الذي لا يدري ما يقول (إمام قشيري رحمه الله) : در لطائف آورده كه إبليس اين سخن شنيده كفت مراطاقت اين سخن نيست من دعوى خيرين كفتم برادم اين همه بلا بمن رسيد اوكه نين لاف ميزند تاكار أو بكجا رسد.
قال بعض العارفين : لم يدع أحد من الخلائق من الكمال ما ادعاه ادعاه الإنسان فإنه ادعى الربوبية وقال أنا ربكم الأعلى وإبليس تبرأ منها وقال إني أخاف الله فلم يدع مرتبة ليست له قط أي إنه على جناح واحد وهو الجلال فقط وكذا الملك فإنه على الجمال المحض بخلاف الإنسان فإنه مخلوق باليدين.
شيخ ركن الدين علاء الدولة سمناني قدس سره فرموده كه وقتى مرا حال كرم بود بزيارت حسين منصور حلاج رفتم ون مراقبه كردم روح اورا در مقام عالي يا فتم ازعليين مناجات كردم كه خدايا ابن ه حالتست كه فعرون أنا ربكم ومنصور ، أنا الحق كفت هردويك دعوى كردند روح حسين در عليين است وجان فرعون درسجين بسر من ندا رسيدكه فرعون بخود بيني در افتاده همه خودرا ديد وماراكم كرد وحسين ما راديد وخود راكم كرد س درميان فرق بسباراست (وفي المثنوى) :
كفت فرعوني أنا الحق كشت ست
كفت منصوري أنا الحق وبرست
إن أنارا لعنت الله در عقب
واين أنارا رحمت الله أي محب
زانكه أو سنك سيه بود اين عقيق
آن عدوى نور بود واين عشيق
اين أنا هو بود در سراي فضول
نه زراي اتحاد واز حلول
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
(10/250)
قال في أسئلة الحكم فإن قلت ما الحكمة في إن إبليس قد لعن ولم يدع الربوبية وفرعون وأمثاله قد اعدوا الربوبية ولم يلعنوا تعييناً وتخصيصاً كما لعن إبليس قيل : لأن نية إبليس شر من نية هؤلاء وقيل لأنه أول من سن الخلاف والشقاق قولاً وفعلاً ونية والخلق بعده ادعوا الربوبية وسنوا البغي والخلاف بوسوسته وإبليس واجه بمخالفته حضرة الرب تعالى وهم واجهوا الأنبياء والوسائط وتضرعوا تارة اعترفوا بالذنوب عند المخلوق أخرى وإبليس لم يعترف ولم يتضرع وهو لأل من سن الكفر فوزر الكفار بعده راجع إليه إلى يوم القيامة ومظهر الضلالة والغواية ذاته بغير واسطة {فَأَخَذَهُ اللَّهُ} بسبب ما ذكر {نَكَالَ الاخِرَةِ وَالاولَى} النكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم وهو التعذيب أي الذي ينكل من رأه أو سمعه ويمعنه من تعاطي ما يفضي إليه ومحله النصب على إنه مصدر مؤكد كوعد الله وصبغة الله كأنه قال : نكل الله به نكال الآخرة والأولى وهو الإحراق في الآخرة والإغراق في الدنيا وأخذ مستعمل في معنى مجازي يعم الأخذ في الدنيا والآخرة وإلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز لأن الاستعمال في الأخذ الدنيوي حقيقة وفي الأخروي مجاز لتحقق وقوعه وإضافة النكال إلى الدارين باعتبار وقوع نفس الأخذ
322
فيهما لا باعتبار أن ما فيه من معنى المنع يكون فيهما فإن ذلك لا يصور في الآخرة بل في الدنيا فإن العقوبة الأخروية تنكل من سمعها وتمنعه من تعاطي ما يؤدي إليها لا محالة.
وفي التأويلات القاشانية : نازع الحق بشدة ظهور أنانيته في رداء الكبرياء فقهر وقذف في النار ملعوناً ما قال تعالى : العظمة أزاري والتكبرياء ردائي فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار ويروى قصمته وذلك القهر هو معنى قوله فأخذه الله.
.
الخ وقال البقلي : لما لم يكن صادقاً في دعواه ، افتضح في الدنيا والآخرة وهكذا كل ما يدعى ما ليس له من المقامات قال بشر انطق الله لسانه بالعريض من الدعاوي وإخلاء عن حقائقها وقال السري : العبد إذا تزيى بزي السيد صار نكالاً ألا ترى كيف ذكر الله في قصة فرعون لما ادعى الربوبية فأخذه الله.
.
الخ كذبه كل شيء حتى نفسه وفي الوسيط عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال موسى : يا رب أمهلت فرعون أربعمائة سنة ويقول : أنا ربكم الأعلى ويكذب بآياتك ويجهد برسلك فأوحى الله إليه كان حسن الخلق سهل الحجاب فأردت إن أكافئه أي مكافأة دنيوية وكذا حسنات كل كافر وإما المؤمن فأكثر ثوابه في الآخرة ودلت الآية على أن فرعون مات كافراً وفي "الفتوحات المكية" فرعون ونمرود مؤبدان في النار انتهى.
وغير هذا من أقوال الشيخ رحمه الله ، محمول على المباحثة فصن لسانك عن الإطالة فإنها من أشد ضلالة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
يقول الفقير : صدر من فرعون كلمتان الأولى قوله أنا ربكم الأعلى والثانية قوله ما عملت لكم من إله غيري وبينهما على ما قيل أربعون سنة فالظاهر أن الربوبية محمولة على الألوهية فتفسير قوله أنا ربكم إلا على بقولهم أعلى من كل من يلي أمركم ليس فيه كثير جدوى إذ لا يقتضي ادعاء الرياسة دعوى الألوهية كسائر الدهرية والمعطلة فإنهم لم يتعرضوا للألوهية وإن كانوا رؤساء تأمل هذا المقام {إِنَّ فِى ذَالِكَ} أي فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل به {لَعِبْرَةً} اعتباراً عظيماً وعظة {لِّمَن يَخْشَى} أي لمن من شأنه أن يخشى وهو من شأنه المعرفة يعني إن العارف بالله وبشؤونه يخشى منه فلا يتمرد على الله ولا على أنبيائه خوفاً من نزول العذاب والعاقل من وعظ بغيره.
و بركشته بختى در افتديه بند
ازونيك بختان بكيرند ند
تويش ازعقوبت در عفو كوب
كه سودى تدارد فغان زير وب
بر آراز كريبان عفلت سرت
كه فردا نماند خجل در برت
يعني درسينه ات {أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ} خطاب لأهل مكة المنكرين للبعث بناء على صعوبته في زعمهم بطريق التوبيخ والتبكيت بعدما بين كمال سهولته بالنسبة لقدرة الله تعالى بقوله تعالى : [النازعات : 27]{فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} فالشدة هنا بمعنى الصعوبة لا بمعنى الصلابة لأنها لا تلائم المقام أي أخلقكم بعد موتكم أشق وأصعب في تقديركم وزعمكم وإلا فكلا الأمرين بالنسبة إلى قدرة الله واحد أم السماء} أم خلق السماء بلا مادة على عظمها وقوة تأليفها وانطوائها على البدائع اتي تحار العقول في ملاحظة أدناها وهو استفهام تقرير ليقروا بأن خلق السماء
323
(10/251)
أصعب فيلزمهم بأن يقول لهم أيها السفهاء من قدر على الأصعب الأعسر كيف لا يقدر على أعادتكم وحشركم وهي أسهل وأيسر فخلقكم على وجه الإعادة أولى أن يكون مقدور الله فكيف تنكرون ذلك قوله أأنتم مبتدأ وأشد خبره وخلقاً تمييز والسماء عطف على أنتم وحذف خبره لدلالة خبر أنتم عليه أي أم السماء أشد خلقاً {بَنَـاـاهَا} الله تعالى وهو استئناف وتفصيل لكيفية خلقها المستفاد من قوله أم السماء فيتم الكلام حينئذٍ عند قوله السما ويبتدأ من قوله بناها وأم متصلة واستعمل البناء في موضع السقف فإن السماء سقف مرفوع والبناء إنما يستعمل في أسافل البناء لا في الأعالي للإشارة إلى أنه وإن كان سقفاً لكنه في البعد عن الاختلال والانحلال كالبناء فإن البناء أبعد عن تطرق الاختلال إليه بالنسبة إلى السقف
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
{رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاـاهَا} بيان للبناء أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض وذهابها إلى سمت العلو مديداً رفيعاً مسيرة خمسمائة عام فإن امتداد الشيء إن أخذ من أسفله إلى أعلاه سمى سمكاً وإذا أخذ من أعلاه إلى أسفله سمى عمقاً وقال بعضهم : السمك الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها فيكون المراد ثخنها وغلظها وهو أيضاً تلك المسيرة {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} الغطش الظلمة.
قال الراغب : وأصله من الأغطش وهو الذي في عينه شبه عمش يقال أغطشه الله إذا جعله مظلماً وأغطش الليل إذا صار مظلماً فهو متعد ولازم والأول هو المراد هنا أي جعله مظلماً ذهب النور فإن قيل الليل اسم لزمان الظلمة الحاصلة بسبب غروب الشمس فقوله واغطش ليلها يرجع معناه إلى أنه جعل المظلم مظلماً وهو يعيد والجواب معناه إن الظلمة الحاصلة في ذلك الزمان إنما حصلت بتدبير الله وتقديره فلا إشكال {وَأَخْرَجَ ضُحَـاـاهَا} أي أبرز نهارها عبر عنه بالضحى وهو ضوء الشمس ووقت الضحى وهو الوقت الذي تشرق فيه الشمس ويقوم سلطانها لأنه أشرف أوقاتها وأطيبها على تسمية المحل باسم أشرف ما حل فيه فكان أحق بالذكر في مقام الامتنان وهو السر في تُير ذكره عن ذكر الليل وفي التعبير عن إحداثه بالإخراج فإن إضافة النور بعد الظلمة أتم في الأنعام وأكمل في الإحسان وإضافة الليل والضحى إلى السماء لدوران حدوثها على حركتها والإضافة يكفيها أدنى ملابسة المضاف إليه ويجوز أن تكون إضافة الضحى إليها بواسطة الشمس أي أبرز ضوء شمسها بتقدير المضاف والتعبير عنه بالضحى لأنه وقت قيام سلطانها وكمال إشراقها.
إمام زاهد فرموده كه روز وشب دنيا بآسمان يدا كردد بسب آفرينش شرًتاب وماه دور.
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
قال بعض العارفين الليل ذكر والنهار أنثى فلما تغشاها الليل حملت فولدت فظهرت الكائنات عن غشيان الزمان فالمولدات أولاد الزمان واستخراج النهار من الليل كاستخراج حواء من آدم.
قال تعالى : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ، وقال يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل كعيسى في مريم وحواء في آدم فإذا خاطب أبناء النهار قال يولج الليل وإذا خاطب أبناء الليل.
قال : يولج النهار ، وقال بعض أهل الحقائق إن توارد الليل والنهار إشارة إلى توارد السيئة والحسنة فكما الدنيا لا تبقى على ليل وحده ولا على نهار وحده بل
324
(10/252)
هما يتعاقبان فيها فكذا المؤمن لا يخلو من نور الإيمان والعمل الصالح ومن ظلمة العمل الفاسد والفكر الكاسد ، ولذا قال عليه السلام لعلي رضي الله عنه : "يا علي إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فإذا كان يوم القيامة يلقى الله الليل في جهنم والنهار في الجنة فلا يكون في الجنة ليل كما لا يكون في النار نهار" ، يعني : إن النهارا في الجنة هو نور إيمان المؤمن ونور عمله الصالح بحسب مرتبته والليل في النار هو ظلمة كفر الكافر وظلمة عمله السيء فكما إن الكفر لا يكون إيماناً فكذا الليل لا يكون نهار والنار لا تكون نوراً فيبقى كل من أهل النور والنار على صفته الغالبة عليه وإما القلب وحاله بحسب التجلي فهو على عكس حال القالب فإن نهاره المعنوي لا يتعاقب عليه ليل وإن كان يطرأ عليه استتار في بعض الأوقات {وَالارْضَ بَعْدَ ذَالِكَ دَحَـاـاهَآ} أي : قبل ذلك كقوله تعالى : [الأنبياء : 105-2]{مِنا بَعْدِ الذِّكْرِ} أي : قبل القرآن بسطها ومهدها لسكنى أهلها وتقلبهم في أقطارها.
وقال بعضهم : بعد على معناه الأصلي من التأخر فإن الله خلق الأرض قبل خلق السماء من غير يدحوها ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ثم دحا الأرض بعد ذلك وقال في الإرشاد انتصاب الأرض بمضمر يسره دحاها وذلك إشارة إلى ما ذكر من بناء السموات ورفع سمكها وتسويتها وغيرها لا إلى أنفسها وبعدية الدخول عنها ، محمولة على البعدية في الذكر ، كما هو المعهود في السنة العرب والعجم لا في الوجود فإن اتفاق الأكثر على تقدم خلق الأرض وما فيها على خلق السماء وما فيها وتقديم الأرض لا يفيد القصر وتعيين البعدية في الوجود لما عرفت من أن انتصابه بمضمر مقدم قد حذف على شريطة التفسير لا بما ذكر بعده ليفيد ذلك وفائدة تأخيره في الذكر إما التنبيه على إنه قاصر في الدلالة على القدرة القاهرة بالنسبة إلى أحوال السماء وإما الإشعار بأنه أدخل في الإلزام لما إن المنافع المنوطة بما في الأرض أكثر وتعلق مصالح الناس بذلك أظهر وإحاطتهم بتفاصل أحواله أكمل وقد مر ما يتعلق بهذا المقام في سورة حم السجدة اخرج منها ماءها} بأن فجر منها عيوناً وأجرى أنهاراً
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
{وَمَرْعَـاـاهَا} أي رعيها بالكسر بمعنى الكلأ وهو في الأصل موضع الرعي بالفتح نسب الماء والمرعي إلى الأرض من حيث إنهما منها يظهران وتجريد الجملة عن العاطف لأنها بيان وتفسير لدحاها أو تكملة له فإن السكنى لا تتأتى بمجرد البسط والتمهيد بل لابد من تسوية أمر المعاش من المأكل والمشرب حتماً {وَالْجِبَالَ} منصوب بمضمر يفسر قوله {أَرْسَـاـاهَا} أي : أثبتها وأثبت بها الأرض إن تميد بها وهذا تحقيق للحق وتنبيه على أن الرسو المنسوب إليها في مواضع كثيرة من التنزيل بالتعبير عنها بالرواسي ليس من مقتضيات ذواتها بل هو بإرسائه تعالى ولولاه لما ثبتت في نفسها فضلاً عن إثباتها للأرض {مَتَـاعًا لَّكُمْ وَلانْعَـامِكُمْ} مفعول له بمعنى تمتيعاً والأنعام جمع نعم بفتحتين وهي المال الراعية بمعنى المواشي وفي "الصحاح" وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل والمراد هنا ما يكون عاماً للإبل والبقر والغنم من الضأن والمعز أي : فعل ذلك تمتيعاً ومنفعة لكم ولأنعامكم ، لأن فائدة ما ذكر من البسط والتمهيد ، وإخراج الماء والمرعي واصلة إليهم وإلى إنعامهم ، فإن المراد بالمرعى ما يعم ما يأكله الإنسان
325
(10/253)
وغيره بناء على استعارة الرعي لتناول المأكول على الإطلاق كاستعارة المر من للأنف ولهذا قيل : دل الله تعالى بذكر الماء والمرعي على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الأرض حتى الملح فإنه من الماء قال العتبي : هذا أي قوله أخرج منها ماءها ومرعاها من جوامع الكلم حيث ذكر شيئين دالين على جميع ما أخرج من الأرض قوتاً ومتاعاً للأنام من العشب والشجر والحب والثمر والملح والنار لأن النار من الشجر الأخضر والملح من الماء ونكتة الاستعارة توبيخ المخاطبين المنكرين للبعث وإلحاقهم بالبهائم في التمتع بالدنيا والذهول عن الآخرة {فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَى} قال في الصحاح : كل شيء كثر حتى علا وغلب فقد طم من باب رد والكبرى تأنيث الأكبر من كبر بالضم بمعنى عظم لا من كبر بالكسر بمعنى اسن وهذا شروع في بيان أحوال معادهم أثر بيان أحوال معاشهم والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها عما قليل كما ينبىء عنه لفظ المتاع والمعنى : فإذا جاء وقت طلوع وقوع الداهية العظمى التي تطم على سائر الطامات والدواهي أي تعلوها وتغلبها فوصفها بالكبرى يكون للتأكيد ولو فسر بما تعلو على الخلائق وتغلبهم كان مخصصاً والمراد القيامة أو النفخة الثانية فإنه بشاهد يوم القيامة من الآيات الهائلة الخارجة عن العادة ما ينسى معه كل هائل وعند النفخة الثانية تحشر الخلائق إلى موقف القيامة خصت النازعات بالطامة وعبس بالصاخة لأن الطم إن كان بمعنى النفخة الأولى للإهلاك فهو قبل الصح ، أي : الصوت الشديد الذي يحيى له الناس حين يصيخون له كما ينتبه النائم بالصوت الشديد فهو بمعنى النفخة الثانية فجعل السابق للسورة السابقة واللائق اللاحقة وإن كان بمعنى النفخة الثانية فحسن الموقع في كلا الموضعين لأن العلم ورد بعد قوله تتبعها الرادفة والصخ بعد ما بين عدم إصاخة النبي عليه السلام لابن أم مكتوم
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الانسَـانُ مَا سَعَى} منصوب بأعني تذكيراً للطامة الكبرى وما موصولة وسعي بمعنى علم أي يتذكر فيه كل أحد كائناً من كان ما عمله من خير أو شر بأن يشاهده مدوناً في صحيفة أعماله وقد كان نسيه من فرط الغفلة وطول الأمد كقوله تعالى : {أَحْصَـاـاهُ اللَّهُ وَنَسُوه وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ} عطفت على جاءت أي أظهرت إظهاراً بينا لا يخفى على أحد بعد أن كانوا يسمعون بها والمراد مطلق النار المعبر عنها بجهنم لا الدركة المخصوصة من الدركات السبع {لِمَن يَرَى} كائناً من كان على ما يفيده من فإنه من ألفاظ اعموم يروى إنه يكشف عنها فتتلظى فيراها كل ذي بصر مؤمن وكافر ، وقوله تعالى : [الشعراء : 91-37]{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ} للغاوين لا ينافي أن يراها المؤمنون أيضاً حين يمرون عليها مجاوزين الصراط ، وقيل للكافر لأن المؤمن يقول أين النار ، التي توعدنا بها فيقال : مررتموها وهي خامدة فا من طغى} الخ جواب فإذا جاءت على طريقة قوله : [النازعات : 38]{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} .
.
الخ.
يقال : إن جئتني فإن قدرت أحسنت إليك ويقال : إذا كانت الدعوة فأما من كان جاهلاً فهناك مقامه وإما من كان عالماً فههنا مقامه أي فأما من عتا وتمرد عن الطاعة وجاوز الحد في العصيان كالنضر وأبيه الحارث المشهورين بالغلو في الكفر والطغيان 111111111111
326
وآثر} اختار {وَءَاثَرَ الْحَيَواةَ} الفانية التي على جناح الفوات فانهمك فيما متع به فيها ولم يستعد للحياة الآخرة الأبدية بالإيمان والطاعة {فَإِنَّ الْجَحِيمَ} التي ذكر شأنها {هِىَ} لا غيرها وهو ضمير فصل أو مبتدأ {الْمَأْوَى} أي مأواه فلا يخرج من النار كما يخرج المؤمن العاصي فالكلام في حق الكافر لكن فيه موعظة وعبرة موقظة واللام سادة مسد الإضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي كما في قولك غض الطرف فإنه لا يغض الرجل طرف غيره وذلك لأن الخبر إذا كان جملة لا بد فيها من ضمير يربطها بالمبتدأ فسدت اللام مسد العائد لعدم الالتباس فلا احتياج في مثل هذا المقام إلى الرابطة
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
(10/254)
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} أي مقامه بين يدي مالك أمره يوم الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وذلك لعلمه بالمبدأ والمعاد فإن الخوف من القيام بين يديه للحساب لا بد أن يكون مسبوقاً بالعلم به تعالى وفي بعض التفاسير المقام إما مصدر ميمي بمعنى القيام أو اسم مكان بمعنى موضع القيام أي المكان الذي عينه الله لأن يقوم العباد فيه للحساب والجزاء وقيل : المقام مقحم للتأكيد جعل الخوف مقابلاً للطغيان مع أن الظاهر مقابلته للانقياد والإطاعة بناء على أن الخوف أول أسباب الإطاعة ثم الرجاء ثم المحبة فالأول للعوام والثاني للخواص والثالث لأخص الخواص {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} عن الميل إليه بحكم الجيلة البشرية ولم يعتد بمتاع الحياة الدنيا وزهرتها ولم يغتر بزخارفها وزينتها علماً منه بو خامة عاقبتها والهوى ميلان النفس إلى ما تشتهيه وتستلذه من غير داعية الشرع وفي الحديث أخوف ما أتخوف على أمتي الهوى وطول الأمل إما الهوى فيصد عن الحق وإما طول الأمل فينسى الآخرة قال بعض الكبار : الهوى عبارة عن الشهوات السبع المذكورة في قوله تعالى : {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَـاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالانْعَـامِ وَالْحَرْثِ} ، وقد أدرجها الله في أمرين : كما قال : إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ثم أدرجها في أمر واحد وهو الهوى في الآية ، فالهوى جامع لأنواع الشهوات فمن تخلص من الهوى فقد تخلص من جميع القيود والبرازخ.
قال سهل رحمه الله : لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين ليس كلهم وإنما يسلم من الهوى من ألزم نفسه الأدب وقال بعضهم : حقيقة الإنسان هي نفسه لا شيء زائد عليها ، وقال تعالى : ونهى النفس عن الهوى فمن اناهي لها تأمل انتهى.
يقول الفقير : إن الإنسان برزخ بين القحيقة الإلهية والحقيقة الكونية وكذا بين الحقيقة الملكية والحقيقة الحيوانية فهو من حيث الحقيقة الأولى ينهى النفس من حيث الحقيقة الثانية كما إن النبي عليه السلام ، يخاطب نفسه بقوله عليه السلام : السلام عليك أيها النبي من جانب ملكيته إلى جانب بشريته أو من مقام جمعه إلى مقام فرقه فإن الجنة هي المأوى} له لا غيرها فنهى النفس عن الهوى معناه نهيها عن جميع الهوى عن أن اللام للاستغراق وإلا فلا معنى للحصر لأن المؤمن الفاسق قد يدخل النار أو لا ثم يدخل الجنة فلا يصح في حقه الحصر اللهم إلا أن يقال معنى الحصر أن الجنة هي المقام الذي لا يخرج عنه من دخل فيه وفي بعض التفاسير :
327
المراد بالجنة مطلق دار الثواب فلا يخالف قوله تعالى : {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّه جَنَّتَانِ} فإن له جنتين بفضل الله في دار الثواب جنة النغيم بالنعم الجسمانية وجنة التلذذ باللذات الروحانية.
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
ودر فصول آورده كه اين آيت درشان كسى است كه قصد معصيتي كند وبران قادر باشد خلاف نفس نموده از خداي بترسد واز عمل آن دست باز دارد.
كر نفسي نفس بفرمان تست
شبهه مياوركه بهشت آن تست
نفس كشد هر نفسي سوى ست
هركه خلافش نفسي زدبرست
قال محمد بن الحسن رحمه الله : كنت نائماً ذت ليلة إذا أنا بالباب يدق ويقرع فقلت : انظروا من ذلك فقال رسول الخليفة هارون يدعوك فخفت على روحي وقمت ومضيت إليه فلما دخلت عليه قال دعوتك في مسألة إن أم محمد يعني زبيده قلت لها إني أمام العدل وإمام العدل في الجنة فقالت إنك ظالم عاص قد شهدت لنفسك بالجنة فكذبت بذلك على الله وحرمت عليك فقلت له يا أمير المؤمنين إذا وقعت في معصية فهل تخاف الله في تلك الحال أو بعدها فقال أي والله أخاف خوفاً شديداً فقلت له أنا أشهد إن لك جنتين لا جنة واحدة قال الله تعالى ولمن حاف مقام ربه جنات فلاطفني وأمرني بالانصراف فلما رجعت إلى داري رأيت البدر متبادرة إلي.
عبد الملك بن مروان خليفه روز كار بود وأبو حازم أمام وزاهد وقت بوادزوى رسيدكه يا أبا حام فردا حال وكار ماون خواهد بود كفت اكر قرآن مي خواني قرآن ترا جواب ميدهد كفت كا ميكويد كفت فأما من طغى إلى قوله فإن الجنة هي المأوى بدانكه دردنيا هر نفسي را آتش شهوتست ودر عقبي آتش عقوبت هركه امروز بآتش شهوت سوخته كردد فردا بآتش عقوبت رسد وهركه أمر وزبآب رياضت ومجاهده آتش شهوت بنشاند وهمنين در دنيا دردل هر مؤمن بهشتي است كه آثرا بهشت عرفان كويند ودر عقبي بهشتي است كه آنرا رضوان كويند هركه أمروز دردنيا بهشت عرفان بطاعت آراسته دار فردا به بهشت رضوان برسد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
(10/255)
وقال القاشاني : فأما من طغى أي تعدى طور الفطرة الإنسانية وتجاوز حد العدالة والشريعة إلى الرتبة البهيمية أو السبعية وأفرط في تعديه وآثر الحياة الحسية على الحقيقية بمحبة اللذات السفلية فإن الجحيم مرجعه ومأوه وإما من خاف مقم ربه بالترقي إلى مقام القلب ومشاهدة قيوميته تعالى نفسه ونهى النفس خوف عقابه وقهره عن هواها فإن الجنة مآواه على حسب درجاته وقال بعضهم أشار بالآية إلى حال المبتدىء فإنه وقت قصده إلى الله لا ويجز له الرخصة والرفاهية خوفاً من الحجاب فإذا بلغ إلى مقام التصفية والمعرفة لم يحتج إلى نهي النفس عن الهوى فإن نفسه وجسمه وشيطانه صارت روحانية والمشتهي هناك مشتهي واحد هو مشتهي الروح فالمبتدىء نمع النفس في الاشتهاء فلذا صار من أهل النهي والمنتهي مع الرب في ذلك ومن كان مع الرب فقد تحولت شهوته لذة حقيقية مقبولة يسألونك} مي رسند ترا أي يا محمد {عَنِ السَّاعَةِ} أي القيامة {أَيَّانَ مُرْسَـاـاهَا} إرساؤها أي إقامتها يريدون متى يقيمها الله ويثبتها ويكونها فأيان ظرف بمعنى متى وأصله أي آن ووقت والمرسي مصدر بمعنى الإرساء وهو الإثبات وهو مبتدأ
328
وإيان خبره بتقدير المضاف إذ لا يخبر بالزمان عن الحدث والتقدير متى وقت إرسائها كان المشركون يسمعون أخبار القيامة ولو صافها الهائلة مثل إنها طامة كبرى وصاخة وقارعة فيقولون على سبيل الاستهزاء أيان مرساها {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاـاهَآ} رد وإنكار لسؤال المشركين عنها وأصل فيم فيما كما إن أصل عم عما وقد سبق والذكرى بمعنى الذكر كالبشرى بمعنى البشارة أي في أي شيء أنت من أنت ذكر لهم وقتعها وتعلمهم به حتى يسألونك بيانها كقوله تعالى : [الأعراف : 187-44]{يَسْـاَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا} ، أي : ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها في شيء لأن ذلك فرع علمك به وأنى لك ذلك وهو مما استأثر بعلمه علام الغيوب فقوله من ذكراها فيه مضاف وصلته محذوفة وهي لهم والاستفهام للإنكار وأنت مبتدأ وفيم خبره قدم عليه ومن ذكراها فيه مضاف وصلته محذوفة وهي لهم والاستفهام للإنكار وأنت مبتدأ وفيم خبره قدم عليه ومن كذراها متعلق بما تعلق به الخبر إلى ربك منتهاها} أي انتهاء علمها ليس لأحد منه شيء ما كائناً من كان فلأي شيء يسألونك عنها.
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
عائشة رضي الله عنها فرموده كه حضرت رسول عليه السلام ميخواست كه وقت آن ازخدا بسد حق تعالى فرمود توازد انستن قيامت بره يزى يعني علم آن حق تونيست زنهار تانر سي به رورود كارتست منتهاي علم قيامت يعني كسر راخبر ندهد ه اطلاع بران خاصه حضرت رورد كارست.
قال القاشاني : أي في أي شيء أنت من علمها وذكرها وإنما إلى ربك نتهي علمها فإن من عرف القيامة هو الذي أنمحى علمه أو لا بعلمه تعالى ثم فنيت ذاته في ذاته فكيف يعلمها ولا علم له ولا ذات فأين أنت وغيرك من علمها بل لا يعلمها إلا الله وحده {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـاـاهَا} أي وظيفتك الامتثال بما أمرت به مني بيان اقترابها وتفصيل ما فيها من فنون الأهوال لا تعيين وقتها الذي لم يفوض إليك فما لهم يسألونك عما ليس من وظائفك بيانه أي ما أنت إلا منذر لا يعلم فهو من قصر الموصوف على الصفة أو ما أنت منذر إلا من يخشاها فهو من قصر الصفة على الموصوف وتخصيص من يخشى مع إنه مبعوث إلى من يخشى ومن لا يخشى لأنهم هم المنتفعون به أي لا يؤثر الإنذار إلا فيهم كقوله فذكر بالقرآن من يخاف وعيد والجمهور على إن قوله منذر من يخشاها من إضافة الصفة إلى معمولها للتخفيف على الأصل لأن الأصل في الأسماء الإضافة والعمل فيها إنما هو بالشبه ومن قرأها بالتنوين اعتبر أن الأصل فيها الأعمال والإضافة فيها إنما هي للتخفيف {كَأَنَّهُمْ} أي المنكرين وبالفارسية كوييا كفار مكة {يَوْمَ يَرَوْنَهَا} روزي كه بنند قيامت راكه از آمدن آن همي برسند {لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَـاـاهَا} الضحى اسم لما بين إشراق الشمس إلى استواء النهار ثم هي عشى إلى الغداة كما في "كشف الأسرار" والجملة حال من الموصول ، فإنه على تقدير الإضافة وعدمها ، مفعول لمنذر كأنه قيل : تنذرهم مشبهين يوم يرونها أي : في الاعتقاد بمن لم يلبث بعد الإنذار بها إلا تلك المدة اليسيرة أي عشية يوم واحد أوضحاه أي آخر يوم أو أوله لا يوماً كاملاً على أن التنوين عوض عن المضاف إليه فلما ترك اليوم أضيف ضحاه إلى عشيته والضحى والعشية لما كانا من يوم واحد تحققت بينهما ملابسة مصححة لإضافة أحدهما إلى الآخر فلذلك أضيف الضحى إلى العشيرة فإن قيل : لم لم يقل إلا عشية أو ضحى وما فائدة الإضافة قلنا لو قيل لم يلبثوا
329
(10/256)
إلا عشية أو ضحى احتمل أن يكون العشية من يوم والضحى من يوم آخر فيتوهم استمرار اللبث من ذلك الزمان من اليوم الأول إلى الزمان الآخر من اليوم الآخر وإما إذا قيل إلا عشية أو ضحاها لميحتمل ذلك البتة قال في "الإرشاد" واعتبار كون الليث في الدنيا أو في القبور لا يقتضيه المقام وإنما الذي يقتضيه اعتبار كونه بعد الإنذار أو بعد الوعيد تحقيقاً للإنذار ورداً لاستبطائهم وفي الآية إشارة إلى ساعة الفناء في الله فإنها أمر وجداني لا يعرفها إلا من وقع فيها وهم باقون بنفوسهم الغليظة الشديدة فكيف يفهمونها بذكرها بلسان العبارة كما قيل : من لم يذق لم يعرف كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها لاتصال آخر الفاء بأول البقاء كما قال العارف الطيار العطار قدس سره :
كر بقا خواهى فناي خود كزين
أو لين يزى كه مي زايد بقاست
وفي الحديث من قرأ سورة النازعات كان ممن حسبه الله في القبر والقيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة مكتوبة وهو عبارة عن استقصار مدة الليث فيما يلقي من البشرى والكرامة في البرزخ والموقف كذا في حواشي ابن الشيخ رحمه الله.
جزء : 10 رقم الصفحة : 314
تفسير سورة عبس
أربعون أو إحدى وأربعون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 329
{عَبَسَ} من الباب الثاني والعبس والعبوس ترش روى شدن يعني ترش كرد روى خودرا محمد عليه السلام {وَتَوَلَّى} اعرض يعني روى بكردانيد {أَن جَآءَهُ الاعْمَى} الضمير لمحمد عليه السلام وهو علة لتولي على رأي المبصريين لقربه منه أي تولى لأن جاءه الأعمى والعمى افتقاد البصر ويقال : في افتقاد البصيرة أيضاً ولام الأعمى للعهد فيراد أعمى معروف وهو ابن أم مكتوم المؤذن الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلّم في الأذان ولذلك قال عليه السلام ، إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وكان من المهاجرين الأولين استخلفه عليه السلام ، على المدينة مرتين حين خرج غازياً وقيل ثلاث مرات مات بالمدينة وقيل شهيداً بالقادسية وهي قرية فوق الكوفة قال أنس رضي الله عنه رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سوداء ويقال ليوم فتح عمر رضي الله عنه يوم القادسية فإنه ظفر على العجم هناك وأخذ منهم غنائم كثيرة واختلفوا في اسم ابن أم مكتوم فقيل هو عبد الله بن شريج بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر ابن لؤي وقيل هو عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم من بني عامر بن هلال وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها وأم مكتوم اسم أم أبيه كما في "الكشاف" وقال السعدي هو وهم فقد نص ابن عبد البر وغيره إنها أمه واسمها عاتكة بنت عامر بن مخزوم.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
روى) أن ابن أم مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وذلك في مكة وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل
330
بن هشام والعباس بن عبد المطلب وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم لأن عادة الناس إنه إذا مال أكابرهم إلى أمر إليه غيرهم كما قيل الناس على دين ملوكهم فقال له يا رسول الله علمني مما علمك الله انتفع به وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله عليه السلام ، بالقوم إذا السمع لا يكفي في العلم بالتشاغل بل لا بد من الأبصار على إنه يجوز إنهم كانوا يخفضون أصواتهم عند المكالمة أو جاء الأعمى في منقطع من الكلام فكره رسول الله قطعه لكلامه واشتغاله به عنهم وعبس وأعرض عنه فرجع ابن أم مكتوم محزوناً خائفاً أن يكون عبوسه وأعراضه عنه إنما هو لشيء أنكره الله منه فنزلت.
أمام زاهد فرموده كه سيد عالم صلى الله عليه وسلّم از عقب أو رفت واورا بازكر دانيده ورداي مبارك خود بكسترانيد وبران نشانيد.(10/257)
فكان رسول الله يكرمه ويقول إذا رآه مرحباً بمن عاتبني فيه ربي أي لامني مع بقاء المحبة ويقول له هل لك من حاجة ويقال إن رسول الله عليه السلام ، لم يغتم في عمره كغمه حين أنزلت عليه سورة عبس لأن فيها عتباً شديداً على مثله لأنه الحبيب الرشيد ومع ذلك فلم يجعل ذلك الخطاب بينه وبينه فيكون أيسر للعتاب بل كشف بذلك للمؤمنين ونبه على فعله عباده المتقين ولذلك روى أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن بعض المنافقين يؤم قومه فلا يقرأ فيهم إلا سورة عبس فأرسل إليه فضرب عنقه لما استدل بذلك على كفره ووضع مرتبته عنده وعند قومه قال ابن زيد لو جاز له أن يكتم شيئاً من الوحي لكان هذا وكذا نحو قوله لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ونحو قوله أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه وكان ما فعله عليه السلام ، من باب ترك الأولى فلا يعد ذنباً لأن اجتهاده عليه السلام ، كان في طلب الأولى والتعرض لعنون عماه مع أن ذكر الإنسان بهذا الوصف يقتضي تحقير شأنه وهو ينافي تعظيمه المفهوم من العتاب على العبوس في وجهه إما لتمهيد عذره في الإقدام على قطع كلامه عليه السلام ، للقوم والإيذان باستحقاقه الرفق والرأفة لا الغلظة وإما لزيادة الإنكار فإن أصل الإناكر حصل من دلالة المقام كأنه قيل تولى لكونه أعمى وهو لا يليق بخلقه العظيم كما إن الالتفات في قوله تعالى
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
{وَمَا يُدْرِيكَ} لذلك فإن المشافهة أدخل في تشديد العتبا كمن يشكو إلى الناس جانياً جنى عليه ثم يقبل على الجاني إذا حمى في الشكاية مواجهاً له بالتوبيخ أي وأي شيء يجعلك دارياً وعالماً بحاله ويطعلك على باطن أمره حتى تعرض عنه أي لا يدريك شيء فتم الكلام عنده فيوقف عليه وليس ما بعده مفعوله بل هو ابتداء كلام وقال الامام السهيلي رحمه الله ، انظر كيف نزلت الآية بلفظ الأخبار عن الغائب فقال : [عبس : 1-3]{عَبَسَ وَتَوَلَّى} ولم يقل عبست وتوليت وهذا شبيه حال الغائب المعرض ثم أقبل عليه بمواجهة الخطابفقال وما يدريك علماً منه تعالى إنه لم يقصد بالإعراض عنه إلا الرغبة في الخير ودخول ذلك المشرك في الإسلام وهو الوليد أو أمية وكان مثله يسلم بإسلامه بشر كثير فكلم نبيه عليه السلام حين ابتدار الكلام بما يشبه كلام المعرض عنه العاتب له ثم واجهه بالخطاب تأنيساً له عليه السلام ، بعد الإيحاش فإنه قيل إن ابن أم
331
مكتوم كان قد أسلم وتعلم ما كان يحتاج إليه من أمور الدين وأما أولئك الكفار فما كانوا قد أسلموا وكان إسلامهم سبباً لإسلام جمع عظيم فكلامه في البين سبب لقطع ذلك الخير العظيم لغرض قليل وذلك محرم وإلا هم مقدم على المهم فثبت بهذا إن فعل ابن أم مكتوم كان ذنباً ومعصية وما فعله النبي عليه السلام كان واجباً فكيف عاتبه الله على ذلك قيل إن الأمر وإن كان كما ذكر إلا أن ظاهر ما فعله الرسول عليه السلام يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وقلة المبالاة بانكسار قلوب الفقراء وهو لا يليق بمنصب النبوة لأنه ترك الأفضل كما أشير إليه سابقاً فلذا عاتبه الله تعالى لعله} أي الأعمى {يَزَّكَّى} بتشديدين أصله يتزكى أي يتطهر بما يقتبس منك من أوضار الأوزار بالكلية وكلمة لعل مع تحقق التزكي وارد على سنن الكبرياء فإن لعل في كلام العظماء يراد به القطع والتحقيق أو على اعتبار معنى الترجي بالنسبة إليه عليه السلام ، للتنبيه على أن الإعراض عنه عند كونه مرجوا التزكي مما لا يجوز فكيف إذا كان مقطوعاً بالتزكي كما في قولك لعلك ستندم على ما فعلت {أَوْ يَذَّكَّرُ} بتشديدين أيضاً أصله يتذكر والتذكر هو الاتعاظ يعني باخود ند كيرد {فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} أي فتنفعه موعظتك إن لم يبلغ درجة التزكي التام وفي "الكشاف" المعنى إنك لا تدري ما هو مترقب منه من تزكى أو تذكر ولو دريت لما فرط ذلك منك انتهى.
إشار إلى أن قوله يزكي من باب التخلية عن الآثام وقوله أو يذكر من باب التحلية ببعض الطاعات ولذا دخلت كلمة الترديد فقوله أو يذكر عطف على بزكي داخل معه في حكم الترجي وقوله فتنفعه الذكرى بالنصب على جواب لعل تشبيهاً له بليت وفيه إشارة إلى أن من تصدى لتزكيتهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكي والتذكر أصلاً وإشعار بأن اللائق بالعلم أن يقصد بتعليمه تزكية متعلمة ولا ينظر إلى شبحه وصورته كما ينظر العوام وبالمتعلم أن يريد بتعلمه تزكية نفسه عن أرجاس الضلال وتطهير قلبه من أدناس الجهالة لا أحكام الدنيا الدنية
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
(10/258)
{أَمَّا} للتفضيل {مَنِ اسْتَغْنَى} عن الإيمان وعما عندك من العلوم والمعارف التي ينطوي عليها القرآن {فَأَنتَ لَه تَصَدَّى} بحذف إحدى التاءين تخفيفاً أي تتصدى وتتعرض بالإقبال عليه والاهتمام بإرشاده واستصلاحه دون الأعمى وفيه مزيد تنفير له عليه السلام ، عن مصاحبتهم فإن الإقبال على المدبر ليس من شيم الكرام والتصدي للشيء التعرض والتقيد به والاهتمام بشأنه وضده التشاغل عنه وفي "المفردات" التصدي التعرض للشيء على حرص كتعرض الصديان للماء أي العطشان وعن بعضهم أصل تصدي تصدد من الصدد وهو ما استقبلك وجاء قبالتك فأدل أحد الأمثال حرف علة {وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى} أي وليس عليك بأس ووزر ووبال في أن لا يتزكى ذلك المستغني بالإسلام حتى تهتم بأمره وتعرض عمن أسلم أن عليك إلا البلاغ وكيف تحرض على الإسلام من ليس له قابلية وقد خلق على حب الدنيا والعمى عن الآخرة وفيه استهانة لمن أعرض عنه فما نافية وكلمة في المقدرة متعلقة باسم ما وهو محذوف والجملة حال من ضمير تصدي مقررة لجهة الإنكار
332
{وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَى} أي حال كونه مسرعاً طالباً لما عندك من أحكام الرشد وخصال الخير {وَهُوَ} والحال إنه {يَخْشَى} الله تعالى أو يخشى الكفار وإذا هم أتيانك قال سعدي المفتي : الظاهر أن النظم من الاحتباك ، ذكر الغنى أولاً للدلالة على الفقر ثانياً والمجيء والخشية ثانياً للدلالة على ضدهما أولاً {فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى} بحذف إحدى التاءين تخفيفاً أي تتلهى وتتشاغل من لهى عن الشيء بكسر الهاء يلهى لهيا اعرض عنه لا من لهوت بالشيء بالفتح ألهو لهواً إذا لعبت به لأن الفعل مسند إلى ضمير النبي ولا يليق بشأنه الرفيع أن ينسب إليه التفعل من اللهو بخلاف الاشتغال عن الشيء لمصلحة وفي بضع التفاسير ولو أخذ من اللهو وجعل التشاغل بأهل التغافل من جنس اللهو واللعب لكونه عبثاً لا يترتب عليه نفع لم يخل عن وجه انتهى وفيه إنه يلزم منه أن يكون الاشتغال بالدعوة عبثاً ولا يقول به المؤمن وذلك لأنه لا يجوز للنبي عليه السلام التشاغل بأهل التغافل إلا بطريق التبليغ والإرشاد فكيف لا يترتب عليه نفع وفي تقديم ضميره عليه السلام ، وهو أنت على الفعلين تنبيه على أن مناط الإنكار خصوصيته عليه السلام ، أي مثلك خصوصاً لا ينبغي أن يتصدى للمستغنى ويتلهى عن الفقير الطالب للخير وفي تقديم له وعنه للتعريض باهتمامه عليه السلام ، بمضمونهما تنبيه حيث أفادت القصة أن العبرة بالأرواح والأحوال لا بالأشباح والأموال والعزيز من أعزه الله بالإيمان والطاعة وإن كان بين الناس ذليلاً والذليل من أذله الله بالكفر والمعصية وإن كان بين الناس عزيزاً روى إنه عليه السلام ما بعس بعد ذلك في وجه ففير قط ولا تصدى لغني وكان الفقراء في مجلسه عليه السلام ، أمراء يعني كان يحترمهم كل الاحترام وفيه تأديب للصغير بالكبير فحملة الشرع والعلم والحكام مخاطبون في تقريب الضعيف من أهل الخير وتقديمه على الشريف العاري عن الخير بمثل ما خوطب به النبي عليه السلام ، في هذه السورة قال بعضهم : بين الله درجة الفقر وتعظيم أهله وخسة الدنيا وتحقير أهلها فصح الاشتغال بصحبة الفقراء لأن فيم نعت الصدق والتجرد فالصحبة معهم مفيدة بخلاف الاشتغال بصحبة الأغنياء إذ ليس فيهم ذلك فالصحبة معهم ضائعة وفي الحديث : "من تحامل على فقير لغني فقد هدم ثلث دينه" يقال : تحاملت على الشيء إذا تكلفت الشيء على مشقة وتحامل فلان على فلان إذا لم يعدل وقال بعض الأكابر إنما كان صلى الله عليه وسلّم يتواضع لأكابر قريش لأن الأعزاء من الخلائق مظهر لعزة الإلهية فكان تقديمهم على الفقراء من أهل الصفة ليوفي صفة الكبرياء حقها إذا لم يشهد لها مشاركاً ولكن فوق هذا المقام ما هو أعلى منه وهو ما أمره الله به آخراً بعدما صدر سورة عبس في قوله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى الآية فأمره بأن لا يشهده في شيء دون شيء للإطلاق الذي هو الحق عليه كما قال جعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني الحديث كم افي الجواهر للشعراني
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
{كَلا} انزجر من التصدي للمستغني والإعراض عن إرشاد المسترشد قال الحسن : لما تلا جبرائيل هذه الآيات على النبي عليه السلام عاد وجهه كأنما استف فيه الرماد أي تغير كأنما ذر عليه الرماد ينتظر ما يحكم الله عليه فلما
333
قال كلا سرى عنه والتسرية ندوه رابردن.
(10/259)
أي لا تفعل مثل ذلك فإنه غير لائق بك {إِنَّهَا} أي القرآن والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله {تَذْكِرَةٌ} أي موعظة يجب أن يتعظ بها ويعمل بموجبها {فَمَن} س هركه {شَآءَ ذَكَرَهُ} أي القرآن أي حفظه ولم ينسه أو اتعظ به ومن رغب عنه كما فعله المستغنى فلا حاجة إلى الاهتمام بأمره {فِى صُحُفٍ} جمع صحفة وكل مكتوب عند العرب صحيفة وهو متعلق بمضمر هو صفة لتذكرة وما بينهما اعتراض بين الصفة والموصوف جيء به للترغيب فيها والحث على حفظها أي كائنة في صحف منتسخة من اللوح أو خبر ثان لأن فالجملة معترضة بين الخبرين والسجاوندي على إنه خبر محذوف أي وهي في صحف حتى وضع علامة الوقف اللازم على ذكره هرباً من إيهام تعلقة به وهو غير جائز لأن ذكر من شاء لا يكون في صحف عند الله لكونها صحف القرآن المكرم {مَّرْفُوعَةٍ} أي في السماء السابعة أو مرفوعة المقدار والذكر فإنها في المشهور موضوعة في بيت العزة في السماء الدنيا {مُّطَهَّرَة} منزهة عن مساس أيدي الشياطين {بِأَيْدِى سَفَرَةٍ} كتبة من الملائكة ينتسخون الكتب من اللوح على إنه جمع سافر من السفر وهو الكتب إذ في الكتابة معنى السفراي لكشف والتوضيح والكاتب سافر لأنه يبين الشيء ويوضحه وسمى السفر بفتحتين سفراً لأنه يسفر ويكسف عن أخلاق المرء قالوا هذه اللفظة مختصة بالملائكة لا تكاد تطلق على غيرهم وإن جاز الإطلاق بحسب اللغة والباء متعلقة بمطهرة فقال القفال في وجه لما لم يسمها إلا الملائكة المطهرون أضيف التطهير إليها لطهارة من يمسها وقال القرطبي إن المراد في قوله تعالى : [الواقعة : 79-16]{لا يَمَسُّه إِلا الْمُطَهَّرُونَ} هؤلاء السفرة الكرام البررة والظاهر أن تكون في محل الجر على إنها صفة لصحف أي في صحف كائنة بأيدي سفرة أو مكتوبة بأيدي سفرة ومن هذا وقف بعضهم على مطهرة وقفاً لازما هرباً من توهم تعلق الباء به كرام} عند الله بالقرب والشرف فهو من الكرامة جمع كريم أو متعطفين على المؤمنين يستغفرون لهم فهو من الكرم ضد اللؤم وقال ابن عطاء رحمه الله يريد أنهم يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم إذا خلا مع زوجته للجماع وعند قضاء الحاجة يشير إلى أنهم هم الملائكة الموصوفون بقوله كراماً كاتبين وفيه تأمل {بَرَرَةٍ} اتقياء لتقدسها عن المواد ونزاهة جواهرها عن التعلقات أو مطيعين الله من قولهم فلان يبر خالقه أي يطيعه أو صادقن من بر في يمينه جمع بار مثل فجرة جمع فاجر {قُتِلَ الانسَـانُ} دعاء عليه بأشنع الدعوات فإن القتل غاية شدائد الدنيا وأفظعها ومن فسر القتل باللعن أراد به الإهلاك الروحاني فإنه أشد العقوبات وهو بالفارسية لعنت كرده باد انسان يعني كافر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
وفي "عين المعاني" عذب {مَآ أَكْفَرَهُ} ما أشد كفره بالله مع كثرة إحسانه إليه وبالفارسية ه كافر ترين خلقست.
تعجب من إفراطه في الكفران أي على صورته فإن حقيقة التعجب إنما تتصور من الجاهل بسبب ما خفى من سبب الشيء والذي أحاطه علمه بجميع المعلومات لا يتصور منه ذلك فهو في الحقيقة تعجيب من الله لخلقه وبيان لاستحقاقه للدعاء عليه أي أعجبوا من كفره بالله
334
ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه إليه وادعوا عليه بالقتل واللعن ونحو ذلك لاستحقاقه لذلك ، قال بعضهم : لعن الله الكافر وعظم كفره حيث لم يعرف صانعه ولم يعرف نفسه التي لو عرفها عرف صانعها.
وقال ابن الشيخ : هذا الدعاء وارد على أسلوب كلام العرب فهو ليس من قبيل دعاء من يعجز عن انتقام من يسوءه وكذا هذا التعجب ليس على حقيقته لأنه تعالى منزه عن العجز والجهل بل المقصود بإيراد ما هو في صورة الدعاء الدلالة على سخطه العظيم والتنبيه على إنه استحق أهول العقوبات وأشنعها وبإيراد صيغة التعجب الذم البليغ له من حيث ارتكابه أقبح القبائح ولا شك أن السخط يجوز من الله وكذا الذم ويجوز أن يكون ما أكفره استفهاماً بمعنى التقريع والتوبيخ أي أي شيء حمله على الكفر والمراد من الإنسان إما من استغنى عن القرآن المذكور نعوته وإما الجنس باعتبار انتظامه له ولأمثاله من أفراده لا باعتبار جمع أفراده {مِنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ} أي من أي شيء حقير مهين خلقه يعني نمى انديشدكه خداي تعالى ازه جيز بيافريد اورا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
(10/260)
ثم بينه بقوله {مِن نُّطْفَةٍ} قذرة {خَلَقَهُ} فمن كان أصله مثل هذا الشيء الحقير كيف يليق به التكبر والتجبر والكفران بحق النمعم الذي كسا ذلك الحقير بمثل هذه الصورة البهية وقف السجاوندي على قوله من نطفة حتى وضع عليه علامة الوقف المطلق بتقدير خلقه آخر بدلالة ما قبله وجعل قوله خلقه فقدره جملة أخرى استئنافية لبيان كيفية الخلق وإتمامه من إنعامه ومن جعله متعلقاً بما بعده على ما هو الظاهر لم يقف عليه {فَقَدَّرَهُ} فهيأه لما يصلح له ويليق به من الأعضاء والأشكال أي أحدثه بمقدار معلوم من الأعضاء والأشكال والكمية والكيفية فجعله مستعداً لأن ينتهي فيها إلى القدر اللائق بمصلحته فلا يلزم عطف الشيء على نفسه وذلك إن خلق الشيء أيضاً تقديره وإحداثه بمقدار معلوم من الكمية والكيفية وبالفارسية س انداره أو بديد كرد ازا عضا وأشكال وهيئات در بطن ما دره أو فقدره أطوار إلى أن تم خلقه فالتقدير المتفرع على الخلق مأخوذ من القدر بمعنى الطور أي أوجده على التقدير الأولى ثم جعله ذا أطوار من عقة ومضغة إلى آخر أطواره ذكراً أو أنثى شقياً أو سعيداً.
قال بعضهم : وعلى الوجهين فالفاء للتفصيل فإن التقدير يتضمنه عى المعنيين {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} منصوب بمضمر يفسره الظاهر أي سهل مخرجه من البطن بأن فتح فم الرحم وكان غير مفتوح قبل الولادة وألهمه أن ينتكس بأن ينقلب ويصير رجله من فوق ورأسه من تحت وللاو ذلك لا يمكثها أن تلد أو يسر له سبيل الخير والشر في الدين ومكنه من السلوك فيهما وذلك بالأقدار والتعريف له بما هو نافع وضار والعقل وبعثة الأنبياء وإنزال الكتب ونو ذلك وتعريف السبيل باللام دون الإضافة بأن يقال سبيله للإشعار بعمومه لأنه عام للأنس والجن على المعنى الثني وللحيوانات أيضاً على المعنى الأول قال ابن عطاء رحمه الله يسر على من قدر له التوفيق طلب رشده واتباع نجاته وقال أبو بكر بن طاهر رحمه الله يسر على كل أحد ما خلقه له وقدره عليه {ثُمَّ أَمَاتَهُ} أي قبض روحه عند تمام أجله المقدر المسمى {فَأَقْبَرَهُ} أي جعله في قبر يواري فيه تكرمة له ولم يدعه مطروحاً على وجه الأرض جزراً أي قطعاً
335
للسباع والطير كسائر الحيوان ، قال في "كشف الأسرار" : لم يجعله مما يطرح للسباع أو يلقى للنواويس والقبر مما أكرم به المسلمون انتهى.
يقال قبر الميت إذا دفنه بيده والقابر هو الدافن والقبر هو مقر الميت وأقبره إذ أمر بدفنه أو مكن منه فالمقبر هو الله لأنه الآمر بالدفن في القبور قال في المفرات أقبرته جعلت له مكاناً يقبر فيه نحو أسقيته جعلت له ماء يستقى منه وقيل معناه ألهم كيف يدفن انتهى.
(وفي المثنوى) :
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
كندن كورى كه كمتر يشه بود
كي زمكر وحيله والديشه بود
جمله حرفتها يقين ازوحى بود
اول أوليك عقل آنرا فزود
وعد الأماتة من النعم بالنسبة إلى المؤمن فإن بالموت يتخلص من سجن الدنيا وأيضاً إن شأن الموت أن يكون تحفة ووصلة إلى الحياة الأبدية والنعيم المقيم وإنما كان مفتاح كلا بلاء ومحنة في حق الكافر من سوء اعتقاده وسيئات أعماله وفي بعض التفاسير ذكر الأماتة إما لأنها مقدمة الأقبار وإما للتخويف والتذكير بأن الحياة الدنيوية فانية آخرها الموت وعن الشافعي رحمه الله :
فلا تمشين في منكب الأرض فاخراً
فعما قليل يحتويك ترابها
(10/261)
وأما الحث على الاستعداد وأما رعاية المقابلة بينه وبين أنشره تنبيهاً على كمال قدره وتمام حكمته {ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ} أي إذا شاء إنشره وإحياءه وبعثه شره وإحياه وبعثه وفي تعليق الإنشاء بمشيئته له إيذان بأن وقته غير متعين في نفسه بل هو تابع لها بخلاف وقت الموت فإنا نجزم بأن أحداً من أبناء الزمان لا يتجاوز مائة وخمسين سنة مثلاً وليس لأحد مثل هذا الجزم في النشور هكذا قالوا وفيه إن الموت أيضاً له سن معلوم وأجل محدود فكيف يتعين في نفسه ويجزم بوقوعه في سن كذا بحيث لا يكون موكولاً إلى مجرد مشيئته تعالى ولعل تقييد الإنشار بالمشيئة لا ينافي تقييد الموت بها أيضاً إذ لا يجري عليه تعالى زمان وإنه من مقدمات القيامة ولذا قال عليه السلام : من مات فقد قامت قيامته أي لاتصال زمان الموت بزمان القيامة فهو قيامة صغرى مجهولة كالقيامة الكبرى وفيه إشارة إلى أن الميت إن كان من أهل السعادة فإنشاره من قبور أهل السعادة وإن كان مدفوناً في قبور أهل الشقاوة وإن كان من أهل الشقاوة فإنشاره من قبور أهل الشقاوة وإن كان مدفوناً في قبور أهل السعادة ولذا قال صاحب المشارق في خطبة كتابه ثم إذا شاء منها شره أي من مكة فإن من دفن بمكة ولم يكن لأثقابها تنقله الملائكة إلى موضع آخر وفي الحديث : "من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله إليهم حتى يحشر معهم" ، وفي حديث آخر : "من مات وهو يعمل عمل قوم لوط سار به قبره حتى يصير معهم ويحشر يوم القيامة معهم" كما في الدرر المنتثرة للامام السيوي رحمه الله ، وحكى إن شخصاً كان يقال له ابن هيلان من المبالغين في التشيع بحيث يفضي إلى ما يستقبح في حق الصحابة مع الإسراف على نفسه بينما هو يهدم حائطاً إذ سقط فهلك فدفن بالبقيع فلم يوجد ثاني يوم الدفن في القبر الذي دفن به ولا التراب الذي ردم به القبر بحيث
336
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
يستدل بذلك لنبشه وإنما وجدوا للبن على حاله حسبما شاهده الجم الغفير حتى كان ممن وقف عليه القاضي جمال الدين وصار الناس يجيئون لرؤيه أرسالاً إلى اشتهر أمره وعد ذلك من الآيات التي يعتبر بها من شرح الله صدره نسأل الله السلامة وحكى أيضاً أن محمد بن إبراهيم المؤذن حكى عنه إنه حمل ميتاً في أيام الحاج ولم يوجد من يساعده عليه غير شخص قال فحملناه ووضعناه في اللحد ثم ذهب الرجل وجئت أنا بالببن لأجل اللحد فلم أجد الميت في اللحد فذهبت وتركت القبر على حاله ونقل إن بعض الصلحاء ممن لم يمت بالمدينة رؤى في النوم وهو يقول للرائي سلم على أولادي وقل لهم إني قد حملت ودفنت بالبقيع عند قبر العباس فإذا أرادوا زيارتي فليقفوا هناك ويسلموا ويدعوا كذا في "المقاصد الحسنة للسخاوي" وفي الآية إشارة إلى أن الإنسان ما كان له أن يكفر لأن الله خلقه من نطفة الوجود المطلق وهيأه لمظهرية ذاته وصفاته وأسمائه ثم سهل عليه سبيل الظهور بمضاهر الأسماء الجمالية والجلالية ثم أماته عن أنانيته فأقبره في قبر الفناء عن رؤية الفناء ثم إذا شاء أنشره بصورة البقاء بعد الفناء فعلى العبد أن يعرف قدر النعمة ولا يظهر بالعجب والغرور بأن يدعى لنفسه ما كانمن الكمالات كالعلم والقدرة والإرادة ونحوها {كَلا} ردع للإنسان عما هو عليه وجعله السجاوندي بمعنى حقاً ولذا لم يقف لعيه بل على أمره فإنه إذا كان بمعنى حقاً يكون تابعاً لما بعده {لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ} قال في بعض التفاسير ما في لما صلة دخلت للتأكيد كقوله فبما رحمة من الله فلما بمعنى لم وليس فيه معنى التوقع وفي ما أمره موصولة وعائده يجوز أن يكون محذوفاً والتقدير ما أمره به فحذف الجار أو لا فبقي ما أمره هو ثم حذف الهاء العائد ثانياً ويجوز أن يكون باقياً على أن المحذوف من الهاءين هو العائد إلى الإنسان والباقي هو العائد إلى الموصول فعرف وقس عليه أمثاله أي لم يقض الإنسان ما أمره الله به من الإيمان والطاعة ولم يؤد ولم يعرف ولم يعمل به وعدم القضاء محمول على عموم النفي إما على أن المحكوم عليه هو المستغني أو هو الجنس لكن لا على الإطلاق بل على أن مصداق الحكم بعدم القضاء بعض أفراده وقد أسند إلى الكل فلا شياع في اللوم بحكم المجانسة وإما على إن مصداقه الكل من حيث هو كل بطريق رفع الإيجاب الكلي دون السلب لكلي فالمعنى لما يقض جميع أفراده ما أمره بل أخل به بعضها بالكفر والعصيان مع أن مقتضى ما فصل من فنون النعماء الشاملة للكل أن لا يتخلف عنه أحداً أصلاً.
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
وكفته اند مراد همه آدميانند از آدم تاباين غايت وهركز هي آدمى از عهده حقوق اداي اوامر إلهي كما ينبغي بيرون نيايد ونتوان آمد.
بنده همان به كه زتقصير خويش
عذر بدر كاه خداي آورد
ورنه سزاوار خداوند يش
كس نتواندكه بجاي آورد
(10/262)
وفي التأويلات النجمية : كلا لما يقض ما أمره من الإتيان بمواجب حقوقنا من الظهور بحقائق أسمائنا والقيام بفضائل صفاتنا {فَلْيَنظُرِ الانسَـانُ إِلَى طَعَامِهِ} شروع في تعداد النعم المتعلقة
337
ببقائه بعد تفصيل النعم المتعلقة بحدوثه أي فلينظر الإنسان إلى طعامه الذي عليه يدور أمر معاشه كيف دبرناه وقال ابن عباس رضي الله عنهما : فلينظر الإنسان إلى طعامه ليعلم خسة قدره وفناء عمره وفي الحديث : "إن مطعم ابن آدم جعله الله مثلاً للدنيا وإن قزحه وملحه فنظر إلى ماذا يصير" يقال قزح القدر جعل التابل فيها وهو كصاحب وهاجر إبزار الطعام وملحها جعل الملح فيها {أَنَّا صَبَبْنَا} أنزلنا إنزالاً وافياً من السحاب أي الغيث وهو المطر المحتاج إليه بدل اشتمال من طعامه لأن الماء سبب لحدوث الطعام فالثاني مشتمل على الأول إذ لا يلزم فيه أن يكون المبدل منه مشتملاً على البدل فحينئذٍ العائد محذوف والتقدير صببا له {صَبًّا} عجيباً {ثُمَّ شَقَقْنَا الارْضَ} بلنبات ولما كان الشق بعد الصب أورد كلمة ثم الشق بالفارسية شكافتن {شَقًّا} بديعاً لائقاً بما يشقها من النبات صغراً وكبراً وشكلاً وهيئة {فَأَنابَتْنَا فِيهَا} أي في الأرض المشقوقة بالنبات والفاء للتعقيب {حَبًّا} فإن انشقاق الأرض بالنبات لا يزال يتزايد ويتسع إلى أن يتكامل النمو وينعقد الحب والحب كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما وهو جنس الحبة كالتمر والتمرة فيشمل القليل والكثير قدمه لأنه الأصل في الغذاء {وَعِنَبًا} عطف على حبا وليس من لوازم العطف أن يقيد المعطوف بجميع ماقيد به المعطوف عليه فلا ضير في خلو إنبات العنب عن شق الأرض وكذا في أمثاله ، كذا قال في "الإرشاد" ولعل شق الأرض فيه باعتبار أصله أول خروجه منها فإن المراد هنا شجرة العنب وإنما ذكره والزيتون باسم اثمرة لشهرتهما بها ووقوع كل منهما بعد ما يؤكل نفسه فاعرف وأفرد العنب بالذكر من بين الثمار لأنه فاكهة من وجه يتلذذ به وطعام من وجه يتغذى به وهو من أصلح الأغذية {وَقَضْبًا} أي رطبة وهي نبات يقال له الفصفصة وبالفارسية اسست ومعربه الاسفست.
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
سميت بمصدر قضبه أي قطعه مبالغة كأنها لتكرر قطعها وتكثره إذا تقضب مرة بعد أخرى في السنة نفس القطع وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنه الرطب التي تقضب من النخل ورجحه بعضهم لمناسبته بالعنب وقال بعضهم : هو مثل النعناه والطرحون والكراث وغيرها التي قطع ساقها من أصلها يعني للأكل وبعضهم هو القت الرطب أفرده بالذكر تنبيهاً على اختلاف النباتات وإن منها ما إذا قطع عاد ونمها ما لا يعود والقت حب الغاسولو هو الاشنان وقيل : هو حب يابس أسود يدفن فيلينقشره ويطحن ويخبز يقتاته إعراب طي وبعضهم هو كل ما يؤكل رطباً كالبطيخ والخيار والباذنجان والدباء {وَزَيْتُونًا} هو ما يعصر منه الزيت والمراد شجرته وتعمر ثلاثة آلاف سنة خصه بالذكر لكثرة فوائده خصوصاً لأهالي بلاد العرب فإنهم ينتفعون به أكلاً وإدهاناً واستضاءة وتطهراً فإنه يجعل في الصابون وكان عليه السلام يتطيب به في الأوقات {وَنَخْلا} هو شجر التمر جمع خلة والرطب والتمر من أنفع الغذاء وفي العجوة خاصية دفع السم والسحر وشجرته من فضلة طينة آدم عليه السلام ، كما سبق مفصلاً {وَحَدَآاـاِقَ غُلْبًا} جمع حديقة وهي الروضة ذات الشجر أو البستان من النخل والشجر أو كل ما أحاط به البناء والقطعة من النخل كما في "القاموس" وهي هنا من قبيل التعميم
338
بعد التخصيص والغلب جمع أغلب كحمر جمع أحمر أو حمراء مستعار من وصف الرقاب يقال الرجل أغلب وأسد أغلب أي غليظ العنق فالمعنى وحدائق عظاماً وصف به الحدائق لتكاثفها وكثرة أشجارها أو لأنها ذات أشجار غلاظ فعلى الأول الاستعارة معنوية وعلى الثاني مجاز مرسل فإن أريد من غلظ اعنق والرقبة مطلق الغلظ بطريق إطلاق المقيد وإرادة المطلق كإطلاق المرسن على الأنف وأجرى على الحدائق وصفاً لها بحال متعلقها وهو الأشجار سمى استعارة بناء على اللغة وفي "كشف الأسرار" الغلب من الشجر التي لا تمثر كالشمار والأرز والعرعر والدرداء {وَفَـاكِهَةً} كثيرة غير ما ذكر والعنب والرمان والرطب من الفواكه عند الإمامين لا عند الأعظم وإن العطف يقتضي المغايرة والظاهر إن مراد الأعظم إن نحو العنب والرطب لكونه مما يؤكل غذاء يحقق القصور في معنى التفكه به أي التنعم بعد الطعام وقبله فلا يتناوله اسم الفاكهة على الإطلاق حتى لو حلف لا يأكل فاكهة لا يحنث بأكله لكونه غذاء من وجه وإن كان فاكهة من وجه آخر وعطف الفاكهة عليه لا ينافي كونه فكهة من وجه لأن المراد بالفاكهة المعطوفة ما هو فاكهة من كل وجه ولا يخفى إن الفاكهة من كل وجه مغايرة لما هو فاكهة من وجه دون وجه فيصح عطفها عليه أو عطفه عليها كما في مواضع من القرآن
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
(10/263)
{وَأَبًّا} أي مرعى من أنه آذا أمه أي قصده لأنه يؤم ويقصد جزه للدواب أو من أب لكذا إذا تهيأ له لأنه متهيء للرعى وأب إلى وطنه إذا نزع إليه نزوعاً تهيأ لقصده وكذا أب لسيفه إذ تهيأ لسله وأبان ذلك فعلان منه وهو الزمان المتهييء لفعله ومجيئه أو الأب الفاكهة اليابسة تؤب للشاء أي تعد وتهيأ وهو الملائم لما قبله وفي الحديث "خلقتم من سبع ورزقتم من سبع فاسجد والله على سبع" أراد بقوله خلقتم من سبع يعني من نطقة ثم من علقة الخ وهي التارات السبع وبقوله رزقتم من سبع قوله حباً وعنباً إلى أبا لعل الحدائق خارجة عن الحساب لأنها منابت تلك المرزوقات وبقوله فاسجدوا على سبع الأعضاء السبعة وهي الوجه واليدان والركبتان والرجلان {مَّتَـاعًا لَّكُمْ وَلانْعَـامِكُمْ} مفعول به أي فعل ذلك تمتيعاً لكم والمواشيكم فإن بعض النعم المعدودة طعام لهم وبعضها علف لدوابهم وللالتفات لتكميل الامتنان وفي الآية إشارة إلى حب المحبة الذاتية وخمير المحبة الصافية المتخذة من عنب الصفات وخمر المحبة الأفعالية المتخذة من رطب وزيتون المعرفة ونخل التوحيد العالي من أن يصل إليه كل مدع كذاب وفاكهة الوجدانيات والذوقيات وحدائق الشوق والاشتياق والود والتجريد ونحوها وأب مراعي الشهوات الحيوانية فبعض هذه النعم الشريفة مخصوص بالخواض كالأرواح والأسرار والقلوب وبعضها بالعوام كالنفوس البشرية والقوى الطبيعية العنصرية {فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ} شروع في بيان أحوال معادهم أثر بيان مبدأ خلقهم ومعاشهم والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها من فناء النعم عن قريب كما يشعر لفظ المتاع بسرعة زوالها وقرب اضمحلالها وجواب إذا محذوف يدل عليه يوم يفر الخ أي اشتغل كل أحد بنفسه والصاخة هي الداهية العظيمة التي يصخ لها الخلائق أي يصيخون لها
339
من صخ لحديثه إذا أصاخ واستمتع وصفت بها النفخة الثانية لأن الناس يصخون لها في قبورهم فاسند الاستماع إلى المسموع مجازاً وقيل هي الصيحة التي تصم الآذان لشدة وقعها وقيل هي مأخوذة من صخه بالحجر أي صكه فتكون الصاخة حقيقة في النفخة {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ} روزي كه بكريزد مرد {مِنْ أَخِيهِ} ازبرادر خودبار وجود موانست ومهرباني {وَأُمِّهِ} واز مادر خود باكثرت حقوق كه او راست
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
{وَأَبِيهِ} واز در خود باجود شفقت وعاطفت كهل از وديده {وَصَـاحِبَتِهِ} واز زن خودبا آنكه مونس روزكار او بوده {وَبَنِيهِ} وازفر زندان خود باخيال استظهار بديشان أي يعرض الإنسان عنهم ولا يصاحبهم ولا يسأل عن حالهم كما في الدنيا لاشغاله بحال نفسه ولعلمه إنهم لا يغنون عنه شيئاً فقوله يوم منصوب بأعنى تفسيراً للصاخة تأخير إلا حب للمبالغة لأن الأبوين أقرب من الأخ وتعلق القلب بالصاحبة والأولاد أشد من تعلقه بالأبوين وهذه الآية تشمل النساء كما تشمل الرجال ولكنها خرجت مخرج كلام العرب حيث تدرج النساء في الرجال في الكلام كثيراً قال عبد الله بن طاهر الأبهري قدس سره يفر منهم إذا ظهر له عجزهم ولة حيلهم إلى من يملك كشف تلك الكروب واهموم عنه ولو ظهرله ذلك في الدنيا لما اعتمد على سوى ربه الذي لا يعجزه شيء وتمكن من فسحة التوكل واستراح في ظل التفويض وفي الآية إشارة إلى فرار مرء القلب عن أخيه السر وأمه لنفس وأبيه الروح وصاحبته القوى البشرية وبنيه الأعمال والأحوال وإن في ذلك اليوم لا يتخلص أد بعلمله بل بفضله وطوله كما قال عليه السلام ، لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بغفرانه {لِكُلِّ امْرِىاٍ مِّنْهُمْ يَوْمَـاـاِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} استئناف وارد لبيان سبب الفرار والشأن لا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور أي لكل واحد من المذكورين شغل شاغل وخطب هائل يكفيه في الاهتمام به قال ابن الشيخ أي الهم الذي حصل له قد ملأ صدره فلم يبق فيه متسع فصار بذلك شبيهاً بالغنى في إنه ملك شيئاً كثيراً ودرباب مشغولى قيامت فرد الدين عطار راقدس سره حكايتي منظوم است.
كشتى آورد در دريا شكست
تخته زان جمله بر بالا نشست
كربه وموسشى دران تخته بماند
كارشان بايكدكر بنه بماند
نه ذكر به موش را روى كريز
نه بموش آن كربه رانكال تيز
هردوشان ازهول درياي عجب
در تحير بازماند خشك لب
درقامت نيز اين غوغا بود
يعني آنجاني توونى ما بود
وفي الخبر إن عائشة رضي الله عنهما ، قالت يا رسول الله كيف يحشر الناس قال حفاة عراة قالت وكيف تحشر النساء قال حفاة عراة قالت عائشة واسوأتاه النساء مع الرجال حفاة عراة فقرأ رسول الله عليه السلام هذه الآية لكل امرىء الخ.
وأما الفرار حذراً من مطالبتهم بالتبعات بأن يقول الإنسان واسيتني بمالك والأبوان قصرت في برنا والصاحبة
340
(10/264)
أطعمتني الحرام وفعلت وصنعت والبنون ما علمتنا وما أرشدتنا أو بغضاً لهم كما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما إن يفر قابيل منأخيه هابيل ويفر النبي من أمه وإبراهيم من أبيه ونوح من ابنه ولوط من امرأته فليس من قبيل الفرار المذكور وكذا ما يروى إن الرجل بفر من أصحابه وأقربائه لئلا يروه على ما هو عليه من سوء الحال قال بعض المشايخ من كان اليوم مشغولاً بنفسه فهو غداً مشغول بنفسه ومن كان اليوم مشغولاً بربه فهو غداً مشغول بربه وقال يحيى بن معاذ إذا شغلتك نفسك في دنياك وعقباك عن ربك إما في الدنيا ففي طلب مرادها وأتباع شهواتها وإما في الآخرة فكما أخبر الله عنه بقوله : {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُم} الخ فمتى تفرغ إلى معرفة ربك وطاعته وقال بعضهم : العارف مع الخلق ولكنه يفارقهم بقلبه كما قيل :
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي
وابحت جسمي من أراد جلوسي
وجوه يومئذٍ مسفرة} بيان لمآل أمر المذكورين وأنقسامهم إلى السعداء والأشقياء بعد ذكر وقوعهم في داهية دهياء فوجوه مبتدأ أو إن كانت نكرة لكونها في حيز التنوين ومسفرة خبره ويومئذٍ أي يوم إذ يفر لمرء متعلق به أي مضيئة متهللة بنورية ذواتهم وصفاتها من أسفر الصبح إذا أضاء فهو من لوازم الأفعال قال في المفردات : الأسفار يختص باللون ومسفرة أي مشرق لونها وعن ابن عباس رضي الله عنهما إن ذلك من قيام الليل وفي الحديث "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" وعن الضحاك من آثار الوضوء وقيلم ن طول ما أغبرت في سبيل الله {ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ} بما تشاهد من النعيم المقيم والهبجة الدائمة.
(قال الكاشفي) : ضاحكة خندان مستبشرة شادمنان وفرحناك بسبب نجات ازنيران ووصول بورضه جنان.
وفي بعض التفاسير ضاحكة مسرورة فرحة لما علم من الفوز والسعادة أو لفراغه من الحساب بالوجه اليسير مستبشرة أي ذات بشارة بالخير كأنه بيان لقوه ضاحكة انتهى.
وفي عين المعاني ضاحكة من مسرة العين مستبشرة من مسرة القلب وقيل : من الكفار شماتة وبأنفسهم فرحاً وقال ابن طاهر رحمه الله كشف عنها سترو الغفلة فضحكت بالدنو من احق واستبشرت بمشاهدته وقال ابن عطاء رحمه الله أسفرت تلك الوجوه بنظرها إلى مولاها وأضحكها رضي الله عنها ، وقال سهل رحمه الله نمورة بنور التوحيدو اتباع السنة.
وفي التأويلات النجمية : وجوه أرباب الأرواح ولأسرار والقلوب العارفين بالمعارف الإلهية والحقائق اللاهوتية مضيئة بأنوار العلوم والحكم ضاحكة مستبشرة بنعم المكاشفات ومنح المشاهدات.
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
يقول الفقير : وجوه يومئذٍ مسفرة لابيضاضها في الدنيا بالتزكية والتصفية وزوال كدورتها ضاحكة لأنها بكت في الله أيام دنياها حتى صارت عيماء عن رؤية ما سوى الله تعالى مطلقاً كما وقع لشعيب ويعقوب عليهما السلام مستبشرة لأمنها بدل خوفها في الدنيا ولذا قال لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة بأن تقول لهم الملائكة لا تخافوا وأبشروا بالجنة والرؤية والضحك انبساط الوجه وتكشر الأسنان من سرور النفس
341
ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان ضواحك ويستعمل في السرور المجرد كما في الآية.
قال الراغب : واستبشر أي وجد ما يبشره من الفرح وبشرته أخبرته بسار بسط بشرة وجهه وذلك إن لنفس إذا سرت انتشرت الدم انتشار الماء في الشجرة {وَوُجُوهٌ يَوْمَـاـاِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} أي غبار وكدورة وفي الخبر يلجم الكافر العرق ثم تقع الغبرة على وجوههم وقيل هي غبرة الفراق والذل {تَرْهَقُهَا} أي تعلوها وتغشاها {قَتَرَةٌ} أي سواد وظلمة كالدخان ولا ترى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه كما إذا أغر وجه الزنجى.
قال الراغب : القتر هو الدخان الساطع من الشواء والعود ونحوهما وقترة نحو غبرة وذلك شبه دخان يغشى الوجه من الكذب قال السري قدس سره ظاهر عليها حزن البعاد لأنها صارت محجوبة من الباب مطرودة وقال سهل قدس سره غلب عليها أعراض الله عنها وقته إياها فهي تزداد في كل وقت ظلمة وقترة {أولئك هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} أي أولئك الموصوفون بسواد الوجه وغبرته هم الجامعون بين الكفر والفجور فلذا جمع الله إلى سواد وجوههم الغبرة وفي الحديث : "إن البهائم إذا صارت تراباً يوم اقيامة حول ذلك التراب في وجوه الكفار" وفي عين المعاني أولئك هم الكفرة في حقوق الله الفجرة في حقوق العباد انتهى.
وفيه إشارة إلى أن الفجور الغير المقارن بالكفر ليس في درجة المقارن في المذمومية والسببية للحقارة والخذلان إذ أصل الفجور الكذب والميل عن الحق ويستعمل في الذنب الكبير وكثيراً ما يقع ذلك من المؤمن العاصي لكن ينبغي أن يخاف منه ويحذر عنه لأن كبائر الذنب تجر إلى الكفر كما إن صغائره تجر إلى الكبائر.
(10/265)
يكى از جمله بزركان دين كفته كه اين زر وسيم وأنواع أموال نه عين دنيا ست كه اين ظروف وأوعيه دنياست همنين حركات وسكنات وطاعات بنده نه عين دين است كه آن ظروف وأوعيه دين است دين جمله سوز ودرداست ودنيا همه حسرتوباد سرد است قارون آن همه زر وسيم وأنواع أموال كه داشت مكروه نبود بازاز وون حققو حق تعالى طلب كردند امتناع نمود وحقوق حق نكزارد وكشش أو بجانب زر وسيم وأموال دنيا مكروه بود أي بساكساكه دانكى درخواب نديد وفردا فرعون أهل دنيا خواهد بودكه دل أو آلوده حرص دنياست وأي بساكساكه أموال دنيا در ملك أو نهادند وفردا دل خويش باز ساردكه داغي ازين دنيا بروى ظاهر نبودسر انجام مرد ديندار دنيا كذار اينست كه در آخر سوره كفت وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكة مستبشرة وعاقبت كار دنيا كار دين كذار اينست كه كفت وجوه يومئذٍ عليها غبرة الخ وقال بعضهم وجوه أصحاب النفوس المتمردة وأرباب الهوى عليها غبرة الأنانية وبار الأنية يغطيها سواد الاثنينية وظلمة الثنوية هم الذين ستروا وجود الحق بغبرة وجودهم وشقوا وقطعوا نفوسهم المظلمة عن متابعة الأرواح المنورة عصمنا الله وإياكم من ذلك.
342
جزء : 10 رقم الصفحة : 330
تفسير سورة التكوير
تسع أو ثمان وعشرون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 342
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ارتفاع الشمس على إنه فاعل لفعل مضمر يفسره المذكور لأفاعله لأن الفاعل لا يتقدم وعند البعض على الابتداء لأن التقدير خلاف الأصل والأول أولى لأن إذا فيها معنى الشرط والشرط مختص بالفعل وعلى الوجهين الجملة في محل الجر بإضافة إذا إليها ومعنى كورت لفت من كورت العمامة إذا لففتها بضم بعض أجزائها لبعض على جهة الاستدارة على أن المراد بذلك إما رفعها وإزالتها عن مقرها فإن الثوب إذا أريد رفعه عن مكانه وستره بجعله في صندوق أو غيره يلف لفاً ويطوي نحو قوله تعالى : {يَوْمَ نَطْوِى السَّمَآءَ} فكان بين السماء والرفع علاقة اللزوم فتكويرها كناية عن رفعها قال سعدي المفتي ولام نع من إرادة المعنى الحقيقي أيضاً وكون الشمس كرة مصمتة على تسليم صحته لا يمنع من تلك الإرادة لجواز أن يحدث الله فيها قابلية التكوير بأن يصيرها منبسطة ثم يكورها إن الله على كل شيء قدير انتهى.
وأما لف ضوئها المنبسط في الآفاق المنتشر في الأقطار بأن يكون إسناد كورت إلى ضمير الشمس مجازياً أو بتقدير المضاف على إنه عبارة عن إزالتها والذهبا بها بحكم استلزام زوال اللازم لزوال الملزوم فاللف على هذا مجاز عن الإعدام إذ لا مساغ لإرادة المعنى الحقيقي لأن الضوء لكونه من الإعراض لا يتصور فيه اللف ، وقال بعضهم : إن الله قادر على أن يطمس نورها مع بقائها فقول الكشاف لأنها ما دامت باقية كان ضياؤها منبسطاً غير ملفوف فيه نظر انتهى.
وجوابه ما أشير إليه من حكم الاستلزام وقيل معنى كورت ألقيت من فلكها على وجه الأرض كما وصفت النجوم بالانكدار من طعنه فكوره إذا ألقه على الأرض وفي الحديث : إن الشمس والقمر نوران مكوران في النار يوم القيامة أي مرميان فيها ولما ذكر هذا الحديث عند الحسن البصري رحمه الله ، قال : وما ذنبهما وقال الامام سؤال الحسن ساقط لأن الشمس والقمر جمادان فالقاؤهما في النار لا يكون سبباً لمضرتهما ولعل ذلك يكون سبباً لازدياد الحر في جهم وكذا قال الطيبي تكويرهما فيها ليعذب بهما أهل النار لا سيما عباد الأنوار لا ليعذبهما في النار فإنها بمعزل عن التكليف بل سبيلهما في النار سبيل النار نفسها وسبيل الملائكة الموكلين بها انتهى.
وكذا قال في تفسير الفاتحة للفناري إن السماء إذا طويت واحدة بعد واحدة يرمي بكواكبها في النار.
جزء : 10 رقم الصفحة : 343
يقول الفقير : قول الحسن أدق فإن النور لا يلحق بالنار إلا أن يكون فيه مرتبة النارية أيضاً فالشمس يلحق نورها بنور العرش ونارها بنار جهنم وقد سبق في سورة النبأ فارجع فإن قيل كيف يمكن تكويرهما في النار وقد ثبت بالهندسة إن قرص الشمس في العظم يساوي كرة الأرض مائة وستين مرة وربع الأرض وثمنها أجيب بأن الله تعالى قادر على أن يدخلها في قشرة جوزة على ذلك العظم.
يقول الفقير : قد ثبت الله إن الله تعالى يمد الأرض يوم القيامة فتكون أضعاف
343(10/266)
ما كانت عليه على إن وسعة الدارين تابعة لكثرة أهلهما ووسعتهم لأنه ثبت إن ضرس الكافر مثل جبل أحد وجسمه مسيرة ثلاثة أيام فإذا كان جسد كل كافر على هذا الغلظ واعظم فاعتبر منه وسعة هنم فقرص الشمس في النار كجوزة في وسط بيت واسع ولا يعرف حد الدارين إلا الله تعالى وإذا النجوم} جمع نجم وهو الكوكب الطالع وبه شبه طلوع النبات والرأي فبقيل نجم النبت والرأي نجماً ونجوماً فالنجم اسم مرة ومصدر أخرى {انكَدَرَتْ} أي تناثرت وتساقطت بالسرعة كما قال وإذا الكواكب انتثرت والأصل في الانكدار الانصباب فإن السماء تمطر يومئذٍ نجومها فلا يبقى في السماء نجم إلا وقع على وجه الأرض وذلك إن النجوم على ما روى ابن عباس رضي الله عنهما ، في قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من نور وتلك السلاسل بأيدي ملائكة من نور فإذا مات من في السموات ومن في الأرض تساقطت تلك الكواكب من أيديهم لأنه مات من يمسكها وفيه إشارة إلى طي ضوء شمس الروح الذي هو الحياة وقبضه عن البدن وإزالته وتناثر نجوم الحواص العشر الظاهرة والباطنة وأيضاً إلى تكوير الوجود الإضافي المنعكس من الوجود المطلق الحقيقي عند ظهور الحقيقة وإلى اضمحلال نجوم الهويات وهياكل الماهيات بحيث لا يبقى لها أثر لأنها نسب عدمية واعتبارات محضة {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} رفعت عنه وجه الأرض وأبعدت عن أماكنها بالرجفة الحاصلة لا في الجو كالسحاب فإن ذلك بعد النفخة الثانية والسير المضي في الأرض والتسيير ضربان باختيار وإرادة من السائر نحو هو الذي يسيركم وبقهر وتسخير كتسيير الجبال وفيه إشارة إلى جبال الأعضاء والجوارح الراسيات سيرت عن أرض تعيناتها وأيضاً إلى جبال الأنواع والأجناس الواقعة في عالم التعينات {وَإِذَا الْعِشَارُ} جمع عشراء كنفاس ونفساء وليس فعلاء يجمع على فعال غير عشراء ونفساء كما في "القاموس" والعشراء هي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر وهو اسمها إلى أن تضعلتمام السنة وهي أنفس أموال العرب ونمعظم أسباب معاشهم
جزء : 10 رقم الصفحة : 343
{عُطِّلَتْ} العطل فقد إن الزينة والشغل ويقال لمن يجعل العالم بزعمه فارغاً عن صانع اتقنه وزينه ورتبه معطل وعطل الدار عن ساكنيها والإبل عن راعيها والمعنى وإذا العشار تركت مسيبة مهملة غير منظور إليها مع كونها محبوبة مرغوبة عند أهلها لاشتغال أهلها بأنفسهم وذلك عند مجيء مقدمات قيام الساعة فإن الناس حينئذٍ يتركون الأموال والأملاك ويشتغلون بأنفسهم كما قال تعالى : {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} وقال الامام أبو الليث غيره هذا على وجه المثل لأن في القيامة لا تكون ناقة عشراء يعني إن هول القيامة بحال لو كان للرجل ناقة عشراءلعطلها واشتغلبنفسه لعلهم جعلوا يوم القيامة ما بعد النفخة الثانية أو مبادي الساعة من القيامة لكن يمكن وجود العشراء في المبادي فلا يكون تمثلاً وفيه إشارة إلى النفوس الحاملات أحمال الأعمال والأحوال وأيضاً إلى تعطيل عشار الأرجل المنتفع بها في السير عن الاستعمال في المشي وترك الانتفاع بها وإذا الوحوش} قال في "القاموس" الوحش حيوان البر كالوحيش والجمع وحوش ووحشان والواحد وحشي قال ابن الشيخ
344
هو اسم لما لا يتسأنس بالإنسان من حيوان البر والمكان الذي لا أنس فيه وحش وخلاف الوحشي الأهلي {حُشِرَتْ} أي جمعت من كل جانب واختلط بعضها ببعض وبالناس مع نفرة بعضها عن البعض وعن الناس أيضاً وتفرقها في الصحراى والقفار وذلك الجمع من هول ذلك اليوم وقيل بعثت للقصاص إظهاراً للعدل قال قتادة يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص فإذا قضى بينها ردت تراباً فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم وإعجاب بصورته أو صورته كالطاووس والبلبل ونحوهما فإذا بعثت الحيوانات للقصاص تحقيقاً لمقتضى العدل فكيف يجوز مع هذا إن لا يحشر المكلفون نم الأنس والجن وفيه إشارة إلى القوى البشرية الطبيعية النافرة عن جناب الحق وباب القدس بأن أهلكت وأفنيت وجمعت إلى ما منه بدت {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} أي أحميت أو ملئت بتفجير بعضها إلى بعض حتى تعود بحراً واحداً مختلطاً عذبها بملحها وبالعكس فتعم الأرض كلها من سجر التنور إذا ملأه بالخطب ليحميه وجه الإحماء إن جهنم في قعور البحار إلا أنها الآن مطبقة لا يصل أثر حرارتها إلى ما فوقها من البحار ليتيسر انتفاع أهل الأرض بها فإذا انتهت مدة الدنيا يرفع الحجاب فيصل تأثير تلك النيران إلى البحار فتسخن فتصير حميماً لأهل النار أو تبعت عليها ريح الدبور تنفخها وتضربها فتصير نارا على ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما في وجه الإحماء.
جزء : 10 رقم الصفحة : 343
(10/267)
در فتوحات مذكور است كه هركاه كه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما دريارا بديدي كفتي يا بحر متى تعود ناراً ووجه الامتلاء إن الجبار تندك وتفرق أجزاؤهما وتصير كالتراب الهائل الغير المتماسك فلا جرم تنصب أجزاؤها في أسافلها فتمتلىء المواضع الغائرة من الأرض فيصير وجه الأرض مستوياً مع البحار فتصير البحار بحراً واحداً مسجوراً أي ممتلئاً وقال بعضهم : ملئت بآسال عذبها على مالحها ثم أسيلت حتى بلغت الثور فابتلعها فلما بلغت إلى جوفه نفدت وعن الحسن رحمه الله يذهب ماؤها حتى لا يبقى فيها قطرة.
قال الراغب : وإنكا يكون كذلك لتسجير النار فيها أي إضرامها والتشديد في مثل هذه الأفعال قد يكون لتكثير الفعل وتكريره والتخفيف يحتمل القليل والكثير وخصت هذه السورة بسجرت موافقة لقوله سعرت لأن معنى سجرت عند أكثر المفسرين أوقدت فصارت ناراً فيقع التوعد بتسعير النار وتسجير البحار وخصت سورة الانفطار بفجرت موافقة لقوله وإذا الكواكب انتثرت لأن في كل من تساقط الكواكب وسيلان المياه على وجه الأرض وبعثرة القبور أي قلب ترابها مزايلة الشيء عن مكانه فلا في كل واحد قرينه وفيه إشارة إلى بحار المعرفة الذاتية ولحكم الصفاتية والعلوم الإسمائية فإنها إذا اتحدت بالتجلي الوحداني تصير بحراً واحداً وهو بجر الذات المشتمل على جميع المراتب وإلى البحار الحاصلة من اعتبارات الوجود وشؤونه الكلية ظاهراً أو باطناً غيباً وشهدة دنيا وآخرة فإنها قد جمعت واتحدت فصار بحر الوجود بحراً واحداً زخاراً لا ساحل له ولا قعر وإلى بحار العناصر بأنه فجر بعضها إلى بعض واتصل كل جزء بأصله فصارت بحراً واحداً {وَإِذَا النُّفُوسُ} الظاهرنفوس الإنسان ويحتمل أن تعم الجن أيضاً كما في بعض التفاسير {زُوِّجَتْ} التزويج جعل أحد زوجاً لآخر
345
وهو يقتضي المقارنة أي قرنت بأجسادها بأن ردت إليها أو قرنت كل نفس بشكلها وبمن كان في طبقتها في الخير واشر فيضم الصالح إلى لصالح والفاجر إلى الفاجر أو قرنت بكتابها أو بعملها فالنفوس المتمردة زوجت بأعمالها السيئة والمطمئنة بأعمالها الحسنة أو نفوس المؤمنين بالحور ونفوس الكفرة بالشياطين وفيه إشارة إلى أن الأرواح الفائضة على هياكل الأشباح من عالم الأمر قرنت ببواعتها وموجباتها التي هي الأسماء والصفات الإلهية وأسبابها اللاهوتية {وَإِذَا الْمَوْءُادَةُ}
جزء : 10 رقم الصفحة : 343
(10/268)
أي المدفونة حية يقال وأدبنته ئدها وإذا وهي موءودة إذا دفنها في القبر وهي حية وكانت العرب تئد البنات مخافة الإملاق أو الاسترقاق أو لحوق العار بهم من أجلهن وكانوا يقولون إن الملائكة بنات الله فألحقوا البنات به فهو أحق بهن قال في "الكشاف" كان الرجل إذا ولدت له بنت فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية وإن أراد قتلها تركها حتى كانت سداسة أي بلغت ست سنين فيقول لامها طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها وقد حفر لها بئراً في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها انظري فيها ثم يدفعها من خلفها ويهبل عليها التراب حتى يستوي البئر بالأرض وقيل كانت الحامل إذا قربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة وإن ولد ابنا حبسته {سُـاـاِلَتْ} أي سألها الله بنفسه إظهاراً للعدالة أو بأمره للملك {بِأَىِّ ذَنابٍ} من الذنوب الموجبة للقتل عقلاً ونقلاً {قُتِلَتْ} قلها أبوها حية فعلاً أو رضى وتوحية السؤال إليها لتسليتها وإظهار كمال الغيظ والسخط لوائدها وإسقاطه عن درجة الخطاب والمبالغة في تبكيته كما في قوله تعالى : [الشعراء : 154]{ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَـاهَيْنِ} ولذا لم يسأل الوائد عن موجب قتله لها وجه التبكيت إن المجني عليه إذا سئل بمحضر من الجانب ونسب إليه الجناية دون الجاني كان ذلك بعثاً للجاني على التفكر في حال نفسه وحال المجني عليه فيعثر على براءة ساحة صاحبه وعلى إنه هو المستحق لكل نكال فيفحم وهذا نوع من الاستدراج واقع على طريق التعريض وهو أبلغ فلذلك اختير على التصريح وإنا قيل قتلت على الغيبة لما إن الكلام أخبار عنها لا حكاية لما خوطبت به حين سئلت ليقال قتلت على الخطاب وعلى قراءة سألت أي الله أو قتلها لا حكاية لكلامها حين سئلت ليقال قتلت على الحكاية عن نفسها وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنه سئل عن أطفال المشركين فقال لا يعذبون واحتج بهذه الآية فإنه ثبت بها إن التعذيب لاي ستحق إلا بالذنب وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، إن الوائدة والموءودة في النار أي إذا كانت الموءودة بالغة وفيه إشارة إلى أن الأعمال المشوبة بالرياء المخلوطة بالسمعة والهوى سئلت بأي سب أبطلت نوريتها وروحانيتها وأيضاً سئلت موءودة النفس الناطقة التي أثقلتها وآئدة النفس الحيوانية في قبر البدن وأهلكتها بأي ذنب قتلت أي طلب إظهار الذنب الذي به استولت النفس الحيوانية على الناطقة من الغضب أو الشهوة أو غيرهما فمنعتها عن خواصها وأفعالها وأهلكتها فأظهر فكنى عن طلب إظهاره بالسؤال ولهذا قال عليه السلام الوائدة والموءودة في النار لأن النفس الناطقة في النار مقارنة للنفس الحيوانية كذا قال القاشاني :
22222222222222
346
وإذا الصحف نشرت} أي صحف الأعمال فإنها تطوي عند الموت وتنشر عند الحساب أي تفتح فيعطاها الإنسان منشورة بأيمانهم وشمائلهم فيقف على ما فيها وتحصى عليه جميع أعماله فيقول مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وفي الحديث "يحشر الناس عراة حفاة" فقالت أم سلمة رضي الله عنها فكيف بالنساء فقال : "شغل النساء يا أم" سلمة قالت وما شغلهم قال : "نشر الصحف فيها مثاقيل الذرة ومثاقيل الخردل" وقيل : نشرت أي فرقت بين أصحابها وعن مرثد بن وادعة إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش فتقع صحيفة المؤمن في يده في جنة عالية وتقع صحيفة الكافر في يده في سموم وحميم أي مكتوب فيها ذلك وهي صحف غير صحف الأعمال وفيه إشارة إلى صحائف القوي والنفوس التي فيها هيئات الأعمال تطوي عند الموت وتكوير شمس الروح وتنشر عند البعث والعود إلى البدن {وَإِذَا السَّمَآءُ كُشِطَتْ} قلعت وأزيلت بحيث ظهر ما وراءها وهو الجنة والعرش كما يكبشط الإهاب عن الذيحة والغطاء عن الشيء المستور به.
قال الراغب : هو من كشط الناقة أي تنحية الجلد عنها منه استعير انكشط روعه أي زال وفيه إشارة إلى كشط سماء الأرواح عن أرض الأشباح وإلى طي ظهور الأسماء والصفات إلى البطون والخفاء {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} أي أوقدت للكافرين إيقاداً شديداً لتحرقهم إحراقاً أبدياً سعرها غضب الله وخطايا بني آدم فأسعار النار زيادة التهابها لا حدوثها ابتداء وبه يندفع احتجاج من قال النار غير مخلوقة الآن لأنها تدل على أن تسعرها معلق بيوم القيام وذلك لأن فيه الزيادة والاشتداد وفيه إشارة إلى جحيم الخسران والخذلان فإنها أوقدت بالحطاب الأعمال السيئة وأحجار الأحوال القبيحة خصوصاً نار لغضب والشهوة التي كانوا عليها في هذه النشأة {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} الأزلاف التقريب بالفارسية تزديك كردن.
(10/269)
أي قربت من المتقين ليدخلوها كقوله تعالى : [التكوير : 14]{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} وعن الحسن رحمه الله إنهم يقربون منها لا إنها تزول عن موضعها فالمراد من التقريب التعكيس للمبالغة كما في قوله تعالى : ويوميعرض الذين كفروا على النار حيث تعرض النار عليهم تحقيراً وتحسيراً فقلب مبالغة ويحتمل أن يكون المراد التقريب المعنوي وهو جعل أهلها مستحقين لدخولها مكرمين فيها وفيه إشارة إلى تقريب نعيم آثار الرضى واللطف من المتقين وكذا جنة الوصول والوصال لمحبي الجمال والكمال كما قيل هذه اثنتا عشر خصلة ست منها في الدنيا أي فيما بين النفختين وهن من أول السورة إلى قوله وإذا البحار سجرت على أن المراد بحشر الوحوش جمعها من كل ناحية لا بعثها للقصاص وسعت في الآخرة أي بعد النفخة الثانية وقال أبي بن كعب رضي الله عنه ، ست آيات قبل القيامة بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبيناهم كذلك إذ تناثرت النجوم فبينماهم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت وفزعت الجن إلى الإنس والأنس إلى الجن واختلطت الدواب والطير والوحوش وماج بعضهم في بعض فحينئذٍ تقول الجن للأنس نحن نأتيكم بالخبر فينطلقون إلى البحر فإذا هو نار
347
تتأجج أي نتهلب قال فبينماهم كذلك إذ صدعت الأرض دعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى وإلى السماء السابعة العليا فبيناهم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم كذا في المعالم علمت نفس ما أحضرت} أي علمت كل نفس من النفوس ما أحضرته على حذف الراجع إلى الموصول فنفس في معنى العموم كما صرح به في قوله تعالى يوم تجد كل نفس ما علمت من خير محضراً وقوله هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وقولهم إن النكرة في سياق الإثات لا تعم بل هي للإفراد النوعية غير مطرد ويجوز أن يكون التنوين للإفراد الشخصية إشعاراً بأنه إذا علمت حينئذٍ نفس من النفوس ما أحضرت وجب على كل نفس إصلاح عملها مخافة أن تكون هي التي علمت ما أحضرت فكيف وكل نفس تعلمه على طريقة قولك لمن تنصحه لعلك ستندم على ما فعلت وربما ندم الإنسان على ما فعل فإنك لا تقصد بذلك إن ندمه مرجو الوجود لا متيقن به أو نادر الوقوع بل تريد إن العاقل يجب عليه أن يجتنب أمراً يرجى فيه الندم أو قلما يقع فيه فكيف به إذا كان قطعي الوجود كثير الوقوع والمراد بما أحضرت أعمالها من الخير والشر وبحضورها إما حضور صحائفها كما يعرب عنه نشرها وإما حضور أنفسها لأن الأعمال الظاهرة في هذه النشأة بصور عرضية تبرز في النشأة الآخرة بصور جوهرية مناسبة لها في الحسن والقبح على كيفيات مخصوصة وهيئات معينة وإسناد حضورها إلى النفس مع إنها تحضر بأمر الله لما إنه عملتها في الدنيا كأنها أحضرتها في الموقف ومعنى علمها بها حينئذٍ إنها تشاهدها على ما هي عليه في الحقيقة فإن كانت صالحة تشاهدها على صور أحسن مما كانت تشاهدها عليه في الدنيا لأن الطامات لا تخلو فيها عن نوع مشقة وقد ورد حفت الجنة بالمكاره وإن كانت سيئة تشاهدها على ما هي عليه ههنا لأنها كانت مزينة لها موافقة لهواها كما ورد وحفت النار بالشهوات وقال بعضهم : العلم بالأعمال كناية عن المجاراة عليها من حيث إن العلم لازم للمجازاة وقوله علمت الخ جواب إذ على أن المراد بها زمان واحد متسع محيط بما ذكر من أول السورة إلا هنا من الاثني عشر شيئاً مبدأ النفخة الأولى ومنتهاه فصل القضاء بين الخلائق لكن لا بمعنى إنها تعلم ما تعلم في كل جزء من أجزاء ذلك الوقت المديد أو عند وقوع داهية نم تلك الودهي بل عند نشر الصحف إلا أنه لما كان بعض تلك الدواهي من مباديه وبعضها نم روادفه نسب علمها بذلك إلى زمان وقوع كلها تهويلاً للخطب وتفظيعاً للحال وعن عمر وابن عباس رضي الله عنهم إنهما قرأ السورة فلما بلغا إلى قوله علمت نفس ما أحضرت قالا لهذه أجريت القصة وعن ابن مسعود رضي الله عنه إن قارئاً قرآها عنده فلما بلغ علمت نفس ما أحضرت قال وانقطاع ظهراه أي قاله خوفاً من القيامة ومجازاة الأعمال.
در آنروز هر نفسي بيندكه باهر خيري كرامتي وعطاييست وباهر شرى ملامتي وجزايي برنيكى حسرت خوردكه را زياده نكردم وبريدى اندوه كشدكه را مباشر شدم وآن حسرت واندوه هي فائده نداود.
توامروز فرصت غنيمت شمار
كه فردا ندامت نيايد بكار
بكوش أي تواناكه فرمان برى
كه در ناتواني بسى غم خورى
348
(10/270)
وفي الحديث العبد المؤمن بين مخافتين عمر قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه فليتزود العبد لنفسه من نفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الممات فوالله ما بعد الموت من مستعتب ما بعد الدنيا إلا الجنة والنار وقال الواسطي قدس سره في الآية علمت كل نفس وأيقنت إن ما علمت واجتهدت لا صلح لذلك المشهد وإن من أكرم بخلع الفضل نجا ومن قرن بجزاء ماله هلك وخاب وفي برهان القرآن هنا علمت نفس ما أحضرت وفي الانفطار وما قدمت وأخرت لأن ما في هذه السورة متصل بقوله وإذا القبور بعثرت والقبور كانت في الدنيا فتتذكر ما قدمت في الدنيا وما أخرت للعقبى فكل خاتمة لائقة بمكانها وهذه السورة من أولها إلى آخرها شرط وجزاء وقسم وجواب {فَلا أُقْسِمُ} لا صلة أورد لكلا سابق أي ليس الأمر كما تزعمون أيها الكفرة من أن القرآن سحر أو شعر أو أساطير ثم ابتدأ فقال اقسم {بِالْخُنَّسِ} جمع خانس وهو المتأخر م خنس الرجل عن القوم خنوساً منباب دخل إذا تأخر وأصل الخنوس الرجوع إلى خلف والخناس الشيطن لأنه يضع خروطومه على قلب العبد فإذا كذر الله خنس وإذا غفل عاد إلى الوسوسة والمعنى اقسم بالكواكب الرواجع وهي ما عدا النيرين من الدراري اخمسة وهي المريخ بالكسر ويسمى بهرام أيضاً وزخل ويسمى كيوان أيضاً وعطارد ويسمى الكاتب أيضاً والزهرة وتسمى أناهيذ أيضاً والمشتري ويسمى روايس وبرجيس أيضاً وما من نجم يقطع المجرة غير الخمسة فلذا أخضها ونظمها بعضهم والنيرين فقال :
فت كوكب كه هست كبتي را
كاه ازيايشان مدار وكاه خلل
قمرست وعطارد وزهره
شمس ومريخ ومشتري وزحل
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص349 حتى ص360 رقم36
وهي الكواكب السبعة السيارة كل منها يجري في فلك فالقمر في الأول وما يليه ، في الثاني وهكذا على الترتيب {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} الجواري جمع جارية بمعنى سائر والكنس جمع كانس وهو الداخل في الكناس المستتر به وصفت الخنس بهما لأنها تجري في أفلاكها أو بأنفسها على ما عليه أهل الظواهر مع الشمس والقمر وترجع حتى تخفي تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها بيتاً ترى النجم في آخر البرج اذكر راجعاً إلى أوله فرجوعه من آخر البرج إلى أوله هو الخنوس وكنوسها اختفاؤها تحت ضوئها وأما القمر إن فلا يكنسان بهذا المعنى ، قال في عين المعاني : لخنوسها في مجراها واستتارها في كناسها أي موضع استتارها فيه كما تكنس الظباء انتهى.
من كنس الوحش منباب جلس إذا دخل كناسه وهو بيته الذي يتخذه من أغصان الشجر وقيل جميع الكواكب تخنس بالنهار فتغيب عن العيون وتكنس بالليل أي تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها.
وفي التأويلات النجمة يشير إلى الحواس الخمس الباطنة السيارة مع شمس الروح وقمر القلب لرواجع إلى بروجها بالاختفاء بحسب شعاع شمس الروح وقمر القلب لغبة أشعتهما عليهن والدراري الخمسة الزهرة وعطارد والمشتري
349
وبهرام وزحل ومظاهر الحواس الخمس والشمس مظهر الروح والقمر مظهر القلب {وَالَّيْلِ} عطف على الخنس {إِذَا عَسْعَسَ} أي أدبر ظلامه لأن بال الصبح يكون بإدبار الليل كما قال في الوسيط لما كان طلوع الصبح متصلاً بإدبار اليل كان المناسب أن يفسر عسعس بأدبر ليكون التعاقب في الذكر على حسب التعاقب في الوجود انتهى.
أو أقبل فإنه من الأضداد كذلك سعسع وذلك في مبدأ الليل وهذا المعنى أنسب لمراعاة المقابلة مع قرينه {وَالصُّبْحِ} عطف عليه أيضاً {إِذَا تَنَفَّسَ} آنكاه دم زند يعني طلوع كند وتنفس أو مبدأ طلوعتس.
والعامل في إذا معنى القسم وإذا وما بعدها في موضع الحال اقسم الله بالليل مدبراً وبالصبع مضيئاً يقال تنفس الصبح إذا تبلج أي أضاء وأشرق جعل تنفس الصبح عبارة عن طلوعه وانبساطه تحت ضوئه بحيث زال معه عسعسة الليل وهي الغبرة الحاصلة في آخره والنفس في الأصل ريح مخصوص يروح القلبو يفرج عنه بهبوبه عليه وفي الحديث : "لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن" أي مما يفرج الكرب شبه ما يقبل بإقبال الصبح من الروح والنسيم بذلك الربح المخصوص المسمى بالنفس فأطلق اسم النفس عليه استعارة فجعل الصبح متنفساً بذلك ثم كنى بتنفسه بذلك عن إقبال المصبح وطلوعه وإضاءة غبرته لأن المتنفس بالمعنى المذكور لازم له فهو كتابة متفرعة على الاستعارة.
قال القاشاني : والليل أي ليل ظلمة الجسد الميت إذا أدبر بابتداء ذهاب ظلمته بنور الحياة عند تعلق الروح به وطلوع نور شمسه عليه والصبح أي أثر نور طلوع تلك الشمس إذا انتشر في البدن بإفادة الحياة.
