ـ وروي ـ أن الله لما أغرق فرعون وجنوده استأذن الذين كانوا آمنوا من السحرة موسى عليه السلام في الرجوع إلى الأهل والمال بمصر فأذن لهم ودعا لهم فترهبوا في رؤوس الجبال فكانوا أول من ترهب وبقيت طائفة منهم مع موسى عليه السلام حتى توفاه الله ثم انقطعت الرهبانية بعدهم حتى ابتدعها بعد ذلك أصحاب المسيح عليه السلام {مَا كَتَبْنَـاهَا عَلَيْهِمْ} جملة مستأنفة والنفي متوجه إلى أصل الفعل أي ما فرضنا عليهم تلك الرهبانية في كتابهم ولا على لسان رسولهم {إِلا} استثناء منقطع أي لكن ابتدعوها {ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} أي لطلب رضاه تعالى {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} أي فما رعوا جميعاً حق رعايتها بضم التثليث والقول بالاتحاد وقصد السمعة والكفر بمحمد عليه السلام ونحوها إليه قال عليه السلام : من آمن بي وصدقني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون قال مقاتل : لما استضعفوا بعد عيسى التزموا الغيران فما صبروا وأكلوا الخنازير وشربوا الخمور ودخلوا مع الفساق وفي المناسبات فما رعوها أي لم يحفظها المقتدون بهم بعدهم كما أوجبوا على أنفسهم حق رعايتها أي بكمالها بل قصروا فيها ورجعوا عنها ودخلوا في دين
382
ملوكهم ولم يبق على دين عيسى عليه السلام إلا قليل ذمهم الله بذلك من حيث أن النذر عهد مع الله لا يحل نكثه سيما إذا قصد رضاه تعالى {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَـارِهِم} أي من العيسيين إيماناً صحيحاً وهو الإيمان برسول الله عليه السلام بعد رعاية رهبانيتهم لا مجرد رعايتها فإنها بعد البعثة لغو محض وكفر بحت وأنى لها استتباع الأجر قال في كشف الأسرار لما بعث النبي عليه السلام ولم يبق منهم إلا قليل حط رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته وصاحب الدير وديره فآمنوا به والصومعة كل بناء متصومع الرأس أي متلاصقه والدير خان النصارى وصاحبه ديار {أَجْرَهُمْ} أي ما يحسن ويليق بهم من الأجر وهو الرضوان {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ} أي من العيسيين وهم الذين ابتدعوا فضيعوا وكفروا بمحمد عليه السلام {فَـاسِقُونَ} خارجون عن حد الاتباع وهم الذين تهودوا وتنصروا قال في تفسير المناسبات وكذلك كان في هذه الأمة فإنه لما توفي رسول الله تبعه خلفاؤه بإحسان فلما مضت الخلافة الراشدة وتراكمت الفتن كما أخبر عليه السلام واشتد البلاء على المتمسكين بصريح الإيمان ورجم البيت بحجارة المنجنيق وهدم وقتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه واستبيحت مدينة رسول الله عليه السلام ثلاثة أيام وقتل فيها خيار المسلمين رأى المؤمنين العزلة واجبة فلزموا الزوايا والمساجد وبنوا الربط على سواحل البحر وأخذوا في الجهاد للعدو والنفوس وعالجوا تصفية أخلاقهم ولزموا الفقر أخذاً من أحوال أهل الصفة وتسموا بالصوفية وتكلموا على الورع والصدق والمنازل والأحوال والمقامات فهؤلاء وزان أولئك انتهى وفي الحديث يا ابن أم معبد أتدري ما رهبانية أمتي قلت : الله ورسوله أعلم قال الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع.
جزء : 9 رقم الصفحة : 344
ـ روي ـ أن نفراً من الصحابة رضي الله عنهم أخذهم الخوف والخشية حتى أراد بعضهم أن يعتزل عن النساء وبعضهم الإقامة في رؤوس الجبال وبعضهم ترك الأكل والشرب وبعضهم غير ذلك فنهاهم عليه السلام عن ذلك كله وقال : لا رهبانية في الإسلام وقال رهبانية أمتي في المسجد يعني المتعبدون من أمتي لا يأخذون مأخذ النصارى بل يعتكفون في المساجد دون رؤوس الجبال وقال في نفي صوم الوصال : إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني.
وفي المثنوي :
كتاب روح البيان ج9 متن
الهام رقم 41 من صفحة 383 حتى صفحة 393
هين مكن خودرا خصى رهبان مشو
زانكه عفت هست شهوت راكرو
بى هوا نهى از هوا ممكن نبود
فازيى بر مردكان نتوان نمود
س كلوا از بهر دام شهوتست
بعد ازان لا تسرفوا آن عفتست
ونكه رنج صبر نبود مرترا
شرط نبود س فرونايد جزا
حبذا آن شرط وشادا آن جزا
آن جزاى دلنواز جان فزا
قال الشافعي رحمه الله أربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة : زهد خصى وتقوى جندى وأمانة امرأة وعبادة صبي وهو محمول على الغالب كما في المقاصد الحسنة ثم ذكر لا تنبغي الخلوة والعزلة قال في الأحياء لما بنى عروة قصره بالعقيق وهو كأمير موضع بالمدينة لزومه فقيل له : لزمت
383
القصر وتركت مسجد رسول الله فقال : رأيت مساجدكم لاهية وأسواقكم لاغية والفاحشة في فجاجكم عالية وما هنالك عما أنتم فيه عافية.
(9/313)
ـ وحكي ـ أن جماعة من السلف مثل مالك وغيره تركوا إجابة الدعوات وعبادة المرضى والجنائز بل كانوا أحلاس بيوتهم لا يخرجون إلا إلى الجمعة وزيارة القبور وبعضهم فارق الأمصار وانحاز إلى قلل الجبال تفرغاً للعبادة وفراراً من الشواغل واختار جماعة من السلف العزلة لمشاهدتهم المنكرات في الأسواق والأعياد والمجامع وعجزهم عن التغيير وهذا يقتضي لزوم الهجرة وفي الآية دليل على أن الشروع في نقل العبادة ملزم وإن من شرع فيما ليس عليه ثم تركه استحق اسم الفسق والوعيد فيجب على الناذر رعاية نذره لأنه عهد مع الله لا يحل نكثه.
ـ وروي ـ عن بعض الصحابة رضي الله عنهم عليكم بإتمام هذه التراويح لأنها لم تكن واجبة عليكم وقد أوجبتموها على أنفسكم فإنكم إن تركتم صرتم فاسقين ثم قرأ هذه الآية وكثير منهم فاسقون.
جزء : 9 رقم الصفحة : 344
يقول الفقير : وهكذا شأن الصلاة المعروفة بالرغائب والبراءة والقدر فإنها ملحقة بالتراويح لكونها من صلاة الليل وقد كانت سنة مسلوكة للعلماء بالله فلا تترك أبداً عند من اعتقد اعتقادهم قال في فتح الرحمن : واختلف الأئمة فما إذا أنشأ صوماً أو صلاة تطوعاً فقال أبو حنيفة : لم يجز له الخروج منه فإن أفسده فعليه القضاء لقوله تعالى : ولا تبطلوا أعمال لكم وقال مالك رحمه الله : كذلك إلا أنه اعتبر العذر فقال : إن خرج منه لعذر فلا قضاء وإلا وجب وقال الشافعي واحمد رحمهما الله متى أنشأ واحداً منهما استحب إتمامه فإن خرج منه لم يجب عليه قضاء على الإطلاق وأما إذا كان التطوع حجاً أو عمرة فيلزم إتمامه أفسده وجب قضاؤه لوجوب المضي في فاسده انتهى.
قال بعض الكبار : جميع ما ابتدع من السنة الحسنة على القربة إلى الله تعالى داخل في الشريعة التي جاءت بها الرسل عن أمر الله قال تعالى : ورهبانية الخ فأقرهم تعالى عليها ولم يعب عليهم فعلها إنما عاب عليهم عدم رعايتهم لها في دوام العمل فقط وخلع عليها اسم البدعة في حقهم بخلاف هذه الأمة خلع على ما استحسنوه اسم السنة تشريفاً لهم كما قال عليه السلام : من سن سنة حسنة وما قال من ابتدع بدعة حسنة فافهم فأجاز لنا ابتداع ما هو حسن وسماه سنة وجعل فيه أجراً لمن ابتدعه ولمن عمل به وأخبر أن العباد له تعالى بما يعطيه نظره إذا لم يكن على شرع من الله معين أنه يحشر أمة وحده بغير إمام يتبعه كما قال تعالى في إبراهيم أن إبراهيم كان أمة قانتاًوذلك لنظره في الأدلة قبل أن يوحى إليه وقال عليه السلام : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فمن كان عليها فهو على شرع من ربه وإن لم يعلم وقال بعضهم : جميع ما ابتدعه العلماء والعارفون مما لم تصرح الشريعة بالأمر به لا يكون بدعة إلا أن خالف صريح السنة فإن لم يخالفها فهو محمود وذلك كحلق الرأس ولبس المرقعات والرياضة بقلة الطعام والمنام والمواظبة على الذكر والجهر به على الهيئة المشهورة ونحو ذلك من جميع أوصافهم فإنها كلها نواميس حكمية لم يجىء بها رسول الله عليه السلام في عموم الناس من عند الله لكونها طريقة أهل الخصوص السالكين طريق الحق وهذه الطريق لا تحتمل العامة الأمر بها ولا تجب هي عليهم فقد علمت أن طريق
384
(9/314)
القوم صادرة عن الله ولكن من غير الطريق الصريح النبوي ولولا أنه عليه السلام فتح لأمته باب الاستنان ما اجترأ أحد منهم على أن يزيد حكماً ولا وضعاً ففي الصحيح من سن سنة حسنة فله أجرها وأجز من عمل بها وقال بعضهم : المقصود بالوضع الشرعي الإلهي هو تكميل النفوس علماً أو عملاً وهم أتوا بأمور زائدة على الطريقة النبوية موافقة لها في الغاية والغرض كالأمور التي التزمها الصوفية في هذه الأمة بغير إيجاب من الله كتقليل الطعام وكثرة الصيام والاجتناب عن مخالطة الأنام وقلة المنان والذكر على الدوام وقال بعضهم : ما يصدر عن الواصل من الأفعال شريعة وكذا الباقي فلا بد من الاعتدال ولذلك قال عليه السلام : الشريعة أقوالي والطريقة أطواري والمعرفة رأس مالي والحقية نقد حالي وقال بعضهم : لا تبتدع فيوجب الله ذلك الابتداع عليك وفي شرعنا من سن سنة حسنة فما سماها بدعة فإن شرعنا قد قررها فليشكر الله صاحب هذه البدعة وليلزمها حيث ألحقه تعالى بأنبيائه ورسله وأباح له أن يسن ما سنته الرسل مما يقرب إلى الله تعالى ولا يخفى أن الكامل من عباد الله من سد باب الابتداع ولم يزد في التكاليف حكماً واحداً موافقه لمراد الله ومراد رسول الله من طلب الرفق والرحمة وقال بعضهم : لا تجعل وردك غير ما ورد في الكتاب والسنة تكن من العلماء الأدباء لأنك حينئذ تجمع بين الذكر والتلاوة فيحصل لك أجر التالين والذاكرين فما ترك الكتاب والسنة مرتبة يطلبها الإنسان من خير الدنيا والآخرة إلا وقد ذكرها فمن وضع من الفقراء ورداً من غير الوارد في السنة فقد أساء الأدب مع الله ورسوله إلا أن يكون ذلك بتعريف من الله فيعرفه خصائص كلمات يجمعها فيكون حينئذ ممتثلاً لا مخترعاً وذلك مثل حزب البحر للشاذلي رحمه الله ونحوه فإنه رحمه الله صرح بأنه ما وضع حرفاً منه إلا بإذن الله ورسوله وقال : من دعا بغير ما دعا به رسول الله فهو مبتدع وقال بعضهم : العبد في أداء الفرائض عبد اضطرار وفي فعل النوافل عبد اختيار وعبودية الاضطرار أشرف وأسلم في حقه من عبودية الاختيار لما قد يخطر بباله في عبودية الاختيار من شائبة الامتنان ومن ههنا ترك أكابر الرجال من الملامية فعل النوافل واقتصروا على أداء الفرائض خوفاً من خطور ذلك على قلوبهم فيجرح عبوديتهم وفي الحكم العطائية من علامة اتباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات والتكاسل عن القيام بحقوق الواجبات وهذا حال غالب الخلق إلا من عصمه الله ترى الواحد منهم يقوم بالنوافل الكثيرة ولا يقوم بفرض أحد على وجهه
جزء : 9 رقم الصفحة : 344
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} أي بالرسل المتقدمة {اتَّقُوا اللَّهَ} فيما نهاكم عنه {وَءَامِنُوا بِرَسُولِهِ} أي بمحمد عليه السلام وفي إطلاقه إيذان بأنه علم فرد الرسالة لا يذهب الوهم إلى غيره {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ} نصيبين وأجرين نقل عن الراغب الكفل الحظ الذي فيه الكفالة كأنه تكفل بأمره والكفلان هما النصيبان المرغوب فيهما بقوله تعالى : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة {مِن رَّحْمَتِهِ} از بخشايش خود.
وذلك لإيمانكم بالرسول وبمن قبله من الرسل لكن لا على أن شريعتهم باقية بعد البعثة بل على أنها كانت حقاً قبل النسخ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : الرجل يكون له الأمة فيعلمها فيحسن تعليمها
385
يؤدبها فيحسن تأديبها ثم يعتقها ويتزوجها فله أجران ومؤمن أهل الكتاب الذي كان مؤمناً ثم آمن بالنبي فله أجران والعبد الذي يؤدي حق الله وينصح لسيده ولذا بكى بعض العبيد حين أعتق لأنه ذهب أجر النصح لسيده وبقي أجر أداء حق الله :
تادلت هست اسير عشق سليم
مسند تخت سلطنت مطلب
وقال الشيخ سعدي :
اسيرش نخواهد رهايى زبند
شكارش نجويد خلاص از كمند
وقال المولى الجامي :
مريض عشق توون مثائل شفا كردد
اسير قيد توكى طالب نجات شود
جزء : 9 رقم الصفحة : 344
(9/315)
{وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} يوم القيامة حسبما نطق به قوله تعالى يسعى نورهم بين أيديهم وبإيمانهم فهو الضياء الذي يمشون به على الصراط إلى أن يصلوا إلى الجنة وذلك لأن جهنم خلقت من الظلمة إذ هي صورة النفس الأمارة وهي ظلمانية فنور الإيمان والتقوى يدفعها ويزيلها {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ما أسلفتم من الكفر والمعاصي فإما حسنات الكفار فمقبولة بعد إسلامهم على ما ورد في الحديث الصحيح {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي مبالغ في المغفرة والرحمة وفيه إشارة إلى مغفرة الذنب الذي هو ملاحظة النفس فإنه من أكبر الذنوب والمعاصي كما قالوا وجودك ذنب لا يقاس عليه ذنب آخر "مصراع" ومرد راه شدى بكذراز سر ودستار {لِّئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} متعلق بمضموم الجملة الطلبية المتضمنة معنى الشرط إذ التقدير أن تتقوا الله وتؤمنوا برسوله يؤتكم كذا وكذا لئلا يعلم الذين لم يسلموا من أهل الكتاب أي ليعلموا ولا مزيدة كهى في ما منعك أن لا تسجد كما ينبىء عنه قراءة ليعلم ولكي يعلم ولأن يعلم بإدغام النون في الياء قال في كشف الأسرار : وإنما يحسن إدخالها في كلام يدخل في أواخره أو أوائله جحد {أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ} أن مخففة من الثقيلة واسمها الذي هو ضمير الشأن محذوف والجملة في حيز النصب على أنها مفعول يعلم أي ليعلمون أنهم لا ينالون شيئاً مما ذكر من فضله من الكفلين والنور والمغفرة ولا يتمكنون من نيله حيث لم يأتوا بشرطه الذي هو الإيمان برسوله {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} عطف على أن لا يقدرون يعني آفزوني ثواب وجزاء وأمثال آن بدست قدرت خداست {يُؤْتِيهِ} عطا كند {مَن يَشَآءُ} هركرا خواهد.
وهو خبر ثان لأن {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} والعظيم لا بد أن يكون إحسانه عظيماً.
قال الكاشفي : وخداى تعالى خداوند فضل بزركست يعني نعمتي تمام كه خواص وعوام را فرا رسيده :
فيض كرم رساندة از شرق تا بغرب
خوان نعم نهادة ازقاف تابقاف
هستند بيش وكم زنوال تو بهره مند
دارند نيك وبد بعطاء تو اعتراف
وقد جوز أن يكون الأمر بالتقوى والإيمان لغير أهل الكتاب فالمعنى اتقوا الله وأثبتوا على إيمانكم برسول الله يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله تعالى : أولئك يؤتون أجرهم مرتين ولا ينقصكم من مثل أجرهم لأنكم مثلهم في الإيمانين
386
لا تفرقون بين أحد من رسله.
جزء : 9 رقم الصفحة : 344
ـ وروي ـ أن مؤمني أهل الكتاب افتخروا على سائر المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرتين وادعوا الفضل عليهم فنزلت وفي الحديث "إنما مثلنا ومثل الذين أوتوا الكتاب من قبلنا مثل رجل استأجر إجراء فقال : من يعمل إلى آخر النهار على قيراط قيراط فعمل قوم ثم تركوا العمل نصف النهار ثم قال من يعمل نصف النهار إلى آخر النهار على قيراط قيراط فعمل قوم إلى العصر على قيراط قيراط ثم تركوا العمل ثم قال : من يعمل الليل على قيراطين قيراطين فعمل قوم إلى الليل على قيراطين قيراطين فقال الطائفتان الأوليان مالنا أكثر عملاً وأقل أجراً فقال : هل نقصتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا : لا قال : ذلك فضلي أوتيه من أشاء" ففيه إشارة إلى أن أهل الكتاب أطول زماناً وعمراً وأكثر اجتهاداً وأقل أجراً وهذه الأمة أقصر مدة وأقل سعياً وأعظم أجراً وإلى أن الثواب على الأعمال ليس من جهة الاستحقاق لأن العبد لا يستحق على مولاه بخدمته أجرة بل من جهة الفضل ولله أن يتفضل على من يشاء بما يشاء قال البقلي رحمه الله : اخرج فضله من الاكتساب وعلل الجهد والطلب يؤتى كراماته من يشاء من عباده المصطفين وهو ذو العطاء في الأزل إلى الأبد والفضل العظيم ما لا ينقطع عن المنعم عليه أبداً.
ـ روي ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد ويقول إن فيهن آية أفضل من ألف آية ويعني بالمسبحات الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن.
يقول الفقير : إنما أخفى عليه السلام تلك الآية ولم يصرح بها لتجتهد الأمة بتلاوة جميع السور كما أخفى الله ساعة الإجابة وليلة القدر ونحوهما بعثاً للعباد على الاجتهاد وإحياء الليالي.
قال الشيخ سعدي :
وهر كوشه تير نياز افكنى
اميدست نا كه كه صيدى زنى
همه سنكها اس دار اى سر
كه لعل از ميانش نباشد بدر
غم جمله خور در هواى يكى
مراعات صدكن براى يكى
387
جزء : 9 رقم الصفحة : 344
تفسير سورة المجادلة
اثنتان وعشرون آية مدنية
جزء : 9 رقم الصفحة : 387
جزء : 9 رقم الصفحة : 388(9/316)
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَـادِلُكَ فِى زَوْجِهَا} سمع مجاز مرسل عن أجاب بعلاقة السببية والمجادلة المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة يعني كار براندن باكسى بر سبيل نزاع.
وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه والمراد هنا المكالمة ومراجعة الكلام أي معاودته والمعنى قد أجاب الله دعاء المرأة التي تكالمك في حق زوجها استفتاء وتراجعك الكلام في شأنه وفيما صدر عنه في حقها من ظهاره إياها بغير وجه مشروع وسبب مقبول {وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ} عطف على تجادلك أي تتضرع إلى الله تعالى وتظهر ما بها من المكروه قال في المفردات الشكاية والشكاة والشكوى إظهار البث يقال : شكوت واشتكيت وأصل الشكوى فتح الشكوة وإظهار ما فيها وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء وكان في الأصل استعارة كقولك بثثت له ما في وعائي ونفضت ما في جرابي إذا أظهرت ما في قلبك وفي كشف الأسرار الاشتكاء إظهار ما يقع بالإنسان من المكروه والشكوى إظهار ما يصنعه غيره به وفي تاج المصادر الاشتكاء كله كردن وشكوه كرفتن.
وهي قربة صغيرة المجادلة هي خولة بنت ثعلب بن مالك بن خزاعة الخزرجية وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة روي أنها كانت حسنة البدن رآها أوس وهي تصلي فاشتهى مواقعتها فلما سلمت راودها فأبت وكان به خفة فغضب عليها بمقتضى البشرية وقال : أنت علي كظهر أمي وكان أول ظهار وقع في الإسلام ثم ندم على ما قال بناء على أن الظهار والإيلاء كانا من طلاق الجاهلية فقال لها : ما أظنك إلي وقد حرمت علي فشق ذلك عليها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعائشة رضي الله عنها تغسل شق رأسه فقالت : يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت أبو ولدي وابن عمي وأحب الناس إلى ظاهر مني وما ذكر طلاقاً وقد ندم على فعله فهل من شيء يجمعني وإياه فقال عليه السلام : ما أراك إلا وقد حرمت عليه فقالت : لا تقل ذلك يا رسول الله وذكرت فاقتها ووحدتها بتفاني أهلها وأن لها صبية صغاراً فقالتك إن ضممتهم إلي جاعوا وإن ضممتهم إلى أبيهم ضاعوا فأعاد النبي عليه السلام قوله الأول وهو حرمت عليه فجلت تراجع رسول الله مقالتها الأولى وكلما قال لها رسول الله حرمت عليه هتفت وقالت : أشكوا إلى الله مما لقيت من زوجي حال فاقتي ووحدتي وقد طالت معه صحبتي ونفضت له بطني تريد بذلك أني قد بلغت عنده سن الكبر وصرت عقيماً لا ألف بعد وكانت في كل ذلك ترفع رأسها إلى السماء على ما هو عادة
388
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
الناس استنزالاً للأمر الإلهي من جانب العرش وتقول : اللهم أنزل على لسان نبيك فقامت عائشة تغسل الشق الآخر من رأسه عليه السلام وهي ما زالت في مراجعة الكلام مع رسول الله وبث الشكوى إلى الله حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات الأربع سمعاً لدعائها وقبولاً لشكواها فكانت سبباً لظهور أمر الظهار وفي قد إشعار بأن الرسول والمجادلة كانا يتوقعان أن ينزل الله حكم الحادثة ويفرج عنها كربها لأنها إنما تدخل على ماض متوقع {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ} أي يعلم تراجعكما الكلام وتخاطبكما وتجاوبكما في أمر الظار فإن التحاور بمعنى التجاوب وهو رجع الكلام وجوابه يعني يكديكر را جواب دادن.
من الحور بمعنى الرجوع وذلك كان برجوع الرسول إلى الحكم بالحرمة مرة بعد أخرى ورجوع المجادلة إلى طلب التحليل كذلك ومثله المحاورة في البحث ومنه قولهم في الدعاء نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي الرجوع إلى النقصان بعد الوصول إلى الزيادة أو إلى الوحشة بعد الأنس وقال الراغب الحور التردد إما بالذات وإما بالتفكر وقيل : نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من التردد في الأمر بعد المضي فيه أو من نقصان وتردد في الحال بعد الزيادة فيها وصيغة المضارع للدلالة على استمرار السمع حسب استمرار التحاور وتجدده وفي نظمها في سلك الخطاب مع أفضل البريات تغليب إذ القياس تحاورها وتحاورك تشريفاً لها من جهتين والجملة استئناف جار مجرى التعليل لما قبله فإن الحافها في المسألة ومبالغاتها في التضرع إلى الله ومدافعته عليه السلام إياها بجماب منبىء عن التوقف وترقب الوحي وعلمه تعالى بحالهما من دواعي الإجابة وفي كشف الأسرار ليس هذا تكراراً لأن الأول لما حكته عن زوجها والثاني لما كان يجري بينها وبين رسول الله لأن الأول ماض والثاني مستقبل {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُا بَصِيرٌ} مبالغ في العلم بالمسموعات والمبصرات ومن قضيته أن يسمع تحاورهما ويرى ما يقارنه من الهيئات التي من جملتها رفع رأسها إلى السماء وسائر آثار التضرع :
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها
يا من إليه المشتكى والمفزع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة
ولئن رددت فأي باب أقرع
حاشى للطفك أن تقنط عاصياً
الفضل أجزل والمواهب أوسع
(9/317)
وفي الآية دليل على أن من انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يبق له في مهمه أحد سوى ربه وصدق في دعائه وشكواه كفاه الله ذلك ومن كان أضعف فالرب به ألطف :
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
دعاى ضعيفان اميد وار
زبازوى مردى به آيد بكار
وفيها أن من استمع الله ورسوله والورثة إلى كلامه فسائر الناس أولى.
ـ روي ـ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بهذه المرأة في خلافته وهو على حمار والناس معه فاستوففته طويلاً ووعظته وقالت : يا عمر قد كنت تدعى عميراً ثم قيل لك عمر ثم قيل لك أمير المؤمنين فاتق الله يا عمر فإنه من أيقن الموت خاف الفوت ومن أيقن الحساب خاف العذاب وهو
389
واقف يسمع كلامها فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف الطويل؟ فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره ما زلت إلا للصلة المكتوبة أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلب سمع الله قولها من فوق سبع سموات أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر وهذه الفوقية لا يلزم منها الجهة لأن الله هو العلي المتعال فاعرف ثم إنه من أكبر الذنوب أن يقول الرجل لأخيه اتقي الله فيقول في جوابه عليك نفسك أي الزم نفسك أنت تأمرني بهذا وذلك لأنه إذا ذكر اسم الله يلزم التعظيم له سواء صدر من مسلم أو كافر وأعلم الناس لا يستغنى عن تنبيه وإيقاظ :
بكوى آنه دانى سخن سود مند
وكر هي كس رانيايد سند
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
يقال : اللائق بالعاقل أن يكون كالنحل يأخذ من كل شيء ثم يخرجه عسلاً فيه شفاء من كل داء وشمعاً له منافع لا سيما الضياء فطالب الحكمة يأخذها من كل مقام سواء قعد أو قام "المرء لولا عرفه فهو الدمي.
والمسك فولا عرفه فهو الدم" العرف الأول بالضم بمعنى المعروف والثاني بالفتح الرائحة والدمي بضم الدال وفتح الميم جمع دمية وهي الصورة المنقشة من رخام أو عاج {الَّذِينَ يُظَـاهِرُونَ مِنكُم} أيها المؤمنون فلا يلحق بهم الذمي لأنه ليس من أهل الكفارة لغلبة جهة العبادة فيها فلا يصح ظهاره {مِن نِّسَآاـاِهِمْ} هذا شروع في بيان الظهار في نفسه وحكمه المترتب عليه شرعاً بطريق الاستئناف والظهار بلغة مصدر ظاهر الرجل أي قال لزوجته : أنت علي كظهر أمي والظهر العضو والجارحة ويعبر عن البطن بالظهر أي أنت علي حرام كبطن أمي فكنى عن البطن بالظهر الذي هو عمود البطن لئلا يذكر ما يقارب الفرج تأدباً ثم قيل ظاهر من امرأته فعدى بمن لتضمين معنى التجنب لاجتناب أهل الجاهلية من المرأة المظاهر منها إذ الظهار طلاق عندهم كما مر في قولهم : آلى منها لما ضمنه من معنى التباعد من الألية بمعنى الحلف وفي القرآن واجنبني وبني أن نعبد الأصنام أي بعدني وإياهم من عبادة الأصنام فمعنى البعد إنما هو في الاجتناب ونحوه المتعدي بمن لان معنى الابتداء الذي هو معنى من لا يخلو عن البعد فإن من معاني عن لا من ثم إنه ألحق الفقهاء بالظهر نحو البطن والفخذ والفرج مما يحرم النظر إليها من الأم فمن قال أنت علي كبطن أمي أو فخذها أو فرجها كان ظهاراً بخلاف مثل اليد أو الرجل وكذا ألحقوا بالأم سائر المحارم فلو وضع المظاهر مكان الأم ذات رحم محرم منه من نسب كالخالة والعمة أو رضاع أو صهر كان ظهاراً مثل أن يقول : أنت عليه كظهر خالتي أو عمتي أو أختي نسباً أو رضاعاً أو كظهر امرأة ابني أو أبي ولو شبهها بالخمر والخنزير أو الدم أو الميتة أو قتل المسلم أو الغيبة أو النميمة أو الزنى أو الريا أو الرشوة فإنه ظهار إذا نوى وفي أنت علي كأمي صح نية الكرامة أي استحقاق البر فلا يقع طلاق ولا ظهار وصح نية الظهار بأن يقصد التشبيه بالأم في الحرمة فيترتب عليه أحكام الظهار لا غير ونية الطلاق بأن يقصد إيجاب الحرمة فإن لم ينو شيئاً لغا وأنت علي حرام كأمي صح فيه ما نوى من ظهار أو طلاق أو إيلاء ولو قال
390
أنت أمي أو أختي أو بنتي بدون التشبيه فهو ليس بظهار يعني إن قال : إن فعلت كذا فأنت أمتي وفعلته فهو باطل وإن نوى التحريم ولو قالت لزوجها : أنت علي كظهر أمي فإنه ليس بشيء وقال الحسن إنه يمين وفي إيراد منكم مع كفاية من نسائهم مزيد توبيخ للعرب وتقبيح لعادتهم في الظهار فإنه كان من أيمان جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم فلا يليق بهم بعد الإسلام أن يراعوا تلك العادة المستهجنة فكأنه قيل منكم على عادتكم القبيحة المستنكرة ويحتمل أن يكون لتخصيص نفع الحكم الشرعي للمؤمنين بالقبول والاقتداء به أي منكم أيها المؤمنون المصدقون بكلام الله المؤتمرون بأمر الله إذ الكافرون لا يستمعون الخطاب ولا يعملون بالصواب وفى من نسائهم إشارة إلى أن الظهار لا يكون في الأمة ومن ذلك قالوا : إن للظهار ركناً وهو التشبيه المذكور وشرطاً وهو أن يكون المشبه منكوحة حتى لا يصح من الأمة وأهلاً وهو من كان من أهل الكفارة حتى لا يصح للذمي والصبي والمجنون وحكماً وهو حرمة الوطىء حتى يكفر مع بقاء أصل الملك
(9/318)
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
{مَّا هُنَّ أُمَّهَـاتِهِمْ} خبر للموصول أي ما نساؤهم أمهاتهم على الحقيقة فهو كذب بحت يعني أن من يقول لامرأته أنت علي كظهر أمي ملحق في كلامه هذا للزوج بالأم وجاعلها مثلها وهذا تشبيه باطل لتباين الحالين وكانوا يريدون بالتشبيه الحرمة في المظاهر منها كالحرمة في الأم تغليظاً وتشديداً فإن قيل فحاصل الظهار مثلاً أنت محرمة علي كما حرمت علي أمي وليس فيه دتوى الأمومة حتى تنفي وتثبت للوالدات يقال : إن ذلك التحريم في حكم دعوى الأمومة أو أن المراد نفي المشابهة لكن نفي الأمومة للمبالغة فيه {إِنَّ} نافية بمعنى ما {أُمَّهَـاتِهِمْ} في الحقية والصدق {الَّذِينَ يُظَـاهِرُونَ} جمع التي أي النساء اللاتي {وَلَدْنَهُمْ} أي ولدن المظاهرين فلا تشبه بهن في الحرمة إلا من ألحقها الشرع بهن من أزواج النبي عليه السلام والمرضعات ومنكوحات الآباء لكرامتهن وحرمتهن فدخلن بذلك في حكم الأمهات وأما الزوجات فأبعد شيء من الأمومة فلا تلحق بهن بوجه من الوجوه {إِنَّهُمْ} أي وإن المظاهرين منكم {لَيَقُولُونَ} يقولهم ذلك {مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ} على أن مناط التأكيد ليس صدور القول عنهم فإن أمر محقق بل كونه منكراً أي عند الشرع وعند العقل والطبع أيضاً كما يشعر به تنكيره وذلك لأن زوجته ليست بأمه حقيقة ولا ممن ألحقه الشرع بها فكان التشبيه بها إلحاقاً لأحد بالمتباينين بالآخر فكان منكراً مطلقاً غير معروف {وَزُورًا} أي كذباً باطلاً منحرفاً عن الحق فإن الزور بالتحريك الميل فقيل للكذب زور بالضم لكونه مائلاً عن الحق قال بعضهم : ولعل قوله وزوراً من قبيل عطف السبب على المسبب فإن قلت قوله أنت علي كظهر أمي إنشاء التحريم الاستمتاع بها وليس بخير والإنشاء لا يوسف بالكذب قلت هذا الإنشاء يتضمن إلحاق الزوجة المحللة بالأم المحرمة أبداً وهذا إلحاق مناف لمقتضى الزوجية فيكون كاذباً وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال : الإشراك
391
بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس وقال : ألا وقول الزور وشهادة الزور إلا وقول الزور وشهادة الزور إلا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يقولها حتى قلت : لا يسكت رواه البخاري قال بعضهم : لما كان مبني طلاق الجاهلية الأمر المنكر الزور لم يجعله الله طلاقاً ولم تبق الحرمة إلا إلى وقت التكفير وقال الظهار : الذي هو من طلاق الجاهلية إن كان في الشرع بمقدار من الزمان أولاً طلاقاً كانت الآية ناسخة وإلا فلا لأن النسخ إنما يدخل في الشرائع وما قال عليه السلام إنها حرمت فلا يعين شيئاً من الطرفين إلا أن بعض المفسرين جعله مؤيداً للوجه الأول
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
(9/319)
{وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} أي مبالغ في العفو والمغفرة لما سلف منه على الإطلاق على المذهب الحق أو بالمناب عنه على مذهب الاعتزال وذلك أن ما دون الشرك حكمه موكول إلى مشيئة الله إن شاء يغفره وإن لم يتب العبد عنه وإن شاء يغفره بعد التوبة وأما إذا لم يتب عنه فعذبه عليه فإنما يعذبه على حسب ذنبه لكن الظاهر هنا الحث على التوبة لكون الكلام في دم الظهار وإنكاره {وَالَّذِينَ يُظَـاهِرُونَ مِن نِّسَآاـاِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} اللام والى يتعاقبان كثيراً نحو يهدي للحق وإلى الحق فالمعنى والذين يقولون ذلك القول المنكر ثم يعودون إلى ما قالوا وإلى ما فات عنهم بسببه من الاستمتاع بالتدارك والتلافي بالتقرر والتكرر ومنه قولهم عاد الغيث على ما أفسد أي تداركه بإصلاح فإفساده إمساكه وإصلاحه إحياؤه ففيه إطلاق اسم السبب على المسبب فإن العود إلى الشيء من أسباب التدارك والوصول إليه فيكون محازاً مرسلاً قال ابن الشيخ العود يستعمل على معنيين أحدهما أن يصير إلى شيء قد كان عليه قبل ذلك فتركه فيكون بمعنى الرجوع إلى ما فارق عنه والآخر أن يصير ويتحول إلى شيء وإن لم يكن على ذلك قبل والعود بهذا المعنى لا يلزم أن يكون رجوعاً إلى ما فارق عنه والعود الذي هو سبب للتدارك والوصول هو العود بهذا المعنى وهو العود إلى شيء مطلقاً فحاصل المعنى ثم يعودون إلى تدارك ما قالوا ودفع ما لزم عليهم به من الفساد من حرمة الحلال ويجوز أن يكون المعنى ثم يريدون العود إلى ما حرموا على أنفسهم بلفظ الظهار من الاستمتاع ففيه تنزيل للقول منزلة المقول فيه {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} التحرير جعل الإنسان حراً وهو خلاف العبد والرقبة ذات مرقوق مملوك سواء كان مؤمناً أو كافراً ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً هندياً أو رومياً فالمعنى فتداركه أو فالواجب إعتاق رقبة أي رقبة كانت وإن كان تحرير المؤمن أولى والصالح أحسن فيعتقها مقروناً بالنية وإن كان محتاجاً إلى خدمتها فلو نوى بعد العتق أو لم ينو لم ينجزىء وإن وجد ثمن الرقبة وهو محتاج إليه فله الصيام كما في الكواشي ولا يجزىء أم الولد والمدبر والمكاتب الذي أدى شيئاً فإن لم يؤد جاز ويجب أن تكون سليمة من العيوب الفاحشة بالإنفاق وعند الشافعي يشترط الإيمان قياساً على كفارة القتل كما قال تعالى فتحرير رقبة مؤمنة قلنا حمل المطلق على المقيد إنما هو عند اتحاد الحادثتين واتحاد الحكم أيضاً وهنا ليس كذلك والفاء للسببية ومن فوائدها الدلالة على تكرر وجوب التحرير بتكرر الظهار لأن تكرر السبب يوجب تكرر المسبب كقراءة آية السجدة في موضعين فلو ظاهر
392
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
من امرأته مرتين أو ثلاثاً في مجلس واحد أو مجالس متفرقة لزمه بكل ظهار كفارة {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} أي من قبل أن يستمتع كل من المظاهر والمظاهر منها بالآخر جماعاً وتقبيلاً ولمساً ونظراً إلى الفرج بشهوة وذلك لأن اسم التماس يتناول الكل وإن وقع شيء من ذلك قبل التكفير يجب عليه أن يستغفر لأنه ارتكب الحرام ولا يعود حتى يكفر وليس عليه سوى الكفارة الأولى بالإنفاق وإن أعتق بعض الرقبة ثم مس عليه أن يستأنف عند أبي حنيفة رحمه الله ولا تسقط الكفارة بل يأتي بها على وجه القضاء كما لو أخر الصلاة عن وقتها فإنه لا يسقط عنه إتيانها بل يلزمه قضاؤها وفي الآية دليل على أن المرأة لا يسعها أن تدع الزوج أن يقربها قبل الكفارة لأنه نهاهما جميعاً عن المسيس قبل الكفارة قال القهستاني لها مطالبة التكفير والحاكم يجبر عليه بالحبس ثم بالضرب فالنكاح باق والحرمة لا تزول إلا بالتكفير وكذا لو طلقها ثم تزوجها بعد العدة أو زوج آخر حرم وطئها قبل التكفير ثم العود الموجب لكفارة الظهار عند أبي حنيفة رحمه الله هو العزم على جماعها فمتى عزم على ذلك لم تحل له حتى يكفر ولو ماتت بعد مدة قبل أن يكفر سقطت عنه الكفارة لفوت العزم على جماعها {ذَالِكُمْ} أي الحكم بالكفارة أيها المؤمنون {تُوعَظُونَ بِهِ} الوعظ زجر يقترن بتخويف أي تزجرون به من ارتكاب المنكر المذكور فإن الغرامات مزاجر من طعاطي الجنايات والمراد بذكره بيان أن المقصود من شرع هذا الحكم ليس تعريضكم للثواب بمباشرتكم لتحرير الرقبة الذي هو علم في استتباع الثواب العظيم بل هو ردعكم وزجركم عن مباشرة ما يوجبه والحاصل أن في المؤاخذة الدنيوية نفعاً لكل من المظاهر وغير المظاهر بأن يحصل للمظاهر الكفارة والتدارك ولغير المظاهر الاحتياط والاجتناب كما قيل :
نرود مرغ سوى دانه فراز
ون دكر مرغ بينداندر بند
كتاب روح البيان ج9 متن
الهام رقم 42 من صفحة 393 حتى صفحة 404
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
(9/320)
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من جناية الظهار والتكفير ونحو ذلك من قليل وكثير {خَبِيرٌ} أي عالم بظواهرها وبواطنهاومجازيكم بها فحافظوا احدود ما شرع لكم ولا تخلوا بشيء منها {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} أي فالمظاهر الذي لم يجد الرقبة وعجز عنها بأن كان فقيراً وقت التكفير وه من حين العزم إلى أن تقرب الشمس من الغروب من اليوم الأخير مما صام فيه من الشهرين فلا يتحقق العجز الحقيقي إلا به والاعتبار بالمسكن والثياب التي لا بد منها فإن المعتبر في ذلك هو الفضل والذي غاب ماله فهو واجد {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} أي فعليه صيام شهرين {مُتَتَابِعَيْنِ} ليس فيهما رمضان ولا الأيام الخمسة المحرم وصومها أي يوما العيد وأيام التشريق فيصلهما بحيث لا يفصل يوماً عن يوم ولا شهراً عن شهر بالإفطار فإن أفطر فيهما يوماً أو أكثر بعذر أو بغير عذر استأنف ولم يحسب ما صام إلا بالحيض كما سيجيء {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} ليلاً أو نهاراً عمداً أو خطأ ولو جامع زوجة أخرى ناسياً لا يستأنف ولو أفطرت المرأة للحيض في كفارة القتل أو الفطر في رمضان لا تستأنف لكنها تصل صومها بأيام حيضها ثم إنه إن صام بالأهلة أجزأه وإن صام ثمانية وخمسين بأن كان كل من الشهرين ناقصاً وإن صامها بغيرها فلا بد من ستين يوماً حتى لو أفطر صبيحة تسعة وخمسين وجب عليه
393
الاستئناف {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ} أي الصيام بسبب من الأسباب كالهرم والمرض المزمن أي الممتد الغير المرجو برؤه فإنه بمنزلة العاجز من كبر السن وإن كان برجي برؤه واشتدت حاجته إلى وطىء امرأته فالمختار أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام ولو كفر بالإطعام ولم ينتظر القدرة على الصام أجزأه ومن الأعذار الشبق المفرط وهو أن لا يصبر على الجماع فإنه عليه السلام رخص للأعرابي أن يعطي الفدية لأجله {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} الإطعام جعله الغير طاعماً ففيه رمز إلى جواز التمليك والإباحة في الكفارة والمسكين ويفتح ميمه من لا شيء له أوله ما لا يكفيه وأسكنه الفقر أي قلل حركته والذليل والضعيف كما في القاموس قال القهستاني في شرح مختصر الوقاية قيد المسكين اتفاقي لجواز صرفه إلى غيره من مصارف الزكاة.
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
يقول الفقير إنما خص المسكين بالذكر لكونه أحق بالصدقة من سائر مصارف الزكاة كما ينيىء عنه ما سبق آنفاً من تفسير القاموس وإطعام ستين مسكيناً يشمل ما كان حقيقياً وحكمياً بأن يطعم واحداً ستين يوماً فإنه في حكم ستين مسكيناً وإن أعطاه في يوم واحد وبدفعات لا يجوز على الصحيح فيطعم لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من غيره كما في الفطرة والصاع أربعة أمداد ونصفه مدان ويجب تقديمه على المسيس لكن لا يستأنف إن مس في خلاف الإطعام لأن الله تعالى لم يذكر التماس مع الإطعام هذا عند أبي حنيفة رحمه الله وأما عند الآخرين فالإطعام محمول على المقيد في العتق والصيام ويجوز دفع الكفارة لكافر وإخراج القيمة عند أبي حنيفة رحمه الله خلافاً للثلاثة وفي الفقه هذا إذا كان المظاهر حراً فلو كان عبداً كفر بالصوم وإن أعطاه المولى المال وليس له منعه عن الصوم فإن أعتق وأيسر قيل التكفير كفر بالمال {ذَالِكَ} أي ذلك البيان والتعليم للأحكام والتنبيه عليها واقع أو فعلنا ذلك {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} وتعملوا بشرائعه التي شرعها لكم وترفضوا ما كنتم عليه في جاهليتكم إن قيل إذا كان ترك الظهار مفروضاً فما بال الفقهاء يجعلونه باباً في الفقه أجيب بأن الله وإن أنكر الظهار وشنع على من تعود به من الجاهلين إلا أنه تعالى وضع له أحكاماً يعمل بها من ابتلى به من الغافلين فبهذا الاعتبار جعلوه باباً ليبينوا تلك الأحكام وزادوا قدر ما يحتاج إليه مع أن المحققين قالوا : إن أكثر الأحكام الشريعية للجهاد فإن الناس لو احترفوا عن سوء المقال والفعال لما احتيج إلى تكثير القيل والقال ودلت الآية على أن الظهار أكثر خطأ من الحنث في اليمين لكون كفارته أغلظ من كفارة الحنث واللام في لتؤمنوا للحكمة والمصلحة لأنها إذا قارنت فعل الله تكون للمصلحة لأنه الغني المطلق وإذا قارنت فعل العبد تكون للغرض لأنه المحتاج المطلق فأهل السنة لا يقولون لتلك المصلحة غرضاً إذ الغرض في العرف ما يستكمل به طالبه استدفاعاً لنقصان فيه يتنفر عنه طبعه والله منزه عن هذا بلا خلاف والمعتزلة يقولون بناء على أنه هو الشيء الذي لأجله يراد المراد ويفعل عندهم ولو قلنا بهذا المعنى لكنا قائلين بالغرض وهم لو قالوا بالمعنى لما كنا قائلين به {وَتِلْكَ} إشارة الأحكام المذكورة من تحريم الظهار وإيجاب العتق للواجد وإيجاب الصوم لغير الواجد إن استطاع وإيجاب الإطعام لمن لم يسطع
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
{حُدُودُ اللَّهِ} التي لا يجوز
394
(9/321)
تعديها وشرائعه الموضوعة لعباده التي لا يصح تجاوزها إلى ما يخالفها جمع حد وهو في اللغة المنع والحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر وحد الزنى وحد الخمر سمي بذلك لكونه مانعاً لمتعاطيه عن المعاودة لمثله وجميع حدود الله على أربعة أضرب أماشي لا يجوز أن يتعدى بالزيادة عليه وإلا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض وإما شيء يجوز الزيادة عليه ولا يجوز النقصان منه وإما شيء يجوز النقصان منه ولا يجوز الزيادة عليه وإما شيء يجوز الزيادة عليه والنقصان منه كما في المفردات {وَلِلْكَـافِرِينَ} أي الذين لا يعملون بها ولا يقبلونها {عَذَابٌ أَلِيمٌ} عبر عنه بذلك للتغليظ على طريقة قوله تعالى : ومن كفر فإن الله غني عن العالمين يعني أن إطلاق الكفر لتأكيد الوجوب والتغليظ على تارك العمل لا لأنه كفر حقيقة كما يزعمه الخوارج قال بعضهم في قوله عليه السلام : من ترك الصلاة فقد كفر أي قارب الكفر يقال : دخل البلدة لمن قاربها قال في برهان القرآن قوله وللكافرين عذاب أليم وبعده وللكافرين عذاب مهين لأن الأول متصل بضده وهوا لإيمان فتوعدهم على الكفر العذاب الأليم هو جزاء الكافرين والثاني متصل بقوله كبتوا وهو الإذلال والإهانة فوصف العذاب مثل ذلك فقال : وللكافرين عذاب مهين انتهى والأليم بمعنى المؤلم أي الموجع كالبديع بمعنى المبدع أو بمعنى المتألم لكن أسند مجازاً إلى العذاب مبالغة كأنه في الشدة بدرجة تتألم بها نفسه وفي إثبات العذاب للكافرين حث للمؤمنين على قبول الطاعة ولما نزلت هذه الآيات الأربع تلاها عليه السلام فقال لأوس بن الصامت رضي الله عنه : هل تستطيع عتق رقبة قبل إذن يذهب جل مالي؟ قال : فصيام شهرين متتابعين قال : يا رسول الله إذا لم آكل اليوم ثلاث مرات كل بصري وخشيت أن تعشو عيني قال : فإطعام ستين مسكيناً قال : لا إلا أن تعينني عليه قال : أعينك بخمسة عشر صاعاً وأنا داع لك بالبركة وتلك البركة بقيت في إله كما في عين المعاني.
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
يقول الفقير في وجوه الأحكام المذكورة إما وجه العتق فلان العاصي استحق النار بعصيانه العظيم فجعل عتق المملوك فداء لنفسه من النار كما قال عليه السلام : من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار ودل تقييد الرقبة بالمؤمنة على أفضلية إعتاق المؤمن وأيضاً إن ثمن العبد أكثر غالباً من فدية الإطعام والمال يعد من النفس لشدة علاقة النفس به ففي بذله تخليص لها من رذيلة البخل وتنحية لها عن النار وأما الوجه في الصيام فلأن الأصل فيه صيام شهر رمضان وهو ثلاثون يوماً ففي صيام ستين يوماً تضعيف المشقة وتشديد المحنة على النفس وأما الوجه في إطعام المساكين إما في نفس الإطعام فلأن الصوم التخلق بوصف الصمدية فإذا فات عنه ذلك لزوم المعالجة بضده وهو الإطعام لأن في بذل المال إذابة النفس كما في الصوم ومن هذا يعرف سر التنزيل من الرقبة إلى الصوم ثم منه إلى الإطعام وإما في عدد المساكين فلأن الإطعام بدل من الصيام وخلف له فروعي فيه من العدد ما روي في الصيام ويجوز أن يقال إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من ستين نوعاً من طبقات الأرض فأمر بإطعام ستين مسكيناً من أولاد آدم حتى تقع المكافأة لجميع أولاده لأنه لا يخرج أحد
395
منهم عن هذه الستين نوعاً وأيضاً سر العدد كون عمر هذه الأمة بين الستين والسبعين فمن راعى العدد فكأنما عبد الله ستين سنة التي هي مبلغ عمره ومنتهى أمده بحسب الغالب فيتخلص من النار ولكن فيه إشارة إلى فضيلة الوقت فإنه إذا فات العمل من محله لا يخير بالقضاء بكماله الأولى بل يصير ساقطاً عن درجة الكمال الأولى بستين درجة ولذا وجب صيام ستين وإطعامها.
قال المولى الجامي :
هردم از عمر كرامى هست كنج بي بدل
ميرود كنجى نين هر لحظه برباد آخ آخ
وقال الشيخ سعدي :
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف
كه فرصت عزيز ست والوقت سيف
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
(9/322)
وفي الآية إشارة إلى أن النفس مطية الروح وزوجته فإذا ظاهر زوج الروح من زوجة النفس بقطع الاستمتاع عنها لغلبة الروحانية عليها ثم بحسب الحكمة الإلهية المقتضية لتعلق زوج الروح مع زوجة النفس أراد أن يستمتع منها فعلى زوج الروح يجب من طريق الكفارة تحرير رقبة عن ذلك الاستمتاع والتصرف فيها بأن لا يستمتع ولا يتصرف فيها إلا بأمر الحق ومقتضى حكمته لا بمقتضى طبعه ومشتهيات هواه فإنه لا يجوز له وعلى تقدير شدة اشتباك زوج الروح بزوجة النفس وقوة ارتباطهما الذاتية ارتباط الراكب بالمركوب وارتباط ربان السفينة بالسفينة إن لم يقدر على تحرير رقبة عن هذا الارتباط فيجب على زوج الروح أن يصوم شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا يعني أن يمسك نفسه عن الالتفات إلى الكونين على الدوام والاستمرار من غير تخلل التفات وإن لم يتمكن من قطع هذا التفات لبقاء بقية من بقايا أنانيته فيه فيجب عليه إطعام ستين مسكيناً من مساكين القوى الروحانية المستهلكة تحت سلطنة النفس وصفاتها ليقيمهم على التخلق بالأخلاف الإلهية والتحقق بالصفات الروحانية {إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي عادونهما ويشاقونهما وكذا أولياء الله فإن من عادى أولياء الله فقد عادى الله وذلك لأن كلاً من المتعاديين كما أنه يكون في عدوة وشق غيره عدوة الآخر وشقه كذلك يكون في حد غير حد الآخر غير أن لورود المحادة في أثناء ذكر حدود الله دون المعاداة والمشاقة من حسن الموقع ما لا غاية وراءه وبالفارسية مخالفت ميكنند باخدا ورسول او از حدود امر ونهي تجاوز مينمايند.
وقال بعضهم : المحادة مفاعلة من لفظ الحديد ولمراد المقابلة بالحديد سواء كان في ذلك حديد حقيقة أو كان ذلك منازعة شديدة شبيهة بالخصومة بالحديد وقال بعضهم في معنى الآية يحادون أي يضعون أو يختارون حدوداً غير حدودهما ففيه وعيد عظيم للملوك والأمراء السوء الذين وضعوا أموراً خلاف ما حده الشرع وسموها القانون ونحوه :
ادشاهى كه طرح ظلم افكند
اى ديوار ملك خويش بكند
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
وفي الآية إشارة إلى أن النفس مطية الروح وزوجته فإذا ظاهر زوج الروح من زوجة النفس بقطع الاستمتاع عنها لغلبة الروحانية عليها ثم بحسب الحكمة الإلهية المقتضية لتعلق زوج الروح مع زوجة النفس أراد أن يستمتع منها فعلى زوج الروح يجب من طريق الكفارة تحرير رقبة عن ذلك الاستمتاع والتصرف فيها بأن لا يستمتع ولا يتصرف فيها إلا بأمر الحق ومقتضى حكمته لا بمقتضى طبعه ومشتهيات هواه فإنه لا يجوز له وعلى تقدير شدة اشتباك زوج الروح بزوجة النفس وقوة ارتباطهما الذاتية ارتباط الراكب بالمركوب وارتباط ربان السفينة بالسفينة إن لم يقدر على تحرير رقبة عن هذا الارتباط فيجب على زوج الروح أن يصوم شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا يعني أن يمسك نفسه عن الالتفات إلى الكونين على الدوام والاستمرار من غير تخلل التفات وإن لم يتمكن من قطع هذا التفات لبقاء بقية من بقايا أنانيته فيه فيجب عليه إطعام ستين مسكيناً من مساكين القوى الروحانية المستهلكة تحت سلطنة النفس وصفاتها ليقيمهم على التخلق بالأخلاف الإلهية والتحقق بالصفات الروحانية {إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي عادونهما ويشاقونهما وكذا أولياء الله فإن من عادى أولياء الله فقد عادى الله وذلك لأن كلاً من المتعاديين كما أنه يكون في عدوة وشق غيره عدوة الآخر وشقه كذلك يكون في حد غير حد الآخر غير أن لورود المحادة في أثناء ذكر حدود الله دون المعاداة والمشاقة من حسن الموقع ما لا غاية وراءه وبالفارسية مخالفت ميكنند باخدا ورسول او از حدود امر ونهي تجاوز مينمايند.
وقال بعضهم : المحادة مفاعلة من لفظ الحديد ولمراد المقابلة بالحديد سواء كان في ذلك حديد حقيقة أو كان ذلك منازعة شديدة شبيهة بالخصومة بالحديد وقال بعضهم في معنى الآية يحادون أي يضعون أو يختارون حدوداً غير حدودهما ففيه وعيد عظيم للملوك والأمراء السوء الذين وضعوا أموراً خلاف ما حده الشرع وسموها القانون ونحوه :
ادشاهى كه طرح ظلم افكند
اى ديوار ملك خويش بكند
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
{كُبِتُوا} أي اخزوا يعني خوار ونكو نسار كرده شوند.
وفي المفردات : الكبت الرد بعنف وتذليل وفي القاموس كبته يكبته صرعه وأخزاه وصرفه وكسره ورد العدو بغيظه
396
(9/323)
وأذله قال ابن الشيخ وهو يصلح لأن يكون دعاء عليهم وأخباراً عما سيكون بالماضي لتحققه أي سيكبتون ويدخل فيهم المنافقون والكافرون جميعاً أما الكافرون فمحادتهم في الظاهر والباطن وأما المنافقون ففي الباطن فقط {كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} من كفار الأمم الماضية المعادين للرسل عليهم السلام مثل أقوام نوح وهود وصالح وغيرهم.
وكان السري رحمه الله يقول : عجبت من ضعيف عصى قوياً فيقال له : كيف ذلك ويقول وخلق الإنسان ضعيفاً {وَقَدْ أَنزَلْنَآ ءَايَـاتا بَيِّنَـاتٍ} حال من واو كبتو أي كبتوا أي كبتوا لمحادتهم والحال إنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حاد الله ورسوله ممن قبلهم من الأمم وفيما فعلنا بهم أو آيات بينات تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به والسؤال بأن الإنزال نقل الشيء من الأعلى إلى الأسفل وهو إنما يتصور في الأجسام ولآيات التي هي من الكلام من الإعراض الغير القارة فكيف يتصور الإنزال فيها مجاب عنه بأن المراد منه إنزال من يتلقف من الله ويرسل إلى عباده تعالى فيسند إليها مجازاً لكونها المقصودة منه أو المراد منه الإيصال والإعلام على الاستعارة {وَلِلْكَـافِرِينَ} بتلك الآيات أو بكل ما يجب الإيمان به {عَذَابٌ مُّهِينٌ} يذهب بعزهم وكبرهم منا لإهانة بمعنى التحقير والمراد عذاب الكبت الذي هو في الدنيا فيكون ابتداء كلام أو عذاب الآخرة فيكون للعطف بمعنى أن لهم الكبت في الدنيا ولهم عذاب مهين في الآخرة فهم معذبون في الدارين قال بعضهم : وصف الله العذاب الملحق بالكافرين أولاً بالإيلام وثانياً بالإهانة لأن الإيلام يلحق بهم أولاً ثم يهانون به وإذا كانت الإهانة ما في الآخرة فالتقديم ظاهر وقد سبق غير هذا وفي الآية إشارة إلى أن من يعادون مظاهر الله وهم الأولياء المتحققون بالله المجتمعون بأسماء الله ويشاققون مظاهر رسوله وهم العلماء القائمون بأحكام الشرائع حجوا وأفحموا بأبلغ الحجج وأظهر البراهين من الكرامات الظاهرة ونشر العلوم الباهرة وكيف لا وقد أنزلنا بصحة ولا يتهم وآثار وراثتهم آيات بينات فمن سترها بستائر ظلمات إنكاره قله عذاب القطيعة الفظيعة والإهانة من غير إبانة
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} منصوب باذكر المقدر تعظيماً لليوم وتهويلاً له والمراد يوم القيامة أي يحييهم الله بعد الموت للجزاء {جَمِيعًا} أي كلهم بحيث لا يبقى منهم أحد غير مبعوث فيكون تأكيداً للضمير أو مجتمعين في حالة واحدة فيكون حالاً منه {فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا} من القبائح ببيان صدورها منهم أو بتصويرها في تلك النشأة بما يليق بها من الصور الهائلة على رؤوس الاشهاد وتخجيلاً لهم وتشهيراً لحالهم وتشديداً لعذابهم واإلا فلا فائدة في نفس الأنباء لينبهوا على ما صدر منهم {أَحْصَـاـاهُ اللَّهُ} كأنه قيل كيف ينبئهم بأعمالهم وهي أعراض منقضية متلاشية فقيل : إحصاه الله أي أحاط به عدداً وحفظه كما عمله لم يفت منه شيء ولم يغب قال الراغب : الإحصاء التحصيل بالعدد يقال أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه لأنهم كانوا يعتمدون اعتماد نافيه على الأصابع وقال بعضهم : الإحصاء عد بإحاطة وضبط إذ أصله العدد بآحاد الحصى للتقوى في الضبط فهو أخص من العد لعدم لزوم الإحاطة فيه {وَنَسُوهُ}
397
والحال أنهم قد نسوه لكثرته أو لتهاونهم حين ارتكبوه لعدم اعتقادهم {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ} لا يغيب عنه أمر من الأمور فالشهيد بمعنى الشاهد من الشهود بمعنى الحضور وكفته اندركواهست ومناسب آن مكافات خواهد فرمود وكسى كواهى اورد نتواند كرد :
حاكم ز حكم دم نزندكر كواه نيست
حاكم كه خود كواه بود قصه مشكلست
فلا بد من استحضار الذنوب والبكاء عليها وطلب التوبة من الله الذي يحصى كل شيء ولا ينساه قبل أن يجيىء ثوم يفتضح فيه المصر على رؤوس الإشهاد ولا يقبل الدعاء والمعذرة من العباد.
واعلم أن القول بأنه تعالى شهيد قول بأنه حاضر لكن بالحضور العلمي لا بالحضور الجسماني فإنه منزه عن ذلك فقول من قال الله حاضر محمول على الحضور العلمي فلا وجه لا كفار قائله مع وجوده في القرآن {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ} استشهاد على شمول شهوده تعالى والهمزة للإنكار المقرر بالرؤية لما أن الإنكار نفي معنى ونفي النفي يقرر الإثبات فتكون الرؤية ثابتة مقررة والخطاب للرسول عليه السلام أو لكل من يستحق الخطاب والمعنى ألم تعلم علماً يقينياً بمرتبة المشاهدة إنه تعالى يعلم ما في السموات وما في الأرض من الموجودات سواء كان ذلك بالاستقرار فيهما أو بالجزئية منهما.
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
(9/324)
ـ روي ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن أمية كانوا يوماً يتحدثون فقال أحدهم : أترى الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر يعلم بعضاً وقال الثالث إن كان يعلم بعضه فهو يعلم كله وصدق لأن من علم بعض الأشياء بغير سبب فقط علمها كلها لأن كونه عالماً بغير سبب ثابت له مع كل معلوم فنزلت الآية {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَـاثَةٍ} ما نافية ويكون تامة بمعنى يوجع ويقع ومن مقحم ونجوى فاعله وهو مصدر بمعنى التناجي كالشكوى بمعنى الشكاية يقال نجاه نجوى ونجوى ساره كناجاه مناجاة والنجوى السر الذي يكتم اسم ومصدر كما في القاموس وأصله أن تخلو في نجوة من الأرض أي مكان مرتفع منفصل بارتفاعه عما حوله كأن المتنجاي بنجوة من الأرض لئلا يطلع عليه أحد والمعنى ما يقع من تناجي ثلاثة نفر ومسارتهم فالنجوى مصدر مضاف إلى فاعله {إِلا هُوَ} أي الله تعالى {رَابِعُهُمْ} أي جاعلهم أربعة من حيث أنه تعالى يشاركهم في الاطلاع عليها كما قال الحسين النوري قدس سره : إلا هو رابعهم علماً وحكاً لا نفساً وذاتاً وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي ما يوجد في حال ما إلا في هذه الحال وفي الكلام اعتبار التصيير قال النصر أبادي : من شهد معية الحق معه زجره عن كل مخالقة وعن ارتكاب كل محذور ومن لا يشاهد معيته فإنه متخط إلى الشبهات والمحارم {وَلا خَمْسَةٍ} أي ولا نجوى خمسة نفر {إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ} أي إلا وهو تعالى جاعلهم ستة في الاطلاع على ما وقع بينهم وتخصيص العددين بالذكر لخصوص الواقعة لأن المنافقين المجتمعين في النجوى كانوا مرة ثلاثة وأخرى خمسة ويقال إن التشاور غالباً إنما يكون من ثلاثة إلى ستة ليكونوا أقل لفظاً وأجدر رأياً وأكتم سراً ولذا ترك عمر رضي الله عنه حين علم بالموت أمر الخلافة شورى بين ستة أي على أن يكون أمر الخلافة بين ستة ومشاورتهم واتفاق رأيهم وفي الثلاثة إشارة إلى الروح والسر والقلب وفي الخمسة إليها بإضافة
398
النفس والهوى ثم عمم الحكم فقال : {وَلا أَدْنَى مِن ذَالِكَ} أي أقل مما ذكر كالاثنين والواحد فإن الواحد أيضاً يناجي نفسه وبالفارسية وبه كمتر باشد ازسه عدد {وَلا أَكْثَرَ} كالستة وما فوقها {إِلا هُوَ مَعَهُمْ} أي الله مع المتناجين بالعلم والسماع يعلم ما يجري بينهم ولا يخفى عليه ما هم فيه فكأنه مشاهدهم ومحاضرهم وقد تعالى عن المشاهدة والحضور معهم حضوراً جسمانياف {أَيْنَ مَا كَانُوا} أي في أي مكان كانوا منا لأماكن ولو كانوا تحت الأرض فإن علمه تعالى بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة قرباً وبعداً :
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
أين معيت درنيابد عقل وهوش
زين معيت دم مزن بنشين خموش
قرب حق بابنده دورست از قياس
بر قياس خود منه آنرا اساس
قال بعض العارفين : اكر مؤمنان امت احمدوا خود اين تشريف يودى كه رب العالمين درين سوره ميكويد كه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم إلى قوله هو معهم تمام بودى أصحاب كهف را باجلال رتبت ايشان وكمال منزلت ميكويد.
ثلاثة رابعهم كلبهم ويوقولن خمسة سادسه كلبهم فانظر كم من فرق بين من كان الله رابعهم وسادسهم وبين من كان أخس الحيوانات رابعهم وسادسهم وحظية المؤمن من المعية أن يعلم أن الخير في أن يكون جليسه صالحاً وكلامه نافعاً ولا يتكلم بما لا طائل تحته فيكون عيباً في صحيفته وعبثاً في صحبته ومعية الله تعالى على العموم كما صرح به قوله تعالى : وهو معكم أينما كنتم ثم إنه قد يكون له تعالى معية مخصوصة ببعض عباده بحسب فيضه وإيصال لطفه إليه ونحو ذلك {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا} أي يخبرهم بالذي عملوه في الدنيا {يَوْمَ الْقِيَـامَةِ} تفضيحاً لهم وإظهاراً لما يوجب عذابهم {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} لأن نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل سواء يعني نسبت علم أو باهمه معلومات يكسانست حالات أهل آسمانرا نان داندكه حالات اهل زمين را وعلم أو بمخفيات أمور بدان وجه احاطه كندكه بجليات :
نهان وآشكارا هردو يكسانست بر علمت
نه اين رازود تربينى نى آنرا ديد تردانى
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
(9/325)
أنه العالم بكل شيء راقبه في كل شيء واكتفى بعلمه في كل شيء فكان واثقاً به عند كل شيء ومتوجهاً له بكل شيء قال ابن عطاء الله : متى علمت عدم أقبال الناس عليك أو توجههم بالذم إليك فارجع إلى علم الله فيك فإن كان لا يقنعك علمه فيك فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم انتهى والتخلق بهذا الاسم تحصيل العلم وإفادته للمحتاجين إليه ومن أدمن ذكر يا علام الغيوب بصيغة النداء إلى أن يغلب عليه منه حال فإنه يتكلم بالمغيبات ويكشف ما في الضمائر وترقى روحه إلى أن يرقى في العالم العلوي ويتحدث بأمور الكائنات والحوادث قال الفقهاء : من قال بأنعالم بذاته أي لا عالم بعلمه قادر بذاته أي لا قادر بقدرته يعني لا يثبت له صفة العلم القائمة بذاته ولا صفة القدرة كالمعتزلة والجهمية يحكم بكفره لأن نفي الصفات الإلهية كفر قال الرهاوي : من أقر بوحدانية الله وأنكر الصفات كالفلاسفة والمعتزلة لا يكون إيمانه معتبراً كذا قالوا وفيه شيء بالنسبة إلى المعتزلة فإنهم من أهل القبلة ومن ثمة قال في شرح العقائد والجمع بين قولهم لا يكفر أحد من أهل
399
القبلة وقولهم بكفر من قال بخلق القرآن واستحالة الرؤية وسب الشيخين وأمثال ذلك مشكل انتهى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتحلقون ثلاثة وخمسة ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين يريدون أن يغيظوهم فنهاهم رسول الله عليه السلام ثم عادوا لمثل فعلهم والخطاب للرسول والهمزة للتعجب من حالهم وصيغة المضارع للدلالة على تكرر عودهم وتجدده واستحضار صورته العجيبة قال الخدري رضي الله عنه : خرج عليه السلام ذات ليلة ونحن نتحدث فقال : هذه النجوى ألم تنهوا عن النجوى فقلنا : تبنا إلى الله إنا كنا في حديث الدجال قال : ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم منه هو الشرك الخفي يعني المرآة {وَيَتَنَـاجَوْنَ} وراز ميكويند {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ} عطف على قوله : يعودون داخل في حكمه وبيان لما نهوا عنه لضرره في الدين أي بما هو إثم في نفسه وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول والعدوان الظلم والجور والمعصية خلاف الطاعة {وَإِذَا جَآءُوكَ} وون برتو آنيد.
يعني أهل النجوى
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
{حَيَّوْكَ} ترا تحيت وسلام كنند والتحية في الأصل مصدر حياك على الاخبار من الحياة فمعنى حياك الله جعل لك حياة ثم استعمل للدعاء بها ثم قيل لكل دعاء فغلب في السلام فكل دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول حياة أو سبب حياة إما في الدنيا وإما في الآخرة {بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} أي بشيء لم يقع من الله أن يحييك به فيقولون السام عليك والسام بلغة اليهود.
مرك است ياقتل بشمشير.
وهم يوهمون أنهم يقولون : السلام عليك وكان عليه السلام يرد عليهم فيقول : عليكم بدون الواو ورواية وعليكم بالواو خطأ كذاف ي عين المعاني أو يقولون : أنعم صباحاً وهو تحية الجاهلية من النعومة أي ليصر صباحك ناعماً ليناً لا بؤس فيه والله سبحانه يقول : وسلام على المرسلين واختلفوا في رد السلام على أهل الذمة فقال ابن عباس والشعبي وقتادة : هو واجد لظاهر الأمر بذلك وقال مالك : ليس بواجب فإن رددت فقل : عليك وقال بعضهم : يقول في الرد علاك السلام أي ارتفع عنك وقال بعض المالكية : يقول في الرد : السلام عليك بكسر السين يعني الحجارة {وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ} أي فيما بينهم إذا خرجوا من عندك {لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} لولا تحضيضية بمعنى هلا أي هلا يعذبنا الله ويغضب علينا يوقهرنا بجراءتنا على الدعاء بالشر على محمد لو كان نبياً حقاً {حَسْبُهُمْ} س است ايشانرا {جَهَنَّمُ} عذاباً مبتدأ وخبر أي محسبهم وكافيهم جهنم في التعذيب من أحسبه إذا كفاه {يَصْلَوْنَهَا} يدخلونها ويقاسون حرها لا محالة وإن لم يعجل تعذيبهم لحكمة والمراد الاستهزاء بهم والاستخفاف بشأنهم لكفرهم وعدم إيمانهم {فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي جهنم قال في برهان القرآن : الفاء لما فيه من معنى التعقيب أي فبئس المصير ما صاروا إليه وهو جهنم انتهى قال بعض المفسرين وقولهم ذلك من جملة ما غفلوا عما عندهم من العلم فإنهم كانوا أهل كتاب يعلمون أن بعض الأنبياء قد عصاه أمته وآذوه ولم يعجل تعذيبهم لحكمة ومصلحة علمها عند الله تعالى انتهى.
ثم إن الله يستجيب دعاء رسول الله عليه السلام كما روى أن عائشة رضي الله عنها سمعت
400
قول اليهود فقالت : عليكم السام والذام واللعن فقال عليه السلام : يا عائشة ارفقي فإن الله يحب الرفق في كل شيء ولا يحب الفحش والتفحش ألا سمعت ما رددت عليهم فقلت عليكم فيستجاب لي فيهم وقس عليه حال الورثة الكاملين فإن أنفاسهم مؤثرة فمن تعرض لواحد منهم بالسوء فقد تعرض لسوء نفسه وفي البستان :
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
(9/326)
كزيرى باهى در افتاده بود
كه از هول او شير نرماده بود
همه شب زفرياد وزراى نخفت
يكى بر سرش كوفت سنكى وكفت
توهر كز رسيدى بفرياد كس
كه ميخواهى امروز فرياد رس
كه بر جان ريشت نهد مرهمى
كه جانها بنالد زدستت همى
تومارا همى اه كندى براه
بسر لا جرم بر فتادى باه
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} بألسنتهم وقلوبهم {إِذَا تَنَـاجَيْتُمْ} ون راز كوييد بايكديكره يعني في أنديتكم وخلواتكم {فَلا تَتَنَـاجَوْا بِالاثْمِ وَالْعُدْوَانِ} كما يفعله المنافقون واليهود {وَتَنَـاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} أي بما يتضمن خبر المؤمنين والاتقاء عن معصية الرسول قال سهل رحمه الله بذكر الله وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} وحده لا إلى غيره استقلالاً أو اشتراكاً فيجازيكم بكل ما تأتون وما تذرون.
يعني بسوى أو جمع كرده خواهيد شد س از موت.
دلت الآية على أن التناجي ليس بمنهي عنه مطلقاً بل مأمور به في بعض الوجوه إيجاباً واستحباباً وإباحة على مقتضى المقام إن قيل كيف يأمر الله بالاتقاء عنه وهو المولى الرحيم والقرب منه ألذ المطالب والأنس به أقصى المآرب فالتقوى توجب الاجتناب والحشر إليه يستدعى الإقبال إليه يجاب بأن في الكلام مضافاً إذا التقدير واتقوا عذاب اًّ أو قهر الله أو غيرهما فإن قيل إن العبد لو قدر على الخلاص من العذاب والقهر لأسرع إليه لكنه ليس بقادر عليه كما قال تعالى إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله والأمر إنما يكون بالمقدور لا يكلف الله نفساً إلا وسعها أجيب بأن المراد الاتقاء عن السبب من الذنوب والمعاصي الصادرة عن العبد العاصي فالمراد واتقوا ما يفضي إلى عذاب الله ويقتضي قهره في الدارين من الإثم والعدوان ومعصية الرسول التي هي السبب الموجب لذلك فالمراد النهي عن مباشرة الأسباب والأمر بالاجتناب عنها إن قيل إن ذلك الاتقاء إنما يكون بتوفيق الله له فإن وفق العبد له فلا حاجة إلى الأمر به وإن لم يوفقه فلا قدرة له عليه والأمر إنما يحسن في المقدور أجيب بأنه تعالى علمه الحق أولاً ووهب له إرادة جزئية يقدر بها على اختيار شيء فله الاختيار السابق على إرادة الله تعالى ووجود الاختيار في الفاعل المختار أمر يطلع عليه كل أحد حتى الصبيان
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
{إِنَّمَا النَّجْوَى} المعهودة التي هي التناجي بالإثم والعدوان بقرينة ليحزن {مِنَ الشَّيْطَـانِ} لا من غيره فإنه المزين لها والحامل عليها فكأنها منه {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا} خبر آخر من الحزن بالضم بعده السكون متعد من الباب الأول لا من الحزن بفتحتين لازماً من الرابع كقوله تعالى : يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون فيكون الموصول مفعوله وفي القاموس
401
الحزن بالضم ويحرك الهم والجمع أحزان وحزن كفرح وحزنه الأمر حزناً بالضم وأحزنه جعله حزيناً وحزنه جعل فيه حزناً وقال الراغب : الحزن والحزن خشونة في الأرض وخشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم ويضاده الفرح ولاعتبار الخشونة بالغم قيل : خشنت بصدره إذا أحزنته والمعنى إنما هي ليجعل الشيطان المؤمنين محزونين بتوهمهم أنها في نكبة أصابهم في سيرتهم يعني أن غزاتهم غلبوا وأن أقاربهم قتلوا متألمين بذلك فاترين في تدبير الغزو إلى غير ذلك مما يشوش قلوب المؤنين وفي الحديث : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فإن قلك يحزنه {وَلَيْسَ} أي الشيطان أو التناجي {بِضَآرِّهِمْ} بالذي يضر المؤمنين {شَيْـاًا} من الأشياء أو شيئاً من الضرر.
يعني ضرر رساننده مؤمنان بيزى {إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} أي بمشيئته وإرادته أي ما أراده من حزن أو وسوسة ما روي أن فاطمة رضي الله عنها رأت كأن الحسن والحسين رضي الله عنهما أكلا من أطيب جزور بعثه رسول الله إليهما فماتا فلما غدت سألته عليه السلام وسأل هو جبريل ملك الرؤيا فقال : لا علم لي به فعلم أنه من الشيطان وفي الكشاف إلا بإذن الله أي بمشيئته وهو أن يقضي الموت على أقاربهم أو الغلبة على الغزاة قال في الأسئلة المقحمة : أين ضرب الحزن؟ قلت : إن الحزن إذا سلمت عاقبته لا يكون حزناً في الحقيقة وهذه نكتة أصولية إذ الضرر إذا كانت عاقبته الثواب لا يكون ضرراً في الحقيقة وهذه نكتة أصولية إذ الضرر إذا كانت عاقبته الثواب لا يكون ضرراً في الحقيقة والنفع إذا كانت عاقبته العذاب لا يكون نفعاً في الحقيقة {وَعَلَى اللَّهِ} خاصة {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ليفوضوا أمورهم إليه وليثقوا به ولا يبالوا بنجواهم فإنه تعالى يعصمهم من شرها وضررها.
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
(9/327)
دكر بما سخن خصم تندخوى مكوى كه اهل مجلس مارا ازان حسابي نيست وفي الآية إشارة إلى أن الشيطان يناجي النفس الأمارة ويزين لها المعارضات ونحوها ليقع القلب والروح في الحزن والاضطرار وضيق الصدر ويتقاعد إن من شؤم المعارض عن السير والطير في عالم الملكوت ويحرمان من مناجاة الله تعالى في عالم السر لكنهما محروسان برعاية الحق وتأييده ومنه يعلم أن كل مخالفة فهي في النفس والطبيعة والشيطان لأنها ظلمانية وإن كل موافقة فهي في القلب والروح والسر لأنها نورانية إلا أن يغلب عليها ظلمة أهل الظلمة وتختفي أنوارها تحت تلك الظلمة اختفاء نور الشمس تحت ظلمة السحاب الكثيف فليكن العبد على المعالجة دائماً لكن ينبغي له التوكل التام فإن المؤثر في كل شيء هو الله تعالى يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} يعني المخلصين {إِذَا قِيلَ لَكُمْ} من أي قائل كان من الإخوان {تَفَسَّحُوا} التفسح جاى فراخ كردن وفراخ نشتن در مجلس.
وكذا الفسح لكن التفسح يعدي بفي والفسح باللام أي توسعوا ليفسح بعضكم عن بعض ولا تتضاموا من قولهم افسح أعني أي تنح وأنت في فسحة من دينك أي في وسعة ورخصة وفلان فسيح الخلق أي واسع الخلق {فِى الْمَجَـالِسِ} قال في الإرشاد متعلق بقيل.
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
يقول الفقير : الظاهر أنه متعلق بقوله تفسحوا لأن البيهقي صرح في تاج المصادر بأن التفسح يعدي بفي على ما أشرنا إليه آنفاً {فَافْسَحُوا} س جاى كشاده كنيد بر مردم {يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} أي
402
في كل ما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر والقبر وغيرها فإن الجزاء من جنس العمل والآية عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجرة سواء كان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكانوا يتضامون تنافساً في القرب منه عليه السلام وحصراً على استماع كلامه أو مجلس حرب وكانوا يتضامون في مراكز الغزاة ويأتي الرجل الصف ويقول : تفسحوا ويأبون لحرصهم على الشهادة أو مجلس ذكر أو مجلس يوم الجمعة وإن كل واحد وإن كان أحق بمكان الذي سبق إليه لكنه يوسع لأخيه ما لم يتأذ لذلك فيخرجه الضيق من موضعه وفي الحديث "لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا" وفي رواية "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا" وقيل : إن رجلاً من الفقراء دخل المسجد وأراد أن يجلس بجنب واحد من الأغنياء فلما قرب منه قبض الغني إليه ثوبه فرأى رسول الله عليه السلام ذلك فقال للغني : أخشيت أن يعديه غناك ويعديك فقره وفيه حث على التواضع والجلوس مع الفقراء والتوسعة لهم في المجالس وإن كانوا شعثاً غبراً {وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا} يقال نشز الرجل إذا نهض وارتفع في المكان نشزاً والنشز كالفلس وكذا النشز بفتحتين المكان المرتفع من الأرض ونشز فلان إذا قصد نشزاً ومنه فلان عن مقره وقلت ناشز ارتفع عن مكانه رعباً والمعنى وإذا قيل لكم قوموا للتوسعة على المقبلين أي على من جاء بعدكم {فَانشُزُوا} فارتفعوا وقوموا يعني إذا كثرت المزاحمة وكانت بحيث لا تحصل التوسعة بتنحي أحد الشخصين عن الآخر حال قعود الجماعة وقيل : قوموا جميعاً تفسحوا حال القيام فانشزوا ولا تثاقلوا عن القيام أو إذا قيل لكم قوموا عن مواضعكم فانتقلوا منها إلى موضع آخر لضرورة داعية إليه أطيعوا من أمركم به وقوموا من مجالسكم وتوسعوا لإخوانكم ويؤيده أنه عليه السلام كان يكرم أهل بدر فأقبلت جماعة منهم فلم يوسعوا لهم فقال عليه السلام : قم يا فلان ويا فلان فأقام من المجلس بعدد المقبلين من أهل بدر فتغامز به المنافقون أنه ليس من العدل أن يقيم أحداً من مجلسه وشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف رسول الله عليه السلام الكراهية في وجوههم فأنزل الله الآية فالقائل هو الرسول عليه السلام ويقال وإذا قيل انشزوا أي انهضوا عن مجلس رسول الله إذا أمرتم بالنهوض عنه فانهضوا ولا تملوا رسول الله بالارتكان فيه أو انهضوا إلى الصلاة أو إلى الجهاد أو الشهادة أو غير ذلك من أعمال الخير فانهضوا ولا تتنيطوا ولا تفرطوا فالقائل يعم الرسول وغيره
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
(9/328)
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ} جواب للأمر أي من فعل ذلك طاعة للأمر وتوسعة للإخوان يرفعهم الله بالنصر وحسن الذكر في الدنيا والإيواء إلى غرف الجنان في الآخرة لأن من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه فالمراد الرفعة المطلقة الشاملة للرفعة الصورية والمعنوية {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أي ويرفع العلماء منهم خاصة فهو من عطف الخاص على العام للدلالة على علو شأنهم وسموا مكانهم حتى كأنهم جنس آخر {دَرَجَـاتٍ} أي طبقات عالية ومراتب مرتفعة بسبب ما جمعوا من العلم والعمل فإن العلم لعلو درجته يقتضي للعمل المقرون به مزيد رفعة لا يدرك شاءوه العمل الغاري عنه وإن كان في غاية الصلاح ولذا يقتدي بالعالم في أفعاله ولا يقتدي بغيره فعلم من هذا التقرير
403
أنه لا شركة للمعطوف عليه في الدرجات كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ثم الكلام عند قوله منكم وينتصب الذين أوتوا العلم بفعل مضمر أي ويرفعهم درجات وانتصاب درجات إما على إسقاط الخافض أي إلى درجات أو على المصدرية أي رفع درجات فحذف المضاف أو على الحالية من الموصول أي ذوي درجات {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي بعلمكم أو بالذي تعملونه {خَبِيرٌ} عالم لا يخفى عليه شيء منه لا ذاته جنساً أو نوعاً ولا كيفيته إخلاصاً أو نفاقاً أو رياء أو سمعة ولا كميته قلة أو كثرة فهو خبير بتفسحكم ونشزكم ونيتكم فيهما فلا تضيع عند الله وجعله بعضهم تهديداً لمن يمتثل بالأمر أو استكرهه فلا بد من التفسح والطاعة وطلب العلم الشريف ويعلم من الآية سر تقدم العالم غلى غيره في المجالس والمحاضر لأن الله تعالى قدمه وأعلاه حيث جعل درجاته عالية وفي الحديث "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" أي فضل العالم الباقي بالله على العابد الفاني في الله كما في التأويلات النجمية وقال في عين المعاني : المراد علم المكاشفة في ما ورد فضل العالم على العابد كفضلي على أمتي إذ غيره وهو علم المعاملة تبع للعمل لثبوته شرطاً له إذ العمل إنما يتعد به إذا كان مقروناً بعلم المعاملة قال بعضهم : المتعبد بغير علم كحمار الطاعونة يدور ولا يقطع المسافة :
كتاب روح البيان ج9 متن
الهام رقم 43 من صفحة 404 حتى صفحة 414
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
علم ندانكه بيشترتى خوانى
ون عمل در تونيست ناداني
وحيث يمدح العلم فالمراد به العلم المقرون بالعمل :
رفعت آدمى بعلم بود
هركرا علم بيش رفعت بيش
قيمت هركسى بدانش اوست
سازدا فرون بعلم قيمت خويش
وقال بعضهم :
مرا بتجربه معلوم كشت آخر حال
كه عزمرد بعلم است وعز علم بمال
وعن بعض الحكماء ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم وأي شيء فات من أدرك العلم وكل علم لم يوطد بعمل فإلى ذل يصير وعن الزهري رضي الله عنه العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكورة الرجال قال مقاتل : إذا انتهى المؤمن إلى باب الجنة يقال له لست بعالم ادخل الجنة بعملك ويقال للعالم قف على باب الجنة واشفع للناس وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : لأن أعلم مسألة أحب إلي من أن أصلي مائة ركعة ولأن أعلم مسألة أحب إلى من أن أصلي أرف ركعة قال أبو هريرة : وأبو ذر رضي الله عنهما : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : إذا جاء الموت طالب العلم على هذه الحال مات وهو شهيد.
واعلم أن جميع الدرجت إما باعتبار تعدد أصحابها فإن لكل عالم رباني درجة عالية أو باعتبار تعددها لقوله عليه السلام : بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجة حضر الجواد المضمر سبعين سنة الحضر بضم الحاء المهملة ارتفاع الفرس في عدوه والجواد الفرس السريع السير وتضمير الفرس أن تعلفه حتى يسمن ثم ترده إلى القوت وذلك في أربعين يوماً والمضمار الموضع يضمر فيه الخيل وغاية الفرس في السباق يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} بالإيمان الخالص {إِذَا نَـاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} المناجاة باكسى راز كفتن.
أي إذا كالمتموه سراً في بعض شؤونكم المهمة الداعية إلى مناجاته عليه السلام
404
ومكالمته سراً بالفارسية : ون خواهيدكه راز كوييد يا رسول وفي بعض التفاسير إذا كالمتموه سراً استفسار الحال ما يرى لكم من الرؤيا ففيه إرشاد للمقتدين إلى عرضها على المقتدى بهم ليعبروها لهم ومن ذلك عظم اعتبار الواقعات وتعبيرها بين أرباب السلوك حتى قيل إن على المريد أن يعرض واقعته على شيخه سواء عبر الشيخ أو لم يعبر فإن الله تعالى قال : إن الله تعالى يأمركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها وهي من جملة الأمانة عند المريد لا بد أن يؤديها إلى الشيخ لما فيها من فائدة جليلة له وقوة لسلوكه وفي التعبير أثر قوي على ما قال عليه السلام الرؤيا على ما أولت
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
(9/329)
{فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاـاكُمْ صَدَقَةً} أي فتصدقوا قبلها على المستحق كقول عمر رضي الله عنه : أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته فهو مستعار ممن له يدان على سبيل التخييل فقوله : نجواكم استعارة بالكناية وبين يدي تخييلية وفي بعض التفاسير إذا أردتم عرض رؤياكم عليه ليعبرها لكم فتصدقوا قبل ذلك بشيء ليكون ذلك قوة لكم ونفعاً في أموركم والآية نزلت حين أكثر الناس عليه السؤال حتى أسأموه وأملوه فأمرهم الله بتقديم الصدقة عند المناجاة فكف كثير من الناس أما الفقير فلعسرته وأما الغني فلشحه وفي هذا الأمر تعظيم الرسول ونفع الفقراء والزجر عن الإفراط في السؤال والتمييز بين المخلص والمنافق ومحب الآخرة ومحب الدنيا واختلف في أنه للندب أو للوجوب لكنه نسخ بقوله تعالى : أشفقتم الآية وهو وإن كان متصلاً به تلاوة لكنه متراخ عنه نزولاً على ما هو شأن الناسخ واختلف في مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ فقيل : كان ساعة من النهار والظاهر أنه عشرة أيام لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان لي دينار فصرفته وفي رواية فاشتريت به عشرة دراهم فكنت إذا جانيته عليه السلام تصدقت بدرهم يعني كنت أقدم بين يدي نجواي كل يوم درهماً إلى عشرة أيام وأسأله خصلة من الخصال الحسنة كما قال الكلبي تصدق به في عشر كلمات سألهن رسول الله عليه السلام وهو على القول بالوجوب محمول على أنه لم يتفق للأغنياء مناجاة في مدته وهي عشرة أيام في بعض الروايات إما لعدم المحوج إليها أو الإشفاق وعلى التقديرين لا يلزم مخالفة الأمر وإن كان للإشفاق وفي بعض التفاسير ولا يظن ظان أن عدم عمل غيره من الصحابة رضي الله عنهم بهذا لعدم الإقدام على التصدق كلا كيف ومن المشهور صدقة أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما بألوف من الدراهم والدنانير مرة وحدة فهلا يقدم من هذا شأنه على تصدق دينار أو دينارين وكذا غيرهما فلعله لم يقع حال اقتضت النجوى حينئذ وهذا لا ينافي الجلوس في مجلسه المبارك والتكلم معه لمصلحة دينية أو دنيوية بدون النجوى إذ المناجاة تكلم خاص وعدم الخاص لا يقتضي عدم العام كما لا يخفى وعن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت الآية دعاني رسول الله فقال : ما تقول في دينار؟ قلت : لا يطيقونه قال : فنصل دينار قلت : لا يطيقونه قال : فكم قلت حبة أو شعيرة؟ قال : إنك لزهيد أي رجل قليل المال لزهدك فيه فقدت على حالك وما في بالك
405
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
من الشفقة على المؤمنين وقوله حبة أو شعيرة أي مقدارها من ذهب وعن ابن عمر رضي الله عنه كان لعلي رضي الله عنه ثلاث : لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة رضي الله عنها وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى قوله حمر النعم بسكون ميم الحمر وهي من أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وإنه ليس هناك أعظم منه قال بعضهم : إن رسم النثارات للملوك والرؤساء مأخوذ من أدب الله تعالى في شأن رسوله حيث قال : يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة {ذَالِكَ} التصدق {خَيْرٌ لَّكُمْ} أيها المؤمنون من إمساكه وبالفارسية بهترست مرشمارا زيراكه طاعت بيفزايد {وَأَطْهَرُ} لأنفسكم من دنس الريبة ودرن البخل الناشيء من حب المال الذي هو من أعظم حب الدنيا وهو رأس كل خطيئة وبالفارسية واكيزه تر براى آنكه كناهان محو كند.
وهذا يشعر بالندب لكن قوله تعالى : {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} منبىء عن الوجوب لأنه ترخيص لمن لم يجد في المناجاة بلا تصدق والمعنى بالفارسية س اكر نيابيد يزى كه صدقه دهيد س خداى تعالى آمر زنده است مركسى راكه اين كناه كند مهر بانست بنده راكه تكليف ما لا يطاق ننمايد.
قال بعض أهل الإشارة : إن الله تعالى أدب أهل الإرادة بهذه الآية أن لا يناجوا شيوخهم في تفسير الإلهام واستفهام علم المكاشفة والأسرار إلا بعد بذل وجودهم لهم والإيمان بهم بشرط المحبة والإرادة فإن الصحة بهذه الصفة خير لقلوبهم وأظهر لنفوسهم فإن ضعفوا عن بعض القيام بحقوقهم ومعهم الإيمان والإرادة وعلموا قصورهم في الحقيقة فإن الله تعالى يتجاوز عن ذلك التقصير وهو رحيم بهم يبلغهم إلى درجة الأكابر.
قال المولى الجامي :
ه سود اى شيخ هرساعت فزون خرمن طاعت
و نتوانى كه يك جواز وجود خويشتن كاهى
(9/330)
{ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاـاكُمْ صَدَقَـاتٍ} الإشفاق الخوف من المكروه ومعنى الاستفهام التقرير كان بعضهم ترك المناجاة للإشفاق ولا ومخالفة للأمر وجمع صدقات لجمع المخاطبين قال في بعض التفاسير أفرد الصدقة أولاً لكفاية شيء منها وجمع ثانياً نظراً إلى كثرة التناجي والمناجى والمعنى أخفتم الفقر يا أهل الغنى من تقديم الصدقات فيكون المفعول محذوفاً للاختصار وأن تقدموا في تقدير لأن تقدموا وأخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر قال الشاعر :
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
هون عليك ولا تولع بإشفاق
فإنما ما لنا للوارث الباقي
{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا} ما أمرتم به وشق عليكم ذلك وبالفارسية س ون نكر ديد اين كاررا {وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بأن رخص لكم في أن لا تفعلوه وأسقط عنكم تقديم الصدقة وذلك لأنه لا وجه لحملها على قبول التوبة حقيقة إذ لم يقع منهم التقصير في حق هذا الحكم بأن وقعت المناجاة بلا تصدق وفيه إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم
406
من الانفعال ما قام مقام توبتهم وإذ على بابها يعني الظرفية والمضي بمعنى إنكم تركتم ذلك فيما مضى وتجاوز الله عنكم بفضله فتداركوه بما تؤمرون به بعد هذا وقيل بمعنى إذا للمستقيل كما في قوله إذ الإغلال في أعناقهم ومعنى أن الشرطية وهو قريب مما قبله إلا أن يستعمل فيما يحتمل وقوعه واللاوقوعه {ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ} مسبب عن قوله فإذ لم تفعلوا أي فإذ فرطتم فيما أمرتم به من تقديم الصدقات فتداركوه بالمواظبة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المفروضة {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في سائر الأوامر فإن القيام بها كالجابر لما وقع في ذلك من التفريط وهو تعميم بعد التخصيص لتتميم النفع {وَاللَّهُ خَبِيرُا بِمَا تَعْمَلُونَ} عالم بالذي تعملون من الأعمال الظاهرة والباطنة لا يخفى عليه خافية فيجازيكم عليه فاعملوا ما أمركم به ابتغاء لمرضاته لا لرياء وسمعة وتضرعوا إليه خوفاً من عقوباته خصوصاً بالجماعة يوم الجمعة ومن الأدعية النبوية : اللهم طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء ولساني من الكذب وعيني من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور وفي تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر من بين العبادات المرادة بالأمر بالإطاعة العامة إشارة إلى علو شأنهما وإنافة قدرهما فإن الصلاة رئيس الأعمال البدنية جامعة لجميع أنواع العبادات من القيام والركوع والسجود والقعود من التعوذ والبسملة والقراءة والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة على النبي عليه السلام ومن الدعاء الذي هو مخ العبادة ومن ذلك سميت صلاة وهي الدعاء لغة فهي عبادة من عبد الله تعالى بها فهو محفوظ بعبادة العابدين من أهل السموات والأرضين ومن تركها فهو محروم منها فطوبى لأهل الصلاة وويل لتاركها وإن الزكاة هي أم الأعمال المالية بها يطهر القلب من دنس البخل والمال من خبث الحرمة فعلى هذا هي بمعنى الطهارة وبها ينمو المال في الدنيا بنفسه لأنه يمحق الله الربا ويربي الصدقات وفي الآخرة بأجره لأنه تعالى يضاعف لمن يشاء وفي الحديث : "من تصدق بقدر تمرة من كسب حلال ولا يقبل الله إلا الثيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل" فعلى هذا هي من الزكاء بمعنى النماء أي الزيادة في الستان :
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
بدنيا توانى كه عقبى خرى
بخرجان من ورنه حسرت خورى
زر ونعمت آيدكسى رابكار
كه ديوار عقبى كند زر نكار
{أَلَمْ تَرَ} تعجيب من حال المنافقين الذين يتخذون اليهود أولياء ويناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين والخطاب للرسول عليه السلام أو لكل من يسمع ويعقل وتعدية الرؤية بإلى لكونها بمعنى النظر أي ألم تنظر يعني آيانمى نكرى {إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا} من التولي بمعنى المولا ة لا بمعنى الإعراض أي والوا يعني دوست كفتند {قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم} وهم اليهود كما أنبأ عنه قوله تعالى من لعنه الله وغضب عليه والغضب حركة للنفس مبدأها إرادة الانتقام وهو بالنسبة إليه تعالى نقيض الرضى أو إرادة الانتقام أو تحقيق الوعيد أو الأخذ الأليم والبطش الشديد أو هتك الأسرار والتعذيب بالنار أو تغيير النعمة {مَّا هُم} أي الذين تولوا {مِنكُم} في الحقيقة {وَلا مِنْهُمْ} أي من القوم المغضوب عليهم لأنهم منافقون
407
(9/331)
مذبذبون بين ذلك فهو وإن كانوا كفاراً في الواقع لكنهم ليسوا من اليهود حالاً لعدم اعتقادهم بما اعتقدوا وعدم وفائهم لهم ومآلا لأن المنافقين في الدرك الأسفل من النار والجملة مستأنفة {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ} الحلف العهد بين القوم والمحالفة المعاهدة والحلف أصله اليمين التي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد ثم عبر به عن كل يمين أي يقولون والله إنا لمسلمون فالكذب المحلوف عليه هو ادعاء الإسلام وهو عطف على تولوا وأدخل في حكم التعجيب وصيغة المضارع للدلالة على تكرر الحلف وتجدده حسب تكرر ما يقتضيه {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أن المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس وهو الحلف على فعل أو ترك ماض كاذباً عمداً سمي بالغموس لأنه يغمس صاحبه في الإثم ثم في النار ولم يجعل حلفهم غموساً لأن الغموس حلف على الماضي وحلفهم هذا على الحال والجملة حال من فاعل يحلفون مقيدة لكمال شناعة ما فعلوا فإن الحلف على ما يعلم إنه كذب في إماية القبح وفي هذه التقييد دلالة على أن الكذب يعم ما يعلم المخبر عدم مطابقته للواقع وما لا يعلمه فيكون حجة على النظام والجاحظ.
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
ـ وروي ـ أنه عليه السلام كان في حجرة من حجراته فقال : يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان فدخل عبد الله بن نبتل المنافق بتقديم النون على الباء الموحدة كجعفر وكان أزرق فقال له عليه السلام : على م تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل فقال عليه السلام : فعلت فانطلق بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت فالكذب المحلوف عليه على هذه الرواية هو عدم شتمهم {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} بسبب ذلك {عَذَابًا شَدِيدًا} در دنيا بخوارى ورسوايى ودر آخرت بآتش دوزخ والمراد نوع من العذاب عظيم فالنوعية مستفادة من تنكير عذاباً والعظيم من توصيفه بالشدة {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي تمرنوا عليه وأصروا وتمرنهم أي اعتيادهم واستمرارهم على مثل ما عملوه في الحال من العمل السوء مستفاد من كان الدالة على الزمان الماضي أي العمل السيىء دأبهم {اتَّخَذْوا أَيْمَـانَهُمْ} الفاجرة التي يحلفون بها عند الحاجة واليمين في الحلف مستعار من اليد اعتباراً بما يفعله المحالف والمعاهد عنده {جُنَّةً} وهي الترس الذي يجن صاحبه أي يستره والمعنى وقاية وسترة يسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم ونهب أموالهم يعني ناهى كه خون ومال ايشان درامان ماند.
فالاتخاذ عبارة عن إعدادهم لإيمانهم الكاذبة وتهيئتهم لها إلى وقت الحاجة ليحلفوا بهاويتخلصوا من المؤاخذة لا عن استعمالها بالفعل فإن ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية والخيانة واتخاذ الجنة لا بد أن يكون قبل المؤاخذة وعن سببها أيضاً كما تعرب عنه الفاء في قوله {فَصَدُّوا} أي منعوا الناس وصرفوهم {عَن سَبِيلِ اللَّهِ} أي عن دينه في خلال أمنهم وسلامتهم وتثبيط من لقوا عن الدخول في الإسلام وتضعيف أمر المسلمين عندهم {فَلَهُمْ} بسبب كفرهم وصدهم {عَذَابٌ مُّهِينٌ} مخزى بين أهل المحشر وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم وقيل الأول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة {لَّن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلَـادُهُم مِّنَ اللَّهِ} أي من عذابه تعالى {شَيْـاًا} قليلاً من الإغناء يقال أغنى عنه كذا إذا كفاه يعني إنهم يحلفون
408
كاذبين للوقاية المذكورة ولا تنفعهم إذا دخلوا النار أموالهم ولا أولادهم التي صانوها وافتخروا بها في الدنيا أو يقولون إن كان ما يقول محمد حقاً لندفعن العذاب عن أنفسنا بأموالنا وأولادنا فأكذبهم الله بهذه الآية فإن يوم القيامة يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا يكفي أحد أحداً في شأن من الشؤون {أولئك} الموصوفون بما ذكر من الصفات القبيحة قال في برهان القرآن بغير واو موافقة للجمل التي قبلها ولقوله أولئك حزب الله {أَصْحَـابُ النَّارِ} أي ملازموها ومقارنوها أو مالكوها لكونها حاصلهم وكسبهم الذي اكتسبوه في الدنيا بالسيئة المردية المؤدية إلى التعذيب {هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ} لا يخرجون منها أبداً وضميرهم لتقوية الإسناد ورعاية الفاصلة لا للحصر لخلود غير المنافقين فيها من الكفار {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} يا دكن روزى راكه برانكيزد خداى تعالى همه منافقان ازقبور وزنده كند س ازمرك.
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
(9/332)
وجميعاً حال من ضميرالمفعول بمعنى مجموعين {فَيَحْلِفُونَ} في ذلك اليوم وهو يوم القيامة {لَهُ} أيتعالى على أنهم مسلمون مخلصون كما قالوا والله ربنا ما كنا مشركين {كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} في الدنيا {وَيَحْسَبُونَ} في الآخرة مصدره الحسبان وهو أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الأصبع ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك ويقاربه الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب أحدهما الآخر {إِنَّهُمْ} بتلك الأيكان الكاذبة {عَلَى شَىْءٍ} من جلب منفعة أو دفع مضرة كما كانوا عليه في الدنيا حيث كانوا يدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم ويستجرون بها فوائد دنيوية {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَـاذِبُونَ} المبالغون في الكذب إلى غاية لا مطمح وراءها حيث تجاسروا على الكذب بين يدي علام الغيوب وزعموا أن أيمانهم الفاجرة تروج الكذب لديه كما تروجه عند الغافلين وألا حرف تنبيه والمراد التنبيه على توغلهم في النفاق وتعودهم به بحيث لا ينفكون عنه موتاً ولا حياة ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وأنهم لكاذبون {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَـانُ} من حذت الإبل إذا استوليت عليها وجمعتها وسقتها سوقاً عنيفاً أي استولى عليهم الشيطان وملكهم لطاعتهم له في كل ما يريد منهم حتى جعلهم رعيته وحزبه وهو مما جاء على الأصل كاستصوب واستنوق أي على خلاف قياس فإن القياس أن يقال استحاذ فهو فصيح استعمالاً وشاذ قياساً.
ـ وحكي ـ إن عمر رضي الله عنه قرأ استحاذ {فَأَنسَـاـاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} المصدر مضاف إلى المفعول أي كان سبباً بالاستيلاء لنسيانه تعالى فلم يذكره بقلوبهم ولا بألسنتهم {أولئك} المنافقون الموصوفون بما ذكر من القبائح {حِزْبُ الشَّيْطَـانِ} أي جنوده وأتباعه الساعون فيما أمرهم به والحزب الفريق الذي يجمعه مذهب واحد {أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَـانِ هُمُ الْخَـاسِرُونَ} أي الموصوفون بالخسران الذي لا غاية وراءه حيث فوتوا على أنفسهم النعيم المقيم وأخذوا بدله العذاب الأليم قال بعض المشايخ بوأه الله الدرجات الشوامخ علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهره من المآكل والملابس ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء الله ونعمه عليه والقيام بشكرها ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب واللغو والغيبة والبهتان وسمعه عن الحق
409
بسماع اللهو والهذيان قال بعض أهل الإشارة إذا أراد الشيطان أن ينبت في سبخة أرض النفس الأمارة حنظل الشهوة يثب إليها ويغريها على إنفاذ مرادها فتكون النفس مركبة فيهجم إلى بلد القلب ويخربه بأن يدخل فيه ظلمة الطبيعة فلا ترى عين القلب مسلك الذكر وصفاته فلما احتجب عن الذكر صار وطن إبليس وجنوده وغلب الملعون عليه وهذا يكون بإرادة الله تعالى وسببه استحواذ غرور الملعون وتزيينه بأن يلبس أمر الدين بأمر الدنيا ويغويه من طريق العلم فإذا لم يعرف دقائقه صار قرينه والشيطان دون الملك والرحمن إذ لا يجتمع الحق مع الباطل :
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
نظر دوست نادر كند سوى تو
و در روى دشمن بود روى تو
ندانى كه كمترنهد دوست اي
و بيند كه دشمن بود در سراى
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي يعادونهما ويخالفون أمرهما يوتعدون حدودهما ويفعلون معهما فعل من ينازع آخر في أرض فيغلب على طائفة منها فيجعل لها حداً لا يتعداه خصمه ولما كانوا لا يفعلون ذلك إلا لكثرة أعوانهم وأتباعهم فيظن من رآهم أنهم الأعزاء الذين لا أحد أعز منهم قال تعالى : نفياً لهذا الغرور الظاهر {أولئك} الأباعد والأسافل بما فعلوا من المحادة {فِى الاذَلِّينَ} أي في جملة من هو أذل خلق الله من الأولين والآخرين لا ترى أحداً أذلن منهم لأن ذلة أحد المتخاصمين على مقدار عزة الآخر وحيث كانت عزة الله غير متناهية كانت ذلة من يحاده كذلك وذلك بالسبي والقتل في الدنيا وعذاب الناري في الآخرة سواء كانوا فارس والروم أو أعظم منهم سوقة كانوا أو ملوكاً كفرة كانوا أو فسقة {كَتَبَ اللَّهُ} استئناف وارد لتعليل كونهم في الأذلين أي قضى وأثبت في اللوح وحيث جرى ذلك مجرى القسم أجيب بما يجاب به {لاغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِى} أكده لما لهم من ظن الغلبة بالكثرة والقوة والمراد الغلبة بالحجة والسيف أو بأحدهما والغلبة بالحجة ثابتة لجميع الرسل لأنهم الفائزون بالعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة وأما الغلبة بالسيف فهي ليست بثابتة للجميع لأنهم منهم من لم يأمر بالحرب قال الزجاج غلبة الرسل على نوعين : من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة وإذا انضم إلى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف كان أقوى :
محالست ون دوست دارد ترا
كه دردست دشمن كذارد ترا
(9/333)
وعن مقاتبل أنه قال المؤمنون لئن فتح الله لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم فقال رئيس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها والله إنهم لأكثر عدد وأشد بطشاً من أن تظنوا فيهم ذلك فنزل قوله تعالى : كتب الله الآية قال البقلي رحمه الله : كتب الله على نفسه في الأزل أن ينصر أولياءه على أعطائه من شياطين الظاهر والباطن ويعطيهم رايات نصرة الولاية فحيث تبدو راياتهم التي هي سطوع نور هيبة الحق من وجوههم صار الأعداء مغلوبين بتأييد الله ونصرته قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله أهل الحق لهم الغلبة أبداً ورايات الحق تسبق رايات غيره جميعاً لأن الله تعالى جعلهم أعلاماً في خلقه وأوتاداً في أرضه ومفزعاً لعباده وعمارة لبلاده
410
فمن قصدهم بسوء كبه الله لوجهه وأذله في ظاهر عزه {أَنَّ اللَّهَ} تعليل للقهر والغلبة أده لأن أفعالهم مع أوليائه أفعال من يظن ضعفه {قَوِىٌّ} على نصر أنبيائه قال بعضهم : القوي هو الذي لا يلحقه ضعف في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا يمسه نصب ولا تعب ولا يدركه قصور ولا عجزي نقض ولا إبراهيم والقوة في الأصل عبارة عن شدة النبية وصلابتها المضادة للضعف ويراد بها القدرة بالنسبة إلى الله تعالى {عَزِيزٌ} لا يغلب عليه في مراده :
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
حكمي كه آن زباركه كبريا بود
كس را دران مجال تصرف كجا بود
فإن قلت : فإذا كان الله قوياً عزيزاً غير عاجز فما وجه انهزام المسلمين في بعض الأحيان وقد وعد النصرة قلت : إن النصرة والغلبة منصب شريف فلا يليق بالكافر لكن الله تعالى تارة يشدد المحنة على الكفار وأخرى على المؤمنين لأنه لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الضروري بأن الإيمان حق وما سواه باطل ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الإيمان وأخرى على أهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله ولأن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي فيكون تشدد المحنة عليه في الدنيا تمحيصاً لذنوبه وتطهيراً لقلبه وأما تشديد المحنة على الكافر فهو من قبيل الغضب ألا ترى أن الطاعون مثلاً رحمة للمؤمنين ورجز للكافرين وما من سابق عدل إلا له لا حق فضل ولا سابق فضل ءلا له لا حق عدل غير أن أثري العدل والفضل قد يتعلقان بالبواطن خاصة وقد يتعلق أحدهما بالظاهر والآخر بالباطن وقد يكون اختلاف تعلقهما في حالة واحدة وقد يكون على البدل وعلى قدر تعلق الأثر السابق يكون تعلق الأثر اللاحق وقد أجرى الله سبحانه آثار عدله على ظواهر أصفيائه دون بواطنهم ثم عقب ذلك بإيراد آثار فضله على بواطنهم وظواهرهم حتى صار من قاعدة الحكمة الإلهية تفويض ممالك الأرض للمستضعفين فيها كالنجاشي حيث بيع في صغره وذلك كثير موجود باستقراء فمن كمال تربية الحكيم لمن يريد إعلاء شأنهم أن يجري على ظاهرهم من آثار العدل ما فيه تكميل لهم وتنوير لمداركهم وتطهير لوجودهم وتهذيب وتأديب إلى غير ذلك من فوائد التربية ومن تتبع أحوال الأكابر من آدم عليه السلام وهلم جرا رأى من أحسن بلاء الله ما يشهد لما قرر بالصحة والمبتلى به يصير على ذلك بل يتلذف كما هو شأن الكبار :
هره از دست توايد خوش بود
كرهمه درياى ر آتش بود
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
وفي الآية إشارة إلى أعداء النفوس الكافرة فإنها تحمل القلوب والأرواح على مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة وتمحو الذكر من ألواحها بغلبة محبة الدنيا وشهواتها لكن الله تعالى ينصرها ويؤيدها حتى تغلب على النفوس الكافرة بسطوات الذكر فيحصل لها غاية الذلة كأهل الذمة في بلدة المسلمين وذلك لأن الله تعالى كتب في صحائف الاستعدادات غلبتها على النفوس وذلك من باب الفضل والكرم {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ} الخطاب للنبي عليه السلام أو لكل أحد وتجد إما متعد إلى اثنين فقوله تعالى :
411
(9/334)
{يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} مفعوله الثاني أو إلى واحد بأن كان بمنى صادف فهو حال من مفعوله لتخصيصه بالصفة وهو يؤمنون والموادة المحابة مفاعله من المودة بمعنى المحبة وهي حالة تكون في القلب أولاً ويظهر آثارها في القالب ثانياً والمراد بمن حاد الله ورسوله المنافقون واليهود والفساق والظلمة والمبتدعة والمراد بنفي الوجدان نفي الموادة على معنى أنه لا ينبغي أن يتحقق ذلك وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال وإن جد في طلبه كل أحد وجعل ما لا ينبغي وجوده غير موجود لشركته في فقد الخير ويجوز أن يقال لا تجد قوماً كاملي الإيمان على ما يدل عليه سياق النظم فعدم الوجدان على حقيقته قال في كشف الأسرار أخبر أن الإيمان يفسد بموادة الكفار وكذا بموادة من في حكمهم وعن سهل بن عبد الله التستري قدس سره : من صحح إيمانه وأخلص توحيده فإنه لا يأنس إلى مبتدع ولا يجالسه ولا يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه ويظهر من نفسه العداوة والبغضاء ومن داهن مبتدعاً سلبه الله حلاوة السنن ومن تحبب إلى مبتدع لطلب عز في الدنيا أو عرض منها أذله الله بتلك العزة وأفقره الله بذلك الغنى ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله نور الإيمان من قلبه ومن لم يصدق فليجرب وأما المعاملة للمبايعة العادية أو للمجاورة أو للمرافقة بحيث لا تضر بالدين فليست بمحرمة بل قد تكون مستحبة في مواضعها قال ابن الشيخ المعنى لا يجتمع الإيمان مع ودادة أعداء الله فإن قيل اجتمعت الأمة على أن يجوز مخالطتهم ومعاملتهم ومعاشرتهم فما هذه الموادة المحرمة فالجواب أن الموادة المحرمة هي إرادة منافعه ديناً ودنيا مع كونه كافراً وما سوى ذلك جائز.
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
ـ روي ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه كان يقول : اللهم لا تجعل لفاجر عندي نعمة فإني وجدت فيما أوحى إلي لا تجد قوماً الخ فعلم منه أن الفساق وأهل الظلم داخلون فيمن حاد الله ورسوله أي خالفهما وعاداهما واستدل مالك بهذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم وهم القائمون بنفي كون الخير والشر كله بتقدير الله ومشيئته يعني هم الذين يزعمون أن كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله وسموا بذلك لمبالغتهم في نفيه وكثرة مدافعتهم إياه وقيل لإثباتهم للعبد قدرة الإيجاد وليس بشيء لأن المناسب حينئذ القدري بضم القاف {وَلَوْ كَانُوا} أي من حاد الله ورسوله وبالفارسية واكر ه باشند از مخالفان خدا ورسول.
والجمع باعتبار معنى من كما أن الأفراد فيما قبله باعتبار لفظها {ءَابَآءَهُمْ} أي آباء الموادين {أَوْ أَبْنَآءَهُمْ} قدم الأقدم حرمة ثم الأحكم محبة {أَوْ إِخْوَانَهُمْ} نسباً {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} العشيرة أهل الرجل الذين يتكثر بهم أي يصيرون بمنزلة العدد الكامل وذلك أن العشرة هو العدد الكامف لصار العشيرة لكل جماعة من أقارب الرجل يتكثر بهم والعشير المعاشر قريباً أو معارفاً وفي القاموس عشيرة الرجل بنوا أبيه إلا دنون أو قبيلته انتهى يعني أن المؤمنين المتصلبين في الدين لا يوالون هؤلاء الأقرباء بعد أن كانوا محادين الله ورسوله فكيف بغيرهم فإن قضية الإيمان بالله أن يهجر الجميع بالكلية بل أن يقتلهم ويقصدهم بالسوء كما روى أن أبا عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر وأن عبد الله بن أبي بن سلول جلس إلى جنب رسول الله عليه السلام
412
فشرب رسول الله الماء فقال عبد الله رضي الله عنه : يا رسول الله ابق فضلة من شرابك قال : فما تصنع بها فقال : اسقيها أبى لعل الله يطهر قلبه ففعل فآتاها أباه فقال : ما هذا؟ قال : فضلة من شراب رسول الله جئتك بها لتشربها لعل الله يطهر قلبك فقال له أبوه : هلا جئتني ببول أمك فرجع إلى النبي عليه السلام فقال : يا رسول الله ائذن لي في قتل أبي فقال عليه السلام : بل ترفق به وتحسن إليه وأن أبا قحافة قبل أن أسلم سب النبي عليه السلام فصكه أبو بكر رضي الله عنه صكة أي ضربه ضربة سقط منها فقال عليه السلام : أوفعلته قال : نعم قال : فلا تعد إليه قال : والله لو كان السيف قريباً مني لقتلته قال في التكملة في هذه الرواية نظر لأن هذه السورة مدينة أبو بكر مع أبيه الآن بمكة انتهى.
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
يقول الفقير : لعله على قول من قال إن العشر الأول من هذه السورة مدني والباقي مكي وأن أبا بكر رضي الله عنه دعا ابنه عبد الرحمن إلى البراز يوم بدر فأمره عليه السلام أن يقعد قال : يا رسول الله دعني أكن في الرعلة الأولى وهي القطعة من الفرسان فقال عليه السلام : متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك بمنزلة سمعي وبصري.
(9/335)
يقول الفقير : يعلم منه فضل أبي بكر على علي رضي الله عنهما فإن هذا فوق قوله عليه السلام لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى فتفطن لذلك وأن مصعباً رضي الله عنه قتل أخاه عبيد بن عمير بأحد وأن عمر رضي الله عنه قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر وأن علياً وحمزة وعبيد بن الحارث رضي الله عنهم قتلوا يوم بدر عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة وكانوا من عشيرتهم وقرابتهم وكل ذلك من باب الغيرة والصلابة كما قال عليه السلام : الغيرة من الإيمان والمنية من النفاق ومن لا غيرة له لا دين له.
ـ وروي ـ عن الثوري أنه قال : كانوا يرون أنها نزلت فيمن يصحب السلطان ففيه زجر عن مصاحبتهم وعن عبد العزيز ابن أبي دؤاد أنه لقيه المنصور في الطواف فلما عرفه هرب منه وتلاها وفي الحديث : "من مشى خلف ظالم سبع خطوات فقد أجرم" وقد قال الله تعالى : إنا من المجرمين منتقمون {أولئك} إشارة إلى الذين لا يوادونهم وإن كانوا أقرب الناس إليهم وأمسهم رحماً {كَتَبَ} الله سبحانه {فِى قُلُوبِهِمُ الايمَـانَ} أي أثبته فيها وهو الإيمان الوهبي الذي وهبه الله لهم قبل خلق الأصلاب والأرحام إذ لا يزال بحال أبداً كالإيمان المستعار وفيه دلالة على خروج العمل من مفهوم الإيمان فإن الجزء الثابت في القلب ثابت فيه قطعاً ولا شيء من أعمال الجوارح يثبت فيه وهو حجة ظاهرة على القدرية حيث زعموا أن الإيمان والكفر يستقل بعملهما العبد {وَأَيَّدَهُم} أي قواهم وأصله قوى يدهم {بِرُوحٍ مِّنْهُ} أي من عند الله فمن لابتداء الغاية وهو نور القرآن أو النصر على العدو أو نور القلب وهو بإدراك حقيقة الحال والرغبة في الإرتقاء إلى المدارج الرفيعة الروحانية والخلاص من درك عالم الطبيعة الدنية وكل ذلك سمي روحاً لكونه سبباً للحياة قال سهل رحمه الله : حياة الروح بالتأييد وحياة النفس بالروح وحياة الروح بالذكر وحياة الذكر بالذاكر وحياة الذاكر بالمذكور {وَيُدْخِلُهُمْ} في الآخرة {جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا} أي من تحت أشجارها أو قصورها {الانْهَـارُ} الأربعة يعني جويها أزاب وشير وخمر وعسل {خَـالِدِينَ فِيهَا}
413
أبد الآباد لا يقرب منهم زوال ولا موت ولا مرض ولا فقر كما قال عليه السلام ينادي مناد آن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وآن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً وآن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وآن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً {رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ} خشنود شد خداى ازايشان بطاعتي كه دردنيا كردند.
وفي الإرشاد استئناف جار مجرى التعليل لما أفاض عليهم من آثار رحمته العاجلة والآجلة والرضى ترك السخط {وَرَضُوا عَنْهُ} وخشنود شدند ايشان ازخداى بكرامتى كه وعده كرده ايشانرا در عقبى.
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
وفي الإرشاد بيان لابتهاجهم بما أوتوه عاجلاً وآجلاً {أولئك حِزْبُ اللَّهِ} تشريف لهم ببيان اختصاصهم به عز وجل أي جنده وأنصار دينه قال سهل رضي الله عنه : الحزب الشيعة وهم الإبدال وأرفع منهم الصديقون {أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الناجون من المكروه والفائزون بالمحبوب دون غيرهم المقابلين لهم من حزب الشيطان المخصوصين بالخذلان والخسران وهو بيان لاختصاصهم بالفوز بسعادة النشأتين وخير الدارين وقال بعض أهل الإشارة حزب الله أهل معرفته ومحبته وأهل توحيده هم الفائزون بنصرة الله من مهالك القهريات ومصارع الامتحانات وجدوا الله بالله إذا ظهر واحد منهم ينهزم المبطلون ويتفرق المغالطون لأن الله تعالى أسبل على وجوههم نور هيبته وأعطى لهم أعلام عظمته يفر منهم الأسود ويخضع لهم الشامخات كلأهم الله بحسن رعايته ونورهم بسنا قدرته ورفع لهم أذكارهم في العالمين وعظم أقدارهم وكتم أسرادهم.
وإمام ثعلبي ازجرجراني كه اواز مشايخ خود شنيده كه داود عليه السلام ازحق تعالى رسيد كه حزب توكيست خطاب آمد از حضرت عزت كه الغاضة أبصارهم والسليمة أكفهم والنقية قلوبهم أولئك حزبي وحول عرشي هركه شم اواز محارم فروبسته بود ودست او از آزار خلق وأخذ حرام كوتاه باشد ودل خود ازما سوى اكيزه كرده از جمله حزب حضرت الله است ودرين باب كفته اند :
كتاب روح البيان ج9 متن
الهام رقم 44 من صفحة 414 حتى صفحة 424
ازهره نار واست برو ديدها ببند
وزهر ه ناسند بود دست بازدار
لوح دل ازغبار تعلق بشوى اك
تابا شدت بحلقه أهل قلوب بار
(9/336)
وفي الآية إشارة إلى أبوة الروح بالنسبة إلى السر والخفي والقلب والنفس والهوى وصفاتها لولادة الكل عن مادة ازدواج الروح مع القالب وإلى نبوة الكل إلى الروح وإلى أخوة السر مع النفس وأخوة القلب مع الهوى وعشيرة عصفاتهما مع الخفي لكون الكل من واد واحد وأصل متحد هو الروح فمن قطع ارتباط التعلق مع النفس والهوى وصفاتهما الظلمانية الشيطاينة بالتوجه الكلى الروحي والسرى والقلبي والخلفي إلى الحضرة الإلهية فهم الذين كتب الله في ألواح قلوبهم وصفاح أسرارهم الإيمان الحقيقي الشهودي العياني وأيدهم بروح الشهود الكلي الجمعي الجامع بين شهود الوحدة الذاتية الحقيقية وبين شهود الكثرة الأسمائية النسبية والجمع بين الشهودين دفعة واحدة من غير تخلل بينهما ومن غير احتجاب أحدهما عن الآخر ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار مياه التجليات الذاتية
414
والصفاتية والأسمائية المشتملة على العلوم والمعارف والحقائق والحكم على الدوام والاستمرار رضي الله عنهم بفنائهم عن الناسوتية ورضوا عنه ببقائهم بلاهوتيته أولئك حزب الله أي مظاهر ذاته وصفاته وأسمائه ألا إن حزب الله هو المفلحون لقيامهم بقيومية الحق تعالى.
واعلم أنه كائن الدنيا والآخرة يومان متعاقبان متلاصقان فمن ذلك يعبر عن الدنيا باليوم وعن الآخرة بغد ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإنكم اليوم في دار العمل والإحسان وأنتم غداً في دار الآخرة ولا عمل ونعيم الدنيا منقطع دون نعيم الآخرة ثم إن هذا شأن الأبرار وأما المقربون فهم أهل الله لا أهل الدارين ونعيمهم ما ذكر من التجليات فهم حزب الله حقيقة لكمال نصرتهم في الدين ظاهراً وباطناً.
جزء : 9 رقم الصفحة : 388
تفسير سورة الحشر
مدنية وآيها أربع وعشرون
جزء : 9 رقم الصفحة : 414
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ} التسبيح تبعيد الله عن السوء وتطهيره عما لا يليق بشأن ألوهيته ويكون بالجنان واللسان والحال والأول اعتقاد العبد بتعاليه عما لا يليق بالألوهية وذلك لأن من معاني التفعيل الاعتقاد بشيء والحكم به مثل التوحيد والتمجيد والتعظيم بمعنى الاعتقاد بالوحدة والمجد والعظمة والحكم بها وعلى هذا المعنى مثل التكفير والتضليل ومثل التجويز والترجيح والثاني القول بما يدل على تعاليه مثل التكبير والتهليل والتأمين بمعنى أن يقول الله أكبر ولا إله إلا الله وآمين وهو المشهور وعند الناس والثالث دلالة المصنوعات على أن صانعها متصف بنعوت الجلال متقدس عن الإمكان وما يتبعه والمفسرون فسروا ما في القرآن من أمثال الآية الكريمة على كل من الثاني والثالث ليعم تسبيح الكل كذا في بعض التفاسير وجمهور المحققين على أن هذا التسبيح تسبيح بلسان العبارة والإشارة لا بلسان الإشارة فقط فجميع الموجودات من العقلاء وغيرهم سبحه تعالى يعني تسبيح ميكويد كه وبه اكى مستأنس ميكند مرخدايرا كه مستحق ثناست.
كما سبق تحقيقه في أول سورة الحديد وفي مواضع أخر من القرآن :
بذكرش هره بيني در خروش است
دلى داند درين معنى كه كوش است
نه بلبل بر كلش تسبيح خوانست
كه هر خاري به توحيدش زبانست
وفي الحديث : "إني لأعرف حجراً بمكة كان سلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن" وعن ابن مسعود رضي الله عنه ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل على أن شهادة الجوارح والجلود مما نطق به القرآن الكريم وقال مجاهد : كل الأشياء تسبححياً كان أو جماداً وتسبيحها سبحان الله وبحمده وهذا على الإطلاق وأما بالنسبة إلى كل موجود
415
فالتسابيح مختلفة فلكل موجود تسبيح مخصوص به من حيث ما يقتضيه نشأته كما قال بعض الكبار فإذا رأيت هؤلاء الهوالم مشتغلين بالذكر الذي أنت عليه فكشفك خيالي غير صحيح لا حقيقي وإنما ذلك خيالك أقيم لك في الموجودات فإذا شهدت في هؤلاء تنوعات الأذكار فهو الكشف الصحيح انتهى {وَهُوَ الْعَزِيزُ} ذو العزة القاهرة {الْحَكِيمُ} ذو الحكمة الباهرة وفي إيراد الوصفين بعد التسبيح إشارة إلى الباعث له والداعي إليه لأن العزة أثر الجلال والحكمة أثر الجمال فله الاتصاف بصفات الكمال.(9/337)
وفي التأويلات النجمية : سبحما في السموات العقول عن معقولاتهم المقتنصة بشبكة الفكر بطريق ترتيب المقدمات وتركيب القياسات وإذامة البراهين القطعية والأدلة الفكرية لعدم جدواها في تحصيل المطلوب فإن ذاته منزهة عن التنزيهات العقلية المؤدية إلى التعليل وما في السموات النفوس من التشبيه بل ذاته المطلقة جامعة للتنزيه العقلي والتنشبيه النفسي كما قال ليس كمثله شيء وهو التنزيه وهو السميع البصير وهو التشبيه فجمعت ذاته المطلقة بأحدية الجمعية بين التنزيه والتشبيه دلعة واحدة بحيث يكون التنزيه عين التشبيه والتشبيه عين التنزيه كما قال العارف المحقق قدس سره : "فإن قلت بالأمرين كنت مسدداً.
وكنت إماماً في المعارف سيداً" فإن التنزيه نتيجة اسمه الباطن والتشبيه نتيجة اسمه الظاهر فافهم جداً وهو العزيز المنيع جنابه أن ينزه من غير التشبيه الحكيم الذي تقتضي حكمته أن لا يشبه من غير التنزيه.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ـ روي ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما قدم المدينة صالح بن النضير كأمير وهم رهط من اليهود من ذرية هارون أخي موسى عليه السلام قال السهيلي رحمه الله ونسبتهم إلى هارون صحيحة لأن النبي عليه السلام قال لصفية رضي الله عنها بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير وقد وجدها تبكي لكلام قيل لها أبوك هارون وعمك موسى وبعلك محمد عليهم السلام والحديث معروف مشهور وفي بعض الكتب من أولاد الكاهن بن هارون ونزلوا قريباً من المدينة في فتن نبي إسرائيل انتظاراً لبعثة النبي عليه السلام وكان يقال لهم ولبني قريظة الكاهنان لأنهم من أولاده أيضاً وكان بنوا النضير وقريظة وبنوا قينقاع في وسط أرض العرب من الحجاز وإن كانوا يهوداً والسبب في ذلك أن بني إسرائيل كانت تغير عليهم العماليق في أرض الحجاز وكانت منازلهم يثرب والجحفة إلى مكة فشكت بنوا إسرائيل ذلك إلى موسى عليه السلام فوجه إليهم جيشاً وأمرهم أن يقتلوهم ولا يبقوا منهم أحداً ففعلوا ذلك وترك منهم ابن ملك لهم كان غلاماً حسناً فرقوا له ثم رجعوا إلى الشأم وموسى قد مات فقالت بنو إسرائيل قد عصيتم وخالفتم فلا نؤويكم فقالوا : نرجع إلى البلاد التي غلبنا عليها ونكون بها فرجعوا إلى يثرب فاستوطنوها وتناسلوا بها إلى أن نزل عليهم الأوس والخزرج بعد سيل العرم فكانوا معهم إلى الإسلام فلما هاجر عليه السلام عاهد بني النضير على أن لا يكونوا له ولا عليه فلما ظهر عليه السلام أي غلب يوم بدر قالوا فيما بينهم النبي الذي نعته في التوراة لا ترد له راية يعني نتوان بودكه كسى بروى ظفر يابد يارايت اقبال وى كسى بيفكند.
فلما كان يوم أحد ما كان ارتابوا ونكثوا فخرج
416
(9/338)
كعب من الأشرف في أربعين راكباً إلى مكة فحالفوا قريشاً عند الكعبة على قتاله عليه السلام وعاهدوا على الإضرار به ناقضين العهد.
كعب أشرف باقوم خود بمدينه باز آمد وجبريل امين رسول را خبرداد ازان عهد ويمان كه درميان ايشان رفت.
فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الأنصاري بفتح الميم وكان أخا كعب من الرضاعة فقتل كعباً غيلة بالكسر أي خديعة فإن الغيلة أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فإذا صار إليه قتله وذلك أنه أتاه ليلاً فاستخرجه من بيته بقوله : إني أتيتك لأستقرض منك شيئاً من التمر فخرج إليه فقتله ورجع إلى النبي عليه السلام وأخبره ففرح به لأنه أضعف قلوبهم وسلب قوتهم وفي بعض الأخبار أنه عليه السلام ذهب إلى بني النضير لاستعانة في دية في نفر من أصحابه أي دون العشرة فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم فقالوا له : نعم يا أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك وكان عليه السلام جالساً إلى جنب جدار من بيوتهم فخلا بعضهم ببعض وقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة فهل من رجل يعلو على هذا البيت فيلقى عليه صخرة فيريحنا منه فقال أحد ساداتهم وهو عمرو بن جحاش : أنا لذلك فقال لهم أحدا ساداتهم وهو سلام بن مشكم : لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به إنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه فلما صعد الرجل ليلقي الصخرة أتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم فقام عليه السلام مظهراً أنه يقضي حاجته وترك أصحابه في مجالسهم ورجع مسرعاً إلى المدينة ولم يعلم من كان معه من أصحابه فقاموا في طلبه لما استبطأوه فلقوا رجلاً مقبلاً من المدينة فسألوه فقال : رأيته داخل المدينة فأقبل أصحابه حتى انتهوا إليه فأخبرهم بما أرادت بنو النضير فندم اليهود وقالوا : قد أخبر بأمرنا فأرسل عليه السلام إليهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه أن اخرجوا من بلدي أي لأن قريتهم زاهرة كانت من أعمال المدينة فلا تساكنوني بها فلقد هممتم بما هممتم من الغدر فسكتوا ولم يقولوا حرفاً فأرسل إليهم المنافقون أن أقيموا في حصونكم فإنا نمدكم فأرسلوا إلى رسول الله إنا لا نخرج من ديارنا فافعل ما بدا لك وكان المتولي أمر ذلك سيد بني النضير حيى بن أخطب والد صفية أم المؤمنين فاغتر بقول المنافقين فسار رسول الله عليه السلام مع المؤمنين وهو على حمار مخطوم بليف وحمل رايته علي رضي الله عنه حتى نزل بهم وصلى العصر بفنائهم وقد تحصنوا وقاموا على حصنهم يرمون النبل والحجارة وزربوا على الأزقة وحصنوها فحاصرهم النبي عليه السلام إحدى وعشرين ليلة فلما قذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح فأبى عليهم إلا الجلاء على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من متاعهم إلا السلاح.
س ششنصد شتربار خودرا بر آراستند وإظهار جلادت نموده دفعها ميزدند وسرور كويان از بازار مدنه كذشتند.
فجاءوا الشام إلى أريحا من فلسطين وإلى اذرعات من دمشق إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر ولحقت طائفة بالحيرة وهي بالكسرة بلد بقرب الكوفة ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان أحدهما سفيان بن عمير بن وهب والثاني سعد بن وهب أسلما على أموالهم فأحرزاها فأنزل الله
417
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/339)
تعالى سبح لله إلى قوله والله على كل شيء قدير قال محمد جلاء بني النضير كان مرجع النبي عليه السلام من أحد سنة ثلاث من الهجرة وكان فتح بني قريظة مرجعه من الأحزاب في سنة خمس من الهجرة وبينهما سنتان وفي إنسان العيون كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول من السنة الرابعة والجلاء بالفتح الخروج من البلد والتفرق منه يقال أجليت القوم عن منازلهم وجلوتهم فأجلوا عنها وجلوا أي أبرزتهم عنها فإن أصل الجلو الكشف الظاهر ومنه الطريقة الجلوتية بالجيم فإنها الجلاء والظهور بالصفات الإلهية كما عرف في محله والجلاء أخص من الخروج لأنه لا يقال الجلاء إلا لخروج الجماعة أو لإخراجهم والخروج والإخراج يكون للجماعة والواحد وقيل في الفرق بينهما أن الجلاء كان مع الأهل والولد بخلاف الخروج فإنه لا يستلزم ذلك قال العلماء مصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شيء لا يجوز الآن وإنما كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ والآن لا بد من قتالهم أو سبيهم أو ضرب الجزية عليهم {هُوَ الَّذِى} اوست خداوندى كه ازروى إذلال {أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ} بيان لبعض آثار عزته وأحكام حكمته أي أمر بإخراج أهل التوراة يعني بني النضير {مِن دِيَـارِهِمْ} جمع دار والفرق بين الدار والبيت أن الدار دار وإن زالت حوائطها والبيت ليس ببيت بعدما انهدم لأن البيت اسم مبني مسقف مدخله من جانب واحد بنى للبيتوتة سواء كان حيطانه أربعة أو ثلاثة وهذا المعنى موجود في الصفة إلا أن مدخلها واسع فيتناولها اسم البيت والبيوت بالمسكن اسم أخص والأبيات بالشعر كما في المفردات {لاوَّلِ الْحَشْرِ} اللام تتعلق بأخرج وهي للتوقيت أي عند أول حشرهم إلى الشأم وفي كشف الأسرار اللام لام العلة أي اخرجوا ليكون حشرهم الشام أول الحشر والحشر إخراج جمع من مكان إلى آخر وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط إذ كان انتقالهم من بلاد الشام إلى جانب المدينة عن اختيار منهم وهم أول من أخرج به جزيرة العرب إلى الشام فعلى هذا الوجه ليس الأول مقابلاً للآخر وسميت جزيرة لأنه أحاط بها بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات قال الخليل بن أحمد مبدأ الجزيرة من حفر أبي موسى إلى اليمن في الطول ومن رمل يبرين وهو موضع بحذاء الإحساء إلى منقطع السماوة في العرض والسماوة بالفتح موضع بين الكوفة والشأم أو هذا أول حشرهم وآخر حشرهم أجلاء عمر رضي الله عنه إياهم من خيبر إلى الشام وذلك حين بلغه الخبر عن النبي عليه السلام لا يبقين دينان في جزيرة العرب وقيل آخر حشرهم حشر يوم القيامة لأن المحشر يكون بالشأم
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
{مَا ظَنَنتُمْ} أيها المسلمون {أَن يَخْرُجُوا} من ديارهم بهذا الذل والهوان لشدة بأسهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعددهم {وَظَنُّوا} أي هؤلاء الكافرون ظناً قوياً هو بمرتبة اليقين فإنه لا يقع إلا بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته {أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ} الحصون جمع حصن بالكسر وهو كل موضع حصين لا يوصل إلى جوفه والقلعة الحصن الممتنع على الجبل فالأول أعم من الثاني وتحصن إذا اتخذ الحصن
418
(9/340)
مسكناً ثم تجوز به فقيل درع حصينة لكونها حصناً للبدن وفرس حصان لكونه حصناً لراكبه والمعنى ظنوا أن حصونهم تمنعهم من بأس الله وقهره وقدم الحبر وأسند الجملة إلى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالي بسببها فتقديم المسند يفيد قصر المسند إليه على المسند فإن معنى قائم زيد أن زيداً مقصور على القيام لا يتجاوزه إلى القعود وكذا معنى الآيتان حصونهم ليس لها صفة غير المانعية ويجوز أن يكون مانعتهم خيراً لأن وحصونهم مرتفعاً على الفاعلية لاعتماده على المبتدأ فإن قيل ما المانع من جعل مانعتهم مبتدأ وحصونهم خيراً فإن كليهما معرفة قلت كون مانعتهم نكرة لأن إضافتها غير مخصصة وإن القصد إلى الإخبار عن الحصون {فَأَتَـاـاهُمُ اللَّهُ} أي أمر الله وقدره المقدور لهم {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب من الأشرف غرة على يد أخيه فإنه مما أضعف قوتهم وقل شوكتهم وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب والفاء إما للتعقيب إشارة إلى أن البأس لم يكن متراخياً عن ظنهم أو للسبب إشارة إلى أنهم إنما أخذوا بسبب إعجابهم بأنفسهم وقطعهم النظر إلى قدرة الله وقوته {وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} القذف الرمي البعيد والمراد هنا الإلقاء قال في الكشاف قذف الرعب إثباته وركزه ومنه قالوا في صفة الأسد مقذف لما أن قذف باللحم قذفاً لاكتنازه وتداخل أجوائه والرعب الانقطاع من امتلاء الخوف ولتصور الامتلاء منه قيل رعبت الحوض أي ملأته وباعتبار القطع قيل رعبت السنام أي قطعته قال بعضهم : الرعب خوف يملأ القلب فيغير العقل ويعجز النفس ويشوش الرأي ويفرق التدبير ويضر البدن والمعنى أثبت فيها الخوف الذي يرعبها ويملأها لأن المعتبر هو الثابت وما هو سريع الزوال فهو كغير الواقع وقال بعضهم : فلا يلزم التكرار لأن الرعب الذي اشتمله قوله فأتاهم الله هو أصل الرعب وفرق بين حصول أصله وبين ثباته ودلت الآية على أن وقوع ذلك الرعب صار سبباً في إقدامهم على بعض الأفعال وبالجملة فالفعل لا يحصل إلا عند حصول داعية متأكدة في القلب وحصول تلك الداعية لا يكون إلا من الله فكانت الأفعال بأسرها مستندة إلى الله بهذا الطريق كذا في اللباب
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ} الجملة استئناف لبيان حالهم عند الرعب أي يخربونها بأيديهم ليسدوا بما تنضوا منها من الخشب والحجارة أفوه الأزقة ولئلا تبقى بعد جلائهم مساكين للمسلمين ولينتقلوا معهم بعض آلاتها المرغوب فيها مما يقبل النقل والاخراب والتخريب واحد يقال خرب المكان خراباً وهو ضد العمارة وقد أخربه وخربه أي أفسده بالنقض والهدم غير أن في التشديد مبالغة من حيث التكثير لكثرة البيوت وهو قراءة أبي عمرو وفرق أبي عمرو بين اُراب والتخريب فقال : خرب بالتشيديد بمعنى هدم ونقض وأفسد وأخرب بالهمزة ترك الوضع وقال أي أبو عمرو : وإنما اخترت التشديد لأن الاخراب ترك الشيء خراباً بغير ساكن وبنوا النضير لم يتركوها خراباً وإنما خربوها بالهدم كما يدل عليه قوله بأيديهم وأيدي المؤمنين إن قيل البيوت
419
هي الديار فلم لم يقل يخربون ديارهم على وفق ما سبق وأيضاً كيف ما كان الإخراج من ديارهم وهي مخربة أجيب بأن الدار ماله بيوت فيجوز اخراب بعضها وإبقاء بعضها على مقتضى الرأي فيكون الخروج من الباقي على أن الإخراج لا يقتضي العمارة إذ يجوز أن يكون بإخراب المساكن والطرح منها قال سهل رحمه الله : يخربون بيوتهم بأيديهم أي قلوبهم بالبدع وفي كشف الأسرار نخست دين ودل خويش ازروى باطن خراب كردند تا خرابي باطن بظاهر سرايت كرد وخانه خود نيز خراب كردند {وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ} حيث كانوا يخربونها إزالة لمحتصنهم ومتمنعهم وتوسيعاً لمجال القتال وإضراراً بهم وإسناد هذا إليهم لما أنهم السبب فيه فكأنهم كلفوهم إياه وأمروهم به وهذا كما في قوله عليه السلام : لعن الله من لعن والديه وهو كقوله عليه السلام : من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه فقالوا : وكيف يسب الرجل والديه؟ فقال : يساب الرجل فيسب أباه فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه.
يقول الفقير : فيه إشارة إلى أن استناد الكفار إلى الحصون والأحجار وإن اعتماد المؤنين على الله الملك الغفار ولا شك أن من اعتمد على المأمن الحقيقي ظفر بمراده فيه دنياه وآخرته ومن استند إلى ما سوى الله تعالى خسر خسراناً مبيناً في تجارته وإن الإنسان بنيان الرب فربما قتل المرء نفسه وتسبب له فهدم بنيان الله فصار ملعوناً وقس على هذا حال القلب فإنه بيت الله واجتهد حتى لا يغلب عليه النفس والشيطان.
قال الحافظ :
من آن نكين سليمان بهيج نستانم
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
كه كاه كاه برودست اهر من باشد
(9/341)
{فَاعْتَبِرُوا} س عبرت كيريد يا اأُوْلِى الابْصَـارِ} أي يا أولي الألباب والعقول والبصائر يعني اتعظوا بما جرى عليهم من الأمور الهائلة على وجه لا تكاد تهتدي إليه الأفكار واتقوا مباشرة ما أداهم إليه من الكفر والمعاصي وانتقلوا من حال الفريقين إلى حال أنفسكم فلا تعولوا على تعاضد الأسباب كبني النضير الذين اعتمدوا على حصونهم ونحوها بل توكلوا على الله تعالى وفي عين المعاني فاعتبروا بها خراب جميع الدنيا :
جهان اي سر ملك جاويد نيست
ز دنيا وفادارى اميد نيست
والاعتبار مأخوذ من العبور وهو المجاوزة من شيء إلى شيء ولهذا سميت العبرة عبرة لأنها تنتقل من العين إلى الحد وسمي أهل التعبير لأن صاحبه ينتقل من المتخيل إلى المعقول وسميت الألفاظ عبارات لأنها تنقل المعاني من لسان القائل إلى عقل المستمع ويقال السعيد من اعتبر بغيره لأنه ينتقل عقله من حال ذلك الغير إلى حاله نفسه :
و بركشته بختى در افتد ببند
ازونيك بختان بكيرند ند
والبصر يقال للجارحة الناظرة وللقوة التي فيها ويقال القلب المدركة بصيرة وبصر ولا يكاد يقال للجارحة بصيرة كما في المفردات قال بعض التفاسير الأبصار جمع بصر وهو ما يكون في الرأس وبه يشاهد عالم الملك وهو عالم الشهادة حتى لو كان بين الرائي والمرئى مقدار عدة آلاف سنة يشاهده في طرفة عين بوصول نور من حدقة العين إلى المرئي حكاية للرائي والبصيرة في القلب كالبصر في الرأس وبها يشاهد عالم الملكوت وهو عالم الغيب
420
حتى لو شاهد المشاهد في العالم الأعلى وفي اللوح المحفوظ بل في علم الله تعالى مما تتعلق مشيئة الله بمشاهدة أحد إياه من عباده لشاهده في آن واحد وقد يشاهد الممتنع والمحال وغير المتناهي بنوع مشاهدة كما نجده في وجداننا وكل ذلك من غرائب صنع الله وجعل البعض البصر ههنا مجازاً عن المشاهدة لأنه كثيراً ما يكون آلة لمشاهدتها ويكون هو معتبراً باعتبارها حتى لولاها يكون هو في حكم المفقود وبهذا الاعتبار أورد الإبصار في مقام البصائر فقال في تفسيره : فاتعظوا وانظروا فيما نزل بهم يا ذوي العقول والبصائر وهذا هو الأليق بشأن الإتعاظ والأوفق لقوله تعالى فاعتبروا يا أولي الألباب إذ اللب وهو العقل الخالص عن الكدورات البشرية والبصيرة التي هي عين القلب حين ما كانت مجلوة خاصة بالعقلاء اللائقين للخطاب بالأمر بالاعتبار وأما البصر فيوجد في البهائم والبصيرة الغير المجلوة فتوجد في العوام وجعله البعض الآخر على حقيقته فقال في تفسيره فاعتبر يا من عاين تلك الوقائع لكن مآل القولين واحد إذ مجرد البصر المعاين لا يفيد الاعتبار بلا بصيرة صحيحة وفي الوسيط معنى الاعتبار النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها قال يحيى بن معاذ رحمه الله : من لم يعتبر بالمعاينة استغنى عن الموعظة وقد استدل بالآية على حجية القياس من حيث أنه أمر بالمجاوزة من حال إلى حال وحملها عليها في حكم لما بينهما من المشاركة المقتضية له كما فصل في الكتب الأصولية وأشار بأهل الكتاب إلى يهودي النفس ونصراني الهوى وإنما نسبنا التنصر إلى الهوى والتهود إلى النفس لغلبة عطلة النفس فإن الهوى بالنسبة إلى النفس كالروح بالنسبة إلى الجسم البدني ولهذا المعنى قيل الهوى روح النفس ينفخ فيها هوى الشهوات الحيوانية ويهوى إلى هاوية الجحيم والله تعالى يستأصلها من ديار صفاتها الظلمانية بالصدمة الأولى من قتال الحشر الأول وظنوا أن حصون طباعهم الرديئة تمنعهم عن الانسلاخ من صفاتهم الخسيسة فأتاهم الله بالتجلي القهري وقذف في قلوب النفس والهوى رعب المفارقة بينهما فإن كل واحد منهما كان متمسكاً بالآخر تمسك الروح بالبدن وقيام البدن بالروح يخربون بيوت صفاتهم بأدي أهوائهم المضلة وبقوة أيدي الروح والسر والقلب لغلبة نوريتهم عليها فاعبروا يا أولي الأبصار الذين صار الحق تعالى بصرهم كما قال فبي يبصر وبي يسمع وبي يبطش الحديث بطوله
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
{وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ} حكم {عَلَيْهِمُ} أي على بني النضير {الْجَلاءَ} أي الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه الفظيع وقد سبق الكلام في الجلاء ولولا امتناعية وما بعدها مبتدأ فإن أن مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن المقدر أي ولولا أنه وكتب الله خبرها والجملة في محل الرفع بالابتداء بمعنى ولولا كتاب الله عليهم الجلاء واقع في علمه أو في لوحه {لَعَذَّبَهُمْ فِى الدُّنْيَا} بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة من اليهود قال بعضهم لما استحقوا بجرمهم العظيم قهراً عظيماً أخذوا بالجلاء الذي جعل عديلاً لقتل النفس لقوله تعالى ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلى قليل منهم مع أن فيه احتمال إيمان بعضهم بعد مدة وإيمان من يتولد منهم {وَلَهُمْ فِى الاخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ} استئناف غير متعلق بجواب لولا إذ لو كان معطوفاً
421
(9/342)
عليه لزم أن ينجو من عذاب الآخرة أيضاً لأن لولا تقتضي انتفاء الجزاء لحصول الشرط وإنما جيىء به لبيان أنهم إن نجوا من عذاب الدنيا بكتابة الجلاء لا نجاة لهم من عذاب الآخرة.
يقول الفقير لا يلزم من نجاتهم من عذاب الدنيا أن لا يكون جلاؤهم من قبيل العذاب وإنما لم يكن منه بالنسبة إلى عذاب الاستئصال والوجه في جلائهم إنهم قصدوا قتل النبي عليه السلام وقتله شر من ألف قتل فأخذوا بالجلاء ليموتوا كل يوم ألف مرة لأن انقطاع النفس عن مألوفاتها بمنزلة موتها فجاء الجزاء من جنس العمل قال بعض أهل الإشارة ولولا أن كتب الله على يهودي النفس ونصراني الهوى جلاء الانسلاخ من ديار وجوداتهم لعذبهم في طلب الدنيا ومحبتها ولهم في آخر الآمر عذاب نار القطيعة عن مألوفاتهم الطبيعية ومسحتسناتهم الحسية {ذَالِكَ} أي ما حاق بهم وسيحيق {بِأَنَّهُمْ} أي بسبب أنهم {شَآقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} خالفوا أمرهما وفعلوا ما فعلوا مما حكي عنهم من القبائح والمشاقة كون الإنسان في شق ومخالفه في شق {وَمَن يُشَآقِّ اللَّهَ} كائناً من كان {فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} له فهو نفس الجزاء بحذف العائد أو تعليل للجزاء المحذوف أي يعاقبه الله فإن الله شديد العقاب فإذا لهم عقاب شديد أيضاً لكونهم من المشاقين وأياً ما كان فالشرطية تحقيق للتسببية بالطريق البرهاني وفيه إشعار بأن المخالفة تقتضي المؤاخذة بقدر قوتها وضعفها فليحذر المؤمنون من العصيان مطلقاً :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
همينست بسندست اكر بشنوى
كه كر خار كارى سمن ندورى
اعلم أن ا الذي هو الاسم الأعظم جامع لجميع الأسماء الإلهية المنقسمة إلى الأسماء الجلالية القهرية والجمالية اللطفية والتشاقق فيه استدعاء أحد الشقين من التجليين الجمالي والجلال بأن يطلب الطالب منه اللطف والجمال وهو ممن يستحق القهر والجلال لا ممن يستحق اللطف والجمال فهو يستدعي من الحق شيء لا تقتضي حكمته البالغة إعطاءه إياه وهو من قبيل التحكم الذي لا يجوز بالنسبة إلى الله تعالى كما قال تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وأن إصابته فتنة انقلب على وجهه.
قال الحافظ :
درين من نكنم سرزنش بخود رويى
نانكه رورشم ميدهند مى رويم
والمشاقة مع الرسول عليه السلام المنازعة في حكمة أمره ونهيه مثل أسرار الصلوات الخمس واختلاف أعدادها وقراءتها جهراً وسراً ومثل أسرار الزكاة واختلاف أحكامها ومثل أحكام الحج ومناسكه ونحن أمرنا بمحض الامتثال والانقياد وما كلفنا بمعرفة أسرارها وحقائقها والنبي عليه السلام مع كمال عرفانه وجلال برهانه يقول : إن أتبع إلا ما يوحى إلي وقال : نحن نحكم بالظواهر والله يعلم السرائر قوله فإن الله شديد العقاب ومن شدة عقابه ابتلاء عبده بامتثال هذه الأشياء مع عدم تكليفه إياه بمعرفة حقائقها والمراد بالعقاب الأتعاب وإلا فالأحكام من قبيل الرحمة لا العذاب ولذا من قال هذه الطاعات جعلها الله علينا عذاباً من غير تأويل كفر {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ} ما شرطية نصب بقطعتم واللينة فعلة نحو حنطة من اللون على أن أصلها لونة فياؤها مقلوبة عن واو لكسرة ما قبلها نحو ديمة وفيمة وتجمع على ألوان وهي ضروب النخل كلها وقيل من اللين وتجمع على لين وأليان وهي النخلة
422
الكريمة الشجرة بكونها قريبة من الأرض والطيبة الثمرة قال الراغب في المفردات : اللين ضد الخشونة ويستعمل ذلك في الأجسام ثم يستعار للخلق ولغيره من المعاني فيقال فلان لين وفلان خشن وكل واحد منهما يمدح به طوراً ويذم به طوراً بحسب اختلاف المواضع وقوله ما قطعتم من لينة أي من نخلة ناعمة ومخرجه مخرج فعلة نحو حنطة ولا يختص بنوع من دون نوع انتهى والمعنى أي شيء قطعتم من نخلة من نخيلهم بأنواعها وقيل : اللينة ضروب النخلة كلها ما خلا العجوة والبرنية وهما أجود النخل {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا}
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/343)
الضمير لما وتأنيثه لتفسيره بالليلة كما في قوله تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها {قَآاـاِمَةً} حال من ضمير المفعول {عَلَى أُصُولِهَا} كما كانت من غير أن تتعرضوا لها بشيء من القطع جمع أصل وهو ما يتشعب منه الفرع {فَبِإِذْنِ اللَّهِ} فذاك أي قطعها وتركها بأمر الله فلا جناح عليكم فيه فإن في كل من القطع والترك حكمة ومصلحة {وَلِيُخْزِىَ الْفَـاسِقِينَ} أي وليذل اليهود الخارجين عن دائرة الإسلام إذن في قطعها وتركها فهو علة لمحذوف يقال خزي الرجل لحقه انكسار إما من نفسه وهو الحياء المفرط ومصدره الخزاية وإما من غيره وهو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزي أذن الله في قطعها وتركها لأنهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون في أموالهم كيف أحبوا ويتصرفون فيها حسبما شاءوا من القطع والترك يزدادون غيظاً ويتضاعفون حسرة وذلك أن رسول الله عليه السلام حين أمر أن تقطع نخيلهم وتحرق قالت اليهود وهو بنو النضير : يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخيل وإحراقها فشق ذلك على النبي عليه السلام وكان في أنفس المؤمنين أيضاف من ذلك شيء فنزلت وجعل أمر رسول الله أمره تعالى لأنه عليه السلام ما ينطق عن الهوى واستدل به على جواز هدم ديار الكفرة وقطع أشجارهم مثمرة كانت أو غير مثمرة وإحراق زروعهم زيادة لغيظهم وتخصيص اللينة بالقطع إنك انت من الألوان ليستبقوا لأنفسهم العجوة والبرنية اللتين هما كرام النخيل وإن كانت هي الكرام ليكون غيظهم أشد ويقال إن العتيق والعجوة كانتا من نوح في السفينة والعتيق الفحل وكانت العجوة أصل الإناث كلها فلذا شق على اليهود قطعها وظهر من هذا أن اللون هو ما عدا العجوة والبرني من أنواع التمر بالمدينة والبرني بالفارسية حمل مبارك أو جيد لأن أصله برنيك فعرب ومن أنواع تمر المدينة الصيحاني وفي شرح مسلم للنووي أن أنواع التمر مائة وعشرون وفي تاريخ المدينة الكبير للسيد السمنودي أن أنواع التمر بالمدينة التي أمكن جمعها بلغت مائة وبضعاً وثلاثين ويوافقه قول بعضهم اختبرناها فوجدنا أكثر مما ذكره النووي قال : ولعل ما زاد على ما ذكر حدث بعد ذلك وأما أنواع التمر بغير المدينة كالمغرب فلا تكاد تنحصر فقد نقل أن عالم فاس محمد بن غازي أرسل إلى عالم سلجماسة ابراهيم بن هلال يسأله عن حصر أنواع التمر بتلك البلدة فأرسل إليه حملاً أو حملين من كل نوع تمرة واحدة فأرسل إليه هذا ما تعلق به علم الفقير وأن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وفي نسق الأزهار أن بهذه البلدة رطباً يسمى البتوني وهو أخضر اللون وأحلى من عسل النحل ونواه في غاية الصغر
423
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
وكانت العجوة خير أموال بني النضير لأنهم كانوا يقتاتوتها وفي الحديث "العجوة من الجنة وتمرها يغذي أحسن الغذاء".
روي أن آدم عليه السلام نزل بالعجوة من الجنة وفي البخاري من تصبح كل يوم على سبع تمرات عجوة لم يصبه في ذكل اليوم سم ولا سحر وقد جاء في العجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة وفي كلام بعضهم العجوة ضرب من التمر أكبر من الصيحاني تضرب إلى السواد وهي مما غرسه النبي عليه السلام بيده الشريفة وقد علمت أنها في نخل بني النضير وعن ابن عباس رضي الله عنهما هبط آدم من الجنة بثلاثة أشياء بالآسة وهي سيدة ريحان الدنيا والسنبلة وهي سيدة طعام الدنيا والعجوة وهي سيدة ثمار الدنيا وفي الحديث : "إن العجوة من غرس الجنة وفيها شفاء وإنها ترياق أو البكرة وعليكم بالتمر البرني فكلوه فإنه يسبح في شجره ويستغفر لآكله وإنه من خير تمركم وإنه دواء وليس بداء" وجاء بيت لا تمر فيه جياع أهله قال ذلك مرتين ولما قطعت العجوة شق النساء الجيوب وضربن الحدود ودعون بالويل كما في إنسان العيون قال بعض أهل الإشارة يشير إلى من قطع نخلة محبة الدنيا من أرض قلبه بأمر الله وحكمته المقتضية لذلك الأمر بالقطع وهم المحرمون المنقطعون عن الدنيا ومحبتها وشهواتها ولذاتها المتوجهون إلى طريق السلوك إلى الله بتزكية النفس وتصفية القلب وتخلية السر وتحلية الروح وإلى من ترك الدنيا في أرض قلبه قائمة على أصولها على حالها بإذن الله وحكمته البالغة المقتضية لإبقائها وهم الكاملون المكملون الواصلون المواصلون الذين ليس للدنيا ولا للآخرة عندهم قدر ومقدار ما زاغ نظر ظاهرهم ولا بصر باطنهم إليهما لاشتغالهم بذكر الله أي بذكر ذاته وصفاته وأسمائه كما قال في حقهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وليخزي الفاسقين الذين خرجوا من مقام المعرفة والعرفان وما عرفوا أن للحق عباداً ليس للدنيا والآخرة عندهم قدر ومقدار وما زاغ بصر ظاهرهم ولا نظر باطنهم إليهما وطعنوا فيهم بمحبة الدنيا ونسبوا إليهم حب الشهوات الحيوانية واللذات الجسمانية فأخزاهم الله بشؤم هذا الطعن والله يشهد أنهم لكاذبون.
قال الحافظ :
س تجربه كرديم درين دير مكافات
بادرد كشان هركه در افتاد بر افتاد
كتاب روح البيان ج9 متن
(9/344)
الهام رقم 45 من صفحة 424 حتى صفحة 434
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
{وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} شروع في بيان حال ما أخذ من أموالهم بعد بيان ما حل بأنفسهم من العذاب العاجل والآجل وما فعل بديارهم ونخيلهم من التخريب والقطع وما موصولة مبتدأ وقوله فما أوجفتم خبره ويجوز جعلها شرطية وقوله فما أوجفتم جواباً والفيىء في الأصل بمعنى الرجوع وأفاء أعاد وأرجع فهو على أصل معناه هنا والمعنى ما أعاده إليه من مالهم أي جعله عائداً ففيه إشعار بأنه كان حقيقياً بأن يكون له عليه السلام وإنما وقع في أيديهم بغير حق فرجعه الله إلى مستحقه لأنه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق ليتوسلوا به إلى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين وهو عليه السلام رأسهم ورئيسهم وبه أطاع من أطاع فكان أحق به فالعود على هذا بمعنى أن
424
يتحول الشيء إلى ما فارق عنه وهو الأشهر ويجوز أن يكون معناه صيره له فالعود على هذا بمعنى أن بتحول الشيء إلى ما فارق عنه وإن لم يكن ذلك التحول مسبوقاً بالحصول له والحمل هنا على هذا المعنى لا يحوج إلى تكلف توجيه بخلاف الأول وكلمة على تؤيد الثاني وقال بعضهم : أفاء الله مبني على أن الفيىء الغنيمة فمعنى أفاء الله على رسوله جعله فيئاً له خاصة وقال الراغب الفيىء والفيئة الرجوع إلى حالة محمودة وقيل للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقة فيىء قال بعضهم : سمي ذلك بالفيىء تشبيهاً بالفيىء الذي هو الظل تنبيهاً على أن أشرف إعراض الدنيا يجري مجرى ظل زائل والفئة الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم إلى بعض في التعاضد وقال المتطرزي في المغرب في الفرق بين الغنيمة والفيىء والنفل أن الغنيمة عن أبي عبيد ما نيل من أهل الشرك عنوة والحرب قائمة وحكمها أن تخمس وسائرها بعد الخمس للغانمين خاصة والفيىء ما نيل منهم بعدما تضع الحرب أوزارها وتصير الدار دار إسلام وحكمه أن يكون لكافة المسلمين ولا يخمس والنفل ما بنفله الغازي أي يعطاه زائداً على سهمه وهو أن يقول الإمام أو الأمير : من قتل قتيلاً فله سلبه أو قال للسرية : ما أصبتم فلكم ربعه أو نصفه ولا يخمس وعلى الإمام الوفاء به وعن علي بن عيسى الغنيمة أعم من النفل والفيىء أعم من الغنيمة لأنه اسم لكل ما صار للمسلمين من أموال أهل الشرك قال أبو بكر الرازي فالغنيمة فيىء والجزية فيىء ومال أهل الصلح فيىء والخراج فيىء لأن ذلك كله مما أفاه الله على المسلمين من المشركين وعند الفقهاء كل ما يحل أخذه من أموالهم فهو فيىء
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
{مِنْهُمْ} أي بني النضير {فَمَآ} نافية {أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} أي فما أجريتم على تحصيله وتغنمه من الوجيف وهو سرعة السير يقال أوجفت البعير أسرعته وفي القاموس الوجيف ضرب من سير الخيل والإبل وقيل : أوجف فأعجف {مِنْ خَيْلٍ} من زائدة بعد النفي أي خيلاً وهو جماعة الافراس لا واحد له أو واحده خائل لأنه يختال والجمع أخيال وخيول كما في القاموس وقال الراغب الخيلاء التكبر من نخيل فضيلة تترا أي للإنسان من نفسه ومنها تتأول لفظة الخيل لما قيل إنه لا يركب أحد فرساً إلا وجد في نفسه نخوة والخيل في الأصل اسم للافراس والفرسان جميعاً قال تعالى : ومن رباط الخيل ويستعمل في كل واحد منهما مفرداً نحو ما روي يا خيل الله اركبي فهذا للفرسان وقوله عليه السلام : عفوت لكم عن صدقة الخيل يعني الافراس انتهى.
والخيل نوعان : عتيق وهجين فالعتيق ما أبواه عربيان سمي بذلك لعتقه من العيوب وسلامته من الطعن فيه بالأمور المنقصة وسميت الكعبة بالبيت العتيق لسلامتها من عيب الرق لأنه لم يملكها ملك قط وإذا ربط الفرس العتيق في بيت لم يدخله شيطان والهجين الذي أبوه عربي وأمه عجمية والفرق أن عظم البرذونة أعطم من عظم الفرس وعظم الفرس أصلب وأثقل والبرذونة أحمل من الفرس والفرس أسرع منه والعتيق بمنزلة الغزال والبرذونة بمنزلة الشاة والفرس برى المنامات كبني آدم ولا طحال له وهو مثل لسرعته وحركته كما يقال للبعير لأمرارة له أي له جسارة {وَلا رِكَابٍ} هي ما يركب من الإبل خاصة كما أن الراكب عندهم راكبها لا غير وأما راكب الفرس فإنهم يسمونه فارساً ولا واحد لها من لفظها وإنما الواحدة منها
425
(9/345)
راحلة قال في المفردات : الركوب في الأصل كون الإنسان على ظهر حيوان وقد يستعمل في السفينة والراكب اختص في التعارف بممتطي البعير جمعه ركب وركبان وركوب واختص الركاب بالمركوب والمعنى ما قطعتم ولها شقة بعيدة ولا لقيتم مشقة شديدة ولا قتالاً شديداً وذلك وأنه كانت قرى بني النضير على ميلين من المدينة وهي ساعة واحدة بحساب الساعات النجومية فذهبوا إليها مشياً وما كان فيهم راكب إلا النبي عليه السلام وكان يركب حماراً مخطوماً بليف على ما سبق أو جملاً على ما قاله البعض فافتتحها صلحاً من غير أن يجري بينهم مسايفة كأنه قال وما أفاء الله على رسوله منهم فما حصلتموه بكد اليمين وعرق الجبين {وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَه عَلَى مَن يَشَآءُ} أي سنته تعالى جالية على أن يسلطهم على من يشاء من أعدائهم تسليطاً خاصاً وقد سلط النبي عليه السلام على هؤلاء تسليطاً غير معتاد من غير أن تقتحموا مضايقالحطوب وتقاسوا شدائدالحروب فلا حق لكم في أموالهم يعني أن الأمر فيه مفوض إليه يضعه حيث يشاء فلا يقسم قصمة الغنائم التي قوتل عليها وأخذت عنوة وقهراً وذلك أنهم طلبوا القسمة كخيبر فنزلت {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} فيفعل ما يشاء كما يشاء تارة على الوجوه المعهودة وأخرى على غيرها :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
تيغى كه آسمانش از فيض خود دهد آب
تنها جهان بكيرد بى منت ساهى
اعلم أن الفيض الإلهي الفائض من الله على ساحة قلب السالك على قسمين : إما بالوهب المحض من خزانة اسمه الوهاب من غير تعمل من العامل فيه من ركب خيل النية الصالحة ومن سوق ركاب العمل الصالح من الفرائض والنوافل فهو مقطوع الروابط من جانب السالك العامل فليس للسالك أن يضيف ذلك الفيض والوارد القلبي إلى نفسه بوجه من الوجوه ولا إلى الأعمال الصادرة منه بسبب الأعضاء والجوارح بل يتركه على صرافة الوهب الرباني وطراوة العطاء الامتناني والآية الكريم دالة هذا القسم وإما مشوب بتعمله فهو من خزانة اسمه الجواد فله أن يضيفه إلى نفسه وأعضائه وجوارحه ليظهر أثره عليها كلها والآية الثالثة الآتية تشير إلى القسم الثاني وقد جمع بينهما قوله تعالى لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم فإن الأول إشارة إلى الأول والثاني إلى الثاني وأراد برسوله رسول القلب وإنما سمي القلب بالرسول لأن الرسالة من حضرة الروح إلى النفس الكافرة والهوى الظالم بدعوتهما إلى الحق تعالى بالإيمان والهدى {مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} بيان لمصارف الفيىء بعد بيان إفاءته عليه صلى الله عليه وسلّم من غير أن يكون للمقاتلة فيه حق ولذا لم يعطف عليه كأنه لما قيل ما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير شيء لم تحصلوه بالقتال والغلبة فلا يقسم قسمة الغنائم فكأنه قيل فكيف يقسم فقيل : ما أفاء الله الخ قال في برهان القرآن قوله وما أفاء الله وبعده ما أفاء الله بغير واو لأن الأول معطوف على قوله ما قطعتم من لينة والثاني استئناف وليس له به تعلق وقول من قال بدل من الأول مزيف عند أكثر المفسرين انتهى وإعادة عين العبارة الأولى لزيادة التقرير ووضع أهل القرى موضع ضميرهم للإشعار بشمول ما لعقاراتهم أيضاً فالمراد بالقرى قرى بني النضير.
وقال الكاشفي : من أهل القرى
426
از اموال وأملاك أهل دهها وشهرها بحرب كرفته نشود وفي عين المعاني أي قريظة والنضير بالمدينة وفدك وخيبر.
وفي إنسان العيون وفسرت القرى بالصغرى ووادي القرى أي بثلث ذلك كما في الإمتاع وينبع وفسرت بني النضير وخيبر أي بثلاثة حصون منها وهي الكيتية والوطيح والسلالم كما في الإمتاع وفدك أي نصفها قال العلماء : كانت الغنائم في شرع من قبلنا الله خاصة لا يحل منها شيء لأحد وإذا غنمت الأنبياء عليهم السلام جمعوها فتنزل نار من السماء فتأخذها فخص نبينا عليه السلام من بينهم بأن أحلت له الغنائم قال عليه السلام : أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} يأمران ما أحبا وقيل ذكر الله للتشريف والتعظيم والتبرك وسهم النبي عليه السلام سقط بموته.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ـ روي ـ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أموال بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه فكانت لرسول الله خالصة وكان ينفق على أهله منها نفقة سنة وما بقي جعله في الخيل والسلاح عدة في سبيل الله {وَلِذِى الْقُرْبَى} وهم بنو هاشم وبنو المطلب الفقراء منهم لما حرموا الصدقة أي الزكاة وروي أبو عصمة عن أبي حنيفة رحمه الله أنه يجوز دفع الزكاة إلى الهاشمي وإنما كان لا يجوز في ذلك الوقت ويجوز النفل بالإجماع وكذا يجوز النفل للغني كذا في فتاوي العتابي وذكر في المحيط بعدما ذكر هذه الرواية.
(9/346)
ـ وروي ـ ابن ساعدة عن أبي يوسف رحمه الله إنه لا بأس بصدقة بني هاشم بعضهم على بعض ولا أرى الصدقة عليهم وعلى مواليهم من غيرهم كذا في النهاية وقال في شرح الآثار عن أبي حنيفة رحمه الله أن الصدقات كلها جائزة على بني هاشم والحرمة كانت في عهد النبي عليه السلام لوصول خمس الخمس إليهم فلما سقط ذلك بموته حلت لهم الصدقة قال الطحاوي وبالجواز نأخذ كذا في شرح الوقاية لابن الملك {وَالْيَتَـامَى} جمع يتيم واليتم انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه وفي سائر الحيوانات من قبل أمه {وَالْمَسَـاكِينِ} جمع مسكين ويفتح ميمه وهو من لا شيء له أوله ما لا يكفيه أو أسكنه الفقر أي قلل حركته والذليل الضعيف كما في القاموس وهو من السكون فنونه أصلية لا نون جمع ولذلك تجري عليه الأعاريب الثلاثة {وَابْنِ السَّبِيلِ} أي المسافر البعيد عن ماله وسمي به لملازمة له كما تقول للص القاطع ابن الطريق وللمعمر ابن الليالي ولطير الماء ابن الماء وللغراب ابن دأية بإضالة الابن إلى دأية البعير لكثرة وقوعه عليها إذا دبرت والدأية الجنب قال أهل التفسير اختلف في قسمة الفيىء قيل يسدس لظاهر الآية ويصرف سهم الله إلى عمارة الكعبة وسائر المساجد ويصرف ما بقي وهي خمسة أسداس الستة إلى المصارف الخمسة التي يصرف إليها خمس الغنيمة وقيل يخمس لأن ذكر الله للتعظيم ويصرف كل خمس إلى مصارف خمس الغنيمة ويصرف الآن سهم الرسول عليه السلام إلى الإمام علي قول وإلى العساكر والثغور على قول وهو الأصح عند الشافعية وإلى مصالح المسلمين على قول وقيل يخمس خمسة كالغنيمة فإنه عليه السلام كان يقسم الخمس كذلك ويصرف الأخماس الأربعة كما يشاء أي كان يقسم الفيىء أخماساً ويصرف الأخماس الأربعة لذي القربى
427
واليتامى والمساكين وابن السبيل ويخمس الخمس الباقي ويختار خمس الخمس لنفسه ويصرف الأخماس الأربعة الباقية كما يشاء والآن على الخلاف المذكور من صرف سهمه عليه السلام إلى الإمام أو العساكر والثغور أو مصالح المسلمين.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
وفي التأويلات النجمية ذووا القربى الروح والقلب والسر والخفي وهم مقربوا الحق تعالى بقرب الحسب والنسب واليتامى المتولدات من النفس الحيوانية الباقية بعد فناء النفس بحسب سطوات تجليات القهر والمساكين هم الأعضاء والجوارح وابن السبيل القوى البشرية والحواس الخمس المسافرون إلى عوالم المعقولات والمتخيلات والموهومات والمحسوسات بقدم العقل والخيال والوهم والحس وقال بعض أهل الإشارة ذووا القربى هم الذين شاركوه في بعض مقاماته عليه السلام واليتامى هم الذين انقطعوا عما دون الحق إلى الحق فبقوا بين الفقدان والوجدان طلاب الوصول والمساكين هم الذين ليس لهم بلغة المقامات وليسوا بمتمكنين في الحالات وابن السبيل هم الذين سافروا من الحدثان إلى القدم {كَىْ لا يَكُونَ} علة لقوله فلله وللرسول أي تولي الله قسمة الفيىء وبين قسمته لئلا يكون أي الفيىء الذي حقه أن يكون للفقراء يعيشون به {دُولَةَ} بضم الدال وقرىء بفتحها وهي ما يدول للإنسان أي يدور من الغنى والجد والغلبة أي كيلا يكون جدا {بَيْنَ الاغْنِيَآءِ مِنكُمْ} يتكاثرون به والخطاب للأنصار لأنه لم يكن في المهاجرين في ذلك الوقت غنى كما في فتح الرحمن أو كيلا يكون دولة جاهلية بينكم فإن الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة ويقولون من عزبز أي من غلب سلب فيجعلون الاستقلال بمال الغنيمة والانفراد به منوطاً بالغلبة عليه فكل من غلب على شيء منه يستقل به ولا يعطي الفقراء والضعفاء شيئاً منه.
قال الكاشفي : در معالم آورده كه اهل جاهليت ون غنيمتى كرفتندى مهتر ايشان ربعى بر داشتى وازباقى نيز بر اى خود تحفه اختيار كردى وانرا صفى كفتندى وباقي را باقوم كذا شتى وتوانكران قوم بردرويشان دران قسمت حيف كردندى جمعى از رؤساى أهل إيمان درغنايم بني النضير همين خيال بسته كفتند يا رسول الله شما ربعي ونصفي مغنم را ترداريد وبكذا ريد تاباقي را قسمت كنيم حق سبحانه وتعالى آنرا خاصه حضرت يغمبر عليه السلام كردانيد وقسمت آنرا بر وجهي كه مذكور شد مقرر ساخت وفرمودكه حكم فيىء يدا كرديم تانباشد آن فيء كردان دست بدست ميان توانكران از شماكه زياده از حق خود بردراند وفقرارا اندك دهند يا محروم سازند نانكه در زمان جاهليت بوده.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/347)
وقيل الدولة بالضم ما يتداول كالغرفة اسم ما يغترف أي إن الدولة اسم للشىء الذي يتداوله القوم بينهم فيكون مرة لهذا ومرة لهذا والتداول بالفارسية از يكديكر فرا كرفتن.
وتداول القوم كذا وداول الله بينهم كذا فالمعنى كيلا يكنون الفيىء شيئاً يتداوله الأغنياء بينهم ويتعاورونه فلا يصيب الفقراء والدولة بالفتح مصدر بمعنى التداول وفيه إضمار محذوف فالمعنى كيلا يكون ذا تداول بينهم أو كيلا يكون إمساكه وأخذه تداولاً لا يخرجونه إلى الفقراء وقيل هي بالفتح بمعنى انتقال حالة سارة إلى قوم عن قوم وتستعمل في نفس الحالة السارة التي تحدث للإنسان
428
يقال هذه دولة فلان وقيل الضم للأغنياء والفتح للفقراء وفي الحديث "اغتنوا دولة الفقراء" كما في الكواشي وفي الآية إشارة إلى إعطاء كل ذي حق حقه كيلا يحصل بين الأغنياء والفقراء نوع من الجور والدولة الجاهلية يقال كان الفقراء في مجلس سفيان الثوري أمراء أي كالأمراء في التقديم والإكرام والعزة {وَمَا نَهَـاـاكُمْ عَنْهُ} ما موصولة والعائد محذوف والإيتاء الإعطاء والمناولة أي ما أعطاكموه أيها المؤمنون من الفيىء {فَخُذُوهُ} فإنه حقكم {وَمَا نَهَـاـاكُمْ عَنْهُ} أي عن أخذه {فَانتَهُوا} عنه {وَاتَّقُوا اللَّهَ} في مخالفته عليه السلام {إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} فيعاقب من يخالف أمره ونهيه والأولى حمل الآية على العموم فالمعنى وما آتاكم الرسول من الأمر مطلقاً فيئاً أو غيره أصولاً اعتقادياً أو فروعاف عملية فخذوه أي فتمسكوا به فإنه واجب عليكم.
هرشربتي ازدست او درآيد بستانيد كه حيات شما دررنست وآن لوح راخوانيدكه نويسد زيرا ضروريات شما در صفحه او بيانست وما نهاكم عن تعاطيه أياً كان فانتهوا عنه زيراً أمر ونهى أو بحق است هركه ممتثل امر أو كردد نجات يابد وهركه از نهى أو اجتناب ننمايد دروروطه هلاك افتد :
آنكس كه شد متابع امر توقد نجا
وانكو خلاف راى توورزيد قد هلك
وفيه دليل على أن كل ما أمر به النبي عليه السلام أمر من الله تعالى قال العلماء اتباع الرسول عليه السلام في الفرائض العينية فرض عين وفرض كفاية في الفروض على سبيل الكفاية وواجب في الواجبات وسنة في السنن فما علمنا من أفعاله واقعاً على جهة نقتدي به في اتباعه على تلك الجهة وما لم نعلم على أي جهة فعله فلنا فعله على أدنى منازل أفعاله وهو الإباحة.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ـ روي ـ إن ابن مسعود رضي الله عنه لقي لاجلاً محرماً وعليه ثيابه فقال : انزع عنك هذا فقال الرجل : أتقرأ علي بهذا آية من كتاب الله قال : نعم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
ـ وروي ـ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : "لعن الله الواشمات" أي فاعلات الوشم وهو ما يوشم به اليد من نؤور أو نيلج قال في القاموس : الوشم كالوعد غرز الإبرة في البدن ور النيلج عليه والنؤور كصبور النيلج ودخان الشحم وحصاة كالإثمد تدق فيسفها اللثة "والموستوشمات" يقال استوشمت الجارية طلبت أن يوشم بها "والمتنمصات للحسن" وهي أي المتنمصة التي تنتف شعرها يعني بركننده موى از براي حسن.
قال في القاموس : النمص نتف الشعر ولعنت النامصة وهي مزينة النساء بالنمص والمتنمصة وهي مزينة به "المغيرات خلق الله" آن زنانى كه تغيير كنند آفريده خدارا.
ويدخل فيه تحديد الأسنان وإصلاحها ببعض الآلات وثقب الأنف وأما ثقب الأذن فمباح للنساء لأجل التزيين بالقرط وحرام على الرجال كحلق اللحية "فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت" س آمدآن زن نزد "ابن مسعود رضي الله عنه فقال : قد بلغني أنك قلت كيت وكيت" يعني مرا رسيده است كه توكفته نين ونين "فقال : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله ومن هو في كتاب الله" يعني ابن مسعود كفت كونه لعنت نكنم آنراكه لعنت كرده است رسول الله وآنراكه در كتاب الله است "فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحتين فما وحدت فيه ما تقول قال : لئن كنت
429
(9/348)
قرأته لقد وجدته أما قرأت وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا قالت : بلى قال : فإنه عليه السلام قد نهى عنه" ولذلك قرأ ابن عباس رضي الله عنه هذه الآية للنهي عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت والدباء بالضم والمد القرعة والحنتم بفتح الحاء والتاء وسكون النون قبلها جرة خضراء والنقير ما نقب من حجر وخشب ونحوهما والمزفت بالضم والتشديد جرة أو خابية طليت ولطخت بالوفت بالكسر أي القار وحل عند الإمام الأعظم اتخاذ نبيذ التمر والذرة ونحوه بأن يلقى قي هذه الأوعية وإن حصل الاشتداد بسببها وفي الحديث : "القرآن صعب عسر على من كرهه ميسر على من تبعه وحديثي صعب مستصعب وهو الحكمة فمن استمسك بحديثي وحفظه كان مع القرآن ومن تهاون بحديثي خسر الدنيا والآخرة وأمرتم أن تأخذوا بقولي وتتبعوا سنتي فمن رضي بقولي فقد رضي بالقرآن ومن استهزأ بقولي فقد استهزأ بالقرآن قال الله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وسئل سهل رحمه الله عن شرائع الإسلام فقال : ما آتاكم الرسول من خبر الغيب ومكاشفة الرب فخذوه باليقين وما نهاكم عنه من النظر إلى غير الله فانتهوا عنه.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
وفي التأويلات النجمية يخاطب به ذوي الحقوق من المراتب الأربع ويقال لهم : ما أعطاكم رسول القلب من الفيض الذي حصل له بمددكم الصوري ومعونتكم المعنوية من قبل قتل النفس الكافرة والهوى الظالم فاقبلوه منه بحسن التلقي ولطف القبول وإنه أعطاكم على حسب استعدادكم وما منع عنه فامتنعوا عن الاعتراض عليه واتقوا الله في الاعتراض فإن الله شديد العقاب بحرمانكم من حسن التوجه إليه ولطف الاستفاضة عنه {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَـاجِرِينَ} بدل من لذي القربى وما عطف عليه لا من الله والرسول وألا يلزم دخول الرسول في زمرة الفقراء وهو لا يسمى فقيراً لأنه يوهم الذم والنقصان لأن أصل الفقر كسر فقار الظهر من قولهم فقرته ولهذا سميت الحاجة والداهية فاقرة لأنهما تغلبان الإنسان وتكسران فقار ظهره وإذا لم يصح تسمية الرسول فقيراً فلأن لا يصح تسميته تعالى فقيراً أولى مع أن الله تعالى أخرجه عليه السلام من الفقراء هنا بقوله وينصرون الله ورسوله بقي أن ابن السبيل الذي له مال في وطنه لا يسمى فقيراً نص عليه في التلويح وغيره ومن أعطى أغنياء ذوي القربى كالشافعي خص الإبدال بما بعده بخلاف أبي حنيفة رحمه الله فإن استحقاق ذوي القربى النبي مشروط عنده بالفقر وأما تخصيص اعتبار الفقر بفيىء بني النضير فتعسف ظاهر كما قال في الإرشاد {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَـارِهِمْ} ار سراهاى ايشان كه درمكه داشتند {وَأَمْوَالِهِمْ} ودور افتاده انداز مالهاى خود.
