اى كريمى كه از خزانه غيب
كبر وترسا وظيفه خوردارى
دوستانرا كجا كنى محروم
توكه بادشمنان نظر دارى
وإنه سبحانه لا يسأل من العباد إلا التوحيد والتقوى والتوكل فإنما الرزق على الله الكريم وقد قدر سبحانه مقادير الخلق فبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وما قدر في الخلق والرزق والأجل لا يتبدل بقصد القاصدين ألا ترى إلى الوحوش والطيور لا تدخر شيئاً إلى الغد تغدو خماصاً وتروح بطاناً أي ممتلئة البطون والحواصل لاتكالها على الله تعالى بما وصل إلى قلوبها من نور معرفة خالقها فكيف يهتم الإنسان لأجل رزقه وأجله ويدخر شيئاً لغده ولا يعرف
489
حقيقة رزقه وأجله فربما يأكل ذخيرته غيره ولا يصل إلى غده ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئاً لغد إذ الأرزاق مجددة كالأنفاس المجددة في كل لمحة والرزق يطلب الرجل كما يطلبه أجله (خواجه عالم صلى الله عليه وسلم فرموده كه اى مردم رزق قسمت كرده شده است تجاوز نمى كند ازمرد آنجه از براى وى نوشته شده است بس خوبى كنيد در طلب روزى يعني بطاعت جوييد نه بمعصيت اى مردم در قناعت فراخى است ودرميانه رفتن واندازه بكار داشتن بسندكي زكفايت است درزهد راحت است وخفت حساب وهر عملي را جزاييست وكل آت قريب) : قال المولى الجامي :
جزء : 6 رقم الصفحة : 488
درين خرابه مكش بهر كنج غصه ورنج
جونقد وقت توشد فقر خاك برسر كنج
بقصر عشرت وايوان عيش شاهان بين
كه زاغ نغمه سرا كشت وجفدقا فيه سنج
وعن بعضهم قال : كنت أنا وصاحب لي نتعبد في بعض الجبال وكان صاحبي بعيداً مني فجاءني يوماً وقال : قد نزل بقربنا بدو فقم نمش إليهم لعله يحصل لنا منهم شيء من لبن غيره فامتنعت فلم يزل يلح علي حتى وافقته فذهبنا إليهم فأطعمونا من طعامهم ورجعنا وعاد كل واحد منا إلى مكانه الذي كان فيه ثم إني انتظرت الظبية في الوقت الذي كانت تأتيني فيه فلم تأتني ثم انتظرتها بعد ذلك فلم تأتني فانقطعت عني فعرفت أن ذلك بشؤم ذنبي الذي أحدثته بعد أن كنت مستغنياً بلبنها وهذا الذنب الذي ذكر ثلاثة أشياء أحدها خروجه من التوكل الذي كان دخل فيه والثاني طمعه وعدم قناعته بالرزق الذي كان مستغنياً به والثالث أكله طعاماً خبيثاً فحرم رزقاً حلالاً طيباً محضاً أخرجته القدرة الإلهية من باب العدم وأدخلته من باب الإيجاد بمحض الجود والكرم آتياً من طريق باب خرق العادة كرامة لولي من أوليائه أولى السعادة ذكره اليافعي في الرياض.
جزء : 6 رقم الصفحة : 488
{وَمَا هَـاذِهِ الْحَيَواةُ الدُّنْيَآ} إشارة تحقير للدنيا وكيف لا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة : والمعنى بالفارسية : (ونيست أين زنكانىء دنيا).
قال الإمام الراغب : الحياة باعتبار الدنيا والآخرة ضربان الحياة الدنيا والحياة الآخرة فهي إشارة إلى أن الحياة الدنيا بمعنى الحياة الأولى بقرينة المقابلة بالآخرة فإنه قد يعبر بالأدنى عن الأول المقابل للآخر والمراد بالحياة الأولى ما قبل الموت لدنوه أي قربه وبالآخرة ما بعد الموت لتأخره {إِلا لَهْوٌ} وهو ما يلهي الإنسان ويشغله عما يعنيه ويهمه والملاهي آلات اللهو {وَلَعِبٌ} يقال : لعب فلان إذا لم يقصد بفعله مقصداً صحيحاً.
قال الكاشفي : {إِلا لَهْوٌ} (مكر مشغولي وبيكاري ولعب وبازي يعني درسرعت انقضا وزوال ببازى كود كان مى ماندكه يكجا جمع آيند وساعتي بدان متهج كردند واندك زمانى را ملول ومانده كشته متفرق شوند وجه زيبا كفته است) :
بازيجه ايست طفل قريب اين متاع دهر
بى عقل مردمان كه بدين مبتلا سوند
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن هذه الحياة التي يعيش بها المرء في الدنيا بالنسبة إلى الحياة التي يعيش بها أهل الآخرة في الآخرة وجوار الحق تعالى لهو ولعب وإنما شبهها باللهو واللعب لمعنيين :
أحدهما : أن أمر اللهو واللعب سريع الانقضاء لا يداوم عليه فالمعنى : إن الدنيا وزينتها وشهواتها لظل زائل لا يكون له بقاء فلا تصلح
490
لاطمئنان القلب بها والركون إليها.
جزء : 6 رقم الصفحة : 490
والثاني : إن اللهو واللعب من شأن الصبيان والسفهاء دون العقلاء وذوي الأحلام ولهذا كان النبي عليه السلام يقول : "ما أنا من دد ولا الدد مني" والدد اللهو واللعب فالعاقل يصون نفسه منه انتهى.
قال في "كشف الأسرار" : فإن قيل : لم سماها لهواً ولعباً وقد خلقها لحكمة ومصلحة؟ قلنا : إنه بنى الخطاب على الأعم الأغلب وذلك أن غرض أكثر الناس من الدنيا اللهو واللعب انتهى ورد في الخبر النبوي حين سئل عن الدنيا فقال : "دنياك ما يشغلك عن ربك" : وفي المثنوي :
جيست دنيا از خدا غافل شدن
نى نقره فرزند وزنمال را كر بهر دين باشي حمول
نعم مال صالح خواندش رسول
آب در كشتى هلاك كشتى ايت
آب اندر زيركشتى بشتى است
جونكه مال وملك را ازدل براند
زان سليمان خويش جز مسكين نخواند
كوزه سربسته اندر آب رفت
از دل بر باد فوق آب رفت
باد درويشى جو در باطن بود
(6/355)
بر سر آب جهان ساكن بود
كرجه جمله اين ملك ويست
ملك درحشم دل اولا شى است
قيل : الشر كله في بيت واحد ومفتاحه حب الدنيا وما أحسن من شبهها بخيال الظل حيث قال :
رأيت الخيال الظل أعظم عبرة
لمن كان في علم الحقائق راقي
شخوص وأصوات يخالف بعضها
لبعض وأشكال بغير وفاق
تمر وتقضي أوبة بعد أوبة
وتفني جميعاً والمحرك باقي
ومن إشارات "المثنوي" ما قال :
اى دريده بوستين يوسفان
كرك بر هيزي ازين خواب كرانكشته كركان يك بيك خواهاى تو
درانند از غضب اعضاى تو
خون نخسبد بعد مركت در قصاص
تومكوكه مردم ويابم خلاص
اين قصاص نقد حيلت سازيست
ييش زخم آن قصاص اين بازيست
زين لعب خواندست دنيارا خدا
كين جزا لعبست ييش آن جزا
اين جزا تسكين جنك وفتنه است
آن جواخصا است واين جون ختنه است
{وَإِنَّ الدَّارَ الاخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ} أي : الجنة لهي دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت والفناء عليها أو هي في ذاتها حياة للمبالغة.
والحيوان مصدر حيي سمي به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واواً لئلا يحذف إحدى الألفات وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحيوان ولذلك اختير على الحياة في هذا المقام المقتضي للمبالغة.
{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لما آثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة ثم ما يحدث فيها من الحياة عارضة سريعة الزوال.
جزء : 6 رقم الصفحة : 490
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن دار الدنيا لهي الموتان لأنه تعالى سمى الكافر وإن كان حيا بالميت بقوله : {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} وقال : {لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} فثبت أن الدنيا وما فيها من الموتان إلا من أحياه الله بنور الإيمان فهو
491
الحي والآخرة عبارة عن عالم الأرواح والملكوت فهي حياة كلها وإنما سماها الحيوان والحيوان ما يكون حياً وله حياة فيكون جميع أجزائه حياً فالآخرة حيوان لأن جميع أجزائها حي فقد ورد في الحديث : "إن الجنة بما فيها من الأشجار والثمار والغرف والحيطان والأنهار حتى ترابها وحصاها كلها حي" فالحياة الحقيقية التي لا تشينها الغصص والمحن والأمراض والعلل ولا يدكها الموت والفوت لهي حياة أهل الجنات والقربات لو كانوا يعلمون قدرها وغاية كماليتها وحقيقة عزتها لكانوا أشد حرصاً في تحصيلها ههنا فمن فاتته لا يدركها في الآخرة ألا ترى أن من صفة أهل النار أن لا يموت فيها ولا يحيا يعني : ولا يحيا بحياة حقيقة يستريح بها وأنهم يتمنون الموت ولا يجدونه انتهى.
قال في "كشف الأسرار" : (غافل بي حاصل تاشند شربت مرادى آميزي ووتاكي ارزوي زي.
كاه ون شير هرت يش آيدمى شكنى.
كاه ون كرك هره بيني همى درى.
كاه ون كبك در كوههاى مرادمى رى كاه ون آهو در مرغزار ارزو همه جرى.
خبرندارى كه اين دنياكه توبدان همى نازى وتراهمى فرييدو دردام غرورى كشد لهو ولبعست سراى بى سرمايكان وسرمايه بي دولتان وبازيه بى كار ان وبند معشوقه فتانست ورعناى بى سرو سامان دوستى بي وفا وايهَّ بى مهر دشمنى ركزند بوالعجبى رفند هركرا بامداد بنوازد شبانكاه بكدازد وهركرا يك دو ز ، دل بشادى بيفروزد وديكروزش بانش هلاك مى سوزد).
أحلام نوم أو كظل زائل
إن اللبيب بمثلها لا يخدع
وفي "المثنوي" :
صوفى در باغ از بهرى كشاد
صوفيانه روى بر زانو نهاد
س فروزفت او بخود اندر نفول
شد ملول از صورت خوابش فضول
كه ه خسبى آخر اندر رزنكر
اين درختان بين وآثار خضر
امر حق بشنوكه كفتست انظروا
سوى اين آثار رحمت آر رو
كفت آثارش دلست اي بوالهوس
آن بورن آثار آثارست وبس
باغها وميوها اندردلست
عكس لطف آن برين آب وكلست
آن خيال باغ باشد اندر آب
كه كندر از لطف آب آن اضطراب
باغها وميوها اندر دلست
جزء : 6 رقم الصفحة : 490
عكس لطف آن برين آب وكلست
كرنبودى عكس آن سر وسرور
س بخواندى انزدش دار الغرور
اين غرور آنست يعنى اين خيال
هست از عكس دل جان رجال
جمله مفروران برين عكس آمده
بر كمانى كين بود جنت كده
مي كريزند از اصول باغها
بر خيالى ميكنند آن لاغها
ونكه خواب غفلت آيد شان بسر
راست بينند وه سودست آن نظر
س بكورستان غربو فاتادواه
تا قيامت زين غلط واحصرتاه
أي خنك آنراكه يش ازمرك مرد
جان او از أصل اين رز بوبي برد
492
(اين حيات لعب ولهو در شم كسى آيدكه از حياة طيبه وزندكاني مهر خبر ندارد مراورا دوستانندكه زندكاني ايشان امروز بذكر است وبمهر وفردا زندكاني ايشان بمشاهدت بود ومعاينت زندكاني مهررا ثمره فنا ايشانندكه يك طرف ازو محجوب نيند وهي محجوب مانندزنده نمانند).
غم كى خورد آنكه شادمانيش تويي
ياكى ميرد آنكه زندكانيش تويى
فالعاقل لا يضيع العمر العزيز في الهوى واشتغال الدنيا الدنية الرذيلة بل يسارع في تحصيل الباقي.
(6/356)
قال الفضيل رحمه الله : لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار خزفاً يبقى على ذهب يفنى.
كما روى أن سليمان عليه السلام قال : لتسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أوتي ابن داود فإنه يذهب والتسبيحة تبقى ولا يبقى مع العبد عند الموت إلا ثلاث صفات صفاء القلب أي عن كدورات الدنيا وأنسه بذكر الله وحبه ولا يخفى أن صفاء القلب وطهارته عن أدناس الدنيا لا تكون إلا مع المعرفة والمعرفة لا تكون إلا بدوام الذكر والفكر وخير الأذكار التوحيد.
{فَإِذَا رَكِبُوا فِى الْفُلْكِ} متصل بما دل عليه شرح حالهم.
والركوب هو الاستعلاء على الشيء المتحرك وهو متعد بنفسه كما في قوله تعالى : {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} (النحل : 8) واستعماله ههنا وفي أمثاله بكلمة في للإيذان بأن المركوب في نفسه من قبيل الأمكنة وحركته قسرية غير إرادية.
والمعنى أن الكفار على ما وصفوا من الإشراك فإذا ركبوا في السفينة لتجاراته وتصرفاتهم وهاجت الرياح واضطربت الأمواج وخافوا الغرق.
وبالفارسية : (س ون نشينند كافران دركشتى وبسبب موج در كرداب اضطراب افتند).
{دَعَوُا اللَّهَ} حال كونهم {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي : على صورة المخلصين لدينهم من المؤمنين حيث لا يدعون غير الله لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد عنهم إلا هو.
جزء : 6 رقم الصفحة : 490
وقال في "الأسئلة المقحمة" : ما معنى الإخلاص في حق الكافر والإخلاص دون الإيمان لا يتصور وجوده؟ والجواب أن المراد به التضرع في الدعاء عند مسيس الضرورة والإخلاص في العزم على الإسلام عند النجاة من الغرق ثم العود والرجوع إلى الغفلة والإصرار على الكفر بعد كشف الضر ولا يرد الإخلاص الذي هو من ثمرات الإيمان انتهى ويدل عليه ما قال عكرمة : كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام فإذا اشتدت بهم الريح ألقوا تلك الأصنام في البحر وصاحوا "يا خداي يا خداي" كما في "الوسيط" و"يا رب يا رب" كما في "كشف الأسرار" {فَلَمَّا نَجَّـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} البر خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر أي التوسع في فعل الخير كما في "المفردات" ؛ والمعنى بالفارسية.
(س آنن هكام كه نجات دهد خداي تعالى ايشانرا از بحر وغرق وبرون آرد بسلامت بسوى خشنك ودشت) {إِذَا هُمْ} (آنكاه يشان) {يُشْرِكُونَ} أي فاجؤوا المعاودة إلى الشرك.
يعني (بازكردند بعادت خويش).
{لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ} اللام فيه لام كي أي ليكونوا كافرين بشركهم بما آتيناهم من نعمة النجاة التي حقها أن يشكروها {وَلِيَتَمَتَّعُوا} أي : ولينتفعوا باجتماعهم على عبادة الأصنام وتوادّهم عليها ويجوز أن يكون لام الأمر
493
في كليهما ومعناه التهديد والوعيد كما في اعملوا ما شئتم.
{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أي عاقبة ذلك وغائلته حين يرون العذاب.
وفي "التأويلات" : وبقوله : {فَإِذَا رَكِبُوا فِى الْفُلْكِ} يشير إلى أن الإخلاص تفريغ القلب من كل ما سوى الله والثقة بأن لا نفع ولا ضرر إلا منه وهذا لا يحصل إلا عند نزول البلاء والوقوع في معرض التلف وورطة الهلاك ولهذا وكل بالأنبياء والأولياء لتخليص الجوهر الإنساني القابل للفيض الإلهي من قيد التعلقات بالكونين والرجوع إلى حضرة المكوّن فإن الرجوع إليها مركوز في الجوهر الإنسان لو خلى وطبعه لقوله : {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} (العلق : 8) فالفرق بين إخلاص المؤمن وإخلاص الكافر بأن يكون إخلاص المؤمن مؤيداً بالتأييد الإلهي وأنه قد عبد الله مخلصاً في الرخاء قبل نزول البلاء فنال درجة الإخلاص المؤيد من الله بالسر الذي قال تعالى : "الإخلاص سر بيني وبين عبدي لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل" فلا يتغير في الشدة والرخاء ولا في السخط والرضى وإخلاص الكافر إخلاص طبيعي قد حصل له عند نزول البلاء وخوف الهلاك بالرجوع الطبيعي غير مؤيد بالتأييد الإلهي عند خمود التعلقات كراكبي الفلك.
{دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} دعاء اضطرارياً فأجابهم من يجيب المضطر بالنجاة من ورطة الهلاك {فَلَمَّا نَجَّـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} وزال الخوف والاضطرار عاد الميشوم إلى طبعه.
{إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ} .
أي ليكون حاصل أمرهم من شقاوتهم أن يكفروا بنعمة الله ليستوجبوا العذاب الشديد {وَلِيَتَمَتَّعُوا} أياماً قلائل {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أن عاقبة أمرهم دوام العقوبة إلى الأبد انتهى : قال الشيخ سعدي :
جزء : 6 رقم الصفحة : 490
ره راست بايدنه بالاي راست
كه كافرهم از روى صورت وماست
ترا آنكه شم ودهان داد وكوش
اكر عاقلى در خلافش مكوش
مكن كردن از شكر منعم مي
كهخ روز سين سر بر آرى بهي
(6/357)
قال الشيخ الشهير بزروق الفاسي في شرح حزب البحر : أما حكم ركوب البحر من حيث هو فلا خلاف اليوم في جوازه وإن اختلف فيه نظراً لمشقته فهو ممنوع في أحوال خمسة.
أولها : إذا أدى لترك الفرائض أو نقصها فقد قال مالك للذي يميد فلا يصلي الراكب حيث لا يصلي : ويل لمن ترك الصلاة.
والثاني : إذا كان مخوفاً بارتجاجه من الغرق فيه فإنه لا يجوز ركوبه لأنه من الإلقاء إلى التهلكة قالوا : وذلك من دخول الشمس العقرب إلى آخر الشتاء.
والثالث : إذا خيف فيه الأسر واستهلاك العدو في النفس والمال لا يجوز ركوبه بخلاف ما إذا كان معه أمن والحكم للمسلمين لقوة يدهم وأخذ رهائنهم وما في معنى ذلك.
والرابع : إذا أدى ركوبه إلى الدخول تحت أحكامهم والتذلل لهم ومشاهدة منكرهم مع الأمن على النفس والمال بالاستئمان منهم وهذه حالة المسلمين اليوم في الركوب مع أهل الطرائد ونحوهم وقد أجراها بعض الشيوخ على مسألة التجارة لأرض الحرب ومشهور المذهب فيها الكراهة وهي من قبيل الجائز وعليه يفهم ركوب أئمة العلماء والصلحاء معهم في ذلك وكأنهم استخفوا الكراهة في مقابلة تحصيل الواجب الذي هو الحج وما في معناه.
والخامس : إذا خيف بركوبه عورة كركوب المرأة في مركب صغير لا يقع لها فيه سترها فقد منع مالك
494
ذلك حتى في حجها إلا أن يختص بموضع ومركب كبير على المشهور.
ومن أوراد البحر "الحي القيوم" ويقول عند ركوب السفينة : {بِسْمِ اللَّهِ مَجْاراـاهَا وَمُرْسَـاـاهَآا إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (هود : 41).
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (الأنعام : 91) {وَالارْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُه يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَالسَّمَـاوَاتُ مَطْوِيَّـاتُا بِيَمِينِهِ سُبْحَـانَه وَتَعَـالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر : 67) فإنه أمان من الغرق.
{وَالارْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُه يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَالسَّمَـاوَاتُ مَطْوِيَّـاتُا بِيَمِينِه سُبْحَـانَه وَتَعَـالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي ألم ينظر أهل مكة ولم يشاهدوا {أَنَّا جَعَلْنَا} أي بلدهم {حَرَمًا} محترماً {ءَامَنَّا} مصوناً من النهب والتعدي سالماً أهله آمناً من كل سوء {وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} التخطف بالفارسية : (ربودن) وحول الشيء جانبه الذي يمكنه أن يتحول إليه أي والحال أن العرب يختلسون ويؤخذون من حولهم قتلاً وسبياً إذ كانت العرب حوله في تغاور وتناهب {أَفَبِالْبَـاطِلِ يُؤْمِنُونَ} أي أبعد ظهور الحق الذي لا ريب فيه بالباطل وهو الصنم أو الشيطان يؤمنون دون الحق وتقديم الصلة لإظهار شناعة ما فعلوه وكذا في قوله : {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ} المستوجبة للشكر {يَكْفُرُونَ} حيث يشركون به غيره.
جزء : 6 رقم الصفحة : 490
وفي "التأويلات النجمية" : {أَفَبِالْبَـاطِلِ} وهو ما سوى الله من مشارب النفس {يُؤْمِنُونَ} أي يصرفون صدقهم {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ} وهي مشاهدة الحق.
{يَكْفُرُونَ} بأن لا يطلبوها انتهى إنما فسر الباطل بما سوى الله لأن ما خلا الله باطل مجازى أما بطلانه فلكونه عدماً في نفسه وأما مجازيته فلكونه مجلى ومرآة للوجود الإضافي.
واعلم أن الكفر بالله أشد من الكفر بنعمة الله لأن الأول لا يفارق الثاني بخلاف العكس والكفار جمعوا بينهما فكانوا أذم.
{وَمَنْ أَظْلَمُ} (وكيست ستمكار تر) {مِمَّنِ افْتَرَى} (بيد اكرد از نفس خويش) {عَلَى اللَّهِ} الأحد الصمد {كَذِبًا} بأن زعم أن له شريكاً ، أي هو أظلم من كل ظالم ، {أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} بالرسول أو بالقرآن {لَمَّا جَآءَه} من غير توقف عناداً ففي لما تسفيه لهم بأن لم يتوقفوا ولم يتأملوا قط حين جاءهم بل سارعوا إلى التكذيب أول ما سمعوه {أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَـافِرِينَ} تقريب لثوائهم فيها أي إقامتهم فإن همزة الاستفهام الإنكاري إذا دخلت على النفي صار إيجاباً أي لا يستوجبون الإقامة والخلود في جنهم وقد فعلوا ما فعلوا من الافتراء والتكذيب بالحق الصريح مثل هذا التكذيب الشنيع أو إنكار واستبعاد لاجترائهم على الافتراء والتكذيب أي ألم يعلموا أن في جنهم مثوى للكافرين حتى اجترؤوا هذه الجراءة.(6/358)
وفي "التأويلات النجمية" : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} بأن يرى من نفسه بأن له مع الله حالاً أو وقتاً أو كشفاً أو مشاهدة ولم يكن له من ذلك شيء وقالوا إذا فعلوا فاحشة : وجدنا عليها آباءنا به يشير إلى أن الإباحية وأكثر مدعي زماننا هذا إذا صدر منهم شيء على خلاف السنة والشريعة يقولون : إنا وجدنا مشايخنا عليه والله أمرنا بهذا أي مسلم لنا من الله هذه الحركات لمكانة قربنا إلى الله وقوة ولايتنا فإنها لا تضر بل تنفعنا وتفيد.
{أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} أي : بالشريعة وطريقة المشايخ وسيرتهم لما جاء {أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ} النفس {مَثْوًى} محبس {لِّلْكَـافِرِينَ} أي : لكافري نعمة الدين والإسلام والشريعة والطريقة بما يفترون وبما يدعون بلا معنى القيام به كذابين في دعواهم انتهى.
قال الحافظ :
جزء : 6 رقم الصفحة : 490
مدعى خواست كه آيد بتماشا كه راز
دست غيب آمد وبرسينه نا محرم زد
495
فالمدعى أجنبي عن الدخول في حرم المعنى كما أن الأجنبي ممنوع عن الدخول في حرم السلطان وقال الكمال الخجندي :
مدعى نيست محروم دريار
خادم كعبه بولهب نبود
فالواجب الاجتناب عن الدعوى والكذب وغيرهما من صفات النفس واكتساب المعنى والصدق ونحوهما من أوصاف القلب.
قال الحافظ :
طريق صدق بياموز از آب صافى دل
براستي طلب ازاد كي وسرو من
حكي : عن إبراهيم الخواص رحمه الله أنه كان إذا أراد سفراً لم يعلم أحداً ولم يذكره وإنما يأخذ ركوته ويمشي قال حامد الأسوار : فبينما نحن معه في مسجده تناول ركوته ومشى فاتبعته فلما وافينا القادسية قال لي : يا حامد إلى أين؟ قلت : يا سيدي خرجت لخروجك قال : أنا أريد مكة إن شاء الله تعالى قلت : وأنا أريد إن شاء الله مكة فلما كان بعد أيام إذا بشاب قد انضم إلينا فمشى معنا يوماً وليلة لا يسجد تعالى سجدة فعرفت إبراهيم فقلت : إن هذا الغلام لا يصلي فجلس وقال : يا غلام مالك لا تصلي والصلاة أوجب عليك من الحج فقال : يا شيخ ما عليّ صلاة قال : ألست مسلماً؟ قال : لا قال : فأي شيء أنت؟ قال : نصراني ولكن إشارتي في النصرانية إلى التوكل وادعت نفسي أنها قد أحكمت حال التوكل فلم أصدقها فيما ادعت حتى أخرجتها إلى هذه الفلاة التي ليس فيها موجود غير المعبود أثير ساكني وامتحن خاطري فقام إبراهيم ومشى وقال : دعه يكون معك فلم يزل يسايرنا حتى وافينا بطن مرو فقام إبراهيم ونزع خلقانه فطهرها بالماء ثم جلس وقال له : ما اسمك؟ قال : عبد المسيح فقال : يا عبد المسيح هذا دهليز مكة يعني الحرم وقد حرم الله على أمثالك الدخول إليه قال الله تعالى : {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـاذَا} (التوبة : 28) والذي أردت أن تستكشف من نفسك قد بان لك فاحذر أن تدخل مكة فإن رأيناك بمكة أنكرنا عليك قال حامد : فتركناه ودخلنا مكة وخرجنا إلى الموقف فبينما نحن جلوس بعرفات إذا به قد أقبل عليه ثوبان وهو محرم يتصفح الوجوه حتى وقف علينا فأكب على إبراهيم يقبل رأسه فقال له : ما الحال يا عبد المسيح؟ فقال له : هيهات أنا اليوم عبد من المسيح عبده فقال له إبراهيم : حدثني حديثك قال : جلست مكاني حتى أقبلت قافلة الحاج فقمت وتنكرت في زي المسلمين كأني محرم فساعة وقعت عيني عى الكعبة اضمحل عندي كل دين سوى دين الإسلام فأسلمت واغتسلت وأحرمت فها أنا أطلبك يومي فالتفت إلى إبراهيم وقال : يا حامد انظر إلى بركة الصدق في النصرانية كيف هداه إلى الإسلام ثم صحبنا حتى مات بين الفقراء رحمه الله تعالى.
جزء : 6 رقم الصفحة : 490
يقول الفقير : أصلحه الله القدير في هذه الحكاية إشارات.
منها كما أن حرم الكعبة لا يدخله مشرك متلوث بلوث الشرك كذلك حرم القلب لا يدخله مدع متلوث بلوث الدعوى.
ومنها أن النصراني المذكور صحب إبراهيم أياماً في طريق الصورة فلم يضيعه الله حيث هداه إلى الصحبة به في طريق المعنى.
ومنها أن صدقه في طريقه أدّاه إلى أن آمن بالله وكفر بالباطل.
ومنها أن من كان نظره صحيحاً فإذا شاهد شيئاً من شواهد الحق يستدل به على الحق ولا يكذب بآيات
496
ربه كما وقع للنصراني المذكور حين رأى الكعبة التي هي صورة سر الذات وكما وقع لعبد الله بن سلام فإنه حين رأى النبي عليه السلام آمن وقال : عرفت أنه ليس بوجه كذاب نسأل الله حقيقة الصدق والإخلاص والتمتع بثمرات أهل الاختصاص.
{وَالَّذِينَ جَـاهَدُوا فِينَا} الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو أي جدوا وبذلوا وسعهم في شأننا وحقنا ولوجهنا خالصاً.
وأطلق المجاهدة ليعم جهاد الأعداء الظاهرة والباطنة أما الأول فكجهاد الكفار المحاربين وأما الثاني فكجهاد النفس والشيطان وفي الحديث : "جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم" ويكون الجهاد باليد واللسان كما قال عليه السلام : "جاهدوا الكفار بأيديكم وألسنتكم" أي بما يسوءهم من الكلام كالهجر ونحوه.
(6/359)
قال ابن عطاء : المجاهدة صدق الافتقار إلى الله بالانقطاع عن كل ما سواه وقال عبد الله بن المبارك المجاهدة علم أدب الخدمة فإن أدب الخدمة أعز من الخدمة.
وفي "الكواشي" : المجاهدة غض البصر وحفظ اللسان وخطرات القلب ويجمعها الخروج عن العادات البشرية انتهى فيدخل فيها الغرض والقصد {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} الهداية الدلالة إلى ما يوصل إلى المطلوب.
والسبل جمع سبيل وهو من الطرق ما هو معتاد السلوك ويلزمه السهولة ولهذا قال الإمام الراغب : السبيل الطريق الذي فيه سهولة انتهى.
وإنما جمع لأن الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق والمعنى سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد المهاجرين والأنصار أي والذين جاهدوا المشركين وقاتلوهم في نصرة ديننا لنهدينهم سبل الشهادة والمغفرة والرضوان.
وقال بعضهم : معنى الهداية ههنا التثبيت عليها والزيادة فيها فإنه تعالى يزيد المجاهدين هداية ما يزيد الكافرين ضلالة فالمعنى لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقاً لسلوكها كقوله تعالى : {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} (محمد : 17) وفي الحديث : "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم" وفي الحديث : "من أخلص أربعين صباحاً انفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه".
جزء : 6 رقم الصفحة : 490
وقال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله : والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبيل الجنة ثم قيل : مثل السنة في الدنيا كمثل الجنة في العقبى من دخل الجنة في العقبى سلم كذا من لزم السنة في الدنيا سلم.
ويقال : والذين جاهدوا بالتوبة لنهدينهم إلى الإخلاص.
والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم إلى طريق العمل به.
والذين جاهدوا في رضانا لنهدينهم إلى الوصول إلى محل الرضوان.
والذين جاهدوا في خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا والإنس بنا والمشاهدة لنا.
والذين أشغلوا ظواهرهم بالوظائف أوصلنا إلى أسرارهم اللطائف والعجب ممن يعجز عن ظاهره ويطمع في باطنه ومن لم يكن أوائل حاله المجاهدة كانت أوقاته موصولة بالأماني ويكون حظه البعد من حيث يأمل القرب.
والحاصل أنه بقدر الجد تكتسب المعالي فمن جاهد بالشريعة وصل إلى الجنة ومن جاهد بالطريقة وصل إلى الهدى ومن جاهد بالمعرفة والانفصال عما سوى الله وصل إلى العين واللقاء.
ومن تقدمت مجاهدته على مشاهدته كما دلت الآية عليه صار مريداً مراداً وسالكاً مجذوباً وهو أعلى درجة ممن تقدمت مشاهدته على مجاهدته وصار مراداً مريداً ومجذوباً سالكاً لأن سلوكه على وفق العادة الإلهية ولأنه متمكن
497
هاضم بخلاف الثاني فإنه متلون مغلوب وربما تكون مفاجأة الكشف من غير أن يكون المحل متهيئاً له سبباً للإلحاد والجنون والعياذ بالله تعالى.
وفي التأويلات : {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي سبيل وجداننا كما قال : "ألا من طلبني وجدني ومن تقرب إليّ شراً تقربت إليه ذراعاً".
قال الكاشفي : در ترجمه بعضي از كلمات زبور آمده :
أنا المطلوب فاطلبني تجدني
أنا المقصود فاطلبني تجدني
اكر در جست وجوى من شتابد
مراد خود بزودى باز يابد
وفي "المثنوي" :
كركران وكر شتابنده بود
آنكه جوينده است يابنده بود
در طلب زن دائما توهر دودست
كه طلب درراه نيكو رهبرست
قالت المشايخ : المجاهدات تورث المشاهدات ولو قال قائل للبراهمة والفلاسفة أنهم يجاهدون النفس حق جهادها ولا تورث لهم المشاهدة قلنا : لأنهم قاموا بالمجاهدات فجاهدوا وتركوا الشرط الأعظم منها وهو قوله : فينا أي خالصاً لنا وهم جاهدوا في الهوى والدنيا والخلق والرياء والسمعة والشهرة وطلب الرياسة والعلو في الأرض والتكبر على خلق الله فأما من جاهد في الله جاهد أولاً بترك المحرمات ثم بترك الشبهات ثم بترك الفضلات ثم يقطع التعلقات تزكية للنفس ثم بالتنقي عن شواغل القلب على جميع الأوقات وتخليته عن الأوصاف المذمومات تصفية للقلب ثم بترك الالتفات إلى الكونين وقطع الطمع عن الدارين تحلية للروح فالذين جاهدوا في قطع النظر عن الأغيار بالانقطاع والانفصال لنهدينهم سبلنا بالوصول والوصال.
جزء : 6 رقم الصفحة : 490
واعلم أن الهداية على نوعين هداية تتعلق بالمواهب وهداية تتعلق بالمكاسب فالتي تتعلق بالمواهب فمن هبة الله وهي سابقة والتي تتعلق بالمكاسب فمن كسب العبد وهي مسبوقة ففي قوله تعالى : {وَالَّذِينَ جَـاهَدُوا فِينَا} إشارة إلى أن الهداية الموهبية سابقة على جهد العبد وجهده ثمرة ذلك البذر فلو لم يكن بذر الهداية الموهبية مزروعاً بنظر العناية في أرض طينة العبد لما نبتت فيها خضرة الجهد ولو لم يكن المزروع مربى جهد العبد لما أثمر بثمار الهداية المكتسبية.
قال الحافظ :
قومي بجد وجهد نهادند وصل دوست
قومى دكر حواله بتقدير ميكنند
(6/360)
قال بعض الكبار : النبوة والرسالة كالسلطنة اختصاص إلهي لا مدخل لكسب العبد فيها وأما الولاية كالوزارة فلكسب العبد مدخل فيها فكما تمكن الوزارة بالكسب كذلك تمكن الولاية بالكسب {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} بمعية النصرة والإعانة والعصمة في الدنيا والثواب والمغفرة في العقبى.
وفي "التأويلات النجمية" : لمع المحسنين الذين يعبدون الله كأنهم يرونه.
وفي "كشف الأسرار" : {جَاهَدُوا} (درين موضع سه منزل است.
بكى جهاد اندر باطن باهوا ونفس.
ديكر جهاد بظاهر اعداى دين وفار زمين.
ديكر اجتهادبإقامت حجت وطلب حق وكشفت شبهت باشد مر آنرا اجتهاد كويند وهره اندر باطن بود اندر رعايت عهد الهي رم آنرا جهد ويند اين {جَاهَدُوا فِينَا} بيان هرسه حالست اوكه بظاهر جهاد كند
498
رحمت نصيب وى اوكه باجتهاد بود عصمت بهره وى اوكه اندر نعمت جهد بود كرامت وصل نصيب وى وشرط هرسه كس آنست كه آن جهد في الله بود تادر هدايت خلعت وى بود آنكه كفت.
{وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ون هدايت دادم من باوى باشم روى بامن بود زبان حال بنده ميكويد الهى بعنايت هدايت دادى بمعونت زرع خدمت رويانيدى به يغام آب قبول دادى بنظر خويش ميوه محبت ووفا رسانيدى اكنون سزدكه سموم مكر ازان بازدارى وبنايى كه خود افراشته بجرم ما خراب نكنى الهى توضيعفانرا ناهى فاصدانرا برسر راهى واجد انرا كواهى ه بودكه افزايى ونكاهى)
روضه روح من رضاى توباد
قبله كاهم در سراى توباد
سرمه ديده جهان بينم
تابود كرد خاكاى توباد
كرهمه راى توفناى منست
جزء : 6 رقم الصفحة : 490
كار من برمراد راى توباد
شد د لم ذره وار در هوست
دائم اين ذره درهواى توباد
انتهى ما في "كشف الأسرار" لحضرة الشيخ رشيد الدين اليزدي قدس سره.
هذا آخر ما أودعت في المجلد الثاني.
من التفسير الموسم بـ"روح البيان" من جواهر المعاني.
ونظمت في سلكه من فوائد العبارة والإشارة والإلهام الرباني.
وسيحمده أولو الألباب.
إن شاء الله الوهاب.
ووقع الاتمام بعون الملك الصمد.
وقت الضحوة الكبرى من يوم الأحد.
وهو العشر السابع من الثلث الثاني من السدس الخامس من النصف الأول من العشر التاسع من العشر الأول من العقد الثاني من الألف الثاني من الهجرة النبوية.
على صاحبها ألف ألف تحية.
وقلت بالفارسية :
و زهجرت كذشت بى كم وكاست
نهن وصد سال يعنى بعد هزار
آخر فصل خزان شد وسم
كه نماند ورقى از كلزار
در جماداى نخستن آخر
بلبل خامه دم كرفت از زار
به نهايت رسيد جلد دوم
شد بتاريك روز اين بازار
جد وجهدى كه اوفتاده درين
شد بنوك قلم حقى زار
499
جزء : 6 رقم الصفحة : 490(6/361)
سورة الروم
مكية إلا قوله : {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}
جزء : 6 رقم الصفحة : 499
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{الم} (ابو الجوزاء از ابن عباس رضي الله عنهما نقل كرده كه حروف مقطعه آيت ربانيه اندهر حرفى اشارت است بصفتى كه حق را بدان ثنا كويند نانكه الف ازين كلمه كنايتست از الوهيت ولام از لطف وميم از ملك وكفته اند الف اشارت باسم الله است ولام بلام جبريل وميم باسم محمد.
يعني : الله جل جلاله بواسطة جبرائيل عليه السلام وحى فرستاد بحضرت محمد صلى الله عليه وسلّم .
وفي "التأويلات النجمية" : يشير بالألف إلى إلفة طبع المؤمنين بعضهم ببعض وباللام إلى لؤم طبع الكافرين وبالميم إلى مغفرة رب العالمين فبالمجموع يشير إلى أن ألفة المؤمنين لما كانت من كرم الله وفضله بأن الله ألف بين قلوبهم انتهت إلى غاية حصلت ألفة ما بينهم وبين أهل الكتاب إذ كانوا يوماً ما من أهل الإيمان وإن كانوا اليوم خالين عن ذلك وإن لؤم الكافرين لما كان جبلياً لهم غلب عليهم حتى أنهم من لؤم طبعهم يعادي بعضهم بعضاً كمعاداة أهل الروم وأهل فارس مع جنسيتهم في الكفر وكانوا مختلفين في الإلفة متفقين على العداوة وقتل بعضهم بعضاً وإن مغفرة رب العالمين لما كانت من كرمه العميم وإحسانه القديم انتهت إلى غاية سلمت الفريقين ليتوب على العاتي من الحزبين ويعم للطائفتين خطاب إن الله يغفر الذنوب جميعاً انتهى.
وفي "كشف الأسرار" : ألم ألف بلايانا من عرف كبريانا ولزم بابنا من شهد جمالنا ومكن من قربتنا من أقام على خدمتنا (اى جوانمرد دل باتوحيد او سار وجان باعشق ومحبت او ردار وبغير او التفات مكن هركه بغير او باز نكرد تيغ غيرت دمار از جان اوبر آرد وهركه ازبلاى او بنالد دعوى دوستى درست نيايد.
مردى بود در عهد يشين مهترى از سلاطين دين اورا عامر بن قيس ميكفتند نين مى آيدكه درنماز نافله ايهاى او خون سياه بكرفت كفتند ايها ببر تا اين فساد زيادت نشود كفت سر عبد القيس كه باشدكه اورا بر اختيار حق اختيارى بود س ون در فرائض ونوافل وى خلل آمد روى سوى آسمان كرد كفت ادشاها كره طاقت بلا دارم طاقت باز ماندن از خدمت نمى آرم اى مى برم تا از خدمت باز نمانم آنكه كفت كسى را بخوانيد تا آيتى از قرآن برخواند ون بينيدكه در وجد وسماع حال بر ما بكردد شما بر كار خود مشغول باشيد ابها ازوى جدا كردند وداغ نهادند وآن مهتر دروجد وسماع آن نان رفته بودكه ازان ألم خبر نداشت س ون مقرى خاموش شد وشيخ بحال خود باز آمد كفت اين اى بريده بطلا بشوييد وبمشك وكافور معطر كنيدكه بردركاه خدمت هركز بربى وفايى كامى ننهاده است).
يقول الفقير : الألف من الم إشارة إلى عالم الأمر الذي هو المبدأ لجميع التعينات واللام إشارة إلى عالم الأرواح الذي هو الوسط بين الوجوديات والميم إشارة إلى عالم الملك الذي هو آخر التنزلات والاسترسالات.
فكما أن فعل بالنسبة إلى أهل النحو مشتمل على حروف المخارج الثلاثة التي هي الحلق والوسط والفم.
فكذا الم بالإضافة إلى أهل المحو محتو على حروف المراتب
3
الثلاث التي هي الجبروت والملكوت والملك وفرق بين كلمتيها اللفظيتين كما بين كلمتيها المعنويتين إذ كلمة أهل المحو مستوية مرتبة وكلمة أهل النحو منحية غير مرتبة.
ثم أسرار الحروف المقطعة والمتشابهات القرآنية مما ينكشف لأهل الله بعد الوصول إلى غاية المراتب وإن كان بعض لوازمها قد يحصل لأهل الوسط أيضاً فلا يطمع في حقائقها من توغل في الرسوم واشتغل بالعلوم عن المعلوم نسأل الله تعالى أن ينجينا من ورطات العلاقات الوجودية المانعة عن الأمور الشهودية.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الأرْضِ} الغلبة القهر كما في "المفردات" والاستعلاء على القرن بما يبطل مقاومته في الحرب كما في "كشف الأسرار".
والروم : تارة يقال للصنف المعروف وتارة لجميع رومي كفارسي وفرس وهم بنوا روم بن عيص بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام والروم الأول منهم بنوا روم بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام.
والفرس بسكون الراء قوم معروفون نسبوا إلى فارس بن سام بن نوح.
وأدنى ألفه منقلبة عن واو لأنه من دنا يدنو وهو يتصرف على وجوه فتارة يعبر به عن الأقل والأصغر فيقابل بالأكثر والأكبر وتارة عن الأحقر والأذل فيقابل بالأعلى والأفضل وتارة عن الأول فيقابل بالآخر وتارة عن الأقرب فيقابل بالأبعد وهو المراد في هذا المقام أي : أقرب أرض العرب من الروم إذ هي الأرض المعهودة عندهم وهي أطراف الشام أو فى أقرب أرض الروم من العرب على أن اللام عوض عن المضاف إليه وهي أرض جزيرة ما بين دجلة والفرات ، والمعنى بالفارسية : (مغلوب شدند روميان يعني فارسيان برايشان غلب بردند درنزديكترين زمين كه عرب را باشد نسبت بزمين روم) وكان ملك الفرس يوم الغلبة ابرويز بن هرمز بن انوشروان بن قباذ صاحب شيرين وهو المعروف بخسرو وتفسير ابرويز بالعربية مظفر وتفسير انوشروان مجدد الملك وآخر ملوك الفرس الذي قتل في زمن عثمان رضي الله عنه هو يزدجر بن شهريار بن ابرويز المذكور وكان ملك الروم هرقل كسبحل وزبرج وهو أول من ضرب الدنانير وأول من أحدث البيعة.
قيل : فارس والروم قريش العجم وفي الحديث : "لو كان الإيمان معلقاً بالثريا لناله أصحاب فارس".(7/1)
ـ روي ـ أن النبي عليه السلام كتب إلى قيصر ملك الروم يدعوه إلى الإسلام فقرأ كتابه ووضعه على عينيه ورأسه وختمه بخاتمه ثم أوثقه على صدره ثم كتب جواب كتابه إنا نشهد أنك نبي ولكنا لا نستطيع أن نترك الدين القديم الذي اصطفاه الله لعيسى عليه السلام فعجب النبي عليه السلام فقال : "لقد ثبت ملكهم إلى يوم القيامة أبداً" وقال لفارس : "نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعدها" والروم ذات قرون كلما ذهب قرن خلف قرن هيهات إلى آخر الأبد كما في "كشف الأسرار" وأما قوله : "إذا هلك قيصر لا قيصر بعده" فمعناه إذا زال ملكه عن الشام لا يخلفه فيه أحد وكان كذلك لم يبق إلا ببلاد الروم كما في "إنسان العيون" وكتب إلى كسرى ملك فارس وهو خسرو المذكور وكسرى معرب خسرو فمزق كتابه ورجع الرسول بعدما أراد قتله فدعا عليه النبي عليه السلام أن يمزق كل ممزق فمزق الله ملكهم فلا ملك لهم أبداً {وَهُمْ} أي : الروم {مِّنا بَعْدِ غَلَبِهِمْ} أي : من بعد مغلوبيتهم على يد فارس فهو من إضافة المصدر إلى المفعول والفاعل متروك والأصل بعد غلبة فارس إياهم
4
والغلب والغلبة كلاهما مصدر {سَيَغْلِبُونَ} سيغلبون فارس.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{فِى أَدْنَى الارْضِ وَهُم مِّنا بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِى بِضْعِ سِنِينَا لِلَّهِ الامْرُ مِن قَبْلُ وَمِنا بَعْدُا وَيَوْمَـاـاِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّه يَنصُرُ مَن يَشَآءُا وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} .
{فِى بِضْعِ سِنِينَ} البضع بالفتح قطع اللحم وبالكسر المنقطع عن العشرة ويقال ذلك لما بين الثلاث إلى العشر وقيل بل هو فوق الخمس دون العشر.
وفي "القاموس" ما بين الثلاث إلى التسع.
وفي "كشف الأسرار" البضع اسم للثلاث والخمس والسبع والتسع.
وفي "تفسير المناسبات" : وذلك من أدنى العدد لأنه في المرتبة الأولى وهو مرتبة الأحاد وعبر بالبضع ولم يعين إبقاء للعباد في ربقة نوع من الجهل تعجيزاً لهم انتهى (كفته اندكه ملك فارس يعني خسرو رويز شهريار وفرخان را كه دو اميروى بودند ودوبرادر بالشكر كران فرستاد وملك روم يعني هرقل ون خبر يافت ازتوجه عسكر فارس خنس نام اميرش مهتر كرد بر لشكر خويش وفرستاد هردو لشكر بازرعات بهم رسيدند) وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم فغلب الفرس على الروم وأخذوا من أيديهم بعض بلادهم وبلغ الخبر مكة ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين وقالوا : أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون لأن فارس كانوا مجوساً وقد ظهر إخواننا على إخوانكم فلنظهرن عليكم فشق ذلك على المسلمين واغتموا فأنزل الله الآية وأخبر أن الأمر يكون على غير ما زعموا فقال أبو بكر رضي الله عنه للمشركين : لا يقرّنّ الله أعينكم فوالله ليظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين فقال أبيّ بن خلف اللعين كذبت اجعل بيننا أجلاً أناحبك عليك والمناحبة المخاطرة فناحبه على عشرة ناقة شابة من كل واحد منهما يعني : (ضمان از يكديكر بستند هرآن يكى كه راست كوى بود آن ده شتربستاند ازان ديكر) وجعلا الأجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : البضع ما بين الثلاث إلى التسع" فزايده في الخطر وماده في الأجل فجعلاهما مائة ناقة إلى تسع سنين فلما خشي أبي أن يخرج أبو بكر مهاجراً إلى المدينة أتاه فلزمه فكفل له عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فلما أراد أبي أن يخرج إلى أحد أتاه محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما ولزمه فأعطاه كفيلاً ثم خرج إلى أحد ومات أبي من جرح برمح رسول الله بعد قفوله أي : رجوعه من أحد وظهرت الروم على فارس عند رأس سبع سنين (وآن نان بودكه ون شهريار وفرخان بر بعضى بلاد روم مستولى كشتند رويز بغمازى ارباب غرض بردو برادر متغير كشت وخواستند كه يكى را بدست ديكر هلاك كند وهردو بر صورت حال واقف شده كيفيت بقيصر روم عرضه كردند ودين ترسايى اختيار نمودند سهدار لشكر روم شدند وفار سيانرا مغلوب ساخته بعضى از بلاد ايشان بكر فتند وشهرستان روميه آنكه بنا كرند) ووقع ذلك يوم الحديبية.
وفي الوسيط فجاءه جبريل بهزيمة فارس وظهور الروم عليهم ووافق ذلك يوم بدر انتهى وأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبي فجاء به رسول الله فقال : تصدق به (أبو بكر رضي الله عنه آن همه بصدقه بداد بفرمان رسول) وكان ذلك قبل تحريم القمار بقوله تعالى :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالانصَابُ وَالازْلَـامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَـانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (المائدة : 90) والقمار أن يشترط أحد المتلاعبين في اللعب أخذ شيء من صاحبه إن غلب عليه والتفصيل في كراهية الفقه.
والآية من دلائل النبوة لأنها إخبار عن الغيب.
ثم إن القراءة المذكورة
5
(7/2)
هي القراءة المشهورة.
ويجوز أن يكون غلبت على البناء للفاعل على أن الضمير لفارس والروم مفعوله أي : غلبت فارس الروم وهم أي : فارس من بعد غلبهم للروم سيغلبون على البناء للمفعول أي : يكونون مغلوبين في أيدي الروم ويجوز أن يكون الروم فاعل غلبت على البناء للفاعل أي : غلبت الروم أهل فارس وهم أي : الروم بعد غلبهم سيغلبون على المجهول أي : يكونون مغلوبين في أيدي المسلمين فكان ذلك في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غلبهم على بلاد الشام واستخرج بيت المقدس لما فتح على يد عمر رضي الله عنه في سنة خمس عشرة أو ست عشرة من الهجرة واستمر بأيدي المسلمين أربعمائة سنة وسبعاً وسبعين سنة ثم تغلب عليه الفرنج واستولوا عليه في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة من الهجرة واستمر بأيديهم إحدى وتسعين سنة إلى أن فتحه الله على يد الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في يوم الجمعة سابع عشر رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فامتدحه القاضي محيى الدين بن البركة قاضي دمشق بقصيدة منها :
فتوحكم حلبا بالسيف في صفر
مبشر بفتوح القدس في رجب
فكان كما قال وفتح القدس في رجب كما تقدم فقيل له : من أين لك هذا فقال : أخذته من تفسير ابن مرجان في قوله تعالى : {الاـما * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الارْضِ وَهُم مِّنا بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِى بِضْعِ سِنِينَ} وكان الإمام أبو الحكم بن مرجان الأندلسي قد صنف تفسيره المذكور في سنة عشرين وخمسمائة وبيت المقدس يومئذٍ بيد الإفرنج لعنهم الله تعالى واستخرج الشيخ سعد الدين الحموي من قوله تعالى : {فِى أَدْنَى الأرْضِ} مغلوبية الروم سنة ثمانمائة فغلب تيمور على الروم.
يقول الفقير : لا يزال ظهور الغالبية أو المغلوبية في البضع سواء كان باعتبار المآت أو باعتبار الآحاد وقد غلب أهل الإسلام مرة في تسع وثمانين بعد الألف كما أشار إليه غالبون المفهوم من سيغلبون وغلبهم الكفار في السابعة والتسعين بعد الألف على ما أشار إليه أدنى الأرض يقال ما من حادثة إلا إليها إشارة في كتاب الله بطريق علم الحروف ولا تنكشف إلا لأهله قال علي كرم الله وجهه :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
العلم بالحرف سر الله يدركه
من كان بالكشف والتحقيق متصفاً
وحده {الامْرُ مِن قَبْلُ وَمِنا بَعْدُ} أي : في أول الوقتين وفي آخرهما حين غلبوا وحين يغلبون كأنه قيل من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين.
والمعنى أن كلاً من كونهم مغلوبين أولاً وغالبين آخراً ليس إلا بأمر الله وقضائه وتلك الأيام نداولها بين الناس {وَيَوْمَـاـاِذٍ} أي : يوم إذ يغلب الروم على فارس ويحل ما وعده الله تعالى من غلبتهم {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} (شاد خواهند شدن مؤمنان).
قال الراغب : الفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية الدنيوية ولم يرخص في الفرح إلا في قوله فبذلك فليفرحوا وقوله ويومئذٍ يفرح المؤمنون {بِنَصْرِ اللَّهِ} أي : بتغليب من له كتاب على من لا كتاب له وغيظ من شمت بهم من كفار مكة وكون ذلك من دلائل غلبة المؤمنين على الكفرة فالنصرة في الحقيقة لكونها منصباً شريفاً ليست إلا للمؤمنين.
وقال بعضهم يفرح المؤمنون بقتل الكفار بعضهم
6
بعضاً لما فيه من كسر شوكتهم وتقليل عددهم لا بظهور الكفار كما يفرح بقتل الظالمين بعضهم بعضاً.
وفي "كشف الأسرار" : اليوم ترح وغداً فرح.
اليوم عبرة وغداً خبرة.
اليوم أسف وغداً لطف.
اليوم بكاء وغداً لقاء (هرندكه دوستانرا امروز درين سراى بلا وعنا همه دردست واندوه همه حسرت وسوز اما آن اندوه وسوزرا بجان ودل خريدار آيد وهره معلوم ايشانست فداى آن دردمى كنند.
نانكه آن جوانمرد كفته اكنون بارى بنقدى دردى دارم كه آن درد بصدهزار درمان ندهم داود يغمبر عليه السلام ون آن زلت صغيره ازوى برفت واز حق بدو عتاب آمد تازنده بود سربر آسمان نداشت ويكساعت از تضرع نياسود با اين همه مكفت الهي خوش معجونى ازين دردخالى نباشم.
اي مسكين توهميشه بى درد بوده از سوز درد زدكان خبر ندارى ازان كريه رشادى وازان خنده ر اندوه نشانى نديده) :
من كريه بخنده درهمى يوندم
نهان كريم وبآشكارا خندم
اى دوست كمان مبركه من خرسندم
آكاه نه كه من نياز مندم
(7/3)
{يَنصُرُ مَن يَشَآءُ} أن ينصره من ضعيف وقوي من عباده استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى : {الامْرُ مِن قَبْلُ وَمِنا بَعْدُ} {وَهُوَ الْعَزِيزُ} المبالغ في العزة والغلبة فلا يعجزه من يشاء أن ينصر عليه كائناً من كان {الرَّحِيمُ} المبالغ في الرحمة فينصر من يشاء أن ينصره أي : فريق كان أو لا يعز من عادى ولا يذل من والى كما في "المناسبات" وهو محمول على أن المراد بالنصر نصر المؤمنين على المشركين في غزوة بدر كما أشير إليه من الوسيط.
وفي "الإرشاد" المراد من الرحمة هي الرحمة الدنيوية إما على القراءة المشهورة فظاهر لأن كلا الفريقين لا يستحق الرحمة الدنيوية وإما على القراءة الأخيرة فلأن المسلمين وإن كانوا مستحقين لها لكن المراد بها نصرهم الذي هو من آثار الرحمة الدنيوية وتقديم وصف العزة لتقدمه في الاعتبار.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{بِنَصْرِ اللَّه يَنصُرُ مَن يَشَآءُا وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّه لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَه وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَـاهِرًا مِّنَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ} .
{وَعْدَ اللَّهِ} مصدر مؤكد لنفسه لأن ما قبله وهو ويومئذٍ الخ في معنى الوعد إذ الوعد هو الإخبار بإيقاع شيء نافع قبل وقوعه وقوله ويومئذٍ الخ من هذا القبيل ومثل هذا المصدر يجب حذف عامله والتقدير وعد الله وعداً يعني انظروا وعد الله ثم استأنف تقرير معنى المصدر فقال : {لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} لا هذا الذي في أمر الروم ولا غيره مما يتعلق بالدنيا والآخرة لاستحالة الكذب عليه سبحانه {وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} وهم المشركون وأهل الاضطراب {لا يَعْلَمُونَ} صحة وعده لجهلهم وعدم تفكرهم في شؤون الله تعالى.
{يَعْلَمُونَ ظَـاهِرًا مِّنَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا} وهو ما يشاهدونه من زخارفها وملاذها وسائر أحوالها الموافقة لشهواتهم الملائمة لأهوائهم المستدعية لانهماكهم فيها وعكوفهم عليها وتنكير ظاهراً للتحقير والتخسيس أي : يعلمون ظاهراً حقيراً خسيساً من الدنيا.
قال الحسن : كان الرجل منهم يأخذ درهماً ويقول وزنه كذا ولا يخطىء وكذا يعرف رداءته بالنقد.
وقال الضحاك : يعلمون بنيان قصورها وتشقيق أنهارها وغرس أشجارها ولا فرق بين
7
عدم العلم وبين العلم المقصور على الدنيا.
وفي "التيسير" قوله : {لا يَعْلَمُونَ} نفي للعلم بأمور الدين وقوله : {يَعْلَمُونَ} إثبات للعلم بأمور الدنيا فلا تناقض لأن الأول نفي الانتفاع بالعلم بما ينبغي والثاني صرف العلم إلى ما لا ينبغي ومن العلم القاصر أن يهيىء الإنسان أمور شتائه في صيفه وأمور صيفه في شتائه وهو لا يتيقن بوصوله إلى ذلك الوقت ويقصر في الدنيا في إصلاح أمور معاده ولا بد له منها {وَهُمْ عَنِ الاخِرَةِ} التي هي الغاية القصوى والمطلب الأسنى {هُمْ غَـافِلُونَ} لا يخطرونها بالبال ولا يدركون من الدنيا ما يؤدي إلى معرفتها من أحوالها ولا يتفكرون فيها.
{وَهُمْ} الثانية تكرير للأولى للتأكيد يفيد أنهم معدن الغفلة عن الآخرة أو مبتدأ وغافلون خبره والجملة خبر للأولى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
وفي الآية تشبيه لأهل الغفلة بالبهائم المقصور إدراكاتها من الدنيا على الظواهر الحسية دون أحوالها التي هي من مبادىء العلم بأمور الآخرة وغفلة المؤمنين بترك الاستعداد لها وغفلة الكافرين بالجحود بها.
قال بعضهم : من كان عن الآخرة غافلاً كان عن الله أغفل ومن كان عن الله غافلاً فقد سقط عن درجات المتعبدين (در خبراست كه فردا در انجمن رستاخيز وعرصه عظمى دنيارا بيارند بصورت يره زنى آراسته كويد بار خدايا امروز مر اجزاى كمتر بنده كن از بندكان خود از دركاه عزت وجناب جبروت فرمان آيدكه اى نايز خسيس من راضى نباشم كه كمترين بنده از بندكان خودرا باون تو جزاى وهى دهم آنكه كويد "كونى ترابا" يعني خاك كرد ونيست شونان نيست شودكه هي جاى بديد نيايد.
وكفته اند طالبان دنيا سه كروه اند.
كروهى دردنيا از وجه حرام كردكنند ون دست رسد بغصب وقهر بخود مى كشند واز سر انجام وعاقبت آن نيند يشندكه ايشان اهل عقابند وسزاى عذاب مصطفى عليه السلام كفت كسى كه در دنيا حلال جمع كند از بهر تفاخر وتكاثر تاكردن كشد وبر مردم تطاول جوايد رب العزة ازوى اعراض كند ودر قيامت باوى بخشم بوداوكه دردنيا حلال جمع كرد برنيت تفاخر حالش اينست س اوكه حرام طلب كند وحرام كيرد وخورد حالش خود ون بود.
(7/4)
كروه دوم دنيا بدست آرند ازوجه مباح ون كسب وتجارات وون معاملات ايشان اهل حسابند در مشيت حق در خبرست كه "من نوقش في الحساب عذب".
كروه سوم از دنيا بسد جوعت وستر عورت قناعت كنند مصطفى عليه السلام "ليس لابن آدم حق فيما سوى هذه الخصال بيت يكنه وثوب يوارى عورته وجرف الخبز والماء" يعني از كسر الخبز ايشانرا نه حسابست ونه عتاب ايشانندكه ون سر ازخاك بركنند رويهاى ايشان ون ماه هارده بود).
قال بعضهم : الآية وصف المدعين الذين هم عارفون بالأمور الظاهرة والأحكام الدنيوية محجوبون عن معاملات الله غافلون عما فتح الله على قلوب أوليائه الذين غلب عليهم شوق الله وأذهلهم حب الله عن تدابير عيش الدنيا ونظام أمورها ولذلك قال عليه السلام : "أنتم أعلم بأمور دنياكم وأنا أعلم بأمور آخرتكم".
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
وفي "التأويلات النجمية" : قوله : "غلبت الروم" فيه إشارة إلى أن حال أهل الطلب يتغير بحسب الأوقات ففي بعض الأحوال يغلب فارس النفس على روم القلب للطالب الصادق فينبغي أن لا يزل هذا قدمه عن صراط الطلب
8
ويكون له قدم صدق عند ربه بالثبات واثقاً {وَهُم مِّنا بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} أي : سيغلب روم القلب على فارس النفس بتأييد الله ونصرته {فِى بِضْعِ سِنِينَ} من أيام الطلب {الامْرُ مِن قَبْلُ} يعني غلبة فارس النفس على روم القلب أولاً كانت بحكم الله وتقديره وله في ذلك حكمة بالغة في صلاح الحال والمآل ألا يرى أن فارس نفس جميع الأنبياء والأولياء في البداية غلبت على روم قلبهم ثم غلبت روم قلبهم على فارس نفسهم {وَمِنا بَعْدُ} يعني غلبة روم القلب على فارس النفس أيضاً بحكم الله فإنه يحكم لا معقب لحكمه {وَيَوْمَـاـاِذٍ} يعني يوم غلبت الروم {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} يعني الروح والسر والعقل {بِنَصْرِ اللَّهِ} القلب على النفس وبنصر الله المؤمنين على الكافرين {وَهُوَ الْعَزِيزُ} فبعزته يعز أولياءه ويذل أعداءه {الرَّحِيمُ} برحمته ينصر أهل محبته وهم أرباب القلوب {وَعْدَ اللَّه لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَه وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} من ناسي ألطافه {لا يَعْلَمُونَ} صدق وعده ووفاء عهده لأنهم {يَعْلَمُونَ ظَـاهِرًا مِّنَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا} يجدون ذوق حلاوة عسل شهوات الدنيا بالحواس الظاهرة {وَهُمْ عَنِ الاخِرَةِ} وكمالاتها ووجدان شوق شهواتها بالحواس الباطنة وأنها موجبة للبقاء الأبدي وإن عسل شهوات الدنيا مسموم مهلك {هُمْ غَـافِلُونَ} لاستغراقهم في بحر البشرية وتراكم أمواج أوصافها الذميمة انتهى ، قال الكمال الخجندي :
جهان وجمله لذاتش بزنبور عسل ماند
كه شيرينيش بسيارست وزان افزون شر وشورش
عصمنا الله وإياكم من الانهماك في لذات الدنيا.
{يَعْلَمُونَ ظَـاهِرًا مِّنَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الاخِرَةِ هُمْ غَـافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِى أَنفُسِهِما مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَآىاِ رَبِّهِمْ لَكَـافِرُونَ * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الارْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِى أَنفُسِهِم} الواو للعطف على مقدر ، والتفكر تصرف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب وهو قبل أن يتصفى اللب والتذكر بعده ولذا لم يذكر في كتاب الله تعالى مع اللب إلا التذكر.
قال بعض الأدباء : الفكر مقلوب الفرك لكن يستعمل الفكر في المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلباً للوصول إلى حقيقتها قوله : {فِى أَنفُسِهِم} ظرف للتفكر وذكره في ظهور استحالة كونه في غيرها لتصوير حال المتفكر فهو من بسط القرآن نحو يقولون بأفواههم والمعنى أقصر كفار مكة نظرهم على ظاهر الحياة الدنيا ولم يحدثوا التفكر في قلوبهم فيعلموا أنه تعالى {مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَـاوَاتِ} الأجرام العلوية وكذا سموات الأرواح {وَالارْضُ} الأجرام السفلية وكذا أرض الأجسام {وَمَا بَيْنَهُمَآ} من المخلوقات والقوى ملتبسة بشيء من الأشياء {إِلا} ملتبسة {بِالْحَقِّ} والحكمة والمصلحة ليعتبروا بها ويستدلوا على وجود الصانع ووحدته ويعرفوا أنها مجالي صفاته ومرائي قدرته وإنما جعل متعلق الفكر والعلم هو الخلق دون الخالق لأن الله تعالى منزه عن أن يوصف بصورة في القلب ولهذا روى "تفكروا في آلاء الله تعالى ولا تتفكروا في ذات الله" ، وفي "المثنوي" :
عالم خلقست باسوى جهات
بى جهت دان عالم امر وصفات
بى تعلق نيست مخلوقى بدو
آن تعلق هست بيون اى عمو
اين تعلق را خرد ون ى برد
بسته فصلست ووصلست اين خرد
زين وصيت كرد مارا مصطفى
بحث كم جوييد در ذات خدا
9
آنكه در ذاتش تفكر كردنيست
در حقيقت آن نظر درذات نيست
هست آن ندار اوزيرا براه
صد هزاران رده آمد تا اله
(7/5)
هريكى در برده موصول جوست
وهم او آنست كه آن عين هوست
س يمبر دفع كرد اين وهم ازو
تانباشد در غلط سودا بزاو
در عجائبهاش فكر اندر رويد
از عظيمى وزمهابت كم شويد
ونكه صنعش ريش وسبلت كم كند
حد خود داند زصانع تن زند
جزكه لا احصى نكويد ازجان
كز شمار وحد برونست آن بيان
ثم أنه لما كان معنى الحق في أسماء الله تعالى هو الثابت الوجود على وجه لا يقبل الزوال والعدم والتغير كان الجاري على ألسنة أهل الفناء من الصوفية في أكثر الأحوال هو الاسم الحق لأنهم يلاحظون الذات الحقيقية دون ما هو هالك في نفسه وباطل في ذاته وهو ما سوى الله تعالى {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} عطف على الحق أي : وبأجل معين قدره الله تعالى لبقائها لا بد لها من أن تنتهي إليه وهو وقت قيام الساعة {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ} مع غفلتهم عن الآخرة وإعراضهم عن التفكر فيما يرشدهم إلى معرفتها {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} أي : بلقاء حسابه وجزائه بالبعث والباء متعلق بقوله : {لَكَـافِرُونَ} أي : منكرون جاحدون يحسبون أن الدنيا أبدية وأن الآخرة لا تكون بحلول الأجل المسمى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا} أهل مكة والسير المضي في الأرض {فِى الارْضِ فَيَنظُرُوا} أي : أقعدوا في أماكنهم ولم يسيروا فينظروا أي : قد ساروا وقت التجارات في أقطار الأرض وشاهدوا {كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم المهلكة كعاد وثمود والعاقبة إذا أطلقت تستعمل في الثواب كما في قوله تعالى : {وَالْعَـاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} وبالإضافة قد تستعمل في العقوبة كما في هذه الآية وهي آخر الأمر ، وبالفارسية : (سرانجام) ثم بين مبدأ أحوال الأمم ومآلها فقال : {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} يعني : أنهم كانوا أقدر من أهل مكة على التمتع بالحياة الدنيا حيث كانوا أشد منهم قوة {وَأَثَارُوا الارْضَ} يقال ثار الغبار والسحاب انتشر ساطعاً وقد أثرته فالإثارة تحريك الشيء حتى يرتفع غباره ، وبالفارسية : (برانكبختن كرد وشورانيدن زمين وميغ آوردن باد) كما في "تاج المصادر" ، والثور اسم البقر الذي يثار به الأرض فكأنه في الأصل مصدر جعل في موضع الفاعل والبقر من بقر إذا شق لأنها تشق الأرض بالحراثة ومنه قيل لمحمد بن الحسين بن علي الباقر لأنه شق العلم ودخل فيه مدخلاً بليغاً.
والمعنى وقلبوا الأرض للزراعة والحراثة واستنباط المياه واستخراج المعادن {وَعَمَرُوهَآ} العمارة نقيض الخراب أي : عمروا الأرض بفنون العمارات من الزراعة والغرس والبناء وغيرها مما يعد عمارة لها {أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} أي : عمارة أكثر كما وكيفا وزماناً من عمارة هؤلاء المشركين.
يعني : أهل مكة إياها كيف لا وهم أهل واد غير ذي زرع لا تنشط لهم في غيره {وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ} بالمعجزات والآيات الواضحات فكذبوهم فأهلكهم الله تعالى {فَمَا كَانَ اللَّهُ} بما فعل بهم من العذاب والإهلاك {لِيَظْلِمَهُمْ} من غير جرم
10
يستدعيه من جانبهم {وَلَـاكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بما اجترأوا على اكتساب المعاصي الموجبة للهلاك.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{ثُمَّ كَانَ عَـاقِبَةَ الَّذِينَ أساءوا} أي : عملوا السيآت ، وبالفارسية : (بدكردند يعنى كافر شدند) {السُّواأَى} أي : العقوبة التي هي أسوء العقوبات وأفظعها وهي العقوبة بالنار فإنها تأنيث الأسوأ كالحسنى تأنيث الأحسن أو مصدر كالبشرى وصف به العقوبة مبالغة كأنها نفس السوأى.
وقيل السوأى اسم لجهنم كما أن الحسنى اسم للجنة وإنما سميت سوأى لأنها تسوء صاحبها ، قال الراغب : السوء كل ما يعم الإنسان من الأمور الدنيوية والأخروية ومن الأحوال النفسية والبدنية والخارجة من فوات مال وفقد حميم وعبر بالسوءى عن كل ما يقبح ولذلك قوبل بالحسنى قال : {ثُمَّ كَانَ عَـاقِبَةَ الَّذِينَ أساءوا السُّواأَى} كما قال : {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} (يونس : 26) انتهى.
والسوءى مرفوعة على أنها اسم كان وخبرها عاقبة وقرىء على العكس وهو أدخل في الجزالة كما في "الإرشاد" {ثُمَّ كَانَ عَـاقِبَةَ الَّذِينَ} علة لما أشير إليه من تعذيبهم الدنيوي والأخروي أي : لأن كذبوا بآيات الله المنزلة على رسله ومعجزاته الظاهرة على أيديهم {وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ} عطف على كذبوا داخل معه في حكم العلة وإيراد الاستهزاء بصيغة المضارع للدلالة على استمراره وتجدده.
وحاصل الآيات : أن الأمم السالفة المكذبة عذبوا في الدنيا والآخرة بسبب تكذيبهم واستهزائهم وسائر معاصيهم فلم ينفعهم قوتهم ولم يمنعهم أموالهم من العذاب والهلاك فما الظن بأهل مكة وهم دونهم في العدد والعدد وقوة الجسد.(7/6)
واعلم أن طبع القلوب والموت على الكفر مجازاة على الإساءة كما قال ابن عيينة أن لهذه الذنوب عواقب سوء لا يزال الرجل يذنب فينكت على قلبه حتى يسوّد القلب كله فيصير كافراً والعياذ بالله ، وفيه إشارة إلى طلبة العلم الذين يشرعون في علوم غير نافعة بل مضرة مثل الكلام والمنطق والمعقولات فيشوش عليهم عقيدتهم على مذهب أهل السنة والجماعة وإن وقعوا في أدنى شك وقعوا في الكفر :
علم بى دينان رهاكن جهل را حكمت مخوان
ازخيالات وظنون اهل يونان دم مزن
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
فمن كان له نور الإيمان الحقيقي بالسير والسلوك ينظر كيف كان عاقبة الذين من قبلهم من حكماء الفلاسفة أنهم كانوا أشد منهم قوة في علم القال وأثاروا الأرض البشرية بالرياضة والمجاهدة وعمروها بتبديل الأخلاق والاستدلال بالدلائل العقلية والبراهين المنطقية أكثر مما عمروها المتأخرون لأنهم كانوا أطول أعماراً منهم فوسوس لهم الشيطان وغرهم بعلومهم العقلية واستبدت نفوسهم بها وظنوا أنهم غير محتاجين إلى الشرائع ومتابعة الأنبياء وجاءتهم رسلهم بالمعجزات الظاهرة فنسبوها إلى السحر والنيرنج واعتمدوا على مسولات أنفسهم من الشبهات بحسبان أنها من البراهين القاطعة فأهلكهم الله في أودية الشكوك والحسبان فما كان الله ليظلمهم بالابتلاء بهذه الآفات بأن يكلهم إلى وساوس الشيطان وهواجس نفوسهم ولا يرسل إليهم الرسل ولم ينزل معهم الكتب ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بتكذيب الأنبياء ومتابعة الشيطان وعبادة الهوى ثم كان عاقبة أمر الفلاسفة لما أساءوا بتكذيب الأنبياء السوءى بأن صاروا أئمة الكفر وصنفوا الكتب في الكفر وأوردوا فيها
11
الشبهات على بطلان ما جاء به الأنبياء من الشرائع والتوحيد وسموها الحكمة وسموا أنفسهم الحكماء فالآن بعض المتعلمين من الفقهاء إما الوفور حرصهم على العلم والحكمة وإما لخباثة الجوهر ليتخلصوا من تكاليف الشرع يطالعون تلك الكتب ويتعلمونها وبتلك الشبهات التي دونوا بها كتبهم يهلكون في أودية الشكوك ويقعون في الكفر وهذه الآفة وقعت في الإسلام من المتقدمين والمتأخرين منهم وكم من مؤمن عالم قد فسدت عقدتهم بهذه الآفة وأخرجوا ربقة الإسلام من عنقهم فصاروا من جملتهم ودخلوا في زمرتهم ولعل هذه الآفة تبقى في هذه الأمة إلى قيام الساعة فإن في كل يوم يزداد تقل طلبة علوم الدين من التفسير والحديث والمذهب وتكثر طلبة علوم الفلسفة والزندقة ويسمونها الأصول والكلام :
علم دين فقهست وتفسير وحديث
هركه خواند غير ازين كردد خبيث
وقد قال الشافعي رحمه الله : من تكلم تزندق ثم وبال هذه جملة إلى قيام الساعة يكتب في ديوان من سن هذه السنة السيئة ومن أوزار من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء على أن كذبوا بالقرآن وسموا الأنبياء عليهم السلام أصحاب النواميس وسموا الشرائع الناموس الأكبر عليهم لعنات الله تترى كذا في "تأويلات" حضرة الشيخ نجم الدين قدس سره.
{اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} يخلقهم أولاً في الدنيا وهو الإنسان المخلوق من النطفة {ثُمَّ يُعِيدُهُ} بعد الموت إحياء كما كانوا أي : يحييهم في الآخرة ويبعثهم وتذكير الضمير باعتبار لفظ الخلق {ثُمَّ إِلَيْهِ} أي : إلى موقف حسابه تعالى وجزائه {تُرْجَعُونَ} تردون لا إلى غيره والالتفات للمبالغة في الترهيب.
وقرىء بياء الغيبة والجمع باعتبار معنى الخلق.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُه ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَآاـاِهِمْ شُفَعَـاؤا وَكَانُوا} .
(7/7)
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} التي هي وقت إعادة الخلق ورجعهم إليه للجزاء.
والساعة جزء من أجزاء الزمان عبر بها عن القيامة تشبيهاً لها بذلك لسرعة حسابها كما قال : {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَـاسِبِينَ} (الأنعام : 62) أو لما نبه عليه قوله : {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِّن نَّهَار} (الأحقاف : 35) {يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} يسكنون سكوت من انقطع عن الحجة متحيرين آيسين من الاهتداء إلى الحجة أو من كل خير.
قال الراغب الإبلاس الحزن المعترض من شدة اليأس ومنه اشتق إبليس ولما كان المبلس كثيراً ما يلزم السكوت وينسى ما يعينه.
قيل : أبلس فلان إذا سكت وانقطعت حجته {وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَآاـاِهِمْ} أوثانهم التي عبدوها رجاء الشفاعة {شُفَعَـاؤا} يجيرونهم من عذاب الله ومجيئه بلفظ الماضي لتحققه في علم الله وصيغة الجمع لوقوعها في مقابلة الجمع أي : لم يكن لكل واحد منهم شفيع أصلاً وكتب في المصحف شفعواء بواو قبل الألف كما كتب علمواء بني إسرائيل في الشعراء والسوأى بالألف قبل الياء إثباتاً للهمزة على صورة الحرف الذي منه حركتها {وَكَانُوا بِشُرَكَآاـاِهِمْ كَـافِرِينَ} يكفرون بآلهتهم حيث يئسوا منهم.
يعني : (ون ازمطلوب نا اميد كردند ازايشان بيزار شوند).
{وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَآاـاِهِمْ شُفَعَـاؤا وَكَانُوا بِشُرَكَآاـاِهِمْ كَـافِرِينَ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَـاـاِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ} .
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} أعيد لتهويله وتفظيع ما يقع فيه {يَوْمَـاـاِذٍ} (آن هنكام) {يَتَفَرَّقُونَ} تهويل له أثر تهويل.
وفيه رمز إلى أن التفرق يقع في بعض منه وضمير يتفرقون لجميع الخلق المدلول عليهم بما تقدم من بدئهم وإعادتهم
12
ورجوعهم لا المجرمين خاصة.
والمعنى : يتفرق المؤمنون والكافرون بعد الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبداً.
قال الحسن رحمه الله : لئن كانوا اجتمعوا في الدنيا ليتفرقن يوم القيامة هؤلاء في أعلى عليين وهؤلاء في أسفل سافلين (يكى در درجه وصلت يكى در دركه فرقت آن بر سرير محبت واين بر حصير محنت آنرا انواع ثواب واين را أصناف عقاب جمعى ازدولت تلاقى نازان وبرخى برآتش فراق كدازان) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
يكى خندان بصدر عشرت
يكى نالان بصد عسرت
يكى در راحت وصلت
يكى در شدت هجرت
قال أبو بكر بن طاهر قدس سره : يتفرق كل إلى ما قدر له من محل السعادة ومنزل الشقاوة ومن كان تفرقته إلى الجمع كان مجموع السر ثم لا يألف الخلق أبداً فينقلب إلى محل السعداء ومن كان تفرقته إلى الفرق كان متفرق السر ثم لا يألف الحق أبداً فيرجع إلى محل أهل الشقاوة ، ثم فصل أحوال الفريقين وكيفية تفرقهم فقال :
{فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ} عظيمة وهي كل أرض ذات نبات وماء ورونق ونضارة والمراد بها الجنة ، قال الراغب : الروض مستنقع الماء والخضرة وفي روضة عبارة عن رياض الجنة وهي محاسنها وملاذها انتهى.
وخص الروضة بالذكر لأنه لم يكن عند العرب شيء أحسن منظراً ولا أطيب نشراً من الرياض.
ففيه تقريب المقصود من إفهامهم.
والمعنى بالفارسية : (س ايشان در مر غزارهاى مشتمل برازهار وانهار) {يُحْبَرُونَ} يسرون سروراً تهللت له وجوههم ، يعني : (شادمان كردانيده باشند نان شادمانى كه اثر آن بر صفحات وجنات ايشان ظاهر باشد) فالحبور السرور يقال حبره إذا سره سروراً تهلل له وجهه.
وفي "المفردات" يفرحون حتى يظهر عليهم حبار نعيمهم أي : أثره يقال حبر فلان بقي بجلده أثر من قرح.
والحبر العالم لما يبقى من أثر علومه في قلوب الناس ومن آثار أفعاله الحسنة المقتدى بها وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضي الله عنه بقوله : "العلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة" ويقال التحبير التحسين الذي يسره يقال للعالم حبر لأنه يتخلق بالأخلاق الحسنة.
وللمداد حبر لأنه يحسن به الأوراق فيكون الحبرة كل نعمة حسنة.
قال في "الإرشاد" : واختلف فيه الأقاويل لاختلاف وجوه.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد يكرمون.
وعن قتادة ينعمون.
وعن ابن كيسان يحلون.
وعن أبي بكر بن عياش يتوّجون (متوج سازندشان).
وعن وكيع يسرون بالسماع ، يعني : (آواز خوش شنوانند ايشانرا وهي لذت برابر سماع نيست.
در خبراست كه ابكار بهشت تغنى كنند بأصواتي كه خلائق مثل آن نشنيده باشد واين افضل نعيم بهشت بود ازابى درداء رضي الله عنه را رسيدندكه مغنيات بهشت به يز تغنى كنند فرموده كه بالتسبيح.
از يحيى بن معاذ رازى رضي الله عنه را رسيدندكه از آوزها كدام دوستر دارى فرمود مزامير انس في مقاصير قدس بالحان تحميد في رياض تمجيد).
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
(7/8)
ـ روي ـ أن في الجنة أشجاراً عليها أجراس من فضة فإذا أراد أهل الجنة السماع يهب الله ريحاً من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا
13
طرباً وفي الحديث : "الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين منها كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها سمواً وأوسطها محلاً ومنها يتفجر أنهار الجنة وعليها يوضع العرش يوم القيامة" فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله إني رجل حبب إليّ الصوت فهل في الجنة صوت حسن؟ فقال : "أي نعم والذي نفسي بيده إن الله سبحانه ليوحي إلى شجرة في الجنة أن أسمعي عبادي الذين اشتغلوا بعبادتي وذكري عن عزف البرابط والمزامير فترفع صوتاً لم يسمع الخلائق مثله قط من تسبيح الرب وتقديسه" (فردا دوستان خدا در روضات بهشت ميان رياحين انس بشادى وطرب سماع كنند فرمان آيد بداود عليه السلام كه يا داود بآن نغمه دلذير وصوت شوق انكيز كه ترا داده ايم زبور بخوان.
أي : موسى تلاوت تورات كن.
أي : عيسى بتلاوت انجيل مشغول شو.
اي درخت طوبى آواز دل آراى بتسبيح ما بكشاي.
اي اسرافيل توقرآن آغازكن).
قال الأوزاعي : ليس أحد من خلق الله أحسن صوتاً من إسرافيل فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم (اى ماه رويان فردوس ه نشينيد خيزيد ودوستانرا اقبال كنيد.
اى تلهاى مشك اذفر وكافور معنبر برسر مشتاقان ما نثار شويد.
اى درويشان كه دردنيا غم خورديد اندوه بسر آمدودرخت شادى ببر آمد خيزيد وطرب كنيد در حظيره قدس وخلوتكاه انس بنازيد.
اى مستان مجلس مشاهده.
اي مخمور خمر عشق.
اي عاشقان سوخته كه سحر كاهان در ركوع وسجود ون خون ازديدها روان كرده ودلها باميد وصال ما تسكين داده كاه آن آمدكه در مشاهده ما بياساييد بارغم ازخود فرونهيد وبشادى دم زنيد.
اي طالبان ساكن شويد كه نقد تزديكست.
اي شب روان آرام كيريد كه صبح نزديكست.
اي مشتاقان طرب كنيدكه ديدار نزديكست) فيكشف الحجاب ويتجلى لهم تبارك وتعالى في روضة من رياض الجنة ويقول : أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي فهذا محل كرامتي فسلوني :
روزى كه سرا رده برون خواهى كرد
دانم كه زمانه را زبون خواهى كرد
كر زيب وجمال ازين فزون خواهى كرد
يا رب ه جكر هست كه خون خواهى كرد
(حاصل سخن آنكه شريفترين لذتي بعد ازمشاهده انوار تجلى دربهشت سماع خواهد بود وازينجا كفته آن عزيز در شرح مثنوى كه سماع منادى است كه درماندكان بيابان محنت افزاى دنيارا از عشرت آباد بهشت نورانى ياد ميدهد) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
مؤمنان كويند كاثار بهشت
نغز كردانيد هر آواز زشتما همسه اجزاء آدم بورده ايم
دربهشت آن لحن را بشنوده ايم
كره برما ريخت آب وكل شكى
ياد ما آيد ازانها اندكى
س نى ونك ورباب وسازها
يزكى ماند بدان آوهاعاشقان كين نغمهارا بشنوند
خزؤ بكذا رند وسوى كل روند
قال بعض العارفين : إن الله تعالى بجوده وجلاله يطيب أوقات عشاقه بكل لسان في الدنيا وكل صوت حسن في الآخرة ورب روضة في الدنيا للعارف العاشق الصادق يرى الحق فيها
14
ويسمع منه بغير واسطة وربما كان بواسطة فيسمعه الحق من ألسنة كل ذرة من العرش إلى الثرى أصواتاً قدوسية وخطابات سبوحية.
قال جعفر : فابدأ به في صباحك وبه فاختم في مسائك فمن كان به ابتداؤه وإليه انتهاؤه لا يشقى فيما بينهما.
قال البقلي رحمه الله : وصف الله أهل الحبور بالإيمان والعمل الصالح فأما إيمانهم فشهود أرواحهم مشاهد الأزل في أوائل ظهورها من العدم.
وأما أعمالهم الصالحة فالعشق والمحبة والشوق فآخر درجاتهم في منازل الوصال الفرح بمشاهدة الله والسرور بقربه وطيب العيش لسماع كلامه يطربهم الحق بنفسه أبد الآبدين في روح وصاله وكشف جماله.
{فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآياتنا وَلِقَآىاِ الاخِرَةِ فأولئك فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * فَسُبْحَـانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} .
(7/9)
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآياتنا} القرآنية التي من جملتها هذه الآيات الناطقة بما فصل {وَأَمَّا الَّذِينَ} أي : البعث بعد الموت صرح بذلك مع اندراجه في تكذيب الآيات للاعتناء بأمره فأولئك الموصوفون بالكفر والتكذيب {فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} مدخلون على الدوام لا يغيبون عنه أبداً.
قال بعضهم : الإحضار إنما يكون على إكراه فيجاء به على كراهة أي : يحضرون العذاب في الوقت الذي يحبر فيه المؤمنون في روضات الجنان فيكونون على عذاب وويل وثبور كما يكون المؤمنون على ثواب وسماع وحبور.
فعلى العاقل أن يجتنب عن القيل والقال ويكسب الوجد والحال من طريق صالحات الأعمال فإن لكل عمل صالح أثراً ولكل ورع وتقوى ثمرة فمن حبس نفسه في زاوية العبادة والطاعة وتخلى في خلوة الذكر والفكر تفرج في رياض الجنان بما قاصى بالأعضاء والجنان.
ومن أغلق باب سمعه عن سماع الملاهي وصبر عنه فتح الله له باب سماع الأغاني في الجنة وإلا فقد حرم من أمثل اللذات.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
به ازروى زيباست آواز خوش
كه آن حظ نفس است واين قوت روح
كما أن من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة وأشار بالإحضار إلى أن جهنم سجن الله تعالى فكما أن المجرم في الدنيا يساق إلى السجن وهو كاره له فكذا المجرم في العقبى يساق ويجرّ إلى النار بالسلاسل والأغلال فيذوق وبال كفره وتكذيبه وحضوره محاضر أهل الهوى من أهل الملاهي وربما يحضر في العذاب من ليس بمكذب الحاقاً له في بعض الأوصاف وإن كان غير مخلد فيه وربما تؤدي الجراءة على المعاصي والإصرار عليها إلى الكفر والعياذ بالله تعالى.
فيا أهل الشريعة عليكم بترك المحرمات الموجبة للعقوبات.
ويا أهل الطريقة عليكم بترك الفضلات المؤدية إلى التنزلات ولا يغرنكم أحوال أبناء الزمان فإن أكثرهم إباحيون غير مبالين ألا ترى إلى مجامعهم المشحونة بالأحداث ومجالسهم المملوءة بأهل الملاهي كأنهم المكذبون بلقاء الآخرة فلذا قصروا همتهم على الأمور الظاهرة يطلبون العشق والحال في الأمر الزائل كالمتغنى والمزمّر ويعرضون عن الذكر والتوحيد الباقي لذته وصفوته مدى الدهر ولعمري أن من عقل لا يستن بسنن الجهلاء وأهل الارتكاب ولا يرفع إلى مجالسهم قدماً ولو خطوة خوفاً من العذاب فإنه تعالى قال : {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (هود : 113) وأي نار أعظم من نار البعد والفراق إذ هي دائمة الإحراق نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لسدّ خلل الدين والإعراض عن متسامحات الغافلين ويجعلنا ممن تعلق بحبل الشرع المبين وعروة الطريق القويم المتين ويحيينا بالحياة الطيبة إلى آخر الأعمار ويعيدنا من الأجداث والوجوه أقمار
15
ولا يخيبنا في رجاء شفاعات الأعالي إنه الكريم المتعالي.
{فَسُبْحَـانَ اللَّهِ} الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
والسبح المر السريع في الماء أو في الهواء والتسبيح تنزيه الله وأصله المر السريع في عبادة الله جعل عاماً في العبادات قولاً كان أو فعلاً أو نية والسبوح والقدوس من أسماء الله تعالى وليس في كلامهم فعول سواهما.
وسبحان هنا مصدر كغفران موضوع موضع الأمر مثل فضرب الرقاب والتسبيح محمول على حقيقته وظاهره الذي هو تنزيه الله عن السوء والثناء عليه بالخير.
والمعنى : إذا علمتم أيها العقلاء المميزون أن الثواب والنعيم للمؤمنين العاملين والعذاب والجحيم للكافرين المكذبين فسبحوا الله أي : نزهوه عن كل ما لا يليق بشأنه تعالى {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الحين بالكسر وقت مبهم يصلح لجميع الأزمان طال أو قصر ويتخصص بالمضاف إليه كما في هذا المقام.
والإمساء الدخول في المساء كما أن الإصباح الدخول في الصباح والمساء والصباح ضدان.
قال بعضهم : أول اليوم الفجر ثم الصباح ثم الغداة ثم البكرة ثم الضحى ثم الضحوة ثم الهجير ثم الظهر ثم الرواح ثم المساء ثم العصر ثم الأصيل ثم العشاء الأولى ثم العشاء الأخيرة عند مغيب الشفق.
والمعنى : سبحوه تعالى وقت دخولكم في المساء وساعة دخولكم في الصباح.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{فَسُبْحَـانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ} .
(7/10)
{وَلَهُ الْحَمْدُ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ} يحمده خاصة أهل السموات والأرض ويثنون عليه أي : احمدوه على نعمه العظام في الأوقات كلها فإن الإخبار بثبوت الحمد له تعالى ووجوبه على أهل التمييز من خلق السموات والأرض في معنى الأمر على أبلغ وجه.
وتقديم التسبيح على التحميد لأن التخلية بالمعجمة متقدمة على التحلية بالمهملة كشرب المسهل متقدم على شرب المصلح وكالأساس متقدم على الحيطان وما يبنى عليها من النقوش {وَعَشِيًّا} آخر النهار من عشى العين إذا نقص نورها ومنه الأعشى وهو معطوف على حين تمسون أي : سبحوه وقت العشي وتقدمه على قوله {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} أي : تدخلون في الظهيرة التي هي وسط النهار لمراعاة الفواصل وتغيير الأسلوب لأنه لا يجيىء منه الفعل بمعنى الدخول في العشي كالمساء والصباح والظهيرة وتوسيط الحمد بين أوقات التسبيح للإشعار بأن حقها أن يجمع بينها كما ينبىء عنه قوله تعالى : {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} (الحجر : 98) وقوله عليه السلام : "من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" وقوله عليه السلام : "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" وتخصيص التسبيح والتحميد بتلك الأوقات للدلالة على أن ما يحدث فيها من آيات قدرته وأحكام رحمته ونعمته شواهد ناطقة بتنزهه تعالى واستحقاقه الحمد موجبة لتسبيحه وتحميده حتماً وفي الحديث "من سرّه أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون" الآية.
وحمل بعضهم التسبيح والتحميد في الآية على الصلاة لاشتمالها عليهما.
والسبحة الصلاة ومنه سبحة الضحى وقد جاء في القرآن إطلاق التسبيح بمعنى الصلاة في قوله تعالى : {فَلَوْلا أَنَّه كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (الصافات : 143).
قال القرطبي وهو من أجلاء المفسرين أي : من المصلين.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية جامعة للصلوات الخمس ومواقيتها.
تمسون صلاة المغرب والعشاء.
16
وتصبحون صلاة الفجر.
وعشياً صلاة العصر.
وتظهرون صلاة الظهر فالمعنى فصلوافي هذه الأوقات.
واتفق الأئمة على أن الصلاة المفروضة في اليوم والليلة خمس وعلى أنها سبع عشرة ركعة ، الظهر أربع ، والعصر أربع ، والمغرب ثلاث ، والعشاء أربع ، والفجر ركعتان.
قيل فرضت الصلوات الخمس في المعراج أربعاً إلا المغرب ففرضت ثلاثاً وإلا الصبح ففرضت ركعتين وإلا صلاة الجمعة ففرضت ركعتين ثم قصرت الأربع في السفر.
وتجب الصلاة بأول الوقت لغير معذور وعليه بآخره بالاتفاق.
وعند أبي حنيفة إذا طلعت الشمس وهو في صلاة الفجر بطلت صلاته وليس كذلك إذا خرج الوقت في بقية الصلاة والزائد على قدر واجب في الصلاة في قيام ونحوه نفل بالاتفاق كما في "فتح الرحمن" وفي الحديث "ما افترض الله على خلقه بعد التوحيد أحب إليه من الصلاة ولو كان شيء أحب إليه من الصلاة لتعبد به ملائكته فمنهم راكع وساجد وقائم وقاعد" وفي الحديث "من حافظ على الصلوات الخمس بإكمال طهورها ومواقيتها كانت له نوراً وبرهاناً يوم القيامة ومن ضيعها حشر مع فرعون وهامان".
والجماعة سنة مؤكدة أي : قوية تشبه الواجب في القوة لقوله عليه السلام : "الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق" وأكثر المشايخ على أنها واجبة وتسميتها سنة لأنها ثابتة بالسنة لكن إن فاتته جماعة لا يجب عليه الطلب في مسجد آخر كذا في الفقه.
قال أبو سليمان الداراني قدس سره : أقمت عشرين سنة لم أحتلم فدخلت مكة فأحدثت بها حدثاً فما أصبحت إلا احتملت وكان الحدث فاتته صلاة العشاء بجماعة ، وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
هره آيد برتو از ظلمات غم
آن زبى شرمى وكستاخيست هم فلكل عمل أثر وجزاء وأجر :
دزانكه شاكررا زيادت وعده است
آننانكه قرب مزد سجده استكفت واسجد واقترب يزدان ما
قرب جان شد سجده ابدان ما
(7/11)
{يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ} كالإنسان من النطفة والطير من البيضة وأيضاً المؤمن من الكافر والمصلح من المفسد والعالم من الجاهل.
وأيضاً القلب الحي بنور الله من النفس الميتة عن صفاتها وأخلاقها الذميمة إظهاراً للطفه ورحمته {وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ} النطفة والبيضة من الحيوان.
وأيضاً الكافر والمفسد والجاهل من المؤمن والمصلح والعالم.
وأيضاً القلب الميت عن الأخلاق الحميدة الروحانية من النفس الحية بالصفات الحيوانية الشهوانية إظهاراً لقهره وعزته {يُخْرِجُ الْحَىَّ} بالمطر والنبات {بَعْدَ مَوْتِهَآ} قحلها ويبسها {وَكَذَالِكَ} مثل ذلك الإخراج {تُخْرَجُونَ} من القبور أحياء إلى موقف الحساب فإنه أيضاً يعقب الحياة الموت.
تلخيصه الإبداء والإعادة في قدرته سواء.
قال مقاتل : يرسل الله يوم القيامة ماء الحياة من السماء السابعة من البحر المسجور بين النفختين فينشر عظام الموتى وذلك قوله تعالى : {وَكَذَالِكَ تُخْرَجُونَ} فكما ينبت النبات من الأرض بالمطر فكذا ينبت الناس من القبور بمطر البحر المسجور كالمنى ويحيون به.
والإشارة : إن الله يحيي الأرض القلوب بعد إماتته إياها وكذلك تخرجون من العدم إلى الوجود بالقدرة وفي الحديث "من قال حين يصبح
17
فسبحان الله حين تمسون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فات من ليلته ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في يومه".
وفي "كشف الأسرار" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "من قال سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون" هذه الآيات الثلاث من سورة الروم وآخر سورة الصافات "دبر كل صلاة يصليها كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء وقطر المطر وعدد ورق الشجر وعدد تراب الأرض فإذا مات أجرى له بكل حسنة عشر حسنات في قبره وكان إبراهيم خليل الله عليه السلام يقولها في كل يوم وليلة ست مرات" يعني : مضمونها بلغة السريان إذ لم تكن العربية يومئذٍ.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَيُحْىِ الارْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَالِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً} .
{وَمِنْ ءَايَاتِهِ} أي : ومن علامات الله الدالة على البعث.
وقال الكاشفي : (واز نشانهاى قدرت خداى تعالى) {أَنْ خَلَقَكُم} يا بني آدم في ضمن خلق آدم لأنه خلقه منطوياً على خلق ذرياته انطواء إجمالياً والخلق عبارة عن تركيب الأجزاء وتسوية الأجسام {مِّن تُرَابٍ} لم يشم رائحة الحياة قط ولا مناسبة بينه وبين ما أنتم عليه في ذاتكم وصفاتكم وإنما خلق الله الإنسان من التراب ليكون متواضعاً ذلولاً حمولاً مثله والأرض وحقائقها دائمة في الطمأنينة والإحسان بالوجود ولذلك لا تزال ساكنة وساكتة لفوزها بوجود مطلوبها فكانت أعلى مرتبة وتحققت في مرتبة العلو في عين السفل وقامت بالرضى {ثُمَّ إِذَآ أَنتُم} (س اكنون شما) {بَشَرٌ} (مردمانيد آشكارا) أي : آدميون من لحم ودم عقلاء ناطقون.
قال في "المفردات" : البشرة ظاهر الجلد وعبر عن الإنسان بالبشر اعتباراً بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر.
واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع وخص في القرآن كل موضع اعتبر من الإنسان جثته وظاهره بلفظ البشر {تَنتَشِرُونَ} الانتشار (راكنده شدن).
قال الراغب : انتشار الناس تصرفهم في الحاجات.
والمعنى فاجأتم بعد ذلك وقت كونكم بشراً تنتشرون في الأرض فدل بدء خلقكم على إعادتكم وهذا مجمل ما فصل في قوله تعالى في أوائل سورة الحج : يا اأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَـاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ} (الحج : 5) أي : إن كنتم في شك من البعث بعد الموت فانظروا إلى ابتداء خلقكم وقد خلقناكم بالأطوار لتظهر لكم قدرتنا على البعث فتؤمنوا به وأنشد بعضهم :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
خلقت من التراب فصرت شخصاً
بصيراً بالسؤال وبالجواب
وعدت إلى التراب فصرت فيه
كأني ما برحت من التراب
قال الشيخ سعدي قدس سره :
امرش وجود ازعدم نقش بست
كه داندجزا وكردن از نيست هست
دكرره بكتم عدم دربرد
واز آنجا بصحراى محشر برد
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن التراب أبعد الموجودات إلى الحضرة لأنا إذا نظرنا إلى الحقيقة وجدنا أقرب الموجودات إلى الحضرة عالم الأرواح لأنه أول ما خلق الله الأرواح ثم العرش لأنه محل استواء الصفة الرحمانية ثم الكرسي ثم السماء السابعة ثم السموات كلها
18(7/12)
ثم فلك الأثير ثم فلك الزمهرير أعني الهواء ثم الماء ثم التراب وهو جمادي لا حس فيه ولا حركة وليس له قدرة على تغيير ذاته وصفاته فلما وجدنا ذاته متغيرة عن وصف الترابية صورة ومعنى متبدلة كتغير صورته بصورة البشر وتبدل صفته بصفة البشرية علم أنه محتاج إلى مغير ومبدل وهو الله سبحانه وأشار بقوله : {ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} يعني كنتم تراباً جماداً ميتاً أبعد الموجودات عن الحضرة جعلتكم بشراً بنفخ الروح المشرف بإضافة من روحي وهو أقرب الموجودات إلى الحضرة فأي آية أظهر وأبين من الجمع بين أبعد الأبعدين وأقرب الأقربين بكمال القدرة والحكمة ثم جعلتكم مسجود الملائكة المقربين وجعلتكم مرآة مظهرة لجميع صفات جمالي وجلالي ولهذا السر جعلتكم خلائف الأرض انتهى.
يقول الفقير : والخليفة لا بد له من الانتقال من موطن إلى موطن إعطاء لأحكام الإسلام فالموطن الدنيوي هو من آثار الاسم الظاهر والانتقال إلى الموطن البرزخي من أحكام الاسم الباطن فلما صار الغيب شهادة بالنسبة إلى الموطن الأول في ابتداء الظهور وأوله فكذلك تصير الشهادة غيباً بالنسبة إلى الموطن الثاني والموطن الحشري في انتهاء الظهور وثانيه.
يعني أن الدنيا تصير غيباً راجعاً إلى حكم الاسم الباطن عند ظهور البعث والحشر كما كانت شهادة قبله راجعة إلى حكم الاسم الظاهر وأن الأخرى تصير شهادة بعده كما كانت غيباً قبله فهي كالقلب الآن وسينقلب الأمر فيكون القلب قالباً والقالب قلباً نسأل الله الانتقال بالكمال التام والظهور في النشأة الآخرة بالوجود المحيط العالم.
{وَمِنْ ءَايَاتِهِ} الدالة على البعث وما بعده من الجزاء {أَنْ خَلَقَ لَكُم} أي : لأجلكم {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} (ازتن شما) {أَزْوَاجًا} (زنان وجفتان) فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم متضمن لخلقهن من أنفسكم والأزواج جمع زوج وهو الفرد المزاوج لصاحبه وكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى وزوجة لغة رديئة وجمعها زوجات كما في "المفردات" ويجوز أن يكون معنى من أنفسكم من جنسكم لا من جنس آخر وهو الأوفق بقوله : {لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} أي : لتميلوا إلى تلك الأزواج وتألفوا بها فإن المجانسة من دواعي التضام والتعارف كما أن المخالفة من أسباب التفرق والتنافر.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
بجنس خود كند هرجنس آهنك
ندارد هيكس ازجنس خود ننك
بجنس خويش دارد ميل هرجنس
فرشته بافرشته انس با نس
يقول الفقير : ذهب العلماء من الفقهاء وغيرهم إلى جواز المناكحة والعلوق بين الجن والإنس فقد جعل الله أزواجاً من غير الجنس والجواب أن ذلك من النوادر فلا يعتبر وليس السكون إلى الجنية كالسكون إلى الإنسية وإن كانت متمثلة في صورة الإنس {وَجَعَلَ بَيْنَكُم} وبين أزواجكم من غير أن يكون بينكم سابقة معرفة أو رابطة قرابة ورحم {مَّوَدَّةً} محبة {وَرَحْمَةً} شفقة.
وعن الحسن البصري المودة كناية عن الجماع والرحمة عن الولد كما قال تعالى : {وَرَحْمَةً مِّنَّا} أي : في حق عيسى عليه السلام.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : المودة للكبير والرحمة للصغير {إِنَّ فِى ذَالِكَ} أي : فيما ذكر من خلقهم من تراب وخلق أزواجهم من أنفسهم وإلقاء المودة والرحمة بينهم {لايَـاتٍ} عظيمة {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في
19
صنعه وفعله فيعلمون ما في ذلك من الحكم والمصالح.
قال في "برهان القرآن" : ختم الآية بقوله : {يَتَفَكَّرُونَ} لأن الفكر يؤدي إلى الوقوف على المعاني المذكورة.
يقول الفقير : لعل الوجه في الختم به أن إدراك ما ذكر ليس مما يختص بخواص أهل التفكر وهم العلماء بل يدركه من له أدنى شيء من التفكر.
والتفكر دون التذكر ولذا لم يذكر التذكر في القرآن إلا مع أولي الباب.
وفي الآية إشارة إلى إزدواج الروح والنفس فإنه تعالى خلق النفس من الروح وجعلها زوجه كما خلق حواء من آدم وجعلها زوجه لتسكن الأرواح إلى النفوس كما سكن آدم إلى حواء ولو لم تكن حواء لاستوحش آدم في الجنة كذلك الروح لو لم تكن النفس خلقت منه ليسكن إليها استوحش من القالب ولم يسكن فيه وجعل بين الروح والنفس إلفة واستئناساً ليسكنا في القالب إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون بالفكر السليم في الإنسان كيف أودع الله فيه سراً من المعرفة التي كل المخلوقات كانت في الخلقية تبعاً له كذا في "التأويلات النجمية".
{وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةًا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَاخْتِلَـافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّلْعَـالِمِينَ * وَمِنْ ءَايَاتِهِ مَنَامُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَآؤُكُم مِّن فَضْلِه إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} .(7/13)
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{وَمِنْ ءَايَاتِهِ} الدالة على ما ذكر {خَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ} على عظمتها وكثافتها وكثرة أجزائها بلا مادة فهو أظهر قدرة على إعادة ما كان حياً قبل ذلك فهذه من الآيات الآفاقية ثم أشار إلى شيء من الآيات الأنفسية فقال : {وَاخْتِلَـافُ أَلْسِنَتِكُمْ} أي : لغاتكم من العربية والفارسية والهندية والتركية وغيرها بأن جعل لك صنف لغة.
قال الراغب : اختلاف الألسنة إشارة إلى اختلاف اللغات واختلاف النغمات فإن لكل لسان نغمة يميزها السمع كما أن له صورة مخصوصة يميزها البصر انتهى.
فلا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية من كل وجه ، يعني : (درست وبلند وفصاحت ولكنت وغير آن).
قال وهب : جميع الألسنة اثنان وسبعون لساناً منها في ولد سام تسعة عشر لساناً وفي ولد حام سبعة عشر لساناً وفي ولد يافث ستة وثلاثون لساناً {وَأَلْوَانِكُمْ} بالبياض والسواد ولأدمة والحمرة وغيرها.
قال الراغب : في الآية إشارة إلى أن أنواع الألوان من اختلاف الصور التي يختص كل إنسان بهيئة غير هيئة صاحبه مع كثرة عددهم وذلك تنبيه على سعة قدرته يعني أن اختلاف الألوان إشارة إلى تخطيطات الأعضاء وهيآتها وحلاها ألا ترى أن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما والأمور الملاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة وإن كانا في غاية التشابه (اكربرين وجه نبودي امتياز بين الأشخاص مشكل بودي وبسيار از مهمات معطل ماندى).
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان آدم مؤلفاً من أنواع تراب الأرض ولذلك كان بنوه مختلفين منهم الأحمر والأسود والأبيض كل ظهر على لون ترابه وقابليته وتصور صورة كل رجل على صورة من أجداده إلى آدم يحضر أشكالهم عند تصوير صورته في الرحم كما أشار إليه بعض المفسرين في قوله تعالى : {فِى أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} (الانفطار : 8) {إِنَّ فِى ذَالِكَ} أي : فيما ذكر من خلق السموات والأرض واختلاف الألسنة والألوان {لايَـاتٍ} عظيمة في نفسها كثيرة في عددها {لِّلْعَـالِمِينَ} بكسر اللام أي : المتصفين بالعلم كما في قوله : {وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلا الْعَـالِمُونَ} (العنكبوت : 43) وخص العلماء لأنهم أهل النظر والاستدلال دون الجهال المشغولين بحطام الدنيا وزخارفها فلما كان الوصول إلى معرفة ما سبق ذكره إنما يمكن بالعلم ختم الآية بالعالمين.
وقرىء بفتح اللام ففيه إشارة إلى كمال وضوح الآيات وعدم خفائها
20
على أحد من الخلق من ملك وأنس وجن وغيرهم.
وفي الآية إشارة إلى اختلاف ألسنة القلوب وألسنة النفوس فإن لسان القلوب يتحرك بالميل إلى العلويات وفي طلبها يتكلم ولسان النفوس يتحرك بالميل إلى السفليات وفي طلبها يتكلم كما يشاهد في مجالس أهل الدنيا ومحافل أهل الآخرة ، ومن كلمات مولانا قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
مارا ه ازين قصه كه كاو آمد وخر رفت
اين وقت عزيزست ازين عربده بازآى
وأيضاً إشارة إلى اختلاف الألوان أي : الطبائع منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ومنكم من يريد الله في أن ذلك لآيات للعارفين الذين عرفوا حقيقة أنفسهم وكماليتها فعرفوا الله ورأوا آياته بإراءته إياهم لقوله تعالى : {سَنُرِيهِمْ ءَايَـاتِنَا فِى الافَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ} (فصلت : 53).
(7/14)
ثم إن الله تعالى خلق الآيات وأشار إليها مع وضوحها تنبيهاً للناظرين وتعليماً للجاهلين وتكميلاً للعالمين فمن له بصر رآها ومن له بصيرة عرفها.
يقال الأمم على الاختلاف الأزمان والأديان متفقة على مدح أخلاق أربعة : العلم ، والزهد ، والإحسان ، والأمانة ، والمتعبد بغير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يقطع المسافة.
ثم إن المعتبر هو العلم بالله الناظر إلى عالم الملكوت وهذا العلم من الآيات الكبرى وصاحبه يشاهد الشواهد العظمى بالبصيرة الأجلى بل يعلم الكائنات قبل وجودها ويخبر بها قبل حصول أعيانها وفي زماننا قوم لا يحصى عددهم غلب عليهم الجهل بمقام العلم ولعبت بهم الأهواء حتى قالوا إن العلم حجاب ولقد صدقوا في ذلك لو اعتقدوا أي : والله حجاب عظيم يحجب القلب عن الغفلة والجهل.
قال سهل بن عبد الله التستري قدس سره : السماء رحمة للأرض وبطن الأرض رحمة لظهرها والآخرة رحمة للدنيا والعلماء رحمة للجهال والكبار رحمة للصغار والنبي عليه السلام رحمة للخلق والله تعالى رحيم بخلقه.
وأجناس العلوم كثيرة منها : علم النظر ، وعلم الخبر ، وعلم النبات ، وعلم الحيوان ، وعلم الرصد ، إلى غير ذلك من العلوم ولكل جنس من هذه العلوم وأمثالها فصول تقومها وفصول تقسمها فلننظر ما نحتاج إليه في أنفسنا مما تقترن به سعادتنا فنأخذه ونشتغل به ونترك ما لا نحتاج إليه احتياجاً ضرورياً مخافة فوت الوقت حتى تكون الأوقات لنا إن شاء الله تعالى.
والذي يحتاج من فصول هذه الأجناس فصلان : فصل يدخل تحت جنس النظر وهو علم الكلام ونوع آخر يدخل تحت جنس الخبر وهو الشرع والعلوم الداخلة تحت هذين النوعين التي يحتاج إليها في تحصيل السعادة ثمانية وهي الواجب والجائز والمستحيل والذات والصفات والأفعال وعلم السعادة وعلم الشقاوة فهذه الثمانية واجب طلبها على كل طالب نجاة نفسه وعلم السعادة والشقاوة موقوف على معرفة الواجب والمحظور والمندوب والمكروه والمباح.
وأصول هذه الأحكام الخمسة ثلاثة : الكتاب والسنة والمتواترة والإجماع كذا في مواقع النجوم للشيخ الأكبر قدس سره الأطهر وفقكم الله وإيانا لهذه العلوم النافعة وشرح صدورنا بالفيوض والأسرار وجعلنا مستضيئين بين شمس وقمر إلى نهاية الأعمار وفناء الدار.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{وَمِنْ ءَايَاتِهِ} أي : ومن أعلام قدرته تعالى على مجازاة العباد في الآخرة {مَنَامُكُم} مفعل من النوم أي : نومكم الذي هو راحة لأبدانكم وقطع لأشغالكم ليدوم لكم به البقاء إلى آجالكم {بِالَّيْلِ} كما هو المعتاد
21
{وَالنَّهَارِ} أيضاً على حسب الحاجة كالقيلولة {وَابْتِغَآؤُكُم مِّن فَضْلِهِ} وطلب معاشكم فيهما فإن كلاً من المنام وطلب القوت يقع في الليل والنهار وإن كان الأغلب وقوع المنام في الليل والطلب في النهار.
وفيه إشارة إلى الحياة بعد الممات فإنها نظير الانتباه من المنام والانتشار للمعاش ، وفي "المثنوي" :
نوم ما ون شداخ الموت أي : فلان
زين برادر آن برادررا بدان
وقدم الليل على النهار لأن الليل لخدمة المولى والنهار لخدمة الخلق ومعارج الأنبياء عليهم السلام كانت بالليل ولذا قال الإمام النيسابوري : الليل أفضل من النهار.
يقول الفقير : الليل محل السكون وهو الأصل والنهار محل الحركة وهو الفرع كما أشار إليه تعالى في قوله : "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق" إذ الخلق يقتضي حركة معنوية وكان ما قبل الخلق سكوناً محضاً يعني عالم الذات البحت.
قال بعض الكبار : لم يقل تعالى وبالنهار ليتحقق لنا أن يريد أننا في منام في حال يقظتنا المعتادة أي : أنتم في منام ما دمتم في هذه الدار يقظة ومناماً بالنسبة لما أمامكم فهذا سبب عدم ذكر الباء في قوله والنهار والاكتفاء بباء الليل انتهى يعني لو قيل بالنهار كان لا يتعين فيه ذلك لجواز أن يكون الجار والمجرور معمولاً لمحذوف معطوف على المبتدأ تقديره ويقظتكم بالنهار ثم حذف لدلالة معموله أو مقابله عليه كقوله :
علفتها تبناً وماءً بارداً†
أي وسقيتها ماء بارداً {إِنَّ فِى ذَالِكَ} الأمر العظيم العلي المرتبة من إيجاد النوم بعد النشاط والنشاط بعد النوم الذي هو الموت الأصغر وإيجاد كل من الملوين بعد إعدامهما والجد في الابتغاء مع المفاوتة في التحصيل {لايَـاتٍ} عديدة على القدرة والحكم لا سيما البعث {لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} أي : شأنهم أن يسمعوا الكلام من الناصحين سماع من انتبه من نومه فجسمه مستريح نشيط وقلبه فارغ عن مكدر للنصح مانع قبوله.
وفيه إشارة إلى أن من لم يتأمل في هذه الآيات فهو نائم لا مستيقظ فهو غير مستأهل لأن يسمع ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
كسى راكه ندار در سربود
مندار هركزكه حق بشنود
زعلمش ملال آيد ازوعظ ننك
شقايق بباران نرويد بسنك
كرت در درياى فضلست خيز
بتذكير دراى درويش ريز
نه بينى كه دراى افتاده خار
برويد كل وبشكفد نوبهار
وقال الحافظ :(7/15)
ه نسبت است برندى صلاح وتقوى را
سماع وعظ كجا نغمه رباب كجا
قال في "برهان القرآن" : ختم الآية بقوله : {يَسْمَعُونَ} فإن من سمع أن النوم من صنع الله الحكيم لا يقدر أحد على اجتلابه إذا امتنع ولا على دفعه إذا ورد تيقن أن له صانعاً مدبراً.
قال الخطيب : معنى يسمعون ههنا يستجيبون لما يدعوهم إليه الكتاب.
واعلم أن النوم فضل من الله للعباد ولكن للعباد أن لا يناموا إلا عند الضرورة وبقدر دفع الفتور المانع عن العبادة.
سرآنكه ببالين نهد هوشمند
كه خوابش بقهر آورد دركمند
وقد قيل في ذم أهل البطالة :
22
زسنت نه بينى درايشان اثر
مكر خواب يشين ونان سحر
ومن آداب النوم : أن ينام على الوضوء قال عليه السلام : "من بات طاهراً بات في شعاره ملك لا يستيقظ ساعة من الليل إلا قال الملك : اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهراً" وإذا استطاع الإنسان أن يكون على الطهارة أبداً فليفعل لأن الموت على الوضوء شهادة ويستحب أن يضطجع على يمينه مستقبلاً للقبلة عند أول اضطجاعه فإن بدا له أن ينقلب إلى جانبه الآخر فعل ويقول حين يضطجع : "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" وكان عليه السلام يقول : "باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها" ويقول عندما قام من نومه : "الحمدالذي أحيانا بعدما أماتنا ورد إلينا أرواحنا وإليه البعث والنشور".
ثم اعلم أن حالة النوم وحالة الانتباه إشارة إلى الغفلة ويقظة البصيرة فوقت الانتباه كوقت انتباه القلب في أول الأمر.
ثم الحركة إلى الوضوء إشارة إلى التوبة والإنابة.
ثم التكبيرة الأولى إشارة إلى التوجه الإلهي فحاله من الانتباه إلى هنا إشارة إلى عبوره من عالم الملك وهو الناسوت ودخوله في عالم الملكوت.
ثم الانتقال إلى الركوع إشارة إلى تجاوزه إلى الجبروت.
ثم الانتقال إلى السجدة إشارة إلى وصوله إلى عالم اللاهوت وهو مقام الفناء الكلي وعند ذلك يحصل الصعود الكلي إلى وطنه الأصلي.
ثم القيام من السجدة إشارة إلى حالة البقاء فإنه رجوع إلى الورى ففي صورة النزول عروج كما أن في صورة العروج نزولاً والركوع مقام قاب قوسين وهو مقام الذات الواحدية والسجدة مقام أو أدنى وهو مقام الذات الأحدية والحركات الست وهي الحركة من القيام إلى الركوع ثم منه إلى القومة ثم منها إلى السجدة الأولى ثم منها إلى الجلسة ثم منها إلى السجدة الثانية ثم منها إلى القيام إشارة إلى خلق الله السموات والأرضين في ستة أيام فالركعة الواحدة من الصلاة تحتوي على أول السلوك وآخره وغيره من الصور والحقائق الدنيوية والأخروية والعلمية والعينية والكونية والإلهية.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
ثم اعلم أن توارد الليل والنهار إشارة إلى توارد السيئة والحسنة فكما أن الدنيا لا تبقى على الليل وحده أو النهار وحده بل هما على التعاقب دائماً فكذا العبد المؤمن لا يخلو من نور العمل الصالح وظلمة العمل الفاسد والفكر الكاسد فإذا كان يوم القيامة يلقي الله الليل في جهنم والنهار في الجنة فلا يكون في الجنة ليل كما لا يكون في النار نهار يعني أن النهار في الجنة هو نور إيمان المؤمن ونور عمله الصالح بحسب مرتبته والليل في النار هو ظلمة كفر الكافر وظلمة عمله الفاسد فكما أن الكفر لا يكون إيماناً فكذا الليل لا يكون نهاراً والنار لا تكون نوراً فيبقى كل من أهل النور والنار على صفته الغالبة عليه وأما القلب وحاله بحسب التجلي فهو على عكس حاله الغالب فإن نهاره المعنوي لا يتعاقب عليه ليل وإن كان يطرأ عليه استتار في بعض الأوقات فهو استتار رحمة لا استتار رحمة كحال المحجوبين وكذا سمع أهل القلب لا يقصر على أمر واحد بل يسمعون من شجرة الموجودات كما سمع موسى عليه السلام فهم القوم السامعون على الحقيقة.
{وَمِنْ ءَايَـاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} أصله أن يريكم فلما حذف أن لدلالة الكلام عليه سكن الياء كما في "برهان القرآن".
وقيل غير ذلك كما في التفاسير.
والبرق لمعان السحاب
23
(7/16)
وبالفارسية : (درخش).
وفي إخوان الصفاء البرق نار وهواء {خَوْفًا} مفعول له بمعنى الإخافة كقوله فعلته رغماً للشيطان أي : إرغاماً له.
والمعنى يريكم ضوء السحاب إخافة من الصاعقة خصوصاً لمن كان في البرية من أبناء السبيل وغيرهم (وصاعقه آوازيست هائل كه با او آتشى باشد بى زبانه ودودكه بهرجا رسد بسوزد) {وَطَمَعًا} أي : إطماعاً في الغيث لا سيما لمن كان مقيماً.
فإن قلت المقيم يطمع لضرورة سقي الزروع والكروع والبساتين ونحوها وأما المسافر فلا.
قلت : يطمع المسافر أيضاً في الأرض القفر {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ} (از آسمان يا ازابر) {مَآءً} (آبى را).
قال في إخوان الصفاء : المطر هو الأجزاء المائية إذا التأم بعضها مع بعض وبردت وثقلت رجعت نحو الأرض {فَيُحْى بِهِ} أي : بسبب ذلك الماء وهو المطر {الارْضِ} بالنبات {بَعْدَ مَوْتِهَآ} أي : يبسها.
فإن قيل ما الأرض؟ يقال : جسم غليظ أغلظ ما يكون من الأجسام واقف في مركز العالم مبين لكيفية الجهات الست فالمشرق حيث تطلع الشمس والمغرب حيث تغيب والشمال حيث مدار الجدي والجنوب حيث مدار سهيل والفوق ما يلي المحيط والأسفل ما يلي مركز الأرض.
فإن قيل ما النبات؟ يقال : ما الغالب عليه المائية ويقول الفرس : إذا زخرت الأودية أي : كثرت بالماء كثر الثمر وإذا اشتد الرياح كثر الحب.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
واعلم أن الثمر والشجر من فيض المطر والكل آثار شؤونه تعالى في الأرض.
وغرس معاوية نخلاً بمكة في آخر خلافته فقال : ما غرستها طمعاً في إدراكها ولكن ذكرت قول الأسدي :
ليس الفتي بفتى لا يستضاء به
ولا تكون له في الأرض آثار {إِنَّ فِى ذَالِكَ} المذكور {لايَـاتٍ} (علامتهاست برقدرت الهي) {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يفهمون عن الله حججه وأدلته.
قال الكاشفي : (مر كروهى راكه تعقل كنند در تكون حادثات حق تابر ايشان ظاهر كمالات قدرت صانع در هر حادثه) فكما أنه تعالى قادر على أن يحيي الأرض بعد موتها كذلك قادر على أن يحيي الموتى ويبعث من في القبور.
قال في "برهان القرآن" ختم بقوله : {يَعْقِلُونَ} لأن العقل ملاك الأمر في هذه الأبواب وهو المؤدي إلى العلم انتهى.
قال بعض العلماء : العاقل من يرى بأول رأيه آخر الأمور ويهتك عن مهماتها ظلم الستور ويستنبط دقائق القلوب ويستخرج ودائع الغيوب.
قال حكيم : العقل والتجربة في التعاون بمنزلة الماء والأرض لا يطيق أحدهما بدون الآخر إنباتاً ، وفي "المثنوي" :
بس نكوكفت آن رسول خوش جواز
ذره عقلت به از صوم ونماز
زانكه عقلت جو هرست اين دو عرض
اين دودر تكميل آن شد مفترض
تاجلا باشد مران آيينه را
كه صفا آيد ز طاعت سينه را
ليك كر آيينه از بن فاسدست
صيقل اورا دير باز آرد بدست
اين تفاوت عقلها را نيك دان
در مراتب از زمين تا آسمان
هست عقلى همو قرص آفتاب
هست عقلى كمتر از زهره شهاب
هست عقلى ون راغ سرخوشى
هست عقلى ون ستاره آنشى
24
عقل جزوى عقل را بدنام كرد
كام دنيا مرد را بى كام كرد
وفي "التأويلات النجمية" : {وَمِنْ ءَايَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} أي : برق شواهد الحق عند انحراق سحاب حجب البشرية وظهور تلألؤاً أنوار الروحانية أولها البروق ثم اللوامع ثم الطوالع ثم الإشراق ثم التجلي فبنور البرق يرى شهوات الدنيا أنها نيران فيخاف منها ويتركها ويرى مكروهات تكاليف الشرع على النفس أنها جنان فيطمع فيها ويطلبها {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ} الروح {مَآءً} الرحمة {وَمِنْ ءَايَاتِهِ يُرِيكُمُ} القلوب {بَعْدَ مَوْتِهَآ} بالمعاصي والذنوب واستغراقها في بحر الدنيا وتموج شهواتها برياح الخذلان {إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} لا يبيعون الآخرة بالأولى ولا قربات المولى بنعيم جنة المولى انتهى اللهم اجعلنا من المشتغلين بذكرك وحسن طاعتك واصرفنا عن الميل إلى ما سوى حضرتك إنك أنت محيي القلوب بفيوض الغيوب.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{وَمِنْ ءَايَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَيُحْى بِهِ الارْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَآءُ وَالارْضُ بِأَمْرِه ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الارْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ * وَلَه مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِا كُلٌّ لَّه قَـانِتُونَ} .(7/17)
{وَمِنْ ءَايَـاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَآءُ وَالارْضُ} أي : قيامهما واستمرارهما على ما هما عليه من الهيآت إلى الأجل المقدر لقيامهما وهو يوم القيامة {بِأَمْرِهِ} أي : بإرادته تعالى والتعبير عن الإرادة بالأمر للدلالة على كمال القدرة والغنى عن المبادي والأسباب.
والأمر لفظ عام للأفعال والأقوال كلها كما في "المفردات".
{ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأرْضِ} متعلق بدعاكم إذ يكفي في ذلك كون المدعو فيها يقال دعوته من أسفل الوادي فطلع إليّ.
والمعنى ثم إذا دعاكم بعد انقضاء الأصل وأنتم في قبوركم دعوة واحدة بأن قال : أيها الموتى اخرجوا (اى مرد كان بيرون آييد) والداعي في الحقيقة هو إسرافيل عليه السلام فإنه يدعو الخلق على صخرة بيت المقدس حين ينفخ في الصور النفخة الأخيرة {إِذَآ أَنتُم} (آنكاه شما) {تُخْرَجُونَ} إذا للمفاجأة ولذلك ناب مناب الفاء في الجواب فإنهما يتشركان في إفادة التعقيب أي : فاجأتم الخروج منها بلا توقف ولا إباء ولذلك قوله تعالى : {يَوْمَـاـاِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ} (طه : 108).
وفي الآية إشارة إلى سماء القلب وأرض النفس وقيامهما بالروح فإنه من عالم الأمر وإلى جذبة خطاب ارجعي فإنه تعالى إذا دعا النفس والقلب والروح بتلك الجذبة فتخرج من قبور أنانية الوجود إلى عرصة الهوية والشهود وهو حشر أخص الخواص فإن للحشر مراتب مرتبة العام وهي خروج الأجساد من القبور إلى المحشر يوم النشور ومرتبة الخاص وهي خروج الأرواح الأخروية من قبور الأجسام الدنيوية بالسير والسلوك في حال حياتهم إلى عالم الروحانية لأنهم ماتوا بالإرادة عن صفات الحيوانية النفسانية قبل أن يموتوا بالموت عن صورة الحيوانية ومرتبة الأخص وهي الخروج من قبور الأنانية الروحانية إلى الهوية الربانية وهي مقام الحبيب فيبقى مع الله بلا هو ، وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
هين كه اسرافيل وقتند اوليا
مرده را زيشان حياتست ونما
جان هريك مرده اندر كورتن
مى جهد زآواز شان اندر كفن
كويد اين آوازز آواز هاجداست
زنده كردن كار آواز خداست
ما بمرد ديم وبكلى كاستيم
بانك حق آمد همه بر خاستيم
25
بانك حق اندر حجاب وبى حجيب
آن دهد كو داد مريم را زجيب
اى فناتان نيست كرده زير وست
باز كرديد از عدم ز آواز دوست
مطلق آن آواز خود از شه بود
كره از حلقوم عبد الله بود
كفته اورا من زبان وشم تو
من حواسى ومن رضا وخشم تو
{وَلَهُ} أي : خاصة {مَن فِى السَّمَـاوَاتِ} من الملائكة {وَالارْضُ} من الأنس والجن خلقاً وملكاً وتصرفاً ليس لغيره شركة في ذلك بوجه من الوجوه {كُلُّ} أي : كل من فيها {لَّهُ} تعالى وهو متعلق بقوله : {قَـانِتُونَ} القنوت الطاعة ، يعني : (فرمان بردارى).