(10/271)
وفي التأويلات النجمية يشير إلى ليل الطبيعة المتشعشة عن ظلام غيب البشرية باتباع أحكام الشريعة ومخالفات رار الطبيعة وإى صبح نهار الروحانية إذا كشف وأظهر آدابالطريقة ورسوم الحقيقة وهو أعظم الأقسام وأفضل الإيمان {إِنَّهُ} الضمير للقرآن وإن لم يجر له ذكر للعلم به أي القرآن الكريم الناطق بما ذكر من الدواهي الهائلة وهو جواب القسم وجه القسم بهذه الأشياء إن فيها ظهور كمال الحكمة وجلال القدرة.
يقول الفقير : سر الأقسام بها إن القرآن نور من الله فلا يرد إلا عى القلب النوراني الذي هو بمنزلة الشمس على القوى الروحانية التي هي بمنزلة سائر السيارات المضيئة وهذه الأنوار لا تظهر في الوجود الإنساني إلا بزوال آثار الطبيعة والنفس وظهور آثار القلب والروح فإذا أشرقت أنوار الروح وقواه في ليل الوجود أضاء جميع ما في الوجود وزال الظلام {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} هو جبريل عليه السلام ، قاله من جهة الله قال السهيلي ولا يجوز إنه أراد به إنه قول النبي عليه السلام ، وإن كان النبي عليه السلام رسولاً كريماً لأن الآية نزلت في معرض الرد والتكذيب لمقالة لكفار الذين قالوا إن محمداً عليه السلام ، بقوله وهو قوله فقال الله تعالى إنه لقول رسول كريم فأضافه إلى جبريل الذي هو أمين وحيه وهو في الحقيقة قول الله لكنه أضيف إلى جبريل لأنه جاء به من عند الله فإسناده إليه باعتبار السببية الظاهرة في الإنزال والإيصال ويدل
350
على أن المراد بالرسول هو جبريل ما بعده من ذكر قوته ونحوها وصفه برسلو لأنه رسول عن الله إلى الأنبياء وبكريم أي على ربه عزيز عظيم عنده وكذا عند الناس لأنه يجيء بأفضل العطايا وهو المعرفة والهداية ويتعطف على المؤمنين ويقهر الأعداء {ذِى قُوَّةٍ} شديدة كقوله تعالى : [النجم : 5-20]{شَدِيدُ الْقُوَى} أذي قدرة على ما يكلف به لا عجز له ولا ضعف روى إنه عليه السلام ، قال لجبريل ذكر الله قوتك فأخبرني بشي من آثارها قال رفعت قريت قوم لوط الأربع من الماء الأسود بقوادم جناحي حتى سمع أهل السماء نباح الكلب وأصوت الديكة ثم قلبتها ومن قوته إنه صباح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين وإنه يهبط من السماء إلى الأرض ويصعد في أسرع من الطرف وإنه رأى أن شيطاناً يقال له الأبيض صاحب الأنبياء قصد إن يتعرض للنبي فدفعه دفعة رفيقة وقع بها من مكة إلى أقصى الهند وكذا راه يكلم عيسى عليه السلام ، على بعض الأرض المقدسة فنفخه نفخة واحدة ألقاه إلى أقصى جبل الهند وقيل المراد القوة في أداء طاعة الله وترك الإخلال بها من أول الخلق إلى آخر زمان التكليف وفيه إشارة إلى صفة الروح فإنه ذو سلطنة على جميع الحقائق الكائنة في المملكة الإنسانية عند ذي العرش} أي الله تعالى وفي اراد ذي العرش أخبار بغاية كبريائه في القلوب وعند ظرف لما بعده في قوله {مَكِينٍ} ذي مكانة رفيعة عند عندية رام وتشريف لا عندية مكان فإنه تعالى متعال عن أمثالها ونحوه إنا عند المنكسرة قلوبهم فإن المراد به القرب والإكرام ومن مكانته عند الله ومرتبته إنه تعالى جعله تالي نفسه في قوله فإن الله هو مولاه وجبريل فله عظم منزلة عندية فأين منزلة من يلازم السلطان عند سرير الملك من مرتبة من يلازمه عند الوضوء ونحوه {مُّطَاعٍ} فيما بين الملائكة المقربين يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه لعلمهم بمنزلته عند الله قال في "فتح الرحمن" ومن طاعتهم إنهم فتحوا أبواب السماء ليلة المعراج قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وطاعة جبريل فريضة على أهل السموات كما أن طاعة محمد عليه السلام فريضة على أهل الأرض وفيه إشارة إلى أن الروح مطاع فيما ين القوى بالنسبة إلى السر والقلب {ثَمَّ أَمِينٍ} على الوحي قد عصمه الله من الخيانة والزلل وثم بفتح الثاه ظرف مكان لما قبله أي مطاع هناك أي في السموات وقيل لما بعده أي مؤتمن عند الله على وحيه ورسالاته إلى الأنبياء فيكون إشارة إلى عند الله وقرىء ثم بضم الثاء تعظيماً لوصف الأمانة وتفصيلاً لها على سائر الأوصاف فيكون للتراخي الرتبي على طريق الترقي من صفاته الفاضلة إلى ما هو أفضل وأعظم وهو الأمانة.
(قال الكاشفي) : واكر رسول كريم محمد باشد عليه السلام س أو صاحب قوت طاعت ونزديك خداي خداوند قدر ومكانتست ومطاع.
يعني مستجاب الدعوة ولذا قال له عمه أبو طالب ما أطوعك ربك يا محمد فقال له وأنت يا عم لو أطعته أطاعك وأمين يعني برا أسرار غيب.
وفيه إشارة إلى أن الروح أمين في إفاضة الفيض الروحي على كل أحد بحسب استعداده الفطري {وَمَا صَاحِبُكُم} يا أهل مكة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلّم عطف على جواب القسم ولذا قال في "فتح الرحمن" وهذا أيضاً جواب القسم {بِمَجْنُونٍ}
351
(10/272)
كما تقولون والتعرض لعنوان المصاحبة للتلويح بإحاطتهم بتفاصيل أحواله عليه السلام ، خبراً وعلمهم بنزاهته عما نسبوه إليه بالكلية فإنه كان بين أظهرهم في مدد متطاولة وقد جربوا عقله فوجدوه أكمل الخلائق فيه ولقبوه بالأمين الصادق وقد استدل به على فضل جبرائيل على رسول الله حيث وصف جبريل بست خصال كل واحدة منها تدل على كمال الشرف ونباهة الشأن واقتصر في ذكر رسول الله على نفي الجنون عنه وبين الذكرين تفاوت عظيم وهذا الاستدلال ضعيف إذا لمقصود رد قول الكفرة في حقه عليه السلام ، "يا أيها الذين نزلع ليه الذكر إنك لمجنون" لاتعداد فضائلهما والموزنة بينهما على أن توصيف جبريل بهذه الصفات بياناً لشرف سيد المرسلين بالنسبة إليه من حيث إن جبريل مع هذه الصفات هو الذي يؤيده ويبلغ الرسالة إليه فأي رتبة أعلى من مرتبته بعدما ثبت أن السفير بينه وبين ي العرش مثل هذا الملك المقرب وقال سعدي : المفتي الكلام مسوق لحقية المنزل دلالة على صدق ما ذكر فيه من أهوال القيامة على ما يل عليه الفاء السببية في قوله فلا أقسم ولا شك إن ذلك يقتضي وصف الآتي به لذلكبولغ فيه دون وصف من أنزل عليه فلذلك اقتصر فيه على نفي ما بهتوه وفيه إشارة إلى أن الروح ليس بمجنون أي بمستور عن حقائق القرآن ودقائقه وأحكامه وشرائعه ووعده ووعيده بل هو مكشوف له بجميع أسراره {وَلَقَدْ رَءَاهُ} وبالله لقد رأى رسول الله جبريل وفي "عين المعاني" أبصره لا جنياً {بِالافُقِ الْمُبِينِ} أفق السماء ناحيتها والمبين من أبان اللازم بمعنى الظاهر بالفارسية روشن.
أي بمطلع الشمس الأعلى من ناحية المشرق فالمراد بالأفق هنا حيث تطلع الشمس استدلالاً بوصفه بالمبين فإن نفس الأفق لا مدخل له في تبين الأشياء وظهورها وإنما يكون له مدخل في ذلك من حيث كونه مطلعاً لكوكب نير يبين الأشياء والكوكب المبين هو الشمس وإسادا لإبانة إلى مطلعها مجاز باعتبار سببيته لها في الجملة فإن اليبان في الحقيقة لضياء الطالع منه ثم خص من بين المطالع ما هو أعلى المطالع وأرفعنها وهو المطلع الذي إذا طلعت الشمس منه تكون في غاية الارتفاع والنهار في غاية الطول والامتداد وذلك عند ما تكون الشمس عند رأس السطان قبيل تحولها إلى برج الأسد وتوجه النهار إلى الانتقاص وإنما فعل ذلك حملاً للمبين على الكمال فإنه كلما كان الكوكب أرفع وأعلى وكلما كان النهار أطول كان البيان والإظهار أتم وأكمل روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سأل جبريل إن يتراآى له في صورته التي خلقه الله عليها فقال ما أقدر على ذلك وما ذاك إلي فإذن له فأتاه عليها وذلك في جبل حراء في أوائل البعثة فرآه رسول الله قد ملأ الآفاق بكلكله رجلاه في الأرض ورأسه في السماء جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب وله ستمائة جناح من الزبرجد الأخضر فغشى عليه فتحول جبريل في صورة بني آدم وضمه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه فقيل لرسول الله ما رأيناك منذ بعثت أحستن منك اليوم فقال عليه السلام ، جاءني جبريل في صورته فعلق بي هذا من حسنه قالوا ما رآه أحد من الأنبياء غيره عليه اسلام ، في صورته التي جبل عليها فهو من خصائصه عليه السلام.
واعلم أن وقوع الغشيان إنما هو من
352
كمال العلم والاطلاع ألا ترى إلى قوله تعالى : {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} فإن توليه وامتلاءه من الرع ليس عن رؤية أجسامهم فقط لأنهم أناس مثله وإنما هو لما أطله الله عليه حين رويتهم من العلم كما غشى على جبريل ليلة الإسراء حين رأى الرفرف وم يغش على رسول الله ، وقال عليه السلام : فعلمت فضل جبريل في العلم فكأنه عليه السلام أشار إلى فضل نفسه أيضاً لما غشى عله برؤية جبريل عى صورته الأصلية وإنما لم يغش عليه حين رأى الرفرف كما غشى على جبريل لأنه إذ ذاك في نهاية التمكين وفرق بين البداية والنهاية والله أعلم.
قال القاشاني : ولقد رآه بالأفق المبين أي نهاية طور القلب الذي يلي الروح وهو مكان القاء النافث القدسي على أن المراد بالرسول روح القدس النافث في روع الإنسان.
وقال في التأويلات النجمية : أي رأى جبريل الروح حضرة ربه عند أفق البقاء بعد الفناء وما هو} أي رسول الله {عَلَى الْغَيْبِ} أي على ما يخبره من الوحي إلي وغيره من الغيوب {بِضَنِينٍ} أي ببخيل أي لا يبخل بالوحي فيزوى بعضه غير مبلغه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلواناً أي أجرة أو يسأل تعليمه فلا يعلمه وفيه إشارة إلى أن إمساك العلم عن أهله بخل منضن بالشيء ضن بالفتح ضناً بالكسر وضنانة بالفتح أي بخل فهو ضنين به أي بخيل ويضن بالكسر لغة والفتح أفصح ذكره البيهقي في تهذيب المصادر في باب ضرب حيث قال الضن : والضنانة بخيلى كردن.
(10/273)
والغابر يضن والفتح أفصح فيكون من باب علم كما صرح به بعضهم بقوله هو من ضننت بالشيء بكسر النون وهو قراءة نافع وعاصم وحمزة وابن عامر قال في النشر كذلك هو في جميع المصاحف أي المصاحف التي يتداولها الناس وإلا فهو في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالظاء وقرىء بظنين على إنه فعيل بمعنى المفعول أي بمتهم أي هو ثقة في جميع ما يخبره لا يتوهم فيه إنه ينطق عن الهوى من الظنة وهي التهمة واتهمت فلاناً بكذا توهمت فيه ذلك اختار أبو عبيدة هذه القراءة لأن الكفار لم يبخلوه وإنما اتهموه فنفى التهمة أولى من نفى البخل ولأن البخل يتعدى بالباء لا بعلي.
وفي "الكشاف" هو في مصحف عبد الله بالظاء وفي مصحف أبي بالضاد وكان رسول الله عليه السلام يقرأ بهما ولا بد للقارىء من معرفة مخرجي الضاد والظاء فإن مخرج الضاد من أصله حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره ومخرج الظاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا فإن قيل فإن وضع المصلي أحد الحرفين مكان الآخر قلنا قال في "المحيط البرهاني" إذا أتى بالظاء مكان الضاد أو على العكس فالقياس أن تفسد صلاته وهو قول عامة المشايخ وقال مشايخنا بدم الفساد للضرورة في حق العامة خصوصاً العجم فإن أكثرهم لا يفرقون بين الحرفين وإن فرقوا ففرقا غير صواب وفي "الخلاصة" لو قرأ بالظاء مكان الضاد أو بالضاد مكان الظاء تفسد صلاته عند أبي حنيفة ومحمد وإما عند عامة المشايخ كأبي مطيع البلخي ومحمد بن سلمة لا تفسد صلاته {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَـانٍ رَّجِيمٍ} أي قول بعض المسترقة للسمع دل عليه توصيفه بالجريم لأنه بمعنى المرمى بالشهب وهو نفي لقولهم
353
إنه كهانة وسحر كما قال وما تنزلت به الشياطين وفيه إشارة إلى إنه ليس محمد القلب عند الأخبار عن المواهب الغيبية ولإلهامات السرية بمتهم بالكذب والافتراء وما هو بقول بعض القوى البشرية {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} استضلال لهم فيما يسلكونه في أمر القرآن والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ظهور إه وحي مبين وليس مما يقولون في شيء كما تقول لمن ترك الجادة بعد ظهورها هذا الطريق الواضح فأين تذهب شبهت حالهم بحال من يترك الجادة وهو معظم الطريق ويتعسف إلى غير المسلك فإنه يقال له أين تذهب استضلالاً له وإنكاراً على تعسفه فقيل لمن يقول في حق القرآن ما لا ينبغي من وضوح كونه وحياً حقاً أي طريق تسكلون آمن من هذه الطريقة التي ظهرت حقيتها ووضحت استقامتها وأين ظرف مكان مبهم منصوب بتذهبون قال أبو البقاء التقدير إلى أين فحذف حرف الجر ويجزو أن لا يصار إلى الحذف بل إلى طريق التضمين فكأنه قيل أين تؤمون وقال الجنيد قدس سره أين تذهبون عنا وإن من شيء إلا عندنا.
وفي التأويلات النجمية : فأين تذهبون من طريق الحق إلى طريق الباطل وتركون الاقتداء بالروح وتختارون اتباع النفوس {إِنْ هُوَ} إن نافية والضمير إلى القرآن أي ما هو {إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَـالَمِينَ} موعظة وتذكير لهم والمراد الإنس والجن بدلالة العقل فإنهم المحتاون إلى الوعظ والتذكير {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ} أيها المكلفون بالإيمان والطاعة وهو بدل من العالمين بإعادة الجار بدل البعض من الكل ولا تخالف بين الأصل المتبوع والفرع التابع لأن الأول باعتبار الذات والثاني باعتبار التبع {أَن يَسْتَقِيمَ} مفعول شاء أي لمن شاء منكم الاستقامة بتحري الحق وملازمة الصواب وإبداله من العالمين مع إنه ذكر شامل لجميع المكلفين لأنهم هم المنتفعون بالتذكير دون غيرهم فكأنه مختص بهم ولم يوغظ به غيرهم {وَمَا تَشَآءُونَ} أي الاستقامة مشيئة مستتبعة لها في وقت من الأوقات يا من يشاؤها وذلك إن الخطاب في قوله لمن شاء منكم يدل على إن منهم من يشاء الاستقامة ومن لا يشاؤها فالخطاب هنا لمن يشاؤها منهم يروى أن أبا جهل لما سمع قوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم قال الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم وهو رأس القدرية فنزل قوله تعالى : {وَمَا تَشَآءُونَ إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ} من إقامة المصدر موقع الزمان أي إلا وقت أن يشاء الله تلك المشيئة المستتبعة للاستقامة فإن مشيئتكم لا تستبعها بدون مشيئة الله لها لأن الشميئة الاختيارية مشيئة حادثة فلا بدلها من محدث فيتوقف حدوثها على أن يشاء محدثها إيجادها فظهر إن فعل الاستقامة موقوف على إرادة الاستقامة وهذه الإرادة موقوفة الحصول على أن يريد الله أن يعطيه تلك الإرادة والموقوف على الموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء فأفعال اعباد ثبوتاً ونفياً موقوفة الحصول على مشيئة الله كما عليه أهل السنة {رَبُّ الْعَـالَمِينَ} مالك الخلق ومربيهم أجمعين بالأرزاق الجسمانية والروحانية وفي الحديث القدسي يا ابن آدم تريد وأريد فتتعب فيما تريد ولا يكون إلا ما أريد قال وهب بن منبه قرأت في كتب كثيرة مما أنزل الله على الأنبياء إنه من جعل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر قال أبو بكر الواسطي قدس سره أعجزك في جميع
354
(10/274)
صفاتك فلا تشاء إلا في مشئته ولا عمل إلا بقوته ولا تطيع إلا بفضله ولا تعصى إلا بخذلانه فماذا يبقى لك وبماذا تفتخر من أعمالك وليس منها شيء إليك إلا بتوفيقه وبالفارسية حق تعالى ترا درهمه وصفها عاجز ساخته است نخواهى مكر بمشيت أو ونكنى مكر بقوت أو وفرما نبرى مكر بفضل أو وعاصي نشوى مكر بخذلان أو س توه داري وبكدام فعل مى نازي وحا آكه ترا هي نيست.
زسرتا اهمه در يم ي
ه اه سرهمه هييم درهي
وفي الحديث من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ إذا الشمس كورت ، وإذا السماء انفطرت ، وإذا السماء انشقتد فإن فيها يبان أهواله الهائلة على التفصيل.
جزء : 10 رقم الصفحة : 343
تفسير سورة الانفطار
تسع عشرة آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 354
{إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ} أي انشقت لنزول الملائكة كقوله تعالى : {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلا} أو لهيبة الربو في فتح الرحمن تشققها على غير نظام مقصود إنما هو انشقاق لنزول بنيتها وإعرابه كإعراب إذا الشمس كورت.
وفي التأويلات النجمية : يعني سماء الأرواح والقلوب والأسرار اتفعت تعيناتها وزالت تشخصاتها.
وقال القاشاني : أي إذا انفطرت سماء الروح الحيواني بانفراجها عن الروح الإنساني وزوالها بالموت وإذا الكواكب انتثرت} أي تساقطت من مواضعها سوداء متفرقة كما تتساقط اللآلىء إذا انقطع السلك وهذان من أشراط الساعة متعلقان بالعلويات فإن السماء ف يهذا العالم كالسقف والأرض كالبناء من أراد تخريب دار فإنه يبدأ أولاً بتخريب السقف وذلك هو وله إذا السماء انفطرت ثم يلزم من تخريب السماء نتثار الكواكب وفيه إشارة إلى انتثار كواكب الحواس العشر الظاهرة والباطنة وذهابها بالموت الطبيعي فإنه إذا انقطع ضوء الروح عن ظاهر البدن وباطنه تعطل الحواس مطلقاً وكذا بالموت الإرادي {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} فتح بعضها إلى بعض بزوال المانع وحصول تزلزل الأرض وتصدعها واستوائها وصارت البحار وهي سبعة بحر الروم وبحر الصقالبة وبحر جرجان وبحر القلزم وبحر فارس وبحر الصين وبحر الهند بحراً واحداً فيصب ذلك البحر في جوف الحوت الذي عليه الأرضون السبع كما في "كشف الأسرار" وروى إن الأرض تنشف من الماء بعدا متلاء البحار فتصير مستوية وهو معنى التسجير عند الحسن البصري ودخل في البحار البحر المحيط لأنه أصل الكل إذ منه يتفرع الباقي وكذا الأنهار العذبة فإنها بحار أيضاً التوسعها وفيه إشارة إلى بحار الأرواح والأسرار والقلوب حيث فجرت بعضها في بعض بالتجلي الإحدى وصارت بحراً واحداً وإلى بحار الأجسام العنصرية حيث فجرت بعضها في بعض بزال البرازخ الحاجزة عن ذاب كل إلى أصله وهي الأرواح الحيوانية المانعة عن خراب البدن ورجوع
355
أجزائه إلى أصلها {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} قلب ترابها وأخرج موتاً ولا يخالف ما سيجيء في العاديات فإن البعثرة تجيء بمعنى الاستخراج أيضاً أي كالقلب وفي تاج المصادر البعثرة شورانيدن وآشكارا كردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 355
ولذا قال بعضهم بالفارسية وآنكاه كه كورها زيروزبر كرده شود يعني خاكهارا بشورانند تامدفونات وى ازاموات وكنجها ظاهر كردد ومردكان زنده شوند.(10/275)
ونظيره بحثر لفظاً ومعنى يقال بعثرت المتاع وبحثرته أي جعلت أسفله أعلاه وجعل أسفل القبور أعلاها إنما هو بإخراج موتاها وقيل لسورة براءة المبعثرة لأنها بعثرت أسرار المنافقين وهما أي بعثر وبحثر مركبان من البعث والبحث مع راء ضمت إليهما.
وقال الراغب : من رأى تركيب الرباعي والخماس نحو هلل وبسمل إذا قال لا إله إلا الله وبسم الله يقول أن بعثرم ركب من بعث وأثير أي قلب ترابها وأثير ما فيها وهذا لا يبعد في هذا الحرف فإن البعثرة تتضمن معنى بعث وأثير وهذان من أشراط الساعة متعلقان بالسفليات فإنه تعالى بعد تخريب السماء والكواكب يخرب كل ما على وجه الأرض بنفوذ بعض البحار في بعض ثم يخرب نفس الأرض التي هي كالبناء بأن يقلبها ظهر ابطن وبطناً لظهر وفيه إشارة إلى راب قبور التعينات وصيرورة المتعين مطلقاً عن التعينات لأن التعينات قبو الحقائق المطلقة وإلى قبور الأبدان فإنها تخرج ما فيها من الأرواح والقوى بالموت {عَلِمَتْ نَفْسٌ} أي كل نفس برة كانت أو فاجرة كما سبق في السورة السابقة وفي "فتح الرحمن" نفس هنا اسم الجنس وأفرادها ليبين لذهن السامع حقارتها وقلتها وضعفها عن منفعة ذاتها إلا من رحم الله تعالى {مَّا قَدَّمَتْ} في حياتها من علم خير أو شر فإن ما من ألفاظ العموم {وَأَخَّرَتْ} من سنة حسنة أو سيئة يعلم با بعده قال عليه السلام : أيما داع دعا إلى الهدى فاتبع فله مثل أجر من اتبعه إلا أنه لا ينقص من أجورهم شيء وأيما داع دعا إلى الضلالة فاتبع فله مثل أوزار من اتبعه إلا أنه لا ينقص من أوزارهم شيء أو م دم من معصية وما أخر من طاعة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 355
وفي التأويلات النجمية : علمت نفس ما قدمت أخرجت من القوة إلى الفعل بطريق الأعمال الحسنة أو السيئة وما أخرت أبقت في لقوة بحسب النية قوله علمت الخ جواب إذاأمي إذا وقعت هذه الأشياء وخربت الدنيا علمت كل نفس الخ لكن لا على إنها تعلمه عند البعث بل عند نشر الصحف لما عرفت في السورة السابقة من أن المراد بها زمان واحد مبدأه النفخة الأولى ومنتهاه الفصل بين الخلائق لا أزمنة متعددة حسب تعدد كلمة إذا وإنما كررت لتهويل ما في حزيها من الدواهي فالمراد العلم التفصيلي الذي يحصل عند قراءة الكتب والمحاسبة وأما العلم الإجمالي فيحصل في أول زمان البعث والحشر لأن المطيع يرى آثار السعادة العاصي يرى آثار الشقاوة في أول الأمر قال ابن الشيخ في حواشيه العلم بجميع ذلك كناية عن المجازاة عليه والمقصود من الكلام الزجر عن المعصية والترغيب في الطاعة يا اأَيُّهَا الانسَـانُ} يعم جميع العصاة ولا خصوص له بالكفار لوقوعه بين المجمل ومفصله أي بي علمت نفس الخ وبين إن الأبرار الخ وأما قوله بل تكذبون بالدين فمن قبيل بنوا فلان قتلوا
356
(10/276)
زيداً إذا كان القاتل واحداً منهم قال الامام السهيلي رحمه الله قوله : يا أيها الإنسان يريد أمية بن خلف ولكن اللفظ عام يصلح له ولغيره وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة أو الأسود بن كلدة المحي قصد النبي عليه السلام في بطحاء مكة فلم يتمكن منه فلم يعاقبه الله على ذلك وفي زهرة الرياض ضرب على يافوخ رسول الله عليه السلام ، فأخذه رسول الله وضربه على الأرض فقال له يا محمد الأمان الأمان مني الجفاءو منك الكرم فإني لا أوذيك أبداً فتركه رسول الله عليه السلام {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} ما استفهامية في موضع الابتاء وغرك خبره والاستفهام بمعنى الاستهجان والتوبيخ والمعنى أي شيء خدعك وجرأك على عصيانه وأمنك من عقابه وقد علمت ما بين يديك من الدواهي وما سيكون حينئذٍ من مشاهدة أمالك كلها يقال غره بفلان إذا جرأه عليه وأمنه المحذور من جهته مع إنه غير مأمون والتعرض لعنوان كرمه تعالى للإيذان بأنه ليس مما يصلح أن يكون مدار الاغترار حسبما يغويه الشيطان ويقول له أفعل ما شئت فإن ربك كريم قد تفضل عليك في الدنيا وسيفعل مثله في الآخرة فإن قياس عقيم وتمنية باطلة بل هو مما يوجب المبالغة في الإقبال على الإيمان والطاعة والاجتناب عن الكفر والعصيان كأنه قيل ما حملك على عصيان ربك الموصوف بالصفات الزاجرة عن الداعية ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما قرأها غره جهله وقال الحسن البصري رحمه الله غره والله شيطنه فظهر أن كرم الكريم لا يقتضي الاغترار به بل هو يقتضي الخوف والحذر من مخالفته وعصيانه من حيث إن إهمال الظالم ينافي كونه كريما بالنسبة إلى المظلوم وكذا التسوية بين الموالي والمعادي فإذا كان محض الكرم لاي قتضي الاغترار به فكيف إذا انضم إليه صفة القهر ولله الأسماء المتقابلة ولذا قال نبيء عبادي إني أنا الغفور الرحيم وإن عذابي هو العذاب الأليم.
قال القاشاني : كان كونه كريما يسوغ الغررو ويسهله لكن له من النعم الكثيرة والمنن العظيمة والقدرة الكاملة ما يمنع من ذلك أكثر من تجويز اكرم إياه وقيل للفضيل بن عياض رحمه الله ، إن أقامك الله يوم القيامة وقال مالك ما غرك بربك الكريم ماذا تقول قال أقول غرتني ستورك المرخاة ونظمه ابن السماك فقال :
جزء : 10 رقم الصفحة : 355
يا كاسب الذنب أما تستحي
والله في الخلوة ثانيكا
غرك من ربك إمهاله
وستره طول مساويكا
قال صابح الكشاف قول الفضيل على سبيل الاعتراف بالخطا في الاغترار بالستر وليس بعتذار كما يظنه الطماع ويظن به قصاص الحشوية ويرونه من أئمتهم إنما قال بربك الكريم دون صفاته من الجبار والقهار والمنتقم وغير ذلك ليلقن عبده الجواب حتى يقول غرني كرم الكريم.
يقول الفقير : الحق إن هذا الباب مما يقبل الاختلاف بالنسبة إلى أحوال الناس فلي من يفهم الإشارة كمن لا يفهما وكم من فرق بين ذنب وذنب وظن وظن ولذا قال أهل الإشارة إيراد الاسم الكريم من بين الأسماء كأنه من جهة التلقين.
357
خود تو دادي مده لا تقسطوا
من را ترسم زعصيان عتو
ون توهر شكسته راسازي درست
س خطاها بر آميد عفوتست
وقال يحيى بن معاذ رحمه الله غرني برك سالفا وآنفا.
يقول مولاي أما تستحي
مما أرى من سوء أفعالك
فقلت يا مولاي رفقا فقد
أفسدني كثرة أفضالك
وعن علي رضي الله عنه إنه صوت بغلام له مراراً فلم يجبه وهو بالباب فقال لم لم تجبني فقال لثقتي بحلمك وأمتي من عقوبتك فأعتقه إحساناً لقوله وقال بعض أهل الإشارة عجبت من هذا الخطاب الذي فيه تهديد المخالف ومواساة الموافق كيف يخاطب المخالف بخطاب فيه مواساة الموافقففيه من الرموز ما يعرفه إلا أهل الإشارة.
قال بعضهم : رأيت في سوق البصرة جنازة يحملها أربعو ليس معهم مشيع فقلت : لا إله إلا الله سوق البصرة وجنازة رجل مسلم لا يشيعها إحداني لأشيعها فتبعتها وصليت عليها ولما دفنوه سألتهم عنه قالوا : ما نعرفه وأيما اكترتنا تلك المرأة وأشاروا إلى امرأة واقفة قريباً من القبر ثم انصرفوا فرفعت المرأة يدها إلى السماء تدعو ثم ضحكت واصنرفت فتعلقت بها وقلت لا بد أن تخبريني بقضيتك فقالت إن هذا الميت ابني ومن يترك شيئاً من المعاصي إلا فعله فمرض ثلاثة أيام فقال لي : يا أمي إذا مت لم تخبري الجيرن بموتي فإنهم فرحون بموتي ولا يحضرون جنازتي ولكن اكتبي على خاتمي لا إله إلا الله محمد رسول الله وضعيه في أصبعي وضعي رجلك على خدي إذا مت وقولي هذا جزاء من عصى الله فإذا دفتني فارفعي يديك إلى الله وقولي الهم إني رضيت عنه فارض عنه فلما مات فعلت جميع ما أوصاني به فلما رفعت يدي إلى السماء ودعوت سمعت صوته بلسان فصيح انصرفي يا أمي فقد قدمت على رب كريم رحيم فرضي عني فلذلك ضحكت سروراً بحاله أولاده الامام القشيري في شرح الأسماء.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 355
(10/277)
وفي الحديث الصحيح) : إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وسرته فيقول أتعرف ذنب كذا فيقول نعم أي رب حتى قرره بذنوبه ورأى في نفسه إنه هلك قال سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفر لك اليوم {الَّذِى خَلَقَكَ} صفة ثانية مقررة للربوبية مبينة للكرم لأن الخلق إعطاء لوجود وهو خير من العدم منبهة على أن من قدر على الخلق وما يليه بدأ قدر عليه إعادة أي خلقك بعد أن لم تكن شيئاً {فَسَوَّاـاكَ} أي جعل أعضاءك سوية سليمة معدة لمنفعها أي بحيث يترتب على كل عضو منها منفعته التي خلق ذلك العضو لأجلها كالبطش لليد والمشي للرجل والتكلم للسان والأبصار للبصر والسمع للأذن إلى غير ذلك {فَعَدَلَكَ} عدل بعض تلك الأعضاء ببعض بحيث أعتدلت ولم تتفاوت مثل أن تكون إحدى اليدين أو الرجلين أو الأذنين أقول من الآخرى أو تكون إحدى العينين أوسع من الأخرى أو بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود أو بعض الشعر فأحما وبعضه أشقر قال علماء التشريح إنه تعالى ركب جانبي هذه الجنة على التساوي
358
حتى إنه لا تفاوت بين نصفيه لا في العظام ولا في إشكالها ولا في الأوردة والشرايين والأعصاب النافذة فيا والخارجة منها فكل ما في أحد الجانبين مساوٍ لما في الجانب الآخر ويقال عدله عن الطرق أي صرفه فيكون المعنى فصرفك عن الخلقة المكروهة التي هي لسائر الحيوانات وخلقك خقة حسنة مفارقة لسائر الخلق كما قال تعالى : {فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} وقرىء فعدلك بالتشديد أي صيرك معتدلاً متناسب الخلق من غير تفاوت فيه فهو بالمعنى الأول من المخفف وقال الجنيد قدس سره تسوية الخلقة بلمعرفة وتعديلها بالإيمان وقال ذو النون قدس سره أوجدك فسخر لك المكونات أجمع ولم يسخرك لشيء منها.
جزء : 10 رقم الصفحة : 355
وفي التأويلات النجمية : يا أيها الإنسان المخلوق على صورته كأنك غرك كال المظهرية وتمام المضاهاة خلقك في أحسن صورة فسواك في أحسن تقويم فجعل بنيتك الصورية وبنيتك المعنوية سليمة مسواة ومعتدلة ومستعدة لقبول جميع الكمالات الإلهية والكيانية كما قال عليه السلام أوتيت جوامع الكلم أي الكلم الإلهية والكلم الكيانية في أي صورة ما شاء ركبك} الجار متعلق بركبك وما مزيدة لتعميم النكرة وشاء صفة لصورة والعائد محذوف وإنما لم يعطف الجملة على ما قبلها لأنها بيان لعدلك والمعنى ركبك في أي صورة شاءها واقتضتها مشيئته وحكمته من الصور العجيبة الحسنة أو من الصور المختلفة في الحسن والقبح والطول والقصر والذكورة والأنوثة والشبه بعض الأوقات وخلاف الشبه كما في الحديث إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينهما وبين آدم وصورها في أي شبيه شاء وقال الواسطي رحمه الله صور المطيعين والعاصين فمن صوره على صورة الولاية ليس كمن صوره على صورة العداوة أي صور بعضهم على الصورة الجمالية اللطفية وبعضهم على الصورة الجلالية القهرية قال حضرة شيخي وسندي قدس سره في كتاب اللائحات البرقيات له لاح بيالي إن تلك الصورة التركيبية تتناول الصورة العلمية والصورة الروحية والصورة المثالية والصورة الجسمية وغير ذلك من الصور المركبة في الأطوار لكن المقصود بالذات إنما هو هذه الأربع والتركيب في الصورة العلمية والروحية عقلي ومعنوي وفي الصورة المثالية والجسمية حسي وروحي والمراد من التركيب في الصورة العلمية ظهور الذات وفي الصورة الروحية ظهور الصفات وفي الصورة المثالية ظهور الأفعال وفي الصورة لجسمية ظهور الآثار وهذه الظهورات من تلك التركيبات بمنزلة النتائج من القياسات وبمنزلة المجوع من الاجتماعات وإجراؤها إنما هي أحكام الوجوب وأحكام الإمكان والمراد من أحكام الوجوب هو الأسماء الإلهية الفاعلة المؤثرة والمراد من أحكام الإمكان هو الحقائق الكونية القابلة المتأثرة والتركيب من هذه أجزاء في أي صورة كان إنما هو لظهور محل يكون مظهر الظهور آثارها وخواصها مجتمعة وعند هذا الظهور الاجتماعيفي ذلك المحل الجامع كالنشأة الإنسانية المخاطبة ههنا إن كانت الغلبة لأجزاء أحكام الوجوب تكون تلك النشأة علوية مائلة إلى جانب العلو والحق هي تكون باقية على فطرة الأصلية الإلهية قابلة مستعدة للفيض والتجلي والوصول إلى عالم القدس وإن كانت الأجزاء أحكام الإمكان تكون تلك النشأة سفلية مائلة إلى جانب السفل والخلق
359
جزء : 10 رقم الصفحة : 355
(10/278)
وخارجة عن الفطرة الأصلية الأزلية غير قابلة ومستعدة للفيض والتجلي والوصول إلى عام القدس بل تبقى في عالم الدنس مدنسة بدنس الجهالة والغفلة والنسيان لا خبر لها عن نفسها وربها وتكون أعمى وأصم وأبكم لا تعرف يمينها من شمالها ولا ترى شمالها من يمينها أولئك كالأنعام بل هم أضل انتهى.
كلامه روح الله روحه {كَلا} كلمة ردع فالوقف عنها أي ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله وجعله ذريعة إلى الكفر والمعاصي مع كونه موجباً للشكر والطاعة وقيل توكيد لتحقيق ما بعده بمعنى حقاً فالوقف على ركبك كما رجحه السجاوندي حيث وضع علامة الوقف المطلق على ركبك {بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} قال في "الإرشاد" عطف على جملة ينساق إليها الكلام كأن قيل بعد الردع بطريق الاتراض وأنتم لا ترتدعون عن ذلك بل تجترئون على أعظم من ذلك حيث تكذبون بدين الإسلام اللذين هما من جملة أحكامه فلا تصدقون سؤالاً ولا جواباً ولا عقاباً {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـافِظِينَ} حالب من فاعل تكذبون وجمع الحافظين باعتبار كثرة المخاطبين أو باعتبار إن لكل واحد منهم جمعاً من الملائكة كما قال اثنان بالنهار أي تكذبون بالجزاء والحال إن عليكم أيها المكلفون من قبلنا الملائكة حافظين لأعمالهم وبالفارسية نكهبانان {كِرَامًا} جمع كريم أي لدينا يجبرهم في طاعتنا أو بأداء الأمانة إذا لكريم لا يكون حواناً وفي "فتح الرحمن" وصفهم بالكرم الذي هو نفي المذام وقيل كرام يسارعون إلى كتب الحسنات ويتوقفون في كتب السيئات رجاء أن يستغفر ويتوب فيكتبون الذني والتوبة منه معاً وفي زهرة الرياض سماهم كراماً لأنهم إذا كتبوا حسنة يصعدون إلى السماء ويعرضونها على الله ويشهدون ويقولون إن عبدك فلاناً عمل حسنة وإما في السيئة فيسكتون ويقولون إلهي أنت ستار العيوب وهم يقرؤون كل يوم كتابك ويمدحوننا فإنا لا نهتك أستارهم وإما معنى التعطف كما في سورة عبس فلا يلائم هذا المقام كما في بعض التفاسير {كَـاتِبِينَ} للأعمال {يَعْلَمُونَ} لحضورهم وعدم افتراقهم عنكم {مَا تَفْعَلُونَ} من الأفعال قليلاً وكثيراً ويضبطون نفيراً وقطميرا لتجاوزا بذلك.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص360 حتى ص369 رقم37
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 355
وفي الحديث) : أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى الحالتين الجنابة والغائط.
قال في "عين المعاني" قوله يعلمون يدل على أن السهو والخطأ وما لا تبعة فيه لا يكتب وكذا ما استغفر منه حيث لم يقل يكتبون انتهى.
وقوله ما تفعلون وإن كان عاماً لأفعال القلوب والجورح لكنه عام مخصوص بأفعال الجوارح لأن ما كان من المغيبات لا يعلمه إلا الله وفي "كشف الأسرار" علمهم على وجهين فما كان من ظاهر قول أو حركة جوارح علموه بطاهره وكتبوه على جهته وما كان من باطن ضمير يقال إنهم يجدون لصالحه رائحة طيبة والطالحة رائحة خبيثة فيكتبونه مجملاً عملاً صالحاً وآخر سيئاً انتهى.
وقد مر بيان هذا المقام في سورتي الزخرف وق فارجع وخص الفعل بالذكر لأنه أكثر من القول ولأن القول قد يراد به الفعل فاندرج فيه وعن الفضيل إنه كان إذا قرأ هذه الآية قال ما أشدها من آية على الغافلين ففيها إنذار وتهويل وتشديد للعصاة وتبشير
360
(10/279)
وطف للمطيعين وفي تعظيم الكاتبين بالثناء عليهم تفخيم لأمر الجزاء وإنه عند الله من جلائل الأمور حيث يستعمل فيه هؤلاء الكرام فالتعظيم إنما هو في وصفهم بالكرم لا بالكتب والحفظ وطعن بعض المنكرين في حضور الكاتبين إما أولاً فبأنه لو كانت الحفظة وصحفهم وأقلامهم معنا ونن لا نراهم لجاز أن يكون بحضرتنا جبال وأشخاص لا نرا وذلك دخول في الجهالات وجوابه إن الملائكة من قبيل الأجسام اللطيفة فحضورهم لا يستلزم الرؤية ألا نرى إن الله أمد المؤمنين في در بالملائكة وكانوا لا يرونهم إلا من شاء الله رؤيته وكذا الجن من هذا القبيل ولذا قال تعالى ؛ [التوبة : 127-27]{يَرَاـاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُه مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} فكما إن الهواء لا يرى للطافته فكذا غيره من أهل اللطافة وأما ثانياً بأن هذه الكتابة والضبط إن كان لا لفائدة فهو بعث والله تعالى متعال عن ذلك وإن كان لفائدة فلا بد أن تكون للعبد لأن الله متعال عن انفع والضرر وعن تطرق النسين وغاية ذلك أن يكون حجة على الناس وتشديداً عليهم بإقامتها لكن هذه ضعيف لأن من علم إن الله لا يجور ولا يظلم لا يحتاج في حقه إلى إثبات هذه الحجة ومن لم يعلم ذلك لانتفعه لاحتمال أن يحمل على الظلم وجوابه إن الله يجري أمروه على عباده على ما يتعارفونه فيا لدنيا بينهم ليكون أبلغ في تقرير المعنى عندهم من إخراج كتاب وإحضار شهود عدل في إلزام الحجة عند الحاكم لعبد إذا علم إن الله رقيب عليه والملائكة يحفظون أعماله ويكتبونها في الصحيفة وتعرض على رؤوس الإشهاد يوم القيامة كان ذلك أزجر له عن المعاصي وأمنع من السوء وإما ثالثاً فبأن أفعال القلوب غير مرئية فلا يكتبونها مع أنها محاسب بها لقوله تعالى : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبم به الله الآية وجوابه ما مر من أن الآية من العام المخصوص وقد قال الامام الغزالي رحمه الله كل ذكر يشعر به قلبك تسمعه الملائكة الحفظة فإن شعورهم يقارن شعورك حتى إذا غاب ذكرك عن شعورك بذهابك في المذكور بالكلية غاب عن شعور لحفظة أيضاً وما دام القلب يلتفت إلى الذكر فه معرض عن الله وفهم من هذا المقال إن قياس إطلاع الملائكة على الوقائع على إطلاع الناس غير مستقيم فإن شؤونهم علماً وعملاً غير شؤون الناس على أن من أصلح من الناس سريرته قد يكشف الضمائر ويطلع على الغيوب باطلاع الله تعالى فما ظنك بالملائكة الذين هم ألطف جسماً وأخف روحاً إن الأبرار} الذين بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء الفرائض واجتناب المعاصي وبالفارسية وبدرستى كه نيكو كاران وفرمان برداران.
جزء : 10 رقم الصفحة : 355
جمع بر بالفتح وهوبمعنى الصادق والمطيع والمحسن وأحسن الحسنات لا إله إلا الله ثم بر الوالدين وبر التلامذة للأساتذة وبر أهل الإرادة للشيوخ كما قال في فتح الرحمن هو الذي قد أطرد بره عموماً فبرر به في طاعته إياه وبر الناس في جلب ما استطاع من الخير لهم وغير ذلك.
(وفي الحديث) : بروا آباءهم كما بروا أبناءهم {لَفِى نَعِيمٍ} وهو نعيم الجنة وثوابها والتنوين للتخفيم {وَإِنَّ الْفُجَّارَ} وبدرستى كه دروغ كويان ومنكران حشر.
جمع فاجر والفجور شق ستر الديانة {لَفِى جَحِيمٍ} أي النار وعذابها والتنوين للتهويل والجملتان بيان لما يكتبون لأجله وهو أن الغاية إما النعيم وإما الجحيم وفيه إشارة إلى نعيم
361
الذكر والطاعة والمعرفة والشهود والحضور والوصال وإلى جحيم الغفلة والمعصية والجهل والاحتجاب والغيبوبة والفراق قال الخواص رحمه الله ، طاب النعيم إذا كان منه وطاب الجحيم إذا كان به وفي المثنوى :
هر كجا باشد شه مارا بساط
هست صحرا كربود سم الخياط
هر كجا كه يوسفي باشد وماه
جنت است أو أره باش قعراه
جزء : 10 رقم الصفحة : 355
(10/280)
{يَصْلَوْنَهَا} أما صفة لجحيم أو استئناف مبني على سؤال نشأ عن تهويلها كأنه قيل ما حالهم فيها فقيل يقاسون حرها كما قال الخليل صلى الكافر النار قاسي حرها وباشره ببدنه ولم يصف النعيم بما يلائمه لأن ما سبق من الكلام كان في المكذبين الفجرة لأن المقام مقام التخويف وذكر تبشير الأبرار لأنه ينكشف به حال الفجار الأشرار لأن الأشياء تعرف بأضدادها {يَوْمَ الدِّينِ} يوم الجزاء الذي كانوا يكذبون به {وَمَا هُمَ} ونيست فجار {عَنْهَا} أي عن الجحيم {بِغَآااِبِينَ} طرفة عين يعني دروجاويد باشند وبيرون نيايند كقوله تعالى : [المائدة : 37-17]{وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} فالمراد دوام نفي الغيبة لا نفي دوام اغيبة وقيل وما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية بل كانوا يجدون سمومها في قبورهم حسبما قال النبي عليه السلام ، القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران وما أدراك} الخطاب لكل من يأتى منه الدراية وما مبتدأ وإدراك خبره {مَآ} خبر قوله {يَوْمَ الدِّينِ} وما لطلب الوصف وإنك ان وضعه لطلب الحقيقة وشرح الاسم والمعنى أي شيء جعلك داريا وعالماً ما يوم الدين أي أي شيء عجيب هو في الهول والفظاعة أي ما أدراك إلى هذا الآن أحد كنه أمره فإنه خارج عن دائره درية الخلق على أي صورة بصورونه فهو فوقها وأضعافها {ثُمَّ مَآ أَدْرَااكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} تكرير بثم امفيدة للترقي في الرتبة للتأكيد وزيادة التخويف والمجوع تعجيب للمخاطبين وتفخيم لشأن اليوم وإظهار يوم الدين في موقع الإضمار تأكيد لهوله وفخامته {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْاًا} بيان إجمال لشأن يوم الدين أثر إبهامه وبيان خروجه عن دائرة علوم الخلق بطريق إجاز الوعد فإن نفي إدرائهم مشعر بالوعد لكريم بالإدراء.
قال ابن عباس رضي الله عنهما كل ما في القرآن من قوله تعالى : [الانفطار : 17-19]{وَمَآ أَدْرَااكَ} فقد أدراه وكل ما فيه من قوله وما يدريك فقد طوى عنه ويوم مرفوع على إنه خبر مبتدأ محذوف حركته الفتح لإضافته إلى غير متمكن كأنه قيل هو يوم لا تملك فيه نفس من النفوس لنفس من النفوس شيئاً من الأشياء أو منصوب بإضمار أذكر كأنه قيل بعد تفخيم أمر يوم الدين وتشويقه عليه السلام إلى معرفته اذكر يوم لا تملك.
.
الخ فإنه يدريك ما هو ودخل في نفس كل نفس ملكية وبشرية وجنية وفي شيء كل ما كن من قبيل جلب المنفعة أو دفع المضرة والأمر} كله {يَوْمَااِذٍ} أي يوم إذ لا تملك نفس لنفس شيئاً وحده والأمر واحد إلا وأمر فإن الأمر والحكم والقضاء من شأن الملك المطاع والخلق كلهم مقهورون تحت سطوات الربوبية وحكها ويجوز أن يكون واحد الأمور فإن أمور أهل المحشر كلها بيده تعالى
362
لا تصرف فيها غيره أخبر تعالى بضعف الناس يومئذٍ وإنه لا ينفعهم الأموال والأولاد والأعوان والشفعاء كما في الدنيا بل ينفعهم الإيمان والبر والطاعة وإنه لا يقدر أحد أن يتكلم إلا بإذن الله وأمره إذا لأمر له في الدنيا والآخرة في الحقيقة وإن كان يظهر سلطانه في الآخرة بالنسبة إلى المحجوب لأن المحجوب يرى إن الله ملكه في الدنيا وجعل له شيئاً من لأمور والأومر فإذا كان يوم لقيامة يظهر له إن لأمر والملكتعالى لا يزاحمه فيه أحد ولا يشاركه ولو صورة وفيه تهديد لأرباب الدعاوي وأصحاب المخالفة وتنبيه على عظيم بطشه تعالى وسطوته.
وفي الحديث من قرأ إذا السماء انفطرت أعطاه الله من الأجر بعدد كل قبر حسنة وبعدد كل قطرة ماء حسنة وأصلح الله شأنه يوم القيامة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 355
تفسير سورة المطففين
ست وثلاثون آية مختلف في كونها مكية أو مدنية
جزء : 10 رقم الصفحة : 362
{وَيْلٌ} شدة الشر أو الهلاك أو العذاب الأليم ، وقال ابن كيسان : هو كلمة كل مكروب واقع في البلية فقولك ويل لك عبارة عن استحقاق المخاطب لنزول البلاء والمحنة عليه ، الموجب له أن يقول وأويلاه ونحوه وقيل : أصله وى لفلان أي الحزن فقرن بلام الإضافة تخفيفاً وبالفارسية وأي.
وهو مبتدأ وإن كان نكرة لوقوعه في موقع الدعاء على ما سبق بيانه في المرسلات {لِّلْمُطَفِّفِينَ} الباخسين حقوق الناس في المكيال والميزان وبالفارسية مركاهند كانرا دركيل ووزن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 363(10/281)
فإن التطفيف البخس في الكيل والوزن والنقص والخيانة فيهما بأن لا يعطي المشتري حقه تاماً كاملاً وذلك لأن ما يبخس شيء طفيف حقير على وجه الخفية مني جهة دباءة الكيال والوزان وخساستهما إذ الكثير يظهر فيمنع منه ولذا سمى مطففاً.
قال الراغب : يقال طفف الكيل قلل نصيب المكيل له في إيفائه واستيفائه وقال سعدي المفتي والظاهر إن بناء التفعيل للتكثير لأن البخس لما كان من عادتهم كانوا يكثرون التطفيف ويجوز أن يكن للتعدية انتهى.
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قدم المدينة وكان أهلها من أبخس الناس كيلاً فنزلت فخرج فقرأها عليهم وقال خمس بخمس ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشافيهم الموت ولا طففوا الكيل إلا منعوا النيات وأخذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر فعملوا بموجبها وأحسنوا الكيل فهم أو في الناس كيلاً إلى اليوم وعن علي رضي الله عنه ، إنه مر برجل يزن الزعفران وقد أرجح فقال أقم الوزن بالقسط ثم أرجح بعد ذلك ما شئت كأنه أمره أولاً بالتسوية ليعتادها ويفصل الواجب من النفل.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنكم معشر الأعاجم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان وخص الأعاجم لأنهم كانوا يجمعون الكيل والوزن جميعاً وكانا مفرقين
363
في الحرمين كان أهل مكة يزنون وأهل المدينة يكيلون وعن عكرمة أشهد أن كل كيال ووزان في النار فقيل لو أن ابنك كيال أو وزان.
فقال : أشهد أن في النار وعن الفضيل بخس لميزان سواد الوجه يوم القيامة وعن ملك بن دينار أنه دخل على جار له احتضر فقال يا مالك جبلان من نار بين يدي أكلف الصعود عليهما فسألت أهله فقالوا كان له مكيالان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فدعوت بهما فضربت أحدهما بالآخر حتى كسرتهما ثم سألت الرجل فقال : ما يزداد الأمر على إلا عظماً ودر فصول سبعين آورده هركه دركيل ووزن خيانت كند فردا اورا بقعر دوزخ در آورده ميان دوكوه ازآتش بنشانند وكويند كلهما وزنهما آبرا ميسنجد وميسوزد.
توكم دهى وبيش ستاني بكيل ووزن
روزى بودكه ازكم وبيشت خبر كنند
{الَّذِينَ} الخ صفة كاشفة للمطففين شارحة لكيفية تطفيفهم الذي استحقوا به الذم والدعاء بالويل {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} أي من الناس مكيلهم بحكم الشراء ونحوه والاكتيال الأخذ بالكيل كالاتزان الأخذ بالميزان {يَسْتَوْفُونَ} الاستيفاء عبار عن الأخذ الوافي أي يأخذونه وافياً وافراً وتبديل كلمة من بعلى لتضمين الاكتيال معنى الاستيلاء أو للإشارة إلى أنه اكتيال مضربهم لكن لا على اعتبار الضرر في حيز الشرط الذي تتضمنه كلمة إذا لا خلاله بالمعنى بل في نفس الأمر بموجب الجوار فإن المراد بالاستيفاء ليس أخذ الحق وافياً من غير نقظص بل مجرد الأخذ الوافي الوافر حسبما أرادوا بأي وجه يتيسر من وجوه الحيل وكانوا يفعلونه بكبس الكيل وتحريك المكيال والاحتيال في ملئه فيسرقون من أفواه المكاييل وألسنة الموازين {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ} الكيل بيمودن به يمانه تا مقدار مكيل معلوم كردد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
والوزن والزنة سنجيدن تا مقدار موزون معلوم شود.
أي وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم المبيع ونحوه بالفارسية ، وون مى يمايند براي ناس ويامى سنجند حقوق ايشانرا.
فحذف الجار وأوصل الفعل كما قال في تاج المصادر وزنت فلا نادرهما ووزنت لفلان بمعنى والأصل اللام ثم حذفت فوصل الفعل ومنه الآية انتهى.
فلفظ هم منصوب المحل على المفعولية لا مرفوعة على التأكيد للواو لأن واو الجمع إذا اتصل به ضمير المفعول لا يكتب بعده الألف كما في نصروك ومنه الآية إذ لم يكتب الألف في المصحف وإذا وقع في الطرف بأن يكون الضمير مرفوعاً واقعاً للتأكيد فحينئذٍ يكتب بعده الألف لأن المؤكد ليس كالجزء مما قبله بخلاف المفعول وإما نحو شاربوا الماء فالأكثر على حذف الألف لقلة الاتصال واو الجمع بالاسم هذا فإن قلت خط المصحف خارج عن القياس قلت الأصل في أمثاله إثباته في المصحف فلا يعدل عنه {يُخْسِرُونَ} أي ينقصون حقوقهم مع إن وضع الكيل والوزن إنما هو للتسوية والتعديل يقال خسر الميزان وأخسره يعني كم كردومى كاست.
ولعل ذكر الكيل والوزن في صورة الإخسار والاقتصار على الاكتيال في صورة الاستيفاء بأن لم يقل إذا كتالوا على الناس أو تزنوا لما أنهم لم يكونوا متمكنين
364
(10/282)
من الاحتيال عند الإتزان تمكينهم منه عند الكيل والوزن.
كما قال في الكشاف كأن المطففين كانو لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الوازين لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة لأنهم يزعزعون ويحتالون في الملىء وإذا أعطوا كالوا أو وزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين جميعاً انتهى ويؤيده الاقتصار على التطفيف في الكيل في الحديث المذكور سابقاً وعدم التعرض للمكيل والموزون في الصورتين لأن مساق الكلام لبيان سوء معاملتهم في الأخذ والإعطاء لا في خصوصية المأخوذ والمعطي قال أبو عثمان رحمه الله ، حقيقة هذه الآية عندي هو من يحسن العبادة على رؤية الناس ويسيء إذا خلا.
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى المقصرين في الطاعة والعبادة الطالبين كمال الرأفة والرحمة الذين يستوفون من الله مكيال أرزاقهم بالتمام ويكيلونه مكيال الطاعة والعبادة بالنقص والخسران ذلك هو الخسران المبين.
وقال القاشاني : يشير إلى التطفيف في الميزان الحقيقي الذي هو العدل والموزونات به هي الأخلاق والأعمال والمطففون هم الذين إذا اعتبروا كمالات أنفسهم متفضلين على الناس يستوفون أي يكثرونها ويزيدون على حقوقهم في إظهار الفضائل العلمية والعملية أكثر مما لهم عجباً وتكبراً وإذا اعتبروا كمالاً الناس بالنسبة إلى كمالاتهم اخسروا واستحقروها ولم يراعوا العدالة في الحالين لرعونة انقسم ومحبة التفضل على الناس كقوله يحبون إن يحمدوا بما لم يفعلوا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
يقول الفقير : فيه إشارة إلى حال النفس القاصرة في التوحيد الحققي فإنها إذا أعطته الروح تخسره لنقصانها وقصورها فيه على إنه لا يدخل في الميزان إذ لا مقابل له فمن أدخله في الميزان فقد نقص شأنه وشأن نفسه أيضا وإما التوحيد الرسمي فهي تستوفيه من الروح لأنه حقها ولا نصيب سواء {أَلا يَظُنُّ} آيانمى ندارند {أولئك} المطففون الموصوفون بذلك الوصف الشنيع الهئال فقوله ألا ليست هي التي للتنبيه لأن ما بعد حرف التنبيه مثبت وهنا منفي لأن ألا التنبيهة إذا حذفت لا يختل المعنى نحو ألا إنهم لفي سكرتهم يعموهم وإذا حذفت ألا هذه اختل المعنى بل الهمزة الاستفهامية الإنكارية داخلة على لا النافية وجوز أن تكون للعرض والتحضيض على الظن {أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} لا يقادر قدر عظمه وعظم ما فيه من الأهوال ومحاسبون فيه على مقدار الذرة والخردلة فإن من يظن ذلك وإن كان ظناً ضعيفاً في حد الشك والوهم لا يتجاسر على أمثال هاتيك القبائح فكيف بمن يتيقنه فذكر الظن للمبالغة في المنع عن التطفيف وإلا فالمؤمن لا يكفي له الظن في أمر البعث والمحاسبة بل لا بد من الاعتقاد الجازم {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ} منصوب بإضمار أعنى {لِرَبِّ الْعَـالَمِينَ} بتقدير المضاف أي لمجرد أمره وحكمه بذلك لا لشيء آخر أو لمحاسبة رب العالمين فيظهر هناك تطفيفهم ومجازاتهم أو يقومون من قبورهم لرد رب العالمين أرواحهم إلى أجسادهم روى إنهم يقومون بين يدي الله تعالى أربعين عاماً وفي رواية ثلاثة سنة من سني الدنيا وعرق أحدهم إلى أنصاف أذنيه لا يأتيهم خبر ولا يؤمر فيهم بأمر.
وآن مقام هيبت باشدكه كس رازهره سخن نباشد
ثم يخاطبون يفني از مقام هيت بمقام محاسبه آرند
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
وأما في حق المؤمن فيكون المكت كقدر إنصرافهم من صلاة مكتوبة وفي تخصيص رب العالمين
365
(10/283)
من بين سائر الصفات إشعار بالمالكية والتربية فلا يمتنع عليه الظالم القوي لكونه مملوكاً مسخراً في قبضة قدرته ولا يترك حتى المظلوم الضعيف لأن مقتضى التربية إن لا يضيع لأحد شيئاً من الحقوق وفي هذه التشديدات إشارة إلى أن التطفيف وإن كان يتعلق بشيء حقير لكنه ذنب كبير قبل كل من نقص حق الله من زكاة وصلاة وصوم فهو داخل تحتى هذا الوعيد وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، إنه قرأ هذه السورة فلما بلغ إلى قوله يوم يقوم الناس لرب العالمين ، بكى يحييا أي يرفع الصوت وامتنع من قراءة ما بعد من غلبة البكاء وملاحظة الحساب والجزاء وقال أعرابي لعبد لملك بن مروان إنك قد سمعت ما قال تعالى في المطففين وأراد بذلك إن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم في ذ القليل فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ووزن {كَلا} ردع عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن البعث والحاب فيحسن الوقف عليه وإن كان بمعنى حقالاً فلا لكونه حينئذٍ متصلاً بما بعده {إِنَّ كِتَـابَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ} تعليل للردع والكتاب مصدر بمعنى المكتوب كاللباس بمعنى الملبوس أو على حاله بمعنى الكتابة واللام للتأكيد وسجين علم الكتاب جامع هو ديوان الشر دون أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الثقلين منقول من وصف كحاتم وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف وأصله فعيل من السجن مبالغة الساجن أو لأنه مطروح كما قيل تحت الأرض السابعة في مكان مظلم وحش وهو مسكن إبليس وذريته إذلالالهم وتحقيراً لشأنهم وتشهده الشياطين المدحورون كما إن كتاب الأبرار يشهده المقربون فالسجين مبالغة المسجون والمعنى إن كتاب الفجار الذين من جملتهم المطففون أي ما يكتب من أعمالهم أو كتابة أعمالهم لفي ذلك الكتاب المدون فيه قبائح أعمال المذكورين.
وفي التأويلات النجمية : أي كتاب استعدادهم الفطري مكتوب في ديوان سجين طبيعتهم المجبولة على الفسق والفجور بقلم اليد اليسرى على ورق صفحة جبينهم كما قال عليه السلام : "السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقى في بطن أمه" {وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا سِجِّينٌ} تهويل لأمره أي هو بحيث لا يبلغه دراية أحد {كِتَـابٌ مَّرْقُومٌ} قال الراغب : الرقم الخط الغليظ وقيل : هو تعجم الكتاب وقوله كتاب مرقوم حمل على الوجهين انتهى.
أي هو مسطور بين الكتابة بحيث كل من نظر إليه يطلع على ما فيه بلا دفة نظر وإمعان توجه أو معلم يعلم من رآه إنه لا خير فيه لأهايه أي ذلك الكتاب مشتمل على علامة دالة على شقاوة صاحبه وكونه من أصحاب النار وكونه علامة الشر يستفاد من المقام لأنه مقام التهويل وقال القفال قوله كتاب مرقوم ليس تفسيراً لسجين بل هو خبر لأن والمعنى إن كتاب الفجار لفي سجين وإنه كتاب مرقوم وقوله وما أدراك ما سجين وقع معترضاً بين الخبرين.
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
وقال القاشاني : إن كتاب الفجار أي ما كتب من أعمال المرتكبين للرذائل الذين فجروا بخروجهم عن حد العدالة المتفق عليها الشرع والعقل لفي سجين في مرتبة من الوجود مسجون أهلها في حبوس ضيقة مظلمة يزحفون على بطوهم كالسلاحف والحيات والعقارب آلاء أخساء في أسفل مراتب الطبيعة ودركاتها وهو ديوان أعمال أهل
366
(10/284)
الشر ولذلك فسر بقوله كتاب مرقوم أي ذلك المحل المكتوب فيه أعمالهم كتاب مرقوم برقوم هيئات رذائلهم وشرورهم {وَيْلٌ} عظيم {يَوْمَـاـاِذٍ} أي يوم يقوم الناس لرب العالمين فهو متصل به وما بينهما اعتراض وقال بعضهم : أي يوم إذ أعطى ذلك الكتاب {لِّلْمُكَذِّبِينَ} وقال الكاشفي : ويل كلمه ايست جامع همه بديها يعني عذاب وعقاب وشدت ومحنت دران روزمر مكذبان راست {الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} صفة ذامة للمكذبين كقولك فعل ذلك فلان الفاسق الخبيث لأن تكذيبهم بيوم الدين علم من قوله ألا يظن أولئك.
.
الخ.
قال بعض أهل الإشارة المكذبون بالحق وآياته هم أرباب النفوس الذين أقبلوا على الدنيا وأعرضوا عن الحق ودينه الذي هو دين الإسلام وكل يجازي بحسب دينه فمن لا دين له فجزاؤه سوء الجزاء والويل العظيم ومن له دين فجزاؤه حسن الجاء ورؤية الوجه الكريم فعليك بالتصديق {وَمَا يُكَذِّبُ بِه إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ} متجاوز عن حدود النظر والاعتبار قال في التقليد حتى استقصر قدرة الله على الإعادة مع مشاهدته للبدء كالوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث ونحوهما {أَثِيمٍ} كثير الإثم أي منهمك في الشهوات الناقصة الفانية بحيث شغلته عما وراءها من اللذات التامة الباقية وحملته على إنكارها فالاعتداء دل على إهمال القوة النظرية التي كما لها إن يعرف الإنسان وحدة الصانع واتصافه بصفات الكمال مثل العلم والإرادة والقدرة ونحوها والإثم دل عل إهمال القوة العملية التيك مالها أن يعرف الإنسان الخير لأجل العمل به {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَـاتُنَا} الناطقة بذلك {قُلْ} من فرط جهله وإعراضه عن الحق الذي لا محيد عنه {أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ} أي هي حكايات الأولين وأخبارهم الباطلة قال في "فتح الرحمن" هي الحكايات التي سطرت قديماً وهي جمع أسطورة بالضم وإسطارة بالكسر وهي الحديث الذي لا نظام له
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
{كَلا} ردع للمعتدى عن ذلك القول الباطل وتكذيب له فيه ويجوز أن يكون ردعاً عن مجموع التكذيب والقول {بَلْا رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} قرأ حفص عن عاصم بل بإظهار اللام مع سكتة عليها خفيفة بدون القطع ويبتدىء ران وقرأ الباقون بإدغام اللام في الراء ومنهم حمزة والكسائي وخلف وأبو بكر عن عاصم يميلون فتحة الراء.
قال بعض المفسرين هرب حفص من اجتماع ثقلتي الراء المفخمة والإدغام انتهى.
ويرد عليه قل رب فإنه لا سكتة فيه بل هو بإدغام أحد المتقاربين في الآخر فالوجه إنه إنما سكت حفص على لام بل ران وكذا على نون من راق خوف اشتباهه بتثنية البر ومبالغة ما رق حيث يصير بران ومراق وما موصوله والعائد محذوف ومحلها الرفع على الفاعلية والمعنى ليس في آياتنا ما يصح إن يقال في شأنها مثل هذه المقالات الباطلة بل ركب قلوبهم وغلب عليها ما كانوا يكسبونه من الكفر والمعاصي حتى صارت كالصدأ في المرءآة فحال ذلك بينهم وبين معرفة الحق كما قال عليه السلام إن العبد كلما أذنب ذنباً حصل في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه ولذلك قالوا ما قالوا والرين صدأ يعلو الشيء الجلي والطبع والدنس وران ذنبه على قلبه رينا وريونا غلب وكل ما غلبك رانك وبك وعليك كما في "القاموس" وران فيه النوم رسخ فيه وفي "التعريفات" الران هو الحجاب الحاثل بين
367
القلب وعالم القدس باستيلاء الهيئات النفسانية ورسوخ الظلمانية الجسمانية فيه بحيث يتحجب عن أنوار الربوبية بالكلية والغين بالمعجمة دون الرين وهو الصدأ فإن الصدأ حجاب رقيق يزول بالتصفية ونور التجلي لبقاء الإيمان معه والرين هو الحجاب الكشيف الحائل بين القلب والإيمان ولهذا قالوا الغين هو الاحتجاب عن الشهود مع صحة الاعتقاد والطبع يطبع على القلب والإقفال أن يقفل عليه قيل الإقفال أشد من الطبع كما أن الطبع أشد من الرين.
(10/285)
قال القاشاني : في الآية أي صار صدأ عليها بالرسوخ فيه وكدر جوهرها وغيرها عن طباعها والرين حد من ترام الذنب ورسوخه تحقق عنده الحجاب والغلق باب المغفرة نعوذ بالله منه قال أبو سليمان الداراني قدس سره الران والققسوة هما زماماً الغفلة فمن تيقظ وتذكراً من من القسوة واليرن ودواؤهما ادمان الصيام فإن وجد بعد ذلك قسوة فليترك الإدام وقال بعض الكبار القلب مراءة مصقولة كلها وجه فلا تصدأ أبداً وإن أطلق عليها الصدأ في نحو حديث إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وإن جلاءها ذكر الله وتلاوة القرآن فليس المراد بذلك الصدأ إنه طخاء طلع على وجه القلب ولكنه لما تعلق واشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالمسبب كان تعلقه بغير الله صدأ على وجه القلب مانعاً من تجلى الحق إليه إذ لحضرة الآلهية متجلية على الدوام لا يتصور في حقها حجاب عنا فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود وقبل غيرها عبر عن قبول الغير بالصدأ ولكن والقفل وغير ذلك وقد نبه الله على ذلك في قوله وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه فهي في أكنة مما يدعوها الرسول إليه خاصة لا إنها في كن مطبقاً فلما تعلقت بغير ما تدى إليه عميت عن إدراك ما دعيت إليه فلم تبصر شيئاً فالقلوب أبداً لم تزل مفطورة على الجلاء مقصولة صافية (قال المولى الجامي) :
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
مسكين فقيه ميكند انكار حسن دوست
با او بكوكه ديده جانرا جلى كند
{كَلا} ردع وزجر عن الكسب الرائن أي الموقع في الرين {إِنَّهُمْ} أي المكذبين {عَن رَّبِّهِمْ} وهو وقوله {يَوْمَـاـاِذٍ} أي يوم إذ يقوم الناس لرب العالمين متعلقان بقوله {لَّمَحْجُوبُونَ} فلا يرونه لأنهم بأكسابهم القبيحة صارت مراءة قلوبهم ذات صدأ وسرت ظلمة الصدأ منها إلى قوالبهم فلم يبق محل النور التجلي بخلاف المؤمنين فإنهم يرونه تعالى لأنهم بأكسابهم الحسنة صارت مرائي قلوبهم مصقولة صافية وسرى نور الصقالة والصفوة منها إلى قوالبهم فصاروا مستعدين لانعكاس نور التجلي في قلوبهم وقوالبهم وصاروا وجوهاً من جميع الجهات كوجود الوجه الباقي بل أبصاراً بالكلية سئل مالك بن أنس رحمه الله عن هذه الآية فقال لما حجب أعداؤه فلم يروه لأبدان يتجلى لأوليائه حتى يروه يعني احتج الامام مالك بهذه الآية على مسألة الرؤية من جهة دليل الخطاب وإلا فلو حجب الكل لم يبق للتخصيص فائدة وكذلك.
آنكاه دمريان دوست ودشمن فرق نماند كوبى ببهشت ميهمانيست.
بي ديدن ميزبان ه باشد
ون دشمن ودوست راه باشد
368
س فرق دران مياه ه باشد.
وعن الشافعي رحمه الله لما حجب قوماً بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضى.
وقال الشيخ الإسلام عبد الله الأنصاري رحمه الله لمحجوبون عن رؤية الرضى فإن الشقي يراه غضبان حين يتجلى في المحشر قبل دخول الناس الجنة وقال حسين بن الفضل رحمه الله كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته فالموحد غير محجوب عن ربه وقال سهل رحمه الله حجبهم عن ربهم قسوة قلوبهم في العاجل وما سبق لهم من الشقاوة في الأزل فلم يصلحوا لبساط القرب والمشاهدة فابعدوا وحجبوا والحجاب هو الغاية في البعد والطرد وقال ابن عطاء رحمه الله الحجاب حجابان حجاب بعد وحجاب إبعاد فحجاب البعد لا تقريب فيه أبداً وحجاب الإبعاد يؤدي ثم يقرب كآدم عليه السلام ، وقال القاشاني : إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون لامتناع قبول قلوبهم للنور وامتناع عودها إلى الصفاء الأول الفطري كالماء الكبريتي مثلاً إذ لو روق أو صعد لما رجع إلى الطبيعة المائية المبردة لاستحالة جوهره بخلاف الماء المسخن استحالت كيفيته دون طبيعته ولهذا استحقوا الخلود في العذاب وفي "المفردات الحجب" المنع عن الوصول والآية إشارة إلى منع السور عنهم بالإشارة إلى قوله فضرب بيهم بسور أي بحجاب يمنع من وصول لذة الجنة إلى أهل النار وأذية أهل النار إلى أهل الجنة وقال صاحب الكشاف : كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستحقاق بهم وإهانتهم لأنه لا يؤذن على الملوك إلا للوجهاء المكرمين لديهم ولا يحجب عنهم إلا إلا دنياء المهانون عندهم قال.
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
إذا اعتروا باب ذي مهابة رجبوا.
(10/286)
والناس ما بين مرجوب ومحجوب انتهى.
أي ما بين معظم ومهان وإنما جعله تمثيلاً لا كناية إذ لا يمكن إرادة المعنى الحقيقي على زعمه من حيث إنه معتزلي قال بعض المفسرين : جعل الآية تمثيلاً عدول عن الظاهر وهو مكشوف فإن ظاهر قولهم هو محجوب عن الأمير يفيد أنه ممنوع عن رؤيته وهو أكبر سب الإهانة وما نقل عن ابن عباس رضي الله عنه ، لمحجوبون عن رحمته وعن ابن كيسان عن كرامته فالمراد به بيان حاصل المعنى فإن المحجوب عن الرؤية ممنوع عن معظم الرحمة والكرامة فالآية من جملة أدلة الرؤية فالحمد تعالى على بذل نواله وعطائه وعلى شهود جماله ولقائه {ثُمَّ إِنَّهُمْ} مع كونهم محجوبين عن رؤية الله {لَصَالُوا الْجَحِيمِ} أي داخلوا النار ومباشروا حرها من غير حائل أصله صالون حذفت نونه بالإضافة وثم لتراخي الرتبة فإن صلى الجحيم أشد من الحجاب والإهانة والحرمان من الرحمة والكرامة فإن الحجاب وإن كان من قبيل العذاب الروحاني وهو أشد من العذاب الجسماني لكن مجرد النجاة من النار أهون من العذاب لأن في العذاب الحسي حصول العذابين كما لا يخفى {ثُمَّ يُقَالُ} لهم توبيخاً وتقريعاً من جهة الزبانية وإنما طوى ذكرهم لأن المقصود ذكر القول لا القائل مع أن فيه تعميماً لاحتال القائل وبه يشتد الخوف {هَـاذَا} العذاب وهو مبتدأ خبره قوله {الَّذِى كُنتُم} في الدنيا {بِهِ} متعلق بقوله {تُكَذِّبُونَ} فذوقوه وتقديمه لرعاية الفاصلة لا للحصر فإنهم كانوا يكذبون أحكاماً كثيرة {كَلا} ردع عما كانوا عليه بعد
369
ردع وزجر بعد زجر {إِنَّ كِتَـابَ الابْرَارِ} أي الأعمال المكتوبة لهم على أن الكتاب مصدر مضاف إلى مقدر {لَفِى عِلِّيِّينَ} لفي ديوان جامع لجميع أعمال الأبرار فعليون علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين منقول من جمع على فعيل من العلو للمبالغة فيه سمى بذلك إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة وإما لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون تكريماً له وتعظيماً وروى إن الملائكة لتصعد بعمل العبد فيستقلونه فإذا انتهوا إلى ما شاء الله من سلطانه أوحى إليهم إنكم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على ما في قلبه وإنه أخلص عمله فاجعلوه في عليين فقد غفرت له وإنها تصعد بعمل العبد فيزكونه فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله أوحى إليهم أنتم الحفظة على عبدي وأنا الرقيب على قلبه وإنه لم يخلص في عمله فاجعلوه في سجين وفيه إشارة إلى أن الحفظة لا يطلعون على الإخلاص والرياء إلا باطلاع الله تعالى
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
{وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا عِلِّيُّونَ} أي هو خارج عن دائرة دراية الخلق {كِتَـابٌ مَّرْقُومٌ} أي هو مسطور بين الكتابة يقرأ بلا تكلف أو معلم بعلامة تدل على سعادة صاحبه وفوزه بنعيم دائم وملك لا بلى ولما كان عليون علماً منقولاً من الجمع حكم عليه بالمفرد وه كتاب مرقوم واعرب بإعراب الجمع حيث جرأ ولا بفي ورفع بالخبرية لما الاستفهامية لكونه في صورة الجمع وقيل اسم مفرد على لفظ الجمع كعشرين وأمثاله فليس له وحد {يَشْهَدُهُ} الملائكة {الْمُقَرَّبُونَ} عند الله قربة الكرامة أي يحضرونه ويحفظونه من الضياع وفي "فتح الرحمن" هم سبعة أملاك من مقربي السماء من كل سماء ملك مقرب فيحضره ويشيعه حتى يصعد به إلى ما يشاء الله ويكون هذا في كل يوم أو يشهدون بما فيه يوم القيامة على رؤوس الإشهاد وبه تبين سر ترك الظاهر بأن يقال طوبى يومئذٍ للمصدقين بمقابلة يل يومئذٍ للمكذبين لأن الأخبار بحضور الملائكة تعظيماً وإجلالاً يفيد ذلك مع زيادة فختم كل واحد بما يصلح سواء مكانه.
وقال القاشاني : ما كتب من صور أعمال السعداء وهيئات نفوسهم النورانية وملكاتهم الفاضلة في عليين وهو مقابل لسجين في علوه وارتفاع درجته وكنه ديون أعمال أهل الخير كما قال كتاب مرقوم أي محل شريف رقم بصور أعمالهم من جرم سماوي أو عنصر إنساني يحضر ذلك المحل أهل الله الخاصة من أهل التوحيد الذاتي {إِنَّ الابْرَارَ} أي السعداء الاتقياء عن درن صفات النفوس {لَفِى نَعِيمٍ} ثم وصف كيفية ذلك النعيم بأمور ثلاثة أولها قوله {عَلَى الارَآاـاِكِ} أي على الأسرة في الحجال يعني برتختهاى آراسته.
ولا يكاد تطلق الأريكة على السرير عندهم إلا عند كونه في الحجلة وهو بالتحريك بيت العروس يزين بالثياب والأسرة والستور {يَنظُرُونَ} أي ما شاؤوا أمد أعينهم إليه من رغائب مناظر الجنة وإلى ما أولاهم الله من النعمة والكرامة يعني مى نكرند بيز هاكه ازان شادمان وفرحناك ميكردند از صور حسنه ومنتزهات بهيه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
وكذا إلى أعدائهم يعذبون في النار وما تحجب الحجال أبصارهم عن الإدراك للطافتها وشفوفها أي رقتها فحذف المفعول للتعميم وقوله
370
(10/287)
على الأرائك ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر وأن يكون حالاً من المنوي في الخبر أوفى الفاعل في ينظرون والتقديم لرعاية فواصل الآي وإما ينظرون فيجوز أن يكون مستأنفاً وأن يكون حالاً إما من المنوى في البخر أوفى الظرف أي ناظرين.
قال ابن عطاء رحمه الله : على أرائك المعرفة ينظرون إلى المعروف وعلى أرائك القرية ينظرون إلى الرؤوف وفيه إشارة إلى أن أرباب المقامات العالية ينظرون إلى جميع مراتب الوجود لا يحجبهم شيء عن المطالعة بخلاف الأغيار فإنهم محجوبون عن مطالعة أحوال أهل الملكوت ورمز إلى أن لكل من أهل الدرجات روضة مخصوصة من الأسماء والصفات فمنها ينظرون فمنهم عال وأعلى وليس الأشراف على الكل إلا لأشرف الأشراف وهو قطب الأقطاف {تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} وهو ثاني الأوصاف أي بهجة التنعم وماءه ورونقه أي إذا رأيتهم عرفت إنهم ل النعمة بسبب ما يرى في وجوههم من القرائن الدالة على ذلك كالضحك والاستبشار كما يرى في وجوه الأغنياء وأهل الترفه فمن هذا اختير تعرف على ترى مع أن المعرفة تتعلق بالخفيات غالباً والرؤية بالجليات غالباً والخطاب لكل أحد ممن له حظ من لخطاب للإيذان بأن مالهم من آثار النعمة وأحكام البهجة بحيث لا يختص برؤية رآىء.
قال جعفر رضي الله عنه يعني لذة النظر تتلألأ مثل الشمس في وجوههم إذا رجعوا مالاً زيارة الله إلى أوطانهم.
وقال بعضهم : تعرف في وجوههم رضي محببهم عنهم {يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ} وهو ثالث الأوصاف وسقى يتعدى إلى مفعولين والأول هنا الواو القائ مقام الفاعل والثاني من رحيق لأن من تبعيضية كأنه قيل بعض رحيق أو مقدر معلوم أي شراباً كائناً من رحيق مبتدأ منه فمن ابتدائية والرحيق صافي الخمر وخالها والمعنى يسقون في الجنة من شراب خالص لا غش فيه ولا ما يكرهه الطبع ولا شيء يفسده وأيضاً صاف عن كصورة الخمار وتغيير النكهة وإيراث الصداع {مَّخْتُومٍ * خِتَـامُهُ} أي ما يختم ويطبع به {مِسْكٌ} وهو طيب معروف أي مختوم أوانيه وأكوابه بالمسك مكان الطين قال في "كشف أسرار" ما ختم به مسك رطب ينطبع فيه الخاتم أمر الله بالختم عليه إكراماً لأصحابه فختم ومنع أن يمسه ماس أو تتناوله يداً لي أن يفك ختمه الأبرار والأظهر إنه تمثيل لكمال نفاسته إذا الشيء النفيس يختم لا سيما إذا كان ما يختم به المسك مكان الطين وقيل ختام الشيء خاتمته وآره فمعنى ختامه مسك إن الشارب إذا رفع فاء من آخر شربه وجد رائحة كرائحة المسك أو وجد رائحة المسك لكونه ممزوجاً به كالأشربة الممسكة في الدنيا فإنه يوجد فيها رائحة المسك عند خاتمة الشرب لا في أول زمان الملابسة بالشرب وعن أبي الدرداء رضي الله عنه ، إن الرحيق شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شربهم ولو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل فيه يده ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد طيب ريحه {وَفِى ذَالِكَ} الرحيق خاصة دون غيره من النعيم المكدر السريع الفناء أو فيما ذكر من أحوالهم لا في أحوال غيرهم من أهل الشمال {فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَـافِسُونَ} فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله يعني عمل بجاي
371
آرندكه سب استحقاق شرب آن كردند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
(10/288)
والأمر للتحضيض والترغيب ظاهراً وللوجوب باطناً بوجوب الإيمان والطاعة وأصل التنافس التغالب في الشيء النفيس أي المرغوب كأن كل واحد من الشخصين يريد أن يستأثر به وأصله من النفس لعزتها وقال البغوي : أصله من الشيء النفيس الذي يحرص عليه نفوس الناس ويريده كل أحد لنفه وينفس به على غيره أي يبخل وفي "المفردات" المنافسة مجاهدة النفس للتشبه بالأفاضل واللحوق بهم من غير إدخال ضرر على غيره قال ذو النون المصري رحمه الله ، علامة التنافس تعلق القلب به وطيران الضمير إليه والحركة عند ذكره والتباعد من الناس والأنس بالوحدة والبكاء على ما سلف وحلاوة سماع الذكر والتدبر في كلام الرحمن وتلقي النعم بالفرح والشكر والتعرض للمناجاة {وَمِزَاجُه مِن تَسْنِيمٍ} عطف على ختامه صفة أخرى لرحيق مثله وما ينهما اعتراض مقرر لنفاسته أي ما يمزج به ذلك الرحيق من ماء تسنيم وهو علم العين بعينها تجري من جنة عدن سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه أما لأنها أرفع شراب في الجنة قدراً فيكون من علو المكانة وأما لأنها تأتيهم من فوق فيكون من علو المكان روى إنها تجري في الهواء متسنمة فتنصب في أوانيهم فإذا امتلأت أمسك الماء حتى لا يقع منه قطرة على الأرض فلا يحتاجون إلى الاستقاء {عَيْنًا} نصب على المدح والاختصاص أي بتقدير أعني {يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} من جناب الله قربا معنوياً روحانياً أي يشربون ماءها صرفاً وتمزج لسائر أهل الجنة وهم أصحابا ليمين فالباءم زيدة أو بمعنى من وفيه إشارة إلى أن التسنيم في الجنة الروحانية هو معرفة الله ومحبته ولذة النظر إلى وجهه الكريم والرحيق هو الابتهاج تارة بالنظر إلى الله وأخرى بالنظر إلى مخلوقاته فالمقربون أفضل من الأبرار بمحبت غيرنيا ميخته اندشراب ايشان صرفست وآنهاكه محبت ايشان آميخته باشد شراب ايشان ممزوج باشد.
ما شراب عيش ميخواهيم بي دردىء غم
صاف نوشان ديكر ودردى فروشان ديكرند
وقال بعضهم :
تسبيح رهى وصف جمال توبست
وزهر دوجهان ورا وصال توبست
اندردل هركسى ذكر مقصوديست
مقصود دل رهى خيال توبست
ودر بحر الحقائق آورده كه رحيق اشارتست بشراب خالص ازكدورات خمار كونين وأواني مختومه ري قلوب أوليا وأصفياكه ختام أو مسك مبحت است لا يشرب من تلك الأوني إلا الطالبون الصادقون في طريق السلوك إلى الله (على نفسه فليبك من ضاع عمره.
وليس له منها نصيب ولا سهم) وتسنيم أعلاي مراتب محبت ذاتيه كه غير ممزوج باشد بصفات وأفعال ومقربان أهل فنا في الله وبقا بالله إنه كما قال العارف في خمر المحبة الصرفة الخالصة من المزج.
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
عليك بها صرفا فإن شئت مزجها
فعدلت عن ظلم الحبيب هو الظلم
372
العدل بمعنى العدول والظلم بالفتح هو ماء الأسنان وبريقها وبالضم هو الجور أي فإن شئت مزجها فامزجها بزلال فم الحبيب وبريقه إن لم تقدر على شربها صرفاً ولا تعدل فإن العدول عن ظلم الحبيب ورشحة زلاله هو الظلم.
وتاكسي بر بساط قرب در مجلس أنس ورياض قدس ازدست ساقى رضا جرعه ازين شراب ناب نشد بويى ازسراين سخنان بمشام جان وى نرسد.
سر مايه ذوق دوجهان مستى عشقست
آنهاكه ازبن مي نشيد نده دانند
{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} كانوا ذوي جرم وذنب ولا ذنب أكبر من الكفر وأذى المؤمنين لإيمانهم فالمراد بهم رؤساء قريش وأكابر المجرمين المشركين كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأمثالهم {كَانُوا} في الدنيا {مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا} إيماناً صادقاً {يَضْحَكُونَ} أي يستهزئون بفقرائهم كعمار وصهيب وبلال وخباب وغيرهم وتقديم الجار والمجرور لمراعاة الفواصل {وَإِذَا مَرُّوا} أي فقراء المؤمنين {بِهِمْ} أي بالمشركين وهم في أنديتهم وهو الأظهر وإن جاز العكس أيضاً يقال مرمرا ومروراً جاز وذهب كاستمر ومره وبه جاز عليه كما في "القاموس" قال في تاج المصادر المر بكذشتن بكسى.
(10/289)
ويعدى بالباء وعلى {يَتَغَامَزُونَ} أي يغمز بعضهم بعضاً ويشيرون بأعينهم ويعيبونهم ويقولون انظروا إلى هؤلاء يتعبون أنفسهم ويتركون اللذات ويتحملون المشقات لما يرجونه في الآخرة من المثوبات وأمر البعث والجزاء لا يقين به وإنه بعيدك ل البعد والتغامز تفاعل من الغمز وهو الإشارة بالجفن والحاجب ويكون بمعنى العيب أيضاً وفي التاج التغامز يكديكررا بشم اشارت كردن {وَإِذَا انقَلَبُوا} من مجالسهم {إِلَى أَهْلِهِمُ} إلى أهل بيتهم وأصحابهم الجهلة الضالة النابعة لهم والانقلاب الانصراف والتحول والرجوع {انقَلَبُوا} حال كونهم {فَكِهِينَ} متلذذين بذكرهم بالسوء والسخرية منهم وفيه إشارة إلى أنهم كانوا لا يفعلون ذلك بمرأى من المارين ويكتفون حينذٍ بالتغامز {وَإِذَا رَأَوْهُمْ} أي المجرمون المؤمنين أينما كانوا {قَالُوا} مشيرين إلى المؤمنين بالتحقير {إِنَّ هَاؤُلاءِ لَضَآلُّونَ} أي نسبوا المسلمين ممن رأوهم ومن غيرهم إلى الضلال بطريق التأكيد وقالوا تركوا دين آبائهم القديم ودخلوا في الدين الحادث أو قالوا تركوا التنعم الحاضر بسبب طلب ثواب لا يدري هل له وجود أولاً وهذا كما إن بعض غفلة العلماء ينسبون الفقراء السالكين إلى الضلال والجنون خصوصاً إذا كان أهل السلوك من أهل المدرسة فإنهم يضللونه أكثر من تضليل غيره.
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
منعم كنى زعشق وى اي زاهد زمان
معذور دارمت كه تواور انديده
{وَمَآ أُرْسِلُوا} أي المجرمون {عَلَيْهِمْ} أي على المسلمين {حَافِظِينَ} حال من واو قالوا أي قالوا ذلك والحال إنهم ما أرسلوا من جهة الله موكلين بهم يحفظون عليهم أمورهم ويهيمنون على أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم وإنما أمروا بإصلاح أنفسهم وأي نفع لهم في تتبع
373
أحوال غيرهم وهذا تهكم بهم وأشعار بأن ما اجترؤوا عليه من القول من وظائف من أرسل من جهته تعالى وقد جوز أن يكون ذلك من جملة قول المجرمين كأنهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا علينا حافظين إنكاراً لصدهم عن الشرك ودعائهم إلى الإسلام وإنما قيل نقلاً له بالمعنى {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُوا} أي المعهودون من الفقراء {مِنَ الْكُفَّارِ} المعهودين وهو الأظهر وإن أمكن التعميم من الجانبين {يَضْحَكُونَ} حين يرونهم إذلاء مغلولين وغشيهم فنون الهوان والصغار بعد العز والكبر ورهقهم ألوان العذاب بعد التعم لترفه قال في بعض التفاسير لعل الفاء جواب شرط مقدر كأنه قيل إذا عرفتم ما ذكر فاعلموا إن اليوم أي يوم القيامة فاللام للعهد والذين مبتدأ ومن الكفار متعلق بقوله يضحكون وحرام للوهم أن يتوهم كونه بياناً للموصول نظراً إلى ظاهر الاتصال من غير تفكر في المعنى ويضحكون خبر المبتدأ وهو ناصب اليوم لصحة المعنى {عَلَى الارَآااِكِ} برتختهاى آراسته بادرو ياقوت {يَنظُرُونَ} أي يضحكون منهم حال كونهم ناظرين إليهم وإلى ما فيهم من سوء الحال فهو حال من فاعل يضحكون {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} كلام مستأنف من قبل الله أو من قبل الملائكة والاستفهام للتقرير وثوب بمعنى يثوب عبر عنه بالماضي لتحققه والتثويب والإثابة المجازاة استعمل في المكافاة بالشر.
قال الراغب : الإثابة تستعمل في المحبوب نحو فأثابهم الله بما قالوا جنات وقد قيل ذلك في المكروه نحو فأثابكم غماً بغم على الاستعارة والتثويب في القرآن لم يجيء إلا في المكروه نحو هل ثوب الخ.
انتهى وفي تاج المصادر التثويب اداش دادن وفي تهذيب المصادر التثويب ثواب دادن وفي "القاموس" التثويب التعويض انتهى.
وهو الموافق لما في التاج والمراد بما كانوا يفعلون استهزآؤهم بالمؤمنين وضحكهم منهم وهو صريح في أن ضحك المؤمنين منهم في الآخرة إنما هو جزاء لضحك الكافرين منهم في الدنيا وفيه تسلية للمؤمنين بأنه سينقلب الحال ويكون الكفار مضحوكاً منهم وتعظيم لهم فإن إهانة الأعداء تعظيم للأولياء والله ينتقم لأوليائه من أعدائهم فإنه يغضب لأوليائه كما يغضب الليث الجري لجروه ومن الله العصمة وعلم منه أن الضحك والاستهزاء والخرية والغمز من الكبائر فالحائض يها من المجرمين الملحقين بالمشركين نسأل الله السلامة.
374
جزء : 10 رقم الصفحة : 363
تفسير سورة الانشقاق
خمس وعشرون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 374(10/290)
{إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ} إعرابه كأعراب إذا السماء انفطرت أي انفتحت بغمام أبيض يخرج منها كقوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام والباء للآلة كما في قولك انشقت الأرض بالنبات وفيذلك الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف الأعمال أو فيه ملائكة العذاب وكان ذلك أشد وأفظع من حيث إنه جاءه العذاب من موضع الخير فيكون انشقاق السماء لنزول الملائكة بالأومر الإلهية وقيل للسقوط والانتقاض وقيل لهول القيامة وكيف لا تنشق وهي في قبضة قهره أقل من خردلة ولا منع من جميع هذه الأقوال فإنها تنشق لهبة الله فتنزل الملائكة ثم يؤول أمرها إلى الفساد والاختلال وعن علي رضي الله عنه تنشق من المجرة وهي بفتح الميم باب الماء أي البياض المستطيل في وسط السماء سميت بذلك لأنها كأثر المجر ويقال لها بالفارسية راه حاجيان وكهكشان.
تنشق السماء من ذلك الموضع كأنه مفصل ملتئم فتصدع منه {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} واستمتعت أي انقادت وأذغنت لتأثير قدرته تعالى حين تعلقت قدرته وإرادته بانشقاقها انقياد المأمور المطواع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع فهو استعارة تمثيلية متفرعة على المجاز المرسل يعني إذا أطلق الأذن وهو الاستماع في حق من له حاسة السمع والاستماع بها يراد بها الإجابة والانقياد مجازاً وإذا أطلق في حق نحو السماء مما ليس في شأنه الاستماع والقبول يكون استعارة تمثيلية فقوله أتينا طائعين يدل على نفوذ القدرة في الإيجاد والإبداع من غير ممانعة أصلاً وقوله وأذنت لربها يدل على نفوذ القدرة في التفريق والإعدام من غير ممانعة أصلاً والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إليها للإشعار بعلة الحكم وهذا الانقياد عند أرباب الحقئاق محمول على أن لها حياة وإدراكاً كسائر الحيوانات إذ ما من شيء إلا وله نصيب من تجلى الاسم احي وقد سبق مراراً {وَحُقَّتْ} من قولهم هو محقوق بكذا وحقيق به أي جعلت حقيقة بالاستماع والانقياد إذ هي مربوبة ومصنوعة له تعالى أي شأنها ذلك بالنسبة إلى القدرة القاهرة الربانية التي يتأتى بها كل مقدور ولا يتخلف عنها أمر من الأمور وبالفارسية وخود آنرا نين سزد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
فحق الجملة أن تكون اعتراضاً مقررة لما قبلها لا معطوفة عليه {وَإِذَا الارْضُ مُدَّتْ} أي بسطت بلإالة جبالها وآكامها عن مقارها وتسويتها بحيث صارت كالصحيفة الملساء أو زيدت سعة وبسطة من أحد وعشرين جزأ إلى تسعة وتسعين جزأ لوقوف الخلائق عليها للحساب والألم تسعهم من مده بمعنى أمده أي زاده وفي الحديث إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلام وضع قدميه يعني لكثرة الخلائق فيها قوله مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه يعني لكثرة الخلائق فيها قوله مد الأديم لأن الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه واستوى وفي بعض الروايات مد الأديم العكاظي قال في "القاموس" هو كغراب سوق بصحراء بين نخلة والطائف كانت تقدم هلاك ذي القعدة وتستمر عشرين يوماً تجتمع قبائل العرب فيتعا كظون أي يتفاخرون ويتناشدون ومنه الأديم العكاظي
375
انتهى {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} أي رمت ما في جوفها من الموتى والكنوز إلى ظاهرها كقوله تعالى : [الزلزلة : 2-4]{وَأَخْرَجَتِ الارْضُ أَثْقَالَهَا} وهو من الإسناد المجازي وإلا فالإلقاء والإخراج تعالى حقيقة فإن قلت إخراج الكنوز يكون وقت خروج الدجال لا يوم القيامة قلت يوم القيامة وقت متسع يجوز اعتباره من وقت خروجه ولو مجاز مجازاً لأنه الانه من أشراطه الكبرى فيكون إخراج الكنوز عند قرب الساعة وإخراج الموتى عند البعث وتخلت} وخلت عما فيها غاية الخلو حتى لم يبق فيها شيء منه كأنها تكلفت في ذلك أقصى جهدها كما يقال تكرم الكريم وترحم الرحيم إذا بلغا جهدهما في الكرم والرحمة وتكلفا فوق ما في طبعهما {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} وانقادت له في الإلقاء والتخلي {وَحُقَّتْ} أي وهي حقيقة بذلك أي شأنها ذلك بالنسبة إلى القدرة الربانية ذكره مرتين لأن الأول متصل بالسماء والثاني بالأرض وإذا اتصل كل واحد بغير ما اتصل به الآخر لم يكن تكراراً وجواب إذا محذوف أي إذا وقعت هذه الأمور كان نم الأهوال ما تقصر عن بيانه العبارة وفي "تفسير الكاشفي" جواب إذا آنست كه به بيند إنسان ثواب وعقاب را.
وفيه إشارة إلى انشقاق سماء الروح الحيوانية بانفراجها عن الروح الإنساني وزوالها وبسط أرض البدن بنزع الروح عنها وإلقاء ما فيها من الروح والقوى وتخليها عن كل ما فيها من الآثار والإعراض بالحياة والمزاج والتركيب والشكل بتبعية خلوها عن الروح.
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
(10/291)
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى انشقاق سماء الروح عن ظلمة غيم النفس الأمارة وانقيادها لفيض ربها بتهيئة الاستعداد بما يتصرف فيها من غير أباء وامتنع وإلى بسط أرض النفوس البشرية لأربابها وتخليها عن أحكام البشرية يا اأَيُّهَا الانسَـانُ} جنس الإنسان الشامل للمؤمن والكافر والعاصي فالخطاب عام لكل مكلف على سبيل البدل يقال هذا أبلغ من العموم لأنه يقوم مقام التنصيص في النداء على مخاطبة كل واحد بعينه كأنه قيل يا فلان ويا فلان إلى غير ذلك {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} الكدح جهد النفس في العمل والكد فيه بحيث يؤثر فيها والجهد بالفتح بمعنى المشقة والتعب ولكد السعي الشديد في العمل وطلب الكسب من كدح جلده إذا خدشه والمعنى إنك جاهد ومجد أي ساع باجتهاد ومشقة إلى لقاء ربك أي إلى وقت لقائه وهو الموت وما بعده من الأحوال الممثلة باللقاء مبالغ في ذلك وفي الخبر إنهم قالوا يا رسول الله فيم نكدح وقد جفت الأقلام ومضت المقادير فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له {فَمُلَـاقِيهِ} فملاق له أي لجزاء عملك من خير وشر عقيب ذلك لا محالة من غير صارف يلويك عنه ولا مفر لك منه ويقال إنك عامل لربك عملاً فملاق عملك يوم القيامة يعني إن جدك وسعيك إلى مباشرة الأعمال في الدنيا هو في الحقيقة سعى إلى لقاء جزائها في العقبى فملاق ذلك الجزاء لا محالة فعليك أن تباشر في الدنيا بما ينجيك في العقبى واحذر عما يهلكك فيها ويوقعك في الخجالة والافتضاح من سوء المعاملة وفي الحديث النادم ينتظرالرحمة والمعجب ينتظر المقت وكل عامل سيقدم إلى ما أسلف.
وقال القاشاني : إنك اع بالموت أي تسير مع أنفاسك سريعاً كما قيل أنفاسك خطاك فملاقيه ضرورة فالضمير للرب.
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى الإنسان
376
المخلوق على صورة ربه وكدحه واجتهاده في التحقق بالأسماء الآلهية والصفات اللاهوتية فهو ملاقي ما يكدح ويجتهد حسب استعداده الفطري {فَأَمَّا مَنْ} وهو المؤمن السعيد ومن موصولة وهو تفصيل لما أجمل فيما قبله {أُوتِىَ} أي يؤتى ولماضي لتحققه {كِتَـابَهُ} المكتوب فيه إعماله التي كدح في كسبها {بِيَمِينِهِ} لكون كدحه بالسعي فيما يكتبه كاتب اليمين والحكمة في الكتاب إن المكلف إذا أعلم أن أعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الإشهاد كان ازجر عن المعاصي وإن العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم احتشامه من خدمه المطلعين عليه {فَسَوْفَ} س زود بودكه {يُحَاسَبُ} يوم القيامة بعد مدة مقدرة على ما تقتضيه الحكمة {حِسَابًا يَسِيرًا} سهلاً لا مناقشة فيه ولا اعتراض بما يسوؤه ويشق عليه كما يناقش أصحابا لشمال والحساب بمعنى المحاسبة وهو بالفارسية باكسى شمار كردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
والمراد عد أعمال العباد وإظهارها للمجازاة وعن الصديق رضي الله عنها هو أي الحساب اليسير أن يعرف ذنوبه ثم يتجاوز عنه يعني أن يعرض عليه أعماله ويعرف إن الطاعة منها هذه والمعصية هذه ثم يثاب على الطاعة ويتجاوز عن المعصية فهذا هو الحساب اليسير لأنه لا شدة على صاحبه ولا مناقشة ولا يقال له لم فعلت هذا ولاي طالب بالعذر ولا بالحجة عليه فإنه متى طولب بذلك لم يجد عذراً ولا حجة فيفتضح.
برادر زكار بدان شرم دار
كه در روى نيكان شوى شر مسار
بجاي كه دهشت خورد انييا
تو عذر كنه راه داري بيا
ولذا قال عليه السلام عرض الجيش أعني عرض الأعمال لأنها زيأهل الموقف والله الملك فيعرفون بسيماهم كما يعرف الإجناد هنا بزيهم قالوا إن عصاة المؤمنين داخلة في هذا القسم فقوله فسوف يحاسب حساباً يسيراً من وصف الكل بوصف البعض أي فالعصاة وإن لم يكن لهم حساب يسير بالنسبة إلى المطيعين لكن حسابهم كالعرض بالنسبة إلى مناقشة أصحاب الشمال فأصحاباليمين شاملة لهم وقد يقال كتاب عصاة المؤمنين يعطي عند خروجهم عن النار وقيل يجوز أن يعطوا من الشمال لا من وراء ظهورهم وفيه إن الإعطاء من الشمال ومن وراء الظهر أم واحد وقيل لم تتعرض الآية للعصاة الذين يدخلهم الله النار وهو الظاهر وقوله عليه السلام ، في بعض صلاته اللهم حاسبني حساباً يسيراً وإن دل على أن للأنبياء كتاباً لكن الظاهر إرشاد الأمة وتعليمهم وإلا فهم معصومون داخلون الجنة بلا حساب ولا كتاب {وَيَنقَلِبُ} أي يرجع وينصرف من مقام الحساب اليسير {إِلَى أَهْلِهِ} أي عيشيرة المؤمنين أو فريق المؤمنين هم رفقاؤه في طريق السعادة والكرامة {مَسْرُورًا} مبتهجاً بحاله وكونه من أهل النجاة قائلاً هاؤم اقرأوا كتابيه فهذا الانقلاب يكون في المحشر قبل دخول الجنة لا كما قال في "عين المعاني" من أنه يدل على أن أهله يدخلون الجنة قبله وفيه إشارة إلى كتاب الاستعداد الفطري المكتوب في ديوان الأزل بقلم كتبة الأسماء الجمالية فإن من أوتيه لا تناقشه الأسماء الجلالية وتنقلب إلى أهله مسروراً بفيض تجلي جماله
377
(10/292)
ولطفه {وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَهُ} تكرير كتابه بدون الاكتفاء بالاضمار لتغاير الكتابين وتخالفهما بالاشتمال والحكم في المآل أي يؤتى كتاب عمله
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
{وَرَآءَ ظَهْرِهِ} أي بشماله من وراء ظهره وجانبه ظرف لأوتى مستعمل في المكان.
وقال الكلبي : يغل يمينه ثم تلوي يده اليسرى من ورائه فيعطي كتابه بشماله وهي خلف ظهره فلا مخالفة بين هذا وبين ما في الحاقة حيث لم يذكر فيها الظهر بل اكتفى بالشمال قال الامام ويحتمل أن يكون بعضهم يعطي كتابه بشماله وبعضهم من وراء ظهره وفي تفسير الفاتحة للفناري رحمه الله ، وأما من أوتى كتابه بشماله وهو المنافق فإن الكافر لا كتاب له أي لأن كفره يكفيه في المؤاخذة فلا حاجة إلى الكتاب من حيث إنهم لسيوا بمكلفين بالفروع وإما من أوتى كتابه وراء ظهره فهم الذين أوتوا الكتاب فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فإذا كان يوم القيامة قيل له خذه من راء ظهرك أي من الموضع الذي نبذته فيه في حياتك الدنيا فهو كتابه المنزل عليه لا كتاب الأعمال فإنه حين نبذه وراء ظهره ظن أن لن يحور وقال أبو الليث في "البستان" : اختلف الناس في الكفار هل يكون عليهم حفظة أولاً قال بعضهم لاي كون عليهم حفظة لأن أمرهم ظاهر وعملهم واحد وقال الله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم ولا نأخذ بهذا القول بل يكون للكفار حفظة والآية نزلت بذكر الحفظة في شأن الكفار ألا ترى إلى قوله تعالى : [الانفطار : 9-11]{بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـافِظِينَ * كِرَامًا كَـاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} وقال في آية أخرى وإما من أوتى كتابه بشماله وإما م أوتى كتابه وراء ظهره فأخبر أن الكفاريكون لهم كتاب وحفظة فإن قيل : فالذي يكتب عن يمينه إذا أي شيء يكتب ولم يكن لهم حسنة يقالله الذي عن شماله يكتب بإذن صاحبه ويكون شاهداً على ذلك وإن لم يكتب فسوف يدعو} س زود باشدكه بخواند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
أي بعد مدة منتهية عذاب شديد لا يطاق عليه {ثُبُورًا} أي يتمنى لنفسه الثبور وهو الهلاك ويدعوه يا ثبوراه تعال فهذا أوانك وأني له ذلك يعني لما كان إيتاء الكتاب من غير يمينه علامة كونه من أهل النار كان كلامه واثبوراه قال الفراء تقول العرب فلان يدعو لفه إذا قال والهفاءقيل الثبور مشتق من المثابرة على الشيء وهو الماظبة عليه وسمى هلاك الآخرة ثبوراً لأنه لازم لا يزول.
كما قال تعالى : {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا} وادعوا ثبوراً كثيراً قال في كشف الأسرار يربو على سياه وقتى در بازار ميرفت سائلي ميكفت بحق روز بزرك كه مرايزى بدهيد يراز هوش برفت ون بهوش باز آمداورا كفتنداي شيخ ترا اين ساعت ه روى نمود كفت هيبت وعظمت آن روز بزرك آنكه كفت واحزناه على قلة الحزن واحسرتاه على قلة التحسر يعني وا اندوهاي آزبى آند وهي واحسرتا آزبى حسرتي ويصلي سعيرا} أي يدخلها ويقاسي حرها وعذابها من غير حائل وهذا يدل على أن دعاءهم بالثبور قبل الصلى وبه صرح الامام وأما قوله تعالى : [النساء : 25-14]{أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} فيدل على أنه بعده ولا منافاة في الجمع فإنهم يدعونه أولاً وآخراً بل دائماً على أن الواو لمطلق الجمع لا للترتيب وفيه إشارة إلى صاحب كتاب الاستعداد الفطري المكتوب في ديوان الأزل بقلم كتبة الأسماء الجلالية فإنه يتمنى أن يكن في الدنيا فانياً في الحق وهالكاً عن أنيته ويصلي نار الرياضة
378
والمجاهدة وراء ظهره من الجزاء الوفاق لأنه خالف أمر ربه في قوله وليس البر بأن تأتو البيوت من ظهورها أي من غير مدخلها بمحافظة ظواهر الأعمال من غير رعاية حقوق بواطنها بتقوى الأحوال فسبب الوصول إلى حضرة الربوبية والدخل فيها هو التقوى وهو اسم جامع لكل بر من أعمال الظاهر وأحوال الباطن والقيام باتباع الموافقات واجتناب المخالفات.