حيث اضطرهم كفار مكة إلى الخروج وأخذوا أموالهم وكاراماثة رجل فخرجوا منها ولا فهم هاجروا باخيتراهم حباًورسوله واختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من الشدة حتى كان الرجل يعصب الحجر على بطنه ليقيم صلبه من الجوع وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دار غيرها وصح عن رسول الله عليه السلام إنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين وقال عليه السلام : أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وذلك
430
مقدار خمسمائة عام {يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} أي حال كونهم طالبين منه تعالى رزقاً في الدنيا ومرضاة في الآخرة وصفوا أولاً بما يدل على استحقاقهم للفيىء من الإخراج من الديار وقد أعاد ذلك ثانياً بما يوجب تفخيم شأنهم ويؤكده فهو حال من واو اخرجوا وفي ذكر حالهم ترق من العالي إلى الأعلى فإن رضوان الله أكبر من عطاء الدنيا {وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه} عطف على يبتغون فهي حال مقدرة أي ناوين نصرة الله بإعلاء دينه ونصرة رسوله ببذل وجودهم في طاعته أو مقارنة فإن خروجهم من بين الكفار مراغمين لهم مهاجرين إلى المدينة نصرة وأي نصرة {أولئك} المهاجرون الموصوفون بما ذكر من الصفات الحميدة {هُمُ الصَّـادِقُونَ} الراسخون في الصدق حيث ظهر ذلك بما فعلوا ظهوراً بيناً كأن الصدق مقصور عليهم لكمال آثاره الصدق صدقة السر يعني صدقه ملك سراست وصداق الجنة يعني صداق سراى سرورست وصديق الحق يعني صديق ادشاه حق است :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
راست كارى يشه كن كاندر مصاف رستخيز
نيستند از خشم حق جزر استكاران رستكار
مصطفى عليه السلام كفت ما مهتر كليت عالم ايم وبهتر ذريت آدم ومارا بدين فخرنه شربتهاى كرم بردست ما نهادند وهديتهاى شريف بحجره ما فرستادند ولباسهاى نفيس در ما وشيدند وطراز اعزاز براستين ما كشيدند ومارا بدان هي فخرنه كفتند مخترا س اختيار تويست وافتخار توبيست كفت اختيار ما آنست وافتخار ما بدانست كه روزى ساعتى خوييم وبا اين فقراى مهاجرين ون بلال وصهيب وسلمان وعمار ساعتى حديث اوكييم :
بردل ذكر امتش نثارست مرا
وز فقر لباس اختيارست مرا
(9/349)
دينار ودرم به كارست مرا
باحق همه كارون بكارست مرا
بدانكه فقر دواست يكى آنست كه رسول خدا ازان استعاذه كرده وكفته أعوذ بك من الفقر وديكر آنست كه رسول خدا كفته الفقر فخرى آن يكى نزديك بكفر واين يكى نزديك بحق إما آن فقركه بكفر نزديك است فقر دلست كه علم وحكمت وإخلاص وصبر ورضا وتسليم وتوكل ازدل ببرد تادل ازين ولايتها درويش كردد وون زمين خراب شود دل خراب شود منزل شيطان كردد آنكه ون شيطان فرود آمد ساه شيطان روى بوى نهند شهوت وغضب وحسد وشرك وشك وشبه ونفاق ونشان اين فقرآن بودكه هره بيند همه ك بيند سمع او همه مجاز شنود زبان همه دروغ وغيبت كويد قدم بكوى همه ناشايست نهد اين آن فقرست كه رسول خدا كفت كاد الفقر أن يكون كفراً اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر أما آن فقركه كفت الفقر فخرى آنست كه مرداز دنيا برهنه كردد ودرين برهنكى بدين نزديك كردد وفي الخبر الإيمان عريان ولباسه التقوى همانست كه متصوفه آنرا تجريد كويندكه مرد مجرد شوداز رسوم انسانيت نانكه تيغ مجرد شوداز نيام خويش وتيغ ما دامكه درنيام باشد هنرش آشكارا نكردد وفعل او يدا نيايد همنين دل
431
تادر غلاف انسانيت است هنروى آشكارا نكردد وازوى كارى نكشايد ون از غلاف انسانيت برهنه كردد صورتها وصفتها درو بنمايد.
وقال الشيخ نجم الدين الكاشفي رحمه الله : الافتقار على ثلاثة أقسام : افتقار إلى الله دون الغير وإليه الإشارة بقوله عليه السلام : الفقر سواد الوجه في الدارين انتها وفي كل من الأحاديث المذكورة معاننٍ أخر جلية على أولى الألباب وطعن أهل الحديث في قوله : الفقر فخري لكن معناه صحيح اللهم أغنني بالافتقار إليك وسئل الحسين رحمه الله من الفقراء؟ قال : الذين وقفوا مع الحق راضين على جريان إرادته فيهم وقال بعضهم : هم الذين تركوا كل سبب وعلاقة ولم يلتفتوا من الكونين إلى شيء سوء ربهم فجعلهم الله ملوكاً وخدمهم الأغنياء تشريفاً لهم.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
راست كارى يشه كن كاندر مصاف رستخيز
نيستند از خشم حق جزر استكاران رستكار
مصطفى عليه السلام كفت ما مهتر كليت عالم ايم وبهتر ذريت آدم ومارا بدين فخرنه شربتهاى كرم بردست ما نهادند وهديتهاى شريف بحجره ما فرستادند ولباسهاى نفيس در ما وشيدند وطراز اعزاز براستين ما كشيدند ومارا بدان هي فخرنه كفتند مخترا س اختيار تويست وافتخار توبيست كفت اختيار ما آنست وافتخار ما بدانست كه روزى ساعتى خوييم وبا اين فقراى مهاجرين ون بلال وصهيب وسلمان وعمار ساعتى حديث اوكييم :
بردل ذكر امتش نثارست مرا
وز فقر لباس اختيارست مرا
دينار ودرم به كارست مرا
باحق همه كارون بكارست مرا
بدانكه فقر دواست يكى آنست كه رسول خدا ازان استعاذه كرده وكفته أعوذ بك من الفقر وديكر آنست كه رسول خدا كفته الفقر فخرى آن يكى نزديك بكفر واين يكى نزديك بحق إما آن فقركه بكفر نزديك است فقر دلست كه علم وحكمت وإخلاص وصبر ورضا وتسليم وتوكل ازدل ببرد تادل ازين ولايتها درويش كردد وون زمين خراب شود دل خراب شود منزل شيطان كردد آنكه ون شيطان فرود آمد ساه شيطان روى بوى نهند شهوت وغضب وحسد وشرك وشك وشبه ونفاق ونشان اين فقرآن بودكه هره بيند همه ك بيند سمع او همه مجاز شنود زبان همه دروغ وغيبت كويد قدم بكوى همه ناشايست نهد اين آن فقرست كه رسول خدا كفت كاد الفقر أن يكون كفراً اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر أما آن فقركه كفت الفقر فخرى آنست كه مرداز دنيا برهنه كردد ودرين برهنكى بدين نزديك كردد وفي الخبر الإيمان عريان ولباسه التقوى همانست كه متصوفه آنرا تجريد كويندكه مرد مجرد شوداز رسوم انسانيت نانكه تيغ مجرد شوداز نيام خويش وتيغ ما دامكه درنيام باشد هنرش آشكارا نكردد وفعل او يدا نيايد همنين دل
431
تادر غلاف انسانيت است هنروى آشكارا نكردد وازوى كارى نكشايد ون از غلاف انسانيت برهنه كردد صورتها وصفتها درو بنمايد.
وقال الشيخ نجم الدين الكاشفي رحمه الله : الافتقار على ثلاثة أقسام : افتقار إلى الله دون الغير وإليه الإشارة بقوله عليه السلام : الفقر سواد الوجه في الدارين انتها وفي كل من الأحاديث المذكورة معاننٍ أخر جلية على أولى الألباب وطعن أهل الحديث في قوله : الفقر فخري لكن معناه صحيح اللهم أغنني بالافتقار إليك وسئل الحسين رحمه الله من الفقراء؟ قال : الذين وقفوا مع الحق راضين على جريان إرادته فيهم وقال بعضهم : هم الذين تركوا كل سبب وعلاقة ولم يلتفتوا من الكونين إلى شيء سوء ربهم فجعلهم الله ملوكاً وخدمهم الأغنياء تشريفاً لهم.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/350)
وفي التأويلات النجمية أبدل الله من ذوي القربى المهاجرين إلى الله أي ذووا القربى هم المهاجرون من قرية النفس إلى مدينة الروح والقلب بالسير والسلوك وقطع المفاوز النفسانية والبواد الحيوانية المخرجون من ديار وجوداتهم وأموال صفاتهم وأخلاقهم إلى حضرة خالقهم ورازقهم طالبين من فضله وجوده وجوده ونور رضوان صفاته ونعوته ناصرين الله بمظهريتهمالاسم الجامع ورسوله بمظهريتهم لأحكامه وشرائعه الظاهرة أولئك هم الصادقون في مقام الفناء عنهم في رواتهم وصفاتهم وأفعالهم والبقاء به أي بذاته وصفاته وىفعاله جعلنا الله وإياكم هكذا بفضله {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالايمَـانَ} كلام مستأنف مسوق لمدح الأنصار بخصال حميدة من جملتها محبتهم للمهاجرين ورضاهم باختصاص الفيىء بهم أحسن رضى وأكمله والأنصار بنو الأوس والخزرج ابني حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن نيت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان قال في القاموس قحطان بن عامر بن شالخ أبو حي انتهى وهو أصل العرب العرباء ومن الأنصار غسان كشداد ماء قرب الجحفة نزل عليه قوم من ولد الأزد فشربوا منه فنسبوا إليه وأصل البواء مساواة الأجزاء في المكان خلاف النبو الذي هو منافاة الأجزاء يقال مكان بواء إذا لم يكن نابياً بنازله ويوأت له مكاناً سويت.
ـ وروي ـ إنه عليه السلام كان يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله وتبوأوا لمنزل اتخاذه منزلاً والتمكن والاستقرار فيه فالمتبوأ فيه لا بد أن يكون من قبيل المنازل والأمكنة والدار هي المدينة وتسمى قديماً يثرب وحديثاً طيبة وطابة كذلك بخلاف الإيمان فإنه ليس من هذا القبيل فمعنى تبوئهم الدار والإيمان إنهم اتخذوا المدينة والإيمان مباءة وتمكنوا فيهما أشد تمكن على تنزيل الحال منزلة المكان وقيل ضمن التبوؤ معنى اللزوم وقيل تبوأوا الدار وأخلصوا الإيمان أو قبلوه أو آثروه كقول من قال علفتها تبناً وماء بارداً.
أي وسقيتها ماء بارداً فاختصر الكلام وقيل غير ذلك.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
يقول الفقير : لعل أصل الكلام والذين تبوأوا دار الإيمان فإن المدينة يقال لها دار الإيمان لكونها مظهره ومأوى أصله كما يقال لها دار الهجرة وإنما عدل إلى ما ذكر من صورة العطف تنصيصاً على إيمانهم إذ مجرد التبوء لا يكفي في المدح {مِن قَبْلِهِمْ} أي من قبل هجرة المهاجرين فقدر المضاف لأن الأنصار لم يؤمنوا قبل المهاجرين بل منهم من آمن قبل
432
الهجرة ومنهم من آمن بعدها قال بعضهم مراد أنصار ندكه درديار خود ايمان آوردند وبد وسال يش ازقدوم حضرت مساجد ساختند.
وربوا الإسلام كما يربى الطير الفرخ قال في الإرشاد : يجوز أن يجعل اتخاذ الإيمان مباءة ولزومه وإخلاصه عبارة عن إقامة كافة حقوقه التي من جملتها إظهار عامة شعائره وأحكامه ولا ريب في تقدم الأنصار في ذلك على المهاجرين لظهور عجزهم عن إظهار بعضها لا عن إخلاصه قلباً واعتقاداً إذ لا يتصور تقدمهم عليهم في ذلك وفي الآية إشارة إلى دار القلب التي هي دار الصدق والإخلاص وإلى الإيمان الاختصاصي الوهبي بتحقيقه وتثبيته {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} خبر للموصول أي يحبونهم من حيث مهاجرتهم إليهم لمحبتهم الإيمان ولأن الله وحبيبه أحباهم وحبيب الحبيب حبيب وفي كشف الأسرار كنايتست از مهمان دوستى أنصار {وَلا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ} أي في نفوسهم {حَاجَةً} أي شيئاً محتاجاً إليه {مِّمَّآ أُوتُوا} أي مما أوتي المهاجرون من الفيىء وغيره ومن بيانية يقال خذ منه حاجتك أي ما تحتاج إليه والمراد من نفي الوجدان نفي العلم لأن الوجدان في النفس إدراك علمي وفيه من المبالغة ما ليس في يعلمون وقال بعضهم : طلب محتاج إليه يعني أن نفوسهم لم تبتغ ما أوتوا ولم تطمح إلى شيء منه يحتاج إليه وقيل وجداً على تقديمهم عليهم وغيظاً وحسداً ونحو ذلك قال الراغب الحاجة إلى الشيء الفقر إليه مع محبته {وَيُؤْثِرُونَ} أي يقدمون المهاجرين فالمفعول محذوف {عَلَى أَنفُسِهِمْ} في كل شيء من أسباب المعاش جوداً وكرماً حتى أن من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما ويزوجها واحداً منهم والإيثار عطاؤك ما أنت تحتاج إليه وفي الخبر لم يجتمع في الدنيا قوم قط إلا وفيهم أسخياء وبخلاء إلا في الأنصار فإن كلهم أسخياء ما فيهم من بخيل
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/351)
{وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي حاجة وخلة وأصلها خصاص البيت وهي فرجة شبه حالة الفقر والحاجة ببيت ذي فرج في الاشتمال على مواضع الحاجة قال الراغب عبر عن الفقر الذي لا يسد بالخصاصة كما عبر عنه بالخلة والخص بيت من قصب وشجر وذلك لما يرى منه من الخصاصة وكان عليه السلام قسم أموال بني النضير على المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر محتاجين أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة رضي الله عنهم وروي لم يعط إلا رجلين سهلاً وأبا دجانة فإن الحارث بن الصمة قتل في بئر معونة وقال لهم : إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة فقالت : الأنصار بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت وكان عليه السلام أعطى بعض الأراضي وأبقى بعضها يزرع له ولما أعطى المهاجرين أمرهم برد ما كان للأنصار لاستغنائهم عنهم ولأنهم ولم يكونوا ملكوهم وإنما كانوا دفعوا لهم تلك النخيل لينتفعوا بثمرها ويدخل في إيثارهم المهاجرين بالفيىء سائر الإيثارات وعن أنس رضي الله عنه أنه قال : أهدي لرجل من الأنصار رأس شاة وكان مجهوداً فوجه به إلى جار له زاعماً أنه أحوج إليه منه فوجه جاره أيضاً إلى آخر فلم يزل يبعث به واحداً إلى آخر حتى تداول ذلك الرأس
433
سبعة بيوت إلى أن رجع إلى المجهود الأول قال حذيفة العدوي انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي ومعي شيء من الماء وأنا أقول : إن كان به رمق سقيته فإذا أنا به فقلت : أسقيك فأشار برأسه أن نعم فإذا برجل يقول آه آه فأشار إلى ابن عمي أن انطلق إليه فإذا هو هشام بن العاص فقلت : أسقيك فأشار أن نعم فسمع آخر يقول آه آه فأشار هشام أن انطلق إليه فجئت إليه فإذا هو قد مات فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات وهذا من قبيل الإيثار بالنفس وهو فوق الإيثار بالمال :
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ
كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
وقال في التكملة الصحيح أن الآية نزلت في أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه حين نزل برسول الله عليه السلام ضيف ولم يكن عنده ما يضيفه به فقال : ألا رجلاً يضيف هذا رحمه الله فقام أبو طلحة فانطلق به إلى رحله وقال لامرأته : أكرمي ضيف رسول الله فنومت الصبية وأطفأت السراج وجعل الضيف يأكل وهما يريان أنهما يأكلان معه ولا يفعلان فنزلت الآية وكان قناعت السلف أوفر ونفوسهم أقنع وبركتم أكثر ونحن نؤثر أنفسنا على الغير فإذا وضعت مائدة بين أيدينا يريد كل منا أن يأكل قبل الآخر ويأخذ أكثر مما يأخذ الرفيق ولذلك لم توجد بركة الطعام وينفد سريعاً ويروى أنه وقع بين ملك ووزيره أنه قال الملك إن العلماء أحسن حالاً وأصلح بالاً من الفقراء وقال الوزير بخلاف ذلك ثم قال الوزير نمتحنهما في أمرين فبعث أحداً بعدة آلاف درهم إلى أهل المدرسة فقال : اذهب وقل لهم إن الملك أمرني أن أعطي هذه الدراهم أفضلهم وأكملكم فمن هو فقال واحد منهم الأفضلية فقال الرسول لم يتميز الأفضل عندي ولم أعرفه ولم يعط شيئاً فعاد وأخبر بما وقع ثم أرسل الوزير تلك الدراهم إلى أهل الخانقاه ففعلوا عكس ما فعله العلماء وأعطى بيده سيفاً فقال : اذهب فقال لهم : إن الملك أمرني أن أضرب عنق رئيسكم فمن هو فقال واحد منهم أنا وقال الآخر بل أنا وهكذا قال كل منهم إيثار إبقاء أخيه واختيار فدار رفيقه بنفسه فقال الرسول : لم يتميز ما هو الواقع عندي فرجع وأخبر بما وقع فأرسل السيف إلى العلماء ففعلوا عكس ما فعله الفقراء فحج بذلك الوزي على الأمير وأنت تشاهد أن فقراء زماننا على عكس هؤلاء الفقراء في البلاد والممالك قال أبو يزيد البسطامي قدس سره غلبني رجل شاب من أهل بلخ حيث قال لي ما حد الزهد عندكم فقلت : إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا فقال : هذا فعل كلاب بلخ عندنا بل إذا فقدنا شكرنا وإذا وجدنا آثرنا :
كتاب روح البيان ج9 متن
الهام رقم 46 من صفحة 434 حتى صفحة 442
كريم كامل آانرامى شناسم اندرين دوران
كه كرنانى رسد از آسياى رخ كردانش
زاستنغنى همت با وجود فقر وبى بركى
زخود واكير دوسازد نثار بى نوا يانش
وفي العوارف من أخلاق الصوفية الإيثار والمواساة وحملهم على ذلك فرط الشفقة والرحمة طبعاً وقوة اليقين شرعاً لأنهم يؤثرون الموجود ويصبرون على المفقود قال يوسف بن الحسين رحمه الله : من رأى لنفسه ملكاً لا يصح له الإيثار لأنه يرى نفسه أحق بالشيء برؤية
434
ملكه إنما الإيثار لمن يرى الأشياء للحق فمن وصل إليه فهو أحق به فإذا وصل شيء من ذلك إليه يرى نفسه ويده فيه يد غصب أو يد أمانة يوصلها إلى صاحبها ويؤديها إليه.
معاذ بن جبل راديدندكه دربازارا مكه ميكر ديد وزيره تره ميجيد وميكفت هذا ملكك مع رضاك وملك الدنيا مع سخطك :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/352)
خيز يارا تاميخانه زمانى دم زنيم
آتش اندر ملكت آل بني آدم زنيم
هره اسبابست جمع آييم وبس جمع آوريم
س بحكم حال بيزارى همه برهم زنيم
{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} وهكره نكاه داشته شود ازبخل نفس أو يعني منع كند نفس را از حب مال وبغض انفاق والوقاية حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره والشح بالضم والكسر بخل مع حرص فيكون جامعاً بين ذميمتين من صفات النفس وإضافته إلى النفس لأنه غريزة فيها مقتضية للحرص على المنع الذي هو البخل أي ومن يوق بتوفيق الله شحها حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق {فأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه والفلاح اسم لسعادة الدارين والجملة اعتراض وارد لمدح الأنصار والثناء عليهم فإن الفتوى هي الأوصاف المذكورة في حقهم فلهم جلائل الصفات ودقائق الأحوال ولذا قال عليه السلام : آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار وقال عليه السلام : اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال السهروردي في العوارف : السخاء صفة غريزية في مقابلة الشح والشح من لوازم صفة النفس حكم الله بالفلاح لمن يوقى الشح أي لمن أنفق وبذل والنبي عليه السلام نبه بقوله ثلاث مهلكات وثلاث منجيات فجعل إحدى المهلكات شحاً مطاعاً ولم يقل مجرد الشح يكون مهلكاً بل إنما يكون مهلكاً إذا كان مطاعاً فإما كونه موجوداً في النفس غير مطاع لا ينكر ذلك لأنه من لوازم النفس مستمد من أصل جبلتها الترابي وفي التراب قبض وإمساك وليس ذلك بالعجب من الآدمي وهو جبلي فيه وإنما العجب وجود الصخاء في الغريزة وهو في نفوس الصوفية الداعي لهم إلى البذل والإيثار والسخاء أتم وأكمل من الجود وفي مقابلة الجود البخل وفي مقابلة السخاء الشح والجود والبخل يتطرق إليهما الاكتساب بطريق العادة بخلاف الشح والسخاء إذ كانا من ضرورة الغريزة وكل سخي جواد وليس كل جواد سخياً والحق تعالى لا يوصف بالسخاء لأن السخاء من نتيجة الغرائز والله تعالى منزه عن الغريزة والجود يتطرق إليه الرياء ويأتي به الإنسان متطلعاً إلى عوض من الخلق والثواب من الله تعالى والسخاء لا يتطرق إليه الرياء لأنه ينبع من النفس الزكية المرتفعة عن الأعواض دنيا وآخرة لأن العوض مشعر بالبخل لكونه معلولاً بالعوض فما تمحض سخاء فالسخاء لأهل الصفاء والإيثار لأهل الأنوار وقال الحسن رحمه الله : الشح هو العمل بالمعاصي كأنه يشح بالطاعة فدخل فيه ما قيل الشح أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له وقال عليه السلام : من الشح نظرك إلى امرأة غيرك وذلك فإن الناظر يشح بالغض والعفة فلا يفلح.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ـ وروي ـ أن رجلاً قال لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إني أخاف أن
435
أكون قد هلكت قال : وما ذاك؟ قال : اسمع الله يقول ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدي شيء فقال عبد الله : ليس المراد بالشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلماً ولكن ذاك البخل وبئس الشيء البخل وفسر الشح بغير ذلك وعن الحكيم الترمذي قدس سره : الشح أضر من الفقر لأن الفقير يتسع إذا وجد بخلاف الشحيح وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول : لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبداً ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً وقال عليه السلام : من أدى الزكاة المفروضة وقرى الضيف وأعطى في التائبة فقد برىء من الشح والشح أقبح البخل وقال عليه السلام : اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن يسفكوا دماءهم ويستحلوا محارمهم.
قال الحافظ :
أحوال كنج قارون كايام داد برباد
با غنه باز كويد تا زر نهان ندارد
وقال المولى الجامي في ذم الخسيس الشحيح :
هرند زندلاف كرم مرد درم دوست
دريوزه احسان زدرا ونتوان كرد
ديرين مثلى هست كه از فضله حيوان
نار نج توان ساخت ولى بونتوان كرد
(9/353)
{وَالَّذِينَ جَآءُو مِنا بَعْدِهِمْ} هم الذين هاجروا بعدما قوي الإسلام فالمراد جاءوا إلى المدينة أوالتابعون بإحسان وهم الذين بعد الفريقين إلى يوم القيامة ولذلك قيل إن الآية قد استوعبت جميع المؤمنين فالمراد حينئذ جاءوا إلى فضاء الوجود وفي الحديث : "مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره" يعني در منفعت وراحت همون باران بهارانند بارانرا ندانندكه اول آن بهترست يا آخر نفعي است عامر او عامه خلق را حال امت من همنين است همان درويشان آخر الزمان آن شكستكان سرافكنده وهمين عزيزان وبزركواران صحابه همه برادرانند ودر مقام منفعت وراحت همه يكدست ويكسانند هم كالقطر حيث ما وقع نفع بر مثال بارانند ياران هركجاكه رسد نفع رساندهم در بوستان هم در خارستان هم بريحان وهم برام غيلان همنين اهل اسلام درراحت يكديكرورأفت بريكديكر يكسانند ويك نشانند {يَقُولُونَ} خبر للموصول والجملة مسوقة لمدحهم بمحبتهم لمن تقدمهم من المؤمنين ومراعاتهم لحقوق الآخرة في الدين والسبق بالإيمان أي يدعون لهم قائلين {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} ما فرط منا {وَلاخْوَانِنَا} أي في الدين الذي هو أعز وأشرف عندهم من النسب {الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالايمَـانِ} وصفوهم بذلك اعترافاً بفضلهم :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
و خواهى كه نامت بود جاودان
مكن نام نيك بزركان نهان
قدموا أنفسهم في طلب المغفرة لما في المشهور من أن العبد لا بد أن يكون مغفوراً له حتى يستجاب دعاؤه لغيره وفيه حكم بعدم قبول دعاء العاصين قبل أن يغفر لهم وليس كذلك كما دلت عليه الأخبار فلعل الوجه أن تقديم النفس كونها أقرب النفوس مع أن في الاستغفار أقراراً بالذنب فالأحسن للعبد أن يرى أولاً ذنب نفسه كذا في بعض التفاسير يقول الفقير :
436
نفس المرء أقرب إليه من نفس غيره فكل جلب أو دفع فهو إنما يطلبه أولاً لنلسه لإعطاء حق الأذدم وأما غيره فهو بعده ومتأخر عنه وأيضاً أن ذنب نفسه مقطوع بالنسبة إليه وأما ذنب غيره فمحتمل فلعل الله قد غفر له وهو لا يدري وأيضاً تقديمهم في مثل هذا المقام لا يخلو عن سوء أدب وسوء ظن في حق السلف {وَلا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلا} أي حقداً وهو ذميمة فاحشة فورد المؤمن ليس بحقود يعني كينه كش.
قال الراغب : الغل والغلول تدرع الخيانة والعداوة لأن الغلولة اسم ما يلبس بين الشعار والدثار وتستعار للدرع كما تستعار الدرع لها {لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا} على إطلاق صحابة أو تابعين وفيه إشارة إلى أن الحقد على غيرهم لائق لغيرة الدين وإن لم يكن الحسد لائقاً.
قال الشيخ سعدي :
دلم خانه مهريارست وبس
ازان مى نكنجد درو كين كس
{رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} أي مبالغ في الرأفة والرحمة فحقيق بأن تجيب دعاءنا وفي الآية دليل على أن الترحم والاستغفار واجب على المؤمنين الآخرين للسابقين منهم لا سيما لآبائهم ولمعلمهم أمور الدين قالت عائشة رضي الله عنها : أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم وفي الحديث : "لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها" وعن عطاء قال : قال عليه السلام من حفظني في أصحابي كنت له يوم القيامة حافظاً ومن شتم أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فالرافضة والخوارج ونحوهم شر الخلائق خارجون من أقسام المؤمنين لأن الله تعالى رتبهم على ثلاثة منازل : المهاجرين والأنصار والتابعين الموصوفين بما ذكر الله فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجاً من أقسامهم قال حجة الإسلام الغزالي رحمه الله يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين رضي الله عنه وحكاياته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فإنه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم أعلام الدين وما وقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة فلعل ذلك الخطأ في الاجتهاد لا لطلب الرياسة أو الدنيا كما لا يخفى وقال في شرح الترغيب والترهيب المسمى بفتح القريب والحذر ثم الحذر من التعرض لما شجر بين الصحابة فإنهم كلهم عدول خير القرون مجتهدون مصيبهم له أجران ومخطئهم له أجر واحد وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في فصل آفات اللسان الخوض في الباطل هو الكلام في المعاصي كحكاية أحوال الوقاع ومجالس الخمور وتجبر الظلمة وحكاية مذاهب أهل الأهواء وكذا حكاية ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
أي دل از من اكر بويى ند
رو بأصحاب مصطفى دل بند
همه ايشان آمده ذيشان
خواهشى كن شفاعتى زيشان
(9/354)
وقال بعض أهل الإشارة : ربنا اغفر لنا أي استر ظلمة وجودنا بنور وجودك واستر وجودات إخواننا الذين سبقونا بالإيمان وهم الروح والسر والقلب السابقون في السلوك من قرية النفس إلى مدينة الروح المؤمنين بأن الفناء الوجودي الإمكاني يستلزم الوجود الواجبي الحقاني ولا تجعل في قلوبنا شك الاثنينية والغيرية للذين آمنوا بإخوانية المؤمنين لقوله تعالى : إنما المؤمنون إخوة إنك رؤوف بمن شاهد الكثرة قائمة بالوحدة رحيم بمن شاهد الوحدة
437
ظاهرة بالكثرة وفي تكرير ربنا إظهار لكمال الضراعة وفي الأثر من حزبه أمر فقال خمس مرات : رنبا أنجاه الله مما يخاف قال الإمام الرازي : اعلم أن العقل يدل على تقديم ذكر الله في الدعاء لأن ذكر الله تعالى بالثناء التعظيم بالنسبة إلى جوهر الروح كالأسير الأعظم بالنسبة إلى النحاس فكما أن ذرة من الأكسير إذا وقعت على عالم النحاس انقلب الكل ذهبا ابريزا فكذا إذا وقعت ذرة من اكسير معرفة جلال الله تعالى على جوهر الروح قوي صفاء وكمل إشراقاً ومتى صار كذلك كانت قوته أقوى وتأثيره أكمل وكان حضور الشيء المطلوب عنده أقوى وأكمل وهذا هو السبب في تقديم الدعاء بالثناء انتهى والوارد في القرآن من الدعاء مذكور غالباً بلفظ الرب فإن على العبد أن يذكر أولاً إيجاد الله وإخراجه من العدم إلى الوجود الذي هو أصل المواهب ويتفكر في تربية الله إياه ساعة فساعة وأما دعوات رسول الله عليه السلام فأكثرها الابتداء بقوله اللهم لأنه مظهر الاسم الجامع وقد كان يجمع بينهما ويقول : اللهم ربنا كما جمع عيسى عليه السلام وقال : اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء والله سميع الدعاء وقابل الرجاء {أَلَمْ تَرَ} استئناف لبيان التعجب مما جرى بين الكفرة والمنافقين منا لأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة والمعنى آيا نكاه نكرده يا محمد أويا من له حظ من الخطاب {إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا} من أهل المدينة قال الراغب النفق الطريق النافذ والسرب في الأرض النافذ ومنه نافقاء اليربوع وقد نافق اليربوع ونفق ومنه النفاق وهو الدخول في الشرع من باب والخروج عنه من باب على هذا نبه بقوله : إن المنافقين هم الفاسقون أي الخارجون عن الشرع {يَقُولُونَ لاخْواَنِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ}
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
اللام للتبليغ والمراد بالإخوان بنوا النضير وبأخوتهم أما توافقهم في الكفر فإن الكفر ملة واحدة أو صداقتهم وموالاتهم {لَـاـاِنْ أُخْرِجْتُمْ} اللام موطئة للقسم وهي اللام الداخلة على حرف الشرط بعد تمام القسم ظاهراً أو مقدار ليؤذن أن الجواب له لا للشرط وقد تدخل على غير الشرط والمعنى والله لئن أخرجتم أيها الإخوان من دياركم وقراكم قسراً بإخراج محمد وأصحابه إياكم منها {لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} البتة ونذهبن في صحبتكم أينما ذهبتم لتمام المحبة بيننا وبينكم وهو جواب للقسم وجواب الشرط مضمر ولما كان جواب القسم وجواب الشرط متماثلين اقتصر على جواب القسم واضمر جواب الشرط وجعل المذكور جواباً للقسم بسعة وكذا وقله لا يخرجون معهم وقوله لا نصرونهم كل واحد منهما جواب القسم ولذلك رفعت الأفعال ولم تجزم وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه {وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ} أي في شأنكم {أَحَدًا} يمنعنا من الخروج معكم {أَبَدًا} وإن طال الزمان ونصبه على الظرفية وهو الاستغراق المستقبل كما أن الأزل لاستغراق الماضي ولاستعمالهما في طول الزمانين جداً قد يضافان إلى جمعهما فيقال أبد الآباد وأزل الآزال وأما السرمد فلاستغراق الماضي والمستقبل يعني لاستمرار الوجود لا إلى نهاية في جانبهما.
ومنه قول المولى الجامي :
دردت زازل آيد تاروز أبد ايد
وق شكر كزار دكس اين دولت سرمدرا
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
{وَإِن قُوتِلْتُمْ} أي قاتلكم محمد وأصحابه حذفت منه اللام الموطئة {لَنَنصُرَنَّكُمْ} أي
438
(9/355)
لنعاوننكم على عدوكم ولا نخذلكم {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ} في مواعيدهم المؤكدة بالإيمان الفاجرة {لَـاـاِنْ أُخْرِجُوا} قهراً وإذلالاً {لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} الخ تكذيب لهم في كل واحد من أقوالهم على التفصيل بعد تكذيبهم في الكل على الإجمال {وَلَـاـاِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ} وكان الأمر كذلك فإن ابن أبي وأصحابه أسلوا إلى نبي النضير وذلك سرا ثم اخلفوهم يعني إن ابن أبي أرسل إليهم لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون حصنكم ويموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع بنو النضير فيما قاله اللعين وهو جالس في بيته حتى قال أحد سادات بني النضير وهو سلام بن مشكم لحيى بن أخطب الذي كان هوالمتولى لأمر بني النضير والله يا حيى إن قول ابن أبي لباطل وليس بشيء وإنما يريد أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمداً فيجلس في بيته ويتركك فقال حيى نأبى إلا عداوة محمد وإلا قتاله فقال سلام فهو والله جلاؤنا من أرضنا وذهاب أموالنا وشرفنا وسبي ذرارينا مع قتل مقاتلينا فكان ما كان كما سبق في أول السورة وفيه حجة بينة لصحة النبوة وإعجاز القرآن أما الأول فلأنه أخبر عما سيقع فوقع كما أخبر وذلك لأن نزول الآية مقدم على الواقعة وعليه يدل النظم فإن كلمة أن للاستقبال وأما الثاني فمن حيث الأخبار عن الغيب {وَلَـاـاِن نَّصَرُوهُمْ} على الفرض والتقدير {لَيُوَلُّنَّ الادْبَـارَ} فراراً وانهزاماً جمع دبر ودبر الشيء خلاف القبل أي الخلف وتولية الأدبار كناية عن الانهزام الملزوم لتولية الإدبار قال في تاج المصادر التولية روى فرا كردن وشت بكردانيدن.
وهي من الأضداد {ثُمَّ لا يُنصَرُونَ} أي المنافقون بعد ذلك أي يهلكهم الله ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم بنصرهم اليهود أو لينهزمن اليهود ثم لا تنفعهم نصرة المنافقين وفي الآية تنبيه على أن من عصى الله ورسوله وخالف الأمر فهو مقهور في الدنيا والآخرة وإن كان سلطاناً ذا منعة وما يقع أحياناً من الفرصة فاستدراج وغايته إلى الخذلان :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
صعوه كوبا عقاب سازد جنك
دهد از خون خود رش رارنك
وإشارة إلى إن الهوى وصفاته كالمنافقين والنفس والكافرة واتباعها كاليهود وبينهما إخوة وهي الظلمة الذاتية والصفاتية وبين حقائقهما وحقائق الروح والسر والقلب تنافر كتنافر النور والظلمة فالهوى وصفاته يقولون للنفس وصفاتها لأن إخرجكم الروح والسر والقلب من ديار وجوداتكم وأنانيتكم بسبب غلبة أنوارهم على ظلمات وجوداتكم لنخرجن معكم ولا تخالفكم وإن قتلتم بسيف الرياضة ورمح المجاهدة نقويكم بالقوى الشهوانية الحيوانية البهيمية السبعية وهم لا يقدرون على شيء بغير إذن الله فهو كاذبون في قولهم ولا يخرج الهوى وصفاته معهم لأن الهوى والنفس وإن كانا متحدين بالذات لكنهما مختلفان بالصفات كالاختلاف زيد وعمرو في الصفات واتحادهما في الذات وهو الإنسانية وارتفاع أحدهما لا يستلزم ارتفاع الآخر والهوى بسبب غلبة روحانية القالب عليه يميل إلى الروح تارة وبسبب غلظته أيضاً يميل إلى النفس أخرى فلا ينصر النفس دائماً ولئن نصرها بنفخ نار الظلمة
439
في حطب وجودها لينهزم بسبب سطوات أشعة أنوار الروح والسر والقلب انهزام النور من الظلمة نفار الليل من النهار ألا أن حزب الله هم الغالبون {لانتُمْ} يا معشر المسلمين وبالفارسية هرآينه شماكه مؤمنانيد {أَشَدُّ رَهْبَةً} الرهبة مخافة مع تحزن واضطراب وهي هنا مصدر من المبنى للمفعول وهو رهب أي أشد مرهوبية وذلك لأن أنتم خطاب للمسلمين والخوف ليس واقعاً منهم بل من المنافقين فالمخاطبون مرهوبون غير خائفين {فِى صُدُورِهِمْ} أي صدور المنافقين {مِّنَ اللَّهِ} أي من رهبة الله بمعنى مرهوبيته قال في الكشاف قوله في صدورهم دال على نفاقهم يعني أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله وأنتم أهيب في صدورهم من الله فإن قلت كأنهم كانوا يرهبون من الله حتى يكون رهبتهم منه أشد قلت معناه أن رهبتهم في السر منكم أشد من رهبتهم من الله التي يظهر ونها لكم وكانوا يظهرون رهبة شديدة من الله.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/356)
يقول الفقير : إنما رهبوا من المؤمنين لظهور نور الله فيهم فكما أن الظلمة تنفر من النور ولا تقاومه فكذا أهل الظلمة ينفر من أهل النور ولا يقوم معه ومرادنا بالظلمة ظلمة الشرك والكفر والرياء والنفقا وبالنور نورالتوحيد والإيمان والإخلاص والتقوى ولذلك قال تعالى اعلموا أن الله مع المتقين حيث أن الله تعالى أثبت معيته لأهل التقوى فنصرهم على مخالفيهم {ذَالِكَ} أي ما ذكر من كون رهبتهم منكم أشد من رهبة الله {بِأَنَّهُمْ} أي بسبب أنهم {قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} أي شيء حتى يعلموا عظمة الله تعالى فيخشوه حق خشيته قال بعض الكبار ليس العظمة بصفة للحق تعالى على التحقيق وإنما هي صفة للقلوب العارفة به فهي عليها كالرداء على لابسه ولو كانت العظمة وصفاً للعظيم لعظم كل من رآه ولم يعرفه وفي الحديث "إن الله يتجلى يوم القيامة لهذه الأمة وفيها منافقوها فيقول أنا ربكم فيستعيذون به منه ولا يجدون له تعظيماً وينكرونه لجهلهم به فإذا تجلى لهم في العلامة التي يعرفونه بها وجدوا عظمته في قلوبهم وخروا له ساجدين والحق إذا تجلى لقلب عبد ذهب منه أخطار الأكوان وما بقي إلا عظمة الحق وجلاله وفيه تنبيه على أن من علامات الفقه أن يكون خوف العبد من الله أشد من خوفه من الغير وتقبيح لحال أكثر الناس على ما ترى وتشاهد" قال عليه السلام : من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين قال بعض العارفين الفقيه عند أهل الله هو الذي لا يخاف إلا من مولاه ولا يراقب إلا إياه ولا يلتفت إلى ما سواه ولا يرجو الخير من الغير ويطير في طلبه طيران الطير قال بعض الكبار لا ينقص الكمل من الرجال خوفهم من سبع أو ظالم أو نحو ذلك لأن الجزع في النشأة الإنسانية أصلى فالنفوس أبداً مجبولة على الخوف ولذة الوجود بعد العدم لا يعد لها لذة وتوهم العدم العيني له ألم شديد في النفوس لا يعرف قدره إلا العماء بالله فكل نفس تجزع من العدم أن يلحق بها أو بما يقاربها وتهرب منه وترتاع وتخاف على ذهاب عينها فالكامل أضعف الخلق في نفسه لما يشهده من الضعف في تألمه بقرصة برغوث فهو آدم ملئان بذله وفقره مع شهوده أصله علماً وحالاً وكشفاً ولذلك لم يصدر قط من رسول ولا نبي ولا ولي كامل في وقت حضوره أنه ادعى دعوى تناقض العبودية أبداً {لا يُقَـاتِلُونَكُمْ} أي اليهود والمنافقون بمعنى لا يقدرون
440
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
على قتالكم ولا يجترئون عليه {جَمِيعًا} أي مجتمعين متفقين في موطن من المواطن {إِلا فِى قُرًى} جمع قرية وهي مجتمع الناس للتوطن {مُّحَصَّنَةٍ} محكمة بالدروب والخنادق وما أشبه ذلك قال الراغب أي مجعولة بالأحكام كالحصون {أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُر} دون أن يحضروا لكم ويبارزوكم أي يشافهوكم بالمحاربة لفرط رهبتهم جمع جدار وهو كالحائط إلا أن الحائط يقال اعتباراً بالإحاطة بالمكان والجدار يقال اعتباراً بالنتو والارتفاع ولذا قيل جدر الشجر إذا خرج ورقه كأنه حمص وجدر الصبي إذا خرج جدريه تشبيهاً بجدر الشجر {بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} استئناف سيق لبيان أن ما ذرك من رهبتهم ليس لضعفهم وجبنهم في أنفسهم فإن بأسهم وحربهم بالنسبة إلى اقرانهم شديد وإنما ضعفهم وجبنهم بالنسبة إليكم بما قذف الله في قلوبهم من الرعب وأيضاً من الشجاع بجبن والعزيز يذل إذا حارب الله ورسوله قال في كشف الأسرار إذا أراد ا نصرة قوم استأسد أرنبهم وإذا أراد الله قهر قوم استرنب أسدهم :
اكر مردى از مردى خود مكوى
نه هرشهسوارى بدر برد كوى
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/357)
إن قيل إن البأس شدة الحرب فما الحاجة إلى الحكم عليه بشديد أجيب بأنه أريد من البأس هنا مطلق الحرب فأخبر بشدته لتصريح الشدة أو أريد المبالغة في إثبات الشدة لبأسهم مبالغة في شدة بأس المؤمنين لغلبته على ءأسهم بتأييد الله ونصرته لهم عليهم والظرف متعلق بشديد والتقديم للحصر ويجوز أن يكون متعلقاً بمقدر صفة أو حالاً أي بأسهم الواقع بينهم أو واقعاً بينهم فقولهم الظرف الواقع بعد المعرفة يكون حالاً البتة ليس بمرضى فإن الأمرين جائزان بل قد ترجح الصفة {تَحْسَبُهُمْ} يا محمد أو يأكل من يسمع ويعقل {جَمِيعًا} مجتمعين متفقين ذوي ألفة واتحاد {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} أي والحال أن قلوبهم متفرقة لا إلفة بينها فهم بخلاف من وصفهم بقوله ولكن الله ألف بينهم جمع شتيت كمرضى ومريض وبالفارسية را كنده وريشان.
يقال شت يشت شتا وشتاتا وشتيتا فرق وافترق كانشت وتشتت وجاءوا أشتاتاً أي متفرقين في النظام وفي الآية تشجيع لقلوب المؤمنين على قتالهم وتجسير لهم وأن اللائق بالمؤمن الاتفاق والاتحاد صورة ومعنى كما كان المؤمنون متفقين في عهد النبي عليه السلام ويقال الاتفاق قوة والافتراق هلكة والعدو إبليس يظفر في الافتراق بمراده قال سهل أهل الحق مجتمعون أبداً موافقون وإن تفرقوا بالأبدان وتباينوا بالظواهر وأهل الباطل متفرقون أبداً وإن اجتمعوا بالأبدان وتوافقوا بالظواهر لأن الله تعالى يقول تحسبهم الخ {ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ} أي ما ذكر من تشتت قلوبهم بسبب أنهم {قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} أي لا يعقلون شيئاً حتى يعرفوا الحق ويتبعوه وتطمئن به قلوبهم وتتحد كلمتهم ويرموا عن قوس واحدة فيقعون في تيه الضلال وتتشتت قلوبهم حسب تشتت طرقه وتفرق فنونه وتشتت القلوب يوهن قواهم لأن صلاح القلب يؤدي إلى صلاح الجسد وفساده إلى فساده كما قالوا كل أناء يترشح بما فيه اعلم أن الله تعالى ذم الكفار في القرآن بكل من عدم الفقه والعلم والعقل قال الراغب الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم والعلم إدراك الشيء بحقيقته وهو نظري وعملي وأيضاً عقلي وسمعي والعقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك
441
القوة عقل ولهذا قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه.
وأن العقل عقلان.
فمسموع ومطبوع.
ولا ينفع مطبوع.
إذا لم يك مسموع.
كما لا تنفع الشمس.
وضوء العين ممنوع.
وإلى الأول أشار عليه السلام بقوله ما خلق الله شيئاً أكرم عليه من العقل وإلى الثاني أشار بقوله ما كسب أحد شيئاً أفضل من عقل يهديه إلى هدى أو يرده عن ردى وهذا العقل هو المعنى بقوله وما يعقلها إلا العالمون وكل موضع ذم الكفار بعدم العقل فإشارة إلى الثاني دون الأول وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إلى الأول انتهى وفي الحديث العقل نور في القلب يفرق به بين الحق والباطل وعن أنس رضي الله عنه قيل : يا رسول الله الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب قال وما من آدمي إلا وله ذنوب وخطايا يقترفها فمن كان سجيته العقل وغريزته اليقين لم تضره ذنوبه قيل : كيف ذلك يا رسول الله قال : لأنه كلما أخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه فيمحو ذنوبه ويبقى له فضل يدخل به الجنة وعنه أيضاً رضي الله عنه أثنى قوم على رجل عند رسول الله حتى بالغوا في الثناء بخصال الخير فقال رسول الله : كيف عقل الرجل فقالوا : يا رسول الله تخبرك عنه باجتهاده في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله فقال نبي الله إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر وإنما يرتفع العباد غداً في الدرجات وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم قال علي بن عبيدة : العقل ملك والخصال رعية فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها فسمعه إعرابي فقال : هذا الكلام يقطر عسله وقال بعضهم : إذا كمل العقول نقص الفضول أي لأن العقل بعقله ويمنعه عما لا يعينه كل شيء إذا كثر رخص غير العقل فإنه إذا كثر غلا وقال أعرابي : لو صور العقل لا ظلمت معه الشمس ولو صور الحمق لأضاء معه الليل فالعقل أنور شيء والحمق أظلمه وقبل العاقل يعيش بعقله حيث كان كما يعيش الأسد بقوته أي ففي العقل قوة شجاعة الأسد ويعلم منه بالمقايسة إن في الحمق ضعف حال الأرنب ونحوه :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
كشتى بى لنكر آمد مردشر
كه زباد ك نيابد او حذر
لنكر عقلست عاقل را امان
لنكرى در يوزه كن از عاقلان
كتاب روح البيان ج9 متن
الهام رقم 47 من صفحة 442 حتى صفحة 452
(9/358)
{كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} خبر مبتدأ محذوف تقديره مثلهم أي مثل المذكورين من اليهود والمنافقين وصفتهم العجيبة وحالهم الغريبة كمثل أهل بدر وهم مشركوا أهل مكة أو كمثل بني قينقاع على ما قيل إنهم أخرجوا قبل بني النضير وبنو قينقاع مثلثة النون والضم أشهر كانوا أشجع اليهود وأكثرهم أموالاً فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد كبني النضير فأخرجهم رسول الله من المدينة إلى الشام أي لأن قريتهم كانت من أعمالها ودعا عليهم فلم يدر الحول عليهم حتى هلكوا أجمعون وقد عرفت قصتهم في الجلد الأول {قَرِيبًا} انتصابه بمثل إذ التقدير كوقوع مثل الذين الخ يعني بدلالة المقام لا لاقتضاء الأقرب أي في زمان قريب قال مجاهد : كانت وقعة بدر قبل غزوة بني النضير بستة أشهر فلذلك قال قريباً فتكون قبل وقعة أحد وقيل بسنتين فتكون تلك الغزوة
442
في السنة الرابعة لأن غزوة بني النضير كانت بعد أحد وهي كانت بعد بدر بسنة {ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} قال الراغب : الوبل والوابل المطر الثقيل القطار ولمراعاة الثقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره وبال وطعام وبيل والأمر واحد الأمور لا الأوامر أي ذاقوا سوء عاقبة كفرهم في الدنيا وهو عذاب القتل ببدر وكانت غزوة بدر في رمضان من السنة الثانية من الهجرة قبل غزوة بني النضير {وَلَهُمْ} في الآخرة {عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم لا يقادر قدره حيث يكون ما في الدنيا بالنسبة إليه كالذوق بالنسبة إلى الأكل والمعنى أن حال هؤلاء كحال أولئك في الدنيا والآخرة لكن لا على أن حال كلهم كحالهم بل حال بعضهم الذين هم اليهود كذلك وأما حال المنافقين فهو ما نطق به قوله تعالى {كَمَثَلِ الشَّيْطَـانِ} فإنه خبر ثان للمبتدأ المقدر مبين لحالهم متضمن لحال أخرى لليهود وهي اغترارهم بمقالة المنافقين أوله وخيبتهم آخراً وقد أجمل في النظم الكريم حيث أسند كل من الخبرين إلى المقدر المضاف إلى ضمير الفريقين من غير تعيين ما أسند إليه بخصوصه ثقة بأن السامع يرد كلاً من المثلين إلى ما يماثله كأنه قيل مثل اليهود في حلول العذاب بهم كمثل الذين من قبلهم ومثل المنافقين في إغرائيهم إياهم على القتال حسبما حكي عنهم كمثل الشيطان
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
{إِذْ قَالَ لِلانسَـانِ اكْفُرْ} قول الشيطان مجاز عن الإغواء والإغراء أي أغراه على الكفر إغراء الآمر المأمور على المأمور به {فَلَمَّا كَفَرَ} الإنسان المذكور إطاعة لإغوائه وتبعاً لأهوائه {قَالَ} الشيطان {إِنِّى بَرِىاءٌ مِّنكَ} أي بعيد عن عملك وأملك غير راض بكفرك وشركك وبالفارسية من بيزارم ازتو.
يقال برىء يبرأ فهو برىء وأصل البرء والبراءة والتبري التفصي مما يكره مجاورته قال العلماء إن أريد بالإنسان الجنس فهقا التبري من الشيطان يكون يوم القيامة كما ينبىء عنه قوله تعالى : {إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَـالَمِينَ} وإن أريد أبو جهل على أن يكون اللام للعهد فقوله تعالى أكفر أي دم على الكفر.
س ون برآن ثبات ورزيد ونهال شرك درزمين دل أو استحكام يافت.
قال : إني الخ عبارة عن قول إبليس له يوم بدر لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال : إني برىء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب يعني لما قاتلوا ورأى إبليس جبرائيل مع محمد عليهما السلام خافه فتبرأ منهم وانهزم قال بعضهم : هذا من كذبات اللعين وإنه لو خاف حقيقة وقال صدقاً لما استمر على ما أدى إلى الخوف بعد ذلك كيف وقد طلب الإنظار إلى البعث للإغواء وقال أبو الليث قال ذلك على وجه الاستهزاء ولا بعد أن يقول له ليوقعه في الحسرة والحرقة انتهى.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
يقول الفقير : الظاهر أن الشيطان يستشعر في بعض المواد جلال الله تعالى وعظمته فيخافه حذراً من المؤاخذة العاجلة وإن كان منظراً ولا شك أن كل أحد يخاف السطوة الإلهية عند طهور إماراتها ألا ترى إلى قوله تعالى وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين على أن نحو قاطع الطريق وقاتل النفس ربما فعل ما فعل وهو خائف من الأخذ {فَكَانَ عَـاقِبَتَهُمَآ} أي عاقبة الشيطان وذلك الإنسان وهو بالنصب
443
(9/359)
على أنه خبر كان واسمها قوله : {أَنَّهُمَا فِى النَّارِ} وقرىء بالعكس وهو أوضح {خَـالِدَيْنِ فِيهَا} مقيمين لا يبرحان وهو حال من الضمير المقدر في الجار والمجرور المستقر وروي خالدان على أنه خبر أن وفي النار لغو لتعلقه بخالدان {وَذَالِكَ} أي الخلود في النار {جَزَاؤُا الظَّـالِمِينَ} على الإطلاق دون هؤلاء خاصة وقال بعض أهل التفسير المراد بالإنسان برصيصاً الراهب من بني إسرائيل.
در روز كار فترت صومعه ساخته بود هفتاد سال دران صومعه مجاور كشته وخدايرا رستيده وابليس دركار وى فرومانده روزى مرده شياطين راجمع كرد وكفت من يكفيني أمر هذا الرجل يكى كفت من اين كار كفايت كنم ومراد تو ازوى حاصل كنم بدر صومعه وى رفت برزى راهبان ومتعبدان كفت مرد راهم عزلت وخلوت مى طلبم تراه زيان اكر من بصحبت توبيايم ودر خلوت خدايرا عبادت كنم برصيصا بصحبت وى تن درنداد وكفت اين لفي شغل عنك يعني مرادر عبادت الله ندان شغلست كه رواى صحبت تونيست وعادت برصيصا آن بودكه ون درنمازشدى ده روز از نماز بيرون نيامدى وروزه دار بودوهرده روز افطار كردى شيطان برابر صومعه وى درنماز ايستاد وجهد وعبادت خود برجهد وعبادت برصيصا بيفزود نانكه بهل روز ازنماز بيرون نيامدى وبهر هل روز افطار كردى آخر برصيصا اورا بخود راه داد ون آن عبادت وجهد فراوان وى ديد وخودرا در جنب وى قاصر ديدآنكه شيطان بعدازيك سال كفت مرا رفيقي ديكر است وظن من نان بودكه تعبد واجتهاد توازوى زيادتست اكنون كه ترا ديدم نه نانست كه مى نداشتم وبا نزديك وى ميروم برصيصا مفارقت وى كراهيت داشت وبصحبت وى رغتبي تمام مى نمود شيطان كفت مرانا ارست رفتن اماترا دعايى آموزم كه بيمار ومبتلى وديوانه كه بروى خوانى در وقت الله تعالى اورا شفادهد وترا اين به باشد ازهزار عبادت كه كنى كه خلق خدا يرا ازتو نفع بودو راحت برصيصا كفت ابن نه كار منست كه آنكه از وقت ورد خود بازمانم وسيرت وسريرت من در شغل مردم شود شيطان تا آنكه ميكوشيدكه آن دعا ويرا درآموخت واورا برسرآن شغل داشت شيطان ازوى باز كشت وبا ابليس كفت والله لقد أهلكت الرجل س برفت ومردى راتحنيق كرد نانكه ديو بامردم آنكه بصورت طبيبي برآمد بردر آن خانه كفت ان يصاحبكم جنونا فأعالجه ون اوراديد كفت انى لا أقوى على جنه يعني من باديو او برنيايم لكن شمارا رشاد كنم بكسى كه اورا دعا كند در وقت شفايابد واو برصيصاى راهب است كه درصومعه نشيند اورا بروى بردند ودعا كرد وآن ديو ازوى باشد وصحت يافت س اين شيطان برفت وزنى را از دختران ملوك بني إرسائيل رنجه وديوانه كرد وآن زن جمال باكمال داشت واوراسه برادر بودند شيطان بصورت طبيب يش ايشان رفت وآن دختررا بوى نمودند كفت ان الذي عرض لها مارد لا يطاق ولكن سأرشدكم إلى من يدعو له يعني بران راهب شويدكه دعا كند وشفايابد كفتند
444
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ترسيم كه فرمان مانبرد كفت صومعه سازيد در جنب صومعه وى وزن را دران صومعه بخابابيد وباوى كوبيد اين امانت است بنزديك تونهاديم وما رفتيم ازبهر خدا واميد ثواب نظر ازوى بازمكير ودعايى كن تاشفايابد ايشان همنان كردند وراهب از صومعه خود بزير آمد واورا ديد زنى بغايت جمال واز جمال وى درفتنه افتاد شيطان او را آن ساعت وسوسه كردكه واقعها ثم تب زيراكه درتوبه كشاده ورحمت خدا فراوانست راهب بفرمان شيطان كام خود ازوى برداشت وزن بار كرفت راهب شيمان كشت واز فضيحت ترسيد همان شيطان دردل وى افكندكه اين زن را ببايد كشت ونهان بايد كرد ون برادران آيند كويم كه ديواورا ببرد وايشان مرا براست دارند واز فضيحت ايمن كردم آنكه از زنا وازقتل توبه كتم برصيصا اورا كشت ودفن كرد ون برادران آمدند وخواهررا نديدند كفت جاء شيطانها فذهب بها ولم أقو عليه ايشان اوراراست داشتند وباز كشتند شيطان آن برادر انرا بخواب نمودكه راهب خواهر شما كشت ودر فلان جايكه دفن كرد سه شب ياى ايشانرا نين خواب مى نمودتا ايشان رفتند وخواهر را كشته از خاك برداشتند برادران اورا ازصومعه بزير آوردند وصومعه خراب كردند واورا يش ادشاه وقت بردند تا بفعل وكناه خود مقر آمد وادشاه بفرمود تا اورا بردار كنند آن ساعت شيطان برابروى آمد وكفت اين همه ساخته وآراسته منست اكر آنه من فرمايم بجاى آرى ترانجات وخلاص ديد آيد كفت هره فرمايى ترا اطاعت كنم كفت مراسجده بكن آن بدبخت اورا سجده كرد وكافر كشت واورا در كفر بردار كردند وشيطان آنكه كفت انى بزىء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما يعني الشيطان برصيصا العابد كان آخر أمرهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين :
خيالات نادان خلوت نشين
بهم بركند عاقبت كفر ودين
كزودست بايدكزو برخورى
نبايد كه فرمان دشمن برى
ى نيك مردان ببايد شتافت
كه هركين سعادت طلب كرديافت
وليكن تو دنبال ديو خسى
ندانم كه در صالحان كى رسى(9/360)
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
والمراد من هذا الشيطان هو الشيطان الأبيض الذي يأتي الصلحاء في صورة الحق.
قال الكاشفي : آن بى سعادت بعد از عبادت هفتاد سال بورطه شقاوت ابدى كرفتاركشت.
غافل مشوكه مركب مردان مردرا.
درسنكلاخ وسوسه يها بريد اند وفى زهرة الرياض غير الله الإيمان على برصيصا بعدما عبد الله مائتين وعشرين سنة لم يعص الله فيها طرفة عين وكان ستون ألفاً من تلامذته يمشون في الهوءا ببركته وعبد الله حتى تعجبت الملائكة من عبادته قال الله تعالى لهم : لماذا تتعجبون منه إني لأعلم ما لا تعلمون ففي علمي أنه يكفر ويدخل النار أبداً فسمع إبليس وعلم أن هلاكه على يده فجاء إلى صومعته على شبه عابد
445
وقد لبس المسح فناداه فقال له برصيصاً من أنت وما تريد؟ قال : أنا عابد أكون لك عوناً على عبادة الله قال له برصيصا : من أراد عبادة الله فالله يكفيه صاحباً فقام إبليس يعبد الله ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب قال برصيصا : أنا أفطر وأنام وآكل وأشرب وأنت لا تأكل ثم قال : إني عبدت الله مائتين وعشرين سنة فلا أقدر على ترك الأكل والشرب قال إبليس : أنا أذنبت ذنباً فمتى ذكرته يتنغص علي النوم والأكل والشرب قال برصيصا ما حيلتي حتى أصير مثلك؟ قالك اذهب واعص الله ثم تب إليه فإنه رحيم حتى تجد حلاوة الطاعة قال : كيف أعصيه بعدما عبدته كذا وكذا سنة قال إبليس : الإنسان إذا أذنب يحتاج إلى المعذرة قال : أي ذنب تشير به؟ قال : الزنى قال : لا أفعله قال : أن تقتل مؤمناً قال : لا أفعله قال : اشرب الخمر المسكر فإنه أهون وخصمك الله قال أين أجده؟ قال : اذهب إلى قرية كذا فذهب فرأى امرأة جميلة تبيع خمراً فاشترى منها الخمر وشربها وسكر وزنى بها فدخل عليهما زوجها فضربه وقتله ثم إن إبليس تمثل في صورة الإنسان وسعى به إلى السلطان فأخذه وجلده للخمر ثمانين جلدة وللزنى مائة وأمر بالصلب لأجل الدم فلما صلب جاء إليه إبليس في تلك الصورة قال : كيف ترى حالك؟ قال : من أطاع قرين السوء فجزاؤه هكذا قال إبليس كنت في بلائك مائتين وعشرين سنة حتى صلبتك فلو أردت النزول أنزلتك قال : أريد وأعطيك ما تريد قال : اسجد لي مرة واحدة قال : كيف أسجد على الخشب؟ قال : اسجد بالإيمان فسجد وكفر فذلك قوله تعالى كمثل الشيطان الخ قال ابن عطية هذا أين كون المراد بالإنسان برصيصا العابد ضعيف والتأويل الأول هو وجه الكلام وفي القصة تحذير عن فتنة النساء.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ـ روي ـ أنه عليه السلام كان يصلي في بيت أم سلمة رضي الله عنها فقام عمر بن أم سلمة ليمر بين يديه فأشار إليه أن قف فوقف ثم قامت زينت بنت أم سلمة لتمر بين يديه فأشار إليها أن قفي فأبت ومرت فلما فرغ من صلاته نظر إليها وقال : ناقصات العقل ناقصات الدين صواحب يوسف صواحب كرسف يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام قال الخبازي في حواشي الهداية قال مولانا حميد الدين رحمه الله كرسف اسم زاهد وقع في الفتنة بسبب امرأة وقال المطرزي في المغرب كرسف رجل من زهاد بني إسرائيل كان يقوم الليل ويصوم النهار فكفر بسبب امرأة عشقها ثم تداركه الله بما سلف منه فتاب عليه هكذا في الفردوس ومنه الحديث صاحبات يوسف صاحبات كرسف انتهى.
قال ابن عباس رضي الله عنهما وكانت الرهبان في بني إسرائيل لا يمشون إلا بالتقية زالكتمان وطمع أهل الفجور والفسق في الأخبار فرموهم بالبهتان والقبيح حتى كان أمر جريج الراهب فلما برأه الله مما رموه به انبسطت بعدها الرهبان وظهروا للناس وفي الحديث كان جريج رجلاً عابداً فاتخذ صومعة وكان فيها فأتته أمه وهو يصلي فقالت : يا جريج فقال أي بقلبه أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان الغد أتته وهو يصلي فقالت : يا جريج فقال : أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان الغد أتته فقالت : يا جريج فقال : أي رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فقالت : اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات فتذاكر بنو اسرائيل جريجاً
446
(9/361)
وعبادته وكانت امرأة بغى يمثل بحسنها فقالت : أي شئتم لأفتنته لكم قال أي النبي عليه السلام فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعياً كان يأوى إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت : هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال : ما شأنكم؟ فقالوا : زنيت بهذه البغي فولدت منك فقال : أين الصبي فجاءوا به فقال : دعوني حتى أصلي فصلى فلما انصرف أتى بالصبي فطعن في بطنه وقال : يا غلام من أبوك فقال فلان الراعي قال أي النبي عليه السلام فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا له نبني لك صومعتك من ذهب قال : لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكباً على دابة فارهة وهيئته حسنة فقالت أمه : اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي وأقبل عليه فنظر إليه فقال : اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع قال أي الراوي وهو أبو هريرة رضي الله عنه فكأني أنظر إلى رسول الله عليه السلام وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فمه فجعل يمصها قال أي النبي عليه السلام ومر بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت وهي تقول حسبي الله ونعم الوكيل فقالت أمه اللهم لا تجعل ابني مثلها فترك الرضاع ونظر إليها فقال : اللهم اجعلني مثلها فهناك تراجعا الحديث فقالت أمه قد مر رجل حسن الهيئة فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت : اللهم لا تجعلني مثله ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها قال أي الرضيع إن ذاك الرجل كان جباراً فقلت اللهم لا تجعلني مثله وإن هذه يقولون لها زنيت سرقت ولم تزن ولن تسرق فقلت اللهم اجعلني مثلها انتهى الحديث وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للمؤمن أن لا يمد عينيه إلى زخارف الدنيا ولا يدعو الله فيما لا يدري أهو خير له أم شربل ينبغي له أن يطلب منه البراءة من السوء وخير الدارين كما قال تعالى : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار نسأل الله سبحانه العفو والعافية مطلقاً
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} إيماناً خالصاً {اتَّقُوا اللَّهَ} في كل ما تأتون وما تذرون فتحرزوا عن العصيان بالطاعة وتجنبوا عن الكفران بالشكر وتوقوا عن النسيان بالذكر واحذروا عن الاحتجاب عنه بأفعالكم وصفاتكم بشهود أفعاله وصفاته {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} ما شرطية أي أي شيء قدمت من الأعمال ليوم القيامة.
تا اكر تقديم خيرات وطاعات كند شكر كزاري نمايد ودرزيادتى آن كوشد واكر معاصى فرستاده توبه كندوشيمان شوده عبر عن يوم القيامة بالغد لدنوه لأن كل آت قريب يعني سماه باليوم الذي يلي يومك تقريباً له وعن الحسن رحنه الله لم يزل يقربه حتى جعله كالغد ونحوه قوله تعالى كأن لم تغن بالأمس يريد تقريب الزمان الماضي أو عبر عنه به لأن الدنيا أي زمانها كيوم والآخر كغده لاختصاص كل منهما بأحوال وأحكام متشابهة وتعقيب الثاني الأول فقوله لغد استعارة.
يقول الفقير : إنما كانت الآخرة كالغد لأن الناس في الدنيا نيام ولا انتباه إلا عند الموت الذي هو مقدمة القيامة كما ورد به الخبر فكل من الموت والقيامة كالصباح بالنسبة إلى الغافل كما أن الغد صباح بالنسبة إلى النائم في الليل ودل هذا على أن الدنيا ظلمانية والآخرة نورانية
447
وتنكيره لتفخيمه وتهويله كأنه قيل لغد لا يعرف كنهه لغاية عظمه وأصله غدو حذفوا الواو بلا عوض واستشهد عليه بقول لبيد :
وما الناس إلا كالديار وأهلها
بها يوم حلوها وغدوا بلاقع
إذ جاء به على أصله والبيت من أبيات العبرة وأما تنكير نفس فلاستقلال الأنفس النواظر فيما قدمن لذلك اليوم الهائل كأنه قيل ولتنظر نفس واحدة في ذلك قال بعضهم الاستقلال يكون بمعنى عد الشيء قليلاً وبمعنى الإنفراد في الأمر فعلى الأول يكون المراد استقلال الله النفوس الناطقة كما قال تعالى لكن أكثر الناس لا يعلمون ولكن أكثرهم يجهلون فكأنه أقيم الأكثر مقام الكل مبالغة فأمر على الوحدة فلا يضره وجود النفس الكاملة العاقلة الناظرة إلى العواقب بالنظر الصائب والرأس الثاقب وعلى الثاني كون المراد انفراد النفوس في النظر واكتفاءها فيه بدون انضمام نظر الأخرى في الاطلاع على ما قدمت خيراً أو شراً قليلاً أو كثيراً وجوداً أو عدماً وفيه حث عظيم :
جهل من وعلم توفلك راه تفاوت
آنجاكه بصر نيست ه خوبى وه زشتى
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/362)
{وَاتَّقُوا اللَّهَ} تكرير للتأكيد والاهتمام في شأن التقوى وإشارة إلى أن اللائق بالعبد أن يكون كل أمره مسبوقاً بالتفوى ومختوماً بها أو الأول في أداء الواجبات كما يشعر به ما بعده من الأمر بالعمل والثاني في ترك المحارم كما يؤذن به الوعيد بقوله سبحانه {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُا بِمَا تَعْمَلُونَ} أي عالم بما تعملونه من المعاصي فيجزيكم يوم الجزاء عليها.
ودر كشف الأسرار فرمه ده كه اول اشارتست باصل تقوى ودوم بكمال آن يا اول تقواى عوامست وآن رهيز كرده باشد از محرمات وسوم تقواى خواص وآن اجتناب بود از هره ما دون حقست :
اصل تقوى كه زاد اين راهست
ترك مجموع ما سوى اللهست
والتقوى هو التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك وقال بعض الكبار التقوى وقاية النفس في الدنيا عن ترتب الضرر في الآخرة فتقوى العامة عن ضرر الأفعال وتقوى الخاصة عن ضرر الصفات وتقوى أخص الخواص عن جميع ما سوى الله تعالى.
عزيزي كفته است كه دنيا سفالى است وآن نيز در خواب وآخرت نيز جوهري است يافته دربيدارى مردته آنست كه درسفال بخواب ديده متقى شود مرد مردان آنست كه در كوهر دربيدارى يافته متقى شود فلا بد من التقوى مع وجود العمل.
قال الصائب :
بي عمل دامن تقوى زمناهى يدن
احتراز سك مسلخ بود از شاشه خويش
وفي الآية ترغيب في الأعمال الصالحة وفي لأثران ابن آدم إذا مات قالت الناس ما خلف وقالت الملائكة ما قدم وعن مالك بن دينار رحمه الله مكتوب على باب الجنة وجدنا ما عملنا ربحنا ما قدمنا خسرنا ما خلقنا :
بقدر الكدر تكتسب المعالي
ومن الطلب العلي سهر الليالي
ـ وحكي ـ عن مالك بن دينار رحمه الله أيضاً أنه قال : دخلت جبانة البصرة فإذا أنا بسعدون
448
المجنون فقلت له : كيف حالك وكيف أنت؟ فقال : يا مالك كيف حال من أصبح وأمسى يريد سفراً بعيداً بلا أهبة ولا زاد ويقدم على رب عدل حاكم بين العباد ثم بكى بكاء شديداً فقلت : ما يبكيك؟ قال : والله ما بكيت حرصاً على الدنيا ولا جزعاً من الموت والبلى لكن بكيت ليوم مضى من عمري ولم يحسن فيه عملي أبكاني والله قلة الزاد وبعد المسافة والعقبة الكؤود ولا أدري بعد ذلك أصير ءلى الجنة أم إلى النار فقلت : إن الناس يزعمون إنك مجنون فقال : وأنت أغتررت بما اغتر به بنو الدنيا زعم الناس أني مجنون وما بي جنة لكن حب مولاي قد خالط قلبي وجرى بين لحمي ودمي فأنا من حبه هائم مشغوف فقلت : يا سعدون فلم لا تجالس الناس ولا تخالطهم فأنشد :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
كن من الناس جانباً
وارض بالله صاحباً
قلب الناس كيف شئـ
ــت تجدهم عقارباً
وفي التأويلات النجمية يا أيها الذين آمنوا بالإيمان الحقيقي الشهودي الوجودي اجعلوا الله وقاية نفوسكم في إضافة الكمالات إليه ولتنظر نفس كاملة عارفة بذات الله وصفاته ما هيأت لغد يوم الشهود واتقوا الله عن الالتفات إلى غيره إن الله خبير بما تعملون من الإقبال على الله والإدبار عن الدنيا ومن الإدبار عن الله والإقبال على الدنيا انتهى ويدخل في قوله نفس النفوس الجنية لأنهم من المكلفين فلهم من التقوى والعمل ما للإنس كما عرف في مواضع كثيرة {وَلا تَكُونُوا} أيها المؤمنون {كَالَّذِينَ} أي كاليهود والمنافقين فالمراد بالموصول المعهودون بمعونة المقام أو الجنس كائناً من كان من الكفار أمواتاً أو أحياء {نَسُوا اللَّهَ} فيه حذف المضاف أي نسوا حقوقه تعالى وما قدروه حق قدره ولم يراعوا مواجب أموره ونواهيه حق رعايتها {فَأَنسَـاـاهُمْ} بسبب ذلك {أَنفُسَهُمْ} أي جعلهم ناسين لها فلم يسمعوا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها فالمضي على أصله أو أراهم يوم القيامة من الأهوال ما أنساهم أنفسهم فالمضي باعتبار التحقق قال الراغب النسيان ترك الإنسان ضبط ما استودع إما الضعف قلبه وإما عن غفلة أو عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره وكل نسيان من الإنسان ذمه الله به فهو ما كان أصله من تعمد وما عذر فيه نحو ما روى عن النبي عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان فهو ما لم يكن سببه منه فقوله فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا هو ما كان سببه عن تعمد منهم وتركه على طريق الإهانة وإذا نسب ذلك إلى الله فهو تركه إياهم استهانة بهم ومجازاة لما تركوه كما قال في اللباب قد يطلق النسيان على الترك ومنه نسوا الله فنسيهم أي تركوا طاعة الله ترك الناسي فتركهم الله وقال بعض المفسرين إن قيل النسيان يكون بعد الذكر وهو ضد الذكر لأنه السهو الحاصل بعد حصول العلم فهل كان الكفار يذكرون حق الله ويعترفون بربوبيته حتى ينسوا بعد أجيب بأنهم اعترفوا وقالوا بلى يوم الميثاق ثم نسوا ذلك بعدما خلقوا والمؤمنون اعترفوا بها بعد الخلق كما اعترفوا قبله بهداية الله وراعوا حقها قل أو كتر جل أو صغر "سئل ذو النون المصري قدس سره" عن سر ميثاق مقام ألست بربكم هل تذكره فقال كأنه الآن في أذني.
ودرنفخات مذكورست كه على سهل اصفهاني
449
(9/363)
را كفتندكه روز بلى را ياد دارى كفت ون ندارم كويى دى بود شيخ الإسلام خواجه انصاري فرمود كه درين سخن نقص است صوفى رادى وفردا ه بود آن روز را هنوز شب درنيامده وصوفى درهمان روزست.
ويدل عليه قوله الآن أنه على ما كان عليه ثم إن قوله تعالى ولا تكونوا الخ تنبيه على أن الإنسان بمعرفته لنفسه يعرف الله فنسيانه هو من نسيانه لنفسه كما قال في فتح الرحمن لفظ هذه الآية يدل على أنه من عرف نفسه ولم ينسها عرف ربه وقد قال علي رضي الله عنه : اعرف نفسك تعرف ربك وقال سهل رحمه الله نسوا الله عند الذنوب فأنساهم الله أنفسهم عند الاعتذار وطلب التوبة ومن لطائف العرفي :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
مالب آلوده بهر توبه بكشاييم ليك
بانك عصيان مزيند ناقوس استغفار ما
{أولئك} الناسون المخذولون بالانساء {هُمُ الْفَـاسِقُونَ} الكاملون في الفسوق والخروج عن طريق الطاعة وهم للحصر فأفاد أن فسقهم كان بحيث أن فسق الغير كأنه ليس بفسق بالنسبة إليه فالمراد هنا الكافرون لكن على المؤمن الغافل عن رعاية حق ربوبية الله ومراعاة حظ نفسه من السعادة الأبدية والقربة من الحضرة الأحدية خوف شديد وخطر عظيم وفيه إشارة إلى أن الذين نسوا الله هم الخارجون عن شهود الحق في بيع المظاهر الجمالية والجلالية وحضوره الداخلون في مقام شهود أنفسهم فمن اشتغل بقضاء حظوظ نفسه نسي طيب العيش مع الله وكان من الغافلين عن اللذات الحقيقية ومن فنى عن شهوات نفسه بقي مع تجليات ربه {لا يَسْتَوِى أَصْحَـابُ النَّارِ} الذين نسوا الله فاستحقوا الخلود في النار والنار باللام من أعلام جهنم كالساعة للقيامة ولذا كثيراً ما تذكر في مقابلة الجنة كما في هذا المقام وجاء في الشعر :
الجنة الدار فاعلم إن عملت بما
يرضى الإله وإن فرطت فالنار
هما محلان ما للناس غيرهما
فانظر لنفسك ماذا أنت تختار
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
والصحبة في الأصل اقتران الشيء بالشيء في زمان ما قل أو كثر وبذلك يكون كل منهما صاحب الآخر وإن كانت على المداومة والملازمة يكون كمال الصحبة ويكون الصاحب المصاحب عرفاً وقد يطلق على الطرفين حينئذ صاحب ومصاحب أيضاً ومن ذلك يكنى عن زوجة بالصاحبة وقد يقال للمالك لكثرة صحبته بمملوكه كما قيل له الرب لوقوع ترتبية المالك على مملوكه فيقال صاحب المال كما يقال رب المال فإطلاق أصحاب النار وأصحاب الجنة على أهلهما إما باعتبار الصحبة الأبدية والاقتران الدائم حتى لا يقال للعصاة المعذبين بالنار مقدار ما شاء الله أصحاب النار أو باعتبار الملك مبالغة ورمزاً إلى أنهما جزاء لأهلهما باعتبار كسبهما بأعمالهم الحسنة أو السيئة {وَأَصْحَـابُ الْجَنَّةِ} الذين اتقوا الله فاستحقوا الخلود في الجنة قال في الإرشاد : لعل تقديم أصحاب النار في الذكر للإيذان من أول الأمر بأن القصور الذي ينبىء عنه عدم الاستواء من جهتهم لا من جهة مقابليهم فإن مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصاناً لأإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد لكن المتبادر اعتباره بحسب نقصان الناقص وعليه قوله تعالى : هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور إلى غير ذلك من المواضع وأما قوله تعالى : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون فلعل تقديم الفاضل فيه لأن صلته
450
(9/364)
ملكة والإعدام مسبوقة بملكاتها وقال بعضهم : قدم أصحاب النار الذكر لذكر الذين نسوا الله قبله ولكثرة أهلها ولأن أول طاعة أكثر الناس بالخوف ثم بالرجاء ثم بالمحبة في البعض ولا دلالة في الآية الكريمة على أن المسلم لا يقتص بالكافر وإن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالقهر كما هو مذهب الشافعي لأن المراد عدم الاستواء في الأحوال الأخروية كما ينبىء عنه التفسير من الفريقين بصاحبية النار وصاحبية الجنة وكذا قوله تعالى : {أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَآاـاِزُونَ} فإنه استئناف مبين لكيفية عدم الاستواء بين الفريقين فالفوز الظفر مع حصول السلامة أي هم الفائزون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه فهم أهل الكرامة في الدارين وأصحاب النار أهل الهوان فيهما وفيه تنبيه للناس بأنهم لفرط غلفتهم ومحبتهم العاجلة واتباع الشهوات كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار وبين أصحابهما حتى احا جوا إلى الأخبار بعدم الاستواء كما تقول لمن يعق أباه هو أبوك تجعله بمنزلة من لا يعرفه فتنبه بذلك على حق الأبوة الذي يقتضي البر والتعطف فكذا نبه الله تعالى الناس بتذكير سوء حال أهل النار وحسن حال أهل الجنة على الاعتبار والاحتراز عن الغفلة ورفع الرأس عن المعاصي والتحاشي من عدم المبالاة قال عليه السلام : إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقال عليه السلام : إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراً كان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً ورؤى الشيخ الحجازي ليلة يردد قوله تعالى وجنة عرضها السموات والأرض ويبكي فقيل له قد أبكتك آية ما يبكي عند مثلها فقال : فما ينفعني عرضها إذا لم يكن لي فيها موضع قدم وخرج على سهل الصعلوكي من مسخن حمام يهودي في طمر أسود من دخانه فقال : ألستم ترون الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فقال سهل على البداهة إذا صرت إلى عذاب الله كانت هذه جنتك وإذا صرت إلى نعيم الله كانت هذه سجني فتعجبوا من كلامه.
قال الشيخ سعدي :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ومارا بدنياتو كردى عزيز
بعقبي همان شم داريم نيز
عزيزي وخوارى توبخشى وبس
عزيز تو خواري نه بيند زكس
خدايا بعزت كه خوارم مكن
بذل كنه شرمسارم مكن
قال بعض أهل الإشارة أصحاب النار في الحقيقة أصحاب المجاهدات الذين احترقوا بنيرانها وأصحاب الجنة أصحاب المواصلات الذين وقعوا في روح المشاهدات وفي الظاهر أصحاب النار أصحاب النفوس والأهواء الذين أقبلوا على الدنيا وأصحاب الجنة أصحاب القلوب والمراقبات قال الحسين النوري قدس سره أصحاب النار أصحاب الرسوم والعادات وأصحاب الجنة أصحاب الحقائق والمشاهدات والمعاينات {لَوْ أَنزَلْنَا هَـاذَا الْقُرْءَانَ} العظيم الشأن المنزل عليكم أيها الناس المنطوي على فنون الفوارع أو المنزل عليك يا محمد أو على محمد بحسب الالتفات في الخطاب قال ابن عباس رضي الله عنهما أن السماء اطت يعني آوازداد من ثقل الألواح لما وضعها الله عليها في وقت موسى فبعث الله لكل حرف منها ملكاً فلم يطيقوا حملها فخففها
451
(9/365)
على موسى وكذلك الإنجيل على عيسى والفرقان على محمد عليهم السلام ثم إنه لا يلزم في الإشارة وجود جملة المشار إليه ذي الإبعاض المترتبة وجوداً بل يكفي وجود بعض الإشارة حقيقة ووجود بعض آخر حكماً ويحتمل أن يكون المشار إليه هنا الآن السابقة من قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إلخ فإن لفظ القرآن كما يطلق على المجموع يطلق على البعض منه حقيقة بالاشتراك أو باللغة أو مجازاً بالعلاقة فيكون التذكير باعتبار تذكير المشار إليه {عَلَى جَبَلٍ} من الجبال وهي ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلاً سوى التلول كما في زهرة الرياض وهي محركة كل وتد للأرض عظم وطال فإن انفرد فأكمة وقنة بضم القاف واعتبر معاينة فاستعير واشتق منه بحسب فقيل فلان جبل لا يتدحرج تصور المعنى الثبات وجبله الله على كذا إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذي يأبى على الناقل نقله {لَّرَأَيْتَهُ} يأمن من شأنه الرؤية أو يا محمد مع كونه علماً في القسوة وعدم التأثر مما يصادمه {خَـاشِعًا} خاضعاً ذليلاً وهو حال من الضمير المنصوب في قوله لرأيته لأنه من الرؤية البصرية قال بعضهم : الخشوع انقياد الباطن للحق والخضوع انقياد الظاهر له وقال بعضهم : الخضوع في البدن والخشوع في الصوت والبصر قال الراغب الخشوع ضراعة وأكثر ما يستعمل فيما يوجد في الجوارح والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ولذلك قيل فيما روى إذا ضرع القلب خشعت الجوارح {مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أي متشققاً منها أن يصيبه فيعاقبه والصدع شق في الأجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما ومنه استعير الصداع وهو الانشقاق في الرأس من الوجع قال العلماء هذا بيان وتصوير لعلو شأن القررن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ أريد به توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وعدم تخشعه عند تلاوته وقلة تدبره فيه والمعنى لو ركب في الجبل عقل وشعور كما ركب فيكم أيها الناس ثم أنزل عليه القرآن ووعد وأوعد حسب حالكم لخشع وخضع وتصدع من خشية الله حذراً من أن لا يؤدي حق الله تعالى في تعظيم القرآن والامتثال لما فيه من أمره ونهيه والكافر المنكر أقسى منه ولذا لا يتأثر أصلاً "مصراع" أي دل سنكين تويك ذره سوهان كيرنيست.
وهو كما تقول لمن تعظه ولا ينجع فيه وعظك لو كلمت هذا الحجر لأثر فيه ونظيره قول الإمام مالك للشافعي لو رأيت أبا حنيفة رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقامت حجته :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
دلرا اثر روى توكل وش كند
جانرا سخن خوب تو مدهوش كند
آتش كه شراب وصل تونوش كند
از لطف توسوختن فراموش كند
يقول الفقير : فيه ذهول عن أن الله تعالى خلق الأشياء كلها ذات حياة وإدراك في الحقيقة وإلا لما اندك الجبل عند التجلي ولما شهد للمؤذن كل رطب ويابس سمع صوته ونحو ذلك وقد كاشف عن هذه الحياة أهل الله وغفل عنها المحجوبون على ما حقيق مراراً نعم فرق بين الجبل عند التجلي وعندما أنزل عليه القرآن وبينه عند الاستثار وعدم الإنزال فإن أثر الحياة في الصورة الأولى محسوس مشاهد للعامة والخاصة وأما في الصورة الثانية فمحسوس للخاصة فقط فاعرف {وَتِلْكَ الامْثَـالُ} إشارة إلى هذا المثل وإلى أمثاله في مواضع من التنزيل أي
452
(9/366)
هذا القول الغريب في عظمة القرآن ودناءة حال الإنسان وبيان صفتهما العجيبة وسائر الأمثال الواقعة في القرآن فإن لفظ المثل حقيقة عرفية في القول السائر ثم يستعار لكل أمر غريب وصفة عجيبة الشان تشبيهاً له بالقول السائر في الغرابة لأنه لا يخلو عن غرابة {نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} بيان ميكنيم مرانسانرا قد جاء في سورة الزمر ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل بالأخبار على المضي مع أنها مكية وقال هنا نضربها بالاستقبال مع أن السورة مدينة فلعل الأول من قبيل عد ما سيحقق مما حقق لتحققه بلا خلف والثاني من قبيل التعبير عن الماضي بالمضارع لإحضار الحال أو لإرادة الاستمرار على الأحوال بمعنى أن شأننا أن نضرب الأمثال للناس {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} أي لمصلحة التفكر ومنفعة التذكير.
يعني شايدكه انديشه كنند دران وبهره بردارند ازان بإيمان.
ولا يقتضي كون الفعل معللاً بالحكمة والمصلحة أن يكون معللاً بالغرض حتى تكون أفعاله تعالى معلة بالأغراض إذ الغرض من الاحتياج والحكمة اللطف بالمحتاج وعن بعض العلماء أنه قال : من عجز عن ثمانية فعليه بثمانية أخرى لينال فضلها من أراد فضل صلاة الليل وهو نائم فلا يعص بالنهار ومن أراد فضل صيام التطوع وهو مفطر فليحفظ لسانه عما لا يعنيه ومن أراد فضل العلماء فعليه بالتفكر ومن أراد فضل المجاهدين والغزاة وهو قاعد في بيته فليجاهد الشيطان ومن أراد فضل الصدقة وهو عاجز فليعلم الناس ما سمع من العلم ومن أراد فضل الحج وهو عاجز فليلتزم الجمعة ومن أراد فضل العابدين فليصلح بين الناس ولا يوقع العداوة ومن أراد فضل الإبدال فليضع يده على صدره ويرضى لأخيه ما يرضى لنفسه قال عليه السلام : أعطوا أعينكم حظها من العبادة قالوا : ما حظها من العبادة يا رسول الله؟ قال : النظر في المصحف والتفكر فيه والاعتبار عند عجائبه.
وفي المثنوي :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
خوش بيان كرد آن حكيم غزنوى
بهر محجوبان مثال معنوي
كه ز قرآن كرنه بيند غير قال
اين عجب نيودز اصحاب ضلال
كز شعاع آفتاب رز نور
غير كرمى مى نيابد شم كور
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بل قلب وعن الحسن البصري رحمة الله من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته تفكراً فهو سهو ومن لم يكن نظره عبرة فهو لهو وعن أبي سليمان رحمه الله الفكرة في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية والفكرة في الآخرة تورث الحكمة وتجبي القلب وكثيراً ما ينشد سفيان بن عيينة ويقول :
إذا المرء كانت له فكرة
ففي كل شيء له عبرة
والتفكر إما أن يكون في الخالق أو الخلق والأول إما في ذاته أو في صفاته أو في أفعاله أما في ذاته فممنوع لأنه لا يعرف الله إلا الله إلا أن يكون التفكر في ذاته باعتبار عظمته وجلاله وكبريائه من حيث وجوب الوجود ودوام البقاء وامتناع الإمكان والفناء والصمدية التي هي الاستغناء عن الكل وأما في صفاته فهو فيها باعتبار كمالها بحيث يحيط علمه بجميع
453
المعلومات وقدرته بجميع الأشياء وإرادته بجميع الكائنات وسمعه بجميع المسموعات وبصره بجميع المبصرات ونحو ذلك وأما في أفعاله فهو فيها بحسب شمولها وكثرتها ومتانتها ووقوعها على الوجه الأتم كل يوم هو في شأن والثاني أما أن يكون فيما كان من العلويات والسفليان أو فيما سيكون من أهوال القيامة وأحوال الآخرة إلى أبد الآباد قال بعض العارفين : الفكر إما في آيات الله وصنائعه فيتولد منه المعرفة وأما في عظمة الله وقدرته فيتولد منه الحياة وأما في نعم الله ومنته فيتولد منه المحبة وأما في وعد الله بالثواب فيتولد منه الرغبة في الطاعة وأما في وعيد الله بالعقاب فيتولد منه الرهبة من المعصية وأما في تفريط العبد في جنب الله فيتولد منه الحياء والندامة والتوبة ومن مهمات التفكر أن يتفكر المتفكر في أمر نفسه من مبدأه ومعاشه ومن إطاعته لربه ببدنه ولسانه وفؤاده ولو صرف عمره في فكر نفسه نظراً إلى أول أمره وأوسطه وآخره لما أتم وفي الآية إشارة إلى أن الله لو تجلى بصورة القرآن الجمعي المشتمل على حروف الموجودات العلوية وكلمات المخلوقات السفلية على جبل الوجود الإنساني لتلاشى من سطوة التجلي وإلى أن العارف ينبغي أن يذوب تحت الخطاب الإلهي من شدة التأثير وإلى أن هذه الأمة حملوا بهمتهم ما لم تحمله الجبال بقوتها كما قال تعالى فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/367)
{هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إله إِلا هُوَ} هو في أصل وضعه كناية عن المفرد المذكر الغائب وهي كناية عن المفردة المؤنثة الغائبة وكثيراً ما يكنى به عمن لا يتصور فيه الذكورة والأنوثة كما هو ههنا فإنه راجع إلى الله تعالى للعلم به ولك أن تقول هو موضوع لمفرد ليس فيه تأنيث حقيقة وحكماً وهر لمفرد يكون يكون فيه ذلك وهو مبتدأ خبره لفظة الله بمعنى هو المعبود بالحق المسمى بهذا الاسم الأعظم الدال على جلال الذات وكمال الصفات فلا يلزم أن يتحد المبتدأ والخبر بأن يكون التقدير الله الله إذ لا فائدة فيه أو الله بدل من هو والموصول مع صلته خبر المبتدأ أو هو إشارة إلى الشأن والله مبتدأ والذي لا إله إلا هو خبره والجملة خبر ضمير الشان ولا في كلمة التوحيد لنفي أفراد الجنس على الشمول والاستغراق واله مبني على الفتح بها مرفوع المحل على الابتداء والمراد به جنس المعبود بالحق لا مطلق جنس المعبود حقاً أو باطلاً فلا يصح في نفسه لتعدد الآلهة الباطلة ولا يفيد التوحيد الحق وإلا هو مرفوع على البدلية من محل المنفي أو من ضمير الخبر المقدر للا والخبر قد يقدر موجود فيتوهم أن التوحيد يكون باعتبار الوجود لا الإمكان فإن نفيوجود اله غير الله لا يستلزم نفي إمكانه وقد يقدر ممكن فيتوهم أن إثبات الإمكان لا يقتضي الوقوع فكم من شيء ممكن لم يقع وقد يقدر لنا فيتوهم أنه لا بد من مقدر فيعود الكلام والجواب أنه إذا كان المراد بالإله المعبود بالحق كما ذكر فهو لا يكون إلا رب العالمين مستحقاً لعبادة المكلفين فإذا نفيت الألوهية على هذا المعنى عن غيره تعالى وأثبتت له سبحانه يندفع التوهم على التقادير كلها إن قيل إن أراد القائل لا إله إلا الله شمول النفي له تعالى ولغيره فهو مشكل نعوذ بالله مع أن الاستثناء يكون كاذباً وإن أراد شموله لغيره فقط فلا حاجة إلى الاستثناء أجيب بأن مراده في قلبه هو الثاني إلا أنه يرى التعميم ظاهراً في أول الأمر ليكون الإثبات
454
بالاستثناء آكد في آخر الأمر فالمعنى لا إله غيره وهذا حال الاستثناء مطلقاً قال الشيخ أبو القاسم : هذا القول وإن كان ابتداؤه النفي لكن المراد به الإثبات ونهاية التحقيق فإن قول القائل لا أخ لي سواك ولا معين لي غيرك آكد من قوله أنت أخي ومعيني وكل من لا إله إلا الله ولا إله إلا هو كلمة توحيد لوروده في القرآن بخلاف لا إله إلا الرحمن فإنه ليس بتوحيد مع أن إطلاق الرحمن على غيره تعالى غير جائز وإطلاق هو جائز نعم أن الأولى كونه توحيداً إلا أنه لم يشتهر به التوحيد أصالة بخلافهما.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
اعلم أن هو من أسماء الذات عند أهل المعرفة لأنه بانفراده عن انضمام لفظ آخر إشارة إلى الله مستجمع لجميع الصفات المدلول عليها بالأسماء الحسنى فهو من جملة الأذكار عند الأبرار قال الإمام القشيري رحمه الله هو للإشارة وهو عند هذه الطائفة أخبار عن نهاية التحقيق فءذا قلت هو لا يسبق إلى قلوبهم غيره تعالى فيكتفون به عن كل بيان يتلوه لاستهلاكهم في حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على أسرارهم وقال الإمام الفاضل محمد بن أبو بكر الرازي رحمه الله في شرح الأسماء الحسنى.
اعلم أن هذا الاسم عند أهل الظاهر مبتدأ يحتاج إلى خبر ليتم الكلام وعند أهل الطريق لا يحتاج بل هو مفيد وكلام تام بدون شيء آخر يتصل به أو يضم له لاستهلاكهم في حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على أسرارهم وقال الشيخ العارف أحمد الغزالي أخو الإمام محمد الغزالي رحمه الله كاشف القلوب بقوله : لا إله إلا الله وكاشف الأرواح بقول الله وكاشف الأسرار بقول هو هو لا إله إلا الله قوت القلوب والله قوت الأرواح وهو قوت الأسرار فلا إله إلا الله مغناطيس القلوب والله مغناطيس الأرواح وهو مغناطيس الأسرار والقلب والروح والسر بمنزلة درة في صدفة في حقة فانظر أنه رحمه الله في أي درجة وضع هو وعن بعض المشايخ رأيت بعض الوالهين فقلت له : ما اسمك؟ فقال : هو قلت من أنت؟ قال هو قلت : من أين تجيء قال : هو قلت : من تعني بقولك هو قال : هو فما سألته عن شيء إلا قال هو فقلت : لعلك تريد الله فصاح وخرجت روحه فكن من الذاكرين بهو ولا تلتفت إلى المخالفين فإنهم من أهل الأهواء ولكل من العقل والنفس والقلب والروح معنيان أما العقل فيطلق على قوة دراكة توجد في الإنسان بها يدرك مدركاته وعلى لطيفة ربانية هي حقيقة الإنسان المستخدمة للبدن في الأمور الدنيوية والأخروية وهي العالم والعارف والعاقل وهي الجاهل والقاصر والغافل إلى غير ذلك وكذا النفس تطلق على صفة كائنة في الإنسان جامعة للأخلاق المذمومة داعية إلى الشهوات باعثة على الأهواى والآفات وتطلق على تلك اللطيفة المذكورة كما قال بعض الأفاضل :
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته
وتطلب الربح مما فيه خسران
عليك بالنفس فاستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/368)
وكذا القلب يطلب على قطعة لحم صنوبرية تكون في جوف الإنسان وعلى تلك اللطيفة وكذا الروح يطلق على جسم لطيف وعلى اللطيفة الربانية المذكورة فكل من الألفاظ الأربعة يطلق على نفس الإنسان الذي هو المتكلم والمخاطب والمثاب والمعاقب الأصالة
455
وبتبعيتها يقع الثواب والعقاب للجسد الذي هو القفص لها فالتغاير على هذا اعتباري فإن النفس نفس باعتبار أنها نفس الشيء وذاته وعقل باعتبار إدراكها وقلب باعتبار انقلابها من شيء إلى شيء وروح باعتبار استراحتها بما يلائمها وتستلذ به وعلى المعاني الأخر لهن حقيقي ثم إن النفس إما أن تكون تابعة للهوى فهي الأمارة لمبالغة أمرها للأعضاء بالسيئات فذكر دائرة النفس لا إله إلا الله وإما أن يهب الله له الإنصاف والندامة على تقصيراتها والميل إلى التدارك لما فات من المهمات فهي اللوامة للومها صاحبها بل نفسها على سوء عملها فذكر هذه الدائرة الله الله ويقال لها دائرة القلب لانقلابها إلى جانب الحق وإما أن تطمئن إلى الحق وتستقر في الطاعة وتتلذذ بالعبادة فهي المطمئنة لاطمئنانها تحت أمر الله بحب الله ويقال لهذه الدائرة دائرة الروح لاستراحتها بعبادة الله وذكره وتلذذها بشكره وذكر هذه الدائرة هو هو وأما ما قال بعض الكبار من أن الذكر بلا إله إلا الله أفضل من الذكر بكلمة الله الله وهو هو من حيث أنها جامعة بين النفي والإثبات ومحتوية على زيادة العلم والمعرفة فبالنسبة إلى حال المبتدى فكلمة التوحيد تظهر مرءاة النفس بنارها فتوصل السالك إلى دائرة القلب وكلمة الله تنور القلب بنورها فتوصل إلى دائرة الروح وكلمة هو تجلي الروح فتوصل من شاء الله إلى دائرة السر والسر لفظ استأثره المشايخ للحقيقة التي هي ثمرة الطريقة التي هي خلاصة الشريعة التي هي لازمة القبول لكل مؤمن إما أخذاً مما روي عن النبي عليه السلام أنه قال حكاية عن الله بيني وبين عبدي سر لا يسعه ملك مقرب ولا نبي مرسل وإما لكونه مستوراً عن أكثر الناس ليس من لوازم الشريعة والطريقة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم يشهد الله أينما يبدو أنه لا إله إلا هو :
هست هر ذره بو حدث خويش
يش عارف كواه وحدت او
اك كن جامى از غبار دويى
لوح خاطر كه حق يكيست نه دو
{عَـالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ} اللام للاستغراق فيعلم كل غيب وكل شهادة أي ما غاب عن الحسن من الجواهر القدسية وأحوالها وما حضر له من الإجرام وإعراضها ومن المعدوم والموجود فالمراد بالغيب حينئذ ما غاب عن الوجود ومن السر والعلانية ومن الآخرة والأولى ونحو ذلك قال الراغب : ما غاب عن حواس الناس وبصائرهم وما شهدوه بهما والمعلومات إما معدومات يمتنع وجودها أو معدومات يمكن وجودها وإما موجودات يمتنع عدمها أو موجودات لا يمتنع عدمها ولكل من هذه الأقسام الأربعة أحكام وخواص والكل معلوم تعالى وقدم الغيب على الشهادة لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به من حيث كونه موجوداً.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
واعلم أن ما ورد من إسناد علم الغيب إلى الله فهو الغيب بالنسبة إلينا لا بالنسبة إليه تعالى لأنه لا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء وإذا انتفى الغيب بالنسبة إليه انتفى العلم به أيضاً وأيضاً لما سقطت جميع النسب والإضافات في مرتبة الذات البحت والهوية الصرفة انتفت النسبة العلمية مطلقاً فانتفى العلم بالغيب فافهم {هُوَ الرَّحْمَـانُ الرَّحِيمُ} كرر هو لأن له شأناف شريفاً ومقاماً منيفاً من اشتغل به ملك من أعرض عنه هلك والله تعالى رحمته الدنيوية عامة لكل إنسي وجني مؤمناً كان أو كافراً :
اديم زمين سفره عام اوست
برين خان يغما ه دشمن ه دوست
على ما قال عليه السلام أيها الناس إن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وإن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك عادل قادر يحق فيها الحق ويبطل الباطل كونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن كل أم يتبعها ولدها ولذلك يقال يا رحمن الدنيا لأن ما فيه زيادة حرف يراد به زيادة في المعنى ورحمته الأخروية خاصة بالمؤمنين ولذا يقال يا رحيم الآخرة فعلى هذا في معنى الرحمن زيادة باعتبار المنعم عليه ونقصان باعتبار الأنواع والأفراد وفي تخصيص هذين الإسمين المنبئين عن وفور رحمته في الدارين تنبيه على سبق رحمته وتبشير للعاصين أن لا يقنطوا من رحمة الله وتنشيط للمطيعين بأنه يقبل القليل ويعطي الجزيل وحظ العبد من اسم الرحمن الرحيم أن يكون كثير الرحمة بأن يرحم نفسه أولاً ظاهراً وباطناً ثم يرحم غيره بتحصيل مراده وإرشاده والنظر إليه بعين الرحمة كما قال بعض المشايخ :
وارحم بني جميع الخلق كلهمو
وانظر إليهم بعين اللطف والشفقة
وقر كبير همو وارحم صغيرهمو
وراع في كل خلق حق من خلقه
(9/369)
قال الزروقي رحمه الله كل الأسماء يصح التخلق بمعانيها إلا الاسم الله فإنه للتعلق فقط وكل الأسماء راجعة إليه فالمعرفة به معرفة بها ولا بد للعبد من قلب مفرد فيه توحيد مجرد وسر مفرد وبه يحصل جميع المقاصد سئل الجنيد قدس سره كيف السبيل إلى الانقطاع إلى الله تعالى قال : بتوبة تزيل الإصرار وخوف يزيل التسويف ورجاء يبعث على مسالك العمل وإهانة النفس بقربها من الأجل وبعدها من الأمل قيل له بماذا يصل العبد إلى هذا قال : بقلب مفرد فيه توحيد مجرد انتهى وهو عجيب.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
وفي التأويلات النجمية تشير الآية إلى هويته الجامعة عالم غيب الوجود المسمى باسم الباطن وعالم شهادة الوجود المسمى باسم الظاهر هو الرحمن الرحيم أي هو المتجلي بالتجلي الرحماني العام وهو المتجلي بالتجلي الرحيمي الخاص وهو المطلق عن العموم والخصوص في عين العموم والخصوص غير اعتباراته وحيثياته {هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إله إِلا هُوَ} كرر هو لإبراز الاعتناء بأمر التوحيد يعني اوست خداى كه بهي وجه نيست خداى سزاى ريتش مكروى {الْمَلِكُ} ادشاهى كه جلال ذاتش ازوجه احتياج مصونست وكمال صفاتش باستغناء مطلق مقرون فمعناه ذو الملك والسلطان والملك بالضم هو التصرف بالأمر والنهي في الجمهور وذلك يختص بسياسة الناطقين ولهذا يقال ملك الناس ولا يقال ملك الأشياء فقوله تعالى ملك يوم الدين تقديره الملك في يوم الدين كما في المفردات وعبد الملك هو الذي يملك نفسه وغيره بالتصرف فيه بما شاء الله وأمره به فهو أشد الخلق على خليقته قال الإمام الغزالي قدس سره مملكة العبد الخاصة به قلبه وقالبه وجنده شهوته وغضبه وهواه ورعيته لسانه وعيناه ويداه وسائر أعضائه فإذا ملكها ولم
456
يطعها فقد نال تملكه درجة الملك في عالمه.
قال الشيخ سعدي :
وجود توشهريست رنيك وبد
توسلطان ودستور دانا خرد
هما ناكه دونان كردن فراز
درين شهر كبرست وسودا وآز
و سلطان عنايت كند بابدان
كجا ماند آسايش بخردان
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
فإن انضم إليه استغناؤه عن كل الناس واحتاج الناس كلهم إليه في حياتهم العاجلة والآجلة فهو الملك في العالم العرضي وتلك رتبة الأنبياء عليهم السلام فإنهم استغنوا في الهداية إلى الحياة الآخرة عن كل أحد إلا عن الله تعالى واحتاج إليهم كل أحد ويليهم في هذا الملك العلماء الذين هم ورثة الأنبياء وإنما ملكهم بقدر مقدرتهم على إرشاد العباد واستغنائهم عن الاسترشاد وهذا الملك عطية للعبد من الملك الحق الذي لا مثنوية في ملكه وإلا فلا ملك للعبد كما قيل لبعض العارفين ألك ملك؟ فقال : أنا عبد لمولاي فليس لي نملة فمن أنا حتى أقول لي شيء هذا كلام من استغرق في ملاحظة ملكية الله ومالكيته فما حكي أن بعض الأمراء قال لبعض الصلحاء سلني حاجتك قال : أولي تقول هذا ولي عبدان هما سيداك قال : من هما؟ قال الشهوة والغضب وفي بعض الرواية الحرص والهوى غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك فهو أخبار عن لطف الله وتمليكه من ضبط نفسه واستخدمها فيما يرضاه الله نصحاً لذلك الأمير ولغيره من السامعين شاهدين أو غائبين قال بعضهم لبعض الشيوخ أوصني فقال : كن ملكاً في الدنيا تكن ملكاً في الآخرة معناه اقطع طمعك وشهوتك في الدنيا فإن الملك في الحرية والاستغناء ومن مقالات أبي يزيد البسطامي قدس سره في مناجاته الهي ملكي أعظم من ملكك وذلك لأن الله تعالى ملك أبا يزيد وهو متناه وأبا يزيد ملك الله وهو باق غير متناه وخاصة اسم الملك صفاء القلب وحصول الفناء والأمرة ونحوها فمن واظب عليه وقت الزوال كل يوم مائة مرة صفا قلبه وزاد كدره ومن قرأه بعد الفجر مائة وإحدى وعشرين مرة أغناه الله من فضله أما بأسباب أو بغيرها {الْقُدُّوسُ} هو من صيغ المبالغة من القدس وهو النزاهة والطهارة أي البليغ في النزاهة عما يوجب نقصاناً ما وعن كل عيب وهو بالعبري قديساً ونظيره السبوح وفي تسبيح الملائكة سبوح قدوس رب الملائكة والروح قال الزمخشري إن الضفادع تقول في نقيقها سبحان الملك القدوس قال ثعلب : كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس فإن الضم فيهما أكثر وقد يفتحان وقال بعضهم المفتوح قليل في الصفات كثير في الأسماء مثل التنور والسمور والسفود وغيرها قال بعض المشايخ حقيقة القدس الاعتلاء عن قبول التغير ومنه الأرض المقدسة لأنها لا تتغير بملك الكافر كما يتغير غيرها من الأرضين واتبع هذا الاسم اسم الملك لما يعرض للملوك من تغير أحوالهم بالجور والظلم والاعتداء في الأحكام وفيما يترتب عليها فإن ملكه تعالى لا يعرض له ما يغيره لاستحالة ذلك في وصفه وقال بعضهم : التقديس التطهير وروح القدس جبريل عليه السلام لأنه ينزل بالقدس من الله أي ما يطهر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي والبيت المقدس هو المطهر من النجاسة أي الشرك أو لأنه يتطهر فيه من الذنوب وكذلك الأرض المقدسة وحظيرة
458
(9/370)
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
القدس الجنة.
قال الكاشفي : قدوس يعني اك از شوائب مناقص ومعايب ومنزه از طرق آفات ونوايب.
وقال الإمام الغزالي رحمه الله هو المنزه عن كل وصف يدركه حس أو يتصوره خيال أو يسبق إليه وهم أو يختلج به ضمير أو يفضي به تفكر ولست أقول منزه عن العيوب والنقائض فإن ذلك يكاد يقرب من ترك الأدب فليس من الأدب أن يقول القائل ملك البلد ليس بحائك ولا حجام ولا حذاء فإن نفي الوجود يكاد يوهم إمكان الوجود وفي ذلك الإيهام نقص بل أقول القدوس هو المنزه عن كل وصف من أوصاف الكمال الذي يظنه أكثر الخلق كما لا قال الزروقي رحمه الله كل تنزيه توجه الخلق به إلى الخالق فهو عائد إليهم لأن الحق سبحانه في جلاله لا يقبل ما يحتاج للتنزيه منه لاتصافه بعلى الصفات وكريم الأسماء وجميل الأفعال على الإطلاق فليس لنا من تقدسه إلا معرفة أنه القدوس فافهم وعبد القدوس هو الذي قدسه الله عن الاحتجاب فلا يسمع قلبه غير الله وهو الذي يسع قلبه الحق كما قال لا يسعني أرضي وسمائي ويسعني قلب عبدي ومن وسع الحق قدس عن الغير إذا لا يبقى عند تجلي الحق شيء غيره فلا يسع القدوس إلا القلب المقدس من الأكوان قال بعضهم : حظ العارف منه أن يتحقق أنه لا يحق الوصول إلا بعد العروج من عالم الشهادة إلى عالم الغيب وتنزيه السر عن المتخيلات والمحسوسات والتطواف حول العلوم الإلهية والمعارف الزكية عن تعلقات الحس والخيال وتطهير القصد عن أن يحوم حول الحظوظ الحيوانية واللذائذ الجسمانية فيقبل بشراً شره على الله سبحانه شوقاً إلى لقائه مقصور الهم على معارفه ومطالعة جماله حتى يصل إلى جناب العز وينزل بحبوحة القدس وخاصية هذا الاسم إنه إذا كتب سبوح قدوس رب الملائكة والروح على خبز إثر صلاة الجمعة وأكله بفتح الله له العبادة ويسلمه من الآفات وذلك بعد ذكر عدد ما وقع عليه وفي الأربعين الإدريسية يا قدوس الطاهر من كل آفة فلا شيء يعادله من خلقه قال السهروردي : من قرأه كل يوم ألف مرة في خلوة أربعين يوماً شمله مما يريد وظهرت له قوة التأثير في العالم {السَّلَـامُ} ذو السلامة من كل آفة ونقص وبالفارسية سالم از عيوب وعلل ومبرا از ضعف وعجز وخلل وهو مصدر بمعنى السلامة وصف به للمبالغة لكونه سليماً من النقائص أو في عطائه السلامة فيكون بمعنى التسليم كالكلام بمعنى التكليم فما ورد من قوله أنت السلام معناه أنت الذي سلم من كل عيب وبرىء من كل نقص وقوله ومنك السلام أي الذي يعطي السلامة فيسلم العاجز من المكاره ويخلصه من الشدائد في الدارين ويستر ذنوب المؤمنين وعيوبهم فيسلمون من الخزي يوم القيامة أو يسلم على المؤمنين في الجنة لقوله تعالى : سلام قولاً من رب رحيم وقوله وإليك يرجع السلام إشارة إلى أن كل من عليها فان ويبقى وجه ربك وقوله وحيناً ربنا بالسلام طلب السلامة منه في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال الإمام الغزالي رحمه الله هو الذي يسلم ذاته من العيب وصفاته من النقص وأفعاله من الشر يعني ليس في فعله شر محض بل في ضمنه خير أعظم منه فالمقضي بالأصالة هو الخير وهو والقدوس من الأسماء الذاتية السلبية إلا أن يكون بمعنى المسلم قال الراغب
459
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/371)
السلام والسلامة التعري من الآفات الظاهر والباطنة قيل وصف الله بالسلام من حيث لا تلحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق انتهى وعبد السلام هو الذي تجلى له اسم السلام فسلمه من كل نقص وآفة وعيب فكل عبد سلم من الغش والحقد والحسد وإرادة الشر قلبه وسلم من الآثام والمحظورات جوارحه وسلم من الانتكاس والانعكاس صفاته فهو الذي يأتي الله بقلب سليم وهو السلام من العباد القريب في وصفه من السلام المطلق الحق الذي لا مثنوية في صفاته وأعني بالانتكاس في صفاته أن يكون عقله أسير شهوته وغضبه إذا الحق عكسه وهو أن تكون الشهوة والغضب أسيري العقل وطوعه فإذا انعكس فقد انتكس ولا سلامة حيث يصير الأمير مأموراً والملك عبداً ولن يوصف بالسلام والإسلام إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده وخاصية هذا الاسم صرف المصائب والآلام حتى أنه إذا قرىء على مريض مائة وإحدى عشرة مرة برىء بفضل الله ما لم يحضر أجله أو يخفف عنه {الْمُؤْمِنُ} أي الموحد نفسه بقوله شهد الله إنه لا إله إلا هو قاله الزجاج أو واهب الأمن وهو طمأنينة النفس وزوال الخوف قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الذي آمن الناس من ظلمه وآمن من آمن من عذابه وهو من الإيمان الذي هو ضد التخويف كما في قوله تعالى وآمنهم من خوف وعنه أيضاً أنه قال : إذا كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي حتى إذا لم يبق فيها من يوافق اسمه اسم نبي قال الله لباقه أنتم المسلمون وأنا السلام وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن فيخرجهم من النار ببركة هذين الإسمين.
قال الكاشفي : ايمن كننده مؤمنان ازعقوبت نيران يا داعي خلق بإيمان وأمان يا مصدق رسل باظهار معجزه وبرهان.
قال الإمام الغزالي رحمه الله : المؤمن المطلق هو الذي لا يتصور أمن وأمان إلا ويكون مستفاداً من جهته وهو الله تعالى وليس يخفي أن الأعمى يخاف أن يناله هلاك من حيث لا يرى فعينه البصيرة تفيد أمناً منه والأقطع يخاف آفة لا تندفع إلا باليد واليد السليمة أمان منها وهكذا جميع الحواس والأطراف ولمؤمن خالقها ومصورها ومقومها ولو قدرنا إنساناً وحده مطلوباً من جهة أعدائه وهو ملقى في مضيق لا تتحرك عليه أعضاؤه لضعفه وإن تحركت فلا سلاح معه وإن كان معه سلاح لم يقاوم أعداءه وحده وإن كانت له جنود لم يأمن أن تنكسر جنوده ولا يجد حصناً يأوي إليه فجاء من عالج ضعفه فقواه وأمده بجنود وأصلحة وبنى حوله حصناً فقد أفاده أمناً وأماناً فبالحرى أن يسمى مؤمناً في حقه والبعد ضعيف في أصل فطرته وهو عرضة الأمراض والجوع والعطش من باطنه وعرضة الآفات المحرقة والمغرقة والجارحة والكاسرة من ظاهره ولم يؤمنه من هذه المخاوف إلا الذي أعد الأدوية دافعة لأمراضه والأطعمة مزيلة لجوعه والأشربة مميطة لعطشة والأعضاء دافعة عن بدنه والحواس جواسيس منذرة بما يقرب من مهلكاته ثم خوفه الأعظم من هلاك الآخرة ولا يحصنه منها إلا كلمة التوحيد والله هاديه إليها ومرغبه فيما حيث قال لا إله إلا الله حصني فمن دخله أمن من عذابي فلا أمن في العالم إلا وهو مستفاد من أسباب هو منفرد بخلقها
460
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/372)
والهداية إلى استعمالها وعبد المؤمن هو الذي آمنه الله من العقاب وآمنه الناس على ذواتهم وأموالهم وأعراضهم من المصطلحات فحظ العبد من هذا الوصف أن يأمن الخلق كلهم جانبه بل يرجو كل خائف الاعتضاد به في دفع الهلاك عن نفسه في دينه ودنياه كما قال عليه السلام : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليؤمن جاره بواثقه وفي ترجمة وصايا الفتوحات واكر خواهى كه از هيكس نترسى هي كس را مترسان تا ازهمه آمن باشى ون همه كس ازتو آمن باشند شيخ اكبر قدس سره الأطهر فرموده كه در عنفوان شباب كه هنوز بدين طريق رجوع نكرده بودم در صحبت والده وجمعى در سفر بودم ناكاه ديدم كله كور خردر مرعى ومن برصيد ايشان عظيم حريص بودم وكو دكان من اره دوربودند در نفس من اين فكر افتادكه ايشانرا نر نجانم ودل بران نهادم وخاطررا برترك تعرض وايذاى ايشان تسكين كردم وحصانى كه بروى سوار بودم بجانب ايشان ميل ميكرد سر او محكم كردم ونيزه بدست من بود ون بديشان رسيدم ودرميانه ايشان در آمدم وقت بودكه سنان نيزه ببعضى ميرسيد واودر را كردن خود بود والله هي يكى سر بر نداشت تامن از ميان ايشان كذشتم بعد ازان كود كان وغلامان رسيدند وآن جماعات حمر وحش از ايشان رميدند ومتفرق شدند ومن سبب آن نمى دانستم تا وقتى كه بطريق الله رجوع كردم ومرا در معامله نظر افتاد دانستم كه آن امان كه در نفس من بود در نفوس ايشان سرايت كرد واحق العباد باسم المومن من كان سبباً لأمن الخلق من عذاب الله بالهداية إلى طريق الله والإرشاد إلى سبيل النجاة وهذه حرفة الأنبياء والعلماء ولذلك قال عليه السلام : إنكم تتهافتون في النار تهافت الفراش وأنا آخذ بحجزكم لعلك تقول الخوف من الله على الحقيقة فلا مخوف إلا هو فهو الذي خوف عباده وهو الذي خلق أسباب الخوف فكيف ينسب إليه إلا من فجوا بك إن الخوف منه والأمن منه وهو خالق سبب الأمن والخوف جميعاً وكونه مخوفاً لا يمنع كونه مؤمناً كما أن كونه مذلاً لم يمنع كونه معزاً بل هو المعز والمذل وكونه خافضاً لم يمنع كونه رافعاً بل هو الرافع والخافض فكذلك هو المؤمن المخيف لكن المؤمن ورد التوقيف به خاصة دون المخوف وخاصية هذا الاسم وجود التأمين وحصول الصدق والتصديق وقوة الإيمان في العموم لذاكره ومن ذلك أن يذكره الخائف ستاً وثلاثين مرة فإنه يأمن على نفسه وماله ويزاد في ذلك بحسب القوة والضعف {الْمُهَيْمِنُ} قال بعض المشايخ هذا الاسم من أسمائه التي علت بعلو معناها عن مجاري الاشتقاق فلا يعلم تأويله إلا الله تعالى وقال بعضهم : هو المبالغ في الحفظ والصيانة عن المضار من قولهم هيمن الطائر إذا نشر جناحه على فرخه حماية له وفي الإرشاد الرقيب الحافظ لكل شيء وقال الزروقي هو لغة الشاهد ومنه قوله تعالى ومهيمناً عليه يعني شاهداً عالماً وقال بعضهم : مفيعل من الأمن ضد الخوف وأصله مؤأمن بهمزتين فقلبت الهمزة الثانية ياء لكراهة اجتماعهما فصار مؤيمن ثم صيرت الأولى هاء كما قالوا في أراق الماء هراقه فيكون في معنى المؤمن.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ـ حكي ـ أن ابن
461
قتيبة لما قال في المهيمن أنه مصغر من مؤمن والأصل مؤمن فأبدلت الهمزة هاء قيل له هذا يقرب من الكفر فليتق الله قائله وذلك لأن فيه ترك التعظيم وقال الإمام الغزالي رحمه الله معنى المهيمن في حق الله أنه القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم وإنما قيامه عليهم باطلاعه واستيلائه وحفظه وكل مشرف على كنه الأمر مستول عليه حافظ له فهو مهيمن عليه والإشراف يرجع إلى العلم والاستيلاء إلى كمال القدرة والحفظ إلى الفعل فالجامع بين هذه المعاني اسمه المهيمن ولن يجمع ذلك على الإطلاق والكمال إلا الله تعالى ولذلك قيل إنه من أسماء الله تعالى في الكتب القديمة وعبد المهيمن هو الذي شاهد كون الحق رقيباً شهيداً على كل شيء فهو يرقب نفسه وغيره بإيفاء حق كل ذي حق عليه لكونه مظهر الاسم المهيمن يعني حظ العارف منه أن يراقب قلبه ويحفظ قواه وجوارحه ويأخذ حذره من الشيطان ويقوم بمراقبة عباد الله وحفظهم فمن عرف أنه المهيمن خضع تحت جلاله وراقبه في كل أحواله واستحيى من اطلاعه عليه فقام بمقام المراقبة لديه.
ـ حكي ـ أن إبراهيم بن أدهم رحمه الله كان يصلي قاعداً فجلس ومد رجليه فهتف به هاتف هكذا تجالس الملوك وإن الحريري كان لا يمد رجليه في الخلوة فقيل له : ليس يراك أحد فقال : حفظ الأدب مع الله أحق.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/373)
يقول الفقير يقرب من هذا ما وقع لي عند الكعبة فإني بعدما طفت بالبيت استندت إلى مقام إبراهيم حباله فقيل لي من قبل الله تعالى ما هذا البعد في عين القرب فعلمت أن ذلك من ترك الأدب في جالسة الله معي فلم أزل ألازم باب الكعبة في الصف الأول مدة مجاورتي بمكة وخاصة هذا الاسم الإشراف على البواطن والأسرار ومن قرأه مائة مرة بعد الغسل والصلاة في خلوة بجمع خاطر نال ما أراد ومن نسبته المعنوية علام الغبوب عن التأمل وفي الأربعين الإدريسية يا علام الغيوب فلا يفوت شيء من علمه ولا يؤوده قال السهرودي من داوم عليه قوي حفظه وذهب نسيانه {الْعَزِيزُ} غالب در حكم يا بخشنده عزت.
قال بعضهم : من عز إذا غلب فمرجعه القدرة المتعالية عن المعارضة والممانعة أو من عز عزازة إذا قل فالمراد عديم المثل كقوله تعالى : ليس كمثله شيء وقال الإمام الغزالي رحمه الله العزيز هو الحظير الذي يقل وجود مثله وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه فما لم يجمع فيه المعاني الثلاثة لم يطلق عليه العزيز فكم من شيء يقل وجوده ولكن إذا لم يعظم خطره ولم يكثر نفعه لم يسم عزيراً وكم من شيء يعظم خطره ويكثر نفعه ولا يوجد نظيره ولكن إذا لم يصعب الوصول إليه لم يسم عزيزاً كالشمس مثلاً فإنها لا نظير لها والأرض كذلك والنفع عظيم في كل واحدة منهما والحاجة شديدة إليهما ولكن لا توصفان بالعزة لأنه لا يصعب الوصول إلى مشاتهما فلا بد من اجتماع المعاني الثلاثة ثم في كل واحد من المعاني الثلاثة كمال ونقصان فالكمال في قلة الوجود أن يرجع إلى الواحد إذ لا أقل من الواحد ويكون بحيث يستحيل وجود مثله وليس هذا إلا الله تعالى فإن الشمس وإن كانت واحدة في الوجود فليست واحدة في الإمكان فيمكن وجود مثلها والكمال في النفاسة وشدة الحاجة أن يحتاج إليه كل شيء في كل شيء حتى في وجوده وبقائه
462
وصفائه وليس ذلك الكمال إلا الله تعالى وعبد العزيز هو الذي أعزه الله بتجلي عزته فلا يغلبه شيء من أيدي الحدثان والأكوان وهو يغلب كل شيء قال الغزالي رحمه العزيز ن العباد من يحتاج إليه عباد الله في مهام أمورهم وهي الحياة الأخروية والسعادة الأبدية وذلك مما يقل لا محالة وجوده ويصعب إدراكه وهذه رتبة الأنبياء عليهم السلام ويشاركهم في العز من يتفرد بالقرب منهم أي من درجتهم في عصرهم كالخلفاء وورثتهم من العلماء وعزة كل واحد بقدر علو رتبته عن سهولة النيل والمشاركة وبقدر غنائه في إرشاد الخلق وقال بعضهم حظ العبد من هذا الإسم أن يعز نفسه فلا يستهينها بالمطامع الدنية ولا يدنيها بالسؤال من الناس والافتقار إليهم قيل إنما يعرف عزيزاً من أعز أمر الله بطاعته فأما من استهان بأوامره فمن المحال أن يكون متحققاً بعزته وقال الشيخ أبو العباس المرسي رحمه الله والله ما رأيت العز إلا في رفع الهمة عن الخلوقين فمن عرف أنه العزيز لا يعتقد لمخلوق جلالاً دون جلال الله تعالى فالعزيز بين الناس في المشهور من جعله الله ذا قدر ومنزلة بنوع شرف باق أو فان فمنهم من يكون عزيزاً بطاعة الله تعالى ومنهم من يكون بالجاه ومنهم من يكون عزيزاً بالعلم والمعرفة والكمال ومنهم من يكون بالسطوة والشوكة والمال ثم منهم من يكون عزيزاً في الدارين ومنهم من يكون في الدنيا لا في العقبى ومنهم من يكون على العكس فكم من ذليل عند الناس عزيز عند الله وكم من عزيز عند الناس ذليل عند الله والعزيز عند المولى هو الأصل والأولى قال في أبكار الأفكار غير رسول الله عليه السلام اسم العزيز لأن العزةوشعار العبد الذلة والاستكانة وخاصية هذا الاسم وجود الغنى والعز صورة أو حقيقة أو معنى فمن ذكره أربعين يوماً في كل يوم أربعين مرة أعانه الله وأعزه فلم يحوجه إلى أحد من خلقه وفي الأربعين الإدريسية يا عزيز المنيع الغالب على أمره فلا شيء يعادله قال السهر وردي رحمه الله : من قرأه سبعة أيام متواليات كل يوم ألفاً أهلك خصمه وإن ذكره في وجه العسكر سبعين مرة ويشير إليهم بيده فإنهم ينهزمون
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/374)
{الْجَبَّارُ} الذي جبر خلقه على ما أراد أي قهرهم وأكرههم عليه أو جبر أحوالهم أي أصلحها فعلى هذا يكون الجبار من الثلاثي لا من الأفعال وجبر بمعنى أجبر لغة تميم وكثير من الحجازيين واستدل بورود الجبار من يقول أن أمثلة مبالغة تأتي من الميد عن الثلاثة فإنه من أجبره علي كذا أي قهره والقا الفراء : لم يسمع فعال من أفعل إلا في جبار ودراك فإنهما من أجبر وأدرك قال الراغب أصل الجبر إصلاح الشيء بضرب من القهر وقد يقال في إصلاح المجرد نحو قول علي رضي الله عنه يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير والإجبار في الأصل حمل الغير على أن يجبر الأمور لكن تعورف في الإكراه المجرد وسمي الذين يدعون أن الله تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلمين مجبرة وفي قول المتقدمين جبرية والجبار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من المعالي لا يستحقها وهذا لا يقال إلا على طريقة الذم وفي وصف الله لأنه الذي يجبر الناس بفائض نعمه أو يقهرهم على ما يريده من مرض وموت وبعث ونحوها وهو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه فالجبار المطلق هو الذي ينفذ مشيئته
463
على سبيل الإجبار في كل أحد ولا ينفذ فيه مشئة أحد.
ـ روي ـ أن في بعض الكتب الإلهية عبدي تريد وأريد ولا يكون إلا ما أريد فإن رضيت بما أريد كفيتك ما تريد وإن لم ترض بما أريد أبقيتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد وعبد الجبار هو الذي يجبر كسر كل شيء ونقصه لأن الحق جبر حاله وجعله بتجلي هذا الاسم جابر الحال كل شيء مستعلياً عليه ومن علم أنه الجبار دق في عينه كل جبار وكان راجعاً إليه في كل أمر بوصف الافتقار بجبر المكسور من أعماله وترك الناقص من آماله فتم له الإسلام والاستسلام وارتفعت همته عن الأكوان فيكون جباراً على نفسه جابراً لكسر عباده وقال بعضهم حظ العارف من هذا الاسم أن يقبل على النفس ويجبر نقائصها باستكمال الفضائل ويحملها على ملازمة التقوى والمواظبة على الطاعة ويكسر منها الهوى والشهوات بأنواع الرياضات ويترفع عما سوى الحق غير ملتفت إلى الخلق فيتحلى بحلى السكينة والوقار بحيث لا يزلزله تعاور الحوادث ولا يؤثر فيه تعاقب النوافل بل يوقى على التأثير في الأنفس والآفاق بالإرشاد والإصلاح وقال الإمام الغزالي حمه الله الجبار من العباد من ارتفع عن الاتباع ونال درجة الاستتباع وتفرد الخلق ولا يستفيد ويؤثر ولا يتأثر ويستتبع ولا يتبع ولا يشاهده أحد إلى ويفنى عن ملاحظة نفسه ويصير مستوفى الهم غير ملتفت إلى ذاته ولا يطمع أحد في استدراجه واستتباعه وإنما حظي بهذا الوصف سيد الأولين والآخرين عليه السلام حيث قال : لو كان موسى بن عمران حياً ما وسعه إلا اتباعي وأنا سيد ولد آدم ولا فخر وخاصية هذا الاسم الحفظ من ظلم الجبابرة والمعتدين في السفر والإقامة يذكر بعد قراءة المسبعات عشر صباحاً ومساء إحدى وعشرين مرة ذكره الزروقي في شرح الأسماء الحسنى {الْمُتَكَبِّرُ} الذي تكبر عن كل ما يوجب حاجة أو نقصاناً أو البليغ الكبرياء والعظمة يعني أن صيغة التفعل للتكلف بما لم يكن فإذا قيل تكبر وتسخى دل على أنه يرى ويظهر الكبر والسخاء وليس بكبير ولا سخي والتكلف بما لم يكن كان مستحيلاً في حق الله تعالى حمل على لازمه وهو أن يكون ما قام به من الفعل على أتم ما يكون وأكمله من غير أن يكون هناك تكلف واعتمال حقيقة ومنه ترحمت على إبراهيم بمعنى رحمته كمال الرحمة وأتممتها عليه فإذا قيل إنه تعالى متكبر كان المعنى إنه البالغ في الكبر أقصى المراتب.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ـ روي ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله عليه السلام قائماً على هذا المنبر يعني منبر رسول الله في المدينة وهو يحكي عن ربه تعالى فقال : إن الله عز وجل إذا كان يوم القيامة جمع السموات والأرضين في قبضته تبارك وتعالى ثم قال هكذا وشد قبضته ثم بسطها ثم يقول أنا الله أنا الرحمن أنا الرحيم أنا الملك أنا القدوس أنا السلام أنا المؤمن أنا المهيمن أنا العزيز أنا الجبار أنا المتكبر أنا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئاً أنا الذي أعدتها أين الملوك أين الجبابرة :
قهار بي منازع وغفار بي ملال
ديان بي معادل وسلطان بي ساه
باغير اوضافت شاهى بود نان
بريك دو وب اره زشطرنج نام شاه
464
(9/375)
قال الراغب : التكبر يقال على وجهين أحدهما أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره وعلى هذا وصف الله بالمتكبر وهو ممدوح والثاني أن يكون متكلفاً لذلك متشبعاً وذلك في وصف عامة الناس والموصوف به مذموم وفي الحديث : "الكبرياء ودائي والعظمة ازاري فمن نازعني في شيء منهما قصمته" قال بعضهم : الفرق بين المتكبر والمستكبر أن المتكبر عام لإظهار الكبر الحق كما في أوصاف الحق تعالى ولإظهار الكبر الباطل كما في قوله سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق والكبر ظن الإنسان أنه أكبر من غيره والتكبر إظهاره ذلك كما في العوارف والاستكبار باطلاً كما في قوله تعالى في حق إبليس استكبر وغير ذلك كما تجده في موارد استعمالاته في القرآن والحديث وقال في الأسئلة المقحمة ما معنى المتكبر من أسماء الله فإن التكبر مذموم في حق الخلق والجواب معناه هو المتعظم عما لا يليق به سبحانه وهو من الكبرياء لا من التكبر ومعناه المبالغة في العظمة والكبرياء في الله وهو الامتناع عن الإنقياد فلهذا كان مذموماً في حق الخلق وهو صفة مدح في حق الله تعالى انتهى فإن قلت ما تقول في قوله عليه السلام حين قال له عمه أبو طالب ما أطوعك ربك يا محمد وأنت يا عم لو أطعته أطاعك قلت هذه الإطاعة والانقياد للمطيع لا للخارج عن أمره فلا ينافي عدم انقياده لغيره فهو المتكبر للمتكبر كما أنه المطيع للمطيع قال بعضهم : المتكبر هو الذي يرى غيره حقيراً بالإضافة إلى ذاته فينظر إلى الغير نظر المالك إلى عبده وهو على الإطلاق لا يتصور إلا تعالى فإنه المتفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة إلى كل شيء من كل وجه ولذلك لا يطلق على غيره تعالى إلا في معرض الذم لما أنه يفيد التكلف في إظهار ما لا يكون قال عليه السلام : تحاجت النار والجنة فقالت : هذه يدخلني الجبارون المتكبرون وقالت هذه يدخلني الضعفاء والمساكين فقال الله لهذه أنت عذابي أعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها ومن عرف علوه تعالى وكبرياءه لازم طريق التواضع وسلك سبيل التذلل قيل الفقير في خلقه أحسن منه في جديد غيره فلا شيء أحسن على الخدم من لباس التواضع بحضرة السادة قال بعض الحكماء ما أعز الله عبداً بمثل ما يدل على ذل نفسه وما أذله بمثل ما يدل على عز نفسه.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ـ حكي ـ أن بعضهم قال : رأيت رجلاً في الطواف وبين يديه خادمان يطردان الناس ثم بعد ذلك رأيته يتكفف على جسر فسألته عن ذلك فقال : إني تكبرت في موضع يتواضع فيه الناس فوضعني الله في موضع يترفع فيه الناس وعبد المتكبر هو الذي فنى تكبره بتذلله للحق حتى قام كبرياء الله مقام كبره فيتكبر بالحق على ما سواه فلا يتذلل للغير قال الإمام الغزالي قدس سره المتكبر من العباد هو الزاهد ومعنى زهد العارف أن يتنزه عما يشغل سره عن الحق ويتكبر في كل شيء سوء الله تعالى فيكون مستقراً للدنيا والآخرة مرتفعاً عن أن يشغله كلتاهما عن الحق وزهد العارف معاملة ومعارضة فهو إنما يشتري بمتاع الدنيا متاع الآخرة فيترك الشيء عاجلاً طمعاً في إضعافه آجلاً وإنما هو سلم ومبايعة ومن استبعدته
465
شهوته المطعم والمنكح فهو حقير وإنما المتكبر من يستحقر كل شهوة وحظ بتصور أن تشاركه فيها البهائم وخاصية هذا الاسم الجلالة ظهور الخير والبركة حتى أن من ذكره ليلة دخوله بزوجته عند دخوله عليها وقرأه قبل جماعها عشراً رزق منها ولداً صالحاً ذكراً وفي الأربعين الإدريسية يا جليل المتكبر على كل شيء فالعدل أمره والصدق وعده قال السهر وردي رحمه الله مداومه بلا فترة يجل قدره ويعز أمره ولا يقدر أحد على معارضته بوجه ولا بحال {سُبْحَـانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} تنزيه له تعالى عما يشركون به تعالى أو عن إشراكهم به أثر تعداد صفات لا يمكن أن يشاركه تعالى في شيء منها شيء ما أصلاً أي سبحوا الله تسبيحاً ونزهوه تنزيهاً عما يشركه الكفار به من المخلوقات فالله تعالى أورده لإظهار كمال كبريائه وللتعجب من إثبات الشرك بعدما عاينوا آثار اتصافه بجلال الكبرياء وكمال العظمة.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
(9/376)
وفي التأويلات النجمية قوله سبحانه هو الله الذي لا إله إلا هو الملك الخ يشير إلى وحدانية ذاته وفردانية صفاته وتصرفه في الأشياء على مقتضى حكمته الإولية وإلى نزاهته عن النقائص الإمكانية ووصف الا من بين العدم المحض بسبب التحقق بالوجود المطلق وإلى حفظ الأشياء في عين شيئيته وإعزازه أولياءه وقهره وإذلاله أعداءه وإلى كمال كبريائه بظهوره في جميع المظاهر وإلى نزاهة ذاته عما يشركون معنى في ذاته وفي صفاته وفي عرائس البقلي سبحان الله عما يشركون إليه بالنواظر والخواطر انتهى {هُوَ اللَّهُ الْخَـالِقُ} أي المقدر للأشياء على مقتضى حكمته ووفق مشيئته فإن أصل معنى الخلق التقدير كما يقال خلق النعل إذا قدرها وسواها بمقياس وإن شاع في معنى الإيجاد على تقدير واستواء وسواء كان من مادة كخلق الإنسان من نطفة ونحوه أو من غير مادة كخلق السموات والأرض وعبد الخالق هو الذي يقدر الأشياء على وفق مراد الحق لتجليه له بوصف الخلق والتقدير فلا يقدر إلا بتقديره تعالى وخاصية هذا الاسم أن يذكر في جوف الليل ساعة فما فوقها فيتنور قلب ذاكره ووجهه وفي الأربعين الإدريسية خالق من في السموات ومن في الأرض وكل إليه معاده قال السهروردي يذكر لجمع الضائع والغائب البعيد الغيبة خمسة آلاف مرة الموجد للأشياء بريئة من التفاوت فإن البرء الإيجاد على وجه يكون الموجد بريئاً من التفاوت والنقصان عما يقتضيه التقدير على الحكمة البالغة والمصلحة الكاملة وعبد الباريء هو الذي يبرأ عمله من التفاوت والاختلاف فلا يفعل إلا ما يناسب حضرة الاسم البارىء متعادلاً متناسباً بريئاً من التفاوت كقوله تعالى ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت وخاصية هذا الاسم أن يذكره سبعة أيام متوالية كل يوم مائة مرة للسلامة من الآفات حتى من تعدى التراب عليه في القبر وفي الأربعين الإدريسية يا بارىء النفوس بلا مثال خلا من غيره قال السهروردي يفتح لذاكره أبواب الغنى والعز والسلامة من الآفات وإذا كتب في لوح من قير وعلق على المجنون نفعه وكذلك أصحاب الأمراض الصعبة {الْمُصَوِّرُ} الموجد لصور الأشياء وكيفياتها كما أراد يعني بحشنده صورت هر مخلوق.
كما يصور الأولاد في الأرحام بالشكل
466
واللون المخصوص فإن معنى التصوير تخصيص الخلق بالصور المتميزة والأشكال المتعينة قال الراغب الصورة ما تتميز به الأعيان عن غيرها وهي محسوسة كصورة الإنسان ومعقولة كالعقل وغيره من المعاني وقوله عليه السلام : إن الله خلق آدم على صورته أراد بالصورة ما خص الإنسان به من الهيئة المدركة بالبصر وبالبصيرة وبها فضله على كثير من خلقه وإضافته إلى الله على سبيل الملك لا على سبيل البعضية والتشبيه بل على سبيل التشريف له كقوله بيت الله وناقة الله وروح الله.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
يقول الفقير الضمير المجرور في صورته يرجع إلى الله لا إلى آدم والصورة الإلهية عبارة عن الصفات السبع المرتبة وهي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام وآدم مظهر هذه الصفات بالفعل بخلاف سائر الموجودات وإطلاق الصورة على الله تعالى مجاز عند أهل الظاهر إذ لا تستعمل في الحقيقة إلا في المحدوسات وأما عند أهل الحقيقة فحقيقة لأن العالم الكبير بأسره صورة الحضرة الإلهية فرقاً وتفصيلاً وآدم صورته جمعا وإجمالاً :
أي زهمه صورت خوب توبه
صورك الله على صورته
روى تو آيينه حق بيني است
در نظر مردم خود بين منه
بلكه حق آيينه وتو صورتى
وهم توى رابميان ره مده
صورت از آيينه نباشد جدا
انت به متحد فانتبه
هركه سر رشته وحدت نيافت
يش وى اين نكته بود مشتبه
رشته يكى دان وكره صد هزار
كيست كزين نكته كشايد كره
هركه و جامى بكره بند شد
كر بسر رشته رود بازبه
(9/377)
والحاصل أن الخالق هنا المقدر على الحكمة الملائكة لنظام العالم والبارىء الموجد على ذلك التقدير والمصور المبدع لصور الكائنات وأشكال المحدثات بحيث يترتب عليها خواصهم ويتم بها كمالهم وبهذا ظهر وجه الترتيب بينهما واستلزام التصوير البرء والبرء الخلق استلزام الموقوف الموقوف عليه كما قال الإمام الغزالي رحمه الله وقدس سره قد يظن أن هذه الأسماء مترادفة وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع ولا ينبغي أن يكون كذلك بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى التقدير أولاً وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانياً وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً والله تعالى خالق من حيث أنه مقدر وبارىء من حيث أنه مخترع موجد ومصور من حيث أنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب وهذا كالبناء مثلاً فإنه محتاج إلى مقدر يقدر ما لا بد منه من الخشب واللبن ومساحة الأرض وعدد الأبنية وطولها وعرضها وهذا يتولاه المهندس فيرسمه ويصوره ثم يحتاج إلى بناء يتولى الأعمال التي عندها تحدث وتحصل أصول الأبنية ثم يحتاج إلى مزين ينقش ظاهره ويزين صورته فيتولاه غير البناء هذه هي العادة في التقدير والبناء والتصوير وليس كذلك في أفعال الله تعالى بل هو المقدر والموجد والمزين فهو الخالق البارىء المصور فقدم ذكر الخالق على البارىء لأن الإرادة والتقدير مقدمة على تأثير القدرة وقدم البارىء
467
على المصور لأن إيجاد الذات متقدم على إيجاد الصفات وعن حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه أنه قرأ البارىء المصور بفتح الواو ونصب الراء الذي يبرأ المصور أي يميز ما يصوره بتفاوت الهيئات واختلاف الأشكال وعبد المصور هو الذي لا يتصور ولا يصور إلا ما طابق الحق ووافق تصويره لأن فعله يصدر عن مصوريته تعالى ولذا قال بعضهم : حظ العارف من هذه الأسماء أن لا يرى شيئاً ولا يتصور أمراً إلا ويتأمل فيما فيه من باهر القدرة وعجائب الصنع فيترقى من المخلوق إلى الخالق وينتقل من ملاحظة المصنوع إلى ملاحظة الصانع حتى يصير بحيث كلما حتى يصير بحيث كلما نظر إلى شيء وجد الله عنده وخاصية الاسم المصور الإعانة على الصنائع العجيبة وظهور الثمار ونحوها حتى أن العاقر إذا ذكرته في كل يوم إحدى وعشرين مرة على صوم بعد الغروب وقبل الإفطار سبعة أيام زال عقمها وتصور الولد في رحمها بإذن الله تعالى
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
{لَهُ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى} لدلالتها على المعاني الحسنة كما سبق في سورة طه.
قال الكاشفي : مر اوراست نامهاى نيكى كه در شرع وعقل سنديده ومستحسن باشدع والحسنى صيغة تفضيل لأنها تأنيث الأحسن كالعليا في تأنيث الأعلى وتوصيف الأسماء بها للزيادة المطلقة إذ لا نسبة لأسمائه إلى غير الأسماء من أسماء الغير كما لا نسبة لذاته المتعالية إلى غير الذوات من ذوات الغير وأسماء الله تسعة وتسعون على ما جاء في الحديث ونقل صاحب اللباب عن الإمام الرازي أنه قال : رأيت في بعض كتب الذكر أن تعالى أربعة آلاف اسم ألف منها في القرآن والأخبار الصحيحة وألف في التوراة وألف في الإنجيل وألف في الزبور.
ـ روي ـ إن من دعاء رسول الله عليه السلام : أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب فلعل كونها تسعة وتسعين بالنظر إلى الأشهر الأشرف الأجمع وتعدد الأسماء لا يدل على تعدد المسمى لأن الواحد يسمى أبا من وجه وجداً من وجه وخالاً من وجه وعالماً من وجه وذاته متحدة قال عبد الرحمن البسطامي قدس سره في ترويح القلوب : اعلم أن من السر المكتوم في الدعاء أن تأخذ حروف الأسماء التي تذكر بها مثل قولك الكبير المتعال ولا تأخذ إلا ألف واللام بل تأخذ كبير متعال وتنظر كما لها من الأعداد بالجمل الكبير فتذكر ذلك العدد في موضع خال من الأصوات بالشرائط المعتبرة عند أهل الخلوة لا تزيد على العدد ولا تنقص منه فإنه يستجاب لك بالوقت وهو الكبريت الأحمر بإذن الله تعالى فإن الزيادة على العدد المطلوب إسراف والنقص منه إخلال والعدد في الذكر بالأسماء كأسنان المفتاح لأنها زادت ونقصت لا تفتح الباب وقس عليه باب الإجابة فافهم السر وصن الدر.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ثم اعلم أن العارفين يلاحظون في الأسماء آلة التعريف وأصل الكلمة والملامية يطرحون منها آلة التعريف لأنها زائدة على أصل الكلمة قال العلماء : الاسم هو اللفظ الدال على المعنى بالوضع والمسمى هو المعنى الموضع له والتسمية وضعا للفظ له أو إطلاقه عليه وإطلاق الاسم على الله تعالى توقفي عند البعض بحيث لا يصح إطلاق شيء منه عليه إلا بعد أن كان وارداً في القرآن أو الحديث الصحيح وقال آخرون : كل لفظ دل على معنى
468
(9/378)
يليق بجلال الله وشأنه فهو جائز الإطلاق وإلا فلا ومن أدلة الأولين أن الله عالم بلا مرية فيقال له عالم وعليم وعلام لوروده في الشرع ولا يقال له عارف أو فقيه أو متيقن إلى غير ذلك مما يفيد معنى العلم ومن أدلة الآخرين أن الأسماءوصفاته مذكورة بالفارسية والتركية والهندية وغيرها مع أنها لم ترد في القرآن والحديث ولا في الأخبار وأن المسلمين أجمعوا على جواز إطلاقها ومنها أن الله تعالى قال : ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها والاسم لا يحسن إلا لدلالته على صفات الكمال ونعوت الجلال فكل اسم دل على هذه المعاني كان اسماً حسناً وأنه لا فائدة في الألفاظ إلا رعاية المعاني فإذا كانت المعاني صحيحة كان المنع من إطلاق اللفظ المفيد غير لائق غاية ما في الباب أن يكون وضع الاسم علماً له مستحدثاً وذكر ما يوهم معنى غير لائق به تعالى ليس بأدب أما ذكر ما هو دال على معنى حسن ليس فيه إيهام معنى مستنكر مستنفر فليس فيه من سوء الأدب شيء {يُسَبِّحُ لَه مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ} ينطق بتنزهه عن جميع النقائص تنزهاً ظاهراً قال في كشف الأسرار : يسبح له جميع الأشياء إما بياناً ونطلقاً وإما برهاناً وخلقاً وقد مر الكلام في هذا التسبيح مراراً وجمهور المحققين على أنه تسبيح عبارة وهو لا ينافي تسبيح الإشارة وكذا العكس {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الجامع للكمالات كافة فإنها مع تكثرها وتشعبها راجعة إلى الكمال في القدرة والعلم قال الإمام الغزالي رحمه الله الحكيم ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأجل العلوم وأجل الأشياء هو الله تعالى وأجل العلوم هو العلم الأزلي الدائم الذي لا يتصور زواله فليس يعلم الله حقيقة إلا الله ومن عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله بقدر الطاقة البشرية لم يستحق أن يسمى حكيماً فمن عرف الله فهو حكيم وإن كان ضعيف القوة في العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها إلا أن نسبة حكمة العبد إلى حكمة الله كنسبة معرفته إلى معرفته بذاته وشتان بين المعرفتين فشتان بين الحكمتين ولكنه مع بعده عنه هو أنفس المعارف وأكثرها خيراً ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب وعبد الحكيم هو الذي بصره الله بمواقع الحكمة في الأشياء ووفقه للسداد في القول والصواب في العمل وهو يرى خللاً في شيء ألا يسده ولا فساداً ألا يصلحه وخاصية هذا الاسم دفع الدواهي وفتح باب الحكمة فمن أكثر ذكره صرف الله عنه ما يخشاه من الدواهي وفتح الله باب الحكمة وإنما مدح الله نفسه بهذه الصفات العظام تعليماً لعباده المدح بصفاته العلي بعد فهم معانيها ومعرفة استحقاقه بذلك طلباً لزيادة تقربهم إليه قال أبو الليث في تفسيره فإن قال قائل قد قال الله فلا تزكوا أنفسكم فما الحكمة في أن الله تعالى نهى عباده عن مدح أنفسهم ومدح نفسه قيل له عن هذا السؤال جوابان أحدهما أن العبد وإن كان فيه خصال الخير فهو ناقص وإذا كان ناقصاً لا يجوز له أن يمدح نفسه والله تعالى تام الملك والقدرة فيستوجب بهما المدح فمدح نفسه ليعلم عباده فيمدحوه والجواب الآخر أن العبد وإن كان فيه خصال الخير فتلك أفضال من الله تعالى ولم يكن ذلك بقوة العبد فلهذا لا يجوز أن يمدح نفسه ونظير هذا أن الله تعالى نهى عباده أن يمنوا على أحد بالمعروف وقد من على عباده للمعنى
469
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
الذي ذكر في المدح قال بعض الكبار تزكية الإنسان لنفسه سم قاتل وهي من باب شهادة الزور لجهله بمقامه عند الله إلا أن يترتب على ذلك مصلحة دينية فللإنسان ذلك كما قال عليه السلام : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر أي لا أفتخر عليكم بالسيادة إنما الفخر بالعبودية والفخر بالذات لا يكون إلاوحده وأما الفخر في عباده فإنما هو للرتب فيقال صفة العلم أفضل من صفة الجهل ونحو ذلك ولا يخفى أن الرتب نسبة عدمية فما افتخر من افتخر إلا بالعدم ولذلك أمر الله نبيه أن يقول إنما أنا بشر مثلكم فلم ير لذاته فضلاً على غيره ثم ذكر شرف الرتبة بقوله يوحى إلي.
(9/379)
اعلم أن الأولى لك أن تسكت عن بحثين وتكل العلم فيهما إلى الله العليم الخبير أحدهما ما يكون بين العلماء من أن صفات الله الثابتة هل هي موجودات بوجودات مستقلة غير وجوده تعالى أولاً بعد الإيمان باتصافه تعالى بهاوكمالها ودوامها والثاني ما يكون بين المشايخ من أن الوجود هل هو واحد والله سبحانه وتعالى هو ذلك الوجود وسائر الموجودات مظاهر له لا وجود لها بالاستقلال أوله تعالى وجود زائد على ذاته واجب لها مقتضية هي إياه ولغيره تعالى من الموجودات وجودات أخر غير الوجود الواجب على ما هو البحث الطويل بينهم وإلى ذلك يرشدك ما قالوا من أن ما اتصف الله به فهو واجب لا يتغير أصلاً وما لم يتصف به فهو ممتنع لا يكون قطعاً فإذا اختلف اثنان في ذاته وصفاته تعالى فلا جرم أن واحداً منهما أما ينفي الواجب أو يثبت الممتنع وكلاهما مشكل وأن ما أبهم علمه فالأدب فيه السكوت بعد الإيمان بما ظهر من القرآن والحديث واتفاق الصحابة رضي الله عنهم فإن المرء لا يسأل إلا عن علم لزمه في إقامة الطاعة وإدامة العبادة لمولاه قال صاحب الشرعة ولا يناظر أحد في ذاته الله وصفاته المتعالى عن القياس والأشباه والأوهام ولخطرات وفي الحديث أن هلاك هذه الأمة إذا نطقوا في ربهم وإن ذلك من أشراط الساعة فقد كان عليه السلام يخر ساجداًتعالى متى ما سمع ما يتعالى عنه رب العزة ولا يجيب السائل عن الله إلا بمثل ما جاء به القرآن في آخر سورة الحشر من ذكر أفعاله وصفاته ولا يدقق الكلام فيه تدقيقاً فإن ذلك من الشيطان وضرر ذلك وفساده أكثر من نفعه قال بعض الكبار ما في الفرق الإسلامية أسوى حالاً من المتكلمين لأنهم ادعوا معرفة الله بالعقل على حسب ما أعطاهم نظرهم القاصر فإن الحق منزه عن أن يدرك أو يعلم بأوصاف خلقه عقلاً كان أو علماً روحاً كان أو سراً فإن الله ما جعل الحواس الظاهرة واباطنة طريقاً إلا إلى معرفة المحسوسات لا غير والعقل بلا شك منها فلا يدرك الحق بها لأنه تعالى ليس بمحسوس ولا بمعلوم معقول وقد تبين لك بهذا خطأ جميع من تكلم في الحق وصفاته بما لم يعلمه من الحق ولا من رسله عليه السلام وقال بعض العارفين سبب توقف العقول في قبول ما جاء في الكتاب والسنة من آيات الصفات وأخبارها حتى يؤول ضعفها وعدم ذوقها فلو ذاقوا كإذاقة الأنبياء وعملوا على ذلك بالإيمان كما عملت الطائفة لأعطاهم الكشف ما أجاله العقل من حيث فكره ولم يتوقفوا في نسبة تلك الأوصاف إلى الحق فالعم ذلك وعمل به تعرف أن علم القوم هو الفلك المحيط الحاوي على جميع العلوم.
470
ـ حكي ـ أن الفاضل محمد الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنحل كان من كبار المتكلمين وفحولهم وكان له بحث كثير في علم الكلام ربما لم يسبق إليه سواه حتى جمع في ذلك الكتاب تلك المباحث القطعية ثم انتهى أمره إلى العجز فيه والتحير في ذاته حتى رجع إلى مذهب العجائز فقال عليكم بدين العجائز فإنه من أسنى الجوائز وأنشد :
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
لقد طفت في تلك المعاهد كلها
وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر
على طقن أو قارعاً سن نادم
(9/380)
ثم قال والوجه أن يعتقد العبد الدين الذي جاء به محمد عليه السلام ودعا إليه وإليه أناب ولا يدخل في ذلك شيئاً من نظر عقله لا في تنزيه ولا في تشبيه بل يؤمن بكل آية جاءت في ذات الله وصفاته على بابها ويكل علمها إلى الله الذي وصف ذاته بها هذا هو طريق السلامة والدين الصحيح وعلى ذلك كانت الصحابة والسلف الصالحون رضي الله عنهم وإليه ينتهي الراسخون في العلم والعقلاء المحققون عند آخر أمرهم ومن وفقه الله كان عليه وآل نظره إليه ومن بقي على ما أعطاه نظره واجتهاده فليس ذلك بممتبع محمداً عليه السلام فيما جاء به مطلقاً لأنه أدخل فيه حاصل نظره وتأويله واتكل على رأيه وعقله وهذه وصيتي إليكم إن أردتم السلامة وعدم المطالبة ومن أراد غير ذلك لم ينج من السؤال وكان على خطر في المآل لأن القطع بما أراد الله عسير فإنا رأينا العقلاء اختلفت أدلتهم في الله فالمعتزلي يخالف الأشعري وبالعكس وهم يخالفون الحكماء وبالعكس كل طائفة تجهل الأخرى وتكفرها فعلمنا أن سبب ذلك هو اختلاف نظرهم وعدم عثورهم على الدليل الصحيح إما كلهم أو بعضهم ورأينا الأنبياء عليهم السلام لم يختلف منهم إثنان في الله قط عز وجل وكل دعوا إليه تعالى على باب واحد وكان اختلافهم في فروع الأحكام بحكم الله تعالى لا في أصولها قط قال الله تعالى سبحانه شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه فقوله ولا تتفرقوا فيه دليل على اجتماعهم على أمر واحد في الأصول لأنه الفروع معلومة بوقوع الاختلاف فيها وذلك لا يضر وإنما يضر الاختلاف في الأصول إذ لو وقع الاختلاف فيها لما وقع الاتفاق ولكانت الدعوة لا تصح لأن الإله الذي يدعو إليه هذا غير إلا له الذي يدعو ذلك إليه والله تعالى قال : وإلهكم إله واحد وعم الطوائف كلها من آدم عليه السلام بالخطاب وهلم جرا إلى يوم القيامة إلى هنا من كلامه أورده حضرة الشيخ صدر الدين قدس سره في رسالته المعمولة وصية للطالبين وعظة للراغبين.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
ثم اعلم أن من شرف هذه الأسماء المذكورة في الآخرة ما قال أبو هريرة رضي الله عنه : سألت حبيبي رسول الله عليه السلام عن اسم الله الأعظم فقال : هو في آخر الحشر وفي عين المعاني قال عليه السلام : سألت جبريل عن اسم الله الأعظم فقال : عليك بآخر الحشر فأكثر قراءته فأعدت عليه فأعاد علي وعنه عليه السلام من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه وفي بعض الروايات
471
يحرسونه حتى يمسي فإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة رواه معقل بن يسار رضي الله عنه وإنما جمع بين استعاذة وقراءة آخر الحشر والله أعلم لأن في الاستعاذة الاشعار بكمال العجز والعبودية وفي آخر الحشر الإقرار بجلال القدرة والعظمة والربوبية فالأول تخلية عن العجب والثاني تخلية بالإيمان الحق وبهما يتحقق منزل قوله تعالى الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة فيترتب عليه قوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا الآية كما في تفسير الفاتحة للمولى الفناري رحمه الله وعن أبي أمامة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قرأ خواتيم الحشر من ليل أو نهار فقبض من ذلك اليوم أو الليلة فقد استوجب الجنة وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قرأ سورة الحشر لم يبق جنة ولا نار ولا عرش ولا كرسي ولا حجاب ولا السموات السبع والأرضون السبع والهوام والطير والريح والشجر والدواب والجبال والشمس والقمر والملائكة إلا صلوا عليه فإن مات أي من يومه أو ليلته مات شهيداً كما في كشف الأسرار وقوله : مات شهيداً أي يثاب ثواب الشهادة على مرتبة وللشهادة مراتب قد مرت.
جزء : 9 رقم الصفحة : 415
تفسير سورة الممتحنة
مدنية وآيها ثلاث عشرة
جزء : 9 رقم الصفحة : 471
جزء : 9 رقم الصفحة : 472(9/381)
لعل الممتحنة مأخوذة من قول الله تعالى فيما بعد يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن أمر الله المؤمنين هناك بالامتحان فهم الممتحنون بكسر الحاء مجاز للمبالغة وأضيفت السورة إليها وسميت بسورة الممتحنة مثل سورة الفاتحة قيل إن إضافة السورة إلى الفاتحة من قبيل إضافة العام إلى الخاص ولا بعد أن تكون من قبيل إضافة المسمى إلى اسمه مثل كتاب الكشاف فإن الفاتحة من جملة أسماء سورة الفاتحة وقس على ذلك سورة الممتحنة ويحتمل أن يكون المراد الجماعة الممتحنة أي المأمور بامتحانها ويؤيده ما روى أنه قد تفتح الحاء فيكون المراد النساء المحتبرة فالإضافة بمعنى اللام التخصيصية أي سورة تذكر فيها النساء الممتحنة مثل سورة البقرة وأمثالها ويحتمل أن يكون مصدراً ميمياً بمعنى الامتحان على ما هو المشهور من أن المصدر الميمي وأسماء المفعول والزمان والمكان فيما زاد على الثلائي تكون على صيغة واحدة أي سورة الامتحان مثل سورة الإسراء وغيرها يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} نزلت في حاطب ابن أبي بلتعة العبسي وحاطب بالحاء المهملة قال في كشف الأسرار : ولد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصله من الأزد وهو حي باليمن وأَتقه عبيد الله بن حميد بن زهير الذي قتله علي رضي الله عنه يوم بدر كافراً وكان حاطب يبيع الطعام ومات بالمدينة وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان من المهاجرين
472
وشهد بدراً وبيعة الرضوان وعمم الله الخطاب في الآية تعميماً للنصح والعدو فعول من عدا كعفو من عفا ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد والمراد هنا كفار قريش وذلك أنه لما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلّم لغزوة الفتح في السنة الثامنة من الهجرة كتب حاطب إلى أهل مكة أن رسول الله يريدكم فخذوا خذركم فإنه قد توجه إليكم في جيش كالليل وأرسل الكتاب مع سارة مولاة بني عبد المطلب أي معتقتهم وأعطاها عشرة دنانير وبردة وكانت سارة قدمت من مكة وكانت مغنية فقال لها عليه السلام لماذا جئت فقالت : جئت لتعطيني شيئاً فقال : ما فعلت بعطياتك من شبان قريش فقالت : مذ قتلتهم ببدر لم يصل إلي شيء إلا القليل فأعطاها شيئاً فرجعت إلى مكة ومعها كتاب حاطب فنزل جبرائيل عليه السلام بالخبر فبعث رسول الله عليه السلام علياً وعماراً وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد وقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ موضع بين الحرمين وخاخ بالمعجمتين يصرف ويمنع فإن بها ظعينة وهي المرأة ما دامت في الهودج وإذا لم تكن فيه فهي المرأة معها كتاب حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها فخلوها فإن أبت فاضربوا عنقها فادركوها ثمة فجحدت فسل علي رضي الله عنه سيفه فأخرجته من عقاصها أي من ضفائرها.
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
ـ روي ـ أن رسول الله عليه السلام أمن جميع الناس يوم فتح مكة إلا أربعة هي أحدهم فأمر بقتلها فاستحضر رسول الله حاطباً فقال : ما حملك على هذا؟ فقال : يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك الغش ترك النصح والنصح عبارة عن التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لأوامره ونواهيه ولكنني كنت أمرأ ملصقاً في قريش أي حليفاً ولم أكن من أنفسهم ومن معك من المهاجرين كان له فيهم قرابات يحمون أهاليهم وأموالهم وليس فيهم من يحمي أهلي فأردت أن آخذ عندهم يداً أي أجعل عندهم نعمة ولم أفعله كفراً وارتداداً عن ديني وقد علمت أن كتاب لا يغني عنهم شيئاً فصدقه رسول الله وقبل عذره فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال : يا عمر إنه شهد ردراً وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراً فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ففاضت عينا عمر رضي الله عنه وفي القصة إشارة إلى جواز هتك ستر الجواسيس وهتك أستار المفسدين إذا كان فيه مصلحة أو في ستره مفسدة وإن من تعاطى أمراً محظوراً ثم ادعى له تأويلاً محتملاً قبل منه وإن العذر مقبول عند كرام الناس.
ـ روي ـ أن حاطباً رضي الله عنه لما سمع يا أيها الذين آمنوا غشى عليه من الفرح بخطاب الإيمان لما علم أن الكتاب المذكور ما أخرجه عن الإيمان لسلامة عقيدته ودل قوله وعدوكم على إخلاصه فإن الكافر ليس بعدو للمنافق بل للمخلص {تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} الود محبة الشيء وتمني كونه ويستعمل في كل واحد من المعنيين أي توصلون محبتكم بالمكاتبة ونحوها من الأسباب التي تدل على المودة على أن الباء زائدة في المفعول كما في قوله تعالى ولا تلقلوا بأيديكم إلى التهلكة أو تلقون إليهم أخبار النبي عليه السلام بسبب المودة التي بينكم وبينهم فيكون المفعول
473
(9/382)
محذوفاً للعلم به والباء للسببية والجملة حال من فاعل لا تتخذوا أي لا تتخذوا حال كونكم ملقين المودة فإن قلت قد نهوا عناتخاذهم أولياء مطلقاً في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء والتقييد بالحال يوهم جواز اتخاذهم أولياء إذا انتفى الحال قلت عدم جوازه مطلقاً لما علم من القواعد الشرعية تبين أنه لا مفهوم للحال هنا البتة فإن قلت كيف قال لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء والعداوة والمحبة لكونهما متنافيتين لا تجتمعان في محل واحد والنهي عن الجمع بينهما فرع إمكان اجتماعهما قلت إنما كان الكفار أعداء للمؤمنين بالنسبة إلى معاداتهمورسوله ومع ذلك يجوز أن يتحقق بينهم الموالاة والصداقة بالنسبة إلى الأمور الدنيوية والأغراض النفسانية فنهى الله عن ذلك يعني فلم يتحقق وحدة النسبة من الوحدات الثمان وحيث لم يكتف بقوله عدوى بل زاد قوله وعدوكم دل على عدم مروءتهم وفتوتهم فإنه يكفي في عداوتهم لهم وترك موالاتهم كونهم أعداى الله سواء كانوا أعداء لهم أم لا
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
{وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَآءَكُم مِّنَ الْحَقِّ} حال من فاعل تلقون والحق هو القرآن أو دين الإسلام أو الرسول عليه السلام {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} حال من فاعل كفروا أي مخرجين الرسول وإياكم من مكة والمضارع لاستحضار الصورة {أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} تعليل للإخراج وفيه تغليب المخاطب على الغائب أي على الرسول والالتفات من التكلم إلى الغيبة حيث لم يقل أن تؤمنوا بي للإشعار بما يوجب الإيمان من الألوهية والربوبية {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِى سَبِيلِى وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِى} متعلق بلا تتخذوا كأنه قيل لا نتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي وانتصاب جهاداً وابتغاء على أنهما مفعول لهما لخرجتم أي إن كنتم خرجتم عن أوطانكم لأجل هذين فلا تتخذوهم أولياء ولا تلقوا إليهم بالمودة والجهاد بالكسر القتال مع العدو كالمجاهدة وفي التعريفات هو الدعاء إلى الدين الحق وفي المفردات الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو وهو جهاد العدو الظاهر وجهاد الشيطان وجهاد النفس ويكون باليد واللسان والمرضاة مصدر كالرضى وفي عطف وابتغاء مرضاتي علي جهاداً في سبيلي تصريح بما علم التزاماً فإن الجهاد في سبيل الله إنما هو لا علاء دين الله لا لغرض آخر وإسناد الخروج إليهم معللاً بالجهاد والابتغاء يدل على أن المراد من إخراج الكفرة كونهم سبباً لخروجهم بأذيتهم لهم فلا ينافي تلك السببية كون إرادة الجهاد والابتغاء علة له {تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} استئناف وارد على نهج العتاب والتوبيخ كأنهم سألوا ماذا صدر عنا حتى عوتبنا فقيل تلقون إليهم المودة سراً على أن الباء صلة جيء بها لتأكيد التعدية أو الإخبار بسبب المودة ويجوز أن يكون تعديه الأسرار بالباء لحمله على نقيضه الذي هو الجهر {وَأَنَا أَعْلَمُ} حال من فاعل تسرون أي والحال أني أعلم منكم {بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ} من مودة الأعداء والاعتذار وغير ذلك فإذا كان بينهما تساو في العلم فأي فائدة في الأسرار والاعتذار {وَمَن} وهركه {يَفْعَلْهُ مِنكُمْ} أي الاتخاذ المنهي عنه أي ومن يفعل ما نهيت عنه من موالاتهم والأقرب من يفعل الأسرار
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
{فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ} فقد أخطأ طريق الحق والصواب الموصل
474
(9/383)
إلى الفوز بالسعادة الأبدية وبالفارسية س بدرستى كه اوازراه راست كم شد.
وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف وضل متعد وسواء السبيل مفعوله ويجوز أن يجعل قاصراً وينتصب سواء السبيل على الظرفية قال القرطبي هذا كله معاتبة لحاطب وهو يدل على فضله ونصيحته لرسول الله وصدق إيمانه فإن المعاتبة لا تكون إلا من حبيب لحبيب كما قيل إذا ذهب العتاب فليس ود.
ويبقى الود ما بقي العتاب والعتاب إظهار الغضب على أحد لشيء مع بقاء المحبة بالترك وفي الآية إشارة إلى عداوة النفس والهوى والشيطان فإنها تبغض عبادة الله وتبغض عباد الله أيضاً إذا لم يكونوا مطيعين لها في إنفاذ شهواتها وتحصيل مراداتها وأصل عداوة النفس أن تفطمها من مألوفاتها وتحبسها في محبس المجاهدة وعلامة حب الله بغض عدو الله قال عليه السلام أفضل الإيمان الحب في الله والبعض في الله قال أبو حفص رحمه الله من أحب نفسه فقد اتخذ عدو الله وعدوه ولياً وأن النفس تخالف ما أمرت به وتعرض عن سبيل الرشد وتهلك محبها ومتبعها في أول قدم وجاء في أخبار داود عليه السلام يا داود عاد نفسك فليس لي في المملكة منازع غيرها وفي كشف الأسرار بلشكر اندك روم از قيصر بتوان ستد وبجمله أولياي روى زمين نفس را از يكى نتوان ستد زيرا نفس راحيل بسيارست احمد حضرويه بلخى رحمه الله كويد نفس خودرا بأنواع رياضات ومجاهدات مقهور كرده بودم روزى نشاط غزا كرد عجب داشتم كه از نفس نشاط طاعت نيايد كفتم درزير اين كويى ه مكر باشد مكردر كرسنكى طاقت نمى داردكه يوسته اورا روزه همى فرمايم خواهد درسفر روزه بكشايد كفتم أي نفس اكر اين سفر يش كيرم روزه نكشايم كفت روا دارم كفتم مكر از انست كه طاقت نماز شب نميدارد ميخواهدكه درسفر بخسبد كفتم درسفر قيام شب كم نكنم جنانكه در حضر كفت روا دارم تفكر كردم كه مكر ازان نشاط سفر غزا كرده كه در حضر باخلق مى نياميزدكه اورا درخلوت وعزلت ميدارم مرادش آنست كه باخلق صحبت كند كفتم أي نفس هرجاكه روم درين سفر ترا بخرابه فروآرم كه هي خلق رانه بيني كفت روا دارم از دست وى عاجز ماندم بالله تعالى زاريدم وتضرع كردم تا از مكروى مرا آكاهى دادكه در غزا كشتن يكباركى باشد وبهمه جهان شودكه احمد حضوريه بغزا شهادت يافت كفتم سبحان الله آن خداونديكه نفسي آفريند بدين معيوبي كه بدنيا منافق باشد وبعد ازمرك مرايى باشدنه درين جهان حقيقت اسلام خواهدنه دران جهان آنكه كفتم أي نفس اماره والله كه باين غزا نروم تاتودر زير طاعت زنا ربندى س در حضرآن رياضات ومجاهدات كه دران بودم زيادت كردم قوله بما أخفيتم أي من دعوى الأنانية وما أعلنتم من العبودية كما هو شأن النفس وقال أبو الحسين الوارق رحمه الله بما أخفيتم في باطنكم من المعصية وما أعلنتم في ظاهركم للخلق من الطاعة انتهى
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
{إِن يَثْقَفُوكُمْ} أي يظفروا بكم ويتمكنوا منكم والثقف الحذق في إدراك الشيء وفعله وثقفت كذا إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر ثم قد تجوز به فاستعمل في الإدراك وإن لم يكن معه ثقافة كما في هذا الموضع ونحوه {يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَآءً} أي يظهروا ما في قلوبهم من العداوة
475
(9/384)
ويرتبوا عليها أحكامها ولا ينفعكم إلقاء المودة إليهم {وَيَبْسُطُوا} ويطيلوا {إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّواءِ} أو بما يسوءكم من القتل والأسر والشتم {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} أي تمنوا ارتدادكم وكونكم مثلهم كقوله ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم فكلمة لو هنا مصدرية وصيغة الماضي للإيذان بتحقق ودادتهم قبل أن يثقفوهم أيضاً فهو معطوف على يبسطوا {لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ} أي قراباتكم قال الراغب الرحم رحم المرأة وهي في الأصل وعاء الولد في بطن أمه ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة {وَلا أَوْلَـادُكُمْ} الذين توالون المشركين لأجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم جمع ولد بمعنى المولود يعم الذكر والأنثى {يَوْمَ الْقِيَـامَةِ} بجلب نفع أو دفع ضر ظرف لقوله لن تنفعكم فيوقف عليه ويبتدأ بما بعده {يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} استئناف لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد يومئذٍ أي يفرق الله بينكم بما اعتراكم من الهول الموجب لفرار كل منكم من الآخر حسبما نطق به قوله تعالى يوم يفر المرء من أخيه وأمه الآية فما لكم ترفضون حق الله لمراعاة حق من يفر منكم غدا وقيل يفرق بين الوالد وولده وبين القريب وقريبه فيدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيكم به وهو أبلغ من خبير لأنه جعله كالمحسوس بحس البصر مع أن المعلوم هنا أكثره المبصرات من الكتاب والاتيان بمن يحمل الكتاب وإعطاء الأجرة للحمل وغيرها وفي الآية إشارة إلى عدواة النفس وصفاتها للروح وأخلاقه فإن النفس ظلمانية سفلية كثيفة والروح وقواه نوارانية علوية لطيفة ولا شك أن بين النور والظلمة تدافعاً ولذا تجتهد النفس أن تغلب الروح بظلمانيتها حتى يكون الحكم لها في مكلة الوجود وهو تصرفها باليد وأما بسط لسانها بالسوء فبمدح الأخلاق الذميمة وذم الأخلاق الحميدة فالقالب كبلد فيه إشراف وإرذال كل بطن واحد لأن القوى الخيرة والشريرة إنما حصلت من ازدواج الروح مع القالب فالنفس وصفاتها من الارذال وعلى مشرب قابيل وكنعان ولدي آدم ونوح عليهما السلام فليست من الأهل في الحقيقة والروح وقواه من الأشراف وعلى مشرب هابيل ونحوه فهي منا لأهل في الحقيقة ولذا تنقطع هذه النسبة يوم القيامة فيكون الروح في النفس والنفس في الجحيم عند تجلي اللطف والجمال والقهر والجلال جعلنا الله وإياكم من أهل الكمال والنوال {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ} أيها المؤمنون {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} قال الراغب الأسوة الأسوة كالقدوة و
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
القدوة هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسناً وإن قبيحاً وإن ساراً وإن ضاراً والأسى الحزن وحقيقته اتباع الفائت بالغم والمعنى خصلة حميدة حقيقة بأن يؤتسى ويقتدى بها ويتبع أثرها قوله أسوة اسم كانت ولكم خبرها وحسنة صفة أسوة مقيدة إن عمت الأسوة المحمودة والمذمومة وكاشفة مادحة إن لم تعم {فِى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} أي من أصحابه المؤمنين صفة ثانية لاسوة وقولهم لي في فلان أسوة أي قدوة من باب التجريد لا أن فلاناً نفسه هو القدوة ويجوز أن يكون على حذف المضاف أي لي في سنته وأفعاله وأقواله وقيل المراد الأنبياء الذين كانوا في عصره وقريباً منه قال ابن عطية وهذا القول أرجح لأنه لم يرد
476
(9/385)
أن إبراهيم كان له اتباع مؤمنون في مكافحة نمرود وفي البخاري أنه قال لسارة حين رحل بها إلى الشأم مهاجراً بلاد نمرود ما على الأرض من يعبد الله غيري وغيرك {إِذْ قَالُوا} ظرف لخبر كان ومعمول له أو لكان نفسها عند من جوز عملها في الظرف وهو الأصح {لِقَوْمِهِمْ} الكفار {إِنَّا بُرَءَاؤُا مِنكُمْ} جميع بريء كظريف وظرفاء يعني ما بيزاريم ازشما {وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} من أصنام أظهروا البراءة أولاً من أنفسهم مبالغة وثانياً من عملهم الشرك إذ المقصود من البراءة أولاً من معبودهم هو البراءة من عبادته ويحتمل أن تكون البراءة منهم أن لا يصاحبوهم ولا يخالطوهم ومن معبودهم أن لا يقربوا منه ولا يلتفتوا نحوه ويحتمل أن تكون البراءة منهم بمعنى البراءة من قرابتهم لأن الشرك يفصل بين القرابات ويقطع الموالاة وحاصل الآية هلا فعلتم كما فعل إبراهيم حيث تبرأ من أبيه وقومه لكفرهم وكذا المؤمنون {كَفَرْنَا بِكُمْ} أي بدينكم على إضمار المضاف والكفر مجاز عن عدم الاعتداد والجحد والإنكار فإن الدين الباطل ليس بشيء إذ الدين الحق عند الله هو الإسلام {وَبَدَا} بدا الشيء بدوا وبداء أي ظهر ظهوراً بيناً والبادية كل مكان يبدو ما يعن فيه أي يعرض {بَيْنَنَا} ظرف لبدا {وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَدًا} أي هذا دأبنا معكم لا نتركه والبغض ضد الحب.
وقال الكاشفي : وآشكار اشد ميان ما وشماد شمني بدل ودشمني بدست يعني محاربه أبداً هميشه يعني يوسته دشمنى قائم خواهد بود درميان بدل ودست
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
{حَتَّى} غاية لبدا {تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة حينئذ ولاية والبغضاء محبة والمقت مقة والوحشة إلفة فالبغض نفور النفس من الشيء الذي ترغب عنه والحب انجذا النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه فإن قلت ما وجه قوله حتى تؤمنوا بالله وحده ولا بد في الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر قلت : الإيمان بالله في حال وحدته يستلزم الإيمان بالجميع مع أن المراد الوحدة الإلهية رداً للأصنام قال بعض المشايخ إسوة إبراهيم خلة الله والتبري مما دون الله والتخلق بخلق الله والتأوه والبكاء من شوق الله وقال ابن عطاء رحمه الله : الأسوة القدوة بالخليل في الظاهر من الأخلاق الشريفة وهو السخاء وحسن الخلق واتباع ما أمر به على الكرب وفي الباطن الإخلاص في جميع الأفعال والإقبال عليه في كل الأوقات وطرح الكل في ذات الله تعالى وأسوة رسول الله عليه السلام في الظاهر العبادات دون البواطن والأسرار لأن أسراره لا يطيقها أحد من الخلق لأنه باين الأمة بالمكان ليلة المعراج ووقع عليه تجلي الذات :
سهدار رسل سرخيل دركاه
سرير افروز ملك لي مع الله
{إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لابِيهِ} آزر {لاسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} يا أبي استثناء من قوله تعالى أسوة حسنة فإن استغفاره عليه السلام لأبيه الكافر وإن كان جائزاً عقلاً وشرعاً لوقوعه قبل تبين أنه من أصحاب الجحيم كما نطق به النص لكنه ليس مما ينبغي أن يؤتسى به أصلاً إذ المراد به ما يجب الائتساء به حتماً لورود الوعيد على الإعراض عنه بما سيأتي من قوله تعالى ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد فاستثناؤه من الأسوة إنما يفيد عدم استدعاء الإيمان
477
والمغفرة للكافر المرجو إيمانه وذلك مما لا يرتاب فيه عاقل وإما عدم جوازه فلا دلالة للاستثناء عليه قطعاً وحمل الأب على العم يخالف العقل والنقل لأن الله تعالى يخرج الحي من الميت والعبرة بالحسب لا بالنسب وعن علي رضي الله عنه شرف المرء بالعلم والأدب لا بالأصل والنسب :
هنر بنماى اكر دارى نه كوهر
كل از خارست وابراهيم از آزر
{وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَىْءٍ} من تمام القول المستثنى فمحله النصب على أنه حال من فاعل لأستغفرن لك أي أستغفر لك وليس في طاقتي إلا الاستغفار دون منع العذاب إن لم تؤمن فمورد الاستثناء نفس الاستغفار لا قيده الذي هو في نفسه من خصال الخير لكونه إظهاراً للعجز وتفويضاً للأمر إلى الله تعالى وفي هذه الآية دلالة بينة على تفضيل نبيه محمد عليه السلام وذلك أنه حين أمر بالاقتداء به أمر على الإطلاق ولم يستثن فقال : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وحين أمر بالاقتداء بإبراهيم استثنى وأيضاً قال تعالى في سورة الأحزاب : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر اللهكثيراً فأطلق الاقتداء ولم يقيده بشيء.
قال الصائب :
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
هلاك حسن خدا داد او شوم كه سرا
و شعر حافظ شيرازى انتخاب ندارد(9/386)
{رَبَّنَا} الخ من تمام ما نقل عن إبراهيم ومن معه من الأسوة الحسنة {عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} اعتمدنا يعني از خلق بريديم واعتماد كلي بر كرم تونموديم {وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} رجعنا بالاعتراف بذنوبنا وبالطاعة {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} أي الرجوع في الآخرة وتقديم الجار والمجرور لقصر التوكل والإنابة والمصير على الله تعالى :
سوى تو كرديم روى ودل بتو بستيم
زهمه باز آمديم وباتو تشستيم
هره نه يوند يار بود بربديم
هره نه يمان دوست بود كسستيم
قالوه بعد المجاهدة وشق العصا التجاء إلى الله تعالى في جميع أمورهم لا سيما في مدافعة الكفرة وكفاية شرورهم كما ينطق به قوله تعالى : {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نطيقه فالفتنة بمعنى المفعول وربنا بدل من الأول وكذا قوله ربنا فيما بعده وقال بعضهم : ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا فتقتر علينا الرزق وتبسطه عليهم فيظنوا أنهم على الحق ونحن على الباطل {وَاغْفِرْ لَنَا} ما فرط منا من الذنوب وإلا كان سبباً لظهور العيوب وباعثاً للابتلاء المهروب {رَبَّنَا} تكرير النداء للمبالغة في التضرع والجؤار فيكون لاحقاً بما قبله ويجوز أن يكون سابقاً لما بعده توسلاً إلى الثناء بإثبات العزة والحكمة والأول أظهر وعليه ميل السجاوندي حيث وضع علامة الوقف الجائز على ربنا وهو في اصطلاحه ما يجوز فيه الوصل والفصل باعتبارين وتلك العلامة الجيم بمسماه وهو.
ج.
{إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ} الغالب الذي لا يذل من التجأ إليه ولا يخيب رجاء من توكل عليه {الْحَكِيمُ} لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة وقال بعض أهل الإشارة تعز أولياءك بالفناء فيك وتحييهم ببقائك بلطائف حكمتك فيكون المراد بالفتنة غلبة ظلمة النفس
478
والهوى وبالمغفرة الستر بالهوية الأحدية عن الانيات وبالصفات الواحدية عن التعينات {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ} أي في إبراهيم ومن معه {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
تكرير للمبالغة في الحث على الائتساء به عليه السلام وذلك صدر بالقسم وجعله الطيبي من التعميم بعد التخصيص وفي برهان القرآن كرر لأن الأول في القول والثاني في الفعل وفي فتح الرحمن الأولى أسوة في العداوة والثانية في لخوف والخشية وفي كشف الأسرار الأولى متعلقة بالبراءة من الكفار ومن فعلهم والثانية أمر بالائتساء بهم لينالوا من ثوابهم ما نالوا وينقلبوا إلى الآخرة كانقلابهم {لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ} بالإيمان بلقائه {وَالْيَوْمَ الاخِرَ} بالتصديق بوقوعه وقيل يخاف الله ويخاف عذاب الآخرة لأن الرجاء والخوف يتلازمان والرجاء ظن يقتضي حصول ما فيه مسرة وفي المفردات الرجاء والطمع توقع محبوب عن إمارة مظنونة أو معلومة والخوف توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة وفي بعض التفاسير الرجاء يجيىء بمعنى توقع الخير وهو الأمل وبمعنى توقع الشر وهو الخوف وبمعنى التوقع مطلقاً وهو في الأول حقيقة وفي الأخيرين مجاز وفي الثاني من قبيل ذكر الشيء وإرادة ضده وهو جائز وفي الثالث من قبيل ذكر الخاص وإرادة العام وهو كثير قوله لمن كان الخ بدل من لكم وفائدته الإيذان بأن من يؤمن بالله واليوم الآخر لا يترك الاقتداء بهم وإن تركه من مخايل عدم الإيمان بهما كمنا ينبىء عنه قوله تعالى : {وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ} فإنه مما يوعد بأمثاله الكفرة أي ومن يعرض عن الاقتداء بهم في التبري من الكفار ووالاهم فإن الله هو الغني وحده عن خلقه وعن موالاتهم ونصرتهم لأهل دينه لم يتعبدهم لحاجته إليهم بل هو ولي دينه وناصر حزبه وهو الحميد المستق للحمد في ذاته ومن صحاح الأحاديث القدسية يا عبادي إنكم لن تبغلوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واجد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبافي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحل يا عباذي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراف فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه قوله هي ضمير القصة يعني ما جزاء أعمالكم إلا محفوظ عندي لأجلكم ثم أؤديها إليكم وافية ثم الحميد فعيل بمعنى المفعول وجوز الإمام القشيري رحمه الله أن يكون بمعنى الفاعل أي حامد لنفسه وحامد للمؤمنين من عباده قال شارح المشكاة وحظ العبد من اسم الحميد أن يسعى لينخرط في سلك المقربين الذين يحمدون الله لذاته لا لغيره قال الشيخ أبو القاسم رحمه الله حمد الله الذين هو من شكره يجب أن يكون على شهود المنعم لأن حقيقة الشكر الغيبة لشهود المنعم عن شهود النعمة.