والمراد طاعة الإرادة لا طاعة العبادة أي : منقادون لما يريده بهم من حياة وموت وبعث وصحة وسقم وعز وذل وغنى وفقير وغيرها لا يمتنعون عليه تعالى في شأن من شؤونه ، يعني : (تمرد نمى توانند كرد) أي : منقادون لما يريده بهم من حياة وموت وبعث وصحة وسقم فهم مسخرون تحت حكمه على كل حال.
وفيه إشارة إلى أن من في سموات الروحانية من أرباب القلوب وأرض البشرية من أصحاب النفوس كل له مطيعون بأن تكون الطائفة الأولى مظهر صفات اللطف والفرقة الثانية مظهر صفات القهر ولذلك خلقهم.
{وَهُوَ الَّذِى يَبْدَؤُا الْخَلْقَ} بمعنى المخلوق أي : ينشئهم في الدنيا ابتداء فإنه أنشأ آدم وحواء وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ثم يميتهم عند انتهاء آجالهم {ثُمَّ يُعِيدُهُ} تذكير الضمير باعتبار لفظ الخلق أي : ثم يعيدهم في الآخرة بنفخ صور إسرافيل فيكونون أحياء كما كانوا {وَهُوَ} أي : الإعادة وتذكير الضمير لأنها في تأويل أن يعيدوا لقوله : {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أي : أسهل وأيسر عليه تعالى من البدء بالإضافة أي : قدركم أيها الإنسان والقياس إلى أصولكم وإلا فهما عليه تعالى سواء إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون سواء هناك مادة أم لا يعني أن ابتداء الشيء أشد عند الخلق من إعادته وإعادته أهون من ابتدائه فتكون الآية واردة على ما يزعمون فيما بينهم ويعتقدون عندهم وإلا فما شق على الله ابتداء الخلق ليكون إعادتهم أهون عليه.
قال الكاشفي : (أعاده باعتقاد شما آسانترست از ابداء س ون ابداء اقرار داريد اعاده را را منكريد وابداء واعاده نزد قدرت او يكسانست) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
ون قدرت او منزه از نقصانست
آوردن خلق وبردنش بكسانست
نسبت بمن وتو هره دشوار بود
در قدرت ر كمال او آسانست
قال بعضهم : أفعل ههنا بمعنى فعيل أي : أهون بمعنى هين مثل الله أكبر بمعنى كبير قال الفرزدق :
إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتاً دعائمه أعز وأطول
أي عزيزة طويلة.
(7/18)
وفي "التأويلات النجمية" : يعني الإعادة أهون عليه من البداءة لأن في البداءة كان بنفسه مباشراً للخليقة وفي الإعادة كان المباشر إسرافيل بنفخته والمباشرة بنفس الغير في العمل أهون من المباشرة بنفسه عند نظر الخلق وعنده سواء لأن أفعال الأغيار أيضاً مخلوقة.
وفيه إشارة أخرى في غاية الدقة واللطافة وهي أن الخلق أهون على الله عند الإعادة منهم عند البداءة لأن في البداءة لم يكونوا متلوثين بلوث الحدوث ولا متدنسين
26
بدنس الشركة في الوجود بأن يكونوا شركاء في الوجود مع الله فلعزتهم في البداءة باشر بنفسه وخلقهم وفي الإعادة لهوانهم باشر بنفسي غيره انتهى.
قال في "القاموس" : هان هوناً بالضم وهواناً ومهانة ذل وهوناً سهل فهو هين بالتشديد والتخفيف وأهون {وَلَهُ} أي : تعالى {الْمَثَلُ الاعْلَى} المثل بمعنى الصفة كما في قوله : {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى} (الرعد : 35) {مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاـاةِ} (الفتح : 29) أي : الوصف الأعلى العجيب الشان من القدرة العامة والحكمة التامة وسائر صفات الكمال التي ليس لغيره ما يدانيها فضلاً عما يساويها ، وبالفارسية : (ومروراست صفت برترو صنعت بزركتر ون قدرت كامله وحكمت شامله ووحدت ذات وعظمت صفات) ومن فسره بقوله لا إله إلا الله أراد به الوصف بالوحدانية يعني له الصفة العليا وهو أنه لا إله إلا هو ولا رب غيره {فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ} متعلق بمضمون الجملة المتقدمة على معنى أنه تعالى قد وصف به وعرف فيهما على ألسنة الخلائق أي : نطقاً وألسنة الدلائل أي دلالة {وَهُوَ الْعَزِيزُ} أي : القادر الذي لا يعجز عن بدء ممكن وإعادته {الْحَكِيمُ} الذي يجري الأفعال على سنن الحكمة والمصلحة.
يقول الفقير : دلت الآية على أن السموات والأرض مشحونة بشواهد وحدته ودلائل قدرته تعالى :
زهر ذره بدورويى وراهيست
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
بر اثبات وجود اوكواهيست
وذلك لأهل البصيرة فإنهم هم المطالعون جمال أنواره والمكاشفون عن حقيقة أسراره والعجب منك أنك إذا دخلت بيت غني فتراه مزيناً بأنواع الزين فلا ينقطع تعجبك عنه ولا تزال تذكره وتصف حسنه طول عمره وأنت تنظر أبداً إلى الآفاق والأنفس وهي بيوت الله المزينة بأسمائه وصفاته وآثاره المتجلية بقدرته وعجيب آياته ثم أنت فيما شاهدته أعمى عن حقيقته لعمى باطنك وعدم دخولك في بيت القلب الذي بالتفكر المودع فيه يستخرج الحقائق وبالتذكر الموضوع فيه يرجع الإنسان إلى ما هو بالرجوع لائق وبالشهود الذي فيه يرى الآيات ويدرك البينات ولولا هداية الملك المتعال لبقي الخلق في ظلمات الضلال وسرادقات الجلال.
قال بعض الكبار في سبب توبته : كنت مستلقياً على ظهري فسمعت طيوراً يسبحن فأعرضت عن الدنيا وأقبلت إلى المولى وخرجت في طلب المرشد فلقيت أبا العباس الخضر عليه السلام فقال لي : اذهب إلى الشيخ عبد القادر قدس سره فإني كنت في مجلسه فقال : إن الله تعالى جذب عبداً إلى جنابه فأرسله إلي إذا لقيته قال : فلما جئت إليه قال : مرحباً بمن جذبه الرب إليه بألسنة الطير وجمع له كثيراً من الخير فجميع ما في العالم حجج واضحة وأدلة ساطعة ترشد إلى المقصود فعليك بتوحيد الله تعالى في الليل والنهار فإنه خير أوراد وأذكار قال تعالى : {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} (العنكبوت : 45) وذكر الله سبب الحضور وموصل إلى مشاهدة المذكور ولكن الكل بعناية الله الملك الغفور ومن لم يجعل له نوراً فماله من نور :
ياذا الذي أنس الفؤاد بذكره
أنت الذي ما أن سواك أريد
تفنى الليالي والزمان بأسره
وهواك غض في الفؤاد جديد
27
قال ذو النون المصري قدس سره : رأيت في جبل لكام فتى حسن الوجه حسن الصوت وقد احترق بالعشق والوله فسلمت عليه فرد عليّ السلام وبقي شاخصاً يقول :
أعميت عيني عن الدنيا وزينتها
فأنت والروح شيء غير مفترق
إذا ذكرتك وافى مقلتي أرق
من أول الليل حتى مطلع الفلق
وما تطابقت الأحداق عن سنة
إلا رأيتك بين الجفن والحدق
قلت : أخبرني ما الذي حبب إليك الانفراد وقطعتك عن المؤانسين وهيمك في الأودية والجبال فقال حبي له هيمني وشوقي إليه هيجني ووجدي به أفردني ثم قال : ياذا النون أعجبك كلام المجانين قلت : أي : والله واشجاني ثم غاب عني فلم أدر أين ذهب رضي الله عنه وجعل من حاله نصيباً لأهل الاعتقاد ومن طريقه سلوكاً لأهل الرشاد إنه العزيز الحكيم الجواد والرؤوف بالعباد الرحيم يوم التناد الموصل في الدارين إلى المراد.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
(7/19)
{ضَرَبَ لَكُم} يا معشر من أشرك بالله {مَّثَلا} بين به بطلان الشرك {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} من ابتدائية أي : منتزعاً من أحوالها التي هي أقرب الأمور إليكم وأعرفها عندكم يقال ضرب الدرهم اعتباراً بضربه بالمطرقة وقيل له : الطبع اعتباراً بتأثير السكة فيه وضرب المثل هو من ضرب الدرهم وهو ذكر شيء أثره يظهر في غيره والمثل عبارة عن قول في شيء يشبه قولاً في شيء آخر بينهما مشابهة لتبيين أحدهما بالآخرة وتصويره.
قال أبو الليث : نزلت في كفار قريش كانوا يعبدون الآلهة ويقولون في إحرامهم : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ثم صور المثل فقال : {هَل لَّكُم} (آياشمارا هست اى ازاد كان) {مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُم} من العبيد والإماء ومن تبعيضية {مِّن شُرَكَآءَ} من مزيدة لتأكيد النفي المستفاد من الاستفهام {فِى مَا رَزَقْنَـاكُمْ} من الأموال والأسباب أي : هل ترضون لأنفسكم شركة في ذلك ثم حقق معنى الشركة فقال : {فَأَنتُمْ} وهم أي : مماليككم {فِيهِ} أي : فيما رزقناكم {سَوَآءٌ} متساوون يتصرفون فيه كتصرفكم من غير فرق بينكم وبينهم.
قال في "الكواشي" : محل الجملة نصب جواب الاستفهام {تَخَافُونَهُمْ} خبر آخر لأنتم داخل تحت الاستفهام الإنكاري كما في "الإرشاد" أي : تخافون مماليككم أن يستقلوا وينفردوا بالتصرف فيه {كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} معنى أنفسكم ههنا أمثالكم من الأحرار كقوله : {وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} أي : بعضكم بعضاً.
والمعنى خيفة كائنة مثل خيفتكم من أمثالكم من الأحرار المشاركين لكم فيما ذكر والمراد نفي مضمون ما فصل من الجملة الاستفهامية أي : لا ترضون بأن يشارككم فيما بأيديكم من الأموال المستعارة مماليككم وهم عندكم أمثالكم في البشرية غير مخلوقين لكم بلتعالى فكيف تشركون به سبحانه في المعبودية التي هي من خصائصه الذاتية مخلوقه بل مصنوع مخلوقه حيث تصنعونه بأيديكم ثم تعبدونه.
وقال الكاشفي نقلاً عن بعض التفاسير : (ون حضرت مصطفى عليه السلام اين آيت بر صناديد قريش خواند كفتند "كلا والله لا يكون ذلك أبداً" آن حضرت فرمودكه شما بندكان خودرا درمال خود شركت نمى دهيد س كونه آفريد كانرا كه بند كان خدا اند در ملك او شريك مى سازيد) :
28
خلق ون بندكان سردريش
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
مانده دربند حكم خالق خويش
جمله هم بنده اند وهم بندى
نرسد بنده را خداوندى
وفي الآية دليل على أن العبد لا ملك له لأنه أخبر أن لا مشاركة للعبيد فيما رزقنا الله من الأموال وفيه إشارة إلى أن الإنسان إذا تجلى الله له بأنوار جماله وجلاله حيث اضمحل به آثار ظلمات أوصافه لا يكون شريكاً له تعالى في كمالية ذاته وصفاته بل الكمال في الحقيقةتعالى فلا يحسب أحد من أهل التجلي أن الله صار حالاً فيه أو صار هو بعضاً منه تعالى أو صار العبد حقاً أو الحق عبداً فمن كبريائه أن لا يكون جزءاً لأحد أو مثلاً ومن عظمته أن لا يكون أحد جزأه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير {كَذَالِكَ} أي : مثل ذلك التفصيل الواضح {نُفَصِّلُ الايَـاتِ} أي : نبين ونوضح دلائل الوحدة لا تفصيلاً أدنى منه فإن التمثيل تصوير للمعاني المعقولة بصورة المحسوس فيكون في غاية البيان والإيضاح {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم في تدبر الأمور والأمثال (أما جاهلان وستمكاران از حقيقت اين سخنها بى خبرند).
ثم اعرض عن مخاطبتهم وبين استحالة تبعيتهم للحق فقال :
{ضَرَبَ لَكُم مَّثَلا مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُم مِّن شُرَكَآءَ فِى مَا رَزَقْنَـاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَالِكَ نُفَصِّلُ الايَـاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَآءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍا فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللَّه وَمَا لَهُم مِّن نَّـاصِرِينَ * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه ذَالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} .
(7/20)
{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي : لم يعقلوا شيئاً بل اتبعوا {أَهْوَآءَهُم} (آرزوهاى خودرا).
والهوى ميل النفس إلى الشهوة ووضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بأنهم في ذلك الاتباع ظالمون {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي : حال كونهم جاهلين ما أتوا لا يكفهم عنه شيء فإن العالم إذا اتبع هواه ربما ردعه علمه {فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} أي : خلق فيه الضلالة بصرف اختياره إلى كسبها ، وبالفارسية : (س كيست كه راه نمايد بسوى توحيد كمكرده الله را) أي : لا يقدر على هدايته أحد أي : لمن أضله الله تعالى والجمع باعتبار المعنى والمراد المشركون {مِّن نَّـاصِرِينَ} يخلصونهم من الضلال ويحفظونهم من آفاته أي : ليس لأحد منهم ناصر واحد على ما هو قاعدة مقابلة الجمع بالجمع.
قال في "كشف الأسرار" : (درين آيت اثبات إضلال از خداونداست وبعض آيات اثبات ضلال ازبنده است وذلك في قوله تعالى : {قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ} قدريان منكراند مر اضلال را از خداوند جل جلاله وكويند همه ازبنده است وجبريان منكراند مر ضلال را ازبنده كه ايشان بنده را اختيار نكويند وكويند همه ازالله است واهل سنت هردو اثبات كنند اضلال ازخداوند تعالى واختيار ضلال ازبنده وهره در قرآن ذكر اضلال وضلالت هم برين قاعده است كه يادكرديم وفي "المثنوي") :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
درهر آن كارى كه ميلسنت بدان
قدرت خودرا همى بينى عيان
درهر آن كارى كه ميلت نيست خواست
اندران جبرى شدى كين ازخداست
انبيا دركار دنيا جبريند
كافران دركار عقبى جبريند
انبيارا كار عقبا اختيار
جاهلانرا كار دنيا اختيار
وفي الآية إشارة إلى أن العمل بمقتضى العقل السليم هدى والميل إلى التقليد للجهلة هوى فكما أن أهل الهدى منصورون أبداً فكذا أهل الهوى مخذولون سرمدا والى أن الخذلان
29
واتباع الهوى من عقوبات الله المعنوية في الدنيا فلا بد من قرع باب العفو بالتوبة والسلوك إلى طريق التحقيق والإعراض عن الهوى والبدعة فإنهما شر رفيق ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
غيار هوى شم عقلت بدوخت
سموم هوس كشت عمرت بسوخت
وجود توشهريست رنيك وبد
تو سلطان دستور دانا خرد
هوا وهوس را نماند ستيز
وبينند سرنه عقل تيز
واعلم أن من الهوى ما هو مذموم وهو الميل إلى الدنيا وشهواتها وإلى ما سوى الله ومنه ما هو ممدوح وهو الميل إلى العقبى ودرجاتها بل إلى الله تعالى بتجريد القلب عما سواه.
قال بعضهم ناولت بعض الشبان من أرباب الأحوال دريهمات فأبى أن يأخذ فألححت عليه فألقى كفا من الرمل في ركوته فاستقى من ماء البحر وقال كل فنظرت فإذا هو سويق سكره كثير فقال : من كان حاله معه مثل هذا يحتاج إلى دراهمك ثم أنشأ يقول :
بحق الهوى يا أهل ودي تفهموا
لسان وجود بالوجود غريب
حرام على قلب تعرض للهوى
يكون لغير الحق فيه نصيب
فعلى السالك أن يسأل الله الهداية إلى طريق الهوى والعشق والوصول إلى منزل الذوق في مقعد صدق فإن كل ما سوى الله تعالى هو وبال وصورة وخيال فمن أراد المعنى فلينتقل إليه من المبنى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
(7/21)
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} الإقامة (براى كردن وراست كردن) كما في "تاج المصادر" والوجه الجارحة المخصوصة وقد يعبر به عن الذات كما في قوله : {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ} (لقمان : 22) والدين في الأصل الطاعة والجزاء واستعير للشريعة.
والفرق بينه وبين الملة اعتباري فإن الشريعة من حيث أنها يطاع لها وينقاد دين ومن حيث أنها تملي وتكتب ملة.
والإملال بمعنى الإملاء وهو أن يقول فيكتب آخر عنه وإقامة الوجه للدين تمثيل لإقباله على الدين واستقامته واهتمامه بترتيب أسبابه فإن من اهتم بشيء محسوس بالبصر عقد عليه طرفه ومد إليه نظره وقوّم له وجهه مقبلاً عليه.
والمعنى فإذا كان حال المشركين اتباع الهوى والإعراض عن الهدى فقوّم وجهك يا محمد للدين الحق الذي هو دين الإسلام وعد له غير ملتفت يميناً وشمالاً ، وبالفارسية : (س راست دار اى محمد روى خود دين را) {حَنِيفًا} أي : حال كونك مائلاً إليه عن سائر الأديان مستقيماً عليه لا ترجع له عنه إلى غيره ويجوز أن يكون حالاً من الدين.
قال في "القاموس" الحنيف الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت عليه.
وفي "المفردات" الحنف ميل عن الضلال إلى الاستقامة وتحنف فلان تحري طريق الاستقامة وسمت العرب كل من اختتن أو حج حنيفاً تنبيهاً على أنه على دين إبراهيم عليه السلام.
ومن "بلاغات الزمخشري" : الجود والحلم حاتمي واحنفي.
والدين والعلم حنيفي وحنفي أي : الجود منسوب إلى حاتم الطائي والحلم إلى أحنف بن قيس كما أن الدين منسوب إلى إبراهيم الحنيف والعلم إلى أبي حنيفة رحمه الله.
وقال بعضهم في الآية الوجه ما يتوجه إليه وعمل الإنسان ودينه مما يتوجه الإنسان إليه لتسديده وإقامته.
فالمعنى أخلص دينك وسدد عملك مائلاً إليه عن جميع الأديان المحرفة المنسوخة {فِطْرَتَ اللَّهِ} الفطرة الخلقة وزناً ومعنى وقولهم صدقة الفطرة أي : صدقة إنسان
30
مفطور أي : مخلوق فيؤول إلى قولهم زكاة الرأس والمراد بالفطرة ههنا القابلية للتوحيد ودين الإسلام من غير إباء عنه وإنكار له.
قال الراغب : فطرة الله ما فطر أي : أبدع وركز في الناس من قوتهم على معرفة الإيمان وهو المشار إليه بقوله تعالى : {وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (الزخرف : 87) وانتصابها على الإغراء أي : الزموا فطرة الله والخطاب للكل كما يفصح عنه قوله منيبين إليه والإفراد في أقم لما أن الرسول إمام الأمة فأمره مستتبع لأمرهم والمراد بلزومها الجريان على موجبها وعدم الإخلال به باتباع الهوى وتسويل الشيطان {الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} صفة لفطرة مؤكدة لوجوب الامتثال بالأمر فإن خلق الله الناس على فطرته التي هي عبارة عن قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه أو عن ملة الإسلام من موجبات لزومها والتمسك بها قطعاً فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها وما اختاروا عليها ديناً آخر ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الإنس والجن ومنه قوله عليه السلام حكاية عن رب العزة "كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري" والاجتيال بالجيم الجول أي : استخفتهم فجالوا معها يقال اجتال الرجل الشيء ذهب به وساقه كذا في "تاج المصادر" ، قال ابن الكمال في كتابه المسمى بنكارستان :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
بر سلامت زايد ازمادر سر
آن سقامت را يذيرد از در
صدق محض است اين كه كفتم شاهدش
در خبر وارد شد از خير البشر
وهو قوله عليه السلام : "ما من مولود إلا وقد يولد على فطرة الإسلام ثم أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" يعني : (بيني بريده) "حتى تكونوا أنتم تجدعونها" أي : تقطعون أنفها معناه كل مولود إنما يولد في مبدأ الخلقة وأصل الجبلة على الفطرة السليمة والطبع المتهيىء لقبول الدين فلو ترك عليها استمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها لأن هذا الدين حسنه موجود في النفوس وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية والتقليد :
بابدان ياركشت همسر لوط
خاندان نبوتش كم شد
سك اصحاب كهف روزى ند
ى نيكان كرفت ومردم شد
(7/22)
فإن قلت : ما معنى قوله عليه السلام : "إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً" وقد قال : "كل مولود يولد على الفطرة"؟ قلت : المراد بالفطرة استعداده لقبول الإسلام كما مر وذلك لا ينافي كونه شقياً في جبليته أو يراد بالفطرة قولهم بلى حين قال الله ألست بربكم؟ قال النووي لما كان أبواه مؤمنين كان هو مؤمناً أيضاً فيجب تأويله بأن معناه والله أعلم أن ذلك الغلام لو بلغ لكان كافراً انتهى.
ثم لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل ألا يرى أنه يقول فأبواه يهودانه فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين كما في "كشف الأسرار" ، قال بعض الكبار : (هرآدمى كه باشد اورا البته سه مذهب باشد.
يكى مذهب در ومادر وعوام شهر بود اينست "ما من مولود" الخ.
دوم مذهب ادشاه ولايت بودكه اكر ادشاه عادل باشد بيشتر اهل ولايت عادل شوند
31
واكر ظالم باشد ظالم شوند واكر زاهد باشد زاهد شوند واكر حكيم باشد حكيم شوند واكر حنفي مذهب باشد حنفي شوند واكر شافعي مذهب باشد شافعي شوند ازجهت آنكه همه كس را قرب ادشاه مطلوب باشد وهمه كس طالب ارادت ومحبت ادشاه باشند ابنست معنى "الناس على دين ملوكهم" سوم مذهب يا ربود باكه صحبت دوستى مى ورزد هرآينه مذهب او كيرد ومعنى شرط صحبت مشابهت بيرون وموافقت اندرون اينست معنى "المرء على دين خليله") :
عن المرء لا تسأل وابصر قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
ونعم ما قيل :
نفس از همنفس بكيرد خوى
بر حذر باش ازلقاى خبيث
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
باد ون بر فضاى بد كذرد
بوى بدكيرد ازهواى خبيث
{لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} تعليل للأمر بلزوم فطرته تعالى لوجوب الامتثال به أي : لا صحة ولا استقامة لتبديله بالإخلال بموجبه وعدم ترتيب مقتضاه عليه بقبول الهوى واتباع وسوسة الشيطان.
وفي "التأويلات النجمية" : لا تحويل لما له خلقهم فطر الناس كلهم على التوحيد فأقام قلب من خلقه للتوحيد والسعادة وأزاغ قلب من خلقه للإلحاد والشقاوة انتهى.
يقول الفقير : عالم الشهادة مرآة اللوح المحفوظ فلصورها تغير وتبدل وأما رحم الأم فمرآة عالم الغيب ولا تبدل لصورها في الحقيقة ولذا "السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه" :
مشكل آيد خلق را تغيير خلق
آنكه بالذات است كى زائل شود
اصل طبعست وهمه اخلاق فرع
فرع لا بد اصل را مائل شود
جعلنا الله وإياكم من المداوين لمرض هذا القلب العليل لا ممن إذا صدمه الوعظ والتذكير قيل لا تبديل {ذَالِكَ} الدين المأمور بإقامة الوجه له أو لزوم فطرة الله المستفاد من الإغراء أو الفطرة إن فسرت بالملة والتذكير بتأويل المذكور أو باعتبار الخبر {الدِّينُ الْقَيِّمُ} المستوي الذي لا عوج فيه وهو وصف بمعنى المستقيم المستوي {وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} كفار مكة {لا يَعْلَمُونَ} استقامته فينحرفون عنه انحرافاً وذلك لعدم تدبرهم وتفكرهم.
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه ذَالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبا بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} .
{مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} حال من الضمير في الناصب المقدر لفطرة الله أو في أقم لعمومه للأمة وما بينهما اعتراض وهو من أناب إذا رجع مرة بعد أخرى.
والمعنى الزموا على الفطرة أو فأقيموا وجوهكم للدين حال كونكم راجعين إليه تعالى وإلى كل ما أمر به مقبلين عليه بالطاعة (شيخ أبو سعيد خراز قدس سره فرموده كه انابت رجوع است از خلق بحق ومنيب اورا كويندكه جز حق سبحانه مرجعى نباشد).
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
تومر جعى همه را من رجوع باكه كنم
كرم تودرنذيري كجا روم ه كنم
قال ابن عطاء قدس سره : راجعين إليه من الكل خصوصاً من ظلمات النفوس مقيمين معه على حد آداب العبودية لا يفارقون عرصته بحال ولا يخافون سواه.
قال إبراهيم بن أدهم قدس سره : إذا صدق العبد في توبته صار منيباً لأن الإنابة ثاني درجة التوبة {وَاتَّقُوهُ} أي : من مخالفة أمره وهو عطف على الزموا المقدر {وَأَقِيمُوا الصَّلَواةَ} أدوها في أوقاتها
32
(7/23)
على شرائطها وحقوقها.
قال الراغب إقامة الشيء توفية حقه ولم يأمر تعالى بالصلاة حيث أمر ولا مدح بها حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة تنبيهاً على أن المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بهيآتها {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} المبدلين لفطرة الله تبديلاً.
وقال الكاشفي : (ومباشيد از شرك آرندكان بترك نماز متعمداً خطاب با أمّت است.
درتيسير ازشيخ محمد اسلم طوسى رحمه الله نقل ميكندكه حديثى بمن رسيده كه هره ازمن روايت كنند عرض كنيد بركتاب خداى تعالى اكر موافق بود قبول كنيد من اين حديث را كه "من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر" خواستم كه بآيتى از قرآن موافقت كنم سى سال تأمل كردم تا اين آيه يافتم كه) {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .
{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} بدل من المشركين بإعادة الجار.
والمعنى بالفارسية : (مباشيد از آنكه جدا كرده اند وراكنده ساخته دين خودرا) وتفريقهم لدينهم اختلافهم فيما يعبدون على اختلاف أهوائهم وفائدة الإبدال التحذير عن الانتماء إلى ضرب من اضراب المشركين ببيان أن الكل على الضلال المبين {وَكَانُوا شِيَعًا} أي : فرقاً مختلفة يشايع كل منها أي : يتابع إمامها الذي هو أصل دينها {كُلُّ حِزْب} (هر كروهى).
قال في "القاموس" : الحزب جماعة الناس {بِمَا لَدَيْهِمْ} بما عندهم من الدين المعوج المؤسس على الزيغ والزعم الباطل {فَرِحُونَ} مسرورون ظناً منهم أنه حق وأنى لهم ذلك :
هركسى را درخور مقدار خويش
هست نوعى خوشدلى دركار خويش
ميكند اثبات خويش ونفى غير
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
ه امام صوخعه ه ير دير
اعلم أن الدين عند الله الإسلام من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا وإن اختلفت الشرائع والأحكام بالنسبة إلى الأمم والأعصار وأن الناس كانوا أمة واحدة ثم صاروا فرقاً مختلفة يهوداً ونصارى ومجوساً وعابدي وثن وملك ونجم ونحو ذلك.
وقد روى أن أمة إبراهيم عليه السلام صارت بعده سبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة وهم الذين كانوا على ما كان عليه إبراهيم في الأصول والفروع.
وأن أمة موسى عليه السلام صارت بعده إحدى وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة كانت على اعتقاد موسى وعمله.
وأن أمة عيسى عليه السلام صارت بعده ثنتين وسبعين فرقة كلهم في النار إلا من وافقه في اعتقاده وعمله.
وأن أمة محمد عليه السلام صارت بعده ثلاثاً وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة وهم الذين كانوا على ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه وهم الفرقة الناجية.
وهذه الفرق الضالة كليات وإلا فجزئيات المذاهب الزائغة كثيرة لا تحصى كما قال بعضهم : (من درولايت ارس صد مذهب يافتم كه آن صد مذهب باين هفتاد وسه مذهب هي تعلق ندارد وبهي وجه باين نماند س وقتى كه دريك ولايت صد مذهب باشد جزآن هفتاد وسه مذهب نظركن در عالم هند مذهب بود بدانكه اصل اين هفتاد ودو مذهب كه از اهل آتش اند شش مذهب است.
تشبيه.
وتعطيل.
وجبر.
وقدر.
ورفض.
ونصب اهل تشبيه خدايرا بصفات ناسرا وصف كردند وبمخلوقات ما نندكردند.
واهل تعطيل خدايرا منكر شد ندو نفى صفات خدا كردند.
33
واهل جبر اختيار وفعل بندكانرا منكر شدند وبندكى خودرا بخداوند اضافت كردند.
4
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
(7/24)
واهل قدر خدايى خدايرا بخود اضافت كردند وخودرا خالق افعال خود كفتند.
واهل رفض دردوستى علي رضي الله عنه غلو كردند ودر حق صديق وفاروق طعن كردند وكفتندكه هركه بعد از محمد عليه السلام بلا فصل بأعلى بيعت نكردند واورا خليفه وامام ندانستند ازدائره ايمان بيرون رفتند.
واهل نصب دردوستى صديق وفارق رضي الله عنهما غلو كردند ودرحق على طعن كردند وكفتند هركه بعد از محمد عليه السلام با صديق بيعت نكردند واورا خليفه وامام ندانستند ازدائره ايمان بيرون وفتند وهريك ازين فرقه شش كانه دوازده فرق شدند وهفتاد ودوفرقه آمدند.
واين مذاهب حالا موجودست وجمله از قران واحاديث ميكويند وهريك اين نين ميكويندكه از اوّل قرآن تا آخر قرآن بيان مذهب ماست اما مردم فهم نمى كنند.
واصل خلاف از آنجا يدا آمدكه مردمان شنيدند ازانبيا عليهم السلام كه اين موجوداترا خداوندى هست هركسى در خداوند وصفات خداوندى يزى اعتقاد كردند ونين كمان بردندكه اين جمله دلائل ايشان راست ودرست است وآن كمان ايشان خطابود زيرا جمله را اتفاق هست كه "طريق العقل واحد" ون طريق عقل دونمى شايد هفتاد وسه وبلكه زياده كى روا باشد واين سخن ترابيك حكايه معلوم سودنانكه هي شبهت نماند ـ وحكايت ـ آوردندكه شهرى بودكه اهل آن شهر جمله ناينا بود وحكايت يل شنيده بودند ميخواستندكه يل را مشاهد كنند ودرين آرزو مى بودند ناكاه روزى كاروانى رسيد وبردر آن شهر فرو آمد ودرانكاروان يلى بود اهل آن شهر شنيدند يل آورده اند آنه عاقلترين ايشان بودند كفتندكه بيرون رويم ويل را مشاهده كنيم.
جماعتى ازان شهر بيرون آمدند وبنزديك يل آمدند.
يكى دست دراز كردكوش يل بدست وى آمد يزى ديد همون سرى اين كس اعتقاد كردكه يل همون سرست.
ويكى ديكردست دراز كرد وخرطوم يل بدست او آمد يزى ديدى همون عمودى اين كس اعتقاد كردكه يل همون عموديست.
ويكى ديكردست دراز كرد وشت يل بدست وى آمد يزى ديد همون تخت اين كس اعتقاد كردكه يل همون تختيست.
ويكى ديكر دست دراز كرد واى يل بدست او آمد يزى ديد همون عمادى اين كس اعتقاد كردكه يل همون عماديست.
جمله شادمان شدند وباز كشتند وبشهر در آمدند هركسى محله خود رفتند.
سؤال كردندكه يل را ديديد كفتندكه ديديم كفتند كونه ديديد وه شكل بود.
يكى در محله خود كفت يل همون سر بود.
وديكر در محله خود كفت يل همون عمود بود واهل هر محله نانكه شنيدند اعتقاد كردند.
ون جمله بيكديكر رسيدند همه خلاف يكديكر كفته بودند جمله يكديكررا منكر شدند ودليل كفتن آغاز كردند هريك باثبات اعتقاد خود ونفى اعتقاد ديكران كرد وآن دليل را دليل عقلى ونقلى نام نهادند.
يكى كفت كه يل نقل كنندكه در روز جنك يش لشكرى دارند بايدكه يل همون سرى باشد.
وديكر كفت كه نقل
34
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
(7/25)
ميكنند كه يل روز جنك خودرا برلشكر خصم مى زند ولشكر خصم بدين شكست ميشود س بايدكه يل همون عمودى باشد.
وديكر كفت كه نقل ميكنندكه يل هزار من بار برميدارد وزحمتى بوى نمى رسد س بايدكه يل همون عمادى باشد.
وديكر كفت نقل ميكنندكه ندين كس بريل مينشيند س بايدكه يل همون تختى باشد.
اكنون توباخود انديشه كن كه ايشان بدين دلائل هركز بمدلول كه يل است كجا رسند وبترتيب اين مقدمات هركز نتيجه راست راكجا يابند جمله عاقلا نرا دانندكه هر ندين ازين نوع دليل بيشتر كويند از معرفت يل دور افتند وهركز بمدلول كه يل است نرسند واين اختلاف ازميان ايشان برنخيزد وبكله زياده شود.
ون عنايت حق دررسد ويكى ازميان ايشان بيناشود ويل را نانكه يل است ببيند وبداند وبا يشان كويدكه اين كه شما ازيل حكايت ميكنيد يزى ازيل دانستيد وباقى ديكر ندانستيد مرا خداى تعالى بينا كردانيد كويند ترا خيالست ودماغ توخلل يافته است وديوانكى ترا زحمت مى دهد واكر نه بينا ماييم كس سخن بينارا قبول نكند مكراندك باقى برهمان جهل مركب اصرار نمايند وازان رجوع نكنند.
وآنكه درميان ايشان سخن بينارا شنود وقبول كند وموافقت كند اورا كافر نام نهند "وليس الخبر كالمعاينة" اكنون مذاهب مختله را همون مى دان كه شنيدى اين موجوداترا خداوندى هست وهريك درذات وصفات خداوندى يزى اعتقاد كردند ون بايكديكر حكايت كردند وقرآن واحاديث را آنه موافق اعتقاد ايشان نبود تأويل كردند وباعتقاد خود راست كردند.
س هركه ازسر انصاف تأمل كند وتقليد وتعصب را بكذارد بيقين داندكه اين جمله اعتقادات نه بدليل نقلى ونه بدليل عقلى درستست زيرا كه دلائل عقلى ونقلى مقتضى يك اعتقاد بيش نباشد بس اعتقاد جمله بلا دليل است وجمله مقلد انند واز مقلد كى روا باشدكه ديكريرا كويندكه اوكمراه وكافرست زيرا كه درنادانى باهمه برابرند.
س مذهب مستقيم آنست كه دروى تشبيه وتعطيل وجبر وقدر ورفض ونصب نباشد اسلامست ودرمذهب اهل سنت وجماعتست ازجهت آنكه معنى سنت وجماعة آنست سنت رسول وعقيدة الصحابة.
واعتقاد صحابه آنست كه خدايكيست.
وموصوفتست بصفات سزا.
ومنزه است ازصفات ناسزا.
وذات وصفات اوقديمست ولا غيره كالواحد من العشرة.
واورا ضدّ وند ومثل وشريك وزن وفرزند وحيز ومكان نيست وامكان نداردكه باشد.
واو ازيزى نيست وبر يزى نيست ودريزى نيست وبيزى نيست بلكه همه يزازوى است وقائم بوى است وباقى بوى است.
واوديدنى نيست بشم سر وديدار اودردنيا جائز نيست ودر آخرت اهل بهشت را هرآينه خواهد بود.
وكلام اوقديمست.
واو فاعل مختارست وخالق خير وشر وكفر وايمانست.
وجوى خالق ديكرنيست.
خالق عباد وافعال عبادست.
وعباد خالق افعال خود نيستند اما فاعل مختارند.
وهي صفتى ز صفات مخلوقات بوى نماند.
وهره در خاطر ووهم كسى آيد از خيال وامثال كه وى آنست وى آن نيست وى آفريدكارانست {لَيْسَ كَمِثْلِه شَىْءٌ} وفعل او از علت وغرض اك ومنزه.
وهي يزى بروى واجب
35
نيست.
وفرستادن انبيا ازوى فضل است.
وانبيا معصومند وغير انبيا معصومند وغير انبيا كسى معصوم نيست.
ومحمد عليه السلام ختم انبياست وبهترين ودانا ترين آدميانست.
وبعد از محمد عليه السلام ابو بكر خليفه وامام بحق بود.
وبعد از ابو بكر عمر خليفه وامام بحق بود.
وبعد ازو عثمان وامامت بعلى تمام شد.
واجماع صحابه واجماع علما بعد ازصحابه حجتست.
واجتهاد وقياس از علما درست است.
ودرين جمله كه كفته شد ابو حنيفه وشافعى را اتفاقست).
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
(7/26)
واعلم أن الشيخين الكاملين من طائفة أهل الحق اسم أحدهما الشيخ أبو الحسن الأشعري من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ومن ذهب إلى طريقه واعتقد موافقاً لمذهبه يسمونه الأشعرية واسم الآخر الشيخ أبو منصور الماتريدي رحمه الله وكل من اعتقد موافقاً لمذهب هذا الشيخ يسمونه الماتريدية.
ومذهب أبي حنيفة موافق لمذهب الشيخ الثاني وإن جاء الشيخ الثاني بعد أبي حنيفة بمدة.
ومذهب الشافعي موافق لمذهب الشيخ الأول في باب الاعتقاد وإن جاء بعد الشافعي بمدة والماتريديون حنفيون في باب الأعمال كما أن الأشاعرة شافعيون في باب الأعمال والتزام مذهب من المذاهب الحقة لازم لقوله تعالى : {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الامْرِ مِنكُمْ} (النساء : 59) والاحتراز عن المذاهب الباطلة واجب لقوله تعالى : {وَمَا نَهَـاـاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَا إِنَّ اللَّهَ} (الحشر : 7) وقد نهى عليه السلام عن مجالسة أهل الأهواء والبدع وتبرأ منهم.
وفي الحديث "يجيىء قوم يميتون السنة ويوغلون في الدين فعلى أولئك لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين".
وقد تفرق أهل التصوف على ثنتي عشرة فرقة فواحدة منهم سنيون وهم الذين أثنى عليهم العلماء والبواقي بدعيون وهم الخلوتية والحالية والأوليائية والشمراخية والحبية والحورية والإباحية والمتكاسلة والمتجاهلة والواقفية والإلهامية.
وكان الصحابة رضي الله عنهم من أهل الجذبة ببركة صحبة النبي عليه السلام ثم انتشرت تلك الجذبة في مشايخ الطريقة وتشعبت إلى سلاسل كثيرة حتى ضعفت وانقطعت عن كثير منهم فبقوا رسميين في صورة الشيوخ بلا معنى ثم انتسب بعضهم إلى قلندر وبعضهم إلى حيدر وبعضهم إلى أدهم إلى غير ذلك وفي زماننا هذا أهل "الإرشاد" أقل من القليل.
ويعلم أهله بشاهدين أحدهما ظاهر والآخر باطن فالظاهر استحكام الشريعة والباطن السلوك على البصيرة فيرى من يقتدي به وهو النبي عليه السلام ويجعله واسطة بينه وبين الله حتى لا يكون سلوكه على العمي.
قال بعض الكبار : (هركه درنين وقت افتدكه اعتقادات بسيار واختلافات بى شمار باشد يادران شهر يادر ولايت دانايى نباشد مذهب مستقيم آنست كه دوازده يزرا حرفت خود سازدكه اين دوازده يز حرفت دانا يانست وسبب نور وهدايت.
اول آنكه بانيكان صحبت دارد.
دوم آنكه فرمان بردارىء ايشان كند.
سوم آنكه ازخداى راضى شود.
هارم آنكه باخلق خداى صلح كند.
نجم آنكه آزارى بخلق نرساند.
ششم آنكه اكرتواند راحت رسانداين شش يزاست معنى "التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله" هفتم متقى ور هيزكار وحلال خورباشد.
هشتم ترك طمع وحرص كند.
نهم آنكه باهيكس بدنكويد مكر بضرورت وهركز بخود كمال دانايى نبرد.
دهم آنكه اخلاق نيك حاصل كند.
يازدهم آنكه يوسته برياضات ومجاهدات مشغول
36
باشد.
دوازدهم آنكه بى دعوى باشد وهميشه نياز مندبودكه اصل جمله سعادات وتخم جمله درجات اين دوازده يزست درهزكه اين دوازده يزهست مردى ازمردان خدايست ورونده وسالك راه حق ودرهركه اين دوازده يزنيست اكر صورت عوام دارد ودر لباس خواصست ديواست وكمراه كننده مردم است) الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
وفي "التأويلات النجمية" : {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الملتفتين إلى غير الله {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} الذي كانوا عليه في الفطرة التي فطر الناس عليها من التجريد والتفريد والتوحيد والمراقبة في مجلس الأنس والملازمة للمكالمة مع الحق {وَكَانُوا شِيَعًا} أي : صاروا فرقاً فريقاً منهم مالوا إلى نعيم الجنان وفريقاً منهم رغبوا في نعيم الدنيا بالخذلان وفريقاً منهم وقعوا في شبكة الشيطان فساقهم بتزيين حب الشهوات إلى دركات النيران {كُلُّ حِزْب} من هؤلاء الفرق {بِمَا لَدَيْهِمْ} من مشتهى نفوسهم ومقتضى طبائعهم {فَرِحُونَ} فجالوا في ميادين الغفلات واستغرقوا في بحار الشهوات وظنوا بالظنون الكاذبة أن جذبتهم إلى ما فيه السعادة الجاذبة فإذا انكشف ضباب وقتهم وانقشع سحاب جهدهم انقلب فرحهم ترحاً واستيقنوا أنهم كانوا في ضلالة ولم يعرجوا إلا إلى أوطان الجهالة كما قيل :
سوف ترى إذا انجلى الغبار
أفرس تحتك ام حمار
{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبا بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} .
(7/27)
{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ} (وون برسد آدميان يعنى مشركان مكه را) {ضُرٌّ} سوء حال من الجوع والقحط واحتباس المطر والمرض والفقر وغير ذلك من أنواع البلاء.
قال في "المفردات" المس يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى {دَعَوْا رَبَّهُم} حال كونهم {مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ} راجعين إليه من دعاء غيره لعلمهم أنه لا فرج عند الأصنام ولا يقدر على كشف ذلك عنهم غير الله {ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم} (س ون بشاند ايشانرا) {مِّنْهُ} من عنده {رَحْمَةً} خلاصاً وعافية من الضر النازل بهم وذلك بالسعة والغنى والصحة ونحوها {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} أي : فاجأ فريق منهم بالعود إلى الإشراك بربهم الذي عافاهم ، وبالفارسية (آنكاه كروهى ازيشان بروردكار خود شرك آرند يعنى در مقابله نجات ازيلا نين عمل كنند) وتخصيص هذا الفعل ببعضهم لما أن بعضهم ليسوا كذلك كما في قوله تعالى {فَلَمَّا نَجَّـاـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ} (لقمان : 32) أي : مقيم على الطريق القصد أو متوسط في الكفر لانزجاره في الجملة {لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ} اللام فيه للعاقبة والمراد بالموصول نعمة الخلاص والعافية {فَتَمَتَّعُوا} أي : بكفركم قليلاً إلى وقت آجالكم وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب.
وفي "كشف الأسرار" (كوى برخوريد وروزكار فراسر بريد) وقال الكاشفي ، يعني : (اى كافران برخوريد دوسه روز از نعمتهاى دينوى) {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبة تمتعكم في الآخرة وهي العقوبة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى طبيعة الإنسان أنها ممزوجة من هداية الروح وإطاعته ومن ضلالة النفس وعصيانها وتمردها فالناس إذا أظلتهم المحنة ونالتهم الفتنة ومستهم البلية انكسرت نفوسهم وسكنت دواعيها وتخلصت أرواحهم من أسر ظلمة شهواتها ورجعت على وفق طبعها والمجبولة عليه إلى الحضرة ورجعت النفوس أيضاً بموافقة الأرواح على خلاف طباعها مضطرين في دفع البيلة إلى الله
37
مستغيثين بلطفه مستجيرين من محنهم مستكشفين للضر فإذا جاد عليهم بكشف ما نالهم ونظر إليهم باللطف فيما أصابهم {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم} وهم النفوس المتمردة يعودون إلى عادتهم المذمومة وطبيعتهم الدنيئة وكفران النعمة {لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ} من النعمة والرحمة ثم هدّدهم بقوله : {فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} جزاء ما تعملون على وفق طباعكم اتباعاً لهواكم.
{أَمْ أَنزَلْنَا} (آيافرستاده ايم) {عَلَيْهِمْ سُلْطَـانًا} أي : حجة واضحة كالكتاب {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} تكلم دلالة كما في قوله تعالى : {هَـاذَا كِتَـابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ} (الجاثية : 29) {بِمَا كَانُوا بِه يُشْرِكُونَ} أي : بإشراكهم به تعالى وصحته فتكون ما مصدرية أو بالأمر الذي بسببه يشركون في ألوهيته فتكون موصولة والمراد بالاستفهام النفي والإنكار أي : لم ننزل عليهم ذلك.
وفيه إشارة إلى أن أعمال العباد إذا كانت مقرونة بالحجة المنزلة تكون حجة لهم وإن كانت من نتائج طباع نفوسهم الخبيثة تكون حجة عليهم فالعمل بالطبع هوى وبالحجة هدى فقد دخل فيه أفعال العباد صالحاتها وفاسداتها وإن كانوا لا يشعرون ذلك فيظنون بعض أعمالهم الخبيثة طيبة من غير سلطان يتكلم لهم بطيبها ونعوذ بالله من الخوض في الباطل واعتقاد أنه أمر تحته طائل :
ترسم نرسى بكعبه اى اعرابى
كين ره كه توميروى بتركستانست
{وَإِذَآ أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} أي : نعمة وصحة وسعة {فَرِحُوا بِهَا} بطراً وأشراً لا حمداً وشكراً وغرتهم الحياة الدنيا وأعرضوا عن عبودية المولى {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةُ} أي : شدة من بلاء وضيق {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي : بشؤم معاصيهم {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فاجأوا القنوط واليأس من رحمة الله تعالى ، وبالفارسية : (آنكاه ايشان نوميد وجزع ميكنند يعنى نه شكر ميكذارند در نعمت ونه صبردارند برمحنت) وهذا وصف الغافلين المحجوبين وأما أهل المحبة والإرادة فسواء نالوا ما يلائم الطبع أو فات عنهم ذلك فإنهم لا يفرحون ولا يحزنون كما قال تعالى : {لِّكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَآ ءَاتَـاـاكُمْ} (الحديد : 23) فلما كان بهم من قوة الاعتماد على الله تعالى لا يقنطون من الرحمة الظاهرة والباطنة ويرون التنزلات من التلوينات فيرجعون إلى الله بتصحيح الحالات بأنواع الرياضات والمجاهدات ويصبرون إلى ظهور التمكينات والترقيات.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
بصبر كوش دلاروز هجر فائده نيست
طبيب سربت تلخ از براى فائده ساخت
(7/28)
{وَإِذَآ أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةُا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * فَـاَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِا ذَالِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّه وَأُولَئكَ} .
{أَوَلَمْ يَرَوْا} أي : ألم ينظروا ولم يشاهدوا {أَنَّ اللَّهَ} الرزاق {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ} أي : يوسعه لمن يرى صلاحه في ذلك ويمتحنه بالشكر {وَيَقْدِرُ} أي : يضيقه لمن يرى نظام حاله في ذلك ويمتحنه بالصبر ليستخرج منهم بذلك معلومه من الشكر والكفران والصبر والجزع فمالهم لا يشكرون في السراء ولا يتوقعون الثواب بالصبر في الضراء كالمؤمنين.
قال شقيق رحمه الله كما لا تستطيع أن تزيد في خلقك ولا في حياتك كذلك لا تستطيع أن تزيد في رزقك فلا تتعب نفسك في طلب الرزق.
رزق اكر بر آدمى عاشق نمى باشد را
اززمين كندم كريبان اك مى آيد را
38
{إِنَّ فِى ذَالِكَ} المذكور من القبض والبسط {لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فيستدلون بها على كمال القدرة والحكمة ، قال أبو بكر محمد بن سابق :
فكم قوي قوي في تقلبه
مهذب الرأي عنه الرزق ينحرف
وكم ضعيف ضعيف في تقلبه
كأنه من خليج البحر يغترف
هذا دليل على أن الاله له
في الخلق سر خفي ليس ينكشف
ـ وحكي ـ أنه سئل بعض العلماء ما الدليل على أن للعالم صانعاً واحداً؟ قال : ثلاثة أشياء : ذل اللبيب ، وفقر الأديب ، وسقم الطبيب.
قال في "التأويلات النجمية" : الإشارة فيه إلى أن لا يعلق العباد قلوبهم إلا بالله لأن ما يسوءهم ليس زواله إلا من الله وما يسرهم ليس وجوده إلا من الله فالبسط الذي يسرهم ويؤنسهم منه وجوده والقبض الذي يسوءهم ويوحشهم منه حصوله فالواجب لزوم بابه بالأسرار وقطع الأفكار عن الأغيار انتهى ؛ إذ لا يفيد للعاجز طلب مراده من عاجز مثله فلا بد من الطلب من القادر المطلق الذي هو الحق.
قال إبراهيم بن أدهم قدس سره : طلبنا الفقر فاستقبلنا الغنى وطلب الناس الغنى فاستقبلهم الفقر.
فعلى العاقل تحصيل سكون القلب والفناء عن الإرادات فإن الله تعالى يفعل ما يريد على وفق علمه وحكمته.
وفي الحديث "إنما يخشى المؤمن الفقر مخافة الآفات على دينه" فالملحوظ في كل حال تحقيق دين الله المتعال وتحقيقه إنما يحصل بالامتثال إلى أمر صاحب الدين وقد أمر بالتوكل واليقين في باب الرزق فلا بد من الائتمار وإخراج الأفكار من القلب فإن من شك في رازقه فقد شك في خالقه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
ـ كما حكي ـ أن معروفاً الكرخي قدس سره اقتدى بإمام فسأله الإمام بعد الصلاة وقال له : من أين تأكل يا معروف؟ فقال معروف : اصبر يا إمام حتى أقضي ما صليت خلفك ثم أجيب فإن الشاك في الرازق شاك في الخالق ولا يجوز اقتداء المؤمن الموقن بالمتزلزل المتردد ولذا قال تعالى : {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فإن غير المؤمن لا يعرف الآيات ولا يقدر على الاستدلال بالدلالات فيبقى في الشك والتردد والظلمات.
قال هرم لأويس رضي الله عنه : أين تأمرني أن أكون فأومأ إلى الشام فقال هرم : كيف المعيشة بها قال أويس : أف لهذه القلوب قد خالطها الشك فما تنفعها العظة أي : لأن العظة كالصقر لا يصيد إلا الحي والقلب الذي خالطه الشك بمثابة الميت فلا يفيده التنبيه نسأل الله سبحانه أن يوقظنا من سنة الغفلة ولا يجعلنا من المعذبين بعذاب الجهالة إنه الكريم الرؤوف الرحيم.
{فَـاَاتِ} أعطِ يا من بسط له الرزق {ذَا الْقُرْبَى} صاحب القرابة {حَقَّهُ} من الصلة والصدقة وسائر المبرات يحتج أبو حنيفة رحمة الله بهذه الآية على وجوب النفقة لذوي الأرحام المحارم عند الاحتياج ويقيسهم الشافعي على ابن العم فلا يوجب النفقة إلا على الولد والوالدين لوجود الولاد {وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} ما يستحقانه من الصدقة والإعانة والضيافة فإن ابن السبيل هو الضيف كما في "كشف الأسرار".
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
قال في "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن القرابة على قسمين : قرابة النسب ، وقرابة الدين ، فقرابة الدين أمس والمراعاة أحق وهم الإخوان في الله والأولاد من صلب الولاية من أهل الإرادة الذين تمسكوا بأذيال الأكابر منقطعين إلى الله مشتغلين بطلب الله متجردين عن الدنيا غير مستفزعين
39(7/29)
بطلب المعيشة فالواجب على الأغنياء بالله القيام بأداء حقوقهم فيما يكون لهم عوناً على الاشتغال بمواجب الطلب بفراغ القلب والمسكين من يكون محروماً من صدق الطلب وهو من أهل الطاعة والعبادة أو طالب العلم فمعاونته بقدر الإمكان وحسب الحال واجب وابن السبيل وهو المسافر والضيف فحقه القيام بشأنه بحكم الوقت فمن يكون همته في الطلب أعلى فهو من أقارب ذوي القربى وبإيثار الوقت عليه أولى فحقه آكد وتفقده أوجب انتهى.
قال في "كشف الأسرار" : (قرابت دين سزاوار ترست بمواساة ازفرابت نسب مجرد زيرا كه قرابت نسب بريده كردد وقرابت دين روانيست كه هركز بريده كردد اينست كه مصطفى عليه السلام كفت "كل نسب وسبب ينقطع الإنسبي وسببي" قرابت دين است كه سيد عالم صلوات الله عليه وسلامه اضافت باخود كردد وديندارانرا نزديكان وخويشان خود شمرد بحكم اين آيت وهركه روى بعبادة الله آرد وبر وظائف طاعات مواظبت نمايد ونعمت مراقب برسردارد ودروقت ذكر الله نشيند نانكه باكسب وتجارت نردازد وطلب معيشت نكند كما قال تعالى : {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} (النور : 37) اورا برمسلمانان حق مواسات واجب شود اورا مراعات كنند ودل وى از ضرورت قوت فارغ دارند نانكه رسول خدا كرد باصحاب صفه وايشان بودندكه در صفه يغمبر وطن داشتند وصفه يغمبر جاييست بمدينه كه آنرا قبا خوانند از مدينه تا آنجا دوفرسنك است رسول الله خدا روزى ما حضرى دريش داست وبعضى اهل بيت خويش را كفت "لا أعطيكم وادع اصحاب الصفة تطوى بطونهم من الجوع" اين أصحاب صفه هل تن بودند ازدنيا بيكباركى اعراض كرده واز طلب معيشت بر خاصته وباعبادت وذكر الله رداخته وبرفتوح وتجريد روز بسر آورده وبيشترين ايشان برهنه بودند خويشتن را درميان نهان كرده ون وقت نماز بودى آنكروه كه جامه داشتند نماز كردندى آنكه جامه برديكران دادندى واصل مذهب تصوف ازايشان كرفته اندازدنيا اعراض كردن وازراه خصومت بر خاستن وبر توكل زيستن وبيافته قناعت كردن وآز وحرص وشره بكذاشتن) قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
بر اوج فلك ون رد ره باز
كه بر شهرش بسته سنك آز
ندارند تن روران آكهى
كه ر معده باشد ز حكمت نهى
{ذَالِكَ} أي : إيتاء الحق وإخراجه من المال {خَيْرٌ} من الإمساك {لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} أي : يقصدون بمعروفهم إياه تعالى خالصاً فيكون الوجه بمعنى الذات أو جهة التقرب إليه لا جهة أخرى من الأغراض والأعواض فيكون بمعنى الجهة.
قال في "كشف الأسرار" : المريد هو الذي يؤثر حق الله على نفسه.
جنيد قدس الله روحه (مريديرا وصيت ميكرد وكفت نان كن كه خلق را بارحمت باشى وخودرا بلاكه مؤنان ودوستان از الله بر خلق رحمت اند ونان كن كه درسايه صفات خود نه نشينى تاديكران درسايه تو بياسايند.
ذو النون مصرى را رسيدندكه مريد كيست ومراد كيست كفت "المريد يطلب والمراد يهرب".
مريد مى طلبد وازو صدر هزارنياز.
ومراد مى كريزد واورا صد هزارناز مريد بادل سوزان.
مرادبا مقصود
40
بربساط خندان.
مريد در خبر آويخته.
مراد درعيان آميخته.
يررا رسيدند مريد به يا مراد از حقيقت تفريد جواب دادكه "لا مريد ولا مراد ولا خبر ولا استخبار ولا حد ولا رسم وهو الكل بالكل" اين نانست كه كويند) :
اين جاى نه عشقست نه شوق نه يار
خود جمله تويى خصومت ازره بردار
{وَأُولَئكَ} (آن كروه منفقان) {هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الفائزون بالمطلوب في الآخرة حيث حصلوا بما بسط لهم النعيم المقيم.
والمعنى لهم في الدنيا خير وهو البركة في مالهم لأن إخراج الزكاة يزيد في المال :
زكات مال بدركن كه فضله رزرا
و باغبان ببرد بيشتر دهد انكور
وفي الآخرة يصير لطاعة ربه في إخراج الصدقة من الفائزين بالجنة :
توانكرا ودل ودست كامرانت هست
بخور ببخش كه دنيا وآخرت بردى
وعن علي رضي الله عنه أن المال حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام.
وكان لقمان إذا مر بالأغنياء يقول : يا أهل النعيم لا تنسوا النعيم الأكبر وإذا مر بالفقراء يقول : إياكم أن تغبنوا مرتين.
وعن علي رضي الله عنه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما منع غني والله يسألهم عن ذلك.
قال بعضهم : أول ما فرض الصوم على الأغنياء لأجل الفقراء في زمن الملك طهمورث ثالث ملوك بني آدم وقع القحط في زمانه فأمر الأغنياء بطعام واحد بعد غروب الشمس وبإمساكهم بالنهار شفقة على الفقراء وإيثاراً عليهم بطعام النهار وتعبداً وتواضعاًتعالى :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
توانكرانرا وقفست وبذل ومهماني
زكاة وفطرة وإعتاق وهدى وقرباني
توكى بدولت ايشان رسى كه نتوانى
جزاين دو ركعت وآن هم بصد ريشانى
شرف نفس بجودست وكرامت بسجود
هركه اين هردوندارد عدمش به زوجود(7/30)
{فَـاَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِا ذَالِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّه وأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَا فِى أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِندَ اللَّه وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن زَكَواةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فأولئك هُمُ الْمُضْعِفُونَ * اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآاـاِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَالِكُم مِّن شَىْءٍا سُبْحَـانَه وَتَعَـالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
{وَمَآ} (يزى كه وآنه) {ءَاتَيْتُم} (مى دهيد) {مِّن رِّبًا} كتب بالواو للتفخيم على لغة من يفخم في أمثاله من الصلوة والزكوة أو للتنبيه على أصله لأنه من ربا يربو زاد وزيدت الألف تشبيهاً بواو الجمع وهي الزيادة في المقدار بأن يباع أحد مطعوم أو نقد بنقد بأكثر منه من جنسه ويقال له ربا الفضل أو في الأجل بأن يباع أحدهما إلى أجل ويقال له ربا النساء وكلاهما محرّم.
والمعنى من زيادة خالية من العوض عند المعاملة {لِّيَرْبُوَا فِى أَمْوَالِ النَّاسِ} ليزيد ويزكو في أموالهم ، يعني : (تازيادتى درمال سود خوران بديد آيد) {فَلا يَرْبُوا عِندَ اللَّهِ} لا يزيد عنده ولا يبارك له فيه كما قال تعالى : {يَمْحَقُ اللَّهُ الِرّبَوا} (البقرة : 276) وقال بعضهم : المراد بالربا في الآية هو أن يعطي الرجل العطية أو يهدي الهدية ويثاب ما هو أفضل منها فهذا ربا حلال جائز ولكن لا يثاب عليه في القيامة لأنه لم يرد به وجه الله وهذا كان حراماً للنبي عليه السلام لقوله تعالى : {وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} (المدثر : 6) أي : لا تعط ولا تطلب أكثر مما أعطيت كذا في "كشف الأسرار" يقول الفقير : قوله تعالى : {مِّن رِّبًا} يشير إلى أنه لو قال المعطي للآخذ أنا لا أعطي هذا المال إياك على أنه ربا وجعله في حل لا يكون حلالاً ولا يخرج عن كونه ربا لأن ما كان حراماً بتحريم الله تعالى لا يكون حلالاً بتحليل
41
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
غيره وإلى أن المعطي والآخذ سواء في الوعيد إلا إذا كانت الضرورة قوية في جانب المعطي فلم يجد بدّاً من الأخذ بطريق الرباء بأن لا يقرضه أحد بغير معاوضة {وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن زَكَواةٍ} مفروضة أو صدقة سميت زكاة لأنها تزكو وتنمو {تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} تبتغون به وجهه خالصاً أي : ثوابه ورضاه لا ثواب غيره ورضاه بأن يكون رياء وسمعة {فأولئك هُمُ الْمُضْعِفُونَ} أي : ذووا الأضعاف من الثواب كما قال تعالى : {وَيُرْبِى الصَّدَقَـاتِ} (البقرة : 276) ونظير المضعف المقوي لذوي القوة والموسر لذوي اليسار أو الذين أضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة الزكاة وإنما قال : {فأولئك هُمُ الْمُضْعِفُونَ} فعدل عن الخطاب إلى الأخبار إيماء إلى أنه لم يخص به المخاطبون بل هو عام في جميع المكلفين إلى قيام الساعة.
قال سهل رحمه الله : وقع التضعيف لإرادة وجه الله به لا بإيتاء الزكاة وزكاة البدن في تطهيره من المعاصي وزكاة المال في تطهيره من الشبهات.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن في إنفاق المال في سبيل الله تزكية النفس عن لوث حب الدنيا كما كان حال أبي بكر رضي الله عنه حيث تجرد عن ماله تزكية لنفسه كما أخبر الله تعالى عن حاله بقوله : {وَسَيُجَنَّبُهَا الاتْقَى * الَّذِى يُؤْتِى مَالَه يَتَزَكَّى * وَمَا لاحَدٍ عِندَه مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ الاعْلَى} (الليل : 16 ـ 17 ـ 18 ـ 19 ـ 20) أي : شوقاً إلى لقاء ربه {فأولئك هُمُ الْمُضْعِفُونَ} أي : يعطون أضعاف ما يرجون ويتمنون لأنهم بقدر هممهم وحسب نظرهم المحدث يرجون والله تعالى بحسب إحسانه وكرمه القديم يعطي عطاء غير منقطع انتهى.
واعلم أن المال عارية مستردة في يد الإنسان ولا أحد أجهل ممن لا ينقذ نفسه من العذاب الدائم بما لا يبقى في يده وقد تكفل الله بأعواض المنفق ، وفي "المثنوي" :
كفت يغمبركه دائم بهر ند
دو فرشته خوش منادى ميكند
كاى خدايا منفقارنرا سيردار
هردر مشانرا عوض ده صد هزار
اى خدايا ممسكانرا درجهان
تومده الا زيان اندر زيان
كرنماند ازجود دردست تومال
كى كند فضل اهت ايمال
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
هركه كارد كردد انبارش تهى
ليكش اندر مزرعه باشد بهى
وانكه درانبار ماند وصرفه كرد
اشش وموش وحوادثهاش خورد
وفي "البستان" :
ريشان كن امروز كنجينه ست
كه فردا كليدش نه در دست تست
تو باخود ببر توشه خويشتن
كه شفقت نيايد زفرزند وزن
كنون بر كف ودست نه هره هست
كه فردا بدندان كزى شت دست
بحال دل خستكان درنكر
كه روزى دلت خسته باشد مكر
فروماندكانرا درون شاد كن
زروز فروماند كى ياد كن
نه خواهنده بر در ديكران
بشكرانه خواهنده ازدر مران(7/31)
{اللَّهِ} وحده {الَّذِى خَلَقَكُمْ} أوجدكم من العدم ولم تكونوا شيئاً {ثُمَّ رَزَقَكُمْ} أطعمكم ما عشتم ودمتم في الدنيا.
قال في "كشف الأسرار" : (يكى را روزى وجود ارزاقست ويكى را شهود رزاق عامه خلق دريند روزى وتهى معده اند طعام وشراب ميخواهند واهل
42
خصوص روزى دل خواهند توفيق طاعات وإخلاص عبادات دون همت كسى باشدكه همت وى همه آن تان بود شربتى آب "من كانت همته ما يأكل فقيمته ما يخرج منه" نيكو سخنى كه آن خوانمرد كفت) :
اى توانكر بكنج خرسندى
زين بخيلان كناره كير وكنار
اين بخيلان عهدما همه بار
راح خوردند ومستراح انبار
{ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} وقت انقضاء آجالكم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} في النفخة الأخيرة ليجازيكم بما عملتم في الدنيا من الخير والشر فهو المختص بهذه الأشياء {هَلْ مِن شُرَكَآاـاِكُم} اللاتي زعمتم أنها شركاء الله {مَّن يَفْعَلُ مِن ذَالِكُم} أي : الخلق والرزق والإماتة والإحياء {مِّن شَىْءٍ} أي : لا يفعل أحد شيئاً قط من تلك الأفعال (ون ازهيكدام آن كار نيايدش بتانرا شريك كرفتن نشايد) ومن الأولى والثانية تفيدان شيوع الحكم في جنس الشركاء والأفعال والثالثة مزيدة لتعميم المنفي وكل منهما مستعملة للتأكيد لتعجيز الشركاء {سُبْحَـانَهُ} تنزه تنزيهاً بليغاً {وَتَعَـالَى} تعالياً كبيراً {عَمَّا يُشْرِكُونَ} عن إشراك المشركين.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
وفي "التأويلات النجمية" {اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ} من العدم بإخراجكم إلى عالم الأرواح {ثُمَّ رَزَقَكُمْ} استماع كلامه بلا واسطة عند خطابه "ألست بربكم" وهو رزق آذانكم ورزق أبصاركم مشاهدة شواهد ربوبيته ورزق قلوبكم فهم خطابه ودرك مراده من خطابه ورزق ألسنتكم إجابة سؤاله والشهادة بتوحيده {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} بنور الإيمان والإيقان والعرفان {هَلْ مِن شُرَكَآاـاِكُم} من الأصنام والأنام {مَّن يَفْعَلُ مِن ذَالِكُم مِّن شَىْءٍا سُبْحَـانَه وَتَعَـالَى} منزه بذاته وصفاته {عَمَّا يُشْرِكُونَ} أعداؤه بطريق عبادة الأصنام وأولياؤه بطريق عبادة الهوى انتهى.
وفي الحديث القدسي "أنا أغنى الشركاء عن الشرك" يعني : أنا أكثر استغناء عن العمل الذي فيه شركة لغيري فافعل للزيادة المطلقة من غير أن يكون في المضاف إليه شيء مما يكون في المضاف ويجوز أن يكون للزيادة على من أضيف إليه يعني أنا أكثر الشركاء استغناء وذلك لأنهم قد يثبت لهم الاستغناء في بعض الأوقات والاحتياج في بعضها والله تعالى مستغن في جميع الأوقات "من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" بفتح الكاف أي : مع شريكه والضمير في تركته لمن يعني أن المرائي في طاعته آثم لا ثواب له فيها.
قيل : الشرك على أقسام أعظمها اعتقاد شريكفي الذات ويليه اعتقاد شريكفي الفعل كقول من يقول العباد خالقون أفعالهم الاختيارية ويليه الشرك في العبادة وهو الرياء وهذا هو المراد في الحديث.
قال الشيخ أبو حامد رحمه الله : إذا كان مع الرياء قصد الثواب راجحاً فالذي نظنه والعلم عند الله أن لا يحبط أصل الثواب ولكن ينقص منه فيكون الحديث محمولاً على ما إذا تساوى القصدان أو يكون قصد الرياء أرجح.
قال الشيخ الكلاباذي رحمه الله : العمل إذا صح في أوله لم يضره فساد بعد ولا يحبطه شيء دون الشرك لأن الرياء هو ما يفعل العبد من أوله ليرائى به الناس ويكون ذلك قصده ومراده عند أهل السنة والجماعة لقوله تعالى : {خَلَطُوا عَمَلا صَـالِحًا وَءَاخَرَ سَيِّئًا} (التوبة : 102) ولو كان الأمر على ما زعم
43
المعتزلة من إحباط الطاعات بالمعاصي لم يجز اختلاطها واجتماعها كذا في "شرح المشارق" لابن الملك.
قال في "الأشباه" نقلاً عن "التاتار خانية" : لو افتتح الصلاة خالصاًتعالى ثم دخل في قلبه الرياء فهو على ما افتتح والرياء أنه لو خلا عن الناس لا يصلي ولو كان مع الناس يصلي فأما لو صلى مع الناس يحسنها ولو صلى وحده لا يحسن فله ثواب أصل الصلاة دون الإحسان ولا يدخل الرياء في الصوم انتهى.
فعلى العاقل أن يجتهد في طريق الكشف والعيان حتى يلاحظ الله تعالى في كل فعل باشره من مأموراته ولا يلاحظ غيره من مخلوقاته ألا يرى أن الراعي إذا صلى عند الأغنام لا يلتفت إليها إذ وجودها وعدمها سواء فالرياء لها هواء والله تعالى خلق العبد وخلق القدرة على الحركة ورزقه القيام بأمره فما معنى الشركة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
اكر جز بحق ميرود جاده ات
در آتش فشانند سجاده ات
نسأل الله سبحانه وتعالى الخلاص من الأغيار وإخراج الملاحظات والأفكار من القلب الذي خلق للتوجه إليه والحضور لديه.
ترابكو هردل كرده اند امانتدار
زدزد امانت حق را نكاه دار مخسب
(7/32)
{اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآاـاِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَالِكُم مِّن شَىْءٍا سُبْحَـانَه وَتَعَـالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * قُلْ سِيرُوا فِى الارْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ} .
{ظَهَرَ الْفَسَادُ} شاع {فِى الْبَرِّ} كالجدب وقلة النبات والربح في التجارات والريع في الزراعات والدر والنسل في الحيوانات ومحق البركات من كل شيء ووقوع الموتان بضم الميم كبطلان الموت الشائع في الماشية وظهور الوباء والطاعون في الناس وكثرة الحرق بفتحتين اسم من الإحراق وغلبة الأعداء ووجود الفتن والحرب ونحو ذلك من المضار {وَالْبَحْرِ} كالغرق بفتحتين اسم من الإغراق وعمي دواب البحر بانقطاع المطر فإن المطر لها كالكحل للإنسان وإخفاق الغواصين أي : خيبتهم من اللؤلؤ فإنه يتكوّن من مطر نيسان فإذا انقطع لم ينعقد.
وبيانه أنه إذا أتى الربيع يكثر هبوب الرياح وترتفع الأمواج ويضطرب البحر فإذا كان الثامن عشر من نيسان خرجت الأصداف من قعور بحر الهند وفارس ولها أصوات وقعقعة وبوسط كل صدفة دويبة صغيرة وصفحتا الصدفة لها كالجناحين وكالسور تتحصن به من عدو مسلط عليها وهو سرطان البحر فربما تفتتح أجنحتها تشم الهواء فيدخل السرطان مقصيه بينهما ويأكلها وربما يتحيل السرطان في أكلها بحيلة دقيقة وهو أن يحمل في مقصيه حجراً مدوراً كبندقة الطين ويراقب دابة الصدف حتى تشق عن جناحيها فيلقى السرطان الحجر بين صفحتي الصدفة فلا تنطبق فيأكلها ففي الثامن عشر من نيسان لا تبقى صدفة في قعور البحار المعروفة بالدر إلا صارت على وجه الماء وتفتحت على وجه يصير وجه الماء أبيض كاللؤلؤ وتأتي سحابة بمطر عظيم ثم تتقشع السحابة وقد وقع في جوف كل صدفة ما قدر الله تعالى واختار من القطر إما قطرة واحدة وإما اثنتان وإما ثلاث وهلم جرا إلى المائة والمائتين وفوق ذلك ثم تنطبق الأصداف وتلحم وتموت الدابة التي كانت في جوف الصدفة في الحال وترسب الأصداف إلى قعر البحر حتى لا يحركها الماء فيفسد ما في بطنها وتلحم صفحتا الصدفة إلحاماً بالغاً حتى لا يدخل إلى الدرة ماء البحر فيصفرها وأفضل الدر المتكوّن في هذه الأصداف القطرة الواحدة ثم الاثنتان ثم الثلاث وكلما قل العدد كان أكبر جسماً
44
وأعظم قيمة وكلما كثر العدد كان أصغر جسماً وأرخص قيمة والمتكون من قطرة واحدة هي الدرة اليتيمة التي لا قيمة لها والأخريان بعدها.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
زبر افكند قطره سوى يم
ز صلب او افكند نطفه درشكم
ازان قطره لؤلؤ لالا كند
وزين صورتى سروبالا كند
فالصدفة تنقلب إلى ثلاثة أطوار في الأول طور الحيوانية فإذا وقع القطر فيها ماتت الدويبة وصارت في طور الحجرية ولذلك غاصت إلى القرار وهذا طبع الحجر وهو الطور الثاني وفي الطور الثالث وهو الطور النباتي تشرس في قرار البحر وتمد عروقها كالشجر ذلك تقدير العزيز العليم ولمدة حملها وانعقادها وقت معلوم وموسم يجتمع فيه الغواصون والتجار لاستخراج ذلك هذا في البحر.
وأما في البر ففي الثامن عشر من نيسان تخرج فراخ الحيات التي ولدت في تلك السنة وتصير من بطن الأرض إلى وجهها كالأصداف في البحر وتفتح أفواهها نحو السماء كما فتحت الأصداف فما نزل من قطر السماء في فمها أطبقت فمها عليه ودخلت بطن الأرض فإذا تم حمل الصدف في البحر وصار لؤلؤاً شفافاً صار ما دخل في فم فراخ الحيات داء وسما فالماء واحد والأوعية مختلفة والقدرة صالحة لكل شيء وقد قيل في هذا المعنى :
ارى الاحسان عند الحرّ دينا
وعند الندل منقصة وذمّا
كقطر الماء في الأصداف درّا
وفي جوف الأفاعي صار سماً
كذا في خريدة العجائب وفريدة الغرائب للشيخ العلامة أبي حفص الوردي رحمه الله.
قال في "التأويلات النجمية" : يشير إلى بر النفس وبحر القلب وفساد النفس بأكل الحرام وارتكاب المحظورات وتتبع الشهوات وفساد القلب بالعقائد السوء ولزوم الشبهات والتمسك بالأهواء والبدع والاتصاف بالأوصاف الذميمة وحب الدنيا وزينتها وطلب شهواتها ومنافعها ومن أعظم فساد القلب عقد الإصرار على المخالفات كما أن من أعظم الخيرات صحة العزم على التوجه إلى الحق والإعراض عن الباطل انتهى.
وأيضاً البر لسان علماء الظاهر وفساده ب"التأويلات الفاسدة.
والبحر لسان علماء الباطن وفساده بالدعاوي الباطلة :
ماه ناديده نشانها ميدهند
(7/33)
{بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ} أي : بسبب شؤم المعاصي التي كسبها الناس في البر والبحر بمزاولة الأيدي غالباً.
ففيه إشارة إلى أن الكسب من العبد والتقدير والخلق من الله تعالى فالطاعة كالشمس المنيرة تنتشر أنوارها في الآفاق فكذا الطاعة تسري بركاتها إلى الأقطار فهي من تأثيرات لطفه تعالى والمعصية كالليلة المظلمة فكما أن الليلة تحيط ظلمتها بالجوانب فكذا المعصية تتفرق شآمتها إلى الأقارب والأجانب فهي من تأثيرات قهره تعالى.
وأول فساد ظهر في البر قتل قابيل أخاه هابيل.
وفي "البحر" أخذ الجلندي الملك كل سفينة غصباً وفي المثل أظلم من ابن الجلندي بزيادة ابن كما في "إنسان العيون" وكان من أجداد الحجاج بينه وبينه سبعون جدّاً وكانت الأرض خضرة معجبة بنضارتها لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة وكان ماء البحر عذباً وكان لا تقصد الأسود البقر فلما وقع قتل المذكور تغير ما على الأرض
45
وشاكت الأشجار أي : صارت ذات شوك وصار ماء البحر ملحاً مرّاً جدّاً وقصد بعض الحيوان بعضاً.
وتعلقت شوكة بنبي فلعنها فقالت : لا تلعنني فإني ظهرت من شؤم ذنب الآدميين.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
يقول الفقير :
ون عمل نيكو بود كلها دمد
و نكه زشت آيد برويد خارزار
كر بد وكر نيك باشد كارتو
هره كارى بدر روى آنجام كار
{لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا} اللام للعلة والذوق وجود الطعم بالفم وكثر استعماله في العذاب يعني أفسد الله أسباب دنياهم بسوء صنيعهم ليذيقهم بعض جزاء ما عملوا من الذنوب والإعراض عن الحق ويعذبهم بالبأساء والضراء والمصائب وإنما قال بعض لأن تمام الجزاء في الآخرة ويجوز أن يكون اللام للعاقبة أي : كان عاقبة ظهور الشرور منهم ذلك نعوذ بالله من سوء العاقبة {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عما كانوا عليه من الشرك والمعاصي والغفلات وتتبع الشهوات وتضييع الأوقات إلى التوحيد والطاعة وطلب الحق والجهد في عبوديته وتعظيم الشرع والتأسف على ما فات وهذا كقوله تعالى : {وَلَقَدْ أَخَذْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأعراف : 130) أي : يتعظون فلم يتعظوا ففيه تنبيه على أن الله تعالى إنما يقضي بالجدوبة ونقص الثمرات والنبات لطفاً من جنابه في رجوع الخلق عن المعصية.
بارها وشد ى اظهار فضل
باز كيرد ازى اظهار عدلتاشيمان ميشوى ازكار بد
تاحيا دارى زالله الصمد
اعلم أن الله تعالى غير بشؤم المعصية أشياء كثيرة.
غير صورة إبليس واسمه وكان اسمه الحارث وعزازيل فسماه ابليس.
وغير لون حام بن نوح بسبب أنه نظر إلى سوءة أبيه فضحك وكان أبوه نوح نائماً فأخبر بذلك.
فدعا عليه فسوده الله تعالى فتولد منه الهند والحبشة.
وغير الصورة على قوم موسى فصيرهم قردة وعلى قوم عيسى فصيرهم خنازير.
وغير ماء القبط ومالهم فصيرهما دماً وحجراً.
وغير العلم على أمية ابن أبي الصلت وكان من بلغاء العرب حيث كان نائماً فأتاه طائر وأدخل منقاره في فيه فلما استيقظ نسي جميع علومه.
وغير اللسان على رجل بسبب العقوق حيث نادته والدته فلم يجب فصار أخرس.
وغير الإيمان على برصيصا بسبب شرب الخمر والزنى بعدما عبد الله تعالى مائتين وعشرين سنة إلى غير ذلك.
وقد قال كعب الأحبار لما أهبط الله تعالى آدم عليه السلام جاءه ميكائيل بشيء من حب الحنطة وقال : هذا رزقك ورزق أولادك قم فاضرب الأرض وابذر البذر قال : ولم يزل الحب من عهد آدم إلى زمن إدريس عليهما السلام كبيضة النعام فلما كفر الناس نقص إلى بيضة الدجاجة ثم إلى بيضة الحمامة ثم إلى قدر البندقة وكان في زمن عزير عليه السلام على قدر الحمصة.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن ظهور الفاحشة في قوم وإعلانها سبب لفشوّ الطاعون والأوجاع.
ونقص الميزان والمكيال سبب للقحط وشدة المؤوتة وجور السلطان.
ومنع الزكاة سبب لانقطاع المطر ولولا البهائم لم يمطروا.
ونقض عهد الله وعهد رسوله سبب لتسلط العدو.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
وأخذ الأموال من أيدي الناس وعدم حكم الأئمة بكتاب الله سبب لوقوع السيف
46
والقتال بين الناس.
وأكل الربا سبب للزلزلة والخسف فضرر البعض يسري إلى الجميع ولذا يقال : من أذنب ذنباً فجميع الخلق من الإنس والدواب والوحوش والطيور والذر خصماؤه يوم القيامة فلا بد من الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة والطاعة والإصلاح فإن فيه الفوز والفلاح.
قال ذو النون المصري قدس سره : رأيت رجلاً إحدى رجليه خارجة من صومعته يسيل منها الصديد فسألته عن ذلك فقال : زارتني امرأة فنامت بجنب صومعتي فحملتني نفسي على أن أنزل عليها بالفجور فساعدتني إحدى رجلي دون الأخرى فحلفت أن لا تصحبني أبداً وهذا حقيقة التوبة والندامة نسأل الله العفو والعافية والسلامة.
توبه كردم حقيقت باخدا
نشكنم تاجان شدن ازتن جدا
كذا في "المثنوي" نقلاً عن لسان نصوح.
(7/34)
{قُلْ} يا محمد {سِيرُوا} أيها المشركون وسافروا {فِى الأرْضِ} في أرض الأمم المعذبة {فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ} أي : آخر أمر من كان قبلكم والنظر على وجهين يقال نظر إليه إذا نظر بعينه ونظر فيه إذا تفكر بقلبه وههنا قال : فانظروا ولم يقل إليه أو فيه ليدل على مشاهدة الآثار ومطالعة الأحوال {كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ} أي : كان أكثر الذين من قبل مشركين فاهلكوا بشركهم وهو استئناف للدلالة على أن ما أصابهم لفشوّ الشرك فيما بينهم أو كان الشرك في أكثرهم وما دونه من المعاصي في قليل منهم فإذا أصابهم العذاب بسبب شركهم ومعاصيهم فيلحذر من كان على صفتهم من مشركي قريش وغيرهم إن أصروا على ذلك.
{فَأَقِمْ} عدل يا محمد {وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} البليغ الاستقامة الذي ليس فيه عوج أصلاً وهو دين الإسلام وقد سبق معنى إقامة الوجه للدين في هذه السورة {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ} يوم القيامة {لا مَرَدَّ لَهُ} لا يقدر أحد على ردة ولا ينفع نفساً إيمانها حينئذٍ {مِنَ اللَّهِ} متعلق بيأتي أو بمرد لأنه مصدر على معنى لا يرده الله تعالى لتعلق إرادته القديمة بمجيئه وقد وعد ولا خلف في وعده {يَوْمَئذٍ} أي : يوم القيامة بعد محاسبة الله أهل الموقف {يَصَّدَّعُونَ} أصله يتصدعون فادغمت التاء في الصاد وشددت.
والصدع الشق في الأجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما ومنه استعير صدع الأمر أي : فصله والصداع وهو الانشقاق في الرأس من الوجع ومنه الصديع للفجر لأنه ينشق من الليل والمعنى يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير كما قال :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{مَنْ} (هركه) {كَفَرَ} بالله في الدنيا {فَعَلَيْهِ} لا على غيره {كُفْرُهُ} وبال كفره وجزاؤه وهو النار المؤبدة {وَمِنْ} (وهركه) {عَمِلَ صَـالِحًا} وحده وعمل بالطاعة الخالصة بعد التوحيد ، وبالفارسية : (كارستوده كند) {فَلانفُسِهِمْ} وحدها {يَمْهَدُونَ} أصل المهد إصلاح المضجع للصبي ثم استعير لغيره كما في "كشف الأسرار" يسوّون منزلاً في الجنة ويفرشون ويهيئون ، وبالفارسية : (خويشتن را نشستكاه سازد در بهشت وبساط مى كستراند) ومن التمهيد تمهيد المضاجع في القبور فإن بالعمل الصالح يصلح منزل القبر ومأوى الجنة.
يروى أن بعض أهل القبور في برزخ محمود مفروش فيه الريحان وموسد فيه السندس والاستبرق إلى يوم القيامة وفي الحديث "إن عمل الإنسان يدفن
47
معه في قبره فإن كان العمل كريماً أكرم صاحبه وإن كان لئيماً أسلمه" أي : إن كان عملاً صالحاً آنس صاحبه وبشره ووسع عليه قبره ونوره وحماه من الشدائد والأهوال وإن كان عملاً سيئاً فزع صاحبه وروّعه وأظلم عليه قبره وضيقه وعذبه وخلى بينه وبين الشدائد والأهوال والعذاب والوبال :
برك عيشى بكور خويش فرست
كس نيارد زس زيش فرست
{مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُه وَمَنْ عَمِلَ صَـالِحًا فَلانفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ * لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ مِن فَضْلِه إِنَّه لا يُحِبُّ الْكَـافِرِينَ * وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن} .
{لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا} به في الدنيا {وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ} وهي ما أريد به وجه الله تعالى ورضاه {مِّن فَضْلِهِ} (ازبخشش خود) متعلق بيجزى وهو متعلق بيصدعون أي : يتفرقون بتفريق الله تعالى فريقين ليجزي كلاً منهما بحسب أعمالهم وحيث كان جزاء المؤمنين هو المقصود بالذات أبرز ذلك في معرض الغاية وعبر عنه بالفضل لما أن الإثابة عند أهل السنة بطريق التفضل لا الوجوب كما عند المعتزلة وأشير إلى جزاء الفريق الآخر بقوله : {إِنَّه لا يُحِبُّ الْكَـافِرِينَ} فإن عدم محبته تعالى كناية عن بغضه الموجب لغضبه المستتبع للعقوبة لا محالة.
قال بعضهم : (دوست نميدارد كافرانرا تابا مؤمنان جمع كند بلكه ايشانرا جدا ساخته بدوزخ فرستد).
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
ـ روي ـ أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام : ما خلقت النار بخلاً مني ولكن أكره أن أجمع أعدائي وأوليائي في دار واحدة نسأل الله تعالى دار أوليائه ونستعيذ به من دار أعدائه.
وفي الآيات إشارات :
منها : أن النظر بالعبرة من أسباب الترقي في طريق الحق وذلك أن بعض السلاك استحلوا بعض الأحوال فسكنوا إليها وبعضهم استحسنوا بعض المقامات فركنوا إليها فأشركوا بالالتفات إلى ما سوى الحق تعالى فمن نظر من أهل الاستعداد الكامل إلى هذه المساكنات والركون إلى الملائمات يسير على قدمي الشريعة والطريقة لكي يقطع المنازل والمقامات ويجتهد في أن لا يقع في ورطة الفترات والوقفات كما وقع بعض من كان قبله فحرم من الوصول إلى دائرة التوحيد الحقاني.
اى برادر بى نهايت در كهيست
هر كا كه ميرسى بالله مأيست(7/35)
ومنها : أنه لا بد للطالب من الاستقامة وصدق التوجه وذلك بالموافقة بالاتباع دون الاستبداد برأيه على وجه الابتداع ومن لم يتأدب بشيخ كامل ولم يتلقف كلمة التوحيد ممن هو لسان وقته كان خسرانه أتم ونقصانه أعم من نفعه.
زمن اى دوست اين يك ند بذير
برو فتراك صاحب دولتى كير
كه قطره تا صدف را درنيابد
نكردد كوهر وروشن نتابد
ومنها : أن من أنكر على أهل الحق فعليه جزاء إنكاره وهو الحرمان من حقائق الإيمان والله تعالى لا يحب المنكرين إذ لو أحبهم لرزقهم الصدق والطلب ولما وقعوا بالخذلان في الإنكار والكفران.
مغزرا خالى كن ازنكار يار
تاكه ريحان يابد ازكلزاريار
وفي الحديث : "الأصل لا يخطىء" وتأويله أن أهل الإقرار يرجع إلى صفات اللطف وأهل الإنكار إلى صفات القهر لأن أصل خلقة الأول من الأولى والثاني من الثانية.
48
شراب داد خدا مرمرا وسركه ترا
وقسمت است ه جنكست مرمر اوترا
نسأل الله العشق والاشتياق والسلوك إلى طريقة العشاق ونعوذ بالله من الزيغ والضلال على كل حال.
{وَمِنْ ءَايَاتِهِ} علامات وحدته وقدرته {أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ} (فروكشايد ازهوا بادها) اي الشمال والجنوب والصبا فإنها رياح الرحمة.
وأما الدبور فإنها ريح العذاب ومنه قوله عليه السلام : "اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً".
قال في "القاموس" : الشمال : بالفتح وبكسر ما مهبه بين مطلع الشمس وبنات نعش أو من مطلع الشمس إلى مسقط النسر الطائر ولا تكاد تهب ليلاً.
والجنوب ريح تخالف الشمال مهبه من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا.
والصبا ريح تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار ومقابلتها الدبور والصبا موصوفة بالطيب والروح لانخفاضها عن برد الشمال وارتفاعها عن حر الجنوب وفي الحديث : "الريح من روح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فلا تسبوها وسلوا الله خيرها واستعيذوا بالله من شرها" وكان للمتوكل بيت يسميه بيت مال الشمال فكلما هبت الريح شمالاً تصدق بألف درهم.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
ـ وذكر ـ في سبب مد النيل أن الله تعالى يبعث عليه الريح الشمالي فينقلب عليه من البحر فتصير كالسكر له فيزيد حتى يعم البلاد فإذا بلغ حد الريّ بعث الله عليه ريح الجنوب فأخرجته إلى البحر وليس في الدنيا نهر يضرب من الجنوب إلى الشمال ويمد في شدة الحر حين تنقص الأنهار كلها ويزيد بترتيب وينقص بترتيب غير النيل المبارك وهو أحلى من العسل وأزكى رائحة من المسك ولكنه يتغير بتغير المجاري.
قال وكيع : لولا الريح والذباب لأنتنت الدنيا قيل : الريح تموج الهواء بتأثير الكواكب وسيلانه إلى إحدى الجهات.
والصحيح عند أهل الشرع ما ذكر في الحديث من أنها من روح الله.
والإشارة : أن الله تعالى يرسل رياح الرجاء على قلوب العوام فتكنس قلوبهم من غبار المعاصي وغثاء اليأس ويبشر بدخول نور الإيمان ثم يرسل رياح البسط على أرواح الخواص فيطهرها من وحشة القبض ودنس الملاحظات ويبشرها بدرك الوصال ويرسل رياح التوحيد فتهب على أسرار أخص الخواص ويطهرها من آثار الأغيار ويبشرها بدوام الوصال وذلك قوله تعالى : {مُبَشِّرَاتٍ} أي : حال كون تلك الرياح مبشرات للخلق بالمطر ونحوه ، وبالفارسية : (مده دهند كان بباران تابفرياد شمارسد) {وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ} وهي : المنافع التابعة لها والجملة معطوفة على مبشرات على المعنى كأنه قيل ليبشركم بها وليذيقكم {وَلِتَجْرِىَ الْفُلْكُ} في البحر بسوق الرياح {بِأَمْرِهِ} فالسفن تجري بالرياح والرياح بأمر الله فهي في الحقيقة جارية بأمره.
وفي "الأسرار المحمدية" : لا تعتمد على الريح في استواء السفينة وسيرها وهذا شرك في توحيد الأفعال وجهل بحقائق الأمور ومن انكشف له أمر العالم كما هو عليه علم أن الريح لا يتحرك بنفسه بل له محرك إلى أن ينتهي إلى المحرك الأول الذي لا محرك له ولا يتحرك هو في نفسه أيضاً بل هو منزه عن ذلك وعما يضاهيه سبحانه وتعالى {وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ} يعني تجارة البحر.
وفيه جواز ركوب البحر للتجارة وقد سبق شرائطه في آخر الجلد الثاني.
سود دريانيك بودى كرنبودى بيم موج
صحبت كل خوش بدى كرنيستى تشويش حار
ومن الأبيات المشهورة للعطار قدس سره :
49
بدريا در منافع بى شمارست
اكر خواهى سلامت دركنارست
{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وتشكروا نعمة الله فيما ذكر من الغايات الجليلة فتوحدوه وتطيعوه :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
مكن كردن از شكر منعم مي
كه روز سين سربر آرى بهي
ثم حذر من أخل بموجب الشكر فقال :
(7/36)
{وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِه وَلِتَجْرِىَ الْفُلْكُ بِأَمْرِه وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِالْبَيِّنَـاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ * اللَّهُ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَـاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُه فِى السَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُه كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ} .
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ} كما أرسلناك إلى قومك {فَجَآءُوهُم بِالْبَيِّنَـاتِ} الباء تصلح للتعدية والملابسة أي : جاء كل رسول قومه بما يخصه من الدلائل الواضحة على صدقه في دعوى الرسالة كما جئت قومك بالبراهين النيرة {فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} النقمة العقوبة ومنها الانتقام وهو بالفارسية : (كينه كشيدن) والفاء فصيحة أي : فكذبوهم فانتقمنا من الذين أجرموا من الجرم وهو تكذيب الأنبياء والإصرار عليه أي : عاقبناهم وأهلكناهم وإنما وضع الموصول موضع ضميرهم للتنبيه على مكان المحذوف وللاشعار بكونه علة للانتقام {وَكَانَ حَقًّا} (سراوار) {عَلَيْنَا} قال بعضهم : واجباً وجوب كرم لا وجوب إلزام.
وفي "الوسيط" : واجباً وجوباً هو أوجبه على نفسه.
وفي "كشف الأسرار" : هذا كما يقال عليّ قصد هذا الأمر أي : أنا أفعله وحقاً خبر كان واسمه قوله {نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ} وإنجاؤهم من شر أعدائهم وما أصابهم من العذاب نصر عزيز وإنجاء عظيم.
وفيه إشعار بأن الانتقام للمؤمنين وإظهار لكرامتهم حيث جعلوا مستحقين على الله أن ينصرهم وفي الحديث : "ما من امرىء مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم" ثم تلا قوله تعالى : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ} .
ـ حكي ـ عن الشيخ أبي علي الروذباري قدس سره : أنه ورد عليه جماعة من الفقراء فاعتل واحد منهم وبقي في علته أياماً فمل أصحابه من خدمته وشكوا ذلك إلى الشيخ أبي علي ذات يوم فخالف الشيخ نفسه وحلف أن لا يتولى خدمته غيره فتولى خدمته بنفسه أياماً ثم مات ذلك الفقير فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه فلما أراد أن يفتح رأس كفنه عند إضجاعه في القبر رآه وعيناه مفتوحتان إليه وقال له : يا أبا علي لأنصرنك بجاهي يوم القيامة كما نصرتني في مخالفتك نفسك.
ففي القصة أمور :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
الأول : أن أحباب الله أحياء في الحقيقة وإن ماتوا وإنما ينقلون من دار إلى دار.
والثاني : ما أشار إليه النبي عليه السلام بقوله : "اتخذوا الأيادي عند الفقراء قبل أن تجيىء دولتهم فإذا كان يوم القيامة يجمع الله الفقراء والمساكين فيقال تصفحوا الوجوه فكل من أطعمكم لقمة أو سقاكم شربة أو كساكم خرقة أو دفع عنكم غيبة فخذوا بيده وأدخلوه الجنة".
والثالث : أن الشفاعة من باب النصرة الإلهية.
وفي الآية تبشير للنبي عليه السلام بالظفر في العاقبة والنصر على ما كذبه وتنبيه للمؤمنين على أن العاقبة لهم لأنهم هم المتقون وقد قال تعالى : {وَالْعَـاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص : 83).
سروش عالم غيبم بشارتي خوش داد
كه كس هميشه بكيتى دم نخواهد ماند
وفي "التأويلات النجمية" قوله : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ} يشير به إلى المتقدمين من المشايخ المنصوبين لتربية قومهم من المريدين ودلالتهم بالتسليك إلى حضرة رب العالمين {فَجَآءُوهُم بِالْبَيِّنَـاتِ} على لسان التحقيق في بيان الطريق لأهل التصديق فمن
50
قابلهم بالتصديق وصل إلى خلاصة التحقيق ومن عارضهم بالإنكار والجحود ابتلاهم بعذاب الخلود في الأبعاد والجمود وذلك تحقيق قوله : {فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} أي : أنكروا {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ} المتقربين إلينا بأن ننصرهم بتقربنا إليهم انتهى اللهم اجعلنا من المنصورين مطلقاً ووجهنا إلى نحو بابك صدقاً وحقاً إنك أنت الناصر المعين ومحول القلوب إلى جانب اليقين.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3(7/37)
{اللَّهُ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَـاحَ} رياح الرحمة كالصبا ونحوها {فَتُثِيرُ سَحَابًا} يقال ثار الغبار والسحاب انتشر ساطعاً وقد أثرته.
قال في "تاج المصادر" ، الإنارة : (برانكيختن كرد وشورانيدن زمين وميغ آوردن باد).
والسحاب اسم جنس يصح إطلاقه على سحابة واحدة وما فوقها.
قال في "المفردات" : أصل السحب الجر ومنه السحاب إما لجر الريح له أو لجره الماء.
والمعنى فتنشره تلك الرياح وتزعجه وتخرجه من أماكنه ، وبالفارسية : (برانكيز آن بادهان ابررا) وأضاف الإثارة إلى الرياح وإنما المثير هو الله تعالى لأنها سببها والفعل قد ينسب إلى سببه كما ينسب إلى فاعله {فَيَبْسُطُهُ} (س خداى تعالى بكستراند سحاب را) يعني يجعله متصلاً تارة {فِى السَّمَآءِ} في سمتها {كَيْفَ يَشَآءُ} سائراً وواقفاً مسيرة يوم أو يومين أو أقل أو أكثر من جانب الجنوب أو ناحية الشمال أو سمت الدبور أو جهة الصبا إلى غير ذلك {وَيَجْعَلُه كِسَفًا} تارة أخرى إلى قطعاً ، بالفارسية : (اره اره هر قطعه در طرفي) جمع كسفة وهي قطعة من السحاب والقطن ونحو ذلك من الأجسام المتخلخلة كما في "المفردات" {فَتَرَى الْوَدْقَ} أي : المطر يا محمد ويا من من شأنه الرؤية.
قيل : الودق في الأصل ما يكون خلال المطر كأنه غبار وقد يعبر به عن المطر {يُخْرِجُ} بالأمر الإلهي {مِنْ خِلَـالِهِ} فرج السحاب وشقوقه في التارتين ، يعني : (در وقتي كه متصل استه ودر وقتى كه متفرق).
قال الراغب : الخلل فرجة بين الشيئين وجمعه خلال نحو خلل الدار والسحاب وقيل : السحاب كالغربال ولولا ذلك لأفسد المطر الأرض.
ـ روي ـ عن وهب بن منبه أن الأرض شكت إلى الله عز وجل أيام الطوفان لأن الله تعالى أرسل الماء بغير وزن ولا كيل فخرج الماء غضباًتعالى فخدش الأرض وخددها ، يعني : (خراشيدروى زمين را وسوراخ كردش) فقالت : يا رب إن الماء خددني وخدشني فقال الله تعالى فيما بلغني والله أعلم إني سأجعل للماء غربالاً لا يخدّدك ولا يخدشك فجعل السحاب غربال المطر {فَإِذَآ أَصَابَ بِه مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} الباء للتعدية والضمير للودق.
والمعنى بالفارسية : (س ون بر ساند خداى تعالى بارانرا در اراضي وبلاد هركه خواهد زبندكان خود {إِذَا هُمْ} (آنكاه ايشان) {يَسْتَبْشِرُونَ} (شادمان وخوشدل ميشوند) أي : فاجأوا الاستبشار والفرح بمجيىء الخصب وزوال القحط.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{وَإِن} أي : وإن الشأن {كَانُوا} أي : أهل المطر {مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم} المطر {مِّن قَبْلِهِ} أي : قبل التنزيل تكرير للتأكيد والدلالة على تطاول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم منه {لَمُبْلِسِينَ} أي : آيسين من نزوله خبر كانوا واللام فارقه وقد سبق معنى الإبلاس في أوائل السورة {فَانظُرْ إِلَى ءَاثَـارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} الخطاب وإن توجه نحو النبي عليه السلام فالمراد به جميع
51
المكلفين والمراد برحمة الله المطر لأنه أنزله برحمته على خلقه.
والمعنى فانظروا إلى آثار المطر من النبات والأشجار وأنواع الثمار والأزهار والفاء للدلالة على سرعة ترتب هذه الأشياء على تنزيل المطر {كَيْفَ يُحْىِ} أي : الله تعالى {الارْضِ} بالآثار {بَعْدَ مَوْتِهَآ} أي : يبسها.
قال في "الإرشاد" : كيف الخ في حيز النصب بنزع الخافض وكيف معلق لانظر أي : فانظروا إلى الإحياء البديع للأرض بعد موتها والمراد بالنظر التنبيه على عظيم قدرته وسعة رحمته مع ما فيه من تمهيد أمر البعث {إِنَّ ذَالِكَ} العظيم الشأن الذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها {لَمُحْىِ الْمَوْتَى} لقادر على إحيائهم في الآخرة فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية كما أن إحياء الأرض إحياء لمثل ما كان فيها من القوى النباتية {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} أي : مبالغ في القدرة على جميع الأشياء التي من جملتها إحياء قالب الإنسان بعد موته في الحشر ومن إحياء قلبه بعد موته في الدنيا لأن نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على سواء رجع كل شيء إلى قدرته فلم يعظم عليه شيء فقدرة الله الكاملة بخلاف قدرة العبد فإنها مستفادة من قدرة الله تعالى.
تعالى الله زهى قيوم ودانا
توانايى ده هر ناتوانا
وسيجيىء أن الإنسان خلق من ضعف فالله تعالى أقدره وقواه.
اعلم أن الله سبحانه زين الأرض بآثار قدرته وأنوار فعله وحكمته فأنبت الخضرة وأضاء الزهر وتجلى في صورها لأعين العارفين الذين شاهدوا الله تعالى بنعت الحس ولذا قال الشيخ المغربي :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
مغربي زان ميكند ميلى بكلشن كاندر او
هره را رنكى وبويى هست رنك وبوى اوست(7/38)
وسأل بنو إسرائيل موسى عليه السلام : هل يصبغ ربك؟ قال : نعم يصبغ ألوان الثمار والرياحين الأحمر والأصفر والأبيض والصباغ يقدر بأن يسود الأبيض ولا يقدر بأن يبيض الأسود والله تعالى يبيض الشعر الأسود والقلب الأسود ومن أحسن من الله صبغة.
خرج أبو حفص قدس سره إلى البستان ائتماراً بقوله تعالى :
{فَانظُرْ إِلَى ءَاثَـارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} فأضافه مجوسي في بستان له فلما علم أن قلوب أصحابه نظرت إلى بستان المجوسي قال : اقرأوا {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّـاتٍ وَعُيُونٍ} (الدخان : 25) الآية ولما أراد أن يخرج أبو حفص أسلم المجوسي وثمانية عشر من أولاده وأقربائه فقال أبو حفص : إذا خرجتم لأجل التفرج فاخرجوا هكذا أشار قدس سره إلى أن هذا الخروج ليس مع النفس والهوى وإلا لم يكن له أثر محمود.
ثم إنه يلزم للإنسان أن ينظر بعين ظاهره إلى زهرة الدنيا وبعين قلبه إلى فنائها ويعتبر أيام الربيع بأنواع الاعتبار وفي الحديث : "إذا رأيتم الربيع فاذكروا النشور" أي : فإن خروج الموتى من القبور كخروج النبات من الأرض فيلزم أن يذكره عند رؤية الربيع ويذكر شمس القيامة عند اشتداد الحر وفي الحديث "إذا كان اليوم حاراً فإذا قال الرجل : لا إله إلا الله ما أشد حر هذا اليوم اللهم أجرني من حر جهنم قال الله تعالى لجهنم إن عبداً من عبيدي استجار بي من حرك وأنا أشهدك أني قد أجرته وإذا كان اليوم شديد البرد فإذا قال العبد لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم اللهم أجرني من زمهرير جهنم قال الله تعالى : إن عبداً من عبيدي استجار بي من زمهريرك وإني
52
أشهدك أني قد أجرته" قالوا : وما زمهرير جهنم؟ قال : "بيت يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة برده" أي : يتفرق ويتفسخ.
وينبغي أن يذكر بكاء العصاة على الصراط عند رؤية نزول المطر من السماء.
قالت رابعة القيسية : ما سمعت الأذان إلا ذكرت منادي يوم القيامة وما رأيت الثلوج إلا ذكرت تطاير الكتب وما رأيت الجراد إلا ذكرت الحشر.
وأن يذكر حمرة وجوه المشتاقين عند رؤية الريحان الأحمر.
وبياض وجه المؤمنين عند رؤية الأبيض.
وصفرة وجوه العصاة عند رؤية الأصفر.
وغبرة وجوه الشبان والنسوان الحسان في القبر بعد سبعة أيام عند رؤية الريحان الأكهب وهو ماله لون غبرة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
وفي "كشف الأسرار" (كل زرد طبيبي است براى شفاى عالم واوخود بيمار.
كل سرخ كويى مست است ازديدار او همه هشيار كشته واودر خمار.
كل سيد كويى ستم رسيده ايست ازدست روزكار جواني بباد داده وعمر رسيده بكنار دروقت اعتدال سال دو آفتاب برآيد از مطلع غيب يكى خورشيد جمال فلكي ويكى خورشيد جمال ملكي آن يكى بركل تابد كل شكفته كردد اين يكى بردل تابد دل افروخته كردد ون كل شكفته شد بلبل بروعاشق شود دل كه افروخته شد نظر خالق در وحاضر بود.
كل باخر بريزد بلبل در هجر او ماتم كيرد.
دل كربماند حق تعالى اورا در كنف الطاف وكرم كيرد ، قلب المؤمن لا يموت أبداً) :
شمى كه تراديد شد ازدرد معاف
جانى كه ترا يافت شد ازمرك مسلم
وخرج ابن السماك قدس سره أيام الربيع فنظر إلى الأنوار فصاح وقال : يا منور الأشجار بأنواع الأنوار نوّر قلوبنا بذكرك وحسن طاعتك.
وبعض الصالحين كانوا يبكون أيام الربيع شوقاً إلى الله تعالى ومنهم من يبكي خوفاً من الفراق.
ـ حكي ـ أن الشيخ الشبلي قدس سره خرج يوماً فوجده أصحابه تحت شجرة يبكي فقيل له في ذلك قال : مررت بهذه الشجرة فقطع منها غصن ووقع على الأرض وهو بعد أخضر لا خبر له بقطعه من أصله فقلت : يا نفس ماذا أنت صانعة أن لو قطعت من الحق ولا علم لك بذلك فجلس أصحابه يبكون.
ويقال الربيع يدل على نعيم الجنة وراحتها والإنسان الكامل في الربيع يظهر تأسفاً وحسرة فلا يدري سبب ذلك وذلك أن الأرواح كلها كانت في صلب آدم عليه السلام حين كان في الجنة فلما تفرقت في أنفس أولاده فإذا رأيت شبه الجنة أو زهرة أو طيباً ذكرت نعيم الجنة فأسفت على مفارقتها وجزعت على الخروج منها.
ونظر بعض العلماء إلى الورد فبكى وقال : إن الميت يبكي في الأرض إلا بياض عينيه فإذا جاء الربيع وانفتح الورد انشق بياض عينيه وإذا تزوجت امرأته انشق قلبه بنصفين.
ويقال في الآية : {رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ} يعني نفس المؤمن بعد يبوستها من الطاعات.
ـ روي ـ في الخبر "من أحيى أرضاً ميتة فهي له" فالله تعالى أحيى نفس المؤمن وقلبه فهو له لا للشيطان كذلك التائب إذا أحيى نفسه بالطاعة فهو للجنة لا للنار.
ويقال يحيي النفوس بعد فترتها بصدق الإرادات ويحيى القلوب بعد غفلتها بأنوار المحاضرات ويحيى الأرواح بعد حجبتها بدوام المشاهدات.
أموت إذا ذكرتك ثم أحيى
فكم أحيى عليكم وكم أموت
53
والقلب بستان العارف وجنته وحياته بمعرفة الله تعالى فمن نظر إلى أنواره استغنى عن العالم وأزهاره ، وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
صوفى در باغ از بهر كشاد
(7/39)
صوفيانه روى بر زانو نهادس فرو رفت او بخود اندر نغول
شد ملول از صورت خوابش فضول
كه ه خسبى آخر اندر رز ذمكر
اين درختان بين وآثار خضر
امر حق بشنوكه كفت است انظروا
سوى اين آثار رحمت آر رو
كفت آثارش دلست اى بو الهوس
آن برون آثار آثارست وس
باغها وميوها اندر دلست
عكس لطف آن برين آب وكلست
ون حيات ازحق بكيرى اى روى
س غنى كردى زكل دردل روى نسأل الله تعالى أن يفتح بصائرنا لمشاهدة آثار رحمته ومطالعة أنوار صفاته ويأذن لنا في دخول بستان أسرار ذاته والانتقال إلى حرم هويته من حريم آياته وبيناته إنه مفيض الخير والمراد ومحيى الفؤاد.
{فَانظُرْ إِلَى ءَاثَـارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْىِ الارْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآا إِنَّ ذَالِكَ لَمُحْىِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ * وَلَـاـاِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِنا بَعْدِه يَكْفُرُونَ * فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} .
{وَلَـاـاِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ} اللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط والريح ريح العذاب كالدبور ونحوها والفاء فصيحة والضمير المنصوب راجع إلى أثر الرحمة المدلول عليه بالآثار دلالة الجمع على واحده أو النبات المعبر عنه بالآثار فإنه اسم جنس يعم القليل والكثير.
والمعنى وبالله لئن أرسلنا ريحاً مضرة حارة أو باردة فأفسدت زرع الكفار فرأوه {مُصْفَرًّا} من تأثير الريح أي : قد اصفر بعد خضرته وقرب من الجفاف والهلاك.
والاصفرار بالفارسية : (زرد شدن) والصفرة لون من الألوان التي بين السواد والبياض وهو إلى البياض أقرب {لَّظَلُّوا} اللام لام جواب القسم الساد مسد الجوابين ولذلك فسر الماضي بالاستقبال أي : يظلون وظل يظل بالفتح أصله العمل بالنهار ويستعمل في موضع صار كما في هذا المقام.
والمعنى الفارسية : (هر آينه باشند) {مِنا بَعْدِهِ} أي : بعد اصفرار الزرع والنبت {يَكْفُرُونَ} من غير توقف وتأخير يعني أن الكفار لا اعتماد لهم على ربهم فإن أصابهم خير وخصب لم يشكروا الله ولم يطيعوه وأفرطوا في الاستبشار وإن نالهم أدنى شيء يكرهونه جزعوا ولم يصبروا وكفروا سالف النعم ولم يلتجئوا إليه بالاستغفار وليس كذلك حال المؤمن فإنه يشكر عند النعمة ويصبر عند المحنة ولا ييأس من روح الله ويلتجىء إليه بالطاعة والاستغفار ليستجلب الرحمة في الليل والنهار ، وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
ون فرود آيد بلا بى دافعى
ون نباشد از تضرع شافعيجز خضوع وبندكى واضطرار
اندرين حضرت ندارد اعتبارونكه غم بينى تو استغفار كن
غم بامر خالق آمد كار كن وفي الآية إشارة إلى أن ريح الشقاوة الأزلية إذا هبت من مهب القهر والعزة على زروع معاملات الأشقياء وإن كانت مخضرة أي : على وفق الشرع تجعلها مصفرة يابسة تذروها الرياح كأَعمال المنافق فيصيرون من بعد الإيمان التقليدي بالنفاق يكفرون بالله وبنعمته وهذا الكفر أقبح من الكفر المتعلق بالنعمة فقط نعوذ بالله من درك الشقاء وسوء الحال وسيآت الأقوال
54
والأفعال.
{فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} أي : من كان من الكفار كما وصفنا فلا تطمع يا محمد في فهمهم مقالتك وقبولهم دعوتك فإنك لا تسمع الموتى.
والكفار في التشبيه كالموتى لانسداد مشاعرهم عن الحق وهم الذين علم الله قبل خلقهم أنهم لا يؤمنون به ولا برسله.
وفي الآية دليل على أن الأحياء قد يسمون أمواتاً إذا لم يكن لهم منفعة الحياة.
قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أجسادهم مفقودة وآثارهم بين الورى موجودة.
واعلم أن الكفر موت القلب كما أن العصيان مرضه فمن مات قلبه بالكفر بطل سمعه بالكلية فلا ينفعه النصح أصلاً ومن مرض قلبه بالعصيان فيسمع سمعاً ضعيفاً كالمريض فيحتاج إلى المعالجة في إزالته حتى يعود سمعه إلى الحالة الأولى ثم أشار تعالى إلى تشبيه آخر بقوله : {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ} جمع أصم والصمم فقدان حاسة السمع وبه شبه من لا يصغي إلى الحق ولا يقبله كما في "المفردات" {الدُّعَآءَ} أي : الدعاء ، وبالفارسية : (خواندن) {إِذَا وَلَّوْا} أعرضوا عن الداعي حال كونهم {مُدْبِرِينَ} تاركين له وراء ظهورهم فارين منه وتقييد الحكم بإذا الخ لبيان كمال سوء حال الكفرة والتنبيه على أنهم جامعون لخصلتي السوء ينبوّ أسماعهم عن الحق وإعراضهم عن الإصغاء إليه ولو كان فيهم إحداهما لكفتهم فكيف وقد جمعوهما فإن الأصم المقبل إلى التكلم ربما يتفطن منه بواسطة أوضاعه وحركات فمه وإشارات يده ورأسه شيئاً من كلامه وإن لم يسمعه أصلاً وأما إذا كان معرضاً عنه يعني : (كرى كه شت بر متكلم دارد) فلا يكاد يفهم منه شيئاً ثم أشار إلى تشبيه آخر بقوله :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
(7/40)
{فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَآ أَنتَ بِهَـادِ الْعُمْىِ عَن ضَلَـالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بآياتنا فَهُم مُّسْلِمُونَ * اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنا بَعْدِ ضَعْفٍ} .
{وَمَآ أَنتَ بِهَـادِ الْعُمْىِ} جمع أعمى وهو فاقد البصر {عَن ضَلَـالَتِهِمْ} متعلق بالهداية باعتبار تضمنها معنى الصرف سماهم عمياً إما لفقدهم المقصود الحقيقي من الأبصار أو لعمي قلوبهم كما في "الإرشاد" ، وبالفارسية : (ونيستى توراه نماينده كوردلان ازكمراهى ايشان يعنى قادرنيستى بر آنكه توفيق ايمان دهى مشركانرا) فإنهم ميتون والميت لا يبصر شيئاً كما لا يسمع شيئاً فكيف يهتدي {أَنَّ} ما {تُسْمِعُ} مواعظ القرآن ونصائحه {وَمَآ أَنتَ بِهَـادِ الْعُمْىِ} فإن إيمانهم يدعوهم إلى التدبر فيها وتلقيها بالقبول.
يعني أن الإيمان حياة القلب فإذا كان القلب حياً يكون له السمع والبصر واللسان ويجوز أن يراد بالمؤمن المشارف للإيمان أي : إلا من يشارف الإيمان بها ويقبل عليها إقبالاً حقيقياً {فَهُم مُّسْلِمُونَ} تعليل لإيمانهم أي : منقادون لما تأمرهم به من الحق.
وفي "التأويلات النجمية" : مستسلمون لأحكام الشريعة وآداب الطريقة في التوجه إلى عالم الحقيقة انتهى فإن الأحكام والآداب كالجناحين للسالك الطائر إلى الله تعالى فالمؤمن مطلقاً سواء كان سالكاً إلى طريق الجنان أو إلى طريق قرب الرحمان يعرض عن النفس والشيطان ويقبل على داعي الحق بالوجه والجنان ، قال حضرة الشيخ العطار قدس سره في الهي نامه :
يكى مر غيست اندر كوه ايه
كه درسالى نهد ل روزخايه
بحد شام باشد جاى اورا
بسوى بيضه نبود راى اورا
وبنهد بيضه درل روزبسيار
شود از شم مردم نابديدار
55
يكى بيكانه مرغى آيد از راه
نشيند بر سرآن بيضه آنكاه
نان آن بيضه درزير ر آرد
كه تاروزى از وبه بر آرد
نانش برورد آن دايه يوست
كه ندهد هي كس را آننان دست
وجوقى به اور بر آرند
بيكده روى دريكديكر آرند
در آيد زود مادر شان بروان(ز
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
نشيند بر سر كوهى سر افراز
كند بانكى عجب ازدور ناكاه
كه آن خيل به كردند آكاه
و بنيوشند بانك مادر خويش
شوند از مرغ بيكانه برخويش
بسوى مادر خود بازكردند
وزان مرغ دكر ممتاز كردند
اكر روزى دكر ابليس مغرور
كرفته زير رهستى تومعذور
كه ون كردد خطاب خودبديدار
بسوى حق شود زابليس بيزار
فعلى العاقل أن يرجع إلى أصله من صحبة الفروع ويجتهد في أن يحصل له سمع الروع قبل أن تنسدّ الحواس وينهدم الأساس.
{اللَّهِ} مبتدأ خبره قوله : {الَّذِى خَلَقَكُمْ} أوجدكم أيها الإنسان {مِّن ضَعْفٍ} أي : من أصل ضعيف هو النطفة أو التراب على تأويل المصدر باسم الفاعل.
والضعف بالفتح والضم خلاف القوة وفرقوا بأن الفتح لغة تميم واختاره عاصم وحمزة في المواضع الثلاثة والضم لغة قريش واختاره الباقون ولذا لما قرأه ابن عمر رضي الله عنهما على رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالفتح اقرأه بالضم {ثُمَّ} للتراخي في الزمان {جَعَلَ} خلق لأنه عدى لمفعول واحد {مِنا بَعْدِ ضَعْفٍ} آخر وهو الضعف الموجود في الجنين والطفل {قُوَّةً} هي القوة التي تجعل للطفل من التحرك واستدعائه اللبن ودفع الأذى عن نفسه بالبكاء.
قال بعض العلماء أول ما يوجد في الباطن حول ثم ما يجربه في الأعضاء قوة ثم ظهور العمل بصورة البطش والتناول قدرة {ثُمَّ جَعَلَ مِنا بَعْدِ قُوَّةٍ} أخرى هي التي بعد البلوغ وهي قوة الشباب {ضَعْفًا} آخر هو ضعف الشيخوخة والكبر {وَشَيْبَةً} شيبة الهرم والشيب والمشيب بياض الشعر ويدل على أن كل واحد من قوله ضعف وقوة إشارة إلى حالة غير الحالة الأولى ذكره منكراً والمنكر متى أعيد ذكره معرفاً أريد به ما تقدم كقولك رأيت رجلاً فقال لي الرجل كذا ومتى أعيد منكراً أريد به غير الأول ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الانشراح : 5 ـ 6) لن يغلب عسر يسرين هكذا حققه الإمام الراغب وتبعه أجلاء المفسرين.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
(7/41)
وفي "التأويلات النجمية" {خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ} في البداية وهو ضعف العقل {ثُمَّ جَعَلَ مِنا بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} في العقل بالبراهين والحجج {ثُمَّ جَعَلَ مِنا بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} في الإيمان لمن كان العقل عقيله فيعقله بعلاقة المعقولات فينظر فيها بداعية الهوى بنظر مشوب بآفة الوهم والخيال فيقع في ظلمات الشبهات فتزل قدمه عن الصراط والدين القويم فيهلك كما هلك كثير ممن شرع في تعلم المعقولات لإطفاء نور الشريعة وسعى في إبطال الشريعة بظلمة الطبيعة يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون.
وأيضاً {خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ} التردد والتحير في الطلب
56
{ثُمَّ جَعَلَ مِنا بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} في صدق الطلب {ثُمَّ جَعَلَ مِنا بَعْدِ قُوَّةٍ} في الطلب {ضَعْفًا} في حمل القول الثقيل وهو حقيقة قول لا إله إلا الله فإنها توجب الفناء الحقيقي وتوجب الضعف الحقيقي في الصورة بحمل المعاتبات والمعاشقات التي تجرى بين المحبين فإنها تورث الضعف والشيبة كما قال صلى الله عليه وسلّم "شيبتني سورة هود وأخواتها" فإن فيها إشارة من المعاشقات بقوله : {فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ} (هود : 112) {يَخْلُقُ} الله تعالى {مَا يَشَآءُ} من الأشياء التي من جملتها ما ركب من الضعف والقوة والشباب والشيبة.
يعني هذا ليس طبعاً بل بمشيئة الله تعالى.
وفي "التأويلات النجمية" : {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} من القوة والضعف في السعيد والشقي فيخلق في السعيد قوة الإيمان وضعف البشرية وفي الشقي قوة البشرية لقبول الكفر وضعف الروحانية لقبول الإيمان {وَهُوَ الْعَلِيمُ} بخلقه {الْقَدِيرُ} بتحويله من حال إلى حال.
وأيضاً العليم بأهل السعادة والشقاوة والتقدير بخلق أسباب السعادة والشقاء فيهم.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
واعلم أن نفس الإنسان أقرب إلى الاعتبار من نفس غيرهم ولذا أخبر عن خلق أنفسهم في أطوار مختلفة ليتغيروا ويتقلبوا وينتقلوا من معرفة هذا التغير والتقلب إلى معرفة الصانع الكامل بالعلم والقدرة المنزه عن الحدوث والإمكان ويصرفوا القوى إلى طاعته.
قال بعضهم رحم الله امرأ كان قوياً فأعمل قوته في طاعة الله أو كان ضعيفاً فكف لضعفه عن معصية الله.
قيل إذا جاوز الرجل الستين وقع بين قوة العلل وعجز العمل وضعف الأمل ووثبة الأجل فلا بد للشبان من دفع الكسل وسد الخلل وقد أثنى عليهم رسول الله عليه السلام خيراً حيث قال : "أوصيكم بالشبان خيراً ثلاثاً فإنهم أرق أفئدة ألا وإن الله أرسلني شاهداً ومبشراً ونذيراً فخالصني الشبان وخالفني الشيوخ" ، يعني : (وصيت ميكنم شمارا به جوانا نكه بهتراند سه بار زيرا كه ايشان رحيم دل ترند ركاه باشيد خداى تعالى مرا فرستاد شاهد ومبشر ونذير دوستى كردند بامن جوانان ومخالفت كردند يران) وأثنى على الشيوخ أيضاً حيث قال : "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة ما لم يخضبها أو ينتفها" والمراد الخضاب بالسواد فإنه حرام لغير الغزاة وحلال لهم ليكونوا أهيب في عين العدو وأما الخضاب بالحمرة والصفرة فمستحب ودل قوله : {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} على أن الله تعالى لو لم يخلق الشيب في الإنسان ما شاب وأما قول الشاعر :
أشاب الصغير وأفنى الكبيـ
ـر كر الغداة ومر العشى
فمن قبيل الإسناد المجازي.
ونظر أبو يزيد قدس سره إلى المرآة فقال : ظهر الشيب ولم يذهب العيب ولا أدري ما في الغيب.
يا عامر الدنيا على شيبه
فيك أعاجيب لمن يعجب
ما عذر من يعمر بنيانه
وجسمه مستهدم يخرب
قال الشيخ سعدي قدس سره :
كنون بايد اى خفته بيدار بود
و مرك اندر آردز خوابت ه سود
وشيب اندر آمد بروى شباب
شبت روز شد ديده بركن زخواب
من آن روز بر كندم از عمر اميد
كه افتادم اندر سياهى سيد
57
دريغاكه بكذشت عمر عزيز
بخواهد كذشت اين دمى ند نيز
فرو رفت جم را يكى نازنين
كفن كرد ون كرمش ابريشمين
يدخمه در آمد س از ند روز
كه بروى بكريد بزارى وسوز
و وسيده ديدش حرير كفن
بفكرت نين كفت باخويشتن
من ازكرم بركنده بودم بزور
بكندند ازو باز كرمان كور
ـ روي ـ أن عثمان رضي الله عنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى تبل لحيته فقيل : تذكر الجنة والنار ولا تبكي وتبكي من هذا فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : "إن القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه".
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
(7/42)
ـ روي ـ أن الحسن البصري رحمه الله رأى بنتاً على قبر تنوح وتقول : يا أبت كنت أفرش فراشك فمن فرشه الليلة يا أبت كنت أطعمك فمن أطعمك الليلة إلى غير ذلك فقال الحسن : لا تقولي كذلك بل قولي يا أبت وضعناك متوجهاً إلى القبلة فهل بقيت أو حولت عنها يا أبت هل كان القبر روضة لك من رياض الجنة أو حفرة من حفرة النيران يا أبت هل أجبت الملكين على الحق أو لا فقالت : ما أحسن قولك يا شيخ وقبلت نصيحته.
فعلى العاقل أن يتذكر الموت ويتفكر في بعد السفر ويتأهب بالإيمان والأعمال مثل الصلاة والصيام والقيام ونحوها وأفضلها إصلاح النفس وكف الأذى عن الناس بترك الغيبة والكذب وتخليص العملتعالى وذلك يحتاج إلى قوة التوحيد بتكريره وتكريره بصفاء القلب آناء الليل وأطراف النهار.
{اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنا بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنا بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةًا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُا وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ * وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍا كَذَالِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالايمَـانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَـابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِا فَهَـاذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـاكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} أي : القيامة سميت بها لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا أو لأنها تقع بغتة وبداهة وصارت علماً لها بالغلبة كالنجم للثريا والكوكب للزهرة.
وفي "فتح الرحمن" : ويوم تقوم الساعة التي فيها القيامة {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} يحلف الكافرون يقال اقسم أي : حلف أصله من القسامة وهي إيمان تقسم على المتهمين في الدم ثم صار اسماً لكل حلف {مَا لَبِثُوا} في القبور وما نافية ولبث بالمكان أقام به ملازماً له {غَيْرَ سَاعَةٍ} أي : إلا ساعة واحدة هي جزؤ من أجزاء الزمان استقلوا مدة لبثهم نسياناً أو كذباً أو تخميناً ويقال ما لبثوا في الدنيا والأول هو الأظهر لأن لبثهم معني بيوم البعث كما سيأتي وليس لبثهم في الدنيا كذلك {كَذَالِكَ} مثل ذلك الصرف ، وبالفارسية : (مثل اين بركشتن ازراستى در آخرت) {كَانُوا} في الدنيا بإنكار البعث والحلف على بطلانه كما أخبر سبحانه في قوله : {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ} من يموت {يُؤْفَكُونَ} (النحل : 38) يقال افك فلان إذا صرف عن الصدق والخير أي : يصرفون عن الحق والصدق فيأخذون في الباطل والأفك والكذب يعني كذبوا في الآخرة كما كانوا يكذبون في الدنيا ، وبالفارسية : (كار ايشان دروغ كفتن است درين سرا ودران سرا).