وقال القاشاني : وأما من أوتى كتابه وراء ظهره أي جهته التي تلي الظلمة من الروح الحيواني والجسد فإن وجه الإنسان جهته التي إلى الحق وخلفه جهته التي إلى البدن الظلماني بأن رد إلى الظلمات في صور الحيوانات فسوف يدعو ثبوراً لكونه في ورطة هلاك الروح وعذاب الأبد ويصلي سعير نار الآثار في مهاوي الطبيعة إنه} أي لأن فالجملة استئناف لبيان علة ما قبلها {كَانَ} في الدنيا {فِى أَهْلِهِ} فيما بين أهله وعشيرته أو معهم على أنهم جميعاً كانوا مسرورين كما يقال جاءني فلان في جماعة أي معهم {مَسْرُورًا} مترفاً بطراً مستبشراً يعني شادان ونازان بمال فإني وجاه نا يدار ومحجوب از منعم بنعم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
(10/293)
كديدن الفجار الذين لاي خطر ببالهم أمور الآخرة ولا يتفكرون في العواقب كسنة الصلحاء والمتقين كما قال تعالى حكاية إن كنا في أهلنا مشفقين والحاصل إنه كان الكافر في الدنيا فارغاً عن هم الآخرة وكان له مزمار في قلبه فجوزي بالغم الباقي بخلاف المؤمن فإنه كان له نائحة في قلبه فجوزي بالسرور الدائم وفيه إشارة أيضاً إلى الروح العلوي الذ يؤتى كتابه بيمينه وإلى النفس السفلية التي تؤتي كتابها من وراء ظهرها وأهلها القوى الروحانية النورانية والقوى الجسمانية الظلمانية {إِنَّه ظَنَّ} تيقن كما في "تفسير الفاتحة" للفناري وقال في "فتح الرحمن" الظن هنا على بابه بمعنى الحسبان لا الظن الذي بمعنى اليقين وهو تعليل لسروره في الدنيا أي إن هذا الكافر ظن في الدنيا {إِنَّ} أي الأمر والشأن فهي مخففة من الثقيلة سادة مع ما في حيزها مسد مفعول الظن أو أحدهما على الخلاف المعروف {لَّن يَحُورَ} لن يرجع إلى الله تكذيباً للمعاد والحور الرجوع والمحار المرجع والمصير وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما كنت أدري ما معنى يحور حتى سمعت أغرابية تقول لبنية لها حورى حورى أي ارجعي وحر إلى أهلك أي ارجع ومنه الحديث نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي الرجوع عن حالة جميلة والحواري القصار لرجعه الثواب إلى البياض {بَلَى} إيجاب لما بدع لن أي بلى ليحورن البتة وليس الأمر كما يظن {إِنَّ رَبَّهُ} الذي خلقه {كَانَ بِهِ} وبأعماله الموجبة للجزاء والجار متعلق بقوله {بَصِيرًا} بحيث لا تخفى منها خافية فلا بد من رجعه وحسابه وجزائه عليها حتماً إذ لا يجوز في حكمته أن يهمله فلا يعاقبه على سوء أعماله وهذا زجر لجميع المكلفين عن المعاصي كلها.
وقال الواسطي رحمه الله كان بصيراً به أدخلقه لماذا خلقه ولأي شيء لأجده وما قدر عليه من السعادة أو الشقاوة وما كتب له وعليه من له ورزقه {فَلا} كلمة لا صلة للتوكيد كما مر مراراً {أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} هي الحمرة التي تشاهد في أفق المغرب بعد الغروب وبغيبوبتها يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء عند عامة العلماء أو لبياض الذي يليها ولا يدخل وقت العشاء إلا بزواله.
وجمعي برآنندكه آن بياض أصلاً غائب نمى شود بلكه
379
متردداست از أفقي بأفقي.
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
وقد سبق تحقيق المقام في المزمل وهي إحدى روايتين عن أبي حنيفة رضي الله عنه ، ويروى إنه رجع عن هذا القول ومن ثمة كان يفتي بالأول الذي هو قول الإمامين وغيرهما سمى به يعني على كل من المعنيين لرقته لكن مناسبته لمعنى البياض أكثر وهو من الشفقة التي هي عبارة عن رقة القلب ولا شك أن الشمس أعني ضوءها يأخذ في الرقة والضعف عن غيبة الشمس إلى أن يستولى سواد الليل على الآفاق كلها وعن عكرمة ومجاهد الشفق هو النهار بناء على أن الشفق هو أثر الشمس وهو كوكب نهاري وأثره هو النهار فعلى هذا يقع القسم بالليل والنهار اللذين أحدهما معاش والآخر سكن وبهما قوام أمور العالم وفي المفردات الشفق اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس.
قال القاشاني : فلا أقسم بالشفق أي النورية الباقية من الفطرة الإنسانية بعد غروبها واحتجابها في أفق البدن الممزوجة بظلمة النفس عظمها بالأقسام بها لإمكان كسب الكمال والترقي في الدرجات بها.
وفي التأويلات النجمية يشير إلى أن الله تعالى أقسم الشفق لكونه مظهر الوحدة الحقيقية الذاتية والكثرة النسبية الإسمائية وذلك لأن الشفق حقيقة برزخية بين سواد ليل الوحدة وبياض نهار الكثرة والبرزخ بين الشيئين لا بد له من قوة كل واحد منهما فيكون جامعاً لحكم الوحدة والكثرة فحق له أن يقسم به وإنما جعل الليل مظهر الوجدة لاستهلاك الأشياء المحسوسة فيه استهلاك التعينات في حقيقة الوحدة ويدل عليه قوله وجعلنا الليل لباساً لاستتار الأشياء بظلمته وجعلنا النهار معاشاً مظهر الكثرة لظهور الأشياء فيه ولاشتمال المعاش على الأمور الكثيرة {وَالَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} قال الراغب : الوسق جمع المتفرق أي وأقسم بالليل وما جمعه وما ضمه وستره بظلمته فما موصولة يقال وسقه فاتسق واستوسق يعني إن كلا منهما مطاوع لوسق أي جمعه فاجتمع وما عبارة عما يجتمع بالليل ويأوي إلى مكانه من الدواب والحشرات والهوام والسباع وذلك إنه إذا أقبل الليل أقبل كل شيء إلى مأواه مما كان منتشراً بالنهار وقيل يجوز أن يكون المراد بما جمعه الليل العباد المتهجدين بالليل لأنه تعالى قد مدح المستغفرين بالأسحار فيجوز أن يقسم بهم.
قال القاشاني : أي ليل ظلمة البدن وما جمعه من القوى والآلات والاستعدادات التي يمكن بها اكتساب العلوم والفضائل والترقي في المقامات ونيل المواهب والكمالات.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص380 حتى ص390 رقم39
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
(10/294)
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى القسم بليل النفس المطمئنة المستترة بغلسية النفس الأمارة بعد الوصول إلى المقام المأمول وإنما صارت مطمئنة من الرجوع إلى حكم النفس الأمارة وبقي لها التلوين في التمكين من أوصاف الكمل من الذرية المحمديين ولهذا أمرت بالرجوع إلى ربها بقوله : [الانشقاق : 18]{يا أيتها النَّفْسُ الْمُطْمَـاـاِنَّةُ * ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ} وليس المقصود الذاتي من الرجوع نفس الرجوع بل المقصود الكلي هو الاتصال بالمرجوع إليه قوله وما وسق أي وما جمع من القوى الروحانية المستخلصة من يد تصرف النفس الأمارة والقمر إذا اتسق} أي اجتمع وتم بدر الليلة أربع عشرة وفي "فتح الرحمن" امتلأ في الليالي البيض يقال أمور فلان متسقة أي مجتمعة على الصلاح كما يقال منتظمة قال في "القاموس" وسقه يسقه جمعه وحمله ومنه والليل وما وسق واتسق انتظم انتهى.
أقسم الله بهذه الأشياء لأن
380
في كل منها تحولاً من حال فناسبت المقسم عليها يعني إن الله تعالى أقسم بتغيرات واقعة في الأفلاك والعناصر على تغير أحوال الخلق فإن الشفق حالة مخالفة لما قبلها وهو ضوء النهار ولما بعدها وهو ظلمة الليل وكذا قوله والليل وما وسق فإنه يدل على حدوث ظلمة بعد نور وعلى تغير أحوال الحيوانات من اليقظة إلى النوم وكذا قوله والقمر وإذا اتسق فإنه يدل على حصول كمال القمر بعد أن كان ناقصاً.
قال القاشاني : أي قمر القلب الصافي عن خسوف النفس إذا اجتمع وتم نوره وصار كاملاً.
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى القسم بقمر قلب العارف المحقق عند استدارته ودريته {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا} مفعول تركبن {عَن طَبَقٍ} أي لتلاقن حالاً عبد حال يعني برسيد ومتلاشى شويد حالي را بعد از حالي كه كل واحدة منها مطايقة لأختها في الشدة والفظاعة يقال ما هذا بطبق هذا أي لا يطابقه.
قال الراغب : المطابقة من لأسماء المتضايفة وهو أن يجعل الشيء فوق آخر بقدره ومنه طابقت النعل بالنعل لم يستعمل الطباق في الشيء الذي يكون فوق الآخر تارة وفيما يوافق غيره أخرى وقيل الطبق جمع طبقة وهي المرتبة وهو الأوفق للركوب المنبىء عن الاعتلاء والمعنى لتركبن أحوالاً بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة ودواهيها إلى حين المستقر في إحدى الدارين وقرىء لتركبن بالإفراد على خطاب الإنسان باعتبار اللفظ لا باعتبار شموله لإفراده كالقراءة الأولى ومحل عن طبق النصب على إنه صفة لطبقاً أي طبقاً مجاوز الطبق أو حال من الضمير في لتركبن طبقاً أي مجاوزين لطبق أو مجاوزاً على حسب القراءة فعن على معناه المشهور وهو المجاوزة وتفسيره بكلمة بعد بيان لحاصل المعنى.
وقال ابن الشيخ عن هنا بمعنى بعد لأن الإنسان إذا صار إلى شيء مجاوزاً عن شيء آخر فقد صار إلى الثاني بعد الأول فصح إنه يستعمل فيه بعد وعن معاً وأيضاً لفظ عن يفيد البعد والمجاوزة فكان مشابهاً للفظ بعد فصح استعمال أحدهما بمعنى الآخر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
وفي التأويلات النجمية : يخاطب القلب الإنساني المتوجه إلى الله بأنواع الرياضات وأصناف المجاهدات والتقلبات في الأحوال المطابقة كل واحدة منها الأخرى في الشدة والمشقة من الجوع والسهر والصمت والعزلة وأمثال ذلك {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} أي إذا كان حالهم يوم القيامة ما ذكر فأي شيء لهم حال كونهم غير مؤمنين أي أي شيء يمنعهم من الإيمان مع تعاضد موجباته وفيه إشارة إلى النفس والهوى والقوى البشرية الطبيعية وعدم إيمانهم بالقلب وامتثالهم ره باتباع أحكام الشريعة وآداب الطريقة وآثار الحقيقة {وَإِذَا قُرِىاَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لا يَسْجُدُونَ} جملة شرطية محلها النصب على الحالية نسقاً على ما قبلها أي أي مانع لهم حال عدم سجودهم وخضوعهم واستكانتهم عند قراءة النبي عليه السلام أو وحد من أصحابه وأمته القرآن فإنهم من أهل اللسان فيجب عليهم أن يجزموا بأعجاز القرآن عند سماعه وبكونه كلاماً إلهياً ويعلموا بذلك صدق محمد في دعوى النبوة فيطيعوه في جميع الأوامر والنواهي ويجوز أن يراد به نفس السجود عند تلاوة آية السجدة على أن يكون المراد بالقرآن آية السجدة بخصوصها لا مطلق
381
القرآن كما روى إنه عليه السلام قرأ ذات يوم واسجد واقترب فسجد هو ومن معه المؤمنين وقريش تصفق فوق رلأسهم وتصفر استهزاء وبه احتج أبو حنيفة على وجوب السجدة فإن الذم على ترك الشيء يدل على وجوب ذلك وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، إن رسول الله عليه اسلام ، سجد فيها وكذا الخلفاء وهي الثالثة عشرة من أربع عشرة سجدة تجب عدنها السجدة عند أئمتنا على التالي والسامع سواء قصده أم لا وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، ليس في مفصل سجدة وكذا قال الحسن هي غير واجبة ثم إن الأئمة الثلاثة يسجدون عدن قوله لا يسجدون والامام مالك عند آخر السورة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
(10/295)
وفي التأويلات النجمية : وإذا قرىء على النفس والهوى والقوى البشرية الطبيعية المواعظ الإلهية القرآنية المنزلة على رسول القلب لا يخضعون ولا ينقادون لاستماعها وامتثال أوامرها وائتمار أحكامها {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} بالقرآن الناطق بما ذكر من أحوال القيامة وأهوالها مع تحقق موجبات تصديقه ولذلك لا يخضعون عند تلاوته وهذا من وضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بالكفر والأشعار بما هو العلة في عدم خضوعهم للقرآن وفي البروج في تكذيب لأنه راعي في السورتين فواصل الآي مع صحة الفظ وجودة المعنى وفي بعض التفاسير الظاهر إن المراد التكذيب بالقلب بمعنى عدم التصديق وهو إضراب ترق فإن عدم الإيمان يكون بالشك أيضاً والتكذيب من شدة الكفر وقوة الانكار الحاملة على الإضراب {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} بما يضمرونه في قلوبهم ويجمعونه في صدورهم من الفر والحسد والبغي والبغضاء فيجازيهم على ذلك في الدنيا والآخرة فما موصولة يقال أوعيت الشيء أي جعلته في وعاء أي ظرف ثم استعير هو والوعي لمعنى الحفظ أو بما يجموعونه في صحفهم من أعمال السوء ويدخرونه لأنفسهم من أنواع العذاب علماً فعلياً تفصيلياً.
قال القاشاني : بما يوعونه في وعاء أنفسهم وبواطنهم من الاعتقادات الفاسدة والهيئات الفاسقة وقال نجمد الدين من إغراقهم في بحر الشهوات الدنيوية وإحراقهم بنيرن العذاب الأخروية {فَبَشِّرْهُم} أي الذين كفروا {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} مؤلم غاية الإيلام لأن علمه تعالى بذلك على الوجه المذكور موجب لتعذيبهم حتماً وهو استهزاء بهم وتهكم كما قال تعالى : {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} لأن البشارة هي الأخبار بالخبر السار وقد استعملت في الخبر المؤلم.
(قال الكاشفي) : يعني خبركن ايشانرا بعذاب دردناك وفيه رمز إلى تبشير المؤمنين بالثواب المريح راحة جسمانية وروحانية لأن التخصيص ليس بضائع ولذلك قال تعالى إلا الذين} استثناء منقطع من الضمير المنصوب في فبشرهم الراجع إلى الذين كفروا والمستثنى وهم المؤمنون خارج عنهم أي لكن الذين {ءَامَنُوا} إيماناً صادقاً وأيضاً الإيمان العلمي بتصفية قلوبهم عن كدر صفات النفس {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} من الطاعات المأمور بها وأيضاً باكتساب الفضائل {لَهُمْ} في الآخرة {أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون} أي غير مقطوع بل متصل دائم من منه منا بمعنى قطعه قطعاً أو ممنون به عليهم فإن المنة تكدر النعمة من من عليه منة والأول هو الظاهر ولعل المراد من الثاني تحقيق الأجر وإن
382
المأجور استحق الأجر بعمله إطاعة لربه وإن كان ذلك الاستحقاق من فضل الله كما إن إعطاء القدرة على العمل والهداية إليه من فضله أيضاً.
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
حسن بصري قدس سره : كفت كساني را يافتم كه ايشان بدنيا جوانمرد وسخى بودند همه دنيا بدادندى ومنت ننهادند وبوقت خويش نان بخيل بودندكه ك نفس از روز كار خويش نه به دردادندى ونه بفرزند.
قال القاشاني : لهم أجر من ثواب الآثار والصفات فيج نة النفس والقلب غير مقطوع لبراءته من الكون والفساد وتجرده عن المواد.
وفي التأويلات النجمية : إلا الذين آمنوا من الروح والسر والقلب وقواهم الروحانية وعملوا الصالحات من الأعراض عن الدنيا والإقبال على الله لهم أجر غير ممنون بمنة نفسهم واجتهادهم واكتسابهم بل بفضل الله ورحمته.
قال بعض العلماء النكتة في ترتيب السور الثلاث إن في انفطرت التعريف بالحفظة الكاتبين وفي المطففين التعريف بمستقر تلك الكتب وفي هذه السورة أي الانشقاق إيتاؤها يوم القيامة عند العرض والله تعالى أعلم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 375
تفسير سورة البروج
ثنتان وعشرون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 382
{وَالسَّمَآءِ} كل جرم علوي فهو سماء فدخل فيه العرش {ذَاتِ الْبُرُوجِ} جمع برج بمعنى القصر بالفارسية كوشك.(10/296)
والمراد البروج الاثنا عشر التي في الفلك الأعلى فالمراد بالسماء فلك الأفلاك قال سعدي المفتي لكن المعهود في لسان الشرع إطلاق العرش عليه دون السماء ويجوز أن يراد الفلك الأقرب إلينا فالآية كقوله تعالى : {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَـابِيحَ} انتهى.
وجوابه ما أشرنا إليه في عنوان السماء ثم إنها شبهت بروج السماء بالقصور التي تنزل فيها الأكابر والأشراف لأنها منازل السيارات ومقر الثوابت قال الامام السهيلي رحمه الله أسماء البروج الحمل وبه يبدى لأن استدارة الأفلاك كان مبدأها من برج الحمل فيما ذكروا وفي شهر هذا البرج نيسان حيث تم العشرون منه كان مولد النبي عليه السلام ، وكان مولده عنده طلوع الغفر وهو بفتح الغين المعجمة وسكون الفاء منزل للقمر ثلاثة أنجم صغار والغفر يطلع في ظاهر الشهر أول الليل لأن وقته النطح وهو الشرطان بالمعجمة وبفتحتين وهما نجمان من لحم هما قرناه وإلى جنب الجنوبي منهما وفي القاموس وإلى جانب الشمالي منهماك وكب صغير ومنهم من يعده معهما فيقول هذا المنزل ثلاثة كواكب ويسميها الأشراط وإلى الحمل أيضاً يضاف البطين وهو كزبير منزل للقمر ثلاثة كواكب صغار كأنها أثافي وهو بطن الحمل وبعد الحمل الثور ثم الجوزاء ويقال لها النسر والجبار والتوأمان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
قال في القاموس التوأم منزل للجوزاء انتهى.
وهامة الجوزاء الهقعة وهي ثلاثة كواكب فوق منكبي الجوزاء كمالاً نافى إذا طلعت مع الفجر اشتد حر
383
الصيف ثم السرطان المهملة ثم الأسد ثم السنبلة ثم الميزان ثم العقرب وبين الزبانيين من العقرب وهما قرناها وكوكبان نيران في قرني العقرب كما في القاموس وبين وركى الأسد ورجليه وهما السماك ككتاب يطلع الغفر الذي به مولد الأنبياء عليهم السلام وفيه قالوا :
خير المنازل في الأبد
بين الزباني والأسد
لأنه يليه من الأسد ذنبه ولا ضرر فيه ومن العقرب زبانياها ولا ضرر فيهما وإنما تضر بذنبها إذا شالته أي رفعته وهو الشولة في لمنازل أي ما تشول العقرب من ذنبها وكوكبان نيران ينزلهما القمر يقال لهما حمة العقرب ثم القوس ثم الجدي ثم الدلو ثم رشاء الدلو وهو منزل للقمر وهو الحوت يحسب في البروج وفي المنازل وجعل الله الشهور على عدد هذه البروج فقال تعالى : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً.
قال في كشف الأسرار وأين برجها برهار فصل است يك فصل از ان وقت بهار است سه ماه وآفتاب ندرين سه ماه در حمل وثور وجوزا باشد وفصل دوم روزكار صيف است تابستان كرم سه ماه وآفتاب اندرن سه ماه در سرطان وأسد وسنبله باشد وفصل سوم روزكار خريف است سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه در ميزان وعقرب وقوس باشد وفصل هارم روزكار زمستانست سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه درجدى ودلو وحوت باشد وهر فصلى راطبعي ديكرست وكردش أو ديكر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
يقول الفقير أيده الله القدير الفصل البيعي عبارة عن ثلاثة أشهر يعبر عن أولها بأذار ، وعن الثاني بنيسان ، وعن الثالث بأيار ، فإذا مضت سبع عشرة ليلة من الشهر الأول استوى الليل والنهار بأن يكون كلم نهما ثنتي عشرة ساعة ثم يأخذ النهار من الليل كل يوم شعيرة حتى إذا مضت سبعة عشر يوماً من حزيران وهو أول فصل الصيف وبعده تموز ثم اغستوس يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات ويكون اليوم أطول الأيام كما أن الليلة تكون أقصر الليالي ثم يأخذ الليل من النهار على عكس ما سبق فينتقص من النهار كل يوم شعيرة حتى إذا مضت سبعة عشر يوماً من أيلول وهو أول فصل الخريف وبعده تشرين الأول الذي هو أوسط الخريف ثم تشرين الثاني الذي هو آخره استوى الليل والنهار أيضاً ثم يتزايد الليل كل يوم شعيرة حتى إذا كان سبعة عشر يوماً من كانون الأول وهو أول فصل الشتاء وبعده كانون الثاني ، ثم شباط ينتهي طول الليل بأن يكون خمس عشرة ساعة وقصر النهار بأن يكون تسع ساعات فهذا الحساب يعود ويدور أبداً إلى ساعة القيام فالله تعالى يولج الليل في النهار أي يدخله فيه بأن ينقص من ساعات الليل ويزيد في ساعات النهار وذلك إذا مضى من كانون الأول سبعة عشر يوماً إلى أن يمضي من حزيران هذا العدد وذلك ستة أشهر وهي كانون الأول وكانون الثاني وشباط وآذار ونيسان وأيار ويولج لنهار في الليل أي يدخله فيه بأن ينقص من ساعات النهار ويزيد في ساعات الليل وذلك ستة أشهر أيضاً وهي حزيران وتموز واغستوس وأيلول وتشرين الأول
384
(10/297)
وتشرين الثاني وهذا كله بتقدير العزيز العليم وأداراته الأجزام العلوية على نهج مستقيم ويقال المراد بالبروج هي النجوم التي هي منزل القمر وهي ثمانية وعشرون نجماً ينزل القمر كل ليلة في واحد منها لا يتخطاها ولا يتقصر عنها وذا صار القمر إلى آخر منازله دق واستقوس ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوماً وإن كان تسعة وعشرين فليلة وحدة وإطلاق الروج على هذه النجوم مبنى على تشبهها بالقصور من حيث إن القمر ينزل فيها ولظهورها أيضاً بالنسبة إلى بعض الناس كالعرب لأن البرج ينبىء عن الظهور مع الاشتمال على المحاسن يقال تبرجت المرأة أي تشبهت بالبرج في إظهار المحاسن وإما البروج الاثنا عشر فليس لها ظهور حيث لا تدرك حساً والبروج الاثنا عشر منقسمة إلى هذه المنازل الثمانية والعشرين والشمس تسير في تمام هذه البروج الاثني عشر في كل سنة والقمر في كل شهر وقد تعلقت بها منافع ومصالح للعباد فاقسم الله تعالى بها إظهاراً لقدرها وشرفها وفيه إشارة إلى الروح الإنساني ذات المقامات في الترقي والدرجات واليوم الموعود} أي يوم القيامة اقسم الله تعالى به تنبيهاً على قدره وعظمه أيضاً من حيث كونه يوم الفصل والجزاء ويوماً تفرد الله بالملك والحكم فيه وفيه إشارة إلى آخر درجات الروح من كشف التوحيد الذاتي وهي القيامة الكبرى
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
{وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} أي ومن يشهد في ذلك اليوم من الأولين والآخرين والأنس والجن والملائكة والأنبياء وما يحضر فيه من العجائب فالشاهد بمعنى الحاضر من الشهود بمعنى الحضور لا بمعنى الشاهد الذي نثبت به الدعاوي والحقوق وتنكيرهما للإبهام في الوصف أي وشاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما ويقال المشهود يوم الجمعة والشاهد من يحضره من المسلمين للصلاة ولذكر الله ما طلعت شمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله فيها خيراً إلا استجاب له ولا يستعيذه من سوء إلا إعاذة منه وفي الحديث اكثروا على من الصلاة يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة ويقال المشهود يوم عرفة والشاهد من يحضره من الحاج وحسن القسم به تعظيماً لأمر الحج وعددهم هفتصد هزار كما في "كشف الأسرار" ويقال الشاهد كل يوم والمشهود أهله فيكون المشهود بمعنى المشهود عليه والشاهد من الشهادة كما قال الحسن البصري رحمه الله ، ما من يوم إلا وينادي ي يوم جديد وإني على ما يفعل في شهيد فاغتمني فلو غابت شمس لم تدكني إلى يوم القيامة.
دريغاكه بكذشت عمر عزيز
بخواهد كذشت اين دمى ند نيز
كذشت آنه درنا صوابي كذشت
در اين نيزهم درنيابي كذشت
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
ويقال الشاهد هو الحق من حنث الجمعية والمشهود هو أيضاً من حيث التفرقة وإن شئت قلت من حيث الإجمال ومن حيث التفصيل لا يراه بالحقيقة أحد إلا هو ويقال الشاهد نفس الروح والمشهود نفس الطبع وقال الحسين رحمه الله في هذه الآية علامة إنه ما انفصل الكون عن المكون ولا قارنه {قُتِلَ أَصْحَـابُ الاخْدُودِ} جواب القسم بحذف اللام المؤكدة
385
(10/298)
على إنه خبر لادعاء بمعنى لقد قتل أي أهلك بغضب الله ولعنته والأظهر أن الجملة دعائية دالة على الجواب لا خبرية والقتل كناية عن اللعن من حيث إن القتل لكونه أغلظ العقوبات لا يقع إلا عن سخط عظيم يوجب الأبعاد عن الخير والرحمة الذي هو معنى اللعن فكان القتل من لوازم اللعن كأنه قيل اقسم بهذه الأشياء إن كفار مكة ملعونون ما لعن أصحاب الأخدود وجه الأظهرية إن السورة وردت لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإيمان وتصبيرهم على أذية الكفرة وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان وصبرهم على ذلك حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم ويعلموا إن هؤلاء عند الله بمنزلة أولئك المعذبين ملعونون مثلهم إحقاء بأن يقال فيهم ما قد قل فهم فظهر من هذا التقرير إنه لسي دعاء على أصحاب الأخدود من قبل القمسم وهو الله تعالى لأه ليس بعاجز وقد سبق تحقيقه في سورة عبس ونحوها والأخدود الخد في الأرض وهو شق مستيل كالنهر غامض أي عميق القرار وأصل ذلك من خدي الإنسان وهما ما اكتفا الأنف على اليمين والشمال وفي "عين المعاني" ومنه الخد لمجاري الدموع عليه وأصحب الأخدود كانوا ثلاثة وهم انطيانوس الرومي بالشأم وبخت نصر بفارس ويوسف ذو نواس بنجران وهو بتقديم النون وتأخير الجيم موضع باليمن فتح سنة عشر سمى بنجران بن زيدان بن سبأ شق كل واحد منهم شقا عظيماً في الأرض كان طوله أربعين ذراعاً وعرضه اثني عشر ذراعاً وهو الأخدود وملأوه ناراً وألقوا فيه من لم يرتد عن دينه من المؤمنين قالوا والقرآن إنما نزل في الذين بنجران يعني أن أصحاب الأخدود هم ذو نواس الحميري اليهودي وجنوده وذلك إن عبداً صالحاً يقال له عبد الله بن الثامر وقع إلى نجران وكان علي دين عيسى عليه السلام فدعاهم فأجابوه فسارا إليهم ذو نواس بجنود من حمير فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا فحفر الخنادق واضرم فيها النيران فجعل يلقى فيها كل من اتبع ابن الثامر حتى أحرق نحواً من اثني عشر ألفاً وعشرين ألفاً أو سبعين ألفاً وذو نواس اسمه زرعة بن حسان ملك حمير وما حولها وكان أيضاً يسمى يوسف وكانت له غدائر من شعر أي ذوائب تنوس أي تضطرب فسمى ذا نواس.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
روى) إنه انفلت من أهل نجران رجل اسمه دوس ذو ثعلبان ووجد انجيلا محترقاً بعضه فأتى به ملك الحبشة وكان نصرانياً فقال إن أهل دينك أوقدت لهم نار فأحرقوا بها وأحرقت كتبهم وهذا بعضها فأراه الذي جاء به ففزع لذلك فكتب إلى صاحب الروم يستمده بنجارين يعملون له السفن فبعث إليه صاحب الروح من عمل له السفن فركبوا فيها فخرجوا إلى ساحل اليمين فخرج إليهم أهل اليمن فلقوهم بتهامة واقتيلوا فلم ير ملك حمير له بهم طاقة وتخوف إن يأخذوه فضرب فرسه حتى وقع في الحرب فمات فيه أو ألقى نفسه في البحر فاستولى الحبشة على حمير وما حولها وتملكوا وبقي الملك لهم إلى وقت الإسلام.
وقال في "كشف الأسرار" أصحابا لأخدود ايشان بت رستان بوده انداز أصحاب ذو نواس يمني ودر زمان أو ساحري بو دكاهن ومشعبذكه مدارملك بدو بودى ون بسن شيخوخه رسيد بعرض ملك رسانيدكه من ير شده ام وضعف كلى بقو أي من راء يافته
386
ديده ازهر شعاع تيره شود
كوش وقت سماع خيره شود
نه زبانرا مجال كويايى
نه تن خسته را توانا ى
صلاح در آنست كه جوان عاقل تيزفهم بمن سارتا آنه دانسته أم بوي آموزم وبعد ازمن خلفي باشدكه أمور ملك بوي منتظم تواند بود.
كما جاء في حديث المشارق كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر بكسر الباء أي شاخ وطعن في السن قال للملك إني كبرت فابعث إلى غلاماً أعلمه السحر فبعث إليه غلاماً يعلمه فكان في طرقه إذا سلك أي الغلام راهب فقعد إليه أي متوجهاً إلى الراهب وسمع كلامه فأعجبه أي أعجب كلام الرهب ذلك الغلام فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه أي ضرب الساحر الغلام لمكثه فشكا ذلك إلى الراهب فقال أي الراهب للغلام إذا خشيت الساحر فقد حبسني قد حبست الناس أي على أسد أوحية يقال لها بالفارسية ادر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
(10/299)
فقال أي الغلام اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل فأخذ حجراً وقال اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال الراهب : أي بنى أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أدري وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل على وكان الغلام يبرىء الأكمه وهو الذي ولد أعمى والأبرصويداوي الناس بسائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمى فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما هنالك أجمع إن أنت شفيتني قال إني لا أشفى أحداً إنما يشفى الله فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال الملك من رد عليك بصرك قال ربي فقال أو لك رب غيري قال ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجييء بالغلام فقال له الملك أي بنى قد بلغ من سحرك ما تبرىء به الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل يعني تداوي مرضاً كذا وتداوي كذا فقال أي الغلام إني لا أشفى أحداً إنما يشفى الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دله على الراهب فيجيء بالراهب فقيل ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال لهم : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال أي الغلام اللهم اكفنيهم بما شئت يعني ادفع عني شرهم بأي سبب شئت رجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقاله الملك مافعل أصحابك ، قال : كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور أي سفينة صغيرة فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة أي مالت وانقلبت فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك ، قال كفانيهم الله فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال وما هو قال تجمع الناس في صعيد واحد أي أرض بارزة وتصلبني على
387
جذع ثم خذ سهماً من كناتي وهي التي يجعل فيها السهام ثم ضع السهم في كبد القوس وهو مقبضها عند الرمي ثم قل بسم الله رب الغلام ففعل كما قال الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه وهو ما بين العين والأذن فوضع يده على صدغه في موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له يعني أتى الملك آت فقال أرأيت ما كنت تحذرواقد نزل بك حذرك أي والله قد نزل بك ما كنت تحذر منه وتخاف قد آمن الناس فأمر بالأخدود أي بحفر شق مستطيل في واه السكك أي في أبواب الطرق فخدت ءَ شقت واضرم النيران أي أوقدها وأشعلها وقال من لم يرجع عن دينه فاقحموهفيها أي فاطرحوهفيها كرهاً ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي رضيع لها فتقاعست أي تأخرت أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أماه اصبري فإنك على الحق وفي أهلي أي منعوني وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة بعض الروايات كان للمرأة ثلاثة أولاد إحدهم رضيع فقال لها الملك ارجعي عن دينك وإلا ألقيتك وأولادك في النار فأبت فأخذ ابنها الأكبر فألقاه في انار ثم قال لها ارجعي عن دينك فأبت فألقى ابنها الأوسط ثم قال : ارجعي عن دينك فأبت فأخذوا الصبي ليلقوه فيها فهمت بالرجوع فقال الصبي يا أماه لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحق ولا بأس عليك وفي "كشف الأسرار" فإن بين يديك ناراً لا تطفأ فألقى الصبي في النار وأمه على أثره وكان هو ممن تكلم في المهد وهو رضيع وقد سبق عددهم في سورة يوسف وكانت هذه القصة قبل مولده عليه السلام بتسعين سنة وفيما ذكر من الحديث بات كرامات الأولياء وجواز الكذب عند خوف الهلاك سواء كان الهالك هو الكاذب أو غيره وروى إن خربة اختفرت في زمن عمر بن الخطاب فوجد الغلام الذي قتله الملك وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل وفي بعض التفاسير فوجدوا عبد الله بن الثامر واضعاً أصبعه على صدغه في رأسه إذا أميطت يده عنها سال دمه وإذا تركت على حالها انقطع وفي يده خاتم من حديد فيه ربي الله فكتبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فكتب بأن يواروه ويعيدوا لتراب عليه وفي بعض التفاسير فكتب إليهم عمر رضي الله عنه إن ذلك الغلام صاحب الأخدود فاتركوه عل ىحاله حتى يبعثه الله يوم القيامة على حاله وعن علي رضي الله عنه إن بعض الملوك المجوس وقع على أخته وهو سكران فلما صحا ندم وطلب المخرج فأمرته أن يخطب الناس فيقول إن د أحل نكاح الأخوات ثم يخطبهم بعد ذلك ويقول إن الله حرمه فخطب فلم يقبلوا منه فقالت له ابسط فيهم السوط فعل فلم يقبلوا فأمرته بالأخاديد وإيقاد النار وطرح من أبي فيها فهم الذين أرادهم تعالى بقوله قتل أصحاب الأخدود
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
(10/300)
{النَّارِ} بدل اشتمال من الأخدود لأن الأخدود مشتمل على النار وهو بها يكون مهيباً مشتد الهول والتقدير النار فيه أو أقيم أل مقام الضمير على اختلاف مذهبي أهل البصرة والكوفة {ذَاتِ الْوَقُودِ} خداوند ش باهيمه يعني افروخته بهيزم.
وهو بفتح الواو ما يوقد به وفيه وصف لها بغاية العظم وارتفاع اللهب وكثرة ما يوجبه من
388
الحطب وأبدان الناس ما يدل عليه التعريف الاستغراقي ولو لم يحمل على هذا المعنى لم يظهر فائدة التوصيف إذ من المعلوم إن النار لا تخلو من حطب {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} ظرف لقتل والضمير لأصحاب الأخدود وقعود جمع قاعد أي لعنوا حين أحرقوا بالنار قاعين حولها في مكان مشرف عليها من حافات الأخدود ولفظ على مشعر بذلك تقول مررت عليه تريد مستعلياً بمكان يقرب منه وفي بعض التفاسير على سرر وكراسي قعود عند النار ولو قعدوا على نفس النار لاحترقوا فالقاتلون كانوا جالسين في مكان مشرف أو نحوه ويعرضون المؤمنين على النار فمن كان يترك دينه تركوه ومن كان يصر ألقوه في النار وأحرقوه وكان عليه السلام ، إذا ذكر أصحاب الأخدوده تعوذ بالله من جهد البلاء وهو الحالة التي يختار عليها الموت أو كثرة العيال والفقر كما في "القاموس" والجهد بالفتح المشقة وجهد عيشه كفرح نكد واشتد {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} جمع شاهد أي يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأن أحداً لم يقصر فيما أمر به وفوض إليه من التعذيب بالإحراق من غير ترحم وإشفاق أو أنهم شهود يشهدون بما فعلوا بالمؤمنين يوم القيامة يعني تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون هذا هو الذي يستدعيه النظم الكريم وتنطق به الروايات المشهورة وقد ذهب بعضهم إلى أن الجبابرة لما ألقوا المؤمنين في النار وهم قعود حولها علقت بهم النار وفي رواية ارتفعت فوقهم أربعين ذراعاً فوقعت عليهم فأخرقتهم ونجى الله المؤمنين سالمين ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله وقبض الله أرواحهم قبل أن تمسهم النار كما فعل ذلك بآسية امرأة فرعون على ما سبق وعلى ذلك حملوا قوله تعالى : [البروج : 10-49]{وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} أي لهم عذاب جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا وفيه إشارة إلى النفوس المتمردة الشاردة النافرة عن جناب الحق المستحقة لأخاديد النيران والخذلان والخسران الموقدة بأحطاب أخلاقهم الرديئة المؤصدة بأحجار أوصافهم الخبيثة النفسية الهوائية إذ هم عليها قعود بارتكاب الشهوات وانكابهم على اللذات والنفس والهوى وقواهم الطبيعية يشهد بعضهم على بعض بما يفعلون بمؤمني الروح والسر والقلب من المخالفة والمجادلة والمخاصمة وما نقموا منهم} أي وما أنكروا من المؤمنين وما عابوا يقال نقم الأمر إذا عابه وكرهه وفي المفردات نقمت الشيء إذا أنكرته إما باللسان وإما بالعقوبة {إِلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} قال : بلفظ امضارع مع إن الإيمان وجد منهم في الماضي لإرادة الاستمرار والدوام عليه فإنهم ما عذبواهم لإيمانهم في الماضي بل لدوامهم عليه في الآتي ولو كفروا في المستقبل لم يعذبوا على ما مضى فكأنه قيل : إلا أن يستمروا على إيمانهم وإما قوله تعالى : حكاية وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا فلان مجرد إيمان السحرة بموسى عليه السلام ، كان منكراً وأجب الانتقام عندهم والاستثناء مفرغ مفصح عن براءتهم مما يعاب وينكر بالكلية على منهاج قوله :
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم
ثلام بنسيان الأحبة والوطن
في إن ما أنكروه ليس منكراً في الواقع وغير حقيق بالإنكار كما إن ما جعله الشاعر عيباً
389
ليس عيباً ولا ينبغي أن يعد عيباً ولا يضر ذلك كون الاستثناء في قول الشاعر مبنياً على الإدعاء بخلاف ما في نظم القرآن فإنهم أنكروا الإيمان حقيقة ووصفه تعالى بكونه عزيزاً غالباً يخشى عقابه حميداً منعماً يرجى ثوابه وتأكيد ذلك بقوله {الَّذِى لَه مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ} للإشعار بمناط إيمانهم والملك بالفارسية ادشاهى.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص390 حتى ص402 رقم390
(10/301)
وأخر هذه الصفة لأن الملك التام لا يحصل إلا عند حصول الكمال في القدرة التي دل عليها العزيز وفي العلم الذي دل عليه الحميد لأن من لا يكون تام العلم لا يمكنه أن يفعل الأفعال الحميدة وفي "كشف الأسرار" وإنما وصف ذاته بهذه الصفات ليعلم إنه لم يمهل الكفار لأجل أنه غير قادر ولكنه أراد أن يبلغ بهؤلاء المؤمنين مبلغاً من الثواب لم يكونوا يبلغونه إلا بمثل ذلك الصبر وإن يعاقب أولئك الكافرين عقاباً لم يكونوا يستوجبونه إلا بمثل ذلك الفعل وكان قد جزى بذلك قضاؤه على الفريقين جميعاً في سابق تدبيره وعلمه وفيه تشنيع على الكفار بغاية جهلهم حيث عدواً ما هو منقبة هي سبب المدح منقصة هي سبب القدح {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ} وخدا برهمه يزها از افعال وأقوال مؤمن وكافر كواهست وبآن دانا.
وهو وعد لهم ووعيد شديد لمعذبهم فإن علمه تعالى بجميع الأشياء التي من جملتها أعمال الفريقين يستدعي توفير جزاء كل منهما حتماً قال الامام القشيري الشهيد العليم ومنه قوله تعالى : {شَهِدَ اللَّهُ} أي علم والشهيد الحاضر وحضوره بمعنى علمه ورءَته وقدرته والشهيد مبالغة من الشاهد وإذا علم العبد أن الله تعالى شهيد يعلم أفعاله ويرى أحواله سهل عليه ما يقاسيه لأجله.
(حكى) إن رجلاً كان يضرب بالسيات وهو يصبر ولا يصبح فقال له بعض الحاضرين أما يؤلمك الضرب فقال نعم قال فلم لا تصيح قال في الحاضرين لي محوب يرقبني فأخاف أن يذهب ماء وجهي عنده إن صحت فمن ادعى محبة الحق ولم يصبر على قرص نملة أو بعوضة أو أدنى أذية كيف يكون صادقاً في دعواه ولذا قالوا دلت القصة على أن المكره على الكفر بنوع من العذاب الأولى أن يصبر على ما خوف منه وإن كان إظهار الكفر كالرخصة في ذلك.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
حكى) إن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب النبي عليه السلام ، فقال لأحدهما تشهد أني رسول الله فقال : نعم فتركه ، وقال للآخر مثله فقال لا بل أنت كذاب فقتله فقال النبي عليه السلام إما الذي تركه فأخذ بالرخصة فلا تبعة عليه وإما الذي صبر فأخذ بالفضل فهنيئاً له.
وفي التأويلات النجمية : والله على كل شيء من سموات الأرواح وأرض الأشباح والأجساد شهيداي حاضر لمظهرية الكل وظهوره فيها ذاتاً وصفات وأسماء لاستلزام الذات جميع التوابع الوجودية إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} الفتن الإحراق والفتنة بالفارسية آانون.
أي محنوهم في دينهم وآذوهم وعذبوهم بأي عذاب كان ليرجعوا عنه كأصحاب الأخدود ونحوهم كما روى أن قريشاً كانوا يعذبون بلالاً ونحوه فالموصول اللجنس وإنما لم يدفع البلاء قبل الابتلاء لأن أهل الولاء لا يخلو عن البلاء.
وهيهات هيهات الصفاء لعاشق
وجن عدن بالمكاره حفت
{ثُمَّ} أي بعد ما فعلوا ما فعلوا من الفتنة {لَمْ يَتُوبُوا} أي عن كفرهم وفتنتهم فإن ما ذكر
390
من الفتنة في الدين لا يتصور من دين الكافر قطعاً وفي إيراد ثم إشعار بكمال حلمه وكرمه حيث لا يعجل في القهر ويقبل التوبة وإن طالت مدة الحوبة قال الامام وذلك يدل على أن توبة القاتل عمداً مقبولة {فَلَهُمْ} في الآخرة بسبب كفرهم {عَذَابُ جَهَنَّمَ} يعذبون به أبداً {وَلَهُمْ} بسبب فتنتهم للمؤمنين {عَذَابُ الْحَرِيقِ} أو عذاب عظيم زائد في الإحراق على عذاب سائر ل جهمن فظهرت المغايرة بين المعطوفين وإن كان كل منهما حاصلاً في الآخرة ويحتمل أن يكون المراد بعذاب جهم بردها وزمهريرها وبعذاب الحريق حرها فيرددون بين برد وحر على أن يكون الحر لإحراقهم المؤمنين في الدنيا والبرد لغيره كما قالوا الجزاء من جنس العمل والحريق اسم بمعنى الاحتراق كالحرقة وقول الكاشفي : في تفسيره عذاب الحريق عذاب آتش سوزان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
(10/302)
يشير إلى أن الحريق بمعنى النار المحرقة كما قال في "المفردات" الحريق النار وكذا الحرق بالتحريك النار أو لهبها كما في "القاموس" وحرق الشيء إيقاع حرارة في الشيء من غير لهب كحرق الثوب بالدق والإحراق إيقاع نار ذات لهب ف يشيء ومنه استعير أحرقني بلومه إذا بالغ في أذيته بلوم يقول الفقير الظاهر أن لحريق هنا بمعنى المحرق كالأليم بمعنى المؤلم فيكون إضافة العذاب الحريق من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته ويستفاد زيادة الإحراق من المقابلة فإن العطف من باب الترقي بحسب العذاب المترتب على الترقي من حيث العمل {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ} على الإطلاق من المفتونين وغيرهم {لَهُمْ} بسبب ما ذكر من الإيمان والعمل الصالح الذي من جملته الصبر على أذى الكفار وإحراقهم وإيراد الفاء أولاف وتركها ثانياً يدل على جواز الأمرين {جَنَّـاتٌ} يجازون بها بمقابلة النار ونحوها {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ} يجازون بذلك بمقابلة الاحتراق والحرارة ونحو ذلك قال في "الإرشاد" أن أريد بالجنات الأشجار فجريان الأنهار من تحتها ظاهر وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها فالتحتية باعتبار جريها الظاهر فإن أشجارها ساترة لساحتها كما يعرب عنه اسم الجنة {ذَالِكَ} المذكور العظيم الشان وهو حصول الجنان {الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} الذي تصغر عنده الدنيا وما فيها من فنون الرغائب بحذافيرها فالحصر إضافي قال في برهان القرآن ذلك مبتدأ والفوز خبره والكبير صفته وليس له في القرآن نظير والفوز النجاة من الشر والظفر بالخير فإن أشير بذلك إلى الجنت نفسها فهو مصدر أطلق على المفعول مبالغة وإلا فهو مصدر عى حاله قال الامام إنما قال ذلك الفوز ولم يقل تلك لدقيقة لطيفة وهي إن قوله ذلك إشارة إلى أخبار الله بحصور هذه الجنات ولو قال تلك لكانت الإشارة إلى نفس الجنات وأخبار الله عن ذلك يدل على كونه راضياً والفوز الكبير وهو رضي الله لا حصول الجنة يقول الفقير وعندي أن حصول الجنات هو الفوز الكبير وحصول رضي الله هو الفوز الأكبر كما قال تعالى : ورضوان من الله أكبر وإنما لم يقل تلك لأن نفس الجنات من حيث هي ليست بفوز وإنما الفوز حصولها ودخولها {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} استئناف خوطب به النبي عليه السلام إيذاناً بأن لكفار قومه نصيباً موفوراً من مضمونه كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة
391
إلى ضميره عليه السلام والبطش تناول الشيء بصولة والأخذ بعنف يقال يد باطشة وحيث وصف باشلدة فقد تضعف وتفاقم وهو بطشه بالجبابرة والظلمة وأخذه إياهم بالعذاب والانتقام وإن كان بعد إمهال فإنه عن حكمة لا عن عجز {إِنَّه هُوَ} وحده {يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} أي يبدىء الخلق ويخرجهم من العدم إلى الوجود ثم يميتهم ويعيدهم إحياء للمجازاة على الخير والشر من غير دخل الأحد في شيء منهما ففه مزيد تقدير لشدة بطش أو هو يبدىء البطش بالكفرة في الدنيا ويعيده في الآخرة يعني إشكاره كند بطش خودرا بركافران دردنيا وبازكرداندهم آنرا بديشان در آخرت واين نشانه عدلست.
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
(10/303)
أي يبدىء البطش أو العذاب في الآخرة ثم يعيده فيها كقوله تعالى : {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَـاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} قال ابن عباس رضي الله عنهما إن أهل جهنم تأكلهم النار حتى يصيروا فيها فحما ثم يعيدهم خلقاً جديداً فهو المراد من الآية وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أسر إلى رسول الله حديثاً في النار فقال يا حذيفة إن في جهنم لسباعاً من نار وكلاباً من نار وسيوفاً من نار وكلاليب من نار وإنه يبعث ملائكة يعلقون ل النار بتلك الكلاليب بأحناكهم ويقطعونهم بتلك السيوف عضواً عضواً ويلقونها إلى تلك السباع والكلاب كلما قطعوا عضواً عاد آخر مكانه غضاً طرياً أو يبدىء من التراب ويعيده فيه أو من النطفة ويعيده في الآخرة يقال بدأ الله الخلق وأبدأهم فهو بادئهم ومبدئهم بمعنى واحد والمبدىء المظهر ابتداء والمعيد المنشىء بعد ما عدم فالإعادة ابتداء ثان قال الامام الغزالي رحمه الله المبدىء المعيد معناه الموجد لكن الإيجاد إذا لم يكن مسبوقاً بمثله يسمى إبداء وإن كان مسبوقاً بمثله يسمى إعادة والله تعالى بدأ خلق الإنسان ثم هو الذي يعبدهم أي يحشرهم فالأشياء كلها منه بدت وإليه تعودو به بدت وبه تعود وفي المفردت والله هو المبدىء والمعيداي هو السبب في المبدأ والنهاية.
وقال بعضهم : الإبداء هو الإظهار على وجه التطوير المهيء للإعادة وهي الرجوع على مدرج تطوير الإبداء فهو سبحانه بدأ الخلق على حكم ما يعيدهم عليه فسمى بذلك المبدىء المعيد ونما قبل فيهما إنهما اسم واحد لأن معنى الأول يتم بالثاني وكذا كل اسم لا يتم معناه فيما يرجع إلى كمال أسماء الله إلا باسم يتم به معناه قال الامام القشيري رحمه الله إن الله تعالى يبدىء فضله وإحسانه لعبيده ثم يعيده ويكرره فإن الكريم من يرب صنائعه وخاصية الاسم المبدىء أن يقرأ على بطن الحامل سحراً تسعاً وعشرين مرة فإن ما فيه بطنها يثبت ولا يزلق وخاصية الاسم المعيد بذكر مراراً لتذكار المحفوظ إذا نسى لا سيما إذا أضيف له الاسم المبدىء وهو لغفور} لمن تاب عن الكفر وآمن كذا لمن تاب عن غيره من المعاصي ولمن لم يتب أيضاً إن شاء {الْوَدُودُ} المحب لمن أطاع أو تاب كما قال إن الله يحب التوابين واين نشانه فضل است بعدل بكذا رد ونابود سازد وبفضل بنوزد وبرافرازد.
فضل اود لنواز مخوا ران
عدل أو سينه سوز جباران
عمر بن الخطاب رضي الله عنه در تخانه مقبول وسيئات أو مغفور كه وهو الغفور الودود وعبد الله بن أبي در مسجد مخذول وحسنات أو مردودكه إن بطش ربك لشديد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
فالودود فعول
392
بمعنى الفاعل ههنا وهو الذي يقتضيه المقام وقال سهل رحمه الله ، الودود المحب إلى عباده بإسباغ النعم عليهم ودوام العافية فيكون بمعنى المفعول لأنه يحبه عباده الصالحون ومحبة العبد طاعته له وموافقته لأمره أو تعظيمه له وهيبته في قلبه وأجمع أهل الحقيقة إن كان محبة تكون عن ملاحظة عوض فهي معلولة بل المحبة الصحيحة هي المحبة الصافية عن كل طمع والأثر إن الله تعالى يقول إن أول إلا وداء إلى من بعدني لغير نوال لكن ليعطي الربوبية حقها قال بعض الكبار العشق التفاف الروحين والحب صفاء ذلك الالتفاف وخلوصه والود ثباته وتمكنه من القلب والهوى أول وقوع الحب في القلب.
(10/304)
وفي التأويلات النجمية : الودود لمن يتوجه إليه بالمحبة على سنة من تقرب إلى شبرا تقربت إليه زراعاً فمن تقرب إليه بلمحبة تقرب إليه بالود لأن الود بت في أرض القلب من المحبة لاشتقاقه من الوتد انتهى.
قال في "القاموس" الود الوتد وقال الامام الغزالي رحمه الله الودود هو الذي يحب الخير الجميع الخلق فيحسن إليهم ويثنى عليهم وهو قريب من معنى الرحيم لكن الرحمة إضافة إلى المرحوم والمرحوم هو المحتاج والمضطر وأفعال الرحيم تستدعى مرحوماً ضعيفاً وأفعال الودود لا تستدعى ذلك بل الأنعام على سبيل الابتداء من نتائج الود كما إن معنى رحمته تعالى إرادته الخير للمرحوم وكفايته له وهو منزه عن رقة الرحمة فكذلك وده إرادته للكرامة والنعمة وهو منزه عن ميل المودة والودود من عباد الله من يريد لخلق الله كل ما يريده لنفسه وأعلى من ذلك من يؤثرهم على نفسه كمن قال منهم أريد أن أكون جسراً على النار يعبر على الخلق ولا يتأذون بها وكمال ذلك أن لاي منعه من الإيثار والإحسان الحقد والغضب وما يناله من الأذى كما قال عليه السلام حين كسرت رباعيته ودمى وجهه وضرب اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون فلم يمنعه سوء صنيعهم عن إراد الخير لهم وكما أمر عليه السلام علياً رضي الله عنه حيث قال إن أردت أن تسبق المقربين فصل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك وخاصية الاسم الودود ثبوت الوداد لا سيما بين الزوجين فمن قرأه ألف مر على طعام وأكله مع زوجته غلبتها محبته ولم يمكنها سوى طاعته وقد روى إنه اسم الله الأعظم في دعاء التاجر الذي قال فيه يا ودود يا ذا العرش المجيد يا مبدىء يا معيد أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك وبقدرتك التي قرت بها على جميع خلقك وبرحمتك التي وسعت كل شيء إلا إله إلا أنت يا مغي فثنى يا مغيث أثنى يا مغيث أغثنى الحديث قد ذكره غير واحد من الأئمة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
يقول الفقير : اذكر في السحر الأعلى يا ودود وذلك بلسان القلب فصدر مني بلا اختيار أن أقول يا رب اجعلني محيطاً فعرفت إن للاسم المذكور تأثيراً عظيماً في الإحاطة وذلك إن الودود بمعنى المحبوب ولا شك إن جميع الأسماء الهبة يود الاسم الأعظم ويميل إليه فالاسم الأعظم ودود بمعنى المفعول وغيره ودود بمعنى الفاعل فمن ذكره كان ودوداً بمعنى المودود فيحبه جميع المظاهر فيحصل له الإحاطة بأسرار جميع الأسماء ويصل إليه جميع التوجهات {ذُو الْعَرْشِ} خالقه وقيل المراد بالعرش الملك مجازاً أي ذو السلطنة القاهرة على المخلوقات السفلية والمخترعات العلوية وإن لم يكن على السرير ويقال ثل عرش فلان إذا ذهب سلطانه
393
{الْمَجِيدُ} هو الشريف ذاته الجميل أفعاله الجزيل عطاؤه نواله فكان شرف الذات إذا قارنه حسن الفعال سمى مجيداً وهو الماجد أيضاً ولكن أحدهما دل على المبالغة وكأنه يجمع من اسم الجليل واسم الوهاب والكريم قال في "القاموس" المجيد الفيع العال والكريم والشريف الفعال ومجده عظمه وأثنى عليه والعطاء كثره والتمجيد ذكر الصفات الحسنة وقرىء بالكسر صفة للعرش ومجد العرش علوه في الجهة وعظم مقداره وحسن صورته وتركيبه فإنه أحسن الأجسام تركيباً وصورة وفي الحديث : "ما الكرسي في جنب العرش إلا كحلقة ملقاة في الأرض فلاة" ف5ا كان الكرسي كذلك مع سعته فما ظنك بسائر الإجرام اعلوية والسفلية قال سهل رحمه الله أظهر الله العرش إظهاراً للقدرة لا مكاناً للذات ولا احتياجاً إليه قال بعضهم : ومن العجب إن الله لو ملأ العرش مع تلك السعة من حبوب الذرة وخلق طيراً أكل حبة واحدة منها في ألف سنة لنفدت الحبوب ولا تنقطع مدة الآخرة ومع هذا لا يخاف بنوا آدم من عذاب تلك المدة ويضيعون أعمارهم في شيء حقير سريع الزوال وفيه إشارة إلى قلب العارف المستوى للرحمن كما جاء في الحديث "قلب العارف عرش الله" ومجده هو أنه ما وسع ذلك الواسع المجيد غيره وخاصية هذا الاسم تحصيل الجلالة والمجد والطهارة ظاهراً وباطناً حتى في عالم الأبدان والصور فلقد قالوا إذا صام الأبرص أياماً وقرأه كل ليلة عند الافطار كثيراً فإنه يبرأ بإذن الله تعالى إما بلا سبب أو بسبب يفتح الله له به {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} بحيث لا يتخلف عن إرادته مراد من أفعاله تعالى وأفعال غيره فيكون دليلاً لأهل الحق على إنه لا يتخلف شيء عن إرادته وهو خبر مبتدأ محذوف وإنما قال فعال مبالغ فاعل لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة من الإحياء والإماتة والإعزاز والإذلال والإغناء والإقتار والشفاء والأمراض والتقريب والتبعيد والعمارة والتخريب والوصل والفرق والكشف والحجاب إلى غير ذلك من شؤونه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
(10/305)
وفي التأويلات النجمية فعال لما رد بالمؤمن والكافر وأرباب الأرواح والأسرار والقلوب وأصحابا لنفوس وأهل الهوى إن أراد أن يجعل آباب الأرواح من أرباب النفوس فهو قادر على ذلك وهو عادل في ذلك وإن أراد عكس ذلك فهو كذلك وهو مفضل في ذلك يحجب من يريد بجلاله كالمنكرين ويتجلى لمن يريدبجماله كالمقربين ويعامل لمن يريد بإفاضة كماله كالعارفين قال القفال : يدخل أولياءه الجنة لا يمنعه مانع ويدخل أعداءه النار لا ينصرهم ناصر ويمهل بعض العصاة على ما يشاء إلى أن يجازيهم ويعاجل بعضهم بالعقوبة إذا شاء فهو يفعل ما يريد.
(روى) إن أناساً دخلوا أعلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه يعودونه فقالوا إلا نأتيك بطبيب قال قد رآني قالوا فما قال لك قال إني فعال لما أريد {هَلْ أَتَـاـاكَ} آيا آمد بتو.
أي قد أتاك لأن الاستفهام للتقرير {حَدِيثُ الْجُنُودِ} أي خبر الجموع الكافرة التي تجندت على الأنبياء في الماضي وخبرهم ما صدر عنهم من التمادي في الكفر والضلال وما حصل بها من العذاب والنكال {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} بدل من الجنود يعني مع إنه غير مطابق ظاهراً للمبدل منه في الجمعية لأن المراد بفرعون هو وقومه وقد يجعل من حذف المضاف بمعنى جنود فرعون أي هل أتاك
394
حديثهم وعرفت ما فعلوا من التكذيب وما فعل بهم من التعذيب فذكر قومك بشؤون الله وأنذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أمثلهم وقد كانوا ما سمعوا قصة فرعون وجنوده قوم موسى عليه السلام : ورأوا آثار هلاك ثمود قوم صالح عليه السلام ، لأنها كانت في ممرهم وفي بلادهم وأخر ثمود مع تقدمه على فرعون زماناً لرعاية الفواصل.
قال القاشاني : هل أتاك حديث المحجوبين إما بالأنانية كفرعون ومن يدين بدينه أو بالآثار والأغيار كثمود ومن يتصل بهم {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} من قومك {فِى تَكْذِيبٍ} إضراب عن مماثلتهم لهم وبيان لكونهم أشد منهم في الكفر والطغيان وتنكير تكذيب للتعظيم كأنه قيل ليسوا مثلهم في ذلك بل هم أشد منهم في استحقاق العذاب واستيجاب العقاب فإنهم مستقرون في تكذيب شديد للقرآن الناطق بذلك لكن لا إنهم يكذبون بوقوع الحادثة بل يكذبون كون ما نطق به قرآناً من عند الله مع وضوح أمره وظهور حاله بالبينات الباهرة.
وفي التأويلات النجمية : في تكذيب لاشتمال خلقهم وجبلتهم على صفة الكذب والتكذيب وأمن جبل على صفة لا يقدر على مفارقتها إلا القليل من الكمل كما قال تعالى : {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَه نُورًا} أي في الاستعداد فماله من نور.
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
خوى بد در طبيعتي كه نشست
نرهد جز بوقت مرك ازدست
وفيه إشارة إلى تكذيب المكرين لأهل الحق ووقوفهم مع حالهم واحتجابهم عن حال من فوقهم والله من ورائهم} من خلفهم {مُّحِيطُ} بهم بالقدرة وهو تمثيل العدم نجاتهم من بأس الله بعدم فوت المحاط المحيط إذا سد عليه مسلكه بحيثلا يجد هرباً منه.
وفي التأويلات النجمية : محيط والمحيط لا يفوته المحاط ولا يفوت المحيط شيء لإحاطة الله سبحانه عند العارفين بالكافري بل الموجودات كلها عبارة عن تجليه بصور الموجودات فهو سبحانه بأحدية جميع أمائه سار في الموجودات كلها ذاتاً وحياة علماً وقدرة إلى غير ذلك من الصفت والمراد بإحاطته تعالى هذه السراية ولا يعزب عنه ذرة في السموات والأرض وكل ما يعزب عنه يلتحق بالعدم وقالوا هذه الإحاطة ليست كإحاطة الظرف بالمظروف ولا كإحاطة الكل بأجزائه ولا كإحاطة الكلي بجزئياته بلى كإحاطة الملزوم بلازمه فإن التعينات اللاقة لذاته المطلقة إنما هي لوازم له بواسطة أو بغير واسطة وبشرط أو بغير شرط ولا تقدح كثرة اللوازم في وحدة الملزوم ولا تنافيها والله أعلم بالحقائق {بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ} أي ليس الأمر كما قالوا بل هذا الذي كذبوا به قرآن شريف عالي الطبقة فيما بين الكتب الإلهية في النظم والمعنى متضمن للمكارم الدنيوية والأخروية {فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظ} أي من التحريف ووصول الشياطين إليه واللوح كل صحيفة عريضة خشباً أو عظماً كما في "القاموس" قال الراغب : اللوح واحد ألواح السفينة وما يكتب فيه من الخشب ونحوه والمراد به هنا ما قال ابن عباس رضي الله عنهما إن الله خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء دفتاه ياقوتة حمراء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة وستين مرة يحيي ويميت ويعز
395
ويذل ويفعل ما يشاء وفي صدر اللوح لا إله إلا الله وحده ودينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن به وصدق وعده واتبع رسله أخله الجنة.
(10/306)
وفي التأويلات النجمية : بل المتلو المقروء على الكفار والمنافقين قرآن عظيم مجيد شريف مثبوت في لوح القلب المحمدي وفي ألواح قلوب ورثته الألوياء العارفين المحبين العاشقين محفوظ من تحريف أيدي النفس الكافرة والهوى الماكر وسائر القوى البشرية السارية في أقطار الوجود الإنساني وقد قال تعالى : {وَإِنَّا لَه لَحَافِظُونَ} أي في صدور الحفاظ وقلوب المؤمنين.
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
خوى بد در طبيعتي كه نشست
نرهد جز بوقت مرك ازدست
وفيه إشارة إلى تكذيب المكرين لأهل الحق ووقوفهم مع حالهم واحتجابهم عن حال من فوقهم والله من ورائهم} من خلفهم {مُّحِيطُ} بهم بالقدرة وهو تمثيل العدم نجاتهم من بأس الله بعدم فوت المحاط المحيط إذا سد عليه مسلكه بحيثلا يجد هرباً منه.
وفي التأويلات النجمية : محيط والمحيط لا يفوته المحاط ولا يفوت المحيط شيء لإحاطة الله سبحانه عند العارفين بالكافري بل الموجودات كلها عبارة عن تجليه بصور الموجودات فهو سبحانه بأحدية جميع أمائه سار في الموجودات كلها ذاتاً وحياة علماً وقدرة إلى غير ذلك من الصفت والمراد بإحاطته تعالى هذه السراية ولا يعزب عنه ذرة في السموات والأرض وكل ما يعزب عنه يلتحق بالعدم وقالوا هذه الإحاطة ليست كإحاطة الظرف بالمظروف ولا كإحاطة الكل بأجزائه ولا كإحاطة الكلي بجزئياته بلى كإحاطة الملزوم بلازمه فإن التعينات اللاقة لذاته المطلقة إنما هي لوازم له بواسطة أو بغير واسطة وبشرط أو بغير شرط ولا تقدح كثرة اللوازم في وحدة الملزوم ولا تنافيها والله أعلم بالحقائق {بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ} أي ليس الأمر كما قالوا بل هذا الذي كذبوا به قرآن شريف عالي الطبقة فيما بين الكتب الإلهية في النظم والمعنى متضمن للمكارم الدنيوية والأخروية {فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظ} أي من التحريف ووصول الشياطين إليه واللوح كل صحيفة عريضة خشباً أو عظماً كما في "القاموس" قال الراغب : اللوح واحد ألواح السفينة وما يكتب فيه من الخشب ونحوه والمراد به هنا ما قال ابن عباس رضي الله عنهما إن الله خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء دفتاه ياقوتة حمراء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة وستين مرة يحيي ويميت ويعز
395
ويذل ويفعل ما يشاء وفي صدر اللوح لا إله إلا الله وحده ودينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن به وصدق وعده واتبع رسله أخله الجنة.
وفي التأويلات النجمية : بل المتلو المقروء على الكفار والمنافقين قرآن عظيم مجيد شريف مثبوت في لوح القلب المحمدي وفي ألواح قلوب ورثته الألوياء العارفين المحبين العاشقين محفوظ من تحريف أيدي النفس الكافرة والهوى الماكر وسائر القوى البشرية السارية في أقطار الوجود الإنساني وقد قال تعالى : {وَإِنَّا لَه لَحَافِظُونَ} أي في صدور الحفاظ وقلوب المؤمنين.
جزء : 10 رقم الصفحة : 383
تفسير سورة الطارق
سبع عشرة أو ست عشرة آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 395
والسماء والطارق} الطارق في الأصل اسم فاعل من طرق طرقاً وطروقاً إذا جاء ليلاً.
قال الماوردي : وأصل الطرق الدق ومنه سميت المطرقة لأنه يطرق بها الحديد وسمى الطريق طريقاً لأنه يضرب بالرجل وسمى قاصد الليل طارقاً لاحتياجه إلى طرق الباب غالباً حيث إن الأبواب مغلقة في الليل ثم اتسع في كل ما ظهر الليل كائناً ما كان ثم تسع في التوسع حتى أطلق على الصور اخيالية البادية بالليل والمراد هنا الكوكب البادي بالليل.
قال الراغب : عبر عن النجم بالطارق لاختصاص ظهوره بالليل قالت هند بنت عتبة يوم أحد.
نحن بنات طارق.
نمشي على النمارق أي أبونا كالنجم شرفاً وعلواً وقال الشاعر :
يا راقد الليل مسروراً بأوله
إن الحوادث قد يطرقن أسحاراً
لا تفرحن بليل طاب أوله
فرب آخر ليل أجج النار
قال سهل رحمه الله وما طرق على قلب محمد من زوائد البيان والانعام.
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى سماء القلب وطروق كواكب الواردات القلبية والإلهامات الغيبية العظيمة الشأن القوية البرهان ولفخامة أمره وشهامة قدره عقبه بقوله {وَمَآ أَدْرَااكَ مَا الطَّارِقُ} أي أي شيء لمك بالطالق فإنه لا يناله إدراك الخلق إلا بالتلقي من الخلاق العليم كأنه قيل ما هو فقيل هو {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} النجم الكوكب الطالع والثقب بالفارسية سوراخ كردن والثقوب والثقابة افروخته شدن آتش.
يقال ثقبة ثقباً جعل فيه منفذاً ومسلكاً ونفذ فيه وثقبت النار تثقب ثقوباً اتقدت واشتعلت وثقب النجم إضاء وشهاب ثاقب أي مضيء وعبر عن الطارق أولاً بوصف عام ثم فسره بما يخصه تفخيماً لشأنه والمعنى النم المضيء في الغاية يعني ستاره رخشنده وفروزان ون شعله آتش.
جزء : 10 رقم الصفحة : 396
لأنه يثقب بنوره وإضاءته ما يقع عليه من الظلام أو الأفلاك وينفذ فيها والمراد الجنس وهو قول(10/307)
396
الحسن رحمه الله لأن لكل كوكب ضوأ ثاقباً لا محالة أي في نفسه وإن حصل التفاوت بالنسبة اقسم الله بالسماء وبكواكبها لدلالتهما على قدرته وحكمته أو المعهود بالثقب فهو من باب ركب السلطان وهو زحل الذي في السماء السابعة لأنه يثقب بنوره سمك سبع سموات أو كوكب الصبح الثريا لأن العرب تسميه النجم أو الشهاب نانه آورده اندكه شي حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلّم نشسته بود باعم خود أبو طالب ناكاه ستاره بدرخشيد وشعله آتش عظيم از وظاهر شد أبو طالب بترسيد وكفت اين ه يزست حضرت يغمبر عليه السلام ، فرمود كه اين ستاره ايست كه ديورا از آسمان مي راند ونشانه ايست از قدرتهاى الهي في الحال جبريل نازل شد بدين آيت كه والسماء والطارق.
وفيه إشارة إلى كوكب اسم الجمال الثاقب الطارق وكوكب اسم الجلال وقال القاشاني : أي الروح الإنساني والعقل الذي يظهر في ظلمة النفس وهو النجم الذي يثقب ظلمتها وينفذ فيها ويبصر بنوره ويهتدى به كما قال وبالنجم هم يهتدون {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} جواب للقسم وما بينهما اعتراض جيء به لتأكيد فخامة المقسم به المستتبع لتأكيد مضمون الجملة المقسم عليها وإن نافية ولما بمعنى إلا قال الزجاج استعملت لما في موضع إلا في موضعين أحدهما بعد إن النافية والآخر في باب القسم تقول سألتك لما فعلت بمعنى إلا فعلت وعدى الحفظ بعلى لتضمنه معنى الهيمنة والمعنى ما كل نفس من النفوس الطيبة والخبيثة أنسية أو جنية إلا عليها حافظ مهيمن رقيب وهو الله تعالى كما قال الله تعالى وكان الله على كل شيء رقيباً.
آورده اندكه درمكه زنى بود فاجره وكفت من طارس يماني را بر كردانم اراه طاعت ودر معصيت كشم وطاوس مردى نيكو ورى بود وخوش خلق وخوش طبع إن زن برطاوس آمد وباوي سخن در كرفت بر سبيل مزاح طاوس بدانست كه مقصودوي يست كفت آرى صبركن تابفلان ايكاه آييم ون بدان جايكاه رسيدند طاوس كفت اكرترا مقصودي است اينجا تواند بود آن زن كفت سبحان الله اين ه جاي آن كارست انجمنكاه خلق ومجمع نظار كيان طوس كفت أليس الله يرانا في كل مكان أي زن از ديدار مردم شرم داري واز ديدار الله كه بما مي نكرد خود شرم ندارى يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله أين سخن درزن كرفت وتوبه كرد واز جمله اوليا كشت.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 396
وحكى) إن ابن عمر رضي الله عنهما مر بغلام يرعى غنماً فقال له بعنى شاة فقال إنها ليست لي فقال له ابن عمر قل أكلها الذئب فقال الغلام فأين الله فاشتراه ابن عمر واشترى الغنم وأعتقه ووهب له الغنم وبقى ابن عمر مدة طويلة يقول قال ذلك العبد فأين الله ، فصاحب المراقبة يدع من المعاصي حياء ومنه تعالى ، وهيبة له أكثر مما يدعه من يترك الماضي بخوف عقوبته وقيل المراد بالحافظ هو من يحفظ عملها ويحصى عليها ما تكسب من خير وشر كما في قوله تعالى : {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـافِظِينَ} .
وآنكه كه بر مصطفى عرضه ميكنند نانكه در خبرست كه رسول الله عليه اسلام ، فرمود تعرض على أعمالكم فماك ان من حسنة حمدت
397
الله عليه وما كان من سيئة استغفرت الله لكم.
(وروى) عن النبي وكل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختفته الشياطين وقرىء لما مخففة على أن مخففة وما مزيدة واللام فاصلة بين المخففة والنافية أي إن الشأن كل نفس لعليها حافظ رقيب وفي الآية تخويف للنفوس من لأمور الضارة وترغيب في الشؤون النافعة وفي بعض التفاسير يحتمل أن يكون المراد من النفس أعم من نفس النفس المكلف من الإنسان واجن ومن نفس المكلف لعموم الحفظ من بعض الوجوه ومن الكل فيشمل النفوس الحيوانية مطلقاً بل كل شيء سوى الله بناء على أن المراد من النفس الذات فإن نفس كل شيء ذاته وذاته نفسه ومن الحافظ هو الله لأن الحافظ لكل شيء عالم بأحواله موصل إليه منافعه ودافع عنه مضاره والحفيظ من العباد من يحفظ جوارحه وقلبه ويحفظ دينه عن سطوة الغضب وحلاوة لشهوة وخداع النفس وغرور الشيطان فإنه على شفا جرف هار وقد اكتنفته هذه الملكات المفضية إلى البوار ومن خواص الاسم الحفيظ إن من علقه عليه لو نام بين السباع ما ضرته.
(10/308)
قال القاشاني : الحافظ هو الله إن أريد بالنفس الجملة وإن أريد بها النفس المصطلح عليها من القوة الحيوانية فحافظها الروح الإنساني فلينظر الإنسان} ليتفكر الإنسان المركب من الجهل والنسيان المنكر للنشور والحشر والميزان {مِمَّ} أي من أي شيء فأصله مما حذفت الألف تخفيفاً كما مر في عم {خُلِقَ} حتى يتضح إن من قدر على إنشائه من مواد لم تشم رائحة الحياة قط فهو قادر على إعادته بل أقدر على قياس العقل فيعمل ليوم الإعادة والجزاء ما ينفعه يومئذٍ ويجد به ولا يملى حافظه ما يرد به {خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} استئناف وقع جواباً عن استفهام مقدر كأنه قيل ممن خلق فقيل خلق من ماء ذي دفق وهو صب فيه دفع وسيلان بسرعة وبالفارسية ريزانيدن آب.
جزء : 10 رقم الصفحة : 396
وبابه نصر وإنما أول بالنسبة لأن الصب لا يتصور من النطفة لظهور إنها مصبوبة لإصابة فتوصيفه بأنه دافق لمجرد نسبة مبدأ الاشتقاق إلى ذات الموصوف به مع قطع النظر عن صدوره منه.
وقال بعضهم : أي مدفوق ومصبوب في الرحم نحو سر كاتم أي مكتوم وعيشة راضية أي مرضية فهو فاعل بمعنى المفعول والمراد به الممتزج من الماءين في الرحم كما نبىء عنه ما بعده في الآية وللنظر إلى امتزاجهما عبر عنهما بصيغة الأفراد ووصف الماء الممتزج بالدافق من قبيل توصيف المجموع بوصف بعض أجزائه {يَخْرُجُ} ذلك الماء الدافق {مِنا بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَآاـاِبِ} الصلب الشديد وباعتباره سمى الظهر صلباً أي من بين ظهر الرجل وترائب المرأة وهي ضلوع صدرها وعظام نحرها حيث تكون القلادة وكل عظم من ذلك تربية وعن علي وابن عباس رضي الله عنهما بين الثديين وفي "القاموس" الترائب عظام الصدر أو ما ولى الترقوتين منه أو ما بين الثدين والترقوتين أو أربع إضلاع من يمنة الصدر وأربع من سيرته أو اليدان والرجلان والعينان أو موضع القلادة انتهى.
ومن ذلك يتحمل الوالد مصالح معيشة الولدو تشتد رقة الوالدة ومحبتها للولد
398
وإيراد بين إشارة إلى ما يقال إن النطفة تتكون من جميع أجزاء البدن ولذلك يشبه الولد والديه غالباً فيجتمع ماء الرجل في صلبه ثم يجري منه ويجتمع ماء المرأة في ترائبها ثم يجري منها وفي قوت القلوب أصل المنى هو الدم يتصاعد في خرزات الصلب وهناك مسكنة فتضجه الحرارة فيستحيل أبيضا فإذا امتلأت منه خرزات الصلب وهو الفقار طلب الخروج من مسلكه وهو عرقان متصلان إلى الفرج منهما ينزل المني وفي أسئلة الحكم بين طريق البول وطريق المنى جلد رقيق يكاد لا يتشخص كيلاً يختلط المنى بماء البول فيفسد حرارة جوهره.
جزء : 10 رقم الصفحة : 396
وفي التأويلات النجمية : خلق الإنسان من ماء رطوبة النفس الرحمني الذي إشار إليه عليه اسلام بقوله إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن دافق هذا الماء من فم فوارة المحبة المشار إليها بقوله تعالى : كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق الخارج من بين الصلب أي رجل القوة الفاعلية الإلهية المسماة باليد اليمنى في قوله ثم مسح يده اليمنى على جانبا لظهر الأيمن فاستخرج منه ذرية بيضاء كالفضة اليبضاء والترائب وترائب امرأة القابلية المسماة باليد اليسرى في قوله ثم مسح يده اليسرى على جانب الظهر الأيسر فاستخرج منه ذراري حماء سوداء فهو الإنسان المخلوق على صورة ربه وخالقه من ماء الفيض والقبول المخمر بيدي الفاعلية والقابلية المشار إليها بقوله خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحاً {إِنَّهُ} الضمير للخالق فإن قوله خلق يدل عليه أي إن ذلك الذي خلق الإنسان ابتداء مما ذكر {عَلَى رَجْعِهِ} أي إعادته بعد موته {لَقَادِرٌ} أي لبين القدرة بحيثلا يرى له عجز أصلاً وتقديم الجار والمجرور على عامله وهو لقادر للاهتمام به من حيث إن الكلام فيه بخصوصه فهو لا ينافي قادريته على غيره قال بعضهم : خلقه لإظهار قدرته ثم رزقه لإظهار الكرم ثم يميته لإظهار الجبروت ثم يحييه لإظهار الثواب والعقاب {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآاـاِرُ} ظرف لرجعه ولا يضر الفصل بالأجنبي للتوسع في الظروف والسرائر جمع سريرة بمعنى السر وهي التي تكتم وتخفى أي يتعرف ويتصفح ما أسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها وما أخفى من الأعمال ويميز بين ما طاب منها وما خبث وبالفارسية روزى كه آشكارا كرده شود نهانها يعني ظاهر كند مخفيات ضمائر وأعمال تاطيب آن از خبيث متميز كردد.
كر رده زروى كار ما بر دارند
آن كيست كه وسواي دو عالم نشود
جزء : 10 رقم الصفحة : 396
(10/309)
والإبلاء هو الابتلاء والاختبار وإطلاق الإبلاء على الكشف والتمييز من قبيل إطلاق اسم السبب على المسبب لأن الاختبار يكون للتعريف والتمييز وابتلاء الله عباده بالأمر والنهي يكون لكشف ما علم منهم في الأزل وقال بعضهم : المراد بالسرائر الفرائض كالصوم والصلاة والزكاة والغسل من الجنابة فإنها سر بين العبد وبين ربه ولو شاء العبد أن يقول فعلت ذلك ولم فعله أمكنه وإنما تظهر صحة تلك السرائر يوم القيامة قال ابن عمر رضي الله عنهما يبدي الله يوم القيامة كل سر فيكون زينا في وجوه وشينا في وجوه يعني من أدى الامانات كان وجهه مشرقاً ومن ضيعها كان وجهه اغبر {مَالَهُ} أي للإنسان وما نافية {مِن قُوَّةٍ}
399
في نفسه يمتنع بها من العذاب الذي حل به {وَلا نَاصِرٍ} من خارج ينتصر به إذ كل نفس يومئذٍ رهينة بما كسبت مشغولة بجزاء ما جرت عليه خيراً كان أو شراً فالمراد بالقوة المنفية هي القوة الثابتة له في نفسه لا القوة مطلقاً وإلا لم يبق للعطف فائدة لأن القوة المستفادة من الغير قوة أيضاً وقد نفيت أولاً والقوة عبارة عن شدة البنية وصلابتها المضادة للضعف وفي التعريفات هي تمكن الحيوان من الأفعال الشاقة ونصر المظلوم أعانه ونصره منه نجاه وخلصه وفيه إشارة إلى القوة بحسب نية الباطن وعمل الظاهر بالنية الخالصة المجردة عن العمل قد تنصر الناوي أيضاً لكن إذا قارنت العمل كانت أقوى {وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} ذات مؤنث ذو بمعنى الصاحب والرجع المطر سمى رجعاً لما إن العرب كانوا يزعمون إن السحاب يحمل الماء من بحار الأرض ثم يرجعه إلى الأرض أو أرادوا بذلك التفاؤل ليرجع ولذلك سموه أو باليؤوب فيكون الرجع مصدراً من اللازم بمعنى الرجوع لا من المتعدي قاله بعض العلماء أو لأن الله يرجعه وقتاً فوقتاً بعد إيجاده وإحداثه وقال الراغب سمى المطر رجعاً لرد الهواء ما تناوله من الماء وفي "كشف الأسرار" لأنه يرجع كل عام ويتكرر وقال عبد القاهر الجرجاني في كتاب إعجاز القرآن إنما قال للسماء ذات الرجع لأن شمسها وقمرها يغيب ويطلع وبعض نجومها يرجع {وَالارْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات إذا المحاكى للنشور هو تشقق الأرض وظهور النبات منها لإهار العيون فالمراد بالصدع نبات الأرض سمى به لأنه صادع للأرض والأرض تتصدع به والصدع في اللغة الشق وفي "المفردات" شق في الأجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما وفي الآية إشارة إلى أن السماء ذات الرجع كالأب والأرض ذات الصدع كالأم وما ينبت من الأرض كالولد اقسم الله بالسماء أو لا مجردة عن التوصيف وثانياً مقيدة بكونها ذات الرجع وكذا بالأرض ذات الصدع إيماء إلى المنة عليهم بكثرة المنافع ودلالة على العلم التام والقدرة الكاملة فيهما وفيه إشارة إلى سماء الروح ذات الرجع في النشأة الثانية وأرض البدن ذات الصدع بالانشقاق عن الروح وقت زهوقه أو الشق بعد اتصاله
جزء : 10 رقم الصفحة : 396
{إِنَّهُ} أي القرآن الذي من جملته ما تلى من الآيات الناطقة بمبدأ حال الإنسان ومعاده {لَقَوْلُ} لكلام إذ القول كثيراً ما يكون بمعنى المقول {فَصْلٌ} أي فاصل بين الحق والباطل مبالغ في ذلك كأنه نفس الفصل كما قيل له فرقان بمعنى الفارق {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} الهزل اللعب وفي "فتح الرحمن" ما استعمل في غير ما وضع له من غير مناسبة والجد ضده وهو أن يقصد به المتكلم حقيقة كلامه أي ليس في شيء من القرآن شائبة هزل بل كله جد محض لا هزل فيه فم حقه أن يهتدى به الغواة وتخضع له رقاب العتاة وبالفارسية ونيست أو بازى وباطل وفسوس وسخريه.
ويظهر من الآية إن من يؤم القرآن بهزل أو بتفكه بمزاح يكفر وفي هدية المهدين إذا أنكر رجل آية من القرآن أو سخر بها أو عابها فقد كفر ومن قرأ القرآن على ضرب الدف أو القصب فقد كفر ولو قال ألم تشرح لك را كريبان كرفته.
أو قال وست ازقل هو الله أحد بردى.
أو قال اين كوته
400
تراز انا أعطيناك.
أو قيل لم لم تقرأ القرآن فقال سير شدم از قرآن.
(10/310)
فهذا كله وأمثاله كف ينبغي للمؤمن يحترز منه ويجتنب عنه {أَنَّهُمْ} أي أهل مكة ومعاندى قريش {يَكِيدُونَ} في إبطال أمره وإطفاء نوره يعني مكر ميكنند درشان رسول وحق قرآن {كَيْدًا} حسبما في قدرتهم {وَأَكِيدُ كَيْدًا} أي أقابلهم بكيد متين لا يمكن رده حيث أستدرجهم من حيث لا يعلمون وكيد المحدث العاجز الضعيف لا يقاوم كيد القديم القادر لقوي فتسمية الاستدراج والانتقام في الدنيا بالسيف وفي الآخرة بالنار كيداً من باب المشاكلة لوقوعه في مقابلة كسبهم جزاء له وإلا فالكيد وهو المكر والاحتيال لا يجوز إسناده إليه تعالى مراداً به معناه الحقيقي وتسمية جزاء الشي باسم ذلك الشيء على سبيل المشاكلة شائع كثير {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} أي لا تشتغل بالانتقام منهم ولا تدع عليهم بالهلاك ولا تستعجل به يعني مهلت ه كافر انرا وتعجيل مكن در طلب هلاك ايشان {أَمْهِلْهُمْ} بل من مهل وهما أي التمهيل والإمهال لغتان كما قال تعالى : {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا} .
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 396
روى) عن همام مولى عثمان رضي الله عنه إنه قال لما كتبوا المصحف شكوا في ثلاث آيات فكتبوا في كتف شاة وأرسلوني إلى أبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما فدخلت عليهما فناولتها أبيا فقرأها فإذا هي فيها لا تبديل للخلق فكتب لا تبديل لخلق الله وكان فيها لم تيسن فكتب لم يتسنه وكان فيها فأمهل الكافرين فمحا الألف وكتب فمهل الكافرين ونظر فيها زيد بن ثابت فانطلقت بها إليهم فاثبتوها في المصحف وفيه إشارة إلى أن الله تعالى حافظ للقرآن من التحريف والتبديل لأنه بته في صدور الحفاظ وإلى أن المشكلات يرجع فيها إلى أهل الحل رويداً} يقال أرود يرود إذا رفق وتأنى ومنه بنى رويد كما في "المفردات" وفي الإرشاد هو في الأصل تصغير رود بالضم وهو المهل أو أرواد مصدر أورد بالترخيم وهو إما مصدر مؤكد لمعنى العامل أو نعت لمصدره المحذوف أي أمهلهم إمهالاً رويداً أي قريباً أو قليلاً يسيراً فإن كل آت قريب كما قالوا كره قيامت دير آيد ولى مي آيد.
وفيه تسلة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بما فيه من الرمز إلى قرب وقت الانتقام من الأعداء وفي "كشف الأسرار" وما كان بين نزول هذه الآية وبين وقعة بدر الأزمان يسير.
(حكى) إنه دخل ابن السماك عى هارون الرشيد فطلب هارون من العظة وقد جلس في حصير فقال يا أمير المؤمنين لتواضعك في شرفك أفضل من شرفك قال الرشيد ما سمعت شيئاً أحسن من هذا فقال بلى يا أمير المؤمنين من أعظى مالاً وجمالاً وسلطاناً وشرفاً فتواضع في شرفه وعف في جماله ووأسى من فضل ماله وعدل في سلطانه كتب في ديوان المخلصين فدعا الرشد بالقرطاس فكتبها ثم قال زدني فقال يا أمير المؤمنين لقد أمهل حتى كأنه أهمل ولقد ستر حتى كأنه غفر ثم قال يا أمير المؤمنين هب كأن الدنيا كلها في يديك والأخرى مثلها ضمت إليك هب كان الشرق والغرب يجبي إليك فإذا جاء ملك الموت فماذا في يديك قال زدني فقال لم يبق من لدن آدم إلى يومنا هذا أحد إلا وقد ذاق الموت قال زدني فقال إنهما موضعان أما جنة وأما نار قال حسبي ثم غشى عليه قال ابن السماك
401
دعوه حتى يموت فلما أفاق أمر له بجائزة فقيل له إنه قال كذا فسأله الرشيد عن ذلك فقال يا أمير المؤمنين أي شيء أحسن من أن يقال إن أمير المؤمنين مات من خشية الله فاستحسن كلامه واحترمه.
(قال الحافظ) : بمهلتي كه سهرت دهد زراه مرو.
تراكه كفت كه اين زال ترك دستان كرد.
فطوبى لمن قصر أمله وطال عمره وحسن عمله والله سنأل أن لا يجعلنا من المغترين.
جزء : 10 رقم الصفحة : 396
تفسير سورة الأعلى
تسع عشرة آية مكية عند الجمهور
جزء : 10 رقم الصفحة : 401(10/311)
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاعْلَى} التسبيح التنزيه واسم الله لا يصح أن يطلق عليه بالنظر إلى ذاته أو بعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس أو الثبوتية كالعليم أو باعتبار فعل من أفعاله كالخالق ولكنها توقيفية عند بعض العلماء وقد سبق والأعلى صفة للرب ويجوز أن يكون صفة للاسم والأول أظهر ومعنى علوه تعالى أن يعلو عن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين ومعنى أعلويته إن له الزيادة المطلقة في العلو قال بعضهم ليس علوه عو جهة ولا كبره كبر جثة سبحانه عن ذلك بل علو استحقاق لنعوت الجلال والكبرياء فمن عرف علوه وكبرياءه تواضع وتذلل بين يديه عباده الصالحين والمنى نزه اسمه عن الإلحاد فيه بالتأويلات الزائغة نحو أن يجعل الأعلى من العلو في المكان لا من العلو في الكمال وأن يؤخذ الاستواء بمعنى الاستقرار لا بمعنى الاستيلاء وكذا نزهه عن إطلاقه على يره بوجه يشعر بتشاركهما فيه كان يسمى الصنم ولوثن بالرب والإله ومنه تسمية العرب مسيلمة الكذاب برحمان اليمامة وكذا نزهه عن ذكره لا عى وجه الإعظام والإجلال ويدخل فيه أن يذكر اسمه عند التثاؤب وحال الغائط وكذا بالغفلة وعدم الوقوف على معناه وحقيقته ومنه إكثار القسم بذكر اسمه من غير مبالاة وقال جرير في الآية ارفع صوتك بذكره أي بذكر اسمه فإن ذكر المدلول إنما هو بذكر الاسم الدال عليه فظهر من هذا التقرير أن الاسم غير مقحم وقال بعضهم الاسم والمسمى هنا واحد أي نزه ذاته عما دخل في الوهم والخيال وفي الحديث لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال عليه السلام اجعلوها في ركوعكم فلما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم وكانوا يقولون في الركوع اللهم لك ركعت وفي السجود اللهم لك سجدت وفي الحديث دلالة على أن لفظ الاسم مقحم قاله سعدي المفتي وعلى أن الامتثال بالأمر يحصل بأن يقول سبحان ربي العظيم والأعلى بدون قراءة النظم ولذا قرأ علي وابن عمر رضي الله عنهم سبحان ربي الأعلى الذي الخ فإن قوله سبح أمر بالتسبيح فلا د وأن يذكر ذلك التسبيح وما هو الأقول سبحان ربي الأعلى ومثله سبحان ربك العزة فإن معناه نزه ربك العزة فيحصل الامتثال بأن يقول سبحان ربنا رب العزة على معنى
402
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
(10/312)
تنزه ربنا رب العزة وقس على ذلك سائر المواقع المأمور بها وسر اختصاص سبحان ربي العظيم بالركوع والأعلى بالسجود أن الأول إشارة إلى مرتبة الحيوان والثاني إشارة إلى مرتبة النبات والجماد فلا بد من الترقي في التنزيه وكان عليه السلام وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك قال حضرة الشيخ صدر الدين القنوي قدس سره في شرح الحديث أعلم أن الرفعة والارتفاع استعلاء وإنه من التكبر فإن كان الاستعلاء ظاهراً فهو صورة من صور التكبر وإن كان باطناً فهو معنى التكبر ولما كان الكبرياءوحده وكان في الصعود على الثنايا ضرب من الاستعلاء موجود وشبيه به أيضاً لذلك سن التكبير فيه أي إن الله أكبروا أعلى من أن يشارك في كبريائه وإن ظهرنا بصورة حال يوهم الاشتراك وإما الأمر بالتسبيح في الهبوط فهو من أجل سر لمعية المشار إليها بقوله تعالى وهو معكم أينما كنتم فإذا أمنا إنه معنا أينما كنا فحال كوننا في هبوط يكون معنا وهو يتنزه عن التحت والهبوط لأنه سبحانه فوق التحت كما القوق إنه فوق ونسبة الجهات إليه على السواء لنزاهته عن التقيد بالجهات وإحاطته بها فلهذا شرع التبكير في الصعود والتسبيح في الهبوط على الوجه المنبه عليه انتهى.
وأول من قال سبحان ربي الأعلى ميكائيل عليه السلام ، وذلك إنه خطر بباله عظمة الرب تعالى فقال يا رب أعطني قوة حتى انظر إلى عظمتك وسلطانك فأعطاه قوة ل السموات فطار خمسة آلاف سنة حتى احترق جنحه من نور العرش ثم سأل القوة فأعطاه قوة ضعف ذلك وجعل يطير ويرتفع عشرة آلاف سنة حتى احترق جناحه وصار في آخره كالفرخ ورأى الحجاب والعرش على حاله فخرسا جداً وقال سبحان ربي الأعلى ثم سأل ربه أن يعيده إلى مكانه وإلى حالته الأولى ذكره أبو الليث في تفسيره وقال النبي عليه السلام يا جبرائيل أخبرني عن ثواب من قال سبحان ربي الأعلى في صلاته أو في غير صلاته فقال يا محمد ما من مؤمن ولا مؤمنة يقولها في سجوده أو في غير سجوده إلا كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي وجبال الدنيا ويقول الله صدق عبدي أنا الأعلى وفوق كل شيء وليس فوقي شيء اشهدوا يا ملائكتي إني قد غفرت لعبدي وأدخلته جنتي فإذا مات زاره ميكائيل كل يوم فإذا كان يوم القيامة حمله على جناحه فيوقفه بين يدي الله فيقول يا رب شفعني فيه فيقول قد شفعتك فيه اذهب به إلى الجنة ذكره ابن الشيخ في حواشيه وفي الحديث : "سبحان الله والحمديملآن ما بين السموات والأرض" أي لاشتمال هاتين الكلمتين على كلمال الثناء والتعريف بالصفات الذاتية والفعلية الظاهرة الآثار في السموات والأرض وما بينهما.
وقال القاشاني : اسمه الأعلى والأعظم هو الذات مع جميع الصفات أي نزه ذاتك بالتجرد عما سوى الحق وقطع النظر عن الغير ليظهر عليها الكمالات الحقانية بأسرها وهو تسبيحه الخاص به في مقام الفناء لأن الاستعداد التام القابل لجميع الصفات الإلهية لم يكن الإله فذاته هو الاسم إلا على عند بلوغ كماله ولك شيء تسبيح خاص يسبح به اسماً خالصاً من سماء ربه {الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى} صفة أخرى للرب على الوجه الأول ومنصوب على المدح على الثاني لئلا يلزم الفصل بين الموصوف والصفة غيره أي خلق
403
كل شيء فسوى خلقه بأن جعل له ما به يتأتى كماله ويتسنى معاشه.
وقال القاشاني : انشأ ظاهرك فعدل بنيتك على وجه قبلت بمزاجه اخاص الروح الأتم المستعد لجميع الكمالات.
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
وفي التأويلات النجمية خلق كل شي بحسب الوجود فسوى تسوية بها يصل الفيض الإلهي المعد له بحسب استعداده الفطري.
وقال بعضهم : خلق الخلق فسوى بينهم في الخلقة وميز بينهم باختصاص بعضهم بالهداية {وَالَّذِى قَدَّرَ} معطوف على الموصول الأول أي قدر أجناس الأشياء وأنواعها وأفرادها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها كما قال عليه اسلام ، إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة أي جعل أجناس الأشياء وكذا أشاص كل نوع بمقدار معلوم وكذا جعل مقدار كل شخص في جثته وأوضعه وسائر صفاته كالحسن والقبح والسعادة والشقاوة وإلا لهداية والضلالة والألوان والأشكال والطعوم والروائح والأرزاق والآجال وغير ذلك بمقدار معلوم كما قال وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم {فَهَدَى} فوجه كل واحد منها إلى ما يصدر عنه وينبغي له طبعاً أو اختياراً ويسره لما خلق له بخلق الميول والهامات ونصب الدلائل وإنزال الآيات ولو تتبعت أحوال النباتات والحيوانات لرأيت في كل منها ما يحار فيه العقول.
(يحكى) إن الأفعى إذا بلغت ألف سنة عميت وقد ألهمها الله أن تمسح عينيها بوزن الروازيانج الغض فيرد إليها بصرها فربما كانت عند عروض العمى لها في برية بينها وين الريف مسافة طويلة فتطويها على طولها وعلى عماها حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها فتحك عينيها بورقها وترجع باصرة بإذن الله تعالى.
(10/313)
(ويحكى) إن التمساح لا يكون له دبر وإنما يخرج فضلات ما يأكله من فيه حيث قيض الله له طائراً قدر الله غذاءه من ذلك فإذا رآه التمساح يفتح فمه فيدخله الطائر فيأكل ما فيه وقد خلق الله له من فوق منقاره ومن تحته قرنين لئلا يطبق عليه التمساح فمه والتمساح خلق كالسلحافة ضخم يكون بنيل مصر وبنهر مهران في السند كما في "القاموس" ويختطف البهائم والآدميين وربما بلغ طوله عشرين ذراعاً وهو يبيض في البر فما وقع من ذلك فى الماء صار تمساحاً وما بقى صار سقنقورا وهي دابة بمصر شكلها كالوزغة على عظم خلقته وهو أنفس ما يهدي لملوك الهند فإنهم يذبحونه بسكين من الذهب ويحشونه من ملح مصر ويحملونه كذلك إلى أرضهم فإذا وضوا مثقالاً من ذلك على بيض أو لحم وأكل نفع ذلك نفعاً بليغاً والسقنقور والضب والسلحفاة للذكر منها ذكران وللأنثى فرجان ومن عجائب هداياته تعالى إن القطا وهو طائر يترك فراخه ثم يطلب الماء من سيرة عشرة أيام وأكثر فيرده فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ثم يرجع فلا يخطىء لا ذهاباً ولا إياباً والجمل والحمار إذا سلكا طريقاً في الليلة الظلماء ففي المرة الثانية لا يخطئان والدبة إذا ولدت ولدها رفعته في الهواء يومين خوفاً من النمل لأنها تضعه قطعة لحم غير متميزة الجوارح ثم يتميز أولاً فأولاً وإذا جمع العقرب والفأرة في إناء زجاج قرضت الفأرة أبرة العقرب فتسلم منها.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
وحكى) إن ابن عرس تبع فأرة فصعدت شجرة ولم يزل يتبعها حتى انتهت إلى رأس الغصن ولم يبق مهرب فنزلت على ورقة وعضت طرفها وعلقت نفسها فعند ذلك صاح ابن
404
عرض فجاءته زوجته فلما انتهت إلى تحت الشجرة قطع ابن عرس الورقة التي عضتها الفأرة فسقطت فاصطادها ابن عرس الذي كان تحت الشجرة والفأرة تدخل ذنبها في قارورة الدهن ثم تلحسه والثعلب إذا اجتمع في جلده البق الكثير والبعوض يأخذ بفيه قطعة جلد من الحيوان فينغمس في الماء فإذا اجتمعت في الفر وألقاه في الماء وخرج سالماً والعنكبوت تبنى بيتها على وجه عجيب غير مقدور والبشر لا يقدر على بناء البيت المسدس إلا بالا لبركار والمسطر والنحل تبنى تلك البيوت من غير آلة والنمل تسعى لأعداد الذخيرة لنفسها فإذا أحست بنداوة المكان تشق الحبة نصفين لئلا تنبت وإذا وصلت النداوة إليها تخرجها إلى الشمس لتجف قال بعضهم رأيت غواصاً وهو طائر غاص وطلع بسمكة فغلبه الغراب عليها فأخذها منه فغاص مرة أخرى فطلع فأخذها منه الغراب وفي الثالثة كذلك فلما اشتغل الغراب بالسمكة وثب الغواص فأخذ برجل الغراب وغاص به تحت إلماء حتى مات الغراب وخرج هو من الماء وفي الحديث لا تشوبوا اللبن بالماء فإن رجلاً كان فيمن كان قبلكم يبيع اللببن ويشوبه بالماء فاشترى قرداً وركب البحر حتى إذا لجج فيه ألهم الله القرد فأتى صرة الدنانير فأخذها وصعد الدقل وهو سهم السفينة ففتح الصرة وصاحبها ينظر إليه فأخذ ديناراً ورمى به في البحر وديناراً في السفينة حتى قسمها نصفين فألقى ثمن الماء في الماء وفي عجائب المخلقوت إن شخصاً قتل شخصاً بأصفهان وألقاه في بئر وللمقتول كلب يرى ذلك فكان يأتي كل يوم إلى رأس البئر وينحى التراب عنها وإذا رأى القاتل نبح عليه فلما تكرر منه ذلك حفروا الموضع فوجدوا القتيل ثم أخذوا الرجل فاقر فقتل به ومن عجيب شجرة النخل أن يعرض لها العشق وهي أن تميل إلى نخلة أخرى فيخف حملها وتهزل وعلاجها أن يشد بينها وبين معشوقها الذي مالت إليه بحبل أو يعلق عليها سعفة منه أو يجعل فيها من طلعه وأمثال هذا لا تحيط بها العبارة والتحرير كثرة {وَالَّذِى أَخْرَجَ الْمَرْعَى} أي أنبت بكمال قدرته ما ترعاه الدواب غضاً طريقاً من بين أخضر وأصفر وأحمر وأبيض وقال ابن عباس رضي الله عنه ، المرعى الكلأ الأخضر وف يالصحاح الرعى بالكسر الكلأ وبالفتح المصدر والمرعى الرعى والمصدر {فَجَعَلَهُ} بعد ذلك {غُثَآءً} أي درينا وهو كأمير ييس كل حطام حمض أو شجر أو بقل قال الجوهري الغثاء بالضم والمد ما يحمله السيل من القماش والقمش جمع الشيء من ههنا وههنا وذلك الشي قماش ما على وجه الأرض من فتات الأشياء حتى يقال لرذالة الناس قماش وبالفارسية خشك ومرده {أَحْوَى} أسود من الحوة بمعنى السواد وذلك أن الكلأ إذا جف ويبس أسود سواء كان جفافه واسوداده بتأثير حرارة الشمس أو برودة الهواء الفاء التعقيبية إشارة إلى قصر مدة الحضرة ورمز إلى قصر مدة العمر وسرعة زال الدنيا ونعيمها يعني محققان از مضمون اين آيت فهم كرده اندكه را كاه متمتعان دنيا اكره در أول تازه وسيراب وسبز وخرم نمايد إما اندك وقتى را بسبب هبوب رياح خزان حوادث تيره وبي طراوت خواهد بود.
405
اكره خرم وتازه است كلبن دنيا
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
ولى بنكبت باد خزان نمى ارزد
بكرده خورى وقرص قمر زجاي مرو
كه خون رخ نيك تاي نان نمى ارزد
(10/314)
وفيه إشرة إلى زينة الحياة الدنيا ومنافعها ومآكلها ومشاربها فإنها مرعى النفس الحيوانية ومرتع بهائم القوى جعلها الله سريعة الفناء وشيكة الزوال كالهشيم والحطام البالي المسود فينبغي أن لا يلتفت إليها ولا يشغل بها فإنها مانعة عن التسبيح الخاص وهو تنزيه الذات وتجريدها عن العلائق وبها يحصل الاحتجاب عن الكمال المقدر في حق كل أحد {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى} بيان لهدايته تعالى الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلّم أثر بيان هدايته العامة لكافة مخلوقاته وهي هدايته عليه السلام ، لتلقى الوحي وحفظ القرآن الذي هو هدى للعالمين وتوفيقه عليه السلام لهداية الناس أجمعين.
قال الراغب : في المفردات أخبار وضمان من الله تعالى أن يجعله بحيث لا ينسى ما يسمعه من الحق انتهى.
والسين إما للتأكيد وإما لأن المراد إقراء ما أوحى إليه حينئذٍ وما سيوحى إليه بعد ذلك فهو وعد كريم باستمرار الوحي في ضمن الوعد بالإقراء يقال قرأ القرآن فهو قارىء وأقرأه غيره فهو مقرىء أي علمه إياه فهو معلم وفي تاج المصادر الإقراء قرآن كوش فرا داشتن وخواننده كردن.
ومنه سنقرئك انتهى والمعنى سنقرئك ما نوحي إليك الآن وفيما بعد على لسانه جبرائيل فلا تنسى أصلاً من قوة الحفظ والاتقان وفي "كشف الأسرار" سنجمع حفظ القرآن في قلبك وقراءته في لسانك حتى لا تنسى كقوله إن علينا جمعه وقرآنه {إِلا مَا شَآءَ اللَّهُ} استثناء مفرغ من أعم المفاعيل أي لا تنسى شيئاً من الأشياء مما تقرأه إلا ما شاء الله أن تنساه أبداً بأن نسخت تلاوته فإن النسخ نوع منا ساء وطريق من طرقه فكأنه بالنسخ محي من الصحف والصدور فالمراد بالنسيان هو النسيان الكلي الدائم بحيث لا يعقبه التذكر بعده ويجوز بأن يراد به النسيان المتعارف الذي يعقبه الذكر بعده وهو النسيان في الجملة على القلة والندرة أي فلا تنسى إلا ما شاء الله نسينه ثم لا يبقى المنسى منسياً دائماً بل يعقبه الذكر كما هو المفهوم من المقام ويؤيد هذا المعنى ما روى إنه عليه السلام ، أسقط آية في قراءته في الصلاة فحسب أبي رضي الله عنه إنه نسخت فسأله فقال عليه السلام نسبتها.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
وروى) إن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يقرأ القرآن في الليل فقال عليه السلام لقد أذكرني آية أنسيتها ومن هذا كان عليه اسلام يقول في دعائه اللهم ارحمني بالقرآن العظيم واجعله لي إماماً ونوراً وهدى رحمة اللهم ذكرني منه ما سنيت وعلمني منه ما جهلت وارزقتي تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله حجة لي يا رب العالمين وكان عليه السلام ، يقول إنما أنا بشر سى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وقال تعالى : [الكهف : 24-7]{وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} ودل الكل على جواز طريان النسيان عليه وإن لم يكن سهوه ونسيانه من قبيل سهو الأمة ونسيانهم فإنه أهل الحضور الدائم روى عن جعفر الصادق رضي الله عنه إنه عليه السلام كان يقرأ من الكتاب وإن كان لا يكتب وفيه معجزة له عليه السلام ، فإنه كان أمياً وقد جعله الله قارئاً ثم إنه كان يقر من الحفظ
406
(10/315)
ومن الصحيفة أيضاً من غير تعلم الخط وكان منبع الكمالات كلها حتى إنه علم الكتاب الخط وقوانينه وأصحاب الحرف دقائق حرفتهم إنه يعلم الجهر وما يخفى} تعليل لما قبله وما موصولة وكل من الجهر والإخفاء شامل لما كان من قبيل القول والعمل والإخفاء والإخفاء لما في الضمائر من النيات أي يعلم ما ظهر وما بطن من الأمور التي من جملتها ما أوحى إليك فينسى ما يشاء إنساءه ويبثقى محفوظاً ما يشاء إبقاءه لما نيط بكل منهما من مصالح دينكم {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} عطف على نقرئك واليسرى فعلى من اليسر وهو السهولة ويسرت كذا سهلت وهيأت وضمن نيسرك معنى التوفيق ولذا عدى بدون اللام وإلا فالعبارة المعتادة أن يقال جعل الفعل الفلاني ميسراً لفلان لا أن يقال جعل فلان ميسراً للفعل الفلاني كما في الآية فإنه قيل ونيسرك لليسرى لا ونيسر اليسرى لك وقال بنون العظمة لتكون عظمة المعطى دليلاً على عظمة العطاء وفي "الإرشاد" تعليق التيسير به عليه السلام ، مع أن الشائع تعليقه بالأمور المسخرة للفاعل كما في قوله تعالى : [طه : 26-9]{وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى} للإيذان بقوة تمكينه عليه السلام من اليسرى والتصرف فيها بحيث صار ذلك ملكة رسخة له كأنه عليه السلام جبل عليها كما في قوله عليه السلام اعملوا فكل ميسر لما خلق له والمعنى ونوفقك توفيقاً مستمراً توفيقاً للطريقة اليسرى أي التي هي أيسر وأسهل في كل باب من أبواب الدين علماً وتعليماً واهتداء وهداية فيندرج فيه تيسير طريق تلقى الوحي والإحاطة بما فيه من أحكام الشريعة السمحة والنواميس الإلهية مما يتعلق بتكميل نفسه عليه السلام ، وتكميل غيره كما يفصح عنه الفاء في قوله تعالى : فذكر إن نفعت الذكرى} أي فذكر الناس حسبما يسرناك له بما يوحي إليك وأهدهم إلى ما في تضاعيفه من الأحكام الشرعية كما كنت تفعله أن نفع التذكير والعظة والنصيحة وتقييد التذكير بنفع الذكرى لما إن رسول الله عليه السلام ، طالما كان يذكرهم ويستفرغ فيه جهده حرصاً على إيمانهم وكان لا يزيد ذلك بعضهم إلا كفراً وعناداً فأمر عليه السلام ، بأن يخص التذكير بمدار النفع في الجملة بأن يكون من يذكره كلا أو بعضاً ممن يرجى منه التذكر ولا يتعب نفسه في تذكير من لا يزيده التذكير الاعتوا ونفوراً من المطبوع على قلوبهم كما في قوله تعالى فذكر بالقرآن من يخاف وعيد فحرف الشك راجع إلى النبي عليه السلام لا إلى الله وفي "كشف الأسرار" أن تجيء في العربية مثبتة لا لشرط فتكون بدل قد كقوله وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وقد علم عليه السلام إن الذكرى تنفع لا محالة إما في ترك الكفر أو ترك المعصية أو في الاستكثار من الطاعة فهو حث على ذلك وتنبيه على إنها تنفع إلا أن تكون مطبوعاً على قلبه غير مستعد للقبول فالنفع مشروط بشرط الاستعداد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
زمن شوره سنبل بر نيارد
در وتخم عمل ضابع مكردان
والحاصل أن التذكير خاص بالمنتفع وذلك في النهاية وإما في البداية فعام وما على الرسول إلا البلاغ.