(9/387)
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
ـ روي ـ أن داود عبد الله قال في مناجاته : كيف أشكر لك وشكري لك نعمة منك علي فأوحى الله إليه الآن قد شكرتني وقال بعض أهل الإشارة : لقد كان في إبراهيم الخفي ومن معه من قواه الروحانية المجردة
479
من المواد الحسية والمثالية والعقلية أسوة حسنة وهي البراءة من قومه أي النفس الأمارة ولهوى المتبع فمن تأسى واستمر على ذلك بلغ المطلوب المحبوب ومن أعرض عن ذلك التأسي فإن الله غني عن تأسيه حميد في ذاته وإن لم يكن حمده انتهى كلامه {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ} شايد آنكه خداى تعالى يدا كند {بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم} أي من أقاربكم المشركين وعسى من الله وعد على عادة الملوك حيث يقولون في بعض الحوائج عسى ولعل فلا يبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك وذلك الراغب ذكر الله في القرآن عسى ولعل تذكرة ليكون الإنسان منه على رجاء لا على أن يكون هو تعالى راجياً أي كونوا راجين في ذلك والمعاداة والعداء باكسى دشمنى كردن {مَّوَدَّةً} أي بأن يوافقوكم في الدين وعدهم الله بذلك لما رأى منهم من التصلب في الدين والتشدد في معاداة آبائهم وأبنائهم وسائر أقربائهم ومقاطعتهم إياهم بالكلية تطبيباً لقلوبهم ولقد أنجز وعده الكريك حين أباح لهم الفتح فأسلم قومهم كأبي سفيان وسهل بن عمرو وحكيم بن حزام والحارث بن هشام وغيرهم من صناديد العرب وكانوا أعداء أشد العداوة فتم بينهم من التحاب والتصافي ما تم {وَاللَّهُ قَدِيرٌ} أي مبالغ في القدرة فيقدر على تقليب القلوب وتغيير الأحوال وتسهيل أسباب المودة {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فيغفر لمن أسلم من المشركين ويرحمهم بقلب معاداة قاربهم موالاة وقيل غفور لما فرط منكم في موالاتهم من قبل ولما بقي في قلوبكم من ميل الرحم قال ابن عطاء رحمه الله : لا تبغضوا عبادي كل البغض فإني قادر على أن أنقلكم من البغض إلى المحبة كنقلي من المن الحياة إلى الموت ومن الموت إلى النشور كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أنظر إلى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل قرأ يخرج الحي من الميت لأنهما من خيار الصحابة وأبواهما أعدى عدو الله ورسوله وكان بعضهم يبغض عكرمة ويسب أباه لما سلف منه من الأذى حتى ورد النهي عنه بقوله عليه السلام : لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات فقلب الله ذلك محبة فكانوا إخواناً في الله وفي الحديث : "من نظر إلى أخيه نظر مودة لم يكن في قلبه أحنة لم يطرف حتى يغفر الله له ما تقدم من ذنبه" وقال سقراط : أثن علي ذي المودة خيراً عند من لقيت فإن رأس المودة حسن الثناء كما أن رأس العداوة سوء الثناء وعنه لا تكون كاملاً حتى يأمنك عدوك فكيف بك إذا لم يأمنك صديقك؟ قال داود عليه السلام : اللهم إني أعوذ بك من مال يكون على فتنة ومن ولد يكون على ربا ومن حليلة تقرب المشيب وأعوذ بك من جار تراني عيناه وترعاني أذناه إن رأى خيراً دفنه وإن سمع شراً طار به ومن بلاغات الزمخشري محك المودة والإخاء حال الشدة دون الرخاء.
قال الحافظ :
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
وفا مجوى زكس ورسخن نمى شنوى
بهرزه طالب سيمرغ وكيميامى باش
{لا يَنْهَـاـاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَـاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ} أي على الدين أو في حقالدين وإطفاء نوره {وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَـارِكُمْ} أي لا ينهاكم الله عن مبرة هؤلاء فإن قوله تعالى : {أَن تَبَرُّوهُمْ} بدل من الموصول بدل الاشتمال لأن بينهم وبين البلا ملابسة بغير الكلية والجزئية فكان المنهى عنه يرهم بالقول وحسن المعاشرة والصلة بالمال لا أنفسهم وبالفارسية
480
از آنكه نيكويى كنيد با ايشان {وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} تفسير لتبروا وضمن تقسطوا معنى الإفضاء فغدى تعديته أي تفضوا إليهم بالقسط والعدل ولا تظلموهم وناهيك بتوصية الله المؤمنين أن يستعملوا القسط مع المشركين ويتحاموا ظلمهم مرحمة عن حال مسلم يجترىء عن ظلم أخيه المسلم كما في الكشاف وقال الراغب : القسط النصيب بالعدل كالنصب والنصفة فالمعنى عدل كنيد وبفرستيد قسطى وبهره براى ايشان از طعام وغير أو {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي العادلين في المعاملات كلها.
(9/388)
ـ روي ـ أن قتيلة بنت عبد العزى على زنة التصغير قدمت في المدة التي كانت فيها المصالحة بين رسول الله عليه السلام وبين كفار قريش مشركة على بنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت فأمرها رسول الله أن تدخلها وتقبل منها وتكرمها وتحسن إليها وكانت قتيلة زوجة أبي بكر وكان طلقها في الجاهلية.
وآلأرده اندكه قوم خزاعه رابا حضرت رسول الله عليه السلام عهد ويمان بود وهركز قصد مسلمانان نكردند ودشمنان دين را يارى ندادند حق تعالى در باره ايشان اين آيت فرستاد يامراد زنان وكودكانند كه ايشانرا در قتل واخراج ندان مدخلى نيست.
وفي فتح الرحمن نسختها اقتلوا المشركين والأكثر على أنها غير منسوخة وفي بعض التفاسير القسوط الجور والعدل عن الحق والقسط بالكسر العدل فالأقساط إما من الأول بمعنى إزالة القسوط فهمزته للسلب كأشكيته بمعنى ازلت عنه الشكاية وسلبتها فمن أزال الظلم اتصف بالعدل وأما من الثاني بمعنى أن يصير ذا قسط فهمزته للصيرورة مثل أورق الشجر أي صار ذا ورق وفي الآية مدح للعدل لأن المرء به يصير محبوباً تعالى ومن الأحاديث الصحيحة قوله عليه السلام أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين للذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا.
قال الحافظ :
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
شاه را به بود از طاعت صد ساله وزهد
قدر يكساعته عمرى كه در وداد كند
وكان خطاباً لبعض الملوك :
ويبار ملك را آب ازسر شمشيرتيست†
خوش درخت عدل بنشان بيخ بدخواها بكن†
{إِنَّمَا يَنْهَـاـاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَـاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ} وإطفاء نوره {يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَـارِكُمْ} وهم عتاة أهل مكة وجبابرتهم {وَظَـاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} وهم سائر أهلها.
يعني معاونت كردند وهم شت شدند با اعادى {أَن تَوَلَّوْهُمْ} بدل اشتمال من الموصول أي إنما ينهاكم عن أن تتولوهم والتولي دوستى داشتن باكسى {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ} وهركه دوست دارد ايشانرا {فأولئك هُمُ الظَّـالِمُونَ} لوضعهم الولاية في موضع العداوة وهم الظالمون لأنفسهم بتعريضها للعذاب وحساب المتولي أكبر وفساد التولي أكثر ولذلك أورد كلمة الحصر تغليظاً وجمع الخبر باعتبار معنى المبتدأ.
بكسل زدوستان دغا باز وحيله ساز.
يارى طلب كه طالب نقش بقابود.
جعلنا الله وإياكم من الذين يطلبون الباقي
481
لا الفاني.
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
يقول الفقير : كان الظاهر من أمر المقابلة في الآيتين أن يقال في الأولى أن تولوهم كما في الثانية أو يعكس ويقال في الثانية أن تبروهم كما في الأولى أو يذكر كل منهما في كل من الآيتين لكن الدلائل العقلية والشواهد النقلية دلت على أن موالاة الكافر غير جائزة مقاتلاً كان أو غيره بخلاف المبرة فإنها جائزة لغير المقاتل غير جائزة للمقاتل كالموالاة فحيت أثبت المبرة بناء على أمر ظاهر في باب الصلة نفي الموالاة ضمناً وحيث نفي الموالاة نفي المبرة ضمناً وإنما لم تجز المبرة للمقاتل لغاية عداوته ونهاية بغضه إن قيل إن الإحسان إلى من أساء من أخلاق الأبرار قلنا إن المبرة تقتضي الإلفة في الجملة والإخسان بقطع اللسان ويثلم السيف فيكون حائلاً بين المجاهد والجهاد الحق وقد أمر الله بإعلاء الدين يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} بيان لحكم من يظهر الإيمان بعد بيان حكم فريقي الكافرين {إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَـاتُ} أي بدلالة ظاهر حالهن وإقرارهن بلسانهن أو المشارفات للإيمان ولا بعد أن تكون التسمية بالمؤمنات لكونهن كذلك في علم الله وذلك لا ينافي امتحان غيره تعالى {مُهَـاجِرَاتٍ} من بين الكفار حال من المؤمنات {فَامْتَحِنُوهُنَّ} فاختبروهن بما تغلب به على ظنكم موافقة قلوبهن للسانهن في الإيمان قيل إنه من أرادت منهن إضرار زوجها قالت : سأهاجر إلى محمد عليه السلام فلذلك أمر النبي بامتحانهن وكان عليه السلام يقول للتي يمتحنها بالله الذي لا إله إلا هو ما خرجت عن بغض زوج أي غير بغض في الله لحب الله باي ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض بالله ما خرجت التماس دنيا بالله ما خرجت عشقاً لرجل من المسلمين بالله ما خرجت لحدث أحدثه بالله ما خرجت إلا رغبة في الإسلام وحبولرسوله فإذا حلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك أعطي النبي عليه السلام زوجها مهرها وما أنفق عليها ولا يردها إلى زوجها قال السهيلي : نزلت في أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف ولدت له إبراهيم بن عبد الرحمن وكانت أم كلثوم أخت عثمان بن عفان رضي الله عنه لأمه أرى وأفادت الآية أن الامتحان في محله حسن نافع ولذا تمتحن المنكوحة ليلة الزفاف وتستوصف الإسلام مع سهولة في السؤال وإشارة إلى الجواب لأنها لو قالت ما أعرف بانت من زوجها :
خوش بودكر محك تجربه آمد بميان
(9/389)
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
تاسيه روى شود دروغش باشد
كتاب روح البيان ج9 متن
الهام رقم 51 من صفحة 482 حتى صفحة 492
{اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـانِهِنَّ} منكم لأنه المطلع على ما في قلوبهن فلا حاجة له إلى الامتحان وليس ذلك للبشر فيحتاج إليه والجملة اعتراض {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ} بعد الامتحان {مُؤْمِنَـاتٍ} العلم الذي يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الإمارات وإنما سماه علماً إيذاناً بأنه جار مجرى العلم في وجوب العلم به ففي علمتموهن استعارة تبعية {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} من الرجع بمن الرد لا من الرجوع ولذلك عدى إلى المفعول أي لا تردوهن إلى أزواجهن الكفرة لقوله تعالى : {لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} فإنه تعليل للنهي عن رجعهن إليهم يعني لا تحل مؤمنة لكافر لشرف الإيمان ولا نكاح كافر لمسلمة لخبث الكفر وبالفارسية نه ايشان يعني زنان حلالند مركافر انرا ونه
482
كافران حلال ميشوند مرين زنا نراه تباين دارند جدايى افكنده ميان ايشان.
والتكرير إما لتأكيد الحرمة وإلا فيكفي نفي الحل من أحد الجانبين أو لأن الأول لبيان زوال النكاح الأول والثاني لبيان امتناح النكاح الجديد {وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُوا} هذا هو الحكم الثاني أي وأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور وذلك أي بيان المراد بما أنفقوا هو المهور أن صلح الحديبية كان على أن من جاءنا منكم رددناه فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة والنبي عليه السلام بالحديبية فأقبل زوجها مسافر المخزومي طالباً لها فقال : يا محمد أردد على امرأتي فإنك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا فنزلت لبيان أن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء فاستحلفها رسول الله فحلفت فأعطى زوجها ما أنفق وهو المهر بالإتفاق وتزوج بها عمر رضي الله عنه وإنما رد لرجال دون النساء لضعف النساء عن الدفع عن أنفسهن وعجزهن عن الصبر على الفتنة وفي اللباب أن المخاطب بهذا هو الإمام ليؤتى من بيت المال الذي لا يتعين له مصرف وأن المقيمة منهن على شركها مردودة عليهم وإن المؤمن يحل له أن ينكح كتابية فإن الرجال قوامون على النساء فليس تسلطه عليها كتسلط الكافر على المسلمة ولعل المراد بإيتاء ما أنفقوا رعاية جانب المؤمنين بالحث على إظهار المروءة وإيثار السخاء وإلا فمن المسائل المشهورة أن المرأة تملك تمام المهر بخلوة صحيحة في قطعة من اليوم أو الليلة وإن لم يقع استمتاع أصلاً وأيضاً أن في الإنفاق تأليف القلوب وإمالته إلى جانب الإسلام وأفادت الآية أن اللائق بالولي كائناً من كان أن يحذر تزويج مؤمنة له ولاية عليها بمبتدع تفضي بدعته إلى الكفر وللحاكم أن يفرق بينه وبينها إن ظهرت منه تلك البدعة إلا أن يتوب ويجدد إيمانه ونكاحه سئل الرستغفني عن المناكحة بين أهل السنة وبين أهل الاعتزال فقال : لا تجوز كما في مجمع الفتاوي وقس عليه سائر الفرق الضالة التي هي يكن اعتقادهم كاعتقاد أهل السنة ولزمهم بذلك الاعتقاد أكفاراً وتضليل ولهم كثرة في هذه الإعصار جداً قال في بعض التفاسير أخاف أن يكون من تلك المبتدعة بعض المتصوفة من أهل زماننا الذي يدعى أن شيخه قطب الزمان يجب الاقتداء به على كل مسلم حتى إن من لم يكن من جملة مريديه كان كافراً وإن مات من لم يمت مؤمناً فيستدل بقوله عليه السلام : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ويقول المراد بالإمام هو القطب وشيخنا هو القطب فمن لم يعرف قطبيته ولم يتبعه مات على سوء الحال وجوابه أن المراد بالإمام هو الخليفة والسلطان وقريش أصل فيه لقوله عليه السلام الإمام من قريش ومن عداهم تبع لهم كشريف الكعبة مع آل عثمان فالشريف إحدى الذات ولذا لا قوة له وآل عثمان وإحدى الذات ولذا صار مظهر سر قوله تعالى هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين فاعرف الإشارة وأيضاً المراد من الإمام نبي ذلك الزمان وهو في آخر الزمان رسولنا محمد عليه السلام ولا شك أن من لم يعرفه ولم يصدقه مات ميتة جاهلية ولئن سلم أن المراد بالإمام هو القطب من طريق الإشارة فلا شك أن للقطبية العظمى شرائط لا يوجد واحد منها في الكذابين فلا يثبت لهم القطبية أصلاً على أن التصديق بالقطب لا يستلزم صحبته لأن
483
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
مبني هذا الأمر على الباطن فالأقطاب لم يهتد إليهم إلا أقل الأفراد فإظهارهم لقطبيتهم خارج عن الحكمة ولما قربت القيامة وقع أن يتغير أحوال كل طائفة عاماً فعاماً شهراً فشهراً أسبوعاً فأسبوعاً يوماً فيوماً لا يزال هذا التغيير إلى انقراض الأخيار لأنه لا تقوم الساعة إلا على الأشرار وفي المرفوع لا يأتيكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم.
قال الحافظ :
روزى اكر غمى رسدت تنك دل مباش
روشكركن مبادكه ازبد بترشود
(9/390)
وفي الحديث ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل رواه مسلم وقال عليه السلام : يذهب الصالحون الأول فالأول ويبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر لا يبالي بهم الله وأول التغير كان في الأمراء ثم في العلماء ثم في الفقراء ففي كل طائفة أهل هدى وأهل هوى فكن من أهل الهدى أو المتشبهين بهم فإن من تشبه بقوم فهو منهم ومن كثر سواد قوم فهو منهم وفي الحديث من أحب قوماً على عملهم حشر في زمرتهم وحوسب بحاسبهم وإن لم يعمل بعملهم {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} هذا هو الحكم الثالث يقال جنحت السفينة أي مالت إلى أحد جانبيها وسمي الإثم المائل بالإنسان عن الحق جناحاً ثم سمي كل إثم جناحاً {أَن تَنكِحُوهُنَّ} أي تنكحوا المهاجرات وتتزوجوهن وإن كان لهن أزواج كفار في دار الحرب فإن إسلامهن حال بينهن وبين أزواجهن الكفار {إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} إذا ظرفية محضة أو شرطية جوابها محذوف دل عليه ما تقدمها شرط إيتاء المهر في نكاحهن إيذاناً بأن ما أعطى أزواجهن لا يقوم مقام المهر لأن ظاهر النظم يقتضي إيتاءين إيتاء إلى الأزواج وإيتاء إليهن على سبيل المهر وفي التيسير التزمتم مهورهن ولم يرد حقيقة الأداء كما في قوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد أي يلتزموها استدل بالآية أبو حنيفة رحمه الله على أن أحد الزوجين إذا خرج من دار الحرب مسلماً أو بذمة وبقي الآخر حربياً وقعت الفرقة ولا يرى العدة على المهاجرة ولا على الذمية المطلقة ولا على المتوفى عنها زوجها ويبيح نكاحها إلا أن تكون حاملاً لأنه تعالى نفي الجناح من كل وجه في نكاحهن بعد إيتاء المهور ولم يقيد بمضي العدة وقالا عليها العدة وفي الهداية قول أبي حنيفة فيما إذا كان معتقدهم أنه لا عدة وأما إذا كانت حاملاً فقد قال عليه السلام : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} هذا هو الحكم الرابع والإمساك نك درزدن.
وبعدي بالباء والعصم جمع عصمة وهي ما يعتصم به من عقد وسبب والكوافر جمع كافرة والكوافر طائفتان من النساء طائفة قعدت عن الهجرة وثبتت على الكفر في دار الحرب وطائفة ارتدت عن الهجرة ولحقت بأزواجها الكفار والمعنى لا يكن بينكم وبين المشركات عصمة ولا علقة زوجية وقال
484
(9/391)
ابن عباس رضي الله عنهما : من كان له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدن بها من نسائه كما قال بعض أهل التفسير : المراد بالعصمة هنا النكاح بمعنى من كانت له زوجة كافرة بمكة أو ارتدت ورجعت إليها فلا يعتد بها ويعدها من نسائه لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه فجاز له أن يتزوج بأربع سواها وبرابعة وباختها من غير تربص وعدة وبالفارسية وما يستيد بنكه داشتن زنان كافره وايشانرا بزنان خود مشمريد.
فيكون إشارة إلى حكم اللاتي بقين في دار الكفر وما أسلمن ولا هاجرن بعد إسلام أزواجهن وهجرتهم وعن النخعي عن المسلمة تلحق بدار الحرق فتكفر فيكون قوله ولا تمسكوا بمقابلة قوله إذا جاءكم المؤمنات يعني أن قوله إذا جاءكم الخ إشارة إلى حكم اللاتي أسلمت وهرجن من دار الكفر وقوله ولا تمسكوا الخ إشارة إلى حكم المسلمات اللاتي ارتددن وخرجن من دار الإسلام إلى دار الكفر وعلى التفسير زال عقد النكاح بينهن وبين أزواجهن وانقطعت عصمتهن عنهم باختلاف الدارين فالعصمة هي المنع أريد بها في الآية عقد النكاح الذي هو سبب لمنع أزواجهن إياهن عن الإطلاق أي لا تعتدوا بما كان بينكم وبينهن من العقد الكائن قبل حصول اختلاف الدارين والفرقة عند الحنفية تقع بنفس الوصول إلى دار الإسلام فلا حاجة إلى الطلاق بعد وقوع الفرقة وكانت زيتب بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام امرأة أبي العاص ابن الربيع فلحقت بالنبي عليه السلام وأقام أبو العاص بمكة مشركاً ثم أتى المدينة فأسلم فردها عليه رسول الله عليه السلام وإذا أسلم الزوجان معاً أو أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما بالاتفاق وإذا أسلمت المرأة فإن كان مدخولاً بها فأسلم في عدتها فهي امرأته بالاتفاق وإن كانت غير مدخول بها وقعت الفرقة بينهما وكان فسخاً عند الثلاثة وقال أبو حنيفة يعرض عليه الإسلام فإن أسلم فهي امرأته وإلا فرق القاضي بينهما بآبائه عن الإسلام وتكون هذه الفرقة طلاقاً عند أبي حنيفة ومحمد وفسخاً عند أبي يوسف ولها المهر إن كانت مدخولاً بها وإلا فلا بالاتفاق وأما إذا ارتد أحد الزوجين المسلمين فقال أبو حنيفة ومالك تقع الفرقة حال الردة بلا تأخير قبل الدخول وبعده وقال الشافعي وأحمد إن كانت الردة من أحدهما قبل الدخول انفسخ النكاح وإن كانت بعده وقعت الفرقة على انقضاء العدة فإن أسلم المرتد منهما في العدة ثبت النكاح وإلا انفسخ بانقضائها ثم إن كان المرتد الزوجة بعد الدخول فلها المهر وقبله لا شيء لها وإن كان الزوج فلها الكل بعده والنصف قبله بالاتفاق كذا في فتح الرحمن وقال سهل رحمه الله في الآية ولا توافقوا أهل البدع في شيء من آرائهم
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} هذا هو الحكم الخامس أي واسألوا الكفار أيها المؤمنون ما أنفقتم يعني آنه خرج كرده آيد من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار أي إذا ارتدت امرأة أحدكم ولحقت بدار الحرب فاسألوا مهرها ممن تزوجها ولعل هذا لتطرية قلوب بعض المؤمنين بالمقابلة والمعادلة وإلا فظاهر حال الكرام الاستغناء عنه {وَلْيَسْـاَلُوا} أي الكفار منكم {مَّآ أَنفَقُوا} من مهور أزواجهم المهاجرات أي يسأل كل حربي أسلمت امرأته
485
(9/392)
وهاجرت إلينا ممن تزوجها منا مهرها وبالفارسية ون عصمت زوجيه منقطع شد ميان مؤمن وكافره وميان كافر ومؤمنه س هريك بايدكه رد كند مهريرا كه بصاحبه خود داده اند.
وظاهر قوله وليسألوا يدل على أن الكفار مخاطبون بالأحكام وهو أمر للمؤمنين بالأداء مجازاً من قبيل إطلاق الملزوم وإرادة اللازم كما في قوله تعالى : وليجدوا فيكم غلظة فإنه بمعنى واغلظوا عليهم {ذَالِكُمْ} الذي ذكر في هذه الآية من الأحكام {حُكْمُ اللَّهِ} ما حكم الله به لأن يراعي وقوله تعالى : {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} كلام مستأنف للتأكيد والحث على الرعاية والعمل به قال في فتح الرحمن : ثم نسخ هذا الحكم بعد ذلك إلا قوله لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} بمصالحكم {حَكِيمٌ} يشرع ما تقتضيه الحكمة البالغة قال ابن العربي : كان حكم الله هذا مخصوصاً بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة وقال الزهري ولولا هذه الهدنة والعهد الذي كان بين رسول الله وبين قريش يوم الحديبية لا مسك النساء ولم يرد الصداق وكذا كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد روي أنه لما نزلت الآية أدى المؤمنون ما أمروا به من مهور المهاجرات إلى زواجهن المشركين وأبى المشركون أن يؤدوا شيئاً من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين وقالوا : نحن لا نعلم لكم عندنا شيئاً فإن كان لنا عندكم شيء فوجهوا به فنزل قوله تعالى : {وَإِن فَاتَكُمْ} الفوت بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إذراكه وتعديته بإلى لتضمنه معنى السبق أو الانتفلات دل عليه قوله فآتوا الذين ذهبت أزواجهم أي إلى الكفار والمعنى سبقكم وانفلت منكم أي خرج وفر منكم فجأة من غير تردد ولا تدبر وبالفارسية واكرفوت شود از شما اى مؤمنان {شَىْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} أي أحد من أزواجكم إلى الكفار ودارهم ومهر أو بدست شمانيابد.
وقد قرىء به وايقاع شيء موقعه للتحقير والإشباع في التعميم لأن النكرة في سياق الشرط تفيد العموم والشيء لكونه أعم من الأحد أظهر إحاطة لأصناف الزوجات أي أي نوع وصنف من النساء كالعربية أو العجمية أو الحرة أو الأمة أو نحوها أو فاتكم شيء من مهور أزواجكم على حذف المضاف ليتطابق الموصوف وصفته والزوج هنا هي المرأة.
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
ـ روي ـ أنها نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان فرت فتزوجها ثقفي ولم ترتد امرأة من قريش غيرها وأسلمت مع قريش حين أسلموا وسيأتي غير ذلك {فَعَاقَبْتُمْ} من العقبة وهي التوبة والمعاقبة المنازبة يقال عاقب الرجل صاحبه في كذا أي جاء فعل كل واحد منهما بعقب فعل الآخر والمعنى وجاءت عقبتكم ونوبتكم من أداء المهر بأن هاجرت امرأة الكافر مسلمة إلى المسلمين ولزمهم أداء مهرها إلى زوجها الكافر بعدما فاتت امرأة المسلم إلى الكفار ولزم أن يسأل مهر زوجته المرتدة ممن تزوجها منهم شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب ونحوه أي يتناوب وإلا فأداء كل واحد من المسلمين والكفار لا يلزم أن يعقب أداء الآخر لجواز أن يتوجه الأداء لأحد الفريقين مراراً متعددة من غير أن يلزم الفريق الآخر شيء وبالعكس فلا يتعاقبون في الأداء {وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} أن من المهاجرة
486
التي تزوجتموها ولا تؤتوا زوجها الكافر يعني إن فاتت امرأة مسلم إلى الكفار ولم يعط الكفار مهرها فإذا فاتت امرأة كافر إلى المسلمين أي هاجرت إليهم وجب على المسلمين أن يعطوا المسلم الذي فات امرأته إلى الكفار مثل مهر زوجته الفائتة من مهل هذه المرأة المهاجرة ليكون كالعوض لمهر زوجته الفائتة ولا يجوز لهم أن يعطوا مهر هذه المهاجرة زوجها الكافر قيل جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة : أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري ، وفاطمة بنت أمية كانت تحت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي أخت أم سلمة ، وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان ، وعبدة بنت عبد العزي بن نضلة وزوجها عمرو بن عبدور ، وهند بنت أبي جهل كانت تحت هشام بن العاص ، وكلثوم بنت جرول كانت تحت عمر رضي الله عنه ، وأعطاهم رسول الله عليه السلام مهور نسائهم من الغنيمة كما في الكشاف {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى أَنتُم بِهِ} لا بغيره من الجبت والطاغوت {مُؤْمِنُونَ} فإن الإيمان به تعالى يقتضي التقوى منه تعالى قال بعضهم : حكم أين آيات تابقاى عهد باقي بود ون مرتفع كشت اين أحكام منسوخ كشت.
وفي الآية إشارة إلى المكافأة إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
(9/393)
ـ حكي ـ أن أخوين في الجاهلية خرجا مسافرين فنزلا في ظل شجرة تحت صفاة فلما دنا الرواح خرجت لهما من تحت الصفاة حية تحمل ديناراً فألقته إليهما فقالا : إن هذا لمن كنز فأقاما عليه ثلاثة أيام كل يوم تخرج لهما ديناراً فقال أحدهما للآخر : إلى متى ننتظر هذه الحية ألا نقتلها ونحفر عن هذا الكنز فأخذه ونهاه أخوه وقال : ما ندري لعلك تعطب ولا تدرك المال فأبى عليه فأخذ فأساً معه ورصد الحية حتى خرجت فضربها ضربة جرت رأسها ولم تقتلها فبادرت الحية فقتلته ورجعت إلى حجرها فدفنه أخوه وأقام حتى إذا كان الغد خرجت الحية معصوباً رأسها ليس عليها شيء فقال : يا هذه إني والله ما رضيت بما أصابك ولقد نهيت أخي عن ذلك فهل لك أن نجعل الله بيننا لا تضرين بي ولا أضر بك وترجعين إلى ما كنت عليه؟ فقالت الحية : لا فقال : ولم؟ قالت : لأني لأني أعلم أن نفسك لا تطيب لي أبداً وأنت ترى قبر أخيك ونفسي لا تطيب لك وأنا أذكر هذه الشجة فظهر من هذه الحكاية سر المكافأة وشرف التقوى فإنه لو اتقى الله ولم يضع الشر موضع الخير بل شكر صنيع الحية لازداد مالاً وعمراً :
كرم كن نه رخاش وجنك آورى
كه عالم بزير نكين آورى
وكارى برآيد بلطف وخوشى
ه حاجت بتندى وكردن كشى
نمى ترسى أي كرك ناقص خرد
كه روزى لنكيت برهم درد
يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ} نداء تشريف وتعظيم {إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَـاتُ} ون بيايند بتوزنان مؤمنه {يُبَايِعْنَكَ} أي مبايعات لك أي قاصدات للمبايعة فهي حال مقدرة نزلت يوم الفتح فإنه عليه السلام لما فرغ من بيعة الرجال شرع في بيعة النساء سميت البيعة لأن المبايع يبيع نفسه بالجنة فالمبايعة مفاعلة من البيع ومن عادة الناس حين المبايعة أن يضع أحد المتبايعين يده على يد الآخر لتكون معاملتهم محكمة مثبتة فسميت المعاهدة بين المعادين مبايعة تشبيهاً لها
487
بها في الأحكام والأبرار فمبايعة الأمة رسولهم التزام طاعته وبذل الوسع في امتثال أوامره وأحكامه والمعاونة له وبمايعته إياهم الوعد بالثواب وتدبير أمورهم والقيام بمصالحهم في الغلبة على أعدائهم الظاهرة والباطنة والشفاعة لهم يوم الحساب إن كانوا ثابتين على تلك المعاهدة قائمين بما هو مقتضى المواعدة كما يقال بايع الرجل السلطان إذا أوجب على نفسه إلا طاعة له وبايع السلطان الرعية إذا قبل القيام بمصالحهم وأوجب على نفسه حفظ نفوسهم وأموالهم من أيدي الظالمين {عَلَى أَن لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} أي شيئاً من الأشياء أو شيئاً من الاشتراك والظاهر أن المراد الشرك الأكبر ويجوز التعميم له وللشرك الأصغر الذي هو الرياء فالمعنى على أن لا يتخذن إليهاً غير الله ولا يعملن إلا خالصاً لوجهه :
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
مرايى هركس معبود سازد
مرايى را زان كفتند مشرك
قال الحافظ :
كوييا باورنمى دارند روز داورى
كين همه قلب ودغل دركار داور ميكنند
{وَلا يَسْرِقْنَ} السرقة أخذ ما ليس له أخذه في خفاء وصار ذلك في الشرك لتناول الشيء من موضع مخصوص وقدر مخصوص أي لا يأخذن مال أحد بغير حق ويكفي في قبح السرقة أن النبي عليه السلام لعن السارق {وَلا يَزْنِينَ} الزنى وطىء المرأة من غير عقد شرعي يقصر وإذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة قال مظهر الدين الزنى في اللغة عبارة عن المجامعة في الفرج على وجه الحرام ويدخل فيه اللواطة وإتيان البهائم تم كلامه قال عليه السلام : يقتل الفاعل والمفعول به وثبت أن علياً رضي الله عنه أحرقهما وأن أبا بكر رضي الله عنه هدم عليهما حائطاً وذلك بحسب ما رأيا من المصلحة وقال عليه السلام : ملعون من أتى امرأته من دبرها وأما الإتيان من دبرها في قبلها فمباح قال في اللباب اتفق المسلمون على حرمة الجماع في زمن الحيض واختلفوا في وجوب الكفارة على من جامع فيه فذهب أكثرهم إلى أنه لا كفارة عليه فيستغفر وذهب قوم إلى وجوب الكفارة عليه تم كلامه وقال عليه السلام : من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه قيل لابن عباس رضي الله عنهما : ما شأن البهيمة؟ قال : ما سمعت فيها من رسول الله شيئاً ولكن أكره أن يحل لحمها وينتفع بها كذلك {وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلَـادَهُنَّ} أريد به وأد البنات أي دفنهن أحياء خوف العار والفقر كما في الجاهلية قال عليه السلام : لا تنزع الرحمة إلا من شقى.
قال الحافظ :
هي رحمى نه برادربه برادر دارد
هي شوقى نه در رابه سرمى بينم
دخترانرا همه جنكست وجدل بامادر
سر انراهمه بدخواه درمى بينم
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
(9/394)
حكي أن هارون الرشيد زوج أخته من جعفر بشرط أن لا يقرب منها فلم يصبر عنها فظهر حملها فدفنهما هارون حيين غضباً عليهما ويقال ولا يشربن دواء فيسقطن حملهن كما في تفسير أبي الليث وفي نصاب الاحتساب تمنع القابلة من المعالجة لإسقاط الولد بعدما استبان خلقه ونفخ فيه الروح ومدة الاستبانة والنفخ مقدرة بمائة وعشرين يوماً وأما قبله فقيل لا بأس به كالعزل وقيل يكره لأن مآل الماء الحياة كما إذا أتلف محرم بيضة صيد الحرم ضمن لأن مآلها
488
الحياة فلها حكم الصيد بخلاف العزل لأن ماء الرجل لا ينفخ فيه الروح إلا بعد صنع آخر وهو الإلقاء في الرحم فلا يكون مآله الحياة ولعل إسناد الفعل إلى النساء إما باعتبار الرضى به أو بمباشرته بأمر زوجها {وَلا يَأْتِينَ بِبُهُتَـانٍ يَفْتَرِينَه بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} الباء للتعدية والبهتان الكذب الذي يبهت المكذوب عليه أي يدهشه ويجعله متحيراً فيكون أقبح أنواع الكذب وهو في الأصل مصدر يقال بهت زيد عمراً بهتاً وبهتاً وبهتاناً أي قال عليه السلام : ما لم يفعله فزيد باهت وعمر ومبهوت والذي بهت به مبهوت به وإذا قالت لزوجها : هذا ولدي منك لصبي التقطته فقط بهتته به أي قالت عليه ما لم يفعله جعله نفس البهتان ثم وصفه بكونه مفترى مبالغة في وصفهن بالكذب والافتراء والاختلاق يقال فرى فلان كذباً إذا خلقه وافتراه اختلقه قوله يفترينه أما في موضع جر على أنه صفة لبهتان أو نصب على أنه حال من فاعل يأتين وقوله بين أيديهن متعلق بمحذول هو حال من الضمير المنصوب في يفترينه أي يختلقنه مقدراً وجوده بين أيديهن وأرجلهن على أن يكون المراد بالبهتان الولد المبهوت به كما ذهب إليه جمهور المفسرين وليس المعنى على نهيهن عن أن يأتين بولد من الزنى فينسبنه إلى الإزواج لأن ذلك نهى بقوله ولا يزنين بل المراد نهيهن عن أن يلحقن بأزواجهن ولداً التقطنة من بعض المواضع وكانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هو ولدي منك في بطني الذي بين يدي ووضعته من فرجي الذي هو بين رجلي فكنى عنه بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها لأن بطنها الذي تحمله فيه بين يديها ومخرجه بين رجليها والمعنى ولا يجئن بصبي ملتقط من غير أزواجهن فإنه افتراء وبهتان لهم والبهتان من الكبائر التي تتصل بالشرك {وَلا يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ} أي لا يخالفن أمرك فيما تأمرهن به وتنهاهن عنه على أن المراد من المعروف الأمور الحسنة التي عرف حسنها في الدين فيؤمر بها والشؤون السيئة التي عرف قبحها فيه فنهى عنها كما قيل كل ما وافق في طاعة الله فعلاً أو تركاً فهو معروف وكما روى عن بعض أكابر المفسرين من أنه هو النهي عن النياحة والدعاء بالويل وتمزيق الثوب وحلق الشعر ونتفه ونشره وخمش الوجه وأن تحدث المرأة الرجال إلا ذا رحم محرم وأن تخلو برجل غير محرم وأن تسافر إلا مع ذي رحم محرم فيكون هذا للتعميم بعد التخصيص ويحتمل أن يكون المراد من المعروف ما يقابل المنكر فيكون ما قبله للنهي عن المنكر وهذا للأمر بالمعروف لتكون الآية جامعة لهما والتقييد بالمعروف مع أن الرسول عليه السلام لا يأمر إلا به للتنبيه على أنه لا تجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق لأنه لما شرط ذلك في طاعة النبي عليه السلام فكيف في حق غيره وهو كقوله ألا ليطاع بإذن الله كما قال في عين المعاني فدل على أن طاعة الولاة لا تجب في المنكر ولم يقل ولا يعصين الله لأن من أطاع الرسول فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله وتخصيص الأمور المعدودة بالذكر في حقهن لكثرة وقوعها فيما بينهن مع اختصاص بعضها بهن ووجه الترتيب بين هذا المنهيات أنه قدم الأقبح على ما هو أدنى قبحاً منه ثم كذلك إلى آخرها ولذا قدم ما هو الأظهر والأغلب فيما بينهن وقال صاحب اللباب ذكر الله تعالى
489
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
(9/395)
في هذه الآية لرسول الله عليه السلام في صفة البيعة خصالا ستاهن اركان ما نهى عنه في الدين ولم يذكر أركان ما أمر به وهي أيضاً ست : الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج والاغتسال من الجنابة وذلك لأن النهي عنها دائم في كل زمان وكل حال فكان التنبيه على اشتراط الدائم أهم وآكد جواب لإذا فهو العامل فيها فإن الفاء لا تكون مانعة وهو أمر من المبايعة أي فبايعهن على ما ذكر وما لم يذكر لوضوح أمره وظهور أصالته في المبالعة من الصلاة والزكاة وسائر أركان الدين وشعائر الإسلام أي بايعهن إذا بايعنك بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء فإن المبايعة من جهة الرسول هو الوعد بالثواب ومن جهة الآخر التزام طاعته كما سبق وتقييد مبايعتهن بما ذكر من مجيئهن لحثهن على المسارعة إليها مع كمال الرغبة فيها من غير دعوة لهن إليها {وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ} زيادة على ما في ضمن المبايعة من ضمان الثواب والاستغفار طلب المغفرة للذنوب والستر للعيوب {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي مبالغ في المغفرة والرحمة فيغفر لهن ويرحمهن إذا وفين بما بايعن عليه بزركى فرمود مردمان ميكويند رحمت موقوفست بر ايمان يعني تابنده ايمان نيارد مستحق رحمت نشود ومن مى كويم كه ايمان موقوفست برحمت يعنى تا برحمت خود توفيق بنخشد كسى بدولت ايمان نرسد "مصراع" توفيق عزيزست بهركس ندهند.
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
يقول الفقير : الأمر بالاستغفار لهن إشارة إلى قبول شفاعة حبيبه عليه السلام في حقهن فهو من رحمته الواسعة وقد عمم هذا الأمر في سورة الفتح فاستفاد جميع عباده وإمائه إلى يوم القيامة من بحر هذا الفضل ما يغنيهم ويرويهم وهو الفياض قال الإمام الطيبي : لعل المبالغة في الغفور باعتبار الكيفية وفي الغفار باعتبار الكمية كما قال بعض الصالحين إنه غافر لأنه يزيل معصيتك من ديوانك وغفور لأنه ينسى الملائكة أفعالك السوء وغفار لأنه تعالى ينسيك أيضاً ذنبك كيلا تستحيي وحظ العارف منه أن يستر من أخيه ما يحب أن يستر منه ولا يفشى منه إلا أحسن ما كان فيه ويتجاوز عما يندر عنه ويكافىء المسيىء إليه بالصفح عنه والإنعام عليه نسأل الله سبحانه أن يجعلنا متخلقين بأخلاقه الكريمة ومتصفين بصفاته العظيمة إنه هو الغفور الرحيم واختلف في كيفية مبايعته عليه السلام لهن يوم الفتح فروي أنه عليه السلام لما فرغ من بيعة الرجال جلس على الصفا وشرع في بيعة النساء ودعا بذدح من ماء فغمس فيه يده ثم غمس أيديهن فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنقبة متنكرة خوفاً من رسول الله أن يعرفها لما صنعته بحمزة رضي الله عنه يوم أحد من المثلة فلما قال عليه السلام : أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً رفعت هند رأسها فقالت : والله لقد عبدنا الأصنام وإنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال تبايع الرجال على الإسلام والجهاد فلما قال عليه السلام ولا يسرقن قالت : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله هنات أي شيئاً يسيراً فما أدري أيحل لي فقال أبو سفيان : ما أصبت فهو لك حلال فضحك عليه السلام وقال : أنت هند قالت : نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك فعفا عنها فقال : ولا يزنين فقالت : وهل تزني الحرة؟ فقال عمر رضي الله عنه : لو كان قلب نساء العرب على قلب
490
هند ما زنت امرأة قط فقال : ولا يقتلن أولادهن فقالت : ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً فأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة ابن أبي سفيان قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله فقال : ولا يأتين ببهتان فقالت : والله إن البهتان لأمر قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق فقال : ولا يعصينك في معروف فقالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعطيك في شيء.
ـ وروي ـ أنه عليه السلام بايعهن وبين يديه وأيديهن ثوب قطري والقطر بالكسر ضرب من البرود يأخذ بطرف منه ويأخذن بالطرف الآخر توقياً عن مساس أيدي الأجنبيات.
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
ـ وروي ـ أنه جلس على الصفا ومعه عمر رضي الله عنه أسفل منه فجعل عليه السلام يشترط عليهن البيعة وعمر تصافحهن.
ـ وروي ـ أن عمر رضي الله عنه كان يبايع النساء بأمره عليه السلام ويبلغهن عنه وهو أسفل منه عند الصفا.
ـ وروي ـ أنه عليه السلام كلف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهن وهي أميمة أخت خديجة رضي الله عنها خالة فاطمة رضي الله عنها وإلا ظهر الأشهر ما قالت عائشة رضي الله عنها والله ما أخذ رسول الله على النساء قط إلا بما أمر الله وما مست كف رسول الله كف امرأة قط وكان يقول إذا أخذ عليهن قد بايعتك على كلها وكان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله يمتحنهن بقول الله : يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات الخ فإذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن : انطلقن فقد بايعتكن.
(9/396)
يقول الفقير : إنما بايع عليه السلام الرجال مع مس الأيدي دون النساء لأن مقام الشارع يقتضي الاحتياط وتعليم الأمة وإلا فإذا جاز مصافحة عمر رضي الله عنه لهن كما في بعض الروايات جاز مصافحته عليه السلام لهن لأنه أعلى حالاً من عمر من كل وجه وبالجملة كانت البيعة مع النساء والرجال أمراً مشروعاف بأمر الله وسنته بفعل رسول الله ومن ذلك كانت عادة مستحسنة بين الفقراء الصوفية حين أرادت التوبة تثبيتاً للإيمان وتجديداً لنور الإيقان على ما أشبعنا الكلام عليه في المبايعة في سورة الفتح وذكرنا كل طرف منها فيها فارجع.
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
وفي التأويلات النجمية قوله تعالى : يا أيها النبي إذا جاءك الخ يخاطب نبي الروح ويشير إلى النفوس المؤمنة الداخلة تحت شريعة نبي الروح يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً من حب الدنيا وشهواتها ولذاتها وزينتها وزخارفها ولا يسرقن من أخلاق الهوى المتبع وصفاته الرديئة ولا يزنين أي مع الهوى بالاتفاق معه والاتباع له ولا يقتلن أولادهن أي لا يمنعن ولا يرددن أولاد الخواطر الروحانية والإلهامات الربانية ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن يعني لا يدعين بما لم يحصل لهن من المواهب العلوية من المشاهدات والمعاينات والتجريد والتفريد ولا من العطايا السفلية من الزهد والورع والتوكل والتسليم لأنهن ما بلغن بعد إليها ولا يعصينك في معروف أي في كل ما تأمرهن من الأخلاق والأوصاف فبايعهن أي فأقبل مبايعتهن بين يديك بالصدق والإخلاص واستغفر لهن الله مما وقع منهن قبل دخولهن في ظل أنوارك من المخالفات الشرعية والموافقات الطبيعية إن الله غفر يسترها بالموافقات الشرعية رحيم بهن يرحمهن بالمخالفات الطبيعية يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قوْمًا} دوستى مكيند باكروهى كه.
فالتولي هنا بمعنى الموالاة والموادة {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} صفة لقوماً وكذا قد يئسوا وهم
491
جنس الكفار لأن كلهم مغضوب عليهم لا رحمة لهم من الرحمة الأخروية وقيل اليهود لما روي أنها نزلت في بعض فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم وهو قول الأكثرين وقد قال تعالى في حق اليهود وغضب الله عليهم وجعل منهم القردة والخنازير والقوم الرجال وربما دخل النساء فيه على سبيل التبع لأن قوم كل نبي رجال ونساء {قَدْ يا ـاِسُوا مِنَ الاخِرَةِ} اليأس انقطاع الطمع يعني نوميد شدند از آخرت.
لكفرهم بها وعدم إيقانهم على أن يراد بقومه عامة الكفرة ومن لابتداء الغاية أو لعلمهم بأنه لا خلاق لهم فيها لعنادهم الرسول المنعوت في التوراة المؤيد بالآيات على أن يراد به اليهود والتقدير من ثواب الآخرة يعني أنهم أهل الكتاب يؤمنون بالقيامة لكنهم لما أصروا على الكفر حسداً وعناداً يئسوا من ثوابها قال عليه السلام : ما معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً وإني جئتكم بحق فأسلموا {كَمَا يا ـاِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَـابِ الْقُبُورِ}
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
من بيان للكفار أي كائنين منهم أي كما يئس منها الذين ماتوا منهم لأنهم وقفوا على حقيقة الحال وشاهدوا حرمانهم من نعيمها المقيم وابتلاءهم بعذابها الأليم والمراد وصفهم بكمال اليأس منها قال مقاتل : إن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك شديد الانتهار ثم يسأله من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول : لا أدري فيقول الملك أبعدك الله أنظر إلى منزلتك من النار فيدعو بالويل والثبور ويقول هذا لك فيفتح باب الجنة فيقول هذا لمن آمن بالله فلو كنت آمنت بربك نزلت الجنة فيكون حسرة عليه وينقطع رجاؤه ويعلم أنه لا حظ له فيها وييأس من خير الجنة وقيل من متعلقة بيئس فالمعنى كما يئسوا من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا إلى الدنيا أحياء والإظهار في موضع الإضمار للإشعار بعلة يأسهم وهو الكفر والقبر مقر الميت والمقبرة موضع القبور وفي الآية إشارة إلى الأبدان المريضة المعتلة النجسة الخبيثة المظلمة فإن الكفار أيسوا من خروجهم ضيق قبور أخلاقهم السيئة إلى سعة قضاء صفاتهم الحسنة وكذا سائرهم من أهل الحجب الكثيفة ومن أصحاب القبور من حاله على عكس هذا كما أشار النبي عليه السلام بقوله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أصحاب القبور وهم من ماتوا بالاختيار قبل الموت بالاضطرار وذلك بالفناء التام فكانت أجسادهم لأرواحهم كالقبور للموتى نسأل الله الختم بالسعادة بحرمة من له كمال السيادة والدفن في أحب البقاع إليه والقدوم بكمال البشرى عليه والقيام بمزيد الفخر لديه :
خدايا بحق بني فاطمة
كه بر قول ايمان كنم خاتمه
خداوندكار انظركن بجو
كه جرم آيداز بندكان دروجود
ومارا بدنيا توكردى عزيز
بعقبى همين شم داريم نيز
492
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
(9/397)
من بيان للكفار أي كائنين منهم أي كما يئس منها الذين ماتوا منهم لأنهم وقفوا على حقيقة الحال وشاهدوا حرمانهم من نعيمها المقيم وابتلاءهم بعذابها الأليم والمراد وصفهم بكمال اليأس منها قال مقاتل : إن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك شديد الانتهار ثم يسأله من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول : لا أدري فيقول الملك أبعدك الله أنظر إلى منزلتك من النار فيدعو بالويل والثبور ويقول هذا لك فيفتح باب الجنة فيقول هذا لمن آمن بالله فلو كنت آمنت بربك نزلت الجنة فيكون حسرة عليه وينقطع رجاؤه ويعلم أنه لا حظ له فيها وييأس من خير الجنة وقيل من متعلقة بيئس فالمعنى كما يئسوا من موتاهم أن يبعثوا ويرجعوا إلى الدنيا أحياء والإظهار في موضع الإضمار للإشعار بعلة يأسهم وهو الكفر والقبر مقر الميت والمقبرة موضع القبور وفي الآية إشارة إلى الأبدان المريضة المعتلة النجسة الخبيثة المظلمة فإن الكفار أيسوا من خروجهم ضيق قبور أخلاقهم السيئة إلى سعة قضاء صفاتهم الحسنة وكذا سائرهم من أهل الحجب الكثيفة ومن أصحاب القبور من حاله على عكس هذا كما أشار النبي عليه السلام بقوله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أصحاب القبور وهم من ماتوا بالاختيار قبل الموت بالاضطرار وذلك بالفناء التام فكانت أجسادهم لأرواحهم كالقبور للموتى نسأل الله الختم بالسعادة بحرمة من له كمال السيادة والدفن في أحب البقاع إليه والقدوم بكمال البشرى عليه والقيام بمزيد الفخر لديه :
خدايا بحق بني فاطمة
كه بر قول ايمان كنم خاتمه
خداوندكار انظركن بجو
كه جرم آيداز بندكان دروجود
ومارا بدنيا توكردى عزيز
بعقبى همين شم داريم نيز
492
جزء : 9 رقم الصفحة : 472
تفسير سورة الصف
مدنية وقيل مكية وآيها أربع عشرة بلا خلاف
جزء : 9 رقم الصفحة : 492
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
{سَبَّحَ} نزهه عن كل ما لا يلق بجنابه العلي العظيم {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} من العلويات الفاعلة {وَمَا فِى الأرْضِ} من السفليات القابلة آفاقاً وأنفساً أي سبحه جميع الأشياء من غير فرق بين موجود وموجود كما قال تعالى : وإن من شيء إلا يسبح بحمده {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب الذي لا يكون إلا ما يريد {الْحَكِيمُ} الذي لا يفعل إلا بالحكمة فلا عزيز ولا حكيم على الإطلاق غيره فلذا يجب تسبيحه قال في كشف الأسرار : من أراد يصفو له تسبيحه فليصف عن آثار نفسه قلبه ومن أراد أن يصفو له في الجنة عيشه فليصف عن أوضار الهوى دينه يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} إيماناً رسمياً {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} روي أن المسلمين قالوا : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا فلما نزل الجهاد كرهوه فنزلت تعبيراً لهم بترك الوفاء ولم مركبة من اللام الجارة وما الاستفهامية قد حذفت ألفها تخفيفاً لكثرة استعمالهما معاً كما في عم وفيم ونظائرهما معناها لأي شيء تقولون نفعل ما لا تفعلون من الخير والمعروف على أن مدار التعبير والتوبيخ في الحقيقة عدم فعلهم وإنما وجهه إلى قولهم تنبيهاً على تضاعف معصيتهم ببيان أن المنكر ليس ترك الخير الموعود فقط بل الوعد به أيضاً وقد كانوا يحسبونه معروفاً ولو قيل لم لا تفعلون ما تقولون لفهم منه أن المنكر هو ترك الموعود فليس المراد من ما حقيقة الاستفهام لأن الاستفهام من الله محال لأنه عالم بجميع الأشياء بل المراد الإنكار والتوبيخ على أن يقول الإنسان من نفسه ما لا يفعله من الخير لأنه إن أخبر أنه فعل في الماضي والحال ولم يفعله كان كاذباً وإن وعد أن يفعله في المستقبل ولا يفعله كان خلفاً وكلاهما مذموم كما قال في الكشاف هذا الكلام يتناول الكذب وإخلاف الموعد وهذا بخلاف ما إذا وعد فلم يف بميعاده لعذر من الأعذار فإنه لا إثم عليه وفي عرائس البقلى حذر الله المريدين أن يظهروا بدعوى المقامات التي لم يبلغوا إليها لئلا يقعوا في مقت الله وينقطعوا عن طريق الحق بالدعوى بالباطل وأيضاً زجر الأكابر في ترك بعض الحقوق ومن لم يوف بالعهود ولم يأت بالحقوق لم يصل إلى الحق والحقيقة وأيضاً ليس للعبد فعل ولا تدبير لأنه أسير في قبضة العزة يجري عليه أحكام القدرة وتصاريف المشيئة فمن قال فعلت أو أتيت أو شهدت فقد نسي مولاه وادعى ما ليس له ومن شهد من نفسه طاعة كان إلى العصيان أقرب لأن النسيان من العمى.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493(9/398)
وفي التأويلات النجمية يا أيها المؤمنون المقلدون لم تذمون الدنيا بلسان الظاهر وتمدحونها بلسان الباطن شهادة ارتكابكم أنواع الشهوات الحيوانية وأصناف اللذات الجسمانية أو تمدحون الجهاد بلسانكم وتذمونه بقلوبكم وذلك يدل على إعراضكم عن الحق وإقبالكم على النفس والدنيا وهذا كبر مقتاً عند الله تعالى كما قال : {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} كبر من باب نعم وبئس فيه ضمير مبهم مفسر بالنكرة بعده وأن تقولوا هو المخصوص بالذم والمقت البغض الشديد لمن يراه متعاطياً لقبيح يقال مقته فهو مقيت وممقوت وكان يسمى تزوج امرأة الأب نكاح المقت
493
وعند الله ظرف للفعل بمعنى في علمه وحكمته والكلام بيان لغاية قبح ما فعلوه أي عظم بغضاً في حكمته تعالى هذا القول المجرد فهو أشد ممقوتية ومبغوضية فمن مقته الله فله النار ومن أحبه الله فله الجنة.
قال الكاشفي : ونزد بعضي علماً آيت عامست يعني هركه سخنى كويد ونكند درين عتاب داخلست ويا آن علما نيزكه خلق رابعمل خير فرمايند وخود ترك نمايند اين سياست خواهد بود :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
وأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني وحضرت يغمبر عليه السلام درشب معراج ديدكه لبهاى نين كسان بمقراض آتشبن مى بريدند.
ازمن بكوى عالم تفسير كوى را
كردر عمل نكوشى نادان مفسر
بار درخت علم ندانم بجز عمل
باعلم اكر عمل نكنى شاخ بى برى
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
قيل لبعض السلف حدثنا فسكت ثم قيل له حدثنا فقال لهم : أتأمرونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله قال القرطبي رحمه الله ثلاث آيات منعتني أن أقص على الناس أتأمرون النسا بالبر وتنسون أنفسكم وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون وقد ورد الوعيد في حق من يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً أي كما ورد في حق من يترك العمل فالخوف إذا كان على كل منهما في درجة متناهية فكيف على من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف وأكثر الناس في هذا الزمان هكذا والعياذ بالله تعالى قال في اللباب أن الآية توجب على كل من ألزم نفسه عملاً فيه طاعة الله أن يفي به فإن من التزم شيئاً لزم شرعاف إذا الملتزم أما نذر تقرب مبتدأ كقولهعلى صلاة أو صوم أو صدقة ونحوه من القرب فيلزمه الوفاء إجماعاً أو نذر مباح وهو ما علق بشرط رغبة كقوله إن قدم غائبي فعلى صدقة أو بشرط رهبة كقوله إن كفاني الله شر كذا فعلى صدقة ففيه خلاف فقال مالك وأبو حنيفة يلزمه الوفاء به وقال الشافعي في قول لا يلزم وعموم الآية حجة لنا لا بها بمطلقها تتناول ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق أي مقيد بشرط {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَـاتِلُونَ} أعداء الله {فِى سَبِيلِهِ} في طريق مرضاته وأعلاه دينه أي يرضى عنهم ويثنى عليهم {صَفًّا} صف زده در برابر خصم.
وهو بيان لما هو مرضى عنده تعالى بعد بيان ما هو ممقوت عنده وهذا صريح في أن ما قالوه عبارة عن الوعد بالقتال وصفا مصدر وقع موقع الفاعل أو المفعول ونصبه على الحالية من فاعل يقاتلون أي صافين أنفسهم أو مصفوفين والصف أن يجعل الشيء على خط مستو كالناس والأشجار {كَأَنَّهُم بُنْيَـانٌ مَّرْصُوصٌ} حال من المستكن في الحال الأولى والبنيان الحائط وفي القاموس البناء ضد الهدم بناه بنيا وبناء وبنياناً وبنية وبناية والبناء المبني والبنيان واحد لا جمع دل عليه تذكير مرصوص وقال بعضهم :
494
بنيان جمع بنيانة على حد نخل ونخلة وهذا النحو من الجمع يصح تأنيثه وتذكيره والرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه كما قال في تاج المصادر الرص استوار برآوردن بنا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما يوضع الحجر على الحجر ثم يرص بأحجار صغار ثم يوضع اللبن عليه فيسميه أهل مكة المرصوص والمعنى حال كونهم مشبهين في تراصهم من غير فرجة وخلل ببنيان رص بعضه إلى بعض ورصف حتى صار شيئاً واحداً وقال الراغب بنيان مرصوص أي محكم كأنما بني بالرصاص يعني كوييا ايشان در اسحكام بنا اندريخته ازارزير كنايتست از ثبات قدم ايشان در معركه حرب وبيكديكر باز سبيدن.
وهو قول الفراء وتراصوا في الصلاة أي تضايقوا فيها كما قال عليه السلام تراصوا بينكم في الصلاة لا يتخللكم الشيطان فالرحمة في مثل هذا المقام رحمة فلا بد من سد الخلل أو المحاذاة بالمناكب كالبنيان المرصوص ولا ينافيه قول سفيان ينبغي أن يكون بين الرجلين في الصف قدر ثلثي ذراع فذاك في غيره كما في المقاصد الحسنة وعن بعضهم فيه ذليل على فضل القتال راجلاً لأن الفرسان لا يصطفون على هذه الصفة كما في الكشاف.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
(9/399)
يقول الفقير الدليل على فضل الراكب على الراجل أن له سهمين من الغنيمة وإنما حث عليه السلام على التراص لأن المسلمين يومئذ كانوا راجلين غالباً ولم يجدوا راحلة ونحوها إلا قليلاً قال سعيد بن جبير رضي الله عنه هذا تعليم من الله للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم ولذلك قالوا لا يجوز الخروج من الصف إلا لحاجة تعرض للإنسان أو في رسالة يرسله الإمام أو منفعة تظهر في المقام المنتقل إليه كفرصة تنتهز ولا خلاف فيها وفي الخروج عن الصف للمبارزة خلاف لا بأس بذلك إرهاباً للعدو وطلباً للشهادة وتحريضاً على القتال وقيل لا يبلز أحد لذلك لأن فيه رياء أو خروجاً إلى ما نهى الله عنه وإنما تكون المبارزة إذا طلبها الكافر كما كانت في حروب النبي عليه السلام يوم بدر وفي غزوة خيبر قال في فتح الرحمن أما حكم الجهاد فهو فرض كفاية على المستطيع بالاتفاق إذا فعله البعض سقط عن الباقين وعند النفير العام وهو هجوم العدو يصير فرض عين بلا خلاف ففي الآية زجر عن التباطىء وحث على التسارع ودلالة على فضيلة الجهاد وروي في الخبر أنه لما كان يوم مؤتة بالضم موضع بمشارف الشام قتل فيه جعفر ابن أبي طالب وفيه كانت تعمل السيوف كما في القاموس واكان عليه السلام بن رواحة رضي الله عنه أحد الأمراء الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ناداهم ياأهل المجلس هذا الذي وعدكم ربكم فقاتل حتى قتل وكان عليه السلام بن رواحة الأنصاري شاعر رسول الله وكان يقص على أصحاب رسول الله في مسجده على حياته وجلس إليه رسول الله يوماً وقال : أمرت أن أجلس إليكم وأمر ابن رواحة أن يمضي في كلامه كما في كشف الأسرار ثم إن الجهاد أما مع الأعداء الظاهرة كالكفار والمنافقين وأما مع الأعداء الباطنة كالنفس والشيطان وقال عليه السلام : المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هاجر الخطايا والذنوب وأعظم المجاهدة في الطاعة الصلاة لأن فيها سر الفناء وتشق على النفس {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} كلام مستأنف مقرر لما قبله من شناعة ترك القتال وإذ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبي
495
عليه السلام بطريق التلوين أي اذكر لهؤلاء المؤمنين المتقاعدين عن القتال وقت قول موسى لبني إسرائيل حين ندبهم إلى قتال الجبابرة بقوله يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين فلم يمتثلوا بمأمره وعصوه أشد عصيان حيث قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون إلى قوله فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون وأصروا على ذلك وآذوه عليه السلام كل الأذية كذا في الإرشاد.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
(9/400)
يقول الفقير : لا شك أن قتل الأعداء من باب التسبيح لأنهم الذين قالوا اتخذوا الله ولداً وعبدوا معه الأصنام فكان في مقاتلتهم توسيع ساحة التنزيه ولذا بدأ الله تعالى في عنوان السورة بالتسبيح وأشار بلفظ الحكيم إلى أن القتال من باب الحكمة وأنه من باب دفع القضاء بالقضاء على ما يعرفه أهل الله وبلفظ العزيز إلى غلبة المؤمنين المقاتلين ثم إنهم كرهوا ذلك كأنهم لم يثقوا بوعد الله بالغلبة ووقعوا من حيث لم يحتسبوا في ورطة نسبة العجز إلى الله سبحانه ولذا تقاعدوا عن القتال وبهذا التقاعد حصلت الأذية له عليه السلام لأن مخالفة أولي الأمر أذية لهم فأشار الحق تعالى بقصة موسى إلى أن الرسول حق وأن الخروج عن طاعته فسق وأن الفاسق مغضوب الله تعالى لأن الهداية من باب الرحمة وعدمها من باب السخط والعياذ بالله تعالى من سخطه وغضبه وأليم عذابه وعقابه يا قَوْمِ} أي كروه من.
فأصله يا قومي ولذا تكسر الميم ولولا تقدير الياء لقيل يا قوم بالضم لأنه حينئذ يكون مفرداً معرفة فيبنى على الضم وهو نداء بالرفق والشفقة كما هو شأن الأنبياء ومن يليهم {لِمَ تُؤْذُونَنِى} رامى رنجانيد مرا.
أي بالمخالفة والعصيان فيما أمرتكم به والأذى ما يصل إلى الإنسان من ضرر إما في نفسه أو في جسمه أو قنياته دنيويا كان أو أخرويا قال في القاموس آذى فعل الأذى وصاحبه أذى وأذاة وأذية ولا تقل إيذاء انتهى فلفظ الإيذاء في أفواه العوام من الأغلاط وربما تراه في عبارات بعض المصنفين {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} جملة حالية مؤكدة لإنكار الأذية ونفي سببها وقد لتحقيق العلم لا للتوقع ولا للتقريب ولا للتقليل فإنهم قالوا إن قد إذا دخلت على الحال تكون للتحقيق وإذا دخلت على الاستقبال تكون للتقليل وصيغة المضارع للدلالة حلى استمرار العلم أي والحال إنكم تعلمون علماً قطعياً مستمراً بمشاهدة ما ظهر بيدي من المعجزات إني مرسل من الله إليكم لأرشدكم إلى خير الدنيا والآخرة ومن قضية علمكم بذلك أن تبالغوا في تعظيمي وتسارعوا إلى طاعتي فإن تعظيمي تعظيموإطاعتي إطاعة له وفيه تسلية للنبي عليه السلام بأن الأذية قد كانت من الأمم السالفة أيضاً لأنبيائهم والبلاء إذا عم خف وفي الحديث "رحمة الله على أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" وذلك إنه عليه السلام لما قسم غنائم الطائف قال بعض المنافقين هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله فتغير وجهه الشريف وقال ذلك
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
{فَلَمَّا زَاغُوا} الزيغ الميل عن الاستقامة والتزايغ التمايل أي أصروا على الزيغ عن الحق الذي جاء به
496
موسى واستمروا عليه {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} أي صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب لصرف اختيارهم نحو الغي والضلال وقال الراغب في المفردات أي لما فارقوا الاستقامة عاملهم بذلك وقال جعفر لما تركوا أوامر الخدمة نزع الله من قلوبهم نور الإيمان وجعل للشيطان إليهم طريقاً فأزاغهم عن طريق الحق وأدخلهم في مسالك الباطل وقال الواسطي لما زاغزا عن القربة في العلم أزاغ الله قلوبهم في الخلقة وقال بعضهم لما زاغوا عن العبادة أزاغ الله قلوبهم عن الإرادة يقول الفقير لما زاغوا عن رسالة موسى ونبوته أزاغ الله قلوبهم عن ولايته وجمعيته فهم رأوا موسى على أنه موسى لا على أنه رسول نبي فحرموا من رؤية الحق تعالى {وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ} اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله من الإزاغة وموذن بعليته أي لا يهدي القوم الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق المصرين على الغواية هداية موصلة إلى البغية لا هداية موصلة إلى ما يوصل إليها فإنها شاملة للكل والمراد جنس الفاسقين وهم داخلون في حكمهم دخولاً أولياء ووصفهم بالفسق نظراً إلى قوله تعالى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وقوله تعالى فلا تأس على القوم الفاسقين قال الإمام هذه الآية تدل على عظم أذى الرسول حتى أنه يؤدي إلى الكفر وزيغ القلوب عن الهدي انتهى.
ويتبعه أذى العالمين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر لأن العلماء ورثة الأنبياء فأذاهم في حكم أذاهم فكما أن الأنبياء والأولياء داعون إلى الله تعالى على بصيرة فكذلك رسل القلوب فإنهم يدعون القوى البشرية والطبيعية من الصفات البشرية السفلية إلى الأخلاق الروحانية العلوية ومن ظلمة الخلقية إلى نور الحقية فمن مال عن الحق وقبول الدعوة لعدم الاستعداد الذاتي ضل بالتوجه إلى الدنيا والإقبال عليها فأنى يجد الهداية إلى حضرة الحق سبحانه {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} إما معطوف على إذ الأولى معمول لعاملها وإما معمول لمضمر معطوف على عاملها وابن هنا وفي عزيز ابن الله بإثبات الألف خطا لنذرة وقوعه بين رب وعبد وذكر وأنثى يا بَنِى إِسْرَاءِيلَ} أي فرزندان يعقوب.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493(9/401)
ناداهم بذلك استمالة لقلوبهم إلى تصديقه في قوله : {إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التَّوْرَاـاةِ} فإن تصديقه عليه السلام إياها من أقوى الدواعي إلى تصديقهم إياه أي أرسلت إليكم لتبليغ أحكامه التي لا بد منها في صلاح أموركم الدينية.
والدنيوية در حالتى كه باور دارنده ام من آنيز را كه يش منست از كتاب تورات يعني قبل ازمن نازل شده ومن تصديق كرده ام كلاه آن ازنزد خداست.
وقال أبو الليث يعني اقرأ عليكم الأنجيل موافقاً للتوراة في التوحيد وبعض الشرائع قال القاضي في تفسيره ولعله لم يقل يا قوم كما قال موسى لأنه لا نسب له فيهم إذ النسب إلى الآباء وإلا فمريم من بني إسرائيل لأن إسرائيل لقب يعقوب ومريم من نسله ثم إن هذا ذل على أن تصديق المتقدم من الأنبياء والكتب من شعائر أهل الصدق ففيه مدح لأمة محمد عليه السلام حيث صدقوا الكل {وَمُبَشِّرَا} التبشير مده دادن {بِرَسُولٍ يَأْتِى مِنا بَعْدِى} معطوف على مصدقاً داع إلى تصديقه عليه السلام من حيث أن البشارة به واقعة في التوراة والعامل فيهما ما في الرسول
497
من معنى الأرسل لا الجار فإنه صلة للرسول والصلاة بمعزل عن تضمن معنى الفعل وعليه يدور العمل أي أرسلت إليكم حال كوني مصدقاً لما تقدمين من التوراة ومبشراً بمن يأتي من بعدي من رسول وكان بين مولده وبين الهجرة ستمائة وثلاثون سنة وقال بعضهم : بشرهم به ليؤمنوا به عند مجيئه أو ليكون معجزة لعيسى عند ظهوره والتبشير به تبشير بالقرآن أيضاً وتصديق له كالتوراة {اسْمُه أَحْمَدُ} أي محمد صلى الله عليه وسلّم يريد أن ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعاً ممن تقدم وتأخر فذكر أول الكتب المشهورة الذي يحكم به النبيون والنبي الذي هو خاتم النبيين وعن أصحاب رسول الله إنهم قالوا : أخبرنا يا رسول الله عن نفسك قال : إنا دعوة إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي رؤيا حين حملتني أنه خرج منها نور أضاء لها قصرو بصري في أرض الشأم وبصري كحبلى بلد بالشام وكذا بشر كل نبي قومه نبينا محمد عليه السلام والله تعالى أفرد عيسى عبد الله بالذكر في هذا الموضع لأنه آخر نبي قبل نبينا فبين أن البشارة به عمت جميع الأنبياء واحداً بعد واحد حتى انتهت إلى عيسى كما في كشف الأسرار وقال بعضهم : كان بين رفع المسيح ومولد النبي عليه السلام خمسمائة وخمس وأربعون سنة تقريباً وعاش المسيح إلى أن رفع ثلاثاً وثلاثين سنة وبين رفعه والهجرة الشريفة خمسمائة وثمان وتسعون سنة ونزل عليه جبريل عشر مرات وأته النصارى على اختلافهم ونزل على نبينا عليه السلام أربعة وعشرين مرة وأمته أمة مرحومة جامعة لجميع الملكات الفاضلة قيل : قال الحواريون لعيسى : يا روح الله هل بعدنا من أمة قال : نعم أمة محمد حكماء علماء أبرار أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء يرضون من الله باليسير من الرزق ويرضى الله منهم باليسير من العمل وأحمد اسم نبينا صلى الله عليه وسلّم قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر في كتاب تلقيح الأذهان سمي من حيث تكرر حمده محمداً من حيث كونه حامل لواء الحمد أحمد انتهى قال الراغب أحمد إشارة للنبي عليه السلام باسمه تنبيهاً على أنه كما وجد اسمه أحمد يوجد جسمه وهو محمود في أخلاقه وأفعاله وأوقاله وخص لفظ أحمد فيما بشر به عيسى تنبيهاً أنه أحمد منه ومن الذين قبله انتهى ويوافقه ما في كشف الأسرار من أن الألف فيه للمبالغة في الحمد وله وجهان أحدهما أنه مبالغة من الفاعل أي الأنبياء كلهم محمودون لما فيهم من الخصال الحميدة وهو أكثر مناقب وأجمع للفضائل والمحاسن التي يحمد بها انتهى :
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
زصد هزار محمد كه در جهان آيد
يكى بمزلت وفضل مصطفى نرسد
قال ابن الشيخ في حواشيه يحتمل أن يكون أحمد منقولاً من الفعل المضارع وأن يكون منقولاً من صفة وهي أفعل التفضيل وهو الظاهر وكذا محمد فإنه منقول من الصفة أنه وهو في معنى محمود ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار فإنه محمود في الدنيا بما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة ومحمود في الآخرة بالشفاعة وقال الإمام السهيلي في كتاب التعريف والأعلام أحمد اسم علم منقول من صفة لا من فعل وتكل الصفة افعل التي يراد بها التفضيل فمعنى أحمد أحمد الحامدين لربه عز وجل وكذلك هو في المعنى لأنه يفتح عليه في المقام المحمود بمحامد
498
(9/402)
لم تفتح على أحد قبله فيحمد ربه بها وكذلك يعقد لواء الحمد وأما محمد فمنقول من صفة أيضاً وهو في معنى محمود ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار فمحمد هو الذي حمد مرة بعد مرة كما أن المكرم من أكرم مرة بعد مرة وكذلك الممدح ونحو ذلك فاسم محمد مطابق لمعناه والله تعالى سماه به قبل أن يسمي به نفسه فهذا علم من أعلام نبوته إذ كان اسمه صادقاً عليه فهو محمود في الدنيا بما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة وهو محمود في الآخرة بالشفاعة فقد تكرر معنى الحمد كما يقتضي اللفظ ثم إنه لم يكن محمداً حتى كان حمد ربه فنبأه وشرفه ولذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى عليه السلام فقل اسمه أحمد ذكره موسى عليه السلام حين قال له ربه تلك أمة أحمد فقال : اللهم اجعلن من أمة أحمد فبأحمد ذكره قبل أن يذكره بمحمد لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس فلما وجد وبعث كان محمداً بالفعل وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه فيكون أحمد الناس لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته فانظر كيف كان ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر في الذكر وفي الوجود وفي الدنيا وفي الآخرة تلح لك الحكمة الإلهية في تخصيصه بهذين الاسمين وانظر كيف أنزلت عليه سورة الحمد وخص بها دون سائر الأنبياء وخص بلواء الحمد وخص بالمقام المحمود وانظر كيف شرع له سنة وقرآنا أن يقول عند اختتام الأفعال وانقضاء الأمور الحمدرب العالمين قال الله تعالى وقضى بينهم بالحق وقيل الحمدرب العالمين وقال أيضاً وآخر دعواهم أن الحمد رب العالمين تنبيهاً لنا على أن الحمد مشروع عند انقضاء الأمور وسن عليه السلام الحمد بعد الأكل والشرب قوال عند انقضاء السفر آئبون تائبون ربنا حامدون ثم انظر لكونه عليه السلام خاتم الأنبياء ومؤذناً بانفصال الرسالة انقطاع الوحي ونذيراً بقرب الساعة وتمام الدنيا مع أن الحمد كما قدمنا مقرون بانقضاء الأمور مشروع عندها تجد معاني اسمه جميعاً وما خص به من الحمد والمحامد مشاكلاً لمعناه مطابقاً لصفته وفي ذكره برهان عظيم وعلم واضح على نبوته وتخصيص الله له بكرامته وأنه قدم له هذه المقاما قبل وجوده تكرمة له وتصديقاً لأمره عليه السلام انتهى كلام السهيلي.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
يقول الفقير الذي يلوح بالبال أن تقدم الاسم أحمد على الاسم محمد من حيث أنه عليه السلام كان إذ ذاك في عالم الأرواح متميزاً عن الأحد بميم الإمكان فدل قلة حروف اسمه على تجرده التام الذي يقتضيه موطن عالم الأرواح ثم إنه لما تشرف بالظهور في عالم العين الخارج وخلع الله عليه من الحكمة خلعة أخرى زائدة على الخلع التي قبلها ضوعف حروف اسمه الشريف فقيل : محمد على ما يقتضيه موطن العين ونشأة الوجود الخارجي ولا نهاية للأسرار والحمد تعالى قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر في كتاب مواقع النجوم ما انتظم من الوجود شيء بشيء ولا انضاف منه شيء إلى شيء إلا لمناسبة بينهما ظاهرة أو باطنة فالمناسبة موجودة في كل الأشياء حتى بين الاسم والمسمى ولقد أشار أبو يزيد السهيلي وإن كان أجنبياً عن أهل هذه الطريقة إلى هذا المقام في كتاب المعارف والأعلام له في اسم النبي عليه السلام محمد وأحمد وتكلم
499
(9/403)
على المناسبة التي بين أفعال الني عليه السلام وأخلاقه وبين معاني إسميه محمد وأحمد انتهى كلام الشيخ أشار رضي الله عنه إلى ما قدمناه من كلام السهيلي وقال بعض العافين سمي عليه السلام بأحمد لكون حمده أتم واشتمل من حمد سائر الأنبياء والرسل إذ محامدهمإنما هي بمقتضى توحيد الصفات والأفعال وحمده عليه السلام إنما هو بحسب توحيد الذات المستوعب لتوحيد الصفات والأفعال انتهى.
قال في فتح الرحمن لم يسم بأحمد أحد غيره ولا دعي به مدعو قبله وكذلك محمد أيضاً لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجود عليه السلام وميلاده أي من الكهان والأحبار أن نبياً يبعث اسمه محمد فسمي قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو وهم محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي ومحمد بن مسلمة الأنصاري محمد بن البراء البكري ومحمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن حمدان الجعفي ومحمد بن خزاعة السلمي فهم ستة لا سابع لهم ثم حمى الله كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها أحد له أو يظهر عليه سبب يشكك أحداً في أمره حتى تحققت السمتان له عليه السلام ولم ينازع فيهما انتهى.
واختلف في عدد أسماء النبي عليه السلام فقيل له عليه السلام ألف اسم كما أن تعالى ألف اسم وذلك فإنه علمه السلام مظهر تام له تعالى فكما أن أسماءه تعالى أسماء له عليه السلام من جهة الجمع فله عليه السلام أسماء أخر من جهة الفرق على ما تقتضيه الحكمة في هذا الموطن فمن أسمائه محمد أي كثير الحمد لأن أهل السماء والأرض حمدوه في الدنيا والآخرة ومنها أحمد أي أعظم حمداً من غيره لأنه حمد الله تعالى بمحامد لم يحمد بها غيره ومنها المقفى بتشديد الفاء وكسره لأنه أتى عقيب الأنبياء وفي قفاهم وفي التكملة هو الذي قفى على أثر الأنبياء أي اتبع آثارهم ومنها نبيالتوبة لأنه كثير الاستغفار والرجوع إلى الله أو لأن التوبة في أمته صارت أسهل ألا ترى أن توبة عبدة العجل كانت بقتل النفس أو لأنه توبة أمته كانت أبلغ من غيرهم حتى يكون التائب منهم كمن لا ذنب له لا يؤاخذ به في الدنيا ولا في الآخرة وغيرهم يؤاخذ في الدنيا لا في الآخرة ومنها نبي الرحمة لأنه كان سبب الرحمة وهو الوجود لقوله تعالى : لولاك لما خلقت الأفلاك وفي كتاب البرهان للكرماني لولاك يا محمد لما خلقت الكائنات خاطب الله النبي عليه السلام بهذا القول انتهى قيل الأولى أن يحترز عن القول بأنه لولا الأنبياء عليهم السلام لان لما خلق الله آدم وإن كان هذا شيئاً يذكره الوعاظ على رؤوس المنابر يون به تعظيم محمد عليه السلام لأن النبي عليه السلام وإن كان عظيم المرتبة عند الله لكن لكل نبي من الأنبياء مرتبة منزلة وخاصية ليست لغيره فيكون كل نبي أصلاً لنفسه كما في التاتار خانية.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
يقول الفقير : كان عليه السلام نبي الرحمة لأن هو الأمان الأعظم ما عاش وما دامت سنته باقية على وجه الزمان قال تعالى : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهو يستغفرون قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : كان في الأرض أمانان فرفع أحدهما وبقي الآخر فأما الذي رفع فهو رسول الله عليه السلام وأما الذي بقي فالاستغفار وقرأ بعد هذه الآية ومنها نبي الملحمة أي الحرب لأنه بعث بالقتال فإن قلت المبعوث بالقتال كيف يكون رحمة
500
قلت : كان أمم الأنبياء يهلكون في الدنيا إذا لم يؤمنوا بهم بعد المعجزات ونبينا عليه السلام بعث بالسيف ليرتدعوا به عن الكفر ولا يستأصلوا وفي كونه عليه السلام نبي الحرب رحمة ومنها الماحى وهو الذي محا الله به الكفر أو سيئات من اتبعه ومنها الحاشر وهو الذي يحشر الناس على قدمه أي على أثره ويجوز أن يراد بقدمه عهده وزمانه فيكون المعنى أن الناس يحشرون في عهده أي في دعوته من غير أن تنسخ ولا تبدل ومنها العاقب وهو الذي ليس بعده نبي لا مشرعاً ولا متابعاً أي قد غقب الأنبياء فانقطعت النبوة قال عليه السلام : يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي أي بالنبوة العرفية بخلاف النبوة التحقيقية التي هي الأنبياء عن الله فإنها باقية إلى يوم القيامة إلا أنه لا يجوز أن يطلق على أهطلها النبي لإيهامه النبوة العرفية الحاصلة بمجيء الوحي بواسطة جبرائيل عليه السلام ومنها الفاتح فإن الله فتح به الإسلام ومنها الكاف قيل معناه الذي أرسل إلى الناس كافة وليس هذا بصحيح لأن كافة لا يتصرف منه فعل فيكون منه اسم فاعل وإنما معناه الذي كف الناس عن المعاصي كذا في التكملة.
(9/404)
يقول الفقير هذا إذا كان الكاف مشدداً وأما إذا كان مخففاً فيجوز أن يشار به إلى المعنى الأول كما قال تعالى يس أي يا سيد البشر ومنها صاحب الساعة لأنه بعث مع الساعة نذيراً للناس بين يدي عذاب شديد ومنها الرؤوف والرحيم والشاهد والمبشر والسراج المنير وطه ويس والمزل والمدثر وعليه السلام وقثم أي الجامع للخير ومنها.
ن.
إشارة إلى اسم النور والناصر ومنها المتوكل والمختار والمحمود والمصطفى وإذا اشتقت أسماؤه من صفاته كثرت جداً ومنها الخاتم بفتح التاء أي أحسن الأنبياء خلقاً وخلقاً فكأنه جمال الأنبياء كالخاتم الذي يتجمل به أي لما أتقنت به النبوة وكملت كان كالخاتم الذي يختم به الكتاب عند الفراغ منه وأما الخاتم بكسر التاء فمعناه أنه آخر الأنبياء فهو اسم فاعل من ختم ومنها راكب الجمل سماه به شعيا النبي عليه السلام فإن قلت : لم خص بركوب الجمل وقد كان يركب غيره كالفرس والحمال قلت : كان عليه السلام من العرب لا من غيرهم كما قال أحب العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي والجمل مركب العرب مختص بهم لا ينسب إلى غيرهم من الأمم ولا يضاف لسواهم ومنها صاحب الهراوة سماه به سطيح الكاهن والهراوة بالكسر العصا فإن قلت لم خص بالعصا وقد كان غيره من الأنيباء يمسكها قلت العصا كثيراً ما تستعمل في ضرب الإبل وتخص بذلك كما قال به كثير في صفة البعير :
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
ينوخ ثم يضرب بالهراوي
فلا عرف لديه ولا نكير
فركوبه الجمل وكونه صاحب هراوة كناية عن كونه عربياً وقيل هي إشارة إلى قوله في الحديث في صفة الحوض اذود الناس عنه بعصاي ومنها روح الحق سماه به عيسى عليه السلام في الإنجيل وسماه أيضاً المنخنا بمعنى محمد ياخود آنكه خداى بفرستد اورا بعد از مسيح وفي التكملة هو بالسريانية ومنها حمياطى بالعبرانية وبر قليطس بالرومية بمعنى محمد وماذ ماذ بمعنى طيب طيب وفار قليطا مقصورا بمعنى أحمد وروى فار قليط بالباء وقيل معناه الذي
501
يفرق بين الحق والباطل وروي أن معناه بلغة لنصارى ابن الحمد فكأنه محمد وأحمد.
ـ وروي ـ أنه عليه السلام قال : اسمي في التوراة أحيد لأني أحيد أمتي عن النار واسمي في الزبور الماحي محا الله بي عبدة الأوثان واسمي في الإنجيل أحمد وفي القرآن محمد لأني محمود في أهل السماء والأرض فإن قلت قال رسول الله عليه السلام لي خمسة أسماء فذكر محمداً وأحمد والماحي والحاشر والعاقب وقد بلغت أكثر من ذلك قلت تخصيص الوارد لا ينافي ما سواه فقد خص الخمسة إما لعلم السامع بما سواها فكأنه قال لي خمسة زائدة على ما تعلم أو لفضل فيها كأنه قال لي خمسة أسماء فاضلة معظمة أو لشهرتها كأنه قال لي خمسة أسماء مشهورة أو لغير ذلك مما يحتمله اللفظ من المعاني وقيل لأن الموحى إليه في ذلك الوقت كان هذه الأسماء وقيل كانت هذه الأسماء معروفة عند الأمم السالفة ومكتوبة في الكتب المقتدمة وفيه أن أسماءه الموجودة في الكتب المتقدمة تزيد على الخمسة كما في التكملة لابن عسكر {فَلَمَّا جَآءَهُم} أي الرسول المبشر به الذي اسمه أحمد كما يدل عليه الآيات اللاحقة وأما إرجاعه إلى عيسى كما فعله بعض المفسرين فبعيد جداً وكون ضمير الجمع راجعاً إلى بني إسرائيل لا ينافي ما ذكرنا لأن نبينا عليه السلام مبعوث إلى الناس كافة {بِالْبَيِّنَـاتِ} أي بالمعجزات الظاهرة كالقرآن ونحوه والباء للتعدية ويجوز أن تكون للملابسة {قَالُوا هَـاذَا} مشيرين إلى ما جاء به أو إليه عليه السلام {سِحْرٌ مُّبِينٌ} ظاهر وفي الآية إشارة إلى عيسى القلب وإسرائيل الروح وبنيه النفس والهوى وسائر القوى الشريرة فإنها متولدة من الروح والقالب منسلخة عن حكم أبيها فدعاها عيسى القلب من الظلمات الطبيعية إلى الأنوار الروحانية وبشرها بأحمد السر لكونه أحمد من عيسى القلب لعلو مرتبته عليه فلما جاءها بصور التجليات الصفاتية والأسمائية قالت : هذا أمر وهمي متخيل لا وجود له ظاهر البطلان وهكذا براهين أهل الحق مع المنكرين {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} وكيست ستمكارتر از أن كس كه دروغ مى سازد بر الله.
والفرق بين الكذب والافتراء هو أن الافتراء افتعال الكذب من قول نفسه والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه {وَهُوَ} أي والحال أن ذلك المفترى {يُدْعَى} من لسان الرسول {إِلَى الاسْلَـامِ} الذي به سلامة الدارين أي أي الناس أشد ظلماً ممن يدعي الإسلام الذي يوصله إلى سعادة الدارين فيضع موضع الإجابة الافتراء على الله بقوله لكلامه الذي هو دعاء عباده إلى الحق هذا سحر فاللام في الكذب للعهد أي هو أظلم من كل ظالم وإن لم يتعرض ظاهر الكلام لنفي المساوي ومن الافتراء على الله الكذب في دعوى النسب والكذب في الرؤيا والكذب في الأخبار عن رسول الله عليه السلام.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
(9/405)
واعلم أن الداعي في الحقيقة هو الله تعالى كما قال تعالى : والله يدعو إلى دار السلام بأمره الرسول عليه السلام كما قال ادع إلى سبيل ربك وفي الحديث عن ربيعة الجرشي "قال أتى نبي الله عليه السلام فقيل له : لتنم عينك ولتسمع أذنك وليعقل قلبك" قال : فنامت عيناي وسمعت أذناي وعقل قلبي قال فقيل لي سيد بني دارا فصنع مأدبة وأرسل داعياً
502
فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضي عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المدأبة وسخط عليه السيد قال : فالله السيد ومحمد الداعي والدار الإسلام والمأدبة الجنة ودخل في دعوة النبي دعوة ورثته لقوله أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ولا بد أن يكون الداعي أميراً أو مأموراً وفي المصابيح في كتاب العلم قال : عوف بن مالك رضي الله عنه لا يقص إلا أمر أو مأمور أو مختال رواه أبو داود وابن ماجه قوله أو مختال هو المتكبر والمراد به هنا الواعظ الذي ليس بأمير ولا مأمور مأذون من جهة الأمير ومن كانت هذه صفته فهو متكبر فضولي طالب للرياسة وقيل هذا الحديث في الخطبة خاصة كما في المفاتيح {وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ} أي لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم لعدم توجههم إليه {يُرِيدُونَ لِيُطْفِـاُوا نُورَ اللَّهِ} الإطفاء الإخماد وبالفارسية فروكشتن آتش وراغ.
أي يريدون أن يطفئوا دينه أو كتابه أو حجته النيرة واللام مزيدة لما فيها من معنى الإرادة تأكيداً لها كما زيدت لما فيها من معنى الإضافة تأكيداً لها في لا أبا لك أو يريدون الافتراء ليطفئوا نور الله وقال الراغب في المفردات : الفرق أن في قوله تعالى يريدون أن يطفئوا نور الله يقصدون إخفاء نور الله وفي قوله تعالى ليطفئوا يقصدون أمراً يتوصلون به إلى إطفاء نور الله {بِأَفْوَاهِهِمْ} بطعنهم فيه وبالفارسية بدهنهاى خود يعني بكفتار ناسنديده وسخنان بي ادبانه.
مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمي ليطفئه {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} أي مبلغه إلى غايته بنشره في الآفاق وإعلائه جملة حالية من فاعل يريدون أو يطفئوا {وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ} إتمامه إرغاماً لهم وزيادة في مرض قلوبهم ولو بمعنى أن وجوابه محذوف أي وإن كرهوا ذلك فالله يفعله لا محالة.
قال الكاشفي : وكراهت ايشانرا أثرى نيست در اطفاى راغ صدق وصواب همون ارادت خفاش كه غير مؤثر است درنابودن آفتار :
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
شب ره خواهد كه نبود آفتاب
تاببيند ديده اومرزو بوم
دست قدرت هر صباحى شمع مهر
مى فروزد كورىء خفاش شوم
وفي المثنوي :
شمع حق رايف كنى تواى عجوز
هم توسوزى هم سرت اى كنده وز
كى شود دريا زوز سك نجس
كى شود خورشيد ازيف منطمس
هركه بر شمع خدا آرد فو
شمع كى ميرد بسوزد وز او
ون تو خفاشات بسى بينند خواب
كين جهان ماند يتيم از آفتاب
اى بريده آن لب وحلق ودهان
كه كند تف سوى مه يا آسمان
تف برويش باز كردد بى شكى
تف سوى كردون نيابد مسلكى
تا قيامت تف بر ويار دز رب
همون تبت بر رواه بو لهب
قال ابن الشيخ اتمام نوره لما كان من أجل النعم كان استكراه الكفار إياه أي كافر كان
503
من أصناف الكفرة غاية في كفران النعمة فلذلك أسند كراهة إتمامه إلى الكافرين فإن لفظ الكافر أليق بهذا المقام وأما قوله ولو كره المشركون فإنه قد ورد في مقابلة إظهار دين الحق الذي معظم أركانه التوحيد وإبطال الشرك وكفار مكة كارهون له من أجل إنكارهم للتوحيد وإصرارهم على الشرك فالمناسب لهذا المقام التعرض لشركهم لكونه العلة في كراهتهم الدين الحق قال بعضهم : جحدوا ما ظهر لهم من صحة نبوة النبي عليه السلام وأنكروه بألسنتهم وأعرضوا عنه بنفوسهم فقيض الله لقبوله أنفساً أوجدها على حكم السعادة وقلوباً زينها بأنوار المعرفة وأسراراً نورها بالتصديق فبذلوا له المهج والأموال كالصديق والفاروق وأجلة الصحابة رضي الله عنهم.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
(9/406)
يقول الفقير : هكذا أحوال ورثة النبي عليه السلام في كل زمان فإن الله تعالى تجلى لهم بنور الأزل والقدم فكرهه المنكرون وأرادوا أن يطفئوه لكن الله أتم نوره وجعل لأهل تجليه أصحاباً وإخواناً يذبون عنهم وينفذون أمورهم إلى أن يأتيهم أمر الله تعالى ويقضوا نحبهم وفي الآية إشارة إلى أن النفس لا بد وأن تسعى في إبطال نور القلب وإطفائه لأن النفس والهوى من المظاهر القهرية الجلالية المنسوبة إلى اليد اليسرى والروح والقلب من المظاهر الجمالية اللطفية المنسوبة إلى اليد اليمنى كما جاء في الحديث "الرباني" إن الله مسح يده اليمنى على ظهر آدم الأيمن فاستخرج منه ذرارى كالفضة البيضاء وقال هؤلاء للجنة ومسح يده اليسرى على ظهر آدم الأيسر فاستخرج منه كالحممة السوداء وقال هؤلاء للنار فلا بد للنفس من السعي في إطفاء نور القلب وللقلب أيضاً من السعي في إطفاء نار النفس ولو كره الكافرون الساترون القلب بالنفس الزارعون بذر النفس في أرض القلب {هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ} محمداً صلى الله عليه وسلّم {بِالْهُدَى} بالقرآن أو بالمعجزة فالهدى بمعنى ما به الاهتداء إلى الصراط المستقيم {وَدِينِ الْحَقِّ} والملة الحنيفية التي اختارها لرسوله ولأمته وهو من إضافة الموصوف إلى صفته مثل عذاب الحريق {لِيُظْهِرَه عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} ليجعله ظاهراً أي عالياً وغالباً على جميع الأديان المخالفة له {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ذلك الإظهار ولقد أنجز الله وعده حيث جعله بحيث لم يبق دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام فليس المراد أنه لا يبقى دين آخر من الأديان بل العلو والغلبة والأديان خمسة : اليهودية والنصرانية والمجوسية والشرك والإسلام كما في عين المعاني للسجاوندي وقال السهيلي في كتاب الأمالي في بيان فائدة كون أبواب النار سبعة وجدنا الأديان كما ذكر في التفسير سبعة : واحدة للرحمن وستة للشيطان فالتي للشيطان اليهودية والنصرانية والصابئية وعبادة الأوثان والمجوسية وأمم لا شرع لهم ولا يقولون نبوة وهم الدهرية فكأنهم كلهم على دين واحد أعني الدهرية وكل من لا يصدق برسول فهؤلاء ستة لا أصناف والصنف السابع هو من أهل التوحيد الخوارج الذين هم كلاب النار وجميع أهل البذع المضلة والجبابرة الظلمة والمصرون على الكبائر من غير توبة ولا استغفار فإن فيهم من ينفذ فيه الوعيد ومنهم من يعفو الله عنه فهؤلاء كلهم صنف واحد غير أنه لا يحتم عليهم بالخلود فيها فهؤلاء سبعة أصناف ستة مخلدون في النار وصنف
504
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
واحد غير مخلدوهم منتزعون يوم القيامة من أهل دين الرحمن ثم يخرجون بالشفاعة فقد وافق عدد الأبواب عدد هذه الأصناف وتبينت الحكمة في ذكرها في القرآن لما فيها من التخويف والإرهاب فنسأل الله العفو والعافية والمعافاة وفي بعض التفاسير الإشراك هو إثبات الشريك تعالى في الألوهية سواء كانت بمعنى وجوب الوجود أو استحقاق العبادة لكن أكثر المشركين لم يقولوا بالأول لقوله تعالى ولئن سؤلتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله فقد يطلق ويراد به مطلق الكفر بناء على أن الكفر لا يخلو عن شرك ما يدل عليه قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذفك فإن من المعلوم في الدين أنه تعالى لا يغفر كفر غير المشركين المشهورين من اليهود والنصارى فيكون المراد لا يغفر أن يكفر به وقد يطلق ويراد به عبدة الأصنام وغيرها فإن أريد الله في قوله ولو كره المشركون يكون إيراده ثانياً لوصفهم بوصف قبيح آخر وإن أريد الثاني فلعل إيراد الكافرين أولاً لما أن إتمام الله نوره يكون بنسخ غير الإسلام والكافرون كلهم يكرهون ذلك وإيراد المشركين ثانياً لما أن إظهار دين الحق يكون بإعلاء كلمة الله وإشاعة التوحيد المنبىء عن بطلان الآلهة الباطلة وأشد الكارهين لذلك المشركون والله أعلم بكلامه.
وفي التأويلات النجمية هو الذي أرسل رسول القلب إلى أمة العالم الأصغر الذي هو المملكة الأنفسية الإجمالية المضاهية للعالم الأكبر وهو المملكة الآفاقية التفصيلية بنور الهداية الأزلية ودين الحق الغالب على جميع الأديان وهو الملة الحنيفية السهلة السمحاء ولو كره المشركون الذين أشركوا مع الحق غيره وما عرفوا أن الغير والغيرية من الموهومات التي أوجدتها قوة الوهم وإلا ليس في الوجود إلا الله وصفاته انتهى.
قال الكمال الخجندي :
له في كل موجود علامات وآثار
دوعالم رزمعشوقست كويك عاشق صادق
وقال المولى الجامي :
كرتويى جمله درفضاى وجود
هم خود انصاف ده بكو حق كو
درهمه اوست يش شم شهود
يست ندارى هستى من وتو
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
(9/407)
يقول الفقير : هذه الكلمات المنبئة عن وحدة الوحود قد اتفق عليها أهل الشهود قاطبة فالطعن لواحد منهم بأن وجودي طعن لجميعهم وليس الطعن إلا من الحجاب الكثيف والجهل العظيم وإلا فالأمر أظهر على البصير يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكمْ} آيا دلالت كنم شمارا {عَلَى تِجَـارَةٍ} سيأتي بيان معناها {تُنجِيكُم} أن تكون سبباً لإنجاء الله إياكم وتخليصه وأفادت الصفة المقيدة أن من التجارة ما يكون على عكسها كما أشار إليها قوله تعالى يرجون تجارة لن تبور فإن بوار التجارة وكسادها يكون لصاحبها عذاباً أليماً كجمع المال وحفظه ومنع حقوقه فإنه وبال في الآخرة فهي تجارة خاسرة وكذا الأعمال التي لم تكن على وجه الشرع والسنة أو أريد بها غير الله {مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} أي مؤلم جسماني وهو ظاهر وروحاني وهو التحسر والتضجر كأنهم قالوا كيف نعمل أو ماذا نصنع فقيل
505
{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} مراد آنست كه ثابت باشيد برايمان كه داريد {وَتُجَـاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ} بما لهاى خودكه زاد وسلاح مجاهدان خريد {وَأَنفُسِكُمْ} وبنفسهاى خود كه متعرض قتل وحرب شويد.
قدم الأموال لتقدمها في الجهاد أو للترقي من الأدنى إلى الأعلى وقال بعضهم : قدم ذكر المال لأن الإنسان ربما يضن بنفسه ولأنه إذا كان له مال فإنه يؤخذ به النفس لتغزو وهذا خبر في معنى الأمر جيىء به للإيذان بوجوب الامتثال فكأنه وقع فأخبر بوقوعه كما تقول غفر الله لهم ويغفر الله لهم جعلت المغفرة لقوة الرجاء كأنها كانت ووجدت وقس عليه نحو سلمكم الله وعافاكم الله وأعاذكم الله وفي الحديث جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ومعنى الجهاد بالألسنة أسماعهم ما يكرهونه ويشق عليهم سماعه من هجو وكلام غليظ ونحو ذلك وأخر الجهاد بالألسنة لأنه أضعف الجهاد وأدناه ويجوز أن يقال أن اللسان أحد وأشد تأثيراً من السيف والسنان قال علي رضي الله عنه : جراحات السنان لها التئام.
ولا يلتام ما جرح اللسان فيكون من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى وكان حسان رضي الله عنه يجلس على المنبر فيهجو قريشاً بإذن رسول الله عليه السلام ثم إن التجارة التصرف في رأس المال طلباً للربح والتاجر الذي يبيع ويشتري وليس في كلام العرب تاء بعدها جيم غير هذه اللفظة وأما تجاه فأصلها وجاه وتجوب وهي قبيلة من حمير فالتاء للمضارعة قال ابن الشيخ جعل ذلك تجارة تشبيهاً له في الاشتمال على معنى المبادلة والمعاوضة طمعاً لنيل الفضل والزيادة فإن التجارة هي معاوضة المال بالمال لطمع الريح والإيمان والجهاد شبها بها من حيث أن فيهما بذل النفس والمال طمعاً لنيل رضى الله تعالى والنجاة من عذابه.
قال الحافظ :
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ
كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
{ذَالِكُمْ} أي ما ذكر من الإيمان والجهاد بقسميه {خَيْرٌ لَّكُمْ} على الإطلاق أو من أموالكم وأنفسكم {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي إن كنتم من أهل العلم فإن الجهلة لا يعتد بأفعالهم أو إن كنتم تعلمون إنه خير لكم حينئذ لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتموه أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أنفسكم وأوالكم فتخلصون وتفلحون فعلى العاقل تبديل الفاني بالباقي فإنه خير له وجاء رجل بناقة مخطومة وقال هذه في سبيل الله فقال عليه السلام : لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة.
بزركى فرموده كه اصل مرابحه درين تجارت اينست كه غير حق رابدهى وحق را بستانى ودر نفحات ازابى عبد الله اليسرى قدس سره نقل ميكند كه سروى آمد وكفت سبوى روغن داشتم كه سرمايه من بود ازخانه بيرون مى آوردم بيفتادوبشكست وسرمايه من ضايع شد كفت أي فرزند سرمايه خود آن سازكه سرمايه درتست والله كه در ترا هي نيست دردنيا وآخرت غير الله شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري قدس سره فرموكه سود تمام آن بودكه درش هم نبودى اشارت بمرتبة فناست درباختن سود وسرمايه در بازار شوق لقا :
تاند ببازار خودى ست شوى
بشتاب كه از جام فنامست شوى
506
ازمايه سود دوجهان دست بشوى
سود توهمان به كه تهى دست شوى
(9/408)
ودخل في الآية جهاد أهل البدعة وهم ثنتان وسبعون فرقة ضالة آن كافر خرابى حصن اسلام خواهد اين مبتدع ويرانى حصار سنت جويد آن شيطان در تشويش ولايت دل كوشد اين هواى نفس زيرو زبرىء دين توخواهد حق تعالى ترابر هريكى ازين دشمنان سلاحى داده تا اورابدان قهر كنى قتال با كافران بشمشير سياست است وبا مبتدعان بتيغ زبان وحجت وبا شيطان بمداومت ذكر حق وتحقيق كلمه وبا هواى نفس بتير مجاهده وسنان رياضت اينست بهين اعمال بنده وكزيده طاعات رونده نانه رب العزة كفت ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون وقال بعض الكبار يا أيها الذين آمنوا بالإيمان التقليدي هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله أي تحقيقاً ويقيناً استدلالياً وبعد صحة الاستدلال تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم لأن بذل المال والنفس في سبيل الله لا يكون إلا بعد اليقين.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
واعلم أن التوحيد إما لساني وإما عياني أما التوحيد اللساني المقترن بالاعتقاد الصحيح فأهله قسمان : قسم بقوا في التقليد الصرف ولم يصلوا إلى حد التحقيق فهم عوام المؤمنين وقسم تشبثوا بذيل الحجج والبراهين النقلية والعقلية فهؤلاء وإن خرجوا عن حد التقليد الصرف لكنهم لم يصلوا إلى نور الكشف والعيان كما وصف أهل الشهود والعرفان وأما التوحيد العياني فعلى مراتب المرتبة الأولى توحيد الأفعال والثانية توحيد الصفات والثالثة توحيد الذات فمن تجلى له الأفعال توكل واعتصم ومن تجلى له الصفات رضي وسلم ومن وصل إلى تجلي الذات فني في الذات بالمحو والعدم {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} في الدنيا وهو جواب الأمر المدلول عليه بلفظ الخبر ويجوز أن يكون جواباً لشرط أو لاستفهام دل عليه الكلام تقديره أن تؤمنوا وتجاهدوا أو هل تقبلون وتفعلون ما دللتكم عليه يغفر لكم وجعله جواباً لهل أدلكم بعيد لأن مجرد الدلالة لا يوجب المغفرة {وَيُدْخِلْكُمْ} في الآخرة {جَنَّـاتٍ} أي كل واحد منكم جنة ولا بعد من لطفه تعالى أن يدخله جنات بأن يجعلها خاصة له داخلة تحت تصل(رفه والجنة في اللغة البستان الذي فيه أشجار متكاثفة مظلة تستر ما تحتها {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا} أي من تحت أشجارها بمعنى تحت أغصان أشجارها في أصولها على عروقها أو من تحت قصورها وغرفها {الانْهَـارُ} من اللبن والعسل والخمر والماء الصافي {وَمَسَـاكِنَ طَيِّبَةً} أي ويدخلكم مساكن طيبة ومنازل نزهته كائنة {فِى جَنَّـاتِ عَدْنٍ} أي إقامة وخلود بحيث لا يخرج منها من دخلها بعارض من العوارض وهذا الظرف صفة مختصة بمساكن وهي جميع مسكن بمعنى المقام والسكون ثبوت الشيء بعد تحرك ويستعمل في الاستبطان يقال سكن فلان في مكان كذا استوطنه واسم المكان مسكن فمن الأول يقال سكنت ومن الثاني يقال سكنته قال الراغب أصل الطيب ما يستلذه الحواس وقوله ومساكن طيبة في جنات عدن أي طاهرة زكية مستلذة وقال بعضهم : طيبتها سعتها ودوام أمرها وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن هذه المساكن الطيبة فقال : قصر من لؤلؤ في الجنة في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراى في كل دار سبعون
507
بيتاً من زمردة خضراء في كل بيت سبعون وصيفاً ووصيفة قال فيعطي الله المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله قال في الكبير : أراد بالجنات البساتين اليت يتناولها الناظر لأنه تعالى قال بعده ومساكن طيبة في جنات عدن والمعطوف يجب أن يكون مغاير للمعطوف عليه فتكون مساكنهم في جنات عدن ومناظرهم الجنات التي هي البساتين ويكون فائدة وصفها بأنها عدن أنها تجري مجرى الدار التي يسكنها الإنسان وأما الجنات الأخر فهي جارية مجرى البساتين التي قد يذهب الإنسان إليها لأجل التنزه وملاقاة الأحباب وفي بعض التفاسير تسمية دار الثواب كلها بالجنات التي هي بمعنى البساتين لاشتمالها على جنات كثيرة مترتبة على مراتب بحسب استحقاقات العالمين من الناقصين والكاملين ولذلك أتى بجنات جمعاً منكراً ثم اختلفوا في عدد الجنات المشتملة على جنات متعددة فالمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها سبع : جنة الفردوس وجنة عدن وجنة النعيم ودار الخلد وجنة المأوى ودار السلام وعليون وفي كل واحدة منها مراتب ودرجات متفاوتة على تفاوت الأعمال والعمال.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
(9/409)
ـ وروي ـ عنه أنها ثمان : دار الجلال ودار القرار ودار السلام وجنة عدن وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة الفردوس وجنة النعيم وقال أبو الليث الجنان أربع كما قال تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان ثم قال ومن دونهما جنتان فذلك جنان أربع إحداهن جنة الخلد والثانية جنة الفردوس والثالثة جنة المأوى والرابعة جنة عدن وأبوابها ثمانية بالخبر وخازن الجنة يقال له رضوان وقد ألبسه الله الرأفة والرحمة كما أن خازن النار ويقال له مالك قد ألبسه الله الغضب والهيبة وميل الإمام الغزالي رحمه الله إلى كون الجنان أربعاً فلعل الجنات في الآية باعتبار الأفراد لا باعتبار الأسماء وما يستفاد من قلتها بحسب أن الجمع السالم من جموع القلة ليس بمراد فإنها في الوجود الإنساني أربع جنات فالغالب في الجنة الأولى التنعم بمقتضى الطبيعة من الأكل والشرب والوقاع وفي الثانية التلذذ بمقتى النفس كالتصرفات وفي الثالثة التلذذ بالأذواق الروحانية كالمعارف الإلهية وفي الرابعة التلذذ بالمشاهدات وذلك أعلى اللذات لأنها من الخالق وغيرها من المخلوق إن قلت لم لم تذكر أبواب الجنة في القرآن وإنها ثمانية كما ذكرت أبواب النار كما قال تعالى لها سبعة أبواب قلت إن الله سبحانه إنما يذكر من أوصاف الجنة ما فيه تشويق إليها وترغيب فيها وتنبيه على عظم نعيمها وليس في كونها ثمانية أو أكثر من ذلك أو أقل زيادة في معنى نعيمها بل لو دخلوا من باب واحد أو من ألف باب لكان ذلك سواء في حكم السرور بالدخول ولذلك لم يذكر اسم خازن الجنة إذ لا ترغيب في أن يخبر عن أهل الجنة أنهم عند فلان من الملائكة أو في كرامة فلان وقد قال وسقاهم ربهم شراباً طهوراً ولا شك أن من حفثت عنه أنه عند الملك يسقيه أبلغ في الكرامة من أن يقال هو عند خادم من خدام الملك أو في كرامة ولي من أوليائه بخلاف ذكر أبواب النار وذكر مالك فإن فيه زيادة ترهيب قال سهل قدس سره أطيب المساكن ما أزال عنهم جميع الأحزان وأقر أعينهم بمجاورته فهذا الجوار فوق سائر الجوار وقال بعضهم ومساكن طيبة برؤية الحق تعالى فإن المساكن إنما تطيب بملاقاة الأحباب ورؤية العاشق جمال المعشوق
508
ووصول المحب إلى صحبة المحبوب وكذا مساكن القلوب إنما تطيب بتجلي الحق ولقاء جماله جعلنا الله وإياكم من أهل الوصول واللقاء والبقاء {ذَالِكَ} أي ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنات المذكورة بما ذكر من الأوصاف الجميلة
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
{الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي لا فوز وراءه قال بعض المفسرين الفوز يكون بمعنى النجاة من المكروه وبمعنى الظفر بالبغية والأول يحصل بالمغفرة والثاني بإدخال الجنة والتنعيم فيها وعظمه باعتبار أنه نجاة لا أعلم بعده وظفر لا نقصان فيه شاناً وزماناً ومكاناً لأنه في غاية الكمال على الدوام في مقام النعيم إعلم أن الآية الكريم أفادت أن التجارة دنيوية وأخروية فالدنيا موسم التجارة والعمر مدتها والأعضاء والقوى رأس المال والعبد هو المشتري من وجه والبائع من وجه فمن صرف رأس ماله إلى المنافع الدنيوية التي تنقطع عند الموت فتجارته دنيوية كاسدة خاسرة وإن كان بتحصيل علم ديني أو كسب عمل صالح فضلاً عن غيرهما فإنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى ومن صرفه إلى المقاصد الأخروية التي لا تنقطع أبداً فتجارته رائجة رابحة حرية بأن يقال فاستبشروا بيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ولعل المراد من التجارة هنا بذل المال والنفس في سبيل الله وذكر الإيمان لكونه أصلاً في الأعمال ووسيلة في قبول الآمال وتوصيف التجارة بالإنجاء لأن النجاة يتوقف عليها الانتفاع فيكون قوله تعالى يغفر لكم بيان سبب الإنجاء وقوله ويدخلهم بما يتعلق به بيان المنفعة الحاصلة من التجارة مع أن التجارة الدنيوية تكون سبباً للنجاة من الفقر المنقطع والتجارة الأخروية تكون سبباً للنجاة من الفقر الغير المنقطع قال عليه السلام : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ يعني أن نعمتي الصحة والفراغ كرأس المال للمكلف فينبغي أن يعامل الله بايمان به وبرسوله ويجاهد مع النفس لئلا يغبن ويربح في الدنيا والآخرة ويجتنب معاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح.
قال الحافظ :
كاري كنيم ورنه خجالت براورد
روزى كه وخت جان بجهان دكر كشيم
وقال أيضاً :
كوهر معرفت اندوزكه يا خود ببرى
كه نصيب دكر انست نصاب زروسيم
وقال أيضاً :
دلا دلالت خيرت كنم براه نجات
مكن بفسق مباهات وزهدهم مفروش
وقال المولى الجامي :
ازكسب معارف شده مشغوف زخارف
در هاى ثمين داده وخرمهره خريده
وقال :
جان فداى دوست كن جامى كه هست
كمترين كارى درين ره بذل روح
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
(9/410)
{وَأُخْرَى} أي ولكم إلى هذه النعم العظيمة نعمة أخرى عاجلة فأخرى مبتدأ حذف خبره والجملة عطل على يغفر لكم على المعنى {تُحِبُّونَهَا} وترغبون فيها وفيه تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل وتوبيخ على محبته وهو صفة بعد صفة لذلك المحذوف {نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ} بدل أو بيان لتلك النعمة الأخرى يعني نصر من الله على عدوكم قريش
509
وغيرهم {وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} أي عاجل عطف على نظر.
قال الكاشفي : مراد فتح مكة است يا فتح روم وفارس ابن عطا فرموده كه نصر توحيد است وفتح نظر بجمال ملك مجيد.
وقد بين أنواع الفتوح في سورة الفتح فارجع.
اشارت الآية إلى أن الإيمان الاستدلالي اليقيني وبذل المال والنفس بمقتضاه في طريق الجهاد الأصغر وإن كان تجارة رابحة إلا أن أصحابها لم يتخلصوا بعد من الأعواض والأغراض فللسالك إلى طريق الجهاد الأكبر تجارة أخرى فوق تلك التجارة أربح من الأولى هي نصر من الله بالتأييد الملكوتي والكشف النوري وفتح قريب الوصول إلى مقام القلب ومطالعة تجليات الصفات وحصول مقام الرضى وإنما سماه تجارة لأن صفاتهم الظلمانية تبدل هناك بصفات الله النورانية وإنما قال تحبونها لأن المحبة الحقيقية لا تكون إلا بعد الوصول إلى مقام القلب ومن دخل مقام المحبة بالوصول إلى هذا المقام فقد فخل في أول مقامات الخواص فالمعتبر من المنازل منزل المحبة وأهله عبيد خلص لا يتوقعون الأجرة بعملهم بخلاف من تنزل عن منزلة المحبة فإنهم أجراء يعملون للأجرة قال بعض العارفين من عليه السلام رجاء للثواب وخوفاً من العقاب فمعبوده في الحقيقة هو الثواب والعقاب والحق واسطة فالعبادة لأجل تنعم النفس في الجنة والخلاص من النار معلول ولهذا قال المولى جلال الدين الرومي قدس سره :
هشت جنت هفت دوزخ يش من
هست يدا هموبت يش شمن
وقال بعضهم :
طاعت ازبهر جزا شرك خفيست
يا خدا جوباش ويا عقبى طلب
واعلم أن من جاهد فإنما يجاهد لنفسه لأنه يتخلص من الحجاب فيصل إلى الملك الوهاب {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} عطف على محذول مثل قل يا أيها الذين آمنوا وبشرهم يا أكمل الرسل بأنواع البشارة الدنيوية والأخروية فلهم من الله فضل وإحسان في الدارين وكان في هذا دلالة على صدق النبي لأنه أخبر عما يحصل ويقع في المستقبل من الأيام على ما أخبره.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
وفي التأويلات النجمية يشير إلى تواتر النعم وتواليها وفتح مكة القلب بعد النصر بخراب بلدة النفص وبشر المؤمنين المحبين الطالبين بالنصر على النفس فتح مكة القلب انتهى وفيه إشارة إلى أن بلدة النفس إنما تخرب بعد التأييد الملكوتي وإمداد جنود الروح بأن تغلب القوى الروحانية على القوى النفسانية كما يغلب أهل الإسلام على أهل الرحب فيخلصون القلعة من أيدي الكفار ويزيلون آثار الكفر والشرك بجعل الكنائس مساجد وبيوت الأصنام معابد ومساكن الكفار مقار المؤمنين المخلصين والله المعين على الفتح المطلق كل حين يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ} أي أنصار دينه جمع نصير كشريف وإشراف {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّـانَ} سيأتي بيانهم {مِنَ} كيستند {أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ} قال بعض المفسرين : من يحتمل أن يكون استفهاماً حقيقة ليعلم وجود الأنصار ويتسلى به ويحتمل العرض والحث على النصرة وفيه دلالة على أن غير الله تعالى لا يخلو عن الاحتياج والاستنصار وأنه في وقته جائز حسن إذا كانفي الله والمعنى
510
من جندي متوجهاً إلى نصرة الله كما يقتضيه قوله تعالى : {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ} فإن قوله عيسى لا يطابق جواب الحواريين بحسب الظاهر فإن ظاهر قول عيسى يدل على أنه يسأل من ينصره فكيف يطابقه جواب الحواريين بأنهم ينصرون الله وأيضاً لا وجه لبقاء قول عيسى على ظاهره لأن النصرة لا تتعدى بإلى فحمل الأنصار على الجند لأنهم ينصرون ملكهم ويعينونه في مراده ومراده عليه السلام نصرة دين الله فسأل من يتبعه ويعينه في ذلك المراد ويشاركه فيه فقوله متوجهاً حال من ياء المتكلم في جندي وإلى متعلق به لا بالنصرة والإضافة الأولى إضافة إحد المتشاركين إلى اخر لما بينهما من الاختصاص يعني الملابسة المخصصة للإضافة المجازية لظهور أن الاختصاص الذي تقتضيه الإضافة حقيقة غير متحقق في إضافة أنصاري والإضافة الثاني إضافة الفاعل إلى المفعول والتشبيه باعتبار المعنى أي كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصاره حين قال لهم عيسى من أنصاري إلى الله أو قل لهم كونوا كما قال عيسى للحواريين والحواريون أصفياؤه وخلصانه من الحور وهو البياض الخالص وهم أول من آمن به وكانوا إثني عشر رجلاً قال مقاتل قال الله لعيسى إذا دخلت القرية فائت النهر الذي عليه القصارون فاسألهم النصرة فأتاهم عيسى وقال من أنصاري إلى الله فقالوا : نحن ننصرك فصدقوه ونصروه.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
(9/411)
وقال الكاشفي : وف يالواقع نصرت كردند دين عيسى رابعد از رفع وى وخلق را بخدا دعوت نمودند.
فالحواريون كانوا قصارين وقيل كانوا صيادين قال بعض العلماء إنما سموا حواريين لصفاء عقائدهم عن التردد والتلوين أو لأنهم كانوا يطهرون نفوسهم الناس بإفادتهم الدين والعلم المشار إليه بقوله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً وإنما قيل كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه وإنما قيل كانوا صيادين لاصطيادهم تفوس الناس وقودهم إلى الحق وقوله عليه السلام الزبير ابن عمتي وحواريي وقوله يوم الأحزاب من يأتيني بخبر القوم فقال الزبير : أنا فقال عليه السلام : إن لكل نبي حوارياً وحواريي الزبير فشبهه بهم في النصرة وقال بعض المفسرين دل الحديث على أن الحواريين ليسوا بمختصين بعيسى إذ هو في معنى الأصحاب الأصفياء وقال معمر رضي الله عنه : كان بحمد الله لنبينا عليه السلام حواريون نصره حسب طاقتهم وهم سبعون رجلاً وهم الذين بايعوه ليلة العقبة وقال السهيلي كونوا أنصاراًفكانوا أنصاراً وكانوا حواريين والأنصار الأوس والخزرج ولم يكن هذا الاسم قبل الإسلام حتى سماهم الله به وكان له عليه السلام حواريون أيضاً من قريش مثل الخلفاء الأربعة والزبير وعثمان بن مظغون وحمز بن عبد المطلب وجعفر ابن أبي طالب ونحوهم يا اأَيُّهَا الَّذِينَ} أي جماعة وهي أقل من الفرقة لقوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة {مِّنا بَنِى إِسْرَاءِيلَ} أي آمنوا بعيسى وأطاعوه فيما أمرهم به من نصرة الذين {وَكَفَرَت طَّآاـاِفَةٌ} أخرى به وقاتلوه {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} أي قوينا مؤمني قومه بالحجة أو بالسيف وذلك بعد رفع عيسى {عَلَى عَدُوِّهِمْ} أي على الذين كفروا وهو الظاهر فإيراد العدو أعلام منه إن الكافرون عدو للمؤمنين
511
عداوة دينية وقيل لما رفع عيسى عليه السلام تفرق القوم ثلاث فرق فرقة قالوا كان الله فارتفع وفرقة قالوا كان ابن الله فرفعه الله إليه وفرقة قالوا كان عليه السلام ورسوله فرفعه الله وهم المؤمنون واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا وظهرت الفرقتان الكافرتان على الفرقة المؤمنة حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلّم فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة فذلك قوله تعالى فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم {فَأَصْبَحُوا} صاروا {ظَـاهِرِينَ} غالبين عالين يقال ظهرت على الحائط علوته وقال قتادة فأصبحوا طاهرين بالحجة والبرهان كم سبق لأنهم قالوا فيما روي ألستم تعلمون أن عيسى عليه السلام كان ينام والله تعالى لا ينام وإنه يأكل ويشرب والله منزه عن ذلك وفي الآية إشارة إلى غلبة القوى الروحانية على القوى النفسانية لأن القوى الروحانية مؤمنون متنورون بنور الله متقون عما سوى الله تعالى والقوى النفسانية كافرون مظلمون بظلمة الأكوان متلوثون بالعلاقات المختلفة ولا شك أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون فبنور الإسلام والإيمان والتقوى والهدى يزيل ظلمة الشرك والكفر والتعلق والهوى مع أن أهل الإيمان وإن كانوا أقل من أهل الكفر في الظاهر لكنهم أكثر منهم في الباطن فهم السواد الأعظم والمظاهرالجمالية.
واعلم أن الجهاد دائم باق ماض إلى يوم القيامة أنفساً وآفاقاً لأن الدنيا مشتملة على أهل الجمال والجلال وكذا الوجود الإنساني ما دام في هذا الموطن فإذا صار إلى الموطن الآخر فأما أهل جمال فقط وهو في الجنة وأما جلال فقط وهو في النار والله يحفظنا وإياكم.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493(9/412)
وقال الكاشفي : وف يالواقع نصرت كردند دين عيسى رابعد از رفع وى وخلق را بخدا دعوت نمودند.
فالحواريون كانوا قصارين وقيل كانوا صيادين قال بعض العلماء إنما سموا حواريين لصفاء عقائدهم عن التردد والتلوين أو لأنهم كانوا يطهرون نفوسهم الناس بإفادتهم الدين والعلم المشار إليه بقوله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً وإنما قيل كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه وإنما قيل كانوا صيادين لاصطيادهم تفوس الناس وقودهم إلى الحق وقوله عليه السلام الزبير ابن عمتي وحواريي وقوله يوم الأحزاب من يأتيني بخبر القوم فقال الزبير : أنا فقال عليه السلام : إن لكل نبي حوارياً وحواريي الزبير فشبهه بهم في النصرة وقال بعض المفسرين دل الحديث على أن الحواريين ليسوا بمختصين بعيسى إذ هو في معنى الأصحاب الأصفياء وقال معمر رضي الله عنه : كان بحمد الله لنبينا عليه السلام حواريون نصره حسب طاقتهم وهم سبعون رجلاً وهم الذين بايعوه ليلة العقبة وقال السهيلي كونوا أنصاراًفكانوا أنصاراً وكانوا حواريين والأنصار الأوس والخزرج ولم يكن هذا الاسم قبل الإسلام حتى سماهم الله به وكان له عليه السلام حواريون أيضاً من قريش مثل الخلفاء الأربعة والزبير وعثمان بن مظغون وحمز بن عبد المطلب وجعفر ابن أبي طالب ونحوهم يا اأَيُّهَا الَّذِينَ} أي جماعة وهي أقل من الفرقة لقوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة {مِّنا بَنِى إِسْرَاءِيلَ} أي آمنوا بعيسى وأطاعوه فيما أمرهم به من نصرة الذين {وَكَفَرَت طَّآااِفَةٌ} أخرى به وقاتلوه {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} أي قوينا مؤمني قومه بالحجة أو بالسيف وذلك بعد رفع عيسى {عَلَى عَدُوِّهِمْ} أي على الذين كفروا وهو الظاهر فإيراد العدو أعلام منه إن الكافرون عدو للمؤمنين
511
عداوة دينية وقيل لما رفع عيسى عليه السلام تفرق القوم ثلاث فرق فرقة قالوا كان الله فارتفع وفرقة قالوا كان ابن الله فرفعه الله إليه وفرقة قالوا كان عليه السلام ورسوله فرفعه الله وهم المؤمنون واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا وظهرت الفرقتان الكافرتان على الفرقة المؤمنة حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلّم فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة فذلك قوله تعالى فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم {فَأَصْبَحُوا} صاروا {ظَاهِرِينَ} غالبين عالين يقال ظهرت على الحائط علوته وقال قتادة فأصبحوا طاهرين بالحجة والبرهان كم سبق لأنهم قالوا فيما روي ألستم تعلمون أن عيسى عليه السلام كان ينام والله تعالى لا ينام وإنه يأكل ويشرب والله منزه عن ذلك وفي الآية إشارة إلى غلبة القوى الروحانية على القوى النفسانية لأن القوى الروحانية مؤمنون متنورون بنور الله متقون عما سوى الله تعالى والقوى النفسانية كافرون مظلمون بظلمة الأكوان متلوثون بالعلاقات المختلفة ولا شك أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون فبنور الإسلام والإيمان والتقوى والهدى يزيل ظلمة الشرك والكفر والتعلق والهوى مع أن أهل الإيمان وإن كانوا أقل من أهل الكفر في الظاهر لكنهم أكثر منهم في الباطن فهم السواد الأعظم والمظاهرالجمالية.
واعلم أن الجهاد دائم باق ماض إلى يوم القيامة أنفساً وآفاقاً لأن الدنيا مشتملة على أهل الجمال والجلال وكذا الوجود الإنساني ما دام في هذا الموطن فإذا صار إلى الموطن الآخر فأما أهل جمال فقط وهو في الجنة وأما جلال فقط وهو في النار والله يحفظنا وإياكم.
جزء : 9 رقم الصفحة : 493
تفسير سورة الجمعة
إحدى عشرة آية مدنية
جزء : 9 رقم الصفحة : 511
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ} جميعاً من حي وجامد تسبيحاً مستمرة فما في السموات هي البدائع العلوية وما في الأرض هي الكوائين السفلية فللكل نسبة إلى الله تعالى بالحياة والتسبيح {الْمَلِكِ} ادشاهى كه ملك او دائمست وبى زوال {الْقُدُّوسِ} اك از سمت عيب وصفت اختلال {الْعَزِيزِ} الغالب على كل ما أراد {الْحَكِيمِ} صاحب الحكمة البديعة البالغة وقد سبق معاني هذه الأسماء في سورة الحشر والجمهور على جر الملك وما بعده على أنها صفات لاسم الله عز وجل.
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
يقول الفقير : بدأ الله تعالى هذه السورة بالتسبيح لما فيها من ذكر البعثة إذا خلاء العالم من المرشد معاف للحكمة ويجب تنزيه الله عنه ولما اشتملت عليه من بيان ادعاء اليهود كونهم أبناء الله وأحباءه ولما ختمت به من ذكر ترك الذكر واستماع الخطبة المشتملة على الدعاء والحمد والتسبيح ونحو ذلك.
وفي التأويلات النجمية يعني ينزه ذاته المقدسة
512(9/413)
ما في سموات المفهوم من مفهومات العامة ومفهومات الخاصة ومفهومات أخص الخاصة وما في أرض المعلوم من معلومات العامة ومعلومات الخاصة ومعلومات أخص الخاصة وإنما أضفنا السموات إلى المفهوم وأضفنا الأرض إلى المعلوم لفوقية رتبة الفهم على رتبة العلم وذلك قوله ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماء ويدل على ذلك إصابة سليمان حقيقة المسألة المخصوصة بحسب نور الفهم لا بحسب قوة العلم وهو العزير الذي يعزيز من يشاء بخلعة نور الفهم الحكيم الذي يشرف من يشاء بحكمته بلبسه ضياء العلم {هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الامِّيِّـانَ} جمع أمي منسوب إلى أمة العرب وهم قسمان فعرب الحجاز من عدنان وترجع إلى إسماعيل عليه السلام وعرب اليمن ترجع إلى قحطان وكل منهم قبائل كثيرة والمشهور عند أهل التفسير أن الأمي من لا يكتب ولا يقرأ من كتاب وعند أهل الفقه من لا يعلم شيئاً من القرآن كأنه بقي على ما تعلمه من أمه من الكلام الذي يتعلمه الإنسان بالضرورة عند المعاشرة والنبي الأمي منسوب إلى الأمة الذين لم يكتبوا لكونه على عادتهم كقولك عامي لكونه على عادة العامة وقيل سمي بذلك لأنه لم يكتب ولم يقرأ من كتاب وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه واعتماده على ضمان الله له عنه بقوله سنقرئك فلا تنسى وقيل سمي بذلك لنسبته إلى أم القرى وفي كشف الأسرار سمي العرب أميين لأنهم كانوا على نعت أمهاتهم مذ كانت بلا خط ولا كتاب نسبوا إلى ما ولدوا عليه من أمهاتهم لأن الخط والقراءة والتعليم دون ما جبل الخلق عليه ومن يحسن الكتابة من العرب فإنه أيضاً أمي لأنه لم يكن لهم في الأصل خط ولا كتابة قيل بدئت الكتابة بالطائف تعلمها ثقيف وأهل الطائف من أِل الحيرة بكسر الحاء وسكون المثناة من تحت بلد قرب الكوفة وأهل الحيرة أخذوها من أهل الأنبار وهي مدينة قديمة على الفرات بينها وبين بغداد عشرة فراسح ولم يكن في أصحاب رسول الله عليه السلام كاتب إلا حنظلة الذي يقال له غسيل الملائكة ويسمى حنظلة الكاتب ثم ظهر الخط في الصحابة بعد في معاوية بن سفيان وزيد بن ثابت وكانا يكتبان لرسول الله عليه السلام وكان له كتاب أيضاً غيرهما واختلفوا في رسول الله عليه السلام أنه هل تعلم الكتاب بآخرة من عمره أولاً لعلمائنا فيه وجهان وليس فيه حديث صحيح ولما كان الخط صنعة ذهنية وقوة طبيعية صدرت بالآلة الجسمانية لم يحتج إليه من كان القلم الأعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره وعدم كتابته مع علمه بها معجزة باهرة له عليه السلام إذ كان يعلم الكتاب علم الخط وأهل الحرف حرفتهم وكان أعلم بكل كمال أخروي أو دنيوي من أهله ومعنى الآية هو الذي بعث في الأميين أي في العرب لأن أكثرهم لا يكتبون ولا يقرأون من بين الأمم فغلب الأكثر وإنما قلنا أكثرهم لأنه كان فيهم من يكتب ويقرأ وإن كانوا على قلة
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
{رَسُولا} كائناً {مِنْهُمْ} أي من جملتهم ونسبهم عربياً أمياً مثلهم.
تارسالت اوازتهمت دور باشده فوجه الامتنان مشاكلة حاله لأحوالهم ونفي التعلم من الكتب فهم يعملمون نسبه وأحواله.
ودر كتاب شعيا عليه السلام مذكور است كه انى ابعث امياً في الأميين واختم به النبيين.
قال الكاشفي : ودر اميت
513
آن حضرت عليه السلام نكتهاست ايجا بسه بيت اختصار ميررد :
فيض ام الكتاب روردش
لقب امى ازان خدا كردش
لوح تعليم نا كرفته ببر
همه زاسرار لوح داده خبر
برخط اوست انس وجانراسر
كه نخواندست خط ازان ه خطر
(9/414)
والبعث في الأميين لا ينافي عموم دعوته عليه السلام فالتخصيص بالذكر لا مفهوم له ولو سلم فلا يعارض المنطوق مثل قوله تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس على أنه فرق بين البعث في الأميين والبعث إلى الأميين فبطل احتجاج أهل الكتاب بهذه الآية على أنه عليه السلام كان رسول الله إلى العرب خاصة ورد الله بذلك ما قال اليهود للعرب طعناً فيه نحن أهل الكتاب وأنتم أميون لا كتاب لكم {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ} أي القرآن مع كونه أمياً مثلهم لم يعهد منه قراءة ولا تعلم والفرق بين التلاوة والقرآن أن التلاوة قراءة القرآن متتابعة كالدراسة والأوراد المظفة والقراءة أعم لأنها جمع الحروف باللفظ لا اتباعها {وَيُزَكِّيهِمْ} صفة أخرى لرسولا معطوفة على يتلو أي يحملهم على ما يصيرون به أزكياء من خبائث العقائد والأعمال وفيه إشارة إلى قاعدة التسليك فإن المزكي في الحقيقة وإن كان هو الله تعالى كما قال بل الله يزكي من يشاء إلا أن الإنسان الكامل مظهر الصفات الإلهية جميعاً ويؤيد هذا المعنى إطلاق نحو قوله تعالى : من يطع الرسول فقد أطاع الله {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَةَ} قال في الإرشاد صفة أخرى لرسولا مترتبة في الوجود على التلاوة وإنما وسط بينهما التزكية التي هي عبارة عن تكميل النفس بحسب قوتها العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصلة بالعلم المترتب على التلاوة للإيذان بأن كلاً من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر فلو روعي ترتيب الوجود لتبادر إلى الفهم كون الكل نعمة واحدة وهو السر في التعبير عن القرآن تارة بالآيات وأخرى بالكتاب والحكمة رمزاً إلى أنه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة انتهى وقال بعضهم : ويعلمهم القرآن والشريعة وهي ما شرع الله لعباده من الأحكام أو لفظه ومعناه أو القرآن والسنة كما قاله الحسن أو الكتاب الخط كما قاله ابن عباس أو الخير والشر كما قاله ابن إسحاق والحكمة الفقه كما قاله مالك أو العظة كما قاله الأعمش أو كتاب أحكام الشريعة وأسرار آداب الطريقة وحاصل معانيه الحكمية والحكمية ولكن تعليم حقائق القرآن وحكمه مختص بأولى الفهم وهم خواص الأصحاب رضي الله عنهم وخواص التابعين من بعدهم إلى قيام الساعة لكن معلم الصحابة عموماً وخصوصاً هو النبي عليه السلام بلا واسطة ومعلم التابعين قرناً بعد قرن هو عليه السلام أيضاً لكن بواسطة ورثة أمته وكمل أهل دينه وملته ولو لم يكن سوى هذا التعليم معجزة لكفاه قال البوصري في القصيدة البردية :
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
كفاك بالعلم في الأمي معجزة
في الجاهلية والتأديب في اليتيم
أي كفاك العلم الكائن في الأمي في وقت الجاهلية وكفاك أيضاً تنبيهه على الآداب لعلمه
514
بها في وقت اليتيم معجزة {وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ} إن ليست شرطية ولا نافية بل هي المخففة واللام هر الفارقة بينها وبين النافية والمعنى وأن الشأن كان الأميون من قبل بعثته ومجيئه لفي ضلال مبين من الشرك وخبث الجاهلية لا ترى ضلالاً أعظم منه وهو بيان لشدة افتقارهم إلى من يرشدهم وإزاحة لما عسى يتوهم من تعلمه عليه السلام من الغير فإن المبعوث فيهم إذا كانوا في ضلال قبل البعثة زال توهم أنه تعلم ذلك من أحد منهم قال سعدي المفتي : والظاهر أن نسبة الكون في الضلال إلى الجميع من باب التغليب وإلا فقد كان فيهم مهتدون مثل ورقة بن نوفل وزيد بن نفيل وقس بن ساعدة وغيرهم ممن قال رسول الله عليه السلام في كل منهم يبعث أمة وحده.
(9/415)
يقول الفقير : هو اعتراض على معنى الإزاحة المذكورة لكنه ليس بشيء فإن اهتداء من ذكره من نحو ورقة إنما كان في باب التوحيد فقط فقد كانوا في ضلال من الشرائع والأحكام ألا ترى إلى قوله تعالى : ووجدك ضالاً فهدى مع أنه عليه السلام لم يصدر منه قبل البثة شرك ولا غيره من شرب الخمر والزاني واللغو واللهو فكونهم مهتدين من وجه لا ينافي كونهم ضالين من وجه آخر دل على هذا المعنى قوله تعالى يتلو عليهم الخ فإن بالتلاوة وتعليم الأحكام والشرائع حصل تزكية النفس والنجاة من الضلال مطلقاً فاعرفه {وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ} جمع آخر بمعنى غير وهو عطف على الأميين أي بعثه في الأميين الذين على عهده وفي آخرين من الأميين أو على المنصوب في يعلمهم أي يعلمهم ويعلم آخرين منهم وهم الذين جاءوا من العرب فمنهم متعلق بالصفة لآخرين أي وآخرين كائنين منهم مثلهم في العربية والأمية وإن كان المراد العجم فمنهم يكون متعلقاً بآخرين.
قال الكاشفي : أصح اقوال آنست كه هركه باسلام در آمده ودرمى آيد بعد از وفات آن حضرت عليه السلام همه درين آخرين داخلند.
فيكون شاملاً لكل من أسلم وعمل صالحاً إلى يوم القيامة من عربي وعجمي وفي الحديث : "إن في أصلاب رجال من أمتي رجالاً ونساء يدخلون الجنة بغير حساب" ثم تلا الآية {لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} صفة لآخرين أي لم يلحقوا بالأميين بعد ولم يكونوا في زمانهم وسيلحقونه بهم ويكونون بعدهم عرباً وعجماً وذلك لما أن منفي لما لا بد أن يكون مستمر النفي في الحال وأن يكون متوقع الثبوت بخلاف منفي لم فانه يحتمل الاتصال نحو ولم أكن بدعائك رب شقيا والانقطاع مثل لم يكن شيئاً مذكوراً ولهذا جاز لم يكن ثم كان ولم يجز لما يكن ثم كان بل يقال لما يكن وقد يكون.
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
ـ روي ـ سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال : رأيتني أسقي غنماً سوداً ثم أتبعتها غنماً عفراً أولها يا أبا بكر فقال : يا نبي الله أما السود فالعرب وأا العفر فالعجم تتبعك بعد العرب فقال عليه السلام : كذلك أولها الملك يعني جبرائيل عليه السلام يقال شاة عفراء يعلو بياضها حمرة ويجمع على عفر مثل سوداء وسود وقيل لما يلحقوا بهم في الفضل والمسابقة لأن التابعين لا يدركون شيئاً مع الصاحبة وكذلك العجم مع العرب ومن شرائط الدين معرفة فضل العرب على العجم وحبهم ورعاية حقوقهم وفي الآية دليل على أن رسول الله
515
صلى الله عليه وسلّم رسول نفسه وبلاغه حجة لأهل زمانه ومن بلغ لقوله تعالى ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده {وَهُوَ الْعَزِيزُ} المبالغ في العزة والغلبة ولذلك مكن رجلاً أمياً من ذلك الأمر العظيم {الْحَكِيمِ} المبالغ في الحكمة ورعاية المصلحة ولذلك اصطاه من بين كافة البشر {ذَالِكَ} الذي امتاز به من بين سائر الأفراد وهو أن يكون نبي أبناء عصره ونبي أبناء العصور الغوابر {فَضْلِ اللَّهِ} وإحسانه {يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ} تفضلاً وعطية لا تأثير للأسباب فيه فكان الكلام من صرفاً لا تمازجه العلل ولا تكسبه الحيل {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} الذي يستحقر دونه نعم الدنيا ونعيم الآخرة وفي كشف الأسرار والله ذو الفضل العظيم على محمد وذو الفضل العظيم على الخلق بإرسال محمد إليهم وتويقهم لمبايعته انتهى.
يقول الفقير وأيضاً والله ذو الفضل العظيم على أهل الاستعداد من أمة محمد بإرسال ورثة محمد في كل عصر إليهم وتوفيقهم للعمل بموجب إشاراتهم ولولا أهل الإرشاد والدلالة لبقي الناس كالعميان لا يدرون أين يذهبون وإنما كان هذا الفضل عظيماً لأن غايته والوصول إلى الله العظيم وقال بعض الكبار والله ذو الفضل العظيم إذ جمع الفضائل الأسمائية تحت الاسم الأعظم وهو جامع أحدية جميع الأسماء وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ذهب أهل الدثور بالأجور فقال : قولوا سبحان الله والحمدولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فقالوها وقالها الأغنياء فقيل إنهم شاركونا قال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وفي بعض الروايات إذا قال الفقير سبحان الله والحمدولا إله إلا الله والله أكبر مخلصاً وقال الغني مثل ذلك لم يلحق الغني بالفقير في فضله وتضاعف الثواب وإن أنفق الني معها عشرة آلاف درهم وكذلك أعمال البر كلها.
قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
نقنطار زر بخش كردن زكنج
نباشد و قيراطى ازدست رنج
(9/416)
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاـاةَ} أي علموها وكلفوا العمل بها وهم اليهود ومثلهم صفتهم العجيبة {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} أي لم يعملوا بما في تضاعيفها من الآيات التي من جملتها الآيات الناطقة بنبوة رسول الله عليه السلام واقتنعوا بمجرد قراءتها {كَمَثَلِ الْحِمَارِ} الكاف فيه زائدة كما في الكواشي والمار حيوان عرو يعبر به عن الجاهل كقولهم هو أكفر من الحمير أي أجهل لأن الكفر من الجهالة فالتشبيه به لزيادة التحقير والإهانة ولنهاية التهكم والتوبيخ بالبلادة إذ الحمار يذكر بها والبقر وإن كان مشهوراً بالبلادة إلا أنه لا يلائم الحمل :
تعلم يا فتى فالجهل عار
ولا يرضى به إلا حمار
{يَحْمِلُ أَسْفَارَا} أي كتباً من العلم يتعب بحملهها ولا ينتفع بها ويحمل أما حال والعامل فيها معنى المثل أو صفة للحمار إذ ليس المراد معيناً فإن المعرف بلام العهد الذهني في حكم النكرة كما في قول من قال ولقد أمر على اللئيم يسبني والأسار جمع سفر بكسر السين وهو الكتاب كشبر وأشبار قال الراغب السفر الكتاب الذي يسفر عن الحقائق أي يكشف وخص لفظ الأسفار في الآية تنبيهاً على أن التوراة وإن كانت تكشف عن معانيها إذا قرئت وتحقق ما فيها فالجاهل لا يكاد يستبينها كالحمار الحامل لها وفي القاموس السفر الكتاب الكبير أو جزء
516
من أجزاء التوراة وفي هذا تنبيه من الله على أن ينبغي لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ويعمل به لئلا يلحقه من الدم ما لحق هؤلاء.
قال الشيخ سعدي : مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سورة مكتوب :
علم ندانكه بيشتر خوانى
ون عمل درتونيست ناداني
نه محقق بود نه دانشمند
ار ايى برو كتاي ند
آن تهى مغزرا ه علم وخبر
كه برو هيز مست با دفتر
وقال الكاشفي :
كت ايزد يحمل اسفاره
بار باشد علم كان نبود زهو
علمهاى اهل دل حمالشلن
لمهاى اهل تنن احمالشان
علم ون بردل زنديارى بود
علم ون كل زندبارى بود
ون بدل خوانى زحق كيرى سبق
ون بكل وانى سيه سازى ورق
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
وفي التأويلات النجمية يعني مثل يهود النفس في حمل توراة العلم والمعرفة بصحة رسالة القلب وعدم اتباع رسومه وأحكامه كمثل حمار البدن في مله أثقال الأمتعة النفسية والاقمشة الشريفة والملابس الفاخرة والطيالس الناعمة فكما أن حمار البدن لا يعرفها ولا يعرف شرفها ولا كرامتها كذلك يهود النفس لا تعرف رفعة رسول القلب ولا رتبته ونعم ما يحكى عن بعض الظراء إنه حضر دعوة لطعام فلم يلتفتوا إليه وأجلسوه في مكان نازل ثم إنه خرج واستعار ألبسة نفيسة وعاد إلى المجلس فلما رأوه على زي الأكابر عظموه وأجلسوه فوق الكل فلما حضر الطعام قال ذلك الظريف خطابا لكمه كل والكم لا يدري ما الطعام وأما اللذة لكن نظر أهل الصورة مقصور على الظاهر لا يرون الفضل إلا بالزخارف والزين فما أبعد هؤلاء عن إدراك المعاني والحقائق {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بآيات اللَّهِ} أي بئس مثلاً مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله لى أن التمييز محذوف والفاعل المفسر له مستتر والمذكور هو المخصوص بالذم وهم اليهود الذين كفروا بما في التوراة من الآيات الشاهدة بصحة نبوة محمد عليه السلام {وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ} الواضعن للتكذيب في موضع التصديق أو الظالمين لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد باختيار الضلالة على الهداية والشقاوة على السعادة والعداوة على العناية كاليهود ونظائرهم وفيه تقبيح لهم بتشبيه حالهم بحال الحمار والمشبه بالقبيح قبيح وقد قال تعالى : إن أنكر الأصوات لصوت الحمير فصوت الجاهل والمدعى منكر كصوت الحمار وأضل وأنزل فهو ضار محض وفي الحمار نفع لأنه يحمل الأثقال ويركبه النساء والرجال وقد قال في حياة الحيوان إن اتخذ خاتم من حافر الحمار الأهلي ولبسه المصروع لم يصرع ثم إن في الحمار شهوة زائدة على شهوات سائر الحيوانات وهي من الصفات الطبيعية البهيمية فمن أبدلها بالعفة نجا وسلم من التشبيه المذكور وكم ترى من تالعلماء الغير العاملين أن أعينهم تدور على نظر الحرام ومع ما لهم من النكاح يتجاوزون إلى الزنى لعدم إصلاح قوتهم الشهوية السريعة فإن الشريعة أقوالهم
517
لا أعمالهم وأحوالهم نسأل الله العصمة مما يوجب المقت والنقمة إنه ذو المنة والفضل والنعمة {قُلْ يا اأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا} من هاد يهود إذا تهود أي تهودوا والتهود جهود شدن ودين جهود داشتن وبالفارسية ايشان كه جهود شديد وازراه راست بكشتيد.
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
(9/417)
فإن المهاداة الممايلة ولذا قال بعض المفرين أي مالوا عن الإسلام والحق إلى اليهودية وهي من الأديان الباطلة كما سبق قال الراغب الهود الرجوع برفق وصار في التعارف التوبة قال بعضهم : يهود في الأصل من قولهم إنا هدنا إليك أي تبنا وكان اسم مد ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازماً لهم وإن لم يكن فيه معنى المدح كما أن النصارى في الأصل من قولهم نحن أنصار الله ثم صار لازماً لهم بعد نسخ شريعتهم ثم إن الله تعالى خاطب الكفار في أكثر المواضع الواسطة ومنها هذه الآية لأنهم أدخلوا الواسطة يينهم وبين الله تعالى وهي الأصنام وأما المؤمنون فإن الله تعالى خاطبهم في أغلب المواضع بلا واسطة مثل يا أيها الذين آمنوا لأنه أسقطوا الوسائط فأسقط الله بينه وبينهم الواسطات {إِن زَعَمْتُمْ} الزعم هو القول بلا دليل والقول بأن الشيء على صة كذا قولا غير مستند إلى وثوق نحو زعمتك كريماً وفي القاموس الزعم مثلثة القول الحق والباطل والكذب ضد وأكثر ما يقال فيما يشك فيه انتهى.
فبطل ما قال بعضهم من أن الزعم بالضم بمعنى اعتقاد الباطل وبالفتح بمعنى قول الباطل قال الراغب الزعم حكاية قول يكون مظنة للكذب ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذم القائلون به وقيل للمتكفل والرئيس زعيم للاعتقاد ي قولهم إنه مظنة للكذب {إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ} جمع ولي بمعنى الحبيب {مِن دُونِ النَّاسِ} صفة أولياء أي من دون الأميين وغيرهم ممن ليس من بني إسرائيل وقال بعضهم من دون المؤمنين من العرب والعجم يريد بذلك ما كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه ويدعون أن الدار الآخرة لهم عند الله خالصة وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً فأمر رسول الله عليه السلام بأن يقول لهم إظهاراً لكذبهم إن زعمتم ذلك {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} أي فتمنوا من الله أن يميتكم من دار البلية إلى دار الكرامة وقولوا اللهم أمتنا والتمني تقدير شيء في النفس وتصويره فيها وبالفارسية آرزو خواستن.
قال بعضهم : الفرق بين التمني والاشتهاء أن التمني أعم من الاشتهاء لأنه يكون في الممتنعات دون الاشتهاء {إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ} جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه أي إن كنتم صادقين في زعمكم واثقين بأنه حق فتمنوا الموت فإن من أيقن أنه من أهل الجنة أحب أن يتخلص إليا من هذه الدار التي هي قرارة اكدار ولا يصل إليها أحد إلا بالموت قال البقلي جرب الله المدعين في محبته بالموت وأفرز الصادقين من بينهم لما غلب عليهم من شوق الله وحب الموت فتبين صدق الصادقين ههنا من كذب الكاذبين إذ الصادق يختار اللحوق إليه والكاذب يفر منه قال عليه السلام : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه قال الجنيد قدس سره : المحب يكون مشتاقاً إلى مولاه ووفاته أحب إليه من البقاء إذ علم أن فيه الرجوع إلى مولاه فهو يتمنى الموت أبداً
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
{وَلا يَتَمَنَّونَه أَبَدَا} إخبار بما سيكون منهم وأبداً ظرف بمعنى الزمان المتطاول
518
لا بمعنى مطلق الزمان والمراد به ما داموا في الدنيا وفي البقرة ولن يتمنوه لأن دعواهم في هذه السورة بالغة قاطعة وهي كون الجنة لهم بصفة الخلوص فبالغ في الرد عليهم بلن وهو أبلغ ألفاظ النفي ودعواهم في الجمعة قاصرة مترددة وهي زعمهم أنهم أولياء ا لله تعالى فاقصر على لا كما في برهان القرآن {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} الباء متعلقة بما يدل عليه النفس أي يأبون التمني بسبب ما عملوا من الكفر والمعاصي الوجبة لدخول النار نحو تحريف أحكام التوراة وتغيير النعت النبوب وهم يعرفون أنهم بعد الموت يعذبون بمثل هذه المعاصي ولما كانت اليد بين جوارح الإنسان مناط عامة أفاعيله عبر بها تارة عن النفس وأخرى عن القدوة يعني أن الأيدي هنا بمعنى الذوات استعملت فيها لزيادة احتياجها إليها فكأنها هي {وَاللَّهُ عَلِيمُا بِالظَّـالِمِينَ} وضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالظلم في كل أمورهم أي عليم بهم وبما صدر عنهم من فنون الظلم والمعاصي المفضية إلى أفانين العذاب وبما سيكون منهم من الاحتراز عما يؤدي إلى ذلك فوقع الأمر كما ذكر فلم يتمن منهم أحد موته وفي الحديث : "لا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فإن يعش يزدد خيراً فهو خر له وإما مسيئاً فلعله إن يستعتب" أي يسترضي ربه بالتوبة والطاعة وما روي عن بعض أرباب المحبة من التمني فلغاية محبتهم وعدم صبرهم على الاحتراق بالافتراق ولا كلام في المشتاق المغلوب المجذوب كما قال بعضهم :
غافلان ازمرك مهلت خواستند
عاشقان كفتند نى نى زود بان
فللتمني أوقات وأحوال يجوز باعتبار ولا يجوز بآخر أما الحال فكما في الاشتياق الغالب وأما الوقت فكما أشار إليه قوله عليه السلام : اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين فإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون.
(9/418)
ـ روي ـ أنه عليه السلام قال في حق اليهود لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودي ثم إن الموت هو الفناء عن الإرادات النفسانية والأوصاف الطبيعية كما قال عليه السلام : موتوا قبل أن تموتوا فمن له صدق إرادة وطلب يحب أن يموت عن نفسه ولا يبالي سقط عن الموت أم سقط الموت عليه وإن كان ذلك مراً في الظاهر لكنه حلو في الحقيقة وفيه حياة حقيقية وشفاء للمرض القلبي :
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
ه خوش كت كروزدار وفروش
شفا بايدت داروى تلخ نوش
وأما من ليس له صدق إرادة وطلب فإنه يهرب من المجاهدة مع النفس ويشفق أن يذبح بقرة الطبيعة فهو عند الموت الطبيعي يقاسي من المرارات ما لا تفي ببيانه العبارات والله الحفيظ {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ} ولا تجسرون على أن تتمنوه مخافة أن تؤخذوا بوبال كفركم {فَإِنَّه مُلَـاقِيكُمْ} البتة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه يعني بكير دشمارا وشربت آن بشيدوفرار سودى ندارد.
والفاء لتضمن الاسم معنى الشرط باعتبار الوصف أي باعتبار كون الموصوف بالموصوف في حكم الموصول أي إن فررتم من الموت فإنه ملاقيكم كأن الفرار سبب لملاقاته وسرعة لحقه إذ لا يجد الفار بركة في عمره بل يفر إلى جانب الموت فيلاقيه الموت ويستقبله وقد قيل إذا أدبر الأمر كان العطب في الحيلة {ثُمَّ} أي بعد الموت الاضطراري الطبيعي {تُرَدُّونَ}
519
الرد صرف الشيء بذاته أو بحالة من أحواله يقال رددته فارتد والآية من الرد بالذات مثل قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ومن الرد إلى حالة كان عليها قوله تعالى يردوكم على أدباركم {إِلَى عَـالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ} الذي لا يخفى عليه أحوالكم أي ترجعون إلى حيث لا حاكم ولا مالك سواه وإنما وصف ذاته بكونه عالم الغيب والشهادة باعتبار أحوالهم الباطنة وأعمالهم الظاهرة وقد سبق تمام تفسيره في سورة الحشر {فَيُنَبِّئُكُم} س خبر دهد شمارا {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الكفر والمعاصي والفواحش الظاهرة والباطنة بأن يجازيكم بها.
وفي التأويلات النجمية يشير إلى الموت الإرادي الذي هو ترك الشهوات ودفع المستلذات الذي تجتنبون منه لضعف همتكم الروحانية ووهن نهمتكم الربانية فإنه ملاقيكم لا يفارقكم ولكن لا تشعرون به لأنهماككم في بحر الشهوات الحيوانية واستهلاككم في تبار مشتهياتكم الظلمانية فإنكم في لبس من خلق جديد ولا تزالون في الحشر والنشر كما قال وجاءهم الموج من كل مكان أي موج الموت في كل لذة شهية ونعمة نعيمه ثم تردون إلى عالم الغيب غيب النات وغيب الطويات القلبية السرية والشهادة شهادة الطاعات والعبادات فينبئكم أي فيجازيكم بما كنتم تعملون بالنية الصالحة القلبية أو بالنية الفاسدة النفسية انتهى وفيه إشارة إلى أنه كما لا ينفع الفرار من الموت الطبيعي كذلك لا ينفع الفرار من الموت الإرادي لكن ينبغي للعاقل أن يتنبه لفنائه في كل آن ويختار الفناء حباً للبقاء مع الله الملك المنان.
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
اعلم أن الفرار الطبيعي من الموت بمعنى استكراه الطبع وتنفره منه معذور صاحبه لأن الخلاص منه عسير جداً إلا للمشتاقين إلى لقاء الله تعالى.
ـ حكي ـ أنه كان ملك من الملوك أراد أن يسر في الأرض فدعا بثياب ليلبسها فلم تعجبه فطلب غيرها حتى لبس ما أعجبه بعد مرات وكذا طلب دابة فلم تعجبه حتى أتى بدواب فركب أحسنها فجاء إبليس فنفخ في منخره فملأه كبراف ثم سار وسارت معه الخيول وهو لا ينظر إلى الناس كبراً فجاءه رجل رث الهيئة فسلم فلم يرد عليه السلام فأخذ بلجام دابته فقال : ارسل اللجام فقد تعاطيت أمراً عظيماً قال : إن لي إليك حاجة قال : اصبر حتى أنزل قال : لا إلا الآن فقهره على لجام دابته قال اذكرها قال هو سر فدها إليه فساره وقال : أنا ملك الموت فتغير لون الملك واضطرب لسانه ثم قال : دعني حتى أرجع إلى أهلي وأقضي حاجتي فأودعهم قال : لا والله لا ترى أهلك ومالك أبداً فقبض روحه فخر كأنه خشبة ثم مضى فلقي عبداً مؤمناً في تلك الحال فسلم فرد عليه السلام فقال : إن لي إليك حاجة أذكرها في أذنك فقال : هات فساره أنا ملك الموت فقال : مرحباً وأهلاً بمن طالت غيبته فوالله ما كان في الأرض غائب أحب إلي أن ألقاه منك فقال ملك الموت اقض اجتك التي خرجت لها فقال ما لي حاجة أكبر عندي وإلا أحب من لقاء الله قال فاختر علي أي حالة شئت أن أقبض روحك فقال : أتقدر على ذلك قال : نعم إني أمرت بذلك قال : فدعني تى أتوضأ وأصلي فأقبض روي وأنا ساجد فقبض روحه وهو ساجد.
وفي المثنوي :
س رجال از نقل عالم شادمان
وز بقايش شادمان اين كودكان
ونكه آب خوش نديد آن مرغ كور
يش او كوثر نمايد آب شور
520
(9/419)
وأما الفرار العقلي بمعنى استكراهه الموت أو بمعنى الانتقال من مكان إلى مكان فالأول منهما إن كان من الانهماك في حظوظ الدنيا فمذموم وإن كان من خوف الموقف فصاحبه معذور كما حكي أن سليمان الداراني قدس سره قال : قلت لأمي أتحبين الموت قالت : لا قلت لم؟ قالت : لأني لو عصيت آدمياً ما اشتهيت لقاءه فكيف أحب لقاءه وقد عصيته وقس عليه الاستكراه رجاء الاستعداد لما بعد الموت وأما الثاني منهما فغير موجه عقلاً ونقلاً إذ المشاهدة تشهد أن لا مخلص من الموت فأينما كان العبد فهو يدرك وأما الفرار من بعض الأسباب الظاهرة للموت كهجوم النار المحرقة للدور والسيل المفرط في الكثرة والقوة وحمل العدو الغالب والسباع والهوام إلى غير ذلك فالظاهر أنه معذور فيه بل مأمور وأما الفرار من الطاعون فما يرجحه العقل والنقل عدم جوازه.
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
أما العقل فما قاله الإمام الغزالي رحمه الله من أن سبب الوباء في الطب الهواء المضر وأظهر طرق التداوي الفرار من المضر ولا خلاف أنه غير منهي عنه إلا أن الهواء لا يضر ن حيث أنه يلاقي ظاهر البدن من حيث دوام الاستنشاق له فإنه إذا كان فيه عفونة ووصل إلى الرئة والقلب وباطن الأحشاء أثر فيها بطول الاستنشاء فلا يظهر الوباء على الظاهر إلا بعد طول التأثير في البطان فالخروج من البلد لا يخلص غالباً من الأثر الذي استحكم من قبل ولكنه يتوهم الخلاص فيصير هذا من جنس الموهومات كالرقي والطيرة وغيرهما وأنه لو رخص للأصحاء في الخروج لما بقي في البلد إلا المرضى الذين أقعدهم الطاعون انكسرت قلوبهم ولم يبق في البلد من يسقيهم الماء ويطعمهم الطعام وهم يعجزون عن مباشرتهم بأنفسهم فيكون ذلك سعياً في إهلاكهم تحقيقاً وخلاصهم منتظر كما أن خلا الأصحاء منتظر فلو أقاموا لم تكن الإقام قاطعة لهم بالموت ولو خرجوا لم يكن الخروج قاطعاً بالخلاص وهو قاطع في إهلاك الباقين والمسلمون كالبنيان يشد بعضهم بعضاً والمؤمنون كالجسد الواد إذا اشتكى منه عضو تداعى إلى الاشتكاء سائر أعضائه هذا هو الذي يظهر عندنا في تعليل النهي وينعكس هذا فيما إذا لم يقدم بعد على البلد فإنه لم يؤثر الهواء في باطنه وليس له حاجة إليهم.
وأما النقل فقوله تعالى ألم تر إلى الذين خرجو من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم فإنه إنكار لخروجهم فراراً منه وتعجيب بأنهم ليعتبر العقلاء بذلك ويتيقنوا أن لا مفر من قضاء الله فالمنهى عنه هو الخروج فراراً فإن الفرار من القدر لا يغني شيئاً وفي الحديث : "الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه له أجر شهيد" وفي الحديث يختصم الشهداء والمتوفون على فراشهم إلى ربنا عز وجل في الذين يتوفون في الطاعون فيقول الشهداء إخواننا قتلوا كما قتلنا ويقول المتوفون إخواننا ماتوا على فراشهم كما متنا فيقول ربنا انظروا إلى جراحهم فإن أبهت جراحهم جراح المقتولين فإنهم منهم فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم.
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
يقول الفقير : دل عليه قوله عليه السلام في الطاعون إنه وخز أعدائكم من الجن والوخز طعن ليس بنافذ والشيطان له ركض وهمز ونفث ونفخ ووخز والجنى إذا وخز العرق من مراق البطن أي مارق منها ولان خرج من وخزه الغدة وهي التي تخرج في اللحم فيكون وخز الجنى سبب الغدة الخارجة فحصل
521
(9/420)
التوفيق بين حديث الوخز وبين قوله عليه السلام غدة كغدة البعير تخرج من مراق البطن وباقي ما يتعلق بالطاعون سبق في سورة البقرة وقد تكفل بتفايله رسالة الشفاء لأدواء الوباء لابن طاش كبرى فارجع يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَواةِ} النداء رفع الوت وظهوره ونداء الصلاة مخصوص في الشرع بالألفاظ المعروفة والمراد بالصلاة صلاة الجمعة كما دل عليه يوم الجمعة والمعنى فعل النداء لها أي أذن لها والمعتبر في تعلق الأمر الآتي هو الأذان الأول في الأصح عندنا لأن حصول الأعلام به لا الأان بين يدي المنبر وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلّم مؤذن واحد فكان إذا جلس على المنبر أذن على با المسجد فإذا نزل أقام الصلاة ثم كان أبو بكر وعمر رضي الله عنه وكثرت الناس وتباعدت المنازل زاد مؤذناً آخر فأمر بالتأذين الأول على دار له بالسوق يقال لها الزوراء ليسمع الناس فإذا جلس على المنبر أذن المؤذن الثاني فإذا نزل أقام للصلاة فلم يعب ذلك عليه {مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} بضم الميم وهو الأصل والسكون تخفيف منه ومن بيان لإذا وتفسير لها أي لا بمعنى أنها لبيان الجنس على ما هو المتبادر فإن وقت النداء جزء من يوم الجمعة لا يحمل عليه فكيف يكون بياناً له بل المقصود أنها لبيان أن ذلك الوقت في أي يوم من الأيام إذ فيه إبهام فتجامع كونها بمعنى في كما ذهب إليه بعضهم وكونها للتبعيض كما ذهب إليه البعض الآخر وإنما سمي جمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة فهو على هذا الاسم إسلامي وقيل أول من سماه جمعة كعب بن لؤي بالهمزة تغير لأي سماه بها لاجتماع قريش فيه إليه وكانت العرب قبل ذلك تسميه العروبة بمعنى الظهور وعروبة وباللام يوم الجمعة كما في القاموس وقان ابن الأثير في النهاية الأفصح أنه لا يدخلها الألف واللام وقيل إن الأنصار قالوا قبل الهجرة لليهود يوم يجمعون فيه في كل سبعة أيام وللنصارى مثل ذلك فهلموا نجعل لنا يوماً نجتمع فيه فنذكر الله ونصلي فقالوا يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة فاجتمعة إلى سعد بن زرارة رضي الله عنه بضم الزاي فصلى بهم ركعتين وذكرهم فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه وحين اجتمعوا ذبح لهم شاة فتعشوا وتغذوا منها لقلتهم وبقي في أكثر القرى التي يقال فيها الجمعة عادة الاطعام بعد الصلاة إلى يومنا هذا فأنزل الله آية الجمعة فهي أول جمعة في الإسلام وإما أول جمعة جمعها رسول الله عليه السلام فهي إنه لما قدم المدينة مهاجراً نزل قبا على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لا ثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين امتد الضحى ومن تلك السنة يعد التاريخ الإسلامي فأقام بها يوم الاثنين والثلاثاء والاربعاء والخمسي وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة عامداً المدينة فأدركته صلاة الجمع في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجداً فخطب وصلى الجمعة وهي أول خطبة خطبها بالمدين وقال فيها : "الحمدوأستعينه وأستهديه وأومن به ولا أكفره وأعادي من يكفر به وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق والنور
522
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
(9/421)
والموعظة والحكم على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة وقرب من الأجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وفرط وضل ضلالاً بعيداً أوصيكم بتقوى الله فإن خير ما أوصي به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله واحذر ما ذركم الله من نفسه فإن تقوى من عمل به ومخافته من ربه عنوان صدق على ما يبغيه من الآخرة ومن يصلح الذي بينه وين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي به إلا وجه الله يكون له ذكراً عاجل أمره وذخراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم وما كان مما سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد هو الذي صدق قوله وأنجز وعده ولا خل لذلك فإنه يقول ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية فإنه ما يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه وإن تقوى الله تبيض الوجه وترضي الرب وترفع الدرجة فخذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله فقد علمكم في كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة وييي من حي عن بينة ولا حول ولا قوة إلا بالله فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد الموت فإن من يصلجح ما بينه وبينه الله يكفر الله ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضي على الناس ويقضون عليه ويملك من الناس ولا يملكون منه الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" انتهت الخطبة ثم إن هذه الآية رد لليهود في طعنهم للعرب وقولهم لنا السبت ولا سبت لكم {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} قال الراغب : السعي المشي السريع وهو دون العدو أي امشوا واقصدوا إلى الخطبة والصلالة لاشتمال كل منهما على ذكر الله وما كان ن ذكر رسول ولله والثناء عليه وعلى خلفائه الراشدين وأتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير فهو في حكم ذكر الله وأما ما عدا ذلك من ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم والدعاء لهم وهم أحقاء بعكس ذلك فمن ذكر الشيطان وهو ن ذكر الله على مراحل كا في الكشاف وبالفارسية رغبت كنيد بدان وسعى نماييد دران.
وعن الحسن رحمه الله أما والله ما هو بالسعي على الأقدام ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنيات والخشوع والابتكار ولقد ذكر الزمخشري في الابتكار قولاً وافياً حيث قال وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصة أي مملوءة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج وفي الحديث إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد بأيديهم صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون الأول فالأول على مراتبهم فإذا خرج الإمام طويت الصحف واجتمعوا للخطبة والمهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ثم الذي يليه كالمهدي شاة حتى ذكر الدجاجة والبيضة وفي عبارة السعي إشارة إلى النهي عن التثاقل وحث على
523
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
(9/422)
الذهاب بصفاء قلب وهمة لا بكسل نفس وغمة وفي الحديث إذا أذن المؤذن أي في الأوقات الخمسة أدبر الشيطان وله حصاص وهو بالضم شدة العدو وسرعته وقال حماد بن سلمة قلت لعاصم ابن أبي النجود ما الحصاص قال أما رأيت الحمار إذا أصر بأذنه أي ضمهما إلى رأسه ومصع بذنبه أي حركه وضرب به وعداً أي أسرع في المشي فذلك حصاصه وفيه إشارة إلى أن ترك السعي في فعل الشيطان وهذا بالنسبة إلى غير المريض والأعمى والعبد والمرأة والمقعد والمسافر فإنهم ليسوا بمكلفين فهم غير منادين أي لا سعي من المرضى والمزمني والعميان وقد قال تعالى : فاسعوا وأما النسوان فهو أمرن بالقرار في البيوت بالن والعبد والمسافر مشغولان بخدمة المولى والنقل قا النصر آبادى العوام في قضاء الحوائج في الجمعات والخوا في السعي إلى ذكره لعلمهم بأن المقادير قد جرت فلا زيادة ولا نقصان وقال بعضهم : الذكر عند المذكور حجاب والسعي إلى ذكر الله مقام المريدين يطلبون من المذكرو محل قربة إليه والدنو منه وأما المحقق في المعرة وقد غلب عليه ذكر الله إياه بنعت تجلي نفسه لقلبه {وَذَرُوا الْبَيْعَ} يقال فلان يذر الشيء أي يقذفه لقلة اعتداده به ولم يستعمل ماضيه وهو وذر أي اتركوا المعاملة فالبيع مجاز عن المعاملة مطلقاً كالشراء والإجارة والمضاربة وغيرها ويجوز إبقاء البيع على حقيقته ويلق به غيره بالدلالة وقال بعضهم : النهي عن البيع يتضمن النهي عن الشراء لأنهما متضايقان لا يعقلان إلا معاً فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر وأراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا وإنما خص البيع والشراء من بينها لأن يوم الجمعة يوم تجمع فيه الناس من كل ناحية فإذا دنا وقت الظهيرة يتكاثر البيع والشراء فلما كان ذلك الوقت مظنة الذهول عن ذكر الله والمضي إلى المسجد قيل لهم بادروا تجارة الآخرة واتركوا تجارة الدنيا واسعوا إلى ذكر الله الذي لا شيء أنفع نمه وأربح وذروا البيع الذي نفعه يسر وربحه قليل {ذَالِكُمْ} أي السعي إلى ذكر الله وترك البيع {خَيْرٌ لَّكُمْ} من مباشرته فإن نفع الآخرة أجل وأبقى {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} الخبر والشر الحقيقيين روي أنه عليه السلام خطب فقال : إن الله افترض عليكم الجمعة في يومي هذا وفي مقامي هذا فمن تركها في حياتي وبعد مماتي وله إمام عادل أو جائر من غير عذر فلا بارك الله له ولا جمع الله شمله ألا فلا حج له ألا فلا صوم له ومن تاب تاب الله عليه
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَواةُ} التي نوديتم لها أي أديت وفرغ منها {فَانتَشِرُوا فِى الأرْضِ} لإقامة مصالحكم والتصرف في حوائجكم أي تفرقوا فيها بأن يذهب كل منكم إلى موضع فيه حاجة من الحوائج المشروعة التي لا بد من تحصيلها للمعيشة فإن قلت ما معنى هذا الأمر فإنه لو لبث في المسجد إلى الليل يجوز بل هو مستحب فالجواب أن هذا أمر الرخصة لا أمر العزيمة أي لا جنا عليكم في الانتشار بعدما أديتم حق الصلاة {وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} أي الربح يعني اطلبوا لأنفسكم وأهليكم من الرزق الحلال بأي وجه يتيسر لكم من التجارة وغيرها من المكاسب المشروعة دل على هذا المعنى سبب نزول قوله وإذا رأوا تجارة الخ كما سيأتي
524
فالأمر للإطلاق بعد الحظر أي للإباحة لا للإيجاب كقوله وإذا حللتم فاصطادوا وذكر الإمام السرخسي أن الأمر للإيجاب لما روي أنه عليه السلام قال : طلب الكسب بعد الصلاة هو الفريضة بعد الفريضة وتلا قوله تعالى فإذا قضيت الصلاة وقيل إنه للندب فعن سعيد بن جبير إذا نصرفت من الجمعة فساوم بشيء وإن لم تشتره وعن ابن عباس رضي الله عنهما لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا إنما هو عبادة المرضى وحضور الجنائز وزيادة أخ في الله وعن الحسن وسعيد بن المسيب طلب العلم.
كما قال الكاشفي : وكفته اند انتشارهم در زمين مسجداست جهت رفتن بمجلس علما ومذكران.
وقيل : صلاة التطوع والظاهر أن مثل هذا إرشاد للناس إلى ما هو الأولى ولا شك في أولوية المكاسب الأخروية مع أن طلب الكفاف من الحلال عبادة وربما يكون فرضاً أن الاضطرار {وَاذْكُرُوا اللَّهَ} بالجنان واللسان جميعاً {كَثِيرًا} أي ذكراً كثيراً أو زماناً كثيراً ولا تخصوا ذكره تعالى بالصلاة.
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
(9/423)
يقول الفقير : إنما أمر تعالى بالذكر الكثير لأن الإنسان هو العالم الأصغر المقابل للعالم الأكبر وكل ما في العالم الأكبر فإنه يذكر الله تعالى بذكر مخصوص له فوجب على أهل العالم الأصغر أن يذكروا الله تعالى بعدد أذكار أهل العالم الأكبر حتى تتقابل المرأتان وينطبق الإجمال والتفصيل فإن قلت فهل في وسع الإنسان أن يذكر الله تعالى بهذه المرتبة من الكثرة قلت : نعم إذا كان من مرتبة السر بالشهود التام والحضور الكامل كما قال أبو يزيد البسطامي قدس ره الذكر الكثير ليس بالعدد لكنه بالحضور انتهى وقد يقيم الله القليل مقام الكثير كما روي أن عثمان رضي الله عنه صعد المنبر فقال : الحمد فارتج عليه فقال : إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يعدان لهذا المقام مقالاً وإنكم إلى أمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال وستأتيكم الخطب ثم نزل ومنه قال إمامنا الأعظم أبو حنيفة رحمه الله : إن اقتصر الخطيب على مقدار ما يسمى ذكر الله كقوله الحمد سبحان الله جاز وذلك لأن الله تعالى سمي الخطبة ذكراً له على أنا نقول قوله عثمان أن أبا بكر وعمر الخ كلام أن كلام في باب الخطبة لاشتماله على معنى جليل فهو يجامع قول صاحبيه والشافعي لا بد من كلام يسمى خطبة وهذا مما لا يتنبه له أحد والحمد على إلهامه وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه الذكر ذاعة الله فمن أطاع الله فقد ذكر ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن كان كثير التسبيح والذكر بهذا المعنى يتحقق في جميع الأحوال قال تعالى : رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله والذكر الذي أمر بالسعي إليه أولا هو ذكر خاص لا يجامع التجارة أصلاً إذ المراد منه الخطبة والصلاة أمر به أولاً ثم قال : إذا فرغتم منه فلا تتركوا طاعته في جميع ما تأتونه وتذكرونه {لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} كي تفوزوا بخير الدارين.
الحاصل ذكروي موجب جمعيت ظاهر وباطن وسبب نجات دنيا وآخرتست :
از ذكر خدا مباش يكدم غافل
كز ذكر بود خير دو عالم حاصل
ذكر است كه اهل شوق رادرهمه حال
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
آسايش جان باشد وآرامش دل
525
(9/424)
وفي التأويلات النجمية إذا حصلت لكم يا أهل كمال الإيمان لذوقي العياني صلاة الوصلة والجمعية والبقاء والفناء فسيروا في أرض البشرية بالاستمتاع بالشهوات المباحة والاسترواح بالروائح الفائحة والمراتعة في المراتع الأرضية وابتغوا من فضل الله من التجارات المعنوي الرابحة واذكروا نعم الله عليكم الظاهرة من الفناء من ناسوتيتكم الظلمانية والباطنة من البقاء بلاهوتيته النورانية لعلكم تفوزون بهذه النعم الظاهرة والباطنة بإرشاد الطالبين الصادقين المتوجهين إلى الله بالروح الصافي والقلب الوافي قال في الأشباه والنظائر اختص يوم الجمعة بأحكام لزوم صلاة الجمعة واشتراط الجامعة لها وكونها ثلاثة سوء الإمام والخطبة لها وكونها قبلها شرط وقراءة السورة المخصوصة لها وتحريم السفر قبلها بشرطه واستنان الغسل لها والطيب ولبس الأحسن وتقليم الأظفار وحلق الشعر ولكن بعدها أفضل والبخور في المسجد والتبكير لها والاشتغال بالعبادة إلى خروج الخطيب ولا يسن الابراد بها ويكره افراده بالصوم وافراد ليلته بالقيام وقراءة الكهف فيه ونفي كراهة النافلة وقت الاستواء على قول أبي يوسف المصحح المعتمد وهو خير أيام الأسبوع ويوم عيد وفيه ساعة إجابة وتجتمع فيه الأرواح وتزار فيه القبور ويأمن الميت فيه من عذاب القبر ومن مات فيه أو في ليلته أمن من فتنة القبر وعذابه ولا تسجر فيه جهنم وفيه خلق آدم وفيه أخرج من الجنة وفيه تقوم الساعة وفيه بزور أهل الجنة ربهم سبحانه وتعالى انتهى وإذا وقعت الوقعة بعرفة يوم الجمعة ضوعف الحج سبعين لأن حج الوداع كان كذلك ذكره في عقد الدرر واللآلي {وَإِذَا رَأَوْا} أي علموا {تِجَـارَةً} هي تجارة دحية بن خليفة الكلبي {أَوْ} سمعوا {لَهْوًا} هو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه يقال ألهى عن كذا إذا أشغله عما هو أهم والمراد هنا صوت الطبل ويقال له اللهو الغليظ وكان دحية إذا قدم ضرب الطبل ليعلم به.
كما قال الكاشفي : وكاروان ون رسيدي طبل شادى زدندى.
كما كما يرمي أصحاب السفينة في زماننا البنادق وما يقال له بالتركي.
طو.
أو كانوا إذا أقبلت العير استقبلوها أي أهلها بالطبول والدفوف والتصفيق وهو المراد باللهو {انفَضُّوا إِلَيْهَا} الفض كسر الشيء وتفريق بين بعضه وبعض كفض ختم الكتاب ومنه استعير انقض القوم أي تفرقوا وانتشروا كما في تاج المصادر والانفضاض شكسته شدن ورا كنده شدن.
وحد الضمير لأن العطف بأولا يثنى معه الضمير وكان المناسب إرجاعه إلى أحد الشيئين من غير تعيين إلى أن تخصيص التجارة برد الكناية إليها لأنها المقصودة أو للدلالة على أنالانفضاض إليها مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموماً فما ظنك بالانفضاض إلى اللهو وهو مذموم في نفسه ويجوز أن يكون الترديد للدلالة على أن منهم من انفض لمجرد سماع الطبل ورؤيته فإذا كان الطبل من اللهو وإن كان غليظاً فما ظنك بالمزمار ونحوه وقد يقال الضمير للرؤية المدلول عليها بقوله رأوا وقرىء إليهما على أن أو للتقسيم.
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
ـ روي ـ إن دحية بن خليفة الكلبي قدم المدينة بتجارة من الشام وكان ذلك قبل إسلامه وكان بالمدينة مجاعة وغلاء سعر وكان معه جميع ما يحتاج إليه من بر ودقيق وزيت وغيرها والنبي
526
عليه السلام يخطب يوم الجمعة فلما علم أهل المسجد ذلك قاموا إليه خشية أن يسبقوا إليه يعني تايشى كيرند از يكديكر بخريدن طعام.
فما بقي معه عليه السلام إلا ثمانية أو أحد عشر أو اثنا عشر أو أربعون فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد ابن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد وبلال وعبد الله بن مسعود وفي رواية عمار بن ياسر بدل عبد الله وذكر مسلم أن جابراً كان فيهم وكان منهم أيضاً امرأة فقال عليه السلام : والذي نفس محمد بيده لو خرجوا جميعاً لأضرم الله عليهم الوادي ناراً وفي عين المعاني لولا الباقون لنزلت عليهم الحجارة {وَتَرَكُوكَ} حال كونك {قَآاـاِمًا} أي على المنبر.
(9/425)
ـ روي ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : كان النبي عليه السلام بخطب يوم الجمعة خطبتين قائماً يفصل بينهما بجلوس ومن ثمة كانت السنة في الخطبة ذلك وفيه إشعار بأن الأحسن في الوعظ على المنبر يوم الجمعة اقيام وإن جاز القعود لأنه والخطبة من واد واحد لاشتماله على الحمد والثناء والتصلية والنصيحة والدعاء قال حضرة الشيخ الشهير فافتاده قدس سره أن الخطبة عبارة عن ذكر الله والموعظة للناس وكان عليه السلام مستمراً في ذكر الله تعالى ثم لما أراد التنزل لإرشاد الناس بالموعظة جلس جلسة خفيفة غايته أن ما ذكره الفقهاء من معنى الاستراحة لازم لما ذكرنا وكان عليه السلام يكتفي في الأوائل بخطبة واحدة من غير أن يجلس إما لأنه لعظم قدره كان يجمع بين الوصال والفرقة أو لأن أفعاله كانت على وفق الوحي ومقتضى أمر الله فيجوز أن لا يكون مأموراً بالجلسة في الأوائل ثم صار على القياس النسخ وأيضاً وجه عدم جلوسه عليه السلام في الخطبة في بعض الأوقات هو أنه عليه السلام كان يرشد أهل الملكوت كما يرشد أهل الملك فمتى كان أرشاده في الملكوت لا يتنزل ولا يجلس ومتى كان في الملك بأن لم يكن في مجلس الخطبة من هو من أهل الملكوت يتنزل ويجلس مجلس الملك فإن معاشر الأنبياء يكلمون الخلق على قدر عقولهم ومراتبهم وكان عليه السلام متى أراد الانتقال من إرشاد أهل الملك إلى إرشاد أهل الملكوت يقول أرحني يا بلال ومتى أراد التنزل من إرشاد أهل الملكوت إلى إرشاد الملك يقول لعائشة رضي الله عنها كلمني يا حميراء.
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
اعلم أنه كان من فضل الأصحاب رضي الله عنهم وشأنهم أن لا يفعلوا مثل ما ذكر من التفرق من مجلس النبي عليه السلام وتركه قائماً فذكر بعضهم وهو مقاتل بن حيان أن الخطبة يوم الجمعة كانت بعد الصلاة مثل العيدين فظنوا أنهم قد قضوا ما كان عليهم وليس في ترك الخطبة شيء فحولت الخطبة بعد ذلك فكانت قبل الصلاة وكان لا يخرج واحد لرعاف أو إحداث بعد النهي حتى يستأذن النبي عليه السلام يشير إليه بأصبعه التي تلي الإبهام فيأذن له النبي عليه السلام يشير إليه بيده قال الإمام السهيلي رحمه الله وهذا الحديث الذي من أجله ترخصوا لأنفسهم في ترك سماع الخطبة وإن لم ينقل من وجه ثابت فالظن الجميل بأصحاب رسول الله عليه السلام موجب لأنه كان صحيحاً.
يقول الفقير هب أنهم ظنوا أنهم قد قضوا ما كان عليهم من فرض الصلاة فكيف يليق بهم أن يتركوا مجلس النبي عليه السلام ومن شأنهم
527
أن يستمعوا ولم يتحركوا كأن على رؤوسهم الطير ولعل ذلك من قبيل سائر الهفوات التي تضمن المصالح والحكم الجليلة ولو لم يكن إلا كونه سبباً لنزول هذه الآية التي هي خير من الدنيا وما فيها لكفى وفيها من الإرشاد الإلهي لعباده ما لا يخفى {قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ} من الثواب يعني ثواب نماز واستماع خطبه ولزوم مجلس حضرت يغمبر عليه السلام وما موصولة خاطبهم الله بواسطة النبي عليه السلام لأن الخطاب مشوب بالعتاب {خَيْرٌ} بهتراست وسود مندتر {مِّنَ اللَّهْوِ} ازاستماع لهو {وَمِنَ التِّجَـارَةِ} واز نفع تجارت فإن نفع ذلك محقق مخلد بخلاف ما فيهما من النفع المتوهم فنفع اللهو ليس بمحقق ونفع التجارة ليس بمخلد وما ليس بمخلد فمن قبيل الظن الزائل ومنه يعلم وجه تقديم اللهو فإن للإعدام تقدماً على الملكات قال البقلي وفيه تأديب المريدين حيث اشتغلوا عن صحبة المشايخ بخلواتهم وعباداتهم لطلب الكرامات ولم يعلموا أن ما يجدون في خلواتهم بالإضافة إلى ما يجدون في صحبة مشايخهم لهو قال سهل رحمه الله : من شغله عن ربه شيء من الدنيا والآخرة فقد أخبر عن خسة طبعه ورذالة همته لأن الله فتح له الطريق إليه وأذن له في مناجاته فاشتغل بما يفنى عما لم يزل ولا يزال وقال بعضهم : ما عند الله للعباد والزهاد غدا خير مما نالوه من الدنيا نقداً وما عند الله للعارفين نقداً من واردات القلوب وبوادر الحقيقة خير مما في الدنيا والعقبى {وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} لأنه موجد الأرزاق فإليه اسعوا ومنه اطلبوا الرزق.
وقال الكاشفي : وخداى تعالى بهترين روزى دهند كانست يعني آنانكه وسائط إيصال رزقند وقت باشدكه بخيلى كنند وشايد نيز مصلحت وقت ندانند نقلست كه يكى از خلفاى بعداد بهلول را كفت بياتا روزى هرروز تو مقرر كنم تا وقت متعلق بدان نباشد بهلول جواب دادكه نين ميكردم اكر ند عيب نبودى اول آنكه توندانى كه مراه بايد دوم نشناسى كه مراكى بايد سوم معلوم ندارى كه مرا ند بايد وحق تعالى كافل رزق منست اين همه ميداند وازروى حكمت بمن ميرساند وديكر شايد كه برمن غضب كنى وآن وظيفه ازمن باز كيرى وحق سبحانه وتعالى يكناه ازمن روزى باز نميدارد :
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
خدايى كه اوساخت ازنيست هست
بعصيان در رزق بركس نيست
از وخواه روزى كه بخشنده اوست
بر آرنده كار هر بنده اوست
(9/426)
وقال لبعضهم : من أين تأكل؟ فقال : من خزانة ملك لا يدخلها اللصوص ولا يأكلها السوس وقال حاتم الأصم قدس سره لامرأته : إني أريد السفر فكم أضع لك من النفقة؟ قالت : بقدر ما تعلم أني أعيش بعد سفرك فقال : وما ندري كمن نعيش؟ قالت : فكله إلى أن يعلم ذلك فلما سافر حاتم دخل النساء عليها يتوجعن لها من كونه سافر وتركها بلا نفقة فقالت : إنه كان أكالاً ولم يكن رزاقاً قال بعضهم قوله تعالى خير من اللهو وقوله : خير الرازقين من قبيل الفرض والتقدير إذ لا خيرية في اللهو ولا رازق غير الله فكان المعنى إن وجد في اللهو خير فما عند الله أشد خيرية منه وإن وجد رازقون غير الله فالله خيرهم وأقواهم قوة أولاهم عطية والرزق هو المنتفع به مباحاً كان أو محظوراً.