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
واعلم أن الله تعالى خلق الصدق فظهر من ظله الإيمان والإخلاص وخلق الكذب فظهر من ظله الكفر والنفاق فأنتج الإيمان المتولد من الصدق أن يقول المؤمنون يوم القيامة الحمدالذي صدقنا وعده وهذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ونحوه وأنتج الكفر المتولد من الكذب أن يقول الكافرون يومئذٍ والله ما كنا مشركين وما لبثوا غير ساعة ونحوه من الأكاذيب ، قال الحافظ :
58
بصدق كوش كه خوشيد زايد ازنفست
كه از دروغ سيه روى كشت صبح نخست
يعني : أن آخر الصدق النور كما أن آخر الصبح الصادق الشمس وآخر الكذب الظلمة كما أن آخر الصبح الكاذب كذلك.
{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالايمَـانَ} في الدنيا من الملائكة والأنس رداً لهم وإنكاراً لكذبهم {لَقَدْ} والله قد {لَبِثْتُمْ فِى كِتَـابِ اللَّهِ} وهو التقدير الأزلي في أم الكتاب أي : علمه وقضائه {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} (تاروز انكيختن) وهو مدة مديدة وغاية بعيدة لا ساعة حقيقة.
وفي الحديث : "ما بين فناء الدنيا والبعث أربعون" وهو محتمل للساعات والأيام والأعوام والظاهر أربعون سنة أو أربعون ألف سنة ثم أخبروا بوقوع البعث تبكيتاً لهم لأنهم كانوا ينكرونه فقالوا : {فَهَـاذَا} الفاء جواب شرط محذوف أي : إن كنتم منكرين البعث فهذا {يَوْمِ الْبَعْثِ} الذي أنكرتموه وكنتم توعدون في الدنيا أي : فقد تبين بطلان إنكاركم {وَلَـاكِنَّكُمْ} من فرط الجهل وتفريط النظر {كُنتُمْ} في الدنيا {لا تَعْلَمُونَ} أنه حق سيكون فتستعجلون به استهزاء.
{فَيَوْمَـاـاِذٍ} أي : يوم القيامة {لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي : أشركوا {مَعْذِرَتُهُمْ} أي : عذرهم وهو فاعل لا ينفع.
(7/43)
والعذر تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه بأن يقول لم أفعل أو فعلت لأجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنباً أو فعلت ولا أعود ونحو ذلك وهذا الثالث هو التوبة فكل توبة عذر وليس كل عذر توبة وأصل الكلمة من العذرة وهي الشيء النجس تقول عذرت الصبي إذا طهرته وأزلت عذرته وكذا عذرت فلاناً إذا أزلت نجاسة ذنبه بالعفو عنه كذا في "المفردات".
وقال في "كشف الأسرار" أخذ من العذار وهو الستر {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} الاعتاب إزالة العتب أي : الغضب والغلظة ، وبالفارسية : (خوشنود كردن) والاستعتاب طلب ذلك ، يعني : (ازكسى خواستن كه ترا خوشنود كند) من قولهم استعتبني فلان فأعتبته أي : استرضاني فأرضيته.
والمعنى لا يدعون إلى ما يقتضي أعتابهم أي : إزالة عتبهم وغضبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إليه في الدنيا إذ لا يقبل حينئذٍ توبة ولا طاعة وكذا لا يصح رجوع إلى الدنيا لإدراك فائت من الإيمان والعمل ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
كنونت كه شم است اشكى ببار
زبان دردهانست عذري بيار
كنون بايدت عذر تقصير كفت
نه ون نفس ناطق ز كفتن بخفت
بشهر قيامت مرو تنكدست
كه وجهى ندارد بحسرت نشست
وفي الآية : إشارة إلى أن القالب للإنسان كالقبر للميت فهم يستقصرون يوم البعث أيامهم الدنيوية الفانية المتناهية وإن طالت مدتهم بالنسبة إلى صباح الحشر فإنه يوم طويل.
قال عليه السلام : "الدنيا ساعة فاجعلها طاعة".
واحتضر عابد فقال : ما تأسفي على دار الأحزان والغموم والخطايا والذنوب وإنما تأسفي على ليلة نمتها ويوم أفطرته وساعة غفلت فيها عن ذكر الله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة وقد مضى ستة آلاف وليأتينّ عليها مئون من سنين ليس عليها موحد يعني قرب القيامة فإنه حينئذٍ ينقرض أهل الإيمان لما أراد الله من فناء الدنيا ثم ينتهي دور السنبلة وينتقل الظهور إلى
59
البطون ثم بعد تمام مدة البرزخ وينفخ في الصور فيبعث أهل الإيمان على ما ماتوا عليه من التوحيد ويبعث أهل الكفر على ما هلكوا عليه من الإشراك وتكون الدنيا ومدتها وما تحويه من الأمور والأحوال نسياً منسياً فيا طوبى لمن صام طول نهاره حتى يطعمه الله في ذلك اليوم الطويل من نعم جناته ولمن قام طول ليلته فيقيمه الله في ظل عرشه إراحة له من الكدر ولمن وقع في نار محبته فيخلصه من نار ذلك اليوم ويحيطه بالنور فإنه لا يجتمع شدة الدنيا وحدة الآخرة للمؤمن المتقي ، قال الشيخ العطار في الهي نامه :
مكر يكروز دربازار بغداد
بغايت آتشى سوزنده افتاد
فغان برخاست از مردم بيكبار
وزان آتش قيامت شد بديدار
بزه بريره زالى مبتلايى
عصا دردست مى آمد زجايى
يكى كفتا مكر ديوانه تو
كه افتاد آتش اندر خانه تو
زنش كفتا تويى ديوانه من
كه حق هركز نسوزدخانه من
بآخر ون بسوخت عالم جهانى
نبود آن زال را زآتش زيانى
بد وكفتندهان اى زال دمساز
بكو كزه بدانستى تواين راز
نين كفت آنكهى زال فروتن
كه ياخانه بسوزد يادل من
وسوخت ازغم دل ديوانه را
نخواهد سوخت آخر خانه را
فعلى العاقل أن يكون على مراد الله في أحكامه وأوامره حتى يكون الله تعالى على مراده في إنجائه من ناره والاسترضاء لا يكون إلا في الدنيا فإنها دار تكليف فإذا جاء الموت يختم الفم والأعضاء وتنسد الحواس والقوى وطرق التدارك بالكلية فيبقى كل امرىء مرهوناً بعمله.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـاذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ} أي : وبالله لقد بينا لهم كل حال ووصفنا لهم كل صفة كأنها في غرابتها كالأمثال وذلك كالتوحيد والحشر وصدق الرسل وسائر ما يحتاجون إليه من أمر الدين والدنيا مما يهتدي به المتفكر ويعتبر به الناظر المتدبر {وَلَـاـاِن جِئْتَهُم} (اكر بيارى تو اى محمد عليه السلام بديشان يعني بمنكران متعاندان) {بِـاَايَةٍ} من آيات القرآن الناطقة بأمثال ذلك {لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} من فرط عنادهم وقساوة قلوبهم مخاطبين للنهي عليه السلام والمؤمنين {أَنَّ} ما {أَنتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ} مزوّرون يقال أبطل الرجل إذا جاء بالباطل وأكذب إذا جاء بالكذب.
وفي "المفردات" الإبطال يقال في إفساد الشيء وإزالته حقاً كان ذلك الشيء أو باطلاً قال تعالى : {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَـاطِلَ} (الأنفال : 8) وقد يقال فيمن يقول شيئاً لا حقيقة له قال تعالى : {إِنْ أَنتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ} .
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـاذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍا وَلَـاـاِن جِئْتَهُم بِـاَايَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ * كَذَالِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّا وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} .
(7/44)
{كَذَالِكَ} أي : مثل ذلك الطبع الفظيع {يَطْبَعُ اللَّهُ} يختم بسبب اختيارهم الكفر ، وبالفارسية : (مهرمى نهد خداى تعالى) {عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} لا يطلبون العلم ويصرون على خرافات اعتقدوها وترهات فإن الجهل المركب يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب المحق.
واعلم أن الطبع أن يصور الشيء بصورة ما كطبع السكة وطبع الدراهم وهو أعم من الختم وأخص من النقش والطابع والخاتم ما يطبع به ويختم والطابع فاعل ذلك وبه اعتبر الطبع
60
والطبيعة التي هي السجية فإن ذلك هو نقش النفس بصورة ما أما من حيث الخلقة أو من حيث العادة وهو فيما ينقش به من جهة الخلقة أغلب وشبه إحداث الله تعالى في نفوس الكفار هيئة تمرنهم وتعودهم على استحباب الكفر والمعاصي واستقباح الإيمان والطاعات بسبب إعراضهم عن النظر الصحيح بالختم والطبع على الأواني ونحوها في أنهما مانعان فإن هذه الهيئة مانعة عن نفوذ الحق في قلوبهم كما أن الختم على الأواني ونحوها مانع عن التصرف فيها ثم استعير الطبع لتلك الهيئة ثم اشتق منه يطبع فيكون استعارة تبعية.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3
{فَاصْبِرْ} يا محمد على أذاهم قولاً وفعلاً {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} بنصرتك وإظهار دينك {حَقٌّ} لا بد من إنجازه والوفاء به (نكه داريد وقت كارها را كه هركارى بوقتى بازيسته است) {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ} أي : لا يحملنك على الخفة والقلق جزعاً.
قال في "المفردات" : لا يزعجنك ولا يزيلنك عن اعتقادك بما يوقعون من الشبه {الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} الإيقان (بى كمان شدن) واليقين أخذ من اليقين وهو الماء الصافي كما في "كشف الأسرار" أي : لا يوقنون بالآيات بتكذيبهم إياها وأذاهم بأباطيلهم التي من جملتها قولهم إن أنتم إلا مبطلون فإنهم شاكون ضالون ولا يستبدع منهم أمثال ذلك فظاهر النظم الكريم وإن كان نهياً للكفرة عن استخفافه عليه السلام لكنه في الحقيقة نهى له عن التأثر من استخفافهم على طريق الكناية.
ـ روي ـ أنه لما مات أبو طالب عم النبي عليه السلام بالغ قريش في الأذى حتى أن بعض سفهائهم نثر على رأسه الشريفة التراب فدخل عليه السلام بيته والتراب على رأسه فقام إليه بعض بناته وجعلت تزيله عن رأسه وتبكي ورسول الله عليه السلام يقول لها : "لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك" وكذا أوذي الأصحاب كلهم فصبروا وظفروا بالمراد فكانت الدولة لهم ديناً ودنيا وآخرة ، قال الحافظ :
دلادر عاشقى ثابت قدم باش
كه دراين ره نباشد كار بى اجر
وفي "التأويلات النجمية" : قوله : {فَاصْبِرْ} يشير إلى الطالب الصادق فاصبر على مقاساة شدائد فطام النفس عن مألوفاتها تزكية لها وعلى مراقبة القلب عن التدنس بصفات النفس تصفية له وعلى معاونة الروح على بذل الوجود لنيل الجود تحلية له {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} فيما قال : "ألا من طلبني وجدني".
{وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} يشير به إلى استخفاف أهل البطالة واستجهالهم أهل الحق وطلبه وهم ليسوا أهل الإيقان وإن كانوا أهل الإيمان التقليدي يعني لا يقطعون عليك الطريق بطريق الاستهزاء والإنكار كما هو عادة أهل الزمان يستخفون طالبي الحق وينظرون إليهم بنظر الحقارة ويزرونهم وينكرون عليهم فيما يفعلون من ترك الدنيا وتجردهم عن الأهالي والأولاد والأقارب وذلك لأنهم لا يوقنون بوجوب طلب الحق تعالى ويجب على طالبي الحق أولاً التجريد لقوله تعالى : {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَـادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} (التغابن : 14) وبعد تجريد الظاهر يجب عليهم التفريد وهو قطع تعلق القلب من سعادة الدارين وبهذين القدمين وصل من وصل إلى مقام التوحيد كما قال بعضهم خطوتان وقد وصلت قال الشيخ العطار قدس سره :
مكرسنك وكلوخى بود درراه
بدريايى در افتادند ناكاه
61
بزارى سنك كفتا غرقه كشتم
كنون باقعر كويم سر كذشتم
وليكن آن كلوخ ازخود فناشد
ندانم تاكجا رفت وكجاشد
كلوخى بى زبان آواز برداشت
شنود آن راز اوهركو خبر داشت
كه ازمن در دوعالم تن نماندست
وجودم يك سرسوزن نماندست
زمن نه جان ونه تن مى توان ديد
همه درياست روشن مى توان ديد
اكر همرنك دريا كردى امروز
شوى دروى توهم درشب افروز
وليكن تاتوخواهى بود خودرا
نخواهى يافت جانرا وخردرا
وفي "المثنوي" :
آن يكى نحوى بكشستى درنشست
روبكشيتبان نهاد آن خود رست
كفت هي ازنحو خواندى كفت لا
كفت نيم عمر توشد درفنا
دل شكسته كشت كشتيبان زتاب
ليك اندم كرد خاموش از جواب
باد كشتى را بكردابى فكند
كفت كشتيبان بآن نحوى بلند
هي دانى آشنا كردن بكو
كفت نى از من توسباهى مجو
كفت كل عمرت اى نحوى فناست
زانكه كشتى غرق اين كردابهاست
محومى بايد نه نحو انيجا بدان
كر تومحوى بى خطر درآب ران
آب دريا مرده را برسرنهد
وربود زنده زدر يا كى رهد
ون بمردى تو زاوصاف بشر
بحر اسرارت نهد بر فرق سر
(7/45)
تم تفسير سورة الروم وما يتعلق بها من العلوم بعون الله ذي الإمداد على كافة العباد يوم السبت السادس من شهر الله رجب المنتظم في شهور سنة تسع ومائة وألف من الهجرة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 3(7/46)
سورة لقمان
أربع وثلاثون آية مكية
جزء : 7 رقم الصفحة : 61
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
{الم} أي : هذه سورة الم.
قال بعضهم الحروف المقطعات مبادي السور ومفاتيح كنوز العبر.
والإشارة ههنا بهذه الحروف الثلاثة إلى قوله : أنا الله ولي جميع صفات الكمال ومني الغفران والإحسان.
وقال بعضهم : الألف إشارة إلى إلفة العارفين واللام إلى لطف صنعه مع المحسنين والميم إلى معالم محبة قلوب المحبين.
وقال بعضهم يشير بالألف إلى آلائه وباللام إلى لطفه وعطائه وبالميم إلى مجده وثنائه فبآلائه رفع الجحد من قلوب الأولياء وبلطف عطائه أثبت المحبة في أسرار أصفيائه وبمجده وثنائه مستغن عن جميع خلقه بوصف كبريائه :
مراورا رسد كبريا ومنى
كه ملكش قد يمست وذاتش غنى
{تِلْكَ} أي : هذه السورة وآياتها {الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ} أي : ذي الحكمة لاشتماله عليها أو المحكم المحروس من التغيير والتبديل والممنوع من الفساد والبطلان فهو فعيل بمعنى المفعل وإن كان قليلاً كما قالوا أعقدت اللبن فهو عقيد أي : معقد.
{تِلْكَ ءَاَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أولئك عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
{هُدًى} من الضلالة
62
وهو بالنصب على الحالية من الآيات والعامل معنى الإشارة {وَرَحْمَةً} من العذاب.
وقال بعضهم سماه هدى لما فيه من الدواعي إلى الفلاح والإلطاف المؤدية إلى الخيرات فهو هدى ورحمة للعابدين ودليل وحجة للعارفين.
وفي "التأويلات النجمية" هدى يهدي إلى الحق ورحمة لمن اعتصم به يوصله بالجذبات المودعة فيه إلى الله تعالى {لِّلْمُحْسِنِينَ} أي : العاملين للحسنات والمحسن لا يقع مطلقاً إلا مدحاً للمؤمنين.
وفي تخصيص كتابه بالهدي والرحمة للمحسنين دليل على أنه ليس يهدي غيرهم.
وفي "التأويلات" : المحسن من يعتصم بحبل القرآن متوجهاً إلى الله ولذا فسر النبي عليه السلام الإحسان حين سأله جبريل ما الإحسان؟ قال : "أن تعبد الله كأنك تراه" فمن يكون بهذا الوصف بكون متوجهاً إليه حتى يراه ولا بد للمتوجه إليه أن يعتصم بحبله وإلا فهو منزه عن الجهات فلا يتوجه إليه لجهة من الجهات انتهى.
ولذا قال موسى عليه السلام : أين أجدك يا رب؟ قال : يا موسى إذا قصدت إليّ فقد وصلت إليّ إشارة إلى أنه ليس هناك شيء من الأين حتى يتوجه إليه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
صوفي ه فغانست كه من اين إلى اين
اين نكته عيانست من العلم إلى العين
جامى مكن انديشه زنزديكى ودورى
لا قرب ولا بعد ولا وصل ولا بين
ثم إن أريد بالحسنات مشاهيرها المعهودة في الدين فقوله تعالى :
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ} الخ صفة كاشفة للمحسنين وبيان لما عملوه من الحسنات فاللام في للمحسنين لتعريف الجنس وإن أريد بها جميع الحسنات الاعتقادية والعملية على أن يكون اللام للاستغراق فهو تخصيص لهذه الثلاث بالذكر من بين سائر شعبها لإظهار فضلها على غيرها ومعنى إقامة الصلاة أداؤها وإنما عبر عن الأداء بالإقامة إشارة إلى أن الصلاة عماد الدين.
وفي "المفردات" إقامة الشيء توفية حقه وإقامة الصلاة توفية شرائطها لا الإتيان بهيئتها ، يعني : (شرائط نماز دوقسم است فسمى را شرائط جواز كويند يعني فرائض وحدود وأوقات آن وقسمي را شرائط قبول كويند يعني تقوي وخشوع وإخلاص وتعظيم وحرمت آن قال تعالى : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة : 27) وتاهردو قسم بجاى نيارد معنى اقامت درست نشود ازينجاست كه رب العزه در قرآن هرجا كه بنده را نماز فرمايد ويابناى مدح كند {أَقِيمُوا الصَّلَواةَ} (البقرة : 83) {وَيُقِيمُونَ الصَّلَواةَ} (البقرة : 30) كويد "صلوا ويصلون" نكويد).
وفي "التأويلات النجمية" : {يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ} أي : يديمونها بصدق التوجه وحضور القلب والإعراض عما سواه انتهى أشار إلى معنى آخر لأقام وهو إدام كما قاله الجوهري وفي الحديث "إن بين يدي الخلق خمس عقبات لا يقطعها إلا كل ضامر ومهزول" فقال أبو بكر رضي الله عنه : ما هي يا رسول الله قال عليه السلام : "أولاها الموت وغصته.
وثانيتها القبر ووحشته وضيقه.
وثالثتها سؤال منكر ونكير وهيبتهما.
ورابعتها الميزان وخفته.
وخامستها الصراط ودقته" فلما سمع أبو بكر رضي الله عنه هذه المقالة بكى بكاء كثيراً حتى بكت السموات السبع والملائكة كلها فنزل جبريل وقال : يا محمد قل لأبي بكر حتى لا يبكي أما سمع من العرب كل داء له دواء إلا الموت ثم قال : "من صلى صلاة الفجر هان عليه الموت وغصته ومن صلى صلاة العشاء هان عليه الصراط ودقته ومن
63(7/47)
صلى صلاة الظهر هان عليه القبر وضيقه ومن صلى صلاة العصر هان عليه سؤال منكر ونكير وهيبتهما ومن صلى صلاة المغرب هان عليه الميزان وخفته" ويقال : من تهاون في الصلاة منع الله منه عند الموت قول لا إله إلا الله {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} أي : يعطونها بشرائطها إلى مستحقيها من أهل السنة فإن المختار أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى أهل البدع كما في الأشباه.
يقال : من منع الزكاة منع الله منه حفظ المال ومن منع الصدقة منع الله منه العافية كما قال عليه السلام : "حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة ومن منع العشر منع الله منه بركة أرضه".
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
وفي "التأويلات النجمية" : {وَيُؤْتُونَ الزَّكَواةَ} تزكية للنفس.
فزكاة العوام من كل عشرين ديناراً نصف دينار لتزكية نفوسهم من نجاسة البخل كما قال تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} (التوبة : 103) فبإيتاء الزكاة على وجه الشرع ورعاية حقوق الأركان الأخرى نجاة العوام من النار.
وزكاة الخواص من المال كله لتصفية قلوبهم من صدأ محبة الدنيا.
وزكاة أخص الخواص بذل الوجود ونيل المقصود من المعبود كما قال عليه السلام : "من كانكان الله له" ، وفي "المثنوي" :
ون شدى من كانازوله
من ترا بالشم كه كان الله له
{وَهُم بِالاخِرَةِ} أي : بالدار الآخرة والجزاء على الأعمال سميت آخرة لتأخرها عن الدنيا {هُمْ يُوقِنُونَ} فلا يشكون في البعث والحساب (والإيقان بي كمان شدن) ، وبالفارسية : (ايشان بسراى ديكر بى كمانانند يعنى بعث وجزارا تصديق ميكنند) وإعادة لفظة هم للتوكيد في اليقين بالبعث والحساب ولما حيل بينه وبين خبره بقوله بالآخرة.
وفي "التأويلات النجمية" : وهم بالآخرة هم يوقنون لخروجهم من الدنيا وتوجههم إلى المولى.
والآخرة هي المنزل الثاني لمن يسير إلى الله بقدم الخروج من منزل الدنيا فمن خرج من الدنيا لا بد له أن يكون في الآخرة فيكون موقناً بها بعد أن كان مؤمناً بها انتهى.
يقول الفقير : لا شك عند أهل الله أن الدنيا من الحجب الجسمانية الظلمانية وأن الآخرة من الحجب الروحانية النورانية ولا بد للسالك من خرقها بأن يتجاوز من سير الأكوان إلى سير الأرواح ومنه إلى سير عالم الحقيقة فإنه فوق الأولين فإذا وصل إلى الأرواح صار الإيمان إيقاناً والعلم عياناً وإذا وصل إلى عالم الحقيقة صار العيان عيناً والحمدتعالى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
{أولئك} المحسنون المتصفون بتلك الصفات الجليلة {عَلَى هُدًى} كائن {مِّن رَّبِّهِمْ} أي : على بيان منه تعالى بين لهم طريقهم ووفقهم لذلك.
قال في "كشف الأسرار" : (برراست راهى اند وراهنمونى خداوند خويش {عَلَى هُدًى} بيان عبوديت است و {مِّن رَّبِّهِمْ} بيان ربوبيت بعد ازكزار ومعاملت وتحصيل عبادت ايشانرا بستود هم باعتقاد سنت همه بكزارد عبوديت هم باقرار ربوبيت).
وفي الآية دليل على أن العبد لا يهتدي بنفسه إلا بهداية الله تعالى ألا ترى أنه قال : {عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} وهو رد على المغتزلة فإنهم يقولون : العبد يهتدي بنفسه.
قال شاه شجاع قدس سره : ثلاثة من علامات الهدى : الاسترجاع عند المصيبة ، والاستكانة عند النعمة ، ونفي الامتنان عند العطية {وأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الفائزون بكل مطلوب والناجون من كل مهروب لاستجماعهم العقيدة الحقة والعمل الصالح.
قال في "المفردات" : الفلاح الظفر
64
وإدراك البغية وذلك ضربان دنيوي وأخروي.
فالدنيوي الظفر بالسعادات التي تطيب بها حياة الدنيا ، والأخروي أربعة أشياء : بقاء بلا فناء ، وغنى بلا فقر ، وعز بلا ذل ، وعلم بلا جهل ، ولذلك قيل : لا عيش إلا عيش الآخرة ألا ترى إلى قوله عليه السلام : "المؤمن لا يخلو عن قلة أو علة أو ذلة" يعني : ما دام في الدنيا فإنها دار البلايا المصائب والأوجاع ودل قوله تعالى : {لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنا بَعْدِ عِلْمٍ شَيْـاًا} (الحج : 5) على أن الإنسان عند أرذل العمر يعود إلى حال الطفولية من الجهل والنسيان أي : إذا كان علمه حصولياً أما إذا كان حضورياً كالعلوم الوهبية لخواص المؤمنين فإنه لا يغيب ولا يزول عن قلبه أبداً لا في الدنيا ولا في برزخه ولا في آخرته فإن ذلك العلم الشريف الوهبي اللدني ليس بيد العقل الجزئي الذي من شأنه عروض النسيان له عند ضعف حال الشيخوخة ولذا لا يطرأ عليهم العته بالكبر بخلاف عوام المؤمنين والعلماء غالباً.
فعلى العاقل أن يجتهد حتى يدخل في زمرة أهل الفلاح وذلك بتزكية النفس في الدنيا والترقي إلى مقامات المقربين في العقبى وهي المقامات الواقعة في جنات عدن والفردوس فالعاليات إنما هي لأهل الهمة العالية نسأل الله تعالى أن يلحقنا بالأبرار.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62(7/48)
{وَمِنَ النَّاسِ} أي : وبعض الناس فهذا مبتدأ خبره قوله {مَن يَشْتَرِى} الاشتراء دفع الثمن وأخذ المثمن والبيع دفع المثمن وأخذ الثمن وقد يتجوز بالشراء والاشتراء في كل ما يحصل به شيء فالمعنى ههنا يستبدل ويختار {لَهْوَ الْحَدِيثِ} وهو ما يلهي عما يعني من المهمات كالأحاديث التي لا أصل لها.
والأساطير التي لا اعتداد بها والأضاحيك وسائر ما لا خير فيه من الكلام.
والحديث يستعمل في قليل الكلام وكثيره لأنه يحدث شيئاً فشيئاً.
قال أبو عثمان رحمه الله : كل كلام سوى كتاب الله أو سنة رسوله أو سبرة الصالحين فهو لهو.
وفي "عرائس البيان" : الإشارة فيه إلى طلب علوم الفلسفة من علم الأكسير والسحر والنير نجات وأباطيل الزنادقة وترهاتهم لأن هذه كلها سبب ضلالة الخلق.
وفي "التأويلات النجمية" : ما يشغل عن الله ذكره ويحجب عن الله سماعه فهو لهو الحديث.
والإضافة بمعنى من التبيينية إن أريد بالحديث المنكر لأن اللهو يكون من الحديث ومن غيره فأضيف العام إلى الخاص للبيان كأنه قيل : من يشتري اللهو الذي هو الحديث وبمعنى من التبعيضية إن أريد به الأعم من ذلك كأنه قيل : من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه.
وأكثر أهل التفسير على أن الآية نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة (مردى كافر دل وكافر كيش بود سخت خصومت بارسول خدا كرد) قتله رسول الله صبراً حين فرغ من وقعة بدر.
ـ روي ـ أنه ذهب إلى فارس تاجراً فاشترى كليلة ودمنة وأخبار رستم واسفنديار وأحاديث الأكاسرة فجعل يحدث بها قريشاً في أنديتهم ولعلها كانت مترجمة بالعربية ويقول إن محمداً يحدثكم بعاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فيكون الاشتراء على حقيقته بأن يشتري بماله كتباً فيها لهو الحديث وباطل الكلام {لِيُضِلَّ} الناس ويصرفهم {عَن سَبِيلِ اللَّهِ} أي : دينه الحق الموصل إليه أو ليضلهم ويمنعهم بتلك الكتب المزخرفة عن قراءة كتابه الهادي إليه وإذا أضل غيره فقد ضل هو أيضاً {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي : حال كونه جاهلاً بحال ما يشتريه ويختاره أو بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القرآن
65
{وَيَتَّخِذَهَا} بالنصب عطفاً على ليضل والضمير للسبيل فإنه مما يذكر ويؤنث أي : وليتخذها {هُزُوًا} مهزوءاً بها ومستهزأة {أولئك} الموصوفون بما ذكر من الاشتراء والإضلال {لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} لإهانتهم الحق بإيثار الباطل عليه وترغيب الناس فيه ، وبالفارسية : (عذابي خوار كننده كه سبى وقتل است دردنيا وعذاب خزي در عقبى).
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ} أي : على المشتري افرد الضمير فيه وفيما بعده كالضمائر الثلاثة الأول باعتبار لفظ من وجمع في أولئك باعتبار معناه.
قال في "كشف الأسرار" : هذا دليل على أن الآية السابقة نزلت في النضرين الحارث {ءَايَـاتُنَا} أي : آيات كتابنا {وَلَّى} أعرض غير معتد بها {مُسْتَكْبِرًا} مبالغاً في التكبر ودفع النفس عن الطاعة والإصغاء {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} حال من ضمير ولى أو من ضمير مستكبراً والأصل كأنه فحذف ضمير الشان وخففت المثقلة أي : مشابهاً حاله حال من لم يسمعها وهو سامع.
وفيه رمز إلى أن من سمعها لا يتصور منه التولية والاستكبار لما فيها من الأمور الموجبة للإقبال عليها والخضوع لها {كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْرًا} حال من ضمير لم يسمعها أي : مشابهاً حاله حال من في أذنيه ثقل مانع من السماع.
قال في "المفردات" الوقر الثقل في الأذن.
وفي "فتح الرحمن" الوقر الثقل الذي يغير إدراك المسموعات.
قال الشيخ سعدي : (ازانراكه كوش ارادت كران آفريده است ه كندكه بشنود وانرا كه بكند سعادت كشيده اند ون كندكه نرود).
قال في "كشف الأسرار" : (آدميان دوكر وهند آشنايات وبيكانكان آشنايانرا قرآن سبب هدايت است بيكانكانرا سبب ضلالت كما قال تعالى : {يُضِلُّ بِه كَثِيرًا وَيَهْدِي بِه كَثِيرًا} (البقرة : 26) بيانكان ون قرآن شنوند شت بران كنند وكردن كشند كافر وارنانكه رب العزة كفت) {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَـاتُنَا وَلَّى} الخ :
دل ازشنيدن قرآن بكيردت همه وقت
و باطلان ز كلام حقت ملولى يست
(آشنايان ون قرآن شنوندبنده وار بسجود درافتند وبادل تازه وزنده دران زارند نانكه الله تعالى كفت) {إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاذْقَانِ سُجَّدًا} (الإسراء : 107) :
ذوق سجده در دماغ آدمي
ديورا تلخى دهد اواز غمى
{فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي : فاعلمه بأن العذاب المفرط في الإيلام لا حق به لا محالة وذكر البشارة للتهكم ثم ذكر أحوال أضدادهم بقوله :(7/49)
{إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا} بآياتنا {وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ} وعملوا بموجبها.
قال في "كشف الأسرار" : الإيمان التصديق بالقلب وتحقيقه بالأعمال الصالحة ولذلك قرن الله بينهما وجعل الجنة مستحقة بهما قال تعالى : {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر : 10) {لَهُمُ} بمقابلة إيمانهم وأعمالهم {جَنَّـاتُ النَّعِيمِ} (بهشتهاى بانعمت ناز ويا نعمتهاى بهشت) كما قال البيضاوي أي : نعيم جنات فعكس للمبالغة.
وقيل جنات النعيم إحدى الجنات الثمان وهي دار الجلال ودار السلام ودار القرار وجنة عدن وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة الفردوس وجنة النعيم كذا روى وهب بن منبه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
{خَـالِدِينَ فِيهَا} حال من الضمير في لهم {وَعْدَ اللَّهِ} أي : وعد الله جنات النعيم
66
وعداً فهو مصدر مؤكد لنفسه لأن معنى لهم جنات النعيم وعدهم بها {حَقًّا} أي : حق ذلك الوعد حقاً فهو تأكيد لقوله لهم جنات النعيم أيضاً لكنه مصدر مؤكد لغيره لأن قوله {وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَهُمْ} وعد وليس كل وعد حقاً {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الذي لا يغلبه شيء فيمنعه عن إنجاز وعده أو تحقيق وعيده.
{الْحَكِيمِ} الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة :
نه در وعده اوست نقض وخلاف
نه در كار او هي لاف وكذاف
هذا ، وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بلهو الحديث في الآية المتقدمة الغناء ، يعني : (تغنى وسرور فاسقانست در مجلس فسق وآيت درذم كسى فرود آمدكه بندكان مغنيان خرد يا كنيز كان مغنيات تافاسقانرا مطربى كند) فيكون المعنى من يشتري ذا لهو الحديث أو ذات لهو الحديث.
قال الإمام مالك : إذا اشترى جارية فوجدها مغنية فله أن يردها بهذا العيب.
قال في الفقه : ولا تقبل شهادة الرجل المغنى للناس لاجتماع الناس في ارتكاب ذنب يسببه لنفسه ومثل هذا لا يحترز عن الكذب وأما من تغنى لنفسه لدفع الوحشة وإزالة الحزن فتقبل شهادته إذ به لا تسقط العدالة إذا لم يسمع غيره في الصحيح وكذا لا تقبل شهادة المغنية سواء تغنت للناس أو لا إذ رفع صوتها حرام فبارتكابها محرماً حيث نهى النبي عليه السلام عن صوت المغنية سقطت عن درجة العدالة وفي الحديث "لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن ولا شراؤهن وثمنهن حرام" وقد نهى عليه السلام عن ثمن الكلب وكسب الزمارة ، يعني : (ازكسب ناى زدن).
قالوا المال الذي يأخذه المغنى والقوال والنائحة حكمه أخف من الرشوة لأن صاحب المال أعطاه عن اختيار بغير عقد.
قال مكحول : من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيماً عليه حتى يموت لم أصل عليه إن الله يقول : {وَمِنَ النَّاسِ} الخ وفي الحديث "إن الله بعثني هدى ورحمة للعالمين وأمرني بمحو المعازف والمزامير والأوتار والصنج وأمر الجاهلية وحلف ربي بعزته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من خمر متعمداً إلا سقيته من الصديد مثلها يوم القيامة مغفوراً له أو معذباً ولا يتركها من مخافتي إلا سقيته من حياض القدس يوم القيامة" وفي الحديث "بعثت لكسر المزامير وقتل الخنازير".
قال ابن الكمال : المراد بالمزامير آلات الغناء كلها تغليباً أي : وإن كانت في الأصل أسماء لذوات النفخ كالبوق ونحوه مما ينفخ فيه والكسر ليس على حقيقته بدليل قرينه بل مبالغة في النهي وفي الحديث : "من ملأ مسامعه من غناء لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة" قيل : وما الروحانيون يا رسول الله قال : "قراء أهل الجنة" أي : من الملائكة والحور العين ونحوهم.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
قال أهل المعاني يدخل في الآية كل من اختار اللهو واللعب والمزامير والمعازف على القرآن وإن كان اللفظ يذكر في الاستبدال والاختيار كثيراً كما في "الوسيط".
قال في "النصاب" ويمنع أهل الذمة عن إظهار بيع المزامير والطنابير وإظهار الغناء وغير ذلك.
وأما الأحاديث الناطقة برخصة الغناء أيام العيد فمتروكة غير معمول بها اليوم ولذا يلزم على المحتسب إحراق المعازف يوم العيد.
واعلم أنه لما كان القرآن أصدق الأحاديث وأملحها وسماعه والإصغاء إليه مما يستجلب الرحمة من الله استحب التغني به وهو تحسين الصوت وتطييبه لأن ذلك سبب للرقة وإثارة للخشيبة على ما ذهب إليه الإمام
67
(7/50)
الأعظم رحمه الله كما في "فتح القريب" ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط فإن أفرط حتى زاد حرفاً أو أخفى حرفاً فهو حرام كما في "أبكار الأفكار".
وعليه يحمل ما في "القنية" من أنه لو صلى خلف إمام للحسن في القراءة ينبغي أن يعيد وما في "البزازية" من أن من يقرأ بالألحان لا يستحق الأجر لأنه ليس بقارىء فسماع القرآن بشرطه مما لا خلاف فيه وكذا لا خلاف في حرمة سماع الأوتار والمزامير وسائر الآلات.
لكن قال بعضهم حرمة الآلات المطربة ليست لعينها كحرمة الخمر والزنى بل لغيرها ولذا استثنى العلماء من ذلك الطبل في الجهاد وطريق الحج فإذا استعملت باللهو واللعب كانت حراماً وإذا خرجت عن اللهو زالت الحرمة.
قال في "العوارف" : وأما الدف والشبابة وإن كان في مذهب الشافعي فيهما فسحة فالأولى تركهما والأخذ بالأحوط والخروج من الخلاف انتهى خصوصاً إذا كان في الدف الجلاجل ونحوها فإنه مكروه بالاتفاق كما في "البستان".
وإنما الاختلاف في سماع الإشعار بالألحان والنغمات فإن كانت في ذكر النساء وأوصاف أعضاء الإنسان من الخدود والقدود فلكونه مما يهيج النفس وشهوتها لا يليق بأهل الديانات الاجتماع لمثل ذلك خصوصاً إذا كان على طريقة اللهو والتغني بما يعتاده أهل الموسيقى "من يلالا" و"تنادرتن" وخرافات يستعملونها في مجالس أهل الشرب ومحافل أهل الفساد كما في "حواشي العوارف" للشيخ زين الدين الحافي قدس سره.
وقد أدخل الموسيقى في "الأشباه" في العلوم المحرمة كالفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وغيرها وإن كانت القصائد في ذكر الجنة والنار والتشويق إلى دار القرار ووصف نعم الملك الجبار وذكر العبادات والترغيب في الخيرات فلا سبيل إلى الإنكار.
ومن ذلك قصائد الغزاة والحجاج ووصف الغزو والحج مما يثير العزم من الغازي وساكن الشوق من الحاج.
وإذا كان القوال أمرد تنجذب النفوس بالنظر إليه وكان للنساء إشراف على الجمع يكون السماع عين الفسق المجمع على تحريمه.
واللوطية على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون ، وصنف يصافحون ، وصنف يعملون ذلك العمل الخبيث.
وكما يمنع الشاب الصائم من القبلة لحليلته حيث جعلت حريم حرام الوقاع.
ويمنع الأجنبي من الخلوة بالأجنبية يمنع السامع من سماع صوت الأمرد والمرأة لخوف الفتنة وربما يتخذ للاجتماع طعام تطلب النفوس الاجتماع لذلك لا رغبة للقلوب في السماع فيصير السماع معلولاً تركن إليه النفوس طلباً للشهوات واستجلاءاً لمواطن اللهو والفضلات فينبغي أن يحذر السامع من ميل النفس لشيء من هواها.
وسئل بعضهم عن التكلف في السماع فقال : هو على ضربين : تكلف في المستمع بطلب جاه أو منفعة دنيوية وذلك تلبيس وخيانة وتكلف فيه لطلب الحقيقة كمن يطلب الوجد بالتواجد وهو بمنزلة التباكي المندوب إليه فإذا فعل لغرض صحيح كان مما لا بأس به كالقيام للداخل لم يكن في زمن النبي عليه السلام فمن فعله لتطييب قلب الداخل والمداراة ودفع الوحشة إن كان في البلاد عادة يكون من قبيل العشرة وحسن الصحبة.
قالوا : لو قعد واحد على ظهر بيته وقرىء عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن رمى بنفسه فهو صادق وإلا فليحذر العاقل من دخول الشيطان في جوفه وحمله عند السماع على نعرة أو تصفيق أو تحريق أو رقص رياء وسمعة.
وفي سماع
68
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
أهل الرياء ذنوب.
منها : أنه يكذب على الله وأنه وهب له شيئاً وما وهب له والكذب على الله من أقبح اللذات.
ومنها : أن يغر بعض الحاضرين فيحسن به الظن والإغرار خيانة لقوله عليه السلام : "من غشنا فليس منا".
ومنها : أن يحوج الحاضرين إلى موافقته في قيامه وقعوده فيكون متكلفاً مكلفاً للناس بباطله فيجتنب الحركة ما أمكن إلا إذا صارت حركته كحركة المرتعش الذي لا يجد سبيلاً إلى الإمساك وكالعاطس الذي لا يقدر أن يرد العطسة.
والحاصل أن الميل عند السماع على أنواع :
منها : ميل يتولد من مطالعة الطبيعة للصوت الحسن وهو شهوة وهو حرام لأنه شيطاني.
ه مردسماعست شهوت رست
بآواز خوش خفته خيزد نه مست
ومنها : ميل يتولد من النفس ومطالعة النغمات والألحان وهو هوى وهو حرام أيضاً لكونه شيطانياً حاصلاً لذي القلب الميت والنفس الحية ومن علامات موت القلب نسيان الرب ونسيان الآخرة والإنكباب على أشغال الدنيا واتباع الهوى فكل قلب ملوث بحب الدنيا فسماعه سماع طبع وتكلف.
اكر مردى بازى ولهوست ولاغ
قوى تر بود ديوش اندر دماغ
ومنها ميل يتولد من القلب بسبب مطالعة نور أفعال الحق وهو عشق وهو حلال لأنه رحماني حاصل لذي قلب حي ونفس ميتة.
ومنها ميل يتولد من الروح بسبب مطالعة نور صفاته وهو محبة وحضور وسكون وهو حلال أيضاً.
ومنها ما يتولد من السر بسبب مشاهدة نور ذاته تعالى وهو أنس وهو حلال أيضاً ولذا قال الشيخ سعدي قدس سره :
نكويم سماع اى برادر كه يست
مكر مستمع را بدانم كه كيست
كر از برج معنى رد طير او
فرشته فروماند از سير او
(7/51)
فهو حال العاشق الصادق وأصحاب الحال هم الذين أثرت فيهم أنوار الأعمال الصالحة فوهبهم الله تعالى على أعمالهم بالمجازاة حالاً والوجد والذوق ومآلا الكشف والمشاهدة والمعاينة والمعرفة بشرط الاستقامة.
قال زين الدين الحافي قدس سره : فمن يجد في قلبه نوراً يسلك به طريق من أباحه وإلا فرجوعه إلى من كرهه من العلماء أسلم.
ومعنى السماع استماع صوت طيب موزون محرك للقلب وقد يطلق على الحركة بطريق تسمية المسبب باسم السبب وجبلت النفوس حتى غير العاقل على الإصغاء إلى ما يحب من سماع الصوت الحسن فقد كانت الطيور تقف على رأس داود عليه السلام لسماع صوته.
به از روى خويست آواز خوش
كه اين حظ نفس است وآن قوت روح
وكان الأستاذ الإمام أبو علي البغدادي رحمه الله أوتي حظاً عظيماً وأنه أسلم على يده جماعة من اليهود والنصارى من سماع قراءته وحسن صوته كما تغير حال بعضهم من سماع بعض الأصوات القبيحة.
ونقل عن الإمام تقي الدين المصري أنه كان استاذاً في التجويد وأنه قرأ يوماً في صلاة الصبح : {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ} (النمل : 20) وكرر هذه الآية فنزل طائر على رأس الشيخ يسمع قراءته حتى أكملها فنظروا إليه فإذا هو هدهد قالوا : الروح
69
إذا استمع الصوت الحسن والتذ بذلك تذكر مخاطبة الحق إياه بقوله : {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} (الأعراف : 172) فحنّ إلى العود بالحضرة الربوبية وطار من الأوكار البشرية إلى الحضرة الصمدية :
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
ه كونه جان نرد سوى حضرت متعال
نداه لطف الهي رسدكه عبدي تعال
قال حضرة الشيخ أبو طالب المكي في "قوت القلوب" : إن أنكرنا السماع مجملاً مطلقاً غير مقيد مفصل يكون إنكارنا على سبعين صديقاً وإن كنا نعلم أن الإنكار أقرب إلى قلوب القراء والمتعبدين إلا أنا لا نفعل ذلك لأنا نعلم ما لا يعلمون وسمعنا عن السلف من الأصحاب والتابعين ما لا يسمعون انتهى.
فقد جوز الشيخ قدس سره السماع أي : سماع الصوت الحسن واستدل عليه بأخبار وآثار في كتابه وقوله يعتبر كما في "العوارف" لوفور علمه وكمال حاله وعلمه بأحوال السلف ومكان ورعه وفتواه وتحريه الأصوب والأعلى لكن من أباحه لم ير إعلانه في المساجد والبقاع الشريفة فعليك بترك القيل والقال والأخذ بقوة الحال.
{خَـالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِى الارْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍا وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنابَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَـاذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ} .
{خَلْقُ} تعالى وأوجد {السَّمَـاوَاتِ} السبع وكذا الكرسي والعرش {بِغَيْرِ عَمَدٍ} بفتحتين جمع عماد كأهب وأهاب وهو ما يعمد به أي : يسند يقال عمدت الحائط إذا أدعمته أي : خلقها بغير دعائم وسواري على أن الجمع لتعدد السموات ، وبالفارسية : (بيافريد آسمانها را بى ستون) {تَرَوْنَهَا} استئناف جيىء به للاستشهاد على ما ذكر من خلقه تعالى إياها غير معمودة بمشاهدتهم لها كذلك أو صفة لعمد أي : خلقها بغير عمد مرئية على أن التقييد للرمز على أنه تعالى عمدها بعمد لا ترى هي عمد القدرة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
(7/52)
واعلم أن وقوف السموات وثبات الأرض على هذا النظام من غير اختلال إنما هو بقدرة الله الملك المتعال ولله تعالى رجال خواص مظاهر القدرة هم العمد المعنوية للسموات والسبب الموجب لنظام العالم مطلقاً وهم موجودون في كل عصر فإذا كان قرب القيامة يحصل لهم الانقراض والانتقال من هذه النشأة بلا خلف فيبقى العالم كشبح بلا روح فتنحل أجزاؤه انحلال أجزاء الميت ويرجع الظهور إلى البطون ولا ينكر هذه الحال إلا مغلوب القال نعوذ بالله من الإنكار والإصرار {وَأَلْقَى فِى الارْضِ رَوَاسِىَ} الإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه وتراه ثم صار في التعارف إسماً لكل طرح.
والرواسي جمع راسية من رسا الشيء يرسو أي : ثبت والمراد الجبال الثوابت لأنها ثبتت في الأرض وثبتت بها الأرض شبه الجبال الرواسي استحقاراً لها واستقلالاً لعددها وإن كانت خلقاً عظيماً بحصيات قبضهن قابض بيده فنبذهن في الأرض وما هو إلا تصوير لعظمته وتمثيل لقدرته وأن كل فعل عظيم يتحير فيه الأذهان فهو هين عليه والمراد قال لها : كوني فكانت فأصبحت الأرض وقد أرسيت بالجبال بعد أن كانت تمور موراً أي : تضطرب فلم يدر أحد مم خلقت {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} الميد اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض يقال ماد يميد ميداً وميداناً تحرك واضطرب ، وبالفارسية : (الميد ، جنبيدن وخراميدن) والباء للتعدية.
والمعنى كراهة أن تميل بكم فإن بساطة أجزائها تقتضي تبدل أحيازها وأوضاعها لامتناع اختصاص كل منها لذاته أو لشيء من لوازمه بحيز معين ووضع مخصوص ، وبالفارسية (تازمين شمارا نه جنباند يعنى حركت ندهد ومضرب نسازد ه زمين برروى آب متحرك بود ون كشتى وبجبال راسيات آرام يافت) كما قال الشيخ سعدى قدس سره :
70
ومى كسترانيد فرش تراب
و سجاده نيك مردان برآب
زمين ازتب لرزه آمد ستوه
فرو كفت بردامنش ميخ كوه
(درموضح از ضحاك نقل ميكنندكه حق سبحانه نوزده كوه را ميخ زمين كرد تابر اى بايستاد از جمله كوه قاف وابو قبيس وجودى ولبنان وسينين وطورسينا وفيران).
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
واعلم أن الجبال تزيد في بعض الروايات على ما فيه الموضح كما سبق في تفسير سورة الحجر.
قال بعضهم : إن الجبال عظام الأرض وعروقها وهذا كقول من قال من أهل السلوك : الشمس والقمر عينا هذا التعين والكواكب ليست مركوزة فيه وإنما هي بانعكاس الأنوار في بعض عروقه اللطيفة وهذا لا يطلع عليه الحكماء وإنما يعرف بالكشف {وَبَثَّ} (ورا كنده كرد) {فِيهَا} (در زمين) {مِن كُلِّ دَآبَّةٍ} من كل نوع من أنواعها مع كثرتها واختلاف أجناسها.
أصل البث إثارة الشيء وتفريقه كبث الريح التراب وبث النفس ما انطوت عليه من الغم والشر فبث كل دابة في الأرض إشارة إلى إيجاده تعالى ما لم يكن موجوداً وإظهاره إياه والدب والدبيب مشي خفيف ويستعمل ذلك في الحيوان وفي الحشرات أكثر {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ} من السحاب لأن السماء في اللغة ما علاك وأظلك {مَآءً} هو المطر {فَأَنابَتْنَا فِيهَا} في الأرض بسبب ذلك الماء والالتفات إلى نون العظمة في الفعلين لإبراز مزيد الاعتناء بأمرهما {مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} من كل صنف كثير المنفعة.
قال في "المفردات" : وكل شيء يشرف في بابه فإنه يوصف بالكرم ، وبالفارسية : (ازهر صنف كياهى نيكو وبسيار منفعت) وكل ما في العالم فإنه زوج من حيث أن له ضداً ما أو مثلاً ما أو تركبا ما من جوهر وعرض ومادة وصورة.
وفيه تنبيه على أنه لا بد للمركب من مركب وهو الصانع الفرد.
واعلم وفقنا الله جميعاً للتفكر في عجائب صنعه وغرائب قدرته أن عقول العقلاء وأفهام الأذكياء قاصرة متحيرة في أمر النباتات والأشجار وعجائبها وخواصها وفوائدها ومضارها ومنافعها وكيف لا وأنت تشاهد اختلاف أشكالها وتباين ألوانها وعجائب صور أوراقها وروائح أزهارها وكل لون من ألوان ينقسم إلى أقسام كالحمرة مثلاً كورديّ وأرجواني وسوسني وشقائقي وخمري وعنابي وعقيقي ودموي ولكيّ وغير ذلك مع اشتراك الكل في الحمرة ثم عجائب روائحها ومخالفة بعضها بعضاً واشتراك الكل في طيب الرائحة وعجائب أشكال أثمارها وحبوبها وأوراقها ولكل لون وريح وطعم وورق وثمر وزهر وحب وخاصية لا تشبه الأخرى ولا يعلم حقيقة الحكمة فيها إلا الله والذي يعرف الإنسان من ذلك بالنسبة إلى ما لا يعرفه كقطرة من بحر وقد أخرج الله تعالى آدم وحواء عليهما السلام من الجنة فبكيا على الفراق سنين كثيرة فنبت من دموعهما نباتات حارة كالزنجبيل ونحوه فلم يضيع دموعهما كما لم يضيع نطفته حيث خلق منها يأجوج ومأجوج إذ لا يلزم أن يكون نزول النطفة على وجه الشهوة حتى يرد أنه لم يحتلم نبي قط وقد سبق البحث فيه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
{هَـاذَا} الذي ذكر من السموات والأرض والجبال والحيوان والنبات {خَلْقُ اللَّهِ} مخلوقة كضرب الأمير أي : مضروبه فأقيم المصدر مقام المفعول توسعاً {فَأَرُونِى} أيها المشركون ، والإراءة بالفارسية : (تمودن)
(7/53)
71
يقال أريته الشيء وأصله أرأيته {مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ} أي : من دون الله تعالى مما اتخذتموهم شركاء له تعالى في العبادة حتى استحقوا مشاركته في العبودية وماذا بمنزلة اسم واحد بمعنى أي : شيء نصب بخلق أو ما مرتفع بالابتداء وخبره ذا وصلته وأروني معلق عنه على التقديرين {بَلِ الظَّـالِمُونَ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ} إضراب عن تبكيتهم أي : كفار قريش إلى التسجيل عليهم بالضلال الذي لا يخفى على ناظر أي : في ذهاب عن الحق بين واضح وأبان بمعنى بان ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أنهم ظالمون بإشراكهم.
وفي "فتح الرحمن" بل هذا الذي قريش فيه ضلال مبين فذكرهم بالصفة التي تعم معهم أشباههم ممن فعل فعلهم من الأمم.
قال الكاشفي : (بلكه مشركان در كمراهى آشكارانند كه عاجزرا باقادر ومخلوق را باخالق در رستش شركت مى دهند) :
هركه هست آفريده اوبنده است
بنده دربند آفريننده است
س كجا بنده كه در بنده است
لائق شركت خداونداست
واعلم أن التوحيد أفضل الفضائل كما أن الشرك أكبر الكبائر وللتوحيد نور كما أن للشرك ناراً وأن نور التوحيد أحرق لسيآت الموحدين كما أن نار الشرك أحرق لحسنات المشركين ولكون التوحيد أفضل العبادات وذكر الله أقرب القربات لم يقيد بالزمان والأوقات بخلاف سائر الأعمال من الصيام والصلوات فالخلاص من الضلالة إنما هو بالهداية إلى التوحيد وإخلاص العبادةالحميد وفي الحديث : "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله" أي : في الآخرة فيما يخفيه من الإخلاص وغيره ، ثم علم المشرك بالشرك الجلي وكذا عمله وإن كانا في صورة الحسنة كلاهما مردود مبعود وكذا علم المشرك بالشرك الخفي وعمله فإن عمل الرياء والسمعة يدور بين السماء والأرض ثم يضرب به على وجه صاحبه وأما المخلص وعمله فكلاهما محبوب مقرب عند الله تعالى.
ـ روي ـ أن المنزل الأول من منازل الأعمال المتقبلة المشروعة هو سدرة المنتهى ويتعدى بعض الأعمال إلى الجنة وبعضها إلى العرش وكل عمل غلبت عليه الصفات الروحانية وقواها إذا اقترن به علم محقق له اعتقاد حاصل عن تصور صحيح مطابق للمتصور مع حضور وجمعية وصدق فإنه يتجاوز العرش إلى عالم المثال فيدخر فيه لصاحبه إلى يوم الجمع وقد يتعدى من عالم المثال إلى اللوح فيتعين صورته فيه ثم يرد إلى صاحبه يوم الجمع ثم من تتعدى أعماله إلى مقام القلم ثم إلى العماد فانظر إلى الأعمال الصالحة ومقاماتها العلوية واعرض عن الشرك والأعمال السفلية قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
ره راست روتا بمنزل رسى
تو برره نه زين قبل واسى
وكاوى كه عصار شمش به بست
دوان تابشب شب هم آنجا كه هست
كسى كربتابد زمحراب روى
بكفرش كواهى دهند اهل كوى
توهم شت برقبله كن درنماز
كرت در خدانيست روى نياز
فإذا كان ما سوى الله تعالى لا يقدر على خلق شيء وإعطاء ثواب فلا معني للقصد إليه بالعبادة
72
ففروا إلى الله أيها المؤمنون لعلكم تنزلون منازل أهلها آمنون.
{هَـاذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِه بَلِ الظَّـالِمُونَ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ * وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَـانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّه وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِه وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَـانُ ابْنِه وَهُوَ يَعِظُه يا بُنَىَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّه إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ} .
{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَـانَ الْحِكْمَةَ} (آورده اندكه قصه لقمان حكيم ووصايا او نزد يهود شهرتى داشت عظيم وعرب در مهمى كه بديشان رجوع كردندى ازحكمتها ولقمان براى ايشان مثل زدندى حق سبحانه وتعالى ازحال وى خبر داد وفرمود ، ولقد الخ) وهو على ما قال محمد بن إسحاق صاحب المغازي لقمان بن باغور بن باحور بن تارخ وهو آزر ابو ابراهيم الخليل عليه السلام وعاش ألف سنة حتى أدرك زمن داود عليه السلام وأخذ عنه العلم وكان يفتي قبل مبعثه فلما بعث ترك الفتيا فقيل له في ذلك فقال : ألا أكتفي إذا كفيت؟ وقال بعضهم : هو لقمان بن عنقا بن سرون كان عبداً نوبياً من أهل ايلة أسود اللون ولا ضير فإن الله تعالى لا يصطفي عباده اصطفاء نبوة أو ولاية وحكمة على الحسن والجمال وإنما يصطفيهم على ما يعلم من غائب أمرهم ونِعْمَ ما قال المولى الجامي :
ه غم زمنقصت صورت اهل معنى را
وجان زروم بود كوتن ازحبش مى باش
(7/54)
والجمهور على أنه كان حكيماً حكمة طب وحكمة حقيقة ، يعني : (مردى حكيم بود ازنيك مردان بني إسرائيل خلق را ند دادى وسخن حكمت كفتى وليكن سبط او معلوم نيست ولم يكن نبياً اما هزار يغمبررا شاكردى كرده بود وهزار يغمبر اورا شاكرد بودند درسخن حكمت).
وفي بعض الكتب قال لقمان : خدمت أربعة آلاف نبي واخترت من كلامهم ثماني كلمات : إن كنت في الصلاة فاحفظ قلبك ، وإن كنت في الطعام فاحفظ حلقك ، وإن كنت في بيت الغير فاحفظ عينيك ، وإن كنت بين الناس فاحفظ لسانك ، واذكر اثنين ، وانسى اثنين أما اللذان تذكرهما فالله والموت وأما اللذان تنساهما إحسانك في حق الغير وإساءة الغير في حقك.
ويؤيد كونه حكيماً لا نبياً كونه أسود اللون لأن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا حسن الشكل حسن الصوت.
وما روي أنه قيل ما أقبح وجهك يا لقمان فقال : أتعيب بهذا على النقش أم على النقاش.
وما قال عليه السلام حقاً.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
أقول : لم يكن لقمان نبياً ولكن كان عبداً كثير التفكر حسن اليقين أحب الله فأحبه فمنّ عليه بالحكمة وهي إصابة الحق باللسان وإصابة الفكر بالجنان وإصابة الحركة بالأركان إن تكلم تكلم بحكمة وإن تفكر تفكر بحكمة وإن تحرك تحرك بحكمة كما قال الإمام الراغب : الحكمة إصابة الحق بالعلم والفعل.
فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الأحكام.
ومن الإنسان : معرفة الموجودات على ما هي عليه وفعل الخيرات وهذا هو الذي وصف به لقمان في هذه الآية.
قال الإمام الغزالي رحمه الله : من عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله لم يستحق أن يسمى حكيماً لأنه لم يعرف أجل الأشياء وأفضلها والحكمة أجل العلوم وجلالة العلم بقدر جلالة المعلوم ولا أجل من الله ومن عرف الله فهو حكيم وإن كان ضعيف المنة في سائر العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها ومن عرف الله كان كلامه مخالفاً لكلام غيره فإنه قلما يتعرف للجزئيات بل يكون كلامه جملياً ولا يتعرض لمصالح العاجلة بل يتعرض لما ينفع في العاقبة ولما كانت الكلمات الكلية أطهر عند الناس من أحوال الحكيم من معرفته بالله ربما أطلق الناس اسم الحكمة على مثل تلك
73
الكلمات الكلية ويقال للناطق بها حكيم وذلك مثل قول سيد الأنبياء عليه السلام : "رأس الحكمة مخافة الله" ، "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى" ، "كن ورعاً تكن أعبد الناس" "وكن قنعاً تكن أشكر الناس" ، "البلاء موكل بالمنطق" ، "السعيد من وعظ بغيره" ، "القناعة مال لا ينفد" ، "اليقين الإيمان كله" فهذه الكلمات وأمثالها تسمى حكمة وصاحبها يسمى حكيماً.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
(7/55)
وفي "التأويلات النجمية" : الحكمة عدل الوحي قال عليه السلام : "أوتيت القرآن وما يعدله" وهو الحكمة بدليل قوله تعالى : {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَةَ} (الجمعة : 20) فالحكمة موهبة للأولياء كما أن الوحي موهبة للأنبياء وكما أن النبوة ليست كسبية بل هي فضل الله يؤتيه من يشاء فكذلك الحكمة ليست كسبية تحصل بمجرد كسب العبد دون تعليم الأنبياء إياه طريق تحصيلها بل بإيتاء الله تعالى كما علمنا النبي عليه السلام طريق تحصيلها بقوله : "من أخلصأربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه" وكما أن القلب مهبط الوحي من إيحاء الحق تعالى كذلك مهبط الحكمة بإيتاء الحق تعالى كما قال تعالى : {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَـانَ الْحِكْمَةَ} وقال : {يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُا وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة : 269) فثبت أن الحكمة من المواهب لا من المكاسب لأنها من الأقوال لا من المقامات والمعقولات التي سمتها الحكماء حكمة ليست بحكمة فإنها من نتائج الفكر السليم من شوب آفة الوهم والخيال وذلك يكون للمؤمن والكافر وقلما يسلم من الشوائب ولهذا وقع الاختلاف في أدلتهم وعقائدهم ومن يحفظ الحكمة التي أوتيت لبعض الحكماء الحقيقية لم تكن هي حكمة بالنسبة إليه لأنه لم يؤت الحكمة ولم يكن هو حكيماً انتهى.
قال في "عرائس البيان" : الحكمة ثلاث : حكمة القرآن وهي حقائقه ، وحكمة الإيمان وهي المعرفة ، وحكمة البرهان وهي إدراك لطائف صنع الحق في الأفعال وأصل الحكمة إدراك خطاب الحق بوصف الإلهام.
قال شاه شجاع ثلاث من علامات الحكمة : إنزال النفس من الناس منزلتها ، وإنزال الناس من النفس منزلتهم ، ووعظهم على قدر عقولهم فيقوم بنفع حاضر.
وقال الحسين بن منصور : الحكمة سهام وقلوب المؤمنين أهدافها والرامي الله والخطأ معدوم.
وقيل : الحكمة هو النور الفارق بين الإلهام والوسواس ويتولد هذا النور في القلب من الفكر والعبرة وهما ميراث الحزن والجوع.
قال حكيم : قوت الأجساد المشارب والمطاعم وقوت العقل الحكمة والعلم.
وأفضل ما أوتي العبد في الدنيا الحكمة وفي الآخرة الرحمة والحكمة للأخلاق كالطب للأجساد.
وعن علي رضي الله عنه : روّحوا هذه القلوب واطلبوا لها طرائف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان وفي الحديث : "ما زهد عبد في الدنيا إلا أنبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصّره عيوب الدنيا وعيوب نفسه وإذا رأيتم أخاكم قد زهد فاقربوا إليه فاستمعوا منه فإنه يلقى الحكمة".
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
والزهد في اللغة ترك الميل إلى الشيء وفي اصطلاح أهل الحقيقة هو بعض الدنيا والإعراض عنها وشرط الزاهد أن لا يحنّ إلى ما زهد فيه وأدبه أن لا يذم المزهود فيه لكونه من جملة أفعال الله تعالى وليشغل نفسه بمن زهد من أجله.
قال عيسى عليه السلام : أين تنبت الحبة؟ قال : في الأرض فقال : كذلك الحكمة لا تنبت إلا في قلب مثل الأرض وهو موضع نبع الماء.
والتواضع سر من أسرار الله المخزونة عنده لا يهبه على الكمال إلا لنبيّ أو صديق فليس كل تواضع تواضعاً
74
وهو أعلى مقامات الطريق وآخر مقام ينتهي إليه رجال الله وحقيقة العلم بعبودية النفس ولا يصح من العبودية رياسة أصلاً لأنها ضد لها.
ولهذا قال أبو مدين قدس سره : آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة ولا تظن أن هذا التواضع الظاهر على أكثر الناس وعلى بعض الصالحين تواضع وإنما هو تملق بسبب غاب عنك وكل يتملق على قدر مطلوبه والمطلوب منه فالتواضع شريف لا يقدر عليه كل أحد فإنه موقوف على صاحب التمكين في العالم والتحقق في التخلق كذا في "مواقع النجوم" لحضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر.
ـ روي ـ أن لقمان كان نائماً نصف النهار فنودي يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض وتحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت فقال : إن خيرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء وإن عزم عليّ أي : جزم فسمعاً وطاعة فإني أعلم إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني فقالت الملائكة بصوت لا يراهم لم يا لقمان؟ قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان إن أصاب فبالحرى أن ينجو وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً ومن يختر الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة فعجبت الملائكة من حسن منطقه ثم نام نومة أخرى فأعطى الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها.
(7/56)
قال الكاشفي : (حق سبحانه وتعالى اوراسنديد وحكمت را برو افاضه كرد بمثابه كه ده هزار كلمه حكمت ازو منقولست كه هر كلمه بعالمى ارزد) فانظر إلى قابليته وحسن استعداده لحسن حاله مع الله.
وأما أمية ابن أبي الصلت الذي كان يأمل أن يكون نبي آخر الزمان وكان من بلغاء العرب فإنه نام يوماً فأتاه طائر وأدخل منقاره في فيه فلما استيقظ نسي جميع علومه لسوء حاله مع الله تعالى.
ثم نودي داود بعد لقمان فقبلها فلم يشترط ما اشترط لقمان فوقع منه بعض الزلات وكانت مغفورة له.
وكان لقمان يوازره بحكمته ، يعني : (وزيرىء وى ميكند بحكمت) فقال له داود : طوبى لك يا لقمان أعطيت الحكمة وصرفت عنك البلوى وأعطى داود الخلافة وابتلى بالبلية والفتنة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
درقصر عافيت ه نشينيم اى سليم
مارا كه هست معركهاى بلا نصيب
وقال :
دائم كه شاد بودن من نيست مصلحت
جزغم نصيب جان ودل ناتوان مباد
ولما كانت الحكمة من أنعام الله تعالى على لقمان ونعمة من نعمه طالبه بشكره بقوله : {أَنِ اشْكُرْ} أي : قلنا له اشكرعلى نعمة الحكمة إذا آتاك الله إياها وأنت نائم غافل عنها جاهل بها {وَمِنَ} (وهركه) {يَشْكُرْ} له تعالى على نعمه {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لأن منفعته التي هي دوام النعمة واستحقاق مزيدها عائدة إليها مقصورة عليها ولأن الكفران من الوصف اللازم للإنسان فإنه ظلوم كفار والشكر من صفة الحق تعالى فإن الله شاكر عليم فمن شكر فإنما يشكر لنفسه بإزالة صفة الكفران عنها واتصافها بصفة شاكرية الحق تعالى.
{وَمَن كَفَرَ} نعمة ربه فعليه وبال كفره {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ} عنه وعن شكره {حَمِيدٌ} محمود في ذاته وصفاته وأفعاله سواء حمده العباد وشكروه أم كفروه ولا يحصى عليه أحد ثناء كما يثني هو على نفسه وعدم التعرض لكونه تعالى شكوراً لما أن الحمد متضمن للشكر وهو رأسه
75
كما قال عليه السلام : "الحمد رأس الشكر لم يشكر الله عبد لم يحمده" فإثباته له تعالى إثبات للشكر قال في "كشف الأسرار" : رأس الحكمة الشكرثم المخافة منه ثم القيام بطاعته ولا شك أن لقمان امتثل أمر الله في الشكر وقام بعبوديته (لقمان ادبى تمام داشت وعبادت فراوان وسينه آبادان ودلى رنور وحكمت روشن برمردمان مشفق ودرميان خلق مصلح وهمواره ناصح خودرا وشيده داشتى وبرمرك فرزندان وهلاك مال غم نخوردى وازتعلم هي نياسودى حكيم بود وحليم ورحيم وكريم) فلقمان ذو الخير الكثير بشهادة الله له بذلك فإنه قال : {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة : 269).
وأول ما روي من حكمته الطبية أنه بينا هو مع مولاه إذ دخل المخرج فأطال الجلوس فناداه لقمان أن طول الجلوس على الحاجة يتجزع منه الكبد ويورث الناسور ويصعد الحرارة إلى الرأس فأجلس هوينا وقم هوينا فخرج فكتب حكمته على باب الحش.
وأوّل ما ظهرت حكمته العقلية أنه كان راعياً لسيده فقال مولاه يوماً امتحاناً لعقله ومعرفته : أذبح شاة وائتني منها بأطيب مضغتين فأتاه باللسان والقلب.
وفي "كشف الأسرار" : (آنه ازجانور بدتراست وخبيث تربمن آر) فأتاه باللسان والقلب أيضاً فسأله عن ذلك فقال لقمان : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا (خواجه آن حكمت ازوى بسنديد واورا آزاد كرد).
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
وفي بعض الكتب : أن لقمان خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة فبينما هو يعظ الناس يوماً وهم مجتمعون عليه لاستماع كلمة الحكمة إذ مر به عظيم من عظماء بني إسرائيل فقال : ما هذه الجماعة؟ قيل له : هذه جماعة اجتمعت على لقمان الحكيم فأقبل إليه فقال له : ألست العبد الأسود الذي كنت ترعى بموضع كذا وكذا ، وبالفارسية : (توآن بنده سياه نيستى كه شبانىء رمه فلان مى كردى) قال : نعم فقال : فما الذي بلغ بك ما أرى؟ قال : صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعني ، يعني : (آنه دردين بكار نيايد وازان بسر نشود بكذاشتن).
قال في "كشف الأسرار" : (لقمان سى سال باداود همى بود بيك جاى وازس داود زنده بود تابعهد يونس بن متى).
وكان عند داود وهو يسرد دروعاً لأن الحديد صار له كالشمع بطريق المعجزة فجعل لقمان يتعجب مما يرى ويريد أن يسأله وتمنعه حكمته عن السؤال فلما أتمها لبسها وقال نعم درع الحرب هذه فقال لقمان : إن من الحكمة الصمت وقليل فاعله أي : من يستعمله كما قال الشيخ سعدي : (هرآنه دانى كه هرآينه معلوم توخواهدشد برسيدن او تعجيل مكن كه حكمت را زيان كند).
و لقمان ديد كاندر دست داود
همى آهن بمعجز موم كردد
نرسيدش ه مى سازى كه دانست
كه بى رسيدنش معلوم كردد
(7/57)
ومن حكمته أن داود عليه السلام قال له يوماً : كيف أصبحت؟ فقال : أصبحت بيد غيري فتفكر داود فيه صعق صعقة ، يعني : (نعره زد وبيهوش شد ومراد ازيد غير قبضتين فضل وعدلست) كما في تفسير الكاشفي.
قال لقمان : ليس مال كصحة ولا نعيم كطيب نفس.
وقال ضرب الوالد كالسبار للزرع (درتفسير ثعلبي ازحكمت لقمان مى آردكه روزى خواجه وى اورا باغلامان ديكر بباغ فرستاد تاميوه بيارد "وكان من أهون مملوك على سيده" :
76
بود لقمان يش خواجه خويشتن
درميان بندكانش خوارتنبود لقمان در غلامان ون طفيل
رمعانى تيره صورت همو ليل
غلامان ميوه را درراه بخورند وحواله خوردن آن بلقمان كردند خواجه بروخشم كرفت لقمان كفت ايشان ميوه خورده اند دروغ بمن بستند خواجه كفت حقيقت اين سخن به يز معلوم توان كرد كفت آنكه مارا آب كرم بخورانى ودرصحرا اره بدوانى تاقى كنيم ازدرون هركه ميوه بيرون آيد خائن اوست) :
كشت ساقى خواجه از آب حميم
مر غلامانرا وخوردند آن زبيمبعد ازان مى راند شان دردشتها
ميدويدند آن نفر تحت وعلا
قى در افتادند ايشان ازعنا
آب مى آورد زيشان ميوها
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
ونكه لقمان را در آمد قى زناف
مى برآمد از درونش آب صاف
حكمت لقمان وداند اين نمود
س ه باشد حكمت رب ودود
يوم تبلى والسرائر كلها
بان منكم كامن لا يشتهى
ون سقوا ماء حميما قطعت
جملة الاستار مما افضحت
هره نهان باشد آن يدا شود
هركه او خائن بود رسوا شود وعن عبد الله بن دينار أن لقمان قدم من سفر فلقي غلامه في الطريق فقال : ما فعل أبي؟ قال : مات قال : الحمدملكت أمري قال : وما فعلت أمي؟ قال : قد ماتت قال : قد ذهب همي قال : ما فعلت امرأتي؟ قال : ماتت قال : جدد فراشي قال : ما فعلت أختي؟ قال : ماتت قال : سترت عورتي قال : ما فعل أخي؟ قال : مات قال : انقطع ظهري وانكسر جناحي ثم قال : ما فعل ابني؟ قال : مات قال : انصدع قلبي.
قال في "فتح الرحمان" : وقبر لقمان بقرية صرفند ظاهر مدينة الرملة من أعمال فلسطين بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين هي البلاد التي بين الشام وأرض مصر منها الرملة وغزة وعسقلان وعلى قبره مشهد وهو مقصود بالزيارة.
وقال قتادة قبره بالرملة ما بين مسجدها وسوقها وهناك قبور سبعين نبياً ماتوا بعد لقمان جوعاً في يوم واحد أخرجهم بنو إسرائيل من القدس فألجأوهم إلى الرملة ثم أحاطوهم هناك فتلك قبورهم.
جهان جاى راحت نشد اى فتى
شدند انبيا اوليا مبتلا
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَـانُ} واذكر يا محمد لقومك وقت قول لقمان {ابْنِهِ} انعم فهو أبو أنعم أي : يكنى به كما قالوا {وَهُوَ} أي : والحال أن لقمان {يَعِظُهُ} أي : الابن.
والوعظ زجر يقترن بتخويف.
وقال الخليل : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب والاسم العظة والموعظة ، وبالفارسية : (ولقمان ند مى داد اورا وميكفت) يا بُنَىَّ} بالتصغير والإضافة إلى ياء المتكلم بالفتح والكسر وهو تصغير رحمة وعطوفة ولهذا أوصاه بما فيه سعادته إذا عمل بذلك ، وبالفارسية : (اى سرك من) {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} لا تعدل بالله شيئاً في العبادة ، وبالفارسية : (انباز مكير بخداى) {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا منه ومن لا نعمة منه.
وفي "كشف الأسرار" (بيدادى است برخويشتن بزرك) وعظمه أنه لا يغفر أبداً قال الشاعر :
77
الحمدلا شريك له
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
ومن أباه فنفسه ظلما
وكان ابنه وامرأته كافرين فما زال بهما حتى أسلما بخلاف ابن نوح وامرأته فإنهما لم يسلما وبخلاف ابنتي لوط وامرأته فإن ابنتيه أسلمتا دون امرأته ولذا ما سلمت فكانت حجراً في بعض الروايات كما سبق.
قيل : وعظ لقمان ابنه في ابتداء وعظه على مجانبة الشرك.
والوعظ زجر النفس عن الاشتغال بما دون الله وهو التفريد للحق بالكل نفساً وقلباً وروحاً فلا تشتغل بالنفس إلا بخدمته ولا تلاحظ بالقلب سواه ولا تشاهد بالروح غيره وهو مقام التفريد في التوحيد :
هركه در درياى وحدت غرقه باشد جان او
جوهر فرد حقيقت يافت از جانان او
اللهم اجعلنا من المفرّدين.
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَـانُ ابْنِه وَهُوَ يَعِظُه يا بُنَىَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّه إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الانسَـانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّه وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَـالُه فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَـاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} .
(7/58)
{وَوَصَّيْنَا الانسَـانَ بِوَالِدَيْهِ} إلى آخره اعتراض في أثناء وصية لقمان تأكيداً لما فيها من النهي عن الشرك يقال وصيت زيداً بعمر وأمرته بتعهده ومراعاته ، والمعنى : (وصيت كرديم مردم را به در ومادر ورعايت حقوق ايشان).
ثم رجح الأم ونبه على عظم حق والديه فقال : {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ} إلى قوله : {وَفِصَـالُهُ} اعتراض بين المفسر والمفسر أي : التوصية والشكر.
والمعنى بالفارسية : (برداشت مادر اورا درشكم) {وَهْنًا} حال من أمه أي : ذات وهن والوهن الضعف من حيث الخلق والخلق {عَلَى وَهْنٍ} أي : ضعفاً كائناً على ضعف فإنه كلما عظم ما في بطنها زادها ضعفاً إلى أن تضع {وَفِصَـالُه فِى عَامَيْنِ} الفصال التفريق بين الصبي والرضاع ومنه الفصيل وهو ولد الناقة إذا فصل عن امه.
والعام : بالتخفيف السنة لكن كثيراً ما تستعمل السنة في الحول الذي فيه الشدة والجدب ولذا يعبر عن الجدب بالسنة والعام فيما فيه الرخاء أي : فطام الإنسان من اللبن يقع في تمام عامين من وقت الولادة وهي مدة الرضاع عند الشافعي فلا يثبت حرمة الرضاع بعدها فالإرضاع عنده واجب إلى الاستغناء ويستحب إلى الحولين وجائز إلى حولين ونصف وهذا الخلاف بينهما في حرمة الرضاع كما أشير إليه أما استحقاق الأجرة فمقدر بحولين فلا تجب نفقة الإرضاع على الأب بعد الحولين بالاتفاق وتمام الباب في كتاب الرضاع في الفقه.
قال في الوسيط : المعنى ذكر مشقة الوالدة بإرضاع الولد بعد الوضع عامين
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
{أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ} تفسير لوصيناه أي : قلنا له اشكر لي أو علة له أي : لأن يشكر لي وما بينهما اعتراض مؤكد للوصية في حقها خاصة ولذلك قال عليه السلام : لمن قال له من أبر "أمك ثم أمك ثم أمك" ثم قال بعد ذلك "ثم أباك" والمعنى اشكر لي حيث أوجدتك وهديتك بالإسلام واشكر لوالديك حيث ربياك صغيراً وشكر الحق بالتعظيم والتكبير وشكر الوالدين بالإشفاق والتوقير.
وفي "شرح الحكم" : قرن شكرهما بشكره إذ هما أصل وجودك المجازي كما أن أصل وجودك الحقيقي فضله وكرمه فله حقيقة الشكر كما له حقيقة النعمة ولغيره مجازه كما لغيره مجازها وفي الحديث "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" فجعل شكر الناس شرطاً في صحة شكره تعالى أو جعل ثواب الله على الشكر لا يتوجه إلا لمن شكر عباده.
ثم حق المعلم في الشكر فوق حق الوالدين.
سئل الاسكندر وقيل ما بالك تعظم مؤدّبك أشد من تعظيمك لأبيك فقال : أبي حطني من السماء إلى الأرض ومؤدبي رفعني من الأرض إلى السماء.
قال الحافظ :
78
من ملك بودم وفردوس برين جايم بود
آدم آورد درين دير خراب آبادم
وقيل : لبرزجمهر ما بالك تعظيمك لمعلمك أشد من تعظيمك لأبيك؟ قال : لأن أبي سبب حياتي الفانية ومعلمي سبب حياتي الباقية.
{إِلَىَّ الْمَصِيرُ} تعليل لوجوب الامتثال بالأمر أي : إلى الرجوع لا إلى غيري فأجازيك على شكرك وكفرك.
ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى حيث لا حاكم ولا مالك سواه.
قال سفيان بن عيينة : من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات الخمس فقد شكر والديه وفي الحديث : "من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده ومن مات والداه وهو لهما غير بار وهو حي فليستغفر لهما ويتصدق لهما حتى يكتب باراً لوالديه ومن زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة كان باراً" وفي الحديث : "من صلى ليلة الخميس ما بين المغرب والعشاء ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي خمس مرات وقل هو الله أحد خمس مرات والمعوذتين خمساً خمساً فإذا فرغ من صلاته استغفر الله خمس عشرة مرة وجعل ثوابه لوالديه فقد أدى حق والديه عليه وإن كان عاقاً لهما وأعطاه الله تعالى ما يعطي الصديقين والشهداء" كذا في "الإحياء" و"قوت القلوب".
{وَإِن جَـاهَدَاكَ} المجاهدة استفراغ الجهد أي : الوسع في مدافعة العدو ، وبالفارسية : (باكسى كار زاركردن در راه خداى) والمعنى وقلنا للإنسان إن اجتهد أبواك وحملاك ، وبالفارسية : (واكر كشش وكوشش كنند دو ومادر تو باتو) {عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ} أي : بشركته تعالى في استحقاق العبادة {عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} في الشرك يعني أن خدمة الوالدين وإن كانت عظيمة فلا يجوز للولد أن يطيعهما في المعصية.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
ون نبود خويش را ديانت وتقوى
قطع رحم بهتر از مودت قربى
(7/59)
{وَصَاحِبْهُمَا} (ومصاحبت كن با يشان ومعاشرت) {فِى الدُّنْيَا} صحاباً {مَعْرُوفًا} ومعاشرة جميلة يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم من الإنفاق وغيره وفي الحديث : "حسن المصاحبة أن يطعمهما إذا جاعا وأن يكسوهما إذا عريا" فيجب على المسلم نفقة الوالدين ولو كانا كافرين وبرهما وخدمتهما وزيارتهما إلا أن يخاف أن يجلباه إلى الكفر وحينئذٍ يجوز أن لا يزورهما ولا يقودهما إلى البيعة لأنه معصية ويقودهما منها إلى المنزل.
وقال بعضهم : المعروف ههنا أن يعرفهما مكان الخطأ والغلط في الدين عند جهالتهما بالله.
قال في "المفردات" : المعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل والشرع حسنه والمنكر ما ينكر بهما ولهذا قيل للاقتصاد في الجود معروف لما كان ذلك مستحناً في العقول بالشرع {وَاتَّبِعْ} في الدين {سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ} رجع بالتوحيد والإخلاص في الطاعة وهم المؤمنون الكاملون {ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ} مرجعك ومرجعهما {فَأُنَبِّئُكُم} عند رجوعكم {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بأن أجازي كلاً منكم بما صدر عنه من الخير والشر ، وبالفارسية : (س آكاه كنم شمارا بياداش آن يزكه مى كرديد) ونزلت الآية في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من العشرة المبشرة حين أسلم وحلفت أمه أن لا تأكل ولا تشرب حتى يرجع عن دينه (آورده اندكه مادر سعد سه روزنان
79
وآب نخورد تادهن او بوى بشكافتند وآب دران ريختند وسعد ميكفت اكر اورا هفتاد روح باشد ويك بيك اكر قبض كنند يعني بفرض اكر هفتاد باربميرد من از دين اسلام بر نمى كردم) وقد سبقت قصته مع فوائد كثيرة في أوائل سورة العنكبوت.
واعلم أن أهم الواجبات بعد التوحيد بر الوالدين.
ـ روي ـ أن رجلاً قال : يا رسول الله إن أمي هرمت فأطعمها بيدي وأسقيها وأوضئها وأحملها على عاتقي فهل جازيتها حقها؟ قال عليه السلام : "لا ولا واحداً من مائة" قال : ولم يا رسول الله قال : "لأنها خدمتك في وقت ضعفك مريدة حياتك وأنت تخدمها مريداً مماتها ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل الكثير" ، قال الشيخ سعدي :
جوانى سرازراى مادر بتافت
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
دل درد مندش بآزر بتافت
و بياره شد يشش آورد مهد
كه اى سست مهر وفراموش عهد
نه كريان ودرمانده بودى وخرد
كه شبها زدست تو خوابم نبرد
نه در مهد نيروى حالت نبود
مكس راندن ازخود مجالت نبود
توانى كه از يك مكس رنجه
كه امروز سالار سر نه
بحالى شوى باز در قعر كور
كه نتوانى ازخويشتن دفع مور
دكرديده ون بر فروزد راغ
و كرم لحد خورد يه دماغ
و وشيده شمى نه بينى كه راه
نداند همى وقت رفتن زاه
توكر شكر كردى كه باديده
وكونه توهم شم وشيده
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : "لولا أني أخاف عليكم تغير الأحوال عليكم بعدي لأمرتكم أن تشهدوا لأربعة أصناف بالجنة : أولهم امرأة وهبت صداقها لزوجها لأجل الله وزوجها راض ، والثاني ذو عيال كثير يجتهد في المعيشة لأجلهم حتى يطعمهم الحلال ، والثالث : التائب من الذنب على أن لا يعود إليه أبداً كاللبن لا يعود إلى الثدي ، والرابع البار بوالديه" ثم قال عليه السلام : "طوبى لمن بر بوالديه وويل لمن عقهما".
وعن عطاء بن يسار أن قوماً سافروا فنزلوا برية فسمعوا نهيق حمار حتى أسهرهم فلما أصبحوا نظروا فرأوا بيتاً من شعر فيه عجوز فقالوا : سمعنا نهيق حمار وليس عندك حمار فقالت : ذاك ابني كان يقول لي يا حمارة فدعوت الله أن يصيره حماراً فذاك منذ مات ينهق كل ليلة حتى الصباح.
وعن وهب لما خرج نوح عليه السلام من السفينة نام فانكشفت عورته وكان عنده حام ولده فضحك ولم يستره فسمع سام ويافث صنع حام فألقيا عليه ثوباً فلما سمعه نوح قال : غير الله لونك فجعل السودان من نسل حام فصار الذل لأولاده إلى يوم القيامة ، قال الحافظ :
دخترانرا همه جنكست وجدل بامادر
سرانرا همه بدخواه در مى بينم
ثم إن الآية قد تضمنت النهي عن صحبة الكفار والفساق والترغيب في صحبة الصالحين فإن المقارنة مؤثرة والطبع جذاب والأمراض سارية.
وفي الحديث : "لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم وليس منا" أي : لا تسكنوا مع المشركين في المسكن
80
الواحد ولا تجتمعوا معهم في المجلس الواحد حتى لا تسري إليكم أخلاقهم الخبيثة وسيرهم القبيحة بحكم المقارنة :
باد ون برفضاى بد كذرد
بوى بدكيرد از هواى خبيث
قال إبراهيم الخواص قدس سره داوء القلب خمسة : قراءة القرآن بالتدبر ، وإخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع إلى الله تعالى عند السحر ، ومجالسة الصالحين :
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
ى نيك مردان ببايد شتافت
كه هركه اين سعادت طلب كرد يافت
وليكن تو دنبال ديو خسى
ندانم كه در صالحان كى رسى
كذا في "البستان".
(7/60)
{وَإِن جَـاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّا ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يا بُنَىَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّمَـاوَاتِ أَوْ فِى الارْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّه إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يا بُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَا إِنَّ ذَالِكَ مِنْ عَزْمِ الامُورِ} .
يا بُنَىَّ} (كفت لقمان فرزند خودرا كه انعم نام بود) بضم العين (اى سرك من).
قال في "الإرشاد" : شروع في حكاية بقية وصايا لقمان أثر تقرير ما في مطلعها من النهي عن الشرك وتأكيده بالاعتراض.
{إِنَّهَآ} أي : الخصلة من الإساءة أو الإحسان.
وقال مقاتل وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه : يا أبتاه إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله فرد عليه لقمان فقال : يا بني إنها أي : الخطيئة.
{إِن تَكُ} أصله تكون حذفت الواو لاجتماع الساكنين الحاصل من سقوط حركة النون بأن الشرطية وحذفت النون أيضاً تشبيهاً بحرف العلة في امتداد الصوت أو بالواو في الغنة أو بالتنوين.
وقال بعضهم : حذفت تخفيفاً لكثرة الاستعمال فلا تحذف من مثل لم يصن ولم يخن فإن وصلت بساكن ردت النون وتحرك نحو لم يكن الذين الآية {مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} المثقال ما يوزن به وهو من الثقل وذلك اسم لكل صنج.
وفي "كشف الأسرار" يقال : مثقال الشيء ما يساويه في الوزن وكثر الكلام فصار عبارة عن مقدار الدنيا انتهى ، والحبة بالفارسية : (دانه) والخردل من الحبوب معروف.
والمعنى مقدار ما هو أصغر المقادير التي توزن بها الأشياء من جنس الخردل الذي هو أصغر الحبوب المقتاتة {فَتَكُن} (س باشد آن) أي : مع كونها في أقصى غايات الصغر {فِى صَخْرَةٍ} الصخر الحجر الصلب أي : في أخفى مكان وأحرزه كجوف صخرة ما.
وقال المولى الجامي في صخرة هي أصلب المركبات وأشدها منعاً لاستخراج ما فيها انتهى والمراد بالصخرة أية صخرة كانت لأنه قال بلفظ النكرة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الأرض على الحوت والحوت في الماء والماء على صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة التي ذكر لقمان ليست في السموات ولا في الأرض كذا في "التكملة"
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
{أَوْ فِى السَّمَـاوَاتِ} مع ما بعدها.
وفي بعض التفاسير في العالم العلوي كمحدب السموات {أَوْ فِى الأرْضِ} مع طولها وعرضها.
وفي بعض التفاسير في العالم السفلي كمقعر الأرض {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} أي : يحضرها فيحاسب عليها لأنه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ، وبالفارسية : (بيارد خداى تعالى آثراً وحاضر كرداند وبرآن حساب كند) فالباء للتعدية.
قال المولى الجامي في "شرح الفصوص" : إنها أي : القصة إن تك مثقال حبة بالرفع كما هو قراءة نافع وحينئذٍ كان تامة وتأنيثها لإضافة المثقال إلى الحبة وقوله : يأت بها الله أي : للاغتذاء بها {أَنَّ اللَّهَ} من قول لقمان {لَطِيفٌ} يصل علمه إلى
81
كل خفي فإن أحد معاني اللطيف هو العالم بخفيات الأمور ومن عرف أنه العالم بالخفيات يحذر أن يطلع عليه فيما هو فيه ويثق به في علم ما يجهله.
برو علم يك ذره وشيده نيست
كه يدا ونهان بنزدش يكيست
{خَبِيرٌ} عالم بكنهه.
قال في شرح حزب البحر الخبير هو العليم بدقائق الأمور التي لا يتوصل إليها غيره إلا بالاختيار والاحتيال ومن عرف أنه الخبير ترك الرياء والتصنع لغيره بالإخلاص له فالله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ويحيط بأسرار الضمائر وبطون الخواطر ويحاسب عليها سواء كانت في صخرة النفوس أو في سماء الأرواح أو في أرض القلوب.
وفيه تنبيه لأهل المراقبة والتحذير من الملاحظات لاطلاع الحق على نوادر الخطرات وبطون الحركات.
وفي "التأويلات النجمية" : يا بُنَىَّ إِنَّهَآ} يشير إلى المقسومات الأزلية من الأرزاق والإخلاصات الإنسانية والمواهب الإلهية {إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ} أي : صخرة العدم {أَوْ فِى السَّمَـاوَاتِ} في الصورة والمعنى {أَوْ فِى الأرْضِ} في الصورة والمبني {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} لمن قدر له وقسم من أسباب السعادة والشقاوة إن شاء بطريق كسب العبد وإن شاء يجعل له مخرجاً في حصولها من حيث لا يحتسب {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ} بعباده {خَبِيرٌ} بإتيان ما قسم لهم بلطف ربوبيته فالواجب على العبد أن يثق بوعده ويتكل على كرمه فيما قدر له ويسعى إلى القيام بعبوديته انتهى.
وفي بعض الكتب إن هذه الكلمة آخر كلمة تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها فمات انتهى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62(7/61)
يقول الفقير : هذا الحضور في مقام الهيبة من صفات المقربين.
وكان إبراهيم عليه السلام إذا صلى يسمع غليان صدره وذلك من استيلاء الهيبة عليه وهذا الغليان يقال له برهان الصدر وقع لنبينا عليه السلام في مرتبة الأكملية فواعجبا لأمثالنا كيف لا ينجع فينا الوعظ ولا يأخذ بنا معاني اللفظ وليس إلا من الغفلة والنسيان وكثرة العصيان.
تا نيابى رتبه لقمانرا
آتش هيبت نسوزد جانرا
جان عاشق همو روانه بود
نزد شمع آيدا كر سوزان شود
ومن وصايا لقمان ما قال في "كشف الأسرار" : (لقمان سر خويش را ندداد ووصيت كردكه اى سر بسورها مروكة ترا رغبت دردنيا بديد آيد وأخرى بردل توفراموش كردد وكفت كه اى سر كر سعادت آخرت ميخواهى وزهد دردنيا به تشييع جنازها بيرون شو ومرك رايش شم خويش دار ودر دنيا مباش كه عيال ووبال مردم شوى از دنيا قوت ضروري بردار وفضول بكذار وزاننك زنان تاتوانى بر حذر باش وبرزنان بد فرياد خواه بالله كه ايشان دام شيطانند وسبب فتنه) يا بُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَواةَ} التي هي أكمل العبادات تكميلاً لنفسك من حيث العمل بعد تكميلها من حيث العلم والاعتقادات لأن النهي عن الشرك فيما سبق قد تضمن الأمر بالتوحيد الذي هو أول ما يجب على الإنسان.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
وفي "التأويلات النجمية" أدمها وإدامتها في أن تنتهي عن الفحشاء والمنكر فإن الله وصف الصلاة بأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر فمن كان منتهياً عنهما فإنه في الصلاة وإن لم يكن على هيئتها ومن لم يكن منتهياً عنهما فليس في الصلاة وإن كان مؤدياً هيئتها انتهى.
ومن وصايا لقمان ما قال في "كشف الأسرار" :
82
(اى سر روزه كه دارى نان دار كه شهوت ببرد نه قوت ببرد وضعيف كند تا ازنماز بازمانى كه بنزديك خدانماز دوستر ازروزه) وذلك لأن الصوم والرياضات لإصلاح الطبيعة وتحسين الأخلاق وأما الصلاة فلإصلاح النفس التي هي مأوى كل شر ومعدن كل هوى وما عبد إله أبغض إلى الله من الهوى {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} بالمستحسن شرعاً وعقلاً وحقيقته ما يوصل العبد إلى الله {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} أي : عن المستقبح شرعاً وعقلاً وتكميلاً لغيرك وحقيقته ما يشغل العبد عن الله {وَاصْبِرْ} الصبر حبس النفس عما يقتضي الشرع أو العقل الكف عنه {عَلَى مَآ أَصَابَكَ} من الشدائد والمحن كالأمراض والفقر والهم والغم لا سيما عند التصدي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أذى الذين تأمرهم بالمعروف وتبعثهم على الخير وتنهاهم عن المنكر وتزجرهم عن الشر {إِنَّ ذَالِكَ} المذكور من الوصايا وهو الأمر والنهي والصبر {مِنْ عَزْمِ الامُورِ} العزم والعزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر وعزم الأمور ما لا يشوبه شبهة ولا يدافعه ريبة.
وفي الخبر "من صلى قبل العصر أربعاً غفر الله له مغفرة عزماً" أي : هذا الوعد صادق عزيم وثيق وفي دعائه عليه السلام : "أسألك عزائم مغفرتك" أي : أسألك أن توفقني لَلأعمال التي تغفر لصاحبها لا محالة وأطلق المصدر أي : العزم على المفعول أي : المعزوم.
والمعنى من معزومات الأمور ومقطوعاتها ومفروضاتها بمعنى مما عزمه الله أي : قطعه قطع إيجاب وأمر به العباد أمراً حتماً ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل أي : من عازمات الأمور وواجباتها ولازماتها من قوله فإذا عزم الأمر أي : جد.
وفي هذا دليل على قدم هذه الطاعات والحث عليها في شريعة من تقدمنا وبيان لهذه الأمة أن من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ينبغي أن يكون صابراً على ما يصيبه في ذلك إن كان أمره ونهيه لوجه الله لأنه قد أصابه ذلك في ذات الله وشأنه.
وإشارة إلى أن البلاء والمحنة من لوازم المحبة فلا بد للمريد الصادق أن يصبر على ما أصابه في أثناء الطلب مما ابتلاه الله به من الخوف من الأعداء في الظاهر والباطن والجزع من الجوع الظاهر عند قلة الغذاء للنفس ومن الباطن عند قلة الكشوف والمشاهدات التي هي غذاء للقلب ونقص من الأموال والأنفس من مفارقة الأولاد والأهالي والإخوان والأخدان والثمرات.
يعني : ثمرات المجاهدات وبشر الصابرين على هذه الأحوال بأن عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون إلى الحضرة.
ومن وصايا لقمان على ما في "كشف الأسرار" (اى سر مبادا كه ترا كارى يش آيد از محبوب ومكروه كه تونيز در ضمير خود نان دانى كه خير وصلاح تو در آنست سر كفت اى در من أين عهد نتوانم داد تا آنكه بدانم كه آنه كفتى نانست كه توكفتى در كفت الله تعالى يغمبر مى فرستاداست وعلم وبيان آنه من كفتم باوى است تاهردو نزديك وى شويم وازوى برسيم هردو بيرون آمدند وبر مركوب نشستند وآنه دربايست بود ازتوشه وزاد سفر برداشتند بيابانى دريش بود مركوب همى راندند تاروز بنماز يشين رسيد وكرما عظيم بود آب وتوشه سرى كشت وهي نماند هر دو ازمركوب فرود آمدند وياده بشتاب همى رفتند نا كاه لقمان دريش نكرست سياهى ديد ودود بادل خويش كفت آن
83
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
(7/62)
سياهى درخت است وآن دودنشان آبادانى ومردمانكه آنجا وطن كرفته اند همنان رفتند بشتاب ناكاه سر لقمان اى بر استخوانى نهاد آن استخوان بزير قدم وى برآمد وبشت اى بيرون آمد سر بيهوش كشت وبر جاى بيفتاد لقمان دروي آويخت واستخوان بدندان ازاى وى بيرون كرد وعمامه وى اره كرد وبراى وى بست لقمان آن ساعت بكربست ويك قطره آب شم برروى سر افتاد وسرروى فرا دركرد وكفت اى باباى من بكريى بيزى كه ميكويى كه بهتر من وصلاح من در آنست اى يدره بهتريست مارا درين حال وتوشه سرى شد وما هردو درين بيابان متحير مانده ايم اكر توبروى ومرا درين حال بجاى مانى باغم وانديشه روى واكر با من اينجا مقام كنى برين حال هردو بميريم درين ه بهترست وه خبرست در كفت كريستن من اينجا آنست كه مرا دوست داشتيد كه بهر حظى كه مرا ازدنياست من فداى توكردمى كه من درم وخهربانى دران رفرزندان معلومست واما آنه توميكويى كه درين ه خيرست توه دانى مكرآن بلاكه از توصرف كرده اند خود بزركتر ازين بلاست كه بتو رسانيده اند وباشدكه اين بلاكه بتو رسانيده اند آسانتر ازآنست كه ازتو صرف كرده اند ايشان درين سخن بودندكه لقمان فلارا يش نكرست وهي يز نديد ازان سواد ودخان دال خويش كفت من اينجا يزى ميديدم واكنون نمى بينم ندانم تا آن ه بودنا كاه شخصى را ديدكه مى آمد براسبى نشسته وجامه وشيده آوازدادكه لقمان تويى كفت آرى كفت حكيم تويى كفت نين ميكويند كفت آن سربى خرده كفت اكر آن نبودى كه اين بلا بوى رسيد شمارا هردو بزمين فرو بردندى نانكه آن ديكرانرا فروبردند لقمان روى باسر كرد وكفت دريافتى وبدانستى كه هر ه بربنده رسد از محبوب ومكروه خيرت وصلاحت در آنست س هردو برخاستند ورفتند.
عمر خطاب رضي الله عنه از آنجا كفت من باك ندارم كه بامداد بر خيزم بر هر حال باشم بر محبوب يابر مكروه زيرا كه من ندانم خيرت من اندر يست.
موسى عليه السلام كفت بار خدايا ازبندكان توكيست بزرك كناهتر كفت آنكس كه مرامتهم دارد كفت آن كيست كفت استخارت كند وازمن بهترى خويش خواهد آنكه بحكم من رضا ندهد) قال الصائب :
ون سرو در مقام رضا ايستاده ام
آسوده خاطرم زبهار وخزان خويش
يا بُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَا إِنَّ ذَالِكَ مِنْ عَزْمِ الامُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِى الارْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَا إِنَّ أَنكَرَ الاصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} التصعر : التواء وميل في العنق من خلقة أو داء أو من كبر في الإنسان وفي الإبل.
والتصعير إمالته عن النظر كبراً كما قال في "تاج المصادر" (التصعير : روى بكردانيدن ازكبر).
وخد الإنسان ما اكتنف الأنف عن اليمين والشمال أو ما جاوز مؤخر العينين إلى منتهى الشدق أو من لدن المحجر إلى اللحى كما في "القاموس".
والمعنى أقبل على الناس بجملة وجهك عند السلام والكلام واللقاء تواضعاً ولا تحول وجهك عنهم ولا تغط شق وجهك وصفحته كما يفعله المتكبرون استحقاراً للناس خصوصاً الفقراء وليكن الغني والفقير عندك على السوية في حسن المعاملة.
والإشارة لا تمل خدك تكبراً أو تجبراً معجباً بما فتح الله عليك فتكون بهذا مفسداً في لحظة ما أصلحته في مدة ، قال الحافظ :
84
ببال ور مرو ازره كه تير رتابى
هوا كرفت زمانى ولى بخاك نشست
{وَلا تَمْشِ فِى الارْضِ مَرَحًا} المرح : أشد الفرح والخفة الحاصلة من النعمة كالأشر والبطر أي : حال كونك ذا فرح شديد ونشاط وعجب وخفة أي : مشياً كمشي المرح من الناس كما يرى من كثيرهم لا سيما إذا لم يتضمن مصلحة دينية أو دنيوية ، وبالفارسية : (مخرام ون جاهلان ومانند دنيا رستان) {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} الاختيال والخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة ومنه لفظ الخيل كما قيل إنه لا يركب أحد فرساً إلا وجد في نفسه نخوة أي : لا يرضى عن المتكبر المتبختر في مشيته بل يسخط عليه ، وبالفارسية : (هرخرامنده كه متكبر انه رود) وهو بمقابلة الماشي مرحاً {فَخُورٍ} هو بمقابلة المصعر خده وتأخيره لرعاية الفواصل.
والفخر المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه والفخور الذي يعدد مناقبه تطاولاً بها واحتقاراً لمن عدم مثلها.
والمعنى بالفارسية : (نازش كننده كه باسباب تنعم بر مردمان تطاول نمايد).
وفي الحديث : "خرج رجل يتبختر في الجاهلية عليه حلة فأمر الله الأرض فأخذته فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" :
و صبيان مباز وو صنوان منازل
برو مرد حق شو زروى نياز
(7/63)
قال بعض الحكماء : إن افتخرت بفرسك فالحسن والفراهة له دونك.
وإن افتخرت بثيابك وآلاتك فالجمال لها دونك.
وإن افتخرت بآبائك فالفضل فيهم لا فيك ولو تكلمت هذه الأشياء لقالت هذه محاسننا فمالك من الحسن شيء.
فإن افتخرت فافتخر بمعنى فيك غير خارج عنك.
قال الحافظ :
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
قلندران حقيقت بنيم جو نخرند
قباى اطلس آنكس كه از هنر عاريست
وإذا أعجبك من الدنيا شيء فاذكر فناءك وبقاءه أو بقاءك وزواله أو فناءكما جميعاً فإذا راقك ما هو لك فانظر إلى قرب خروجه من يدك وبعد رجوعه إليك وطول حسابه عليك إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر.
ـ حكي ـ أنه حُمِلَ إلى بعض الملوك قدح من فيروزج مرصع بالجوهر لم ير له نظير ففرح به الملك فرحاً شديداً فقال لمن عنده من الحكماء : كيف ترى هذا؟ فقال : أراه فقراً حاضراً ومصيبة عاجلة قال : وكيف ذلك؟ قال : إن انكسر كانت مصيبة لا جبر لها وإن سرق صرت فقيراً إليه وقد كنت قبل أن يحمل إليك في أمن من المصيبة والفقر فاتفق أنه انكسر القدح يوماً فعظمت المصيبة على الملك وقال : صدق الحكيم ليته لم يحمل إلينا.
إنما الدنيا كرؤيا فرّحت
من رآها ساعة ثم انقضت
{وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ} القصد ضد الإفراط والتفريط.
والمعنى واعدل في المشي بعد الاجتناب عن المرح فيه ، وبالفارسية : (وميانه باش دررفتن خود) اى توسد بين الدبيب والإسراع فلا تمشي كمشي الزهاد المظهرين الضعف في المشي من كثرة العبادات والرياضات فكأنهم أموات وهم المراؤون الذين ضل سعيهم ولا كمشي الشطار ووثوبهم وعليك بالسكينة والوقار وفي الحديث "سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن" وقول عائشة رضي الله عنها في عمر رضي الله عنه كان إذا مشى أسرع فالمراد ما فوق دبيب المتماوت.
قال بعضهم إن للشيطان من ابن آدم
85
نزغتين بأيتهما ظفر قنع الإفراط والتفريط وذلك في كل شيء يتصور ذلك فيه {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} يقال غض صوته وغض بصره إذا خفض صوته وغمض بصره.
قال في "المفردات" : الغض النقص من الطرف والصوت ، وبالفارسية : (فرو خوابانيدن شم وفرداشتن اواز) والصوت هو الهواء المنضغط عند قرع جسمين.
قال بعضهم : الهواء الخارج من داخل الإنسان إن خرج بدفع الطيع يسمى نفساً بفتح الفاء وإن خرج بالإرادة وعرض له تموّج بتصادم جسمين يسمى صوتاً وإذا عرض للصوت كيفيات مخصوصة بأسباب معلومة يسمى حروفاً.
والمعنى وانقص من صوتك واقصر واخفض في محل الخطاب والكلام خصوصاً عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعند الدعاء والمناجاة.
وكذلك وصية الله في الإنجيل لعيسى ابن مريم مُر عبادي إذا دعوني يخفضوا أصواتهم فإني أسمع وأعلم ما في قلوبهم ، وبالفارسية : (فرو آور وكم كن آوز خويش يعنى فرياد كننده ونعره زننده ودراز زبان وسخت كوى مباش) واستثنى منه الجهر لإرهاب العدو ونحوه.
وقال محمد بن طلحة في "العقد الفريد" : قد اختار الحكماء للسلطان جهارة الصوت في كلامه ليكون أهيب لسامعيه وأوقع في قلوبهم انتهى.
وفي "الخلاصة" لا يجهر الإمام فوق حاجة الناس وإلا فهو مسيء كما في "الكشف".
والفرق بين الكراهة والإساءة هو أن الكراهة أفحش من الإساءة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
وفي "إنسان العيون" : لا بأس برفع المؤذنين أصواتهم لتبليغ التكبير لمن بعد عن الإمام من المقتدين لما فيه من النفع بخلاف ما إذا بلغهم صوت الإمام فإن التبليغ حينئذٍ بدعة منكرة باتفاق الأئمة الأربعة ومعنى منكرة مكروهة.
وفي "أنوار المشارق" المختار عند الأخيار أن المبالغة والاستقصاء في رفع الصوت بالتكبير في الصلاة ونحوه مكروه والحالة الوسطى بين الجهر والإخفاء مع التضرع والتذلل والاستكانة الخالية عن الرياء جائز عير مكروه باتفاق العلماء.
وقد جمع النووي بين الأحاديث الواردة في استحباب الجهر بالذكر والواردة في استحباب الإسرار به بأن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى المصلون أو النائمون والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين ولأنه يوقظ قلب الذاكر ويجمع همة الفكر ويشنف سمعه ويطرد النوم ويزيد في النشاط وكان عليه السلام إذا سلم من صلاته قال بصوته الأعلى "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
(7/64)
ومن اللطائف أن الحَجَّاجَ سأل بعض جلسائه عن أرق الصوت عندهم فقال أحدهم : ما سمعت صوتاً أرق من صوت قارىء حسن الصوت يقرأ كتاب الله في جوف الليل قال إن ذلك لحسن.
وقال آخر ما سمعت صوتاً أعجب من أن أترك امرأتي ماخضاً وأتوجه إلى المسجد بكيراً فيأتيني آتٍ فيبشرني بغلام فقال : واحسناه.
فقال شعبة بن علقمة التميمي لا والله ما سمعت قط أَحب إلي من أن أكون جائعاً فأسمع خفخفة الخوان فقال الحجاج أبيتم يا بني تميم إلا حب الزاد {إِنَّ أَنكَرَ الاصْوَاتِ} أوحشها وأقبحها الذي ينكره العقل الصحيح ويحكم بقبحه ، وبالفارسية : (زشت ترين آوازها) {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} جمع حمار.
قال بعضهم : سمي حماراً لشدته من قولهم طعنة حمراء أي : شديدة وحمارة القيظ شدته وافراد الصوت مع إضافته إلى الجمع لما أن المراد ليس بيان حال صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع بل
86
بيان حال صوت هذا الجنس من بين أصوات سائر الأجناس.
قال أبو الليث : صوت الحمار كان هو المعروف عند العرب وسائر الناس بالقبح وإن كان قد يكون ما سواه أقبح منه في بعض الحيوان وإنما ضرب الله المثل بما هو معروف عند الناس بالقبح لأن أوله زفير وآخره شهيق كصوت أهل النار يتوحش من يسمعه ويتنفر منه كل التنفر.
والمعنى أن أنكر أصوات الناس حين يصوتون ويتكلمون لصوت من يصوّت صوت الحمار أي : يرفع صوته عند التصويت كما يرفع الحمار صوته.
ففيه تشبيه الرافعين أصواتهم فوق الحاجة بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق ثم إخلاء الكلام عن لفظ التشبيه وإخراجه مخرج الاستعارة وجعلهم حميراً وأصواتهم نهاقاً مبالغة شديدة في الذم والزجر عن رفع الصوت فوق الحاجة وتنبيه على أنه من المكاره عند الله لا من المحاب.
قال الكاشفي : (يعني در ارتفاع صوت فضلتي نيست و صوت حمار باوجود رفعت مكروهست طباع را وموجب وحشت اسماع است.
درعين المعاني آورده كه مشركان عرب برفع أصوات تفاخر ميكردندى بدين آيت رد كرد برايشان فخر ايشان).
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
يقول الفقير : إن الرد ليس بمنحصر في رفع الصوت بل كل ما في وصايا لقمان من نهي الشرك وما يليه رد لهم لأنهم كانوا متصفين بالشرك وسائر ما حكي من الأوصاف القبيحة آتين بالسيآت تاركين للصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزعين عند المصيبات والحمار مثل في الذم سيما نهاقه ولذلك كنى عنه فيقال طويل الأذنين.
قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى : صوت كل شيء تسبيح إلا صوت الحمير فإنها تصيح لرؤية الشيطان ولذلك سماه منكراً وفي الحديث : "إذا سمعتم نهاق الحمير" وهو بالضم صوتها "فتعوّذوا بالله من الشيطان فإها رأت شيطاناً وإذا سمعتم صياح الديكة" بفتح الياء جمع ديك "فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً" وفي الحديث دلالة على نزول الرحمة عند حضور أهل الصلاح فيستحب الدعاء في ذلك الوقت وعلى نزول الغضب عند أهل المصيبة فيستحب التعوذ كما في "شرح المشارق" لابن الملك.
يقول الققير : ومن هنا قال عليه السلام : "يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب" أي : يقطع كمالها وينقصها مرور هذه الأشياء بين يدي المصلي.
أما المرأة فلكونها أحب الشهوات إلى الناس وأشد فساداً للحال من الوسواس.
وأما الكلب والمراد الكلب الأسود فلكونه شيطاناً كما قال عليه السلام : "الكلب الأسود شيطان" سمي شيطاناً لكونه أعقر الكلاب وأخبثها وأقلها نفعاً وأكثرها نعاساً ومن هذا قال أحمد بن حنبل : لا يحل الصيد به.
وأما الحمار فلكون الشيطان قد تعلق بذنبه حين دخل سفينة نوح عليه السلام فهو غير مفارق عنه في أكثر الأوقات وهو السر في اختصاص الحمار برؤية الشيطان والله أعلم كما أن وجه اختصاص الديك برؤية الملك كون صياحه تابعاً لصياح ديك العرش كما ثبت في بعض الروايات الصحيحة فالملك غير مفارق عنه في غالب الحالات وفي الحديث "إن الله يبغض ثلاثة أصواتها نهقة الحيمر ونباح الكلب والداعية بالحرب".
(ورد فيه ما فيه ازحضرت مولوى قدس سره وجه انكريت صوت حمار نين نقل كرده اندكه درغالب او براى كاه وجوست.
ويا بجهت اجراء شهوت.
يا جنك بادرازكوش ديكر.
وصدايى كه
87
(7/65)
از غلبه صفات بهيمى زايد زشت ترين صداها باشد وازينجا معلوم ميشودكه ندايى كه از صاحب اخلاق روحاني وملكي آيد خوبترين نداها خواهد بود نغمهاى عاشقانه س دلكش است استماع نغمه ايشان خوش وحضرت رسالت عليه السلام آواز نرم را دوست داشتى وجهر صوت راكاره بودى) ودخل في الصوت المنكر العطسة المنكرة فلتدفع بقدر الاستطاعة وكذا الزفرات والشهقات الصادرة من أهل الطبيعة والنفس بدون غلبة الحال فإنها ممزوجة بالحظوظ مخلوطة بالرياء فلا تكون صيحة حقيقة بل صيحة طبيعة ونفس نعوذ بالله من شهوات الطبيعة وهوى النفس ومخالطة أهل الدعوى.
قال بعضهم في الآية إشارة إلى الذي يتكلم في لسان المعرفة من غير إذن من الحق وقبل أوانه ومن تصدر قبل أوانه تصدى لهوانه.
ثم من وصايا لقمان على ما في "كشف الأسرار" قوله : (أي سر ون قدرت يابى برظلم بندكان قدرت خداى برغقوبت خود يادكن واز انتقام وى بينديش كه او جل جلاله منتقم است دادستان از كردن كشان وكين خواه از ستمكاران وبحقيقت دان كه ظلم تو ازان مظلوم فراكذرد وعقوبة الله بران ظلم برتو بماند واينده بود) ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
شنيدم كه لقمان سيه فام بود
نه تن رور ونازك اندام بود
يكى بنده خويش نداشتش
ببغداد دركار كل داشتش
به سالى سرايى بر داختش
كس ازبنده خواجه نشتاختش
ويش آمدش بنده رفته باز
زلقمانش آمد نهيبى فراز
به ابش درافتاد ووزش نمود
بخنديد لقمان كه وزش ه سود
بسالى زجورت جكر خون كنم
بيك ساعت ازدل بدر ون كنم
وليكن ببخشايم اى نيك مرد
كه سود تومارا زيانى نكرد
تو آباد كردى شبستان خويش
مراحكمت ومعرفت كشت بيش
غلاميست درخيم اى نيك بخت
كه فرمايمش وقتها كار سخت
دكرره نيازارمش سخت دل
و ياد آيدم سختى كار كل
هرآنكس كه جور بزركان نبرد
نسوزد دلش بر ضعيفان خرد
كه از حاكمان سخت آيد سخن
تو برزير دستان درشتى مكن
مهازور مندى مكن بركهان
كه بريك نمط مى نماند جهان
(لقمانرا كفتند ادب از كه آموختى كفت ازبى ادبان كه هره از ايشان درنظرم ناسند آمد ازان فعل رهيز كردم) :
نكويند ازسر بازيه حرفى
كزان ندى نكيرد صاحب هوش
وكر صد باب حكمت يش نادان
بخوانند آيدش بازيه در كوش
وعن علي رضي الله عنه : الحكمة ضالة المؤمن فالتقفها ولو من أفواه المشركين ، يعني : (مرد مؤمن هميشه طالب حكمت بود نانكه طالب كم كرده خويش بود) قال عيسى عليه
88
السلام : لا تقولوا العلم في السماء من يصعد يأتي به ولا في تخوم الأرض من ينزل يأتي به ولا من وراء البحر من يعبر يأتي به العلم مجعول في قلوبكم تأدبوا بين يدي الله بآداب الروحانيين يظهر عليكم كما في "شرح منازل السائرين".
ومن آداب الروحانيين ترك الأمور الطبيعية والقيام في مقام الصمدية (عابدى را حكايت كنند كه هرشب ده من طعام بخوردى وتابسحر ختمى درنماز بكردى صاحب دلى بشنيد وكفت اكر نيم من بخوردى وبخفتى بسيار ازين فاضلتر بودى :
اندرون از طعام خالى دار
ادرو نور معرفت بينى
تهى از حكمتى بعلت آن
كه رى از طعام تابينى
واعلم أن الحكمة قد تكون متلفظاً بها كالأحكام الشرعية المتعلقة بظواهر القرآن وقد تكون مسكوتاً عنها كالأسرار الإلهية المستورة عن غير أهلها المتعلقة ببواطن القرآن فمن لج في الطلب من طريقه ولج في المعرفة بفضل الله تعالى وتوفيقه.
{وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَا إِنَّ أَنكَرَ الاصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ * أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَه ظَـاهِرَةً وَبَاطِنَةًا وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَـادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَـابٍ مُّنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَـانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ * وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَه إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
(7/66)
{أَلَمْ تَرَوْا} ألم تعلموا يا بني آدم {أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم} التسخير سياقة الشيء إلى الغرض المختص به قهراً {مَا فِي السَّمَـاوَاتِ} من الكواكب السيارة مثل الشمس والقمر وغيرهما والملائكة المقربين بأن جعلها أسباباً محصلة لمنافعكم ومراداتكم فتسخير الكواكب بأن الله تعالى سيرها في البروج على الأفلاك التي دبر لكل واحد منها فلكاً وقدر لها القرانات والاتصالات وجعلها مدبرات العالم السفلي من الزماني مثل الشتاء والصيف والخريف والربيع ومن المكاني مثل المعدن والنبات والحيوان والإنسان وظهور الأحوال المختلفة بحسب سير الكواكب على الدوام لمصالح الإنسان ومنافعهم منها.
قال الكاشفي : (رام ساخت براى نفع شما آنه در آسمانهاست از آفتاب وماه وستاره تا از روشنى ايشان بهره مندشويد) :
ز مشرق بمغرب مه وآفتاب
روان كرد وكسترد كيتى بر آب
(واز ستاركان تابدايشان راه بريد) كما قال تعالى : {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} وتسخير الملائكة بأن الله تعالى من كمال قدرته وحكمته جعل كل صنف من الملائكة موكلين على نوع من المدبرات وعوناً لها كالملائكة الموكلين على الشمس والقمر والنجوم وأفلاكها والموكلين على السحاب والمطر.
وقد جاء في الخبر "إن على كل قطرة من المطر موكلاً من الملائكة لينزلها حيث أمر" والموكلين على البحور والفلوات والرياح والملائكة الكتاب للناس الموكلين عليهم ومنهم المعقبات من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من أمر الله حتى جعل على الأرحام ملائكة فإذا وقعت نطفة الرجل في الرحم يأخذها الملك بيده اليمنى وإذا وقعت نطفة المرأة يأخذها الملك بيده اليسرى فإذا أمر بمشجها يمشج النطفتين وذلك قوله تعالى : {إِنَّا خَلَقْنَا الانسَـانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} (الإنسان : 2) والملائكة الموكلين على الجنة والنار كلهم مسخرون لمنافع الإنسان ومصالحهم حتى الجنة والنار مسخرتان لهم تطميعاً وتخويفاً لأنهم يدعون ربهم خوفاً وطمعاً وكذا سخر ما في سموات القلوب من الصدق والإخلاص والتوكل واليقين والصبر والشكر وسائر المقامات القلبية والروحانية والمواهب الربانية وتسخيرها بأن يسر لمن يسر له العبور عليها بالسير والسلوك المتداركة بالجذبة والانتفاع
89
بمنافعها والاجتناب عن مضارها {وَمَا فِى الأرْضِ} من الجبال والصحاري والبحار والأنهار والحيوانات والنباتات والمعادن بأن مكنكم من الانتفاع بها بوسط أو بغير وسط وكذا سخر ما في أرض النفوس من الأوصاف الذميمة مثل الكبر والحسد والحقد والبخل والحرص والشره والشهوة وغيرها وتسخيرها بتبديلها بالأخلاق الحميدة والعبور عليها والتمتع بخواصها محترزاً عن آفاتها {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ} أتم وأكمل {نِعَمَهُ} جمع نعمة وهي في الأصل الحالة الطيبة التي يستلزها الإنسان فأطلقت للأمور اللذيذة الملائمة للطبع المؤدية إلى تلك الحالة الطيبة {ظَـاهِرَةً} أي : حال كون تلك النعم محسوسة مشاهدة مثل حسن الصورة وامتداد القامة وكمال الأعضاء.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
دهد نطفه را صورتى ون رى
كه كر دست برآب صورتكرى
والحواس الظاهرة : من السمع والبصر والشم والذوق واللمس والنطق وذكر اللسان والرزق والمال والجاه والخدم والأولاد والصحة والعافية والأمن ووضع الوزر ورفع الذكر والأدب الحسن ونفس بلا ذلة وقدم بلا ذلة والإقرار والإسلام من طق الشهادة والصلاة والصوم والزكاة والحج والقرآن وحفظه ومتابعة الرسول والتواضع لأولياء الله والإعراض عن الدنيا ويبين آياته للناس وأنتم الأعلون يعني النصرة والغلبة وغير ذلك مما يعرفه الإنسان.
{وَبَاطِنَةً} ومعقولة غير مشاهدة بالحس كنفخ الروح في البدن وإشراقه بالعقل والفهم والفكر والمعرفة وتزكية النفس عن الرذائل وتحلية القلب بالفضائل ولذا قال عليه السلام : "اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي" ومحبة الرسول وزينه في قلوبكم والسعادة السابقة وأولئك المقربون وشرح الصدر وشهود المنعم وإمداد الملائكة في الجهاد ونحوه وصحة الدين والبصيرة وصفاء الأحوال والولاية فإنها باطنة بالنسبة إلى النبوة والفطرة السليمة وطلب الحقيقة والاستعداد لقبول الفيض واتصال الذكر على الدوام والرضى والغفران وقلب بلا غفلة وتوجه بلا علة وفيض بلا قلة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت : يا رسول الله ما هذه النعمة الظاهرة والباطنة قال : "أما الظاهرة : فالإسلام وما حَسُنَ من خلقك وما أفضل عليك من الرزق وأما الباطنة فما ستر من سوء عملك ولم يفضحك به".
س رده بيند عملهاى بد
هم او رده وشد بآلاى خود
(7/67)
"يا ابن عباس يقول الله تعالى : إني جعلت للمؤمن ثلث صلاة المؤمنين عليه بعد انقطاع عمله أكفر به عنه خطاياه وجعلت له ثلث ماله ليكفر به عنه خطاياه وسترت عليه سوء عمله الذي لو قد أريته للناس لنبذه أهله فمن سواهم" {وَمِنَ النَّاسِ} أي : وبعض الناس فهو مبتدأ خبره قوله {مَن يُجَـادِلُ} ويخاصم يقال جدلت الحبل إذا أحكمت فتله ومنه الجدال فكأن المتجادلين يفتل كل واحد منهما الآخر عن رأيه {فِى اللَّهِ} في توحيده وصفاته ويميل إلى الشرك حيث يزعم أن الملائكة بنات الله.
وقال الكاشفي : {فِى اللَّهِ} (دركتاب خداى يعنى نضر بن الحارث كه ميكفت افسانه يشينيانست.
ودر عين المعاني آورده كه
90
يكى از يهود از حضرت رسالت ناه عليه السلام رسيدكه خداى تو ازتو يزست في الحال اورا صاعقه كرفت واين آيت آمدكه كسى بودكه مجادله كند در ذات حق) {بِغَيْرِ عِلْمٍ} مستفاد من دليل {وَلا هُدًى} من جهة الرسول {وَلا كِتَـابٍ} أنزله الله تعالى {مُّنِيرٍ} مضيىء له بالحجة بل يجادل بمجرد التقليد كما قال :
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} أي : لمن يجادل والجمع باعتبار المعنى {اتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ} على نبيه من القرآن الواضح والنور البين فآمنوا به {قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ} الماضين يريدون به عبادة الأصنام يقول الله تعالى في جوابهم : {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَـانُ يَدْعُوهُمْ} الاستفهام للإنكار والتعجب من التعلق بشبهة هي في غاية البعد من مقتضى العقل والضمير عائد إلى الآباء والجملة في حيز النصب على الحالية.
والمعنى أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم بما هم عليه من الشرك {إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} فهم مجيبون إليه حسبما يدعوهم والسعر التهاب النار وعذاب السعير أي : الحميم كما في "المفردات".
وفي الآية منع صريح من التقليد في الأصول أي : التوحيد والصفات والتقليد لغة وضع الشيء في العنق محيطاً به ومنه القلادة ثم استعمل في تفويض الأمر إلى الغير كأنه ربطه بعنقه واصطلاحاً قبول قول الغير بلا حجة فيخرج الأخذ بقوله عليه السلام لأنه حجة في نفسه.
وفي "التعريفات" : التقليد عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل معتقداً للحقية فيه من غير نظير وتأمل في الدليل كأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادة في عنقه انتهى.
فالتقليد جائز في الفروع والعمليات ولا يجوز في أصول الدين والاعتقاديات بل لا بد من النظر والاستدلال لكن إيمان المقلد ظاهر عند الحنفية والظاهرية وهو الذي اعتقد جميع ما يجب عليه من حدوث العالم ووجود الصانع وصفاته وإرسال الرسل وما جاءوا به حقاً من غير دليل لأن النبي عليه السلام قبل إيمان الإعراب والصبيان والنسوان والعبيد والإماء من غير تعليم الدليل ولكنه يأثم بترك النظر والاستدلال لوجوبه عليه.
قال في "فصل الخطاب" : من نشأ في بلاد المسلمين وسبح الله عند رؤية صنائعه فهو خارج عن حد التقليد يعني إن مثل هذا المقلد لو ترك الاستدلال لا يأثم كمن في شاهق جبل فإن تسبيحه عند رؤية المصنوعات عين الاستدلال فكأنه يقول الله خالق هذا النمط البديع ولا يقدر أحد غيره على خلق مثل هذا فهو استدلال بالأثر على المؤثر وإثبات للقدرة والإرادة وغير ذلك فالاستدلال هو الانتقال من المصنوع إلى الصانع لا ملاحظة الصغرى والكبرى وترتيب المقدمات للإنتاج على قاعدة العقول وعلى هذا فالمقلد في هذا الزمان نادر.
وفي الآية إشارة إلى أن من سلك طريق المعرفة بالعقل القاصر فهو مقلد لا يصح الاقتداء به.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
خواهى بصوب كعبه تحقيق ره برى
ى برى مقلد كم كرده ره مرو
فلا بد من الاقتداء بصاحب ولاية عالم رباني واقف على أسرار الطريقة عارف بمنازل عالم الحقيقة مكاشف عن حقائق القرآن مطلع على معاني الفرقان فإنه يخرج بإذن الله تعالى من الظلمات الإنسانية إلى النور الرباني ويخلص من عذاب النفس الأمارة ويشرف بنعيم
91
القلب فإن كان مطلبك أيها السالك هو المطلب الحقيقي فإن طريقه بعيد وبرازخ منازله كثيرة لا يقدر أهل الجدل وأرباب العقول المشوبة بالوهم والخيال والشبهات على دلالة تلك الطريق فأين الثريا من يد المتطاول فهم إنما يصيدون الريح لا العنقاء إذ العنقاء في قاف الوجود وحقائق الوجود لا يعرفها إلا أهل المعرفة والشهود نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من العاملين بأحكام القرآن العظيم والمتأدبين بآداب الكلام القديم والواصلين إلى أنواره والمصاحبين بمن يتحقق بأسراره.
(7/68)
{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَه إِلَى اللَّهِ} من شرطية معناها بالفارسية (هركه ما) واسلم إذا عدى بالى يكون بمعنى سلم وإذا عدى باللام تضمن معنى الإخلاص والوجه بمعنى الذات.
والمعنى ومن يسلم نفسه إلى الله تسليم المتاع للعامل بأن فوض أمره إليه وأقبله بكليته عليه {وَهُوَ مُحْسِنٌ} والحال أنه محسن في عمله آت به على الوجه اللائق الذي هو حسنه الوصفي المستلزم لحسنه الذاتي ولا يحصل ذلك غالباً إلا عن مشاهدة ولذا فسر النبي عليه السلام "الإحسان" : بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
{فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} .