من آنه شرط بلاغتس باتوميكويم
توخواه ازسختم ندكير وخواه ملال
407
قال القاشاني : أجمل في قوله إن نفعت الذي تم فصل بقوله {سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى} أي سيتذكر بتذكيرك ك يعني زود باشدكه ندذيرد.
من شأنه أن يخشى الله حق خشيته أو من يشخى الله في الجملة فيزداد ذلك بالتذكير فيتفكر في أمر ما تذكر به فيقف على حقيقته فيؤمن به وفي التفسير الكبير الناس في أمر المعاد على ثلاثة أقسام منهم من قطع بصحته ومنهم من جوز وجوده ولكنه غير قاطع فيه لا بالنفي ولا بالإثبات ومنهم من أصر على إنكاره والقسمان الأولان ينتفعون بالتذكير بخلاف الثالث {وَيَتَجَنَّبُهَا} أي يتبعد من الذكرى ولا يسمعها سماع القبول {إِلا الاشْقَى} أي الزائد في الشقاوة من الكفة لتوغله في عداوة النبي عليه السلام ، مثل الوليد بن المغيرة وأبي جهل ونحوهما أو الأشقى هو الكافر مطلقاً لأنه أشقى من الفاسق وروى أن من يخشى هو عثمان بن عفان رضي الله عنه وإلا شقى رجل من المنافقين وذلك إن المنافق كانت له نخلة مائلة في دار رجل من الأنصار فسقط نمرها في داره فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فأرسل إلى المنافق ولم يكن يعلم بنافقه فسأله أن يعطي النخلة للأنصاري على أن يعطيه نخلة في الجنة فقال أبيع عاجلاً بآجل لا أفعل فأعطه عثمان رضي الله عنه حائط نخل له فنزلت الآية كما في التكملة ونظيره إن رجلاً قضى النبي عليه السلام حاجة فقال ائتني بالمدينة فأتاه فقال أيما أحب إليك ثمانون من الضأن أو أدعو الله أنيجعلك معي في الجنة قال بل ثمانون من الضأن قال أعطوه إياها ثم قال إن أصاحبة موسى عليه السلام كانت أعقل منك وذلك إن عجوزاً دلته على عظام يوسف عليه السلام فقال لها موسى أيما أحب إليك أسأل الله أن تكون معي في الجنة أو مائة من الغنم قالت الجنة.
هركه بيندمر عطارا صد عوض
زود در بزد عطار ازين غرض
(10/316)
آروزى كل بود كل خواره را
كلشكر نكوارد آن بياره را
{الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} أي يدخل الطبقة السفلى من طبقات النار.
وآتش آن از آتش دركات ديكر تيز تروسوزنده تراست وآن جاي آل فرعون ومنافقان ومنكران مائده عيسى عليه السلام اشد ونار صغرى رر طبقه علياكه اي كنهكاران امت محمد مصطفاست عليه السلام.
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
فالكبرى اسم تفصيل لأنه تأنيث الأكبر والمفضل هو ما في أسفل دركات جهنم من النار التي هي نصيب الكفار كما قال تعالى : {إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاسْفَلِ مِنَ النَّارِ} والمفضل عليه مافي الدكرات التي فوقها فإن لجهنم نيراناً ودركات متفاضلة كما أن في الدنيا ذنوباً ومعاصي متفاضلة فكما أن الكفار أشقى العصاة كذلك يصلون أعظم النيران وقيل الكبرى نار جهنم والصغرى نار الدنيا يعني إن المفضل نار الآخرة والمفصل عليه نار الدنيا لقوله عليه السلام ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم وقد غمست ف يماء البحر مرتين ليدنى منها وينتفع بها ولولا ذلك ما دنوتم منها ويقال إنها تتعوذ بالله من جهنم وإن ترد إليها.
يقول الفقير : الظهر إن المراد بالنار الكبرى هو العذاب الأكبر في قوله تعالى فيعذبه الله العذاب
408
الأكبر وهو عذاب الآخرة وأما العذاب الأصغر فهو عذاب الدنيا وعذاب البرزخ فإنه يصغر بالنسبة إلى عذاب الآخرة قال بعض الحكماء علامة الشقاوة أشياء كثيرة الأكل والشرب والنوم والإصرار على الذنب وقساوة القلب وكثرة الذنب ونسيان الرب والوقوف بين يدي املك الجبار فهذا هو الأشقى الذي يدخل النار الكبرى.
وفي التأويلات النجمية : النار ناران نار حجاب الدنيا بالاشتغال بالشهوات والذات وهي الصغرى ونار حجاب الآخرة وهو الابتلاء بالخذلان والخران والطرد والهجران كما قال تعالى ومن كان ف يهذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاف لفوات الاستعداد.
وقال القاشاني : النار الكبرى هي نار الحجاب عن الرب بالشرك والوقوف مع الغير ونار القهر في مقام الصفات ونار الغضب والسخط في مقام الأفعال ونار جهنم الأثار في المواقف الأربعة من موقف الملك والملكوت والجبروت وحضرة اللاهوت أبد الآيدين فما أكبر ناره ثم لا يموت فيها} حتى يستريح {وَلا يَحْيَى} حياة تنفعه كما يقال لمن ابتلى بالبلاء الشديد لا هو حي ولا هو ميت وثم للتراخي من مراتب الشدة لأن التدد بي الموت والحياة أفضع من نفس الصلى وقال ابن عطاء لا يموت فيستريح من غم القطعية ولا يحيي فيصل إلى روح الوصلة.
وفي التأويلات النجمية : لا يموت نفسه بالكلية ليستريح من عقوبات الحجاب والاحتجاب ولا يحيى قلبه بحياة الإيمان لكونه في دار الجزاء لا في دار التكليف.
وقال القاشاني : لا يموت لامتناع انعدامه ولا يحيي بالحقيقة لهلاكه الروحاني أي يتعذب دائماً سرمداً في حالة يتمنى عندها الموت وكلما احترق وهلك أعيد إلى الحياة وعذب فلا يكون ميتاً مطلقاً ولا حياً مطلقاً.
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
يقول الفقير لا يموت لأن الموت يذبح فلا موت ولا يحيى لأن المموم كالميت فيبقى في العذاب الروحاني كما يبقى في العذاب الجسماني قال بعض الكبار لا حياة إلا عن موت ولا موت إلا عن رؤية حي فمن مات غير هذا الموت فلا يحيى ومن حي غير هذهالحياة فهي حياة حيوانية لا حياة إنسانية {قَدْ أَفْلَحَ} أي نجا من المكروه وظفر بما يرجوه {مَن تَزَكَّى} أي تطهر من الكفر والمعاصي بتذكره واتعاظه بالذكرى أو تكثر من التقوى والخشية من الزكاء وهو النماء وكلمة قد لما أن عند اُبار بسوء حال المتجنب عن الذكرى ف يالآخرة يتوقع السامع الأخبار بحسن حال المتذكر فيها وينتظره {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} بقلبه ولسانه {فَصَلَّى} أقام الصلوات الخمس كقوله أقم الصلاة لذكرى أي كبر تكبيرة الافتتاح فصلى فالمراد بالذكر تكبيرة الافتتاح لكن لا يختص الذكر عند الحنفية بأن يقول الله أكبر لعموم الذكر ودل العطف بالفاء التعقيبية عل عدم دخول الكبير في الأركان لأن العطف يقتضى المغايرة بين المعطوفين قال الامام مراتب أعمال المكلف ثلاث فأولاها إزالة العقائد الفاسدة عن القلب وهي المرادة بالتزكى والثانية استحصار معرفة الله بذاته وصفاته وأسمائه وهي المرادة بالذكر لأن الذكر بالقلب ليس إلا المعرفة والثالثة الاشتغال بالخدمة والطاعة وهي المرادة بالصلاة فإنها عبارة عن التواضع والخشوع فمن استتار قلبه بمعرفة جلال الله لا بد وإن ظهر في جوارحه وأعضائه أثر الخضوع والخشوع.
قال بعضهم خلق الله وجهاً يصلح للسجدة وعيناً تصلح للعبرة ودنا صلح للخدمة وقلبا يصلح للمعرفة وسرا يصلح للمحبة فاذكروا نعمة الله
409
عليكم حيث زين ألستكم بالشهادة وقلوبكم بالمعرفة وأبدانكم بالعبادة.
(10/317)
(روى) عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الله تعالى قال الله سبحانه إن لي مع المصلين ثلاث شرائط إحداها تنزل الرحمة من عنان السماء إلى مفرق رأسه ما دام في صلاته والثانية حفته الملائكة بأجنحتها والثالثة أناجي معه كلما قال يا رب أقول لبيك ثم قال عليه السلام لو علم لمصلي من يناجي ما التفت.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
وروى) عن ابن عمر رضي الله عنه أن المراد بالتزكي إخراج صدقة الفر قبل المضي إلى المصلي وبالذكران يكبر في الطريق حين خروجه إلى المصلي وبالصلاة أن يصلي صلاة العيد بعد ذلك مع الامام وهذه السورة وإن كانت مكية بالإجماع ولم يكن بمكة عيد ولا صدقة فطر إلا أنه لما كان في علمه إن ذلك سيكون اثني الله على من فعل ذلك فإنه تعالى قد يخبر عما سيكون وفي الآية إشارة إلى تطهير النفس عن المخالفات الشرعية وتطهير القلب عن المحبة الدنيوية بل عن ملاحظة الغير والتوجه إلى الله تعالى بقدر الاستعداد إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا} إضراب عن مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قبل أثر بيان ما يؤدي إلى الفلاح لا تفعلون ذلك بل تختارون اللذات العاجلة الفانية فتسعون لتحصيلها والخطاب إما للكفرة فالمراد بإيثار الحياة الدنيا هو الرضى والاطمئنان بها والإعراض عن الآخرة بالكبة كما في قوله تعالى وإن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها الآية أو للكل فالمراد بإيثارها ما هو أعم مما ذكر وما لا يخلو عنه الناس غالباً من ترجيح جانب الدنيا على الآخرة في السعي وترتيب المبادي والالتفات على الأول لتشديد التوبيخ وعلى الثاني كذلك في حق الكفرة ولتشديد العتاب في حق المسلمين وفي "فتح الرحمن" فالكافر يؤثرها إيثار كفر يرى أن لا آخرة والمؤمن يؤثرها إيثار معصية وغلبة نفس إلا من عصم الله وفي "عين المعاني" خطاب للأمة إذ كل يميل إلى الدنيا إما رغبة فيها أو إدخار الثواب الآخرة.
(وفي كشف الأسرار) : مصطفى عليه السلام أول قلم فتوى.
در حق دنيا اين راندكه حلالها حساب وحرامها عذاب آنكه برو لعنت كردكه.
الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله.
اكردينت همى بايد زد ننا دار ى بكسل
ورت دنيا همي بايد بده دين وببر دنيا
ورازد وزخ همي ترسى بمالي س مشوغره
كه اينجا صورتش ما لست وآنجاشكلش ادرها
ه مانى بهر مردارى وازاغان اندرين ستى
قفص بشكن وطا سان يكى برر بزين بالا
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
{وَالاخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} حال من فاعل تؤثرون مؤكدة للتوبيخ والعتاب أي تؤثرونها على الآخرة والحال أن الآخرة خير في نفسها لما إن نعيمها مع كونه في غاية ما يكون من اللذة خالص عن شائبة الغائلة أبدى لا انصرام له وعدم التعرض لبيان تكدر نعيم الدنيا بالمنغصات وانقطاعه عما قليل لغاية ظهوره وفيه إشارة إلى أن ظواهر الأشياء بالنسبة إلى حقائقها كالقشر بالنسبة إلى اللب واللب خير من القشر وأبقى لأن لب الحب يحفظ زماناً طويلاً وقشره إذا سلخ من اللب يطرح في النار أو يرمى بالمزابل فيفنى بعد اليومين أو أكثر فأرباب
410
القشر يؤثرون الأمور الظاهر الخسيسة الدنية الفنية على الأمور الباطنة المعنوية الشريفة العزيزة الباقية لكونهم محجوبين عن الآخرة وأرباب اللب يختارون الآخرة بل الله الآخر كما قال قل الله ثم ذرهم ويقال قد أفلح من تزكى أي من تاب من الذنوب وذكر اسم ربه يعني إذا سمع الأذان خرج إلى الصلاة ثم ذم تارك الجماعة لأجل اشتغاله بالدنيا فقال بل تؤثرون الحياة الدنيا يعني تختارون عمل الدنيا على علم الآخرة وعمل الآخرة خير وأبقى من عمل الدنيا والاشتال بها وبزينتها {إِنَّ هَـاذَآ} إشارة إلى ما ذكر من قوله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّه فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا * وَالاخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَـاذَا لَفِى الصُّحُفِ الاولَى} جميع صحيفة وهي الكتاب قال الراغب الصحيفة المبسوط من كل شي كصحيفة الوجه والصحيفة التي كان يكتب فيها والمصحف ما جعل جامعاً للصحف المكتوبة والمعنى لثابت فيها يعني أن تطهير النفس عما لا ينبغي وتكميل الروح بالمعارف وتكميل الجوارح بالطاعة والزجر عن الالتفات إلى الدنيا والترغيب في الآخرة وفي ثواب الله في دار كرامته لا يجوز أن يختلف باختلاف الشرائع {صُحُفِ} جدك {إِبْرَاهِيمَ} الخليل عليه السلام صحف أخيك {مُوسَى} الكليم عليه السلام بدل من الصحف الأولى.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
(10/318)
روى) إن جميع ما أنزل الله من كتاب مائة وأربعة كتب أنزل على آدم عليه السلام عشر صحف حروف التهجي صحيفة منها وعلى شيت عليه السلام خمسين صحيفة وعلى إدريس عليه اسلام ثثين صحيفة وعلى إبراهيم عليه السلام عشر صحائف والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان فصحف موسى هي الألواح التي كتبت فيها التوراة كذا قال الامام وفي التيسير صحف شيت وهي ستون وصحف إبراهيم وهي ثلاثون وصحف موسى قبل الوراة وهي عشر والتوراة والإنجيل والزبور والقرآن وكان في صحف إبراهيم ينبغي للعاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون حافظاً للسانه عارفاً بزمانه مقبلاً على شانه وأيضاً الخروج عما سوى الله بنعت التجريد كما قال إني بريء مما تشركون والإقبال على الله لقوله يو جهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ونقل من صحف موسى يقول الله يا ابن آدم اعمل لنفسك قبل نزول الموت بك ولا تغرنك المطية فإن على آثارها السفر ولا تلهينك لحياة وطول الأمل عن التوبة فإنك تندم على تأخيرها حين لاي نفعك الندم يا ابن آدم إذا لم تخرج حقي من مالي الذي رزقتك إياه ومنعت منه الفقراء حقوقهم سلطت عليك جباراً يأخذه منك ولا أثيبك عليه وفي صحف موسى أيضاً سرعة الشوق إلى جماله والندم على الوقوف في المقامات عند تعريف الصفات لقوله إني تبت إليك وأنا أول المؤمنين وفي المؤمنين وفي التيسير دل الكلام على قول الامام الأعظم رحمه الله إن قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة صحيحة وهو قرآن بأي لسان قرىء لأنه جعل هذا المذكور مذكوراً في تلك الصحف ولذلك قال وإنه لفي زبر الأولين ولا شك إنه لم يكن فيها بهذا النظم وبهذه اللغة وكان قرآناً لأن العبرة بالمعني والألفاظ ظروف وقوالب لها انتهى.
وفيه تأييد لمن جوز نقل الحديث بالمعنى وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما بسبح اسم ربك الأعلى ، وقل
411
يا أيها الكافرون ، وفي الوتر بقل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس ، وبه عمل الشافعي ومالك رحمهما الله ، وما عند أبي حنيفة وأحمد والمستحب في الثالثة الإخلاص فقط.
جزء : 10 رقم الصفحة : 402
تفسير سورة الغاشية
ست وعشرون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 411
{هَلْ أَتَااكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قال قطرب من أئمة النحو أي قد جاءك يا محمد حديث الغاشية قال المولى أبو السعود رحمه الله في "الإرشاد" وليس بذاك بل هو استفهام أريد به التعجيب مما في حيزه والتشويق إلى استماعه والإشعار بأنه من الأحاديث البديعة التي حقها إن يتناقلها الرواة ويتنافس في تلقيها الوعاة من كل حاضر وباد والغاشية الداهية الشديدة التي تغشى الناس بشدائدها وتكتنفم بِوالها وهي القيامة كما قال تعالى : {يَوْمَ يَغْشَااهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} وقال يوماً كان شره مستطيراً يقال غشيه يغشاه أي غطاه وكل ما أحاط بالشيء من جميع جهاته فهو عاش له وجوه يومئذٍ خاشعة} استئناف وقع جواباً عن سؤال نشأ عن الاستفهام التشويقي كأنه قيل من جهته عليه السلام ما أتاني حديثها ما هو فقيل وجوه يومئذٍ وهو ظرف لما بعده من الأخبار الثلاثة أي يوم إذ غشيت تلك الداهية الناس فإن الخشوع والخضوع والتطامن والتواضع كلها بمعنى ويكنى بالجميع عما يعترى بالإنسان من الذل والخزي والهوان فوجوه مبتدأ ولا بأس بتنكيرها لأنها في موقع التنويع وخاشعة خبره قال الشيخ لعل وجه الابتداء بالنكرة كون تقدير الكلام أصحاب وجوه بالإضافة إلا أن الخشوع والذل لما كان ظهر في الوجه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وإنما قلنا إن الذل يظهر في الوجه لأنه ضد التكبر الذي محله الرأس والدماغ والمراد بأصحابا لوجوه هم الكفار بدلالة ماب عده من الأوصاف
جزء : 10 رقم الصفحة : 412
{عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ} خبر إن آخران لوجوه إذا المراد بها أصحابها كما أشير إليه آنفاً والنصب التعب والناصبة التعبة يقال نصب نصباً من باب علم إذا تعب في العمل والمعنى تعمل أعمالاً شاقة تتعب فيها لأنها تكبرت عن العمل في الدنيا فاعملها الله في أعمال شاقة وهي جر السلاسل والإغلال الثقيلة كما قال في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً والخوض في النار خوض الإبل في الوحل أي الطين الرقيق والصعود في تلال النار والهبوط في وهادها وقال بعضهم : خشوع الظاهر ونصب الأبدان لا يقربان إلى الله تعالى بل يقطان عنه وإنما يقرب منه سعادة الأزل وخشوع السر من هيبة الله وهو الذي يمنع صاحبه من جميع المخالفات فالرهبانية والفلاسفة وأضرابهم من أهل الكفر والبدع والضلال إنما يضربون حديداً بارداً ويتعبون أنفسهم في طريق الهوى والسعي فيه {تَصْلَى} تدخل {نَارًا} وتذوق ألمها {حَامِيَةً} أي متناهية في الحر وقد أوقدت ثلاثة آلاف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة وهو
412(10/319)
خبر آخر لوجوه قال في "القاموس" حمى الشمس والنار حمياً وحمياً وحموا اشتد حرهما وقال السجاوندي حامية أي دائمة الحمى وإلا فالنار لا تكون إلا حامية {تُسْقَى} بعد مدة طويلة من استغاثتهم من غاية العطش ونهاية الاحتراق أي سقاها الله أو الملائكة بأمره {مِنْ عَيْنٍ} أي شمه آب كه {ءَانِيَةٍ} أي متناهية بالغة في الأدنى أي احر غايتها لتسخينها بتلك النار منذ خلقت لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لذابت فإذا أدنيت من وجوههم تناثرت لحوم وجوههم وإذا شربوا قطعت أمعاءهم كما قال تعالى : [الرحمن : 44-6]{{وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ} يقال إني الحميم انتهى.
حره فهو آن وبلغ هذا أناه وأناه غايته وفيه إشارة إلى نار الطبيعة وعين الجهل المركب الذي هو مشرب أهلها والاعتقاد الفاسد المؤذي ليس لهم طعام إلا من ضريع} بيان لطعام الكفار في النار أثر بيان شرابهم وأورد ضمير العقلاء إشارة إلى أن المراد من الوجوه أصحابها وإنما أسند إليها ما ذكر من الأحوال لكونها مظهراً يظهر فيه ما في الباطن مع إنها يكنى بها كثيراً عن الذوات والضريع يبيس الشبرق كزبرج وهو شوك ترعاه الإبل ما دام رطباً وإذا يبس نحامته وهو سم قاتل قال في "فتح الرحمن" سموا ذلك الشوك ضريعاً لأنه مضعف للبدن ومهزل يقال ضرع الرجل ضراعة ضعف وذل وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه الضريع شيء في النار يشبه الشوك أمر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حراً من النار وهذا طعام بعض أهل النار والزقوم والغسلين لآخرين بحسب جرائمهم وبه يندفع التعارض بين هذه الآية وبين آية الحاقة وهي قوله تعالى ولا طعام إلا من غسلين قال سعدي المفتي ويمكن في قدرة الله أن يجعل الغسلين إذا انفصل عن أبدان أهل النار على هيئة الضريع فيكون طعامهم الغسلين الذي هو الضريع انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 412
يقول الفقير ويمكن عندي أن يجعل كل من الضريع والغسلين والزقوم بالنسبة إلى شخص واحد بحسب الأعمال المختلفة لكل عمل أثراً مخصوصاً وجزاء متعيناً فيصح الحصر وتحقيقه إن الضريع إشارة إلى الشبه والعلوم الغير المنتفع بها المؤذية كالمغالطات والخلافيات والسفسطة وما يجري مجراها على ما قاله القاشاني والغسلين إشارة إلى الشهوات الطبيعية ولذا يسيل من أبدانهم فإن لكل شهوة رشحاً وعرقاً وكل اء يترشح بما فيه والزقوم إشارة إلى خوضهم في الأنبياء والألوياء وطعنهم في دينهم وضحكهم منهم وكانوا يتلذذون بذلك على ما أشار إليه قوله تعالى : [الغاشية : 7]{وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ} أي متلذذين بما فعلوا من التغامز والسخرية ونحو ذلك على إن الزقمة هو الطاعون ووجه آخر وهو إنه يمكن الترتيب بالنسبة إلى شخص واحد بأن يكون الزقوم نزلاً له والضريع إكلاله بعد ذلك والغسين شرا ً له كالحميم والعلم عند الله لا يسمن} فربه نمى كند آن ضريع {وَلا يُغْنِى مِن جُوعٍ} ودفع نمى كند كرسنكى را.
أي ليس من شأنه الاسمان والإشباع كما هو شأن طعام الدنيا وإنما هو شيء يضطرون إلى أكله من غير أن يكن له دفع لضرورتهم لكن لا على إن لهم استعداداً للشبع والسمن إلا أنه لاي يفيدهم شيئاً منهما بل على إنه لا استعداد من جهتهم ولا إفادة من جهة طعامهم
413
وتحقيق ذلك جوعهم وعطشهم ليسا من قبيل ما هو المعهود منهما في هذه النشأة من حالة عارضة للإنسان عند استدعاء الطبيعة لبدل ما يتحلل من البدن مشوقة له إلى المطعوم والمشروب بحيث يتلذذ بهما عند الأكل والشرب ويستغنى بهما عن غيرهما عند استقرارهما في المعدة ويستفيد منهما قوة وسمنا عند انهضامهما بل جوعهم عبارة عن اضطرارهم عند اضطرام النار في أحشائهم إلى إدخال شيء كثيف يملأها ويخرج ما فيها من اللهب وإما أن يكون لهم شوق إلى مطعوم ما لو التذاذ به عند الأكل والاستغناء به عن الغير أو استفادة قوة فهيهات وكذا عطشهم عبارة عن اضطرارهم عند أكل الضريع والتهابه في بطونهم إلى شيء مائع بارد يطفئه من غير أن يكون لهم التذاذ بشر به أو استفادة قوة به في الجملة وهو المعنى بما روى إنه تعالى يسلط عليهم الجوع بحيث يضطرهم إلى أكل الضريع فإذا أكلوه يسلط عليهم العطش فيضطرهم إلى شرب الحميم فيشوى وجوههم ويقطع أمعاءهم وتنكير الجوع إياه بخلاف العكس ولذلك كرر لتأكيد النفي {وُجُوهٌ يَوْمَـاـاِذٍ نَّاعِمَةٌ} أي ذات بهجة وحسن وضياء مثل القمر ليلة البدر وبالفارسية تازه باشد أثر نعمت در ويدا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 412
(10/320)
فناعمة من نعم الشيء بالضم نعومة أي صار ناعماً ليناً ويجوز أن يكون بمعنى متنعمة أي بالنعم الجسمانية والروحانية وهي وجوه المؤمنين فيكون المراد بها حقيقة النعمة وإنما لم تعطف على ما قبلها إيذاناً بكمال تباين مضمون الجملتين وتقديم حكاية أهل النار لأنه أدخل في تهويل الغاشية وتفخيم حديثها وفيه إشارة إلى نعيم اللقاء الذي هو ثمرة اللطافة والتورية التي هي نتيجة التجرد كما قال تعالى وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة فإن بالنظر إلى الرب يحصل نضرة أي نضرة {لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} أي لعملها اذي عملته في الدنيا حيث شاهدت ثمرته ورأت عاقبته الحميدة فاللام متعلقة براضية والتقدير راضية سعيها فلما تقدم المعمول على العامل الضعيف جيء باللام لتقوية العمل ويجوز أن تكون لام التعليل أي لأجل سعيها في طاعة الله راضية جزاءها وثوابها ودخل في السعي الرياضات والمجاهدات والخلوات {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} أي كائنة أو متمكنة في جنة مرتفعة المحل فإن الجنات فوق السموات العلى كما إن النيران تحت الأرضين السبع وأيضاً هي درجات بعضها أعلى من بعض والدرجة مثل ما بين السماء والأرض فتكون من العلو في المكان وفي الحديث : "إن المتحابين في الله في غرف ينظر إليهم أهل الجنة كما ينظر أهل الدنيا إلى كواكب السماء" ويجوز أن يكون معنى عالية عليهة القمدار فتكون من العلو في القدر والشرف لتكامل ما فيهما من النعيم وفيه إشارة إلى المقامات العالية المعنوية لأنها مقامات أهل الوجاهة والشرف المعنوي فلا يصل إليها أهل التمني والدعوى {لا تَسْمَعُ} أنت يا مخاطب فالخطاب عام لكلم ن يصلح له أو الوجوه فيكون التاء للتأنيث لا للخطاب {فِيهَا} أي في تلك الجنة العالية {لَـاغِيَةً} لغوا من الكلام وهو ما لا يعتد به فهي مصدر كالعافية أو كلمة ذات لغو على إنها للنسبة أو نفساً تلغو على أنها اسم فاعل صفة لموصوف
414
محذوف هو نفس وذلك فإن كلام أهل الجنة كله إذكار وحكم إذ لا يدخلها المؤمن إلا من مرتبة القلب والروح فإن النفس والطبيعة تطرحان في النار وشأن القلب والروح هو الذكر كما إن شأن النفس والطبيعة هو اللغو فكما لا لغو في الجنة الصورية فكذا لا لغو في الجنة المعنوية في الدنيا لاستغراق أهلها في الذكر وسماع خطاب الحق ولذا لا تسمع في مجالستهم إلا المعارف الربانية والحكم الرحمانية وفي الحديث "إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولاي بولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون قالوا فما بال الطعام قال رشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس وإما الدنيا ومجالس أهلها فلا تخلو من اللغو ولذلك قال عليه السلام : "من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه" وهو الكلام الرديء القبيح والضجة والأصوات المختلفة لا يفهم معناها "فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك" أي ما لم يتعلق بحق آدمي كالغيبة
جزء : 10 رقم الصفحة : 412
{فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} التنوين للتكثير أي عيون كثيرة تجري مياهها على الدوام حيث شاء صاحبها وهي أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل من شرب منها لا يظمأ عدها أبداً ويذهب من قلبه الغل والغش والحسد والعداوة والبغضاء وفيه إشارة إلى عيون الذوق والكشف والوجدان والتوحيد فإن بها يحصل الشفاء والصحة والبقاء لأهل القلوب وأصحاب الأرواح {فِيهَا سُرُرٌ} يجلسون عليها جمع سرير وهو معروف يعني در آنجا تختها برهر تختي هفصد يستر برهر سترى حورى ون ماء أنور {مَّرْفُوعَةٌ} رفيعة السمك أي عالية في الهواء على قوائم طوال فإن السمك هو الامتداد الآخذ من أسفل الشيء إلى أعلاه فالمراد برفعة سمكها شدة علوها في الهواء فيرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما أعطاه ربه في الجنة من النعيم الكبير والملك العظيم قال عليه السلام ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام قيل إذا جاء ولي الله ليجلس عليها تطامنت له فإذا استوى عليها ارتفعت ويجوز أن يكون المعنى رفيعة المقدار من حيث اشتمالها على جميع جهات الحسن والكمال في ذواتها وصفاتها.
أصل آن زر مكلل بزبرجد وجواهر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 412
(10/321)
وقال الخراز قدس سره هي سرائر رفعت عن النظر إلى الإعراض والأكوان وفيه إشارة إلى مراتب الأسماء الإلهية التي بلغوها بالإنصاف والتخلق بها في السلوك فإنها رفيع قدرها عن مراتب الجسمانيات {وَأَكْوَابٌ} يشربون منها جمع كوب بالضم وهو إناء لا عروة له ولا خرطوم يعني بي دسته ولو له مقدور الرأس ليمسك من أي طرف أريد بخلاف الإبريق وهو مستعمل في بعض بلاد العرب الآن ولذا وقع به التشويق {مَّوْضُوعَةٌ} أي بين أيديهم حاضرة لديهم لا يحتاجون إلى أن يدعوا بها وهو لا ينافي أن يكون بعض الأقداح في أيدي الغلمان كما سبق في هل أتى على الإنسان الخ وفيه إشارة إلى ظروف خمور المحبة وثابتها على حالها مع ما فيها {وَنَمَارِقُ} وسائد يستندون إليها للاستراحة جمع نمرقة بفتح النون وضمها والراء مضمومة فيهما بمعنى الوسادة {مَصْفُوفَةٌ} بعضها إلى جنب بعض كما يشاهد في بيوت الأكابر أينما أراد أن يجلس المؤمن جلس على واحدة واستند إلى أخرى وعلى رأسه وصائف كأنهن الياقوت والمرجان
415
وفيه إشارة إلى التجريد والتفريد والجمع والتوحيد أينما يريدون يجلسون ويستندون إليها {وَزَرَابِيُّ} أي بسط فاخرة جمع زربي.
قال الراغبي : هو ضرب من الثياب محبر منسوب إلى موضع على طريق التشبيه والاستعارة {مَبْثُوثَةٌ} أي مبسوطة على السرر زينة وتمتعا وفيه إشارة إلى انبساط أرواحهم واشنراح صدورهم وانفتاح قلوبهم في بساط القدس والإنس وإلى مقامات تجليات الأفعال التي تحت مقامات الصفات كالتوكل تحتى الرضى مبثوثة أي مبسوطة تحتهم وأصل البث إثارة الشيء وتفريقه كبث الريح التراب {أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الابِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} الهمزة للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام والإبل بكسرتين وتسكن الباء واحد يقع على الجمع وليس بجمع ولا اسم جمع والجمع آبال كما في "القاموس" وقال بعضهم اسم جمع لا واحد لها من لفظها وإنما واحدها بعير وناقة وجمل وكلمة كيف منصوبة بما بعدها معلقة لفعل النظر والجملة في حيز الجر على إنها بدل اشتمال من الإبل أي أينكرون ما ذكر من البعث وأحكامه ويستبعدون وقوعه عن قدرة الله فلا ينظرون نظر اعتبار إلى الإبل التي هي نصب عينهم يستعملونها كل حين إنها كيف خلقت خلقاً بديعاً معدولاً به عن سن خلفة سائر أنواع الحيوانات في عظم جثتها وشدة قوتها وعجيب هيئتها اللائقة يتأتى ما يصدر عنها من الأفاعيل الشاقة كالنهوض منا لأرض بالأوقار الثقيلة وجر الأثقال الفادحة إلى الأقطار النازحة وفي صبرها على الجوع والعطش حتى إن ظمئها ليبلغ العشر فصاعداً واكتفاءها باليسير ورعيها لكل ما تيسر من شوك وشجر وغير ذلك مما لا يكاد يرعاه سائر البهائم وفي انقيادها مع ذلك للإنسان في الحركة والسكون والبروك والنهوض حيث يستعملها في ذلك كيفما يشاء ويقتادها بقطارها كل صغير وكبير وتبول من خلفها لأن قائدها أمامها فلا يترشش عليه بولها وعنقها سلم إليها وتتأثر من المودة والغرام وتسكر منهما إلى حيث تنقطع عن الأكل والشرب زماناً ممتداً وتتأثر من الأصوات الحسنة والحداء وتصير من كمال التأثر إلى حيث تهلك نفسها من سرعة الجرى ويجري الدمع عينيها عشقاً وغراماً بر رومى فرموده است.
جزء : 10 رقم الصفحة : 412
برخوان أفلا ينظر تاقدرت ما بيني
يكره بشتر بنكر تاصنع خدا بيني
درخار خورى قانع دربار برى راضي
اين وصت اكرجويى در أهل صفا بيني
ولم يذكر الفيل مع إنه أعظم خلقة من الإبل لأنه لم يكن بأرض العرب فلم تعرفه ولاي حمل عليه عادة ولا يحلب دره ولا يؤمن ضره.
بخلاف شتركه هره مطلوبست از حيوان مثل نسل وحمل وشير ولحم وركوب هم از وحاصل است.
وقال بعض العلماء ذكر الله الجنة وما اتخذ فيها من المنازل الرفيعة والسرر العالية التي سمكها كذا وكذا ذراعاً قالوا فكيف يقعد أحدنا عليها وقامته قصيرة وهو لا يكاد يرقى سطحاً بغير سلم وتعجب المشركون منه وأيضاً.
كفتند بطريق سخريت كه اكراين واقعست س بلال وخباب أمثال ايشانرا كار افتاد زيرا بسى زحمت بايد تابر بالاي آن تخت بلند روند وبسى فرصت بايدتا ازان فرود
416
(10/322)
آيند ابن آيت آمدكه أفلا ينظرون الخ يعني شتريا آن همه بلندى وبزركى برشته مسخر كودكى ميشود تا برد برآيد وفرود آيدس را ارتخت بهشت متعجب مشوندكه درفرمان بهشتى باشد {وَإِلَى السَّمَآءِ} التي يشاهدونها كل لحظة بالليل والنهار {كَيْفَ رُفِعَتْ} رفعا سحيق المدى بلا عماد ولا مساك بحيث لا يناله الفهم والإدراك {وَإِلَى الْجِبَالِ} التي ينزلون في أقطارها وينفعون بمياهها وأشجارها {كَيْفَ نُصِبَتْ} نصباً رصيناً فهي راسخة لا تميل ولا تميد وقال أبو الليث كيف نصبت على الأرض أوتاداً لها وفيه إشارة إلى عالم المثال لأنه متوسط بين سماء الروحانيات وأرض الجسمانيات كالجبال في الخارج {وَإِلَى الارْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} أي وإلى الأرض التي يضربون فيها ويتقلبون عليها كيف سطحت سطحاً وبسطت على ظهر الماء بسطاً حسما يقتضيه صلاح أمرو ما عليها من الخلائق والاستدلال بكونها مسطوحة على عدم كونها كرة مجاب بأن الكرة إذا كانت عظيمة جداً يكون كل قطعة منها كالسطح فيصح أن يطلق عليها البسط ففرق بين كرة وكرة كما إنه فرق بين بض المامة وبيض النعامة والمعنى أفلا ينظرون نظر التدبر والاعتبار إلى كيفية خلق هذه المخلوقات الشاهدة بحقية ابعث والنشور لإشعارها بأن خالقها متصف بصفات الكمال من القدرة والقوة والحكمة منزه عن صفات النقصان من العجز والضعف والجهل حتى يرجعوا عما هم عليه من الإنكار والنفور ويسمعوا إنذارك ويستعدوا للقاء الله بالإيمان والطاعة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 412
درتبيان آورده كه مخاطب عرب اند وأكثر ايشان أهل بريه باشند ومال ايشان شتراست وهرطر في مينكرند جز آسمان وزمين وكوه نمى بينند لا جرم بعد از ذكر شتر آسمان وكوه وزمين ياد ميكرد.
يعني قرنت الإبل بالسماء والجبال بالأرض لأن الآية نزلت بطريق الاستدلال وهم كانوا أشد ملابسة بهذه الأشياء من غيرهم فلذا جمع الله بينها وقال الغزالي رحمه الله خص الإبل بالذكر لأنها لائقة بقرائنها معنى فالسماء الظليلة والأرض الزاملة والجبال الثقيلة كالإبل لفرش والحمولة فالسحاب تحمل الماء الزلال والإبل الأحمال الثقال والأرض الجبال والكل مسخر بأمره قال القرطبي قدم الإبل في الذكر ولو قدم غيره جاز وعن القشيري رحمه الله إنه قال ليس هذا مما يطلب فيه نوع حكمة.
يقول الفقيران قلت لو أخر ذكر الإبل لكان له مناسبة تامة مع ذكر الأرض لأن الإبل سفن البر قلت نعم لكنه اعتبر سمك الإبل فترقى منه إلى سمك السماء.
ثم يقول الفقير ولي كلام عريض في هذا المقام ذكرته في كتاب الواردات الحقية لي وخلاصته إنه تعالى أشار بالإبل إلى النفوس فإنها ضخمة جسيمة مثلها وبدأ بالنفوس لأنها أصل بمنزلة الأم والدرجة الأنوثة تقدم حكماً وإن كان لها تأخر صورة كحواء بالنسبة إلى آدم وأشار بالسماء إلى الأرواح لأنها علوية وبمزلة الأب ولهذا أردفها بها وأشار بالجبال إلى القلوب لأنها أثبت من الرواسي ولأنها خلقت بعد خلق الروح والنفس كما أن الجبال خلقت بعد خلق السماء والأرض هي بمنزلة الولد لهما ولذا عقبهما بها وقد صح إن الجبال تعبر في الرؤيا بأهل القلوب من الرجال لأنهم أوتاد الأرض والعمد المعنوية في الحقيقة كما أن الجبال أوتاد الأرض في الصورة وأشار بقوله نصبت دون خلقت إلى أن
417
القلوب في الحقيقة أمر ملكوتي وإن ظهرت في الصورة ظهور الولد من الأبوين وأشار بالأرض إلى الأجساد السافلة وهي مؤخرة في المرتبة فالله تعالى سطح أرض البشرية والجسدانية لتكون مستقر النفوس وخلق النفوس لتكون مستوى القلوب وخلق القلوب لتكون عروش الروح بل السر بل الأخفى فما أحسن ترتيب هذه الآية وما أشد انتظام جملتها وتناسها فهي كالجمع بين كاتب وقلم وقرطاس ودواة والله تعالى أعلم {فَذَكِّرْ} الفاء لترتيب الأمر بالتذكير على ما ينبىء عنه الإنكار السابق من عدم النظر أي فاقتصر على التذكير ولا تلح عليهم ولا يهمنك إنهم لا ينظرون ولا يتذكرون
جزء : 10 رقم الصفحة : 412
(10/323)
{إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ} تعطيل للأمر بما أمرت به أي مبلغ وإنما الهداية والتوفيق إلى الله تعالى {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} أي لست بمسلط عليهم تجبرهم على ما تريد كقوله تعالى وما أنت عليهم بجبار وأكثر القراء قرأوا بمصطر بالصاد على القلب لمناسبة الطاء بعدها وقرىء بالسين على الأصل وبالإشمام بأن يخلط صوت الصاد بصوت الزاي بحيث يمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاي وخلطذ حرف بحرف أحد معاني الإمام في عرف القراء يقال سطر يسطر سطراً كتب والمسيطر والمصيطر المسلط على الشيء ليشرف لعيه ويتعهد أحواله ويكتب عمله فأصله من السطر فالكتاب مسيطر والذي يفعله مسيطر.
وقال الراغب : يقال سطر فلان على كذا أو تسطر عليه إذا قام عليه قيام سطر أي لست عليهم بقائم وحافظ واستعمال مسيطر هنا كاستعمال القائم في قوله من هو قائم على كل نفس بما كسبت والحفيظ في قوله وما أنت عليهم بحفيظ انتهى {إِلا مَن تَوَلَّى} أعرض عن الحق أو عن الداعي إليه بعد التذكير {وَكَفَرَ} وثبت على الكفر أو أظهره وفي "فتح الرحمن" إلا من تولى عن الإيمان وكفر بالقرآن أو بالنعمة.
وفي التأويلات النجمية : إلا من تولى عن الحق بالإقبال على الدنيا وكفر أي ستر الحق بالخلق وهو استثناء منقطع ومن موصولة لا شرطية لمكان الفاء ورفع الفعل أي لكن من تولى وكفر فإنالولاية والقهر وهو المسيطر عليهم قالوا وعلامة كون الاستثناء متصلاً محضاً لا يحسن ذلك نحو عندي مائتان إلا درهماً فلا يدخل عليه أن {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الاكْبَرَ} الذي هو عذاب جهنم حرها شديد وقعرها بعيد ومقامعها من حديد وفي فتح الرحمن الأكبر عذاب جهنم والأصغر ما عذبوا به في الدنيا من الجوع والأسر والقتل ويؤيده ما قال الراغب في قوله يوم نبطش البطشة الكبرى فيه تنبيه على أن كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدنيا وفي البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم انتهى.
وأيضاً قوله تعالى : {وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الادْنَى دُونَ الْعَذَابِ الاكْبَرِ} فإن المراد بالعذاب الأدنى هو العذاب الأصغر الدنيوي لا البرزخي لقوله تعالى : بعده لعلهم يرجعون فإن الرجوع إنما يعتبر في الدنيا لا في البرزخ وفيما بعد الموت فيكون المراد بالعذاب الأكبر هو العذاب الأخروي وإليه ينظر قوله تعالى : يصلى النار الكبرى كما سبق.
جزء : 10 رقم الصفحة : 412
وفي التأويلات النجمية : العذاب الأكبر هو عذاب الاستتار في الدنيا وعذاب نار الهجران في الآخرة إن إلينا إيابهم} تعليل لتعذيبه تعالى بالعذاب الأكبر يقال آب
418
يؤوب أوبا وآيابا رجع أي إن إلينا رجوعهم بالموت والبعث لا إلى أحد سوانا لا استقلالاً ولا اشتراكاً كما قال تعالى ألا إلى الله تصير الأمور وإليه يرجع الأمر كله فتقديم الخبر للتخصيص والمبالغة فإنه يفيد معنى أن يقال إن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام كما أن مبدأهم وصدورهم كان منه وفيه تخويف شديد فإن رجوع العبد العاصي المصر إلى مالكه الغضوب في غاية الصعوبة ونهاية العسرة وجميع الضمير فيه وفيما بعده باعتبار معنى من كما إن إفراده فيما سبق باعتبار لفظها {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم} في المحشر لا على غيرنا فنحن نحاسبهم على النقير والقطمير من نياتهم وأعمالهم وثم للرتاخي في الرتبة لا في الزمان فإن الترتب الزماني بين إيابهم وحسابهم لا بين كون إيابهم إليه تعالى وحسابهم عليه تعالى فإنهما أمران مستمران قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله إن إلينا إيابهم في الفضل ثم إن علينا حسابهم في العدل وقال البقلي رحمه الله انظر كيف تفضل بعد الوعيد بأن جعل نفسه مآبهم وتكفل بنفسه حسابهم فينبغي أن يعيشوا بهذين الفضلين أطيب العيش في الدارين ويطيروا من الفرح بهذين الخطابين.
(10/324)
يقول الفقير ما قاله البقلي هو ما ذاقه العارفون بطريق المكاشفة فينبغي أن لا يغتر به العوام فإنه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر على الله تعالى يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية إنما خف الحساب في الآخرة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وثقلت موازين قوم في الآخرة وزنوا نفوسهم في الدنيا ومحاسبة النفس تكون بالورع وموزنتهها تكون بمشاهدة عين اليقين والتزين للعرض يكون بمخافة الملك الأكبر وعن علي رضي الله عنه إما بعد فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه فما نالك من الدنيا فلا تكثرنه فحاً وما فاتك منها فلا تتبعنه أسفاً وليكن سرورك بما قدمت وأسفك على منا خلفت وشغلك لآخرتك وهمك فيما بعد الموت وفي الحديث ثلاث من كن في استكمل إيمانه لا يخاف في الله لومة لائم ولا يرائي بشيء من عمله وإذا عرض له أمران أحدهما للدنيا ولآخر للآخرة آثر الآخرة على الدنيا وقال عليه السلام : لو لم ينزل على إلا هذه الآية لكانت تكفي ثم قرأ آخر سورة الكهف فمن كان يرجو لقاء ربه الخ.
فكان هذا فصل الخطاب وبلاغاً لأولى الألباب فالعمل الصالح الإخلاص بالعبادة ونفى الشرك بالخلق هو اليقين بتوحيد الخالق فما كان أي خالصا لأجله وبالله أي بمشاهدة قربه لا بمقارنة نفسه وهواه وفي الله أي سبيله وطلب ما عنده لا لأجل عاجل حظه فمقبول وأهله من المقربين وحسابهم حساب يسير بل لا حساب لهم.
419
جزء : 10 رقم الصفحة : 412
تفسير سورة الفجر
تسع وعشرون أو اثنتان وثلاثون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 419
{وَالْفَجْرِ} قال في "كشف الأسرار" لما كان العرب أكثر خلق الله قسماً في كلامهم جاء القرآن على عادتهم في القسم والفجر فجران مستطيل كذنب السرحان وهو الكاذب ولا يتعلق به حكم ومستطير وهو الصادق الذي يتعلق به الصوم والصلاة أقسم الله بالفجر الذي هو أول وقت ظهور ضوء الشمس في جانب المشرق كما أقسم بالصبح حيث قال والصبح إذا تنفس لما يحصل به من انقضاء الليل بظهوره الضوء وانتشار الناس وسائر الحيوانات من الطيور والوحوش في طلب الأرزاق وذلك مشاكل لنشور الموتى وفيه عبرة عظيمة لمن تأمل.
(وقال الكاشفي) : سوكند بصبح كه وقت مناجات دوستانست.
أو أقسم بصباح عرفة لأنه يوم شرف يتوجه فيه الحجاج إلى جبل عرفات وفي الحديث "الحج عرفة" يعني صباح روز عرفه كه وظائف دعا ونياز حاجيان درآنست.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
أو صباح يوم النحر لأنه يوم عظيم أيضاً ويقع فيه الطواف المفروض والحلق والرمى ويروى أن يوم النحر يوم الحج الأكبر.
وبقولي مراد از صبح روز أول محرم است كه سال از ومنفجر ميشود يا بادمدا آذينه كه حج مسكينانست ودر تبيان آورده كه اشارت بانفجار آب از أصابع حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلّم در روز طائف وغير آن وكفته اند انفجار ناقه از صخره صالح عليه السلام ، يا انفجار عيون ومنابع يا انفجار آب از حجر موسى عليه السلام يا انفجار مطر از سحاب يا وران شدن اشك ندامت ارديده عاصيان.
بران ازدوسر شمه ديده جوى
ورآلايشى داري ازخود بشوى
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص420 حتى ص430 رقم43
{وَلَيالٍ عَشْرٍ} هن عشر ذي الحجة والعرب تذكر الليالي وهي تعينها بأيامها تقول بني هذا البناء ليالي السامانية أي أيامهم أو العشر الأواخر من شهر رمضان وتنكيرها للتعظيم لأنها مخصوصة بفضائل ليست لغيرها ولذا اقسم الله بها وذلك كالاشتغال بأعمال الحج في عشر في الحجة وفي الحديث ما من أيام أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خير عمل في عشر الأضحى قيل يا رسول الله ولا المجاهد في سبيل الله قال ولا المجاهد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء وفيه إشارة إلى أن الغازي ينبغي أن يخرج من بيته على قصد أن لا يعود والله يفعل ما يريد وإما شرف العشر الآواخر فيكفي أي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر تطلب فيها.
وكفته اندمراددهه محرم است كه عاشرا از آنست يادهه ميان شعبان كه شب براءت درآنست.
وقال البقلي هي ليال ست خلق في أيامها السموات والأرض وليلة خلق فيها آدم عليه السلام وليلة يومها يوم القيامة وليلة كلم الله فيها موسى عليه السلام وليلة أسرى بالنبي عليه السلام وقال القاشاني : اقسم بابتداء ظهور نور الروح على مادة البدن عند أثر تعلقه به وليال عشر ومحال الحواس العشر الظاهرة
420
والباطنة التي تتعلق عند تعلقه به لكونها أسباب تحصيل الكمال وآلائها.(10/325)
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى القسم بانفجار الحسنة الواحدة من أرض قلب المؤمن وليال الحسنات العشر المشار إليها بقوله نم جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وإنما سماها بليال لكون ظهور الحسنات العشر من غيب مرتبة أحدية الحسنة الواحدة من غير الاكتساب من نهار العمل بل من عالم الغيب بطريق الموهبة الإلهية {وَالشَّفْعِ} بالفارسية جفت.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
وذلك لأن الشفع ضم الشيء إلى مثله {وَالْوَتْرِ} بفتح الواو وكسرها أي شفع هذه الليالي ووترها والظاهر التعميم لأن الألف واللام للاستغراق أي الأشياء كلها شفعها ووترها لأن كل شيء لا بد أن يكون شفعاً أو وتراً وقال الراغب المخلوقات كلها من حيث إنها مركبات كما قال ومن كل شيء خلقنا زوجين فهو الشفع وإما الوتر فهو الله تعالى من حيث إن له الوحدة من كل وجه وإليه يرجع قول من قال من كبار أهل الحال يشير إلى القسم بشفع الكثرة الإسمائية ووتر الوحدة الذاتية الحقيقية ودخلفيهما العناصر الأربعة والأفلاك التسعة والبروج الاثنا عشر والسيارات السبع وصلاة المغرب وسائرها ويوم النحر لأنه عاشر أيام ذي الحجة ويوم عرفة لأنه تاسع تلك الأيام واليومان بعد يوم النحر واليوم الثالث وآدم وحواء عليهما السلام ، زوجين ومريم عليها السلام وتر والعيون الاثنتا عشرة التي فجرها الله لموسى عليه السلام والآيات التسع وأيام عاد الشفع ولياليها الوتر كما قال تعالى : [الحاقة : 7-4]{سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـانِيَةَ أَيَّامٍ} والشهر الذي يتم بثلاثين يوماً والشهر الذي يتم بتسعة وعشرين والأعضاء والقلب والشفتان واللسان والسجدتان والركوع وأبواب الجنة وأبواب النار ودرجات الجنة ودركات النار وصفات الخلق كالعلم والجهل والقدرة والعجز وإرادة والكراهة والحياة والموت وصفات الحق وجود بلا عدم حياة بلا موت علم بلا جهل قدرة بلا عجز عز بلا ذل ونفس العدد شفعه ووتره والأيام والليالي واليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة وكل بني له اسمان مثل محمد وأحمد والمسيح وعيسى ويونس وذو النون وكل من له اسم واحد مثل آدم ونوح وإبراهيم ومسجد مكة ولمدينة وكذا يقال لهما الحرمان الريفان والمسجد الأقصى والجبلان الصفا والمروة والبيت الحرام والنفس مع الروح في حالة الجمع وهما في حالة الافتراق وقال سهل رحمه الله الفجر محمد عليه السلام ، منه تفجرت الأنوار وليال عشر هي العشرة المبشرة بالجنة والشفع هو افرض والوتر هو الإخلاص في الطاعات والليل} جنس الليل {إِذَا يَسْرِ} أي بمضى وبالفارسية آنكاه كه بكذرد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
كقوله والليل إذا أدبر والسرى سير الليل يقال سرى يسرى سرى ومسرى إذا سار عامة الليل وسار يسير سيراً ذهب والتقييد به لما فيه من وضوح الدلالة على كمال القدرة وفور النعمة كان جميع الحيوانات أعد إليهم الحياة بعد الموت وتسببوا بذلك لطلب الأرزقا الممدة للحياة الدنيوية التي يتوسل بها إلى سعادة الدارين فإن قيل القسم بالليل إذا يسر يغني عن القسم بليال عشر قلنا المقسم به في قوله والليل إذا يسر هو الليل باعتبار سيره ومضيه وفي قوله وليال عشر هو الليالي بلا اعتبار مضيها بل اعتبار خصوصية أخرى فلا يغنى
421
(10/326)
أحدهما عن الآخر ويجوز أن يكون المعنى والليل إذا يسر يعني يسرى فيه الساري ويسير فيه السائر فإسناد السرى إلى الليل مجاز كما في نهاره صائم أي هو صائم في نهاره فالتقيد بذلك لأن السير في الليل حافظ للسائر من حر الشمس فإن السفر مع مقاساة حر النهار أشد على النفس وقد قال النبي عليه السلام عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى في الليل وكذا هو حافظ من شر قطاع الطريق غالباً لأنهم مشغولون بالنوم في الليل وحذفت الياء اكتفاء بالكسر ولسقوطها في خط المصحف ولموافقة رؤوس الآي وإن كان وصل إثباتها لأنها لام فعل مضارع مرفوع وسئل الأخفش عن حذفها فقال أخذ مني سنة فسأله بعد سنة فقال الليل يسرى فيه ولا يسرى فعدل به عن معناه فوجب يعدل عن لظفه يعني إن سقوط الياء ليدل على أن أصل الفعل منفى عن الليل وإن كان مسنداً إلى ضميره كما أن حركة العين في الحيوان تدل على وجود معنى الحركة في معنى لحيون لأن للتراكيب خواص بها تختلف وفيه إشارة إلى ظلمة الدن إذا ذهبت وزالت بتجرد الروح وإلى القسم بسريانه ليل الهوية المطلقة في نهار الحقائق المقيدة كما قال يولج اليل في النهار ويولج النهار في الليل برفع المقيدات بسطوات أنوار المطلق وإلى القسم بليلة المعراج التي أسرى الله بعبده فيها فكانت أشرف جميع الليالي لأنها ليلة القدر والشرف والقرب والوصال والخطاب ورؤية الجمال المطلق {هَلْ فِى ذَالِكَ} الخ تقرير وتحقيق لفخامة شأن المقسم بها وكونها أموراً جليلة حقيقة بالإعظام والإجلال عند أرباب العقول وتنبيه على الإقسام بها أمر معتد به خليق بأن يؤكد به الأخبار على طريقة قوله تعالى وإنه لقسم لو تعلمون عظيم كما يقول من ذكر حجة باهرة هل فيما ذكرته حجة والمعنى هل فيما ذكر من الأشياء المقسم بها {قَسَمٌ} أي مقسم به وفي "فتح الرحمن" مقنع ومكتفى {لِّذِى حِجْرٍ} لذي عقل منور بنور المعرفة والحقيقة يراه حيقاً بأن يقسم به إجلالاً وتعظيماً والمراد تحقيق إن الكل كذلك وإنما أوثرت هذه الطريقة هضماً للخلق وإيذاناً بظهور الأمر أو هل في الأقسام بتلك الأشياء أقسام لذي حجر مقبول عنده يعتد به ويفعل مثله ويؤكد به المقسم عليه وبالفارسية آيادرين سوكندكه ياد كردم سوكندى سنديده مرخداوند عقل را تا اعتبار كند ودندكه سوكنديست.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
محقق ومؤكد والحجر العقل لأنه يحجر صاحبه أي يمنعه من التهافت فيما لا ينبغي كما سمى عقلاً ونهيه بضم النون لأنه يعقل وينهى وحصاة أيضاً من الإحصاء وهو الضبط قال الفراء يقال إنه لذ وحجر إذا كان قاهراً لنفسه ضابطاً لها والتنوين في الحجر للتعظيم قال بعض الحكماء : العقل للقلب بمنزلة الروح للسجد فكل قلب لا عقل له فهو ميت بمنزلة قلب الهائم والمقسم عليه محذوف وهو ليعذبن أي الكفار كما ينبىء عنه قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} الهمزة للإنكار وهو في قوة النفيو نفي النفي إثبات أي ألم تعلم يا محمد علماً يقينياً ارياً مجرى الرؤية في الجلاء أي قد علمت بأعلام الله تعالى وبالتواتر أيضاً كيف عذب ربك عادا ونظائرهم فسيعذب كفار قومك أيضاً لاشتراكهم فيما يوجبه من الكفر والمعاصي والمراد بعاد أولاد عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام
422
(10/327)
قوم هود عليه السلام سموا باسم أبيهم كما سمى بنوا هاشم هاشماً وبنو تميم تميماً فلفظ عاد اسم للقبيلة المنتسبة إلى عاد وقد قل لأوائلهم عاد الأولى ولأواخرهم عاد الأخيرة قال عماد الدين بن كثير كل ما ورد في القرآن خبر عاد الأولى إلا ما في سورة الأحقاف {إِرَمَ} عطف بيان لعاد للإيذان بأنهم عاد الأولى بتقدير مضاف أي سبط ارم أو ل ارم على ما قيل من أن ارم اسم بلدتهم أو أرضهم التي كانوا فيها وكانت منازلهم بين عمان إلى حضر موت وهي بلاد الرمال والأحقاف ويؤيده القراءة بالإضافة وأياماً كان فامتنع صرفها للتعريف والتؤنيث وفي "المفردات" الآرام أعلام تبنى من الحجارة وارم ذات العماد إشارة إلى إعلامها المرفوعة المزخرفة على هيئة المنارة أو على هيئة القبور وفيه أيضاً حذف مضاف بمعنى أهل الإعلام {ذَاتِ الْعِمَادِ} صفة لارم واللام للجنس الشامل للقيل والكثير والعماد كالعمود والجمع عمد وعمد بفتحتين وبضمتين وأعمدة أي ذات القدود الطوال على تشبيه قاماتهم بالأعمدة أو ذات الخيام والأعمدة حيث كانوا بدويين أهل عمد يطلبون الكلأ حيث كان فإذا هاجت الريح ويبس العشب رجعوا إلى منازلهم أو ذات البناء الرفيع وكانوا ذات بنية مرفوعة على العمد وكانوا يعاجلون الأعمدة فينصبونها ويبنون فوقها القصور وكانت قصورهم ترى من أرض بعيدة أو ذات الأساطين إذ كانت مدينتهم ذات أبنية مرفوعة على الاسطوانات على أن أرم اسم بلدتهم وقال السهيلي رحمه الله ارم ذات العماد وهو جيرون بن سعد بن ارم وهو اذي بني مينة دمشق على عمد من رخام ذكر أنه أدخل فيها أربعمائة ألف عمود وأربعين ألف عماد من رخام فالمراد هذه العماد التي كان البناء عليها في هذه المدينة وكانت تسمى جيرون وبه تعرف وسميت دمشق بدمشق بن نمرود عدو إبراهيم الخليل عليه السلام وكان دمشق قد أسلم وبنى جامع إبراهيم في الشأم انتهى لعل هذه الرواية أصح فليتأمل {الَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلَـادِ} صفة أخرى لارم والضمير لها على إنها اسم القبيلة أي لم يخلق مثلهم في عظم الإجرام والقوة في الآفاق والنواحي حيث كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع وكان يأتي الصخرة العظيمة فيحملها ويلقيها على الحي فيهلكهم ولذا كانوا يقولون من أشد منا قوة ونظيرهم في الطيور الرخ وهو طير في جزائر الصين يكون جناحه الواحد عشرة آلاف باع يحمل حجرا في رجله كالبيت العظيم ويلقيه على السفينة في البحر أو لم يخلق مثل مدينتهم في جميع بلاد الدنيا فالضمير لها على إنها اسم البلدة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
وقصه آن بر سبيل إجمال آنست كه عبد الله بن قلابه بطلب شترى كم شده صحراى عدن ميكشت دربيا باني بشهري رسيدكه باره محكم داشت كه اساس آن از جزع يماني وبر حوالى آن قصور بسيار بودباميد آنكه كسى بيندو أحوال شترخود رسد بدر حصار آمد درى ديد هردو مصراعش مكلل بجواهر قيمتي وهيكس را آنجا نيافت متحيرشد وون بشهر درامد حيرتش بيفزوده قصرها ديدبرستونها زبرجد وياقوت بناكرده خشتى از زر وخشتى ازنقره وفرشها برهمين وتيره بجاي سنك ريزه مرواريدهاي آبدار ريخته ودر حوالى هرقصرى آبهاي روان بروري لؤلؤ ومرجان ودرختان بسيار تنهاى آن اززر وبركهاي آن اززبرجد وشكوفهاي آن ازسيم باخود كفت هذه الجنة التي وعد المتقون (مصراع).
423
اين ه منزل ه بهشت اين ه مقمست اينجا
وقال والذي بعث محمداً ما خلق الله مثل هذا في الدنيا س قدري ازان جواهر برداشت ودرس بالحق وشت بست وبيمن باز آمد ومردمان آن كوهررا دردست او بيدند وحمل بر يافتن كنجى كره قصه وى درزبانها افتاد تاحدى كه حال اورا بمعاويه كه ران وقت حاكم شام بود آنها كردند معاويه أورا طلبيد وتمام حكايت اواز أول تا آخر استماع كردس اورا در مجلس بنشانيد وكعب الأحبار را طلبيده رسيدكه دردنيا شهري هست كه بناي اواز زرونقره باشد ودرختان مكلل بجواهر كعب كفت آرى شهريست كه حق سبحانه وتعالى در قرآن مجيد ياد فرمودكه (لم يخلق مثلها في البلاد) وآنراشداد بن عاد ساخته واو بادشاه عظيم قدر بوده است ونهضد سال عمر داشت هرجا در عالم زرى وجوهري بوده همه را جمع كراده وصد قهرمان باهر يكى هزار فرستاد تا شهرارم را بساختند وبسيصد سال باتمام رسيدده سال ديكر تهيئه راه اشتغال نمود امر أو ملوك عالم را جمع كرد واز دار السلطة خود بتماشاى آن شهر متوجه شديك شبه راه ميان أو وآن بنامانده بودكه حق سبحانه وتعالى ملكي فرستاد تا صيحه برايشان زدوهمه بمردند وان شهراز نظر مردم وشيده شد نانه أصحاب كهف درغار وخوانده ام كه در حكومت تومردى كوتاه بالأسرخ رنك سير شم كه برروى لأ خالي وبركردن آن علامتي باشد بطلب شترى بدآنجارسد وآنرا بيند س بازنكريست وابن قلابه راديد كفت هو والله ذلك الرجل.
(10/328)
قال ابن الشيخ في حواشيه وفيه بحث لأن قوم عاد أهلكوا بالربح وقوم صالح أهلكوا بالصيحة إلا أن يراد بالصيحة ههنا الريح الشديد الصوت وذكر كعب إنه كتب ابن شداد على لوح وضع عند رأس أبيه عن لسانه حين رفعه من المفازة ودفنه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
أنا شداد بن عاد صاحب الحصن العميد
وأخو القوة والباساء ولملك المشيد
دان أهل الأرض لي من خوف وعدي وعيدي
وملكت الشرق والغرب بسلطان شديد
فآتتنا صيحة تهوى من الأفق البعيد
فتوفتنا كزرع وسط بيداء حصيد
وذكر في قوت القلوب تصنيف العالم الرباني أبي طالب المكي قدس سره إنه قيل لأبي يزيد البسطامي قدس سره هل دخلت أرم ذات العماد فقال صه قد دخلت الف مدينةتعالى في ملكه أدناها ذات العماد ثم أخذ يعدد تلك المدائن جابلق جابلص إلى غير ذلك فظاهر قول أبي يزيد أدناها ذات العماد يخالف قوله تعالى : لم خلق مثلها في البلاد لكن المستفاد من الآية نفى الخلق في الماضي ويجوز أن تكون تلك المدائن حادثة بعد نزول القرآن ويجوز أن يراد بنفي المثل هو المثل في الزينة وبالأدنى صغر الجثة وفي بعض نسخ قوت القلوب إن معنى الآية لم يخلق مثلها في بلاد اليمن لأنهم خوطبوا بما في بلادهم كما قال الله تعالى أو ينفوا من الأرض أي أرض بلادهم وبمثل هذه التوجيهات يندفع الأشكال كذا في شرح البردة لابن الشيخ {وَثَمُودَ} وديكره كرد خداي تعالى بقوم ثمود.
وهو
424
عطف على عاد وثمود قبيلة مشهورة سميت باسم جدهم ثموداخي جديس وهما ابنا عامر بن رام بن سام بن نوح عليه الصلاة واللام وكانوا عرباً من العارية يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك وكانوا يعبدون الأصنام كعاد وهم قوم صالح كما قال تعالى وإلى ثمود أخاهم صالحاً {الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} الجواب القطع تقول جبت البلاد أجبها جوباً وزاد الفراء جبت اللاد أجيبها جيباً إذا جلت فيها وقطعتها وجبت القميص ومنه سمى الجيب والصخر هو الحجر الصلب الشديد والواد أصله الوادي حذفت ياؤه اكتفاء بالكسرة ورعاية لرأس الآية وأصل الوادي الموضع الذي يسيل فيه الماء ومنه سمى المنفرج بين الجبلين وادياً والمراد هنا هو وادي القرى بالقرب من المدينة الشريفة من جهة الشأن قال أبو نضرة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك على وادي ثمود وهو على فرس اشقر فقال أسرعوا السير فإنكم في واد ملعون والمعنى قطعوا صخر الجبال فاتخذوا فيها بيوتاً نحتوها من الصخر كقوله تعالى : [الشعراء : 149-10]{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} قيل إنهم أول من نحت الجبال والصخور والرخام وقد بنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة وفرعون} وه كرد بفرعون موسى عليه السلام.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
وهو الوليد ابن مصعب بن ريان بن ثروان أبو لعباس القبطي وإليه تنسب الأقداح العباسية وفرعون لقب رده تعالى بالذكر لانفراده في التكبر والعلو حتى ادعى الربوبية والألوهية {ذِى الاوْتَادِ} جمع وتد بالتحريك وبكسر التاء أيضاً بالفارسية ميخ.
وقد سبق في سورة النبأ وصف بذلك لكثرة جنوده وخيامهم التي يضربونها في منازلهم ويربطونها بالأوتاد والأطناب كما هو الآن عادة في ضرب الخيمة والتعذيبة بالأوتاد كما قال في "كشف الأسرار" وفرعون آن كشنده بميخ بند يعني بطريق هار ميخ تعذيب كننده.
(روى) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن فرعون إنما سمى ذا الأوتاد لأن امرأة خازنه خربيل كانت ماشطة هيجل بنت فرعون وكان خربيل مؤمناً يكتم إيمانه منذ مائة سنة وكذا امرأة فبينا هي ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت تعس من كفر بالله تعالى فقالت ابنة فرعون وهل لك إله غير أبي فقالت إلهي وإله أبيك وإله السموات والأرض واحد لا شريك له فقامت ودخلت على أبيها وهي تبكي فقال ما يبكيك قالت إن الماشطة امرأة خازنك تزعم إن الهك والهها وإله السموات والأرض واحد لا شريك له فأرسل إليها فسألها عن ذلك فقانت صدقت فقال لها ويحك اكفري بإلهك قالت لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد ثم أرسل عليها الحيات والعقارب وقال لها اكفري بالله وإلا عذبتك بهذا العذاب شهرين فقالت لو عذبتني سبعين شهراً ما كفرت به وكانت لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على فيها وقال لها اكفري بإلهك وإلا ذبحت الصغرى على فيك أيضاً وكانت رضيعا فقالت لو بحت من في الأرض على في ما كفرت بالله تعالى فأتى بابنتها فلما أضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة فأطلق الله لسان ابنتها فتكلمت وهي من الأربعة الذين تكلموا أطفالاً وقالت يا أماه لا تجزعي فإن الله تعالى قد بنى لك بيتاً في الجنة اصبري فإنك تفضين إلى رحمة الله تعالى وكرامته فذبحت فلم تلبث إن ماتت فأسكنها الله
425
(10/329)
تعالى إلى جوار رحمته وكان فرعون قد تزوج امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت في نفسها كيف يسعني إن أصبر على ما يفعل فرعون وأنا مسلمة وهو كافر بينما هي تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها فقالت يا فرعون أنت شر الخلق واخبثهم عمدت إلى الماشطة فقتلتها قال فلعلك بك الجنون الذي كان بها قالت ما بي من جنون وإنما المجنون من يكفر بالله الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وحده لا شريك له وهو على كل شيء قدير فمدها بين أربعة أوتاد يعذبها ففتح الله لها باباً إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجنى من فرعون وعمله فقبض الله روحها واسكنها الجنة العالية وقد سبق طرف من هذه القصة في آخر سورة التحريم فارجع ثم في عاد إشارة إلى الطبيعة البشرية وفي ثمود إلى القوة الشهوية وفي فرعون إلى القوة الغضبية فلا بد للسالك من تزكيتها وإزالة آثارها
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
{الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلَـادِ} صفة للمذكورين من الطوائف الثلاث فيكون مجرور المحل لكون بعض المذكورين قبله مجروراً بالباء وبعضها معطوفاً عليه وهو أحسن بحسب اللفظ إذ لا حذف فيه واختار صاحب الكشاف كونه منصوباً على الذم بتقدير أعني لكونه صريحاً في الذم والمقام مقام الذم وهو أحسن نظراً إلى المعنى والمعنى طغى كل طائفة منهم في بلادهم وتجاوزوا الحد يعني طغى عاد في اليمن وثمود بأرض الشأم والقبط بمصر كما أن نمرود طغى بالسواد وقس على هذا سائرهم {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} أي بالكفر وسائر المعاصي فإن الفساد يتناول جميع أقسام الإثم كما إن الصلاح يتناول جميع أقسام البر فمن عمل بغير أمر الله وحكم في عباده بالظلم فهو مفسد متجاوز عن الحد الذي حد له وفيه خوف شديد لأكثر حكام الزمان ونحوهم {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ} صب الماء إراقته من أعلى أي أنزل إنزالاً شديداً على كل طائفة من أولئك الطوائف عقيب ما فعلت من الطغيان والفساد {سَوْطَ عَذَابٍ} السوط الجلد المضفور أي المنسوج المفتول الذي يضر به أي عذاباً شديداً لا تدرك غايته وهو عبارة عما حل بكل منهم من فنون العذاب التي شرحت في سائر السور الكريمة وهي الريح لعاد والصيحة لثمود والغرق للقبط وتسميته سوطاً للإشارة إلى أن ذلك بالنسبة إلى ما أعدلهم في الآخرة بمنزلة السوط عند السيف قال أبو حيان استعير السوط للعذاب لأنه يقتضي من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره.
(وقال الكاشفي) : ون عرب ضرب تازيانه راسخت ترين عذابها مى دانستند.
يعني إن السوط عندهم غاية العذاب.
هركونه از عذاب را نيز سوط ميكفتند حق سبحانه بقانون كلام ايشان عذابهاي خودرا سوط كفت قال الشاعر :
ألم تر إن الله أظهر دينه
وصبت على الكفار سوط عذاب
والتعبير عن إنزاله بالصب للإيذان بكثرته واستمراره وتتابعه فإنه عبارة عن إراقة شيء مائع أو جار مجراه في السيلان كالرمل والحبوب وإفراغه بشدة وكثرة واستمرار ونسبته
426
إلى السوط مع إنه ليس من ذلك القبيل باعتبار تشبيه في نزوله المتتابع المتدارك على المضروب بقطرات الشيء المصبوب فإن قيل أليس إن الله تعالى قال ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة وهو يقتضي تأخير العذاب إلى الآخرة فكيف الجمع بين هاتين الآيتيتن قلنا إنه يقتضي تأخير تمام الجزاء إلى الآخرة وذلك لا ينافي أن يعجل شيء من ذلك في الدنيا فإن الواقع في الدنيا شيء من الجزاء ومقدماته كذا في "حواشي ابن الشيخ".
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
يقول الفقير وأوجه من ذلك إن المفهوم من الآية المؤاخذة لكل الناس وهو لا ينافي إن يؤاخذ بعضهم في الدنيا بعذاب الاستئصال كبعض الأمم السالفة المكذبة {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} تعليل لما قله وإيذان بأن كفار قومه عليه السلام سيصيبهم مثل ما أصاب المذكورين من العذاب كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إليى ضميره عليه السلام والمرصاد المكان الذي يترقب فيه الراصدون مفعال من رصده كالميقات من وقته والباء للظرفية أي إنه لفي المكان الذي تترقب فيه السابلة ويجوز أن يكون صيغة مبالغة كالمطعان والباء تجريدية وهذا تمثيل لإرصاده تعالى بالعصاة وإنهم لاي فوتونه شبه حاله تعالى في كونه حفيظ لأعمال العباد مجازياً عليها على النقير والقطمير ولا محيد للعباد عن أن لا يكون مصيرهم إلا الله بحال من قعد على طريق السابلة يترصدهم ليظفر بالجاني أو لأخذ المكس أو نحو ذلك ولا مخلص لهم من العبور إلى ذلك الطريق ثم ستعمل هنا ما كان مستعملاً هناك.
(قال الكاشفي) : حق سبحانه همه رامي بيند ومي شنود وبرو وشيده نيست.
هم نهان داند وهم آنه نهان ترباشد
يعلم السر وأخفى صفت حضرت أوست
(10/330)
ويقال يعني ملائكة ربك على الصراط يترصدون على جسر جهنم في سبعة مواضع فيسأل في أولها عن الإيمان فإن سلم من النفاق والرياء نجا وإلا تردى في النار وفي الثاني عن الصلاة فإن أتم ركوعها وسجودها وإقامها في مواقيتها نجا وإلا تردى في النار وفي الثالث عن الزكاة وفي الرابع عن صوم شهر رمضان وفي الخامس عن الحج والعمرة وفي السادس عن الوضوء والغسل من الجنابة وفي السابع عن بر الولدين وصلة الرحم فإن خرج منها قيل له انطلق إلى الجنة وإلا وقع في النار {فَأَمَّا الانسَـانُ} متصل بما قبله من قوله إن ربك لبالمرصاد وكأنه قيل إنه تعالى بصدد مراقبة أحوال عباده ومجازاتهم بأعمالهم خيراً وشراً فأما الإنسان فلا يهمه ذلك وإنما مطمح نظره ومرصد فكره الدنيا ولذائذها.
قال السهيلي رحمه الله المراد بالإنسان عتبة بن ربيعة وكان هو السبب في نزولها فيما ذكروا وإن كانت هذه الصفة تعم {إِذَا مَا ابْتَلَـاـاهُ رَبُّهُ} أي عامله معاملة من يبتليه بالغنى واليسار {فَأَكْرَمَهُ} س كرامى كندش بجاه واقتدار {وَنَعَّمَهُ} ونعمت دهدش ومعيشت برو فراخ كرداند وبآساني كارا وبسازد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
والفاء تفسيرية فإن الإكرام والتنعيم عين الابتلاء {فَيَقُولُ} مفتخراً {رَبِّى} روردكار من {أَكْرَمَنِ} فصلني بما أعطاني من الجاه والمال حسبما كنت أستحقه ولا يخطر بباله إنه محض تفضل عليه ليبلوه ايشكر
427
أم يكفر وهو خبر للمبتدأ الذي هو الإنسان والفاء لما في إما من معنى الشرط والظرف المتوسط على نية التأخير كأنه قيل فأما الإنسان فيقول ربي أكرمني وقت ابتلائه بالإنعام وإنما تقديمه للإيذان من أول الأمر بأن لإكرام والتنعيم بطريق الابتلاء ليضح اختلال قوله المحكى فإذا لمرجد الظرفية وإن هذه الفاء لا تمنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها {وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلَـاـاهُ} أي وإما هو إذا ما ابتلاه ربه فيكون الواقع بعد إما في الفقرتين اسماً فتكون الجملتان متعادلتين {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} س تنك سازد برو روزى اورا يعني ضيقه حسماً تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة وجعله عى قدر كفايته وقوت يومه {فَيَقُولُ} متضجراً {رَبِّى أَهَـانَنِ} أذلني بالفقر ولا يخطر بباله إن ذلك ليبلوه ايصبر أم يجزع مع إنه ليس من الإهانة في شيء ولذا لم يقل فأهانه فقدر عيه رزقه في مقابلة أكرمه ونعمه بل التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين في حق الفقير اصابر أما تأتديته إلى كرامة الآخرة فأمر ظاهر وإما تأديته إلى كرامة الدنيا فلأنه قد يسلم به من طمع الأعداء فيحسن فيه اعتقاد الكبراء من أهل الدنيا فيراجعونه ويلتمسون منه الدعاء والتوسعة قد تفضى إلى خسران الدارين بالكفران فيكون استدراجاً.
أي دل اكر بديده تحقيقي بنكري
درويشى اختياركنى بر توانكري
قال بعضهم : ربما كان التضييق إكاماً له بأن لا يشغله بالنعمة عن المنعم ويجعل ذلك وسيلة له في التوجه إلى الحق والسلوك في طريقه لعدم التعلق وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإم كساء قد ربطوه في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ نصف الكعبين فيجسعه بيده كراهة إن ترى عورته فتأمل هل تكون هذه إهانة لخواص عباد الله فالمؤمن إما في مقام الشكر أو في مقام الصبر قال عليه الصلاة والسلام الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
صيرفى از فقر ون درغم شود
عين فقرش دابه ومطعم شود
رانكه جنت از مكاره رسته است
رحم قسم عاجزا شكسته است
آنكه سرها بشكند اواز علو
رحم حق وخلق نايد سوى او
كما قال بعض الكبار في قوله فيقول ربي أهانن أي تركني ذليلاً مهينا لم يعرف المحجوب المسكين إن ربه ناظر إليه بنظر الرحمة والشفقة إذ جذبه بالجبة الرحمانية من العالم الطبيعي إلى العالم الروحاني ومن عالم النفس إلى عالم القلب ومن عالم الفرق إلى عالم الجمع ومن عالم الفراق إلى عالم الوصال {كَلا} ردع للإنسان عن مقالته المحكية وتكذيب له فيها في كلما الحالتين قال ابن عباس رضي الله عنهما المعنى لم ابتله بالغنى لكرامته على ولم ابتله بالفقر لهوانه على بل ذلك لمحض القضاء والقدر بلا تعليل بالعلل {بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} انتقال من بيان سوء أقواله إلى بيان سوء أفعاله والتفات إلى الخطاب للإيذان بقتضاء ملاحظة جنايته السابقة لمشافهته بالتوبيخ تشديداً للتقريع وتأكيداً للتشنيع والجمع باعتبار
428
معنى الإنسان إذ المراد والجنس أي بل لكم أحوال أشد شراً مما ذكر وأدل على تهالككم على المال حيث يكرمكم الله بكثرة المال فلا تؤدون ما يلزمكم فيه من إكرام اليتيم بالنفقة والكسوة ونحوهما وهو من بني آدم هو الذي فقد أباه وكان غير بالغ ومن البهائم ما فقد أمه قال عليه الصلاة والسلام أحب البيوت إلى الله بيت فيه يتيم مكرم.
برحمت بكن آبش از ديده اك
(10/331)
بشفقت بيفيانش از هره خاك
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
قال في "الأشباه" استخدام اليتيم بلا أجرة حرام ولو لأخيه ومعلمه إلا لأمه وفيما إذا أرسله المعلم لإحضارشريكه كما في القنية {وَلا تَحَـاضُّونَ} بحذف إحدى التاءين من تنحاضون والحض الحث والتحريض لا يحض بعضكم بعضاً ولا يحث من أهل وغيره شكراً لإنعام الله تعالى {عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أي على إطعام جنس المسكين ومن لا يحض غيره على إطعامه فإن لا يطعمه بنفسه أولى فيؤول المعنى إلى أن يقال ولا تطعمون مسكيناً ولا تأمرون بإطعامه وفيه ذم بليغ للبخيل قال مقاتل كان قدامة بن مظعون يتيماً في حجر أمية بن خلف فكان يدفعه عن حقه فنزلت {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ} أي الميراث وأصله وارث قلبت واوه تاء والميراث هو المال المنتقل من الميت {أَكْلا لَّمًّا} اللم الجمع يقال كتيبة ملمومة مجتمعة بعضها إلى بعض والمعنى أكلا ذا لم على حذف المضاف أي جمع بين الحلال والحرام فإنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون أنصباءهم وفيه ءشارة إلى أنه كان بينهم ميراث يتوارثونه من إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام لكنهم قد بدلوه كما بدلوا غيره من بعض الأحكم أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام مشتبه عالمين بذلك {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} كثيراً مع حرص وشره ومنع حقوق رعدم انتفاع فإن الجم الكثير يقال جم الماء في الحوض إذا اجتمع فيه وكثر والمقصود ذمهم ببيان إن حرصهم على الدنيا فقط وإنهم عادلون عن أمر الآخرة وفيه إشارة إلى أن حب المال طبيعي فلا يتخلص منه المرء بالكلية إلا أن يكون من الأقوياء فكأنه إشار إلى أن حبه إذا لم يشتد لا يكون مذموماً وقال بعض اكبار وتحبون مال الأعمال السيئة النفسانية والأحوال القبيحة الهوائية حباً كثيراً {كَلا} ردع لهم عما ذكر من الأفعال والتروك وإنكار أي لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك في الحرص على الدنيا وقصرالهمة على تحصيلها وجمعها من حيث تهيأ من حل أو حرام وترك المواساة منها وتوهم أن لا حساب ولا جزاء فإن عاقبة ذلك الحسرة والندامة على إيثار الحياة الدنيوية الفانية على الحياة الأخروية الباقية {إِذَا دُكَّتِ الارْضُ دَكًّا دَكًّا} استئناف بطريق الوعيد تعليل للردع والدك ادق يقال دككت الشيء أدكه دكا إذا ضربته وكسرته حتى سويته بالأرض وبالفارسية كوفتن يزى تابزمين برا بر كردد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
وقال الخليل الدك كسر الحائط والجبل ودكته الحمى دكا أي كسرته كسرا وقال المبرد الدك حط المرتفع بالبسط ودكا الثاني ليس تأكيد الأول بل هودك آخر سوى الأول والمعنى إذا دكت الأرض دكا متتابعاً وضرب بعضها ببعض حتى انكسر وذهب كل ما على وجهها من جبال وأبنية وقصور حين نزلت زلزلة بعد زلزلة وحركت تحريكاً بعد
429
تحريك وصارت هباء منبثاً وهو عبارة عما عرض لها عند النفخة الثانية وبالفارسية ون شكسته شود زمين شكستني بعد ازشكستنى يعني اره اره كردد {وَجَآءَ رَبُّكَ} أي ظهرت آيات قدرته وآثار قهره مثل ذلك بما يظهر عند حضور السطان بنفسه من أحكام هيبته وسياسته فإنه عند حضوره ظهر ما لا يظهر بحضور وزرائه وسائر خواصه وعساكره وقال الامام أحمد جاء أمره وقضاؤه على حذف المضاف للتهويل.
وفي التأويلات النجمية : تجلى في المظهر الجلالي القهري {وَالْمَلَكُ} وبيايد فرشتكان بعرصه محشر {صَفًّا صَفًّا} أي حال كونهم مصطفين لأ ذوي صفوف فإنه ينزل يومئذٍ ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف بحسب منازلهم ومراتبهم اصطفاف أهل الصلاة في الدنيا من الأنس والجن كما قال تعالى والملك على أرجائها فهم سبعة صفوف عدد السموات السبع {وَجِا ىاءَ يَوْمَـاـاِذٍ بِجَهَنَّمَ} كقوله تعالى وبرزت الجحيم يعني إن المجيء بها عبارة عن إظهارها حتى يراها الخلق مع ثباتها في مكانها فإن من المعلوم إنها لا تنفك عن مكانها والباء للتعدية على أن جهنم قائم مقام الفاعل لجيء وقال ابن مسعود رضي الله عنه ومقاتل تقاد جهنم بسبعين ألف زمام معه سبعون ألف ملك يجرونها حتى تنصب عن يسار العرش لها تغيظ وزفير يعني دوزخ از خشم كافران مى جوشدومى خروشد.
فترد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع ويجثو كل نبي وولى من الهول والهيبة على ركبته ويقول نفسي نفسي حتى يعترض لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويقول أمتي أمتي تقول النار مالي ومالك يا محمد لقد حرم الله لحمك على فالمجيء بها على حقيقة فإن الجر يدل على انفكاكها عن مكانها وتأوله الأولون بحمله على التجوز بأن معنى يجرون يباشرون أسباب ظهورها.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص430 حتى ص440 رقم44
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
(10/332)
يقول الفقير : لا حاجة إلى الحمل على التجوز فإن بعض الأمكنة كالكعبة تزور بعض الخواص بالإيجاد والإعدام اللذين هما إسراع شيء من طرفة العين فلا بعد في أن يكون مجيء جهنم من هذا القبيل على أن الأرض يومئذٍ أوسع شي كما بين فيما سبق فهي تسع جهنم وأهل المحشر جميعاً وأيضاً المراد بمجيء جهنم مجيء صورتها المثالية ولا مناقشة فيه فيكون كمجيء المسجد الأقصى إلى مرأى النبي عليه الصلاة والسلام حين سأله قريش عن بعض أوصافه في قصة المعراج {يَوْمَـاـاِذٍ} بدل من إذا دكت والعامل فيهما قوله تعالى {يَذْكُرُ الانسَـانُ} أي يتذكر ما فرط فيه بتفاصيله بمشاهدة آثاره وأحكامه أو بمعانية عينه على أن الأعمال تتجسم في النشأة الآخرة فيبرز كل من الحسنات والسيئات بما يناسبها من الصور الحسنة والقبيحة أو يتعظ أي يقبل التذكير والإرشاد الذي بلغ إليه في الدنيا ولم يتعظ ولم يقبله في الدنيا فيتعظ به في الآخرة فيقول يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا وهذا الاتعاظ يستلزم الندم على تقصيراته والندم توبة لكن لا توبة هناك لفوت الوقت.
قال القاشاني : يوم يتذكر الإنسان خلاف ما أعتقده في الدنيا وصار هيئة في نفسه من مقتضيات فطرته فإن ظهور الباري بصفة القهر والملائكة بصفة التعذيب لا يكون إلا لمن اعتقد خلاف ما ظهر عليه بما هو في نفس الأمر كالمنكر والنكير {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} اعتراض جيء به لتحقيق أنه ليس بتذكر حقيقة امرأته عن الجدوى بعدم وقوعه في أوانه وأنى خبر مقدم
430
للذكرى وله متعلق بما تعلق به الخبر أي ومن أين يكون له الذكرى وقد فات أوانها وقيل هناك محذوف واللام للنفع أي إني له منفعة الذكرى وبه يرتفع التناقض الواقع بين إثبات التذكر أو لا ونفيه ثانياً ثم إنه تعالى لما نفى كون هذه الذكرى والتوبة نافعة له بقوله وأنى له الذكرى علمنا إنه لا يجب قبول التوبة كما ذهب إليه المغتزلة وفي "الإرشاد" والاستدلال به على عدم وجواب قبول التوبة في دار التكليف يعني عقلاً كما تزعم المعتزلة مما لا وجه له على أن تذكره ليس من التوبة في شيء فإنه عالم بأنها إنما تكون في الدنيا كما يعرب عنه قوله تعالى {يَقُولُ يا لَيْتَنِ} أيها الحاضرون {لَيْتَنِى} كاشكى من {قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} وهو بدل اشتمال من يتذكر أو استئناف وقع جواباً عن سؤال نشأ عنه كأنه قيل ماذا يقول عند تذكره فقيل يقول : يا ليتني عملت لأجل حياتي هذه يعني لتحصيل الحياة الأخروية التي هي حياة نافعة دائمة غير منقطعة أعمالاً صالحة انتفع بها اليوم أو وقت حياتي على أن اللام بمعنى في للتوقيت ويجوز أن يكون المعنى قدمت عملاً ينجيني من العذاب فأكون من الإحياء قال تعالى لا يموت فيها ولا يحيى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
واعلم أن أهل الحق لا يسلبون الاختيار بالكلية وليس في هذا التمني شائبة دلالة على استقلال العبد بفعله كما يزعمه المعتزلة وإنما الذي يدل عليه ذلك اعتقاد كونه متمكناً من تقديم الأعمال الصالحة وإما إن ذلك بمحض قدرته أو بخلق الله عند صرف قدرته الكاسبة إليه فلا وإما ما قيل من أن المحجور قد يتمنى إن كان ممكناه منه وموفقاً له فربما يوهم إن من صرف قدرته إلى أحمد طرفي الفعل يعتقدانه محجور من الطرف الآخر وليس كذلك بل كل أحد جازم بأنه لو صرف قدرته إلى أي طرف كان من أفعاله الاختيارية لحصل وعلى هذا يدور فلك التكليف وإلزام الحجة {فَيَوْمَـاـاِذٍ} أي يوم إذ يكون ما ذكر من الأحوال والأقوال {لا يُعَذِّبُ عَذَابَه أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَه أَحَدٌ} الهاء راجع إلى الله تعالى والعذاب بمعنى التعذيب كالسلام بمعنى التسليم وكذا الوثاق بالفتح بمعنى الإيتاق وهو الشد بالوثاق وهو ما يشد به من الحديد والحبل والإيثاق بالفارسية بند كردن يعني بسلاسل واغلال واسير كرد دران.
(10/333)
والمعنى لا يتولى عذاب الله ووثاقه أحد سواه إذا لأمر كلهفلا يلزم أن يكون يوم القيامة معذب سوى الله لكنه لا يعذب أحد مثل عذابه وفي "عين المعاني" لا يعذب كعذاب الله في الآخرة أحد في الدنيا ويجوز أن يكون الهاء للإنسان أي لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه وقرأهما الكسائي ويعقوب على بناء المفعول وفي "الكشاف" هي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعن أبي عمر وأنه رجع إليه في آخر عمره أي لا يعذب مثل عذاب الإنسان أحد وظاهره يقتضي أن يكون عذابه أشد من عذاب إبليس إلا أن يكون المراد أحد من هذا الجنس كعصاة المؤمنين نسأل الله السلامة والعافية في الدارين {يا أيتها النَّفْسُ الْمُطْمَـاـاِنَّةُ} لما ذكر شقاوة النفس الأمارة شرع في بيان سعادة النفس المطمئنة والاطمئنان السكون بعد الانزعاج وسكون النفس إنما هو بالوصول إلى غاية الغايات في اليقين والمعرفة والشهود وفي قوله تعالى : {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَـاـاِنُّ الْقُلُوبُ} تنبيه على إنه بمعرفته تعالى والإكثار من عبادته يكتسب اطمئنان النفس وإذا وصلت إلى مقام الاطمئنان بذكر الله صار صاحبها في مقام
431
التلوين في التميكن آمنا من الرجوع إلى الأحكام الطبيعية والآثار البشرية فإن الفاني لا يرد إلى أوصافه فمن كان متمكناً في مقام الترقي تخلص من التنزل إلى مقام النفس الأمارة.
وفي التعريفات النفس المطمئنة هي التي تنورت بنور القلب حتى تخلت عن صفاتها الذميمة وتحلت بالأخلاق الحميدة.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
وقال الكاشفي) : أي نفس آرام كرفته بذكر من كه شاكر بودي در نعمت وصبر نمود درحمنت.
والمعنى إن الله تعالى يقول بالذات للمؤمن إكراماً له كما كلم موسى عليه الصلاة والسلام أو على لسان الملك وذلك عند تمام الحساب يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك} أي إلى ما وعد لك من الكرامة والزلفى فكونه تعالى منتهى الغاية إنما هو بهذا الاعتبار فسقط تمسك المجسمة واستدل بالرجوع الذي هو العود على تقدم الروح خلقاً {رَاضِيَةً} بما أوتيت من النعيم المقيم {مَّرْضِيَّةً} عند الله {فَادْخُلِى فِى عِبَـادِى} في زمرة عبادي الصالحين المختصين بي {وَادْخُلِى جَنَّتِى} معهم كقوله تعالى : {وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّـالِحِينَ} فالدخول في زمرة الخواص هي السعادة الروحانية والدخول معهم في الجنات ودرجاتها هي السعادة الجسمانية وقيل المراد بالنفس الروح والمعنى فادخلي في أجساد عبادي التي فارقت عنها وادخلي دار ثواب وهذا يؤيد قول من قال إن الخطاب عند البعث وذهب بعضهم إلى أنه عند الموت كما روى أن أبا بكر رضي الله عنه سأل عن ذلك رسول الله فقال : إن الملك سيقولها لك يا أبا بكر عند موتك وقال الحسن إذا أراد الله قبضها اطمأنت إلى الله ورضيت عن الله ورضى الله عنها وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا توفى العبد المؤمن أرسل الله ملكين وأرسل إليه بتحفة من الجنة فيقال لها اخرجي أيتها النفس المطمئنة أخرجي إلى روح وريحان ورب عنك راض فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه والملك على أرجاء السماء يقولون قد جاء من الأرض روح طيبة ونسمة طيبة فلا تمر بباب إلا فتح ولا بملك الأصلي عليها حتى يؤتى بها إلى الرحمن أي إلى حضوره ومقام مخصوص من مقامات كراماته فتسجد ثم يقال لميكائيل اذهب بهذه فاجعلها مع النفس المؤمنين ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً عرضه وسبعون ذراعاً طوله وينبذ له فيه الريحان فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره وإن لم يكن جعل له نور مثل نور الشمس في قبره فيكون مثله مثل العروس ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله وإذا توفى الكافر أرسل الله إليه ملكين وأرسل إليه قطعة بجاد أنتن من كل منتن وأخشن من كل خشن فيقال : أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى جهنم عذاب أليم ورب عليك غضبان وقال سعيد بن جبير رحمه الله مات ابن عباس رضي الله عنهما بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم ير مثله على خلقته فدخل نعشه ثم لم ير خارجاً منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يرى من تلاها يا أيتها النفس المطمئنة ودل قوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها إن من النفوس الظبية من يتولى الله قبضها بنفسه فيا طوبى لها وقال بعض أهل الإشارة يا أيتها النفس المطمئنة إلى الدنيا ارجعي إلى الله بتركها وبسلوك سبيل الآخرة
432
فادخلي في عبادي الأخروية وادخلي جنتي الصورية والمعنوية.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
أي باز هوا كرفته باز آي ومرو
كز رشته توسرى در انكشت منست
(10/334)
وقال القاشاني : يا أيتها النفس المطمئنة التي نزلت عليها السكينة وتنورت بنور اليقين فاطمأنت إلى الله من الاضطراب ارجعي إلى ربك في حال الرضى أي إذا تم لك كمال الصفات فلا تسكني إليه وارجعي إلى الذات في حال الرضى الذي هو كمال مقام الصفات والرضى عن الله لا يكون إلا بعد رضى الله عنها كما قال رضي الله عنهم ورضوا عنه فادخلي في زمرة عبادي المخصوصين بي من أهل التوحيد الذاتي وادخلي جنتي المخصوصة بي أي جنة الذات.
وفي التأويلات النجمية : ارجعي إلى ربك بالفناء فيه بعد قطع المنازل والمقامات راضية من نتائج السلوك إلى الله والسير في الله مرضية عند الله بالبأسي خلعة البقاء عليها فادخلي في عبادي الباقين في وبصفاتي وادخلي جنة ذتي لفنائك عن ذاتك وأنانيتك.
جزء : 10 رقم الصفحة : 420
تفسير سورة البلد
عشرون آية مكية أو مدنية إلا أربع آيات من أولها
جزء : 10 رقم الصفحة : 432
لا أقسم بهذا البلد} أي اقسم بالبلد الحرام الذي هو مكة فكلمة لا صلة دل عليه إن الله اقسم بالبلد الأمين في سورة التين وبالفارسية سوكند ميخورم.
بمكة وفي "كشف الأسرار" لا لتأكيد القسم كقول العرب لا والله ما فعلت كذا لا والله لأفعلن كذا والبلد المكان والمحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه وجمعه بلاد وبلدان ثم إن الله تعالى اقسم بمكة لفضلها فإنه جعلها حرماً آمناً ومسقط رأس النبي عليه السلام وحرم أبيه إبراهيم ومنشأ أبيه إسماعيل عليهما السلام ، وجعل البيت قبلة لأهل الشرق والغرب وحج البيت كفارة لذنوب العمر وجعل البيت المعمور في السماء بإزائه {وَأَنتَ حِلُّا بِهَاذَا الْبَلَدِ} حال من المقسم به وأنت خطاب للنبي عليه السلام.
كفته اند در قرآن هار هزار نام وى برد وذكروى كرد بعضي بتعريض وبعضي بتصريح.
والحل بمعنى الحال من الحلول وهو النزول أي والحال إنك لا يا محمد حال في مكة نازل بها قيد أقسامه تعالى بمكة بحلوله عليه السلام فيها إظهاراً لمزيد فضلها فإنها بعد إن كانت شريفة بنفسها زاد شرفها بحلول النبي العظيم الشريف فيها فما لا شرف فيه يحصل له شرف بشرف المكين وما فيه شرف ذاتي يحصل له بشرف شرف زائد فمحل قدمي النبي عليه السلام كمكة والمدينة وغيرهما ينبغي أن يحافظ على حرمته وقد سمى عليه السلام المدينة طابة لأنها طابت به وبمكانه وفيه تعريض لأهل مكة بأنهم لجهلهم يرون أن يخرجوا منها من به مزيد شرفها ويؤذوه.
433
أي كعبه را زيمن قدوم توصد شرف
جزء : 10 رقم الصفحة : 433
وى مرده را زمقدم اك توصد صفا
بطحا زنور طلعت تو يافته فروغ
يثرب زخاك تو با رونق و نوا
وفيه إشارة إلى بلد مكة الوجود الإنساني وإلى رسول القلب المستكن في الجانب الأيسر منه {وَوَالِدٍ} وزاينده عظف على هذا البلد والمراد به إبراهيم عليه السلام والتنكير للتفخيم {وَمَا وَلَدَ} وآنه زاده است.(10/335)
وهو إسماعيل عليه السلام فإنه ولد بلا واسطة ومحمد عليه السلام ، فإنه ولده بواسطة إسماعيل فتتضمن السورة القسم بالنبي عليه السلام في موضعين وإيثار ما على من لمعنى التعجب مما أعطاه الله من الكمال كما في قوله والله أعلم بما وضعت أي شيء وضعت يعني موضوعاً عجيب الشأن وهو مريم أو الوالد آدم عليه السلام ، وما ولد ذريته وهو الأنسب لمضمون الجواب فالتفخيم المستفاد من كلمة ما لا بد فيه من اعتبار التغليب أي فهو من باب وصف الكل بوصف البعض أو للتعجيب من لأمر الذي يشترك فيه الكل كالنطق والبيان والصورة البديعة وغيرها وقيل الوالد أعلمكم أمر دينكم ولقوله عليه السلام لعلي رضي الله عنه أنا وأنت أبوا هذه الأمة وإلى هذا أشار بقوله عليه السلام كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وهو سبب الدين ونسب التقوى وقد سمى الله النبي عليه السلام أبا للمؤمنين حيث قال النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وفي بعض القراآت وهو أب لهم فإن أمومية الأزواج المطهرة تقتضي أبوته عليه السلام إذ كل من كان سبباً لا يجاد شيء وإصلاحه أو ظهوره يسمى أبا وقد قال عليه السلام إنا من الله والمؤمنون من فيض نوري وصرح تعالى بفضيلة هذه الأمة حيث قال وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ولذا عظمهم بالإقسام بهم وفيه إشارة إلى إبراهيم الروح الوالد وإسماعيل السر المولود منه أو آدم الروح وإبرهيم السر أو إلى روح القدس الذي هو الأب القحيقي للنفوس الإنسانية كقول عيسى عليه السلام ، إني ذاهب إلى أبي وأبيكم السماوي وقوله تشبهوا بأبيكم السماوي فالمراد بما ولد هو النفس التي ولدها هو فكأنه قيل واقسم بروح القدس والنفس الناطقة {لَقَدْ خَلَقْنَا الانسَـانَ فِى كَبَدٍ} جواب للقسم يقال كبد الرجل كبداً إذا وجعت كبده فانتفخت وأصله كبده إذا أصاب كبده كذكرته إذا قطعت ذكره ورأيته إذا قطعت رئته ثم اتسع فيه حتى استعمل في كل نصب ومشقة ومنه اشتقت المكابدة بمعنى مقاساة الشدة وفي كبد حال من الإنسان بمعنى مكابداً وحرف في واللام متقاربان تقول إنما أنت للعناء والنصب وإنما أنت في العناء والنصب ووجه آخر ن أقوله في كبد يدل على أن الكبد قد أحاط به إحاطة الظرف بالمظروف والمعنى لقد خلقنا الإنسان في تعب ومشقة فإنه مع كونه أضعف الخلق لا يزال يقاسى فنون الشدائد مبدأها ظلمة الرحم ومضيقة ومنتهاها الموت وما بعده فابن آدم يكابد من البلايا ما لا يكابده غيره يعني إن الكبد يتناول شدائد الدنيا من قطع سرته والتفافه بخرقة محبوس الأعضاء ومكابدة الختان وأواجاعه ومكابدة المعلم وصولته والاستاذ وهيبته ثم مكابد شغل التزوج وشغل الأولاد والخدم
434
جزء : 10 رقم الصفحة : 433
وشغل المسكن ثم الكبر والهرم من جملة مصائب كثيرة لا يمكن تعدادها كالصداع ووجع الأضراس ورمد العين وهم الدين ونحو ذلك ويتناول أيضاً شدائد التكاليف كالشكر على السراء والصبر على الضراء والمكابدة في أداء العبادات كالصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد ثم بعد ذلك يقاسي شدة الموت وسؤال الملك وظلمة القبر ثم البعث والعرض على الملك المحاسب إلى أن يصل إلى موضع الاستقرار إما في الجنة وإما في النار كما قال لتركبن طبقاً عن طبق قال الامام ليس في الدنيا لذة البتة بل ذلك الذي يظن إنه لذة فهو خلاص من الألم فاللذة عند الأكل هي الخلاص من ألم الجوع وعند اللبس هي الخلاص من ألم الحر والبلاد فليس للإنسان إلا ألم أو خلاص من ألم وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مما كان يكابده من كفار قريش وإشارة إلى أن الإنسان المقيد بقيد التعين الوجودي خلق في تعب التعين والتقييد وفيه حرمان من المطلق ونوره فإن المقيد بقيد التعين معذب بحرمان المطلق.
وقال القاشاني : لقد خلقنا الإنسان في مكابدة ومشقة من نفسه وهواه أو مرض باطن وفساد قلب وغلظ حجاب إذا الكبد في اللغة غلظ الكبد الذي هو مبدأ القوة الطبيعية وفساده وحجاب القلب وفساده من هذه القوة فاسعير غلظ الكبد لغلظ حجاب القلب ومرض الجهل {أَيَحْسَبُ} أيامي ندارد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 433
(10/336)
والضمير لبعض صناديد قريش الذين كان عليه السلام ، يكابد منهم أكثر مما يكابد من غيرهم كالوليد بن المغيرة وإضرابه {أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} إن مخففة من الثقيلة سادة مع اسمها مسد مفعولي الحسبان أي يحسب إن الأمر والشأن لن يقدر على انتقام منه أحد فحسبانه الناشيء عن غلظ الحجاب ومرض القلب فاسد لأن الله الأحد يقدر عليه وهو عزيز ذو انتقام {يَقُولُ} ذلك الظان على سبيل الرعونة والخيلاء {أَهْلَكْتُ} أنفقت كقول العرب خسرت عليه كذا إذا أنفق عليه {مَالا لُّبَدًا} أي كثيراً متلبداً من تلبد الشيء إذا اجتمع يريد كثرة ما أنفقه سمعة ومفاخرة وكان أهل الجاهلية يسمون مثل ذلك مكارم ويدعونه معالي ومفاخر وفي لفظ الإهلاك إشارة إلى أنه ضائع في الحقيقة إذ لا ينتفع به صاحبه في الآخرة ما قالت عائشة رضي الله عنها في حق عبد الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه يا رسول الله فقال عليه السلام : لا ينفعه لأنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين {أَيَحْسَبُ} ذلك الأحمق المباهي {إِنَّ} أي إن الشأن {لَّمْ يَرَه أَحَدٌ} حين كان ينفق وإنه تعالى لا يسأله عنه ولا يجازيه عليه يعني إن الله رآه واطلع على خبث نيته وفساد سريرته وإنه مجازيه عليه فمثل ذلك الانفاق وهو ما كان بطريق المباهاة رذيلة فكيف يعده الجاهل فضيلة وفي الحديث لا تزول قدماً العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعن ماله من أين كسبه وفيم أنفقه وعن عمله ماذا عمل وعن حبه أهل البيت {أَلَمْ نَجْعَل لَّه عَيْنَيْنِ} يبصر بهما عالم الملك من الأرض إلى السماء حتى يشاهد بهما في طرفة عين النجوم العلوية التي بينه وبينها عدة آلاف سنة ويفرق بهما بين ما يضر وما ينفع وبهما يحصل شرف النظر إلى وجه العالم وإلى المصحف وإلى الشواهد قال في أسئلة الحكم العين
435
نحرس ابدن من الآفات وهي نيرة كالمرءآة إذ قابلها شيء ارتسمت صورته فيها مع صغر الناظر وهو الحدقة التي هي شحمة وجعل الله اعين سريعة الحركة وجعل لها أجفاناً تسترها وأهداباً من الشعر كجناح الطائر تطرد بانضمامها وابنفتاحها الذباب والهوام عن العين وجل العين في الرأس لأن السراج يوضع على رأس المنار وجعلها ثنتين كالشمس والقمر فإنهما عينا التعين الدنيوي وجعل فوقهما حاجبين أسودين لئلا يتضرر البصر بالضياء ولأن الذي ينظر في السواد إلى البياض يكون أحد نظراً ولذلك جعلت الحدقة سوداء وإهداب العين شعراً أسود لأن السواد يقوي البصر ولما بنى ذو القرنين الاسكندرية رخمها بالرخام الأبض جدرها وأرضها فكان لباسهم فيها السواد من نصوع بياض الرخام فمن ذلك لبس الرهبان السواد فإن النظر إلى الأبيض يفرق البصر ويضعفه ولذا قال عليه السلام في الأثمد إنه يقوي البصر وجعل الحدقة محركة في مكانها لتتحرك إلى الجهات يمنة ويسرة فيبصر بها من غير أن يلوي عنقه وجعل النظارين جميعاً على خط مستقيم عرضاً ولم يقع واحد منهما أعلى وإلا اخفض ليجتمع الناظران على شيء واحد لئلا يترا أي له الشخص الواحد شخصين وفي العينين إشارة إلى العين الظاهرة والعين الباطنة فينبغي أن يحافظ على كلتيهما فإن نظر عينين أتم من نظر عين واحدة و
جزء : 10 رقم الصفحة : 433
(10/337)
{لِّسَانًا} يترجم به عن ضمائره وبه تنعقد المعاملات وتحصل الشهادات ويدرك الطعوم من الحلو والمر ولو يكن اللسان لاحتاج الإنسان إلى الإشارة أو الكتابة فتعسر أمره وإنما تعدد العين والأذن وتفرد اللسان لأن حاجة الإنسان إلى السمع والبصر أكثر من حاجته إلى الكلام وفيه تنبيه أيضاً على أن يقل من الكلام إلا في الخير وإن لا يتكلم فيما لا فائدة فيه وهو السر في أن الله تعالى جعل اللسان داخل الفم وجعل دونه الشفتين اللتين لا يمكن الكلام إلا بفتحهما ليستعين العبد بإطباق شفتيه على رد الكلام وقد حكه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنه كان يجعل في فمه حجر ليمتنع من الكلام فيما لا يعنيه وفيه إشارة إلى لسان القلب فإنه يتكلم به بالمفاوضة القلبية وقد أبطله كما أبطل العين الباطنة وأفسد استعداد التكلم الباطني القلبي {وَشَفَتَيْنِ} يستر بهما فاه إذا أراد السكوت ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ قال السجاوندي خص الشفة لروج أكثر الحروف منها وفي الدعاء الحمد الذي جعلنا ننط بلحم ونبصر بشحم ونسمع بعظم قال بعضهم أسبل الصانع الحكيم أمام الفم ستراً من الشفة ذا طرفين يضمهما عند الحاجة ويمتص بهما المشروب وجعل الشارب محيطاً من العليا ليمنع ما على وجه الشراب من القش والقذى أن يدخل حالة الشرب وفي الحديث إن الله يقول ابن آدم إن نازعك لسان فيما حرمت عليك فقد اعنتك بطبقتين فأطبق وإن نازعك بصرك إلى بعض م حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق وفي الخبر الفرج أمانة والأذن أمانة واليد أمانة والرجل أمانة والإيمان لمن لا أمانة له أورا كوبند ما دوديده بتوسرديم اك تو بنظر هاي نا ك ملطخ كردمى تا آثار تقديس ازوى برخاست وخبيث شدا كنون ميخواهى كه ديدار مقدس ما بنظرخ ويش بيني هيهات ما اكيم
436
وا كانوا اك شايد الطيبت للطيبين دو سمع داديم تراتا ازان دو خانه سازى ودرهاى آثار وحي در وتعبيه كنى ومر وزباز سارى توا نرا محال دروغ شنيدن ساختي وهكذر أصوات خبيثه كردى ونداء ما اكست جز سمع اك نشنود امروز بكدام كوش حديث ما خواهى شنيد زباني داديم تراتا بامار ازكويى در خلوت وقرآن خواتي در عبادت وصدق دروى فرواري وبادوستان ما سخن كويى توخود زبا نرا بساط غيبت ساختي وروز نامه جدل وديوان خصومت كردى تواموز بكدام زبان حديث ما خواهى كرد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 433
زبان آمد از بهر شكر وساس
بغيبت نكرد اندش حق شناس
كذركاه قرآن وبندست كوش
به بهتان وباطل سنيدن مكوش
دو شم ازى صنع بارى نكوست
زعيب برادر فروكير ودوست
وفيه إشارة إلى شفتي لسان القلب ولسان الرأس {وَهَدَيْنَـاهُ النَّجْدَينِ} معطوف على ألم نجعل لأن في التقدير مثبت أي جعلنا له ذلك وهديناه طريقي الخير والشر كما قال عليه السلام هما النجدان نجد الخير ونجد الشر فلا يكن نجد لشر أحب إليكم من نجد الخير أو طريقي الثديين لأنهما طريقان مرتفعان لنزول اللبن سببن لحياة المولود وتمكين مولود عاجز من رضاع أمه عقيب الولادة قدرة عليه ونعمه جلية.