وفي التأويلات النجمية والله خير الرازقين لإحاطته على رزق النفس وهو الطاعة
528
والعبادة بمقتضى العلم الشرعي ورزق القلب وهو المراقبة والمواظبة على الأعمال القلبية من الزهد والورع والتوكل والتسليم والرضى والبسط والقبض والإنس والهيبة ورزق الروح بالتجليات والنزلات والمشاهدات والمعاينات ورزق السر برفع رؤية الغير والغيرية ورزق الخفاء بالنفاء في الله والبقاء به وهو خير رزق فهو خير الرازقين.
وفي المثنوي :
هره ازيارت جدا اندازد آن
مشنو آنرا كه زيان دارد زيان
كربود آن سود صد درصد مكير
بهر زر مكسل زكنجور اي فقير
آن شنوكه ند يزدان زجر كرد
كفت اصحاب نبي را كرم وسرد
زانكه دربانك دهل درسال ننك
جمعه را كردند باطل بى درنك
تانبايد ديكران ارزان خرند
زان سبب صرفه زما ايشان برند
ماند يغمبر بخلوات درنماز
بادوسه درويش ثابت برنياز
كفت طبل ولهو وبازركانى
و نتان ببريد از ربانى
قد فضضت نحو قمح هائماً
ثم خليتم نبيا قائما
بهر كندم تخم باطل كاشتند
وآن رسول حق را بكذا شتند
صحبت او خير من لهواست ومال
بين كرا بكذا شتى شمى بمال
خودنشد حرص شمارا اين يقين
كه منم رزاق وخير الرازقين
آنكه كندم راز خودروزى دهد
كى توكلهات را ضايع كند
ازى كندم جدا كشتى ازان
كه فرستادست كندم زآسمان
وفي الأحياء يستحب أن يقول بعد صلاة الجمعة اللهم يا غني يا حميد يا مبدى يا معيد يا رحيم يا ودود أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك فيقال من دوام على هذا الدعاء أغناه الله تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب وفي الحديث من قال يوم الجمعة اللهم أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك سبعين مرة لم تمر به جمعتان حتى يغنيه الله رواه أنس بن مالك رضي الله عنه :
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
خدايى كه اوساخت ازنيست هست
بعصيان در رزق بركس نيست
از وخواه روزى كه بخشنده اوست
بر آرنده كار هر بنده اوست
وقال لبعضهم : من أين تأكل؟ فقال : من خزانة ملك لا يدخلها اللصوص ولا يأكلها السوس وقال حاتم الأصم قدس سره لامرأته : إني أريد السفر فكم أضع لك من النفقة؟ قالت : بقدر ما تعلم أني أعيش بعد سفرك فقال : وما ندري كمن نعيش؟ قالت : فكله إلى أن يعلم ذلك فلما سافر حاتم دخل النساء عليها يتوجعن لها من كونه سافر وتركها بلا نفقة فقالت : إنه كان أكالاً ولم يكن رزاقاً قال بعضهم قوله تعالى خير من اللهو وقوله : خير الرازقين من قبيل الفرض والتقدير إذ لا خيرية في اللهو ولا رازق غير الله فكان المعنى إن وجد في اللهو خير فما عند الله أشد خيرية منه وإن وجد رازقون غير الله فالله خيرهم وأقواهم قوة أولاهم عطية والرزق هو المنتفع به مباحاً كان أو محظوراً.
وفي التأويلات النجمية والله خير الرازقين لإحاطته على رزق النفس وهو الطاعة
528
والعبادة بمقتضى العلم الشرعي ورزق القلب وهو المراقبة والمواظبة على الأعمال القلبية من الزهد والورع والتوكل والتسليم والرضى والبسط والقبض والإنس والهيبة ورزق الروح بالتجليات والنزلات والمشاهدات والمعاينات ورزق السر برفع رؤية الغير والغيرية ورزق الخفاء بالنفاء في الله والبقاء به وهو خير رزق فهو خير الرازقين.
وفي المثنوي :
هره ازيارت جدا اندازد آن
مشنو آنرا كه زيان دارد زيان
كربود آن سود صد درصد مكير
بهر زر مكسل زكنجور اي فقير
آن شنوكه ند يزدان زجر كرد
كفت اصحاب نبي را كرم وسرد
زانكه دربانك دهل درسال ننك
جمعه را كردند باطل بى درنك
تانبايد ديكران ارزان خرند
زان سبب صرفه زما ايشان برند
ماند يغمبر بخلوات درنماز
بادوسه درويش ثابت برنياز
كفت طبل ولهو وبازركانى
و نتان ببريد از ربانى
قد فضضت نحو قمح هائماً
ثم خليتم نبيا قائما
بهر كندم تخم باطل كاشتند
وآن رسول حق را بكذا شتند
صحبت او خير من لهواست ومال
بين كرا بكذا شتى شمى بمال
خودنشد حرص شمارا اين يقين
كه منم رزاق وخير الرازقين
آنكه كندم راز خودروزى دهد
كى توكلهات را ضايع كند
ازى كندم جدا كشتى ازان
كه فرستادست كندم زآسمان
(9/427)
وفي الأحياء يستحب أن يقول بعد صلاة الجمعة اللهم يا غني يا حميد يا مبدى يا معيد يا رحيم يا ودود أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك فيقال من دوام على هذا الدعاء أغناه الله تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب وفي الحديث من قال يوم الجمعة اللهم أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك سبعين مرة لم تمر به جمعتان حتى يغنيه الله رواه أنس بن مالك رضي الله عنه :
جزء : 9 رقم الصفحة : 512
تفسير سورة المنافقون
إحدى عشرة آية مدنية بلا خلاف
جزء : 9 رقم الصفحة : 528
{إِذَا} ون {جَآءَكَ الْمُنَافِقُونَ} أي حضروا مجلسك وبالفارسية بتو آيند دو رويان.
والنفاق إظهار الإيمان باللسان وكتمان الكفر بالقلب فالمنافق هو الذي يضمر الكفر اعتقاداً ويظهر الإيمان قولاً وفي المفردات النفاق الدخول في الشرع من باب والخروج منه من باب من النافقاء إحدى جحرة اليربوع والثعلب والضب يكتمها ويظهر غيرها فإذا أتى من قبل القاصعاء وهو الذي يدخل منه ضرب النافقاء برأسه فانتفق والنفق هو السرب في الأرض النافذ {قَالُوا} مؤكدين كلامهم بان واللام للإيذان بأن شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم وخلوص
529
اعتقادهم ووفور رغبتهم ونشاطهم والظاهر أنه الجواب لإذا لأن الآية نظير قوله تعالى وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا وقيل جوابه مقدر مثل أرادوا أك يخدعوك وقيل استئناف لبيان طريق خدعتهم وقيل جوابه قوله فاحذرهم {نَشْهَدُ} الآن أو على الاستمرار {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} والشهادة قول صادر عن علم حصل بشهادة بصر أو بصيرة {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} اعتراض مقرر لمنطوق كلامهم لكونه مطابقاً للواقع ولإزالة إيهام أن قولهم هذا كذب لقوله والله يشهد الخ وفيه تعظيم للنبي عليه السلام وقال أبو الليث والله يعلم أنك لرسوله من غير قولهم وكفى بالله شهيداً محمد رسول الله.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
اعلم أن كل ما جاء في القرآن بعد العلم من لفظة أن فهي بفتح الهمزة لكونها في حكم المفرد إلا في موضعين أحدهما والله يعلم أنك لرسوله في هذه السورة والثاني قد يعلم أنه ليحزنك الذي يقولون في سورة الأنعام وإنما كان كذلك في هذين الموضعين لأنه يأتي بعدهما لام الخبر فانكسرا أي لأن اللام لتأكيد معنى الجملة ولا جملة إلا في صورة المكسورة وقال بعضهم : إذا دخلت لام ابتداء على خبرها تكون مكسورة لاقتضاء لام الابتداء الصدارة كما يقال لزيد قائم وتؤخر اللام لئلا يجتمع حرفاً التأكيد واختير تأخيرها الترجيح إن في التقديم لعامليته فكسرت لأجل اللام {وَاللَّهُ يَشْهَدُ} شهادة حقة {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} أي أنهم والإظهار في موضع الإضمار لذمهم والإشعار بعلية الحكم أي لكاذبون فيما ضمنوا مقالتهم من أنها صادرة عن اعتقاد وطمأنينة قلب فإن الشهادة وضعت للاخبار الذي طابق فيه اللسان اعتقاد القلب وإطلاقها على الزور مجاز كإطلاق البيع عن الفاسد نظيره قولك لمن يقول أنا أقرأ الحمدرب العالمين كذبت فالتكذيب بالنسبة إلى قراءته لا بالنسبة إلى المقروء الذي هو الحمدرب العالمين ومن هنا يقال إن من استهزأ بالمؤذن لا يكفر بخلاف من استهزأ بالأذان فإنه يكفر قال بعضهم : الشهادة حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه فهي الاخبار بما علمه بلفظ خاص ولذلك صدق المشهود به وكذبهم في الشهادة بقوله والله يعلم الخ دلت الآية على أن العبرة بالقلب والاخلاص بخلوصه يحصل الخلاص وكان عليه السلام يقبل من المنافقين ظاهر الاسلام واما حكم الزنديق في الشرع وهو الذي يظهر الاسلام ويسر الكفر فإنه يستتاب وتقبل توبته عند أبي ولا تقبل عند أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله قال سهل رحمه الله اقروا بلسانهم ولم يعترفوا بقلوبهم فلذلك سماهم الله منافقين ومن اعترف بقلبه وأقر بلسانه ولم يعمل بأركانه ما فرض الله من غير عذر ولا جهل كان كإبليس وسئل حذيفة من المنافق؟ قال : الذي يصف اسلام ولا يعمل به وهم الويم شر منهم لأنهم كانوا يومئذ يكتمونه وهم اليوم يظهرونه وفي الآية إشارة إلى أن المنافقين الذامين للدنيا وشهواتها باللسان المقبلين عليها بالقلب وإن كانوا يشهدون بصحة الرسالة لظهور أنوارها عليهم من المعجزات والكرامات لكنهم كاذبون في شهادتهم لإعراضهم عنه عليه السلام ومتابعته وإقبالهم على الدنيا وشهواتها فحقيقة الشهادة إنما تحصل بالمتابعة وقس عليه شهادة أهل الدنيا عند ورثة الرسول قال الحسن البصري رحمه الله : يا ابن آدم لا يفرنك قول من يقول المرء مع من أحب فإنك لا تلحق الأبرار إلا بأعمالهم فإن اليهود والنصارى
530(9/428)
يحبون أنبياءهم وليسوا معهم وهذه إشارة إلى أن مجرد ذلك من غير موافقة في بعض الأعمال أو كلها لا ينفع كما في إحياء العلوم ولذا قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر : المرء مع من أحب في الدنيا بالطاعة والأدب الشرعي وفي الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدي انتهى فإذا كانت المحبة المجردة بهذه المثابة فما ظنك بالنفاق الذي هو هدم الاس والأصل وبناء الفرع فلا اعتداد بدعوى المنافق ولا بعمله.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
وفي التأويلات القاشانية المنافقون هم المذبذبون الذين يجذبهم الاستعداد الأصلي إلى نور الإيمان والاستعداد العارضي الذي حدث برسوخ الهيئاتالطبيعية والعادات الردئية إلى الكفر وإنما هم كاذبون في شهادة الرسالة لأن حقيقة معنى الرسالة لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم الذين يعرفون الله ويعرفون بمعرفته رسول الله فإن معرفة الرسول لا تمكن إلا بعد معرفة الله ويقدر العلم بالله يعرف الرسول فلا يعلمه حقيقة إلا من انسلخ عن علمه وصار عالماً يعلم الله وهم محجوبون عن الله بحجب ذوتهم وصفاتهم وقد أطفأوا نور استعداداتهم بالغواشي البدنية والهيئات الظلمانية فإنى يعرفون رسول الله حتى يشهدوا برسالته انتهى قال الشيخ أبوالعباس معرفة الولي أصعب من معرفة الله فإن الله معروف بكماله وجماله وحتى متى يعرف مخلوقاً مثله يأكل كما يأكل ويشرب كما يشرب {اتَّخَذُوا} أي المنافقون {أَيْمَـانَهُمْ} الفاجرة التي من جملتها ما حكى عنهم لأن الشهادة تجري مجرى الحلف فيما يراد به من التوكيد وبه استشهد أبو حنيفة رحمه الله على أن أشهد يمين واليمين في الحلف مستعار من اليمين التي بمعنى اليد اعتباراً بما يفعله المحالف والمعاهد عنده واليمين بالله المصادقة جائزة وقت الحاجة صدرت من النبي عليه السلام كقوله والله والذي نفسي بده ولكن إذا لم يكن ضرورة قوية يصان اسم الله العزيز عن الابتذال {جُنَّةً} أي وقاية وترساً عما يتوجه إليهم من المؤاخذة بالقتل والسبي أو غير ذلك واتخاذها جنة عبارة عن إعدادهم وتهيئتهم لها إلى وقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة لا عن استعمالها بالفعل فإن ذلك متأخر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية واتخاذ الجنة لا بد أن يكون قبل المؤاخذة وعن سببها أيضاً كما يفصح عنه الفاء في قوله {فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} يقال صد عن الأمر صداً أي منعه وصرفه وصد عنه صدوداً أي أعرض والمعنى فمنعوا وصرفوا من أراد الدخول في الإسلام بأنه عليه السلام ليس برسول ومن أراد الإنفاق في سبيل الله بالنهي عنه كما سيحكى عنهم ولا ريب في أن هذا الصد منهم متقدم على حلفهم بالفعل وأصل الجن ستر الشيء عن الحاسة يقال جنه الليل وأجنه والجنان القلب لكونه مستوراً عن الحاسة والمجن والجنة الترس الذي يجن صاحبه والجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي ساء الشيء الذي كانوا يعملونه من النفاق والصد والإعراض عن سبيله تعالى وفي ساء معنى التعجب وتعظيم أمرهم عند السامعين {ذَالِكَ} القول الشاهد بأنهم أسوأ الناس أعمالاً وبالفارسية أين حكم حق ببدىء أعمال ايشان {بِأَنَّهُمْ} أي بسبب أنهم {ءَامَنُواّ} أي نطقوا بكلمة الشهادة كسائر من يدخل الإسلام {ثُمَّ كَفَرُوا} أي ظهر كفرهم بما شوهد منهم من شواهد الكفر
531
ودلائله من قولهم إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن حمير وقولهم في غزوة تبوك أيطمع هذا الرجل أن يفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات فثم اللتراخي أو كفروا سراً فثم للاستبعاد ويجوز أن يراد بهذه الآية أهل الردة منهم كما في الكشاف {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ختم عليها يعني مهر نهاده شد.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
(9/429)
حتى تمرنوا على الكفر واطمأنوا به وصارت بحيث لا يدخلها الإيمان جزاء على نفاقهم ومعاقبة على سوء أفعالهم فليس لهم أن يقولوا إن الله ختم على قلوبنا فكيف تؤمن والطبع أن يصور الشيء بصورة ما كطبع السكة وطبع الدارهم وهو أعم من الختم وأخص من النقش كما في المفردات {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} حقيقة الإيمان ولا يعرفون حقيقته أصلاً كما يعرفه المؤمنون والفقه لغة الفهم واصطلاحاً علم الشريعة لأنه الأصل فيما يكتسب بالفهم والدراية وإن كان سائر العلوم أيضاً لا ينال إلا بالفهم دل الكلام على أن ذكر بعض مساوي العاصي عند احتمال الفائدة لا بعد من الغيبة المنهي عنها بل قد يكون مصلحة مهمة على ما روي عنه عليه السلام اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس وفي المقاصد الحسنة ثلاثة ليست لهم غيبة الإمام الجائر والفاسق المعلن بفسقه والمبتدع الذي يدعو الناس إلى بدعته وقال الفاشاني ذلك بسبب أنهم آمنوا بالله بحسب بقية نور الفطرة والاستعداد ثم كفروا أي ستروا ذلك النور بحجب الرذائل وصفات نفوسهم فطبع على قلوبهم برسوخ تلك الهيئات وحصول الرين من المكسوبات فحجبوا عن ربهم بالكلية فهم لا يفهموا معنى الرسالة ولا علم التوحيد والدين {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ} وون به بيني منافقاً نراون ابن ابي وأمثال او.
الرؤية بصرية {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} بشكفت آرد ترا اجسام ايشان.
لضخامتها ويروقك منظرهم لصباحة وجوههم وأصله من العجب والشيء العجيب هو الذي يعظم في النفس أمره لغرابته والتعجب حيرة تعرض للنفس بواسطة ما يتعجب منه {وَإِن يَقُولُوا} وون سخن كويند {تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم وحلاوة كلامهم واللام صلة وقيل تصغي إلى قولهم وكان ابن أبي جسيماً صبيحاً فصيحاً يحضر مجلس رسول الله عليه السلام في نفر من أمثاله وهم رؤساء المدينة وكان عليه السلام ومن معه يعجبون بهيا كلهم ويسمعون إلى كلامهم وأن الصباحة وحسن المنظر لا يكون إلا من صفاء الفطرة في اوصل ولذا قال عليه السلام : اطلبوا الخير عند حسان الوجوه أي عغالباً وكم من رجل قبيح الوجه قضاء للحوائج قال بعضهم :
يدل على معروفه حسن وجهه
وما زال حسن الوجه أحد الشواهد
وفي الحديث إذا بعثتم إلى رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم ثم لما رأى عليه السلام غلبة الرين على قلوب المنافقين وانطفاء نور استعدادهم وإبطال الهيئات الدنية العارضة خواصهم الأصلية ايس منهم وتركهم على حالهم.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
ـ وروي ـ عن بعض الحكماء أنه رأى غلاماً حسناً وجهه فاستنطقه لظنه ذكاء فطنته فما وجد عنده معنى فقال : ما أحسن هذا البيت لو كان فيه ساكن وقال آخر طشت ذهب فيه خل {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} في حيز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم كأنهم أو كلام مستأنف لا محل له والخشب بضمتين جمع
532
خشبة كأكم وأكمة أو جمع خشب محركة كأسد وأسد وهو ما غلظ من العيدان والإسناد الإمالة ومسندة للتكثير فإن التسنيد تكثير الإسناد بكثرة المحال أي كأنها أسندت إلى مواضع والمعنى بالفارسية كويا ايشان و بهاى خشك شده اند بديوار بازنهاده.
شبهوا في جلوسهم في مجالس رسول الله مستندين فيها بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحاً خالية عن العلم والخير والانتفاع ولذا اعتبر في الخشب التسنيد لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع فكما أن مثل هذا الخشب لا نفع فيه فكذا هم لا نفع فيهم وكما أن الروح النامية قد زالت عنهم فهم في زوال استعداد الحياة الحقيقية والروح الإنساني بمثابتها.
يقول الفقير فيه إشارة إلى أن الاستناد في مجالس الأكابر أو في مجالس العلم من ترك الأدب ولذا منع الإمام مالك رحمه الله هارون الرشيد من الاستناد حين سمع منه الموطأ.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
(9/430)
ـ حكي ـ أن إبراهيم بن أدهم قدس سره كان يصلي ليلة فأعيى فجلس ومدر رجليه فهتف به هاتف أهكذا تجالس الملوك وكان الحريري لا يمد رجليه في الخلوة ويقول حفظ الأدب مع الله أحق وهذا من أدب من عرف معنى الاسم المهيمن فإن من عرف معناه يكون مستحييا من اطلاعه تعالى عليه ورؤيته له وهو المراقبة عند أهل الحقيقة ومعناه علم القلب باطلاع الرب ودلت الآية وكذا قوله عليه السلام إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند اللهجناح بعوضة على أن العبرة في الكمال والنقصان بالأصغرين اللسان والقلب لا بالأكبرين الرأس والجلد فإن الله تعالى لا ينظر إلى الصور والأموال بل إلى القلوب والأعمال فرب صورة مصغرة عند الله بمثابة الذهب والمؤمن لا يخلو من قلة أو علة أو ذلة ولا شك أن بالقلة يكثر الهم الذي يذيب اللحم والشحم وكذا بالعلة يذوب البدن ويطرأ عليه الذبول وفي الحديث مثل المؤمن مثل السنبلة يحركها الريح فتقوم مرة وتقع أخرى ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال قائمة حتى تنقعر قوله الأرزة بفتح الهمزة وبراء مهملة ساكنة ثم زاي شجر يشبه الصنوبر يكون بالشأم وبلاد الأرمن وقيل هو شجر الصنوبر والانقعار.
ازبن بركنده شدن يعني مثل منافق مثل صنوبراست كه بلند واستوار برزمين تاكه افتادن وازبيخ برآمدن.
وفيه إشارة إلى أن المؤمن كثير الابتلاء في بدنه وماله غالباً فيكفر عن سيئاته والكافر ليس كذلك فيأتي بسيئاته كاملة يوم القيامة {يَحْسَبُونَ} يظنون {كُلَّ صَيْحَةٍ} كل صوت ارتفع فإن الصيحة رفع الصوت وفي القاموس الصوت بأقصى الطاقة وهو مفعول أول ليحسبون والمفعول الثاني قوله {عَلَيْهِمْ} أي واقعة عليهم ضارة لهم.
ومراد از صيحه هر فريادى كه برآيد وهرآوازى كه درمدينه بركشند.
وقال بعضهم : إذا نادى مناد في العسكر لمصلحة أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة أو وقعت جلبة بين الناس ظنوه إيقاعاً بهم لجنبهم واستقرار الرعب في قلوبهم والخائن خائف وقال القاشاني لأن الشجاعة إنما تكون من اليقين من نور الفطرة وصفاء القلب وهم منغمسون في ظلمات صفات النفوس محتجبون باللذات والشهوات كأهل الشكوك والارتياب فلذلك غلب عليهم الجبن والخور انتهى وفي هذا زيادة تحقر لهم وتخفيف لقدرهم
533
كما قيل إذا رأى غير شيء ظنه رجلاً وقيل كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم ما يهتك أستارهم ويبيخ دماءهم وأموالهم
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
{هُمُ الْعَدُوُّ} أي هم الكاملون في العداوة الراسخون فيها فإن أعدى الأعادي العدو المكاسر الذي يكاسرك وتحت ضلوعه داء لا يبرح بل يلزم مكانه ولم يقل هم الأعداء لأن العدو لكونه بزنة المصادر يقع على الواحد وما فوقه {فَاحْذَرْهُمْ} أي فاحذر أن تثق بقولهم ونميل إلى كلامهم أو فاحذر مما يلتهم لأعدائك وتخذيلهم أصحابك فإنهم يفشون سرك للكفار {قَـاتَلَهُمُ اللَّهُ} دعاء عليهم وطلب من ذاته تعالى أن يلعنهم ويخزيهم ويميتهم على الهوان والخذلان كما قال ابن عباس رضي الله عنهما أي لعنهم قال سعدي المفتي ولا طلب هناك حقيقة بل عبارة الطلب للدلالة على أن اللعن عليهم مما لا بد منه قال الطيبي يعني إنه من أسلوب التجريد كقراءة ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ومن كفر فأمتعه يا قادر ويجوز أن يكون تعليماف للمؤمنين بأن يدعوا عليهم بذلك ففيه دلالة على أن للدعاء على أهل الفساد محلاً يحسن فيه فقاتلا الله المبتدعين الضالين المضلين فإنهم شر الخصماء وأضر الأعداء وإيراده في صورة الإخبار مع أنه إنشاء معنى للدلالة على وقوعه ومعنى الإنشاء بالفارسية هلاك كناد خداى ايشانرا يا لعنت كناد برايشان.
وقال بعضهم أهلكهم وهو دعاء يتضمن الاقتضاء والمنابذة وتمنى الشر لهم ويقال هي كلمة ذم وتوبيخ بين الناس وقد تقول العرب قاتله الله ما أشعره فيضعونه موضع التعجب وقيل أحلهم محل من قاتله عدو قاهر لكل معاند {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} تعجيب من حالهم أي كيف يصرفون عن الحق والنور إلى ما هم عليه من الكفر والضلال والظلمة بعد قيام البرهان من الإفك بفتح الهمزة بمعنى الصرف عن الشيء لأن الإفك بالكسر بمعنى الكذب.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
(9/431)
قال في التأويلات النجمية : إذا رأيتهم من حيث صورهم المشكلة تعجبك أجسام أَمالهم المشوبة بالرياء والسمعة الخالية عن أرواح النيات الخالصة الصافية وأن يقولوا قولاً بالحروف والأصوات مجرداً عن المعاني المصفاة تصغ إلى قولهم المكذوب المردود كان صورهم المرجدة عن المعنى المخيلة صورتها القوة الخيالة بصورة الخشب المسندة إلى جدار الوهم لا روح فيها ولا معنا يحسبون كل صيحة صاح بها صور القهر واقعة عليهم لضعف قلوبهم بمرض النفاق وعلة الشقاق هم الكاملون في العداوة الذاتية والبغضاء الصفاتية فاحذرهم بالصورة والمعنى قاتلهم الله بالخزي والحرمان والسوء والخذلان أنى يعدلون عن طريق الدين الصدق {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} عند ظهور جنايتهم بطريق النصيحة.
در معالم آورده كه بعد از نزول اين آيتها قوم ابن أبي ويرا كفتند أين آيتها درباره تونازل شده رو نزديك رسول خداى تابراى توآمر زش طلبد آن منافق كردن تاب داد وكفت مرا كفتند ايمان آور آوردم تكليف كرديدكه زكاة مال بده دادم همين مانده است كه محمد را سجده مى بايد كرد آيت آمدكه.
وإذا ذيل لهم : {تَعَالَوْا} أصله تعاليوا فأعل بالقلب والحذف إلا أن واحد الماضي تعالى بإثبات الألف المقلوبة عن الياء المقلوبة عن الواقعة رابعة وواحد الأمر تعالى بحذفها وقفاً وفتح اللام وأصل معنى التعالي الارتفاع فإذا أمرت منه قلت تعالى وتعالوا فتعالوا جميع أمر الحاضر
534
في صورة الماضي ومعناه ارتفعوا فيقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه ثم كثر واتسع فيه حتى عمم يعني ثم استعمل في كل داع يطلب المجيىء في المفرد وغيره لما فيه من حسن الأدب أي هلوا وائتوا وبالفارسية بياييد باعتذار.
ومن الأدب أن لا يقال تعالى فلان أو تعاليت يا فلان أو أنا أو فلان متعال بأي معنى أريد لأنه مما اشتهر به الله تعالى الله الملك الحق {يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ} بالجزم جواب الأمر أي يدع الله لكم ويطلب منه أن يغفر بلطفه ذنوبكم ويستر عيوبكم وهو من أعمال الثاني لأن تعالوا يطلب رسول الله مجروراً بإلى أي تعالوا إلى رسول الله ويستغفر يطلب فاعلاً فاعمل الثاني ولذلك رفعه وحذف من الأول إذ التقدير تعالوا إليه {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} يقال لوي الرجل رأسه أماله والتشديد للتكثير لكثرة المحال وهي الرؤوس قال في تاج المصادر التلوية نيك يانيدن أي عطفوها استكباراً نانه كسى از مكروهى روى بتابد وقال القاشاني لضراوتهم بالأمور الظلمانية فلا يألفون النور ولا يشتاقون إليه ولا إلى الكمالات الإنسانية لمسخ الصورة الذاتية {وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ} من الصدود بمعنى الإعراض أي يعرضون عن القائل أو عن الاستغفار.
وقال الكاشفي : إعراض ميكنند ازرفتن بخدمت حضرت يغمبر صلى الله عليه وسلّم وذلك لانجذابهم إلى الجهة السفلية والزخارف الدنيوية فلا ميل في طباعهم إلى الجهة العلوية والمعاني الأخروية.
وفي المثنوي :
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
صورت رفعت بود افلاك را
معنى رفعت بوان اك را
صورت رفعت براى جسمهاست
جسمها دريش معنى اسمهاست
{وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عن ذلك لغلبة الشيطنة واستيلاء القوة الوهمية واحتجابهم بالأنانية وتصور الخيرية وفي الحديث "إذا رأيت الرجل لجوجاً معجباً برأيه فقد تمت خسارته" {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} كما إذا جاؤوك معتذرين من جناياتهم وفي كشف الأسرار كان عليه السلام يستغفر لهم على معنى سؤاله لهم بتوفيق الإيمان ومغفرة العصيان وقيل لما قال الله أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال عليه السلام : لأزيدن على السبعين فأنزل الله سواء الخ وهو اسم بمعنى مستو خبر مقدم وعليهم متعلق به وما بعده من المعطوف عليه والمعطوف مبتدأ بتأويل المصدر لإخراج الاستفهام عن مقامه فالهمزة في أستغفرت للاستفهام ولذا فتحت وقطعت والأصل إستغفرت فحذفت همزة الوصل التي هي ألف الاستفعال للتخفيف ولعدم اللبس {أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} كما إذا أصروا على قبائحهم واستكبروا عن الاعتذار والاستغفار {لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} أبداً لإصرارهم على الفسق ورسوخهم في الكفر وخروجهم عن دين الفطرة القيم {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ} الكاملين في الفسق الخارجين عن دائرة الاستصلاح المنهمكين في الكفر والنفاق أو الخارجين عن دائرة المحقين الداخلين في دائرة الباطلين المبطلين وفي الآية إشارة إلى عدم استعدادهم لقبول الاستغفار لكثابة طباعهم المظلمة وغلظة جبلتهم الكدرة ولو كان لهم استعداد لقبوله لخرجوا عن محبة الدنيا ومتابعة النفس والهوى إلى موافقة
535
الشرع ومتابعة الرسول والهدى ولما بقوا في ظلمة الشهوات الحيوانية والأخلاق البهيمية والسبعية.
قال الحافظ :
عاشق كه شدكه يار بحالش نظر نكرد
اى خواجه دردنيست وكرنه طبيب هست
(9/432)
ومنه يعلم أن الجذبة من جانب المرشد وإن كان لها تأثير عظيم لكن إذا كان جانب المريد خالياف عن الإرادة لم ينفعه ذلك ألا ترى أن استغفار النبي عليه السلام ليس فوقه شيء مع أنه لم يؤثر في الهداية وأصل هذا عدم إصابة رشاش النور في عالم الأرواح ومن لم يجعل الله نوراً فما له من نور.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
ـ حكي ـ أن شيخاً مر مع مريد له خدمه عشرين سنة على قرية فيها شيخ فإن يضرب الطبل فأشار إليه الشيخ فطرح الطبل وتبعه حتى إذا كانوا على ساحل البحر ألقى الشيخ سجادته على البحر وقعد عليها مع الطبال وبقي المريد العتيق في الساحل يصيح كيف ذلك فقال الشيخ هكذا قضاء الله تعالى {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ} أي للأنصار وهو استئناف جار مجرى التعليل لفسقهم أو لعدم مغفرته تعالى لهم وهو حكاية نص كلامهم {لا تُنفِقُوا} لا تعطوا النفقة التي يتعيش بها {عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ} يعنون فقراء المهاجرين وقولهم رسول الله إما للهزؤ والتهكم أو لكونه كاللقب له عليه السلام واشتهاره به فلو كانوا مقرين برسالته لما صدر عنهم ما صدر ويجوز أن ينطقوا بغيره لكن الله تعالى عبر به إكراماً له وإجلالاً {حَتَّى يَنفَضُّوا} أي يتفرقوا عنه ويرجعوا إلى قبائلهم وعشائرهم.
وقال الكاشفي : تا متفرق كردند غلامان بزد خواجكان روند وسران دران يوندند.
والانفضاض شكسته شدن ورا كنده شدن.
وإنما قالوه لاحتجابهم بأفعالهم عن رؤية فعل الله وبما في أيديهم عما في خزائن الله فيتوهمون الإنفاق منهم لجهلهم {وَلِلَّهِ خَزَآاـاِنُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ} رد وإبطال لما زعموا من أن عدم إنفقاهم يؤدي إلى انفضاض الفقراء من حوله عليه السلام ببيان أن خزائن الأرزاق بيد الله خاصة يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ومن تلك الخزائن المطر والثبات قال الراغب قوله تعالى ولله خزائن السموات والأرض إشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده أو إلى الحالة التي أشير إليها بقوله عليه السلام فرغ ربكم من الخلق والأجل والرزق والمراد من الفراغ إتمام القضاء فهو مذكور بطريق التمثيل يعني أتم قضاء هذه الكليات في علمه السابق والخزائن جمع خزانة بالكسر كعصائب وعصابة وهي ما يخزن فيه الأموال النفيسة وتحفظ وكذا المخزن بالفتح وقد سبق في قوله تعالى : وإن من شيء إلا عندنا خزائنه {وَلَـاكِنَّ الْمُنَـافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} ذلك لجهلهم بالله وبشؤونه ولذلك يقولون من مقالات الكفر ما يقولون :
خواجه ندارد كه روزى اودهد
لا جرم براين وآن منت نهد
زان سببها او يكى شد س اكر
كم شود هستند اسباب دكر
حكم روزى بر سببها مى نهد
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
بى سببها نيز روزى ميدهد
قال رجل لحاتم الأصم رحمه الله : من أين تأكل؟ قال : من خزانة ربي فقال الرجل : أيلقي عليك الخبز من السماء فقال : لو لم تكن الأرض له فيها خزائن لكان يلقي علي الخبز من السماء فقد
536
(9/433)
خلق الله في الأرض الأسباب ومنها فتح الأبواب قال بعض الكبار مراعاة حق أم الولد من الرضاع أولى من مراعاة أم الولادة لأن أم الولادة حملته على جهة الأمانة فيكون فيها وتغذي بدم طمثها من غير ءرادة لها في ذلك فما تغذي إلا بما لو لم يخرج منها لأهلكها وأمرضها فللجنين المنة على أمه في ذلك وأما المرضعة فأتما قصدت برضاعه حياته وإبقاءه ولهذا المعنى الذي أشرنا إليه جعل الله المرضعة لموسى أم ولادته حتى لا يكون لامرأة عليه فضل غير أمه فلما كبر وبلغ إقامة الحجة عليه جعله الله كلا على أن إسرائيل امتحاناً له فقلق من تغير الحال عليه وقال : يا رب أغنني عن بني إسرائيل فأوحى الله إليه أما ترضى يا موسى أن أفرغك لعبادتي وأجعل مؤونتك على غيرك فسكت ثم سأل ثانياً فأوحى الله إليه لا يليق بنبي أن يرى في الوجود شيئاً لغير سيده فكل من رزق ربك ولا منة لأحد عليك فسكت ثم سأل ثالثاً فأوحى الله إليه يا موسى إذا كانت هذه شكاسة خلقك على بني إسرائيل وأنت محتاج إليه فكيف لو أغنيتك عنهم فما سأل بعد ذلك شيئاً فالله تعالى يوصل الرزق على عبده بيد من يشاء من عباده مؤمناً أو كافراً وكل ذلك من الحلال الطيب إذا لم يسبق إليه خاطرة أو تعرض ما ولا منة لأحد عليه وإنما يمن الجاهل وابتلاؤه تعالى لأوليائه بالفقر ليس من عدم قدرته على الإعطاء والإغناء من عدم محبته لهم وكرامتهم عنده بل هو من إنعامه عليهم ليكونوا ازهد الناس في الدنيا وأفراجرا في الآخرة ولذا قال عليه السلام في حق فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفاً وكان عليه السلام يستفتح بصعاليك المهاجرين أي فقرائهم لقدرهم وقبولهم وجاههم عند الله تعالى على أن الأغنياء إن خصوا بوجود الأرزاق فالفقراء خصوا بشهود الرزاق وهو خير منه وصاحبه أنعم فمن سعد بوجود الرزاق لم يضره ما فاته من وجود الأرزاق قال الجنيد قدس سره : خزائنه في السموات الغيوب وخزائنه في الأرض القلوب فما انفصل من الغيوب وقع على القلوب وما انفصل من القلوب صار إلى الغيوب والعبد مرتهن بشيئين تقصير الخدمة وارتكاب الزلة وقال الواسطي قدس سره من طالع الأسباب في الدنيا ولم يعلم أن ذلك بحجبه عن التوفيق فهو جاهل.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
وفي التأويلات النجمية : ولله خزائن الأرزاق السماوية من العلوم والمعارف والحكم والعوارف المخزونة لخواص العباد يرزقهم حيث يشاء ولله خزائن الأرزاق الأرضية من المأكولات والمشروبات والملبوسات والخيول والبغال المخزونة لعوام العباد ينفق عليهم من حيث لا يحتسبون ولكن المنافقين بسبب إفساد استعداداتهم وعدم نورانيتهم وغلبة ظلمانيتهم ما يفهمون الأسرار الإلهية والإشارات الربانية {يَقُولُونَ لئن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاعَزُّ مِنْهَا الاذَلَّ} روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين لقي بني المصطلق وهم بطن من خزاعة على المريسيع مصغر مرسوع وهو ماء لهم في ناحية قديد على يوم من الفرغ بالضم موضع من أضخم أعراض المدينة وهزمهم وقتل منهم واستاق ألفي بعير وخمسة آلاف شاة وسبي مائتي أهل بيت أو أكثر وكانت في السبي جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق أعتقها النبي عليه السلام وتزوجها وهي ابنة
537
(9/434)
عشرين سنة ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد الغفار رضي الله عنه وهو أجير لعمر رضي الله عنه يقود فرسه وسنان الجهني المنافق حليف ابن أبي رئيس المنافقين واقتتلا فصرخ جهجاه بالمهاجرين وسنان بالأنصار فاعان جهجاه جعال بالكسر من فقراء المهاجرين ولطم سنانا فاشتكى إلى ابن أبي فقال لجعال وأنت هناك قال ما صحبنا محمداً إلا لنلطم وا ما مثلنا ومثلهم إلا كما قيل سمن كلبك يأكلك أما والله لئن رجعنا من هذا السفر إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل عني بالأعز نفسه وبالأذل جانب المؤنين فإسناد القول المذكور إلى المنافقين لرضاهم به ثم قال لقوله : ماذا فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولأوشكوا أن يتحولوا عنكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال : أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد في عز من الرحمن وقوة من المسلمين فقال ابن أبي اسكت فإنما كنت ألعب فأخبر زيد رسول الله بما قال ابن أبي فتغير وجه رسول الله فقال عمر رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال : إذا ترغم أنوفاً كثيرة بيثرب يعني المدينة ولعل تسميته لها بذلك إن كان بعد النهي لبيان الجواز قال عمر رضي الله عنه : فإن كرهت أن يقتله مهاجري فائمر به أنصارياً فقال : إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه وقال عليه السلام لابن أبي أنت صاحب الكلام الذي بلغني قال : والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك وأن زيداً لكاذب فقال الحاضرون : شيخنا وكبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام وعسى أن يكون قدوهم فروي أن رسول الله قال له : لعلك غضبت عليه قال : لا قال : فلعله أخطأك سمعك قال : لا قال : فلعله شبه عليك قال : لا فلما نزلت هذه الآية لحق رسول الله زيداً من خلفه فعرك إذنه وقال : وفت أذنك يا غلام إن الله صدقك وكذب المنافقين ورد الله عليهم مقالتهم بقوله : {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِه وَلِلْمُؤْمِنِينَ} أي ولله الغلبة والقوة ولمن أعزه من رسوله والمؤمنين لا لغيرهم كما أن المذلة والهوان للشيطان وذويه من المنافقين والكافرين.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
وعن بعض الصالحين وكان في هيئة رثة ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه والغني الذي لا فقر معه وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رجلاً قال له : إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً أي كبراً فقال : ليس ذلك بتيه ولكنه عزة وتلا هذه الآية وقال بعض الكبار : من كان في الدنيا عبداً محضاً كان في الآخرة ملكاً محضاً ومن كان في الدنيا يدعي الملك الشيء ولو من جوارحه نقص من ملكه في الآخرة بقدر ما ادعاه في الدنيا فلا أعز في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية الذل في جناب الحق ولا أذل في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية العزة في نفسه ولو كان مصفوعاً في الأسواق ولا أريد بعز الدنيا أن يكون من جهة الملوك فيها إنما أريد أن يكون صفته في نفسه العزة وكذا القول في الذلة وقال الواسطي رحمه الله عزة الله أن لا يكون شيء إلا بمشيئته وإرادته وعزة المرسلين أنهم آمنون من زوال الإيمان وغزة المؤمنين إنهم آمنون من دوام العقوبة وقال عزة الله
538
العظمة والقدرة وعزة الرسول النبوة والشفاعة وعزة المؤمنين التواضع والسخاء والعبودية دل عليه قوله عليه السلام أنا سيد ولد آدم ولا فخر أي لا أفتخر بالسيادة بل أفتخر بالعبودية وفيها عزتي إذ لا عزة إلا في طاعة الله ولا ذل إلا في معصية الله وقال بعضهم : عزة الله قهره من دونه وعزة رسوله بظهور دينه على سائر الأديان كلها وعزة المؤمنين باستذلالهم اليهود والنصارى كما قال وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين وقيل عزة الله الولاية لقوله تعالى هنالك الولايةالحق وعزة رسوله الكفاية لقوله تعالى إنا كفيناك المستهزئين وعزة المؤمنين الرفعة لقوله تعالى : وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.
(9/435)
يقول الفقير : أشار تعالى بالترتيب إلى أن العزة له بالأصالة والدوام وصار الرسول عليه السلام مظهراً له في تلك الصفة ثم صار المؤمنون مظاهر له عليه السلام فيها فعزة الرسول بواسطة عزة الله وعزة المؤمنين بواسطة عزة الرسول سواء أعاصروه عليه السلام أم أتوا بعده إلى ساعة القيام وجميع العزةلأن عزة الله له تعالى صفة وعزة الرسول وعزة المؤمنينفعلاً ومنة وفضلاً كما قال القشيري قدس سره العز الذي للرسول وللمؤمنين هو تعالى حلقاً وملكاً وعزه سبحانه له وصفاً فإذا العزة كلهاوهو الجمع بين قوله تعالى من كان يريد العزة فللّه العزة جميعاً وقوله ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ومن أدب من عرف أنه تعالى هو العزيز أن لا يعتقد لمخلوق إجلالاً ولهذا قال عليه السلام : من توضع لغني لأجل غناه ذهب ثلثا دينه قال أبو علي الدقاق رحمه الله إنما قال ثلثا دينه لأن التواضع يكون بثلاثة أشياء بلسانه وبدنه وقلبه فإذا تواضع له بلسانه وبدنه ولم يعتقد له العظمة بقلبه ذهب ثلثا دينه فإن اعتقدها بقلبه أيضاً ذهب كل دينه ولهذا قيل إذا عظم الرب في القلب صغر الخلق في العين ومتى عرفت أنه معز لم تطلب العز إلا منه ولا يكون العز إلا في طاعته قال ذو النون قدس سره لو أراد الخلق أن يثبتوا لأحد عزا فوق ما يثبته يسير طاعته لم يقدروا ولو أرادوا أن يثبتوا لأحد ذلة أكثر مما يثبته اليسير من ذلته ومخالفته لم يقدروا.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
ـ حكي ـ عن بعضهم أنه قال : رأيت رجلاً في الطواف وبين يديه خدم يطردون الناس ثم رأيته بعد ذلك علس جسر بغداد يتكفف ويسأل فحذقت النظر إليه لأتعرفه هل هو ذلك الرجل أولاً فقال لي مالك تطيل النظر إلي فقلت : إني أشبهك برجل رأيته في الطواف من شأنه كذا وكذا فقال : أنا ذاك إني تكبرت في موضع يتواضع فيه الناس فوضعني في موضع يترفع فيه الناس {وَلَـاكِنَّ الْمُنَـافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} من فرط جهلهم وغرورهم فيهذون ما يهذون ولعل ختم الآية الأولى بلا يفقهون والثانية بلا يعلمون للتفنن المعتبر في البلاغة مع أن في الأول بيان عدم كياستهم وفهمهم وفي الثاني بيان حماقتهم وجهلهم وفي برهان القرآن الأول متصل بقوله ولله خزائن السموات والأرض وفيه غموض يحتاج إلى فطنة والمنافق لا فطنة له والثاني متصل بقوله ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون أن الله معز أوليائه ومذل أعدائه.
ـ روي ـ أن عبد الله ابن أبي لما أراد أن يدخل المدينة اعترضه ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان مخلصاً وسل سيفه ومنع أباه من الدخول
539
وقال : لئن لم تقرولرسوله بالعز لأضربن عنقك فقال : ويحك أفاعل أنت؟ قال : نعم فلما رأى منه الجد قال : أشهدا أن العزةولرسوله وللؤمنين فقال عليه السلام لابنه : جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيراً ولما كان عليه السلام بقرب المدينة هاجت ريح شديدة كادت تدفت الراكب فقال عليه السلام : مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة أي لأجل ذلك عصفت الريح فكان كما قال مات في ذلك اليوم زيد بن رفاعة وكان كهفاً للمنافقين وكان من عظماء بني قينقاع وكان ممن أسلم ظاهراً وإلى ذلك أشار الإمام السبكي في تائيته بقوله :
وقد عصفت ريح فأخير انها
لموت عظيم في اليهود بطيبة
ولما دخلها ابن أبي لم يلبث إلا أياماً قلائل حتى اشتكى ومات واستغفر له رسول الله وألبسه قميصه فنزل لن يغفر الله لهم وروي أنه مات بعد القفول من غزوة تبوك قال بعض الكبار : ما أمر الله عباده بالرفق بالخلق والشفقة إلا تأسياً به تعالى فيكونون مع الخلق كما كان الحق معهم فينصحونهم ويدلونهم على كل ما يؤدي إلى سعادتهم وليس بيد العبد إلا التبليغ قال تعالى : ما على الرسول إلا البلاغ فعلى العارف إيضاح هذا الطريق الموصل إلى هذا المقام والإفصاح عن دسائسه وليس بيده إعطاء هذا المقام فإٌّ ذلك خاص بالله تعالى قال تعالى : إنك لا تهدي من أحببت فوظيفة الرسل والورثة من العلماء إنما هو التبليغ بالبيان والإفصاح لا غير ذلك وجزاؤهم جواء من أعطى ووهب والدال على الخير كفاعل الخير.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
(9/436)
وفي التأويلات النجمية : ولله العزة أي القوةالاسم الأعظم ولرسول القلاب المظهر الأتم الأعم ولمؤمني القوى الروحانية ولكن منافقي النفس والهوى وصفاتهما الظلمانية الكدرة لا يعلمون لاستهلاكهم في الظلمة وانغماسهم في الغفلة يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} إيماناً صادقاً {لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَـادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} في الصحاح لهيت عن الشيء بالكسر ألهى لهياً ولهياناً إذا سلوت وتركت ذكره وأضربت عنه وفي القاموس لها كدعا سلا وغفل وترك ذكره كتلهى وألهاه أي شغله ولهوت بالشيء بالفتح ألهو لهواً إذا لعبت به والمعنى لا يشغلكم الاهتمام بتدبير أمورها والاعتناء بمصالحها والتمتع بها عن الاشتغال بذكره تعالى من الصلاة وسائر العبادات المذكرة للمعبود ففي ذكر الله مجتاز أطلق المسبب وأريد السبب قال بعضهم : الذكر بالقلب خوف الله وباللسان قراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتمجيد والتكبير وتعلم علم الدين وتعليمه وغيرها وبالأبدان الصلاة وسائر الطاعات والمراد نهبهم عن التلهي بها أي عن ترك ذكر الله بسبب الاشتغال بها وتوجيه النهي إليها للمبالغة بالتجوز بالسبب عن المسبب كقوله تعالى فلا يكن في صدرك حرج وقد ثبت أن المجاز أبلغ وقال بعضهم : هو كناية لأن الانتقال من لا تلهكم إلى معنى قولنا لا تلهوا انتقال من اللازم إلى الملزوم وقد كان المنافقون بخلاء بأموالهم ولذا قالوا : لا تنفقوا على من عند رسول الله ومتعززين بأولادهم وعشائرهم مشغولين بهم وبأموالهم عن الله وطاعته وتعاون رسوله فنهى المؤمنون أن يكونوا مثلهم في ذلك {وَمَن يَفْعَلْ ذَالِكَ} أي التلهي بالدنيا عن الدين والاشتغال بما سواه عنه ولو في أقل حين {فأولئك هُمُ الْخَـاسِرُونَ} أي الكاملون في الخسران حيث باعوا
540
العظيم الباقي بالحقير الفاني.
قال الكاشفي : مقتضاي ايمان آنست كه دوستى خداى تعالى غالب بود بردوستى همه اشيا تا حدى كه اكر تمام نوال دنيا ومجموع نعم آخرت بروى عرض كنند بنظر در هي كدام ننكرد :
شم دل ازنعيم دوعالم به بسته ايم
مقصود مازديني وعقبي تويى وبس
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
وفي الحديث ما طلعت الشمس إلا بجنبيها ملكان يناديان ويسمعان الخلائق غير الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وفي الآية إشارة إلى كمل أرباب الإيمان الحقيقي الشهودي يقول الله لهم لا تشغلكم رؤية أموال أعمالكم الصالحة من الصلاة والزكاة والحج والصوم ولا أورد الأحوال التي هي نتيجة الأعمال من المشاهدات والمكاشفات والمواهب الروحانية والعطايا الربانية عن ذكر ذاته وصفاته وأسمائه وظهوره في صورة الأعمال والأحوال ومن يفعل ذلك فإنما يشغل بالخلق ويجتنب بالنعمة عن المنعم فأولئك هم الخاسرون خسروا رأس مال التجارة وما ربحوا إلا الخسران وهو حجاب عن المشهود الحقيقي قال بعضهم في الآية بيان أن من لم يبلغ درجة التمكين في المعرفة لا يجوز له الدخول في الدنيا من الأهل والمال والولد فإنها شواغل قلوب الذاكرين عن ذكر الله ومن كان مستقيماً في المعرفة وقرب المذكور فذكره قائم بذكر الله إياه فيكون محفوظاً من الخطرات المذمومة والشاغلات الحاجبة وأما الضعفاء فلا يخرجون من بحر هموم الدنيا فإذا باشرت قلوبهم الحظوظ والشهوات لا يكون ذكرهم صافياً عن كدورات الخطرات وقال سهل قدس سره : لا يشغلكم أموالكم ولا أولادكم عن أداء الفرائض في أول مواقيتها فإن من شغله عن ذكر الله وخدمته عرض من عروض الدنيا فهو من الخاسرين {أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَـاكُم} أي بعض ما أعطيناكم تفضلاف من غير أن يكون حصوله من جهتكم ادخار اللآخرة يعني حقوق واجب را اخراج نماييد.
فالمراد هو الإنفاق الواجب نظراً إلى ظاهر الأمر كما في الكشاف ولعل التعميم أولى وأنسب بالمقام {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} بأن يشاهد دلائله ويعاين إماراته ومخايله وتقديم المفعول على الفاعل للاهتمام بما تقدم والتشويق إلى ما تأخر ولم يقل من قبل أن يأتيكم الموت فتقولوا إشارة إلى أن الموت يأتيهم واحداً بعد واحد حتى يحيط بالكل {فَيَقُولَ} عند تيقنه بحلوله {رَبِّ} أي آفريد كارمن {لَوْلا أَخَّرْتَنِى} هلا أمهلتني فلولا للتحضيض وقيل لا زائدة للتأكيد ولو للتمني بمعنى لو أخرتني {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي أمد قصير وساعة أخرى قليلة وقال أبو الليث يا سيدي ردني إلى الدنيا وأبقني زماناً غير طويل وفي عين المعاني مثل ما أجلت لي في الدنيا
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
(9/437)
{فَأَصَّدَّقَ} تا تصدق كنم وزكاة ادانمايم.
وهو بقطع الهمزة لأنها للتكلم وهمزته مقطوعة وبتشديد الصاد لأن أصله أتصدق من التصدق فأدغمت التاء في الصاد وبالنصب لأنه مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء في جواب التمني في قوله لولا أخرتني {وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} بالجزم عطفاً على محل فأصدق كأنه قيل إن أخرتني أصدق وأكن وفيه إشارة إلى أن التصدق من أسباب الصلاح والطاعة كما إن تركه من أسباب
541
الفساد والفسق والفرق بين التصدق والهدية الفساد والفسق والفرق بين التصدق والهدية أن التصدق للمحتاج بطريق الترحم والهدية للحبي لأجل المودة ولذا كان عليه السلام يقبل الهدية لا الصدقة فرضاً كانت أو نفلاً وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من كان له مال يجب فيه الزكاة فلم يزكه أو مال يبلغه إلى بيت الله فلم يحج يسأل عند الموت الرجعة فقال رجل : اتق الله يا ابن عباس إنما سألت الكفار الرجعة قال ابن عباس رضي الله عنهما : إني أقرأ عليك هذا القرآن فقال : يا أيها الذين آمنوا إلى قوله فأصدق وأكن من الصالحين فقال الرجل : يا ابن عباس وما يوجب الزكاة قال : مائتا درهم فصاعداً قال : فما يوجب الحج قال الزاد والراحلة فالآية في المؤمنين وأهل القبلة لكن لا تخلو عن تعريض بالكفار وإن تمنى الرجوع إلى الدنيا لا يختص بالكفار بل كل قاصر مفرط يتمنى ذلك قال بعض العلماء في الآية دلالة على وجوب تعجيل الزكاة لأن إتيان الموت محتمل في كل ساعة وكذا غيرها من الطاعات إذا جاء وقتها لعل الأولى استحبابه في أغلب الأوقات ولذا اختار بعض المجتهدين أول الوقت عملاً بقوله عليه السلام : أول الوقت رضوان الله أي لأن فيه المسارعة إلى رضى الله والاهتمام بالعمل إذ لا يدري المرء أن يدرك آخر الوقت {وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا} أي ولن يمهلها مطيعة وعاصية صغيرة أو كبيرة {إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ} أي آخر عمرها أو انتهى إن أريد بالأجل الزمان الممتد من أول العمر إلى آخره يعني ون عمر بآخر رسيد يزى بران نيفزايند وازان كم نكنند(قال الشيخ سعدي) كه يك لحظه صورت نه بندد امان
و يمانه رشد بدور زمان
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
واستنبط بعضهم عمر النبي عليه السلام من هذه الآية فالسورة رأس ثلاث وستين سورة وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده قال بعضهم : الموت على قسمين اضطراري وهو المشهور في العموم والعرف وهو الأجل المسمى الذي قيل فيه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون والموت الآخر موت اختياري وهو موت في الحياة الدنيا وهو الأجل المقضي في قوله ثم قضى أجلاً ولا يصح للإنسان هذا الموت في حياته إلا إذا وحد الله تعالى توحيد الموتى الذين انكشفت لهم الأغطية وإن كان ذلك الكشف في ذلك الوقت لا يعطي سعادة إلا لمن كان من العامة عالماً بذلك فإذا انكشف الغطاء يرى ما علم عيناً فهو سعيد فصاحب هذا التوحيد ميت لا ميت كالمقتول في سبيل الله نقله الله إلى البرزخ لا عن موت فالشهيد مقتول لا ميت وكذلك هذا المعتنى به لما قتل نفسه في الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس رزقه الله تعالى حكم الشهادة فولاه النيابة في البرزخ في حياته الدنيا فموته معنوي وقتله مخالفة نفسه {وَاللَّهُ خَبِيرُا بِمَا تَعْمَلُونَ} فمجازيكم عليه إن خيراً فخير وإن شراً فشر فسارعوا في الخيرات واستعدوا لما هو آت القاشاني قضية الإيمان غلبة حب الله على محبة كل شيء فلا تكن محبتهم ومحبة الدنيا من شدة التعلق بهم وبالأموال غالبة في قلوبكم على محبة الله فتحجبون بهم عنه فتصيرون إلى النار فتخسرون نور الاستعداد الفطري بإضاعته فيما يفنى سريعاً وتجردوا عن الأموال باتفاقها وقت الصحة والاحتياج إليها لتكون
542
فضيلة في نفسك وهيئة نورية لها فإن الاتفاق إنما ينفع إذا كان عن ملكة السخاء وهيئة التجرد في النفس فأما عند حضور الموت فالمال للوارث لا له فلا ينفعه إنفاقه وليس له إلا التحسر والندم وتمنى التأخير في الأجل بالجهل فإنه لو كان صادقاً في دعوى الإيمام وموقناً بالآخرة لتيقن أن الموت ضروري وإنه مقدر في وقت معين قدره الله فيه بحكمته فلا يمكن تأخره ولتدارك أمره قبل حلول المنية فإنه لا يدري المرء كيف تكون العاقبة ولذا قيل لا تغتر بلباس الناس فإن العاقبة مبهمة :
مسكين دل من كره فراوان داند
در دانش عاقبت فرومى ماند
وفي الحديث : "لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير من أن يتصدق بمائة عند موته" وقال عليه السلام : "الذي يتصدق عند موته أو يعتق كالذي يهدي إذا شبع" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً قال : إن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تهمل حتى إذا بلعت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان يعني إِمال نكني تا آن زمان كه جان بحلقوم رسد كويى فلان را اين وفلانرا اين باشد وخود از ان فلان شود به مرك تو.
جزء : 9 رقم الصفحة : 529
ـ روي ـ الإمام الغزالي رحمه الله عن عبد الله المزني إنه قال : جمع رجل من بني إسرائيل مالاً كثيراً فلما أشرف على الموت قال لبنيه ائتوني بأصناف أموالي فأتى بشيء كثير من الخيل والإبل والدقيق وغيره فلما نظر إليها بكى عليها تحسراً فرآه ملك الموت وهو يبكي فقال : ما يبكيك؟ فوالذي خولك ما خولك ما أنا بخارج من منزلك حتى أفرق بين روحك وبدنك قال : فالمهلة حتى أفرقها قال : هيهات انقطع عنك المهلة فهلا كان ذلك قبل حضور أجلك فقبض روحه قال السلطان ولد قدس سره :
بكذار جهان راكه جهان آن تونيست
وين دم كه همى زنى بفرمان تونيست
كرمال جهان جمع كنى شاد مشو
ورتكيه بجان كنى جان آن تونيست
وفي الآية إشارة إلى أنفاق الوجود المجازي الخلقي بالإرادة الروحانية لنيل الوجود الحقيقي من غير أن يأتي الموت الطبيعي بلا إرادة فيموت ميتة جاهلية من غير حياة أبدية لأن النفس لم تزل جاهلة غير عارفة بربها ولا شك أن الحياة الطبيعية إنما هي في معرفة الله وهي لا تحصل إلا بموت النفس والطبيعة وحياة القلب والروح فمن لم يكن على فائدة من هذا الموت الإرادي بتمني الرجوع إلى الدنيا عند الموت الطبيعي لتصدق الوجود المجازي بالإرادة والرغبة والكون من الصالحين لقبول الوجود الحقيقي وكل من كان مستعداً لبذل الوجود الإضافي لقبول الوجود الإطلاقي وجاء زمانه باستيفائه أحكام الشريعة الزهراء واستقصائه آداب الطريقة البيضاء لا يمكن له الوقفة على الحجاب والاحتجاب كما إذا جاء زمان نفخ الروح في الجنين باستكمال المدة يشتعل بنور الروح البتة اللهم إلا أن تعرض آفة تمنعه عن ذلك والله خبير بما تعملون من بذل الوجود الإمكاني ونيل الوجود الواجبي الحقاني كما قال تعالى إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة جعلنا الله وإياكم من الباذلين
543
وجوده والمستفيضين منه تعالى فضله وجوده وأن يختم لنا بالخير بأن يوفقنا للإعراض عن الغير.
544
جزء : 9 رقم الصفحة : 529(9/438)
تفسير سورة التغابن
مختلف في كونها مكية أو مدنية وآيها ثمان عشرة
جزء : 9 رقم الصفحة : 544
جزء : 10 رقم الصفحة : 2
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ} من الروحانيات {وَمَا فِى الأرْضِ} من الجسمانيات أي ينزهه سبحانه جميع ما فيهما من المخلوقات عما لا يليق بجناب كبريائه تنزيهاً مستمراً والمراد إما تسبيح الإشارة الذي هو الدلالة فتعم ما كل حي وجماد و تسبيح العبارة الذي هو أن يقول سبحان الله فتعمهما أيضاً عند أهل الله وعن بعضهم سمعت تسبيح الحيتان في البحر المحيط يقلن سبحان الملك القدوس رب الأقوات والأرزاق والحيوانات والنباتات ولولا حياة كل شيء من رطب ويابس ما أخبر عليه السلام إنه يشهد للمؤذن وكم بين الله ورسوله مما ميع المخلوقات عليه من العلم بالله والطاعة له والقيام بحقه فآمن بعضهم وصدق وقبل ما أضافه الله إلى نفسه وما أضاف إليه رسوله وتوقف بعضهم فلم يؤمنوا ولم يسمعوا وتأولوا الأمر بخلاف ما هو عليه وقصدهم بذلك أن يكونوا من المؤمنين وهم في الحقيقة من المكذبين لترجيحهم حسهم على الإيمان بما عرفه لهم ربهم لما لم يشاهدوا ذلك مشاهدة عين وعن بعض العارفين في الآية أي يسبح وجودك بغير اختيارك وأنت غافل عن تسبيح وجودك له وذلك إن وجودك قائم في كل لمحة بوجوده يحتاج إلى الكينونة بتكوينه إياه ابن قلبك ولسانك إذا اشتغل بذكر غيرنا وفي الحقيقة لم يتحرك الوجود إلا بأمره ومشئته وتلك الحركة إجابة داعي القدم في جميع مراده وذلك محض التقديس ولكن لا يعرفه إلا لعارف بالوحدانية {لَهُ الْمُلْكُ} الدآثم الذي لا يزول وهو كمال القدرة ونفاذ التصرف وبالفارسية مروراست بادشاهى كه ارض وسما وما بينهما بيافريد {وَلَهُ الْحَمْدُ}
2
أي حمد الحامدين وهو الثناء بذكر الأوصاف الجميلة والأفعال الجزيلة وتقديم الجار والمجرور للدلالة على تأكيد الاختصاص وإزاحة الشبهة بالكلية فإن اللام مشعر بأصل الاختصاص قدم أو أخر أي له الملك وله الحمد لا لغيره إذ هو المبدىء لكل شيء وهو القائم به والمهيمن عليه المتصرف فيه كيف يشاء وهو المولى لأصول النعم وفروعها ولولا إنه أنعم بها على عباده لما قدر أحد على أدنى شيء فالمؤمنون يحمدونه على نعمه وله الحمد في الأولى والآخرة وأما ملك غيره فاسترعاء من جنابه وتسليط منه وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده فللبشر ملك وحمد من حيث الصورة لا من حيث الحقيقة.
باغير أو أضافت شاهى بود نان
جزء : 10 رقم الصفحة : 2
بريك دووب اره زشطرنج نام شاه(10/1)
{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الكل سواء فهو القادر على الإيجاد والإعدام والإسقام والإبراء والإعزاز والإذلال والتبييض والتسويد ونحو ذلك من الأمور الغير المتناهية قال بعضهم درة الله تصلح للخلق وقدرة العبد تصلح للكسب فالعبد لا يوصف بالقدرة على الخلق والحق لا يوصف بالقدرة على الكسب فمن عرف إنه تعالى قادر خشى من سطوات عقوبته عند مخالفته وأمل لطائف نعمته ورحمته عند سؤال حاجته لا بوسيلة طاعته بل بكرمه ومننه وفي التأويلات النجمية ينزه ذاته المسبحة المقدسة عن الأمثال والأضداد والأشكال والأنداد ما في السموات القوي الروحانية وما في أرض القوي الجسمانية له ملك الوجدو المطلق وله الحمد على نعمة ظهوره في الوجود المقيد وهويته المطلقة قادرة على ظهوها الإطلاق والتقييد وهيفي عينها نمزهة عنهما وهما نسبتان اعتباريتان {هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ} خلقا بديعاً حاوياً لجميع مبادي الكمالات العلمية والعملية ومع ذلك {فَمِنكُمْ كَافِرٌ} أي فبعضكم أو فبعض منكم مختار للكفر كاسب له حسبا تقتضيه خلقته ويندرج فيه المنافق لأنه كافر مضمر وكان الواجب عليكم جميعاً إن تكونوا مختارين للإيمان شاكرين لنعمة الخلق والإيجاد وما يتفرع عليها من سائر النعم فما فعلتم ذلك مع تمام تمكنهم منه بل تشعبتم شعاً وتفرقتم فرقاً قال في فتح الرحمن الكفر فعل الكافر والإيمان فعل المؤمن والكفر والإيمان اكتساب العبد لقول النبي عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة وقوله فطرة الله التي فطر الناس عليها فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار لإيمان لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه والكافر بعد خلق الله إياه يختار الكفر لأن الله تعالى قدر عليه ذلك وعلمه منه وهذا طريق أهل السنة انتهى وفي لآية رد للدهرية والطبيعية فإنهم ينكرون خالقية الله تعالى والخالق هو المخترع للأعيان المبدع لها.
(حكى) إن سنيا ناظر معتزلياً في مسألة القدر ، فقطف المعتزلي تفاحة من شجرة وقال للسني : أليس أنا الذي قطفت هذه فقال له : السني إن كنت الذي قطفتها فردها على ما كانت عليه فأفحم المعتزلي وانقطع ، وإنما ألزمه بذلك لأن القدرة التي صحل بها الإيجاد لا بد أن تكون صالحة للضدين ، فلو كان تفريق الأجزاء بقدرته لكان في قدرته وصلها ومن أدب من
3
عرف إنه سبحانه هو المنفرد بالخلق والإيجاد أن لا يجحد كسب العبد ولا يطوي بساط الشرع في الابتلاء بالأمر والنهي ولا يعتقد إن للعبد على الله حجة بسبب ذلك.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 2
حكى إن بعض الأكابر تعجب من تجاسر الملائكة في قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ثم قال : ما عليهم شيء هو أنطقهم فبلغ قوله يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه فقال : صدق هو أنقهم ولكن انظر كيف أفحمهم بين بذلك إن مجرد الخلق من جهة الحلق لا يكون عذراً للعبيد في سقوط اللوم عنهم {وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ} مختار للإيمان كاسب له ويندرج فيه مرتكب الكبيرة الغير التائب والمبتدع الذي لا تفضى بدعته إلى الكفر ، وتقديم الكفر عليه لأنه إلا نسب بمقام التوبيخ والأغلب فيما بينهم ولذا يقول الله في يوم الموقف يا آدم أخرج بعث النار يعني ميز أهلها المبعوث إليها قال : وما بعث النار أي عدده قال ا من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وفي التنزيل ولكن أكثر الناس لا يؤمنون وقليل من عبادي الشكور والإيمان أعظم شعب الشكر.
(روى) أن عمر رضي الله عنه سمع رجلاً يقول اللهم اجعلني من القليل فقال له عمر ما هذا الدعاء فقال الرجل إني سمعت يقول وقليل من عبادي الشكور فإنما ادعو أن يجعلني من ذلك القليل فقال عمر : كل الناس اعلم من عمر.
(10/2)
يقول الفقير : هذا القول من عمر من قبيل كسر النفس واستقصار العلم والمعرفة واستقلالهما على ما هو عادة الكمل فلا ينافي كماله في الدين والمعرفة حتى يكون ذلك سبباً لجرحه في باب الخلافة كما استدل به الطوسي الخبيث على ذلك في كتاب التجر يدله وفي الحديث "إلا أن ابن آدم خلقوا على طبقات شتى فمنهم من يولد مؤمناً ويحيى مؤمناً ويموت مؤمناً ومنهم من يولد كافراً ويحيى كافراً ويموت كافراً ومنهم من يولد مؤمناً ويحيى مؤمناً ويموت كافراً ومنهم من يولد كافراً ويحيى كافراً ويموت مؤمناً".
ومن هنا قال بعضهم : قوم طلبوه فخذلهم وقوم هربوا منه فأدركهم.
إبراهيم خواص قدس سره كفت درباديه وقتى بتجريد مى رفتم يرى راديدم دركوشه نشتسه وكلاهىبرسر نهاده وبزاري وخواري مي كريست كفتم يا هذا توكيسيتي كفت من ابو مره ام كفتم رامى كري كفت كيست بكريستن سزا وارتراز من هل هزار سال بدان دركاه خدمت كرده ام ودرافق أعلى ازمن مقدم تركس نبودا كنون تقدير إلهي وحكم غيبي نكركه مرابه روز آورد آنكه كفت اي خواص نكر تابدين جهد وطاعت خويش غره نباشى كه بعنايت واختيار اوست نه بجهد وطاعت بنده بمن يك فرمان آمدكه آدم راسجده كن نكردم وآدم را فرمان آمدكه ازان درخت مخور خورد ودركار آدم عنايت بود عذرش بنهادند وزلت اودر حساب نياوردند ودركار من عنايت نيود طاعت ديرينه من زلت شمردند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 2
من لم يكن للوصال أهلا
فكل إحسانه ذنوب
ومن هنا يعرف سر قول الشيخ سعدى :
هركه در سايه عنايت اوست
كنهش طاعتست ودشمن دوست
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} مطلقاً {بَصِيرٌ} فيجازيكم بذلك فاختاروا منه ما يجديكم من الإيمان
4
والطاعة وإياكم وما يرديكم من الكفر والعصيان قال القاسم رحمه الله خاطبهم مخاطبة حال كونهم ذرا فسماهم كافرين ومؤمنين في أزله وأظهرهم حين أظهرهم على ما سماهم وقدر عليهم فأخبر بأنه علم ما يعملونه من خير وشر.
واعلم أن الله تعالى يعلم لكنه يحلم ويقدر لكنه يغفر إلا أن من أقصه السوابق لم تدنه السوائل ومن اقعده جده لم ينفعه كده قبل أن بعض الأكابر بلغه أن يهودياً أوصى أن يحمل من بلده إذا مات ويدفن في بيت المقدس فقال ايكابر الأزل أما علم إنه لو دفن في فراديس العلى لجاءت جهنم بأنكالها وحملته إلى نفسها والناس على أربعة أقسام أصحاب السوابق وهو الذين تكون فكرتهم أبداً فيما سبق لهم من الله لعلمهم أن الحكم الأزلي لا يتغير باكتساب العبيد وأصحاب العواقب وهم الذين يكفرون أبداف فيما يختم به أمرهم فإن الأمور بخواتمها والعاقبة مستورة ولهذا قيل لا يغرنكم صفاء الأوقات فإن تحتها غوامض الآفات وأصحاب الوقت وهم الذين لا يتفكرون في السوابق ولا في اللوحق العواقب بل يشتغلون بمراعاة الوقت وأداء ما كلفوا من أحكام ولهذا قيل العارف ابن وقته وقيل الصوفي من لا ماضي له ولا مستقبل (وفي المثنوى) :
صوفى ابن الوقت باشد أي رفيق
نيست فردا كفتن از شرط طريق
جزء : 10 رقم الصفحة : 2
والقسم الرابع هم الذين غلب عليهم ذكر الحق فهم مشغولون بشهود الموقت عن مراعاة الوقت وفي الآية إشارة إلى هويته المطلقة عن النسب والإضافات خلقكم أي تجلى لتعيناتكم لجنسية والنوعية والشخصية من غير تقيد وانحصارفمنكم أي فمن بعض هذه التعينات كافر يستر الحق المطلق بالخلق المقيد ويقول بالتفرقة دفعا لطعن الطاعن ومن بعض هذه التعينات مؤمن يؤمن بظهور الحق في الخلق ويستر الخلق بالحق ويوقل بالجمعية تأنيساً للمكاشفين بالحقائق والله بما تعملون بصير من ستر الحق بالخلق دفعا للطاعن ومن ستر الخلق بالحق تأنيساً للطالب الواجد {خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ بِالْحَقِّ} أي بالحكمة البالغة المتضمنة للمصالح الدينية والدنيوية والمراد السموات السبع والأرضون السبع كما يدل عليه التصريح في بعض المواضع قال تعالى خلق سبع سموات طباقاً وقال تعالى الله الذي خلق بع سموات ومن الأرض مثلهن فإن قلت ما وجه عدم ذكر العرش والكرسي في أمثال هذه المواضع مع عظم خلقهما قلت إنهما وإن كانا من السماء لأن السماء هو الفلك والفلك جسم شفاف محيط بالعالم وهما أوسع الأفلاك إحاطة إلا أن آثارهم غير ظاهرة مكشوفة بخلاف السموات والأرض وما بينهما فإنها أقرب إلى المخاطبين المكلفين ومعلوم حالها عندهم ومكشوفة آثارها ومنفعتها ولهذا قالوا إن الشمس تتضج الفواكه والقمر يلونها والكواكب تعطيها الطعام إلى غير ذلك مما لا يتناهى على أن الغيرت فيها أظهر فهي على عظم لقدرة أدل وقد قال تعالى كل يوم هو في شأن وأكثر هذه الشؤون في عالم لكون والفساد الذي هو عبارة عن السموات والأرض إذ هما من العنصريات بخلاف العرش والكرسي فإنهما من الطبيعيات ولهذا لاي فنيان {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} الفاء للتفسير أي صوركم أحسن تصوير وخلقكم في أحسن
5
(10/3)
تقويم وأودع فيكم من القوى والمشاعر الظاهرة والباطنة ما نيط بها جميع الكمالات البارزة والكامنة وزينكم بصفوة صفات مصنوعاته وخصكم بخلاصة خصائص مبدعاته وجعلكم انموذج جميع مخلوقاته في هذه النشأة فلكم جمال الصورة وأحسن الأشكال ولذا لا يتمنى الإنسان أن يكون صورته على خلاف ما هو عليه لكون صورته أحسن من سائر الصور ونم حسن صورته امتداد قامته وانتصاب خلقته واعتدال وجوده ولا يقدح في حسنه كون بعض الصور قبيحاً بالنسبة إلى بعض لأن الحسن وهو الجمال في الخلق واللخق على مراتب كما قالت الحكماء شيئان لا غاية لهما الجمال والبيان ولكم أيضاً جمال المعنى وكمال الخصال :
جزء : 10 رقم الصفحة : 2
بدرون تست مصري كه تويى شكر ستانش
ه غمست اكرزبيرون مدد شكر نداريشده غلام صورت بمثال بت رستان
توو يوسفي وليكن سوى خود نظر ندارى
بخدا جمال خود را و در آينه بيني
بت خويش هم توباشى بكسى كذر ندارى
والمعتد به هو الحسن المعنوي لأن الله خلق آدم على صورته أي على الصورة الإلهية التي هي عبارة عن صفاته العليا وأسمائه الحسنى وإلا فالحسن الصوري يوجد في الكافر أيضاً :
ره راست بايدنه بالاي راست
كه كافرهم ازروى صورت وماست
نعم قد يوجد سيرة حسنة وخلق حميد في الكافر كعدل انوشروان مثلاً لكن المعتد به مايكون مقارناً بالإيمان الذي هو أحسن السير قال بعض الكبار كل من كان فيه صفة العدل فهو ملك وإن كان الحق تعالى ما استخلفه بالخطاب الإلهي ، فإن نم الخلفاء من أخذ المرتبة بنفسه من غير عهد إلهي إليه بها وقام بالعدل في الرعايا استناداً إلى الحق كما قال عليه السلام ولدت في زمن الملك العادل يعني كسرى فسماه ملكا ووصفه بالعدل ومعلوم إن كسرى في ذلك العدل على غير شرع منزل لكنه نائب للحق من وراء الحجاب وخرج بقولنا وقام بالعدل في الرعايا من لم يقم بالعدل كفرعون وأمثاله من المنازعين لحدود الله والمغالبين لجنابه بمغالبة رسله فإن هؤلاء ليسوا بخلفاء الله تعالى كالرسل ولا نواباً له ، كالملوك العادلة بل هم إخوان الشياطين قال الحسين رحمه الله أحسن الصور صورة اعتقت من ذل كن وتولى الحق تصويرها بيده ونفخ فيها من روحه وألبسها شواهد النعت وحلاها بالتعليم شفاها واسجد لها الملائكة المقربين واسكنها في جواره وزين باطنها بالمعرفة وظاهرها بفنون الخدمة والجمع في قوله فأحسن صوركم باعتبار الأنواع لأن صورة الرومي ليست كصورة الهندي إلى غير ذلك والإفراد وهو ظاهر {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} أي وإلى الله الرجوع في النشأة الأخرى لا إلى غيره استقلالاً أو اشتراكاً فأحسنوا سر آثركم باستعمال تلك القوى والمشاعر فيما خلقن له حتى يجازيكم بالأنعام لا بالانتقام فكم من صورة حسناء تكون في العقبى شوهاء بقبح السريرة والسيرة وكم من صورة قبيحة تكون حسناء بحسنهما.
ه غم زمنقصت صورت أهل معنى را
وجان زروم بودكوتن ازحبش مى باش
وقد ثبت إن ضرس الكافر يوم القيامة مثل جبل أحد وإن غلظ جسده مسافة ثلاثة أيام وإنه يسوء خلقه فتغلظ شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى
6
ضرب سرته وإن أهل الجنة ضوء وجوههم كضوء القمر ليلة البدر أو على سن كوكب درى في السماء وهم جرد مردمكحلون أبناء ثلاثة وثلاثين فطوبى لأهل اللطافة وويل لأهل الكثافة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 2
اعلم أن الله تعالى خلق سموات الكليات وأرض الجزئيات بمظهرية الحق وظهوره فيهما بحسب استعداد الكل لا بحسبه وتجلى في مظاهر صور الإنسان بحسبه أي بجميع الأسماء والصفات ولذا قال تعالى فأحسن صوركم أي جعلصوركم أحدية جمع جميع المظهريات الجامعة لجميع المظاهر السماوية العلوية والأرضية السفلية كما قال عليه السلام إن الله خلق آدم على صورته يعني أورد الاسم الجامع في عنوان الخلق إشارة إلى تلك الجمعية فكان مصير الإنسان إلى الهوية الجامعة لجميع الهويات لكن حصل التفاوت بين إفراده بحسب التجلي والاستتار والفعل والقوة فليس لأهل الحجاب أن يدعى كمالات أهل الكشف للتفاوت المذكور فيا عجبا من إنسان خفي عليه ما دفن في أرض وجوده من كنز إلهي غيبي من نال إليه لم يفتقر أبداً وكيف قنع بقشر مع إمكان تحصيل اللب وكيف أقام في الحضيض مع سهولة العروج إلى الأوج.
ه شكرهاست درين شهركه قانع شده اند
شاهبازان طريقت بمقا مسكى م
(10/4)
{يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ} من الأمور الكلية والجزئية والأحوال الجلية والخفية {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} أي ما تسرونه فيما بينكم وما تظهرونه من الأمور والتصريح به مع اندراجه فيما قبله لأنه الذي يدور عليه الجزاء ففيه تأكيد للوعد والوعيد وتشديد لهما قال في برهان القرآن إنما كرر ما في أول السورة لاختلاف تسبيح أهل الأرض وأهل السماء في الكثرة والقلة والبعد والقرب من المعصية والطاعة وكذلك اختلاف ما تسرون وما تعلنون فإنهما ضدان ولم يكرر ما في السموات والأرض لأن الكل بالإضافة إلى علم الله جنس واحد لا يخفى عليه شيء {وَاللَّهُ عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي هو محيط بجميع المضمرات المستكنة في صدور الناس بحيث لا تفارقها أصلاً فكيف يخفى عليه ما يسرونه وما يعلنونه وبالفارسية وخداي تعالى داناست بآنه درسينهاست ازخواطر وأفكار.
جزء : 10 رقم الصفحة : 2
وإنما قيل لها ذات الصدور وصاحبتها لملابستها لها وكونها مخزونة فها ففي الآية ترققٍ من الأظهر إلى وخفى لأنه عالم بما في السموات وما في الأرض وبما يصدر من بني آدم سراً وعلناً وبما لم يصدر بعد بل هو مكنون في الصدور وإظهار الجلالة للإشعار بعلية الحكم وتأكيداً استقلال الجملة قبل وتقديم القدرة على العلم لأن دلالة المخلوقات على قرته بالذات وعلى علمه بما فيها من الاتفاق والاختصاص ببعض الجهات الظاهرة مثل كون السماء في العلو والأرض في السفل أو الباطنة مثل أن يكون السماء متحركة والأرض ساكنة إلى غير ذلك فإن للمتكلمين مسلكين في إثبات العلم الأول إن فعله تعالى متقن أي محكم خال عن وجوه الخلل ومشتمل على حكمك مصالح متكثرة وكل من فعله متقن فهو عالم والثاني إنه فاعل بالقصد والاختيار لتخصيص بعض الممكنات ببعض الانحاء ولا يتصور ذلك إلا مع العلم وفي قوله ما تسرون إشارة إلى علماء الظاهر من الحكماء والمتكلمين وإلى علومهم الفكرية
7
النظرية وما يسرون فيها من عقائدهم الفاسدة ومقصادهم الكاسدة وفي قوله وما تعلنون إشارة إلى علماء الباطن من المشايخ والصوفية وإلى معارفهم ومواجيدهم الذوقية الكشفية وما يظهرون منها من الكرامات وخوارق العادات والله عليم بصدور عمل كل واحد من صدور قلوبهم بحسب الرياء والإخلاص والحق والباطل {أَلَمْ يَأْتِكُمْ} أيها الكفرة والألف للاستفهام ولم للجحد ومعناه التحقيق {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا} أي خبر قوم نوح ومن بعدهم من الأمم المصرة على الكفر {مِن قَبْلُ} أي قبكلم فيكون متعلقاً بكفروا أو قبل هذا الوقت أو هذا العصيان والمعادات فيكون ظرفاً لألم يأتكم {فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ} عطف على كفروا والذوق وإن كان في التعارف للقليل لكنه مستصلح للكثير والوبال الثقل والشدة المترتبة على أمر من الأمور والوبل والوابل المطر الثقيل القطار مقابل الطل وهو المطر الخفيف وأمرهم كفرهم فهو واحد الأمور عبر عنه بذلك للإيذان بأنه أمر هائل وجناية عظيمة والمعنى فذاقوا في الدنيا من غير مهلة ما يستتبعه كفرهم من الضرر والعقوبة وأحسوه إحساس الذآئق المعطوم يعني س شيدن كران بارىء خود ودشوارىء سر انجام خويش وضرر كفر وعقوبت اودردنيا بغرق وريح صرصر وعذاب يوم الظلة وأمثال آن.
وفي إيراد الذوق رمز إلى أن ذلك المذوق العاجل شيء حقير بالنسبة إلى ما سيرون من العذاب الآجل ولذلك قال تعالى {وَلَهُمْ} في الآخرة {عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي مؤلم لا يقادر قره وفيه أخبار بأن ما أصابهم في الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم وإلا لم يعذبوا في الآخرة بخلاف المؤمنين فإن ماأصابهم في الدنيا من الآلام والأوجاع والمصائب كفارة لذنوبهم على ما ورد في الأخبار الصحيحة {ذَالِكَ} أي ما ذكر من العذاب الذي زاقوه في الدنيا وما سيذوقونه في الآخرة {بِأَنَّهُ} أي بسبب إن الشان {كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ} أي بالمعجزات الظاهرة والباء إما للملابسة أو للتعدية {فَقَالُوا} عطف على كانت {أَبَشَرٌ} آيا آدميان مثل ما {يَهْدُونَنَا} راه نمايند مارا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 2
(10/5)
أي قال كل قوم من المذكورين في حق رسولهم الذي أتاهم بالمعجزات منكرين لكون الرسول من جنس البشر متعجبين من ذلك ابشر وآدمى مثلنا يهدينا ويرشدنا إلى الدين أو إلى الله والتقرب منه كما قالت ثمود ابشرا منا واحداً نتبعه أنكروا أن يكون الرسول بشراً ولم ينكروا أن يكون المعبود حجراً وقد أجمل في الحكاية فأسند القول إلى جميع الأقوام وأريد البشر الجنس ، فوصف بالجمع كما أجمل الخطاب والأمر في قوله تعالى : يا اأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَـاتِ وَاعْمَلُوا صَـالِحًا} وارتفاع بشر على أنه فاعل فعل مضمر يفسره ما بعده فيكون من باب الاشتغال وهو أولى من جعله مبتدأ وما بعده خبراً لأن أداة الاستفهام تطلب الفعل ظاهراً أو مضمراً قال القاشاني : لما حبوا بصفات نفوسهم عن النور الذي هو به يفضل لعيهم بما لا يقاس ولم يجدوا منه إلا البشرية أنكروا هدايته فإن كان كل عارف لا يعرف نمعروفه إلا بالمعنى الذي فيه فلا يوجد النور الكمالي ، إلا بالنور الفطري ولا يعرف الكمال إلا الكامل ولهذا قيل لا يعرف الله غير الله وكل طالب وجد مطلوبه بوجه ما
8
وإلا لما أمكنه التوجه نحوه وكذا كل مصدق بشيء فإنه واجد للمعنى المصدق به بما في نفسه من ذلك المعنى فلما لم يكن فيهم شيء من النور الفطري ، أصلاً لم يعرفوا منه الكمال فأنكروه ولم يعرفوا من الحق شيئا ولم يحدث فيهم طلب حتى يحتاجوا إلى الهداية فأنكروا الهداية ، وقال بعض العارفين : معرفة مقام الأولياء أصعب من الممكن من معرفة الله تعالى لأن الله تعالى معروف بكماله وجماله وجلاله وقهره بخلاف الولي الكامل فإنه ملآن من شهود الضعف يأكل ويشرب ويبول مثل غيره من الخلق ولاكرامة له تظهر إلا بأن يناجي ربه وإني للخلق معرفة مقامه ووالله لو كشف للخلق عن حقيقة الولي لعبد كما عبد عيسى عليه السلام ولو كشف لهم عن مشرقات نوره لانطوى نور الشمس والقمر من مشرقات نور قلبه ولكن في ستر الحق تعالى لمقام الولي حكم وأسرار وأدنى ما في الستر أن لاي تعرض أحد لمحاربة الله تعالى إذا آذاهم بعد أن عرفهم إنهم أولياء الله فكان ستر مقامهم عن الخلق رحمة بالخلق وفتحا لباب اعتذار من آذاهم من غالب الخلق فإن الأذى لم يزل من الخلق لهم في كل عصر لجهلهم بمقامهم فكفروا} أي بالرسل بسبب هذا القول لأنهم قالوه استصغاراً لهم ولم يعلموا الحكمة في اختيار كون الرسل بشراً {وَتَوَلَّوا}
جزء : 10 رقم الصفحة : 2
عن التدبير فيما أتوا به من البينات وعن الإيمان بهم {وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ} أي أظهر استغناءه عن إيمانهم وطاعتهم حيث أهلكهم وقطع دابرهم ولولا غناه تعالى عنهما لما فعل ذلك وقال سعدي المفتي هو حال بتقدير قد وهو بمعنى ني الثلاثي والمراد كمال الغني إذ الطلب يلزمه الكمال {وَاللَّهُ غَنِىٌّ} عن العالمين فضلاً عن إيمانهم وطاعته {حَمِيدٌ} يحمده كل مخلوق بلسان الحال ويدل على إتصافه بالصفات الكمالية لأ يحمده أولياؤه وإن امتنع أعداؤه والحمد هو ذكر أوصاف الكمال من حيث هو كمال ومن عرف إنه الحميد في ذاته وصفاته وأفعاله شغله ذكره والثناء عليه فإنه العبد وإن كثرت محامده من عقائده وأخلاقه وأفعاله وأقواله فلا يخلو عن مذمة ونقص إلى النبي عليه السلام فإنه محمد وأحمد ومحمود من كل وجه وله المحمدة والكمال في الأربعين الأدريسية يا حميد الفعال ذا المن على جميع خلقه بلطفه قال السهرورودي رحمه الله من داومه يحل له من الأموال ما لا يمكن ضبطه {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا} الزعم ادعاء العلمفمعنى أزعم زيداً قائماً أقول إنه كذا ففي تصدير الجملة بقوله ازعم إشعار بأنه لا سند للحكم سوى ادعائه إياه.
وقوله به ويتعدى إلى مفعولين تعدى العلم وقد قام مقامهما إن المخففة مع ما في حيزها فإن مخففة لا ناصبة لئلا يدخل ناصب على مثله والمراد بالموصول كفار مة أي زعموا وادعوا إن الشان لن يبعثوا بعد موتهم أبداً ، ولن يقاموا ويخرجوا من قبورهم وعن شريح رضي الله عنه لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا قال بعض المخضرمين لابنه هب لي من كلامك كلمتين زعم وسوف انتهى ويكره للرجل أن يكثر لفظ الزعم وأمثاله فإنه تحديث بكل ما سمع وكفى بذلك كذباً وإذا أراد أن يتكلم تكلم بما هو محقق لا بما هو مشتبه وبذلك يتخلص من أن يحد بكل ما سمع فيكون معصوماً من الكذب كذا في المقاصد الحسنة {قُلْ} رداً لهم وإبطالاً لزعمهم بإثبات ما نفوه {بَلَى}
9
(10/6)
تبعثون فان لا يجاب النفى الذى قبله وقوله {وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} اى لتحاسبن وتجزون بأعمالكم جملة مستقلة داخلة تحت الامر واردة لتأكيد ما أفاده كلمة بلى من اثبات البعث وبيان تحقق امر آخر متفرع عليه منوط به ففيه تأكيد لتحقق البعث بوجهين فقوله وربى قسم لعل اختياره ههنا لما ان فى البعث اظهار كمال الربوبية المفيدة لتمام المعرفة وايثار دوام التربية بالنعم الجسمانية الظاهرة والنعم الروحانية الباطنة وقوله لتبعثن اصله لتبعثون حذفت واوه لاجتماع الساكنين بمجيئ نون التأكيد وان كان على حده طلبا للخفة واكتفاء بالضمة وهو جواب قسم قبله مؤكد باللام المؤكدة للقيم وثم لتراخى المدة لطوب يوم القيامة او لتراخى الرتبة وظاهر كلام اللباب أن يكون وربى قسما متعلقا بما قبله قد تم الكلام عنده وحسن الوقف عليه ويجعل تبعثن بما عطف عليه جواب قسم آخر مقدر مستانف لتأكيد الاول لعل فائدة الاخبار بالقسم مع ان المشركين ينكرون الرسالة كما ينكرون البعث ابطال لزعمهم بالتشديد والتأكيد ليتأثر من قدر الله له الانصاف وتتأكد الحجة على من لم يقدر له وكان محروما بالكلية {وَذَالِكَ} اى ما ذكر من البعث والجزآء {عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} اى سهل على الله لتحقق القدرة التامة وقبول المادة واذا كان الامر كذلك.
جزء : 10 رقم الصفحة : 2
{فَـاَامِنُوا} بصرف ارادتكم الجزئية الى اسباب حصول الايمان {بِاللَّهِ} الباعث من القبور المجازى على كل عمل ظاهر أو مستور {وَرَسُولِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم الذى اخبر عن شؤون الله تعالى وصفاته {وَالنُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا} اى انزلناه على رسولنا وهو القرءآن فانه بأعجازه بين بنفسه.
انه حق نازل من عند الله مبين لغيره ومظهر للحلال و الحرام كما ان النور كذلك والالتفات الى نون العظمة لابراز كمال العناية {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الامثتال بالامر وعدمه {خَبِيرٌ} فمجمازيكم عليه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 9
{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ} ظرف لتنبئون وما بينهما اعتراض او معقول الذكر الظاهر ان الخطاب لمن خوطب اولا بقوله ألم يأتكم {لِيَوْمِ الْجَمْعِ} ليوم يجمع فيه الاولون والآخرة من الجن والانس واهل السماء والارض اى لاجل ما فيه من الحساب والجزآء وهو يوم القيامة فللام للعهد اى جمع هذا اليوم عن النبى عليه السلام اذا جمع الله الاولين والآخرين جاء مناد ينادى بصوت يسمع الخلائق كلهم سيعلم اهل الجسم اليوم من اولى بالكرم ثم يرجع فينادى ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ثم يرجع فينادى ليقم الذين كانوا يحمدون الله فى البأساء والضرآء فيقومون وهم قليل فيسرحون جميعا الى الجنة ثم يحاسب سائر الناس وقيل المراد مع الله بين العبد وعمله وقيل بين الظالم والمظلوم او بين كل شئ وامته {ذَالِكَ} اليوم {يَوْمُ التَّغَابُنِ} تفاعل من الغبن وهو أن تخسر صاحبك فى معاملة بينك وبينه بضر من الاخفاء والتغابن أن يغبن بعضهم بعضا ويوم القيامة غبن بعض الناس بعضا بنزول السعدآء منازل الاشقيا لو كانوا شعدآء وبالعكس وفيه تهكم لان نزولهم ليس بغبن ان كون نزول الاشقياء منازل السعدآء من النار لو كانوا اشقياء باعتبار الاستعارة التهكمية
10
(10/7)
وإلا فهم بنزولهم في النار لم يغبنوا أهل الجنة وفي الحديث ما من عبد يدخل الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً وما من عبد يدخل النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة وتخصيص التغابن بذلك اليوم للإيذان بأن التغابن في الحقيقة هو الذي يقع فيه ما لا يقع في أموره الدنيا فاللام للعهد الذي يشار به عند عدم المعهود الخارجي إلى الفرد الكامل أي التغابن الكامل العظيم الذي لا تغابن فوقه قال القاشاني لسي التغابن في الأمور الدنيوية فإنها أمور فانية سريعة الزوال ضرورية الفناء لا يبى شيء منها لأحد فإن فات شيء من ذك أو أفاته أحد ولو كان حياته فإنما فات أو أفيت ما لزم فواته ضرورة فلا غبن ولا حيف حقيقة وإنما الغبن والتغابن في إفاتة شيء لو لم يفته لبقى دائماً وانتفع به صاحبه سرمداً وهو النور الكمالي والاستعدادي فتظهر الحسرة والتغابن هناك في إضاعة الربح ورأس المال في تجارة الفوز والنجاة كما قال فما ربحت تجارتهم وم كانوا مهتدين فمن أضاع استعداده أو اكتسب منه شيئاً ولم يبلغ غايته كان مغبوناً بالنسبة إلى الكمال التام وكأنما ظفر ذلك الكامل بمقامه ومرامه وبقي هذا متحسراً في نقصانه انتهى وقال الراغب يوم التغابن يوم القيامة لظهور الغبن في المبايعة المشار إليها بقوله ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله وبقوله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وقوله الذين يشترون بعهد الله وأمانهم ثمناً قليلاً فلعلهم غبنوا فيما تركوا من المبايعة وفيما تعاطوا من ذلك جميعاً وسئل بعضهم عن يوم التغابن فقال تبدو الأشياء بخلاف مقاديرها في الدنيا وقال بعضهم يظهر يومئذٍ غبن الكافر بترك الإيمان وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان وإذا دخل العارف الجنة ورآه صاحب الحال فإنه يراه كما يرى الكوكب الدرى في السماء فيتمنى أن يكون له مثل مرتبة العارف فلا يقدر عليها فيتحسر على تفويته أسباب ذلك في الدنيا وقد ورد لا يتحسر أهل الجنة في الجنة إلا ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها قيل أشد الناس بنا يوم القيامة ثلاثة نف عالم علم الناس فعملوا بعلمه وخالف هو علمه فدخل غيره الجنة بعلمه ودخل هو النار بعمله وعبد أطاع الله بقوة مال سيده وعصى الله سيده فدخل العبد الجنة بقوة مال مالكه ودخل مالكه النار بمعصية الله وولد ورث مالاً منأبيه وأبوه شح به وعصى الله فيه فدخل أبوه ببخله النار ودخل هو باتفاقه في الخير الجنة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
بخور اي نيك سيرت وسره مرد
كان نكون بخت كرد كرد ونحورد
وفي الحديث لا يلقى الله أحد إلا نادماً إن كان مسيئاً إن لم يحسن وإن كان محسناً إن لم يزدد وقال بعض العارفين لا يجوز الترقي في الآخرة إلا في مقام حصله المكلف في هذه الدار فمن عرف شيئاً وتعلقت همته بطلبه كان له إما عاجلاً وإما إجلاً فإن ظفر به في حياته كان ذلك اختصاصاً واعتناء وإن لم يظفر به في حياته معجلاً كان مدخراً له بعد المفارقة يناله ثم ضرورة لازمة ومن لم يتحقق بمقام في هذا المطون لم يظفر به ثم لذلك سمى يوم التغابن لانقطاع الترقي فيه فاعلم ذلك وقال بعضهم الغبن كل الغبن أن لا يعرف الصفاء في الكدورة واللطف في صورة القهر فتوحش عن الحق بالتفرقة وهو في عين
11
الجمع والأنس وأيضاً يقع الغبن لمن كان مشغولاً بالجزاء والعطاء ورؤية الأعواض وإما من كان مشغولاً بمشاهدة الحق فقد خرج عن حد الغبن وأيضاً يقع الكل في الغبن إذا عاينوا الحق بوصفه وهم وجدوه أعظم وأجل مما وجدوه في مكاشفاتهم في الدنيا فيكونون معبونين حيث لم يعرفوه حق معرفته ولم يعبدوه حق عبادته وإن كانوا لا يعرفونه أبداً حق معرفته وأي غبن أعظم من هذا إذ يرونه ولا يصلون إلى حقيقة وجوده وقال ابن عطاء رحمه الله تغابن أهل الحق على مقادير الضياء عند الرؤية والتجلي وقال بعض الكبار يوم شهود الحق في مقام الجميعة يوم غبن أهل الشهود ولمعرفة على أهل الجحاب والغفلة فإنهم ف ينعيم القرب والجمع وأهل الحجاب في جحيم البعد والفراق {وَمَن يُؤْمِنا بِاللَّهِ} بالصدق والإخلاص بحسب نور استعداده {وَيَعْمَلْ صَـالِحًا} أي عملاً صالحاً بمقتضى إيمانه فإن العمل إنما يكون بقدر النظر وهو أي العمل الصالح ما يبتغي به وجه الله فرضاً أو نفلاً.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
(10/8)
روى) إن إبراهيم بن أدهم رحمه الله أراد أن يدخل الحمام فطلب الحمامي الأجرة فتأوه وقال إذا لم يدخل أحد بيت الشيطان بلا أجرة فإني يدخل بيت الرحمن بلا عمل {يُكَفِّرْ} أي يغفر الله ويمح {عَنْهُ سَيِّـاَاتِهِ} يوم القيامة فلا يفضحه بها {وَيُدْخِلْهُ} بفضله وكرمه لا بالإيجاب {جَنَّـاتٍ} على حسب درجات أعماله {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا} أي من تحت قصورها أو أشجارها {الانْهَـارُ} الأربعة {خَـالِدِينَ فِيهَآ} حال من الهاء في يدخله وحد أولاً حملاً على لفظ من ثم جمع حملاً على معناه {أَبَدًا} نصب على الظرف وهو تأكيد للخلود {ذَالِكَ} أي ما ذكر من تكفير السيئات وإدخال الجنات {الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي لا فوز ورآءه لانطوآئه على النجاة من أعظم الهلكات والظفر بأجل الطيبات فيكون أعلى حالاً من الفوز الكبير لأنه يكن بجلب المنافع كما في سورة البروج والفوز العظيم في الحقيقة هو الانخلاع عن الوجود المجازي والتلبس بلباس الوجود الحقيقي وذلك موقوف عل ىالإيمان الحقيقي الذوقي والعمل الصالح المقارن بشهود العامل فإن نور الشهود حينئذٍ يستر ظلمكات وجوده الإضافي وينوره بنور الوجود الحقيقي ويدخله جنات الوصول والوصال التي تجري من تحتها الأنهار مملوءة من ماء المعارف والحكم {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآياتنا} تصريح بما علم التزاماً والمراد بالآيات إما القرآن أو المعجزات فإن كلا منهما آية لصدق الرسول {أولئك أَصْحَـابُ النَّارِ} أي أهلها إما بمعنى مصاحبوها لخلودهم فيها أو مالكوها تنزيلاً لهم منزلة الملاك للتهكم حال كونهم {خَـالِدِينَ فِيهَآ} أي أبداً بقرينة المقابلة {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي النار كأن هاتين الآيتين الكريمتين بيان لكيفية التغابن وإنما قلنا كأن لأن الواو يمانع الحمل على البيان كما عرف في المعاني وفي الآية إشارة إلى المحجوبين عن الله المحرومين من الإيمان الحقيقي به بأن يكون ذلك بطريق الذوق والوجدان لا بطريق اعلم والبرهان المكذبين آيات الله الظاهرة في خواص عباده بحسب التجليات فإنهم أصحاب نار الحجاب وجحيم الاحتجاب على الدوام والاستمرار وبئس المصير هذه النار فعلى العاقل أن يجتهد حتى يكشف الله عمى قلبه وغشاوة بصيرته
12
فيشاهد آثار الله وآياته في الأنفس والآفاق ويتخلص من الحجاب على الإطلاق ففي نظر العرافين عبرة وحكمة وفي حركاته شأن ومصلحة.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
حكى) إن أبا حفص النيسابوري رحمه الله خرج مع حابه في الربيع للتنزه فمر بدار فيها شجرة مزهرة فوقف ينظر إليها معتبراً فخرج من الدار شيخ مجوسي فقال له يا مقدم الأخيار هل تكون ضيفاً لمقدم الأشرار فقال نعم فدخلوا وكان معهم من يقرأ القرآن فقرأ فلما فرغ قال لهم المجوسي خذوا هذه الدراهم واشتروا بها طعاماً من السوق من أهل ملتكم ملتكم تتنزهون عن طعامنا ففعلوا فلما أرادوا الخروج قال المجوسي للشيخ لا أفارقك بل أكون أحد أصحابك ثم أسلم هو وأولاده ورهطه وكانوا بضع عشرة نفساً فقال أبو حفص لأصحابه إذا خرجتم للتنزه فاخرجوا هكذا.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص13 حتى ص23 رقم2
ون نظر ميداشت أرباب شهود
مؤمن آم بي نفاق أهل جحود
(10/9)
{مَا} نافية ولذا زاد من المؤكدة {أَصَابَ} لخلق يعني نرسد بهي كس {مِن مُّصِيبَةٍ} من المصائب الدنيوية في الأبدان والأولاد والأموال {إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} استثناء مفرغ منصوب المحل على الحال أي ما أصاب مصيبة ملتبسة بشيء من الأشياء إلا بإذن الله أي بتقديره وإرادته كأنها بذاتها متوجهة إلى الإنسان متوقفة على إذنه تعالى إن تصيبه وهذا لا يخالف قوله تعالى في سورة الشعراء [الشورى : 30-15]{وَمَآ أَصَـابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ} أي بسبب معاصيكم ويتجاوز عن كثير منها ولا يعاقب عليها إما أولاً فلان هذا القول فيحق المجرمين فم من مصيبة تصيب من أصابته لأمر آخر من كثرة الأجر للصبر وتكفير السيئات لتوفية الأجر إلى غير ذلك وما أصاب المؤمنين فمن هذا القبيل وإما ثانياً فلان ما أصاب من ساء بسوء فعله فهو لم يصب إلا بإذن الله وإرادته أيضاً كما قال تعالى : قل كل من عند الله أي إيجاداً وإيصالاً فسبحان من لا يجرى في ملكه إلا ما يشاء وكان الكفار يقولون لو كان ما عليه المسلمون حقاً لصانهم الله عن المصائب في أموالهم وأبدانهم في الدنيا فبين الله إن ذلك إنما يصيبهم بتقديره ومشيئته وفي إصباتها حكمة لا يعرفها إلا هو منها تحصيل اليقين بأن ليس شيء من الأمر في يديهم فيبرأون بذلك من حولهم وقوتهم إلى حول الله وقوته ومنها ما سبق آنفاً من تكفير ذنوبهم وتكثر مثوباتهم بالصبر عليها والرضى بقضاء الله إلى غير ذلك ولو لميصب الأنبياء والأولياء محن الدنيا وما يطرأ على الأجسام لافتتن الخلق بما ظهر على أيديهم من المعجزات والكرامات على أن طريان الآلام والأوجاع على ظواهرهم لتحقق بشريتهم لا على بواطنهم لتحقق مشاهدتهم والأنس بربهم فكأنهم معصومون محفوظون منها لكون وجودها في حكم اعدم بخلاف حال الكفار والأشرار نسأل العفو والعافية من الله الغفار وفي الآية إشارة إلى إصابة مصيبة النفس الأمارة بالاستيلاء على القلب وإلى إصبة مصيبة القلب السيار بالغلبة على النفس فإنهما ب5ن تجلية القهري للقلب الصافي بحسب الحكمة أو بإذن تجليه اللطفي الجمالي للنفس الجانية بحسب النقمة ومن يؤمن بالله} يصدق به ويعلم إنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله والاكتفاء
13
بالإيمان بالله لأنه الأصل {يَهْدِ قَلْبَهُ} عند إصابتها للثبات والاسترجاع فيثبت ولا يضطرب بأن يقول قولاً ويظهر وصفا يدل على التضجر من قضاء الله وعدم الرضى به ويسترجع ويقول إناوإنا إليه راجعون ومن عرف الله واعتقد أنه رب العالمين يرضى بقضائه ويصبر على بلائه فإن التربية كم تكون بما يلائم الطبع تكون بما يتنفر عنه الطبع وقيل يهد قلبه أي يوفقه لليقين حتى يعلم إن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيرضى بقضائه ويسلم لحكمه وقيل يهد قلبه أي يطلف به ويشرحه لازدياد الطاعة ، والخير وبالفارسية الله راه نما يددل اورابه سند كارى ومزيد طاعت.
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
وقال أبو بكر الوراق رحمه الله ومن يؤمن بالله عند الشدة والبلاء فيعلم إنها من عدل الله يهد قلبه لاتباع سنن نبيه عليه السملا وعلامة صحة الإيمان المداومة على السن وملازمة الاتباع وترك الآراء وإلا هواء المضلة وقال بعضهم ومن يؤمن بالله تحقيقاً يهد قلبه إلى العمل بمقتضى إيمانه حتى يجد كال مطلوبه الذي أمن به ويصل إلى محل نظره وقال بعضهم ومن يؤمن بالله بحسب ذاته نور قلبه بنور المعرفة بأسمائه وصفاته إذ معرفة الذات تستلزم معرفة الصفات والأسماء من يغر عكس وباعتبار سبق الهداية ولحوقها فإن الإيمان بالله إنما هو بهداية سابقة وهداية القلب إنما هي هداية لاحقة يندفع توهم إن الإيمان موقوف على الهداية فإذا كانت هي موقوفة عليه كما تفيده من الشرطية لما أن الشرط مقدم على المشروط لدار فإن للهداية مراتب تقدما وتأخراً لا تنقطع ولذلك ندعو الله كل يوم ونقول مراراً اهدنا الصراط المستقيم بناءع لى أن في كل عمل نريده صراطاً مستقيماً يوصل إلى رضى الله تعالى وقيل إنه مقلوب ومعناه من يهد قلبه يؤمن بالله.
(10/10)
وروى في يهد سبع قراآت المختار من السبع يهد مفرداً غائباً راجعاً ضميره إلى الله مجزم الآخر ليكون جواب الشرط المجزوم من الهداية وقرىء نهد بالنون على الالتفات منها أيضاً ويهد مجهولاً برفع قلبه على أنه قائم مقام الفاعل منها أيضاً ويهد بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال ورفع قلبه أيضاً بمعنى يهتد كقوله تعالى : {أَمَّن لا يَهِدِّى إِلا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ شَيْـاًا} من الأشاء التي من جملتها القولب وأحوالها كتسليم من انقاد لامره وكراهة من كرهه وكآفاتها وخلوصها من الآفات.
{عَلِيمٌ} فيعلم إميان المؤمن وخلوصه ويهدي قلبه إلى ما ذكر {وَأَطِيعُوا اللَّهَ} إطاعة العبد لمولاه فيما يأمره {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} إطاعة الأمة لنبيها فيما يأديه عن الله أي لا يشغلنم المصائب عن الاشتغال بطاعته والعمل بكتابه وعن الاشتغال بطاعة الرسول واتباع سننه وليكن جل همتكم في السراء والضراء العلم بما شرع لكم قال القاشاني وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول على حسب معرفتكم بالله وبالرسول فإن أكثر التخلف عن المكال والوقوع في الخسران والنقصان إنما يقع من التقصير في العمل وتأخر القدم لا من عدم النظر كرر الأمر للتأكيد ولإيذان بالفرق بين الطاعتين في الكيفية وتوضيح مورد
14
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
التولي في قوله {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أي أعرضتم عن إطاعة الرسول {فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ} تعليل للجواب المحذوف أي فلا بأس عليه إذ ما عليه إلا التبليغ المبين وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه وإظهارالرسول مضافاً إلى نون العظمة في مقام إضماره لتشريفه عليه السلام والإشعار بمدار الحلم الذي هو كون وظيفته عليه السلام محض البلاغ ولزيادة تشنيع التولي عنه وفي التأويلات النجمية أطيعوا الله بتهيئة الأسباب بمظهرية ذاته وصفاته وأطيعوا الرسول بتحصيل القابلية لمظهرية كام شريعته الظاهرة وآداب طريقته الباطنة فإنأعرضتم عن تهيئة الأسباب والاستعداد وتصفية هذين الأمرين الكليين بالإقبال على الدنيا والاستهلاك في بحر شهواتها فإنما على رسولنا البلاغ المبين وعليكم العذاب المهين {اللَّهُ لا إِلَـاهَ} في الوجود {إِلا هُوَ} جملة من مبتدأ وخبر أي هو المستحق للمعبودية لا غير وهو القادر على الهداية والضلالة لا شريك له في الإرشاد والإضلال وليس بيد الرسول شيء من ذلك {وَعَلَى اللَّهِ} أي عليه تعالى خاصة دون غيره لا استقلالاً ولا اشتراكاً {فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} في تثبيت قلوبهم على الإيمان والصبر على المصائب وإظهار الجلالة في موضع الإضمار للإشعار بعلية التوكل والأمر به فإن الألوهية مقتضية للتبتل إليه تعالى بالكلية وقطع التعلق عما سواه بالمرة وفي الآية بعث لرسول الله وللمؤمنين وحث لهم على الثبات على التوكل والازدياد فيه حتى ينصرهم على المكذبين وعلى من تولى عن الطاعة وقبول أحكام الدين.
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
واعلم أن التوكل من المقامات العالية وهو إظهار العجز والاعتماد على الغير وفي الحدائق التوكل هو الثقة بما عند الله واليأس مما في أيدي الناس وظاهر الأمر يفيد وجوب التوكل العقلي وهو أن يعتقد العبد إنه ما من مراد من مراداته الندوية والأخروية إلا وهو يحصل من الله فيثق به في حصوله ويرجو منه وإن كانت النفس تلتفت إلى الغير وتتوقع منه نظراً إلى اعتقاد سببيته والله مسبب الأسباب وإما التوكل الطبيعي الذي لا يكون ثقة صاحبه طبعاً إلا بالله وحده ولا اعتماده إلا عليه في جميع مقاصده مع طع النظر عن الأغيار كلها رأساً فهو عسير قلما يوجد إلا في الكمل من الأولياء كما حكى عن بشر الحافي رحمه الله إنه جائه جماعة من الشأم وطلبوا منه أن يحج معهم فقال نعم ولكن بثلاثة شروط أن لا نحمل معنا شيئاً ولا نسأل أحداً شيئاً ولا تقبل من أحد شيئاً فقالوا إما الأول والثاني فنقدر عليه إما الثالث فلا نقدر فقال أنتم الذين تحجون متوكلين عل ىزاد الحاج وقيل من ادعى التوكل ثم شبع فقد حمل زادا وعن بعضهم إه قال حججت أربع عشرة مرة حافياً متوكلاً وكان يدخل الشوك فلا أخره لئلا ينقص توكلي وعن إبراهيم الخواص رحمه الله بينما أنا أسير في البادية إذ قال لي رابي يا إبراهيم التوكل عندنا فأقم عندنا حتى يصح توكلك أما تعلم أن رجاءك دخول بلدفيه أطعمة يحملك ويقويك اقطع رجاءك عن دخول البلدان فتوكل فإذا كان رجاء دخول البلدان مانعاً عن التوكل التام فما ظنك بالإقامة في بلاد خصبة ولذا أوقع الله التوكل على الجلالة لأنها جامعة لجميع الأسماء فالتوكل عليه توكل تام والتوكل على الأسماء الجزئية توكل ناقص فمن عرف الله وكل إليه أمروه وخرج هو من البين ومن
15
(10/11)
جعل الله وكيله لزمه أيضاً أن يكون وكيلاً على نفسه في استحقاق حقوقه وفرائضه وكل ما يلزمه فيخاصم نفسه في ذلك ليلاً ونهاراً أي لا يفتر لحظة ولا يقصر طرفة فإن الأوقات سريعة المرور خاك دردستش بودون بادهنكام اجل.
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
هركه أوقات كرامي صرف آب وكل كند يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} إيماناً خالصاً {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} جمع زوج يعم الحليل والحليلة وسيجيء ما في اللباب {وَأَوْلَـادِكُمْ} جمع ولد يعم الابن والبنت {عَدُوًّا لَّكُمْ} يشغلونكم عن طاعة الله وإنلم يكون لهم عداوة ظاهرة فإن العدو لا يكون عدواً بذته وإنما يكون عدواً بفعله فإذافعل الزوج والولد فعل العدو كان عدواً ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة أو يخاصمونكم في أمور الدين أو الدنيا واشد المكر ما يكون في الدين فإن ضرره اشد من ضرر ما يكون في الدنيا وجاء في الخبر ليس عدوك الذي لقيته فقتلته وآجرك الله على قتله ولكن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك وامرأتك تضاجعك على فراشك وولدك من صلبك قدم الأزواج لأنها مصادر الأولاد ولأنها لكونها محل الشهوات ألصق بقلوب الناس وأشد أشغالاً لهم عن العبودية ولذا قدمها الله تعالى في قوله زين للناس حب الشهوات من النساء وفي اللباب أن قوله إن من أزاجكم يدخل فيه الذكر فكما أن الرجل تكون زوجته وولده عدواً له كذلك المرأة يكون زوجها عدواً لها بهذا المعنى فيكون الخطاب هنا عاماً على التغليب ويحتمل أن يكون الدخول باعتبار الحكم لا باعتبار الخطاب الحذر احتراز عن مخيف والضمير للعدو فإنه يطلق على الجمع قال بعضهم احذروهم أي احفظوا أنفسكم من محبتهم وشدة التعلق والاحتجاب بهم ولا تؤثروا حقوقهم على حقوق الله تعالى وفي الحديث : "إذاك ان أمر آؤكم خياركم وؤغنياؤكم أسخياءكم وأمركم شورى بينكم أي ذا تشاور لا يتفرد أحد برأي دون صاحبه فظهر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم إلى نساءكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها وفي الحديث : "شاوروهن وخالفوهن" وقد استشار النبي عليه السلام أم سلمة رضي الله عنها كما في قصة صلح الحديبية فصار دليلاً لجوا استشارة المرأة الفاضلة ولفضل أم سلمة ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين لا نعلم ارمأة اشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة كذا قال وقد استدرك بعضهم ابنة شعيب في أمر موسى عليهما السلام.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
حكى) إن خسروا كان يحب أكل السمك فكان يوماً جالساً في المنظرة وشيرين عنده إذ جاء صياد ومعه سمكة كبيرة فوضعها بين يديه فأعجبته فأمر له بأربعة آلاف درهم فقالت شيرين بئس ما فعلت وٌّك إذاأعطيت بعد هذا أحداًمن عسكرك هذا القدر احتقره وقال أعطاني عطية الصياد فقال خسرو لقد صدقت لكن يقبح على الملوك أن يرجعوا في عطياتهم فقالت شيرين تدعو الصياد وتقول له هذه السمكة ذكر أو أنثى فإن قال ذكر فقل إنما أردنا أنثى وإن قال أثنى فقل إنما أردنا ذكرا فنودي الصياد فعاد فقال له الملك هذه السمكة ذكر أو أنثى فقال هذه السمكة خنثى فضحك خسرو من كلامه وأمر له بأربعة آلاف درهم أخرى فقبض ثمانية آلاف درهم ووضعها في جراب معها وحملها على كاهله وهم بالخروج فوقع
16
من الجاب درهم واحد فوضع الصياد الجراب وانحنى على الدرهم فأخذه والملك وشيرين ينظران إليه فقالت شيرين للملك أرأيت إلى خسة هذا الرجل وسفالته سقط منه درهم واحد فألقى عن كاهله ثمانية آلاف درهم وانحنى على ذلك الدرهم وأخذه ولم يسهل عليه أن يتكره فغضب الملك وقال لقد صدقت ياشيرين ثم امر بإعادة الصياد فقال يا نديء الهمة لست بإنسان ما هذا الحرص والتهالك على درهم واحد فقبل الصياد الأرض وقال إني لم أرفع ذلك الدرهم لخطره عندي وإنما رفعته عن الأرض لأن على أحد وجهيه اسم الملك وعلى الآخر صورته فخشيت أن يأتي أحد بغير علم فيضع عليه قدمه فيكون ذلك استخفافاً بالملك وصورته فتعجب خسرو من كلامه فأمر له بأربعة إلاف درهم أخرى وكتب وصية للناس بأن لا تطيعوا النساء أصلاً ولا تعملوا برأيهن قطعاً.
(10/12)
(وحكى) إن رجلاً من بني إسرائيل أتى سليمان عليه السلام وقال يا نبي الله أريد أن تعلمني لسان البهائم فقال سليمان إن كنت تحب أن تعلم لسان البهائم أنا أعلمك ولكن إذا أخبرت أحداً تموت من ساعتك فقال لا بر أحداً فقال سليمان قد علمتك وكان للرجل ثور وحمار يعمل عليهما في النهار فإذا أمسى ادخل عليهما علفاً فحط العلف بين يديهما فقال الحمار للثور أعطني الليلة عشاءك حتى يحسب صاحبنا إنك مريض فلا يعمل عليك ثم إني أعطيك عشائي في الليلة القابلة فرفع الثور رأسه من علفه فضحك الرجل فقلت امرأته لم تضحك قال لا شيء فلما جاءت الليلة القابلة أعطى الرجل للحمار علفه وللثور علفه وقال الثور أقضني السلف الذي عندك فإني أمسيت مغلوباً من الجوع والتعب فقال له الحمار إنك لا تدري كيف كان الحال قال الثور وما ذاك قال إن صاحبنا البارحة ذهب وقال للجزار ثوري مريض إذبحه قبل أن يعجف فاصبر الليلة وأسلفني أيضاً عشاءك حتى إذا جاءك الجزارصباحاً وجدك عجيفاً ولا يذبحك فتنجو من الموت ولا تعشيت يمتلىء بطنك فيخشى عليك أن يحسبك سميناً فيذبحك إني أرد لك ما أسفلتني الليلتين فرفع رأسه عن علفه ولم يأكل فضحك الرجل فقالت المرأة لم تضحك أخبرني وإلا طلقني فقال الرجل إذا أخبرتك بما ضحكت أموت من ساعتي فقالت : لا أبالي ، فقال : ائتني بالدواة والقرطاس حتى اكتب وصتي ثم أخبر ثم أموت ، فناولته فبينما هو يكتب إذ طرحت المرأة كسرة من الخبز إلى الكلب ، فسبق الديك وأخذها بمقناره قال الكلب : ظلمتني قال : الديك صاحبنا يريد الموت فتكون أنت شبعناً من وليمة المأتم ولكن نحن نبقى في مبيتا إلى ثلاثة أيام لاي فتح لنا الباب وإن يمت برضى امرأته أبعده الله وأسخطه فإن لي تسع نسوة لا تقدر واحدة منهن أن تسأل عن سري ولو كنت أنا مكانه لأضربنها حتى تموت أو تتوب وبعد ذلك لا تسأل عن سر زوجها فأخذ الرجل عصا ولم يزل يضربها حتى ثابت من ذلك.
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
زنى راكه جهلست وبار استى
بلا برسر خود نه زن خواستى
وأفادت من التبعيضية في قوله إن من أزواجكم الخ إن منها ما ليس بعدو كما قال عليه السلام الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة وقال عليه السلام ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة أن أمرها إطاعته وإن نظر إليها سره وإن أقسم عليها أبرته
17
وإن غاب عنها نصحته في نفسها وما له فإذا كانت المرأة على هذه الأوصاف فهي ميمونة مباركة وإلا فهي مشؤومة منحوسة.
كرا خانه آباد وهمخوا به دوست
خدارا برحمت نظر سوى اوست
{وَإِن تَعْفُوا} عن ذنوبهم القابلة للعفو بأن تكون متعلقة بأمور الدنيا أو بأمور الدين لكن مقارنة للتوبة {وَتَصْفَحُوا} يترك التثريب والتعيير يقال صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه والتثريب عليه {وَتَغْفِرُوا} بإخفائها وتمهيد عذرها {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يعاملكم بمثل ما عملتك ويتفضل عليكم وهذا كقوله وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً نزلت في عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه كان ذا أهل وولد وكان إذا أرادا العزو بكوه ورققوه وقالوا إلى من تدعنا فيرق ويقيم.
وأراد الحطيئة وهو شاعرمشهور سفراً فقال لامرأته :
عدى السنين لغيبتي وتصبري
وذرى الشهور فإنهن قصار
فأجابته :
واذكر صبابتنا إليك وشوقنا
وارحم بناتك إنهن صغار
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
(10/13)
وقيل إن ناساً من المؤمنين أرادوا الهجرة من مكة فثبطهم أزواجهم وأولادهم فزينوا لهم القعود قيل قالوا لهم أين تذهبون وتدعون بلدكم وعشيرتكم وأموالكم فضبوا عليهم وقالوا لئن جمعنا الله في دار الهجرة لم نصبكم بخير فلما هاجروا منعوهم الخير فحثوا على أن يعفوا عنهم ويردوا إليهم البر والصلة قال القاشاني وإن تعفوا بالمداراة وتصفحوا عن جرائمهم بالحلم وتغفروا جناياتهم بالرحمة لا ذنب ولا حرج إنما الذنب في الاحتجاب بهم وإفراط المحبة وشدة التعلق لا في مراعاة العدالة والفضيلة ومعاشرتهم بحسن الخلق فإنه مندوب بل اتصاف بصفات الله فإن الله غفوررحيم فعليكم بالتخلق بأخلاقه وفي الحث على العفو والصفح إشارة إلى أن ليس المراد من الأمر بالحذر تركهم بالكلية والإعراض عن معاشرتهم ومصاحبتهم كيف والنساء من أعظم نعم الجنة وبها نظام العالم فإنه لولا الأزواج لما وجد الأنبياء والأولياء والعلماء والصلحاء وقد خلق المخلوقات لأجلهم ومن الله على عبادة تذكير النعمة حيث قال خلق لكم من أنفسكم أزواجاً وهذا كما روى عنه عليه السلام إنه كان يقول اتقوا الدنيا والنساء فإن الأمر بالاتقاء إنما هو للتحذير عما يضر في معاشرتها لا للترك بالكلية فكما أن الدنيا لا تترك بالكلية ما دام المرء حياًو إنما يحذر من التعلق بها ومحبتها الشاغلة عن محبة الله تعالى فكذا النساء ولأمر ما حبب الله إليه عليه السلام النساء وقال عليه السلام : "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" كما سبق بيانه في سورة النجم فقد حث عليه السلام على وجو الولد الصالح ولم يعده من الديا بل عده من الخير الباقي في الدنيا وبه يحصل العمر الثاني وفي الآية إشارة إلى أن النفوس الأمارة أو اللوامة وأولادها وهي صفات تلك النفوس وأخلاقها الشهوانية عدو للإنسان يمنعه عن الهجرة إلى مدينة القلب فلا بد من الحذر عن متابعتها ومخالطتها بالكلية وتصرفاتها في جميع الأحوال وأن تعفوا عن هفواتهم الباطلة الواقعة منهم في بعض الأوقات لكونهم مطية
18
لكم وتصفحوا بعد التوبيخ والتعيير وتغفروا بأن تستروا ظلمتهم بنور إيمانكم وشعاع معرفة قلوبكم فإن الله غفور ساتر لكم يستر بلطفه رحيم بكم بإضافة رحمته عليكم جعلنا الله وإياكم من أهل تقواه ومغفرته وتغمدنا بأنواع رحمته {إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَـادُكُمْ فِتْنَةٌ} بلاء ومحنة يوقعونكم في الإثم والعقوبة من حيث لا تحتسبون.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
وقال الكاشفي) : آز مايش است تا ظاهركردده كدام از ايشان حق را برايشان يثار ميكند وكدام دل درمال وولد بسته از محبت الهي كرائه ميكيرد.
(10/14)
وجيء بإنما للحصر لأن جميع الأموال والأولاد فتنة لأنه لا يرجع إلى مال أو ولداً لا وهو مشتمل على فتنة واشتغال قلب وتأخير الأولاد من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى لأن الأولاد ألصق بالقلوب من الأموال لكونهم من أجزاء الآباء بخلاف الأموال فإنها من توابع الوجود وملحقاته ولذا جعل توحيد الأفعال في مقابلة الفناء عن الأولاد وتوحيد الذات في مقابلة الفناء عن النفس {وَاللَّهُ عِندَه أَجْرٌ عَظِيمٌ} لمن آثر محبة الله وطاعته على محبة الأموال والأولاد والتدبير في مصالحهم زهدهم في الدنيا بأن ذكر عيبها ورغبهم في الآخرة بذرك نعيمها وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، لا يقولن أحدكم اللهم اعصمني من الفتنة فإنه لسي أحد منكم يرجع إلى مال وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ولكن ليقل اللهم إني وذ بك من مضلات الفتن نظيره ما حكى عن محمد ابن المنكدر رحمه الله إنه قال قلت ليلة في الطواف الهم أعصمني واقسمت على الله تعالى ذي ذلك كثيراً فرأيت في المنام كأن قائلاً يقول لي إنه لا يفعل ذلك قلت لم قال لأنه يريد أن يعصي حتى يفغر وهذا من الأسرار المصونة والحكم المسكوت عنها وفي مشكاة لمصابيح كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخطب إذ جاء الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعران فنزل عليه السلام من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال صدق إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ثم أخذ عليه السلام في خطبته قال ابن عطية وهذه ونحوها هي فتنة الفضلاء فأما فتنة الجهال الفسقة فمؤدية إلى كل فعل مهلك يقال إن أول ما يتعلق بالجل يوم القيامة أهله وأولاده فيوقفونه بين يدي الله تعالى ويوقولن يا ربنا خذ بحقنا منه فإنه ما علمنا ما نجهل وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم فيقتص لهم منه وتأكل عياله حسناته فلا يبى له حسنة ولذا قال لعيه السلام يؤتى برجل يوم القيامة فيقال له أكل عياله حسناته وعن بعض السلف العيال سوس الطاعات وهو دود يقع في الطعام والثوب وغيرهما ومن ثم ترك كثير من السلف المال وإلا هل رأسا وأعرضوا عنهما بالكلية لأن كل شيء يشغل عن الله فهو مشؤون على صاحبه ولذا كان عليه السلام يقول في دعائه اللهم من أحبني وأجاب دعوتي فأقلل ماله وولده ، ومن أبغضني وم يجب دعوتي فأكثر ماله وولده وهذا للغالب عليهم النفس وأما قوله عليه السلام في حق أنس رضي الله عنه "اللهم أكثر ماله وولده وبارك فيما أعطيته فهو لغيره"
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} أي أبذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم قال بعضهم : أي إن علمتم ذلك وانتصحتم به فاتقوا ما يكون سبباً لمؤاخذة الله إياكم من تدبير أمورهما ولا ترتكبوا ما يخالف أمره تعالى من فعل
19
أو ترك وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى : {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} لما اشتد عليهم بأن قاموا حتى ورمت أقدامهم وتقرحت جباههم فنزلت تيسيراً لعباد الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنها آية محكمة لا ناسخ فيها لعله رضي الله عنه جمع بين الآيتين بأن يقول هنا وهنالك فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم واجتهدوا في الاتصاف به بقدر طاقتكم فإنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها وحق التقوى ما يحسن أن يقال ويطلق عليه اسم التقوى وذلك لا يقتضي أن يكون فوق الاستطاعة وقال ابن عطاء رحمه الله : هذا لمن رضي عن الله بالثواب فأما من لم يرض عنه إلا به فإن خطابه فاتقوا الله حق تقاته أشار رضي الله عنه إلى الفرق بين الأبرار والمقربين في حال التقوى فقوله تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم ناظر إلى الأبرار وقوله تعالى : فاتقوا الله حق تقاته ناظر إلى المقربين فإن حالهم الخروج عن الوجود المجازي بالكلية وهو حق التقوى وقال القاشاني فاتطوا الله في هذه المخالفات والآفات في مواضع البليات ما اساتطعتم بحسب مقامكم ووسعكم على قدر حالكم ومرتبتكم.
قال السري قدس سره المتقي : من لا يكون رزقه من كسبه.
ودر كشف الأسرار آورده كه دريك آيت اشارت ميكند بواجب مر ودر ديرى بواجب حق ون واحب أمر بيامد واجب حق را رقم نسخ بركشيد زيراكه حق بنده راك مطالبت كند بواجب أمر كند تافعل اودر دائره عفو داخل تواند شد واكر اورا بواجب حق بكيرد طاعت ومعصيت هزار ساله آنجا يكرنك دارد.
بي نيازي بين واستغنانكر
خواه مطرب باش وخواهى نوحه كر
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
(10/15)
اكر همه انببا وأوليا بهم آيند آن كيست كه طاقت آن داردكه بحق أو جل جلاله قيام نمايد يا جواب حق او باز دهد أمر او متناهيست أما حق أو متناهى نيست زيراكه بقاي أمر ببقاي تكلف است وتكليف درد نيسات كه سراي تكليف است أما بقاي حق ببقاي ذاتست وذات متناهى نست س حق متناهى نيست واجب أمر برخيز داما واجب حق برتخيزد دنيا دركذرد ونوبت أمر باوي دركذرد أما نوبت حق نفركز در نكذرد امروز هركسى را سودايي درسرست كه درا مر مي نكرند انببا ورسل بنبوت ورسالت خوتش مي نكرند فرشتكان بطاعت وعبادت خودمي نكرند مؤحدان ومجتهدان ومؤمنان ومخلصان بتوحيد وإيمان وإخلاص خويش مي نكرند فرد ون سرادقات حق ربوبيت باز كشند انبيا باكمال حال خويش حديث علم خود طي كنند كويند لا علم لنا ملائكه ملكوت صومعهاى عبادت خود آتش درزنندكه ما عبد ناك حق عبادتك عارفان وموحدان كويند ما عرفناك حق معرفتك واسمعوا} مواعظه {وَأَطِيعُوا} اوامره {وَأَنفِقُوا} مما رزقكم في الوجوه التي أمركم بالانفاق فيها خالصاً لوجهه عن ابن عباس رضي الله عنهما إن المراد بالإنفاق الزكاة والظاهر العموم وهو مندرج في الإطاعة ولعل أفراده بالذكر لما إن الاحتياج إليه كان أشد حينئذٍ وإن المال شقيق الروح ومحبوب النفس ومن ذلك قدم الأموال على الأولاد في الموضاع حتى قال الامام الغزالي رحمه الله إنه قد يكون حب المال من أسباب سوء العاقبة فإنه إذا كان حب المال غالباً على حب الله فحين علم محب المال إن الله
20
يفرقه عن محبوب عقد في قلبه البغضنعوذ بالله من ذلك وهذا كما ترى إن أحداً إذا أحب دنياه حباً غالباً على حب ابنه فلو قصد الابن إن يأخذها منه لأبغض الابن وأحب هلاكه {خَيْرًا لانفُسِكُمْ} خبر لكان المقدر جواباً للأوامر أي يكن خيراً لأنفسكم لأ مفعول لفعل محذوف أي ائتوا وافعلوا خيراً لأنفسكم واقصدوا ما هو أنفع لها وهو تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر وبيان كلون الأمور المذكورة خيراً لأنفسهم من الأموال والأولاد وما هم عاكفون عليه من حب الشهوات وزخارف الدنيا {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} أي ومن يقه الله ويعصمه من بخل نفهس الذي هي الرذيلة المعجونة في طينة النفس وقد سبق بيانه في سورة الحشر وبالفارسية وهركه نكاه داشت ازبخل نفس خود يعني حق خدا يرا إمساك نكند ودر راه وى بذل مي نمايد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
وهو مجهول مجزوم الآخر بمن الشرطية من الوقاية المتعدية إلى المفعولين وشح مفعول ثان له باق على النصب والأول ضمير من القائم مقام الفاعل {فأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الفائزون بكل مرام وفي الحديث (كفى بالمرء من الشح أن يقول آخذ حقي لا أترك منه شيئاً) وفي حديث الأصمعي أتى أعرابي قوماً فقال لهم هذا في الحق أو فيما هو خير منه قالوا وما خير من الحق قال التفضل والتغافل أفضل من أخذ الحق كله كذا في المقصاد الحسنة.
(روى) عن النبي عليه السلام إنه كان يطوف بالبيت فإذا رجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول بحرمة هذا البيت إلا غفرت لي وقال عليه السلام وما ذنبك صفة لي قال هو أعظم من أن أصفه لك قال ويحك ذنبك أعظم أم الأرضون قال : بل ذنبي يا رسول الله ، قال : ويحك ذنبك أعظم أم الجبال ، قال : بل ذنبي يا رسول الله ، قال : فذنبك أعظم أم السموات ، قال : بل ذنبي ، قال : فذنبك أعظم أم العرش ، قال : بل ذنبي أعظم ، قال : فذنبك أعظم أم الله ، قال : بل الله أعظم وأعلى ، قال : ويحك صف لي ذنبك ، قال : يا رسول ا إني ذو ثروة من المال وإن السائل ليأتيني ليسألتي فكأنما يستقبلني بشعلة من النار ، فقال عليه السلام عني.
يعني دورشو ازمن.
لا تحرقني بنارك فو الذي بعثني بالهداية والكرامة لو قمت بين الركن والمقام ثم بكيت ألفي عام حتى تجري من دموعك الأنهار وتسقي بها الأشجار ثم مت وأنت لئيم لكبك الله في النار أما علمت أن البخل كفر وإن الكفار في النار ويحك أما علمت أن الله يقول ومن يخبل فإنما يبخل عن نفسه ومن يوق شح نفسه فأولئك المفلحون.
فروماند كاترا درون شادكن
زروز فرو مادنكي يادكن
نه خواهنده بر در ديكران
بشكرانه خواهند ازدر مران
وفي الآية إشارة إلى أن الإنفاق على الغير علما أو ما لا انفاق على نفسك بالحقيقة والناس كنفس واحدة لانتفاء الغيرية في الأحدية وإن من وفق لانفاق الوجود المجازي في الله فاز بالموجود الحقيقي من الله تعالى {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ} بصرف أموالكم إلى المصارف التي عينها وبالفارسية اكر فرض دهيد خدا يرا يعني صرف كنيد در آنه فرمايد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
وذكر القرض تلطف في الاستدعاء كما في الكشاف ، قال : في اللباب القرض القطع ومنه المقراض لما
21
(10/16)
يقطع به وانقرض القوم إذا هلكوا وانقطع أثرهم ويل للقرض قرض لأنه قطع شيء من المال هذا أصل الاشتقاق ثم اختلفوا فيه فقيل اسم لكل ما يلتمس الجزاء عليه وقيل أن يعطي أحداً شيئاً ليرجع إليه ثم قيل لفظ القرض هنا حقيقة على المعنيين وقيل مجاز على الثاني لأن الراجع ليس مثله بل بدله وإليه يميل ما في الكشاف في سورة البقرة إقراض الله مثل لتقديم العمل الذي يطلب ثوابه لعله الوجه فيكون بقرض استعارة تصريحية تبعية وقوله {قَرْضًا حَسَنًا} تصريحية ألية أي مقروناً بالإخلاص وطيب النفس قال سهل رضي الله عنه القرض الحسن المشاهدة بقلوبكم في أعمالكم كما قال إن تعبد الله كأنك تراه وقرضاً إن كان بمعنى أقراضاً كان نصبه على المصدرية وإن كان بمعنى مقرضاً من النفقة كان مفعولاً ثانياً لتقرضوا لأن الأقراض يتعدى إلى مفعولين ففي التعبير عن الإنفاق بالإقراض وجعله متعلقاً بالله الغنى مطلقاً والتعبير عن النفقة بالقرض إشارة إلى حسن قبلو الله ورضاه وإلى عدم الضياع وبشارة باستحقاق المنفق ببركة إنفاقه لتمام الاستحقاق {يُضَاعِفْهُ لَكُمْ} من المضاعفة بمعنى التضعيف أي التكثير فليس المفاعلة هنا للاشتراك أي يجعل لكم أجره مضاعفاً ويكتب بالواحد عشرة وسبعين وسبعائة وأكثر بمقتى مشيئته على حسب النيات والأوقات والمحال {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ببركة الانفاق ما فرط منكم من بعض الذنوب {وَاللَّهُ شَكُورٌ} يعطي الكثير بمقابلة اليسير من الطاعة أو يجازي العبد على الشكر وهو الاعتراف بالنعمة على سبيل الخضوع فسمى جزاء الشكر شكراً أو الله شكور بمعنى إنه كثير الثناء على عبده بذكر أفعاله الحسنة وطاعته فالشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه وهذا المعنى مختار الامام القشيري رحمه الله والشكو مبالغة الشاكر والشاكر من له الشكر سئل بعضهم من أشكر الشاكرين فقال الطاهر من الذنوب يعد نفسه من المذنبيني والمجتهد في النوافل بعد أداء الفرائض يعد نفسه من المقصرين والراضي بالقليل من الدنيا يعد نفسه من الراغبين والقاطعبذكر الله دهره يعد نفسه من الغافلين والراغب في العمل يعد نفسه من المفلسين فهذا أشكر الشاكرين ومن أدب من عرف أنه تعالى شكور أن يجد في شكره ولا يفتر ويواظب على حمده ولا يقصر والشكر على أقسام شكر بالبدل وهو أن لا تستعمل جوارحك في غير طاعته وشكر بالقلب وهو آن لا تشغل قلبك بغير ذكره ومعرفته وشكر باللسان وهو أن لا تستعمله في غير ثنائه ومدحته وشكر بالمال وهو أن لا تنفقه في غير رضاه ومحبته.
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
نفس مي نيارم زد از شكر دوست
كه شكرى نه دانم كه درخورد اوست
عاييست هر موي از وبر تنم
كونه بهر موى شكرى كنم
وأحسن وجوه الشكر لنعم الله أن لا تستعملها في معاصيه بل في طاعته وخاصية اسم الشكور التوسعة ووجود العافية في البدن وغيره بحيث لو كتبه من به ضيق في النفس وتعب في ائبدن أعياء أشد الأعياء وثقل في الجسم وتمسح به وشرب منه برىء بإذن الله تعالى وإن تمسح به ضعيف البصر على عينيه وجد بركة ذلك ويكتب إحدى وأربعين مرة {حَلِيمٌ} لا يعاجل بالعقوبة مع كثرة ذنوبكم بالبخل والإمساك ونحوهما فيحلم حتى يظن الجاهل أنه
22
ليس عيلم ويستر حتى يتوهم الغافل إنه ليس يبصر ، قال الامام الغزالي رحمه الله الحليم هو الذي شاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثم لا يستفزه غضب ولا يعتريه غيظه ولا يحمله على المسارعة إلى الانقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش كما قال الله تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة.
(حكى) إن إبراهيم عليه السلام لما رأى ملكوت السموات والأرض رأى عاصياً في معصيته فقال اللهم أهلكه فأهلكه الله ثم رأى آخر فدعا عليه فأهلكه الله ثم رأى آخر فدعا عليه فأهلكه الله ثم رأى رابعاً فدعا عليه فأوحى الله إليه أن قف يا إبراهيم فلو أهلكنا كل عاص رأيناه لم يبق أحد من الخلق ولكنا بحملمنا لا نعذبهم بل نمهلهم فأما أن يتوبوا وأما أن يصروا فلا يفوتنا شيء قيل الحلم حجاب الآفات وقيل الحلم ملح الأخلاق.
وشتم الشعبي رجل فقال إن كنت كاذباً غفر الله لك وإن كنت صادقاً غفر الله لي وكان الأحنف يضرب به المثل في الحلم وهو يقول إني صبور ولست بحليم والفرق بين الحليم والصبور إن المذنب لاي أمن العقوبة في صفة الصبور كما يأمنها في صفة الحليم يعني إن الصبور يشعر بأنه يعاقب في الآخرة بخلاف الحليم كما في المفاتيح والتخلق بالاسم الحليم إنما هو بأن يصفح عن جنايات الناس ويسامح لهم فيما يعاملونه به من السيئات بل يجازيهم بلإحسان تحقيقاً للحلم والغفران وفي الأربعين الإدريسية يا حليم ذا الأناة فلا يعادله شيء من خلقه قال السهر وردى رحمه الله من ذكره كان مقبول القول وافر الحرمة قوي الجاش بحيث لا يقدر عليه سبع ولا غيره والأناة على وزن القناة هو التثبت والوقار {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} خبر بعد خبر أي لا يخفى عليه خافية.
(
سورة الطلاق(10/17)
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
وقال الكاشفي) : ميداند آنه ظاهر ميكنند از تصدق وانه نهان ميدارند دردلها از راي واخلاص.
وقد سبق الكلام عليه في أواخر سورة الحشر ولعل تقديم الغيب لأن عالم الغيب أعم والعلم به أتم {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} البالغة في القدرة والحكمة.
(وقال الكاشفي) : غالبست انتقام تواند كشيد از كسى كه صدقه أو خالص نبود حكم كننده بكرامت آنهراكه ازروى صدق تصدق نمايند.
والحكم سابق فالعبرة به لا بالصورة ولذا رد بلعم بن باعور وقبل كلب أصحاب الكهف قال أبو علي الدقاق قدس سره لما صرفوا ذلك الكلب ولم ينصرف أنقه الله تعالى فقال لم تصرفونني إن كان لكم إرادة فلي أيضاً إرادة وإن كان خلقكم فقد خلقني أيضاً فازدادوا بكلامه يقيناً ولما سمعوا كلامه اتفقوا على استصحابه معهم إلا إنهم قالوا يستدل علينا بآثار قدمه فالحيلة أن تحمله بالحيلة فحلمه الأولياء على أعناقهم وهم يمشون لما أدركه من العناية الألية وكذا لم يكن في الملائكة أكبر قدراً ولا أجل خطراً من إبليس إلا أن الحكم الأزلي بشقاوته كان خفياً عن العباد فلما ظهر فيه الحكم الأزلي لعنه من عرفه ومن لم يعرفه.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص23 حتى ص33 رقم3
كليد قدر نيست دردست كس
تواناي مطلق خدايست وبس
ززنبور كرد اين حلاوت بديد
همانكس كه در مار زهر آفريد
خدايا بغفلت شكستيم عهد
ه زور آورد باقضا دست جهد
23
ه بر خيزد از دست تدبيرما
همين نكته بس عذر تقصير ما
همه هره كردم توبرهم زدى
ه قوت كندبا خداي خودى
نه من سرز حكمت بدرمى روم
كه حكمت نين مى رود بر سرم
وقال الحافظ الشيرازي رحمه الله :
نقش مستورى ومستى نه بدست من وتست
آنه سلطان ازل كفت بكن آن كردم
(وقال أيضاً) :
درين من نكنم سرزنش بخود رويى
نانكه رورشم ميد هندمى رويم
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما من مولود يولد إلا في شبابيك رأسه مكتوب خمس آيات من سورة التغابن يعني نيست هج مولودي كه مولودمى شود مكركه در مشبكهاهى شرش مكتوبست نج آيت از سورءه تغابن.
والشبابيك جمع شباك بالضم كزنار مثل خفافيش وخفاش أو جمع شباكة بمعنى المشبك وهو ما تداخل بعضه في بعض وفي الحديث (من قرأ سورة التغابن رفع عنه موت الفجاءة) وهي بالمدمع ضم الفاء وبالقصر مع فتح الفاء البغتة دون تقدم مرض ولا سبب.
جزء : 10 رقم الصفحة : 10
تفسير
اثنتا عشرة آية مدنية وتسمى سورة النساء القصرى
جزء : 10 رقم الصفحة : 23
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
يا اأيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ} التطليق طلاق دادن يعني عقدة نكاح راحل كردن وكشادن.
قال في المفردات : أصل الطلاق التخلية من وثاق ويقال : أطلقت البعير من عقاله وطلقته وهو طالق وطلق بلا قيد ومنه استعير طلقت المرأة إذا خليتها فهي طالق أي مخلاة عن حبالة النكاح انتهى والطلاق اسم بمعنى التطليق كالسلام والكلام بمعنى التسليم والتكليم وفي ذلك قالوا المستعمل في المرأة لفظ التطليق وفي غيرها لفظ الإطلاق حتى لو قال : أطلقتك لم يقع الطلاق ما لم ينو ولو قال طلقتك وقع نوى أو لم ينو والمعنى إذا أردتم تطليق النساء المدخول بهن المعتدات بالإقراء وعزمتم عليه بقرينة فطلقوهن فإن الشيء لا يترتب على نفسه ولا يؤمر أحد بتحصيل الحاصل ففيه تنزيل المشارف لشليء منزلة الشارع فيه والأظهرإنه من ذكر السبب وإرادة المسبب وتخصيص النداء به عليه السلام مع عموم الخطاب لأمته أضاً لتحقيق إنه المخاطب حقيقة ودخولهم في الخطاب بطرق استتباعه عليه السلام إياهم وتغليبه عليهم ففيه تغليب المخاطب عى الغائب والمعنىء إذا طلقت أنت وأمتك وفي الكشاف خص النبي بالنداء وعم بالخطاب لأن النبي أمام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم يا فلان افعلوا كيت وكيت إظهاراً لتقدمه واعتباراً لترؤسه وإنه لسان قومه فكأنه هو وحده في حكم كلهم لصدورهم عن رأيه
24
كما قال البقلي إذا خاطب السيد بأن شرفه على الجمهور إذ جمع الجميع في اسمه ففيه إشارة إلى سر الاتحاد وفي كشف السرار فيه أربعة أقوال أحدها إنه خطاب للرسول وذكر بلفظ الجمع تعظيماً له كما يخاطب الملوك بلفظ الجمع والثاني إنه طاب له والمراد أمته والثالث أن التقدير يا اأيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ} فحذف لأن الحكم يدل لعيه والرابع معناه يا أيها النبي قل للمؤمنين إذا طلقتم انتهى.(10/18)
يقول الفقير هذا الأخير أنسب بالمقام فيكون مثل قوله يا أيها النبي قل لأزواجك قل للمؤمنين قل للمؤمنات ولأن النبي عليه السلام وإن كان أصيلاً في المأمورات كما أن أمته أصيل في المنهيات إلا أن الطلاق لما كان أبغض المباحات إلى الله تعالى كما سيجيء كان الأولى أن يسند التطليق إلى أمته دونه عليه السلام مع أنه عليه السلام قد صدر منه التطليق فإنه طلق حفصة بنت عمر رضي الله عنهما واحدة فلما نزلت الآية راجعها وكانت علامة كثيرة الحديث قريباً منزلتها من منزلة عائشة رضي الله عنها فقيل له عليه السلام راجعها فإنه صوامة قوامة وإنها من نسائك في الجنة حكاه الطبري وفي الحديث بيان فضل العلم وحفظ الحديث ومحبة الله الصيام والقيام وكرامة أهلهما عنده تعالى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
وآورده اندكه عبد الله ن عمر رضي الله عنهما زن خودرا درحال حيض طلاق داد حضرت رسالت فرمود تارجوع كندو آنكاه كه از حيض اك شود اكرخواهد طلاق دهدو درين باب آيت آمد.
والقول الأول : هو الأمثل والأصح فيه إنه بيان لشرع مبتدأ كما في حواشي سعدى المفتي فطلقوهن لعدتهن} العدة مصدر عدة يعده وسئل رسول الله عليه السلام ، متى تكون القيامة ، قال : "إذا تكاملت العدتان أي عدة أهل الجنة وعدة أهل النار أي عددهم وسمى الزمان الذي تتربص فيه المرأة عقيب الطلاق أو الموت عدة لأنها تعد الأيام المضروبة عليها وتنتظر أوان الفرج الموعود لها" كما في الاختيار ، المعنى فطلقوهن مستقبلات لعدتهن متوجهات إليها وهي الحيض عند الحنفية فاللام متعلقة بمحذوف دل لعيه معنى الكلام والمرأة إذا طلقت في طهر يعقب القرء الأول من أقرآئها فقد طلقت مستقبلة لعدتها والمراد أن يطلقن في طهر لم يقع فيه جماع ثم يخلين حتى تنقضى عدتهن وهذا أحسن الطلاق وأدخله في السنة وأبعده من الندم لأنه ربما ندم في إرسال الثلاث دفعة فالطلاق السني هو أن يكون في طهر لمي جامعها فيه وإن يفرق الثلاثق في الإطهار الثلاثة وأن يطلقها حاملاً فإنها إذا على طهر ممتد فتطليقها حلال وعلى وجه السنة والبدعي على وجوه أيضاً منها أن يكون في طهر جامع فيه لما فيه من تطويل العدة أيضاً على قول من يجعل العدة بالإطهار وهو الشافعي حيث إن بية الطهر لا تحتسب من العدة ومنها ما كان في الحيض أو النفاس لما فيه من تطويل العدة أيضاً على قول من يجعل العدة الحيض وهو أبو حنيفة رحمه الله لأن بقية الحيض لا تحتسب إلا أن تكون غير مدخول بها فإنه لا بدعة في طلاقها في حال الحيض إذ ليس عليها عدة أو تكون مما لا يلزمها العدة بالإقراء فإن طلاقها لا يتقيد بزمان دون زمان ومنها ما كان بجمع الثلاث أي أن يطلقها ثلاثاً دفعة أو في طهر واحد متفرقة ويقع الطلاق المخالف للسنة في قول عامة
25
الفقهاء وهو مسيء بل آثم وذا كان عمر رضي الله عنه لاي ؤتى برجل طلق امرأته ثلاثا إلا أوجعه ضرباً وطلق رجل امرأته ثلاثاً بين يديه عليه السلام فقال : أتلعبون بكتاب الله وأنا بين أظهركم أي ميم بينكم وفيه إشارة إلى أن ترك الأدب في حضور لأكابر أفحش ينبغي أن يصفع صاحبه أشد الصفع وقال الشافعي : اللام في لعدتهن متعلقة بطلقوهن لأنها للتوقيت بمعنى عند أوفى فيكون المعنى في الوقت الذي يصلح لعدتهن وهو اطهرو قال أبو حنيفة رحمه الله : الطلاق في الحيض ممنوع بالإجماع فلا يمنك جعلها للتوقيت فإن قلت قوله إذا طلقتم النساء عام يتناول المدخول بهن وغير المدخول بهن من ذوات الإقراء واليائسات والصغائر والحوامل فكيف صح تخصيصه بذوات الإقراء المدخول بهن قلت لا عموم ثمة ولا خصوص ولكن الإنساء اسم جنس للإناث من الأنس وهذه الجنسية معنى قائم في كلهن وفي بعضهن فجاز أن يراد بالنساء هذا وذاك فلما قيل فطلقوهن لعدتهن علم أنه أطلق على بعضهن وهن المدخول بهن من المعتدات بالحيض فإن قلت الطلاق موقوف على النكاح سابقاً أو لاحقاً والنكاح موقوف على الرضى من المنكوحة أو من وليها فيلزم أن يكون الطلاق موقوفاً على الرضى بالنكاح وهو واقع غير باطل لا موقوفاً على الرضى نفسه الذي هو الباطل الغير الواقع فتكفر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
(10/19)
واعلم أن النكاح والطلاق أمر أن شرعيان من الأمور الشرعية العادية لهما حسن موقع وقبح موقع بحسب الأحوال والأوقات وقد طلق عليه اسلام حفصة رضي الله عنها تطليقة واحدة رجعية كما سبق وكذا تزوج سودة بنت زمعة بمكة بعد موت خديجة رضي الله عنها وقبل العقد على عائشة رضي الله عنها ثم طلقها بالمدينة حين دخل عليها وهي تبكي على من قتل من أقاربها يوم بدر فاستشفعت إلى النبي عليه السلام وهبت يومها لعائشة فراجعها فإن قلت كيف فعل رسول الله ذلك وقد قال : "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" وقال عليه السلام : "يا معاذ ما خلق الله شيئاً على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق" وذلك لأن النكاح يؤدي إلى الوصال والطلاق يؤدي إلى الفراق والله يحب الوصال ويبغض الفراق لا شمس ليوم الفراق ولا نهار ليلة القطعية.
رابعة عدوية كفته كه كفر طعم فراق دارد وإيمان لذت وصال.
وقس عليه الإنكار والإقرار.
وآن طعم واين لذت فرداي قيامت بديد آيدكه دران صحراى هيبت وعرصة سياست قومي راكويند فراق لا وصال وقومي راكويند وصال لا نهاية له.
سوختكان فراق همي كويند
فراق أو ززماني هزار روز آرد
يبلاي اوزشبي هم هزار سال كند
افرو ختكان وصال همي كويند
سرا رده وصلت كشيد روزنواخت
بطبل رحلت برزد فراق يا دوال
وفي الحديث تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش وعنه عليه السلام لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله لا يحب الذواقين والذواقات وعنه عليه السلام إيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما باس فحرام عليها رائحة الجنة قلت يحتمل أن يكون في ذلك حكمة لا نلع عليها بعد أن علمنا إنه عليه السلام نبي حق لا يصدر منه ما هو خلاف الحق وقد دل
26
الحديث الآخر إن النهي إنما يكون عما لا وجه فيه وأن يكون لإظهار جواز الطلاق والرجعة منه كما وجهوا بذلك ما وقع من غلبة النوم عليه وعلى أصحابه ليلة التعريس إلى أن طلعت الشمس وارتفعت بمقدار فإن بذلك علم شرعية لاضاءوأن يصلي بالجماعة وأن يصدر منه عليه السلام الأحاديث المذكورة بعد ما وقع قضية حفصة وسودة رضي الله عنهما وأن يكون من قبيل ترك الأولى وقد جوزوا ذلك للأنبياء عليهم السلام فإن قلت لعل ما فعله أولى من وجه وإن كان ما أمر الله به أولى من وجه آخر قلت لا شك أن ما أمر الله به كان أرجح وترك الأرجح ترك الأولى هذا ولعل أرجحية المراجعة في وقت لا تقتضي أرجحية ترك الطلاق على فعله في وقت آخر لأن في كل وقت احتمال أرجحية أمر والله أعلم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
يقول الفقير : أمده الله القدير إن النبي عليه السلام كان قد حبب إليه النساء لما يحب في النكاح من ذوق القربة والوصلة فالنكاح إشارة إلى مقام الجمع الذي هو مقام الولاية كما دل عليه قوله عليه السلام : "أرحني يا بلال والطلاق إشارة إلى مقام الفرق الذي هو مقام النبوة" كما دل قوله عليه السلام : "كلميني يا حميراء فالأول وصل الفصل والثاني فصل الوصل" وإن كان عليه السلام قد جمع بين الفصل والوصل والفرق والجمع في مقام واحد وهو جمع الجمع كما دل عليه قوله تعالى {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} الإحصاء دانستن وشمردن بر سبيل استقصاء.
أي وأضبطوها بحفظ القوت الذي وقع فيه الطلاق وأكملوها ثلاثة أقراء كوامل لا نقصان فيهن أي ثلاث حيض كما عند الحنفية لأن الغرض من العدة استبراء الرحم وكماله بالحيض الثلاث لا بالإطهار كما يغسل الشيء ثلاث مرات لكمال الطهارة والمخاطب بالإحصاء هم الأزواج لا الزوجات ولا المسلمون وإلا يلزم تفكيك الضمائر ولكن الزوجات داخلة فيه بالإلحاق وقال أبو الليث : أمر الرجال بحفظ العدة لأن في النساء غفلة فربما لا تحفظ عدتها وإليه مال الكاشفي ، حيث قال : وشمار كنيد اي مردان عدت زنانراكه ايشان ازضبط عاجزند يا ازاحصاي آن غافل.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
(10/20)
فالزوج يحصى ليتمكن من تفريق الطلاق على الإقراء إذا أراد أن يطلق ثلاثاً ، فإن إرسال الثلاث في طهر واحد مكروه عن أبي حنيفة وأصحابه وإن كان لا بأس به عند الشافعي وأتباعه حيث قال : لا أعرف في عد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح وليعلم بقاء زمان الرجعة ، ليراجع إن حدثت له الرغبة فيها وليعلم زمان وجوب الانفاق عله وانقضائه وليعلم إنها هل تستحق عليه يسكنها في البيت أوله أن يخرجها وليتمكن من إلحاق نسب ولدها به وقطعه عنه قالوا وعلى الرجال في بعض المواضع العدة (منها إنه إذا كان للرجل إربع نسوة فطلق إحداهن لا يحل له أن يتزوج بارمأة أخرى ما لم تنقض عدتها ومنها ه إذا كان له ارمأة ولها أخت فطلق امرأته لاي حل له يتزوج أختها ما دامت في العدة) ومنها إنه إذا اشترى جارية لا يحل له أن يقربها ما لم يستبرئها بحيضة (ومنها إنه إن تزوج حربية لا يحل له أن يقربها ما لم يستبرئها بحيضة) ومنها إنه إذا بلغ المرأة وفاة زوجها فاعتد وتزوجت وولدت ثم جاء زوجها الأول فهي امرأته لأنها كانت منكوحته ولم يعترض شيء من أسباب الرقة فبقيت على النكاح السابق ولكن
27
لا يقربها حتى تنقضي عدتها من النكاح الثاني ووجوب العدة لا يتوقف على صحة النكاح إذا وقع الدخول بل تجب العدة في صورة النكاح الفاسد أيضاً على تقدير الدخول) ومنها : إه إذا تزوج حربية مهاجرة إلى داربا بأمان وتركت زوجها في دار الحرب فلا تحل له ما لم يستبرئها بحضة عند الإمامين وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه العدة (ومنها إنه إذا تزوج امرأة حاملاً لا يحل له أن يطأها حتى تضع الحمل) ومنها إنه إذا تزوج بامرأة وهي حائض لا يحل له أن يقربها حتى تتطهر من حيضها ومنها إنه إذا تزوج بارمأة نفساء لا يحل له أن يقربها حتى تتطهر من نفاسها ونمها إنه إذا زنى بمرأة ثم تزوجها لا يحل له أن يقربها ما لم يستبرئها بحيضة {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ} في تطويل لعدة عليهم والإضرار بهن بإيقاع طلاق ثان بعد الرجعة فالأمر بالتقوى متعلق بما قبله وفي وصفه تعالى بربوبيته لهم تأكيد للأمر ومبالغة في إيجاب الاتقاء والتقوى في الأصل اتخاذ الوقاية وهي ما بقي الإنسان مما يكرهه ويؤمل أن يحفظه ويحو بينه وبين ذلك المكروه كالترس ونحوه ثم استعير في الشرع لاتخاذ ما بقي العبد بوعد الله ولطفه من قهره ويكون سبا لنجاته من المضار الدائمة وحياته بالمنافع القائمة وللتقوى فضائل كثيرة ومن اتقى الله حق تقواه في جميع امراتب كوشف بحقائق البيان فلا يقع له في الأشياء شك ولا ريب
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
{لا تُخْرِجُوهُنَّ} بيرون مكنيد زنان مطلقه {مِنا بُيُوتِهِنَّ} من مساكنهن التي يسكنها قبل العدة أي لا تخرجوهن من مساكنكم عند الفراق إلى أن تنقضي عدتهن وإنما أضيفت البهن مع إنها لأزواجهن لتأكيد النهي بيبان كمال استحقاقهن لسكناها كأنها أملاكهن وفي ذكرالبيوت دون الدار إشارة إلى أن اللازم على الزوج في سكنهاهن ما تحصل المعية فيه لأن الدار ما يشتمل البيوت {وَلا يَخْرُجْنَ} ولو بإذن منكم فإن الأذن بالخروج في حكم الإخراج ولا أثر عندنا لاتفاقهما على الانتقال لأن وجوب ملازمة مسكن الفراق حق الشرع ولا يسقط بإسقاط العبدك ما قال في الكشاف فإن قلت ما معنى الإخراج وخروجهن قلت معنى الإخراج أي لا يخرجهن البعولة غضباً عليهن وكراهة لمساكنتهن أو لحاجة لهم إلى المساكن وإن لا يأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك إيذاناً بأن أذنهم لاأثر له في دفع الحظر ولا يخرجن بأنفسهن إن أردن ذلك انتهى فإن خرجت المعتدة لغير ضرورة أو حاجة أثمت فءٌّ وقعت ضرورة بأن خافت هدماً أو حرقاً لها أن تخرج إلى منزل آخر وكذلك إن كانت لها حاجة من بيع غزل أو شراء قطن فيجوز لها الخروج نهاراً لا ليلاً كما في كشف الأسرار {إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَـاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} أي الزنى فيخرجن لإقامة الحدعليهن ثم يعدن وبالفارسية مكر بيارند كردار ناخوش كه روشن كننده حال زنان بود دربد كرداري.
وقال بعضهم : مبينة هنا بالكسر لازم بمعنى بين متبينة كمبين من الإبانة بمعنى بين والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال وهو الزنى في هذا المقام وقيل البذاء بالمدو هو القولا لقبيح وإطالة اللسان فإنه في حكم النشور في إسقاط حقهن فالمعنى إلا أن يبذون على الأزواج وأقاربهم كالأب والأخ فيحل حينئذٍ إخراجهن وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو كل
28
(10/21)
معصية وهو استثناء من الأول أي لا تخرجوهن في حال من الأحوال إلا حال كونهن آتيات بفاحشة أو من الثاني للمبالغة في النهي عن الخروج ببيان أن خروجها فاحشة أي لا يخرجن إلا إذا ارتكبن الفاحشة بالخروج يعني إن من خرجت أتت بفاحشة كما يقال لا تكذب إلا أن تكون فاسقاً يعني أن تكذب تكن فاسقاً {وَتِلْكَ} الأحكام {حُدُودُ اللَّهِ} التي عينها عباده والحد الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر {وَمَن يَتَعَدَّ} أصله يتعدى فحذفت اللام بمن الشرطية وهو من التعدي المتعدي بمعنى التجاوز أي ومن يتجاوز {حُدُودُ اللَّهِ} حدوده المذكورة بأن أخل بشيء منها على أن الإظهار في حين الإضمار لتهويل أمر التعدي والإشعار بعلية الحكم في قوله تعالى : {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} أي أضربها قال البقلي قدس سره : إن الله حدا لحدود بأوامره ونواهيه لنجاة سلاكها فإذا تجاوزوا عن حدوده يسقطون عن طريق الحق ويضلون في ظلمات البعد وهذا أعظم الظلم على النفوس إذ منعوها من وصولها إلى الدرجات والقربى قال بعضهم : التهاون بالأمر من قلة المعرفة بالآمر فلا يد من الخوف أو الرجاء أو الحياة أو العصمة في علم الله فهي أسباب أربعة لا خامس لها حافظة من الوقوع فيما لا ينبغي فمن لسي له واحد من هذه الأسباب وقد وقع ف يالمعصية وظلم النفس فالكامل يعطي نفسه حقها ظاهراً وباطناً ولا يظلمها.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
حكى) إن معروف الكرخي قدس سره رأى جارية من الحور العينف قال : لمن أنت يا جارية ، فقالت : لمن لا يشرب الماء المبرد في الكيزان ، وكان قد برد له كوز ماء ، ليشربه فتناولت الحوراء الكوز ، فضربت به الأرض فكسرته ، قال السري السقطي رحمه الله : ولقد رأيت قطعه في الأرض لم ترفع حتى عفا عليها التراب ، فكانت الحوراء لمعروف حين امتنع من شر الماء المبرد وكانت جزاء له في إعطائه نفسه حقها فإن في جسده من يطلب ضد الجارية ونحوها فلا بد من إعطاء كل ذي حق حقه {لا تَدْرِى} تعليل لمضمون الشرطية أي فإنك أيها المتعدي لا تدري عاقبة الأمر وقال بعضهم : لا تدري نفس {لَعَلَّ اللَّهَ} شايد خداي تعالى {يُحْدِثُ} يوجد في قلبك فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء والحدوث كون الشيء بعد أن لم يكن عرضاً كان ذلك أو جوهر أو إحداثه إيجاده {بَعْدَ ذَالِكَ} الذي فعلت من التعدي {أَمْرًا} يقتضي خلاف ما فعلته فيبدل ببضها محبة وبالإعراض عنها إقبالاً إلها ولا يتسنى تلافيه برجعة أو استئناف نكاح فالأمر الذي يحدثه الله تعالى أن يقلاب قلبه عما فعله بالتعدي إلى خلافه فالظلم عبارة عن رر دنيوي يلحقه بسب تعديه ولا يمكن تداركه أو ن مطلق الضرر الشامل للدنيوي والأخروي ويخص التعليل بالدنيوي ليكون احتراز الناس منه أشد واهتمامهم بدفعه أقوى وفي الآية دلالة على كراهة التطليق ثلاثاً بمرة واحدة لأن إحداث الرجعة لاي كون بعد الثلاث ففي الثلاث عون للشيطان وفي تركها رغم له فإن الطلاق من أهم مقاصده كما روى مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول إن عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه أي جنوده وأعوانه من الشياطين فيفتنون الناس فأعظمهم عنده
29
الأعظم فتنة يجبيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئاً ثم يجبيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه منه ويقول نعم أنت أي نعم المضل أو الشرير أنت فيكون نعم بكسر النون فعل مدح حذف المخصوص به أو نعم أنت ذاك الذي يستحق الإكرام فيكون بفتح النون حرف إيجاب {فَإِذَا بَلَغْنَ} س ون برسدزنان {أَجَلُهُنَّ} أي شارفن آخر عدتهن وهي مضى ثلاث حيض ولو لم تغتسل من الحيضة الثالثة وذلك لأنه لا يمكن الرجعة بعد بلوغهن آخر لعدة فحمل البلوغ على المشارفة كما قال في المفردات : البلوغ والبلاغ الانتهاء إلى أقصى القصد والمبتغى مكاناً كان أو زماناً أو أمراً من الأمور المقدرة ، وربما يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم ينته إليه مثل فإذا بلغن الخ فإنه للمشارفة فإنها إذا انتهت إلى أقصى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها والأجل المدة المضروبة للشيء {فَأَمْسِكُوهُنَّ} أي فأنم بالخيار فإن شئتم فراجعوهن والرجعة عند أبي حنيفة تحصل بالقول وكذا بالوطىء واللمس والنظر إلى الفرج بشهودة فيهما {بِمَعْرُوفٍ} بحسن معاشرة واتفاق لائق وفي الحديث (أكمل المؤمنين أحسنهم حلقاً وألطفهم بأهله) {أَوْ فَارِقُوهُنَّ} يج ذدا شويد از ايشان وبكذاريد {بِمَعْرُوفٍ} بإيفاء الحق واتقاء الضرار بأن يراجعها ثم يطلقها تطويلاً للعدة {وَأَشْهِدُوا} كوه كيريد.
ثي
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
(10/22)
أي عند الرجعة والفرقة قطعاً للتنازع إذقد تنكر المرأة بعد انقضاء العدة رجعته فيها وربما يموت أحدهما بعد الفرقة فيدعى الباقي منهما ثبوت الزوجية لأخذ الميراث وهذا أمر ندب لا وجوب {ذَوَىْ عَدْلٍ} تثنية ذا منصوب ذو بمعنى الصاحب أي أشهدوا اثنين {مِّنكُمْ} أي من المسلمين كما قال الحسن : أو من أحراركم ، كما قاله قتادة يكونون عادلين لا ظالمين ولا فاسقين ، والعدالة هي الاجتناب عن الكبائر كلها ، وعدم الإصرار على الصغائر ، وغلبة الحسنات على السيئات ، والإلمام من غير إصرار لا يقدح في العدالة إذ لا يوجد من الشبر ، من هو معصوم سوى الأنبياء عليهم السلام كذا في الفروع.
{وَأَقِيمُوا الشَّهَـادَةَ} أيها الشهود عند الحاجة خالصة تعالى وذلك أن يقيموها للمشهود له وعليه لا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحق ودفع الظلم فلو شهد لغرض لابرىء بها من وبال كتم الشهادة لكن لا يثاب عليها لأن الأعمال بالنيات والحاصل إن الشهادة أمانة فلا بد من تأدية الأمانة كما قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الامَـانَـاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِا إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِه إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعَا بَصِيرًا} إشارة إلى الحث على الشهادة والإقامة أو على جميع ما في الآية من إيقاع الطلاق على وجه السنة وإحصاء العدة والكف عن الإخراج والخروج والإشهاد وإقامة الشهادة بأدائها على وجهها من غير تبديل وتغيير {يُوعَظُ بِهِ} الوعظ زجر يقترن بتخويف {مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ} إذ هو المنتفع به ولمقصود تذكيره ولم يقل ذلكم توعظون به كما في سورة المجادلة لتهييج المؤمنين على الغيرة فإن من لا غيرة له لا دين له ومن مقتضى الإيمان بالله مراعاة حقوق المعبودية والربوبية وباليوم الآخر الخوف من الحساب والعذاب
30
والرجاء للفضل والثواب فالمؤمن بهما يستحي من الخالق والخلق فلا يترك العمل بما وعظ به ودلت الآية على أن للإنسان يومين اليوم الأول هو يوم الدنيا واليوم الآخر هو يوم الآخرة واليوم عرفا زمان طلوع الشمس إلى غروبها وشرعاً زمان طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس وهذان المعنيان ليسا بمرادين هنا وهو ظاهر فيكون المراد مطلق الزمان ليلاً كان أو نهاراً طويلاً كان أو قصيراً وذلك الزمان أما محدود وهو زمان الدنيا المراد باليوم الأول أو يغر محدود وهو زمان الآخرة المراد باليوم الآخر الذي لا آخر له لتأخره عن يوم الدنيا وجوزوا أن يكون المراد من اليوم الآخر ما يكون محدوداً أيضاً من وقت النشور إلى أن يستقر الفريقان مقرهما من الجنة والنار فعلى هذا يمكن أن يكونا مستعارين من اليومين المدودين بالطلوع والغروب اللذين بينهما زمان نوم ورقدة ويراد بما بين ذينك الزمانين زمان القرار فقي القبور قبل النشور كما قال تعالى : حكاية من بعثنا من مرقدنا وعلى هذا يقال ليوم الآخرة غد كما مر في أواخر سورة الحشر قال بعض الكبار : علمك باليقظة بعد النوم ، وعلمك بالبعث بعد الموت ، والبرزخ واحد غير أن للبرزخ بالجسم تعلقاً في النوم لا يكون بالموت وكما تستيقظ على ما نمت عليه كذلك تبعث على ما مت عليه فهو أمر مستقر فالعاقل يسعى في اليوم المنقطع اليوم لا ينقطع ويحيى على الإيمان والعمل ليكون موته ونشره عليهما
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ} في طلاق البدعة فطلق للسنة ولم يضار المتعدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط في الإشهاد وغيره من الأمور {يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا} مصدر ميمي أي خروجاً وخلاصاً مما عسى يقع في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق ويفرج عنه ما يعتريه من الكروب وبالفارسية بيرون شدن.
(10/23)
وقال بعضهم : هو عام أي ومن يتق الله في كل ما يأتي وما يذر يجعل له خروجاً من كل ضيق يشوش البال ويكدر الحال وخلاصاً من غموم الدنيا والآخرة وفيندرج فيه ما نحن فيه اندراجاً أولياً وعن النبي عليه السلام إه قرأها فقال : مخرجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شد آثد يوم القيمة وفي الجلالين من الشدة إلى الرخاء ومن الحرام إلى الحلال ومن النار إلى الجنة أو اسم مكان بمعنى يخرجه إلى مكان يستريح فيه وفي فتح الرحمن يجعل له مخرجاً إلى الرجعة وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنه سئل عمن طلق امرأته ثلاثاً أو ألفا هل له من مخرج فقال : لم يتق الله فلم يجعل له مخرجاً ، بانت منه بثلاث والزيادة إثم في عنقه ويقال المخرج على وجهين أحدهما أن يخرجه من تلك الشدة والثاني أن يكرمه بالرضى والصبر فإنه من قبيل العافية أيضاً كما قال عليه السلام : "واسأل الله العافية من كل بلية" ، فالعافية على وجهين : أحدهما : أن يسأل يعافيه من كل شيء ، فيه شدة فإن الشدة إنما يحل أكثرها من أجل الذنوب ، فكأنه سأل أن يعافيه من البلاء ويعفو عنه الذنوب التي من أجلها تخل الشدة بالنفس.
والثاني : إنه إذا حل به بلاء أن لا يكله إلى نفسه ولا يخذله وإن يكلأ.
ويرعاه وفي هذه المرتبة يصير البلاء ولاء والمحنة منحة والمقت مقة والألم لذة والصبر شكراً ولا يتحقق بها إلا الكمل {وَيَرْزُقْهُ} بعد ذلك الجعل {مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} من ابتدائية متعلقة بيرزقه أي من وه لا يخطره بباله ولا يحتسبه فيوفى المهر ويؤدي الحقوق ويعطي النفقات قال في عين المعاني من حيث لا يرتقب من الخان أو يعتد من الحساب.
31
از سببها بكذر وتقوى طلب
تاخدا روزي رسند بي سبب
حق رجايي بحشدت رزق حلال
كه نباشد در كمان ودر خيال
قال عليه السلام : "إني لا علم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق الله فما زال يقرأها ويعيدها".
وعنه عليه السلام ، من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
وروى) أن عوف بن مالك الأشجعي رحمه الله أسر المشركون ابنه سالماً فأتى رسول فقال : أسر ابني وشكا إليه الفقاة فقال عليه السلام : "ألق الله وأكثر لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستقاها فنزلت.
(وقال الكاشفي) : عوف بازن خود بقول حضرت عليه السلام عمل نمودند ابدك فرصتي راسر عوف از أهل شرك خلاص يافته وهار هزار كوسفند ايشانرا رنده بسلامت بمدينة آمد واين آيت نازل شدكه هركه تقوى ورزد روزي حلال يابد.
وفي عين المعاني فأفلت ابنه بأربعة آلاف شاة وبالأمتعة وفي الجلالين وأصاب إبلاً لهم وغنماً فساقها إلى أبيه.
آورده اندكه درروز كار خلافت عمر رضي الله عنه مردى بيامد وازعمر توليت عمل خواست تادر ديوان خلافت عامل باشد عمر كفت قرآن داني كفت ندانم كه نيا موخته أم عمر كفت ما عمل بكسي ندهيم كه قرآن نداند مردبار كشت وجهدي وربح عظيم برخود نهاد در تعلم قرآن بطمع آنكه عمر اورا عمل دهد ون قرآن بيا موخت وياد كرفت بركات قررٌّ وخواندن ودانستن اورا بدان جاي رسانيدكه دردل وي نه حرص ولايت ماندنه تقاضاي دبدار عمر س روزي عمر اورا ديد كفت يا هذا هجرتنا أي جوانمرد ه افتادكه بيكبار كي هجرت ما اختيار كردى كفت يا أمير المؤمنين تونه ازان مردان باشى كه كسى وادارد كه هجرت تواختيار كند ليكن قرآن بيامو ختم ونان توانكردل كشتم كه از خلق واز عمل بي نياز شدم عمر كفت آن كدام آيت است كه ترابدين دركاه بي نيازي دركشيد كفت آن آيت كه درسورة الطلاق است (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب).
واعلم أن كل واحد من الضيق والرزق يكون دنيوياً وأخروياً جسمانياً وروحانياً وإن أعسر الضيق ما يكون أخروياً وأوفر الرزق ما يكون روحانياً فمن يتق الله حق التقوى يجعل له مخرجاً من مضار الدارين ويرزقه من منافعهما فإن قيل إن أتقى الأتقياء هم الأنبياء والأولياء مع أن أكثرهم ابتلى بالمشقة الشديدة والفاقة المديدة كما قال عليه السلام : "أشد الناس بلاء الأنبياء والأولياء" ثم الأمثل فالأمثل أجيب بأن أشد الشدة وأمد المدة ما يكون أخروياً وهم مأمونون من ذلك بلطف الله وكرمه إلا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وإماماً ما صابهم في الدنيا باختيارهم للأجر الجليل وبغير اختيار للصبر الجميل فله غاية حميدة ومنفعة عظيمة والله عليم حكيم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد قال بعضهم : شكا إليه عليه السلام ، بعض الصحابة الفاقة ، فقال عليه السلام : "دم على الطهارة يوسع عليك الرزق" فقال : كم من مستديم للطهارة ، لا رتب له كفايته فضلاً عن أن يوسع عليه ويوجه بأن تخلف إلا كالتوسيع
32
(10/24)
مثلاً لمانع لا ينافي الاقتضاء أي اقتضاء لعلة لمعلولها وأثرها إما عند القائلين بتخصيص العلة فظاهر وإما عند غيرهم فيجعل عدم المانع جزء العلة ومن المانع الغفلة وغلبة بعض الجنايات وعند غلبة أحد الضدين لا يبقى للآخر تأثير.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
يقول الفقير والذي يقع في قلبي أن أصحاب الطهارة الدائمة مرزوقون بأنواع الرزق المعنوي والغذآه الروحاني من العلوم والمعارف والحكم والحقائق والتضييق لبعضهم في الرزق الصوري والغذاء الجسماني إنا هو لتطبيق الفقر الظاهر بالباطن والفقر الباطن هو الغني المطلق لقوله عليه السلام اللهم أغنى بالافتقار إليك فأصحاب الطهارة الدائمة مرزوقون أبداً إما ظاهراً وباطناً معاً وإما باطناً فقط على أن لأهلها مراتب من حيث البداية والنهاية ولن ترى من أهل النهاية محروماً من الرزق مطلقاً إلا نادراً والله الغني وفي التأويلات النجمية ومن يتق الله أي يجعل ذاته المطلقة جنة ذاته وصفاته وأفعاله تعالى جنة أفعاله بإضافة الأشياء كلها خلقاف وإيجاداً إلى ذاته وصفاته وأفعاله يجعل له مخرجاً من مضايق ذاته وصفاته وأفعاله إلى وسائع ذاته وصفاته وأفعاله ويرزقه من حيث لا يحتسب من فيض اسمه الوهاب على طريق الوهب لا على طريق الكسب والاجتهاد {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} التوكل سكون القلب في كل موجود ومفقود وقطع القلب عن كل علاقة والتلعق بالله في جميع الأحوال {فَهُوَ} أي الله تعالى {حَسْبُه} بمعنى محسب أي كاف يعني كافي المتوكل في جميع أمروه ومعطيه حتى يقول حسبي فإن قلت إذا كان حكم الله في الرزق لاي تغير فما معنى التوكل قلت معناه أن المتوكل يكون فارغ القلب ساكن الجاش غير كاره لحكم الله فلهذا كان التوكل محموداً قال عليه السلام : "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغد وخماصاً وتروح بطاناً" ، ومعناه تذهب أول النهار خماصاً أي ضامرة البطون من الجوع وترجع آخر النهار بطاناً أي ممتلئة البطون وليس في الحديث دلالة على القعود على الكسب بل فيه ما يدل على طلب الرزق وهو قوله تغدو تروح وإنما التوكل بعد الحركة في أمر المعاش كتوكل الزارع بعد إلقاء الحب في الأرض وكان السلف يقولون اتجروا واكتسبوا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه وربما رأوا رجلاً في جماعة جنازة فقالوا له : إذهب إلى دكانك (وفي المثنوى) :
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص33 حتى ص43 رقم4
كر توكل ميكنى دركاركن
كشت كن س تكيه بر جباركن
رمز الكاسب حبيب الله شنو
از توكل درسبب كاهل مشو
وأما الذين قعدوا عن الحركة والكسب وهم الكمل فطريقتهم صعبة لا يسلكها كل ضامر في الدين ودل الحديث المذكور على أن التوكل الحقيقي أن لا يرجع المتوكل إلى رزق معين وغذاء موظف كالطير ، حتى لا ينتقض التوكل ، اللهم إلا أن يكون من الكمل فإن المعين وغيره سواء عندهم لتعلق قلوبهم بالله لا بغيره وفي التأويلات النجمية.
ومن يتوكل في رزق نفسه من الأحكام الشرعية وفي رزق قلبه من الواردات القلبية ، وفي رزق روحه من العطايا والمنح الإلهية الروحانية ، فالله الاسم الأعظم حسبه من حيث الأسماء الكافية أو التوكل نفسه حسبه فيكون الضمير راجعاً إلى التوكل {إِنَّ اللَّهَ بَـالِغُ أَمْرِهِ} بالإضافة أي : منفذ أمره
33
ومتم مراده وممضى قضائه في خلقه فيمن توكل عليه وفيمن لم يتوكل عليه إلا من توكل عليه ، يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً ، وفي التأويلات النجمية : إن الله بالغ أمره في كل مأمور بما هو منتهاه وأقصه وقرىء بتنوين بالغ ونصب أمره أي : يبلغ ما يريد ، ولا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
كما قال الكاشفي) : رساننده است كار خودرا بهر اخواهد يعني آنه مراد حق سبحانه باشد از وفوت نشود.
وقرىء بالغ أمره على الفاعلية أي : نافذ أمره وفي القاموس أمر الله بلغ أيبالغ نافذ يبلغ أين أريد به {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ} من الشدة والرخاء والفقر والغنى والموت والحياة ونحو ذلك {قَدْرًا} أي : تقديراً متعلقاً بنفس ذاته وبزمانه وقومه ، وبجميع كيفياته وأوصافه وإنه بالغ ذلك المقدر على حسب ما قدره وبالفارسية اندازه كه ازان درنكذرداو.
(10/25)
مقداراً وحداً معيناً أو وقتاً واجلاً ونهاية ينتهي إليه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ولا يتأتى تغييره يعني بامقداري از زمانكه يش وس نيفتد.
وفي التأويلات النجمية : أي رتبة وكما لا يليق بذلك الشيء ، وقال القاشاني : ومن يتوكل على الله ، بقطع النظر عن الوسائط والانقطاع إليه من الوسائل ، فهو كافيه يوصل إليه ما قد له ويسوق إليه ما قسم لأجله من أنصبة الدنيا والآخرة ، إن الله يبلغ ما أراد من ره لا مانع له ولا عائق فمن تيقن ذلك ما خاف أحداً ولا رجا وفوض أمره إليه ونجا قد عين الله لكل أمر حداً معيناً ووقتاً معيناً في الأزل لا يزيد بسعي ساع ولا ينتقص بمنع مانع وتقصير مقصر ، ولا يتأخر عن وقته ولا يتقدم عليه ، والمتيقن لهذا الشاهد له متوكل بالحقيقة.