قال في "المفردات" : إمساك الشيء التعلق به وحفظه واستمسكت بالشيء إذا تحريت بالإمساك انتهى.
والاستمساك بالفارسية (نك درزدن) كما في "تاج المصادر".
والعروة بالضم ما يعلق به الشيء من عروته بالكسر أي : ناحيته والمراد مقبض نحو الدلو والكوز.
والوثقى الموثقة المحكمة تأنيث الأوثق كالصغرى تأنيث الأصغر والشيء الوثيق ما يأمن صاحبه من السقوط.
والمعنى فقد تعلق بأوثق ما يتعلق به من الأسباب وأقواه ، وبالفارسية : (دست درزد استوارتر كوشه وبدست آويز محكم) وهو تمثيل لحال المتوكل المشتغل بالطاعة بحال من أراد أن يترقى إلى شاهق جبل فتمسك بأوثق عرى الحبل المتدلى منه بحيث لا يخاف انقطاعه {وَإِلَى اللَّهِ} لا إلى أحد غيره {عَـاقِبَةُ الامُورِ} عاقبة أمر المتوكل وأمر غيره فيجازيه أحسن الجزاء ، وبالفارسية (وبالله كردد سر انجام همه كار ونان بود كه او خواهد).
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
{وَمَن كَفَرَ} (وهركه نكردد نك در عروه وثقى نزند) {فَلا يَحْزُنكَ كُفْرُه} فإنه لا يضرك في الدنيا والآخرة يقال احزنه من المزيد ويحزنه من الثلاثي وأما حزن الثلاثي ويحزن المزيد فليس بشائع في الاستعمال {إِلَيْنَا} لا إلى غيرنا {مَرْجِعُهُمْ} رجوعهم ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى حيث لا حاكم ولا مالك سواه {فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا} في الدنيا من الكفر والمعاصي بالعذاب والعقاب وجمع الضمائر الثلاثة باعتبار معنى من كما أن الإفراد في الموضعين باعتبار لفظه {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي : الضمائر والنيات المصاحبة بالصدر فيجازي عليها كما يجازي على الأعمال الظاهرة.
{وَمَن كَفَرَ فَلا يَحْزُنكَ كُفْرُه ا إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِذَاتِ الصُّدُورِ * نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه قُلِ الْحَمْدُ لِلَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا} .
{نُمَتِّعُهُمْ} أي : الكافرين بمنافع الدنيا {قَلِيلا} تمتيعاً قليلاً أو زماناً قليلاً ، وبالفارسية : (برخور دارى دهم ايشانرا بنعمت وسرور زمانى اندك كه زود انقطاع يابد) فان ما يزول وإن كان بعد أمد طويل بالنسبة إلى ما يدوم قليل {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} الاضطرار حمل الإنسان على ما يضره وهو في التعارف حمل على أمر يكرهه أي : نلجئهم ونردهم في الآخرة قهراً ، وبالفارسية : (س بياريم ايشانرا به بياركى
92
يعني نا ر بيايند) {إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} يثقل عليهم ثقل الأجرام الغلاظ أو نضم إلى الإحراق الضغط والتضييق.
وفي "التأويلات النجمية" : غلظة العذاب عبارة عن دوامه إلى الأبد انتهى.
والغليظ ضد الرقيق وأصله أن يستعمل في الأجسام لكن قد يستعار للمعاني كما في "المفردات".
{وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم} أي : الكافرين {مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ} أي : الأجرام العلوية والسفلية {لَيَقُولُنَّ} خلقهن {اللَّهِ} لغاية وضوح الأمر بحيث اضطروا إلى الاعتراف به {قُلِ الْحَمْدُ} على أن جعل دلائل التوحيد بحيث لا يكاد ينكرها المكابرون أيضاً {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} شيئاً من الأشياء فلذلك لا يعملون بمقتضى اعترافهم بأن يتركوا الشرك ويعبدوا الله وحده.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
{وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه قُلِ الْحَمْدُ لِلَّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ * وَلَوْ أَنَّمَا فِى الارْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَـامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّه مِنا بَعْدِه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا} .(7/69)
{مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ} فلا يستحق العبادة فيهما غيره {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ} بذاته وصفاته قبل خلق السموات والأرض وبعده لا حاجة به في وجوده وكماله الذاتي إلى شيء أصلاً وكلمة هو للحصر أي : هو الغني وحده وليس معه غني آخر دليله قوله : {وَاللَّهُ الْغَنِىُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَآءُ} (محمد : 28) {الْحَمِيدُ} المحمود في ذاته وصفاته وإن لم يكن له حامد فهو الحامد لنفسه :
اى غنى درذات خود ازما سواى خويشتن
خود توميكويى بحمد خود ثناى خويشتن
وفي الأربعين الإدريسية : يا حميد الفعال ذا المنّ على جميع خلقه بلطفه.
قال السهروردي رحمه الله من داوم على هذا الذكر يحصل له من الأموال ما لا يمكن ضبطه.
وفي الآيات أمور :
منها أن التفويض والتوكل وإخلاص القصد والإعراض عما سوى الله والإقبال على الله بالتوحيد والطاعة من موجبات حسن العاقبة وهي الجنة والقربة والوصلة كما أن الكفر والشرك والرياء والسمعة من أسباب سوء العاقبة وهي النار والعذاب الغليظ والفرقة والقطيعة ، قال الشيخ العطار قدس سره :
زر وسيم وقبول كار وبارت
نيايد دردم آخر بكارت
اكراخلاص باشد آن زمانت
بكارآيد وكرنه واى جانت
وفي "البستان" :
شنيدم كه نا بالغى روزه داشت
بصد محنت آورد روزى باشت
در ديده بوسيد وما درسرش
فشاندند بادام وزر برسرش
و بروى كذر كرديك نيم روز
فتاد اندر روز آتش معده سوز
بدل كفت اكر لقمه ندى خورم
ه داند در غيب يا مادرم
و روى سر دردر بود وقوم
نهان خورد ويدا بسر برد صوم
س اين ير ازان طفل نادانترست
كه ازبهر مردم بطاعت درست
فالتمسك بأحكام الدين هي العروة الوثقى لأهل اليقين فإنها لا تنفصم بخلاف سائر العرى.
ومنها : أن ليس لعمر الدنيا بقاء بل هي ساعة من الساعات.
فعلى العاقل أن لا يغتر بالتمتع القليل بل يتأهب لليوم الطويل.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
دريغاكه بكذشت عمر عزيز
بخواهد كذشت اين دمى ندنيز
93
كنون وقت تخمست اكر رورى
كر امبد دارى كه خر من برى
ومنها : أن الله تعالى قدر المقادير ودبر الأمور فالكل يجري في الأفعال والأحوال على قضائه وقدره وليس على الناصح إلا التبليغ دون الجبر والحزن على عدم القبول فإن الحجر لا يصير مرآة بالصيقل.
توان اك كردن ز نك آينه
وليكن نيايد زسنك آينه
ومنها أن عدم الجريان بموجب العلم من الجهل في الحقيقة.
كرهمه علم عالمت باشد
بى عمل مدعى وكذابى
ومنها أن الله تعالى خلق الخلق ليربحوا عليه لا ليربح عليهم فمنفعة الطاعات والعبادات راجعة إلى العباد لا إلى الله تعالى إذ هو غني عن العالمين لا ينتفع بطاعاتهم ولا يتضرر بمعاصيهم فهو يمنّ عليهم أن هداهم للإيمان والطاعات وليس لهم أن يمنوا عليه بإسلامهم جعلنا الله وإياكم من عباده المخلصين وحفظنا في حصنه الحصين من عونه وتوفيقه الرصين.
{وَلَوْ أَنَّمَا فِى الارْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَـامٌ} جواب لليهود حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو أمروا وفد قريش أن يسألوه عن قوله : {وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} (الإسراء : 85) وقد أنزل التوراة وفيها علم كل شيء يعني أن علم التوراة وسائر ما أوتي الإنسان من الحكمة والمعرفة وإن كان كثيراً بالنسبة إليهم لكنه قطرة من بحر علم الله.
وقال قتادة : قال المشركون القرآن يوشك أن ينفد وينقطع فنزلت.
وقوله : {مِن شَجَرَةٍ} حال من الموصول وهي ماله ساق وتوحيدها لما أن المراد تفصيل الأحاد يعني أن كل فرد من جنس الشجر بحيث لا يبقى منه شيء لو برى قلماً وأصل القلم القص من الشيء الصلب كالظفر وخص ذلك بما يكتب به.
وفي "كشف الأسرار" : سمي قلماً لأنه قط رأسه والإقليم القطعة من الأرض وتقليم الأظفار قطعها.
والفرق بين القط والقدّ أن القط القطع عرضاً والقدّ القطع طولاً والقطع فصل الجسم بنفوذ جسم آخر فيه.
والمعنى : لو ثبت أن الأشجار أقلام {وَالْبَحْرُ} أي : والحال أن البحر المحيط بسعته وهو البحر الأعظم الذي منه مادة جميع البحار المتصلة والمنقطعة وهو بحر لا يعرف له ساحل ولا يعلم عمقه إلا الله تعالى والبحار التي على وجه الأرض خلجان منه وفي هذا البحر عرش إبليس لعنه الله وفيه مدائن تطفو على وجه الماء وأهلها من الجن في مقابلة الربع الخراب من الأرض وفي هذا البحر ينبت شجر المرجان كسائر الأشجار في الأرض وفيه من الجزائر المسكونة والخالية ما لا يعلمه إلا الله تعالى وهو أي : البحر مبتدأ خبره قوله
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
(7/70)
{يَمُدُّهُ} أي : يزيده وينصب فيه من مد الدواة جعلها ذات مداد وزاده فيها فلذا أغنى عن ذكر المداد {مِنا بَعْدِهِ} أي : من بعد نفاده وفنائه {سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} نحو بحر الصين وبحر تبت كسكر على ما في "القاموس" وبحر الهند وبحر السند وبحر فارس وبحر الشرق وبحر الغرب والله أعلم.
قال في "أسئلة الحكم" : إن الله زين الدنيا بسبعة أبحر وسبعة أقاليم انتهى ولم يتعرضوا لتعداد الأبحر فيما رأينا وقد استخرجناها من موضعها بطريق التقريب وأجرينا القلم فيها ويحتمل أن يكون المراد الأنهار السبعة من الفرات ودجلة وسيحان
94
وسيحون وجيحان وجيحون والنيل لأن البحر عند العرب هو الماء الكثير.
وقال الكاشفي : {سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} (هفت درياى ديكر مانند او) انتهى فيكون ذكر العدد للتكثير كما لا يخفى.
وفي "الإرشاد" إسناد المد إلى الأبحر السبعة دون البحر المحيط مع كونه أعظم منها وأطم لأنها هي المجاورة للجبال ومنابع المياه الجارية وإليها تنصب الأنهار العظام أولاً ومنها تنصب إلى البحر المحيط ثانياً.
والمعنى يمده الأبحر السبعة مداً لا ينقطع أبداً وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله {مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـاتُ اللَّهِ} أي : ما فنيت متعلقات علمه وحكمته ونفدت تلك الأقلام والمداد وقد سبق تحقيقه في أواخر سورة الكهف عند قوله تعالى : {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا} (الكهف : 109) الآية وإيثار جمع القلة في الكلمات للإيذان بأن ما ذكر لا يفي بالقليل منها فكيف بالكثير.
وفي "التأويلات النجمية" : أي : لو أن ما في الأرض من الأشجار أقلام والبحر يصير مداداً وبمقدار ما يقابله ينفق القرطاس ويتكلف الكتاب حتى تنكسر الأقلام وتفنى البحار وتستوفي القراطيس وفنى عمر الكتاب ما نفدت معاني كلام الله تعالى لأن هذه الأشياء وإن كثرت فهي متناهية ومعاني كلامه لا تتناهى لأنها قديمة والمحصور لا يفي بما لا حصر له انتهى وقد قصر من جعل الأرض قرطاساً.
وفي الآية إشارة ظاهرة إلى قدم القرآن فإن عدم التناهي من خاصية القديم.
وجاء في حق القرآن "ولا تنقضي عجائبه" أي : لا ينتهي أحد إلى كنه معانيه العجيبة وفوائده الكثيرة.
وفي الآية إشارة أيضاً إلى أن كلمات الحكماء الإلهية وعلومهم لا تنقطع أبداً لأنها من عيون الحكمة كما أن ماء العين لا ينقطع عن عينه وكيف ينقطع وحكمة الحكيم تلقين من رب العالمين وفيض من خزائنه وخزائنه لا تنفد كما دلت عليه الآية ولبعض العارفين تجلي برقيّ يعطي في مقدار طرفة عين من العلوم ما لا نهاية له وإذا كان حاله هذا في جزء يسير من الزمان فما ظنك بحاله في مدة عمره {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} لا يعجزه شيء {حَكِيمٌ} لا يخرج عن علمه وحكمته أمر فلا تنفد كلماته المؤسسة عليهما.
وخاصية الاسم العزيز وجود الغنى والعز صورة ومعنى فمن ذكره أربعين يوماً في كل يوم أربعين مرة أغناه الله وأعزه فلم يحوجه إلى أحد من خلقه والتقرب بهذا الاسم في التمسك بمعناه وذلك برفع الهمة عن الخلائق وهو عزيز جداً.
وخاصية الاسم الحكيم دفع الدواهي وفتح باب الحكمة من أكثر ذكره صرف عنه ما يخشاه من الدواهي وفتح له باب من الحكمة والتقرب بهذا الاسم تعلقاً أن تراعي حكمته في الأمور مقدماً ما جاء شرعاً ثم عادة فتسلم من معارض شرعي وتخلقاً أن تكون حكيماً والحكمة في حقنا الإصابة في القول والعمل وقد سبق في أول قصة لقمان.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
واعلم أن في خلق البحار والأنهار والجزائر ونحوها حكماً ومصالح تدل على عظم ملكه تعالى وسعة سلطانه وليس من بر ولا بحر إلا وفيه خلق من الخلائق يعبد الله تعالى على أن الاسكندر وصل إلى جزيرة الحكماء وهي جزيرة عظيمة فرأى بها قوماً لباسهم ورق الشجر وبيوتهم كهوف في الصخر والحجر فسألهم مسائل في الحكمة فأجابوا بأحسن جواب وألطف خطاب لما أنهم من مظاهر الاسم الحكيم فقال لهم : سلوا حوائجكم لتقضى فقالوا له : نسألك
95
الخلد في الدنيا فقال : وأنى به لنفسي ومن لا يقدر على نفس من أنفاسه كيف يبلغكم الخلد فقال كبيرهم : نسألك صحة في أبداننا ما يقينا فقال : وهذا أيضاً لا أقدر عليه قالوا فعرّفنا بقية أعمارنا فقال : لا أعرف ذلك لروحي فكيف بكم؟ فقالوا له : فدعنا نطلب ذلك ممن يقدر على ذلك وأعظم من ذلك وجعل الناس ينظرون إلى كثرة الجنود أي : جنود الاسكندر وعظمة موكبه وبينهم شيخ صعلوك لا يرفع رأسه فقال الإسكندر : مالك لا تنظر إلى ما ينظر إليه الناس؟ قال الشيخ : ما أعجبني الملك الذي رأيته قبلك حتى أنظر إليك وإلى ملكك فقال الاسكندر : وما ذاك؟ قال الشيخ : كان عندنا ملك وآخر صعلوك فماتا في يوم واحد فغبت عنهما مدة ثم جئت إليهما واجتهدت أن أعرف الملك من المسكين فلم أَعرفه فتركهم وانصرف.
قال الشيخ العطار قدس سره :
ه ملكت اين وتوه ادشاهى
كه باشير اجل بر مى نيايى
اكر تو في المثل بهرام زورى
بروزوا سين بهرام كورى
حوملك اين جهان ملكى رونده است
(7/71)
بملك آن جهان شد هركه زنده است
اكر آن ملك خواهى اين فداكن
كه بابراهيم ادهم اقتداكن
رباط كهنه دنيا در انداخت
جهاندارى بدرويشى فروباخت
اكره ملك دنيا ادشاييست
ولى ون بنكرى اصلش كداييست
{وَلَوْ أَنَّمَا فِى الارْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَـامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّه مِنا بَعْدِه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـاتُ اللَّه إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُا بَصِيرٌ} .
{مَّا خَلْقُكُمْ} قال مقاتل وقتادة : إن كفار قريش قالوا : إن الله خلقنا أطواراً نطفة علقة مضغة لحماً فكيف يبعثنا خلقاً جديداً في ساعة واحدة فأنزل الله هذه الآية وقال : ما خلقكم أيها الإنسان مع كثرتكم.
وقال الكاشفي : (نيست آفريدن شما اى اهل مكة) {وَلا بَعْثُكُمْ} إحياؤكم وإخراجكم من القبور ، وبالفارسية : (ونه برانكيختن شما بعدا ازمرك) {إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلا كخلقها وبعثها في سهولة الحصول إذ لا يشغله شأن عن شأن لأنه يكفي لوجود الكل تعلق إرادته وقدرته قلوا أو كثروا ويقول : كن فيكون.
وقال الكاشفي : يعني (حق سبحانه وتعالى در خلق اشيا بآلات وادوات احتياج ندارد بلكه اسرافيل را كويد بكوبر خيز نداز كورها بيك دعوت او همه خلائق از كور بابيرون آيند) ومثاله في الدنيا أن السلطان يضرب النقارة عند الرحيل فيتهيأ الكل في ساعة واحدة {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُ} يسمع كل مسموع فيدخل فيه ما قالوا في أمر الخلق والبعث مما يتعلق بالإنكار والاستبعاد {بَصِيرٌ} يبصر كل مبصر لا يشغله علم بعضها عن بعض فكذلك الخلق والبعث.
وقال بعضهم : بصير بأحوال الأحياء والأموات.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
س بقدرت نين كس عجز راراه نيست
قدرت بى عجز ندادى بكس
قدرت بى عجز تودارى وبس
{مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُا بَصِيرٌ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} .
{أَلَمْ تَرَ} ألم تعلم يا من يصلح للخطاب علماً قوياً جارياً مجرى الرؤية.
{أَنَّ اللَّهَ} بقدرته وحكمته {يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ} الولوج الدخول في مضيق والإيلاج الإدخال أي : يدخل
96
الليل في النهار ويضيفه إليه بأن يزيد من ساعات الليل في ساعات النهار صيفاً بحسب مطالع الشمس ومغاربها ، يعني : (ازوقت نزول آفتاب بنقطه شتوى تازمان حلول أو بنقطه انقلاب صيفي از اجزاى شب مى كاهد ودر اجزاى روز مى افزايد تاروزى كه دراول جدى اقصر ايام سنه دراول سرطان اطول ايام سنه ميشود) يعني يصير النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات.
قال عبد الله بن سلام : أخبرني يا محمد عن الليل لِمَ سمي ليلاً قال : "لأنه منال الرجال من النساء جعله الله الفة ومسكناً ولباساً" قال : صدقت يا محمد ولِمَ سمي النهار نهاراً قال : "لأنه محل طلب الخلق لمعايشهم ووقت سعيهم واكتسابهم" قال : صدقت {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ} أي : يدخله فيه ويضم بعض أجزائه إليه بأن يزيد من ساعات النهار في ساعات الليل شتاء بحسب المطالع والمغارب ، يعني : (درباقى سنه ازاجزاى روز كم مى كند واجزاى شب را بدان زياده مى زاد تاشبى كه در آخر جوزا اقصر ليالى بود در آخر قوس اطول ليالى ميشود) ، يعني : يصير الليل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات ووجدت مملكة في خط الاستواء لها ربيعان وصيفان وخريفان وشتاآن في سنة واحدة وفي بعضها ستة أشهر ليل وستة أشهر نهار وبعضها حر وبعضها برد وممالك الأقاليم السبعة التي ضبط عددها في زمن المأمون ثلاثمائة وثلاث وأربعون مملكة منها ثلاثة أيام وهي أضيقها وثلاثة أشهر وهي أوسعها والمملكة سلطان الملك وبقاعه التي يتملكها
جزء : 7 رقم الصفحة : 62(7/72)
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} (رام كرد رفتاب وماه راكه سبب منافع الخلق اند).
قال عبد الله بن سلام : أخبرني يا محمد عن الشمس والقمر أهما مؤمنان أم كافران؟ قال عليه السلام : "مؤمنان طائعان مسخران تحت قهر المشيئة" قال : صدقت قالك فما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور قال : "لأن الله محا آية الليل وجعل آية النهار ومبصرة نعمة منه وفضلاً ولولا ذلك لما عرف الليل من النهار" والجملة عطف على يولج والاختلاف بينهما صيغة لما أن إيلاج أحد الملوين في الآخر أمر متجدد في كل حين وأما تسخير النيرين فأمر لا تعدد فيه ولا تجدد وإنما التعدد والتجدد في آثاره وقد أشير إلى ذلك حيث قيل : {كُلُّ} من الشمس والقمر {يَجْرِى} بحسب حركته الخاصة القسرية على المدارات اليومية المتخالفة المتعددة حسب تعدد الأيام جرياً مستمراً {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} قدره الله تعالى لجريهما وهو يوم القيامة كما روي عن الحسن فإنهما لا ينقطع جريهما إلا حينئذٍ وذلك لأنه تموت الملائكة الموكلون عليهما فيبقى كل منهما خالياً كبدن بلا روح ويطمس نورهما فيلقيان في جهنم ليظهر لعبدة الشمس والقمر والنار أنها ليست بآلهة ولو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها فالجملة اعتراض بين المعطوفين لبيان الواقع بطريق الاستطراد هذا وقد جعل جريانهما عبارة عن حركتها الخاصة بهما في فلكهما والأجل المسمى عن منتهى دورتهما وجعل مدة الجريان للشمس سنة وللقمر شهراً فالجملة حينئذٍ بيان لحكم تسخيرهما وتنبيه على كيفية إيلاج أحد الملوين في الآخر وكون ذلك بحسب انقلاب جريان الشمس والقمر على مداراتهما اليومية {وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} عالم بكنهه عطف على أن الله يولج الخ داخل معه في حيز الرؤية فإن من شاهد ذلك الصنع الرائق والتدبير اللائق لا يكاد يغفل عن كون
97
صانعه محيطاً بجلائل أعماله ودقائقها.
{ذَالِكَ} المذكور من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع واختصاص الباري بها {بِأَنَّ اللَّهَ} أي : بسبب أن الله تعالى {هُوَ الْحَقُّ} الهيته فقط {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ} يعبدون {مِن دُونِهِ} تعالى من الأصنام {الْبَـاطِلُ} الهيته لا يقدر على شيء من ذلك فليس في عبادته نفع أصلاً والتصريح بذلك مع أن الدلالة على اختصاص حقية الهيته به تعالى مستتبعة للدلالة على بطلان الهية ما عداه لإبراز كمال الاعتناء بأمر التوحيد {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِىُّ} المرتفع عن كل شيء {الْكَبِيرُ} المتسلط عليه يحتقر كل في جنب كبريائيه.
قال في "شرح حزب البحر" : من علم أنه العلي الذي ارتفع فوق كل شيء علوه مكانة وجلالاً يرفع همته إليه ولا يختار سواه ويحب معالي الأمور ويكره سفسافها.
وعن علي رضي الله عنه علو الهمة من الإيمان.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
قال الحافظ :
همايى ون توعالى قدر حرص استخوان حيفست
دريغا سايه همت كه برنا اهل افكندى
ومن عرف كبرياءه ونسي كبرياء نفسه تعلق بعروة التواضع والإنصاف ولزم حفظ الحرمة.
وفي "الأربعين الإدريسية" : يا كبير أنت الذي لا تهتدي العقول لوصف عظمته.
قال السهروردي : إذا أكثر منه المديان أدى دينه واتسع رزقه وأن ذكره معزول عن رتبة سبعة أيام كل يوم ألفاً وهو صائم فإنه يرجع إلى مرتبته ولو كان ملكاً ثم في قوله : {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَـاطِلُ} إشارة إلى أن كل ما يطلب من دونه تعالى هو الباطل فلا بد من تركه بالاختيار قبل الفوت بالاضطرار ومن المبادرة إلى طلب العلى الكبير قبل فوات الفرصة.
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف
كه فرصت عزيزاست والوقت سيف
نكه دار فرصت كه عالم دميست
دمى يش دانا به از عالميست
نسأل الله التدارك.
{ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَـاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ ءَايَاتِهِ ا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَا فَلَمَّا نَجَّـاـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ} .
(7/73)
{أَلَمْ تَرَ} رؤية عيانية أيها الذي من شأنه الرؤية والمشاهدة {أَنَّ الْفُلْكَ} بالفارسية (كشتى) {تَجْرِى} (مى رود).
قال في "المفردات" الجري المر السريع وأصله لمر الماء ولما يجري بجريه {فِى الْبَحْرِ} (دردريا) {أَلَمْ تَرَ} الباء للصلة أي : متعلقة بتجري أو للحال أي : متعلقة بمقدر هو حال من فاعله أي : ملتبسة بنعمته تعالى وإحسانه في تهيئة أسبابه.
وقال الكاشفي : (بمنت واحسان او آنرا برورى آب نكه ميدارد بادرا براى رفتن او ميفرستد).
وفي "الأسئلة المقحمة" برحمة الله حيث جعل الماء مركباً لكم لتقريب المزار {لِيُرِيَكُم} (تابنمايد شمارا) {مِّنْ ءَايَاتِهِ} أي : بعض دلائل وحدته وعلمه وقدرته وبعض عجائبه وهو في الظاهر سلامتهم في السفينة كما قيل لتاجر ما أعجب ما رأيته من عجائب البحر قال : سلامتي منه وفي الحقيقة سلامة السالكين في سفينة الشريعة بملاحية الطريقة في بحر الحقيقة {إِنَّ فِى ذَالِكَ} المذكور من أمر الفلك والبحر {لايَـاتٍ} عظيمة في ذاتها كثيرة في عددها {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} مبالغ في الصبر على المشاق فيتعب نفسه في التفكر في الأنفس والآفاق {شَكُورٍ} مبالغ في الشكر على نعمائه وهما صفتا المؤمن فكأنه قيل لكل مؤمن وأنه وصفه بهما لأن أحسن خصاله الصبر والشكر والإيمان نصفان نصف للصبر ونصف للشكر.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
واعلم : أن الصبر تحمل المشاق بقدر القوة البدنية وذلك في الفعل كالمشي ورفع الحجر كما يحصل للجسوم
98
الخشنة وفي الانفعال كالصبر على المرض واحتمال الضرب والقطع وكل ذلك ليس بفضيلة تامة بل الفضيلة في الصبر عن تناول مشتهى لإصلاح الطبيعة والصبر على الطاعات لإصلاح النفس فالصبر كالدواء المر وفيه نفع.
طبيب شربت تلخ ازبراى فائده ساخت†
والشكر تصور النعمة بالقلب والثناء على المنعم باللسان والخدمة بالأركان وجعل الصبر مبدأ والشكر منتهى يدل على كون الشكر أفضل من الصبر فإن من صبر فقد ترك إظهار الجزع ومن شكر فقد تجاوز إلى إظهار السرور بما جزع له الصابر فكم من فرق بين حبس النفس على مقاساة البلاء وهو الصبر وبين عدم الالتفات إلى البلاء بل يراه من النعماء وهو الشكر وفي وصف الأولياء :
خوشا وقت شوريد كان غمش
اكر زخم بينند اكر مرهمش
دمادم شراب الم در كشند
وكر تلخ بينند دم در كشند
نه تلخ است صبرى كه برياد اوست
كه تلخى شكر باشد ازدست دوست
{وَإِذَا غَشِيَهُم} غشيه ستره وعلاه والضمير لمن ركب البحر مطلقاً أو لأهل الكفر أي : علاهم وأحاط بهم {مَّوْجٌ} هو ما ارتفع من الماء {كَالظُّلَلِ} كما يظل من جبل أو سحاب أو غيرهما ، وبالفارسية : (موج دريا كه دربزركى مانند سايبانها يا مثل كوهها يا ابراها) جمع ظلة بالضم ، وبالفارسية : (سايبان) كما قال في "المفردات" الظلة شيء كهيئة الصفة وعليه حمل قوله تعالى : {مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ} وذلك موج كقطع السحاب انتهى.
وفي "كشف الأسرار" كل ما أظلك من شيء فهو ظلة شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها وجعل الموج وهو واحد كالظلل وهو جمع لأن الموج يأتي منه شيء بعد شيء {دَعَوُا اللَّهَ} (خوانند خدايرا) حال كونهم {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي : الدعاء والطاعة لا يذكرون معه سواه ولا يستغيثون بغيره لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد والإخلاص أفراد الشيء من الشوائب {فَلَمَّا نَجَّـاـاهُمْ} الله تعالى {إِلَى الْبَرِّ} وجاد بتحقيق مناهم بسبب إخلاصهم في الدعاء ، وبالفارسية : (س آن هنكام كه برهاند ايشانرا وبرساندبسلامت بسوى صحرا وبيابان) {فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ} أي : مقيم على الطريق القصد وهو التوحيد أو متوسط في الكفر لانزجاره في الجملة.
قال بعضهم لما كان يوم فتح مكة : أمّن رسول الله صلى الله عليه وسلّم الناس إلا أربعة نفر وقال : "اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة ابن أبي جهل ، وعبد الله بن خطل ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح" فأما عكرمة فهرب إلى البحر فأصابتهم ريح عاصف فقال أهل السفينة : اخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً ههنا فقال عكرمة لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص فما ينجيني في البر غيره اللهم إن لك علي عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمداً حتى أضع يدي في يده فلاجدن عفوّاً كريماً فسكنت الريح فرجع إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
قضا كشتى آنجا كه خواهد برد
وكرنا خدا جامه برتن درد
99
كرت بيخ اخلاص در بوم نيست
ازين در كسى ون تومحروم نيست
سلامت در اخلاص اعمال هست
شود زورق زرق كاران شكست(7/74)
{وَمَا يَجْحَدُ بآياتنا} (وانكار نكنند نشانهاى قدرت مارا) {إِلا كُلُّ خَتَّارٍ} غدار فإنه نقض للعهد الفطري أو رفض لما كان في البحر.
والختر أسوء الغدر وأقبحه.
قال في "المفردات" الختر غدر يختر فيه الإنسان أي : يضعف ويكسر لاجتهاده فيه {كَفُورٍ} مبالغ في كفران نعم الله تعالى وإنما يذكر هذا اللفظ لمن صار عادة له كما يقال ظلوم وإنما وصف الكافر بهما لأنهما أقبح خصال فيه.
وقد عدَّ النبي عليه السلام الغدر من علامات المنافق لكن قال علي رضي الله عنه : الوفاء لأهل الغدر غدر والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله تعالى كما أن التكبر على المتكبر صدقة.
فعلى العاقل الوفاء بالعهد ، وهو الخروج عن عهدة ما قيل عند الإقرار بالربوبية بقوله : {بَلَى} حيث قال الله تعالى : {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} (الأعراف : 172) وهو للعامة العبادة رغبة في الوعد ورهبة من الوعيد وللخاصة الوقوف مع الأمر لا لغرض وقد يعرض للإنسان النسيان فينسى العهد فيصير مبتلى بحسب مقامه.
ـ حكي ـ أن الشيخ أبا الخير الأقطع سئل عن سبب قطع يده فقال : كنت أتعيش من سقط مائدة الناس فخطر لي الترك والتوكل فعهدت أن لا آكل من طعام الناس ولا من حبوب الأراضي فلم يفتح الله لي شيئاً من القوت قريباً من خمسين يوماً حتى غلب الضعف على القوى ثم فتح قرصتين مع شيء من الأدام ثم إني خرجت من بين الناس وسكنت في مغارة فيوماً من الأيام خرجت من المغارة فرأيت بعض الفواكه البرية فتناولت شيئاً منها حتى إذا جعلته في فمي تذكرت العهد وألقيته وعدت إلى المغارة ففي أثناء ذلك أخذ بعض اللصوص وقطاع الطريق فقطع أيديهم وأرجلهم في حضور أمير البلدة فأخذوني أيضاً وقالوا : أنت منهم حتى إذا كنت عند الأمير قطع يدي فلما أرادوا قطع رجلي تضرعت إلى الله تعالى وقلت يا رب إن يدي هذه جنت فقطعت فما جناية رجلي فعند ذلك جاء شخص إلى الأمير كان يعرفني فوصف له الحال حتى عفا بل اعتذر اعتذاراً بليغاً فهذه حال الرجال مع الله فالعبرة حفظ العهد ظاهراً وباطناً.
قال الحافظ :
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
ازدم صبح ازل تاآخر شام ابد
دوستى ومهر بريك عهد ويك ميثاق بود
وأما الكفران فسبب لزوال الإيمان ألا ترى أن بلعم بن باعوراء لم يشكر يوماً على توفيق الإيمان وهداية الرحمن حتى سلب عنه والعياذ بالله تعالى.
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَا فَلَمَّا نَجَّـاـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌا وَمَا يَجْحَدُ بآياتنا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ * يا اأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِه وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِه شَيْـاًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} .
{أَيُّهَا النَّاسُ} نداء عام لكافة المكلفين وأصله لكفار مكة {اتَّقُوا رَبَّكُمْ} (برهيزيد ازعذاب وخشم خداوند خويش) وذلك بالاجتناب عن الكفر والمعاصي وما سوى الله تعالى.
قال بعض العارفين مرة يخوّفهم بأفعاله فيقول : {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} (الأنفال : 25) ومرة بصفاته فيقول : {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (العلق : 14) ومرة بذاته فيقول : {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (آل عمران : 28) {وَاخْشَوْا} الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى عليه {يَوْمًا} .
قال في "التيسير" يجوز أن يكون على ظاهره لأن يوم القيامة مخوف {لا يَجْزِى} فيه {وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ} أي : لا يقضي عنه شيئاً من الحقوق ولا يحمل من سيآته ولا يعطيه من طاعاته يقال جزاه دينه إذا قضاه.
وفي "المفردات" الجزاء
100
الغناء والكفاية كقوله تعالى : {لا تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} (البقرة : 123) والفارسية (وبترسيد از روزى كه دفع نكند عذاب را وباز ندارد در از سر خويش) والولد ولو كان يقع على القريب والبعيد أي : ولد الولد لكن الإضافة تشير إلى الصلبي القريب فإذا لم يدفع عما هو الصق به لم يقدر أن يدفع عن غيره بالطريق الأولى.
ففيه قطع لأطماع أهل الغرور المفتخرين بالآباء والأجداد المعتمدين على شفاعتهم من غير أن يكون بينهم جهة جامعة من الإيمان والعمل الصالح
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
(7/75)
{وَلا مَوْلُودٌ} (ونه فرزندى) عطف على والد وهو مبتدأ خبره قوله : {هُوَ جَازٍ} قاض ومؤدّ {عَن وَالِدِه شَيْـاًا} ما من الحقوق وخص الولد والوالد بالذكر تنبيهاً على غيرهما والمولود خاص بالصلبي الأقرب فإذا لم يقبل شفاعته للأب الأول الذي ولد منه لم يقبل لمن فوقه من الأجداد وتغيير النظم للدلالة على أن المولود أولى بأن لا يجزي ولقطع طمع من توقع من المؤمنين أن ينفع أباه الكافر في الآخرة ولذا قالوا : إن هذا الخبر خاص بالكفار فإن أولاد المؤمنين وآباءهم ينفع بعضهم بعضاً قال تعالى : {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (الطور : 21) أي : بشرط الإيمان {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} بالحشر والجنة والنار والثواب والعقاب والوعد يكون في الخير والشر يقال وعدته بنفع وضر وعداً وميعاداً والوعيد في الشر خاصة {حَقٌّ} كائن لا خلف فيه {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا} يقال غره خدعه وأطمعة بالباطل فاغتر هو كما في "القاموس" والمراد بالحياة الدنيا زينتها وزخارفها وآمالها ، يعني : (بمتاعهاى دلفريب او فريفته مشويد).
وفي "التأويلات النجمية" : أي : بسلامتكم في الحال وعن قريب ستندمون في المآل انتهى {وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} .
قال في "المفردات" الغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوات وشيطان وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين أي : ولا يخدعنكم الشيطان المبالغ في الغرور والخدعة بأن يرجيكم التوبة والمغفرة فيجسركم على المعاصي وينسيكم الرجوع إلى القبور ويحملكم على الغفلة عن أحوال القيامة وأهوالها.
وعذر فردارا عمر فردا بايد†
كار امروز بفردا نكذارى زنهار
روز ون يافته كاركن وعذر ميار
قال في "كشف الأسرار" : الغرة بالله حسن الظن به مع سوء العمل وفي الخبر : "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله المغفرة" ونعم ما قيل :
إن السفينة لا تجري على اليبس†
فلا بد من الأعمال الصالحة فإن بها النجاة وبها يلتحق الأواخر بالأوائل.
ففي الآية حسم لمادة الطمع في الانتفاع بالغير مع إهمال الإسلام أو الطاعات اعتماداً على صلاح الغير فإن يوم القيامة يوم عظيم لا ينفع فيه من له اتصال الولادة فما ظنك بما سواها ويشتغل كل أحد بنفسه إلا من رحمه الله تعالى.
وعن كعب الأحبار تقول امرأة من هذه الأمة لولدها يوم القيامة : يا ولدي أما كان لك بطني وعاء وحجري وطاء وثديي سقاء كما قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
نه طفلى زبان بسته بودى زلاف
همى روزى آمد بجوفت زناف
ونافت بريدند روزى كسست
به ستان مادر در آويخت دست
101
كنار وبرمادر دلذير
بهشت است وستان ازوجوى شير
فاحمل عني واحداً فقد أثقلني ذنوبي فيقول هيهات يا أماه كل نفس بما كسبت رهينة فإذا حملت عنك فمن يحمل عني.
من وتو دو محتاج يك مائده
نه ازمن نه از تو بمن فائده
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : "إنه ليكون للوالدين على ولدهما دين فإذا كان يوم القيامة يتعلقان به فيقول : أنا ولدكما فيودّ أن لو كان أكثر من ذلك" فلا يليق للمؤمن الإهمال في العبادة والتوبة والندم اغتراراً واعتماداً على مجرد الكرم.
ـ ذكر في الإسرائيليات ـ أن الكليم عليه السلام مرض فذكر له دواء المرض فأبى وقال : يعافيني بغير دواء فطالت علته ، فأوحى الله إليه وقال : وعزتي وجلالي لا أبرئك حتى تتداوى ، أتريد أن تبطل حكمتي.
فاتضح بهذا أن الأعمال أسباب ووسائل للجنات والدرجات وإن لم تكن عللاً موجبة فكما أن أهل الدنيا يباشرون الأسباب في تحصيل مرامهم فكذلك ينبغي لأهل الآخرة أن يباشروا الأعمال الصالحة في تحصيل الدرجات العالية والمطالب الأخروية.
ومن هذا المقام ما حكي عن إبراهيم بن أدهم قدس سره أنه لما منع من دخول الحمام بلا أجرة تأوّه وقال : إذا منع من دخول بيت الشيطان بلا شيء فأنى يدخل بيت الرحمن بلا شيء؟ قال بعض الكبار : لا ينبغي للمؤمن أن يتطير ويعد نفسه من الأشقياء فيتكاسل في العمل بل ينبغي أن يحسن الظن بالله تعالى ويجاهد في طريقه فإن للاعتقاد تأثيراً بليغاً وقد وعد الله ووعد الشيطان ووعد الله تعالى صدق محض لأنه هو الولي ووعد الشيطان كذب محض لأنه هو العدو فالإصغاء لكلام الولي خير من استماع كلام العدو فلا تغتر بتغرير الشيطان والنفس ولا بالحياة الدنيا فإن دولتها ذاهبة وزينتها زائلة وليس لها لأحد وفاء.
برمرد هشيار دنيا خس است
كه هر مدتى جاى ديكر كسست
منه برجهان دل كه بيكانه ايست
و مطرب كه هرروز درخانه ايست
نه لائق بود عشق بادلبرى
كه هربا مدادش بود شوهرى
مكن تكيه برملك وجاه وحشم
كه يش ازتو بودست وبعد ازتوهم
همه تخت وملكى ذيرد زوال
بجز ملك فرمانده لا يزال
وغم وشادمانى نماند وليك
جزاى عمل ماند ونام نيك
عروسى بود نوبت ماتمت
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
كرت نيك روزى بود خاتمت
(7/76)
خدايا بحق بني فاطمة
كه برقول ايمان كنم خاتمه
نسأل الله سبحانه أن يختمنا على أفضل الأعمال الذي هو التوحيد وذكر رب العرش المجيد ويجعلنا في جنات تجري من تحتها الأنهار ويشرفنا برؤية جماله المنير في الليل والنهار آمين بجاه النبي الأمين.
يا اأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِه وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِه شَيْـاًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّا فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِندَه عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الارْحَامِا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسُا بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُ} .
{إِنَّ اللَّهَ عِندَه عِلْمُ السَّاعَةِ} الساعة جزء من أجزاء الجديدين سميت بها القيامة لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا أي : عنده علم وقت قيام القيامة وما يتبعه من الأحوال والأهوال وهو متفرد بعلمه فلا يدري أحد من الناس في أي : سنة وفي أي :
102
شهر وفي أي : ساعة من ساعات الليل والنهار تقوم القيامة.
ـ روي ـ أن الوارث بن عمرو من أهل البادية أتى النبي عليه السلام فسأله عن الساعة ووقتها وقال : إن أرضنا أجدبت وإني ألقيت حباتي في الأرض فمتى ينزل المطر وتركت امرأتي حبلى فحملها ذكر أم أنثى وإني أعلم ما عملت أمس فما أعمل غداً وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت فنزلت ، يعني : (اين ن علم در خزانه مشيت حضرت آفريد كاراست وكليد اطلاع بدان بدست اجتهاد هي آدمى نداده اند) وإنما أخفى الله وقت الساعة ليكون الناس على حذر وأهبة كما روي أن أعرابياً قال للنبي عليه السلام : متى الساعة فقال عليه السلام : "وما أعددت لها" قال : لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله فقال : "أنت مع من أحببت".
لي حبيب عربي مذنى قرشي
كه بود دردو غمش مايه سودا وخوشى
ذره وارم بهوا دورىء اورقص كنان
تاشد او شهره آفاق بخورشيد وشى
{وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} عطف على ما يقتضي الظرف من الفعل تقديره أن الله يثبت عنده علم الساعة وينزل الغيث كما في "المدارك".
وسمي المطر غيثاً لأنه غياث الخلق به رزقهم وعليه بقاؤهم فالغيث مخصوص بالمطر النافع أي : وينزله في زمانه الذي قدره من غير تقديم وتأخير إلى محله الذي عينه في علمه من غير خطأ وتبديل فهو متفرد بعلم زمانه ومكانه وعدد قطراته.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62
ـ روي ـ مرفوعاً "ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا السماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء" وفي الحديث : "ما سنة بأمطر من أخرى ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم فإذا أعصوا جميعاً صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار" فمن أراد استجلاب الرحمة فعليه بالتوبة والندامة والتضرع إلى قاضي الحاجات بأخلص المناجاة.
تو ازفشاندن تخم اميد دست مدار
كه در كرم نكند ابرنوبهار امساك
{وَيَعْلَمُ مَا فِى الارْحَامِ} الرحم بيت منبت الولد ووعاؤه أي : يعلم ذاته أذكر أم أنثى حي أم ميت وصفاته أتام أم ناقص حسن أم قبيح سعيد أم شقي :
براحوال نابوده علمش بصير
براسرار كفته لطفش خبير
قديمى نكو كار نيكوسند
بكلك قضا در رحم نقش بند
زبر افكند قطره سوى يم
زصلب آورد نطفه درشكم
ازان قطره لؤلؤى لالا كند
وزين صورتي سرو بالاكند
{وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ} من النفوس ، والدراية : المعرفة المدركة بضرب من الحيل ولذا لا يوصف الله بها ولا يقال الداري وأما قول الشاعر :
لا هم أدرى وأنت تدري†
فمن تصرف أجلاف العرب أو بطريق المشاكلة كما في قوله تعالى : {تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ} (المائدة : 116) أي : ذاتك {مَّاذَا} أي : أي شيء {تَكْسِبُ غَدًا} الكسب ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ مثل كسب المال وقد يستعمل فيما يظن الإنسان أن يجلب به منفعة به مضرة والغد اليوم الذي يلي يومك الذي أنت فيه كما أن أمس اليوم الذي قبل يومك بليلة أي : يفعل ويحصل من خير وشر ووفاق وشقاق وربما تعزم على خير فتفعل الشر وبالعكس وإذا لم يكن
103
للإنسان طريق إلى معرفة ما هو أخص به من كسبه وإن أعمل حيله وأنفذ فيها وسعه كان من معرفة ما عداه مما لم ينصب له دليل عليه أبعد وكذا إذا لم يعلم ما في الغد مع قربه فما يكون بعده لا يعلمه بطريق الأولى.
نداندكسى ون شود امر او
ه حاصل كند درس عمر او
يجز حق كه علمش محيط كلست
برابر باوماضى مستقبلست
{وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ} وإن أعملت حيلها {بِأَىِّ أَرْضٍ} مكان {تَمُوتُ} من بر وبحر وسهل وجبل كما لا تدري في أي : وقت تموت وإن كان يدري أنه يموت في الأرض في وقت من الأوقات.
جزء : 7 رقم الصفحة : 62(7/77)
ـ روي ـ أن ملك الموت مر على سليمان عليه السلام فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه فقال الرجل : من هذا؟ قال : ملك الموت فقال : كأنه يريدني فمر الريح أن تحملني وتلقيني في بلاد الهند ففعل فقال الملك : كان دوام نظري إليه تعجباً منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك.
قال في "المقاصد الحسنة" : كان رجل يقول : اللهم صلِ على ملك الشمس فيكثر ذلك فاستأذن ملك الشمس ربه أن ينزل إلى الأرض فيزوره فنزل ثم أتى الرجل فقال : إني سألت الله النزول من أجلك فما حاجتك؟ فقال : بلغني أن ملك الموت صديقك فسأله أن ينسىء في أجلي ويخفف عني الموت فحمله معه وأقعده مقعده من الشمس وأتى ملك الموت فأخبره فقال : من هو؟ فقال : فلان ابن فلان فنظر ملك الموت في اللوح معه فقال : إن هذا لا يموت حتى يقعد مقعدك من الشمس قال : فقد قعد مقعدي من الشمس فقال : فقد توفته رسلنا وهم لا يفرّطون فرجع ملك الشمس إلى الشمس فوجده قد مات.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يطوف ببعض نواحي المدينة فإذا بقبر يحفر فأقبل حتى وقف عليه فقال : لمن هذا؟ قيل : لرجل من الحبشة فقال : "لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه حتى دفن في الأرض التي خلق منها تقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني" وأنشدوا :
إذا ما حمام المرء كان ببلدة
دعته إليها حاجة فيطير
وفائدة هذا : تنبيه العبد على التيقظ للموت والاستعداد له بحسن الطاعة والخروج عن المظلمة وقضاء الذين وإثبات الوصية بما له وعليه في الحضر فضلاً عن أوان الخروج عن وطنه إلى سفر فإنه لا يدري أين كتبت منيته من بقاع الأرض وأنشد بعضهم :
مشينا في خطى كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها
وأرزاق لنا متفرقات
فمن لم تأته منا أتاها
ومن كتبت منيته بأرض
فليس يموت في أرض سواها
كما في "عقد الدرر" {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ} يعلم الأشياء كلها {خَبِيرٌ} يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها وعنه عليه السلام : "مفاتيح الغيب خمس وتلا هذه الآية فمن ادعى علم شيء من هذه المغيبات الخمس فهو كافر بالله تعالى" وإنما عد هذه الخمس وكل المغيبات لا يعلمها إلا الله لما أن السؤال ورد عنها كما سبق في سبب النزول.
وكان أهل الجاهلية يسألون المنجمين عنها زاعمين أنهم يعلمونها وتصديق الكاهن بما يخبره عن الغيب كفر لقوله عليه السلام : "من أتي كاهناً فصدقه
104
(7/78)
فيما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد" والكاهن هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ويدّعي معرفة الأسرار وكان في العرب كهنة يدعون معرفة الأمور فمنهم من يزعم أنه له رئيا من الجن يلقي إليه الأخبار.
قال أبو الحسن الآمدي في "مناقب الشافعي" التي ألفها : سمعت الشافعي يقول : من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلنا شهادته لقوله تعالى : {إِنَّه يَرَااكُمْ هُوَ وَقَبِيلُه مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} (الأعراف : 27) إلا أن يكون الزاعم نبياً كذا في "حياة الحيوان".
والمنجم إذا ادعى العلم بالحوادث الآتية فهو مثل الكاهن وفي الحديث : "من سأل عرّافاً لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" والعرّاف من يخبر عن المسروق ومكان الضالة والمراد من سأله على وجه التصديق لخبره وتعظيم المسؤول يعني إذا اعتقد أنه ملهم من الله أو أن الجن يلقون إليه مما يسمعون من الملائكة فصدقه فهو حرام وإذا اعتقد أنه عالم بالغيب فهو كفر كما في حديث الكاهن.
وأما إذا سأل ليمتحن حاله ويخبر باطن أمره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهو جائز فعلم أن الغيب مختص بالله تعالى.
وما روي عن الأنبياء والأولياء من الأخبار عن الغيوب فبتعليم الله تعالى إما بطريق الوحي أو بطريق الإلهام والكشف فلا ينافي ذلك الاختصاص علم الغيب مما لا يطلع عليه إلا الأنبياء والأولياء والملائكة كما أشار إليه بقوله : (الجن : 26 ـ 27) ومنه ما استأثر لنفسه لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل كما أشار إليه بقوله : {وَعِندَه مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَآ إِلا هُوَ} (الأنعام : 59) ومنه علم الساعة فقد أخفى الله علم الساعة لكن إماراتها بانت من لسان صاحب الشرع كخروج الدجال ونزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها وغيرها مما يظهر في آخر الزمان من غلبة البدع والهوى وكذا أخبر بعض الأولياء عن نزول المطر وأخبر عما في الرحم من ذكر وأنثى فوقع كما أخبر لأنه من قبيل الإلهام الصحيح الذي لا يتخلف وكذا مرض أبو العزم الأصفهاني في شيراز فقال : إن مت في شيراز فلا تدفنوني إلا في مقابر اليهود فإني سألت الله أن أموت في طرطوس فبرىء ومضى إلى طرطوس ومات فيها يعني أخبر أنه لا يموت في شيراز فكان كذلك.
يقول الفقير : أخبر شيخي وسندي قدس سره في بعض تحريراته عن وقت وفاته قبل عشرين سنة فوقع كما قال وذلك من إمارات وراثته الصحيحة.
فإن قيل : إذا أمكن العلم بالغيب لخلص عباده تعالى بتعليمه إياهم فلم لم يعلم الله نبيه الغيوب المذكورة في الآية؟ فالجواب أن الله تعالى إنما فعل ذلك إشعاراً بأن المهم للعبد أن يشتغل بالطاعة ويستعد لسعادة الآخرة ولا يسأل عما لا يهم ولا يشتغل بما لا يعنيه فافهم جداً واعمل لتكون عاقبتك خيراً.
105
جزء : 7 رقم الصفحة : 62(7/79)
سورة السجدة
مكية وآيها ثلاثون
جزء : 7 رقم الصفحة : 105
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
{الم} (مرتضى علي كرم الله وجهه فرمودكه هر كتاب خدايرا خلاصه بوده وخلاصه قرآن حروف مقطعه است.
وكفته اند الف ازاقصاى حلق آيد وآن اول مخارج است.
ولام ازطرف لسانكفته شود وآن اوسط مخارج است.
وميم را ازشفه كويند وآن آخر مخارج است واين سخن اشارتست بآن كه بنده بايدكه درمبادى وأواسط وأواخر أقوال وأفعال خود بذكر حق بسحانه وتعالى مستأنس باشد).
وقال البقلي رحمه الله : الألف إشارة إلى الأعلام واللام إلى اللزوم والميم إلى الملك أعلم من نفسه أهل الكون لزوم العبودية عليهم وملكهم قهراً وجبراً حتى عبدوه طوعاً وكرهاً فمن علم وقع في الاسم ومن عبد وقع في الصفة ومن تسخر لمراده كما أراد وقع في نور الذات.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير بالألف إلى أنه ألف المحبوب بقربتي فلا يصبرون عني وألف العارفون بتمجيدي فلا يستأنسون بغيري والإشارة في اللام لأني لأحبائي مدخر لقائي فلا أبالي أقاموا على صفائي أم قصروا في وفائي والإشارة في الميم ترك أوليائي مرادهم لمرادي فلذلك آثرتهم على جميع عبادي.
وفي "كشف الأسرار" (كفته اندكه رب العزة جل جلاله ون نور فطرت مصطفى عليه السلام بيافريد انرا بحضرت عزت خود بداشت نانكه خود خواست) فبقي بين يدي الله مائة ألف عام وقيل ألفي عام ينظر الله في كل يوم سبعين ألف نظرة يكسوه في كل نظرة نوراً جديداً وكرامة جديدة (ودران نظرها باسر فطرت او كفته بودندكه عزت قرآن مرتبت دار عصمت توخواهد بودآن خبردر نظرت اوراسخ كشته بود ون عين طينت او باسر فطرت او باين عالم آوردند واز دركاه عزت وحى منزل روى آورد اومى كفت ارجوك اين تحقيق آن وعد است كه مرا آن وقت دادند تسكين دل ويرا وتصديق انديشه او آيت فرستادكه {الم} الف اشارتست بالله لام بجبرئيل ميم بمحمد.
ميكويد بالهيت من وتقدس جبريل ومجد تو يا محمد اين وحى وآن فرآن آنست كه ترا وعده داده بوديم كه مرتبت دار نبوت ومعجز دولت توخواهد بود) وقال أهل التفسير : ألم خبر لمبتدأ محذوف أي : هذه السورة مسماة بألم.
{تَنزِيلُ الْكِتَابِ} في هذا المقام وجوه من الاعراب الأوجه الأنسب بما بعده أنه مبتدأ ومعناه بالفارسية : (فرو فرستادن قرآن) {لا رَيْبَ فِيهِ} حال من الكتاب أي : حال كونه لا شك فيه عند أهل الاعتبار {مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} خبر المبتدأ فإن كونه من رب العالمين حكم مقصود الإفادة وإنما كان منه لكونه معجزاً فلما أنكر قريش كونه منزلاً من رب العالمين قال :
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
{أَمْ} منقطعة أي : بل أ {يَقُولُونَ افْتَرَااهُ} اختلق محمد القرآن فهذا القول منهم منكر متعجب منه لغاية ظهور بطلانه.
وفي "التأويلات النجمية" : إذا تعذر لقاء الأحباب فأعز الأشياء على الأحباب كتاب الأحباب.
ذوقي رسد ازنامه تو روز فراقم
كرنامه طاعت نرسد روز قيامت
أنزل رب العالمين إلى العالمين كتاباً في الظاهر ليقرأ على أهل الظاهر فينذر به أهل الغفلة ويبشر به أهل الخدمة وكتاباً في الباطن على أهل الباطن ليتنور بأنواره بواطنهم ويتزين بأسراره سرائرهم فينذر به أهل القربة لئلا يلتفتوا إلى غيره ولا يستأنسوا بغيره فتسقطهم الغيرة عن القربة ويبشر به أهل المحبة بالوفاء بوعد الرؤية وباللقاء على بساط الوصلة وبالبقاء
106
بعد الفناء في الوحدة فيتكلموا بالحق عن الحق للحق فإذا سمع أهل الباطن كلامهم في الحقائق من ربهم أنكر عليهم أهل الغفلة أنه من الله.
زدشيخ شهر طعنه بر اسرار اهل دل
المرء لا يزال عدواً لما جهل
ثم أضرب عنه إلى بيان حقيقة ما أنكروه فقال : {بَلْ} (نه ننين است كافران ميكويند بلكه) {هُوَ} أي : القرآن {الْحَقُّ} (سخن درست وراست است فرآمده) {مِن رَّبِّكَ} (از رورد كار تو) ثم بين غايته فقال : {لِتُنذِرَ} (تابيم كنى از عذاب الهى) {قَوْمًا} هم العرب {مَّآ} نافية {أَتَااهُم مِّن نَّذِيرٍ} مخوف {مِّن قَبْلِكَ} أي : من قبل إنذارك أو من قبل زمانك إذ كان قريش أهل الفطرة وأضل الناس وأحوجهم إلى الهداية لكونهم أمة أمية وفي الحديث : "ليس بيني وبينه نبي" أي : ليس بيني وبين عيسى نبي من العرب أما إسماعيل عليه السلام فكان نبياً قبل عيسى مبعوثاً إلى قومه خاصة وانقطعت نبوته بموته وأما خالد بن سنان فكان نبياً بعد عيسى ولكنه أضاعه قومه فلم يعش إلى أن يبلغ دعوته وقد سبقت قصته على التفصيل فعلم من هذا أن أهل الفطرة ألزمتهم الحجة العقلية لأنهم كانوا عقلاء قادرين على الاستدلال لكنهم لم تلزمهم الحجة الرسالية {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} بإنذارك إياهم والترجي معتبر من جهته عليه السلام أي : لتنذرهم راجياً لاهتدائهم إلى التوحيد والإخلاص فعلم منه أن المقصود من البعثة تعريف طريق الحق وكل يهتدي بقدر استعداده إلا أن لا يكون له استعداد أصلاً كالمصرين فإنهم لم يقبلوا التربية والتعريف وكذا من كان على جبلتهم إلى يوم القيامة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
توان اك كردن زنك آينه
وليكن نيايد زسنك آينه
وأما قول "المثنوي" :
كرتوسنك صخره ومرمر شوى
ون بصاحب دل رسى كوهر شوى(7/80)
فلذلك في حق المستعد في الحقيقة ألا ترى أن أبا جهل رأى النبي عليه السلام ووصل إليه لكن لما رآه بعين الاحتقار وأنه يتيم أبي طالب لا بعين التعظيم وأنه رسول الله ووصل إليه وصول عناد وإنكار لا وصول قبول وإقرار لم يصر جوهراً وهكذا حال ورثته مع المقرين والمنكرين ثم إن الاهتداء إما اهتداء إلى الجنة ودرجاتها وذلك بالإيمان والإخلاص وإما اهتداء إلى القربة والوصلة وذلك بالمحبة والترك والفناء والأول حال أهل العموم والثاني حال أهل الخصوص وهو أكمل من الأول فعليك بقبول "الإرشاد" لتصل إلى المراد وإياك ومتابعة أهل الهوى فإنهم ليسوا من أهل الهدى والميت لا يقدر على تلقين الحي وإنما يقدر الحي تلقين الميت.
ـ روي ـ أن الشيخ نجم الدين الأصفهاني قدس سره خرج مع جنازة بعض الصالحين بمكة فلما دفنوه وجلس الملقن يلقنه ضحك الشيخ نجم الدين وكان من عادته لا يضحك فسأله بعض أصحابه عن ضحكه فزجره فلما كان بعد ذلك قال : ما ضحكت إلا أنه لما جلس على القبر يلقن سمعت صاحب القبر يقول : ألا تعجبون من ميت يلقن حياً.
قال الصائب :
107
زبى دران علاج درد خود جستن بدان ماند
كه خاراز ابرون آرد كسى بانيش عقربها
وقال المولى الجامي :
بلاف ناخلفان زمانه غره مشو
مرو و سامرى ازره ببانك كوساله
وقال الحافظ :
درراه عشق وسوسه اهر من بسست
هش دار وكوش دل بيام سروش كن
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المهتدين إلى جنابه اللائقين بحسن خطابه ويصوننا من الضلالة والصحبة بأربابها ويحفظنا من الغواية والاقتداء بأصحابها إنه الهادي والمرشد.
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاـاه بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أَتَـاـاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِا مَا لَكُم مِّن دُونِه مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * يُدَبِّرُ الامْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الارْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُه أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
{اللَّهُ} مبتدأ خبره قوله : {الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ} أي : الأجرام العلوية والسفلية {وَمَا بَيْنَهُمَا} من السحاب والرياح ونحوهما {فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ} (درمقدار شش از ايام دنيا).
وقال في "كشف الأسرار" : (درشش روز هرروزى ازان هزار سال) انتهى ولو شاء خلقها في ساعة واحدة لفعل ولكنه خلقها في ستة أيام ليدل على التأني في الأمور {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (س مستولى شد حكم اوبر عرش كه اعظم مخلوقاتست) وقد سبق تحقيق الآية مراراً ويكفي لك إرشاداً ما في سورة الفرقان إن كنت من أهل الإيمان فارجع إلى تفسيرها وما فيها من الكلام الأكبرى قدس سره الخطير {مَا لَكُم مِّن دُونِه مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} أن مالكم حال كونكم متجاوزين رضى الله تعالى أحد ينصركم ويشفع لكم ويجيركم من بأسه {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} (آياند ذير نمى شويد از مواعظ ربانى ونصائح قرآني).
قال في "الإرشاد" أي : ألا تسمعون هذه المواعظ فلا تتذكرون بها فالإنكار متوجه إلى عدم الاستماع وعدم التذكر أو تسمعونها فلا تتذكرون بها فالإنكار متوجه إلى عدم التذكر مع تحقق ما يوجبه من السماع.
والفرق بين التذكر والتفكر أن التفكر عند فقدان المطلوب لاحتجاب القلب بالصفات النفسانية وأما التذكر فهو عند رفع الحجاب والرجوع إلى الفطرة الأولى فيتذكر ما انطبع في الأزل من التوحيد والمعارف.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
{يُدَبِّرُ الامْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأرْضِ} التدبير التفكر في دبر الأمور والنظر في عاقبتها ، وبالفارسية : (انديشه كردن درعاقبت كار) وهو بالنسبة إليه تعالى التقدير وتهيئة الأسباب وله تعالى مدبرات سماوية كما قال فالمدبرات أمراً فجبريل موكل بالرياح والجنود وميكائيل بالقطر والنبات وملك الموت بقبض الأنفس وإسرافيل ينزل عليهم بالأمور.
والمعنى يدبر الله تعالى أمر الدنيا بأسباب سماوية كالملائكة وغيرها نازلة آثارها إلى الأرض وأضاف التدبر إلى ذاته إشارة إلى أن تدبير العباد عند تدبيره لا أثر له {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} العروج ذهاب في صعود من عرج بفتح الراء يعرج بضمها صعد أي : يصعد ذلك الأمر إليه تعالى ويثبت في علمه موجوداً بالفعل {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} (اندازه آن) {أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} أي : في برهة من الزمان متطاولة والمراد بيان طول امتداد ما بين تدبير الحوادث وحدوثها من الزمان.
وقال بعضهم : {يُدَبِّرُ الامْرَ} (ميسازد كار ذنيا يعني حكم ميكند بدان وميفرستد ملكي راكه موكلست بدان {مِنَ السَّمَآءِ} ) از آسمان {إِلَى الأرْضِ} بسوى زمين س ملك مى آيد وآن كار بجاى
108
(7/81)
مى آرد س عروج ميكند بسوى آسمان در روزى كه هست اندازه او هزار سال از آنه شما شماره ميكنيد سالى دوازده ماه وما هى سى روز يعنى فرشته فرو مى آيد از آسمان وبالا ميرود درمدتى كه اكر آدمى رود آيد جز هزار سال ميسر نشود زيرا كه از زمين تا آسمان انصد سالى راهست س مقدار نزول وعروج هزار سال بود وأما قوله في سورة المعارج : {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُه خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (المعارج : 4) فأراد به مدة المسافة بين سدرة المنتهى والأرض ثم عوده إلى السدرة فالملك يسيره في قدر يوم واحد من أيام الدنيا فضمير إليه حينئذٍ راجع إلى مكان الملك يعني المكان الذي أمره الله تعالى أن يعرج إليه.
وقال بعضهم يدبر الله أمر الدنيا مدة أيام الدنيا فينزل القضاء والقدر من السماء إلى الأرض ثم يعود الأمر والتدبير إليه حين ينقطع أمر الأمراء وحكم الحكام وينفرد الله بالأمر في يوم أي : يوم القيامة كان مقداره ألف سنة لأن يوماً من أيام الآخرة مثل ألف سنة من أيام الدنيا كما قال تعالى : {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} فمعنى خمسين ألف سنة على هذا أن يشتد على الكافرين حتى يكون كخمسين ألف سنة في الطول ويسهل على المؤمنين حتى يكون كقدر صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا فقيامة كل واحد على حسب ما يليق بمعاملته ففي الحشر مواقف ومواطن بحسب الأشخاص من جهة الأعمال والأحوال والمقامات.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
يقول الفقير : قد اختلف العلماء في تفسير هذه الآية على وجوه شتى وسكت بعضهم تفويضاً لعلمها إلى الله تعالى حيث أن كل ما ذكر فيها يقبل نوعاً من الجرح ويشعر بشيء من القصور ولا شك عند العلماء بالله أن لليوم مراتب وأحكاماً في الزمان فيوم كالآن وهو الجزء الغير المنقسم المشار إليه بقوله تعالى : {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} (الرحمن : 29) ثم ينفصل منه اليوم الذي هو كألف سنة وهو يوم الآخرة ويوم الرب ثم ينفصل منه اليوم الذي هو كخمسين ألف سنة وهو يوم القيامة فالله تعالى يمتحن عباده بما شاء فيتقدر لهم اليوم بحسبه ومنهم من يكون حاله أسرع من لمح البصر كما قال : {وَمَآ أَمْرُنَآ إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحا بِالْبَصَرِ} (القمر : 50) وهو سر اليوم الشأني المذكور.
ثم إن للملائكة مقامات علوية معلومة في عالم ملكوت فربما ينزل بعضهم من المصعد المعلوم إلى مسقط الأمر في أقل من ساعة بل في لمحة كجبريل عليه السلام فإنه كان ينزل من سدرة المنتهى التي إليها ينزل الأحكام ويصعد الأعمال إلى النبي عليه السلام كذلك وربما ينزل في أكثر منها وإنما يتفاوت النزول والعروج باعتبار المبدأ فإذا اعتبر السماء الدنيا التي هي مهبط أحكام السدرة قدر مدتهما بألف سنة وإذا اعتبر سدرة المنتهى التي هي مهبط أحكام العرش قدرت بأكثر منها ولما كان القرآن يفسر بعضه بعضاً دل قوله : {تَعْرُجُ الملائكة وَالرُّوحُ} (المعارج : 4) الآية على أن فاعل يعرج في آية سورة السجدة أيضاً الملك وإنما قال إليه أي : إلى الله مع كونه لم يكن للحق مكان ومنتهى يمكن العروج إليه إشارة إلى التقرب وشرف العندية المرتبية وحقيقته إلى المقام العلوي المعين له هذا ما سنح لي والعلم عند الله الملك العلي.
وفي "التأويلات النجمية" : هو الذي {يُدَبِّرُ الامْرَ مِنَ السَّمَآءِ} أي : أمركن طبق سماء الروح والقلب {إِلَى الأرْضِ} أرض النفس والبدن بتدبير الأمر ثم يعرج إليه النفس المخاطبة لخطاب ارجعي إلى ربك {فِى يَوْمٍ}
109
طلعت فيه شمس القلب وأشرقت الأرض بنور جذبات الحق تعالى {كَانَ مِقْدَارُهُ} في العروج بالجذبة {كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} من أيامكم في السير من غير جذبة كا قال عليه السلام : "جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين" انتهى.
وفي "كشف الحقائق" : للشيخ النسفي قدس سره : (بدانكه نفس جزؤى اوجى دارد حضيضي دارد اوج وى فلك نهم است كه فلك الأفلاك محيط عالمست وحضيض وى خاكست كه مركز عالمست ونزولى دارد وعروجى دارد ونزول وى آمدنست بخاك {يُنَزِّلُ الملائكة بِالرُّوحِ} (القدر : 4) وعروج وى بازكشتن است بفلك الأفلاك {تَعْرُجُ الملائكة وَالرُّوحُ} (المعارج : 4) ومدت آمدن ورفتن از هزار سال كم نيست وازنجاه هزار سال زياده نيست) تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة انتهى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106(7/82)
{ذَالِكَ} الله العظيم الشأن المتصف بالخلق والاستواء وانحصار الولاية والنصرة فيه وتدبير أمر الكائنات {عَـالِمُ الْغَيْبِ} ما غاب عن الخلق {وَالشَّهَـادَةِ} ما حضر لهم ويدبر أمرهما حسبما يقتضيه.
وقال الكاشفي : (داند امور دنيا وآخرت يا عالم بآنه بوده باشد وخواهد بود).
وقال بعض الكبار : الغيب الروح والشهادة النفس والبدن {الْعَزِيزُ} الغالب على أمره {الرَّحِيمُ} على عباده في تدبيره.
وفيه إيماء إلى أنه تعالى يراعي المصالح تفضلاً وإحساناً لا إيجاباً.
{الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُ} خبر آخر لذلك.
قال الراغب : الإحسان يقال على وجهين : أحدهما : الإنعام على الغير يقال أحسن إلى فلان والثاني : إحسان من فعله وذلك إذا علم علماً حسناً أو عمل عملاً حسناً وعلى هذا قول أمير المؤمنين رضي الله عنه : الناس على ما يحسنون أي : منسوبون إلى ما يعلمون من الأفعال الحسنة انتهى أي : جعل كل شيء خلقه على وجه حسن في الصورة والمعنى على ما يقتضيه استعداده وتوجبه الحكمة والمصلحة ، وبالفارسية : (نيكو كرد هريزى راكه بيافريد يعنى بياراست بروجه نيكو بمقتضاى حكمت) :
كردن آنه درجهان شايد
كرده آننانكه مى بايد
ازتو رونق كرفت كار همه
كه تويى آفريد كار همه
نقش دنيا بلوح خاك ازتست
دل دانا وجان اك ازتست
طوّل رجل البهيمة والطائر وطوّل عنقهما لئلا يتعذر عليهما ما لا بد لهما منه من قوتهما ولو تفاوت ذلك لم يكن لهما معاش وكذلك كل شيء من أعضاء الإنسان مقدر لما يصلح به معاشه فجميع المخلوقات حسنة وإن اختلفت أشكالها وافترقت إلى حسن وأحسن كما قال تعالى : {لَقَدْ خَلَقْنَا الانسَـانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين : 4) قال ابن عباس رضي الله عنهما : الإنسان في خلقه حسن.
قال البقلي : القبيح قبيح من جهة الامتحان وحسن من حيث صدر من أمر الرحمن.
وقال الشيخ اليزدي : إن الله تعالى خلق الحسن والقبيح لكن القبيح كان في علمه أن يكون قبيحاً فلما كان ينبغي تقبيحه كان الأحسن والأصوب في خلقه تقبيحه على ما ينبغي في علم الله لأن المستحسنات إنما حسنت في مقابلة المستقبحات فلما احتاج الحسن إلى قبيح يقابله ليظهر حسنه كان تقبيحه حسناً انتهى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
يقول الفقير : لا شك أن الله تعالى خلق الحسن والقبح وإن كان كل صنعه وفعله جميلاً ومطلق الخلق قد مدح به ذاته كما قال : {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ} (النحل : 17)
110
لكنه لا يقال في مقام المدح أنه تعالى خالق القردة والخنازير والحيات والعقارب ونحوها من الأجسام القبيحة والضارة بل يقال خالق كل شيء فالقبيح ليس خلقه وإيجاده بل ما خلقه وإن كان قبح القبيح بالنسبة إلى مقابلة الحسن لا في ذاته وقد طلب عين الحمار بلسان الاستعداد صورته التي هو عليها وكذا الكلب ونحوه وصورتها مقتضى عينها الثابتة وكذا الحكم على الكلب بالنجاسة مقتضى ذاته وكل صورة وصفة في الدنيا فهي صورة كمال وصفة كمال في مرتبتها في الحقيقة ولو لم يظهر كل موجود في صورة التي هو عليها وفي صفته التي ألبسها الخلاق إليه بمقتضى استعداده لصار ناقصاً قبيحاً فأين القبح في الأشياء وقد خلقها الله بالأسماء الحسنى.
{وَبَدَأَ خَلْقَ الانسَـانِ} من بين جميع المخلوقات وهو آدم أبو البشر عليه السلام.
{مِنَ الطِّينِ} الطين التراب والماء المختلط وقد سمى بذلك وإن زال عنه قوة الماء.
قال الشيخ عبد العزيز النسفي رحمه الله : (خداوند تعالى قالب آدم را زخاك آفريد يعني از عناصر أربعه أما خاك ظاهر تربود خاكرا ذكر كردد وخاك آدم را ميان مكه وطائف مى رورد وتربيت داد بروايتى هل سال وبروايتى هل هزار سال اينست معنى "خمرت طينة آدم بيدى أربعين صباحاً").
وفي "كشف الأسرار" : (ه زيان دارد اين جوهر راكه نهادوى از كل بوده ون كمال وى دردل نهاده قيمت اوكه هست از روى تربت آن سركه با آدميان بود نه باعرش ونه باكرسى نه فافلك نه باملك زيرا كه همه بندكان مجرد بودند وآدميان همه بندكان بودند وهم دوستان) {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} ذريته سميت به لأنها تنسل من الإنسان أي : تنفصل كما قال في "المفردات" النسل الانفصال من الشيء والنسل الولد لكونه ناسلاً عن أبيه انتهى {مِن سُلَـالَةٍ} أي : من نطفة مسلولة أي : منزوعة من صلب الإنسان.
وقال الكاشفي : (از خلاصه بيرون آورده از صلب) ثم أبدل منها قوله : {مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ} حقير وضعيف كما في "القاموس" ، وبالفارسية : (از آب ضعيف وخوار) وهو المنى.
(7/83)
{ثُمَّ سَوَّاـاهُ} أي : قوم النسل بتكميل أعضائه في الرحم وتصويرها على ما ينبغي.
وقال الكاشفي : (س راست كرد قالب آدم را).
قال النسفي : (مراد : از تسويه آدم برابرىء اركانست يعني اجزاى هر هار برابر باشد وستويه قالب بمثابت نارست كه آهن را بتدبير بجايى رسانندكه شفاف وعكس طير شود وقابل صورت كردد) {وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ} أضافه إلى نفسه تشريفاً وإظهاراً بأنه خلق عجيب ومخلوق شريف وأنه له شأناً له مناسبة إلى حضرة الربوبية ولأجله من عرف نفسه فقد عرف ربه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
وفي "الكواشي" جعل فيه الشيء الذي اختص تعالى به ولذلك أضافه إليه فصار بذلك حياً حساساً بعد أن كان جماداً لا أن ثمة حقيقة نفخ.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : الروح ليس بجسم يحل في البدن حلول الماء في الإناء ولا هو عرض يحل القلب أو الدماغ حلول السواد في الأسود والعلم في العالم بل هو جوهر لا يتجزأ باتفاق أهل البصائر فالتسوية عبارة عن فعل في المحل القابل وهو الطين في حق آدم عليه السلام والنطفة في حق أولاده بالتصفية وتعديل المزاج حتى ينتهي في الصفاء ومناسبة الأجزاء إلى الغاية فيستعد لقبول الروح وإمساكها والنفخ عبارة عما
111
اشتعل به نور الروح في المحل القابل فالنفخ سبب الاشتعال وصورة النفخ في حق الله محال والمسبب غير محال فعبر عن نتيجة النفخ بالنفخ وهو الاشتعال والسبب الذي اشتعل به نور الروح هو صفة في الفاعل وصفة في المحل القابل أما صفة الفاعل فالجود الذي هو ينبوع الوجود وهو فياض بذاته على كل موجود حقيقة وجوده ويعبر عن تلك الصفة بالقدرة ومثالها فيضان نور الشمس على كل قابل بالاستنارة عند ارتفاع الحجاب بينهما والقابل هو الملونات دون الهواء الذي لا تلون له وأما صفة المحل القابل فالاستواء والاعتدال الحاصل في التسوية ومثال صفة القابل صقالة المرآة والروح منزهة عن الجهة والمكان وفي قوتها العلم بجميع الأشياء والاطلاع عليها وهذه مناسبة ومضاهاة ليست لغيرها من الجسمانية فلذلك اختصت بالإضافة إلى الله تعالى انتهى كلامه باختصار.
قال الشيخ النسفي : (انسانرا ند روح است انسان روح طبيعي دارد ومحل وى خكرست دربهلوى راست است وروح حيواني دارد ومحل وى دلست دربهلوى ب است وروح نفساني دارد ومحل وى دماغست وروح انساني دارد ومحل آن روح نفسانيست وروح قدسي دارد ومحل وى روح انسانيست روح قدسي بمثابة نارست وروح انساني بمثابة روغنست وروح نفساني بمثابة فتيله است وروح حيواني بمثابة زجاجه است وروح طبيعي بمثابه مشكاتست اينست) معنى {مَثَلُ نُورِه كَمِشْكَـاوةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} (النور : 35) الآية والمنفوخ هو الروح الإنساني والإنسان يشارك الحيوان في الروح الطبيعي والروح الحيواني والروح النفساني ويمتاز عنه بالروح الإنساني الذي هو من عالم الأمر وخواص الإنسان يشاركون عوامهم في الأرواح الأربعة المذكورة ويمتازون عنهم بالروح القدسي الذي ينفخه الله عند الفناء التام جعلنا الله وإياكم ممن حيى بهذا الروح وأوصلنا إلى أنواع الفتوح
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
{وَجَعَلَ} وخلق {لَكُمُ} لمنافعكم يا بني آدم {السَّمْعَ} لتسمعوا الآيات التنزيلية الناطقة بالبعث وبالتوحيد {وَالابْصَـارَ} لتبصروا الآيات التكوينية المشاهدة فيهما {وَالافْـاِدَةَ} لتعقلوا وتستدلوا بها على حقيقة الآيتين جمع فؤاد بمعنى القلب لكن إنما يقال فؤاد إذا اعتبر في القلب معنى التفؤد أي : التوقد {قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ} أي : تشكرون رب هذه النعم شكراً قليلاً على أن القلة بمعنى النفي والعدم فهو بيان لكفرهم بتلك النعم وربها.
وفيه إشارة إلى أن قليلاً من الإنسان يعرف نفسه بالمرآتية ليعرف ربه بالمحسنية المتجلى فيها وقد خلقه الله تعالى لمعرفة ذاته وصفاته كما قال : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات : 56) أي : ليعرفون وإنما يصل الإنسان إلى مرتبة المعرفة الحقيقية بدلالة الرسول ووراثته (حق سبحانه وتعالى همه عالم بيافريد فلك وملك وعرش وكرسي ولوح وقلم وبهشت ودوزخ وآسمان وزمين وباين آفريدها هي نظر مهر ومحبت نكرد رسول بايشان نفرستاد ويغام بايشان نداد ون نوبت بخاكيان رسيدكه بركشيدكان لطف بودند ونواختكان فضل ومعادن انوار وأسرار بلطف وكرم خويشتن ايشانرا محل نظر خودكرد يغمير بايشان فرستاد تا مهتدى شوند وفرشتكانرا رقيب ونكهبان ايشان كرد سوز مهر درسينهاى ايشان نهاد وآتش عشق در دلها افكند وخطوط ايمان بر صفحه دلهاى شان
112
(7/84)
بنوشت ورقم محبت برضمير شان كشيد ونعيم دنيا وطيبات رزق كه افريد از بهر مؤمنان آفريد نانكه كفت {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ} (الأعراف : 32) كافركه دردنيا روزى ميخورد وبطفيل مؤمن ميخورد آنكه كفت {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (الأعراف : 32) روز قيامت خالص مر مؤمن را بود وكافررا يك شربت آب نبود) فعلى العاقل أن يعرف النعم والمنعم ويجتهد في خدمة الشكر حتى لا يكون من أهل البطالة وإذا كان من أهل الشكر للنعم الداخلة والخارجة من القوى والأعضاء وغيرهما فالله تعالى يشكر له أي : يقبل طاعته ويثني عليه عند الملأ الأعلى ويجازيه بأحسن الجزاء وهو الجنان ودرجاتها ونعيمها الأبدي لأهل العموم وقرباته ومواصلاته وتجليه السرمدي لأهل الخصوص نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الذين مدحهم بالشكر والطاعة في كل ساعة لا ممن ذمهم بتضييع الحقوق وإفساد الاستعداد والسعي في الأرض بالفساد.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
{وَقَالُوا} أي : كفار قريش كأبي بن خلف ونحوه من المنكرين للبعث بعد الموت (آياون) {ضَلَلْنَا فِى الأرْضِ} .
قال في "القاموس" ضل صار تراباً وعظاماً وخفي وغاب انتهى وأصله ضل الماء في اللبن إذا غاب وهلك.
والمعنى هلكنا وصرنا تراباً مخلوطاً بتراب الأرض بحيث لا نتميز منه ، يعني : (خاك أعضاى ما ازخاك زمين ممتيز نباشد نانكه آب درشير متميز نباشد) أو غبناً فيها بالدفن ذهبنا عن أعين الناس والعامل فيه نبعث أو يجدد خلقنا كما دل عليه قوله : (آياما) والهمزة لتأكيد الإنكار السابق وتذكيره {لَفِى خَلْقٍ جَدِيد} أي : أنبعث بعد موتنا وانعدامنا ونصير أحياءً كما كنا قبل موتنا يعني هذا منكر عجب فإنهم كانوا يقرون بالموت ويشاهدونه وإنما ينكرون البعث فالاستفهام الإنكاري متوجه إلى البعث دون الموت ، وبالفارسية : (در آفرينش نو خواهم بود يعنى ون خاك شويم آفريدن نو بما تعلق نخواهد كرفت) ثم أضرب وانتقل من بيان كفرهم بالبعث إلى بيان ما هو أبلغ وأشنع منه وهو كفرهم بالوصول إلى العاقبة وما يلقونه فيها من الأهوال فقال : {بَلْ} (نه نانست كه ميكويند بلكه) {هُم} (ايشان) {بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ} لقاء الله عبارة عن القيامة وعن المصير إليه ، يعني : (بآخرت كه سراى بقاست) {كَـافِرُونَ} جاحدون فمن أنكره لقي الله وهو عليه غضبان ومن أقره لقي الله وهو عليه رحمن.
{قُلْ} بياناً للحق ورداً على زعمهم الباطل {يَتَوَفَّـاـاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ} التوفي أخذ الشيء تاماً وافياً واستيفاء العدد.
قال في "الصحاح" توفاه الله قبض روحه والوفاة الموت.
والملك جسم لطيف نوراني يتشكل بأشكال مختلفة.
قال بعض المحققين : المتولي من الملائكة شيئاً من السياسة يقال له ملك بالفتح ومن البشر يقال له ملك بالكسر فكل ملك ملائكة وليس كل ملائكة ملكاً بل الملك هم المشار إليهم بقوله : فالمدبرات فالمقسمات والنازعات ونحو ذلك ومنه ملك الموت انتهى.
والموت صفة وجودية خلقت ضداً للحياة.
والمعنى يقبض عزرائيل أرواحكم بحيث لا يترك منها شيئاً بل يستوفيها ويأخذها تماماً على أشد ما يكون من الوجوه وأفظعها من ضرب وجوهكم وأدباركم أو يقبض أرواحكم بحيث لا يترك منكم أحداً ولا يبقى شخصاً من العدد الذي كتب عليهم الموت وأما ملك الموت نفسه فيتوفاه الله تعالى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
ـ كما روي ـ أنه إذا أمات
113
الله الخلائق لم يبق شيء له روح يقول الله لملك الموت من بقي من خلقي وهو أعلم فيقول : يا رب أنت أعلم بمن بقي لم يبقَ إلا عبدك الضعيف ملك الموت فيقول الله : يا ملك الموت قد أذقت أنبيائي ورسلي وأوليائي وعبادي الموت وقد سبق في علمي القديم وأنا علام الغيوب أن كل شيء هالك إلا وجهي وهذه نوبتك فيقول الهي ارحم عبدك ملك الموت والطف به فإنه ضعيف فيقول سبحانه وتعالى : ضع يمينك تحت خدك الأيمن واضطجع بين الجنة والنار ومت فيموت بأمر الله تعالى.
وفي الآية رد للكافرين حيث زعموا أن الموت من الأحوال الطبيعية العارضة للحيوان بموجب الجبلة {الَّذِى وُكِّلَ} التوكيل أن تعتمد على غيرك وتجعله نائباً عنك ، وبالفارسية : (وكيل كردن كسى را بر يزى كماشتن وكاربا كسى كذاشتن) {بِكُمْ} أي : بقبض أرواحكم وإحصاء آجالكم {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} تردون بالبعث للحساب والجزاء وهذا معنى لقاء الله.
(7/85)
واعلم أن الله تعالى أخبر ههنا ملك الموت هو المتوفي والقابض في موضع أنه الرسل أي : الملائكة وفي موضع أنه هو تعالى فوجه الجمع بين الآي أن ملك الموت يقبض الأرواح والملائكة أعوان له يعالجون ويعملون بأمره والله تعالى يزهق الروح فالفاعل لكل فعل حقيقة والقابض لأرواح جميع الخلائق هو الله تعالى وأن ملك الموت وأعوانه وسائط.
قال ابن عطية : إن البهائم كلها يتوفى الله أرواحها دون ملك الموت كأنه يعدم حياتها وكذلك الأمر في بني آدم إلا أن لهم نوع شرف بتصرف ملك الموت والملائكة معه في قبض أرواحهم.
قالوا إ عزرائيل يقبض الأرواح من بني آدم وهي في مواضع مختلفة وهو في مكان واحد فهو حالة مختصة به كما أن لوسوسة الشيطان في قلوب جميع أهل الدنيا حالة مختصة به.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : لقي جبريل ملك الموت بنهر بفارس فقال : يا ملك الموت كيف تستطيع قبض الأنفس عند الوباء ههنا عشرة آلاف وههنا كذا وكذا فقال له ملك الموت تزوى لي الأرض حتى كأنها بين فخذيّ فالتقطهم بيديّ.
ـ وروي ـ أن الدنيا لملك الموت كراحة اليد أو كطست لديه يتناول منه ما يشاء من غير تعب.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب وهو يتصفح وجوه الناس فما من أهل بيت إلا وملك الموت يتصفحهم في اليوم مرتين فإذا رأى إنساناً قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة وقال : الآن يزاد بك عسكر الموتى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
ـ وروي ـ أن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فينزع أعوانه روح الإنسان ويخرجونها من جسده فإذا بلغت ثغرة النحر نزعها هو.
ـ وروي ـ في الخبر أن له وجوهاً أربعة فوجه من نار يقبض به أرواح الكافرين ووجه من ظلمة يقبض به أرواح المنافقين ووجه من رحمة يقبض به أرواح المؤمنين ووجه من نور يقبض به أرواح الأنبياء والصديقين فإذا قبض روح المؤمن دفعها إلى ملائكة الرحمة وإذا قبض روح الكافر دفعها إلى ملائكة العذاب.
وكان ملك الموت يقبض الأرواح بغير وجع فأقبل الناس يسبونه ويلعنونه فشكا إلى ربه فوضع الله الأمراض والأوجاع فقالوا : مات فلان من وجع كذا وكذا.
وفي الحديث "الأمراض والأوجاع
114
كلها بريد الموت ورسل الموت فإذا جاء الأجل أتى ملك الموت بنفسه فقال : أيها العبد كم خبر بعد خبر وكم رسول بعد رسول وكم بريد بعد بريد أنا المخبر ليس بعدي خبر وأنا الرسول ليس بعدي رسول أجب ربك طائعاً أو مكرهاً فإذا قبض روحه وتصارخوا عليه قال على من تصرخون وعلى من تبكون فوالله ما ظلمت له أجلاً ولا أكلت له رزقاً بل دعاه ربه فليبك الباكي على نفسه فإن لي فيكم عودات وعودات حتى لا أبقي منكم أحداً" قال عليه السلام : "لو رأوا مكانه وسمعوا كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم".
قال الكاشفي : (عجب إذ آدمي كه با وجود نين حريفي دركمين كونه لاف آسايش تواند زد) :
آسودكى مجوى كه از صدمت اجل
كس را نداده اند برات مسلمي
وفي "البستان" :
بيا اى كه عمرت بهفتاد رفت
مكر خفته بودى كه برباد رفت
كه يك لحظه صورت نبندد امان
و يمانه رشد بدور زمان
قال بعضهم لولا غفلة قلوب الناس ما أحال قبض أرواحهم على ملك الموت (خير نساج قدس سره بيمار بود ملك الموت خواست كه جان اوبر آرد مؤذن كفت وقت نماز شام كه الله أكبر الله أكبر خير نساج كفت يا ملك الموت باش تافريضه نمازبكزارم كه اين فرمان برمن فوت ميشود وفرمان توفوت نمى شود ون نماز بكزارد سربسجود نهاد كفت الهي آن روز كه اين وديعت مى نهادى زحمت ملك الموت درميان نبود ه باشدكه امروز بى زحمت او بردارى اين بكفت وجان بداد) :
يا رب ارفانى كنى مارا بتيغ دوستى
مر فرشته مرك را باما نباشد هي كار
هركه ازجام توروزى شربت شوق توخورد
ون نماند آن شراب اوداند آن رنج خمار
قال بعض الكبار : ملك الموت هو المحبة الآلهية فإنها تقبض الأرواح عن الصفات الإنسانية وتميتها عن محبوباتها لقطع تعلق الروح الإنساني عما سوى الحق تعالى فلترجع إلى الله بجذبة ارجعي إلى ربك والموت باصطلاح أهل الحقيقة قمع هوى النفس فمن مات عن هواه حيى حياة حقيقة.
قال الإمام جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه : الموت هو التوبة قال تعالى : {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} (البقرة : 54) فمن تاب فقد قتل نفسه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
مكن دامن ازكرد زلت بشوى
كه ناكه زبالا به بندند وى
(7/86)
{قُلْ يَتَوَفَّـاـاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ * وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاـاهَا وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى} .
{وَلَوْ تَرَى} (واكر بينى اى بيننده) {إِذِ الْمُجْرِمُونَ} هم القائلون أئذا ضللنا الخ.
قال في "الكواشي" : لو وإذ للماضي ودخلتا على المستقبل هنا لأن المستقبل من فعله كالماضي لتحقق وقوعه {نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ} النكس قلب الشيء على رأسه ، وبالفارسية : (سرفرو افكندن ونكونسار كردن) أي : مطرقوا رؤوسهم ومطأطئوها في موقف العرض على الله من الحياء والحزن والغم يقولون {رَبَّنَآ} (اى روردكار ما) {أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} أي : صرنا ممن يبصر ويسمع وحصل لنا الاستعداد لإدراك الآيات المبصرة والمسموعة وكنا من قبل عمياً لا ندرك شيئاً {فَارْجِعْنَا} فأرددنا إلى الدنيا من رجعه رجعاً أي : رده وصرفه
{نَعْمَلْ}
115
عملاً {صَـالِحًا} حسبما تقضيه تلك الآيات {إِنَّا مُوقِنُونَ} الآن ، يعني : (بى كمانيم).
قال في "الإرشاد" : ادعاء منهم لصحة الأفئدة والاقتدار على فهم معاني الآيات والعمل بموجبها كما أن ما قبله ادعاء لصحة مشعري البصر والسمع كأنهم قالوا أيقنا وكنا من قبل لا نعقل شيئاً أصلاً وجواب لو محذوف أي : لرأيت أمراً فظيعاً فهذا الأمر مستقبل في التحقيق ماض بحسب التأويل كأنه قيل قد انقضى الأمر ومضى لكنك ما رأيته ولو رأيته لرأيت أمراً فظيعاً.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أهل الدنيا من المجرمين وكان جرمهم أنهم نكسوا رؤوسهم في أسفل الدنيا وشهواتها بعد أن خلقوا رافعي رؤوسهم عند ربهم يوم الميثاق عنداستماع خطاب ألست بربكم حيث رفعوا رؤوسهم وقالوا : بلى فلما ابتلوا بالدنيا وشهواتها وتزيينها من الشيطان نكسوا رؤوسهم بالطبع فيها فصاروا كالبهائم والأنعام في طلب شهوات الدنيا كما قال تعالى : {أولئك كَالانْعَـامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} (الأعراف : 179) لأن للأنعام ضلالة طبيعية جبلية في طلب شهوات الدنيا وما كانوا مأمورين بعبودية الله ولا منهيين عن الشهوات حتى يحصل لهم ضلالة مخالفة للأمر والنهي وللإنسان شركة مع الأنعام في الضلالة الطبيعية بميل النفس إلى الدنيا وشهواتها وله اختصاص بضلالة المخالفة فلهذا صار أضل من الأنعام فكما عاشوا ناكسي رؤوسهم إلى شهوات الدنيا ماتوا فيما عاشوا فيه ثم حشروا على ما ماتوا عليه ناكسي رؤوسهم عند ربهم وقد ملكتهم الدهشة وغلبتهم الخجلة فاعتذروا حين لا عذر واعترفوا حين لا اعتراف.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
سر ازجيب غفلت بر آور كنون
كه فردا نماند بخجلت نكون
كنونت كه شمست اشكى ببار
زبان دردهانست عذرى بيار
نه بيوسته باشد روان در بدن
نه همواره كردد زبان در دهن
{وَلَوْ شِئْنَا لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاـاهَا} مقدر بقول معطوف على ما قدر قبل قوله {رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا} أي : ونقول لو شئنا أي : لو تعلقت مشيئتنا تعلقاً فعلياً بأن نعطي كل نفس من النفوس البرّة والفاجرة ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح بالتوفيق لهما لأعطيناها إياه في الدنيا التي هي دار الكسب وما أخرناه إلى دار الجزاء {وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى} ثبت قضائي وسبق وعيدي وهو {لامْلَأَنَّ} (نا ر ركنيم) {جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ} بالكسر جماعة الجن والمراد الشياطين وكفار الجن {وَالنَّاسِ} الذين اتبعوا إبليس في الكفر والمعاصي {أَجْمَعِينَ} يستعمل لتأكيد الاجتماع على الأمر.
وقال بعضهم : {وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى} أي : سبقت كلمتي حيث قلت لإبليس عند قوله : {لاغْوِيَنَّهُمْ} الآية {لامْلَأَنَّ} الخ.
وفي "التأويلات" : {وَلَوْ شِئْنَا} في الأزل هدايتكم وهداية أهل الضلالة {لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاـاهَا} بإصابة رشاش النور على الأرواح {وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى} قبل وجود آدم وإبليس {لامْلَأَنَّ} إلخ ولكن تعلقت المشيئة بإغواء قوم كما تعلقت بإهداء قوم وأردنا أن يكون للنار قطان كما أردنا أن يكون للجنة سكان إظهاراً لصفات لطفنا وصفات قهرنا لأن الجنة وأهلها مظهر لصفات لطفي والنار وأهلها مظهر لصفات قهري وإني فعال لما أريد.
وفي "عرائس البيان" إن جهنم فم قهره انفتح ليأخذ نصيبه ممن له
116
استعداد مباشرة القهر كما أن الجنة فم لطفه انفتح فيأخذ نصيبه ممن له استعداد مباشرة لطفه فاللطيف يرجع إلى اللطيف والكثيف يرجع إلى الكثيف ولو شاء لجعل الناس كلهم عارفين به ولكن جرى القلم في الأزل بالوعد والوعيد كما قال ابن عطاء قدس سره : لو شئنا لوفقنا كل عبد لرضانا ولكن حق القول بالوعد والوعيد ليتم الاختيار.
(7/87)
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
وسئل الشبلي قدس سره عن هذه الآية فقال : يا رب املأ نارك من الشبلي واعف عن عبيدك ليتروح الشبلي بتعذيبك كما يتروح جميع العباد بالعوافي وذلك أن من استوى عنده اللطف والقهر بالوصول إلى الأصل رأى مقصوده في كل واحد منهما كما رأى أيوب عليه السلام المبتلي في بلائه فطاب وقته وحاله وصفاً باله في عين الكدر.
ما بلا خواهيم وزاهد عافيت
هرمتاعى را خريدارى فتاد
وعن الحسن قال : خطبنا أبو هريرة رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : سمعت رسول الله يقول : "ليعتذرن الله إلى آدم ثلاث معاذير يقول الله يا آدم لولا أني لعنت الكذابين وأبغضت الكذب والخلف وأعذب عليه لرحمت اليوم ولدك أجمعين من شدة ما أعددت لهم من العذاب ولكن حق القول مني لئن كذب رسلي وعصى أمري لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين.
ويقول الله يا آدم : اعلم أني لا أدخل من ذريتك النار أحداً ولا أعذب منهم بالنار أحداً إلا من قد علمت بعلمي أني لو رددته إلى الدنيا لعاد إلى أشر مما كان فيه ولم يرجع ولم يتب ويقول الله قد جعلتك حكماً بيني وبين ذريتك قم عند الميزان فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة حتى تعلم أني لا أدخل منهم إلا ظالماً".
واعلم أن الله تعالى يملأ جهنم من الأقوياء كما يملأ الجنة من الضعفاء بدليل قوله عليه السلام : "إذا ملئت جهنم تقول الجنة ملأت جهنم من الجبابرة والملوك والفراعنة ولم تملأني من ضعفاء خلقك فينشىء الله خلقاً عند ذلك فيدخلهم الجنة فطوبى لهم من خلق لم يذوقوا موتاً ولم يروا سوأ بأعينهم" رواه أنس رضي الله عنه.
وقوله عليه السلام : "تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت" أي : فضلت "بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة إني لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطعهم فقال الله للنار أنت عذابي أعذبك من أشاء من عبادك ولكل واحدة منكما ملؤها" رواه أبو هريرة رضي الله عنه كذا في "بحر العلوم".
{وَلَوْ شِئْنَا لاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاـاهَا وَلَـاكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّى لامْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـاذَآ إِنَّا نَسِينَـاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّمَا يُؤْمِنُ بآياتنا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
{فَذُوقُوا} الفاء لترتيب الأمر بالذوق على ما يعرب عنه ما قبله من نفي الرجع إلى الدنيا {بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـاذَآ} النسيان ترك الإنسان ضبط ما استودع إما لضعف قلب وإما عن غفلة أو قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره وكل نسيان من الإنسان ذمه الله به فهو ما كان أصله من تعمد كما في هذه الآية وأشار بالباء إلى أنه وإن سبق القول في حق التعذيب لكنه كان بسبب موجب من جانبهم أيضاً فإن الله قد علم منهم سوء الاختيار وذلك السبب هو نسيانهم لقاء هذا اليوم الهائل وتركهم التفكر فيه والاستعداد له بالكلية بالاشتغال باللذات الدنيوية وشهواتها فإن التوغل فيها يذهل الجن والإنس عن تذكر الآخرة وما فيها من لقاء الله ولقاء جزائه ويسلط عليهم نسيانها وإضافة اللقاء إلى اليوم كإضافة المكر في قوله : {بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (سبأ : 33) أي : لقاء الله في يومكم هذا.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنكم كنتم في الغفلة والنائم لا يذوق ألم ما عليه من العذاب ما دام نائماً ولكنه إذا انتبه من نومه
117
يذوق ألم ما به من العذاب فالناس نيام ليس لهم ذوق ما عليهم من العذاب فإذا ماتوا انتبهوا فقيل لهم : ذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا {إِنَّا نَسِينَـاكُمْ} تركناكم في العذاب ترك المنسي بالكلية استهانة بكم ومجازاة لما تركتم.
وفي "التأويلات" : {إِنَّا نَسِينَـاكُمْ} من الرحمة كما نسيتمونا من الخدمة {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ} أي : العذاب المخلد في جهنم فهو من إضافة الموصوف إلى صفته مثل عذاب الحريق {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي : بالذي كنتم تعملونه من الكفر والمعاصي وهو تكرير للأمر للتأكيد وإظهار الغضب عليهم وتعيين المفعول المطوي للذوق والإشعار بأن سببه ليس مجرد ما ذكر من النسيان بل له أسباب أخر من فنون الكفر والمعاصي التي كانوا مستمرين عليها في الدنيا وعن كعب الأحبار قال : إذا كان يوم القيامة تقوم الملائكة فيشفعون ثم تقوم الشهداء فيشفعون ثم تقوم المؤمنون فيشفعون حتى إذا نصرمت الشفاعة كلها خرجت الرحمة فتشفع حتى لا يبقى في النار أحد يعبأ الله به ثم يعظم بكاء أهلها فيها ويؤمر بالباب فيقبض عليهم فلا يدخل فيها روح ولا يخرج منها غم أبداً.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
(7/88)
الهى زدوزخ دو شمم بدوز
بنورت كه فردا بنارت مسوز
{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بآياتنا} أي : إنكم أيها المجرمون لا تؤمنون بآياتنا ولا تعملون بموجبها عملاً صالحاً ولو رجعناكم إلى الدنيا كما تدعون حسبما ينطق به قوله تعالى : {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} (الأنعام : 28) وإنما يؤمن بها {الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا} وعظوا ، بالفارسية : (ندداده شوند) {خَرُّوا سُجَّدًا} .
قال في "المفردات" : خر سقط سقوطاً سمع منه خرير والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من العلو فاستعمال الخرور في الآية تنبيه على اجتماع أمرين : السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح.
وقوله بعد {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} تنبيه على أن ذلك الخرير كان تسبيحاً بحمد الله لا شيئاً آخر انتهى أي : سقطوا على وجوههم حال كونهم ساجدين خوفاً من عذاب الله {وَسَبَّحُوا} نزهوه عن كل ما لا يليق به من الشرك والشبه والعجز عن البعث وغير ذلك {بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} في موضع الحال أي : ملتبسين بحمده تعالى على نعمائه كتوفيق الإيمان والعمل وغيرهما {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} الظاهر أنه عطف على صفة الذين أي : لا يتعظمون عن الإيمان والطاعة كما يفعل من يصر مستكبراً كأن لم يسمعها وهذا محل سجود بالاتفاق.
قال الكاشفي : (اين سجده نهم است بقول امام اعظم رحمه الله وبقول امام شافعي دهم حضرت شبخ اكبر قدس سره الأطهر اين را سجده تذكر كفته وساجد بايدكه متذكر كردد آن يزى راكه ازان غافل شده وتصديق كند دلالات وجود واحد را كه آن دلالتها درهمه اشيا موجودست) :
همه ذرات ازمه تابماهى
بوحدانينش داد كواهى
همه اجزاى كون از مغزتا وست
ووا بينى دليل وحدت اوست
وينبغي أن يدعو الساجد في سجدته بما يليق بآيتها ففي هذه الآية يقول : اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك من أن أكون من المستكبرين عن أمرك وكره مالك رحمه الله قراءة السجدة في قراءة صلاة الفجر جهراً وسراً فإن قرأ هل يسجد
118
فيه قولان كذا في فتح الرحمن.
قال في "خلاصة الفتاوي" : رجل قرأ آية السجدة في الصلاة إن كانت السجدة في آخر السورة أو قريباً من آخرها من بعدها آية أو آيتان إلى آخر السورة فهو بالخيار إن شاء ركع بها ينوي التلاوة وإن شاء سجد ثم يعود إلى القيام فيختم السورة وإن وصل بها سورة أخرى كان أفضل وإن لم يسجد للتلاوة على الفور حتى ختم السورة ثم ركع وسجد لصلاته سقط عنه سجدة التلاوة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
وفي "التأويلات" : {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} عن سجودك كما استكبر إبليس أن يسجد لك إلى قبلة آدم ولو سجد لآدم بأمرك لكان سجوده في الحقيقة لك وكان آدم قبلة للسجود كما أن الكعبة قبلة لنا في سجودنا لك انتهى.
قال بعض الكبار : وليس الإنسان بمعصوم من إبليس في صلاته إلا في سجوده لأنه حينئذٍ يتذكر الشيطان معصيته فيحزن ويشتغل بنفسه ويعتزل عن المصلي فالعبد في سجوده معصوم من الشيطان غير معصوم من النفس.
فخواطر السجود كلها إما ربانية أو ملكية أو نفسية وليس للشيطان عليه من سبيل فإذا قام من سجوده غابت تلك الصفة عن إبليس فزال حزنه واشتغل بك.
فعلى العاقل أن يسارع إلى الصلاة فريضة كانت أو نافلة حتى يحصل الرغم للشيطان والرضى للرحمان ويتقرب الروح إلى حضرة الملك المتعال ويجد لذة المناجاة وطعم الوصال.
ذوق سجده زائداست از ذوق سكر نزدجان
هركرا اين ذوق نى بى مغز باشد درجهان
اللهم اجعلنا من أهل سجدة الفناء إنك سميع الدعاء.
{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بآياتنا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَا * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءَا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
(7/89)
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} استئناف لبيان بقية محاسن المؤمنين.
والتجافي النبوّ والبعد أخذ من الجفاء فإن من لم يوافقك فقد جافاك وتجنب وتنحى عنك والجنوب جمع جنب وهو شق الإنسان وغيره.
والمعنى ترتفع وتتنحى أضلاعهم {عَنِ الْمَضَاجِعِ} أي : الفرش ومواضع النوم جمع مضجع كمقعد بمعنى موضع الضجوع أي : وضع الجنب على الأرض ، وبالفارسية : (دور ميشود هلوهاى ايشان از خوابكهها) وفي إسناد التجافي إلى الجنوب دون أن يقال يجافون جنوبهم إشارة إلى أن حال أهل اليقظة والكشف ليس كحال أهل الغفلة والحجاب فإنهم لكمال حرصهم على المناجاة ترتفع جنوبهم عن المضاجع حين ناموا بغير اختيارهم كأن الأرض ألقتهم من نفسها وأما أهل الغفلة فيتلاصقون بالأرض لا يحركهم محرك {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} حال من ضمير جنوبهم أي : داعين له تعالى على الاستمرار {خَوْفًا} من سخطه وعذابه وعدم قبول عبادته {وَطَمَعًا} في رحمته قال عليه السلام في تفسير الآية : قيام العبد من الليل يعني أنها نزلت في شأن المتهجدين فإن أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل.
قال الكاشفي : (ون رده شب فرو كذارند وجهانيان سربر بالين غفلت بنهند ايشان هلو از ستر كرم وفراش نرم تهى كرده برقدم نياز بايستند ودر شب در از باحضرت خداوند رازكويند.
از سهيل يمنى يعنى اويس قرنى رضي الله عنه منقولست كه درشبى ميكفت "هذه ليلة الركوع" وبيك ركوع بسر مى برد ودرشى ديكر ميفرمودكه "هذه ليلة السجود" وبيك سجده بصبح ميرسانيد كفتند اى اويس ون طاقت طاعت دارى سبب يست كه شبها بدين درازى بريك حال مى كدرانى كفت كجاست
119
شب درازى كاشكى ازل وابديكشب بودى تابيك سجده بآخر بردمى دران سجده نالهاى زار وكريهاى بيشمار كردمى) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
به نيم شب كه همه مست خواب خوش باشند
من وخيال تو ونهالهاى درد آلود
وفي الحديث : "عجب ربنا من رجلين رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أحبته وأهله إلى صلاته فيقول الله تعالى لملائكته : انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين أحبته وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وإشفاقاً مما عندي ورجل غزا في سبيل الله فانهزم مع أصحابه فعلم ما عليه من الانهزام وماله في الرجوع فرجع حتى أهريق دمه فيقول الله لملائكته انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وإشفاقاً مما عندي حتى اهريق دمه" وفي الحديث "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن ألان الكلام وأطعم الطعام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام" قال ابن رواحة رضي الله عنه يمدح النبي عليه السلام :
وفينا رسول الله يتلو كتابه
إذا انشق معروف من الفجر ساطع
أرانا الهدي بعد العمي فقلوبنا
به موقنات إن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه
إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
وفي الحديث "إذا جمع الله الأولين والآخرين جاء مناد بصوت يسمع الخلائق كلهم سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم ثم يرجع فينادي ليقم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل ثم يرجع فيقول ليقم الذين يحمدون الله في السراء والضراء فيقومون وهم قليل فيسرّحون جميعاً إلى الجنة ثم يحاسب سائر الناس".
واعلم أن قيام الليل من علو الهمة وهو وهب من الله تعالى فمن وهب له هذا فيلقم ولا يترك ورد الليل بوجه من الوجوه.
قال أبو سليمان الداراني قدس سره : نمت عن وردي فإذا أنا بحوراء تقول يا أبا سليمان تنام وأنا أربى لك في الخيام منذ خمسمائة عام.
وعن الشيخ أبي بكر الضرير رضي الله عنه قال : كان في جواري شاب حسن الوجه يصوم النهار ولا يفطر ويقوم الليل ولا ينام فجاءني يوماً وقال لي : يا أستاذ إني نمت عن وردي الليلة فرأيت كأن محرابي قد انشق وكأني بجوار قد خرجن من المحراب لم أر أحسن أوجهاً منهن وإذا فيهن واحدة شوهاء لم أر أقبح منها منظراً فقلت : لمن أنتن ولمن هذه فقلن نحن لياليك التي مضين وهذه ليلة نومك فلو مت في ليلتك هذه لكانت هذه حظك ثم أنشأت الشوهاء تقول :
اسأل لمولاك وارددني إلى حالي
فأنت قبحتني من بين أشكالي
لا ترقدنّ الليالي ما حييت فإن
نمت الليالي فهنّ الدهر أمثالي
فأجابتها جارية من الحسان تقول :
أبشر بخير فقد نلت الغنى أبداً
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
في جنة الخلد في روضات جنات
نحن الليالي اللواتي كنت تسهرها
تتلو القرآن بترجيع ورنات
أبشر وقد نلت ما ترجوه من ملك
بر يجود بأفضال وفرحات
غداً تراه تجلى غير محتجب
تدني إليه وتحظى بالتحيات
120
(7/90)
قال : ثم شهق شهقة خر ميتاً رحمه الله تعالى.
وفي "آكام المرجان" : ظهر إبليس ليحيى عليه السلام فقال له يحيى : هل قدرت مني على شيء؟ قال : لا إلا مرة واحدة فإنك قدّمت طعاماً لتأكله فلم أزل أشهيه إليك حتى أكلت منه أكثر مما تريد فنمت تلك الليلة فلم تقم إلى الصلاة كما كنت تقوم إليها فقال له يحيى : لا جرم لا شبعت من طعام أبداً قال له الخبيث : لا جرم لا نصحت آدمياً بعدك :
باندازه خور زاد اكرمردى
نين رشكم آدمي يا خمي
ندارند تن روران آكهى
كه بر معده باشد زحكمت تهى
{وَمِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ} أعطيناهم من المال {يُنفِقُونَ} في وجوه الخير والحسنات.
قال بعضهم : هذا عام من الواجب والتطوع وذلك على ثلاثة أضرب : زكاة من نصاب ، ومواساة من فضل ، وإيثار من قوت.
بدونيك را بذل كن سيم وزر
كه آن كسب خيراست وآن دفع شر
از آن كس كه خيرى بماند روان
دمادم رسد رحمتش بر روان
{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} من النفوس لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلاً عمن عداهم {مَّآ أُخْفِىَ لَهُم} أي : لأولئك الذين عددت نعوتهم الجليلة من التجافي والدعاء والإنفاق ومحل الجملة نصب بلا تعلم سدت مسد المفعولين {مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} مما تقربه أعينهم إذا رأوه وتسكن به أنفسهم.
وقال الكاشفي : (از روشنى شمها يعني يزى كه بدان شمها روشن كردد) وفي الحديث "يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بل ما اطلعتم عليه اقرأوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين" {جَزَآءَا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي : جزوا جزاء بسبب ما كانوا يعملون في الدنيا من إخلاص النية وصدق الطوية في الأعمال الصالحة (برزكى فرموده كه ون عمل نهان ميكردند جزا نيز نهانست تانانه كس را برطاعت ايشان اطلاع نبود كسى را نيز بمكافاة ايشان اطلاع نباشد).
روزى كه روم همره جانان بمن
نه لاله وكل بينم ونه سرو وسمن
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
زيرا كه ميان من واو كفته شود
من دانم واو داند واو داند ومن
وفي "التأويلات النجمية" : {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} هممـ {جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} عن مضاجع الدارين وتتباعد قلوبهم عن مضاجعات الأحوال فلا يساكنون أعمالهم ولا يلاحظون أحوالهم ويفارقون مآلفهم ويهجرون في الله معارفهم يدعون ربهم بربهم لربهم خوفاً من القطيعة والإبعاد {وَطَمَعًا} في القربات والمواصلات {وَمِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ} من نعمة الوجود {يُنفِقُونَ} ببذل المجهود في طلب المفقود وليردّ إليهم بالجود ما أخفي لهم من النقود كما قال تعالى : {فَلا تَعْلَمُ} الخ.
وفي الحقيقة إن ما أخفي لهم إنما هو جمالهم فقد أخفي عنهم لعينهم فإن العين حق.
فاعلم أنه ما دام أن تكون عينكم الفانية باقية يكون جمالكم الباقي مخفياً عنكم لئلا تصيبه عينكم فلو طلع صبح سعادة التلاقي وذهب بظلمة البين من البين وتبدلت العين بالعين فذهب الجفاء وظهر الخفاء ودام اللقاء
121
كما أقول :
مذ جاء هواكم ذاهباً بالبين
لم يبق سوى وصالكم في البين
ما جاء بغير عينكم في عيني
والآن محت عينكمولي عيني
وبقوله : {جَزَآءَا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يشير إلى أن عدم علم كل نفس بما أخفي لهم وحصول جهلهم به إنما كان جزاء بما كانوا يعملون بالإعراض عن الحق لإقبالهم على طلب غير الله وعبادة ما سواه انتهى.
{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءَا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُانَ * أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فَلَهُمْ جَنَّـاتُ الْمَأْوَى نُزُا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
(7/91)
{أَفَمَن} (آيا آنكس كه) {كَانَ} في الدنيا {مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا} خارجاً عن الإيمان لأنه قابل به المؤمن وأيضاً أخبر أنه يخلد في النار ولا يستحق التخليد فيها إلا الكافر {لا يَسْتَوُانَ} في الشرف والجزاء في الآخرة والتصريح به مع إفادة الإنكار نفي المشابهة للتأكيد وبناء التفصيل الآتي عليه والجمع للحمل على معنى من ، قال الكاشفي : (آورده اندكه وليد بن عقبه باشير بيشه مردى در مقام مفاخرت آمده كفت اى على سنان من از سنان توسخترست وزبان من از زبان توتيز تر على كفت خاموش باش أي : فاسق تراباً من ه زهره مساواة وه ياراي مجادلاتست حق سبحانه وتعالى براى تصديق علي رضي الله عنه آيت فرستاد) فالمؤمن هو عليّ رضي الله عنه ودخل فيه من مثل حاله والكافر هو الوليد ودخل فيه من هو على صفته ولذلك أورد الجمع في لا يستوون.
قال ابن عطاء : من كان في أنوار الطاعة والإيمان لا يستوي مع من هو في ظلمات الفسق والطغيان.
وفي "كشف الأسرار" أفمن كان في حلة الوصال يجرّ أذياله كمن هو في مذلة الفراق يقاسي وباله أفمن كان في روح القربة ونسيم الزلفة كمن هو في هول العقوبة يعاني مشقة الكلفة أفمن أيد بنور البرهان وطلعت عليه شموس العرفان كمن ربط بالخذلان ووسم بالحرمان لا يستويان ولا يلتقيان :
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
أيها المنكح الثريا سهيلا
عمرك الله كيف يلتقيان
وهي شامية إذا ما استقلت
وسهيل إذا استقل يماني
{أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فَلَهُمْ} استحقاقاً {جَنَّـاتُ الْمَأْوَى} قال الراغب : المأوى مصدر أوى إلى كذا انضم إليه وجنة المأوى كقوله دار الخلود في كون الدار مضافاً إلى المصدر.
وفي "الإرشاد" : أضيفت الجنة إلى المأوى الحقيقي وإنما الدنيا منزل مرتحل عنه لا محالة ولذلك سميت قنطرة لأنها معبر للآخرة لا مقر ، وبالفارسية : (ايشانراست بوستانها وبهشتهاكه مأواى حقيقي است).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما جنة المأوى كلها من الذهب وهي إحدى الجنان الثمان التي هي دار الجلال ودار القرار ودار السلام وجنة عدن وجنة المأوى وجنة الخلد وجنة الفردوس وجنة النعيم {نُزُ} أي : حال كون تلك الجنان ثواباً وأجراً ، وبالفارسية : (در حالتى كه يشكش باشد يعنى ما حضرى كه براى مهمانان آرند) وهو في الأصل ما يعد للنازل والضيف من طعام وشراب وصلة ثم صار عاماً في العطاء {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} بسبب أعمالهم الحسنة التي عملوها في الدنيا.
وفي "التأويلات النجمية" : {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا} بطلب الحق تعالى {كَمَن كَانَ فَاسِقًا} بطلب ما سوى
122
الحق {لا يَسْتَوُانَ} أي : الطالبونوالطالبون لغير الله فـ {أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا} بطلب الحق {وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ} بالإقبال على الله والإعراض عما سواه {فَلَهُمْ جَنَّـاتُ الْمَأْوَى نُزُ} يعني أن جنات مأوى الأبرار ومنزلهم يكون نزلاً للمقربين السائرين إلى الله وأما مأواهم ومنزلهم ففي مقعد صدق عند مليك مقتدر.
{أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ فَلَهُمْ جَنَّـاتُ الْمَأْوَى نُزُا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاـاهُمُ النَّارُا كُلَّمَآ أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَآ أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِه تُكَذِّبُونَ * وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الادْنَى دُونَ الْعَذَابِ الاكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا} خرجوا عن الإيمان والطاعة بإيثار الكفر والمعصية عليهما {فَمَأْوَاـاهُمُ} اسم مكان أي : ملجأهم ومنزلهم {النَّارُ} مكان جنات المأوى للمؤمنين {كُلَّمَآ} (هركاه كه) {أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَآ أُعِيدُوا فِيهَا} عبارة عن الخلود فيها فإنه لا خروج ولا إعادة في الحقيقة كقوله : {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَـاهُمْ سَعِيرًا} (الإسراء : 97) ونار جهنم لا تخبو يعني كلما قال قائلهم قد خبت زيد فيها ويروى أنه يضربهم لهيب النار فيرتفعون إلى طبقاتها حتى إذا قربوا من بابها وأرادوا أن يخرجوا منها يضربهم لهيب النار أو تتلقاهم الخزنة بمقامع ، يعني : (بكرزهاى آتشين) فتضربهم فيهوون إلى قعرها سبعين خريفاً وهكذا يفعل بهم أبداً وكلمة في للدلالة على أنهم مستقرون فيها وإنما الإعادة من بعض طبقاتها إلى بعض {وَقِيلَ لَهُمْ} إهانة وتشديداً عليهم وزيادة في غيظهم {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ} أي : بعذاب النار {تُكَذِّبُونَ} على الاستمرار في الدنيا وتقولون لا جنة ولا نار.
(7/92)
قال في "برهان القرآن" وفي سبأ.
{عَذَابَ النَّارِ الَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} (سبأ : 42) لأن النار في هذه السورة وقعت موقع الكناية لتقدم ذكرها والكنايات لا توصف بوصف العذاب وفي سبأ لم يتقدم ذكر النار فحسن وصف النار وهذه لطيفة فاحفظها انتهى.
وفي "التأويلات" : {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا} خرجوا عن سبيل الرشاد ووقعوا في بئر البعد والإبعاد {فَمَأْوَاـاهُمُ النَّارُا كُلَّمَآ أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَآ أُعِيدُوا فِيهَا} لأنهم في هذه الصفة عاشوا وفيها ماتوا فعليها حشروا وذلك أن دعاة الحق لما كانوا في الدنيا ينصحون لهم أن يخرجوا من أسفل الطبيعة بحبل الشريعة برعاية آداب الطريقة حملهم الشوق الروحاني على التوجه إلى الوطن الأصلي العلوي فلما عزموا على الخروج من الدركات الشهوانية أدركتهم الطبيعة النفسانية الحيوانية السفلية وإعادتهم إلى أسفل الطبيعة {وَقِيلَ لَهُمْ} يوم القيامة {ذُوقُوا} الخ لأنكم وإن كنتم معذبين في الدنيا ولكن ما كان لكم شعور بالعذاب الذي يجلل حواسكم الأخروية ولو كنتم تجدون ذوق العذاب لانتهيتم عن الأعمال الموجبة لعذاب النار كما أنكم لما ذقتم ألم عذاب النار في الدنيا احترزتم عنها غاية الاحتراز انتهى.
فالاحتراق وصف الكافر والفاسق وأما المؤمن والمطيع فقد قال عليه السلام في حقه : "تقول جهنم للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي" كما قال في "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
كويدش بكذر سبك اى محتسم
ورنه زاتشهاى تومرد آتشم
وذلك النور هو نور التوحيد وله تأثير جداً في عدم الاحتراق.
ـ كما حكي ـ أن مجذوباً كان يصاحب الشيخ الحاجي بيرام قدس سره وكان يحبه فلما توفي الشيخ جاء المجذوب إلى الشيخ الشهير بآق شمس الدين لكونه خليفة الشيخ الحاجي بيرام فقال له شمس الدين يوماً : يا أخي ما لبست كسوة الشيخ الحاجي بيرام في حياته فكيف لو لبستها من يدنا فقبل ففرح شمس الدين مع مريديه فعملوا ضيافة وألبسوه كسوة فلما لبسها ألقى نفسه في نار كانت في ذلك المجلس فلبث
123
فيها حتى احترقت الكسوة ولم يحترق المجذوب ثم خرج منها وقال : يا أيها الشيخ لا خير في كسوة تحرقها النار.
قال بعض العارفين : لو كان المشتاقون دون جماله في الجنة واويلاه ولو كانوا في الجحيم معه واشوقاه فمن كان مع المحبوب فهو لا يحترق ألا ترى أن النبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى جهنم وما فيها ليلة المعراج ولم يحترق منه شعرة وكما أن النار تقول للمؤمن ذلك القول كذلك الجنة تقول كذلك الجنة تقول له حين يذهب إلى مقامه جز يا مؤمن إلى مقامك فإن نورك يذهب بزينتي ولطافتي كما قال في "المثنوي" :
كويدش جنت كذركن همو باد
ورنه كردد هره من دارم كساد
وذلك لأن نور المؤمن نور التجلي والتجلي إما يكون للمؤمن لا للجنة فيغلب نوره على الجنة التي ليس لها نور التجلي ألا ترى أن من جلس للوعظ وفي المجلس من هو أعلى حالاً منه في العلم يحصل له الانقباض والكساد فلا يطلب إلا قيام ذلك من المجلس فإذا كان هذا حال العالم مع من هو أعلم منه في الظاهر فقس عليه حال العالم مع من هو أعلم منه في الباطن فمن عرف مراتب أهل الله تعالى يسكت عند حضورهم لأن لهم الغلبة في كل شأن ولهم المعرفة بكل مقام قدس الله أسرارهم.
{وَلَنُذِيقَنَّهُم} أي : أهل مكة.
والإذاقة بالفارسية : (شانيدن) {مِّنَ الْعَذَابِ الادْنَى} أي : الأقرب وهو عذاب الدنيا وهو ما محنوا به من القحط سبع سنين بدعاء النبي عليه السلام حين بالغوا في الأذية حتى أكلوا الجيف والجلود والعظام المحترقة والعلهز وهو الوبر والدم بأن يخلط الدم بأوبار الإبل وشوي على النار وصار الواحد منهم يرى ما بينه وبين السماء كالدخان وكذا ابتلوا بمصائب الدنيا وبلاياها مما فيه تعذيبهم حتى آل أمرهم إلى القتل والأسر يوم بدر {دُونَ الْعَذَابِ الاكْبَرِ} أي : قبل العذاب الأكبر الذي هو عذاب الآخرة فدون هنا بمعنى قبل.
وفي "كشف الأسرار" وتبعه الكاشفي في تفسيره (فروتر از عذاب بزركتركه خلودست در آتش) وذلك لأنه في الأصل أدنى مكان من الشيء فيقال هذا دون ذلك إذا كان أحط منه قليلاً ثم استعير منه للتفاوت في الأموال ، (والرتب درلباب ازتفسير نقاش نقل كرده كه ادنى غلاى اسعارست واكبر خروج مهدي بشمشير آبدار وكفته اندخوارى دنيا ونكو نسارىء عقبا يا افتادن دركناه ودور افتادن ازدركاه قرب الله) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
دور ماندن از وصال او عذاب اكبر است
آتش سوز فراق ازهر عذابى بدترست
وفي "حقائق البقلى" : العذاب الأدنى حرمان المعرفة والعذاب الأكبر الاحتجاب عن مشاهدة المعروف.
وقال أبو الحسن الوراق : الأدنى الحرص على الدنيا والأكبر العذاب عليه {لَعَلَّهُمْ} أي : لعل من بقي منهم وشاهده ولعل من مثله بمعنى كي {يَرْجِعُونَ} ويتوبون عن الكفر والمعاصي.
(7/93)
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أرباب الطلب وأصحاب السلوك إذا وقعت لأحدهم في أثناء السلوك وقفة لعجب تداخله أو لملالة وسآمة نفس أو لحسبان وغرور قبول أو وقعت له فترة بالتفاته إلى شيء من الدنيا وزينتها وشهواتها فابتلاه الله إما ببلاء في نفسه أو ماله أو بيته من أهاليه وأقربائه وأحبائه لعلهم بإذاقة عذاب البلاء والمحن انتبهوا من نوم الغفلة وتداركوا أيام العطلة قبل أن يذيقهم العذاب الأكبر بالخذلان والهجران وقسوة القلب كما قال تعالى :
124
{وَنُقَلِّبُ أَفْـاِدَتَهُمْ} (الأنعام : 110) الآية لعلهم يرجعون إلى صدق طلبهم وعلو محبتهم.
{وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الادْنَى دُونَ الْعَذَابِ الاكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بآيات رَبِّه ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ * وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ فَلا تَكُن فِى مِرْيَةٍ} .
{وَمَنْ أَظْلَمُ} (وكيست ستمكارتر) {مِمَّن ذُكِّرَ بآيات رَبِّهِ} أي : وعظ بالقرآن {ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ} فلم يتفكر فيها ولم يقبلها ولم يعمل بموجبها وثم لاستبعاد الإعراض عنها مع غاية وضوحها وإرشادها إلى سعادة الدارين كقولك لصاحبك : دخلت المسجد ثم لم تصل فيه استبعاداً لتركه الصلاة فيه.
والمعنى هو أظلم من كل ظالم وإن كان سبك التركيب على نفي الأعظم من غير تعرض لنفي المساوي {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} أي : من كل من اتصف بإجرام وإن هانت جريمته.