نه طفل زبان بسته بودى زلاف
همى روزى آمد بجوفت زناف
و نافش بريدند وروزى كسست
به ستان مادر در آويخت دست
وأصل النجد المكان المرتفع جعل الخير بمنزلة مكان مرتفع بخلاف الشر فإنه يستلزم الانحطاط عن ذروة الفطرة إلى حضيض الشقاوة فكان استعمال النجدين بطريق التغليب أو لأن فعل الشر بالنسبة إلى قوته في الواهمة مصور بصورة المكان المرتفع ولذا استعمل الترقي في الوصول إلى كل شيء وتكميله وقال ابن الشيخ لما وضحت الدلالة الدالة على الخير والشر صارتا كالطريقين المرتفعين بسبب كونهما واضحين للعقول كوضوح الطريق العالي للأبصار وفيه إشارة إلى نجد الروح ونجد القلب فأبطلهما بغلبة النفس على الروح وغلبة الهوى على القلب {فَلا اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ} الاقتحام الدخول في أمر شديد ومجاوزته بصعوبة وفي "القاموس" قحم في الأمر كنصر قحو مارمى بنفسه فيه فجأة بلا روية والعقبة الطريق الوعر في الجبل فلم يشكر تلك النعم الجليلة بالأعمال الصالحة وعبر عنها بالعقبة لصعوبة سلوكها {وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا الْعَقَبَةُ} أي أي شيء أعلمك يا محمد ما اقتحام العقبة فإن المراد ليس العقبة الصورية واقتحامها {فَكُّ رَقَبَةٍ} الفك الفرق بين الشيئين بإزالة أحدهما عن الآخر كفك القيد والغل وفك الرقبة الفرق بينها وبين صفة الرق بإيجاب الحرية والرقبة اسم العضو المخصوص ثم يعبر بها عن الجملة وجعل في التعارف أسماء للمماليك كما عبر بالرأس وبالظهر عن المركوب فقيل فلان يربط كذا رأساً وكذا ظهرا والمعنى هو أي اقتحام العقبة اعتاق رقبة فالفك ليس تفسيراً
437
(10/338)
لنفس العقبة بل لاقتحامها بتقدير المضاف وذلك لأن العقبة عين والفك فعل فلا يكون تفسيراً للآخر ثم فك الرقبة قد يكون بأن ينفرد الرجل في عتق الرقبة وقد يكون بأن يعطي مكاتبه ما يصرفه إلى جهة فكاك رقبته وبأن يعين في تخليص نفس من قود أو غرم فهذا كله يعم الفك دون الاعتاق ويحتمل أن يكون المراد بفك الرقبة أن يفك المرء رقبة نفسه من عذاب بأن يشتغل بالأعمال الصالحة حتى يصير بها إلى الجنة ويتخلص من النار وهي الحرية الوسطى وإن يفك رقبة القلب من أسر انفس وقيد لهوى وتعلق السوى وهي الحرية الكبرى فيكون قوله أو إطعام الخ من قبيل التخصيص بعد التعميم إشارة إلى مزيد فضل ذلك الخاص بحيث خرج به من أن يتناول اللفظ السابق مع عمومه وقال بعضهم تقدم العتق على الصدقة يدل على أنه أفضل منها كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وفي الحديث من فك رقبة فك الله بكل عضو منها عضواً منه من النار.
قال الراغب : فك الإنسان غيره من العذاب إنما يحصل بعد فك نفسه منه فإن من لم يهتد ليس في قوته إن يهدي وفك الرقبة من قبيل فك النفس لأنه من الأعمال الصالحة التي لها مدخل عظيم في فكها
جزء : 10 رقم الصفحة : 433
{أَوْ إِطْعَـامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ} أي مجاعة لقحط أو غلاء من سغب إذا جاع قال الراغب السغب الجوع مع التعب وربما قيل في العطش مع التعب فمسغبه مصدر ميمي وكذا مربة ومتربة قيد الإطعام بيوم المجاعة لأن إخراج المال في ذلك الوقت أثقل على النفس وأوجب للأجر {يَتِيمًا} مفعول إطعام {ذَا مَقْرَبَةٍ} أي قرابة من قرب في النسب قرباً ومقربة وقال السجاوندي قرب قرابه لأ جوار انتهى قيد اليتيم بأن يكون بينه وبين المطعم قرابة نسبية لأنه اجتمع فيه جهتا الاستحقاق اليتم والقرابة فإطعامه أفضل لاشتماله على الصدقة وصلة الرحم {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} أي افتقار من ترب بالكسر ترباً بفتحتين ومتربا إذا افتقر كأنه لصق بلتراب من فقره وضره فليس فوقه ما يستره ولا تحته ما يوطئه ويفرشه وإما قولهم أترب فمعناه صار ذا مال كالتراب في الكثرة كما قبل أثري وعن النبي عليه السلام ، في قوله ذا مترتبة الذي مأواه المزابل وقال ابن عباس رضي الله عنهما البعيد التربة يعني الغريب.
(كما قال الكاشفي) : واين نين كس عيال مند بود يا وام دار يابيمار بي خواستار يا غريبي دور ازديار.
جزء : 10 رقم الصفحة : 433
وفي الحديث الساعي على الأرملة والمسكين كالساعي في سبيل الله وكالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر يقول الفقير خص الفك والإطعام لصعوبة العمل بهما وجعل الإطعام لليتيم والمسكين لما إن ذلك يثقل على النفس فقد ينفق المرء الوفا في هواه كإطعام أهل الهوى وبناء الأبنية الزائدة ونحو ذلك ولا يستكثرها وإما الفقير واليتيم فلا يراهما بصره لهوانهما عنده وعلى تقدير الرؤية فيصعب عليه إعطاء درهم أو درهمين إو إطعام لقمة أو لقمتين واحتج الشافعي رحمه الله ، بهذه الآية على أن المسكين قد يكون بحيث يملك شيئاً وإلا لكال تقييده بقوله ذا متربة تكرارا وهو غير جائز وفيه بحث لجواز أن يكون ذا متربة صفة كاشفة للمسكين وتكون الفائدة في التوصيف بها التصريح بجهة الاحتياج ليتضح إن إطعام الأحوج أفضل والتكرير الذي لا يجوز هو التكرير الخالي عن
438
(10/339)
الفائدة وما نحن فيه ليس من هذا القبيل وفيه إشارة إلى يتيم القلب المغلوب في يد النفس والهوى ومسكين السر المذلل تحت قهر النفس وعزتها وفي "الإرشاد" وحيث كان المراد باقتحام العقبة هذه الأمور حسن دخول لا على الماضي ولسي بشرط إذ قد يكون بمعنى لم فكأنه قيل فلم يقتحم العقبة {ثُمَّ كَانَ} س باشد اين آزاد كننده وطعام دهنده {مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا} عطف على المنى بلا وثم للدلالة على تراخي رتبة الإيمان عن العتق والصدقة ورفعة محله لاشتراط جميع الأعمال الصالحة به وإلا فهو في المان مقدم على الطاعات والمعنى إن الإنفاق على هذا الوجه هو الاتفاق المرضى النافع عند الله لا إن يهلك ما لا لبدا في الرياء والفخار فيكون مثله كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قم وفي ذكر العقبة إشارة إلى أن عقبة الآخرة لا يجوزها إلا من كان محقاً قال المحاسبي : تلك عقبة لا يجوزها إلا من خمص بطنه عن الحرام والشبهات وتناول مقدار بقاء المهجة وقال القاسم القعبة نفسك ألا ترى إلى قوله فك رقبة فإنه أن تعتق نفسك من رق الخلق وتشغلها بعبودية ربك {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} عطف على آمنوا أي أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله وعن المعاصي وفي المصائب {وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} مصدر بمعنى الرحمة أي أوصى بعضهم بعضاً بالرحمة على عاد الله أو بموجبات رحمته تعالى من الخيرات على حذف المضاف أو ذكر المسبب وإرادة السبب تنبيهاً على كماله في السببية والرحمة بهذا المعنى أعم من الرحمة بالمعنى الأول وهي الشفقة لمن يستحقها من اعباد يتيماً أو فقيراً أو نحو ذلك وفي الحديث لا يرحم الله من لا يرحم الناس فقوله وتواصوا بالصبر إشارة إلى التعظيم لأمر الله وقوله وتواصوا بالمرحمة إشارة إلى الشفقة على خلق الله وإلى التكميل بعد الكمال فإن الإيمان كمال في نفسه وكذا الصبر والمرحمة وغيرهما من الأعمال الصالحة والتواصي من باب تكميل الغير قال بعضهم : الإطعام خصوصاً وقت شدة الحاة أفضل أنواع العفة والإيمان أجل أنواع الحكمة وهو الإيمان العلمي اليقيني وجاء فيه بلفظ ثم لبعد رتبته عن الفضيلة الأولى في الارتفاع والعلو لكونه الأساس والصبر على الشدائد من أعظم أنواع شجاعة وأخره عن الإيمان لامتناع حصول فضيلة الشجاعة بدون اليقين والتراحم والتعاطف من أفضل أنواع العدالة
جزء : 10 رقم الصفحة : 433
{أولئك} الموصووفن بالنعوت الجليلة المذكورة وفي اسم الإشارة دلة على حضورهم عند الله في مقام كرامته وعلو رتبتهم وبعد درجتهم {الْمَيْمَنَةِ مَآ} أي اليمين وهم الذين يعطون كتهم بإيمانهم ويسلك بهم من طريق اليمين إلى الجنة أو أصحاب اليمن والخير والسعادة لأن الصلحاء ميامين على أنفسهم بطاعتهم وعلى غيرهم أيضاً أو أصحاب اليد اليمنى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بآياتنا} بما نصبناه دليلاً على الحق من كتاب وحجة أو بالقرآن {هُمْ} في ضمير الغالب دلالة على سقوطهم عن شرف الحضور وإنهم أحقاء بالإخفاء {وَأَصْحَابُ الْمَشْاَمَةِ} أي الشمال وهم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم ومن وراء ظهورهم وسلك بهم شمالاً إلى النار أو أصحاب السؤم والشر والشقاوة لأن الفساق مشائيم على أنفسهم بمعصيتهم وعى غيرهم أيضاً ويجب التوسل بالصلحاء والاجتناب عن الفسقاء أو أصحاب اليد اليسرى {عَلَيْهِمْ}
439
خبر مقدم لقوله نار مؤصدة أي نار أبوابها مغلقة فلا يفتح لهم باب فلا يخرج منا غم ولا يدخل فيها روح أبد الآباد إلا أنها جعلت صفة للنار إشعاراً بإحاطتهم فاصل التركيب مؤصدة الأبواب فلما تركت الإضافة عاد التنوين إليها لأنهما يتعاقبان من أو صدت الباب من المعتل الفاء وآصدته بالمد من المهموز مثل آمن إذا أظطبقته وأغلته واحكمته فمن قرأها مؤصدة بالهمزة جعلها اسم مفعول من آصدت ومن لم يهمزها أخذها من أو صدت مثل أو عد فيه موعد وذلك موعد ويحتمل أن يكون من آصد مثل آمن لكنه قلبت همزته الساكنة واو الضمة ما قبلها للتخفيف وكان أبو بكر بن عباس راوي عاصم يكره الهمزة في هذا الحرف ويقول لنا إمام يهمز مؤصدة فاشتهى أن أسد أذنى إذا سمعته وكأنه لم يحفظه عن شيخه إلا بترك الهمزة وقد حفظه حفص بالهمزة وهو أضبط لحرف من أبي بكر على ما نقله القراء وإن كان أبو بكر أكبر وأتقن وأوثق عند أهل الحديث وفيه إشارة إلى إن نار الحجاب والخذلان والخسران مؤصدة على نفس الأمارة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 433
تفسير سورة الشمس
خمس عشرة أو ست عشرة آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 439
{وَالشَّمْسِ} سوكند ميخوم بآفتاب {وَضُحَااهَا} أي ضوئها إذا طلعت وقام سلطانها وانبسط نورها يعنيسوكند بتايش وى ون بلند كردد وبموضع اشت رسد.(10/340)
يقال وقت الضحى أي وقت إشراق الضو فالضحى والضحوة مشتقان من الضح وهو نور الشمس المنبسط على وجه الأرض المضاد للظل وفيه إشارة إلى الأقسام بشمس الروح وضوئها المنتشر في البدن الساطع على النفس {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَـاـاهَا} من التلو بمعنى التبع أي إذا تبعها بأن طلع بعد عروبها آخذاً من نورها وذلك في النصف الأول من الشهر قال الراغب تلاه تبعه متابعة ليس بسنهما ما ليس منهما وذلك يكون تارة بالجسم وتارة بالاقتداء في الحكم ومصدره تلو وتلو وتارة بالقرآن وتدبر المعنى ومصدره تلاوة ثم قال قوله والقمر إذا تلاها فإنما يراد به ههنا الاتباع على سبيل الاقتداء والمرتبة وذلك إنه فيما قبل أن القمر يقبتس النور من الشمس وهو لها بمنزلة الخليفة قيل وعلى هذا قوله وجعل الشمس ضياء والقمر نوراً والضياء على مرتبة من النور إذ كل ضياء نور دون العكس وفيه اشارة إل قمر القلب إذا تلا الروح في التنور بها وإقباله نحوها واستضاءته بنورها ولم يتبع النفس فيخسف بظلمتها قال شيخي وسندي روح الله روحه في كتاب اللائحات البرقيات له إن الشمس آية للحقيقة الإلهية الكمالية الأكملية
440
وإشارة إليها والقمر آية للحقيقة الإنسانية الكمالية الأكملية وإشارة إليها فكما إن القمر منذ خلقه الله إلى يوم القيامة كان مجلى ومظهر التجلي نور الشمس وظهروه في الليل حتى يهتدى به أرباب الليل في الظلمات الليلية في سبرهم وسلوكهم في طرق مقاصدهم فكذلك الحقيقة الإنسانية الكمالية الأكملية منذ خلقها الله إلى أبد الآبدين كانت مجلى ومظهراً لتجلى نور الحقيقة الإلهية الكمالية الأكملية وظهوره في الكون حتى يهتدى به أرباب الكون في ظلمات الكون عند سلوكهم وسيرهم في العوالم والأطوار الكونية نزولاً عند السير إلى عالم الإمكان وعروجا عند السلوك إلى عالم الوجوب فكما أن القمر يفنى من نوره ونفسه بالتمام في نور الشمس ونفسها بحيث لا يبقى أثر من وره ونفسه عند المقارنة والمواصلة الحاصلة بينهما بالتوجه الشمسي القابض والإقبال الجاذب عليه ويبقى مع نوره ونفسه أي جرمه بالكمال وبنور الشمس ونفسها بحيث لا يفنى شيء من نوره ونفسه عند المقابلة والمفارقة الكاملة الحاصلة بينهما بالإرسال إلى نفسه والبسط إلى نوره مراراً وكراراً دائماً وباقياً إلى يوم القيامة فكذلك الحقيقة الإنسانية الكمالية الأكملية تفنى من نورها وتعينها في نور الحقيقة الإلهية الكمالية الأكملية وتعينها بالتمام بحيث لا يبقى لها أثر ما أصلاً عند الوصلة الإلهية الحاصلة في مرتبة الذات الأحدية الجمعية المطلقة بالقبض والجذب من نورها وتعينها إلى نورها وتعينها الأزلي الأبدي السرمدي وتبقى مع نورها وتعينها بنورها بحيث لا يفنى منها أثر أصلاً عند الفرقة الكونية الحاصلة في مرتبة المظهرية الكثرتية الفرقية المقيدة بالبسط والإرسال إلى نورها وتعينها مراراً وكراراً أبداً سرمداً وعند تجلي النور الشمسي والإلهي وظهوره في القمر والإنسان الكامل تدريجاً إلى حد الكمال يكمل بقاؤهما وعند استتاره واختفائه عنهما تدريجاً أيضاً إلى حد التمام يتم فناؤهما وفناؤهما على هذا الوجه من قبض جلال احق سبحانه وبقاؤهما على ذلك النمط من سط جماله تعالى ولله يقبض ويبسط دائماً من مرتبة كماله الذاتي بيدي جلال كماله وجماله بل يداه مبسوطتان كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً انتهى.
كلامه قدس الله سره فإن قلت إذا ههنا لسيت بشرطية لعدم جوابها لفظاً أو تقديراً حتى يعمل فيها فتكون ظرفاً مطلقاً فلا بد لها من عامل وهو في المشهور اقسم المقدر وهو إنشاء فيكون للحال وإذا للاستقبال ولا اجتماع بينهما فلا تكون ظرفاً ووقتاً له قلت إذا في أمثال هذا المقام للتعليل أي اقسم بالقمر اعتباراً يتلوها وبالنهار اعتباراً بتجليته الشمس وبالليل اعتباراً بغشيانه إياها كما تقول أشهدك على هذا حيث كنت صالحاً متديناً أي لأجل ذلك كذا في بعض التفاسير وقال في "القاموس" إذا تجبىء للحال وذلك بعض القسم مثل والليل إذا يغشى والنجم إذا هوى انتهى فيكن بمعنى حين فاعرف
جزء : 10 رقم الصفحة : 440
{وَالنَّهَارِ} هو نور الشمس الذي ينسخ ظل الأرض بمحو ظلمة الليل {إِذَا جَلَّـاـاهَا} أي جلى الشمس يعني هويد اكرد.
فإنها تتجلى عند انبساط النهار واستيفائه تمام الانجلاء فكأنه جلاها مع أنها التي تبسطه يعني لما كان انتشار الأثر وهو زمان ارتفاع النهار زماناً لانجلاء الشمس وكان الجلاء واقعاً فيه أسند فعل التجلية إليه إسناداً مجازياً مثل نهاره صائم أو جلى الظلمة أو الدنيا أو الأرض وإن لم يجر لها ذكر للعلم بها وفيه إشارة إلى نهار استيلاء نور الروح وقيام سلطانها واستواء نورها إذا جلاها وأبرزها في غاية الظهور كالنهار عند الاستواء في تجلية الشمس {وَالَّيْلِ} هو ظل اللأرض الحائلة بين الشمس وبين ما وقع عليه ظلمة
441
(10/341)
الليل {إِذَا يَغْشَـاـاهَا} أي الشمس فيغطي ضوءها فتغيب وتظلم الآفاق ولما كان احتجاب الشمس بحيلولة الأرض بيننا وبينها واقعاً في الليل صار الليل كأنه حجبها وغطاها فأسند التغطية وتغشية إلى الليل لذلك أو إذا يغشى الآفاق والأرض ولعل اختيار صيغة المضارع هنا على المضي للدلالة على إنه لا يجري عليه تعالى زمان فالمستقبل عند كالماضي مع مراعاة الفواصل ولم يجيء غشاها من التغشية لأنه يتعدى إلى المفعولين وحيث كانت الواوات العاطفة نواب الواو الأولى القسمية القائمة مقام الفعل والباء سادة مسدهما معاً في قولك اقسم بالله حق أن يعملن عمل الفعل والجار جميعاً كما تقول ضرب زيد عمراً وبكر خالداً فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملهما فندفع ما يورد ههنا من أن تلك الواوات إن كانت عاطفة يلزم العطف على معمولي عاملين مختلفين وإن كانت قسمية يلزم تعداد القسم مع وحدة الجواب وحاصل الدفع اختيار الشق الأول ومنع لزوم المحذور وفيه إشارة إلى ليل النفس عند غشيانه بظلمتها شمس نهار الروح وهو أيضاً آية من آياته الكبرى لأن الليل مظهر الاسم المضل فيجوز القسم به كما جاز القسم بالنهار نظراً إلى أنه مظهر الاسم الهادي {وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَـاـاهَا} أي ومن بناها على غاية العظم ونهاية العلو وهو الله تعالى وإيثار ما على من لإرادة الوصفية تعجباً لأن ما يسأل بها عن صفة من يعقل كأنه قيل والقادر العظيم الشان الذي بناها وكذا الكلام في قوله {وَالارْضِ وَمَا طَحَـاـاهَا}
جزء : 10 رقم الصفحة : 440
أي ومن بسطها من كل جانب على الماء كي يعيش أهلها فيها والطحو كالدحو بمعنى البسط وإبدال الطاء من الدال جائز وأفراد بعض المخلوقات بالذكر وعطف الخالق عليه والأقسام بهما ليس لاستوائهما في استحقاق التعظيم بل النكتة في الترتيب أن يتبين وجود صانع العالم وكمال قدرته ويظفر العقل بإدراك جلال الله وعظمة شأنه حسبما أمكن فإنه تعالى لما أقسم بالشمس التي هي أعظم المحسوسات شرفاً ونفعاً ووصفها بأوصافها الأربعة وهي ضوؤها وكونها متبوعة للقمر ومتجلية عند ارتفاع النهار ومختفية متغطية بالليل ثم اقسم بالسماء التي هي مسير الشمس وأعظم منها فقد نبه على عظمة شأنهما لما تبين إن الأقسام بالشيء تعظيم له ومن المعلوم هما لحركتهما الوضعية وتغير أحوالهما من الأجسام الممكنة المحتاجة إلى صانع مدبر كامل القدرة بالغ الحكمة فتوسل العقل بمعرفة أحوالهما وأوصافهما إلى كبرياء صانعهما فكان الترتيب المذكور كالطريق إى جذب العقل من حضيض عالم المحسوسات إلى يفاع عالم الربوبية وبيداء كبريائه الصمدية وفيه إشارة إلى سماء الأرواح وأرض الأجساد {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاـاهَا} أي ومن أنشأها وأبدعها مستعدة لكملاتها والتنكير للتفخيم على أن المراد نفس آدم عليه السلام أو للتكثير وهو الأنسب للجواب وذكر في تعرف ذات الله تعالى السماء والأرض ولنفس لأن الاستدلال على الغائب لا يمكن إلا بالشاهد والشاهد ليس إلا العالم الجسماني وهو إما علوي بسيط كالسماء وأما سفلى بسيط كالأرض وإما مركب وهو أقسام أشرفها ذوات الأنفس وقد استدل بعطف ما بعدها على ما قبلها على عدم جواز تقدير المضاف فيه مثل ورب الشمس وكذا
442
(10/342)
في غيره إذا المقدر في المعطوف عليه يقدر في المعطوف فيكون التقدير ورب ما بناها ورب ما طحاها ورب ما سواها وبطلانه ظاهر فإن الظاهر أن تكون في مواضعها موصولة فاعرف وسيجيء شرح انفس وتسويتها عند أهل التأويل إن شاء الله تعالى {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاـاهَا} الفاء إن كانت لسببية التسوية فالأمر ظاهر وإن كانت لتقبها فلعل المراد منها إتمام ما يتوقف عليه الإلهام من القوى الظاهرة والباطنة والإلهام القاء الشيء في الروع إما من جهة الله أو من جهة الملاء الأعلى وأصل إيهام الشيء ابتلاعه والفجور شق ستر الديانة قدم على التقوى لمراعاة الفواصل أو لشدة الاهتمام بنفيه لأنه إذا انتفى الفجرو وجدت التقوى فقدم ما هم بشأنه أعني والمعنى أفهم النفس إياهما وعرفها حالهما من الحسن والقبح وما يؤدي إليه كل منهما ومكنها من اختيار أيهما شاءت قال بعض الكبار الإلهام لا يكون إلا في الخير فلا يقال في الشر الهمني الله كذا وإما قوله تعالى فألمهما فجورها وتقواها فالمراد فجورها لتجتنبه لا لتعمل به وتقواها لتعمل به إذ لسي في كلام الله تناقض أبداً وقال بعضهم : لا يخفى إن محل الإلهام هو النفس قال تعالى : {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا} لتعلمه ولا تعمل به وتقواها لتعلمه وتعمل به فهو في قسم الفجور إلهام إعلام لا إلهام عمل إن الله لا يأمر بالفحشاء وكما لا يأمر بالفحشاء لا يلهم بها فإنه لوالهم بها ما قامت الحجةعلى العبد فهذه الآية مثل قوله وهديناه النجدين أي بينا له الطريقين وقال بعضهم لم ينسب سبحانه إلى النفس خاطر المباح ولا إلهامه فيها وسبب ذلك إن المباح لها ذاتي فبنفس ما خلق عينها ظهر المباح فهو من صفاتها النفسية التي لا تعقل النفس إلا بها فخاطر المباح نعت خاص كالضحك للإنسان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 440
وفي التأويلات النجمية : تدل الآية على كون النفوس كلها حقيقة واحدة تحدة تختلف باختلاف توارد الأحوال والأسماء فإن حقيقة النفس المطلقة من غير اعتبار حكم معها إذا توجهت إلى الله توجهاً كلياً سميت مطمئنة وإذا توجهت إلى الطبيعة توجهاً كلياً سميت أمارة وإذا توجهت تارة إلى الحق بالتقوى وتارة أخرى إلى الطبيعة البشرية بالفجور سميت لوامة انتهى.
وفي الخبر الصحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنه ، سأل رجل من جهينة أو مزينة رسول الله ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم أم شيء يستقبلونه فقال عليه السلام : بل قضى عليهم قال فيم العمل إذا يا رسول الله فقال عليه السلام من كان خلقه الله لإحدى المنزلتين يهيئه الله لها ثم تلا الآية وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله عليه السلام ، ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم أم شي يستقبلونه فقال عليه السلام : بل قضى عليهم قال ففيم العمل إذا يا رسول الله فقال عليه السلام من كان خلقه الله لإحدى المنزلتين يهيئه الله لها ثم تلا الآية وقال ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله عليه السلام يقول عند الآية اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها قد أفلح من زكاها} جواب القسم وحذف اللام لطول الكلام وقال الزجاج طول الكلام صار عوضاً عن اللام وإنما تركه الكشاف وغيره لأنه يوجب الحذف والحذف لا يجب مع الطول ولم يجعل كذبت جواباً لأن أقسام الله إنما يؤكد به الوعد أو الظفر وإدراك البغية وهو دنيوي كالظفر بالسعادات التي تطيب بها الحياة الدنيا من الغنى والعز
443
والبقاء مع الصحة ونحوها وأخروي وهو بقاء فلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ولذلك قيل لا عيش إلا عيش الآخرة وأصل الزكاة الزيادة والنمو ومنه زكا الزرع إذا حصل فيه نمو كثير وبركة ومنه تزكية القاضي الشاهد لأنه يرفع قدره بالتعديل ومنه الزكاة لما يخرج الإنسان من حق الله إلى الفقراء لما فيها من رجاء البركة أو لتزكية النفس أي تميها بالخيرات والبكرات أولهما جميعاً فإن الخيرين موجودان فيها والمعنى قد فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من أنمى النفس وأعلاها بالتقوى أي رفعها وأظهرها وشهرها بها فأهل الصلاح يظهرون أنفسهم ويشهرونها بما سطع من أنوار تقواهم إلى الملاء الأعلى وبملازمتهم مواضع الطاعات ومحافل الخيرات بخلاف أهل افسق فإنهم يخفون أنفسهم ويدسونها في المواضع الخفية لا يلوح عليهم سيما سعادة يشتهرون به بين عباد الله المقربين وأصل هذا إن أجواد العرب كانوا ينزلون في أرفع المواضع ويوقدون النار للطارقين لتكون أشهر واللئام ينزلون الأطراف والهضاب لتخفى أماكنهم عن الطالبين فأخفوا أنفسهم فالبار أيضاً أظهر نفسه بأعمال البر والفاجر دسها وتستعمل التزكية بمعنى التطهير أيضاً كما قال في "القاموس" الزكاة صفوة الشيء وما أخرجته من مالك لتطهره به فالمعنى قد أفلح من طهر نفسه من المخالفات الشرعية عقداً وخلقاً وعملاً وقولاً فقد أقسم تعالى بسبعة أشياء على فلاح من زكى نفسه ترغيباً في تزكيتها.
(10/343)
جزء : 10 رقم الصفحة : 440
وابن عباس رضي الله عنهما ، روايت كرده كه حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلّم نزديك تلاوت اين آيت فرمودى كه تزكيه أنفس موجب تزكيه دل است هركاه كه نفس از شوب هوا مزكى شود في الحال دل ازلوث تعلق بما سوى مصفى كردد.
تا نفس مبراز مناهى لشود
دل آيينه نور الهي نشود
وكون أفعال العبد بتقدير الله تعالى وخلقه لا ينافي إسناد الفعل إلى العبد فإنه يقال ضرب زيد ولا يقال ضربا الله مع أن الضرب بخلقه وتقديره وذلك لأن وضع الفعل بالنسبة إلى الكاسب.
قال الراغب : وبزكاء النفس وطهارتها يصير الإنسان بحيث يستحق في الدنيا الأوصاف المحمودة وفي الآخرة الأجر والمثوبة وهو أن يتحرى الإنسان ما فيه تطهيره وذلك ينسب تارة إلى العبد لاكتسابه ذلك بحر قد أفلح من زكاها ونارة إلى الله لكونه فاعلاً لذلك في الحقيقة نحو بل الله يزكى من يشاء وتارة إلى الشيء لكونه واسطة في وصول ذلك إليهم نحو خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وتارة إلى العبادة التي هي آلة في ذلك نحو وحناناً من لدنا وزكاء انتهى {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـاـاهَا} في "القاموس" خاب يخب خيبة حرم وخسر وكفر ولم ينل ما طلب وأصل دسى دسس كتقضى البازي وتقضض من التدسيس وهو الإخفاء مبالغة الدس واجتماع الأمثال لما أوجب الثقل قلبت السين الأخيرة ياء وقال الراغب : الدس إدخال الشيء في الشيء بضرب من الإكراه ودساها أي دسسها في المعاصي انتهى والمعنى قد خسر من نقصها وأخفاها بالفجور وبإرسالها في المشتهيات الطبيعية وقال شيخي وسندي قدس سره في قوله تعالى [الشمس : 7-11]{وَنَفْسٍ} .
.
الخ المراد بالنفس هنا الذات والحقيقة الجمعية
444
الإنسانية الكمالية المخلوقة على الصورة الإلهية الجمعية الكمالية لتكون مرءآة لها كما ورد خلق الله آدم على صورته ويقال لها النفس الناطقة المدبرة للبدن وما سواها أي خلقها مستوية قابلة لتكون مجلى لتجليات تعينات الكمال والجلال والجمال ومتوسطة ممكنة لتكون مظهراً الظهورات الذات والصفات والأفعال ومعتدلة صالحة لتكون مشهداً لمشاهدات آثار الأسماء والمراتب والأحوال وبهذه القابلية الجامعة بين القبضتين الجمال والجلال كانت أتم كل موجود فألهمها أي أفاض عليها بوساطة سادة الجلال فجورها أي آثار الجلال المندرج في جميعة حقيقتها البرزخية وأحكامه وأحواله من العقائد والعلوم والأعمال والمذاهب وغير ذلك مما تفجر وتميل فيه من الحق إلى الباطل فتجازي بالخسران وتقواها وأفاض عليها بوساطة خادم الجمال أي آثار الجمال وأموره وأحكامه من كلمة التوحيد العلمي الرسمي المنا في للشرك والكفر والهوى الجلى وسائر الفساد في تبة الشريعة والطريقة ومن كلمة التوحيد العيني الحقيقي المزيل للشرك والكفر والهوى الخفي وباقي الكساد في مرتبة المعرفة والحقيقة ومن غيرهما من لطائف العلوم والمعارف ومحاسن الأعمال والأحوال ومكارم الأخلاق والصفات قد أفلح أي دخل في الفلاح في جميع المراتب صورة وحقيقة من زكاها من طهرها من رذائل آثار الجلال في جميع الأطوار وقد خاب أي حرم من الفلاح من دساها أي أخفى فيها الآثار الجلالية والصفات النفسانية وكتم فيها العيوب والقبائح الشيطانية والأهواء والشهوات البهيمية والأعمال النفسانية وكتم فيها العيوب والقبائح الشيطانية والأهواء والشهوات البهيمية والأعمال والأخلاق الرديئة ولم يعالجها بأضدادها بل أهملها عن التربية في مرتبة الشريعة بالتقوى والصلاح وعن التزكية في مرتبة الطريقة بالمجاهدة والإصلاح وساعدها في هواها وشهواتها في النيات والمقصود والأعمال والأقوال وصارت حركاتها وسكناتها جميعاً بالأهواء انتهى.
باختصار فإن كلامه رحمه الله في هذه الآية يبلغ إلى نصف جزء بل أكثر كذبت ثمود} المراد القبيلة ولذا قال وهو استئناف وارد لتقرير مضمون قوله تعالى : [الشمس : 12]{وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـاـاهَا} فإن الطغيان أعظم أنواع التدسية والطغوى بالفتح مصدر بمعنى الطغيان إلا أنه لما كان أشبه برؤوس الآيات اختير على لفظ الطغيان وإن كان الغطاين أشهر وفي الكشف الطغوى من الطغيان فصلوا بين الاسم والصفة في فعلى من بنات الياء بأن قلبوا الياء واواً في الاسم وتركوا القلب في الصفة فقالوا امرأة خزياً وصدياً من الخزى بالفتح والقصر بمعنى الاستحياء ومن الصدى بمعنى العطش والباء للسببية أي فعلت التكذيب بسبب طغيانها كما تقول ظلمني بجراءته عى الله فالفعل منزل منزلة اللازم فلا يقدر له مفعول وهو المشهور أو كذبت ثمود نبيها صالحا عليه السلام فحذف المفعول للعلم به وفيه إشارة إلى أن الصيان إذا اشتد بلغ الكفر ويجوز أن تكون الباء صلة للتكذيب أي كذبت بما أوعدت به من العذاب ذي الطغوى والتجاوز عن الحد وهو الصيحة كقوله تعالى : فاهلكوا بالطاغية أي بصيحة ذات طغيان إذ انبعث أشقاها}
جزء : 10 رقم الصفحة : 440
(10/344)
منصوب بكذبت أو بالطغوى أي حين قام أشقى ثمود وهو قدار بن سالف امتثالا لأمر من بعثه إليه فإن انبعث مطاوع لبعث يقال بعثت فلاناً على أمر فانبعث له
445
وامتثل قال في "كشف الأسرار" الانبعاث الإسراع في الطاعة للباعث أو حين قام قدار ومن تصدى معه لعقر الناقة من الأشقياء فإن أفعل التفضيل إذا أضيف يصلح للواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث ويدل على الأول قوله تعالى في سورة القمر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فإنه يدل على أن المباشر واحد معين وفضل شقاوتهم على من عداهم مباشرتهم العقر مع اشتراك الكل في الرضى به {فَقَالَ لَهُمْ} أي لثمود {رَسُولُ اللَّهِ} لما علم ما عزموا عليه وهو صالح عليه السلام ابن عبيد بن جابر بن ثمود بن عوص بن أرم فالإضافة للعهد عبر عنه بعنوان الرسالة إيذاناً بوجواب طاعته وبياناًلغاية عتوهم وتماديهم في الطغيان {نَاقَةَ اللَّهِ} منصوب على التحذير وإن لم يكن من الصور التي يجب فيها حذف العامل والناقة بالفارسية اشتر ماده أضيفت إليه تعالى للشريف كبيت الله أي ذروا ناقة الله الدالة على وحدانيته وكمال قدرته وعلى نبوتي واحذروا عقرها {وَسُقْيَاهَا} يعني شربها وهو نصيبها من الماء ولا تطردوها عنه في نوبتها فإنها كان لها شرب يوم معلوم ولهم ولمواشيهم شرب يوم آخر وكانوا يستضرون بذلك في مواشيهم فهموا بعقرها {فَكَذَّبُوهُ} أي رسول الله في وعيده بقوله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب {فَعَقَرُوهَا} أي الأشقى والجمع على تقدير وحدته لرضى الكل بفعله قال السهيلي العاقر قدار بن سالف وأمه قديرة وصاحبه الذي شاركه في عقر الناقة اسمه مصدع بن وهراوا بن جهم والعقر النحر وقدم التكذيب على العقر لأنه كان سبب العقر وفي الحديث قال عليه السلام لعلي يا علي أتدري من أشقى الأولين قال الله رسوله أعلم قال عاقر الناقة قال أتدري من أشقى الآخرين قال الله ورسوله أعلم قال قتلك وذلك الناقة إشارة إلى ناقة الروح فكما أن عقرها بالظلمة النفسانية والشهوات الحيوانية من مزيد شقاوة النفس فكذا قتل علي رضي الله عنه فإنه كان مظهراً لروحانية نبينا عليه السلام ولذا كان وارثه الأكبر في مقام الحقيقة فالقصد إلى علي الولي رضي الله عنه قصد إلى محمد النبي عليه السلام ولا شقاوة فوق الشقاوة من قابل مظهر الرحمة الكلية بالغضب وانتقام {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم} فأطبق عليم العذاب وهو الصيحة الهائلة وهو من تكرير قولهم ناقة مدمومة إذا طلبت بالشحم وأحيطت بحيث لم يبق منها شيء لم يمسه الشحم ودم الشيء سده بالقير ودممت على القبر وغيره إذا أطبقت عليه ثم كررت الدال للمبالغة في الإحاطة فالدمدمة من الدمدم كالكبكة من الكب قال في "كشف الأسرار" تقول العرب دممت على فلان ثم تقول من المبالغة دممت بالتشديد ثم تقول من تشديد المبالغة دمددمت والتركيب يدل على غشيان الشيء الشيء {بِذَنابِهِمْ} أي بسب ذنبهم المحكى والتصريح بذلك مع دلالة الفاء عليه للإنذار بعاقبة الذنب ليعتبر به كل مذنب {فَسَوَّااهَا} أي الدمدمة والإهلاك بينهم لم يفلت منهم أحد من صغير وكبير أو فسوى ثمود بالأرض.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 440
روى) أنهم لما رأوا علامات العذاب طلبوا صالحاً عليه السلام أن يقتلوه فأنجاه الله كما قال في سورة هود فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} الواو للاستئناف أو للحال من المنوى في فسواها الراجع إلى الله تعالى أي فسواها الله غير خائف عاقبة الدمدمة
446
وتبعتها أو عاقبة هلاك ثمود كما يخاف سائر المعاقبين من الملوك والولاة فيترحم بعض الترحم وذلك أن الله تعالى لا يفعل إلا بحق وكل من فعل بحق فإنه لا يخاف عاقبة ولا يبالي بعاقبة ما صنع وإن كان من شأنه الخوف وقال بعضهم : ولا يخاف هواي قدار ولا هم ما يعقب عقرها ويتبعه وما يترتب عليه من أنواع البلاء والمصيبة والعقاب مع أن صالحاً عليه السلام قد أخبرهم بها.
جزء : 10 رقم الصفحة : 440
سورة الليل
إحدى وعشرون آية مكية وقيل فيها مكي ومدني
جزء : 10 رقم الصفحة : 446
{وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} إذا للحال لكونها بعد القسم كما مر في السورة السابقة أي اقسم بالليل حين يغشى الشمس ويغطيها ويسترها كقوله والليل إذا يغشاها فعدم ذكر المفعول للعلم به أو النهار أو كل ما يواريه بظلامه فعدم ذكر المفعول للتعميم والليل عند أهل النجوم ما بين غروب الشمس وطلوعها وعند أهل الشرع ما بين غروبها وطلوع الفجر الصادق لعله المراد هنا والنهار ما يقابله.(10/345)
(وفي كشف الأسرار) الله تعالى شب رامرتبتي وشرفي دادكه آنرا درقرآن مجيذ محل قسم خود كردنيد واين شرف ازان يافت كه شب درآيد دوستان خداتنها در مناجات شوند همه شب شراب صفامي نوشند وخلعت رضا مي وشند وعتاب محبوب مي نيوشند وون وقت سحر باشدكه فرمان رسد تادرهاي اين قبه يروزه باز كشايند ودامنهاى سراد قات عرش مجيد براندازند ومقربان حضرت بامر حق خاموش شوند آنكه جبار كائنات در علو وكبرياي خود خطاب كندكه إلا قد خلال كل حبيب بحبيبه فأين أحبائي يعني هر دوستى بادوست خود در خلوت وشادي آمدند دوستان من كجا اند.
الليل داج والعصاة نيام
والعابدون لذي الجلال قيام
جزء : 10 رقم الصفحة : 447
{وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} ظهر بزوال ظلمة الليل أي إن كان المغشى غير الشمس أو تبين وتكشف بطلوع الشمس أي كان المغشى الشمس واختلاف الفاصلتين بالمضي والاستقبال لما ذكرنا في السورة السابقة وفيه إشارة إلى القسم بليل غيب الهوية المطلقة إذا يغشى نهار التعينات الاعتبارية على أهل الذوق والشهود وبنور نهار الوجودات المقيدة إذا تجلى بسبب التعينات العقلية بالنسبة إلى أهل الحجاب والاحتجاب.
وقال القاشاني : اقسم بليل ظلمة النفس إذا ستر نور الروح إذا تجلى وظهر من اجتماعهما وجود القلب الذي هو عرش الرحمن فإن القلب يظهر باجتماع هذين له وجه إلى الروح يسمى الفؤاد يتلقى به المعارف والحقائق ووجه إلى النفس يسمى الصدر يحفظ به السرائر ويتمثل فيه المعاني {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالانثَى} ما عبارة عن صفة العالم كمافي وما بناها وإنها لتوغلها في لإبهام أفادت أن الوصف الذي استعملت هي فيه بالغ إلى أقصى درجات القوة والكمال بحيث كان مما لا يكتنه كنهه وإنه لا سبيل للعقل إلى إدركه بخصوصه وإنما الممكن هو إدراكه بأمر عام صادق واللامان للحقيقة ويجوز
447
أن يكونا للاستغراق أي والقادر العظيم القدرة الذي خلق صنفي الذكر والأنثى من كل نوع له توالد فخرج مثل البغل والبغلة وقيل إن الله لم يخلق خلقاً من ذوي الأرواح ليس بذكر ولا أنثى والخنثى وإن أشكل أمره عندنا فهو عند الله غير مشكل معلوم بالذكورة أو الأنوثة فلو حلف بالطلاق إنه لم يلق يومه ذكراً ولا أنثى وقد لقى خشى مشكلاً كان حانثاً لأنه في الحقيقة أما ذكر أو أنثى وإن كان مشكلاً عندنا كما في "الكشاف" وقيل إنهما آدم وحواء عليهم السلام على أن اللام للعهد قال تعالى : يا اأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى} وعن ابن مسعود رضي الله عنه إنه كان يقرأ والذكر والأنثى قال علقمة قدمنا الشأم فأتانا أبو الدرداء رضي الله عنه فقال : أفيكم من يقرأ قراءة عبد الله بن مسعود فأشاروا إلي ، فقلت : نعم أنا ، فقال : كيف يقرأ هذه الآية ، قلت : سمعته يقرأ والذكر والأنثى قال وأنا هكذا والله سمعت رسول الله عليه السلام يقرأها وهؤلاء يريدونني على أن رأها وما خلق فلا أتابعهم وفيه إشارة إلى الذكر الذي هو الروح والأنثى التي هي النفس وقد ولد القلب من ازدواجهما وعند بعض العارفين الليل ذكر والنهار أنثى كما سبق في النازعات إن سعيكم لشتى} جواب القسم والمصدر بمعنى الجمع لما عرف أن المصدر المضاف من صيغ العموم ولذلك أخبر عنه بالجمع وشتى جمع شتيت كمرضى ومريض وهو المفترق المتشتت والمعنى أن مساعيكم أي أعمالكم المختلفة حسب اختلاف الاستعدادات الأزلية فبعضها حسن نافع خير صالح وبعضها قبح ضار شر فاسد وفي الحديث الناس عاديان فمبتاع نفسه فمعتقها أو بائع نفسه فموبقها.
قال القاشاني : إن سعيكم اشتات مختلفة لانجذاب بعضكم إلى جانب الروح والتوجه إلى الخير لغلبة النورية وميل بعضكم إى جانب النفس والانهماك في الشر لغلبة لظلمة ، وقال بعضهم : باطن هذه الآية أن يرى سعيه قسمة من الحق له من قبل التكوين والتخليق لقوله تعالى : [الزخرف : 32-5]{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ} وإن السعي له مراتب كمراتب المتصلين بالسلطان من الندماء والجلساء وأصحاب الأسرار فسعى بالنفوس لطلب الدرجات وبالعقول لطلب الكرامات وبالقلوب لطلب المشاهدات وبالأرواح لطلب المداناة وبالأسرار لفنائها في أنوار الذات وبقائها في أنوار الصفات وسعى بالإرادة وبالمحبة وبالشوق وبالعشق وبالمعرفة إلى غير ذلك فأما}
جزء : 10 رقم الصفحة : 447
(10/346)
تفصيل لتلك السماعي المتشتتة وتبين لأحكامهما {مَنْ أَعْطَى} حقوق ماله {وَاتَّقَى} محارم الله التي نهى عنها ومن جملتها المن والأذى {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} بالخصلة الحسنى وهي الإيمان أو بالكلمة الحسنى وهي كلمة التوحيد أو بالملة الحسنى وهي ملة الإسلام أو المثوبة الحسنى وهي الجنة {فَسَنُيَسِّرُه لِلْيُسْرَى} معنى التيسير التهيئة لا ما يقابل التعسير ومنه قوله كل ميسر لما خلق له فلا حاجة إلى أن يقال استعمل التيسير في العسرى على المشاكلة كما في قوله تعالى : {وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ} أو على حسب قوله تعالى : فبشرهم بعذاب أليم يقال يسر الفرس للركوب إذا أسرجها وألجمها واليسرى تأنيث الأيسر والمعنى فسنهيئه ونوفقه للخصلة التي تؤدي إلى يسر وراحة كدخول الجنة ومباديه وبالفارسية س زود باشدكه آساني دهيم ويرا براي طريقت نيكوكه سبب آسابي راحت باشد يعني عملي كه اورا به بهشت رساند.
فوصف الخصلة
448
باليسرى مجاز باعتبار كونها مؤدية إلى اليسرى وفيه إشارة إلى أن من طهر نفسه بالطاعة بالإقبال على الله والإعراض عن الدنيا واتقى في عين تلك الطاعة عن نسبتها إلى نفسه وصدق في باطنه بالكلمة الحسنى فسنيسره للخصلة اليسرى وهي الوصول إلى حضرتنا العليا وسراد قاتنا الكبرى وإما من بخل} أي بماله فلم يبذله في سبيل الخير والبخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ويقابله الجود {وَاسْتَغْنَى} زهد فيما عنده تعالى أي لم يرغب كأنه مستغن عنه فلم يتق أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة فلم يتق فيكون الاستغناء مستتبعاً لعدم الاتقاء الذي هو مقابل الاتقاء في الآية الأولى وبه يحصل التقابل بينهما {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} أي ما ذكر من المعانى المتلازمة {فَسَنُيَسِّرُه لِلْعُسْرَى} أي فسنهيئه للخصلة المؤدية إلى العسر والشدة كدخول النار ومقدماته لاختياره لها وبالفارسية س مهيا كردانيم مرورا براي صفتي كه مؤدي بدشوارى ومحنت بود يعني كردارى كه اورا بدوزخ برد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 447
ولعل تصدير القسمين بالإعطاء والبخل مع أن كلا مهما أدنى رتبة مما بعدهما في استتباع التيسير لليسرى والتيسر للعسرى للإيذان بأن كلا منهما أصيل فيما ذكر لا تتمة لما بعدما من التصديق والتقوى والتكذيب والاستغناء والظاهر أن السين للدلالة على الجزاء الموعود بمقابلة الطاعة والمعصية وهو يكون في الآخرة التي هي أمر متراخ منتظر فأدخلت السين وهي حرف التراخي ليدل بذلك على أن الوعد آجل غير حاضر كذا في بعض التفاسير وفيه إشارة إلى أن من بخل في نفسه بالطاعة والعبادة الروحية والسرية والقلبية واستغنى عن زقبال علينا وكذب بالحسنى التي أعطنياها إياه من سلامة الأعضاء والجوارح والجاه والمال فسنيسره للعسرى وهي البعد عنا الطرد واللعن ودخول نار الحجاب {وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ} أي شيئاً من العذاب فالمفعول محذوف أو أي شيء يغني عنه ماله الذي يبخل به أي لا يغنى شيئاً فما مفعول يغنى والاستفهام للإنكار {إِذَا تَرَدَّى} أي هلك ومات تفعل من الردى للمبالغة والردى كالعصا وهو الهلاك.
قال الراغب : الردى الهلاك والتردى التعرض للهلاك انتهى.
أو تردى وسقط في الحفرة إذا قبر أو تردى في قعر جهنم فالمال الذي ينتفع به الإنسان في الآخرة وقت حاجته هو الذي أعطى حقوقه وقدمه دون الذي بخل به وتركه لوارثه وفيه إشارة إلى أنه إذا تردى وتصدى لمخالفتنا وموافقته الطبيعة البشرية أي شيء له يخلصه من غضبنا وقهرنا عند نجلينا له بصورة القهر والنقمة {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} استئناف مقرر لما قبله أي إن علينا بموجب قضائنا المبنى على الحكم البالغة حيث خلقنا الخلق للعبادة أن نبين لهم طريق الهدى وما يؤدي إليه من طريق الضلال وما يؤدي إليه وقد فعلنا ذلك بما لا مزيد عليه حيث بينا حال من سلك كلا الطريقين ترغيباً وترهيباً ومن هنا تبين أن الهداية هي الدلالة على ما يوصل إلى البغية لا الدلالة الموصلة إليها قطعاً وإن المراد بالوجوب المفهوم من على الوجوب بموجب القضاء ومقتضى الحكمة فلا تكون الآية بظاهرها دليلاً على وجوب الأصلح عليه تعالى كما يزعم المعتزلة.
قال القاشني : إن علينا للهدى بالإرشاد إلينا بنور العقل والحس والجمع بين الأدلة العقلية
449
والسمعية والتمكين على الاستدلال والاستبصار {وَإِنَّ لَنَا لَلاخِرَةَ وَالاولَى} أي التصرف الكلى فيهما كيفما نشاء من الأفعال التي من جملتها ما وعدنا من التيسير لليسرى والتيسير للعسرى {فَأَنذَرْتُكُمْ} خوفتكم بالقرآن وبالفارسية س بيم كنم شمارا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 447(10/347)
أي ي أهل مكة {نَارًا} از آتشى كه {تَلَظَّى} زبانه زند وهو بحذف إحدى التاءين من تتلظى أي تتلهب فإن النار مؤنث وصفت به ولو كان ماضياً لقيل تلظت مع أن المراد بوصفها دوام التلظى بالفعل الاستمراري وفي بعض التفاسير المراد من أنذرتكم إنشاء الإنذار كقولهم بعت واشتريت أو أخبار يراد به الإنذار السابق في مثل قوله تعالى في سورة المدثر سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر فإنها لأل سورة نزلت عند الأكثرين وهذا أشد تخويفا من أن يقال خافوا واتقوا ناراً تلظى {لا يَصْلَااهَآ} صليا لازماً ولا يقاسي حرها {إِلا الاشْقَى} الزائد في الشقاوة وهو الكافر فإنه أشقى من الفاسق وفي "كشف الأسرار" يعني الشقي والعرب تسمى الفاعل أفعل في كثير من كلامهم منه قوله تعالى : [آل عمران : 139-16]{وَأَنتُمُ الاعْلَوْنَ} وقوله واتبعك الأرذلون انتهى فالفاسق لا يصلاها صليا لازماً ولا يدخلها دخولاً أبدياً وقد صرح به قوله تعالى الذي كذب وتولى} أي كذب بالحق واعرض عن الطاعة وليس هذا إلا الكافر {وَسَيُجَنَّبُهَا} أي سيبعد عنها بحيث لا يسمع حسيسها والفاعل المجنب المبعد هو الله وبالفارسية وزود بودكه دور كرده شودازان آتش {الاتْقَى} المبالغ في الاتقاء عن الكفر والمعاصي فلا يحوم حولها فضلاً عن دخولها أو صليها الأبدي وإما من دونه ممن يتقى الكفر دون المعاصي وهو المؤمن الشقي الفاسق الغير التائب فلا يبعد عنها هذا التبعيد بل يصلاها وإن لم يذف شدة حرها كما ذاق الكافر لكونه في الطبقة الفوقانية من طبقات النار فذلك لا يستلزم صليها بالمعنى المذكور فلا يقدح في الحصر السابق وفي "كشف الأسرار" ألا تقى بمعنى التقى كالأشقى بمعنى الشقي قال الشاعر :
تمنى رجال إن أموت وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
كتاب تفسير روح البيان المجلد الثالث من ص450 حتى ص461 رقم46
جزء : 10 رقم الصفحة : 447
أي بواحد انتهى {الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ} يعطيه ويصرفه في وجوه البر والحسنات {يَتَزَكَّى} أما بدل من يؤتى داخل في حكم الصلة لا محل له أو في حيز النصب على إنه حال من ضمير يؤتى أي يطلب أ يكون عند الله زاكياً نامياً لا يريد به رياء ولا سمعة أو متزكيا متطهراً من الذنوب ومن دنس البخل ووسخ الإمساك {وَمَا لاحَدٍ عِندَه مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى} استئناف مقرر لكون إيتائه للتزكى خالصاً لوجه الله أي ليس لأحد عنده نعمة ومنة من شأنها أن تجزى وتكافأ فيقصد بإيتاء ما يؤتى مجازاتها {إِلا ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ الاعْلَى} استثناء منقطع من نعمة لأن ابتغاء وجه ربه ليس من جنس نعمة تجزى فالمعنى لكن فعل ذلك ابتغاء وجه ربه الأعلى أي لابتغاء ذاته وطلب رضه فهو في الحقيقة مفعول له وما أتى من المال مكاأة على نعمة سالفة فذلك يجري مجرى أداء الدين فلا يكون له دخل في استحقاق مزيد الثواب وإنما يستحق الثواب إذا كان فعله لأجل إن الله أمره به وحثه
450
عليه ومعنى الأعلى العلى الرفيع فوق خلقه بالقهر والغلبة كما قاله أبو الليث.
وقال القاشاني : وصف الوجه الذي هو الذات الموجودة مع جميع الصفات بالأعلى لأن تعالى بحسب كل اسم وجهاً يتجلى به لمن يدعوه بلسان حاله بذلك الاسم ويعبده باستعداده والوجه الأعلى هو الذي له بحسب اسمه الأعلى الشامل لجميع الأسماء وإن جعلته وصفاً لرب فالرب هو ذلك الاسم انتهى.
والآية نزلت في حق أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، حين اشترى بلالاً رضي الله عنه في جماعة كعامر بن فهيرة وأخيه وعبيد وزنيرة كسكينة وهي مملوكة رومية وابنتها أم عميس وأمة بني المؤمل والنهدية ابنتها وكانت زنيرة ضيفة البصر فقال المشركون اذهب اللات والعزى بصرها لما خالفت دينهما فرد الله بصرها بعد ذلك وكان المشركون يؤذون هؤلاء المذكورين ليرتدوا عن الإسلام فاشتراهم أبو بكر فأعتقهم ولذلك قالوا المراد بالأشقى أبو جهل أو أمية بن خلف.
در كشف الأسرار آورده كه اين سوره درباده دوكس است يكى اتقى كه يشرو صديقا نست يعني أبو بكر رضي الله عنه ، ويكى اشقى كه يشرو زند يقانست زاهل ضلالت يعني أبو جهل ودر فاتحه اين سوره كه بشب وروز قسم ياد ميكند اشارتست بظلمت يكى ونورانيت ديكر يعني درشب ضلالت كسى را آن كمرهى نبودكه أبو جهل شقى را ودر روز دعوت هيكس را ان نور هدايت ظاهر نشدكه أبو بكر تقى را.
جزء : 10 رقم الصفحة : 447
سر روشند لان صديق أعظم
كه شد أقليم تصديقش مسلم
زمهرش روز دين را روشنايى
بدو أهل يقين را آشنايى
آورده اندكه أمية بن خلف بلال راكه بنده أبو بود بأنواع آزارها عذاب ميكرد تا ز دين بركردد وهر زمان آتش محبت رباني در باطن أو أفروخته تربود.
آنجاكه منتهاي كمال ارادتست
هرند جور يش محبت زيادتست(10/348)
روز صديق ديدكه أميه ويرا برخاك كرم افكنده بود وسنكهاي تفسيده بر سينه وى نهاده واودرين حال أحد أحد ميكفت يعني يقول أمية لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وهو يقول أحد أحد.
أبو بكر را دل برو بسوخت وكفت اي أميه وأي برتو اين دوست خدايرا ند عذاب كنى كفت أي أبا بكر اكردلت برو ميسوزد از منش بخر.
وفي رواية مر النبي عليه اسلام ببلال بن رباح الحبشي وهو يقول أحد فقال عليه السلام : أحد يعني الله الأحد ينجيك ثم قال لأبي بكر رضي الله عنه إن بلالاً يعذب في الله فعرف مراده عليه السلام ، فانصرف إلى منزله فأخذ رطلاً من ذهب ومضى به إلى أمية بن خلف فقال له أتبيعني بلالاً قال : نعم فاشتراه وأعتقه فقال المشركون ما أعتقه أبو بكر إلا ليد كانت له عنده فنزلت وقال ابن مسعود رضي الله عنه وقد اشتراه ببرد وعشر أواق جمع أوقية وهي أربعون درهماً وكان مدفوناً تحت الحجارة فقالوا لو أبيت إلا أوقية لبعناك فقال ولو أنتم أتيتم إلا بمائة أوقية لاشتريته بها وقيل كان عبداً لعبد الله بن جدعان سلح على أصنام قوم أي
451
تغوط فشكوا إليه فوهبه لهم مع مائة من الإبل قرباناً لها فعذبوه في الرمضاء أشد العذاب وفي رواية ابن المسيب بل ابتاعه من أمية بغلام له اسمه نسطاس بكسر النون صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش وهو مشرك بعد ما حمله أبو بكر على السلام على أن يكون ماله له.
(كما قال الكاشفي) : صديق رضي الله عنه كفت يا أمية بند ميفروشى كفت عوض ميكننم آنرا به نسطاس رومي وآن غلامي بودازان صديق رضي الله عنه در هزار دينار استعداد داشت وصديق رضي الله عنه اوراكفته بودكه اكر ايمان آرى آن مال كه داري بتو بخشم نسطاس مسلمان نمى شد ودل مبارك صديق رضي الله عنه أز وملول بود ون اين كلمه از أميه شنيده غنيمت شمرده نسطاس را باتمام استعداد بداد وبلال را بستد وفي الحال بميد نواب أخروي آزادكرد وفي الحديث يرحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالاً من ماله وكان عمير بن الخطاب رضي الله عنه يقول بلال سيدنا ومولى سيدنا وهو نظير قوله عليه السلام سلمان منا أهل البيت فانظر إلى شرف التقوى كيف أدخل الموالي في الأشراف ولا تغتر بالنسب المجرد فإنه خارج عن حد الإنصاف وقال السهيلي رحمه الله قال لأبي بكر رضي الله عنه أبوه لو اشتريت من له نجدة وقوة فيتعصب لك وينفعك كان أجدى من ابتياع الضعفة وأعتقاهم فأنزل الله هذه الآية وفهم مما ذكر أن أعلى الإعطاء فضيلة ما يكون لرضى الله وأوسطه ما يكون لعوض أخروي وأدناه ما يكون لغرض دنيوي مباح وأما ما يكون للرياء والسمعة أو لغير ذلك مما ليس بمباح فهو أخس وأقبح وقوله عليه السلام : من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له يدل لعى أن المكافأة مشروعة ممدوحة لكنها ليست بدرجة ابتغاء المرضاة {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} جواب قسم مضمر أي وبالله لسوف يرضى ذلك إلا تقى الموصوف بما ذكر وبالفارسية وزود باشدكه خشنود كردد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 447
وهو وعد كريم بنيل جميع ما يبتغيه على أكمل الوجوه وأجملها إذ به يتحقق الرضى.
قال بعضهم : أي يرضى الله عنه ويرضى هو بما يعطيه الله في الآخرة من الجنة والكرامة والزلفى جزاء ما فعل ولم ينزل هذا الوعد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم في قوله ولسوف يعطيك ربك فترضى ولأبي بكر رضي الله عنه ههنا قال البقلي هذا الرضى لا يكون من المعارف حتى يفنى في المعروف ويتصف بصفاته حتى يكون نعته في الرضى نعت الحق سبحانه وتعالى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 447
وهو وعد كريم بنيل جميع ما يبتغيه على أكمل الوجوه وأجملها إذ به يتحقق الرضى.
قال بعضهم : أي يرضى الله عنه ويرضى هو بما يعطيه الله في الآخرة من الجنة والكرامة والزلفى جزاء ما فعل ولم ينزل هذا الوعد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم في قوله ولسوف يعطيك ربك فترضى ولأبي بكر رضي الله عنه ههنا قال البقلي هذا الرضى لا يكون من المعارف حتى يفنى في المعروف ويتصف بصفاته حتى يكون نعته في الرضى نعت الحق سبحانه وتعالى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 447
تفسير سورة الضحى
إحدى عشرة آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 451
{وَالضُّحَى} هو وقت ارتفاع الشمس وصدر النهار أريد بلضحى الوقت المذكور على المجاز بعلاقة الحلول والظرفية فإن الزمان ظرف لما فيه أو على تقدير المضاف وذلك التجوز أو الحذف ليناسب الليل قالوا تخصيصه بالأقسام به لأنها الساعة التي كلم الله فيها موسى عليه السلام وألقى فيها السحرة سجداً لقوله تعالى : [الضحى : 2]{وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} فكا نله بذلك شرف
452(10/349)
ومناسبة بحال المقسم لأجله وصلاة الضحى سنة بالاتفاق ووقتها إذا علت الشمس إلى قبيل وقت الزوال وهي عند أبي حنيفة ركعتان أو أربع بتسليمة وعند ملك لا تنحصر وعند الشافعي وأحمد أقلها ركعتان واختلف في أكثرها فقال الشافعي ثنتا عشرة وقال أحمد ثمان وهو الذي عليه الأكثرون من أصحاب الشافعي وصححه النووي في التحقيق وقد صح إن النبي عليه اسلام صلى صلاة الضحى يوم فتح مكة ثماني ركعات وهو في بيت أم هانىء وكان يصلي صلاة الضحى قبل ذلك أيضاف والليل} أي وجنس الليل قال ابن خالويه هو نسق على الضحى لا قسم لأنه يصلح أن يقع في موضع الواو ثم أو الفاء بأن يقال ثم الليل مثلاً وثم لا يكون قسماً {إِذَا سَجَى} أي سكن أهله على المجاز من قبيل إسناد الفعل إلى زمانه أو ركد ظلامه واستقر وتناهى فلا يزداد بعد ذلك يعني أن سكون ظلامه عبارة عن عدم تغيره بالاشتداد والتنزل وذلك حين اشتد ظلامه وكمل فيصتقر زماناً ثم يشرع في التنزل فإسناد سكون الظلمة الكائنة إليه مجاز أيضاً يقال سجا البحر سجوا إذا سكنت أمواجه وليلة ساجية ساكنة الريح وقيل معناه سكون الناس والأصوات وعن جعفر الصادق رضيعنه أن المراد بالضحى هو الضحى الذي كلم الله فيه موسى وبالليل ليلة المعراج.
وصاحب كشف الأسرار كفته مراد از روز وشب كشف وحجا بست كه نشانه نسيم لطف وسموم قهر بود وعلامه أنوار جمال وإاثر جلال.
جزء : 10 رقم الصفحة : 452
كما قال الجنيد قدس سره والضحى مقام الشهود والليل إذا سجا مقام الغبن الذي قال عليه السلام فيه إنه ليغان على قلبي.
يا اشارتست بروشنى وروى حضرت مصطفى عليه السلام وكنايتست از سباهى موى وى.
والضحى رمزي زروي همو ماه مصطفى
معنى والليل كيسوى سيه مصطفى
وتقديم الليل في السورة المتقدمة باعتبار الأصل لأن النهار إنما يحدث بطلوع النير وبغروبه يعود الهواء إلى حالته الأصلية ولذا قدم الظلمة في قوله وجعل الظلمات والنور وتقديم النهار باعتبار الشرف الذاتي والعارضي فإن قيل ما السبب فإنه ذكر الضحى وهو ساعة من النهار وذكر الليل بكليته أجيب بأنه وإن كان ساعة من النهار لكنه يوازي جميع الليل كما إن محمداً عليه السلام يوازي جميع الأنبياء عليهم السلام وبأن النهار وقت السرور والراحة والليل وقت الوحشة والغم فهو إشارة إلى هموم الدنيا أكثر من سرورها فإن الضحى ساعة والليل له ساعات.
(روى) إن الله تعالى لما خلق العرش أظلت غمامة سوداء عن يساره ونادت ماذا أمطر فأجيبت أن أمطري الهموم والأحزان مائة سنة ثم انكشفت فأمرت مرة أخرى بذلك وهكذا إلى تمام ثلاثمائة سنة ثم بعد ذلك أظلت عن يمين العرش غمامة بضاء ونادت ما أمطر فأجيبت أن أمطري السرور ساعة فلهذا السب ترى الغموم والأحزان دائمة كثيرة والسرور قليلاً ونادراً {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} جواب القسم والتوديع مبالغة في الوداع وهو الترك لأن من ودعك مفارقاً فقد بالغ في تركك والودع هو الإعلام
453
بالفراق.
وقال الراغب أصل التوديع من الدعة وهو أن يدعو للمسافر بأن يتحمل الله عنه كآية السفر وإن يبلغه الدعة والخفض كما أن التسليم دعاء له بالسلامة فصار ذلك متعارفاً في تشييع المسافر وتركه وعبر به عن الترك في الآية والمعنى ما قطعك قطع المودع وما تركك بالحط عن درجة الوحي والقرب والكرامة فيه استعارة تبعية وإشارة إلى أن الرب لا يترك المربوب {وَمَا قَلَى} أي وما أبغضك والأبغاض دشمن داشتن.
والقرى شدة البغض يقال فلا زيداً يقلوه أبغضه من القلو وهو الرمي كما يقال قلت الناقة براكبها رمت به فكان المقلو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله وقلاه وقليه يقليه ويقلاه أبغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه أو قلاه في الهجر وقليه في البغض كما في "القاموس" فمن جعله من اليائي فمن قليت البسر والسويق على المقلى كما في "المفردات" ولعل عطف وما قلى من عطف السبب على المسبب لإفادة التعليل وحذفت الكاف من قلاك لدلالة الكلام عليه ولمراعاة الفواصل.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 452
(10/350)
روى) إن الوحي تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بضعة عشر يوماً لتركه الاستثناء وذلك إن مشركي قريش أرسلوا إلى يهود المدينة وسألوهم عن أمر محمد عليه السلام ، فقالت لهم اليهود سلوه عن أصحاب الكهف وعن قصة ذي القرنين وعن الروح فإن أخبركم عن قصة أهل الكهف وقصة ذي القرتين ولم يخبرك عن أمر الروح فاعلموا إنه صادق فجاءه المشركون وسألوه عنها.
فقال عليه السلام : لهم ارجعوا سأخبركم غداً ولم يقل إن شاء الله فاحتبس الوحي عنه أياماً فقال المشركون إن محمداً ودعه ربه وقلاه أو أن جبريل أبطأ فشكا عليه السلام ذلك إلى خديجة فقالت خديجة لعل ربك قد قلاك فنزل جبريل بقوله تعالى : {وَلا تَقُولَنَّ لِشَا ىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَالِكَ غَدًا * إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ} فأخبره بما سئل عنه وقد سبق في سورة الكهف ونزل أيضاً بقوله تعالى : ما دعك ربك وما قلى رداً على المشركين وتبشيراً له عليه السلام بأن الحبيب لا يقلى الحبيب وإنه تعالى يواصله بالوحي والكرامة في الدنيا مع أن ما سيؤتيه في الآخرة أجل وأعظم من ذلك كما تنبىء عنه الآية الآتية.
(وروى) إن جروا دخل البيت فدخل تحت السرير فمات فمكث نبي الله أياماً لا ينزل عليه الوحي فقال لخادمته خولة يا خولة ما حدث في بيتي إن جبريل لا يأتيني قالت خولة فكنست البيت فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا جروميت فأخذته فألقيته خلف الجدار فجاء نبي الله ترتدع لحياه وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة فقال يا خولة دثريني فأنزل الله هذه السورة فلما نزل جبريل سأله النبي عليه اسلام عن سبب تأخيره فقال أما علمت أنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة وقيل غير ذلك وفيه إشارة إلى أنه عليه السلام وقع منه ما هو ترك الأولى ولذا لم يكن ممقوتاً ولا مبغوضاً وإنما احتبس عنه الوحي للتربية والإرشاد.
وفي التأويلات النجمية : ما ودعك ربك بقطع فيض النبوة والرسالة عن ظهرك وما قلى بقطع فيض الولاية عن باطنك وللآخرة خير لك من الأولى} لما إنها باقية صافية عن الشوائب على الإطلاق والأولى أي الدنيا لأنها خلقت قبل الآخرة فانية مشوبة بالمار فالمراد بالآخرة والأولى كراماتهما واللام في وللآخرة لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة.
وفي التأويلات النجمية : يعني أحوال
454
نهايتك أفضل وأكمل من أفعال بدايتك كما أخبر بقوله : [المائدة : 3-5]{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الآية ، لأنه لا يزال يطير بجناحي الشريعة والطرقة في جو سماء السير ويترقى في مقامات القرب والكرامة وهكذا حال ورثته ولسوف يعطيك ربك} اللام للابتداء دخلت الخبر لتأكيد مضمون الجملة والمبتدأ محذوف تقديره ولأنت سوف يعطيك ربك لأن لام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة الاسمية وليست للقسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة وجمعها مع سوف للدلالة على أن الإعطاء كائن لا محالة وإن تراخى لحكمة يعني إن لام الابتداء لما تجردت للدلالة على التأكيد وكانت السين تدل على التأخير والتنفيس حصل من اجتماعهما إن العطاء المتأخر لحكمة كائن لا محالة وكانت اللام لتأكيد الحكم المقترن بالاستقبال {فَتَرْضَى} ما تعطاه مما يطمئن به قلبك يعني شندان عطار أرزاني داردكه توكويى بس ومن راضي شدم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 452
وهو نسق على ما قبله بالفاء والآية عدة كريمة شاملة لما أعطاه الله في الدنيا من كمال النفس وعلوم الأولين والآخرين وظهور الأمر وأعلاء الدين بالفتوحات الواقعة في عصره عليه السلام وفي خلفائه الراشدين وغيرهم من الملوك الإسلامية وفشو الدعوة والإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ولما ادخر له من الكرامات التي لا يعلمها إلا الله تعالى وقد أنبأ عنسمة منها قوله عليه اسلام لي في الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابها السك.
ودر هر كوشكى ازخدم ونعم وأمتعه وآنه لايق آن بود.
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل على فاطمة رضي الله عنها وعليها كساء من وبر الإبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عيناه لما أبصرها فقال : يا بنتاه تعجل مرارة الدنيا الحلاوة الآخرة فقد أنزل الله ولسوف يعطيك ربك فترضى.
أمام محمد باقر رضي الله عنه در كوفه مي فرموده كه أهل عراق شما ميكوبيدكه اميد وارترين آيتي ازقرآن اينست كه لا تقنطوا من رحمه الله وما أهل البيت برآنيم كه اميد درآيت ولسوف يعطيك ربك فترضى بيشترست يعني ارجي آية عند أهل البيت هذه الآية ه رسول الله صلى الله عليه وسلّم راضي نشودكه يكى ازامت وى دردوزخ باشد.
نماند بدوزخ كسى دركرو
كه دارد و توسيدي يشرو
عطاي شفاعت نانش دهند
كه امت تمامي زدوزخ رهند
جزء : 10 رقم الصفحة : 452
(10/351)
وفي الحديث أشفع لأمتي حتى ينادي لي أرضيت يا محمد فأقول رب قد رضيت وقال الفهري : ومما يرضيه فيه بعد إخراج كل مؤمن إن لا يسوءه في أمه وأبيه وإن منع الاستغفار لهما وأذن له في زيارة قبرهما في وقت دون وقت لأنهما من أهل الفترة وقال سبحانه : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} ومن لم يقنعه هذا فحط المؤمن منهما الوقف فيهما وإن لا يحكم عليهما بنار إلا بنص كتاب أو سنة أو إجماع الأمة بخلاف ما ثبت في عمه أبي طالب انتهى.
كلامه في التفسير المسمى بفتح الرحم وقال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر أقمت بمدينة قرطبة بمشهد فأراني الله أعيان رسله من لدن آدم إلى نبينا عليه وعليهم السلام فخاطبني منهم هود عليه السلام
455
وأخبرني بسبب جمعيته وهو أنهم اجتمعوا شفعاء للحلاج إلى نبينا محمد عليه السلام ، وذلك إنه كان قد أساء الأدب بأن قال في حياته الدنيوية إن رسول الله همته دون منصبه قيل له ولم ذلك قال لأن الله تعالى قال ولسوف يعيك ربك فترضى فكان من حقه إن لا يرضى إلا أن يقبل الله شفاعته في كل كافر ونؤمن لكنه ما قال إلا شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فلما صدر منه هذا القول جاءه رسول الله في واقعته وقال له يا منصور أنت الذي أنكرت على في الشفاعة فقال يا رسول الله قد كان ذلك قال ألم تسمع إني قد حكيت عن ربي عز وجل إذا أحببت عبداً كنت له سمعاً وبصراً ولساناً ويداً فقال : بلى يا رسول الله قال : فإذا كنت حبيب الله كان هو لساني القائل فإذا هو الشافع والمشفوع إليه وأنا عدم في وجوده فأي عتاب علي يا منصور ، فقال يا رسول الله أنا تائبم ن قولي هذا فما كفارة ذنبي قال : قرب نفسك ا قرباناً قال فكيف قال اقتل نفسك بسيف شريعتي فكان من أمره ما كان ثم قال هود عليه السلام وهو من حيث فارق الدنيا محجوب عن رسول الله والآن هذه الجمعية لأجل الشفاعة له إليه وكانت المدة بين مفارقته الدنيا وبين الجمعية المذكورة أكثر من ثلاثمائة سنة قال بعض العارفين الحقيقة المحمدية أصل مادة كل حقيقة ظهرت ومظهرها أصل مادة كل حقيقة تكونت وإليه يرجع الأمر كله قال تعالى : ولسوف يرضى ولا يكون رضاه إلا بعود ما تفرق منه إليه فأهل الجمال يجتمعون عند جماله وأهل الجلال يجتمعون عند جلاله وقال ابن عطاء قدس سره كأنه يقول لنبيه افترضي بالعطاء عوضاً عن المعطي فيقول لا فقيل له وإنك لعلى خلق عظيم أي على همة جليلة إذ لم يؤثر فيك شيء من الأكوان ولا يرضيك شيء منها وقان بعضهم كم بين من يتكلف ليرضى ربه وبين من عطيه ربه ليرضى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 452
وقال القاشاني : ولسوف يعطيك ربك الوجود الحقاني لهداية الخلق والدعوة إلى الحق بعد الفناء الصرف فترضى به حيث ما رضيت بالوجود البشري والرضى لا يكون إلا حال الوجود.
وفي التأويلات النجمية : أي يظهر عليك بالفعل ما في قوة استعداداك من أنواع الكمالات الذاتية وأصناف الكرامات الصفاتية والإسمائية ألم يجدك يتيماً} مات أبواك {فَـاَاوَى} جواب ألم أونسق قاله ابن خالويه أي قد وجدك ربك والوجود بمعنى العلم ويتيماً مفعوله الثاني أي ألم يعلمك الله يتيماً فجعل لك مأوى تأوى إليه يقال أوى فلان إلى منزله يأوى أو يا علي فعول رجع ولجأ وآويته أنا إيواء والمأوى كل مكان يأوى إليه شيء ليلاً أو نهاراً أي يرجع وينزل ويجوز أن يكون الوجود بمعنى المصادفة ويتيماً حال من مفعوله يعني على المجاز بأن يجعل تعلق العلم الوقوعي الحالي مصادفة وإلا فحقيقة المصادفة لا تمكن في حقه تعالى.
(روى) أن أباه عبد الله ابن عبد المطلب مات وهو عليه السلام جنين قد أتت عليه ستة أشهر وماتت أمه وهو بن ثمان سنين فكفله عمه أبو طالب وعطفه الله عليه فأحسن تربيته وذلك إيواؤه.
وقال بعضهم : لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان مع جده عبد المطلب ومع أمه آمنة فهلكت أمه آمنة وهو ابن ست سنين ثم مات جده بعد أمه بسنتين ورسول الله ابن ثمان سنين ولما شرف جده عبد المطلب على الموت أوصى به عليه السلام أبا طالب لأن عبد الله وأبا طلب كانا من أم واحدة فكان أبو طالب هو الذي تكفل
456
رسول الله إلى أن بعثه الله للنبوة فقام بنصره مدة مديدة ثم توفى أبو طالب فنال المشركون منه عليه السلام ، ما لم ينالوا في زمان أبي طالب أي آذوه وكان عليه السلام يقول كنت يتيماً في الصغر وغريباً في الكبر وكان يحب الأيتام ويحسن إليهم وفي الحديث من ضم يتيماً وكان في نفقة وكفاه مؤونته كان له حجاباً من النار ومن مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة وإنما جعله الله يتيماً لئلا يسبق على قلب بشر إن اذي نال من العز الشرف والاستيلاء كان عن تظاهر نسب أو توارث مال أو نحو ذلك.
وفي التأويلات النجمية ؛ ألم يجدك يتيماً أي رآك يتيماً فآواك إلى صدف النبوة ومشكاة الولاية.
بس كه غواص قدم درتك درياي عدم.
غوطه زد تا بكف آورد نين دريتيم.
(10/352)
يا ديد ترا كوهرى يكانه كه بكمال قابليت ازهمه كائنات منفرد بودي وبقطع علاقة نسبت از ما سوى متوحد ترا متمن ساخته در حضرت احديت جمع كه مقام خاص تست.
جزء : 10 رقم الصفحة : 452
وفي "الكشاف" ومن بديع التفاسير أنه من قولهم درة يتيمة وإن المعنى ألم يجدك واحداً في قريش عديم النظير أي في العز والشرف فآواك في دار أعدائك فكنت بين القوم معصوماً محروساً {وَوَجَدَكَ ضَآلا} معنى الضلال فقدان الشرائع والخلو عن الأحكام التي لا يهتدي إليها العقول بل طريقها السماع كما في قوله تعالى : {مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَـابُ} يعني راه نيافته بودي بأحكام وشرائع.
وإليه يؤول معنى الغيبوبة فإن ضل يجيء بمعنى غاب كما في قوله شربت الإثم حتى ضل عقلي.
أي شربت الخمر حتى غاب عقلي وغلب.
قال الراغب : يقال الضلال لكل عدود عن المنهج عمداً كان أو سهواً يسيراً كان أو كثيراً ولذا نسب الضلال إلى الأنبياء وإلى الكفار وإن كان بين الضلالين بون بعيد ألا ترى أنه قال في النبي عليه السلام ووجدك ضالاً فهدى أي غير مهتد لما سبق إليك من النبوة وقال فعلتها إذا وأنا من الضالين وقال : إن أبانا لفي ضلال مبين تنبيهاً على أن ذلك منهم سهو انتهى.
هذا واحذر عن الإساءة في العبارة فهدى} أي فهداك إلى مناهج الشرائع في تضاعيف ما أوحى إليك من الكتاب المبين وعلمك ما لم تكن تعلم قدم هذا الامتنان على الأخير لأن ابتداءه بعد زمان اليتم وقت التكليف فإنه عليه السلام كان موفقاً للنظر الصحيح حينئذٍ ولهذا لم يعبد صنماً قط ولم يأت بفاحشة وفي الأسئلة المقحمة معناه ووجدك بين ضالين فهداهم بك فعلى هذا يكون الضلال صفة قومه يقال رجل ضعيف إذا ضعف قومه.
وفي التأويلات النجمية : أي متحيراً في تيه الألوهية فهدى إلى كمال المعرفة بالصحو بعد المحو والسكر والضلال الحيرة كما قال : إنك لفي ضلالك القديم وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، إن النبي عليه السلام ضل في شعاب مكة حال صباه وكان عبد المطلب يطلبه ويقول متعلقاً بأستار الكعبة.
يا رب فاردد ولدي محمداً
ردا إلى واصطنع عندي يدا
فوجده أبو جهل فرده إلى عبد المطلب فمن الله عليه حيث خلصه على يدي عدوه فكان في ذلك نظير موسى عليه اسلام ، حين التقط فرعون تاتوته ليكون له عدواً وحزناً وقيل :
457
غير ذلك {وَوَجَدَكَ عَآاـاِلا} أي فقيراً يؤيده ما في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عديماً يقال : عال يعيل عيلاً وعيلة افتقر أي فأعناك بمال خديجة رضي الله عنها أو بما أفاء عليه من الغنائم حتى كان عليه السلام يهب المائة من الإبل وفي الحديث جعل رزقي تحت ظل رمحي وفيه إشارة إلى أن عليه السلام ، لو كان متمولاً من أول الأمر لكان يسبق إلى بعض الأوهام إنه إنما وجد العز والغلبة بسبب المال فلما علا كل العلو على الأغنياء والملوك علم أنه كان من جهة الحق وقيل قنعك وأغنى قلبك قال عليه السلام ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ولذا قال الراغب : أي أزال عنك فقر النفس وجعل لك الغنى الأكبر المعنى بقوله عليه السلام ، الغنى غنى النفس وقيل ما عال مقتصد أي ما افتقر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 452
وفي التأويلات النجمية : أي فقيرا فانياً عن أنيتك وأنانيتك بحسب استعدادك القديم فأغنى بالبقاء بوجوده وجوده وأسمائه وصفاته انتهى.
فالفقر الحقيقي هو التخلي عما سوى الله وبذل الوجود وما يتبعه وهو الذي وقع الافتخار به قال الامام القشيري رحمه الله أغناء الله عباده على قسمين فمنهم نم يغنيهم تنمية أموالهم وهم العوام وهو غنى مجازي ومنهم من يغنيهم بتصفية أحوالهم وهم الخواص وهو الغنى الحقيقي لأن احتياج الخلق إلى همة صاحب الحال أكثر من احتياجهم إلى نعمة صاحب المال ثم المراد من تعداد هذه النعم ليس الامتنان بل تقوية قلبه عليه السلام للاطمئنان بعد التوديع {فَأَمَّا الْيَتِيمَ} منصوب بقوله {فَلا تَقْهَرْ} والفاء سببية ليست بمعانعة قال الرضى يتقدم المفعول به على الفعل إن كان المنصوب معمولاً لما يلي الفاء التي في جواب إما إذا لم يكن ل منصوب سواه نحو قوله فأما اليتيم فلا تقهر لأنه لا بد من نائب مناب الشرط المحذوف بعداً ما والقهر الغلبة والتذليل معا ويستعمل في كل واحد منهما.
قال الراغب : قوله فلا تقهر أي لا تذلله وقال غير فلا تغلبه على ماله وحقه لضعفه.
وقدر ايشان بشناس كه شربت يتيمي شيده.
وكانت العرب تأخذ أموال اليتامى وتظلمهم حقوقهم وفي الحديث إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن فيقول من أبكى هذا اليتيم الذي وأريت والده تحت الثرى من أسكته أي أرضاه فله الجنة.
إلا تانكويدكه عرش عظيم
بلزدهمى ون بكريد يتيم
وقال مجاهد : لا تحتقر فإن له ربا ينصره وقرىء فلا تكهر أي فلا تعبس في وجهه.
(10/353)
وفي التأويلات النجمية : أي لا تقهر يتيم نفسك بكثرة الرياضة والمجاهدة من الجوع والسهر فإن نفسك مطيتك وإن لنفسك عليك حقاً كما قال طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى {وَأَمَّا السَّآاـاِلَ فَلا تَنْهَرْ} النهر والانتهار الزجر بمغالظة أي فلا تزجر ولا غلظ له القول بل رده رداً جميلاً يعني بأنك بروى مزن ومحروم مساركه دردبى نوايى وتنكدستى كشيده.
وهذا الثاني بمقابلة الأخير وهو ووجدك عائلاً فأغنى لمراعاة الفواصل والآية بينة لجميع الخلق لأن كل واحد من الناس كان فقيراً في الأصل فإذا أنعم الله عليه وجب أن يعرف حق الفقراء.
458
نه خواهنده بر درديكران
بشكرانه خواهند ازدرمران
قال إبراهيم بن أدهم قدس سره القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة وقال إبراهيم النخعي السائل يريد الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول اتبعثون إلى أهليكم بشيء.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 452
وروى) إن عثمان بن عفان رضي الله عنه أهدى إلى رسول الله عليه السلام ، عنقود عنب فجاء سائل فأعطاه ثم اشتراه عثمان بدرهم وقدمه إلى رسول الله ثانياً ثم عاد السائل فأعطاه ففعل ذلك ثالثاً فقال عليه السلام ملاطفاً للسائل لا غضبان أسائل أنت يا فلان أم ناجر فنزلت وأما السائل فلا تنهر وهو أحد وجوه احتباس الوحي هذا على أن السؤال بمعنى طلب الحاجة من الحوائج الدنيوية وجوز أن يكون من التفتيش عن الأمور الدينية وفي الحديث : "من كتم علماً يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار" وهذا الوعيد يشمل حبس الكتب عمن طلبها للانتفاع.
وفي التأويلات النجمية : أي لا تنهر سائل قلبك عن الاستغراق في بعض الأوقات في بحر الحقيقة لاستراحته بذلك من أعباء تكاليف الأنبياء بقولك عند ذلك الاستغراق والاستهلاك يا حميراء كلميني {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} فإن تحديث العبد وأخباره بنعمة الله شكر باللسان وتذكير للغير وفي الحديث التحدث بالنعم شكر وأريد بالنعمة ما أفاضه الله عليه صلى الله عليه وسلّم من النعم الموحدة منها والموعودة وحيث كان معظم النعم نعمة النبوة فقد اندرج تحت الأمر هدايته عليه السلام لأهل الضلال وتعليمه للشرائع والأحكام حسبما هداه الله وعلمه من الكتاب والحكمة.
صاحب فتوحات قدس سره آورده كه نعمت يزيست محبوب بالذات ومنعم در أغلب شكور ميباشد س حق سبحانه وتعالى حبيب خودرا فرمودكه از نعمت من سخن كويى كه خلق محتاجند ومحتاج ون ذكر منعم شنود بدوميل كند واورا دوست دارد س بجهت تحدث بنعمت من خلق را دوست من كرداني ومن ايشانرا دوست ميدارم وهذا الثالث بمقابلة الثاني وهو قوله ووجدك ضالاً فهدى آخر لمراعاة الفواصل وإن التحلية وهو التحديث بنعمة الله بعد التخلية وهو لا تقهر ولا تنهر وكرر أما لوقوعها في مقابلة ثلاث آيت قال في "الكواشي" رأى بعض التحدث بنعم الله من الطاعات مع أمن الرياء وغائلة النفس وطلب الاقتداء به وكرهه بعض خوف الفتنة وفي "عين المعاني" قال عليه السلام : التحدث بالنعم شكر وتركه كفر وأما الحديث الآخر عليكم بكتمان النعم فإن كل ذي نعمة محسود يعني عن الحسود لا غير وفي الأشباه أي رجل ينبغي له أخفاه إخراج الزكاة عن بعض دون بعض فقل المريض إذا خاف من ورثته يخرجها سراً عنهم وأي رجل يستحب له أخفاؤها فقل الخائف من الظلمة لا يعلمون كثرة ماله وقال ابن عطية في الآية حدث به نفسك أي لا تنسى فضله عليك قديماً وحديثاً وإذا جاز تحديث النعم الظاهرة جاز تحديث النعم الباطنة من الكرامات والمخاطبات ونحو ذلك.
جزء : 10 رقم الصفحة : 452
وفي التأويلات النجمية : اذكر شكر نعمة النبوة على ظاهر نفسك ونعمة الرسالة على باطن قلبك ونعمة الولاية على سرك ونعمة البقاء بعد الفناء على روحك وهو معنى سورة والضحى والليل إذا سجا فافهم وهذه السورة وسورة الانشراح درتان
459
(10/354)
يتيمتان غاليتان لما فيهما من الحكم والمعارف ولذا كانتا هما وسورة النصر من سور الكمل من الأولياء ولما نزلت سورة الضحى كبر صلى الله عليه وسلّم فرحا بنزول الوحي فصار سنة الله أكبر أولاً إله إلا الله والله أكبر كما في "الكواشي" وقال في إنسان العيون لما نزلت السورة المذكورة كبر عليه السلام فرحاً بنزول الوحي واستمر عليه السلام ، لا يجاهر قومه بالدعوة حتى نزل وإما بنعمة ربك فحدث فعند ذلك كبر عليه السلام أيضاً وكان ذلك سبباً للتكبير في افتتاح السورة التي بعدها وفي ختمها إلى آخر القرآن وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قرأ كذلك على النبي عليه السلام ، بعد أمره له بذلك وإنه كان كلما ختم سورة وقف وقفة ثم قال : الله أكبر ، هذا وقيل أن أول ابتداء التكبير من أول ألم نشرح لا من أول الضحى وقيل : إن التكبير إنما هو لآخر السورة وابتداؤه من آخر سورة الضحى إلى آخر قل أعوذ برب الناس والإتيان بالتكبير في الأول والآخر جمع بين الروايتين الرواية التي جاءت بأنه يكبر في أول السورة المذكورة والرواية الأخرى أنه يكبر في آخرها ونقل عن الشافعي رحمه الله ، إنه قال لآخر إذا تركت التكبير من الضحى إلى الحمد في الصلاة وخارجها فقط تركت سنة من سنن نبيك عليه السلام ، لكن في كلام الحافظ ابن كثير ولم يرد ذلك أي التكبير عند نزول سورة الضحى بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف وفي "فتح الرحمن" صح التكبير عن أهل مكة قرائهم وعلمائهم وصح أيضاً عن أبي جعفر وأبي عمر ووورد عن سائر القراء عند الختم وهو سنة مأثورة عن النبي عليه السلام ، وعن الصحابة والتابعين في الصلاة وخارجها لكن من فعله فحسن ومن لم يفعله فلا خرج عليه وإما ابتداؤه فاختلف فيه فروى أنه من أول ألم نشرح وروى أنه من أول الضحى واختلف أيضاً في انتهائه فروى أن انتهاءه آخر سورة الناس وروى أولها وقد ثبت نصه عن الإمامين الشافعي وأحمد رحمهما الله ولم يستحبه الحنابلة لقراءة غير ابن كثير ولم اطلع على نص في ذلك لأبي حنيفة ومالك رحمهما الله ولفظه الله أكبر في رواية البزي وقنبل وروى عنهما التهليل قبل التكبير ولفظه لا إله إلا الله والله أكبر ، والوجهان عنهما صحيحان جيدان مشهوران مسعملان وفي صفة التكبير في رواية ابن كثير بين كل سورتين أربعة عشر وجهاً الأول قطعه عن آخر السورة ووصله بالبسملة ووصل البسملة بأول السورة الآتية وهو ولسوف يرضى قف الله أكبر
460
جزء : 10 رقم الصفحة : 452
قف بسم الله الرحمن الرحيم ، صل والضحى والثاني قطعه عن آخر السورة ووصله بالبسملة والوقف على البسملة ثم الابتداء بأول السورة وهو لسوف يرضى قف الله أكبر ، صل بسم الله الرحمن الرحيم ، قف والضحى والثالث وصله بآخر السورة والقطع عليه ووصل البسملة بأول السورة وهو ولسوف يرضى صل الله أكبر قف بسم الله الرحمن الرحيم صل والضحى وارابع وصله بآخر السورة والقطع عن البسملة وهو ولسوف يرضى صل الله ، أكبر قف بسم الله الرحمن الرحيم قف والضحى والخامس قطع التكبير عن آخر السورة وعن البسملة ووصل البسملة بأول السورة وهو ولسوف يرضى قف الله أكبر قف بسم الله الرحمن الرحيم صل والضحى والسادس وصل التكبير بآخ السورة والبسملة وبأول السورة وهو ولسوف يرضى صل الله أكبر صل بسم الله الرحمن الرحيم صل والضحى والسابع قطع الجميع أي قطع التكبير عن السورة الماضية وعن البسملة وقطع البسملة عن السورة الآتية وهو ولسوف يرضى قف الله أكبر قف بسم الله الرحمن الرحيم قف والضحى فهذه السبعة صفته مع التكبير ويأتي مع التهليل مثل ذلك وبقى وجه لا يجوز وهو وصل التكبير بآخر السورة وبالبسملة مع القطع عليها وهو ولسوف يرضى الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم بالوصل في الجميع ثم يست على البسملة ثم يبتدىء والضحى فهذا ممتنع إجماعاً لأن البسملة لأول السورة فلا يجوز أن تجعل منفصلة عنها متصلة بآخر السورة قبلها.
واعلم أن القارىء إذا وصل التكبير بآخر السورة فإن كان آخرها ساكناً كسره للساكنين نحو فحدث الله أكبر وفارغب الله أكبر وإن كان منوناً كسره أيضاً للساكنين سواء كان احرف المنون مفتوحاً أو مضموماً أو مكسوراً نحو تواباً الله أكبر ، ولخبير الله أكبر ومن مسد الله أكبر وإن كان آخر السورة مفتوحاً فتحه وإن كان مسكوراً كسره وإن كان مضموماً ضمه نحو قوله إذا حسد الله أكبر والناس الله أكبر وإلا بتر الله أكبر وشبهه وإن كان آخر السورة هاء كناية موصولة بواو حذف صلتها للساكنين نحو ربه الله أكبر وشراً يره الله أكبر ، وأسقط الف الوصل التي في أول اسم الله في جميع ذلك استغناء عنها الكل في "فتح الرحمن" لكن المواضع منها ينبغي أن يقطع عن التكبير حذراً من الإيهام وإن كان مقتضى القياس الوصل نحو إلا بتر الله أكبر ، وحسد الله أكبر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 452
ثماني آيات مكية وعند ابن عباس رضي الله عنهما مدنية(10/355)
تفسير سورة ألم نشرح
جزء : 10 رقم الصفحة : 460
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} قال الراغب : الشرح بسط اللحم ونحوه يقال شرحت اللحم وشرحته ومنه شرح الصدر بنور إلهي وسكينة من جهة الله وروح منه وشرح المشكل من الكلام بسطه وإظهار ما يخفى من معانيه انتهى.
وفي الحديث إذا دخل النور في القلب انشرح أي عاين القلب وانفسح أي احتمل البلاء وحفظ سر الربوبية كما قال موسى عليه السلام ، رب اشرح لي صدري أي وسع قلبي حتى لا يضيق بسفاهة المعاندين ولجاجهم بل يحتمل إذا هم وزيادة لك للإيذان بأن الشرح من منافعه ومصالحه عليه السلام وإنكار النفي إثبات أي عدم شرحنا لك صدرك منفى بل قد شرحنا لك صدرك وفسحناه حتى حوى عالم الغيب والشهادة بين ملكتي الاستفادة والإفادة فما صدك الملابسة بالعلائق الجسمانية عن اقتباس أنوار الملكات الروحانية وما عاقك التعلق بمصالح الخلق عن الاستغراق
461
في شؤون الحق أي لم تحتجب لا بالحق عن الخلق ولا بالخلق عن الحق بل كنت جامعاً بين الجمع والفرق حاضراً غائباً.
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى انفساح صدر قلبه بنور النبوة وحمل همومها بواسطة دعوة الثقلين وانشراح صدر سره بضياء الرسالة واحتمال مكاره الكفار وأهل النفاق وانبساط صدر نوره باشعة الولاية وتحققه بالعلوم اللدنية والحكم الإلهية والمعارف الربانية والحقائق الرحمانية وأما شرح الصدر الصوري فقد وقع مراراً مرة وهو ابن خمس أو ست لإخراج مغمز الشيطان وهو الدم الأسود الذي به يميل القلب إلى المعاصي ويعرض عن الطاعات ومرة عند ابتداء الوحي ومرة ليلة المعراج در حديث آمده كه شب معراج جبريل مرا تكيه داد واز بالاي سينه تانافمن بشكافت وميكائيل طشتى از آب زمزم آورده بشكافت وبشست ودر آخر طشتى از طلا مملو از حكمت وايمان آوردند ودل مرا ازان ر ساختند وبرجاي او نهادند ونقلى هست كه بخاتمي ازنور مهر كرد نانه اثر راحت ولذت آن هنوز در عروق ومفاصل خودمى يابم.
لم خزانة أسرار بود ودست قضا.
درش به بست وكليدش بدلستاني داد.
ومن هنا قال المشايخ لا بد للطالب في ابتداء أمره أن يشتغل بذكر لا إله إلا الله بحيث يبدأ من الجانب الأيمن للصدر ويضرب بالأعلى الجانب الأيسر منه لينتقض به العلقة التي هي حظ الشيطان ومنبع الشهوات النفسانية مقداراً بعد مقدار ويمتلىء النور مقام ما ينتقض منها وربما قاء دما أسود رقيقاً لانحلاله بحرارة التوحيد وذو بأنه بنار الذكر وهو من صفت الكمل فبداوم الذكر ينشرح الصدر وينفتح القلب {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} أي حططنا وأسقطنا عنك حملك الثقيل وعنك متعلق بوضعنا وتقديمه على المفعول الصريح للقصد إلى تعجيل المسرة والتشويق إلى المؤخر {الَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ} أي حمله على النقيض وهو صوت الانتقاض والانفكاك كما يسمع من الرحل المتداعى إلى الانتقاض من ثقل الحمل وبالفارسية آن باري كه كران ساخت شت تراكما قال في تاج المصادر الانقاض كران كردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 461
وفي "المفردات" كسره حتى صار له نقيض وفي "القاموس" أثقله حتى جعله تقضا أي مهزولاً أو أثقله حتى سمع نقيضه وفي بعض التفاسير ثقل عليك ثقلاً شديداً فإن انقاض الحمل الظهر إنما يكون بمعنى تصويت الرحل الذي عليه وهو يكون بثقل الحمل وتأثيره المفضي إلى انحراف بعض أجزاء الرحل عن محالها وحصول الصوت بذلك فيه انتهى.
مثل به حاله عليه السلام ، مما كان يثقل عليه ويغمه من فرطاته قبل النبوة أو من عدم إحاطته بتفاصيل الأحكام والشرائع ومن تهالكه على إسلام المعاندين من قومه وتلهفه ووضعه عند مغفرته كما قال ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وتعليم الشرائع وتمهيد عذره بعد أن بلغ وبالغ وقد يجعل قوله ووضعنا عنك وزرك كناية عن عصمته من الذنوب وتطهيره من الأدناس فيكون كقوله القائل رفعنا عنك مشقة الزيارة لمن لم يصدر عنه زيارة قط على سبيل المبالغة في انتفاء الزيارة منه له {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} بعنوان النبوة وأحكامها أي
462
رفع حيث قرن اسمه باسم الله في كلمة الشهادة والأذان والإقامة وفيه يقول حسان ابن ثابت.
اغر عليه للنبوة خاتم
من الله مشهور يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
إذا قال في الخمس المؤذن اشهد
وجعل طاعته طاعته تعالى وصلى عليه هو وملائكته وأمر المؤمنين بالصلاة عليه وسمى رسول الله ونبي الله وغير ذلك من الألقاب المشرفة.
وذو النون المصري قدس سره فرمود رفعت ذكر اشارت بآنست كه همم انبيا عليهم اسلام بر حوالىء عرش جولان مي نمودند وطاهر همت آن حضرت عليه السلام رواز ميكرد.
سميرغ فهم هيكس از نبيا نرفت
آنجاكه تو ببال كرامت ريده
هريك بقدر خويش بجايى رسيده اند
انجاكه جاي نيست بجاي رسيده(10/356)
{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} تقرير لما قبله ووعد كريم بتيسير كل عسير له عليه السلام وللمؤمنين فاللام للاستغراق قال في "الكشاف" فإن قلت كيف تعلق قوله فإن مع العسر يسراً بما قبله قلت كان المشركون يعيرون رسول الله والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم فذكره ما أنعم الله به عليه من جلائل النعم ثم قال فإن مع العسر الخ كأنه قيل خولناك من جلائل النعم فكن على ثقة بفضل الله ولطفه فإن مع العسر يسرا كثيراً وفي كلمة مع إشعار بغاية سرعة مجيء اليسر كأنه مقارن للعسر وإلا فالظاهر ذكر كلمة المعاقبة لا أداة المصاحبة لأن الضدين لا يجتمعان بل يتعاقبان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 461
إن مع العسر و يسرش قفاست
شاد برآنم كه كلام خداست
وقال بعضهم : هذا عند العامة وأما عند الخاصة فالمعية حقيقية كما قيل :
برجانم از توهره رسد جاى منت است
كرناوك جفاست وكر خنر ستم
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر هي معية امتزاج لامعية مقارنة ولا تعاقب ولذلك كررها فلولا وجود اليسر في العسر لم يبق عسر لعموم الهلاك ولولا وجود العسر في اليسر لم يبق يسر وبضدها تتبين الأشياء ثم إن العسر يؤول كله إلى اليسر فقد سبقت الرحمة الغضب وذلك عناية من الله فإن ذلك قد يكون مصقلة وجلاء لقلوب الأكابر وتوسعة لاستعدادهم فتتسع لتجلي الحضرة الإلهية وكما أن حظهم من الملائم أوفر فكذلك غير الملائم قال عليه السلام أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل ولذلك قال تعالى : [غافر : 60-6]{ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقال عليه السلام : إن الله يحب الملحين في الدعاء وفي تعريف العسر وتنكير اليسر إشارة لطيفة إلى أن الدنيا دار العسر فالعسر عند السامع معلوم معهود واليسر مجهول منهم إن مع العسر يسرا} تكرير للتأكيد أو عدة مستأنفة بأن العسر مشفوع بيسر آخر
463
كثواب الآخرة كقولك إن للصائم فرحتين أي فرحة عند الأفطار وفرحة عند لقاء الرب وعليه قوله عليه السلام : "لن يغلب عسر يسرين" أي لن يغب عسر الدنيا يسرى الدنيا والآخرة فإن المعرف إذا أعيد يكون الثاني عين الأول سواء كان معهودا أو جنساً وإما المنكر فيحتمل أن يراد بالثاني فرد مغاير لما أريد بالأول قال ابن الملك في شرح المنار المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت الثانية عين الأولى كالعسرين في قوله تعالى : [الأنعام : 143-7]{فَإِنَّ مَعَ} .
.
إلخ وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما لن يغلب عسر يسرين قال فخر الإسلام في جعل لآية من هذا القبيل نظر لأنها لا يحتمل هذا المعنى كما لا يحتمل قولنا إن مع الفارس رمحا إن مع الفارس رمحا أن يكون معه رمحان بل هذا من باب التأكيد.
فإن قلت : فإذا حمل على التأكيد فما وجه قول ابن عباس رضي الله عنهما.
قلت : كأنه قصد باليسرين ما في قوله يسراً من عنى التفخيم فيتناول يسر الدارين وذلك يسران في الحقيقة انتهى.
قال بعضهم : إن مع عسر المجاهدة يسر المشاهدة ومع عسر الانفصال يسر الاتصال ومع عسر القبض يسر البسط والعسر الواحد هو الحجاب واليسران كشف الحجاب ورفع العتاب فإذا فرغت} أي من التبليغ أو من المصالح المهمة الدنيوية {فَانصَبْ} النصب محركة التعب أي فاجتهد في العبادة واتعب شكراً لما أوليناك من النعم السالفة ووعدناك من الآلاء الآتية وبه ارتبطت الآية بما قبلها ويجوز أن يقال فإذا فرت من تلقى الوحي فانصب في تبليغه.
وقال الحسن رحمه الله : إذا كنت صحيحاً فاجعل فارغك نصباً في العبادة كما روى أن شريحاً مر برجلين يتصارعان وآخر فارغ ، فقال ما أمر بهذا إنما قال الله فإذا فرغت فانصب وقعود الرجل فارغاً من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه في دينه أو دنياه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة وعن عمر رضي الله عنه إن لأكره أن أرى أحدكم فارغاً سهلاً لا في عمل دنياه ولا في عمل آخرته فلا بد للمرء أن يكون في عمل مشروع دائماً فإذا فرغ من عمل اتبعه بعمل آخر وقال قتادة والضحاك : فإذا فرغت من الصلاة فنصب في الدعاء.
جزء : 10 رقم الصفحة : 461
وأبو مدين مغربي قدس سره در تأويل اين آيت فرموده كه ون فارغ شوى از مشهده اكون نصب كن دل خوداراباي مشاهده جمال رحمن.
قال في "الكشاف" ومن البدع ما روى عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب بكسر الصاد أي فانصب علياً للإمامة ولو صح هذا للرافضة لصح للناصي أن يقرأ هكذا ويجعله أمراً بالنصب الذي هو بغض على وعداوته {وَإِلَى رَبِّكَ} وحده {فَارْغَب} أصل الرغبة السعة في الشيء يراد بها السعة في الإرادة فإذا قيل رغب فيه وإليه يقتضى الحرص عليه وإذا قيل رغب عنه اقتضى صرف الرغبة عنه والزهد فيه وفي "القاموس" رغب فيه كسمع رغباً ويضم رغبة إراده وعنه لم يرده وإليه رغباً محركة ابتهل أو هو الضراعة والمسألة والمعنى فارغب بالسؤال ولا تسأل غيره فإنه القادر على إسعافك لا غيره.
(10/357)
وسخن تو بدركاه قرب مقبولست ودعوات طيبات تو در محل قبول.