انتهى.
وفي المفردات تقدير الله الأشياء على وجهين : أحدهما : بإعطاء القدرة ، والثاني : أن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة وذلك إن فعل ذلك ضربان ضرب أو جده بالفعل ومعنى إيجاده بالفعل إنه أبدعه كاملاً دفعة لا يعتريه الكون والفساد إلى أن يشاء أن يغنيه أو يبدله كالسموات وما فيها ومنه ما جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزائه بالقوة وقدره على وجه لا يتَى غير ماقدر فيه كتقديره في النواة إن ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون وتقدير مني الآدمي أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوان فتقدير الله على وجهين أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا ولا يكون كذا إما على سبيل الوجوب ، وإما على سبيل الإمكان وعلى ذلك قوله تعالى : {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا} والثاني : بإعطاء القدرة عليه.
انتهى.
والآية بيان لوجوب التوكل عليه وتفويض الأمر إليه لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق وغيره لا يكون إلا بتقدير الله وتوقيته.
لا يبقى إلا التسليم للقدر والتوكل.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
قال الكاشفي) : بناي اين آيت برتقوى وتوكلست تقوى نفخه بوستان قربست واز رتبه معيت خبر دهدكه إن الله مع الذين اتقوا وتوكل رائحة كلزار كفايتست واز بوي ريحان محبت رسدكه إن الله يحب المتوكلين وبي أين دوصفت قدم در طريق تحقيق نتوان نهاد.
سلوك راه معنى راتوكل بايد وتقوى
توكل مركب راهست وتقوى توشه رهرو
قال سهل قدس سره : لا يصح التوكل إلا للمتقين ولا تتم التقوى إلا بالتوكل ولذلك قرن الله بينهما فقال ومن يتق الله الخ وقال بعضهم من تحقق في التقوى هون الله عى قلبه الإعراض
34
عن الدنيا ويسر له أمره في الإقبال عليه والتزين بخدمته وجعله إماماً لخلقه يقتدى به أهل الإرادة فيحملهم على أوضح السنن ، وأوضح المناهج وهو الإعراض عن الدنيا والإقبال على الله تعالى وذلك منزلة المتقني وقال سهل رحمه الله : من يكل أموره إلى ربه فإن الله يكفيه هم الدارين أجمع قال الربيع رحمه الله : إن الله قضى على نفسه إن من توكل عليه كفاه ومن آمن به هداه ومن أقرضه جازاه ، ومن وثق به أنجاه ومن دعاه أتاه وتصديق ذلك في كتاب الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه ومن يؤمن بالله يهد قلبه من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم أجيب دعوة الداع إذا دعان واللائى} من الموصولات جمع التي يعني آن زنان كه يا ـاِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآاـاِكُمْ} اللاتي دخلتم بهن لكبرهن ويبسهن وقدروه بستين سنة وبخمس وخمسين فلو رأته بعد ذلك لا يكون حيضاً قوله يئسن فعل ماض واليأس القنوط ضد الرجاء يقال : يئس من مراده ييأس يأساً وفي معناه أيس يأيس يأساً وإياساً لا إيساً وفاعلهما آيس لا يائس يقال امرأة آيس إذا كان يأسها من الحيض دون آيسة لأن اتاء إنما زيدت في المؤنث إذا استعملت الكلمة للمذكر أيضاً فرقاً بينهما وإذا لم تستعمل له فأي حاجة إلى الزيادة ومن ذلك يقال امرأة حائض وطالق وحامل بلا تاء إذا كان حملها من الولد وإما إذا كان يأسها وحملها من غير الحيض وحمل الولد يقال آيسة وحاملة وفي المغرب اليأس انقطاع الرجاء وإما إلا ياس في مصدر الآيسة من الحيض فهو في الأصل ائياس على أفعال حذفت منه الهمزة التي هي عين الكلمة تخفيفاف والمحيض الحيض وهو في اللغة مصدر حاضت الأنثى ، فهي حائض وحائضة أي خرج الدم من قبلها ويكون للأرنب والضبع والخفاش كما ذكره الجاحظ وفي القاموس : حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً ومحاضاً فهي حائض وحائضاً من حوائض وحيض سال دمها والمحيض اسم ومصدر قيل ومنه الحوض لأن الماء يسيل إليه والحيضة المرة انتهى وفي الشرع دم ينفضه رحم امرأة بالغة لأداء بها ولا إياس لها أي يجعلها الشارع منقطعة الرجاء عن رؤية الدم ومن الأولى لابتداء الغاية ومتعلقة بالفعل قبلها والثانية للتبيين ومتعلقة بمحذوف {إِنِ ارْتَبْتُمْ} من الإرتياب بالفارسية بشك شدن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
(10/26)
أي شككتم وأشكل عليم حكمهن لانقطاع دمهن بكبر السن وجهلتم كيف عدتهن {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـاثَةُ أَشْهُرٍ} فقوله واللائي يئس الخ مبتدأ خبره فعدتهن وقوله إن أرتبتم اعتراض وجواب الشرط محذوف أي أرتبتم فيها فاعلموا إنها ثلاثة أشهر كذا قالوا والأشهر جمع شهر وهو مدة معروفة مشهورة باهلال الهلال أو باعتبار جزء من اثني عشر جزأ من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة قال في القاموس : الشهر العدد المعروف من الأيام لأنه يشهر بالقمر وآن زنان كه {لَمْ يَحِضْنَ} أي مار أين الدم لصغرهن أي فعدتهن أيضاً كذلك فحذف ثقة بدلالة ما قبله عليه والشابة التي كاتن تحيض فارتفع حيضها بعذر من الأعذار قبل بلوغها سن الآيسات فعند أبي حنيفة والشافعي لا تنقضى عدتها حتى يعاودها الدم فتعتد بثلاثة
35
إقراء أو تبلغ سن الآيسات فتعتد بثلاثة أشهر وضع السجاوندي الطاء الدالة على الوقف المطلق على وضعه وقانونه في لم يحضن لانقطاعه عما بعده وكان الظاهر أن يضع الميم الدالة على اللازم لأن المتبادر الاتصال الموهم معنى فاسدا العله نظر إلى ظهور عدم حمل التي لم تحض لصغرها {وَأُوْلَـاتُ الاحْمَالِ} واحتدها ذات بمعنى صاحبة والأحمال جمع حمل بالفتح بالفارسية بار.
والمراد الحبل أي الثقل المحمول في الباطن وهو الولد في البطن والمعنى وذوات الأحمال من النساء والحبالي منهن {أَجَلُهُنَّ} أي منتهى عدتهن {أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} سواء كن مطلقات أو متوفى عنهن أزواجهن فلو وضعت المرأة حملها أي ولدت وحطت ما في بطنها يعني ازبالا بزير آورد.
بعد طلاق الزوج أو وفاته بلحظة انقضت عتدها وحلت للأزواج فكيف بعد ساعة أو يوم أو شهر وقد نسخ به عموم قوله تعالى : [الطلاق : 12]{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} لتراخي نزوله عن ذلك وقد صح أن سبيعة بنت الحارث الأسلمية ولدت بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله عليه السلام ، فقال : قد حللت فتزوجي ومن يتق الله} في شأن أحكامه وحقوقه {يَجْعَل لَّه مِنْ أَمْرِه يُسْرًا} أي يسهل عليه أمره ويوفقه للخير ويعصمه من لمعاصي والشر بسب التقوى فمن للبيان قدم على المبين للفواصل أو بمعنى في {ذَالِكَ} المذكور من الأحكام وأفراد الكاف مع أن الخطاب للجمع كما يفصح عنه مابعده لما أنها لمجرد الفرق بين الحاضر والمنقضى لا لتعيين خصوصية المخاطبين {أَمْرُ اللَّهِ} حكمه الشرعي {أَنزَلَهُ} من اللوح المحفوظ {إِلَيْكُمْ} إلى جانبكم ، وقال أبو الليث : أنزله في القرآن على نبيكم لستعدوا للعمل به فإياكم ومخالفته {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ} بالمحافظة على أحكامه {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّـاَاتِهِ} يسترها لرضاه عنه باتقانه ، وبالفارسية بوشد خداي تعالى از وبديهاى ويرا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
وربما يبدلها حسنات {وَيُعْظِمْ لَه أَجْرًا} بالمضاعفة وبالفارسية وبزرك ساز دبراي او مزدرا يعني اورامزد زياده دهددر آخرت.
قال بعضهم : يعطيه أجراً عظيماً أي أجر كان ولذلك نكر فالتنكير للتعميم المنبىء عن التتميم قال في برهان : القرآن أمر بالتقوى في أحكام الطلاق ثلاث مرات وعد في كل مرة نوعاً من الجزاء فقال أولاً يجعل له مخرجاً يخرجه مما دخل فيه وهو يكرهه ويهيىء له محبوبه من حيث لا يأمل وقال في الثاني يسهل عليه الصعب من أمره ويفتح له خيراً ممن طلقها والثالث وعد عليه الجزاء بأفضل الجزاء وهو ما يكون في الآخرة من النعماء.
{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم} استئناف وقع جواباً عن سؤال نشأ مما قبله من الحث على التقوى كأنه قيل كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات فقيل اسكنوهن من حيث سكنتم أي بعض مكان سكناكم والخطاب للمؤمنين المطلقين {مِّن وُجْدِكُمْ} أي من وسعكم أي مما تطيقونه يعني مسكن ايشان بقدر طاقت وتواناي خويش سازيد والوجد القدرة والغنى يقال افتقر فلان بعد وجده وهو عطف بيان لقوله من حيث سكنتم وتفسير له وفي عين المعاني ومن لتبيين الجنس لما في حيث من الإبهام انتهى واعترض عليه أبو حيان بأنه لم يعهد في عطف البيان إعادة العامل إنما عهد ذلك في البدل فالوجه جعله
36
(10/27)
بدلاً قال قتادة إن لم يكن إلا بيت واحد أسكنها في بعض جوانبه.
قال صاحب اللباب : ءٌّ كانت الدار التي طلقها فيها ملكه يجيب عليه أن يخرج منها ويترك الدار لها مدة عدتها وإن كانت بإجارة فعليه الأجرة وإن كانت عارية فرجع المعير فعليه أن يكترى لها داراً تسكنها قال في كشف الأسرار وأما المعتدة من وطىء الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيب أو خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وإن كانت حاملاً {وَلا تُضَآرُّوهُنَّ} أي ولا تقصدوا عليهن الضرر فى السكنى بأي وجه كان فإن المفاعلة قد لا تكون للمشاركة وبالفارسية ورنج مرسانيد مطلقات را {لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} في المسكن بعض الأسباب من إنزال من لا يوافقهن أو يشغل مكانهن أو يغر ذلك وتلجئوهن إلى الخروج وبالفارسية براي آنكه تنك كردانيد برايشان مساكن ايشان.
وفيه حث المروءة والمرحمة ودلالة على رعاية الحق السابق حتى يتيسر لها التدارك في أمر المعيشة من تزوج آخر أو غيره {وَإِن كُنَّ} أي المطلقات {أُوْلَـاتِ حَمْلٍ} ذوات حبل وبالفارسية خدا وتدبار.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
يعني حاملة وأولات منسوب بالكسر على قانون جمع المؤنث وتنوين حمل للتعميم يعني أي حمل كان قريب الوضع أو بعيده {فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فيخرجن من العدة وتتخلصوا من كلفة الإحصاء ويحل لهن تزوج غيكرم اياشئن فالبائن بالطلاق إذا كانت حاملاً لها النفقة والسكنى بالاتفاق وإما البائن الحائل أي غير الحامل فتستحق النفقة والسكنى عند أبي حنيفة كالحامل إلى أن تنقضى عدتها بالحيض أو بالأشهر خلافاً للثلاثة وإما المتوفى عنهن أزواجهن فلا نفقة لهن من التركة ولا سكنى بل تعتد حيث تشاء وإن كن أولات حمل لوقوع الإجماع على إن من بر الرجل على النفقة عليه من امرأة أو ولد صغير لا يجب أن ينفق عليه م ماله بعد وته فكذا المتوفى عنها الحامل وهو قول الأكثرين قال أبو حنيفة تجب النفقة والسكنى لكل مطلقة سواء كانت مطلقة بثلاث أو واحدة رجعية أو بائنة ما دامت في العدة ، أما المطلقة الرجعية فلأنها منكوحة كما كانت وإنما يزول النكاح بمضي العدة وكونه في معرض الزوال بمضي العدة لايسقط نفقتها كما لو آلى وعلق طلاقها بمضي شهر فالمطلقة الرجعية لها النفقة والسكنى بالإجماع وإما المبتوتة فعندنا لها النفقة والسكنى ما ادمت في العدة لقوله تعالى : {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم} من وجدكم إذا المعنى اسكنوا المعتدات مكاناً من المواضع التي تسكنونها وأنفقوا عليهن في العدة من سعتكم لما قرأ ابن مسعود رضي الله عنه اسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم وعند الشافعي لها السكنى لهذه الآية ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملاف لقوله تعالى : وإن كن أولات حمل الخ قلت : فائدته إن مدة الحمل ربما طالت فظن ظان أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحامل فنفى ذلك الوهم كما في الكشاف فإن أرضعن لكم} الرضاع لغة شرب اللبن من الضرع أو الثدي وشريعة شرب الطفل حقيقة أو حكماً للبن خالص أو مختلط غالباً من آدمية في وقت مخصوص والإرضاع شيردادن يعني هؤلاء المطلقات إن أرضعن لكم ولداً من غير هن أو منهن بعد انقطاع عصمة الزوجية
37
وعلاقة النكاح قال لكم ولم يقل أولادكم لما قال تعالى : [الطلاق : 6]{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} لمن أراد أن يتم الرضاعة فالأب يجب عليه إرضاع الولد دون الأم وعليه أن يتخذ له ظئراً لا إذا تطوعت الأم بإرضاعه وهي مندوبة إلى ذلك ، ولا تجبر عليه ولا يجوز استئجار الأم عند أبي حنيفة رحمه الله ما دامت زوجة معتدة من نكاح فآتوهن أجورهن} ، على الإرضاع إن طلبن أورجون فإن حكمهن في ذلك حكم إلا ظئآر حينئذٍ ، قال في اللباب : فإن طلقها فلا يجب عليها الإرضاع إلا أن لا يقبل الولد ثدى غيرها فيلزمها حينئذٍ فإن اختلفا في الأجرة ، فإن دعت إلى أجرة المثل وامتنع الأب إلا تبرعاً فالأم أولى بأر المثل إذ لا يجد الأب متبرعة وإن دعا الأب إلى ر المثل وامتنعت الأم لتطلب شططا فلأب أولى به فإن أعسر الأب بأجرتها أجبرت على إرضاع ولدها انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
(10/28)
إن قيل إن الولد للأب فلم لا يتبعه في الحرية والرقية بل يتبع الأم لأنها إذا كانت ملكاًلغير الأب كان الولد ملكاً له وإن كان الأب حراً وإذا كانت حرة كان الولد حراً وإن كان الأب رقيقاً أجيب بأن الفقهاء قالوا في وجهه رحح ماء الأم على ماء الأب في الملكية لأن ماء هامستقر في موضع وماء الأب غير معلوم أفادت هذه المسألة إن المالكية تغلب الوالدية والتحقيق إن الأحكام شرعية لا عقلية والعلم عند شارعها يفعل ما يشا ويحكم ما يريد أيها الآباء والأمهات {بَيْنَكُم} ميان يكدكر دركار فرزند {بِمَعْرُوفٍ} أي تشاوروا وحقيقته ليأمر بعضكم بعضاً بجميل في الإرضاع والأجر وهو المسامحة ولا يكن من الأب مماكسة ولا من الأم معاسرة لأنه ولدهما معاً وهما شريكان فيه في وجو الاشفاق عليه فالائتمار بمعنى التآمر كالاشتوار بمعنى التشاور يقال ائتمر القوم وتآمروا إذا أمربعضهم بعضاً يعني الافتعال قد يكون بمعنى التفاعل وهذا نمه {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ} يقال تعسار القوم إذا تحروا تعسير الأمر أي تضايقتم وبالفارسية واكر دشوار كنيد ومضايقه نماييد أي در ومادر رضاع ومزد دادن يعني شوهر از أجرا باكند يازن شيرندهد {فَسَتُرْضِعُ لَهُ} أي للأب كما في الكشاف وهو الموافق لقوله فإن أرضعن لكم أو للصبي والولد كما في الجلاين وتفسير الكاشفي ونحوهما وفيه إن الظاهر حينئذٍ أن يقول فسترضعه {أُخْرَى} أي فستوجد ولا تعوذ مرضعة أخرى غير الأم ترضعه يعني مرددايه كيرد براي رضيع خود ومادررا باكراه واجبار نفر مايد.
وفيه معاتبة للام على المعاسرة كما تقول لمن تستقضيه حاجة فيتواني سيقضيها غيرك تريد إن تبق غير مقضية فأنت ملوم قال سعدي المفتي ولا يخلو عن معاتبة الأب أيضاً حيث أسقط في الجواب عن حيز شرف الخطاب مع الإشارة إلى أنه إن ضويقت الأم في الأجر فامتنعت من الإرضاع لذلك فلا بد من إرضاع امرأة أخرى وهي أيضاً تطلب الأجر في الأغلب الأكثر والأم أشفق واحن فهي به أولى وبما ذكرنا يظهر كمال الارتباط بين الشرط والجزاء {لِيُنفِقْ} لام الأمر {ذُو سَعَةٍ} خداوند فراخى وتوانكرى {مِّن سَعَتِهِ} ازغناي خود يعني بقدر تواناي خويش بر مطلقه ومرضعة نفقة كنيد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
ومن متعلقة بقوله لينفق {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أي ضيق وكان بمقدار القوت وبالفارسية وهركه تنك
38
كرده شده است برو روزي أو يعني فقير وتنكدست است.
ومن هذا المعنى اشتق إلا قدراي القصير العتق وفرس اقدر يضع حافر رجله موضع حافريده وقوله تعالى : {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِه وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُه فَلْيُنفِقْ مِمَّآ ءَاتَـاـاهُ اللَّهُ} وإن قل أي لينفق كل واحد من الموسر والمعسر ما يبلغه وسعه ويطيقه {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَآ ءَاتَـاـاهَا} من المال جل أو قل فإنه تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها وبالفارسية وتكليف نفر مايد خداي تعالى هي تنى رامكر آنه بدو عطا كرده است ازمال يعني تكليف ما لا يطاق نفر ما يد.
وقد أكد ذلك بالوعد حيث قال : {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} أي عاجلاً أو آجلاً إذ ليس في السين دلالة على تعين زمان وكل آت قريب ولو كان الآخرة ، وبالفارسية زود باشدكه بديد آرد خداي تعالى بعد ازدشوارى وتنكدستي آساني وتوانكري.
فلينتظر المعسر اليسر وفرج الله فإن الانتظار عبادة وفيه تطييب لقلب المعسر وترغيب له في بذل مجهوده ووعد لفقراء الأزواج لا لفقراء ذلك الوقت عموماً كما جوزه الزمخشري حيث قال : موعد لفقراء ذلك الوقت بفتح أبواب الرزق عليهم أو لفقراء إلا زواج إن أنفقوا ما قدروا عليه ولم يقصروا.
يقول الفقير لا بعد في ذلك من حيث إن القرآن ليس بمحصور ولا التفات في مثل ذا المقام إلى سوق الكلام قال البقلي سيجعل الله بعد ضيق الصدر من الاهتمام بالرزق وإنفاقه سعة الصدر ويسر السخاء والطمأنينة والرضى بالله وأيضاً سيجعل الله بعد عسر الحجاب للمشتاقين يسر كشف النقاب وفي التأويلات النجمية يعني كل ذي سعة مأمور بإنفاق ما يقدر على إنفاقه فالخفي المنفق عليه من جانب الحق ينفق على الروح من سعته والروح ينفق على السر من سعته والسر ينفق على القلب من سعته والقلب ينفق على النفس من سعته والنفس ينفق على الصدر من سعته والدر ينفق على الجسم من سعته ومن قدر عليه رزقه من الفيوض الإلهية فلينفق مما آتاه الله بحسب استعداده لايكلف الله نفساً إلا ما آتاها في استعدادها الأزلي ، وقابليتها الغيبية ، سيجعل الله بعد عسر انقطاع الفيض يسر اتصال الفيض {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} بمعنى كم الخبرية في كونها للتكثير والقرية اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس والمعنى وكثير من أهل قرية وبالفارسية وبسيار ازاهل ديهى وشهري.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
(10/29)
فهو من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ثم وصفه بصفته أو من المجاز العقلي والإسناد إلى المكان وهذه الآية تحذير للناس عن المخالفة في الأحكام المذكورة وتأكيد لإيجابها عليهم{عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ} قال في المفردات : العتو النبو عن الطاعة وفي القاموس عتا عتوا وعتيا وعتيا استكبر وجاوز الحد فهو عات وعتى انتهى.
والعتو لا يتعدى بعن وإنما عدى بها لتضمينه معنى الإعراض كأنه قيل اعرتض عن امرر بها وأمر رسل ربها بسبب التجاوز عن الحد في التكبر والعناد وفي إيراده صفة الرب توبيخ لهم وتجهيل لما إن عصيان العبيد لربهم ومولاهم طغيان وجهل بشأن سيدهم ومالكهم وبمرتبة أنفسهم ودوام احتياجهم إليه في التربية قوله وكأني مبتدأ ومن قرية بيان له وعتت خبر المبدأ {فَحَاسَبْنَـاهَا حِسَابًا شَدِيدًا} أي ناقشناها في الحساب وضيقنا وشددنا عليها في الدنيا وأخذناها بدقائق ذنوبها وجر آئمها
39
من غير عفو بنحو القحط والجوع والأمراض والأوجاع والسيف وتسليط الأعداء عليها وغير ذلك من البلايا مقدماً معجلاً على استئصالها وذوقها العذاب الأكبر لترجع إلى الله تعالى ، لأن البلاء كالسوط للسوق فلم تفعل ولم ترفع رأساً ، فابتلاها الله بما فوق ذلك كما قال : {وَعَذَّبْنَـاـاهَا عَذَابًا نُّكْرًا} أي نكراً عظيماً هائلاً متنفراً عنه الطبع لشدته وإيلامه أو غير متوقع فإنهم كانوا لا يتوقعونه ولو قيل لهم لما يصدقونه والقهر الغير المتوقع أشد ألماً واللطف الغير المتوقع أتم لذة وبالفارسية وعذاب كرديم ايشانرا عذابي نانكه نديده بودند ونشناخته.
وهو العذاب العاجل بالاستئصال بنحو الإغراق والإحراق والريح والصيحة فالنكر الأمر الصعب الذي لا يعرف والإنكار ضد العرفان.
يقول الفقير : أضاف الله المحاسبة والتعذيب إلى نفسه مع أن سببهما كان العتو عن أمره وأمر رسله لأن الرسل كانوا فانين في الله فاتخذوا الله وكيلاً في جميع أمورهم وتركوا التصرف والتعرض للقهر ونحوه وذلك إنهم قد بعثوا بعد رسوخهم ولهذا صبروا على تكذيب أممهم لهم ولو بعثوا قبل الرسوخ ربما بطشوا بمن كذبهم وِلكوه وقس عليهم أحوال الكمل من الأولياء {فَذَاقَتْ} س بشيدند اهل آن ديه {وَبَالَ أَمْرِهَا} أي ضرر كفرها وثقل عقوبة معاصيها أي أحسته إحساس الذائق المطعوم {وَكَانَ عَـاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا} هائلاً لا خسر وراءه يعني زينكارى وكدام زيان ازان بدتركه ازحيات ومنافع آن محروم شدند وبعقوبات مبتلى كشتند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
فتجارتهم خسارة لا ربح فيها لتضييعهم بضاعة العمر والصحة والفراغ بصرفها في المخالفات ، قال في المفردات : الخسر والخسران انتقاض رأس المال وينسب إلى الإنسان فيقال خسر فلان وإلى الفعل فيقال خسرت تجارته ويستعمل ذلك في القنيات الخارجية كمالمال والجاه في الدنيا وهو الأكثر وفي النفسية كالصحة والسلامة والعقل والإيمان والثواب وفي الآية إشارة إلى أهل قرية الوجود الإنساني وهو انفس والهوى وسائر القوي فإنها أعرضت عن حكم الروح فلم تدخل في حكم الشريعة وكذا عن متابعة أمر القلب والسر والخفي فعذبت بعذاب الحجاب واستهلكت في بحر الدنيا وشهواتها ولذاتها وكن عاقبة أمرها خسران الضلالة ونيران الجهالة {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} مع ذلك في الآخرة ولام لهم لام التخصيص لا لام النفع كما في قولهم دعا له في مقابلة دعا عليه {عَذَابًا شَدِيدًا} أي قدره في علمه على حسب حكمته أو هيأ أسبابه في جهنم بحيث لا يوصف كنهه فهم أهل الحساب والعذاب في الدنيا والآخرة لا في الدنيا فقط فإن ما أصابهم ، في الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم لعدم رجوعهم عن الكفر فعذبوا بعذاب الآخرة أيضاً ، وهذا المعنى من قوله فحاسبناها إلى هنا هو اللائق بالنظم الكريم هكذا ألهمت به حين المطالعة ثم وجدت في تفسير الكواشي وكشف الأسرار وأبي الليث والأسئلة المقحمة ما يدل على ذلك والحمد تعالى فلا حاجة إلى أن يقال فيه تقديماً وتأخيراً وإن المعنى إنا عذبناها عذاباً شديداً في الدنيا ونحاسبها حساباً شديداً في الآخرة على أن لفظ الماضي للتحقيق كأكثر ألفاظ القيامة فإن فيه وفي نحوه تكلفاً ، بينا على ما ارتكبه من يعد من إجلاء المفسرين ودل قوله في الأثر حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
40
على أن المحاسبة عامة لما في الدارين وإن المراد بها في بعض المواضع هو التضييق والتشديد مطلقاً {فَاتَّقُوا اللَّهَ يا اأُوْلِى الالْبَـابِ} أي اعتبروا بحال الأمم الماضين من المنكرين المعاندين وما نزل بهم من العذاب ، والوبال فاتقوا الله أوامره ونواهيه إن خلصت عقولكم من شوب الوهم فإن اللب هو العقل الخالص من شوائب الوهم وذلك بخلوص القلب من شوائب صفات النفس والرجوع إلى الفطرة الأولى وإذا خلص العقل من الوهم والقلب من النفس كان الإيمان يقينياً فلذلك وصفهم بقوله {الَّذِينَ ءَامَنُوا}
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
(10/30)
أي الإيمان التحقيقي اليقيني العياني الشهودي وفيه إشارة إلى أن منشأ التقوى هو الخلوص المذكور ولاي نافي ذلك وزيادة الخلوص بالتقوى فكم من شي يكون سبباً لأصل شيء آخر ويكون سبباً في زيادته وقوته على ذلك الآخر وبكمال التقوى يحصل الخروج من قشر الوجود المجازي والدخول في لب الوجود الحقيقي والاتصاف بالإيمان العياني قال بعضهم : الذين آموا حقاً وصدقاً ويجوز أن يكون صفة كاشفة لا مقيدة فإنه لا يليق أن يعد غير المؤمنين من أولى الألباب اللهم إلا أن يراد باللب العقل العاري عن الضعف ، بأي وجه كان من البلادة والبله والجنون وغيرها فتخصيص الأمر بالتقوى بالمؤمنين من بينهم لأنهم النمتفعون انتهى والظاهر أن قوله الذين آمنوا مبتدأ خبره قوله تعالى : {قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ} والخطاب من قبيل الالتفات {ذِكْرًا} هو النبي عليه السلام كما بينه بأن ابدل منه قوله {رَّسُولا} وعبر عنه بالذكر لمواظبته على تلاوة القرآن أو تبليغه والتذكير به وعبر عن إرساله بالإنزال بطريق الترشيخ أي للتجوز فيه عليه السلام بالذكرأو لأنه مسبب عن إنزال الوحي إليه يعني أن رسول الله شبه بالذكر الذي هو القرآن لشدة ملابسته به فأطلق عليه اسم المشبه به استعارة تصريحية وقرن به ما يلائم المستعار منه وهو الإنزال ترشيحاً لها أو مجازاً مرسلاً من قبيل إطلاق اسم السبب على المسبب فإن إنزال الوحي إليه عليه السلام ، سبب لإرساله وقال بعضهم : إن التقدير قد أنزل الله إليكم ذكراً يعني القرآن وأرسل إليكم رسولاً يعني محمداً عليه السلام لكن الإيجاز اقتضى اختصار الفعل الناصب للرسول وقد دل عليه القرينة وهو قوله أنزل نظيره قوله علفتها تبناً وماء بارداً أي وسقيتها ماء بارداً فيكون الوقف في ذكراً تاماً بخلافه ، إذا كان بدلاً وقال القاشاني قد أنزل الله إليكم ذكراً أي فرقناً مشتملاً على ذكر الذات والصفات والأسماء والأفعال والمعاد رسولاً أي روح القدس الذي أنزله به فأبدل منه بدل الاشتمال لأن إنزال الذكر هو إنزاله بالاتصال بالروح النبوي وإلقاء المعاني في القلب {يَتْلُوا} يقرأ ويعرض {عَلَيْكُمْ} يا أولي الألباب أو يا أيها المؤمنون {اللَّهِ مُبَيِّنَـاتٍ} أي القرآن {مُبَيِّنَـاتٍ} أي حال كون تلك الآيات مبينات ومظهرات لكم ما تحتاجون إليه من الأحكام أو مبينات بالفتح بمعنى واضحات لإخفاء في معانيها عند الأهالي أو لا مرية في إعجازها عند البلغاء المنصفين وإنما يتلوها أو أنزله
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
{لِّيُخْرِجَ} الرسول ويخلص أو الله تعالى قال بعضهم : اللام متعلقة بأنزل لا بقوله يتلو لأن يتلو مذكور على سبيل التبعية دون أنزل {رَّسُولا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ ءَايَـاتِ} الموصول عبارة عن المؤمنين بعد إنزاله وإلا فإخراج
41
الموصوفين بالإيمان من الكفر لا يمكن إذ لا كفر فيهم حتى يخرجوا منه أي ليحصل لهم الرسول ما هم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح بإخراجهم عما كانوا عليه أو ليخرج الله من علم ، أو قدر إنه سيؤمن ولم يقل ليخرجكم إظهاراً لشرف الإيمان والعمل الصالح وبياناً لسبب الإخراج وحثا على التحقيق بهما {مِنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ} أي من الضلالة إلى الهدى ومن الباطل إلى الحق ومن الجهل إلى العلم ومن الكفر إلى الإيمان ومن الشهبات إلى الدلالات والبراهين ومن الغفلة إلى اليقظة ومن الإنس بغير الله إلى الإنس بالله على طبقاتهم ودرجاتهم في السعي والاجتهاد بعناية الله تعالى ، وفي التأويلات النجمية : ليخرج الذين آمنوا بالإيمان العلمي وعملوا الصالحات بمقتضى العلم الظاهر لا بمقتضى الحال من ظلمات التقييد بالأعمال والأحوال إلى نور الإطلاق برؤية فاعلية الحق في الأشياء انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
(10/31)
يقول الفقير : إنما جمع الظلمات لتراكمها وتكاثفها ولكثرة أسبابها وأنواعها ولذا قال تعالى : {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَـاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} أي : شد آئدهما فإنها كالظلمات وكذا الأعمال السيئة ظلمات يوم القيامة كما ورد في حق الظلم ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا} خالصاً من الرياء والتصنع والغر وهو استئناف لبيان شرف الإيمان والعمل الصالح ونهاية أمر من اتصف بهما تنشيطاً وترغيباً لغير أهلهما لهما قال بعض الكبار لو كان الإيمان بذاته يعطي مكارم الأخلاق لم يقل للمؤمن أفعل كذا واترك كذا وقد توجد مكارم الأخلاق بدونه وللإيمان وللمكارم آثار ترجع على أصحابها في أي دار كان كما ورد في حق أبي طالب فإنه قال العباس رضي الله عنه ، يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل ينفعه ذلك ، قال : نعم ولولا أنا كان في الدرك الأسفل من النار وكما رؤي أبو لهب في المنام وهو يمص ماء من إبهامه ليلة الاثنين لعتقه بعض جواريه حين بشرته بولادة رسول الله عليه السلام ، وكما قيل : إنه عليه السلام لما عرج به اطلع على النار فرأى حظيرة فيها رجل لا تمسه النار فقال عليه السلام : "ما بال هذا الرجل في هذه الحظيرة لا تمسه النار" ، فقال جبريل عليه السلام : هذا خاتم طي صرف الله عنه عذاب جهنم بسخائه وجوده كما في أنيس الوحدة وجليس الخلوة فإذا كانت المكارم بهذه المرتبة بلا إيمان فكيف مع إيمان وعطف العمل الصالح من الصلاة والزكاة وغيرهما على الإيمان الذيهو تصديق القلب عند المحققين والتصديق مع الإقرار عند البعض يفيد المغايرة على ما هو المذهب الأصح وهو كاف في دخول الجنة بوعد الله وكرمه في القول الحق المثبت بالأدلة القوية فذكر العلم الصالح بعده للاهتمام والحث عليه أخباراً بأنأهله يدخلون ابتداء بلا حساب أو بحساب يسير {يُدْخِلْهُ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا} أي من تحت قصورها أو أشجارها {الانْهَـارُ} الأربعة المذكورة في سورة محمد عليه السلام {خَـالِدِينَ فِيهَآ} مقيمين في تلك الجنات دآثمين فيها وهو حال من مفعول يدخله والجمع باعتبار معنى من كما أن الإفراد في الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها {أَبَدًا} ظرف زمان بمعنى دائماً غير منقطع فيكون تأكيداً للخلود لئلا يتوهم إن المراد به المكث الطويل المنقطع آخراً {قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَه رِزْقًا} حال أخرى منه وفيه معنى التعجب والتعظيم لما رزقه الله
42
المؤمنين من الثواب لأن الجملة الخبرية إذا لم يحصل منها فائدة الخبر ولا لازمها تحمل على التعجب إذا اقتضاه المقام كأنه قيل ما أحسن رزقهم الذي رزقهم الله وما أعظمه فرزقا ظاهره المفعولية لأحسن والتنوين للتعظيم لإعداده تعالى فيها ما هو خارج عن الوصف أو للتكثير عدداً لما فيه مما تشتهي الأنفس من الرزق والأنفس أو مدداً لأن أكلها دآثم لا ينقطع ولا بعد في أن يكون له بمعنى إليه ويكون رزقاً تمييزاً بمعنى قد هيأ له واعد ما يحسن إليه به من جهة الرزق ، قال بعض الكبار الجزاء على الأعمال في حق العارفين من عين المنة فهو جزاء العمل لا جزاء العامل فافهم قال في الأسئلة المقحمة الظاهر إن الرزق الحسن مال في قدر الكفاية بلا زيادة تطغى ولا حاجة تنسى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
يقول الفقير هذا التفسير ليس في محله لأن المراد رزق الآخرة كما دل عليه ما قبل الآية لا رزق الدنيا.
وفي التأويلات النجمية : ومن يؤمن بالله إيماناً حقيقياً عينياً ويعمل عملاً صالحاً منزهاً عن رؤيته مقدساً عن نسبته إلى العامل المجازي يدخله جنات المكاشفات والمشاهدات والمعاينات والمحاضرات من غير الفترة الحجابية قد أحسن الله له رزقاً فرزق الروح بالتفريد ورزق القلب بالتجريد ورزق السر بالتوحيد ورزق الخفي بالفناء والبقاء {اللَّهُ الَّذِى} الخ.
مبتدأ وخبر أي الملك القادر الذي {خَلَقَ سَبْعَ سَمَـاوَاتٍ} بيافريد هفت آسمان بعضي بالآي بعض.
نكرا للتعظيم المفيد لكمال قدرة صانعها أو لكفايته في المقصود من إثبات قدرته الكاملة على وفق حكمته الشاملة وذلك يحصل بأخبار خلقه تعالى سبع سموات من غير نظر إلى التعيين {وَمِنَ الأرْضِ} أي وخلق من الأرض {مِثْلَهُنَّ} أي مثل السموات السبع في العدد والطباق وبالفارسية وبيافريد از زمين مانند آسمانها بعضي در تحت بعض.
(10/32)
فقوله مثلهن منصوب بفعل مضمر بعد الواو دل عليه الناصب لسبع سموات وليس بمعطوف على سبع سموات لأنه يستلزم الفصل بين حرف العطف وهو صرف واحد وبين المعطوف بالجار والمجرور وصرح سيبويه وأبو علي بكراهيته في غير موضع الضرورة واختلف في كيفية طبقات الأرض فالجمهور على أنها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض وفي كل أرض سكان من خلق الله وقال الضحاك مطبقة بعضها فوق بعض من غير فتوق وفرجة أي سواء كان بالبحار أو بغيرها بخلاف السموات قال القرطبي والأول الأصح لأن الأخبار دالة عليه كما روى البخاري وغيره من أن كعبا حلف بالذي فلق البحر لموسى أن صهيبا حدثه أن النبي عليه السلام ، لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما اذرين نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها وخير منفيها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر من فيها.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص43 حتى ص52 رقم5
(وروى) شيبان ابن عبد الرحمن قتاة عن الحسن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما النبي عليه السلام جالس إذا أتى عليهم سحاب ، فقال : هل تدرون ما هذا العنان قالوا : الله ورسوله اعلم ، قال : هذه زوايا الأرض يسوقها الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ، ثم قال : هل تدرون ما الذي فوقكم قالوا الله ورسوله اعلم.
قال : فإنها الرقيع سقف محفوظ وبحر مكفوف
43
.
ثم قال : هل تدرون ما بينكم وبينها قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فوقها العرش وبينه وبين السماء كبعد ما بين سماءين أو كما قال : ثم قال : هل تدرون ما تحتكم قالوا الله ورسوله أعلم قال : الأرض وتحتها أرض أخرى بينهما خمسمائة عام ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو كم أدلتم بحبل لهبطتم على الله ، ثم قرأ عليه السلام هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ، كما في خريدة العجائب وفي المقاصد الحسنة لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله فسره بعض أهل العلم ، فقال : إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
قال شيخنا : معناه إن علم الله شمل جميع الأقطار فالتقدير لهبط على علم الله والله تعالى منزه عن الحلول في الأماكن فالله سبحانه كان قبل أن يحدث الأماكن انتهى كلام المقصاد الحسنة ، قال بعض العارفين فيه إشارة إلى أنه ما من جوهر في العالم العلوي والسفلي إلا وهو مرتبط بالحق ارتباط الرب بالمربوب وفي الحديث : (اجتمع أملاك عند الكعبة واحد نازل من السماء وواحد صاعد من الأرض السفلى وثالث من ناحية المشرق ورابع من ناحية المغرب فسأل كل واحد صاحبه من أين جئت فكلهم قالوا من عند الله ثم نرجع ونقول فالأرض بعضها فوق بعض وغلظ كل أرض مسيرة خمسمائة عام وكذا ما بينهما على ما دل عليه حديث أبي هريرة وفي الحديث من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين قال ابن الملك وفيه إشعار بأن الأرض في الآخرة أيضاً سبع طباق وفي الكواشي قيل ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه الآية وإن ما بين كل سمائين مسيرة خمسمائة عام وكذا غلظ كل سماء والأرضون مثل السموات فكما إن في كل سماء نوعاً من الملائكة يسبحون الله ويقدسونه ويحمدونه فكذا لكل أرض أهل على صفة وهيئة عجيبة ولكل أرض اسم خاص كما إن لكل سماء اسماً خاصاً وعن بن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق سأله هل تحت الأرضين خلق ، قال : نعم ، قال : فما الخلق قال إما ملائكة أو جن وعن عطاء بن يسار في هذه الآية في كل أرض آدم كآمكم ونوح مثل نوحكم وإبراهيم مثل إبراهيمكم وعيسى كعيساكم قالوا : معناه إن في كل أرض خلقا لهم سادة يقومون عليهم مقام آدم ونوح وإبراهيم وعيسى فينا ، قال السخاوي : في المقاصد الحسنة حديث الأرضون سبع في كل أرض من الخلق مثل ما في هذه حتى آدم كآدمكم وإبراهيم كإبراهيمم هو مجهول إن صح نقله عن ابن عباس رضي الله عهما على أنه أخذه عن الإسرائيليات أي أقاويل بني إسرائيل مما ذكر في التوراة أو أخذه من علمائهم ومشايخهم كم افي شرح النخبة وذلك وأمثاله إذا لم يخبر به ويصح سنده إلى معصوم فهو مردود على قائله انتهى كلام المقاصد مع تفسير الإسرائيليات وقال في إنسان العيون قد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : {وَمِنَ الارْضِ مِثْلَهُنَّ} قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيكم وعيسى كعيساكم رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد وقال البيهقي : إسناده صحيح لكنه شاذ بالمرة أي لأنه لا يلزم من صحة الإسناد وقال البيهقي إسناده صحيح لكنه شاذ بالمرة أي لأنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة التمن فقد يكون
44
(10/33)
فيه مع صحة إسناده ما يمنع صحته فهو ضعيف قال الجلال السيوطي ويمكن أن يؤول على أن لمراد بهم النذر الذين كانوا يبلغون الجن عن أنبياء البشر ولا يبعد أن يسمى كل منهم باسم النبي الذي يبلغ عنه هذا كلامه وحينئذٍ كان لنبينا عليه السلام رسول من الجن اسمه كاسمه ولعل المراد اسمه المشهور وهو محمد فليتأمل انتهى.
ما في إنسان العيون ونظير هذا المقام قول حضرة الشيخ الشهير بافتاده خطاباً لحضرة محمود الهدائي قدس سرهما الآن عوالم كثيرة يتكلم فيها محمود وافتاده كثير قال في خريدة العجائب وليس هذا القول أي خبر في كل أرض آدم الخ بأعجب من قول الفلاسفة أن الشموس شموس كثيرة والأقمار أقمار كثيرة ففي كل إقليم شمس وقمر ونجوم وقالت القدماء الأرض سبع على المجاورة والملاصقة وافتراق الأقاليم لا على المطابقة والمكابسة وأهل النظر من المسلمين يميلون إلى هذا القول ومنهم من يرى أن الأرض سبع على الانخفاض والارتفاع كدرج المراقي.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
حكى) الكلبي عن أبي صالح عن أبي عباس رضي الله عنهما إنها سبع أرضين متفرقة بالبحار يعني الحائل بين كل أرض وأرض بحار لا يمكن قطعها ولا الوصول إلى الأرض الأخرى ولا تصل الدعوة إليهم وتظل الجميع السماء قال الماوردي ، وعلى هذا أي وعلى إنها سبع أرضين وفي كل أرض سكان من خلق الله تختص دعوة الإسلام بأهل الأرض العليا دون من عداهم وإن كان فيهن من يعقل من خلق وفي مشاهدتهم السماء واستمدادهم الضوء منها قولان أحدهما إنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ويستدون الضياء منها وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة والثاني : إنهم لا يشاهدون السماء وإن الله خلق لهم ضياء يشاهدونه وهذا قول من جعل الأرض كرة قال سعدي المفتي وقد تؤول الآية تارة بالأقاليم السبعة أي فتكون الدعوة شاملة لجميعها وتارة بطبقات العناصر القوابل بالنسبة إلى الأثيريات فهي أرضها التي ينزل عليها منها الصور الكائنة وهي النار الصرفة والطبقة الممتزجة من النار والهواء المسماة كرة الأثير التي فيها الشهب وذوات الأذناب وغيرها وطبقة الزمهرير وطبقة انسم وطبقة الصعيد والماء المشحونة بالنسيم الشاملة للطبقة الطينية التي هي السادسة وطبقة الأرض الصرفة عند المركو وإن جملناها على مراتب الغيوب السبعة المذكورة من غيب القوي والنفس والعقل والسر والروح والخفي وغيب الغيوب أي عين جمع الذات فالأرضون هي الأعضاء السبعة المشهورة.
وفي التأويلات النجمية : هي طبقات القوب من الصدر والقلب والفؤاد والروع والشغاف والمهجة والروح وأراضي النفوس وهي النفس الأمارة واللوامة والملهمة والمطمئنة والنفس المعدنية والنباتية والحيوانية يتنزل الأمر} أي أمر الله واللام عوض عن المضاف إليه {بَيْنَهُنَّ} أي بين السموات السبع والأرضين السبع والظاهر إن الجملة استئنافية للأخبار عن شمول جريان حكمه ونفوذ أمره في العلويات والسفليات كلها فالأمر عند الأكثرين القضاء والقدر بمعنى يجري قصاؤه وينفذ حكمه بين السماء السابعة التي هي أعل السموات وبين الأرض السابعة التي هي أسفل الأرضين ولا يقتضى ذلك أن لا يجري في العرش والكرسي لأن المقام اقتضى ذكر ما ذكره والتخصيص بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم كذا قالوا.
45
يقول الفقير : تحقيق هذا المقام يستدعى تمهيد مقدمة وهي إنه استوى الأمر الإرادي الإيجادي على العرش كما استوى الأمر التكليفي الإرشادي على الشرع الذي هو مقلوب العرش والتجليات الإيجادية الأمرية المتنزلة بين السموات السبع والأرضين السبع موقوفة على استواء أمر تمام حصول الأركان الأربعة على العرش وتلك الأمور الأربعة هي الحركة المعنوية الإسمائية والحركة النورية الروحانية والحركة الطبيعية المثالية والحركة الصورية الحسية وهي حركة العرش فالعرش مستوى أمره الإيجادي لا مستوى نفسه تعالى عن ذلك ومنه ينزل لأمر الإلهي بينهن وهي التجليات الإلهية الدنيوية والبرزخية والحشرية والنيرانية والجنانية وكلها تجليات وجودية أشير إليها بقوله تعالى :
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
(10/34)
{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} وبقوله : يعلم ما يلج في الأرض ما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وأما التجليات الشهودية فما كانت وتكون في الدنيا والآخرة لقلوب أهل الكمال وأرواحهم وأسرارهم من الأنبياء العظام والأولياء الكرام فمعنى الآية يتنزل أمر الله بالإيجاد والتكوين وترتيب النظام والتكميل بين كل سماء وأرض من جانب العرش العظيم أبداً دآثماً لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال خالقاً في الدنيا والآخرة فيفني ويعدم عوالم ويوجد ويظهر عوالم أخرى لا نهاية لشؤونه فهو كل يوم وآن في أمر وشأن بحسب مقتضايت استعدادات أهل العصر وموجبات قابليات أصحاب الزمان لتعلموا إن الله على كل شيء قدير} متعلق بخلق أو يتنزل أو بمايعهما أي فعل ذلك لتعملوا أن من قدر على ما ذكر قادر على كل شيء ومنه البعث اللحاسب والجزاء فتطيعوا أمره وتقبلوا حكمه وتستعدوا لكسب السعادة والخلاص من الشقاوة واللام لام المصلحة والحكمة لأن فعله تعالى خال عن العبث.
(روى) عن الإمام الأعظم إنه قال إن هذه الآية من أخوف الآيات في القرآن لا لام الغرض فإنه تعالى منزه عن الغرض إذ هو لمن له الاحتياج والله غني عن العالمين {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمَا} كما اطبه قدرة لاستحالة صدور الأفاعيل المذكورة ممن ليس كذلك والإحاطة العلم البالغ وبالفارسية وبدرستى كه فرارسيده است بهمه يزازروى علم يعني علم قودرت أو محيط است بهمه اشيا از موجودات علمي وعيني هي يز ازدائره علم وقدرت أو خارج نيست.
رمزيست زسرقدرتش كن فيكون
بادانش أو يكيست بيرون ودرون
درغيب وشهادة ذره نتوان يافت
از دائره قدرت وعلمش بيرون
ويجوز أن يكون العامل في اللام بيان ما ذكر من الخلق وتنزل الأمراي أوحى ذلك وبينه لتعلموا بما ذكر من الأمور التي تشاهدونها والتي تتلقونها من الوحي من عجائب المصنوعات إنه لا يخرج عن علمه وقدرته شيء ما أصلا قوله علماً نصب على التمييز أي أحاط علمه بكل شيء كما في عين المعاني أو على المصدر المؤكد لأن المعنى وإن الله قد علم كل شيء علماً كما فتح الرحمن ، قال البقلي قدس سره : لو كان للإنسان قدرة المعرفة كالأرواح لم يخاطبه بالعلل والاستدلال ليعلم برؤية الأشياء وجود الحق وكان كالأرواح في الخطاب بلا علة في تعريف نفسه إياها تقول ألست بربكم إذ هناك خطاب وشهود وتعريف بغير علة فلما علم عجزه وهو في عالم
46
الجسم عن حمل واردات الخطاب الصرف أحاله إلى الشواهد بقوله : {خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} الخ.
وليس بعارف في الحقيقة من عرفه بشيء من الأشياء أو بسبب من الأسباب فمن نظر إلى خلق الكون يعرف إنه ذو قدرة واسعة وذو إحاطة شاملة ويخاف من قهره ويذوب قلبه بعلمه في رؤية إطلاع الحق عليه قال الشيخ نجم الدين في تأويلاته وفي هذه الآية الكريمة غوامض من أسرار القرآن مكنونة ويدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن هذه الآية وقال لو فسرتها لقطعوا حلقومي ورجموني والمعنى الذي أشار إليه رضي الله عنه مما لا يعبر عنه ولا يشار إليه ولكن يذاق.
جزء : 10 رقم الصفحة : 24
تفسير سورة التحريم
اثنتا عشرة آية مدينة
جزء : 10 رقم الصفحة : 46
يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} أصل لم لما والاستفهام لإنكار التحريم وهو بالفارسية حرام كردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
كما إن الإحلال حلال كردن.
روى أن النبي عليه السلام خلا بسريته مارية القبطية التي أهداها إليه المقوقس ملك مصر في يوم عائشة رضي الله عنها ونوبتها وعلمت بذلك حفصة رضي الله عنها فقال لها اكتمي علي ولا تعلمي عائشة فقد حرمت مارية على نفسي وابشرك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يملكان بعدي امر أمتي فأخبرت به عائشة رضي الله عنها ولم تكتم وكانتا متصادقتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي عليه السلام ، قال السهيلي رحمه الله : أمرها أن لا تخبر عائشة ولا سائر أزواجه بما رأت وكانت رأته في بيت ماري بنت شمعون القبطية أم ولده إبراهيم المتوفى في الثدي وهو ابن ثمانية عشر شهراً فخشى أن يلحقهن بذلك غيرة واسر الحديث إلى حفصة فأفشته وقيل خلا بها في يوم حفصة كما قال بعض أهل التفسير كان رسول الله عليه السلام يقسم بين نسائه فلما كان يوم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه استأذنت رسول الله في زيارة أبيها فأذن لها فلما خرجت ارسل رسول الله إلى أم ولده مارية القبطية (قال في كشف الأسرار) دربيرون مدينة در نخلستان در سرايي مقام داشت كه زنان رسول نمى خواستندكه درمدينه با يشان نشنيد وكاه كاه رسول خدا ازبره طهارت بيرون شدى واورا ديدى انتهى.(10/35)
فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها فلمارجعت حفصة وجدت الباب مغلقاً فجلست عند الباب فخرج رسول الله ووجهه يقطر عرقا وحفصة تبكي فقال ما يبكيك فقالت إنما أذنت لي من أجل هذا أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها في يومي على فراشي فلو رأيت لي حرمة وحقاً ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن فقال رسول الله أليس هي جاريتي أحلها الله لي اسكني فهي حرام على ألتمس بذلك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن فلما خرج رسول الله قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت ألا أبشرك أن رسول الله قد حرم عليه
47
أمته مارية وقد أراحنا الله منها وأخبرت عائشة بما رأت فلم تكتم فطلقها رسول الله بطريق الجزاء على إفشاء سره واعتزل نساءه ومكث تسعاً وعشرين ليلة في بيت مارية قال أبو الليث : أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً من شدة مؤاخذته عليهن حتى نزلت الآية ودخل عمر رضي الله عنه على بنته حفصة وهي تبكي فقال : أطلقكن رسول الله فقالت لا أدري هو ذا معتزلاً في هذه المشربة وهي بفتح الراء وضمها الغرفة والعلية كما في القاموس.
(وروى) إنه قال لها لو كان في آل الخطاب خير لما طلقك قال عمر فأتيته عليه السلام فدخلت وسلمت عليه فإذا هو متكىء على رمل حصير قد أثر في جنبه فقلت : أطلقت نساءك يا رسول الله فقال : لا ، فقلت : الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم وطفقن نساؤنا يتعلمن من نسائهم فتبسم رسول صلى الله عليه وسلّم وقال عمر للنبي عليه السلام لا تكرتث بأمر نسائك والله معك وأبو بكر معك وأنا معك فنزلت الآية موافقة لقول عمر قالت عائشة رضي الله عنها لما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على رسول الله ، فقلت يا رسو الله إنك أقسمت أن لا تدخل علينا وإنك قد دخلت في تسع وعشرين أعدهن فقال : الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر كذلك ونزل جبريل فقال لرسول الله عن أمر الله راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها لمن نسائك في الجنة وكان تحته عليه السلام يومئذٍ تسع نسوة خمس من قريش عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة بنت أمية وسودة بنت زمعة وغير القرشيات زينب بنت جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية وجويرية بنت الحارث المصطلقية.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
ونقلست كه حضرت يغمبر صلى الله عليه وسلّم عسل وشربت أو وهريزكه حلو باشد دوست داشتى وقتي زينب رضي الله عنها مقداري عسل وشربت أو وهريزكه حلو باشد دوست داشتى وقتي زينب رضي الله عنها مقداري عسل داشت كه بعضي خويشان وى درمكه بطريق هديه فرستادهبودهركاه آن حضرت عليه السلام بخانه وى آمدي زينب شربت فرمودي لأرن حضرت راد خانه وى بسبب آن توقف بيشتر واقع شدى آن حال بر بعضي أزواج طاهرات كران آمد عائشة وحفصة تفاق نمودندكه ون آن حضرت بعد از آشاميدن شربت عسل درخانه وى نزد هركدام ازمادر آيند كوييم ازتوبوى مغافير ميشنويم ومغفور بالضم صمغ درختيست كه عرفط خوانند ازدرختان باديه واكره شيرينس ولكن رايحه كريهه دارد وحضرت بوي خوش دوست ميداشت براى مناجات ملك وازروايح ناخوش محترزمى بود س آن حضرت روزي شربت آشميد ونزد هركدام آمداز أزواج كفتند يا رسول الله ازشما رايحه مغفور مى آيد وايشان درجواب فرمودندكه مغفور نخورده ام أما درخانه زينب شربت عسل آشاميده ام كفتند جرست النحلة العرفط يعني إن تلك النحلة أكلت العرفط وبالفارسية زنبور آن عسل ازشكوفه عرفط ريده بود والجرس خوردن منج رارا.
وفي القاموس الجرس اللحس باللسان أم زاهد رحمه الله آورده كه ون اين صورت مكرر وجود كرفت حضرت عليه السلام فرمود حرمت العسل على نفسي فوالله لا آكله أبداً وأين سوكند بدان خورد
48
تاديكر كس ويرا ازان عسل نيارد فنزلت الآية قال ابن عطية والقول الأول وهو أن لآية نزلت بسبب مارية أصح وأوضح وعليه تفقه الناس في الآية وقال في كشف الأسرار قصة العسل أسند كما قال في اللبابين إن هذا هو الأصح لأنه مذكور في الصحيحين انتهى.
وقصة مارية أشبه ومعنى الآية لم تحرم ما أحل الله لك من ملك اليمين أو من العسل أي تمتنع من الانتفاع به مع اعتقدا كونه حلالاً لك لأن اعتقاد كونه حراماً بعد ما أحل الله مما لا يتصور من عوام المؤمنين فكيف من الأنبياء قال الفقهاء من اعتقد من عند نفسه حرمة شيء قد أحله الله فد كفر إذ ما أحله الله لا يحرم إلا بتحريم الله إياه بنظم القرآن أو بوحي غير متلو والله تعالى إنما أحل لحكمة ومصلحة عرفها في إحلاله فإذا حرم العبد كان ذلك قلب المصلحة مفسدة يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ} الابتغاء جستن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
(10/36)
والمرضاة مصدر كالرضى وفي بعض التفاسير اسم مصدرم ن الرضوان قلبت واوها ألفاً والأزواج جمع زوج فإنه يطلق على المرأة أيضاً بل هو الفصيح كما قال في المفردات وزوجة لغة رديئة وجمع الأزواج مع أن من أرضاها النبي عليه السلام في هذه القصة عائشة وحفصة رضي الله عنهما أما لأن إرضاءها في الأمر المذكور إرضاء لكهن أو لأن النساء في طبقة واحدة في مثل تلك الغيرة لأنهن جبلن عليها على أنه مضى ما مضى من قول السهيلي أو لأن الجمع قد يطلق على الاثنين أو للتحذير عن إرضاء من تطلب منه عليه السلام ما لا يحسن وتلح عليه أيتهن كان لأنه عليه السلام كان حيياً كريماً والجملة حال من ضمير تحرم أي حال كونك مبتغياً وطالباً لرضى أزواجك والحال إنهن أحق بابتغاء رضاك منك فإنما فضيلتهن بك فالإنكار وارد على مجموع القيد والمقيد دفعة واحدة فمجموع الابتغاء والتحريم منكر نظيره قوله تعالى : {لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعَـافًا مُّضَـاعَفَةً} وفيه إشارة إلى فضل مارية والعسل وفي الحديث : (أول نعمة ترفع من الأرض العسل) وقد بين في سورة النحل والله غفور} مبالغ في الغفران قد غفر لك وستر ما فعلت من التحريم وقصدت من الرضى لأن الامتناع من الانتفاع بإحسان المولى الكريم يشبه عدم قبول إحسانه {رَّحِيمٌ} قد رحمك ولم يؤاخذك به وإنما عاتبك محافظة على عصمتك.
(وقال الكاشفي) : مهربان كه كفارت سوكند توفرمود قال في كشف الأسرار هذا أشد ما عوتب به رسول الله في القرآن وقال البقلي : أدب الله نبيه أن لا يستبد برأيه ويتبع ما يوحى إليه كما قال بعض المشايخ في قوله لتحكم بين الناس بما أراك الله أن المرادبه الوحي الذي يوحي به إليه لا ما يراه في رأيه فإالله قد عاتبه لما حرم على نفسه ما حرم في قصة عائشة وحفصة فلو كان الدين بالرأي لكان رأى رسول الله أولى من كل رأي انتهى كلام ذلك البعض وفيه بيان إن من شغله شيء من دون الله وصل إليه منه ضرب لا تبرأن جراحته إلا بالله لذلك قال عقيب الآية والله غفور رحيم قال ابن عطاء لما نزلت هذه الآية على النبي عليه السلام كان يدعو دائماً ويقول اللهم إني أعوذ بك من كل قاطع يقطعني عنك.
آزرده است كوشه نشين از وداع خلق
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
غافل كه اتصال حقست انقطاع خلق
49
{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـانِكُمْ} الفرض هنا بمعنى الشرع والتبيين كما دل عليه لكم فإن فرض بمعنى أوجب إنما يتعدى بعلى والتحلة مصدر حلل بتضعيف العين بمعنى التحليل أصله تحللة كتكرمة وتعلة تبصرة وتذكرة من كرم وعلل وبصر وذكر بمعنى التكريم التعليل والتبصير والتذكير إلا أن هذا المصدر من الصحيح خارج عن القياس فإنه من المعتل اللام نحو سمى تسمية أو مهموز اللام مثل جزأ تجزئة والمراد تحليل اليمين كان اليمين عقد والكفارة حل يقال : حلل اليمين تحليلاً ، كفرها أي فعل ما يوجب الحنث وتحلل في يمينه استثنى وقال إن شاء الله وقوله عليه السلام : "لا يموت لرجل ثلاثة أولاد فتمسه النار إلا تحلة القسم أي قدر ما يقول إن شاء الله" كما في المفردات أو قدر ما يبرأ الله قسمه فيه بقوله وإن منكم إلا واردها قال في تاج المصادر قوله فعلته تحلة القسم أي لم عله إلا بقدر ما حللت به يميني أن لا أفعله ولم أبالغ ثم قيل لكل شيء لم يبالغ فيه تحليل يقال ضربته تحليلاً والباب يدل على فتح الشيء ومعنى الكفارة الإطعام أو الكسوة أو العتق أو الصوم على ما مر تفصيله في سورة المائدة ومعنى الآية شرع الله لكم تحليل إيمانكم وبين لكم ما تنحل به عقدتها من الكفارة وهي المرادة ههنا لا الاستثناء أي أن يقول إن شاء الله متصلاً حتى لا يحنث فإن الاستثناء المتصل ما كان مانعاً من انعقاد اليمين جعل كالحل فالتحليل لما عقدته الإيمان بالكفارة أو بالاستثناء وبالفارسية بدرستى كه بيان كرد خداي تعالى براى شما فرو كشادن سوكند هاي شمرا بكفارت يعني آنه بسو كند ببنديد بكفارت توان كشاد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
(10/37)
قال في الهداية ومن حرم على نفسه شيئاً مما يملكه لم يصر محرماً وعليه إن استباحه وأقدم عليه كفارة فتحريم الحلال يمين عند أبي حنيفة رحمه الله ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرمه فإذا حرم طعاماً فقد خلف على أكله أو أمة فعلى وطئها قال ابن عباس رضي الله عنهما التحريم هو اليمين فلو قال لامرأته أنت على حرام فلو نوى الطلاق طلقت وإن نوى اليمين كان يميناً وإن أراد الكذب لم يقع شيء وكذا لو حرم طعاماً على نفسه ونوى اليمين كان يميناً خلافاً للشافعي كما في عين المعاني وقال بعضهم لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنه قال لما أحله الله هو حرام على وإنما امتنع عن مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله والله لا أقربها بعد اليوم فقيل له : لم تحرم ما أحل الله لك أي لم تمنع منه بسب اليمين يعني أقدم على ما حلفت عليه وكفر عن يمينك وظاهر قوله تعالى : {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـانِكُمْ} فإن قلت هل كفر رسول الله لذلك قلت عن الحسن البصري قدس سره : إنه لم يكفر لأنه كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين وعن مقاتل إنه أعتق رقبة في تحريم مارية وعاودها لأنه لا ينافي كونه مغفوراً له أن يكفر فهو والأمة سواء في الأحكام ظاهراً والله مولاكم} سيدكم ومتولى أموركم {وَهُوَ الْعَلِيمُ} بما يصلحكم فيشرعه لكم {الْحَكِيمُ} المتقن في أفعاله وأحكامه فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا حسبما تقتضيه الحكمة {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِىُّ} الأسرار خلاف الإعلان ويستعمل في الأعيان والمعاني والسر هو الحديث المكتمم في النفس وأسررت إلى فلان حديثاً أفضيت به إليه في
50
خفية فالأسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضي إليه بالسر وإن كان يقتضي إخفاءه من غيره فإذا قولهم أسررت إلى فلان يقضتي من وجه الإظهار ومن وجه الإخفاء والنبي رسول الله عليه السلام فإن اللام للعهد وإذ ظرف أي اذكر الحادث وقت الأسرار والأكثر المشهور إنه مفعول أي واذكر يا محمد وقت أسرار النبي وإخفائه على وجه التأنيب والتعتب أو واذكروا أيها المؤمنون فالخطاب إن كان له عليه السلام ، فالإظهار في مقام الإضمار بأنقيل وإذ أسررت للتعظيم بإيراد وصف ينبىء عن وجوب رعاية حرمته ولزوم حماية حرمه عما يكرهه وإن كان لغيره عموماً على الاشتراك أو خصوماً على الإنفراد فذكره بوصف النبي للإشعار بصدقه في دعوى النبوة
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
{إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} وهي حفصة رضي الله عنها تزوجها النبي عليه السلام ، في شعبان على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة قبل أحد بشهرين وكان ولادتها قبل النبوة بخمس سنين وقريش تبنى البيت وماتت بالمدينة في شعبان سنة خمس وأربعين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو أمير المدينة يومئذ وحمل سريرها وحمله أيضاً أبو هريرة وقد بلغت ثلاثا وستين سنة وأبو حفص أبوها عمر رضي الله عنه كناه به رسول الله عليه السلام ، والحفص ولد الأسد {حَدِيثًا} قال الراغب كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه يقال له حديث والمراد حديث تحريم مارية أو العسل أو أمر الخلافة قال سعدي المفتي فيه إن تحريم العسل ليس مما أسر إلى حفصة بل كان ذلك عند عائشة وسودة وصفية رضي الله عنهن {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} أي أخبرت حفصة صاحبتها التي هي عائشة بالحديث الذي أسره إليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأفشته إليها {وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ} أي أطلع الله النبي على إفشاء حفصة ذلك الحديث على لسان جبريل فالضمير راجع إلى الحديث بتقدير المضاف وأظهر ضمن معنى اطلع من ظهر فلان السطح إذا علاه وحقيقته صار عى ظهره وأظهره على السطح أي رفعه عليه فاستعير للإطلاع على الشيء وهو من باب الأفعال بمعنى بررسانيدن كسى را برنهاني وديده وركدانيدن.
قال الراغبي : ظهر الشيء أصله أن يحصل شيء على ظهر الأرض فلا يخفى وبطن إذا حصل في بطنان الأرض فيحقي ثم صار مستعملاً في كل بارز للبصر والبصيرة {عَرَّفَ} ألتبي حفصة والتعريف بالفارسية بيا كاهيدن {بَعْضَهُ} أي بعض الحديث الذي أفشته إلى صاحبتها على طريق العتاب بأن قال لها ألم أك أمرتك أن تكتمي سرى ولا تبديه لأحد وهو حديث الإمامة.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
(10/38)
روى) أنه عليه السلام لما عاتبها قالت والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي فرحاً بالكرامة التي خص الله بها أباها وبعض الشيء جزء منه {وَأَعْرَضَ عَنا بَعْضٍ} أي عن تعريف بعض تكرماً وهو حديث مارية وقال بعضهم : عرف تحريم الأمة واعرض عن تعريف أمر الخلافة كراهة أن ينتشر ذلك في الناس وتكرماً منه وحلماً وفيه جواز إظهار الشيوخ الفراسة والكرامات لمريديهم لتزيد رغبتهم في الطريقة وفيه حث على ترك الاستقصاء فيما جرى من ترك الأب فإنه صفة الكرام قال الحسن البصري قدس سره : ما استقصى كريم قط وقال بعضهم : ما زال التغافل من فعل الكرام {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ} أي أخبر النبي حفصة بالحديث الذي أفشته بما أظهره الله عليه من أنها أفشت سره
51
{قَالَتْ مَنْ أَنابَأَكَ هَـاذَا} من أخبرك عني هذا تعني إفشاءها للحديث ظنت أن عئاشة أخبرته وفيه تعجب واستبعاد من أخبار عائشة بذلك لأنا أوصتها بالكتم ولم يقل من بنأك ليوافق ما قبله للتفنن {قَالَ} النبي عليه السلام {نَبَّأَنِىَ} بفتح ياء المتكلم {الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} الذي لا يخفى عليه حافية فسكتت وسلمت وبنأ أيضاً من قبيل التفنن يقال : إن أنبأ ونبأ يتعديان إلى مفعولين إلى الأول بنفسهما وإلى الثاني بالباء رقد يحذف الأول للعلم به وقد يحذف الجار ويتعدى الفعل إلى الثاني بنفسه أيضاً ، فقوله تعالى : {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ} وقوله : فلما نبأت به على الاستعمال الثاني وقوله : من أنبأك على الاستعمال الثالث وقوله : العلم هو ولعالم والعلام من أسمائه سبحانه ومن أدب من علم إنه سبحانه عالم بكل شيء حتى بخطرات الضمائر ووساوس الخواطر أن يستحي منه ويكف عن معاصيه ولا يغتر بجميل ستره ويحشى بغتات قهره ومفاجأة مكره وعن بعضهم إنه قال : كنت جائعاً ، فقلت لبعض معارفي إني جائع فلم يطعمني شيئاً فمضيت فوجدت درهماً ملقى في الطريق فرفعته فإذا عليه متكوب إما كان الله عالماً بجوعك حتى طلبت من غيره والخبير بمعنى العليم ، وقال الامام الغزالي قدس سره إذا اعتبر العلم المطلق فهو العليم مطلقاً وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو البخير وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد وإذا علم العبد إنه تعالى خبير بأفعاله مطلع على سره علم إنه تعالى أحصى عليه جميع ما عمله أو أخفى في عمله وإن كان هو قد نسيه فيخجل حجلاً يكاد يهلكه.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
حكى) أن رجلاً تفكر يوماً فقال عمري كذا كذا سنة يكون كذا كذا شهراً يكون منها كذا كذا يوماً فبلغ عمره من الأيام ألوفاً كثيرة فقال لو لم اعص الله كل يوم إلا معصية واحدة لكان في ديوان عملي كذا كذا ألف معصية وإني في كل يوم عملت كثيراً من المعاصي ثم صاح وفارق الدنيا.
(يقول الفقير) :
مذنبم كره ولى رب غفوريم كرست
بمن افناده دهد از كرمش شايد دست
أن تتوبا إلى الله} خطاب لحفصة وعائشة رضي الله عنهما فالالتفات من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في الخطاب لكن العتاب يكون للأولياء كما أن العقاب يكون للأعداء كما قيل :
إذا ذهب العتاب فليس ود
ويبقى الود ما بقي العتاب
ففيه إرادة خير لحفظة وعائشة بإرشادهما إلى ما هو أوضح لهما {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} الفاء للتعليل كما في قولك اعبد ربك فالعبادة حق وإلا فالجزاء يجب أن يكون مرتباً على الشرط مسبباً عنه وصغو قلبيهما كان سابقاً على الشرط وكذا الكلام في وان تظاهرا الخ والمعنى فقد وجد منكما ما يوجب التوبة من ميل قلوبكما عما يجبع عليكما من مخالصة رسول الله وحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه من صغا يصغو صغواً مال وأصغى إليه مال يسمعه قال الشاعر :
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص52 حتى ص62 رقم6
تصغى القلوب إلى اغر مبارك
من آل عباس بن عبد المطلب
وجمع القلوب لئلا يجمع بين تثنيتين في كلمة فرارا من اجتماع المتجانسين وربما جمع
52
(10/39)
{وَإِن تَظَـاهَرَا عَلَيْهِ} بإسقاط إحدى التاءين وهو تفاعل من الظهر لأنه أقوى الأعضاء أي تتعاونا على النبي عليه السلام ، بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره وكانت كل منكما ظهرا لصاحبتها فيه {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَـاـاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَـالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} قوله هو مبتدأ ثان جيء به لتقوى الحكم لا للحصر وإلا لانحصرت الولاية له عليه السلام ، في الله تعالى فلا يصح عطف ما بعده عليه وقوله وجبريل عطف على موضع اسم إن بعد استكمالها خبرها وكذا قوله وصالح المؤمنين وإليه مال السجاوندي رحمه الله إذ وضع علامة الوقف على المؤمنين والظاهر إن صالح مفردو لذلك كتبت الحاء بدون واو الجمع ومنهم من جوز كونه جمعاً بالواو والنون وحذفت النون بالإضافة وسقطت واو الجمع في التلفظ لإلتقاء الساكنين وسقت في الكتابة أيضاً حملاً للكتابة على اللفظ نحو يمح الله الباطل ويدع الإنسان وسندع الزبانية إلى غير ذلك والمعنى فلن يعدم هو أي النبي عليه السلام ، من يظاهره فإن الله هو ناصره وجبريل رئيس الملائكة المقربين قرينه ورفيقه ومن صلح من المؤمنين أتباعه وأعوانه فيكون جبريل وما بعده أي على تقدير العطف داخلين في الولاية لرسول الله ويكون جبريل أيضاً ظهيراً له بدخوله في عموم الملائكة ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله مولاه ويكون جبريل مبتد وما بعده عطفاً عليه وظهير خبر للجميع تختص الولاية بالله قال ابن عباس رضي الله عنهما أراد بصالح المؤمنين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قال في الإرشاد هو اللائق بتوسيطه بين جبريل والملائكة فإنه جمع بين الظهير المعنوي والظهير الصوري كيف لا وإن جبريل ظهيره يؤيده بالتأييدات الإلهية وهما وزيراه في تدبير أمور الرسالة وتمشية الأحكام ظاهرة ومعاون آن حضرت كه رضاي أو بررضاي فرزندان خود ايثاركنند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
ولأن بيان مظاهرتهما له عليه السلام ، أشده تأثيراً في قلوب بنتيهما وتوهينا لأمرهما فكان حقيقاً بالتقديم بخلاف ما إذا أريد به جنس الصالحين كما هو المشهور وعن بعضهم إن المرا بصالح المؤمنين الأصحاب أو خيارهم وعن مجاهد هو علي رضي الله عنه ، يقول الفقير : يؤيده قوله عليه السلام ا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى فإن الصالحين الأنبياء هم عليهم السلام ، كما قال تعالى : {وَكُلا جَعَلْنَا صَـالِحِينَ} وقال حكاية عن يوسف الصديق عليه السلام ، وألحقني بالصالحين فإذا كان على بمنزلة هارون فهو صالح مثله وقال السهيلي رحمه الله ، لفظ الآية عام فالأولى حملها على العموم قال الراغب الصلاح ضد الفساد الذي هو خروج الشيء عن الاعتدال والانتفاع قل أو كثروهما مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال وقوبل الصلاح في القرآن تارة بالفساد وتارة بالسيئة.
(وروى) إن رجلاً قال لإبرهيم بن أدهم قدس سره : إن الناس يقولون لي صالح فبم أعرف إني صالح فقال اعرض أعمالك في السر على الصالحين فإن قبلوها واستحسنوها فاعلم إنك صالح وإلا فلا وهذا من كلم الحكمة.
والملائكة} مع تكاثر عددهم وامتلاء السموات من جموعهم.
(وقال الكاشفي) : وتمام فرشتكان آسمان وزمين {بَعْدَ ذَالِكَ} أي بعد نصرة الله وناموسه الأعظم وصالح المؤمنين وفيه تعظيم لنصرتهم لأنها من الخوارق كما وقعت في بدر ولا يلزم منه
53
أفضلية الملائكة على البشر {ظَهِيرٍ} خبر والملائكة والجملة معطوفة على جملة فإن الله هو مولاه وما عطف عليه أي فوج مظاهر له معين كأنهم يد واحدة على من يعاديه فما ذا يفيد تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه وما ينبىء عنه قوله تعالى : {بَعْدِ ذَالِكَ} من فضل نصرتهم على نصرة غيرهم من حيث إن نصرة الكل نصرة الله بهم وبمظاهرتهم أفضل من سائر وجوه نصرته يعني : إن نصرة الله إما نصرة ذاتية بلا آلة ولا سبب أو نصرة بتوسط مخلوقاته والثاني : يتفاوت بحسب تفاوت قدرة المخلوقات وقوتهم ونصرة الملائكة أعظم وأبعد رتة بالنسبة إلى سائر المخلوقات على حسب تفاوت قدرتهم وقوتهم فإنه تعالى مكن الملائكة على ما لم يمكن الإنسان عليه فالمراد بالبعدية ما كان بحسب الرتبة لا الزمان بأن يكون مظاهة الملائكة ظم بالنسبة ى نصرة المؤمنين وجبيل دخلفي عموم الملائكة ولا يخفى إن نصرة جميع الملائكة وفيهم جبيل أقوى من نصرة جبريل وحده قال في الإرشاد : هذا ما قالوا ولعل الأنسب أن يجعل ذلك إشارة إلى مظاهرة صالح المؤمنين خاصة ويكون بيان بعدية مظاهرة الملائكة تداركاً لما يوهمه الترتيب من أفضلية المقدم أي في نصرة فكأنه قيل بعد ذكر مظاهرة صالح المؤمنين وسائر الملائكة بعد ذلك ظهيرله عليه السلام ، إيذاناً بعلو رتبة مظاهرتهم وبعد منزلتها وجبراً لفصلها عن مظاهرة بجريل ، قال بعضهم : لعل ذكر غير الله مع أن الأخبار بكونه تعالى مولاه كاف في تهديدهما لتذكير كمال رفعة شأن النبي عليه السلام ، عند الله وعند الناس وعند الملائكة أجمعين.
(10/40)
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
يقول الفقير : أيده الله القدير هذا ما قالوا والظاهر إن الله تعالى مع كفاية نصرته ذكر بعد نفسه من كان أقوى في نصرته عليه السلام ، من المخلوقات لكون المقام مقام التظاهر لكون عائشة وحفصة متظاهرتين وزاد في الظهير لكون المقام مقام التهديد أيضاً وقدم جبريل على الصلحات لكونه أول نصير له عليه السلام ، من المخلوقات وسفيراً بينه وبين الله تعالى وقدم الصلحاء على الملائكة لفضلهم عليه في باب النصرة لأن نصرة الملائكة نصرة بالفعل القالبي ونصرة الصلحاء نصرة به وبالهمة وهي أشد وما يفيده البعدية من أفضلية تظاهرهم على تظاهر الصلحاء فمن حيث الظاهر إذ هم أقدر على الأفعال الشاقة من البشر فاقتضى مقام التهديد ذكر البعدية وفي قوله وصالح المؤمنين إشارة إل غريبة أطلعني الله تعالى عليها وهي إن صالحا اسم النبي عليه السلام ، كما في المفردات ، فإن قلت كيف هو ونصرة النبي لنفسه محال قلت هذه نصرة من مقام ملكيته لمقام بشريته ومن مقام جمعه لمقام فرقه ومن مقام ولايته لمقام نبوته كالتسليم في قوله السلام عليك أيها النبي إن صح إنه عليه السلام ، قال في تشهده ونظيره نصرة موسى عليه السلام لنفه حين فر من القبط كما قال ففررت منكم وذلك لأن فيه نصرة نفسه الناطقة لنفسه الحيوانية وفيه إشارة أيضاً إلى القلب والقوى الروحانية النمصورة على النفيس بتأييد الله تعالى وتأييد ملك الإلهام قال بعض الكبار ليس في العالم أعظم قوة من المرأة يسر لا يعرفه إلا من عرف فيم وجد العالم وبأي حركة أوجده الحق تعالى وإنه عن مقدمتين فإنه نتيجة والناتج طالب والطالب مفتقر والمنتوج مطلوب والمطلوب له عزة الافتقار إليه
54
والشهوة فيذلك البة فقد فقد بان لك محل المرأة من الموجودات وما الذي ينظر إليها من الخضرة الإلهية وبما ذا كانت لها القوة ود نبه تعالى على ما خصها به من القوة بقوله وإن تظاهرا الخ وما ذكر إلا معيناً قوياً من الملائكة الذين لهم الشدة والقوة فإن صالح المؤمنين يفعل بالهمة وهو أقوى من الفعل فإن فهمت فقد رميت بك على الطريق فإه تعالى نزل الملائكة بعد ذكره نفسه وجبريل وصالح المؤمنين منزلة المعينين ولا قوة إلا بالله وقد أخبر الشيخ أفضل الدين الأقدمي قدس سره : إنه تفكر ذات ليلة في قوله تعالى وما يعلم جنود ربك إلا هو قال فقلت أين النمازع الذي يحتاج في مقاتلته إلى جنود السموات والأرض وقد قال تعالى : والله جنود السموات والأرض وإذا كان هؤلاء جنوده فمن يقاتلون وما خرج عنهم شخص واحد فإذا بها تف يقول لي لا تعجب فثمة ما هو أعجب فقلت وما هو فقال الذي قصه الله في حق عائشة وحفصة قلت وما قص فتلا وإن تظاهرا الخ فهذا أعجب من ذكر الجنود انتهى.
قال : فتحرك خاطري إلى معرفة هذه العظمة التي جعل الله نفسه في مقابلتها وجبريل وصالح المؤمنين فأخبرت بها في واقعة فما سررت بشيء سروري بمعرفة ذلك وعلمت من استندنا إليه ومن يقويهما وعلمت إن الله تعالى لولا ذكر نفسه في النصرة ما استطاعت الملائكة والمؤمنون مقاومتهما وعلمت إنهما حصل لهما من العلم بالله والتأثير في العالم ما أعطاهما هذه القوة وهذا من العلم الذي كهيئة المكنون فشكرت الله على ما أولى انتهى.
وكان الشيخ على الخواص قدس سره يقول : ما أظن أحداً من الخلق استند إلى ما استند إليه هاتان المرأتان يقول لوط عليه السلام : لو أن لي بكم قوة أوآوى إلى ركن شديد فكان عنده والله الركن الشديد ولكن لم يعرفه وعرفاه عائشة وحفصة فلم يعرف قدر النساء لا سيما عائشة وحفصة إلا قليل فءٌّ النساء من حيث هن لهن القوة العظيمة حتى إن أقوى الملائكة المخلوقة من أنفاس العامة الزكية من كان مخلوقاً من أنفسا النساء ولو لم يكن في شرفهن إلا استدعاؤهن أعظم ملوك الدنيا كهيئة السجود لهن عند الجماع لكان في ذلك كفاية فإن السجود أشرف حالات العبد في الصلاة ولولا الخوف من أثاره أمر في نفوس السامعين يؤديهم إلى أمور يكون فيها حجابهم عما دعاهم الحق تعالى إليه لأظرت من ذلك عجباً ولكن لذلك أهل والله عليم وخبير عسى ربه} سزاست وشايد روردكار او.
يعني النبي عليه السلام
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
{إِن طَلَّقَكُنَّ} اكر طلاق دهدشماراكه زنان اوييد.
وهو شرط معترض بين اسم عسى وخبرها وجوابه محذوف أو متقدم أي طلقكن فعسى {أَن يُبْدِلَهُ} أي يعطيه عليه السلام بدلكن {أَزْوَاجًا} مفعلو ثان ليبدله وقوله {خَيْرًا مِّنكُنَّ} صفة للأزواج وكذا ما بعده من قوله مسلمات إلى ثيبات وفيه تغليب المخاطب على الغائبات فالتقدير إن طلقكما وغيركما أو تعميم الخطاب لكل الأزواج بأن يكن كلهن مخاطبات لما عاتبهما بأنه قد صغت قلوبكما وذلك يوجب التوبة شرع في تخويفهما بأن ذكر لهما إنه عليه السلام يحتمل يطلقكما ثم إنه إن طلقكما لا يعود ضرر ذلك إلا اليكما لأنه يبدله أزواجاً خيراً منكما وليس
55
(10/41)
في الآية ما يدل على إنه عليه السلام ، لم يطلق حفصة وإن في النساء خيراً منهن فإن تعليق الطلاق للكل لا ينافي تطليق واحدة وما علق بما لم يقع لا يجب وقوعه يعني إن هذه الخيرية لما علقت بما لم يقع لم تكن واقعة في نفسها وكان الله عالماً بأنه عليه السلام ، لا يطلقهن ولكن تأخير عن قدرته على إنه إن طلقهن أبدله خيراً منهن تخويفاً لهن كقوله تعالى : وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لاي كونوا أمثالكم فءٌّه أخبار عن الدرة وتخويف لهم لا إن في الوجود من هو خير من أصحاب محمد عليه السلام ، قيل : كل عسى في القرآن واجب إلا هذا وقيل هو أيضاً واجب ولكن الله علقه بشرط وهو التطليق ولم يطلقهن فإن المذهب إنه ليس على وجه الأرش نساء خير من أمهات المؤمنين إلا أنه عليه السلام ، إذا طلقهن لعصبانهن له وأذاهن إياه كان غيرهن من الموصوفات بهذه الصفات مع الطاعة لرسول الله خيراً منهن وفي فتح الرحمن عسى تكون للوجوب في ألفاظ القرآن إلا في موضعين أحدهما : في سورة محمد فهل عسيتم أي علمتم أو تمنيتم والثاني : هنا ليس بواجب لأن الطلاق معلق بالشرط فلما لم يوجد الشرط لم يوجد الإبدال {مُسْلِمَـاتٍ مُّؤْمِنَـاتٍ} مقرات باللسان مخلصات بالجنان فليس من قبيل التكرار أو منقادات انقياد ظاهرياً بالجوارح مصدقات بالقلوب {قَـانِتَـاتٍ} مطبعات أي مواظبات على الطاعة أو مصليات {تَائبَـاتٍ} من الذنوب {عَـابِدَاتٍ} متعيدات أو متذللات لأمر الرسول عليه السلام ، {سَائحَـاتٍ} صائمات سمى الصائم سائحاً لأنه يسيح في النهار بلا زاد فلا يزال ممسكا إلى أن يجد ما يطعمه فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجبيء وقت إفطاره وقال بعضهم : الصوم ضربان صوم حقيقي هو ترك المطعم والمشرب والمنكح وصوم حكمي وهو حفظ الجوارح من المعاصي كالسمع والبصر واللسان والسائح هو الذي يصوم هذا الصوم دون الأول انتهى أو مهاجرات من مكة إلى المدينة إذ في الهجرة مزيد شرف ليس في غيرها كما قال ابن زيد ليس في أمة محمد سياحة إلا الهجرة والسياحة في اللغة الجولان في الأرض {ثَيِّبَـاتٍ} شوهر ديدكان {وَأَبْكَارًا} ودحتران بكر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
والثيب الرجل الداخل بامرأة والمرأة المدخولبها يستوي فيه المذكر ولمؤنث فيجمع المذكر على ثيبين والمؤنث على ثيبات من ثاب إذا رجع سميت به المرأة لأنها راجعة إلى زوجها إن أقام بها وإلى غيره إن فارقها أو إلى حالتها الأولى وهي إنه لا زوج لها فهي لا تخلو عن الثوب أي الرجوع وقس عليه ارجل وسميت العذراء بالبكر لأنها على أول حالتها التي طلعت عليها قال الراغب سميت التي لم تفتض بكراً اعتباراً بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء ففي البكر معنى الأولية والتقدم ولذا يقال البكرة لأول النهار والباكورة للفاكهة التي تدرك أولاً وسط بينهما العاطف دون غيرهما لتنا فيهما وعدم اجتماعهما في ذات واحدة بخلاف سائر الصفات فكأنه قيل : أزواجاً خيراً منكم متصفات بهذه الصفات المذكورة المحودة كائنات بعضها ثيبات تعريضاً لغير عائشة وبعضها أبكاراً تعريضاً لها فإنه عليه السلام ، تزوجها وحدها بكراً وهو الوجه في إيراد الواو الواصلة دون أو الفاصلة لأنها توهم الكل ثيبات أو كلها أبكار قال السهيلي
56
رحمه الله ، ذكر بعض أهل العلم إن في هذا إشارة إلى مريم البتول وهي البكر وإلى آسية بينت مزاحم امرأة فرعون وإن الله سيزوجه عليه السلام ، إياهما في الجنة كما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال أبو الليث رحمه الله : تكون وليمة في الجنة ويجتمع عليها أهل الجنة فيزوج الله هاتين المرأتين يعني آسية ومريم من محمد عليه اسلام وبدأ بالثيب قبل البكر لأن زمن رسية قبل زمن مريم ولأن أزواج النبي عليه السلام كلهن ثيب إلا واحدة وأفضلهن خديجة وهي ثيب فتكون هذه القبلية من قبلية الفضل والزمان أيضاً لأنه تزوج الثيب منهن قبل البكر وفي كشف الأسرار.
(روى) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم دخل على خديجة وهي تجود بنفسها يعني وي وفات ميكند.(10/42)
فقال أتكرهين ما نزل بك يا خديجة وقد جعل الله في الكر خيراً كثيراً فإذا قدمت على ضر اتك فاقريئهن مني السلام فقالت يا رسول الله ومن هن قال مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وحليمة أخت موسى فقالت بالرفاء والبنين أي اعرست ملتبساً بالرفاء وهو التئام والاتفاق والمقصود حسن المعاشرة وكان هذا دعاء الأوائل للمعرس واحترز بالبنين عن البنات ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن هذا القول وأمر بأن يقول من دخل على الزوج بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير ثم إن المراد من الإبدال أن يكون في الدنيا كما أفاده قوله تعالى : {إِن طَلَّقَكُنَّ} لأن نساء الجنة يكن أبكارا سواءكن في الدنيا ثيبات أو أبكارا وفي الحديث : إن الرجل من أهل الجنة ليتزوج خمسمائة حوراء وأربعة آلاف ثيب وثمانية آلاف بكر يعانق كل واحدة منهن مقدار عمره في الدنيا فإن قلت فإذا يكون أكثر أهل الجنة النساء وهو مخالف لقوله عليه السلام : يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار قلت : لعل المراد بالرجل بعض الرجال لأن طبقات الأبرار والمقربين متفاوتة كما دل عليه قوله عليه السلام : أدنى أهل الجنة الذي له اثنتان وسبعون زوجة وثمانون ألف خادم ولا بعد في كثرة الخادم لما قال بعضهم أطفال الكفار خدام أهل الجنة على أن الخدام لا ينحصرون فيهم بل لأهل الجنة خدام أخر فإن قلت كان عليه السلام يحب الأخف الأيسر في كل شيء فلما ذا كثر من النساء ولم يكتف منهن بواحدة أو ثنتين قلت ذلك من أسرار النبوة وذا لم يشبع من الصلاة ومن النساء.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
روى) إنه عليه السلام أعطى قوة أربعين رجلاً في البطش والجماع وكل حلال يكدر النفس إلا الجماع الحلال فإنه يصفيها ويجلى العقل والقلب والصدر ويورث السكون باندفاع الشهودة المحركة على أن شهوة الخواص ليست كشهوة العوام فٌّ نار الشهوة للخواص بعد نور المحبة وللعوام قبله ثم إن في الآيات المتقدمة فوائد منها إن تحريم الحلال غير مرضى كما إن ابتغاء رضى الزوج بغير وجهه وجه ليس بحسن ومنها إن إفشاء السر ليس في المروءة خصوصاً إفشاء أسرار السلاطين الصورية والمعنوية لا يعفى وكل سر جاوز الاثنين شاع أي المسر والمسر إليه أو الشفتين ومنها إن من الواجب على أهل الزلة التوبة والرجوع قبل الرسوخ واشتداد القساوة ومنها أن البكارة وجمال الصورة وطلاقة اللسان ونحوها وإن كانت نفاسة جسمانية مرغوبة عند الناس لكن
57
الإيمان والإسلام والقنوت والوبة ونحوها نفاسة روحانية مقبولة عند الله وشرف الحسب أفضل من شرف النسب والعلم الدنيء والأب الشرعي هما الحسب المحسوب من الفضائل فعلى العاقل أن يتحلى بالورع وهو الاجتناب عن الشبهات والتقوى وهو الاجتناب عن المحرمات ويتزين بزين أنواع المكارم والأخلاق الحسنة والأوصاف الشريفة المستحسنة يا أيها الذين آمنوا اقوا أنفسكم} أمر من الوقاية بمعنى الحفظ والحماية الصيانة له أو قيوا كاضربوا والمرادبالنفس هنا ذات الإنسان لا النفس الأمارة والمعنى احفظوا وبعدوا أنفسكم وبالفارسية نكاه داريد نفسهاى خودرا ودور كنيد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
(10/43)
يعني بترك المعاصي وفعل الطاعات بالنصح والتأديب والتعليم أصله أهلين جمع أهل حذفت النون بالإضافة وقد يجمع على أالي على غير قياس وهو كل من في عيال الرجل والنفقته من المرأة والولد والأخ والأخت والعم وابنه والخادم ويفسر بالأصحاب أيضاً ودلت الآية على وجوب الأمر بالمعروف للأقرب فالأقرب وفي الحديث "رحم الله رجلاً قال يا أهلاء صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعكم معهم في الجنة" وفي الحديث : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" وهو من الرعاية بمعنى الحفظ يعني كلكم ملتزم بحفظ ما يطالب به من العدل إن كان ولياً ومن عدم الخيانة إن كان مولياً عليه وكلكم مسؤول عما التزم حفظه يوم القيامة فالإمام على الناس راع والرجل راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وعبد الرجل راع على مال سيده والكل مسؤول وقيل أشد الناس عذاباً يوم القيامة من جهل أهله وخص الأهلين بالنصيحة مع أن حكم الأجانب كحكمهم في ذلك لأن الأقارب أولى بالنصيحة لقربهم كما قال تعالى : {قَـاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ} وقال تعالى : وانذر عشيرتك الأقربين ولأن شرائط الأمر والنهي قد لا توجد في حق الأجانب بخلاف الأقارب لا سيما إلا هل فإن الرجل سلطان أهله وقال بعض أهل الإشارة ي الآية طهروا أنفسكم عن دنس محبة الدنيا حتى تكون أهاليكم صالحين بمتابعتكم فإذا رغبتم في الدنيا فهم يشتغلون بها فإن زلة الامام زلة المأمومين وقال القاشاني رحمه الله الأهل بالحقيقة هو الذي بينه وبين الرجل تعلق روحاني واتصال عشقي سواء اتصل به اتصالاً جسمانياً أم لا وكل ما تعلق به تعلقاً عشقياً فبالضرورة يكون معه في الدنيا والآخرة فوجب ليه وقايته وحفظه من الناري كوقاية نفسه فإن زكى نفسه عن الهيئات الظلمانية وفيه ميل ومبحة لبعض النفوس المنغمسة فيها لم يزكها بالحققة لأنه بتلك المحبة ينجذب إليها فيكون معها في الهاوية محجوباً بها سواء كانت قواه الطبيعية الداخلة في تركيبه أم نفوساً إنسانية منتكسة في عالم الطبيعة خارجة عن ذاته ولهذا يجب على الصادق محبة الأصفياء والأولياء ليحشر معه فإن المرء يحشر مع من أحب نارا} نوعاً من النار {وَقُودُهَا} ما يوقد به تلك النار يعني حطبها وبالفارسية آتش انكيزوى.
فالوقود بالفتح اسم لما توقد به النار من الحطب وغيره والوقود بالضم مصدر بمعنى الاتقاد وقرىء به بتقدير أسباب وقودها أو بالحمل على المبالغة {النَّاسِ} كفار الأنس والجن
58
وإنما لم يذكر الجن أيضاً لأن المقصود في الآية تحذير الأنس ولأن كفار الجن تابعة لكفار الإنس لأن التكذيب إنما صدر أولاً من الإنس {وَالْحِجَارَةُ} أي تتقدبها أيضاً اتقاد غيرها بالحطب فيه بيان لغاية إحراقها وشدة قوتها فإن اتقاد النار بالحجارة مكان الحطب من الشجر يكون من زيادة حرها ولذلك قال عليه السلام ، تاركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم وعن ابن عباس رضي الله عنهم ، هي حجارة الكبريت وهي أشد الأشياء حراً إذا أوقد عليها ولها سرعة الاتقاد ونتن الرائحة وكثرة الدخان وشدة الإلتصاق بالأبدان فيكون العذاب بها أشد وقيد وقدوها الناس إذا صاروا إليها ولحجارة قبل أن يصيروا إليها.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
قال الكاشفي) :
تابتان سنكين كه كفارمى رستند
دليله قوله تعالى : {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} وقرن الناس بالحجارة لأهم نحتوها واتخذوها أرباباً من دون الله يا كنجهاى زروسيم كه منشأ آن سنكست :
زدوسيمند سنك زرد وسفيد
اندرين سنكها مينداميد
دلى ازسنك سختتربايد
كه زسنكيش راحت افزايد
دل ازين سنك اكر توبرنكنى
سرز حسرت بسى بسنك زنى
(10/44)
وقيل : أرد بالحجارة اذين هم في صلابتهم عن قبول الحق كالحجارة كمن وصفهم بقوله فهي كالحجارة أو أشد قسوة كما قال في التأويلات النجمية : يا أيها الذينان آمنوا بالإيمان العلمي قوا أنفسكم وأهليكم من القوى الروحانية نار حجاب البعد والطرد التي يقودها حطب وجود الناسين ميقاق ألست بربكم قالوا بلى وحجارة قلوبهم القاسية وهم الصفات البشرية الطبيعية اليوانية البهيمية السبعية الشيطانية انتهى وأمر الله المؤمنين باتقاء هذه النار المعدة للكافرين كما نص عليه في سورة البقرة حيث قال فإن لم تفعلوا أو لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين للمبالغة في التحذير ولأن الفساق وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفار فإنهم تبع للكفار في دار واحدة فقيل للذين آمنوا قوا أنفسكم باجبناب الفسوق مجاورة اذينأعدت لهم هذه النار أصالة ويبعد أن يأمرهم بالتوقى عن الارتداد كما في التفسير الكبير عليها} أي على تلك النار العظيمة {مَلَائكَةٌ} تلى أمرها وتعذيب أهلها وهم الزبانية لتسعة عشر وأوانهم فليس المراد بعلى الاستعلاء الحسي بل الولاية والقيام والاستيلاء والغلبة على ما فيها من الأمور قال القاشاني هي القوى السماوية والملكوتية الفعالة في الأمور الأرضية التي هي روحانيات الكواكب السبعة والبروج الأثنى عشر المشار إليها بالزبانية التسعة عشر وغيرها من المالك الذي هو الطبيعة الجسمانية الموكلة بالعالم السفلي وجمع القوى والملكوت المؤثرة في الأجسام التي لو تجردت هذه النفوس الإنسانية عنها ترقت من مراتبها والصلت بعالم الجبروت وصارت مؤثرة في هذه القوى الملكونية ولكنها لما انغمست في الأمور البدنية وقرنت أنفسها بالإجرام الهيولانية المعبر عنها بالحجارة صارت متأثرة منها محبوسة في أسرها معذبة بأيديها {غِلاظٌ} غلاظ القلوب بالفارسية سطبر جكران.
جمع غليظ بمعنى خشن خال قلبه عن الشفقة والرحمة {شِدَادٌ} شدا القوى جمع شديد
59
بمعنى القوى لأنهم أقوياء لا يعجزون عن الانتقام من أعداء الله على ما مروا به وقيل غلاظ الأقوال شداد الأفعال أقوياء على الأفعال الشديدة يعملون بأرجلهم كما يعملون بأيديهم إذا استرحموا لم يرحموا لأنهم خلقوا من الغضبو جبلوا عى اقهر لالذة لهم إلا فيه فمقتضى جبلتهم تعذيب الخلق بلا مرحمة كما إن مقتضى الحيوان الأكل والشرب ما بين منكى أحدهم مسيرة سنة أو كما بين الشمرق والمغرب يضرب أحدهم بمقمعته ضربة واحدة سبيعن ألفاً فيهوون في النار {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ} أي أمره في عقوبة الكفار وغيرها على أنه بدل اشتمال من الله وما مصدرية أوفقيا أمرهم به على نزع الخافض واء موصولة أي لا يمتنعون منقبول الأمر ويلتزمونه ويعزمون على إتيانه فليست هذه الجملة مع التي بعدها في معنى واحد (وقال الكاشفي) :
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
برشوت فريفته نشوند تا مخالفت امربا يدكرد
كأعوان ملوك النديا يمتنعون بالرشوة
{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} أي يؤدون ما يؤمرون به من غير تثاقل وتوان وتأخير وزيادة نقصان وقال القاضي لا يعصون الله ما أمرهم فيما مضى ويستمرون على فعل ما يؤمرون به في المستقبل قال بعضهم لعل التعير في الأمر أو لا بالماضي مع نفي العصيان بالمستقبل لما إن العصيان وعدمه يكونان بعد الأمر وثانياً بالمستقبل لما أمرهم بعذاب الأشقياء يكون مرة بعد مرة قال بعض الكبار في هذه الآية دليل على عصمة جميع الملائكة السماوية وذلك لأنهم عقول مجردة بلا منازع ولا شهوة فيهم مطيعون اذات بخلاف البشر والملائكة الأرضية الذين لا يصعدون إلا السماء فإن من الملائكة من لا يصعد من الأرض إلى السماء أبداً كما إن منهم من لا ينزل من السماء إلى الأرض أبداً وفيها دليل أيضاً على أنه لا نهي عند هؤلاء الملائكة فلا عبادة للنهي عندهم ففاتهم أجر ترك المنهيات بخلاف الثقلين وملائكة الأرض فإنهم جمعوا بين أجر عبادة الأمر وأجر اجتناب النهي قال الكرماني في شرح البخاري إن قلت التروك أيضاً عمل لأن الأصح الترك كف النفس فيحتاج إلى النية.
قلت : نعم إذا كان المقصود امتثال أمر الشارع وتحصيل الثواب إما في إسقاط العقاب فلا فالتارك للزنى يحتاج فيهلتحصيل الثواب إلى النية وما اشتهر أن التروك لا تحتاج إليها يريدون به في الإسقاط يعني لو أريد بالتروك تحصيل الثواب وامتثال أمر الشارع لا بد فيها من قصد الترك امتثالاً لأمر الشارع فتارك الزنى إن قصد تركه امتثال إلا مريئات يا اأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا} أي يقال لهم عند إدخال الملائكة إياهم النار حسما أمر وابه يعني ون زبانيه كافران رابكناه دوزخ آرند ايشان آغاز اعتذار كرده داعية خلاصي نمايند س حق تعالى باملائكه كويد يا أيها الذين كفروا {لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} أي في هذا اليوم يعني عذر مكوييد ر وزكه عذر مقبول نيست وفائده نخواهد داد.(10/45)
قال القاشاني إذ ليس بعد خراب البدن ورسوخ الهيئات المظلمة إلا الجراء على أعمال لامتناع الاستكمال ثمه والاعتذار بالفارسية عذر خواستن.
يقال اعتذرت إلى فلان من جرمي ويعدى بمن والمعتذر قد يكون محقاً وغير محق قال الراغب العذر تحرى الإنسان ما يمحو به ذوبه وذلك ثلاثة اضرب أن يقول لم أفعل أو يقول
60
فعلت لأجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنباً أو يقول فعلت ولا أعود ونحو ذلك وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر وليس كل عذر توبة واعتذرت إليه أتيت بعذر وعذرته قبلت عذره {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا من الكفر والمعاصي بعد ما نهيتم عنها أشد النهي وأمرتم بالإيمان والطاعة فلا عذر لكم قطعاً أي حقيقة وأنهى عن الإتيان بما هو عذر صورة وفي حسبانهم وفي بعض التفاسير لا تعذروا اليوم لما أنه ليس لكم عذر يعتد به حتى يقبل فينفعكم وهذا النهي لهم إن كان قبل مجيء الاعتذار منهم فيوافق ظاهر قوله تعالى : {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} وإن كان بعده فيؤول هذا القول ويقال لا يأذن لهم أن يتموا أعتذارهم ولا يسمع إليه وفي التأويلات النجمية : قل للذين ستروا الحق بالباطل وحجبوا عن شهود الحق في الدنيا لا تطلبوا مشاهدة الحق في الآخرة إنما تكافأون بعدم رؤية الحق اليوم لعدم رؤيتكم له في يوم الدنيا كما قال ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
قال بعض العارفين لا يتحسر يوم القيامة على فوات الأعمال الصالحة إلا العامة أما العارفون فلا يرون لهم عملاً يتحسرون على فواته بل ولا يصح الفوات أبداً إنما هي قسمة عادلة يجب على كل عبد الرى بها وقول الإنسان أنا مقصر في جنب الله هو من باب هضم انفس لا حقيقة إذ لا يقدر أحد أنينقص مما قسم له ذرة ولا يزيد عليه ذرة فلا صح النوم إلا في عمال توهم العبد إنها له ثم فوتها وذلك لا يقوله عارف.
(مصراع) در دائره قسمت من نقطه تسلم يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} التوبة أبلغ وجوه الاعتذار بأن يقول فعلت وأسأت وقد أقلت وفي اشرع ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزيمة على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة فمتى اجتمع هذه الأربعة فقد كملت شرائط التوبة كما في المفردات والنصح تحرى فعل أو قول فيه صلاح صاحبه والنصوح فعول من أبنية المبالغة كقولهم رجل صبور وشكور أي بالغة في النصح وصفت التوبة بذلك على الإسناد المجازي وهو صوف التائبين وهو أن ينصحوا أنفسهم بالتوبة فيأتوا بها على طريقها وذلك أن يتوبوا من القبائح لقبحها نادمين عليها مغتمين أشد الاغتمام لارتكابها عازمين على أنهم لا يعودون في قبيح من القبائح إلا أن يعود اللبن في الضرع وكذا لو حزوا بالسيف وأحرقوا بالنار موطنين أنفسهم لعى ذل بحيث لا يلويهم عنه صارف أصلاً وعن علي رضي الله عنه إنه سمع أعرابياً يقول اللهم إني استغفرك وأتوب إليك فقال يا هذا إن سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذابين قال وما التوبة قال إن التوبة يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة وللفرائض الإعادة أي القضاء صلاة أو صوماً أو زكاة أو نحوها ورد المظالم واستحلال الخصوم وأن تعزم على أن لا تعود وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعاصي قال سعدى المفتي : والمذهب السني إنه يكفي في تحقق التوبة الندم والعزم على أن لا يعود بخلاف أهل الاعتزال حيث يلزم في تحققها عندهم رد المظالم وهو عندنا غير واجب في التوبة قال بعض الكبار ما لم تكن التوبة عامة من جميع المخالفات فهي ترك لا توبة وقيل نصوحاً من نصاحة
61
(10/46)
الثوب بالفتح وهي بالفارسية جامعه دوختن أي توبة ترفو خروقك في دينك وترم خللك وفي الحديث : "المؤمن واه راقع فطوبى لمن مات على رقعه" ومعناه أن يخرق دينه ثم يرقعه بالتوبة ونحوه استقيموا ولن تحصوا أي لن تستطيعوا أن تستقيموا في كل شيء حتى لا تميلوا ومنه يا حنظلة ساعة فساعة ومن بلاغات ازمخشري ما منع قول الناصح أن يروقك وهو الذي ينصح خروقك شبه فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب وقيل خالصة من قولهم عسل ناصح إذا خلص من الشمع شبه التوبة في خلوصها بذلك وكذا تخلص قول الناصح من الغش بتخلص العسل من الخلط ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها واستعماله الجد والعزيمة في العمل بمقتضياتها وقال ذو لنون المصري قدس سره التوبة ادمان البكاء على ما سلف من الذنوب والخوف من القوع فيها وهجران أخوان السوء وملازمة أهل الجن وقال التستري رحمه الله هي توبة السني لا المبتدع لأنه لا توبة له بدليل قوله عليه السلام حجر الله على كل صاحب بدعة أن يتوب.
وقال الواسطي قدس سره : هي أن يتوب لا لغرض وقال الشيخ أبو عبد الله بن حفيف قدس سره طالب عباده بالتوبة وهو الرجوع إليه من حيث ذهبوا عنه والنصوح في التوبة الصدق فيها وترك ما منه تاب سراً وعلناً وقولاً وفكراً وقال القاشاني رحمه الله : مراتب التوبة كمراتب التقوى فكما أن أول مراتب التقوى هو الاجتناب عن المنهيات الشرعية وآخرها الاتقاء عن الأنانية والبقية فكذلك التوبة أولها الرجوع عن المعاصي وآخرها الرجوع عن ذنب الوجود الذي هو من أمهات الكبائر عند أهل التحقيق :
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص62 حتى ص72 رقم7
توبه ون باشد شيمان آمدن
ردرحق نو مسلمان آمدن
خدمتي از سر كرفتن بانياز
باحقيقت روى كردن ازمجز
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى المؤمنين الذين لم تترسخ أقدامهم في أرض الإيمان ترسخ أقدام الكمل ويحثهم على التوبة إلى الله بالرجوع عن الدنيا ومحبتها والإقبال على الله وطاعته توبة بحيث ترفو جميع خروق وقعت في ثوب دينه بسبب استيفاء اللذات الجسمانية واستقصاء الشهوات الحيوانية ويقال توبة العوام عن الزلات والخواص عن الغفلات والأخص عن رؤية الحسنات وفي الحديث : "أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة" ودخل في الناس الذكور والإناث وهي أي التوبة واجبة على الفور لما في التأخير من الإصرار على المحرم وهو يجعل الصغيرة كبيرة وعلامة قبول التوبة أن لاي ذكره الله ذنبه لأن التوبة لا تبقى للذنب وجوداً فمتى ذكر التائب ذنبه فتوبته معلولة وقد تكون التوبة مقبولة عند الله ومع ذلك فلا تدفع عن العاصي العذاب كما لو تاب السارق عند الحاكم لا ترفع توبته عنه حد القطع وفي حديث ماعز كفاية فإنه عليه السلام قال في حقه إنه تاب توبة لو قسمت على أهل مدينة لوسعتم ومع ذلك فلم تدفع توبته عنه الحد بل أمر عليه السلام برجمه فرجم فاعرف (وفي المثنوى) :
62
بود مردى يش ازين نامش نصوح
بدزد لاكى زن اورا فتوح
بود روى اوو رخسار زنان
مدرىء خودرا همى كرداو نهان
أو بحمام زنان دلاك بود
در دغا وحيله بس الاك بود
سالها مى كردد لاكى وكس
بونبرد ازحال وسر آن هوس
زانكه آواز ورخش زن وار بود
ليك شهوت كامل وبيدار بود
دختران خسرو انرا زين طريق
خوش همي ماليدومى شست آن عشيق
توبهامى كردو ادرمى كشيد
نفس كافر توبه اش را مى دريد
رفت يش عارفي آن زشت كار
كفت مارا در دعايى ياد دار
سرا ودانست آن آزاد مرد
ليك ون حلم خدا يدا نكرد
سست خنديد وبكفت اي بدنهاد
ز انكه دانى ازيدت توبه دهاد
آن دعا ازهفت كردون در كذشت
كارآن مسكين بآخر خوب كشت
يك سبب انكيخت صنع ذي الجلال
كه رها نيدش زنفرين ووبال
اندران حمام رمى كردطشت
كوهرى از دخترشه ياوه كشت
كوهرى از حلقهاى كوش او
ياوه كشت وهرزنى درجست وجو
س در حمام رابستند سخت
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
تابجو يند اولش دربيخ رخت
رختها جستند وآن يدا نشد
دزد كوهر نيزهم رسوا نشد
س بجد جستن كرفتند ازكزاف
دردهان وكوش واندرهر شكاف
بانك آمدكه همه عريان شويد
هركه هستيد از عجوز وكرنويد
يك بيك راح حاجبه جستن كرفت
تابديد آيدكهر دانه شكفت
آن نصوح ازترس شد درخلوتى
روى زر دولب كبود از خشيتي
كفت يا رب بارها بركشته ام
توبها وعهدها بشكسته ام
كرده ام آنها كه از من مى سزيد
تا نين سيل سياهى در رسيد
نوبت جستن اكر در من رسد
وه كه جان من ه سختيها كشد
اين نين اندوه كافر رامباد
دامن رحمت كرفتم داد داد
كرمرا اين بارستارى كنى
توبه كردم من زهرنا كردنى
من اكر اين بار تقصيري كنم
س كر مسنودعا وكفتنم
درمين يا رب ويا رب بدو
بانك آمد ازميان جست وجو
جمله را جستيم يش آاى نصوح
كشت بيهوش آن زمان ريد روح
بعد آن خوف وهلاك جان بده
مدها آمدكه اينك كم شده
از غريو ونعره ودستك زدن
(10/47)
رشده حمام قد زال الحزن
آن نصوح رفته باز آمد بخويش
ديد شمش تا بش صدر وزيش
مى حلالى خواست ازوى هركسى
بوسه مى دادند بردستش بسى
63
بد كمان بوديم ما راكن حلال
لحم تو خورديم اندر قيل وقال
زانكه ظن جمله بروى يش بود
زانكه در قربت زجمله يش بود
كوهرار بردتس او بردتس وبس
زملازم تربخا تون نيست كس
أول اورا خواست جستن درنبرد
بهر حرمت داشتش تأخير كرد
تابود كانرا بيندازد بجا
اندرين مهلت رهاند خويش را
س حلاليها ازومى خواستند
وزبراي عذر برمى خواستند
كفت بد فضل خداي دادكر
ورنه زانم كفته شد هستم بتر
آنه كفتندم زبدازصد يكيست
برمن اين كشفست اركس راشكيست
آفرنيها برتو بادا اي خدا
ناكهان كردى مرا ازغم جدا
كر سر هرموي من كردد زبان
شكر هاي تونيايد دربيان
بعد ازان آمد كسى كز مرحمت
دختر سلطان ما مى خواندت
ختر شاهت همي خواند بيا
تا سرش شويى كنون أي ارسا
كفت رور ودست من بي كار شد
وين نصوح توكنون بيمارشد
روكسى ديكر بجوا شتاب وتفت
كه مرا والله دست ازكار رفت
بادل خود كفت كز حد رفت جرم
ازدل من كي رودآن ترس وكرم
من بمردم يك ره وباز آمدم
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
من شيدم تلخى مرك وعدم
توبه كردم حقيقت با خدا
نشكتم تاجانشدن ازتن جدا
بعد آن محنت كرا بار دكر
ارود سوى خطر الاكه خر
{عَسَى رَبُّكُمْ} شايد روردكار شما وفي كشف الأسرار الله برخود واب كرد تائب را از شما {أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّـاَاتِكُمْ} يسترها بل يمحوها ويبدلها حسنات {وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـاتٍ} جمع جنات إما لكثرة المخاطبين لأن لكل منهم جنة أو لتعددها لكل منهم من الأنواع {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ} قال في الإرشاد : ورود صيغة الإطماع والترجية للجرى على سنن الكبرياء فإن الملوك يجيبون بلعل وعسى ويقع ذلك موقعالطع والإشعار بأنه تفضل والتوبة غير موجبة له وإن العبد ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء وإن بالغ في إقامة وطائف العبادة.
يقول الفقير : التكفير إشارة إلى الخلاص من الجحيم لأن السيئات هيسبب العذاب فإذا ذال السبب زال المسبب وإدخال الجنات إشارة إلى التقريب لأن الجنان موضع القرب والكرامة وجريان الأنهار إشارة إلى الحياة الأبدية لأن الماء أصل الحياة وعنصرها فلا بد للإنسان في مقابلة هذه الأنهار من ماء العلم ولبن الفطرة وعسل الإلهام وخمر الحال فكما إن الحياة المعنوية في الدنيا إنما تحصل بهذه الأسباب فكذا الحياة الصورية في الآخرة إنما تحصل بصورها {يَوْمَ لا يُخْزِى اللَّهُ النَّبِىَّ} ظرف ليدخلكم والإخزاء دور كردن ورسوا كردن وخوار كردن وهلاك كردن.
ومعاني هذه الكلمة يقرب بعضها من بعض كما في تاج المصادر والنبي المعهود.
يعني روزي ه حجل نكند خداى تعالى يغمبررا يعني نه نفس اورا عذاب
64
كندونه شفاعت اورا درباره عاصبان مردود سازد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
(10/48)
قال بعض أهل التفسير يخزى إما من الخزي وهو الفضاحة فيكون تعريضاً للكفرة اذين قال الله تعالى فيهم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين أومن الخزاية بمعنى الحياء والخجل وهو لأنسب هنا بالنظر إلى شأن الرسول خصوصاً إذا تم الكلام في النبي وإن أريد العنى الأول حينئذٍ يجوز يكون باعتبار أن خزي الأمة لا يخلو عن إنشاء خزي ما في الرسول على ما يشعر به قوله في دعائه اللهم لا تخزنا يوم القيامة ولا تفضحنا يوم اللقاء بعض الإشعار حيث لم يقل لا تخزني كما قال إبراهيم عليه السلام ، ولات خزني يوم يبعثون ليكون دعاؤه عاماً لأمته من قوة رحمته وأدخل فيهم نفسه العالية من كمال مروءته قيل الخزي كناية عن العذات لملازمة بينهما والأولى العموم لكل خزي يكون سبباً من الأسباب من الحساب والكتاب والعقاب وغيرها {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ} عطف على النبي ومعه صلة لا يخزى أي لا يخزي الله معهالذين آمنوا أي يعمهم جميعاً بأن لا يخزيهم أو حال من الموصول بمعنى كائنين معه أو متعلق بآموا وهو الموافق لقوله تعالى : [النمل : 44-14]{وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَـانَ} أي ولا يخزى المؤمنين الذين أتبعوه في الإيمان كما قال آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون وذلك بسوء الحساب والتعبير والعتاب وذل الخحجاب ورد الجواب فيحاسهم حساباً يسيراً بل ويرفع الحساب عن بعضهم ويلاطفهم ويكشف لهم جماله ويعطي مأمولهم من الشفاعة لأقاربهم وإخوانهم ونحو لهم وقال دادو القيصري رحمه الله في قوله تعالى : وأسلمت مع سليمان أي إسلام سليمان أي أسلمت كما أسلم سليمان ومع في هذا الموضع كمع في قوله يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه وقوله وكفى بالله شهيداً محمد رسول الله والذين معه ولا شك إن زمان إيمان المؤمنين ما كان مقارناً لزمان إيمان الرسول وكذا إسلام بلقيس ما كان عند إسلام سليمان فالمراد كما إنه آمن بالله آمنوا بالله وكما أنه أسلم أسلمتانتهى كلام القيصري وتم الكلام عند قوله معه وفيه تعريض بمن أخزاهم الله من أهل الكفر والفسوق كما سبق واستحماد إلى المؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم وقيل قوله والذين الخ مبتدأ خبره ما بعده من قوله نورهم الخ.
أو خبره معه والمراد بالإيمان هو الكامل حينئذٍ حتى لا يلزم أن لا يدخل عصاة المؤمنين النار نورهم} أي نور إيمانهم وطاعتهم على الصراط قال في عين المعاني نور الإخلاص على الصراط لأهل المعاملة بمنزلة الشمع ونور الصدق لأرباب الأحوال بمنزلة القمر ونور الوفاء لأهل المحبة بنمزلة شعاع الشمس
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
{يَسْعَى} السعي المشي القوي السريع ففيه إشارة إلى كمال اللمعان {بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} أي يضيء بين أياديهم يعني قدامهم مع يد يراد بها قدام الشيء لتكون بين اليدين غالباً فالجمع إما بإطلاقه على التثنية أو بكثرة أيدي العباد {وَبِأَيْمَـانِهِم} جمع يمين مقابل الشمال أي وعن إيمانهم وشمائلهم على وجه الإضمار يعني جهة إيمانهم وشمائلهم أو عن جميع جهاتهم وإنما اكتفى ذكرهما لأنهما أشرف الجهاد ومن أدعيته عليه السلام ، اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً وعن يميني نوراً وعن شمالي نوراً وأمامي نوراً وخلفي نوراً وفوقي نوراً وفوقي نوراً وتحتي نوراً واجعلني نوراً وقال بعضهم : تخصيص
65
الأيدي والإيمان لأن أرباب السعادة يؤتون صحائف أعمالهم منهما كما أن أصحاب الشقاوة يأتون من شمائلهم ووراء ظهورهم فيكون ذلك علامة لذلك وقائداً على الصراط إلى دخول الجنة وزينة لهم فيها وقال القاشاني : نورهم يسعى بين أيديهم أي الذي لهم بحسب النظر والكمال العلمي وبأيمانهم أي الذي لهم بحسب العمل وكماله إذ النور العلميم ن منبع الوحدة والعلمي من جانب القلب الذي هو يمين النفس أو نور السابقين منهم يسعى بين أيديهم ونور الأبرار منهم يسعى بإيمانهم وقد سبق تمامه في سورة الحديد وفي الحديث من المؤمنين من نروه أبعد ما بيننا وبين عدن أبين ومنهم من نوره لا يجاوز قدمه {يَقُولُونَ} أي يقول المؤمنون وهو الظاهر أو الرسول لأمته والمؤمنون لأنفسهم إذا طفىء نور المنافقين إشفاقاً أي يشفقون على العادة البشرية على نورهم ويتفكرون فيما مضى منهم من الذنوب فيقولون {رَبَّنَآ} أي روردكارما {أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} نكاه دار وباقي دارنورما تابسلامت بكذريم.
(10/49)
فيكون المراد بالاتمام هو الإدامة إلى أن يصلوا إلى دار السلام {وَاغْفِرْ لَنَآ} يعني از ظلمت كناه اك كن {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} من الإتمام والمغفرة وغيرهما وقيل يدعون تقرباً إلى الله تعالى مع تمام نورهم كقوله واستغفر لذنبك وهو مغفور له قال في الكشاف كيف يتقربون وليست الدار دار تقرب قلت لما كانت حالهم كحال المتقربين يطلبون ما هو حاصل لهم من الرحمة سماه تقرباً وقيل يتفاوت نورهم بحسب أعمالهم فيسألون إتمامه تفضلاً فيكون قوله يقولون من باب بنو افلان قتلوا زيداً وقيل السابقون إلى الجية يمرون مثل البرق على الصراط وبغضهم كالريح وبعضهم حبوا وزخفا وأولئك الذين يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وقال سهل قدس سره : لا يسقط الافتقار إلى الله عن المؤمنين في الدنيا ولآخرة وهم في العقبى أشد افتقار إليه وإن كانوا في دار العز والغنى ولشوقهم إلى لقائه يقولون أتمم لنا نورنا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
واعلم أن ما لا يتم في هذه الدار لا يتم هناك إلا ما كان متعلق النظر والهمة هنا فعرف ثم إن الأنوار كثيرة نور الذات ونور الصفات ونور الأفعال ونور الأفعال ونور العبادات مثل الصلاة والوضوء وغيرهما كما قال لعيه السلام في حديث طويل والصلاة نور والسر فيه أن المصلي يناجي رب ويتوجه إليه وقد قال عليه السلام ، في حديث طويل والصلاة نور والسر فيه إن المصلي يناجي ربه ويتوجه إليه وقد قال عليه السلام إن العبد إذا قام يصلي فإن الله ينصب له وجهه تلقاءه والله نور وحقيقة العبد ظلمانية فالذات المظلمة إذا واجهت الظات النيرة وقابلتها بمحاذاة صحيحة فإنها تكتسب من أنوار الذات النيرة ألا ترى القمر الذي هو في ذاته جسم أسود مظلم كثيف صقيل كيف يكتسب النور من الشمس بالمقابلة وكيف يتفاوت اكتسابه للنور بحسب التفاوت الحاصل في المخاذاة والمقابلة فإذا تمت المقابلة وصحت المحاذاة كمل اكتساب النور وفي الحديث بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام في يوم القيامة وفيه إشارة إلى أن كل ظلمة ليست بعذر لترك الجماعة بل الظلمة الشيدة فإن الأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة المرض الذي يبيح التيمم ومثله كونه مقطوع اليد والرجل من خلاف أو مفلوجاً أو لا يستطيع المشي أو أعمى أو المطر والطين والبرد الشديد والظلمة الشديدة للصحيح وكذا الخوف من السلطان أو غيره من المتغلبين وفي الحديث وددت
66
أنا قد رأينا إخواننا قالوا يا رسول الله ألسنا أخوانك قال أتنم أصحابي وأخواننا اذين لم يأوا بعد فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله فقال أرأيتم لو أن رجلاً له خير غير محجلة بين ظهر إني خيل دهم بهم ألا يعرف خيله قالوا بلى يا رسول الله قال فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض استعار عليه السلام لأثر الوضوء من البياض في وجه المتوضى ويديه ورجليه بنور الوضوء يوم القيامة من البياض الذي في وجه الفرس ويديه ورجليه فإن الغر جمع الأغر والغرة بالضم بياض في جبهة الفرس فوق الدره والتحجيل بتقديم الحاء المهملة بياض قوائم الفرس كلها ويكون في رجلين ويد وفي رجلين فقط وفي رجل فقط ولا يكون في اليدين خاصة إلا مع الرجلين ولا في يد واحدة دون الأخرى إلا مع الجلين والدهم جمع الأدهم بمعنى الأسود فإن الدهمة بالضم السواد والبهم جمع الأبهم وفرس بهيم إذا كان على لون واحد لم يشبه غيره من الألوان ومنه استعير ما روى إنه يحشر الناس يوم القيامة بهما بالضم أي لسي بهم شيء مما كان في الدنيا نحو البرص والعرج والفرط بفتحتين المتقدم لإصلاح الحوض والدلو
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ} أي رسول خبر دهنده يا بلند قدر {جَـاهِدِ الْكُفَّارَ} بالسيف يعني جهادكن با كفاران بشمشير {وَالْمُنَـافِقِينَ} بالحجة أو بالوعيد والتهديد أو بإلقائهم بوجه قهر أو بإفشاء سرهم وقال القاشاني جاهد الكفار والمنافقين للمضادة الحقيقية بينك وبينهم قيل النفاق مستترفي القلب ولم يكن للنبي عليه السلام سبيل إلى ما في القلوب من النفاق والإخلاص إلا بعد إعلام من قبل الله فأمر عليه السلام ، بمجاهدة من علمه منافقاً بإعلام الله إياه باللسان دون السيف لحرمة تلفظه بالشهادتين وأن يجري عليه أحاكم المسلمين ما دام ذلك إلى أن يموت {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} واستعمل الحشونة على الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجة وفيه إشارة إلى أن الغلظة على أعداء الله من حسن الخلق فإن ارحم الرحماء إذا كان مأموراً بالغلظة عليهم فما ظنك بغيره فهي لا تنافي الرحمة على الأحباب كما قال تعالى : {أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} سيرون فيها عذاباً غليظاً يعني ومقام بازكشت كافران ومنافقان اكرايمان نيارند ومخلص نشوند دوزخست.
(10/50)
قال القاشاني ما داموا على صفتهم اود آئما ابد الزوال استعدادهم أو عدمه {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي جهم أو مصيرهم وفيه تصريح بما علم التزماً مبالغة في ذمهم وفيه إشارة إلى نبي القلب المجاهد في سبيل الله فإنه مأمور بجهاد الكفار أي النفس الأمارة بالسوء وصفاتها الحيوانية الشهوانية وبجهاد المنافقين أي الهوى امتبع وصفاته البهيمة والسبعية وبالغلظة عليهم بسيف الرياضة ورمح المجاهدة ومقامهم جهنم البعد والحجاب وبئس المصير إذ ذل الجاب وبعد الاحتجاب أشد من شدة العذاب.
يقول الفقير : إذ كان الأعداء الظاهرة يحتاجون إلى الغلظة والشدة فما ظنك باعدى الأعداء وهي النفس الأمارة ففي الغلظة عليها نجاة وفي اللين هلاك ولذا قال بعض الشعراء :
هست نرمى آفت جان سمور
وزدرشتى مى برد جان خارشت
وفي المثل العصا لمن عصا وقول الشيخ سعدى :
درشتى ونرمى بهم در بهست
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
و فصاد جراح ومرهم نهست
67
يشير إلى أن للمؤمن صفة الجمال والجلال وبهاء الكمال ، فأول المعاملات الجمال لأن الله تعالى سبقت رحمته ، ثم الجلال ، فلما لم تقبل الكفار الدعوة بالرفق واللين ، وكذا المنافقون.
الإخلاص واليقين أمر الله تعالى ، نبيه عليه السلام ، بالغلظة عليهم ، ليظهر أحكام كل من الأسماء المتقابلة ففيه إشارة إلى أن من خلق للرحمة ، وهم المؤمنون إلا يغضب عليهم ولا يغلظ لأنه قلب الحكمة وعكس لمصلحة وإن من خلق للغضب وهم الكفار والمنافقون لا يرحم لهم ولا يرفق بهم لذلك ودخل فيهم أنه البدعة ولذا لا يجوز أن يلقاهم السني بوجه طلق وقد عاتب الله بعض من فعل ذلك فعلى المؤمن أن يجتهد في طريق الحق حتى يدفعكيد الأعداء ومكر الشياطين عن الظاهر والباطن ويديم ذلك لأن به يحصل الترقي الذي هو من خصائص الإنسان ولذا خص الجهاد بالثقلين وأما جهاد الملائكة فبالتبعية أو بتكثير السواد فاعرف {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} ضرب المثل في أمثال هذه المواضع عبارة عن إيراد حالة غريبة ليعرف بها حالة أخرى مشاكلة لها في آل غرابة أي يجعل الله مثالاً لحال هؤلاء الكفرة حالاً ومآلاً على أن مثلاً مفعول ثان لضرب واللام متعلقه به {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ} أي حالهما مفعوله الأول آخر عنه ليتصل به ما هو شرح وتفسير لحالهما ويتضح بذلك حال هؤلاء وامرأة نوح هي واعلة بالعين المهملة ، أو والعة وامرأة لوط ، هي واهلة بالهاء {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَـالِحَيْنِ} بيان لحالهما الداعية لهما إلى لخير والصلاة والمراد بكونهما تحتهما كونهما في حكمهما وتصرفهما علاقة النكاح والزواج وصالحين صفة عبدين أي كانتا تحت نكاح نبيين وفي عصمة رسولين عظيمي الشأن متمكنتن من تحصيل خير الدنيا والآرخة وخيازة سعادتهما وإظهار العبدين المراد بهما نوح ولوط لتعظيمهما بالإضافة التشريفية إلى ضمير التعظيم والوصف بالصلاح وإلا فيكفى أن يقول تحتهما وفيه بيان شرف العبودية والصلاح {فَخَانَتَاهُمَا} بيان لما صدر عنهما من الجناية العظيمة مع تحقق ما ينفيها من صحبة النيب والخيانة ضد الأمانة فهي إنما تقال اعتباراً بالعهد والأمانة أي فخانتا هما بالكفر والنفاق والنسبة إلى الجنون والدلة على الأضياف ليتعرضوا لهم بالحجور لا بالبغاء فإنه ما بغت امرأة نبي قط فالبغي للزوجة شد في إيراث الأنفة لأهل العار والناموس من الكفر وإن كان الكفر أشد منه في أن يكون جرماً يؤاخذ به العبد يوم القيامة وهذا تصوير لحالهما المحاكية لهؤلاء لكفرة في خيانتهم لرسول الله عليه السلام ، بلكفر والعصيان مع تمكنهم التام من الإيمان والطاعة
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
{فَلَمْ يُغْنِيَا} الخ بيان لما أدى إليه خيانتهما أي فلم يغن النبيان {عَنْهُمَآ} أي عن تينك المرأتين بحق الزواج {مِنَ اللَّهِ} أي من عذابه تعالى {شَيْـاًا} من الإغناء أي لم يدفعا العذاب عنهما زن نوح غرق شد بطوفان وبر سرزن لوط سنك باريد {وَقِيلَ} لهما عند موتهما أو يوم القيامة وصيغة المضي للتحقق قاله الملائكة الموكلون بالعذاب {ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} أي مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأولياء ذكر بلفظ جمع المذكر لأنهن لا ينفردن بالذخول وإذا اجتمعا فالغلبة للذكور وقطعت هذه
68
(10/51)
إلا آية طمع من يرتكب المعصية أن ينفعه صلاح غيره من غير موافقة له في الطريقة والسيرة وإن كان بينه وبينه لحمة نسب أو وصلة صهر قال القاشاني الوصل الطبيعية والاتصالات الصورية غير معتبرة في الأمور الأخروية بل المحبة الحقيقية والاتصالات الروحانية هي المؤثرة فحسب والصورية التي بحسب اللحمة الطبيعية والخلقة والمعاشرة لا يبقى له أثر فيما بعد الموت إذ لا أنساب بينهم يوم القيامة وقس عليه النسب الباطني فإن جميع القوى الخيرة والشريرة وإن تولدت من بين زوجي الروح والجسد لكن الشريرة ليست من أهل الروح في الحقيقة مثل ولد نوح فكل من السعداء والأشقياء مفترقون في الدارين.
ه نسبت است برندى صلاح وتقويرا
سماع وعظ كجا نغمه رباب كجا
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} أي جعل حالها مثلاً لحال المؤمنين في أن وصلة الكفر لا تضرهم حيث كانت في الدنيا تحت أعداء الله وهي في أعلى غرف الجنة والمراد آسية بنت مزاحم يقال رجل آسى وامرأة آسية من الأسى وهو الحزن قال بعض الكبار : الحزن حلية الأدباء ومن لم يذق طعام الحزن لم يذق لذه العبادة على أنواعها أو من الاسو وهو المداواة والآسى بالمد الطبيب ويقال هذا حث للمؤمنين على الصبر في الشدة حتى لا يكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون التي صبرت على أذى فرعون كما سيجيء {إِذْ قَالَتِ} ظرف للمثل المحذوف أي ضرب الله مثلاً للمؤمنين حاله إذ قالت {رَبِّ} أي بروره كا من {ابْنِ لِى} على أيدي الملائكة أو بيد قدرتك فإنه روى إن الله تعالى خلق جنة عدن بيده من غير واسطة وغرس شجرة طوبى بيدة {عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ} أي قريباً من رحمتك على أن الظرف حال من ضمير المتكلم لأن الله منزه عن الحلول في مكان أو ابن لي في أعلى درجات المقربين فيكون عند ظرفا للفعل وفي الجنة صفة لبيتا وفي عين المعاني عندك أي من عندك بلا استحقاق مني بل كرامة منك.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
روى) إنها لما قالت ذلك رفعت الحجب حتى رأت بيتها في الجنة من رة بيضاء وانتزع روحها سئل بعض الظرفاء اين في القرآن مثل قولهم الجار قبل الدار قال قوله ابن لي عندك بيتاً في الجنة فعندك هو المجاورة وبيتا في الجنة هو الدار {وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ} الجاهل {وَعَمَلِهِ} الباطل أي من نفسه الخبيتة وسوء جوارها ومن عمله السيء الذي هو كفره ومعاصيه {وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ} أي من القبط التابعين له في الظلم.
(روى) إنه لما غلب موسى عليه السلام السحرة آمنت امرأة فرعون وقيل هي عمة موسى آمنت به فلما تبين لفرعون إسلامها طلب منها أن ترجع عن إيمانها فأبد فأوتد يديها ورجليها بأربعة أو تاديعني أو راها ميخ كرد وربطها وألقاها في الشمس حق تعالى ملائكة رابفر مودتا كردوى در آمده ببالها خود اورا سايه كردند.
وأراها الله بيتها في الجنة ونسيت ما هي فيه من العذاب فضحكت فعند ذلك قالوا هيم جنونة تضحك وهي في العذاب وفي هذا بيان إنها لم تمل إلى معصية مع أنها كانت معذبه فلتكن صوالح النساء هكذا وقال الضحاك أمر بأن يلقى عليها حجر رخى وهي في الأوتاد فقالت رب ابن لي عندك نينا في الجنة فما وصل الحجر إليها حتى رفع روحها إلى
69
الجنة فألقى الحجر عليها بعد خروج فلم تجد ألماً وقيل اشتقات إلى الجنة وملت من صحبة فرعون فسألت ذلك.
ودر أكثر تفاسير هست كه حق سبحانه ويرا بآسمان ابرد بسدوى وحالا دربهشت است.
كما قال الحسن البصري قدس سره رفعت إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب وتتنعم قال في الكشاف وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله والالتجاء إليه ومسألة الخلاص منه عندا لمحن والنوازل من سير الصالحين وسنن الأنبياء والمرسلين (وفي المثنوى) :
تا فرود آيد بلايى دافعي
ون نباشد از تضرع شافعي
جز خضوع وبندكى واضطرار
اندرين حضرت ندارد اعتبار
فقدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند أهل الطريقة لأنه كالمقاومة مع الله ودعوى التحمل لمشاقة كما قال ابن الفارض قدس سره :
ويحسن إظهار التجلد للعدى
ويقبح غير العجز عند الأحبة
(10/52)
{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ} عطف على امرأة فرعون وجمع في التمثيل بين التي لها زوج والتي لازوج لها تسلية للأرامل وتطبيباً لأنفسهن وسميت مريم في القرآن باسمها في سبعة مواضع ولم يسم غيرها من النساء لأيها أقامت نفسها في الطاعة كالرجل الكالم ومريم بمعنى العابدة وقد سمى الله أيضاً زيداً في القرآن كما سبق في سورة الأحزاب والمعنى وضرب الله مثلاً للذين آمنوا حال مريم ابنة عمران والدة عيسى عليهما السلام ، وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع كون قومها كفاراً {الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} الإحصان العفاف يعني باز ايستادن اززشتى كما في تاج المصادر والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه والمعنى حفظت فرجها عن مساس الرجال مطلقاً حراماً وحلالاً على آكدا لحفظ وبالفارسية آن زناكه نكاه داشت دامن خود را از حرام.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
وفاحشه كما في تفسير الكاشفي قال بعضهم : صانته عن الفجور كما صان الله آسية عن مباشرة فرعون لأنه كان عنيناً وهو من لا يقدر على الجماع لمرض أو كبر سن أو يصل إلى الثيب دون البكر فالتعبير عن آسية بالثيب كما مر في ثيبات لكونها في صورة الثيت من حيث إن لها بعلاً وقال السهيلي رحمة الله إحصان الفجر معناه طهارة الثوب يريد فرج القميص أي لم يغلق بثوبها ريبة أي أنها طاهرة الأثواب فكنى بإحصان فرج القميص عن طهارة الثوب من الريبة وفروج القميص أربعة الكمان والأعرى والأسفل فلا يذهبن وهمك إلى غير هذا لأن القرآن أنزه معنى واو جز لفظاً وألطف إشارة وأحسن عبارة من أن يريد ما ذهب إليه وهم الجاهل انتهى.
قال في الكشاف : ومن بدع التفاسير إن الفرج هو جيب الدرع ومعنى أحصنته منعته {فَنَفَخْنَا فِيهِ} الفاء للسببية والنفخ نفخ الريح في الشيء أي فنفخنا بسبب ذلك في فرجها على أن يكون المراد بالفرج هنا الجيب.
(كما قال الكاشفي) : بس درد ميديم در كريبان جامه أو وكذا السجاوندي في عين المعاني أي فيما انفرج من جيبها وكذا أبو القاسم في الأسئلة لم يقل فيها لأن المراد بالكناية جيب درعها وهو إلى التذكير أقرب فيكون قوله فيه من باب الاستخدام لأن الظاهر إن المراد بلفظ الفرج العضو وأريد بضميره معنى آخر للفرج ومنه
70
قوله تعالى : [الأنبياء : 91]{عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ} وكذا يكون إسناد النفخ إلى الضمير مجازياً أي نفخ جبريل بأمرنا وهو إنما نفخ في جيب درعها من روحنا} أي من روح خلقناه بلا توسط أصل وأضاف الروح إلى ذاته تعالى تفخيماً لها ولعيسى كقوله وطهر بيتي وفي سورة الأنبياء فنفخنا فيها أي في مريم أي أحبنا عيسى في جوفها من الروح الذي هو من أمرنا وقال بعضهم أحيينا في فرجها وأوجدنا في بطنها ولداً من الروح الذي هو بأمرنا وحده بلا سببية أصل وتوسل نسل على العادة العامة أو من جهة روحنا جبريل لأنه نفخ من جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها أو ففعلنا النفخ فيه وقرىء فيها على وفاق ما في سورة لأنبياء أي في مريم والمآل واحد انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47
(10/53)
يقول الفقير : يلوح لي ههنا سر خفي وهو أن النفخ وإن كان في الجيب إلا أن عيسى لما كان متولداً من الماءين الماء المتحقق وهو ماء مريم ولماء المتوهم وهو ما حصل بالنفخ كان النفخ في الجيب بمنزلة صب الماء في الفرج فالروح المنفوخ في الجيب كالماء المصبوب في الفرج والماء المصبوب وإن لم يكن الروح عينه إلا أنه في حكم الروح لأنه يخلق منه الروح ولذا قال تعالى : [التحريم : 12]{فَنَفَخْنَا فِيهِ} أي في الفرج سواء قلت إن فرج القميص أو العوض فاعرف ولا يقبله إلا الإلباء الروحانيون وصدقت} معطوفع لى أحصنت {بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} أي بالصحف المنزلة على الأنبياء عليهم السلام ، وفي كشف الأسرار يعني الشرائع التي شرعها الله للعباد بكلماته المنزلة ويقال صدقت بالبشارات التي بشر بها جبريل {وَكُتُبِهِ} أي بجميع كتبة المنزلة الشاملة للصحف وغيرها من الكتبا لإلهية متقدمة أو متأخرة {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} أي من عداد المواظبين على الطاعة فمن للتبعيض وفي عين المعاني من المطيعين المعتكفين في المسجد الأقصى والتذكير لتغليب المذكر فإن مريم جعلت داخلة في ذلك اللفظ مع المذكرين والأشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعات الرجال حتى عدت من جملتهم أو كانت من القانتين أي من نسلهم لأنها من أعقاب هارون أخي موسى عليه السلام ، فمن لابتداء الغاية وعن النبي عليه السلام ، كمل من الرجال كثير ولم تكمل من النساء إلا أربع آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام كان العرب لا يؤثرون على الثريد شيئاً حتى سموه بحبوحة الجنة وذلك لأن الثريد مع اللحم جامع بين الغداء واللذة وسهولة التناول وقلة المؤونة في المضغ فضرب به مثلاً يؤذن بأنها أعطيت مع الحسنالخلق حلاوة المنطق وفصاحة اللهجة وجودة القريحة ورصانة العقل والتحبب إلى البعد فهي تصلح للتبعل والتحدث والاستئناس بها والإصغاء إليها وحسبك إنها عقلت من النبي عليه السلام ، ما لم يعقل غيرها من النساء وروت ما لم يرو مثلها من الرجال وقد قال عليه السلام ، في حقها خذو ثلثي دينكم من عائشة ولذا قال في الأمالي :
وللصديقة الرجحان فاعلم
على الزهراء في بعض الخصال
لكن الكمال المطلق إنما هو لفاظمة الزهراء رضي الله عنها ، كما دل عليه الحديث المذكور وأيضاً دل تشبيه عائشة بالثريد على تشبيه غيرها من المذكورات باللحم وهو سيد الإدام.
71
يقول الفقير : رأيت في بعض الليالي المنورة كأن النبي عليه السلام يقول لي عائشة ست النساء اللاتي اجتمعن ومعناه على ما ألهمت وقتئذٍ أن عائشة رضي الله عنها هي السادسة من النسا الست اللاتي اجتمعن في نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلّم كأن الست من التسع متساوية في الفضيلة ومنها عائشة لكن اشتهرت عائشة بالفضل ونودي عليها بذلك وخفيت أحوال الباقيات من الست لحكمة خفية الهية ولذا لم يعين لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم من بقيت من الست ودل الحديث على كثرة كمال الرجال وقلة كمال النساء فيما بعض عصر النبي عليه السلام ، وإن كانت القرون متفاوتة والإعصار متباينة ولذا قال الحافظ :
نشان أهل خدا عاشقيست باخود دار
كه در مشايخ شهر اين نشان نمى بينم
(وقال المولى الجامي) :
أسرار عاشقا نرا بايد زبان دير
درداكه نيست يدا درشهر همزباني
والله الهادي.
جزء : 10 رقم الصفحة : 47(10/54)
سورة الملك
مكية وآيها ثلاثون بالاتفاق
جزء : 10 رقم الصفحة : 71
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
{تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ} البركة النماء والزيادة حسبة أو عقلية ونسبتها إلى الله تعالى باعتبار تعاليه عما سواه في ذاته وصفاته وأفعاله يعني لن البركة تتضمن معنى الزيادة وهي تقتضي التعالى عن الغيرك ما قال ليس كمثله شيء أي في ذاته لوجوب وجوده وفي صفاته وأفعاله لكل لكلماله فيهما وأما قوله تخلقوا بأخلاق الله فباعتبار اللوازم وبقدر الاستعداد لا باعتبار الحقيقة والكنه فإن الاتصاف بها بهذا الاعتبار مخصوص بالله تعالى فأين أحياء عيسى عليه السلام ، الأموات من أحياء الله تعالى فإنه من الله بدعائه فالمعجزة استجابة مثل هذا الدعاء ومظهريته له بقدر استعداده وبهذا التقرير ظهر معنى قول بعض المفسرين تزايد في ذاته فإن التزايد في ذاته لايكون إلا باعتبار تعاليه بوجوده الواجب وتنزهه عن الفناء والتغير والاستقلال وصيغة تبارك بالدلالة على غاية الكمال وإنبائها عن نهاية التعظيم لم يجز استعمالها في حق غيره سبحانه ولا استعمال غيرها من الصيغ مثل يتبارك في حقه تبارك وتعالى وإسنادها إلى الموصول للاستشهاد بما في حيز الصلة على تحقق مضمونها والموصولات معارف ولا شك إن المؤمنين يعرفونه بكون الملك بيده وإما غيرهم فهم في حكم العارفين لأن الأدلة القطعية
72
لما دلت على ذلك كان في قوة المعلوم عند العاقل واليد مجاز عن القدرة التامة والاستيلاء الكامل لما أن أثرها يظهر في الأكثر من اليد يقال فلان بيده الأمر والنهي والحل والعقد أي له القدرة الغالبة والتصرف العام والحكم النافذ (قال الحكيم السنائي) يد اوقدر تست ووجه بقاش.
آمدن حكمش ونزول عطاش
اصبعينش نفاذ حكم قدر
قد مينش جلال وقهر وخطر
وفي عين المعني اليد صلة والقدرة والمذهب إنها صفة له تعالى بلا تأويل ولا تكييف والملك بمعنى التصرف والسلطنة واللام للاستغراق ولذا قال في كشف الأسرار ملك هجده هزار عالم بدست اوست.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
والمعنى تعالى وتعاظم بالذات عن كل ما سواه ذاتا وصفة وفعلا الذي بقبضة قدرته التصرف الكلى في كل الأمور لا بقبضة غيره فيأمر وينهى ويعطي ويمنع ويحيى ويميت ويعز ويذل ويفقر ويغنى ويمرض ويشفى ويقرب ويبعد ويمر ويحرب ويفرق ويصل ويكشف وبحجب إلى غير ذلك من شؤون العظمة وآثار القدرة الإلهية والسلطنة الأزلية والأبدية وقال بعضهم : البركة كثرة الخير ودوامه فنسبتها إلى الله تعالى باعتبار كثرة ما يفيض منه على مخلوقاته من فنون الخيرات أي تكاثر خير الذي بيده الملك وتزايد نعمه وإحسانه كما قال تعالى وإن تعدو نعمة الله تحصوها قال الراغب البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء والمبارك ما فيه ذلك الخير ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحى ولا يحصر قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة وإلى هذه الزيادة أشير بما روى لا ينقص مال من صدقة وقوله تبارك الذي جعل في السماء بروجاً تنبيه على ما يفيضه علينا من نعمه بوساطة هذه البروج والنيرات المذكورة وكل موضع ذكر فيه لفظة تبارك فهو تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر تبارك وفي الكواشي معنى تبارك تعالى عن صفات المحدثين وجميع المستعمل من (ب ر ك) وبعسكه يشتمل على معنى أي ثبت الثبوت الخير في خرائن الذي وقال سهل قدس سره تعالى من تعظم عن الأشياء والأولاد والأضداد واتذاد بيده الملك يقلبه بحوله وقوته يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء وقيل يريد به النبوة يعز بها من اتبع ويذل بها من خالف وقال جعفر قدس سره : هو المبارك على من انقطع إليه أو كان له أي فإه وارث النبي عليه السلام ، وخليفة وقد قيل في حقه وبارك عليه وقال القاشاني قدس سره الملك عالم الأجسام كما أن الملكوت عالم النفوس ولذلك وصف ذاته باعتبار تصريفه في عالم الملك بحسب مشيئته بالتبارك الذي هو غاية العظمة ونهاية الازدياد في العلو والبركة وباعتبار تسخيره عالم الملكوت بمقتضى إرادته بالتسبيح الذي هو التنزيه كقوله : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء كلا بما يناسب لأن العظمة والازدياد والبركة تناس الأجسام والتنزه يناسب المجردات عن المادة وفي الآية إشارة إلى أن لملك إذا كانبيده فهو المالك وغيره المملوك فلا بد للمملوك من خدمة المالك.
خدمت اوكن مكرشاهان تراخدمت كنند
ا كرا وباش تاسلطان ترا كردد غلام
وفي الحديث القدسي يا دنيا اخدمي من خدمني قال في كشف الأسرار ملك انسانيت جداست
73
وملك دلها جدا وملك جانها جدا زيار انسانيت ملك در دنيا راند إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة ودل ملك در آخرت راند يحبهم ويحبونه وجان ملك در عالم حقيقت راند وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة آن عزيز راه كوبد فرداكه علم كبرايي اوبقيامت برايدكه لمن الملك اليوم من ازكوشه دل خويش بدستورى اودرى بركشايم ودردى ازدردهاى او بيرون دهم تاكرد قيامت بر آيد وكويم لمن الملك اكر معترضي براه آيد كويم او كه ون ما ضعفا ومساكين دارد ميكويد لمن الملك ماون أو ملك جبارى داريم رانكوييم لمن الملك اكر اورا ون ما بندكانست مار ون او خدا اونداست.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72(10/55)
ومن هذا البيان يعرف سر قول عين العارفين أبي يزيد البسطامي قدس سره إلهي ملكي أعظم من ملكك أي فإن ملك العبد هو القديم وملك الرب هو الحادث فاعرف جداً فإن هذا المقام من مزالق الأقدام {وَهُوَ} تعالى وحده {عَلَى كُلِّ شَىْءٍ} من الأشياء وعلى كل مقدور منا لأنعام والانتقال وغيرهما {قَدِيرٌ} مبالغ في القدرة عليه ومنتهى إلى أقصاها يتصرف فيه حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة والجملة معطوفة على الصلة مقررة لمضمونها مفيدة لجريان أحكام ملكه تعالى في جلائل الأمور ودقائقها قال بعضهم وهو على كل شيء قدير أي ما يمكن أن تتعلق به المشيئة من المعدومات الممكنة لأن لموجود الواجب لا يحتاج في وجوده إلى شيء ويمتنع زواله أزلاً وأبداً والموجود الممكن لإيراد وجوده إذ هو تحصيل الحاصل والمعدوم الممتنع لايمكن وجوده فلا تتعلق به المشيئة فتعلق القدرة بالمعدوم بالإيجاد وبالموجود بالإبقاء والتحويل من حال إلى حال قال القاشاني وهو القادر على كل ما عدم من الممكنات يوجده على ما يشاء فإن قرينة الدرة تخص الشيء بالممكن إذ تعلل القدرة به فيقال إنه مقدور لأنه ممكن.
(وفي التأويلات النجمية) : تعالى وتعاظم في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله الذي بيده المطلقة الملأى السحاء سلطنة الوجود المطلق الفائض على الوجودات المقيدة وهو أي هويته المطلقة ظاهرة في كل شيء قادرة على كل شيء {الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَواةَ} شروع في تحصيل بعض أحكام الملكوآثار القدرة والموصول بدل من الموصول الأول فلا وقف على القدير والموت عند أهل السنة صفة وجودية مضادة للحياة كالحرارة والبرودة والحياة صفة وجودية زائدة على نفس لذات مغايرة للعلم والقدرة مصصححة لاتصاف الذات بهما وما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما من أن الموت والحياة جسمان وإن الله خلق الموت على صورة كبش املح لا يمر بشيء ولاي جد رائحته شيء إلا مات وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء وهي التي كان جبريل والأنبياء عليهم السلام يركبونها خطوتها مد البصر فوق الحمار ودون البغل لا تمر بشيء ولا يجد رائحتها شيء إلا حي وهي التي أخذ السامري من أثرها قبضة فألقاها على العجل فحيي فكلام وارد على سبيل التمثيل والتصوير وإلا فهما في التحفقيق من قبيل الصفات لا من قبي الأعيان هكذا قالوا وجوابه إن كون الموت والحياة صفتين وجوديتين لا ينافي أن يكون لهما صورة محسوسة كالأعيان فإنهما من مخلوقات عالم المكوت ولكل منهما صورة مثالية فيذلك العام بها يرى ويشاهد يشاهده من يغيب عن عالم الملك وينسلخ عن البدن يؤيده قوله
74
عليه السلام : "يذبح الموت بين الجنة والنار" على صورة كبش ولا شك أن الذبح إنما يتعلق بالأعيان وأيضاً عالم الآخرة عالم الصفة يعني إن كل صفة باطنة في الدنيا تتصور بصورة ظاهرة في العقبى حسنة أو قبيحة فلا شيء من المعاني إلا وهو مجسم مصور فقول ابن عباس رضي الله عنه محمول على هذا نعم إن قولهم إن الحياة فرس أنثى يخالف قولهم إن البراق حقيقة ثالثة لا ذكر ولا أنثى وقال بعضهم : الموت عبارة عن عدم صفة الحياة عن محل يقبلها يعين إن الموت والحياة من باب العدم والملكة فإن الحياة هي الإحساس والحركة الإرادية والاضطرارية كالتنفس والموت عدم ذلك عما من شأنه أن يكون ل كما قال صاحب الكشاف الحياة ما يصح بوجوده الإحساس والموت عدم ذلك ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72(10/56)
أي إيجاد أثر الموت بقطع ضوء الروح عن ظاهر الحي وباطنه مع كونه في غاية الاقتدار على الحركة والتقلب وبجعله جماداً كان لم تكن به حركة أصلاً وكذا إيجاد أثر الحياة بنفخ الروح وإضاءة ظاهر البدن وباطنه به ويجعله قادراً على التقلب بنفسه بالإرادة وعدم تلك الملكة ليس عدماً محضاً بل فيه شائبة الوجود وإلا لم يعتبر فيه المحل القبال للأمر الوجودي فلذلك صح تعلق الخلق بالموت كتعلقه بالحياة وبهذا التقرير اندفع ما اعترضوا به من أن العدم حال لا يكون مخلوقاً لأن المخلوق حادث وعد الحوادث أزلي ولو كان مخلوقاً لزم وجود الحوادث لإلاً وهو باطل وقال بعضهم : معنى خلق الموت على تقدير أن يكون الموت عبارة عن عدم الحياة قدره فإن الخلق يجبيء بمعنى التقدير كما في قوله تعالى فتبارك الله أحسن الخالقين ولا يبعد أن يقال إن تعلق الخلق بالموت بمعنى الإيجاد إنما هو بتبعية تعلقه بالحياة بذلك المعنى وقدم على الحياة لأنا لموت في عالم الملك ذاتي والحياة عرضية يعني إن الموت أسبق لأن الأشياء كانت مواتاً ثم عرضت لها الحية كالنطفة على ما دل عليه قوله تعالى : {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ولأنه ادعى إلى إحساس العمل وأقرب إلى قهر النفوس فمن جعله نصب عينيه أفلح وفي الحديث : لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت وفي الإرشاد : الأقرب إن المراد به الموت الطاري وبالحياة ما قبله وما بعده لظهور مداريتهما كما ينطق به ما بعد الآية ليبلوكم الخ فإن استدعاء ملاحظتها لإحسان العمل مما لا ريب فيه مع أن نفس العمل لاي تحقق بدون الحياة الدنيوية انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
وظاهره يخالف قوله تعالى : ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشورا فإن المراد بهذه الحياة هيا لحياة الدنيوية بقرينة النشور والقرآن يفسر بعضه بعضاً ثم إن الألف واللام في الموت والحياة عوض عن المضاف إليه أي موتكم وحياتكم أيها المكلفون لأن خلق موت غير المكلفين وحياتهم لابتلاء المكلفين لا معنى له قال بعض العارفين الموت والحياة عرضان والأعراض والجواهر مخلوقة له تعالى وأصل الحياة حياة تجليه وأصل الموت موت استتاره وهما يتعاقبان للعارفين في الدنيا فإذا ارتفعت الحجب يرتفع الموت عنهم بأنهم يشاهدون عياناً بلا استتار أبداً لا يجري عليهم طوارق الحجاب بعد ذلك قال الله تعالى بل أحياء عند ربهم خلق الموت والحياة يميت قوماً بالمجاهدات ويحيى قوماً بالمشاهدات يميت قوماً بنعت الفناء
75(10/57)
في ظهور سطوات القدم ويحيي قوماً بنعت البقاء في ظهور أنوار البقاء لولا التجلي والاستار لم يظهر شوق المشتاقين وتفاوت درجات الشوق ولا يتبين وله العاشقين وتفاوت درجاتهم في العشق وقال سهل قدس سره الموت في الدنيا بالمعصية والحياة في الآخرة بالطاعة في الدنيا وقال الجنيد قدس سره حياة الأجسام مخلوقة وهي التي قال الله تعالى خلق الموت والحياة وحياة الله دائمة لا انقطع لها أوصلها إلى أوليائه في قديم الدهر الذي ليس له ابتداء فكانوا في علمه أحياء قبل إيجاده لهم ثم أظهرهم فأعارهم الحياة المخلوقة التي أحيى بها الخلق وأماتهم في سره فكانوا في سره بعد الوفاة كما كانوا ثم أورد عليهم حياة الأبد فكانوا أحياء أبداً وقال الواسطي قدس سره من أحياه الله عند ذكره في لإله لاي موت أبداً ومن أماته في ذلك لا يحيي أبداً وكم حي غافل عن حياته وميت غافل عن مماته ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} اللام متعلقة بخلق وظاهرها يدل على أن أفعال الله معللة بمصالح العباد وإنه تعالى يفعل الفعل لغرض كما ذهب إليه المعتزلة وعند أهل السنة ليس هي على ظاهرها بل معناها إن الله تعالى فعل فعلاً لو كان يفعله منيراعي المصالح لم يفعله إلا لتلك المصلحة والغرض فمثل هذه اللام لام العلة عقلاً ولام الحكمة والمصلحة شرعاً وأيكم مبتدأ وأحسن خبره وعملاً تمييزاً ولجملة الاسمية سادة مسد المفعول الثاني لفعل البلوى عدى إليه بلا واسطة لتضمنه معنى العلم باعتبار عاقبته وإلا فهو لا يتعدى بلا واسطة إلا إلى مفعول واحد فليس هو من قبيل التعليق المشهور الذي يقتضي عدم إيراد المفعول أصلاً وقد ذكر المفعول الأول هنا وهو كم مع اختصاصه بأفعال القلوب ولا من التضمين المصطلح بل هو مستعار لمعنى العلم البلوى الاختبار وليس هنا على حقيقته لأنه إنما يتصور ممن يخفى عليه عواقب الأمور فالابتلاء من الله أن يظهر من العبد ما كان يعلم منه في الغيب ولمنى ليعاملكم معاملة من يختبركم أيكم أحسن عملاً فيجازيكم على مراتب متفاوتة حسب تفاوت طبقات علومكم وأعمالكم فإن العلم يغر مختص بعلم الجوارح ولذلك فسره عليه السلام ، بقوله : أيكم أحسن عقلاً وأورع من محارم الله وأسرع في طاعة الله} يعني أثم عقلاً عند الله فهما لمراده فإن لكل من القلب والقالب ملاً خاصاً به فكما أن الأول أشرف من الثاني كذلك الحال في عمله يكف لا وعمله معرفة الله الواجبة على العباد أول كل شيء وإنما طريقها النظر والتفكر في بدائع صنع الله والتدبر في آياته المنصوبة في الأنفس والآفاق كما قال عليه السلام : لا تفضلوني على يونس بن متى فإنه كان يرفع له كل يوم مثل عمل أهل الأرض قالوا وإنما كان ذلك التفكر في أمر الله الذي هو عمل القلب ضرورة أن أحداً لا يقدر عى أن يعمل بجوارحه كل يوم مثل عمل أهل الأرض كذا في الإرشاد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
يقول الفقير : لعل حال يونس عليه السلام ، إشارة إلى عمل قالبي مفضل على علم أهل الأرض في زمانه بخواصقلبية فإن أعمال المقربين واحد منها مقابل بمائة ألف بل بغير حساب باعتبار التفاوت في الإحسان والشهود والخلوص ولذا قال تعالى : أحسن فإنه بعبارته إشارة إلى أحوال المقربين وبإشارته إلى أحوال غيرهم من الأبرار والكفار والمنافقين وذلك إن نية الإنسان لا تخلو إما أن يكون متعلقها في لسانه وجنانه هو الدنيا
76
فهو سيء نية وعملاً وهو حال الكفار وإما أن يكون متعلقها في لسانه هو الآخرة وفي جنانه هو الدنيا فهو أسوأ نية وعملاً وهو حال المنافقين وأما أن يكون متعلقها في لسانه وجنانه هو الآخرة فهو حسن نية وعملاً وهو حال الأبرار وأما أن يكون متعلقها في لسانه وجنانه هو وجه الله تعالى فهو أحسن نية وعملاً وهو حال المقربين ولما كان المقصود لأعظم هو تحصيل هذا الأحسن صرح بذكره دون ذكر الحسن فإنه مفهوم بطريق الإشارة وكذا غيره ولقد أصاب من قال في تفسير الآية تابياز مايد شمارا يعني باشما معامله آزمايند كان كند تاظاهر شودكه دردار تكليف كدام از شما نيكو ترند ازجهت عمل يعني إخلاص كدام بيشترست.(10/58)
وكذا من قال أحسن الأعمال ماك ان أخلص بأن يكون لوجه الله خالصاً وأصوب بأن يكون موافقاف للسنة أي وارداً على النهج الذي ورد عن الشاعر فالعمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ولذا قال عليه السلام للأعرابي : قم صل فإنك لم تصل وكذا إذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل أيضاً ولذا جعل الله أعمال أهل الرياء والنفاق هباء منثوراً وقول من قال من العارفين حسن العمل نسيان العمل ورؤية الفضل هو من مراتب الإخلاص فٌّ الإخلاص سر عظيم من أشسرار الله تعالى لا ياله إلا الخواص وفي الاشارد ايثار صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل لهم باعتبار أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبيح أيضا لا إلى الحسن والأحسن فقط للإيذان بأن المراد بالذات والمقصد الأصلي من الابتلاء هو ظهور كمال إحسان المحسنين مع تحقق أصل الإيمان والطاعة في الباقين أيضاً لكمال تعاضد الموجبات له وإما الإعراض عن ذلك فلكونه بمعزل من الاندراج تحت الوقوع فضلاً عن الانتظام في سلك الغاية للأفعال الإلهية وإنما هو عمل يصدر عن عامله بسوء اختياره من غير مصحح له ولا تقريب انتهى.
ثم إن المراد أيكم عمله أحسن من عمل غيره ولا معنى لقول السجاوندي في عين المعاني استفهام بمعنى الهمزة ولذا لم يعمل فيه الفعل تقديره ءأنتم أحسن عملا أم غيركم انتهى.
فإنه يشعر بأن يكون التفاوت بالنسبة إلى الإنسان وغيره كالملائكة ومؤمني الجن مثلاً ولسي بمراد وعبارة القرآتان في إسناد الحسن إلى الإنسان تدل على أن من كان عمله أحسن كان هو أحسن ولو أنه أبشع الناس منظر أو من كان عمله أسوأ كان بخلاف ذلك.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
رءراست بايدند بالاي راست
كه كافرهم ازروى صورت وماست
ولم يقل أكثر عملاً لأنه لا عبرة بالكثرة مع القبح قالوا والحسن إنما يدرك بالشرع فما حسنه الشرع فهو حسن وما قبحه فهو قبيح وقال بعضهم : ليبلوكم أيكم أحسن أخذاً من حياته لموته وأحسن هبة في دنياه لآخرته قال النبي لعبد بن عمر رضي الله عنهما خذ من صحتك لسقمك ومن شبابك لهرمك ومن فراغك لشغلك ومن حياتك لموتك فإنك لا تدري ما اسمك غداً وسئل عليه السلام ، أي المؤمنين اكيس قال أكثرهم للموت ذكراً وأحسنه له استعداداً فالاستعداد للموت وللآخرة بكثرة الأعمال المقارنة للإخلاص سواء كانت صلاة أو صوماً أو زكاة أو حجاً أو نحوها وإن كان لبعض الأعمال تفاوت بالنسبة
77
إلى البعض الآخر كالصلاة فإنها معراج الشهود وفيها كسر النفس وإتعاب البدن ولذا كان السلف الصالح يكثرون منا حتى إن منهم من يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ونحوها وكالصوم وتقليل الطعام فإنه سبب لورود الحكمة الإلهية إلى القلب ولذا كان بعض السلف يوصلون فمنهم من يطوي ثلاثة أيم ومنهم من يطوي فوق ذلك إلى سبعة إلى ثلاثين إلى أربعين فمن طوى أربعين يوماً انفتح له بابا لحكمة العظمى مع أن في الصوم تهذيب الأخلاق أيضاً فإن أكثر المفاسد يجبيء من قبل ل والشرب فيا أيها المؤمنون سابقوا واسارعوا فالنفس مطية والدنيا مضمار والسابقون السابقون أولئك المقربون وقد قال عليه السلام ، قد سبق المفردون والتفريد هو تقطيع الموحد عن الأنفس والآفاق وشهود الحق في عالم الإطلاق فلا بد من السير والسلوك ثم الطيران في هواء الوحدة ولهوية الذاتية فإن به يحصل لانفصال عن منازل لأكوان السفلية الحادثة ويتحقق العروج إلى عالم الوجوب والقدم نسأل الله من فضله أن يرينا وجهه الكريم إنه هو البر الرحيم وهو} أي والمال إنه وحده {الْعَزِيزُ} الذي لا يفوته من أساء العمل {الْغَفُورُ} لمن شاء منهم بالوبة وكذا بالفضل قال بعضهم لما كان العزيز منا يهلك كل من خالفه إذا علم بمخالفته قال مرغباً للمسيء في التوبة حتى لا يقول مثلي لا يصلح للخدمة لمالي من القاطعة وأين التراب ورب الأرباب الغفور الذي ستر ذنوب المسيء ويتلقى من أقبل إليه أحسن تلققٍ كما قال في الحديث القدسي ومن أتاني يمشي أتيته هرولة {الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} أبدعها من غير مثال سبق
جزء : 10 رقم الصفحة : 72(10/59)
{طِبَاقًا} صفة لسبع سموات وقولهم الصفة في الإعداد تكون للمضاف إليه كما في قوله سبع بقرات سمان لا يطرد ويجوز جعله حالاً لأن سبع سموات معرفة لشمولها الكل وهو مصدر بمعنى الفاعل يقال طابقه مطابقة وطباق الشيء مثل كتاب مطابقة بكسر الباء وطابقت بين الشيئين إذا جعلتهما على حذو واحد وألزقتهما والباب يدل على وضع شيء مبسوط على مثله حتى يغطيه والمعنى مطابقة بعضها فوق بعض وسماء فوق سماء غلظ كل سماء خمسمائة عام وكذا جوها بلا علاقة ولا عماد ولا مماسة فالسماء الدنيا موج مكفوف أي ممنوع من السيلان والثانية من درة بيضاء والثالثة من حديد والرابعة من ناس أو صفر والخامسة من فضة والسادسة من ذهب والسابعة من ياقوتة حمراء وبين السابعة وما فوقها من الكرسي والعرش بحار من نور قال القاشاني نهاية كمال عالم الملك في خلق السموات أن لا يرى احكم خلقاً وأحسن نظاماً وطباقاً منها قال الجمهور أن الأرض مستديرة كالكرة وإن السماء الدينا محيطة بها من كل جانب إحاطة البيضة بالمح فالصفرة بمنزلة الأرض وبياضها بمنزلة الماء وجلدها بمنزلة السماء غير أن خلقها ليس فيه استطالة كاستطالة البيضة بل هي مستديرة كاستدارة الكرة المستديرة اخرط حتى قال مهندسوهم لو حفر ف يلوهم وجه الأرض لأدى إلى الوجه الآخر ولو ثقب مثلاً بأرض الأندلس لنفذ الثقب بأرض الصين وإن السما الثنية محيطة بالدنيا وهكذا إلى أن يكون العرش محيطاً بالكل والكرسي الذي هو أقربها إليه بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في فلاه فما ظنك بما تحته وكل سماء في التي فوقها بهذه النسبة
78
{مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} استئناف والخطاب للرسول أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب ووضع خلق الرحمن موضع الضمير إذا المقام مقام أن يقال في خلقه وهي السموات على أن يكون بمعنى المخلوق والإضافة بمعنى اللام للإشعار بأنه تعالى خلقها بقدرته القاهرة رحمة وتفضلاً ومن لتأكيد النفي والمعنى ما ترى فيه شيئاً من اختلاف واضطراب في الخلقة وعدم تناسب بل هو مستوٍ مستقيممٍ قال القاشاني : سلب التفاوت عنها بساطتها واستدارتها ومطابقة بعضها بعضاً وحسن انتظامها وتناسبها وهو من الفوت فإن لاك من المتفاوتين يفوت منه بعض ما في الآخر فلا يناسبه ولا يلائمه قال الراغب : التفاوت الاختلاف في الأوصاف كأنه يفوت وصف أحدهما الآخر أو وصف كل واحد منهما الآخر وجعل بعض العلماء خلق الرحمن عاماً فسئل بأن المخلوقات بأسرها على غاية التفاوت لأن الليل غير النهار إلى غير ذلك من الأضداد ثم أجاب بأن ليس فيها تناقص أو زيادة غير محتاج إليها أو نقصن محتاج إليه بل الكل مستقيمة مستوية دالة على أن خالقها عالم انتهى وفي الآية إشارة إلى شمول رحمته الرحمانية الواسة كل شيء كما قال يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لأن الموجودات كلها علوي كانت أو سفلية نورانية كانت أو ظلمانية روحانية كانت أو جسمنية خلقت من نور الرحمن ورحمته من غير تفاوت في الخلقة وأصل الرزق.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
اديم زمين سفره عام اوست
برين خوان يغماه دشمن ه دوست
{فَارْجِعِ الْبَصَرَ} أي رده إلى رؤية السماء حتى يتضح ذلك بالمعاينة ولا يبقى عندك شبهة ما وجع يجيء لازماً ومتعدياً يقال رجع بنفسه رجوعاً وهو العود إلى ما منه البدء مكاناً كان أو فعلاً أو قولاً بذات كان رجوعه أو بجزء من أجزائه أو بفعل من أفعاله ورجعه غير رجعاً أي رده وأعاده {هَلْ تَرَى} فيها {مِن فُطُورٍ} جمع فطر كما في القاموس وهو الشق.
(كما قال في تاج المصادر) : الفطر آفريدن وابتداكردن وشكافتن.
يقال فطره فانفطر أي شقه فانشق والمعنى من شقوق وصدوع لامتناع خرقها والتئامها قاله القاشاني : ولو كان لها فروج لفاتت المنافع التي رتبت لها النجوم المفرقة في طبقاتها أو بعضها أو كمالها كما في المناسبات فإذالم بر في السماء فطور وهي مخلوقة فالخالق أشد امتناعاً من خواص الجسمانيات {ثُمَّ اْرجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} أي رجعتين أخريين وأعد النظر مرة بعد مرة في طلب الخلل والعيب.
يعني اكربيك نكريستن معلوم نكردد تكراركن نكريستن را.
والمراد بالتثنية التكرير والتكثير كما في لبيك وسعديك يريد إجابات كثيرة وإعانات وفيرة بعضها في أثر بعض وذلك لأن الكلام الآتي لا يقع بالمرتين أي رجة بعد رجعة وإن كثرت قال الحسن رحمه الله لو كررته مرة بعد مرة إلى يوم القيامة لم تر فيه فطوراً وقال الواسطي رحمه الله كرتين أي قلباً وبصراً لأن الأول كان بالعين خاصة والحاصل أن تكرار النظر وتجوال الفكر مما يفيد تحقيق الحائق وإذا كان ذلك النظر فيها عند طلب الخروق والشقوق لا يفيد إلا الكلال والحرمان تحقق الامتناع وما اتعب من طلب وجود الممتنع {يَنقَلِبْ} ينصرف ويرجع وبالفارسية باز كردد {إِلَيْكَ} بسوى تو {الْبَصَرَ} شم تو {خَاسِئًا} أي
79(10/60)
ذليلاً بعيداف محروماً منإصابة ما التمسه من العيب والخلل كأنه يطرد عن ذلك طرد بالصغار والذلة فقوله ينقلب مجزوم على إنه جواب الاومر وخاسئاً حال من البصر وهو مع إنه اسم فاعل من خسأ بمعنى تباعد وهرب ففيه معنى الصغار والذلة فإذا قيل خسأ الكلب خسوء افمعناه تباعد من هو إنه وخوفه كأني زجر وطرد عن مكانه الأول بالصغار وخسأ يجبي متعدياً أيضاً بقال خسأت الكلب فخسأ أي باعدته وطردته وزجرته مستهيناً به فانزجر وذلك إذا قيل له اخسأ قال الراغب ومنه خسأ البصر أي انقبض من مهانة وفي القاموس اخاسيء من الكلاب والخنازير المبعد لاي ترك أن يدنو من الناس ولا يكون خاسئاً في الآية من المتعدى إلا بأن يكون بمعنى المفعول أي مبعداً {وَهُوَ حَسِيرٌ} أي كليل وبالاية الأعياء لطول المعاودة وكثرة لمراجعة وهو فعيل بمعنى الفاعل من الحسور الذي هو الأعياء كما في تاج المصادر الحسور رنجه شدن وكندشدن شم از مسافت دور.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
وقال الراغب يقال للمعي حاسر ومحسور أما الحاسر فتصور إنه قد حسر بنفسه قواه وإما المحسور فتصور إن التعب قد حسره وقوله تعالى : {وَهُوَ حَسِيرٌ} يصح أن يكون بمعنى حاسر وبمعنى محسور انتهى.
والجملة حال من البصر أو من الضمير المستتر في خاسئاً فيكون من قبيل الأحوال المتداخلة قال بعضهم فإذا كان الحال هذا في بعض المصنوع فكيف عند طلب العلم بالصانع في كماله وجلاله وجماله فكيف بمن يتفوه بالحلول والاتحاد حسبه جهم وبئس المهاد.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص80 حتى ص90 رقم9
سبحانه من تحير في ذاته سواء
فهم خرد بكنه كمالش نبرد راء
عمري خرد و شمه ها شمها كشاد
تابر كمال كنه اله افكند نكاه
ليكن كشيد عاقبتش در دوديده ميل
شكل الف كه حرف نخستست ازاله
وفي التأويلات النجمية : فرجع بصرك الظاهر من ظواهر الأشياء إلى بصرك الباطن ومن بصرك الباطن إلى بواطن الأشياء يعني انظر باتحاد بصرك وبصيرتك إلى ظواهر الأشياء وبطوانها هل تر من شقوق الخلاف بحسب استعداد كل واحد من الموجودات لإعطائه كل ذي حق حقه ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير معد عن رؤية اخلل ومطالعة الزلل كما قال الامام حجة الإسلام قدس سره في بعض كلماته ليس في الإمكان ابدغ من هذا الوجود لاته لو كان ولم يظهر لكان بخلاف وهو جواد ولكان عجزا وهو قادر كما قال تعالى : الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى وقال بعضهم إنما لم يكن في الإمكان ابدع مما كان أي أظهر من هذا العالم لأنه مأثم الاتبتان الحق في المرتبة الأولى وهو القدم والعالم في الثانية وهو الإمكان والحدوث فلو خلق ما خلق إلا ما لا يتناهى فلا يزال في المرتبة الثانية الإمكانية ولقد زينا السماء الدنيا} بيان لكون خلق السموات في غاية الحسن والبهاء أثر بيان خلوها عن شائبة القصور وتصدير الجملة بالقسم لإبراز كمال الاعتناء بمضمونها أي وبالله لقد زنيا أقرب السموات إلى الأرض والناس وجملناها فالزين والتزيين بالفارسية آراستن.
وهو ضد الشين بالفارسية معيوب كردن.
والدنيا
80
تأنيث الأدنى بمعنى الأقرب وكون السماء من سائر السموات إنما هو بالإضافة إلى ما تحتها من الأرض لا مطلقاً لأن الأمر بالعكس بالإضافة إلى ما فوقها من العرش {بِمَصَابِيحَ} برغها.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72(10/61)
جمع مصباح وهو السراج وتنكيره للتعظيم والمدح أي بكواكب مضيئة بالليل إضاءة السرج من السيارات والثوابت تترآءى كلها مركوزة في السماء الدنيا مع أن بعضها في سائر السماوات لأن السموات إذا كانت شفافة وأجراماً صافية فالكواكب سواء كانت في السماء الدنيا أو في السموات أخرى فهي لا بد وإن تظهر في السماء الدنيا وتلوح منها فعلى التقديرين تكون السماء الدنيا مزينة بهذه المصابيح ودخل في المصابيح القمر لأنه أعظم نير يضيء بالليل وإذا جعل الله الكواكب زينة السماء التي هي سقف الدنيا فليجعل العباد المصابيح والقناديل زينة سقوف المساجد والجوامع ولا سرف وفي الخير وذكر إن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلّم كان ء5ا جاء العشاء يوقد فيه بسعف النخلقلما قدم تميم الداري رضي الله عنه المدينة صحب معه قناديل وحبالاً وزيتاً وعلق تلك القناديل بسواري المسجد وأو قدرت فقال عليه السلام : نورت مسجدنا نور الله عليك تاماً والله لو كان لي ابنة لأنكحتكها وسماه سراجاً وكان اسمه الأول فتحاً ثم أكثرها عمر رضي الله عنه حين جمع الناس علي أبي بن كعب رضي الله عنه في صلاة التراويح فلما رآها علي رضي الله عنه ، تزهر قال : نورت مسجدنا نور الله قبرك يا ابن الخطاب وعن بعضهم قال : أمرني المأمون إن اكتب بالاستكثار من المصابيح في المساجد فلم أدر ما اكتب لأنه شيء لم أسبق إيه فرأيت في المنام اكتب فإن فيه أنساً للمتهجدين ونفيا لبيوت الله عنه وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك وفيه إشارة إلى سماء القلب لدنوه منك من سماء الورح وزينة أنوار المعارف والعلوم الإلهية والورادات الرحمانية {وَجَعَلْنَاهَا} أي المصابيح المعبر بها عن النجوم أي بعضها كما في تفسير أبي الليث {رُجُومًا} جمع رجم بالفتح وهو ما يرجم به ويرمى للطرد ولزجر أو جمع راجم كسجود جمع ساجد {لِّلشَّيَاطِينِ} هم كفار الجن يخرجون الأنس من النور إلى الظلمات وجمع الشياطين على صيغة التكثير لكثرتهم في الواقع فالمعنى وجعلنا لها فائدة أخرى هي رجم أعدائكم بانقضاض الشهب المقتبسة من الكواكب لا بالكواكب نفسها فإنها قارة في الفلك على حاله فمنهم من يقتله الشهاب ومنهم من يفسد عضواً من أعضائه أو عقله والشهاب شعلة ساطعة من نار وهو ههنا شعلة نار تنفصل من النجم فأطلق عليها النجم ولفظ المصباح ولفظ الكوكب ويكون معنى جعلناها رجوماً جعلنا منها رجوماً وهي تلك الشهب ومما يؤيد أن الشعلة منفصلة من النجوم ما جاء عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، إن النجوم كلها كالقناديل معلقة في السماء الدنيا كتعليق القناديل في المساجد مخلوقة من نور وقيل إنها معلقة بأيدي الملائكة وينصر هذا القول قوله تعالى : [الانفطار : 1-12]{إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} لأن انتثارها يكون بموت من كان يحملها من الملائكة وقيل : إن هذه ثقب في السماء وينصره قول بعض المكاشفين إن الكواكب ليست مركوزة في هذا التعين وإنما هي بانعكاس الأنوار في بعض عروقه
81
اللطيفة والذي يرى كسقوط النجم فكدفع الشمس من موضع إلى موضع وهذا لا يطلع عليه الحكماء وإنما يعرفه أهل السلوك انتهى.
وقال الفلاسفة أن الشهب إنما هي أجزاء نارية تحصل في الجو عند ارتفاع الأبخرة المتصاعدة واتصالها بالنار التي دون الفلك وقد سبق بيان هذا المقام مفصلاً في أوائل الصافات والحجر فلا نعيده والذي يلوح إن مذهب الفلاسفة قريب في هذه المادة من مذهب أهل الحقائق ومر بيان مذهبهم في الصافات والله أعلم بالخفيات واعتد نالهم}
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
أي هيئنا للشيطان في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب ومنه العتاد أي العدة والأهبة {عَذَابَ السَّعِيرِ} أي عذاب جهم الموقدة المشعلة فالسعير فعيل بمعنى مفعلو من سعرت النار إذا أوقدتها ولذلك لم يؤت بالتاء في ره مع آنه اسم للدركة الرابعة من دركات النار السبع وهي جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية ولكن كل من هذه الأسماء يطلق على الآخر فيعبر عن النار تارة بالسعير وتارة بجهنم وأخرى بآخر.(10/62)
واعلم أن في كل دركة منها فرقة من فرق العصاة كعصاة أهل التوحيد والنصارى واليهود والصابئة والمجوس والمشركين والمنافقين ولم يذكروا الشياطين في واحدة من الدركات السبع وللعهم يقسمون على مراتب إضلالهم فيدخل كل قسم منهم مع قسم تبعه في إضلاله فكان سبباً لدخوله في دركة من الدركات الست التحتانية جزاء للاله وإضلاله واذية لمن تبعه فيما دعا إليه بمصاحبته ومقارنته كما قال تعالى : [إبراهيم : 49-6]{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَااِذٍ مُّقَرَّنِينَ} وفي الآية إشارة إلى شياطين الخواطر النفسانية والهواجس الظلمانية وعذابها عذاب الرد والانقلاب بغلبة الخواطر الملكية والرحمانية وللذين كفروا بربهم} من الشياطين وغيرهم وكفرهم به إما بالتعطيل أو بالإمساك وقال سعدي المفتي الأظهر حمله على الكفرة غير الشياطين كما يشعر به ما بعده ولئلا يلزم شبه التكرار {عَذَابُ جَهَنَّمَ} أي الدركة النارية التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة يقال رجل جهم الوجه كالح منقبض وفيه إشارة إلى إن عذابه تعالى وانتقامه خارج عن العادة لكونه ليس بسيف ولا سوط ولا عصا ونحوها بل بالنار الخارجة عن الانطفاء وليس للكافر المعذب من الخلاص رجاء {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي جهم وقال بعضهم : جهنم من الجهنام وهي بئر بعيدة القعر ففيه إشارة إلى أن أهل النار مبعدون عن جمال الله تعالى وعن نعيم الجنة محرقون في نار البعد والقطيعة نسأل الله العافية قال في فتح الرحمن تضمنت هذه الآية إن عذاب جهم للكافرين المخلدين وقد جاء في الأثر إنه يمر على جهم زمن تخفق أبوابها قد أخلتها الشفاعة فالذي في هذه الآية هي جهنم بأسرها أي جميع الطبقات والتي في الأثر هي الطبقة العليا لأنها مقر العصاة انتهى.