{مُنتَقِمُونَ} فكيف من كان أظلم من كل ظالم وأشد جرماً من كل مجرم ، وبالفارسية : (انتقام كشيد كانيم هلاك وعذاب) يقال نقمت من الشيء ونقمته إذا أنكرته إما باللسان وإما بالعقوبة والنقمة العقوبة والانتقام (كينه كشيدن) فإذا نبه العبد بأنواع الزجر وحرك في تركه حدود الوفاق بصنوف من التأديب ثم لم يرتدع عن فعله واغتر بطول سلامته وأمن هواجم مكر الله وخفايا أمره أخذه بغتة بحيث لا يجد فرجة من أخذته كما قال : {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} أي : المصرين على جرمهم {مُنتَقِمُونَ} بخسارة الدارين ، قال الحافظ :
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
كمين كهست وتوخوش تيزميروى هش دار
مكن كه كرد بر آيد زشهره عدمت
وفي الحديث : "ثلاثة من فعلهن فقد أجرم من عقد لواء في غير حق ومن عق لوالديه ومن نصر ظالماً".
واعلم أن الظلم أقبح الأمور ولذلك حرمه الله على نفسه فينبغي للعاقل أن يتعظ بمواعظ الله ويتخلق بأخلاقه ويجتنب عن أذية الروح بموافقة النفس والطبيعة وأذية عباد الله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه استند إلى جدار الكعبة وقال : يا كعبة ما أعظم حرمتك على الله لكني لو هدمتك سبع مرات كان أحب إلي من أن أوذي مسلماً مرة واحدة.
وعن وهب بن منبه أنه قال : جمع عالم من علماء بني إسرائيل سبعين صندوقاً من كتب العلم كل صندوق سبعون ذراعاً فأوحى الله تعالى إلى نبي ذلك الزمان أن قل لهذا العالم لا تنفعك هذه العلوم وإن جمعت أضعافاً مضاعفة ما دام معك ثلاث خصال حب الدنيا ومرافقة الشيطان وأذى مسلم فهذه الأسباب توقع الإنسان في ورطة الانتقام وانتقام الله لا يشبه انتقام غيره ألا ترى أنه وصف العذاب بالأكبر.
وفي الحديث "إن في أهون باب منها سبعين ألف جبل من نار وفي كل جبل سبعون ألف واد من نار وفي كل واد سبعون ألف شعب من نار وفي كل شعب سبعون ألف مدينة من نار وفي كل مدينة سبعون ألف دار من نار وفي كل دار سبعون ألف قصر من نار وفي كل قصر سبعون ألف صندوق من نار وفي كل صندوق سبعون ألف نوع من العذاب ليس فيها عذاب يشاكل عذاباً" فسمع عمر رضي الله عنه فقال : يا ليتني كنت كبشاً فذبحوني وأكلوني ولم أسمع ذكر جهنم.
وقال أبو بكر رضي الله عنه يا ليتني كنت طيراً في المفازة ولم أسمع ذكر النار.
وقال علي رضي الله عنه يا ليت أمي لم تلدني ولم أسمع ذكر جهنم نسأل الله تعالى أن يحفظنا من الوقوع في أسباب العذاب والوقوف في مواقف المناقشة وسوء الحساب وهو الذي خلق فهدى إلى طريق رضاه ومنه الثبات على دينه الموصل إلى جنته وقربته ووصلته ولقاه.
{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ} أي : التوراة {فَلا تَكُن فِى مِرْيَةٍ} أي : شك.
125
وفي "المفردات" المرية التردد في الأمر وهو أخص من الشك {مِّن لِّقَآاـاِهِ} اللقاء (ديدن) يقال لقيه كرضيه رآه.
قال الراغب يقال ذلك في الإدراك بالحس بالبصر وبالبصيرة وهو مضاف إلى مفعوله.
والمعنى من لقاء موسى الكتاب فإنا ألقينا عليه التوراة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
(7/94)
يقول الفقير : هذا هو الذي يستدعيه ترتيب الفاء على ما قبلها.
فإن قلت : ما معنى النهي وليس له عليه السلام في ذلك شك أصلاً.
قلت فيه تعريض للكفار بأنهم في شك من لقائه إذ لو لم يكن لهم فيه شك لآمنوا بالقرآن إذ في التوراة وسائر الكتب الإلهية ما يصدق القرآن الشواهد والآيات فإيتاء الكتاب ليس ببدع حتى يرتابوا فيه فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن موسى عليه السلام لما أوتي الكتاب وهو حظ سمعه فلا تشك يا محمد أن يحظى غداً حظ بصره بالرؤية ولكن بشفاعتك وبركة متابعتك واختصاصه في دعائه بقوله : اللهم اجعلني من أمة أحمد فإن الرؤية مخصوصة بك وبأمتك بتبعيتك {وَجَعَلْنَـاهُ} أي : الكتاب الذي آتيناه موسى {هُدًى} من الضلالة ، وبالفارسية : (راه نماينده) {لِّبَنِى إِسْرَءِيلَ} لأنه أنزل إليهم وهم متعبدون به دون بني إسماعيل وعليهم يحمل الناس في قوله تعالى : {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَـابَ الَّذِى جَآءَ بِه مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ} (الأنعام : 91)
{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ فَلا تَكُن فِى مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآاـاِه وَجَعَلْنَـاهُ هُدًى لِّبَنِى إسرائيل * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَاـاِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بآياتنا يُوقِنُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} .
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ} أي : من بني إسرائيل {أَاـاِمَّةً} جمع إمام بمعنى المؤتم والمقتدى به قولاً وفعلاً ، وبالفارسية : (يشوا) {يَهْدُونَ} يرشدون الخلق إلى الحق بما في التوراة من الشرائع والأحكام والحكم {بِأَمْرِنَا} إياهم بذلك أو بتوفيقنا لهم {لَمَّا صَبَرُوا} على الحق في جميع الأمور والأحوال وهي شرط لما فيها من معنى الجزاء نحو أحسنت إليك لما جئتني والتقدير لما صبر الأئمة أي : العلماء من بني إسرائيل على المشاق وطريق الحق جعلناهم أئمة أو هي ظرف بمعنى الحين أي : جعلناهم أئمة حين صبروا {وَكَانُوا بآياتنا} التي في تضاعيف الكتاب {يُوقِنُونَ} لإمعانهم فيها النظر والإيقان (بى كمان شدن) ولا تشك أنها من عندنا كما يشك الكفار من قومك في حق القرآن.
وفيه إشارة إلى أنه كما أن الله تعالى جعل التوراة هدى لبني إسرائيل فاهتدوا بها إلى مصالح الدين والدنيا كذلك جعل القرآن هدى لهذه الأمة المرحومة يهتدون به إلى الشرائع والحقائق وكما أنه جعل من بني إسرائيل قادة أدلاء كذلك جعل من هذه الأمة سادة أجلاء بل رجحهم على الكل بكل كمال فإن الأفضل أولى بإحراز الفضائل كلها.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
قال الشيخ العارف أبو الحسن الشاذلي قدس سره : رأيت النبي صلى الله عليه وسلّم في النوم باهى موسى وعيسى عليهما السلام بالإمام الغزالي قدس سره وقال : أفي أمتكما حبر كذا قالا : لا ورضي الله عن جميع الأولياء والعلماء ونفعنا بهم فانظر ما أشرف علم هذه الأمة وما أَز معرفتهم ولذا يشرفون يوم القيامة بكل حلية.
ـ كما قال بعض الأخيار ـ رأيت الشيخ أبا إسحق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي رحمه الله في النوم بعد وفاته وعليه ثياب بيض وعلى رأسه تاج فقلت له : ما هذا البياض؟ فقال : شرف الطاعة قلت : والتاج قال : عز العلم.
قال بعض الكبار : من عدم الإنصاف عدم إيمان الناس بما جاء به الأنبياء المعصومون وعدم الإيمان بما أتى به الأولياء المحفوظون فإن البحر واحد فمن آمن بما جاء به الأصل من الوحي يجب أن يؤمن بما جاء به
126
الفرع من الإلهام بجامع الموافقة وقد ثبت أن العلماء ورثة الأنبياء فعلومهم علومهم ففي الاتباع لهم في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم أجر كثير وثواب عظيم ونجعة من المهالك كما قال الحافظ :
يا مردان خدا باش كه دركشتى نوح
هست خاكى كه بآبى نخرد طوفانرا
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ} يقضي {بَيْنَهُمْ} بين الأنبياء وأممهم المكذبين أو بين المؤمنين والمشركين {يَوْمَ الْقِيَـامَةِ} فيميز بين المحق والمبطل (وهريك را مناسب اوجزا دهد) وكلمة هو للتخصيص والتأكيد وإن ذلك الفصل يوم القيامة ليس إلا إليه وحده لا يقدر عليه أحد سواه ولا يفوّض إلى من عداه {فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمور الدين هنا أي : في الدنيا.
قال بعض الكبار : إن الله تعالى تبارك وتعالى يحكم بين عباده لوجوه :
أولها : لعزتهم لأنهم عنده أعز من أن يجعل حكمهم إلى أحد من المخلوقين بل هو بفضله وكرمه يكون حاكماً عليهم.
وثانيها : غيرة عليهم لئلا يطلع على أحوالهم أحد غيره.
وثالثها : رحمة وكرماً فإنه ستار لا يفشى عيوبهم ويستر عن الأغيار ذنوبهم.
ورابعها : لأنه كريم ومن سنة الكرام أنهم إذا مروا باللغو مروا كراماً.
(7/95)
وخامسها : فضلاً وعدلاً لأنه الخالق الحكيم الذي خلقهم وما يعملون على مقتضى حكمته ووفق مشيئته فإن رأى منهم حسناً فذلك من نتائج إحسانه وفضله وإن رأى منهم قبيحاً فذلك من موجبات حكمته وعدله وأنه {لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍا وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـاعِفْهَا} (النساء : 40) الآية.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
وسادسها : عناية وشفقة فإنه تعالى خلقهم ليربحوا عليه لا ليربح عليهم فلا يجوز من كرمه أن يخسروا عليه.
وسابعها : رحمة ومحبة فإنه تعالى بالمحبة خلقهم لقوله : "فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف" وللمحبة خلقهم لقوله : {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (المائدة : 54) فينظر في شأنهم بنظر المحبة والرضى :
وعين الرضى عن كل عيب كليلة†
وثامنها : لطفاً وتكريماً فإنه نادى عليهم بقوله : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ} (الإسراء : 70) فلا يهين من كرّمه.
وتاسعها : عفواً وجوداً فإنه تعالى عفو يحب العفو فإن رأى جريمة في جريدة العبد يحب عفوها وأنه جواد يحب أن يجود عليه بالمغفرة والرضوان.
وعاشرها : أنه تعالى جعلهم خزائن أسراره فهو أعلم بحالهم وأعرف بقدرهم فإنه خمر طينتهم بيده أربعين صباحاً وجعلهم مرآة يظهر بها جميع صفاته عليهم لا على غيرهم ولو كان الملائكة المقربين ألا ترى أنه تعالى لما قال : {إِنِّي جَاعِلٌ فِى الارْضِ خَلِيفَةًا قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ} (البقرة : 30) فما عرفوهم حق معرفتهم حتى قال تعالى فيهم عزة وكرامة {إِنِّيا أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (البقرة : 30) أي : من فضائلهم وشمائلهم فإنهم خزائن أسراري ومرآة جمالي وجلالي فأنتم تنظرون إليهم بنظر الغيرة وأنا أنظر إليهم بنظر المحبة والرحمة فلا ترون منهم إلا كل قبيح ولا أرى منهم إلا كل جميل فلا أرضى أن أجعلكم حاكماً بينهم بل بفضلي وكرمي أنا أفصل بينهم فيما كانوا فيها يختلفون فأحسن إلى محسنهم وأتجاوز عن مسيئهم فلا يكبر عليّ اختلافهم لعلمي بحالهم أنهم لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم.
فعلى العاقل أن يرفع الاختلاف من البين ولا يقع
127
في البين فإن الله تعالى قد هدى بهداية القرآن إلى طريق القربات ولكن ضل عن الاتفاق الأعضاء والقوى في قطع العقبات اللهم ارحم إنك أنت الجواد الأكرم.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَـاكِنِهِمْ إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍا أَفَلا يَسْمَعُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَآءَ إِلَى الارْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} تخويف لكفار مكة أي : اغفلوا ولم يبين لهم مآل أمرهم والفاعل ما دل عليه قوله : {كَمْ أَهْلَكْنَا} أي : كثرة إهلاكنا لأن كم لا يقع فاعلاً فلا يقال جاءني كم رجل {مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ} مثل عاد وثمود وقوم لوط.
والقرن اسم لسكان الأرض عصراً والقرون سكانها على الأعاصير {يَمْشُونَ فِى مَسَـاكِنِهِمْ} الجملة حال من ضميرهم يعني أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديار الهالكين وبلادهم ويشاهدون آثار هلاكهم وخراب منازلهم {إِنَّ فِى ذَالِكَ} الإهلاك وما يتعلق به من الآثار {لايَـاتٍ} حججاً ومواعظ لكل مستبصر ومعتبر ، وبالفارسية (عبرتهاست مر امم آتيه را) {أَفَلا يَسْمَعُونَ} آيات الله ومواعظه سماع تدبر واتعاظ فينتهوا عما هم عليه من الكفر والكذيب.
كسى راكه ندار درسر بود
مندار هركز كه حق بشنود
زعلمش ملال آيد ازوعظ ننك
شقايق بباران نرويد زسنك
(7/96)
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَآءَ} السوق (راندن) والمراد سوق السحاب الحامل للماء لأنه هو الذي ينسب إلى الله تعالى وأما السقي بالأنهار فمنسوب إلى العبد وإن كان الإنبات من الله تعالى ولما كان هذا السوق وما بعده من الإخراج محسوساً حمل بعضهم الرؤية على البصرية ويدل عليه أيضاً آخر الآية وهو أفلا يبصرون.
وقال في "بحر العلوم" حملاً على المقصود من النظر أي : قد علموا أنا نسوق الماء ، وبالفارسية : (أيا نمى بينند ونميدانندكه ما آب را در ابر ميرانيم) {إِلَى الارْضِ الْجُرُزِ} أي : التي جرز نباتها أي : قطع وازيل بالكلية لعدم المطر أو لغيره كالرعي لا التي لا تنبت لقوله : {فَنُخْرِجُ} من تلك الأرض {بِهِ} أي : بسبب ذلك الماء المسوق {زَرْعًا} (كشت زارها وغلات وأشجار) وهو في الأصل مصدر عبر به عن المزروع {تَأْكُلُ مِنْهُ} أي : من ذلك الزرع {أَنْعَـامُهُمْ} (هار ايان ايشان) كالتبن والقصيل والورق وبعض الحبوب المخصوصة بها {وَأَنفُسُهُمْ} كالحبوب التي يقتاتها الإنسان والثمار {أَفَلا يُبْصِرُونَ} أي : لا ينظرون فلا يبصرون ذلك فيستدلون به على وحدته وكمال قدرته وفضله تعالى وأنه الحقيق بالعبادة وأن لا يشرك به بعض خلقه من ملك وإنسان فضلاً عن جماد لا يضر ولا ينفع وأيضاً فيعلمون أنا نقدر على إعادتهم وإحيائهم.
.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
قال ابن عطاء في الآية نوصل بركات المواعظ إلى القلوب القاسية المعرضة عن الحق فتتعظ بتلك المواعظ.
قال بعضهم : يسوق مياه معرفته من بحار تجلي جلاله إلى أرض القلوب الميتة فينبت نرجس الوصلة وياسمين المودة وريحان المؤانسة وبنفسج الحكمة وزهر الفطنة وورد المكاشفة وشقائق الحقيقة.
وقال بعضهم : نسوق ماء الهداية إلى القلوب الميتة فنسقي حدائق وصلهم بعد جفاف عودها وزوال المأنوس من معهودها فيعود عودها مورقاً بعد ذبوله حاكياً لحالة حال حصوله فنخرج به زرعاً من الواردات التي تصلح لزينة النفوس ومن المشاهدات التي تصلح لتغذية القلوب ولا يخفى أن الهداية على أنواع فهداية الكافر
128
إلى الإيمان وهداية المؤمن الفاسق إلى الطاعات وهداية المؤمن المطيع إلى الزهد والورع وهداية الزاهد المتورع إلى المعرفة وهداية العارف إلى الوصول وهداية الواصل إلى الحصول فعنف الحصول تنبت حبة القلب بفيض الإلهام الصريح نباتاً لا جفاف لها بعده فمن ههنا يأخذ الإنسان الكامل في الحياة الباقية وينبغي لطالب الحق أن يجتهد في طريق العبودية فإن الفيض والنماء إنما يحصل من طريق العبادات ولذا جعل الله الطاعات رحمة على العباد ألا ترى أن الإنسان إذا صلى صلاة الفجر يقع في بحر المناجاة مع الله ولكن تنقطع هذه الحالة إلى صلاة الظهر بالنسبة إلى الإنسان الناقص إذ ربما يشتغل في البين بما ينقطع به المدد فصلاة الظهر إذا تجدد له حالته وهكذا فتكرر الصلوات في الليل والنهار كتكرر سقي الأرض والزرع صباحاً ومساءً وكذا الصوم فإن شهر رمضان يفتح فيه باب القلب ويغلق باب الطبيعة فيحصل للصائم صفة الصمدية فيكون كالملائكة في المحل ففي تكرر رمضان عليه إمداد له لتكميل تلك الصفة الإلهية وإنما لا يظهر أثر الطاعات في حق العوام لأنهم لا يؤدونها من طريقها وبشرائطها فالله تعالى قادر على أن ينقذهم من شهواتهم ويخرجهم من دائرة غفلاتهم ومن استعجز القدرة الإلهية فقد كفر.
قال في "شرح الحكم" وإن أردت الاستعانة على تقوية رجائك فانظر لحال من كان مثلك ثم أنقذه الله وخصه بعنايته كإبراهيم بن أدهم وفضيل بن عياض وابن المبارك وذي النون ومالك بن دينار وغيرهم من محرومي البداية ومرزوقي النهاية ، وفي "المثنوي" :
سايه حق برسر بنده بود
عاقبت جوينده يابنده بودكفت يغمبر كه ون كوبى درى
عاقبت زان در برون آيد سرى
ون نشينى برسر كوى كسى
عاقبت بيني توهم روى كسى
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
ون زاهى ميكنى هر روز خاك
عاقبت اندر رسى درآب اك
جمله دانند اين اكر تو نكروى
هره ميكاريش روزى بد روى
وقال في موضع آخر :
ون صلاى وصل بشنيدن كرفت
اندك اندك مرده نبيدن كرفتنى كم ازخاكست كز عشوه صبا
سبز وشد سر برآرد ازقنا
كم زآب نطفه نبود كز خطاب
يوسفان زايند رخ ون آفتاب
كم زبادى نيست شد از امركن
در رحم طاوس ومرغ خوش سخن
كم زكوه وسنك نبود كز ولاد
ناقه كان ناقه ناقه زاد زاد
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَآءَ إِلَى الارْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِه زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَـامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَـاذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيَمَـانُهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ} .
(7/97)
{وَيَقُولُونَ} وذلك أن المؤمنين كانوا يقولون لكفار مكة إن لنا يوماً يفتح الله فيه بيننا أي : يحكم ويقضي يريدون يوم القيامة أو إن الله سيفتح لنا على المشركين ويفصل بيننا وبينهم وكان أهل مكة إذا سمعوه يقولون بطريق الاستعجال تكذيباً واستهزاء {مَتَى هَاذَا الْفَتْحُ} أي : في أي : وقت يكون الحكم والفصل أو النصر والظفر {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} في أنه كائن.
{قُلْ} تبكيتاً لهم وتحقيقاً للحق لا تستعجلوا ولا تستهزئوا فإن {يَوْمَ الْفَتْحِ} يوم إزالة الشبهة بإقامة القيامة فإن أصله إزالة الإغلاق والإشكال أو يوم الغلبة على الأعداء {لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيَمَانُهُمْ}
129
فاعل لا ينفع والموصول مفعوله {وَلا هُمْ يُنظَرُونَ} يمهلون ويؤخرون فإن الأنظار بالفارسية (زمان دادن) أما إذا كان المراد يوم القيامة فإن الإيمان يومئذٍ لا ينفع الكافر لفوات الوقت ولا يمهل أيضاً في إدراك العذاب ولا في بيان العذر فإنه لا عذر له وأما إذا كان المراد يوم النصرة كيوم بدر فإنه لا ينفع إيمانه حال القتل إذ هو إيمان يأس كإيمان فرعون حين ألجمه الغرق ولا يتوقف في قتله أصلاً والعدول عن تطبيق الجواب على ظاهر سؤالهم للتنبيه على أنه ليس مما ينبغي أن يسأل عنه لكونه أمراً بيناً غنياً عن الأخبار وكذا إيمانهم واستنظارهم يومئذٍ وإنما المحتاج إلى البيان عدم نفع ذلك الإيمان وعدم الإنظار {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي : لا تبال بتكذيبهم ، وبالفارسية : (س روى بكردان بطريق اهانت از ايشان تامدن معلوم يعني تانزول آية السيف) {وَانتَظِرْ} النصرة عليهم وهلاكهم لصدق وعدي {إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ} الغلبة عليك وحوادث الزمان من موت أو قتل فيستريحوا منك أو إهلاكهم كما في قوله تعالى : {هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} (البقرة : 210) الآية ويقرب منه ما قيل وانتظر عذابنا فإنهم منتظرون فإن استعجالهم المذكور وعكوفهم على ما هم عليه من الكفر والمعاصي في حكم انتظارهم العذاب المترتب عليه لا محالة وقد أنجز الله وعده فنصر عبده وفتح للمؤمنين وحصل أمانيهم أجمعين.
جزء : 7 رقم الصفحة : 106
شكر خداكه هره طلب كردم ازخدا
برمنتهاى همت خود كامران شدم
قال بعضهم :
هركرا اقبال باشد رهنمون
دشمنش كردد بزودى سر نكون
وفي الآية حث على الانتظار والصبر.
قد يدرك المتأنى بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
وإشارة إلى أن أهل الأهواء ينكرون على الأولياء ويستدعون منهم إظهار الكرامات وعرض الفتوحات ولكن إذا فتح الله على قلوب أوليائه لا ينفع الإيمان بفتوحهم زمرة أعدائه إذ لم يقتدوا بهم ولم يهتدوا بهدايتهم فمالهم إلا الحسرات والزفرات فانتظار المقر المقبل لفتوحات الألطاف وانتظار المنكر المدبر لهواجم المقت وخفايا المكر والقهر نعوذ بالله تعالى.
وفي الحديث : "من قرأ الم تنزيل وتبارك الذي بيده الملك أعطى من الأجر كأنما أحيا ليلة القدر" وفي الحديث : "من قرأ الم تنزيل في بيته لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام" كما في "الإرشاد" وفي الحديث : "تجيىء الم تنزيل السجدة يوم القيامة لها جناحان تطاير صاحبها وتقول لا سبيل عليك" كما في "بحر العلوم".
ـ وروي ـ عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان لا ينام حتى يقرأ الم السجدة وتبارك الذي بيده الملك ويقول : "هما تفضلان كل سورة في القرآن بسبعين حسنة فمن قرأهما كتب له سبعون حسنة ومحى عنه سبعون سيئة ورفع له سبعون درجة" وعن أبي هريرة رضي الله عنه كان النبي عليه السلام يقرأ في الفجر يوم الجمعة ألم تنزيل وهل أتى على الإنسان كما في "كشف الأسرار".
ويسن عند الشافعي وأحمد أن يقرأ في فجر يوم الجمعة في الركعة الأولى ألم السجدة وفي الثانية هل أتى على الإنسان وكره أحمد المداومة
130
عليها لئلا يظن أنها مفضلة بسجدة وعند أبي حنيفة ومالك لا يسن بل كره أبو حنيفة تعيين سورة غير الفاتحة لشيء من الصلوات لما فيه من هجران الباقي كما في "فتح الرحمن".
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر إن من أدب العارف إذا قرأ في صلاته المطلقة أن لا يقصد قراءة سورة معينة أو آية معينة وذلك لأنه لا يدري أين يسلك به ربه من طريق مناجاته فالعارف يقرأ بحسب ما يناجيه به من كلامه وبحسب ما يلقي إليه الحق في خاطره كما في "الكبريت الأحمر" نسأل الله سبحانه أن يجعلنا ممن يقوم بكلامه آناء الليل وأطراف النهار ويتحقق بمعانيه ومناجاته في السر والجهار :
جزء : 7 رقم الصفحة : 106(7/98)
سورة الأحزاب
مدنية وهي ثلاث وسبعون آية
جزء : 7 رقم الصفحة : 130
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ} من النبأ وهو خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن وسمي نبياً لأنه منبىء أي : مخبر عن الله بما تسكن إليه العقول الزكية أو من النبوة أي : الرفعة لرفعة محل النبي عن سائر الناس المدلول عليه بقوله : {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} (مريم : 57) ناداه تعالى بالنبي لا باسمه أي : لم يقل يا محمد كما قال يا آدم ويا نوح ويا موسى ويا عيسى ويا زكريا ويا يحيى تشريفاً فهو من الألقاب المشرفة الدالة على علو جنابه عليه السلام.
وله أسماء وألقاب غير هذا وكثرة الأسماء والألقاب تدل علي شرف المسمى وأما تصريحه باسمه في قوله : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ} (الفتح : 29) فلتعليم الناس أنه رسول الله وليعتقدوه كذلك ويجعلوه من عقائدهم الحقة (در أسباب نزول مذكور است كه ابو سفيان وعكرمة وأبو الأعور بعد از واقعة أحد از مكة بمدينه آمده در مركز نفاق يعني وثاق ابن أبي نزول كردند وروزى ديكر از رسول خدا در خواستند تا ايشانرا امان دهد وباوى سخن كويند رسول خدا ايشانرا امان داد باجمعى از منافقان برخاستند بحضرت مصطفى عليه السلام آمدند وكفتند "ارفض ذكر آلهتنا وقل انها تشفع يوم القيامة وتنفع لمن عبدها ونحن ندعك وربك" اين سخت بدان حضرت شاق آمد روى مبارك درهم كشيد عبد الله ابن أبيّ ومقت بن قشير وجد بن قيس از منافقان كفتند يا رسول الله سخن اشراف عرب را باوركن كه صلاح كلى درضمن آنست فاروق رضي الله عنه حميت اسلام وصلابت دين دريافته قصد قتل كفره فرمود حضرت عليه السلام كفت اى عمر من ايشانرا بجان امان داده ام تونقض عهد مكن) فأخرجهم عمر رضي الله عنه من المسجد بل من المدينة وقال : اخرجوا في لعنة الله وغضبه فنزلت هذه الآية {اتَّقِ اللَّهَ} في نقض العهد ونبذ الأمان وأثبت على التقوى وزد منها فإنه ليس لدرجات القتوى نهاية وإنما حملت على الدوام لأن المشتغل بالشيء لا يؤمر به فلا يقال للجالس مثلاً اجلس أمره الله بالتقوى تعظيماً لشأن التقوى فإن تعظيم المنادى ذريعة إلى تعظيم شان المنادى له.
قال في "كشف الأسرار" يأتي في القرآن الأمر بالتقوى كثيراً لتعظيم ما بعده من أمر أو نهي كقول {اتَّقُوا اللَّهَ وَءَامِنُوا بِرَسُولِهِ} (الحديد : 28)
131
وقول لوط {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِى} (هود : 78).
قال في الكبير : لا يجوز حمله على غفلة النبي عليه السلام لأن قوله النبي ينافي الغفلة لأن النبي خبير فلا يكون غافلاً.
قال ابن عطاء : أيها المخبر عني خبر صدق والعارف بي معرفة حقيقية اتق الله في أن يكون لك الالتفات إلى شيء سواي.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
واعلم أن التقوى في اللغة بمعنى الاتقاء وهو اتخاذ الوقاية وعند أهل الحقيقة هو الاحتراز بطاعة الله من عقوبته وصيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك.
قال بعض الكبار المتقي إما أن يتقي بنفسه عن الحق تعالى وإما بالحق عن نفسه والأول هو الاتقاء بإسناد النقائص إلى نفسه عن إسنادها إلى الحق سبحانه فيجعل نفسه وقاية له تعالى والثاني هو الاتقاء بإسناد الكمالات إلى الحق سبحانه عن إسنادها إلى نفسه فيجعل الحق وقاية لنفسه والعدم نقصان فهو مضاف إلى العبد والوجود كمال فهو مضاف إلى الله تعالى.
وفي "كشف الأسرار" (آشنا باتقوى كسانند كه بناه طاعت شوند ازهره معصيتست واز حرام برهيزند خادمان تقوى ايشانندكه بناه احتياط شوند واز هره شبهتست برهيزند عاشقان تقوى ايشانند كه از حسنات وطاعات خويش از روى ناديدن نان رهيز كنند كه ديكران از معاصى) :
ما سواى حق مثال كلخنست
تقوى ازوى ون حمام روشنست
هركه درحمام شد سيماى او
هست يدا بررخ زيباى او
{وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} أي : المجاهرين بالكفر {وَالْمُنَافِقِينَ} أي : المضمرين له أي : دم على ما أنت عليه من انتفاء الطاعة لهم فيما يخالف شريعتك ويعود بوهن في الدين وذلك أن رسول الله لم يكن مطيعاً لهم حتى ينهى عن إطاعتهم لكنه أكد عليه ما كان عليه وثبت على التزامه والإطاعة الانقياد وهو لا يتصور إلا بعد الأمر.
فالفرق بين الطاعة والعبادة أن الطاعة فعل يعمل بالأمر لا غير بخلاف العبادة {إِنَّ اللَّهَ كَانَ} على الاستمرار والدوام لا في جانب الماضي فقط {عَلِيمًا} بالمصالح والمفاسد فلا يأمرك إلا بما فيه مصلحة ولا ينهاك إلا عما فيه مفسدة {حَكِيمًا} لا يحكم إلا بما تقتضيه الحكة البالغة.
{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}
{وَاتَّبِعْ} في كل ما تأتي وما تذر من أمور الدين {مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} في التقوى وترك طاعة الكافرين والمنافقين وغير ذلك أي : فاعمل بالقرآن لا برأى الكافرين.
قال سهل : قطعه بذلك عن اتباع أعدائه وأمره بالاتباع في كل أحواله ليعلم أن أصح الطريق شريعة الاتباع والاقتداء لا طريقة الابتداع والاستبداد :(7/99)
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
من بسر منزل عنقا نه بخود بردم راه
قطع اين مرحله بامرغ سليمان كردم
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الامتثال وتركه وهو خطاب للنبي عليه السلام والمؤمنين {خَبِيرًا} (آكاه وخبردار) فيرتب على كل منهما جزاءه ثواباً أو عقاباً فهو ترغيب وترهيب.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي : فوض جميع أمورك إليه {وَكَفَى بِاللَّهِ} أي : الله تعالى {وَكِيلا} حافظاً موكولاً إليه كل الأمور ، وبالفارسية : (كار ساز ونكهبان وكفايت كننده مهمات) :
ون ره لطف عنايت كند
جمله مهمات كفايت كند
قال الشيخ الزورقي في "شرح الأسماء الحسنى" : الوكيل هو المتكفل بمصالح عباده والكافي لهم في كل أمر ومن عرف أنه الوكيل اكتفى به في كل أمره فلم يدبر معه ولم يعتمد إلا عليه.
وخاصيته نفي الحوائج والمصائب فمن خاف ريحاً أو صاعقة أو نحوهما فليكثر منه فإنه يصرف
132
ويفتح له أبواب الخير والرزق.
قال في "كشف الأسرار" أبو يزيد بسطامي قدس سره (باكروه مريدان برتوكل نشسته بودند مدتى بكذشت كه ايشانرا فتوحى برنيامد وازهي كس رفقي نيافتند بى طاقت شدند كفتند اى شيخ اكر دستورى باشد بطلب رزقي رويم شيخ كفت اكر دانيد كه روزى شما كجاست رويد وطب كنيد كفتند تا الله را خوانيم ودعا كنيم).
ارباب حاجتيم وزبان سؤال نيست
در حضرت كريم تمنا ه حاجتست
(كفتند اى شيخ س برتوكل مى نشينيم وخاموش مى باشيم كفتا خدايرا آزمايش ميكنيد كفتند اى شيخ س اره وحيلت يست شيخ كفت "الحيلة ترك الحيلة" يعني حيلت آنست كه اختيار ومراد خود در باقي كنيد تا آنه قضاست خود ميرود اى جو انمرد حقيقت توكل آنست كه مرد از راه اختيار خود بر خيزد ديده تصرف را ميل در كشد خيمه رضا وتسليم برسر كوى قضا وقدر بزندديده مطالعت بر مطالع مجارىء احكام كذارد تا از رده عزت ه آشكاراشود وبهر ه يش آيد در نظاره محول باشد نه در نظاره حال ون مرد بدين مقام رسد كليد كنج مملكت دركنار وى نهند توانكر دل كردد).
فعلى العاقل أن يجتهد في ترك الالتفات إلى غير الله ويركب المشاق في طريق من يهواه فإن الأخذ بالعزائم نعت الرجل الحازم وأولوا العزم من الرسل هم الذين لقوا الشدائد في تمهيد السبل.
ما جنح إلى الرخص إلا من يقع في الغصص.
من سلك ههنا ما توعر تيسر له في آخرته ما تعسر.
فما أثقل ظهرك سوى وزرك.
فهنا تحط الأثقال أثقال الأعمال والأقوال.
فاحذر من الابتداع في حال الاتباع.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
واعلم أن النعم لا يمكن العبد تحصيلها بالأصالة فالله يحصلها له بالوكالة والعاقبة للتقوى.
وقال بعض الكبار : من الأدب أن تسأل لأنه تعالى ما أوجدك إلا لتسأل فإنك الفقير الأول فاسأل من كريم لا يبخل فإنه ذو فضل عميم ومن اتبع هواه لم يبلغ مناه ومن قام بالخدمة مع طرح الحرمة والحشمة فقد خاب وما نجح وخسر وما ربح الخادم في مقام الإذلال فما له وللدلال إذا دخل الخادم على مخدومه واعترض ففي قلبه مرض فبالحرمة والتسليم والتوكل تنال الرغائب في جميع المناصب والله تعالى هو الخبير أي : العليم بدقائق الأمور وخفاياها ومن عرف أنه الخبير اكتفى بعلمه ورجع عن غيره ونسي ذكر غيره بذكره ويترك الدعوى والرياء والتصنع ويكون على إخلاص في العمل فإن الناقد بصير.
بروى ريا حرقه سهلست دوخت
كرش باغدا در توانى فروخت
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من أهل التقوى والإخلاص ويلحقنا بأرباب الاختصاص ويفتح لنا باب الخيرات والفتوح ما مكث في هذا البدن الروح.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا * مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِه وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّـاـِاى تُظَـاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَـاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ}
{مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ} جعل بمعنى خلق والرجل مخصوص بالذكر من الإنسان والتنكير ومن الاستغراقية لإفادة التعميم والقلب مضغة صغيرة في هيئة الصنوبرة خلقها الله في الجانب الأيسر من صدر الإنسان معلقة بعرق الوتين وجعلها محلاً للعلم وجوف الإنسان بطنه كما في اللغات وذكره لزيادة التقرير كما في قوله تعالى : {وَلَـاكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ} (الحج : 46) ، والمعنى بالفارسية :
133
(7/100)
(الله تعالى هي مردرا دو دل نيافريد در اندرون وى زيرا كه قلب معدن روح حيواني ومنبع قوتهاست س يكى بيش نشايد زيراكه روح حيوانى يكيست) وفيه طعن على المنافقين كما قاله القرطبي يعني أن الله تعالى لم يخلق للإنسان قلبين حتى يسع أحدهما الكفر والضلال والإصرار والانزعاج والآخر الإيمان والهدى والإنابة والطمأنينة فما بال هؤلاء المنافقين يظهرون ما لم يضمروه وبالعكس.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان المنافقون يقولون أن لمحمد قلبين قلباً معنا وقلباً مع أصحابه فأكذبهم الله.
وقال بعضهم : هذا رد ما كانت العرب تزعم من أن للعاقل المجرب للأمور قلبين ولذلك قيل لأبي معمر ذي القلبين وكان من أحفظ العرب وأدراهم وأهدى الناس إلى طريق البلدان وكان مبغضاً للنبي عليه السلام وكان هو أو جميل بن أسد يقول : في صدري قلبان أعقل بهما أفضل مما يعقل محمد بقلبه (كفت در سينه من دودل نهاده اند تادانش ودر يافت من بيش از در يافت محمد باشد) وكان الناس يظنون أنه صادق في دعواه فلما هزم الله المشركين يوم بدر انهزم فيهم وهو يعدو في الرمضاء وإحدى نعليه في يده والأخرى في رجله فلقيه أبو سفيان وهو يقول : أين نعلي أين نعلي ولا يعقل أنها في يده فقال له إحدى نعليك في يدك والأخرى ي رجلك فعلموا يومئذٍ أنه لو كان له قلبان ما نسي نعله في يده.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ويقول الفقير : أمَّا ما يقال بين الناس لفلان قلبان فليس على حقيقته وإنما يريدون بذلك وصفه بكمال القوة وتمام الشجاعة كأنه رجلان وله قلبان.
وفي الآية إشارة إلى أن القلب خلق للمحبة فقط فالقلب واحد والمحبة واحدة فلا تصلح إلا لمحبوب واحد لا شريك له كما أشار إليه من قال :
دلم خانه مهريارست وس
ازان مى نكنجد دروكين كس
فمن اشتغل بالدنيا قالباً وقلباً ثم ادعى حب الآخرة بل حب الله فهو كاذب في دعواه.
مشيد جز حكايت جام از جهان نبرد
زنهار دل مبند بر اسباب دنيوي
{وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ} نساءكم جمع زوج كما أن الزوجات جمع زوجة والزوج أفصح وإن كان الثاني أشهر ، وبالفارسية : (ونساخته زنان شمارا) {الَّـاـِاى} جمع التي {تُظَـاهِرُونَ مِنْهُنَّ} أي : تقولون لهن أنتن علينا كظهور أمهاتنا أي : في التحريم فإن معنى ظاهر من امرأته قال لها : أنت عليّ كظهر أمي فهو مأخوذ من الظهر بحسب اللفظ كما يقال لبى المحرم إذا قال لبيك واقف الرجل إذا قال : أف وتعديته بمن لتضمنه معنى التجنب وكان طلاقاً في الجاهلة وكانوا يجتنبون المطلقة ، يعني : (طلاق جاهليت اين بود كه بازن خويش ميكفتند) أنت عليّ كظهر أمي أي : أنت عليّ كظهر أمي أي : أنت عليّ حرام كبطن أمي فكنوا عن البطن بالظهر لئلا يذكروا البطن الذي ذكره يقارب ذكر الفرج وإنما جعلوا الكناية بالظهر عن البطن لأنه عمود البطن وقوام البنية {أُمَّهَـاتِكُمْ} أي : كأمهاتكم جمع أم زيدت الهاء فيه كما زيدت في إهراق من أراق وشدت زيادتها في الواحدة بأن يقال أمه.
والمعنى ما جمع الله الزوجية والأمومة في امرأة لأن الأم مخدومة لا يتصرف فيها والزوجة خادمة يتصرف فيها والمراد بذلك نفي ما كانت العرب تزعمه من أن الزوجة المظاهر منها كالأم.
قال في "كشف الأسرار" : (ون
134
اسلام آمد وشريعت راست رب العالمين براى اين كفارت وتلت بديد كرد وشرع آثرا اظهار نام نهاد) وهو في الإسلام يقتضي الطلاق والحرمة إلى أداء الكفارة وهي عتق رقبة فإن عجز صام شهرين متتابعين ليس فيهما رمضان ولا شيء من الأيام المنهية وهي يوما العيد وأيام التشريق فإن عجز أطعم ستين مسكيناً كل مسكين كالفطرة أو قيمة ذلك.
وقوله : أنت عليّ كظهر أمي لا يحتمل غير الظهار سواء نوى أو لم ينو ولا يكون طلاقاً أو إيلاء لأنه صريح في الظهار.
ولو قال : أنت عليّ مثل أمي فإن نوى الكرامة أي : إن قال : أردت أنها مكرمة عليّ كأمي صدق أو الظهار فظهار أو الطلاق فبائن وإن لم ينو شيئاً فليس شيء.
ولو قال : أنت عليّ حرام كأمي ونوى ظهاراً أو طلاقاً فكما نوى.
ولو قال : أنت عليّ حرام كظهر أمي ونوى طلاقاً وإيلاء فهو ظهار وعندهما ما نوى ولا ظهار إلا من الزوجة فلا ظهار من أمته لأن الظهار منقول عن الطلاق لأنه كان طلاقاً في الجاهلية ولا طلاق في المملوك.
ولو قال لنسائه أنتن عليّ كظهر أمي كان مظاهراً منهن وعليه لكل واحدة كفارة وإن ظاهر من واحدة مراراً في مجلس أو مجالس فعليه لكل ظهار كفارة كما في تكرار اليمين فكفارة الظهار واليمين لا تتداخل بخلاف كفارة شهر رمضان وسجدة التلاوة أي : إذا تكررت التلاوة في موضع لا يلزم إلا سجدة واحدة
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/101)
{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ} جمع دعى فعيل بمعنى مفعول وهو الذي يدعى ولداً ويتخذ ابناً أي : المتبنى بتقديم الباء الموحدة على النون ، وبالفارسية : (كسى را به سر كرفتن) وقياسه أن يجمع على فعلى كجرحى بأن يقال دعيا فإن أفعلاء مختص بفعيل بمعنى فاعل مثل تقي وأتقياء كأنه شبه فعيل بمعنى مفعول في اللفظ بفعيل بمعنى فاعل فجمع جمعه {أَبْنَآءَكُمْ} حقيقة في حكم الميراث والمحرمة والنسب أي : ما جعل الله الدعوة والبنوة في رجل لأن الدعوة عرض والبنوة أصل في النسب ولا يجتمعان في الشيء الواحد وهذا أيضاً رد ما كانوا يزعمون من أن دعى الرجل ابنه فيجعلون له من الميراث مثل نصيب الذكر من أولادهم ويحرمون نكاح زوجته إذا طلقها ومات عنها ويجوز أن يكون نفي القلبين لتمهيد أصل يحمل عليه نفي الأمومة عن المظاهر منها والبنوة عن المتبني.
والمعنى : كما لم يجعل الله قلبين في جوف واحد لأدائه إلى التناقض وهو أن يكون كل منهما أصلاً لكل القوى وغير أصل كذلك لم يجعل الزوجة أمّاً والدعيّ ابنا لأحد يعني كون المظاهر منها أمّاً وكون الدعيّ ابناً أي : بمنزلة الأم والابن في الآثار والأحكام المعهودة بينهم في الاستحالة بمنزلة اجتماع قلبين في جوف واحد.
وفيه إشارة إلى أن في القرابة النسبية خواص لا توجد في القرابة السببية فلا سبيل لأحد أن يضع في الأزواج بالظهار ما وضع الله في الأمهات ولا أن يضع في الأجانب بالتبني ما وضع الله في الأبناء فإن الولد سر أبيه فما لم يجعل الله فليس في مقدور أحد أن يجعله {ذالِكُمْ} (اين مظاهره را مطلقه ودعى را ابن خواندن) أو هو إشارة إلى الأخير فقط لأنه المقصود من سياق الكلام أي : دعاؤكم الدعي بقولكم هذا ابني.
{قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ} فقط لا حقيقة له في الأعيان كقول الهازل فإذا هو بمعزل عن أحكام البنوة كما زعمتم والأفواه جمع فم واصل فم فوه بالفتح مثل ثوب وأثواب
135
وهو مذهب سيبويه والبصريين وفوه بالضم مثل سوق وأسواق وهو مذهب الفراء حذفت الهاء حذفاً غير قياسي لخفائها ثم الواو لاعتلالها ثم أبدلت الواو المحذوفة ميماً لتجانسهما لأنهما من حروف الشفة فصار فم.
قال الراغب وكل موضع علق الله فيه حكم القول بالفم فإشارة إلى الكذب وتنبيه على أن الاعتقاد لا يطابقه {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} أي : الكلام المطابق للواقع لأن الحق لا يصدر إلا من الحق وهو أن غير الابن لا يكون ابناً {وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ} أي : سبيل الحق لا غيره فدعوا أقوالكم وخذوا بقوله هذا.
والسبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك وما فيه سهولة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/102)
وفي "التأويلات النجمية" : {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} فيما سمي كل شيء بازاء معناه {وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ} إلى اسم كل شيء مناسب لمعناه كما هدى آدم عليه السلام بتعليم الأسماء كلها وخصصه بهذا العلم دون الملائكة المقربين.
قال بعض الكبار : اعلم أن آداب الشريعة كلها ترجع إلى ما نذكره وهو أن لا يتعدى العبد في الحكم موضعه في جوهر كان أو في عرض أو في زمان أو مكان أو في وضع أو في إضافة أو في حال أو في مقدار أو عدد أو في مؤثر أو في مؤثر فيه.
فأما أولاها في الجوهر فهو أن يعلم العبد حكم الشرع في ذلك فيجربه فيه بحسنه.
وأما أدب العبد في الأعراض فهو ما يتعلق بأفعال المكلفين من وجوب وحظر وإباحة ومكروه وندب.
وأما أدبه في الزمان فلا يتعلق إلا بأوقات العبادات المرتبطة بالأوقات فكل وقت له حكم في المكلف ومنه ما يضيق وقته ومنه ما يتسع.
وأما أدبه في المكان كمواضع العبادات مثل بيوت الله فيرفعها عن البيوت المنسوبة إلى الخلق ويذكر فيها اسمه.
وأما أدبه في الوضع فلا يسمى الشيء بغير اسمه ليغير عليه حكم الشرع بتغيير اسمه فيحلل ما كان محرماً ويحرم ما كان محللاً كما في حديث "سيأتي على أمتي زمان يظهر فيه أقوام يسمون الخمر بغير اسمها" أي : فتحاً لباب استحلالها بالاسم وقد تفطن لما ذكره الإمام مالك رحمه الله فسئل عن خنزير البحر فقال : هو حرام فقيل له إنه من جملة سمك البحر فقال : أنتم سميتوه خنزيراً فانسحب عليه حكم التحريم لأجل الاسم كما سموا الخمر نبيذاً أو ابريزاً فاستحلوها بالاسم وقالوا إنما حرم علينا ما كان اسمه خمراً.
وأما أدب الإضافة فهو مثل قول الخضر عليه السلام : {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} (الكهف : 79) وقوله : {فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} (الكهف : 81) وذلك للاشتراك بين ما يحمد ويذم وقال : {فَأَرَادَ رَبُّكَ} (الكهف : 82) لتخليص المحمدة فيه فإن الشيء الواحد يكتسب ذماً بالنسبة إلى جهة ويكتسب حمداً بالإضافة إلى جهة أخرى وهو هو يعينه وإنما بغير الحكم بالنسبة.
وأما أدب الأحوال كحال السفر في الطاعة وحال السفر في المعصية فيختلف الحكم بالحال.
وأما الأدب في الأعداد فهو أن لا يزيد في أفعال الطهارة على أعضاء الوضوء ولا ينقص وكذلك القول في أعداد الصلوات والزكوات ونحوها وكذلك لا يزيد في الغسل عن صاع والوضوء عن مد.
وأما أدبه في المؤثر فهو أن يضيف القتل أو الغصب مثلاً إلى فاعله ويقيم عليه الحدود.
وأما أدبه في المؤثر فيه كالمقتول قوداً فينظر هل قتل بصفة ما قتل به أو بأمر آخر وكالمغصوب إذا وجد بغير يد الذي باشر الغصب فهذه أقسام آداب الشريعة كلها فمن عرفها وأجراها كان من المهتدين إلى السبيل الحق والمحفوظين عن الضلال المطلق فاعرف.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِه وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّـاـِاى تُظَـاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَـاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لابَآاـاِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّه فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا ءَابَآءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُم بِه وَلَـاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} .
{ادْعُوهُمْ لابَآاـاِهِمْ} يقال فلان يدعى لفلان أي : ينسب إليه ووقع اللام
136
ههنا للاستحقاق.
قال بعضهم : (اين آيت براى زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي بود) سبى صغيراً وكانت العرب في جاهليتها يغير بعضهم على بعض ويسبي فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهبته له وطلبه أبوه وعمه فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأعتقه ورباه كالأولاد وتبناه قبل الوحي وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب وكان يدعى زيد بن محمد وكذا يدعى المقداد بن عمرو البهراني المقداد بن الأسود وسالم مولى أبي حذيفة سالم بن أبي حذيفة وغير هؤلاء ممن تبنى وانتسب لغير أبيه (ودر صحيح بخاري از ابن عمر منقولست كه نمى كفتيم إلا زيد بن محمد تا اين آيت آمد وما اورا زيد بن حارثة كفتيم) فالمعنى انسبوا الأدعياء إلى الذين ولدوهم فقولوا : زيد بن حارثة وكذا غيره ، وبالفارسية : (مردانرا به دران باز خوانيد) {هُوَ} أي : الدعاء لآبائهم فالضمير لمصدر ادعوا كما في قوله : {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة : 8) اقسط عند الله القسط بالكسر العدل وبالفتح هو أن يأخذ قسط غيره وذلك غير إنصاف ولذلك قيل قسط الرجل إذا جار وأقسط إذا عدل.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/103)
ـ حكي ـ أن امرأة قالت للحَجَّاجِ : أنت القاسط فضربها وقال : إنما أردت القسط بالفتح وأقسط أفعل تفضيل قصد به الزيادة المطلقة والمعنى بالغ في العدل والصدق ، وبالفارسية : (راسترست ودادتر).
وفي "كشف الأسرار" : هو أعدل وأصدق من دعائهم إياهم لغير آبائهم {فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا} (س اكر ندانيد ونشناسيد) {ءَابَآءَهُمُ} (دران ايشانرا تانسبت دهيد بآنها).
قال بعضهم متى عرض ما يحيل معنى الشرط جعلت أن بمعنى إذ وإذ يكون للماضي فلا منافاة ههنا بين حرفي الماضي والاستقبال.
قال البيضاوي في قوله تعالى : {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا} (البقرة : 24) إن تفعلوا جزم بلم فإنها لما صيرته أي : المضارع ماضياً صارت كالجزء منه وحرف الشرط كالداخل على المجموع وكأنه قال فإن تركتم الفعل ولذلك ساغ اجتماعهما أي : حرف الشرط ولم {فَإِخوَانُكُمْ فِى الدِّينِ} أي : فهم إخوانكم في الدين يعني من أسلم منهم {وَمَوَالِيكُمْ} وأولياؤكم فيه أي : فادعوهم بالإخوة الدينية والمولوية وقولوا : هذا أخي وهذا مولاي بمعنى الأخوة والولاية في الدين فهو من الموالاة والمحبة.
قال بعضهم : (ايشانرا برادر مى خوانيد واكر شمارا مولاست يعنى آزاد كرده مولى ميخوانيد) ويدل عليه أن أبا حذيفة أعتق عبداً يقال له سالم وتبناه وكانوا يسمونه سالم ابن أبي حذيفة كما سبق فلما نزلت هذه الآية سموه مولى أبي حذيفة {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} أي : إثم يقال جنحت السفينة أي : مالت إلى أحد جانبيها وسمي الإثم المائل بالإنسان على الحق جناحاً ثم سمي كل إثم جناحاً.
وقال بعضهم : إنه معرب كناه على ما هو عادة العرب في الإبدال ومثله الجوهر معرّب كوهر {فِيمَآ أَخْطَأْتُم بِهِ} بقطع الهمزة لأن همزة باب الأفعال مقطوعة أي : فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النهي أو بعده على سبق اللسان أو النسيان.
وقال ابن عطية : لا تتصف التسمية بالخطأ إلا بعد النهي والخطأ العدول عن الجهة.
وفرق بين الخاطىء والمخطيء فإن من يأتي بالخطى وهو يعلم أنه خطأ فهو خاطىء فإذا لم يعلم فهو مخطىء يقال : أخطأ الرجل في كلامه وأمره إذا زل وهفا وخطأ الرجل إذا ضل في دينه وفعله ومنه {لا يَأْكُلُه إِلا الْخَـاطِـاُونَ} (الحاقة : 37)
137
والمعنى بالفارسية : (دران يزى كه خطا كرديد بآن) {وَلَـاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} أي : ولكن الجناح فيما قصدت قلوبكم بعد النهي على أن ما محل الجر عطفاً على ما أخطأتم أو ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح على أن محل ما الرفع على الابتداء محذوف الخبر وفي الحديث : "من دعي إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام" {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} بليغ المغفرة والرحمة يغفر لخطيئتي ويرحم.
وسمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقول : اللهم اغفر خطاياي فقال : يا ابن آدم استغفر الصمد وأما الخطأ نقد تجاوز لك عنه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يقول الفقير : هذا لا يخالف الآية لأن المخطىء إذا قصر ووقع في أسباب أدّته إلى الخطأ كأن مظنة المغفرة ومحل الرحمة ثم المتبني بقوله هو ابني إذا كان مجهول النسب وأصغر سناً من المتبني ثبت نسبه منه وإن كان عبداً له عتق مع ثبوت النسب وإن كان لا يولد لمثله لم يثبت النسب ولكنه يعتق عند أبي حنيفة خلافاً لصاحبيه فإنه لا يعتق عندهما لأن كلامه محال فيلغو وأما معروف النسب فلا يثبت نسبه بالتبني وإن كان عبداً عتق.
واعلم أن من نفى نسب الدعي عنه لا يلزمه شيء إذ هو ليس بابن له حقيقة وأما إذا نفى نسب ولده الثابت ولادته منه فيلزمه اللعان لأنه قذف منكوحته بالزنى وإن كذب نفسه يحد واللعان باب من الفقه فليطلب هناك.
ثم اعلم أن النسب الحقيقي ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فإنه النسب الباقي كما قال : "كل حسب ونسب ينقطع إلا حسبي ونسبي" فحسبه الفقر ونسبه النبوة فينبغي أن لا يقطع الرحم عن النبوة بترك سنته وسيرته فإن قطع الرحم الحقيقي فوق قطع الرحم المجازي في الإثم إذ ربما يقطع الرحم المجازي إذا كان الوصل مؤدياً إلى الكفر أو المعصية كما قال تعالى : {وَإِن جَـاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى} (لقمان : 15) إلخ.
ون نبود خويش را ديانت وتقوى
قطع رحم بهتر ازمودت قربى
وأما قطع الرحم الحقيقي فلا مساغ له أصلاً والأب الحقيقي هو الذي يقدر على التوليد من رحم القلب بالنشأة الثانية يعني في عالم الملكوت وهم الأنبياء والورثة من كمل الأولياء فاعرف هذا وانتسب نسبة لا تنقطع في الدنيا والآخرة قال عليه السلام : "كل تقي نقي آلى" جعلنا الله وإياكم من هذا الآل.
{النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} يقال : فلان أولى بكذا أي : أحرى وأليق ، وبالفارسية : (سراوارتر).
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/104)
ـ روي ـ أنه عليه السلام أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال ناس نشاور آباءنا وأمهاتنا فنزلت ، والمعنى النبي عليه السلام أحرى وأجدر بالمؤمنين من أنفسهم في كل أمر من أمور الدين والدنيا كما يشهد به الإطلاق على معنى أنه لو دعاهم إلى شيء ودعتهم نفوسهم إلى شيء آخر كان النبي أولى بالإجابة إلى ما يدعوهم إليه من إجابة ما تدعوهم إليه نفوسهم لأن النبي لا يدعوهم إلا إلى ما فيه نجاتهم وفوزهم وأما نفوسهم فربما تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم وبوارهم كما قال تعالى حكاية عن يوسف الصديق عليه السلام {إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَةُا بِالسُّواءِ} (يوسف : 53) فيجب أن يكون عليه السلام أحب إليهم من أنفسهم وأمره أنفذ عليهم من أمرها وآثر لديهم من حقوقها وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها وأن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه في الخطوب والحروب ويتبعوه في كل ما دعاهم إليه ، يعني : (بايدكه فرمان اورا ازهمه فرمانها لاز مترشناسند) وفي الحديث : "مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الفراش والجنادب" جمع جندب
138
بضم الجيم وفتح الدال وضمها نوع من الجراد.
والفراش جمع فراشة بفتح الفاء وهي دويبة تطير وتقع في النار ، وبالفارسية : (روانه) "يقعن فيها وهو يذب عنها" أي : يدفع عن النار من الوقوع فيها "وأنا آخذ بحجزكم" بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجزة وهي معقد الإزار وحجزة السراويل موضع التكة "عن النار" أي : ادفع عن نار جهنم "وأنتم تفلتون" بتشديد اللام أي : تخلصون "من يدي" وتطلبون الوقوع في النار بترك ما أمرته وارتكاب ما نهيته وفي الحديث : "ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة" أي : في الشفقة "من أنفسهم ومن آبائهم" وفي الحديث : "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين".
قال سهل قدس سره : من لم ير نفسه في ملك الرسول ولم ير ولايته عليه في جميع أحواله لم يذق حلاوة سننه بحال.
دردو عالم غيب وظاهر اوست دوست
دوستى ديكران بربوى اوست
دوستى اصل بايد كرد وبس
فرع را بهر ه دارد دوست كس
اصل دارى فرع كوهر كزمباش
تن بمان وجان بكيراى خواجه تاش
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
قال في "الأسئلة المقحمة" : والآية تشير إلى أن اتباع الكتاب والسنة أولى من متابعة الآراء والأقيسة حسبما ذهب إليه أهل السنة والجماعة {وَأَزْوَاجُهُ} (وزنان او) {أُمَّهَـاتِهِمْ} أي : منزلات منازلهن في وجوب التعظيم والاحترام وتحريم النكاح كما قال تعالى : {وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَه مِنا بَعْدِه أَبَدًا} (الأحزاب : 53) وأما فيما عدا ذلك من النظر إليهن والخلوة بهن والمسافرة معهن والميراث فهن كالأجنبيات فلا يحل رؤيتهن كما قال تعالى : يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ} (الأحزاب : 53) ولا الخلوة والمسافرة ولا يرثن المؤمنين ولا يرثونهن.
وعن أبي حنيفة رحمه الله كان الناس لعائشة رضي الله عنها محرماً فمع أيهم سافرت فقد سافرت مع محرم وليس غيرها من النساء كذلك انتهى وقد سبق وجهه في سورة النور في قصة الإفك فبان أن معنى هذه الأمومة تحريم نكاحهن فقط ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها : لسنا أمهات النساء أي : بل أمهات الرجال وضعف ما قال بعض المفسرين من أنهن أمهات المؤمنين والمؤمنات جميعاً ولما ثبت التحريم خصوصاً لم يتعد عشيرتهن فلا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين ولا لإخوانهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاته ولهذا قال الشافعي : تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر وهي أخت أم المؤمنين ولم يقل هي خالة المؤمنين ثم إن حرمة نكاحهن من احترام النبي عليه السلام واحترامه واجب وكذا احترام ورثته الكمل وكذا قال بعض الكبار : لا ينكح المريد امرأة شيخه إن طلقها أو مات عنها وقس عليه حال كل معلم مع تلميذه وهذا لأنه ليس في هذا النكاح يمن أصلاً لا في الدنيا ولا في الآخرة وإن كان رخصة في الفتوى ولكن التقوى فوق أمر الفتوى فاعرف هذا.
ورد مصحف أبيّ وقرأة ابن مسعود رضي الله عنهما (نين بوده "وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم" مراد شقت تمام ورحمت لا كلام است).
وقال بعضهم أي : النبي عليه السلام أب لهم في الدين لأن كل نبي أب لأمته من حيث أنه أصل فيما به الحياة الأبدية ولذلك صار المؤمنون إخوة.
قال الإمام الراغب :
139
الأب الوالد ويسمى كل من كان سبباً إلى إيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره أبا ولذلك سمي النبي عليه السلام أباً للمؤمنين قال الله تعالى : {النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُه أُمَّهَـاتُهُمْ} وفي بعض القراآت وهو "أب لهم".
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/105)
ـ وروي ـ أنه قال عليه السلام لعلي رضي الله عنه : "أنا وأنت أبو هذه الأمة" وإلى هذا أشار بقوله : "كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي" {وَأُوْلُوا الارْحَامِ} أي : ذووا القرابات {بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} في التوارث كان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالموالاة في الدين والمؤاخاة وبالهجرة لا بالقرابة كما كانت تؤلف قلوب قوم بإسهام لهم في الصدقات ثم نسخ ذلك لما قوي الإسلام وعز أهله وجعل التوارث بالقرابة {فِى كِتَـابِ اللَّهِ} أي : في اللوح المحفوظ أو في القرآن المنزل وهو هذه الآية أو آية المواريث أو فيما فرض الله كقوله كتاب الله عليكم وهو متعلق بأولوا وأفعل يعمل في الجار والمجرور {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يعني الأنصار {وَالْمُهَـاجِرِينَ} (وازمهاجران كه حضرت يغمبر ايشانرا بايكديكر برادرى داد) وهو بيان لأولي الأرحام أي : الأقرباء من هؤلاء بعضهم أولى ببعض بأن يرث بعضهم بعضاً من الأجانب أو صلة أولى أي : أولوا الأرحام بحق القرابة أولى بالميراث من المؤمنين بحق الولاية في الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة.
وفي "التأويلات النجمية" : {النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} أي : أحق بهم في توليدهم من صلبه فالنبي بمنزلة أبيهم {وَأَزْوَاجُه أُمَّهَـاتُهُمْ} يشير إلى أن أمهاتهم قلوبهم وهن أزواجه يتصرف في قلوبهم تصرف الذكور في الإناث بشرط كمال التسليم ليأخذوا من صلب النبوة نطفة الولاية في أرحام القلوب وإذا حملوا النطفة صانوها من الآفات لئلا تسقط بأدنى رائحة من روائح حب الدنيا وشهواتها فإنها تسقط الجنين فيرتدوا على أعقابهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ثم قال : {وَأُوْلُوا الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} يعني بعد أولوية النبي عليه السلام بالمؤمنين أولوا الأرحام في الدين بعضهم أولى ببعض للتربية أو بعد النبي عليه السلام أكابرهم من المؤمنين الكاملين أولى بأصاغرهم من الطالبين {فِى كِتَـابِ اللَّهِ} أي : في سنة الله وتقديره للتوالد في النشأة الثانية نيابة عن النبي عليه السلام {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بالنشأة الأخرى {وَالْمُهَـاجِرِينَ} عما سوى الله انتهى {إِلا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَآاـاِكُم مَّعْرُوفًا} استثناء من أعم ما تقدر الأولوية فيه من النفع كقولك القريب أولى من الأجنبي إلا في الوصية تريد أحق منه في كل نفع من ميراث وهبة وهدية وصدقة وغير ذلك إلا في الوصية فالمراد بالأولياء من يوالونهم ويواخونهم وبفعل المعروف التوصية بثلث المال أو أقل منه لا بما زاد عليه أي : أنهم أحقاء في كل نفع منهم إلا في الوصية لأنه لا وصية لوارث ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً أي : الأقارب أحق بالميراث من الأجانب لكن فعل التوصية أولى للأجانب من الأقارب لأنه لا وصية لوارث {كَانَ ذَالِكَ} أي : ما ذكر في الآيتين من أولوية النبي عليه السلام وتوارث ذوي الأرحام {فِى الْكِتَـابِ} متعلق بقوله : {مَسْطُورًا} يقال سطر فلان كذا أي : كتب سطراً سطراً وهو الصف من الكتابة أي : مثبتاً محفوظاً في اللوح أو مكتوباً في القرآن.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
اعلم أنه لا توارث بين المسلم والكافر ولكن صحت الوصية بشيء من مال المسلم
140
للذمي لأنه كالمسلم في المعاملات وصحت بعكسه أي : من الذمي للمسلم ولذا ذهب بعضهم إلى أن المراد بالأولياء هم الأقارب من غير المسلمين أي : إلا أن توصوا لذوي قرابتكم بشيء وإن كانوا من غير أهل الإيمان وذلك فإن القريب الغير المسلم يكون كالأجنبي فتصح الوصية له مثله وندبت الوصية عند الجمهور في وجوه الخير لتدارك التقاصير.
وفي الزاهدي أنها مباحة كالوصية للأغنياء من الأجانب ومكروهة كالوصية لأهل المعصية ومستحبة كالوصية بالكفارات وفدية الصيامات والصلوات.
وفي الآية إشارة إلى أن النفس إذا تزكت عن الأخلاق الذميمة وتبدلت عداوتها وصارت من الأولياء بعد أن كانت من الأعداء فيواسيها ويعمل معها معروفاً برفق من الأرفاق كان ذلك المعروف في حق النفس مسطوراً في أم الكتاب وأما قبل التزكي فلا يرفق بها لأنها عدوة الله ولا بد للعدو من الغلظة وترك المواساة ولهذا لم تصح الوصية للحربي لأنه ليس من أهل البر فالوصية لمثله كتربية الحية الضارة لتلدغه ، وفي "المثنوي" :
دست ظالم را ببر ه جاى آن
كه بدست او نهى حكم وعنانتوبدان بزمانى اى مجهل داد
كه ناد كرك را او شيرداد
نقش بى عهدست كان رو كشتنيست
(7/106)
او دنى وقبله كاه او دنيست ومن الأمثال : "كمجير أم عامر" وكان من حديثه أن قوماً خرجوا إلى الصيد في يوم حار فبينما هم كذلك إذ عرضت لهم أم عامر وهي الضبع فطردوها حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي فاقتحمت فخرج إليهم الأعرابي فقال : ما شأنكم؟ قالوا : صيدنا وطريدتنا قال : كلا والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي بيدي فرجعوا وتركوه فقام إلى لقحة فحلبها وقربّ منها ذلك وقرب إليها ماء فأقبلت مرة تلغ من هذا ومرة من هذا حتى عاشت واستراحت فبينما الأعرابي قائم في جوف بيته إذ وثبت عليه فبقرت بطنه وشربت دمه وتركته فجاء ابن عم له وإذا به على تلك الصورة فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها فقام أثرها فقال صاحبتي والله وأخذ سيفه وكنانته واتبعها فلم يزل حتى أدركها فقتلها وأنشأ يقول :
ومن يصنع المعروف مع غير أهله
يلاق كما لاقى مجير أم عامر
أدام لها حين استجارت بقربه
قراها بالبان اللقاح الغزائر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من
غدا يصنع المعروف مع غير شاكر
كذا في "حياة الحيوان" نسأل الله العناية والتوفيق.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُه أُمَّهَـاتُهُمْ وَأُوْلُوا الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَـابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَـاجِرِينَ إِلا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَآاـاِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَالِكَ فِى الْكِتَـابِ مَسْطُورًا * وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّنَ مِيثَـاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَا وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَـاقًا غَلِيظًا * لِّيَسْـاَلَ الصَّـادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَـافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} .
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّنَ} أي : واذكر يا محمد لقومك أو ليكن ذكر منك يعني لا تنس وقت أخذنا من الأنبياء كافة عند تحميلهم الرسالة {مِيثَـاقَهُمْ} الميثاق عقد يؤكد بيمين أي : عهودهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى الدين الحق {وَمِنكَ} أي : وأخذنا منك يا حبيبي خاصة وقدم تعظيماً وإشعاراً بأنه أفضل الأنبياء وأولهم في الخلق وإن كان آخرهم في البعث وفي الحديث "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" أي : لا قول هذا بطريق الفخر {وَمِن نُّوحٍ} شيخ الأنبياء وأول الرسل بعد الطوفان {وَإِبْرَاهِيمَ} الخليل {وَمُوسَى} الكليم {وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} روح الله خصهم بالذكر مع اندراجهم في النبيين للإيذان بمزيد فضلهم وكونهم من مشاهير أرباب الشرائع وأساطين أولى العزم من الرسل
141
{وَأَخَذْنَا مِنْهُم} أي : من النبيين {مِّيثَـاقًا غَلِيظًا} أي : عهداً وثيقاً شديداً على الوفاء بما التزموا من تبليغ الرسالات وأداء الأمانات وهذا هو الميثاق الأول بعينه والتكرير لبيان هذا الوصف.
{لِّيَسْـاَلَ الصَّـادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} متعلق بمضمر مستأنف مسوق لبيان ما هو داع إلى ما ذكر من أخذ الميثاق وغاية له لا بأخذنا فإن المقصود تذكير نفس الميثاق ثم بيان الغرض منه بياناً قصدياً كما ينبىء عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى الغيبة.
والمعنى : فعل الله ذلك ليسأل يوم القيامة الأنبياء الذين صدقوا عهودهم عما قالوا لقومهم يعني : (از راستى ايشان درسخن كه باقوم كفته اند).
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ـ روي ـ في الخبر أنه يسأل القلم يوم القيامة فيقول : ما فعلت بأمانتي؟ فيقول : يا رب سلمتها إلى اللوح ثم يصير القلم يرتعد مخافة أن لا يصدقه اللوح فيسأل اللوح فيقر بأن القلم قد أدى الأمانة وأنه قد سلمها إلى إسرافيل فيقول لإسرافيل : ما فعلت بأمانتي التي سلمها إليك اللوح؟ فيقول : سلمتها إلى جبريل فيقول لجبريل : ما فعلت بأمانتي؟ فيقول : سلمتها إلى أنبيائك فيسأل الأنبياء فيقولون : سلمناها إلى خلقك فذلك قوله : {لِّيَسْـاَلَ الصَّـادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} قال القرطبي : إذا كان الأنبياء يسألون فكيف من سواهم.
دران روز كز فعل رسند وقول
اولوا العزم راتن بلرزد زهول
بجايى كه دهشت خورد انبيا
توعذر كنه را ه دادى بيا
وفي مسألة الرسل والله يعلم أنهم لصادقون التبكيت للذين كفروا بهم وإثبات الحجة عليهم ويجوز أن يكون المعنى ليسأل المصدقين للأنبياء عن تصديقهم لأن مصدق الصادق صادق.
وفي "الأسئلة المقحمة" : ما معنى السؤال عن الصدق فإن حكم الصدق أن يثاب عليه لا أن يسأل عنه والجواب أن الصدق ههنا هو كلمة الشهادتين وكل من تلفظ بهما وارتسم شعائرهما يسأل عن تحقيق أحكامهما والإخلاص في العمل والاعتقاد بهما كما قال الراغب : ليسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله ففيه تنبيه على أنه لا يكفي الاعتراف بالحق دون تحريه بالفعل.
ازعشق دم مزن ونكشتى شهيد عشق
دعوى اين مقام درست ازشهادتست
وفي "المثنوي" :
وقت ذكر غز وشمشيرش دراز
وقت كروفر تيغش ون ياز
(7/107)
قال الجنيد قدس سره في الآية : ليسأل الصادقين عن صدقهم أي : عنده لا عندهم انتهى وهذا الذي فسره معنى لطيف فإن الصدق والإسلام عندالخلق سهل ولكن عند الحق صلب فنسأل الله أن يجعل صدقنا وإسلامنا حقيقياً {وَأَعَدَّ} (واماده كرد وساخت) {لِلْكَـافِرِينَ} المكذبين للرسل {عَذَابًا أَلِيمًا} (عذابي دردناك ودردنماى) وهو عطف على ما ذكر من المضمر وعلى ما دل عليه ليسأل الخ كأنه قال فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين عذاباً أليماً.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "التأويلات النجمية" : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّنَ مِيثَـاقَهُمْ} في الأزل وهم في كتم العدم مختفون {وَمِنكَ} يا محمد أولا بالحبيبية {وَمِن نُّوحٍ} بالدعوة من {إِبْرَاهِيمَ} بالخلة من {مُوسَى} بالمكالمة من {وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} بالعبدية {وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَـاقًا غَلِيظًا} بالوفاء وبغلظة الميثاق يشير إلى أنا غلظنا ميثاقهم بالتأييد والتوفيق للوفاء به {لِّيَسْـاَلَ الصَّـادِقِينَ} في العهد والوفاء به {عَن صِدْقِهِمْ}
142
لما صدقوا إظهاراً لصدقهم كما أثنى عليهم بقوله : {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَـاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (الأحزاب : 23) فكان سؤال تشريف لا سؤال تعنيف وسؤال إيجاب لا سؤال عتاب.
والصدق أن لا يكون في أحوالك شوب ولا في أعمالك عيب ولا في اعتقادك ريب.
ومن إمارات الصدق في المعاملة وجود الإخلاص من غير ملاحظة مخلوق.
وفي الأحوال تصفيتها من غير مداخلة إعجاب.
وفي القول السلامة من المعاريض.
وفيما بينك وبين الناس التباعد من التلبيس والتدليس.
وفيما بينك وبين الله إدامة التبري من الحول والقوة بل الخروج عن الوجود المجازي شوقاً إلى الوجود الحقيقي وأعد للكافرين على هذه المقامات المعرضين عن هذه الكرامات عذاباً أليماً من الحسرات والغرامات انتهى.
قال البقلي : إن الله تعالى أراد بذلك السؤال أن يعرّف الخلق شرف منازل الصادقين فرب قلب يذوب من الحسرة حيث ما عرفهم وما عرف قدرهم قال تعالى : {ذَالِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} (التغابن : 9) وصدقهم استقامة أسرارهم مع الحق في مقام المحبة والإخلاص.
قال سهل : يقول الله لهم : لمن عملتم وماذا أردتم فيقولون : لك عملنا وإياك أردنا فيقول صدقتم فوعزته لقوله لهم في المشاهدة صدقتم ألذ عندهم من نعيم الجنة :
لذت شيرينىء كفتار جانان لذتيست
كز دماغ جان كى بيرون شود رحالتست
قال في "كشف الأسرار" : (مصطفى را عليه السلام رسيدند كه كمال دريست جواب داد كه كفتار بحق وكردار بصدق.
وكفته اند صدق را دو درجه است يكى ظاهر ويكى باطن أما ظاهرسه يزاست دردين صلابت ودرخدمت سنت ودرمعاملت خشيت.
وآنه باطنست سه يزاست إنه كويى كنى وبآنه نمايى دارى وآنه كه دارى دهى واشى).
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر : اسوداد الوجوه من الحق المكروه كالغيبة والنميمة وإفشاء السر فهو مذموم وإن كان صدقاً فلذلك قال تعالى : {لِّيَسْـاَلَ الصَّـادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} أي : هل أذن لهم في إفشائه أولا فما كل صدق حق انتهى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{لِّيَسْـاَلَ الصَّـادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَـافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} .
{الَّذِينَ ءَامَنُوا} .
ـ روي ـ أن النبي عليه السلام لما قدم المدينة صالح بني قريظة وبني النضير على أن لا يكونوا عليه بل معه فنقض بنوا النضير وهم حي من يهود خيبر عهودهم وذلك أنهم كانوا يسكنون قرية يقال لها زهرة فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلّم لحاجة ومعه الخلفاء فجلس إلى جانب جدار من بيوتهم فطمعوا فيه حتى صعد بعضهم على البيت ليلقي عليه صخرة فيقتله فأتاه الخبر من السماء بما أراد القوم فقام مسرعاً إلى المدينة ولما نقضوا العهد أرسل إليهم رسول الله محمد بن مسلمة رضي الله عنه أن اخرجوا من بلدي يعني : المدينة لأن قريتهم كانت من أعمالها فامتنعوا من الخروج بسبب عناد سيدهم حيي بن أخطب وكان حيى في اليهود يشبه بأبي جهل في قريش فخرج عليه السلام مع أصحابه لمحاربتهم فحاصرهم ست ليال وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم فمنهم من سار إلى خيبر ومنهم من سار إلى أذرعات من بلاد الشام ولما وقع إجلاؤهم من أماكنهم سار سيدهم حيى وجمع من كبرائهم إلى قريش في مكة يحرّضونهم على حرب رسول الله ويقولون : إنا سنكون معكم جملة واحدة ونستأصله فوافقهم قريش لشدة عداوتهم لرسول الله ثم جاءوا
143
(7/108)
إلى غطفان وهو محركة حي من قيس وحرضوهم أيضاً على الحرب وأعلموهم أن قريشاً قد تابعوهم في ذلك فتجهزت قريش ومن اتبعهم من قبائل شتى وعقد اللواء في دار الندوة وكان مجموع الأحزاب من قريش وغطفان وبني مرة وبني أشجع وبني سليم وبني أسد ويهود قريظة والنضير قدر اثني عشر ألفاً وقائد الكل أبو سفيان ولما تهيأت قريش للخروج أتى ركب من خزاعة في أربع ليال حتى أخبروا رسول الله فجمع عليه السلام الناس وشاورهم في أمر العدو هل يبرزون من المدينة أو يقيمون فيها؟ فقال سلمان الفارسي رضي الله عنه : يا رسول الله إنا كنا إذا تخوفنا الخيل بأرض فارس خندقنا علينا وكان الخندق من مكايد الفرس وأول من فعله من ملوك الفرس ملك كان في زمن موسى عليه السلام فاستحسن عليه السلام رأي سلمان فركب فرساً ومعه المهاجرون والأنصار وهم ثلاثة آلاف وأمر الذراري والنساء فرفعوا في الأطام وسبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فصارت كالحصن وطلب موضعاً ينزله فجعل سلعاً وهو جبل فوق المدينة خلف ظهره يعني ضرب معسكره بالفارسية : (لشكركاه) في أسفل ذلك الجبل على أن يكون الجبل خلف ظهره والخندق بينه وبين العدو وأمرهم بالجد في عمل الخندق على أن يكون عرضه أربعين ذراعاً وعمقه عشراً ووعدهم النصر إن صبروا فعمل فيه بنفسه مع المسلمين وحمل التراب على ظهره الشريف وكان في زمن عسرة وعام مجاعة في شوال من السنة الخامسة من الهجرة ولما رأى رسول الله ما بأصحابه من التعب قال :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة
فارحم الأنصار والمهاجرة (أنس رضي الله عنه كفت مهاجر وأنصار بدست خويش تير ميزدند وكار ميكردندكه مزدوران واكران نداشتند وسرما سخت بود وبخوش دلى آن رنج دشوارى ميكشيدنذ رسول خداكه ايشانرا نان ديد وكفت) :
لا هم إن العيش عيش الآخرة
فأكرم الأنصار والمهاجرة
(ايشان جواب دادند كه) :
نحن الذين بايعوا محمداً
على الجهاد ما بقينا أبداً
وإذ اشتد على الصحابة في حفر الخندق كدية أي : محل صعب شكوا ذلك إلى رسول الله فأخذ المعول وضرب فصار كثيباً مهيلاً قال سلمان وضربت في ناحية من الخندق فغلظت علي وكان رجلاً قوياً يعمل عمل عشرة رجال حتى تنافس فيه المهاجرون والأنصار فقال المهاجرون سلمان منا وقال الأنصار سلمان منا فقال عليه السلام : "سلمان منا أهل البيت" ولذلك يشير بعضهم بقوله :
لقد رقى سلمان بعد رقه
منزلة شامخة البنيان
وكيف لا والمصطفى قد عده
من أهل بيته العظيم الشان
قال سلمان فأخذ عليه السلام المعول من يدي وقال : "بسم الله" وضرب ضربة فكسر ثلث الحجارة وبرق منها برقة فخرج نور من قبل اليمن كالمصباح في جوف الليل المظلم فكبر رسول الله وقال : "أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة كأنها أنياب
144
(7/109)
الكلاب" ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر وبرق منها برقة فخرج نور من قبل الروم فكبر رسول الله وقال : "أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها" ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر وبرق منها برقة فخرج نور من قبل فارس فكبر رسول الله وقال : "أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب" وجعل يصف لسلمان أماكن فارس ويقول سلمان صدقت يا رسول الله هذه صفتها ثم قال رسول الله : "هذه فتوح يفتحها الله بعدي يا سلمان" وعند ذلك قال جمع من المنافقين منهم معتب بن قشير : ألا تعجبون من محمد يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا أي : تجاوزوا الرحل وتخرجوا إلى الصحراء وتذهبوا إلى البراري ما هذا إلا وعد غرور ولما فرغ رسول الله من حفر الخندق على المدينة ، قال الكاشفي : (بعد ازشش روز كه مهم خندق سمت اتمام يافت) أقبلت قريش ومن معهم (خندق را ديدنكه كفتند اين عرب را نبودست) فنزلوا بمجمع الأسيال ونقض بنو قريظة العهد بينه عليه السلام وبينهم بإغواء حيى وأرادوا الإغارة على المدينة بمعاونة طائفة من قريش ولما جاء خبر النقض عظم البلاء وصار الخوف على الذراري أشد الخوف على أهل الخندق فبعث عليه السلام ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون النكير تخوفاً على الذراري من العدو أي : بني قريظة وكانوا من يهود المدينة ومكث عليه السلام في الخندق قريباً من شهر وهو أثبت الأقاويل وكان أكثر الحال بينهم وبين العدو الرمي بالنبال والحصى وأقبل نوفل بن عبد الله فضرب فرسه ليدخل الخندق فوقع فيه مع فرسه فنزل إليه علي رضي الله عنه فضربه بالسيف فقطعه نصفين وكذا أقبل طائفة من مشاهير الشجعان وأكرهوا خيولهم على اقتحام الخندق من مضيق به وفيهم عمرو بن ودّ وكان عمره إذ ذاك تسعين سنة فقال : من يبارز فقام إليه علي رضي الله عنه بعد الاستئذان من رسول الله فقال : يا ابن أخي لا أحب أن أقتلك فقال علي رضي الله عنه : أحب أن أقتلك فحمى عمرو عند ذلك أي : أخذته الحمية وكان غيوراً مشهوراً بالشجاعة ونزل عن فرسه وسل سيفه كأنه شعلة نار وأقبل على علي رضي الله عنه فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو فيها فقدّها ونفذ منها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه علي ضربة على موضع الرداء من العنق فسقط فكبر المسلمون فلما سمع رسول الله التكبير عرف أن علياً قتل عمراً لعنه الله وقال حينئذٍ "لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار" فلما قتل انهزم من معه.
قال في "كشف الأسرار" (سه تن از كافران كشته شدند واز صحابه رسول هي كس كشته نشد عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه هنوز در اسلام نيامده بود بيرون آمد وميارزت خواست ابو بكر فرايش آمد عبد الرحمن ون روى در ديد بركشت س يا ابو بكر كفتند اكر سرت حرب كردى باتوه خواستى كردن باوى ابو بكر كفت بآن خدايى كه يكانه ويكتاست كه بازنكشتمى تاويرا بكشتمى يا اومرا بكشتى) وفات منه عليه السلام ومن أصحابه في بعض أيام الخندق صلاة العصر ولذلك قال عليه السلام : "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً" وهذا
145
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/110)
دعاء عليهم بعذاب الدارين من خراب بيوتهم في الدنيا فتكون النار استعارة للفتنة ومن اشتعال النار في قبورهم وقام عليه السلام في الناس فقال : "أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإن لقيتم العدو فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" أي : السبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف في سبيل الله ثم دعا عليه السلام على الأحزاب فقال : "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم وزلزلهم" ودعا أيضاً بقوله : "اللهم يا صريخ المكروبين يا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فإنك ترى ما نزل بي وبأصحابي" وقال له المسلمون : هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الخناجر قال : "نعم قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا" فاستجاب الله دعاءه يوم الأربعاء بين الظهر والعصر فأتاه جبريل فبشره أن الله يرسل عليهم ريحاً وجنوداً وأعلم عليه السلام أصحابه بذلك وصار يرفع يديه قائلاً شكراً شكراً وذلك قوله تعالى : {الَّذِينَ ءَامَنُوا} {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} ذكر النعمة شكرها أي : اشكروا أنعام الله عليكم بالنصرة {إِذْ} ظرف للنعمة.
والمعنى بالفارسية (آنكاه كه) {جَآءَتْكُمُ} (آمد بشما) {جُنُودُ} لشكرها والمراد الأحزاب المذكورة من قريش وغطفان ونحوهما يقال للعسكر الجند اعتباراً بالغلظ من الجند وهي الأرض الغليظة التي فيها حجارة ثم يقال لكل مجتمع جند نحو الأرواح جنود مجندة {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} من جانب الاسم القهار ليلاً عطف على جاءتكم {رِيحًا} أي : ريح الصبا وهي تهب من جانب المشرق والدبور من قبل المغرب.
قال ابن عباس رضي الله عنهما قالت الصبا للدبور أي : الريح الغربية اذهبي بنا ننصر رسول الله فقالت : إن الحرائر لا تهب بالليل فغضب الله عليها فجعلها عقيماً وفي الحديث : "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور" {وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} وهم الملائكة وكانوا ألفاً.
ـ روي ـ أن الله تعالى بعث على المشركين ريحاً صبا باردة في ليلة ذات شتاء ولم تجاوز عسكرهم فأحصرتهم وسفت التراب في وجوههم وأمرت الملائكة فقلعت الأوتاد وقطعت الأطناب وأطفأت النيران وأكفأت القدور ونفثت في روعهم الرعب وكبرت في جوانب معسكرهم حتى سمعوا التكبير وقعقعة السلاح واضطربت الخيول ونفرت فصار سيد كل حي يقول لقومه يا بني فلان هلموا إليّ فإذا اجتمعوا قال النجاء النجاء أي : الإسراع الإسراع وحملوا ما وقع على السحر فانهزموا من غير قتال وارتحلوا ليلاً وتركوا ما استثقلوه من متاعهم {وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من حفر الخندق وترتيب الأسباب {بَصِيرًا} رائياً ولذلك فعل ما فعل من نصركم عليهم وعصمتكم من شرهم فلا بدَّ لكم من الشكر على هذه النعمة الجليلة باللسان والجنان والأركان (شكر زبان آنست كه يوسته خدايرا يادميكند وزبان خود بذكرتر ميدارد وون نعمتى تازه شود الحمدميكويد.
شكردل آنست كه همه خلق را خير خواهد ودرنعمت هي كس حسد نبرد.
وشكرتن آنست كه اعضاى خود در ما خلق له استعمال كند وهمه اعضارا حق تعالى براى آخرت آفريد).
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
عطايست هر موى ازو برتنم
كونه بهرموى شكرى كنم
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى نعمه الظاهرة والباطنة :
أولها : نعمة الإيجاد من كتم العدم.
146
وثانيها : إذا أخرجكم من العدم جعلكم ارواحاً مطهرة إنسانية في أحسن تقويم لا حيواناً أو نباتاً أو جماداً.
وثالثها : يوم الميثاق شرفكم بخطاب ألست بربكم ثم وفقكم لاستماع خطابه ثم دلكم على إصابة جوابه.
ورابعها : أنعم عليكم بالنفخة الخاصة عند بعثكم إلى القالب الإنساني لئلا تتنزلوا بمنزل من المنازل السماوية والكوكبية والجنية والشيطانية والنارية والهوائية والمائية والأرضية والنباتية والحيوانية وغيرها إلى أن أنزلكم في مقام الإنسانية.
وخامسها : عجن طينة قالبكم بيده أربعين صباحاً ثم صوركم في الأرحاكم وسواكم ثم نفخ فيكم من روحه.
وسادسها : شرف روحكم بتشريف إضافته إلى نفسه بقوله "من روحي" وما أعطى هذا التشريف لروح من أرواح الملائكة المقربين.
وسابعها : أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً فبالهامات الربانية علمكم ما تحتاجون إليه من أسباب المعاش.
وثامنها : الهمكم فجوركم وتقواكم لتهتدوا إلى سبيل الرشاد للرجوع إلى الميعاد.
وتاسعها : أرسل إليكم الأنبياء والرسل ليخرجوكم من الظلمات الخلقية إلى نور الخالقية.
(7/111)
وعاشرها : أنعم عليكم بالإيمان ثم بالإيقان ثم بالإحسان ثم بالعرفان ثم بالعيان ثم بالعين ثم آتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وذكر نعمته استعمالها في عبوديته أداء شكر نعمته وشكر النعمة رؤية النعمة ورؤية النعمة أن تكون ترى نعم توفيقه لأداء شكره إلى أن تجز عن أداء شكره فإن نعمته غير متناهية وشكرك متناه فرؤية العجز عن أداء الشكر حقيقة الشكر ومن الشكر أن تذكر ما سلف من الذي دفع عنك وأنت بصدده من أنواع البلاء والمحن والمصائب والمكائد فمن جملة ذلك قوله : {إِذْ جَآءَتْكُمْ} الخ يشير إلى جنود الشياطين وجنود صفات النفس وجنود الدنيا وزينتها فأرسلنا عليهم ريحاً من نكباء قهرنا وجنوداً لم تروها من حفظنا وعصمتنا وكان الله بما تعملون من الميل إلى الدنيا وشهواتها بصيراً بدفعها وعلاجها كم من بلاء صرفه عن العبد ولم يشعر وكم شغل كان بصدده فصده عنه ولم يعلم وكم أمر عوّقه والعبد يضج وهو يعلم أن في تيسيره هلاكه فيمنعه منه رحمة عليه والعبد يهتم ويضيق به صدره.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
هره آمد ز آسمان قضا
بقضا مى نكر بعين رضا
خوش دل شوز ما جر اي قلم
زانكه حق از توبحالت اعلم
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الابْصَـارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} .
{إِذْ} بدل من إذ جاءتكم {مِّن فَوْقِكُمْ} من أعلى الوادي من جهة المشرق وهم بنو غطفان ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيينة بن حصين الفزاري وعامر بن الطفيل ومعهم اليهود {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} أي : من أسفل الوادي من قبل المغرب وهم قريش ومن تابعهم من الجماعات المتفرقة وقائدهم أبو سفيان والفوق إشارة إلى الآفات السماوية والأسفل إلى المتولدات البشرية والكل بلاء وقضاء {وَإِذْ زَاغَتِ الابْصَـارُ} عطف على ما قبله داخل في حكم التذكير.
والزيغ الميل عن الاستقامة.
قال الراغب : يصح أن يكون إشارة إلى ما تداخلهم من الخوف حتى أظلمت أبصارهم ويصح أن يكون إشارة إلى ما قال : {يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ} (آل عمران : 13) انتهى والبصر الجارحة الناظرة والمعنى وحين مالت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصاً لكثرة ما رأت من العدد والعدد فإنه كان مع قريش ثلاثمائة فرس وألف وخمسمائة بعير ،
147
وبالفارسية : (وآنكه كه بكشت شمها در شم خانها ازبيم او خيره شد).
وقال بعضهم : المراد أبصار المنافقين لأنهم أشد خوفاً ولا حاجة إليه لأن من شأن ضعف الإنسانية التغير عند تراكم البلاء وترادف النكبات وهو لا ينافي قوة اليقين وكمال الاعتماد على الرب المعين كما دل عليه ما بعد الآية ألا ترى إلى قوله تعالى : {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَه مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} (البقرة : 214) كما سبق في سورة البقرة {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ} جمع حنجرة وهي منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب أي : بلغت رأس الغلصمة من خارج رعباً وغماً لأن الرئة بالفارسية (شش) تنتفخ من شدة الفزع والغم فيرتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الخنجرة وهو مشاهد في مرض الخفقان من غلبة السوداء.
قال قتادة : شخصت عن أماكنها فلولا أنه ضاق الحلقوم بها عن أن تخرج لخرجت.
وقال بعضهم : كادت تبلغ فإن القلب إذا بلغ الحنجرة مات الإنسان فعلى هذا يكون الكلام تمثيلاً لاضطراب القلوب من شدة الخوف وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
واعلم أنهم وقعوا في الخوف من وجهين : الأول خافوا على أنفسهم من الأحزاب لأن الأحزاب كانوا أضعافهم ، والثاني : خافوا على ذراريهم في المدينة بسبب أن نقض بنو قريظة العهد كما سبق وقد قاسوا شدائد البرد والجوع كما قال بعض الصحابة لبثنا ثلاثة أيام لا نذوق زاداً وربط عليه السلام الحجر على بطنه من الجوع وهو لا ينافي قوله : "إني لست مثلكم إني أبيت عند ربي يطعمني ربي ويسقيني" فإنه قد يحصل الابتلاء في بعض الأحيان تعظيماً للثواب.
وأول بعض العارفين حديث ربط الحجر بأن لم يكن من الجوع في الحقيقة بل من كمال لطافته لئلا يصعد إلى الملكوت ويستقر في عالم الإرشاد فمن كانت الدنيا رشحة من فيض ديمه وقطرة من زواخر بحار نعمه لا يحتاج إليها ولكن الصبر عند الحاجة مع الوجدان من خواص من عصم بعصمة الرحمن.
در بزم احتشام توسياره هفت جام
بر مطبخ نوال توا فلان نه طبق
(7/112)
{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ} يا من يظهر الإيمان على الإطلاق {الظُّنُونَا} أنواع الظنون المختلفة حيث ظن المخلصون المثبتوا القلوب والأقدام أن الله تعالى ينجز وعده في إعلاء دينه أو يمتحنهم فخافوا الزلل وضعف الاحتمال كما في وقعة أحد وظن الضعاف القلوب الذين هم على حرف والمنافقون ما حكى عنهم مما لا خير فيه.
والجملة معطوفة على زاغت وصيغة المضارع لاستحضار الصورة والدلالة على الاستمرار.
وأثبت حفص في الظنونا والسبيلا والرسولا هذه الألفات اتباعاً لمصحف عثمان رضي الله عنه فإنها وجدت فيه كذلك فبقيت على حكمها اليوم فهي بغير الألف في الوصل وبالألف في الوقف.
وقرىء الظنون بحذف الألف على ترك الإشباع في الوصل والوقف وهو الأصل والقياس وجه الأول أن الألف مزيدة في أمثالها لمراعاة الفواصل تشبيهاً لها بالقوافي فإن البلغاء من الشعراء يزيدونها في القوافي إشباعاً للفتحة.
{هُنَالِكَ} هو في الأصل للمكان البعيد لكن العرب تكنى بالمكان عن الزمان وبالزمان عن المكان فهو إما ظرف زمان أو ظرف مكان لما بعده أي : في ذلك الزمان الهائل أو في ذلك المكان الدحض الذي تدحض فيه الأقدام {ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ} بالحصر والرعب أي : عوملوا
148
معاملة من يختبر فظهر المخلص من المنافق والراسخ من المتزلزل {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} الزلة في الأصل استرسال الرجل من غير قصد يقال زلت رجله تزل والمزلة المكان الزلق وقيل للذنب من غير قصد زلة تشبيهاً بزلة الرجل والتزلزل الاضطراب وكذا الزلزلة شدة الحركة وتكرير حروف لفظه تنبيه على تكرر معنى الزلل.
والمعنى حركوا تحريكاً شديداً وأزعجوا إزعاجاً قوياً وذلك أن الخائف يكون قلقاً مضطرباً لا يستقر على مكان.
قال في "كشف الأسرار" : (اين جايست كه عجم كويند فلان كس را از جاى ببردند از خشم يا ازبيم يا ازخجل.
قال الكاشفي يعني ازجاى برفتند بمثابة كه بددلان عزم سفر اين المفرّ نمودند وناشكيبان اوراق الفرار مما لا يطلق من سنن المرسلين تكرار مى فرمودند) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
آرام زدل شد ودل از جاى
هوش از سررفت وقوت ازاى
وقد صح أن من في قلبه مرض فر إلى المدينة وبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم أهل اليقين من المؤمنين وهذا وإن كان بياناً للاضطرار في الابتداء لكن الله تعالى هون عليهم الشدائد في الانتهاء حتى تفرقت عن قلوبهم الغموم وتفجرت ينابيع السكينة وهذا عادة الله مع المخلصين (مصطفى عليه السلام كفت در فراديس اعلى بسى درجات ومنازلست كه بنده هركز بجهت خودبدان نتواند رسيد رب العزه بنده را بآن بلاهاكه دردنيا برسروى كما رد بدان رساند وكفته اندكه حق تعالى ذريت آدم را هزار قسم كردانيد وايشانرا بر بساط محبت اشراف داد همه را ازروى محبت خاست آنكه دنيارا بياراست وبريشان عرضه كرد ايشان ون زخارف وزهرات ديدند مست وشيفته دنيا كشتند وبا دنيا بماندند مكريك طائفه كه همنان بربساط محبت ايستاده وسر بكريبان دعوى فروبرده س اين طائفه را هزار قسم كردانيد وعقبى برايشان عرض كرد وون ايشان آن ناز ونعيم ابدى ديدند ظل ممدود وماء مسكوب وحور وقصور شيفته آن شدند وبآن بماندند مكريك طائفه كه همنان ايستاده بودند بربساط محبت طالب كنوز معرفت خطاب آمد از جانب جبروت ودركاه عزت كه شماه ميجوييد ودره مانده ايد ايشان كفتند "وانك تعلم ما نريد" خداوندا زبان بى زبانان تويى عالم الأسرار والخفيات تويى خود دانى كه مقصودما يست) :
مارا زجهانيان شمارى دكرست
در سربجز ازباداه خمارى دكرست
(رب العالمين ايشانرا بسركوى بلا آورد ومفاوز ومهالك بلا بايشان نمود آن قسم هزار قسم كشتند همه روى از قبله بلا بكردانيدند اين نه كار ماست ومارا طاقت اين بار بلا كشيدن نيست مكريك طائفه كه روى نكردانيدند كفتند مارا خود آن دولت س كه محمل اندوه توكشيم وغم وبلاى توخوريم) :
من كه باشم كه به تن رخت وفاى توكشم
ديده حمال كنم بار جفاى تو كشم
كرتوبر من به تن وجان ودلى حكم كنى
هرسه رارقص كنان يش هواى توكشم
قال الله تعالى في حقهم : "اولئك عبادي حقاً" (قدر درد اوكسى داندكه اورا شناسد اوكه ويرانشناسد قدر درد اوه داند) :
149
خاميا دل بغم ودردنه اندرره عشق
كه نشد مردره آنكس كه نه اين دردكشيد
(7/113)
ـ روي ـ أنه أرسل أبو سفيان بعد الفرار كتاباً لرسول الله فيه باسمك اللهم فإني أحلف باللات والعزى وأساف ونائلة وهبل لقد سرت إليك في جميع وأنا أريد أن لا أعود أبداً حتى أستأصلكم فرأيتك قد كرهت لقاءنا واعتصمت بالخندق وفي لفظ قد اسعتصمت بمكيدة ما كانت العرب تعرفها وإنما تعرف ظل رماحها وسيوفها وما فعلت هذا إلا فراراً من سيوفنا ولقائنا ولك مني يوم كيوم أحد فأرسل له عليه السلام جواباً فيه "أما بعد" أي : بعد بسم الله الرحمن الرحيم "من محمد رسول الله إلى صخر بن حرب فقد أتاني كتابك وقديماً غرّك بالله الغرور أما ما ذكرت أنك سرت إلينا وأنت لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا فذلك أمر يحول الله بينك وبينه ويجعل لنا العاقبة وليأتين عليك يوم أكثر فيه اللات والعزى وأساف ونائلة وهبل حتى أذكرك يا سفيه بني غالب" انتهى فاجتهدوا وقاسوا الشدائد في طريق الحق إلى أن فتح الله مكة واتسع الإسلام وبلاده وأهاليه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَـافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُه إِلا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّآاـاِفَةٌ مِّنْهُمْ يا اأَهْلَ} .
{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَـافِقُونَ} (وآنكه كه دورويان كفتندن) وهو عطف على إذ زاغت وصيغته للدلالة على استحضار القول واستحضار صورته {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ضعف اعتقاد.
فإن قلت ما الفرق بين المنافق والمريض؟ قلت : المنافق من كذب الشيء تكذيباً لا يعتريه فيه شك والمريض من قال الله تعالى في حقه : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍا فَإِنْ أَصَابَه خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِه وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} (الحج : 11) كذا في "الأسئلة المقحمة".
قال الراغب : المرض الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان وهو ضربان جسمي ونفسي كالجهل والجبن والنفاق ونحوها من الرذائل الخلقية وشبه النفاق والكفر ونحوهما من الرذائل بالمرض إما لكونها مانعة عن إدراك الفضائل كالمرض المانع عن التصرف الكامل وإما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخروية المذكورة في قوله : {وَإِنَّ الدَّارَ الاخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ} (العنكبوت : 64) وإما لميل النفس بها إلى الاعتقادات الرديئة ميل بدن المريض إلى الأشياء المضرة {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} من الظفر وإعلاء الدين وهم لم يقولوا رسول الله وإنما قالوه باسمه ولكن الله ذكره بهذا اللفظ {إِلا غُرُورًا} أي : وعد غرور وهو بالضم (فريفتن) والقائل لذلك معتب بن قشير ومن تبعه وقد سبق.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{وَإِذْ قَالَت طَّآاـاِفَةٌ مِّنْهُمْ} هم أوس بن قيظي ومن تبعه في رأيه ، وبالفارسية : (وانرا نيز ياد كنيدكه كفتند كروهى ازمنافقان) يا اأَهْلَ يَثْرِبَ} (اى مردان مدينه) هو اسم للمدينة المنورة لا ينصرف للتعريف وزنة الفعل وفيه التأنيث وقد نهى النبي عليه السلام أن تسمى المدينة بيثرب وقال هي طيبة أو طابة أو المدينة كأنه كره هذا اللفظ لأن يثرب يفعل من التثريب وهو اللوم الذي لا يستعمل إلا فيما يكره غالباً ولذلك نفاه يوسف الصديق عليه السلام حيث قال لإخوته : {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} (يوسف : 92) وكأن المنافقين ذكروها بهذا الاسم مخالفة له عليه السلام فحكى الله عنهم كما قالوا.
وقال الإمام السهيلي : سميت يثرب لأن الذي نزلها من العماليق اسمه يثرب بن عبيل بن مهلاييل بن عوص بن عملاق بن لاود بن ارم وعبيل هم الذين سكنوا الجحفة وهي ميقات الشامين فأجحفت بهم السيول فيها أي : ذهبت بهم فسميت الجحفة.
وقال بعضهم : هي من الثرب بالتحريك وهو الفساد
150
(7/114)
وكان في المدينة الفساد واللؤم بسبب عفونة الهواء وكثرة الحمى فلما هاجر رسول الله كره ذلك فسماها طيبة على وزن بصرة من الطيب وقد أفتى الإمام مالك رحمه الله فيمن قال تربة المدينة رديئة بضربه ثلاثين درة وبحبسه وقال : ما أحوجه إلى ضرب عنقه تربة دفن فيها رسول الله يزعم أنها غير طيبة وفي الحديث : "من سمى المدينة بيثرب فليستغفر الله فليستغفر الله هي طيبة هي طيبة" وقوله عليه السلام حين أشار إلى دار الهجرة : "لا أراها إلا يثرب" ونحو ذلك من كل ما وقع في كلامه عليه السلام من تسميتها بذلك كان قبل النهي عن ذلك.
وإنما سميت طيبة لطيب رائحة من مكث بها وتزايد روائح الطيب بها ولا يدخلها طاعون ولا دجال ولا يكون بها مجذوم لأن ترابها يشفي الجذام وهو كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء وهيآتها وربما انتهى إلى تأكل الأعضاء وسقوطها عن تقرّح {لا مُقَامَ لَكُمْ} لا موضع إقامة لكم ههنا لكثرة العدو وغلبة الأحزاب يريدون المعسكر بالفارسية (لشكركاه) فهو مصدر من أقام {فَارْجِعُوا} أي : إلى منازلكم بالمدينة ومرادهم الأمر بالفرار لكنهم عبروا عنه بالرجوع وترويجاً لمقالهم وإيذاناً بأنه ليس من قبيل الفرار المذموم وقد ثبطوا الناس عن الجهاد والرباط لنفاقهم ومرضهم ولم يوافقهم إلا أمثالهم فإن المؤمن المخلص لا يختار إلا الله ورسوله.
وفي إشارة إلى حال أهل الفساد والإفساد في هذه الأمة إلى يوم القيامة نسأل الله تعالى أن يقيمنا على نهج الصواب ويجعلنا من أهل التواصي بالحق والصبر دون التزلزل والاضطراب
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{وَإِذْ قَالَت طَّآاـاِفَةٌ مِّنْهُمْ} (ودستورى رجوع ميطلبند از يغمبر كروهى از منافقان) يعني : بني حارثة وبني سلمة {يَقُولُونَ} بدل من يستأذن {إِنَّ بُيُوتَنَا} في المدينة {عَوْرَةٌ} بجزم الواو في الأصل أطلقت على المختل مبالغة يقال عور المكان عوراً إذا بدا فيه خلل يخاف منه العدو والسارق وفلان يحفظ عورته أي : خلله والعورة أيضاً سوءة الإنسان وذلك كناية وأصلها من العار وذلك لما يلحق في ظهورها من العار أي : المذمة ولذلك سمى النساء عورة ومن ذلك العوراء للكلمة القبيحة.
والمعنى : أنها غير حصينة متخرّقة ممكنة لمن أرادها فأذن لنا حتى نحصنها ثم نرجع إلى العسكر وكان عليه السلام يأذن لهم {وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ} أي : والحال أنها ليست كذلك بل هي حصينة محرزة {إِن يُرِيدُونَ} ما يريدون بالاستئذان {إِلا فِرَارًا} من القتال.
{وَإِذْ قَالَت طَّآاـاِفَةٌ مِّنْهُمْ يا اأَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَـاْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍا إِن يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُـاِلُوا الْفِتْنَةَ لاتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَآ إِلا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَـاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الادْبَـارَا وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْـاُولا} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم} أسند الدخول إلى بيوتهم وأوقع عليهم لما أن المراد فرض دخولها وهم فيها لا فرض دخولها مطلقاً كما هو المفهوم لو لم يذكر الجار والمجرور {مِّنْ أَقْطَارِهَا} جمع قطر بالضم بمعنى الجانب أي : من جميع جوانبها لا من بعضها دون بعض فالمعنى لو كانت بيوتهم مختلة بالكلية ودخلها كل من أراد الخبث والفساد {ثُمَّ سُـاِلُوا} من جهة طائفة أخرى عند تلك النازلة {الْفِتْنَةِ} أي : الردة والرجعة إلى الكفر مكان ما سئلوا من الإيمان والطاعة {لاتَوْهَا} لأعطوها السائلين أي : أعطوهم مرادهم غير مبالين بما دهاهم من الداهية والغارة {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَآ} (التلبث ، درنك كردن كالتمكث يعني درنك نكند باجابت فتنة) {إِلا يَسِيرًا} قدر ما يسمع السؤال والجواب من الزمان
151(7/115)
فضلاً عن التعلل باختلال البيوت عند سلامتها كما فعلوا الآن وما ذلك إلا لمقتهم الإسلام وشدة بغضهم لأهله وحبهم الكفر وتهالكهم على حزبه.
قال الإمام الراغب : اليسير السهل ومنه قوله تعالى : {وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (النساء : 30) ويقال في الشيء القليل ومنه {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَآ إِلا يَسِيرًا} .
وفي الآية إشارة إلى مرض القلوب وصحة النفوس.
وخاصيتهما إذا وكلتا إلى حالتهما من فساد الاعتقاد وسوء الظن بالله ورسوله ونقض العهود والاغترار بتسويلات الشياطين والفرار من معادن الصدق والتمسك بالحيل والمكائد والكذب والتعلل بالأعذار الواهية وغلبات خوف البشرية والجبانة وقلة اليقين والصبر وكثرة الريب والجزع من احتمال خطر الأذية لو سئلوا الارتداد عن الإسلام والإشراك بعد الإقرار بالتوحيد لأجابوهم وجاءوا به وما تلبثوا بها يعني في الاحتراز عن الوقوع في الفتنة إلا يسيراً بل أسرعوا في إجابتها لاستيلاء أوصاف النفوس وغلباتها وتصدي القلوب وهجوم غفلاتها ومن عرف طريقاً إلى الله فسلكه ثم رجع عنه عذبه الله بعذاب لم يعذب به أحداً من العالمين.
واعلم أن الله تعالى ذم المنافقين في أقوالهم وأفعالهم فإن للإنسان اختياراً في كل طريق سلكه فمن وجد شراً فلا يذم إلا نفسه ولم تجب الهداية على النبي عليه السلام في حق الكفار والمنافقين فكيف على غيره من الورثة في حق العاصين كما قال عليه السلام : "إنما أنا رسول وليس إليّ من الهداية شيء ولو كانت الهداية إليّ لآمن كل من في الأرض وإنما إبليس مزين وليس إليه من الضلالة شيء ولو كانت الضلالة إليه لأضل كل من في الأرض ولكن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء".
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
مؤمن وكافر درين دير فنا
صورتى دارد زنقش كبريا
نقش كره آمدازدست قضا
ليك ميدان نقش را از مقتضا
فافهم جداً.
{وَلَقَدْ كَانُوا} أي : الفريق الدين استأذنوك للرجوع إلى منازلهم في المدينة وهم بنو حارثة وبنو سلمة {عَـاهَدُوا اللَّهَ} العهد حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال وسمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهداً والمعاهدة المعاقدة كما في "تاج المصادر".
والمعنى بالفارسية (عهد كردند باخداى تعالى) {مِن قَبْلُ} أي : من قبل واقعة الخندق يعني يوم أحد حين هموا بالانهزام ثم تابوا لما نزل فيهم ما نزل كما سبق في آل عمران {لا يُوَلُّونَ الادْبَـارَ} جواب قسم لأن عاهدوا بمعنى حلفوا كما في "الكواشي" (والتوبة : بشت بركدانيدن) ودبر الشيء خلاف القبل وولاه دبره انهزم.
والمعنى لا يتركون العدو خلف ظهورهم ولا يفرون من القتال ولا ينهزمون ولا يعودون لمثل ما في يوم أحد ثم وقع منهم هذا الاستئذان نقضاً للعهد ، وبالفارسية : (شتها برنكردانند دركار زارها) {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْـاُولا} مطلوباً مقتضى حتى يوفي يقال سألت فلاناً حقي أي : طالبته به أو مسؤولاً يوم القيامة يسأل عنه هل وفى المعهود به أو نقضه فيجازي عليه وهذا وعيد ، قال الحافظ.
وفا وعهد نكو باشد اربياموزى
وكرنه هركه توبينى ستمكرى داند
وقال في حق وفاء العشاق :
از دم صبحازل تا آخر شام ابد
دوستى ومهر بريك عهدويك ميثاق بود
152
قل يا محمد لهم : {لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ} (سود نميدارد شمارا كريختن) {إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ} (از مرك) {أَوِ الْقَتْلِ} (يا ازكشتن) فإنه لا بد لكل شخص من الفناء والهلاك سواء كان بحتف أنف أو بقتل سيف في وقت معين سبق به القضاء وجرى عليه القلم ولا يتغير جداً والقتل فعل يحصل به زهوق الروح.
قال الراغب أصل القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت لكن إذا اعتبر بفعل المتولى لذلك يقال قتل وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال موت انتهى.
والحتف الهلاك قال علي كرم الله وجهه ما سمعت كلمة عربية من العرب إلا وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسمعته يقول : "مات حتف أنفه" وما سمعتها من عربي قبله وهو أن يموت الإنسان على فراشه لأنه سقط لأنفه فمات وكانوا يتخيلون أن روح المريض تخرج من أنفه فإن جرح خرجت من جراحته.
{وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا} (التمتيع : برخوردارى دادن) أي : وإن نفعكم الفرار مثلاً فمتعتم بالتأخير لم يكن ذلك التمتيع إلا تمتيعاً أو زماناً قليلاً ، وبالفارسية : (وانكاه كه كريزد زنده نكذارند شمارا مكر زمانى اندك ه آخر شربت فنا نوشيد نيست وخرقه فوات وشيدنى :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
كه مينهد قدم اندر سراى كون وفساد
كه بازروى براه عدم نمى آرد)
الموت كأس وكل الناس شاربه
والقبر باب وكل الناس داخله
وعمر الدنيا كله قليل فكيف مدة آجال أهلها وقد قال من عرف الحال : مقدار عمرك في جنب عيش الآخرة كنفس واحد.
وعن بعض المروانية أنه مر بحائط مائل فأسرع فتليت له هذه الآية فقال ذلك القليل أطلب.
(7/116)
{قُلْ مَن ذَا الَّذِى يَعْصِمُكُم} مذهب سيبويه على أن من الاستفهامية مبتدأ وذا خبره والذي صفة أو بدل منه ، والمعنى بالفارسية : (آن كيست كه نكاه دارد شمارا) وذهب بعض النحاة إلى كون من خبراً مقدماً فالمعنى : (كيست آنكه) والعصمة الإمساك والحفظ {مِنَ اللَّهِ} أي : من قضائه {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُواءًا} بالفارسية : (بدى) وهو كل ما يسوء الإنسان ويغمه والمراد هنا القتل والهزيمة ونحوهما {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} من عافية ونصرة وغيرهما مما هو من آثار الرحمة قرينة السوء من العصمة ولا عصمة إلا من السوء لأن معناه أو يصيبكم بسوء إن أراده بكم رحمة فاختصر الكلام كما في قوله متقلداً سيفاً ورمحاً أي : ومعتقلاً رمحاً والاعتقال أخذ الرمح بين الركب والسرج.
وفي التاج : (الاعتقال : نيز بميان ساق وركاب برداشتن) {وَلا يَجِدُونَ لَهُم} أي : لأنفسهم {مِن دُونِ اللَّهِ} متجاوزين الله تعالى {وَلِيًّا} (دوستى كه نفع رساند) {وَلا نَصِيرًا} يدفع الضرر عنهم ، وبالفارسية : (ونه يارى كه ضرر باز دارد).
واعلم أن الآية دلت على أمور :
الأول أن الموت لا بد منه.
قال بعضهم : (عمر اكره دراز بود ون مرك روى نمود آزان درازى ه سود نوح عليه السلام هزار سال درجهان بسر برده است امروز ن هزار سالست كه مرده است) :
دريغاكه بكذشت عمر عزيز
بخواهد كذشت اين دمى ندنيز
قال بعضهم : إذا بلغ الرجل أربعين سنة ناداه مناد من السماء دنا الرحيل فأعدّ زاداً.
قال الثوري : ينبغي
153
لمن كان له عقل إذا أتى عليه عمر النبي عليه السلام أن يهيىء كفنه.
قال حاتم الأصم : ما من صباح إلا ويقول الشيطان لي : ما تأكل وما تلبس وأين تسكن فأقول له : آكل الموت وألبس الكفن وأسكن القبر.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
والثاني : أن الفرار لا يزيد في الآجال ومن أسوأ حالاً ممن سعى لتبديل الأجال والأرزاق ورجا دفع ما قدر له أنه لاق وأنه لا يقيه منه واقٍ ، قال علي كرم الله وجهه : إن أكرم الموت القتل والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش فلو لم يكن في القتل الذي يفر منه الإنسان إلا الراحة من سكرات الموت لكان في ذلك ما يوهب الثبات وإن لم ينظر إلى ما بعده وهو الفوز العظيم وذلك أن شهيد البحر لا ألم له أصلاً وأما شهيد البر فلا يجد من ألم الموت إلا كمس قرصة.
قال بعضهم : الفار مسلم لنفسه والمقاتل مدافع عنها وإذا انقضت مدة الأجل فالمنية لا بد منها.
6
بروز أجل نيزه جوشن درد
زيراهنى ى اجل نكذرد
كرت زند كانى نبشتست دير
نه مارت كز آيدنه شمشير وتير
أما تخشى أيها الفار ، أن تدركك المنية فتكون من أصحاب النار؟ أما تخاف أن يأتيك سهم وأنت مول فيسكنك دار البوار؟ أما تخشى أن تؤسر فتفتن عن دينك أو ينوّع عذابك ولا شك عند كل ذي لب أن استقبال الموت إذا كان وقته خير من استدباره وقد اشتاق أهل الله إلى لقاء الله.
قال المولى العارف في "المثنوي" :
س رجال از نقل عالم شادمان
وزبقا اش شادمان اين كودكان
ونكه آب خوش نديد آن مرغ كور
يش او كوثر نمايد آب شور
والثالث : أن من اتخذ الله ولياً ونصيراً نال ما يتمناه قليلاً وكثيراً ونصر أميراً وفقيراً وطاب له وقته مطلقاً وأسيراً فثبت ثبات الجبال وعامل معاملة الرجال.
قال بعض العارفين في الآية إشارة إلى مدعي الطلب فإنهم يعاهدون الله من قبل الشروع في الطلب أنهم لا يولون أدبارهم عند المحاربة مع الشيطان وعند الجهاد مع النفس فلما شرعوا في الحرب والجهاد مع أحزاب النفس والشيطان وقد حمل كل حزب منهم أسلحتهم وأخذوا خدعات الحرب ومكايدها وهم الشجعان الأقوياء والأبطال المجربون وعساكر الطلاب المرضى القلوب وهم بعد أغمار غير مجربي القتال والحروب وإن كان لهم الأسلحة ولكنهم بمعزل عن استعمالها لضعفهم وعدم العلم بكيفية الاستعمال فإذا قام الحرب ودام الضرب غلب الأقوياء على الضعفاء وانهزم المرضى على الأصحاء.
الش است وخمره خوردن نيست اين†
فلم يساعدهم الصدق ولم يعاونهم العشق ولم يذكروا حقيقة قوله : {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْـاُولا} ولم يتفكروا في أن الفرار النافع إنما هو إلى الله لا من الله فمن فر من موت النفس وقتلها بالمجاهدة فلا يتمتع كالبهائم والأنعام في رياض الدنيا إلا قليلاً ، ولا يجد بركة عمره بل يكون الفرار سبب قصر العمر نسأل الله سبحانه أن يعصمنا من الفرار من نحو بابه والإقبال على الأدبار عن جنابه أنه الولي النصير ذو الفضل الكثير.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/117)
{قُلْ مَن ذَا الَّذِى يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُواءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةًا وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَآاـاِلِينَ لاخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِا فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى} .
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ} قد لتأكيد العلم بالتعويق
154
ومرجع العلم إلى توكيد الوعيد.
والتعويق التثبيط بالفارسية (باز داشتن) يقال عاقه وعوقه إذا صرفه عن الوجه الذي يريده والعائق الصارف عما يراد منه خير ومنه عوائق الدهر والخطاب لمن أظهر الإيمان مطلقاً.
والمعنى قد علم الله المثبطين للناس عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصارفين عن طريق الخير وهم المنافقون أياً من كان منهم {وَالْقَآاـاِلِينَ لاخْوَانِهِمْ} من منافقي المدينة فالمراد الإخوة في الكفر والنفاق {هَلُمَّ إِلَيْنَا} هلم صوت سمي به فعل متعد نحو احضر أو اقرب ويستوي فيه الواحد والجمع على لغة أهل الحجاز وأما بنو تميم فيقولون هلم يا رجل وهلموا يا رجال وكلمة إلى صلة التقريب الذي تضمنه هلم.
والمعنى : قربوا أنفسكم إلينا وهذا يدل على أنهم عند هذا القول خارجون عن العسكر متوجهون نحو المدينة فراراً من العدو {وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} أي : الحرب والقتال وهو في الأصل الشدة {إِلا} إتياناً {قَلِيلا} فإنهم يعتذرون ويتأخرون ما أمكن لهم أو يخرجون مع المؤمنين يوهمونهم أنهم معهم لا تراهم يبارزون ويقاتلون إلا شيئاً قليلاً إذا اضطروا إليه وهذا على تقدير عدم الفرار.
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَآاـاِلِينَ لاخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِى يُغْشَى عَلَيْهِ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} حال من فاعل يأتون جمع شحيح وهو البخيل.
قال الراغب : الشح بخل مع حرص وذلك فيما كان عادة يقال رجل شحيح وقوم أشحة أي : حال كونهم بخلاء عليكم بالمعاونة أو الإنفاق في سبيل الله على فقراء المسلمين (يا نمى خواهدكه ظفر وغنيمت شمارا باشد) {فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ} خوف العدو {رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} في تلك الحالة {تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ} في أحداقهم يميناً وشمالاً {كَالَّذِى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أي : دوراناً كائناً كدوران عين المغشي عليه من معالجة سكرات الموت حذراً وخوفاً والتجاء بك يقال غشي على فلان إذا نابه ما غشي فهمه أي : ستره {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ} وجمعت الغنائم {سَلَقُوكُم} يقال سلقه بالكلام آذاه كما في "القاموس".
قال في "تاج المصادر" : (السلق : بزبان آزردن) ومنه سلقوكم {بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} أي : جهروا فيكم بالسوء من القول وآذوكم.
والحداد جمع حديد يقال لسان حديد نحو لسان صارم وماض وذلك إذا كان يؤثر تأثير الحديد ، يعني : (برنجانند شمارا وسخنهاى سخت كويند بزبانهاى تيزيعنى تيز زبانى كنند) وقالوا وفروا قسمنا فإنا قد ساعدناكم وقاتلنا معكم وبمكاننا غلبتم عدوكم ربنا نصرتم عليه {أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} نصب على الحال من فاعل سلقوكم ، يعني : (درحالتى كه سخت حريصند برغنيمت مشاحنه ومجادله ميكنند دروقت قسمت او بخيلند برمال اين جهان نمى خواهندكه رساند بشما كرم وفضل خدا) فهم عند الغنيمة أشح الناس وأجبنهم عند البأس.
{أولئك} الموصوفون بما ذكر من صفات السوء {لَمْ يُؤْمِنُوا} بالإخلاص حيث أبطنوا خلاف ما أظهروا فصار أخبث الكفرة وأبغضهم إلى الله {اللَّهُ أَعْمَـالَهُمْ} أي : أظهر بطلانها إذ لم يثبت لهم أعمال فتبطل لأنهم منافقون وفي هذا دلالة على أن المعتبر عند الله هو العمل المبني على التصديق وإلا فهو كبناء على غير أساس {وَكَانَ ذَالِكَ} الإحباط {عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} هيناً ، بالفارسية : (آسان) لتعلق الإرادة به وعدمها بمنعه عنه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى مدعيى الطلب إذا ارتدوا عن الطلب فإنهم لم يؤمنوا إيماناً حقيقياً في صدق الطلب وإلا لم يرتدوا عن الطلب
155
(7/118)
فإن المشايخ قد قالوا : إن مرتد الطريقة شر من مرتد الشريعة ولهذا قال تعالى : {فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَـالَهُمْ} لأنها لم تكن بإيمان حقيقي بل كانت بالتقليد والرياء والسمعة وكان ذلك الرد والإبطال على الله يسيراً.
وقد قال بعض الكبار : إني لست بقطب الوجود ولكن مؤمن به فقيل له ونحن مؤمنون به أيضاً فقال بين إيمان وإيمان فرق فمن إيمان لا يزول كأصل الشجرة الراسخة ومن إيمان يزول كأصل النباتات الواهية وذلك لأن المحسن الموقن مأمون من الارتداد والريب بخلاف أهل الغفلة والمتعبد على حرف.
لا يزيل الماء نقشاً في الحجر
بل يزيل النقش في وجه الورق
باش بر عشق خدا ثابت قدم
رونمى كردان زوجه اك حق
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِى يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِا فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِا أولَئكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَـالَهُمْ وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَحْسَبُونَ الاحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الاحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِى الاعْرَابِ يَسْـاَلُونَ عَنْ أَنابَآاـاِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَـاتَلُوا إِلا قَلِيلا * لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} .
{يَحْسَبُونَ الاحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} أي : هؤلاء المنافقون لجبنهم المفرط يظنون أن الأحزاب لم ينهزموا ففروا إلى المدينة والأحزاب هم الذين تحزبوا على النبي عليه السلام يوم الخندق وهم قريش وغطفان وبنو قريظة والنضير من اليهود (والتحزب ، كروه كروه شدن) كما في "التاجي {وَإِن يَأْتِ الاحْزَابُ} كرة ثانية إلى المدينة ، وبالفارسية : (اكربيايند اين لشكرها نوبتى ديكر) {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِى الاعْرَابِ} تمنوا أنهم خارجون من المدينة إلى البدو وحاصلون بين الأعراب لئلا يقاتلوا.
والود محبة الشيء وتمنى كونه وبدا يبدو بداوة إذا خرج إلى البادية وهي مكان يبدو ما يعن فيه أي : يعرض ويقال للمقيم بالبادية بادٍ فالبادون خلاف الحاضرين والبدو خلاف الحضر {يُسْـاَلُونَ} كل قادم من جانب المدينة {عَنْ أَنابَآاـاِكُمْ} عن أخباركم وعما جرى عليكم ، يعني : (از آنه كذشته باشد ميان شما ودشمنان) وهو داخل تحت الود اى يودون أنهم غائبون عنكم يسمعون أخباركم بسؤالهم عنها من غير مشاهدة {وَلَوْ كَانُوا فِيكُم} في الخندق هذه الكرة الثانية ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال ، وبالفارسية : (اكر باشند درميان يعنى در مدينه ومقاتله با اعدادست دهد) {مَّا قَـاتَلُوا إِلا قَلِيلا} رياء وخوفاً من التعيير من غير حسبة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ} أيها المؤمنون كما في "تفسير الجلالين" وهو الظاهر من قوله فيما بعد لمن كان يرجو الله الخ {فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
قال الراغب : الإسوة والأسوة كالقدوة والقدوة الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسناً أو قبيحاً وإن ساراً أو ضاراً ويقال : تأسيت به أي : اقتديت.
والمعنى : لقد كان لكم في محمد صلى الله عليه وسلّم خصلة حسنة وسنة صالحة حقها أن يؤتسى بها أي : يقتدى كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد فإنه قد شج فوق حاجبه وكسرت رباعيته وقتل عمه حمزة يوم أحد وأوذي بضروب الأذى فوقف ولم ينهزم وصبر فلم يجزع فاستسنوا بسنته وانصروه ولا تتخلفوا عنه.
وقال بعضهم : كلمة في تجريدية جرد من نفسه الزكية شيء وسمي قدوة وهي هو يعني أن رسول الله في نفسه إسوة وقدوة يحسن التأسي والاقتداء به كقولك في البيضة عشرون مناً حديداً أي : هي نفسها هذا القدر من الحديد {لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاخِرَ} أي : يأمل ثواب الله ونعيم الآخرة أو يخاف الله واليوم الآخر.
فالرجاء يحتمل الأمل والخوف ولمن كان صلة الحسنة أو صفة لها لا بدل من لكم فإن الأكثر على أن ضمير المخاطب لا يبدل
156
منه {وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} أي : ذكراً كثيراً في جميع أوقاته وأحواله أي : وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة وبها يتحقق الائتساء برسول الله.
قال الحكيم الترمذي : الأسوة في الرسول الاقتداء به والاتباع لسنته وترك مخالفته في قول وفعل.