و مقصود كون ومكان جودتست
خدا ميدهد آنه مقصود تست
وعن بعض الأكابر ألم نشرح لك صدرك برفع غطاء أنيتك وكشف حجاب أثنينيتك عن
464
حقيقة أحديتنا ووجه صمديتنا ووضعنا عنك ذنب وجودك الذي أنقض ظهر فؤادك بأن نطلعك على فناء وجودك الصوري الظلى وبقاء وجودنا الحقيقي العيني ورفعنا لك ذكرك بأفنائك فينا وأبقائك بنا إلى مرتفع الخطاب الوارد في شأنك بقولنا إن إلى ربك المنتهى أي منتهى جميع الأرباب الأسماء الإلهية فكذلك إليك منتهى كافة المربوبين الحقائق اكونية وبذلك الرفع كن سيد الكل فارض بالقضاء واصبر على البلاء واشكر على النعماء فإن مع عسر الابتلاء بالبلايا المؤدي إلى اضطراب صدرك يسر الامتلاء بالعطيا المفضى إلى اطمئنان روحك إن مع العسر يسرا البتة إذ هكذا جرت سنتنا مع كل عبد ولن تجد لسنتنا تبديلاً بأن يرتفع العسر جميعاً ويصير الكل يسرا أو بالعكس فلا تلتفت إلى اليسر والسرور فإنه حجاب نوراني ولا إى العسر والألم فإنه حجاب ظلماني فإذا فرغت من إعطاء حق وارد كل وقت حاضر فانصب نفسك في منصب إعطاء وارد كل وقت قابل إذا أتى يني فافعل ثنياً كما فعلت أولاً وكن هكذا دائماً إلى أن يأتيك اليقين وإلى ربك أي إلى جلاله وجماله وكماله فارغب لا إلى غيره من الأمور والأحكام الواردة عليك في الأوقات لأن في الرغبة والالتفات إلى غير الرب احتجاباً عن الرب وسقوطاً عن قرب إلى بعد ومقامك لا يسع غير القرب والأنس والحضور وعن طاووس وعمر بن عبد العزيز رحمهما الله إنهما كانا يقولان إن الضحى وألم نشرح سورة واحدة فكانا يقرآنهما في ركعة واحدة ولا يفصلان بينهما بالبسملة لأنهما رأيا أن أول ألم نشرح مشانه لقوله ألم يجدك الخ وليس كذلك لأن تلك حال غتمامه عليه السلام بأذى الكفار فهي حال محنة وضيق وهذه حال انشراح الصدر وتطيب القلب فكيف يجتمعان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 461
ودر ليله معراج ندا آمدكه أي محمد بخواه تابخشيم رسول عليه السلام كفت خدا وندا هر يغمبرى ازتو عطايى يافت إبراهيم را خلت دادى باموسى بي واسطه سخن كفتى إدريس را بمكان عالي رسانيدى داودرا ملك عظيم دادى ولزت وى بيامر زيدي سليما نرا ملكي دادى كه بعد ازوى كس راسزاي آن ندادى عيسى را درشكم مادر توراة وإنجيل در آمو ختى ومرده زنده كردن بردست وى آسان كردى وآبراء أكمه وأبرص مراورا دادى جواب الهي آمدكه يا محمد اكر إبراهيم را خلت دادم ترا محبت دادم واكرا باموسى سخن فتم بي واسطه لكن كوينده را ندد وباتو سخن ميكفتم بي حاجب وكوينده ديدى واكر إدريس را بآسمان رسانيدم ترا از آسمان بحضرت قاب قوسين أو أدنى رسنيدم واكر داودرا ملك عظيم دادم وزلت وى بيامر زيدم امت تا ملك قناعت دادم وكنهنان ايشان بشفاعت بيامر زيدم واكر سليمان مملكت دادم ترا سبع مثاني وقرآن عظيم دادم وكناهنان ايشان بشفاعتت بيامزيدم واكر سليمان مملكت دادم تر سبع مثاني وقرآن عظيم دامد وخاتمه سوره بقره كه بهي يغمبر بجز توندادم ودعاهاى تودر آخر سورة البقرة أجابت كردم وأعطيتك الكوثر وترابسه خصلت براهل زمين وآسمان فضل دادم يكى الم نشر لك صدرك يدكر ووضعنا عنك وزرك سوم ورفعنا لك ذكرك وأعطيتك ثمانية أسهم الإسلام والهجرة والجهاد والصلاة والصدقة وصوم رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأرسلتك إلى اناس كافة بشيراً ونذيراً وجعلتك فاتحاو خاتماً
465
وهذا السوق يشير إلى السورة مدنية وف يبعض الروايات سألت ربي مسائل وددت إني لم سألها إياه قط فقلت اتخذت الخ وهو الظاهر وهذا يقتضي أن يكون مسألته عليه السلام من عند نفسه من غير أن يقول الله له سل تعط والله تعالى أعلم وفي الحديث من قرأها أي سورة ألم نشرح فكأنما جاءني وأنا مغتم ففرج عني.
جزء : 10 رقم الصفحة : 461(10/358)
تفسير سورة التين
ثماني آيات مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 465
{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} هما هذا التين الذي يؤكل وهذا الزيتون الذي يعصر منه الزيت خصمهما الله من بين الثمار بالإقسام بهما لاختصاصهما بخواص جليلة فإن التين فاكهة طيبة لا فضل له وغذاء لطيف سريع الهضم ودواء كثير النفع يلين الطبع ويحلل البلغم ويطهر الكليتين ويزيل ما في المثانة من الرمل ويسمن البدن ويفتح سدد الكبد والطحال وروى أبو ذر رضي اللهعنه أنه أهدى للنبي عليه السلام ، سل من تين فأكل منه وقال لأصحابه كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذا الآن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس وعن علي بن موسى الرضى رضي الله عنه ، التين يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو أمان من الفالج قال الامام : لما عصى آدم عليه السلام ، وفارقته ثيابه تستر بورق التين ولما نزل وكان مترزاً بورق التين استوحش فطافت الظباء حوله فاستأنس بها فأطعمها بعض ورق التين فرزقها الله الجمال صورة والملاحة معنى وغير دمها مسكاً فلما تفرقت الظباء إلى مساكنها رأى غيرها عليها من الجمال ما أعجبه فلما كان الغد جاءت ظباء آخر على أثر الأول فأطعمها من الورق فغير الله حالها إلى الجمال دون المسك وذلك لأن الأولى جاءت إلى آدم لأجله لا لأجل الطمع والطائفة الأخرى جاءت إليه ظاهراً وللطمع باطناً فلا جرم غير الظاهر دون الباطن وفي أسئلة الحكم فإن قلت ما الحكمة في أن سائر الأشجار يخرج ثمرها في كمامها أو لا ثم تظهر الثمرة من الكمام ثانياً وشجرة التين أول ما يبدو ثمرها يبدو بارزاً من غير كمام قلت لأن آدم لم يستره إلا شجرة التين فقال الله بعدما سترت آدم أخرج منك المعنى قبل الدعوى وسائر الأشجار يخرج منها الدعوى قبل العنى ، قال في "خريدة العجائب" ، إذا نثر رماد خشب التين في البساتين هلك منه الدود ودخان التين يهرب منه البق والبعوض.
جزء : 10 رقم الصفحة : 466
وأما الزيتون فهو فاكهة وإدام ودواء ولو لم يكن له سوى اختصاصه بدهن كثير المنافع مع حصوله في بقاع لا دهنية فيها كالجبال لكفى به فضلاً وشجرته هي الشجرة المباركة المشهورة في التنزيل ومر معاذ بن جبل رضي الله عنه بشجرة الزيتون فأخذ منها قضيباً وساتاك به وقال سمعت النبي عليه السلام يقول نعم سواك الزيتون هو سواكي وسواك الأنبياء ، من قبلي وشجرة الزيتون تعمر ثلاثة آلاف سنة ومن خواصها أنها تصبر عن الماء طويلاً كالنخل وإذا لقط ثمرتها جنب فسدت والقت حملها وانتثر ورقها وينبغي إن تغرس
466
في المدر لكثرة اغار لأن الغبار كلما علا على زيتونها زاد دسمه ونضجه ورماد ورقها ينفع العين كحلا ويقوم مقام التوتيا وفي الحديث : "عليكم بالزيت فإنه يكشف المرة ويذهب البلغم ويشد العصب ويمنع الغشى ويحسن الخلق ويطيب النفس ويذهب الهم" قال الامام إن التين في النوم رجل خير غني فمن ناله في المنام نال ما لا وسعة ومن أكله رزقه الله أولاداً ومن أخذ ورق الزيتون في المنام استمسك بالعروة الوثقى وقال مريض لابن سيرين رأيت في المنام كأنه قيل لي كل اللاءين تشفى فقال كل الزيتون فإنه لا شرقية ولا غربية.
وقال الطبري المراد بالتين الجبل الذي عليه دمشق يعني جبل الصالحية ويسمى جبل قاسيون والزيتون وهو طورزيتا الجبل الذي يلي بيت المقدس من جهة المشرق وذلك أن التين ينبت كثيراً بدمشق والزيتون بايليا {وَطُورِ سِينِينَ} هو الجبل الذي ناجى عليه موسى عليه السلام ربه.
قال الماوردي : ليس كل جبل يقال له طوراً لا أن يكون فيه الأشجار والثمار وإلا فهو جبل فقط وسينين وسيناء علمان للموضع الذي هو فيه ولذلك أضيف إليهما ومعنى سينين بالسريانية ذو الشجر أو حسن مبارك بلغة الحبشة وفي "كشف الأسرار" أصل سينين سيناء بفتح السين وكسرها وإنما قال ههنا سينين لأن تاج الآيات النون كما قال في سورة الصافات سلام على الياسين وهو الياس فخرج على تاج آيات السورة {وَهَاذَا الْبَلَدِ الامِينِ} أي الآمن يقال أمن الرجل بضم الميم أمانة فهو أمين وهو مكة شرفها الله تعالى وأمانتها أنها تحفظ من دخلها جاهلية وإسلاماً من قتل وبى كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ويجوز أن يكون فعيلاً بمعنى مفعول بمعنى المأمون فيه على الحذف والإيصال من أمنه لأنه مأمون الغوائل والعاهات كما وصف بالأمن في قوله تعالى : {حَرَمًا ءَامِنًا} بمعنى ذي ن وفي الحديث من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا ومعنى القسم بهذه الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة بسكنى الأنبياء والصالحين فمنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم ومولد عيسى ومنشأهما عليهما السلام ، والطور المكان الذي نودي فيه موسى عليه السلام ومكة مكان البيت الذي هو هدى للعالمين ومولد رسول الله ومبعثه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 466(10/359)
ودر بحر الحقائق آورده كي بزبان اشارت قسم است بشجره تينيه قلبية كه مثمر ثمره علوم دينيه است وشجره زيتونه مباركه سريه كه روشنى بخش مصباح دلست وطور سينين روح معلى كه بتجلى الهي مجلى است وبلد أمين خفى كه محل أمن وأمانست ازهجوم آفات تعلقات أكوان.
يقول الفقير أشار بالتين إلى علوم الحقيقة التي محلها السر الإنساني لأنها لذة صرفة ولذا قدمت لأنها المطلب الأعلى لتعلقها بذات الله وصفاته وأفعاله وكما أن عمر شجرة التين قصير بالنسبة إلى الزيتون فكذا عمر أهل الحقيقة غالبا إذ لا معنى للبقاء في الدار الفانية بعد حصول المقصود الذي هو الحياة الباقية إلا أن يكون لإرشاد الناس وأشار بالزيتون إلى علوم الشريعة التي محلها النفس الإنسانية هي ليست بنعيم محض لأنه لا بد في الشريعة من اتعاب النفس والقالب وأشار بطور سينين إلى روح الذي هو محل المعارف الإلهية ومقام المناجاة وأشار بالبلد الأمين إلى مكة الوجود المشتملة على بيت القلب فإنه أمن أهلها من اختطاف
467
الشياطين ودخول شر الوسواس الخناس فيها وإلى الأعمال القالبية الحاصلة بالحواس والأعضاء فالقالب أخذ الشرف من القلب وهو من الروح وهو من السر فلذا كان الكل جديداً بالأقسام به لقد خلقنا الإنسان} أي جنس الإنسان {فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} يقال قام انتصب وقام الأمر اعتدل كاستقام وقومته عدلته كما في "القاموس" والتقويم تصيير الشيء على ما ينبغي أن يكون عليه في التأليف والتعديل وعن يحيى بن أكثم القاضي أنه فسر التقويم بحسن الصورة فإنه حكى أن ملك زمانه خلا بزوجته في ليلة مقمرة فقال لها إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت كذا فافتى الكل بالحنث إلا يحيى بن أكثم ، قال لا يحنث فقالوا خالفت شيوخك فقال الفتوى بالعلم ولقد أفتى من هو أعلم منا وهو الله تعالى قال لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم فالإنسان أحسن الأشياء ولا شيء أحسن منه وفي "المفردات" هو إشارة إلى ما خص به الإنسان من بين الحيوان من العقل ولفهم وانتصاب القامة الدال على استيلائه على كل ما في هذا العالم والمعنى كائناً في أحسن ما يكون من التقويم والتعديل صورة ومعنى حيث يراه تعالى مستوى القامة متناسب الأعضاء حسن الشكل كما قال وصوركم فأحسن صوركم أي صوركم أحسن تصوير وكذا خلقه متصفاً بالصفات الإلهية من الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام التي هي الصورة الحقيقية الإلهية المشار إليها بقوله عليه السلام : "خلق الله آدم على صورته وعليه يدور" معنى قوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه فالإنسان مظهر الجلال والجمال والكمال {ثُمَّ رَدَدْنَـاهُ أَسْفَلَ سَـافِلِينَ} أي جعلناه من أهل النار الذي هو أقبح من كل قبيح وأسفل من كل سافل لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التي لو عمل بمقتضاها لكان في أعلى عليين والحاصل إنه حول بسوء حاله من أحسن تقويم إلى أقبح تقويم صورة ومعنى لأن مسخ الظاهر إنما هو من مسخ الباطن فالمراد بالسافلين عصاة المؤمنين وأفعل التفضييل هنا يتنول التعدد المتفاوت وأسفل سافلين إما حال من المفعول أي رددناه حال كونه أسفل سافلين أو صفة لمكان محذوف أي رددناه إلى مكان هو أسفل أمكنة السافلين والأول أظهر ثم هذا بحسب بعض الأفراد الإنسانية لانماسهم في بحر الشهوات الحيوانية البهيمية وإنهماكهم في ظلمات اللذات الجسمانية الشيطانية والسبعية وفيه إشارة إلى أن الاعتبار إنما هو بالصورة الباطنة لا بالصورة الظاهرة ولذا قال الشيخ سعدى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 466
ره راست بايدنه بالاي راست
كه كافرهم ازروى صورت وماست
فكم من مصور على أحسن الصور في الظاهر وهو في الباطن على أقبح الهيئات ولذا يجيء الناس يوم القيامة أفواجاً فإن صفاتهم الباطنة تظهر على صورهم الظاهرة فتتنوع صورهم بحسب صفاتهم على أنواع وقيل رددناه إلى أرذل العمر وهو الهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة كقوله تعالى : {وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ} أي نكسناه في خلقه فتقوس ظهره بعد اعتداله وأبيض شعره بعد سواده وكل سمعه وبصره وتغير كل شيء منه.
468
دورسته درم دردهن داشت جاي
وديوارى ازخشت سميين باي
كنونم نكه كن بوقت سخن
بيفتاده يك يك و سوركهن
مراهمنين جعد شبرنك بود
قبا در براز نازكى تنك بود
درين غايتم رشد بايد كفن
كه مويم ونيه است ودوكم بدن
(10/360)
قال في عين المعاني ولم تدخل لام الجنس في سافلين كما ورد في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لأنه عنى أسفل الخرفين خاصة دون كل الناس من أهل الزمانة وفي كشف الأسرار السافلون هم الضعفاء من المرضى والزمني والأطفال فالشيخ البكير أسفل من هؤلاء جميعاً إلا الذين آمنوا} أيما نا صادقا {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} المأمور بها والمأجور عليها وهو على الأول استثناء متصل من ضمير ثم رددناه فإنه في معنى الجمع وعلى الثاني منقطع أي لكن الذين كانوا صالحين من الهرمي.
قال أبو الليث : معنى قوله إلا الذين.
.
الخ.
يعني لا يخرف ولا يذهب عقل من كان عالماً عاملاً وفي لحديث طوبى لمن طال عمره وحسن عمله وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر {فَلَهُمْ أَجْرٌ} في دار الكرامة لأنها المحل له ودخول الفاء لتضمن اسم لكن معنى الشرط وهو على الأول للتعليل أي لا يغير صورهم في النار لأنهم مثابون في الجنة {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير منقطع على طاعتهم وصبرهم على الابتلاء بالشيخوخة والهرم وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة على ضعف نهوضهم وفي التيسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إن العبد إذا مرض أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً كذا روى في الهرم وفي تفسير أبي الليث روى عن النبي عليه السلام أنه قال إن المؤمن إذا مات صعد الملكان إلى السماء فيقولاون إن عبدك فلاناً قد مات فائذن لنا حتى نعبدك على السماء فيقول الله إن سمواتي مملوءة بملائكتي ولكن اذهبا إلى قبره واكتاب حسناته إلى يوم القيامة ويجوز أن يكون المعنى غير ممنون به عليهم كما سبق في آخر سورة الانشقاق
جزء : 10 رقم الصفحة : 466
{فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} بعد مبنى على الضم لحذف المضاف إليه ونيته والاستفهام مشعر بالتعجب أي فأي شيء يكذبك يا محمد دلالة أو نطقاً بالجزاء بعد ظهور هذه الدلائل الناطقة به أي ينسبك إلى الكذب بسب إثباتك الجزاء وإخبارك عن البعث والمراد الآلة الدالة على كمال القدرة فإن من خلق الإنسان السوي من الماء المهين وجعل ظاهره وباطنه على أحسن تقويم ودرجه في مراتب الزيادة إلى أن استكمل واستوى ثم نكسه إلى أن يبلغ إلى أرذل العمر لا شك أنه قادر على البعث والجزاء أو فما يجعلك أيها الإنسان كاذباً بسبب الدين وإنكاره بعد هذا الدليل يعني إنك تكذب إذا كذبت بالجزاء لأن كل مكذب للحق فهو كاذب وحاصله أن خلق الإنسان من نطفة وتقويمه بشراً سوياً وتحويله من حال إلى حال كمالاً ونقصانا من أوضح دليل على قدرة الله تعالى على البعث والجزاء فأي شيء يضطرك بعد هذا الدليل القاطع إلى أن تكون كاذباً بسبب تكذيبه أيها الإنسان
469
{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} أي أليس الذي فعل ما ذكر باحكم الحاكمين صنعاً وتدبيراً حتى يتوهم عدم الإعادة والجزاء أي أليس ذلك بأبلغ اتقاناً للأور من كل متقن لها إذا لحاكم هو المتقن للأمور ويلزمه كونه تام القدرة كامل العلم وحيث استحال عدم كونه احكم الحاكمين تعين الإعادة والجزاء أو المعنى أليس الله باقضى القاضين يحكم بينك وبين من يكذبك بالحق العدل يقال حكم بينهم أي قضى فالآية وعيد للمكذبين وإنه يحكم عليهم بما هم أهله وكان عليه السلام إذا قرأها يقول بلى وأنا على ذلك من الشاهدين يعني خارج الصلاة كما في "عين المعاني" ويأمر بذلك أيضاً قال من قرأ أليس الله باحكم الحاكمين فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ هذه السورة إعطاه الله خصلتين العافية واليقين ما دام في الدنيا ويعطي من الأجر بعدد من قرأها.
جزء : 10 رقم الصفحة : 466(10/361)
تفسير سورة العلق
ثمان عشرة أو تسع عشرة آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 469
{اقْرَأْ} أي ما يوحي إليك يا محمد فإن الأمر بالقراءة يقتضي المقروء قطعاً وحيث لم يعين وجب أن يكون ذلك ما يتصل بالأمر حتماً سواء كانت السورة أول ما نزل أم لا فليس فيه تكليف ما لا يطاق سواء ذدل الأمر على الفور أم لا والأقرب أن هذا إلى قوله ما لم يعلم أول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلّم على ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة والخلاف إنما هو في تمام السورة عن عائشة رضي الله عنها أول ما ابتدىء به رسول الله عليه السلام ، من النبوة حين أراد الله به كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصالحة كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح أي كضيائه وإنارته فلا يشك فيها أحد كما لا يشك في وضوح ضياء الصبح وإنما ابتدىء عليه السلام ، بالرؤيا لئلا يفجأه الملك الذي هو جبريل بالرسالة فلا تتحملها القوة البشرية لأنهما لا تحتمل رؤبة الملك وإن لم يكن على صورته الأصلية ولا على سماع صوته ولا على ما خبر به فكانت الرؤيا تأنيساً له وكانت مدة الرؤيا ستة أشهر على على ما هو أدنى الخمل ثم جاءه الملك فعبر من عالم الرؤيا إلى عالم المثال ولذا قال الصوفية إن الحاجة إلى التعبير إنما هي في مرتبة النفس الأمارة واللوامة وإذا وصل السالك إلى النفس الملهمة ، كما قال تعالى : {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَااهَا} قل احتياجه إلى التعبير لأنه حينئذٍ يكون ملهماً من الله تعالى فمرتبة الإلهام له كمرتبة مجيء الملك للرسول عليه اسلام ، فإذا كانت مدة الرؤيا ذلك العدد يكون ابتداؤها في شهر ربيع الأول وهو مولده عليه السلام ثم أوحى إليه في اليقظة في شهر رمضان وكان عليه السلام في تلك المدة إذا خلا يسمع نداء يا محمد يا محمد ويرى نوراً أي يقظة وكان يخشى أن يكون الذي يناديه تابعاً من الجن كما ينادى الكهنة وكان في جبل حراء ار وهو الجبل الذي نادى رسول الله بقوله إلى يا رسول الله لما قال له ثبير وهو على ظهره اهبط عني يا رسول الله فإني أخاف أن تقتل على ظهري وكان عليه السلام ، تعبد في
470
ذلك الغار ليالي ثلاثاً وسبعاً وشهراً ويتزود لذلك من الكعك والزيت وذلك في تلك المدة وقبلها وأول من تعبد فيه من قريش جده عبد المطلب ثم تبعه سائر المتألهين هم أبو أمية بن المغيرة وورقة بن نوفل ونحوهما وكان ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن عم خديجة رضي الله عنها وكان قد قرأ الكتب وكتب الكتاب العبري وكان شيخاً كبيراً قد عمى في أواخر عمره ثم لما بلغ عليه السلام رأى الأربعين ودخلت ليلة سبع عشرة من شهر رمضان جاءه الملك وهو في الغار كما قال الامام الصرصري رحمه الله :
جزء : 10 رقم الصفحة : 470
وأتت عليه أربعون فأشرقت
شمس لنبوة منه في رمضان
قالت عائشة رضي الله عنها ، جاءه الملك سحر.
يوم الاثنين فقال اقرأ قال ما أنا بقارىء قال فأخذني فغطني أي ضمني وعصرني ثم أرسلني فعله ثلاث مرات ثم قال اقرأ إلى قوله ما لم يعلم وأخذ منه القاضي شريح من التابعين إن المعلم لا يضرب الصبي على تعليم القرآن أكثر من ثلاث ضربات فخرج عليه السلام من الغار حتى إذا كان في جانب من الجبل سمع صوتاً يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل ورجع إلى خديجة يرجف فؤاده فحدثها بما جرى فقالت له ابشر يا ابن عمي وأثبت فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة ثم انطلقت إلى ورقة فأخبرته بذلك فقال فيه :
فإن يك حقا يا خديجة فاعلمي
حديثك إيانا فاحمد مرسل
وجبريل يأتيه وميكال معهما
من الله وحي يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز عزا لدينه
ويشقى به الغاوي الشقي لمضلل
فريقان منهم فرقة في جنانه
وأخرى باغلال الجحيم تغلل
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص471 حتى ص رقم48(10/362)
ومكث عليه السلام مدة لا يرى جبريل وإنما كان كذلك ليذهب عنه ما كان يجده من الرعب وليحصل له التشوق إلى العود وكانت مدة الفترة أي فترة الوحي بين اقرأ وبين يا أيها المدثر وتوفي ورقة في هذه الفترة دفن بالحجون وقد آمن به عليه السلام ، وصدقه قبل الدعوة التي هي الرسالة ولذا قال عليه السلام لقد رأيته في الجنة وعليه ثياب الحرير ثم نزل يا أيها المدثر قم فانذر فظهر الفرق بين النبوة والرسالة قال بعض العارفين : أهل الإرادة في الطلب والمراد مطلوب وهو نعت الحبيب ألا تر أنه لما قيل له اقرأ استقبله الأمر من غير طلب ونظيره ألم نشرح لك صدرك فإنه فرق بينه وبين قول موسى رب اشر له صدري باسم ربك} متعلق بممر هو حال من ضمير الفاعل أي اقرأ ملتباً باسم الله تعالى أي مبتدئاً به ليتحقق مقارنته لجميع أجزاء المقروء أي قل بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ فعلم أن اقرأ باسم ربك نزلت من غير بسملة وقد صرح بذلك الامام البخاري رحمه الله ، أمره بذلك لأن ذكر اسم الله قوة له في القراءة وأنس بمولاه فإن الأنس بالاسم يفضي إلى الإنس بالمسمى والذكر باللسان يؤدي إلى الذكر بالجنان والباء في باسم يفضي إلى الإنس بالمسمى والذكر باللسان يؤدي إلى الذكر بالجنان والباء في باسم بره تعالى على
471
على المؤمنين بانواع الكرامات في الدارين والسين كونه سميعا لدعاء الخلق جميعا والميم معناه من العرش الى تحت الثرى ملكه وملكه وفي الكواشي دخلت الباء في إقرأ باسم ربك لتدل على الملازمة والتكرير كأخذت بالخطام ولو قلت اخذت الخطام لم يدل على التكرير والدوام في كتاب شمس المعارف اول آية نزلت على وجه الارض بسم الله الرحمن الرحيم على آدم الصفي عليه السلام فقال آم الآن علمت ان ذريتي لا تعذب بالنار ما دامت عليها ثم انزلت على ابراهيم عليه السلام في المنجنيق فاتجاه الله بها من النار ثم على موسى عليه السلام فقهر بها فرعون وجنوده ثم على سليمان عليه السلام فقالت الملائكة الآن والله قدتم ملكك فهي آية الرحمة والامان لرسله واممهم ولما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة النمل انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم كانت فتحاً عظيماً فأمر رسول الله فكتبت على رؤوس السور وظهور الدفاتر واوائل الرسائل وحلف رب العزةبعزته ان لا يسميه عبد مؤمن على شيء الا بورك له فيه وكانت لقائلها حجاب من النار وهي تسعة عشر حرفا تدفع تسعة عشر زبانية وفي الخبر النبوي لو وضعت السموات والارض وما فيهن وما بينهن في كفة والبسملة في كفة لرجحت عليها يعني البسملة
جزء : 10 رقم الصفحة : 470
{الَّذِى خَلَقَ} وصف الرب به لتذكير اول النعماء الفائضة عليه منه تعالى والتنبيه على ان من قدر على خلق الانسان على ما هو عليه من الحياة وما يتبعها من الكمالات قادر على تعليم القراءة العالم المتكلم اي الذي له الخلق والمستاثر به لا خالق سواه فيكون خلق منزل منزلة اللازم وبه يتم مرام المقام لدلالته على أن كل خلق مختص به أو خلق كل شيء فيكون من حذف المفعول للدلالة على التعميم وقال في فتح الرحمن لما ذكر الرب وكانت العرب في الجاهلية تسمى الاصنام اربابا جاء بالصفة التي لا شركة للاصنام فيها فقال الذي خلق{خَلَقَ الانسَـانَ} على الاول تخصيص لخلق الانسان بالذكر من بين سائر المخلوقات لاستقلاله ببدآئع الصنع والتدبير وعلى الثانى افراد للانسان من بين سائر المخوقات بالبيان وتفخيم لشأنه اذ هو اشرفهم وعليه نزل التنزيل وهو المأمور بالقرآءة ويجوز أن يراد بالفعل الاول ايضا خلق الانسان ويقصد بتجريده عن المفهوم الابهام ثم التفسير روما لتخفيم فطرته {مِنْ عَلَقٍ} جمع علقة كثمر وثمرة وهى الدم الجامد واذا جرى فهو المسفوح اى دم جامد رطب يعلق بما مر عليه لبيان كمال قدرته تعالى باظهار ما بين حالته الاولى والآخرة من التباين البين وايراده بلفظ الجمع حيث لم يقل علقة بناء على أن الانسان فى معنى الجمع لأن الالف فيه للاستغراق لمراعاة الفواصل ولعله هو السر فى تخصيصه بالذكر من بين سائر اطوار الفطرة الانسانية مع كون النطفة والتراب ادل منه على كمال القدرة لكونهما ابعد منه بالنسبة الى الانسانية ولما كان خلق الانسان اول النعم الفائضة عليه منه تعالى واقوم الدلائل الدالة على وجوده تعالى وكماله قدرته وعلمه وحكمته وصف ذاته تعالى بذلك اولا ليستشهد عليه السلام به على تمكينه تعالى من القرءآة
472
(10/363)
حواشي ابن الشيخ إن الحكيم سبحانه لما أراد أن يبعثه رسولاً إلى المشركين لو قال له [العلق : 1]{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى} لا شريك له لا بوا أن يقبلوا ذلك منه لكنه تعالى قدم في ذلك مقدمة تلجئهم إلى الاعتراف به حيث أمر رسوله أن يقول لهم إنهم هم الذين خلقوا من العلقة ولا يمكنهم إنكاره ثم أن يقول لهم لا بد للفعل من فاعل فلا يمكنهم أن يضيقوا ذلك الفعل إلى الوثن لعلمهم بأنهم نحتوه فبهذا التدريج يقرون بأني أنا المستحق للثناء دون دون الأوثان لأن الإهية موقوفة على الخالقية ومن لم يخلق شيئاً كيف يكون الها مستحقاً للعبادة ومن هذه الطريقة ما يحكى أن زفر لما بعثه أبو حنيفة رحمه الله إلى البصرة لتقرير مذهبه فيهم فوصل إليهم وذكر أبا حنيفة منعوه ولم يلتفوا إليه فرجع إلى أبي حنيفة وأخبره بذلك فقال له أبو حنيفة إنك لم تعرف طريق التبليغ لكن ارجع إليهم واذكر في المسألة أقاويل أئمتهم ثم بين ضعفها ثم قل بعد ذلك ههنا قول آخر فاذكر قولي وحجتي فإذا تمكن ذلك في قلبهم فقل هذا قول أبي حنيفة فإنهم حينئذٍ يستحسنونه فلا يردونه اقرأ} أي افعل ما أمرت به وكرر علامة الأمر بالقراءة تأكيداً للإيجاب وتمهيداً لما يعقبه من قوله تعالى {وَرَبُّكَ الاكْرَمُ} الخ فإنه كلام مستأنف ولذا وضع السجاوندي علامة الوقف الجائز على خلق وارد لإزاحة ما بينه عليه السلام من العذر بقوله ما أنا بقارىء يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ وأنا أمي فقيل له وربك الذي أمرك بالقراءة مبتدئاً باسمه وهو الأكرم أي الزائد في الكرم على كل كريم فإنه ينعم بلا غرض ولا يطلب مدحاً أو ثواباً وتخلصاً من المذمة وأيضاً أن كل كريم إنما أخذ الكرم منه فكيف يساوي الأصل.
وقال ابن الشيخ : ربك مبتدأ والأكرم صفته والذي مع صلته خبر {الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} أي علم ما علم بواسطة القلم لا غيره فكما علم القارىء بواسطة الكتابة والقلم يعلمك بدونهاما وقال بعضهم علم الخط بالقلم والقلم ما يكتب به لأنه يقلم ويقص ويطع وفيه امتنان على الإنسان بتعليم علم الخط والكتابة بالقلم ولذلك قيل العلم صيد والكتابة قيده وقيل :
جزء : 10 رقم الصفحة : 470
وما من كاتب إلا سيبلى
ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه
ولولا القلم ما استقامت أمور الدين والدنيا وفيه إشارة إلى القلم الأعلى الذي هو أول موجود وهو الروح النبوي عليه السلام فإن الله علم القلب بواسطه ما لم يعلم من العلوم التفصيلية.
قال كعب الأحبار أول من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها آدم عليه السلام ، قبل موته بثلاثمائة سنة ، كتبها في الطين ثم طبخه فاستخرج إدريس ما كتب آدم وهذا هو الأصح وأما أول من كتب خط الرمل فإدريس عليه السلام وأول من كتب بالفارسية طهمورث ثالث ملوك الفرس وأول من اتخذ القراطيس يوسف عليه السلام ، قال السيوطي رحمه الله أول ما خلق الله القلم قال له اكتب ما هو كائن إلى يوم
473
القيامة وأول ما كتب القلم أنا التواب أتوب على من تاب.
قال بعضهم وجه المناسبة بين الخلق من العق وتعليم القلم أن أدنى مراتب الإنسان كونه علقة وأعلاها كونه عالماً فالله تعالى امتن على الإنسان بنقله منأدنى المراتب وهي العلقة إلى أعلاها وهو تعلم العلم ثم الله الذي خلق الإنسان على صورته الحقيقية خلقه من علقة النجلى الأولى الحبي المشار إليه بقوله كنت كنزاً مخفياً أحببت أنأعرف فخلقت الخلق فصارت المحبة الذاتية علقة بالإيجاد الحبي وهو أكرم الأكرمين إذ هو جاع محيط بجميع الأسماء الدالة على الكرم كالجواد والواهب والمعطى والرازق وغيرها {عَلَّمَ الانسَـانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} بدل اشتمال من علم بالقلم وتعيين للمفعول أي علمه به وبدونه من الأمور الكلية والجزئية والجلية واخفية ما لم يخطر بباله أصلاً.
جزء : 10 رقم الصفحة : 470
(10/364)
فإن قلت : فإذا كان القلم والخط من المن الإلهية فما باله عليه السلام لم يكتب قلت لأنه لو كتب لقيل قرأ القرآن من صحف الأولين ومن كان القلم الأعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره لا يحتاج إلى تصوير الرسوم وتشكيل اعلوم بآيات الجسمانية لأن الخط صنعة ذهينة وقوة طبيعية صدرت بالآلة الجسمانية وفيه إشارة بديعة إلى أن أمته بين الأمم هم الروحانيون وصفهم سبحانه في الإنجيل أمة محدم أناجيلهم في صدورهم لو لم يكن رسم الخطوط لكانوا يحفظون شرائعه عليه السلام بقلوبهم لكمال قوتهم وظهور استعدادتهم {كَلا} ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يسبق ذكره للمبالغة في الزجر فيوقف عليه وقال السجاوتدي يوقف على ما لم يعلم لأنه بمعنى حقاً ولذا وضع علامة الوقف عليه {إِنَّ الانسَـانَ لَيَطْغَى} أي يتجاوز الحد ويستكبر على ربه بيان للمردوع والمردوع عنه قيل إن هذا إلى آخر السورة نزل في أبي جهل بعد زمان وهو الظاهر {أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَى} مفعول له أي يطغى لأن رأى وعلم نفسه مستغنياً أو أبصر مثل أبي جهل وأصحابه ومثل فرعون ادعى الربوبية.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب الدنيا ولا يستويان أما طالب العلم فيزداد في رضي الله وأما طالب الدنيا فيزداد في الطغيان وتعليل طغيانه برؤيته لنفسه الاستغناء للإيذن بأن مدار طغيانه زعمه الفاسد روى أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أتزعم أن من استغنى طغى فاجعل لنا جبال مكة فضة وذهبا لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك فنزل جبريل فقال إن شئت فلنا ذلك ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا بأصحاب المائدة فكف رسول الله عن الدعاء إبقاء عليهم ورحمة وأول هذه السورة يدل على مدح العلم وآخرها على مذمة المال وكفى بذلك رغباً في العلم والدين ومنفراً عن المال والدنيا وكان عليه السلام يقول : اللهم إني أعوذ بك من غنى يطغى وفقر ينسى.
وفيه إشارة إلى أن الإنسان إذا رأى نفسه مظهر بعض صفات ربه وأسمائه دعها لنفسه ويظن أن تلك الصفات والأسماء الإلهية المودعة فيه بحكمة بالغة ملك له وهو مالكها فيعجب بها وبكمالاتها فيستغنى عن مالكها الذي أودعها فيه ليستدل بها على خالقه وبارئه {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} الرجعى مصدر بمعنى الرجوع والألف للتأنيث أي إن إلى مالك أمرك أيها الإنسان رجوع الكل بالموت
474
والبعث لا إلى غيره استقلالاً أو اشتراكاً فسترى حينئذٍ عاقبة طغيانك.
جزء : 10 رقم الصفحة : 470
وآنجاهمه را عمل بكار آيدنه أموال
توانكرى نه بما لست نزد اهل كمال
كه مال تالب كورست وبدع ازان أعمال
{أَرَءَيْتَ الَّذِى يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} الاستفهام للتعجيب والرؤية بصرية والخطاب لكل من يأتتى منه الرؤية وتنكير عبداً لتفخيمه عليه السلام كأنه قيل : ينهى أكمل الخلق في العبودية عن عبادة ربه والعدول عن ينهاك إلى ينهى عبداً دال على أن النهي كان للعبد عن إقامة خدمة مولاه ولا أقبح منه روى أن أبا جهل قال في ملأ من طغاة قريش لئن رأيت محمداً يصلى لأطأن عنقه وفي التكملة نهى محمداً عن الصلاة وهم أن يلققى على رأسه حجراً فرآه في الصلاة وهي صلاة الظهر فجاءه ثم نكص على عقبيه فقالوا مالك فقال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهو لا وأجنحة فنزلت والمراد أجنحة الملائكة أبصر اللعين الأجنحة ولم يبصر أصحابها فقال عليه السلام ، والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً وكان أبو جهل يكنى في الجاهلية بأبي الحكم لأنهم كانوا يزعمون أنه عالم ذو حكمة ثم سمى أبا جهل في الإسلام.
(10/365)
يقول الفقير : كان عليه اسلام يدعو ويقول اللهم أعز الإسلام بأبي جهل أو بعمر فلما أعزه الله بعمر رضي الله عنه دل على أن عمر أسعد قريش كما أن أبا جهل أشقى قريش إذ الأشياء تتبين بأضدادها {أَرَءَيْتَ} رؤية قلبية معناه أخبرني ذلك الناهي وهو المفعول الأول {إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى} فيما ينهى عنه من عبادة الله {أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} أي أمر بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقده وهذه الجملة الشرطية بجوابها المحذوف وهو ألم يعلم بأن الله يرى سدت مسد المفعول الثاني فإن المفعول الثاني لأرأيت لا يكون إلا جملة استفهامية أو قسمية وإنما حذف جوب هذه الشرطية اكتفاء عنه بجواب الشرطية لأن قوله إن كذب وتولى مقابل للشرط الأول وهو أن كان على الهدى أوامر بالتقوى والآية في الحقيقة تهكم بالناهي ضرورة إنه لسي في النهي عن عبادته تعالى والأمر بعبادة الأصنام على هدى البتة {أَرَءَيْتَ} أخبرني ذلك الناهي {إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أي إن ان مكذباً للحق معرضاً عن الصواب كما نقول نحن ونظم الأمر والتكذيب والتولى في سلك الشرط المتردد بين الوقوع وعدمه ليس باعتبار أنفس الأفعال المذكورة من حيث صدورها عن الفاعل فإن ذلك ليس في حير التردد أصلاً بل باعتبار أوصافها التي هي كونها أمراً بالتقوى وتكذيباً وتولياً {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} جواب للشرطية الثانية أي يطلع على أحواله فيجاريه بها حتى اجترأ على ما فعل أي قد علم ذلك الناهي أن الله يرى فكيف صدر منه ما صدر وإنما أفرد التكذيب والتولي بشرطية مستقلة مقرونة بالجواب مصدرة باستخبار مستأنف ولم ينظمهما في سلك الشرط الأول بعطفهما على كان للإيذان باستقلالهما بالوقوع في نفس الأمر وباستتباع الوعيد الذي ينطق به الجواب وأما القسم الأول
475
فأمر مستحيل قد ذكر في حيز الشرط لتوسيع الدائرة وهو السر في تجريد الشرطية الأولى عن الجواب والإحالة به على جواب الثانية وقيل : العنى أرأيت الذي ينهى عبداً يصلي والمنهي على الهدى أمراً بالتقوى والناهي مكذب متول ولا أعجب من ذا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 470
برزكان كفته انددر كلمه إن الله يرى هم وعد مندر جست وهم وعيد أي فاسق توبه كن كه ترامييبند أي مرايى اخلاص ورزكه ترامييبند أي درخلوت قصد كناه كرده هش داركه ترامى بيند درويشى بعد ازكناهى توبه كرده بود ويوسته مى كريست كفتند ندمى كريى خداي تعالى غفورست كفت أرى هرند عفو كند خجلت آنراكه أومى ديده ه كونه دفع كنم.
كيرم كه تواز سركنه در كذرى
زان شرم كه ديدى كه ه كردم ه كنم
قال أبو الليث رحمه الله : والآية عظة لجميع الناس وتهديد لمن يمنع عن الخير وعن الطاعة وقال ابن الشيخ في حواشيه وهذه الآية وإن نزلت في حق أبي جهل لكن كل من نهى عن طاعة فهو شريك أبي جهل في هذا الوعيد ولا يلم عليه المنع من الصلاة في الدار المغصوبة والأوقات المكروهة لأن المنهي عنه غير الصلاة وهو المعصية فإن عدم مشروعية اوصف المقارن وكونه مستحقاً لأن ينهى عنه لاي نافي مشروعية أصل الصلاة إلا أنه لشدة الاصال بينهما بحيث يكون النهي عن الوصف موهماً للنهي عن الأصل احتاط فيه بعض الأكابر حتى روى عن علي رضي الله عنه ، إنه رأى في المصلى أقواماً يصلون قبل صلاة العيد فقال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يفعل ذلك فقيل له ألا ننهاهم فقال أخشى أن ندخل تحت وعيد قوله تعالى : [العلق : 9-6]{أَرَءَيْتَ الَّذِى يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} فلم يصرح بالنهي عن الصلاة احتياطاً وأخذ أبو حنيفة هذا الأدب الجمل حتى قال له أبو يوسف أيقول المصلى حين يرفع رأسه من الركوع اللهم اغفر لي قال يقول ربنا لك الحمد ويسجد ولم يصرح بالنهي كلا} ردع للناهي اللعين وخسو له عن نهيه عن عبادة الله وأمره بعبادة اللات {لَـاـاِن لَّمْ يَنتَهِ} اللام موطئة للقسم المضمر أي والله لئن لم ينته عما هو عليه ولم ينزجر ولم يتب ولم يسلم قبل الموت والأصل ينتهي بالياء يقال نهاه ينهاه نهيا ضد أمره فانتهى {لَنَسْفَعَا بِالنَّاصِيَةِ} أصله لنسفعن بالنون الخفيفة للتأكيد ونظيره وليكونا من الصاغرين كتب في المصحف بالألف على حكم الوقف فإنه يوقف على هذه النون بالألف تشبيهاً لها بالتنوين والسفع القبض على الشيء وجذبه بعنف وشدة والناصية شعر مقدم الرأس والمعنى لنأخذن في الآخرة بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار بمعنى لتأمرن الزبانية ليأخذوا بناصيته ويجروه إلى النار بلتحقير والإهانة وكانت العرب تألف من جر الناصية وفي "عين المعاني" الأخذ بالناصية عبارة عن القهر والهوان والاكتفاء بلام العهد عن الإضافة لظهور أن المراد ناصية الناهي المذكور ويحتمل أن يكون المراد من هذا السفع سحبه على وجهه في الدنيا يوم بدر فيكون بشارة بأن يمكن الملمين من ناصيته حتى يجروه على وجهه إذا عاد إلى النهي فلما عاد مكنهم الله من ناصيته يوم بدر.
(
(10/366)
جزء : 10 رقم الصفحة : 470
روى) أنه لما نزلت سورة الرحمن ، قال عليه السلام : "من يقرأها على رؤساء قريش فتثاقلوا" فقام ابن
476
مسعود رضي الله عنه ، وقال أنا فأجلسه عليه السلام ثم قال ثانياً من يقرأها عليهم فلم يقم إلا ابن مسعود رضي الله عنه ، ثم ثالثاً إلى أن أذن له وكان عليه السلام ، يبقى عليه لما كان يعلم ضعفه وصغر جثته ثم إنه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة فافتتح قراءة السورة فقام أبو جهل فلطمه فشق إذنه وادماها فانصرف وعينه تدمع فلما رآه عليه السلام رق قلبه وأطرق رأسه مغموماً فإذا جبرائيل جاء ضاحكاً مستبشراً فقال يا جبرائيل تضحك ويبكى ابن مسعود فقال سيعلم فلما ظفر المسلمون يوم بدر الشمس ابن مسعود أن يكون له حظ في الجهاد فقال له عليه السلام ، خذ رمحك والتمس في الجرحى من كان له رمق فاقتله فإنك تنال ثواب المجاهدين فأخذ يطالع القتلى فإذا أبو جهل مصروع يخور فخاف أن تكون به قوة فيؤذيه فوضع الرمح على منحره من بعيد فطعنه ولعل هذا قوله سنسمه على الخرطوم ثم لما عرف عجزه لم يقدر أن يصعد على صدره لضعفه فارتقى عليه بحيلة فلما رآه أبو جهل قال له يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعباًقال ابن مسعود الإسلام يعلو ولا يعلى عليه فقال له أبو جهل بلغ صاحبك إنه لم يكن أحد أبغض إلى منه في حال مماتي فروى أنه عليه السلام لما سمع ذلك قال فرعوني أشد من فرعون موسى فإنه قال آمنت وهو قد زاد عتوا ثم قال ابن مسعود اقطع بسيفي هذا لأنه أحد وأقطع فلما قطع رأسه لم يقدر عى حمله فشق إذنه وجعل الخيط فيها وجعل يجره إلى رسول الله عليه السلام ، وجبرائيل بين يديه يضحك ويقول يا محمد إذن بإذن لكن الرأس ههنا مع الإذن مقطوع ولعل الحكيم سبحانه إنما خلقه ضعيفاً حتى لم يقو على الرأس المقطوع لوجوه أحدها أن أبا جهل كلب والكلب يجر ولا يحمل والثاني ليشق الأذن فيقتص الأذن بالأذن والثالث ليحقق الوعيد المذكور بقوله لنسفعا بالنصاية فيجر تلك الرأس على مقدمها قال ابن الشيخ والناصية شعر الجبهة وقد يسمى مكان الشعر ناصية ثم إنه تعالى كنى بها ههنا عن الوجه والرأس ولعل السبب في تخصيص السفع بها إن اللعين كان شديد الاهتمام بترجيل الناصية وتطييبها {نَاصِيَةٍ كَـاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} بدل من الناصية وإنما جاز أبدالها من المعرفة وهي نكرة لوصفها وصوف الناصية بالكذب والخطأ على الإسناد الجازي وهما لصاحبها وفيه من الجزالة ما ليس في قولك ناصية كاذب خاطىء كأن الكافر بلغ في الكذب قولاً والخطأ فعلاً إلى حيث أن كلا من الكذب والخطأ ظهر من ناصيته وكان أبو جهل كاذباً على الله في أنه لم يرسل محمداً كاذباً في أنه ساحر ونحوه وخاطئاً بما تعرض له عليه السلام بأنواع الأذية {فَلْيَدْعُ} من الدعوة يعنى كوبخاند أبو جهل {نَادِيَهُ} أي أهل ناديه ومجلسه ليعينوه وهو المجلس الذي ينتدى فيه القوم أي يجتمعون وقدر المضاف لأن نفس الجلس والمكان لا يدعى ولا يسمى المكان نادياً حتى يكون فيه له ودار الندوة بمكة كانوا يجتمعون فيها للتشاور وهي الآن لمحفل الحنفي روى أن أبا جهل مر برسول الله وهو يصلي فقال ألم ننهك فاغلظ رسول الله فقال أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي نادياً يريد كثرة من يعينه فنزلت {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} أي ملائكة العذاب ليجروه إلى النار وواحد منهم يغلب على ألف ألف من أمثال أهل ناديه.
477
قال عليه السلام : "لو دعا ناديه الزبانية عياناً".
جزء : 10 رقم الصفحة : 470
(10/367)
اجتمعت المصاحف العثمانية على حذف الواو من سندع خطا ولا موجب للحذف من العربية لفظاً ولعله للمشاكلة مع فليدع أو للتشبيه بالأمر في أن الدعاء أمر لابد منه قوال ابن خالويه في إعراب الثلاثين آية الأصل سندعو بالواو غير أن الواو ساكنة فاستثقلها اللام ساكنة فسقطت الواو في المصحف من سندع ويدع الإنسان ويمح الله الباطل وكذلك الياء من واد النمل وإن الله لهاد الذين آمنوا والعلة فيهاما أنبأتك من بنائهم الخط على اللفظ انتهى والزبانية في الأصل في كلام العرب الشرط كصرد جمع شرطة بالضم وهم طائفة من أعوان الولاة سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها كما في "القاموس" والشرط بالتحريك العلامة والواحد زبنية كعفرية وعفرية الديك شعرة القفا التي يردها إلى يافخوخه عند الهراش من الزبن بالفتح كالضرب وهو الدفع لأنهم يزبنون الكفار أي يدفعونهم في جهم بشدة وبطش يعني أن ملائكة العذاب سموا بما سمى به الشرط تشبيهاً لهم بهم في البطش والقهر والعنف والدفع وقيل الواحد زبنى وكأنه نسب إلى الزبن ثم غير إلى زبانية كأنسى بكسر الهمزة وأصلها زبني وقيل زبانية بتعويض التاء عن الياء بعد حذفها للمبالغة في الدفع وفيه إشارة إلى التجليات القوية الجلالية الجرارة أبا جهل النفس الأمارة وأهل ناديه الذي هو الهوى وقوه الظلمانية إلى نار الخذلان وجهنم الخسران {كَلا} ردع بعد ردع للناهي المذكور وزجر له أثر زجر فهو متصل بما قبله ولذا جعلوا الوقف عليه وقفا مطلقاً {لا تُطِعْهُ} أي دم على ما أنت عليه من معاصاة ذلك الناهي الكاذب الخاطىء كقوله تعالى : {لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ} وواظب على سجودك وصلاتك غير مكترث به {وَاقْتَرِب} وتقرب بذلك السجود إلى ربك وفي الحديث : "أقرب ما يكون العبد من ربه إذا سجد فأكثروا من الدعاء في السجود" كلمة ما مصدرية وأقرب مبتدأ حذف خبره ويكن تامة أي أقرب وجود العبد من ربه حاصل وقت سجوده.
ودر فتوحات اين راسجده قرب كفته.
وهذا محل سجود عند الثلاثة خلافاً لمالك ومم عن أصولهم في قولهم بالوجوب والسنية ثم إن السجود إشارة إلى إزالة حجاب الرياسة وفي الحديث : "لا كبر مع السجود" يعني هركه سجده آرد از كبر دور كست وبر دركاه الله شرف متواضعان يافت.
جزء : 10 رقم الصفحة : 470
روى أن إبراهيم عليه السلام ، أضاف يوماً مائتي مجوسي فلما أكلوا قالوا أمرنا يا إبراهيم ، قال : إن لي إليكم حاجة فقالوا ما حاجتك قال اسجدوا لربي سجدة واحدة فتشاوروا فيما بينهم فقالوا إن هذا الرجل قد صنع معروفاً كثيراً فلو سجدنا لربه ثم رجعنا إلى آلهتنا لا يضرنا ذلك بشيء فسجدوا جميعاً فلما وضعوا رؤوسهم على الأرض ناجى إبراهيم ربه فقال إني جهدت جهدي حتى حملتهم على هذا ولا طاقة لي على غيره وإنما التوفيق والهداية بيدك اللهم زين صدورهم بالإسلام فلما رفعوا رؤوسهم من السجود أسلموا وللسجدة أقسام سجدة الصلاة وسجدة التلاوة وسجدة السهو وهذه مشهورة وسجدة التعظيم لجلال الله وكبريائه وسجدة التضرع إليه خوفاً وطمعاً وسجدة الشكر له وسجدة المناجاة وهذه مستحبة في الأصح صادرة عن
478
الملائكة وعن رسول الله عليه السلام وسائر الأنبياء والأولياء عليهم السلام وقال أبو حنيفة ومالك سجود الشكر مكروه فيقتصر على الحمد والشكر باللسان وقال الأمامان هي قربه يثاب فاعلها.
وقال القاشاني : قرأ عليه السلام ف هذه السجدة أي سجدة اقرأ "أعوذ بعفوك من عقابك" أي بفعل لك من فعل لك "وأعوذ برضاك من سخطك" أي بصفة لك من صفة لك "وأعوذ بك منك" أي بذاتك من ذاتك وهو معنى اقترابه بالسجود.
جزء : 10 رقم الصفحة : 470(10/368)
تفسير سورة القدر
خمس أو ست آيات مكية وقيل مدنية
جزء : 10 رقم الصفحة : 478
{إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ} النون للعظمة أو للدلالة على الذات مع الصفات والأسماء والضمير للقرآن لأن شهرته تقوم مقام تصريحه اسمه وإرجاع الضمير إليه فكأنه حاضر في جميع الأذهان وعظمه بأن أسند إنزاله إلى جنابه مع أن نزوله إنما يكون بواسطة الملك وهو جبرائيل على طريقة القصر بتقديم الفاعل المعنوي إلا أنه اكتفى بذكر الأصل عن ذكر التبع قال في بعض التفاسير إنا أنزلناه مبتدأ أو خبر في الأصل بمعنى نحن أنزلناه فأدخل أن للتحقيق فاختير اتصال الضمير للتخفيف ومعنى صيغة الماضي إنا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر وقضينا به وقدرناه في الأزل ثم إن الإنزال يستعمل في الدفعى والقرآن لم ينزل جملة واحدة بل أنزل منجماً مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة وهذه السورة من جملة ما أنزل ووابه أن المراد أن جبرائيل نزل به جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وأملاه على السفرة أي الملائكة الكاتبين في تلك السماء ثم كان ينزل على النبي عليه السلام منجماً على حسب المصالح وكان ابتداء تنزيله أيضاً في تلك الليلة وفيه إشارة إلى أن بيت العزة أشرف المقامات السماوية بعد اللوح المحفوظ لنزول القرآن منه إليه ولذلك قيل بفضل السماء الأولى على أخواتها لأنها مقر الوحي الرباني وقيل لشرف المكان بالمكين وكل منهما وجه فإن السلطان إنما ينزل على أنزه مكان ولو فرضنا نزوله على مسبخة لكفى نزوله هناك شرفاً لها فالمكان الشريف يزداد شرفاً بالمكين الشريف كما سبق في سورة البلد ففي نزول القرآن بالتدريج إشارة إلى تعظيم الجناب المحمدي كما تدخل الهدايا شيئاً بعد شيء على أيدي الخدام تعظيماً للمهدي إليه بعد التسوية بينه وبين موسى عليهم السلام بإنزاله جملة إلى بيت العزة وفي التدريج أيضاً تسهيل للحفظ وتثبيت لفؤاده كما قال تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لتثبت به فؤادك وكلام الله المنزل قسمان القرآن والخبر القدسي لأن جبرائيل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن ومن هنا جاز رواية السنة بالمعنى لأن جبرائل أداها بالمعنى ولم تجز القراءة المعنى لأن جبرائيل أداها باللفظ والسر في ذلك التعبد بلفظه والإعجاز به فإنه لا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه من الإعجاز لفظاً ومن الأسرار معنى فكيف يقوم لفظ الغير ومعناه مقام حرف القرآن ومعناه ثم إن اللوح المحفوظ قلب هذا التعين
479
جزء : 10 رقم الصفحة : 479(10/369)
ولكن قلب الإنسان ألطف منه لأنه زبدته وأشرفه لأن القرآن نزل به الروح الأمين على قلب النبي المختار وهنا سؤال وهو الملائكة بأسرهم صعقوا ليلة نزول القرآن من حضرة اللوح المحفوظ إلى حضرة بيت العزة فما وجهه والجواب أن محمداً صلى الله عليه وسلّم عندهم من أشراط القيامة والقرآن كتابه فنزوله دل على قيام الساعة فصعقوا هيبة منه وإجلالاً لكلامه وحضرة وعده ووعيده وفي بعض الأخبار إن الله تعالى إذا تكلم بالرحمة تكلم بالفارسية والمراد بالفارسية لسان غير العرب سريانياً كان أو عبرانياً وإذا تكلم بالعذاب تكلم بالعربية فلما سمعوا العربية المحمدية ظنوا أنه عقاب فصعقوا وسيأتي معنى القدر ثم القرآن كلامه القديم أنزله في شهر رمضان كما قال تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وهذا هو البيان الأول ولم ندر نهاراً أنزل فيه أم ليلاً فقال تعالى : [الرحمن : 44-4]{إِنَّآ أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـارَكَةٍ} وهذا هو البيان الثاني ولم ندراي ليلة هي فقال تعالى : إنا أنزلناه في ليلة القدر فهذا هو البيان الثالث الذي هو غاية البيان فالصحيح أن الليلة التي يفرق فيها في كل أمرح كيم وينسخ فيها أمر السنة وتدبير الأحكام إلى مثلها هي ليلة القدر ولتقدير الأمور فيها سميت ليلة القدر ويشهد التنزيل لما ذكرنا إذ في أول الآية إنا أنزلناه في ليلة باركة ثم وصفها فقال فيها يفرق كل أمر حكيم والقرآن إنما نزل في ليلة القدر فكاتن هذه الآية بهذا الوصف في هذه الليلة مواطئة لقوله تعالى : إنا أنزلناه في ليلة القدر كذا في قوت القلوب للشخ أبي طالب المكي قدس سره فإن قلت ما الحكمة في إنزال القرآن ليلاً قلت لأن أكثر الكرامات ونزول النفحات والإسراء إلى السموات يكون بالليل والليل من الجنة لأنها محل الاستراحة والنهار من النار لأن فيه المعاش والتعب والنهار حظ اللباس والفراق والليل حظ الفراش والوصال وعبادة الليل أفضل من عبادة النهار لأن قلب الإنسان فيه أجمع والمقصود هو حضور القلب قال بعض العارفين : أعمل التوحيد في النهار والاسم في الليل حتى تكون جامعاً بين الطريقتين الجلوتية بالجيم والخلوتية ويكون التوحيد والاسم جناحين لك وما أدراك ما ليلة القدر} أي وأي شيء أعلمك يا محمد ما هي أي إنك لا تعل كنهها لأن علو قدرها خارج عن دائرة دراية اللخق لا يدريها ولا يدريها الإعلام الغيوب وهو تعظيم للوقت الذي أنزل فيه ونم عض فضائل ذلك الوقت إنه يرتفع سؤال القبر عمن مات فيه وكذا في سائر الأوقات الفاضلة ومن ذلك العيد ثم مقتضى الكرم أن لا يسأل بعده أيضاً وقد وقع تجلى الأفعال لسيد الأنبياء عليه السلام في رجب ليلة الجمعة الأولى بين العشاءين فلذا استحب صلاة الرغائب وقتئذٍ وتحلى الصفات في نصف شعبان فلذا استحب صلاة البراءة بعد العشاء قبل الوتر وتجلى الذات في ليلة القدر ولذلك استحب صلاة القدر فيها كما سيجيء ولما كان هذا معرباً عن الوعد بإدرائها قال
جزء : 10 رقم الصفحة : 479
{لَيْلَةِ الْقَدْرِ} القيامها والعبادة فيها {خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي من صيامها وقيامها ليس فيها ليلة القدر حتى لا يلزم تفضيل الشيء على نفسه فخير هنا للتفضيل أي أفضل وأعظم قدراً وأكثر أجراً من تلك المدة وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر وفي الحديث من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه
480
(10/370)
وما تأخر ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كما في "كشف الأسرار" قال الخطابي : قوله إيماناً واحتساباً أي بنية وعزيمة وهو أن يصومه على التصديق والرغبة في ثوابه طبية به نفسه غير كاره له ولا مستثقل لصايمه ولا مستطيل لأيامه لكن يغتنم طول أيامه لعظم الثواب ، وقال البغوي : قوله احتساباً أي طلباً لوجه الله وثوابه يقال فلان يحتسب الأخبار أي يطلبها كذا في الترغيب والترهيب والمراد بالقيام صلاة التراويح ، وقال بعضهم : المراد مطلق الصلاة الحاصل بها قيام الليل قوله غفر له ما تقدم من ذنبه قيل المراد الصائر وزاد بعضهم ويخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة وقوله وما تأخر هو كناية عن حفظهم من الكبائر بعد ذلك أو معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة كذا في "شرح الترغيب" المسمى بفتح القريب وقال سعيد بن السميب من شهد المغرب والعشاء في جماعة فقد أخذ حظه من ليلة القدر كما في "الكواشي" ثم أن نهار ليلة القدر مثل ليلة القدر في الخير وفيه إشارة إلى أن ليلة القدر للعارفين خير من ألف شهر للعابدين لأن خزائنه تعالى مملوءة من العبادات ولا قدر إلا للفناء وأهله وللشهود وأصحابه واختلفوا في وقتها فأكثرهم على أنها في شهر رمضان في العشر الأواخر في أوتارها لقوله عليه السلام : "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، فاطلبوها في كل وتر" وإنما جعلت في الشعر الأخير الذي ه ومظنة ضعف الصائم وفتوره في العبادة لتجدد جده في العبادة رجاء إدراكها وجعلت في الوتر لأن الله وتر يحب الوتر ويتجلى في الوتر على ما هو مقتضى الذات اْدية وأكثر الأقوال إنها السابعة لأمارات وأخبار تدل على ذلك أحدها حديث ابن عباس رضي الله عنهما السورة ثلاثون كلمة وقوله هي السابعة والعشرون منها ومنها ، ما قال ابن عباس : أيضاً للة القدر تسعة أحرف وهو مذكور في هذه السورة ثلاث مرات فتكون السابعة والعشرين ومنها إنه كان لعثمان بن أبي العاص غلام فقال يا مولاي إن البحر يعذب ماؤه ليلة من الشهر ، قال : إذا كانت تلك الليلة فاعلمني فإذا هي السابعة والعشرون من رمضان ومن قال إنها هي الليلة الأخيرة من رمضان استدل بقوله عليه السلام إن الله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار يعتق ألف ألف عتيق من النار كلهم استوجبوا العذاب فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق الله في تلك الليلة بعدد من أعتق من أول الشهر إلى آخره ولأن الليلة الأولى كمن ولد له ذكر فهي ليلة شكر والليلة الأخيرة ليلة الفراق كمن مات له ولد فهي ليلة صبر وفرق بين الشكر والصبر فإن الشاكر مع المزيد كقوله تعالى :
جزء : 10 رقم الصفحة : 479
{لَـاـاِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ} والصابر مع الله لقوله تعالى : إن الله مع الصابرين وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت سألت النبي عليه السلام لو وافقتها ماذا أقول قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني وعنها أيضاً لو أدركتها ما سألت الله إلا العافية وفيه إشارة إلى ما قال عليه السلام : اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة ولعل السر في إخفائها تحريض من يريدها لثواب الكثير بإحياء الليالي الكثيرة رجاء لموافقتها.
481
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص482 حتى ص492 رقم49
أي خواجه ه كويى زشب قد رنشاني
هر شب شب قدرست اكر قدر بداني
ونظيره إخفاء ساعة الإجابة في يوم الجمعة والصلاة الوسطى في الخمس واسمه الأعظم في الأسماء ورضاه في الطاعات حتى يرغبوا في الكل وغضبه في المعاصي ليحتزوا عن الكل ووليه فيما بين الناس حتى يعظموا الكل.
خورش ده بكنجشك وكبك وحمام
كه يك روزت افتدهماي بدام
والمستجاب من الدعوات في سائرها ليدعوه بكلها.
ه هر كوشه تيرنياز افكني
اميدست كه ناكه كه صيدي زنى
ووقت الموت ليكون المكلف على احتياط في جميع الأوقات وتسميتها بليلة القدر إما لتقدير الأمور وقضائها فيها لقوله تعالى : فيها يفرق كل أمر حكيم أي : إظهار تقديرها للملائكة ، بأن تكتبها في اللوح المحفوظ وإلا فالتقدير نفسه أزلي فالقدر بمعنى التقدير وهو جعل الشي على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، إن الله قدر فيها كل ما يكون في تلك السنة من مطر ورزق وإحياء وإماتة وغيرها إلى مثل هذه الليلة من السنة الآتية فيسلمه إلى مدبرات الأمور من لملائكة فيدفع نسخة الأرزاق والنباتات والأمطار إلى ميكائيل ونسخة الحروب والرياح والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرائيل ونسخة الأعمال إلى إسرافيل ونسخة المصائب إلى ملك الموت.
فكم من فتى يمسى ويصبح آمنا
وقد نسجت اكفانه وهو لا يدري
وكم من شيوخ ترتجى طول عمرهم
وقد رهقت أجسادهم ظلمة القبر
وكم من عروس زينوها لزوجها
وقد قبضت أرواحهم ليلة الدر
جزء : 10 رقم الصفحة : 479
(10/371)
يقال إن مكيائيل هو الأمين على الأرزاق والأغذية المحسوسة ويقابله منك الكبد فهو الذي يعطى الغذاء لجميع البدن وكذلك إسرافيل يغذى الأشباح بالأرواح ويقابله منك الدماغ وجبرائيل يغذى الأرواح بالعلوم والمعارف ويقابله منك العقل وكل محدث لا بد له من غذاء فغذاء الجسم بالتأليف والعقل بالعلوم الضرورية والروح القدسي أيضاً متعطش ولا يرتوى إلا بالعلوم الإلهية هذا وإما لخطرها وشرفها على سائر الليالي فالقدر بمعنى المنزلة والشرف إما باعتبار العامل على معنى أن من أتى بالطاعة فيها صار ذا قدر وشرف وإما باعتبار نفس العمل على معنى أن الساطعة الواقعة في تلك الليلة لها قدر وشرف زائد وعن أبي بكر الوراق رحمه الله ، سميت ليلة القدر لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر على لسان ملك ذي القدر لأمة لها قدر ولعله تعالى إنما ذكر لفظ القدر في هذه السورة ثلاث مرات لهذا السبب ، وقال الخليل رحمه الله : سميت ليلة القدر أي ليلة الضيق لأن الأرض
482
تضيق فيها بالملائكة فالقدر بمعنى الضيق ، كما في قوله تعالى : ومن قدر عليه رزقه وتخصيص الألف بالذكر إما للتكثير لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء كلها ولا تريد حقيقتها أو لما روى أنه عليه السلام ، ذكر رجلاً من بني إسرائيل اسمه شمسون لبس السلاح في سبيل الله ، ألف شهر فتعجب المؤنون منه وتقاصرت إليهم أعمالهم بأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي وقيل إن الرجل فيما مضى كا نلا يقال له عابد حتى يعبد الله ألف شهر فأعطوا ليلة أن أحيها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد وقيل : رأى النبي عليه السلام ، أعمار الأمم كافة فاستقصر أعمار أمته فخاف أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر وجعلنا خيراً من ألف شهر لسائر الأمم وقيل : كان ملك سليمان عليه السلام ، خمسمائة شهر وملك ذي القرنين خمسمائة شهر فجعل الله العمل في هذه الليلة لمن أدركها خيراً من ملكهما وروى عن الحسن بن علي بن أبي طالب أنه قال حين عوتب في تسليمه الأمر لمعاوية إن الله أرى نبيه عليه السلام ، في المنام بني أمية ينزون على منبره نزو القردة أي يثبون فاغتم لذلك فأعطاه الله ليلة القدر وهي خير له ولذريته ولأهل بيته من ألف شهر وهي مدة ملك بني أمية وأعلمه إنهم يملكون أمر الناس هذا القدر من الزمان ثم كشف الغيب إن كان من سنة الجماعة إلى قتل مروان الجعدي آخر ملوكهم هذا القدر من الزمان بعينه كما في فتح الرحمن ودل كلام الله تعالى على ثبوت ليلة القدر فمن قال إن فضلها كان لنزول القرآن يقول انقطعت فكانت مرة والجمهور على إنها باقية آتية في كل سنة فضلاً من الله ورحمة على عباده غير مختصة برمضان عند البعض وهو قول الامام أبي حنيفة رحمه الله ، وحضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر حتى لو علق أحد طلاق امرأته أو عتق عبده بليلة القدر فإنه لا يحكم به إلا بأن يتم الحول وعند الأكثرين مختصة به وكان عليه السلام ، إذا دخل العشر شد مزره وأحيى ليله وأيقظ أهله وكان الصالحون يصلون في ليلة من العشر ركعتين بنية قيام ليلة القدر وعن بعض الأكابر من قرأ كل ليلة عشر آيات على تلك النية لم يحرم بركتها وثوابها قال الامام أبو الليث رحمه الله : أقل صلاة ليلة القدر ركعتان وأكثرها ألف ركعة وأوسطها مائة ركعة وأوسط القراءة في كل ركعة أن يقرأ بعد الفاتحة إنا أنزلناه مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات ، ويسلم على كل ركعتين ويصلى على النبي عليه السلام بعد التسليم ويقوم حتى يتم ما أراد من مائة أو أقل أو أكثر ويكفي في فضل صلاتها ما بين الله من جلالة قدرها وما أخبر به الرسول عليه السلام من فضيلة قيامها وصلاة التطوع بالجماعة جائزة من غير كراهة لو صلوا بغير تداع وهو الأذان والإقامة كما في الفرائض صرح بذلك كثير من العلماء قال شرخ النقاية وغيره وفي المحيط لا يكره الاقتداء بالامام في النوافل مطلقاً نحو القدر والرغائب وليلة النصف من شعبان ونحو ذلك لأن ما رأه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن فلا تلتفت إلى قول من لا مذاق لهم من الطاعنين فإنهم بمنزلة العنين لا يعرفون ذوق المناجاة وحلاوة الطاعات وفضيلة الأوقات.
483
جزء : 10 رقم الصفحة : 479
هركس ازجلوه كل فهم معاني نكند
شرح آن دفتر ننوشته زبلبل بشنو
(10/372)
تنزل الملائكة والروح فيها} استئناف مبني لماله فضلت على ألف شهر وأصل ينزل تتنزل بتاءين والظاهر أن المراد كلهم للإطلاق وقد سبق معنى الروح في سورة النبأ ، وقال بعضهم : إنه ملك لو التقم السموات والأرضين كانت له لقمة واحدة أو هو ملك رأسه تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة وله ألف رأس كل رأس أعظم من الدنيا وفي كل رأس ألف وجه وفي كل وجه ألف فم وفي كل فم ألف لسان يسبح الله بكل لسان ألف نوع من التسبيح والتحميد والتمجيد لكل لسان لغة لا تشبه الأخرى فإذا فتح أفواهه بالتسبيح خر كل ملائكة السموات سجداً مخافة أن يحرقهم نور أفواهه وإنما يسبح الله غدوة وعشية فينزل تلك الليلة فيستغفر للصائمين والصائمات من أمة محمد عليه السلام بتلك الأفواه كلها إلى طلوع الفجر أو هو طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا ليلة القدر كالزهاد الذين لا نراهم إلا يوم العيد أو هو عيسى عليه السلام ، لأنه اسمه ينزل في موافقة الملائكة ليطالع أمة محمد عليه السلام.
ودر تفسير جواجه محمد ارسا رحمه الله ، مذكوراست كه روح حضرت محمد صلى الله عليه وسلّم فرودايد.
وفي الحديث لأنا أكرم على الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث وكان الثلاث عشر مرات ثلاثين لأن الحسين رضي الله عن ، قتل في رأس الثلاثين سنة فغضب على أهل الأرض وعرج به إلى عليين وقد رآه بعض الصالحين في النوم فقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي إما ترى فتن أمتك فقال زادهم الله فتنة قتلوا الحسين ولم يحفظوني ولم يراعوا حقي فيه وعلى كل تقدير فالمعنى تنزل الملائكة والروح في تلك الليلة من كل سماء إلى الأرض وهو الأظهر لأن الملائكة إذا نزلت في سائر الأيام إلى مجلس الذكر فلأن ينزلوا في تلك الليلة مع علو شأنها أولى أو إلى السماء الدنيا قالوا ينزلون فوجاً فوجاً فمن نازل ومن صاعد كأهل الحج فإنهم على كثرتهم يدخلون الكعبة ومواضع النسك بأسرهم لكن الناس بين داخل وخارج ولهذا السبب مدت إلى غاية طلوع الفجر وذكر لفظ تنزل المفيد للتدريج وبه يندفع ما يرد أن الملائكة لهم كثرة عظيمة لا تحتملها الأرض وكذا السماء على أن شأن الأرواح غير شأن الأجسام والملائكة وإن كان لهم أجسام لطيفة يقال لهم : الأرواح ، وقال بعضهم : النازلون هم سكان سدرة المنتهى ، وفيها ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله ومقام جبرائيل في وسطها ولا يدخلون أي الملائكة النازلون الكنائس وبيوت الأصنام والأماكن التي فيها الكلب والتصاوير والخبائث وفي بيوت فيها خمر أو مدمن خمر أو قطاع رحم أو جنب أو آكل لحم خنزيراً ومتضمخ بالزعفران وغير ذلك ، والتضمخ بالفارسية بوى خوش برخويشتن آلودن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 479
ويعدى بالباء كما في تاج المصادر وقال في "القاموس" التضمخ لطخ الجسد بالطيب حتى كأنه يقطر قوله الروح معطوف على الملائكة والضمير لليلة القدر والجار متعلق بتنزل ويجوز أن يكون والروح فيها جملة اسمية في موقع الحال من فاعل تنزل والضمير للملائكة والأول هو لوجه لعدم احتياجه إلى ضمير فيها {بِإِذْنِ رَبِّهِم} أي بأمره متعلق بتنزل وهو بدل
484
على أنهم كانوا يرغبون إلينا ويشتاقون فيستأذن فيؤذن في النزول إلينا لهم فإن قيل كيف يرغبوا إلينا مع علمهم بكثرة ذنوبنا قلنا لا يقفون على تفصيل المعاصي روى أنهم يطالعون اللوح فيرون فيه طاعة المكلف مفصلة فإذا وصلوا إلى معاصيه أرخى الستر فلا يرونه فحينئذٍ يقولون سبحان من أظهر الجميل وستر القبيح ولأنهم يرون في الأرض من أنواع الطاعات أشياء ما رأوها في عالم السموات كأطعام الطعام وأنين العصاة وفي الحديث القدسي : "لأنين المذنبين أحب إلى من زجل المسبحين فيقولون تعالوا نذهب إلى الأرض فنسمع صوتاً هو أحب إلى ربنا من صوت تسبيحنا وكيف لا يكون أحب وزجل المبحين إظهار لكمال حال المطيعين وأنين العصاة إظهار لغافرية رب العالمين.
نصيب ماست بهشت أي خدا شناس برو
كه مستحق كرامت كنا هكارانند
جزء : 10 رقم الصفحة : 479
(10/373)
{مِّن كُلِّ أَمْرٍ} متعلق بتنزل أيضاً أي من أجل كل أمر قدر في تلك السنة من خير أو شر أو بكل أمر من الخير والبركة كقوله تعالى : [الرعد : 11-5]{يَحْفَظُونَه مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} أي بأمر الله قيل يقسم جبرائيل في تلك الليلة بقية الرحمة في دار الحرب على من علم الله أنه يموت مسلماً فبتلك الرحمة التي قسمت عليهم ليلة القدر يسلمون ويموتون مسلمينفإن قيل المقدرات لا تفعل في تلك الليلة بل في تمام السنة فلما ذا تنزيل الملائكة فيها لأجل تلك الأمور قيل لعل تنزلهم لتعين انفاذ تلك الأمور وتنزلهم لأجل كل أمر ليس تنزل كل واحد لأجل كل أمر بل ينزل الجميع لأجل جميع الأمور حتى يكون في الكلام تقسيم العلل على المعلولات سلام هي} تقديم الخبر لأفادة احصر مثل تميمي أنا أي ما هي إلا سلامة أي لا يحدث فيها داء ولا شيء من الشرور والآفات كالرياح والصواعق ونحو ذلك مما يخاف منه بل كل ما ينزل في هذه الليلة إنما هو سلامة ونفع وخير ولا يستطيع الشيطن فيها سوأ ولا ينفذ فيها سحر ساحر والللة ليست نفس السلامة بل ظرف لها ومع ذلك وصفت بالسلامة للمبالغة في اشتمالها عليها وعلم منه أنه يقضى في غير ليلة القدر كل من السلامة والبلا يعني يتعلق قضاء الله بهما أو ما هي الإسلام لكثرة ما يسلمون فيها على المؤمنين ومن إصابته التسليمة غفر له ذنبه وفي الحديث : "ينزل جبرائيل ليلة القدر في كبكبة من الملائكة" أي : جماعة متضامة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد بذكر الله {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أي وقت طلوعه قدر المضاف لتكون الغاية من جنس المغيا فمطلع بفتح اللام مصدر ميمي ومن قرأ بكسر اللام جعله اسما لوقت الطلوع أي اسم زمان وحتى متعلقة بتنزل على أنها غاية لحكم التنزل أيلمكثهم في تنزلهم أو لنفس تنزلهم بأن لا ينقطع تنزلهم فوجاً بعد فوج إلى طلوع الفجر.
وقال بعضهم : ليلة القدر من غروب الشمس إلى طلوع الفجر سلام ، أي يسلم فيها الملائكة على الطميعين إلى وقت طلوع الفجر ثم يصعدون إلى السماء فحتى متعلقة بسلام قالها علامة ليلة القدر إنها ليلة لا حارة ولا باردة وتطلع الشمس صبيحتها لإشعاع لها لأن الملائكة تصعد عند طلوع الشمس إلى السماء فيمنع صعودها انتشار شعاعها لكثرة الملائكة
485
أو لأنها لا تطلع في هذه الليلة بين قرني الشيطان فإنها على ما جاء بعض الأحاديث تطلع كل يوم بين قرني الشيطان ويزيد الشيطان في بث شعاعها وتزيين طلوعها ليزيد في غرور الكافرين ويحسن في أعين الساجدين وقد سبق أنه يعذب الماء الملح تلك الليلة وإما النور الذي يرى ليلة القدر فهو نور أجنحة الملاكئة أو نور جنة عدن تفتح أبوابها ليلة القدر أو نور لواء الحمد أو نور أسرار العارفين رفع الله الحجب عن أسرارهم حتى يرى الخلق ضياءها وشعاعها وهو المناسب لحقيقة ليلة القدر فإن حقيقتها عبارة عن انكشاف الملكوت لقلب العارف فإذا تنول الباطن بنور الملكوت انعكس منه إلى الظاهر وفي الحديث من قرأ سورة القدر أعطى ثواب من صام رمضان وأحيى ليلة القدر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 479(10/374)
تفسير سورة البينة
والبينة والبرية ثمان أو تسع آيات مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 485
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} أي اليهود والنصارى وإيراد الصلة فعلاً لما أن كفرهم حادث بعد أنبيائهم {وَالْمُشْرِكِينَ} أي عبدة الأصنام ومن للتبيين لا للتبعيض حتى لا يلزم أن لا يكون بعض المشركين كافرين وذلك أن الكفار كانوا جنسين أهل الكتاب كفرق اليهود والنصارى والمشركين وهم الذين كانوا لا ينسبون إلى كتاب فذكر الله الجنسين بقوله الذين كفروا على الإجمال بالتفصيل والتبيين وهو قوله من أهل الكتاب والمشركين وهو حال من الواو في كفروا أي كائنين منهم {مُنفَكِّينَ} خبر كان أي عما كانوا عليه من الوعيد باتباع الحق والإيمان بالرسول المبعوث في آخر الزمان والعزم على إنجازه وهذا الوعد من أهل الكتاب مما لا ريب فيه حتى أنهم كانوا يستفتحون ويقولون اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي المبعوث في آخرا لزمان ويقولون لأعدائهم من المشكين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وارم وإما من المشركين فلعله قد وقع من متأخريهم بعد ما شاع ذلك من أهل الكتاب واعتقد وأصحته بما شاهدوا من نصرتهم على أسلافهم كما يشهد به أنهم كانوا يسألونهم عن رسول الله هل هو المذكور في كتبهم وكانوا غرونهم بتغيير نعوته وانفكاك الشيء من الشيء أن يزايله بعد التحامه كالعظم إذا انفك من مفصله وفيه إشارة إلى كمال وكادة وعدهم أي لم يكونوا مفارقين للوعد المذكور بل كانوا مجمعين عليه عازمين على إنجازة {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} التي كانوا قد جعلوا إتيانها ميقاتاً لاجتماع الكلمة والاتفاق على الحق فجعلوه ميقاتاً للانفكاك والافتراق وأخلاق الوعد والتعبير عن إتيانها بالمضارع باعتبار حال المحكى لا الحكاية والبينة الحجة الواضحة {رَسُولٌ} بدل من البينة عبر عنه عليه السلام بها للإيذان بغاية ظهور أمره وكونه ذلك الموعود في الكتابين {مِّنَ اللَّهِ} متعلق بمضمر هو صفة لرسول مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية
486
بالفخامة الإضافية أي رسول وأي رسول كائن منه تعالى {يَتْلُوا} صفة أخرى {صُحُفًا} جمع صحيفة وهي ظرف المكتوب ومحله من الأوراق {مُّطَهَّرَةً} أي منزهة من الباطل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومن أن يمسه غير المطهرين.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 486
وقال الكاشفي) : صحيفهاى اكيزه از كذب وبهبان.
ونسبة التلاوة إلى الصحف وهي القراطيس مجازية أو هي مجاز عمافيها بعلاقة الحلول والمراد أنه لما كان ما يتلوه الذي هو القرآن مصدقاً لصحف الأولين مطابقاً لها في أصولي الشرائع والأحكام صار متلوه كأنه صحف الأولين وكتبهم فعبر عنه باسم الصحف مجازاً.
(قال الكاشفي) : قرآنرا صحف كفت براي تعظيم با آنكه جامع أسرار جميع صحفست قال في "عين المعاني" وسميت الصحف لأنها أصحف بعضها على بعض أي وضع {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} صفة لصحف أي في تلك الصحف أمور مكتوبة مستيمة ناطقة بالحق والصاب وبالفارسية دران صحيفها توشتهاى راست ودرست يعني أحكام.(10/375)
ومواعظ وفي "المفردات" إشارة إلى ما فيه من معاني كتب الله فإن القرآن مجمع ثمرة كتب الله المتقدمة {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ} عما كانوا عليه من الوعد وأفراد أهل الكتاب بعد الجمع بينهم وبين المشركين للدلالة على شناعة حالهم وإنهم لما تفرقوا مع علمهم كان غيرهم بذلك أولى خضوا بالذكر لأن جحود العالم أقبح وأشنع من إنكار الجاهل {إِلا مِنا بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} استثناء مفرغ من أعم الأوقات أي وما تفرقوا في وقت من الأوقات إلا من ما جاءتهم الحجة الواضحة الدالة على أن رسول الله عليه السلام ، هو الموعود في كتابهم دلالة جلية لا ريب فيها {وَمَآ أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} جملة حالية مفيدة لغاية قبح ما فعلوا أي والحال إنهم ما أمروا بما أمروا في كتابهم لشيء من الأمور إلا لأجل أن يعبدوا الله وهذه اللام في الحقيقة لام الحكمة والمصلحة يعني أن فعله تعالى وإن لم يكن معللاً بالغرض إلا أنه مغياً بالحكم والمصالح وكثيراً ما تستعمل لام الغرض في الحكمة المترتبة على الفعل تشبيهاً لها بها في ترتبها على الفعل بحسب الوجود وفي حصر علة كونهم مأمورين بما في كتبهم من عبادة الله بالإخلاص حيث قيل وما أمروا بما أمروا إلا لأجل أن يتذللوا له ويعظموه غاية التذلل والتعظيم ولا يطلبوا في امتثال ما كلفوا به شيئاً آخر سوى التذلل لربهم ومالكهم كثواب الجنة والخلاص من النار دليل ما ذهب إليه أهل السنة من أن العبادة ما وجبت لكونها مقضية إلى ثواب الجنة أو إلى البعد والنجاة من عذابا لنار بل لأرجل إنك عبد وهو رب ولو لم يحصل في الدين ثواب ولا عقاب البتة ثم أمرك بالعبادة وجبت لمحض العبودية ومقتضى الربوبية والمالكية وفيه أيضاً إشارة إلى أن من عبد الله للثواب والعقاب فالمعبود في الحقيقة هو الثواب والعقاب والحق واسطة فالمقصود الأصلي من العبادة هو المعبود وكذا الغاية من العرفان المعروف فعليك بالعبادة للمعبود وبالعرفان للمعروف وإياك وإن تلاحظ شيئاً غير الله تعالى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 486
عاشقانرا شادماني وعم اوست
دست مزدوا جرت خدمت مم اسوت
وقال بعضهم : الأظهر أن تجعل لام ليعبدوا الله زائدة كما تزاد في صلة الإرادة فيقال أردت
487
لتقوم لتنزيل الأمر منزلة الإرادة فيكون المأمور به هذه الأمور من العبادة ونحوها كما هو الظاهر ثم إن العبادة هي التذلل ومنه طريق معبد أي مذلل ومن زعم أنها الطاعة فقد أخطأ لأن جماعة عبدوا الملائكة والمسيح والأصنام وما أطاعوهم ولكن في الشرع صارت اسماً لكل طاعةأديت له على وجه التذلل والنهاية في التعظيم والعبادة بهذا المعنى لا يستحقها إلا من يكون واحداً في صفاته الذاتية والفعلية فإن كان له مثل لم يمكن أن يصرف إليه نهاية التعظيم فثبت بما قلنا أنه لا بد في كون الفعل عبادة من شيئين أحدهما غاية التعظيم ولذلك قيل إن صلاة الصبي ليست بعبادة لأنه لا يعرف عظمة الله فلا يكون فعله غاية التعظيم وفي حكمه الجاهل الغافل وثانيهما أن يكون مأموراً به ففعل اليهود ليس بعبادة وإن تضمن نهاية التعظيم لأنه غير مأمور به فإذا لم يكن فعل الصبي عبادة لفقد التعظيم ولا عل اليهود لفقد الأمر فكيف يكون ركوعك الناقص عبادة والحال أنه لا أمر به ولا تعظيم فيه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} حال من الفاعل في ليعبدوا أي جاعلين أنفسهم خالصةتعالى في الدين يعني از شرك والحاد اكيزه باشند واز أغراض نفسانية وقضاي شهوات صافي وبي غش.
جزء : 10 رقم الصفحة : 486
(10/376)
والإخلاص أن يأتي بالفعل خالصاً لداعية واحدة ولا يكون لغيرها من الدواعي تأثير في الدعاء إلى ذلك الفعل فالعبادة لجلب المنفعة أو لدفع المضرة ليست من قبيل الإخلاص وكذا الاشتغال بالمباح في الصلاة مثل التحنح وغيره من الحظوظ النفسانية وزيادة الخشوع في الصلاة لأجل الغير رياء ودفع الزكاة إلى الوالدين والمولدين وعبيده وإمائه ينافي القربة ولذا نهى عنه فالإخلاص في العبودية تجريد السر عم اسوى الله تعالى وقال بعضهم : الإخلاص أن لا يطلع على عملك إلا الله ولا ترى نفسك فيه وتعلم أن المنة عليك في ذلك حيث أهلك لعبادته ووفقك لها ولا تطلب من الله أجراً وعوضاً {حُنَفَآءَ} حال أخرى على قول من جوز حالين من ذي حال واحد ومن المنوى في مخلصين على قول من لم يجوز ذلك أي مائلين عن جميع العقائد الزائغة إلى الإسلام وهو في المعنى تأكيد للإخلاص إذ هو الميل عن الاعتقاد الفاسد وأكبره اعتقاد الشركة وأصل الحنف الميل وانقلاب ظهر القدم حتى يصير بطنا فالأحنف هو الذي يمشي على ظهر قدميه في شقها الذي يلي خنصرها ويجيء الحنف بمعنى الاستقامة فمعن حنفاء مستقيمين فعلى هذا إنام سمى مائل القدم أحنف على سبيل التفاؤل كقولك للأعمى بصير وللحبشي كافورو للطاعون مبارك وللمهلكة مفازة قال ابن جبير لا يسمى أحد حنيفاً حتى يحج ويختن لأن الله وصف إبراهيم عليه السلام ، بكونه حنيفاً وكان من أنه أنه حج وختن نفسه {وَيُقِيمُوا الصَّلَواةَ} التي هي العمدة في باب العبادات البدنية {وَيُؤْتُوا الزَّكَواةَ} التي هي الأساس في العادات المالية قال في "الإرشاد" إن أريد بهما ما في شريعتهم من الصلاة والزكاة فالأمر ظاهر وإن أريد ما في شريعتنا فمعنى أمرهم بهما في الكتابين أن أمرهم باتباع شريعتنا أمر لهم بجميع أحكامها التي هما من جملتها {وَذَالِكَ} أي ما ذكر من عبادة الله بالإخلاص وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة {دِينُ الْقَيِّمَةِ} أي دين الملة القيمة قدر الموصوف لئلا يلزم إضافة الشء إلى صفته فإنها إضافة الشيء إلى سفته وصحة
488
إضافة الدين إلى الملة باعتبار التغاير الاعتباري بينهما فإن الشريعة المبلغة إلى الأمة بتبليغ الرسول إياها من قبل الله تسمى ملة باعتبار أنها تكتب وتملى ودينا باعتبار أنها تطاع فإن الدين الطاعة يقال دان له أي أطاعه وقال بعضهم : إضافة الدين إلى القيمة إضافة العام إلى الخاص كشجر الأراك ولا حاجة إلى تقدير الملة فإن القيمة عبارة عن الملة كما يشهد له قراءة أبي رضي الله عنه وذلك الدين القيم انتهى.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 486
وقال الكاشفي) : دين القيمة يعني دين وهلت درست است واينده.
(10/377)
يعني أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته لاختلاف اللفظين والعر تضيف الشيء إلى نعته كثيراً ونجد هذا في القرآن في ماضع منها قوله والدار الآخرة وقال في موضع وللدار الآخرة لأن الدار هي الآخرة وقال عذاب الحريق أي المحرق كالأليم بمعنى المؤلم وتقول دخلت مسجد الجامع ومسجد الحرام وأدخلك الله جنة الفردوس هذا وأمثاله وأنث اليمة لأن الآيات هائية فرد الدين إلى الملة كما في "كشف الأسرار" والقيمة بمعنى المستقيمة التي لا عوج فيها وقال الراغب : القيمة هنا اسم الأمة القائمة بالقسط المشار إليهم بقوله كتم خير أمة قال ابن الشيخ بعض أهل الأديان لما بالغوا في باب الأعمال من غير أحكام الأصول وهم اليهود والنصارى والمجوس فإنهم ربما أتعبوا أنفسهم في الطاعات ولكنهم ما حصلوا الدين الحق بتحصيل الاعتقاد المطابق وبعضهم حصلوا الأصول وأهملوا الفروع وهم المرئجة الذين يقولون لا تضر المعصية مع الإيمان فالله تعالى خطأ الفريقين في هذه الآية وبين أنه لا بد من العلم والإخلاص في قوله مخلصين ومن العمل في قوله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ثم قال وذلك المجموع كله هو دين الملة المستيمة المعتدلة فكما أن مجموع الأعضاء بدن واحد كذلك هذا المجموع دين واحد {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ} بيان لحالهم الأخروي بعد بيان حالهم الدنيوي وذكر المشركين لئلا يتوهم اختصاص الحكم بأهل الكتاب حسب اختصاص مشاهدة شواهد النبوة في الكتاب بهم ومعنى كونهم فيها إنهم يصرون إليها يوم القيامة وإيراد الجملة الاسمية للإيذان بتحقق مضمونها لا محالة أو أنهم فيها الآن إما على تنزيل ملابستهم لما يوجبها منزلة ملابستهم لها وإما على أن ما هم فيه من الكفر والمعاصي عين النار إلا أنها ظهرت في هذه النشاة بصورة عرضية وستخلعها في النشأة الآخرة وتظهر بصورتها الحقيقية {خَـالِدِينَ فِيهَآ} حال من المستكن في الخبر واشتراك الفريقين في دخول دار العذاب بطريق الخلود لأجل كفرهم لا ينافي تفاوت عذابهم في الكيفية فإن جهم دركات وعذابها ألوان فالمشركون كانوا ينكرون الصانع والنبوة والقيامة وأهل الكتاب نبوة محمد عليه السلام ، فقط فكان كفرهم أخف من كفر المشركين لكنهم اشتركوا في أعظم الجنايات التي هي الكفر فاستحقوا أعظم العقوبات وهو الخلود ولما كفروا طلباً للرفعة صاروا إلى سفل السافلين فإن جهنم نار في موضع عميق مظلم هائر يقال بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر واشتراكهم في هذا الجنس من العذاب لا يوجب اشتراكهم في نوعه
جزء : 10 رقم الصفحة : 486
{أولئك} البعداء المذكورون {هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} ابرية جميع الخلق لأن الله برأهم أي أوجدهم بعد العدم
489
والمعنى شر الخليقة أي مالاً وهو الموافق لما سيأتي في حق المؤمنين فيكون في حيز التعليل لخلودهم في النار أو شرهم مقاماً ومصيراً فيكون تأكيداً لفظاعة حالهم وتوسيط ضمير الفصل لأفادة الحصر أي هم شر البرية دون غيرهم كيف لا وهم شر من السراق لأنهم سرقوا من كتاب الله نعوت محمد عليه السلام وشر من قطاع الطرق لأنهم قطعوا الدين الحق على الخلق وشر من الجهال الأجلاف لأن الكفر مع العلم يكون كفر عناد فيكون أقبح من كفر الجهال وظهر منه أن وعيد العلماء السوء أعظم من وعيد كل أحد ومن تاب منهم وأسلم خرج من الوعيد وقيل لا يجوز أن يدخل في الآية ما مضى من الكفار لأن فرعون كان شراً منهم وإما الآية الثانية الدالة على ثواب المؤمنين فعامة فيمن تقدم تأخر لأنهم أفضل الأمم والبرية مخففة من المهموز من برا بمعنى خلق فهو البارىء أي الموجد والمخترع من العدم إلى الوجود وقد قرأ نافع وابن ذكوان على الأصل {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ} يفهم من مقابلة الجمع بالجمع أنه لا يكلف الواحد بجميع الصالحات بل لكل مكلف حظ فحظ الغنى الإعطاء وحظ الفقير الأخذ والصبر والقناعة {أولئك} المنعوتون بما هو في الغاية القاصية من الشرف والفضيلة من الإيمان والطاعة {هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} استدل بالآية على أن البشر أفضل من الملك لظهور أن المراد بقوله إن الذين آمنوا هو البشر والبرية يشمل الملك والحق سئل الحسن رحمه الله عن قوله أولئك هم خير البرية أهم خير من الملائكة قال ويلك وإني تعادل الملائكة الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
ملائك راه سود از حسن طاعت
و فض عشق برآدم فرو ريخت
{جَزَآؤُهُمْ} بمقابلة مالهم من الإيمان والطاعات وهو مبتدأ {عِندَ رَبِّهِمْ} ظرف للجزاء {جَنَّـاتُ عَدْنٍ} أي دخول جنات عدن وهو خبر المبتدأ والعدن الإقامة والدوام وقال ابن مسعود رضي الله عنه عدن بطنان الجنة أي وسطها {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ} ميرود از زير أشجار آن ويهاه بستان بي آب روان نشايد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 486
(10/378)
وفي "الإرشاد" إن أريد بالجنات الأشجار الملتفة الأغصان كما هو الظهر فريان الأنهار من تحتها ظاهر وإن أريد بها مجموع الأرض وما عليها فهو باعتبار الجزء الظاهر وأيا ما كان فالمراد جريانها بغير اخدود وجمع جنات يل على أن للمكلف جنات كما يدل عليه قوله تعالى : [البينة : 8]{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّه جَنَّتَانِ} ثم قال : ومن دونهما جنتان فذكر للواحد أربع جنات والسبب فيه أنه بكى من خوف الله تعالى وذلك البكاء إنما نزل من أربعة أجفان اثنان دون اثنين فاستحق به جنتين دون نتين فحصل له أربع جنان لبكائه بأربعة أجفان وقيل : أنه تعالى قابل الجمع بالجمع في قوله جزاؤهم عند ربهم جنات وهو يقتضي مقابلة الفرد بالفرد فيكون لكل مكلف جنة واحدة لكن أدنى تلك الجنات مثل الدنيا بما فيها عشر مرات كذا روى مرفوعاً ويدل عليه قوله تعالى : وملكا كبيرا أو الألف واللام في الأنهار للتعريف فتكون منصرفة إلى الأنهار المذكورة في القرآن وهي نهر الماء ونهر اللبن ونهر العسر ونهر
490
الحمر وفي توصفها بالجري بعد ما جعل الجنات الموصوفة جزاء إشارة إلى مدحهم بالمواظبة على الطاعات كأنه تعالى يقول طاعتك كانت جارية ما دمت حياً على ما قال واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فلذلك كانت أنهار كرمي جارية إلى الأبد خالدين فيها أبدا} متنعمين بفنون النعم الجسمانية والروحانية وهو حال وذو الحال وعامله كلاهما مضمران يدل عليه جزاؤهم والتقدير يجزون بها خالدين فيها وقوله أبداً ظرف زمان وهو تأكيد لخلود أي لا يموتون فيها ولا يخرجون منها {رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ} استئناف مبين لما يتفضل به عليهم زيادة على ما ذكر من أجزية أعمالهم أي استئناف أخبار كأنه قيل تزاد لهم أو استئناف دعاء من ربهم فلذا فصل وقد يجعل خبراً بعد خبر وحالاً بتقدير قد قال ابن الشيخ لما كان المكلف مخلوقاً من جسد وروح وإنه اجتهد بهما في طاعة ربه اقتضت الحكمة أن يجزيه بما يتنعم ويستريح به كل واحد منهما فجنة الجسد هي الجنة الموصوفة وجنة الروح هي رضى الرب (مصراع) :
يست جنت روح را رضوان أكبر از خدا
{وَرَضُوا عَنْهُ} حيث بلغوا من المطالب قاصيتها وملكوا من المآرب ناصيتها وأبيح لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لا سيما أنهم أعطوا لقاء الرب الذي هو المقصد الأقصى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 486
دارند هركس ازتو مرادى ومطلبي
مقصود مازديني وعقبى لقاي تست
{ذَالِكَ} المذكور من الجزاء والرضوان وقال بعضهم الأظهر أنه إشارة إلى ما ترتب عليه الجزاء والرضوان من الإيمان والعمل الصالح {لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ} براي آنكس كه بترسد از عقوبت روردكار خود وبموجبات ثواب اشتغال نمايد وذكل الخشية التي هي من خصائص العلماء بشؤون الله تعالى مناط لجميع الكمالات العلمية العملية المستتبعة للسعادات الدينية والدنيوية قال تعالى إنا يخشى الله من عباده العلماء والتعرض لعنوان الربوبية المعربة عن المالكية التربية للإشعار بعلة الخشية والتحذير من الاغترار بالتربية وعن أنس رضي الله عنه قال عليه السلام لأبي بن كعب رضي الله عنه ، إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا.
.
الخ ، قال أو سماني لك قال : نعم ، قال : وقد ذكرت عند رب العالمين قال نعم فذرفت عيناه أي سال دمع عينيه وعن السنة أن يستمع القرآن في بعض الأوقات من غيره فإنه قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال لي رسول الله عليه السلام ، وهو على المنبر اقرأ على قلت اقرأ عليه وعليك أنزل قال إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت سورة النساء حتى أتيت هذه الآة فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً قال حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان أي تقطران وكان عمر رضي الله عنه يقول لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه ذكرنا ربنا فيقرأ حتى يكاد وقت الصلاة يتوسط فيقول يا أمير المؤمنين الصلاة الصلاة فبقول أنا في الصلاة وفي الحديث : "من استمتع آية من كتاب الله كان له نوراً يوم القيامة" فظهر أن استماع القرآن من الغير
491
في بعض الأحيان من السنن وإما أنه هل يفرض استماعه كلما قرىء بناء على قوله تعالى : {وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَه وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ففي الصلاة نعم وإما خارجها فعامة العلماء على استحبابها كما في شرح شرعة الإسلام للشيخ قورد أفندي رحمه الله.
جزء : 10 رقم الصفحة : 486(10/379)
تفسير سورة الزلزلة
آياتها ثمان
جزء : 10 رقم الصفحة : 491
إذا} ون {زُلْزِلَتِ الارْضُ} أي حركت تحريكاً عنيفاً متكرراً متداركاً فإن تكرر حروف لفظه ينبىء عن تكرر معنى الزلل {زِلْزَالَهَا} أي الزلزال المخصوص بها الذي تستوجبه في الحكمة ومشيئة الله وهو الزلزال الشديد الذي لا غاية ورآه وهو معنى زلزالها بالإضافة العهدية يقال زلزله زلزلة وزلزالاً مثلثة حركة كما في "القاموس" وقال أهل التفسير الزلزال بالكسر مصدر وبالفتح اسم بمعنى المصدر وفعلال بالفتح لا يوجد إلا في المضاعف كالصلصال ونحوه {وَأَخْرَجَتِ الارْضُ أَثْقَالَهَا} اختيار الواو على الفاء مع أن الإحراج متسبب عن الزلزال للتفويض إلى ذهن السامع وإظهار الأرض في موضع الإضمار لأن إخراج الأثقال حال بعض أجزائها والأثقال كنوز الأرض وموتاها جمع ثقل بالكسر وإما ثقل محركة فمتاع المسافر وحشمه على ما في "القاموس" المعنى وأخرجت الأرض ما في جوفها من دائها وكنوزها كما عند زلزال النفخة الأولى الذي هو من أشراط الساعة وكذا من أمواتها عند زلزال النفخة الثانية وفي الخبر تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانة من الذهب فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطع رحمة فيقول : في هذا قطعت رحمي ويجيء السارق فيقول في هذا القطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شئياً قوله أفلاذ كبدها أراد أنها تخرج الكنوز المدفونة فيها وقيئها إخراجها ويدخل في الأثقال الثقلان وفيه إشارة إلى أن الجن تدفن أيضاً {وَقَالَ الانسَانُ} أي كل فرد من أفراده لما يغشاهم من الأهوال ويلحق بهم من فر الدهشة وكمال الحيرة أي شيء للأرض زلزلت هذه المرة الشديدة من الزلزال وأرجت ما فيه من الأثقال استعظاماً لما شاهده من الأمر الهائل وتعجباً لما يرونه من العجائب التي لم تسمع بها الآذان ولا ينطق بهما اللسان لكن المؤمن يقول بعد الإفاقة هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون والكافر من بعثنا من مرقدنا {يَوْمَااِذٍ} يدل من إذا {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} عامل فيهما وهو جواب الشرط وهذا على القول بأن العامل في إذا الشرطية جوابها وأخبارها مفعول لتحدث والأول محذوف لعدم تعلق الغرض بذكره إذ الكلام مسوق لبيان تهويل اليوم وإن الجمادات تنطق فيه وإما ذكر ابن الحاجب من أن حدث
492
وأنبأ ونبأ لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد فغير مسلم الصحة على ما فصل في محله والمعنى تحدث الخلق أخبارها إما بلسان الحال حنث تدل دلالة ظاهرة على ما لأجله زلزالها وإخراج أثقالها وإن هذا ما كانت الأنبياء ينذرونه ويخوفون منه وإما بلسان المقال وهو قول الجمهور حيث ينطقها الله تعالى فتخبر بما عمل على ظهره من خير وشر حتى يؤد الكافر أنه سيق إلى النار مما يرى من الفضوح.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 492
روى) أن عبد الرحمن بن صعصعة كان يتيماً في حجر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، فقال أبو سعيد يا بني إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالأذان فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول لا يسمعه جن ولا أنس ولا حجر ولا شجر إلاشهد له وروى أن أبا أمية صلى في المسجد الحرام المتكوبة ثم تقدم فجعل يصلي ههنا وههنا فلما فرع قيل له يا أبا أمية ما هذا الذي تصنع قال قرأت هذه الآية يومئذ تحدث أخبارها فأردت أن يشهد لي يوم القيامة فطوبى لمن شهد له المكان بالذكر والتلاوة والصلاة ونحوها وويل لمن شهد عليه بالزنى والشرب والسرقة والسماوي ويقال إنعليك سبعة شهود المكان كما قال تعالى : يومئذٍ تحدث أخبارها والزمان كما في الخبر ينادي كل يوم أنا يوم جديد وأنا على ما تعمل في شهيد واللسان كما قال تعالى يوم تشهد عليهم ألسنتهم والأركان كما قال تعالى وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم والملكان كما قال تعالى : [الانفطار : 10]{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} والديوان كما قال تعالى : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق والرحمن ، كما قال : إنا كنا عليكم شهوداً فكيف يكون حالك يا عاصي بعد ما شهد عليك هؤلاء الشهود بأن ربك أوحى لها} أي تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها وأمره إياها بالتحديث بلسان المقال على ما عليه الجمهور أو بسبب أن أحدث فيها أحوالاً دالة على الأخبار كما إذا كان التحديث بلسان الحال وفيه إشارة إلى زلزلة أرض البدن عند نزع الروح الإنساني باضطراب الروح الحيواني والقوى وإلى إجراجها متاعها التي هي به ذات قدر من القوى والأرواح وهيئات الأعمال والاعتقادات الراسخة في القلب وقال الإنسان مالها زلزلت واضطربت ما طبها وما داؤها الانحراف المزاج أم لغلبة الأخلاط يومئذٍ تحدث أخبارها بلسان حالها بأن ربك أشار إليها وأمرها بالاضطراب والخراب وإخراج الأثقال عند زهوق الروح وتحقق الموت {يَوْمَااِذٍ} أي يوم إذ يقع ما ذكر {يَصْدُرُ النَّاسُ} من قبورهم إلى موقف الحساب وانتصب يومئذٍ بيصدر والصدر يكن عن ورود أي هو رجوع وانصراف بعد الورود والمجيء فقال الجمهور هو كونهم مدفونين في الأرض والصدر قيامهم للبعث والصدر والصدور بالفارسية باز كشتن.(10/380)
جزء : 10 رقم الصفحة : 492
يعني الصدر بسكون الدال الرجوع والاسم بالتحريك ومنه طواف الصدر وهو طواف الوداع {أَشْتَاتًا} يقال جاؤوا أشتاتاً أي متفرقين في النظام واحدهم شت بالفتح أي متفرق ونصب على الحال أي حال كونهم متفرقين بيض الوجوه والثياب آمنين ينادي المنادي بين يديه هذا ولي الله وسود الوجوه حفاة عراة مع السلاسل والأغلال فزعين والمنادى ينادي بين يديه هذا عدو الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن جبرائيل عليه السلام ، جاء إلى النبي عليه السلام ، يوماً فقال يا محمد
493
إن ربك يقرئك السلام وهو يقول ماي أراك مغموماً حزيناً وهو أعلم به فقال عليه السلام يا جبرائيل قد طال تفكري في أمر أمتي يوم القيامة قال يا محمد في أمر أهل الكفر أم في أمر أهل الإسلام ، قال : يا جبرائيل لا بل في أمر أهل لا إله إلا الله ، قال : فأخذ بيده حتى أقامه على مقبرة بني سلمة فضرب بجناحه الأيمن على قبر ميت فقال : قم بإذن الله فقام رجل مبيض الوجه وهو يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله الحمد رب العالمين فقال له جبرائيل عد فعاد كما كان ثم ضرب بجناحه الأيسر على قبر ميت فقال قم بإذن الله فخرج رجل مسود الوجه أزرق العين وهو يقول واحسرتاه واندامتاه واسوأتاه فقال له جبريل عد فعاد كما كان ثم قال جبرائيل هكذا يبعثون يوم القيامة على ما ماتوا عليه {لِّيُرَوْا} الام متعلقة بيصدر {أَعْمَـالَهُمْ} أي جزاء أعمالهم خيراً كان أو شراً وإلا فنفس الأعمال لا يتعلق بها الرؤية البصرية إذا الرؤية هنا ليست علمية لأن قوله فمن يعمل الخ تفصيل ليروا والرؤية فيه بصرية لتعديتها إلى مفعول واحد اللهم إلا أن يجعل لها صور نورانية أو ظلمانية أو يتعلق الرؤية بكتبها كما سيجيء {فَمَنْ} س هركه {يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} تفصيل ليروا والمثقال الوزن والذرة النملة الصغيرة أو ما يرى في شاع الشمس من الهبال وقال ابن عباس رضي الله عنهما إذا وضعت راحتك أي يدك على الأرض ثم رفعتها فكل واحد الأرض ثم رفعتها فكل واحد مما لزقى بها من التراب ذرة وقال يحيى بن عمار حبة الشعير أربع أرزات والأرزة أربع سمسمات والسمسمة أربع خردلات والخردلة أربعة أوراق نخالة وورق النخالة ذرة ومعنى رؤية ما يعادل الذرة من خير وشر إما مشاهدة أجزيته فمن الأولى مختصة بالسعداء والمخصص قوله أشتاتاً أي فمن يعمل من السعداء مثقال ذرة خيراً يره والثانية بالأشقياء بقرينة أشتاتاً أيضاً أي ومن يعمل من الأشقياء مثقال ذرة شراً يره وذلك لأن حسنات الكافر محبطة بالكفر وسيئات المؤمن المجتنب عن الكبائر معفوة وما قيل من أن حسنة الكاف تؤثر في نقص العقاب فقد ورد أن حاتماً الطائي يخفف الله عنه لكرمه وورد مثله في أبي طالب وغيره يرده قوله تعالى :
جزء : 10 رقم الصفحة : 492
{وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَـاهُ هَبَآءً مَّنثُورًا} وقوله عليه السلام : في حق عبد الله بن جدعان لا ينفعه لأنهلم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين وذلك حين قالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه وقوله عليه السلام في حق أبي طالب ولولا إنا كنا في الدرك الأسفل من النار فتلك الشفاعة مختصة به وإما حسنات الكفار فمقبولة بعد إسلامهم وإما مشاهدة نفسه من غير أن يعتبر معه الجزاء ولا عدمه بل يفوض كل منهما إلى سائر الدلائل الناطقة بعفو صغائر المؤمن المجتنب عن الكبائر وإثابته بجميع حسناته وبحبوط حسنات الكافر ومعاقبته بجميع معاصيه فالمعنى ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً إلا أراه الله إياه إما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثيبه بحسناته وإما الكافر فيرد حسناته تحسيراً له وفي تفسير البقاعي الكافر يوقف على ما عمله من خير على أنه جوزى به في الدنيا أو أنه أحبط لبنائه على غير أساس الإيمان فهو صورة بلا معنى ليشتد ندمه ويقوي حزنه وأسفه
494
والمؤمن يراه ليشتد سروره به وفي جانب الشر يراه المؤمن ويعلم أنه قد غفر له فيكمل فرحه والكافر يراه فيشتد حزنه وترحه.