وهو مراد من قال من كبار المكاشفين يأتي زمان تبقى جهنم خالية عن أهلها وهم عصاة الموحدين ويأتي على جهنم زمان ينبت في قعرها الجرجير وهي بقلة
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
{إِذَآ أُلْقُوا} أي الذين كفروا أي في جهنم وطرحوا كما يطرح الحطب ي النار العظيمة وفي إيراد إلا لقاء دون الإدخال إشعار بتحقيرهم وكون جهنم سفلية {سَمِعُوا لَهَا} أي لجهنم نفسها
82
وهو متعلق بمحذوف وقع حالاً من قوله {شَهِيقًا} لأنه في الأصل صفة فلما قدمت صارت حالاً أي سمعوا كائناً لها شهيقاً أي صوتاً كصوت الحمير الذي هو أنكر الأصوات وأفظعها غضباً عليهم وهو حسيسها النمكر الفظيع كما قال تعالى : [الأنبياء : 102-7]{لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} قالوا : الشهيق في الصدر والزفير في الحلق أو شهيف الحمار آخر صوته والزفير أوله والشهيق رد النفس والزفير إخراجه وهي تفور} أي والحال أنها تغلي بهم عليان المرجل بما فيها من شدة التلهب والتسعر فهم لا يزالون صاعدين هابطني كالحب إذا كان الماء يغلي به لإقرار لهم أصلاً الفور شدة الغليان ويقال ذلك في النار وفي القدر وفي الغضب وفوارات الماء سميت تشبيهاً بغليان القدر وفعلت كذا من فوري أي من غليان الحال وفارة المسك تشبيهاً به في الهيئة كما في المفردات قال بعضهم : نطقت الآية بأن سماعهم يكون وقت الإلقاء على ما هو المفهوم من إذا وعلى المفهوم من قوله وهي تفوران يكون بعده اللهم إلا أن تغلي بما فيها كائناً ما كان ويؤول إذا ألقوا بإذا أريد الإلقاء أو إذا قربوا من الإلقاء بناء على أن صوت الشهيف يقتضي أن يسمع قبل الإلقاء انتهى.
{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} الجملة خبر آخر وتميز أصله تتميز بتاءين والتميز الانقطاع والانفصال بين المتشابهات والغيظ أشد الغضب يقال يكاد فلان ينشق من غيظه إذا وصف بالإفراط في الغضب والمعنى تكاد تتفرق جهنم من شدة الغضب عليهم أي قرب أن يتمزق تركيبها.
وينفصل بعضه من بعض وبالفارسية نزديكست كه اره اره شود دوزخ از شدت خشم بركافران.(10/63)
شبه اشتعال النار بهم في قوة تأثيرها فيهم وإيصال الضرر إليهم باعتياظ المغتاظ على غيره المبالغ في إيصال الضرر إليه فاستعير اسم الغيظ لذلك الاستعمال استعار تصريحية قال الامام لعل سبب هذا المجاز إن دم القلب يغلي عند الغضب فيعظم مقداره فيزداد امتلاء العروق حتى يكاد يتمزق قال في المناسبات وكان حذف إحدى التءاين إشارة إلى أنه يحصل افتراق واتصال لعى وجه من السرعة لا يكاد يدكر حق الإدراك وذلك كله لغضب سيدها وتأتي يوم القيامة تقاد إلى المحشر ألف زمام لكل زمام سبعون ألف ملك يقود ونهابه وهي من شدة الغيظ تقوى على الملائكة وتحمل على الناس فتقطع الأزمة جميعاً وتحطم أهل المحشر وتقول لأئتقمن اليوم ممن أكل رزق الله وعيد غيره فلا يردها عنهم إلا النبي صلى الله عليه وسلّم يقابلها بنوره فترجع مع أن لكل ملك من القوة ما لو أمر به أن يقتلع الأرض وما عليها من الجبال ويصعد بها فعل من غير كلفة وهذا كما أطفأها في الدنيا بنفحة كما قال عليه السلام : "لقد أدنيت مني النار حتى جعلت أنفثها خشية أن تغشاكم" قال بعضهم : تلك المهوات لشدة منافاتها بالطبع لعالم النور وأصل فطرة النفس ليشتد غيظها على النفوس كما أن شدة منافرة الطباع بعضها بعضاً تستلزم شدة العداوة والبغض المقتضية لشدة الغيظ.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
يقول الفقير : تقرر من هذا البيان ودل سائر الآثار الصحيحة أيضاً إن جهنم لها حياة وشعور كسائر الإحياء ولذا يصدر منها كما يصدر منهم فلا حاجة إلى ارتكاب المجاز عند أهل الله تعالى في أمثال ذلك قال جعفر الطيار رضي الله عنه كنت مع النبي عليه السلام ، في طريق فاشتد على العطش فعلمه النبي
83
عليه السلام ، وكان خذآءنا جبل فقال عليه السلام : بلغ مني السلام إلى هذا الجبل وقل له يسقيك إن كان فيه ماء قال فذهبت إليه وقلت السلام عليك أيها الجبل فقال الجبل ينطق بنطق فصيح لبيك يا رسول رسول الله فعرضت القصة فقال بلغ سلامي إلى رسول الله وقل منذ سمعت قوله تعالى : [الملك : 8]{فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} بكيت لخوف أن أكون من الحجارة التي هي وقود انار بحيث لم يبق في ماء كلما ألقى} الإلقاء بيفكندن {فِيهَا} أي في جهنم {فَوْجٌ} جماعة من الكفرة يدفع الزبانية لهم الذين هم أغيظ عليهم من النار وهو استئناف مسوق لبيان حال أهلها بعد بيان حال نفسها {سَأَلَهُمْ} أي ذلك الفوج وضمير الجميع باعتبار المعنى {خَزَنَتُهَآ} أي خزنة النار وهي مالك وأعوانه من الربانية بطريق التوبيخ والتقريع ليزدادوا عذاباًفوق عذاب وحسرة أي ليزدادوا العذاب الروحاني على العذاب الجسماني جمع خازن بمعنى الحافظ والموكل يعرف ذلك من قولهم بالفارسية خزينة دار.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72(10/64)
قال في تاج المصادر الخزن نكاه داشتن مال وسر {أَلَمْ يَأْتِكُمْ} أي : وقالوا لهم أيها الكفرة الفجرة ألم يأتكم في الدنيا {نَذِيرٌ} أي منذر يتلو علكيم آيات ربكم وينذكرم لقاء يومكم هذا والإنذار الإبلاغ ولا يكون إلا في التخويف ويعدى إلى مفعولين كما في تاج المصادر {قَالُوا} اعترافاً بأنه تعالى قد از اح عللهم بالكلية ببعثة الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه وإنهم لم يأتوا من قدره كما تزعم المجبرة وإنما أتوا من قبل أنفسهم واختيارهم خلاف ما اختار الله فأمر به وأوعد على ضده {بَلَى} لإيجاب نفي إتيان النذير {قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ} جمعوا بين حرف الجواب ونفس الجملة المجب بها مبالغة في الاعتراف وتحسرا على فوت سعادة التصديق وتمهيداً لبيان التفريط الواقع منهم أي قال كل فوج من تلك الأفواج قد جاء نا نذير أي واحد حقيقة أو حكماً كأنبياء بني إسرائيل فإنهم في حكم نذير والحد فأنذا وتلا علينا ما نزل الله عليه من آياته روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه السلام إنه قال أنا النذير والموت المغير يعني موت عارت كننده است والساعة الموعد يعني قيامت وعده كاهست {فَكَذَّبْنَا} ذلك النذير في كونه نذيراً من جهته تعالى فإن قلت هذا يقتضي أن لا يدخلها الفاسق المصر لأنه لم يكذب النذير قلت قد دلت الأدلة السمعية على تعذيب العصاة مطلقاً والمراد بالفوج هنا بعض من ألقى فيها وهم الكفرة كما سبق {وَقَالَ} في حق ما تلاه من الآيات إفراطاً في التكذيب وتمادياً في الكير بسبب الاشتغال في الأمور الدنيوية والأحكام الرسومية الخلقية {مَا نَزَّلَ اللَّهُ} على أحد {مِن شَىْءٍ} من الأشايء فضلاً عن تنزيل الآيات عليكم وقال بعضهم : ما نزل الله من كتاب ولا رسول {إِنْ أَنتُمْ} أي ما تم يا معشر الرسل في ادعاء إن الله تعالى نزل عليكم آيات تنذر وثنا بما فيها {إِلا فِى ضَلَالٍ كَبِيرٍ} بعيد عن الحق والصواب وجمع ضمير الخطاب مع أن مخاطب كل فوج نذيره لتغليبه على أمثاله مبالغة في التكذيب وتماديا في التضليل كما ينبىء عنه تعميم النمزل مع ترك ذكر المنزل عليه فإنه ملوح بعمومه حتماً
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
{وَقَالُوا} أيضا معترفين بأنهم لم يكؤنو
84
ممن يسمع أو يعقل {لَوْ كُنَّا} في الدنيا {نَسْمَعُ} كلاماً {أَوْ نَعْقِلُ} شيئاً وفيه دليل على أن القعل حجة التوحيد كالسمع وقدم السمع لأنه لا بد أولاً من سماع ثم تعقل المسموع وقال سعدى المفتي قوله لو كنا الخ.
يجوز أن يكون إشارة إلى قسمي الإيمان التقليدي والتحقيقي أي الاستدلالي لأنه يحتاج إلى النظر دون التحقيقي العياني لأنه يحصل بالكشف لا العقل {مَا كُنَّا} اليوم {فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ} أي في عداد أهل النار الموقدة وأتباعهم وهم الشياطين لقوله تعالى : [الملك : 11]{وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} كٌّ الخزنة قالوا لهم في تضاعيف التوبيخ ألم تسمعوا آيات ربكم من السنة السل ولم تعقلوا معانيها حتى لا تكذبوا بها فأجابوا بذلك وفي التأويلات النجمية لو كنا نسمع بأسماع قلوبنا أو نعقل بعقول أروحنا ما كنا في أصحاب السعير ولكنا سمعنا بأسماع محتومة وعقول معلولة مقفولة فاعترفوا} اضطرار أحين لا ينفعهم الاعتراف وهو إقرار عن معرفة وفي عين المعاني عرفوا أنفسهم بالجرم {بِذَنابِهِمْ} اختياراً بصرف قوامهم إلى سوء الاقتراف وهو كفرهم وتكذيبهم بآيات الله ورسله وقال بعضهم أفرد الذنب لأنه يفيد فائدة الجمع بكونه اسم جنس شامل للقليل والثكيرا وأريد به الكفر وهو وإن كان على أنواع فهو ملة واحدة في كونه نهاية الجرم واقتضاء الخلود الأبدي في النار {فَسُحْقًا} مصدر مؤكد إما لفلع متعد من المزيد بحذف الزوائد أي فأسحقهم الله أي أبعدهم من حرمته سحقاً أي إسحاقا وإبعاداً بسبب ذنبهم أو لفعل مرتب على ذلك الفعل أي فأسحقهم الله فسحقوا أي بعدوا سحقاً أي بعداً ويقال سحق الشيء مثل كرم فهو سحيق أي بعد فهو بعيد قيل هو تحقيق وقيل هو على الدعاء وهو تعليم من الله لعباده أن يدعوا عليهم به كما في التيسير ومعناه بالفارسية س دور كرد خداي تعالى دور كردنى ايشان را از رحمت خود.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72(10/65)
قال عضهم دعاء عليهم من الله إشعرا ً بأن المدعو عليهم مستحقون لهذا الدعاء وسيقع عليهم المدعو به من البعد والهلاك {لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ} اللام للبيان كما في هيت لك والمراد الشياطين والداخلون من الكفرة وفيه إشارة إلى أن الله تعالى بعد أهل الجحاب من جنة القرب وقربهم من جهنم البعد {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ} أي يخافون عذابه وهو عذاب يوم القيامة ويوم الموت ويوم القبر خوفاً وراء عيونهم حال كون ذلك العذاب غائباً عنهم ولم يعايتوه بعد على أن بالغيب حال من المضاف المقدر أو غائبين عنه تعالى أي عن معاينة عذابه وأحكام الآخرة أو عن أعين الناس لأنهم ليسوا كالمنافقين الذين إذا لقوا المؤمنين قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون على أنه حال من الفاعل وهو ضمير يخشون أو بما خفي منهم وهو قلوبهم فالباء للاستعانة متعلقة يخيشون والألف واللام اسم موصول وكانوا يشمون من كبد أبي بكر الصديق رضي الله عنه رائحة الكبد امشوي من شد الخوف من الله تعالى وكان عليه السلام يصلي ولصدره ازيز كازيز المرجل من البكاء والأزيز الغليان وقيل صوته والمرجل قدر من نحاس {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} عظيمة تأتي على جميع ذنوبهم ولما كان السرور إنما يتم بالإعطاء قال {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} أي ثواب
85
عظيم في الآخرة فضلاً منه تعالى كيون لهم به من الإكرام ما ينسيهم ما قاسوه في الدنيا من شدائد الآلام وتصغر في جنبه لذائذ الدنيا وهو الجنة ونعميها.
كفته اندايمنى از وشاديد ومكاره يعني مزد ثرسندكان امان باشد ازهر ه مى ترسند :
لا تخافوا مده ترسنده است
هركه مى ترسد مبارك بنده است
خوف وخشيت خاص دانيان بود
هركه دانانيست كي ترسان بود
ترسكارى رستكارى آورد
هركه درد آرد عوض درمان بود
فلا بد من العقل أو لا حتى يحصل الخوف ثانياً وكان بعض الأكاسرة وكانوا اعقل الملوك يرتب واحداً يكون وراءه بالقرب منه يقول إذا اجتمعت جنوده أنت عبد لا يزال يكرر ذلك والملك يقلو له كلما قاله نعم وهكذا حال من يعرف مكر النفس ويخاف الله بقلبه قال مسروق إن المخافة قبل الرجاء فإن الله تعالى خلق جنة وناراً فلن تخلصوا إلى الجنة حتى تمروا بالنار قال تعالى : {وَإِن مِّنكُمْ إِلا وَارِدُهَا} قال فضيل قدس سره إذا قيللك أتخاف الله فاسكت فإنك إذا قلت لا فقد جئت بأمر عظيم وإذا قلت نعم فالخائف لا يكون على ما أنت عليه ألا ترى إن الله تعالى لما اتخذ إبراهيم عليه السلام ، خليلاً ألقى في قلبه الوجل حتى إن خفقان قلبه يسمع من بعيد كما يسمع خفقان الطير في الهواء وقيل لفضيل بم بلغ بك الخوف الذي بلغ قال بقلة الذنوب فللخوف أسباب وأول الأمر العقل السليم ثم يصحل كما له بترك العصيان وذلك إن ترك المعصية وإن كان نتيجة الخوف لكن القلب يترقى في الرقة بترك المعصية فشيتد خوفه فقاسى القلب لا يعرف الخوف لأن عقله ضعيف مغلوب يقال العقل كالبعل والنفس كالزوجة والجسم كالبيت فإذا سلط العقل على النفس اشغلت النفس بمصالح الجسم كما تشتغل المرأة المقهورة مصالح البيت فصلحت الجملة وإن غلبت النفس كان سعيها فاسداً كالمرأة التي قهرت زوجها ففسدت الجملة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
مبر طاعت نفس شهوت رست
كه هرستاعتش قبله ديكرست
كرا جامه اكست وسيرت ليد
در دوزخش رانبايد كليد
وأسروا قولكم أو أجهروا به} ونهان سازيد سخن خودرا درشان يغمبر عليه السلام ، يا آشكارا كنيذد مرانرا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما ، نزلت في المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشيا يعني درباب حضرت يغمبر سخنان ناشايسته كفتنى.
فيظهرالله رسوله عليها ، فقال بعضهم لبعض أسر وأقولكم كيلاً يسمع رب محمد فيخبره بما لو تقون فقيل لهم أسر وا ذلك او اجهروا به فإن الله يعلمه وأسرار الأقوال وأعلانها مستويان عنده تعالى في تعلق علمه والأمر للتهديد لا للتكليف وتقديم السر على الجهر للإيذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرون من أول الأمر والمبالغة في بيان شمول علمه المحيط بجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسر ونه اقدم منه بما يجهرون به مع كونهما في الحقيقة على السوية فإن علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى أو لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر إذ ما من شيء يجهر به إلا وهو اومباديه مضمر في القلب
86(10/66)
يتعلق به الأسرار غالباً فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية {إِنَّه عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ} مبالغ في الإحاصة بمضمرات جميع الناس وأسراهم الخفية المستكنة في صدورهم بحيث لا تكاد تفارقها أصلاً فكيف يخفى عليه ما تسرونه وتجهرون به ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التي في الصدور لكون تلك السر آثر عين علمه فيكف لا يعلم ضمائرها من خلقها وسواها وجعلها مرائي أسراره ولم يقل ذوات الصدور لإرادة الجنس وذات هنا تأنيث ذي بمعنى صاحب حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه أي عليم بالمضمرات صاحبة الصدور وهي الخواطر القائمة بالقلب من الدواعي والصوارف الموجودة فيه وجعلت صاحبة الصدور بملازمتها لها وحلولها فيها كما يقال للبن ذو الإناء ولولد المرأة وهو جنين ذو بطنها {أَلا يَعْلَمُ} آيانداند {مَنْ خَلَقَ} أي ألا يعلم السر والجهر من أوجد بحكمته جميع الأشياء التي هما من جملتها فهو إنكار ونفي لعدم إحاطة علمه تعالى بالمضمر والمظهر ومن فاعل يعلم ويجوز أن يكونمنصوباً لعى أنه مفعول يعلم والعئاد محذفو أي ألا يعلم الله من خلقه {وَهُوَ}
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
أي والحال إنه تعالى وحده {اللَّطِيفُ} العالم بدقائق الأشياء يرى إثر النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء {الْخَبِيرُ} العالم ببواطنها قال القاشاني هو المحيط ببواطن ما خلق وظواهره بل هو هو في الحقيقة باطناً وظاهراً لا فرق إلا بالوجوب والإمكان والإطلاق والتقييد واحتجاب الهيوة بالعندية والحقيقة بالشخصية فإن قلت : ذكر الخبير بعد اللطيف تكرار قلت لا تكرار فيه فإنه قال الامام الغزالي رحمه الله : إنما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها وما لطف ثم يسلك في إيصالها إلى المستصلح على سبيل الرفق دون العنف فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف في الإدراك تم معنى اللطف ولا يتصور كمال ذلك في العلم والفعل إلاتعالى والخبير هو الذي لا يعب عنه الأخبار الباطنة فلا يجري في الملك والملكوت شيء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم لكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة يسمى خبرة ويسمى صاحبها خبيراً قال بعضهم : كنا جماعة من الفراء فأصابتنا فاقة ومجاعة فذهبنا إلى إبراهيم الخواص قدس سره وقلت في نفسي أباسط الشيخ في أحوالي وأحوال هؤلاء الفقراء فلما وقع بصره على قال لي الحاجة التي جئتني فيها الله عليم بها أم لا فارفعها إليه فسكت ثم انصرفنا فلما وصلنا إلى المنزل فتح علينا بشي وإذا علم العبد إنه مطلع على سره عليم بخفي ما في صدره يكتفي من سؤاله برفع همته إليه وإحضار حاجته في قلبه من غير أن ينطق بلسانه والله لطيف بعباده ومن لطفه بهم إنه يوصل إليهم ما يحتاجون إليه بسهولة فمن قوته رغيف لو تفكر فيه يعلم كم عين سهرت فيه من أول الأمر حتى تم وصلح للأكل من الحارث والباذر للذر والحاصد والد آئس والمذري والطاحن والعاجن والخابز ويتشعب من ذلك الآلات اتي تتوقف عليها هذه الأعمال من الأخشاب ولحجارة والحديد والحبال والدواب بحيث لا تكاد تنحصر وهكذا كل شيء ينعم به على عبده من مطعوم
87
ومشروب وملبوس فيه مقدمات كثيرة لو احتاج العبد إلى مباشرتها بنفسه لعجز عن ذلك ومن سنة الله سبحانه حفظ كل لطيفة في طي كل كثيفة كصيانة الودائع في المواضع المجهولة ألا ترى أنه جعل التراب الكثيف معدن الذهب والفضة ويرهما من الجواهر والصدف معدن الدلار والذباب معدن الشهد والدود معدن الحرير وكذا جعل قلب العبد محلاً ومعدنا لمعرفته ومحبته وهو مضغة لحم فالقلب خلق لهذا لا لغيره فعلى العبد أن يطهره عن لوث التلعق بما سوى الله فإن الله تعالى لطف به بإيجاده ذلك القلب في جوفه وصوف نفسه بأنه لطيف خبير مطلع على ما في الباطن فإذا كان هو المنظر الإلهي وجب تخليته عن الأفكار والأغيار وتحليته بأنواع المعارف والعلوم والأسرار وتجليته بتجلي الله املك العزيز الغفار بوجوه أسمائه وصفاته بل بعين ذاته نسأل الله تعالى نواله وأن يرينا جماله
جزء : 10 رقم الصفحة : 72(10/67)
{هُوَ} وحده {الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ} أي لمنافعكم {الارْضَ} اختلفوا ف مبلغ الأرض وكميتها فروى عن مكحول إنه قال ما بين أقصى الدنيا إلى أدناها مسيرة خمسمائة سنة مائتان من ذلك في البحر ومائتان ليس يسكنها أحد وثمانون فيها يأجوج ومأجوج وعشرون فيها سائر الخلق وعن قتادة إنه قال الدنيا إن بسيطها من حيث يحيط بها البحر المحيط أربعة وعشرون ألف فرسخ فملك السودان منها اثنا عشر ألف فرسخ وملك الروم ثمانية آلاف فرسخ وملك العجم والترم ثلاثة آلاف فرسخ وملك العرب ألف فرسخ وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، إنه قال : ربع من لا يلبس الثياب من السودان أكثر من جميع الناس وقد خرج بطليموس مقدار قطر الأرض واستدارتها في المجطي بالتقريب وهو كتاب له يذكر فيه القواعد التي يتوسل بها في إثبات الأوضاع الفلكية والأرضية بأدلتها التفصيلية قال استدارة الأرض مائة ألف وثمانون ألف ساطاربوس وهي أربعة وعشرون ألف ميل فتكون على هذا الحكم ثمانية اف فرسخ والفرسخ ثلاثة يال والميل ثلاثة آلاف ذراع بالمكي والذراع ثلاثة أشبار وكل شبر اثنتا عشرة أصبعاً والأصبع خمس شعيرات مضمومات بطون بعضها إلى بعض وعرض الشعيرة الواحدة ست شعرات من شعر بغل والاسطاربوس أربعمائة ألف ذراع قال وغلظ الأرض وهو قطرها سبعة آلاف وستمائة وثلاثون ميلاً يكون الفين وخمسمائة فرسخ وخمسة وأربعين فرسخاً وثلثي فرسخ قال فبسيط الأرض كلها مائة واثنان وثلاثون ألف ألف وستمائة ألف ميل فيكون مائتي ألف وثمانية آلاف فرسخ قال صاحب الخريدة فإن كان ذلك حقاً فهو وحي من الحق أو الهام وإن كان قياساً واستدلالاً فهو قريب أيضاً من الحق وأما قول قتادة ومكحول فلا يوجب العلم اليقيني الذي يقطع على الغيب به انتهى {ذَلُولا} أي لينة منقادة اية الانقياد لما تفهمه صيغة المبالغة يسهل عليكم السلوك فيا لتتوصلوا إلى ما ينفعكم وبالفارسية نرم ومناقدتا آسان باشد سير شماربران.
ولو جعلها صخرة خشنة تعسر المشي عليا أو جعلها لينة منبتة يمكن فيها حفر الآبار وشق العيون والأنهار وبناء الأبنية وزرع الحبوب وغرس الأشجار ولو كانت صخرة صلبة لتعذر ذلك ولكانت حارة في الصيف جداً وباردة في الشتاء فلا تكون كفاتاً للإحياء والأموات وأيضاً ثبتها بالجبال الراسبات كيلا
88
تتمايل وتنق بأهلها ولو كانت مضطربة متمايلة لما كان منقادة لنا فكانت على صورة الإنسان الكامل في سكوتها وسكونها وكانت هي وحقائقها في مقابلة القلم الأعلى والملائكة المهيمة والحاصل إن الله تعالى جعل الأرض بحيث ينتفع بها وقسمها إلى سهول وجبال وبراري وبحار وأنهار وعيون وملح وعذب وزرع وشجر وتراب وحجر ورمال ومدر وذات سبع وحيات وفارغة وغير ذلك بحكمته وقدرته قال سهل قدس سره خلق الله الأنفس ذلولاً فمن أذلها بمخالفتها فقد نجاها من الفتن والبلاء والمحن ومن لم يذلها وأتبعها أذلته نفسه وألكته يقال دابة ذلول بينة الذل أو هو بالكسر اللين والانقياد وهو ضد الصعوبة فالذلول من كل شي المنقاد الذي يذل لك وبالضم الهوان ضد العز قال الراغب الذل ما كان عن قهر يقال ذل يذر ذلاً والذل ما كان بعد تصعب وشماس من غير قهر يقال ذل يذل ذلاً وجعلهما البيهقي في تاج المصادر من الباب الثاني حيث قال في ذلك الكتاب والباب الذل خورشدن والذل رام شدن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72(10/68)
وكذا في مختار الصحاح وجعل صاحبا لقاموس الذل ضد الصعوبة بالضم والكسر والذل بمعنى الهوان بالضم فقط والذلول فعول بمعنى الفاعل ولذا عرى عن علامة التأنيث مع أن الأرض مؤنث سماعي {فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا} الفاء لترتيب الأمر على الجعل المذكور وهو أمر إباحة عند بعض أي فاسلكوا في جوانبها وخبر في صورة الأمر عند آخرين أي تمشون في أطرافها من حيث أي منكبي الرجل جانباه فشبه الجوانب بالمناكب وإذا مشوا وساروا في جوانبها وأطرافها فقد أحاطوا بها وحصل لهم الانتفاع بجميع ما فيها قال الراغب المنكب مجتمع ما بين العضد والكتف ومنه استعير للأرض في قوله فامشوا في مناكبها كاستعارة الظهر لها في قول ما ترك على ظهرها انتهى أو في جبالها وشبهت بالنماكب من حيث الارتفاع وكان لبشر بن كعب سرية فقال لها أن أخبرتني ما مناكب الأرض فأنت حرة فقالت مناكبها جبالها فصارت حرة فأراد أن يتزوجها فسال أبا الدرداء رضي الله عنه فقال دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وهو مثل لفظ التذليل ومجاوزته الغاية أي تذليل البعير لا مطلقاً كما في حواشي سعدي المفتي فإن منكب البعير أرق أعضائه وأنباها عنأن يطاها الراكب بقدمه فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يتأتى المشي في مناكبها لم يبق منها شيء لم يتذلل فخرج الجواب عن وجه تصخيص المشي في الجبال على تقدير أن يراد بالهماكب الجبال لكن من الجبال ما يتعذر سلوكها كجبل السد بيننا وبين يأجوج ومأجوج ورد في الحدي إنه تزالق عليه الأرجل ولا تثبت ومنها ما يشق سلوكها وإنما لم تعتبر لندرتها قولتها فوي التأويلات النجمية : هو الذي جعل لكم أرض البشرية ذلولاً منقادة فخذوا من أرضها بقدر الحاجة منأعاليها وأسافلها من اللذات الجسمانية المباحة لكم بحكم الشرع لتقوية أبدانكم وتهيئة أسباب طاعاتكم وعباداتكم لئلا تضعف بالكلية وتكل عن العبادة {وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} والتمسوا من نعم الله تعالى فيها من الحبوب والفواكه ونحوها والأمر إن كان أمر إباحة فالرزق ما يكون حلالاً وإنك ان خبراً في صورة الأمر بمعنى تأكلون فيجوز أن
89
يكون شاملاً للحرام أيضاً فإنه من رزقه أيضاً وإن كان التناول منه حراماً {وَإِلَيْهِ} أي إلى الله وحده {النُّشُورُ} أي المرجع بعد البعث فبالغوا في شكر عمه يقال نشر الله الميت نشراً إحياء بعد موته ونشر الميت بنفسه نشوراً فهو يتعدى ولا يتعدى كرجعه رجعاً ورجع بنفسه رجوعاً إلا أنا الميت يحتى بنفسه بدون إحياء الله إذ هو محال {ءَأَمِنتُم} آيا ايمن شديد اي مكذبان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
وهو استفهام توبيخ فالهمزة الألوى استفهامية والثانية من نفس الكلمة {مِنَ} موصولة {فِى السَّمَآءِ} أي الملائكة الموكلين بتدبير هذا العالم أو الله سبحانه على تأويل من في السماء أمره وقضاؤه وهو كقوله تعالى : [الأنعام : 3-16]{وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَفِى الأرْضِ} وحقيقته ءامنتم خالق السماء ومالكها قال في الأسئلة خص السماء بالذكر ليعلم إن الأصنام التي في الأرض ليست بآلهة لا لأنه تعالى في جهة من الجهات لأن ذلك من صفات الأجسام وأراد أنه فوق السماء والأرض فوقية القدرة والسلطنة لا فوقية الجهة انتهى.
على أنه لا يلزم من الإيمان بالفوقية الجهة فقد ثبت فانظر ماذا ترى وكن مع أهل السنة من الورى كما في الكبريت الأحمر للإمام الشعراني قدس سره وإما رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء فلكونها محل البركات وقبلة الدعاء كما إن الكعبة قبلة الصلاة وجناب الله تعالى قبلة القلب ويجوز أن تكون الظرفية باعتبار زعم العرب حيث كانوا يزعمون إنه تعالى في السماء أي ءامنتم من تزعمون إنه في السماء وهو متعال عن المكان وفي فتح الرحمن هذا المحل من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه ونؤمن به ولا نتعرض لمعناه ونكل العلم فيه إلى الله قوله من في السماء في موضع النصب على أنه مفعول أمنتم أن يخسف بكم الأرض} بعدما جعلها لكم ذلولاً تمشون في مناكبها وتأكلون من رزقه لكفارنكم تلك النعمة أي يقلبها ملتبسة بكم فيغيبكم فيها كما فعل باقرون وهو بدل اشتمال من من أي ءامنتم من في السماء خسفه والباء للملابسة والخسف بزمين فرو بردن.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص90 حتى ص99 رقم10
والخسوف بزمين فروشدن.
والمشهور إن الباء في مثل هذا الموضع للتعدية أي يدخلكم ويذهبكم فيها وبالفارسية فرو رد شمارا بزمين.
قال الجوهري خسف المكان يخسف خسوفاً ذهب في الأرض وخسف الله به الأرض خسفاً غاب به فيها وفي القاموس أيضاً خسف الله بفلان الأرض غيبه فيها {فَإِذَا هِىَ} س آنكاء زمين اس زفرو بردن شمابوى {تَمُورُ} قال في القاموس المور الاضطراب والجريان على وجه الأرض والتحرك أي تضطرب ذهاباً ومجيئاً على خلاف ما كانت عليه من الذل والاطمئنان وقال بعضهم فإذا الأرض تدور بكم إلى الأرض السفلى وبعضهم تنكشف تارة للخوض فيها وتلتئم أخرى للتعذيب بها {أَمْ أَمِنتُم} يا ايمن شديد.(10/69)
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
وهو انتقال إلى التهديد بوجه آخر {مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} أي حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل أي أم أمنتم من في السماء إرساله على أن قوله أن يرسل بدل من من أيضاً والمعنى هل جعل لكم من هذين أمان واذلا امان لكم منهما فمعنى تماديكم في شرككم {فَسَتَعْلَمُونَ} عن قريب البتة {كَيْفَ نَذِيرِ} أي انذاري عند مشاهتدكم للمنذر به أهو واقع أم لا أشديد أم ضعيف
90
يعني حين حققتم المنذر به تعلمون إنه لا خلف لخبري وإن عذابي لشديد وإنه لا دفع عنه ولكن لا ينفعكم لعلم حينئذٍ فالنذير وكذا النكير الآتي مصدران بمعنى الإنذار والإنكار وأصلهما نذيري ونكيري بياء الإضافة فحذفت اكتفاء بكسر ما قبلها قال في برهان القرآن خوفهم بالخسف أولاً لكونهم على الأرض وإنها أقرب إليهم من السماء ثم بالحاصب من السماء فلذلك جاء ثانياً.
يقول الفقير أشارت الآية الأولى على ما ألهمت في جوف الليل إلى إن الاستتار تحت اللحاف وعدم النهوض إلى الصلاة والمناجاة وقت السحر عقوبة من الله تعالى على أهل الغفلة كالخسف ولذا لما قام بعض العارفين متهجداً فأخذه البرد وبكى من العرى قيل له من قبل الله تعالى أقمناك وانمناهم فتبكى علينا يعين إن إقامتك وإنامة الغافلين نعمة لك ونقحة لهم فاشكر عليها ولا تجزع من العرى فإن بلاء العرى اهون من بلاء لغفلة واشارت الآية الثانية إلى نزول المطر الشديد من السماء فإه ربما يمنع المتهجد عن القيام والاشتغال بالوضوء والطهارة فيكون غضباً في صورة الرحمة فعلى العاقل أن لا يضيع الوقت ويغتنم الفراغ قبل الشغل أيقظتنا الله وإياكم {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} أي من قبل كفار مكة من كفار الأمم السالفة كقوم نوح وعاد وأضرابهم والتفات إلى الغيبة لإبراز الإعراض عنهم {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي إنكاري عليهم بإنزال العذاب أي كان على غاية الهول والفظاعة وهذا مورد التأكيد القسمي لا تكذيبهم فقط وإنكار الله تعالى على عبده إن يفعل به أمراً صعباً وفعلاً هائلاً لا يعرف وفي لآية تسلية للرسول الله صلى الله عليه وسلّم وتهديد لقومه {أَوَلَمْ يَرَوْا} أي اغفلوا ولم ينظروا
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
{إِلَى الطَّيْرِ} فالرؤية بصرية لأنها تتعدى بإلى وإما القلبية فتعديتها بفي والطير يطلق على جنس الطائر وهو كل ذي جناح يسبح في الهواء إما لكون جمعه في الأصل كركب وراكب أو صمدره جعل اسماً لجنسه فباعتبار تكثره في المعنى وصف بصافات وفي المفردات إنه جمع طائر {فَوْقَهُمْ} يجوز أن يكون ظرفاً ليروا وأن يكون حالاً من الطير أي كائنان حوفهم {صَافَّاتٍ} حال من الطير والصف أن يجعل الشيء على خط مستو كاناس والأشجار ونحو ذلك ومفعلو صافات وكذا يقبضن إنما هو أجنحة الطير لا أنفسها والمعنى باسطات أجنحتهم في الجو عند طير إنها فإنهن إذا بسطتها صففن قوادمها صفا وقوادم الطير مقاديم ريشه وهي شعر في كل جناح الواحدة قادمة {وَيَقْبِضْنَ} ويممنها إذا ضربن بما جنوبهن حينا فحينا للاستظهار به على التحرك وهو الشر في إيثار يقبضن الدال على تجدد القبض تارة بعد تارة على قابضات فإن الطير إن في الهواء كالسباحة في الماء فكما إن الأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها فكذا الأصل في الطيران صف الأجنحة وبسطها والقبض إنما يكون تارة بعد تارة للاستظهار المذكور كما في السابح قال ابن الشيخ ويقبضن عطف على صافات لأنه بمعنى وقابضات وإلا لما عطف الفعل على الاسم {مَا يُمْسِكُهُنَّ} في الجو وما يأخذهن عن السقوط عند الصف والقبض على خلاف مقتضى الطبع الجسماني فإنه يقتضي الهبوط إلى السفل {إِلا الرَّحْمَانُ} الواسع رحمته كل شيء بأن برأهن على أشكال وخصائص وهيأهن للجري في الهواء {إِنَّه بِكُلِّ شَىْءا بَصِيرٌ} يعلم إبداع المبدعات وتدبير العجائب والبصير هو الذي يشاهد
91
ويرى لا يعزب عنه ما تحت الثرى وهو في حقه تعالى عبارة عن الوصف الذي به ينكشف كال نعوت المبصرات فالبصر صفة زائدة على علمه تعالى خلافاً للقدرية فمن عرف هذه الصفة كان المراد به دوام المرقابة ومطالبة النفس بدقيق المحاسة والمراقبة إحدى ثمرات الإيمان.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 72(10/70)
حكى) إن بعض الملوك كان له عبد يقبل عليه أكثر مما يقبل على أمثالها ولم يكن أحسن منهم صورة ولا أكثر منهم قيمة فكانوا يتعجبون من ذلك فركب الملك يوماً إلى الصحراء ومعه أصحابه وعبيده فنظر إلى جبل بعيد عليه قطعة ثلج نظرة واحدة ثم اطرق فركض ذلك العبد فرسه من غير أن ينظر الملك إليه ولا أشار بشيء من ذلك ولم تعلم الجماعة لأي شيء ركض فرسه فما لبث إلا ساعة حتى عاد ومعه شيء من الثلج فقيل له بم عرفت إن الملك أراد الثلج فقال لأنه نظر إليه ونظر الملوك إلى شيء لا يكون عبثاً فقال الملك لهذا أقر به وأقدمه عليكم فإنكم مشغولون بأنفسكم وهو مشغول بمراقبة أحوالي وفي التأويلات النجمية : بشير إلى طيران الأرواح العلوية المخلوقة قبل الأجساد بألفي عام الباسطات الأجنحة الروحانية القابضات القوادم الجسمانية من العوالم.
الهيولانبة ما يمسكهن إلا الرحمن المشتمل على الاسم الحفيظ وبه يمسكها فيج و سماء القدرة إنه بكل شيء بصير يعلم كيف يخلق الأشياء الغريبة وكيف يدبر الأمور العجيبة {أَمَّنْ هَاذَا الَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَانِ} لصله أم من على أن أم منقطعة مقدرة ببل المفيدة للانتقال من توبيخهم على ترك التأمل فيما يشاهدونه من أحوال الطير المنبئة عن تعاجيب آثار قدرة الله إلى التبكيت بما ذكر والالتفات للتشديد في ذلك والاستفهام متوجه إلى تعيين الناظر لتبكيتهم بإظهار عجزهم عن تعيينه ولا سبيلي هنا إلى تقدير الهمزة مع بل لأن ما بعدها من الاستفهامية ولا يدخل الاستفهام على الاستفهام ومن مبتدأ وهذا خبره والموصول مع صلت صفته وإيثار هذا لتحقير الشمار إليه وينصركم صفة لجند بالاعتبار لفظه والجند جمع معد للحرب والمنى بل من هذا الحقير الذي هو في زعمكم جند لكم وعسكر وعون من آلهتكم وغيرها ينصركم عند نزول العذاب والآفات متجاوزا نصر الرحمن فمن دون الرحمن حال من فاعل ينصركم ودون بمعنى غيرأ وينصركم نصراً كائناً من دون نصره تعالى على أنه نعت المصدره أو ينصركم من عذاب كائن من عند الله على إنه متعلق بيصنركم وقد تجعل من موصولة مبتدأ وهذا مبتدأ ثانياً والموصول مع صلته خبره والجملة سلة من بتقدير القول وينصركم وأم منقطعة أو متصلة والقرينة محذوفة بدلالة السياق على أن يكون المعنى الله الذيل هذه الأوصاف الكاملة والقدرة الشاملة ينصركم وينجيكم من الحسف والحصب إن أصابكم أم الذي يشار إليه ويقال في حقه هذا الذي تزعمون إنه جند لكم ينصركم من دون الله وإيثار الرحمن للدلالة على أن رحمة الله هي المنجية من عضبه لا غير قال القاشاني أي من يشار إليه ممن يستعان به من الأغيار حتى الجوارح والآلات والقوى وكل ما ينسب إليه التأثير والمعونة من الوسائط فيقال هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن فيرسل ما أمسك من النعم الباطنة والظاهرة أو يمسك ما أرسل من النعم المعنوية والصورية لو يحصل لكم ما منع ولم يقدر لكم أو يمنع ما أصابكم به وقدر عليكم
92
جزء : 10 رقم الصفحة : 72(10/71)
{إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِى غُرُورٍ} إن نافية بمعنى ما أي ما هم في زعمهم إنهم محفوظون من النوائب بحفظ آلهتهم لا بحفظة تعالى فقط أو أن آلهتهم تحفظهم من بأس الله إلا في غرور عظيم وضلال فاحش من جهة الشيطان ليس لهم في ذلك شيء شيء يعتد به في الجملة والالتفات إلى الغيبة للإيذن باقتضاء حالهم الأعراض عنهو بيان قبائحهم لغيرهم والإظهار في موضع الإضمار لذمهم بالكفر وتعليل غرورهم به {أَمَّنْ هَاذَا الَّذِى يَرْزُقُكُمْ} يعطيكم الرزق {إِنْ أَمْسَكَ} الرحمن وحبس {رِزْقَهُ} بإمساك المطر ومباديه ولو كان الزق موجوداً أو كثيراً وسهل التناول فوضع الأكلة في فمه فأمسكعنه قوة الابتلاع عجز أهل السموات والأرض عن أن يسوغوه تلك اللقمة وإعرابه كإعراب ما سبق والمعنى على تقدير كون من موصولة الله الرزاق ذو القوة المتين يرزقكم أم الذي يقال في حقه هذا الحقير المهين الذي تدعون إنه يرزقكم قال بعض المفسرين كان الكفار يمتنعون عن الإيمان ويعاندون الرسول عليه السلام ، معتمدين على شيئين أحدهما : اعتمادهم بمالهم وعددهم والثاني : اعتقادهم أن الأوثان توصل إليهم جميع الخيارت وتدفع عنهم جميع الآفات فأبطل الله عليهم الأول بقوله أممن هذا الذي هو جند لكم الخ ورد عليهم الثاني بقوله اممن هذا الذي يرزقكم الخ {بَل لَّجُّوا فِى عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} مبنىء عن مقدر يستدعيه المقام كأنه قيل أثر التبكيت والتعجيز لم يتأثروا بذلك ولم يذعنوا للحق بل لجوا وتمادوا في عتواي عناد واستكبار وطفيان ونفور أي شراد عن الحق وتباعد وإعراض لمضادتهم الحق بالباطل الذي أقاموا عليه فاللجاج التمادي في العناد في تعاطي الفعل المزجور عنه والعتو والتجاوز عن الحد والنفور الفرار ففيه تحقير لهم وإشارة إلى أنهم (حمر مستنفرة فرت من قسورة) يعني كوييا ايشان خران وحشى اندر ميدكن كه كريخته باشند از شيريا از صياد ياريسمان دام يا مردم تيرانداز يا آو ازهاى مختلف.
كسى راكه ندار درسر بود
مندار هركزكه حق بشنود
{أَفَمَن يَمْشِى مُكِبًّا عَلَى وَجْهِه أَهْدَى} الخ مثل ضرب للمشرك والموحد توضيحاً لحالهما والفاء لترتيب ذلك على ما ظهر من سوء حالهم وتقديم الهمزة عليها صورة إنما هو لاقتضائها الصدارة وإما بحسب المعنى فالأمر بالعكس حتى لو كان مكان الهمزة هل لقيل فهل من يمشي مكباً والمكب الساقط على وجهه وحقيقته صار ذاكب ودخل في الكب وكبه قليه وصرعه يعني اسقطه على وجهه ولا يقال اكبه فإن اكب لازم وعند صاحب القاموس لازم ومتعد ومكبا حال من فاعل يمشي والمعنى فمن يمشي وهو يعثر في كل ساعة ويخر على وجهه في كل خطوة لتوعر طريقه واختلال قواه أشد هداية ورشدا إلى المقصد الذي يؤمه قال في المناسبات لم يسم سبحانه لمشيانه طريقاً لأنه لا يستحق ذلك ولما كان ربما صادق السهل لا عن بصيرة بل عن اتفاق قال أهدى أي أهو أهدى أم من {يَمْشِى سَوِيًّا} أي قائماً سالماً من الخبط والعثار {عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} مستوى الأجزاء لا عوج فيه ولا انحراف وقيل المكب كناية عن الأعمى لأنه لا يهتدي إلى الطريق فيتعسف يعني بي راه ميرود فيلزمه إن يكب على وجهه بخلاف البصير السوي.
93
فرقست ميان آنكه از روى يقين
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
باديده بينا روداندرره دين
با آنكه دوشم بسته بي دست كسى
هركوشه همي رود بظن وتخمين
وقال قتادة هو الكافر أكب على معاصي الله في الدنيا فحشره الله على وجهه إلى النار في العقبى والمؤمن استقام على أمر الله في الدنيا فحشره الله على قدميه إلى الجنة في الآخرة وقيل للنبي عليه السلام ، وكيف يمشون على وجوههم قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشهم على وجوههم وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يظهر للإنسان يوم القيامة ما أبطن اليوم خيراً أو شراً.
سيرتي كاندر وجودت غالبست
هم بران تصوير حشرت واجبست(10/72)
قال القاشاني : أفمن يمشي منتكساً بالتوجه إلى الجهة السفلية والمحبة للملاذ الحسية والانجذاب إلى الأمور الطبيعية أهدى اممن يمشي مستوياً منتصباً على صراط التوحيد الموصوف بالاستقامة التامة التي لا توصف فالجاهل المحجوب الطالب للدنيا المعرض عن المولى الأعمى عن طريق الحق مكبوب على وجه الخجلة بواسطة ظلمة الغفلة والعارف المحقق التارك للدنيا المقبل على المولى المبصر البصير لطريق الحق ماش سوياً بالظاهر والباطن على طريق التوحيد الذي لا فيه امت ولا عوج {قُلْ} يا أفضل الخلق {هُوَ} تعالى وحده {الَّذِى أَنشَأَكُمْ} أيها الكفار كما دل عليه السباق والسياق ويندج فيه الإنسان الغافل أيضاً أي أنشأكم آنشاء بريعا قابلاً لجمع جميع الحقائق الإلهية والكيانية وابتدأ خلقكم على أحسن خلق بأن صوركم فأحسن صوركم {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ} وأعطى لكم الأذن لتسمعوا آيات الله وتعملوا بمو جبها بل لتسمعوا الخطابات الغيبية من ألسنة الموجودات بأسرها فإنها كلها تنطق نطق الإنسان كما قال الله تعالى وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم قيل لبرز جمهر من أكمل الناس قال من لمي جعل سمعه غرضاً للفحشاء وقدم السمع لأنه شرط النبوة ولذلك ما بعث الله رسولاً أصم ولأن فوائد السمع أقوى بالنسبة إلى العوام وإن كانت فوائد البصر أعلى بالنسبة إلى الخواص ولأن السمع مرتبة الخطاب عند انفتاح باب القلب والبصر مرتبة الرؤية ولا شك إن مرتبة الخطاب أقدم بالنسبة إلى مرتبة الرؤية لأن مرتبة الرأية هي مرتبة لتجلى فهي نهاية الأمر ألا ترى أنه لعيه السلام ، سمع قبل النبوة صوت إسرافيل ولم ير شخصه وإما بعدها فقد رأى جميع لملائكة وأم لهم ليلة المعراج عند السدرة بل ورأى الله تعالى بلا كيف فترقى من مرتبة الخطاب التي هي مرتبة الوي إلى مرتبة التجلي التي هي مرتبة الموحى
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
{وَالابْصَارَ} لتنظيروا بها إلى الآيات التكوينية الشاهدة بشؤون الله تعالى ولتبصروا جميع مظاهره تعالى في غاية الكمال ونهاية الإتقان {وَالافْاِدَةَ} لتتفكر وابها فيما تسمعونه وتشاهدونه من الآيات التنزيلية والتكوينية وترتقوا في معارج الإيمان والطاعة بل التقبلوا بها الواردت القلبية والإلهامات الغيبية قال في القاموس التقؤد التحرق والتوقد ومنه الفؤاد للقلب مذكر والجمع أفئدة انتهى.
وخص هذه الثلاثة بالذكر لأن العلوم والمعارف بها تحصل كما في كشف الأسرار ولأن القلب كالحوض حيث ينصب إليه ما حصل من طريق السمع والبصر {قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ}
94
أي باستعمالها فيما خلت لأجله من الأمور المذكورة وقليلاً نعت لمحذوف وما مزيدة لتأيد القلة أي شكراً قليلاً أو زماناً قليلاً تشكرون وقيل القلة عبارة عن العدم قال سعدى المفتي القلة بمعنى النفي إن كان الخطاب للكفرة أو بمعناها المعروف إن كان للكل يقال قلما افعل كذا أي لا أفعله قال بعضي العارفين :
لو عشت ألف عام
في سجدة لربي
شكر الفضل يوم
لم اقض بالتمام
والعام ألف شهر
والشهر ألف يوم
واليوم ألف حين
والحين ألف عام
قال بعضهم : من وظائف السمع في الشكر التعلم من العلماء والحكماء والإصغاء إلى الموعظة ونصح العقلاء والتقليد لأهل الحق والصواب ورد أقوال أهل البدعة والهوى ومن وظائف الأبصار فيه النظر إلى المصاحف وكتب الدين ومعابد المؤمنين ومسالك المسلمين وإلى وجوه العلماء والصالحين والفقراء والمساكين بعين الرحمة والتفات المحسنين إلى المصوهات ونظر أصحاب اليقين وأرباب الشوق والذوق والحنين إلى غير ذلك مما فيه خير.
زبان آمد از بهر شكر وساس
بغييبت نكر داندش حق شناس
كذركاه قرآن وندست كوش
به بهتان وباطل شنيدن مكوش
دو شم ازى صنع بارى نكوست
زعيب برادر فروكير ودوست
بهايم خموشنده وكويا بشر
را كنده كوى از بهايم بتر
بنطق است وعقل آدمى زاده فاش
و طوطى سخن كوى رنادان مباش
ببد كفتن خلق ون دم زدى
اكر راست كويى سخن هم بدى
ترا آنكه شم ودهان داد وكوش
اكر عاقلي درخلافش مكوش
مكن كردن ز شكر منعم مي
كه روزسين سر بر آرى بهي
ومن وظائف الأفئدة الفكر في جلال الله وكماله وجماله ونواله والخوف والرجاء منه والمحبة له والاشتياق إلى لقائه والمحبة لأنبيائه وأوليائه والبغض لأعدائه والنظر في المسائل والدلائل والاهتمام في حوائج العيال ونحو ذلك مما فيه فائدة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
صيقلى كن دلت بنور جمال
تاكه حاصل شود جميع كمال(10/73)
{قُلْ} يا أكمل الخلق {هُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الأرْضِ} أي حلقكم وكثركم فيها لا غيره من الذرء وهو بالفارسية آفريدن قال في القاموس ذرأ كجعل خلق والشيء كثره ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين {وَإِلَيْهِ} تعالى لا إلى غيره اشتراكاً أو استقلالاً {تُحْشَرُونَ} حشراً جسمانياً أي تجمعون وتبعثون للحساب والجزاء شيئاً فشيئاً إلى البرزخ دفعة واحدة يوم البعث فابنوا أموركم على ذلك ختم الآية بقوله وإليه تحشرون فبين أن جميع الدلائل المذكورة إنما كان لإثبات هذا المطلوب {وَيَقُولُونَ} من فرط عنادهم واستكبارهم أو بطريق الاستهزاء كما دل عليه هذا في قوله {مَتَى هَاذَا الْوَعْدُ} أي الحشر الموعود كما ينبىء عنه قوله تعالى : [الملك : 24 ، 25]{وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فالوعد بمعنى الموعود والمشار إليه الحشر وقيل ما حو فوابه من الخسف والحاصب واختيار لفظ المستقبل إما لأن المقصود بيان ما يوجد من الكفار
95
من هذا القول في المستقبل وإما لأن المعنى وكانوا يقولون إن كنتم صادقين} يخاطبون به النبي والمؤمنين حيث كانوا مشاركين له عليه السلام في الوعد وتلاوة الآيات المتضمنة له وجوبا الشرط محذوف أي إن كنتم صادقين فيما تخبرونه من مجيء الساعة والحشر فبينوا وقته {قُلْ} يا اعلم الخلق {إِنَّمَا الْعِلْمُ} بوقته {عِندَ اللَّهِ} الذي قدر الأشياء ودبر الأمور لا يطلع عليه غيره {وَإِنَّمَآ أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} مخوف ظاهر بلغة تعرفونها ومظهر للحق كاشف عن الواقع ائذركم وقوع الموعود لام حالة وإما العلم بوقت وقوعه فليس من وظائف الإنذار قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه أخفى الله علمه في عباده وعن عباده وكل يتبع أمره على جهة الاشتباه لا يعلم ما سبق له وبما ذايختم له وذلك قوله تعالى : [الملك : 26 ، 27]{قُلْ إِنَّمَا} .
.
الخ.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} الفاء فصيحة معربة عن تقدير جملتين وترييب الشرطية عليهما كأنه قيل وقد أتاهم الموعود فرأوه أي رؤية بصرية فلما رأوه نزل الأمر الغير الواقع منزلة الواقع التحققه {زُلْفَةً} حال من مفعول رأوا الآن رأى من رؤية البصر كما أشير إليه آنفاً إما بتقدير المضاف أي ذا زلفة وقرب أو على أنه مصدر بمعنى الفاعل أي مزدلفاً وقرب الحشر هو قرب ما دلهم فيه {سِيائَتْ} بد كردد وزشت شود {وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} بأن شيتها الكآبة ورهقها القتر والذلة وخص الوجوه بالذكر لأن الوجه هو الذي يظهر عليه أثر المسرة والمساءة ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بالكفر وتعليل المساءة به وأصل الكلام ساءت رؤية الموعود وجوههم فكانت كوجه من يقاد إلى القتل أو يعرض على بعض العذاب والسياءة من ساءه الشيء يسوءه سوأ ومساءة نقيض سره كما في تاج امصادر السوء غمكين كردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
ثم بنى للمفعول وفي القاموس ساءه فلع به ما يكره فيكون متعدياً ويجوز أن يكون لازماً بمعنى قبح ومنه ساء مثلاً وسيء إذا قبح قال بعض المفسرين وأهل اللغة ومنه الآية فالفعل في الحقيقة مسند إلى أصحاب الوجوه بمعنى ساؤا وقبحوا قال بعضهم المحجوبين مع اعترافهم بالإبداء منكرون للإعادة فلا جرم يسوء وجوههم رؤية ما ينكرونه وتعلوها الكآبة ويأتيهم من العذاب الأليم ما لا يدخل تحت الوصف {وَقِيلَ} توبيخاً لهم وتشديداف لعذابهم بالنار الروحانية قبل الإحراق بالنار الجسمانية والقائلون الزبانية وإيراد المجحول لكون المراد بيان المقول لا بيان القائل {هَاذَا} مبتدأ أشير به إلى ما رأوه زلفة وخبره قوله {الَّذِى كُنتُم بِه تَدَّعُونَ} أي تطلبونه في الدنيا وتستعجلونه إنكاراً واستهزاء على أنه تفتعلون من الدعاء والباء على هذا صلة الفعل يال دعا بكذا إذا استدعاه وقيل هو من الدعوى أي كنتم بسبب ذكر النبي عليه السلام ، والمؤمنين العذاب لكم يوم القيامة تدعون إن لا بعث ولا حشر ولا عذاب ، فالباء للسببية ويجوز أن تكون للملابسة وعن بعض الزهاد إنه تلاها في أول الليلة في صلاته فبقي يكررها وهو يبكي إلى أن نودي لصلاة الفجر هذه معاملة العارفين بجلال الله مع الله عند ملاحظة جبروته وقهره {قُلْ} يا خير الخلق {أَرَءَيْتُمْ} أي أخبروني خبراً أنتم في الوثوق به على ما هو كالرؤية قال بعضهم : لما كانت الرؤية سباً للأخبار عبر بها عنه وقال بعضهم : لما كان الأخبار قوياً بالرؤية شاع أرأيت في معنى أخبر {إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللَّهُ} أي أماتني
96(10/74)
والتعبير عنه بالإهلاك لما كانوا يدعون عليه صلى الله عليه وسلّم وعلى المؤمنون بالهلاك ويتر بصون به ريب المنون ويقولون إن أمر محمد لا يتم ولا يبقى بل يزول عن قريب {وَمَن مَّعِىَ} ومن المؤمنين وحصل مقصودكم بتأخير آجالنا وحصل مقصودنا فنحن في جوار رحمته متربصون لإحدى الحسنيني إما أن يهلك فننقلب إلى الجنة أو نرحم بالنصرة وإلا دالة للإسلام كما نرجو فأنتم ما تصنعون وأي راحة لكم في موتنا وأي منفعة وغايتكم إلى العذاب كما قال تعالى {فَمَن} بس كيست آنكه او {يُجِيرُ} ينجى ويخلص قال في تهذيب المصادر الإجارة زينها دادان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
وفي القاموس إجاره انقده وأعاذه {الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} مؤلم شديد إلا يلرلام أي لا ينجيكم منه أحد إذا نزل بكم سواء متنا أو بقينا إنا النجاة بالإيمان والعلم الصالح ووضع الكافرين موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالكفر وتعليل نفي الإنجاء به وقال بعضهم كيف قال إن أهلكني الله الخ بعد علم إنه تعالى لا يهلك الأنبياء والمؤمنين قلت فيه مبالغة في التخويف كأنه قبل نحن معاشر الأنبياء والمؤمنين نخاف الله أن يأخذنا بذنوبنا فمن يمنعكم من عذابه وأنتم كافرون وكيف لا تخافون وأنتم بهذه المثابة من الإجرام فيكون معنى أهلكنا عذبنا بعذاب ومعنى رحمنا غفر لنا كما في الجلالين {قُلْ} يا أشفق الخلق {هُوَ الرَّحْمَانُ} أي الذي أدعوكم إلى عبادته مولى النعم كلها وموصلحا {بِه وَعَلَيْهِ} وحده لما علمنا إن كل ما سواه فأما نعمة أو منم عليه ولم نكفر به كما كفرتم على أن يكون وقوع آمنا مقدماً على تعريضاً للكفار حيث ورد عقيب ذكرهم {وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} فوضنا أمورنا لا عى غيره أصلاً كما فعلتم أتنم حيث توكلتم على رجالكم وأموالكم لعلمنا بأن ما عداه كائناً ما كان بمعزل من النفع والضر فوقوع عليه مقدماً يدل عى الاختصاص {فَسَتَعْلَمُونَ} يا كفار مكة عن قريب البتة عند معاينة العذاب {مِنَ} استفهامية أو موصولة {هُوَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ} منا ومنكم أي خطأ ظاهر وفي التأويلات النجمية : وعلى فيضه الأتم ولطفه الأعم توكلنا بكليتنا لا على غيره فستعلمون من هو في ضلال مبين أي من توجه إليه بالاستفاضة منها أو من أعرض عنه بالإنكار له {قُلْ} يا أكرم الخلق {أَرَءَيْتُمْ} أي أخبروني {إِنْ أَصْبَحَ} اكر كرد.
فهو بمعنى صار {مَآؤُكُمْ} وكان ماء أهل مكة من بئرين بئر زمزم وبئر ميمون الحضرمي {غَوْرًا} خبر أصبح وهو مصدر وصف به أي غاثراً في الأرض بالكلية ذاهباً ونازلاً فيها وقيل بحيث لا تناله الدلاء ولا يمكن لكم نيله بنوع حيلة كما يدل عليه الوصف بالمصدر وبالفارسية فروورفته بزمين ننكه دست ودلو بدان نرسد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
يقال غار الماء نضب والضوب فرودشدن آب درز مين وفي المفردات الغور المنهبط من الأرض {فَمَن يَأْتِيكُم} على ضعفكم حينئذٍ {بِمَآءٍ مَّعِين} جارو بالفارسية س كيست آنكه بيارد براي شما آب جاري.
من عان الماء أو معن كلاهما بمعنى جرى أو ظاهر للعيون سهل المأخذ يعني تناله الأيدي فهو على هذا اسم مفعول من العين بمعنى الباصرة كبميع من البيع لعل تكرير الأمر بقل لتأكيد المقول وتنشيط المقول له فإن قلت كيف خص ذكر النعمته بالماء من بين سائد نعمه قلت لأن الماء أهون
97
موجود واعز مفقود كما في الأسئلة المقحمة.
ودر آثار آمده كه بعد از تلاوت اين آيت بايد كفت كه الله رب العالمين در تفسير زاهدي رحمه الله مذكور است كه زنديقي شنيدكه معلمي شاكرد خودرا تلين مى كرد فمن يأتيكم بماء معين واو جواب دادكه يأتي به المعول والمعين قال في القاموس المعول كمنبر الحديدة تنقربها الجبال انتهى شبانه نابينا شد هاتقي وهو من يسمع صوته ولا يرى شخصه آواز دادكه اينك كه آب شمه شم توغائر شد بكوتا بمعول ومعين بازآرند نعوذ بالله من الجراءة على الله وبيناته وترك حرمة القرآن وآياته وإنما عوقب بذهاب ماء عينيه لأن الجزاء من جنس العمل في المثنوى :
فلسفى منطقى مستهان
مى كذشت ازسوى مكتب آن زمان
ونكه بشنيد آيت اوزا نا سند
كفت ما اريم آبى بر بلند
تا بزخم بيل وتيزى تبر
آب را آريم ازستى زبر
شب بخفت وديد او يك شير مرد
زد طبانه هردو شمش كور كرد
كفت هان زين شمه شم أي شقى
باتبر نورى برآر را صادقي
روز برجست ودوشمش كورديد
نور فائض ازدو شمش نابديد(10/75)
وفي الحديث سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل فأخرجته يوم القيامة من النار وأدخلته الجنة وهي سورة تبارك قال في التيسير هي ثلاثون آية وثثمائة وثلاث وثلاثون كلمة ، وألف وثلاثمائة واحد وعشرون حرفاً ، وفي حديث آخر وددت أن تبارك الذي بيده الملك في قلب كل مؤمن ، وكان عليه السلام لا ينام حتى يقرأ سورة الملك والم تنزيل السجدة وقال علي رضي الله عنه : من قرأها يجبيء يوم القيامة على أجنحة الملائكة وله وجد في الحسن كوجه يوسف عليه السلام ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما ضرب بعض الصحابة خباءه على قبر وهو لا يشعر أنه قبر فإذا فيه إسان يقرأ سورة الملك فأتى النبي عليه السلام ، فقال : يا رسول الله ضربت خبائي على قبر وأنا لا أعلم إنه قبر فإذا إنسان يقرأ سورة الملك فقال عليه السلام : هي المانعة أي من عذاب الله تعالى هي المنجية تنجيه من عذابا لقبر وكانوا يسمونها على عهد رسول الله عليه السلام ، المنجية وكانت تسمى في التوراة المانعة وفي الإنجيل الواقية قال ابن مسعود رضي الله عنه يؤتى الرجل في قبره من قبل رأسه فيقال ليس لكم عليه سبيل إنه كان يقرأ على رأسه سورة الملك فيؤتى من قبل رجليه فيقال ليس لكم عليه سبيل إنه كان يقوم فيقرأ سورة الملك فيؤتى من قبل جوفه فيقال ليس لم عليه سبيل إنه وعى سورة الملك أي حفظها وأو دعها في جوفه وبطنه من قرأها في ليلة أو يوم فقد أكثر وأطاب.
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
يقول الفقير : سورة الملك عند أهل الحقائق هي سورة المام الذي يلي يسار القطب وينظر إلى عالم الشهادة وإليه الإشارت بقوله : ملك الناس فسر هذه السورة في أولها كما أن سر يس في آخرها وهو قوله تعالى : {فَسُبْحَانَ الَّذِى} .
.
الخ.
ولذا تقرأ عند المحتضر لأن
98
وقت الموت قبض الملكوت الذي هو الروح وهو بيده تعالى بقي الكلام في قراءة الموتى في قبورهم وهل يصلون وهل يتعلمون العلم بعد الموت فدل حديث ابن عباس رضي الله عنهما على القراءة وكذا ما أخرج السيوطي رحمه الله عن عكرمة رضي الله عنه إنه قال يعطي المؤمن مصحفاً يقرأ في القبر وأخرج عن سعيد بن جبير رحمه الله إنه رأى بعينه ثابتاً البناني رحمه الله ، يصلي في قبره حين سقطت لنبنة من قبره وكانوا يستمعون القرآن كثيراً من قبره وأخرج عنه الحسن البصري قدس سره إنه قال بلغني إن المؤمن إذا مات ولم يحفظ القرآن أمر حفظته أن يعلموه القرآن في قبره حتى يبعثه الله يوم القيامة مع أهله وذكر اليافعي رحمه الله إن مالك بن دينار ماتت له قبل توبته بنت لها سنتان فآها في المنام وهي تقول له يا أبت ألم يأن للذين آمنوا إن تخشع قلوبهم لذكر الله فبكى وقال يا بنية وأنتم تعرفون القرآن فقالت يا أبت نحن أعرف به منكم فكان ذلك سبب توبته ونقل الا م الشعراني فيك تاب الجواهر له عن بعض أهل الله إنه قال من أهل البرزخ من يخلق الله تعالى من همتهم من يعمل في قبورهم بغالب أعمالهم في الدنيا ويكتب الله لعبده ثواب ذلك العمل إلى آخر البزرح كما وقع لثابت البناني رحمه الله ، فإنهم وجدوا في قبره شخصاً على صورته يصلي فظنوا إنه هو وإنما هو مخلوق من همته وكذلك المثالات المتخليلة في صور أهل البزارخ لأهل الدنيا في النوم واليظة فإذا رأى مثال أحدهم فهو أما ملك خلقه الله تعالى من همة ذلك الولي وإما مثال أقامه الله تعالى على صورة لتنفيذ ما شاء الله تعالى من حوائج الناس وغيرا فأرواح إلا ولياً في البرزخ مالها خروج منه أبداً وإما أرواح الأنبياء عليهم السلام ، فإنها مشرفة على وجود النداي والآخرة انتهى.
وقال السيوطي رحمه الله : نقلاً عن بعض المحققين أن رسول الله عليه السلام رأى ليلة المعراج موسى عليه السلام ، قائماً يصلي في قبره ورآه في السماء السادسة فالروح كانت هناك في مثال الدن ولها اتصال بالبدن بحيث يصلي في قبره ويرد على المسلم عليه وهو في الرفيق الأعلى ولاتنا في بين الأمرين فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان ، وقد مثل بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في الأرض ، كالروح المحمدي يرد على من يصلي عليه عند قبره دائماً مع القطع بأن روحه في أعلى عليين وهو لا ينفك عن قبره كما ورد عنه قال الامام الغزالي رحمه الله تعالى والرسول عليه السلام ، له الخيار في طواف العوالم مع أرواح الصحابة رضي الله عنهم لقدر آه كثير من الأولياء وقال صدر الدين القنوي قدس سره : فمن ثبتت المناسبة بينه وبين الأرواح الكمل من الأنبياء والأولياء الماضيين اجتمع بهم متى شاء وتوجه توجهاً وجدانياً يقظة ومناماً انتهى.
99
جزء : 10 رقم الصفحة : 72
تفسير سورة القلم
مكية وآيها ثنتان وخمسون بالاتفاق
جزء : 10 رقم الصفحة : 99
جزء : 10 رقم الصفحة : 100(10/76)
{} أي هذه سورة ن أو بحق ، وهي هذه السورة اقسم الله بها على سبيل التأكيد في إثبات الحكم على ما عليه عادة الخلق مع ما فيه من بيان عظم شأن المقسم به وإلا فكما إنه تعالى لا يليق القسم بشأنه العالي فكذا لا يصح لغيره أن يكون مقسماً به والنون حرف واحد في الكتابة وثلاثة أحرف في التلفظ وقد قال عليه السلام : "من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف" أراد عليه السلام بالحرف ما يتهجى به فيرجى أن يعطي الله بلفظ ن ثلاثين حسنة لأنه مشتمل في التلفظ على نونين بينهما واو وقال بعضهم هو مفتاح اسم النور والناصر أو قسم بنصرة الله المؤمنين اعتباراً قوله تعالى : وكان علينا نصر المؤمنين وقال سهل قدس سره : النون اسم من أسماء الله تعالى وذلك إنه 5ا اجتمعت أوائل هذه السورة الثلاث الروحم ون يكون الرحمن وقيل فيه اته اسم من أسماء النبي عليه السلام كما في التكملة لعل هذه القائل أشار إلى قوله عليه السلام : "أول ما خلق الله نوري" فيكون النور اسمه عليه السلام ، فإن قلت فيلزم التكرار لأن القلم أيضاً من أسمائه كما قال أول ما خلق الله القلم قلت التغاير في العنوان بمنزلة التغاير في الذات فسمى عليه السلام ، باعتبار نورانيته نوراً وباعتبار إنه صاحب القللم قلما كما سمى خالدين وليد رضي الله عنه سيف الله المسلول لكونه صاحب سيف وقال بعضهم : هو لوح من نور أو اسم نهر في الجنة.
(وفي المفردات) النون الحوت العظيم ولذا قال عكرمة في الآية اقسم الله بالحوت الذي لطخ سهم نمرود بدمه لأن نمرود لما روى السهم نحو السماء عاد السهم مختضباً بدم سمكة في بحر معلق في الهواء فأكرم الله ذلك الحوت بأن اقسم به وأحل جنسه من غير ذكاة فإنه لا يحل إلا ميتتان السمك والجراد وفي معناهما ما يستحيل من الأطعمة كدود الفتاح والجبن فإنالاحتراز عنهما غير ممكن فأما إذا أفردت وأكلت فحكمها حكم الذباب والخنفساء والعقرب وكل ما لسي له نفس سائلة ولا سبب في تحريمه إلا الاستقذار ولو لم يكن لكان لا يكره وإن وجد شخص لا يستقذره لا يلتفت إلى خصوص طبعه فإنه التحق بالخبائت لعموم الاستقذار فيكره أكله كما لو جمع المخاط وشربه كره كما في الإحياء يقال : لو أريد به معنى الحوت كانت المناسبة بين المتعاطفين كما في ما بين كم الخليفة والف باذنجانة.
يقول الفقير المناسبة بينهما خفية لا يدركها إلا أهل الحقائق وهي أن كبد الحوت عذاء أهل الجنة قبل كل شيء فيجدون بعد أكله حياة أبدية في أبدانهم كما أن القلم يكتب به من العلوم مافيه حياة باقية لأرواحهم ولذا سمى جبريل روحاً لأنه كان يجبيء بالوحي الذي هو سبب لحياة القلوب والأرواح فيكون ن والقلم كمالماء والعلم ولا شك في ثبوت المناسبة التامة بينهما فالقياس الذي ذكره القائل باطل وقائل الباطل جاهل وقال بعضهم : هو اسم الحوت الذي احتبس يونس عليه السلام ، في بطنه ولذا أسماء الله تعالى ذا النون وقال بعضهم هو الحوت الذي على ظهره الأرض وهو في
100
بحر تحت الأرض السفلي اسمه ليوثاً أو يهموت بالياء المثناة التحتانية وفي عين المعاني لوثيا أو برهوت كما قال علي رضي الله عنه :
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
مالي أراكم كلكم سكوتا
والله ربي خلق البر هوتا
(10/77)
(روى) : إن الله تعالى لما خلق الأرض كانت تتكهفأ كما تتكفأ السفينة أي تضطرب وتميل فبعث الله ملكاً فهبط حتى دخل تحت الأرض فوضعها على كاهله وهو كصاحب ما بين الكتفني ثم أخرج يديه إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ثم قبض على الأرضين السبع فضبطها فاستقرت فلم يكن لقدمي الملك قرار فأهبط الله ثوراً من الجنة له أربعون ألف قرن وأربعون ف قائمة فجعل قرار قدمي الملك على سنامه فلم تستقر قدماه على سنامه فبعث الله ياقوتة خضراء من الجنة غلظها مسيرة كذا ألف عام فوضعها على سنام الثور فاستقرت عليها قدماً الملك وقرون الثور خارجة من أقطار الأرض مشبكة إلى تحت العرش ومنخر الثور في ثقبين من تلك الياقوتة الخضراء تحت البحر فهو يتنفس في اليوم نفسين فإذا تنفس مد البحر وإذا رد النفس جزر البحر وهو ضد مد ولم يكن لقوائمه قرار فخلق الله كمكاما من الرمل كغلظ سبع سموات وسبع أرضين فاستقر عليه قوائم الثور ثم لم يكن للكمكام مستقر خلق الله حوتاً يقال له برهو فوضع الكمكام على وبر الحوت والوبر الجناح الذي يكون في وسط ظهره وذلك مزموم بسلسلة من القدرة كغلظ السموات والأرض مرار وانتهى إبليس لعنه الله إلى ذلك الحوت فقال له ما خلق الله خلقاً أعظم منك فلم لا تزيل الدنيا عن ظهرك فهم بشيء من ذلك فلسط الله عليه بقة في أنفه فشغلته وفي رواية بعث الله دابة قد حلت منخره فوصلت إلى دماغه فعج الحوت إلى الله تعالى منها فأذن لها فخرجت قال كعب فوالله الذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وإنها لتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت قبل وأنبت الله من تلك الياقوتة جبل قاف وهو من زمردة وله رأس ووجه وأسنان وأنبت من جبل قاف الجبال الشواهق كما نبت الشجر من عروق الشجر وزعم وهب إن الحوت والثور يبتلعان ما ينصب من يماه الأرض في البحار فلذلك لا يؤثر في البحار زيادة فإذا امتلأت أجوافهما من المياه قامت القيامة وزعم قوم أن الأرض على الماء والماء على الصخرة على سنام الثور والثور على كمكام من الرمل متلبداً والكمكام على ظهر الحوت والحوت على الريح العقيم الريح على حجاب من ظلمة والظلمة على الثرى وقد انهى علم الخلائق إلى الثرى ولا يعلم ما وراء ذلك أحد إلا الله الذي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى وهذه اُبار مما تزيد المرء بصيرة في دينه وتعظيماً لقدرة ربه وتحيرا في عجائب خلقه فإنصحت فما خلقها على الصانع القدير بعزيز وإن تكن من اختراع أهل الكتاب وتنميق القصاص فكلها تمثيل وتشبيه ليس بمنكر كذا في "خريدة العجائب".
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
وقال في كشف الأسرار) : بعض مفسران كفتند ماهيت برآب زير هفت طبقه زمين ما هي از كرانى بار زمين خم درخم كرديد بر مثال نون شدشكم بآب فروبرده وسراز مشرق برآورده وذنب ازمغرب وخواست كه ازكران بارى بنالد جبريل بانك بروى زد نان بترسيدكه كران بارىء زمين فراموش كردونا
101
بقيامت نياردكه بجنيد ما هي ون بار برداشت ونناليد رب العالمين او را دو تشريف داديكى آنكه بد وقسم ياد كرد محل قسم خداوند جهان كشت ديكر تشريف آنست كه كارد از حلق او برداشت همه جانور انرا بكارد ذبح كنند واورا نكنند تا عالميان بدانندكه هركه بار كشد رنج او ضياع نكنند اي جوانمرد اكر ماهى بار زمين كشيد بنده مؤمن بار امانت مولى كشيدكه وحملها الإنسان ما هي كه بار زمين برداشت از كار در عقوبت ايمن كشت ه عجب كه اكر مؤمن بار امانت برداشت از كارد قطيعت ايمن كردد {وَالْقَلَمِ} هو ما يكتب به والواو وللقسم على التقدير الأول وللعطف على الثاني والمراد قلم اللوح كما جاء في الخبران أول ما خلق الله القلم ونظر إليه فانشق بنصفين ثم قال له أجر بما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى على اللوح المحفوظ بذلك من الآجال والأعمال والأرزاق وهو القدر الذي يجب أن يؤمن بخيره وشره ثم ختم على القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والأرض وبعدما خلق القلم خلق النون أي السمكة فدحا الأرض عليها فارتفع بخار الماء ففتق منه السموات واضطراب النون فمادت اوآض فأثبتت بالجبال وإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة وقد عرفت المناسبة بين القلم وبين النون بمعنى السمكة وفي رواية الواحدي في الوسيط أول يزى كه خداي تعالى بيا فريد قلم بود س نون را بيا فريدو آن دو اتست وقلم ازان دوات نوشت آنه بود وهست وبادشو برين تقدير خداي تعالى قسم فرمود بدوات بقلم أعلى كه از نورست كما في تفسير الكاشفي.
(10/78)
وفي القاموس : النون من حروف الزيادة والدواة والحوت انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما إن المراد بالقلم قلم الكرام الكاتبين أو جنس القلم اقسم الله بالدواة والقلم لكثرة منافعهما وعظم فوائدهما فإن التفاهم بالنطق والبيان إنما يكون بين الحاضرين وإما بالنسبة إلى من غاب وبعد من أهل عصر واحد ومن أهل الزمان الآتي فإنما يكون بالكتابة كما قال بعضهم : البيان اثنان بيان لسان وبيان بنان ونم فضل بيان البنان إن ما تثبة الأقلام باق على الأيام وبيان السان تدرسه الأعوام ولو لم يكن للقلم مزية سوى كونه آلة لتحرير كتب الله لكفى به فضلاً موجباً لتعظيمه ومن تعظيمه تعظيم برايته فتوضع حيث لا تطأها الأقدام وإلا أورثت الآلام وعن بعض الحكماء قوام أمور الدين والدنيا بشيئين القلم والسيف والسيف تحت القلم لولا القلم إما قام دين ولا صلح عيش قال بعضهم :
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
إن يخدم القلم السيف الذي خضعت
له الرقاب ودانت خوفه الأمم
كذا قضى الله للأقلام مذبريت
إن السيوف لها مذ أرهفت خدم
وقال بعضهم :
إذا قسم الأبطال يوم بسيفهم
وعدوه مما يجلب المجد والكرم
كفى قلم اكتاب فخرا ورفعة
مدى الدهر إن الله أقسم بالقلم
{وَمَا يَسْطُرُونَ} ما موصولة والعائد محذوف والسطر الصف من الكتابة ومن الشجر المغروس ومن القوم الوقوف وسطر فلان كذا أي كتبه سطر أسطراً وضمير الجمع لأصحاب
102
القلم المدلول عليه بذكره والمعنى بالفارسية وديكر سوكند ياد فرمود بآنه أصحاب قلم آسمانيان وزنينينان مى نويسند از كتاب وكلام درتبيان از ابن هيضم رحمه الله ، نقل فرمودكه نون دهنست وقلم زبان وما يسطرون آنه حفظه ببنده مى نويسند حق تعالى بدينها سوكند فرموده.
قال بعض العارفين النون نون الذات والقلم قلم الصفات وما يسطرون هي الأفعال والشؤون الإلهية كتبونها على لوح القدرة والإرادة حرفاً حرفاً.
يقول الفقير فيه إشارة إلى أن نون الجمع الذاتي أي دواته وهو أصل كتاب الوجود الذي هو أم الكتاب سمى بالنون لكونه مجتمع مداد مواد نقوش العالم وإن شئت قلت إلى نون النقطة التي هي مرتبة الأحدية وقد كان الامام على رضي الله عنه يقول في خطبته على رؤوس الإشهاد إنا نقطة باء بسم الله الذي رطتم فيه أنا القلم وأنا اللوح المحفوظ وأنا العرش وأنا الكرسي وأنا السموات السبع والأرضون فإذا صحا وارتفع عنه تجلى الوحدة أثناء الخطبة يشرع معتذراً ويقر ببعدويته وضعفه وانقهاره تحت الأحكام الإلهية وفي التأويلات النجمية : يشير بكلمة ن إلى العلم الإجمالي المندمج في الأحدية الذاتية الجمعية وبالقلم إلى العلم التفصيلي في الوحدة الإسمائية وإنما نسبنا الأجمالي الروحي إلى ن والتفصيلي القلبي إلى القلم لأن هذه الدواة مشتملة بما في بطنها على جميع الحروف المجردة والكلمات المركبة اشتمال النواة على الشجرة واندماج الشجرة المفصلة في النواة المجملة فبا لقلم يسطر على لوح القلب بالتفصيل كل ما هو في ضمير الدواة بالإجمالفإذا فهمت المقصود فاعلم إن الله تعالى اقسم بعلمه الأجمالي الكائن في الأحدية وبعلمه التفصيلي الثابت في الواحدية وبالتحقيق أقسم بأحدية ذاته المطلقة وبواحدية أسمائه الجمعية إذ العلم من حيث هو عين ذاته واقسم إذا بكل ما سطر قلمه الكريم من دواته القديم من الحروف الإلهية المجردة العلوية والكلمات الربانية المركبة السفلية انتهى كما قال بعض الكبار في بيان حروف كتاب الوجود الظلى وكلماته وآياته وسورة ان الشؤون الغيبة حروفه العاليات والأعيان الثابتة العلمية كلماته التامات والحقائق إلا رواحية والمثالية آياته المتعاليات والصور الحسية العينية سوره الكاملات وإما كتاب الوجود الحقيقي فحروفه المجردة الأسماء الذاتية الأحدية وكلماته الأسماء الصفاتية الواحدية وآياته الأسماء الأفعاليته الواحدية وصوره الأسماء إلا ثارية المظهرية وكلم نها كتاب مبين انتهى.
وهكذا قالبعض الكبار القلم علم التفصيل والنون علم الأجمال وتلك الحروف التي هي مظاهر تفصيل القلم مجملة في مداد الدواة ولا تقبل التفصيل ما ادمت فيها فإذا انتقل المداد منها إلى القلم تفصلت الحروف به في الوح وتفصل العلم بها لا إلى غاي وإما علم الأجمال المعبر عنه بالنون فإن النون في الرقم نصف دائرة محسوسة ونصف دائرة معقولة تشعر نقطتها في الوسط بكونه مراد التتميم الدائرة الذاتية إلى هي ظرف مداد الوجود ولذلك كان من الحروف الدورية عكسه كطرده فإن النصف المحسوس ظرف مداد عالم اخلق والنف المعقول ظرف مداد عالم الأمر والخط الفاصل بينهما وهو خط ألف قام بين تدوير النونين برزخ جام وهو مسوى الصحف الإلهية والكتب المتفرقة من حيطة الكتاب
103
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
(10/79)
المحيط بالمحيطات المقول فيه ما فر طنافى الكتاب من شيء وهو كتاب ينطوى على العلوم الجمة المنطوى عليها أيضاً مداد النون وتشتمل على مائة وأربع عشرة سورة كما اشتمل النون على عدد يطابقها فإن النونين والواو والألف الذي انتهى إليه اسم النون مائة وثلاثة عشر وكون مسماه حرفاً واحداً متمم لأربعة عشر فاعلم ذلك فإنه دقيق قل تجده في كلام أحد انتهى.
وقال القاشاني : ن هو النفس الكلية والقلم هو العقل الكلي والأول من باب الكناية بالاكتفاء من الكلمة بأول حروفها والثاني من باب التشبيه إذ تنتقش في النفس صور الموجودات بتأثير العقلي كما تنتقش الصور في اللوح بالقلم وما يسطرون من صور الأشياء وما هيأتها وأحوالها المقدرة على ما تقع عليه وفاعل ما يسطرون الكتبة من العقول المتوسطة والأروح المقدسة وإن كان الكاتب في الحقيقة هو الله تعالى لكن لما كان في حضرة الأسماء نسب إليها مجازاً اسم بهما وبما يصدر عنهما من مبادي الوجود وصور القتديرا لإلهي ومبدأ أمره ومخزن غيره لشرفهما وكونما مشتملين على كل الوجود في أول مرتبة التأثير والتأثر ولمناسبتهما للمقسم عليه وهو قوله {مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} جواب القسم والباء متعلقة بمضمر هو حال من الضمير في خبر ما وهو مجنون والعامل فيها معنى النفي والجنون حائل بين النفس والعقل وجن فلان أي أصابه الجن أوأصاب جنانه أو حيل بين نفسه وعقله فجن عقله ذلك كأنه قيل انتفى عنك الجنون يا محمد وأنت بريء منه ملتبساً بنعمة الله التي هي النبوة والرياسة العامة والمراد تنزيهه عليه السلام عما كانوا بنسيونه عليه السلام ، إليه من الجنون حسداً وعداوة ومكابرة مع جزمهم بأنه عليه السلام ، في اية الغايات من حصافة العقل ورزانة الرأي قال أبو حيان قوله : بنعمة ربك قسم اعترض به بين المحكوم عليه والحكم على سبيل التأكيد والتشديد والمبالة في نتفاء الوصف الذميم عنه عليه السلام ، وذهب إلى القسم أيضاً حضرة الشيخ نجم الدين في تأويلاته روى إنه عليه السلام ، غاب عن خديجة رضي الله عنها إلى حراء فلم تجده فإذا هو قد طلع ووجه متغير بلا غبار فقالت له مالك فذكر نزول جبرائيل عليه السلام ، وإنه قال له اقرأ باسم ربك فهو أول ما نزل من القره آن قال : ثم نزل بي إلى قرار الأرض فتوضأ وتوضأت ثم صلى وصليت معه ركعتين وقال هكذا الصلاة يا محمد ، فذكر عليه السلام ، ذلك الخديجة فذهبت خديجة إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها وكان قد حالف دين قريش ودخل في النصرانية فسألته فقال : أرسليني إلى محمد فأرسلته فأتاه فقال : هل أمرك جبرائيل أن تدعو أحد فقال : لا ، فقال : والله لئن بقيت إلى دعوتك لأنصرنك نصراً عزيزاً ثم مات قبل دعاء الرسول عليه السلام ، ووقعت تلك الواقعة في ألسنة كفار قريش فقالوا : إنه مجنون فأقسم الله تعالى على أنه ليس بمجنون وهو خمس آيات من أول هذه السورة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : أول ما نزل قوله سبح اسم ربك وهذه الآية هي الثانية وفي التأويلات النجمية : ما أنت بنعمة ربك بمستور عما كان من الأزل وما سيكون إلى الأبد لأن الجن هو الستر وما سمى الجن جنا إلا لاستتاره من الأنس بل أنت عالم بما كان خبير بما سيكون وبدل على إحاطة علمه قوله عليه السلام ، فوضع كفه على كتفي فوجدت
104
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
بردها بين ثديي فعلمت ما كان وما سيكون قال الامام القشيري قدس سره في شرح الأسماء الحسنى : نصرة الحقلعبده أتم من نصرة العبد لنفسه قال تعالى لنبيه عليه السلام : ولقد نعلم إنك يضيق صرك بما يقولون ثم انظر بما ذا سلاه وبأي شي خفيف عليه تحمل أثقال الأذى حيث قال فسبح بحمد ربك يعني إذا تأذيت بسماع السوه فيك منهم فاسترح بروح ثنائك علينا ولذة التنزيه والذكر لنا فإن ذلك يريحك ويشغلك عنهم ثم إنه عليه السلام ، لما قبل هذه النصيحة وامتثل بأمر ربه تولى نصرته والرد عنه فلما قيل إنه مجنون اقسم على نفي ذلك بقوله ن والقلم الخ ، تحقيقاً لتنزيهه لما اشتغل عنهم بتنزيه ربه ثم عاب الله القادح فيه بالجنون بعشر خصال ذميمة بقوله : ولا تطع كل حلاف مهين إلى قوله : أساطير الأولين وكان رد الله عنه وذبه أتم من رده عن نفسه حيث كان من جملة القرآن باقياً على الألسنة إلى يوم القيامة {وَإِنَّ لَكَ} بمقابلة مقاساتك ألوان الشدائد من جهتهم وحملك لإعبا الرسالة {لاجْرًا} لثواباً عظيماً {غَيْرُ مَمْنُونٍ} مع عظمه كقوله تعالى : {عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي يغر منقوص ولا مقطوع ومنه قيل المنون للمنية لأنها تنقص العدد وتقطع المدد وبالفارسية مزدى بردوا مكه هركز انطاع بدان راه نيابد.
ويقال أجر النبي مثل أجر الأمة قاطبة غير منقوص ويجوز أن يكون معناه غير مكدر عليك بسبب المنة لأنه ثواب تستوجبه على عملك وليس بتفضل بتداء وإنما تمت الفواضل لا الأجور على الأعمال كما في الكشاف.
(10/80)
(وقال الكاشفي) : غير ممنون منب نانهاده يعني حق تعالى بي واسطه كسى كه ازو منت بايد داشد بتو عطاكرد.
وفي إشارة إلى أن أنوار المكاشفات والمشاهدات غير مقطوعة لكونها سرمدية فلا يزال العارف يترقى في الشهود في جميع المواطن ولا ممنوة لأن الفتح والفيض إنا يجبيء من عند الله لا من عند غيره فا يمن على عباده لا العباد بعضهم لعى بعض وقال بعضهم : أجره قبول شفاعته وهي غير منقطعة عن أهل الكبائر من أمته لا يخيب الله رجاءه عليه السلام ، في فرانهم جميعاً بلا عتاب ولا عذاب.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
يقول الفقير : الظاهر أن أجره عليه السلام ، هو الله تعالى مان لا ممنون وإلى هذا المقام يشير قول الصديق رضي الله عنه ، ورسوله أي أبقيت الله ورسوله حين ما قال له ، عليه السلام ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر ، فالله تعالى عوض عن نفس الفاني عن نفسه وعن ولده وماله وهو الأجر العظيم لأنه العظيم وإنك لعلى خلق عظيم} لا يدرك شاوه أحد من الخلق ولذلك تحتل من جهتهم ما لا يكاد يحتمله البشر قال بعضهم : لكونك متخلقاً بأخلاق الله وأخلاق كلامه القديم ومتأيد بالتأييد القدسي فلا تتأثر بافترائهم ولا تتأذ بأذاهم إذ بالله تصبر لا بنفسك كما قال واصبر وما صبرك إلا بالله والأحد أصبر من الله وكلمة على للاستعلاء فدلت على إنه عليه السلام ، مشتمل على الأخلاق الحميد ومستوللٍ على الأفعال المرضية حتى صارت بمنزلة الأمور الطبيعية له ولهذا قال تعالى : {قُل لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَـالَمِينَ} أي لست متكلفاً فيما يظهر لكم م أخلاقي لأن المتكلف لا يدوم أمره طويلاً بل يرجع إليه الطبع وللإنسان صورة ظاهرة لها هيئة
105
يشاهدها البصر الذي هو في الرأس وهي عالم الملك وهي الشكل صورة باطنة لها سيرة يشاهدها البصيرة التي هي في القلب وهي من عالم الملكوت وهي الخلق فكما إن لهيئته الظاهرة حسناً أو قبحاً صورياً باعتبار أشكالها وأوضاعها وألوانها فكذلك لسيرته الباطنة حسن أو قبح معنوي باعتبار شمائلها وطبائعها ومن ذلك قسموا الخلق إلى المحمود والمذموم تارة وإلى الحسن والقبيح أخرى وكثيراً ما يطلق ويراد به المحمود فقط لأنه اللائق بأن يسمى خلقاً ومن هذا قوله تعالى : خلق عظيم وعليه قول الامام الرازي الخلق ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الجميلة ونفس الإتيان بالأفعال الجميلة شيء وسهولة الإتيان بها شيء آخر فالخالة التي باعتبارها تحصل تلك السهولة الخلق وسمى خلقاً لأنه لرسوخه وثباته صار بنمزلة الخلقة التي جبل عليها الإنسان وإن احتاج في كونه ملكة راسخة إلى اعتمال وطول رياضة ومجاهدة ولذا قالوا الخلق يتبدل بالمصاحبة والمعاملة فيكون الحسن قبيحاً والقبيح حسناً على حال المصاحبين والمعاملين كما في الحديث : (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) وفي حديث آخر (لا تجالسوا أهل الأهواء والبدع فإن لهم عرة كعرة الجرب) ومن ذلك كانت مصاحبة الأخيار مستحسنة مرغباً فيها ومصاحبة الأشرار مستقبحة مرهباً عنها وكذلك يتبدل بالسعي في أسبابه ولذلك صنف أطباء الأرواح أبواباً في علم لأخلاق لبيان ما هو صحة روحانية وما هو مرض روحاني كما ألف أطباءالأشباح فصولاً ف يعلم الأبدان لبيان سبب كل مرض وعلاجه وإنما أفرد الخلق ووصفه بالعظمة كما وصف القرآن بالعظيم لينبه على أن ذلك الحلق الذي هو عليه السلام ، عليه جامع المكارم الأخلاق اجتمع فيه شكر نوخ وخلة إبراهيم وإخلاص موسى وصدق وعد إسماعيل وصبر يعقوب وأيوب واعتذار دادو وتواضع سليمان وعيسى وغيرها من أخلاق سائر الأنبياء عليهم السلام ، كما قال تعالى : فبهداهم اقتده إذ ليس هذا الهدى معرفة الله تعالى لأن ذلك تقليد وهو غير لائق بالرسول عليه السلام ، ولا اشرائع لأن شريعته ناسحة لشرائعهم ومخالفة لها في الفروع والمراد منه الاقتداء بكل منهم فيما اختص به من الخلق الكريم لو كان كل منهم مختصاًبخلق حسن غالب على سائر أخلاقه فلما أمر بذلك فكأنه أمر بجمع جميع ما كان متفرقاً فيهم فهذه درجة عالية لم تتيسر لأحد من الأنبياء عليهم السلام فلا جرم وصفه الله بكونه على خلق عظيم كما قال بعض العارفين :
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
لكل في الأنام فضيلة
وجملتها مجموعة لمحمد
ولم يتصف عليه السلام ، بمقتى قوته النظرية إلا بالعلم والعرفان والإيقان والإحسان ولم يفعل بمقتضى قوته العملية إلا ما فيه رضي الله من فرض أو واجب أو مستحب ولم يصدر منه حرام أو مفسد أو مكروه فكان هو الملك بل أعلى منه ويجمع هذا كله قول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلقه عليه السلام ، فقالت : كان خلقه القرآن أرادت به أنه عليه السلام ، كان متحلياً بما في القرآن من مكارم الأخلاق ومحاسن الأوصاف ومتخلياً عما يزجر عنه من السيئات وسفساف الخصال وفي رواية قالت للسائل ألست تقرأ القرآن قد أفلح المؤمنون
106
(10/81)
يعني اقرأ الآي العشر في سورة المؤمنين فذلك لقه ويه تنب لسعامعين على عظام أخلاقه من الإيمان الذي هو أصل الأخلاق القلبية والصلاة التي هي عماد الأخلاق البدنية والزكاة التي هي رأس الأخلاق المالية إلى آخر ما في الآيات وفي سلسلة الذهب للمولى الجامي رحمه الله :
بود هم بحر مكرمت هم كان
كوهرش كان خلقه القرآن
وصف خلق كسى كه قرآنست
خل را نعت اوه امكانست
وفي التأويلات النجمية : كان حلقه القرآن بل كان هو القرآن كما قال العارف بالحقائق :
أنا القرآن والسبع المثاني
وروح الروح لا روح الأواني
محمد بن حكيم الترمذي قدس سره فرموده كه هي خلقي بزر كتراز خلق حضرت محمد عليه السلام ، نبوده ه زميشت خوددست باز داشت وخودرا كلى باحق كذاشت وامام قشيري قدس سره كفته كه ازبلا منحرف شد و نه از عطا منصرف كشت وكفته كه آن حضرت راهي مقصد ومقصودي جز خداي تعالى نبوده كما قال الجنيد قدس سره : كان على خلق عظيم لجوده بالكونين :
له همم لا منتهى لكبارها
وهمته الصغر أجلى من الدهر
وقال الحسين النوري قدس سره كيف لا يكون خلقه عظيماً وقد تجلى الله لسره بأنوار أخلاقه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
يقول الفقير : كان خلقه عظيماً لأنه مظهر العظيم فكان خلق العظيم عظيماً فافهم جداً وفي تلقيح الأذهان لحضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر أوتى عليه السلام جوامع الكلم لأنه مبعوث لتتميم مكارم الأخلاق كما قال عليه السلام ، ولذلك قال الله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم وهو عين كونه صراط المستقيم قال : إنثلاثائة وستين خلقاً من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة ، قال أبو بكر رضي الله عنه : هل في منها يا رسول الله قال : كلها فيك يا أبا بكر وأحبها إلى الله السخاء انتهى.
ولذلك كان أحسن أخلاق المرء في معاملته مع الحق التسليم والرضى وأحسن أخلاقه في معاملته مع الخلق العفو والسخاء وإنما قال مع التوحيد لأنه قد توجد مكارم الأخلاق والإيمان كما أنه قد يوجد الإيمان ولا أخلاق إذ لو كان الإيمان يعطي بذاته مكارم الأخلاق لم يقل للمؤمن أفعل كذا واترك كذا وللمكارم آثار ترجع على صاحبها في أي دار كان كما ورد في حق أبي طالب قال بعض الكبار من إرادة أن يرى رسول الله ، ممن لم يدركه من أمته فلينظر إلى القرآن فإنه لا فرق بين النظر فيه وبين النظر إلى رسول الله فكأن القرآن انتشاء صورة جسدية يقال لها محمد بن عبد الله بن عبد المطلب والقرآن كلام الله وهو صفته فكأن محمداً عليه السلام ، خلعت عليه صفة الحق من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال بعضهم : من أراده أن يرى رسول الله فليعمل بسنته لا سيما في مكان أميتت السنة فيه فإن حياة رسول الله بعد موته هي حياة سنته ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعاً لأنه المجموع الأتم الأكمل وقال بعضهم : لم يبق بعد بعثة رسول الله سفساف أخلاق أبداً لأنه أبان لنا عن مصارفها كلها
107
من حرص وحسد وشره وبخل وخوف وكل صفة مذمومة فمن أجراها على تلك المصارف عادت كلها مكارم أخلاق وزال عنها اسم الذم قال لمن ركع دون الصف زادك الله حرصاً ولا تعد وقال لا حسد إلا في اثنتين وقال أكثروا من ذكر الله وقال تعالى فلا تخافوهم وخافون وقال تعالى : فلا تقل لهما أف وقال أف لكم وغير ذلك من الآيات.
ولا خبار فما أمر الله باجتناب بعض الأخلاق إلا لمن يعتقد إنها سفساف أخلاق وجهل معنى قوله عليه السلام ، بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فمن الناس من علم ومنهم من جهل فالكامل لا يرى في العالم إلا أخلاق الله تعالى التي به وجدت وفي كشف الأسرار في تفسير الآية عرض عليه مفاتيح العرض فلم يقبلها ورقاه ليلة المعراج وأراه جميع الملائكة والجنة فلم يلتفت إليها قال الله تعالى ما زاغ البصر وما طغى ما التفت يميناً وشمالاً فقال تعالى : إنك لعلى خلق عظيم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
أي جوانمرد قدرآن مهتركه داند وكدام خاطر ببدايت زا ورسد صد هذار وبيست وهار هزار نقطه نبوت كه رفتند در برابر درجات أو كواكب بودند وبا آنكه أو غئاب بودهمه نور نبوت ازو كرفتند نانكه آفتاب اكره غائب باشد كواكب نور ازوى كيرند ليكن ون آفتاب يدا شود كواكب در نور او بدا شوند همنين همه انيبا نور ازو كرفتند ليكن ون محمد عليه السلام ، بعالم صورت در آمد ايشان هم كم شدند.
كأنك شمس والملوك كواكب
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
وفي القصيدة البردية :
فاق النبيين في خلق وفي خلق
ولم يدانوه في علم ولا كرم
فإنه شمس فضل هم كواكبها
يظهر أنورها للناس في الظلم
(10/82)
ومن أخلاقه عليه السلام ، ما أشار إليه قوله صل من قطعك واعف عمن ظلمك وأحسن إلى من أساء إليك فإنه عليه السلام ، ما ر أمته بشيء قبل الائتمار به ، وفي الحديث : (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار) ، وروى عن علي بن موسى الرضى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، قال قال رسول الله : عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة فستبصر ويبصرون} يقال : أبصرته وبصرت ب علمة وأدركته فإن البصر يقال للجارحة الناظرة ولقوة القلب المدركة ولا يكاد يقال للجارحة بصيرة وفي تاج المصادر الأبصار ديدن بشم وبدل.
فالمعنى فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتبين الحق من الباطل وقال القاشاني : فستبصر ويبصرون عند كشف الغطا بالموت ، وقال مقاتل : هذا وعيد بعذاب بدر.
(ولذا قال الكاشفي) : بدان وقت كه عذاب نازل شود برايشان معلوم كرددكه ديوانه تومى يا ايشان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
وهو الأوضح ففيه وعد لرسول الله عليه السلام بغلبه الإسلام وأهله وبالانتقام من الاعتداء {بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ} أي أيكم الذي بتلى بفتنة الجنون فأيكم مبدأ والمفتون بمعنى المجنون خبره والباءم زيدة في المبتدى كما في بحسبك زيد أو بأيكم الجنون على أن المفتون مصدر بمعنى الفتون وهو الجنون كالمجلدو بمنى الجلادة والمعقول
108
بمعنى العقل كما في قوله : (حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحماً ولا لفؤاده معقولاً) والباء للإلصاق نحو به داء أو بأي الفريقين منكم المجنون ابفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم فالباء بمعنى في والمفتون مبتدأ مأخر والأمة داخلة في خطاب فستبصر بالتبعية لا يختص به عليه السلام ، كالسوابق وهو تعريض بأبي جهل من هشام الوليد ابن الميغرة وأضرانهما كقوله تعالى : {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الاشِرُ} أصالح عليه السلام قومه إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} تعالى المؤدي إلى سعادة الدارين وهام في تيه الضلال متوجهاً إلى ما يفضيه إلى الشقاوة الأبدية وهذا هو المجنون الذي لا يفرق بين النفع والضر بل يحسب الضر نفعاً فيؤثره وانتفع ضراً فيهجره {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} إلى سبيله الفائزين بكل مطلوب ناجين من كل محذور وهم العقرء المراجيح فيجزى كلا من الفريقين حسبما يستحقه من العقاب والثواب وإعادة هو أعلم لزيادة التقرير وفي الآية لشعار بأن المجنون في الحقيقة هو العاصي لا المطيع وإشارة إلى الضال عن سبيل الوصول إلى حضرة امولى بسبب محبة الدنيا والميل إلى شهواتها والمهتدي إلى طريق التوحيد والوحدة بنور العناية الأزلية والهداية الأبدية قال بعض الكبار وهو أعلم بالمهتدين أي القابلين للتوفيق فهدة البيان هم الرسل وهادى التوفيق هو الحق تعالى فللهادي الذي هو الله الأبانة والتوفيق وليس للهادي الذي هو المخلوق إلا الإبانة خاصة ومن لا علم له بالحقائق بظن إن العبد إذا صدق في الإرشاد والوعظ أثر ذلك القبول في نفوس السامعين وإذا لم يصدق في ذلك لم يؤثر وهذا من الوهم الفاسد فإنه لا أقرب إلى الله ولا أصدق في التبليغ عنه ولا أحب للقبول لما جاء من عند الله تعالى ، من الرسل لغلبة لرحمة على قلوبهم ومع ذلك فأعم القبول فيمن سمعهم بل قال الرسول الصادق في التبلغي إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فرارا فلما لم يعم القبول مع تحققنا هذه المهمة العظيمة من أكابر أولى العزم من الرسل علمنا أن الهمة مالها أثر جملة واحدة في المدعو وإن الذي قبل من السامعين ليس هو من أثر همة الداعي الهادي الذي هو المبلغ وإنما هو قوة الاستعداد في محل القبول من حيث ما وهبه الله تعالى في خلقه من مزاج يقتضي له قبولاً مثل هذا وأمثاله وهو المزاج الخاص الذي لا يعلمه إلا الله الذي خلقهم عليه وهو قوله تعالى : {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِه وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
كفت عالم بكوش جان بشنو
ور نماند بكفتنش كردار
باطلست آنكه مدعى كويد
خفته را خفته كي كند بيدار
مرد بايدكه كيرد اندر كوش
ورنوشته است ند برديوار
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص109 حتى ص120 رقم12
(10/83)
فلا تطع المكذبين} أي إذا تبين عندك ما تقدم فدم على ما أنت عليه من عدم طاعتهم فيما يدعونك إليه من الكف عنهم يكفو عنك وتصلب في ذلك أمره عليه السلام ، بلتشدد مع قومه وقوى قلبه بذلك مع قلة العدد وكثرة الكفار فإن هذه السورة من أوائل ما نزل دلت الآية على أن الإطاعة للعاصي عصيان والافتداء بالطاغي طغيان {لَوْ تُدْهِنُ} لو للتمني والإدهان في الأصل مثل التدهين واشتقاقهما من الدهن لكن جعل عبارة عن الملاينة
109
وترك الجد قال في تاج المصادر الادهان مداهنت كردن.
والتركيب بدل على ليان وسهولة وقلة والمعنى أحبوا لو تلاينهم وتسامحهم في بعض الأمور وترك الدعوة {فَيُدْهِنُونَ} أي فهم يداهنونك حينئذٍ بترك الطعن.
(كما قال الكاشفي) : فرمان مبر مشركان كه راكه ترا بدين آباء دعوت مى نمايند ودوست مى دارندكه تونرمى كنى با يشان وسرزنشى نكنى برشرك تا يشان نير رب ونرمى كنند وبردين توطعنه نزنند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
فالفاء للعطف على تدهن فيكون يدهنون داخلاً في حيز لو ولذا لم ينصب يدهنون بسقوط النون جواباً للتمني والفعل للاستقبال أو الفاء للسببية فهو مسبب ن تدهن ويجوز أن يكون الفعل للحال على معنى ودوا ادهانك فهم الآن يدهنون طمعاً في إدهانك فالتسبب عن التمني وتقدير المبتدأ لأنه لولاه لكان الفعل منصوباً لاقتضاء التسب عما في حيز التمني ذلك قال بعضهم لا توافقهم في الظاهر كما لا توافقهمفي الباطن فإن موافقة الظاهر ر موافقة الباطن وكذا المخالفة وإلا كان نفاقاً سريع الزوال ومصانعة وشيكة الانقصاء وإما هم فلانهماكهم في الرذائل وتعمقهم في التلون والاختلاف لتشعب أهوائهم وتفرق أمانيهم يصانعون ويضمون تلك الرذيلة إلى رذيلتهم طمعاً في مداهنتك معهم ومصانعتك إياهم قال بعضهم المداهنة بيع الدين بالدنيا فهي من السيئات والمداراة بيع الدنيا بالدين فهي من الحسنات ويقال الإدهان الملاينة لمن لا ينبغي له ذلك وهو لا ينافي الأمر بالمداراة كما قال عليه السلام : "أمرت بمداراة الناس كما أمرت بالتبليغ" قال الإمام الغزالي رحمه الله : في إحياء الفرق بين المداراة والمداهنة بالغرض الباعث على الأغضاء فإن أغضيت للأمة دينك ولما ترى فيه من إصلاح أخيك بلإغضاء فأنت مدار وإن أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن قال أبو الدرداء رضي الله عنه اتالنبش في وجوه اقوام وإن قلوبنا لتلعنهم وهذا معنى المداراة وهو مع من يخاف شره {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ} كثير الحلف في الحق والباطل لجهله حرمة اليمين وعدم مبالاته من الحنث لسوء عقيدته وتقديم هذا الوصف عى سائر الأوصاف الزاجرة عن الطاعة لكونه أدخل في الزجر قال في الكشاف : وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف ومثله قوله تعالى : [البقرة : 90]{وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لايْمَـانِكُمْ} .
.
انتهى.
ودخل فيه الحلف بغير الله تعالى فإنه من الكبائر واصل الحلف اليمين الذي يُذ بعضهم من بعض بها الحلف أي العهد ثم عبر به عن كل يمين مهين} حقير الرأي والتدبير لأنه لم يعرف عظمة الله ولذا أقدم على كثرته الحلف من الهانة وهي القلة والحقارة ويجوز أن يراد به الكذاب لأنه حقير عند الناس {هَمَّازٍ} عياب طعان يعني عيب كننده در عقب مردم ا طعنه زننده در روى با يشان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
قال الحسن رحمه الله يلوى شدقيه في أقفية الناس وفيه إشارة إلى من يعيب ويطعن في أهل القح في رياضاتهم ومجاهداتهم انزوائهم وعزلتهم عن الناس وفي الحديث : "لا يكون المؤمن طعاناً ولا لعاناً".
وفي حديث آخر : "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" يعني من ينظر إلى عيب نفسه يكون ذلك مانعاً له عن النظر إلى عيب يره وتعييبه به وذلك لا يقتضي أن لا ينهى العاصي عن معصيته اقتداء بأمر الله تعالى بالنهي عن المنكر لا إعجاباً بنفسه وازدراء لقدر غيره عند الله فامانه العالم
110
ببواطن الأمور والهماز مبالغة هامز والهمز الطعن والضرب والكسر والعيب ومنه المهمز والمهماز بكسر الميم حديدة تطعن با الدابة قيل لأعرابي أتهمز الفارة قال السنور يهمزها واستعير للمغتاب الذي يذكر الناس بالمكروه ويظهر عيوبهم ويكسر إعراضهم كأنه يضربهم بأذاه إياهم مضربه نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية والإفساد بينهم فإن النميم والنميمة السعاية وإظهار الحديث بالوشاية وهو من الكبائر إما نقل الكلام بقصد النصيحة فواجب كما قال من قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليتقلوك فاخرج إني لك من الناصحين وفي التعريفات النمام هو الذي يتحث مع القوم فينم عليهم فيكثف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو الثالث وسواء كان الكثف بالعبارة أو بالإشارة أو بغيرهما وفي الحديث : "لا يدخل الجنة نمام" ، أي : ماش بالسعاية وهي بالفارسية غمز كردن.
(10/84)
وفي التأويلات النجمية : مشاء بنميم يحفظون كلام أهل الحق من هذه الطائفة الكريمة ثم يحكونه عند الجحال من أصحاب الحجب فيضحكون عليهم وينسبون ذلك الكلام إلى السفسفة والسفه {مَّنَّاعٍ} مبالغة مانع {لِّلْخَيْرِ} أيب خيل والخير المال أو متاع الناس من الخير الذي هو الإيمان والمطاعة والاتقان ولأرباب السلوك من إرشاد الطالبين المسترشدين فذكر الممنوع منه دون الممنوع وكان للوليد بن الميغرة عشرة من البنين وكان يقول لهم ولأقاربه من تبع منكم دين محمد لا أنفعه شيء إبداء وكان الوليد موسراً له تسعة آلاف مثقال فضة وكانت له حديثة في الطائف {مُعْتَدٍ} متجاوز في الظلم أي يتجاوز الحق والحد بأن يظلم على الناس ويمكن حمله على جميع الأخلاق الذميمة فإن جميعها تجاوز عن حد الاعتدال.
وفي التأويلات النجمية : متجاوز في الظلم على نفسه بإنغماسه في بحر الشهوات وإنهماكه في ظلمة المنهيات {أَثِيمٍ} كثير الإثم وهو اسم للأفعال المبطعة عن الثواب.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
وقال الكاشفي) : بسيار كناهكار زيانكار.
وفي التأويلات النجمية : كثير الآثام بالركون إلى الأخلاق الرديئة والرغبة في الصفت المردودة {عُتُلٍ} جاف غليظ من عتله إذا قاده بعنف وغلظة قال الراغب : العتل الأخذ بمجامع الشيء وجره بقهر كعتل البعير وبالفارسية كشدن بعنف.
(وقال الكاشفي) : عتل يعني سخت روى وزشت خوى انتهى.
ومن كان جافياً في المعاملة غليظ القلب والطبع بحيث لاي قبل الصفات الروحانية ولا يلين للحق اجترأ على كل معصية قال في "القاموس" العتل بضمتين مشددة اللام الأكول المنبع الجافي الغليظ {بَعْدَ ذَالِكَ} أي بعدما عد من مقابحه {زَنِيمٍ} دعى ملصق بالقوم وملحق بهم في النسب وليس منهم فالزنيم هو الذي تبناه أحد أي اتخذه ابنا وليس بابن له من نسبه في الحقيقة ، قال تعالى : {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ} قال الراغب : الزنيم والمزن الزائد في القوم وليس منهم أي المنتسب إلى قوم وهو معلق بهم لا منهم تشبيهاً بالزنمتين من الشاة وهما المتدليتان من أذنها ومن الحلق وفي الكشاف الزنيم من الزنمة وهي الهنة من جلد الماعزة تقطع فتخلى معلفة ف يحلقها لأنه زيادة معلقة بغير أهله وفي القاموس الزنمة محركة شيء يقطع من أذن البعير فيترك معلقاً
111
يفعل بكرامها والظاهر من قول ابن عباس رضي الله عنهما الحقيقة حيث قال إنه لم يعرف حتى قيل زنيم فعرف إنه كان له زنمة أي ف حلقة ويقال كان يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها قال العتبي لا نعلم إن الله وصف أحداً ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة فألحق به عار إلا يفارقه أبداً وفي قوله بعد ذلك دلالة على أن دعوته أشد معايبه وأقبح قبائحه وكان الوليد دعيا في قريش وليس من نسبهم وسنخهم أي أصلهم ادعاه أبوه المغيرة بعد ثمن عشرة سنة من مولده يعني وليد هده ساله بودكه مغيره دعوى كردكه من در اويم واورا بخود كرفت.
فقوله بعد ذلك ههنا نظير ثم في قوله تعالى : ثم كان من الذين آمنوا من حيث إنها للتراخي رتبة وفي الحديث : لا يدخل اجنة جواظ ولا جعظري ولا العتل الزنيم ، فالجواظ الجموع المنوع والجعظ ري الفظ الغليظ والعتل كل رحيب الجوف أكول شروب غشوم ظلم وفي الحديث ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو سم على الله لأبره إلى أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر) وقيل بغت أم الوليد ولم يعرف حتى نزلت هذه الآية فمعنى زنيم حينئذٍ ولد الزنى وبالفارسية حرام زاده كه در أو معلوم نباشد قال الشاعر :
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
زنيم ليس يعرف من أبوه
بغى الأم ذو حسب لئيم
در تفسير امام زاهد مذكور است ه ون حضرت رسول الله اين آيت درانجمن قريش بر وليد خواند بهر عيبى كه رسيد درخود بازيافت مكر حرام زادكى باخود كفت من سيد قريش ودر من مردى معروفست ويمدانم كه محمد دروغ نكويد كونه اين مهم را بر سر آرم شمشير كشيده نزدما در آمد القصه بعد از تهديد بسياز ازو اقرار كشيدكه در تو در قصه زنان جرأتي نداشت واورا برادر زادكان بودند شم برميراث وى هاده مررشك آمد غلام فلا نرا بمزد كرفتم وتوف زنداويى ودليل روشن بر صدق قول زن شدت خصومت وليدست وستيزه او بآن حضرت ورين باب كفته اند.
جرم وكناه مدعى از فعل مادرست
كور اخطاي ما د اوخا كسار كرد
(10/85)
والغالب إن النطفة إذا خبثت خبث الولد الناشيء منها ومن ثمة قال رسول الله عليه السلام : لا يدخل الجنة ولد الزنى ولا ولده ولا ولد ولده كما في الكشاف وفي الحديث : لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنى فإذا فشا فيهم ولد الزنى أو السكران يعمهم الله بعذابه وفي حديث آخر : ولد الزنى شر الثلاثة قال الرهاوي في شرح المنار هذا في مولود خاص لأنا قد نشاهد ولد الزنى أصلح من ولد الرشدة في أمر الدين والدنيا ويستحق جميع الكرامات من قبول شهادته وعبادته وصحة قضائه وأمامته وغير ذلك فالحديث ليس على عمومه انتهى.
يقول الفقير : إذا كان الرضاع بغير الطباع فإن من ارتضع امرأة فالغالب عليه أخلاقها من خير وشر فما ظنك بالزنى ولا عبرة بالصلاح الظاهر والكرامات الصورية وفي الحديث : ولدت من نكاح لا من سفاح وكذا سائر الأنبياء عليهم السلام وجميع الأولياء الكرام
112
قدس سره أسارهم فالزنى أقبح من الكفر من وجه فإن الله يخرج الحي من الميت أي المؤمن من الكافر بخلاف الرشيد من الزاني فولد الزنى لا يصلح للولاية الحقيقية وإن كان صالحاف للولاية الصورية وقيل نزلت الآية في الأخنس ابن شريف واسمه أبي وكان ثقفبا مصطلقياً في قريش فلذك قال زنيم لا على جهة الذم لنسبه ولكن على جهة التعريف به ذكره السهيلي ، قال ابن عطية : وظاهر اللفظ عموم من بهذه الصفة والمخاطبة بهذا المعنى مستمرة باقي الزمن لا سيما لولاة الأمور قال في فتح الرحمن ثم هذا الترتيب إنما هو في قول الواصف لا في حصول تلك الصفات في الموصوف وإلا فكونه عتلا هو قبل كونه صاحب خير يمنعه وفي برهان القرآن قوله حلاف إلى قوله زنيم أوصاف تسعة ولم يدخل بينها واو العطف ولا بعد السابع فدل على أن ضعف القول بواو الثمانية صحيح أن كان ذا مال وبنين} متعلق بقوله تعالى : [العلق : 19-15]{وَلا تُطِعْ} على حذف الجاراي لا تطع من هذه مثاليه لأن كان مثولاً ذا مال كثير مستظهراً بالبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} استئناف جار مجرى التعليل المنهي أي إذا تقرأ عليه آيات كلامنا القديم قال هي أحاديث لا نظام لها اكتتبوها كذباً فيما زعموه لقوله اكتتبها فهي تملى عليه وبالفارسية افسا نهاي يشينيانست.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
وقال السدي اساجيع الأولين أي جعل مجازاة النعم التي خولناها من المال والبنين الكفر بآياتنا قال البرد الأساطير جمع أسطورة نحواً حدوثة وأحاديث وقد سبق غير هذا وفي التأويلات النجمية : لا تطع الحلاف المهين الحقير في نفسه بسبب ثروة أعماله المنسوبة إلى الرياء والسمعة وبنين الأحوال لمطعونة بالعجب والإعجاب إذا تتلى عليه آياتنا من الحقائق والدقائق قال أساطير الأولين ما سطره الصوفية المتقدمون وهي من ترهاتهم وخرافاتهم {سَنَسِمُه عَلَى الْخُرْطُومِ} أصله سنوسمه من الوسم وهو إحداث السمة بالكسر أي العلامة وبالفارسية داغ كردن.
والميسم بالكسر المكواة أي آلة الكي والخرطوم كزنبور الألف أو مقدمه أو ما ضممت عليه النكين كالخرطم كقنفذ كما في "القاموس" ، والمعنى سنجعل له سمة وعلامة يعرف بها بالكي على أكرم مواضعه لغاية إهانته وإذلاله إذ لأنف أكرم موضع من الوجه لتقدمه له ولذلك جعلوه مكن العز والحمية واشتقوا منه الأنفة وقالوا الأنف بالأنف وحمى أنفه وفلان شامخ العرنين وقالوا في الذليل جدع أنفه ورغم أنفه ولقد وسم العباس رضي الله عنه أباعره في وجوهها فقال له رسول الله عليه السلام : "أكرموا الوجوه فوسمها في جواعرها" أي : في أدبارها وفي التعبير عن الأنف بلفظ الخروطوم استهانة بصاحبه واستقباح له ، لأنه لا يستعمل إلا في الفيل وخنزير وكلما كان الحيوان أخبث وأقبح كانت الاستهانة والاستقباح أشد وأكثر قيل : أصاب أنف الولد جراحة يوم بدر فبقيت علامتها قال صاحب الكشف هو ضعيف فإن الوليد مات قبله فلم يوسم بوسم بقى أثره مدة حياته وقال الراغب : نلزمه عاراً لا ينمحى عنه كما قال صاحب الكشاف هو عبارة عن أن يذله غاية الإذلال وذلك لأن الوجه أكرم موضع والأنف أبين عضو منه فالوسم على الأنف غاية الإذلال والإهانة لأن الوسم على الوججه شين فكيف إذا كان على أظهر موضع منه وكما قال العتبي وصف الله الوليد بالحلف والمهانة والهمز والمشي بالنميمة والبخل والظلم
113
والإثم والجفوة والدعوة فألحق به عاراً لا يفارقه في الدنيا والآخرة ، قال : والذي يدل عى هذا ما روى عن الشعبي في قوله عتل حيث قال العتل الشديد والزنيم الذي له زنمة من الشر ، يعرف بها كما تعرف الشاة وقيل : سنعلمه يوم القيامة بعلامة مشوهة يعلم بها من سائر اكفرة بأن نسود وجه غاية التسويد إذ كان بالغاً في عدغوة سيد المرسلين عليه وعليهم الصلاة والسلام أقصى مراتب العداوة فيكون الخطوم مجازاً عن الوجه على طريق ذكر الجزء وإرادة الكل.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
(10/86)
وفي التأويلات النجمية : نكوى خرطوم استعداده بكى نار الحجاب والبعد حتى لا يشم النفحات الإلهية والنسمات الربانية {إِنَّا بَلَوْنَـاهُمْ} يقال : بلى الثوب ، بلى أي : خلق بلوته اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له والبلايا اختبارات والمعنى أنا ابتلينا أهل مكة بالقحط والجوع سبع سنين بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى أكلوا الجيفو الجلود والعظام والدم لترمدهم وكفرانهم نعم الله تعالى {كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَـابَ الْجَنَّةِ} أي : ابتلاء مثل ابتلاء أصحاب الجنة المعروف خبرها عندهم ، واللام للعهد والكاف في موضع النصب على أنها نعت المصدر محذوف وما مصدرية ولجنة البستان وبالفارسية باغ.
وأصحاب الجنة قوم من أهل صنعاء وفي كشف الأسرار سه برادر بودند.
كانت لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء بفرخسين وقال السهيلي : هي جنة بضروان وضروان على فراسخ من صنعاء وفي فتح الرحمن الجنة بستان يقال له ضروان باليمن كان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى عليه السلام ، بيسير وكانوا بخلاء وكان أبوهم يأخذ منها قوت سنة ويتصدق بالباقي وكان ينادي الفقراء وقت الصرام ويترك لهم ما أخطأه النمجل وما في أسفل الأكداس وما أخطأه القطاف من العنب وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا صرمت.
(قال الكاشفي) : وده ازيك حاصل نزي برايشان قسمت كردى.
فكان يجتمع لهم شيء كثير ويتزودون به أياماً كثيرة فلما مات أبوهم قال بنوه إن فعلنا ما كان يفعل أبو ناضاق علينا الأمر ونحن أولوا عيال فحلفوا فيما بينهم وذلك قوله تعالى : {إِذَا قَضَوْا} ظرف لبلونا والإقسام سوكند خوردن يعني سوكند خوردند وارثان باغ كه نهان ازفقرا {لَيَصْرِمُنَّهَا} الصرام والصرم قطع ثمار النخيل وبالفارسية بار خرما بريدن.
من صرمه إذا قطعه أي ليقطعن ثمارها من الرطب والعنب ويجمعن محصولها من الحرث وغيره {مُّصْبِحِينَ} أي داخلين في الصباح مبكرين وسواد الليل باقي قوله ليصر منها جواب للقسم وجاء على خلاف منطوقهم ولو جاء على منطوقهم لقيل النصر منها بنون المتكلم ومصبحين حال من فاعل ليصر منها {وَلا يَسْتَثْنُونَ} أي لا يقولون إن شاء الله وتسميته استثناء مع إنه شرط من حيث إن مؤداه مؤدي الاستثناء فإن قولك لأخرجن إن شاء الله ولا أخرج إلا إن شاء الله بمعنى واحد والجملة مستأنفة أو حال بعد حال لعل إيراده بعد إيراد أقسامهم على فعل مضمر لمقصودهم مستنكر عند أرباب المروة وأصحاب الفتوة لتقبيح شأنهم بذكر السببين لحرمانهم وإن كان أحدهما كافياً فيه لكن ذكر الأقسام على ر مستنكر أولاً وجعل ترك الاستثناء حالاً منه يفيد أصالته وقوته في اقتضاء الحرمان والأظهر إن المعنى ولا يستثنون حصة المساكين أي لا يميزونها ولا يخرجونها كما كان يفعله
114
أبوهم وقال أبو حيان : ولا ينثنون عما عزموا عليه من منع المساكين قال في تاج المصادر الاسثناء إن شاء الله كفتن واستثنا كردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
والباب يدل على تكرير الشيء مرتين أو جعله شيئين متوالين أو متبايين والاستثناء من قياس الباب وذلك إن ذكره يثنى مرة في الجملة ومرة في التفصيل لأنك إذا قلت خرج الناس ففي الناس زيد وعمروا فإذا قلت إلا زيداً فقد ذكرت زيداً مرة رى ذكراً ظاهراً انتهى.
قال الرغب الاستثناء إيراد لفظ يقضتي رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدم أو يقتضي رفع حكم اللفظ كما هو فمن الأول قوله تعالى : [الأنعام : 145-19]{قُل لا أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُه إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً} ومن الثاني قوله لأفعلن كذا إن شاء الله وعبده عتيق وامرأته طالق إن شاء الله فطاف عليها} أي على الجنة أي أحاط بها طائف بلاء طائف كقوله وأحيط بثمره وذلك ليلاً إذ لا يكون الطائف إلا بالليل وأيضاً دل عليه ما بعده من ذكر النوم وكان ذلك الطائف ناراً نزلت من السماء فأحرقتها {مِن رَّبِّكَ} مبتدىء من جهته تعالى قال الراغب الطوف الدوران حول الشيء ومنه الطائف لمن يدور حول البيت حافظاً ومنه استعير الطائف من الجن والخيال والخادم وغيرها قال تعالى : [القلم : 19-97]{فَطَافَ} .
.
الخ.
تعريضاً بما نالهم نم النائبة انتهى.
وهم نائمون} غافلون عما جرت به المقادير أو غافلون عن طوافه بالنوم الذي هو أخو الموت وبالفارسية وايشان خفتكان بودند.
(10/87)
والنوم استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه أو أن يتوفى الله النفس من غير موت أي إن يقطع ضوء الروح عن ظاهر الجسد دون باطنه أو النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وكل هذه التعريفات صحيحة {فَأَصْبَحَتْ} س كشت جنت ايشان با آن بلا {كَالصَّرِيمِ} فعيل بمعنى مفعول أي كالبستان الذي صرمت ثماره لم بحيث لم يبق فيها شيء لأن النار السماوية أحرقتها وقيل كالليل لأن الليل يقال له الصريم أي لصارت سوداء كالليل لاحتراقها {فَتَنَادَوْا} أي نادى بعضهم بعضاً {مُّصْبِحِينَ} حال كونهم داخلين في الصباح {أَنِ اغْدُوا} أي أي دوا على أن إن مفسرة أو بأن اغدوا على أنها مصدرية أي أخرجوا غدوة وأول النهار وبالفارسية بامداد بيرون اييد {عَلَى حَرْثِكُمْ} بستانكم وضيعتكم وفي كشف الأسرار دران بستان هم زرع بودهم درخت انكور انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
يقول الفقير : فالحرث يجوز أن يراد به الحاصل مطلقاً وإن يراد به الزرع خصوصاً لأنه أعز شيء يعيش به الإنسان وتعدية الغدو بعلى لتضمنه معنى الإقبال والاستيلاء وقال بعضهم : إنه يتعدى بعلي كما في "القاموس" غداً عليه غدواً وغدوة بالضم واغتدى بكر قال الراغب الحرث القاء البذر يا الأرض وتهيئتها للزرع ويسمى المحروث حرثاً قال تعالى : {أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَـارِمِينَ} قاصدين للصرم وقطع الثمرة وجمع المحصول أي فاغدوا فجوابه محذوف {فَانطَلَقُوا} فمضوا إليها وبالفارسية س برفتند بجانب باغ {وَهُمْ يَتَخَـافَتُونَ} التخافت بايكديكر نهان راز كفتن.
أي يتشاورون فيما بينهم بطريق المخافتة والسر كيلاً يسمع أحد ولا يدخل عليهم {أَن لا يَدْخُلَنَّهَا} أي الجنة {الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ} من المساكين فضلاً عن أن يكثروا
115
وبالفارسية امروز برشما يعني درباغ شمادر ويشى تابهره بكيرد وز حصه ماكم نكردد.
وإن مفسرة لما في التخافت من معنى القول بمعنى أي لا يدخلنها تفسيراً لما يتخافتون والمسكين هو الذي لا شيء له وهو أبلغ من الفقير والمراد بنهي المسكين عن الدخول المبالغة في النهي عن تمكينه من الدخول كقولهم لا أرينك ههنا فإن دخول المسكين عليهم لازم لتمكينهم إياه من الدخول كما أن رؤية المتكلم المخاطب لازم لحضوره عنده فذكر اللازم لينتقل منه إلى الملزوم.
(وغدوا) مشوا بكرة وبالفارسية وبامداد برفتند.
(على حرد) الحرد المنع عن حدة وغضب يقال نزل فلان حريدا أي ممتنعاً من مخالطة القوم وحاردت السنة منعت قطرها والناقة منعت درها وحرد غضب.
(قادرين) حال مقدرة من فاعل غدواً فإن القدرة مع الفعل عند أهل الحق والمعنى وخرجوا أول الصباح على امتناع من أن يتناول المساكين من جنتهم حال كونهم قادرين على نفقعهم أو على الاجتنباء والصرم بزعمهم فلم يحصل إلا النكد والحرمان وفي الكشاف وغدواً قادرين على نكد لا غير عاجزين عن النفع يعني إنهم عزموا أن ينكدوا على المساكين ويحرموهم وهم قارون على نفعهم فغدوا بحال فقر وذهاب مال لا يقدرون فيها إلا على النكد والحرمان وذلك إنهم طلبوا حرمان المساكين فتعجلوا الحرمان والمسكنة.
(فلما رأوها) س آن هنكام كه دبدنباغ رابخلاف آنه كذاشنه بودند.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
قالوا) : أي قال بعضهم لبعض {إِنَّا لَضَآلُّونَ} قالوه بعد ما تأملوها ووقفوا على حقيقة الأمر وإنها هي مضربين عن قولهم الأول أي لسنا ضالين بل نحن محرومون حرمنا خيرها ومنعنا نفعها بجنايتنا على أنفسنا بسوءنيتنا وهي إرادة حرمان المساكين وقصد منع حق الفقراء {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي رأيا أوسنا وفي الكشاف أعدلهم وخيرهم من قولهم فلان من وسطه قومه وأعطني من وسطات مالك ومنه قوله تعالى : {أُمَّةً وَسَطًا} .
(وقال الكاشفي) : كفت فاضلتر ايشان ازروى عقل يا يزر كتربسن يا صائب تريراي.
(10/88)
قال الراغب : الوسط تارة يقال يما له طرفان مذمومان كالجواد الذي بين البخل والسرف فيستعمل استعمال القصد المصون عن الإفراط والتفريط فيمدح به نحو السواء والعدل ونو وكذلك جعلناكم أمة وسطاً وعلى ذلك قال أوسطهم وتارة يقال يما له طرف محمود وطرف مذموم كالخير والشر ويكنى به عن الرذل نحو قولهم وسط بين الرجال تنبيهاً على إنه قد خرج من حد الخير ألم أقل لكم لولا تسبحون} لولا تذكرون الله بالتسبيح والتهليل وتتوبون إليه من خبث نيتكم وقد كان قال لهم حين عزموا على ذلك اذكروا الله وانتقامه من المجرمين وتوبوا إليه من هذه العزيمة الخبيثة من فوركم وسارعوا إلى حسم شرها قبل حلول النقمة فعصوه فعيرهم وفي الآية دليل على أن العزم على المعصية مما يؤاخذ به الإنسان لأنهم عزموا على أن يفعلوا فعوقبوا قبل فعلهم ونظيرها قوله تعالى : [الملك : 9]{وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادا بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وعلى هذا قوله تعالى : وذروا ظاهر الإثم وباطنه والعزم قوة قصد الفعل والجزم به والمحققون على إنه يؤاخذ به وأما الهم وهو ترجيح قصد الفعل فمرفوع قالوا} معترفين بالذنب والاعتراف به يعد من التوبة {سُبْحَـانَ رَبِّنَآ} ننزه ربن عن كل سوء ونقصان سيما عن أن يكون ظالماً
116
فما فعل ابناً {إِنَّا كُنَّا ظَـالِمِينَ} بقصد حرمان المساكين اتباعاً لشح النفس كأنهم قالوا نستغفر الله من سوء صنيعنا ونتوب إليه من خبث نيتنا حيث قصدنا عدم إخراج حق المساكين من غلة بستاننا ولو تكلموا بهذه الكلمة قبل نزول العذاب لنجوا من نزوله لكنهم تكلموا بها بعد خراب البصرة {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} س روى آوردند بعضي ازايشان بر بضعي ديكر {يَتَلَـاوَمُونَ} اللوم الملامة وبالفارسية نكوهيدن يعني خوار داشتن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
أي يلوم عضهم بعضاً على ما فعلوا فإن منهم من ار بذلك ومنهم من استوصبه ومنه من سكت راضياً به ومنهم من أنكره وبالفارسية أين آنرامى كفت تونين انديشيدي وآن عذرمى آوردكه توهم بدين راضي بودي {قَالُوا} يعني بكناه خود اعتراف نمودند وازروى نياز كفتند يا وَيْلَنَآ} أي وأي بزما ودر دزدكى {إِنَّا كُنَّا طَـاغِينَ} متجاوزين حدود الله تعالى وبالفارسية ازحد برندكان دركنكارى كه درويشانرا محروم ساختيم {عَسَى رَبُّنَآ} شايد روردكار ماكه ازكرم اواميد واريم {أَن يُبْدِلَنَا} أن يعطينا بدلاً منها ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة {خَيْرًا مِّنْهَآ} بهترى ازان باغ {إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} رجون العفو طالبون الخير وإلى لانتهاء الرغبة لانتهاء الله منتهى رجائهم وطلبهم أو التضمنها معنى الرجوع وإلا فالمشهور إن تتعدى الربة بكلمة في أو عن دون إلى روى إنهم تعاقدوا وقالوا إن أبدلنا الله خيراً منها لنصعن كما صنع أبونا فدعوا الله وتضرعوا إليه فأبدلهم الله من ليلتهم ما هو خير مها قالوا إن الله أمر جبريل أن يقلتع تلك الجنة المحترقة فيجعلها بزعر من أرض الشام أي موضع قليل النبات ويأخذ من الشام جنة فيجعلها مكانها وقال ابن مسعود رضي الله عنه إن القوم لما أخلصوا وعرف الله منهم الصدق أبدلهم جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقوداً قال أبو خالد اليماني دخلت تلك الجنة فرأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم يعني دران باغ خوشه انكور ديدم برابر مرذدى سياه براي ايستاده محققان كفته اندهركه ببلايى مبتلاً كردد وثمال أو عرضة تلف شودودا وتأمل نمايدو داندكه باستحقاق برونارل شده س بكناه اعتراف نموده بحضرت عزت بازشت كندبهترو خوشتر ازآنه ازوبازستده بدودهد نانه بوستان حيون بعوض باغ ضرواني ويررومي قدس سره ازين معنى خبر ميدهد آنجا ميفرمايد.
أو لم خم شكست وسركه بريخت
من نكويم كه اين زيانم كرد
صدخم شهد صافي ازى آن
عوضم داد وشادمانم كرد
وسئل قتادة عن أصحاب الجنة أهم من أهل الجنة أم من أهل النار فقال لقد كلفتني تعباً وعن الحسن رحمه الله قول أصحاب الجنة أنا إلى ربنا راغبون لا أدري إيماناً كان ذلك منهم أو على حد ما يكون من المشركني إذا أصابتهم الشدة فتوقف في أمرهم والأكثروني على إنهم تابوا وأخلصوا حكاه القشيري قدس سره.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
يقول الفقير : إن كان ذلك القول منهم على حد ما يصدر من المضطر فإبدال الله إياهم جنة خيراً من جنتهم يكون من قبيل الاستدراج وإن كان عن توبة وإخلاص فذلك الإبدال من آثار تحقيق التوبة ونتائج الإخلاص فإن للإخلاص ثمرات عجبة وعن
117
(10/89)
الشيخ أبي الربيع المالقي رحمه الله ، قال : سمعت بامرأة من الصالحات في بعض القرى اشتهر أمرها وكان من دأبنا أن لا نزور امرأة فدعت الحاجة إلى زيارتها للإطلاع على كرامة اشتهرت عنها وكانت تدعى بفضة فنزلنا القرية التي هي بها فذكرلنا إن عندها شاة تحلب لبناً وعسلاً فاشترينا قدحاً جديداً لم يوضع فيه شيء فمضينا إليها وسلمنا عليها ثم قلنا لها نريد أن نرى هذه البركة التي ذكرت لنا عن هذه الشاة التي عندكم فأعطتنا الشاة فحلبناها في القدح فشربنا لبنا وعسلاً فلما رأينا ذلك سألناها عن قصة الشاة فقالت نعم كانت لنا شويهة ونحن قوم فقراء ولم يكن لناشيء فحضر العيد فقال لي زوجي وكان رجلاً صالحاً نذبح هذه الشاة في هذا اليوم فقلت له لا نفعل فإنه قدر خص لنا في الترك الله يعلم حاجتنا إليها فاتفق إن استضاف بنا في ذلك اليوم ضيف ولم يكن عندن قراء فقلت له يا رجل هذا ضيف وقد أمرنا بإكرامه فخذ تلك الشاة فاذبحها قالت فخفنا أن يبكي عليها صغارنا فقلت له اخرجها من البيت إلى وراء الجدار فاذبحها فلما أراق دمها قفزت شاة على الجدار فنزلت إلى البيت فخشيت أن تكون قد انفلتت منه فخرجت لانظرها فإذا هو سلخ الشاة فقلت له يا رجل عجباً وذكرت له القصة فقال لعل الله قد أبدلنا خيراً منها وكانت تلك الشاة تحلب اللبن تحلب اللبن والعسل ببركة إكرامنا الضيف ثم قالت يا أولادي إن شويهتنا هذه ترعى في قلوب المريدين فإذا طابت قلوبهم طاب لبنها وإن تغيرت تغير لبنها فيطيبوا قلوبكم قال اليافعي عنت بالمريدين نفسها وزوجها ولكن أطلقت لفظاً فظاهرة العموم مع إرادة التخصيص تستراً وتحريضاً للمريدين على تطبيب قلوبهم إذ بطيب القلوب حصل كل طيب محبوب من الأنوار ولأسرار ولذة العيش بمنادمة الملك الغار والمعنى لما طابت قلوبنا طاب ما عندنا فطيبوا قلوبكم يطب لكم ما عندكم ولو لم يكن الأمر كذلك بل المراد عموم المريدين لكان بطيب اللبن من سائر الغنم ولو خبث قلبهما لما نقعهما طيب قلوب المريدين وإذا طاباهما لم يضرهما خبث قلوب المريدين {كَذَالِكَ الْعَذَابُ} جملة من مبتدأ وخبر مقدم لإفادة القصر والألف واللام للعهد أي مثل الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا وفي كشف الأسرار كذلك افعل بأمتك إذا لم تعطف أغنياؤهم على فقرائهم بأن أمنعهم القطر وأرسل عليهم الجوائح وأرفع البركة من زروعهم وتجارتهم ففيه وعيد لمانعي الزكاة والصدقة بإهلاك المال وإنزال العذاب بأي طريق كان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
مكن بدكه بدبيني اي يا رينك
نيايد زتخم بدى بارنيك
كسى نيك بيند بهر دوسراي
كه نيكي رساند بخلق خداي
{وَلَعَذَابُ الاخِرَةِ أَكْبَرُ} أعظم وأشد وبالفارسية بزركتراست ه اين عذاب زوال يابد وإن باقي باشد {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} إنه بر لاحترزوا عما يؤديهم إليه ويطرحهم ويرميهم عليه {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} أي من الكفر والمعاصي {عِندَ رَبِّهِمْ} أي في الآخرة وذكر عند للتشريف والتكريم وذلك لأنه لا ملك فيها حقيقة وصورة إلافكأنها حاضرة عند تعالى يتصرف فيها كيف يشاء وإلا فمحال كون عندية الجنة بالنسبة إلى الله تعالى مكانية وهي ظرف معمول للاستقرار الذي تعلق به للمتقين ويجوز أن يكون
118
متعلقاً بمحذوف منصوب على الحالية من المنوى في قوله للمتقين ولا يجوز أن يكون حالاً من جنات لعدم العامل والأظهر إن معنى عند ربهم في جوار القدس فالمراد عندية المكانة المنزهة عن الجهة والتحيز لا عندية المكان كما في قوله تعالى عند مليك مقتدر إذ للمقربين قرب معنوي من الله تعالى قال الراغب عند لفظ موضوع للقرب فتارة يستعمل في المنكان وتارة يستعمل في الاعتقاد نحو عندي كذا وتارة في الزلقى والمنزلة كقوله تعالى : [آل عمران : 169-65]{بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ} وعلى ذلك قيل الملائكة المقربون جنات النعيم} جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص عن شائبة ما ينغصه من الكدورات وخوف الزوال كما عليه نعيم الدنيا واستفي الحصر من الإضافة اللامية الاختصاصية فإنها تفيد اختصاص المضاف إليه {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} كان صناديد قريش يرون وفور حظهم من الدنيا وقلة حظوظ المسلمين منها فإذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المسلمين قالوا إن صح أنا نبعث كما يرعم محمد ومن معه لم تكن حالنا وحالهم الأمثل ما هي في الدنيا والألم يزيدوا علينا ولم يفضلونا وأقصى أمرهم أن يساوونا ردهم الله تعالى والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أنحيف في الحكم فجعل المؤمنين كالكافرين في حصول النجاة والوصول إلى الدرجات فالمراد من المجرمين الكافرون على ما دل عليه سبب النزول وهم المجرمون الكاملون الذين أجرموا بالكفر والشكر وإلا فالإجرام في الجملة ينافي الإسلام نعم المسلم المطيع ليس كالمسلم الفاسق فيه وعظ للعاقل وزجر للمتبصر ثم قيل لهم بطريق الالتفات لتأكيد الرد وتشديده
(10/90)
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} تعجيباً من حكمهم واستبعاداً له وإيذاناً بأنه لا يصدر عن عاقل وما استفهامية في موضع الرفع بالابتداء والاستفهام للإنكار أي لإنكار أن يكون لهم وجه مقبول يعتد به في دعواهم حتى يتمسك به ولكم خبرها والمعنى أي شيء ظهر لكم حتى حكمتم هذا الحكم القبيح كأن أمر الجزاء مفوض إليكم فتحكمون فيه بما شئتم ومعنى كيف في أي حال أفي حال العلم أم في حال الجهل فيكون ظرفا أو أعالمين أم جاهلين فيكون حالاً وفي التأويلات النجمية : أفنجعل المتقني لأحكام الشريعة وآداب الطريقة ورموز الحقيقة كالكاسبين للأخلاق الرديئة والأوصاف الرذيلة المخالفة للشريعة والطريقة والحيقة ما لكم كيف تحكمون بهذا الظلم الصريح والقول القبيح {أَمْ لَكُمْ} أي بل ألكم وبالفارسية آياشماراست {كِتَابٌ} نازل من السماء {فِيهِ} متعلق بقوله {تَدْرُسُونَ} أي تقرأون قال في المفردات درس الشيء معناه بقي أثره ودرست العلم تناولت أثره بالحفظ ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبر عن إدامة القراءة بالدرس {إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} تخير الشيء واختياره أخذ خيره قال الراغب الاختيار طلب ما هو خير فعله وقد يقال ما يراه الإنسان خيراً وإن لم يكن خيراً وفي تاج المصادر والتخير بركزيدن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
والمعنى ما تتخيرونه وتشتهونه وأصله إن لكم بالفتح لأنه مدروس فيكون مفعولاً واقعاً موضوع المفرد فلا يكسر همزة إن ولكن لما جيء باللام كسرت فإن لام الابتداء لا تدخل على ما هو في حيز أن المفتوحة وهذه اللام للابتداء داخلة على اسم إن والمعنى تدرسون في الكتاب لكم ما تختارونه لأنفسكم وأن
119
يكون اعاصي كالمطيع بل أرفع حالاً منه فائتوا بكتاب إن كنتم صادقين ويجوز أن يكون حكاية للمدروس كما هو كقوله تعالى وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين فيكون الموقع من مواقع كسر إن لعدم وقوعها مقوع المفرد حكاه الله في القرآن بورته والفرق بين الوجهين إن المدروس في الأول ما انسبك من الجملة وفي الثاني الجملة بلفظها وقوله فيه لا يستغني عنه بفيه أولاً فقد يكتب المؤلف فيك تابه ترغيباً للناس في مطالعته إن في هذا الكتاب كذا وكذا قال سعدي المفتي لك أن تمنع كون الضمير للكتاب بل الظاهر إنه ليوم القيام المعلوم بدلالة المقام {أَمْ لَكُمْ أَيْمَـانٌ عَلَيْنَا} قوله علينا صفة أيمان وكذا بالغة أي عهود مؤكدة بالإيمان {بَـالِغَةٌ} أي متناهية في التوكيد والصحة لأن كل شيء يكون في نهاية الجوة وغاية الصحة يوصف بأنه بالغ يقال لفلان على يمين بكذا إذا ضمنت وكفلت له به وحلفت له على الوفاء به أي بل أضمنا لكم أو أقسمنا بإيمان مغلظة فثبت لكم علينا عهود مؤكدة بالإيمان {إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ} متعلق بالمقدر في لكم أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة لا تخرج عن عهدتها حتى نحكمكم يومئذٍ ونعطيكم ما تحكمون أو ببالغة أو إيمان تبلغ ذلك اليوم وتنتهي إليه وافرة لم تبطل منها يمين إلى أن يحصل المقسم عليه الذي هو التخحكيم وأتباعنا لحكمهم {إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} جوابا لقسم لأ معنى أم لكم إيمان علينا أم أقسمنا لكم كما سبق {سَلْهُمْ} أمر من سال يسال بحذف العين وهمزة الوصل وهو تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بإسقاطهم عن رتبة الخطاب أي سلهم مبكتاً لهم يعني برس أي محمد مشركاً نراكه {أَيُّهُمْ} كدام ايشان {بِذَالِكَ} الحكم الخارج عن العقول {زَعِيمٌ} أي قائم يتصدى لتصحيحه كما يقوم زعيم القوم بإصلاح أمورهم فقوله بذلك متعلق بزعيم والزعيم بمعنى القائم بالدعوى وإقامة الحجة عليها قال الراغب قوله زعيم إما من الزامة أي الكفالة أو من الزعم بالقول وهو حكاية قول يكون مظنة للكذب وقيل للمتكفل والرئيس زعيم للاعتقاد في قولهم إنه مظنة للكذب {أَمْ لَهُمْ} آيا يشا نراست {شُرَكَآءَ} يشاركونهم في هذا القول ويذهبون مذهبهم {فَلْيَأتُوا بِشُرَكَآاـاِهِمْ} س بكوبياريد شريكان خود.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
(10/91)
فالباء للتعية ويجوز أن تكون للمصاحبة {إِن كَانُوا صَـادِقِينَ} في دعواهم إذ لا أقل من التقليد يعني إنه كما ليس لهم دليل عقلي في إثبات هذا المذهب وهو التسوية بين المحسن والمسيء كما قال ما لكم كيف تحكمون ولا دليل نقلي وهو كتاب درسونه ولا عهود مونقة بالإيمان فليس لهم من يوافقهم من العقلاء على هذا القول حتى يقلودهم وإن كان التقليد لا يفلح من تشبث بذيله فثبت إن ما زعموا باطل من كل الوجوه وفيه إشارة إلى أن اللائق بالحاكم تحرى الصواب بقر اوسع فيما ليس بحاضر عنده وإن حكم بلا تحر فلا يخلو عن خطأ وإن أصاب مصل صلى في أرض لم يعلم القبلة فيها فإنه إن صلى بتحر فصلاته صحيحة وإن أخطأ القبلة وإن صلى فيها بغير تحر فغير صحيحة وإن أصابها وإذا كان الحكم بلا تجر خطأ فكيف الحكم بشيء والأدلة قائمة بخلافه {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} يوم منصوب باذكر المقدر وعن ساق قائم مقام الفاعل ليكشف والمراد يوم القيامة أي اذكر
120
يوم يشتد الأمر ويصعب الخطب وكشف الساق مثل في ذلك ولا كشف ولا ساق ثمة كما تقول للأقطع الشحيح يده مغلولة ولا يدثمة ولا غل وإنما هو مثل في البخل بأن شبهت حال البخيل في عدم تيسر الإنفاق له بحال من غلت يده وكذا شبهت حال من اشتد عليه الأمر في الموقف بالمخدرات اللاتي اشتد عليهن لأمر فاحتجن إلى تشمير سوقهن في الهرب بسبب وقوع أمر هائل بالغ إلى نهاية الشدة مع إنهن لايخرجن من بيوتهن ولا يبدين زينتهن لغير محارمهن لغاية خوفهن وزوال عقلهن من دهشتهن وفرارهن لخلاص أنفسهن فاستعمل في حق أهل الموقف من الأشقياء ما يستعمل في حقهن من غير تصرف في مفردات التركيب بل التصرف إنما هو في الهيئة التركيبية فكشف الساق استعارة تمثيلية في اشتداد الأمر وصعوبته قال المولى الفناري في تفسير الفاتحة فالساق التي كشفت لهم عبارة عن أمر عظيم من أهوال يوم القيامة تقول العرب كشفت الحرب عن ساقها إذا عظم أمرها وتقول لمن وقع في أمر عظيم شديد يحتاج فيه إلى جهد ومقاساة شمر عن ساقك وكذلك التفت الساق بالساق أي دخلت الأهوال والأمور العظام بعضها في بعض يوم القيامة وقيل ساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر وساق الإنسان فإن ساق الشجر مثلاً أصله والأغصان تنبت على ذلك الأصل وتقوم به فالمعنى حينئذٍ يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصولها بحيث تصر عياناً وتنكيره على الوجه الأول للتهويل لأن يوم القيامة يوم يقع فيه أمر فظيع هائل منكر خارج عن المألوف وعلى الثاني للتعظيم {وَيُدْعَوْنَ} أي الكفار والمنافقون {إِلَى السُّجُودِ} توبيخاً وتعنيفاف على تركهم إياه في الدنيا وتحسيراً لهم على تفريطهم فيذلك لا على سبيل التكليف والتعبد لأن يوم القيامة لا يكون فيه تعيد ولا تكليف وسيأتي غير هذا {فَلا يَسْتَطِيعُونَ} لزوال القدرة الحقيقية عليه وسلامة الأسباب والآلات وفيه دلالة على أنهم يقصدون السجود فلا يتأتى منهم ذلك ابن مسعود رضي الله عنه تعقم أصلابهم أي ترد عظاماً بلا مفاصل لا تنثنى عند الرفع والخفض فيبقون قياماً على حالهم حتى تزداد حسرتهم وندامتهم على تفريطهم وفي الحديث : "وتبقى أصلابهم طبعاً واحداً" أي فقارة واحدة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
ودر خبرست كه شت كافر ومنافق وق سرون كايوك مهره شود (كأن سفافيد الحديد في ظهورهم) عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقول إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا عبدونه في ادنيا فذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون في الدنيا ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم كيف بقيتم فيقولون ذهب الناي فيقولون إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا ولم نره فيقال تعرفونه إذا رأيتموه فيقولون نعم فيقل لهم كيف ولم تروه قالوا لا يشبهه شيء فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فيخرون ن له سجداً ويبقى أقوام ظهورهم مثل صياصي البقر فيريدون السجود ولا يستطيعون كقوله تعالى : {يَوْمَ يُكْشَفُ} .
.
الخ يقول الله يا عبادي ارفعوا رؤوسكم قد جعلت بدل كل رجل مكم رجلاً من اليهود والنصارى في النار ، قال أبو بردة فحدثت بذا الحديث عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، فقال : والله الذي لا إله إلا هو أحدثك أبوك بهذا الحديث فحلفت له بثلاث إيمان فقال
121
(10/92)
عمر : ما سمعت من أهل التوحيد حديثاً هو أحب إلى من هذا الحديث وفي تفسير الفاتحة للفناري رحمه الله يتجلى الحق في ذلك اليوم فيقول لتتبع كل أمة ما كانت عبد حتى تبقى هذه الأمة وفيها منافقوها فيتجلى لهم الخلق في أدنى صورة من الصور التي كان يتجلى لهم فيها قبل ذلك فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك نحن منتظرون حتى يأتينا ربنا فيقول لهم جل وعلا هل بينكم وبينه علامة تعرفونه بها فيقولون نعم فيتحول لهم في الصورة التي عرفوه فيها بتلك العلامة فيقولون أنت ربنا فيأمرهم بالسجود فلا يبقى من كان يسجدإلا سجد ومن كان يسجد اتقاء ورياء جعل ظهره طبقة نحاس كلما أراد أن يسجد خر على قفاه وذلك قوله تعالى : يوم يكشف الخ.
وقال أيضاً يكون عى الأعراف من تساوت كفتا ميزانه فهم ينظرون إلى النار وينظرون إلى الجنة ومالهم رجحان بما يدخلهم إحدى الدارين فإذا دعوا إلى السجود وهو الذي يبقى يوم القيامة من التكليف يسجدون فيرحج ميزان حسناتهم فيدخلون الجنة انتهى.
وكفته اندكه دران روزنورى عظيم بناميد وخلق بسجده در افتند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
فيكون كشف الساق عارة عن التجلي الإلهي كما ذهب إليه البعض وفي الحديث : يوم يكشف عن ساق قيل : عن نور عظيم يخرون له سجداً كما في كشف الأسرار وفيه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : يأخذ الله عز وجل للمظلوم من الظالم حتى لا يبقى مظلمة عند أحد حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء فإذا فرغ من ذلك نادى مناد ليسمع الحلائق كلهم ألا ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كنوا يعبدون من دون الله فلاي بقى أحد عبد شيئاً من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه ويجعل الله ملكاً من الملائكة على صورة عزير ويجعل ملكاً من الملائكة على صورة عيسى بن مريم فيتبع هذا اليهود ويتبع هذا النصارى ثم تلويهم آلهتهم إلى النار وهم الذين يقول الله لو كان هؤلاء إلهة ما ورودها وكل فيها خالدون وإذا لم يبق إلا المؤمنون وفيهم المنافقون قال الله لهم ذهب الناس فألحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون فيقولون والله ما لنا إله إلا الله وما كنا نعبد غيره فينصرفعنهم فيمكث ما شاء أن يمكث ثم يأتيهم فيقول أيها الناس ذهب الناس فألحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون فيقولون والله ما لنا إله إلا الله وما كنا نعبد يره فينصرف الله عنهم فيمكث ما شاء أن يمكث ثم يأتيهم فيقول أيها الناس ذهب الناسفألحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون فيقولون والله ما لنا إله إلا الله وما كنا نعبد غيره فيكشف لهم عن ساق ويتجلى لهم من عظمته مايعرفون به إنه ربهم فيخرون سجداً على وجوههم ويخر كل منافق على قفاه وتجعل أصلابهم كصياصي البقر ثم يضرب الصراط بين ظهراني جهنم انتهى.
واعلم أن حديث التحول مجمع عليه وهو من آثار الصفات الإلهية كرؤيته في المنام في الصورة الإنسانية وإلا فالله تعالى بحسب ذاته منزه عن الصورة وما يتبعها ومن مشى على المراتب لم يعثر ثم إن الآية دلت على جواز ورود الأمر بتكليف ما لا يطاق القدرية لا يقولون بذلك ففيها حجة عليهم كما في أسئلة المقحمة لكن ينبغي أن يعلم أن المراد بما لا يطاق هو المحال العادي كنظر الأعمى إلى المصحف ولا نزاع في تجويز التكليف به وكذا المحال العارضي كإيمان أبي جهل فإنه صار محالاً بسبب عارض وهو أخبار الله
122
تعال بأنه لا يؤمن وقد أجاز الأشاعرة التكليف به ومنعه المعتزلة وإما المحال العقلي وهو الممتنع لذاته كإعدام القديم فلم يذهب إلى جواز التكليف به أحد خاشعة أبصارهم} حال من مروفع يدعون على أن أبصارهم مرتفع به على الفاعلية ونسبة الخشوع إلى الأبصار لظهور أثره فيها وإلا فالأعضاء أيضاً خاشعة ذليلة متواضعة بل الخاشع في الحقيقة هو القلب لكونه مبدأ الخشوع.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
وقال الكشافي) : يعني خداوندان أبصار سر دريش افكنده وشر منده باشد.
(10/93)
قال أبو الليث وذلك إن المسلمين إذا رفعوا رؤوسهم من السجود صارت بيضاء كاثلج فلما نظر إليهم اليهود والنصارى والمنافقون وهم الذين لم يقدروا على السجود حزنوا واغتموا واسودت وجوههم كما قال تعالى : {تَرْهَقُهُمْ} تلحقهم وتغشاهم فإن الرهق غشيان الشيء الشيء {ذِلَّةٌ} شديدة تخزيهم كأنه تفسير لخشوع أبصارهم يقال ذل يذل ذلاً بالضم وذلة بالكسر وهو ذليل يعني خوار {وَقَدْ كَانُوا} في الدنيا {يَدَّعُونَ} دعوة التكليف {إِلَى السُّجُودِ} أي إليه والإظهار في الموضع الإضمار لزيادة التقرير أولأن المراد به الصلاة أو ما فيها من السجود وخص السجود بالذكر من حيث إنه أعظم الطاعات قال بعضهم يدعون بدعوة الله ريحاً مثل قوله تعالى : [القلم : 43]{وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا} أو ضمناً مثل قوله تعالى : أقيموا الصلاة فإن الدعوة إلى الصلاة دعوة إلى السجدة وبدعوة رسول الله عليه اسلام صريحاً كقوله عليه السلام ، أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء قالوا أي السجود أو ضمناً كقوله علي السلام صلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أمولكم وأطيعوا إذا أمركم تدخلوا جنة ربكم وبدعوة علماء كل عصر ومن أعظم الدعوة إلى السجود إذ إن المؤذنين وإقامتهم فإن قولهم حي على الصلاة دعوة بلا مرية فطوبى لمن أجاب دعوتهم بطوع لا بإكراه امتثالاً لقوله تعالى : أجيبوا داعي الله والجملة حال من ضمير يدعون وهم سالمون} حال من مرفوع يدعون الثاني أي أصحاء في الدنيا سلمت أعضاؤهم ومفاصلهم من الآفات والعلل متمكنون منأداء السجدة وقبول الدعوة أقوى تمكن أي فلا يجيبون إليه ويأبونه وإنما ترك ذكره ثقة بظهوره وبالفارسية وايشان تندرست بودند وقادر بران ون فرصت فوت كردند درين روز جز حسرت وندامت بهرء ندارند.
مد فرصت از دست كر بايدت
كه كوى سعادت زميدان برى
كه فصت عزيزست ون فوت شد
بسى دست حسرت بدندان برى
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
وفي الآية وعيد لمن ترك الصلاة المفروضة أو تخلف عن الجماعة المشروعة قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ادع الله أن يرزقني مرافقتك في الجنة ، فقال : أعني بكثرة السجود وكان السلف يعزون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتهم التكبير الأول وسبعة إذا فاتهم الجماعة قال أبو سليمان الداراني قدس سره أقمت عشر بن سنة ولم أحتلم فدخلت مكة فأحدثت بها حدثاً فما أصبحت إلا احتلمت وكان الحدث إن فاتته صلاة العشاء بجماعة وقال الشيخ أبو طالب المكي قد سره : في قوت القلوب ولا بد مق صلاة الجماعة سيما إذا سمع التأذين
123
أو كان في جوار المسجد وحد الجوار أن يكون بينه وبين المسجد مائة دار وأولى المساجد التي يصلي فيها أقربها إليه إلا أن يكون له نية في الأبعد لكثرة الخطي أو لفضل أمام فيه فالصلاة خلف العالم الفاضل أفضل أو يريد أي يعمر بيتاً من بيوت الله بالصلاة فيه وإن بعد وقال سيعد ابن المسيب رحمه الله من صلى الخمس في جماعة فقد ملأ البر والبحر عبادة ، قال أبو الدرادء رضي الله عنه حالفاً بالله تعالى من أحب لأعمال إلى الله ثلاثة أمر بصدقة وخطوة إلى صلاة جماعة وأصلاح بين الناس وفي الآية إشارة إلى أنه يرفع الحجاب ويبقى المحجوبون في جاب ا نيتهم ويشتد عليهم الأمر ويدعون إلى الفناء في الله فلا يستطيعون لإفساد استعدادهم الفطري بالركون إلى الدنيا وشهواتها ذليلة أبصارهم متحيرة لذهاب قوتها النورية تلحقهم ذلة الحجاب وهو أن الاحتجاب وقد كانوا في زمان استعدادهم يدعون إلى سجود الفناء بترك اللذات والشهوات وهم نائمون في نوم الغفلة لا يرفعون له رأساً الفساد استعداد مزاجهم بالعلل النفسانية والأمراض الهيولانية {فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـاذَا الْحَدِيثِ} من منصوب للعطف على ضمير المتكلم أو على إنه مفعول معه وهو مرجحوح لإمكان العطف من ير ضعف أي وإذا كان حالهم في الآخرة كذلك فدعني ومن يكب بالقرآن وخل بيين وبينه ولا تشغل قلبك بشأنه وتوكل عى في الانتقام منه فإني عالم بما يستحقه من العذاب ويطيق له وكافيك أمره يقال ذرني وإياه يريدون كله إلى فإني أكفيك قال في فتح الرحمن وعيد ولم يكن ثمة مانع ولكنه كما تقول دعني مع فلان أي سأ عاقبه والحديث القرآن لأن كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه يقال له حديث {سَنَسْتَدْرِجُهُم} يقال استدركه إلى كذا إذا استنزله إليه درجة درجة حتى يورطه فيه وفي تاج المصادر الاستدراج اندك اندك نزديك دانيدن خداي بنده را بخشم وعقوبت خود.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
(10/94)
والمعنى سنستنزلهم إلى العذاب درجة فدرجة بالإحسان وإدامة الصحة وازدياد النعمة حتى نوقعهم فيه فاستدراج الشخص إلى العذاب عبارة عن هذا الاستنزال والاستدناء {مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} أي من الجهة التي لا يشعرون إنه استدراج وهو الإنعام عليهم لأنهم يحسونه إيثاراً لهم وتفضيلاً عل المؤمنين وهو سبب لهلاكهم وفي الحديث : "إذا رأيت الله ينعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم إنه مستدرج" وتلا هذه الآية وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه من وسع عليه دنياه فلم يعلم إنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله.
(وروى) إن رجلاً من بني إسرائيل قال يا رب كم أعصيك ولم أنت لا تعاقبني فأوحى الله إلى نبي زمانه إن قل له كم من عقوبة لي عليك وإن لا تشعر كونها عقوبة إن جمود عينك وقساوة قلبك استدراج مني وعقوبة لو عقلت قال بعض المكاشفين من المكرا الإلهي بالعبد أن يرزق العلم ويحرم العمب به أو يرزق العمل وبحرم الإخلاص فيه فمن علم اتصافه بهذا من نفسه فليعلم إنه ممكور به وأخفى ما يكون المكر الإلهي في المتأولين من أهل الاجتهاد وغيرهم ومن يعقتد أن كل مجتهد مصيب يدعو الناس على بصيرة وعلم قطعي وكذلك مكر الله بالخاصة خفي مستور في إبقاء الحال عليهم وتأييدهم
124
بالكرامات مع سوء الأدب الواقع منهم فتراهم يتلذذون بأحوالهم ويهجمون على الله في مقام الإدلال وما عرفوا ما ادخر لهم من المؤاخذات نسأل الله العافية وقال بعض العارفين مكر الله في نعمه أخفى منه في بلائه فالعاقل من لا يأمن مكر الله في شيء وأدنى مكر بصاحب النعمة الظاهرة أو الباطنة إنه يخطر في نفسه إنه مستحق لتلك النعمة وإنها من أجل إكرامه خلقت ويقول إن الله ليس بمحتاج إليها فهي لي بحكم الاستحقاق وهذا يقع فيه كثيراً من لا تحقق عنده من العارفين لأن الله إنما خلق الأشياء بالأصالة لتسبح بحمده وإما انتفاع عباده بها فبحكم التبعية لا بالأول وقال بعض المحققين كل علم ضروري وده العبد في نفسه من غير تعمل فكر فيه ولا تدبر فهو عطاء من الله لوليه الخاص بلا واسطعة ولكن لا عيرف إن ذلك من الله إلا الكمل من الرجال ويحتاج صاحب مقام الفتوح إلى ميزان دقيق لأنه قد يكون في الفتوح مكر خفي واستدراج ولذلك ذكره تعالى في القراء على نوعين بركات وعذاب حتى لا يفرح العاقل بالفتح قال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ} وقال تعالى : فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد وتأمل قول قوم عاد هذا عارض ممطرنا لما حجبتهم العادة فقيل لم بل هو ما استعجتلم به ريح فيها عذاب أليم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
واعلم إن كل فتح أعطاك أدباً وترقيا فليس هو بكر بل عناية من الله لك وكل فتح أعطى العبد أحوالاً وكشفاً وإقبالاً من الحق فلحذر منه فإنه نتيجة عجلت في غيره موطنها فينقلب صاحبها إلى الدار اُرة صفر اليدين نسأل الله اللطف قال أبو الحسين رضي الله عنه المستدرج سكران والسكران لا يصل إليه ألم فجع المعصية الأبعد إفاقته فإذا أفاقوا من سكرتهم خلص ذلك إلى قلوبهم فانزعجزا ولم يطمئنوا والاستدراج هو السكون إلى اللذات والتنعم بالنعمة ونسيان ما تحت النعم من المحن والاغترار بحلم الله تعالى وقال أبو سعيد الخراز قدس سره الاستدراج فقدان اليقين فالمستدرج من فقد فوائد باطنه واشتغال بظاهره واستكثر من نفسه حركاته وسعيه لغيبوبته عن المنة وقال بعضهم : بالاستدراج تعرف العقوبة ويخاف المقت وبالانتباه تعرف النعمة ويرجى القرب وأملى لهم} الإملاء مهلت دادن.
أي وأمهلهم بإطالة العمر وتأخير الأجل ليزدادوا إثماً وهم يزعمون إن ذلك لإرادة الخير بهم {إِنَّ كَيْدِى} أي أخذي بالعذاب {مَتِينٌ} قويشديد لا يطاق ولا يدفع بشيء وبالفارسية وبدرستى كه عقوبت من محكم است بهر يزى دفعنشود وكرفتن من سخت است كس را طاقت آن نباشد.
وفي الكشاف سمى إحسانه وتمكينه كيدا كما سماء استدراجاً لكونه في صورة الكيد حيث كان سبباً للتورط في الهلكة ووصفه بالمتانة لقوة أثر إحسانه في التسبب للهلاك قال بعضهم الكيد إظهار النفع وإبطان الضر للمكيد وفي المفردات الكيد ضرب من الاحتيال وقد يكون محموداً ومذموماً وإن كان يستعمل في المذموم أكثر وكذلك الاستدراج والمكر ولكون بعض ذلك محموداً قال تعالى : ذلك كدنا ليوسف قال بعضهم : أراد بالكيد العذاب والصحيح إنه الإمهال المؤدي إلى العذاب انتهى.
وفي التعريفت الكيد ارادة مضرة الغير خفية وهو من الخلق الحيلة السيئة ومن الله التدبير بالحق لمجازاة أعمال الخلق {أَمْ تَسْـاَلُهُمْ} آيا مبطلي
125
از ايشان بر ابلاغ وارشاد ودعوت ايمان وطاعت.
(10/95)
وهو معطوف على قوله أم لهم شركاء {أَجْرًا} دنيوياً {فَهُمُ} لأجل ذلك {مِّن مَّغْرَمٍ} أي من غرامة مالية وهي ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه {مُّثْقَلُونَ} مكلفون حملاً ثقيلاً فيعرضون عنك أي لا تسأل منهم ذلك فليس لهم عذر في إعراضهم وفرارهم {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ} أي اللوح أو المغيبات {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} منه ما يحكمون من التسوية بين المؤمن والكافر ويستغنون بهعن علمك {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم {وَلا تَكُن} في التضجر والعجلة بعقوبة قومك وبالفارسية مباش در دلتنكى وشتاب زدكى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
{كَصَاحِبِ الْحُوتِ} أي يونس عليه السلام ، يعني يونس كه صبر نكرد براذيت قوم وبي فرماني الهي ازميان قوم برفت تابشكم ما هي محبوس كشت {إِذْ نَادَى} داعيا إلى الله في بطن الحوت بقوله لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين {وَهُوَ مَكْظُومٌ} مملوء غيظاً وغما يقال كظم السقاء إذا ملأه وشد رأسه وبالقيد الثاني قال تعالى : [آل عمران : 134]{وَالْكَـاظِمِينَ الْغَيْظَ} بمعنى الممسكين عليه وعليه قول النبي من كظلم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيماناً والجملة حال من ضمير نادى وعليها يدور النهي لأنها عبارة عن الضجرة والمغاضبة المذكورة صريحاً في قوله وذا النون إذ ذهب مغاضباً لا على النداء فإنه أمر مستحسن ولذلك لم يذكر المنادي وإذ منصوب بمضاف محذوف أي لا يكن حالك كحاله وقت ندائه أي لا يوجد منك ما وجد منه من الضجرة والمغاضبة فتبتلى ببلائه وهو التقام الحوت لأ بنحو ذلك قال بعضهم فاصبر لحكم ربك بسعادة من سعد وشقاوة من شقى ونجاة من نجا وهلاك من هلك ولا تكن كصاحب الحوت في استيلاء صفات النفس عليه وغلبة الطيش والغضب للاحتجاب عن حكم الرب حتى رد عن جناب القدس إلى مقر الطبع فالتقمه حوت الطبيعة السفلية في مقام النفس وابتلى بالاجتنان في بطن حوت الرحم لولا أن تداركه} ناله وبلغه ووصل إليه وبالفارسية اكرنه آتست كه دريانت اورا {نِعْمَتَ} رحمة كائنة {مِّن رَّبِّهِ} وهو توفيقه للتوبة وقبولها منه وحسن تذكير الفعل للفصل بالضمير وإن مع الفعل في تأويل الصمدر مبتدأ خبره مقدر بمعنى ولولا تدارك نعمة من ربه إياه حاصل {لَنُبِذَ} أي طرح من بطن الحوت فإن النبذ القاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به {بِالْعَرَآءِ} أي بالأرض الخالية من الأشجار قال الراغب : العراء مكان لا سترة به {وَهُوَ مَذْمُومٌ} مليم مطرود من الرحمة والكرامة لكنه رحم فنبذ غير مذموم بل سقيما من جهة الجسد ومليم من ألام الرجل بمعنى أتى ما يلام عليه ودخل في اللوم فإن قلت فسر المذموم بالمليم وقد أثبته الله تعالى بقوله فالتقمه الحوت وهو مليم أجيب على ذلك التفسير بأن الآلامة حين الالتقام لا تستلزم الالامة حين النبذاذ التدارك نفاها فالتفت على ما هو حكم لولا الامتناعية كما أشير إليه في تصوير المعنى آنفاً وهو حال من مرفوع نبذ عليها يعتمد جواب لولا لأنها هي المنفية لا النبذ بالعراء كما في الحال الأولى لأنه نبذ غير مذموم بل محمود
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
{فَاجْتَبَـاهُ رَبُّهُ} عطف على مقدراي فتداركته نعمة ورحمة من ربه فجمعه إليه وقربه بالتوبة عليه يأن در إليه الوحي وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون
126
يقال جبيت الماء في الحوض جمعته والحوض الجامع له جابية والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء وقيل شتباه إن صح إنه لم يكون نبياً قبل هذه الواقعة ومن أنكر الكرامات والإرهاص لأبدان يختار القول الأول لأن احتاسه في بطن الحوت وعدم موته هناك لما لم يكون إرهاصاً ولا كرامة لأبدان يكون معجزة وذلك يقتضي أن يكون رسولاً قبل هذه الواقعة {فَجَعَلَه مِنَ الصَّـالِحِينَ} من الكاملين في الصلاح بأن عصمه من أن يفعل فعلاً يكون تركه أولى روى إنها نزلت بأحد حين هم رسول الله عليه السلام إن يدعو على المنهزمين فتكون الآية مدينة وقيل حين أراد أن يدعو على ثقيف.
حق تعالى فرمودكه صبركن وآن دعا در توقف داركه كارها بصبر نيكوشود.
كارها از صبر كردد دلسند
خرم آن كز صبر باشد بهره مند
ون دارافتادى بكر داب حرج
صبركن والصبر مفتاح الفرج
(10/96)
دلت الآيات على فضيلة الصبر وعلى أن ترك الأولى يصدر من الأنبياء عليهم السلام وإلا لما كان يونس عليه السلام مليماً وعلى أن الندم على ما فرط من العبد والتضرع إلى الله لذلك من وسائل الإكرام وعلى أن توفيق الله نعمة باطنة منه وعلى أن الصلاح درجة عالية لا ينالها إلا أهل الاجتباء وعلى أن فعل العبد مخلوقلدلالة قوله فجعله من الصالحين على أن الصلاح إنما يكون بجعل الله وخلقه وإن كان للعبد مدخل فيه بسبب الكسب بصرف إرادته الجزئية والمعتزلة يأولونه تارة بالأخبار بصلاحه وتارة باللطف له حتى صلح لكنه مجاز والأصل هو الحقيقة {وَأَنْ} مخففة واللام دليلها {يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَـارِهِمْ} يقال الزلقة أزل رجله يعني بلغزانيد {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} لما ظرفية منصوبة بيزلقونك ولمعنى إنهم منشدة عدواتهنم لك ينظرون إليك شزرا أي نظر الغضبان بمؤخر العين بحيث يكادون يزلون قدمك فيرمونك وقت سماعهم القرآن وذلك لاشتداد بعضهم وحسدهم عند سماعه من قولهم نظر إلى نظراً يكاد يصرعني أي لو أمكنه بنظره الصرع لفعله أو أنهم يكادون يصيبونك بالعين قال في كشف الأسرار الجمهور على هذا القول روى إنه كان في بني أسد عيانون والعيان والمعيان والعيون شديد الإصابة بالعين وكن الواحد منهم إذا أراد أن يعين شيئاً يتجوع له ثلاثة أيام ثم يتعرض له فيقول تالله ما رأيت أحسن من هذا فيتساقط ذلك الشيء وكان الرجل منهم ينظر إلى الناقة السمينة أو البقرة السمينة ثم بعينها ثم يقول للجارية خذي المكتل والدرهم فائتينا بلحم من لحم هذه فما تبرح حتى تقع فتنحر والحاصل إنه لا يمر به شءي فيقول فيه لم أر كاليوم مثله الإعانة وكان سبباً لهلاكه وفساده فسأل الكفار من قريش من بعض من كانت له هذه الصفة أن يقول في رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما رأيت مثله ولا مثل حجبه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
تار توجمال آن حضرت بآسيب عين الكمال از ساحت عالم محو سازد.
فقال فعصمه الله تعالى : (وقال الكاشفي) : حق تعالى براي عصمت وي از شم بداين آيت را فرستاد.
قال الحسن البصري قدس سره دواء الإصابة بالعين أن تقرأ هذه الآية ، (كما قال الحافظ) :
حضور مجلس أنس است دوستان جمعند
وإن يكاد بخوانيد ودر فراز كنيد
127
وفي الأسرار المحمدية : قد قبل إن ف يهذه الآية خاصية لدفع العين تعليقاً وغسلاً وشرباً انتهى.
وفي الحديث : "العين حق" أي أثرها في المعين واقع قالوا إن الشيء لا يعان إلا بعد كماله وكل كامل فإنه يعقبه النقض بقضاء ولما كان ظهور القضاء بعد العين أضيف ذلك إليها ولما خاف يعقوب عليه السلام ، على لألاده من العين لأنهم من العين لأنهم كانوا أعطوا جمالاً وقوة امتداد قامة وكانوا ولد رجل واحد قال : يا بني لا تدخلو من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة فأمرهم أن يتفرقوا في دخولها لئلا يصابوا بالعين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يعوذ الحسن والحسين فيقول أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ويقول هكذا كان يعوذ إبراهيم إسماعيل وإسحاق عليهم السلام ، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : دخلت على رسول الله عليه السلام في أول النهار فرأيته شديد الوجع ثم عدت ءه آخر النهاي فوجدته معافى فقال إن جبريل أاني فرقاني فقال بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن كل عين وحاسد الله يشفيك قال عليه السلام فأفقت والرقية بالفارسية افسون كردن.
(10/97)
يقال رقاه الراقي رقيا ورقية إذا عوذه ونفث في عوذته قالوا وإنما تكره الرقية إذا كانت بغير لسان العرب ولاي دري ما هو ولعله يدخله سحر أو كفر وإما ما كان من القرآن أو شيء من الدعوات فلا بأس به كما في المغرب للمطرزي ولا تختص العين بالأنس بل تكون في الجن أيضاً وقيل : عيونهم أنفذ من اسنة الرماح وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي عليه السلام رأى في بيتها جارية تشتكي وفي وجهها صفرة فقال استرقوا لها فإن بها النظرة وأراد بها العين أصابتها من الجن كما في شرح المصابيح وفي الحديث : "لو كان شيء يسبق القدر لسبقة العين" أي لو كان شيء مهلكاً أو مضراً بغير قضاء الله وقدره لكان العين أي أصابتها لشدة ضررها وعنه عليه السلام ، إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر ومما يدفع العين ما روى إن عثمان رضي الله عنه رأى صبياً مليحاً فقال دسموا نونته لئلا تصيبه العين أي سودوا نقرة ذقنه قالوا ومن هذا القبيل نصب عظام الرؤوس في المزارع والكروم ووجهه إن النظر الشؤم يقع عليها أولاً فتنكسر سورته فلا يظهر أثره ومن الشفاء من العين أن يقال على ماء في أناء نظيف ويسقيه منه ويغله عنس عابس بشهاد قابس رددت العين من المعين عليه وإل أحب الناس إليه فارجع البصر هل ترى من فطور والفاتحة وآية الكرسي وست آيات الشفاء وهي ويشف صدور قوم مؤمنين شفاء لما في الصدور فيه شفاء للناس وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين وإذا مرضت فهو يشفين قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
ومن الشفاء أن يؤمر العائن فيغتسل أو يتوضأ بماء ثم يغتسل به المعين قيل وجه إصابة العينإن الناظر إذا نظر إلى شيء واستحسنه ولم يرجع إلى الله وإلى رؤية صنعه قد يحث الله في المنظور علة بجناية نظره على غفلة ابتلاء لعباده ليقول المحق إنه من الله وغيره من غيره فيؤاخذ الناظر لكونه سببهاً ووجهها بعض بأن العائن قد ينبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد كما قيل مثل ذلك في بعض الحيات.
128
(10/98)
قال في الأسرار المحمدية : ذوات السموم تؤثر بكيفاتها الخبيثة الكامنة فيها بالقوة فمتى قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية وتكيفت نفسها بكيفية خبيثة مؤذية ومنها ما تشتد كفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين ومنها ما يؤثر في طمس البصر ومنها ما يؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية بل بعضه بالمقابلة والرؤية كما اشتهر عن نوع من الأفاعي ها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك فهو من هذا الجنس ولا يستبعد إن تنبعث من عين يعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية تتصل المعين وتتخلل مسام جسمه أي ثقبه كالغم والمنخر الأذن فيتضرر به وإذا كانت النفوس مختلفة في جوتهرها وماهياتها لم يمتنع أيضاً اختلافها في لوزمها وآثارها فلا يستبعد أن يكون لبعض النفوس خاصية التأثير المذكور وبه يحصل الجواب عمن أنكر إصابة العين وقال إنها لا حقيقة لها لأن تأثير الجسم في الجسم لا يعقل إلا بواسطة المماسة ولا مماسة ههنا فامتنع حصول التأثير انتهى وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره وبعض النفوس لا تحتاج إلى المقابلة بل يتوجه الروح ونحوه يحصل الضرر فربما يوصف الشيء للأعمى فتؤثر نفسه فيه بالوصف من غير مقابلة ورؤية وإذاقتلت ذوات السموم بعد لسعها خَفَّ أثر لسعها لأن الجسد تكيف بكيفية الاسم وصار قابلاً للانحراف فما دامت حية فإن نفسها تمده بامتزاج الهواء بنفسها وانتشاق الملسوع به قال الجاحظ علماء الفرس والهند وأطباء اليونانيين ودهاة العرب وأهل التجربة من المعتزلة وحذاق المتكلمين كانوا يكرهون الأكل بين يدي السباع يخافون عيونها لما فيها من النهم والشره لما ينحل عند ذلك من أجوافها من البخار الرديء وينفصل من عيونها ما إذا خالط الإنسان نقصه وأفسده وكانوا يكرهون قيام الخدم بالمذاب والأشربة على رؤوسهم مخافة العين وكانوا يأمرون أتباعهم قبل أن يأكلوا إن يطردوا الكلب والسنور أو يشغلوه بما يطرح له ومن هذا يعرف بعض أسرار قوله عليه السلام : من أكل وذو عينين ينظر إليه ولم يواسه ابتلا بداء لا دواء له وفائدة الرقى الروح إذا تكيفت به وقويت واستعانت بالنفث والتفل قابلت ذلك الأثر الذي حصل من النفوس لخبيتة والخواص الفاسدة فأزالته والحاصل أن الرقية بما ليس بشرك مشروعة لكن التحرز من العين لازم وإنه واجب على كل مسلم أعجبه شيء أن يبرك ويقول تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه فإنه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة ومن عرف بإصابة العين منع من مدخلة الناس دفعاً لضرره قال بعض العلماء يأمره الامام بلزوم بيته وإن كان فقيراً رزقه ما يقوم به معاشه ويكف أذاه عن الناس وقيل ينفي والاحتياط الأمر بلزوم بيته دون الحبس والنفي وبهذا التقير يعرف حال المجذومين ولذا اتخذوا لهم في بعض البلاد مكاناً مخصوصاً بحيث لا يخالطون الناس ولا بشار كونهم في محلاتهم وذكر الجاحظ إن أعجب ما في الدنيا ثلاثة اليوم لا تظهر بالنهار خوفاً أن تصيبها العين لحسنها قال في حياة الحيوان ولما تصور في نفسه إنه أحسن الحيوان لم يظهر إلا بالليل
129
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
والثاني : الكركي لا يطا الأرض بقدمية بل بإحداهما فإذا وطئها لم يعتمد عليها خوفاً إن تخسف الأرض والثالث الطائر الذي يقعد على سواقي الماء من الأنهار يعرف بمالك الحزين شبيه الكركي لا يشبع من الماء خشية أن يفنى فيموت عطشاً ففي الأول إشارة إلى ذم العجب وفي الثاني إلى مدح الخوف وفي الثالث إلى قدح الحرص فلعتبر العاقل من غير العاقل والسعيد من وعظ بغيره وأخذ الإشارة من كل شي نسأل الله البصيرة التامة بمنه {وَيَقُولُونَ} الغاية حيرتهم في أمره عليه السلام ونهاية جهلهم بما في القرآن من بدائع العلوم ولتنفير الناس عنه وإلا فقد علموا أنه أعقلهم {إِنَّهُ} عليه السلام {لَمَجْنُونٌ} الظاهر أنه مثل قولهم يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون.
(وقال الكاشفي) : بدرستى كه اين مرد ديو كرفته يعني با وجنى است كه اورا تعليم ميدهند.
كما قال الوليد ابن المغيرة : معلم مجنون يعني يأتيه رئيي من الجن فيعلمه وحيث كان مدار حكمهم الباطل ما سمعوا منه عليه السلام ، رد ذلك ببيان علو شأنه وسطوع برهانه فقيل {وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَـالَمِينَ} على إنه حال من فاعل يقولون مفيدة لغاية بطلان قولهم وتعجيب للسامعين من جراءتهم على التفوه بتلك العيمة أي يقولون ذلك والحال إن القرآن ذكر للعالمين من الجن والأنس أي تذكير وبيان لجميع ما يحتاجون إليه منأموردينهم فأين من أنزل عليه ذلك وهو مطلع على أسراره طرا ومحيط بجميع حقائقه خبراً مما قالوا في حقه من الجنون أي إنه من أول الأمور على كمال عقله وعلو شأنه فمن نسب إليه القصور فإنما هو من جهله وجنته فإن الفضل لا يعرفه إلا ذووه.