قال الشيخ سعدي :
درين بحر جز مرد ساعى نرفت
كم آن شد كه دنبال راعى نرفت
كساني كزين راه بركشته اند
بر فتند بسيار وسر كشته اند
خلاف يمبر كسى ره كزيد
كه هركز بمنزل نخواهد رسيد
محالست سعدى كه راه صفا
توان رفت جزبرى مصطفى(7/119)
فمتابعة الرسول تجب على كل مؤمن حتى يتحقق رجاؤه ويثمر عمله لكونه الواسطة والوسيلة وذكر الرجاء اللازم للإيمان بالغيب في مقام النفس وقرن به الذكر الكثير الذي هو عمل ذلك المقام ليعلم أن من كان في البداية يلزم متابعته في الأعمال والأخلاق والمجاهدات بالنفس والمال إذ لو لم يستحكم البداية لم يفلح بالنهاية ثم إذا تجرد وتزكى عن صفات نفسه فليتابعه في موارد قلبه كالصدق والإخلاص والتسليم ليحتظي ببركة المتابعة بالمواهب والأحوال وتجليات الصفات في مقام القلب كما احتظى بالمكاسب والمقامات وتجليات الأفعال في مقام النفس وهكذا في مقام الروح حتى الفناء.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى ما سبقت به العناية لهذه الأمة في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلّم كما أخبر بلفظ {لَقَدْ كَانَ} أي : كان {لَكُمْ} مقدراً في الأزل أن يكون لكم عند الخروج من العدم إلى الوجود {فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي : اقتداء حسن وذلك فإن أول كل شيء تعلقت به القدرة للإيجاد كان روح رسول الله صلى الله عليه وسلّم لقوله : "أول ما خلق الله روحي" فالأسوة الحسنة عبارة عن تعلق القدرة بأرواح هذه الأمة لإخراجهم من العدم إلى الوجود عقيب إخراج روح رسول الله صلى الله عليه وسلّم من العدم إلى الوجود فمن أكرم بهذه الكرامة يكون له أثر في عالم الأرواح قبل تعلقه بعالم الأشباح وبعد تعلقه بعالم الأشخاص فأما أثره في عالم الأرواح فبتقدمه على الأرواح بالخروج إلى عالم الأرواح وبرتبته في الصف الأول بقرب روح رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو في الصف الذي يليه وبتقدمه في قبول الفيض الإلهي وبتقدمه عند استخراج ذرات الذريات من صلب آدم في استخراج ذراته وبإحضارها في الحضرة وبتقدمه في استماع خطاب ألست بربكم وبتقدمه في إجابة الرب تعالى بقوله قالوا : بلى وبتقدمه في المعاهدة مع الله وبتأخره في الرجوع إلى صلب آدم وبتأخره في الخروج عن أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وفي الخروج عن الرحم وبتأخر تعلق روحه بجسمه فإنالذي هو المقدم والمؤخر في هذه التقدمات والتأخرات حكمة بالغة ولها تأثيرات عجيبة يطول شرحها وأما أثره في عالم الأشباح فاعلم أنه بحسب هذه المراتب في ظهور أثر الأسوة يظهر أثرها في عالم الأشباح عند تعلق نظر الروح بالنطفة في الرحم أولاً إلى أن تتربى النطفة بنظره في الأطوار المختلفة ويصير قالباً مسوياً مستعداً لقبول تعلق الروح به فمثل القالب المسوي مع الروح كمثل الشمعة مع نقش الخاتم إذا وضع عليها يقبل جميع نقوش القالب المسوي مع الروح كمثل الشمعة مع نقش الخاتم إذا وضع عليها يقبل جميع نقوش الخاتم فالروح المكرم إذا تعلق بالقالب المسويّ يودع فيه جميع خواصه التي استفادها من
157
تلك التقدمات والتأخرات الأسوتية فكل ما يجري على الإنسان من بداية ولادته إلى نهاية عمره من الأفعال والأقوال والأخلاق والأحوال كلها من آثار خواص أودعها الله في الروح فبحسب قرب كل روح إلى روح الرسول صلى الله عليه وسلّم وبعده عنه له أعمال ونيات تناسب حاله في الأسوة فأما حال أهل القرب منهم فبأن يكون عملهم على وفق السنة خالصاً لوجه الله تعالى كما قال : {لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ} وأما من هو دونهم في القرب والإخلاص فبأن يكون عملهم لليوم الآخر أي : للفوز بنعيم الجنان كما قال تعالى : {وَالْيَوْمِ الاخِرِ} أي : لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ثم جعل نيل هذه المقامات مشروطاً بقوله تعالى : {وَذَكَرَ اللَّهَ} كثيراً لأن في الذكر وهو كلمة لا إله إلا الله نفياً وإثباتاً وهماً قدمان للسائرينتعالى وجناحان للطائرين بالله بهما يخرجون من ظلمات الوجود المجازي إلى نور الوجود الحقيقي انتهى كلام "التأويلات".
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الاحْزَابَ قَالُوا هَـاذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُه وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُه وَمَا زَادَهُمْ إِلا} .
(7/120)
{وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الاحْزَابَ} أي : الجنود المجتعة لمحاربة النبي عليه السلام وأصحابه يوم الخندق.
والحزب جماعة فيها غلظ كما في "المفردات" {قَالُوا هَـاذَا} البلاء العظيم {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} بقوله تعالى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُما مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ} (البقرة : 214) الآية وقوله عليه السلام : "سيشتدّ الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم" وقوله عليه السلام : "إن الأحزاب سائرون إليكم بعد تسع ليال أو عشر" {وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} أي : ظهر صدق خبر الله ورسوله {وَمَا زَادَهُمْ} ما رأوه ، وبالفارسية : (ونيفزود ديدن احزاب مؤمنانرا) {إِلا إِيمَانًا} بالله ومواعيده {وَتَسْلِيمًا} لأوامره ومقاديره.
وقال الكاشفي : (وكردن نهادن احكام امر حضرت رسالت ناهى راكه سعادت دوسراى دران تسليم مندرجست) :
هركه دارد ون قلم سربر خط فرمان او
مى نويسد بخت طغراى شرف برنام او
{وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الاحْزَابَ قَالُوا هَـاذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُه وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُه وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَـاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَه وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُا وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا * لِّيَجْزِىَ اللَّهُ الصَّـادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَـافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} .
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بالإخلاص {رِجَالٌ صَدَقُوا} اتوا الصدق في {مَا عَـاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} من الثبات مع الرسول والمقاتلة لإعلاء الدين أي : حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم وهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وحمزة ومعصب بن عمير وأنس بن النضر وغيرهم رضي الله عنهم نذروا أنهم إذا لقوا حزباً مع رسول الله ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا.
قال الحكيم : الترمذي رحمه الله خص الله الإنس من بين الحيوان ثم خص المؤمنين من بين الإنس ثم خص الرجال من المؤمنين فقال : {رِجَالٌ صَدَقُوا} فحقيقة الرجولية الصدق ومن لم يدخل في ميادين الصدق فقد خرج من حد الرجولة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
واعلم أن النذر قربة مشروعة وقد جمعوا على لزومه إذا لم يكن المنذور معصية وأما قوله عليه السلام : "لا تنذروا فإن النذر لا يغنى من القدر شيئاً" فإنما يدل على أن النذر المنهي لا يقصد به تحصيل غرض أو دفع مكروه على ظن أن النذر يرد من القدر شيئاً فليس مطلق النذر منهياً إذ لو كان كذلك لما لزم الوفاء به وآخر الحديث : "وإنما يستخرج به من البخيل" وهو إشارة إلى لزومه لأن غير البخيل يعطي باختياره بلا واسطة النذر والبخيل إنما يعطي بواسطة النذر الموجب عليه وأما لو كان النذر وعدمه سواء عنده وإنما نذر لتحقيق عزيمته وتوكيدها فلا كلام
158
في حسن مثل هذا النذر وأكثر نذور الخواص ما خطر ببالهم وعقده جنانهم فإن العقد اللساني ليس إلا لتتميم العقد الجناني فكما يلزم الوفاء في المعاقدة اللسانية فكذا في المعاقدة الجنانية فليحافظ فإنه من باب التقوي المحافظ عليها من أهل الله تعالى.
طريق صدق بياموز از رب صافي دل
براستى طلب ازاد كى وسرو من
وفاكنيم وملامت كشيم وخوش باشيم
كه در طريقت ما كافريست رنجيدن
{فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ} تفصيل لحال الصادقين وتقسيم لهم إلى قسمين : والنحب النذر المحكوم بوجوبه وهو أن يلتزم الإنسان شيئاً من أعماله ويوجبه على نفسه وقضاؤه الفراغ منه والوفاء به يقال قضى فلان نحبه أي : وفى بنذره يعبر بذلك عمن مات كقولهم قضى أجله واستوفى أكله وقضى من الدنيا حاجته وذلك لأن الموت كنذر لازم في عنق كل حيوان ومحل الجار والمجرور الرفع على الابتداء أي : فبعضهم من خرج عن عهدة النذر بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر الخزرجي الأنصاري عم أنس بن مالك رضي الله عنه.
ـ روي ـ أن أنساً رضي الله عنه غاب عن بدر فشهد أحداً فلما نادى إبليس إلا أن محمداً قد قتل مر بعمر رضي الله عنه ومعه نفر فقال : ما يقعدكم؟ قالوا : قتل رسول الله قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم جال بسيفه فوجد قتيلاً وبه بضع وثمانون جراحة.
بى زخم تيغ عشق زعالم نمى روم
بيرون شدن زمعركه بى زم عارماست
{وَمِنْهُمُ} أي : وبعضهم {مَّن يَنتَظِرُ} قضاء نذره لكونه موقتاً كعثمان وطلحة وغيرهما فإنهم مستمرون على نذورهم وقد قضوا بعضها وهو الثبات مع رسول الله والقتال إلى حين نزول الآية الكريمة ومنتظرون قضاء بعضها الباقي وهو القتال إلى الموت شهيداً وفي وصفهم بالانتظار إشارة إلى كمال اشتياقيهم إلى الشهادة.
(7/121)
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
غافلان از مرك مهلت خواستند
عاشقان كفتند نى نى زود باد
وفي "المثنوي" :
دانه مردن مرا شيرين شدست
بل هم أحياء ى من آمدستصدق جان دادن بودهين سابقوا
ازنبى برخوان رجال صدقوا ى بسا نفس شهيد معتمد
مرده در دنيا وزنده مى رود
{وَمَا بَدَّلُوا} عطف على صدقوا وفاعله فاعله أي : وما بدلوا عهدهم وما غيروه {تَبْدِيلا} ما لا أصلاً ولا وصفاً بل ثبتوا راغبين فيه مراعين لحقوقه على أحسن ما يكون أما الذين قضوا فظاهر وأما الباقون فيشهد به انتظارهم أصدق الشهادة.
ـ روي ـ أن طلحة رضي الله عنه ثبت مع رسول الله يوم أحد يحميه حتى أصيبت يده وجرح أربعاً وعشرين جراحة فقال عليه السلام : "أوجب طلحة الجنة" "وسماه النبي عليه السلام يومئذٍ طلحة الخير ويوم حنين طلحة الجود ويوم غزوة ذات العشيرة طلحة الفياض" وقتل يوم الجمل.
وفي الآية تعريض بأرباب النفاق وأصحاب مرض القلب فإنهم ينقضون العهود ويبدّلون العقود.
فداى دوست نكرديم عمرو مال دريغ
كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
159
{لِّيَجْزِىَ اللَّهُ الصَّـادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} أي : وقع جميع ما وقع ليجزي الله الصادقين بما صدر عنهم من الصدق والوفاء قولاً وفعلاً.
قال في "كشف الأسرار" : في الدنيا بالتمكين والنصرة على العدو وإعلاء الراية وفي الآخرة بحبميل الثواب وجزيل المآب والخلود في النعيم المقيم والتقديم على الأمثال بالتكريم والتعظيم {وَيُعَذِّبَ الْمُنَـافِقِينَ} بما صدر عنهم من الأقوال والأعمال المحكية {إِن شَآءَ} تعذيبهم أي : إن لم يتوبوا فإن الشرك لا يغفر البتة {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} أي : يقبل توبتهم إن تابوا {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا} ستوراً على من تاب محاء لما صدر منه {رَّحِيمًا} منعماً عليه بالجنة والثواب.
قال بعضهم إمارة الرجولية الصدق في العهد وهو أن لا يعبد غيره تعالى من الدنيا والعقبى والدرجات العليا إلى أن يصل إلى حضرة العلي الأعلى.
فمن الصادقين من بلغ مقصده ونال مقصوده وهذا حال المنتهين.
ومنهم من ينتظر البلوغ والوصول وهو في السير وهذا حال المتوسطين وما بدلوا تبديلاً بالإعراض عن الطلب والإقبال على طلب غير الله ليجزي الله الصادقين بصدقهم في الطلب وبقدم الصدق ينزلون عند ربهم ويعذب المنافقين إن شاء وهم مدعوا الطلب بغير قدم صدق بل بقدم كذب وتلبيس ورياء فهم في زي أهل الرقة ولباس القوم وفي سيرة أهل الرياء والنفاق كما قال بعضهم :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
أما الخيام فإنها كخيامهم
وأرى نساء الحي غير نسائه
فلا بد من التوبة والصدق والثبات حتى تظهر الآثار من المغفرة والرحمة والهداية (اى جوانمرد عنايت ازلى كوهر صادقانرا رنكى دهدكه هركه در ايشان نكرد اكر بيكانه بود آشنا كردد ورعاصى بود عارف كردد ور درويش بود توانكر كردد.
إبراهيم أدهم قدس سره كفت وقتى كشش روم درباطن من سر برزد كفتم آياه حالتست اين وازكجا افتاد اين كشش درباطن من همى سر درنهادم ورتم تابدار الملك روم در سرايى شدم جمعى انبوه آنجا كرد آمده زنارهاى ايشان بديدم غيرت دين در من كار كرد يراهن از سرتا ى فرو دريدم ونعره ند كشيدم آن روميان فراز آمدند وهمى رسيدندكه تراه بود ودر توه صفرا افتاد كفتم من اين زنارهاى شما نميتوانم ديد كفتند همانا تو از محمد يانى كفتم آرى من از محمد يانم كفتند كارى سهل است بمانين رسيدكه سنك وخاك بنبوّت محمد كواهى ميداد واز روى جماديت اين زنارهاى ما حالت آن سنك وخاك دارد اكر باتو صدقى هست از خدا بواه تا اين زنارهاى بنبوت محمد كواهى دهند تاما در دائره اسلام آييم ابراهيم سربر سجده نهاد ودر الله زاريد وكفت خداوندابر من ببخشاى وحبيب خويش را نصرت كن ودين اسلام را قوى كن هنوز آن مناجات تمام ناكرده كه هر زنارى بزبان فصيح ميكفت لا اله الا الله محمد رسول الله).
{لِّيَجْزِىَ اللَّهُ الصَّـادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَـافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَا وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَـاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَـارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَـاُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرًا} .
(7/122)
{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني الأحزاب وهو رجوع إلى حكاية بقية القصة أي : وقع ما وقع من الحوادث ورد الله الذين كفروا حال كونهم ملتبسين {بِغَيْظِهِمْ} وحسرتهم يعني : (خشمناك برفتند) والغيظ أشد الغضب وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من ثوران دم قلبه {لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} حال بعد حال
160
أي : حال كونهم لم يصيبوا ما أرادوا من الغلبة وسماها خيراً لأن ذلك كان عندهم خيراً فجاء على استعمالهم وزعمهم {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} بما ذكر من إرسال الريح الشديدة والملائكة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
باد صبا ببست ميان نصرت ترا
ديدى راغ راكه كند باد ياورى
{وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا} على إحداث كل ما يريده {عَزِيزًا} غالباً على كل شيء ثم أخبر بالكفاية الأخرى فقال :
{وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَـاهَرُوهُم} أي : عاونوا الأحزاب المردودة على رسول الله والمسلمين حين نقضوا العهد {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ} وهم بنو قريظة قوم من اليهود بالمدينة من حلفاء الأوس وسيد الأوس حينئذٍ سعد بن معاذ رضي الله عنه {مِن صَيَاصِيهِمْ} من حصونهم جمع صيصة بالكسر وهي ما يتحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبي وشوكة الديك وهي في مخلبته التي في ساقه لأنه يتحصن بها ويقاتل {وَقَذَفَ} رمى وألقى {فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} أي : الخوف والفزع بحيث سلموا أنفسهم للقتل وأهليهم وأولادهم للأسر حسبما ينطق به قوله تعالى : {فَرِيقًا تَقْتُلُونَ} يعني : رجالهم {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} يعني نساءهم وصبيانهم من غير أن يكون من جهتهم حركة فضلاً عن المخالفة والأسر والشد بالقيد وسمي الأسير بذلك ثم قيل لكل مأخوذ مقيد وإن لم يكن مشدوداً ذلك.
{وَأَوْرَثَكُمْ} (وميراث داد شمارا) {أَرْضَهُمْ} مزارعهم وحدائقهم {وَدِيَـارَهُمْ} حصونهم وبيوتهم {وَأَمْوَالَهُم} نقودهم وأثاثهم ومواشيهم شبهت في بقائها على المسلمين بالميراث الباقي على الوارثين إذ ليسوا في الشيء منهم من قرابة ولا دين ولا ولاء فأهلكهم الله على أيديهم وجعل أملاكهم وأموالهم غنائم لهم باقية عليهم كالمال الباقي على الوارث {وَأَرْضًا} (وشمارا داد زمينى راكه) يعني في علمه وتقديره {لَّمْ تَطَـاُوهَا} بأقدامكم بعد كفارس والروم وما ستفتح إلى يوم القيامة من الأراضي والمماليك من وطىء يطأ وطئاً ، بالفارسية : (باى سردن).
{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرًا} فقد شاهدتم بعض مقدوراته من إيراث الأرض التي تسلمتموها فقيسوا عليها ما بعدها.
قال الكاشفي : (س قادر باشد برفتح بلاد وتسخير آن براى ملازمان سيد عباد :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
لشكر عزم ترا فتح وظفر همراهست
لا جرم هر نفس اقليم دكر مى كيرى)
ـ روي ـ أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الخندق وكان وقت الظهيرة وصلى الظهر ودخل بيت زينب وقد غسلت شق رأسه الشريف أتى جبريل عليه السلام على فرسه حيزوم معتجراً بعمامة سوداء فقال : أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال : نعم قال جبريل : ما وضعت ملائكة الله السلاح منذ نزل بك العدو إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم بمن معي من الملائكة فأمر عليه السلام بلالاً رضي الله عنه فأذن في الناس من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلينّ العصر إلا في بني قريظة وقد لبس عليه السلام الدرع والمغفر وأخذ قناة بيده الشريفة وتقلد السيف وركب فرسه اللحيف بالضم والناس حوله قد لبسوا السلاح وهم ثلاثة
161
(7/123)
آلاف واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه ودفع اللواء إلى علي رضي الله عنه وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق وأرسله متقدماً مع بعض الأصحاب ومر عليه السلام بنفر من بني النجار قد لبسوا السلاح فقال : هل مرّ بكم أحد؟ قالوا : نعم دحية الكلبي رضي الله عنه وأمرنا بحمل السلاح وقال لنا رسول الله يطلع عليكم الآن فقال ذلك جبريل فلما دنا علي رضي الله عنه من الحصون وغرز اللواء عند أصل الحصون سمع من بني قريظة مقالة قبيحة في حقه عليه السلام وحق أزواجه فسكت المسلمون وقالوا : السيف بيننا وبينكم فلما رأى علي رضي الله عنه رسول الله مقبلاً أمر قتادة الأنصاري أن يلزم اللواء ورجع إليه عليه السلام فقال : يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال : لعلك سمعت منهم علي أذى قال : نعم قال : لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً فلما دنا من حصونهم قال : يا إخوان القردة والخنازير لأن اليهود مسخ شبانهم قردة وشيوخهم خنازير في زمن داود عليه السلام عند اعتدائهم يوم السبت بصيد السمك أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته أتشتمونني فجعلوا يحلفون ويقولون ما قلنا يا أبا القاسم ما كنت فحاشاً ، يعني : (توفحاش نبودى وهركز ناسزا نكفتى ونست كه امروزمارا ميكويى) ثم إن جماعة من الصحابة شغلهم ما لم يكن منه بد عن المسير لبني قريظة ليصلوا بها العصر فأخروا صلاة العصر إلى أن جاءوا بعد العشاء الأخيرة فصلوها هناك امتثالاً لقوله عليه السلام : "لا يصلينّ العصر إلا في بني قريظة" وقال بعضهم : نصلي ما يريد رسول الله منا أن ندع الصلاة ونخرجها عن وقتها وإما أراد الحث على الإسراع فصلوها في أماكنهم ثم ساروا فما عابهم الله في كتابه ولا عنفهم رسول الله لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر فكل من الفريقين متأول ومأجور بقصده وهو دليل على أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ومن هنا أخذ الصوفية ما ذكروا في آداب الطريقة إن الشيخ المرشد إذا أرسل المريد لحاجة فمر في الطريق بمسجد وقد حضرت الصلاة فإنه يقدم السعي للحاجة اهتماماً لا تهاوناً بالصلاة.
وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بني قريظة خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الخوف الشديد وكان حيى بن أخطب سيد بني النضير دخل مع بني قريظة حصنهم حين رجعت الأحزاب فلما أيقنوا أن رسول الله غير منصرف حتى يقاتلهم قال كبيرهم كعب بن أسد : يا معشر اليهود نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه النبي الذي تجدونه في كتابكم وأن المدينة دار هجرته وما منعني من الدخول معه إلا الحسد للعرب حيث لم يكن من بني إسرائيل ولقد كنت كارهاً لنقض العهد ولم يكن البلاء والشؤم إلا من هذا الجالس يعني حيي بن أخطب فقالوا : لا نفارق حكم التوراة أبداً ولا نستبدل به غيره أي : القرآن فقال : إن أبيتم عليّ هذه الخصلة فهلموا فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالاً مصلتين السيوف حتى لا نترك وراءنا نسلاً يخشى عليه إن هلكنا فقالوا : نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم إن لم نهلك فقال : فإن أبيتم فإن الليلة ليلة السبت وإن محمداً وأصحابه قد آمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب منهم غفلة فقالوا : نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا
162
(7/124)
فقال لهم عمرو بن سعدي فإن أبيتم فأثبتوا على اليهودية وأعطوا الجزية فقالوا : نحن لا نقر للعرب بخراج في رقابنا يأخذونه القتل خير من ذلك ثم قال لهم رسول الله : تنزلون على حكمي فأبوا فقال على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس فرضوا به وعاهدوا على أن لا يخرجوا من حكمه فأرسل عليه السلام في طلبه وكان جريحاً في وقعة الخندق فجاء راكب حمار وكان رجلاً جسيماً فقال عليه السلام : "قوموا إلى سيدكم" فقام الأنصار فأنزلوه وبه ثبت الاستقبال للقادم فحكم بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم فكبر النبي عليه السلام وقال : "لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة" أي : السموات السبع والمراد أن شأن هذا الحكم العلو ولرفعة ثم استنزلهم وأمر بأن يجمع ما وجد في حصونهم فوجدوا فيها ألفاً وخمسائة سيف وثلاثمائة درع وألفي رمح وخمسمائة ترس وأثاثاً وأواني كثيرة وجمالاً ومواشي وشياهاً وغيرها وخمس ذلك وجعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار لأنه كان لهم منازل فرضي الكل بما صنع الله ورسوله وأمر بالمتاع أن يحمل وترك المواشي هناك ترعى الشجر ثم غدا إلى المدينة فأمر بالأساري وكانوا ستمائة مقاتل أو أكثر أن يكونوا في دار أسامة بن زيد رضي الله عنه والنساء والذرية وكانت سبعمائة في دار ابنة الحارث النجارية لأن تلك الدار كانت معدودة لنزول الوفود من العرب ثم خرج إلى سوق المدينة فأمر بالخندق فحفروا فيه حفائر فضرب أعناق الرجال وألقوا في تلك الخنادق وردوا عليهم التراب وكان المتولي لقتلهم علياً والزبير ولم يقتل من نسائهم إلا بنانة كانت طرحت رحى على خلاد بن سويد رضي الله عنه تحت الحصن فقتلته ولم يستشهد في هذه الغزوة إلا خلاد قال عليه السلام : "له أجر شهيدين" ثم بعث رسول الله سعد بن زيد الأنصاري بسبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع لهم بها خيلاً وسلاحاً قسمها رسول الله على المسلمين ونهى عليه السلام أن يفرق بين أم وولدها حتى يبلغ أي : تحيض الجارية ويحتلم الغلام وقال : "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" واصطفى عليه السلام لنفسه منهم ريحانة بنت شمعون وكانت جميلة وأسلمت فأعتقها رسول الله وتزوجها ولم تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع سنة عشر فدفنها بالبقيع وكانت هذه الوقعة في آخر ذي القعدة سنة خمس من الهجرة.
وفي الآية إشارة إلى أنه كما أن بني قريظة أعانوا المشركين على المسلمين فهلكوا فكذلك العلماء المداهنون أعانوا النفس والشيطان والدنيا على القلوب وأفتوا بالرخص لأرباب الطلب وفتروهم عن التجريد والمجاهدة وترك الدنيا والعزلة والانقطاع وقالوا : هذه رهبانية وليست من ديننا وتمسكوا بآيات وأخبار لها ظاهر وباطن فأخذوها بظاهرها وضيعوا باطنها فآمنوا ببعض هو على وفق طباعهم وكفروا ببعض هو على خلاف طباعهم أولئك أعوان النفوس والشياطين والدنيا فمن قاربهم هلك كما هلكوا في وادي المساعدات ونعوذ بالله من المخالفات وترك الرياضات والمجاهدات ، وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
اندرين ره مى تراش ومى خراش
تادمى آخر دمى فارغ مباش
فإن البطالة لا تثمر إلا الحرمان والجد يفتح أبواب المراد من أي : نوع كان يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ} الرفيع الشان المخبر عن الله الرحمن.
قال الكاشفي : (ارباب سير برانندكه سال تاسع ازهجرت
163
سيد عالم عليه السلام از ازواج طاهرات عزلت نمود وسوكند خوردكه يك ماه با يشان مخالطت نكند وسبب آن بودكه ازان حضرت ثياب زينت وزيادت نفقه ميطلبيدند واورا رنجه داشتند بسبب غيرت نانكه عادت زنان ضرائر بود فخر عالم ملول وغمناك كشته بغرفه درمسجدكه خزانه وى بود تشريف فرمود بعد ازبيست ونه روزكه آن ماه بدان عدد تمام شده بود جبرائيل عليه السلام آيت تخيير فرود آوردكه).
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَـارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَـاُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرًا * يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لازْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} .
(7/125)
{النَّبِىُّ} {قُلْ} أمر وجوب في تخييرهن وهو من خصائصه عليه السلام {لازْوَاجِكَ} نسائك وهن يومئذٍ تسع نسوة خمس من قريش عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان وأم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية المخزومية وسودة بنت زمعة العامرية وأربع من غير قريش زينب بنت جحش الأسدية وميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيى بن أخطب الخيبرية الهارونية وجويرية بنت الحارث الخزاعية المصطلقية وكانت هذه بعد وفاة خديجة رضي الله عنها {إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا} أي : السعة والتنعم فيها {وَزِينَتَهَا} (وآرايش ون ثياب فاخره ويرايها بتكلف) {فَتَعَالَيْنَ} أصل تعالى أن يقوله من في المكان المرتفع لمن في المكان المنخفض ثم كثر حتى استوت في استعماله الأمكنة ولم يرد حقيقة الإقبال والمجيىء بل أراد أجبن على ما أعرض عليكن واقبلن بإرادتكن واختياركن لإحدى الخصلتين كما يقال أقبل يكلمني وذهب يخاصمني وقام يهددني {أُمَتِّعْكُنَّ} بالجزم جواباً للأمر ، والتمتيع بالفارسية : (برخوردارى دادن) أي : أعطكن المتعة ، وبالفارسية : (س بياييدكه بدهم شمارا متعه طلاق نانه مطلقه را دهند) سوى المهر وأصل المتعة والمتاع ما ينتفع به انتفاعاً قليلاً غير باق بل ينقضي عن قريب ويسمي التلذذ تمتعاً لذلك وهي درع وهو ما يستر البدن وملحفة وهي ما يستر المرأة عند خروجها من البيت وخمار وهو ما يستر الرأس وهي واجبة عند أبي حنيفة رضي الله عنه في المطلقة التي لم يدخل بها ولم يسم لها مهر عند العقد ومستحبة فيما عداها والحكمة في إيجاب المتعة جبر لما أوحشها الزوج بالطلاق فيعطيها لتنتفع بها مدة عدتها ويعتبر ذلك بحسب السعة والأقتار إلا أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك فحينئذٍ يجب لها الأقل منه ولا ينقص عن خمسة دراهم لأن أقل المهر عشرة فلا ينقص عن نصفها
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{وَأُسَرِّحْكُنَّ} السرح شجر له ثمرة وأصله سرحت الإبل أن ترعيها السرح ثم جعل لكل إرسال في الرعي والتسريح في الطلاق مستعار من تسريح الإبل كالطلاق في كونه مستعاراً من طلاق الإبل وصريح اللفظ الذي يقع به الطلاق من غير نية هو لفظ الطلاق عند أبي حنيفة وأحمد والطلاق والفراق والسراح عند الشافعي ومالك والمعنى أطلقكن {سَرَاحًا جَمِيلا} طلاقاً من غير ضرار وبدعة.
واتفق الأئمة على أن السنة في الطلاق أن يطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه ثم يدعها حتى تنقضي عدتها وإن طلق المدخول بها في حيضها أو طهر أصابها فيه وهي ممن تحبل فهو طلاق بدعة محرم ويقع بالاتفاق وجمع الثلاثة بدعة عند أبي حنيفة ومالك وقال أحمد هو محرم خلافاً للشافعي ويقع بلا خلاف بينهم.
واعلم أن الشارع إنما كره الطلاق ندباً إلى الإلفة وانتظام الشمل ولما علم الله أن الافتراق لا بد منه
164
لكل مجموع مؤلف لحقيقة خفيت عن أكثر الناس شرع الطلاق رحمة لعباده ليكونوا مأجورين في أفعالهم محمودين غير مذمومين إرغاماً للشيطان فإنهم في ذلك تحت إذن إلهي وإنما كان الطلاق أبغض الحلال إلى الله تعالى لأنه رجوع إلى العدم إذ بائتلاف الطبائع ظهر وجود الترتيب وبعد الائتلاف كان العدم فمن أجل هذه الرائحة كرهت الفرقة بين الزوجين لعدم عين الاجتماع كذا في "الفتوحات".
وتقديم التمتيع على التسريح من باب الكرم وفيه قطع لمعاذيرهن من أول الأمر.
يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لازْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَه وَالدَّارَ الاخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يا نِسَآءَ النَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَـاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِا وَكَانَ ذَالِكَ عَلَى} .
{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي : تردن رسوله وصحبته ورضاه وذكر الله للإيذان بجلالته عليه السلام عنده تعالى.
{وَالدَّارُ الاخِرَةُ} أي : نعيمها الذي لا قدر عنده للدنيا وما فيها جميعاً {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَـاتِ} (مرزنان نيكوكارانرا) {مِنكُنَّ} بمقابلة إحسانهن ومن للتبيين لأن كلهن محسنات أصلح نساء العالمين ولم يقل لكن إعلاماً بأن كل الإحسان في إيثار مرضاة الله ورسوله على مرضاة أنفسهن.
{أَجْرًا عَظِيمًا} لا يعرف كنهه وغايته وهو السر فيما ذكر من تقديم التمتيع على التسريح وفي وصف التسريح بالجميل ولما نزلت هذه الآية بدأ عليه السلام بعائشة رضي الله عنها وكانت أحب أزواجه إليه وقرأها عليه وخيرها فاختارت الله ورسوله.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/126)
ـ وروي ـ أنه قال لعائشة رضي الله عنها : إني ذاكر لك أمراً أحب أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك أي : تشاوري لما علم أن أبويها لا يأمرانها بفراقه عليه السلام قالت : وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآية فقالت : أفي هذا استأمر أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة" (رسول را اين سخن ازو عجب آمد وبدان شاد شد واثر شادى بربشره مبارك وى يدا آمد).
ثم اختارت الباقيات اختيارها فلما آثرنه عليه السلام والنعيم الباقي على الفاني شكر الله لهن ذلك وحرم على النبي التزوج بغيرهن فقال : {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِنا بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} الآية كما سيأتي.
واختلف في أن هذا التخيير هل كان تفويض الطلاق إليهن حتى يقع الطلاق باختيارهن أو كان تخييراً لهن بين الإرادتين على أنهن إن أردن الدنيا فارقهن عليه السلام كما ينبىء عنه قوله : {فَتَعَالَيْنَ} الخ فذهب البعض إلى الأول وقالوا : لو اخترن أنفسهن كان ذلك طلاقاً ولذا اختلف في حكم التخيير فإنه إذا خير رجل امرأته فاختارت نفسها في ذلك المجلس قبل القيام والاشتغال بما يدل على الإعراض بأن تقول اخترت نفسي وقعت طلقة بائنة عند أبي حنيفة ورجعية عند الشافعي وثلاث تطليقات عند مالك ولو اختارت زوجها لا يقع شيء أصلاً وكذا إذا قامت من مجلسها قبل أن تختار نفسها انقطع التخيير باتفاقهم.
واختلفوا فيما إذا قال أمرك بيدك فقال أبو حنيفة إذا قال أمرك بيدك في تطليقة فاختارت نفسها يقع طلقة رجعية وإن نوى الثلاث صح فلو قالت : اخترت واحدة فهي ثلاث وهو كالتخيير يتوقف على المجلس.
وفي الآية إشارتان :
الأولى : أن حب الدنيا وزينتها موجب للمفارقة عند صحبة النبي عليه السلام لأزواجه مع أنهن محال النطفة الإنسانية في عالم الصورة ليعلم أن حب الدنيا وزينتها آكد في إيجاب المفارقة عن صحبة النبي عليه السلام لأمته ؛ لأن أرحام قلوبهم محل النطفة الروحانية الربانية فينبغي أن يكون أطيب وأزكى لاستحقاق تلك النطفة الشريفة فإن الطيبات للطيبين :
165
خاطرت كى رقم فيض ذيرد هيهات
مكراين نقش را كنده ورق ساده كنى
والثانية : أن محبة الله ورسوله والدار الآخرة موجبة للاتصال بالنبي عليه السلام والوصلة إلى الله إن كانت خالصة لوجه الله فإن كانت مشوبة بنعيم الجنة فله نعيم الجنة بقدر شوب محبة الله محبة نعيم وله من الأجر العظيم بحسب محبة الله.
فإن قال قائل : قد تحقق أن محبة الله إذا كانت مشوبة بمحبة غير الله توجب النقص من الأجر العظيم بقدر شوب محبة غير الله فكذلك هل يوجب النقص شوب محبة النبي عليه السلام من الأجر العظيم.
قلنا لا توجب النقص من الأجر العظيم بل تزيد فيه لأن من أحب النبي عليه السلام فقد أحب الله كما أن من يطع الرسول فقد أطاع الله والفرق بين محبة النبي ومحبة الجنة أن محبته بالحق دون الحظ ومحبة الجنة بالحظ دون الحق فإن الجنة حظ النفس كما قال تعالى : {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ} (فصلت : 31) ومحبة النبي ومتابعته مؤدية إلى محبة الله للعبد كقوله تعالى : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران : 31) ، قال المولى الجامي :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
لي حبيب عربي مدني قرشي
كه بود در دوغمش مايه شادى وخوشى
فهم رازش نكنم او عربي من عجمي
لاف مهرش ه زنم او قرشي من حبشي
ذره وارم بهوا دارى اورقص كنان
تاشد او شهره آفاق بخورشيد وشى
كره صد مرحله دورست زيش نظرم
وجهه في نظرى كل غداة وعشى
{النَّبِىُّ} توجيه الخطاب إليهن لإظهار الاعتناء بنصحهن ونداؤهن ههنا وفيما بعده بالإضافة إليه عليه السلام لأنها التي يدور عليها ما يرد عليهن من الأحكام {مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـاحِشَةٍ} بسيئة بليغة في القبح وهي الكبيرة ، وبالفارسية : (هركه بيايد ازشما بكارى نا سنديده) {مُّبَيِّنَةٍ} ظاهرة القبح من بين بمعنى تبين قيل هذا كقوله تعالى : {لَـاـاِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (الزمر : 65) لا إن منهن من أتت بفاحشة أي : معصية ظاهرة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني النشوز وسوء الخلق.
قال الراغب : الفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال انتهى.
(7/127)
يقول الفقير : لعل وجه قول ابن عباس رضي الله عنهما أن الزلة منهن كسوء الخلق مما يعد فاحشة بالنسبة إليهن لشرفهن وعلو مقامهن خصوصاً إذا حصل بها أذية النبي صلى الله عليه وسلّم ولذا قال : {يُضَـاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} أي : يعذبن ضعفي عذاب غيرهن أي : مثليه {وَكَانَ ذَالِكَ} أي : تضعيف العذاب {عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} لا يمنعه عنه كونهن نساء النبي بل يدعوه إليه لمراعاة حقه.
قال في "الأسئلة المقحمة" : ما وجه تضعيف العذاب لزوجات النبي عليه السلام؟ الجواب لما كان فنون نعم الله عليهن أكثر وعيون فوائده لديهن أظهر من الاكتحال بميمون غرّة النبي عليه السلام وترداد الوحي إلى حجراتهن بإنزال الملائكة فلا جرم كانت عقوبتهن عند مخالفة الأمر من أعظم الأمور وأفخمها ولهذا قيل إن عقوبة من عصى الله تعالى عن العلم أكثر من عقوبة من يعصيه عن الجهل وعلى هذا أبداً.
وحد الحر أعظم من حد العبد وحد المحصن أعظم من حد غير المحصن لهذه الحقيقة انتهى.
وعوتب الأنبياء بما لا يعاتب به الأمم.
والحاصل أن الذنب يعظم بعظم جانيه وزيادة قبحه تابعة لزيادة شرف المذنب والنعمة فلما كانت الأزواج المطهرة أمهات
166
المؤمنين وأشراف نساء العالمين كان الذنب منهن أقبح على تقدير صدوره وعقوبة الأقبح أشد وأضعف.
وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
آنه عين لطف باشد برعوام
قهر شد برعشق كيشان كرام
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الثواب والعقاب بقدر نفاسة النفس وخستها يزيد وينقص وأن زيادة العقوبة على الجرم من إمارات الفضيلة كحد الحر والعبد وتقليل ذلك من إمارات النقص.
وذلك لأن أهل السعادة على صنفين : صنف منهم السعيد والآخر الأسعد فالسعيد من أهل الجنة والأسعد من أهل الله فإذا صدر من السعيد طاعة فأعطى بها أجراً واحداً من الجنة وإن صدر منه معصية فأعطى بها عذاباً واحداً من الجحيم وإذا صدر من الأسعد طاعة فأعطى أجره مرتين وذلك بأن يزيد له بها درجة في الجنة ومرتبة في القربة وإن صدر منه معصية يضاعف له العذاب ضعفين بنقص في درجة من الجنة ونقص في مرتبته من القربة أو عذاب من ألم مس النار وعذاب من ألم مس البعد وذل الحجاب ومن هنا دعاء السريّ السقطي قدس سره اللهم إن كنت تعذبني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب ، وكان ذلك على الله يسيراً أن يضاعف لهم العذاب ضعفين بخلاف الخلق لأن تضعيف العذاب في حقهم ليس بيسير لأنهم يتبعون به ويعسر عليهم ذلك انتهى عصمنا الله وإياكم من العذاب وشرفنا بجزيل الثواب.
ومن أسباب العذاب والتنزل عدم التوكل وترك القناعة بالواصل والسعي بلا حاصل.
قال عبد الواحد بن زيد : سألت الله تعالى ثلاث ليال أن يريني رفيقي في الجنة فقيل لي : يا عبد الواحد رفيقك في الجنة ميمونة السوداء فقلت : وأين هي؟ فقيل لي : في بني فلان بالكوفة فخرجت فإذا هي قائمة تصلي وإذا بين يديها عكاز وعليها جبة صوف مكتوب عليها لا تباع ولا تشتري وإذا الغنم مع الذئاب ترعى فلا الذئاب تأكل الغنم ولا الغنم تخاف الذئاب فلما رأتني أوجزت في صلاتها ثم قالت : ارجع يا ابن زيد ليس الموعد ههنا إنما الموعد ثمة فقلت : رحمك الله من أعلمك أني ابن زيد فقالت : إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها اختلف فقلت لها : عظيني فقالت : واعجباً يوعظ لواعظ بلغني أنه ما من عبد أعطى من الدنيا شيئاً فابتغى إليه ثانياً إلا سلبه الله حب الخلوة معه وبدله بعد القرب بعداً وبعد الأنس وحشة ولهذا السر وعظ الله الأرواح المطهرة في القرآن وذلك من فضله ، قال الصائب :
تازخاك اى درويشى توانى سرمه كرد
خاك در شمت اكر درادشاهى بنكرى
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يعني أن جلاء البصر في الفقر والقناعة وترك زينة الدنيا لا في الدولة والسلطنة والنعيم الفاني فإن الدنيا كدر بما فيها.
فعلى العاقل تخفيف الأثقال والأوزار وتكميل التجرد إلى آخر جزء من عمره السيار :
167
(7/128)
{وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ} ومن تدم على الطاعة ، وبالفارسية : (وهركه مداومت كندبر طاعت از شماكه ازواج يغمبريد).
قال الراغب : القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع {وَرَسُولُهُ} (مرخدا ورسول اورا) {وَتَعْمَلْ صَـالِحًا} (وبكندكارى بسنديده) {نُّؤْتِهَآ أَجْرَهَا} (بدهيم اورا مزداو) {مَّرَّتَيْنِ} مرة على الطاعة والتقوى وأخرى على طلبها رضى رسول الله بالقناعة وحسن المعاشرة.
قال مقاتل : بحسنة عشرين {وَأَعْتَدْنَا لَهَا} في الجنة زيادة على أجرها المضاعف.
والإعتاد التهيئة من العتاد وهو العدة.
قال الراغب : الإعتاد ادّخار الشيء قبل الحاجة إليه كالإعداد وقيل أصله أعددنا فأبدلت تاء {رِزْقًا كَرِيمًا} أي : حسناً مرضياً.
قال في "المفردات" : كل شيء يشرف في بابه فإنه كريم وفيه إشارة إلى أن الرزق الكريم في الحقيقة هو نعيم الجنة فمن أراده يترك التنعيم في الدنيا قال عليه السلام لمعاذ رضي الله عنه : "إياك والتنعيم فإن عباد الله ليسوا بمتنعمين" يعني : أن عباد الله الخلص لا يرضون نعيم الدنيا بدل نعيم الآخرة فإن نعيم الدنيا فانٍ.
شنيدم كه جمشيد فرخ شرشت
بسر شمه بربسنكى نبشت
برين شمه ون ما بسى دم زدند
برفتند ون شم برهم زدند
وفي الآية إشارة إلى أن الطاعة والعمل الخالص من غير شوب بطمع الجنة ونحوها يوجب أجراً بمزيد في القربة وبتبعيتها يوجب أجراً آخر في درجات الجنة والعمل بالنفس يزيد في وجودها وأما العمل وفق إشارة المرشد ودلالة الأنبياء والأولياء فيخلصها من الوجود وعلامة الخلاص من الوجود العمل بالحضور والتوجه التام لا بالانقلاب والاضطراب ألا ترى أن بعض المريدين دخل التنور اتباعاً لأمر شيخه أبي سليمان الداراني رحمه الله فلم يحترق منه شيء وكيف يحترق ولم يبق منه سوى الاسم من الوجود وهذا هو الشهود وهو الرزق الكريم فإن الكريم هو الله فيرزق المخلص من المشاهدات الربانية والمكاشفات والمكالمات مزيداً على القربة وهذا معنى قوله تعالى : {وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء : 40) ألا ترى أن إبراهيم الخليل عليه السلام لم يحترق في نار النمرود بل وجد الرزق الكريم من الله الودود لأن كل نعيم ظاهري لأهل الله فإنما ينعكس من نعيم باطني لهم وحقيقة الأجر إنما تعطي في النشأة الآخرة لأن هذه النشأة لا تسعها لضيقها نسأل الله القنوت والعمل ونستعيذ به من الفتور والكسل فإن الكسل يورث الغفلة والحجاب كما أن العمل يورث الشهود وارتفاع النقاب فإن التجليات الوجودية مظاهر التجليات الشهودية ومنه يعرف سر قوله عليه السلام : "دم على الطهارة يوسع عليك الرزق" فكما أن الطهارة الصورية تجلب بخاصيتها الرزق الصوري
168
فكذا الطهارة المعنوية تجذب بمقتضاها الرزق المعنوي فيحصل لكل من الجسم والروح غذاؤه ويظهر سر الحياة الباقية فإن أذواق الروح لا نهاية لها لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يعني أن جلاء البصر في الفقر والقناعة وترك زينة الدنيا لا في الدولة والسلطنة والنعيم الفاني فإن الدنيا كدر بما فيها.
فعلى العاقل تخفيف الأثقال والأوزار وتكميل التجرد إلى آخر جزء من عمره السيار :
167
{وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ} ومن تدم على الطاعة ، وبالفارسية : (وهركه مداومت كندبر طاعت از شماكه ازواج يغمبريد).
قال الراغب : القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع {وَرَسُولُهُ} (مرخدا ورسول اورا) {وَتَعْمَلْ صَـالِحًا} (وبكندكارى بسنديده) {نُّؤْتِهَآ أَجْرَهَا} (بدهيم اورا مزداو) {مَّرَّتَيْنِ} مرة على الطاعة والتقوى وأخرى على طلبها رضى رسول الله بالقناعة وحسن المعاشرة.
قال مقاتل : بحسنة عشرين {وَأَعْتَدْنَا لَهَا} في الجنة زيادة على أجرها المضاعف.
والإعتاد التهيئة من العتاد وهو العدة.
قال الراغب : الإعتاد ادّخار الشيء قبل الحاجة إليه كالإعداد وقيل أصله أعددنا فأبدلت تاء {رِزْقًا كَرِيمًا} أي : حسناً مرضياً.
قال في "المفردات" : كل شيء يشرف في بابه فإنه كريم وفيه إشارة إلى أن الرزق الكريم في الحقيقة هو نعيم الجنة فمن أراده يترك التنعيم في الدنيا قال عليه السلام لمعاذ رضي الله عنه : "إياك والتنعيم فإن عباد الله ليسوا بمتنعمين" يعني : أن عباد الله الخلص لا يرضون نعيم الدنيا بدل نعيم الآخرة فإن نعيم الدنيا فانٍ.
شنيدم كه جمشيد فرخ شرشت
بسر شمه بربسنكى نبشت
برين شمه ون ما بسى دم زدند
برفتند ون شم برهم زدند
(7/129)
وفي الآية إشارة إلى أن الطاعة والعمل الخالص من غير شوب بطمع الجنة ونحوها يوجب أجراً بمزيد في القربة وبتبعيتها يوجب أجراً آخر في درجات الجنة والعمل بالنفس يزيد في وجودها وأما العمل وفق إشارة المرشد ودلالة الأنبياء والأولياء فيخلصها من الوجود وعلامة الخلاص من الوجود العمل بالحضور والتوجه التام لا بالانقلاب والاضطراب ألا ترى أن بعض المريدين دخل التنور اتباعاً لأمر شيخه أبي سليمان الداراني رحمه الله فلم يحترق منه شيء وكيف يحترق ولم يبق منه سوى الاسم من الوجود وهذا هو الشهود وهو الرزق الكريم فإن الكريم هو الله فيرزق المخلص من المشاهدات الربانية والمكاشفات والمكالمات مزيداً على القربة وهذا معنى قوله تعالى : {وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء : 40) ألا ترى أن إبراهيم الخليل عليه السلام لم يحترق في نار النمرود بل وجد الرزق الكريم من الله الودود لأن كل نعيم ظاهري لأهل الله فإنما ينعكس من نعيم باطني لهم وحقيقة الأجر إنما تعطي في النشأة الآخرة لأن هذه النشأة لا تسعها لضيقها نسأل الله القنوت والعمل ونستعيذ به من الفتور والكسل فإن الكسل يورث الغفلة والحجاب كما أن العمل يورث الشهود وارتفاع النقاب فإن التجليات الوجودية مظاهر التجليات الشهودية ومنه يعرف سر قوله عليه السلام : "دم على الطهارة يوسع عليك الرزق" فكما أن الطهارة الصورية تجلب بخاصيتها الرزق الصوري
168
فكذا الطهارة المعنوية تجذب بمقتضاها الرزق المعنوي فيحصل لكل من الجسم والروح غذاؤه ويظهر سر الحياة الباقية فإن أذواق الروح لا نهاية لها لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
اين زمين وسختيان ردست وبس
اصل روزى از خدا دان هرنفس
رزق ازوى جو مجو از زيد وعمرو
مستى ازوى جو مجو از بنك وخمر
منعمى زوخواه نى از كنج ومال
نصرت ازوى خواه نى ازعم وخال
اللهم اجعلنا من خلص العباد وثبت أقدامنا في طريق الرشاد بحق النون والصاد.
{النَّبِىُّ} (اى زنان يغمبر) {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ} (نيستيد شماون هي كس اززنان ديكر).
وأصل أحد وحد بمعنى الواحد قلبت واوه همزة على خلاف القياس ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث والواحد والكثير.
والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل والشرف بسبب صحبة النبي عليه السلام فإن المضاف إلى الشريف شريف {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} مخالفة حكم الله ورضى رسوله وهو استئناف والكلام تام على أحد من النساء ويحتمل أن يكون شرطاً لخيريتهن وبياناً أن فضيلتهن إنما تكون بالتقوى لا بالتصالهن بالنبي عليه السلام :
زهد وتقوى فضل را محراب شد†
{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} عند مخاطبة الناس أي : لا تجبن بقولكن خاضعاً ليناً مثل قول المطمعات ، وبالفارسية : (س نرمى وفروتنى مكنيد درسخن كفتن ونياز مكوييد بامردان بيكانه).
والخضوع التطامن والتواضع والسكون والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع فإذا أتى الرجل باب إنسان وهو غائب فلا يجوز للمرأة أن تلين بالقول معه وترفق الكلام له فإنه يهيج الشهوة ويورث الطمع كما قال : {فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِه مَرَضٌ} أي : محبة فجور {وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا} بعيداً من التهمة والأطماع بجد وخشونة لا بتكسر وتغنج كما يفعله المخنث فالزنى من أسباب الهلاك المعنوي كالمرض من أسباب الهلاك الصوري وسببه الملاينة والمطاوعة.
هست نرمى آفت جان سمور
وزدرشتى ميبردجان خارشت
وفي الآية إشارة إلى أن أحوال أرباب القلوب الذين أسلموا أرحام قلوبهم لتصرفات ولاية المشايخ ليست كأحوال غيرهم من الخلق فالمتقي بالله من غيره لا يخضع لشيء من الدارين فإن الخضوع بالقول يجذب إلى الخضوع بالقلب والعمل وكثير من الصادقين يخضعون بالقول لأرباب الدنيا والأعمال الدنيوية لصلاح الآخرة ومصالح الدين بزعمهم فبالتدريج يقعون في ورطة الهلاك ويرجعون القهقرى إلى الدنيا ويستغرقون في بحر الفضلات لضعف الخالات فلا بد من ترك المساعدات وترك الشروع في شيء من أحوال الدنيا وأعمالها إلا بالمعروف وإلا فيكون مغلوباً بالمنكرات فنعوذ بالله من المخالفات.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يا نِسَآءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِا إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِه مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ الاولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَءَاتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَه ا إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} .
(7/130)
{وَقَرْنَ} (وآرام كيريد) {فِى بُيُوتِكُنَّ} (درخانهاى خويش).
قرأ نافع وعاصم وأبو جعفر بفتح القاف في المضارع من باب علم وأصله اقررن نقلت حركة الراء الأولى إلى القاف وحذفت لالتقاء الساكنين ثم حذفت
169
همزة الوصل استغناء عنها فصار قرن ووزنه الحالي فلن الأصل أفعلن والباقون بكسرها لما أنه أمر من وقر يقر وقاراً إذا ثبت وسكن واصله أو قرن فحذفت الواو تخفيفاً ثم الهمزة فاستغناء عنها فصار قرن ووزنه الحالي علن أو من قريقر بكسر القاف في المضارع فأصله اقررن نقلت كسرة الراء إلى القاف ثم حذفت فاستغنى عن همزة الوصل فصار قرن ووزنه الحالي فلن.
والمعنى : إلزمن يا نساء النبي بيوتكن واثبتن في مساكنكن.
والخطاب وإن كان لنساء النبي فقد دخل فيه غيرهن.
ـ روي ـ أن سودة بنت زمعة رضي الله عنها من الأزواج المطهرة ما خطت باب حجرتها لصلاة ولا لحج ولا لعمرة حتى أخرجت جنازتها من بيتها في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقيل لها لم لا تحجين ولا تعتمرين؟ فقالت : قيل لنا {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ} زبيكانكان شم زن كور باد
و بيرون شد ازخانه در كورباد
وفي الخبر : "خير مساجد النساء قعر بيوتهن" {وَلا تَبَرَّجْنَ} قال الراغب يقال ثوب متبرج صور عليه بروج واعتبر حسنه فقيل : تبرجت المرأة أي : تشبهت به في إظهار الزينة والمحاسن للرجال أي : مواضعها الحسنة فيكون المعنى (إظهار يرايها مكنيد) ويدل عليه قوله في "تهذيب المصادر" (التبرج : بزن خويشتن را بيارأستن) قال تعالى : {وَلا تَبَرَّجْنَ} وأصل التبرج صعود البرج وذلك أن من صعد البرج ظهر لمن نظر إليه قاله أبو علي انتهى.
وقيل : تبرجت المرأة ظهرت من برجها أي : قصرها ويدل على ذلك قوله ولا تبرجن كما في "المفردات".
وقال بعضهم : ولا تتبخترن في مشيكن {تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ الاولَى} أي : تبرجاً مثل تبرج النساء في أيام الجاهلية القديمة وهي ما بين آدم ونوح وكان بين موت آدم وطوفان نوح ألف ومائتا سنة واثنتان وسبعون سنة كما في "التكملة".
والجاهلية الأخرى ما بين محمد وعيسى عليهما السلام.
قال ابن الملك الجاهلية الزمان الذي كان قبل بعثته عليه السلام قريباً منها سمي به لكثرة الجهالة انتهى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ـ روي ـ أن بطنين من ولد آدم سكن أحدهما السهل والآخر الجبل وكان رجال الجبل صباحاً وفي نسائهم دمامة والسهل بالعكس فجاء إبليس وآجر نفسه من رجل سهلي وكان يخدمه فاتخذ شيئاً مثل ما يزمر الرعاء فجاء بصوت لم يسمع الناس بمثله فبلغ ذلك من في السهل فجاءوا يستمعون إليه واتخذوا عيداً يجتمعون إليه في السنة فتبرج النساء للرجال وتزينوا لهن فهجم رجل من أهل الجبل عليهم في عيدهم فرأى النساء وصباحتهم فأخبر أصحابه فتحولوا إليهم فنزلوا معهم وظهرت الفاحشة فيهن فذلك قوله : {وَلا تَبَرَّجْنَ} إلخ وذلك بعد زمان ادريس.
قال الكاشفي : (اصح آنست كه جاهليت اولى درزمان حضرت ابراهيم عليه السلام بوكه زنان لباسها بمرواريد بافته وشيده خودرا درميان طريق بمردان عرض كردندى).
وقيل : الجاهلية الأخرى قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان.
وفي الحديث : "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد" يعني في عصره عليه السلام لطهارة ذلك العصر بل حدثا بعده "قوم معهم سياط" يعني أحدهما قوم في أيديهم سياط "كأذناب البقر يضربون بها الناس" جمع سوط تسمى تلك السياط في ديار العرب بالمقارع جمع مقرعة وهي جلد طرفها مشدود عرضه كعرض الأصبع الوسطى يضربون بها السارقين عراة وقيل هم الطوافون على أبواب الظلمة كالكلاب
170
يطردون الناس عنها بالضرب والسباب "ونساء" يعني ثانيهما نساء "كاسيات" يعني : في الحقيقة "عاريات" يعني في المعنى لأنهن يلبسن ثياباً رقاقاً تصف ما تحتها أو معناه عاريات من لباس التقوى وهن اللاتي يلقين ملاحفهن من ورائهن فتنكشف صدورهن كنساء زماننا.
أو معناه كاسيات بنعم الله عاريات عن الشكر يعني نعيم الدنيا لا ينفع في الآخرة إذا خلا عن العمل الصالح وهذا المعنى غير مختص بالنساء "مميلات" أي : قلوب الرجال إلى الفساد بهن أو مميلات أكنافهن وأكفالهن كما تفعل الرقاصات أو مميلات مقانعهن من رؤوسهن لتظهر وجوههن "مائلات" أي : إلى الرجال أو معناه متبختران في مشيهن "رؤوسهن كأسنمة البخت" يعني يعظمن رؤوسهن بالخمر والقلنسوة حتى تشبه أسنمة البخت أو معناه ينظرن إلى الرجال برفع رؤوسهن "المائلة" لأن أعلى السنام يميل لكثرة شحمه "لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وأن ريحها ليوجد مسيرة أربعين عاماً" {وَأَقِمْنَ الصَّلَواةَ} التي هي أصل الطاعات البدنية {وَءَاتِينَ الزَّكَواةَ}
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/131)
التي هي أشرف العبادات المالية أي : إن كان لكن مال كما في "تفسير أبي الليث" {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَه} في سائر الأوامر والنواهي.
وقال بعضهن : أطعن الله في الفرائض ورسوله في السنن {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ} الرجس الشيء القذر أي : الذنب المدنس لعرضكم وعرض الرجل جانبه الذي يصونه وهو تعليل لأمرهن ونهيهن على الاستئناف ولذلك عم الحكم بتعميم الخطاب لغيرهن وصرح بالمقصود حيث قيل : {أَهْلَ الْبَيْتِ} أي : يا أهل البيت والمراد به من حواه بيت النبوة رجالاً ونساء قال الراغب : أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد وضيعة فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوّز به فقيل : أهل بيت الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب وتعورف في أسرة النبي عليه السلام مطلقاً إذا قيل أهل البيت يعني أهل البيت متعارف في آل النبي عليه السلام من بني هاشم ونبه عليه السلام بقوله : "سلمان منا أهل البيت" على أن مولى القوم يصح نسبته إليهم.
والبيت في الأصل مأوى الإنسان بالليل ثم قد يقال من غير اعتبار الليل فيه وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر وبه شبه بيت الشعر وعبر عن مكان الشيء بأنه بيته الكل في"المفردات".
{وَيُطَهِّرَكُمْ} من أدناس المعاصي {تَطْهِيرًا} بليغاً واستعارة الرجس للمعصية والترشيح بالتطهير لمزيد التنفير عنها وهذه كما ترى آية بينة وحجة نيرة على كون نساء النبي عليه السلام من أهل بيته قاضية ببطلان مذهب الشيعة في تخصيصهم أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيه أي : الحسن والحسين رضي الله عنهم وأما ما تمسكوا به من أن النبي عليه السلام خرج ذات يوم غدوة وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، يعني : (بروى ميزر معلم بود از موى سياه) فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء الحسن والحسين فأدخلهما فيه ثم قال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت فإنه يدل على كونهم من أهل البيت لا أن من عداهم ليسوا كذلك ولو فرضت دلالته على ذلك لما اعتد بها لكونها في مقابلة النص.
قال الكاشفي : (وازين جهت است كه آل عبا برنج تن اطلاق ميكنند) :
آل العباء رسول الله وابنته
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
والمرتضى ثم سبطاه إذا اجتمعوا
171
قال في "كشف الأسرار" : (رجس در افعال خبيثه است واخلاق دنيه افعال خبيثه فواحش است ما ظهر منها وما بطن وأخلاق دنيه هوا وبدعت وبخل وحرص وقطع رحم وامتثال آن رب العالمين ايشانرا بجاى بدعت سنت نهاد وبجاى بخل سخاوت وبجاى حرص قناعت وبجاى قطع رحم وصلت وشفقت آنكه كفت {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وشمارا اك ميدارد ازآنكه بخود معجب باشيد يا خودرا بر الله دلالى دانيد يا بطاعات واعمل اخود نظري كنيد.
ير طريقت كفت نظر دواست نظر انساني ونظر وحماني.
نظر انساني آنست كه توبخودنكرى.
ونظر رحماني آنست كه حق بتونكرد وتا نظر انسانى ازنهاد تورخت برنيارد نظر رحمانى بدلت نزول نكند اى مسكين ه نكرى توباين طاعت آلوده خويش وآنرا بدركاه بى نيازى ه وزن نهى خبر ندارى كه اعمال همه صديقان زمين وطاعات همه قدوسيان آسمان جمع كنى درميزان جلال ذي الجلال ريشه نسنجند ليكن او جل جلاله بابى نيازى خود بنده را به بندكى مى سند دوراه بندكى بوى مى نمايد) قال المولى الجامي :
كاهى كه تكيه بر عمل خود كنند خلق
اورا مباد جز كرمت هي تكيه كاه
با او بفضل كاركن اى مفضل كريم
كز عدل تو بفضل تو مى آورد ناه
(7/132)
وفي "التأويلات" {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ} يخاطب به القلوب أن يقروا في وكناتهم من عالم الملكوت والأرواح متوجهين إلى الحضرة {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ الاولَى} لا تخرجوا إلى عالم الحواس راغبين في زينة الدنيا وشهواتها كما هو من عادات الجهلة {وَأَقِمْنَ الصَّلَواةَ} بدوام الحضور والمراقبة والعروج إلى الله بالسير فإن الصلاة معراج المؤمن بأن يرفع يديه من الدنيا ويكبر عليها ويقبل على الله بالإعراض عما سواه ويرجع عن مقام التكبر الإنساني إلى خضوع الركوع الحيواني ومنه إلى خشوع السجود النباتي ثم إلى القعود الجمادي فإنه بهذا الطريق أهبط إلى أسفل القالب فيكون رجوعه بهذا الطريق إلى أن يصل إلى مقام الشهود الذي كان فيه في البداية الروحانية ثم يتشهد بالتحية والثناء على الحضرة ثم يسلم عن يمينه على الآخرة وما فيها ويسلم عن شماله على الدنيا وما فيها مستغرق في بحر الألوهية بإقامة الصلاة وإدامتها {وَءَاتِينَ الزَّكَواةَ} فالزكاة هي ما زاد على الوجود الحقيقي من الوجود المجازي فإيتاؤها صرفها وإفناؤها في الوجود الحقيقي بطريق {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَه ا إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ} وهو لوث الحدوث {أَهْلَ الْبَيْتِ} بيت الوصول ومجلس الوحدة ويطهركم عن لوث الحدوث بشراب طهور تجلي صفات جماله وجلاله تطهيراً لا يكون بعده تلوث انتهى كما قالوا الفاني لا يرد إلى أوصافه (س اولياء كمل را خوف ظهور طبيعت نيست) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
تابنده زخود فانىء مطلق نشود
توحيد بنزد او محقق نشود
توحيد حلول نيست نابودن تست
ورنه بكذاف آدمى حق نشود
حققنا الله وإياكم بحقائق التوحيد وأيدنا من عنده بأشد التأييد ومحا عنا نقوش وجوداتنا وظهرنا من أدناس أنانياتنا إنه الكريم الجواد الرؤوف بكل عبد من العباد.
{وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ الاولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَءَاتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَه ا إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَـاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِا إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} .
{وَاذْكُرْنَ} (وياد كنيد اى زنان يغمبر) أي : للناس بطريق العظة والتذكير
172
{مَا يُتْلَى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَـاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} أي : من الكتاب الجامع بين كونه آيات الله البينة الدالة على صدق النبوة بنظمه المعجز وكونه حكمة منطوية على فنون العلم والشرائع وقد سبق معنى الحكمة في سورة لقمان.
وحمل قتادة الآيات على آيات القرآن والحكمة على الحديث الذي هو محض حكمة وهذا تذكير بما أنعم عليهن من كونهن أهل بيت النبوة ومهبط الوحي حثا على الانتهاء والائتمار فيما كلفن به والتعرض للتلاوة في البيوت دون النزول فيها مع أنه الأنسب لكونها مهبط الوحي لعمومها جميع الآيات ووقوعها في كل البيوت وتكررها الموجب لتمكنهن من الذكر والتذكير بخلاف النزول وعدم تعيين التالي ليعم تلاوة جبريل وتلاوة النبي وتلاوتهن وتلاوة غيرهن تعلماً وتعليماً.
قال في "الوسيط" : وهذا حث لهن على حفظ القرآن والأخبار ومذاكرتهن بها للإحاطة بحدود الشريعة والخطاب وإن اختص بهن فغيرهن داخل فيه لأن مبني الشريعة على هذين القرآن والسنة وبهما يوقف على حدود الله ومفترضاته انتهى.
ومن سنة القارىء أن يقرأ القرآن كل يوم وليلة كيلا ينساه ولا يخرج عن صدره فإن النسيان وهو أن لا يمكنه القراءة من المصحف من الكبائر.
ومن السنة أن يجعل المؤمن لبيته حظاً من القرآن فيقرأ فيه منه ما تيسر له من حزبه ففي الحديث : "إن في بيوتات المسلمين لمصابيح إلى العرش يعرفها مقربوا ملائكة السموات السبع والأرضين السبع يقولون هذا النور من بيوتات المؤمنين التي يتلى فيها القرآن" ومن السنة أن يستمع القرآن أحياناً من الغير.
وكان عليه السلام يستمع قراءة أبيّ وابن مسعود رضي الله عنهما.
وكان عمر رضي الله عنه يستمع قراءة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وكان حسن الصوت واستماع القرآن في الصلاة فرض وفي خارجها مستحب عند الجمهور فعليك بالتذكير والتحفظ والاستماع.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
دل ازشنيدن قرآن بكيردت همه وقت
و باطلان زكلام حقت ملولى يست
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا} بليغ اللطف والبر بخلقه كلهم {خَبِيرًا} بليغ العلم بالأشياء كلها فيعلم ويدبر ما يصلح في الدين ولذلك أمر ونهى أو يعلم من يصلح لنبوته ومن يستأهل أن يكون من أهل بيته.
(7/133)
ـ روي ـ أنه تكلم رجل في زين العابدين رضي الله عنه وافترى عليه فقال زين العابدين : إن كنت كما قلت فاستغفر الله وإن لم أكن نستغفر الله لك فقام إليه الرجل وقبل رأسه وقال : جعلت فداءك لست كما قلت فاستغفر لي قال : غفر الله لك فقال الرجل : الله أعلم حيث يجعل رسالته.
وخرج يوماً من المسجد فلقيه رجل فسبه فثارت إليه العبيد والموالي فقال لهم زين العابدين : مهلاً على الرجل ثم أقبل عليه وقال : بالله إلا ما سترت من أمرنا ألك حاجة نعينك عليها فاستحيى الرجل فألقى عليه خميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم فكان الرجل بعد ذلك يقول : أشهد أنك من أولاد الرسول.
قال بعض الكبار : القرابة طينية وهي ما كان من النسب ودينية وهي ما كان من مجانسة الأرواح في مقام المعرفة ومشابهة الأخلاق في مقام الطريقة ومناسبة الأعمال الصالحة في مقام الشريعة كما قال عليه السلام : "آل محمد كل تقي نقي" فأهل التقوى الحقيقية وهم العلماء بالله التابعون له عليه السلام في طريق الهدى من جملة أهل البيت وذوي القربى وأفضل الخلق عند الله وكذا السادات الصالحون لهم
173
كرامة عظمى فرعايتهم راجعة إلى النبي عليه السلام.
ـ روي ـ أن علوية فقيرة مع بناتها نزلت مسجداً بسمرقند فخرجت لطلب القوت لبناتها فمرت على أمير البلد وذكرت أنها علوية وطلبت منه قوت الليلة فقال : ألك بينة على أنك علوية؟ فقالت : ما في البلد من يعرفني فأعرض عنها فمضت إلى مجوسي هو ضامن البلد فعرضت له حالها فأرسل المجوسي إلى بناتها وأكرم مثواهن فرأى أمير البلد في المنام كأن القيامة قد قامت وعند النبي عليه السلام لواء وإذا قصر من زمرد أخضر فقال : لمن هذا القصر يا رسول الله فقال عليه السلام : "لمؤمن موحد" فقال : أنا مسلم موحد قال عليه السلام : "ألك بينة على أنك مسلم موحد" فانتبه يبكي ويلطم وجهه وسأل عن العلوية وعرفها عند المجوسي وطلبها منه فأبى المجوسي فقال : خذ مني ألف دينار وسلمهن إليّ قال : لا يكون ذلك وقد أسلمنا على يد العلوية وقد أخبرنا النبي عليه السلام بأن القصر لنا.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ـ روي ـ أنه كان ببغداد تاجر له بضاعة يسيرة فاتفق أنه صلى صلاة في جماعة فلما سلموا قام علوي وقال : إن لي بنية أريد تزويجها بحق جدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعطوني ما أصلح به لها جهازها فأعطاه التاجر رأس ماله وكان خمسمائة درهم فلما كان الليل رأى التاجر رسول الله في المنام فقال له : يا فتى قد وصل إليّ ما أتحفتني فاقصد إلى مدينة بلخ فإن عبد الله بن طاهر بها فقل له إن محمداً يقرئك السلام ويقول : قد بعثت إليك ولياً له عندي يد فادفع إليه خمسمائة دينار فانتبه التاجر وأخبر بذلك امرأته فقالت : ومن يقوم بنفقتنا إلى أن ترجع من بلخ فقصد إلى خباز من جيرانه وقال : إن أعطيت أهلي كفايتهم مدة غيبتي أعطيتك إذا رجعت بدل كل درهم ديناراً فقال الخباز : إن الذي أمرك بالخروج إلى بلخ أوصاني بنفقة أهلك إلى رجوعك ففرح التاجر وخرج نحو بلخ فلما قرب استقبله عبد الله بن طاهر وقال : مرحباً برسول رسول الله إن الذي أرسلك إلي أوصاني بالإحسان إليك فأحسن ضيافته ثلاثة أيام ثم أعطاه خمسمائة دينار وفق أمره عليه السلام وأعطاه خمسمائة دينار لكونه رسول رسول الله وبعث معه جماعة أوصلوه إلى منزله ، قال الشيخ سعدي :
زرونعمت اكنون بده كان تست
كه بعد از توبيرون زفرمان تست
فروماندكانرا درون شاد كن
زروز فروماندكى ياد كن
نه خواهنده بردر ديكران
بشكرانه خواهنده از درمران
جوانمردا كرراست خواهى وليست
كرم يشه شاه مردان عليست
باحسانى آسوده كردن دلى
به ازالف ركعت بهر منزلى
بقنطار زر بخش كردن زكنج
نباشد وقيراطى از دست رنج
برد هركسى بار درخورد زور
كرانست اى ملخ يش مور
فإذا سمعت إلى هذا المقال فابسط يدك بالنوال إن كان لك مال وإلا فالعاقل الغيور يطير ويجوز بهمته.
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِى بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَـاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِا إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا * إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَـاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ وَالْقَـانِتِينَ وَالْقَـانِتَـاتِ وَالصَّـادِقِينَ وَالصَّـادِقَـاتِ وَالصَّـابِرِينَ وَالصَّـابِرَاتِ وَالْخَـاشِعِينَ وَالْخَـاشِعَـاتِ} .
{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَـاتِ} .
ـ روي ـ أنه لما نزل في نساء النبي عليه السلام الآيات المذكورة قالت نساء المؤمنين : فما نزل فينا ولو كان فينا خير لذكرنا فنزلت والمعنى : إن الداخلين في السلم بعد الحرب المنقادين لحكم الله من الذكور والإناث.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "التأويلات
174
(7/134)
النجمية" : المسلم هو المستسلم للأحكام الأزلية بالطوع والرغبة مسلماً نفسه إلى المجاهدة والمكابدة ومخالفة الهوى وقد سلم المسلمون من لسانه ويده {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ} المصدقين بما يجب أن يصدق به من الفريقين.
وفي "التأويلات" : المؤمن من أمنه الناس وقد أحيى الله قلبه أولاً بالعقل ثم بالعلم ثم بالفهم عن الله تعالى ثم بنور الله تعالى ثم بالتوحيد ثم بالمعرفة ثم أحياه الله.
قال في "بحر العلوم" : ومراد أصحابنا باتحاد الإيمان والإسلام أن الإسلام هو الخضوع والانقياد بمعنى قبول ما جاء به من عند الله والإذعان له وذلك حقيقة التصديق ولذلك لم يصح في الشرع أن يحكم على أحد بأنه مسلم وليس بمؤمن أو مؤمن وليس بمسلم فلا يمتاز أحدهما عن الآخر ولم يريدوا الاتحاد بحسب المفهوم لأن الإيمان هو تصديق الله فيما أخبر من أوامره ونواهيه ومواعيده والإسلام هو الخضوع والانقياد لألوهيته وهذا لا يحصل إلا بقبول الأمر والنهي والوعد والوعيد والإذعان لذلك فمن لم يقبل شيئاً من هذه الأربعة فقد كفر وليس بمسلم انتهى {وَالْقَـانِتِينَ وَالْقَـانِتَـاتِ} أي : المداومين على الطاعات القائمين بها.
وفي "التأويلات" : القنوت استغراق الوجود في الطاعة والعبودية {وَالصَّـادِقِينَ وَالصَّـادِقَـاتِ} في القول والعمل والنية.
وفي "التأويلات" : في عقودهم وعهودهم ورعاية حدودهم والصدق نور أهدى لقلوب الصديقين بحسب قربهم من ربهم {وَالصَّـابِرِينَ وَالصَّـابِرَاتِ} على الطاعات وعن المعاصي.
وفي "التأويلات" : على الخصال الحميدة وعن الصفات الذميمة وعند جريان القضاء ونزول البلاء {وَالْخَـاشِعِينَ وَالْخَـاشِعَـاتِ} المتواضعينبقلوبهم وجوارحهم.
وفي "التأويلات" : الخشوع إطراق السريرة عند توارد الحقيقة انتهى.
قال بعضهم الخشوع انقياد الباطن للحق والخضوع انقياد الظاهر له.
وفي "القاموس" الخشوع الخضوع أو هو في البدن والخشوع في الصوت {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَـاتِ} بما وجب في مالهم والمعطين للصدقات فرضاً أو نفلاً يقال تصدق على الفقراء إذا أعطاهم الصدقة وهي العطية التي بها تبتغي المثوبة من الله تعالى.
وفي "المفردات" الصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوع به والزكاة للواجب وقيل يسمى الواجب صدقة إذا تحرى صاحبه الصدق في فعله.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "التأويلات" : والمتصدقين والمتصدقات بأموالهم وأعراضهم حتى لا يكون لهم مع أحد خصميه فيما ينال منهم ، يعني : (بخشندكانند هم بمال وهم بنفس حق هي كس برخود نكذاشته وازراه خصومت باخلق برخاسته) وحقيقة الصدقة ما يكون بالأحوال على أرباب الطلب ، قال الحافظ :
اى صاحب كرامت شكرانه سلامت
روزى تفقدى كن درويش بى نوارا
{وَالصَّـائِمِينَ وَالصَّـائِمَـاتِ} الصوم المفروض أو مطلق الصوم فرضاً أو نفلاً.
وفي "التأويلات" الممسكين عما لا يجوز في الشريعة والطريقة بالقلب والقالب فيصوم القالب بالإمساك عن الشهوات ويصوم القلب بالإمساك عن رؤية الدرجات والقربات.
وفي "المفردات" الصوم في الأصل الإمساك عن الفعل مطعماً كان أو كلاماً أو مشياً وفي الشرع إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين والاستمناء والاستقاءة {وَالْحَـافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَـافِظَـاتِ} في الظاهر عن الحرام وفي الحقيقة عن تصرفات المكونات أي : والحافظاتها فحذف
175
المفعول لدلالة المذكور عليه.
وفي "المفردات" الفرج والفرجة الشق بين الشيئين كفرجة الحائط والفرج ما بين الرجلين وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ} ذكراً {كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} أي : والذاكراته فترك المفعول كما في الحافظات أي : بقلوبهم وألسنتهم.
وفي "التأويلات النجمية" : بجميع أجزاء وجودهم الجسمانية والروحانية بل بجميع ذرات المكونات بل بالله وجميع صفاته.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد أدبار الصلوات وغدواً وعشياً وفي المضاجع وكلما استيقظ من نومه وكلما غدا وراح من منزله ذكر الله انتهى.
والاشتغال بالعلم النافع وتلاوة القرآن والدعاء من الذكر وفي الحديث : "من استيقظ من منامه وأيقظ امرأته فصليا جميعاً ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات".
وعن مجاهد لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} بسبب ما عملوا من الطاعات العشر المذكورة وجمعوا بينها وهو خبر إن والعطف بالواو بين الذكور والإناث كالمسلمين والمسلمات كالعطف بين الضدين لاختلاف الجنسين.
وأما عطف الزوجين على الزوجين كعطف المؤمنين والمؤمنات على المسلمين والمسلمات فمن عطف الصفة على الصفة بحرف الجمع أي : عطفهما لتغاير الوصفين {مَغْفِرَةٍ} لما اقترفوا من الصغائر لأنهن مكفرات بما عملوا من الأعمال الصالحات.
(7/135)
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "التأويلات" : هي نور من أنوار جماله جعل مغفر الرأس روحهم يعصمهم مما يقطعهم عن الله {وَأَجْرًا عَظِيمًا} على ما صدر عنهم من الطاعات وهو الجنة واليوم سهولة العبادة ودوام المعرفة وغداً تحقيق المسؤول ونيل ما فوق المأمول.
وفي "التأويلات العظيم هو الله يعني أجراً من واهب ألطافه بتجلي ذاته وصفاته.
وعن عطاء بن أبي رباح : من فوّض أمره إلى الله فهو داخل في قوله : {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَـاتِ} ومن أقرّ بأن الله ربه ومحمداً عليه السلام رسوله ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل في قوله : {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ} ومن أطاع الله في الفرائض والرسول في السنة فهو داخل في قوله : {وَالْقَـانِتِينَ وَالْقَـانِتَـاتِ} ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل في قوله : {وَالصَّـادِقِينَ وَالصَّـادِقَـاتِ} ومن صبر على الطاعة وعن المعصية وعلى الرزية فهو داخل في قوله : {وَالصَّـابِرِينَ وَالصَّـابِرَاتِ} ومن صلى فلم يعرف من عن يمينه وعن شماله فهو داخل في قوله : {وَالْخَـاشِعِينَ وَالْخَـاشِعَـاتِ} .
قال في "بحر العلوم" : بنى الأمر في هذا على الأشد وليس هذا بمرضي عنه انتهى.
يقول الفقير : بل بنى على الأسهل فإنه أراد ترك الالتفات يميناً وشمالاً وهو أسهل بالنسبة إلى الاستغراق في الشهود.
ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو داخل في قوله : {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَـاتِ} ومن صام من كل شهر أيام البيض فهو داخل في قوله : {وَالصَّـائِمِينَ وَالصَّـائِمَـاتِ} ومن حفظ فرجه عما لا يحل فهو داخل في قوله : {وَالْحَـافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَـافِظَـاتِ} ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله : {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم أي : العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال : "الذاكرون الله كثيراً والذكرات" قالوا : يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال : "لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى تكسر أو تخضب دماً لكان ذاكر الله كثيراً أفضل
176
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
منه درجة" وعن أبي هريرة رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان كعثمان فقال : "سيروا هذا جمدان سبق المفرّدون" قالوا : ومن مفردون يا رسول الله؟ قال : "الذاكرون الله كثيراً والذاكرات" أي : كثيراً والمفردون نقله البعض بكسر الراء وتشديدها والبعض الآخر بتخفيفها وإنما لم يقولوا من المفردون لأن مقصودهم من النبي عليه السلام كان أن يبين لهم ما المراد من الأفراد والتفريد لا بيان من يقوم به الفعل فبينه عليه السلام بقوله : "الذاكرون الله كثيراً والذاكرات" يعني المراد من الأفراد هنا أن يجعل الرجل بأن لا يذكر معه غيره والمراد من كثرة ذكره أن لا ينساه على كل حال لا الذكر بكثرة اللغات.
قال ابن ملك : وفي ذكره عليه السلام هذا الكلام عقيب قوله : "هذا جمدان" لطيفة وهي أن جمدان كان منفرداً ولم يكن مثله فكذا هؤلاء السادات منفردون ثابتون على السعادات.
يقول الفقير : أشار عليه السلام بجمدان إلى جبل الوجود والسير فيه وقطع طريقه بتفريد التوحيد وهو تقطيع الموحد عن الأنفس كما أن تجريد التوحيد تقطيعه عن الآفاق جعلنا الله وإياكم من السائرين الطائرين لا من الواقفين الحائرين.
سالكاً بي كشش دوست بجايى نرسند
سالها كره درين راه تك ووى كنند
{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَـاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ وَالْقَـانِتِينَ وَالْقَـانِتَـاتِ وَالصَّـادِقِينَ وَالصَّـادِقَـاتِ وَالصَّـابِرِينَ وَالصَّـابِرَاتِ وَالْخَـاشِعِينَ وَالْخَـاشِعَـاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَـاتِ وَالصَّـائِمِينَ وَالصَّـائِمَـاتِ وَالْحَـافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَـافِظَـاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا * وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُه أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَه فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـالا مُّبِينًا} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/136)
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ} ـ روي ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطب زينب بنت جحش بن رباب الأسدي بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب لمولاه زيد بن حارثة وكانت زينب بيضاء جميلة وزيد أسود أفطس فأبت وقالت : أنا بنت عمتك يا رسول الله وأرفع قريش فلا أرضاه لنفسي وكذلك أبى أخوها عبد الله بن جحش فنزلت.
والمعنى ما صح وما استقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين فدخل فيه عبد الله وأخته زينب {إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُه أَمْرًا} مثل نكاح زينب أي : قضى رسول الله وحكم وذكر الله لتعظيم أمره والإشعار بأن قضاءه عليه السلام قضاء الله كما أن طاعة الله تعالى.
{أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} الخيرة بالكسر اسم من الاختيار أي : أن يختاروا {مِنْ أَمْرِهِمْ} ما شاؤوا بل يجب عليهم أن يجعلوا أراءهم واختيارهم تبعاً لرأيه عليه السلام واختياره وجمع الضميرين لعموم مؤمن ومؤمنة لوقوعهما في سياق النفي.
وقال بعضهم : الضمير الثاني للرسول أي : من أمره والجمع للتعظيم {وَمِنْ} (وهركه) {يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في أمر من الأمور ويعمل برأيه.
وفي "كشف الأسرار" ومن يعص الله فخالف الكتاب ورسوله فخالف السنة {فَقَدْ ضَلَّ} طريق الحق وعدل عن الصراط المستقيم {ضَلَـالا مُّبِينًا} أي : بين الانحراف عن سنن الصواب.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن العبد ينبغي أن لا يكون له اختيار بغير ما اختاره الله بل تكون خيرته فيما اختاره الله له ولا يعترض على أحكامه الأزلية عند ظهورها له بل له الاحتراز عن شرّ ما قضى الله قبل وقوعه فإذا وقع الأمر فلا يخلو إما أن يكون موافقاً للشرع أو يكون مخالفاً للشرع فإن يكن موافقاً للشرع فلا يخلو إما أن يكون موافقاً لطبعه أو مخالفاً لطبعه فإن يكن موافقاً لطبعه فهو نعمة من الله يجب عليه شكرها وإن يكن مخالفاً لطبعه فيستقبله بالصبر والتسليم والرضى وإن يكن مخالفاً للشرع يجب عليه التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله تعالى
177
من غير اعتراض على الله فيما قدّر وقضى وحكم به فإنه حكيم يفعل ما يشاء بحكمته ويحكم ما يريد بعزته انتهى.
يقول الفقير : هذه الآية أصل في باب التسليم وترك الاختيار والاعتراض فإن الخير فيما اختاره الله واختاره رسوله واختاره ورثته الكمل والرسول حق في مرتبة الفرق كما أن الوارث رسول للخلافة الكاملة فكل من الرسول والوارث لا ينطق عن الهوى لفنائه عن إرادته بل هو وحي يوحى وإلهام يلهم فيجب على المريد أن يستسلم لأمر الشيخ المرشد محبوباً أو مكروهاً ولا يتبع هوى نفسه ومقتضى طبيعته وقد قال تعالى : {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (البقرة : 216) فيمكن وجدان ماء الحياة في الظلمات {وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} (البقرة : 216) فقد يجعل في السكر السم ومن عرف أن فعل الحبيب حبيب وأن المبلي ليس لبلائه سواه طبيب لم يتحرك يميناً وشمالاً ورضى جمالاً وجلالاً ، قال الحافظ :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
عاشقانرا كردرآتش مى نشاند قهر دوست
تنك شمم كرنظر درشمه كوثر كنم
واعلم أن الفناء عن الإرادة أمر صعب وقد قيل المريد من لا إرادة له يعني لا إرادة له من جهة نفسه فله إرادة من جهة ربه فهو لا يريد إلا ما يريد الله ولصعوبة إفناء الإرادة في إرادة الله وإرادة رسوله وإرادة وارث رسوله بقي أكثر السلاك في حجاب الوجود وغابوا عن الشهود وحرموا من بركة المتابعة ونماء المشايعة.
قال بعض الكبار : القهر عذاب ومن أراد أن يزول عنه حكم هذا القهر فليصحب الحق تعالى بلا غرض ولا شوق بل ينظر في كل ما وقع في العالم وفي نفسه فيجعله كالمراد له فيلتذ به ويتلقاه بالقبول والبشر والرضى فلا يزال من هذه حالته مقيماً في النعيم الدائم لا يتصف بالقهر ولا بالذلة وصاحب هذا المقام يحصل له اللذة بكل واقع منه أو فيه أو من غيره أو في غيره نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من أهل التسليم وأرباب القلب السليم ويحفظنا من الوقوع في الاعتراض والعناد لما حكم وقضى وأراد.
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُه أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَه فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـالا مُّبِينًا * وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ} .
(7/137)
{وَإِذْ تَقُولُ} .
ـ روي ـ إنه لما نزلت الآية المتقدمة قالت زينب وأخوها عبد الله رضينا يا رسول الله أي : بنكاح زيد فأنكحها عليه السلام إياه وساق إليها مهرها عشرة دنانير وستين درهماً وخماراً وملحفة ودرعاً وإزاراً وخمسين مداً من طعام وثلاثين صاعاً من تمر وبقيت بالنكاح معه مدة فجاء النبي عليه السلام يوماً إلى بيت زيد لحاجة فأبصر زينب فأعجبه حسنها فوقع في قلبه محبتها بلا اختيار منه والعبد غير ملوم على مثله ما لم يقصد المأثم ونظرة المفاجأة التي هي النظرة الأولى مباحة فقال عليه السلام عند ذلك : "سبحان الله يا مقلب القلوب ثبت قلبي" وانصرف وذلك أن نفسه كانت تمتنع عنها قبل ذلك لا يريدها ولو أرادها لخطبها وسمعت زينب التسبيحة فذكرتها لزيد بعد مجيئه وكان غائباً ففطن ، يعني : (بدانست كه يزى دردل رسول افتاد وبآنكه درحكم ازلى زينب زن رسول باشد الله تعالى محبت زينب دردل رسول افكند ونفرت وكراهت دردل زيد) فأتى رسول الله تلك الساعة فقال : يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي فقال : "ما لك أرأيت منها شيئاً" قال : لا والله ما رأيت منها إلا خيراً ولكنها تتعظم عليّ لشرفها وتؤذيني بلسانها فمنعه عليه السلام من الفرقة وذلك قوله تعالى : {وَإِذْ تَقُولُ} أي : واذكر وقت قولك يا محمد {لِلَّذِى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} بالتوفيق للإسلام الذي هو أجل النعم وللخدمة والصحبة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "التأويلات النجمية" : بأن أوقعه في معرض هذه
178
الفتنة العظيمة والبلية الجسيمة وقواه على احتمالها وأعانه على التسليم والرضى فيما يجري الله عليه وفيما يحكم به عليه من مفارقة الزوجة وتسليمها إلى رسول الله وبأن ذكر اسمه في القرآن من بين الصحابة وأفرد به {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بحسن التربية والاعتقاق والتبني.
وفي "التأويلات" : بقبول زينب بعد أن أنعمت عليه بإيثارها عليه بقولك : أمسك الخ وهو زيد بن حارثة رضي الله عنه مولاه عليه السلام وهو أول من أسلم من الموالي وكان عليه السلام يحبه ويحب ابنه أسامة شهد بدراً والخندق والحديبية واستخلفه النبي عليه السلام على المدينة حين خرج إلى بني المصطلق وخرج أميراً في سبع سرايا وقتل يوم مؤتة بضم الميم وبالهمزة ساكنة موضع معروف عند الكرك وقد سبق في ترجمته عند قوله تعالى : {ادْعُوهُمْ لابَآاـاِهِمْ} في أوائل هذه السورة.
قال في "الإرشاد" : وإيراده بالعنوان المذكور لبيان منافاة حاله لما صدر منه عليه السلام على زيد لا ينافي استحياءه منه في بعض الأمور خصوصاً إذا قارن تعبير الناس ونحوه كما سيجيىء {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} (نكاه دار براى خود زن خودرا يعنى زينب) وإمساك الشيء التعلق به وحفظه {وَاتَّقِ اللَّهَ} في أمرها ولا تطلقها ضراراً ، يعني : (ازوى ضرر طلاقش مده) او تعللاً بتكبرها {وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} الموصول مفعول تخفي والإبداء الإظهار.
يعنيك (ونكاه داشتى يزى دردل كه الله آثرا يدا خواست كر) وهو علم بأن زيداً سيطلقها وسينكحها يعني إنك تعلم بما أعلمتك أنها ستكون زوجتك وأنت تخفي في نفسك هذا المعنى والله يريد أن ينجز لك وعده ويبدي أنها زوجتك بقوله : {زَوَّجْنَـاكَهَا} وكان من علامات أنها زوجته إلقاء محبتها في قلبه وذلك بتحبيب الله تعالى لا بمحبته بطبعه وذلك ممدوح جداً ومنه قوله عليه السلام : "حبب إليّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة" وإنه لم يقل أحببت ودواعي الأنبياء والأولياء من قبيل الاذن الإلهي إذ ليس للشيطان عليهم سبيل.
قال في "الأسئلة المقحمة" : قد أوحى إليه أن زيداً يطلقها وأنت تزوج بها فأخفى عن زيد سر ما أوحى إليه لأن ذلك السر يتعلق بالمشيئة والإرادة ولا يجب على الرسل الاخبار عن المشيئة والإرادة وإنما يجب عليهم الاخبار والإعلام عن الأوامر والنواهي لا عن المشيئة كما أنه كان يقول لأبي لهب آمن بالله وقد علم أن الله أراد أن لا يؤمن أبو لهب كما قال تعالى : {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} (المسد : 3) لأن ذلك الذي يتعلق بعذاب أبي لهب إنما هو من المشيئة والإرادة فلا يجب على النبي إظهاره ولا الإخبار عنه {وَتَخْشَى النَّاسَ} تخاف لومهم وتعبيرهم إياك به ، يعني : (مى ترسى از سرزنش مردم كه كويند زن سررا بخواست).
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/138)
وفي "التأويلات النجمية" : أي : تخشى عليهم أن يقعوا في الفتنة بأن يخطر ببالهم نوع إنكار أو اعتراض عليه أو شك في نبوته بأن النبي من تنزه عن مثل هذا الميل وتتبع الهوى فيخرجهم من الإيمان إلى الكفر فكانت تلك الخشية إشفاقاً منه عليهم ورحمة بهم أنهم لا يطيقون سماع هذه الحالة ولا يقدرون على تحملها {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن} وإن كان فيه ما يخشى.
قال الكاشفي : (مقرراست كه حضرت وسالت عليه السلام ترسكار ترين خلق بوده زيرا كه خوف وخشيت نتيجه علمست {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَـامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} (فاطر : 28) س بحكم "أنا أعلمكم بالله وأخشاكم" زهمه عالميان أخشى بود ودر حديث آمده "الخوف رفيقي") :
179
خوف وخشيت نتيجه علمست
هركرا علم بيش خشيت بيش
هركرا خوف شد رفيق رهش
باشد از حمله رهروان دريش
وفي "كشف الأسرار" : إنما عوتب عليه السلام على إخفاء ما أعلمه الله أنها ستكون زوجة له قالت عائشة رضي الله عنها : لو كتم النبي عليه السلام شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية إذ تقول الخ وما نزل على رسول الله آية هي أشد عليه من هذه الآية.
وفي "التأويلات" يشير إلى أن رعاية جانب الحق أحق من رعاية جانب الخلق لأنتعالى في إبداء هذا الأمر وإجراء هذا القضاء حكماً كثيرة فأقصى ما يكون في رعاية جانب الخلق أن لا يضل به بعض الضعفاء فلعل الحكمة في إجراء هذه الحكم فتنة لبعض الناس المستحقين الضلالة والإنكار ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة وهذا كما قال : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِى أَرَيْنَـاكَ إِلا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} (الإسراء : 60) فالواجب على النبيّ إذا عرض له أمران في أحدهما رعاية جانب الحق وفي الآخر رعاية جانب الخلق أن يختار رعاية جانب الحق على الخلق فإن للحق تعالى في إجراء حكم من أحكامه وأصفاء أمر من أوامره حكماً كثيرة كما قال تعالى في إجراء تزويج النبي عليه السلام بزينب قوله : {لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (الأحزاب : 37) {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا} أي : من زوجه وهي زينب {وَطَرًا} .
قال في "القاموس" : الوطر محركة الحاجة أو حاجة لك فيها همّ وعناية فإذا بلغتها فقد قضيت وطرك.
وفي "الوسيط" معنى قضاء الوطر في اللغة بلوغ منتهى ما في النفس من الشيء يقال قضى منها وطراً وإذا بلغ ما أراد من حاجة فيها ثم صار عبارة عن الطلاق لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة والمعنى فلما لم يبق لزيد فيها حاجة وتقاصرت عنها همته وطلقها وانقضت عدتها.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "التأويلات" أما وطر زيد منها في الصورة استيفاء حظه منها بالنكاح ومطره منها في المعنى شهرته بين الخلق إلى قيام الساعة بأن الله تعالى ذكره في القرآن باسمه دون جميع الصحابة وبأنه آثر النبي عليه السلام على نفسه بإيثار زينب.
وفي "الأسئلة المقحمة" : كيف طلق زيد زوجته بعد أن أمر الله ورسوله بإمساكه إياها والجواب ما هذا للوجوب واللزوم وإنما هو أمر للاستحباب.
{زَوَّجْنَـاكَهَا} هلال ذي القعدة سنة أربع من الهجرة على الصحيح وهي بنت خمس وثلاثين سنة والمراد الأمر بتزوجها أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد ويؤيده ما روى أنس رضي الله عنه أنها كانت تفخر على سائر أزواج النبي عليه السلام وتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات ، يعني : (سيد عالم از نزول آيت بخانه زينب آمد بى دستورى وزينب كفت يا رسول الله بى خطبه وبى كواه حضرت فرموده كه) "الله المزوج وجبريل الشاهد" وهو من خصائصه عليه السلام وأجاز الإمام محمد انعقاد النكاح بغير شهود خلافاً لهما قاس الإمام محمد ذلك بالبيع فإن النكاح بيع البضع والثمن المهر فكما أن نفس العقد في البيع لا يحتاج إلى الشهود فكذا في باب النكاح ونظر الإمامان إلى المآل فإنه إذا لم يكن عند الشهود بدون الإعلان فقد يحمل عى الزنى فالنبي عليه السلام شرط ذلك حفظاً عن الفسخ وصوناً للمؤمنين عن شبهة الزنى.
وروي أنها لما اعتدت قال رسول الله لزيد : "ما أجد أحداً أوثق من نفسي منك اخطب لي زينب".
قال زيد : فانطلقت فإذا هي تخمر عجينها فقلت : يا زينب أبشري فإن رسول الله
180
يخطبك ففرحت وقالت : ما أنا بصانعة شيئاً حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن زوجناكها فزوجها رسول الله ودخل بها وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار وجعل زيد سفيراً في خطبتها ابتلاء عظيم له وشاهد بين على قوة إيمانه ورسوخه فيه.
اعتقاد من وبيخ سرو دارد محكمى
بيش باشد ازهواى عشق وسودانه كمى
(7/139)
{لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} أي : ضيق ومشقة.
قال في "المفردات" : أصل الحرج مجتمع الشجر وتصور منه ضيق بينها فقيل للضيق حرج وللإثم حرج واللام في لكي هي لام كي دخلت على كي للتوكيد.
وقال بعضهم : اللام جارة لتعليل التزويج وكي حرف مصدري كأن {فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآاـاِهِمْ} في حق تزوج زوجات الذين دعوهم أبناء والأدعياء : جمع دعيّ وهو الذي يدعى ابناً من غير ولادة.
{إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} أي : إذا لم يبق لهم فيهن حاجة وطلقوهن وانقضت عدتهن فإن لهم في رسول الله إسوة حسنة.
وفيه دليل على أن حكمه عليه السلام وحكم الأمة سواء إلا ما خصه الدليل.
قال الحسن : كانت العرب تظن أن حرمة المتبني كحرمة الابن فبين الله أن حلائل الادعياء غير محرمة على المتبني وإن أصابوهن أي : وطئوهن بخلاف ابن الصلب فإن امرأته تحرم بنفس العقد {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ} أي : ما يريد تكوينه من الأمور {مَفْعُولا} مكوّناً لا محالة لا يمكن دفعه ولو كان نبياً كما كان تزويج زينب وكانت كالعارية عند زيد.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ولذا قال حضرة الشيخ افتاده افندي قدس سره : في اعتقادنا أن زينب بكر كعائشة رضي الله عنها لأن زيداً كان يعرف أنها حق النبي عليه السلام فلم يمسها وذلك مثل آسية وزليخا ولكن عرفان عائشة لا يوصف ويكفينا أن ميله عليه السلام إليها كان أكثر من غيرها ولم تلد أيضاً لأنها فوق جميع التعينات وكان عائشة رضي الله عنها تقول في حق زينب : هي التي كانت تساويني في المنزلة عند رسول الله ما رأيت امرأة قط خيراً في الدين وأتقىوأصدق في حديث وأوصل للرحم وأعظم صدقة من زينب (وازس درويش نواز ومهماندار وبخشنده بود اورا ام المساكين ميكفتند واول زنى كه بعد ازرسول خدا ازدنيا بيرون شد زينب بود) ماتت بالمدينة سنة عشرين وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودفنت بالبقيع ولها من العمر ثلاث وخمسون سنة وأبدل الله منها لزيد جارية في الجنة كما قال عليه السلام : "استقبلتني جارية لعساء وقد أعجبتني فقلت لها يا جارية أنت لمن؟ قالت : لزيد بن حارثة" قوله : استقبلتني أي : خرجت من الجنة واستقبلته عليه السلام بعد مجاوزة السماء السابعة ليلة المعراج.
واللعس لون الشفة إذا كانت تضرب إلى السواد قليلاً وذلك مستملح قاله في "الصحاح".
وأبدى السهيلي حكمة لذكر زيد باسمه في القرآن وهي أنه لما نزل قوله تعالى : {ادْعُوهُمْ لابَآاـاِهِمْ} وصار يقال له زيد بن حارثة ولا يقال له زيد بن محمد ونزع عنه هذا التشريف وعلم الله وحشته من ذلك شرفه بذكر اسمه في القرآن دون غيره من الصحابة فصار اسمه يتلى في المحاريب ، وزاد في الآية أن قال : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه أي : بالإيمان فدل على أنه من أهل الجنة علم بذلك قبل أن يموت وهذه فضيلة أخرى.
ثم إن هذا الإيثار الذي نقل عن زيد إنما يتحقق به
181
السالك القوي الاعتقاد الثابت في طريق الرشاد فانظر إلى حال الأصحاب يفتح الله لك الحجاب.
ـ روي ـ أنه عليه السلام آخى بعد الهجرة بين عبد الرحمن بن عوف من المهاجرين وبين سعد بن الربيع من الأنصار وعند ذلك قال سعد لعبد الرحمن : يا عبد الرحمن إني من أكثر الأنصار مالاً فأنا مقاسمك وعندي امرأتان فأنا مطلق إحداهما فإذا انقضت عدتها فتزوجها فقال له : بارك الله لك في أهلك ومالك كما في "إنسان العيون" ثم دار الزمان فصار كل أمر معكوساً فرحم الله امرأ نصب نفسه لرفع البدع والهوى وجانب جر الذيل إلى جانب الردى.
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَـاـاه فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَـاكَهَا لِكَىْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَآاـاِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا * مَّا كَانَ عَلَى النَّبِىِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَه سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَـالَـاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَه وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَا وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/140)
{مَّا كَانَ عَلَى النَّبِىِّ مِنْ حَرَجٍ} أي : ما صح وما استقام في الحكمة أن يكون عليه ضيق فمن زائدة بعد النفي وحرج اسم كان الناقصة {فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} أي : قسم الله له وقدر كتزوج زينب من قولهم فرض له في الديوان كذا ومنه فروض العساكر لأرزاقهم.
{سُنَّةَ اللَّهِ} اسم موضوع موضع المصدر مؤكد لما قبله من نفي الحجر أي : سن الله نفي الحرج سنة أي : جعله طريقة مسلوكة {فِى الَّذِينَ خَلَوْا} مضوا.
قال في "المفردات" : الخلو يستعمل في الزمان والمكان لكن لما تصور في الزمان المضي فسر أهل اللغة قولهم خلا الزمان بقولهم مضى وذهب انتهى.
يقول الفقير : الخلو في الحقيقة حال الزمان والمكان لأن المراد خلوهما عما فيهما بموت ما فيهما فافهم {مِن قَبْلُ} من الأنبياء حيث وسع عليهم في باب النكاح وغيره ولقد كان لداود عليه السلام مائة امرأة وثلاثمائة سرية ولابنه سليمان عليه السلام ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية فلك التوسعة في أمر النكاح مثل الأنبياء الماضين {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ} (وهست كار خدا) {قَدَرًا مَّقْدُورًا} قضاء مقضياً وحكماً مبتوتاً.
قال في "المفردات" : القدر إشارة إلى ما بين به القضاء والكتابة في اللوح المحفوظ وهو المشار إليه بقوله : "فرع ربك من الخلق" والخلق والأجل والرزق والمقدور إشارة إلى ما يحدث حالاً فحالاً وهو المشار إليه بقوله : {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} (الرحمن : 29) وفيه إشارة إلى أن الله تعالى إذا قضى أمر نبي أو ولي لم يجعل عليه في ذلك من حرج ولا سبب نقصان وإن كان في الظاهر سبب نقصان ما عند الخلق والذي يجري على الأنبياء والأولياء قضاء مبرم مبني على حكم كثيرة ليس فيه خطأ ولا غلظ ولا عبث.
ير ما كفت خطا برقلم صنع ترفت
آفرين برنظر اك خطا وشش باد
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَـالَـاتِ اللَّهِ} مجرور المحل على أنه صفة للذين خلوا.
ومعناه بالفارسية (آنانكه ميرسانيدند يغامهاى خدارا بامتان خود) والمراد ما يتعلق بالرسالة وهي سفارة العبد بين الله وبين ذوي الألباب من خلقه أي : إيصال الخبر من الله إلى العبد {وَيَخْشَوْنَهُ} في كل ما يأتون ويذرون لا سيما في أمر تبليغ الرسالة حيث لا يقطعون منها حرفاً ولا تأخذهم في ذلك لومة لائم {وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ} وفي وصفهم بقصرهم الخشية على الله تعريض بما صدر عنه عليه السلام من الاحتراز عن لائمة الخلق بعد التصريح في قوله : {وَتَخْشَى النَّاسَ} الآية.
قال بعض الكبار : خشية الأنبياء من العقاب وخشية الأولياء من الحجاب وخشية عموم الخلق من العذاب.
وفي "الأسئلة المقحمة" كيف قال ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله ومعلوم أنهم خافوا غير الله وقد خاف موسى عليه السلام حين قال له :
182
{لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاعْلَى} (طه : 68) وكذلك قال يعقوب عليه السلام : {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} (يوسف : 13) وكذلك خاف نبينا عليه السلام حين قيل له : {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة : 67) وكذلك أخبر الكتاب عن جماعة من الأنبياء أنهم خافوا أشياء غير الله والجواب أن معنى الآية لا يعتقدون أن شيئاً من المخلوقات يستقل بإضرارهم ويستبد بإيذائهم دون إرادة الله ومشيئته لما يعلمون أن الأمور كلها بقضاء الله وقدره فأراد بالخوف خوف العقيدة والعلم واليقين لا خوف البشرية الذي هو من الطباع الخلقية وخواص البشرية ونتائج الحيوانية {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} محاسباً لعباده على أعمالهم فينبغي أن يحاسب العبد نفسه قبل محاسبة الله إياه ولا يخاف غير الله لا في أمر النكاح ولا في غيره إذا علم أن رضى الله وحكمه فيه.
واعلم أن السواك والتعطر والنكاح ونحوها من سنن الأنبياء عليهم السلام وليس لنا عبادة شرعت من عهد آدم إلى الآن ثم تستمر تلك العبادة في الجنة إلا الإيمان والنكاح.
قال بعض الكبار : من كان أتقى كانت شهوته أشد وذلك أن حرارة الشهوة الحقيقية إنما هي بعد نار العشق التي بعد نور المحبة فانظر كم من فرق بين شهوة أهل الحجاب وشهوة أهل الشهود فعروق أهل الغفلة ممتلئة بالدم وعروق أهل اليقضة ممتلئة بالنور ولا شك أن قوّة النور فوق قوة الدم فنسأل الله الهدي لا الحركة بالهوى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ـ حكي ـ عن بعض الكبار أنه قال : كنت في مجلس بعض العارفين فتكلم إلى أن قال : لا مخلص لأحد من الهوى ولو كان فلاناً عني به النبي عليه السلام حيث قال : "حبب إليّ من دنياكم ثلاث : الطيب والنساء وقرة عيني في الصلاة" فقلت له : أما تستحي من الله تعالى فإنه عليه السلام ما قال أحببت بل قال حبب فكيف يلام العبد على ما كان من عند الله بلا اختيار منه قال ثم حصل لي غم وهمّ فرأيت النبي عليه السلام في المنام فقال : لا تغتم فقد كفينا أمره ثم سمعت أنه قتل في طريق ضيعة له.
قال بعض الكبار :
(7/141)
من أراد فهم المعاني الغامضة في الشريعة فليتعمل في تكثير النوافل في الفرائض وإن أمكنه أن يكثر من نوافل النكاح فهو أولى إذ هو أعظم نوافل الخيرات فائدة لما فيه من الازدواج والإنتاج فيجمع بين المعقول والمحسوس فلا يفوته شيء من العلم بالعالم الصادر عن الاسم الظاهر والباطن فيكون اشتغاله بمثل هذه النافلة أتم وأقرب لتحصيل ما يرونه فإنه إذا فعل ذلك أحبه الحق وإذا أحبه صار من أهل الله كأهل القرآن وإذا صار من أهل القرآن كان محلاً للقائه وعرشاً لاستوائه وسماء لنزوله وكرسياً لأمره ونهيه فيظهر له منه ما لم يره فيه مع كونه كان فيه وقال : كنت من أبغض خلق الله للنساء وللجماع في أول دخولي في الطريق وبقيت على نحو ثماني عشرة سنة حتى خفت على نفسي المقت لمخالفة ما حبب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فلما أفهمني الله معنى حبب علمت أن المراد أن لا يحبهن طبعاً وإنما يحبهن بتحبيب الله فزالت تلك الكراهة عني وأنا الآن من أعظم خلق الله شفقة على النساء لأني في ذلك على بصيرة لا عن حب طبيعي انتهى.
ـ وروي ـ أن جماعة أتوا منزل زكريا عليه السلام فإذا فتاة جميلة قد أشرق لها البيت حسناً قالوا : من أنت؟ قالت : أنا امرأة زكريا فقالوا لزكريا : كنا نرى نبي الله لا يريد الدنيا وقد اتخذت امرأة جميلة فقال : إنما تزوجت امرأة جميلة لأكف بها بصري وأحفظ بها فرجي فالمرأة الصالحة المعينة ليست من الدنيا في الحقيقة ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
183
زن خوب وفرمان بروارسا
كند مرد درويش را ادشا
كراخانه آبادوهمخوابه دوست
خدارابرحمت نظر سوى اوست
و مستور باشد زن خوبروى
بديدار او در بهشتست شوى
{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَـالَـاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَه وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَا وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا * مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ وَلَـاكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ} ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم.
والمختار أنه لا يشترط في الإسلام معرفة أب النبي عليه السلام واسم جده بل يكفي فيه معرفة اسمه الشريف كما في هداية المريدين للمولى أخي لبي يقال فلان محمود إذا حمد ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة كما في "المفردات".
قال الشيخ زكريا في "شرح المقدمة الجزرية" : هو البليغ في كونه محموداً وهو الذي حمدت عقائده وأفعاله وأقواله وأخلاقه سماه به جده عبد المطلب بإلهام من الله في سابع ولادته فقيل له : لِمَ سميت محمداً وليس من أسماء آبائك ولا قومك فقال : رجوت أن يحمد في السماء والأرض وقد حقق الله وجاءه وتفاؤله فكان عليه السلام بخصاله المحبوبة وشمائله المرغوبة محموداً عند الله وعند الملائكة المقربين وعند الأنبياء والمرسلين وعند أهل الأرض أجمعين وإن كفر به بعضهم فإن ما فيه من صفات الكمال محمود عند كل عاقل.
وله ألف اسم كما أنتعالى ألف اسم وجميع أسمائه مشتقة من صفات قامت به توجب له المدح والكمال فله من كل وصف اسم ألا ترى أنه الماحي لأن الله محابه الكفر أي : سورته التي كانت قبل بعثه.
والحاشر لأنه الذي يحشر الناس على قدمه أي : على أثره وبعده.
والعاقب وهو الآتي عقيب الأنبياء.
وأشار بالميم إلى أنه الختام لأن مخرجها ختام المخارج وكذا إلى بعثته عند الأربعين.
قال الإمام النيسابوري كان من الاسم الشريف أربعة أحرف ليوافق اسم الله تعالى كما أن محمد رسول الله اثنا عشر حرفاً مثل لا إله إلا الله وهو من أسرار المناسبة وكذا لفظ أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب لكمال مناسبتهم في أخلاقهم لتلك الحضرة المحمدية ولهذه المناسبة يلتقي نسبهم بنسبه.
فعليّ يلتقي نسبه في الأب الثاني.
وعثمان في الخامس.
وأبو بكر في السابع.
وعمر في التاسع.
ومحمد باعتبار البسط لا بحساب أبجد ثلاثمائة وثلاثة عشر مثل عدد المرسلين فإنك إذا أخذت في بسط الميمين والميم المدغم "م ى م ، حا ، دال يظهر لك العدد المذكور ، قال المولى الجامي :
محمدت ون بلا نهايه زحق
يافت شد نام او ازان مشتق
مى نمايد بشم عقل سليم
حرف حايش عيان ميان دوميم
ون رخ حوركز كناره او
كشته يدا دو كوشواره او
ياد وحلقه ز عنبرين مويش
آشكار از جانب رويش
دال آن كز همه فرودنشت
دل بنازش كرفته برسر دست
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي الحديث : "من ولد له مولود فسماه محمداً حباً لي وتبركاً باسمي كان هو ومولوده في الجنة" "ومن كان له ذو بطن فأجمع أن يسميه محمداً رزقه الله غلاماً".
ومن كان لا يعيش له ولد فجعلعليه أن يسمي الولد المرزوق محمداً عاش" ومن خصائصه البركة في الطعام الذي عليه مسمى باسم محمد وكذا المشاورة ونحوها وينبغي أن يعظم هذا الاسم وصاحبه.
(در مجمع اللطائف
184
(7/142)
آورده كه اياز خاص سرى داشت محمد نام واورا ملازم سلطان محمود ساخته بود روزى سلطان متوجّه طهارت خانه شده فرمودكه سر ايازرا بكوييد تا آب طهارت بيارد اياز اين سخن شنوده در تأمل افتادكه ايا سر من ه كناه كرده كه سلطان نام او برزبان نمى راند سلطان وضو ساته بيرون آمد ودر اياز نكريست اورا انديشه مند ديد رسيدكه سبب اثر ملال كه برجبين تومى بينم يست اياز از روى نياز بموقف عر ض رسانيدكه بنده زاده را بنام نخواند برترسيدم كه مبادا ترك ادبى از صادر شده باشد وموجب انحراف مزاج همايون كشته سلطان تبسمى فرمود وكفت اى اياز دل جمع داركه از وصورتى كه مكروه طبع من باشد صدور نيافته بلكه وضو نداشتم واو محمد نام داشت مراشرم آمد لفظ محمد برزبان من كذرد وقتى كه بى وضو باشم ه اين لفظ نشانه حضرت سيد انام است :
هزار بار بشويم دهن بمشك وكلاب
هنوز نام توبردن ادب نمى دانمخ)
وكان رجل في بني إسرائيل عصى الله مائة سنة ثم مات فأخذوه فألقوه في مزبلة فأوحى الله تعالى إلى موسى أن أخرجه وصل عليه قال : يا رب إن بني إسرائيل شهدوا أنه عصاك مائة سنة فأوحى الله إليه أنه هكذا إلا أنه كان كلما نشر التوراة ونظر إلى اسم محمد قبله ووضعه على عينيه فشكرت له ذلك وغفرت له وزوجته سبعين حوراء.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
قال أهل التفسير لما نكح النبي عليه السلام زينب بعد انقضاء عدتها استطال لسان المنافقين وقالوا : كيف نكح زوجة ابنه لنفسه وكان من حكم العرب أن من تبنى ولداً كان ولده من صلبه في التوريث وحرمة نكاح امرأته على الأب المتبني وأراد الله أن يغير هذا الحكم فأنزل {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ} {أَبَآ أَحَدٍ} (درهي كس){مِّن رِّجَالِكُمْ} (از مردان شما) على الحقيقة يعني بالنسب والولادة حتى يثبت بينه وبينه ما بين الوالد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها ولا ينتقض عمومه بكونه أباً للطاهر والقاسم وإبراهيم لأنهم لم يبلغوا الرجال لأن الرجل هو الذكر البالغ ، يعني : (ايشان بمبلغ رجال نرسيدند اورا في الحقيقة بسر صلبى نيست كه ميان وى وآن سر حرمت مصاهرت باشد) ولو بلغوا لكانوا رجاله لا رجالهم وكذا الحسن والحسين رضي الله عنهما لأنهما ابنا النبي عليه السلام بشهادة لفظه عليه السلام على أنهما أيضاً لم يكونا رجلين حينئذٍ بل طفلين أو المقصود ولده خاصة لا ولد ولده.
قال في "الأسئلة المقحمة" : كان الله عالماً في الأزل بأن لا يكون لذكور أولاد رسوله نسل ولا عقب وإنما يكون نسبه لإناث أولاده دون ذكرانهم فقال : {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ} فعلى هذا كان الخبر من قبيل معجزاته على صدقه فإن المخبر عنه قد حصل كما أخبر وقد صدق الخبر انتهى وأبناء النبي عليه السلام على الصحيح ثلاثة : القاسم وبه يكنى إذ هو أول أولاده عاش سنتين ومات قبل البعثة بمكة ، وعبد الله وهو الطيب الطاهر مات في الرضاع بعد البعثة ودفن بمكة وهما من خديجة رضي الله عنها ، وإبراهيم من مارية القبطية ولد في ذي الحجة في ثمان من الهجرة عق عنه عليه السلام بكبشين يوم سابع ولاده وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة على المساكين وأمر بشعره فدفن في الأرض ومات في الرضاع وهو ابن ثمانية عشرة شهراً ودفن بالبقيع وجلس عليه السلام على شفير
185
القبر ورش على قبره ماء وعلم على قبره بعلامة ولقنه وقال : "يا بني قل الله ربي ورسول الله أبي والإسلام ديني" ومن ههنا ذهب بعضهم إلى أن الأطفال يسألون في القبر وأن العقل يكمل لهم فيسن تلقينهم وذهب جمع إلى أنهم لا يسألون وإن السؤال خاص بالمكلف.
قال السيوطي : لم يثبت في التلقين حديث صحيح ولا حسن بل حديثه ضعيف بإتفاق جمهور المحدثين ولهذا ذهب جمهور الأمة إلا أن التلقين بدعة حسنة وآخر من أفتى بذلك عز الدين بن عبد السلام وإنما استحبه ابن الصلاح وتبعه النووي نظراً إلى أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال وحينئذٍ فقول الإمام السبكي حديث التلقين أي : تلقين النبي عليه السلام لابنه ليس له أصل أي : أصل صحيح أو حسن كذا في "إنسان العيون" وبقية الكلام في السؤال والتلقين سبق في سورة ابراهيم عليه السلام عند قوله تعالى : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا} (إبراهيم : 27) الآية {وَلَـاكِن رَّسُولَ اللَّهِ} الرسول والمرسل بمعنى واحد من أرسلت فلاناً في رسالة فهو مرسل ورسول.
قال القهستاني الرسول فعول مبالغة مفعل بضم الميم وفتح العين بمعنى ذي رسالة اسم من الإرسال وفعول هذا لم يأت إلا نادراً وعرفاً هو من بعث لتبليغ الأحكام ملكاً كان أو إنساناً بخلاف النبي فإنه مختص بالإنسان وهذا الفرق هو المعول عليه انتهى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/143)
والمعنى ولكن كان رسول الله وكل رسول الله أبو أمته لكن لا حقيقة بل بمعنى أنه شفيق ناصح لهم وسبب لحياتهم الأبدية واجب التوقير والطاعة له ولذا حرمت أزواجه عليه السلام على أمته حرمة أمهاتهم فإنه من باب التعظيم وما زيد بن حارثة إلا واحد من رجالكم الذين لا ولادة بينهم وبينه عليه السلام فحكمه حكمهم وليس للتبني والادعاء حكم سوى التقريب والاختصاص.
قال بعضهم : لم يسمه لنا أباً لأنه لو سماه أبا لكان يحرم نكاح أولاده كما حرمت على الأمة نساؤه لكونهن أمهاتها أو لأنه لو سماه أباً لكان يحرم عليه أن يتزوج من نساء أمته كما يحرم على الأب أن يتزوج بابنته وتزوج بنات أمته ليس بحرام.
قال في "كشف الأسرار" : (هر ند اسم درى ازوبيفكند اما از همه دران مشفق ومهر بانتربود قال عليه السلام : "أنا لكم مثل الوالد لولده" كفته اند شفقت او برامت از شفقت دران افزون بود اما اورا درامت نخوانند ازبهر آنكه درحكم ازلى رفته كه روز قيامت دران عرصه كبرى كه سرا رده قهارى بزنند وبساط عظمت بكسترانند وترازوى عدل بياويزند وزندان عذاب از حجاب بيرون آرند جانها بكلو رسد زبانها فصيح كردد وعذرها همه باطل شود نسبها بريده كردد دران همه از فرزندان بكريزند نانكه رب العزت كفت {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّه وَأَبِيهِ * وَصَـاحِبَتِه وَبَنِيهِ} (عبس : 34 ـ 36) آدم كه در همكنانست فرايش آيد بارخدايا آدم را بكذارد بافر زندان تودان كه ه كنى نوح هم آن كويد ابراهيم هم آن كويد وموسى وعيسى وديكر يغمبران هم آن كويند از سياست قيامت وفزع اوهمه بكريزند وبخود درماند ندوبافر زندان نبردازند وكويند "نفسي نفسي" خداوندا مارا برهان وباقر زندان هره خواهى كن ومصطفى عربي عليه السلام رحمت وشفقت بكشاده كه بارخشايا امت من مشتى ضعيفان وبياركانند طاقت عذاب وعقاب توندارندبرايشان ببخشاى ورحمت كن وبامحمد هره خواهى ميكن بحكم آنكه رازل رفته كه دران ازفرزندان
186
بكريزند آن روز اورا در نخوانند تا ازيشان نكريزد وازبهر ايشان شفاعت كند وديكر اورا در نخوانندكه اكر در بودى كواهى در مرسر قبول نكند در شرع واوصلوات الله عليه درقيامت بعدالت امت كواهى خواهدداد) وذلك قوله تعالى : {لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة : 143)
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ} قرى عاصم بفتح التاء وهو آلة الختم بعمنى ما يختم به كالطابع بمعنى ما يطبع به.
والمعنى وكان آخرهم الذي ختموا به ، وبالفارسية : (مهر يغمبران يعنى بدو مهر كرده شد درنبوت ويغمبرانرا بدو ختم كرده اند) وقرأ الباقون بكسر التاء أي : كان خاتمهم أي : فاعل الختم بالفارسية (مهر كننده يغمبرانست) وهو بالمعنى الأول أيضاً.
وفي "المفردات" : لأنه ختم النبوة أي : تممت بمجيئه وأياً ما كان فلو كان له ابن بالغ لكان نبياً ولم يكن هو عليه السلام خاتم النبيين كما يروى أنه في ابنه ابراهيم "لو عاش لكان نبياً" وذلك لأن أولاد الرسل كانوا يرثون النبوة قبله من آباهم وكان ذلك من امتنان الله عليهم فكانت علماء أمته ورثته عليه السلام من جهة الولاية وانقطع إرث النبوة بختميته ولا يقدح في كونه خاتم النبيين نزول عيسى بعده لأن معنى كونه خاتم النبيين أنه لا ينبأ أحد بعده كما قال لعلي رضي الله عنه : "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" وعيسى ممن تنبأ قبله وحين ينزل إنما ينزل على شريعة محمد عليه السلام مصلياً إلى قبلته كأنه بعض أمته فلا يكون إليه وحي ولا نصب أحكام بل يكون خليفة رسول الله.
فإن قلت : قد روى أنه عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويزيد في الحلال ويرفع الجزية عن الكفرة فلا يقبل إلا الإسلام.
قلت : هذه من أحكام الشريعة المحمدية لكن ظهورها موقت بزمان عيسى وبالجملة قوله : {وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ} يفيد زيادة الشفقة من جانبه والتعظيم من جهتهم لأن النبي الذي بعده نبي يجوز أن يترك شيئاً من النصيحة والبيان لأنها مستدركة من بعده وأما من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى بهم من كل الوجوه.
شمسه نه مسند وهفت اختران
ختم رسل خواجه يغمبران
(نظم)†
احمد مرسل كه نوشته قلم
حمد بنام وى وحم هم
و شده او مظهر الله هاد
درره ارشاد وجودش نهاد
جمله اسباب هدى از خدا
كرد بتقرير بديعش ادا
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/144)
{وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا} فيعلم من يليق بأن يختم به النبوة وكيف ينبغي لشأنه ولا يعلم أحد سواه ذلك.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : هي نص على أنه لا نبي بعده وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بطريق الأولى والأحرى لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإن كل رسول نبي ولا ينعكس وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله فمن رحمة الله بالعباد إرسال محمد إليهم ثم من تشريفه له ختم الأنبياء والمرسلين به وإكمال الدين الحنيف له وقد أخبر الله في كتابه ورسوله في السنة المتواترة عن أنه لا نبي بعده ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده كذاب أفاك دجال ضال مضل ولو تخرق وشعبذ وأتى بأنواع السحر والطلاسم
187
والنيرنجيات فكلها محال وضلال عند أولي الألباب كما أجرى سبحانه على يدي الأسود العنسي باليمن ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان لعنهما الله تعالى وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال يخلق الله معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب ما جاء بها انتهى.
ولما نزل قوله تعالى : {وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ} استغرب الكفار كون باب النبوة مسدوداً فضرب النبي عليه السلام لهذا مثلاً ليتقرر في نفوسهم وقال : "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة فجعل الناس يطوفون به ويتعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين".
قال في "بحر الكلام" : وصنف من الروافض قالوا : بأن الأرض لا تخلو عن النبي والنبوة صارت ميراثاً لعلي وأولاده ويفرض على المسلمين طاعة علي وعلى كل من لا يرى إطاعته يكفر.
وقال أهل السنة والجماعة : لا نبي بعد نبينا لقوله تعالى : {وَلَـاكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَ} وقوله عليه السلام : "لا نبي بعدي" ومن قال بعد نبينا نبي يكفر لأنه أنكر النص وكذلك لو شك فيه لأن الحجة تبين الحق من الباطل.
ومن ادعى النبوة بعد موت محمد لا يكون دعواه إلا باطلاً انتهى.
وتنبأ رجل في زمن أبي حنيفة وقال : امهلوني حتى أجيء بالعلامات فقال أبو حنيفة : من طلب منه علامة فقد كفر لقوله عليه السلام : "لا نبي بعدي" كذا في مناقب الإمام.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "الفتوحات المكية" : وإنما لم يعطف المصلي السلام الذي سلم به على نفسه بالواو على السلام الذي سلم به على نبيه أي : لم يقل والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين بعد قوله السلام عليك أيها النبي لأنه لو عطفه عليه وقال والسلام علينا على نفسه من جهة النبوة وهو باب قد سده الله كما سد باب الرسالة عن كل مخلوق بمحمد إلى يوم القيامة وتعين بهذا أنه لا مناسبة بيننا وبين رسول الله فإنه في المرتبة التي لا ينبغي لنا فابتدأنا بالسلام علينا في طورنا من غير عطف والمقام المحمدي ممنوع دخوله لنا وغاية معرفتنا بالنظر إليه كما تنظر الكواكب في السماء وكما ينظر أهل الجنة السفلى إلى من هو في عليين.
وقد وقع للشيخ أبي يزيد البسطامي في مقام النبي قدر خرم إبرة تجلياً لا دخولاً فاحترق.
وفي "الفصوص" وشرحه للجامي لا نبي بعده مشرعاً أو مشرعاً له والأول هو الآتي بالأحكام الشرعية من غير متابعة لنبي آخر قبله كموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام والثاني هو المتبع لما شرعه له النبي المقدم كأنبياء بني إسرائيل إذ كلهم كانوا داعين إلى شريعة موسى فالنبوة والرسالة منقطعتان عن هذا الموطن بانقطاع الرسول الخاتم فلم يبق إلا النبوة اللغوية التي هي الأنباء عن الحق وأسمائه وصفاته وأسرار الملكوت والجبروت وعجائب الغيب ويقال لها الولاية وهي الجهة التي تلي الحق كما أن النبوة هي الجهة التي تلي الحق فالولاية باقية دائمة إلى قيام الساعة.
يقول الفقير : كان له عليه السلام نوران : نور النبوة ، ونور الولاية ، فلما انتقل من هذا الموطن بقي نور النبوة في الشريعة المطهرة وهي باقية فكأن صاحب الشريعة حي بيننا لم يمت وانتقل نور الولاية إلى باطن قطب الأقطاب يعني ظهر فيه ظهوراً تاماً فكان له مرآة وهو واحد في كل عصر ويقال له قطب الوجود وهو مظهر التجلي
188
الحقي.
وأما قطب "الإرشاد" فكثير وهم مظاهر التجلي العيني.
قال في "هدية المهديين" : أما الإيمان بسيدنا محمد عليه السلام فإنه يجب بأنه رسولنا في الحال وخاتم الأنبياء والرسل فإذا آمن بأنه رسول ولم يؤمن بأنه خاتم الرسل لا نسخ لدينه إلى يوم القيامة لا يكون مؤمناً.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/145)
وقال في "الأشباه" في كتاب السر : إذا لم يعرف أن محمداً عليه السلام آخر الأنبياء فليس بمسلم لأنه من الضروريات.