(10/381)
وفي التأويلات النجمية : ليروا أعمالهم المكتسبة بيدي الاستعدادات الفاعلية العلمية والقابلية العملية فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره في الصورة الجزائية لتصور الأعمال بصور تناسبها نورانية كانت أو ظلمانية ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره متجسداً في يوم القيامة في جسد السباع بحسب القوة الغضبية وفي جسد البهائم بحسب القوة البهيمية وكلما ازدادت الصور الحسنة المتنوعة ازدادت البهجة والسرور كما أنه كلما ازدادت الصور القبيحة المختلفة ازداد العبوس والألم وفيه رمز إلى أنه لا يلزم من مجرد الرؤية الجازاة كما في حق المؤمن وذلك من فضل الله تعالى على من يشاء من عباده وفي التفاسير نزلت الآية ترغيباً في الخير ولو كان قليلاً كتمرة وعنبة وكسرة وجوزة ونحوها فإنه يوشك أن يكثر إذا كان بنية خالصة وتحذيراً من الشر وإن كان قليلاً كخيانة ذرة في الميزان وكنظرة وخطوة وكذبة فإنه يوشك أن يكون كثيراً عظيماً للجراءة على الله العظيم وكان الناس في بدء الإنسان يرون أن الله لا يؤاخذهم بالصغائر من الذنوب وكان بعضهم يستحيى من صدقة الشيء اليسير ويظن أنه ليس له أجر حتى نزلت الآية وفي الحديث إذا زلزلت تعدل ربع القرآن رواه ابن أبي شيبة مرفوعاً فتكون قراءتها أربع مرات كقراءة القرآن كله وذلك لأن الإيمان بالبعث ربع الإيمان في قوله عليه السلام لا يؤمن عبدح تى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله بعثني الله بالحق ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر وفي بعض الآثار أن سورة الزلزلة نصف القرآن وذلك لأن أحكام القرآن تنقسم إلى كام الدنيا وأحاكم الآخرة وهذه السورة تشتمل على أحكام الآخرة كلها إجمالاً وروى أن جد الفرزدق بن صعصعة بن ناجية أتى رسول الله يستقرئه يعني كفت از آنه برنو فرودمى آيد برمن بخوان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 492
وفي كشف الأسرار صعصعة عم فرزدق يش مصطفى آمد ومسلمان كشت واز رسول خدا در خواست تا از قرآن يزى بروى بخواند فقرأ عليه السلام عليه هذه الآية أي فمن يعمل.
.
الخ.
فقال حسبي حسبي وآشوبي وشوري ازنهاد وى برآمد وبخاك افتاد وزار بكريست وهي احكم آية وسميت الجامعة وعن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي عليه السلام ، فقال علمني ما عملك الله فدفعه إلى رجل يعلمه القرآن فعلمه إذا زلزلت الأرض حتى بلغ فمن يعمل.
.
الخ.
قال الرجل حسبي فأخبر بذلك النبي عليه السلام ، فال دعه فقد فقه الرجل ون كسى داندكه برذره وحبه محاسبه بايد كرد امروز بحساب خود مشغول شود.
حساب كارخود امروزكن كه فرصت هست
زخير وشر بنكر تاهاست حاصل تو
اكربنقد نكويى توانكري خوش باش
ورت بغير بدي نيست وأي بردل تو
495
جزء : 10 رقم الصفحة : 492(10/382)
تفسير سورة العاديات
مختلف فيها وآيها إحدى عشرة بلا خلاف
جزء : 10 رقم الصفحة : 495
والعاديات} جمع عادية وهي الجارية بسرعة من القدر وهو بالفارسية دويدن.
وياؤها مقلوبة عن الواو لكسرة ما قبلها اقسم سبحانه بخيل العزاة التي تعدو نحو العدو {ضَبْحًا} مصدر منصوب إما بفعله المحذوف الواق حالاً منها أي تضبح ضبحاً على تأويل العاديات بالجماعة وهو صوت أنفاسها عند عدوها يعني صوتاً يسمع من أفواه الفرس وأجوافها إذا عدون وهو صوت غير الصهيل والحمحمة وهي صوت البرذون عند الشعير أو بالعاديات فإن العدو مستلزم للضبح كأنه قيل والضابحات ضبحاً أو حال على أنه مصدر بمعنى الفاعل أي ضابحات {فَالمُورِيَاتِ قَدْحًا} الإيراء إخراج النار والقدح الضرب فإن الخيل يضربن بحوافر هن وسنا بكهن الحجارة فيخرجن منها ناراً يقال قدح الزند فأورى وقدح فاصلد أي صوت ولم يور فالقدح يتقدم على الإيراء بخلاف الضبح حيث تأخر ويتسبب عن العدو والمعنى تورى النار من حوافرها إذا سارت في الأرض ذات الحجارة فالقدح استعارة لضرب الحجارة بحوافرها وانتصاب قدحاً كانتصاب ضبحاً على الووه الثلاثة أي تقدح قدحاً أو فالقادحات قدحاً أو قادحات {فَالْمُغِيرَاتِ} يقال أغار على القوم غارة وأغارة دفع عليهم الخليل وأغار الفرس اشتد عدوه في الغارة وغيرها أسند الأغارة التي هي مباغتة العدو للنهب والقتل وأسر إلى الخليل وهي حال أهلها إيذاناً بأنها العمدة في إغراتهم {صُبْحًا} نصب على الظرفية أي في وقت الصبح وهو المعتاد في الغارات يعدون ليلاً لئلا يشعر بهم العدو ويهجمون عليهم صباحاً على حين غفلة ليروا ما يأتون وما يذرون ومنه قولهم عند خوف الغارة يا صباحاه أي يا قوم احذروا من شر توجه إلينا صباحاً {فَأَثَرْنَ بِهِ} عطف على الفعل الذي دل عليه اسم الفاعل إذ المعنى واللاتي عدون فأورين فاغرن فأثرن به أي فهيجن في ذلك الوقت وأصله أثورن من الثور وهو الهيجان نقلت حركة الواو إلى الثاء قبلها وبلت الواو الفا فصار أثارن فحذفت الألف لاجتماع الساكنين فبقى أثرن بوزن أفلن ويجوز أن يجعل الضمير لفعل الأغارة فالباء للسببية أو للملابسة {نَقْعًا} أي غباراً وبالفارسية س دران وقت كرد انكيختند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 496
من نقع الصوت إذا ارتفع فلغبار سمى نقعاً لارتفاعه أو هو من النقع في الماء فكان صاحب الغبار خاض فيه كما خوض الرجل في الماء وتخصيص أثارته بالصبح لأنه لا يثور ولا يظهر ثورانه بالليل وبهذا يظهر أن الإيراء الذي لا يظهر في النهار واقع في الليل ولله در شأن التنزيل قال سعدى المفتي وإثارة النقع لأنهم يكونون حال الإغارة مختلفين يميناً وشمالاً وإماماً وخلفاً بحسب الكر والفر في المجاولة أثر المدبر الهارب والمصاولة مع المقبل المحارب فيشأ الغبار الكثير {فَوَسَطْنَ بِهِ} أي توسطن في ذلك الوقت فوسط بمعنى توسط والباء ظرفية والتوسط درميان يزى شدن أو توسطن ملتبسات بالنقع فالباء للملابسة {جَمْعًا} من جموع الأعداء أي دخلن في وسطهم
496(10/383)
وهو مفعول به لوسطن والفاآت للدلالة على ترتب ما بعد كل منها على ما قبلها فإن توسط الجمع مترتب على الإثارة المترتبة على الإغارة المترتبة على الإيراء المترتب على العدو {إِنَّ الانسَـانَ لِرَبِّه لَكَنُودٌ} جواب القسم يقال كند النعمة كنودا كفر بها فالكنود بالضم كفران النعمة وبالفتح الكفور ومنه سمى كندة بالكسر وهو لقب ثور بن عفيرابي حي من اليمن لأنه كند أبوه النعمة ففارقه ولحق بأخواله وقال الكلبي : الكنود بلسان كندة العاصي وبلسان بني مالك البخيل وبلسان مضر وربيعة الكفور والمراد بالإنسان بعض أفراده أي إنه لنعمة ربه خصوصاً لكفور أي شديد الكفارن فقوله لربه متعلق بكنود قدم عليه لإفادة التخصيص ومراعاة الفواصل روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث إلى ناس من بني كنانة سرية واستعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه ، وكان أحد النقباء فأبطأ عليه صلى الله عليه وسلّم خبرها شهراً فقال المنافقون إنهم قتلوا فنزلت السورة أخباراً للنبي عليه السلام بسلامتها وأشارة له بإغارتها على القوم ونعيا على المرجفين في حقهم ما هم فيه من الكنود فاللام في العاديات إن كانت للعهد كان المقسم به خيل تلك السرية وإن كانت للجنس كان ذلك قسماً بكل خيل عدت في سبيل الله واتصفت بالصفات المذكورة وعلى التقديرين فهي مستحقة لأن يقسم بها لاتصافها بتلك الصفات الشريفة وفي تخصيص خيل الغزاة بالأقسام بها من الراعة ما لا مزيد عليه كأنه قيل وخيل الغزاة التي فعلت كيت وكيت وقد أرجف هؤلاء في حق أربابها ما أرجفوا إنهم مبالغون في الكفران وإذا كان شرف خيل الغزاة بهذه المرتبة حتى أقسم الله بها فما ظنك بشرف الغزاة وفضلهم عند الله تعالى وعنه عليه السلام الكنود هو الذي يضرب عبده ويأكل وحده ويمنع رفده أي عطاه فيكون بخيلاً يقال كان ثلاثة نفر من العرب في عصر وحد أحدهم آية في السخاء وهو خاتم الطائي والثاني آية في البخر وهو أبو حباحب وبخله إنه كان لا يوقد النار للخبز إلا إذا نام الناس فإذا انتبهوا أطفأ ناره لئلا ينتفع بها أحد والثالث آية في الطمع وهو أشعب بن جبير مولى مصعب بن الزبير بن العوام قرأ صبي في المكتب وعنده أشعب جال إن أبي يدعوك فقام وليس نعليه فقال الصبي أنا أقرأ حزبي وكان إذا رأى إنساناً يحك عنقه يظن أنه ينتزع قميصه ليدفعه إليه وكان إذا رأى دخاناً ارتفع من دار ظن أن أهلها تأتي بطعام وكان إذا رأى عروساً تزف إلى موضع جعل يكنس باب داره لكي تدخل داره قال ما رأيت أطمع مني إلا كلباً تبعني على مضغ العلك فرسخاً وقال الحسن لكنود أي لوام لبه يذكر المصيبات وينسى النعم ، وقال أبو عبيدة : قليل الخير من الأرض الكنود التي لا تنبت شيئاً كأنه مقلوب النكد.
وقال القاشاني لكفور لربه باحتجابه بنعمه عنه ووقوفه معها وعدم استعماله لها فيما ينبغي ليتوصل بها إليه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 496
وفي التأويلات النجمية : لكنود بنعمة الوجود والصفات والأسماء لادعائها لنفسه بالاستقلال والاستبداد أو لعاص باستعمالها في غير محالها أو لبخيل لاختصاصها لنفسه وعدم إيثارها على الخلق بطريق الإرشاد {وَإِنَّه عَلَى ذَالِكَ} أي الإنسان على كنوده {لَشَهِيدٌ} أي يشهد على نفسه بالكنود لظهور أثره عليه فالشهادة بلسان الحال لا بلسان
497
المقال ويحتمل أن يجعل من الشهود بمعنى أنه لكفور مع علمه بكفارنه والعمل السيء مع العلم به غاية المذمة {وَإِنَّه لِحُبِّ الْخَيْرِ} أي المال كما في قوله تعالى : [البقرة : 180-7]{إِن تَرَكَ خَيْرًا} وإيثار الدنيا وطلبها وفي الأسئلة المقحمة فإن قلت سمى الله الجنس المال خيراً وعسى أن يكون خبيثاً وحراماً قلت أنما سماه خيراً جرياً على العادة فإنهم كانوا يعدون المال خيراً فسماه الله خيراً جرياً على عادتهم كما سمى الجهاد سوأ فقال لم يمسسهم سوء أي قتال والقتال ليس بسوء ولكن ذكره جرياً على عادتهم لشديد} أي قوى مطيق مجد في طلبه وتحصيله متهالك عليه وهو لحب عبادة الله وشكر نعمته ضعيف متقاعس يقال هو شديد لهذا الأمر وقوى له إذا كان مطيقاً له ضابطاً أو الشديد البخيل الممسك يعني وإنه لأجل حب المال وثقل إنفاقه عليه لبخيل ممسك ولعل وصفه بهذا الوصف القبيح بعد وصفه بالكنود للإيماء إلى أن من جملة الأمور الداعية للمنافقين إلى النفقا حب المال لأنهم بما يظهرون من الإيمان يعصمون أموالهم ويجوزون من الغنائم نصيباً.
شيخ الإسلام قدس سره فرموده كه اكرمال رادوست ميدارى بده تابازبتو دهند وبراي وارث منه كه داغ حسرت بردل تونهند.
مال همان به كه بياران دهى
كر بدهى به كه بخا كش نهى
زرزى مفعت است أي حكيم
بهر نهادن ه سفال وه سيم
جزء : 10 رقم الصفحة : 496
(10/384)
{أَفَلا يَعْلَمُ} أي أيفعل ما يفعل من القبائح أو ألا يلاحظ فلا يعلم في الدنيا إن الله مجازيه {إِذَا بُعْثِرَ} بعث وأخرج وقد سبق في الانفطار فناصب إذا محذوف وهو مفعول يعلم لا يعلم لأن الإنسان لا يراد منه العلم في ذلك الوقت وإنما يراد منه ذلك في الدنيا {مَا فِى الْقُبُورِ} من الموتى وإيراد ما لكونهم إذ ذاك بمعزل عن مرتبة العقلاء {وَحُصِّلَ} أي جمع في الصحف أي أظهر محصلاً مجموعاً وأصل التحصيل إخراج المستور بآخر المغمور فيه وأخذه منه كإخراج اللب من القشر وإخراج الذهب من حجر المعدن والبر من التين والدهن من اللين ومن الدردى والجمع والإظهار من لوازمه ويجوز أن يكون المعنى ميز حيزه من شره ومنه قيل للمنخل المحصل أي آلة التحصيل وتمييز الدقيق من النخالة فإنه لا بد من التمييز بين الواجب والمندوب والمباح والمكروه المحظور فإن لكل واحد حكماً على حدة فتمييز البعض من البعض وتخصيص كل واحد منها بحكه اللاحق هو التخصيل وفي "القاموس" التحصيل تمييز ما يحصل والحاصل من كل شيء ما بقى وثبت وذهب ما سواه {مَا فِى الصُّدُورِ} من الأسرار الخفية التي من جملتها ما يخفيه المنافقون من الكفر والمعاصي فضلاً عن الأعمال الجلية فتخصيص أعمال القلب لأنه لولا البواعث والإرادات في القلوب لما حصلت أفعال الجوارح فالقلب أصل وأعمال الجوارح تابعة له ولذا قال تعالى آثم قلبه وقال عليه السلام : "يبعثون على نياتهم" {إِنَّ رَبَّهُم} أي المبعوثين كنى عنهم بعد الإحياء الثاني بضمير العقلاء بعد ما عبر عنهم قبل ذلك بما بناء على تفاوتهم في الحالين فحين كانوا في القبور كانوا كجمادات بلا عقل ولا علم وإن كان لهم نوع حياة فيها بخلاف وقت الحشر {بِهِمُ} بذواتهم وصفاتهم وأحوالهم بتفاصيلها
498
{يَوْمَااِذٍ} أي يوم إذ يكون ما ذكر من بعث ما في القبور وتحصيل ما في الصدور {لَّخَبِيرُ} أي عالم بظواهره وبواطنه علماً موجباً للجزاء متصلاً به كما ينبىء عنه تقييده بذلك اليوم وإلا فمطلق علمه سبحانه محيط بما كان وما سيكون قوله بهم ويومئذٍ متعلقان بخبير قدما عليه مراعاة للفواصل واللام غير مانعة من ذلك.
جزء : 10 رقم الصفحة : 496
تفسير سورة القارعة
مكية وآيها عشر أو إحدى عشرة
جزء : 10 رقم الصفحة : 498
{الْقَارِعَةُ} القرع هو الضرب بشدة واعتماد بحيث يحصل منه صوت شديد ثم سميت الحادثة العظيمة من حوادث الدهر قارعة والمراد بها ههنا القيامة التي مبدأها النفخة الأولى ومنتهاها فصل القضاء بين الخلائق سميت بها لأنها تقرع القلوب والإسماع بفنون الإفزاع والأهوال وتخرج جميع الأجرام العلوية والسفلية من حال إلى حال السماء بانشقاق والانفطار والشمس والنجوب بالتكوير والانكدار والانتثار والأرض والجبال بالدك والنسف وهي مبتدأ خبره قوله {مَا الْقَارِعَةُ} على أن ما الاستفهامية خبر والقارعة مبتدأ أي راي شي عجيب هي في الفخامة والفظاعة وقد وضع الظاهر موضع الضمير تأكيداً للتهويل {وَمَآ أَدْرَااكَ مَا الْقَارِعَةُ} ما في حيز الرفع على الابتداء وإدراك هو الخبر أي وأي شيء أعلمك ما شان القارعة فإن عظيم شأنها بحيث لا تكاد تناله دراية أحد حتى يدرك بها ولما كان هذا منبئاً عن الوعد الكريم بأعلامها أنجز ذلك بقوله {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ} أي هي يوم يكون النسا على أن يوم مرفوع على إنه خبر مبتدأ محذوف وحركته الفتح لإضافته إلى الفعل وإن كان مضارعاً على ما هو رأى الكوفيين أو اذكر يوم.
.
الخ.
فإنه يدريك ما هي {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} جمع فراشة وهي التي تطير وتتهافت على السراج فتحترق وبالفارسية روانه.
والمبثوث المفرق وبيه شبه فراشة القفل وهو ما ينشب فيه والمبثوث بالفاسية راكنده.
والمعنى كالفراش المفرق في الكثرة والانتشار والعف والذلة والاضطراب والتطاير إلى الداعي كتطاير الفراش إلى النار قال جرير في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والاضطراب والتطاير إلى الداعي كتطاير الفراش إلى النار قال جرير :
إن الفرزدق ما عملت وقومه
مثل الفراش عشين نار المصطلى
جزء : 10 رقم الصفحة : 499
وهذا دل على كثرة الفراش ولو في بعض المواضع فسقط ما قال سعدي المفتي فيه إن الفراش لا يعرف بالكثرة بحيث يصلح أن يكون مشبهاً به لأهل المحشر فيها إلا أن يفسر بصغار الجراد أي كالجراد المنتشر حين إرادة الطيران كما قال تعالى : [القمر : 7-5]{كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} وفيه أن الفراش لم يفسر في اللغات بصغار الجراد وقال ابن الشيخ شبه الله الخلق وقت البعث في هذه الآية بالفراش المبثوث وفي الآية الأخرى بالجراد المنشر وجه التشبيه بالجراد هو الكثرة والاضطراب وبالفراش المبثوث اختلاف جهات حركاتهم فإنهم إذا بعثوا
499(10/385)
فزعوا فيذهب كل واحد منهم إلى جهة غير جهة الآخر كالفراش فإنها إذا طارت لا تتجه إلى جهة واحدة بل تختلف جهاتها انتهى.
وفيه إشارة إلى أن السالك الفاني يكون في الشهود الإحدى في الذلة وتفرق الوجهة كالفراش واحقر وأذل لأنه لا قدر ولا وقع له في عين الموحد وتكون الجبال كالعهن المنفوش} العهن الصوف المصبوغ ألواناً والنفش نشر الشعر والصوف والقطن بالأصبع وخلخلة الأجزاء وتفريقها عن تراصها قال السجاوندي شبه خفتها بعد رزانتها بالصوف وتلونها بالمصبوغ ومرها بالمندوف واختصاص العهن لألوان الجبال كما قال تعالى : من الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود والمعنى وتكون الجبال كالصوف الملون بالألوان المختلفة المندوف في تفرق أجزائها وتطايرها في الجو وكلا الأمرين من آثار القارعة بعد النفخة الثانية عند حشر الخلائق يبدل الله الأرض غير الأرض ويغير هيئاتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئات الهائلة ليشاهدها أهل المشحر وهي وإن اندكت عند النفخة الأولى ولكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} جمع الموزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله أو جمع ميزان وثقلها رجحانها لأن لحق ثقيل والباطل خفيف والجمع للتعظيم أو لأن لكل مكلف ميزاناً أو لاختلاف المزونات وكثرتها قال ابن عباس رضي الله عنهما ، إنه ميزان له لسان وكفتان لا يوزن فيه إلا الأعمال ليبين الله أمر العباد بما عهدوه فيما بينهم قالوا توضع فيه صحف الأعمال إظهاراً للمعدلة وقطعاً للمعذرة أو تبرز الأعمال العرضية بصور جوهرية مناسبة لها في الحسن والقبح يعني يؤتى بالأعمال الصالحة على صور حسنة وبالأعمال السيئة على صور سيئة فتوضع في الميزان أي فمن ترجحت مقادير حسناته {فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} من قبيل الإسناد إلى السبب لأن العيش سبب الرضى من منعم العيش وقال بعضهم : راضية أي راض صبها عنها وبالفارسية درزندكاني باشدسنديده.
جزء : 10 رقم الصفحة : 499
وقد سبق في الحاقة ، وفي التأويلات النجمية : فأما من ثقلت له موزونات الأوصاف الإلهية والأخلاق اللاهوتية فهو في راحة واستراحة من نتائج تلك الأوصاف والأخلاق {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} بأن لم يكن له حسنة يعتد بها أو ترجحت سيئاته على حسناته وعن ابن مسعود رضي الله عنه يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار {فَأُمُّهُ} أي مأواه {هَاوِيَةٌ} هي من أسماء النار سميت بها لغاية عمقها وبعدها مهواها روى أن أهل النار يهوى فيها سبعين خريفاً.
(وقال الكاشفي) : وآن دركه باشذد زير ترين همه دركها وعبر عن المأوى بالأم لأن أهلها يأوون إليها كما يأوى الولد إلى أمه وفيه تهكم به أو لأنها تحيط به إحاطة رحم الأم بالولد أو لأن الأم هي الأصل والكافر خلق من النار وكل شيء يرجع إلى أصله وهو اللائح وفي "الكشاف" من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة هوت أمه لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلاً وحزناً فكأنه قيل فقد هلك وعن قتادة فأم رأسه هاوية في جهنم لأنه يطرح فيها منكوساً وأم الرأس الدماغ أو الجلدة
500
الرقيقة التي عليها.
وفي التأويلات النمية : وأما من خفت موازينه بالأخلاق السيئة والأوصاف القبيحة الخبيثة فأصله المجبول عليه هاوية الحجاب من الأزل إلى الأبد وهي نار حامية بنار الجهل والعمى وحطب النفس والهوى ونفخ الشيطان والدنيا وفي لفظ الثقل والخفة إشارة إلى أن العدا والأشقياء مشتركون في فعل السيئة وإن كانت في الفريق الأول مرجوحة قليلة وفي الثاني راجحة كثيرة ولا يرتفع هذا الابتلاء ولذا قال عليه السلام : لعلي رضي الله عنه يا علي إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة وذلك لما إنه مقتضى الاسم الغفور.
اعلم أن ميزان الحق بخلاف ميزان الخلق إذ صعود الموزونات وارتفاعها فيه هو الثقل وهبطها وانحطاطها هو الخفة لأن ميزاته تعالى هو العدل والموزونات الثقيلة أي المعتبرة الراجحة عند الله التي لها قدر ووزن عنده هي الباقيات الصالحات والخفيفة التي لا اعتبار لها عند الله هي الفانيات الفاسدات من اللذات الحسية والشهوات وفي الهاوية إشارة إلى هاوية الطبيعة الجسمانية التي يهوى فيها أهلها وفي الحقيقة الموزونات هي الاستعدادات الغيبية والقابليات العلمية الأزلية المسواة كفتا بكف اليد اليمنى وبكف اليد اليسرى {وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا هِيَهْ} وه يزى دانا كرد تراكه يشت هاوية.
جزء : 10 رقم الصفحة : 499
(10/386)
فهي للهاوية والهاء للسكت والاستراحة والوقف وإذا وصل القارىء حذفها وقيل حقه أن لا يدرج لئلا يسقطها الإدراج لأنها ثابتة في المصحف وقد أجيزا ثباتها مع الوصل ، قال أبو الليث قرأ حمزة والكسائي بغير هاء في الوصل وبالهاء عند الوقف والباقون بإثباتها في الوصل والوقف وقد سبق مفصلاً في الحاقة وفيه إشعار بخروجها عن الحدود المعهودة فلا يدريها أحد ثم أعلمها بقوله {نَارٌ حَامِيَةُ} متناهية في الحر وبالفارسية آتشى بغايت رسيده درسوزش.
يقال حمى الشمس والنار حماً وحميا وحموا اشتد حرهما وقد سبق :
جزء : 10 رقم الصفحة : 499
تفسير سورة التكاثر
مختلف فيها وهي ثمان آيات
جزء : 10 رقم الصفحة : 500
{أَلْهَااكُمُ التَّكَاثُرُ} اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه ويقال لهوت بكذا ولهوت عن كذا أي اشتغلت عنه بلهو ويعبر به عن كل ما به استمتاع ويقال ألهي عن كذا أي شغل عما هوأهم والتكاثر التباري في الكثرة والتباهي بها وأن يقول هؤلاء نحن أكثر وهؤلاء نحن أكثر والمعنى شغلكم التغالب في الكثرة والتفاخر بها وبالفارسية مشغول كرد شمارا فخر كردن به بسيارى قوم.
قال ابن الشيخ الإلهاء الصرف إلى اللهو البعث والتكاثر إذا صرف العبد إلى اللهو يكون العبد منصرفاً إليه ومعلوم أن الإنصراف إلى الشيء يقتضى الإعراض عن غيره فتفسير ألهاكم كذا بشغلكم تفسير له بما يلزم أصل معناه إلا أنه صار حقيقة عرفية فيه بالغلبة وحذف الملهى عنه أي الذي إلهي عنه وهو ما يعنيهم من أمر الدين للتعظيم والمبالغة إما الأول فلان الحذف كالتنكير قد يجعل ذريعه إلى التعظيم لاشتراكهما في الإبهام.
وأما الثاني فلان تذهب النفس كل مذهب ممكن فيدخل فيه جميع ما يحتمله
501
المقام مثل إلهاكم التكاثر عن ذكر الله وعن الواجبات والمندوبات مما يتعلق بالقلب كالعلم والتفكر والاعتبار أو بالجوارح كأنواع الطاعات وتعريف التكاثر للعهد والعهد المذموم هو التكاثر في الأمور الدنيوية الفانية كالتفا خربا لمال والجاه والأعوان والأقرباء وأما التفاخر بالأمور الأخروية الباقية فممدوح كالتفاخر بالعلم والعمل والأخلاق والصحة والقوة والغنى والجمال وحسن الصوت إذا كان بطريق تحديث النعمة من ذلك تفاخر العباس رضي الله عنه بأن السقاية بيده وتفاخر شيبة بأن مفتاح البيت بيده إلى أن قال علي رضي الله عنه ، وأنا قطعت خرطوم الكفر بسيفي فصار الكفر مثلة والتكاثر مكاثرة اثنين مالاً أو عدداً بأن يقول كل منهما لصاحبه أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً والمراد هنا هو التكاثر في العدد لأنه روى أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا وتعادوا وتكاثروا بالسعادة والإشراف في الإسلام فقال كل من الفريقين نحن أكثر منكم سيدا وأعظم نفراً فكثرهم بنوا بعد مناف أي غليهم بالكثرة فقال بنو أسهم أن البغي أفناناً في الجاهلية فعادونا بالإحياء والأموات.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 501
قال الكاشفي) : بكورستان رفتند وكورها بر شمر ، دندكه اين قبر فلان واين قبر فلان قبور أشراف قبيله خود شمردند.
فكثرهم بنو أسهم يعني سه خاندان بني سهم زيادة آمد بربني عبد مناف برين نسق بر يكديكر تطاول نمودند وتفاخر كردند.
والمعنى أنكم تكاثر تم بالإحياء {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} أي حتى استوعبتم عددهم وصرتم إلى التفاخر والتكاثر بالأموات وبالفارسية تاحدى آمديد بورستانها ومرد كانرا شماره كرديد.
فعبر عن انتقالهم إلى ذكر الموتى بزيارة القبور أي جعلت كناية عنه تهكماً بهم قال الطيبي إنما كان تهكاً لأن زيارة القبور شرعت لتذكر الموت ورفض حب ادنيا وترك المباهاة والتفاخر وهؤلاء عكسوا حيث جعلوا زيارة القبور سبباً لمزيد القسوة والاستغراق في حب الدنيا والتفاخر في الكثرة وهذا خبر فيه تفريع وتوبيخ والغاية تدخل تحت المغيا في هذا الوجه وقيل المعنى إلهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى إن متم وقبرتم مضيعين أعماركم في طلب الدنيا معرضين عما يهمكم من السعي لإخراكم فتكون زيارة القبور عبارة عن الموت والتكاثر هو التكاثر بالمال والولد كما روى إنه عليه السلام ، سمع إنه يقرأ هذه الآية ويقول بعدها يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت وفيه إشارة إلى أنهم يبعثون فإن الزائر منصرف لا مقيم وقرأها عمر بن عبد العزيز قال : ما أرى المقابر إلا زيارة ولا بد لمن زار إن يرجع إلى بيته أما إلى الجنة أو إلى النار وفيه تحذير عن الدنيا وترغيب في الآخرة والاستعداد للموت.
روزي كه اجل كند شبيخون
البته بيايد از جهان رفت
كردل نبود أسير دنيا
آسان ره آن جهان توان رفت
جزء : 10 رقم الصفحة : 501(10/387)
{كَلا} ردع عما هم فيه من التكاثر أي ليس الأمر كما يتوهم هؤلاء من فضل الإنسان وسعادته بكثرة أعوانه وقبائله وأمواله أي ارتدعوا عن هذا وتنبهوا من الخطا فيه وتنبيه على
502
أن العاقل ينبغي أن لا يكون معظم همه مقصوراً على الدنيا فإن عاقبة ذلك وبال وحسرة {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول المحشر فالعلم بمعنى المعرفة ولذا قدر له مفعول واحد وهو إنذار وتخويف ليخافوا وينتهبوا من غفلتهم قال الحسن رحمه الله ، لا يغرنك كثرة من ترى حولك فإنك تموت حدك وتبعث وحدك وتحاسب وحدك {ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} تأكيد لتكيرير الردع والإنذار وفي ثم دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول لأن فيه تأكيداً خلا عنه الأول وٌّ فيه تنزيلاً لبعد المرتبة منزلة بعد الزمان واستعمالاً للفظ ثم في مجرد التدرج في درج الارتقاء كما تقول للمنصوخ أقول لك ثم أقول لك لا نفعل أو الأول عند الموت في وقت ما بشر به المحتضر من جنة أو ناراً وفي القبر حين سؤال منكر ونكير من ربك وما دينك ومن نبيك والثاني عند النشور حين ينادي المنادي شقى فلان شقاوة لا سعادة بعدها وحين يقال وامتازوا اليوم أيها المجرمون فعلى هذا لا تكرير في الآية لحصول التغاير بينهما بتغاير زماني العلمين وبتعلقيهما فإنه يلقى في كل واحد من الزمانين نوعاً آخر من العذاب وثم على بابها من المهلة لتباعد ما بين الموت والنشورو كذا ما بين القبور والنشور وعن علي رضي الله عنه ما زلنانشك في عذاب القبر حتى نزلت السورة إلى قوله تعالى : {ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي سوف تعلمون في القبر ثم في القيامة وفي الحديث يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلذعه حتى تقوم الساعة لو إن تنينا منها نفخ في الأرض ما أنبتت خضراء كلا} تكرير للتنبيه تأكيداً {لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} جواب لو محذوف للتهويل فإنه إذا حذف الجواب يذهب الوهم كل مذهب ممكن والعلم مصدر أضيف إلى مفعوله وانتصابه بنزع الخافض واليقين صفه لموصوف محذوف والمعنى لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين أي لو علتم ما تستيقنونه فعلتم ما لا يوصف ولا يكبنه ولكنكم ضلال جهلة فاليقين بمعنى المتيقن به كمال التيقن حتى كأنه عين اليقين وإلا فيلزم إضافة أحد المترادفين إلى الآخر إذ العلم في اللغة بمعنى اليقين حتى كأنه عين اليقين وإلا فيلزم إضافة أحد المترادفين إلى الآخر إذا العلم في اللغة بمعنى اليقين وقد يجعل العلم من إضافة العام إلى الخاص بناء على أن اليقين أخص من العلم فإن العلم قد يعم الظن واليقين فتكون إضافته كإضافة بلد بغداد ويدل عليه قولهم العلم اليقين بالوصف
جزء : 10 رقم الصفحة : 501
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} جواب قسم مضمراً كدبة الوعيد حيث إن ما أوعدوا به مما لا مدخل فيه للريب وشدد به التهديد وأوضح به ما أنذروه بعد إبهامه تفخيماً ولا يجوز أن يكون جواب لو لأن رؤية الجحيم محققة الوقوع وليست بمعلقة فلو جعل جواب لو لكان المعنى إنكم لا ترونها لكونكم جهالاً وهو غير صحيح وقال بعضهم : يصح أن يكون جواباً فيكون المعنى سوف تعلمون الجزاء ثم قال لو تعلمون الجزاء علم اليقين الآن لترون الجحيم يعني يكون الجحيم دائماً في نظركم لا يغيب عنكم أصلاً {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا} تكرير للتأكيد أو الأولى إذا رأوها من كان بعيد ببعضخ واصها وأحوالها مثل رؤية لهبها ودخانها والثانية إذا أوردوها فإن معاينة نفس الحفرة وما فيها من الحيوانات المؤذية وكيفية السقوط فيها أجلى وأكشف من الرؤية الأولى فعلى هذا يتنازع الفعلان في "عين اليقين" أو المراد بالأول المعرفة وبالثانية
503
(10/388)
المشاهدة والمعاينة {عَيْنَ الْيَقِينِ} أي الرؤية التي هي نفس اليقين فإن علم المشاهدة للمحسوست أقصى مراتب اليقين فلا يدر أن أعلى اليقينيات الأوليات وإنما قيد الرؤية بعين اليقين احترزا عن رؤية فيها غلط الحس فانتصاب عين اليقين على إنه صفة المصدر لترونها وجعل الرؤية التي هي سبب اليقين نفس اليقين مبالغة {ثُمَّ لَتُسْاَلُنَّ يَوْمَااِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال في "التيسير" كلمة ثم للترتيب في الأخبار لا في الوجود فإن السؤال بأنك أشكرت في تلك النعمة أم كفرت يكون في موقف الحساب قبل دخول النار والمعنى ثم لتسألن يوم رؤية الجحيم وورودها عن النعيم الذي ألهاكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه فتعذبون على ترك الشكر فإن الخطاب في لتسألن مخصوص بمن عكف همته على استيفاء اللذات ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين ويقطع أوقته باللهو والطرف لا يعبأ بالعلم والعمل ولا يحمل على نفسه مشاقهما فإن من تمتع بنعمة الله وتقوى بها بها على طاعته وكان ناهضاً بلشكر فهو من ذلك بمنزل بعيد وإليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما أكل هو وأصحابه تمراً وشربوا ماء فقال الحمد الذي أطعمنا وسقانا كما في "الكشاف" فدخلت في الآية كفار مكة ومن لحق بهم في وصفهم من فسقة المؤمنين وقيل الآية مخصوصة بالكفار وقال بعضهم : المراد بالنعيم هو الصحة والفراغ وفي الحديث نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ وفي هذا الحديث دلالة عل عظم محل هاتين النعمتين وجلالة خطرهما وذلك لأن بهما يستدرك مصالح الدنيا ويكتسب درجات الآخرة فإن الصحة تنبىء عن اجتماع القوى الذاتية والفراغ يدل على انتظام الأسباب الخارجة المنفصلة ولا قدرة على تمهيد مصلحة من مصالح الدنيا والآخرة إلا بهذين الأمرين ثم سائر النعم يعد من توابعهما وقد قال معاوية بن قرة شدة الحساب القيامة على الصحيح الفارغ يقال له كيف أديت شكرهما وعن الحسن رحمه الله ما سوى كن يؤويه وثوب يواريه وكسرة تقويه يسأل عنه ويحاسب عليه وقال بعض السلف من أكل فسمى وفرغ فحمد لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام وقال رجل للحسن رحمه الله ، إن لنا جاراً لا يأكل الفالوذج ويقول لا أقوم بشكره فقال ما أجهل جاركم نعمة الله عليه بالماء البارد أكثر من نعمته بجميع الحلاوي ولذلك قال عليه السلام أول ما يسأل العبد عنه من النعيم ألم نصح جسمك ونروك من الماء البارد وفي "عين المعاني" عن النعم الخمس شبع البطون وبرد الشراب ولذة النوم وظلال المساكن واعتدال الخلق وقال ابن كعب النعيم ذات محمد صلى الله عليه وسلّم إذ هو الرحمة والنعمة بالآيتين وهما قوله تعالى :
جزء : 10 رقم الصفحة : 501
{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} ، وقوله تعالى : {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} .
وهمه را ازدعوت وملت واتباع سنت أو خواهند رسيد.
ه نعمتيست بزرك ازخداكه برثقلين
سس دارى اين نعمت است فرض العين
يقول الفقير : النعيم إما النعيم جسماني وشكره بمحافظة أحكام الشريعة وإما نعيم روحاني وشكره بمراعاة آداب الطريقة فإنه لما ازدادت المحافظة والمراعاة ازداد النعيم كما قال تعالى : لئن شكرتم لأزيدنكم وما من عضو من الأعضاء وقوة من القوى إلا وهي مطلوبة بنوع شكر
504
ولذلك قال تعالى : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً على أن عالم الصفات والأسماء كلها عالم النعيم وفقنا الله وإياكم لشكر النعيم إنه هو البر الرحيم وفي الحديث ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم قالوا ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية في كل يوم قال إما يستطيع أحدكم أن يقرأ إلهاكم التكاثر مرة على ما قال السيوطي رحمه الله في الإتقان إن القرآن ستة آلاف آية ومائتا آية فإذا تركنا زيادة الآلاف كان الألف سدس القرآن وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرآن فإنها على ما ذكره الغزالي رحمه الله ، ثلاثة مقاصد مهمة وثلاثة متمة واحد المقاصد المهمة معرفة الآخرة المشتمل عليها السورة والتعبير عن هذا المعنى بألف آية افهم وأجل وأصح من التعبير بالسدس انتهى.
يقول الفقير : هذا منتقض بسورة الزلزلة فإنها أيضاً تشتمل على أحكام الآخرة ومعرفتها وقد سبق إنها تعدل نصف القرآن أو ربعه والظاهر إن المراد بالألف التكثير لأن أول السورة مما ينبىء عنه ومن الله التوفيق والإرشاد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 501(10/389)
تفسير سورة العصر
ثلاث آيات مكية أو مدنية
جزء : 10 رقم الصفحة : 504
والعصر} اقسم سبحانه بصلاة العصر فإنه كثير إما يطلق العصر ويراد صلاته وذلك لفضلها الباهر لكونها وسطى لتوسطها بين الشفع الذي هو صلاة الظهر وبين الوتر النهاري الذي هو صلاة المغرب فإنها لما توسطت بين الطرفين اتصفت بالوصفين وظهرت بالحكمين وتحققت بالكمالين كما هو حكم البراخ فحصل لها من القدر ما لم يكن لكل واحد من الطرفين وأيضاً إن أوقات أوائل الصلوات الأربع محدودة إلا اعصر يعني أن أول صلاة العصر غير محدود بالحد المحقق ففيه سر التنزيه عن التقييد بالحدود ولذا شرع التكبير في الصلاة لأن الله تعالى منزه عن التقييد بأوضاع الصلاة وحركات المصلى قال بعض الكبار صلاة العصر بركعاتها الأربع إشارة إلى التعينات الأربعة الذاتية والإسمائية والصفاتية والافعالية في مرتبة الجال الكوني بالفعل كما أن الظهر إشارة إليها في مرتبة الجمال الإلهي بالفعل ولا شك أن الإنسان كون جامع ففي العصر إشارة إليه وفي الحديث من فاتته صلاة العصرفكأنما وتر أهله وماله أي نقص أي ليكن من فوتها حذراً كما يحذر من ذهاب أهله وماله وسر الوعيد أن التكليف في أداء صلاة العصر أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم واشتغالهم بمعايشهم آخر النهار لبرد الهواء حينئذٍ لا سيما في أرض الحجاز فالكسب الحاصل في ذلك الوقت مع السهو عن الصلاة في حكم الخسران وسبب للخذلان.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 505
حكى) أن امرأة كانت تصيح في سكك المدينة وتقول دلوني على النبي عليه السلام فرآها رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسألها ماذا حدث قالت يا رسول الله إن زوجي غاب عني فزنيت فجاءني ولد من الزنى فألقيت الولد في دن من الخل حتى مات ثم بعنا ذلك الخل فهل لي من توبة فقال عليه السلام إما الزنى فعليك الرجم بسببه وإما القتل فجزاؤه جهنم وإما بيع الخل فقد ارتكبت به كبيرة لكن ظننت إنك
505
تركت صلاة العصر ويقال إن الله تعالى أقسم بوقت العصر نفسه كما أقسم بالفجر فقد خلق فيه أصل البشر آدم عليه السلام فكان له شرف زائد على غيره ويقال اقسم بالعشى الذي هو ما بين الزوال والغروب كما سم بالضحى لما فيها جميعاً من دلائل القدرة ويقال اقسم بعصر النبوة الذي مقداره فيما مضى من الزمان مقدار وقت العصر من النهار وهو زمان بعثته إلى انقراض أمته في آخر الزمان وهو ألف سنة كما قال عليه السلام : إن استقامت أمتي فلها يوم وإن لم تستقم فلها نصف يوم وفضل هذا العصر على سائر الأعصار ظاهر لأنه عصر خير الأنبياء والمرسلين وعصر خير الأمم وخير الكتب الإلهية وفيه ظهر تمام الكمالات تفصيلاً ويقال اقسم بالدهر لانطوائه على أعاجيب الأمور القارة والمارة وللتعريض بنفي ما يضاف إليه من الخسران فإن الإنسان يضيف المكاره والنوئاب إليه ويحيل شقاوته وخسرانه عليه والأقسام بالشيء إعظام له وما يضاف إليه الخسران لا يعظم عادة وقد قال عليه السلام : لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر فاقسم الله بالدهر لأنه بالنسبة إلى الفهم العام محل شهود الآيات الإلهية كالليل والنهار والشمس والقمر والنجوم وغيرها وبالنسبة إلى الفهم الخاص مظهر التجليات الإلهية لظهوره تعالى بصفته وأفعاله في مظهره فلما كان العصر جامعاً لجميع الآيات التي أقسم الله بها في القرآن كقوله تعالى {وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ} ، وقوله تعالى : والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها ، وقوله تعالى : والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ، وقوله تعالى : والضحى والليل إذا سجا ختم الله بقسم العصر أقسام جميع القسم.
وفي التأويلات النجمية : أقسم الله بكمال دوامه الزمان واستمراره لاشتماله على ولاية النبي عليه السلام ونبوته ورسالته وخلافته لقوله كنت نبياً وآدم بين الماء والطين أي بين ماء العلم وطين المعلوم ولقوله نحن الآخرون السابقون ولقوله حكاية عن الله سبحانه لولاك لما خلقت الأفلاك ولقوله أنا من الله والمؤمنون مني ويقوى هذه الأحاديث ، قوله تعالى : الحمدرب العالمين إن الإنسان} التعريف للجنس يعني الاستغراق بدلالة صحة الاستثناء من الإنسان فإن صحة الاستثناء من جملة أدلة العموم والاستغراق {لَفِى خُسْرٍ} الخسر والخسران معناه النقصان وذهاب رأس المال في حق جنس الإنسان هو نفسه وعمره والتنكير للتفخيم أي لفي خسران عظم لا يعلم كنهه إلا الله في متاجرهم وصرف أمارهم في مباغيهم يعني هر آينه در زيبند بصرف أعمار در مطالب نا يدار.
جزء : 10 رقم الصفحة : 505
مده به بيهده نقد عزيز عمر بدست.
كه س زيان كنى ومرترا ندارد بود.(10/390)
والذنب يعظم إما لعظم من في حقه الذنب أو لأنه في مقابلة النعمة العظيمة وكلا الوجهين حاصل في ذنب العبد في حق ربه فلا جرم كان ذلك الذنب في غاية العظيم ويجوز أن يكون التنوين للتنويع أي نوع من الخسران غير ما يتعارفه الناس {إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا} بالله الإيمان العلمي اليقيني وعرفوا أن لا مؤثر بالحقيقة إلا الله وبرزوا عن حجاب الدهر {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي اكتسبوا الفضائل
506
والخيرات الباقية فربحوا بزيادة النور الكمال على النور الاستعدادي الذي هو رأس مالهم فإنهم في تجارة لن تبور حيث باعوا الفني الخسيس واشتروا الباقي النفيس واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات فيا لها من صفقة ما أربحها وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم واستدل بعض الطوائف بالآية على أن مرتكب الكبيرة مخلد لأنه لم يستثن من الخسران إلا الذين آمنوا.
.
الخ والتفصي منه إن غير المستثنى في خسر لا محالة إما بالخلود إن مات كافراً وإما بالدخول في النار إن مات عاصياً لم يغفر له وإما بفوات الدرجات العالية إن غفر {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} .
.
الخ بيان لتكميلهم لغيرهم أي وصى بعضهم بعضاً بالأمر الثابت الذي لا سبيل إلى إنكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثره وهو الخير كله من الإيمان بالله واتباع كتبه ورسله في كل عقد وعمل {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} أي عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها وعلى ما يبلو الله ب عباده وتخصيص هذا التواصي بالذكر مع اندراجه تحت التواصي بالحق لإبراز كمال الاتناء به أو لأن الأول عبارة عن رتبة العبادة التي هي فعل ما يرضى به الله تعالى والثاني عن رتبة العبودية التي هي الرضى بما فعل الله فإن المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تشوق إليه من فعل أو ترك بل هو تلقي ما ورد منه تعالى بالجميل والرضى به ظاهراً وباطناً ولعله سبحانه إنما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاء ببيان المقصود فإن المقصود بيان ما فيه الفوز بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية وإشعاراً بأن ما عدا ما عد يؤدي إلى خسر ونقص حظ أو تكرماً فإن الإبهام في جانب الخسر كرم لأنه ترك تعداد مثالهم والإعراض عن مواجهتهم به وروى عنه عليه السلام أنه قال اقسم ربكم بآخر النهار أن أبا جهل لفي خسر إلا الذين آمنوا أي أبا بكر رضي الله عنه وعملوا الصالحات أي عمر رضي الله عنه وتواصوا بالحق أي عثمان رضي الله عنه وتواصوا بالصبر أي علياً رضي الله عنه فسرها بذلك علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم ، على المنبر فيكون تكرير وتواصوا لاختلاف الفاعلين وإما على الأول فلاختلاف المفعولين وهما قوله بالحق وبالصبر روى عن الشافعي رحمه الله ، أنها سورة لو لم ينزل إلى الناس إلا هي لكفتهم وهو معنى قول غيره إنها شملت جميع علوم القرآن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 505
تفسير سورة الهمزة
تسع آيات مكة
جزء : 10 رقم الصفحة : 506
{وَيْلٌ} بالفارسية بمنى واي.
وهو مبتدأ وساغ الابتداء به مع كونه نكرة لأنه دعاء عليهم بالهلكة أو بشدة الشر خبره قوله {لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} الهمز الكسر واللمز الطعن شاعاً في الكسر من إعراض الناس والطعن فيهم وفي "القاموس" الهامز والهمزة الغماز واللمزة العياب للناس أو الذي يعيبك في وجهك والهمزة من يعيبك في الغيب انتهى.
.
وبناء فعلة يدل على الاعتياد فلا قال ضحكة ولعنة إلا للمكثير المتعود وفي أدب الكاتب لابن
507(10/391)
قتيبة فعلة بسكون العين من صفات المفعول وفعلة بفتح العين من صفات الفاعل يقال رجل هزءة للذي يهزأ به وهزأة لمن يهزأ بالناس وعلى هذا القياس لعنة ولعنة ولمزة ولمزة وغيرها ونزلوها في الأخنس بن شريف أو في الوليد بن المغيرة فإن كلا منهما كان يغتاب رسول الله عليه السلام ، والأصح العموم لقوله تعالى : [الهمزة : 1 ، 2]{لِّكُلِّ} ولم يقل للهمزة واللمزة كما قرأ عبد الله كما في عين المعاني وفي الحديث : المؤمن كيس فطن حذر وقاف متثبت لا يعجل عالم ورع والمنافق همزة لمزة حطمة كحاطب ليل لا يدري من أين اكتسب وفيم أنفق.
قال القاشاني : الهمز واللمز رذيلتان مركبتان من الجهل والغضب والكلب لأنهما يتضمنان الأذية وطلب الترفع على الناس وصاحبهما يريد أن يتفضل على الناس ولا يجد في نفسه فضيلة يترفع بها فينسب العيب والرذيلة إليهم ليظهر فضله عليهم ولا يشعر أن ذلك عين الرذيلة وإن عدم الرذيلة ليس بفضيلة فهو مخدوع من نفسه وشيطانه موصوف برذيلتي القوة النطقية والغضبية الذي جمع مالاً} بدل من كل كأنه قيل ويل للذي جمع مالاً وإنما وصفه الله بهذا الوصف المعنوي لأنه يجري مجرى السبب للهمزة واللمزة من حيث إنه أعجب بنفسه مما جمع من المال وظن أن كثرة امال سبب لعزا لمرء وفضله فلذا استنقص غيره وإنما لم يجعل وصفاً نحوياً لكل لأنه نكرة لا يصح توصيفها بالموصولات وتنكير ما لا للتفخيم والتكثير الموافق لقوله تعالى : {وَعَدَّدَهُ} أي عده مرة بعد أخرى من غير أن يؤدي حق الله منه ويؤيد أنه من العد وهو الإحصاء لا من العدة إنه قرىء وعدده يفك الإدغام على أنه فعل ماض بمعنى أحصاه وضبط عدده وقيل معنى عدده جعله عدة وذخيرة لنوائب الدهر وكان للأخنس المذكور أربعة آلاف دينارا وشعرة آلاف ثم في الجمع إشارة إلى القوة الشهوانية وفي عدده إلى الجهل لأن الذي جعل المال عدة للنوائب لا يعلم أن نفس ذلك المال هو الذي يجر إليه النوائب لا يعلم أن نفس ذلك هو الذي يجر إليه النوائب لاقتضاء حكمة الله تفريقه بالنائبات فكيف يدفعها.
جزء : 10 رقم الصفحة : 507
وفي التأويلات النجمية جمع مال الأخلاق الذميمة والأوصاف الرديئة وجعله عدة منازل الآخرة والدخول على الله {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَه أَخْلَدَهُ} إظهار المال لزيادة التقرير أي يعمل من تشييد البنيان وإيثاقه بالصخر والآجر وغرس الأشجار وكرى الأنهار عمل من يظن أنه لاي موت بل ماله يبقيه حياً فالحسبان ليس بحقيقي بل محمول على التمثيل.
وقال أبو بكر بن طاهر رحمه الله ، يظن أنه ماله يوصله إلى مقام الخلد وإنما قال أخلده ولم يقل يخلده لأن المراد أن هذا الإنسان يحسب أن المال قد ضمن له الخلود وأعطاه الأمان من الموت فكأنه حكم قد فرغ منه ولذلك ذكره بلفظ الماضي قال الحسن رحمه الله ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه كالموت ونعم ما قال {كَلا} ردع له عن ذلك الحسبان الباطل يعني نه نانست كه آدمى ندارد وقال بعضهم : الأظهر أنه ردع له على الهمز واللمز جواب قسم مقدر والجملة استيناف مبين لعلة الردع أي والله ليطرحن ذلك الذي يحسب وقوع الممتنع بسب تعاطيه للأفعال المذكورة وقال بعضهم ولك أن ترد الضمير إلى كل من الهمزة واللمزة ويؤيده قراءة لينبذان على التثنية
508
{فِى الْحُطَمَةِ} أي في النار التي شأنها أن تحطم وتكسر كل ما يلقى فيها كما أن شأنه كسر بأعراض الناس وجمع المال قال بعضهم : قولهم إن فعلة بفتح العين للمكثير المتعود ينتقص الحطمة فإنها أطلقت على النار وليس الحطم عادتها بل طبيعتها وجوابه أن كونه طبيعياً لا ينافي كونه عادة إذ العادة على ما في "القاموس" الديدن والشأن والخاصية وهو يغم الطبيعي وغيره ومنه يعلم أن النبذ في الحطمة كان جزاء وفاقلاً لأمالهم فإنه لما كان الهمز واللمز عادتهم كان الخطم أيضاً عادة فقويل صيغة فعلة بفعلة وكذا ظنوا أنفسهم أهل الكرامة والكثرة فعبر عن جزائهم بالنبذ المنبىء عن الاستحقار والاستقلال يعني شبههم استحقاراً لهم واستقلالاً بعددهم بحصيات أخذهن أحد في كفه فطرحهن في البحر وفيه إشارة إلى الإسقاط عن مرتبة الفطرة إلى مرتبة الطبيعة الغالبة {وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا الْحُطَمَةُ} تهويل لأمرها ببيان أنها ليست من الأمور التي تنالها عقول الخلق والمعنى بالفارسية وه يز دانا كرد تراثا داني يست حطمه {نَارُ اللَّهِ} أي هي نار الله {الْمُوقَدَةُ} أفروخته شد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 507
(10/392)
بأمر وقدرت أو جل جلاله وما أوقد وأشعل بأمره لا يقدر أن يطفئه غيره فأضافة انار إليه تعالى لتفخيمها والدلالة على أنها ليست كسائر النيران وفي الحديث أوقد عليها ألف سنة حتى أحمرت ثم ألف سن حتى أبيضت ثم ألف سنة حتى أسودت فهي سوداء مظلمة وعن علي رضي الله عنه عجباً ممن يعصي الله على وجه الأرض والنار تسعر من تحته {الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الافْاِدَةِ} أي تعلو أوساط القلوب وتغشاها فإن الفؤاد وسط القلب ومتصل بالروح عني أن تلك النار تحطم العظام وتأكل اللحوم فتدخل في أجواف أهل الشهوات وتصل إلى صدورهم وتستولى على أفئدتهم إلى أنها لا تحرقها بالكلية إذ لو أحترقت لماتت أصحابها ثم إن الله تعالى يعيد لحومهم وعظامهم مرة أخرى وتخصيصها بالذكر لما أن الفؤاد ألطف ما في الجسد وأشد تألماً بأدنى أذى يمسه أو لأنه محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة ومنشأ الأعمال السيئة فإطلاعها على الأفئدة التي هي خزانة الجسد ومحل ودائعه يستلزم الإطلاع على جميع الجسد بطريق الأولى.
صاحب "كشف الأسرار" فرموده كه آتشى كه بدل راه يا بد عجبست حسين منصور قدس سره فرموده كه هفتادسال آتش نار الله الموقدة در باطن مازدند ناتمام سوخته شدنا كاهشررى از مقدحه أنا الحق بون جست ودران سوخته افتاد سخوته بايدكه از سوزش ما خبر دهد.
أي شمع بياتا من تلك النار الموصوفة مطبقة أبوابها عليهم تأكيداً ليأسهم من الخروج وتيقنهم بحبس الأبد من أوصدت الباب وأصدته أي أطبقته وقد سبق في سورة البلد {فِى عَمَدٍ} جمع عمود كما في "القاموس" أي حال كونهم موثقين في أعمدة {مُّمَدَّدَة} من التمديد بالفارسية كشيدن.
أي ممدودة مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص أي يلقون فيها على أحد طريهم والقطر الجانب والمقطرة الخشبة التي جعل فيها أرجل اللصوص والشطار يعني خشبة فيها خروق تدخل فيها أرجل المحبوس كيلاً يهربوا فقوله في عمد حال من الضمير المجرور في عليهم
509
أو صفة لمؤصدة قاله أبو البقاء أي كائنة في عمد ممددة بأن تؤصد عليهم الأبواب وتمد على الأبواب العمد المطولة التي هي آسخ من القصيرة استيثاقاً في استيثاق لا يدخلها روح ولا يخرج منها غم وفيه إشارة إلى إيثاقهم وربطهم في عمد أخلاقهم وأوصافهم وأعمالهم ومدهم في أرض الذل والهوان والخسران لأن أهل الحجاب لا عز لهم نسأل الله تعالى إن لا يذلنا بالاحتجاب إنه الوهاب.
جزء : 10 رقم الصفحة : 507
بأمر وقدرت أو جل جلاله وما أوقد وأشعل بأمره لا يقدر أن يطفئه غيره فأضافة انار إليه تعالى لتفخيمها والدلالة على أنها ليست كسائر النيران وفي الحديث أوقد عليها ألف سنة حتى أحمرت ثم ألف سن حتى أبيضت ثم ألف سنة حتى أسودت فهي سوداء مظلمة وعن علي رضي الله عنه عجباً ممن يعصي الله على وجه الأرض والنار تسعر من تحته {الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الافْاِدَةِ} أي تعلو أوساط القلوب وتغشاها فإن الفؤاد وسط القلب ومتصل بالروح عني أن تلك النار تحطم العظام وتأكل اللحوم فتدخل في أجواف أهل الشهوات وتصل إلى صدورهم وتستولى على أفئدتهم إلى أنها لا تحرقها بالكلية إذ لو أحترقت لماتت أصحابها ثم إن الله تعالى يعيد لحومهم وعظامهم مرة أخرى وتخصيصها بالذكر لما أن الفؤاد ألطف ما في الجسد وأشد تألماً بأدنى أذى يمسه أو لأنه محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة ومنشأ الأعمال السيئة فإطلاعها على الأفئدة التي هي خزانة الجسد ومحل ودائعه يستلزم الإطلاع على جميع الجسد بطريق الأولى.
صاحب "كشف الأسرار" فرموده كه آتشى كه بدل راه يا بد عجبست حسين منصور قدس سره فرموده كه هفتادسال آتش نار الله الموقدة در باطن مازدند ناتمام سوخته شدنا كاهشررى از مقدحه أنا الحق بون جست ودران سوخته افتاد سخوته بايدكه از سوزش ما خبر دهد.
أي شمع بياتا من تلك النار الموصوفة مطبقة أبوابها عليهم تأكيداً ليأسهم من الخروج وتيقنهم بحبس الأبد من أوصدت الباب وأصدته أي أطبقته وقد سبق في سورة البلد {فِى عَمَدٍ} جمع عمود كما في "القاموس" أي حال كونهم موثقين في أعمدة {مُّمَدَّدَة} من التمديد بالفارسية كشيدن.
أي ممدودة مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص أي يلقون فيها على أحد طريهم والقطر الجانب والمقطرة الخشبة التي جعل فيها أرجل اللصوص والشطار يعني خشبة فيها خروق تدخل فيها أرجل المحبوس كيلاً يهربوا فقوله في عمد حال من الضمير المجرور في عليهم
509
أو صفة لمؤصدة قاله أبو البقاء أي كائنة في عمد ممددة بأن تؤصد عليهم الأبواب وتمد على الأبواب العمد المطولة التي هي آسخ من القصيرة استيثاقاً في استيثاق لا يدخلها روح ولا يخرج منها غم وفيه إشارة إلى إيثاقهم وربطهم في عمد أخلاقهم وأوصافهم وأعمالهم ومدهم في أرض الذل والهوان والخسران لأن أهل الحجاب لا عز لهم نسأل الله تعالى إن لا يذلنا بالاحتجاب إنه الوهاب.
جزء : 10 رقم الصفحة : 507(10/393)
تفسير سورة الفيل
خمس آيات مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 509
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم والهمزة لتقرير رؤيته بإنكار عدمها ويكفها معلقة لفعل الرؤية منصوبة بما بعدها والرؤية علمية لأن النبي عليه السلام ، ولد عام الفيل ولم يرهم والمراد بأصحاب الفيل أبرهة وقومه وبالفيل هو الفيل الأعظم الذي اسمه محمود وكنيته أبو العباس كما سيجيء ونسبوا إليه لأنه كان مقدمهم والمعنى ألم تعلم علماً رصيناً متاخماً للمشاهدة والعيان باستماع الأخبار المتواتة ومعاينة الآثار الظاهرة وتعليق الرؤية بكيفية فعله تعالى لا بنفسه بأن يقال : ألم تر ما فعل ربك.
.
الخ لتهويل الحادثة والإيذان بوقوعها على كيفية هائلة وهيئات عجيبة دالة على عظم قدرة الله وكمال علمه وحكمته وعزة بيته وشرف رسوله فإن ذلك من الإرهاصات والإرهاص أن يتقدم على دعوى النبوة ما يشبه المعجزة تأسيساً لها ومقدمة كإظلال اغمام له عليه السلام ، وتكلم الحجر والمدر معه قال بعضهم : الإرهاص الترصد سميت الأمور الغريبة التي وقعت للنبي عليه السلام إرهاصات لأن كلا منها مما يترصد بمشاهدته نبوته فالإرهاص إنما يكون بعد وجود النبي وقيل مبعثه وفي كلام بعضهم إن الإرهاص يكون قبل وجوده أيضاً قريباً من عهده كما دل عليه قصة الفيل ورجحوا الأول فإن قيل اتحاد السنة بأن يكون وقوع القصة عام المولد أمر اتفاقي لا يمنع عن كون الواقعة لتعظيم الكعبة قلنا شرفها أيضاً بشرف مكانه عليه السلام ألا يرى أنه تعالى كيف قيد الأقسام بالبلد بحلوله عليه السلام فيه حيث قال : لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد قال في "فتح الرحمن" كان هذا عام مولد النبي عليه السلام ، في نصف المحرم وولد عليه السلام ، في شهر ربيع الأول فبين الفيل ومولده الشريف خمس وخمسون ليلة وهي سنة ستة آلاف ومائة وثلاث وستين من هبوط آدم على حكم التواريخ اليوننية المعتمدة عند المؤرخين وبين قصة الفيل والهجرة الشريفة النبوية ثلاث وخمسون سنة والمقصود من تذكير القصة إما تسلية النبي عليه السلام ، بأنه سيجزى من يظلمه كما جزى من قصد الكعبة وإما تهديد الظلمة وتفصيلها أن ملك حمير وما حولها وهو يظلمه كما جزى من قصد الكعبة وإما تهديد الظلمة وتفصيلها أن ملك حمير وما حولها وهو ذو نواس اليهودي لما أحرق المؤمنين بنار الأخدود ذات الوقود على ما سبق في سورة البروج هرب رجل منهم إلى ملك الحبشة وهو أصحمة بن بحر النجاشي بتخفيف الياء الذي أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأخبره بذلك وحرضه
510
جزء : 10 رقم الصفحة : 510(10/394)
على قتال ذي نواس فبعث أصحمة سبعين ألفاً من الحبشة إلى اليمن وأمر عليهم أرياطاً ومعه في جنده في جنده أبرهة بن الصباح الأشرم ومعنى أبرهة بلسان الحبشة الأبيض الوجه وسيجيء معنى الأشرم فركبوا البحر حتى نزلوا ساحلاً مم يلي الأرض اليمن وهزم أرياط ذا نواس وقتله في المعركة أو ألقى هو نفسه في البحر فهلك واستقر إمراراً ياط في أرض اليمن زماناً وأقام فيها سنين في سلطانه ذلك ثم نازعه أبرهة في أمر الحبشة فكان من أمراء الجند فتفرقت الحبشة فقتين فرقة مع أرياط وفرقة مع أبرهة فكان الأمر على ذلك إلى أن سار أحدهما إلى الآخر فلما تقارب الفرقتان للقال أرسل أبرهة إلى أرياط أنك لا تفعل شيئاً بأن تغرى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها فأبرز لي وأبرز لك فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده فأرسل إليه أرياط أن قد انصفت فأخرج فخرج إليه أبرهة وكنيته أبو يكسون وكان رجلاً قصير الجثمان لحيما ذا دين في النصرانية وخرج إليه أرياط وكان رجلاً طويلاً عظيماً وفي يده حربة وخلف أبرهة غلام يقال له عتودة يمنع ظهره فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة يريد يافوخه فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفتيه أي شقت وقطعت وخدشت فبذلك سمى رهة الأشرم وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله وانصرف جند أرياط إلى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة في اليمن بلا منازع وكان ما صنع أبرهة من غير علم النجاشي فلما بلغة ذلك غضب غضباً شديداً فقال عدا على أميري فقتله بغير أمري ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته فلما بلغ هذا الخبر أبرهة حلق رأسه وملأ جراباً تراباً من تراب اليمن ثم بعث به إلى النجاشي مع هدايا جليلة كثيرة وكتب إليه أيها الملك إنما كان أرياط عبدك وأا عبدك فاختلفنا في أمرك وكل طاعة لك إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط له واوسو منه وقد حلقت رأسي حين بلغني قسم الملك وبعثت إليه بجراب تراب من أرضي ليضعه تحت قدميه فيبر قسمه في فلما وصل كتاب أبرهة إلى النجاشي لأن ورضى عنه وكتب إليه إن أثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري فأقام أبرهة باليمن ثم إنه رأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة لحج بيت الله الحرام فتحرك منه عرق الحسد فبنى بصنعاء كنيسة من رخام ملون وفي بعض التفاسير ودرو ديوار آنرا بزر وجواهر مرصع ومزين كرادنيد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 510
وفي إنسان العيون واجتهد في زخرفتا فجعل فيها الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب وكان ينقل ذلك من قصر بلقيس صاحبة سليمان لعيه السلام وجعل فيها صلباناً من الذهب والفضة ومنابر من العاج والأبنوس وسماها القليس كجميز لارتفاع بنائها وعلوها ومنها القلانيس لأنها في أعلى الرأس وأراد أن يصرف إليها الحاج وفي "كشف الأسرار" ون رسول أبرهه باآن هديا يش ملك نجاشي رسيد وآن يغام بداد ملك ازوخشنود شد وولايت يمن جمله بدو ارزاني داشت وبوي تسليم كرد ون آن رسول بنزديك أبرهه باز آمد ابرهه شادشد وبكشرانكه ملك ازوخشنود كشت وزراء وعقلاء مملكت خويش جمع كردو ايشانرا كفت مراراهى سازيد بعملي كه ملك راخوش آيدواو
511
ر دران عزى وجمالي بودتا آنراشكر نعمت عفو او سازم ايشان همه متفق شدندكه عرب راخانه ايست معظم ومقدس وشرف جمله عرب بدان خانه است ومردمان شرق وغرب روى بدان خانه دارند وآن خانه ازسنك است تو درصنعاء يمن كنيسه بساز يرنام ملك وبردين ترسايى كه دين نجاشي است واساس آن از زرويسيم والوان جواهر كن وكسى فرست بأطراف زمين وديار عرب وايشانرا بخوان وبزر وسيم وتحفها وهديها ايشانرا رغبتي كن تا عالميان روى بدان كنيسه نهند وآنجا طواف كنند ملك عزى وجمالي باشد أبرهه همنان كردكه ايشان كفتند وآن كنيسه بدان صفت بساخت وازبهر طمع مال وزروسيم خلقي روى بدان كنيسه نهادند وهركه آنجار فتى باهديه وتحفه باز كشتى.
وكتب أبرهة إلى النجاشي أيها الملك إني بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك ولست أرضى حتى أصرف إليها حاج العرب فلما تحدث العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي غضب رجل من بني كنانة حتى أتى القليس.
(10/395)
(وفي كشف الأسرار) : وخبر در أطراف افتادكه از حج وزيارت وطواف كه درمكه وخانه عرب بود بايمن افتاد ودران وقت رئيس مكه عبد المطلب بود مردى از عرب ازساكنان مكة نام وى زهير بن بدر از عبد المطلب درخواست وسوكند خوردكه من بروم ودرخانه ايشان حدث كنم برخواست وآنجاشد وند روز آنجا عبادت كرد رتبه مجاورت يافت شبى كفت من ميخواهم كه اينجا امشب عبادت كنم كه مراسخت نيكو وخوش آمده است اين بقعه اورا آن شب آنجاتنها بكذا شتند ودران خانه مسك وعنبر فراوان بود يسوته بوي خوش ازان ميد ميد زهر آنجا حدث كرد وهمه ديوار ومحراب بنجاست بايلود آنكه آهنك بيرون كردو بكر بخت اين خبر در آفاق وأقطار منتشر كشت ومردم از طواف آن متنفر إبرهه ازين حال آكاه شد ومتأثر كشت دانت كه اين مرد ازمكه بود واز مجوران كعبه سكند خوردكه من بالشكر وحشم بروم وآن خانه ايشن خراب كنم وبازمين برابر حتى لا يحجه حاج أبداً.
جزء : 10 رقم الصفحة : 510
وفي حواشي ابن الشيخ كان أصل مقصوده من هدم البيت أن يصرف الشرف الحاصل لهم بسبب الكعبة منهم ومن بولدتهم إلى نفسه وإلى بلدته.
ورسولي فرستاد بحبشه وملك راخبر كرداز آنه زهير كرداند ران كنيسه واز رفتن خويش سوى مكه وخراب كردن كعبه.
فخرج بالحبشة وكفته اند نجاشى يلان بسيار فرستاد ولشكر وحشم.
وقال السجاوندي أغتم النجاشي لذل وعزاه أبرهة وحجر من قواده وأبو يكسوم وزيره وقال لا تحزن إن لهم كعبة هي فخرهم فننسف أبنيتها وتبيح دماءها وننتهب أموالها فخرج أبراهة بجند كثير وجم غفير ومعه فيل أبيض اللون وهو فيل النجاسي بعثه إليه بسؤاله وكان فيلا لم ير مثله عظماً وجسماً وقوة يعني بعظمت جثه مشابه كوه بود.
بهكل قوى راست ون كوه قاف
وشير غرين ابك اندر مصاف
ومن شأن الفيل المقاتلة ولذلك كان في مرابط ملك الصين ألف فيل أبيض وهو مع عظم
512
صورته ضعيف يخاف من السنور ويفزع منه وكان دليلهم كبير ثقيف وهو أبو رغال رحيم العرب قبره حين مات كما في كتاب التعريف والإعلام للإمام السهيلي رحمه الله ، وفي "كشف الأسرار" أبو رال درراء هلاك شد وكووى معروفست براه يمن حاج يمن جون آنجار سند بآن كوروى سنك اندازند.
حتى صار كالجبل العظيم وفي ذلك يقول جرير في الفرزدق الشاعر :
إذا مات الفرزدق فارجموه
كما ترمون قبر أبي رغال
وفي "القاموس" أبو رغال ككتاب في سنن أبي داود ودلائل النبوة وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال هذا قبراً بي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث وقول الجوهري كان دليلاً للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق غير جيد وكذا قول ابن سيدة كان عبد الشعيب وكان عشاراً جائراً انتهى كلامه.
أبرهه ون بأطراف حرم رسد بيرون حرم نزول كرد.
وبعث رجلاً من الحبشة يقال له الأسود حتى انتهى إلى مكة فساق إليه أموال تهامة يعني هره درحوالى شهر مكة شتر بود وكوسفند غارت كردت ودر جمله دويست سر شترازان عبد المطلب كه بوقف حاج كرده يود بغارت بردند.
وقال بعضهم : فلما بلغ المغمس وهو كمعظم ومحدث موضع بطريق الطائف فيه قبر أبي رغال دليل أبرهه ويرجم كما في "لقاموس" أي على ما اشتهر وإلا ناقض كلامه السابق خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع فأبى وفي شرح البردة للمرزوقي لما نزل المغمس بعث حناطة الحميري إلى مكة وقال له سل عن سيد هذا البلد وشريفهم وقل له إن الملك يقول أنني لم آت لحربكم إنما جئت لهدم هذا البيت فإن لم تتعرضوا دونه لحرب فلا حاجة لي بدمائكم فإن هو لم يرد حربي فائتني به وفي "كشف الأسرار" أبرهه ون آنجا نزول كرد هيبت خانه كعبه دردر وى أثر كرد وازان قصدكه داشت شيمان كشت وردل خود ميخواست كه كسى در حق خانه شفاعت كند تابا زكردد وبفرمودكه رئيس مكة رابياريد ورئيس مكة آنكاه عبد المطلب بودبا جمعي بني هاشم بنزديك أبرهه آمد وآن مردكه فرستاده بود يش ازر سيدن عبد المطلب دريش أبرهه شد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 510
وقال المرزوقي رحمه الله ، استان لعبد المطلب بعض وزرائه يقال لهأنيس سائس الفيل وكفت قد جاءك سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال حقاً مردى مي آيد بحضرت توكه بدرستي وراستي سيد قريش است مردى كريم طبع نيكوروى باسيادت وباسخاوت وبهيبت وانكه ازوى نور همي تابدكه منظروي بترسانيد يعني نور مصطفى عليه السلام ، از ييشاني وى همي تافت أبرهه خويشتن رابزي نيكوبيا راست وبر تخت نشت وعبدا المطلب را أجازت دار ون در آمد نخواست كه اورا باخود برتحت نشاند يعني كره أن تراه الحبشة يجلس على سرير ملكه از تخت بزير آمد وبا عيد المطلب به ايان تت بنشست واورا اجلال كرد ونيكو بنواخت سخنان وي اوراخواش آمد
513
(10/396)
وباخود كفت اكر در حق خانه شفاعت كندا ورا نوميد نكنم س ترجمانرا كفت تا حاجتي كه دارد بخواهد عبد المطلب كفت حاجت اينست كه دويست شترازان من بياورده اند وكانت ترعى بذي المجاز بفرماي تاباز دهند أبرهه را ازان انده آمد ترجما نرا كفت رس ازوى تارا ازبهر خانه كعبه حاجت نخواست خانه كه شرف وعز شما بآنست وسبب عصمت وحرمت شما آنست در قديم دهر ومن آمده أم تاآنرا خراب كنم مى نخواهى اين اشترا انراه خطر باشدكه ميخواهى قال عبد المطلب أنا رب الإبل والبيت رب يحفظه كما عليه بعرانه لينظر من يحفظ البيت مني عبد المطلب بازكشت وميكانرا فومود هره داشتند ازمال ومتاع بركر فتند وباكوه شدندومكه خالي كردنداي تخوفاً من معرة الجيش فجهز أبرهة جيشة وقدم الفيل الأعظم المذكور فكان كلما وجوه إلى الحرم برك ولم يبرح كما بركت القصواء في الحديبية حتى قال عليه السلام ، حبسها حابس الفيل ومعنى بروك الفيل سقوطه على الأرض لما جاءه من أمر الله أو لزوم موضعه كالذي برك وإلا فالفيل لا يبرك كما قال عبد اللطيف البغدادي الفيلة تحمل سبع سنين وإذا تم حملها وأرادت لوضع دخالت النهر حتى تضع ولدها لأنها تلد وهي قائمة ولا فواصل لقوائمها فتلد والذكر عند ذلك يحرسها وولدها من الحيتان انتهى.
وقال بعضهم : الفيل صنفان صنف يبرك وصنف يبرك كالجمل انتهى وإذا وجوه إلى اليمن أو إلى غيره من الجهات هرول والهرولة كالدحرجة ما بين المشي والعدو وأمر أبرهة أن يسقى الفيل الخمر ليذهب تميه فسقوه فثبت على أمره.
جزء : 10 رقم الصفحة : 510
وكفه اند نفيل ابن حبيب الخثعمي كوش آن فيل كرفت وكفت أبرك محمود وأرجع راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام ون ابن سخن بكوش يل فرو كفت بازشكت واي در حرم نهاد ونفيل هذا قاتل أبرهة بأرض خثعم وهو جبل وأهله خثعيون وأبو قبيلة فهزمه أبرهة فأخذ أسيراً فلما أتى به وهم أبرهة بقتله قال أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب فخلى سبيله وخرج به معه يدله على أرض العرب حتى إذا مر بالطائف رأى أهله إن لا طاقة لهم بهم فانقادوا له وبعثوا معه بأبي رغال فأنزلهم بالمغمس وهو على ستة أميال من مكة ومات أبو رغال هناك وقبره المرجوم فيه كما في بعض التفاسير : قال المرزوقي رأى العرب جهاد أبدهة حقاً عليهم فكانوا يجتمعون لقتاله في الطريق قبائل قبائل فهزمهم أبرهة ومن جملة من هزمهم وأسرهم نفيل بن حبيب أخذه وما قتله ليكون دليلاً له وأخذ عبد المطلب بحلقة البيت ودعا وقال : (لا هم إن المرء يحمي رحله فامنع حلالك" (لا يغلبن صليبهم.
ومحا لهم غدوا محالك) وذلك إنهم كانوا نصارى أهل صليب ولا هم أصله اللهم فإن العرب تحذف الألف واللام وتكتفي بما يبقى والحلال بكسر الحاء المهملة جم حلة وهي البيوت المجتمعة والمحال بكسر الميم الشدة والقوة والغدو بالغبن المعجمة أصل الغدو هو اليوم الذي يأتي بعد يومك الذي أنت فيه فالتفت وهو يدعو فإذا بطير فقال والله إنها لطير غريبة لا نجدية ولا تهامية ولا حجازية وإن لها لشأنا وفي "حواشي
514
(10/397)
ابن الشيخ" كان عبد المطلب وأبو مسعود الثقفي يشامدان من فوق الجبل عسكر أبرهة فأرسل الله طيراً سوداً صفر المناقير خضر الأعناق طوالها أو حضراً أو بيضاً أو بلقاً أو حماماً كما سئل من أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن الطير فقال حمام مكة منها وقد يقال إن هذا اشتباه لأن الذي قيل فيه إنه من نسل الأبابيل إنما هو شي يشبه الزرازير يكون بباب إبراهيم من الحرم وإلا فحمام الحرم من نسل الحمام الذي عشش على فم الغار والزرازير جمع زرزور بضم الزاي طائر صغير من نوع العصفور سمى بذلك لزرزرته أي لصوته وعن عائشة رضي الله عنها كانت تلك الطير الأبابيل أشباه الخطاطيف والوطاويط وقد نشأت في شاطىء البحر ولها خراطيم الطير وأكف الكلاب وأنيابها وقال ابن جبير لم ير مثلها لا قبلها ولا بعدها وقال عكرمة هي عنقاء مغرب وفي الخبر إنها طير بين السماء ولأرض تعيش وتفرخ وقيل من طير السماء قيل جاءت عشية ثم صبحتم مع كل طائر حجر في ماقره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الخمصة وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنه رأى منها عند أم هاني نحو قفيز مخطط بحمرة كالجزع الظفاري وظفار كقطام بل باليمن قرب صنعاء ينسب إليه الجزع وأرسلت ريح فزادتها شدة فكان الحجر يقع على رأس كل واحد منهم فيخرج من أسفله وينفذ من الفيل ومن بضهم فيخرق الأرض وعلى كل حجر اسم من يقع عليه.
قال القاشاني وإلهام الوحوش والطيور أقرب من إلهام الإنسان لكن نفوسهم ساذجة وتأثير الأحجار بخاصية أودعها الله تعالى فيها ليس بمستنكر ومن اطلع على عالم القدرة وكشف له حجاب الحكمة عرف لمية أمثال هذه وقد وقع في زماننا مثلها في استيلاء الفأر على مينة أبي يوزد وإفساد زروعهم ورجوعها في البرية إلى شط جيحون وأخذ كل واحدة منها خشبة من الأيك التي على شط النهر وركوبها عليها وعبورها من النهر فهي لا تقتل التأويل كأحوال القيامة وأمثالها انتهى وعن عكرمة كل من أصابته الحجارة جدونه وفي الخبران أول ما وقعت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام ففروا وهلكوا في كل طريق ومنهل قال بعضهم : فلم تصب منهم أحداً إلا هلك وليس كلهم أصيب كما قال في إنسان العيون ثم ركب عبد المطلب لما استبتطأ مجيء القوم إلى مكة ينظر ما الخبر فوجدهم قد هلكوا أي غالبهم وذهب غالب من بقي فاحتمل ما شاء الله من صفراء وبيضاء.
جزء : 10 رقم الصفحة : 510
ثم اعلم أهل مكة بهلاك القوم فخرجوا فانتهبوا انتهى يعني والذي سلم منهم ولي هارباً مع أبرهة إلى اليمن يبتدر الطريق وصاروا يتساقطن بكل منهل.
وقال الكاشفي ويك نفس قوم أبرهه مستأصل شديد وآن يلان نيزهمه هلاك كشتند.
وقال بعضهم ولم يسلم إلا كندي فقال :
أكندة لو رأيت ولو ترينا
جنب ربا الممس ما ألقينا
حسبنا الله إن قد بث طيرا
وظل سحابة تهمى علينا
وأخذ أبرهة داء أسقط أنامله وأعضاه ووصل إلى صنعاء كذلك وهو مثل فرخ الطير
515
ومامات حتى انصدع صدره ع نقلبه فملك اليمن ابنه يكسوم بن أبرهة وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يتحلق فوقه حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة فلما أتمما وقع عليه الحجر فخر ميتاً بين يديه فأرى الله النجاشي كيف كان هلاك أصحابه.
وقال بعضهم : همه هلاك شدند مكر أبرهه كه مرغ بر سروى ايستاد وازمكه بيرون شدروى بحبشة نهاد وآن مرغ برهوا برسوري هميبود وأونمى دانست تادر يش نجاشي شد ون أبرهه صورت حال بعرض نجاشي رسانيد نجاشي از روى تعجب رسيدكه كونه مرغان بودندكه ندين مبارزا انرا هلاك كردند أبرهه رادرين حال نظر بران مرغ افتاد كفت أي ملك يكى أذان مرغان اينست همان لحظه آن مرغ سنكى كه داشت بنام وى برسرش افكند وهم در نظر نجاشى هلاك شدوازين صورت آيت عبرتي بر صحيفه دل نجاشي منقش كشت.
نوشت خامه تقدير بر جريده دهر
خطى كه فاعتبروا يا أولى الأبصار
جزء : 10 رقم الصفحة : 510
(10/398)
وعن عائشة رضي الله عنها رأيت قائد الفيل وسائسه أعميين مقعدين يستطعمان الناس ويعلم من ذلك إنهما من جملة من سلم من قوم أبرهه ولم يذهبا بل بقيا بمكة كما في "إنسان العيون" وفي "حواشي ابن الشيخ" كان عبد المطلب وأبو مسعود الثقفي يشاهدان من فوق الجبل عسكر أبرهة حين رماهم الطير بالحجارة فهلكوا فقال عبد المطلب لصاحبه صار القوم حيث لا يسمع لهم ركز أي حس فانحطا من الجبل فدخلا المعسكر فإذا هم موتى فجمعا من الذهب والجواهر وحفر كل منهما لنفسه حفرة وملأها من لمال وكان ذلك سبب غناهما وفي كلام سبط ابن الجوزي وسبب غنى عثمان بن عفان أن أباه عفان وعبد المطلب وأبا مسعود الثقفي لما هلك أبرهة وقومه كانوا أول من نزل مخيم الحبسة فأخذوا من أموال أبرهة وأصحابه شيئاً كثيراً ودفنوه عن قريش فكانوا أنياء قيش وأكثرهم مالاً ولما مات عفان ورثه عثمان رضي الله عنه ثم إنه يرد على ما ذكر أن الحجاج خرب مكة بضرب المنجنيق فلم يصبه شيء ولم يستعجل عذابه ويجاب بأن الحجاج لم يجيء لهدم الكعبة ولا لتخريبها ولم قصد ذلك وإنما قصد التضييق على عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ، ليسلم نفسه وفيه أنه قد يشكل كونه حرماً آمناً وجاء في حق الحجاج إن عليه نصف عذاب العالم ويرد عليه أيضاً قصة القرامطة وهي أن أبا سعيد كبير القرامطة وهم طائفة ملاحطة ظهروا بالكوفة سنة سبعين ومائتين يزعمون أن لا غسل من جنابة وحل الخمر وإنه لا صوم من السنة إلا يومي النيروز والمهرجان ويزيدون في أذانهم وإن محمد بن الخليفة رسول الله وإن الحج والعمرة إلى بيت المقدس وافتتن بهم جماعة من الجهال وأهل البراري وقويت شوكتهم حتى انقطع الحج من بغداد بسبه وسبب ولده أبي طاره فإن ولده أبا طاهر بني دارا في الكوفة وسماها دار الهجرة وكثر فساده واستيلاؤه على البلاد وقتله المسلمين وتمكنت هبته من القلوب وكثرت أتباعه وذهب إليه جيش الخليفة المقتدر بالله السادس عشر من خلفاء بني العباس غير ما مرة وهو يهزمهم ثم إن المقتدر سير ركب الحاج إلى مكة فوافاهم أبو طاهر يوم التروية فققتل الحجيج بالمسجد الحرام وفي جوف الكعبة قتلا ذريعاً وألقى
516
القتلى في بئر زمزم وضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره ثم اقتلعه وأخذه معه وقلع باب الكعبة ونزع كسوتها وسقفها وقسمه بينأصحابه وهدم قبة زمزم وارتحل عن مكة بعد أن أقام بها أحد عشر يوماً ومعه الحجر لأسود وبقى عند القرامطة أكثر من عشرين سنة وكان الناس يضعون أيديهم محله للتبكر ودفع لهم فيه خمسون ألف دينار فأبوا حتى أعيد إلى موضعه في خلافة المطيع لأمر الله وهو الرابع والعشرون من خلفاء بني العباس بعدا شترائه منهم وجعل له طوق فضة شد به رنته ثلاثة آلاف وسبعمائة وتسعون درهماً ونصف قال بعضهم : تأملت الحجر وهو مقلوع فإذا السواد في رأسه فقط وسائره أبيض وطوله قدر عظم الذراع وبعد القرامطة في سنة ثلاث عشرة وأربمائة قام رجل من الملاحدة وضرب الحجر الأود ثلاث ضربت بدبوس فتشقق وجه الحجر من تلك الضربات وتساقطت منه شظيات مثل الأظفار وخرج بكسره فتات أسمر يضرب إلى الصفرة محبباً مثل حب الخشخاش فجمع بنوا شيبة ذلك الفتات وعجنوه بالمسك واللك وحشوه في تلك الشقوق وطلوه بطلاط من ذلك.
جزء : 10 رقم الصفحة : 510
(10/399)
ويقول الفقير : لعل الجواب عن مثل هذا أن الاستئصال وما يقرب منه مرفوع عن هذه الأمة وأكثر ما كان من خوارق العادت كان في أيام الأمم السالفة وليست الكعبة بأفضل من الإنسانالكامل وقد جرت عادة الله على التسامح عن بعض من يعاديه بل يقتله وإنكان اشتد غضبه عليه فهو يمهل ولا يهمل ولعنة الله على الظالمين {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ} الهمزة للتقرير وضلل كيده إذا جعله ضالاً ضائعاً ونحوه قوله تعالى : [الفيل : 3]{وَمَا كَيْدُ الْكَـافِرِينَ إِلا فِى ضَلَـالٍ} وضل الماء في اللبن إذا ذهب وغاب والمعنى قد جعل مكرهم وحيلتهم في تعطيل الكعبة عن الزوار وتخريبها في تضييع وإبطال بأن أهلكهم أشنع إهلاك وجزاهم بعد إهلاكهم بمثل ما قصدوا حيث خرب كنيستهم قال في إنسان العيون لما أهلك صاحب الفيل وقومه عزت قريش وهابتهم الناس كلهم وقالوا : هم أهل الله لأن الله معهم ومزقت الحبشة كل ممزق وخرب ما حول تلك الكنيسة التي بناها أبرهة فلم يعمرها أحدو ثكرت حولها السباع والحياة ومردة الجن وكل من أراد أن يأخذ منها شيئاً أصابته الجن واستمرت كذلك إلى زمن الفاح الذي هو أول خلفاء بني العباس فذكر له أمرها فبعث إليها عامله الذي باليمن فخربها وأخذ خشبها المرصع بالذهب والآلات المفضضة التي تساوي قناطير من الذهب فحصل لها منها مال عظيم وحينئذٍ عفا رسمها وانقطع خبرها واندرست آثارها وأرسل عليهم طيراً} عطف على قوله ألم يجعل لأن الهمزة فيه لإنكار النفي كما سبق {أَبَابِيلَ} صفة طيراً أي جماعات لأنها كانت أفواجاً فوجاً بعد فوج متتابعة بعضها على أثر بعض أو من ههنا وههنا جمع أبالة وهي الحزمة الكبيرة بالفارسية دسته بزرك از حطب.
شبهت بها الجماعة من الطير في تضامها وقيل أبابيل مفرد كعباديد ومعناه الفرق من الناس الذاهبون في كل وجه وكشماطيط ومعناه القطع المتفرقة وفيه إنها لو كانت مفردات لا شكل قوة النحاة إن هذا الوزن من الجمع يمنع صرفه لأنه لا يوجد في المفردات {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ} صفة أخرى لطيرا وقرأ
517
أبو حنيفة رحمه الله ، يرميهم أي الله أو الطير لأنه اسم جمع تأنيثه باعتبار المعنى والحجارة جمع حجر بالتحريك بمعنى الصخرة والمعنى بالفارسية مي افكندند بدان لشكر بسنكها.
جزء : 10 رقم الصفحة : 510
يقال رمى الشيء وبه ألقاه {مِّن سِجِّيلٍ} من طين متجر وهو الآجر معرب.
سنك كل.
وقال بعضهم : متحجر من هذين الجنسين وهما سنج الذي هو الحجر وجيل الذي هو الطين أو هم علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار كما سجينا علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار كما أن سجينا علم للديون الذي تكتب فيه أعمالهم كأنه قيل بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدون واشتقاقه من الأسجال وهو الإرسال {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُول} كورق زرع وقع فيه الآكال وهو أن يأكله الدود وسمى ورق الزرع بالعصف لأن شأنه أن يقطع فتعصفه الرياح أي تذهب به إلى هنا وهنا شبههم به في فنائهم وذهابهم بالكلية أو من حيث إنه حدثت فيهم بسبب رميهم منافذ وشقوق كالزرع الذي أكله الدود ويجوز أن يكون المعنى كورق زرع أكل حبه فبقى صفراً منه فيكون من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أي كعصف مأكول الحب شبههم بزرع أكل حبه في ذهاب أرواحهم وبقاء أجسادهم أو كتبن أكلته الدواب وألقته روثا فيبس وتفرقت أجزاؤه شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث وفيه تشويه لحالهم ومبالغة حسنة وهو أنه لم يكتف بجعلهم أهون شيء في الزرع وهو التبن الذي لا يجدي طائلاً حتى جعلهم رجيعاً إلا أنه عبر عن الرجيع بالمأكول أو أشير إليه بأول حاله على طريق الكناية مراعاة لحسن الأدب واستهجاناً لذكر الروث كما كنى بالأكل في قوله تعالى : {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} عما يلزم الأكل من التبول والتغوط لذلك فدأب القرآن هو العدول عن الظاهر في مثل هذا المقام قال بعض العارفين من كان اعتماده على غير الله أهلكه الله بأضعف خلقه ألا ترى أن أصحاب الفيل لما اعتمدوا على الفيل من حيث إنه وى خلق الله أهلكهم الله بأضعف خلق من خلقه وهو الطير.
وكفته اندا كربيل نتوانى بودباري ازشه كم مباش كه برصورت يل است شه كويدكه اكر من بقوت يل نيستم كه باري كشم باري بصورت يلم كه بار خويش بركس نيفكنم.
وفيه إشارة إلى أبرهة النفس المتصفة بصفة الغضب والحقد المجبولة على خلقة الفيل كالسبعية في السبع والكبر في النمر فأرسل الله عليها طير الأرواح حاملين أحجار الأذكار والأوراد فأكلتها أكل الأكلة وعصفت مزروعاتهم السيئة وبطل فليس طبيعتها الجسمانية التي كانت تدعو القوى إليها لأن هذه الدعوة كانت بتزيين الشيطان فلا تقاوم دعوة الروح إلى كعبة القلب التي كان من الرحمن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 510
هركه بر شمع خدا آردتفو
شمع كي ميرد بسوز دوازار
ون توخفاشان بسى بينند خواب
كين جهان ماند يتيم از آفتاب
(10/400)
قوله مأكول يوقف عليه ثم يكبر ولا يوصل حذراً من الإيهام.
518
جزء : 10 رقم الصفحة : 510
تفسير قريش
أربع آيات مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 518
{لايلَـافِ قُرَيْشٍ} متعلق بقوله تعالى فليعبدوا وهو قول الزجاج والفاء لما في الكلام من معنى اشرط إذ المعنى أن نعم الله عليهم غير محصورة فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة فالإيلاف تعدية الألف مصدر من المبني للمفعول مضاف إلى مفعوله الأول مطلقاً عن المفعول الثاني هو الرحلة كما قيد به في الإيلاف الثاني يقال ألفت الشيء بالقصر وآلفته بالمد بمعنى لزمته ودمت عليه وما تركته فيكون كل من الألف والإيلاف لازماً ويقال أيضاً آلفته غيري بالمد أي ألزمته إياه وجعلته يألفه فيكون متعدياً قال في تاج المصادر الإيلاف ألف دادن وألف كرفتن.
وضد الإيلاف والإيناس هو الإيحاش وقيل متعلق بما قبله منقوله فجعلهم كعصف مأكول ويؤيده إنهما في مصحف أبي رضي الله عنه سورة واحدة بلا فصل فيكون الإيلاف بمعنى الألف اللازم فالمعنى أهلك الله من قصدهم من الحبشة لأن يألفوا هاتين الرحلتين ويجمعوا بينهما ويلزموا إيهما ويثبتوا عليهما متصلاً لا منقطعاً بحيث إذ فرغوا من ذه أخذوا في ذه وبالعكس وذلك لأن الناس إذا تسامعوا بذلك الإهلاك تهيبوا لهم زيادة تهيب واحترموهم فضل احترام فلا يجترىء عليهم أحد فينتظم لهم إلا من في رحلتيهم وكان لقريش رحلتان يرحلون في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشأم فيمتارون ويتجرون وكانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته العزيز فلا يتعرض لهم والناس بين متخطف ومنهوب وذلك إن قريشاً إذا أصاب واحدا منهم مخمصة خرج هو وعياله إلى موضع وضربوا إلى أنفسهم خباء حتى يموتوا وكانوا على ذلك إلء أن جاء هاشم به عبد مناف وكان سيد قومه فقام خطيباً في قريش فقال إنكم أحدثتم حدثاً تقلون فيه وتذلون وأنتم أهل حرم الله وأشرف ولد آدم ولناس لكم تبع قالوا نحن تبع لك فلسي عليك من خلاف فجمع كل بني أب على الرحلتين في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشأم لأن بلاد اليمن حامية حارة وبلاد الشام مرتفعة باردة ليتجروا فيما بدا لهم من التجارات فما ربح الغنى قسم بينه وبين فقرائنهم حتى كان فقيرهم كغنيهم فجاء الإسلام وهم على ذلك فلم يكن في العرب بنوا أب أكثر مالاً ولا أعز من قريش وكان هاشم أول من حمل السمراء من الشام وقريش ولد النضر بن كننة ومن لم يلده فلسي بقرشي سموا بتصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن وتقلبها وتضربها فتكسرها ولا تطاق إلا بالنار فشبهوا بها لأنها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى والتصغير للتعظيم فكأنه قيل قريش عظيم وقال بعضهم : الأوجه أن التصغير على حقيقه لأنه إذا كان القرش دابة عظيمة والقرش مع صغر حجمه جعل قرشاً فهو لام حالة قريش وفيه إن جعل قريش قريشاً لم يكن لمناسبة الحجم بل كان لوصف الآكلية وعدم المؤكولية ووصف الغلبة وعدم الملوبية وهذان الوصفان يوجد أن في تلك الدابة على وجه الكمال
519
فلا معنى للتصغير إلا التعظيم قال الزمخشري : سمعت بعض التجار بمكة ونحن قعود عند باب بني شيبة يصف لي القرش فقال هو مدور الخلقة كما بين مقامنا هذا إلى الكعبة ومن شأنه يتعرض للسفن الكبار فلا يرده شيء إلا يأخذ أهلها المشاعل فيمر على وجهه كالبرق وكل شيء عنده قليل إلى النار وبه سميت قريش قال الشاعر :
جزء : 10 رقم الصفحة : 519
وقريش هي التي تسكن البحر
بها سميت قريش قريشاً
تأكل الغث والسمين ولا تترك
فيه لذي جناحين ريشاً
هكذا في البلاد حتى قريش
يأكلون البلاد أكلاً كميشاً
ولهم آخر الزمان نبي
يكثر القتل فيهموا والخموشا
(10/401)
الخموش الخدوش وأكلا كميشاً أي سريعاً وفي "القاموس" فرشه يقرشه ويقرشه قطعه وجمعه من ههنا وههنا وضم بعضه إلى بعض ومنه قريش لتجمعهم إلى الحرم أو لأنهم كانوا يتقرشون البيعات فيشترونها أو لأن النضرابن كنانة اجتمع في ثوبه يوماً فقالوا تقرش أو لأنه جاء إلى قومه فقالوا كأنه جمل قريش أي شديد أو لأن قصضياً كان يقال له القريشي أو لأنهم كانوا يفتشون الحاج فسيدون خلتها أوسميت بمصغر القرش وهو دابة بحرية يخافها دواب البحر كلها أو سميت بقريش بن يخلد بن غالب بن فهر وكان صاحب عيرهم فكانموا يقولون قدمت عير قريش وخرجت عير قريش والنسبة قرشي وقريشي انتهى {إِالَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ} بدل من لأول ورحلة مفعول به لإيلافهم وهي بالكسر الارتحال وبالضم الجهة التي يرحل إليها وأصل الرحلة السير على الراحلة وهي الناقة القوية ثم استعمل في كل سير وارتحال وإفرادها مع أنه أراد رحلتي الشتاء والصيف لأمن الألباس مع تناول اسم الجنس للواحد والكثير وفي إطلاق الإيلاف عن المفعول أولاً ثم إبدال المقيد منه تفخيم لأمره وتذكير لعظيم النعمة فيه والشتاء الفصل المقابل للصيف وفي "القاموس" الشتاء أحد أرباع الأزمنة والموضع المشتى والصيف القيظ أو بعد الربيع والقيظ صميم الصيف من طلوع الثريا إلى طلوع سهيل {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَاذَا الْبَيْتِ * الَّذِى أَطْعَمَهُم} بسبب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منهما بواسطة كونهم من جيرانه وسكان حرمه وقيل بدعوة إبراهيم عليه السلام ، يجيء إليه ثمرات كل شيء {مِن جُوعٍ} شديد كانوا فيه قبلهما وكان الجوع يصيبهم إلى إن جمعهم عمرو العلي وهو هاشم المذكور على الرحلتين قال أبو حيان من ههنا للتعليل أي لأجل الجوع وقال سعدى المفتي الجوع لا يجامع الإطعام والظاهر إنها للبدلية.
يقول الفقير الظاهر إن مآل المعنى نجاهم مكن الجوع بسب الإطعام والترزيق {وَءَامَنَهُم مِّنْ خوْف} عظيم لا يقادر قدره وهو خوف أصحاب الفيل أو خوف اتخطف في بلدهم ومسايرهم وقال صاحب الكشاف الفرق بين عن ومن أن عن يقتضي حصول جوع قد زال بالإطعام ومن يقتضى المنع من لحاق الجوع والمعنى أطعمهم فلم يلحقهم جوع وآمنهم فلم يلحقهم خوف فيكون من لابتداء الغاية والمعنى أطعمهم في بدء جوعهم قبل
520
لحاقه إياهم وآمنهم في بدء خوفهم قبل اللحاق ومن بدع التفاسير وآمنهم من خوف من أن تكون الخلافة في غيرهم كما في "الكشاف" وعن أم هانىء بنت أبي طالب رضي الله عنها ، قلت أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فضل قريشاً أي ذكر تفضيلهم بسبع خاصل لم يعطها أحد قبلهم ولا يعطاها أح بعدهم النبوة فيهم والخلافة فيهم والحجابة للبيت فيهم والسقاية فيهم ونصروا على الفيل أي على أصحابه وعبدوا الله سبع سنين وفي لفظ عشر سنين لم يعبده أحد غيرهم ونزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم لإيلاف قريش وتسمية لإيلاف قريش سورة يرد ما قيل إن سورة الفيل ولإيلاف قريش سورة واحدة فلينظر ما معنى عباتدهمدون غيرهم في تلك المدة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 519
يقول الفقير اشار بقريش إلى النفس المشركة وقواها الظالمة الخاطئة الساكنة في البلد الإنساني الذي هو مكة الوجود وبالشتاء إلى القهر والجلال وبالصيف إلى الطف والجمال وأعني بالقهر والجلال العجز والضعف لأن المقهور عاجز ضعيف وباللطف والجمال القدرة والقوة لأن الملطوف به صاحب التمكين فأما عجز النفس وضعفها فعدن عدم مساعدة هواها وأما قوتها وقدرتها فعند وجود المساعدة فهي وصفاتها ترتحل عندا لعجز والضعف إلى بمن المعقولات لأنها في جانب يمين القلب وعند القوة والقدرة ترتحل إلى شأم المحسوسات لأنها في جانب شمال القلب الذي يلي الصد فهي تتقلب بين نعم المعقولات ونعم المحسوسات ولا تشكرها بأن تقر بوحدة الوجود ورسالة رسول القلب كالفلاسفة المتوغلة في المعقولات والفراعنة المنهمكة في الحسوسات ولذا قال تعالى : {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَاذَا الْبَيْتِ} أي بيت القلب الذي هو الكعبة الحقيقية لأنها مطاف الواردات والإلهامات ومن ضرورة العبادة له الإقرار برسالة رسول الهدى الذي هو القلب فالبيت معظم مشرف مطلقاً لإضافة الرب إليه فما ظنك بعظمة الرب وجلاله وهيبته ورب القلب هو الاسم لجامع المحيط بجميع الأسماء والصفات وهو الاسم الأعظم الذي نيط به جميع التأثيرات العقلية والروحانية والعلمية والغيبية أمروا بأن يكونوا تحت هذا الاسم لا تحتب الأسماء الجزئية ليتخلصوا من الشرك ويتحققوا بسر وحدة الوجود فإن الأسماء الجزئية تعطي التقييد والاسم الكلي يعطي الإطلاق ومن ثمة بعث النبي عليه السلام ، في أم البلاد إشارة إلى كليته وجمعيته وهذا الرب الجليل المفيض المعطي أزال عنهم جوع العلوم والفيوض وأطعمهم بها وآمنهم من خوف الهلاك من الجوع لأن نفس الجاهل كالميت ولا شك أن الإحياء يخافون من الموت هكذا ورد بطريق الإلهام من الله العلام.
جزء : 10 رقم الصفحة : 519(10/402)
تفسير سورة الماعون
سبع أو ست آيات مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 520
رأيت} يا محمد أي هل عرفت {الَّذِى يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} أي بالجزاء أو بالإسلام يعني آياديدي ودانستي آنكس راكه تكذيب مكيندبر وزجرا ويا دين الإسلام وباور نميكند.
إن لم تعرفه أو إن أردت أن تعرفه {فَذَالِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ} أي بدفعه دفعاً عنيفاً ويزجره زجراً
521
قبيحاً فهو جواب شرط محذوف على أن ذلك مبتدأ والموصول خبره وهو و جهل كان وصياً ليتيم فجاءه عرياناً يسأله من مال نفسه فدفعه دفعاً شنيعاً فأيس الصبي فقال له اكابر قريش بقل لمحمد يشفع لك وكان غرضهم الاستهزاء به وهو عليه السلام ما كان يرد محتاجاً فذهب معه إلى أبي جهل فقام أبو جهل وبذل المال لليتيم فعيره قريش وقالوا أصبوت فقال لا والله ما صبوت ولكن رأيت عن يمينه وعن يساره حربة خفت إن لم أجبه يطعنها في فالذي للعهد ويحتمل الجنس فيكون عاماً لكل من كان مكذباً بالدين ومن شأنه أذية الضعيف ودفعه بنف وخشنونة لاستيلاء النفس السبعية عليه {وَلا يَحُضُّ} أ لا يحث أهله وغيرهم من الموسرين {عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أي على بذل طعام له يعني بر طعام دان درويش ومحتاج ويمنع المعروف عن المستحق لاستيلاء النفس البهيمة ومحبة المال واستحكام رذيلة البخل فإنه إذا ترك حث غيره فكيف يفعل هو نفسه فعلم أن كلا من ترك الحث وترك الفعل من أمارات التكذيب وفي العدول من الإطعام إلى الطعام وإضافته إلى المسكين دلالة على أن للمساكين شركة وحقاً في مال الأغنياء وإنه إنما منع المسكين مما هو حقه وذلك نهاية البخل وقساوة القلب وخساسة الطبع فإن قلت قد لا يحض المرء في كثير من الأحوال ولا يعد ذلك إثماً فكيف يذم به قلت أما لأن عدم حضه لعدم اعتقاده بالجزاء وإما لأن ترك الحض كناية عن البخل ومنع المعروف عن المساكين ولا شبهة في كونه محل الذم والتوبيخ كما أن منع الغير من الإحسان كذلك.
ون زكرم سفله بود در كران
منع كند از كرم ديكران
سفله نخواهد دكلى رابكام
جزء : 10 رقم الصفحة : 521
خس نكذار دمكسى رابجام
{فَوَيْلٌ} الفاء لربط ما بعدها بشرط محذوف كأنه قيل إذ كان ما ذكر من عدم المبالاة باليتيم والمسكين من دلائل التكذيب بالدين وموجبات الذم والتوبيخ فويل أي شدة العذاب {لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} السهو خطأ عن غفلة وذلك ضربان أحدهما أن لا يكون من الإنسان جواليه وبوالداته كمجنون سب إنساناً والثاني أن يكون منه مولداته كمن شرب خمراً ثم ظهر منه منكر لا عن قصد إلى فعله فالأول معفو عنه والثاني مأخوذ به ومنه ما ذم الله في الآية والمعنى ساهون عن صلاتهم سهو ترك لها وقلة التفات إليها وعدم مبالاة بها وذلك فعل المنافقين أو الفسقة من المؤمنين وهو معنى عن ولذا قال أنس رضي الله عنه الحمدعلى أن لم يقل في صلاهم وذلك إنه لو قال في صلاتهم لكان المعنى إن السهو يعتريهم وهم فيها إما بوسوسة شيطان أو بحديث نفس وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم والخلوص منه عسير ولما نزلت هذه الآية قال عليه السلام : "هذه خير لكم من أن يعطي كل واحد منكم مثل جميع الدنيا" فإن قلت : هل صدر عن النبي عليه السلام سهو قلت نعم كما قال : (شغلونا عن صلاة العصر) أي يوم الخندق (ملأ الله قلوبهم ناراً) وأيضاً سها عن صلاة الفجر ليلة التعريس وأيضاً صلى الظهر ركعتين ثم سلم فقال له أبو بكر رضي الله عنه صليت ركعتين
522(10/403)
فقام وأضاف إليهما ركعتين لكن سهوه عليه السلام فيما ذكر وفي غيره ليس كسهور سائر الخلق وأيهم مثله عليه السلام ، وهو في الاستغراق والانجذاب دائماً وقد قال تنام عيناي ولا ينام قلبي وفيه إشارة إلى السهو عن شهود لطائف الصلاة والغفلة عن أسررها وعلومها وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه لاهون مكان ساهون فعلى العاقل أن تفوته الصلاة التي هي من باب المعراج والمناجاة ولا يعبث فيها باللحية والثياب ولا يكثر والتثاؤب والالتفات ونحوهما ومن المصلين من لا يدري عن كم انصرف ولا ما قرأ من السورة {الَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ} أي يرون الناس مالهم ليروهم الثناء عليها فإن قلت فحينئذٍ يلزم الجمع بين القحيقة والمجاز لأن الثناء لا يتعلق به الرؤية ابصرية قلت هو محمود على عموم المجاز أو عل جعل الآراءة من الرؤية بمعنى المعرفة قال في "الكشاف" والعمل الصالح إن كان فريضة فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها لقوله عليه السلام : "ولا غمة في فرائض الله لأنها أعلام الإسلام وشعائر ادين ولأن تاركها يستحق الذم والمقت" فوجب إماطة التهمة بالإظهار وإن كان تطوعاً فحقه أن يخفى لأنه مما لا يلام بتره ولا تهمة فيه وإن أظهره قاصداً للاقتداء فيه كان جميلاً وإنما الرياء أن يقصد أن تراه الأعين فتثنى عليه بالصلاح واجتناب الرياء صعب لأنه أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود.