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة
(10/99)
فلا غرو أن يرتاب والصحيح مسفر
وقيل : معناه شرف وفضل لقوله تعالى : {وَإِنَّه لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} وفيه إشارة إلى الإلهام فإنه ذكر لصاحبه ولمن اعتقده واقتدى به إذا الآثار باقية إلى يوم القيامة وقيل الضمير لرسول الله وكونه ذكراً وشرفاً للعالمين لا ريب فيه :
أي شرف جمله عالم بتو
روشنى ديده عالم بتو
وفيه إشارة إلى سادات أمته وأركان دينه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 100
تفسير سورة الحاقة
وآياتها إحدى وخمسون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 129
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
الحاقة} هي منأسماء القيامة من حق يحق بالكسر إذا وجب وثبت لأنها يحق أي يجب مجيئها ويثبت وقوعها كما قال تعالى : [طه : 15-2]{وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا} فالإسناد حقيقي وقال الراغب في المفردات لأنها يحق فيها الجزاء فالإسناد مجازذي كنهاره صائم ونحو ما الحاقة} الأصل ما هي أي أي شيء هي في حالها وصفتها فإن ما قد يطلب بها الصفة والحال فوضع الظاهر موضع المضمر
130
تأكيد الهو لها كما يقال زيد ما زيد على التعظيم لشأه فقوله الحاقة مبتدأ ما مبتدأ ثان وما بعده خبره والجملة خبر للمبتدأ الأول والرابط تكرير المبتدأ بلفظه هذا ما ذكروه في إعراب هذه الجملة ونظائرها ومقتضى التحقيق أن تكون ما الاستفهامية خبراً لما بعدها فإن مناط الفائدة بيان أن الحاقة أمر بديع وخطب فظيع كما يفيده كون ما خبرا لا بيان إن أمراً بديعاً الحاقة كما يديه كونها مبتدأ وكون الحاقة خبرا كذا في الإرشاد {وَمَآ أَدْرَااكَ} من الدراة بمعنى العلم يقال دراه ودرى به أي علم به من باب رمى وأدراه به أعلمه قال في تاج المصادر الدراية والدرية وادرى دانستن ويعدى بالباء وبنفسه قال سيبويه وبالباء أكثر قوله ما مبتدأ وأدراك خبره ولا مساغ ههنا لعكس والمعنى وأي شيء أعلمك يا محمد وبالفارسية وه يز دانا كردانيدترا {مَا الْحَآقَّةُ} جملة من مبتدأ وخبز في موضع المفعول الثاني لأدراك والجملة اكبيرة تأكيد لهول الساعة وفظاعتها ببيان خروجها عن دائرة علم المخلوقات على معنى إن أعظم شأنها ومدى هو لها وشدتها بحيث لا يكاد تبلغه دراية أحد ولا وهمه وكيفما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك وأعظم فلا يتسنى الإعلام قال بعضهم إن النبي عليه السلام وإن كان عالماً بوقوعها ولكن لم يكن عالماً بكمال كيفيتها ويحتمل أن يقال له عليه السلام إسماعاً لغيره وفي التأويلات النجمية : يشير بالحاقة إلى التجلي الإحدى الإطلاقي في مراءة الواحدية المفني للكل كما قال لمن الملك اليوم ا الواحد القهار بقهر سطوات أنوار الأحدية جميع ظلمات التعينات الساترة إطلاق الذات المطلقة وسمى بالحاقة لثبوته في ذاته وتحققه في نفسه {كَذَّبَتْ ثَمُودُ} قوم صالح من الثمد وهو الماء القليل الذي لا مادة له {وَعَادُ} قوم هود وهي قبيلة أيضاً وتمنع كما في "القاموس"
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
{بِالْقَارِعَةِ} من جملة أسماء الساعة أيضاً لأنها تقرع الناس أي تضرب بفنون الإفزاع والأهوال أي تصيبم بها كأنها تقرعهم بها والسماء بالانشقاق والانفطار والأرض والجبال ، بالدك والنسف والنجوم بالطمس والانكدار ووضعت موضع ضمير الحاقة للدلالة على معنى القرع فيها زيادة في وصف شدتها فإن في القاعة ما ليس في الحاقة من الوصف يقال إصابتهم قوارع الدهر أي أهواله وشدائده قيل : منها قوارع القرآن للآيات التي تقرأ حين افزع من الجن والإنس لقرع قلوب المؤذين بذرك جلال الله والاستمداد من رحمته وحمايته مثل آية الكرسي ونحوها وفي الآية تخويف لأهل مكة من عاقبة تكذيبهم بالبعث والحشر {فَأَمَّا ثَمُودُ} وكانوا عرباً منازلهم بالحجر بين الشأن والحجاز يراها حجاج الشأن ذها باوا يابا {فَأُهْلِكُوا} أي أهلكهم الله لتكذيبهم فأخبر عن الفعل لأنه المراد دون الفاعل لأنه معلوم {بِالطَّاغِيَةِ} أي بالصيحة التي جاوزت عن حد سائر الصيحات في الشدة فرجفب منها الأرض والقلوب وتزلزلت فاندفع ما يرى من التعارض بين قوله تعالى : [الأعراف : 91-6]{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} وبين قوله تعالى : فأخذتهم الصيحة والقصة واحدة وفي الآية إشارة إلى أهل العلم الظاهر المحجوبين عن العلوم الحقيقية فإنهم أهل العلم القليل كما إن ثمود أهل الماء القليل فلما كذبوا فناء أهل العلم الباطن من طريق السلوك أهلكهم الله بصاعقة نار البعد والاحتجاب فليس لهم صلاح في الباطن وإن كان لهم صلاح
131(10/100)
في الظاهر وذلك لأنهم لم يتبعوا صالحاً من الصلحاء الحقيقين فبقوا في فساد النفس وأما عاد} وكانت منازلهم بالأحقاف وهي الرمل بين عمان إلى حضر موت واليمن وكانوا عرباً أيضاً ذوي بسطة في الخلق وكان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين وأوسطهم ما بين ذلك وكان رأس الرجل منهم كالقبة يفرخ في عينيه ومنخره السباع وتأخيره عن ثمود من تقدمهم زماناً من قبيل الترقي من الضال الشديد إلى الأضل الأشد {فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ} هي الدبور لقوله عليه السلام : نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور {صَرْصَرٍ} أي شديدة الصوت لها صرصرة في هبوبها وهي بالفارسية بانك كردن باز رغ وآنه بدان ماند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
أو شديدة البرد تحرق ببردها النبات والحرث فإن الصر بالكسر شدة البرد {عَاتِيَةٍ} مجاوزة للحد في شدة العصن كأنها عتت على خزانها فلم يتمكنوا من ضبطها والرياح مسخرة لميكائيل تهب بإذنه وتنقطع بإذنه وله أعوان كأعوان ملك الموت (روى إنه ما يخرج من الريح شيء إلا بقدر معلوم ولما اشتد غضب الله على قوم عاد أصابتهم ريح خارجة عن ضبط الخزان ولذلك سميت عاتية أو المعنى عاتية على عاد فلم يقدر وأعلى ردها بحيلة من استتار ببناء أو لياذ بجبل أو اختفا في حفرة فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ} التسخير سوق الشيء إلى الغرض المختص به قهراً والمسخر هو المقيض للفعل والمعنى سلط الله تلك الريح الموصوفة على قوم عاد بقدرته القاهرة كما شاء الظاهر أنه صفة أخرى ويقال استئناف لدفع ما يتوهم من كونها باتصالات فلكية مع أنه لو كان كذلك لكان بتسببيه وتقديره فلاي خرج من تسخيره تعالى {سَبْعَ لَيَالٍ} منصوب على الظرفية لقوله سرها أنث العدد لكون الليالي جمع ليلة وهي مؤنث فتبع مفرد موصوفة يقال ليل وليلة ولا يقال يوم ويومة وكذا نهارة وتجمع الليلة على الليالي بزيادة الياء على غير القياس فيحذف ياؤها حالة التنكير بالأعلال مثل الأهالي والأهال في جمع أهل الأحالة النصب نحو قوله تعالى : [سبأ : 18-7]{سِيرُوا فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ} لأنه غير منصرف والفتح خفيف وثمانية أيام} ذكر العدد لكون الأيام جمع يوم وهو مذكر {حُسُومًا} جمع حاسم كشهود جمع شاهد وهو حال من مفعول سخرها بمعنى حاسمات عبر عن الريح الصرصر بلفظ الجمع لتكثرها باعتبار وقوعها في تلك الليالي والأيام وقال بعضم صفة لما قبله.
(كما قال الكاشفي) : روزها وشبهاى متوالي.
والمعنى على الأول حال كون تلك الريح متتابعات ما خفق هبوبها في تلك المدة ساعة حتى أهلكتهم تمثيلاً لتتابعها يتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على داء الدابة مرة بعد أخرى حتى ينحسم وينقطع الدم كما قال في تاج المصادر الحسم بريدن ويوسته داغ كردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
فهو من استعمال المقيد في المطلق إذا لخسم هو تتابع الكي أو نحسات حسمت كل خير واستأصلته أو قاطعات قطعت دابرهم والحاصل أن تلك اليراح فيها ثلاث حبثيات الأولى تتابع هبوبها والثانية كونها قاطعة لكل خير ومستأصلة لكل بركة أتت عليها والثالثة كونها قاطعة دابرهم فسميت حسوماً معنى حاسمات أما تشبيهاً لها بمن يحسم الداء في تتابع الفعل وأما لأن الحسم في اللغة القطع والاستئصال وسمى السيف حساماً لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عدواته وهي كانت أيام برد العجوز
132
من صبيحة الأربعاء لثمان بقين من شوال ويقال آخر أسبوع من شهر صفر إلى غروب الأربعاء الآخر وهو آخر الشهر وعن ابن عباس رضي الله عنه برفعه آخر أربعاء في الشهر يوم نحس مستمر وإنم سميت عجوزاً لأن عجوزاً من عاد تورات في سرب أي في بيت الأرض فانتزعتها الريح في اليوم الثامن فأهلكتها وقيل هي أيام العجز وهي آخر الشتاء ذات برد ورياح شديدة فمن نظر إلى الأول قال برد العجوز ومن نظر إلى الثاني قال برد العجز وفي روضة لأخبار رغبت عجوز إلى أولادها أن يزوجوها وكن لها سبعة بنين فقالوا إلى أن تصبري على البرد عارية لكل واحد منا للة فعلت فلما كلفت في السابعة ماتت فسميت تلك الأيام أيام العجوز وأسماء هذه الأيام الصن وهو بالكسر أول أيام العجوز كما في القاموس ولصنبر وهي الريح الباردة والثاني من أيام العجوز كما في "القاموس" والوبر وهو ثالث أيام العجوز والمعلل كمحدث وهو الرابع من أيامها ومطفىء الجمر وهو خامس أيام العجوز أو رابعها كما في "القاموس" وقيل : مكفىء الظعن أي مميلها وهو جمع ظعينة وهو الهودج فيه امرأة أم لا والآمر والمؤتمر قال في "القاموس" آمر ومؤتمر آخر أيام العجوز قال الشاعر :
كسع الشتاء بسبعة غبر
أيام شهلتنا من الشهر
فإذا انقضت أيام شهلتنا
بالصن والصنبر والوبر
وبآمر وأخيه مؤتمر
ومعلل وبمطفىء الجمر
ذهب الشتاء موليا هربا
وأتتك موقدة من الحر
(10/101)
قال في الكواشي ولم يسم الثامن لأن هلاكهم وإهلاكها كان فيه وفي عين المعاني إن الثامن هو مكفىء الظعن ثم قال في الكواشي ويجوز أنها سميت أيام العجوز لعجزهم عما حل بهم فيها ولم يسم الثامن على هذا لإهلاكهم فيه والذي لم يسم هو الأول وإن كان العذاب واقعاً في ابتدائه لأن ليلته ير مذكورة فلم يسم الوم تبعاً للتلة لأن التالاريخ يكون بالليالي دون الأيام فالصن ثاني الأيام الثمانية أول الأيام المذكورة لياليها انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
يقول الفقير : سر العدد أن عمر الدنيا بالنسبة إلى الإنس سبعة أيام من أيام الآخرة وفي اليوم الثامن تقع القيامة ويعم الهلاك ثم في الليالي السبع إشارة إلى الليالي البشرية الساترة للصفات السبع أُهية التي هي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبضصر والكلام وفي الأيام إشارة إلى الأيام الكاشفات للصفات الثمان الطبيعية وهي الغضب والشهوة والحقد والحسد والبخل والجبن والعجب والشره التي تقطع أمور الحق وأحكامه من الخيرات والمبرات يعني قاطعات كل خير وبر وقال القاشاني : وإما عاد المغالون المجاوزون حد الشرائع بالزندقة والإباحة في التوحيد فأهلكوا بريح هوى النفس الباردة بجمود الطبيعة وعدم حرارة الشوق والعشق العاتية أي الشديدة الغالبة عليم الذاهبة بهم في أودية الهلاك سخرها الله عليهم في مراب الغيوب السبع التي هي لياليهم لاحتجابهم عنها والصفات الثمان الظاهرة لهم كالأيام وهي الوجود والحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والتكلم على ما ظهر منهم وما بطن تقطعهم وتستأصلهم {فَتَرَى} يا محمد أو يا من شأنه أن يرى ويبصر إن كنت حاضراً حينئذٍ {الْقَوْمَ} أي
133
قوم عاد فاللام للعهد وبالفارسية س توميد يدي قوم عاد را اكر حاضر مي بودي {فِيهَا} أي في محال هبوب تلك الريح أو في تلك الليالي والأيام ورجحه أبو حيان للقرب وصراحة الذكر موتى جمع صريع كقتلى وقتيل حال من القوم لأن الروية بصرية ولصريع بمعنى مصروع أي مطروح على الأرض ساقط لأن الصرع الطرح وقد صرعوا بموتهم {كَأَنَّهُمْ} كوبيا ايشان از عظم أجسام {أَعْجَازُ نَخْلٍ} بنخهاى درخت خرما اند.
الكاف في موضع الحال أما من القوم على قول من جوز حالين من ذي حال واحد أو من المنوى في صرعى عند من لم يجور ذلك أي مصروعين مشبهين بأصول نخل كما قال في "القاموس" : العجز مثلثة وكندس وكتف مؤخر الشي وإعجاز النخل أصولها انتهى.
والنخل اسم جنس مفرد لفظاً وجمع معنى واحدتها نخلة {خَاوِيَةٍ} أصل الخوى الخلاء يقال خوى بطنه من الطعام أي خلا والمعنى متأكلة الأجواف خالتها لا شيء فيها يعني إنهم متساقطون على الأرض أمواتاً طوالاً غلاظاً كأنهم أصول نخل مجوفة بلا فروع شبهوا بها من حيث إن أبدانهم خوت وخلت من أرواحهم كالنخل الخاوية وقيل : كانت اريح تدخل من أفواهم فتخرج ما في أجوافهم من أدبارهم فصاروا كالنخل الخاوية ففيه إشارة إلى عظم خلقهم وضخامة أجسادهم ولذا كانوا يقولون منأشد منا قوة وإلى الذا لريح إبلتهم فصاروا كالنخل الموصوفة وفيه إشارة إلى أن أهل النفس موتى لا حياة حقيقية لهم لأنهم قائمون بالنفس لا بالله كما قال كأنهم خشب مسدة كأنهم أعجاز نخل أي أقوياء بحسب الصورة لا معنى فيهم ولا حياة ساقطة عن درجة الاعتبار والوجود الحقيقي إذ لا تقوم بالله وإلى إن النفس وصفائها مجوفة لسي لها بقاء لأن البقاء إنما هو بفيض الروح يعني إن الذي رش عليه من رطوبة الروح حي باذن الله وصلح قابلاً للصفات الإلهية وإلا مات وفسد {فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّنا بَاقِيَةٍ} الاستفهام لإنكار الرؤية والباقية اسم كالبقية لا بوصف والتاء للنقل الاسمية ومن زائدة وباقية مفعول ترى أي ما ترى منهم بقية من صغارهم وكبارهم وذورهم وإناثهم غير المؤمنين ويجوز أن يكون صفة موصوف محذوف بمعنى نفس باقية أو مصدراً بمعنى البقاء كالكاذبة والطاغية والبقاء ثبات الشيء على الحالة الأولى وهو يضاد الفناء.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
مقر راست كه بودند برزمانه بسى
شهان تخت نشين خسر وإن شاء نشان
و عاصفات قضا ازمهب قهر وزيد
شدند خاك وازان خاك نيزنيست نشان
فعلى العاقل أن يجتهد حتى يبقى في الدنيا بالعمر الثاني كما دل عليه قوله تعالى حكاية عن إبراهيم الخليل عليه السلام واجعل لي لسان صدق في الآخرين على أن الحياة الباقية الحقيقية هي ما حصلت بالتجلى الإلهي والفيض المآلى الكلى نسأل الله سبحانه أن يفيض علينا سجال فيضه وجوده بحرمة أسمائه وصفاته ووجوب وجوده {وَجَآءَ فِرْعَوْنُ} أي فرعون موسى أفرده بالذكر لغاية علوه واستكباره {وَمِن قَبْلِهِ} ومن تقدمه من الكفرة غير عاد وثمود فهو من قبيل التعيمم بعد التخصيص ومن صولة وقبل نقيض بعد وقرأ أبو عمرو ويعقوب والكسائي قبله بكسر القاف وفتح الباء بمعنى ومن معه من القبط من أهل مصرف {وَالْمُؤْتَفِكَـاتِ}
134
(10/102)
أي قرى قوم لوط أي ألها لأنها عطفت على ما قبلها من فرعون ومن قبله يقال افكه عن الشيء أي قلبه وائتفكت البلدة بأهلها أي انقلبت والله تعالى قلب قرى قوم لوط عليهم فهي المنقلبات بالخسف وهي خمس قريات صعبه وصعده وعمره ودوما سدم وهي أعظم القرى ثم هذا من قبيل التخصيص بعد التعميم للتميم لأن قوم لوط أتوا بفاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين {بِالْخَاطِئَةِ} الباء للملابسة والتعدية وهو الأظهر أي بالخطأ أو بالغفلة أو الأفعال ذات الخطأ العظيم التي من جملتها تكذيب البعث والقيام فالخاطئة على الأول مصدر كالعاقبة وعلى الأخيرين صفة لمحذوف والبناء للنسبة على التجريد والأظهر أنه من المجاز العقلي كشعر شاعر {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ} أي فعصى كل أمة رسولهم حين نهاهم عما كانوا يتعاطونه من القبائح فالرسول هنا بمعنى الجمع لأن فعولاً وفيعلاً يستوي فيهما المذكر والمؤنث والواحد والجمع فهو من مقابلة الجمع بالجمع المستدعية لانقسام الآحاد على الأماد فالإضافة ليست للعهد بل للجنس {فَأَخَذَهُمْ} أي الله تعالى بالعقوبة أي كل قوم منهم {أَخْذَةً رَّابِيَةً} أي زائدة في الشدة على عقوبات سائر الكفار أو على القدر المعروف عند الناس لما زادت معاصيهم في القبح على معاصي سائر الكفرة أغرق من كذب نوحاً وهم كل أهل الأرض غير من ركب معه في السفينة وحمل مدائن لوط بعد أن نتقها من الأرض على متن الريح بواسطة من أمره بذلك من الملائكة ثم قلبها وأتبعها الجارة وخسف بها وغمرها بالماء المنتن الذي ليس في الأرض ما يشبهه واغرق فرعون وجنوده أيضاً في بحر القلزم أو في النيل وهكذا عقوب كل أمة عاصية بحسب أعمالهم القبيحة وجوزيت جزاء وفاقاً وفي كل ذلك تخويف لقريش وتحذير لهم عن التكذيب وفيه عبرة موقظة لأولى الألباب يقال : ربا الشيء يربو إذ زاد ومنه الربا الشرعي وهو الفضل الذي يأخذه آكل الربا آئدا على ما أعطاه
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
{إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَآءُ} المعهود وقت الطوفان أي جاوز حده المعتاد تى ارتفع على كل شيء خمسمائة ذراع وقال بعضهم ارتفع على ارفع جبل في الدنيا خمسة عشر ذاعاً أو حده في المعاملة مع خزنة من الملائكة بحيث لم يقدروا على ضبطه وذلك الطغيان ومجاوزة الحد بسبب إصرار قوم نوح على فنون الكفر والمعاصي ومبالغتهم في تكذيبه فيما أوحى إليه من الأحكام التي جملتها أحوال القيامة فانتقم الله منهم بالإغراق {حَمَلْنَـاكُمْ} أيها الناس أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابكم فكأنكم محمولون بأشخاصكم وفيه تنبيه على المتة في الحمل لأن نجاة آبائهم سبب ولادتهم {فِى الْجَارِيَةِ} يعني في سفينة نوح لأن من شانها أن تجري على الماء والمراد بحملهم فيها رفعهم فوق الماء إلى انقضاء أيام الطوفان لا مجرد رفعهم إلى السفينة كما يعرف عنه كلمة في فانها ليست بصلة للحمل بل متعلقة بمحذوف هو حال من مفعوله أي رفعناكم فوق الماء وحفظناكم حال كونكم في السفيتة الجارية بأمرنا وحفظنا من غير غرق وخرق وفيه تنبيه على إن مدار نجاتهم محض عصمته تعالى وإنما السفينة سبب صوري أي لنجعل الفعلة التي هي عارة عن إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين {لَكُمْ تَذْكِرَةً} عبرة ودلالة على كمال قدرة الصانع وحكمته وقوة قهره وسعة رحمته
135
فضمير لنجعها إلى المفعلة والقصة بدلالة ما بعد الآية من الوعي.
(وقال الكاشفي) : نا كردانيم آن كشتى رابراي شماندى وعبرتي درنجات مؤمنان وهلاك كافران وفي كشف الأسرار تا آنرا يادكارى كنيم تاجهان بود.
وقد أدرك السفينة أوائل هذه الأمة وكان ألوحها على الجودي {وَتَعِيَهَآ} أي تحفظا وبالفارسية ونكاه دارداين ندرا.
والوعى أن تحفظ اعلم ووعيت الشيء في نفسك يقال وعيت ما قلته ومنه ما قال عليه السلام : لا خير في العيش إلا العالم ناطق ومستمع واع والإيعاء أن تحفظه في غير نفسك من وعاء يقال أوعيت المتاع في الوعاء منه ما قال عليه السلام : لا سماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما لا توعى فيوعى الله عليك أرضخي ما استطعت وقال الشاعر :
الخير يبقى وإن طال الزمان به
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
{أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} أي أذن من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه بتذكره والتفكر فيه ولا تضيعه بترك العمل به يقال الوعي فعل القلب ولكن الآذان تؤدي الحديث إلى القلوب الواعية فنعتت الآذن بنعت القلوب (وفي البستان) :
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
وكرنيستى سعى جاسوس كوش
خبركي رسيدي بسلطان هوش
(10/103)
والتنكير والتوحيد حيث لم يقل الآذان الواعية للدلالة على قلتها وإن من هذا شانه مع قلته يتسبب لنجاة الجم الغفير وإدامة نسلهم يعني إن من وعي هذه القصة إنما يعيها ويحفظها لأجل أن يذكرها للناس ويرغبهم في الإيمان المنجى ويحذرهم عن الكفر المردي فيكون سبباً للنجاة والإدامة المذكورتين قال في الكشاف الاذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله فهي السواد الأعظم عند الله وإن ما سواها لا وإن ملأوا ما بين الخافقين وفي الحديث : "فلح من جعل الله له قلباً واعياً" وعن النبي عليه السلام إنه قال لعلي رضي الله عنه نزول هذه الآية سألت الله أن يجعلها إذنك يا علي قال فما نسيت شيئاً بعد وما كان لي أن أنسى إذ هو الحافظ للأسرار الإلهية وقد قال ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة وفي رواية أخذ بأذن علي بن أبي طالب وقال هي هذه ذكره النقاش :
كره ناصح را بود صدداعيه
ندار أذنى ببايد واعيه
كرنبودي كوشهاي غيب كير
وحى ناوردي زكردون يك بشير
قال بعضهم : تلك آذان اسمها الله في الأزل خطابه فهي واعية تعى من الحق كل خطاب وعن أبي هريرة إنه قيل على إنك تكثر رواية الحايث وغيرك لا بروى مثلك فقلت إن المهاجرين والأنصار كان شغلهم عمل أمولهم وكنت أمر مسكيناً ألزم رسول الله وأقنع بقوتي وقال عليه السلام ، يوماً من آل أيام إنه لن يبسط د ثوبه حتى أقضى مقالتي ثم يجمع إليه ثوبه الأوعى ما أقول فبسطت نمرة على حتى إذا قضى مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالته عليه السلام شيئاً وفيه إشارة إلى تأثير حسن المقال وفائدته وإلا لكان دعاؤه عليه السلام كافياً في وعيه كما وقع لأمير المؤمنين رضي الله عنه {فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} شروع في بيان نفس الحاقة وكيفية وقوعها
136
أثر بيان عظم شأنها بإهلاك مكذبيها وانفخ إرسال الريح من الفم وبالفارسية دميدن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
والصور قرن من نور أوسع من السموات ينفخ فيه إسرافيل بأمر الله فيحدث صوت عظيم فإذا سمع الناس ذلك الصوت يصيحون ثم يموتون إلا من شاء والمصدر المبهم هو الذي يكون لمجرد التأكيد وإن كان لا يقام مقام الفاعل فلايقال ضرب ضرب إذ لا يفيد أمراز آئدا على مدلول الفعل إلا نه حسن إسناد الفعل في الآية إلى المصدر وهو النفخة لكونها نفخاً مقيداً بالوحدة والمرة لا نفخاً مجرداً مبهماً والمراد بها ههنا النفخة الأولى التي لا يبقى عندها حيوان الأمات ويكون عندها خراب العالم لما دل عليه الحمل والدك الآتيان وفي الكشاف فإن قلت هما نفختان فلم قيل واحدة قلت معناه أنها لا تثنى في وقتها انتهى.
يعني إن حدوث الأمر العظيم بالنفخة وعلى عقبها إنما استعظم من حيث وقوع النفخ مرة واحدة لا من حيث إنه نفخ فنبه على ذلك بقوله واحدة وفي كشف الأسرار ذكر الواحدة للتأكيد لأن النفخة لا تكون إلا واحدة {وَحُمِلَتِ الارْضُ وَالْجِبَالُ} أي قامت ورفعت من أماكنها بمجرد القدرة الإلهية أو بتوسط الزلزلة والريح العاصفة فإن الريح من قوة عصفها تحمل الأرض والجبال كما حملت أرض وجود قوم عاد وجبال جمالهم مع هوادجها {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} أي فضربت الجملتان جملة الأرضين وجملة الجبال أثر رفعها بعضها ببعض ضربة واحدة بلا احتياج إلى تكرار الضرب وتثنية الدق حتى تندق وترجع كثيباً مهيلاً وهباء منبثاً وإلا فالظاهر فدككن دكة واحدة لإسناد الفعل إلى الأرض والجبال وهي أمور متعددة ونظيره قوله تعالى إن السموات والأرض كانتا رتقا حيث لم يقل كن والدك أبلغ من الدق وفي الصحاح الدك الدق وقد دكه إذا ضربه وكسره حتى سواء بالأرض وبابه رد وفي المفردات الدك الأرض اللينة السهلة ودكت الجبال دكا أي جعلت بنمزلة الأرض اللينة ومنه الدكان {فَيَوْمَـاـاِذٍ} أي فحينئذٍ وهو منصوب بقوله {وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} هي من أسما القيامة بالغلبة لتحقق وقوعها وبهذا الاعتبار أسند إليه وقعت أي إذا كان الأمر كذلك قامت القيامة التي توعدون بها أو نزلت النازلة العظيمة التي هي صيحة القايمة وهو جواب لقوله فإذا نفخ في الصور ويومئذٍ بدل من إذا كرر لطول لكلام والعامل فيهما وقعت {وَانشَقَّتِ السَّمَآءُ} وآسمان برشكافت از طرف مجره.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
(10/104)
يعني انفرجت لنزول الملائكة لأمر عظيم أراده الله كما قال يوم تشقق السماء بالعمام ونزل الملائكة تنزيلاً أو بسبب شدة ذلك اليوم وهو معطوف على وقعت {فَهِىَ} أي السماء {يَوْمَـاـاِذٍ} ظرف لقوله {وَاهِيَةٌ} ضعيفة مسترخية ساقطة القوة جداً كالغزل المنقوض بعدما كانت محكمة مستمسكة وإن كانت قابلة للخرق والالتئام يقال وهي البناء يهي وهيافهو واه إذا ضعف جداً قال في "القاموس" وهي كوعى وولى تخرق وانشق واسترخى رباطه وفي المفردات الوهى شق في الأديم والثوب ونحوهما {وَالْمَلَكُ} أي اللخق المعروف بالملك وهو أعم من الملائكة ألا ترى إلى قولك ما من ملك إلا وهو شاهد أعم من قولك ما من ملائكة {عَلَى أَرْجَآاـاِهَا} أي جوانب السماء جمع رجى بالقصر وهي جملة حالية ويحتمل أن تعطف على ما قبلها كذا قالوا والمعنى تنشق السماء التي هي مساكنهم فيلجؤون إلى أكنافها
137
وحافلتها قالوا وقوفهم لحظة على أرجائها وموتهم بعدها فإن لملائكة يموتون عند النفخة الأولى لا ينافي التعقيب المدلول عليه بالفاء وقد يقال إنهم هم المستثنون بقوله إلا من شاء الله أي ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا الملائكة ونحوهم قال المولى الفناري في تفسير الفاتحة فإذا وهت السماء نزلت ملائكتها على أرجائها فيرون أهل الأرض خلقاً عظيماً أضعاف ما هم عليه عدد أفيتخيلون إن الله نزل فيهم لما يرون من عظم الملائكة مما لم يشاهدوه من قبل فيقولون أفيكم ربنا فيقول لملائكة سبحان هربنا ليس فينا وهو آت فيصطف الملائكة صفا مستديراً على نواحي الأرض محيطين بعالمي الإنس والجن وهؤلاء هم عمار السماء الدنيا ثم ينزل أهل السماء الثانية بعدما يقبضها الله أيضاً ويرمي بكوكبها في النار وهو المسمى كاتباً وهم أكثر عدداً من أهل السماء الدنيا فيقول الخلائق أفيكم ربنا فيفزع الملائكة فيقولون سبحان ربنا ليس هو فينا وهو آت فيفعلون فعل الأولين من الملائكة يصطفون خلفهم صفا ثانياً مستديراً ثم ينزل أهل السماء الثالثة ويرمي بكوكبها المسمى زهرة في النار فيقبضها الله بيمينه فيقول الخلائق أفيكم ربنا فتقول الملائكة سبحان دبنا ليس هو فينا وهو آت فلا يزال الأمر هكذا سماء بعد سماء حتى ينزل أهل السماء السابعة فيرون خلقاً أكثر من جميع من نزل فيقول الخلائق يكم ربنا فيقول الملائكة سبحان ربنا قد جاء ربنا وإن كان وعد ربنا لمفعولاً فيأتي الله في ظلل من الغام والملائكة على المجنبة اليسرى منهم ويكون إتيانه إتيان الملك فإنه يقول ملك يوم الدين وهو ذلك اليوم فسم بالملك ويصطف الملائكة عليه سبعة صفوف محيطة بالخلائق فإذا أبصر الخلائق جهنم لها فوران وتغيظ على الجبابرة المتبكرين يفرون بأجمعهم منها لعظم ما يرونه خوفاً وفزعاً وهو الفزع الأكبر إلا الطائفة التي لا يحزنهم الفزع الأكبر فتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون فهم الآمنون مع النبيين على أنفسهم غير أن النبيين يفزعون على أممهم للشفقة التي جبلهم الله عليها للخلق فيقولون في ذلك سلم سلم وكان قد أمر أن ينصب للآمنين من خلقه منابر من نور متفاضلة بحسب منازلهم في الموقف فيجلسون عليها آمنين مبشرين وذلك قبل مجيء الب تعالى فإذا فر الناس خوفاً من جهنم يجدون الملائكة صفوفاً لا يتجاوزونهم فتطردهم الملائكة وزعة الملك الحق سبحانه وتعالى إلى الحشر فيناديهم أنبياؤهم ارجعوا ارجعوا أو ينادي بعضهم بعضاً فهو قول الله تعالى فيما يقول رسول الله عليه السلام إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
يقول الفقير : دل هذا البيان على أن المراد بالوهي سقوط السماء على الأرض اتي تسمى بالساهرة وإن نزول الملائكة على أرجاء السماء لا يكون يوم يقوم الناس من قبورهم بالنفخة الثانية وإن ذكر في أثاء النفخة الأولى كما دل عليه ما بعد الآية من حمل العرش والأرض اللذين إنما يكونان بعد النفخة الثانية وإن معنى نزولهم طرد الخلق ونحوه كما قال تعالى لا تنفذون إلا بسلطان أي لا تقصدون مهرباً إلا وهناك لي أعوان ولي به سلطان {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} وهو اللك التاسع وهو جسم عظيم لايعلم عظمة إلا الله تعالى لأنه في الآفاق بمنزلة القلب في الأنفس والقلب أوسع شيء لما وسع الله
138
(10/105)
كما في الحديث وكان عرش الرحمن والفائدة في ذكر العرش عقيب ما تقدم إن العرش بحاله خلاف السماء والأرض ولذلك لا يفنى وإيضاله وجه آخر سيأتي وعن علي بن الحسن رضي الله عنهما قال إن الله خلق العرش رابعاً لم يخلق قبله إلا ثلاثة الهواء والقلم والنور ثم خلق العرش من أنوار مختلفة من ذلك نور ضر منه أخضرت الخضرة نور أصفر منه أصفرت الصفرة ونور أحمر منه أحمرت الحمرة ونور أبيض وهو نور الأنوار ومه ضوء النهار قال بعض الكبار الأنوار أربعة على عدد المراتب الأربع فإذا أعطى الأنوار يعطي في مرتبة الطبيعة نور أسود وفي مرتبة النفس نوراً أحمر وفي مرتبة الروح نوراً أخضر وفي مرتبة السر نوراً أبيض {فَوْقَهُمْ} أي فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء أو فوق الثمانية أي يحملون العرش فوق أنفسهم فالحمول لا يلزم أن يكون فوق الحامل فقد يكون في يده وقد يكون في جيبه فكل واحد من قوله فوقهم ويومئذٍ ظرف لقوله يحمل حينئذ وأما على التقدير الأول فالظاهر أن فوقهم حال من ثمانية قدمت عليها لكونها نكرة {يَوْمَـاـاِذٍ} أي يوم القيامة {ثَمَـانِيَةٌ} من الملائكة عن النبي عليه السلام هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة أخرى فيكون ثمانية قال بعض العلماء الأربعة اللاحقة إشارة إلى الأئمة الأربعة الذين هم أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد لأنهم اليوم حملة الشرع فإذا كان يوم القيامة انقلب الشرع العرش فيكونون من حملته حكماً وروى ثمانية أملاك أرجلهم في تخوم الأرض السابعة والعرش فوق رؤوسهم وهم مطرقون مسيحون قال عليه السلام ، إذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش من شحمة إذنه إلى عاتقه خفقان الطير مسيرة سبعمائة سنة يقول سبحانك حيث كتت قال يحيى بن سلام بلغني إن اسمه زوقيل وعن الحسن البصري قدس سره ثمانية أي ثمانية آلاف وعن الضحاك ثمانية صفوف لا يعلم عددهم إلا الله.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
يقول الفقير : الأنسب هو الأول لكونه أدخل في العظمة والهيبة وإظهار والقدرة ولأن الأركان أربعة كآكان الكعبة وأركان القلب إذ في يمين القلب الروح والسر وفي يساره النفس والطبيعة وباعتبار الظاهر والباطن يحصل ثمانية إلاف إذ الأف تفصيل الواحد بحيث لا تفصيل وراءه إلا باعتبار التضعيف والله أعلم ومر في أوائل سورة حم المؤمن بعض ما يتعلق بهذا المقام فلا نعيده.
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى عشر الذات الحاملة للصفات الثمانية الذاتية الغيبية التي هي مفاتيح الغيب الموصوفة بحمل ذوات الصفات والصفات تحمل ظهورات الصفات فافهم {يَوْمَـاـاِذٍ} العامل فيه قوله {تُعْرَضُونَ} على الله أي تسألون وتحاسبون عبر عنه بذلك تشبيهاً له بعرض السلطان العسكر لتعرف أحوالهم يقال عرض الجند إذا أمرهم عليه ونظر ما حالهم والخطاب عام للكل على التغليب.
(روى) أن في يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فاعتذار واحتجاج وتوبيخ وإما الثالثة ففيها تنشر الكتب فيُذ الفائز كتابه بيمينه والهالك بشماله وهذا العرض وإن كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوماسماً لزمان متسع يقع فيه النفختان والصعقة والنشورو الحساب وإدخال أهل الجنة الجة وأهل النار النار صح جعله ظرفا للكل كما تقول جئت عام كذا وإنما كان مجيئك في وقت واحد من أوقاته
139
وذهب المشبهة من حمل العرش والعرض إلى كونه تعالى محمولاً حاضراً في العرش وأجيب بأنه تمثل لعظمة الله بما يشاهد من أحوال السلاطين يوم بروزهم للقضاء العام فيكون المراد من إتيانه تعالى في ظلل من الغام إتيان أمره وقضائه وأما حديث التحول فمحمول على ظهوره تعالى في مرتبة الصفت ولا مناقشة فيه لأن النبي عليه اسلام رآه ليلة المعراج في صورة شاب امرد في الصورة الإنسانية أجمع الصور ومثله الرؤيا المنامنية والله تعالى منزه في ذته عن أوصاف الجسمانيات {لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} حال من مرفوع تعرضون ومنكم كان في الأصل صفة لخافية قدم للفاصلة فتحول حالاً أي تعرضون غير خاف عليه تعالى فعلة خفيفة أي سر من أسراركم وإنما العرض لإفشاء الحال والمبالغة في العدل وغير خاف يومئذٍ على الناس كقوله تعالى : {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآاـاِرُ} فقوله منكم يتعلق بما قبله وما بعده على التجاذب.
(10/106)
(قال في الكشاف) : خافية أي سريرة وحال كانت تخفى في الدنيا بستر الله عليكم والسر والسريرة الذي يكتم ويخفى فتظهر يوم القيامة أحوال المؤمنين فيتكامل بذلك سرورهم وتظهر أحوال غيرهم فيحصل الحن والافتضاح ففي الآية زجر عظيم عن المعصية لتأديها إلى الافتضاح على رؤوس الخلائق فقلب الإنسان ينبغي أن يكون بحال لو وضع في طبق وأدير على الناس لما وجد فيه ما يورث الخجالة وهو صفة أهل الإخلاص والنصيحة فأما} تفصيل لأحكام العرض {مِنَ} موصولة {أُوتِىَ كِتَـابَهُ} أي مكتوبه الذي كتبت الحفظة فيه تفاصيل أعماله {بِيَمِينِهِ} تعظيماً له لأن اليمين يتيمن بما والباء بمعنى في أول للإلصاق وهو الأوجه والمراد منهم الأبرار فإن ال مقربين لا كتاب لهم ولا حساب لهم لمكانتهم من الله تعالى وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنه عليه السلام قال : أول من يعطي كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب وله شعاع كشعاع الشمس قيل ل فأين أبو بكر فقال هيهات زفته الملائكة إلى الجنة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
يقول الفقير : لعل هذا مكافاة له حين أخذ سيفه بيده وخرج من دار الأرقم وهو يظهر الإسلام على ملأ من قريش فبسيفه ظهر الإسلام فرضي الله عنه وعن مجيه وفي الحديث أثببت أحد فإنما عليك نبي والصديق وشهيدان وكان عليه رسول الله عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فتحرك فقاله دل الحديث على إنه رتبة أبي بكر فوق رتبة غيره لأن الصديقية تلي النبوة {فَيَقُولُ} فرحاً وسروراً فإنه لما أوتى كتابه بيمينه علم إنه من الناجين من النار ومن الفائزين بالجنة فأحب أن يظهر ذلك لغيره حتى يفرحوا بما ناله {هَآؤُمُ اقْرَءُوا كِتَـابِيَهْ} أي خذوا يا أهل بيتي وقرابتي وأصحابي كتابي وتناولوه اقرأ واكتابي زيرا در اينجا عملي نيست كه از إظهار آن شرم دارم ودر تبيان آورده كه اين كتاب ديكر است بغير كتاب اعمل كه نوشته ودراو بشارت جنت است وس ه كتاب حفظ ميان بنده وخدا وندست وكسى آنرانه بيند ونه خواند.
وفي الخبر حسنات المؤمن في ظاهر كتابه وسيئاته في باطنه لا يراها إلا هو فإذا انتهى يرى مكتوباً فقد غفر تهالك فاقلب فيرى في الظاهر قد قبلتها منك فيقول من فرط السرور هاؤم اقرأ وا كتابيه أي هلموا أصحابي كما في عين المعاني
140
يقال هاء يا رجل بفتح الهمزة وهاء يا امرأة بكسرها وهاؤماً يا رجلان أو يا امرأتان وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نسوة بمعنى خذ خذا خذوا خذي خذا خذن ومفعوله محذوف وكتابي مفعول اقرأ وإلا أقرب العاملين فهو أقوى لكونه بمنزلة العلة القربية وأصله هاؤم كتابي اقرلأا كتابي فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ونظيره آتوني أفرغ عليه قطرا والهاء للوقف والاستراحة والسكت تثبت بالوقف وتسقط في الوصل كما هو الأصل في هاء السكت لأنها إنما جيء بها حفظاً للحركة أي لتحفظ حركة الموقوف عليه إذ لو لاها لسقطت لحركة في الوقف فتثبت حال ال وقف إذ لا حاجة إيها حال الوصل فلذلك كان حقها إن تثبت في الوقف وتسقط في الوصل إلا أن القراء السبعة اتفقوا في كل المواضع على إثباتها وقفاً وصلاً إجراء للوصل مجرى الوقف واتباعاً رسم الامام فإنها ثابتة في المصحف في كل المواضع وهي كتابيه وحسابيه وماليه وسلطانيه وماهيه في القارعة وما كان ثابتاً فيه لا بد أن يكون مثبتاً في اللفظ إلا أن حمزة أسقط الهاء من ثلاث كلم وصلاً وهي ماليه وسلطانيه وماهيه وأثبتها وقفاً على الأصل ولم يعمل بالأصل في كتابيه وحسابيه وأثبتها في الحالين جمعاً بين اللغتين وتبين من هذا التقرير إن المستحب إيثار الوقف اتباعاً للوصل وإن إثباتها وصلاً إنما هو لأتباع المصحف قال في القاموس هاء السكت هي اللاحقة لبيان حركة أو حرف نحو ماهيه وها هناه واصلها أن يوقف عليها وربما وصلت بنية الوقف انتهى.
وهذه الهاء لا تكون إلا ساكنة وتحريكها لحن أي خطأ لأنه لا يجوز الوقف على المتحرك وهاء السكت في القرآن في سبعة مواضع في لم يتسنه وفي فبهداهم اقتده وفي كتابيه وفي حسابيه وفي مالهي وفي سلطانيه وفي ماهيه وإما الهاء التي في القاضية وفي هاوية وخاوية وثمانية وعالية ودانية وأمثالها فللتأنيث فيوقف عليهن بالهاء يوصلن بالتاء {إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَـاقٍ حِسَابِيَهْ} الحساب بمعنى الحسابية وهو عد أعمال العباد في الآخرة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
خيراً وشراً للمجازاة أي علمت وأيقنت أني مصادق حسابي في ديون الحساب الإلهي وإني أحاسب في الآخرة يعني دانستم وإيمان آوردم كه مرا حساب خواهند كرد وآنرا آماده ومتهيء شدم.
(10/107)
قال الراغب الظن اسم لم ايحصل من أمارة ومتى قويت أدت إلى العلم ومتى ضعفت جداً لم تتجاوز حد التوهم انتهى.
ومنه يعلم قول من قال سمى اليقين ظناً لأن الظن يلد اليقين انتهى.
وإنما فسر الظن بالعلم لأن البعث والحساب مما يجب بهما الإيمان ولا إيمان بدون اليقين قال سعدى المفتي وفيه بحث فإيمان القلد ذو اعتبار وصرحوا بأ الظن الغالب الذي لا يخطر معه احتمال النقيص يكفي في الإيمان ثم إنه يجوز أن يكون المراد ما حصل له من حسابه اليسير ولا يقين به لوجوب أن يكون المؤمن بين الخوف والرجاء والمراد إني ظننت إني ملاق حسابي على الشدة والمناقشة لما سلف مني من الهفوات والآن أزال الله عني ذلك وفرج همي انتهى.
يقول الفقير : هذا عدول عما عليه ظاهر القرآن فإن الظن في مواضع كثيرة منه بمعنى اليقين كما في قوله تعالى حكاية قال الذين يظنون إنهم ملاقوا الله وهم المؤمنون بالآخرة وفي قوله
141
تعالى وظن داود إنما فتناه أي علم وأيقن بلعلامة القوية قال القاضي ولعل التعبير عن العلم بالظن للإشعار بأنه لا يقدح في الاعتقاد وما يهجس في النفس من الخطرات التي لا تنفك عنها العلوم النظرية غالباً يعني أن الظن استعير للعلم الاستدلالي لأنه لا يخلو عن الخطرات والوساوس عند الذهول عما قاد إليه من الدليل للإشعار المذكور وإما العلوم الضرورية والكشفية فعارية عن الاضطراب وفي الكشاف وإنما أجرى الظن مجرى العلم لأن الظن الغالب يقام قمام العلم في العادات والأحكام ويقال أظن ظناً كاليقين إن الأمر كيت وكيت {فَهُوَ} أي من لأتى كتابه بيمينه {فِى عِيشَةٍ} نوع من العيش وهو بالفتح وكذا العيشة والمعاش والمعيش والعيشوشة بالفارسية زيستن.
قال بعض العلماء إذا كسر العين من العيش ، يلزمه التاء كما في عيشة والعيش الحياة المختصة بالحيوان وهو أخص من الحياة لأن الحياة تقال في الحيوان وفي البازي وفي الملك ويتشق منه المعيشة لما يتعيش منه قال عليه السلام ، لا عيش إلا عيش الآخرة {رَّاضِيَةٍ} ذات رضى يرضاها من يعيش فيها على النسبة بالصيغة فإن النسبة نسبتان نسبة بالحرف كمكي ومدني وتسبة بالصيغة كلا بن وتامر بمعنى ذي لبن وذي تمر ويجوز أن يجعل الفعل لها وهو لصاحبها فيكون من قبيل الإسناد المجازي ومآل الوجهين كون العيشة مرضية وإلى ما ذكرنا يرجع قول من قال راضية في نفسها فكأنها لرغادتها قد رضيت بما هي فيه مجازاً أو بمعنى مرضية كماء دافق أي مدفوق انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
وفي التأويلات النجمية راضية هنيئة مريئة صافية عن شوائب الكدر طائرة عن نوائب الحذر وبالفارسية در زندكاني باشد سنديده صافي از كدورت ومقرون بحرمت وحشمت.
وذلك أي كون العيشة مرضية لاشتمالها على أمور ثلاثة الأول كونها منفعة صافية عن الشوائب والثاني كونهاد آئمة لا يترقب زوالها وانقطاعها والثالث كونها بحيث يقصد بها تعظيم من رضى بها وا كرامه وإلا يكون استهزاء واستدراجاً وعيشة من أعطى كتابه بيمينه جامعة لهذه الأمور فتكون مرضياً بها كمال الرض قال ابن عباس رضي الله عنهما يعيشون فلا يموتون ويصحون فلا يمرضون وينعمون فلا يرون بؤساً أبداً {فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} مرتفعة المكان لأنها في السماء كما أن المنار سافلة لأنها تحت الأرض أو الدرجات أو الأبنية والأشجار فيكون عالية من الصفات الجارية على غير من هي له وهو بدل من عيشة يا عادة الجار ويجوز كونه متعلقاً بعيشة راضية أي يعيش عيشاً مرضياً في جنة عالية {قُطُوفُهَا} ثمراتها جمع قطف بالكسر وهو ما يقطف ويجتنى بسرعة والقطف بالفتح مصدر قال سعدى المفتي اعتبار السرعة في مفهوم القطف محل كلام قال ابن الشيخ معنى اسرعة قطع الكل بمرة وفي "القاموس" القطف بالكسر العنقود واسم للثمار المقطوفة انتهى.
فلا حاجة إلى أن يقال غلب هنا في جميع ما يجتبى من الثمر عنباً كان أو غيره {دَانِيَةٌ} من الدنو وهو القرب أي قريبة من مريدها.
يعني خوشه هاي آن ازدست يننده نزديك.
ينالها القائم والقاعد والمضطجع من غير تعب وقيل لا يتأخر إدراكها انتهى.
وإذا أراد
142
أن تدنو إلى فيه دنت بخلاف ثمار الدنيا فإن في قطفها وتحصيلها تعباً ومشقة غالباً وكذا لا تؤكل إلا بمزاولة اليد.
(10/108)
يقول الفقير : أشجار الجنة على صورة الإنسان يعني أن أصل الإنسان رأسه وهي في طرف العلو ورجله فرعه مع أنها في طرف السفل فكذلك أصول أشجار الجنة في طرف العلو وأغصانها متدلية إلى جانب السفل ولذا لا يرون تعباً في القطف على أن نعيم الجنة تابع لإرادة المتنعم به فيصرف فيه كيف يشاء من غير مشقة {كُلُوا وَاشْرَبُوا} بإضمار القول والجمع بعد قوله فهو باعتبار المعنى والأمر أمر امتنان وإباحة لا أمر تكليف ضرورة إن الآخرة ليست بدار تكليف وجمع بين الأكل والشرب لأن أحدهما شقيق الآخر فلا ينفك عنه ولذا لم يذكر هنا الملابس وإن ذكرت في موضع آخر يقال لمن أوتى كتابه بيمينه كلوا من طعام الجنة وثمارها واشربوا من شرابها مطلقاً {هَنِياـاَا} أكلا وشربا هنيئاً أي سائغاً لا تنغيص فيه في الحلقوم وبالفارسية خوردنى وآشميدنى كوارنده.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
وجعل الهنيء صفة لهما لأن الصمدر يتناول المثنى أيضاً من هنؤ الطعام والشراب وهنء يهنأ ويهنؤ ويهنىء هناءة وهناء أي صار هنيئاً سائغاً فهو هنيء ومنه اليهنىء المشتهر في اللسان التركي في اللحم المطبوخ ويستعمله العجم بالخاء المعجمة بدل الهاء كما قال في المثنوى :
وين زاز بهرميان روزرا
يخنىء باشدشه فيروزرا
وإسناد الهناءة إلى الأكل والشرب مجاز للمبالغة لأنها للمأكول والمشروب وقولهم هنيئاً عند شرب الماء ونحوه بمعنى صحة وعافية لأن السائغ محظوظ منه بسب الصحة والعافية غالباً {بِمَآ أَسْلَفْتُمْ} بمقابلة ما قدمتم من الأعمال الصالحة أو بدله أو بسبه ومعنى الأسلاف في اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالأقراض ومنه يقال أسلف في كذا إذا قدم فيه ماله {فِى الايَّامِ الْخَالِيَةِ} أي الماضية في الدنيا وعن مجاهد أيام الصيام فيكون المعنى كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله في أيام الصيام لا سيما في الأيام الحارة وهو الأولى لأن الجزاء لا بد وإن يكون من جنس العلم وملائماً له كما قال بعض الكبار لم يقل أشهدوا ولا أسمعوا وإنما جوزوا من حيث عملوا ونظيره فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وقوله إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم ونظائر ذلك ورؤى بعضهم في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال رحمني وقال كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب فلم يقل كل يا من قطع الليل تلاوة واشرب يا من ثبت يوم الزحف فإن هذا ما تعطيه الحكمة كما في مواقع النجوم.
(وروى) يقول الله يا أوليائي طالما نظرت إليكم في الدناي وقد قلصت شفاهكم عن الأشربة وغارت أعينكم وخمصت بطونكم فكونوا اليوم في نعيمكم وكلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية.
قوله قلصت من الباب الثاني يقال قلص الظل أي نقص والماء أي ارتفع في البئر والشفة أي انوت والثوب أي انزوى بعد الغسل ومصدر الجميع القلوص والتركيب يدل على انضمام شيء بعضه إلى بعض وخمصه الجوع خمصاً ومخمصة من الباب الأول يعني باريك ميان كرد ويرا كرسنكى.
وفيه إشارة إلى أيام الأزل الخالية عن الأعمال والعلل والأسباب أي كلوا من نعيم الوصال واشربوا من شراب الفيض بما أسلفه الله لكم في الأزل
143
والقدم من العناية إذ بتلك العناية قمتم مع الحق في جميع الأحوال.
ون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
آن به كه كارخود بعنايت رها كنند
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَه بِشِمَالِهِ} تحقيراً له لأن الشمال يتشاءم بها بأن تلوى يسراه إلى خلف ظهره فيأخذه بها ويرى ما فيه من قبائح الأعمال {فَيَقُولُ} تحزناً وتحسراً وخوفاً مما فيه وهو من قبيل الألم الروحاني الذي هو أشد من الألم الجسمني هؤلاء يا معشر المحشر {لَيْتَنِى} كاشكى من.
وهو تمننٍ للمحال {لَمْ أُوتَ} متكمل مجهول منا لإيتاء بمعنى لم أعط {كِتَـابِيَهْ} هذا الذي جمع جميع سيئاتي {وَلَمْ أَدْرِ} متكلم من الدراية بمعنى العلم {مَا حِسَابِيَهْ} لما شاهد من سوء العاقبة وبالفارسية كاشكى ندانستمى امروز يست حساب من ه حاصلي نيست مرانرا جز عذاب وشدت ومحنت.
فما استفهامية معلق بها الفعل عن العلم ويجوز أن تكون موصولة بتقدير المبتدأ في الصلة يا لَيْتَهَا} تكرير للتمني وتجديد للتحسر أي يا ليت الموتة التي متها وذقتها وذلك إن الموتة وإن لم تكن مذكورة إلا أنها في حكم المذكور بدلالة المقام {كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} أي القاطعة لامرى وحياتي ولم أبعث بعدها ولم ألق ألقى ما يتمنى عند مطالعة كتابه إن تدوم عليه الموتة الأولى وإنه لا يبعث للحساب ولا يلقى ما أصابه منالخجالة وسوء العاقبة ويجوز أن يكون ضمير ليتها لما شاهد من الحالة أي يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت على يتمنى إن يكون بدل تلك الحالة الموتة القاطعة للحياة لما إنه وجد تلك الحالة أمر من الموت فتمناه عندها وكان في الدنيا أشد كراهية للموت قال الشاعر :
وشر من الموت الذي إن لقيته
(10/109)
تمنيت منه الموت والموت أعظم
{مَآ أَغْنَى عَنِّى} أيلم يدفع عني شيئاً من عذاب الآخرة على أن ما نافية والمفعول محذوف {مَالِيَهْ} أي الذي كان لي في الدنيا من المال والاتباع على أن ما موصولة واللام جارة داخلة على ياء المتكلم ليعم مثل الاتباع فإنه إذا كان اسماً مضافاً إلى ياء المتكلم لم يعم وفي "الكشاف" ما أغنى نفي واستفهام على وجه الإنكار أي أي شيء أغنى عني ما كان لي من اليسار انتهى.
حتى ضيعت عمري فيه أي لم ينفعني ولم يدفع عني شيئاً من العذاب فما استفهامية منصوبة المحل على أنها مفعول أغنى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
يقول الفقير : الظاهر أن مالية هو المال المضاف إلى ياء المتكلم أي لم يغن عني المال الذي جمعته في الدنيا شيئاً من العذاب بل ألهاني عن الآخرة وضرني فضلاً عن أن ينفعني وذلك ليوافق قوله تعالى ولا يغنى عنه ماله إذا تردى وقوله ما أغنى عنه ماله وما كسب والنظائر ذلك فما ذهب إليه أكثر أهل التفسير من التعميم عدول عما ورد به ظاهر القرآن {هَلَكَ عَنِّى سُلْطَـانِيَهْ} قال الراغب السلاطة التمكن من القهر ومنه سمى السلطان والسلطان يقال في السلاطة نحو قوله تعالى فقد جعلنا لوليه سلطاناً وقد يقال الذي السلاطة وهو الأكثر وسميت الحجة سلطاناً وذلك لما لحق من الهجوم على القلوب لكن أكثر تسلطه على أهل العلم والحكمة من المؤمنين وقوله هلك عني سلطانيه يحتمل السلطانين انتهى.
والمعنى هلك عني
144
ملكي وتسلطي على الناس وبقيت فقيراً ذليلاً أو ضلت عني حجتي كما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ومعناه بطلت هجتي التي كنت أحتج بها عليهم في الدنيا وبالفارسية كم كشت از من حجتي كه دردنيا نك دران زده بودم.
ورجح هذا المعنى بأن من أوتى كتابه بشماله لا اختصاص له بالملوك بل هو عام لجميع أهل الشقاوة.
يقول الفقير : قوله تعالى : {مَآ أَغْنَى عَنِّى مَالِيَهْ} يدل على الأول على أن فيه تعريضاً بنحو الوليد من رؤساء قريش وأهل ثروتهم ، ويجوز أن يكون المنى تسلطي على القوى والآلات فعجزت عن استمالها في العبادات وذلك لأن كل أحد كان له سلطان على نفسه وماله وجوارحه يزول في القيامة سلطانه فلا يملك لنفسه نفعاً خذوه} حكاية لما يقول الله يومئذٍ لخزنة النار وهمالزبانية الموكلون على عذابه والهاء راجع إلى من الثاني أي خذوا العاصي لربه {فَغُلُّوهُ} بلا مهلة أي أجمعوا يديه إلى عنقه بالقيد ولحديذد وشدوه به يقال غل فلان وضع في عنقه أو يده الغل وهو بالضم الطوق من حديد الجامع لليد إلى العنق المانع عن تحرك الرأس وبالتفح دست باكردن بستن.
وفي الفقه وكره جعل الغل في عنق عبده لأنه عقوبة أهل النار وقال الفقيه إن في زماننا جرت العادة بذلك إذا خيف من الأباق كمال في الكبرى بخلاف التقييد فإنه غير مكروه لأنه سنة المسلمين في المتمردين {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} دل التقديم على التخصيص والمعنى لا تصلوه أي لا تدخلوه إلا الجحيم ولا تحرقوه إلافيها وهي النار العظمى ليكون الجزاء على وفق المعصية حيث كان يتعظم على الناس قال سعدى المفتي فيكون مخصوصاً بالمتعظمين وفيه بحث انتهى.
وقد مر جوابه {ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ} من نار وهي حلق منتظمة كل حلقة منها في حلقة والجار متعلق بقوله فاسلكوه والفاء ليست بمانعة عن التعلق {ذَرْعُهَا} طولها وبالفارسية كزان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
والذراع ككتاب ما يذرع به حديداً أو قضيباً وفي المفردات الذارع العضو المعروف ويعبر به عن المذروع والممسوح يقال ذراع من الثوب والأرض والذرع يمودن.
قوله ذرعها مبتدأ خبره قوله {سَبْعُونَ} والجملة في محل الجر على إنها صفة سلسلة وقوله {ذِرَاعًا} تمييز {فَا سْلُكُوهُ} السلك هو زدخال في الطريق والخيط والقيد وغيرها ومعنى ثم الدلالة على تفاوت ما بين العذابين الغل وتسلية الجحيم وما بينهما وبين السلك في السلسلة في الشدة لا على تراخي المدة يعني إن ثم أخرج عن معنى المهلة لاقتضاء مقام التهويل ذلك إذ لا يناسب التوعد يتفرق العذاب قال ابن الشيخ إن كلمتي ثم والقاء إن كانتا لعطف جملة فاسلكوه لزم اجتماع حرفي العطف وتواردهما على معطوف واحد ولا وجه له فينبغي أن يكون كلمة ثم لعطف مضمر على مضمر قبل قوله خذوه أي قيل : لخزية النار خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم قيل لهم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه فيكون الفاء لعطف لمقول على المقول مع إفادة معنى التعقيب وكلمة ثم لعطف القول على القول مع الدلالة على أن الأمر الأخير أشد وأهول مما قبله من الأومر مع تعاقب المأمور بها من الأخذ وجعل يده مغلولة إلى عنقه وتصلية الجحيم وسلكهم إياه السلسلة الموصوفة والمعنى فأدخلوه فيها بأن تلفوها على جسده وتجعلوه محاطاً بها فهو فيما بينها مرهق مضيق عليه
145
(10/110)
لا يستطيع حراكاً كما كما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما إن أهل النار يكونون في السلسلة كما يكون الثعلب في الجلبة والثعلب طرف خشبة الرمح الداخل في الجلبة السنان وهي الدرع وذلك إنما يكون رهقاً أي غشية وبالفارسية س در آريد اورادران يعني درجسد أو ييد محكم تا حركت نتواندكرد.
وتقديم السلسلة على السلك كتقديم الجحيم على التصلية في الدلالة على الاختصاص والاهتمام بذكر ألوان ما يعذب به أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة لأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم وجعلها سبعين ذراعاً إرادة لوصف بالطول كما قال إن تستغفر لهم سبعين مرة يريد مرات كثيرة لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد فهو كناية عن زيادة الطول لشيوع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة في التكثير وقال سعدى المفتي الظاهر أنه لا منع من الحمل على ظاهره من العدد قال الكاشفي يعني بذراع ملك كه هر ذراعى هفتاد باعتس ورهباعي ازكوفه تامكه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
وقال بعض المفسرين هي بالفراع المعروفة عندنا وإنما خوطبنا بما نعرفه ونحصله وقال الحسن قدس سره الله أعلم بأي ذراع هي وعن كعب لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منا ولو وضعت منها حلقة على جبل لذاب مثل الرصاص تدخل السلسلة في فيه وتخرج من دبره ويلوى فضلها على عنقه وجسده ويقرن بها بينه وبين شيطانه.
يقول الفقير هذا يقتضي أن يكون ذلك عذاب الكافر لأن جسده يكون في العظم مسيرة ثلاثة أيام وضرسه مثل جبل أحد على ما جاء في الحديث وعن النبي عليه السلام قال لو رضراضة أي صخرة قد رأس الرجل وفي رواية لو أن رضرضة مثل هذه وأشار إلى صخرة مثل الجمجة سقطت من السماء إلى الأرض وهي خمسمائة عام لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاف الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها وقعرها قال الشراح اللام في السلسلة في هذا الحديث للعهد إشارة إلى السلسلة التي ذكرها الله في قوله ثم في سلسلة الخ.
(روى) إن شاباً قد حضر صلاة الفجر مع الجماعة خلف واحد من المشايخ فقرأ ذلك الشيخ سورة الحاقة فلما بلغ إلى قوله تعالى خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه صاح الشاب وسقط وغشى عليه فلما أتم الشيخ صلاته قال من هذا قالوا هو شاب صالح خائف من الله تعالى وله والدة عجوز ليس لها غيره قال الشيخ ارفعوه واحملوه حتى نذهب به إلى أمه ففعلوا ما أمر به الشيخ فلما رأت أمه ذلك فزعت وأقبلت وقالت ما فعلتم يا بني قالوا ما فعلنا به شيئاً إلا أنه حضر الجماعة وسمع آية مخوفة من القرآن فلم يطق سماعها فكان هكذا بأمر الله فقالت آية آية هي فاقرأوها حتى اسمع فقرأها الشيخ فلما وصلت الآية إى سمع الشاب شهق شهقة أخرى خرجت معها روحه بأمر الله فلما رأت الأم ذلك خرت ميتة.
وفي التأويلات النجمية : قوله ثم في سلسلة الخ.
يشير إلى كثرة أخلاقه السيئة وأوصافه الرديئة وأحكام طبيعته الظلمانية إذ هي يوم القيامة كلها سلاسل العذاب وإغلال الطرد والحجاب {إِنَّهُ} بدرستى كه اين كس.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
كأنه قيل ماله يعذب بهذا العذاب الشديد فأجيب بأنه {كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} وصفه تعالى بالعظم للإيذان بأنه المستحق للعظمة فحسب فمن نسبها إلى نفسه استحق أعظم العقوبات {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} الحض الحث على الفعل بالحرص على وقوعه قال الراغب :
146
(10/111)
الحض التحريك كالحث إلا أن الحث يكون بسير وسوق والحض لا يكون بذلك وأصله من الحث على الحضيض وهو قار الأرض والمعنى ولا يحث أهله وغيرهم على إعطاء طعام يطعم به الفقير فضلاً عن أن يعطي ويبذل من ماله على أن يكون المراد من الطعام العين فاضمر ثمل إعطاء أو بذل لأن الحث والتحريض لا يتعلق بالأعيان بل بالأحداث وأضيف الطعام إلى المسكين من حيث إن له آلية نسبة أو المعنى ولا يحثهم على إطعامه على أن يكون اسماً وضع موضع الإطام كما يوضع العطاء موضع الإعطاء فالإضافة إلى المفعول وذكر الحض دون الفعل ليعلم إن تارك الحض بهذه المنزلة فيكف بتارك الفعل يعني يكون ترك الفعل أشد من أن يكون سبب المؤاخذة الشديدة وجعل حرمان المسكين قرينة للكفر حيث عطفه عليه للدلالة على عظم الجرم ولذلك قال عليه السلام البخل كفر والكافر في النار فتخصيص الأمرين بالذكر لما إن أقبح العقائد الكفر واشنع الرذائل البخل والعطف للدلالة على أن حرمان المسكين صفة الكفرة كما في قوله تعالى : {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَواةَ} فلا يلزم أن يكون الكفار مخاطبين به بالفروع وفي عين المعاني وبه تعلق الشافعي في خطاب الكفار بالشرائع ولاي صح عندنا لأن توجيه الخطاب بالأمر ولا أمر ههنا على أنه ذكر الإيمان مقدماً وبه نقول انتهى.
وقال ابن الشيخ فيه دليل على تكليف الكفار بالفروع على معنى إنهم يعاقبون على ترك الامتثال بها كعدم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والانتهاء عن الفواحش والمنكرات لا على معنى إنهم يطالبون بها حال كفرهم فإنهم غير مكلفين بالفروع بهذا المعنى لاعدام أهلية الآداء فيهم لأن مدار أهلية الآداء هو استحقاق الثواب بالأداء ولا ثواب لأعمال الكفار وأهلية الوجوب لا تستلزم أهلية الأداء كما تقرر في الأصول انتهى.
والحاصل إن الكفار مخاطبون بالفروع في حق المؤاخذة لا غير وعن أبي الدرداء رضي الله عنه إنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين وكان يقول خلعنا نصف السلسلة بالإيمان أفلا نخلع نصفها الآخر بالإطعام والحض عليه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
جوى بازدارد بلاي درشت
عصايىء شنيدي كه عوجي بكشت
كسى نيك بيند بهردو سراى
كه نيكى رساند بخلق خداي
فليس له اليوم} وهو يوم القيامة {هَـاهُنَآ} أي في هذا المكان وهو مكان الأخذ والغل {حَمِيمٍ} أي قريب نسباً أو وداً يحميه ويدفع عنه ويحزن عليه لأن أولياه يتحامونه ويفرون منه كقوله ولا يسأل حميم حميماً وقال في "عين المعاني" قريب يحترق له قلبه من حميم الماء وقال القاشاني : لاستيحاشه من نفسه فكيف لا يستوحش غيرعه منه وهو من تتمة ما يقال للزبانية في حقه إعلاماً بأنه محروم من الرحمة وحثالهم على بطشه {وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ} قال في "القاموس" الغسلين بالكسر ما يغسل من الثوب ونحوه كالغسالة وما يسيل من جلود أهل النار والشديد الحر وشجر في النار انتهى.
والمعنى ولا طعام إلا من غسالة أهل النار وما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم بعصر قوة الحرارة النارية وبالفارية زردابه وريمى كه ازتنهاى ايشان ميرود.
(روى) إنه لو وقعت قطرة منه على الأرض لأفسدت على الناس معايشهم
147
يقال للنار دركات ولكل دركة نوع طعام وشراب وسيجيىء وجه التلفيق بينه وبين قوله ليس لهم طعام إلا من ضريع في الغاشية وهو فعلين من الغسل فالياء والنون زائدتان وفي الكواشي أو نونه غير زائدة وهو شجر في النار وهو منأخبث طعامهم والظاهر أن الاستثناء متصل إن جعل الطعام شاملاً للشراب كما في قوله تعالى : {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّه مِنِّى إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةَا بِيَدِه فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا} صفة غسلين والتعبير بالأكل باعتبار ذكر الطعام أي لا يأكل ذلك الغسلين إلا الآثمون أصحاب الخطايا وهم المشركون كما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد جوز أن يراد بهم الذين يتخطون الحق إلى الباطل ويتعدون حدود الله من خطىء الرجل من باب علم إذا تعمد الخطأ أي الذنب فالخاطىء هو الذي يفعل ضد الصواب متعمداً لذلك والمخطىء هو الذي يفعله غير متعمد أي يريد الصواب فيصير إلى غيره من غير قصد كما يقال المجتهد قد يخطىء وقد يصيب وفي عين المعاني الخاطئون طريق التوحيد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
(10/112)
وفي التأويلات النجمية : ولا يحض مساكين الأعضاء والجوارح باوَمال الصالحات والأقوال الصادقات والأحوال الصافيات فلسي له اليوم ههنا من يعينه ويؤنسه لأن المؤنس ليس إلا الأعمال والأحوال ولا طعام لنفسه الميشومة إلا غسالة أعماله وأفعاله القبيحة الشنيعة لا يأكله إلا المتجاوون عن أعمال الروح والقلب القاصدون مراضي النفس والهوى متبعون للشهوات الجسمانية واللذات الحيوانية {فَلا أُقْسِمُ} أي فأقسم على أن لا مزيدة للتأكيد وإما حمله على معنى نفي الإقسام لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم فيرده تعيين المقسم به بقوله بما الخ وقال بعضهم هو جملتان والتقدير وما قاله المكذبون فلا يصح إذ هو قول باطل ثم قال اقسم {بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ} قسم عظيم لأنه قسم بالأشياء كلها على سبيل الشمول والإحاطة لأنها لا خرج عن قسمين مبصر وغير مبصر فالمبصر المشاهدات وغير المبصر المغيبات فدخل فيهما الدنيا والآخرة والأجسام والأرواح والأنس والجن والخلق والخالق والنعم الظاهرة والباطنة وغير ذلك مما يكون لائقاً بأن يكون مقسماً به إذ من الأشياء ما لا يليق بأن يكون مقسماً به وإليه الإشارة بقول القاشاني أي الوجود كله ظاهراً وباطناً وبقول ابن عطاء آثار القدرة وأسرارها وبقول الشيخ نجم الدين بما تبصرون من المشهودات والمحسوسات بأبصار الظواهر وما لا تبصرون من المغيبات ببصائر البواطن يعني بالمظاهر الإسمائية والمظاهر الذاتية وبقول الحين أي بما أظهر الله لملائكته والقلم واللوح وبما اختزن في علمه ولم يجر القلم به ولم تشعر الملائكة بذلك وما أظهر الله للخلق من صفاته وأراهم من صنعه وأبدى لهم من علمه في جنب ما اختزن عنهم إلا كذرة في جنب الدنيا والآخرة ولو أظهر الله ما اختزن لذابت الخلائق عن آخرهم فضلاً عن حمله وقال الشيخ أبو طالب المكي قدسي سره في قوت القلوب إذا كان العبد من أهل العلم بالله والفهم عنه والسمع منه والمشاهدة له شهد ما غاب عن غيره وأبصر ما عمى عنه سواء كما قال تعالى : {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ} أي القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ} وقوله قول الحق كما قال وما ينطق عن الهوى وكما قال فأجره حتى يسمع كلام الله
148
وفي كشف الأسرار أضاف القول إليه لأنه لما قال قول رسول اقتضى مرسلاً وكان معلوماً أن ما يقرأه كلام مرسله وإنما هو مبلغه فالإضافة الاختصاصية إلى رسول الله تدل عى اختصاص القول بالرسول من حيث التبليغ ليس إلا إذ شأن الرسول التبليغ لا الاختراع وقد يأتي القول في القرآن والمراد به القراءة قال الله تعالى حتى تعلموا ما تقولون أي ما تقرأون في صلاتكم {كَرِيمٌ} على الله تعالى يعني بزركوار نزدخداي تعالى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
وهو النبي عليه السلام ، ويد عليه مقابلة ورسول بشاعر وكاهن لأن المعنى على إثبات إنه رسول لا شاعر ولا كاهن ولم يقولوا لجبريل شاعر ولا كاهن وقيل هو جبريل أي هو قول جبريل الرسول الكريم وما هو من تلقاء محمد كما تزعمون وتدعون إنه شاعر أو كاهن فالمقصود حينئذٍ إثبات حقية القرآن وإنه من عند الله والحاصل إن القرآن كلام الله حقيقة ، أظهر في اللوح المحفوظو كلام جبريل أيضاً من حيث إنه أنزله من السموات إلى الأرض وتلاه على خاتم النبيين وكلام سيد المرسلين أيضاً من حيث إنه أظهره للخلق ودعا الناس إلى الإيمان به وجعله حجة لنبوته {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} كما تزعمون تارة.
(قال الكاشفي) : نانه أبو جهل ميكويد وسبق معنى الشعر في يس {قَلِيلا مَّا تُؤْمِنُونَ} إيماناً قليلاً تؤمنون بالقرآن وكونه كلام الله أو بالرسول وكونه مرسلاً من الله والمراد بالقلة النفي أي لا تؤمنون أصلاً كقولك لمن لا يزورك فلما تَينا وأنت تريد لا تأتينا أصلاً.
يقول الفقير : يجوز عندي أن تكون قلة الإيمان باعتبارق لة المؤمن بمعنى إن القليل منكم يؤمنون وقس عليه نظائره {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ} كما تدعون ذلك تارة أخرى.
(قال الكاشفي) : نانه عقبة بن أبي معيط كمان ميبرد.
(10/113)
كرر القول مبالغة في إبطال أقاويلهم الكاذبة على القرآن الحق والرسول الصادق والكاهن هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ويدعى معرفة الأسرار ومطلعة علم الغيب وفي كشف الأسرار الكاهن هو الذي يزعم أن له خدماً من الجن يأتونه بضرب من الوحي وقد انقطعت الكهانة بعد نبينا محمد عليه السلام ، لأن الجن حبسوا ومنعوا من الاستماع انتهى.
وقال الراغب في المفردات الكاهن الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن كالعراف الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذي يخطىء ويصيب عليه السلام ، من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما قال فقد كفر بما زل الله على محمد ويقال كهن فلان كهانة إذا تعاطى ذلك وكهن إذا تخصص بذلك وتكهن تكلف ذلك انتهى.
وفي شرح المشارق لابن الملك العراف من يخبر بما أخفى من السمروق ومكن الضالة والكاهن من يخبر بما يكون في المستقبل وفي الصحاح العراف الكاهن {قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ} أي تذكراً قليلاً أو زماناً قليلاً تتذكرون أي لا تتذكرون أصلاً.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
قال الكاشفي) : اندكى ندميكيريد يعني ندكير نمى شويد.
(وفي كشف الأسرار) اندك ندمى ذيريد ودرمى باييد.
(وفي تاج المصادر) التذكر يادكردن ويا ياد آوردن وندكرفتن ومذكرشدن كلمه كه مؤنث بود.
وقال بعضهم المراد من الإيمان القليل إميانهم واستيقانهم بأنفسهم وقد جحدوا بألسنتهم لا معنى النفي وقال بعضهم : إن كان المراد منه الإيمان الشرعي فالتقليل للنفي وإن كان اللغوي فالتقليل على حاله لأنهم كانوا يصدقون
149
ببعض أحكام القرآن كالصلة والخير والعفاف ونحوها ويكذبون ببعضها كالوحدة والحقانية والبعث ونحوها وعلى هذا التذكر قيل ذكر الإيمان مع نفي الشاعرية والتذكر مع نفي الكاهنية لما إن عدم مشابهة القرآن الشعر أمر بين لا ينكره إلا معاند فلا مجال فيه لتوهم عذر لترك الإيمان فلذلك وبخوا عليه وعجب منه بخلاف مباينته للكهانة فإنها تتوقف على تذكر أحواله عليه السلام ، ومعاني القرآن المنافية لطريفة الكهنة ومعاني أقوالهم فالكاهن ينصب نفسه للدلالة على الضوائع والأخبار بالمغيبات يصدق فيها تارة ويكذب كثيراً ويأخذ جعلاً على ذلك ويقتصر على من يسأله وليس واحد منها من دأبه عليه السلام والحاصل إن الكاهن من يأتيه الشياين ويلقون إليه من أخبار السماء فيخبر الناس بما سمعه منهم وما يلقيه عليه السلام ، من الكلام مشتمل على ذم الشياطين وسبهم فكيف يمكن أن يكون ذلك بإلقاء الشياطين فإنهم لا ينزلون شيئاً فيه ذمهم وسبهم لا سيما على من يلعنهم ويطعن فيهم وكذا معاني ما يلقيه عليه السلام ، منافية لمعاني أقوال الكهنة فإنهم لا يدعون إلى تهذيب الأخلاق وتصحيح العقائد والأعمال المتعلقة بالمبدأ والمعاد بخلاف معاني قوله عليه السلام ، فلو تذكر أهل مكة معاني القرآن ومعاني أقوال الكهنة لما قالوا بأنه كاهن وفي برهان القرآن خص ذكر الشعر بقوله ما تؤمنون لأن من قال القرآن شعر ومحمد عليه السلام ، شاعر بعدما علم اختلاف آيات القرآن في الطول والقصر واختلاف حروف مقاطعه فلكفره وقلة إيمانه فإن الشعر كلام موزون مقفى وخص ذكر الكهانة بقول ما تذكرون لأن من ذهب إلى أن القرآن كهان وأن محمداً عليه السلام ، كاهن فهو ذاهل عن ذكر كلام الكهانفإنه إسجاع لا معاني تحتها وأوضاع تنبو الطباع عنها ولا يكون في كلامهم ذكر الله انتهى.
قال المولى أبو السعود في الإرشاد : وأنت خبير بأن ذلك أيضاً مما لا يتوقف على تأمل قطعاً انتهى.
أي فتعليلهم بالفرق غير صحيح وفيه إن الإنابة شرط للتذكر كما قال تعالى : [يس : 5]{وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مَن يُنِيبُ} والكافر ليس من أهل الإنابة وأيضاً ما يذكر إلا أولوا الألباب أي أولوا العقول الزاكية والقلوب الطاهرة والكافر ليس منهم فليس من أهل التذكر ولاشك أن كون الشيء أمراً بينا لا ينافي التذكر ألا ترى إلى قوله تعالى : إله مع الله قليلاً ما تذكرون مع أن شواهد الألوهية ظاهرة لكل بصير باهرة عند كل خبير على إنه يظهر من تقريارتهم إنه لا بد من التذكر في نفي الكهانة لخفاء أمرها في الجملة بالنسبة إلى الشعر والعلم عند الله العلام تنزيل} أي هو منزل فعبر عن المفعول بالمصدر مبالغة {مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ} نزله على لسان جبريل تربية للسعداء وتبشيراً لهم وإنذاراً للأشقياء كما قال تعالى : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} وقال تعالى : ومبشراً ونذيراً.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
(10/114)
ولو تقول علينا بعض الأقاويل} كما يتقوله الشعراء أي ولو ادعى محمد علينا شيئاً لم نقله كما تزعمون كما قال تعالى : {أَمْ يَقُولُونَ} تقوله بل لا يؤمنون وفي ذكر البعض إشارة إلى أن القليل كاف في المؤاخذة الآتية فضلاً عن الكثير سمى الافتراء تولا وهو بناء التكلف لأنه قول متكلف كما قال صاحب الكشاف التقول افتعال القول لأن فيه تكلفاً من المفتعل وسميت الأقول المفتراة أقاويل تحقيراً لها لأن صيغة افعولة إنما تطلق على محقرات الأمور وغرائبها
150
كالأعجوبة لما يتعجب منه والأضحوكوة لما يضحك منه وكان الأقاويل جمع أقوولة من القول وإن لم يثبت عن نقلة اللغلة ولم يكن أقوولة مستعملاً لكن كونه على صورة جمع افعولة كاف في التحقير ويؤيدانه ليس جمع الأقوال لزوم أن لا يعاقب بما دون ثلاثة أقوال فالأقاويل ههنا بمعنى الأقوال لا إنه جمعه وفي حواشي ابن لشيخ الظاهر إن الأقاويل جمع أقوال جمع قول كأناعيم جمع أنعام جمع نعم لأخذنا منه} حال من قوله {بِالْيَمِينِ} أي بيمينه وقال سعدى المفتي هو من باب ألم نشرح لك في التفصيل بعد الإجمال {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} أي نياط قلبه بضرب عنقه والنياط عرف أبيض غليظ كالقصبة علق به القلب إذا انقطع مات صاحبه وفي المفردات الوتين عرق يسقي الكبد إذا انقطع مات صاحبه ولم يقل لأهلكناه أو لضربنا عنقه لأنه تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه وهو أن يأخذ القتال بيمينه ويكفحه باليف ويضرب عنقه فإنه إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاء أخذ بيساره وإذا أراد أنيوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف أي يواجهه وهو أشد من المصبور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه فلذا خص اليمين درن اليسار وفي المفردات لأخذنا منه باليمين أي منعناه ودفعناه فعبر عن ذلك بالأخذ باليمين كقولك خذ بيمين فلان انتهى.
وقيل اليمين بمعنى القوة فالمنى لانتقمنا بقوتنا وقدرتنا وقيل المعنى حينئذٍ لأخذنا منه اليمين وسلبنا منه القوة والقدرة على التكلم بذلك على أن الباء صلة أي زائدة وعبر عن القوة باليمين لأن قوة كل شيء في ميامنه فيكون من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال أو ذكر الملزوم وإرادة اللازم {فَمَا مِنكُم} أيها الناس {مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ} أي عن القتل أو المقتول وهو متعلق بقوله
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
{حَـاجِزِينَ} دافعين وهو صوف لأحد فإنه عام لوقوعه في سياق النفي كما في قوله عليه السلام ، لم تحل الغنائم لأحد أسود الرأس غيرنا فمن أحد في موضع الرفع بالابتداء ومن زائدة لتأكيد النفي ومنكم خبره والمعنى فما منكم قوم يحجزون عن المقتول أو عن قتله وإهلاكه المدلول عليه بقوله ثم لقطعنا منه التين أي لا يقدر على الحجز والدفع وهذا مبني على أصل بني تميم فإنعهم لا يعلمون ما لدخولها على القبيلتين وقد يجعل حاجزين خبراً لما على اللغة الجحازية ولعله أولى فتكون كلمة ما هي المشبهة بليس فمن أحد اسم ما وحاجزين منصوب على إنه خبرها ومنكم حال مقدم وكان في الأصل صفة لأحد وفي الآية تنبيه على أن النبي عليه السلام لو قال من عن نفسه شيئاً أو زاد أو نقص حرفاً واحداً على ما أوحى إليه لعاقبه الله وهو أكرم الناس عليه فما ظنك بغيره منم قصد تغيير شيء من كتاب الله أو قال شيئاً من ذات نفسه كما ضل بذلك بعض الفرق الضالة {وَأَنَّهُ} أي القرآن {لَتَذْكِرَةٌ} موعظة وبالفارسية نديست {لِّلْمُتَّقِينَ} لمن اتقى الشرك وحب الدنيا فإنه يتذكر بهذا القرآن وينتفع به بخلاف المشرك ومن مال إلى الدنيا وغلبه حبها فإنه يكذب به ولا ينتفع وفي تاج المصادر التذكير ولتذكرة باياد دادن وحرف را مذكر كردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
ومنه الحديث فذكروه أي فأجلوه لأن في تذكير الشي إجلالاً له {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ} أي منكم أيها الناس مكذبين بالقرآن فنجازيهم
151
(10/115)
على تكذيبهم قال مالك رحمه الله ما أشد هذه الآية على هذه الآية وفيه إشارة إلى مكذبي الإلهام أيضاً فإنهم ملتحقون بمكذبي الوحي لأن الكل من عند الله لكن أهل الاحتجاب لا يبصرون النور كالأعمى فكيف يقرون {وَأَنَّهُ} أي القرآن {لَحَسْرَةٌ} ونداءة يوم القيامة {عَلَى الْكَافِرِينَ} المكذبين له عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين المصدقين به وفي الدنيا أيضاً إذا رأوا دولة المؤمنين ويجوز أن يرجع الضمير إلى التكذيب المدلول عليه بقوله مكذبين {وَأَنَّهُ} أي القرآن {لَحَقُّ الْيَقِينِ} أي لليقين الذي لا ريب فيه فالحق واليقين صفتان بمعنى واحد أضيف أحدهما إلى الآخر إضافة الشي إلى نفسه كحب الحصيد للتأكيد فإن الحق هو الثابت الذي لا يتطرق إليه الريب وكذا اليقين قال الراغب في المفردات اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وإخواتهما يقال علم اليقني عين اليقني حق اليقين وبينها فرق مذكور في غير هذا الكتاب انتهى.
وقد سبق الفرق من شرح الفصوص في آخر سورة الواقعة فالرجع وقال الامام معناه إنه حق يقين أي حق لا بطلان فيه ويقين لا ريب فيه ثم أضيف أحد الوصفين إلى الآخر للتأكيد وقال الزمخشري لليقين حق اليقين كقولك هو العالم حق العالم وجد العالم ويراد به البليغ الكامل في شأنه وفي تفسير القاشاني محض اليقين وصرف اليقين كقولك هو العالم حق العالم وجد العالم أي خلاصة العالم وحقيقته من غير شوب شي آخر وقال الجنيد قدس سره حق اليقين ما يتقق العبد بذلك معرفة بالحق وهو أن يشاهد الغيوب كمشاهدته للمرئيات مشاهدة عيان ويحكم على المغيبات ويخبر عنها بالصدق كما أخبر الصديق الأكبر في مشاهدة النبي عليه السلام ، حين سأله ماذا أبقيت لنفسك قال الله ورسوله فأخبر عن تحققه بالحق وانقطاعه عن كل ما سوى الله ووقوفه على الصدق معه ولم يسأله النبي عليه السلام ، عن كيفيته ما أشار إليه ما عرف من صدقه وبلوغه المنتهيفيه ولما سأل عليه السلام ، حارثة كيف أصبحت قال أصبحت مؤمناً حقاً فأخبر عن حقيقة إيمانه فسأله عليه السلام ، عن ذلك لما كان يجد في نفسه من عظمي دعواه ثم لما أخبر لم يحكم له بذلك فقال عرفت فالزم أي عرفت الطريق إلى حقيقة الإيمان فألزم الطريق حتى تبلغ إليه وكان يرى حال أبي بكر رضي الله عنه مستوراً من غير استخبار عنه ولا استكشاف لما علم من صدقه فيما ادعى وهذا مقام حق اليقين واليقين اسم للعلم الذي زال عنه اللبس ولهذا لا يوصف علم رب العزة باليقين
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} أي فسبح الله بذكر اسم العظيم بأن تقول سبحانه الله تنزيهاً له عن الرضى بالتقول الله وشكراً على ما أوحى إليك فمفعول سبح محذوف والباء في باسم ربك للاستعانة كما في ضربته بالسوط فهو مفعول ثان بواسطة حرف الجر على حذف المضاف والعظيم صفة الاسم ويحتمل أن يكون صفة ربك ويؤيده ما روى أن رسول الله عليه السلام ، قال لما نزلت هذه الآية اجعلوها في ركوعكم فالتزم ذلك جماعة لعلماء كما في فتح الرحمن ، وقال في التأويلات النجمية : نزه وقدس تنزيهاً في عين التشبيه اسم ربك أي مسمى ربك إذا لاسم عين المسمى عند أرباب
152
الحق وأهل الذوق وقال القاشاني نزه الله وجرده عن شوب الغيب بذلك الذي هو اسمه الأعظم الحاوي للأسماء كلها بأن لا يظهر في شهودك تلوين من النفس أو القلب فحتجب برؤية الأننينية أو الأثانية وإلا كنت مشبهاً لا مسبحاً روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، إنه قال خرجت يوماً بمكة متعرضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فجئت فوقفت وراءه فافتتح سورة الحاقة فلما سمعت سرد القرآن ، قلت في نفسي إنه لشاعر كما يقول قريش حتى بلغ إلى قوله : إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون تنزل من رب العالمين ثم مر حتى انتهى إلى آخر السورة فأدخل الله في قلبي الإسلام.
جزء : 10 رقم الصفحة : 130
تفسير سورة المعارج
أربع وأربعون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 152
جزء : 10 رقم الصفحة : 153(10/116)
{سَأَلَ سَآاـاِلُا بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} من السؤال بمعنى الدعاء والطلب يقال دعا بكذا استدعاه وطلبه ومنه قوله تعالى : [الدخان : 55-12]{يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَـاكِهَةٍ} أي يطلبون في الجنة كل فاكهة والمعنى دعا داع بعذاب واقع نازل لا حالة سواء طلبه أو لم يطلبه أي استدعاه وطلبه ومن التوسعات الشائعة في لسان العرب حمل النظير على النظير وحمل النقيض على النقيض فتعدية سأل بالباء من قبيل التعدية بحمل النظير على النظير فإنه نظير دعا وهو يتعدى بالباء لا من قبيل التعدية بالتضمين بأن ضمن سأل معنى دعا فعدى تعديته كما زعمه صاحبا لكشاف وٌّ فائدة التضمين على ما صرح به ذلك الفاضل في تفسير سروة النحل إعطاء مجموع المعنيين ولا فائدة في الجمع بين معنى سأل ودعا لأن أحدهما يغني عن الآخر وامراد بهذا السائل على ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما واختاره الجمهور هو النضر بن الحارث من بني عبد الدار حيث قال إنكاراً واستهزاء اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وصيغة الماضي وهو واقع دون سيوقع للدلالة على تحقق وقوعه إما في الدنيا وهو عذاب يوم بدر فإن النضر قتل يومئذٍ صبراً وإما في الآخرة وهو عذاب النار وعن معاوية إنه قال لرجل من أهل سب ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة قال أجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله عليه السلام ، حين دعاهم إلى الحق إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ولم يقولوا إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له وقيل السائل هو الرسول عليه السلام ، استعجل بعذابهم وسأل أن يأخذهم الله أخذاً شديداً ويجعله سنين كسني يوسف وإن قوله تعالى : سأل سائل حكاية لسؤالهم المعهود على طريقة قوله تعالى يسألونك عن الساعة وقوله تعالى متى هذا الوعد ونحوهما إذ هو المعهود باوقوع على الكافرين لا ما دعا به النضر فالسؤال بمعناه
153
وهو التفتيش والاستفسار لأن الكفرة كانوا يسألون النبي عليه السلام ، وأصحابه إنكاراً واستهزاء عن وقوعه وعلى من ينزل ومتى ينزل والباء بمعنى عن كما في قوله تعالى فسأل به خيراً أي فاسأل عنه لأن الحروف العوامل يقوم بعضها مقام بعض باتفاق العلماء وعن الامام الواحدي إن الباء في بعذاب زائدة للتأكيد كما في قوله تعالى وهزي إليك بجذع النخلة أي عذاباً واقعاً كقولك سألته الشيء وسألته عن الشيء للكافرين} أي عليهم فاللام بمعنى على كما في قوله تعالى : [الإسراء : 7-9]{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أن فعليها أو بهم فالام بمعنى الباء على كما في قوله تعالى : وإن أسأتم فلها أي فعليها أو بهم فاللام بمعنى الباء على ما ذهب بعضهم في قوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله أي بأن يعبدوا الله أو على معناه أي نازل لأجل كفرهم ومتعلقه على التقادير الثلاثة هو واقع قال بعض العارفين بهذا وصف ل الأمل والظن الكاذب الذين يظنون أنهم يتركون في قبائح أعمالهم وهم لا يعذبون ليس له} أي لذلك العذاب {دَافِعٌ * مِّنَ اللَّهِ} أي من جهته تعالى إذ جاء وقته وأوجيب الحكمة وقوعه {ذِي الْمَعَارِجِ} صفةلأنه من الأسماء المضادة مثل فالق الإصباح وجاعل الليل سكناً ونحوهما والمعارج جمع معرج بفتح الميم هنا بمعنى مصعد وهو موضع الصعود ، قال الراغب : العروج ذهاب في صعود والمعارج المصاعد ومعنا ذي المعارج بالفارسية خداوند درجهاى بلند است.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
والمراد الأفلاك التسعة المرتبة بعضها فوق بعض وهي السموات السبع والكرسي والعرش {تَعْرُجُ الملائكة} المأمورون بالنزول والعروج دون غيرهم من المهيمين ونحوهم لأن من الملائكة من لا ينزل من السماء أصلاً ومنهم من لا يعرج من الأرض قطعاً {وَالرُّوحُ} أي جبريل افرده بالذكر لتميزه وفضله كما في قوله تعالى : [القدر : 4]{تَنَزَّلُ الملائكة وَالرُّوحُ} فقد ذكر مع نزولهم في آية وعروجهم في أخرى إليه} أي يعرجون من مسقط الأمر إلى عرشه وإلى حيث تهبط منه أوامره كقوله إبراهيم عليه السلام ، إني ذاهب إلى ربي أي إلى حيث رن رب بالذهاب إليه فجعل عروجهم إلى العرش عروجاً إلى الرب لأن العرش مجلى صفة الرحمانية فمنه تبتد الأحكام وإلى حيث شاء الله تعالى تهبط الملائكة بأعمال بني آدم إلى الله تعالى والروح إليهانا ظرفي ذلك المشهد.
(في يوم) متعلق بتعرج كألى (كان مقداره خمسين ألف سنة) مما يعده الناس كما صرح به قوله تعالى : {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُه أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} وقوله : خمسين خبر كان وهو من باب التشبيه البليغ والأصل كمقدار مدة خمسين ألف سنة.
واعلم أن تحقيق هذه الآية يستدعى تمهيد مقدمة وهي أن المبروج اثنا عشر على ما أفاده هذا البيت وهو قوله :
ون حمل ون ثور وون جوزا وسرطان وأسد
سنبله ميزان وعقرب قوس وجدى ودلو وحوت
(10/117)
وكان مبدأ الدولة العرشية من الميزان ومنه إلى الحوت أوجد الله فيه الأرواح السماوية والصور الأصلية الكلية التعينة في جوف العرش ولكل برج يوم مخصوص به ومدة
154
هذه البروج الستة وهي الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت أحد وعشرون ألف سنة ومن الحمل إلى برج السنبلة في الحكم خمسون ألف سنة ومدة دور السنبلة سبعة آلاف سنة وهي الآخرة وفي أول هذه الدورة التي هي دور السنبلة بموجب الأمر الإلهي الموحي به هناك ظهر النوع الإنساني وبعث نبينا عليه السلام في الألف الآخر من السبعة وفي الأجزاء البرزخية بين أحكام دور السنبلة ودور الميزان المختص بالآخرة فإنه إذا تم دور البروج الأثنى عشر ينتقل الحكم إلى الميزان وهو زمان القيامة الكبرى فأخذنا كفة الأف الأولى للدنيا في الدولة المحمدية والكفة الأخرى للآخرة والحشر أي أخذنا النصف الأول من ألف الميزان الثاني لذه النشأة والنصف الأخير منه للنشأة الآخرة ولهذا استقرت الأخبار في قيام الساعة وامتدادها إلى خمسمائة سنة بعد الألف وهي النصف الأول من الألف الثاني من الميزان الثاني ولم يتجاوز حد الدنيا ذلك عند أحد من علماء الشريعة فبعث النبي عليه السلام ، في زمان امتزاج الدنيا بالآخرة كالصح الذي هو أول النهار المشرع ومنه إلى طلوع الشمس نظراً لزمان الذي هو من المبعث إلى قيام الساعة فكما يزداد الضوء بعد طلوع الفجر بالتدريج شيئاً بعد شيء كذلك ظهور أحكام الآخرة من حين المعث يزداد إلى زمان طلوع الشمس من مغربها كما أشار عليه السلام ، إليه بقوله بعثت أنا والساعة كفرسي رهان وبقوله لا تقوم الساعة حتى يكلم الرجل عذبة سوطه وحتى يحدثه فخذه بما يصنع أهله بعده وكذا يسمع جمهور الناس في آخر الزمان نطق الجمادات والنباتات والحيوانات على ما ورد في الأخبار الصحيحة فلليوم مراتب وأحكام.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
فيوم كالآن وهو أدنى ما يطلق عليه الزمان ومنه يمتد الكل وهو المشار إليه بقوله تعالى : كل يوم هو في شأن فسمى الزمن الفرد يوماً لأن الشان يحدث فيه وهو أصغر الأزمان وأدقها والساري في كل الأدوار سريان المطلق في المقيد.
ويوم كألف سنة وهو اليوم لإلهي ويوم الآخرة كمال قال تعالى : وإن يوماً عند ربك كألف سنة وقال يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون.
ويوم كخمسين الف سنة وإلى ما لا يتناهى كيوم أهل الجنة فلأحد لأكبر الأيام يوقف عنده فهذا اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة هو يوم المعراج ويوم القيامة أيضاً.
درفتوحات آورده كه هراسمى را ازاسماء الهيه رزيست خاص كه تعلق بدوداردودر قرآن در روزاز إنها مذكوراست يوم الرب كه هزار سالست ويوم ذي المعارج كه نجاه هزار سالست.
وكل ألف سنة دورة واحدة تقع فيها القيامة الصغرى لأهل الدنيا بتبديل الأحكام والشرائع وأنواع الهياكل والنفوس وكل سبعة آلاف سنة دورة لنوع خاص كالأنسان وكل خمسين ألف سنة دورة أيضاً تقع فيما القيامة الكبرى فيفنى العالم وأهله وكان عروج الملائكة من الأرض إلى السماء ونزولهم من السماء إلى الأرض لإجراء أحكام الله وإنفاذ أمره في مدة البروج الستة الآخر التي هي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة وهي خمسون ألف سنة كما سبق وعند العارفين يطلق على نزول الملائكة العروج أيضاً وإن كانت حقيقة العروج إنما هي لطالب العلو
155
وذلك لأنتعالى في كل موجود تجلياً ووجهاً خاصاً به يحفظه فنزول الملائكة وعروجهم دائماً إلى الحق لعدم تحيز وكل ما كان إليه فهو عروج وإن كان في السفليات لأنه هو العي الأعلى فهو صفة علو على الدوام وجعلت أجنحة الملائكة للهبوط عكس الطائر عبرة ليعرف كل موجود عجزه وعدم تمكنه من تصرفه فوق طاقته التي أعطاها الله له فالملائكة إذا نزلت نزلت بجناحها وإذا علت علت بطبعها والطيور بالعكس فاعلم ذلك وكذلك يكون عروجهم ونزولهم أي يقع في اليوم الطويل الذي هو يوم القيامة لإجراء أحكام الله على ما شاء وانفاذ أمره على مقتضى علمه وحكمته وهو مقدار خمسين ألفسنة من سني ادنيا ودل على مدة هذا اليوم قوله عليه السلام : ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم ، أي مرة ثانية ليشتد حرها فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له أي ملكيه إلى نار جهم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة أي إن لم يكن له ذنب سوء أو كان ولكن الله عفا عنه وإما إلى النار أي إن كان على خلاف ذلك رواه مسلم.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
(10/118)
وروى) إن للقيامة خمسين موقفاً يسأل العبد في كل منها عن أمر من أمور الدين فإن لم يقدر على الجواب وقف في كل موقف بمقدار اليوم الإلهي الذي هو ألف سنة ثم لا ينتهي اليوم إلى ليل أي يكون وقت أهل الجنة كالنهار أبداً ويكون زمان أهل النار كالليل أبداً إذ كما لا ظلمة لأهل لنور كذلك لا نور لأهل الظمة وفيه تذكير للعاقل على أن يوم القيامة إذا كان أوله مقار خمسين ألف سنة فماذا آخره ثم هذا الطول في حق لكافر والعاصي لا المؤمن والمطيع لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه إنه قيل لرسول الله عليه السلام ما أطول هذا اليوم فقال عليه السلام والذي نفسي بيده إنه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا وفي التمثيل بالصلاة إشارة إلى وجه آخر لمسر المعدد وهو أن الكافر أضاع الصلاة وهي في الأصل خمسون صلاة فكأنه عذب بكل واحدة منها ألف سنة ، ولهذا المسر يكلف يوم القيامة بالسجود لا بغيره ولا يلزم من وجود هذا اليوم بهذا المطول ومن عروج الملائكة في أثنائه إلى العرش أنيكون ما بين أسفل المعالم وأعلى سرادقات العرش مسيرة خمسين ألف سنة لأن المراد بيان طول اليوم عروج الملائكة ونزولهم في مثل هذا اليوم إلى العرش ومنه لتلقى أمره وتبليغه إلى محله مراراً وكراراً لا بيان طول المعارج لأن ما بين مركز الأر ومقعر السماء مسيرة خمسمائة عام وتخن كل واحدة من السموات السبع كذلك فيكون المجمو تسعة آلاف إلى العرش أي بالمنظر الظاهري وإلا فهي أزيد من ذلك بل من كل عدد متصور كما ستجيء الإشارة إليه وقو من قال جعل ما بين الكرسي والعرش كما بين غيرهما غير موجه لما في الحديث الصحيح إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للجاهدين في سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض فيكون بين الكرس الذي هو صحن الجنة وبين العرش الذي هو سقف الجنة خمسمائة سنة مائة مرة أولها من أرض الكرسي إلى الدرجة السافلة
156
من العرش فيكون المجموع مقدار خمسين ألف سنة تأمل تعرف إن كلامه ليس بصحيح من وجوه الأول إن المراد في هذا المقام بيان الطول من أسفل العالم إلى أعلاه وإنه مقدار خمسين ألف سنة لا من صحن الجنة إلى سقفها لأنه عل ما ذكره من المسافة بين العرشين يزيد لعى ذلك المقدار وبالنظر إلى أسفل العالم زيادة بينة في حصل القمصود والثاني أن المراد النبي عليه السلام ، من التمثيل بما بين السماء والأرض ليس التحديد بل بيان مجرد السعة وطول الامتداد بما لا يعرفه إلا الله كما يقتضيه المقام والثالث إن الحديث اذي أورده لا يدل على أن نهاية الدرجة الأخيرة من تلك الدرجات منتهة إلى الدرجة السافلة من العرش بل هو ساكت عنه فيجوز أن يكون المقدار ازيد مما ذكره لأن طبقات المجاهدين متفاوتة على أن سقف الجنة وإن كان هو عرش الرحمن لكن المراد به ذروته وهي التي ينتهي دونها عالم التركيب وهي موضع قدم النبي عليه السلام ، ليلة المعراج وما بين أسفل الجنة من محدب الكرسي إلى أعلاها من تلك الذروة التي هي محدب العرش لأحد له يعرف على ما سيجيء في سورة الأعلى إن شاء الله تعالى فإذا تحققت هذا البيان الشافي في الآية الكريمة وهو الذي أشار إليه الحكماء الإلهية فدع عنك القيل والقال الذي قرره أهل المراء والجدال فمنه إن قوله في يوم بيان لغابة ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها على منهاج التمثيل والتخييل والمعنى من الارتفاع بحيث لو قدر قطعها في ذلك لكان ذلك الزمان مقدار خمسين ألف سنة من ستي الدنيا انتهى وفيه إن كونه محمولاً على التمثيل إنما يظهر إذا فسرت المعارج بغير السموات وهو خلاف المقصود ومنه إن معناه تعرج الملائكة والروح إلى عرشه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة أي يقطعون في يوم من أيام الدنيا ما يقطعه الإنسان في خمسين ألف سنة لو فرض ذلك القطع وذلك لغاية سرعتم وقوتهم على الطيران وبالفارسية اكر يكى ازبنى آدم خواهدكه سير كنداز دنيا تا آنجا كه محل امر ملائكة است وايشان بيكروز ميررند او بدين مقدار سال تواند رفت انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
(10/119)
وفيه أن سير الملائكة لحظي فيصلون من أعلى الأوج إلى أسفل الحضيض في آن واحد فتقدير سيرهم باليوم المعلوم في العرف غير واضح ومنه إن اليوم في الآية عارة عنأول أيام الدنيا إلى انقضائها وإها خمسون ألف سنة لا يدري أحدكم مضي وكم بقي إلا الله تعالى انتهى وفيه أن أيام الديا تزيد على ذلك زيادة بينة كما لا يخفى على أهل الأخيار وعندي إنها ثلاثمائة وستون ألف سنة بمقدار أيام السنة دل عليه قولهم إن عمر الإنسان جامعة من جمع الآخرة وقد أسفلناه في موضعه ومنه أن المراد باليوم هو يوم من أيام الدنيا يعرج فيه الأمر من منتهى أسفل الأرضين إلى منتهى أعلى السموات ومقدار ذلك اليوم خمسون ألف سنة وإما اليوم الذي مقداره ألف سنة كما في سورة الم السجدة فباعتبار نزول الأمر من السماء إلى الأرض وباعتبار عروجه من الأرض إلى السماء فللنزول خمسمائة وكذا للصعود والمجموع ألف وفيه إنه زاد في الطنبور نغمة أخرى حيث اعتبر العروج من أسفل الأرضين ليطول المسافة وظاهر إنه لا يتم المقصود بذلك ومنه إن المراد تصعد الحفظة بأعمال بني آدم كل يوم إلى محلى قربته
157
وكرامته وهو السماء في يوم كان مقادره خمسين ألف سنة من سني الدنيا لو صعد فيه غير الملك لأن الملك يصعدمن منتهى أمر الله من أسفل السفل إلى منهى أمره من فوق السماء السابعة في يوم واحد ولو صعد فيه بنو آدم لصعدوا في خمسين ألف سنة انتهى وفيه ما في السابق من تقدير اليوم في حق الملائكة مع أن قصر الصعود على الصعود بمجرد لعمل قصور لأنه شأن الملائكة الحافظين والآية مطلقة عامة لهم ولغيرهم من المدبرات ومنه إن قوله في ويم متعلق بواقع على أن يكون المراد به يوم القيامة والمعنى يقع العذاب في يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة من سني الدنيا فتكون جملة قوله تعرج الملائكة معترضة بين الظرف ومتعلقه انتهى وفيه إنه من ضيق العطن لأنه لا مانع من إرادة يوم القيامة على تقدير تعلقه بتعرج أيضاً على ما عرف من تقديرينا السابق فإن قلت لما ذا وصف الله ذاته في مثل هذا القمام بذي المعارج قلت للتنبيه على أن عروج الملائكة على مصاعد الأفلاك ونزولهم منها إنما هو للأمر الإلهي كما قال تعالى يتنزل الأمر بينهن ومن أمره إيصال اللطف إلى أوليائه وإرسال القهر على أعدائه ففيه تحذير للكفار من عقوبة السماء النازلة بواسطة الملائكة كما وقعت للأمم الماضية المكذبة وزجر لهم عما يؤدي إلى المحاسبة الطويلة يوم القيامة هذا ما تيسر لي في هذا المقام والعلم عند الله العلام.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
وفي التأويلات النجمية : في ذي المعارج أي يصعد بتعذيب أهل الشهوت واللذت مرتبة فوق امرتبة ومصعداً فوق مصعد من معرج نفوسهم إلى معرج قلوبهم ومنه إلى معرج سرهم ومنه إلى معرج روحهم يعذبهم في كل مرتبة عذاباً أشد من أول وفي قوله تعالى : تعرج.
.
الخ أي تعرج الخواطر الروحانية خصوصاً خاطر جبريل الروح في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من أيام الله وهي أيام السماء التي تحت حيطة الله الاسم الجامع فافهم قال القاشاني : ذي المعارج أي المصاعد وهي مراتب الترقي من مقام الطبائع إلى مقام المعادن بالاعتدال ثم إلى مقام النبات ثم إلى الحيوان ثم إلى الإنسان في مدارج الانتقالات المترتبة بعضها فوق بعض ثم في منازل السلوك بالانتباه واليقظة والتوبة والإنابة إلى آخر ما أشار إليه أهل السلوك من نمزل اليقين ومنهل القلب في مراتب الفناء في الأفعال في الذات مما لاي حصى كثرة فإن له تعالى بإزاء كل صفة مصعداً بعد المصاعد المتقدمة على مقام والصفات إلى الفناء الفناء في الصفات تعرج الملائكة من القوى الأرية والسمائية في وجود الإنسان والروح الإنساني إلى حضرته اذاتية الجامعة في القيامة الكبرى في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وهو يوم من أيام الله العلي بالذات ذي المعارج العلي وهي الأيام الستة السرمدية من ابتداء الأزل إلى انتهاء الأبد وإما ايوم المقدار بألف سنة في قوله : وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون فهو يوم من أيام الرب المدبر الذي وقت به العذاب وانجاز الوعد في قوله ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده والتدبير في قوله : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقدار ألف سنة مما تعدون وذلك اليوم الأخير من الأسبوع الذي هو مدة الدنيا المنتهية بنبوة الخاتم والذي قال فيه إن استقامت أمتي فلها يوم وإن لم تسبقم فلها نصف يوم مع قوله بعثت أنا والساعة كهاتين
158
(10/120)
فهذا يوم من أيام الربوبية والتدبير وأما اليوم الذي هو من الأيام الألوهية فهو مقدار ابتداء الربوبية بأسماء الله الغير المتناهية التي تندرج معها لا تناهيها في الأسماء السبعة وهي الحي العالم القادر المريد السميع البصير المتكلم ولكل من هذه السبعة ربوبية مطلقة بالنسبة إلى ربوبيات الأسماءا لنمدرجة تحته ومقيدة بالنسبة إلى ربوبية كل واحد من أخواته إلى انتهائها بالتجلي الذاتي وكما أن هذا اليوم المذكرو سع من أيام الدنيا فمدة الدنيا سبع من ذلك اليوم الإلهي الحاصل من ضرب أيام الدنيا في عدد أسماء الربوبية وهي تسع وأربعون سنة وآخره أول الخمسين الذي هو يوم واحد من أيام الله وهو يوم القيامة الكبرى فاصبر} يا محمد
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
{صَبْرًا جَمِيلا} لا جزع فيه ولا شكوى لغيرافإن العذاب يقع في هذه المدة المتطاولة التي تعرج فيها الملائكة والروح وعن الحسن الصبر الجميل هو المجاملة في الظاهر وعن ابن بحر انتظار الفرج بلا استعجال وهو متعلق بسأل لأن السؤال كان عن استهزاء وتعنت وتكذيب بالوحي وذلك مما يضجره عليه السلام ، أو كان عن تضجر واستبطاء للنصر والمعونة {إِنَّهُمْ} أي ل مكة {يَرَوْنَهُ} أي العذاب الواقع أي يزعمونه في رأيهم {بَعِيدًا} أي يستبعدونه بطريق الإحالة كما كانوا يقولون ائذا متنا وكنا تراباً الآية من يحيى العظام وهي رميم فلذلك يسألون به وسبب استبعادهم عدم علمهم باستحقاقهم إياه يقول المرء لخصمه هذا بعيد رداً لوقوعه وإمكانه أي نعلمه {قَرِيبًا} لعلمنا باستحقاقهم إياه بحسب استعدادهم أي هينا في قدرتنا غير بيعد علينا ولا متعذر فالمراد بالبعد هو البعد من الإمكان وبالقرب هو القرب منه وقال سهل رحمه الله إنهم يرون المقضي عليهم من الموت والبعث والحساب بعيداً لبعد آمالهم ونرا قريباً فإن كل كائن قريب والبعيد ما لا يكون وفي الحديث : "ما الدنيا فيما مضى وما بقي إلا كثوب شق باثنين وبقي خيط واحد ألا وكان ذلك الخيط قد انقطع" قال الشاعر :
هل الدنيا وما فيها جميعاً
سوى طل يزول مع النهار
ما همو مسافريم درزير درخت
ون سايه برفت زود بردار درخت
ومن عجب الأيام إنك قاعد
على الأرض في الدنيا وأنت تسير
فسيرك يا هذا كسير سفينة
بقوم قعود والقلوب تطير
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص159 حتى ص170 رقم17
{يَوْمَ تَكُونُ السَّمَآءُ كَالْمُهْلِ} وهو ههنا خبث الحديد ونوه مما يذاب على مهل وتدريج أودردى الزيت لسيلانه على مهل لثخانته وعن ابن مسعود كالفضة المذابة في تلونها أو كالقير والقطران في سوادهما ويوم متعلق بقريباً أي يمكن ولا يتعذر في ذلك اليوم أي يظهر إمكانه وإلا فنفس الإمكان لا اختصاص له بوقت أو متعلق بمضمر مؤخر أي يوم تكون السماء كالمهل يكون من الأحوال والأهوال ما لا يوصف {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} العهن الصوف المصبوغ قال تعالى : [القارعة : 5-10]{كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} وتخصيص العهن لما فيه من اللون كما ذكر في قوله تعالى : فكانت وردة كالدهان والمعنى وتكون الجبال كالصوف المطبوغ ألوانا لاختلاف ألوان الجبال منها جدد بيض وحمر وغرابيب سود فإذا بست وطيرت في الجو أشبهت العهن
159
المنفوش إذا طيرته الريح ، قال في كشف الأسرار أول ما تنغير الجبال تصير رملاً مهيلاً ثم عهنا منفوشاً ثم تصير هباء منثوراً ولا يسأل حميم حميماً} أي لا يسأل قريب قريباً عن أحواله ولا يكلمه لابتلاء كل منهم بما شغله عن ذلك وإذا كان الحال بين الأقارب هكذا فكيف يكون بين الأجانب والتنكير للتعميم {يُبَصَّرُونَهُمْ} استئنافك أنه قيل لعله لا يبصره فكيف يسأل عن حاله فقل يصبرونهم والضمير الأول لحميم أول والثاني للثاني وجمع الضميرين لعموم الحميم لكل حميمين لا لحميمين اثنين قال في تاج المصادر التبصير بينا كردن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
والتعريف والإيضاح ويعدى إلى المفعول الثاني بالباء وقد تحذف الباء وعلى هذا يبصرونهم انتهى.
يعني عدى يبصرونهم بالتضعيف إلى ثان وقام الأول مقام الفاعل والشائع المتعارف تعديته إلى الثاني بحرف الجر يقال بصرته به وقد يحذف الجار وإذ نسبت الفعل للمفعول به حذفت الجار وقلت بصرت زيداً وما في الآية من هذا القبيل والمعنى يبصر إلا حماء إلا حماء يعني بينا كرده شوندايشان بخويشان خود.
فلا يخفون عليهم ولا يمنعهم من التساؤل إلا تشاغلهم بحال أنفسهم وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبعه فيبصر الرجل أباه وأخاه وأقرباءه وعشيرته ولكن لا يسأله ولا يكلمه لاشتغاله بما هو فيه قال ابن عباس رض الله عنهما يتعارفون ساعة ثم يتناكرون {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ} أي يتمنى الكافر وقيل كل مذنب {لَوْ} بمعنى التمني فهو حكاية لودادتهم فدادهد.
(10/121)
وهو حفظ الإنسان عن التائبة بما يبذل عنه {مِنْ عَذَابِ يَوْمِـاـاِذ} أي من العذب الذي ابتلوا به يوم إذا كان الأمر ما ذكر وهو بكسر الميم لإضافة العذاب إيه وقرىء يومئذٍ بالفتح على البناء للإضافة إلى غير متمكن {بِبَنِيهِ} أصله بنين سقطت نونه بالإضافة وجمعه لأن كثرتهم محبوبة مرغوب فيها {وَصَـاحِبَتِهِ} زوجته التي يصاحبها {وَأَخِيهِ} الذي كان ظهيراً له ومعيناً والجملة استئناف لبيان إن اشتغال كل مجرم بنفسه بلغ إلى حيث يتمنى أن يفتدى بأقرب الناس إليه وَلقهم بقلبه ويجعله فداء لنفسه حتى ينجو هو من العذاب فضلاً عن أن يهتم بحاله ويسأل عنها كأنه قيل كيف لا يسأل مع تمكنه من السؤال فقيل يود الخ.
{وَفَصِيلَتِهِ} وهي في الأصل القطعة المفصولة من الجسد وتطلق على الآباء الأقربين وعلى الأولاد لأن الولد يكون مفصولاً من الأبوين فلما كان الولد مفصولاً منهما كانا مفصولين منه أيضاً فسمى فصيلة لهذا السبب والمراد بالفصيلة في الآية هو الآباء الأقربون والعشيرة الأدنون لقوله وبنيه {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِى} أوى إلى كذا انضم إليه وآواه غيره كما قال تعالى آوى إليه أخاه أي ضمه إلى نفسه فمعنى تؤويه تضمه إليها في النسب أو عند الشدائد فيلوذ بها وبالفارسية وخويشان خودراكه جاي داده انداورا دردنيانزد خود يعني ناكاه وى بوده اند
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
{وَمَن فِى الارْضِ جَمِيعًا} من الثقلين والخلائق ومن للتغليب {ثُمَّ يُنجِيهِ} عطف على يفتدى أي يود لو يفدتى ثم ينجيه الافتداء وثم لاستبعاد الإنجاء يعني يتمنى لو كان هؤلاء جميعاً تحت يده وبذلهم في فداء نفسه ثم ينجهي ذلك وهيهات أن ينجيه وفيه إشارة إلى مجرم الروح المنصبغ بصبغة النفس فإنه يود أن يفتدى من هول
160
عذاب يوم الفراق والاحتجاب ببني القلب وصفاته وصاحبة نفسه وأخي سره وفصيلته أي توابعه وشيعته ومن ي أرض بشريته جميعاً من القوى الروحانية والجسمانية ثم ينجيه هذا الافتداء ولا ينفعه لفساد الاستعداد وفوات الوقت {كَلا} ردع للمجرم عن الودادة وتصريح بامتناع إنجاء الافتداء أي لا يكون كما يتمنى فإنه بهيئته الظلمانية الحاصلة من الإجرام استحق العذاب فلا ينجو منه وفي الحديث يقول الله لأهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به فيقول نعم فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي وعن القرطبي أن كلا يكون بمعنى الردع وبمعنى حقاً وكلا الوجهين جائز إن هنا فعلى الثاني يكون تمام الكلام ينجيه فيوقف عليه ويكون كلا من الجملة الثانية التي تليه والمحققون على الأول ومن ذلك وضع السجاوندي علامة الوقف المطلق على كلا {إِنَّهَا} أي النار المدلول عليها بذكر العذاب والمراد جهنم {لَظَى} وهو علم للنار وللدرك الثاني منها منقول من اللظى بمعنى الهب الخالص الذي لا يخالطه دخان فيكون في غاية الإحراق لقوة حرارته النارية بالصفاء وهو خبر إن بمعنى مسماة بهذا الاسم ويجوز أن يراد اللهب الخالص على الأصل فيكون خبراً بلا تأويل.
(كما قال الكاشفي) : بدرستى كه آتش دوزخ كه مجرم ازوفدا دهد زبانه ايست خالص.
(وفي كشف الأسرار) : آن آتشى است زبانه زن {نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى} نزع الشيء جذبه من مقره وقلعه والشوى الأطراف أي الأعضاء التي ليست بمقتل كالأيدي والأرجل ونزاعة على الاختصاص للتهويل أي أعني بلظى جذابة للأعضاء الواقعة في أطراف الجسد وقلاعة لها بقوة الإحراق لشدة الحرارة ثم تعود كما كانت وهكذا أبداً والشوى جمع شواة وهي جلدة الرأس يعني أن النار تنزع جلود الرأس وتقشر عنه وذلك لأنهم كانوا يسعون بالأطراف للأذى والجفاء ويصرفون عن الحق الأعضاء الرئيسة التي تشمتلم عليها الرأس خصوصا العقل الذي كانوا لا يعقلون به في الرأس {تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ} أي عن الحق ومعرفته وهو مقابل أقبل ومعنى تدعو تجذب إلى نفسها وتحضر فهو مجاز عن إحضارهم كأنها تدعوهم فتحضرهم.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
قال الكاشفي) : زبنه ميزند وكافر رابخود ميكشد اتزصد اله ودويست ساله راه نانه مقناطيس آهن راجذب ميكند.
وتقول لهم إلى إلى يا كافر ويا منافق ويا زنديق فإني مستقرك أو تدعو الكافرين والمنافقين بلفظ فصيح بأسمائهم ثم تلقتطهم كالتقاط الطير الحبر ويجوز يخلق الله فيها كلاماً كما يخلقه في جلودهم وأيديهم وأرجلهم وكما خلقه في الشجرة أو تدعو زبانيتها على حذف المضاف أو على الإسناد المجازي حيث أسند فعل الداعي إلى المدعو إليه {وَتَوَلَّى} أي أعرض عن الطاعة لأن من أعرض يولي وجهه وفي التأويلات النجمية : من أدبر عن التوجه إلى الحق بموافقات الشريعة ومخالفات الطبيعة وتولى عن الإقبال على الآخرة والادبار عن الدنيا.
(10/122)
وقال القاشاني : بمناسبة نفسه للجحيم أنجر إليها إذ الجنس إلى الجنس يميل ولظى نار الطبيعة السفلية ما استدعت إلا المدبر عن الحق المعرض عن جناب القدس وعالم النور المقبل بوجهه إلى معدن الظلمة المؤثر لمحبة الجواهر الفانية السفلية المظلمة فانجذب بطبعه إلى مواد النيران الطبيعية واستدعته وجذبته
161
إلى نفسها للجنسية فاحترق بنارها الروحانية المستولية على الأفئدة فكيف يمكن الإنجاء منها وقد طلبها بداعي الطبع ودعاه بلسان الاستعداد {وَجَمَعَ} المال حرصا وحباً للدنيا {فَأَوْعَى} فجعله في وعاء وكنزه ولم يؤد زكاته وحقوقه الواجبة فيه وتشاغل به عن الدين وتكبر باقتنائه وذلك لطول أمله ونعدام شفقته على عباد الله وإلا ما ادخر بل بذل وفي جمع الجمع مع الأدبر والتولي تنبيه على قباحة البخل وخساسة البخيل وعلى إنه لا يليق بالمؤمن وفي الخبر يجاء بابن آدم يوم القيامة كأنه بذج بين يي الله وهو بالفارسية بره.
فيقول له أعطيتك وخولتك وأنعمت عليك فما صنعت فيقول رب جمعته وثمرته وتركته أكثر ما كان فارجعني آتك به كله فإذا هو عبد لم يدم خيراً فيمضي به إلى النار وفي الخبر بصق عليه السلام يوماً في كفه ووضع عليها أصبه فقال يقول الله لابن آدم تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد يعني زمين را ازتو آواز شديدبود.
فجمعت ومنعت حتى إذا بلت التراقي قلت اتصدق وأني لوان الصدقة وفي التأويلات النجمية : جمع الكمالات الإنسانية من الأخلاق الروحانية والأوصاف الرحمانية ولم ينفق على الطلاب الصادقين العاشقين والمحبين المشتاقين بطريق الإرشاد والتعليم والتسليك {إِنَّ الانسَـانَ} أي جنس الإنسان {خُلِقَ} حال كونه {هَلُوعًا} مبالغ هالع من الهلع وو سرعة الجزع عند مس المكروه بحيث لا يستمسك وسرعة المنع عند مس الخير يقال ناقة هلواع سريعة السير وهو من باب علم وقد فسره أحسن تفسير على ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى : {إِذَا} ظرف لجزوعا {مَسَّهُ الشَّرُّ} أي أصبه ووصل إليه الفقر أو المرض أو نحوهما {جَزُوعًا} مبالغة في الجزع مكثراً منه لجهله بالقدر وهو ضد الصبر وقال ابن عطاء الهلوع الذي عند الموجود يرضى وعند المفقود يسخط وفي الحديث شر ما أعطى ابن آدم شح هالع وجبن خالع فالهالع المحزن يعني اند وهكين كننده.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
والخالع الذي يخلع قلبه قال بعض العارفين إنما كرهت نفوس الخلق المرض لأنه شاغل لهم عن أداء ما كلفوا به من حقوق الله تعالى إذا الروح الحيواني حين يحس بالألم يغيب عن تدبير اجسد الذي يقوم بالتكليف وإنما لم تكره نفوس العارفين الموت لما فيه من لقاء الله تعالى فهو نعمة ومنة ولذلك ما خير نبي في الموت إلا اختاره {وَإِذَا} ظرف لمنوعا {مَسَّهُ الْخَيْرُ} أي السعة أو غيرهما {مَنُوعًا} مبالغاً في المنع والإمساك لجهله بالقسمة وثواب الفضل وللصحة مدخل في الشح فإن الغنى قد يعطي في المرض ما لا يعطيه في الصحة ولذا كانت الصدقة حال الصحة أفضل.
ودر لباب از مقاتل نقل ميكندكه هلوع جانوريست درس كوه قاف كه هرروز هفت صحرا ازكياه خالي ميكند يعني همه حشايش آنرامى خورد وآب هفت دريامى آشامد ودرك كرما وسر ما صبر ندارند وهرشب درانديشه روزى بدين دابه تشبيه ميكند.
جانور يراكه بجز آدميست
معده و رشد سبب بي غميست
آدميست آنكه نه سيرى برد
برسر سيرى غم روزى خورد
162
خوردهمه عمر ه بيشت وه كم
روزى هرروزه زخوان كرم
وزره حرص واملش همنان
هي غمى نيست بجز فكرنان
والأوصاف الثلاثة وهي هلوعاً وجزوعاً ومنوعاً أحوال مقدرة لأن المراد بها ما يتعلق به الذم والعقب وهو ما يدخل تحت التكليف والاختيار وذلك بعد البلوغ أو محقة لأنها بائع جبل الإنسان عليها كما قال المتنبي الظلم من شيم النفوس فإن تجد.
ذا عفة فلعلة لا يظلم
(10/123)
ولا يلزم إن لا تفارقه بالمعالجات المذكورة في كتب الأخلاق فإنها كبرودة الماء ليست من اللوازم المهيئة للوجود بل إنما حصولها فيه بوضع الله تعالى وخلقه وهو يزيلها أيضاً بالأسباب التي سببها إذا أراد فإن قيل فيلزم أن يكون له هلع حين كان في المهد صبياً قلنا نعم ولا محذور ألا يرى إنه كيف يسرع إلى الثدي ويحرص عى الرضاع ويبكي عند مس الألم ويمنع بما سوعه إذا تمسك بشيء فوحم فيه قال الراغب فإن قيل ما الحكمة في خلق الإنسان على مساوي الأخلاق قلنا الحكمة في خلق الشهوة أن يمانع نفسه إذا نازعته نحوها ويحارب شيطانه عند تزيينه المعصية فيستحق من الله مثوبة وجنة انتهى.
يعني كما إنه ركب فيه الشهوة ركب فيه العقل الرادع وحصلت الدلالة إلى الصراط السوي من الشارع قال بعض العارفين الشح في الإنسان أمر جبلي لا يمكن زواله ولكن يتعطل بعناية الله تعالى استعماله لا غير فلذلك قال ومن يوق شح نفسه فأثبت الشح في النفس إلا أن العبد يوقاه بفضل الله وبرحمته وقال إن الإنسان خلق هلوعاً الخ وأصل ذلك كله إن الإنسان استفاد وجوده من الله فهو مفطور على الاستفادة لا على إفادة فلا تعطيه حقيقته أن يتصدق أو يعطي أحداً شيئاً ولذلك ورد الصدقة برهان يعني دليل إن هذا الإنسان وفي بها شح النفس.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
يقول الفقير : وعليه المزاح المعروف وهو أن بعض العلماء وعق في الماء فكاد يغرق فقال له بعض الحاضرين يا سلطاني نولني يد فقيل لا تقل هكذا فإنه اعتاد الأخذ لا الإعطاء بل قل خذ بيدي وقال بعضهم : الغضب والشر.
والحرص والجبن والبخل والحسد وصف جبلي في لإنسان والجان وما كان من الجبلة فمحال أن يزول إلا بانعدام الذات الموصوفة به ولهذا عين الشارع صلى الله عليه وسلّم لهذه الأمور مصارف فقال لا حسد إلا في اثنتين وأمر بالغضب لا حمية جاهلية وقال ولا ثقل لهما أف ثم مدح من قال أف لكم ولما تعبدون من دون الله وقال ولا تخافوهم ثم قال وخافون فالكل يستعملون هذه الصفات استعمالاً محموداً وكثير من الفقراء يظنون زوال هذه الصفات منهم حين يعطل الله استعمالها فيهم وليس كذلك.
يقول الفقير : ومه يعلم صحة قول من قال إن النفس لأمارة بالسوء وإن كانت نفس الأنبياء على ما أسلفناه في سورة يوسف والحاصل أن أصول الصفات باقية في الكل لبقاء المحاربة مع النفس إذ لا يحصل الترقي إلا بالمحاربة والترقي مستمر إلى الموت فكذا المحاربة المبنية على بقاء أصول الصفات فأصل النفس أمارة لكن لا يظهر أثرها في الكاملين كما يظهر في الناقصين فاعلم ذلك قال القاشاني إن النفس بطبعها معدن الشر ومأوى الرجس لكونها من عالم الظلمات فمن مال إليها بقلبه واستولى عليه مقتضى بلته وخلقته ناسب الأمو السفلية واتصف
163
بالرذائل التي أردأها الجبن والبخل المشار إليهما بقوله وإذا مسه الشر الخ.
لمحبة البدن ما يلائمه وتسببه في شهواته ولذاته وإنما كانا أردأ لجذبهما القلب إلى أسفل مراتب الوجود.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
(10/124)
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى هلع الإنسان المستعد لقبول الفيض الإلهي ساعة فساعة ولحظة فلحظة وعدم صبره عن بلوغه إلى الكمال فإنه لا يزال في طريق السلوك يتعلق باسم من الأسماءا لإلهية ويتحقق به ويتخلق ثم يتوجه إلى اسم آخر إلى أن يستوفى سلوك ميع الأسماء إذا مسه الشر الفترة الواقعة في الطريق يجزع ويضطب ويتقلقل ولا يعلم إن هذه الفترة الواقعة في طريقه سبب لسرعة سلوكه وموجب لقوة سيره وطيرانه و5ا مسه الخير من المواهب الذاتية والعطايا الإسمائية يمنع من مستحقيه ويبخل على طالبيه {إِلا الْمُصَلِّينَ} استثناء من الإنسان لأنه في معنى الجمع للجنس وهذا الاستثناء باعتبار الاستمرار أي إن المطبوعين على الصفات الرذيلة مستمرون عليها إلا الصملين فإنهم بدلوا تلك الطبائع واتصفوا بأضدادها {الَّذِينَ هُمْ} تقديم هم يقيد تقوية الحكم وتقريره في ذهن السامع كما في قولك هو يعطي الجزيل قصداً إلى تحقيق إنه يفعل إعطاء الجزيل {عَلَى صَلاتِهِمْ دَآاـاِمُونَ} لا يشغلهم عنها شاغل فيواظبون على أدائها كما روى عن النبي عليه السلام إنه قال أفضل العمل أو دمه وإن قل وقالت عائشة رضي الله عنها كان عمله ديمة قدم الصلاة على سائر الخصال لقوله عليه السلام أول ما افترض الله على أمتي الصلوات الخمس وأول ما يرفع من أعمالها الصلوات وأول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاه فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر وإنها آخر ما يجب عليه رعايته فإنه يؤخر الصوم في المرض دون الصلاة إلا أن لا يقدر على التميمي والإيماء ولذا ختم الله الخصال بها كما قال : [المعارج : 24]{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} وكان آخر ما أوصى به عليه السلام الصلاة وما ملكت إيمانكم وفي الآية إشارة إلى صلاة النفس وهي التزكية عن المخالفات الشرعية وصلاة القلب وهي التصفية ع الميل إلى الدنيا وشهواتها وزخارفها وصلاة السر وهي التخلية عن الركون إلى المقامات العلية والمراتب السينة وصلاة الروح وهي بالمكاشفات الربانية والمشاهدات الرحمانية والمعاينات الحقانية وصلاً الخفي وهي بالفناء في الحق والبقاء به فالكمل يداومون على هذه الصلوات والذين} أي وإلا الذين {فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ} أي نصيب معين يستوجبونه على أنفهسم تقرباً إلى الله تعالى وإشفاقاً على الناس من الزكاة المفروضة الموظفة
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
{لِّلسَّآاـاِلِ} أي للذي يسأل ومن كان له قوت يوم لاي حل له السؤال وأما حكم الدافع له عالمًا بحاله فكان القياس أن يأثم لأنه أعانة على الحرام لكنه يجعله هبة ولا إثم في الهبة للغني وله أن يرده برد جميل مثل أن يقول آتاكم الله من فضله {وَالْمَحْرُومِ} الذي لا يسأل إما حياء أو توكلاً فيظن إنه غني فيحرم وفيه إشارة إلى أحول الحقائق والمعارف الحاصلة من رأس مال الأعمال الصالحة والأحوال الصادقة ففيها حق معلوم للسائل وهو المسعد للسلوك والاجتهاد فينبغي أن يفيض عليه ويرشده إلى طلب الحق والمحروم هو المرمي الساقط على أرض العجز بسبب الأهل والعيال والاشتغال بأسبابهم فيسليهم ويطيب قلوبهم
164
برحمة الله وغفرانه ويفيض عليهم من بركات أنفاسه الشريفة لئلا يحرم من كرم الله وفيضه {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} أي بأمالهم حيث يتعبون أنفسهم في الطاعات البدنية والمالية طمعاً في المثوبة الأخروية بحيث يستدل بذلك على تصديقهم بيوم الجزاء فمجرد التصديق بالجنان واللسان وإن كان ينجى من الخلود في النار لكن لا يؤدي إلى أن يكون صاحبه مستثنى من المطبوعين بالأحوال المذكورة ، قال القاشاني : والذين يصدقون من أهل اليقين البرهاني أو الاعتقاد الإيماني بأحوال الآخرة والمعاد وهم أرباب القلوب المتوسطون {وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} خائفون على أنفسهم مع مالهم من الأعمال الفاضلة استقصاراًلها واستعظاماً لجنابه تعالى قال الكاشفي وعلامت ترس إلهي اجتناب از ملاهى ومنا هيست.
وقال الحسن يشفق المؤمن إن لا تقبيل حسناته وتقديم من يحسن أن يكون للحصر امتثالاً لأمره تعالى فارهبون مع جواز أن يكون للتقوية {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} كه عذاب خداوندايشان نه آنست كه ازان ايمن باشند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
(10/125)
وهو اعتراض مؤذن بأنه لا ينبغي لأحد أن يأمن عذابه تعالى وإن بالغ في الطاعة والاجتهاد بل يكون بين الخوف والرجاء لأنه لا يعلم أحد عاقبته ، قال القاشاني : والذين هم الخ.
أي أهل الخوف من المتبدين في مقام النفس السائرين عنه بنور القلب لا لوافقين معه أو المشفقين من عذاب الحرمان والحجاب في مقام القلب من السالكين أو في مقام المشاهدة من التلوين فإنه لا يؤمن الاحتجاب ما بيت بقية كما قال إن عذاب ربهم غير مأمون ومن العذاب إعجاب المرء بنفسه فإنه من الموبقات الموقعات في عذاب نار الجحيم وجحيم العقاب نسأل الله العافية {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ} فرج الرجل والمرأة سوء آتهما أي قبلهما عبر به عنها رعاية للأدب في الكلام وأدب المرء خير من ذهبه والجار متعلق بقوله {حَـافِظُونَ} من الزنى متعففون عن مباشرة الحرام فإن حفظ الفرج كناية عن العفة {إِلا عَلَى} بمعنى من كما في كتب النحو {أَزْوَاجِهِمْ} نسائهم المنكوحات {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ} من الجواري في أوقات حلها كالطهر من الحيض والنفاس ومضي مدة الاستبراء عبر عنهن بما إجراء لهن لمملكيتهن مجرى غير العقلاء أو لأنوثتهن المنبئة عن القصور وإيراد ما ملكت الإيمان يدل على المراد من الحافظين هنا الذكور وإن كان الحفظ لازماً للإناث أيضاً بل أشد لأنه لازم عليهن على عبيدهن وإن كانوا مما ملكت إيمانهن ترجيحاً لجانب الذكور في صيانة عرضهم {فَإِنَّهُمْ} أي الحافظين {غَيْرُ مَلُومِينَ} على عدم حفظها منهن أي غير معيوبين شرعاً فلا يؤاخذون بذلك في الدنيا والآخرة وبالفارسية بجاي سرزنش نيستند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
وفيه إشعار بأن من لم يحفظ تكفيه ملامة اللائمين فكيف العذاب {فَمَنِ ابْتَغَى} س هركه طلب كندابراى نفس خود {وَرَآءَ ذَالِكَ} الذي ذكر وهو الاستمتاع بالنكاح وملك اليمين وحد النكاح أربع من الحرائر ولا حد الملك اليمين فأولئك المبتغون {هُمُ الْعَادُونَ} المتعدون لحدود الله الكاملون في العدوان المتناهون لأنه من عدا عليه إذا تجاوز الحد في الظلم ودخل فيه حرمة وطىء الذكران والبهائم والزنى وقيل يدخل فيه الاستمناء أيضاً إن العرب كانوا يستمنون
165
في الأسفار فنزلت الآية وفي الحديث ومن لم يستطع أي التزوج فعليه بالصوم استدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لأنه عليه السلام أرشد عند العجز عن التزوج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة فلو كان الاستمناء مباحاً لكان الإرشاد إليه أسهل وقد أباح الاستمناء طائفة من العلماء وهو عند الحنابلة وبعض الحنفية لأجل تسكين الشهوة جائز وفي رواية الخلاصة الصائم إذا عالج ذكره حتى أمني يحب عليه القضاء ولا كفارة عليه ولا يحل هذا الفعل خارج رمضان إن قصد قضاء الشهوة وإن قصد تشكين شهوته أرجو أن لا يكون عليه وبال وفي بعض حواشي البخاري والاستمناء باليد حرام بالكتاب والسنة قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـافِظُونَ} إلى قوله : فأولئك هم العادون أي الضالون المتجاوزون من الحلال إلى الحرام ، قال البغوي : الآية دليل على أن استمناء باليد حرام ، قال ابن جريج : سألت ابن عطاء عنه فقال : سمعت أن قوماً يحشرون حبالى وأظنهم هؤلاء عن سعيد بن جبير عذاب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم والواجب على فاعله التعزيز كما قال بعضهم : نعم يباح عند أبي حنيفة وأحمد إذا خاف على نفسه الفتنة وكذلك يباح الاستمناء بيد امرأته وجاريته لكن قال القاضي حسين مع الكراهة لأنه معنى العزل وفي التاتار خانية قال أبو حنيفة أحسبه أن يتجوز رأساً برأس.
يقول الفقير من اضطر إلى تسكين شهوته فعليه أن يدق ذكره بحجر كما فعله بعض الصلحاء المتقين حين التوقان صيانة لنفسه عن الزنى ونحوه والحق أحق أن يتبع وهو العمل بالإرشاد النبوي الذي هو الصوم فإن اضطر فالعمل بما ذكرناه أولى وأقرب من أفعال أهل الورع والتقوى والذين هم لأماناتهم وعهدم راعون} لا يخلون بشيء من حقوقها والأمانة اسم لجنس ما يؤتمن عليه الإنسان سواء من جهة الخلق وهي الودائع ونحوها والجمع بالنظر إلى اختلاف الأنواع وكذا العهد شامل لعهد الله وعهد الناس وهو ما عقده الإنسان على نفسهأو لعباده وهو يضاف إلى المعاهد والمعاهد فيجوز هنا الإضافة إلى الفاعل والمفعول وقال الجنيد قدس سره : الأمانة المحافظة على الجوارح والعهدحفظ القلب مع الله على التوحيد والرعاية القيام على الشيء بحفظه وإصلاحه وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم الخيانة عند ائتمان والكذب عند التحديث والغدر عند المعاهدة والفجور عند المخاصمة من خصال المنافق.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
اكرمى بايد ازآتش امانت
فرومكذار قائون امانت
بهر عهدي كه مي بندى وفاكن
رسوم حق كزارى را اداكن
(10/126)
قال بعض الكبار كل من اتصف بالأمانة وكتم الأسرار سمع كلام الموتى وعذابهم ونعيمهم كما سمعت البهائم عذاب أهل القبور لعدم النطق وكذلك يسمع من اتصف بالأمانة كلام أعضائه له في دار الدنيا لأنها حية ناطقة ولذلك تستشهد يوم القيامة فتشهد ولا يشهد إلا عدل مرضي بلا شك.
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى الأمانة المعروضة على السموات والأرض والجبال وهي كمال المظهرية وتمام المضاهاة الإلهية وإلى عهد ميثاق ألست بربكم قالوا بلى ورعاية ذلك لعهد أن لا يخالفه
166
بالمخالفات الشرعية والموفقات الطبيعية وقال بعضهم والذين هم لأماناتهم التي استودعوها بحسب الفطرة من المعارف العقلية وعهدهم الذي أخذ الله ميثاقه منهم في لأزل راعون بأن لم يدنسوا الفطرة بالغواشي الطبيعية والإهواء النفسانية {وَالَّذِينَ هُم بِشَهَـادَاتِهِمْ} الباء متعلق بقوله {قَآاـاِمُونَ} سواء كانت للتعدية أم للملابسة والجمع باعتبار أنواع الشهادة أي مقيمون لها بالعدل ومؤدونها في وقتها أحياء الحقوق الناس فالمراد بالقيام بالشهادة أداؤها عند الأحكام على من كانت هي عليه من قريب أو بيعد شريف أو وضيع قال عليه السلام : إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع وتخصيصها بالذكر مع اندرجها في الأمانات لإبانة فضلها لأن في إقامتها إحياء الحقوق وتصحيحها وفي كتمها وتركها تضييعها وإبطالها وفي الأشباه إذا كان الحق يقوم بغيرها أو كان القاضي فاسقاً أو كان يعلم إنها لا تقبل جاز الكتمان وفي فتح الرحمن تحمل الشهادة فرض كفاية وأداؤها إذا تعين فرض عين ولا يحل أخذ أجرة عليها بالاتفاق فإذا طلبه المدعى وكان قريباً من القاضي لزمه الشمي إليه وإن كان بعيدا أكثر من نصف يوم لا يأثم بتخفه لأنه يلحقه الضرر وإن كان الشاهد يقدر على المشي فأركبه المدعي من عنده لا تقبل شهادته وإن كان لا يقدر فأركبه لا بأس به ويقتصر في المسلم على ظاهر عدالته عند أبي حنيفة رحمه الله إلا في الحدود والقصاص فإن طعن الخصم فيه سأل عنه وقال صاحباه يسأل عنهم في جميع الحقوق سراً وعلانية وعليه الفتوى وجعل بعضهم شهادة التوحيد داخلة فيها كما قال سهل رحمه الله ، قائمون بحفظ ما شهدوا به من شهادة أن لا إله إلا الله فلا يشركون به في شيء من الأفعال والأقوال وقال القاشاني : في الآية أي يعملون بمقتضى شاهدهم من العلم فكل ما شهدوه قاموا بحكمه وصدروا عن حكم شاهدهم لا غير
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} تقديم على صلاتهم يفيد الاختصاص الدال على أن محافظتهم مقصورة على صلاتهم لا تتجاوز إلى أمور دنياهم أي يراعون شرائطها ويكملون فرائضها وسننها ومستحباتها وآدابها ويحفظونها من الإحباط باقتران الذنوب فالدوام المذكور أو لا يرجع إلى نفس الصلوات والمحافظة إلى أحوالها وفي المفردات فيه تنبيه على إنهم يحفظون الصلاة بمراعاة أوقاتها وأركانها والقيام بها في غاية ما يكون من الطوق فإن الصلاة تحفظهم بالحفظ الذي نبه عليه في قوله إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وفي الحديث : "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا جاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي ابن خف وهو الذي ضربه النبي عليه السلام ، في غزوة أحد برمح في عنقه فمات منه في طريق مكة وكان أشد وأطغى من أبي جهل دل عليه كونه مقتولاً بيد النبي عليه السلام ، ولم يقتل عليه السلام ، بيده غيره وبعض العلماء جعل المحافظة شاملة للإدامة على ما هو الظاهر من قوله تعالى : {حَـافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} فيكون من قبيل التعميم بعد التخصيص لتتميم الفائدة وللإشعار بأن الصلاة أول ما يجب على العبد أداؤه بعد الإيمان وآخر ما يجب عليه رعايته بعده كما سبق.
وكفتم اند دوام تعلق بفرائض دارد ومحافظت بنوافل.
والحاصل إن
167
(10/127)
في تكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها أولاً وآخراً باعتبارين للدلالة على فضلها وإناقتها على سائر الطاعات وتكرير الموصولات لتنزيل اختلاف الصفات منزلة اختلاف الذوات إيذاناً بأن كل واحدة من تلك الصفات حقيق بأن يفرد لها موصوف مستقل لشأنها الخطير ولا يجعل شيء منها تتمة للأخرى قال بعضهم : دلت هذه الآية على أن التغاير المفهوم من العطف ليس بذتي بلى هو اعتباري إذ لا يخفى إنه ليس المراد من الدائمين طائفة والمحافظين أخرى فالمقصود مدح المؤمنين بما كانوا عليه في عهد رسول الله من الأخلاق الحسنة والأعمال المرضية ففيه ترغيب لمن يجيء منهم إلى يوم القيامة وترهيب عن المخالفة قال في برهان القرآن قوله إلا المصلين عد عقيب ذكرهم الخصال المذكورة أول سورة المؤمنين وزاد في هذه السورة والذين هم بشهاداتهم قائمون لأنه وقع عقيب قوله والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون وإقامة الشهادة أمانة يؤيها إذا احتاج إليها صاحبها لإحياء حق فهي إذا من جملة الأمانة في سورة المؤمنين وخصت هذه السورة بزيادة بيانها كما خصت بإعادة ذكر الصلاة حيث يقول والذين هم على صلاتهم يحافظون بعد قوله إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون انتهى.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
وقال القاشاني : والذي هم على صلاة القلب وهي المراقبة يحافظون أو صلاة النفس على الظاهر وفي فتح الرحمن واتفق القراء على الإفراد في صلاتهم هنا وفي الأنعام بخلاف الحرف المتقدم في المؤمنين لأنه لم يكتنفها فيهما ما كتفها في المؤمنين قبل وبدع من عظيم الوصف المتقدم تعظيم الجزاء في المتأخر فناسب لفظ الجمع ولذلك قرأ به أكثر لقراء ولم يكون ذلك في غيرها فناسب الإفراد أولئك} المصوفون بما كذر من الصفات الفاضلة {فِى جَنَّـاتٍ} أي مستقرون في جنات لا يقادر قدرها ولا يدرك كنهها {مُّكْرَمُونَ} بالثواب الأبدي والجزءا السرمدي أي سيكونون كذلك فكأن الإكرام فيها واقع لهم الآن وهو خبر آخر أو هو الخبر وفي جنات متعلق به قدم عليه لمراعاة الفواصل أو بمضمر هو حال من الضمير في الخبر أي مكرمون كأنيين في جنات {فَمَالِ الَّذِينَ} أي فما بال الذين {كَفَرُوا} وحرموا من الاتصاف بالصفات الجليلة المذكورة وما استفهامية للإنكار في موضع رفع بالابتداء والذين كفروا خبرها واللام الجارة كتبت مفصولة اتباعاً لمصحف عثمان رضي الله عنه ، قال ف يفتح الرحمن وقف أبو عمرو والكسائي بخلاف عنه على الألف دون اللام من قوله فمال هؤلاء في النساء ومال هذا الكتاب في الكهف مال هذا الرسول في الفرقان وفمال الذين في سأل ووقف الباقون في فمال على اللام إتباعاً للخط بخلاف عن الكسائي قال ابن عطية ومنعه قوم جملة لأنها حرف جر فهي بعض المجرور وهذا كله بحسب ضرورة وانقطاع نفس وإما إن اختار أحد الوقف فيما ذكرناه ابتداء فلا انتهى.
{قِبَلَكَ} حال من المنوى في للذين كفروا أي فما لهم ثابتين حولك {مُهْطِعِينَ} حال من التكن في قبلك من الإهطاع وهو الإسراع أي مسرعين نحوك مادي أعناقهم يك مقبلين بأبصارهم عليك {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} الجار متعلق بعز بن لأنه بمعنى مفترقين وعزين حال بعد حال من المنوى في للذين أي فرقاشتى وبالفارسية كروه كروه
168
حلقه زدكان.
جع عزة وهي الفرقة من الناس وأصلها عزوة من العزو بمعنى الانتماء والانتساب كأن كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى أما في الولادة أو في المظاهرة فهم مفترقون كان المشركون يتحلقون حول رسول الله حلقاً حلقاً وفرقاً فرقاً ويستهزئون بكلامه ويقولون إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم فنزت {أَيَطْمَعُ} الطمع نزوع النفس إلى الشيء شهوة له وأكثر الطمع من جهة الهوى {كُلُّ امْرِىاٍ} هرمردى {مِّنْهُمْ} أي من هؤلاء المهطعين {أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} بالإيمان أي جنة ليس فيها إلا التنعم المحض من غير تكدر وتغص {كَلا} ردع لهم عن ذلك الطمع الفارغ أي اتركوا هذا المطع واقطعوا مثل هذا الكلام وبالفارسية نه ايننين است وكافر انرا دربهشت راه نيست آن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
(10/128)
قيل كيف يكون الطمع وهم قالوا ذلك استهزاء أجيب بأن الله عليهم بأحوالهم فلعل منهم من كان يطمع وإلا فيكون المراد م الردع قطع وهم الضعفاء عن احتمال صدق قولهم لعل وجه إيراد يدخل مجهولاً من الأدخل دون يدخل معلوماً من الدخول مع أنه الظاهر في رد قولهم لندخلنها إشعار بأنه لاي دخل من يدخل إلا بإدخال الله وأمره للملائكة به وبأنهم محرومون من شفاعة تكون سبباً للدخول وبأن إسناد الدخول أخباراً وأنشاء إنما يكون للمرضى عنهم والمكرمين عند الله بإيمانهم وطاعتهم كقوله تعالى : [المعارج : 35-39]{فأولئك يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} وقوله : ادخلوا الجنة وفي تنكير جنة إشعار بأنهم مردودون من كل جنة وإن كانت الجنان كثيرة وفي توصيفها بنعيم إشعار بأن كل جنة مملوءة بالتعمة وإن من طرد من راحة النعيم وقع في كدر الجيحم وفي إيراد كل إشعار بأن من آمن منهم بعد قولهم هذا وأطلع الله ورسوله حق له الطمع وتعميم للردع لكل منهم كائناً من كان ممن لم يؤمن إنا خلقناهم مما يعلمون} كما قال ولقد علمتم النشأة الأولى وهو كلام مستأنف ومن ذلك وضع السجاوندي علامة الطاء على كلا لتمام الكلام عنده قد سيق تمهيداً لما بعده من بيان قدرته تعالى على أن يهلكهم لكفرهم بالبعث والجزاء واستهزائهم برسول الله وبما نزل عليه من الوحي وادعائهم دخول الجنة بطريق السخرية وينشىء بدلهم قوماً آخرين فإن قدرته تعالى على ما يعلمون من النشأة الأول من حال النطفة ثم العلقة ثم المضغة حجة بينة على قدرته تعالى على ذلك كما تفصح عنه الفاء الفصيحة في قوله تعالى : {فَلا أُقْسِمُ} ، وفي التأويلات النجمية : إنا خلقناهم من الشقاوة الأزلية للعداوة الأبدية باليد اليسرى الجلالية القهرية كيف ينزلون مكان من خلقهم من السعادة الأزلية للمحبة الأبدية بالد اليمنى الجالية اللطفية هذا مما يخالف الحكمة الإلهية والإردة السرمدية ولا عبرة بالنطفة والطين لاشتراك الكل فيهما وإنما العبرة بالاصطفائية والخاصية في المعرفة فمن عرف الله كان في جوار الله لأن ترابه من ترات الجنة في الحقيقة وروحه من نور الملكوت ومن جهله كان في بعد عنه لأنه من عالم النار في الحقيقة وكل يرجع إلى أصله فلا أقسم} أي أقسم كما سبق نظائره.
(وقال الكاشفي) : فلا س نه نانست كه كفار ميكويند اقسم سوكند ميخورم {بِرَبِّ الْمَشَـارِقِ وَالْمَغَـارِبِ} جمع
169
المشارق والمغراب أما لأن المراد بهما مشرق كل يوم من السنة ومغربه فيكون لكل من الصيف والشتاء مائة وثمانون مشرقاً ومغرباً وبالفارسية بآفريدكار مشرقها كه آفتاب دارد وهر روز از نقطه ديكر طلوع مينمايد وبخداوند مغربها كه آفتاب راهست وهررور بنقطه ديكر غروب ميكند لأ مشرق كل كوكب ومغربه يعني مراد مشارق ومغارب نجومست ه هريك ازايشان رمحل شروق وغروب ازدائرة افق نقطه ديكرست.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
أو المراد بلمشرق ظهور دعوة كل نبي وبالمغرب موته أو المراد أنواع الهدايات والخذلانات {إِنَّا لَقَـادِرُونَ} جواب القسم {عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ} أي نبدلهم حذف المفعول الأول للعلم به وخيراً معفعوله الثاني بمعنى التفضيل على التسليم إذ لا خير في المشركين أو نهلكهم بالمرة حسبما تقتضيه جناياتهم ونأتي بدلهم بخلق آخرين ليسوا على صفتم ولم تقع هذا التبديل وإنما ذكر الله ذلك تهديداف لهم لكي يؤمنوا وقيل بدل الله بهم الأنصار والمهاجرين {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} بمغلوبين إن أردنا ذلك لكن مشيئتنا المبنية على الحكم البالغة اقتضت تأخير عقوباتهم وبالفارسية يعني كسى برمايشى نتواندكرفت اكر اراده امري كنيم ومغلوب نتوان ساخت در إظهار آن.
(10/129)
وقيل : عاجزين لأن من سبق إلى شيء عجز {فَذَرْهُمْ} فخلهم وشأنهم {يَخُوضُوا} ويشرعوا في باطلهم الذي من جملته ما حكى عنهم وهو جواب الأمرو هو تهذديد لهم وتوبيخ كقوله : {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} في الدنيا بالاشتغال بما لا ينفعهم وأنت مشتغل بما أمرت به وهذه الآية منسوخة بالسيف {حَتَّى يُلَاقُوا} من الملاقاة بمعنى المعاينة {يَوْمَهُمُ} هو يوم البعث عند النفخة الثانية والإضافة لأنه يوم كل الخلق وهم منهم أو لأن يوم القيامة يوم الكفار من حيث العذاب ويوم المؤمنين من جهة الثواب فكأنه يومان يوم للكافرين ويوم للمؤمنين {الَّذِى يُوعَدُونَ} الآن أو على الاستمرار وهو من الوعد كقولهم متى هذا الوعد ويجوز أن يكون من الإيعاد وهو بالفارسية بيم كردن {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الاجْدَاثِ} بدل من يومهم ولذا حمل على يوم البعث جمع جدث وهو القبر {سِرَاعًا} حال من مرفوع يخرجون جمع سريع كظراف جمع ظريف أي مسرعين إلى جانب الداعي وصوته وهو إسرافيل ينادي على الصخرة كما سبق {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ} حال ثانية من المرفوع وو كل ما نصب فعبد من دون الله وعن ابن عمر رضي الله عنهما هو شبكة يقع فيها الصيد فيسارع إليها صاحبها واحد الأنصاب كما قال تعالى وما ذبح على النصب وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها وقال الأخفش جمع نصبك رهن ورهن والأنصاب جمع الجمع {يُوفِضُونَ} من الإيفاض وهو بالفارسية شتافتن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص170 حتى ص181 رقم18
وأصله متعد أي يسرعون أيهم يستمله أولاً وفيه تهجين لحالهم الجاهلية وتهكم بهم بذكر جهالتهم التي اعتادوها من الإسراع إلى ما لا يملك نفعاً ولا ضراً {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} حال من فاعل يوفضون وأبصارهم فاعلها على الإسناد المجازي يعني وصفت أبصارهم بالخشوع مع إنه وصف الكل غاية ظهور آثاره فيها والمعنى ذليلة خاضعة لا يرفعون ما يتوقعون من العذاب {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} هو أيضاً حال من فاعل يوفضون أي تغشاهم ذلة شديدة وحقارة عظيمة وهو بالفارسية خوارى ونكونسارى {ذَالِكَ}
170
اليوم المذكور الذي سيقع فيه الأحوال الهائلة وهو مبتدأ خبره قوله {الْيَوْمُ الَّذِى كَانُوا يُوعَدُونَ} أي يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل وهم يكذبون به فاندفع توهم التكرار لأن الوعد الأول محمول على الآتي والاستمراري كما مر وهذا الوعد محمول على الماضي بدلالة لفظ كان وفي الذلة إشارة إلى ذلة الأنانية فإنهم يوم يخرجون من الأجداث يسارعون إلى صور تناسب هيئاتهم الباطنة فيكون أهل الأنانية في أنكر الصور بحيث يقع المسخ على ظاهرهم وباطنهم كما وقع لإبليس بقوله أنا خير منه فكما إن إبليس طرد من مقام القرب ورهقته ذلة البعد فكذا من في حكمه من الأنس ولذا كان السلف يبكون دماً من الأخلاق السيئة لا سيما ما يشعر بالأنانية من آثار التعيين فإن التوحيد احقيقي هو أن يصير العبد فانياً عن نفسه باياً بربه فإذا لم يحصل هذا فقد بقي فيه بقية من الناصوتية وكل إناء يرشح بما فيه فطوبى لمن ترشح منه الحق لا النفس والله أسأل أن يكرمني به وإياكم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 153
تفسير سورة نوح
مكية وآيها سبع أو ثمان وعشرون
جزء : 10 رقم الصفحة : 170
جزء : 10 رقم الصفحة : 171(10/130)
{إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} مر سر نون العظمة مراراً والإرسال يقابل بالإمساك يكون للتسخير كإرسال الريح والمطر ببعث من له اختيار نحو إرسال الرسل وبالتخلية وترك المنع نحو إنا أرسلنا على الكافرين قال قتادة أرسل نوح من جزيرة فذهب إليهم ونوح اسمه عبد الغفار عليه السلام ، سمى نوحاً لكثرة نوحه على نفسه أو هو سرياني معناه الساكن لأن الأرض طهرت من خبث الكفار وسكنت إليه وهو أول من أوتى الشريعة في قول وأول أولى العزم من الرسل على قول الأكثرين وأول نذير على الشكر وكان قومه يعبدون الأصنام وأول من عذبت أمته وهو شيخ المرسلين بعث ابن أربعين سنة أو ثلاثمائة وخمسين أو أربعمائة وثمانين ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسن عاماً وعاش بعد الطوفان تسعين سنة قال بعض من تصدى للتفسير فيه دلالة على أنه لم يرسل إلى أهل الأرض كلهم لأنه تعالى قال لي قومه فلو أرسل إلى الكل لقيل إلى الخلق أو ما يشابهه كما قيل لرسول الله وما أرسلناك إلاك افة للناس ولقول رسول الله كان البني يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ثم قال : إن قيل فما جريمة غير قومه حتى عممهم في الدعاء عليهم كما قال لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً فإنه إذا لم يرسل إليهم لم يكن كلهم مخالفاً لأمره وعاصياً له حتى يستحقوا الدعاء بالإهلاك أجيب بأنه يحتمل إنه تحقق إن نفوس كفرة زمانه على سجية واحدة يستحقون بذلك أن يدعى عليهم بالإهلاك أيضاً انتهى وفنه نظر لأنه قال في إنسان العيون في قوله عليه السلام : وكان كل نبي إنما يرسل إلى قومه أي جميع أهل زمنه أو جماعة منهم خاصة ومن الأول نوح عليه السلام ، فإنه كان مرسلاً لجميع من كان في زمنه من أهل اآوض ولما أخبر بأنه لاي ؤمن منهم إلا من آمن معه وهم أهل السفينة وكانوا ثمانين أربعين رجلاً وأربعين امرأة أو كانوا
171
أربعمائة كما في العوارف وقد يقال من الآدميين وغيرهم فلا مخالفة دعا على من عدا من ذكر باستئصال العذاب لهم فكان الطوفان الذي كان به هلاك جميع أهل الأرض إلا من آمن ولو لم يكن مرسلاً إليهم ما دعا عليهم بسب مخالفتهم له في عبادة الأصنام لقوله تعالى : [الإسراء : 15-4]{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} أي في الدنيا حتى نبعث رسولا وقول بعض المفسرين أرسل إلى آل قابيل لا ينافي ما ذكر لأنه يجو أن يكون آل قابيل أكثر أهل الأرض وقتئذٍ وقد ثبت أن نوحاً عليه السلام ، أول الرسل أي لمن يعبد الأصنام لأن عبادة الأصنام أول ما حدثت في قومه وأرسله الله إليهم ينهاهم عن ذلك وحينئذٍ لا يخالف كون أول الرسل آدم أرسله الله إلى أولاده بالإيمان به تعالى وتعليم شرائعه فإن قلت إذا كانت رسالة نوح عامة لجميع أهل الأرض كانت مساوية لرسالة نبينا عليه السلام ، قلت : رسالة نوح عليه السلام ، عامة لجميع أهل الأرض في زمنه ورسالة نبينا محمد عليه السلام عامة لجميع من في زمنه ومن يوجد بعد زمنه إلى يوم القيامة فلا مساوة وحينئذٍ يسقط السؤال وهو أنه لم يبق بعد الطوفال إلا مؤمن فصارت رسالة نوح عامة ويسقط جواب الحافظ ابن حجر عنه بأن هذا العموم الذي حصل بعد الطوفان لم يكن من أصل بعثته بل طرأ بعد الطوفان بخلاف رسالة نبينا عليه السلام أن} أي
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
(10/131)
{أَنذِرْ قَوْمَكَ} خوفهم بالنار على عبادة الأصنام كي ينتهوا عن الشرك ويؤمنوا بالله وحده فإن مفسرة لما في الإرسال من معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية حذف منها الجار وأوصل إليها الفعل أي بأن أنذرهم وجعلت صلتها أمراً كما في قوله تعالى : [يونس : 105-1]{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ} لأن مدار وصلها بصيغ الأفعال دلالتها على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والإنشائية ووجوب كون الصلة خبرية في الموصول الاسمي إنما هو للتوصل إلى وصف المعارف بالجمل وهي لا توصف إلا بالجمل الخبرية وليس الموصول الحرفي كذلك وحيث استوى الخبر والإنشاء في الدلالة على المصدر استويا في صحة الوصل بها فيتجرد عند ذلك كل منهما عن المعنى الخاص بصيته فيبقى الحدث المجرد عن معنى الأمر وللنهي والمضي والاستقبال كأنه قيل أرسلناه بالإنذار كذا في الإرشاد وقال بعض العرافين الأنبياء والأولياء في درجات القرب على تفاوت فبعضهم يخرج من نور الجلال وبعضهم من نور الجمال وبعضهم من نرو العظمة وبعضهم من نور لكبرياء فمن خرج من نور الجمال أورث قومه البسط والأنس ومن خرج من نور العظمة أو رث قومه الهيبة والجلال وكان نوح مشكاة نور عظمة الله ولذلك أرسله إلى قومه بالإنذار فلما عصوه أخذهم بالقهر من قبل أن يأتيهم} من الله تعالى {عَذَابٌ أَلِيمٌ} عاجل كالطوفان والغرق أو آجل كعذاب الآخرة لئلا يبقى لهم عذر ما أصلا كما قال تعالى : لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل والأليم بمعنى المؤلم أو المتألم مبالغة والألم جسماني وروحاني والثاني أشد كأنه قيل فما فعل نوح عليه السلام فقيل {قَالَ} لهم يا قَوْمِ} أي كروه من وأصله يا قومي خاطبهم بإظهار الشفقة عليهم وإرادة الخير لهم وتطبيباً لهم {إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ} منذر من عاقبة الكفر والمعاصي وأفرد الإنذار مع كونه بشيراً أيضاً لأن الإنذار أقوى في تأثير الدعوة لما إن أكثر الناس يطيعون أولاً بالخوف من القهر وثانيا بالطمع في العطاء وأقلهم يطيعون
172
بالمحبة للكمال والجمال.
يقول الفقير : الظاهر إن الإنذار أول الأمر كما قال تعالى لنبينا عليه السلام {قُمْ فَأَنذِرْ} والتبشير ثاني الأمر كما قال تعالى : وبشر المؤمنين فالإنذار يتعلق بالكافرين والتبشير بالمؤمنين وإن أمكن تبشير الكفار بشرط الإيمان لا في حال الكفر فإنهم في حال الكفر إنما يستحقون التبشير التهكمي كما قال تعالى : فبشرهم بعذاب أليم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
مبين} موضح لحقيقة الأمر بلغة تعرفونها أو بين الإنذار {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} متعلق بنذير أي بأن اعبدوا الله والأمر بالعبادة يتناول جميع الواجبت والمندوبات من أفعال القلوب والجوارح {وَاتَّقُوهُ} يتناول الزجر عن جميع المحظورات والمكروهات {وَأَطِيعُونِ} يتناول أمرهم بطاعته في جميع المأمورات والمنهيات والاعتقاديات والعمليات.
(10/132)
وفي التأويلات النجمية : أي في أخلاقي وصفاتي وأفعالي وأعمالي وأقوالي وأحوالي انتهى.
وهذا وإن كان داخلاً في الأمر بعبادة الله وتقواه إلا أنه خصه بالذكر تأكيداً في ذلك التلكيف ومبالغة في تقريره قال بعضهم : أصله وأطيعوني بالياء ولم يقل وأطيعوه بالهاء مع مناسبته لما قبله يعني أسند إلا طاعة إلى نفسه لما إن أطاعة الرسول إطاعة الله كما قال تعالى : {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وقال تعالى : وأطيعوا الرسول فإذا كانوا مأمورين بإطاعة الرسول فكان للرسول أن يقول وأطيعون وأيضاً إن الإجابة كانت تقع له في الظاهر يغفر لكم} جواب الأمر {مِّن ذُنُوبِكُمْ} أي بعض ذنوبكم وهو ما سلف في الجاهلية فإن الإسلام يجب ما قبله لا ما تأخر عن الإسلام فإنه يؤاخذ به ولا يكون مغفوراً بسبب الإيمان ولذلك لم يقل يغفر لكم ذنوبكم بطي منالتبعيضية فإنه يعم مغفرة ميع الذنوب ما تقدم منها وما تأخر وقيل المراد ببعض الذنوب بعض ما سبق على الإيمان وهو ما لا يتعلق بحقوق العباد {وَيُؤَخِّرْكُمْ} بالحفظ من العقوبات المهلكة كالقتل والإغراق والإحراق ونحوها من أسباب الهلاك والاستئصال وكان اعتقادهم إن من أهلك بسبب من هذه الأسباب لم يمت بأجله فخاطبهم على المعقول عندهم فليس يريد أن الإيمان يزيد في آجالهم كذا في بعض التفاسير {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} معين مقدر عند الله والأجل المدة المضروبة للشي قال في "الإرشاد" وهو الأمد الأقصى الذي قدره الله لهم بشرط إلا إيمان والطاعة صريح في أن لهم أجلاً آخر لا يجاوزوه إن لم يؤمنوا به وهو المراد بقوله تعالى {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ} وهو ما قدر لكم على تقدير بقائكم على الكفر وهو الأجل القريب المطلق الغير المبرم بخلاف الأجل المسمى فإنه البعيد المبرم وأضيف الأجل هنا إلى الله لأنه المقدر والخالق أسبابه وأسند إلى العباد في قوله إذا جاء أجلهم لأنهم المبتلون المصابون {إِذَا جَآءَ} وأنتم على ما أنتم عليه من الكفر {لا يُؤَخَّرُ} فبادروا إلى الإيمان والطاعة قبل مجيئه حتى لا يتققى شرطه الذي هو بقاؤكم على الكفر فلا يجيء ويتحقق شرط التأخير إلى الأجل المسمى فتؤخروا إليه فالمحكوم عليه بالتأخير هو الأجل المشروط بشرط الإيمان والمحكوم عليه بامتناعه هو الأجل المشروط بشرط البقاء على الكفر فلا تناقض لانعدام وحدة الشرط ويجوز أن يراد به وقت إتيان العذاب المذكور في قوله تعالى من قبل أن يأتيهم عذاب أليم فإنه أجل موقت له حتماً {لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} شيئاً
173
لسارعتم إلى ما أمرتكم به أو لعلمتم أن الأجل لا تأخير فيه ولا إهمال وفيه إشارة إلى أنهم ضيعوا أسباب العلم وآلات تحصيله بتوغلهم في حب الدنيا وطلب لذاتهم حتى بلغوا بذلك إلى حيث صاروا كأنهم شاكون في الموت.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
روزى كه اجل در آيد ازيش وست
شك نيست كه مهلت ندهديك نفست
يارى نرسد دران دم از هي كست
برباد شود جمله هوا وهوست
{قَالَ} أي نوح مناجياً لربه وحاكياً له وهو أعلم بحال ما جرى بينه وبين قومه من القيل والقال في تلك المدد الطوال بعد ما بذل في الدعوة غاية المجهود وجاوز في الإنذار كل حد معهود وضاقت عليه الحيل وعيت به العلل {رَّبِّ} أي روردكارمن {إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى} إلى الإيمان والطاعة {لَيْلا وَنَهَارًا} في الليل والنهار أي دائماً من غير فتور ولا توان فهما ظرفان لدعوت أراد بهما الدوام على الدعوة لأن الزمان منحصر فيهما وفي "كشف الأسرار" بشبها درخانهاى ايشان وبورزها در انجمنهاى ايشان.
وكان يأتي باب أحدهم ليلاً فيقرع الباب فيقول صحب البيت من على الباب فيقول أنا نوح قل لا إله إلا الله {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآءِى إِلا فِرَارًا} مما دعوتهم إليه.
وفي التأويلات النجمية : من متابعي وديني وما أنا عليه من آثار وحيك والفرار وبالفارسية كريختن.
وهو مفعول ثان لقوله لم يزدهم لأنه يتعدى إلى مفعولين يقال زاده الله خيراً وزيده فزد وازدد كما في "القاموس" وإسناد الزيادة إلى الدعاء مع أنها فعل الله تعالى لسببيته لها والمعنى إن الله يزيد الفرار عند الدعوة الصرف لمدعو اختياره إليه {وَإِنِّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ} أي إلى الإيمان.
وفي التأويلات النجمية : كلما دوتهم بلسان الأمر مجرداً عن انضمام الإرادة الموجبة لوقوع المأمور فإن الأمر إذا كان مجرداً عن الإرادة لا يجب أن يقع المأمور به بخلاف ما إذا كان مقروناً بالإرادة فإنه لا بد حينئذٍ من وقوع المأمور به {لِتَغْفِرَ لَهُمْ} بسببه {جَعَلُوا أَصَـابِعَهُمْ فِى ءَاذَانِهِمْ} أي سدوا ماسمعهم من استماع الدعوة فالجعل المذكور كناية عن هذا السد ولا مانع من الحمل على حقيقته بأن يدخلوا أصابعهم في ثقب آذانهم قصدا إلى عدم الاستماع {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} الاستغشاء جامه بسر در كشيدن.
(10/133)
كما في تاج المصادر مأخوذ من الغاشء وهو الغطاء وفي الأصل اشتمال من فوق ولما كان فيه معنى الستر استعمل معناه وأصل الاستغشاء طلب الشىء أي الستر لكن معنى الطلب هنا ليس بمقصود بل هو بمعنى التغطي والستر وإنما جيء بصيغته التي هي السين للمبالغة والثياب جمع ثوب سمى به لثوب الغزل أي رجوعه إلى الحالة التي قدر لها والمعنى وبالغوا في التغطي بثيابهم كأنهم طلبوا منها إن تغشاهم أي جميع أجزاء بدنهم آلة الأبصار وغيرها لئلا يبصروه كراهة النظر إليه فإن المبطل يكره رؤية المحق للتضاد الواقع بينهما وقس عليهما المتكبر والكافر والمبتدع بالنسبة إلى المتواضع والمؤمن والسني أو لئلا يعرفهم فيدعوهم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
يقول الفقير : هذا الثاني ليس بشيء لأن دعوته على ما سبق كانت عامة لجميع من في الأرض ذكورهم وإناثهم والمعرفة ليست من شرط الدعوة واشتباه الكافر بالمؤمن مدفوع بأن المؤمن كان أقل القليل
174
معلوماً على كل حال على أن التغطي من موجبات الدعوة لأن بذلك يعلم كونه من أهل الفرار إذ لم يكن في ذلك الزمان حجاب وقال بعضهم : ويجوز أن يكون التغطي مجازاً عن عدم ميلهم إلى الاستماع والقبول بالكلية لأن من هذا شأنه لاي سمع كلامه غيره {وَأَصَرُّوا} أي أكبوا وأقاموا على الكفر والمعاصي وفي قول القلوب الإصرار يكون بمعنى يعقد بقلبه إنه متى قدر على الذنب فعله أولاً يعقد الند ولا التوبة منه وأكبر الإصرار السعي في طلب الأوزار.
(وفي تاج المصادر) الإصرار بريزى باستادن وكوش راست كردن است.
يقال اصر الحمار على العانة وهي القطيع من حمر الوحش إذا ضم أذنيه إلى رأسه وأقبل عليها يكدمها ويطردها استعير للإقبال على الكفر والمعاصي والاكباب عليهما بتشبيه الإقبال المذكور بإصرار الخمار على العانة يكدمها ويطردها ولو لم يكن في ارتكاب المعاصي إلا التشبيه بالحمار لكفى به مزجرة فكيف والتشبيه في السوء حاله وهو حال الكدم والطرد للسفاد {وَاسْتَكْبَرُوا} تعظموا عن أتباعي وطاعتي وأخذتهم العزة في ذلك {اسْتِكْبَارًا} شديداً لأنهم قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال بعض العارفين : من أصر على المعصية أورثته التمادي في الضلالة حتى يرى قبيح أعماله حسناً فإذا رآه حسناً يتكبر ويعلو بذلك على أولياء الله ولا يقبل بعد ذلك نصيحتهم قال سهل قدس سره : الإصرار على الذنب يورث النفاق والنفاق يورث الكفر {ثُمَّ إِنِّى دَعَوْتُهُمْ} دعوة {جِهَارًا} أي أظهرت لهم الدعوة يعني آشكارا در محافل ايشان.
والجهر ظهور الشيء فأفراط لحاسة البصر أو حاسة السمع {ثُمَّ إِنِّى أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} إشارة إلى ذكر عموم الحالات بعد ذكر عموم الأوقات أي دعوتهم تارة بعد تارة ومرة غب مرة على وجوه متخالفة وأساليب متقاوتة وثم لفتاوت الوجوه فإن الجار أشد من الأسرار والجمع بينهما أغلظ من الأفراد والإعلان ضد الأسرار يقال أسررت إلى فلان حديثاً أفضيت به إليه في خفية أي من غير إطلاع د عليه وجهرت به أظهرته بحيث اطلع عليه الغير ويجوز أن يكون ثم لتراخي بعض الوجوه عن بعض بحسب الزمان بأن ابتدأ بمناصحتهم ودعوتهم في السر فعاملوه بالأمور الأربعة وهي الجعل والتغطي والإصرار والاستكبار ثم ثتى بالمجاهرة بعد ذلك ذلك لم يؤثر جمع بين الإعلان والإسرار أي خلط دعاءه بالعلانية بدعاء السر فكما كلمهم جميعاً كللمهم واحداً واحداً سراً وقال بعضهم : إشكارا كردم مر بعضي ايشانرا يعين باشكرا آوز برداشتم وباعلاي صوت دعوت كردم وبراز كفتم مر بعضي ديكر از ايشانرا.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
وفي بعض التفاسير أن نوحاً عليه السلام لما آذوه بحيث لا يوصف حتى كانوا يضربونه في اليوم مرات عيل صبره فسأل الله أن يواريه عن أبصارهم بحيث يسمعن كلامه ولا يرونه فينالونه بمكروه ففعل الله ذلك به دعاهم كذلك زماناً فلم يؤمنوا فسأل أن يعيده إلى ما كان وهو قوله أعلنت لهم وأسررت لهم أسراراً وقال القاشاني : ثم إني دعوتهم جهاراً أي نزلت عن مقام التوحيد ودعوتهم إلى مقام العقل وعالم النور ثم إني أعلنت لهم بالمعقولات الظاهرة وأسررت لهم في مقام القلب بالأسرار الباطنة ليتو
175
(10/134)
صلوا إليها بالمعقول {فَقُلْتُ} لهم عقيب الدعوة عطف على قوله دعوت {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} اطلبوا المغفرة منه لأنفسكم بالتوبة عن الكفر والمعاصي قبل الفوت بالموت {إِنَّهُ} تعالى {كَانَ غَفَّارًا} للتائبين بجعل ذنوبهم كأن لم تكن والمراد من كونه غفاراً في الأزل كونه مريداً للمغفرة في وقتها القمدر وهو وقت وجود المغفور له وفي كشف الأسرار كان صلة إليه ورؤية التقصير في العبودية الندم على ما ضاع من أيامهم بالغفلة عن الله وفي الحديث : "من أعطى الاستغفار لا يمنع المغفرة لأنه تعالى قال : استغفروا ربكم إنه كان غفاراً" ولذا كان علي رضي الله عنه يقول : ما ألهم الله عبداً الاستغفار وهو يريد أن يعذبه وعن بعض العلماء قال الله تعالى إن أحب عبادي إلى المتحابون بحبي والمعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالأسحار أولئك الذين إذا آدت أهل الأرض بعقوبة ذكرتهم فتركتهم وصوفت العقوبة عنهم والغفار أبلغ من الغفور وهو من الغافر وأصل الغفر الستر والتغطية ومنه قيل لجنة الرأس مغفر لأنه يستر الرأس والمغفرة من الله ستره للذنوب وعفوه عنها بفضله ورحمته لا بتوبة العباد وطاعتهم وإنما التوبة والطاعة للعبودية وعرض الافتقار وفي بعض الأخبار عبدي لو أتيتن بقراب أصرض ذنوباً لغفرتها لك ما لم تشرك بي.
(حكى) إن شيئخاً حج مع شاب فلما أحرم قال لبيك اللهم لبيك فقيل له لا لبيك فقال الشاب للشيخ ألا تسمع هذا الجواب فقال كنت أسمع هذا الجواب منذ سبعين سنة قال فلأي شيء تتعب نفسك فبكى الشيخ فقال فإلى أي باب التجيء فقيلله قد قبلناك.
همه طاعت آرند ومسكين نياز
بياتا بدركاه مسكين نواز
وشاخ برهنه برآريم دست
كه بي برك ازين بيش نتوان نشست
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
{يُرْسِلِ السَّمَآءَ} أيالمطر كما قال الشاعر إذا نزل السماء بأرض قوم قال وقال بعضهم أي ماء السماء فحذف المشاف {عَلَيْكُم} حال كونه {مِّدْرَارًا} أي كثير الدرور أي السيلا والإنصباب وبالفارسية فرو كشايد برشما باران ي در ي وبيهكنام.
وفي الإرسال مبالغة بالنسبة إلى الإنزال وكذا المدرار صيغة مبالغة ومفعال مما يستوي فيه المذكر والمؤنث كقولهم رجل أو امرأة معطار ويرسل جواب شرط محذوف أي أن تستغفروا يرسل السماء وفي قول النجاة في مثة إنه جواب الأمر وهو ههنا استغفروا تسامح في العبارة اعتماداً على وضوح المراد وكسر اللام بالوصل لتحرك الساكن به كأن قوم نوح تعللوا وقالوا إن كنا على الحق فكيف نتركه وإن كنا على الباطل فكيف يقبلنا بعدما عكفنا عليه دهراً طويلاً نأمرهم الله بما يمحق ما سلف منهم من المعاصي ويجلب عليهم المنافع وهو الاستغفار ولذلك وعدهم بالعوائد العاجلة التي هي أوقع في قلوبهم من المغفرة وأحب إليهم إذا النفس حريصة بحب العاجل ولذلك جعلها جواب الأمر بأن قال يوسل السماء الخ دون المغفرة بأن قال يغفر لكم ليرغبوا فيها ويشاهدوا إن أثرها وبركتها ما يقاس عليه حال المغفرة فالاشتغال بالطاعة سبب لانفتاح أبواب الخيرات كما أن المعصية سبب لخراب العالم بظهور أسباب القهر الإلهي وقيل لما كذبوه بعد تكرير الدعوة حبس الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة وقيل
176
سبعين سنة فودعهم أن آمنوا أن يرزقهم الله الخصب ويدفع عنهم ما كانوا فيه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
(10/135)
يقول الفقير : هذا القول هو الموافق للحكمة لأن الله تعالى يبتلى عباده بالخير والشر ليرجعوا إليه ألا ترى إلى قريش حيث إن الله جعل لهم سبع سنين كسني يوسف بدعاء النبي عليه السلام ليرجعوا أعمالاً كانوا عليه من اشرك فلم يرفعوا له رأساً {وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} أي يوصل إليكم ويعط لكم المدد والقوة بهما كما قال الله تعالى ويزدكم قوة إلى قوتكم {وَيَجْعَل لَّكُمْ} أي وينشيء لكم {جَنَّـاتٍ} بساتين ذوات أشجار وأثمار {وَيَجْعَل لَّكُمْ} فيها {أَنْهَـارًا} جارية تزينها بالنبات وتحفظها عن اليبس وتفرح القلوب وتسقي النفوس كان الظاهر تقديم الجنات والأنهار على الامداد لكونهما من توابع الإرسال وإنا رهما لرعاية رأس الآية وللإشعار بأن كلا منهما نعمة إلهية على حدة وعن الحسن البصري قدس سره إن رجلاً شكا إليه الجدب فقال استغفر الله وشكا إليه آخر الفقر وآخر قلة النسل وآخر قلة ربع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار فقال له الربيع بن صبيح أتاك رجل يشكون أبواباً ويسألون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار فتلاله الآية قال في فتح الرحمن ولذلك شرع الاستغفار في الاستسقاء وهو الدعاء بطلب السقيا على وجه مخصوص فإذا أجدبت الأرض وقحط المطر سن الاستسقاء بالاتفاق ومنع أبو حنيفة وأصحابه من خروج أهل الذمة ولم يمنعوا عند الثلاثة ولم يختلطوا بالمسلمين ولم يفردوا بيوم وقد سبق بعض تفصيله في سورة البقرة {مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} إنكار لأن يكون لهم سبب ما في عدم رجائهمتعالى وقاراً على أن الرجاء بمعنى الاعتقاد أي الظن بناء على إنه أي الرجاء إنما يكون بالاعتقاد وأدنى درجته الظن والوقار في الأصل السكون والحلم وهو ههنا بمعنى العظمة لأنه يتسبب عنها في الأغلب ولا ترجون حال من ضمير المخاطبين والعامل فيها معنى الاستقرار في لكم ولله متعلق بمضمر وقع حالاً من وقاراً ولو تُر لكان صفة له والمعنى أي سبب حصل لكم واستقر حال كونكم غير معتقدين عظمة موجية لتعظيمه بالإيمان والطاعة له أي لا سبب لكم ي هذا مع تحقق مضمون الجملة الحالية وبالفارسية يست شمارا كه اميدانداريد يعني نمى شناسيد مرخدايرا عظمت وبزر كوارى واعتقاد نمى كنيد تابترسيد ازنا فرمانى او.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
وفي "كشف الأسرار" هذا الرجاء بمعنى الخوف ولوقار العظمة أي لا تخافونعظمة وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما لكم لا تطلبون ولا تكسبون من اسم الله الأعظم ما يوقركم عنده بالتخلق بكل اسم تحته حتى تصيروا بسبب تحققكم بجميع أسمائه الداخلة فيه مظهره ومجلاه {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} يقال فعل كذا طوراً بعد طور أي تارة بعد تارة وعدا طوره أي تجاوز حده وقدره والمعنى والحال إنكم على حالة منافية لما أنتم عليه بالكلية وهي إنكم تعلمون إنه تعالى خلقكم وقدركم تارات أي مرات حالاً بعد حال عناصر ثم أغذية ثم أخلاطاً ثم نطفاً ثم علقاً ثم مضغا ثم عظاماً ولحوماً ثم أنشأكم خلقاً آخر فإن التقصير في توقير من هذه شؤونه في القرة القاهرة والإحسان التام مع العلم بها مما لا يكاد يصدر عن العاقل وقال بعضهم : هي إشارة إلى الأطوار السبعة المذكورة في قوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة
177
من ين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين فهذه هي التارات والأحوال السبع المترتب بعضها على بعض كل تارة أشرف مما قبلها وحال الإنسان فيها أحسن مما تقدمها.