وفي الآية إشارة إلى قطع نسبه عن الخلق لأنه نفي الأبوة لرجال الناس وإلى إثبات نسبه لأولاده وآله ففي قوله : {مِّن رِّجَالِكُمْ} تشريف لهم وإنهم ليسوا كرجالهم بل هم المخصوصون بزيادة الأنعام لا ينقطع حسبهم ونسبه كما قال عليه السلام : "كل حسب ونسب ينقطع إلا حسبي ونسبي" أي : فإنه يختم باب التناسل برجل من أهل البيت من صلب المهدي خاتم الخلافة العامة وخاتم الولاية الخاصة ولا يلزم من ذلك أن يكون منهم أنبياء ولو جاء بعده نبي لجاء علي رضي الله عنه لأنه كان منه عليه السلام بمنزلة هارون من موسى فإذا لم يكن هو نبياً لم يكن الحسنان أيضاً نبيين لأنهما لم يكونا أفضل من أبيهما.
قال بعض الكبار : الحسب في الحقيقة الفقر والنسب التقوى فمن أراد أن يرتبط برسول الله وأن يكون من آله المقبولين فليرتبط بهذين ، (درعيون الاجوبه آورده كه صحت هر كتابى بمهراوست حق تعالى يغمبررا مهر كفت تا دانند كه تصحيح دعوت محبت الهي جز بمتابعت حضرت رسالتناهى نتوان كرد {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى} (آل عمران : 31) وشرف بزركوارى كتاب بمهر اوست شرف جمله أنبياء نيز بدان حضر تست وشاهد هر كتاب مهر اوست س شاهد همه در محكمه قيامت او خواهد بود {وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَـاؤُلاءِ} (النحل : 89) وون كتاب را مهر كردند كتاب درجهان باقى شد ون نبوت بدان حضرت سمت اختتام يافت درنبوت بسته كشت وديكر ون ازهمه انبيا بمهر مخصوص بختميت ايشان نيز اختصاص يافت) ، وفي "المثنوي" :
بهر اين خاتم شده است اوكه بجود
مثل او نى بود ونى خواهند بود
ونكه درصنعت بود استاد دست
نى تو كويى ختم صنعت برتو است
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
قال في "حل الرموز" : الختم إذا كان على الكتاب لا يقدر أحد على فكه كذلك لا يقدر أحد أن يحيط بحقيقة علوم القرآن دون الخاتم وما دام خاتم الملك على الخزانة لا يجسر أحد على فتحها ولا شك أن القرآن خزانة جميع الكتب الإلهية المنزلة من عند الله ومجمع جواهر العلوم الإلهية والحقائق اللدنية فلذلك خص به خاتم النبيين محمد عليه السلام ولهذا السر كان خاتم النبوة على ظهره بين كتفيه لأن خزانة الملك تختم من خارج الباب لعصمة الباطن وما في داخل الخزانة.
وفي الخبر القدسي : "كنت كنزاً مخفياً" فلا بد للكنز من المفتاح والخاتم فسمي عليه السلام بالخاتم لأنه خاتمه على خزانة كنز الوجود وسمي بالفاتح لأنه مفتاح الكنز الأزلي به فتح وبه ختم ولا يعرف ما في الكنز إلا بالخاتم الذي هو المفتاح قال تعالى : "فأحببت أن أعرف" فحصل العرفان بالفيض الحبي على لسان الحبيب ولذلك سمي الخاتم حبيب الله لأن أثر الختم على كنز الملك صورة الحب لما في الكنز (كفته اند معنى خاتم النبيين آنست كه رب العزة نبوة همه انبيا جمع كرد ودل مصطفى عليه السلام را معدن آن كرد ومهرنبوت
189
(7/146)
بران نهاد تا هي دشمن بموضع نبوت راه نيافت نه هواى نفس نه وسوسه شيطان ونه خطرات مذمومه وديكر يغمبرانرا اين مهر نبوت نبود لا جرم از خطرات وهواجس امين نبودند س رب العالمين كمال شرف مصطفارا آن مهركه در دل وى نهاد نكذاشت تا درميان دو كتف وى آشكارا كرد تاهركسى كه نكرستى آنرا ديدى همو خانه كبوترى).
وفي صفاته عليه السلام : بين كتفيه خاتم النبوة ووجه كونه بين كتفيه يعرف مما نقله الإمام الدميري في "حياة الحيوان" أن بعض الأولياء سأل الله تعالى أن يريه كيف يأتي الشيطان ويوسوس فأراه الحق تعالى هيكل الإنسان في صورة بللور وبين كتفيه شامة سوداء كالعش والوكر فجاء الخناس يتجسس من جميع جوانبه وهو في صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء من بين الكتفين فأدخل خرطومه قبل قلبه فوسوس إليه فذكر الله فخنس وراءه ولذلك سمي بالخناس لأنه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر في القلب وكان خاتمه مثل زرّ الحجلة وهو طائر على قدر الحمامة أحمر المنقار والرجلين ويسمى دجاج البر.
قال الترمذي وزرّها بيضها.
قال الدميري والصواب حجلة السرير واحدة الحجال وزرّها الذي يدخل في عروتها وكان حول ذلك الخاتم شعرات مائلة إلى الخضرة مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله أو محمد نبي أمين أو غير ذلك كما قال في "السبعيات" : كان خاتم النبوة "بتخيخ هيصور توجه حيث شئت فإنك منصور" والتوفيق بين الروايات بتعدد الخطوط وتنوعها بحسب الحالات والتجليات أو بالنسبة إلى أنظار الناظرين ولكون ما بين الكتفين مدخل الشيطان كان عليه السلام يحتجم بين كتفيه ويأمر بذلك ووصاه جبريل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لأنه يجري وسوسته مجرى الدم وعصم عليه السلام من وسوسته لقوله : "أعانني الله عليه فأسلم" أي : بالختم الإلهيّ وما أسلم قرين آدم فوسوس إليه لذلك.
وفي "سفر السعادة" : أن النبي عليه السلام لما سحره اليهوديّ ووصل المرض إلى الذات المقدسة النبوية أمر بالحجامة على قبة رأسه المباركة واستعمال الحجامة في كل متضرر في السحر غاية الحكمة ونهاية حسن المعالجة ومن لا حظ له في الدين والإيمان يشكل هذا العلاج وفي الحديث : "الحجامة في الرأس شفاء من سبع" من الجنون ، والصداع ، والجذام ، والبرص ، والنعاس ، ووجع الضرس ، وظلمة يجدها في عينيه" والحجامة في وسط الرأس وكذا بين الكتفين نافعة.
وتكره في نقرة القفاء فإنها تورث النسيان.
قال بعضهم : الحجامة في البلاد الحارة أنفع من الفصد وروي أنه عليه السلام ما شكا إليه رجل وجعاً في رأسه إلا قال : "احتجم" ولا وجعاً في رجليه إلا قال : "أخضبه" وخير أيام الحجامة يوم الأحد والإثنين.
وجاء في بعض الروايات النهي عن يوم الأحد واختار بعضهم يوم الثلاثاء وكرهه بعضهم وتكره يوم السبت والأربعاء إلا أن يكون قد غلب عليه الدم وخير أزمانها الربيع بعد نصف الشهر في السابع عشر والتاسع عشر والحادي والعشرين فالأولى أن تكون في الربع الثالث من الشهر لأنه وقت هيجان الدم وتكره في المحاق وهو ثلاثة أيام من آخر الشهر ولا يستحب أن يحتجم في أيام الصيف في شدة الحر ولا في شدة البرد في أيام الشتاء وخير أوقاتها من لدن طلوع الشمس إلى وقت الضحى وتستحب الحجامة على الريق فإنها شفاء
190
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وبركة وزيادة في العقل والحفظ وعلى الشبع داء إلا إذا كان به ضرر فليذق أولاً شيئاً قليلاً ثم ليحتجم وإذا أراد الحجامة يستحب أن لا يقرب النساء قبل ذلك بيوم وليلة وبعده مثل ذلك ولا يدخل في يومه الحمام وإذا احتجم أو افتصد لا ينبغي أن يأكل على أثره مالحاً فإنه يخاف منه القروح أو الجرب ولا يأكل رأساً ولا لبناً ولا شيئاً مما يتخذ من اللبن ويستحب على أثره الخل ليسكن ما به ثم يحسو شيئاً من المرقة ويتناول شيئاً من الحلاوة إن قدر عليه كما في "بستان العارفين" والله الشافي وهو الكافي.
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ وَلَـاكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّـانَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا * يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} .
(7/147)
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ} بما هو أهله من التهليل والتحميد والتكبير ونحوها.
والذكر إحضار الشيء في القلب أو في القول وهو ذكر عن نسيان وهو حال العامة أو إذامة الحضور والحفظ وهو حال الخاصة إذ ليس لهم نسيان أصلاً وهم عند مذكورهم مطلقاً {ذِكْرًا كَثِيرًا} في جميع الأوقات ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاء وفي عموم الأمكنة براً وبحراً سهلاً وجبلاً وفي كل الأحوال حضراً وسفراً صحة وسقماً سراً وعلانية قياماً وقعوداً وعلى الجنوب وفي الطاعة بالإخلاص وسؤال القبول والتوفيق وفي المعصية بالامتناع منها وبالتوبة والاستغفار وفي النعمة بالشكر وفي الشدة بالصبر فإنه ليس للذكر حد معلوم كسائر الفرائض ولا لتركه عذر مقبول إلا أن يكون المرء مغلوباً على عقله.
وأحوال الذاكرين متفاوتة بتفاوت أذكارهم.
فذكر بعضهم بمجرد اللسان بدون فكر مذكوره ومطالعه آثاره بعقله وبدون حضور مذكوره ومكاشفة أطواره بقلبه وبدون أنس مذكوره ومشاهدة أنواره بروحه وبدون فنائه في مذكوره ومعاينة أسراره بسره.
وهذا مردود مطلقاً.
وذكر بعضهم باللسان والعقل فقد يذكر بلسانه ويتفكر مذكوره ويطالع آثاره بعقله لكن ليس له الحضور والإنس والفناء المذكور وهو ذكر الأبرار مقبول بالنسبة إلى الأول.
وذكر بعضهم باللسان والعقل والقلب فقط بدون الإنس والفناء المذكور وهو ذكر أهل البداية من المقربين مقبول بالنسبة إلى ذكر الأبرار وما تحته.
وذكر بعضهم باللسان والعقل والقلب والروح والسر جميعاً وهو ذكر أرباب النهاية من المقربين من الأنبياء والمرسلين والأولياء الأكملين وهو مقبول مطلقاً وللإرشاد إلى هذه الترقيات قال عليه السلام : "إن هذه القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد" قيل : يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال : "تلاوة كتاب الله وكثرة ذكره" فبكثرة الذكر يترقى السالك من مرتبة اللسان إلى ما فوقها من المراتب العالية ويصقل مرآة القلب من ظلماتها وأكدارها.
ثم إن ذكر الله وإن كان يشتمل الصلاة والتلاوة والدراسة ونحوها إلا أن أفضل الأذكار لا إله إلا الله فالاشتغال به منفرداً مع الجماعة محافظاً على الآداب الظاهرة والباطنة ليس كالاشتغال بغيره.
(سلمى كويد مراد از ذكر كثير ذكر دلست ه دوام ذكر بزبان ممكن نيست).
وقال بعضهم : الأمر بالذكر الكثير إشارة إلى محبة الله تعالى يعني أحبوا الله لأن النبي عليه السلام قال : من أحب شيئاً أكثر من ذكره (نشان دوستى آنست كه نكذاردكه زبان از ذكر دوست يا دل ازفكر او خالى ماند) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
درهي مكان نيم زفكرت خالى
درهي زمان نيم زذكرت عافل
فأوجب الله محبته بالإشارة في الذكر الكثير وإنما أوجبها بالإشارة دون العبارة الصريحة
191
لأن أهل المحبة هم الأحرار عن رق الكونين والحر تكفيه الإشارة وإنما لم يصرح بوجوب المحبة لأنها مخصوصة بقوم دون سائر الخلق كما قال : {فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (المائدة : 54) فعلى هذا بقوله : {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ} (البقرة : 152) يشير إلى أحبوني أحببكم :
بدرياى محبت آشنا باش
صدف سان معدن در صفاباش
(7/148)
{وَسَبِّحُوهُ} ونزهوه تعالى عما لا يليق به.
قال في "المفردات" : السبح المر السريع في الماء أو في الهواء والتسبيح تنزيه الله وأصله المر السريع في عبادة الله وجعل عاماً في العبادات قولاً كان أو فعلاً أو نية {بُكْرَةً وَأَصِيلا} أي : أول النهار وآخره وقد يذكر الطرفان ويفهم منهما الوسط فيكون المراد سبحوه في جميع الأوقات خصوصاً في الوقتين المذكورين المفضلين على سائر الأوقات لكونهما مشهودين على ما دل عليه قوله عليه السلام : "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" وإفراد التسبيح من بين الأذكار لكونه العمدة فيها من حيث أنه من باب التحلية وفي الحديث : "أربع لا يمسك عنهن جنب سبحان الله والحمدولا إله إلا الله والله أكبر" فإذا قالها الجنب فالمحدث أولى فلا منع من التسبيح على جميع الأحوال إلا أن الذكر على الوضوء والطهارة من آداب الرجال.
وفي "كشف الأسرار" : (وسبحوه أي : صلوا به بكرة يعني صلاة الصبح وأصيلا يعني صلاة العصر) أين تفسير موافق آن خبرست كه مصطفى عليه السلام كفت "من استطاع منكم أن لا يغلب على صلاة قبل طلوع الشمس ولا غروبها فليفعل" ميكويد هركه تواند ازشماكه مغلوب كارهاً وشغل دنيوي نكردد برنماز بامداديش از برآمدن آفتاب ونماز ديكر يش ازفروشدن آفتاب بانين كند اين هردو نماز بذكر مخصوص كردد ازبهر آنكه بسيار افتد مردم را اين دو وقت تقصير كردن درنماز وغافل بودن ازان اما نماز بامداد بسبب خواب ونماز ديكر بسبب امور دنيا ونيز شرف اين دونماز درميان نمازها يداست نماز بامداد شهود فرشتكانست لقوله تعالى : {إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (الإسراء : 78) يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار (ونماز ديكر نماز وسطى است كه رب العزة كفت) {حَـافِظُوا عَلَى} وفي الحديث "ما عجت الأرض إلى ربها من شيء كعجيجها من دم حرام أو غسل من زنى أو نوم عليها قبل طلوع الشمس" والله تعالى يقسم الأرزاق وينزل البركات ويستجيب الدعوات فيما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس فلا بد من ترك الغفلة في تلك الساعة الشريفة وفي الحديث : "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" ومن هنا لم يزل الصوفية المتأدبون يجتمعون على الذكر بعد صلاة الصبح إلى وقت صلاة الإشراق فللذكر في هذا الوقت أثر عظيم في النفوس وهو أولى من القراءة كما دل عليه قوله عليه السلام : "ثم قعد يذكر الله" على ما في "شرح المصابيح" ويؤيده ما ذكر في "القنية" من أن الصلاة على النبي عليه السلام والدعاء والتسبيح أفضل من قراءة القرآن في الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وذكر في "المحيط" أنه يكره الكلام بعد انشقاق الفجر إلى صلاته وقيل بعد صلاة الفجر أيضاً إلى طلوع الشمس وقيل إلى ارتفاعها وهو كمال العزيمة.
قال بعض الكبار : إذا قارب
192
طلوع الشمس يبتدىء بقراءة المسبعات وهي من تعليم الخضر عليه السلام علمها ابراهيم التيمي وذكر أنه تعلمها من رسول الله صلى الله عليه وسلّم وينال بالمداومة عليها جميع المتفرق في الأذكار والدعوات وهي عشرة أشياء : سبعة سبعة الفاتحة والمعوذتان وقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون وآية الكرسي وسبحان الله والحمدولا إله إلا الله والله أكبر والصلاة على النبي عليه السلام وآله بأن يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم والاستغفار بأن يقول اللهم اغفر لي ولوالديّ ولجميع المؤمنين والمؤمنات وقوله سبعاً اللهم افعل بنا وبهم عاجلاً وآجلاً في الدين والدنيا والآخرة ما أنت له أهل ولا تفعل بنا وبهم يا مولانا ما نحن له أهل إنك غفور حليم جواد كريم رؤوف رحيم.
روي أن إبراهيم التيمي لما قرأ هذه بعد أن تعلمها من الخضر رأى في المنام أنه دخل الجنة ورأى الملائكة والأنبياء وأكل من طعام الجنة ومكث أربعة أشهر لم يطعم لكونه أكل من طعام الجنة ويلازم الذاكر موضعه الذي صلى فيه مستقبل القبلة إلا أن يرى انتقاله إلى زاوية فإنه أسلم لدينه كيلا يحتاج إلى حديث أو نحوه مما يكره في ذلك الوقت فإن حديث الدنيا ونحوه يبطل ثواب العمل وشرف الوقت فلا بد من محافظة اللسان عن غير ذكر الله ومحافظة القلب عن غير فكره فإن اللسان والقلب إذا لم يتوافقاً كان مجرد ولولة الواقف على الباب وصوت الحارص على السطح ، وفي "المثنوي" :
ذكر آرد فكررا دراهتزاز
ذكررا خورشيد اين افسرده ساز
اصل خود جذبه است ليك اى خواجه تاش
كار كن موقوف آن جذبه مباش
زانكه ترك كار ون نازى بود
نازكى درخورو جانبازى بود
نى قبول انديش ونى رد اي غلام
امرراو نهى را مى بين مدام
مرغ جذبه ناكهان رد زعش
ون بديدى صبح شمع آنكه بكش
شمها ون شد كذاره نوراوست
مغزها مى بيند اودر عين وست
بيند اندر ذره خورشيد بقا
بيند اندر قطره كل بحررا
نسأل الله الحركات التي تورث البركات إنه قاضي الحاجات.
(7/149)
{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا * هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلَائكَتُه لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِا وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{هُوَ الَّذِى} (اوست آن خداونديكه) {يُصَلِّى عَلَيْكُمْ} يعتني بكم بالرحمة والمغفرة والتزكية (والاعتناء : عنايت ورعايت داشتن) {وَمَلَائكَتُهُ} عطف على المستكن في يصلي لمكان الفصل المغني عن التأكيد بالمنفصل أي : ويعتني ملائكته بالدعاء والاستغفار فالمراد بالصلاة المعني المجازي الشامل للرحمة والاستغفار وهو الاعتناء بما فيه خيرهم وصلاح أمرهم.
وعن السدي قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام : أيصلي ربنا فكبر هذا الكلام عليه فأوحى الله إليه أن قل لهم إني أصلي وإن صلاتي رحمتي التي تطفىء غضبي وقيل له عليه السلام ليلة المعراج : "قف يا محمد فإن ربك يصلي" فقال عليه السلام : إن ربي لغني عن أن يصلي فقال تعالى : "أنا الغني عن أن أصلي لأحد وإنما أقول سبحاني سبحاني سبقت رحمتي غضبي اقرأ يا محمد هو الذي يصلي عليكم وملائكته الآية فصلاتي رحمة لك ولأمتك" فكانت هذه الآية إلى قوله : رحيماً مما نزلت بقاب قوسين بلا وساطة جبريل عليه السلام.
وفي رواية لما وصلت إلى السماء السابعة قال لي جبريل : رويداً أي : قف
193
قليلاً فإن ربك يصلي قلت : أهو يصلي؟ قال : نعم قلت : وما يقول؟ قال : "سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتي غضبي".
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنكم إن تذكروني بذكر محدث فإني قد صليت عليكم بصلاة قديمة لا أول لها ولا آخر وإنكم لولا صلاتي عليكم لما وفقتم لذكري كما أن محبتي لو لم تكن سابقة على محبتكم لما هديتم إلى محبتي وأما صلاة الملائكة فإنما هي دعاء لكم على أنهم وجدوا رتبة الموافقة مع الله في الصلاة عليكم ببركتكم ولولا استحقاقكم لصلاة الله عليكم لما وجدوا هذه الرتبة الشريفة.
وفي "عرائس البقلى" صلوات الله اختياره للعبد في الأزل بمعرفته ومحبته فإذا خص وجعل زلاته مغفورة وجعل خواص ملائكته مستغفرين له لئلا يحتاج إلى الاستغفار بنفسه لاشتغاله بالله وبمحبته.
قال أبو بكر بن طاهر : صلوات الله على عبده أن يزينه بأنوار الإيمان ويحليه بحلية التوفيق ويتوجه بتاج الصدق ويسقط عن نفسه الأهواء المضلة والإرادات الباطلة ويجعل له الرضى بالمقدور ، قال الحافظ :
رضا بداده بده وزجبين كره بكشاى
كه برمن وتو در اختيار نكشا دست
{لِيُخْرِجَكُم} الله تعالى بتلك الصلاة والعناية وإنما لم يقل ليخرجاكم لئلا يكون للملائكة منة عليهم بالإخراج ولأنهم لا يقدرون على ذلك لأن الله هو الهادي في الحقيقة لا غير {مِنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ} الظلمة عدم النور ويعبر بها عن الجهل والشرك والفسق ونحوها كما يعبر بالنور عن أضدادها أي : من ظلمات الجهل والشرك والمعصية والشك والضلالة والبشرية وصفاتها والخلقية الروحانية إلى نور العلم والتوحيد والطاعة واليقين والهدي والروحانية وصفاتها والربوبية بجذبات تجلي ذاته وصفاته.
والمعنى برحمة الله وبسبب دعاء الملائكة فزتم بالمقصود ونلتم الشهود ونورتم بنور الشريعة وتحققتم بسر الحقيقة.
وقال الكاشفي : (مراد از اخراج ادامت واستقامت است بر خروج ه دروقت صلاة خدا وملائكه بر ايشان در ظلمات نبوده اند) {وَكَانَ} في الأزل قبل إيجاد الملائكة المقربين {بِالْمُؤْمِنِينَ} بكافتهم قبل وجوداتهم العينية {رَّحِيمًا} ولذلك فعل بهم ما فعل من الاعتناء بصلاحهم بالذات وبواسطة الملائكة فلا تتغير رحمته يتغير أحوال من سعد في الأزل.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
كرد عصيان رحمت حق را نمى آردبشور
مشروب دريا نكردد تيره ازسيلابها
ولما بين عنايته في الأولى وهي هدايته إلى الطاعة ونحوها بين عنايته في الآخرة فقال :
{تَحِيَّتُهُمْ} من إضافة المصدر إلى المفعول أي : ما يحيون به.
والتحية الدعاء بالتعمير بأن يقال : حياك الله أي : جعل لك حياة ثم جعل كل دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة أو سبب حياة إما لدنيا وإما لآخرة {يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} يوم لقائه تعالى عند الموت أو عند البعث من القبور أو عند دخول الجنة {سَلَـامٌ} تسليم عليهم من الله تعظيماً لهم :
خوشست ازتوسلامى بما در آخر عمر
ونامه رفت باتمام والسلام خوشست
أومن الملائكة بشارة لهم بالجنة أو تكرمة لهم كما في قوله تعالى : {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَـامٌ عَلَيْكُم} (الرعد : 23 ـ 24) أو إخبار بالسلامة من كل مكروه وآفة وشدة.
وعن أنس رضي الله عنه
194(7/150)
عن النبي عليه السلام : "إذا جاء ملك الموت إلى وليّ الله سلم عليه وسلامه عليه أن يقول : السلام عليك يا ولي الله قم فاخرج من دارك التي خربتها إلى دارك التي عمرتها فإذا لم يكن ولياًقال له : قم فأخرج من دارك التي عمرتها إلى دارك التي خربتها".
يقول الفقير : عمارة الدنيا بزرع الحبوب وتكثير القوت وكري الأنهار وغرس الأشجار ورفع أبنية الدور وتزيين القصور وعمارة الآخرة بالاذكار والأعمال والأخلاق والأحوال كما قال المولى الجامي :
يادكن آنكه درشب اسرى
يا حبيب خدا خليل خدا
كفت كوى ازمن اى رسول كرام
امت خويش را ز بعد سلام
كه بود اك وخوش زمين بهشت
ليك آنجا كسى درخت نكشت
خاك اواك وطيب افتاده
ليك هست از درختها ساده
غرس اشجار آن بسعى جميل
بسمله حمد له است س تهليل
هست تكبير نيزاز ان اشجار
خوش كسى كش جزاين نباشد كار
باغ جنات تحتها الانهار
سبز وخرم شود ازان اشجار
وفي الآية إشارة إلى أن التحية إذا قرنت بالرؤية واللقاء إذا قرن بالتحية لا يكونان إلا بمعنى رؤية البصر والتحية خطاب يفاتح به الملوك فبهذا أخبر عن علو شأنهم ورفعة درجتهم وأنهم قد سلموا من آفات القطيعة بدوام الوصلة.
قال ابن عطاء : أعظم عطية المؤمنين في الجنة سلام الله عليهم من غير واسطة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
سلامت من دلخسته درسلام توباشد
زهى سعادت اكردولت سلام تويابم
{وَأَعَدَّ لَهُمْ} (وآماده كردخداى تعالى براى مؤمنان باوجود تحيت برايشان) {أَجْرًا كَرِيمًا} ثواباً حسناً دائماً وهو نعيم الجنة وهو بيان لآثار رحمته الفائضة عليهم بعد دخول الجنة عقيب بيان آثار رحمته الواصلة إليهم قبل ذلك وإيثار الجملة الفعلية دون وأجرهم أجر كريم ونحوه لمراعاة الفواصل.
وفيه إشارة إلى سبق العناية الأزلية في حقهم لأن في الإعداد تعريفاً بالإحسان السابق والأجر الكريم ما يكون سابقاً على العمل بل يكون العمل من نتائج الكرم :
قرب تو باسباب وعلل نتوان يافت
بى سابقه فضل ازل نتوان يافت
برهره توان كرفتن اورا بدلى
توبى بدلى ترا بدل نتوان يافت
ثم هذه الآية من أكبر نعم الله على هذه الأمة ومن أدل دليل على أفضليتها على سائر الأمم ومن جملة ما أوحي إليه عليه السلام ليلة المعراج "أن الجنة حرام على الأنبياء حتى تدخلها يا محمد وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك" فإذا كانوا أقدم في الدخول للتعظيم كانوا أفضل وأكثر في الأجر الكريم ثم إن فقراء هذه الأمة أكبر شأناً من أغنيائهم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بعث الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم رسولاً فقال : يا رسول الله إني رسول الفقراء إليك فقال : "مرحباً بك وبمن جئت من عندهم جئت من عند قوم أحبهم" فقال : يا رسول الله إن الفقراء يقولون لك : إن الأغنياء ذهبوا بالخير كله هم يحجون ولا نقدر عليه
195
ويتصدقون ولا نقدر عليه ويعتقون ولا نقدر عليه وإذا مرضوا بعثوا بفضل أموالهم ذخراً لهم فقال عليه السلام : "بلغ الفقراء عني أن لمن صبر واحتسب منهم ثلاث خصال ليس للأغنياء منها شيء أما الخصلة الأولى فإن في الجنة غرفاً من ياقوت أحمر ينظر إليها أهل الجنة كما ينظر أهل الدنيا إلى النجوم لا يدخلها إلا نبي فقير أو شهيد فقير أو مؤمن فقير والخصلة الثانية : يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام والخصلة الثالثة : إذا قال الفقير سبحان الله والحمدولا إله إلا الله والله أكبر مخلصاً وقال الغني مثل ذلك لم يلحق الغني بالفقير في فضله وتضاعف الثواب وإن أنفق الغني معها عشرة آلاف درهم وكذلك أعمال البر كلها" فرجع الرسول إليهم وأخبرهم بذلك فقالوا : رضينا" يا رب رضينا ذكره اليافعي في "روض الرياحين".
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
صائب فريب نعمت ألوان نمى خوريم
روزى خود زخوان كرم مى خوريم ما
وقال :
افتد هماى دولت اكردر كمندما
ازهمت بلند رها مى كنيم ما
وقال الحافظ :
ازكران تابكران لشكر ظلمت ولى
از ازل تابابد فرصت درويشانست
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَه سَلَـامٌا وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا * يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ شَـاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِه وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} .
(7/151)
يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ} نداء كرامة وتعظيم لأن الشريف ينادي باللقب الشريف لا نداء علامة مثل يا آدم ونحوه {إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ شَـاهِدًا} الشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصر أو بصيرة وهو حال مقدرة من كاف أرسلناك فإنه عليه السلام إنما يكون شاهداً وقت الأداء وذلك متأخر عن زمان الإرسال نحو مررت برجل معه صقر صائداً به غداً أي : مقدراً به الصيد غداً.
والمعنى إنا أرسلناك بعظمتنا مقدر شهادتك على أمتك بتصديقهم وتكذيبهم تؤديها يوم القيامة أداء مقبولاً قبول قول الشاهد العدل في الحكم {وَمُبَشِّرَا} لأهل الإيمان والطاعة بالجنة ولأهل المحبة بالرؤية {وَنَذِيرًا} ومنذراً لأهل الكفر والعصيان بالنار ولأهل الغفلة بالحجاب {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} أي : إلى الإقرار به وبوحدانيته وبسائر ما يجب الإيمان به من صفاته وأفعاله.
وفيه إشارة إلى أن نبينا عليه السلام اختص برتبة دعوة الخلق إلى الله من بين سائر الأنبياء والمرسلين فإنهم كانوا مأمورين بدعوة الخلق إلى الجنة وأيضاً دعا إلى الله لا إلى نفسه فإنه افتخر بالعبودية ولم يفتخر بالربوبية ليصح له بذلك الدعاء إلى سيده فمن أجاب دعوته صارت الدعوة له سراجاً منيراً يدله على سبيل الرشد ويبصره عيوب النفس وغيها.
{بِإِذْنِهِ} أي : بتيسيره وتسهيله فأطلق الإذن وأريد به التيسير مجازاً بعلاقة السببية فإن التصرف في ملك الغير متعسر فإذا أذن تسهل وتيسر وإنما لم يحمل على حقيقته وهو الإعلام بإجازة الشيء والرخصة فيه لانفهامه من قوله : {أَرْسَلْنَـاكَ} {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} وقيد به الدعوة إيذاناً بأنها أمر صعب لا يتأتى إلا بمعونة وإمداد من جانب قدسه كيف لا وهي صرف الوجوه عن سمت الخلق إلى الخلاق وإدخال قلادة غير معهودة في الأعناق.
قال بعض الكبار : بإذنه أي : بأمره لا بطبعك ورأيك وذلك فإن حكم
196
الطبع مرفوع عن الكمل فلا يدعون قولاً ولا عملاً إلا بالفناء في ذات الله عز وجل.
{وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} السراج الزاهر بفتيلة ، يعني : (آتش اره كه در فتيله شمعست) والسراج المنير بالفارسية (راغ روشن ودرخشان).
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
اعلم أن الله تعالى شبه نبينا عليه السلام بالسراج لوجوه :
الأول : أنه يستضاء به في ظلمات الجهل والغواية ويهتدي بأنواره إلى مناهج الرشد والهداية كما يهتدي بالسراج المنير في الظلام إلى سمت المرام كما قال بعضهم : (حق تعالى يغمبر مارا راغ خواند زيرا كه ضوء راغ ظلمت را محو كند ووجود آن حضرت نيز ظلمت كفررا از عرصه جهان نابود ساخت) :
راغ روشن از نور خدايى
جها نرا داده از ظلمت رهايى
والثاني : (هره درخانه كم شود بنور راغ باز توان يافت حقا يقي كه ازمر دم وشيده بود بنور اين راغ بر مقتبسان انوار معرفت روشن كشت) :
ازو جانرا بدانش آشناييست
وزو شم جهانرا روشنا ييست
در كنج معانى بر كشاده
وزان صاحب دلانرا مايه داده
والثالث : (راغ اهل خانه سبب امن وراحتست ودزدرا واسطه خجلت وعقوبت آن حضرت دوستانرا وسيله سلامتست ومنكرانرا حسرت وندامت).
والرابع : أن السراج الواحد يوقد منه ألف سراج ولا ينقص من نوره شيء وقد اتفق أهل الظاهر والشهود على أن الله تعالى خلق جميع الأشياء من نور محمد ولم ينقص من نوره شيء وهذا كما روي أن موسى عليه السلام قال : يا رب أريد أن أعرف خزائنك فقال له : اجعل على باب خيمتك ناراً يأخذ كل إنسان سراجاً من نارك ففعل فقال : هل نقص من نارك قال : لا يا رب قال : فكذلك خزائني.
وأيضاً علوم الشريعة وفوائد الطريقة وأنوار المعرفة وأسرار الحقيقة قد ظهرت في علماء أمته وهي بحالها في نفسه عليه السلام ألا ترى أن نور القمر مستفاد من الشمس ونور الشمس بحاله وفي "القصيدة البردية" :
فإنه شمس فضل هم كواكبها
يظهرن أنوارها للناس في الظلم
تو مهر منيرى همه اخترند
تو سلطان ملكى همه لشكرند
أي أن سيدنا محمداً عليه السلام شمس من فضل الله طلعت على العالمين والأنبياء أقمارها يظهرن الأنوار المستفادة منها وهي العلوم والحكم في عالم الشهادة عند غيبتها ويختفين عند ظهور سلطان الشمس فينسخ دينه سائر الأديان.
وفيه إشارة إلى أن المقتبس من نور القمر كالمقتبس من نور الشمس ، وفي "المثنوي" :
كفت طوبى من رآني مصطفى
والذي يبصر لمن وجهي رأى
ون راغ نور شمعى را كشيد
هركه ديد آنرا يقين آن شمع ديد
همنين تا صد راغ ار نقل شد
ديدن آخر لقاى اصل شد
خواه ازنور سين بستان توآن
هي فرقى نيست خواه ازشمعدان
والخامس أنه عليه السلام يضيىء من جميع الجهات الكونية إلى جميع العوالم كما أن السراج
197
يضيىء من كل جانب وأيضاً يضيىء لأمته كلهم كالسراج لجميع الجهات إلا من عمي مثل أبي جهل ومن تبعه على صفته فإنه لا يستضيىء بنوره ولا يراه حقيقة كما قال تعالى : {وَتَرَاـاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} (الأعراف : 198).
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/152)
ـ حكي ـ أن السلطان محمود الغزنوي دخل على الشيخ أبي الحسن الخرقاني قدس سره وجلس ساعة ثم قال : يا شيخ ما تقول في حق أبي يزيد البسطامي فقال الشيخ هو رجل من رآه اهتدى فقال السلطان وكيف ذلك وأبا جهل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يخلص من الضلالة قال الشيخ في جوابه إنه ما رأى رسول الله وإنما رأى محمد بن عبد الله يتيم أبي طالب حتى لو كان رأى رسول الله لدخل في السعادة أي : لو رآه عليه السلام من حيث أنه رسول معلم هاد لا من حيث أنه بشر يتيم.
والسادس : أنه عليه السلام عرج به من العالم السفلي إلى العالم العلوي ومن الملك إلى الملكوت ومن الملكوت إلى الجبروت والعظموت بجذبة "ادن مني" إلى مقام {قَابَ قَوْسَيْنِ} وقرب.
{أَوْ أَدْنَى} إلى أن نوّر سراج قلبه بنور الله بلا واسطة ملك أو نبي ومن هنا قال : "لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل" لأنه كان في مقام الوحدة فلا يصل إليه أحد إلا على قدمي الفناء عن نفسه والبقاء بربه فناء بالكلية وبقاء بالكلية بحيث لا تبقى نار نور الإلهية من حطب وجوده قدر ما يصعد منه دخان نفسي نفسي وما بلغ كمال هذه الرتبة إلا نبينا عليه السلام فإنه من بين سائر الأنبياء يقول أمتي أمتي وحسبك في هذا حديث المعراج حيث أنه عليه السلام وجد في كل سماء نفراً من الأنبياء إلى أن بلغ السماء السابعة ووجد هناك إبراهيم عليه السلام مستنداً إلى سدرة المنتهى فعبر عنه مع جبرائيل إلى أقصى السدرة وبقي جبرائيل في السدرة فأدلي إليه الرفرف فركب عليه فأداه إلى قاب قوسين أو أدنى فهو الذي جعل الله له نوراً فأرسله إلى الخلق وقال : {قَدْ جَآءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ} (المائدة : 15) فأذن له أن يدعو الخلق إلى الله بطريق متابعته فإنه من يطع الرسول حق إطاعته فقد أطاع الله والذين يبايعونه إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فإنه يده فانية في يد الله باقية بها وكذلك جميع صفاته تفهم إن شاء الله وتنتفع بها ووصفه تعالى بالإنارة حيث قال : {مُّنِيرًا} لزيادة نوره وكماله فيه فإن بعض السرج له فتور لا ينير.
قال الكاشفي : {مُّنِيرًا} (تأكيداست يعنى توراغى نه ون راغهاى ديكركه آن راغها كاهى مرده باشد وكاهى افروخته وازتو ازاول تا آخر وروشنى راغها ببادى مقهور شود وهي كس نور ترا مغلوب نتواند ساخت) كما قال تعالى : {يُرِيدُونَ لِيُطْفِـاُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِه وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ} (الصف : 8) ، وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
هركه برشمع خدا آرد فو
شمع كى ميرد بسوزد وز او
كى شود دريا زوز سك نجس
كى شود خورشيد ازف منطمس
(ديكر راغها بشب نور دهند نه بروز وتوشب ظلمت دنيارا بنور دعوت روشن ساخته وروز قيامت را نيز به رتو شفاعت روشن خواهى ساخت) :
شد بدنيا رخش راغ افروز
شب ما كشت ز التفاتش روز
باز فردا راغ افروزد
كه ازان جرم عاصيان سوزد
198
(دركشف الأسرار فرموده كه حق سبحانه آفتاب را راغ خواندكه {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} .
ويغمبر مارا نيز راغ كفت.
آن راغ آسمانست.
واين راغ زمين.
آن راغ دنياست.
واين راغ دين.
آن راغ منازل فلكست.
واين راد محافل ملك.
آن راغ آب وكلست.
واين راغ جان ودل بطلوع.
آن راغ ازخواب بيدارشوند.
وبظهور اين راغ از خواب عدم برخاسته بعرصه كاه وجود آمده اند) :
ازظلمات عدم راه كه بروى برد
كرنشدى نورتو شمع روان همه
(وإشارات بهمين معنى فرموده ازاقليم عدم مى آمدى ويش رو آدم راغى بود بردستش همه ازنور تخستينست).
وقال بعضهم : المراد بالسراج الشمس وبالمنير القمر جمع له الوصف بين الشمس والقمر دل على ذلك قوله تعالى : {تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَآءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا} (الفرقان : 61) وإنما حمل على ذلك لأن نور الشمس والقمر أتم من نور السراج ويقال سماه سراجاً ولم يسمه شمساً ولا قمراً ولا كوكباً لأنه لا يوجد يوم القيامة شمس ولا قمر ولا كوكب ولأن الشمس والقمر لا ينقلان من موضع إلى موضع بخلاف السراج ألا ترى أن الله تعالى نقله عليه السلام من مكة إلى المدينة.
{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِه وَسِرَاجًا مُّنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا * وَلا تُطِعِ الْكَـافِرِينَ وَالْمُنَـافِقِينَ وَدَعْ} .
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} عطف على المقدر أي : فراقب أحوال أمتك وبشر المؤمنين {بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا} أي : على مؤمني سائر الأمم في الرتبة والشرف أو زيادة على أجور أعمالهم بطريق التفضل والإحسان.
(7/153)
ـ وروي ـ أن الحسنة الواحدة في الأمم السالفة كانت بواحدة وفي هذه الأمة بعشر أمثالها إلى ما لا نهاية له.
وقال بعضهم : {فَضْلا كَبِيرًا} يعني : (بخششى بزرك زياده ازمردكار ايشان يعنى دولت لقاكه بزركتر عطايى وشر يفتر جزاييست).
وفي "كشف الأسرار" : (داعي را اجابت وسائر را عطيت ومجتهدرا معونت وشاكررا زيادت ومطيع را مثوبت وعاصى را اقالت ونادم را رحمت ومحب را كرامت ومشتاق را لقاء ورؤيت).
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله عليه السلام علياً ومعاذاً فبعثهما إلى اليمن وقال : "اذهبا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا فإنه قد نزل عليّ" وقرأ الآية كما في "فتح الرحمن".
ودل الآية والحديث وكذا قوله تعالى : {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات : 55) على أنه لا بأس بالجلوس للوعظ إذا أراد به وجه الله تعالى وكان ابن مسعود رضي الله عنه يذكر عشية كل خميس وكان يدعو بدعوات ويتكلم بالخوف والرجاء وكان لا يجعل كله خوفاً ولا كله رجاء ومن لم يذكر لعذر وقدر على الاستخلاف فله ذلك ومنه إرسال الخلفاء إلى أطراف البلاد فإن فيه نفع العباد كما لا يخفى على ذوي الرشاد.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{وَلا تُطِعِ الْكَـافِرِينَ} من أهل مكة {وَالْمُنَـافِقِينَ} من أهل المدينة ومعناه الدوام أي : دم وأثبت على ما أنت عليه من مخالفتهم وترك إطاعتهم واتباعهم.
وفي "الإرشاد" نهى عن مداراتهم في أمر الدعوة واستعمال لين الجانب في التبليغ والمسامحة في الإنذار كنى عن ذلك بالنهي عن طاعتهم مبالغة في الزجر والتنفير عن النهي عنه بنظمه في سلكها وتصويره بصورتها {وَدَعْ أَذَاـاهُمْ} أي : لا تبال بإيذائهم لك بسبب تصلبك في الدعوة والإنذار.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قسم رسول الله قسمة فقال رجل من الأنصار : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله فأخبر
199
بذلك فاحمر وجهه فقال : "رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
صد هزاران كيميا حق آفريد
كيميايى همو صبر آدم نديد
وفي "التأويلات النجمية" : {وَلا تُطِعِ} الخ أي : لا تتخلق بخلق من أخلاقهم ولا توافق من أعرضنا عنه وأغفلنا قلبه عن ذكرنا وأضللناه من أهل الكفر والنفاق وأهل البدع والشقاق وفيه إشارة إلى أرباب الطلب بالصدق أن لا يطيعوا المنكرين الغافلين عن هذا الحديث فيما يدعونهم إلى ما يلائم هوى نفوسهم ويقطعون به الطريق عليهم ويزعمون أنهم ناصحوهم ومشفقون عليهم وهم يحسنون صنعاً {وَدَعْ أَذَاـاهُمْ} بالبحث والمناظرة على إبطالهم فإنهم عن سمع كلمات الحق لمعزولون فتضيع أوقاتك ويزيد إنكارهم.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} في كل الأمور خصوصاً في هذا الشأن فإنه تعالى يكفيكهم والعاقبة لك.
{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} موكولاً إليه الأمور في كل الأحوال فهو فعيل بمعنى المفعول تمييز من فاعل كفى وهو الله إذ الباء صلة والتقدير وكفى الله من جهة الوكالة فإن أهل الدارين لا يكفي كفاية الله فيما يحتاج إليه فمن عرف أنه تعالى هو المتكفل بمصالح عباده والكافي لهم في كل أمر اكتفى به في كل أمره فلم يدبر معه ولم يعتمد إلا عليه.
ـ روي ـ أن الحجاج بن يوسف سمع ملبياً يلبي حول البيت رافعاً صوته بالتلبية وكان إذ ذاك بمكة فقال : عليّ بالرجل فأتى به إليه فقال : ممن الرجل؟ قال : من المسلمين فقال : ليس عن الإسلام سألتك قال : فعمّ سألت؟ قال : سألتك عن البلد قال : من أهل اليمن قال : كيف تركت محمد بن يوسف يعني أخاه قال : تركته عظيماً جسيماً لباساً ركاباً خراجاً ولاجاً قال : ليس عن هذا سألتك قال : فعمّ سألت؟ قال : سألتك عن سيرته قال : تركته ظلوماً غشوماً مطيعاً للمخلوق عاصياً للخالق فقال له الحجاج : ما حملك على هذا الكلام وأنت تعلم مكانه مني؟ قال : أترى مكانه منك أعز مني بمكاني من الله وأنا وافد بيته مصدق نبيه فسكت الحجاج ولم يحسن جواباً وانصرف الرجل من غير إذن فتعلق بأستار الكعبة وقال : اللهم بك أعوذ وبك ألوذ اللهم فرجك القريب ومعروفك القديم وعادتك الحسنة فخلص من يد الحجاج بسبب توكله على الله في قوله الخشن وبعدم إطاعته وانقياده للمخلوق.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{وَلا تُطِعِ الْكَـافِرِينَ وَالْمُنَـافِقِينَ وَدَعْ أَذَاـاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا * يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَـاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن} .
(7/154)
{الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ} .
قال في "بحر العلوم" : أصل النكاح الوطىء ثم قيل للعقد نكاح مجازاً تسمية للسبب باسم المسبب فإن العقد سبب الوطىء المباح وعليه قوله تعالى : {الزَّانِى لا يَنكِحُ إِلا زَانِيَةً} (النور : 3) أي : لا يتزوج ونظيره تسمية النبات غيثاً في قوله رعينا الغيث لأنه سبب للنبات والخمر إثماً لأنها سبب لاكتساب الإثم.
وقال الإمام الراغب في "المفردات" أصل النكاح للعقد ثم استعير للجماع ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد لأن أسماء الجماع كلها كنايات الاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشاً اسم ما يستقظعونه لما يستحسنونه انتهى.
وفي "القاموس" النكاح الوطىء والعقد والمعنى إذا تزوجتم {الْمُؤْمِنَـاتِ} وعقدتم عليهن وخص المؤمنات مع أن هذا الحكم الذي في الآية يستوي فيه المؤمنات والكتابيات تنبيهاً على أن من شأن المؤمن أن لا ينكح إلا مؤمنة تخيراً لنطفته ويجتنب عن مجانبة الفواسق فما بال الكوافر فالتي في سورة المائدة تعليم ما هو جائز غير محرم من نكاح المحصنات من الذين أوتوا الكتاب وهذه فيها تعليم ما هو أولى بالمؤمنين
200
من نكاح المؤمنات وقد قيل : الجنس يميل إلى الجنس ، وفي "المثنوي" :
جنس سوى جنس صدره برد
بر خيالش بندهارا بر دردآن يكى را صحبت اخيار خار
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
لا جرم شد هلوى فجار جار {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} أصل الطلاق التخلية من وثاق يقال أطلقت الناقة من عقالها وطلقها وهي طالق وطلق بلا قيد ومنه استعير طلقت المرأة نحو خليتها فهي طالق أي : مخلاة عن حبالة النكاح {مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} أي : تجامعوهن فإن المس أي : اللمس كناية عن الوطىء وفائدة ثم إزاحة ما عسى يتوهم أن تراخي الطلاق ريثما تمكن الإصابة يؤثر في العدة كما يؤثر في النسب فلا تفاوت في الحكم بين أن يطلقها وهي قريبة العهد من النكاح وبين أن يطلقها وهي بعيدة منه.
قالوا فيه دليل على أن الطلاق قبل النكاح غير واقع لأن الله تعالى رتب الطلاق على النكاح كما قال بعضهم : إنما النكاح عقدة والطلاق يحلها فكيف تحل عقدة لم تعقد فلو قال متى تزوجت فلانة أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق لم يقع عليه طلاق إذا تزوج عند الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة يقع مطلقاً لأنه تطليق عند وجود الشرط إلا إذا زوجها فضولي فإنها لم تطلق كما في "المحيط" وقال مالك : إن عين امرأة بعينها أو من قبيلة أو من بلد فتزوجها وقع الطلاق وإن عمم فقال : كل امرأة أتزوجها من الناس كلهم لم يلزمه شيء ثم إن حكم الخلوة التي يمكن معها المساس في حكم المساس عند أبي حنيفة وأصحابه والخلوة الصحيحة غلق الرجل الباب على منكوحته بلا مانع وطىء من الطرفين وهو ثلاثة : حسي كمرض يمنع الوطأ ورتق وهو انسداد موضع الجماع بحيث لا يستطاع ، وشرعي كصوم رمضان دون صوم التطوع والقضاء والنذور والكفارة في الصحيح لعدم وجوب الكفارة بالإفساد وكإحرام فرض أو نفل فإن الجماع مع الإحرام يفسد النسك ويوجب دماً مع القضاء ، وطبعي كالحيض والنفاس إذ الطباع السليمة تنفر منها فإذا خلا بها في محل خال عن غيرهما حتى عن الأعمى والنائم بحيث أمنا من اطلاع غيرهما عليهما بلا إذنهما لزمه تمام المهر لأنه في حكم الوطيء ولو كان خصياً أو هو مقطوع الأنثيين أو عنيناً وهو الذي لا يقدر على الجماع وكذا لو كان مجبوباً وهو مقطوع الذكر خلافاً لهما وفرض الصلاة مانع كفرض الصوم للوعيد على تركها والعدة تجب بالخلوة ولو مع المانع احتياطاً لتوهم شغل الماء ولأنها حق الشرع والولد.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
واعلم أن الحيض والنفاس والرتق من الأعذار المخصوصة بالمرأة وأما المرض والإحرام والصوم فتعتبر في كل من الرجل والمرأة وتعد مانعاً بالنسبة إلى كليهما كما في "تفسير أبي الليث".
ومعنى الآية بالفارسية : (س ون طلاق دهيد زنانرا قبل از دخول يايش از خلوت صحيحه) {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ} (س نيست شمارا برين مطلقات) {مِنْ عِدَّةٍ} أيام ينتظرن فيها وعدة المرأة هي الأيام التي بانقضائها تحل للزوج {تَعْتَدُّونَهَا} محله الجر على أنه صفة عدة أي : تستوفون عددها أو تعدونها وتحصونها بالاقراء إن كانت من ذوات الحيض أو بالأشهر إن كانت آية.
وفي الإسناد إلى الرجال دلالة على أن العدة حقهم كما أشعر به فما لكم.
فدلت الآية على أنه لا عدة على غير المدخول بها لبراءة رحمها من نطفة الغير فإن شاءت تزوجت من يومها وكذا إذا تيقن بفراغ رحم الأمة من ماء البائع لم يستبرىء عند
201
(7/155)
أبي يوسف وقالا : إذا ملك جارية ولو كانت بكراً أو مشرية ممن لا يطأ أصلاً مثل المرأة والصبي والعنين والمجبوب أو شرعاً كالمحرم رضاعاً أو مصاهرة أو نحو ذلك حرم عليه وطؤها ودواعيه كالقبلة والمعانقة والنظر إلى فرجها بشهوة أو غيرها حتى يستبرىء بحيضة أو يطلب براءة رحمها من الحمل كذا في "شرح القهستاني" {فَمَتِّعُوهُنَّ} أي : فأعطوهن المتعة وهي : درع وخمار وملحفة كما سبقت في هذه السورة وهو محمول على إيجاب المتعة إن لم بسم لها مهر عند العقد وعلى استحبابها إن سمي ذلك فإنه إن سمى المهر عنده وطلق قبل الدخول فالواجب نصفه دون المتعة كما قال تعالى : {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (البقرة : 237) أي : فالواجب عليكم نصف ما سميتم لهن من المهر {وَسَرِّحُوهُنَّ} قد سبق معنى التسريح في هذه السورة والمراد هنا اخرجوهن من منازلكم إذ ليس لكم عليهن من عدة {سَرَاحًا جَمِيلا} أي : من غير ضرار ولا منع حق.
وفي "كشف الأسرار" : معنى الجميل أن لا يكون الطلاق جور الغضب أو طاعة لغيره وأن لا يكون ثلاثاً بتاً أو لمنع صداق انتهى.
ولا يجوز تفسير التسريح بالطلاق السني لأنه إنما يتسنى في المدخول بها والضمير لغير المدخول بها.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "التأويلات النجمية" : وفي الآية إشارة إلى كرم الأخلاق يعني إذا نكحتم المؤمنات ومالت قلوبهن إليكم ثم آثرتم الفراق قبل الوصال فكسرتم قلوبهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن ليكون لهن عليكم تذكرة في أيام الفرقة وأوائلها إلى أن تتوطن نفوسهن على الفرقة وسرحوهن سراحاً جميلاً بأن لا تذكروهن بعد الفراق إلا بخير ولا تستردوا منهن شيئاً تفضلتم به معهن فلا تجمعوا عليها الفراق بالحال والإضرار من جهة المال انتهى.
وينبغي للمؤمن أن لا يؤذي أحداً بغير حق ولو كلباً أو خنزيراً ولا يظلم ولو بشق تمرة ولو وقع شيء من الأذى والجور يجب الاستحلال والإرضاء ورأينا كثيراً من الناس في هذا الزمان يطلقوهن ضراراً ويقعون في الإثم مراراً يخالعون على المال بعد الخصومات كأنهم غافلون عما بعد الممات ، قال المولى الجامي :
هزار كونه خصومت كنى بخلق جهان
زيكه درهوس سيم وآرزوى زرى
تراست دوست زروسيم وخصم صاحب اوست
كه كيرى از كفش آنرا بظلم وحيله كرى
نه مقتضاى خرد باشد ونتيجه عقل
كه دوست را بكذارى وخصم را بيرى
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَـاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا * يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّـاتِى ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـاتِكَ وَبَنَاتِ} .
{النَّبِىُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ} (الإحلال : حلال كردن) وأصل الحل حل العقدة ومنه استعير قولهم حل الشيء حلالاً كما في "المفردات" ، والمعنى بالفارسية : (بدرستى كه ما حلال كرده مايم براى تو) {أَزْوَاجَكَ} نساءك يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ} الأجر يقال فيما كان عن عقد وما يجري مجرى العقد وهو ما يعود من ثواب العمل دنيوياً كان أو أخروياً وهو ههنا كناية عن المهر أي : مهورهن لأن المهر أجر على البضع أي : المباشرة وإيتاؤها أما إعطاؤها معجلة أو تسميتها في العقد وأياً ما كان فتقييد الإحلال له عليه السلام بالإيتاء ليس لتوقف الحل عليه ضرورة أنه يصح العقد بلا تسمية ويجب مهر المثل أو المتعة على تقديري الدخول وعدمه بل لإيتاء الأفضل له {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} (وحلال ساخته ايم برتو آنه مالك شده است دست راست تو يعنى مملوكات ترا) {مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} (الإفاءة : مال كسى
202
غنيمت دادن) وقيل للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقة فيىء تشبيهاً بالفيىء الذي هو الظل تنبيهاً على أن أشرف أعراض الدنيا يجري مجرى ظل زائل.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
قال الفقهاء : كل ما يحل أخذه من أموال الكفار فهو فيىء فالفيىء اسم لكل فائدة تفيىء إلى الأمير أي : تعود وترجع من أهل الحرب والشرك فالغنيمة هي ما نيل من أهل الشرك عنوة والحرب قائمة فيىء والجزية فيىء ومال أهل الصلح فيىء والخراج فيىء لأن ذلك كله مما أفاء الله على المسلمين من المشركين وحقيقة {أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} فيئاً لك أي : غنيمة وتقييد حلال المملوكة بكونها مسبية لاختيار الأولى له عليه السلام فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليها هكذا قالوا وهو لا يتناول مثل مارية القبطية ونحوها فإن مارية ليست سبية بل أهداها له عليه السلام سلطان مصر الملقب بالمقوقس.
(7/156)
وقد قال في "إنسان العيون" : إن سرارية عليه السلام أربع : مارية القبطية أم سيدنا إبراهيم رضي الله عنه وريحانة ، وجارية وهبتها له عليه السلام زينب بنت جحش ، وأخرى واسمها زليخا القرظية انتهى.
وكون ريحانة بنت يزيد من بني النضير سرية أضبط على ما قاله العراقي وزوجة أثبت عند أهل العلم على ما قاله الحافظ الدمياطي.
وأما صفية بنت حيى الهارونية من غنائم خيبر.
وجويرية بنت الحارث ابن أبي صوار الخزاعية المصطلقية وإن كانتا من المسبيات لكنه عليه السلام أعتقهما فتزوجهما فهما من الأزواج لا من السرايا على ما بين في كتب السير فالوجه أن المعنى مما أفاء الله أي : أعاده عليك بمعنى صيره لك ورده لك بأي جهة كانت هدية أو سبية.
واستفتى من المولى أبي السعود صاحب التفسير هل في تصرف الجواري المشتراة من الغزاة بلا نكاح نوع كراهية إذ في القسمة الشرعية بينهم شبهة فأفتى بأنه ليس في هذا الزمان قسمة شرعية وقع التنفيل الكلي في سنة تسعمائة وثمان وأربعين فإذا أعطى ما يقال له بالفارسية (نج يك) لا يبقى شبهة والنفل ما ينفله الغازي أي : يعطاه زائداً على سهمه وهو أن يقول الإمام أو الأمير من قتل قتيلاً فله سلبه أو قال للسرية ما أصبتم فهو لكم أو ربعه أو خمسه وعلى الإمام الوفاء به.
{وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـاتِكَ} البنت والابنة مؤنث ابن والعم أخ الأب والعمة أخته.
والمعنى وأحللنا لك نساء قريش من أولاد عبد المطلب.
وأعمامه عليه السلام اثنا عشر وهم : الحارث ، وأبو طالب ، والزبير ، وعبد الكعبة ، وحمزة ، والمقوم بفتح الواو وكسرها مشددة ، وجحل بتقديم الجيم على الحاء واسمه المغيرة والجحل السقاء الضخم وقيل بتقديم الحاء المفتوحة على الجيم وهو في الأصل الخلخال ، والعباس ، وضرار ، وأبو لهب ، وقثم ، والغيداق واسمه مصعب أو نوفل وسمي بالغيداق لكثرة جوده ولم يسلم من أعمامه الذين أدركوا البعثة إلا حمزة والعباس.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وبنات أعمامه عليه السلام : ضباغة بنت الزبير بن عبد المطلب وكانت تحت المقداد ، وأم الحكم بنت الزبير وكانت تحت النضر بن الحارث ، وأم هانىء بنت أبي طالب واسمها فاختة ، وجماعة بنت أبي طالب ، وأم حبيبة ، وآمنة ، وصفية بنات العباس بن عبد المطلب ، وأروى بنت الحارث بن عبد المطلب.
وعماته عليه السلام ست وهن : أم حكيم واسمها البيضاء ، وعاتكة ، وبرة ، وأروى ، وأميمة ، وصفية ولم تسلم من عماته اللاتي أدركن البعثة من غير خلاف إلا صفية أم الزبير بن العوام أسلمت وهاجرت
203
وماتت في خلافة عمر رضي الله عنه.
واختلف في إسلام عاتكة وأروى ولم يتزوج رسول الله من بنات أعمامه دينا وأما بنات عماته دينا فكانت عنده منهن زينب بنت جحش بن رباب لأن أمها أميمة بنت عبد المطلب كما في "التكميلة".
{وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَـالَـاـتِكَ} الخال أخ الأم والخالة أختها والمراد نساء بني زهرة يعني أولاد عبد مناف بن زهرة لا إخوة أمه ولا أخواتها لأن آمنة بنت وهب أم رسول الله لم يكن لها أخ فإذا لم يكن له عليه السلام خال ولا خالة فالمراد بذلك الخال والخالة عشيرة أمه لأن بني زهرة يقولون : نحن أخوال النبي عليه السلام لأن أمه منهم ولهذا قال عليه السلام لسعد ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه : "هذا خالي" وإنما أفرد العم والخال وجمع العمات والخالات في الآية وإن كان معنى الكل الجمع لأن لفظ العم والخالة وإن كان يعطي المفرد معنى الجنس استغني فيه عن لفظ الجمع تخفيفاً للفظ ، ولفظ العمة والخالة وإن كان يعطي معنى الجنس.
.
.
إلخ ففيه الهاء وهي تؤذن بالتحديد والافراد فوجب الجمع لذلك ألا ترى أن المصدر إذا كان بغيرهاء لم يجمع وإذا حدد بالهاء جمع هكذا ذكره الشيخ أبو علي رضي الله عنه كذا في التكملة يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّآ} صفة للبنات والمهاجرة في الأصل مفارقة الغير ومتاركته استعملت في الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان والمعنى خرجن معك من مكة إلى المدينة وفارقن أوطانهن والمراد بالمعية المتابعة له عليه السلام في المهاجرة سواء وقعت قبله أو بعده أو معه وتقييد القرائب بكونها مهاجرات معه للتنبيه على الأليق له عليه السلام فالهجرة وصفهن لا بطريق التعليل كقوله تعالى : {وَرَبَائبُكُمُ الَّـاتِى فِى حُجُورِكُم} ويحتمل تقييد الحل بذلك في حقه عليه السلام خاصة وأن من هاجر معه منهن يحل له نكاحها ومن لم تهاجر لم تحل ويعضده قول أم هانىء بنت أبي طالب خطبني رسول الله فاعتذرت إليه فعذرني ثم أنزل الله هذه الآية فلم أحل له لأني لم أهاجر معه كنت من الطلقاء وهم الذين أسلموا بعد الفتح أطلقهم رسول الله حين أخذهم ولفائدة التقييد بالهجرة أعاد هنا ذكر بنات العم والعمات والخال والخالات وإن كن داخلات تحت عموم قوله تعالى عند ذكر المحرمات من النساء
جزء : 7 رقم الصفحة : 131(7/157)
{وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَالِكُمْ} (النساء : 24) وأول بعضهم الهجرة في هذه الآية على الإسلام أي : أسلمن معك فدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً} بالنصب عطف على مفعول أحللنا إذ ليس معناه إنشاء الإحلال الناجز بل إعلام مطلق الإحلال المنتظم لما سبق ولحق.
والمعنى : وأحللنا لك أيضاً أي : أعلمناك حل امرأة مؤمنة أية امرأة كانت من النساء المؤمنات فإنه لا تحل له المشركة وإن وهبت نفسها.
قال في "كشف الأسرار" : اختلفوا في أنه هل كان يحل للنبي عليه السلام نكاح اليهودية والنصرانية بالمهر فذهب جماعة إلى أنه كان لا يحل له ذلك لقوله : {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً} {إِن وَهَبَتْ} تلك المرأة المؤمنة {نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ} أي : لك والالتفات للإيذان بأن هذا الحكم مخصوص به لشرف نبوته.
والهبة أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض والحرة لا تقبل الهبة ولا البيع ولا الشراء إذ ليست بمملوكة فمعناه إن ملكته بعضها بلا مهر بأي عبارة كانت من الهبة والصدقة والتمليك والبيع والشراء والنكاح والتزويج ومعنى الشرط إن اتفق ذلك أي : وجد اتفاقاً
204
{إِنْ أَرَادَ النَّبِىُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا} شرط للشرط الأول في استيجاب الحل فإن هبتها نفسها منه لا توجب له حلها إلا بإرادته نكاحها فإنها جارية مجرى القبول والاستنكاح طلب النكاح والرغبة فيه والمعنى أراد النبي أن يتملك بعضها كذلك أي : بلا مهر ابتداء وانتهاء {خَالِصَةً لَّكَ} مصدر كالكاذبة أي : خلص لك إحلال المرأة المؤمنة خالصة أي : خلوصاً أو حال من ضمير وهبت أي : حال كون تلك الواهبة خالصة لك {مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} فإن الإحلال للمؤمنين إنما يتحقق بالمهر أو بمهر المثل إن لم يسم عند العقد ولا يتحقق بلا مهر أصلاً {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} أي : أوجبنا على المؤمنين {فِى أَزْوَاجِهِمْ} في حقهن في حق {مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ} من الأحكام {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ}
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
متعلق بخالصة ولام كي دخلت على كي للتوكيد أي : لئلا يكون عليك ضيق في أمر النكاح فقوله قد علمنا الخ اعتراض بين قوله لكيلا يكون عليك حرج وبين متعلقه وهو خالصة لك من دون المؤمنين مقرر لما قبله من خلوص الإحلال المذكور لرسول الله وعدم تجاوزه للمؤمنين ببيان أنه قد فرض عليهم من شرائط العقد وحقوقه ما لم يفرض عليه صلى الله عليه وسلّم تكرمة له وتوسعة عليه أي : قد علمنا ما ينبغي أن يفرض عليهم في حق أزواجهم ومملوكاتهم وعلى أي : حد وعلى أي : صفة يحق أن يفرض عليهم فلرضنا ما ففرضنا على ذلك الوجه وخصصناك ببعض الخصائص كالنكاح بلا مهر وولي وشهود ونحوها وفسروا المفروض في حق الأزواج بالمهر والولي والشهود والنفقة ووجوب القسم والاقتصار على الحرائر الأربع وفي حق المملوكات بكونهن ملكاً طيباً بأن تكون من أهل الحرب لا ملكاً خبيثاً بأن تكون من أهل العهد وفي الحديث : "الصلاة وما ملكت أيمانكم" أي : احفظوا الصلوات الخمس والمماليك بحسن القيام بما يحتاجون إليه من الطعام والكسوة وغيرها وبغير تكليف ما لا يطيقون من العمل وترك التعذيب قرنه عليه السلام بأمر الصلاة إشارة إلى أن حقوق المماليك واجبة على السادات وجوب الصلوات.
جوانمرد وخوشخوى وبخشنده باش
و حق برتو اشد تو بر خلق اش
حق بنده هركز فرامش مكن
بدستت اكر نوشد وكركهن
و خشم آيدت بركناه كسى
تأمل كنش در عقوبت بسى
كه سهلست لعل بدخشان شكست
شكسته نشايد دكرباره بست
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} أي : فيما يعسر التحرز عنه {رَّحِيمًا} منعماً على عباده بالتوسعة في مظانّ الحرج ونحوه.
واختلف في أنه هل كان عنده عليه السلام امرأة وهبت نفسها منه أولاً.
فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما كانت عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين وقال آخرون بل كان عنده موهوبة نفسها.
واختلفوا فيها فقال قتادة : هي ميمونة بنت الحارث الهلالية خالة عبد الله بن عباس رضي الله عنه حين خطبها النبي عليه السلام فجاءها الخاطب وهي على بعيرها فقالت البعير : وما عليه لرسول الله وقال الشعبي : هي زينب بنت خزيمة الأنصارية.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يقول الفقير : ذهب الأكثر إلى تلقيبها بأم المساكين والملقبة به ليست زينب هذه في المشهور وإن كانت تدعى به
205
(7/158)
في الجاهلية بل زينب بنت جحش التي كانت تعمل بيدها وتتصدق على الفقراء والمساكين فسميت به لسخاوتها ويدل عليه قوله عليه السلام خطاباً لأزواجه "أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً" أي : أول من يموت منكن بعد موتي من كانت أسخى وهي زينب بنت جحش بالاتفاق ماتت في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه كما سبق.
وأما زينب بنت خزيمة فإنها ماتت في حياته عليه السلام كما قال الكاشفي : (اكر واهبه زينب بوده باشدكه اشهرست وواقع است در رمضان المبارك سال سوم ازهجرت وهشت ماه درحرم محترم آن حضرت بود ودر ربيع الآخر درسال هارم وفات كرد).
وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل هي أم شريك كزبير بنت جابر من بني أسد واسمها غزية فالأكثرون على أنه لم يقبلها وقيل بل قبلها ثم طلقها قبل أن يدخل بها.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقع في قلب أم شريك الإسلام وهي بمكة فأسلمت ثم جعلت تدخل على نساء قريش سراً فتدعوهن للإسلام وترغبهن فيه حتى ظهر أمرها لأهل مكة فأخذوها وقالوا : لولا قومك لفعلنا بك ما فعلنا ولكنا نسيرك إليهم قالت : فحملوني على بعير ليس تحتي شيء ثم تركوني ثلاثاً لا يطعمونني ولا يسقونني وكانوا إذا نزلوا منزلاً أوقفوني في الشمس واستظلوا فبينما هم قد نزلوا منزلاً وأوقفوني في الشمس إذا أنا بأبرد شيء على صدري فتناولته فإذا هو دلو من ماء فشربت منه قليلاً ثم نزع مني ورفع ثم عاد فتناولته فشربت منه ثم رفع ثم عاد مراراً ثم رفع مراراً فشربت منه حتى رويت ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء على ثيابي فقالوا : انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه فقلت : لا والله ولكنه كان من الأمر كذا وكذا فقالوا : إن كنت صادقة لدينك خير من ديننا فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها فأسلموا عند ذلك وأقبلت إلى النبي عليه السلام فوهبت نفسها له بغير مهر فقبلها ودخل عليها.
وفي ذلك أن من صدق في حسن الاعتماد على الله وقطع طمعه عما سواه جاءته الفتوحات من الغيب.
هركه باشد اعتمادش بر خدا
آمد از غيب خدايش صد غذا
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وقال عروة بن الزبير : هي أي : الواهبة نفسها خولة بنت حكيم من بني سليم وكانت من المهاجرات الأول فأرجأها فتزوجها عثمان بن مظعون رضي الله عنه قالت عائشة رضي الله عنها : كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله فدل أنهن كن غير واحدة.
وجملة من خطبه عليه السلام من النساء ثلاثون امرأة منهن من لم يعقد عليه وهذا القسم منه من دخل به ومنه من لم يدخل به ومنهن من عقد عليه وهذا القسم أيضاً منه من دخل به ومنه من لم يدخل به.
وفي لفظ جملة من دخل عليه ثلاث وعشرون امرأة والذي دخل به منهن اثنتا عشرة.
وقال أبو الليث في "البستان" جميع ما تزوج من النساء أربع عشرة نسوة : خديجة ثم سودة
206
ثم عائشة ثم حفصة ثم أم سلمة ثم أم حبيبة ثم جويرية ثم صفية ثم زينب ثم ميمونة ثم زينب ثم بنت خزيمة ثم امرأة من بني هلال وهي التي وهبت نفسها للنبي عليه السلام ثم امرأة من كندة وهي التي استعاذت منه فطلقها ثم امرأة من بني كليب.
قال في "إنسان العيون" : لا يخفى أن أزواجه عليه السلام المدخول بهن اثنتا عشرة امرأة : خديجة ثم سودة ثم عائشة ثم حفصة ثم زينب بنت خزيمة ثم أم سلمة ثم زينب بنت جحش ثم جويرية ثم ريحانة ثم أم حبيبة ثم صفية ثم ميمونة على هذا الترتيب في التزوج.
ومن جملة التي لم يدخل بهن عليه السلام التي ماتت من الفرح لما علمت أنه عليه السلام تزوج بها غراء أخت دحية الكلبي.
ومن جملتهن سودة القريشية التي خطبها عليه السلام فاعتذرت ببنيها وكانوا خمسة أو ستة فقال لها خيراً.
ومن جملتهن التي تعوذت منه عليه السلام وهي أسماء بنت معاذ الكندية قلن لها : إن أردت أن تحظي عنده فتعوذي بالله منه فلما دخل عليها رسول الله قالت : أعوذ بالله منك ظنت أن هذا القول كان من الأدب فقال عليه السلام : "عذت بمعاذ عظيم إلحقي بأهلك" ومتعها ثلاثة أثواب.
ومن جملتهن التي اختارت الدنيا حين نزلت آية التخيير وهي فاطمة بنت الضحك وكانت تقول : أنا الشقية اخترت الدنيا.
ومن جملتهن قتيلة على صيغة التصغير زوجه إياها أخوها وهي بحضرموت ومات عليه السلام قبل قدونها عليه وأوصى بأن تخير فإن شاءت ضرب عليها الحجاب وكانت من أمهات المؤمنين وإن شاءت الفراق فتنكح من شاءت فاختارت الفراق فتزوجها عكرمة ابن أبي جهل بحضرموت.
وفي الحديث : "ما تزوجت شيئاً من نسائي ولا زوجت شيئاً من بناتي إلا بوحي" جاءني جبريل عليه السلام من ربي عز وجل.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/159)
{تُرْجِى مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ} " قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص وأبو جعفر ترجى بياء ساكنة والباقون ترجىء بهمزة مضمونة.
والمعنى واحد إذ الياء بدل من الهمزة وذكر في "القاموس" في الهمزة أرجأ الأمر أخره وترك الهمزة لغة وفي الناقص الإرجاء التأخير وهو بالفارسية : (واس افكندن).
قال في "كشف الأسرار" : الإرجاء تأخير المرأة من غير طلاق والمعنى تؤخر يا محمد من تشاء من أزواجك وتترك مضاجعتها من غير نظر إلى نوبة وقسم وعدل {تُرْجِى مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ} يقال أوى إلى كذا أي : انضم وآواه غيره إيواء أي : وتضمها إليك وتضاجعها من غير التفات إلى نوبة وقسمة أيضاً فالاختيار بيديك في الصحبة بمن شئت ولو أياماً زائدة على النوبة وكذا في تركها أو تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك وتتزوج من شئت كما في "بحر العلوم" {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ} أي : وتؤوي إليك أيضاً من ابتغيتها وطلبتها {مِمَّنْ عَزَلْتَ} أي : طلقتها بالرجعة.
والعزل الترك والتبعيد {فَلا جُنَاحَ} لا إثم ولا لوم ولا عتاب ولا ضيق.
{عَلَيْكَ} في شيء مما ذكر من الأمور الثلاثة كما في "كشف الأسرار" (درين هرسه برتوتنكى نيست).
وقال في "الكواشي" : من مبتدأ بمعنى الذي أو شرط نصب بقوله ابتغيت وخبر المبتدأ وجواب الشرط على التقديرين فلا جناح عليك وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض وهو إما أن يطلق وإما أن يمسك وإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أو لم يقسم وإذا طلق فإما أن لا يبتغي المعزولة أو يبتغيها.
والجمهور على أن الآية نزلت في القسم بينهن فإن التسوية في القسم كانت واجبة عليه فلما نزلت سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن وكان ذلك من خصائصه عليه السلام.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ـ ويروى ـ أن أزواجه عليه السلام لما طلبن زيادة النفقة ولباس الزينة هجرهن شهراً حتى نزلت آية التخيير فأشفقن أن يطلقهن وقلن يا نبي الله افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت ودعنا على حالنا فأرجأ خمساً : أم حبيبة ، وميمونة ، وسودة ،
207
وصفية ، وجويرية ، فكان يقسم لهن ما شاء وآوى إليه أربع : عائشة ، وحفصة ، وزينب ، وأم سلمة ، فكان يقسم بينهن سواء.
ويروى أنه عليه السلام لم يخرج أحداً منهن عن القسم بل كان يسوي بينهن مع ما أطلق له وخير فيه إلا سودة فإنها رضيت بترك حقها من القسم ووهبت ليلتها لعائشة وقالت : لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك {ذَالِكَ} أي : ما ذكر من تفويض الأمر إلى مشيئتك {أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} (نزديكتراست بآنكه روشن شود شمهاى ايشان) فأصله من القر بالضم وهو البرد وللسرور دمعة قارة أي : باردة وللحزن دمعة حارة أو من القرار أي : تسكن أعينهن ولا تطمح إلى ما عاملتهن به.
قال في "القاموس" : قرت عينه تقر بالكسر والفتح قرة وتضم وقروراً بردت وانقطع بكاؤها أو رأيت ما كانت متشوفة إليه وقر بالمكان يقر بالكسر والفتح قراراً ثبت وسكن كاستقر {وَلا يَحْزَنَّ} (واندو هناك نشوند) {وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} (وخوشنود باشند بآنه دهى ايشانرا يعنى ون همه دانستندكه آنه توميكنى از ارجاء وايواء وتقريب وتبعيد بفرمان خداست ملول نميشوند) قوله كلهن بالرفع تأكيد لفاعل يرضين وهو النون أي : أقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعاً لأنه حكم كلهن فيه سواء ثم إن سويت بينهن وجدن ذلك تفضيلاً منك وإن رجحت بعضهن علمن أنه بحكم الله فتطمئن به نفوسهن ويذهب التنافس والتغاير فرضين بذلك فاخترنه على الشرط ولذا قصره الله عليهن وحرم عليه طلاقهن والتزوج بسواهن وجعلهن أمهات المؤمنين كما في "تفسير الجلالين" {وَاللَّهُ} وحده {يَعْلَمُ مَا فِى قُلُوبِكُمْ} من الضمائر والخواطر فاجتهدوا في إحسانها {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا} مبالغاً في العلم فيعلم ما تبدونه وما تخفونه {حَلِيمًا} لا يعاجل بالعقوبة فلا تغتروا بتأخيرها فإنه إمهال لا إهمال.
نه كردن كشانرا بكيرد بفور
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
نه عذر آورانرا براند بجور
وكر خشم كيرد بكردار زشت
و باز آمدى ما جرا در نوشت
مكن يك نفس كار بد اى سر
ه دانى ه آيد بآخر يسر
(7/160)
وفي "التأويلات النجمية" : لما انسلخت نفسه عليه السلام عن صفاتها بالكلية لم يبق له أن يقول يوم القيامة نفسي نفسي ومن هنا قال : "أسلم شيطاني على يدي" فلما اتصفت نفسه بصفات القلب وزال عنها الهوى حتى لا ينطق بالهوى اتصفت دنياه بصفات الآخرة فحل له في الدنيا ما يحل لغيره في الآخرة لأنه نزع من صدره في الدنيا غل ينزع من صدره غيره في الآخرة كما قال : {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} وقال في حقه : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} يعني نزع الغل منه فقال الله تعالى له في الدنيا {تُرْجِى مَن تَشَآءُ} الخ أي : على من تتعلق به إرادتك ويقع عليه اختيارك فلا حرج عليك ولا جناح كما يقول لأهل الجنة {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الانفُسُ وَتَلَذُّ الاعْيُنُ} (الزخرف : 71) {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا} في الأزل بتأسيس بنيان وجودك على قاعدة محبوبيتك ومحبيتك {حَلِيمًا} فيما صدر منك فيحلم عنك ما لم يحلم عن غيرك انتهى.
قيل إنما لم يقع ظله عليه السلام على الأرض لأنه نور محض وليس للنور ظل.
وفيه إشارة إلى أنه أفنى الوجود الكونيّ الظليّ وهو متجسد في صورة البشر ليس له ظلمة المعصية وهو مغفور عن أصل.
قال بعض الكبار : ليس في مقدور البشر
208
مراقبة الله في السر والظن مع الأنفاس فإن ذلك من خصائص الملأ الأعلى.
وأما رسول الله عليه السلام فكان له هذه المرتبة فلم يوجد إلا في واجب أو مندوب أو مباح فهو ذاكر الله على أحيانه.
وما نقل من سهوه عليه السلام في بعض الأمور فهو ليس كسهو سائر الخلق الناشىء عن رعونة الطبع وغفلته وحاشاه عن ذلك بل سهوه تشريع لأمته ليقتدوا به فيه كالسهو في عدد الركعات حيث أنه عليه السلام "صلى الظهر ركعتين ثم سلم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : صليت ركعتين فقام وأضاف إليهما ركعتين" وبعض سهوه عليه السلام ناشىء عن الاستغراق والانجذاب ولذلك كأن يقول : "كلميني يا حميرا".
والحاصل أن حاله عليه السلام ليس كأحوال أفراد أمته ولذا عامل الله تعالى به ما لم يعامل بغيره إذ هو يعلم ما في القلوب والصدور ويحيط بأطراف الأمور نسأل منه التوفيق لرضاه والوسيلة لعطاه وهو المفيض على كل نبي وولي والمرشد في كل أمر خفي وجلي.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{تُرْجِى مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـاْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَآءُا وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَا ذَالِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّا وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا * لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِنا بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ رَّقِيبًا} .
(7/161)
{لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ} بالياء لأن تأنيث الجمع غير حقيقي ولوجود الفصل وإذا جاز التذكير بغيره في قوله وقال نسوة ، كان معه أجوز.
والنساء والنسوان والنسوة بالكسر جموع المرأة من غير لفظها أي : لا تحل واحدة من النساء مسلمة أو كتابية لما تقرر أن حرف التعريف إذا دخل على الجمع يبطل الجمعية ويراد الجنس وهو كالنكرة يخص في الإثبات ويعم في النفي كما إذا حلف لا يتزوج النساء ولا يكلم الناس أو لا يشتري العبيد فإنه يحنث بالواحد لأن اسم الجنس حقيقة فيه {مِنا بَعْدِ} أي : من بعد هؤلاء التسع اللاتي خيرتهن بين الدنيا والآخرة فاخترنك لأنه نصابك من الأزواج كما أن الأربع نصاب أمتك منهن أو من بعد اليوم حتى لو ماتت واحدة لم يحل له نكاح أخرى.
وإنما حرّم على أمته الزيادة على الأربع بخلافه فإنه عليه السلام في بذرقة النبوة وعصمة الرسالة قد يقدر على أشياء لا يقدر عليها غيره وقد افترض الله عليه أشياء لم يفترضها على أمته لهذا المعنى وهي قيام الليل وإنه إذا عمل نافلة يجب المواظبة عليها وغير ذلك.
وسرّ الاقتصار على الأربع أن المراتب أربع : مرتبة المعنى ، ومرتبة الروح ، ومرتبة المثال ، ومرتبة الحس ولما كان الوجود الحاصل للإنسان إنما حصل له بالاجتماع الحاصل من مجموع الأسماء الغيبية والحقائق العلمية والأرواح النورية والصور المثالية والصور العلوية والسفلية والتوليدية شرع له نكاح الأربع وتمامه في كتب التصوف {وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} تبدل بحذف أحد التاءين والأصل تتبدل وبدل الشيء الخلف منه وتبدله به وأبدله منه وبدله اتخذه بدلاً كما في "القاموس".
قال الراغب : التبدل والإبدال والتبديل والاستبدال جعل الشيء مكان آخر وهو أعم من العوض فإن العوض هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الأول والتبديل يقال للتغيير وإن لم تأت ببدله انتهى.
وقوله : {مِنْ أَزْوَاجٍ} مفعول تبدل ومن مزيدة لتأكيد النفي تفيد استغراق جنس الأزواج بالتحريم.
والمعنى لا يحل لك أن تتبدل بهؤلاء التسع أزواجاً أخر بكلهن أو بعضهن بأن تطلق واحدة وتنكح مكانها أخرى ، وبالفارسية : (وحلال نيست ترا آنكه بدل كنى بديشان اززنان ديكر يعني يكى را ازايشان طلاق دهى وبجاى او ديكرى رانكاح كنى) أراد الله لهنّ كرامة وجزاء على ما اخترن رسول الله والدار الآخرة لا الدنيا وزينتها ورضين بمراده فقصر رسوله عليهن ونهاه عن تطليقهن والاستبدال بهن
209
{وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} الواو عاطفة لمدخولها على حال محذوفة قبلها ولو في أمثال هذا الموقع لا يلاحظ لها جواب ، والإعجاب (شكفتى نمودن وخوش آمدن).
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
قال الراغب : العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء وقد يستعار للروق فيقال : أعجبني كذا أي : راقني والحسن كون الشيء ملائماً للطبع وأكثر ما يقال الحسن بفتحتين في تعارف العامة في المستحسن بالبصر.
والمعنى ولا يحل لك أن تستبدل بهن حال كونك لو لم يعجبك حسن الأزواج المستبدلة وجمالهن ولو أعجبك حسنهن أي : حال عدم إعجاب حسنهن إياك وحال إعجابه أي : على كل حال ولو في هذه الحالة فإن المراد استقصاء الأحوال ، وبالفارسية : (بشكفت آردترا خوبى ايشان).
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هي أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر ابن أبي طالب لما استشهد أراد رسول الله أن يخطبها فنهاه الله عن ذلك فتركها فتزوجها أبو بكر بإذن رسول الله فهي ممن أعجبه حسنهن.
وفي "التكملة" قيل : يريد حبابة أخت الأشعث بن قيس انتهى وفي الحديث "شارطت ربي أن لا أتزوج إلا من تكون معي في الجنة" فأسماء أو حبابة لم تكن أهلاً لرسول الله في الدنيا ولم تستأهل أن تكون معه في مقامه في الجنة فلذا صرفها الله عنه فإنه تعالى لا ينظر إلى الصورة بل إلى المعنى.
ون ترا دل اسير معنى بود
عشق معنى ز صورت اولى بود
حسن معنى نمى شود سرى
عشق آن باشد از زوال برى
اهل عالم همه درين كارند
بحجاب صور كرفتارند
(7/162)
وفي الحديث : "من نكح امرأة لمالها وجمالها حرم مالها وجمالها ومن نكحها لدينها رزقه الله مالها وجمالها" {إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} استثناء من النساء لأنه يتناول الأزواج والإماء ، يعنى : (حلال نيست بر تو زنان س ازين نه تن كه دارى مكر آنه مالك آن شود دست تو يعني بتصرف تودرآيد وملك توكردد) فإنه حل له أن يتسرى بهن.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ملك من هؤلاء التسع مارية القبطية أم سيدنا ابراهيم رضي الله تعالى عنه.
وقال مجاهد : معنى الآية لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات من بعد المسلمات ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من اليهود والنصارى يقول لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية إلا ما ملكت يمينك أحل الله له ما ملكت يمينه من الكتابيات أن يتسرى بهن {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ رَّقِيبًا} يقال رقبته حفظته والرقيب الحافظ وذلك إما لمراعاة رقبة المحفوظ وإما لرفعه رقبته.
والرقيب هو الذي لا يغفل ولا يذهل ولا يجوز عليه ذلك فلا يحتاج إلى مذكر ولا منبه كما في "شرح الأسماء" للزورقي أي : حافظاً مهيمناً فتحفظوا ما أمركم به ولا تتخطوا ما حد لكم.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي الآية الكريمة أمور :
منها : أن الجمهور على أنها محكمة وأن رسول الله عليه السلام مات على التحريم.
ومنها : أن الله لما وسع عليه الأمر في باب النكاح حظيت نفسه بشرب من مشاربها موجب لانحراف مزاجها كمن أكل طعاماً حلواً حاراً صفراوياً فيحتاج إلى غذاء حامض بارد دافع للصفراء حفظاً للصحة فالله تعالى من كمال عنايته في حق حبيبه غذاه بحامض {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ} الآية لاعتدال المزاج القلبي والنفسي فهو من باب تربية نفس النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
ومنها : أنه تعالى لما ضيق الأمر
210
على الأزواج المطهرة في باب الصبر بما أحل للنبي عليه السلام ووسع أمر النكاح عليه وخيره في الأرجاء والإيواء إليه كان أحمض شيء في مذاقهن وأبرد شيء لمزاج قلوبهن فغذاهن بحلاوة {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ} وسكن بها برودة مزاجهن حفظاً لسلامة قلوبهن وجبراً لانكسارها فهو من باب تربية نفوسهن.
ومنها : أن فيها ما يتعلق بمواعظ نفوس رجال الأمة ونسائها ليتعظوا بأحوال النبي عليه السلام وأحوال نسائه ويعتبروا بها {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ} من أحوال النبي عليه السلام وأحوال أزواجه وأحوال أمته {رَقِيبًا} يراقب مصالحهم.
ومنها : أن المراد بهؤلاء التسع عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة وصفية وميمونة وزينب وجويرية.
أما عائشة رضي الله عنها فهي بنت أبي بكر رضي الله عنه تزوجها عليه السلام بمكة في شوال وهي بنت سبع وبنى بها في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة وهي بنت تسع وقبض عليه السلام عنها وهي بنت ثماني عشرة ورأسه في حجرها ودفن في بيتها وماتت وقد فارقت سبعاً وستين سنة في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وصلى عليها أبو هريرة بالبقيع ودفنت به ليلاً وذلك في زمن ولاية مروان بن الحكم على المدينة من خلافة معاوية وكان مروان استخلف على المدينة أبا هريرة رضي الله عنه لما ذهب إلى العمرة في تلك السنة.
وأما حفصة رضي الله عنها فهي بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأمها زينب أخت عثمان بن مظعون أخوه عليه السلام من الرضاعة تزوجها عليه السلام في شعبان على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة قبل أحد بشهرين وكانت ولادتها قبل النبوة بخمس سنين وقريش تبني البيت وبلغت ثلاثاً وستين وماتت بالمدينة في شعبان سنة خمس وأربعين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو أمير المدينة يومئذٍ وحمل سريها وحمله أيضاً أبو هريرة رضي الله عنه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وأما أم حبيبة رضي الله عنها واسمها رملة فهي بنت أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية وتنصر عبيد الله هناك وثبتت هي على الإسلام وبعث رسول عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة فزوجه عليه السلام إياها وأصدقها النجاشي عن رسول الله أربعمائة دينار وجهزها من عنده وأرسلها في سنة سبع.
وأما سودة رضي الله عنها فهي بنت زمعة العامرية وأمها من بني النجار لأنها بنت أخي سلمى بن عبد المطلب.
وأما أم سلمة واسمها هند فهي بنت أبي أمية المخزومية تزوجها عليه السلام ومعها أربع بنات ماتت في ولاية يزيد بن معاوية وكان عمرها أربعاً وثمانين سنة ودفنت بالبقيع وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه.
وأما صفية رضي الله عنها فهي بنت حيى سيد بني النضير من أولاد هارون عليه السلام قتل حيى مع بني قريظة واصطفاها عليه السلام لنفسه فأعتقها فتزوجها وجعل عتقها صداقها وكانت رأت في المنام أن القمر وقع في حجرها فتزوجها عليه السلام وكان عمرها لم يبلغ سبع عشرة ماتت في رمضان سنة خمس وخمسين ودفنت بالبقيع.
(7/163)
وأما ميمونة رضي الله عنها فهي بنت الحارث الهلالية تزوجها عليه السلام وهو محرم في عمرة القضاء سنة سبع وبعد الإحلال بنى بها بسرف ماتت سنة إحدى وخمسين وبلغت ثمانين سنة ودفنت بسرف الذي هو محل الدخول بها وهو ككتف موضع قرب التنعيم.
وأما زينب رضي الله عنها فهي بنت جحش بن رباب
211
الأسدية وقد سبقت قصتها في هذه السورة.
وأما جويرية فهي بنت الحارث الخزاعية سبيت في غزوة المصطلق وكانت بنت عشرين سنة ووقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها على تسع آواق فأدى عليه السلام عنها ذلك وتزوجها وقيل إنها كانت بملك اليمين فأعتقها عليه السلام وتزوجها توفيت بالمدينة سنة ست وخمسين وقد بلغت سبعين سنة وصلى عليها مروان بن الحكم وهو والي المدينة يومئذٍ.
وهؤلاء التسع مات عنهن صلى الله عليه وسلّم وقد نظمهن بعضهم فقال :
توفي رسول الله عن تسع نسوة
إليهن تعزي المكرمات وتنسب
فعائشة ميمونة وصفية
وحفصة تتلوهن هند وزينب
جويرية مع رملة ثم سودة
ثلاث وست ذكرهن ليعذب
ومنها : أن الآية دلت على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من النساء وعن أبي هريرة أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال له النبي عليه السلام : "أنظر إليها فإن في أعين نساء الأنصار شيئاً" قال الحميدي : يعني الصغر وذلك أن النظر إلى المخطوبة قبل النكاح داعٍ للإلفة والإنس وأمر النبي عليه السلام أم سلمة خالته من الرضاعة حين خطب امرأة أن تشم هي عوارضها أي : أطراف عارضي تلك المرأة لتعرف أن رائحتها طيبة أو كريهة وعارضاً الإنسان صفحتا خدّيه.
وبالأعذار يجوز النظر إلى جميع الأعضاء حتى العورة الغليظة وهي تسعة :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
الأول : تحمل الشهادة كما في الزنى يعني أن الرجل إذا زنى بامرأة يجوز النظر إلى فرجهما ليشهد بأنه رآه كالميل في المكحلة.
والثاني : أداء الشهادة فإن أداء الشهادة بدون رؤية الوجه لا يصح.
والثالث : حكم القاضي.
والرابع : الولادة للقابلة.
والخامس : البكارة في العنة والرد بالعيب.
والسادس ، والسابع : الختان والخفض فالختان للولد سنة مؤكدة والخفض للنساء وهو مستحب وذلك أن فوق ثقبة البول شيئاً هو موضع ختانها فإن هناك جلدة رقيقة قائمة مثل عرف الديك وقطع هذه الجلدة هو ختانها وفي الحديث : "الختان سنة للرجال مكرمة للنساء ويزيد لذتها ويجف رطوبتها".
والثامن : إرادة الشراء.
والتاسع : إرادة النكاح ففي هذه الأعذار يجوز النظر وإن كان بالشهوة لكن ينبغي أن لا يقصدها فإن خطب الرجل امرأة أبيح له النظر إليها بالاتفاق فعند أحمد ينظر إلى ما يظهر غالباً كوجه ورقبة ويد وقدم وعند الثلاثة لا ينظر غير الوجه والكفين كما في "فتح الرحمن".
ومنها أن من علم أنه تعالى هو الرقيب على كل شيء راقبه في كل شيء ولم يلتفت إلى غيره.
قال الكاشفي : (وكسى كه ازسر رقيبى حق آكاه كردد اورا ازمراقبه اره نيست) :
و دانستي كه حق دانا وبيناست
نهان واشكار خويش كن راست
والتقرب بهذا الاسم تعلقاً من جهة مراقبته تعالى والاكتفاء بعلمه بأن يعلم أن الله رقيبه وشاهده في كل حال ويعلم أن نفسه عدو له وأن الشيطان عدو له وأنهما ينتهزان الفرص حتى يحملانه على الغفلة والمخالفة فيأخذ منها حذره بأن يلاحظ مكانها وتلبيسها ومواضع انبعاثها حتى يسد عليها المنافذ والمجاري ومن جهة التخلق أن يكون رقيباً على نفسه كما
212
ذكر وعلى من أمره الله بمراقبته من أهل وغيره.
وخاصية هذا الاسم جمع الضوال والحفظ في الأهل والمال فصاحب الضالة يكثر من قراءته فتنجمع عليه ويقرأه من خاف على الجنين في بطن أمه سبع مرات وكذلك لو أراد سفراً يضع يده على رقبة من يخاف عليه المنكر من أهل وولد يقوله سبعاً فإنه يأمن عليه إن شاء الله ذكره أبو العباس الفاسي في "شرح الأسماء الحسنى" نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا في الليل والنهار والسر والجهار ويجعلنا من أهل المراقبة إلى أن تخلو منا هذه الدار.
{تُرْجِى مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُـاْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَآءُا وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَا ذَالِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّا وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا * لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِنا بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ رَّقِيبًا} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/164)
{الَّذِينَ ءَامَنُوا} (آلأرده اندكه ون حضرت يغمبر عليه السلام زينب را رضي الله عنها بحكم رباني قبول فرموده وليمه ترتيب نمود ومردم را طلبيده دعوتي مستوفى داد وون طعام خورده شد بسخن مشغول كشتند وزينب دركوشه خانه روى بديوار نشته بود حضرت عليه السلام ميخواست كه مردمان بروند آخر خود از مجلس برخاست وبرفت صحابه نيز برفتند وسه كس مانده همنان سخن ميكفتند حضرت بدرخانه آمد وشرم ميداشت كه ايشانرا عذر خواهد وبعد ازانتظار بسياركه خلوت شدآيت حجاب نازل شد).
ـ وروي ـ أن ناساً من المؤمنين كانوا ينتظرون وقت طعام رسول الله فيدخلون ويقعدون إلى حين إدراكه ثم يأكلون ولا يخرجون وكان رسول الله يتأذى من ذلك فقال تعالى : {الَّذِينَ ءَامَنُوا} {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ} حجراته في حال من الأحوال {إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلا حال كونكم مأذوناً لكم ومدعواً {إِلَى طَعَامٍ} (س آن هنكام در آييد) وهو متعلق بيؤذن لأنه متضمن معنى يدعى للإشعار بأنه لا يحسن الدخول على الطعام من غير دعوة وإن أذن به كما أشعر به قوله : {غَيْرَ نَـاظِرِينَ} حال من فاعل لا تدخلوا على أن الاستتثناء وقع على الظرف والحال كأنه قيل : لا تدخلوا بيوت النبي إلا حال الإذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين إناه أي : غير منتظرين وقت الطعام أو إدراكه وهو بالقصر والكسر مصدر أنى الطعام إذا أدرك.
قال في "المفردات" : الأنا إذا كسر أوله قصر وإذا فتح مد وأنى الشيء يأنى قرب أناه ومثله آن يئين أي : حان يحين.
وفيه إشارة إلى حفظ الأدب في الاستئذان ومراعاة الوقت وإيجاب الاحترام {وَلَـاكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} استدراك من النهي عن الدخول بغير إذن وفيه دلالة بينة على أن المراد بالإذن إلى الطعام هو الدعوة إليه أي : إذا أذن لكم في الدخول ودعيتم إلى الطعام فادخلوا بيوته على وجوب الأدب وحفظ أحكام تلك الحضرة {فَإِذَا طَعِمْتُمْ} الطعام وتناولتم فإن الطعم تناول الغذاء ، وبالفارسية (س ون طعام خورديد) {فَانتَشِرُوا} فتفرقوا ولا تمكثوا ، وبالفارسية : (س را كنده شويد از خانهاى او) هذه الآية مخصوصة بالداخلين لأجل الطعام بلا إذن وأمثالهم وإلا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بالإذن لغير الطعام ولا اللبث بعد الطعام لأمر مهم
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{وَلا مُسْتَـاْنِسِينَ} (الاستئناس : أنس كرفتن) وهو ضد الوحشة والنفور {لِحَدِيثٍ} الحديث يستعمل في قليل الكلام وكثيره لأنه يحدث شيئاً فشيئاً وهو عطف على ناظرين أو مقدر بفعل أي : ولا تدخلوا طالبين الأنس لحديث بعضهم أو لحديث أهل البيت بالتسمع ، وبالفارسية : (ومنشينيد آرام كرفتكان براى سخن بيكديكر).
213
وفي "التأويلات النجمية" : إذا انتهت حوائجكم فأخرجوا ولا تتغافلوا ولا يمنعكم حسن خلقه من حسن الأدب ولا يحملنكم فرط احتشامه على الإبرام عليه وكأن حسن خلقه جسرهم على المباسطة معه حتى أنزل الله هذه الآية.
{إِنَّ ذَالِكُمْ} أي : الاستئناس بعد الأكل الدال على اللبث {كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ} (مى رنجاند وآزرده كند يغمبررا) لتضييق المنزل عليه وعلى أهله وإشغاله فيما لا يعنيه.
والأذى ما يصل إلى الإنسان من ضرر إما في نفسه أو في جسمه أو فتياته دنيوياً كان أو أخروياً {فَيَسْتَحْى مِنكُمْ} محمول على حذف المضاف أي : من إخراجكم بدليل قوله : {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْى مِنَ الْحَقِّ} فإنه يستدعي أن يكون المستحيى منه أمراً حقاً متعلقاً بهم لأنفسهم وما ذلك إلا إخراجهم.
يعني أن إخراجكم حق فينبغي أن لا يترك حياء ولذلك لم يتركه الله ترك الحي وأمركم بالخروج والتعبير عن عدم الترك بعدم الاستحياء للمشاكلة وكان عليه السلام أشد الناس حياء وأكثرهم عن العورات إغضاء وهو التغافل عما يكره الإنسان بطبيعته.
والحياء رقة تعتري وجه الإنسان عند فعل ما يتوقع كراهته أو ما يكون تركه خيراً من فعله.
قال الراغب : الحياء انقباض النفس عن القبائح وتركه لذلك.
ـ روي ـ أن الله تعالى يستحيي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه فليس يراد به انقباض النفس إذ هو تعالى منزه عن الوصف بذلك وإنما المراد به ترك تعذيبه وعلى هذا ما روي أن الله تعالى حيي أي : تارك للمقابح فاعل للمحاسن.
ثم في الآية تأديب للثقلاء.
قال الأحنف : نزل قوله تعالى : {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا} في حق الثقلاء فينبغي للضيف أن لا يجعل نفسه ثقيلاً بل يخفف الجلوس وكذا حال العائد فإن عيادة المرضى لحظة قيل للأعمش ما الذي أعمش عينيك قال : النظر إلى الثقلاء قيل :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
إذا دخل الثقيل بأرض قوم
فما للساكنين سوى الرحيل
(7/165)
وقيل : مجالسة الثقيل حمى الروح.
وقيل لأنوشروان : ما بال الرجل يحمل الحمل الثقيل ولا يحمل مجالسة الثقيل قال : يحمل الحمل بجميع الأعضاء والثقيل تنفرد به الروح.
قيل : من حق العاقل الداخل على الكرام قلة الكلام وسرعة القيام.
ومن علامة الأحمق الجلوس فوق القدر والمجيىء في غير الوقت.
وقد قالوا : إذا أتى باب أخيه المسلم يستأذن ثلاثاً ويقول في كل مرة السلام عليكم يا أهل البيت ثم يقول : أيدخل فلان ويمكث بعد كل مرة مقدار ما يفرغ الآكل من أكله ومقدار ما يفرغ المتوضىء من وضوئه والمصلي بأربع ركعات من صلاته فإن أذن دخل وخفف وإلا رجع سالماً عن الحقد والعداوة.
ولا يجب الاستئذان على من أرسل إليه صاحب البيت رسولاً فأتى بدعوته.
قال في "كشف الأسرار" (أدب نهايت قال است وبدايت حال حق جل جلاله أول مصطفى را عليه السلام بأدب بيارست س بخلق فرستاد ، كما قال : "أدبني ربي فأحسن تأديبي".
عام را هرعضوى از اعضاى ظاهر أدبي بايد والا هالكند.
وخاص را هر عضوى از اعضاى باطن أدبي بايد والا هالكند.
وخاص الخاص درهمه اوقات ادب بايد قال المولى الجامي) :
أدبوا النفس أيها الأحباب
طرق العشق كلها آداب
214
مايه دولت ابد ادبست
بايه رفعت خرد ادبست
يست آن داد بندكى دادن
بر حدود خداى ايستادن
قول وفعل از شنيدن وديدن
بمسوازين شرح سنجيدن
باحق وخلق وشيخ ويار ورفيق
ره سردن بمقتضاى طريق
حركات جوارح واعضا
راست كردن بحكم دين هدا
خطرات وخواطر واوهام
اك كردن ز شوب نفس تمام
دين وإسلام در ادب طلبيست
كفر وطغيان زشوم بى ادبيست
ومن الله التوفيق للآداب الحسنة والأفعال المستحسنة {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَـاعًا} الماعون وغيره {فَسْـاَلُوهُنَّ} أي : المتاع {مِن وَرَآىاِ حِجَابٍ} من خلف ستر ، وبالفارسية : (ازس رده) ويقال خارج الباب {ذالِكُمْ} أي : سؤاله المتاع من وراء الحجاب {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} أي : أكثر تطهيراً من الخواطر النفسانية والخيالات الشيطانية فإن كل واحد من الرجل والمرأة إذا لم ير الآخر لم يقع في قلبه شيء.
قال في "كشف الأسرار" : نقلهم عن مألوف العادة إلى معروف الشريعة ومفروض العبادة وبين أن البشر بشر وإن كانوا من الصحابة وأزواج النبي عليه السلام فلا يأمن أحد على نفسه من الرجال والنساء ولهذا شدد الأمر في الشريعة بأن لا يخلو رجل بامرأة ليس بينهما محرمية كما قال عليه السلام : "لا يخلوّن رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان".
وكان عمر رضي الله عنه يحب ضرب الحجاب عليهن محبة شديدة وكان يذكره كثيراً ويود أن ينزل فيه وكان يقول : لو أطاع فيكن ما رأتكن عين وقال يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ـ وروي ـ أنه مرَّ عليهن وهن مع النساء في المسجد فقال : احتجبن فإن لَكُنَّ على النساء فضلاً كما أن لزوجكن على الرجال الفضل فقالت زينب : إنك يا ابن الخطاب لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا ، يعني : (اكر مراد الله بود خود فرمايد وحاجت بغيرت تو نباشد تادرين حديث بودند بروفق قول عمر رضي الله عنه آيت حجاب فرود آمد {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} ) الخ.
وعن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي عليه السلام كن يخرجن الليل لحاجتهن وكان عمر يقول للنبي : احجب نساءك فلم يكن يفعل فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي عشياً وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصاً على أن تنزل آية الحجاب فأنزلها الله تعالى وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال (وبعد از نزولش حكم شد تاهمه زنان رده فرو كذا شتند) ولم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله متنقبة كانت أو غير متنقبة ، يعني : (بعد از نزول آيت حجاب هي كس را روا نبود كه درزنى از زنان رسول نكر ستندا كر در نقاب بودى يابى نقاب) واستدل بعض العلماء بأخذ الناس عن أزواج النبي عليه السلام من وراء الحجاب على جواز شهادة الأعمى إذا تيقن الصوت وهو مذهب مالك وأحمد ولم يجزها أبو حنيفة سواء كانت فيما يسمع أو لا خلافاً لأبي يوسف فيما إذا تحملها بصيراً فإن العلم حصل له بالنظر وقت التحمل وهو العيان فأداؤه صحيح إذ لا خلل
215
(7/166)
في لسانه وتعريف المشهود عليه يحصل بذكر نسبه ولأبي حنيفة أنه يحتاج في أدائها إلى التمييز بين الخصمين وهو لا يفرق بينهما إلا بالنغمة وهي لا تعتبر لأنها تشبه نغمة أخرى ويخاف عليه التلقين من الخصم والمعرفة بذكر النسب لا تكفي لأنه ربما يشاركه غيره في الاسم والنسب وهذا الخلاف في الدَّين والعقار لا في المنقول لأن شهادته لا تقبل فيه اتفاقاً لأنه يحتاج إلى الإشارة والدين يعرف ببيان الجنس والوصف والعقار بالتحديد وكذا قال الشافعي : تجوز شهادة الأعمى فيما رآه قبل ذهاب بصره أو يقر في إذنه فيتعلق به حتى يشهد عند قاضٍ به {وَمَا كَانَ لَكُمْ} أي : وما صح وما استقام لكم {أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} أي : أن تفعلوا في حياته فعلاً يكرهه ويتأذى به {وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ} (زنان اوراكه مدخول بها باشد) {مِنا بَعْدِهِ} أي : من بعد وفاته أو فراقه {أَبَدًا} فإن فيه تركاً لمراعاة حرمته فإنه أب وأزواجه أمهات ويقال لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة كما قال عليه السلام : "شارطت ربي أن لا أتزوج إلا من تكون معي في الجنة" ولو تزوجن لم يكنّ معه في الجنة لأن المرأة لآخر أزواجها لما روى أن أم الدرداء رضي الله عنها قالت لأبي الدرداء رضي الله عنه عند موته : إنك خطبتني من أبويّ في الدنيا فأنكحاك فإني أخطبك إلى نفسي في الآخرة فقال لها : لا تنكحي بعدي فخطبها معاوية بن أبي سفيان فأخبرته بالذي كان وأبت أن تتزوجه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ـ وروي ـ عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال لامرأته : إن أردت أن تكوني زوجي في الجنة فلا تتزوجي بعدي فإن المرأة لآخر أزواجها.
ـ وروي ـ في خبر آخر بخلاف هذا وهو أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله إن المرأة منا إذا كان لها زوجان لأيهما تكون في الآخرة؟ فقال : "إنها تخير فتختار أحسنهما خلقاً منها" ثم "قال يا أم حبيبة إن حسن الخلق ذهب بالدنيا والآخرة" والحاصل : أنه يجب على الأمة أن يعظموه عليه السلام ويوقروه في جميع الأحوال في حال حياته وبعد وفاته فإنه بقدر ازدياد تعظيمه وتوقيره في القلوب يزداد نور الإيمان فيها وللمريدين مع الشيوخ في رعاية أمثال هذا الأدب إسوة حسنة لأن الشيخ في قومه كالنبي في أمته كما سبق بيانه عند قوله : {وَأَزْوَاجُه أُمَّهَـاتُهُمْ} .
وفي الآية إشارة إلى أن قوى النفس المحمدية من جهة الراضية والمرضية والمطمئنة بطبقاتها بكلياتها متفردة بالكمالات الخاصة للحضرة الأحمدية دنيا وآخرة فافهم سر الاختصاص والتشريف.
ثم إن اللاتي طلقهن النبي عليه السلام اختلف فيهن ومن قال بحلهن فلأنه عليه السلام قطع العصمة حيث قال : "أزواجي في الدنيا هن أزواجي في الآخرة" فلم يدخلن تحت الآية والصحيح أن من دخل بها النبي عليه السلام ثبتت حرمتها قطعاً فخص من الآية التي لم يدخل بها لما روى أن الأشعث بن قيس تزوج المستعيذة في أيام خلافة عمر رضي الله عنه فهمّ برجمهما فأخبر بأنه عليه السلام فارقها قبل أن يمسسها فترك من غير نكير.
وسبب نزول الآية أن طلحة بن عبيد الله التيمي قال : لئن مات محمد لأتزوجن عائشة وفي لفظ تزوج محمد بنات عمنا ويحجبهن عنا يعني يمنعنا من الدخول على بنات عمنا لأنه وعائشة كانا من بني تيم بن مرة فقال : لئن مات لأتزوجن عائشة من بعده فنزل فيه قوله تعالى : {وَمَا كَانَ لَكُمْ} الآية.
قال الحافظ السيوطي وقد كنت في وقفة شديدة
216
من صحة هذا الخبر لأن طلحة أحد العشرة المبشرين بالجنة أجل مقاماً من أن يصدر منه ذلك حتى رأيت أنه رجل آخر شاركه في اسمه واسم أبيه ونسبته كما في "إنسان العيون" {إِنَّ ذَالِكُمْ} يعني إيذاءه ونكاح أزواجه من بعده {كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} أي : ذنباً عظيماً وأمراً هائلاً (زيرا كه حرمت آن حضرت لازمست درحيات او وبعد از وفات او بلكه حيات وممات او دراداى حقوق تعظيم يكسانست ه خلعت خلافت ولباس شفاعت كبرى س از وفات بر بالاى اعتدال او دوخته اند) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
قباى سلطنت هر دو كون تشريفست
كه جز بقامت زيباى او نيامد راست
ثم بالغ في الوعيد فقال :
(7/167)
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَـاظِرِينَ إِنَـاـاهُ وَلَـاكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَـاْنِسِينَ لِحَدِيثٍا إِنَّ ذَالِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْى مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْى مِنَ الْحَقِّا وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَـاعًا فَسْـاَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍا ذَالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّا وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَه مِنا بَعْدِه أَبَدًا إِنَّ ذَالِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا * إِن تُبْدُوا شَيْـاًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا * لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءَابَآاـاِهِنَّ وَلا أَبْنَآاـاِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَآاـاِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّا وَاتَّقِينَ اللَّهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدًا} .
{إِن تُبْدُوا} على ألسنتكم (يعني آشكارا كنيد) {شَيْـاًا} مما لا خير فيه كنكاحهن.
وفي "التأويلات النجمية" : من ترك الأدب وحفظ الحرمة وتعظيم شأنه صلى الله عليه وسلّم {أَوْ تُخْفُوهُ} في صدوركم ، يعني : (بز بان نياريد زيرا كه نكاح عائشة رضي الله عنها در دل بعض كذشته بود وبز بان نياورده) كذا قال الكاشفي : {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا} بليغ العلم بظاهر كل شيء وباطنه فيجازيكم بما صدر عنكم من المعاصي البادية والخافية لا محالة وعمم ذلك ليدخل فيه نكاحهن وغيره.
قال في "كشف الأسرار" : (ون ميدانى كه حق تعالى بر اعمال واحوال تو مطلع است ونهان وآشكاراى توميداند ومى بيند يوسته بردركاه او باش افعال خودرا مهذب داشته باتباع علم وغذاى حلال ودوام ورد وأقوال خودرا رياضت داده بقراءت قرآن ومداومت عذر ونصيحت خلق واخلاق خود اك داشته از هره غبار راه دين است وسد منهج طريقت ون بخل وريا وطمع است وآرايش سخا وتوكل وقناعت وكلمه "لا إله إلا الله" برهر دو حالت مشتمل است "لا إله" نفى آلايش است و"إلا الله" اثبات وآرايش ون بنده كويد "لا إله" هره آلايش است وحجاب راه ازبيخ بكند آنكه جمال "إلا الله" روى نمايد وبنده را بصفات آرايش بيارايد واورا آراسته ويراسته فرا مصطفى بردتا ويرا بامتى قبول كند واكراثر "لا إله" بروى ظاهر نبود وجمال خلعت "إلا الله" بروى نبينذ اورا بامتى فرا نذيرد وكويد سحق سحقا) ، قال المولى الجامي :
"
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
لا" نهنكيست كائنات آشام
عرش تا فرش او كشيده بكام
هر كجا كرده آن نهنك آهنك
ازمن وما نه بوى مانده نه رنك
كره "لا" داشت تيركى عدم
دارد "الا" فروغ نور قدم
ون كند "لا" بساط كثرت طى
دهد "إلا" زجام وحدت مى
تا نسازى حجاب كثرت دور
ندهد آفتاب وحدت نور
كرزمانى زخود خلاص شوى
مهبط فيض نور خاص شوى
جذب آن فيض يابد استيلا
هم ز "لا" وار هى هم از "الا"
هركه حق داد نور معرفتش
كائن بائن بود صفتش
جان بحق تن بغير حق كائن
تن زحق جان زغير حق بائن
{لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءَابَآاـاِهِنَّ} استئناف لبيان من لا يجب الاحتجاب عنهم.
ـ روي ـ أنه لما نزلت
217
(7/168)
آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب يا رسول الله أونكلمهن أيضاً أي : كالأباعد من وراء حجاب فنزلت ورخص الدخول على نساء ذوات محارم بغير حجاب ، يعني : (هي كناهى نيست برزنان درنمودن روى بدران خويش) {وَلا أَبْنَآاـاِهِنَّ} (ونه بسران خويش) {وَلا إِخْوَانِهِنَّ} (ونه ببرادران ايشان) {وَلا أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ} (ونه بسران برادران ايشان) {وَلا أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ} (ونه بسران خواهران ايشان) فهؤلاء ينظرون عند أبي حنيفة إلى الوجه والرأس والساقين والعضدين ولا ينظرون إلى ظهرها وبطنها وفخذها وأبيح النظر لهؤلاء لكثرة مداخلتهن عليهن واحتياجهن إلى مداخلتهن وإنما لم يذكر العم والخال لأنهما بمنزلة الوالدين ولذلك سمي العم أباً في قوله : {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَـاقَ} أو لأنه كره ترك الاحتجاب منهما مخافة أن يصفاهن لأبنائهما وأبناؤهما غير محارم لجواز النكاح بينهم وكره وضع الخمار عندهما وقد نهى عن وصف المرأة لزوجها بشرة امرأة أخرى ومحاسنها بحيث يكون كأنه ينظر إليها فإنه يتعلق قلبه بها فيقع بذلك فتنة {وَلا نِسَآاـاِهِنَّ} يعني المؤمنات فتنظر المسلمة إلى المسلمة سوى ما بين السرة والركبة وأبو حنيفة يوجب ستر الركبة فالمراد بالنساء نساء أهل دينهن من الحرائر فلا يجوز للكتابيات الدخول عليهن والتكشف عندهن أو المراد المسلمات والكتابيات وإنما قال ولا نسائهن لأنهن من أجناسهن فيحل دخول الكتابيات عليهن وقد كانت النساء الكوافر من اليهوديات وغيرهن يدخلن على نساء النبي عليه السلام فلم يكن يحتجبن ولا أمرن بالحجاب وهو قول أبي حنيفة وأحمد ومالك {وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ} من العبيد والإماء فيكون عبد المرأة محرماً لها فيجوز له الدخول عليها إذا كان عفيفاً وأن ينظر إليها كالمحارم وقد أباحت عائشة النظر لعبدها وقالت لذكوان : إنك إذا وضعتني في القبر وخرجت فأنت حر وقيل من الإماء خاصة فيكون العبد حكمه حكم الأجنبي معها.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
قال في "بحر العلوم" وهو أقرب إلى التقوى لأن عبد المرأة كالأجنبي خصياً كان أو فحلاً وأين مثل عائشة وأين مثل عبدها في العبيد لا سيما في زماننا هذا وهو قول أبي حنيفة وعليه الجمهور فلا يجوز لها الحج ولا السفر معه وقد أجاز رؤيته إلى وجهها وكفيها إذا وجد الأمن من الشهوة ولكن جواز النظر لا يوجب المحرمية وقد سبق بعض ما يتعلق بالمقام في سورة النور فراجع لعلك تجد السرور {وَاتَّقِينَ اللَّهَ} فيما أمرتن من الاحتجاب واخشين حتى لا يراكن غير هؤلاء ممن ذكر وعليكن بالاحتياط ما قدرتن ، قال الكاشفي : (س عدول كرد از غيبت بخطاب بجهت تشديد وامر فرمودكه اى زنان در س حجاب قرار كيريد وبترسيد ازخداى ورده شرم ازيش برنداريد) {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدًا} لا يخفى عليه خافية من الأقوال والأفعال ولا يتفاوت في علمه والأوقات والأحوال.
ونكه خدا شد بخفايا كواه
كرد شمارا همه لحظه نكاه
ديده بوشيد زنا محرمان
دور شويد ازره وهم وكمان
درس زانوى حيا ووقار
خوش بنشينيد بصبر وقرار
218
وفي "التأويلات النجمية" : يشير بالآية إلى تسكين قلوبهن بعد فطامهن عن مألوفات العادة ونقلهن إلى معروف الشريعة ومفروض العبادة فمنّ عليهن وعلى أقربائهن بإنزاله هذه الرخصة لأنه ما أخرجهن وما خلى سبيل الاحتياط لهن مع ذلك فقال : {وَاتَّقِينَ اللَّهَ} فيهن وفي غيرهن بحفظ الخواطر وميل النفوس وهمها {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ} من أعمال النفوس وأحوال القلوب {شَهِيدًا} حاضراً وناظراً إليها.
قال أبو العباس الفاسي : الشهيد هو الحاضر الذي لا يغيب عنه معلوم ولا مرئى ولا مسموع ومن عرف أنه الشهيد عبده على المراقبة فلم يره حيث نهاه ولم يفقده حيث أمره واكتفى بعلمه ومشاهدته عن غيره فالله تعالى لا يغيب عنه شيء في الدنيا والآخرة وهو يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم وشاهد منهم.
ذره نيست درمكين ومكان
كه نه علمش بود محيط برآن
عدد ريك دربيانانها
عدد بركها ببستانها
همه نزديك اوبود ظاهر
همه در علم اوبود حاضر
وخاصية هذا الاسم الرجوع عن الباطل إلى الحق حتى أنه إذا أخذ من الولد العاق من جبهته شعر وقرىء عليه أو على الزوجة كذلك الفا فإنه يصلح حالها كما في شرح الأسماء للفاسي نسأل الله سبحانه أن يصلح أحوالنا وأقوالنا وأفعالنا ويوجه إلى جنابه الكريم آمالنا.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائكَتَهُ} .
اعلم أن الملائكة عند أهل الكشف من أكابر أهل الله على قسمين :
قسم تنزلوا من مرتبة الأرواح إلى مرتبة الأجسام فلهم أجسام لطيفة كما أن للبشر أجساماً كثيفة وهم المأمورون بسجود آدم عليه السلام ويدخل فيهم جميع الملائكة الأرضية والسماوية أصاغرهم وأكابرهم كجبريل وغيره بحيث لا يشذ منهم فرد أصلاً.(7/169)
وقسم بقوا في عالم الأرواح وتجردوا عن ملابس الجسمانية لطيفة كانت أو كثيفة وهم المهيمون الذين أشير إليهم بقوله تعالى : {أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} وهم غير مأمورين بالسجود إذ ليس لهم شعور أصلاً لا بأنفسهم ولا بغيرهم من الموجودات مطلقاً لاستغراقهم في بحر شهود الحق.
والإنسان أفضل من هذين القسمين في شرف الحال ورتبة الكمال لأنه مخلوق بقبضتي الجمال والجلال بخلاف الملائكة فإنهم مخلوقون بيد الجمال فقط كما أشير إليه بقوله :
ملائك را ه سود ازحسن طاعت
و فيض عشق بر آدم فرو ريخت
وذلك لأن العشق يقتضي المحنة وموطنها الدنيا ولذا أهبط آدم من الجنة والمحنة من باب التربية وهي من آثار الجلال والمراد بالملائكة ههنا هو القسم الأول لأنهم يشاركون مؤمني البشر في الجمال والوجود الجسماني فكما أن مؤمني البشر كلهم يصلون على النبي فكذا هذا القسم من الملائكة مع أن مقام التعظيم يقتضي التعميم كما لا يخفى على ذي القلب السليم فاعرف واضبط أيها اللبيب الفهيم {يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ} أي : يعتنون بما فيه خيره وصلاح أمره ويهتمون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه وذلك من الله تعالى بالرحمة ومن الملائكة بالدعاء والاستغفار.
فقوله يصلون محمول على عموم المجاز إذ لا يجوز إرادة معنيي المشترك معاً فإنه لا عموم للمشترك مطلقاً أي : سواء كان بين المعاني تنافٍ أم لا.
قال القهستاني : الصلاة من الله
219
الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن الإنس والجن القيام والركوع والسجود والدعاء ونحوها ومن الطير والهوام التسبيح اسم من التصلية وكلاهما مستعمل بخلاف الصلاة بمعنى أداء الأركان فإن مصدرها لم يستعمل فلا يقال صليت تصلية بل صلاة ، وقال بعضهم : الصلاة من الله تعالى بمعنى الرحمة لغير النبي عليه السلام وبمعنى التشريف بمزيد الكرامة للنبي والرحمة عامة والصلاة خاصة كما دل العطف على التغاير في قوله تعالى :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{أُوالَـائِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} (البقرة : 157) ، وقال بعضهم : صلوات الله على غير النبي رحمة وعلى النبي ثناء ومدحة قولاً وتوفيق وتأييد فعلاً وصلاة الملائكة على غير النبي استغفار وعلى النبي إظهار للفضيلة والمدح قولاً والنصرة والمعاونة فعلاً وصلاة المؤمنين على غير النبي دعاء وعلى النبي طلب الشفاعة قولاً واتباع السنة فعلاً.
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} اعتنوا أنتم أيضاً بذلك فإنكم أولى به {وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} بأن تقولوا اللهم صل على محمد وسلم أو صلى الله عليه وسلم بأن يقال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم لقوله عليه السلام : "إذا صليتم عليّ فعمموا" وإلا فقد نقصت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلّم كما في شرح القهستاني.
وقال الإمام السخاوي في المقاصد الحسنة لم أقف عليه أي : على هذا الحديث بهذا اللفظ ويمكن أن يكون بمعنى صلوا عليّ وعلى أنبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني انتهى.
وخص اللهم ولم يقل يا رب ويا رحمن صلِ لأنه اسم جامع دال على الألوهية وعلامة الإسلام في قوله لا إله إلا الله فناسب ذكره وقت الصلاة عليه صلى الله عليه وسلّم لأنه عليه السلام جامع لنعوت الكمال مشتمل على أسرار الجمال والجلال.
وخص اسم محمد لأن معناه المحمود مرة بعد أخرى فناسب مقام المدح والثناء.
والمراد بآله الأتقياء من أمته فدخل فيه بنو هاشم والأزواج المطهرة وغيرهم جميعاً.
قال في شرح "الكشاف" وغيره معنى قوله : اللهم صل على محمد اللهم عظمه في الدنيا بإعلاء دينه وإعظام ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته وإظهار فضله عن الأولين والآخرين وتقديمه على كافة الأنبياء والمرسلين ولما لم يكن حقيقة الثناء في وسعنا أمرنا أن نكل ذلك إليه تعالى فالله يصلي عليه بسؤالنا.
سلام من الرحمن نحو جنابه
لأن سلامي لا يليق ببابه
فإن قلت فما الفائدة في الأمر بالصلاة؟ قلت : إظهار المحبة للصلاة كما استحمد فقال : قل الحمدإظهاراً لمحبة الحمد مع أنه هو الحامد لنفسه في الحقيقة ومعنى سلم اجعله يا رب سالماً من كل مكروه كما قال القهستاني.
وقال بعضهم : (التسليم هنا بمعنى : آفرين كردن) ويجيىء بمعنى (اك ساختن ، وسردن وفروتنى كردن وسلامت دادن).
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "الفتوحات المكية" أن السلام إنما شرع من المؤمنين لأن مقام الأنبياء يعطي الاعتراض عليهم لأمرهم الناس بما يخالف أهواءهم فكأن المؤمن يقول : يا رسول الله أنت في أمان من اعتراضي عليك في نفسي وكذلك السلام على عباد الله الصالحين ، فإنهم كذلك يأمرون الناس بما يخالف أهواءهم بحكم الإرث للأنبياء وأما تسليمنا على أنفسنا فإن فينا ما يقتضي الاعتراض واللوم منا علينا فنلزم نفوسنا التسليم
220
(7/170)
فيه لنا ولا نعترض كما يقول الإنسان قلت لنفسي كذا فقالت : لا ولم نقف على رواية عن النبي عليه السلام في تشهده الذي كان يقوله في الصلاة هل كان يقول مثلنا السلام عليك أيها النبي أو كان يقول السلام عليّ أو كان لا يقول شيئاً من ذلك ويكتفي بقوله : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
فإن كان يقول مثل ما أمرنا نقول في ذلك وجهان : أحدهما أن يكون المسلم عليه هو الحق وهو مترجم عنه كما جاء في سمع الله لمن حمده.
والوجه الثاني أنه كان يقام في صلاته في مقام الملائكة مثلاً ثم يخاطب نفسه من حيث المقام الذي أقيم فيه أيضاً من كونه نبياً فيقول : السلام عليك أيها النبي فعل الأجنبي فكأنه جرد من نفسه شخصاً آخر انتهى كلام الفتوحات.
قالوا : السلام مخصوص بالحي والنبي عليه السلام ميت.
وأجيب بأن المؤمن لا يموت حقيقة وإن فارق روحه جسده فالنبي عليه السلام مصون بدنه الشريف من التفسخ والانحلال حي بالحياة البرزخية ويدل عليه قوله : "إنملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام" ، وفي الحديث : "ما من مسلم يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام" ويؤخذ من هذا الحديث أنه حي على الدوام في البرزخ الدنيوي لأنه محال عادة أن يخلو الوجود كله من واحد يسلم على النبي في ليل أو نهار.
فقوله رد الله عليّ روحي أي : أبقى الحق فيّ شعور خيالي الحسي في البرزخ وإدراك حواسي من السمع والنطق فلا ينفك الحس والشعور الكلي عن الروح المحمدي وليس له غيبة عن الحواس والأكوان لأنه روح العالم وسره الساري.