جزء : 10 رقم الصفحة : 521
كليد در دوزخست آن نماز
كه در شم مردم كزارى دراز
والفرق بين المرائي والمنافق إن المنافق يبطن الكفر ويظهر الإيمان والمرائي يظهر زيادة الخشوع وآثار الصلاح ليعتقد من يراه إنه من أهل الصلاح وحقيقة الرياء طلب ما في الدنيا بالعبادة وفيه إشارة إلى أن من يضيف أعماله وأحواله إلى نفسه الظلمانية فهو مراىء {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} من المعن وهو الشي القليل وسميت الزكاة ماعوناً لأنه يؤخذ من المال ربع العشر وهو قليل من كثير وقال أبو الليث : الماعون بلغة الحبشة المال وفي برهان القرآن قوله الذين هم ثم بعده الذين هم كرر ولم يقتصر على مرة واحدة لامتناع عطف الفعل على الاسم ولم يقل الذين هم يمنعون لأنه فعل فحسن العطف على الفعل وهذه دقيقة انتهى.
والمعنى ويمنعون الزكاة كما دل عليه ذكره عقيب الصلاة أو ما يتعور عادة فإن عدم المبالاة باليتيم والمسكين حيث كان من عدم الاعتقاد بالجزاء موجب للذم والتوبيخ فعدم المبالاة بالصلاة التي هي عماد الدين والرياء الذي هو شعبة من الكفر ومنع الزكاة التي هي قنطرة الإسلام وسوء المعامل مع الخلق ق بذلك وكم ترى من المتسمين بالإسلام بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة فيامصبتناه والمراد بما يتعاوره عادة أي يتداوله الناس بالعارية ويعين بعضهم بعضاً بإعارته هو مثل الفاس والقدر والدلو والأبرة والقصعة والغربال والقدوم والمقدحة والنار والماء والملح ومن ذلك أن يلتمس جارك أن يخبز في تنولك أو يضع متاعه عندك يوماً أو نصف يوم عن عائشة رضي الله عنها ، إنها قالت يا رسول الله ما الذي لا يحل منعه قال الماء والنار والملح فقالت يا رسول الله هذا الماء فما بال النار والملح قال لها : يا حميراء من أعطى ناراً فكأنما
523
تصدق بجميع ما طبخ بتلك النار ومن أعطى ملحاً فكأنما تصدق بجميع ما طيب بذلك الملح ومن سقى شربة من الماء حيث لا يوجد الماء فكأنما أحيى نفساً كما في "كشف الأسرار" وقد يكون منع هذه الأشياء محظوراً في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار وقبياً في المروءة في غير حال الضرورة وفي "عين المعاني" فلم منعوا من الكوثر ففي الآية الزجر عن البخل الذي هو صفة المنافقين.
جزء : 10 رقم الصفحة : 521(10/404)
تفسير سورة الكوثر
ثلاث آيات مكية أو مدنية
جزء : 10 رقم الصفحة : 523
{إِنَّآ} إن جار مجرى القسم في تأكيد الجملة {أَعْطَيْنَاكَ} بصيغة الماضي مع أن العطايا الأخروية وأكثر ما يكون في الدنيا لم تحصل بعد تحقيقا لوقوعها {الْكَوْثَرَ} أي الخير المفرط الكثرة من العلم والعمل وشرف الدارين فوعل من الكثرة كنوفل من النفل وجوهر من الجهر قيل لأعرابية آب ابنها من السفر تم آب ابنك قالت آب بكوثر أي بالعدد الكثير من الخير قال في "القاموس" الكوثر الكثير من كل شيء وفي المفردات وقد يقال للرجل السخي كوثر ويقال تكوثر الشيء كثر كثرة متناهية وروى عنه عليه السلام إنه قرأها فقال : أتدرون ما الكوثر إنه نهر في الجنة وعد فيه ربي فيه خير كثير أحلى من العسل وأشد بياضاً من اللبن وأبرد من الثلج وألين من الزبد حافتاه الزبرجد وأوانيه من فضة عدد نجوم السماء لا يظمأ من شرب منه أبداف أول وارديه فقراء المهاجرين لدنسوا الثياب الشعث الرؤوس الذين لا يزوحون المنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد ويموت أحدهم وحاجته تتلجلج في صدره لو أقسم على الله لائبره وعن ابن عباس رضيالله عنهما إنه فسر الكوثر بالخير تتلجلج في صدره لو سم على الله لأثبره وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنه فسر الكوثر بالخير الكثير فقال له سعيد بن حبيران ناساً يقولون هو نهر في الجنة فقال هو من الخير الكثير وعن عائشة رضي الله عنها ، من أراد أن يسمع خرير الكوثر فليدخل أصبعيه في أذنيه وقال عطاء هو حوضه لكثرة وارديه وفي الحديث حوضي ما بين صنعاء إلى أيلة على إحدى زواياه أبو بكر وعلى الثانية عمرو وعلى الثالثة عثمان وعلى الرابعة على فمن أبغض واحداً منهم لم يسقه الآخر فيكون الحوض في المحشر والأظهر إن جميع نعم الله داخلة في الكوثر ظاهرة أو باطنة فمن الاهرة خيرات الدنيا والآخرة ومن الباطنة العلوم اللدنية الحاصلة بالفيض الإلهي بغير اكتساب بواسطة القوى الظاهرة والباطنة.
صاحب تأويلات فرموده كه كوثر معرفت كثرتست بوحدت وشهود وحدت درعين كثرت واين نهريست دربستان معرفت هركه ازو سيراب شدا بد ازتشكى جهالت ايمن است وأين معنى خاصه حضرت رسالت عليه السلام وكمل أولياء أمت أو {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} أي وانحر له فحذف اكتفاء بما قبله والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إعطاءه تعالى إياه عليه السلام ما ذكر من العطية التي لم يعطها ولن يعطها أحداً من العاين مستوجب للمأمور به أي استيجاب والنحر في للبة كالذبح في الحلق
524
وامعنى فدم على الصلاة لربك الذي أفاض عليك هذه النعمة الجليلة التي لا تضاهيها نعمة خالصاً لوجهه كما دل عليه اللام الاختصاصية خلافاً للسهين عنها المرآئين فيها أداء لحقوق شكرها فإن الصلاة جامعة لجميع أقسام الشكر وهي ثلاثة لشكر بالقلب وهو أن يعلم أن تلك النعم منه لا من عيره والشكر باللسان وهو أن يمدح المنعم ويثنى عليه والشكر بالجوارح وهو أن يخدمه ويتواضع له والصلاة جامعة لهذه الأقسام وانحر البدن التي هي خيار أموال العرب باسمه تعالى يعني وشتر قربان كن براي وي.
جزء : 10 رقم الصفحة : 524
وتصدق على المحاويج خلافاً لمن يدعهم ويمنع منهم الماعون فالسورة كالمقابلة للسورة المتقدمة وقد فسرت الصلاة بصلاة العيدو النحر بالتضحية وهذا يناسب كون السورة مدنية وعن عطية هي صلاة الفجر بجمع والنحر بمنى مصطفى را لعيه السلام رسيدندكه اكر كسى درويش بود وطاقت قربان ندارد كونه كند تا ثواب قربان اورا حاصل شود كفت هار ركعت نمازكند درهر ركعتي يكابر الحمد خواند ويزاده بارانا أعطيناك الكوثر الله تعالى أورا ثواب شصت قربان در ديوان وى ثبت كند كما في "كشف الأسرار" وعن علي رضي الله عنه النحر ههنا وضع اليدين في الصلاة على النحر وعن سليمان التيمي أرفع يديك بالدعاء إلى نحرك.
وفي التأويلات النجمية : ونحر بدن أنانيتك وأنيتك بوضع يدك اليمنى الروحانية على يدك اليسرى الجسمانية على نحرك المشروح بسيف نص ألم نشرح لك صدرك {إِنَّ شَانِئَكَ} يقال شنأه كمنعه وسمعه شنأ أبغضه أي مبغضك {هُوَ} للفصل {الابْتَرُ} لبغضه لك لأن نسبة أمر إلى المشتق تفيد علية المأخذ والبغض ضد الحب والبتر يستعمل في قطع الذنب ثم أجرى قطع العقب مجراه فقيل فلان أبرت إذا لم يكن له عقب يخلفه والمعنى هو الذي لا عقب له حيث لا يبقى له نسل ولا حسن ذكر وأما أنت فتبقى ذريتك وحسن صيتك وآثار فضلك إلى يوم القيامة.
آثار اقتدار توتا حشر متصل
خصم سياه روى توبى حاصل وخجل(10/405)
ولك في الآخرة ما لا يندرج تحت البيان وذلك إنهم زعموا حين مات ابنه عليه السلام القاسم وعبد الله بمكة إبراهيم بالمدينة إن محمداً صلى الله عليه وسلّم ينقطع ذكره إذا انقطع عمره لفقدان سنله فنبه الله إن الذي ينطع ذكره هو الذي يشنأه فأما هو فكما وصفه الله تعالى ورفعنا لك ذكرك وذلك إنه أعطاه نسلاً يبقون على مر الزمان فانظركم قتل من أهل البيت ثم العالم متلىء منهم وجعله أباً للمؤمنين فهم أعقابه وأولاده إلا يوم القيام وقيض له من يراعيه ويراعي دينه الحق وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضي الله عنه ، العلماء باقون ما بقى الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة هذا في العلماء الذين هم أتباعه عليه السلام ، فكيف هو وقد رفع الله ذكره وجعله خاتم الأبنياء عليهم السلام.
وفي التأويلات النجمية : إن شانئك هو الأبتر وهو حمار النفس المبتور ذنب نسله وعقبه فإن أولاد الأعمال الصالحة والأحوال الصادقة والأخلاق الروحانية والأوصاف الربانية أولادك يا رسول القلب وأتباعك وأشياعك وأعوانك.
جزء : 10 رقم الصفحة : 524
يقول الفقير : أيده الله القدير وردت لعى سورة الكوثر وقت الضحى بعد القيلولة
525
والإشرة فيها إنا بجميع أسمائنا اللطفية الجمالية الإكرامية أعطيناك يا محمد القلب وروسل الهدى المبعوث إلى جميع القوى بالخير والهدى الكوثر وهو العلم الكثير الفائض من منبع الاسم الرحمن فإنا رحمناك بهذه الرحمة العامة الشاملة لجميع الرحمات فلذا صرت مظهر الرحمة الكلية في جميع المواطن فلك علم الأحكام وعلم الحقائق فصل في مسجد الفناء والتسليم وهو المسجد الإبراهيمي لربك أي لشكر ربك ولا دامة شهوده وإبقاء حضوره معك في جميع الحالات وانحر دنة البدن في طريق الخدمة وبدنة الطبيعة في طريق العفة وبدنة النفس في طريق الفتوة إن شانئك أي مبغضك من القوى الشريرة الأنفسية والآفاقية هو الأبتر المقطوع أعقابه وآخره كما قال تعالى فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد رب العالمين الذي ربي لولياء فجعل لهم الوصل كما جعل لأعدائهم القطع ثم إن قوله هو الأبتر يوقف عليه ثم يقال الله أكبر ، ولا يوصل بالتكبير حذراً من الإيهام.
جزء : 10 رقم الصفحة : 524
تفسير سورة الكافرون
ست آيات مكية أو مدنية
جزء : 10 رقم الصفحة : 525
{قُلْ يا اأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} قالوا في مناداتهم بهذا الوصف الذي يسترذلونه في بلدتهم ومحل عزهم وشوكتهم إيذان بأنه عليه السلام ، محروس منهم فيها علم من أعلام النبوة وفي التعبير بالجمع الصحيح دلالة على قلتهم أو حقارتهم وذلتهم وهم كفرة مخصوصة كالوليد بن المغيرة وأبي جهل والعاص بن وائل وأمية بن خلف والأسود بن عبد يغوث والحارث بن قي ونحوهم قد علم الله إنه لا يأتي ولا يتأتى منهم الإيمان أبداً على ما هو مضمون السورة فالخطاب للرسول عليه السلام ، بالنسبة إلى قوم مخصوصين لا يردان مقتى هذا الأمران يقول كل مسلم ذلك لكل جماعة من الكفار مع أن الشرع ليس حاكماً به روى أن رهطاً من عتاة قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك بعبد آلهتنا سنة ونعبد ءهك سنة فقال معاذ الله إن رك بالله غيره فقالوا استلم بعض آلهنا نصدقك ونعبد إلهك فنزلت فغدا إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقام على رؤوسهم فقرأها عليهم فأيسوا منه عند ذلك وآذوه وأصحابه وفيه إشارة إلى الذين ستروا نوراً استعدادهم الأصلي بظلمة صفات النفوس وآثار الطبيعة حجبوا عن الحق بالغير {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} أي فيما يستقبل لأن لا تدخل غالباً إلا على مضارع في معنى الاستقبال كما أن ما لا تدخل إلى على مضارع في معنى الحال ألا ترى إن لن تأكيد فيما ينفيه لا قال الخليل في لن أصله لا والمعنى لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم {وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} أي ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلب منكم من عبادة إلهي والمراد ولا أنتم عابدون عبادة يعتد بها إذ العبادة مع إشراك الأنداد لا تكون في حيز الاعتداد {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} أي وما كنت عابداًفيما سلف ما عبدتم فيه أي لم يعهد مني عبادة صنم في الجاهلية فكيف يرجى مني في الإسلام {وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} أي وما عبدتم في وقت من الأوقات ما أنا على عبادته وهو الله تعالى فليس في
526
جزء : 10 رقم الصفحة : 526(10/406)
السورة تكرار وقيل هاتان الجملتان لنفي العبادة حالاً كما أن الأولين لنفيها استقبالاً وإنما لم يل ما عبدت ليوافق ما عبدتم لأنهم كانوا موسومين قبل البعثة بعبادة الأصنام وهو عليه السلام لم يكن حينئذٍ موسوماً بعبادة الله ومشتهراً بكونه عابداًعلى سبيل الامتثال لأمره يعني على ما قتضيه جعل العبادة صلة للموصول ثم عدم الموسومية بشيء لا يقتضي عدم ذلك الشيء فلا يلزم أن لا يكون عليه السلام ، عابداًقبل البعثة بل يكون ما وقع منه قبلها من قبيل الجري على العادة المستمرة القديمة وفي "القاموس" كان عليه السلام ، على دين قوه على ما بقي فيهم من أرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، في حجهم ومناكحهم وبيوعهم وأساليبهم وإما التوحيد فإنهم كانوا بذلوه والنبي عليه السلام لم يكن إلا عليه انتهى.
وإيثار ما في أعد على من لان لمراد هو الوصف كأنه قيل ما أعبد من المعبود العظيم الشان الذي لا يقادر قدر عظمته {لَكُمْ دِينُكُمْ} تقرير لقوله تعالى : {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} وقوله تعالى : ولا أنا عابد ما عبدتم ولي} بفتح ياء المتكلم {دِينِ} بحذف الياء إذ أصله ديني وهو تقرير لقوله تعالى : {وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} والمعنى إن دينكم الذي هو الإشراك مقصور على الحصول لكم لا يتجاوزه إلى الحصول لي أيضاً كما تطمعون فلا تعلقوا به أمانيكم الفارعة فإن ذلك من المحال وإن ديني الذي هو التوحيد مقصور على الحصول لي لا يتجاوز إلى الحصول لكم أيضاً لأنكم علقتموه بالمحال الذي هو عبادتي لآلهتكم أو استلامي إياها ولأن ما وعدتموه عين الإشراك وحيث كان مبنى قولهم تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة على شركة الفريقين كلتا العبادتين كان القصر المستفاد من تديم المسند قصر أفراد حتماً وفي عين المعاني ونحوه هو منسوخ بآية السيف وقال أبو الليث : وفيها دليل على أن الرجل إذا رأى منكراً أو سمع قولاً منكراً فأنكره ولم يقبلوا منه لا يجب عليه أكثر من ذلك وإنما عليه مذهبه وطريقه وتكرهم على مذهبهم وطريقهم.
يقول الفقير : وردت على هذه السورة وكأني أقرأها في صلاة العصر بصوت جهوري حتى أسمعتها جميع ما في الكون وإشارتها قل يا محمد القلب يا أيها الكافرون أي القوى النفسانية الساترة للتوحيد بالشرك والطاعة بالمعصية ولوحدة بالكثرة والوجود الحقيقي بالوجود المجازي ونور الحقيقة الوجوبية بظلمة الحقيقة الإمكانية لا أعبد ما تعبدون من الأصنام التي يعبر عنها بما سوى الله فإني مأمور بالإيمان بالله والكفر بالطاغوت وكل ما سوى الله من قبيل الطاغوت والإله المجعول المقيد فلا يستحق العبادة إلا الله المطلق عن الإطلاق والتقييد ولا أتم عابدون ما أعبد وهو الله الواحد القهار الذي قهر بوحدته جميع الكثرات ولكن لا يقف عليه إلا أهل الوحدة والشهو وأنتم أهل الكثرة والاحتجاب فإني لكم هذا الوقوف ولا أنا عابد ما عبدتم من التلوينات والتقلبات في الكثرات الإسمائية والصفاتية ولا أنتم عابدون ما أعبد من التمكين والتحقيق وكذا من التلوين في التمكين فإنه من مقتضيات ظهور حقائق جميع الأسماء وليس فيه ميل وانحراف عن الحق أصلاً بل فيه بقاء مع الحق في كل طور لكم دينكم الذي
527
هو الإيمان بالطاغوت والكفر بالله وهو الدين يجب التبري منه ولي دين الذي هو الإيمان بالله والكفر بالطاغوت وهو الدين الذي يجب التعلق بأحكامه والتخلق بأخلاقه والتحقق بحقائقه هذا فحقائق القرآن ليست بمنسوخة أبداً بل العمل بها باق.
جزء : 10 رقم الصفحة : 526
ابن عباس رضي الله عنهما فرموده در قرآن سوره نيست بر شيطان سخت ترازين سوره زيراكه توحيد محض است ودرو برائت از شرك فمن قرأها برىء من الشرك وتباعد عنه مردة الشياطين وأمن من الفزع الأكبر وهي تعدل ريع القرآن وفي الحديث مروا صبيانكم فليقرأوها عند المنام فلا يعرض لهم شيء ومن خرج مسافراً فقرأ هذه السور الخمس قل يا أيها الكافرون إذا جاء نصر الله ، قل هو الله أحد ، قل أعوذ برب الفلق ، قل أعوذ برب الناس ، رجع سالماً غانماً.
جزء : 10 رقم الصفحة : 526(10/407)
تفسير سورة النصر
ثلاث آيات مدنية
جزء : 10 رقم الصفحة : 527
إذ جاء نصر الله} أي أعانته تعالى وإظهاره إياك على أعدائك فإن قلت لا شك إن ما وقع من الفتوح كان بنصرة المؤمنين فما وجه أضافتها إلى الله قلت لأن أفعالهم مستندة إلى دواعي قلوبهم وهي أمور حادثة لا بد لها من محدث وهو الله تعالى فالعبد هو المبدأ الأقرب والله هو المبدأ الأول والخالق للدواعي وما يبتني عليها من الأفعال والعامل في إذا هو سبح أيفسبح إذا جاء نصر الله ولا يمنع الفاء عن العمل على قول الأكثرين أو فعل الشرط وليس إذا مضافاً إليه على مذهب المحققين وإذا لما يستقبل واوَلام بذلك قبل كونه من أعلام النبوة لما روى أن السورة نزلت قبل فتح مكة كما عليه الأكثر {وَالْفَتْحُ} أي فتح مكة على أن الإضافة واللام للعهد وهو الفتح الذي تطمح إليه الأبصار ولذلك سمى فتح الفتوح ووقع الوعد به في أول سورة الفت وقد سبقت قصة الفتح في تلك السورة وقيل جنس نصر الله ومطلق الفتح على أن الإضافة واللام للاستغراق فإن فتح مكة لما كان مفتاح الفتوح ومناطها كما أن نفسها أم القرى وأمامها جعل مجيئه بمنزلة مجيء سائر الفتوح وعلق به أمره عليه السلام وإنهما على جناح الوصول إليه عن قريب ويمكن أن يقال التعبير للإشارة إلى حصول نصر الله بمجيء جند بهم النصر وقيل نزلت السورة في أيام التشريق بمنى في حجة الوداع وعاش عليه السلام بعدها ثمانين يوماً أو نحوها فكلمة إذا حينئذٍ باعتبار أن بعض ما في حيزها أعني رؤيته دخول الناس.
.
الخ.
غير منقض بعد وقال سعدى المفتي وعلى هذه الرواية فكلمة إذا تكون خارجة عن معنى الاستقبال فإنها قد تخرج عنه كما قيل في قوله تعالى : [الجمعة : 11-5]{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} الآية وفي المصطلحات إن الفتوح كل ما يفتح على العبد من الله تعالى بعد ما كان مغلقاً عليه من النعم الظاهرة والباطنة كالأرزاق والعبادات والعلوم والمعارف والمكاشفات وغير ذلك والفتح القريب هو ما انفتح على العبد من مقام القلب وظهور صفاته وكمالاته عند قطع منازل النفس وهو المشار إليه بقوله نصر من الله
528
وفتح قريب والفتح المبين هو ما يفتح على العبد من مقام الولاية وتجليات أنوار الأسماء الإلهية المفنية لصفات القلب وكمالاته المشار إليه بقوله : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر يعني من الصفات النفسانية والقلبية والفتح المطلق هو أعلى الفتوحات وأكملها وهو ما انفتح على العبد من تجلى الذات الأحدية والاستغراق في عين الجمعب فناء الرسوم الخلقية كلها وهو المشار إليه بقوله : إذا جاء نصر الله والفتح انتهى.
وقد سبق بعبارة أخرى في سورة الفتح وعلى هذا فالمراد بالنصر هو المدد الملكوتي والتأييد القدسي بتجليات الأسماء والصفات وبالفتح هو الفتح المطلق الذي لا فتح وراءه وهو فتح باب الحضرة الإلهية الأحدية والكشف الذاتي ولا شك إن الفتح الأول هو فتح ملكوت الأفعال في مقام القلب بكشف حجاب حس النفس بإفناء أفعالها في أفعال الحق والثاني هو فتح جبروت الصفات في مقام الروح بكشف حجاب خيالها بإفناء صفاتها في صفاته والثالث هو فتح لاهوت الذات في مقام السر بكشف حجاب وهمها بإفناء ذاتها في ذاته ومن حصل له هذا النصر والفتح الباطني حصل له النصر والفتح الظاهري أيضاً لأن النصر والفتح من باب الحرمة وعند الوصول إلى نهاية النهايات لا يبقى من السخط أثر أصلاً ويستوعب الظاهر والباطن أثر الرحمة مطلقاً ومن ثمة تفاوت أحوال الكمل بداية ونهاية فظهر من هذا إن كلا من النصر والفتح في الآية ينبغي أن يحمل على ما هو المطلق لكنى اقتفيت أثر أهل التفسير في تقديم ما هو المقيد لكنه قول مرجوح تسامح الله عن قائله ورأيت الناس} أبصرتهم أو علتمهم يعني العرب واللام للعهد أو الاستغراق العرفي جعلوه خطاباً للنبي عليه السلام ، بالاستغفار مع إنه لا تقصير له إذ الخطاب لا يخصه فالأمر بالاستغفار لمن سواه وإدخاله في الأمر تغليب {يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ} أي ملة الإسلام التي لا دين يضاف إليه تعالى غيرها والجملة على تقدير الرؤية البصرية حال وعلى تقدير الرؤية القلبية مفعول ثان وقال بعضهم : ومما يحتلج في القلب إن المناسب لقوله يدخلون.
.
الخ إن يحمل قوله والفتح على فتح باب الدين عليهم {أَفْوَاجًا} حال من فاعل يدخلون أي يدخلون فيه جماعات كثيرة كأهل مكة والطائف واليمن وهو أزن وسائر قبائل العرب وكانوا قبل ذلك يدخلون فيه واحداً واحداً واثنين اثنين روى إنه عليه السلام لما فتح مكة أقبلت الرعب بعضها على بعض فقالوا إذا ظفر بأهل الحرم فلن يقاومه أحد وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل ومن كل من أرادهم فكانوا يدخلون في دين الإسلام أفواجاً من غير قتال.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 528
قال الكاشفي) : درسال نزول اين سوره تتابع وفود بود ون بني أسد وبني مرة وبني كلب وبني كنانة وبني هلال وغير ايشان ازا اكناف وأطراف بخدست آن حضرت آمده بشرف إسلام مشرف ميشدند.(10/408)
قال أبو عمر ابن عبد البر لم يمت رسول الله عليه السلام وفي العرب رجل كافر بل دخل الكل وفي الإسلام بعد حنين منهممن قدم ومنهم من قدم وافده وقال ابن عطية والمراد والله أعلم العرب عبدة الأوثان وإما نصارى بني تغلب
529
فما أسلموا في حياته عليه السلام ، ولكن أعطوا الجزية وفي "عين المعاني" الناس أهل البحر ، قال عليه السلام : "الإيمان يماني والحكمة يمانية" وقال وجدت نفس ربكم من جانب اليمن أي تنفيسه من الكرب وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه إنه بكى ذات يوم فقيل لهفي ذلك فقال سمعت رسول الله عليه السلام ، يقول دخل الناس في دين الله أفواجاً وسيخرجون منه أفواجاً {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} التسبيح مجاز عن التعجب بعلاقة السببية فإن من رأ أمر أعجبياً يقول سبحان الله قال ابن الشيخ لعل الوجه في إطلاق هذه الكلمة عند التعجب كما ورد في الأذكار ولكل أعجوبة سبحان الله هو أن الإنسان عدن مشاهدة الأمر العجيب الخارج عن حد أمثاله يستبعد وقوعه وتنفعل نفسه منه كأنه استقصر قدرة الله فلذلك خطر على قلبه أن يقول من قدر عليه وأوجده ثم إنه في هذا الزعم مخطىء فقال سبحان الله تنزيهاً عن العجز عن خلق أمر عجيب يستبعد وقوعه لتيقنه بأن الله على كل شيء قدير قال الامام السهيلي رحمه الله ، سر اقتران الحمد بالتسبيح أبداً نحو سبح بحمد ربك وإن من شيء ألا يسبح بحمده إن معرفة الله تنقسم قسمين معرفة ذاته ومعرفة أسمائه وصفاته ولا سبيل إلى إثبات أحد القسمين دون الآخر وإثبات وجود الذات من مقتضى العقل وإثبات الأسماء والصفات من مقتضى الشرع فبالعقل عرف المسمى وبالشرع عرفت الأسماء ولا يتصور في العقل إثبات الذات إلا مع نفي سمات الحدوث عنها وذلك هو التسبيح ومقتضى العقل مقدم على مقتضى الشرع وإنما جاء الشرع المنقول بعد حصول النظر والعقول فنبه العقول على النظر فعرفت ثم علمها ما لم تكن تعلم من الأسماء فانضاف لها التسبيح والحدم والثناء فما أمرنا تسبيحه إلا بحمده انتهى.
ومعنى الآية فقل سبحان الله حال كونك ملتبساً بحمده أي فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببال أحد من أن يغلب أحد على أهل حرمه المحترم وأحمده على جميع صنعه هذا على الرواية الأولى ظاهر وإما على الثانية فلعله أمربأن يداوم على ذلك استعظاماً لنعمته لا بأحداث التعجب لما ذكر فإنه إنما يناسب حالة الفتح.
وقال بعضهم : والأشبه أن يراد نزهه عن العجز في تأخير ظهور الفتح وأحمده على التأخير وصفه بأن توقيت الأمور من عنده ليس إلا بحكم لا يعرفها إلا هو انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 528
أو فاذكره مسبحاً حامداً وزد في عبادته والثناء عليه لزيادة إنعامه عليك أو فصل له حامداً على نعمه فالتسبيح مجاز عن الصلاة بعلاقة الجزئية لأنها تشتمل عليه في الأكثر روى إنه عليه السلام لما فتح باب الكعبة صلى صلاة الضحى ثماني ركعات وحملها بعضهم على صلاة الشكر لا على صلاة الضحى وبعضهم على أن أربعاً منها للشكر وأربعاً للضحى أو فنزهه عما يقول الظلمة حامداً له على أن صدق وعده أو فأثن على الله بصفات الجلال يعني الصفات السلبية حامداً له على صفات الإكرام يعني الصفات الثبوتية أي على آثرها أو على تنزيلها منزلة الأوصاف الاختيارية لكفاية الذات المقدس في الاتصاف بها فإن المحمود عليه يجب أن يكون أمراً اختيارياً.
وقال القاشاني : نزه ذاتك عن الاحتجات بمقام القلب الذي هو معدن النبوة بقطع علاقة البدن والترقي إلى مقام حق اليقين الذي هو معدن الولاية حامداً له بإظهار كمالاته
530
(10/409)
وأوصافه التامة عند التجريد بالحمد الفعلي {وَاسْتَغْفِرْهُ} هضماً لنفسك واستقصاراً لعملك واستعظاماً لحقوق الله واستدراكاً لما فرط منك من ترك الأولى أو استغفر لذنبك وللمؤمنين وهو المناسب لما في سورة محمد وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار على طريقة النزول من الخالق إلى الخلق حيث لم تشتغل على رؤية الناس باستغفارهم أولاً مع إن رؤيتهم تستدعى ذلك بل اشتغل أولاً بتسبيح الله وحمده لأنه رأى الله قبل رؤية الناس كما قيل ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله قبله وذلك لأن الناس مرآة العارف وصاحب المرآة يتوه أولاً إلى المرئي وبرؤية المرئي تلتفت نفسه إلى المرآة ولك أن تقول إن في التقديم المذكور تعليم أدب الدعاء وهو أن لا يسأل فجأة من غير تقديم الثناء على المسؤول عنه عن عائشة رضي الله عنها ، إنه كان عليه السلام يكثر قبل موته أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب إليك وعنه عليه السلام ، إني لاستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة ومنه يعلم إن ورد الاستغفار لا يسقط أبداً لأنه لا يخلو الإنسان عن الغين والتلوين وروى إنه لما قرأها النبي عليه السلام على أصحابه استبشروا وبكى العباس فقال عليه السلام ما يبكيك يا عم قال نعيت إليك نفسك أي ألقى إليك خبر موت نفسك والنعي ألقاء خبر الموت قال عليه السلام ، إنها لكما تقول فلم ير عليه السلام ، بعد ذلك ضاحكاً مستبشراً وقيل إن ابن عباس رضي الله عنهما هو الذي قال ذلك فقال عليه اسلام لقد أوتى هذا الغلام علماً كثيراً ولذلك كان عمر يدنيه ويأذن له مع أهل بدر ولعل ذلك للدلالة على تمام أمر الدعوة وتكامل أمر الدين كقوله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} والكمال دليل الزوال كما قيل.
جزء : 10 رقم الصفحة : 528
توقع زوالاً إذا قيل تم.
أو لأن الأمر بالاستغفار تنبيه على قرب الأجل كأنه قال قرب الوقت ودنا الرحيل فتأهب للأمر ونبه به على أن العاقل إذا قرب أجله ينبغي أن يستكثر من التوبة وروى إنها لما نزلت خطب رسول الله فقال إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين لقائه فاختار لقاء الله فعلم أبو بكر رضي الله عنه فقال فديناك بأنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا وعنه عليه السلام إنه دعا فاطمة رضي الله عنها ، فقال : يا بنتاه إنه نعيت إلى نفسي يعني خبر وفات من دهند.
نامه رسد ازان جهان بهر مراجعت برم
عزم رجوع ميكنم رخت برخ ميبرم
فبكت فقال لا تبكي فإنك أول أهلي لحوقاً بي فضحكت وعن ابن مسعود إن هذه السورة تسمى سورة التوديع لما فيها من الدلالة على توديع الدنيا قال علي رضي الله عنه لما نزلت هذه السورة مرض رسول الله عليه السلام ، فخرج إلى الناس فخطبهم وودعهم ثم دخل المنزل فتوفى بعد أيام قال الحسن رحمه الله أعلم إنه قد اقتر أجله فأمر بالتسبيح والتوبة ليختم له بالعمل الصالح وفيه تنبيه لكل عاقل إنه كان تواباً} مبالغاً في قبول توبتهم منذ خلق المكلفين فليكن كل تائب مستغفر متوقعاً للقبول وذلك إن قبول التوبة من الصفات الإضافية ولا منازعة في حدوثها فاندفع ما يرد إن المفهو من الآية إنه تعالى تواب في الماضي
531
وكونه تواباي الماضي كيف يكون علة للاستغفار في الحال والمستقبل وفي اختيار إنه كان تواباً على غفاراً مع أنه الذي يستدعيه قوله واستغفر حتى قيل وتب مضمر بعده وإلا لقال غفاراً تنبيه على أن الاستغفار إنما ينفع إذا كان مع التوبة والندم والعزم على عدم العود ثم إن من أضمر وتب يحتمل إنه جعل الآية من الاحتباك حيث دل بالأمر بالاستغفار على التعليل بأنه كان غفاراً وبالتعليل بأنه كان تواباً على الأمر بالتوبة أي استغفره وتب.
ذكر البرهان الرشيدي إن صفات الله تعالى التي على صيغة المبالغة كلها مجاز لأنها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها لأن المبالغة أن يثبت للشيء أكبر أكثر مماله وصفاته تعالى منزهة عن ذلك واستحسنه الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله وقال الزركشي في البرهان التحقيق إن صيغة المبالغة قسمان أحدهما ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل والثاني بحسب تعدد المفعولات ولا شك إن تعددها لا يوجب للفعل زيادة إذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعددين وعلى هذا القسم تنزل صفاته ويرفع الأشكال ولهذا قال بعضهم : في حكيم معنى المبالغة فيه تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع وقال في الكشاف المبالغة في التواب للدلالة على كثرة من يتوب عليه أو لأنه بليغ في قبول التوبة بحيث ينزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط لسعة كرمه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 528(10/410)
تفسير سورة المسد
خمس آيات مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 531
{تَبَّتْ} أي أهلكت فإن التباب الهلاك ومنه قولهم أشابة أم تابة أ هالكة من الهرم والعجز أو خسرت فإن التباب أيضاً خسران يؤدي إلى الهلاك {يَدَآ أَبِى لَهَبٍ} تثنية يد واللهب واللهي اشتعال النار إذا خلص من الدخان أو لهبها لسانها ولهيبها حرها أبو لهب وتسكن الهاء كنية عبد العز بن عبد المطلب لجماله أو لماله كما في "القاموس" يعني إن التكني لإشراق وجنتيه وتلهبهما وإلا فليس له ابن يسمى باللهب وإيثار التباب على الهلاك وإسناده إلى يديه لما روى أنه لما نزل وأنذر عشيرتك الأقربين رقى رسول الله عليه السلام ، الصفاء وجمع أقاربه فأنذرهم فقال فقال يا بني عبد المطلب يا بني فهر إن أخبرتكم إن بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي قالوا : نعم يعني اكر من شمارا خبر كنم بآنكه در اي اين كوه جمعي آمده اند بداعبه آنكه ير شماشبيخون كرده دست بقتل وغارت بكشايند مرا دران تصديق ميكنيد يانه كفتند را نكنيم وتويش ما بدروغ نعتهم نشده.
قال فإ نذير لم بين يدي الساعة فقال عمه أبو لهب تبا لك يعني هلاكت باد.
ألهذا دعوتنا وأخذ حجراً بيده ليرميه عليه السلام ، به فمنعه الله من ذلك حيث لم يستطع أن يرميه فلا كناية في ذكر اليدين ووجه وصف يديه بالهلاك ظاهر وأما
532
وصفهما بالخسران فلرد ما أعتقده من نفعه وربحه في أذية رسول الله عليه السلام ، ورميه بالحجر وذكر في التأويلات ألما تريدية إنه كان كثير الإحسان إلى رسول الله عليه السلام ، وكان يقول إن كان الأمر لمحمد فيكون لي عنده يد وإن كان لقريش فلي عندها يد فأخبر أنها خسرت يده التي كانت عند محمد عليه السلام ، بعناده له ويده التي عند قريش أيضاً لخسران قريش وهلاكهم في يد محمد {وَتَبَّ} أي وهلك كله فهو أخبار بعد أخبار والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه وقيل المراد بالأولى هلاك جملته كقوله تعالى : [المسد : 2]{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} على أن ذكر اليد كناية عن النفس والجملة ومعنى وتب وكان ذلك وحصل ويؤيده قراءة من قرأ وقد تب فإن كلمة قد لا تدخل على الدعاء وقيل كلاهما دعاء عليه بالهلاك والمراد بيان استحقاقه لأن يدعى عليه بالهلاك فإن حقيقة الدعاء شأن العاجز وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بكنيته فليست للتكريم أو لكراهة ذكر اسمه القبيح إذ فيه إضافة إلى الصنم أو للتعريض بكونه جهنمياً لأنه سيصلى ناراً ذات لهب يعني إن أبا لهب باعتبار معناه الإضافي يصلح إن بكون كناية عن حاله وهي كونه جهنمياً لأن معناه باعتبار إضافته ملابس اللهب كما أن معنى أبو الخير وأخو الحرب بذلك الاعتبار ملابس الخير والحرب واللهب الحقيقي لهب جهنم وهذا المعنى يلزمه إنه جهنمي ففيه انتقال من الملزوم إلى اللازم فهي كنية تفيد الذم فاندفع ما يقال هذا يخالف قولهم ولا يكنى كافر فاسق ومبتدع إلا لخوف فتنة أو تعريف لأن ذلك خاص بالكنية التي تفيد المدح لا الذم ولم يشتهر بها صاحبها قال في الاتقان ليس في القرآن من الكنى غير أبي لهب ولم يذكر اسمه وهو عبد العزى أي الصنم لأنه حرام شرعاً انتهى.
وفيه الحرام وضع ذلك لا استعماله وفي كلام بعضهم ما يفيدان الاستعمال حرام أيضاً إلا أن يشهر بذلك ما في الأوصاف المنقصة كالأعمش وكان بعد نزول هذه السورة لا يشك المؤمن إنه من أهل النار بخلاف غيره ولم يقل في هذه السورة قل تبت.
.
الخ لئلا يكون مشافها لعمه بالشتم والتغليظ وإن شتمه عمه لأن للعم حرمة كحرمة الأب لأنه مبعوث رحمة للعالمين وله خلق عظيم فأجاب الله عنه وقرىء أبو لهب بالواو كما قيل علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان مع أن القياس الياء لكونه مضافاً إليه كيلاً يغير منه شيء فيشكل على السامع والحاصل إن الكنية بمنزلة العلم والإعلام لا تتغير في شيء من الأحوال وكان لبعض أمراء مكة ابنان أحدهما عبد الله بالجر والآخر عبد الله بالفتح ما أغنى عن ماله وما كسب} أي لم يغن عنه حين حل به التبات ولم ينفعه أصلاً على أن ما نافية أو أي شيء أغنى عنه على أنها استفهامية في معنى الإنكار منصوبة بما بعدها على إنه مفعول به أو أي أغناء أغنى عنه على أنها مفعول مطلق أصل ماله وما كسبه به من الأرباح والنتائج والمنافع والوجاهة والاتباع ولا أحداً أكثر مالاً من قارون وما دفع عنه الموت والعذاب ولا أعظم ملكاً من سليمان لعيه السلام وقد قيل فيه :
جزء : 10 رقم الصفحة : 532
نه برباد رفتى سحركاه وشام
سرير سليمان عليه السلام
بآخ نديديكه برباد رفت
خنك آنكه بادانش وداد رفت
أو ماله الموروث من أبيه والذي كسبه بنفسه أو عمله الخبيث الذي هو كيده في عداوة النبي
533
عليه السلام ، أو عمله الذي ظن إنه منه على شيء كقوله تعالى : {وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُوا} من عمل فجعلناه هباء منثوراً وقال بعضهم : ما كسب منفعة وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما كسب ولده.(10/411)
(وروى) إنه كان يقول إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأنا افتدى منه نفسي بمالي وولدي فاستخلص منه وقد خاب رجاه وما حصل ما تمناه فافترس ولده عتبة أسد في طريق الشأم وذلك إن عتبة بن أبي لهب وكان تحت ابنة رسول الله عليه السلام أراد الخروج إلى الشأم فقال لآتين محمداً فلأوذنه فأتاه فقال يا محمد هو كافر بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى ثم تفل في وجه رسول الله ورد عله ابنته وطلقها فقال عليه السلام : اللهم سلط عليه كلباً من كلابك فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلاً فأشرف عليهم راهب من الدير فقال إن هذه أرض مسبعة فقال أبو لهب أعينوني يا معشر قريش هذه الليلة فإني أخاف عى ابني دعوة محمد فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم وأحدقوا بعتبة فجاء الأد يتخللهم ويتشمم وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله وهلك أبو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر لسبع ليال والعدسة بثرة تخرج في البدن تشبه العدسة وهي من جنس الطاعون تقتل غالباً فاجتنبه أهله مخافة العدوى وكانت قريش تتقيها كالطاعون فبقي ثلاثاً حتى أنتن ثم استأجروا بعض السودان واحتملوه ودفنوه فكان الأمر كما أخبر به القرآن وفي إنسان العيون لم يحفروا له حفيرة ولكن أسندوه إلى حائط وقذفوا عليه الحجارة خلف الحائط حتى واروه وفي رواية حفروا له ثم دفعوه بعود في حفرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه وعن عائشة رضي الله عنها ، إنها كانت إذا مرت بموضعه ذلك غطت وجهها والقبر الذي يرجم خارج باب الشبيكة الآن ليس بقبر أبي لهب وإنما هو قبر رجلين لطخا الكعبة بالعذرة وذلك في دولة بني العباس فإن الناس أصبحوا يوماً فوجدوا الكعبة ملطخة بالعذرة فرصدوا للفاعل فأمسكوهما بعد أيام فصلبا في ذلك الموضع فصارا يرجمان إلى الآن سيصلى} أي ما ذكر من العذاب مآل أمره في النشأة الأولى وفي النشأة الآخرة سيدخل لا محالة {نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}
جزء : 10 رقم الصفحة : 532
نارا عظيمة ذات اشتعال وتوقد وهي نارج هنم ولسي هذا نصاً في إنه لا يؤمن أبداً حتى يلزم من تكليفه الإيمان بالقرآن أن يكون مكلفاً بأن يؤمن بأنه لا يؤمن أبداً فيكون مأموراً بالجمع بين النقيضين كما هو المشهور فإن صلى النار غير مختص بالكفار فيجوز أن يفهم أبو لهب من هذا إن دخوله النار لفسقه ومعاصيه لا لكفره فلا اضطرار إلى الجواب المشهور من أن ما كلفه هو الإيمان بجميع ما جاء به النبي عليه السلام إجمالاً لا الإيمان بتفاصيل ما نطق به القرآن حتى يلزم أن يكلف الإيمان بعدم إيمانه المستمر {وَامْرَأَتُهُ} عطف على المستكن في سيصلى لكون الفصل بالمفعول يعني زن أو نزي با ودر آيد وداخل نار شود وهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفاين عمة معاوية رضي الله عنه ، واسمها العوراء وآن درهمسا يكى حضرت عليه السلام ، خانه داشت وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنشرها بالليل في طريق النبي عليه السلام ، تا خارى نعوذ بالله در دامنش آو يزديا درايش خلد وكن عليه السلام يطأه كما يطأ الحرير وفي تفسير أبي الليث حتى صار النبي عليه السلام ، وأصحابه في شدة
534
وعناء وفي تفسير الكاشفي وآن حضرت كه بنماز بيرون آمدي آنها برسرراه بركرفتي وبطريق ملايمت كفتى اين ه نوع همسا يكيست كه يا من ميكنيد.
مير يختند درره توخار باهمه
ون كل شكفته بود رخ كلستان تو
{حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} الحطب ما أعد من الشجر شبوباً كما في "القاموس" ونصب حمالة على الشتم والذم أي أذم حمالة الحطب قال الزمخشري وأنا استحب هذه القراءة وقد توسل إلى رسول الله عليه السلام ، بجميلم ن أحب شتم أم جميل انتهى.
وقيل على الحالية بناه على أن الإضافة غر حقيقية إذا المراد إنها تحمل يوم القيامة حزمة حطب كالزقوم والضريع وفي جيدها سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يناسب حاله في جرمه وعن قتادة إنها مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظرها لشدة بخلها فعيرت بالبخل فالنصب حينئذٍ على الشتم حتماً وقيل كانت تمشي بالنميمة وتفسد بين الناس تحمل الحطب بينهم أي توقد بينهم النائرة وتورث الشر.
س هيزم كشى عبارتست ازسخن ينى كه آتش خصومت ميان دوكس برمى افروزد.
ميان دوكس جنك ون آتش است
سخن ين بدبحت هيزم كش است
كنند اين وآن خوش دكر باره دل
وى اندرميان كور بخت وخجل
ميان دوكس آتش افروختن
جزء : 10 رقم الصفحة : 532
نه عقلست خود درميان سوختن
{فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَد} جملة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر والجملة حالية والجيد بالكسر العنق ومقلده أو مقدمه كما في "القاموس" والمسد ما يفتل من الحبال فتلا شديداً من ليف كان أو جلداً وغيرهما يقال دابة ممسودة شديدة الأسر والمعنى في عنقها حبل مما مسد من الحبال وإنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون تخسيساً حالها وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن لتغضب من ذلك ويشق عليها ويغضب بعلها أيضاً وهما في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة قال مرة الهمداني كانت أم جميل تأتي كل يوم بابالة من حسك فتطرحها على طريق المسلمين فبينما هي ذات ليلة حاملة حزمة أعيت فقعدت على حجر لتستريح فجذبها الملك من خلفها فاختقت بحبلها حتى هلكت وبدوزخ رفت وفي ينبوع الحياة إنها لما بلغها سورة تبت يدا أبي لهب جاءت إلى أخيها أبي سفيان في بيته وهي متحرقة غضبي فقالت له ويحك يا أحمس أي يا شجاع أما تغضب إن هجاني محمد فقال سأكفيك إياه ثم أخذ بسيفه وخرج ثم عاد سريعاً فقالت له هل قتلته فقال لها يا أختي أيسرك إن رأس أخيك في فم ثعبان قالت لا والله قال فقد كاد ذلك يكون الساعة أي فإنه رأى ثعباناً لو قرب منه صلى الله عليه وسلّم لالتقم رأسه ثم كان من أمر أبي سفيان الإسلام ومن أمر أخته الموت على الكفر والكل من حكم الله السابق.
(قال في كشف الأسرار) سك أصحاب الكهف رنك كفزادشت ولباس بلعام باعور طراز دين داشت ليكن شقاوت وسعادت أزلي ازهر دو جانب دركمين بود ون دولت روى نمود وست أن سك ازروى
535
صورت در بلعام وشانيد ند كفتند.
(فمثله كمثل الكلب) ومرقع بلعام دران سك وشيدند كفتند ثلاثة رابعهم كلبهم قوله من مسد بالوقف يعني يوقف عليه ثم يجاء بالتكبير لما مر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 532(10/412)
تفسير سورة الإخلاص
أربع أو خمس آيات مكية أو مدينة
جزء : 10 رقم الصفحة : 535
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الضمير للشأن كقولك هو زيد منطلق وارتفاعه بالابتداء وخبره الجملة ولا حاجة إلى العائد لأنها عين الشان الذي عبر عنه بالضمير أي الله أحد هو الشأن هذا أو هو أن الله أحد والسر في تصدير الجملة به التنبيه من أول الأمر على فخامة مضمونها مع أن في الإبهام ثم التفسير مزيد تقرير أو الضمير لما سئل عنه أي الذي سألتم عنه هو الله إذ روى إن المشركين قالوا للنبي عليه السلام ، صف لنا ربك الذي تدعونا إليه وأنسبه أي بين نسبه وذاكره فنزلت يعني بين الله نسبه بتنزيهه عن النسب حيث نفى عنه الوالدية ولمولودية والكفاءة فالضمير حينئذٍ مبتدأوخبره واحد بدل منه وإبدال النكرة المحضة من المعرفة يجوز عند حصول الفائدة على ما ذهب إليه أبو علي وهو المختار والله أعلم.
دال على الإله الحق دلالة جامعة لمعاني الأسماء الحسنى كلها.
وقال القاشاني : هو عندنا اسم الذات الإلهية من حيث هي هي أي المطلقة الصادق عليها مع جميعها أو بعضها أو لا مع واحد منها كقوله تعالي : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} انتهى.
وعبد الله هو العبد الذي تحلى بجميع أسمائه فلا يكون في عباده أرفع مقاماً وأعلى شأنا منه لتحققه بالاسم الأعظم واتصافه بجميع صفاته وهذا خص نبينا عليه السلام ، بهذا الاسم في قوله وإنه لما قام عبد الله يدعوه فلم يكن هذا الاسم بالحقيقة إلا له وللأطاب من ورثته بتبعيته وإن أطلق على غيره مجازاً لاتصاف كل اسم من أسمائه بجميعها بحكم الواحدية واحدية جميع الأسماء والأحد اسم لمن لا يشاركه شيء في ذاته كما أن الواحد اسم لمن لا يشاركه شيء في صفاته يعني أن الأحد هو الذات وحدها بلا اعتبار كثرة فيها فأثبت له الأحدية التي هي الغنى عن كل ما عداه وذلك من حيث عينه وذاته من غير اعتبار أمر آخر والواحد هو الذات مع اعتبار كثرة الصفات وهي الحضرة الإسمائية ولذا قال تعالى : إن إلهكم لواحد ولم يقل لأحد لأن الواحدية من أسماء التقييد فبينها وبين الخلق ارتباط أي من حيث الآلهة والمألوهية بخلاف الأحدية إذ لا يصح ارتباطها بشيء فقولهم العلم الإلهي هو العلم بالحق من حيث الارتباط بينه وبين الخلق وانتشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية إذ منه ما لا تفيه الطاقة البشرية وهو ما وقع به الكمل في ورطة الحيرة وأقروا بالعجز عن حق المعرفة ومنه يعلم أن توحيد الذات مختص في الحقيقة بالله تعالى وعبد الأحد هو وحيد الوقت صاحب الزمان الذي له القطبية الكبرى والقيام بالأحدية الأولى وعبد الواحد هو الذي بلغه الله الحضرة الواحدية وكشف له عن أحدية جميع أسمائه فيدرك ما يدرك ويفعل ما يفعل بأسمائه ويشاهد وجود أسمائه الحسنى قال
536
جزء : 10 رقم الصفحة : 536(10/413)
ابن الشيخ في حواشيه قوله هو الله أحد ثلاثة ألفاظ كل واحد منها إشارة إلى مقام من مقامات السائرين إلى الله تعالى فالمقام الأول مقام المقربين وهم الذين نظروا إلى ماهيات الأشياء وحقائقها من حيث هي هي فلا جرم ما رأوا موجوداً سوى الله لأن الحق هو الذي لذاته يجب وجوده وإما ما عداه فممكن والممكن إذا نظر إليه من حيث هو هو كان معدوماً فهؤلاء لم يروا موجوداً سوى الحق تعالى وكلمة هو وإن كانت للإشارة المطلقة مفتقرة في تعين المراد بها إلى سبق الذكر بأحد الوجوه أو إلى أن يعقبها ما يفسرها إلا أنهم يشيرون بها إلى الحق ولا يفتقرون في تلك الإشرة إلا ما يميز المراد بها من غيره لأن الافتقار إلى الممز إنما يحصل حيث وقع الإبهام بأن يتعدد ما يصلح لأن يشار إليه وقد بينا إنهم لا يشاهدون بعيون عقولهم إلا الواحد فقط فلهذا السبب كانت لفظة هو كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء والمقام الثاني مقام أصحاب اليمين وهو دون المقام الأول وذلك لأنهم شاهدوا الحق موجوداً وشاهدوا الخلق أيضاً موجوداً فحصلت الكثرة في الموجودات فلا جرم لم تكن لفظة هو كافية في الإشارة إلى الحق بل لا بد هناك من مميز به يتميز الحق من الخلق فهؤلاء مفتقرون إلى أن يقرن لفظة الله بلفظة هو فقيل لأجلهم هو الله لأن لفظة الله اسم للموجود الذي يفتقر إليه ما عداه ويستغنى هو عن كل ما عداه فتتميز به الذات المرادة عما عداه والمقام الثالث مقام أصحاب الشمال وهو أخس المقامات وهم الذين يجوزون أن يكون واجب الوجود أكثر من واحد فقرن لفظة الأحد بما تقدم رداً على هؤلاء وإبطالاً لمقالهم فقيل قل هو الله أحد انتهى.
كلامه ومنه يعلم صحة ما أعتاده الصوفية من الذكر بالاسم هو وذلك لأن أهل البداية منهم وهم المحجوبون تابعون لأهل النهاية منهم وهم المكاشفون كأنهم كلهم ما شاهدوا في الوجود إلا الله فالله عندهم بهويته المطلقة السارية متعين لا حاجة إلى التعيين أصلاً فضمير هو راجع إليه لا إلى يره كما أن الضمير في أنزلناه راجع إلى القرآن لتعينه وحضوره في الذهن فقول الطاعن إنه ضمير ليس له مرجع متعين فكيف يكون ذكر الله تعالى مردود على أن الضمائر أسماء وكل الأسماء ذكر لا فرق بينها بالمظهرية والمضمرية فعلى هذا يجوز أن يدخل اللام في كلمة هو في اصطلاح الصوفية لأنها إشارة إلى الهوية ولا مناقشة في الاصطلاح ثم قوله قل أمر من عين الجمع وارد على مظهر التفصيل وفيه إشارة إلى سر قوله تعالى شهد الله إنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم فكأنه يقول إنا شهدت بوحدة الهوية في مقام الجمع فأشهد أنت أيضاً بتلك الوحدة في مقام الفرق ليظهر سر الأحدية واللا حدية ويحصل التطابق بينهما جمعاً وتفصيلاً هكذا لاح بالبال والله أعلم بحقيقة الحالو قرىء هو الله بلا قل وكذا في المعوذتين لأنه توحيد والأخريان تعوذ فيناسب إن يدعو بهما وإن يؤمر بتبليغهما وقد سبق في سورة الأعلى ما يغنى عن تكراره ههنا وقال بعضهم : إنما أثبت في المصحف قل والتزم في التلاوة مع إنه ليس من دأب المأمور بقل أن يتلفظ في مقام الائتمار إلا بالمقول لأن المأمور ليس المخاطب به فقط بل كل واحد ابتلى بما ابتلى به المأمور فأثبت ليبقى على مر الدهور منا على العباد الله الصمد}
537
جزء : 10 رقم الصفحة : 536
مبتدأ وخبر فعل بمعنى مفعول كقبض بمعنى مقبوض من صمد إليه من باب نصر إذا قصد أي هو السيد المصمود إليه في الحوائج المستغنى بذاته وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته فلا صمد في الوجود سوى الله فهو مثل زيد الأمير يفيد قصر الجنس على زيد فإذ كان هو الصمد فمن انتفت الصمدية عنه لا يستحق الألوهية وتعريفه لعلمهم بصمديته بخلاف أحديته وتكرير الاسم الجليل للإشار بأن من يتصف به فهو بمعزل عن استحقاق الألوية كما أشير إليه آنفاً وتعرية الجملة عن العاطف لأنها كالنتيجة للأولى وبين أولاً أولهيته المستتبعة لكافة نعوت الكمال ثم أحديتة الموجبة لتنزهه عن شائبة التعدد والتركب بوجه من الوجوه وتوم المشاركة في الحقيقة وخواصها ثم صمديه المقتضية لاستغنائه الذاتيعما سواه وافتقار جميع المخلوقات إليه في وجودا وبقائها وسائر أحوالها تحقيقاً للحق وإرشاداً لم إلى سننه الواضح فإثبات الصمدية له سبحانه إنما هو باعتبار استنادنا إليه في الوجود والكمالات التابعة للوجود باعتبار أحدية ذته فهو غني عن هذه الصفة والحاصل إن الصمدية تقتضي اعتبار كثرة الأسماء والصفات في الله دون الأحدية وعبد الصمد هو مظهر الصمدية الذي يصمد إليه أي يقصد لدفع البليات وإيصال امداد اخيرات ويستشفع به إلى الله ادفع العذاب وإعطاء الثواب وهو محل نظر الله إلى العالم في ربوبيته له.
(10/414)
يقول الفقير : جرى على لسان الباطن بلا اختيار منى وذلك بعد الإشراق إن أقول أزلي أبدي إحدى صمدي أي أنت يا رب أزلي أحدي وأبدي صمدي فالأزلية ناظرة إلى الأحدية كما أن الأبدية ناظرة إلى الصمدية وذلك باعتبار التحليل والتعقيد فإن الأحدية لا تتجلى إلا بإزالة الكثرت فعند الانتها إلى مقام الغنى الذي هو الغيب المطلق تزول الكثرة ويكون الزوال أزلاً وهذا تحليل وفناء وعبور عن المنازل وعروج إلى المرصد الأعلى والمقصد الأقصى عيناً وعلماً وإما الصمدية فباعتبار الأبدية التي هي البقاء وذلك يقتضي التعقيد بعد التحليل فهي بالنزول إلى مقام العين بالمهملة أي العين الخارجي والعالم الشهادي الذي أسفل منازله عالم الناسوت والحاصل أن الأحدية جمع والصمدية فرق فمقام الأحدية هي النقطة الغير المنقسمة التي نبسطت منها جملة التراكيب الواحدية فأول تعيناتها هي مرتبة آدم ثم حواء لأن حواء إنما ظهرت بعد الهواء المنبعث من تعين آدم الحقيقي ولذا انقلبت الهاء حاء فصار الهواء حواء وخاصية الاسم الأحد ظهور عالم القدرة وآثارها حتى لو ذكره ألفاً في خلوة على طهارة ظهرت له العجائب بحسب قوته وضعفه وخاصية الاسم الصمد حصول الخير والصلاح فمن قرأه عند السحر مائة وخمساً وعشرين مرة ظهرت عليه آثار الصدق والصديقية وفي اللمعة ذاكره لا يحس بألم الجوع ما دام ملتبساً بذكره والقراءة وصلاً أحد الله الصمد منوناً مكسور الالتقاء الساكنين وكان أبو عمر وفي أكثر الروايات يسكت عند هو الله أحد وزعم أن العرب لا تصل مثل هذا وروى عنه إنه قال وصلها قراءة محدثة وروى عنه قال أدركت القراء كذلك يقرأونها قل هو الله أحدو إن وصلت نونت وروى عنه إنه قال أحب إلى إذا كان رأس آية أن يسكت عندها وذلك لأن الآية منقطعة عما بعدها مكتفية بمعناها فهي فاصلة وبها سميت آية وإما وقفهم كلهم
538
فيسكتون على الدال ثم صرح ببعض أحكام جزئية مندرجة تحت الأحكام السابقة فقيل {لَمْ يَلِدْ} نزاد كسى را.
جزء : 10 رقم الصفحة : 536
تنصيصاً على إبطال زعم المفترين في حق الملائكة والمسيح ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي من غير أن يقال لن يلد أولاً يلد أي لم يصدر عنه ولد لأنه لا يجانسه شي ليمكن أن يكون له من جنسه صاحبة فيتوالد أولاً يفتقر إلى ما يعينه أو يخلفه لاستحالة الحاجة والفناء عليه سبحانه فإن قلت لم قال في هذه السورة لم يلد وفي سورة بني إسرائيل لم يتخذ ولداً أجيب بأن النصارى فريقان منهم من قال عيسى ولد الله حقيقة فقوله لم يلد إشارة إلى الرد عليه ومنهم من قال اتخذه ولداً تشريفاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً تشريفاً فقوله لم يتخذ ولداً إشارة إلى الرد عليه {وَلَمْ يُولَدْ} ونزاده شد از كسى.
أي لم يصدر عن شيء لاستحالة نسبة العدم إليه سابقاً أولاً حقاً وقال بعضهم : الوالدية والمولودية لا تكونان إلا بالمثلية فإن المولود لا بد أن يكون مثل الوالد ولا مثلية بين هويته الواجبة وهوياتنا الممكنة انتهى وقال البقلي لم يلد ولم يولد أي لم يكن هو محل الحوادث ولا الحوادث محله والتصريح بأنه لم يولد مع كونهم معترفين بمضمونه لتقرير ما قبله وتحقيقه بالإشرة إلى أنهما متلازمان إذ المعهود إن ما يلد يولد وما لا فلا ومن قضية الاعتراف بأنه لم يولد الاعتراف بأنه لا يلد وفي "كشف الأسرار" قدم ذكر لم يلد لأن من الكفار من ادعى إن له ولداً ولم يدع أحد إنه مولود.
(وفي التفسير الفارسي) : لم يلد رد يهوداست كه كفتند عزيز سر اوست ولم يولد رد نصارى است كه كويند عيسى خدا است.
قال أبو الليث لم يلد يعني لم يكن له ولد يرثه ولم يولد يعني لم يكن له والد يرث ملكه {وَلَمْ يَكُن لَّه كُفُوًا أَحَدُ} يقال هذا كفاؤه وكفؤه مثله وكافأ فلاناً ماثله وله صلة لكفؤا قدمت عليه مع أن حقها التأخر عنه للاهتمام بها لأن المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى أي لم يكافئه دو لم يماثا ولم يشاكله بل هو خالق الأكفاء ويجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح نفياً للصاحبة وأما تأخير اسم كان فلمراعاة الفواصل ولعل ربط الجمل الثلاث بالعاطف لأن المراد منها نفي أقسام الأمثال فهي جملة واحدة منبه عليها بالجمل.
قال القاشاني : ما كانت هويته الأحية غير قابلة للكثرة والانقسام ولم تكن مقارنة الوحدة الذاتية الغيرها إذا ما عدا الوجود المطلق ليس إلا لعدم المحض فلا يكافئه أحد إذ لا يكافىء اعدم الصرف الوجود المحض.
(وقال الكاشفي) : رد مجوس ومشركان عربست كه كفتند اورا كفوهست نعوذ بالله وكفته اند هر آيتي ازين سوره تفسير آيت يش است ون كويند من هو توكويى أحد ون كويند أحد كيست تو كويى صمد ون كويند صمد كيست توكويى الذي لم يلد ولم يولد ون كويند لم يلد ولم يولد كيست توكويى الذي لم يكن له كفؤا أحد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 536
(10/415)
وقال بعضهم : كاشف الوالهين بقوله هو وكاشف الموحدين بقوله الله وكاشف العارفين بقوله أحد والعلماء بقوله الصمد والعقلاء بقوله {لَمْ يَلِدْ} .
.
الخ وهو أي لم يلد إشارة إلى توحيد العوام لأنهم يستلدون على المصانع بالشواهد والدلائل وقال بعض الكبار إن سورة الإخلاص إشارة إلى حال النزول وهو حال المجذوب فأولاً يقول هو الله أحد الله الصمد.
.
الخ وحال
539
الصعود يعتبر من الآخر إلى جانب هو فيقول أولاً لم يكن له كفؤا أحد ثم يترقى إلى أن يقول هو لكن لا ينبغي للسالك أن يكتفي بوجدان هو في القرآن بل ينبغي له أن يترقى إلى القرآن الفعلي فيشاهد هو في القرآن وهو محيط بالعوالم كلها وهو أول ما ينكشف للسالك ولاشتمال هذه السورة مع قصرها على جميع معارف الإلهية والرد على من الحد فيها جاء في الحديث إنها تعدل ثلث القرآن فإن مقاصده منحصرة في بيان العقائد والأحكام والقصص ومن عدلها بكله اعتبر المقصود بالذات منه وهو علم المبدأ وصفاته إذ ما عداه ذرائع إليه وقال عليه السلام : أسست السموات السبع والأرضون السبع على قل هو الله أحد أي ما خلقت إلا لتكون دلائل على توحيد الله ومعرفة صفاته التي نطقت بها هذه اسورة وعنه عليه السلام ، سمع رجلاً يقرأ قل هو الله أحد فقال : وجبت فقيل وما وجبت يا رسول الله قال وجبت له الجنة وعن سهيل ابن سعد رضي الله عنه جاء رجل إلى النبي عليه السلام وشكا إليه الفقر فقال إذا دخلت بيتك فسلم إن كان فيه أحد وإن لم يكن فيه أحد فسلم على نفسك واقرأ قل هو الله أحد مرة وحدة ففعل الرجل ذلك فأدر الله عليه رزقاً حتى أفاض على جيرانه وعن علي رضي الله عنه إنه قال من قرأ قل هو الله أحد بعد صلاة الفجر إحدى عشرة مرة لم يلحقه ذنب يومئذٍ ولو اجتهد الشيطان وفي الحديث أيعجز أحدكم أن يقرأ القرآن في ليلة واحدة فقيل يا رسو الله من يطيق ذلك قال أن يقرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات وروى إنه نزل جبريل عليه السلام بتبوك فقال يا رسول الله إن معاوية بن المزني رضي الله عنه مات في المدينة أتحب أن أطوي لك الأرض فتصلي عليه قال : نعم فضرب بجناحه على ورض فرفع له سريره وصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة كل صف سبعون الف ملك ثم رجع فقال عليه السلام بم أدرك هذا قال بحبه قل هو الله أحد وقراءته إياها جائياً وذاهباً وقائماً وقاعداً وعلى كل حال رواه الطبراني وصحب سورة الإخلاص حين نزلت سبعون ألف ملك كلما مروا بأهل سماء سألوهم عما معهم فقالوا نسبة الرب سبحانه ولهذا سميت هذه اسورة نسب الرب كما في كشف الأسرار وسميت سورة الإخلاص لإخلاص الله من الشرك نسب الرب كما في كشف الأسرار وسميت سورة الإخلاص لإخلاص الله من الشرك أو للخلاص من العذاب أو خالصة في التوحيد قال الامام الغزالي رحمه الله تعالى.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 536
عفو ربي وثيقتي بالخلاص.
واعتصامي بسورة الإخلاص).
أو لأنها سورة خالصةليس فيها ذكر شيء من الدنيا والآخرة وقال الحنفي لأنها تخلص قارئها من شدائد الآخرة وسكرات الموت وظلمات القبر وأهوال القيامة وقال القاشاني : لأن الإخلارص تمحيض الحقيقة الأحدية عن شائبة الكثرة.
540
جزء : 10 رقم الصفحة : 536(10/416)
تفسير سورة الفلق
خمس آيات مدينة
جزء : 10 رقم الصفحة : 540
قل أعوذ برب الفلق} الفلق الصبح لأنه يفلق عنه الليل ويفرق فهو من باب الحذف والإيصال فعل بمعنى مفعول كالصمد والقبض بمعنى المصمود إليه والمقبوض كما مر فإن كل واحد من المفلوق والمفلوق عنه مفعول وذلك إنما يتقق بأن يكون الشيء مستوراً ومحجوباً بآخر ثم يشقق الحجاب الساتر عن وجه المستور ويزول فيظهر ذلك المستور وينكشف بسبب زواله وذلك الحجاب المشقق مفلوق والمحجوب المنكشف بزواله مفلوق عنه والصبح صار مفلوقاً عنه بإزالة ما عليه من ظلمة الليل يقال في المثل هو أبين من فلق الصبح والفلق أيضاً الخلق لأن الممكنات بأسرها كانت أعياناً ثابتة في علم الله مستورة تحت ظلمة العدم فالله تعالى فلق تلك الظلمات بنور التكون والإيجاد فأظهر ما في علمه من المكونات فصارت مفلوقاً عنها وفي تعليق العياذ باسم الرب المضاف إلى الفلق المبنىء عن النور عقيب الظلمة والسعة بعد الضيق والفتق بعد الرتق عدة كريمة بإعادة العائد مما يعوذ منه وإنجائه منه وتقوية لرجائه لتذكير بعض نظائره ومزيد ترغيب له في الجد والاعتناء بقرع باب الالتجاء إليه والاعاذة بربه قالوا إذا طلع الصبح تتبدل الثقلة بالخفة والغم بالسرور روى أن يوسف عليه السلام لما ألقى في الجب وجعت ركبته وجعاً شديداً فبات ليلته ساهراً فلما قرب طلوع الصبح نزل جبريل بإذن الله تعالى يسأله ويأمره بأن يدعو ربه فقال يا جبريل ادع أنت واؤ من فدعا جبريل وأمن يوسف عليهما السلام ، فكشف الله تعالى ما كان به من الضر فلما طاب وقت يوسف قال يا جبريل وأنا أدعو أيضاً وتؤمن أنت فسأل يوسف ربه أن يكشف الضر عن جميع أهل البلاء في ذلك الوقت فلا جرم ما من مريض إلا ويجد نوع خفة في آخر الليل وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم إنه قدم الشأم فرأى دور أهل الذمة وما هم فيه من خفض العيش وما وسع عليهم به من دنياهم فقال لا أبالي أليس من ورائهم الفلق فقيل وما الفلق قال بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} أي من شر ما خلقه من الثقلين وغيرهم كائناً ما كان من ذوات الطبائع والاختيار وبالفارسية ازبدي آنه آفريد است ازمؤذيات أنس وجن وسباع وهوام.
جزء : 10 رقم الصفحة : 541
فيشمل جميع الشرور والمضار بدنية كانت أو غيرها من ضرب وقتل وشتم وعض ولدغ وسحر ونحوها وءِّافة الشر إليه لاختصاصه بعالم الخلق المؤسس على امتزاج المواد المتباينة وتفاعل كيفياتها المتضادة المستنبعة للكون والفساد وإما عالم الأمر فهو خير محض منزه عن الشوائب الشر بالكلية وقرأ بعض المعتزلة القائلين بأن الله لم يخلق الشر من شر بالتنوين ما خلق على النفي وهي قراء مردودة مبنية على مذهب باطل الله خالق كل شيء {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ} تخصيص لبعض الشرور بالذكر مع اندارجه فيما قبله لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منه لكثرة وقوعه ولأن تعيين المستعاذ أدل على الاعتناء بالاستعاذة
541(10/417)
وادعى إلى الإعاذة أي ومن شر ليل مختلط ظلامه مشتد وذلك بعد غيبوبة الشفق من قوله تعالى : [الإسراء : 78-3]{إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ} أي اجتماع ظلمته وفي القاموس الغسق محركة ظلمة أول الليل وغسق الليل غسقاً ويحرك اشتدت ظلمته فالغاسق الليل المظلم كما في المفردات وأصل الغسق الامتلاء يقال غسقت العين إذا امتلأت دمعاً أو هو السيلان وغسق العين سيلان دمعها وإضافة الشر إلى الليل لملابسته له بحدوثه فيه وتنكيره لعدم شمول الشر لجميع أفراده ولا لكل أجزائه إذا وقب} الوقب النقرة في الشيء كالنقرة في الخرة يجتمع فيها الماء ووقب إذا دخل في وقب ومته وبت الشمس إذا غابت ووقب الظلام دخل والمعنى إذا دخل ظلامه في كل شيء وتقييده به لأن حدوث الشرفيه أكثر والتحرز منه أصعب وأعسر ولذلك قيل الليل أخفى للويل وقيل : أغدر الليل لأنه 5ا أظلم كثر فيه الغدر والغوث يقل في الليل ولذا لو شهر إنسان بالليل سلاحاً فقتله المشهر عليه لا يلزمه قصاص ولو كان نهاراً يلزمه لأنه يوجد فيه الغوث والحاصل إنه ينبعث أهل الحرب في الليل وتخرج عفاريت الجن والهوام والمؤذيات ونهى رسول الله عليه السلام ، عن السير في أول الليل وأمر بتغطية الأواني وأغلاق الأبواب وإيكاء الأسقية وضم الصبيان وكل ذلك للحذر من الشر والبلاء وقيل الغاسق القمر إذا امتلأ ووقوبه دخوله في الخسوف واسوداده لما روى عن عائشة رضي الله عنها ، إنها قالت أخذ رسول الله علي السلام بيدي فأشار إلى القمر فقال تعوذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب وشره الذي يتقى ما يكون في الأبدان كآفات التي تحدث بسببه ويكون في الأديان كالفتنة التي بها افتتن من عبد وعبد الشمس وقيل التعبير عن القمر بالغاسق لأن جرمه مظلم وإنما يستنير بضوء الشمس ووقوبه المحاق في آخر الشهر والمنجمون يعدونه نحساً ولذلك لا تشتغل السحرة بالسحر المورث للتمريض إلا في ذلك قيل وهو المناسب لسبب النزول وقيل الغاسق الثريا ووقوبها سقوطها لأنها إذا سقطت كثرت الأمراض والطواعين وإذا طلعت قلت الأمراض والآلام وقيل هو كل شر يعترى الإنسان ووقوبه هجومه ويجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحياة ووقبه ضربه ولسبه وفي "القاموس" هو الذكر إذا وقام هو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة {وَمِن شَرِّ النَّفَّـاثَـاتِ} واز شرد مندكان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 541
من النفث وهو شبه النفخ يكون في الرقية ولا ريق معه فإن كان معه ريق فهو التفل يقال منه نفث الراقي ينفث وينفث بالضم ولكسر والنفاثات بالشديد يراد منها تكرار الفعل والاحتراف به والنفاثات تكون للدفعة الواحدة من الفعل ولتكراره أيضاً {فِى الْعُقَدِ} جمع عقدة وهي ما يعده الساحر على وتر أو حبل أو شعر وهو ينفث ويرقى وأصله من العزيمة ولذلك يقال لها عزيمة كما يقال لها عقدة ومنه قيل للساحر معقد والمعنى ومن شر النفوس أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها وتعريفها إما للهد أو للإيذان بشمول الشر لجميع أفرادهن وتمحضهن فيه وتخصيصه بالذكر لما روى ابن عباس رضي الله عنهما وعائشة رضي الله عنها إنه كان غلام من اليهود يخدم النبي عليه السلام ، وكان عنده أسنان من مشطه عليه السلام ، فأعطاها اليهود فسحروه عليه السلام ، فيها ولذا ينبغي أن يقطع الظفر بعد التقليم وكذا الشعر
542
(10/418)
إذا أسقط من اللحية والرأس نصفين أو أكثر لئلا يسحر به أحد وتولاه لبيد بن أعصم اليهودي وبناته وهن النفاثات في العقد فدفنها في بئر أريس وفي "عين المعاني" في بئر لبني زريق تسمى ذروان فمرض النبي عليه السلام روى إنه لبث فيه ستة أشهر فنزل جبرائيل بالمعوذتين بكسر الواو كما في "القاموس" وأخبره بموضع السحر وبمن سحره وبم سحره فأرسل عليه السلام علياً والزبير وعماراً رضي الله عنهم ، فنزحوا ماء البئر فكأنه نقاعة الحناء ثم رفعوا راعونة البئر وهي الصخرة التي توضع في أسفل البئر فأخرجوا من تحتها الأسنان ومعها وترقد عقد فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بلأبر فجاؤوا بها النبي عليه السلام ، فجعل يقرأ المعوذتين عليها فكان كلما قرأ آية نحلت عقدة ووجد عليه السلام ، خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة عند تمام السورتين فقام عليه السلام ، كأنما أنشط من عقال وجعل جبرائيل يقول بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل شيء يؤذيك من عين وحاسد فلذا جوز الاسترقاء بما كان من كلام الله وكلام رسوله لا بما كان بالعبرية والسريانية والهندية فإنه لا يحل اعتقاده فقالوا يا رسول الله أفلا نقتل الخبيث فقال عليه السلام إما أنا فقد عافاني الله وأكره إن أثير على الناس شراً قالت عائشة رضي الله عنها ما غضب النبي عليه السلام ، غضباً ينتقم لنفسه قط إلا أن يكون شيئاً هو الله فيغضب الله وينتقم وقيل المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقدة بنفث الريق ليسهل حلها فعلى هذا فالنفاثات هي جنس النساء اللاتي شأنهن أن يغلبن على الرجال ويحولنهم عن آرائهم بأنواع المكر والحيلة فمعنى الآية إن النساء لأجل استقرار حبهن في قلوب الرجال يتصرفن فيهم ويحولنهم من رأي إلى رأي فأمر الله تعالى له رسوله بالتعوذ من شرهن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 541
اعلم أن السحر تخييل لا أصل له عند المعتزلة وعند الشافعي تمريض بما يتصل به كما يخرج من فم المتثائب ويؤثر في المقابل وعندنا سرعة الحركة ولطافة الفعل فيما خفي فهمه وقيل طلسم يبني على تأثير خصائص الكواكب كتأثير الشمس في زئبق عصى سحرة فرعون والمعتزلة أنكروا صحة الرواية المذكورة وتأثير السحر فيه عليه السلام وقالوا كيف يمكن القول بصحتها والله تعالى يقول والله يعصمك من الناس وقال ولا يفلح الساحر حيث أتى ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوة ولأن الكفار كانوا يعيرونه بأنه مسحور فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوى ولحصل فيه عليه السلام ذكر العيب ومعلوم أن ذلك غير جائز وقال أهل السنة صحة القصة لا تستلزم صدق لكفرة في قولهم إنه مسحور وذلك لأنهم كانوا يريدون بكونه مسحوراً إنه مجنون أزيل عقله بسبب السحر فلذلك ترك دين آبائه فأما أن يكون مسحوراً بألم يجده في بدنه فذلك مما لا ينكره أحد وبالجملة فالله تعالى ما كان يسلط عليه لا شيطاناً ولا أنسياً وجنياً يؤذيه فيما يتعلق بنبوته وعقله وإما الإضرار به من حيث بشريته وبدنه فلا بعد فيه وتأثير السحر فيه عليه السلام ، لم يكن من حيث إنه نبي وإنما كان في بدنه من حيث إنه إنسان وبشر فإنه عليه السلام يعرض له من حيث بشريته ما يعرض لسائر البشر من الصحة والمرض والموت والأكل والشرب ودفع الفلات وتأثير السحر فيه من حيث بشريته لا يقدح في نبوته وإنما يكون
543
(10/419)
قادحاً فيها لو وجد للسحر تأثير في أمر يرجع إلى النبوة ولم يوجد ذلك كيف والله تعالى يعصمه من يضره أحد فيما يرجع إليها كما لم يقدح كسر رباعيته يوم أحد فيما ضمن الله له من عصمته في قوله والله يعصمك من الناس وفي "كشف الأسرار" فإن قيل : ما الحكمة في نفوذ السحر وغلبته في النبي عليه السلام ، ولماذا لم يرد الله كيد الكائد إلى نرحه بإبطال مكره وسحره قلنا الحكمة فيه الدلالة على صدق رسول الله عليه السلام ، وصحة معجزاته وكذب من نسبه إلى السحر والكهانة لأن سحر الساحر عمل فيه حتى التبس عليه بعض الأمر واعتراه نواع من الوجع ولم يعلم النبي عليه السلام بذلك حتى دعا ربه ثم دعا فأجابه الله وبين له ره ولو كان ما يظهر من المعجزات الخارقة للعادات من باب السحر على ما زعم أعداوؤه لم يشتبه عليه ما عمل من السحر فيه ولتوصل إلى دفعه من عنده وهذا بحمد الله من أقوى البراهين على نبوته وإنما أخبر النبي عليه السلام ، عائشة رضي الله عنها من بين نسائه بما كشف الله تعالى له من ر السحر لأنه عليه السلام كان مأخوذاً عن عائشة رضي الله عنها ، في هذا السحر على ما روى يحيى بن يعمر قال حبس رسول الله عليه السلام ، عن عائشة فبينما هو نائم أو بين النوم واليقظة إذا أتاه ملكان جلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فهذا يقول للذي عند رأسه ما شكواه قال السحر ، قال : من فعل به قال لبيد بن أعصم اليهودي قال فأين صنع السحر قال في بئر كذا قال فما دواؤه قال ينبعث إلى تلك البئر فينزح ماءها فإنه ينتهي إلى صخرة فإذا رآها فليقلعها فإن تحتها كوبة وهر كوز سقط عنقها وفي الكوبة وترفيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالأبر فيحرقها بالنار فيبرأ إن شاء الله تعالى فاستيقظ عليه السلام ، وقد فهم ما قالا فبعث علياً رضي الله عنه إلى آخر ما سبق وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت كان رسول الله عليه السلام ، إذا اشتكى شيئاً من جسده قرأ
جزء : 10 رقم الصفحة : 541
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين في كفه اليمنى ومسح بها المكان الذي يشتكي وفيه إشارة إلى الهواجس النفسانية والخواطر الشيطانية النفاثات الساحرات في عقد عقائد القلوب الصافية الظاهرة أخباث السيئات العقلية وألواث الشكوك الوهمية والعياذ بالله منها ومن شر حاسد إذا حسد} بالوقف ثم يكبر لأن الوصل لا يخلو من الإيهام أي إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه ترتيب مقدمات الشر ومبادي الأضرار بالمحسود قولاً أو فعلاً والتقييد بذلك لما أن ضرر الحسد قبله إنما يحيق بالحاسد لا غير وفي "الكشاف" فإن قلت فلم عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه قلت عرف النفاثات لأن كل نفاثة شريرة ونكر غاسق لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض وكذلك كل حاسد لا يضر ورب حسد محمود وهو الحسد في الخيرات ويجوز أن يراد بالحاسد قابيل لأنه حسد أخاه هابيل والحسد الأسف على الخير عند الغير وفي "فتح الرحمن" تمنى زوال النعمة عن مستحقها سواء كانت نعمة دين أو دنيا وفي الحديث المؤمن يغبط والمنافق يحسد وعنه عليه السلام الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وأول ذنب عصى الله به في السماء حسد إبليس لآدم فأخرجه من الجنة فطرد وصار شيطاناً رجيماً وفي الأرض قابيل لأخيه هابيل
544
فقتله قال الحسين بن الفضل رحمه الله ، ذكر الله الشرور في هذه السورة ثم ختمها بالحسد ليظهر إنه أخبث الطبائع كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.
اكر در عالم از حسد بدتر بودي
ختم اين سوره بدان كردى
حسد آتشى دان كه ون بر فروخت
حسود لعين را همان لحظه سوخت
كرفتم بصورت همه دين شوى
حسدكى كذا ردكه حق بين شوى
وفيه إشارة إلى حسد النفس الأمارة إذا حسدت القلب وأرادت أن تطفىء نور وتوقعه في التلوين وكفران النعمة الذي هو سبب لزوالها وفي الحديث أن النبي عليه السلام قال لعتبة بن عامر رضي الله عنه ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} قوله : ألم تر كلمة تعجب وما بعدها بيان لسبب التعجب يعني لم يوجد آيات كلهن تعويذ غير هاتين السورتين وهما قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وفي الحديث دليل على أنهما من القرآن ورد على من نسب إلى ابن مسعود رضي الله عنه إنهما ليستا منه وفي عين المعاني الصحيح إنهما من القرآن إلا أنهما لمتثبتا في مصحفه للأمن من نستانهما لأنهما تجريان على لسان كل إنسان انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 541
اعلم أن مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، حذف منه أم الكتاب والمعوذتان ومصحف أبي بن كعب رضي الله عنه ، زيد فيه سورة القنوت ومصحف زيد بن ثابت رضي الله عنه كان سليماً من ذلك فكان كل من مصحفي ابن مسعود أبي منسوخاً ومصحف زيد معمولاً به وذلك لأنه عليه السلام ، كان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام في كل شهر رمضان مرة واحدة فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه مرتين وكان قراءة زيد من آخر العرض دون قراءة أبي وابن مسعود رضي الله عنهما وتوفي عليه السلام وهو يقرأ على ما في مصحف زيد ويصلى به قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جميع سور القرآن مائة واثنتا عشرة سورة قال الفقيه في البستان إنما قال إنها مائة واثنتا عشرة سورة لأنه كان لا يعد المعوذتين من القرآن وكان لا يكتبهما في مصحفه ويقول إنهما منزلتان من السماء وهما من كلام رب العالمين ولكن النبي عليه السلام كان يرقى ويعوذ بهما فاشتبه عليه إنهما من القرآن أو ليستا منه فلم يكتبهما في المصحف وقال مجاهد جميع سور القرآن مائة وثلاث عشرة سورة وإنما قال ذلك لأنه كان يعد الأنفال والتوبة سورة واحدة ، وقال أبي بن كعب رضي الله عنه ، جميع سور القرآن مائة وست عشرة سورة وإنما قال ذلك لأنه كان يعد القنوت سورتين إحداهما من قوله اللهم إنا نستعينك إلى قوله من يفجرك والثانية من قوله اللهم إياك نعبد إلى قوله ملحق وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه جميع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة وهذا قول عامة الصحابة رضي الله عنهم وهكذا في مصحف الامام عثمان بن عفان رضي الله عنه وفي مصاحب أهل الأمصار فالمعوذتان سورتان من القرآن روى أبو معاوية عن عثمان بن واقد قال أرسلني أبي إلى محمد بن المنكدر وسأله عن المعوذتين اهما من كتاب الله قال من
545
لم يزعم إنهما من كتاب الله فعلية لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وفي نصاب الاحتساب لو أنكر آية من القرآن سوى المعوذتين يكفر انتهى.
وفي الأكمل عن سفيان بن سختان من قال إن المعوذتين ليستا من القرآن لم يكفر لتأويل ابن مسعود رضي الله عنه ، كما في المغرب للمطرزي وقال في هدية المهديين وفي إنكار قرآنية المعوذتين اختلاف المشايخ والصحيح إنه كفر انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 541(10/420)
تفسير سورة الناس
ست آيات مدينة
جزء : 10 رقم الصفحة : 545
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} أي مالك أمورهم ومربيهم بإفاضة ما يصلحهم ودفع ما يضرهم.
قال القاشاني : رب الناس هو الذات مع جميع الصفات لأن الإنسان هو الكون الجامع الحاصر لجميع مراتبا لوجود فربه الذي أوجده وأفاض عليه كماله هو الذات باعتبار جميع لأسماء الجمالية والجلالية تعوذ بوجهه بعد ما تعوذ بصفاته ولهذا تأخرت هذه الصورة عن المعوذة الأولى إذ فيها تعوذ في مقام الصفات باسمه الهادي فهداه إلى ذاته وفي الحديث : "أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك" ابتدأ بالتعوذ بالرضى الذي هو من الصفات لقرب الصفات من الذات ثم استعاذ بالمعافاة التي هي من صفات الأفعال ثم لما ازداد يقيناً ترك الصفات فقال وأعوذ بك منك قاصراً نظره على الذات وابتدأ بعض العلماء في ذكر هذا الحديث بتقديم الاستعاذة بالمعافاة على التعوذ بالرضى للترقي من الأدنى الذي هو من صفات الأفعال إلى الأعلى الذي هو صفات الذات قال بعضهم : من بقى له التفات إلى غير الله استعاذ بأفعال الله وصفاته فأما من توغل في بحر التوحيد بحيث لا يرى في الوجود إلا الله لم يستعذ إلا بالله ولم يلتجىء إلا إلى الله والنبي عليه السلام ، لما ترقى عن هذا المقام وهو المقام الأول قال أعوذ بك منك.
جزء : 10 رقم الصفحة : 546
يقول الفقير : ففي الالتجاء إلى الله في هذه السورة دلالة على ختم الأمر فإن الله تعالى هو الأول الآخر وإليه يرجع الأمر كله وإن إلى ربك المتهى وفيه إشارة إلى نسيان العهد السابق الواقع يوم الميثاق فإن الإنسان لو لم ينسه لما احتاج إلى العود والرجوع بل كان في كنف الله تعالى دائماً {مَلِكِ النَّاسِ} عطف بيان جيء به لبيان إن تربيته تعالى إياهم ليست بطريق تربية سائر الملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم بل بطريق الملك الكامل والتصرف الشامل والسلطان القاهر فما ذكروه في ترجيح المالك على الملك من أن المالك مالك العبد وإنه مطق التصرف فيه بخلاف الملك فإنه إنما يملك بقهر وسياسة ومن بعض الوجوه فقياس لا يصح ولا يطرد إلا في المخلوقين لا في الحق فإنه من الين إنه مطلق التصرف وإنه يملك من جميع الوجوه فلا يقاس ملكية غيره عليه ولا تضاف النعوت والأسماء إليه إلا من حيث أكمل مفهوماته ومن وجوه ترجيح الملك على المالك إن الأحاديث النبوية مبينات لأسرار القرآن ومنبهات عليها وقد ورد في الحديث في بعض الأدعية النبوية
546(10/421)
لك الحمد لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه ولم يرد ومالكه وأيضاً فالأسماء المستقلة لها تقدم على الأسماء المضافة واسم الملك ورد مستقلاً بخلاف المالك ومما يؤيد ذلك إن الأسماء المضافة لم تنقل في إحصاء الأسماء الثابتة بالقنل مثل قوله عز وجل فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا وذي المعارج وشبهها وأيضاً فإن الحق يقول في آخر الأمر عند ظهور غلبة الأحدية على الكثرة في القيامة الكبرى والقيامات الصغرى الحاصلة للسالكين عند التحقق بالموصول عقيب انتهاء السير وحال الانسلاخ لمن الملك اليومالواحد القهار والحاكم على الملك هو الملك فدل إنه أرجح وقد جوزوا القراءة مالك وملك في سورة الفاتحة لا في هذه السورة حذراً من التكرار فإن أحد معاني الاسم الرب في اللسان المالك ولا ترد الفاتحة فإن الراجح فيها عند المحققين هو الملك لا المالك {إِلَـاهِ النَّاسِ} هو لبيان إن ملكه تعالى لسي بمجرد الاستيلاء عليهم والقيام بتدبير أمرو سياستهم والتولي لترتيب مبادي حفظهم وحمايتهم كما هو قصارى أمر الملوك بل هو بطريق المعبودية المؤسسة على الألوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلي فيم إحياء وإماتة وإيجاداً وإعداماً وأيضاً إن ملك الناس إشارة إلى حال الفناء في الله كم أشرنا إليه وإله الناس لبيان حال البقاء بالله لأن الإله هو المعبود المطلق وذلك هو الذات مع جميع الصفات فلما فنى العبد في الله ظهر كونه ملكاً ثم رده الله إلى الوجود لمقام العبودية فتم استعاذته من شر الوسواس لأن الوسوسة تقتضي محلاً وجودياً ولا وجود في حال الفناء ولا صدر ولا وسوسة ولا موسوس بل إن ظهر هناك تلوين بوجود الأنانية يقول أعوذ بك منك فلما صار معبوداً بوجود العابد ظهر الشيطان بظهور العباد كما كان أولاً موجوداً بوجوده وأيضاً مقام الربوبية المقيدة بالناس هو لحضرة الامام الذي على باب عالم الملكوت وفيها يشهد وهي موضع نظره فإنها ثلاث حضرات اختصت بثلاثة أسماء نالها ثلاثة رجال وهي حضرة الرب والملك والإله فرجالها الأمامان والقطب والأمامان وزيرن للقطب صاحبا لوقت وينفرد القطب بالكشف الذتي المطلق كما ينفرد الامام الذي على يسار القطب بباب عالم الشهادة الذي لا سبيل للامام الثاني الذي يمينه إليه وإنما أضيف أمام الربوبية للناس وهو ما الملكوتيات لأنه لا بد له عند موت الامام الثاني المسمى بالملك أن يرث مقامه بخلاف غير وفي "الإرشاد" تخصيص الإضافة بالناس مع انتظام جميع العالمين في سلك ربوبيته تعالى وملكوته وألوهيته لأن المستعاذ مكنه شر الشيطان المعروف بعدواتهم ففي التنصيص على انتظامهم في سلك عبوديته تعالى وملزوته رمز إلى إنجائهم من هلكة الشيطان وتسلطه عليهم حسبما ينطق به قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وتكرير المضاف إليه لمزيد الكشف والتقرير بالإضافة فإن ما لا شرف فيه لا يعبأ به ولا يعاد ذكره بل يترك ويهمل وقد قال من قال :
جزء : 10 رقم الصفحة : 546
أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره
هو المسك ما كررته يتضوع
والتضوع بوي خوشض دميدن فلولا إن الناس أشرف مخلوقاته لما ختم كتابه بذكرهم {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ} هو اسم بمنى الوسوسة وهو الصوت
547
الخفي الذي لا يحس فيحترز منه كالزلزال بمعنى الزلزلة وما المصدر فالبكسر والفرق بين المصدر واسم المصدر هو أن الحدث أن اعتبر صدوره عن الفاعل ووقوعه على المفعول سمى مصدراً وإذا لم يعتبر بهذه الحيثية سمى اسم المصدر ولما كانت الوسوسة كلاماً يكرره الموسوس ويؤكده عند من يليه إليه كرر لفظها بإزاء تكرير معناها والمراد بالوسواس الشيطان لأنه يدعو إلى المعصية بكلام خفي يفهمه القلب من غير أن يسمع صوته وذلك بالأغرار بسعة رحمة الله أو بتخييل أن له في عمره سعة وإن وقت التوبة باق بعد سمى بفعله مبالغة كأنه نفس الوسوسة لدوام وسوسته فقد أوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه الوسواس.
.
الخ ولم يقل من شر وسوسته لتعم الاستعاذة شره جميعه وإنما وصفه بأعظم فاته وأشدها شراً وأقواها تأثيراً وأعمها فساداً وإنما استعاذ منه بالإله دون بعض أسمائه كما في السورة الأولى لأن الشيطن هو الذي يقابل الرحمن ويستولى على الصورة الجمعية الإنسانية ويظهر في صور جميع الأسماء ويتمثل بها إلا بالله والرحمن فلم تكف الاستعاذة منه بالهادي والعليم والقدير وغير ذلك فلهذا لما تعوذ من الاحتجاب والضلالة تعوذ برب الفلق وههنا تعوذ برب الناس ومن هذا يفهم معنى قوله عليه السلام ، من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي وكذا لا يتمثل بصور الكمل من أمته لأنهم مظاهر الهداية المطلقة.
قال بعض الكبار : الإلقاء إما صحيح أو فاسد.
فالصحيح إلي رباني متعلق بالعلوم والمعارف أو ملكي روحاني وهو الباعث على الطاعة وعلى كل ما فيه صلاح ويسمى إلهاماً.
جزء : 10 رقم الصفحة : 546
(10/422)
والفاسد نفساني وهو ما فيه حظ النفس ويسمى هاجساً أو شيطاني وهو ما يدعو إلى معصية ويسمى وسواساً وفي آكام المرجان وينحصر ما يدعو الشيطان إليه ابن آدم في ست مراتب المرتبة الأولى الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه وهذا أول ما يريده من العبد والمرتبة الثانية البدعة وهي أحب إلى إبليس من المعصية لأن المعصية يتاب منها فتكون كالعدم والبدعة يظن صاحبها إنها صحيحة فلا يتوب منها فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة الثالثة وهي الكبائر على اختلاف أنواعها فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة الرابع هي الصغائر التي إذا اجتمعت أهلكت صاحبها كالنار الموقدة من الخطب الصغار فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة الخامسة وهي اشتغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقبا بل عقابها فوات الثواب الذي فات عليه باشتغاله بها فإذا عجز عن ذلك انتقل إلى المرتبة السادسة وهي أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليفوته ثواب العمل الفاضل ومن الشياطين شيطان الوضوء ويقال له الولهان بفتحتين وهو شيطان يولع الناس بكثرة استعمال الماء قال عليه السلام ، تعوذوا بالله من وسوسة الوضوء ومنهم شيطان يقال له خنزب وهو الملبس على المصلي في صلاته وقراءته قال أبو عمر والبخاري رحمهما الله ، أصل الوسوسة ونتيجتها من عشرة أشياء أولها الحرص فقابله بالتوكيل والقناعة والثاني الأمل فأكسره بمفاجأة الأجل والثالث التمتع بشهوات الدنيا فقابله بزوال النعمة وطول الحساب والرابع الحسد
548
فاكسره برؤية العدل والخامس البلاء فأكسره برؤية المنة والعوافي والسادس الكبر فاكسره بالتواضع والسابع الاستخفاف بحرمة المؤمنين فاكسره بتعظيمهم واحترامهم والثامن حب الدنيا والمحمدة فاكسره بالإخلاص والتاسع طلب العلو والرفعة فأكسره بالخشوع والذلة والعاشر المنع والبخل فاكسره بالجود والسخاء {الْخَنَّاسِ} اذي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 546
حكى) إن بعض الأولياء سأل الله تعالى إن يريه كيف يأتي الشيطان ويوسوس فأراه الحق تعالى هيكل الإنسان في صورة بلور وبين كتفيه خال أسود كالعش والوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو في صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء بين الكتفين فادخل خروطمه قبل قلبه فوسوس إليه فذكر الله فخنس وراءه ولذلك سمى بالخناس لأنه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر في القلب ولهذا السر الإلهي كان عليه السلام ، يحتجم بين كتفيه ويأمر بذلك ووصاه جبرائيل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لأنه يجري وسوته مجرى الدم ولذلك كا خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام إشارة إلى عصمته من وسوته لقوله أعانني الله عليه فأسلم أي بالختم الإلهي وشرح الصدر أيده وبالعصمة الكلية خصه فأسلم قربنه وما أسلم قرين آدم عليه السلام فوسوس إليه لذلك ويجوز أن يدخل الشيطان في الأجسام لأنه جسم لطيف وهو وإن كان مخلوقاً في الأصل من نار لكنه ليس بمحرق لأنه لما امتزج النار بالهواء صار تركيبه مزاجاً مخصوصاً كرتكيب الإنسان وفي الوسواس إشارة إلى الوسواس الحاصل من القوة الحسية والخيالية وفي الخناس إلى القوة الوهمية المتأخرة عن مرتبتي القوتين فإنها تساعد العقل في المقدمات فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وتأخرت توسوسه وتكشكه كما يحكم الوهم بالخوف من الموتى مع إنه يوفاق العقل في أن الميت جماد والجماد لا يخاف منه المنتج لقولنا الميت لا يخاف منه فإذا وصل العل والوهم إلى النتيجة نكص الوهم وأنكرها {الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ} إذا غفلوا عن ذكره تعالى ولذا قال في التأويلات النجمية : أي الناسي ذكر الله بالقلب والسر والروح.
كما قال تعالى : [القمر : 6]{يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} بحذف الياء انتهى.
ومحل الموصول الجر على الوصف فلا وقف على الخناس أو النصب أو الرفع على الذم فيحسن الوقف عليه ذكر سبحانه وتعالى وسوسته أولاً ثم ذكر حلها وهو صدور الناس تأمل السر في قوله يوسوس في صدور الناس ولم يقل في قلوبهم والصدر هو ساحة القلب وبيته فمنه تدخل الواردات عليه فتجتمع في الصدر ثم تلج في القلب فهو بمنزلة الدهليز وهو بالكسر ما بين الباب والدار ومن القلب تخرج الإرادات والأوامر إلى الصدر ثم تتفرق على الجنود فالشيطان يدخل ساحة القلب وبيته فيلقى ما يريد إلقاءه إلى القلب فهو يوسوس في الصدور ووسوسته واصلة إلى القلوب قال بعض أرباب الحقائق للقلب أمراء خمسة ملكية يسمون الحواس كحاسة البصر وحاسة السمع وحاسة الشم وحاسة الذوق وحاسة اللمس وأمراء خمسة ملكوتية يسمون أرواحاً كالروح الحيواني والروح الخيالي والروح الفكري والروح العقلي والروح القدسي فإذا نفذ الأمر الإلهي إلى أحد
549
(10/423)
هؤلاء الأمراء من القلب بادر لامتثال ما ورد عليه على حسب حقيقته وقس عليه الخواطر والوساوس فإن عزم الإنسان يخرج كلا منها إلى الخارج ويجريها من طرق الحواس والقوى وقوله في صدور الناس يدل على إنه لا يوسوس في صدور الجن قال في آكام المرجان لم يرد دليل لعى أن الجني يوسوس في صدور الجني ويدخل فيه كما يدخل في الأنسي ويجري مه مجراه من الأنسي من الجنة والناس} الجنة بالكسر جماعة الجن ومن بيان للذي يوسوس على إنه ضربان جني وإنسي كما قال تعالى :
جزء : 10 رقم الصفحة : 546
{شَيَـاطِينَ الانسِ وَالْجِنِّ} والموسوس إليه نوع واحد وهو الإنس فما أر شيطان الجن قد يوسوس تارة وينس أخرى فشيطان الإنس يكون كذلك وذلك لأنه يلقى الأباطيل ويرى نفسه في وصرة الناصح المشفق فإن زجره السامع يخنس ويترك الوسوسة وإن قبل السامع كلامه بالغ فيه قال في الأسئلة المقحمة من دعا غيره إلى الباطل فإن تصوره في قلبه كان ذلك وسوسة وقد قال تعالى : ونعلم ما توسوس به نفسه فإذا جاز أن توسوس نفسه جاز أن يوسوسه غيره فإن حقيقة الوسواس لا تختلف باختلاف الأشخاص ويجوز أن تكون من متعلقة بيوسوس فتكون لابتداء الغاية أي يوسوس في صدورهم من جهة الجن إنهم يعلمون الغيب ويضرون وينفعون ومن جهة الناس كالكهان والمنجمين كذلك وفي الجنة إشارة إلى القوى الباطنة المستجنة المستورة إذ سمى الجن بالجن لاستجنانه وفي الناس إلى القوى الظاهرة إذ الناس من الإيناس وهو الظهور كما قال آنست ناراً وفي هذا المقام لطيفة بالغة وهي إن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة وهي إنه رب الفلق والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات وهي الغاسق والنفاثات والحاسد وإما في هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بثلاثة أوصاف وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة ومن المعلوم إن المطلوب كلما كان أهم والرعبة فيه أتم وأكثر كان ثناء الطالب قبل طلبه أكثر وأوفر والمطلوب في السورة المتقدمة هو سلامة البدن من الآفات المذكورة وفي هذه السورة سلامة الدين من وسوسة الشيطان فظهر بهذا إن في نظم السورتين الكريمتين تنبيهاً على إن سلامة الدين من وسوسة الشيطان وإن كانت أمراً واحداً إلا أنها أعظم مراد وأهم مطلوب وإن سلامة البدن من تلك الآفات وإن كانت أموراً متعددة ليست بتلك المثابة في الاهتمام وفي آكام المرجان سورة الناس مشتملة على الاستعاذة من الشر الذي هو سبب الذنوب والمعاصي كلها وهو الشر الداخل في الإنسان الذي هو منشأ العقوبات في الدنيا والآخرة وسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شر من خارج فالشر الأول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه لأنه ليس من كسبه والشر الثاني يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهي وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت كان رسول الله إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهما وقرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبد بهما رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يصنع
550
ذلك ثلاث مرات وفي قوت القلوب للشيخ أبي طالب المكي قدس سره وليجعل العبد مفتاح درسه أن يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون وليقرأ قل أعوذ برب الناس وسورة الحمد وليقل عند فراغه من كل سورة صدق الله تعالى وبلغ رسوله اللهم أنفعنا وبارك لنا فيه الحمد رب العالمين واستغفر الله الحي القيوم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 546
وفي أسئلة عبد الله بن سلام أخبرني يا محمد ما ابتداء القرآن وما ختمه قال بتداؤه بسم الله الرحمن الرحيم ، وختمه صدق الله العظيم قال صدقت وفي خريدة العجائب يعني ينبغي أن يقول القارىء ذلك عند الختم وإلا فختم القرآن سورة الناس وفي الابتداء بالباء والاختتام بالسين إشارة إلى لفظ بس.
يعني حسب أي حسبك من الكونين ما أعطيناك بين الحرفين كما قال الحكيم سناني رحمه الله.
أول وآخر قران زه باآمد وسين
يعني اندرره دين رهبر تو قرآن بس
(10/424)
يقول الفقير أيده الله القدير إن الله تعالى إنما بدأ القرآن ببسم الله وختمه بالناس إشارة إلى أن الإنسان آخر المراتب الكونية كما إن الكلام آخر المراتب الآلهية وذلك لأن ابتداء المراتب الكونية هو العقل الأول وانتهاؤها الإنسان ومجموعها عدد حروف التهجي وأول المراتب الآلهية هو الحياة وآخرها الكلام ولذا كان أول ما يظهر من المولود الحياة وهو جنين وآخر ما يظهر منه الكلام وهو موضوع لأن الله تعالى خلق آدم على صورته فكان أول الكلام القرآني اسم الله لأنه المبدأ الأول وآخره الناس لأن الإنس هو المظهر الآخر والمبتدىء يعرج تعلماً إلى أن ينتهى إلى المبدأ الأول واسمه العالي والمنتهي ينزل تلاوة إلى أن ينتهي إلى ذكر الأنس السافل وحقيقته أن الله تعالى هو المبدأ جلاء والمنتهى استجلاء وهو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية.
(روى) عن ابن كثير رحمه الله ، إنه كان إذا انتهى في آخر الختمة إلى قل أعوذ برب الناس قرأ سورة الحمد رب العالمين وخمس آيات من أول سورة البقرة على عد الكوفي وهو إلى وأولئك هم المفلحون لأن هذا يسمى حال المرتحل ومعناه إنه حل في قراءته آخر الختمة وارتحل إلى ختمة أخرى إراماً للشيطان وصار العمل على هذا في إمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها وورد النص عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إن من قرأ سورة الناس يدعو عقب ذلك فلم يستحب أن يصل ختمه بقراءة شيء وروى عنه قول آخر بالاستحباب واستحسن مشايخ العراق قراءة سورة الإخلاص ثلاثاً عند ختم القرآن كان كمن شهد المغانم حين تقسم ومن شهد فاتحة القرآن كان كمن شهد فتحاً في سبيل الله تعالى وعن الامام البخاري رحمه الله إنه قال عند كل ختمة دعوة مستجابة وإذا ختم الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه ومن شك في غفرنه عند الختم فليس له غفران ونص الامام أحمد على استحباب الدعاء عند الختم وكذا جماعة من السلف فيدعو بما أحب مستقبل القبلة رافعاً يديه خاضعاًموقناً بالإجابة ولا يتكلف السجع في الدعاء بل يجتنبه ويثنى على الله تعالى قبل الدعاء وبعده ويصلي على النبي عليه السلام يمسح وجهه بيديه بعد فراغه من الدعاء
551
وعنه عليه السلام إنه أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يدعو عند ختم القرآن بذا الدعاء وهو اللهم إني أسألك إخبات المخبتين وإخلاص الموقنين ومرافقة الأبرار واستحقاق حقائق الإيمان والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم ووجوب رحمتك وعزائم مغفرتك والفوز بالجنة والخلاص من النار وفي شرح الجزري لابن المصنف ينبغي أن يلح في الدعاء وإن يدعو بالأمور المهمة والكلمات الجامعة وأن يكون معظم ذلك أو كله في أمور الآخرة وأمور المسلمين وصلاح سلاطينهم وسائر ولاة أمورهم في توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق عليه وظهورهم على أعداء الدين وسائر المخافين وبما كان يقول النبي عليه السلام عند ختم القرآن اللهم ارحمني بالقرآن العظيم واجعله لي إماماً ونوراً وهدى ورحمة اللهم ذكرني منه ما نسيت وعلمني منه ما جهلت وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله حجة لي يا رب العالمين وكان أبو القاسم الشاطبي رحمه الله يدعو بهذا الدعاء عند ختم القرآن الهم أنا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء أماتك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو نزلته في شيء من كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا شوفاء صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا وسائقنا وقائدنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم وإدارك دار السلام مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين.
552
جزء : 10 رقم الصفحة : 546
تم الكتاب والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا(10/425)
فهرس أجزاء الكتاب
1 ـ الجزء الأول من أول سورة الفاتحة وحتى آخر سورة البقرة
2 ـ الجزء الثانى من أول سورة آل عمران وحتى آخر سورة المائدة
3 ـ الجزء الثالث من أول سورة الأنعام وحتى آخر سورة التوبة
4 ـ الجزء الرابع من أول سورة يونس وحتى آخر سورة الحجر
5 ـ الجزء الخامس من أول سورة النحل وحتى آخر سورة الأنبياء
6 ـ الجزء السادس من أول سورة الحج وحتى آخر سورة العنكبوت
7 ـ الجزء السابع من أول سورة الروم وحتى آخر سورة الصافات
8 ـ الجزء الثامن من أول سورة ص وحتى آخر سورة محمد
9 ـ الجزء التاسع من أول سورة الفتح وحتى آخر سورة المنافقون
10 ـ الجزء العاشر من أول سورة التغابن وحتى آخر سورة الناس(10/426)