ون صورت توبت نه نكارند بكشمير
ون قامت توسرونه كارند بكشور
كر نقش تويش بت آزر بنكارند
اشرم فروريزد نقش بت آزر
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
(10/136)
وقيل : خلقكم صبياً ناوشبانا وشيوخاً وقيل طوالاً وقصاراً وأقوياء وضعفاء مختلفين في الخلق والخلق كما قال تعالى : [الروم : 22-15]{وَاخْتِلَـافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} وقيل : خلقهم أطواراً حين أخرجهم من ظهر آدم للعهد ثم خلقهم حين أذن بهم إبراهيم عليه السلام للحج ثم خلقهم ليلة أسرى برسول الله فأراه إياهم وقال بعض أهل المعرفة خلقكم أطواراً من أهل المعرفة ومن أهل المحبة ومن أهل الحكمة ومن أهل التوحيد ومن أهل الشوق ومن أهل العشق ومن أهل الغناء ومن أهل البقاء ومن أهل الخدمة ومن أهل المشاهدة خلق طور الأرواح القدسية من نور الجبروت وطور العقول الهداية العارفة من نور الملكوت وطور القلوب الشائقة من معادن القربة وطور أجسام الصديقين من تراب الجنة فكل طور يرجع إلى معدنه من الغيب ألم تروا} يا قومي والاستفهام للتقرير والرؤية بمعنى العلم لعلهم علموا ذلك بالسماع من أهله أو بمعنى الأبصار والمراد مشاهدة عجائب الصنع الدال على كمال العلم والقدرة {كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَـاوَاتٍ} حال كونها {طِبَاقًا} أي متطابقاً بعضها فوق بعض كما سبق في سورة الملك أتبع الدليل الدال على إنه يمكن أن يعيدهم وعلى إنه عظيم القدرة بدلائل الأنفس لأن نفس الإنسان أقرب الأشياء إليه ثم اتبع ذلك بدلائل آفاق فقال {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} أي منور الوجه الأرض في ظلمة الليلة ونسبته إلى الكل مع إنه في السماء الدنيا لأن كل واحدة من السموات شفافة لا يحجب ما وراءها فيرى الكل كأنها سماه واحدة ومن ضرورة ذلك أن يكون ما في واحدة منها كأنه في الكل على إنه ذهب ابن عباس وابن عمر ووهب بن منبه رضي الله عنهم إلى أن الشمس والقمر والنجوم وجوهها مما يلي السماء وظهورها مما يلي الأرض وهو الذي يقتضيه لفظ السراج لأن ارتفاع نوره في طرف العلو ولولا ذلك لأحرقت جميع ما في الأرض بشدة حرارتها فجعلها الله نوراً وسراجاً لأهل الأرض والسموات فعلى هذا ينبغي أن يكون تقدير ما بعده وجعل الشمس فيهن سراجاً حذف لدلالة الأول عليه {وَجَعَلَ الشَّمْسَ} هي في السماء الرابعة وقيل في الخامسة وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في الشتاء في الرابعة وفي الصيف في السابع ولو أضءت من الرابعة أو من السماء الدنيا لم يطق لها شيء (كما قال في المثنوى) :
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
آفتابى كزوى اين عالم فروخت
اندكى كريش آيد جمله سوخت
{سِرَاجًا} م باب التشبيه البليغ أي كالسراج يزيل ظلمة الليل عند الفجر ويبصر أهل الدنيا في ضوئها الأرض ويشاهدون الآفاق كما يبصر أهل البيت في ضوء السراج ما يحتاجون
178
إلى أبصاره وليس القمر بهذه المثابة إنما هو نور في الجملة.
وحضرت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بجهت آن راغ كفته كه كما قال تعالى : {وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} نووى تاريكى كفر ونفاق را از عرصه روى زمين زائل كردانيد.
راغ دل شم شم وراغ جان رسول الله
كه شمع ملت است ازر تو احكام اورخشان
درين ظلمت سرا كرنه راغ افرو ختى شرعش
كجاكس را خلاصي بودي ازتاريكى طغيان
(10/137)
والسراج اعراق عند الناس من الشمس بوجه الشبه الذي هو إزالة ظلمة الليلي لأنهم يستعملونه في الليالي فلا يرد أن يقال أن نور القمر عرض مستفاد من الشمس كضوء السراج فتشبه القمر بالسراج أولى من يشبيه الشمس به وأيضاً إنه من تشبيه الأعلى بالأدنى وقال حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره في شرح الأربعين حديثاً الضيء هو امتزاج النور بالظمة وليس في ذات القمر ما يمتزج بالشمس حتى يسمى الناتج بينهما ضياء ولهذا سمى الحق القمر نوراً دون الشمس المشبهة بالسراج لكونه ممدوداً من الشجرة المباركة المنفي عنها الجهات وإنها الحضرة الجامعة للأسماء والصفات والله أنبتكم من الأرض نباتاً} أي إنباتاً عجيباً وأنشأكم منها إنشاء غريباً بواسطة إنشاء أبيكم آدم منها أو أنش الكل منها من حيث إنه خلقهم من النطف المتولدة من النبات المتولد من الأرض استعير الإنبات للإنشاء لكونه أدل على الحدوث والتكون من لأرض لأنهم إذا كانوا نباتاً كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات ووضع نباتاً موضع إنباتاً على إنه مصدر مؤكذد لأنبتكم بحذف الزوائد ويسمى اسم مصدر دل عليه القرية الآتية وهي قوله ويخرجكم إخراجاً وقال بعضهم : نباتاً حال لا مصدر ونبه بذلك إن الإنسان من وجه نبات من حي إن بدأه ونشأته من التراب وإنه ينمو نموه وإن كان له وصف زائد على النبات والنبات ما يخرج من الأرض سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن كالنجم لكن اختص في التعارف بما لا ساق له بل اختص عند العامة بما يأكله الحيوان وقال بعض أهل المعرفة والله أنبتكم من الأرض نباتاً أي جعل غذاءكم الذي تنمو به أجسادكم من الأرض كما جعل النبات ينمو بالماء بواسطة التراب فغذاء هذه النشأة ونموها بما خلقت منه {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} أي في الأرض بالدفن عند موتكم {وَيُخْرِجُكُمْ} منها عند البعث والحشر {إِخْرَاجًا} محققاً لا ريب فيه وذلك لمجازاة الأولياء ومحاسبة الأعداء ولم يقل ثم يخرجكم بل ذكر بالواو الجامعة إياها مع يعيدكم رمزاً إلى أن الإخراج مع الإعادة في القبر كشيء واحد لا يجوز أن يكون بعضها محقق الوقوع دون بعض.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
وفي التأويلات النجمية : والله أنبت من أرض بشريتكم نبات الأخلاق والصفات ثم يعيدكم في تلك الأرض بالبقاء بعد الفناء بطريق الرجوع إلى أخحكام البشرية بالله لا بالطبع والميل الطبيعي ويخرجكم أي ويظهركم ويغلبكم على التصرف في العالم بالله لا بكم ولا بقدرتكم واستطاعتكم {وَاللَّهُ} كرر الاسم الجليل للتعظيم والتمين والتبرك {جَعَلَ لَكُمُ} أي لمنافعكم {الارْضَ} سبق بيانها في سورة الملك وغيرها {بِسَاطًا} مبسوطة متسعة كالبساط والفراش تتقلبون عليها تقلبكم على بسطكم في بيوتكم قال أبو حيان ظاهره إن
179
الأرض ليست كرية بل هي مبسوطة قالسعدي امفتي وإنما هو في التقلب عليها على ما فسروه انتهى.
وقد مر مراراً إن كرية الأرض لاتتا في الحرث والغرس ونحوهما لعظم دائرتها كما يظهر الفرق بين بيضة الحمامة وبيضة النعامة من السلوك وهو الدخول لا من السلك وهو الإدخال {مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا} أي طرقاً واسعة جمع سبيل وفج وهو الطريق الواسع فجر دهناً لمعنى الواسع فجعل صفة لسبلا وقيل هو المسلك بين الجبلين.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
(10/138)
قال في المفردات : الفج طريق يكتفها جبلان ويستعمل في الطريق ال واسع ومن متعلقة بما قبلها لما فيه من معنى الاتخاذ أي لتسلكوا متخذين من الأرض سبلاً فتصرفوا فيها مجيئاً وذهاباً أو بمضمر هو حال من سبلا أي كائنة من الأرض ولو تأخر لكان صفة لها ثم جعلها بساطاً للسلوك المذكور لا ينافي غيره من الوجوه كالنوم والاستراحة والحرث والغرس ونحوها ثم السلوك إما جسماني بالحركة الاينية الموصلة إلى المقصد وإما روحاني بالحركة الكيفية الموصلة إلى المقصود ولكل منهما فوائد جليلة كطلب العلم والحج والتجارة وغيرها وكتحصيل المحبة والمعرفة والأنس ونحوها وقال القاشاني : والله جعل لكم أرض البدن بساطاً لتسلكوا منها سبل الحواس فجاجاً أي خروقاً واسعة أو من جهتها سبل سماء الروح إلى التوحيد كا قال أمير المؤمنين رضي الله عنه سلوني عن طرق السماء فإني أعلم بها من طرق الأرض أراد الطرق الموصلة إلى الكمال من المقامات والأحوال كالزهد والعبادة والتوكل والرضى وأمثال ذلك ولهذا كان معراج النبي عليه السلام ، بالبدن {قَالَ نُوحٌ} أعيد لفظ الحكاية لطول العهد بحكاية مناجاته لربه فهو بذل من قال الأول ولذا ترك العطف أي قال مناجياً له تعالى {رَّبِّ} أي روردكار من {إِنَّهُمْ عَصَوْنِى} داموا على عصياني ومخالفتي فيما أمرتهم به مع ما بالغت في إرشادهم بالعظة والتذكير {وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُه وَوَلَدُهُ اإِلا خَسَارًا} أي استمروا على أتباع رؤوسائهم الذين أبطرتهم أموالهم وغرتهم أولادهم وصارت تلك الأموال والأولاد سبباً لزيادة خسارهم في الآخرة فصاروا سوة لهم الخسار وفي وصفهم بذلك إشعار بأنهم إنما اتبعوهم لو جاهتهم الحاصلة لهم بسب الأموال والأولاد لما اشهدوا فيهم من شبهة مصححة للاتباع كما قالت قريش لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فجعلوا الغنى سبباً مصححاً للاتباع ودل الكلام على أن ازدياد المال والولد كثيراً ما يكون سباً للهلاك الروحاني ويورث الضلال في الدين أولاً والاضلال عن اليقين ثانياً قال ابن الشيخ المفهوم من نظم الآية إن أموالهم وأولادهم عين الخسار وإن ازديادهما إنما هو ازدياد خسارهم والأمر في الحقيقة كذلك فإنهما وإن كانا من جملة المنافع المؤدية إلى السعادة الأبدية بالشكر عليهما وصرفهما إلى وجوه الخير إلا أنهما إذا أديا إلى البطر والاغترار وكفران حق المنعم بهما وصارا وسيلتين إلى العذاب المؤبد في الآخرة صارا كأنهما مخض الحسار لأن الدنيا في جنب الآخرة كالعدم فمن انتفع بهما في الدنيا خسر سعادة الآخرة وصار كمن ل لقمة مسمومة من الحلوى فهلك فإن تلك اللقمة في حقه هلاك محض
180
إذ لا عبرة لانتفاعه بها في جنب ما أدت إليه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
نوغافل درانديشه سود ومال
كه سرمايه عمر شد ايمال
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص181 حتى ص191 رقم19
(10/139)
{وَمَكَرُوا} عطف على صلة من لان المكر الكبار يليق بكبر آئهم والجمع باعتبار معناها والمكر الحيلة الخفية وفي كشف الأسرار المكر في اللغة غاية الحيلة وهو من فعل الله تعالى إخفاء التدبير {مَكْرًا كُبَّارًا} أي كبيراً في الغاية وقرىء بالتخفيف والأول أبلغ منه وهو أبلغ من الكبير نحو طوال وطوال وطويل ومعنى مكرهم الكبار احتيالهم في منع الناس عن الدين ونحريشهم لهم علا أذية نوح قال الشيخ لما كان التوحيد أعظم المراتب كان المنع منه والأمر بالشرك أعظم الكبائر فلذا وصفه الله بكونه مكراً كباراً {وَقَالُوا} أي الرؤساء للاتباع والسفلة {لا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ} أي لا تتركوا عبادتها على الإطلاق إلى عبادة رب نوح ومن عطف مكروا على اتبعوا يقول معنى وقالوا وقال بعضهم لبعض فالقائل ليس هو الجمع {وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} جرد الأخيرين عن حرف النفي إذ بل التأكيد نهايتع وعلم أن القصد إلى كل فرد فرد لا إلى المجموع من حيث هو مجموع والمعنى ولا تذرون عبادة هؤلاء خصوصاً فهو لا إلى المجموع من حيث هو مجموع والمعنى ولا تذرن عبادة هؤلاء خصوصاً فهو من عطف الخاص على العام خصوصاً بالذكر مع اندراجها فيما سبق لأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظم ما عندهم وقد انتقلت هذه الأصنام بأعيانها عنهم إلى العرب فكان ود لكلب بدومة الجندل بضم دال دومة ولذلك سمت العرب بعبد ود قال الراغب : الود صنم سمى بذلك إما لمودتهم له أو لاعتقادهم أن بينه وبين الباري تعالى مودة تعالى عن ذلك وكان سواع لهمدان بسكون الميم قبيلة باليمن ويغوث لمذحج كمجلس بالذال المعجمة وآخره جيم ومنه كانت العرب تسمى عبد يغوث ويعول لمراد وهو كغراب أبو قبيلة سمى به لأنه تمرد ونسر لحمير بكسر الحاء وسكون الميم بوزن درهم موضع عربي صنعاء اليمن وقيل انتقلت أسماؤها إليهم فاتخذوا أمثالها فعبدوها إذ يبعد بقاء أعيان تلك الأصنام كيف وقد خربت الدنيا في زمان الطوفان ولم يضعها نوح في السفينة لأنه بعث لنفيها وجوابه إن الطوفان دفنها في ساحل جدة فلم تزل مدفونة حتى أخرجها اللعين لمشركي العرب نظيره ما روى إن آدم عليه السلام كتب اللغات المختلفة في طين وطبخه فلما أصاب الأرض الغرق بقي مدفوناً ثم وجد كل قوم كتاباً فكتبوه فأصاب إسماعيل عليه السلام ، الكتاب العربي وقيل هي أسماء رجال صالحين كانوا بينآدم ونوح وقيل من أولاد آدم ماتوا فحزن الناس عليهم حزناً شديداً واجتمعوا حول قبورهم لا يكادون يفارقونها وذلك بأرض بابل فلما رأى إبليس فعلهم ذلك جاء إليهم في صورة إنسان وقال لهم هل لكم أن أصور لكم صورهم إذا نظرتم إليها ذكرتموهم واستأنستم وتبركتم بهم قالوا نعم فصور لهم صورهم من صفر ورصاص ونحاس وخشب وحجر وسمى تلك الصور بأسمائهم ثم لما تقادم الزمن وانقرضت الآباء والأبناء وأبناء الأبناء قال لمن حدث بعدهم إن من قبلكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها في زمان مهلاً ييل بن
181
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
قينان ثم صارت سنة في العرب في الجاهلية وذلك إما بإخراج الشيطان اللعين تلك الصور كما سبق أو بابه كان لعمرو بن لحي وهو أول من نصب الأوثان في الكعبة تابع من الجن فقال له اذهب إلى جدة وائت منها بالآلهة التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس وهي ود الخ فذهب وأتى بها إلى مكة ودعا إلى عبادتها فانتشرت عبادة الأصنام في العرب وعاش عمرو بن لحي ثلاثمائة وأربعين سنة ورأى من ولده وولد ولد ولده الف مقاتل ومكث هو وولده في ولاية البيت خمسمائة سنة ثم انتقلت الولاية إلى قريش فمكثوا فيها خمسمائة أخرى فكان البيت بيت الأصنام ألف سنة وذكر الامام الشعراني أن أصل وضع الأصنام إنما هو من قوة التنزيه من العلماء الأقدمين فإنهم نزهوا الله عن كل شيء وأمروا بذلك عامتهم فلما رأوا بعض عامتهم صرح بالتعطيل وضعوا لهم الأصنام وكسوها الديباج والحلى والجواهر وعظموها بالسجود وغيره ليتذكروا بها الحق الذي غاب عن عقولهم وغاب عن أولئك العلماء إن ذلك لا يجوز إلا باذل من الله تعالى هذا كلامه قال السهيلي ولا أدري من اين سرت لهم تلك الأسماء القديمة أمن قبل الهند فقد ذكر عنهم إنهم كانوا المبدأ في عبادتهم الأصنام بعد نوح أم الشيطان ألهمهم ما كانت عليه الجاهلية الأولى قبل نوح وفي التكملة روى تقي بن مخلد أن هذه الأسماء المذكورة في السورة كانوا أبناء آدم عليه السلام من صلبه وأن يغوث كان أكبرهم وهي أسماء سريانية ثم وقعت تلك الأسماء إلى أهل الهند فسموا بها أصنامهم التي زعموا إنها على صور الدراري السبعة وكانت الجن تكلمهم من جوفها فافتتنوا بها ثم أدخلها إلى أرض العرب عمرو بن لحي بن قمعة بن الياس بن مضر فمن قبله سرت إلى أرض العرب وقيل كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة نسر وهو طائر عظيم لأنه ينسر الشي ويقتلعه.
(10/140)
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
وفي التأويلات النجمية : لا تتركن عبودية آلهتكم التي هي ود النفس المصورة بصورة المرأة وسواع الهوى المصور بصورة الرجل ويغوث الطبيعة المشكلة بشكل الأسد ويعوق الشهوة المشكلة بصورة الفرس ونسر الشره المصور بصورة النسر وقال القاشاني : أي معبوداتكم التي عكفتم بهواكم عليها من ود البدن الذي عبدتموه بشهواتكم وأحببتموه وسواع النفس ويغوث الأهل ويعوق المال ونسر الحرص {وَقَدْ أَضَلُّوا} أي الرؤساء والجملة حالية {كَثِيرًا} أي خلقاً كثيراً أو أضل الأصنام كقوله تعالى : {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ} جمعهم جمع العقلاء لعدهم آلهة ووصفهم بأوصاف العقلاء ولا تزد الظالمين} بالاشتراك فإن الشرك ظلم عظيم إذ أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه فهل شيء أسوأ في هذا من وضع أخس المخلوق وعبادته موضع الخالق الفرد الصمد وعبادته {إِلا ضَلَـالا} الجملة عطف على قوله تعالى : [نوح : 21-87]{رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى} أي قال رب إنهم عصوني ، وقال : ولا نزد الظالمين إلا ضلالاً قالوا ومن الحكاية لا من المحكى أو من كلام الله لا من كلام نوح فنوح قال كل واحد من هذين القولين من غير أن يعطف أحدهما على الآخر فحكى الله أحد قوليه بتصديره بلفظ ، قال : وحكى قوله صا بعطفه على قوله الأول بالواو المنائبة عن لفظ قال فلا يلزم عطف الإنشاء على الأخبار ويجوز
182
عطفه على مقدار أي فأخذلهم قالوا وحينئذٍ من المحكى والمراد بالضلال هو الصيام والهلاك والضلال في تمشية مكرهم وترويجه مصالح دنياهم لا في أمر دينهم حتى لا يتوجه إنه إنما بعث ليصرفهم عن الضلال فكيف يليق به أن يدعو الله في أن يزيد ضلالهم وإن هذا الدعاء يتضمن الرضى بكفرهم وذلك لا يجوز في حق الأنبياء وإنك ان يمكن أن يجاب بأنه بعدما أوحى إليه إنه لا يؤمن من قومك إلا من قد آمن وإن المحذور هو الرضى المقرون باستحسان الكفرو نظيره دعاء موسى عليه السلام ، بقوله واشدد على قلوبهم فمن أحب موت الشرير بالطبع على الكفر حتى ينتقم الله منه فهذا ليس بكفر فيؤول المعنى إلى أن يقال ولاي زد الظالمين الإضلال وغيا ليزدادوا عقاباً كقوله تعالى : إنما نملى لهم ليزدادوا إثماً وقوله : إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار قالوا دعا نوح الأبناء بعد الآباء حتى بلغوا سبعة قرون فلما ايس من إيمانهم دعا عليهم مما خطيئاتهم} أي من أجل خطيئات قوم نوح وأعمالهم المخالفة للصواب وهي الكفر والمعاصي وما مزيدة بين الجار والمجرور لتأكيد الحصر المستفاد من تقديم قوله مما خطيئاتهم فإنه يدل على أن إغراقهم بالطوفان لم يكن إلا من أجل خطيئاتهم تكذيباً لقول المنجمين من أن ذلك كان لاقتضاء الأوضاع الفلكية إياه ونحو ذلك فإنه كفر لكونه مخالفاً لصريح هذه الآية ولزيادة ما الإبهامية فائدة غير التوكيد وهي تفخيم خطيئاتهم أي من أجل خطيئاتهم العظيمة ومن لم ير زيادتها جعلها نكرة وجعل خطيئاتهم بدلاً منها والخطيئات جمع خطيئة وقرأ أبو عمر وخطاياهم بلفظ الكثرة لأن المقام مقام تكثير خطيئاتهم لأنهم كفروا ألف سنة والخيئات لكونه جمع السلامة لا يطلق عى ما فوق العشرة إلا بالقرينة والظاهر من كلام الرضى إنكل واحد من جمع السلامة والتكثير لمطلق الجمع من يغر نظر إلى القلة والكثرة فيصلحان لهما ولذا قيل إنهما مشتركان بينهما واستدلوا عليه بقوله تعالى :
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
{مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـاتُ اللَّهِ} في الدنيا بالطوفان لا بسبب آخر وفيه زجر لمرتكب الخطايا مطلقاً {فَأُدْخِلُوا نَارًا} تنكير النار إما لتعظيمها وتهويلها أو لأنه تعالى أعدلهم على حسب خطيئاتهم نوعاً من النار والمراد إما عذاب القبر فهو عقيب الإغراق وإن كانوا في الماء فإن من مات في ماء أو نار أو أكلته السباع أو الطير أصابه ما يصيب المقبور من العذاب عن الضحاك إنهم كانوا يغرقون من جانب أي بالأبدان ويحرقون من جانب أي بالأرواح فجمعا بين الماء والنار كما قال الشاعر :
الخلق مجتمع طوراً ومفترق
والحادثات فنون ذات أطوار
لا تعجبن لأضداد إذا اجتمعت
الله يجمع بين الماء والنار
أو عذاب جهنم والتعقيب لتنزيله منزلة المتعقب لإغراقهم لاقترابه وتحققه لا محالة واتصال زمانه بزمانه كما دل عليه قوله من مات فقد قامت قيامته على أن النار إما نصف نار وهي للأرواح في البرزخ وإما تمام نار وهي للأرواح والأجسام جميعاً بعد الحشر وقس على الجحيم النعيم {فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا} أي لم يجد أحد منهم لنفسه واحداً من الأنصار ينصرهم على من أخذهم بالقهر والانتقام وفيه تعريض باتخاذهم آلهة من دون الله وبأنها
183
(10/141)
غير قادرة على نصرهم وتهكم بهم ومن دون الله حال متقدمة من قوله أنصاراً والجملة الاستئنافية إلى هنا من كلام الله إشعاراً بدعوة إجابة نوح وتسلية للرسول عليه السلام وأصحابه وتخويفاً للعاصي من العذاب وأسبابه {وَقَالَ نُوحٌ} بعدما قنط من اهتدائهم قنوطاً تاما بالامارات الغالبة وبأخبار الله تعالى {رَّبِّ} أي روردكار من {لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ} لا تترك على الأرض {مِنَ الْكَـافِرِينَ} بك وبما جاء من عندك حال متقدمة من قوله {دَيَّارًا} أحد يدور في الأرض فيذهب ويجبيء أي فأهلكهم بالاستئصال والجملة عطف على نظيرها السابق وقوله تعالى : {مِّمَّا خَطِياـاَـاتِهِمْ} الخ اعتراض وسط بين دعائه عليه السلام ، للإيذان من أول الأمر بأن ما أصابهم من الإغراق والإحراق لم يصبهم إلا لأجل خطيئاتهم التي عددها نوح وأشار إلى للإهلاك لأجلها لما أنها حكاية لنفس الإغراق والإحراق على طريقة حكاية ما جرى بينه عليه السلام وبينهم من الأحوال والأقوال وإلا لأخر عن كاية دعائه هذا وديار من الأسماء المستعملة في النفي العام يقال ما بالدار ديار أو ديور كقيام وقيوم أي أحد وساكن وهو فيعال من الدور أو من الدار أصله ديوار وقد فعل به ما فعل بأصل سيد فمعنى ديار على الأول أحد دور في الأرض فبذهب ويجيء وعلى الثاني أحد ممن ينزل الدار ويسكنها وأنكر بعضهم كونه من الدور إن وقال لو كان من الدور إن لم يبق على وجه الأرض جنى ولا شيطان وليس المعنى على ذل وإنما المعنى لك كل ساكن دار من الكفار أي كل س منهم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
يقول الفقير : جوابه سهل فإن لمراد كل من يدور على الأر من أمة الدعوة وليس الجن والشيطان منها إذ لم يكن نوح مبعوثاً إلى الثقلين وليس ديار فعالاً من الدار وإلا لقيل دوار لأن أصل دار دور فقلبت واوه ألفاً فلما ضعفت عينه كان دواراً بالواو الصحيحة المشددة إذ لا وجه لقلتها ياء إنك أن تذرهم} عليها كلا أو بعضاً ولا تهلكهم بيان لوجه دعائه عليهم وإظهار بأنه كان نم الغيرة في الدين لا لغلبة غضب النفس لهواها {يُضِلُّوا عِبَادَكَ} عن ريق الحق قال بعضهم عبادك المؤمنين وفيه إشعار بأن الأهل لأن يقاللهم عباد أهل الإيمان انتهى.
وفيه نظر بل المراد يصدوا عبادك عن سبيلك.
كقوله تعالى : [محمد : 1-27]{وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} دل عليه إنه كان الرجل منهم ينطلق بابنه إلى نوح فيقول له احذر هذا فإه كذاب وإن أبي حذرنيه وأوصاني بمثل هذه الوصية فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك ولا يلدوا} ونزايند {إِلا فَاجِرًا} الفجر شق الشي شقاً واسعاً كفجر الإنسان السكر وهو بالكسر اسم لسد النهر وما سد به النهر والفجور شق ستر الديانة {كَفَّارًا} مبالغاً في الكفر والكفران قال الراغب : الكفار أبلغ من الكفور وهو المبالغ في كفران النعمة والمعنى إلا من سيفجر ويكفر فالوجه ارتفاعهم عن وجه الأرض والعلم لك فوصفهم بما يصيرون إليه بعد البلوغ فهو من مجاز الأول وكأنه اعتذار مما عيسى رد عليه من أن الدعاء بالاستئصال مع احتمال أن يكون من أخلاقهم من يؤمن منكر وإنما قاله بالوحي لقوله تعالى في سورة هود {وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّه لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلا مَن قَدْ ءَامَنَ} فإن قلت هذا إذا كان دعاء نوح متأخراً عن وحي تلك الآية وذلك
184
غير معلوم قلت الظاهر إن مثل هذا الدعاء إنما يكون في الأوخر بعد ظهور أمارات النكال قال بعضهم لا يلد الحية إلا الحية وذلك في الأغلب ومن هناك قيل : (إذا طاب أصل المرء طابت فروعه) ونحوه الولد سر أبيه قال بعضهم في توجيهه إن الولد إذا كبر إنما يتعلم منأوصاف أبيه أو يسرق من طباعه بل قد يصحب المرء رجلاً فيسرق من طباعه في الخير والشر.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
(10/142)
يقول الفقير : معناه فيه ما فيه أي من الجمال والجلال فقد يكون الجمال الظاهر في الأب باطنا في الابن كما كان في قابيل بن آدم حيث ظهر فيه ما بطن في أبيه من الجلال وكان الأمر بالعكس في هابيل بن آدم وهكذا الأمر إلى يوم القايمة في الموافقة والمخالفة وقال بعض الكبار اعتذار نوح يوم القيامة عند طلب الخلق الشفاعة منه بدعوته على قومو إنما هو لما فيها من قوله ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً لا نفس دعائه عليهم من حيث كونه دعوة انتهى.
أشار إلى أن دعاء نوح كان بالامارات حيث جربهم قريباً من ألف سنة فلم يظهر منهم إلا الكفر والفجور ولو كان بالوحي لما اعتذار كما قال القاشاني : مل من دعوة قومه وضجر واستولى عليه الغضب ودعا ربه لتدمير قومه وقهرهم وحكم بظاهر الحال أن المحجوب الذي غلب عليه الكفر لا يلد إلا مثله فإن النطفة التي تنشأ منها النفس الخبيثة المحجوبة وتتربى بهيئتها المظلمة لا تقبل إلا مثلها كالبذر الذي لا ينبت إلا من صنفه وسبه وغفل عن أن الولد سر أبيه أي خاله الغالبة على الباطن فربما كان الكافر باقي الاستعداد صافي الفطرة نقي الأصل بحسب الاسعداد الفري وقد استولى على ظاهره العادة ودين آبائه وقومه الذين نشأ بينهم فدان بدينهم ظاهراً وقد سلم باطنه فيلد المؤمن على حال النورية كولادة أبي إبراهيم عليه السلام ، فلا جرم تولد من تلك الهيئة الغضبية الظلمانية التي غلبت على باطنه وحجبته في تلك الحالة عما قال مادة ابنه كنعان وكان عقوبة لذنب حاله انتهى.
ويدل على ما ذكر من أن دعاءه أليس مبنياً على الوحي ما ثبت أن النبي شبه رضي الله عنه في الشدة بنوح وأبا بكر رضي الله عنه في اللين بإبراهيم قال بعض العارفين في قوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمينفي هذه الآية عتاب لطيف فإنها نزت حين مكث يدعو على قوم شهراً مع أن سبب ذلك الدعاء إنما هو الغيرة على جناب الله تعالى وما يستحقه من الطاعة ومعنى العتاب إني ما أرسلتك سبايا ولا لعاناً وإنما بعثنك رحمة أي لترحم مثل هؤلاء الذين دعوت عليهم كأنه يقول لو كان بدل دعائك عليهم الدعاء لهم لكان خيراً فإنك إذا دعوتني لهم ربما أجيت دعاءك فوقفتهم لطاعتي فترى سرورو عينك وقرتها في طاعتهم لي وإذا لعنتهم ودعوت عليهم وأجبت دعاءك فيهم لم يكن من كرمي إن آخذهم إلا بزيادة طغيانهم وكثرة فسادهم في الأرض وكل ذلك إنما كان بدعائك عليهم فكأنك أمرتهم بالزيادة في الطغيان الذي أخذناهم به فتنبه رسول الله عليه السلام لما أدبه به ربه فقال إن الله أدبني فأحسن تأديبي ثم صار يقول بعد ذلك اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وقام ليلة كاملة إلى الصباح بقوله تعالى : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم لا يزيد عليها فأين هذا من دعائه قبل ذلك على رعل وذكوان وعصية وعلى صناديد قريش اللهم عليك بفلان
185
اللهم عليك بفلان فاعلم ذلك فاقتد بنبيك في ذلك والله يتولى هداك (وقال بعض أهل المعرفة) نوح ون از قوم خود رنجيد بهلاك ايشان دعا كرد ومصطفى عليه السلام ون از قوم خود رنجيد بشفقت كفت اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
واعلم إنه لا يجوز إن يدعى على كافر معين لأنا لا نعلم خاتمته ويجوز على الكفار والفجار مطلقاً وقد دعا عليه السلام ، على من تحزب على المؤمنين وهذا هو الأصل في الدعاء على الكفارين رب اغفر لي} ذنوبي وهي ما صدر منه من ترك الأولى {وَلَوْ كُنتُمْ فِى} ذنوبهما أبو ملك بن متوشلخ على وزن الفاعل كمتد حرج أو هو بضم الميم والتاء المشددة المضمومة وفتح الشين المعجمة وسكون اللام وروى بعضهم الفتح في الميم وأمه سمخابنت انوش كانا مؤمنين قال ابن عباس رضي الله عنهما لم يكفر لنوح أب ما بينه وبين آدم وفي إشراق التواريخ أمه قسوس بنت كابيل وفي "كشف الأسرار" هيجل بنت لاموس ابن متوشلخ بنت عمه وكانا مسلمين على ملة إدريس عليه السلام وقيل المراد بوالديه آدم وحواء عليهما السلام {وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ} أي نمزلي وقيل مسجدي فإنه بيت أهل الله وإن كان بيت الله من وجه وقيل سفينتي فإنها كالبيت في حرز الحوائج وحفظ النفوس عن الحر والبرد وغيرهما {مُؤْمِنًا} حالك ون الداخل مؤمناً وبهذا القيد خرت امرأته واعلة وابنه كنعان ولكن لم يجزم عليه السلام ، بخروجه إلا بعد ما قيل له أنه ليس من أهلك {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ} بي أو من لدن آدم إلى يوم القيامة.
وكفته ندمراد ابن امت مرحومة اند.
(10/143)
خص أولاً من يتصل به نسباً وديناً لأنهم أولى وأحق بدعائه ثم عمم المؤمنين والمؤمنات وفي الحديث : "ما الميت في القبر إلا كالغريق المتنغوث ينتظر دعوة تلحقه من أب أو أخ أو صديق فإذا لحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها وإن الله ليدخل على أهل القبور من دعاء أهل الأرض أمثل الجبال وإن هدية الإحياء إلى الأموات الاستغفار لهم {وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارَا} أي هلاكاً وكسرا وبالفارسة مكر هلاكي بسختي.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
والتبرد قاق الذهب قال في الأول ولا تزد الظالمين الإضلالا لأنه وقع بعد قوله وقد أضلوا كثيراً وفي الثاني الاتبارا لأنه وقع بعد قوله لا تذر على الأرض الخ.
فذكر في كل مكان ما اقتضاه وما شاكل معناه ولظاهر أنه عليه السلام أراد بالكافرين والظالمين الذين كانوا موجودين في زمانه متمكنين في الأرض ما بين المشرق والمغرب فمسؤوله أن يهلكهم الله فاستجيب دعاؤه فعمهم الطوفان بالغرق وما نقل عن بعض المنجمين من أنه أراد جزيرة العرب فوقع الطوفان عليهم دون غيرهم من الآفاق مخالف لظاهر الكلام وتفسير العلماء وقول أصحاب التواريخ بأن الناس بعد الطوفان توالدوا وتناسلوا وانتشروا في الأطراف مغاربها ومشارقها من أهل السفينة دل الكلام على الظالم إذا ظهر ظلمه وأصر عليه ولم ينفعه النصح استحق أن يدعى عليه وعلى أعوانه وأنصاره قيل غرق معهم صبيانهم أيضاً لكن لا عى وجه العقاب لهم بل لتشديد عذاب آيائهم وأمهاتهم باراء إهلاك أطفالهم الذين كانوا أعز عليهم من أنفسهم قال عليه السلام يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى وعن الحسن إنه
186
سئل عن ذلك فقال علم الله براءتهم فأهلكهم بغير عذاب وكم من الصبين من يموت بالغرق والحرق وسائر أسباب الهلاك وقيل أعقم الله أرحام نسائهم وايبس أصلاب آبائهم قبل الطوفان بأربعين أو سبعين سنة فلم يكن معهم صبي ولا مجنون حين غرقوا لأن الله تعالى قال وقوم نوح لما كذبوا الرسل رقناهم ولم يوجد التكذيب من الأطفال والمجانين وفي الأسئلة المقحمة ولو أهلك الأطفال بغير ذنب منهم ماذا يضرب في الربوبية أليس الله يقول قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً.
يقول الفقير : الظاهر هلاك الصبيان مع الآباء والأمهات لأن نوحاً عليه السلام ألحقهم بهم حيث قال ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً إذ من سيفجر ويكفر في حكم الفاجر والكافر فلذلك دعا على الكفار مطلقاً عموماً بالهلاك لاستحقاق بعضهم له بالأصالة وبعضهم بالتبعية ودعا للمؤمنين والمؤمنات عموماً وخصوصاً بالنجاة لأن المغفور ناج لا حالة وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه كان إذا قرأ القرآن بالليل فمر بآية بقول لي يا عكرمة ذكرني هذه الآية غداً فقرأ ذات ليلة هذه الآية أي رب اغفر لي الخ.
.
فقال يا عكرمة ذكرني هذه غداً فذكرتها له فقال أن نوحاً دعا بهلاك الكافرين ودعا للمؤمنين بالمغفرة وقد استجيب دعاؤه على الكافرين فأهلكوا وكذلك أستجيب دعاؤه في المؤمنين فيغفر الله للمؤمنين والمؤمنات بدعائه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم إنه قال نجاة المؤمنين بثلاثة أشياء بدعاء نوح وبدعاء إسحاق وبشفاعة محمد عليه السلام يعني المذنبين.
وفي التأويلات النجمية : رب اغفر لي ولوالدي من العقل الكلي والنفس الكلي ولمن دخل بيتي مؤمناً من الروح والقلب وللمؤمنين من القوى الروحانية والمؤمنات من النفوس الداخلة تحت نور الروح والقلب بسبب نور الإيمان ولا تزد الظالمين النفس الكافرة والهوى الظالم الاتبار هلاكاً بالكلمة بالفناء في الروح والقلب وعلى هذا التأويل يكون دعاء لهم لا دعاء عليهم انتهى.
وقال القاشاني : رب اغفر لي أي استرني بنورك بالفناء في التوحيد ولروحي ونفسي اللذين هما أبوا ولمن دخل بيتي أي مقامي في حضرة القدس مؤمناً بالتوحيد لعلمي أولاً رواح الذين آمنوا ونفوسهم فبلغهم إلى مقم الفناء في التوحيد ولا تزد الظالمين الذين نقصوا حظهم بالاحتجاب بظلمة نفوسهم عن عالم النور الاتبار إهلاكاً بالغرق في بحر الهيولي وشدة الاحتجاب انتهى.
فيكون دعاء عليهم كما لا يخفى.
187
جزء : 10 رقم الصفحة : 171
تفسير سورة الجن
ثمان وعشرون آية مكية
جزء : 10 رقم الصفحة : 187
{قُلْ} يا محمد لقومك {أُوحِىَ إِلَىَّ} أي ألقى على بطريق الوحي وأخبرت بأعلام من الله تعالى والإيحاء أعلام في خفاء وفائدة أباره بهذه الأخباربيان إنه رسول الثقلين والنهي عن الشرك والحث على التوحيد فإن الجن مع تمردهم وعدم مجانستهم إذا آمنوا فكيف لا يؤمن البشر مع سهولة طبعهم ومجانستهم {أَنَّهُ} بالفتح لأنه فاعل أوحى والضمير الشأن أي أن الشأن والحديث {اسْتَمَعَ} أي القرآن أو طه أو اقرأ وقد حذف لدلالة ما بعده عليه والاستماع بالفارسية نيوشدن.(10/144)
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
والمستمع من كان قاصداً للسماع مصغياً إليه والسامع من اتفق سماعه من غير قصد إليه فكل مستمع سامع من غير عكس {نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} جماعة منهم ما بين الثثة والعشرة وبالفارسية كروهى كه ازده كمتر وازسه يشتر بودند.
قال في "القاموس" : النفر ما دون العشرة من الرجال كالنفير والجمع انفار وفي المفردات النفر عدة رجال يمكنهم النفر إلى الحرب بالفارسية ببرون شدن.
والجن واحده جنى كروم ورومي ونحوه قال ابن عباس رضي الله عنهما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه إلى سوق عكاظ فأدركهم وقت صلاة الفجر وهم بنخلة فأخذ هو عليه السلام يصلي بأصحابه صلاة الفجر فمر عليهم نفر من الجن وهم في الصلاة فلما سمعوا القرآن استمعوا له وفيه دليل على أنه عليه السلام لم ير الجن حينئذٍ إذ لو رأهم لما أسند معرفة هذه الواقعة إلى الوحي فإن ما عرف بالمشاهدة لا يستند إثباته إلى الوحي وكذا لم يشعر بحضورهم وباستماعهم ولم يقرأ عليهم وإنما اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته فسمعوها فأخبره الله بذلك وقد مضى ما فيه من التفصيل في سورة الأحقاف فلا نعيده والجن أجسام رقاق فيصورة تخالف صورة الملك والأنس عالة كالأنس خفية عن أبصارهم لاي ظهرون لهم ولا يكلمونهم إلا صاحب معجزة بل يوسومن سائر الناس يغلب عليهم النارية أو الهوائية ويدل على الأول مثل قوله تعالى : [الرحمن : 15-1]{وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} فإن المشهور إن امركبات كلها من العناصر فما يغلب فيه النار فناري كالجن وما يغلب فيه الهواء فهو آئي كالطير وما يغلب فيه الماء فمائي كالسمك وما يغلب فيه التراب فترابي كالإنسان وسائر الحيوانات الأرضية وأكثر الفلاسفة ينكرون وجود الجن في الخارج واعترف به جمع عظيم من قدمائهم وكذا جمهور أرباب الملل المصدقين بالأنبياء قال القاشاني : إن في الوجود نفوساً أرضية قوية لا في غلظ التقوس السبعية والبهيمة وكثافتها وقلة إدراكها ولا على هيئات النفوس الإنسانية واستعدادتها ليلزم تعلقها بالإجرام الكثيفة الغالب عليها الأرضية ولا في صفاء النفوس المجردة ولطافتها لتتصل بالعالم العلوي وتتجرد أو تتعلق ببعض الأجرام السماوية متعلقة بإجرام عنصرية لطيفة غلبت عليها الهوائية أو النارية أو الدخانية على اختلاف أحوالها سماها بعض الحكماء الصور المعلقة ولها علوم وإدراكات من جنس علومنا وإدركاتنا ولما كانت قريبة الطبع إلى الملكوت السماوي
188
أمكنها أن تتلقى من عالمه بعض الغيب فلا يستبعد أن ترتقى أفق السماء فتسترق السمع من كلام الملائكة أي النفوس المجردة ولما كان أرضية ضعيفة بالنسبة إلى القوى السماوية تأثرت تلك القوى فرجمت بتأثيرها عن بلوغ شأوها وإدراك مداها من العلوم ولا ينكر أن تشتعل إجرامها الدخانية بأشعة الكواكب فتحترق وتهلك أو تنزجر عن الارتقاء إلى الأفق السماوي فتتسفل فإنها أمور ليست بخرجة عن الإمكان وقد أخبر عنها أهل الكشف والعيان الصادقون من الأنبياء والأولياء خصوصاً أكملهم نبينا محمد وهي في الوجود الإنساني لاستتارها في غيب الباطن فقالوا} لقومهم عند رجوعهم إليهم
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًَا} أي كتاباً مقروأ على لسان الرسول {عَجَبًا} مصدر بمعنى العجيب وضع موضعه للمبالغة والعجيب ما خرج عن حد أشكاله ونظائره والمعنى بديعاً مبايناً لكلام الناس في حسن النظم ودقة المعنى وقال البقلي كتاباً عجيباً تكربه وفيه إشارة إلى أنهم كانوا من أهل اللسان قال عيزارين حريث كنت عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأتاه رجل فقال له كنا في سفر فإذا نحن بحية جريحة تتشحط في دمها أي تضطرب فإن الشحط بالحاء المهملة الاضطراب في الدم فقطع رجل مناقطعة منع مامته فلفها فيها فدفنها فلما أمسينا ونزلنا أتانا امرأتان من أحسن نساء الجن فقالتا أيكم صاحب عمرو أي الحية التي دفنتموها فأشرنا لهما إلى صاحبها فقالتا إنه كان آخر من بقي ممن استمع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان بين كافري الجن ومسلميهم قتال فقتل فيهم فإن كنتم أردتم به الدنيا ثوبناكم أي عوضناكم فقلنا لا إنما فعلنا ذلكفقالتا أحسنتم وذهبتا يقال اسم الذي لف الحية صفوان بن معطف المرادي صاحب قصة الإفك والجنى عمرو بن خابر رحمه الله {يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ} إلى الحق والصواب وصلاح الدين والدنيا كما قال عليه السلام اللهم ألهمني رشدي أي الاهتداء إلى مصالح الدين والدنيا فيدخل فيه التوحيد والتنزيه وحقيقة الرشد هو الوصول إلى الله تعالى قال بعضهم الرشد كالقفل خلاف الغي يقال في الأمور الدنيوية والأخروية والرشد كالذهب يقال في الأمور الأخروية فقط {يَهْدِى إِلَى} أي بذلك القرآن ومن ضرورة الإيمان به الإيمان بمن جاء به ولذا قال بعضهم :
داخل اندر دعوت أو جن وأنسى
تاقيامت امتش هر نوع وجنس
(10/145)
وست سلطان وطفيل أو همه
اوست شاهنشاه وخيل اوهمه
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
{وَلَن نُّشرِكَ} بعد اليوم البتة أي بعد علمنا الحق {بِرَبِّنَآ أَحَدًا} حسبما نطق به ما فيه من دلائل التوحيد أي لا نجعل أحداً من الموودات شريكاً له اعتقادنا ولا نعبد غيره فإن تمام الإيمان إنما يكون بالبراءة من الشرك والكفر كما قال إبراهيم عليه السلام إني بريء مما تشركون فلكونه قرآناً معجزاً بديعاً موجب الإيمان به ولكونه يهدي إلى الرشد موجب قطع الشرك من أصله والدول في دين الله كله فمجموع قوله فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً مسبب عن مجموع قوله : {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًَا عَجَبًا * يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ} ولذا عطف ولن
189
تشرك بالواو مع أن الظاهر الفاء وإنه تعالى جدر بنا} بالفتح وكذا ما بعده من الجمل المصدرة بأن في أحد عشر موضعاً عطف على أنه استمع فيكون من جملة الكلام الموحى به على أن الموحى عين عبارة الجن بطريق الحكاية كأنه قيل قل أوحي إلى كيت وكيت وهذه العبارات فندفع ما قيل من إنك لو عطفت وإنا ظننا وإنا سمعنا وإنه كان رجال وإنا لمسنا وشبه ذلك على أنه استمع لم يجز لأنه ليس مما أوحى إليه وإنما هو أمر أخبروا به عن أنفسهم انتهى.
ومن قرأ بالكسر عطف على المحكي بعد القول وهو الأظهر لوضوح اندراج الكل تحت القول وقيل في الفتح والكسر غير ذلك والأقرب ما قلناه والمعنى وإن الشأن ارتفع عظمة ربنا كما تقول في الثناء وتعالى جدك أي ارتفع عظمتكم وفي إسناد التعالي إلى العظمة مبالغة لا تخفي من قولهم جد فلان في غني أي عظم تمكنه أو سلطانه لأن الملك والسلطنة غاية العظمة أو غناه على أنه مستعار من الجد الذي هو البخت والدولة والحظوظ الدنيوية سواء استعمل بمعنى الملك والسلطان أو بمعنى الغنى فإن الجد في اللغة كما يكون بمعنى العظمة وبمعنى أب الأب وأب الأم يكون بمعنى الحظ والبخت يقال رجل مجدوداي محظوظ شبه سلطان الله وغناء الذتيان الأزليان ببخت الملوك والأغنياء فأطلق اسم الجد عليه استعارة {مَا اتَّخَذَ صَـاحِبَةً وَلا وَلَدًا} بيان الحكم تعالى جده كأنه قيل ما الذي تعالى عنه فقيل ما اتخذ أي لم يختر لنفسه لكمال تعاليه زوجة ولا بنتا كما يقول الظالمون وذلك إنهم لما سمعوا القرآن ووفقوا للتوحيد والإيمان تنبهوا للخطأ فيما اعتقده كفرة الجن من تشبيه الله بحلقه في اتخاذ الصاحبة والولد فاستعظموه ونزهوه تعالى عنه لعظمته ولسلطانه أو لغناه فإن الصاحبة تتخذ للحاجة إليها والولد للتكثير وإبقاء النسل بعد فوته وهذه من لوازم الإمكان والحدوث وأيضاً هو خارج عن دائرة التصور ولإدراك فكيف يكفيه أحد فيدخله تحت جنسح تى يتخذ صاحبة من صنف تحته أو ولداً من نوع يماثله وقد قالت النصارى أيضاً المسيح ابن الله واليهود عزير ابن الله وبعض مشركي العرب الملائكة بنات الله ويلزم من كون المسيح ابن الله على ما زعموا أن تكون مريم صاحبة له ولذا ذكرا لصاحبة يعني أن الولد يقتضي الأم التي هي صاحبة الأب الدالد واشار بالصاحبة إلى النفس وبالولد إلى القلب فيكون الروح كالزوج ولأب لهما وهو في الحقيقة مجرد عن كل علاقة وإنما تعلق بالبدن لتظهر قدرة الله وأيضاً ليستكمل ذاته من جهة الصفات
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
{وَأَنَّهُ} أي الشأن {كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} أي جاهلنا وهو إبليس أو مردة الجن فقوله سفيهنا للجنس والظاهر أن يكون إبليس من الجن كما قال تعالى كان من الجن ففسق عن أمر ربه والسفه خفة الحلم أو نقيضه أو نقيضه أو الجهال كما في "القاموس" وقال الراغب : السفه خفة في البدن واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل وفي الأمور الدنيوية والأخروية والمراد به في الآية هو السفه في الدين الذي هو السفه الأخروي كذا في "المفردات".
{عَلَى اللَّهِ} متعلق بيقول أورد على لأن ما قالوه عليه تعالى لا له {شَطَطًا} هو مجاوزة الحد في الظلم وغيره وفي المفردات الإفراط في البعد أي قولاً ذا شطط أي بعد عن القصد ومجاوزة الحد أو هو شطط في نفسه لفرط بعده عن الحق فوصف بالمصدر للمبالغة والمراد به نسبة الصاحبة والولد إليه تعالى وفي الآية إشارة إلى
190
(10/146)
أن العالم الغير العامل في حكم الجاهل فإن إبليس كان من أهل العلم فلما لم يعمل بمقتضى علمه جعل سفيهاً جاهلاً لا يجوز التقليد له فالاتباع للجاهل ومن في حكمه اتباع للشيطان والشيطان يدعو إلى النار لأنه خلق منها {وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن} مخففة من الثقيلة أي إن الشان {لَّن تَقُولَ الانسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} اعتذار منهم عن تقليدهم لسفيهم أي كنا نظن إن الشان والحديث لن يكذب عى الله أحد أبداً ولذلك اتبعنا قوله وصدقناه في أن الله صاحبة وولداً فلما سمعنا القرآن وتبين لنا الحق بسبه علمنا أنهم قد يكذبون عليه تعالى وكذباً مصدر مؤكد لتقول لأنه نوع من القول وأشار بالأنس إلى القوى الروحانية وبالجن إلى القوى الطبيعية وقال القاشاني : أنس الحواس الظاهرة وجن القوى الباطنة فتوهمنا أن البصر يدرك شكله ولونه والأذن تسمع صوته والوهم والخيال يتوهمه ويتخيله حقاً مطابقاً لما هو عليه قبل الاهتداه والتنور بنور الروح فعلمنا من طريق الوحي الوارد على القلب بواسطة روح القدس إن لسنا في شيء من إدراكه فليس له شكل ولا لون ولا صوت ولا هو داخل في الوهم والخيال وليس كلام الله من جنس الكلام المصنوع المتلقف بالفكر والتخيل والمستنتج من القياسات العقلية أو المقدمات الوهمية والتخييلية فليس الله من قبيل المخلوق جنساً أو نوعاً أو صنفاً أو شخصاً فكيف يكون له صاحبة وولد
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
{وَأَنَّهُ} أي وإن الشان {كَانَ} في الجاهلية {رِجَالٌ} كائنون {مِّنَ الانسِ} خبر كان قوله {يَعُوذُونَ} العوذ الالتجاء إلى الغير والتعلق به {بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ} فيه دلالة إن للجن نساء كالأنس لأن لهم رجالاً ولذا قيل في حقهم إنهم يتوالدون لكنهم ليسوا بمنظرين كإبليس وذريته قال أهل التفسير : كان الرجل من العرب إذا أمسى في واد قفر في بعض مسايره وخاف على نفسه يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه يريد الجن وكبيرهم فيبيت في أمن وجوار حتى يصبح فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا سدنا الأنس والجن وذلك قوله تعالى {فَزَادُوهُمْ} عطف على يعوذون والماضي للتحقق أي فزاد الرجال لعائذون الأنسيون الجن {رَهَقًا} مفعول ثان لزاد أي تكبراً وعتوا وسفهاً فإن الرهق محركة يجيب على معان منها السفه وركوب الشر والظلم قال في آكام المرجان وبهذا يجيبون المعزم والراقي بأسمائهم وأسماء ملوكهم فإنه يسم عليهم بأسماء من يعظمونه فيحصل لهم بذلك من الرياسة والشرف على الأنس ما يحملهم على أن يعطوهم بعض سؤلهم وهم يعلمون أن الإنس أشرف منهم وأعظم قدراً فإذا خضعت الأنس لهم واستعاذت بهم كان بمنزلة أكابر الناس إذا خضع لهم أصاغرهم يقضون لهم حاجاتهم أو المعنى فزاد الجن العائذين غياً بأن أضلوهم حتى استعاذوا بهم وإذا استعاذوا بهم فأمنوا ظنوا إن ذلك من الجن فاذدادوا رغبة في طاعة الشياطين وقبول وساوسهم والفاء حينئذٍ لترتيب الأخبار وإسناد الزيادة إلى الإنس والجن باعتبار السببية.
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص191 حتى ص200 رقم20
(وروى) عن كردم بن أبي السائب الأنصاري رضي الله عنه إنه قال خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر النبي عليه السلام ، بمكة فأداني المبيت إلى راعي غنم فلما انتصف الليل جاء الذئب فحمل حملاً من الغنم فقال الراعي يا عامر الوادي جارك فنادى مناد لا نراه يقول يا سرحان أرسله فأتى
191
الحمل يشتد حتى دخل في الغنم ولم تصبه كدمة فأنزل الله على رسوله بمكة وإنه كان رجال الخ قال مقاتل كان أول من نعوذ بالجن قوم من أهل اليمن ثم من حنيفة ثم فشا ذلك في العرب فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال إذا كنت بواد تخاف فيه السبع فقل أعوذ بدانيال وبالجب من شر الأسد انتهى.
أشار بذلك إلى ما رواه البيهقي في الشعب إن دانيال طرح في الجب وألقيت عليه السباع فجعلت السباع تلحسه وتبصبص إليه فأتاه رسول فقال يا دانيال فقال من أنت قال أنا رسول ربك إليك أرسلني إليك بطعام فقال الحمد الذي لا ينسى من ذكره.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
(10/147)
وروى) ابن أبي الدنيا اربخت نصر ضرى اسدين وألقاهما في جب وجاء بدنيان فألقاه عليهما فلم يضراه وذكر قصته فلما ابتلى دانيال بالسباع جعل الله الاستعاذة به في ذلك تمنع الشر الذي لا يستطاع كما في حاية الحيوان فعلم من ذلك إن الاستعاذة بغير الله مشروعة في الجملة لكن بشرط التوحيد واعتقاد التأثير من الله تعالى قال القاشاني في الآية أي تستند القوى الظاهرة إلى القوى الباطنة وتتقوى بها فزاوهم غشيان المحارم وإتيان المناهي بالدواعي الوهمية والنوارع الشهوية والغضبية والخواطر النفسانية {وَأَنَّهُمْ} أي الإنس {ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ} أيها الجن على أنه كلام مؤمني الجن للكفار حين رجعوا إلى قومهم منذرين فكذبوهم أو الجن ظنوا كما ظننتم أيها الكفرة على إنه كلام الله تعالى {أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} إن هي المخففة والجملة سادة مسد مفعولي ظنوا واعمل الأول على ما هو مذهب الكوفيين لأن ما في كما ظننتم مصدرية فكان الفعل بعدها في تأويل الصمدر والفعل أقوى من المصدر في العمل والظاهر إن المراد بعثة الرسالة أي لن يبعث الله أحداً بالرسالة بعد عيسى أو بعد موسى يقيم به الحجة على الخلق ثم إنه بعث إليهم محمداً عليه السلام خاتم النبيين فآمنوا به فافعلوا أنتم يا معشر الجن مثل ما فعل الأنس وقبل بعد القيامة أي لن يبعث الله أحداً بعد الموت للحساب والجزاء.
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
يقول الفقير : فيه إشارة إلى أهل الغفلة من الإنس والجن فإنهم يظنون بالله ظن السوء ويقولون إن الله لاي بعث أحداً من نوم الغفلة بل يبقيه على حاله من الاستغراق في اللذات والانهماك في الشهوات ولا يدرون إن الله تعالى يبعث من في القبور مطلقاً ويحيى أجسادهم وقلوبهم وأرواحهم بالحياة الباقية لأن أهل النوم لانقطاع شعورهم لا يعرفون حال أهل اليقظة وفيه إثبات العجزتعالى والله على كل شيء قدير {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ} أي طلبنا بلوغ السماء لاستماع ما يقول الملائكة من الحواث أو خبرها للإفشاء بين الكهنة واللمس مستعار من المس للطلب شبه الطلب بالمس واللمس باليد في كون كل واحد منهما وسيلة إلى تعرف حال الشيء فعبر عنه بالمس واللمس قال الراغب اللمس ادراك بظاهر البشرة كالمس ويعبر به عن الطلب قال في "كشف الأسرار" ومنه الحديث الذي ورد إن رجلاً ، قال لرسول الله عليه السلام إن امرأتي لا تدع عنها يد لامس أي لا نرديد طالب حاجة صفراً يشكوا تضييعها ماله {فَوَجَدْنَـاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا} أي حراساً وحفظه وهم الملائكة يمنعونهم عنها اسم جمع لحارس بمعنى حافظ كخدم لخادم مفرد اللفظ ولذلك قيل {شَدِيدًا} أي قوياً ولو كان جمعاً
192
لقيل شداداً وقوله ملئت حرساً حال من مفعول وجدناها إن كان وجدنا بمعنى أصبنا وصادفنا ومفعول ثان إن كان من أفعال القلوب أي فعلمناها مملوءة وحرساً تمييز {وَشُهُبًا} عطف على حرساً وحكمه في الإعراب حمه جمع شهاب وهي الشعلة المقتبسة من نار الكواكب هكذا قالوا وقد مر تحقيقه {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ} قبل هذا {مِنْهَا} أي من السماء {مَقَـاعِدَ لِلسَّمْعِ} خالية عن الحرس والشهب يحصل منها مقاصدنا من استماع الأخبار للإلقاء إلى الكهنة أو صلحة للترصد والاستماع وللسمع متعلق بتقعد أي على الوجه الأول أي لأجل السمع أو بمضمر هو صفة لمقاعد أي على الثاني أي مقاعد كائنة للسمع وفي كشف الأسرار أي مواضع لاستماع الأخبار من السماء وكان لكل حي من الجنب باب في السماء يستمعون فيه ومن أحاديث البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إن الملائكة تنزل في العنان وهو بالفتح السحاب فتذكر الأمر الذي قضى في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معه مائة كذبة من عند أنفسهم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
(10/148)
يقول الفقير : وجه التوفيق بين الاستراق من السماء ومن السحاب إن الملائكة مرة ينزلون في العنان فيتحدثون هناك وأخرى يتذاكرون في السماء ولا منع من عروج الشياطين إلى السماء في مدة قليلة للطافة أجسامهم وحيث كانت نارية أو هوائية أو دخانية لا يتأثرون من النار أو الهواء حين المرور بكرتهما ولو سلم فعروجهم من قبيل الاستدراج ولله في كل شيء حكمة وأسرار {فَمَنْ} شرطية {يَسْتَمِعِ الانَ} في مقعد من المقاعد ويطلب الاستماع والآن أي في هذا الزمان وبعد المبعث وفي اللباب ظرف حالي استعير للاستقبال {يَجِدْ لَهُ} جواب الشرط والضمير لمن أي يجد لنفسه {شِهَابًا رَّصَدًا} الرصد الاستعداد للتقرب أي شهاباً راصداً له ولأجله يصده عن الاستماع بالرجم أو ذوي شهاب راصدين له ليرجموه بما معهم من الشهب على إنه اسم مفرد في معنى الجمع كالحرس فيكون المراد بالشهاب الملائكة بتقدير المضاف ويجوز نصب رصداً على المفعول له وفي الآية إشارة إلى طلب القوي الطبيعية أن تدخل سماء القلب فوجدتها محفوفة بحراس الخواطر الملكية والرحمانية يحرسونها عن طرق الخواطر النفسانية والشيطانية بشهاب نار نور القلب المنور بنور الرب وكان الشهاب والرجم قبل البعثة النبوية لكن كثر بعدها وزاد زيادة بينة حتى تنبه لها الإنس والجن ومنع الاستراق أصلاً لئلا يلتبس على الناس أقوال الرسول المستندة إلى الوحي الإلهي بأقوال الكهنة المأخوذة من الشياطين مما استبرقوا من أقوال أهل السماء ويدل على ما ذكر قوله تعالى : [الجن : 8-27]{فَوَجَدْنَـاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا} فإنه يدل على أن الحادث هو الكمال والكثرة أي زيدت حرساً وشهباً حتى امتلأت بهما وقوله تعالى : وإنا كنا نقعد منها مقاعد أي كنانجد فيهما بعض المقاعد حالية عن الحرس والشهب والآن قد ملئت المقاعد كلها فلما رأى الجن ذلك قالوا ما هذا إلا لأمر أراده الله بأهل الأرض وذلك قولهم وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض} بحراسة السماء منا {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} أي خيراً وإصلاحا أوفق لمصالحهم والاستفهام لإظهار العجز عن الإطلاع على الحكمة قال بعضهم : لعل التردد بينهما مخصص
193
بالاستفهام وأن يكون فعل فعل مضمر مفسر بما بعده بمعنى لا ندري أد شرام خير ورجحوه للموافقة بين المعطوفين في كونهما جملة فعلية والباء في الموضعين متعلقة بما قبلها والجملة الاستفهامية قائمة مقام المفعول ونسبة الخير إلى الله تعالى دون الشر من الآداب الشريفة القرآنية كما في قوله تعالى : [الجن : 11]{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} ونظائره قال صاحب الانتصاب ومن عقائد الجن إن الهدى والضلال جميعاً من خلق الله تعالى فتأدبوا من نسبة الرشاد إليه وجعلوا الشر مضمر الفاعل فجمعوا بين حسن الاعتقاد والأدب وإنا منا الصالحون}
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
(10/149)
أي الموصوفون بصلاح الحال في شأن أنفسهم وفي معاملتهم مع غيرهم أو ما يكون إلى الخير والصلاح حسبما تقتضية الفطرة السليمة لا إلى الشر والفساد كما هو مقتضى النفوس الشريرة والقصر ادعائي كأنهم لم يعتدوا بصلاح غير ذلك البعض فالصالحون مبتدأ ومنا خبره المقدم والجملة خبران ويجوز أن يكون الصالحون فاعل الجار والمجرور الجاري مجرى الظرف لاعتماده على المبتدأ {وَمِنَّا دُونَ ذَالِكَ} أي قوم دون ذلك في الصلاح فحذف الموصوف لأه يجوز حذف هذا الموصوف في التفصيل بمن حتى قالوا منا ظعن ومنا أقام يريدون منا فريق ظعن ومنا فريق ام ودون ظرف وهم المقتصدون في صلاح الحال على الوجه المذكور غير الكاملين فيه لا في الإيمان والتقوى كما توهم فإن هذا ببيان لحالهم قبل استماع القرآن كما يعرب به عنه قوله تعالى : {كُنَّا طَرَآاـاِقَ قِدَدًا} وإما حالهم بعد استماعه فسيحكى بقوله وإنا لما سمعنا اهدى إلى قوله وإنا منا لمسلمون أي كنا قبل هذا طرائق في اختلاف الأحوال فهو بيان للقسمة المذكورة وقدر المضاف لامتناع كون الذوات طرائق قالوا في الجن قدرية ومرجئة وخوارج وروافض وشيعية وسنية قال في "المفردات" جمع الطرق طرق وجمع الطرق طرائق والظاهر أن الطرائق جمع طريقة كقصائد جمع قصيدة ثم قال وقوله تعالى : كنا طرائق قددا إشارة إلى اختلافهم في درجاته كقوله هم درجات والطريق الذي يطرق بالأرجل أي يضرب ومنه استعير كل مسلك يسلكه الإنسان في فعل محموداً كان أو مذموماً وقيل طريقة من النخل تشبيهاً بالطريق في الامتداد والقد قطع الشيء طولاً والقد المقدود ومنه قيل لقامة الإنسان قد كقولك تقطيعة والقدة كالقطعة يعني إنها من القد كالقطعة من القطع وصفت الرائق بالقدد لدلالتها على معنى التقطع والتفرق وفي "القاموس" القدة الفرقة من الناس هوى كل واحد على حدة ومنه كنا طرائق قددا أي فرقاً مختلفة أهواءها وقد تعددوا قال القاشاني : وإنا منا الصالحون كالقوى المدبرة لظنام المعاش وصلاح البدن ومنادون ذلك من المفسدت كالوهم والغضب والشهوة والمعاملة بمقتضى هوى النفس والمتوسطات كالقوى النباتية الطبيعية كنا ذوي مذاهب مختلفة لكل طريق ووجهة مما عينه الله ووكله به قال بعض المفسرين المراد بالصالحين السابقون بالخيرات وبما دون ذلك أي أدنى مكان منهم المقتصدون الذين خلطا عملاً صالحاً وآخر سيئاً وإما الظالمون لأنفسهم فمندرج في قوله تعالى [الجن : 11-5]{كُنَّا طَرَآاـاِقَ قِدَدًا} فيكون تعميماً بعد تخصيص على الاستئناف ويحتمل أن يكون
194
دون بمعنى غير فيندرج القسمان الأخيران فيه وإنا ظننا}
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
أي علمنا الآن بالاستدلال والتفكر في آيات الله فالظن هنا بمعنى اليقين لأن الإيمان لا يحصل بالظن ولأن مقصودهم ترغيب أصحابهم وترهيبهم وذا بالعلم لا بالظن كما قال عليه السلام أنا النذير العريان {إِنْ} أي إن لشان {لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ} عن إمضاء ما أراد بنا كائنين {فِى الأرْضِ} أينما كنا من أقطارها فقوله في الأرض حال من فاعل نعجز والإعجاز عاجز كردن {وَلَن نُّعْجِزَه هَرَبًا} قوله هرباً حال من فاعل لن نعجز أي هاربين من الأرض إلى السماء وإلى الجار وإلى جبل قاف أو لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمراً ولن نعجزه هرن طلبنا فالقرار من موضع إلى موضع وعدمه سين في أن شيئاً منهما لا يفيد فواتنا منه ولعل الفائدة في ذكر الأرض حينئذٍ الإشارة إلى أنها مع سعتها وانبساطها ليست منجى منه تعالى ولا مهرباً {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى} أي القرآن الذي يهى للتي هي أقوم {بِه فَمَن} من غير تأخير وتردد {فَمَنا يُؤْمِن بِرَبِّهِ} وبما أنزله من الهدى {فَلا يَخَافُ} أي فهو لا يخاف فالكلام في تقدير مبتدأ وخبر ولذلك دخلت الفاء ولولا ذلك اليل لا يخف وفائدة رفع الفعل ووجوب إدخال الفاء إنه دال على تحقيق إن المؤمن تاج لا محالة وإنه المختص ب
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
(10/150)
ذلك دون غيره {بَخْسًا} أي نقصاً في الجزاء {وَلا رَهَقًا} ولا ترهقه ذلة وتغشاه أو جزاء بخس ولا رهق أي ظلم إذ لم يبخس أحداً حقاً ولا رهق أي ظلم أحداً فلا يخاف جزاءهما فويه دلالة على أن من حق من آمن بالله أن يجتنب المظالم ونمه قوله عليه السلام المؤمن من أمته الناس على أنفسهم وأموالهم قال الواسطي رحمه الله حقيقة الإيمان ما أوجب الأمان فمن بقي في مخاوف المرتابين لم يبلغ إلى حقيقة الإيمان {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ} أي بعد استماع القرآن {وَمِنَّا الْقَـاسِطُونَ} الجائرون عن طريق الحق الذي هو الإيمان والطاعة فالقاسط الجائر لأنه عادل عن الحق والمقسط العادل لأنه عادل إلى الحق يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل وقد غلب هذا الاسم أي القاسط على فرقة معاوية ومنه الحديث خطاباً لعلي رضي الله عنه (تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين) فالناكثون أصحاب عائشة رضي الله عنها فإنهم الذين نكثوا البيعة أي نقضوها واستنزلوا عائشة وساروا بها إلى البصرة على جمل اسمه عسكر ولذا سميت الوقعة يوم الجمل والقاسطون أصحاب معاوية لأنهم قسطوا أي جاروا حين حاربوا الا م الحق والوقعة تعرف بيوم صفين والمارقون الخوارج فإنهم الذين مرقوا أي خرجوا من دين الله واستحلوا القتال مع خليفة رسول الله عليه السلام وهم عبد الله بن وهب الراسي وحرقوص بن زهير ابجلي المعروف بذي الثدية وتعرف تلك الواقعة بيوم النهروان هي من أرض العراق على أربعة فراسخ من بغداد {فَمَنْ أَسْلَمَ} س هركه كردن نهاد امر خدايرا همنانه ما كرده ايم قال سعدى المفتي يجوز أن يكون من كلام الجن ويجوز أن يكون مخاطبة من الله لرسوله ما فيما بعده من الآيات فأولئك إشارة إلى من أسلم والجمع باعتبار المعنى {تَحَرَّوْا} التحري في الأصل طلب الآحرى والأليق قولاً أو فعلاً أي طلبوا وقصدوا {رَشَدًا} يقال رشد كنصر وفروح رشداً ورشداً شاداً اهتدى كما في "القاموس"
195
أي اهتداء عظيماً إلى طريق الحق والصواب يبلغهم إلى دار الثواب فتحرى الرشد مجاز عن ذلك بعلاقة السببية وبالفارسية قصد كرده انذدراه راست وازان بمقصد خواهندرسيد.
ودل على أن للجن ثواباً على أعمالهم لأنه ذكر سبب الثواب وموجبه وقد سبق تحقيقه {وَأَمَّا الْقَـاسِطُونَ} الجائرون عن سنن الهدى {فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} الحطب ما يعد للإيقاد أي حطباً توقد بهم كما توقد بكفرة الأنس.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
روى) إن الحجاج قال لسعيد بن جبير حين أراد قتله ما تقول في قال إنك قاسط عادل فقال الحاضرون ما أحسن ما قال حسبوا إنه يصفه بالقسط والعدل فقال الحجاج يا جهلة جعلني جاهلاً كافراً وتلا قوله تعالى وإما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً وقوله تعالى : {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} وأسند بعضهم قول سعيد إلى امرأة كما قال في الصحاح ومنه قول تلك المرأة للحجاج إنك قاسط عادل فيحتمل التوارد وإن لو استقاموا} أن مخففة من الثقيلة والجملة معطوفة قطعاً على أنه استمتع والمعنى وأوحى إلى أن الشان لو استقام الجن أو الأنس أو كلاهما {عَلَى الطَّرِيقَةِ} التي هي ملة الإسلام {لاسْقَيْنَـاهُم مَّآءً غَدَقًا} الاسقاء والسقي بمعنى وقال الرغب السقي والسقيا هو أن تعطيه ماء ليشرب والإسقاء أن تجعل له ذلك له حتى يتناوله كيف شاء كما يقال اسقيته نهراً فالإسقاء أبلغ وغدق من باب علم إذا غزر وصف الماء به للمبالغة في غزارته كرجل عدل وتخصيص الماء الكثير بالذكر لأنه أصل السعة وإن كان أصل المعاش هو أصل الماء لا كثرته ولعزة وجوده بين لعرب قال عمر رضي الله عنه إينما كان الماء كان العشب وأينما كان العشب كان المال وأينما كان المال كانت الفتنة والمعنى لأعطيناهم مالاً كثيراً وعيشاً رغداً ووسعنا عليهم الرزق في الدنيا وبالفارسية هرآيينه بدهيم ايشان را آب بسيار بعد ازتثل سالي يعني روزي برايشان فراخ كردانيم.
وفيه دلالة على أن الجن يأكلون ويشربون وليكن فيه تفصيل وقد سبق وقال بعض أهل المعرفة المراد بالاستقامة على الطريقة هو القيام على سبيل السنة والميل إلى أهل الصلاح وبالإسقاء الإفاضة على قلوبهم ماء الوداد {لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لتختبرهم في ذلك الإسقاء والتوسيع كيف يشكرونه كما قال تعالى : {وَبَلَوْنَـاهُم بِالْحَسَنَـاتِ} أوفى ذلك الماء والمآل واحد.
(وقال الكاشفي) تبيارز ماييم ايشانرادر آن زندكانى كه بوظائف شكر كونه قيام نمايند.
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
(10/151)
وفيه إشارة إلى أن المرزوق بالرزق الروحاني والغذاء المعنوي يجب عليه القيام بشكره أيضاً وذلك بوظائف الطاعات وصنوف العبادات وضروب الخدمات ومن يعرض عن ذكر ربه} عن عبادته أو عن موعظته أو وحيه {يَسْلُكْهُ} يدخله {عَذَابًا صَعَدًا} أي شاقاً صعباً يتصعد أي يعلوا لمعذب ويغلبه فلا يطيقه على إنه مصدر وصف به للمبالغة يقال سلكت الخيط في الأبرة إذا أدخلته فيها أي يسلكه في عذاب صعد كما قال ما سلككم في سقر أي أدلهم فيها فخذف الجار وأوصل الفعل ثم إن كان إعراضه بعدم التصديق عذابه بالتأبيد وإلا فبقدر جريمته إن لم يغفر له وروى إن صعداً جبل في النار إذا وضع عليه يديه أو رجليه ذابتاً وإذا رفعهما عادتا وقال بعضهم : صعدا جبل أملس في جهنم ويكلف الوليد ابن المغيرة صعوده أربعين
196
عاماً فيجذب من أعلاه بالسلاسل فإذا انتهى إلى أعلاه انحدر إلى أسفله ثم يكلف ثانياً هكذا يعذب أبداً {وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ} عطف على قوله إنه استمتع أي وأوحى إلى إن المساجد مختصة بالله تعالى وبعبادته خصوصاً المسجد الحرام ولذلك قبل بيت الله فالمراد بالمساجد المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله ويدخل فيها البيوت التي يبينها أهل الملل للعبادة نحو الكنائس والبيع ومساجد المسلمين ثم هذا لا ينافي أن تضاف المساجد وتنسب إلى غيره تعالى بوجه آخر إما لبانيها كمسجد رسول الله أو لمكانها كمسجد بيت المقدس إلى غيره ذلك من الاعتبارات وأعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت القمدس ثم الجوامع ثم مساجد المحال ثم مساجد الشوارع ثم مساجد البيوت {فَلا تَدْعُوا} أي لا تعبدوا فيها الفاء للسببية {مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} أي لا تجعلوا أحداً غير الله شريكاًفي العبادة فإذا كان الإشراك مذموماً فكيف يكون حال تخصيص العبادة بالغير.
(قال الكاشفي) : س مخوانيد دران بخداي تعالى يكى رانانه يهود ونصارى در كنايس وصوامع خود عزير ومسيح رابالوهيت ياد ميكنند ونانكه مشركان در حوالى بيت الحرام ميكويند لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك وكفته اندمراد ازيى مساجد تمام روى زمينست كه مسجد حضرت سيد المرسلين است لقوله عليه السلام جعلت لي الأرض مسجداً وتربتها طهوراً س در هي بقعه باياد خدا ياد ديكرى نيكو نباشد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
دلرا بجزا زياد خدا شاد مكن
بايادوى از كسى ديكر ياد مكن
قال بعض العارفين إنما تبرأ تعالى من الشريك لأنه عدم والله وجود فتبرأ من العدم الذي لا يلحقه إذ هو واجب الوجود لذاته والله تعالى مع الخلق ما الخلق مع الله لأنه تعالى يعلمهم وهم لا يعلمون فهو تعالى معهم أينما كانوا في طرفية أمكنتهم وأزمانهم وأحوالهم ما الخلق معه تعالى فإنهم لا يعرفونه حتى يكونوا معه ولو عرفوه م طريق الإيمن كانوا كالأعمى يعلم إنه جليس زيد ولكن لا يراه فهو كأنه يراه بخلاف أهل المشاهدة فإنه ذو بصر إلهي فمن دعاء الله مع الله ما هو كمن دعاء الخلق مع الله هذا معنى فلا تدعوا مع الله أحداً ثم إن السجود وإن كانلا يقع في الحس أبداً إلا لغير الله ءَ لجهة غير الله لأن الله ليس بجهة بل هو بكل شيء محيط فما وقع من عبد سجود إلا لغيرلكن منه ما كان لغير الله عن أمر الله كالسجود لآدم وهو مقبول ومنه ما كان عن غير أمره كالسجود للأصنام وهو مردود وإنما وضعت للساجد للتعظيم كما إنه عينت القبلة للأدب يروى عن كعب إنه قال إني لأجد في التوراة إن الله تعالى يقول إن بيوتي في الأرض المساجد وإن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور إن يكرم زائره ومن هنا قالوا إن من دخل المسجد ينوى زيارة الله تعالى قال بعض أهل المعرفة إن مساجد القلوب لزوا رتجلية فلا ينبغي أن يكون فيها ذكر غير الله وقال بعضهم إن مساجد القلوب الصافية عن القاذورت مختصة بالله تعالى وبالتجليات الذاتية والصفاتية
197
والاسمائية فلا تدعوا مع الله أحاً من الأسماء الجزئية أي طهروا مساجد قلوبكم لتجلي اسم الله الأعظم فيها لا غير وقال ابن عطاء مساجدك أعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها لا تخضعها ولا تذللها لغير خالقه وهي الوجه واليدان والركبتان والرجلان والحمة في السجود على هذه الأعظم إن هذه الأعضاء التي عليها مدار الحركة هي المفاصل التي تنفتح وتنطبق في المشي والبطش وأكثر السعي ويحصل بها اجتراح السيئات وارتكاب الشهوات فشرع الله بها السجود للتكفير ومحو الذنب والتطهير {وَأَنَّهُ} من جملة الموحى به أي وأوحى إلى أن الشأن {لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} إلى النبي عليه السلام ولذا جعلوا في أسمائه لأنه هو العبد الحقيقي في الحقيقة المضاف إلى اسم الله الأعظم فرقا وإن كان هو المظهر له جمعاً.
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
(10/152)
ودر آثار آمده كهآن حضرت را عليه السلام هي نام ارين خوشتر نيامده ه شريطه عادت وعبوديت بروجهى كه آن حضرت قيام هيكس را قدرت براقامت بران نبوده لا جرم دروقت عروج آن حضرت برمنازل ملكي باين سام مذكور شدكه سبحان الذي أسرى بعبده وبهنكام نزول قرآن از مدارج فلكي اوا يهمين نام ميكندكه تبارك الذي نزل الفرقان على عبده.
آن بنده شعار بندكى دوست
كزجمله بندكان كزين اوست
داند ببند كيش راهى
كاتراك نديده هي شاهى
وإيراده عليه السلام بلفظ العبد للإشعار بما هو المقتضي لقيامه وعبادته وهو العبودية أي كونه عبداً له وللتواضع لأنه واقع موقع كلامه عن نفسه إذا التقدير وأوحى إلى أني لما قمت وهذا على قراءة الفتح وإما على قراءة نافع وأبي بكر فيتعين كونه للإشعار بالمقتضى وفيه تعريض لقريش بإنهم سموا عبد ود وعبد يعوث وعبد مناف وعبد شمس ونحوها لا عبد الله وإن من سمى منهم بعبد الله فإنما هي من قبيل التسمية المجردة عن معانيها {يَدْعُوهُ} حال من فاعل قام أي يعبده وذلك قيامه لصلاة الفجر بنخلة كما سبق {كَادُوا} أي قرب الجن {يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} جمع لبدة بالكسر نحو قربة وقرب وهي ما تلبد بعضه على بعض أي تراكب وتلاصق ومنها لبدة الأسد وهي الشعر المتراكب بين كتفيه والمنى متراكمين يركب بعضهم بعضاً ويقع من ازدحامهم على النبي عليه السلام تعجباً مما شاهدوا من عبادته وسمعوا من قرآته واقتداء أصحابه به قياماً وقعدوا وسجوداً لأنهم رأوا ما لم يروا مثله قبله وسمعوا بما لم يسمعوا بنظيره وعلى قراءة الكسر إذا جعل مقول الجن فضمير كادوا لأصحابه عليه السلام الذين كانوا مقتدين به في الصلاة.
يقول الفقير : في هذا المقام إشكال على القراءتين جميعاً لأن المراد إن كان ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما على ما ذهب إليه المفسرون فلا معنى للازدحام إذ كان الجن بنخلة نفراً سبعة أو تسعة ولا معنى لازدحام النفر القليل مع سعة المكان وقرب القاري وإنما وقع الازدحام في الحجون بعد العود من نخلة على ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه ولا مخلص إلا بأن يقال لم يزالوا يدنون من جهة واحدة حتى كادوا يكونون عليه لبداً أو بأن يتجوز في النفر وحينئذٍ يبقى
198
تعيين العدد على ما فعله بعضهم بلا معنى وإن كان المراد ما ذهب إليه ابن مسعود رضي الله عنه ، ففيه إن ذلك كان بطريق المشاهدة على ما أسفلناه في الأحقاف ولا معنى لأخباره بطريق الوحي على ما مضى في أول السورة وأيضاً أنه لم يكن معه عليه السلام ، إذ ذاك الأنفر قليل من أصحابه بل لم يكن إلا زيد ابن حارثة رضي الله عنه على ما في إنسان العيون فلا معنى للازدحام والله أعلم بمراده {قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُوا} أي أعبد {رَبِّى وَلا أُشْرِكُ بِهِ} أي بربي في العبادة {أَحَدًا} فليس ذلك ببدع فلا مستنكر يوجب التعجب أو الأطباق على عداوتي وهذا حالي فليكن حالكم أيضاً كذلك {قُلْ إِنِّى لا أَمْلِكُ} لا أستطيع {لَكُمْ} أيها المشركون {ضَرًّا وَلا رَشَدًا} كأنه أريد لا أملك ضراً ولا ولا غياً ولا رشداً أي ليس هذا بيدي بل بيد الله تعالى فإنه هو الضار النافع الهادي المضل فترك من كلا المثقابلين ما ذكر في الآخر فلآية من الاحتباك وهو الحذف من كل ما يدل مقابلة عليه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
(10/153)
وفي التأويلات النجمية : أي من حيث وجوده المضاف إليه كما قال إنك لا تهدي من أحببت وأما من حيث وجوده الحق المطلق فإنه يملك الضر والرشد كقوله : [الشورى : 52-96]{وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} قال القاشاني : أي غياً وهدى إنما الغواية والهداية من الله إن سلطني عليكم تهتدوا بنوري وإلا بقيتم في الضلال ليس في قوتي إن أقسركم على الهداية قل إني لن يجيرتي} ينقذني ويخلصني {مِنَ اللَّهِ} من قهره وعذابه إن خالفت أمه وأشركت به {أَحَدٌ} إن استنقذته أو لن ينجيني منه إحدان أرادني بسوء قدره على من مرض أو موت أو غيرهما قال بعضهم هذه لفظة تدل على الإخلاص في التوحيد إذا التوحيد هو صرف النظر إلى الحق لا غير وهذا لا يصح إلا بالإقبال على الله والإعراض عما سواه والاعتماد عليه دون ما عداه {وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِه مُلْتَحَدًا} يقال ألحد في دين الله والتحد فيه أي مال عنه وعدل ويقال للملجأ الملتحد لأن اللاجىء يميل إليه والمعنى ولن أجد عند الشدائد ملتجأ غيره تعالى وموئلاً ومعد فلا ملجأ ولا موئل ولا معدل إلا هو وهذا بيان لعجزه عليه السلام ، عن شؤون نفسه بعد بيان عجزه عن شؤون غيره أي وإذ لا أملك لنفسي شيئاً فكيف أملك لكم شيئاً {إِلا بَلَـاغًا مِّنَ اللَّهِ} استثناء متصل منقوله لا أملك أي من مفعوله فإن التبليغ إرشاد ونفع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة عن نسه فلا يضر طول الفصل بينهما وفائدة الاستثناء المبالغة في توصيف نفسه بالتبليغ لدلالته على إنه لا يدع التبليغ الذي يستطيعه لتظاهرهم على عدوانه وقوله من الله صفة بلاغاً أي بلاغاً كائناً منه وليس متعلقاً بقوله بلا ً لأن صلة التبليغ في المشهور إنما هي كلمة عن دون من وبلاغاً واقع موقع التبليغ كما يقع السلام والكلام موقع التسليم والتكليم أو استثناء من قوله ملتحداً أي لن أجد من دونه تعالى منجى إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به فهو حينئذٍ منقطع فإن البلوغ ليس ملتحداً من دون الله لأنه من الله وبإعانته وتوفيقه {وَرِسَـالَـاتِهِ} عطف على بلاغاً بإضمار المضاف وهو البلاغ أي لا أملك لكم إلا تبليغاً كائناً منه تعالى وتبليغ رسالاته التي أرسلني بها يعني الآن أبلغ عن الله وقول قال الله كذا ناسياً للماقلة إليه وإن
199
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
أبلغ رسالاته التي أرسلني بها من غير زيادة ولا نقصان وقال سعدي المفتي لعل المراد من بلاغاً من الله ما هو ما يأخذه منه تعالى بلا واسطة ومن رسالاته ما هو با انتهى والمراد بالرسالة هو ما أرسل الرسول به من الأمور والأحكام والأحوال لا معنى المصدر والظاهر أن المراد إلا التبليغ والرسالة من الله تعالى وجمع الرسالة باعتبار تعدد ما أرسل هو به {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في الأمر بالتوحيد بأن لا يمتثل أمرهما به ودعوتهما إليه فيشرك به إذ الكلام فيه وهو يصلح أن يكون مخصصاً للعموم ف متمسك للمعتزلة في الآية على تخليد عصاة المؤمنين في النار {فَإِنَّ لَه نَارَ جَهَنَّمَ خَـالِدِينَ فِيهَآ} أي في النار أو في جهم والجمع باعتبار المعنى {أَبَدًا} بلا نهاية فهو دفع لأن يراد بالخلود المكث الطويل {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} اية لمحذوف يدل عليه الحال من استضعاف الكفار لأنصاره عليه السلام ، ولاستقلالهم لعددهم حتى قالوا هم بالإضافة إلينا كالحصاة من جبال كأنه قيل لا يزالون على ما هم عليه حتى إذا رأوا ما يوعدون من فنون العذاب في الآخرة {فَسَيَعْلَمُونَ} حينئذٍ عند حلوله بهم {مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا} أي فسيعلمون الذي هو أضعف وأقل أهم أم المؤمنون فمن موصولة وأضعف خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن تكون استفهامية مرفوعة بالابتداء وأضعف خبره والجملة في موضع نصب سدت مسد مفعولي العلم وناصرا وعدداً منصوبان على التمييز وحمل بعضهم ما توعدون على ما رأوه يوم بدر وأيا ما كان ففيه دلالة على أن الكفار مخذولون في الدنيا والآخرة وإن كثروا عدداً وقووا حسداً لأن الكافرين لا مولى لهم وإن المؤمنين منصورون في الدارين وإن قلوا عدداف وضعفوا جسداً لأن الله مولاهم والواحد على الحق هو السود الأعظم فإن نصره ينزل من العرش (قال الحافظ) :
تيغى كه اسمانش ازفيض خود دهد آب
تنها جهان بكيردبى منت ساهى
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص200 حتى ص209 رقم21
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
(10/154)
{قُلْ إِنْ أَدْرِى} أي ما أدري لأن إن نافية {أَقَرِيبٌ} خبر مقدم لقوله {مَّا تُوعَدُونَ} ويجوز أن يكون ما توعدون فاعلاً لقريب ساداً مسد الخبر لوقوعه بعد ألف الاستفهام وما موصولة والعئاد محذوف أي أقريب الذي توعدونه نحو أقائم الزيدان {أَمْ يَجْعَلُ لَه رَبِّى أَمَدًا} أي غاية تطول مدتها وإلا مد وإن كان يطلق على القريب أيضاً إلا أن المقابلة تخصصه بالبعيد والفرق بين الزمان والأمد أن الأمد يقال باعتبار الغاية والزمان عام في المبدأ والغاية والمعنى أن الموعود كائن لا محالة وإما وقته فما أدي متى يكون لأن الله لم يبينه لما أرى في إخفاء وقته من المصلحة وهو رد لما قاله المشركون عند سماعهم ذلك متى يكون الموعود إنكاراً له واستهزاء فإن قيل أليس قال عليه السلام بعثت أنا والساعة كهتين فكان عالماً بقرب وقوع القيامة فكيف قال ههنا لا أدري أقريب أم بعيد والجواب إن امراد بقرب وقوعه هو أن ما بقي من الدنيا أقل ممن انقضى فهذا القدر من القرب معلوم وأما قربه بمعنى كونه بحيث يتوقعفي كل ساعة فغير معلوم على أن كل آت قريب ولذا قال تعالى : {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} وقال كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وذلك بالموت}
200
للمتقدمين ووقع عين القيامة للمتأخرين كما أوعد نوح عليه السلام بالطوفان فلم يدركه بعضهم بل هلك قبله وغرق في طوفان الموت وبحر البلاء قال بعض أهل المعرفة قل إن أدري أقريب ما توعدون في القيامة الصغرى من الفناء الصوري والموت الطبيعي الاضطراري والدخول في نار الله الكبرى عند البعث لعدم الوقوف على قدر الله أو في الكبرى من الموت لإرادي والفناء الحقيقي لعدم الوقوف على قوة الاستعداد فيقع عاجلاً أم ضرب الله غاية وأجلاً عالم الغيب} وحده وهو خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم لجميع ما غاب عن الحس على أن اللام للاستغراق والجملة استئناف مقرر لما قبله من عدم الدراية {فَلا يُظْهِرُ} آكاه نكند {عَلَى غَيْبِه أَحَدًا} الفاء لترتيب عدم الإظهار على تفرده تعالى بعلم الغيب على الإطلاق أي فلا يطلع على غيبه إطلاعاً كاملاً ينكشف به جلية الحال انكشافاف تاماً موجباً لعين اليقين أحد من خلقه
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
{إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} الارتضاء سنديدن وأصله تناول مرضي الشيء إلا إلا رسولاً ارتضاه واختاره لإظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته كما يعرب عنه بيان من ارتضى بالرسول تعلقاً ما إما لكونه من مبادي رسالته بأن يكون معجزة دالة على صحتها وإما لكونه من أركانها وأحكامها كعامة التكاليف الشرعية التي أمر بها المكلفون وكيفيات أعمالهم وأجزيتها المترتبة عليها في الآخرة وما تتوقف هي عليه من أحوال الآخرة التي من جملتها قيام الساعة والبعث وغير ذلك من الأمور الغيبية التي بيانها عن وظائف الرسالة وإما ما لا يتعلق بها على أحد الوجهين من الغيوب التي من جملتها وقت قيام الساعة فلا يظهر عليه أحدا أبداً على أن بيان وقته مخل بالحكمة التشريعية التي عليها ءَدور فلك الرسالة وليس فيه ما يدل على نفي كرامات الأولياء المتعلقة بالكشف فإن اختصاص الغاية القاصية من مراتب اكشف بالرسل لا يستلزم عدم حصول مرتبة ما من تلك المراتب لغيرهم أصلاً ولا يدعى أحد لأحد من الأولياء ما في مرتبة الرسل من الكشف الكامل الحاصل بالوحي الصريح بل إطلاعهم بالأخبار الغبي والتلقف من الحق فيدخل في الرسول وارثه قال الجنيد قدس سره : قعد على غلام نصراني متنكراً ، وقال : أيها الشيخ ما معنى قوله عليه السلام اتقوا فراسة المؤمني ، فإنه ينظر بنور الله ، قال : فأطرقت رأسي ورفعت فقلت أسلم أسلم فقد حان وقت إسلامك فأسلم الغلام فهذا إما بطريق افراسة أو بيرها من أنواع الكشوف وخرج من البين أهل الكهانة والتنجيم لأنهم ليسوا من أهل الارتضاء والاصطفاء كالأنبياء والأولياء فليس أخبارهم بطريق الإلهام والكشف بل بلإمارات والظنون ونحوها ولذا لا يقع أكثرها إلا كاذباً ومن قال أنا أخبر من أخبار الجن يكفر لأن الجن كالأنس لا تعلم غيباً وقد سبق إن الكهانة انقطعت اليوم فلا كهانة أبداً لأن الشياطين منعوا من السماء قال ابن الشيخ إنه تعالى لا يطلع على الغيب الذي يختص به علمه إلا المرتضى الذي يكون رسولاً وما لا يختص به يطلع عليه غير الرسول إما بتوسط الأنبياء أو بنصب الدلائل وترتيب القمدمات أو بأن يلهم الله بعض الأولياء وقوع بعض المغيبات في المستقبل بواسطة الملك فليس مراد الله بهذه الآية إن لا يطلع أحداً على شيء من المغيبات إلا الرسل لظهور أنه تعالى قد يطلع على شيء
201
(10/155)
من الغيب غير الرسل كما اشتهر إن كهنة فرعون أخبروا بظهور موسى عليه السلام ، وبزوال ملك فرعون على يده وإن بعض الكهنة أخبروا بظهور نبينا محمد عليه السلام قبل زمان ظهوره ونحو ذلك من المغيبات وكانوا صادقين فيه وأرباب الملل والأديان مطبقون على صحة علم التعبير والمعبر قد بخر عن وقوع الوقائع الآتية في المستقبل ويكون صادقاً فه ثم الآية نظير قوله تعالى : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلاـَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِه مَن يَشَآءُ} فإنه يسلك بدرستى كه درمى آرد خداي تعالى عين ميسازد.
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
وبالعربية يدخل ويثبت {مِنا بَيْنِ يَدَيْهِ} أي قدام الرسول المرتضى {وَمِنْ خَلْفِه رَصَدًا} قال في "القاموس" الرصد محركة الراصدون أي الراقبون بالفارسية نكهبانان.
يقال للواحد والجماعة كما في "المفردات" وهو تقريب وتحقيق للإظهار المستفاد من الاستثناء وبيان لكيفيته أي فإنه تعالى يسلك من جميع جوانب الرسول عند إظهاره على غيبه حرساً من الملائكة يحرسونه من بعض الشياطين لما أظهره عليه من الغيوب المتعلقة برسالته يعني أن جبريل كان إذا نزل بالرسالة نزل معه ملائكة يحفظونه من أن يسمع الجن الوحي فيلقونه إلى كهنتهم فتخبر به الكهنة قبل الرسول فيختلط على الناس أمر الرسالة قال القاشاني : إلا من ارتضى من رسول أي أعده في الفطرة الأولى وزكاء وصفاء من رسول القوة القدسية فإنه يسلك من بين يديه أي من جالبه الإلهي ومن خلفه أي ومن جهته البدنية رصداً حفظة إما من جهة الله التي إليها وجهه فروح القدس والأنوار الملكوتية والربانية وإما من جهة البدن فالملكات الفاضلة والهيئات النورية الحاصلة من هياكل الطاعات والعبادات يحفظونه من تخبيط الجن وخلط كلامهم من الوساوس والأوهام والخيالات بمعارفها اليقينية ومعانيها القدسية والورادات المغيبية والكشوف الحقيقية {لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَـالَـاتِ رَبِّهِمْ} متعلق بيشلك غاية له من حيث إنه مترتب على الإبلاغ المترتب عليه إذا لمراد به العلم المتعلق بالإبلاغ الموجدو بالفعل وإن مخفة من الثقيلة واسمها الذي هو ضمير الشأن محذوف والجملة خبرها والإبلاغ الإيصال وبالفارسية رسانيدن.
ورسالات ربهم عبارة عن الغيب الذي أريد إظهار المرتضى عله والجمع باعتبار تعدد إفراده وضمير أبلغوا إما للرصد فالمعنى إنه تعالى يسلكهم من جميعجوانب المرتضى ليعلم أن الشأن قد أبلغوه رسالات ربهم سالمة عن الاختطاف والتخليط علماً مستتبعاً للجزاء وهو أن يعلمه موجوداً حاصلاً بالفعل كما في قوله تعالى حتى نعلم المجاهدين منكم والغاية في الحقيقة هو الإبلاغ والجهاد وإيراد علمه تعالى لإبراز اعتنائه تعالى بأمرهما لإشعار بترتيب الجزاء عليهما والمبالغة في الحث عليهما والتحذير من التفريط فيهما وإما لمن ارتضى والجمع باعتبار معنى من كما إن الإفراد في الضميرين السابقين باعتبار لفظها فالمعنى ليعلم إنه قد أبلغ الرسل الموحى إليهم رسالات ربهم إلى أممهم كما هي من غير اختطاف ولا تخليط بعد ما أبلغها الرصد إليهم كذلك {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} أي بما عند الرصد أو الرسل حال عن فاعل يسلك بإضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهور جيء بها لتحقيق استغنائه تعالى أي وقد أحاط بما لديهم من الأحوال جميعاً {وَأَحْصَى} علم علماً بالغاً إلى حد الإحاطة تفصيلاً وبالفارسية وشمرده است {كُلَّ شَىْءٍ} مما كان
202
وما سيكون {عَدَدًا} أي فرداً فرداف فكيف لا يحيط بما لديهم قال القاسم هو أوجدها فأحصاها عددا وقال ابن عباس رضي الله عنهما أحصى ما خلق وعرف عدد ما خلق لم يفته علم شيء حتى مثاقيل الذر والخردل.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
قال الكاشفي) : مراد كمال علم است وتعلق آن بجميع معلومات يعني معلومي مطلقاً از دائره علم أو خارج نيست.
هره دانستي است درد وجهان
نيست از علم شاملش نهان
(10/156)
قوله عدداً تمييز منقول من لمفعول به كقوله وفجرنا الأرض عيوناً والأصل أحصى عدد كل شيء وفائدته بيان إن علمه تعالى بالأشياء ليس على وجه كلي إجمالي بل على وجه جزئي تفصيلي فإن الإحصاء قد يراد به الإحاطة الإجمالية كما في قوله تعالى : {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَآ} أي لا تقدروا على حصرها إجمالاً فضلاً عن التفصيل وذلك لأن أصل الإحصاء إن الحاسب إذا بلغ عقداً معيناً من عقود الأعداد كالعشرة والمائة والألف وضع حصاة ليحفظ بها كمية ذلك العقد فيبنى على ذلك حسابه وهذه الآية مما يستدل به على أن المعدوم ليس بشيء لأنه لو كان شيئاً لكانت الأشياء غير متناهية وكونه أحصى عددها يقتضي كونها متناهية لأن إحصاء العدد إنما يكون في المتناهي فيلزم الجمعبين كونها متناهية وغير متناهية وذلك محال فوجب القطع بأن المعدوم ليس بشيء حتى يندفع هذا التناقض والتنافي كذا في حواشي ابن الشيخ رحمه الله.
جزء : 10 رقم الصفحة : 188
تفسير سورة المزمل
وآيها تسع عشرة أو عشرون آية
جزء : 10 رقم الصفحة : 202
يا أيها المزمل} أي المتزمل من تزل بثيابه إذا تلفف بها وتغطى فأدغم التاء في الزاي فقيل المزمل بتشديدين كان عليه السلام ، نائماً بالليل متزملاً في قطيفة أي دثار مخمل فأمر أن يترك التزمل إلى التشمر للعبادة ويختار التهجد على الهجود وقال ابن عباس رضي الله عنهما أول ما جاءه جبريل خافه فظن أن به مسامن الجن فرجع من حبل حراء إلى بيت خديجة مرتعداً وقال زملوني فبينما هو كذلك إذا جاء جبريل وناداه وقال [المزمل : 2]يا اأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} وعن عكرمة إن المعنى يا أيها الذي زمل أمراً عظيماً أي حمله والزمل الحمل أزدمله احتمله قال السهيلي رحمه الله ليس المزمل من أسمائه عليه السلام التي يعرف بها كما ذهب إليه بعض الناس وعده في أسمائه وإنما المزمل مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطابوكذا المدثر وف خطابه بهذا الاسم فائدتان إحداهما الملاطفة فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك الماتبة سموه اسم مشتق من حالته التي هو عليها كقول النبي عليه السلام لعلي رضي الله عنه حين غاضب فاطمة رضي الله عنها أي أغضبها وأغضبته فأتاه وهو نائم قد لصق بجنبه التراب فقال له : قم يا أبا تراب إشعاراً بأنه غير عاتب عليه وملاطفة له وكذلك قوله عليه السلام لحذيفة رضي
203
الله عنه قم يا نومان وكان نائماً ملاطفة وإشعاراً بترك العتب والتأديب فقول الله تعالى لمحمد عليه السلام يا أيها المزمل تأنيس وملاطفة ليستعشر إنه غير عاتب عليه والفائدة الثانية التنبيه لكل متزمل راقد ليله لينتبه إلى قيام الليل وذكر الله فيه لأن الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل بذلك العمل واتصف بتلك الصفة انتهى وفي فتح الرحمن الخطاب الخاص بالنبي عليه السلام كأيها المزمل ونحوه عام للأمة إلا بدليل يخصه وهذا قول أحمد والحنفية والمالكية وقال أكثر الشافعية لا يعمهم إلا بدليل وخطابه عليه السلام لواحد من الأمة هل يعم غيره قال الشافعي والحنفية والأكثر لا يعم وقال أبو الخطاب من أئمة الحنابلة إن وقع جواباً عم وإلا فلا قم الليل}
جزء : 10 رقم الصفحة : 203(10/157)
بكسر الميم لالتقاء الساكنين أي لا تتزمل وترقد ودع هذه الحال لما هو أفضل منها وقم إلى الصلاة في الليل فانتصاب الليل على الظرفية وإن استغرق الحدث الواقع فيه فحذف في واو صل الفعل إليه فنصب لأن عمل الجر لا يكون في الفعل والنصب أقرب إليه من الرفع ومن ذلك قال بعضهم هو مفعول نظراً إلى الظاهر في الاستعمال ومن ذلك فمن شهد منك الشهر فليصمه وقوله لينذر يوم التلاق في أحد الوجهين كما سبق ومثله الإحياء في قوله من أحيى ليلة القدر ونحوه فإن الإحياء وإن كان واقعاً على الليل في الظاهر لكن المراد به إحياء الصلاة والذكر في الليل واستعمالها وحد الليل من روب الشمس إلى طلوع الفجر قال بعضا لعارفين الله اشتقاق إلى مناجاة حبيبه فناداه أن يقوم فيجوف الليل وقد قالوا إن القيام والمناجاة ليسا من الدنيا بل من الجنة لما يجده أهل الذوق من الحلاوة {إِلا قَلِيلا} استثناء من الليل {نِّصْفَهُ} بدل من الليل الباقي بعد الثنيا بدل الكل ولنصف أحد شقي الشيء أي قم نصفه والتعبير عن التصف المخرج بالقليل لإظهار كمال الاعتداد بشأن الجءز المقارن للقيام والإيذان بفضله وكون القيام فيه بمنزلة القيام في أكثرة في كثرة الثواب يعني إنه يجوز أن يوصف النصف المستثنى بكونه قليلاً بالنسبة إلى النصف المشغول بالعبادة مع إنهما متساويان في المقدار من حيث إن النصف الفارغ لا يساويه بحسب الفضيلة والشرف فالاعتبار بالكيفية لا بالكمية وقال بعضهم إن القلة في النصف بالنسبة إلى الكل لا إلى العديل الآخر وإلا لزم أن يكون أحد الصفين المسايين أقل من الآخر وفيه إنه من عرائه عن الفائدة خلاف الظاهر كما في "الإرشاد" {أَوِ انقُصْ مِنْهُ} أي أنقص القيام من النصف المقارن له إلى الثلث {قَلِيلا} أي نقصان قليلاً أو مقداراً قليلاً بحيث لا ينحط إلى نصف الليل {أَوْ زِدْا عَلَيْهِ} أي زد القيام على النصف المقارن له إلى الثلثين فالمعنى تخييره عليه السلام بين أن يقوم نصفه أو أقل منه أو أكثر أي قم إلى الصلاة في الزمان المحدود المسمى بالليل إلا في الجزء القليل منه وهو نصفه أو أنقص القيام من نصفه أو زد ليه قيل هذا التخيير على حسب طول الليالي وقصرها فالنصف إذا استوى ليل والنهار والنقص منه إذا أقصر الليل والزيادة عليه إذا طال الليل {وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ} في أثناء ما ذكر من القيام أي أقرأه على تؤدة وتبيين حروف وبالفارسية وقر آرا كشده حروف خوان بحديكه بعضي آن برى بعضي باشد {تَرْتِيلا} بلياً بحيث يتمكن السامع
204
من عدها ولذا نهى ابن مسعود رضي الله عنه عن التعجل وقال ولا يكن هم أحدكم آخر السورة يعني لا يد للقارىء من الترتيل ليتمكن هو ومن حضره من التأمل في حقائق الآيات فعدن الوصول إى ذكر الله يستشعر عظمته وجلاله وعند الوصول إلى الوعد والوعيد يقع في الرجاء والخوف وليسلم نظم القرآن من الحلل والرتل اتساق الشيء وانتظامه على استقامة والترتيل هو يدا كردن سخن بي تكلف.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
قال في الكشاف : ترتيل القرآن قرآته على ترسل وتؤده بتبيين الحروف وإشباع الحركات حتى يجيء المتلو منه شبيهاً بالثغر المرتل وهو لمفلج المشبه بنور الأقحوان وأن لا يهزه هزا ولا يسرده سرداً كما قال عمر رضي الله عنه شر السير الحقيقة وشر القراءة الهذرمة حتى يجيء الملو في تتابعه كالثغر الألص والأمر بترتيل القرآن يشعر بأن الأمر بقيام الليل نزل بعد ما تعلم عليه السلام مقداراً منه وإن قل وقوله أنا سنلقي على الاستقبال بالنسبة إلى بقية القرآن ثم الظاهر إن الأمر به يعم الأمة لأنه أمر مهم للكل والأمر للوجوب كما دل عليه عليه التأكيد أو للندب وكانت قرآءته عليه السلام ، مدايمد ببشسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم إما الأولان فمدهما طبيعي قدر الألف وإما الأخير فمده عارضي بالسكون فيجوز فيه ثلاثة أوجه الطول وهو مقدار الفات ثلاث والتوسط قدر الفين والقصر قدر ألف وكان عليه السلام مجوداً للقرآن كما أنزل وتجويده تحسين ألفاظه بإخراج الحروف من مخارجها وإعطاء حقوقها من صفاتها كالجهر والهمس واللين ونحوها وذلك بغير تكلف وهو ارتكاب المشقة في قراءته بالزيادة على أداء مخرجة والمبالغة في بيان صفته فينبغي أن يتحفظ في الترتيل عن التمطيط وهو التجاوز عن الحد وفي الحدر عن الادماع والتخليط بأن تكون قراءته بحال كأنه يلف بعض الحروف والكلمات في بعض آخر لزيادة الشرعة وذلك إن القراءة بمنزلة البياض إن قل صار سمرة وإن كثر صار برصاً وما فوق الجعودة فهو القطط فما كان فوق القراءة فليس بقراءة فعلم من هذا إن التجويد على ثلاث مراتب ترتيل وحدر وتدوير.
(10/158)
أما الترتيل فهو تؤدة وتأن وتمهل قال في "القاموس" ورتل الكلام ترتيلاً أحسن تأليفه وترتل فيه ترسل انتهى.
وهو مختارورشو عاصم وحمزة ويؤيده قوله عليه السلام من قرأ القرآن أقل من ثلاث لم يفهمه وفي قوت القلوب أفضل القراءة الترتيل لأن فيه التدبر والتفكر وأفضل الترتيل والتدبر للقرآن ما كان في صلاة وعن ابن عباس رضي الله عنهما لأن أقرأ البقرة أرتلها وأتدبرها أجب إلى من أن أقرأ القرآن كله هذرمة أي سرعة وعن النبي عليه السلام إنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم قرأها عشرين مرة وكان له كل مرة فهم وفي كل كلمة علم وقد كان بعضهم يقول كل آية لا أفهما ولا يكون قلي فيها لم أعدلها ثواباً وكان بعض السلف إذا قرأ سورة لم يكن قلبه أعادها ثانية قال بعض العلماء لكل آية ستون ألف فهم وما بقي من فهمها أكثر قال مالك بن دينار رحمه الله إذا قام العبد يتهجد من اليل ويرتل القرآن كما أمر قرب الجبار منه قال وكانوا يرون إن ما يجدونه في قلوبهم من الرقة ولحلاوة وتلك الفتوح والأنوار من قرب الرب من القلب وفي الحديث :
205
"يؤتى بقارىء القرآن يوم القيامة فيوقف في أول درج الجنة ويقل اقرأ وأرق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها" ولكون المقصود من أنزل القرآن فهم الحقائق والعمل بالفحاوي شرع الإنصات لقراءة القرآن وجوباً في الصلاة وندباً في غيرها وللقارىء أجر وللمستمع أجران لأنه يسمع وينصت أو يسمع بإذنيه يقرأ بلسان واحد والمستمتع يؤدي القرض ولذا قالوا استماعه أثوب من تلاوته.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
وفي سلسلة الذهب للمولى الجامي) :
صرف او كن حواس جسماني
وقف أو كن قواي روحاني
دل بمعنى زبان بلفظ سار
شم برخط ونقط وعجم كذار
كوش از ومعدن جواهركن
هوش از ومخزن سر آئركن
در اد ايش مكن زبان كج مج
حرفهايش إذا كن از مخرج
دورباش ازتهتك وتعجيل
كام كيراز تأمل وترتيل
وأما الحدر فهو الإسراع في القراءة كما روى إنه ختم القررٌّ في ركعة واحدة أربعة من الأمة عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد ابن جبير وأبو حنيفة رضي الله عنهم وكان همسر بن المنهال يختم في الشهر تسعين ختمة وما لم يفهم رجع فقرأ مرة أخرى وفي "القاموس" وأبو الحسن علي بن عبد الله بن ساذان بن البتني كعربي مقرىء ختم في النهار أربع ختمات إلا ثمناً مع فهام التلاوة انتهى.
وأما ما روى في مناقب الشيخ موسى السدراني من أكابر أصحاب الشيخ أبي مدين رضي الله عنه من أن له ورداً في اليوم والليلة سبعين أف ختمة فمعناه أن اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة فيكون في كل اثنتي عشرة ساعة خمصة وثلاثون ألف ختمة لأنها إما أن تنبسط إلى ثلاث وأربعين سنة وتسعة أشهر وأما إلى أكثر وعلى التقدير الأول يكون اليوم والليلة منبسطاً إلى سبع وثمانين سنة وستة أشهر فيكون في كل يوم وليلة من أيام السنين المنبسطة أيامها ولياليها ختمتان ختمة في اليوم وختمة في الليلة كما هو العادة ويحتمل التوجيه بأقل من ذلك باعتبار سرعة القارىء وهذا أي الحذر مختار ابن كثير وأبي عمر ووقالون.
وأما التدوير فهو التوسط بين الترتيل والحدر وهو مختار ابن عامر والكسائي وهذا كله إنما يتصور في مراتب المدود وفي الحديث : "رب قارىء للقرآن والقرآن يلعنه" وهو متناول لمن يخل بمبانيه أو معانيه أو بالعمل بما فيه وذلك موقوف على بيان اللحن وهو إنه جلى وخفي فالجلي خطأ يعرض للفظ ويخل بالمعنى بأن بدل حرفاً مكان حرف بأن يقول مثلاً الطالحات بدل الصالحات وبالأعراب كرفع المجرور ونصبه سواء تغير المعنى به أم لا كما إذا قرأ الله بريىء من الشمركين ورسوله بجر رسوله والخفي خط يخل بالعرف والضابطة كترك الإخفاء والإدغام والإظهار والقلب وكترقيق المفخم وعكسه ومد المقصور وقصر الممدود وأمثال ذلك ولا شك إن هذا النوع مما ليس بفرض عين يترتب عليه القعبا الشديد وإنما فيه اليهديد وخوف العقاب قال بعضهم اللحن الخفي الذي لا يعرفه إلا مهرة القراء من تكرير الراآت وتطنين النونات وتغليظ اللامات وترقيق الراآت في غير
206
محلها لا يتصور أن يكون من فرض العين يترتب عليه العقاب على فاعلها لما فيه من حرج ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها وفي بعض شروح الطريقة ومن الفتنة أن يقول لأهل القرى والبوادي والعجائز والعبيد والإماء لا تجوز الصلاة بدون التجويد وهم لا يقدرون على التجويد فيتركون الصلاة رأساً فالواجب أن يعلم مقدار ما يصح به انظم والمعنى ويتوغل في الإخلاص وحضور القلب.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
لعنت است اين كه بهر لهجه وصوت
شود از تو حضور خاطر فوت
فكر حسن غنا برد هوشت
متكلم شود فراموشت
لعنت است اين كه سازدت ى سيم
روز وشب با مير وخواجه نديم
لعنت است اين كه همت توتمام
كنت مصروف لفظ وحرف وكلام
نقد عرمت زفكرت معوج
خرج شد در رعايت مخرج
صرف كردى همه حيات سره
در قراآت سبعه وعشره
همنين هره از كلام اخدا
جزخدا قبله دلست ترا
(10/159)
موجب لعن ومايه طرد ست
حبذا مقبلي كه زن فردست
معنى لعن يست مر دودى
بمقامات بعد خشنودى
هركه ماند ازخدا بيك سرمو
آمد اندر مقام بعد حرو
كره ملعون نشد زحق مطلق
هست ملعون بقدر بعد ازحق
روى أن عمران بن حصين ري الله عنه مر على وقاص يقرأ ثم يسأل فاسترجع ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرأون القرآن يسألون به الناس انتهى.
فيكون إعطاء شيء إياه من قبيل الإعانة على المعصية كالإعطاء لسائل المسجد وهو يتخطى رقاب الناس ولا يدع السواك في كل ما استيقظ من نوم الليل والنهار وفي الخبر طيبوا طرق القرآن من أفواكهك باستعمال السواك والصلاة بعد السواك تفضل على بغير سواك سبعين ضعفاً وفي قوت القلوب وفي الجهر بالقرآن سبع نيات منها الترتيل الذي أمر به ومنها تحسين الموت بالقرآن الذي ندب إليه في قوله عليه السلام ، زينوا القرآن بأصواتكم وفي قوله ليس منا نم لم يتغن بالقرآن أي يحسن صوته وهو أحب من أخذه بمعنى الغنية والاكتفاء ومنها أن يسمع أذنيه ويوقظ قلبه ليتدبر الكلام ويتفهم المعاني ولا يكون ذلك كله إلا في الجهر ومنها أن يطرد النوم عنه برفع صوته ومنها أن يرجو يجهده يقظة نائم فيذكر الله فيكون هو سبب إحيائه ومها أن يره بطال غافل فينشط للقيام ويشتاق إلى الخدمة فيكون هو معاوناً له على البر والتقوى ومنها أن يكثر يجهره تلاوته ويدوم قيامه على حسب عادته للجهر ففي ذلك كثرة عمله فإذا كان القارىء على هذه النيات فجهره أفضل لأن فيه أعمالاً وإنما يفضل العمل بكثرة النيات وكان أصحاب رسول الله عليه السلام إذا اجتمعوا أمروا أحدهم أن يقرأ سورة من القرآن وفي "شرح الترغيب" اختلف في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع
207
والتفهم وإباحها أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث لأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية وفي أبكار الأفكار إنما استحب تحسين الصوت بالقراءة وتزيينه ما لم يخرج عن حدة القراءة بالتمطيط فإن أفرط حتى زاد حرفاً أو أخفاه فهو حرام وقال بعض أهل المعرفة قوله رتل أي أتل وجاءت التلاوة بمعنى الإبلاغ في مواضع من القرآن فالمعنى بلغ أحكام القرآن لأهل النفوس المتمردة المنحرفة عن الأقبل على الآخرة وهم العوام وهذا من قبيل الظهر كما قال عليه السلام ما من آية إلا ولما ظهر وبط وحد ومطلع وفصل معانيه لأصحاب القلوب المقبلة على المولى كما قال تعالى : كتاب فصلت آياته وهم الخواص وهذا من قبيل البطن وفهم حقائقه لسدنة الأسرار المستهلكين في عين المشاهدة المستغرقين في بحر المعاينة وهم أخص الخواص وهذا من قبيل الحد وأوجد أسراره لأرباب الأرواح الطاهرة الفانين عن ناسوتيتهم الباقين بلاهوتيته
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
{إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ} أي سنوحي إليك وإيثار الإلقاء عليه لقوله تعالى {قَوْلا ثَقِيلا} وهو القرآن العظيم المنطوى على تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين وأيضاً إن القرآن قديم غير مخلوق والحادث يذوب تحت سطوة القديم إلا من كان مؤيداً كالنبي عليه السلام والثقل حقيقة في الأجسام ثم يقال في المعاني وقال بعضهم ثقيلاً تلقية كما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم كيف يأتيك الوحي قال أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد على فيفصم عني أي يقلع وبنحى وقد وعيت ما قال وأحياناً يتمثل إلى الملك رجلاً فيكلمني فأعى ما يقول قالت عائشة رضي الله عنها ولقدر أيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليرفض عرقاً أي يترشح.
(قال الكاشفي) : در حين نزول وحي برآن حضرت برين وجه كه مذكور شداكر برشتر سوارى بودي دست واي شترخم كشتى واكرتكيه برران يكى ازياران داشتى خوف شكستن آن بودي ودرين محل روى كلبركش برافروخته (مصراع) بسان كل كه بصحن من برافروزد.
وفي التأويلات النجمية : ثقل المحمول بحسب لطف الحامل ولا شك أن نبينا عليه السلام كان ألطف الأنبياء خلقاً وأعدلهم مزاجاً وطبعاً وأكملهم روحانية ورحمانية وأفضلهم نشأة وفطرة وأشملهم استعداداً وقابلية فلذلك خص القرآن بالثقل من بين سائر الكتب السماوية المشتملة على الأوامر والنواهي والأحكام والشرائع للطف فطرته وشمول رحمته والجملة اعتراض بين الأمر وهو قم اليل وبين تعليله وسر إن ناشئة الليل.
.
الخ لتسهل ما كلفه عليه السلام من القيام يعني إن في توصيف ما سيلقى عليه بالثقل إيماء إلى أن ثقل هذا التكليف بالنسبة إليه كالعدم فإذا كان ما سيكلف أصعب وأشق فقد سهل هذا التكليف وفي الكشاف بالنسبة إليه كالعدم فإذا كان ما سيكلف أصعب وأشق فقد سهل هذا التكليف وفي الكشاف أراده بهذا الاعتراض ما كلفه من قيام الليل من جملة التكاليف الصعبة التي ورد بها القرآن لأن الليل وقت السبات والراحة والهدوء فلا بد لمن ياه من مضدة لطبعه ومجاهدة لنفسه فمن استأنس بهذا التكليف لا يثقل ليه أمثاله.
(10/160)
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
يقول الفقير : سورة المزمل مما نزل في أوائل النبوة فكان قوله إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً يشير إلى مدة الوحي الباقية لأن حروفه مع اعتبار النون المدغم فيها ونوني التنوين اثنان وعشرون فالسين دل على الاستقبال ومجموع الحروف
208
على المدة الباقية وجعل القرآن حملاً ثقيلاً لأن عليه السلام بعث لتتميم مكارم الأخلاق ولا شك أن ما كان أجمع كان أثقل والله تعالى أعلم بمراده وأيضاً أن كون القول ثقيلاً إنما هو بالنسبة إلى النفس الثقيلة الكثيفة لتراكم حجبها وبعدها عن درك الحق وإما بالنسبة إلى النفس الخفيفة اللطفية فخفيف ولطيف ولذا كان تعب التكاليف مرفوعاً عن الكمل فهم يجدون العبادات كالعادات في رتفاع الكلفة وفي الذوق والحلاوة {إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ} أي النفس التي تنشأ في الليل من مضجعها إلى العبادة أي تنهض من نشأ من مكانه إذا نهض فالموصوف محذوف والإضافة للملابسة بمعنى النفس الناشئة في الليل {هِىَ} خاصة {أَشَدُّ وَطْـاًا} أي كلفة وثقلاً مصدر قولك وطئى الشيء أي داسه برجله أو جعل عليه ثقهل فإن النفس القائمة بالليل إلى العبادة أشد وطئاً من التي تقوم بالنهار فلا بد من قيام الليل فإن أفضل العبادات أشقها فالوطىء مصر من المبني للمفعلو لأن الواطىء الذي يلقى ثقله على العابد هو العبادة في الليل فيكون العابد بالليل أشد موطو أله من العابد بالنهار ووطئاً نصب على التمييز ويجوز أن يكون معنى أشد ووطئاً أشد ثبت قدم واستقرارها فيكون المقصود بيان وجه اختيار الليل وتخصيصه بالأمر بالقيام فيه من حيث إنه تعالى جعل الليل لبساً يستر الناس ويمنعهم عن الاضطراب والانقلاب في اكتساب امعاش وجعل النهار معاشاً يباشرون فيه أمور معاشهم فلا تثبب فيه أقدامهم للعبادة {وَأَقْوَمُ قِيلا} اسم من القول بمعناه بقلب الواو ياء أي أزيد من جهة السداد والاستقامة في المقال ومن جهة الثبات والاستقرار على الصواب يعني خواندن قرآن درو بصوا بتراست كه دل فارغ باشد وأصوات ساكن وزبان بادل موافقت نمايد بزبان مى خواند وبدل تفكر ميكند.
اموش شد عالم بشب تاجست باشى در طلب
زيراكه بنك عربده تشويش خلوتخانه بود
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص209 حتى ص221 رقم22
ويحتمل أن تكون ناشئة الليل بمعنى قيام الليل عى أن الناشئة مصدر من نشأ كالعافية بمعنى العفو وهذا وافق لسان الحبشة حيث يقولون نشأ إذا قام أو يكون بمعنى العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث فيكون الوطىء مصدراً من المبنى للفاعل فإن كل واحد من قيام الليل ومن العبادة التي تحدث فيه ثقيلان على العابد من قيام النهار والعبادة فيه فمعنى أشد وطئاً أقل وأغلظ على المصلى من صلاة النهار فيكون أفضل يعني آن سخت تراست ازجهت رنج وكلفت ه ترك خواب وراحت برنفس بغايت شاق است.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
ويحتمل أن يكون المراد بناشئة الليل ساعاته فإنها تدث واحدة بعد واحدة أي ساعات الليل الناشئة أي الحادثة شيئاً بعد شيء فتكون الناشئة صفة ساعات الليل فتكون أشد وطئاً أي بملاحظة القيام فيها من ساعات النهار لكن ابن عباس رضي الله عنها بما كان بعد النوم فلو لم يتقدمها نوم لم تكن ناشئة وفي قوت القلوب أن يصلي بين العشاءين ما تيسر إلى يغيب الشفق الثاني وهو البياض الذي يكون بعد ذهاب الحمرة ويل غسق الليل وظلمته لأنه
209
آخر ما يبقى من شعاع الشمس في القطر الغربي إذا قطعت الأرض العليا ودارت من وراء جبل قاف مصعدة تطلب المشرق فهذا الوقت هو المستحب لصلاة العشاء الآخرة وهو آخر اورد الأول من أوراد الليل والصلاة فيه ناشئة الليل أي ساعته لأنها أول نشوء ساعاته وقرأ ابن عامر وأبو عمرو وطاء بلكسر والمد من المواطأة بمعنى الموافقة فإن فسرت الناشئة بالنفس الناشئة كان المعنى إنها أشد من جهة موافقة القلب الكائن لها لسانها وإن فسرت بالقيام أو العبادة أو الساعات كان المعنى إنها أشد من جهة موافقة قلب القائم لسانه فيها أو من جهة كونها موافقة لما يراد من الخشوع والإخلاص وعن الحسن رحمه الله أشد موافقة بين السر والعلانية لانقطاع رؤية الخلائق {إِنَّ لَكَ فِى النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا} أي تقلباً وتصرفاً في مهما تك كتردد السابح في الماء واشتغالاً بشواغلك فلا تستطيع أن تتفرغ للعبادة فعليك بها في الليل وهذا بيان للداعي الخارجي إلى قيام الليل بعد بيان ما في نفسه من الداعي قال الراغب : السبح المر السريع في الماء أو في الهواء استعير لمر النجوم في الفلك كقوله تعالى وكل في فلك يسبحون ولجري الفرسك قوله تعالى فالسابحات سبحاً ولسرعة الذهاب في العمل كقوله تعالى إن لك في النهار سبحاً طويلاً وفي تاج المصادر السبح تصرف كردن در معيشت.
(10/161)
وفي بعض التفاسير قيل السباحة لما فيها من التقلب باليد والرجل في الماء وقيل معنى الآية إن فإنك من الليل شيء فلك في النهار فراغ تقدر على تداركه فيه حتى لا ينقص شيء من حظك من المناجاة لربك ويناسبه قوله عليه السلام من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل ومن أقوال المشايخ إن المريد الصادق إذا فاته ورد من أوراده يليق به أن يقضيه ولو بعد شهر حتى لا تتعود النفس بالكسل فالورد من الشؤون الواردة عن الرسول عليه السلام وأخيار أمته ومن لا ورد له أي وارد خاص بالخواص وفي قوت القلوب من فاته ورد من الأوردا استحب له فعل مثله متى ذكره لا على وجه القضاء لأنه لا تقضي إلا الفرائض ولكن على سبيل التدارك ورياضة النفس بذلك ليأخذ بالعزائم كيلا يعتاد الرخص {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} ودم على ذكره تعالى ليلاً ونهاراً على أي وجه كان من تسبيح وتهليل وتحميد وصلاة وقراءة قرآن ودراسة علم خصوصاً بعد صلاة الغداة وقبل غروب الشمس فإنهما من ساعات الفتح والفيض وذكر الله على الدوام من وظائف المقربين سواء كان قلباً أو لساناً أو أركاناً وسواء كان قياماً أو قعودا أو على النوب وبالفارسية ويا دكن روردكار خودرا وبأسماء حسنى اورا بخوان.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
قال عليه السلام من أحصاها أي حصلها دخل الجنة فالمراد من ذكر اسمه فذكره تعالى بواسطة ذكر اسمه ولذا قال تعالى : {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} فالذكر والنسيان في الحقيقة كلاهما من صفات القلب وعند تجلى المذكور يفنى الذكر والذاكر كما قال شيخي وسندى روح الله روحه في شرح تفسير الفاتحة للقنوى قدس سره من اشتغل من الأسماء المجازية بما يسر الله الاشتغال به وداوم عليه فلا ريب إنه يحصل بينه وبين سر هذا الاسم المشتغل به وروحه بعناية الله وفضله مناسبة ما بقدر الاشتغال ومتى قويت تلك المناسبة
210
بينهما وكملت بحسب قوة الاشتغال وكماله يحصل بينه وبينه هذا الاسم الحقيقي بجود الحق سبحانه وعطائه يحصل بينه وبين مسماه الحق تعالى مناسبة بمقدار المناسبة الثانية من جهة القوة والكمال لأن العبد بسبب هذه المناسبة يغلب قسه على دنسه ويصير مناسباً لعالم القدس بقدر ارتفاع حكم الدنس فحيئذٍ تجلى الحق سبحانه له من مرتبة ذلك الاسم بحسيها وبقدر استعداده ويفيض عليه ما شاء من العلوم والمعارف والأسرار الإلهية والكونية إما من الوجد العام وطريق سلسلة ترتيب المراتب والحضرات وغيرها من الوسائط والأسباب والأدوات والمواد المعنوية والصورية وإما من الوجه الخاص بدون الوسائل والأغبار أو منهما معاً جميعاً إذ وجه إما هذا أو ذاك لا غيرهما غير نسبة الجمع بينهما وقال بعضهم في الآية إذا أردت قراءة القرآن أو الصلاة فقل بسم الله الرحمن الرحيم وقال القاشاني واذكر اسم ربك الذي هو أنت أي اعرف نفسك واذكرها ولا تنسها فينساك الله واجتهد لتحصيل كمالها بعد معرفة حقيقتها.
(وتبتل إليه تبتيلاً) : التبتل الانقطاع وتبتيل دل ازدنيا بريدن.
والمعنى وانقطع إلى ربك انقطاعاً تاماً بالعبادة وإخلاص والية والتوجه الكلي كما قال تعالى : قل الله ثم ذرهم وبالفارسية يعني نفس خودرا از انديشه ما سوى الله مجرد ساز واز همكى روى بردار.
دل در وبند واز غيرش بكسل
هره جز اوست برون كن از دل
وليس هذا منافياً لقوله عليه السلام لا رهبانية ولا تبتل في الإسلام فإن التبتل هنا هو الانقطاع عن النكاح ومنه قيل لمريم العذراء رضي الله عنها البتول أي المنقطعة عن الرجال والانقطاع عن النكاح ومنه قيل لمريم العذراء رضي الله عنها البتول أي المنقطعة عن الرجال والانقطاع عن النكح والرغبة عنه لقوله تعالى : وأنكحوا الأيامى ومنكم وقوله عليه السلام : تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة وإما إطلاق البتول على فاطمة الزهراء رضي الله عنها فلكونها شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل في الانقطاع عما سوى الله لا عن النكاح وقيل تبتلا مكان تتتلا لأن معنى تبتل بتل نفسه فجييء به على معناه مراعاة الحق الفوصال لأن حظ القرآن من حسن النظم والرصف فوق كل حظ وقال بعضهم : لما لم يكن الانقطاع الكلى إلى بتجريد النبي عليه السلام نفسه عن العوائق الصادة عن مراقبة الله وقطع العلائق عما سواه قيل تبتلا مكان تبتلا فيكون انظم من قبيل الاختياك كما في قوله تعالى : والله أنبتكم من الأرض نباتاً على وجه وهو أن التقدير أنبتكم منها إنباتاً فنبتم نباتاً وكذا التقدير ههنا أي تبتل إليه تبتلا يبتلك عما سواه تبتيلا والأنسب يبتلك ربك تبيتلا فإن التبتيل فعل الله فلا يحصل للعبد إلا بمعاونته.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
(10/162)
وفي التأويلات النجمية : واذكر اسم ربك بفناء صفاتك وأفعالك وبتل إليه تبتيلاً بفناء ذاتك وبقاء ذاته ثم إن التبتل يكون من الدنيا إن ظاهراً فقط فهو مذموم كبعض الحفاة العراة الذين أظهروا الفقر في ظواهرهم وأبطنوا الحرص في ضمائرهم وإما باطناً فقط وهو ممدوح كالأغنياء من الأنبياء والأولياء عليهم السلام فلنهم انقطعوا عن الدنيا باطناً إذ ليس فيهم حب الدنيا أصلاً وإنما لم ينقطعوا ظاهراً لأن
211
إرادتهم تابعة لإرادة الله والله تعالى أراد ملكهم ودولتهم كسليمان ويوسف وداود وأيوب والاسكندر وغيرهم عليهم السلا وإما ظاهراً وباطناً كأكثر الأنبياء والأولياء وقد يكون التبتل من الخلق إما ظاهراً فقط كتبتل بعض المتبعدة في قلل الجبال وأجواف المغارات لجذب القلوب وجلب الهدايا وإما باطناً لا ظاهراً كأهل الإرشاد وهم عامة الأنبياء وبعض الأولياء إذ لا بد في إرشاد الخلق من مخالطتهم وإما ظاهراً وباطناً كبعض الأولياء الذين اختار والعزلة وسكنوا في المواضع الخالية عن الناس قال بعضهم السلوك إلى الله تعالى يكون بالتبتل ومعناه الإقبال على الله بملازمة الذكر والإعراض عن غيره بمخالفة الهوى وهذا هو السفر بالحركة المعنوية من جانب المسافر إلى جانب المسافر إليه وإن كان الله أقرب إلى العبد من حبل الوريد فإن مثال الطالب والمطلوب مثال صورة حاضرة مع مراءة لكن لا تتجلى فيها لصدأ في وجهها فمتى صقلتها تجلت فيها الصورة لا بارتحال الصورة إليها ولا بحركتها إلى جانب الصورة ولكن بزوال الحجاب فالحجاب في عين العبد وإلا فالله متجل بنوره غير خفي على أهل البصيرة وإن كان فرق بين تجل وتجل بحسب المحل ولذا قال عليه السلام ، إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة فتجلى العامة كتجلي صورة واحدة في مرائي كثيرة في حالة واحدة وتجلى الخاصة كتجلي صورة واحدة في مراءة واحدة وإليه الإشارة بقوله عليه السلام لي مع الله وقت إذ لا يخفى إن التجلي في ذلك الوقت مخصوص به عليه السلام لا يزاحمه غيره فيه.
يقول الفقير : إن في هذا المقام إشكالا وهو إنه عليه ال سلام إذا كان مستغرق الأوقات في الذكر دائم الانقطاع إلى الله على ما أفاده الآيتان فكيف يتأتى له السبح في النهار على ما أفصح عنه قوله تعالى : إن لك في النهار سبحاً طويلاً ولعل جوابه من وجوه الأول إن الأمر بالذكر الدائم والانقطاع الكلي من باب الترقي من الرخصة إلى العزيمة كما يقتضيه شأن إلا كامل والثاني إن السبح في النهار ليس من قبيل الواجب فله إن يختار التوكل على التقلب ويكون مستوعب الأوقات بالذكر والثالث أن الشغل الظاهر لا يقطع الكمل عن مراقبته تعالى كما قال تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وقال تعالى : الذين هم على صلاتهم دائمون والرابع إن ذلك بحسب اختلاف الأحوال وإلا شخاص فمن مشتغل ومن ذاكر والله أعلم بالمرام رب المشرق والمغرب} مرفوع على المدح أي هور بهما وخالقهما ومالكهما وما بينهما من كل شيء قال في "كشف الأسرار" يريد به جنس المشارق والمغارب في شتاء والصيف {لا إله إِلا هُوَ} استئناف لبان ربوبيه بنفي الألوهية عما سواه يعني هي معبودي نيست سزاورا عبادت مكر أو {فَاتَّخِذْهُ} لمصالح دينك ودنياك والفاء لترتيب الأمر وموجهب على اختصاص إلا لوهية والربوبية به تعالى {وَكِيلا} موكولاً ومفوضاً إليه لإصلاحها وإتمامها واسترح أنت.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
وفي التأويلات النجمية : رب مشرق الذات المطلقة عن حجب تعينات الأسماء والصفات ورب مغرب الصفات والأسماء لاستتاره باستتار حجب الصفات وهي حجب الذات وهو المتعين في جميع الموجودات فلا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً أي جرد نفسك عنك وعن
212
وجودك المجازي واتخذ وجوه الحقيقي مقام وجودك المجازي وامش جانبك هذا مثل ما قال المريد لشيخه أريد أن أحج على التجريد فقال له شيخه جرد نفسك ثم سر حيث شئت قال الامام القشيري رحمه الله إن الله هو المتولى لأحوال عباده يصرفهم على ما يشاء ويختار وإذا تولى أمر عبد بجميل العناية كفاه كل شغل وأناه عن كل غير فلا يستكثر العبد حوائه لعلمه إن مولاه كافيه ولهذا قيل من علامات التوحيد كثرة العيال على بساط التوكل.
(10/163)
(حكى) عن ممشاد الدينوري رحمه الله إنه قال كان علي دين فاهتممت به في بعض الليالي وضاق صدري فرأيت كأن قائلاً يقول لي أخذت هذا المقدار عليك الأخذ وعلينا العطاء ثم انتبهت ففتح لي ما قضيت به الدين ثم لم أحاسب بعد ذلك قصاباً ولا بقالاً ثم قال القشيري : اعلم أن من جعل المخلوق وكيلاً له فإنه يسأله الأجر وقد يوه في ماله وقد يخطىء في تصرفه أو يخفى عنه الأصوب والأرشد لصاحبه ومن رضي بالله وكيلاً أعطاه الأرض وحقق آماله واثني عليه ولطف به في دقائق أحواله بما لا يهتدي إليه أماله بتفاصيل سؤاله ومن جعل الله وكيلاً لزمه أيضاً إن يكون وكيلاًعلى نفسه في استحقاق حقوقه وفرائضه وكل ما يلزمه فيخاصم نفسه في ذلك ليلاً ونهاراً لا يفتر لحظة ولا يقصر طرفة قال الزورقي رحمه الله خاصية الاسم الوكيل نفي الحوائج والمصائب فمن خاف ريحاً أو صاعقة أو نحوهما فليكثر منه فإنه يصرف عنه السوء ويفتح له أبواب الخير والرزق {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} يعني قريشاً مما لا خير فيه من الخرافات والهذيانات في حق الله من الشريك والصاحبة والولد وف حقك من الساحر والشاعر والكاهن والمجنون وفي حق القرآن من إنه أساطير الأولين ونحو ذلك {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا} تأكيد للأمر بالصبراي واتركهم تركاً حسناً بأن تجانبهم بقلبك وهواك وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمورهم إلى ربهم كما أعرب عنه ما بعد الآية قال الراغب الهجر والهجران مفارقة الإنسان غيره أما بالبدن أو باللسان أو بالقلب وقوله تعالى : {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا} يحتمل للثلاثة ويدعو إلى تحريها ما أمكن مع تحري المجاملة قال الحكماء تسلح على الأعداء بحسن المداراة حتى تبصر فرصة.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
آسايش دوكيتي تفسير اين دو حرفست
با دوستان تلطف بادشمنان مدارا
وذرني والمكذبين} أي دعني وإياهم وكل أمرهم إلى فإني أكفيكهم وقد سبق في ن والقلم وقال بعضهم يجوز نصب المكذبين على المعية أي دعني معهم وهو الظاهر ويجوز على العطف أي دعني على أمري مما تقتضيه الحكمة ودع المكذبين بك وبالقرآن وهو أوفق للصناعة لأن النصب إنما يكون نصاً في الدلالة على المصاحبة إذا كان الفعل لازما وهنا الفعل متعد {أُوالِى النَّعْمَةِ} أرباب التنعم وبالفارسية خدا وندان نازوتن آساني.
صفة للمكذبين وهم صناديد قريش وكانوا أهل ترفه وتنعم لا سيما بني المغيرة والنعمة بفتح النون لتنعم وبكسرها الأنعام وما أنعم به عليك وبالضم السرور والتنعم استعمال ما فيه النعومة واللين من المأكولات والملبوسات وفي تاج المصادر التنعم
213
بناز زيستن.
وفيه إشارة إلى أن متعلق الذم ليس نفس النعمة والرزق بل التنعم بهما كان قال عليه السلام ، لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن والياً إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين وفيه تسلية للفقراء فإنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام {وَمَهِّلْهُمْ} التمهيل زمان دادن.
والمهل التؤدة والسكون يقال مهل في فعله وعمل في مهلة {قَلِيلا} أي زماناً قليلاً وأجلهم أجلاً يسيراً ولا تعجل فإن الله سيعذبهم في الآخرة إذ عمر الدنيا قليل وكل آت قريب ويدل على هذا المعنى ما بعد الآية من بيان عذاب الآخرة وقال الطبري كان بين نزول هذه الآية ووقعة بدر زمان يسير ولذا قيل إنها مدنية {الْحَيَواةَ الدُّنْيَا} في الآخرة وفيما هيأناه للعصاة من آلات العذاب وأسبابه وهو أولى من قول بعضهم في علمنا وتقديرنا لأن المقام مقام تهديد العصاة فوجود آلات العذاب بالفعل اشد تأثيراً على أن تلك الآلات صور الأعمال القبيحة ولا شك إن معاصري النبي عليه السلام من الكفار قد قدموا تلك الآلات بما فعلوا من السيئات {أَنكَالا} قيوداً ثقالاً يقيد بها أرجل المجرمين إهانة لهم وتعذيباً لا خوفاف من فرارهم جمع نكل بالكسر وهو القيد الثقيل والجملة تعليل للأمر من حيث إن تعداد ما عنده من أسباب التعذيب الشديد في حكم بيان اقتداره على الانتقام منهم فهم يتنعمون في الدنيا ولا يبالون وعند الله العزيز المنتقم في الآخرة أمور مضادة لتنعمهم {وَجَحِيمًا} وبالفارسية وآتشى عظيم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
(10/164)
وهي كل نار عظيمة في مهواة وفي الكشاف هي النار الشديدة الحر والاتقاد {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} هو ما ينشب في الحلق ويعلق من عظم وغيره فلا ينساغ أي طعاماً غير سائغ يأخذ بالحلق لا هو نازل ولا هو خارج كالضريع والزقوم وهما في الدنيا من النباتات والأشجار سمان قاتلان للحيوان الذي يأكلهما مستكرهان عند الناس فما ظنك بضريح جهنم وزقومها وهو في مقابلة الهنيء ولمريء لأهل الجنة وإنما ابتلوا بهما لأنهم أكلوا نعمة الله وكفروا بها {وَعَذَابًا أَلِيمًا} ونوعاً آخر من العذاب مؤلماً لا يقادر قدره ولا يدرك كنهه كما يدل عليه التنكير كل ذلك معدلهم ومرصد فالمراد بالعذاب سائر أنواع العذاب جاء في التفسير نه لما نزلت هذه الآية خر النبي عليه السلام مغشياً عليه وعن الحسن البصري قدس سره إنه أمسى صائماً فأتى طعام فعرضت له هذه ، الآية فقال أرفعه ووضع عنده الليلة الثانية فعرضت له فقال ارفعه وكذلك الثالثة فأخبر ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء فجاؤوا فلم يزالوا حتى شرب شربة من سويق.
اعلم أن أصناف العذاب الروحاني في الآخرة ثلاثة حرقة فرقة المشتهيات وخزي خجلة الفاضحات وحسرة فوت المحبوبات ثم ينتهي الأمر إلى مقاساة النار الجسمانية الحسية والخزى الذل والحقارة والخجلة التحير من الحياء والفاضح الكاشف عيب المجرم {يَوْمَ تَرْجُفُ الارْضُ وَالْجِبَالُ} ظرف للاستقرار الذي تعلق به لدينا والرجفة الزلزلة والزعزعة الشديدة أي تضطرب وتتزلزل بهيبة الله وجلاله ليكون علامة لمجيء القيامة وأمارة لجرين حكم الله في مؤاخذة العاصين أفرد الجبال بالذكر مع كونها من الأرض
214
لكونها أجساماً عظاماً أوتاداًا لها فإذا تزلزلت الأوتاد لم يبق للأرض قرار وأيضاً إن زلزلة العلويات أظهر من زلزلة السلفيات ومن زلزلتها تبلغ القلوب الحناجر خوفاً من الوقوع {وَكَانَتِ الْجِبَالُ} من شدة الرجفة مع صلابتها وارتفاعها {كَثِيبًا} في "القاموس" الكثيب التل من الرمل انتهى من كثب الثنى إذا جمعه كأنه فعقيل بمعنى مفعول في أصله ثم صار اسماً بالغلبة للرمل المجتمع {مَّهِيلا} أي كانت مثل رمل مجتمع هيل هيلا أي نثر واسيل بحيث لو حرك من أسفله أهال من أعلاه وسال لتفرق أجزائه كالعهن المنقوش ومثل وهذا الرمل يمر تحت الرجل ولا يتماسك فكونه متفرق الأزاء منثوراً سائلاً لا ينافي كونه رملاً مجتمعاً وبالفارسية كوههاى سخت ون ريك روان شد از هيبت آن روز.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
فقوله مهيلا اسم مفعول من هال يهيل وأصله مهيول كمبيع من باع لا فعيل من مهل يمهل وخص الجبال بالتشبيه بالكثيب الهيل لأن ذلك خاصة لها فإن الأرض تكون مقررة في مكانها بعد الرجفة دل عليه قوله تعالى : {وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا} والحاصل إن الأرض والجبال يدق بعضها ببعض كما قال تعالى : وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فترجع الجبال كثيباً مهيلاً ثم ينسفها الريح فتصير هباء منبثاً وتبقى الأرض مكانه ثم تبدل كما مر.
(10/165)
وفي التأويلات النجمية : يوم ترجف أرض البشرية وجبال الأنانية وكانت جبال أننية كل واحد رملاً منثوراً متفتتاً شبه التعينات الاعتبارية الموهومة بالرمل لسرعة زوالها وانتثارها إنا أرسلنا إليكم} يا أهل نمكة شروع في التخويف بأهوال الدنيا بعد تخويفهم بأهوال الآخرة {رَسُولا} هو محمد عليه السلام وكونه مرسلاً إليهم لا ينافي إرساله إلى من عداهم فإن مكة أم القرى فمن أرسل إلى أهل مكة فقد أرسل إلى أهل الدنيا جميعاً ولذا نص الله تعالى عليه بقوله وما أرسلناك إلاك افة للناس ليندفع أوهام أهل الوهم {شَـاهِدًا عَلَيْكُمْ} يشهد يوم القيامة بما صدر عنكم من الكفر والعصيان وكذا يشهد على يركم كما قال تعالى : {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـاؤُلاءِ شَهِيدًا} كما ارسلنا على فرعون رسولا هو موسى عليه السلام لأن هارون عليه السلام ردء له وتابع وعدم تعيينه لعدم دخله في التشبيه وتخصيص فرعون لأنه من رؤساء أولى النعمة المترفهين المتكبرين فبينه وبين قريش جهة جامعة ومشابهة حال ومناسبة سريرة {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} أي فعصى فرعون المعلوم حاله كبراً وتنعماً الرسول لذي أرسلناه إليه ومحل الكاف النصب على إنها صفة لمصدر محذوف أي إنا أرسلنا إليكم رسولاً فعصيتموه كما يعرب عنه قوله تعالى : [المزمل : 15]{شَـاهِدًا عَلَيْكُمْ} إرسالاً كائناً كما أرسنا إليكم رسولاً فعصيتموه كما يعرب عنه قوله تعالى : شاهداً عليكم إرسالاً كائناً كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصا بأن جحد رسالته ولم يؤمن به وفي إعادة فرعون والرسول مضهدين تفظيع لشأن عصيانه وإن ذلك لكونه عصيان الرسول لا لكونه عصيان موسى وفي ترك ذكر ملأ فرعون إشارة إلى أن كل واحد منهم كأنه فرعون في نفسه لتمرد فأخذناه} بسبب عصيانه {أَخْذًا وَبِيلا} ثقيلاً لا يطاق يعني بآتش غرق كرديم وازراه آب بآتش برديم.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
والوبيل الثقيل الغليظ ومنه الوابل للمطر العظيم والكلام خارج عن التشبيه
215
جيء به للتنبيه على إنه سيحيق بهؤلاء ما حاق بأولئك لا محالة {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} قال ابن الشيخ متب على الإرسال فالعصيان وكان الظاهر أن يقدم على قوله كما أرسلنا إلا أنه أخر زيادة في التهويل إذ علم من قوله فأذناه إنهم مأخوذون مثله وأشد فإذا قيل بعده فكيف تتقون كان ذلك زيادة كأنه قيل هبوا إنكم لا تؤخذون في الدنيا ذة فرعون وأمثاله فكيف تتقون أي تقون أنفسكم فاتقى ههنا مأخوذ بمعنى وقى المتعدى إلى مفعولين دل عليه قول الامام البيهي رحمه الله في تاج المصادر الاتقاء حذر كردن وخود رانكاه داشتن انتهى.
وافعل يجيء بمعنى فعل نص عليه الزمخشري في المفصل وإن كانت الأمثلة لا تساعده فإنه ليس وقى واتى مثل جذب واجتذب وخطف واختطف فتأمل {إِن كَفَرْتُمْ} أي بقيتم على الكفر {يَوْمًا} أي عذاب يوم فهو مفعول به لتتقون ويجوز أن يكون ظرفاً أي فكيف لكم بالتقوى والتوحيد في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا أي لا سبيل إليه لفوت وقته فاتقى على حاله وكذا إذا انتصب بكفرتم على تأويل جحدتم أي فكيف تتقون الله وتخشون عقابه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء {يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ} من شدة هوله وفظاعة ما فيه من الدواهي وهو صفة ليوما نسب الجعل إلى اليوم للمبالغة في شدته والأنفس اليوم لا تأثير له لبتة والولدان بالفارسية نوزادكان ازمادر.
جمع وليد يقال لمن قرب عهده بالولادة وإن كان في الأصل يصح إطلاقه على من قرب عهده بها ومن بعد {شِيبًا} شيوخاً يعني ير كندوموى سر ايان سفيد سازد.
جميع اشيب والشيب بياض الشعر وأصله أن يكون بضم الشين كحمر في جمع أحمر لأن الضم قتضي الواو فكسرت لأجل صيانة الياء فرقاً بين مثل سود وبين مثل بيض وجعلهم شيوخاً فيه وجوه.
(10/166)
الأول : إنه محمول على الحقيقة كما ذهب إليه بعض أهل التفسير ويؤيده ما قال في "الكشاف" وقد مر بي في بعض الكتب إن رجلاً أمسى فاحم العشر كحلك الغراب أي سواده وأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة بياضاً وهو بفتح الثاء المثلثة وبالغين المعجة نبت أبيض قال أريت القيامة والجنة والنار ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النار فمن هول ذلك أصبحت كما ترون وقال أحمد الدورقي مات رجل من جيراننا شاباً فرأيته في اللل وقد شاب فقلت وما قصتك قال دفن بشر في مقبرتنا فزفرت جهنم زفرة شاب منها كل من في المقبرة كما في فصل الخطاب وبشر المريسي ومريس قرية بمصر أخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي إلا أنه اشتغل بالكلام وقال بخلق القرآن وأضل خلقاً كثيراً ببغداد فإن قلت إيصال الألم والضرر إلى الصبيان يوم القيامة غير جائز بل هم لكونهم غير مكلفين معصومون محفوظون عن كل خطر قلت قد يكون في القيامة من هيبة المقام ما يجثوبه الأنبياء عليهم السلام على الركب فما ظنك بغيرهم من الأولياء والشيوخ والشبان والصبين وفي الآية مبالغة وهي إنه إذا كان ذلك اليوم يجعل الولدان شيباً وهم أبعد الناس من الشيخوخة لقرب عهد ولادتهم فغيرهم أولى بذلك وكذا في القصة السابقة فإن من شاب بمجرد الرؤي فكيف حاله في اليقظة وهو معاين من الأهوال ما يذوب تحته الجبال الرواسي.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
والثاني : إنه محمول
216
على التمثيل بأن شبه اليوم في شدة هوله بالزمان الذي يشيب الشبان لكثرة همومه وأهواله وأصله إن الهموم والأحزان إذا تفاقمت على المرء ضعفت قواه وأسرع فيه الشيب لأن كثرة الهموم توجب انعصار الروح إلى داخل القلب وذلك الانعصار يوجب انطفاء الحرارة الغريزية وضعفها وانطفاِا يوجب بقاء الأجزاء الغدائية غير تامة النضج وذلك يوجب بياض العشر ومسارعة الشيب بتقدير العزيز الحكيم كما يوجب تغير القلب تغير البشرة فتحصل الصفرة من لوجل والحمرة من الخجل والسواد من بعض الآلام وما على البدن من الشعر تابع للبدن فتغيره يوجب تغيره فثبت إن كثرة الهموم توجب مسارعة الشيب كما قيل :
دهتنا أمور تشيب الوليد
ويخذل فيها الصديق الصديق
فلما كان حصول الشيب من لوازم كثرة الهموم جعلوه كناية عن الشدة فجعل اليوم المذكور لولدان شيباً
عبارة عن كونه يوماً شديداً غاية الشدة وفي الحديث "يقول الله" : أي في يوم القيامة "يا آدم" خص آدم عليه السلام بهذا الخطاب لأنه أصل الجميع "فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك فيقول اخرج بعث النار" أي ميز ألها المبعوث إليها "قال وما بعث النار" أي عدده "قال الله تعالى من كل ألف تسعمائة تسعة وتسعون قال" أي النبي عليه السلام "فذلك" التقاول "حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها" قال ابن الملك اعلم أن الشيب والوضع ليسا على ظاهر هما إذ ليس في ذلك اليوم حبل ولا صغير بل هما كنايتان عن شدة أهوال يوم اليامة معناه لو تصورت الحوامل والصغار هنالك لوضعن أحمالهن ولشاب الصغار انتهى.
وفي بيانه نظر ستأتي الإشارة إليه في الوجه الثالث "وترى الناس سكارى" أي من الخوف "وما هم بسكارى" أي من الخمر "ولكن عذاب الله شديد".
والثالث : إنه محمول على الفرض والتقدير بأن يكون معناه إن ذلك اليوم بحال لو كان هناك صبي لشاب رأسه من الهيبة والدهشة وهذا الوجه غير موجه وإن ذهب إليه بعض من يعد من أجلة أهل التفسير إذ هو يشعر بأن يوم القيامة لا يكون فيه ولدان حقيقة وقد ثبت إنه يبعث يومئذٍ ولدان كثيرة ماتوا في الصغر وكذا من المقرران الحبلى تبعث حبلى ففي ذلك اليوم حبل وضغير نعم إذا دخلوا الجنة صاروا باء ثلاث وثلاثين.
والرابع : إنه يجوز ذلك وصفاً لليوم بالطول يعني على الكناية بأنه في طوله بحيث يبلغ الأطفال فيه أوان الشيخوخة والشيب وهو لا ينقضي بعد بل يمتد إلى حيث يكون مقداره خمسين ألف سنة فهو كناية عن اية الطول لا إنه تقدير حقيقي يعني أن هذا على عادة العرب في التعبير عن الطول على سبيل التمثيل كما يعبرون عن التأييد وعدم الانقطاع بقولهم ما ناحت حمامة وما لاح كوكب وما تعاقبت الأيام والشهور وفي الآية إشارة إلى النفس والهوى وعد نفوسهم من الله في يوم قيامة الفناء الذي يجعل ولدان أعمالهم السيئة القبيحة الخبيثة الخسيسة شيباً منهدمة متفانية {السَّمَآءَ} مبتدأ خبره قوله {مُنفَطِرُا بِهِ} أي منشق بسبب ذلك اليوم لأن الله تعالى مسبب الأسباب فيجوز أن يجعل شدة ذلك اليوم سبباً للانفطار.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
ذكر الله من هول ذلك اليوم أمرين الأول قوله تعالى : [المزمل : 17 ، 18]{يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا}
217
(10/167)
والثاني : قوله السماء منفطر به لأن السماء على عظمتها وقوتها إذا انشقت بسبب ذلك اليوم فما ظنك بغرها من الخلاق فالباء للسببية ، وهو الظاهر وتذكير الخبر لإجرائه على موصوف مذكر أي شي منفطر عبر عنها بذلك للتنبيه على إنه تبدلت حقيقتها وزال عنه اسمها ورسمها ولم يبق منها إلا ما يعبر عنه بالشيء وفي القاموس السماء معروف ويذكر ويجوز أن يكون الباء بمعنى في واليه ، ذهب المكي في قوت القلوب حيث قال حروف العوامل يقوم بعضها مقام بعض وهذا مثال قوله تعالى : السماء منفطر به أي فيه يعني في ذلك اليوم وقيل الباء للآلة والاستعانة مثلها في فطرت العود بالقدوم فانفطر به يعني إن السماء ينفطر بشدة ذلك ليوم وهو له كما ينفطر الشيء بما يفطر به قال بعضهم اتخاذ الآلة والاستعانة لا يليق بناب الله تعالى ولا يناسب ذات السماء أيضاً كان وعده مفعولاً} الضميروإن لم يجر له ذكر للعلم به والمصدر مضاف إلى فاعله أي كان وعده تعالى أي يكون يوم القيامة على ما وصف من الشدائد كائناً متحققاً لأنه يخلف الميعاد فلا يجوز لعاقل أن يرتاب فيه أو الضمير لليوم ولمصدر مضاف إلى مفعوله والفاعل وهو الله مقدر قال في "الصحاح" الوعد يستعمل في الخير والشر فإذا أسقطوا الخير والشر قالوا في الخير الوعد والعدة وفي الشر الإيعاد والوعيد {إِنَّ هَـاذِهِ} إشارة إلى الآيات المنطوية على القوارع المذكورة وهي من قوله إن لدينا إنكالاً إلى هنا {تَذْكِرَةٌ} موعظة لمن يريد الخير لنفسه والاستعداد لربه وبالفارسية ندى وعبرتيست.
قيل القرآن موعظة للمتقين وطريق للسالكين ونجاة للهالكين وبيان للمستبصرين وشفاء للمتحيرين وأمان للخائفين وأنس للمريدين ونور لقلوب العارفين وهدى لمن أراد الطريق إلى رب العالمين {فَمَن شَآءَ} من الملكفين.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
يعني س هركه خواهد ازمكلفان {اتَّخَذَ إِلَى رَبِّه سَبِيلا} بالتقرب إليه بالإيمان والطاعة فإنه المنهاج الموصل إلى مرضاته ومقام قربه {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَىِ الَّيْلِ} أي أقل منهما فإطلاق الأدنى على الأقل مجاز مرسل من قبيل إطلاق الملزوم على اللازم ما إن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز والحدود وإذا بعدت كثر ذلك روى إنه تعالى افترض قيام اللل في أول هذه السورة فقام النبي عليه السلام وأصحابه حولاً مع مشقة عظيمة من حيث إنه يعسر عليهم تمييز القدر الواجب حتى قام أكثر الصحابة الليل كله خوفاً من الخطأ في إصابة المقدار المفروض وصاروا بحيث انتفخت أقدامهم واصفرت ألوانهم وأمسك الله خاتمة السورة من قوله إن ربك الخل اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر السورة التخفيف فنسخ تقدير القيام بالمقادير المذكورة مع بقاء فرضية أصل التهجد حسبما تيسر ثم نسخ نفس الوجود أيضاً بالصلوات الخمس لما روى إن الزيادة على الصلوات الخمس زيادة {وَنِصْفَه وَثُلُثَهُ} بالنصب عطفاً على أدنى والثلث أحد أجزاء الثلثة والجمع أثلاث أي ك تقوم أقل من ثلثي الليل وتقوم من نصفه وثلثه {وَطَآاـاِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ} مروفع معطوف على الضمير في تقوم وجاز ذلك للفصل بينهما أي ويقوم معك طائفة من أصحابك ومن تبينية فلا دلالة فيه على أن قيام الليل لم يكن فرضاً على الجميع وحاصل المعنى يتابعك طائفة في قيام الليل وهم أصحابك وفيه وعدلهم بالإحسان
218
إليهم كما تقول لأحد إذا أردت لوعد له أعلم ما فعلت لي وفي قوت القلوب قد قرن الله تعالى قوام الليل برسوله المصطفى عليه السلام ، وجمعهم معه في شكر المعاملة وحسن الجزاء.
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى انسلاخ رسول القلب عن ليل طبيعته في أكثر الأوقات بالتوجه إلى الله والإعراض عن النفس إلا في أوقات قلائل وذلك لحكمة مقتضية للحجاب فإن الحجاب رحمة كما قيل لولا الحجاب ما عرف الآله وطائفة من الذين مع رسول القلب من القوى الروحانية والأعضاء والجوارح {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ} وحده لا يقدر على تقديرهما ومعرفة مقادير ساعاتهما وأوقاتهما أحد أصلاً فإن تقديم الاسم الجليل مبتدأ وبناء يقدر عليه موجب للاختصاص قطعاً والتقدير بالفارسية اندازه كردن يعني وخداي تعالى اندازه ميكند شب وروز را وميداند مقادير ساعات آن.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
(10/168)
قال الراغب : التقدير تبيين كمية الشيء وقوله تعالى : [الأحزاب : 37-52]{وَاللَّهُ} الخ إشارة إلى ما أجرى من تكوير الليل على النهار وتكوير النهار على الليل على إدخال هذا في هذا أوان ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حق العبادة منهما في وقت معلوم والحاصل إن العالم بمقادير ساعات الليل والنهار على حقائقها هو الله وأتنم تعلمون ذلك بالتحري والاجتهاد الذي يقع فيه الخطأ فربما يقع منكم الخطأ في إصابتها فتقومون أقل من المقادير المذكورة ولذا قال علم} الله {إِنْ} أي إن الشأن {لَّن تُحْصُوهُ} لن تقدروا على تقدير الأوقات على حقائقها ولن تستطيعوا ضبط الساعات أبداً فالضمير عائد إلى المصدر المفهوم من يقدر قال في تاج المصادر الإحصاء دانستن وشمردن بر سبيل استقصا وتوانستن.
قال الراغب : الإحصاء التحصيل بالعدد وروى استقيموا ولن تحصوا أي لن تحصلوا ذلك لأن الحق واحد والباطل كثير بل الحق بالإضافة إلى الباطل كالنقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدائرة وكالمرمى من الهدف وإصابة ذلك شديدة واحتج بعضهم بهذه الآية على وقوع تكليف ما لا يطاق فإنه تعالى قال لن تحصوه أي لن تطيقوه ثم إنه كلفهم بتقدير الساعات والقيام فيها حيث قال : {قُمِ الَّيْلَ} الخ ويمكن أن يجاب عنه بأن المراد صعوبته لا إنهم لا يقدرون عليه أصلاً كما يقال لا أطيق أن أنظر إلى فلان إذا استثقل النظر إليه.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
وفي التأويلات النجمية : يعني السلوك من ليل الطبيعة إلى نهار الحقيقة بتقدير الله لا بتقدير السالك علم أن لن تقدروا على مدة ذلك السلوك بالوصول إلى الله إذا لوصول مترتب على فضل الله ورحمته لا على سلوككم وسيركم فكم من سالك انقطع في الطريق ورجع القهقري ولم يصل كما قيل ليس كل من سلك وصل ولا كل من وصل اتصل ولا كل من اتصل اتفصل فتاب عليكم} بلترخيص على ترك القيام المقدر ورفع التبعة عن التائب ثم استعمل لفظ المشبه به في المشبه ثم اشتق منه فتاب أي فرخص والتبعة ما يترتب على الشيء من المضرة {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ} أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل غير مقدرة بكونها في ثلث الليل أو نحوه ولو قدر حلب شاة فهذا كون أربع ركعات وقد يكون ركعتين عبر عن الصلاة بالقراءة كما عبر عنها بسائر أركانها على طريق إطلاق اسم الجزء على الكل مجازاً مرسلاً فتبين أن التهجد كان واجباً على التخيير المذكور فعسر عليهم القيام به فنسخ بهذه
219
(10/169)
الآية ثم نسخ نفس الوجوب المفهوم منها بالصلوات الخمس على ما سبق وفيه تفضيل صلاة الليل على سائر التطوعات فإن التطوع بما كان فرضاً في وقت ثم نسخ أفضل من التطوع بما لم يكن فرضاً أصلاً كما قالوا صوم يوم عاشوراء أفضل لكونه فرض قبل فرضية رمضان وفي الحديث ليصل أحدكم من الليل ما تيسر فإذا غلب عليه النوم فليرقد وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يكره النوم قاعداً وعنه عليه السلام عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم وهذا الحديث يدل على أن قيام الليل لم يكن فرضاً على المتقدمين من الأنبياء وأممهم بل كان من شعار صلاحهم وعن عليه السلام إن الله ليبغض كل جعظرى جواظ سخاب بالأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة والجعظري الفظ الغليظ والجواظك شداد الضخم المختار والكثير الكلام ولجموع الممنوع والمتكبر الجافي والسخاب من السخب وهو محركة شدة الصوت سخب كفرح فهو سخاب وأقل الاستحباب من قيام الليل سدسه سواء كان متوالياً أو قام جزأ ثم نام نومة أخرى ثم قام قياماً ثانياً لأنه عليه السلام لم يقم ليلة قط حتى أصبح بل كان ينام فيها ولم ينم ليلة قط بل كان يقوم فيها وبأي ورد أحيى الليل فقد دخل في أهل الليل وله معهم نصيب ومن أحيى أكثر ليلة أو نصفها كتب له إحياء ليلة جميعها ويتصدق عليه بما بقي منها كذا في قوت القلوب وقيل المراد بالآية قراءة القرآن بعينها فتكون على حقيقتها فالمعنى إن شق عليكم القيم فقد رخص في تركه فاقرأوا ما تيسر من القرآن من غير توقيت لصلاة فإنه لا يشق وتنالون بقراءته خارج الصلاة ثواب القيام فالأمر للندب وفي الحديث : "من قرأ في ليلة مائة آية لم يحاجه القرآن قال الطيبي : في قوله لم يحاجه القرآن إن قراءته لازمة لكل إنسان واجبة عليه فإذا لم يقرأ يخاصمه الله ويغلبه بالحجة فإسناد المحاجة إلى القرآن مجاز ويفهم م كلامه إن قراءته مقدار مائة آية في كل ليلة واجبة بها يخلص من المحاجة وعنه عليه السلام من قرأ بالآيتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه والمراد آمن الرسول الخ يعني اغتناه عن قيام الليل أو حفظتاه من كل شر وسوء وعنه عليه السلام أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن قالوا وكيف يقرأ ثلث القرآن قال قل هو الله أحد تعدل ثلث القررٌّ ومن ذلك قالوا إن قراءة الإخلاص ثلاث مرات تقوم مقام ختمة وأطول الآي أفضلها لكثرة الحروف وإن اقتصر عى قصار الآي عند فتوره أدرك الفضل إن حصل العدد كذا في "قوت القلوب".
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
وفي التأويلات النجمية : في إشارة الآية يعني أجمعوا واحفظوا في قلوبكم الصافية عن كدورات النفس والهوى ما يظهر عليها لاستعداداتكم من الحقائق والدقائق والعوارف والمعارف ولا تفشوها إلى غير أهلها فينكروا عليكم فيرمكم بالكف والزندقة والإلحاد والاتحاد فإن حقائقه ودقائقه من المكنونان الإلهية {عِلْمٌا إِنَّ} أي إن شأن {سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى} استئناف مبين لحكمة أخرى داعية إلى الترخيص والتخفيف مرضاً جمع مريض والمرض الحروج عن الاعتدال الخاض بالإنسان وفيه إشارة إلى مرضى القلوب بحجب الأنانية والاشتغال
220
بحب الدنيا وشهواتها فإنه لا يظهر عليها من أسرار القرآن وحقائقه شيء.
نانه شيخ سنائي كويد
عجب نبو دكرز قرآن نصيبت نيست جز حرفى
كه از خورشيد جز كرمى نيابد شم نابينا
كتاب تفسير روح البيان ج10 من ص221 حتى ص229 رقم23
عروس حضرت قرآن نقاب آنكه براندازد
كه دار املك ايما نرا مجرد يابداز غوغا
(10/170)
{وَءَاخَرُونَ} عطف على مرضى {يَضْرِبُونَ فِى الأرْضِ} صفة آرون أي يسافرون فيها للتجارة من ضرب في الأرض سافر فيها ابتغاء الرزق قال لراغب الضرب في الأرض الذهاب فيها وهو بالأرجل {يَبْتَغُونَ} الابتغاء جستن {مِن فَضْلِ اللَّهِ} وهو الربح وفيه تصريح بما علم لتزاماً وبيان أن ما حصلوه من الرزق من فضل الله ومحل يبتغون حال من ضمير يضربون وقد عم ابتغاء الفضل تحصل العلم فإنه من أفضل المكاسب وفيه إن معلم الخير وهو رسول الله عليه السلام كان حاضراً عندهم وقت نزول الآية فأين يذهبون إلا أن يجعل آخر السورة مدنياً فقد كانوا يهاجرون من مكة إلى المدينة لطلب العلم وأيضاً هذا بالنسبة إلى خصوص الخطاب وإما بالنسبة إلى أهل القرن الثاني فبقاء الحكم يوقعهم في الحرج وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه إنه قال حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة وأفضل من شهود ألف جنزة ومن عيادة ألف مريض قيل ومن قراءة القرآن قال وهل تنفع قراءة القرآن بلا عمل {إِنَّ رَبَّكَ} الأعداء {فِى سَبِيلِ اللَّهِ} عطف على مرضى أيضاً ويقاتلون صفته وسبيل الله ما يوصل إلى الأجر عند الله كالجهاد وفيه تنبيه على إنه سيؤذن لهم في القتال مع الأعداء سوى الله في هذه الآية بين درجة المجاهدين في سبيل الله ومكتسبين للمال الحلال للنفقة على نفسه وعياله والإحسن إلى ذوي الحاجات حيث جمع نبيهما قول على أن التجارة بمنزلة الجهاد وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أيما رجل جلب شيئاً من مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباًفباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} أي وإذا كان الأمر كما ذكر وتعاضد الدواعي إلى الترخيص فاقرأوا ما تيسر من القرآن من غير تحمل المشاق فإن قيل كيف ثقل قيام الليل على الأصحاب رضي الله عنهم وقد خف على كثير من التابعين حتى كانوا يقومون إلى طلوع الفجر منهم الامام أبو حنيفة وسعيد بن المسيب وفضيل بن عياش وأبو سليمان اداراني ومالك بن دينار وعلي بن بكار وغيرهم حتى قال علي بن بكار الشامي منذ أربعين سنة لم يحزني شيء إلا طلوع الفجر قلت الثقلة لم تكن في قيامه بل في محافظة القدر الفروض كما سبق على إنه لا بعد في يثقل عليهم قبل التعذر بذلك ثم كان من ر بعضهم إنه ختم القرآن في ركعة واحدة كعثمان وتميم الداري رضي الله عنهما {وَإِذْ أَخَذْنَا} المفروضة {وَإِذْ أَخَذْنَا} الواجبة وقيل هي زكاة الفطر إذا لم يكن بمكة زكاة غيرها وإنما وجبت بعدها ومن فسرها بالزكاة المفروضة جعل آخر السورة مدنياً وذلك أن تجعلها من باب ما تأخر حكمه
221
عن نزوله ففيه دلالة على أنه سينجز وعده لرسوله ويقيم دينه ويظهره حتى تفرض الزكاة وتؤدي {وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} وقرض دهيد خدايرا قرض نيكو.
والقرض ضرب من القطع وسمى ما يدفع إلى الإنسان من المال بشرط رد بدله قرضاً لأنه مقروض مقطوع من ماله أريد به الانفاقات في سبيل الخيرات غير المفروض فإنها كالفرض الذي لا خلف في أدائه وفيه حث على التطوع كما قال عليه السلام : "إن في المال حقاً سوى الزكاة على أحسن وجه" وهو إخراجها من أطيب الأموال وأكثرها نفعاً للفقراء بحسن النية وصفاء الباء إلى أخوج الصلحاء وجه هذا التفسير هو أن قوله وآتوا الزكاة أمر بمرجد إعطائها على أي وجه كان وقوله وأقرضوا الله قرضاً حسناً ليس كذلك بل هو أمر بالإعطاء المقيدبكونه حسناً وتسمية الإنفاق لوجه الله أقراضاً استعارة تشبيهاً له بالإقراض من يحث إنما أنفقه يعود عليه مع زيادة وقال بعضهم هو قول سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله والله أكبر والنفقة في سبيل الله كما قال عمر رضي الله عنه أو النفقة على الأهل وفي الحديث ما أطعم المسلم نفسه وأهل بيته فهو له صدقة أي يؤجر عليه بحسن نيته ثم ههنا أمر غامض وهو أنه روى الامام الغزالي رحمه الله عن القاضي الباقلاني إن ادعاء البراءة من الغرض بالكلية كفر لأن التنزه خاصة إلهية لا يتصور الإشراك فيها فلعل ما يقال إن العبد ليبلغ إلى درجة بعمل ما يعمل لا لغرض بل لرضى الله أو لامتثال أمره فقط إنما هو من الغفلة عن غرض خفي هل هو غرض جلي لكنه مراد على.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
(10/171)
يقول الفقير : هذا وارد على أهل الإرادة وإما أهل الفناء عن الإرادة وهم أل النهاية الأكملون فلا غرض لهم أصلاً ورهم عجيب لا يعرفه إلا أمثالهم أو من عرفه الله بشأنهم {وَمَآ} شرطية {تُقَدِّمُوا لانفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ} أي خير كان مما ذكر وما لم يذكر {تَجِدُوهُ} جواب الشرط ولذا جزم {عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت وفي كشف الأسرار تجدوا ثوابه خيراً لكم من متاع الدنيا وأعظم أجراً لأن الله يعطي المؤمن أجره بغير حساب قوله خيراً ثاني مفعولي تجدوا وهو تأكيد للمفعول الأول لتجدوه وفصل بينه وبين المفعول الثاني وإن لم يقع بين معرفتين فإن أفعل في حكم المعرفة ولذلك يمتنع من حرف التعريف وقوله وأعظم عطف على خيراً وأجراً تمييز عن سنبة الفاعل والأجر ما يعود من ثواب العمل دنيوياً كان أو أخروياً وقال بعضهم المشهور إن وجد إذا كان بمعنى صادف يتعدى إلى مفعول واحد وهو ههنا بمعناه لا بمعنى علم فلا بعد إن يكون خيراً حالاً من الضمير وفي الحديث اعلموا إن كل امرىء على ما قدم قادم وعلى ما خلف نادم وعنه عليه اسلام إن العبد إذا مات قال الإنسان ما خلف وقالت الملائكة ما قدم ومر عمر رضي الله عنه ببقيع الغرقداى مقبرة المذدينة لأنها كانت منبت الغرقد وهو بالغين المعجمة شجر فقال السلام عليكم أهل القبور بار ما عندنا إن نساءكم قد تزوجن ودوركم قد سكنت وأموالكم قد قسمت فأجابه هاتف يا ابن الخطاب أخبار ما عندنا إن ما قدمناه وجدناه وما أنفقناه فقد ربحناه وما خلفنا فقد خسرنا
222
قدم لنفسك قبل موتك صالحاً
واعمل فليس إلى الخلود سبيل
(وروى) عن عمر رضي الله عنه إنه اتخذ حيسا يعني تمرا بلبن فجاءه مسكين فأخذه ودفعه إليه فقال بعضهم ما يدري هذا المسكين ما هذا فقال عمر لكن رب المسكين يدري ما هو فكأنه قال وما تقدموا الخ.
تونيكى كن بآب اندازاى شاه
اكر ما هي نداند داند الله
{وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} أي سلوا الله المغفرة لذنوبكم في جميع أوقاتكم وكافة أحوالكم فإن الإنسان قلما يخلوه عن تفريط وكان السلف الصالح يصلون إلى طلوع الفجر ثم يجلسون للاستغفار إلى صلاة الصبح واستحب الاستغفار على الأسماء من القرآن مثل أن يقول استغفر الله إنه كان تواباً استغفر الله إن الله غفور رحيم استغفر الله إنه كان غفاراً رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين واغفر لنا وأرحمنا وأنت خير الغافرين {أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} يغفر ما دون أن يشرك به {رَّحِيمٌ} يبدل السيئات حسنات وفي عين المعاني غفور يستر على أهل الجهل والتقصير رحيم يخفف عن أهل الجهل والتوفير ومن عرف إنه الغفور الذي لا يعاظمه ذنب يعفره أكثر من الاستغفار وه وطلب المغفرة ثم إن كان مع الانكسار فهو صحيح وإن كان مع التوبة فهو كامل وإن كان عرياً عنهما فهو باطل ومن كتب سيد الاستغفار وجرعه لمن صعب عليه الموت انطلق لسانه وسهل عليه الموت وقد جرب مراراً وسيد الاستغفار قوله اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
جزء : 10 رقم الصفحة : 203
تفسير سورة المدثر
مكية وآيها ست وثلاثون
جزء : 10 رقم الصفحة : 222
يا اأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} بتشديدين أصله المتدثر وهو لابس الدثار وهو ما يلبس فوق الشعاب الذي يلي الجسد ومنه قولع عليه السلام الأنصار شعار والناس دثار وفيه إشارة إلى أن الولاية كالشعار من حيث تعلقها بالباطن والنبوة كالدثار من حيث تعلقها بالظاهر ولذلك خوطب عليه السلام في مقام الإنذار بالمدثر.
(
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
روى) : عن جابر رضي الله عنه عن النبي عليه السلام إنه قال كنتب عى جبل حراء فنوديت يا محمد إنك رسول الله فنظرت عن يميني وعن يساري ولم أر شيئاً فنظرت فوقى فإذا به قاعد عى عرش بين السماء والأرض يعني الملك الذي ناداه فرعبت ورجعت إلى خديجة رضي الله عنها فقلت دثروني دثروني وصبوا على ماء بارداً فنزل جبريل وقال يا اأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} يعني إنه إنما تدثر بناءً على اقشعرار جلده وارتعاد فرائصه رعبا من الملك النازل من يحث إنه رأى ما لم يره قبل
223(10/172)
ولم يستأنس به بعد فظن به مسامن الجن فخاف على نفسه لذلك وذكر حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر أن التدثر إنما يكون من البرودة التي تحصل عقيب الوحي وذلك إن الملك إذا ورد على النبي عليه السلام بعلم أو حكم يلقى ذلك الروح الإنسان وعند ذلك تشتعل الحرارة الغريزية فيتغير الوجه وتنقل الروطوبات إلى سطح البدن لاستيلاء الحرارة فيكون من ذلك العرق فإذا سرى عنه ذلك سكن المزاج وانقشعت تلك الحرارة ونفتحت تلك المسام وقبل الجسم الهواء من خارج فيتخلل اجسم فيبرد المزاج فتأخذه القشعريرة فتزاد عليه الثياب ليسخن انتهى.
وقرر بعضهم هذا المقام على غير ما ذكرك ما قال في كشف الأسرار وتفسير الكاشفي جابر بن عبد الله رضي الله عنه نقل مكيند از رسول الله درزمان فترت وحي برهى ميرفتم ناكاه از آسمان آوازي شنيدم شم بالاكردم ديدم همان ملك كه درغار حرا بمن آمده بود بركرسى نسته ميان زمين وآسمان ازسطوت وهيأت وعظمت وهيكل أو خوفي برمن طاري شدبخانه بازكشتم وكفتم مرا بوشانيد جامها برمن وشيدند ومن در انديشه آن حال بودم كه حضرت عزت جل شائه وحي فرستادكه يا أيها المدثر.
وقال السهيل رحمه الله كان عليه السلام متدثراً بثيابه حين فزع من هول الوحي أول نزوله قال دثروني دثروني فقال له ربه يا أيها المدثر ولم يقل يا محمد ولا يا فلان ليستشعر اللين والملاطفة من ربه كما تقدم في المزمل وفائدة أخرى مشاكلة الآية بما بعدها ووجه المشاكلة بين أول الكلام وبين قوله قم فأنذر خفي إلا بعد التأمل والمرعفة بقوله عليه السلام : إني أنا النذير العريان ومعنى النذير العريان الجاد المشمر وكان النذير من العرب إذا اجتهد جرد ثوبه وأشار به مع الصياح تأكيداً في الإنذار والتحذير وقد قيل أيضاً إن أصل قولهم النذير العريان إن رجلاً من خثعم وهو كجعفر جبل وأهل خثعميون وابن إنما رابو قبيلة من معد كما في القاموس أخذه العدو فقطعوا يده وجردوا ثيابه فأفلت إلى قومه نذيراً لهم وهو عريان فقيل لكل مجتهد في الإنذار والتويف النذير العريان فء5ا ثبت هذا فقد تشاكل الكلام بعضه ببعض فأمر المتدثر بالثياب مضاف إلى معنى النذير العريان ومقابل ومرتبط به لفظاً ومعنى قم} أي من مضجعك يعني خوابكاه {فَأَنذِرْ} الناس جميعاً من عذاب الله إن لم يؤمنوا لأنه عليه السلام مرسل إلى الناس كافة فلم تكن ملة من الملل إلا وقد بلغتها دعوته وقرعها انداره وافرد الإنذار بالذكر مع إنه أرسل بشيراً أيضاً لأن التخلية بالمعجمة قبل التحلية بالمهملة وكان الناس عاصين مستحقين للتخويف فكان أول الأمر هو الإنذار.
جزء : 10 رقم الصفحة : 223
يقول الفقير أمده الله القدير بالفيض الكثير خوطبت بقوله {قُمْ فَأَنذِرْ} وأنا متوجه مراقب عند الرأس الشريف في الحرم النبوي فحصل لي اضطراب عظيم وحيرة كبرى من سطوة الخطاب الإلهي وغلبني الارتعاد وظننت إني مأمور بالإنذار الظاهري في ذلك القمام لما أن أكثر الناس كانوا يسيئون الأدب في ذلك الحرم حتى إن بكيت مرة بكاء شديداً من غلبة الغيرة فقبل لي أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصرهم ثم إني عرفت بإلهام من الله تعالى إني رسول نفسي لا غير مأمور بتزكيتها وإصلاح قواها ومن الله الإعانة على ذلك
224
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} وخصص ربك بالتكبير وهو صوفه تعالى بالكبرياء اعتقاداً وقولاً وعظمة عما يقول فيه عبدة الأثوان وسائر الظالمين ويروى إنه لما نزل قال رسول الله عليه السلام الله أكبر فكبرت خديجة أيضاً وفرحت وأيقنت إنه الوحي لأن الشيطن لاي أمر بالتكبير ونحوه ودخل فيه تبكير الصلاة وإن لم يكن في أوائل لنبوة صلاة وذلك لأن الصلاة عبارة عن أوضاع وهيئات كلها تعطي التقييد والله منزه عن جميع التعينات فلزم التكبير فيها لأن وجه الله يحاذى وجه العبد حينئذٍ على ما ورد في الخبر الصيح والفاء لمعنى الشرط كأنه قيل ما كان أي أي شيء حدث فلا تدع تكبيره ووصفه بالكبرياء أو للدلالة على أن المقصود الأول من الأمر بالقيام أن يبكر رب وينزهه عن الشكر فإن أول ما يجب معرفة الصانع ثم تنزيهه عما لا يليق بجنابه فالفاء على هذا تعقيبيه لا جزائية.
(10/173)