قال الإمام السيوطي : وللروح بالبدن اتصال بحيث يسمع ويشعر ويرد السلام فيكون عليه السلام في الرفيق الأعلى وهي متصلة بالبدن بحيث إذا سلم المسلم على صاحبها رد عليه السلام وهي في مكانها هناك وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد فيعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام التي إذا شغلت مكاناً لم يكن أن تكون في غيره وهذا غلط محض وقد رأى النبي موسى عليهما السلام ليلة المعراج قائماً يصلي عليه وهو في الرفيق الأعلى ولا تنافي بين الأمرين فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان ولولا لطافة الروح ونورانيتها ما صح اختراق بعض الأولياء الجدران ولا كان قيام الميت في قبره والتراب عليه أو التابوت فإنه لا يمنعه شيء من ذلك عن قعوده وقد صح أن الإنسان يمكن أن يدخل من الأبواب الثمانية للجنة في آن واحد لغلبة الروحانية مع تعذره في هذه النشأة الدنيوية.
وقد مثل بعضهم بالشمس فإنها في السماء كالأرواح وشعاعها في الأرض وفي الحديث : "ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام" ولعل المراد أن يرد السلام بلسان الحال لا بلسان المقال لأنهم يتأسفون على انقطاع الأعمال عنهم حتى يتحسرون على رد السلام وثوابه.
قال الشيخ المظهر التسليم على الأموات كالتسليم على الأحياء وأما قوله عليه السلام : "عليكم السلام تحية الموتى" أي : بتقديم عليكم فمبني على عادة العرب وعرفهم فإنهم كانوا إذا سلموا على قبر يقدمون لفظ عليكم فتكلم عليه السلام على عادتهم.
وينبغي أن يقول المصلى اللهم صل على محمد وعلى آل محمد بإعادة كلمة على فإن أهل السنة التزموا إدخال على على الآل رداً على الشيعة فإنهم منعوا ذكر على بين النبي وآله وينقلون في ذلك حديثاً وهو "من فصل بيني وبين آلي بعلي لم ينله شفاعتي" قاله القهستاني والعصام وغيرهما.
وقال
221
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/171)
محمد الكردي : هذا غير ثابت وعلى تقدير الثبوت فالمراد به علي بن أبي طالب بأن يجعل علياً من آله دون غيرهم فيكون فيه تعريض للشيعة فإنهم الذين يفصلون بينه وبين آله به لفرط محبتهم له ولذا قال عليه السلام لعلي : "هلك فيك اثنان محب مفرط ومبغض مفرط" فالمحب المفرط الروافض والمبغض الخوارج ونحن فيما بين ذلك انتهى كلامه.
ولا يقول في الصلاة وارحم محمداً فإنه يوهم التقصير إذ الرحمة تكون بإتيان ما يلام عليه وهو الأصح كما ذكره شرف الدين الطيبي في "شرح المشكاة".
وقال في "الدر" الصحيح إنه يكره.
قال الشيخ علي في "أسئلة الحكم" : حرمت الصدقة على رسول الله وعلى آله لأن الصدقة تنشأ عن رحمة الدافع لمن يتصدق عليه فلم يرد الله أن يكون مرحوم غيره ولهذا نهى بعض الفقهاء عن الترحم في الصلاة عليه تأدباً لتلك الحضرة وإن كانت الرواية وردت به كما ذكره صدر الشريعة.
ويتصل به قراءة الفاتحة لروحه المطهرة فالشافعي وأصحابه منعوا ذلك لروحه ولأرواح سائر الأنبياء عليهم السلام لأن العادة جرت بقراءة الفاتحة لأرواح العصاة فيلزم التسوية بأرواحهم مع أن في الدعاء بالترحم التحقير وجوزه أبو حنيفة وأصحابه لأنه عليه السلام دعا لبعض الأنبياء بالرحمة كما قال : "رحم الله أخي موسى" "ورحم الله أخي لوطاً" وقال بين السجدتين : "اللهم اغفر لي وارحمني" وقال في تعليم السلام : "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" فليس أحد مستغنياً عن الرحمة.
وأيضاً فائدة القراءة ونحوها عائدة إلينا كما قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر : الصلاة على النبي في الصلاة وغيرها دعاء من العبد المصلي لمحمد صلى الله عليه وسلّم بظهر الغيب وقد ورد في الحديث الصحيح : "إن من دعا لأخيه بظهر الغيب قال له الملك ولك بمثله" وفي رواية "ولك بمثليه" فشرع ذلك رسول الله وأمر الله به في قوله : يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} ليعود هذا الخير من الملك إلى المصلي انتهى.
وفي الدعاء أيضاً حكمة جليلة.
قال بعض الكبار : أما الوسلية فهي أعلى درجة في الجنة أي : جنة عدن وهي لرسول الله حصلت له بدعاء أمته فعلى ذلك الحق سبحانه حكمة أخفاها فإنا بسببه نلنا السعادة من الله وبه كنا خير أمة أخرجت للناس وبه ختم الله لنا كما ختم به النبيين وهو عليه السلام بشر كما أمر أن يقول ولنا وجه خاص إلى الله نناجيه منه ويناجينا وكذلك كل مخلوق له وجه خاص إلى الله فأمرنا عن أمر الله أن ندعو له بالوسيلة حتى ينزل فيها بدعاء أمته وهذا من باب الغيرة الإلهية إن فهمت.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
قال في "التأويلات النجمية" : يشير بهذا الاختصاص إلى كمال العناية في حق النبي وفي حق أمته.
أما في حق النبي فإنه يصلي عليه صلاة تليق بتلك الحضرة المقدسة عن الشبه والمثال مناسبة لحضرة نبوته بحيث لا يفهم معناها سواها.
وأما في حق أمته فهو إنه تعالى أوجب على أمته الصلاة عليه ثم جازاهم بكل صلاة عليه عشر صلوات من صلاته وبكل سلام عشراً لأن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وهذه عناية مختصة بالنبي وأمته.
ولصلاة الله على عباده مراتب بحسب مراتب العباد ولها معان كالرحمة والمغفرة والوارد والشواهد والكشوف والمشاهدة والجذبة والقرب والشرب والري والسكر والتجلي والفناء في الله والبقاء بالله فكل هذا من قبيل الصلاة على العبد.
وقال بعضهم : صلوات الله على النبي تبليغه إلى المقام المحمود وهو مقام الشفاعة لأمته وصلوات الملائكة دعاؤهم له بزيادة
222
مرتبته واستغفارهم لأمته وصلوات الأمة متابعتهم له ومحبتهم إياه والثناء عليه بالذكر الجميل وهذا التشريف الذي شرف الله به نبينا عليه السلام أتم من تشريف آدم عليه السلام بأمر الملائكة بالسجود له لأنه لا يجوز أن يكون الله تعالى مع الملائكة في هذا التشريف وقد أخبر تعالى عن نفسه بالصلاة على النبي ثم عن الملائكة.
عقل دور انديش ميداندكه تشريفي نين
هي دين رورنديد وهي يغمبر نيافت
يصلى علي عليه الله جل جلاله
بهذا بدا للعالمين كماله
بجامه خانه دين خلعت درود وسلام
وكشت دوخته برقامت تو آمدراست
نشان حرمت صلوا عليه بر نامت
نوشته اندونين منصبي شريف تراست
(بعد از نزول آيت صلوات هردو رخسار مبارك آن حضرت از غايت مسرت برافروخته كشت وفرمودكه تهنيت كوييد مراكه آيت بر من فرود آمدكه دوستراست نزديك من از دنيا وهره دراوست) :
نورى از روزن اقبال در آفتاد مرا
كه ازان خانه دل شد طرب آباد مرا
(7/172)
عن الأصمعي قال : سمعت المهدي على منبر البصرة يقول : إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال : {إِنَّ اللَّهَ} الخ آثره صلى الله عليه وسلّم من بين الرسل واختصكم بها من بين الأمم فقابلوا نعمة الله بالشكر وإما بدأ تعالى بالصلاة عليه بنفسه إظهاراً لشرفه ومنزلته وترغيباً للأمة فإنه تعالى مع استغنائه إذا كان مصلياً عليه كان الأمة أولى به لاحتياجهم إلى شفاعته وتقوية لصلوات الملائكة والمؤمنين فإن صلاة الحق حق وصلاة غيره رسم والرسم يتقوى بمقارنة الحق.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ازكنه وصف توكه تواندكه دم زند
وصفى سزاى تونكند خداى تو
وإشارة إلى أنه عليه السلام مجلى تام لأنوار الجمال والجلال ومظهر جامع لنعوت الكمال به فاض الجود وظهر الوجود.
ثم ثنى بملائكة قدسه فإنهم مقدمون في الخلقة وأهل عليين في الصورة خائفون كبني آدم من نوازل القضاء ومستعيذون بالله من مثل واقعة إبليس وهاروت وماروت فاحتاجوا إلى الصلاة على النبي عليه السلام ليحصل لهم جمعية الخاطر والحفظ من المحن والبليات ببركة الصلوات.
وأيضاً ليظهر لصلوات المؤمنين رواج بسبب موافقة صلواتهم كما ورد في آمين.
وأيضاً لما خلق آدم رأوا أنوار محمد عليه السلام على جبينه فصلوا عليه وقتئذٍ فلما تشرف بخلقة الوجود قيل لهم : هذا هو الذي كنتم تصلون عليه وهو نور في جبين آدم فصلوا عليه وهو موجود بالفعل في العالم.
ثم ثلث بالمؤمنين من برية جنه وإنسه في المؤمنين محتاجون إلى الصلاة عليه أداء لبعض حقوق الدعوة والأبوة فإنه عليه السلام بمنزلة الأب للأمة وقد أراد في التعليم والتربية و"الإرشاد" وبالغ في لوازم الشفقة على العباد وثناء المعلم واجب على المتعلم وشكر الأب لازم على الابن.
ميان باغ جهان از زلال فيض حبيب
نهال جان مرا صد هزار نشو ونماست
وأيضاً في الصلوات شكر على كونه أفضل الرسل وكونهم خير الأمم.
وأيضاً فيها إيجاب حق
223
الشفاعة على ذمة ذلك الجناب فإن الصلوات ثمن الشفاعة فإذا أدوا الثمن هذا اليوم يرجى أن يحرزوا المثمن يوم القيامة :
بضاعت بندانكه آرى برى
اكر مفلسى شر مسارى برى
ألا أيها الإخوان صلوا وسلموا
على المصطفى في كل وقت وساعة
فإن صلاة الهاشمي محمد
تنجى من الأهوال يوم القيامة
وبقدر صلواتهم عليه تحصل المعارفة بينهم وبينه.
وعلامة المصلي يوم القيامة أن يكون لسانه أبيض.
وعلامة التارك أن يكون لسانه أسود وبهما تعرف الأمة يومئذٍ.
وأيضاً فيها مزيد القربات وذلك لأن بالصلوات تزيد مرتبة النبي فتزيد مرتبة الأمة لأن مرتبة التابع تابعة لمرتبة المتبوع كما أشار إليه حضرة المولى جلال الدين الرومي في المعراجية بقوله :
صلوات برتو آردم كه فزوده باد قربت
ه بقرب كل بكردد همه جزؤها مقرب
وأيضاً فيها إثبات المحبة ومن أحب شيئاً أكثر ذكره.
قال بعضهم : صيغة المضارع يعني : {يَصِلُونَ} (دلالت بر آن ميكندكه ملائكه يوسته دركفتن صلواتند س درود دهنده متشبه باشد بديشان وبحكم "من تشبه بقوم فهو منهم" از طهارت وعصمت كه لوازم ذات ملائكه است محتظى كردد وبا عالم روحانى آشنايى يابد) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يا سيد انام درود وصلاة تو
ورد زبان ماست مه وسال وصبح وشام
نزديك تو ه تحفه فرستيم ما زدور
دردست ما همين صلاتست والسلام
قال سهل بن عبد الله التستري قدس سره : الصلاة على محمد أفضل العبادات لأن الله تولاها هو وملائكته ثم أمر بها المؤمنين وسائر العبادات ليس كذلك يعني أن الله تعالى أمر بسائر العبادات ولم يفعله بنفسه.
قال الصديق الأكبر رضي الله عنه : الصلاة عليه أمحق للذنوب من الماء البارد للنار وهي أفضل من عتق الرقاب لأن عتق الرقاب في مقابلة العتق من النار ودخول الجنة والسلام على النبي عليه السلام في مقابلة سلام الله وسلام الله أفضل من ألف حسنة.
قال الواسطي صل عليه بالأوقار ولا تجعل له في قلبك مقدار أي : لا تجعل لصلواتك عليه مقدراً تظن أنك تقضي به من حقه شيئاً بصلواتك عليه استجلاب رحمة على نفسك به وفي الحديث : "إنملكاً أعطاه سمع الخلائق وهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة فليس أحد من أمتي يصلي عليّ صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه قال : يا محمد صلى عليك فلان كذا وكذا ويصلي الرب على ذلك الرجل بكل واحدة عشراً" وفي الحديث : "إذا صليتم عليّ فأحسنوا عليّ الصلاة فإنكم تعرضون عليّ بأسمائكم وأسماء آبائكم وعشائركم وأعمامكم" ومن إحسان الصلوات حضور القلب وجمع الخاطر.
وقد قال بعضهم : إنما تكون الصلوات على النبي طاعة وقربة ووسيلة واستجابة إذا قصد بها التحية والتوسل والتقرب إلى حضرة النبوة الأحمدية فإنه بهذه المناسبة يحصل له التقرب إلى الحضرة الأحدية ألا ترى أن التقرب إلى القمر كالتقرب إلى الشمس فإنه مرآتها ومطرح أنوارها وفي الحديث "من صلى واحدة أمر الله حافظه أن لا يكتب عليه ثلاثة أيام".
ورأت امرأة ولدها بعد موته يعذب فحزنت لذلك
(7/173)
224
ثم رأته بعد ذلك في النور والرحمة فسألته عن ذلك فقال : مر رجل بالمقبرة فصلى على النبي عليه السلام وأهدى ثوابها للأموات فجعل نصيبي من ذلك المغفرة فغفر لي.
ـ وحكي ـ عن سفيان الثوري رحمه الله أنه قال : بينا أنا أطوف بالبيت إذ رأيت رجلاً لا يرفع قدماً آلا وهو يصلي على النبي عليه السلام فقلت : يا هذا إنك تركت التسبيح والتهليل وأقبلت بالصلاة على النبي عليه السلام فهل عندك في هذا شيء؟ فقال : من أنت عافاك الله فقلت : أنا سفيان الثوري فقال : لولا أنك غريب في أهل زمانك لما أخبرتك عن حالي ولا أطلعتك على سري ثم قال : خرجت أنا وأبي حاجين إلى بيت الله الحرام حتى إذا كنا في بعض المنازل مرض أبي ومات واسود وجهه وازرقت عيناه وانتفخ بطنه فبكيت وقلت : إناوإنا إليه راجعون مات أبي في أرض غربة هذه الموتة فجذبت الإزار على وجهه فغلبتني عيناي فنمت فإذا أنا برجل لم أر أجمل منه وجهاً ولا أنظف ثوباً ولا أطيب ريحاً فدنا من أبي فكشف الإزار عن وجهه ومسح على وجهه فصار أشد بياضاً من اللبن ثم مسح على بطنه فعاد كما كان ثم أراد أن ينصرف فقمت إليه فأمسكت بردائه وقلت : يا سيدي بالذي أرسلك إلى أبي رحمة في أرض غربة من أنت؟ فقال : أو ما تعرفني؟ أنا محمد رسول الله كان أبوك هذا كثير المعاصي غير أنه كان يكثر الصلاة عليّ فلما نزل به ما نزل استغاث بي فأغثته وأنا غياث لمن يكثر الصلاة عليّ في دار الدنيا فانتبهت فإذا وجه أبي قد ابيض وانتفاخ بطنه قد زال.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم
يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
شفع نبيك في ذلي ومسكنتي
واستر فإنك ذو فضل وذو كرم
قال كعب بن عجرة رضي الله عنه : لما نزل قوله تعالى : يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} قمنا إليه فقلنا أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك يا رسول الله قال : "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" كما في "تفسير التيسير" وهي الصلاة التي تقرأ في التشهد الأخير على ما هو الأصح ذكرها الزاهدي رواية عن محمد.
والمعنى اللهم صل على محمد صلاة كاملة كما دل عليه الإطلاق.
وقوله وعلى آل محمد من عطف الجملة أي : وصل على آله مثل الصلاة على إبراهيم وآله فلا يشكل بوجوب كون المشبه به أقوى كما هو المشهور ذكره القهستاني.
وقال في "الضياء المعنوي" : هذا تشبيه من حيث أصل الصلاة لا من حيث المصلى عليه لأن نبينا أفضل من إبراهيم فمعناه اللهم صل على محمد بمقدار فضله وشرفه عندك كما صليت على إبراهيم بقدر فضله وشرفه وهذا كقوله تعالى : {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ} (البقرة : 200) يعني : اذكروا الله بقدر نعمه وآلائه عليكم كما تذكرون آباءكم بقدر نعمهم عليكم وتشبيه الشيء بالشيء يصح من وجه واحد وإن كان لا يشبهه من كل وجه كما قال تعالى : {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ} (آل عمران : 59) من وجه واحد وهو تخليقه عيسى من غير أب انتهى (ودر شرح مشكاة مذكوراست كه تشبيهي كه در كما صليت واقع شده نه ازقبيل الحاق ناقص است بكامل بلكه ازباب بيان حال ما لا يعرف است بما يعرف يعنى بسبب نزول
225
آيت {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّه رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَـاتُه عَلَيْكُمْ} (هود : 73) درود إبراهيم وآل أوميان أهل ايمان اشتهار تام داشت وهمه دانسته بودندكه خداى بر ابراهيم درود وبركت فرستاده س حضرت يغمبر فرمودكه ازخداى درخواهيدكه فرستد بر من صلواتي مشهور ومعروف مانند صلوات ابراهيم وكويند كاف در "كما" براى تأكيد وجود آيدنه براى قرآن دروقوع نانكه {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا}
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/174)
زيرا كه تر بيت واقعست از والدين ورحمت مطلوب الوقوع براى ايشان س فائده كاف تأكيداست دروجود رحمت يعنى ايجاد كن رحمت ايشانرا ايجادى محقق ومقرراست س ميكويد ارسال كن صلوات را بر حبيب خود ووجود ده آنرا همنانه قبل ازين وجود داده بودى براى خليل خود) وهذا المعنى قريب مما في الضياء المعنوي كما سبق (وكفته اند حضرت يغمبر درضمن اين تشبيه مر امت خودرا طريق تواضع تعليم فرموده وبتكريم آباء اشارتى نموده يعنى با آنكه صلوات من اكمل واشرفست از درود ابراهيم آنرا دررتبه أقوى وأرفع ميدارم وحرمت ابويت ويرا فرو نمى كذا رم ومانند اين در كسر نفس ونفى غائله تكبر بسيار ازان حضرت مروى ومذكرو است نانه) "أنا أول من ينشق عنه الأرض ولا فخر وأنا حبيب ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر ولا تفضلوني على موسى.
ولا تخيروني على إبراهيم.
ولا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس" وإنما صلينا على إبراهيم وعلى آل إبراهيم لأنه حين تم بناء البيت دعوا للحجاج بالرحمة فكافأناهم بذلك.
وقال الإمام النيسابوري : لأنه سأل الله أن يبعث نبياً من ذرية إسماعيل فقال : {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْهُمْ} (البقرة : 129) ولذا قال عليه السلام : "انا دعوة أبي إبراهيم" فكافأه وشكره وأثنى عليه مع نفسه بالصلاة التي صلى الله وملائكته عليه وهذه الصلاة من الحق عليه هي قرة عين لأنه أكمل مظاهر الحق ومشاهد تجلياته ومجامع أسراره.
وفي الخبر أن إبراهيم عليه السلام رأى في المنام جنة عريضة مكتوب على أشجارها لا إله إلا الله محمد رسول الله فسأل جبريل عنها فأخبره بقصتها فقال : يا رب أجر على لسان أمة محمد ذكري فاستجاب الله دعاءه وضم في الصلاة مع محمد عليهما السلام.
وأيضاً أمرنا بالصلاة على إبراهيم لأن قبلتنا قبلته ومناسكنا مناسكه والكعبة بناؤه وملته متبوعة الأمم فأوجب الله على أمة محمد ثناءه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يقول الفقير : كان إبراهيم عليه السلام قطب التوحيد الذاتي وصلوات الله عليه أتم من صلواته على سائر أصفيائه.
وكان أمته أكثر استعداداً من الأمم السالفة حتى بعث الله غيره إلى جميع المراتب من الأفعال والصفات والذات وإن لم يظهر حكمها تفصيلاً كما في هذه الأمة المرحومة ولذا اختص ببناء الكعبة إشارة إلى سر الذات ولذا لم يتكرر الحج تكرر سائر العبادات وأمر نبينا باتباع ملته أي : باعتبار الجمع دون التفصيل إذ لا متمم لتفاصيل الصفات إلا هو ولذلك لم يكن غيره خاتماً فلهذه المعاني خص إبراهيم بالذكر في الصلاة وشبه صلوات نبينا بصلاته دون صلوات غيره فاعرف.
ثم إن الآية الكريمة دلت على وجوب الصلاة والسلام على نبينا عليه السلام وذلك لأن النفس الإنسانية منغمسة غالباً في العلائق البدنية والعوائق الطبيعية كالأكل والشرب ونحوها وكالأوصاف الذميمة والأخلاق
226
(7/175)
الرديئة والمفيض تعالى وتقدس في غاية التنزه والتقدس فليس بينهما مناسبة والاستفاضة منه إنما تحصل بواسطة ذي جهتين أي : جهة التجرد وجهة التعلق كالحطب اليابس بين النار والحطب الرطب وكالغضروف بين اللحم والعظم وتلك الواسطة حضرة صاحب الرسالة عليه السلام حيث يستفيض من جهة تجرده ويفيض من جهة تعلقه فالصلاة عليه واجبة عقلاً كما أنها واجبة شرعاً أي : بهذه الآية لكن مطلقاً أي : في الجملة إذ ليس فيها تعرض للتكرار كما في قوله تعالى : {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (الأحزاب : 41).
وقال الطحاوي : تجب الصلاة عليه كلما جرى ذكره على لسانه أو سمعه من غيره.
قال في "بحر العلوم" وهو الأصح لأن الأمر وإن كان لا يقتضي التكرار إلا أن تكرار سبب الشيء يقتضي تكراره كوقت الصلاة لقوله عليه السلام : "من ذكرت عنده فلم يصل عليّ فدخل النار فأبعده الله" أي : من رحمته وفي الحديث : "لا يرى وجهي ثلاثة أقوام أحدها العاق لوالديه والثاني تارك سنتي والثالث من ذكرت عنده فلم يصل عليّ" وفي الحديث : "أربع من الجفاء أن يبول الرجل وهو قائم وأن يمسح جبهته قبل أن يفرغ وأن يسمع النداء فلا يشهد مثل ما يشهد المؤذن وأن أذكر عنده فلا يصلي عليّ".
فإن قلت : الصلاة على النبي لم تخلُ عن ذكره ولو وجبت كلما ذكر لم نجد فراغاً من الصلاة عليه مدة عمرنا.
قلت : المراد من ذكر النبي الموجب للصلاة عليه الذكر المسموع في غير ضمن الصلاة عليه.
وقيل : تجب الصلاة في كل مجلس مرة في الصحيح وإن تكرر ذكره كما قيل في آية السجدة وتشميت العاطس وإن كان السنة أن يشمت لكل مرة إلى أن يبلغ إلى ثلاث ثم هو مخير إن شاء شمته وإن شاء تركه.
وكذلك تجب الصلاة في كل دعاء في أوله وآخره وقيل : تجب في العمر مرة كما في إظهار الشهادتين والزيادة عليها مندوبة والذي يقتضيه الاحتياط وتستدعيه معرفة علو شأنه أن يصلي عليه كلما جرى ذكره الرفيع كما قال في "فتح الرحمن" : المختار في مذهب أبي حنيفة أنها مستحبة كلما ذكر وعليه الفتوى.
وفي تفسير الكاشفي (وفتوى بر آنست كه نام آن حضرت هرند تكرار يابد يك نوبت درود واجبست وباقي سنت) أي : يستحب تكرارها كلما ذكر بخلاف سجود التلاوة فإنه لا يندب تكراره بتكرير التلاوة في مجلس واحد.
والفرق أن الله تعالى غني غير محتاج بخلاف النبي عليه السلام كما في "حواشي الهداية" للإمام الخبازي ولو تكرر اسم الله في مجلس واحد أو في مجالس يجب لكل مجلس ثناء على حدة بأن يقول : سبحان الله أو تبارك الله أو جل جلاله أو نحو ذلك فإن تعظيم الله لازم في كل زمان ومكان ولو تركه لا يقضي بخلاف الصلاة على النبي عليه السلام لأنه لا يخلو عن تجدد نعم الله الموجبة للثناء فلا يخلص للقضاء وقت بخلاف الصلاة على النبي فتبقى ديناً في الذمة فتقضي لأن كل وقت محل للأداء.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي قاضي خان رجل يقرأ القرآن ويسمع اسم النبي لا تجب عليه الصلاة والتسليم لأن قراءة القرآن على النظم والتأليف أفضل من الصلاة على النبي فإذا فرغ من القرآن إن صلى عليه كان حسناً وإن لم يصل لا شيء عليه.
أما الصلاة عليه في التشهد الأخير كما سبق فسنة عند أبي حنيفة ومالك وشرط لجواز الصلاة عند الشافعي وركن عند أحمد فتبطل الصلاة عندهما بتركها عمداً كان أو سهواً لقوله عليه
227
(7/176)
السلام : "لا صلاة لمن لم يصل عليّ في صلاته" قلنا ذلك محمول على نفي الكمال ولو كانت فريضة لعلمها النبي عليه السلام الأعرابي حين علمه أركان الصلاة.
وأما الصلاة على غير الأنبياء فتجوز تبعاً بأن يقول اللهم صل على محمد وعلى آله.
ويكره استقلالاً وابتداء كراهة تنزيه كما هو الصحيح الذي عليه الأكثرون فلا يقال اللهم صل على أبي بكر لأنه في العرف شعار ذكر الرسل.
ومن هنا كره أن يقال محمد عز وجل مع كونه عزيزاً جليلاً ولتأديته إلى الاتهام بالرفض لأنه شعار أهل البدع وقد نهينا عن شعارهم وفي الحديث : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقف مواقف التهم".
وأما السلام : فهو في معنى الصلاة فلا يستعمل الغائب فلا يفرد به غير الأنبياء فلا يقال عليّ عليه السلام كما تقول الروافض وتكتبه وسواء في هذا الأحياء والأموات.
وأما الحاضر فيخاطب به فيقال : السلام عليك أو عليكم وسلام عليك أو عليكم وهذا مجمع عليه.
والسلام على الأموات عند الحضور في القبور من قبيل السلام على الحاضر وقد سبق.
وأما إفراد الصلاة عن ذكر السلام وعكسه فقد اختلفت الروايات فيه منهم من ذهب إلى عدم كراهته فإن الواو في وسلموا لمطلق الجمع من غير دلالة على المعية وعن إبراهيم النخعي أن السلام أي : قول الرجل عليه السلام يجزي عن الصلاة على النبي عليه السلام لقوله تعالى : {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَـامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىا} ولكن لا يقتصر على الصلاة فإذا صلى أو كتب اتبعها التسليم.
ويستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأخيار فيقال أبو بكر وأبو حنيفة رضي الله عنه أو رحمه الله أو نحو ذلك فليس رضي الله عنه مخصوصاً بالصحابة بل يقال فيهم رحمه الله أيضاً.
والأرجح في مثل لقمان ومريم والخضر والاسكندر المختلف في نبوته أن يقال رضي الله عنه أو عنها ولو قال عليه السلام أو عليها السلام لا بأس به.
وقال الإمام اليافعي في "تاريخه" : والذي أراه أن يفرق بين الصلاة والسلام والترضي والترحم والعفو.
فالصلاة مخصوصة على المذهب الصحيح بالأنبياء والملائكة.
والترضي مخصوص بالصحابة والأولياء والعلماء.
والترحم لمن دونهم.
والعفو للمذنبين.
والسلام مرتبة بين مرتبة الصلاة والترضي فيحسن أن يكون لمن منزلته بين منزلتين أعني يقال لمن اختلف في نبوتهم كلقمان والخضر وذي القرنين لا لمن دونهم.
ويكره أن يرمز للصلاة والسلام على النبي عليه الصلاة والسلام في الخط بأن يقتصر من ذلك على الحرفين هكذا "عم" أو نحو ذلك كمن يكتب "صلعم" يشير به إلى صلى الله عليه وسلّم ويكره حذف واحد من الصلاة والتسليم والاقتصار على أحدهما وفي الحديث : "من صلى عليّ في كتاب لم تزل صلاته جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب" كما في "أنوار المشارق" لمفتي حلب.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ثم إن للصلوات والتسليمات مواطن : فمنها : أن يصلي عند سماع اسمه الشريف في الأذان ، قال القهستاني في شرحه الكبير نقلاً عن "كنز العباد" : اعلم أنه يستحب أن يقال عند سماع الأولى من الشهادة الثانية "صلى الله عليك يا رسول الله" وعند سماع الثانية "قرة عيني بك يا رسول الله" ثم يقال : "اللهم متعني بالسمع والبصر" بعد وضع ظفر الإبهامين على العينين فإنه صلى الله عليه وسلّم يكون قائداً له إلى الجنة انتهى.
قال بعضهم : (شت ابهامين برشم
228
(7/177)
ماليده اين دعا بخواند "اللهم متعني" الخ.
ودر صلوات نجمي فرموده كه ناخن هردو ابهام را برشم نهد بطريق وضع نه بطريق مد.
ودر محيط آورده كه يغمبر صلى الله عليه وسلّم بمسجد در آمد ونزديك ستون بنشست وصديق رضي الله عنه در برابر آن حضرت نشسته بود بلال رضي الله عنه برخاست وباذان اشتغال فرمود ون كفت اشهد أن محمداً رسول الله أبو بكر رضي الله عنه هردوناخن ابهامين خودرا برهردوشم خود نهاده كفت "قرة عيني بك يا رسول الله" ون بلال رضي الله عنه فارغ شد حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرموده كه يا ابا بكر هركه بكند نين كه توكردى خداى بيامرزد كناهان جديد وقديم اورا اكر بعمد بوده شاد اكر بخطا.
وحضرت شيخ إمام أبو طالب محمد بن علي المكي رفع الله درجته در قوت القلوب روايت كرده ازابن عيينه رحمه الله كه حضرت يغمبر عليه الصلاة والسلام بمجسد در آمد دردهه محرم وبعد ازآنكه نماز جمعه ادا فرموده بود نزديك اسطوانه قرار كرفت وابو بكر رضي الله عنه بظهر ابهامين شم خودرا مسح كرد وكفت قرة عيني بك يا رسول الله وون بلال رضي الله عنه ازاذان فراغتى روى نمود حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرمودكه اى ابا بكر هركه بكويد آنه توكفتى ازروى شوق بلقاى من وبكند آنه توكردى خداى در كذارد كناهان ويرا انه باشد نووكهنه خطا وعمد ونهان واشكارا ومن درخواستكيم جرايم ويرا ودرمضمرات برين وجه نقل كرده).
وفي قصص الأنبياء وغيرها أن آدم عليه السلام اشتاق إلى لقاء محمد صلى الله عليه وسلّم حين كان في الجنة فأوحى الله تعالى إليه هو من صلبك ويظهر في آخر الزمان فسأل لقاء محمد صلى الله عليه وسلّم حين كان في الجنة فأوحى الله تعالى إليه فجعل الله النور المحمدي في إصبعه المسبحة من يده اليمنى فسبح ذلك النور فلذلك سميت تلك الأصبع مسبحة كما في "الروض الفائق" أو أظهر الله تعالى جمال حبيبه في صفاء ظفري ابهاميه مثل المرآة فقبل آدم ظفري ابهاميه ومسح على عينيه فصار أصلاً لذريته فلما أخبر جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلّم بهذه القصة قال عليه السلام : "من سمع اسمي في الأذان فقبل ظفري إبهاميه ومسح على عينيه لم يعم أبداً".
قال الإمام السخاوي في "المقاصد الحسنة" : إن هذا الحديث لم يصح في المرفوع والمرفوع من الحديث هو ما أخبر الصحابي عن قول رسول الله عليه السلام.
وفي "شرح اليماني" ويكره تقبيل الظفرين ووضعهما على العينين لأنه لم يرد فيه حديث والذي فيه ليس بصحيح انتهى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يقول الفقير : قد صح عن العلماء تجويز الأخذ بالحديث الضعيف في العمليات فكون الحديث المذكور غير مرفوع لا يستلزم ترك العمل بمضمونه وقد أصاب القهستاني في القول باستحبابه وكفانا كلام الإمام المكي في كتابه فإنه قد شهد الشيخ السهروردي في "عوارف المعارف" بوفور علمه وكثرة حفظه وقوة حاله وقبل جميع ما أورده في كتابه "قوت القلوب" ولله در أرباب الحال في بيان الحق وترك الجدال.
ومنها أن يصلي بعد سماع الأذان بأن يقول : "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته" فإنه عليه السلام وعد لقائله الشفاعة العظمى.
229
ومنها أن يصلي عند ابتداء الوضوء ثم يقول : "بسم الله" وبعد الفراغ منه فإنه يفتح له أبواب الرحمة وفي المرفوع : "لا وضوء لمن لم يصل على النبي عليه السلام".
ومنها : أن يصلي عند دخول المسجد ثم يقول : "اللهم افتح لي أبواب رحمتك" وعند الخروج أيضاً ثم يقول : "اللهم افتح لي أبواب فضلك واعصمني من الشيطان" وكذا عند المرور بالمساجد ووقوع نظره عليها ويصلي في التشهد الأخير كما سبق وقبل الدعاء وبعده فإن الصلوات مقبولة لا محالة فيرجى أن يقبل الدعاء بين الصلاتين أيضاً.
وفي "المصابيح" عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : دخل رجل مسجد الرسول فصلى فقال : اللهم اغفر لي وارحمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "عجلت أيها المصلي إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصلِ عليّ ثم ادعه" قال : ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله تعالى وصلى على النبي عليه السلام فقال له النبي عليه السلام : "أيها المصلي ادع تجب" وفي الحديث "ما من دعاء إلا بينه وبين الله حجاب حتى يصلي على محمد وعلى آل محمد فإذا فعل ذلك انخرق الحجاب ودخل الدعاء وإذا لم يفعل ذلك رجع الدعاء" ذكره في "الروضة" وسره ما سبق من أن نبينا عليه السلام هو الواسطة بيننا وبينه تعالى والوسيلة ولا بد من تقديم الوسيلة قبل الطلب وقد قال الله تعالى : {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (المائدة : 35) :
بى بدرقه درود او هي دعا
البته بمنزل اجابت نرسد
(7/178)
وقد توسل آدم عليه السلام إلى الله تعالى بسيد الكونين في استجابة دعوته وقبول توبته كما جاء في الحديث : "لما اعترف آدم بالخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد أن تغفر لي فقال الله تعالى : يا آدم كيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال : لأنك إذ خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا اسم أحب الخلق إليك فقال الله صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إليّ فغفرت لك ولولا محمد لما خلقتك" رواه البيهقي في "دلائله" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
از نسل آدمي تو ولى به ز آدمي
شك نيست اندراين كه بود در به از صدف
سلطان انبياكه بدركاه كبريا
ون اونيافت هي كسى عزت وشرف
ويصلي بعد التكبير الثاني في صلاة الجنازة على الاستحباب عند أبي حنيفة ومالك وعلى الوجوب عند الشافعي وأحمد وكذا في خطبة الجمعة على هذا الاختلاف بين الأئمة وكذا في خطبة العيدين والاستسقاء على مذهب الشافعي والإمامين فإنه ليس في الاستسقاء خطبة ولا أذان وإقامة عند الإمام بل ولا صلاة بجماعة وإنما فيه دعاء واستغفار.
ويصلي في الصباح والمساء عشراً ومن صلى بعد صلاة الصبح والمغرب مائة فإن الله يقضي له مائة حاجة ثلاثين في الدنيا وسبعين في الآخرة.
وبعد ختم القرآن وهو من مواطن استحابة الدعاء ويصلي قبل الاشتغال بالذكر منفرداً أو مجتمعاً فإن الملائكة يحضرون مجالس الذكر ويوافقون أهله في الذكر والدعاء والصلوات.
وعند ابتداء كل أمر ذي بال.
وفي أيام شعبان ولياليها فإنه عليه السلام أضاف شعبان إلى نفسه ليكثر فيه أمته الصلوات عليه (ودر آثار آمده كه در آسمان درياييست كه انرا درياى بركات كويند وبرلب آن دريا درختيست كه آنرا درخت تحيات خوانند وبران
230
درخت مرغيست كه ممسى بمرغ صلوات اورا رسيارست ون بنده مؤمن درماه شعبان برسيد آخر الزمان صلوات فرستد آن مرغ بدان دريا فروشود وغوطه زده بيرون آيد وبران درخت نشيند ورهاى خودرا بيفشاند حق تعالى ازهر قطره آب كه از روى بكند فرشته بيافريند وآن همه بحمد وثناى حق تعالى مشغول كردند وثواب ايشان در ديوان عمل درود دهنده رقم ثبت يابد ودر خبر آمده كه يك درود در ماه شعبان برابرست باده درود در غير آن).
شعبان شهر رسول الله فاغتنموا
صيام أيامه الغر الميامين
صلوا على المصطفى في شهره وارجوا
منه الشفاعة يوم الحشر والدين
ويصلي يوم الجمعة وليلته فإن الجمعة سيد الأيام ومخصوص بسيد الأنام فللصلوات فيه مزية وزيادة مثوبة وقربة ودرجة وفي الحديث : "إن أفضل أيامكم يوم الجمعة خلق فيه آدم وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ" قيل : يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد رممت أي : بليت قال : "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" وفي الحديث "من صلى عليّ يوم الجمعة ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين سنة ومن صل عليّ كل يوم خمسمائة مرة لم يفتقر أبداً" (ودر ازهار الأحاديث آيدكه حق تعالى بعضي از ملائكه مقربين روز نجشنبه از دائره رخ برين بمركز زمين فرستد باصحيفها از نقره وقلمها اززر تا بنويسند صلواتي راكه مؤمنان درشب وروز جمعه بر سيد عالم مى فرستد).
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
بروز جمعه درود محمد عربي
ز روى قدر زايام ديكر افزونست
(7/179)
وعن بعض الكبار أن من صلى على النبي عليه السلام ليلة الجمعة ثلاثة آلاف رأى في منامه ذلك الجناب العالي ذكره على الصفي في "الرشحات" ويصلي عند الركوب يعني : (درهمه سفرها دروقت نشستن بر مركب بايدكفت كه) بسم الله والله أكبر وصل على محمد خير البشر ثم يتلو قوله تعالى : {سُبْحَـانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـاذَا وَمَا كُنَّا لَه مُقْرِنِينَ * وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} .
ويصلي في طريق مكة ، يعني : (درراه حرم كعبه ون كسى خواهد كه بر بلندى رود تكبير بايد كفت وون روى بنشيب آرد صلوات بايد فرستاد).
وعند استلام الحجر يقول : "اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك وسنة نبيك" ثم يصلي على النبي عليه السلام.
ويصلي على جبل الصفا والمروة وبعد الفراغ من التلبية ووقت الوقوف عند المشعر الحرام.
وفي طريق المدينة وعند وقوع النظر عليها وعند طواف الروضة المقدسة وحين التوجه إلى القبر المقدس (هركه نزديك قبر آن حضرت ايستاده آيت {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائكَتَهُ} ) تا آخر بخواند وهفتاد باربكويد صلى الله عليك يا محمد (فرشته ندا كندكه) صلى الله عليك يا فلان (بخواه حاجتى كه دارى كه هي حاجت تورد نمى شود).
ويصلي بين القبر والمنبر ويكبر ويدعو.
ويصلي وقت استماع ذكره عليه السلام كما سبق.
وكذا وقت ذكر اسمه الشريف وكتابته ، يعني : (كاتب را صلوات بايد فرستاد بزبان وبدست نيز بايد نوشت).
ويصلي عند ابتداء درس الحديث وتبليغ السنن فيقول : "الحمدرب العالمين أكمل الحمد على كل حال والصلاة والسلام الإتمان
231
والأكملان على سيد المرسلين كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون اللهم صل عليه وعلى آله وسائر النبيين وآل كل وسائر الصالحين نهاية ما ينبغي أن يسلكه السالكون".
ويصلي عند ابتداء التذكير والعظة أي : بعد الحمد والثناء لأنه موطن تبليغ العلم المروي عنه عليه السلام.
ووقت كفاية المهم ورفع الهم.
ووقت طلب المغفرة والكفارة فإن الصلاة عليه محاء الذنوب.
ووقت المنام والقيام منه.
وحين دخول السوق لتربح تجارة آخرته.
وحين المصافحة لأهل الإسلام.
وحين افتتاح الطعام فيقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وطيب أرزاقنا وحسن أخلاقنا.
وفي "الشرعة" والسنة في أكل الفجل بضم الفاء وسكون الجيم بالفارسية : (ترب) أن يذكر النبي عليه السلام في أول قضمة ، يعني : (دراول دندان برو زدن) لئلا يوجد ريحه ، يعني : (تادريافته نشود رايحه آن) قال بعضهم : المقصود الأصلي من الفجل ورقه كما قالوا المطلوب من الحمام العرق ومن الفجل الورق.
ويصلي عند اختتام الطعام فيقول : "الحمدالذي أطعمنا هذا ورزقناه من غير حول منا وقوة الحمدالذي بنعمته تتم الصالحات وتنزل البركات اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم.
ويصلي عند قيامه من المجلس فيقول : صلى الله وملائكته على محمد وعلى أنبيائه" فإنه كفارة اللهو واللغو الواقعين فيه.
ويصلي عند العطسة عند البعض وكرهه الأكثرون كما قال في "الشرعة" وشرحها.
ولا يذكر اسم النبي عند العطاس بل يقول الحمد .
ولا وقت الذبح حتى لو قال بسم الله واسم محمد لا يحل لأنه لا يقع الذبح خالصاًولو قال بسم الله وصلى الله على محمد يكره.
ولا وقت التعجب فإن الذكر عند التعجب أن يقول سبحان الله.
ويصلي عند طنين الأذن ثم يقول : "ذكر الله من ذكرني".
وفي خطبة النكاح فيقول : "الحمدالذي أحل النكاح وحرم السفاح والصلاة والسلام على سيدنا محمد الداعي إلى الله القادر الفتاح وعلى آله وأصحابه ذوي الفلاح والنجاح".
وعند شم الورد وفي "مسند الفردوس" "الورد الأبيض خلق من عرقي ليلة المعراج.
والورد الأحمر خلق من عرق جبريل.
والورد الأصفر خلق من عرق البراق" وعن أنس رضي الله عنه رفعه "لما عرج بي إلى السماء بكت الأرض من بعدي فنبت الأصفر من نباتها فلما أن رجعت قطر عرقي على الأرض فنبت ورد أحمر ألا من أراد أن يشم رائحتي فليشم الورد الأحمر".
قال أبو الفرج النهرواني هذا الخبر يسير من كثير مما أكرم الله به نبيه عليه السلام ودل على فضله ورفيع منزلته كما في "المقاصد الحسنة".
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
زكيسوى او نافه بو يافته
كل از روى او آب رو يافته
(در خبر آمده كه هركل بوى كند وبر من صلوات نفرستد جفا كرده باشد بامن).
ويصلي عند خطور ذلك الجناب بباله.
وعند إرادة أن يتذكر ما غاب عن الخاطر فإن بركة الصلوات تخطر على القلب.
ومن آداب المصلي أن يصلي على الطهارة وقد سبق حكاية السلطان محمود عند قوله تعالى : {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ} إلخ الآية.
وأن يرفع صوته عند أداء الحديث (ودر آثار آمده كه برداريد آواز خودرا دراداى صلوات كه رفع الصوت بوقت اداى درود صيقليست كه غبار شقاق ونكار نفاق را ازمراياء قلوب مى زدايد) :
232
نام تو صيقليست كه دلهاى تيره را
روشن كند و آينهاء سكندرى(7/180)
وأن يكون على المراقبة وهو حضور القلب وطرد الغفلة وأن يصحح نيته وهو أن تكون صلواته امتثالاً لأمر الله وطلباً لرضاه وجلباً لشفاعة رسوله وأن يستوي ظاهره وباطنه فإن الذكر اللساني ترجمان الفكر الجناني فلا بد من تطبيق أحدهما بالآخر وإلا فمجرد الذكر اللساني من غير حضور القلب غير مفيد.
وأن يصلي ورسول الله صلى الله عليه وسلّم مشهود لديه كما يقتضيه الخطاب في قوله : السلام عليك فإن لم يكن يراه حاضراً وسامعاً لصلاته فأقل الأمر أن يعلم أنه عليه السلام يرى صلاته معروضة عليه وإلا فهي مجرد حركة لسان ورفع صوت.
واعلم أن الصلوات متنوعة إلى أربعة آلاف وفي رواية إلى اثني عشر ألفاً على ما نقل عن الشيخ سعد الدين محمد الحموي قدس سره كلٌّ منها مختار جماعة من أهل الشرق والغرب بحسب ما وجدوه رابطة المناسبة بينهم وبينه عليه السلام وفهموا فيه الخواص والمنافع منها ما سبق في أوائل الآية وهو قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم (دررياض الأحاديث آورده كه يغمبر عليه السلام فرمودكه دربهشت در ختيست كه آنرا محبوبه كويند ميوه اوخرد ترست ازانار وبزركترست ازسيب وآن ميوه ايست سفيدتر ازشير وشيرين تر ازعسل ونرم تر ازمسكه نخورد ازآن ميوه الاكسى كه هرروز مداومت كند بركفتن) اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم.
ومنها قوله : "اللهم صل على محمد النبي كما أمرتنا أن نصلي عليه وصل على محمد النبي كما ينبغي أن يصلي عليه وصل على محمد بعدد من صلى عليه وصل على محمد النبي بعدد من لم يصل عليه وصل على محمد النبي كما تحب أن يصلي عليه" من صلى هذه الصلوات صعد له من العمل المقبول ما لم يصعد لفرد من أفراد الأمة وأمن من المخاوف مطلقاً خصوصاً إذا كان على طريق يخاف فيه من قطاع الطريق وأهل البغي.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
هست از آفات دوران ومخافات زمان
نام او حصن حصين وذكر او دار الامان
ومنها قوله : "اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وعلى المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات" من صلى هذه الصلوات كثر ماله يوماً فيوماً.
ومنها قوله : "اللهم صل على محمد وآله عدد ما خلقت اللهم صل على محمد وآله ملىء ما خلقت اللهم صل على محمد وآله عدد كل شيء اللهم صل على محمد وآله ملىء كل شيء اللهم صل على محمد وآله عدد ما أحصاه كتابك اللهم صل على محمد وآله ملىء ما أحصاه كتابك اللهم صل على محمد وآله عدد ما أحاط به علمك اللهم صل على محمد وآله ملىء ما أحاط به علمك".
قال الكاشفي : (اين صلوات ثمانيه منسوبست بنجبا وايشان هشت تن اند درهر زمانى زياده وكم نشوند حضرت شيخ قدس سره در فتوحات فرمودكه ايشان اهل علم اندبصفات ثمانيه ومقام ايشان كرسى است يعني كشف ايشان ازان تجاوز نتواند نمود ودر علم تيسير كواكب از جهت كشف اواطلاع نه بروجه اصطلاح قدمى راسخ دارند وسلطان ابراهيم بن أدهم قدس سره ايشانرا درقبة الملائكة ديده در حرم مسجد اقصى وهريك يك كلمه ازين صلوات بوى آموخته اند فرموده كه مارا ببركات اين كلمات تصرفات كلي هست واحوال ومواجيد بجهت اين ورد برماغلب مى كند وفوائد
233
اين بسيارست نقلست كه حضرت ابراهيم ادهم بقيه عمر براداى اين صلوات مواطبت مى نموده).
ومنها قوله : "اللهم صل على سيدنا محمد مفرّق فرق الكفر والطغيان ومشتت بغاة جيوش القرين والشيطان وعلى آل محمد وسلم" (ازحضرت شيخ المشايخ سعد الدين الحموي قدس سره روايت كرده اندكه اكركسى از وسوسه شيطان ودغدغه نفس وهوى متضرر باشد بايدكه يوست بدين نوع صلوات فرستد تا ازشر شياطين وهمزات ايشان مأمون ومحفوظ باشد).
ومنها قوله : "اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم بعدد ما في جميع القرآن حرفاً حرفاً وبعدد كل حرف ألفاً ألفاً" من قاله من الحفاظ بعد تلاوة حزب من القرآن استظهر بميامنه في الدنيا والآخرة واستفاد من فائدته صورة ومعنى.
ومنها قوله : "اللهم صل على سيدنا محمد ما اختلف الملوان وتعاقب العصران وكرّ الجديدان واستقل الفرقدان وبلغ روحه وأرواح أهل بيته منا التحية والسلام وبارك وسلم عليه كثيراً.
(آورده اندكه كسى نزد سلطان غازى محمود غزنوى آمد وكفت مدتى بودكه حضرت يغمبر را عليه السلام ميخواستم كه درخواب ببينم وغمى كه دردل دارم بآن دلدار غمخوار بازكويم) :
همه شب ديدهن بعمدا نكشايم ازخواب
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
بوكه در خواب بدان دولت بيدار رسم
(7/181)
(قصارا سعادت مساعده نموده شب دوش بدان دولت بيدار رسيدم ورخسار جانفزاى جهان آرايش "كالقمر ليلة البدر وكالروح ليلة القدر" ديدم ون آن حضرت را منبسط يافتم كفتم يا رسول الله هزار درم قرض دارم اداى ويرا قادر نيستم ومى ترسم كه اجل در رسد ووام دركردن من بماند حضرت يغمبر عليه السلام فرمودكه نزد محمود سبكتكين رو واين مبلغ از وبستان كفتم ياسيد البشر شايد ازمن باورنكند ونشانى طلبد كفت بكو بدان نشانى كه دراول شب كه تكيه ميكنى سى هزار بار برمن درود مى دهى وباخرشب كه بيدار ميشوى سى هزار نوبت ديكر صلوات مى فرستى وام مرا اداكن سلطان محمود بكريه در آمد واورا تصديق كرده قرضش اداكرد وهزار درم ديكرش بداد اركان دولت متعجب شده كفتند اى سلطان اين مردرا درين سخن محال كه كفت تصديق كردى وحال آنكه ما دراول شب وآخر باتوييم ونمى بينيم كه بصلوات اشتغال ميكنى واكركسى بفرستادن درود مشغول كردد وبجدى وجهدي كه زياده ازان درحيز تصور نيايد درتمام اوقات وساعات شبانه روز شصت هزار بارصلوات نميتواند فرستاد باندك فرصتى دراول وآخر شب كونه اين صورت تيسيير ذير باشد سلطان محمود فرمودكه من ازعلما شنوده بودم كه هركه يكبار بدين نوع صلوات فرستدكه "اللهم صل على سيدنا محمد ما اختلف الملوان الخ" نان باشدكه ده هزار بارصلوات فرستاده باشد ومن در اول شب سه نوبت ودر آخرشب سه كرت اين را مى خوانم ونان ميدانم كه شصت هزار صلوات فرستاده ام س اين درويش كه يغام سيد انام عليه الصلاة والسلام آورده است كفت آن كريه كه كردم ازشادى بودكه سخن علما راست بوده وحضرت رسول عليه الصلاة والسلام بران كواهى داده).
ومنها قوله : "اللهم صل على محمد وآل محمد بعدد كل داء ودواء"
234
(مولانا شمس الدين كيشى وقتى كه در ولايت وى وباى عام بوده حضرت رسالت را عليه السلام در واقعه ديده وكفته يا رسول الله مرا دعايى تعليم ده كه ببركت آن ازبليه طاعون ايمن شوم آن حضرت فرموده كه هركه بدين نوع برمن صلوات دهد ازطاعون امان يابد) :
اكرزآفت دوران شكسته حال شوى
امان طلب زجناب مقدس نبوى
وكرسهام حوادث ترا نشانه كند
ناه بربحصار درود مصطفوى
ومنها قوله : "اللهم صل على محمد بعدد ورق هذه الأشجار.
وصل على محمد بعدد الورد والأنوار.
وصل على محمد بعدد قطر الأمطار.
وصل على محمد بعدد رمل القفار.
وصل على محمد بعدد دواب البراري والبحار".
(در ذخيرة المذكرين آورده كه يكى از صلحاى امت درايام بهار بصحرا بيرون شد وسر سبز اشجار وظهور انوار وازهار مشاهده نمود كفت "يا رب صل على محمد بعدد ورق الخ" هاتفي آوازدادكه اى درود دهنده دررنج انداختى كرام الكاتبين بجهت نوشتن ثواب اين كلمات ومستوجب درجها بنوشتيدى كار ازسر كيركه هره ازبدى كرده بودى درين وقت بيامرزند).
ومنها قوله : "اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وتقضي لنا بها جميع الحاجات.
وتطهرنا بها من جميع السيآت.
وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات.
وتبلغنا بها أقصى الغايات.
من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات".
(درشفاء السقم آورده كه فاكهاني دركتاب فجر منير ازشيخ ابو موسى ضرير رحمه الله نقل ميكند باجمعى مردم دركشتى نشسته بوديم ناكاه بادى كه اوراريح اقلابيه كويند وزيدن آغازكرد وملاحان مضطرب شدند ه اركشتى ازان بادسالم راندى ازنوادر شمردندى اهل كشتى ازين حال واقف كشت غريو وزارى دركرفتند ودل برمرك نهاده يكديكررا وصيت ميكردند ناكاه شم من در خواب شد وحضرت رسالت را صلى الله عليه وسلّم ديدم كه بكشتى درآد وكفت يا ابا موسى اهل كشتى را بكو تاهزار بار صلوات فرستند بدين نوع كه "اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد الخ" بيدار شدم وقصه باياران كفتم وآن كلمات برزبان من جارى بود باتفاق مى خوانديم نزديك به سيصد عدد كه خوانده شد آن باد بياراميد وكشتى بسلامت بكذشت) :
على المصطفى صلوا فإن صلاته
امان من الآفات والخطرات
تحيته اصل الميامن فاطلبوا
بها جملة الخيرات والبركات
ومنها قوله : "الصلاة والسلام عليك يا رسول الله.
الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله.
الصلاة والسلام عليك يا خليل الله.
الصلاة والسلام عليك يا صفي الله.
الصلاة والسلام عليك يا نجي الله.
الصلاة والسلام عليك يا خير خلق الله.
الصلاة والسلام عليك يا من اختاره الله.
الصلاة والسلام عليك يا من زينه الله.
الصلاة والسلام عليك يا من أرسله الله.
الصلاة والسلام عليك يا من شرفه الله.
الصلاة والسلام عليك يا من عظمه الله.
الصلاة والسلام عليك يا من كرمه الله.
الصلاة والسلام عليك يا سيد المرسلين.
الصلاة والسلام عليك يا إمام المتقين.
الصلاة والسلام عليك يا خاتم النبيين.
الصلاة والسلام عليك يا شفيع المذنبين.
الصلاة والسلام عليك يا رسول
235
(7/182)
الله رب العالمين.
الصلاة والسلام عليك يا سيد الأولين.
الصلاة والسلام عليك يا سيد الآخرين.
الصلاة والسلام عليك يا قائد المرسلين.
الصلاة والسلام عليك يا شفيع الأمة.
الصلاة والسلام عليك يا عظيم الهمة.
الصلاة والسلام عليك يا حامل لواء الحمد.
الصلاة والسلام عليك يا صاحب المقام المحمود.
الصلاة والسلام عليك يا ساقي الحوض المورود.
الصلاة والسلام عليك يا أكثر الناس تبعاً يوم القيامة.
الصلاة والسلام عليك يا سيد ولد آدم.
الصلاة والسلام عليك يا أكرم الأولين والآخرين.
الصلاة والسلام عليك يا بشير.
الصلاة والسلام عليك يا نذير.
الصلاة والسلام عليك يا داعيبإذنه والسراج المنير.
الصلاة والسلام عليك يا نبي التوبة.
الصلاة والسلام عليك يا نبي الرحمة.
الصلاة والسلام عليك يا مقفي.
الصلاة والسلام عليك يا عاقب.
الصلاة والسلام عليك يا حاشر.
الصلاة والسلام عليك يا مختار.
الصلاة والسلام عليك يا ماحي.
الصلاة والسلام عليك يا أحمد.
الصلاة والسلام عليك يا محمد صلوات الله وملائكته ورسله وحملة عرشه وجميع خلقه عليك وعلى آلك وأصحابك ورحمة الله وبركاته" (اين صلوات را صلوات فتح كويند هل كلمه است صلواتي مباركست ونزد علماً معروف ومشهور وبهر مرادي كه بخوانند حاصل كردد هركه هل بامداد بعدازاداى فرض بكويد كافروبسته او بكشايد وبردشمن ظفر يابد واكر درحبس بود حق سبحانه وتعالى اورا رهايى بخشد وخواص او بسيارست.
وحضرت عارف صمداني اميرسيد على همداني قدس سره بعضي ازين صلوات در آخر اوراد فتحيه ايراد فرموده اند وشرط خواندن اين صلوات آنست كه حضرت يغمبررا صلى الله تعالى عليه وسلم حاضر بيند ومشافهه با يشان خطاب كند.
ومنها قوله : "السلام عليك يا إمام الحرمين.
السلام عليك يا إمام الخافقين.
السلام عليك يا رسول الثقلين.
السلام عليك يا سيد من في الكونين وشفيع من في الدارين.
السلام عليك يا صاحب القبلتين.
السلام عليك يا نور المشرقين وضياء المغربين.
السلام عليك يا جد السبطين الحسن والحسين عليك وعلى عترتك وأسرتك وأولادك وأحفادك وأزواجك وأفواجك وخلفائك ونقبائك ونجبائك وأصحابك وأحزابك وأتباعك وأشياعك سلام الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم الدين والحمدرب العالمين" (اين را تسليمات سبعه كويندكه هفت سلامست هركه بكارى درماند ومهمات اوفروبسته باشد هفت روزى بعدازنمازى يازده بارصلوات فرستد س اين را تسليمات هفت بار بخواند مهم كفايت شود وحاجت روا كردد) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يا نبي الله السلام عليك
انما الفوز والفلاح لديك
بسلام آمدم جوابم ده
مرهمى بر دل خرابم نه
س بود جاه واحترام مرا
يك عليك ازتوصد سلام مرا
زارىء من شنو تكلم كن
كريه من نكر تبسم كن
لب بجنبان ى شفاعت من
منكر دركناه وطاعت من
قال الكاشفي : (في تفسيره وفي تحفة الصلوات أيضاً دركيفيت صلاة أحاديث متنوعه وارد شده وامام نووى فرموده كه افضل آنست كه جمع نمايند ميان احاديث طرق مذكوره
236
ه اكثر بصحت سوسته والفاظ وارده را بتمام بيارند برين وجه كه) "اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد".
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائكَتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّا يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَـانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 131(7/183)
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ} يقال : أذى يؤذي أذى وأذية وإذاية ولا يقال إيذاء كما في "القاموس" شاع بين أِل التصنيف استعماله كما في "التنبيه" لابن كمال.
ثم إن حقيقة التأذي وهو بالفارسية : (آزرده شدن) في حقه تعالى محال فالمعنى يفعلون ما يكرهه ويرتكبون ما لا يرضاه بترك الإيمان به ومخالفة أمره ومتابعة هواهم ونسبة الولد والشريك إليه والإلحاد في أسمائه وصفاته ونفي قدرته على الإعادة وسب الدهر ونحت التصاوير تشبيهاً بخلق الله تعالى ونحو ذلك {وَرَسُولُهُ} بقولهم : شاعر ساحر كاهن مجنون وطعنهم في نكاح صفية الهارونية وهو الأذى القولي وكسر رباعيته وشج وجهه الكريم يوم أحد ورمي التراب عليه ووضع القاذورات على مهر النبوة.
عبد الله بن مسعود (كفت ديدم رسول خدايرا عليه السلام در مسجد حرام درنماز بود سر بر سجود نهاده كه آن كافر بيامد وشكنبه شتر ميان دوكتف وى فروكذاشت رسول همنان درسجود بخدمت الله ايستاده وسراززمين برنداشت تا آنكه كه فاطمه زهرا رضي الله عنها بيامد وآن از كتف مبارك وى بينداخت وروى نهاد درجمع قريش وآنه سراى ايشان بود كفت) ونحو ذلك من الأذى الفعلي ويجوز أن يكون المراد بإيذاء الله ورسوله ايذاء رسول الله خاصة بطريق الحقيقة وذكر الله لتعظيمه والإيذان بجلالة مقداره عنده وأن إيذاءه عليه السلام إيذاء له تعالى لأنه لما قال : {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء : 80) فمن آذى رسوله فقد آذى الله.
قال الإمام السهيلي رحمه الله ليس لنا أن نقول أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلّم في النار لقوله عليه السلام : "لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات" والله تعالى يقول : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية يعني يدخل التعامل المذكور في اللعنة الآتية ولا يجوز القول في الأنبياء عليهم السلام بشيء يؤدي إلى العيب والنقصان ولا فيما يتعلق بهم.
وعن أبي سهلة بن جلاد رضي الله عنه أن رجلاً أم قوماً فبصق في القبلة ورسول الله ينظر إليه فقال عليه السلام حين فرغ : "لا يصل لكم هذا" فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله فذكر ذلك لرسول الله فقال : "نعم" وحسبت أنه قال : إنك آذيت الله ورسوله كما في "الترغيب" للإمام المنذري.
قال العلماء : إذا كان الإمام يرتكب المكروهات في الصلاة كره الاقتداء به لحديث أبي سهلة هذا وينبغي للناظر وولي الأمر عزله لأنه عليه السلام عزله بسبب بصاقه في قبلة المسجد وكذلك تكره الصلاة بالموسوس لأنه يشك في أفعال نفسه كما في "فتح القريب".
وإنما يكره للإمام أن يؤم قوماً وهم له كارهون بسبب خصلة توجب الكراهة أو لأن فيهم من هو أولى منه وأما إن كانت كراهتهم بغير سبب يقتضيها فلا تكره إمامته لأنها كراهة غير مشروعة فلا تعتبر.
ومن الأذية أن لا يذكر اسمه الشريف بالتعظيم والصلاة والتسليم ، وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
آن دهان ك كرد وازتسخر بخواند
مر محمد را دهانش ك بماند
237
باز آمد كاى محمد عفو كن
اى ترا الطاف علم من لدن
من ترا افسوس مى كردم ز جهل
من بدم افسوس را منسوب واهل
ون خدا خواهدكه رده كس درد
ميلش اندر طعنه اكان برد
ورخدا خواهد كه وشد عيب كس
كم زند در عيب معيوبان نفس
{لَّعَنَهُمُ اللَّهُ} طردهم وأبعدهم من رحمته {فِى الدُّنُيَا وَالاخِرَةِ} بحيث لا يكادون ينالون فيهما شيئاً منهم {وَأَعَدَّ لَهُمْ} مع ذلك {عَذَابًا مُّهِينًا} يصيبهم في الآخرة خاصة أي : نوعاً من العذاب يهانون فيه فيذهب بعزهم وكبرهم.
(7/184)
قال في "التأويلات" لما استحق المؤمنون بطاعة الرسول والصلاة عليه صلاة الله فكذلك الكافرون استحقوا بمخالفة الرسول وإيذائه لعنة الله فلعنة الدنيا هي الطرد عن الحضرة والحرمان من الإيمان ولعنة الآخرة الخلود في النيران والحرمان من الجنان وهذا حقيقة قوله : {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} .
قال في "فتح الرحمن" : يحرم أذى النبي عليه السلام بالقول والفعل بالاتفاق.
واختلفوا في حكم من سبه والعياذ بالله من المسلمين.
فقال أبو حنيفة والشافعي هو كفر كالردة يقتل ما لم يتب وقال مالك وأحمد يقتل ولا تقبل توبته لأن قتله من جهة الحد لا من جهة الكفر.
وأما الكافر إذا سبه صريحاً بغير ما كفر به من تكذيبه ونحوه.
فقال أبو حنيفة : لا يقتل لأن ما هو عليه من الشرك أعظم ولكن يؤدب ويعزر.
وقال الشافعي : ينتقض عهده فيخير فيه الإمام بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء ولا يرد مأمنه لأنه كافر لا أمان له ولو لم يشترط عليه الكف عن ذلك بخلاف ما إذا ذكره بسوء يعتقده ويتدين به كتكذيب ونحوه فإنه لا ينتقض عهده بذلك إلا باشتراط.
وقال مالك وأحمد : يقتل ما لم يسلم واختار جماعة من أئمة مذهب أحمد أن سابه عليه السلام يقتل بكل حال منهم الشيخ تقي الدين بن تيمية وقال : هو الصحيح من المذهب وحكم من سب سائر أنبياء الله وملائكته حكم من سب نبينا عليه السلام.
وأما من سب الله تعالى والعياذ بالله من المسلمين بغير الارتداد عن الإسلام ومن الكفار بغير ما كفروا به من معتقدهم في عزير والمسيح ونحو ذلك فحكمه حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلّم نسأل الله العصمة والهداية ونعوذ به من السهو والزلل والغواية إنه الحافظ الرقيب.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ} يفعلون بهم ما يتأذون به من قول أو فعل {بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} أي : بغير جناية يستحقون بها الأذية وتقييد أذاهم به بعد إطلاقه في الآية السابقة للإيذان بأن أذى الله ورسوله لا يكون إلا غير حق وأما أذى هؤلاء فقد يكون حقاً وقد يكون غير حق.
والآية عامة لكل أذى بغير حق في كل مؤمن ومؤمنة.
فتشمل ما روى أن عمر رضي الله عنه خرج يوماً فرأى جارية مزينة مائلة إلى الفجور فضربها فخرج أهلها فآذوا عمر باللسان.
وما روي أن المنافقين كانوا يؤذون علياً رضي الله عنه ويسمعونه ما لا خير فيه.
وما سبق من قصة الأفك حيث اتهموا عائشة بصفوان السهمي رضي الله عنهما.
وما روي أن الزناة كانوا يتبعون النساء إذا برزن بالليل لطلب الماء أو لقضاء حوائجهن وكانوا لا يتعرضون إلا للإماء ولكن ربما كان يقع منهم التعرض للحرائر أيضاً جهلاً أو تجاهلاً لاتحاد الكل في الزي واللباس حيث كانت تخرج الحرة والأمة في درع
238
وخمار وما سيأتي من أراجيف المرجفين وغير ذلك مما يثقل على المؤمن {فَقَدِ احْتَمَلُوا} الاحتمال مثل الاكتساب بناء ومعنى كما في "بحر العلوم".
وقال بعضهم : تحملوا لأن الاحتمال بالفارسية : (برداشتن) {بُهْتَـانًا} افتراء وكذباً عليهم من بهته فلان بهتاناً إذا قال عليه ما لم يفعله ، وبالفارسية : (دروغى بزرك) {وَإِثْمًا مُّبِينًا} أي : ذنباً ظاهراً.
وقال الكاشفي ، يعني : (سزاوار عقوبت بهتان ومستحق عذاب كناه ظاهر ميشوند).
واعلم أن أذى المؤمنين قرن بأذى الرسول عليه السلام كما أن أذى الرسول قرن بأذى الله ففيه إشارة إلى أن من آذى المؤمنين كان كمن آذى الرسول ومن آذى الرسول كان كمن آذى الله تعالى فكما أن المؤذيوللرسول مستحق الطرد واللعن في الدنيا والآخرة فكذا المؤذي للمؤمن.
ـ روي ـ أن رجلاً شتم علقمة رضي الله عنه فقرأ هذه الآية.
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال : خرج النبي عليه السلام على أصحابه فقال : "رأيت الليلة عجباً رأيت رجالاً يعلقون بألسنتهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل فقال : هؤلاء الذين يرمون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا" وفي الحديث القدسي : "من آذى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة" ، يعني : (هركه دوستى را ازدوستان من بيازا رد آن آزارنده جنك مراساخته وازآزا رآن دوست جفاى من خواسته وهركه جنك مراسازد ويرا بلشكر انتقام مقهور كنم واورا بخوارى اندر جهان مشهور سازم.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ـ روي ـ ) أن ابن عمر رضي الله عنهما نظر يوماً إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.
وأوحى الله إلى موسى عليه السلام لو يعلم الخلق إكرامي الفقراء في مجلى قدسي وداركرامتى للحسوا أقدامهم وصاروا تراباً يمشون عليهم فوعزتي ومجدي وعلوي وارتفاع مكاني لأسفرنّ لهم عن وجهي الكريم واعتذر إليهم بنفسي وأجعل شفاعتهم لمن برهم فيّ أو آواهم فيّ ولو كان عشاراً وعزتي ولا أعز مني وجلالي ولا أجل مني إني أطلب ثارهم ممن عاداهم حتى أهلكه في الهالكين ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
نكو كار مردم نباشد بدش
نورزد كسى بدكه نيك آيدش
(7/185)
نه هر آدمى زاده ازدد بهست
كه دد زادمى زاده بدبهست
بهست ازدد انسان صاحب خرد
نه انسان كه درمردم افتدودد
يعني : خاصمه وافترسه كالأسد مثلاً.
قال فضيل رحمه الله : والله لا يحل لك أن تؤذي كلباً ولا خنزيراً بغير ذنب فكيف أن تؤذي مسلماً وفي الحديث : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" بأن لا يتعرض لهم بما حرم من دمائهم وأموالهم وأعراضهم قدم اللسان في الذكر لأن التعرض به أسرع وقوعاً وأكثر وخص اليد بالذكر لأن معظم الأفعال يكون بها.
واعلم أن المؤمن إذا أوذي يلزم عليه أن لا يتأذى بل يصبر فإن له فيه الأجر فالمؤذي لا يسعى في الحقيقة إلا في إيصال الأجر إلى من آذاه ولذا ورد "وأحسن إلى من أساء إليك" وذلك لأن المسيء وإن كان مسيئاً في الشريعة لكنه محسن في الحقيقة :
بدى را بدى سهل باشد جزا
اكر مردى احسن إلى من أساء
239
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَـانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـابِيبِهِنَّ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{النَّبِىُّ قُل لازْوَاجِكَ} أي نسائك وكانت تسعاً حين توفي عليه السلام وهن : عائشة وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وسودة وزينب وميمونة وصفية وجويرية وقد سبق تفاصيلهن نسباً وأوصافاً وأحوالاً {وَبَنَـاتِكَ} وكانت ثماني : أربعاً ولدتها خديجة وهي زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن متن في حياته عليه السلام إلا فاطمة فإنها عاشت بعده ستة أشهر.
وأربعاً ربائب ولدتها أم سلمة وهي برة وسلمة وعمرة ودرة رضي الله عنهن {وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ} في المدينة {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـابِيبِهِنَّ} مقول القول : (والادناء : نزديك كردن) من الدنو وهو القرب.
والجلباب ثوب أوسع من الخمار دون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقي منه ما ترسله إلى صدرها بالفارسية : (ار) ومن للتبعيض لأن المرأة ترخي بعض جلبابها وتتلفع ببعض (والتلفع : جامه تا ى دركرفتن) والمعنى : يغطين بها وجوههن وأبدانهن وقت خروجهن من بيوتهن لحاجة ولا يخرجن مكشوفات الوجوه والأبدان كالإماء حتى لا يتعرض لهن السفهاء ظناً بأنهن إماء.
وعن السدي تغطي إحدى عينيها وشق وجهها والشق الآخر إلا العين {ذَالِكَ} أي : ما ذكر من التغطي {أَدْنَى} أقرب {أَن يُعْرَفْنَ} ويميزن من الإماء والقينات اللاتي هن مواقع تعرض الزناة وأذاهم كما ذكر في الآية السابقة {فَلا يُؤْذَيْنَ} من جهة أهل الفجور بالتعرض لهن.
قال أنس رضي الله عنه : مرت لعمر بن الخطاب جارية متقنعة فعلاها بالدرة وقال : يا لكاع تتشبهين بالحرائر ألقي القناع {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} لما سلف من التفريط وترك الستر {رَّحِيمًا} بعباده حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها.
وفي الآية تنبيه لهن على حفظ أنفسهن ورعاية حقوقهن بالتصاون والتعفف.
وفيه إثبات زينتهن وعزة قدرهن {ذَالِكَ} التنبيه {أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ} أن لهن قدراً ومنزلة وعزة في الحضرة {فَلا يُؤْذَيْنَ} بالأطماع الفاسدة والأقوال الكاذبة {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} لهن بامتثال الأوامر {رَّحِيمًا} بهن بإعلاء درجاتهن كما في "التأويلات النجمية".
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
واعلم أنه فهم من الآية شيئان : الأول أن نساء ذلك الزمان كن لا يخرجن لقضاء حوائجهن إلا ليلاً تستراً وتعففاً وإذا خرجن نهاراً لضرورة يبالغن في التغطي ورعاية الأدب والوقار وغض البصر عن الرجال الأخيار والأشرار ولا يخرجن إلا في ثياب دنيئة فمن خرجت من بيتها متعطرة متبرجة أي : مظهرة زينتها ومحاسنها للرجال فإن عليها ما على الزانية من الوزر.
قال الشيخ سعدي قدس سره :
وزن راه بازار كيرد بزن
وكرنه تودر خانه بنشين وزن
زبيكانكان شم زن كورباد
و بيرون شداز خانه دركورباد
وعلامة المرأة الصالحة عند أهل الحقيقة أن يكون حسنها مخافة الله وغناها القناعة وحليها العفة أي : التكفف عن الشرور والمفاسد والاجتناب عن مواقع التهم.
يقال إن المرأة مثل الحمامة إذا نبت لها جناح طارت كذلك الرجل إذا زين امرأته بالثياب الفاخرة فلا تجلس في البيت.
و بيني كه زن اى برجاى نيست
ثبات از خردمندى وراى نيست
240
كريزاز كفش در دهان نهنك
كه مردن به از زند كانى به ننك
قال الجامي :
و مرداز زن بخوش خويى كشدبار
زخوش خويى ببدبويى كشد كار
مكن بركار زن ند ان صبوري
كه افتد رخنه در رسد غيورى
(7/186)
قيل : لا خير في بنات الكفرة وقد يؤذي عليهن في الأسواق وتمر عليهن أيدي الفساق يعني أنها في الابتذال بحيث لا يميل إليها أكثر الرجال والغالب عليها النظر إلى الأجانب والميل إلى كل جانب فأين نساء الزمان من رابعة العدوية رحمها الله فإنها مرضت مرة مرضاً شديداً فسئلت عن سببه فقالت : نظرت إلى الجنة فأدبني ربي وعاتبني فأخذني المرض من ذلك العتاب فإذا كان الناظر إلى الجنة في معرض الخطاب والعتاب لكونها ما دون الله تعالى مع كونها دار كرامته وتجليه فما ظنك بالناظر إلى الدنيا وحطامها ورجالها ونسائها.
والثاني : أن الدنيا لم تخل عن الفسق والفجور حتى في الصدر الأول فرحم الله امرأ غض بصره عن أجنبية فإن النظرة تزرع في القلب شهوة وكفى بها فتنة.
قال ابن سيرين رحمه الله : إني لأرى المرأة في منامي فأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري فيجب أن لا يقرب امرأة ذات عطر وطيب ولا يمس يدها ولا يكلمها ولا يمازحها ولا يلاطفها ولا يخلو بها فإن الشيطان يهيج شهوته ويوقعه في الفاحشة وفي الحديث "من فاكه امرأة لم تحل له ولا يملكها حبس بكل كلمة ألف عام في النار ومن التزم امرأة حراماً" أي : اعتنقها "قرن مع الشيطان في سلسلة ثم يؤمر به في النار" والعياذ بالله من دار البوار.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَـاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـابِيبِهِنَّا ذَالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَا وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * لَّـاـاِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَـافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِى الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلا قَلِيلا * مَّلْعُونِينَا أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا * سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} .
{لَّـاـاِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَـافِقُونَ} لام قسم والانتهاء والانزجار عما نهى عنه ، وبالفارسية : (بازايستيدن) والمعنى والله لئن لم يمتنع المنافقون عما هم عليه من النفاق وأحكامه الموجبة للإيذاء {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} ضعف إيمان وقلة ثبات عليه أو فجور من تزلزلهم في الدين وما يستتبعه مما لا خير فيه أو من فجورهم وميلهم إلى الزنى والفواحش {وَالْمُرْجِفُونَ فِى الْمَدِينَةِ} الرجف الاضطراب الشديد يقال رجف الأرض والبحر وبحر رجاف والرجفة الزلزلة والإرجاف إيقاع الرجفة والاضطراب إما بالفعل أو بالقول وصف بالإرجاف الأخبار الكاذب لكونه متزلزلاً غير ثابت.
وفي "التاج" (الارجاف : خبر دروغ افكندن) والمعنى لئن لم ينته المخبرون بالاخبار الكاذبة في الفريقين عما هم عليه من نشر أخبار السوء عن سرايا المسلمين بأن يقولوا انهزموا وقتلوا وأخذوا وجرى عليهم كيت كيت وآتاكم العدو وغير ذلك من الأراجيف المؤذية الموقعة لقلوب المسلمين في الاضطراب والكسر والرعب {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} جواب القسم المضمر (الاغراء : برانكيختن بريز) يقال غرى بكذا أي : لهج به ولصق وأصل ذلك من الغراء وهو ما يلصق به وقد أغريت فلاناً بكذا إغراء ألهجته به والضمير في بهم لأهل النفاق والمرض والإرجاف أي : لنأمرنك بقتالهم وإجلائهم أو بما يضطرهم إلى الجلاء ولنحرّضنك على ذلك ، وبالفارسية : (هرآينه ترا بركماريم بريشان ومسلط سازيم وامر كنيم بقتل ايشان) {ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ} عطف على جواب القسم وثم للدلالة على أن الجلاء ومفارقه
241
جوار الرسول أعظم ما يصيبهم أي : لا يساكنونك ، وبالفارسية : (س هما يكى نكند باتو در مدينه) فإن الجار من يقرب مسكنه (والمجاورة : باكسى همسايكى كردن) {إِلا قَلِيلا} زماناً أو جواراً قليلاً ريثما يتبين حالهم من الانتهاء وعدمه.
وفي "بحر العلوم" ريثما يرتحلون بأنفسهم وعيالهم.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
{مَّلْعُونِينَ} مطرودين عن الرحمة والمدينة وهو نصب على الشتم والذم أي : اشتم واذم أو على الحال على أن حرف الاستثناء داخل على الظرف والحال معاً أي : لا يجاورونك إلا حال كونهم ملعونين {أَيْنَمَا ثُقِفُوا} في أي : مكان وجدوا وأدركوا ، وبالفارسية (هركجا يافته شوند).
قال الراغب الثقف الحذق في إدراك الشيء وفعله يقال ثقفت كذا إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر ثم قد تجوز به فاستعمل في الإدراك وإن لم يكن معه ثقافة {أُخِذُوا} (كرفته شوند يعني بايدكه بكيرند ايشانرا) {وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا} (وكشته كردند يعني بكشند كشتنى را بخوارى وزارى) يعني الحكم فيهم الأخذ والقتل على جهة الأمر فما انتهوا عن ذلك كما في "تفسير أبي الليث".
وقال محمد بن سيرين : فلم ينتهوا ولم يغر الله بهم والعفو عن الوعيد جائز لا يدخل في الخلف كما في "كشف الأسرار".
(7/187)
{سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ} مصدر مؤكد أي : سن الله ذلك في الأمم الماضية سنة وجعله طريقة مسلوكة من جهة الحكمة وهي أن يقتل الذين نافقوا الأنبياء وسعوا في توهين أمرهم بالإرجاف ونحوه أينما ثقفوا {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} تغييراً أصلاً أي : لا يبدلها لابتنائها على أساس الحكمة التي عليها يدور فلك التشريع أو لا يقدر أحد على أن يبدلها لأنّ ذلك مفعول له لا محالة.
وفي الآية تهديد للمنافقين عبارة ومن بصددهم من منافقي أهل الطلب من المتصوفة والمتعرفة الذين يلبسون في الظاهر ثيابهم ويتلبسون في الباطن بما يخالف سيرتهم وسرائرهم وأنهم لو لم يمتنعوا عن أفعالهم ولم يتغيروا عن أحوالهم لأجرى معهم سنته في التبديل والتغيير على من سلف من نظائرهم ولكل قوم عقوبة بحسب جنايتهم.
مالك بن دينار رضي الله عنه (كفت كه ازحسن بصرى رسيدم كه عقوبت عالم ه باشد كفت مردن دل كفتم مردن دل ازه باشد كفت ازجستن دنيا "فلا بد من إحياء القلب وإصلاح الباطن") نقلست كه جنيد بغدادي قدس سره جامه بر سم علماى دانشمندان وشيدى اورا كفتند اى ير طريقت ه بود اكر براى اصحاب مرقع در وشى كفت اكرد انشمندى بمرقع كار مى شود از آتش وآهن لباس ساختمى ودر وشيدمى ولكن هر ساعت در باطن من ندايى ميكنندكه "ليس الاعتبار بالخرقة إنما لاعتبار بالحرفة" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
اى درونت برهنه از تقوى
وز برون جامه ريا دارى
رده هفت رنك در مكذار
تو كه در خانه بوريا دارى
نقلست كه وقتى نماز شام حسن بصري بدر صومعه حبيب اعجمي كذشت وى اقامت نماز شام كفته بودى وبنماز ايستاد حسن در آمد وشنيدكه "الحمد" را "الهمد" ميخواند كفت نماز اودرست نبود بدو اقتدا نكرد وخود نماز بكذارد ون شب بخفت حق را تبارك وتعالى بخواب ديد اى بارخدا رضاى تو دره يزاست كفت يا حسن رضاى من درتو
242
يافته بودى واين نماز مهر نمازهاى توخواسته بود اما ترا سقم عبادت ازصحت نيت بازداشت بسى تفاوتست اززبان راست كردن تادل) فعلى العاقل أن لا يميل إلى الشقاوة والنفاق بل إلى الإخلاص والوفاق.
ويقال : هاتان الآيتان في الزنادقة تستثقلهم أهل كل ملة في الدنيا كما في كشف الأسرار.
والزنديق هو الملحد المبطن للكفر.
قال أبو حنيفة رضي الله عنه : اقتلوا الزنديق وإن قال تبت.
قال بعضهم الزنديق من يقول ببقاء الده أي : لا يعتقد إلهاً ولا بعثاً ولا حرمة شيء من المحرمات ويقول : إن الأموال مشتركة.
وفي قبول توبته روايتان والذي يرجح عدم قبولها قاتله الله ومن يليه من الملاحدة ولعنهم على حدة وحفظ الأرض من ظهورهم وشرورهم.
{سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا * يَسْـاَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّه وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا * إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَـافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/188)
{يَسْـاَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} (مى رسند ترا مردمان) عن وقت قيامها والساعة جزء من أجزاء الزمان ويعبر بها عن القيامة تشبيهاً بذلك لسرعة حسابها كما قال : {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَـاسِبِينَ} (الأنعام : 62) كان المشركون يسألونه عليه السلام عن ذلك استعجالاً بطريق الاستهزاء والتعنت والإنكار واليهود امتحاناً لما أن الله تعالى عمى أي : أخفى وقتها في التوراة وسائر الكتب {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ} لا يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً (كويند ازخلفاى يكى بخواب ديد ملك الموت را ازو رسيدكه عمر من ند مانده است او نج انكشت اشارت كرد تعبير خواب از بسياركس رسيدند معلوم نشد إمام أعظم أبو حنيفة را رضي الله عنه خواندند كفت اشارت بنج علمست كه كس نداند وآن نج علم درين آيتست كه الله تعالى كفت {إِنَّ اللَّهَ عِندَه عِلْمُ السَّاعَةِ} (لقمان : 34)) الآية خلعت نيكو دادش اما نوشيد {وَمَا يُدْرِيكَ} أي : شيء يجعلك داريا وعالماً بوقت قيامها أي : لا يعلمك به شيء أصلاً فأنت لا تعرفه وليس من شرط النبي أن يعلم الغيب بغير تعليم من الله تعالى ، وبالفارسية : (وه يز ترا دانا كرد بآن).
{لَعَلَّ السَّاعَةَ} (شايد كه قيامت) {تَكُونُ} شيئاً {قَرِيبًا} أو تكون الساعة في وقت قريب فتكون تامة وانتصاب قريباً على الظرفية.
وفيه تهديد للمستعجلين وإسكات للمتعنتين.
قالوا : من أشراط الساعة أن يقول الرجل افعل غداً فإذا جاء غد خالف قوله فعله وإن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار ويرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنى والفجور ورقص القينات وشرب الخمور ونحو ذلك من موت الفجأة وعلوّ أصوات الفساق في المساجد والمطر بلا نبات.
وفي الحديث "لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفحش وحتى يعبد الدرهم والدينار" إلى غير ذلك وذكر أموراً لم تحدث في زمانه ولا بعده وكانت إذا هبت ريح شديدة تغير لونه عليه السلام وقال : "تخوفت الساعة" وقال : "ما أمدّ طرفي ولا أغضه إلا وأظن الساعة قد قامت" يعني موته فإن الموت الساعة الصغرى أي : موت كل إنسان كما أن موت أهل القرن الواحد هي الساعة الوسطى نسأل الله التدارك.
قال المولى الجامي قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
كار امروز را مباش اسير
بهر فردا زخيره بر كير
روز عمرت بوقت عصر رسيد
عصر تو تا نماز شام كشيد
خفتن خواب مرك نزديكست
243
موج كرداب مرك نزديكست
فانتبه قد أقيمت الساعة
أن عمر الخلائق ساعة
{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَـافِرِينَ} على الإطلاق لا منكري الحشر ولا معاندي الرسول فقط أي : طردهم وأبعدهم من رحمته العاجلة والآجلة ولذلك يستهزئون بالحق الذي لا بد لكل خلق من انتهائه إليه والاهتمام بالاستعداد له {وَأَعَدَّ لَهُمْ} مع ذلك {سَعِيرًا} ناراً مسعورة شديدة الاتقاد يقاسونها في الآخرة ، وبالفارسية : (آماده كرد براى عذاب ايشان آتشى افروخته) يقال سعر النار وأسعرها وسعرها أوقدها.
{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَـافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَـالِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنَآ أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا} .
{خَـالِدِينَ فِيهَآ} مقدّراً خلودهم في السعير {أَبَدًا} دائماً ، بالفارسية : (درحالتى كه جاويد باشند دران يعني هميشه در آتش معذب مانند) اكد الخلود بالتأبيد والدوام مبالغة في ذلك {لا يَجِدُونَ وَلِيًّا} يحفظهم {وَلا نَصِيرًا} يدفع العذاب عنهم ويخلصهم منه.
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ} ظرف لعدم الوجدان أي : يوم تصرف وجوههم فيها من جهة إلى جهة كاللحم ليشوي في النار أو يطبخ في القدر فيدور به الغليان من جهة إلى جهة ومن حال إلى حال أو يطرحون فيها مقلوبين منكوسين وتخصيص الوجوه بالذكر للتعبير عن الكل وهي الجملة بأشرف الأجزاء وأكرمها ويقال تحول وجوههم من الحسن إلى القبح ومن حال البياض إلى حال السواد {يَقُولُونَ} استئناف بياني كأنه قيل فماذا يصنعون عند ذلك فقيل : يقولون متحسرين على ما فاتهم يا لَيْتَنَآ} يا هؤلاء فالمنادي محذوف ويجوز أن يكون يا لمجرد التنبيه من غير قصد إلى تعيين المنبه ، وبالفارسية : (كاشكى ما) {أَطَعْنَا اللَّهَ} في دار الدنيا فيما أمرنا ونهانا {وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} فيما دعانا إلى الحق فلن نبتلي بهذا العذاب.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/189)
{وَقَالُوا} أي : الاتباع عطف على يقولون والعدول إلى صيغة الماضي للإشعار بأن قولهم هذا ليس مسبباً لقولهم السابق بل هو ضرب اعتذار أرادوا به ضرباً من التشفي بمضاعفة عذاب الذين ألقوهم في تلك الورطة وإن علموا عدم قبوله في حق خلاصهم منها {رَبَّنَآ} (اى روردكارما) {إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا} يعنون قادتهم ورؤساءهم الذين لقنوهم الكفر والتعبير عنهم بعنوان السيادة والكبر لتقوية الاعتذار وإلا فهم في مقام التحقير والإهانة.
والسادة جمع سيد وجمع الجمع سادات وقد قرىء بها للدلالة على الكثرة.
قال في "الوسيط" وسادة أحسن لأن العرب لا تكاد تقول سادات.
والكبراء جمع كبير وهو مقابل الصغير والمراد الكبير رتبة وحالاً {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} أي : صرفونا عن طريق الإسلام والتوحيد بما زينوا لنا الكفر والشرك يقال أضله الطريق وأضله عن الطريق بمعنى واحد أي : أخطأ به عنه ، وبالفارسية : (س كم كردند راه مارا يعنى مارا ازراه ببردند وبافسون وافسانه فريب دادند) والألف الزائدة في الرسولا والسبيلا لإطلاق الصوت لأن أواخر آيات السورة الألف والعرب تحفظ هذا في خطبها وإشعارها.
قال في "بحر العلوم" : قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص والكسائي {وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} بغير ألف في الوصل.
وحمزة وأبو عمرو ويعقوب في الوقف أيضاً والباقون بالألف في الحالين تشبيهاً للفواصل بالقوافي فإن زيادة الألف لإطلاق الصوت وفائدتها الوقف والدلالة على أن الكلام قد انقطع وأن ما بعده مستأنف وأما حذفها
244
فهو القياس أي : في الوصف والوقف.
{وَقَالُوا رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَآ ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا * يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا} .
{رَبَّنَآ} تصدير الدعاء بالنداء المكرر للمبالغة في الجؤار واستدعاء الإجابة {ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ} أي : مثلي العذاب الذي أوتيناه لأنهم ضلوا وأضلوا فضعف لضلالهم في أنفسهم عن طريق الهداية وضعف لإضلالهم غيرهم عنها {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} أي : شديداً عظيماً وأصل الكبير والعظيم أن يستعملا في الأعيان ثم استعيرا للمعاني ، وبالفارسية : (وبرايشان راندن بزرك كه بآن خواندن نباشد ومقرراست كه هركرا حق تعالى براند ديكرى نواندكه بخواند) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
هركه را قهر تو راند كه تواند خواندن
وانكه لطف توخواند نتوانش راندن
وقرىء كثيراً أي : كثير العدد أي : اللعن على أثر اللعن أي : مرة بعد مرة ويشهد للكثرة قوله تعالى : {أولئك عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (البقرة : 161).
قال في "كشف الأسرار" : (محمد ابن أبي السري مردى بود از جمله نيك مردان روزكار كفتا بخواب نمودند مراكه درمسجد عسقلان كسى قرآن مى خواند باينجا رسيدكه.
{وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} ) من كفتم كثيراً وى كفت كبيراً بازنكرستم رسول خدايرا ديدم درميان مسجد كه قصد مناره داشت فرايش وى رفتم كفتم "السلام عليك يا رسول الله استغفر لي" رسول ازمن بركشت ديكر بار ازسوى راست وى در آمدم كفتم "يا رسول الله استغفر لي" رسول اعراض كرد برابروى بايستادم كفتم يا رسول الله سفيان بن عيينه مرا خبر كرد از محمد بن المنكدر ازجابر بن عبد الله كه هركز ازتو نخواستندكه كفتى "لا" ونست كه سؤال من رد ميكنى ومرادم نميدهى رسول خدا تبسمى كرد آنكه كفت "اللهم اغفر له" س كفتم يا رسول الله ميان من واين مرد خلافست اوميكويد {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} ومن ميكويم {كَثِيرًا} رسول همنان برمناره ميشدوميكفت {كَثِيرًا} .
ثم أن الله تعالى أخبر بهذه الآية عن صعوبة العقوبة التي علم أنه يعذبهم بها وما يقع لهم من الندامة على ما فرطوا حين لا تنفعهم الندامة ولا يكون سوى الغرامة والملامة :
حسرت ازجان اوبر آرد دود
وان زمان حسرتش ندارد سود
بسكه ريزد زديده اشك ندم
غرق كردد زفرق تابقدم
آب شمش شود دران شيون
آتشش را بخاصيت روغن
كاش اين كريه يش ازين كردى
غم اين كار بيش ازين كردى
اى بمهد بدن و طفل صغير
مانده دردست خواب غفلت اسير
يش ازان كت اجل كند بيدار
كر بمردى زخواب سر بردار
اللهم أيقظنا من الغفلة وادفع عنا الكسل واستخدمنا فيما يرضيك من حسن العمل.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131(7/190)
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَكُونُوا} في أن تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قيل : نزلت في شأن زينب وما سمع فيه من مقالة الناس كما سبق.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قسم النبي عليه السلام قسماً فقال رجل : إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله فأتيت النبي عليه السلام فأخبرته فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه ثم قال : "يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا".
{كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى} كقارون وأشياعه وغيرهم من سفهاء بني إسرائيل كما سيأتي
245
{فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} أصل البراءة التفصي مما تكره مجاورته أي : فاظهر براءة موسى عليه السلام مما قالوا في حقه أي : من مضمونه ومؤداه الذي هو الأمر المعيب فإن البراءة تكون من العيب لا من القول وإنما الكائن من القول التخلص {وَكَانَ} موسى {عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} في "الوسيط" وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه إذا كان ذا جاه وقدر.
قال في "تاج المصادر" : (الوجاهة : خداوند قدروجاه شدن) والمعنى ذا جاه ومنزلة وقربة فكيف يوصف بعيب ونقيصة.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما وجيهاً أي : حظياً لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه.
وفيه إشارة إلى أن موسى عليه السلام كان في الأزل عند الله مقضياً له بالوجاهة فلا يكون غير وجهيه بتعيير بني إسرائيل إياه كما قيل :
إن كنت عندك يا مولاي مطرحاً
فعند غيرك محمول على الحذف
وفي "المثنوي" :
كي شود دريا زوزسك نجس
كى شود خورشيد ازف منطمس
وفي "البستان" :
امين وبدانديش طشتند ومور
نشايد درو رخنه كردن بزور
واختلفوا في وجه أذى موسى عليه السلام فقال بعضهم : إن قارون دفع إلى زانية مالاً عظيماً على أن تقول على رأس الملأ من بني إسرائيل إني حامل من موسى على الزنى فأظهر الله نزاهته عن ذلك بأن أقرت الزانية بالمصانعة الجارية بينها وبين قارون وفعل بقارون ما فعل من الخسف كما فصل في سورة القصص.
كند ازبهر كليم الله اه
دره افتاد وبشد حالش تباه
ون قضا آيدشودتنك اين جهان
از قضا حلوا شود رنج دهان
اين جهان ون قحبه مكاره بين
كس زمكر قحبه ون باشدامين
او بمكرش كرد قارون درزمين
شد زرسوايى شهير عالمين
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وقال بعضهم : قذفوه بعيب في بدنه من برص وهو محركة بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد مزاج أو من ادرة وهي مرض الانثيين ونفختهما بالفارسية : (مادخايه) وذلك لفرط تستره حياء فاطلعهم الله على براءته وذلك أن بني إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوءة بعضهم أي : فرجه وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده.
قال ابن ملك وهذا مشعر بوجوب التستر في شرعه.
فقال بعضهم : والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر على وزن افعل وهو من له أدرة فذهب مرة موسى يغتسل فوضع ثوبه على حجر قيل هو الحجر الذي يتفجر منه الماء ففر الحجر بثوبه أي : بعد أن اغتسل وأراد أن يلبس ثوبه فأسرع موسى خلف الحجر وهو عريان وهو يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر أي : دع ثوبي يا حجر فوقف الحجر عند بني إسرائيل ينظرون إليه فقالوا : والله ما بموسى من بأس وعلموا أنه ليس كما قالوا في حقه فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضرباً فضربه خمساً أو ستاً أو سبعاً أو اثنتي عشرة ضربة بقي أثر الضربات فيه.
قال في "إنسان العيون" : كان موسى عليه السلام إذا غضب يخرج شعر رأسه من قلنسوته وربما اشتعلت قلنسوته ناراً لشدة غضبه ولشدة غضبه لما فرّ الحجر بثوبه ضربه مع أنه لا إدراك له
246
ووجه بأنه لما فر صار كالدابة والدابة إذا جمحت بصاحبها يؤدبها بالضرب انتهى.
يقول الفقير للجمادات : حياة حقانية عند أهل الله تعالى فهم يعاملونها بها معاملة الأحياء ، قال في "المثنوي" :
بادرا بى شم اكر بينش نداد
فرق ون ميكرد اندر قوم عاد
كر نبودى نيل را آن نور ديد
ازه قبطى را زسبطى ميكزيد
كرنه كوه وسنك باديدار شد
س را داودرا آن يار شد
اين زمين را كرنبودى شم جان
ازه قارو نرافرو خورد آننان
(7/191)
وفي القصة : إشارة إلى أن الأنبياء عليهم السلام لا بد وأن يكونوا متبرئين من النقص في أصل الخلقة وقد يكون تبريهم بطريق خارق للعادة كما وقع لموسى من طريق فرار الحجر كما شاهدوه ونظروا إلى سوأته.
وفي "الخصائص الصغرى" أن من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم أنه لم تر عورته قط ولو رآها أحد طمست عيناه.
وقال بعضهم في وجه الأذى أن موسى خرج مع هارون إلى بعض الكهوف فرأى سريراً هناك فنام عليه هارون فمات ثم إن موسى لما عاد وليس معه هارون قال بنو إسرائيل قتل موسى هارون حسداً له على محبة بني إسرائيل إياه فقال لهم موسى : ويحكم كان أخي ووزيري أترونني أقتله فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا فنزل السرير الذي نام عليه فمات حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه وأن هارون مات فيه فدفنه موسى فقيل في حقه ما قيل كما ذكر حتى انطلق موسى إلى قبره ودعا الله أن يحييه فأحياه الله تعالى وأخبرهم أنه مات ولم يقتله موسى عليه السلام وقد سبقت قصة وفاة موسى وهارون في سورة المائدة فارجع إليها.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى هذه الأمة بكلام قديم أزلي أن لا يكونوا كأمة موسى في الإيذاء فإنه من صفات السبع بل يكونوا أشداء على الكفار رحماء بينهم ولهذا المعنى قال صلى الله عليه وسلّم "لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه" وقال : "المؤمن من أمنه الناس" وقوله : {لا تَكُونُوا} نهى عن كونهم بنفي هذه الصفة عنهم أي : كونوا ولا تكونوا بهذه الصفة لتكونوا خير أمة أخرجت للناس فكانوا ولم يكونوا بهذه الصفة.
وفيه إشارة إلى أن كل موجود عند إيجاده بأمركن مأمور بصفة مخصوصة به ومنهي عن صفة غير مخصوصة به فكان كل موجود كما أمر بأمر التكوين ولم يكن كما نهى بنهي التكوين كما قال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلّم {فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ} (هود : 112) بالاستقامة بأمر التكوين عند الإيجاد فكان كما أمر وقال تعالى ناهياً له نهي التكوين {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَـاهِلِينَ} فلم يكن من الجاهلين كما نهى عن الجهل.
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا * يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَه فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} في رعاية حقوقه وحقوق عباده فمن الأول الامتثال لأمره ومن الثاني ترك الأذى لا سيما في حق رسوله.
قال الواسطي : التقوى على أربعة أوجه : للعامة تقوى الشرك.
وللخاصة تقوى المعاصي.
وللخاص من الأولياء تقوى التوصل بالأفعال.
وللأنبياء تقواهم منه إليه.
{وَقُولُوا} في أي : شأن من الشؤون {قَوْلا سَدِيدًا} مستقيماً مائلاً إلى الحق من سد يسد سداداً صار صواباً ومستقيماً فإن السداد الاستقامة يقال سدد السهم نحو الرمية إذا لم يعدل به عن سمتها وخص القول الصدق بالذكر وهو ما أريد به وجه الله ليس فيه شائبة غير وكذب أصلاً لأن التقوى
247
صيانة النفس عما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك فلا يدخل فيها.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وقال بعضهم القول السديد داخل في التقوى وتخصيصه لكونه أعظم أركانها.
قال الكاشفي : (قول جامع درين باب آنست كه قول سديد سخنست كه صدق باشد نه كذب وصواب بودنه خطا وجد بودنه هزل نين سخن كوييد) والمراد نهيهم عن ضده أي : عما خاضوا فيه من حديث زينب الجائر عن العدل والقصد ، يعني : (دروغ مكوييد وناراستى مكنيد درسخن ون حديث افك) وقصة زينب وبعثهم على أن يسددوا قولهم في كل باب لأن حفظ اللسان وسداد القول رأس الخير كله.
ـ حكي ـ أن يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت من أكابر علماء العربية جلس يوماً مع المتوكل فجاء المعتز والمؤيد ابنا المتوكل فقال : أيما أحب إليك إبناي أم الحسن والحسين قال : والله إن قنبرا خادم علي رضي الله عنه خير منك ومن ابنيك فقال : سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات في تلك الليلة ومن العجب أنه أنشد قبل ذلك للمعتز والمؤيد وكان يعلمهما فقال :
يصاب الفتى من عثرة بلسانه
وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته في القول تذهب رأسه
وعثرته في الرجل تبرا على مهل(7/192)
{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ} يوفقكم للأعمال الصالحة أو يصلحها بالقبول والإثابة عليها {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والفعل.
وفيه إشارة إلى أن من وفقه الله لصالح الأعمال فذلك دليل على أنه مغفور له ذنوبه {وَمِنْ} (وهركه){يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في الأوامر والنواهي التي من جملتها هذه التكليفات والطاعة موافقة الأمر والمعصية مخالفته {فَقَدْ فَازَ} في الدارين والفوز الظفر مع حصول السلامة {فَوْزًا عَظِيمًا} عاش في الدنيا محموداً وفي الآخرة مسعوداً أو نجا من كل ما يخاف ووصل إلى كل ما يرجو.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الإيمان لا يكمل إلا بالتقوى وهو التوحيد عقداً وحفظ الحدود جهداً ولا يحصل سداد أعمال التقوى إلا بالقول السديد وهي كلمة لا إله إلا الله فبالمداومة على قول هذه الكلمة بشرائطها يصلح لكم أعمال التقوى فسداد أقوالكم سبب لسداد أعمالكم وبسداد الأقوال وسداد الأعمال يحصل سداد الأحوال وهو قوله : {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وهو عبارة عن رفع الحجب الظلمانية بنور المغفرة الربانية ومن يطع الله فيما أمره ونهاه ويطع الرسول فيما أرشده إلى صراط مستقيم متابعته فقد فاز فوزاً عظيماً بالخروج عن الحجب الوجودية بالفناء في وجود الهوية والبقاء ببقاء الربوبية انتهى.
وقال بعضهم من يطع الله ورسوله في التزكية ومحو الصفات فقد فاز بالتحلية والاتصاف بالصفات الإلهية وهو الفوز العظيم.
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله تعالى وخير الهُدى هُدى محمد" أي : خير الإرشاد إرشاده صلى الله عليه وسلّم
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
واعلم أن إطاعة الله تعالى في تحصيل مراتب التوحيد من الأفعال والصفات والذات وإطاعة الرسول بالاستمساك بحبل الشريعة فإن النجاة من بحر الجحود وظلمة الشرك أما بنور الكشف أو بسفينة الشريعة أما الأول : فهو أن يعتصم الطالب في طلبه بالله حتى يهتدي إليه بنوره ويؤتيه الله العلم من لدنه وأما الثاني : فهو أن
248
يكتفي بالإقرار بالوحدانية والإيمان التقليدي والعمل بظواهر الشرع.
ـ روي ـ أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه لما راعى الشريعة بين جماعة كشفوا العورة في الحمام قيل له في المنام إن الله جعلك للناس إماماً برعايتك الشريعة (نقلست كه در بغداد ون معتزله غلبه كردند كفنند ويرا تكليف بايد كردن تاقر آنرا مخلوق كويد س عزم كردند واورا بسراى خليفه بردند سرهنكى بود بردرسراى كفت أي : امام مردانه باش كه وقتى من دزدى كردم وهزار وبم زدند ومن مقر نكشتم تا عاقبت رهابى يافتم من كه درباطل نين صبر كردم توكه برحقى او ليتر باشى بصبر كردن احمد كفت آن سخن او مرا عظيم يارى داد وتأثير كرد س اورا مى بردند واوير وضعيف بود دودستش ازس برون كشيدند وهزار تازيانه بزدندش كه قر آنرا مخلوق كوى نكفت ودران ودران ميان بند ازارش كشاده شد ودستش بسته بود درحال دودست ازغيب بديد آمد وبه بست وآن ازان بودكه بارى تنها درحمام بود خواست كه ازار بكشايد وبشويد آنرا ترك كرد ونكشود كفت اكر خلق حاضر نيست خداى تعالى حاضراست ون اين برهان ديدند بكذاشتند) :
درره حق كشيده اند بلا
اين بلا شد سبب بقرب وولا
صبر وتقوى وطاعت مولى
نزد عارف زهر شرف اولى
{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَه فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا * إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الانسَـانُا إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولا * لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَـاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِا وَكَانَ اللَّهُ} .
{أَنَا} هذه النون نون العظمة والكبرياء عند العلماء فإن الملوك والعظماء يعبرون عن أنفسهم بصيغة الجمع ونون الأسماء والصفات عند العرفاء فإنها متعددة ومتكثرة {عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَالْجِبَالِ} يقال : عرض لي أمر كذا أي : ظهر وعرضت له الشيء أي : أظهرته له وأبرزته إليه وعرضت الشيء على البيع وعرض الجند إذا أمرّهم عليه ونظر ما حالهم والأمانة ضد الخيانة.
والمراد هنا ما ائتمن عليها وهي على ثلاث مراتب :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/193)
المرتبة الأولى : أنها التكاليف الشرعية والأمور الدينية المرعية ولذا سميت أمانة لأنها لازمة الوجود كما أن الأمانة لازمة الأداء.
وفي "الإرشاد" : عبر عن التكاليف الشرعية بالأمانة لأنها حقوق مرعية أودعها الله المكلفين وائتمنهم عليها وأوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد وأمرهم بمراعاتها والمحافظة عليها وأدائها من غير إخلال بشيء من حقوقها انتهى وتلك الأمانة هي العقل أوّلاً فإن به يحصل تعلم كل ما في طوق البشر تعلمه وفعل ما في طوقهم فعله من الجميل وبه فضل الإنسان على كثير من الخلائق ثم التوحيد والإيمان باليوم الآخر والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وصدق الحديث وحفظ اللسان من الفضول.
وحفظ الودائع وأشدها كتم الأسرار وقضاء الدين والعدالة في المكيال والميزان والغسل من الجنابة والنية في الأعمال والطهارة في الصلاة وتحسين الصلاة في الخلوة والصبر على البلاء والشكر لدى النعماء والوفاء بالعهود والقيام بالحدود وحفظ الفرج الذي هو أول ما خلق الله من الإنسان وقال له : هذه أمانة استودعتكها والإذن والعين واليد والرجل وحروف التهجي كما نقله الراغب في "المفردات"وترك الخيانة في قليل وكثير لمؤمن ومعاهد وغير ذلك مما أمر به الشرع وأوجبه وهي بعينها المواثيق والعهود التي أخذت من الأرواح في عالمها ووضعت أمانة في
249
الجوهر الجمادي صورة المسمى بالحجر الأسود لسيادته بين الجواهر وألقمه الحق تلك المواثيق وهو أمين الله لتلك الأمانة.
والمرتبة الثانية : أنها المحبة والعشق والانجذاب الإلهي التي هي ثمرة الأمانة الأولى ونتيجتها وبها فضل الإنسان على الملائكة إذ الملائكة وإن حصل لهم المحبة في الجملة لكن محبتهم ليست بمبنية على المحن والبلايا والتكاليف الشاقة التي تعطي الترقي إذ الترقي ليس إلا للإنسان فليس المحنة والبلوى الا له ألا ترى إلى قول الحافظ :
شب تاريك وبيم موج وكردابى نين هائل
كجا دانند حال ماسبكباران ساحلها
أراد بقوله : "شب تاريك" جلال الذات وبقوله : "بيم موج" خوف صفات القهر وبقوله : "كرداب" در دربحر العشق وهي الامتحانات الهائلة والبرازخ المخوفة وبقوله : "سبكباران ساحل" الزهاد والملائكة الذين بقوا في ساحل بحر العشق وهو بر الزهد والطاعة المجردة وهم أهل الأمانة الأولى ومن هذا القبيل أيضاً قوله :
فرشته عشق نداندكه يست قصه مخوان
بخواه جام كلابى بخاك آدم ريز
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
وقول المولى الجامي :
ملائك را ه سود ازحسن طاعت
و فيض عشق برآدم فرو ريخت
(در لوامع آورده كه آن بو العجى كه عشق را درعالم بشريتست درمملكت ملكيت نيست كه ايشان سايه رورد لطف وعصمت اند ومحبت بى دردرا قدر وقيمتى نيست عشق را طائفة در خورندكه صفت {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} (البقرة : 30) سرماية بازار ايشان وسمت {إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} يرايه روزكار ايشانست ملكى را بينى كه اكرجناحى را بسط كند خافقين را در زير جناح خود آرد اما طاقت حمل اين معنى ندارد وآن بياره آدمى زادى را بينى بوستى در استخوانى كشيده بيباك واز شراب بلا درقدح ولا شيده ودروى تغير نيامده آن راست زيراكه آن صاحب دلست) والقلب يحمل ما لا يحمل البدن.
والمرتبة الثالثة أنها الفيض الإلهي بلا واسطة ولهذا سماه بالأمانة لأنه من صفات الحق تعالى فلا يتملكه أحد وهذا الفيض إنما يحصل بالخروج عن الحجب الوجودية المشار إليها بالظلومية والجهولية وذلك بالفناء في وجود الهوية والبقاء ببقاء الربوبية وهذه المرتبة نتيجة المرتبة الثانية وغايتها فإن العشق من مقام المحبة الصفاتية وهذا الفيض والفناء من مقام المحبوبية الذاتية وفي هذا المقام يتولد من القلب طفل خليفة الله في الأرض وهو الحامل للأمانة فالمرتبة الأولى للعوام والثانية للخواص والثالثة لأخص الخواص والأولى طريق الثانية وهي طريق الثالثة ولم يجد سر هذه الأمانة إلا من أتى البيت من الباب وكل وجه ذكره المفسرون في معنى الأمانة حق لكن لما كان في المرتبة الأولى كان ظرفاً ووعاء للأمانة ولبه ما في المرتبة الثانية ولب اللب ما في المرتبة الثالثة ومن الله الهداية إلى هذه المراتب والعناية في الوصول إلى جميع المطالب.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
ثم المراد بالسموات والأرض والجبال هي أنفسها أعيانها وأهاليها وذلك لأن تخصص الإنسان بحمل الأمانة يقتضي أن يكون المعروض عليه ما عداه من جميع الموجودات أياً ما كان حيواناً أو غيره وإنما خص في مقام الحمل ، ذلك لأنه أصلب الأجسام وأثبتها وأقواها كما خص الأفلاك في
250
(7/194)
قوله : "لولاك لما خلقت الأفلاك" لكونها أعظم الأجسام ولهذا السر لم يقل فأبوا أن يحملوها بواو العقلاء.
فإن قلت ما ذكر من السموات وغيرها جمادات والجمادات لا إدراك لها فما معنى عرض الأمانة عليها.
قلت للعلماء فيه قولان : الأول أنه على الحقيقة وهو الأنسب بمذهب أهل السنة لأنهم لا يؤولون أمثال هذا بل يحملونها على حقيقتها خلافاً للمعتزلة.
وعلى تقدير الحقيقة فيه وجهان : أحدهما أدق من الآخر.
الأول أن للجمادات حياة حقانية دل عليها كثير من الآيات نحو قوله : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَه مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَن فِى الارْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَآبُّ} (الحج : 18) وقوله : {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآاـاِعِينَ} (فصلت : 11) وقوله : {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (البقرة : 74) وقوله : {وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} (الإسراء : 44) وقوله : {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَه وَتَسْبِيحَهُ} .
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر أكثر العقلاء بل كلهم يقولون أن الجمادات لا تعقل فوقفوا عند بصرهم والأمر عندنا ليس كذلك فإذا جاءهم عن نبي أو ولي أن حجراً كلمه مثلاً يقولون خلق الله فيه العلم والحياة في ذلك الوقت والأمر عندنا ليس كذلك بل سر الحياة سار في جميع العالم وقد ورد "إن كل شيء سمع صوت المؤذن من رطب ويابس يشهد له" ولا يشهد إلا من علم وقد أخذ الله بأبصار الإنس والجن عن إدراك حياة الجماد إلا من شاء الله كنحن وأضرابنا فإنا لا نحتاج إلى دليل في ذلك لكون الحق تعالى قد كشف لنا عن حياتها وأسمعنا تسبيحها ونطقها وكذلك اندكاك الجبل لما وقع التجلي إنما كان ذلك منه لمعرفته بعظمة الله ولولا ما عنده من معرفة العظمة لما تدكدك انتهى.
ومثله ما روينا أن حضرة شيخنا وسندنا روح الله روحه ووالى في البرزخ فتوحه دعا مرة من عنده للافطار فجلسنا له وبين يديه ماء وكعك مبلول وكان لا يأكل في أواخر عمره إلا الكعك المجرد فقال أثناء الإفطار أن لهذا الخبر روحاً حقانياً فظاهره يرجع إلى الجسد وروحه يرجع إلى الروح فيتقوى به الجسم والروح جميعاً ، وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
علم وحكمت زايد از لقمه حلال
عشق ورقت آيد ازلقمه حلال
ثم قال ولكل موجود روح إما حيواني أو حقاني فجسد الميت له روح حقاني غير روحه الحيواني الذي فارقه ألا ترى أن الله تعالى لو أنطقه لنطق فنطقه إنما هو لروحه وقد جاء أن كل شيء يسبح بحمده حجراً أو شجراً أو غير ذلك وما هو إلا لسريان الحياة فيه حقيقة ولذا سبح الجبال مع داود وحمل الريح سليمان عليه السلام وجذبت الأرض قارون وحن الجذع في المسجد النبوي وسلم الحجر على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونحو ذلك مما لا يحصى ، وفي "المثنوي" :
ون شما سوى جمادى مى رويد
محرم جان جمادان ون شويداز جمادى عالم جانها رويد
غلغل اجزاى عالم بشنويد
ون ندارد جان توقنديلها
بهر بينش كرده تأويلها
والوجه الثاني أن الله تعالى ركب العقل والفهم في الجمادات المذكورة عند عرض الأمانة
251
كما ركب العقل وقبول الخطاب في النملة السليمانية والهدهد وغيرهما من الطيور والوحوش والسباع بل وفي الحجر والشجر والتراب فهن بهذا العقل والإدراك سمعن الخطاب وانطقهن الله بالجواب حيث قال لهن أتحملن هذه الأمانة على أن يكون لكنّ الثواب والنعيم في الحفظ والأداء والعقاب والجحيم في الغدر والخيانة {فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} الأباء شدة الامتناع فكل إباء امتناع وليس كل امتناع إباء {وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} قال في "المفردات" : الأشفاق عناية مختلطة بخوف لأن المشفق يحب المشفق عليه ويخاف ما يلحقه فإذا عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإذا عدى بعلى فمعنى العناية فيه أظهر كما قال في "تاج المصادر" (الاشفاق : ترسيدن ومهربانى كردن) يعدى بعلى وأصلهما واحد.
والمعنى وخفن من الأمانة وحملها وقلن يا رب نحن مسخرات بأمرك لا نريد ثواباً ولا عقاباً ولم يكن هذا القول منهن من جهة المعصية والمخالفة بل من جهة الخوف والخشية من أن لا يؤدين حقوقها ويقعن في العذاب ولو كان لهن استعداد ومعرفة بسعة الرحمة واعتماد على الله لما أبين وكان العرض عرض تخيير لا عرض إلزام وإيجاب لأن المخالفة والإباء عن التكليف الواجب يوجب المقت والسقوط عن درجة الكمال ولم يذكر تعالى توبيخاً على الإباء ولا عقوبة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
(7/195)
والقول الثاني : أنه محمول على الفرض والتمثيل فعبر عن اعتبار الأمانة بالنسبة إلى استعدادهن بالعرض عليهن لإظهار مزيد الاعتناء بأمرها والرغبة في قبولهن لها وعن عدم استعدادهن لقبولها بالإباء والإشفاق منها لتهويل أمرها ومزيد فخامتها وعن قبولها بالحمل لتحقيق معنى الصعوبة المعتبرة فيها بجعلها من قبيل الأجسام الثقيلة التي يستعمل فيها القوى الجسمانية التي هي أشدها وأعظمها ما فيهن من القوة والشدة فالمعنى أن تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كفلت هاتيك الإجرام العظام التي هي مثل في الشدة والقوة مراعاتها وكانت ذات شهود وإدراك لأبين قبولها وأشفقن منها ولكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقق روماً لزيادة تحقيق المعنى المقصود بالتمثيل وتوضيحه {وَحَمَلَهَا الانسَـانُ} عند عرضها عليه كما قال الإمام القشيري (أمانتها برانها عرض نمود وبرانسان فرض نمود آنجاكه عرض بود سرباز زدند واينجا كه فرض بود در معرض حمل رمدند) والمراد بالإنسان الجنس بدليل قوله : {إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} أي : تكلفها والتزمها مع ما فيه من ضعف البنية ورخاوة القوة لأن الحمل إنما يكون بالهمة لا بالقوة.
قال في "الإرشاد" : وهو إما عبارة عن قبولها بموجب استعداده الفطري أو عن اعترافه يوم الميثاق بقوله بلى ولما حملها قال الله تعالى : {وَحَمَلْنَـاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (الإسراء : 70) {هَلْ جَزَآءُ الاحْسَـانِ إِلا الاحْسَـانُ} (الرحمن : 60) (واين را در ظاهر مثالي هست درختانى كه اصل ايشان محكم ترست وشاخ ايشان بيشتربار ايشان خردتر وسبكترباز در ختانى كه ضعيف ترند وسست تر بارايشان شكرف تراست وبزركترون خربزه وكدو ومانند آن ليكن اينجا لطيفه ايست آن درخت كه باراوشكرف تراست وبزركتر طاقت كشيدن آن ندارد اورا كفتند باركران از كردن خويش برفرق زمين نه تا عالميان بدانندكه هركجا ضعيفي است مربى او لطف حضرت عزت است اينست سر) {وَحَمَلْنَـاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (الإسراء : 70) فالإنسان اختص بالعشق وقبول الفيض بلا واسطة وحمله
252
من سائر المخلوقات لاختصاصه بإصابة رشاش النور الإلهي وكل روح أصابه رشاش نور الله صار مستعداً لقبول الفيض الإلهي بلا واسطة وكان عرض العشق الفيض عاماً على المخلوقات وحمله خاصاً بالإنسان لأن نسبة الإنسان مع المخلوقات كنسبة القلب مع الشخص فالعالم شخص وقلبه الإنسان فكما أن عرض الروح عام على الشخص الإنساني وقبوله وحمله مخصوص بالقلب بلا واسطة ثم من القلب بواسطة العروق الممتدة يصل عكس الروح إلى جميع الأعضاء فيكون متحركاً به كذلك عرض العشق والفيض الإلهي عام لاحتياج الموجودات إلى الفيض وقبوله وحمله خاص بالإنسان ومنه يصل عكسه إلى سائر المخلوقات ملكها وملكوتها فأما إلى ملكها وهو ظاهر الكون أعني الدنيا فيصل الفيض إليه بواسطة صورة الإنسان وهو بأمركن باطن الكون أعني الآخرة فيصل الفيض إليها بواسطة روح الإنسان وهو أول شيء تعلقت به القدرة فيتعلق الفيض الإلهي من أمركن أولاً بالروح الإنساني ثم يفيض منه إلى عالم الملكوت فظاهر العالم وباطنه معمور بظاهر الإنسان وباطنه وهذا سر الخلافة المخصوصة بالإنسان.
وقال بعضهم : المراد بالإنسان آدم.
وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : مثلت الأمانة كالصخرة الملقاة ودعيت السماوات والأرض والجبال إليها فلم يقربوا منها وقالوا : لا نطيق حملها وجاء آدم من غير أن دعي وحرك الصخرة وقال : لو أمرت بحملها لحملتها فقلن له احمل فحملها إلى ركبتيه ثم وضعها وقال : لو أردت أن أزداد لزدت فقلن له : احمل فحملها إلى حقوه ثم وضعها وقال : لو أردت أن أزداد لزدت فقلن له : احمل فحملها حتى وضعها على عاتقه فأراد أن يضعها فقال الله مكانك فإنها في عنقك وعنق ذريتك إلى يوم القيامة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
آسمان بارامانت نتوانست كشيد
قرعه فال بنام من ديوانه زدند
(7/196)
وفي "كشف الأسرار" : (ون آسمان وزمين وكوهها وبترسيدند ازذير فتن امانت وبازنشستند ازبرداشتن آن رب العزة آدم را كفت "إني عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال فلم يطقنها وأنت آخذها بما فيها قال : يا رب وما فيها : قال : إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت قال بين أذني وعاتقي" يعني آدم بطاعت وخدمت بنده وار درآمد وكفت برداشتم ميان كوش ودوش خويش رب العالمين كفت اكهون كه برداشت ترادران معونت وقوت دهم) اجعل لبصرك حجاباً فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل لك فارخ حجابه واجعل للسانك لحيين وغلقا فإذا خشيت أن تتكلم بما لا يحل فاغقله واجعل لفرجك لباساً فلا تكشفه على ما حرمت عليك.
شيخ جنيد قدس سره (فرموده كه نظر آدم بر عرض حق بود نه برامانت لذت عرض ثقل امانت را بروفراموش كردانيد لا جرم لطف رباني بزبان عنايت فرموده كه برداشتن ازتو ونكاه داشتن از من ون تو بطوع بارمرا برداشتى من هم ازميان همة تر برداشتم){وَحَمَلْنَـاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (الإسراء : 70).
ـ وروي ـ أن آدم عليه السلام قال : أحمل الأمانة بقوتي أم بالحق؟ فقيل : من يحملها يحمل بنا فإن ما هو منا لا يحمل الا بنا فحملها :
را اورا بدو توان يمود
بار اورا بدو توان برداشت
قال بعضهم :
آن باركه ازبردن آن عرش ابا كرد
باقوت او حامل آن بارتوان بود
253
ـ القصة ـ (خلعت حمل امانت جز برقامت با استقامت انسان كه منشور {إِنِّي جَاعِلٌ فِى الارْضِ خَلِيفَةً} (البقرة : 30) او برنام نامى نوشته اند راست نيامد وون كارى بدين عظمت وفهمى بدين ابهت نامزد اوشدجهت دفع شم زخم حسود آن شياطين كه دشمن ديرينه اند سند {إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} ) بر آتش غيرت افكندند تا كورشود هرآنكه نتواننديد كما قال : {أَنَّهُ} أي : الإنسان {كَانَ ظَلُومًا} لنفسه بمعصية ربه حيث لم يف بالأمانة ولم يراع حقها {جَهُولا} بكنه عاقبتها يعني : (نادان بعقوبت خيانت اكر واقع شود) والظلم وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة وإما بعدول عن وقته أو مكانه ومن هذا ظلمت السقاء إذا تناولته في غير وقته ويسمى ذلك اللبن الظلم وظلمت الأرض إذا حفرتها ولم تكن موضعاً للحفر وتلك الأرض يقال لها المظلومة والتراب الذي يخرج منها ظليم والظلم يقال في مجاوزة الحد الذي يجري مجرى النقطة في الدائرة ويقال فيما يكثر ويقل من التجاوز ولذا يستعمل في الذنب الصغير والكبير ولذا قيل لآدم في تقدمه ظالم وفي إبليس ظالم وإن كان بين الظلمين بون بعيد.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
قال بعض الحكماء : الظلم ثلاثة : أحدهما : بين الإنسان وبين الله وأعظمه الكفر والشرك والنفاق.
والثاني : ظلم بينه وبين الناس.
والثالث : ظلم بينه وبين نفسه وهذه الثلاثة في الحقيقة للنفس فإن الإنسان أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه.
اول بظالمان اثر ظلم ميرسد
يش ازهدف هميشه كمان تارميكند
والجهل خلو النفس من العلم وهو على قسمين ضعيف وهو الجهل البسيط وقوي وهو الجهل المركب الذي لا يدري صاحبه إنه لا يدري فيكون محروماً من التعلم ولذا كان قوياً.
قال في "الإرشاد" وقوله : {أَنَّهُ} الخ اعتراض وسط بين الحمل وغايته للإيذان من أول الأمر بعدم وفائه بما عهده وتحمله أي : إنه كان مفرطاً في الظلم مبالغاً في الجهل أي بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة أو عهودهم يوم الأرواح دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله وجروا على ما اعترفوا بقولهم بلى.
وقال بعضهم : الإنسان ظلوم وجهول أي : من شأنه الظلم والجهل كما يقال الماء طهور أي : من شأنه الطهارة.
واعلم أن الظلومية والجهولية صفتا ذم عند أهل الظاهر لأنهما في حق الخائنين في الأمانة فمن وضع الغدر والخيانة موضع الوفاء والأداء فقد ظلم وجهل.
قال في "كشف الأسرار" : (عادت خلق آنست كه ون امانتى عزيز بنزديك كسى نهند مهرى بروى نهند وآن روز كه باز خواهند مهررا مطالعت كنند اكر مهر برجاى بود اورا ثناها كويند امانتى بنزديك تونهادند از عهد ربو بيت {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} (الأعراف : 172) ومهرى كه بروى نهادند ون عمر بآخر رسد وترا بمنزل خاك برند آن فرشته درآيد وكويد "من ربك" آن مطالعت كه ميكند تا مهر روز اول برجاى هست يانه) قال الحافظ :
از دم صبح ازل تا آخر شام ابد
دوستى ومهر بريك عهدويك ميثاق بود
وقال أهل الحقيقة : هما صفتا مدح أي : في حق مؤدي الأمانة فإن الإنسان ظلم نفسه بحمل الأمانة لأنه وضع شيئاً في غير موضعه فأفنى نفسه وأزال حجبها الوجودية وهي المعروفة بالأنانية
254
(7/197)
وجهل ربه فإنه في أول الأمر يحب هذه البهيمية التي تأكل وتشرب وتنكح وتحمل الذكورية والأنوثية اللتين اشترك فيهما جميع الحيوانات وما يدري أن هذه الصورة الحيوانية قشر وله لب وهو محبوب الحق الذي قال : {يُحِبُّهُمْ} وهو محب الحق الذي قال : فإذا عبر عن قشر جسمانية الظلمانية ووصل إلى لب روحانية النورانية.
ثم علم أن هذا اللب النوراني أيضاً قشر فإن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : "إنسبعين ألف حجاب من نور وظلمة" فعبر عن القشر الروحاني أيضاً ووصل إلى لبه الذي هو محبوب الحق ومحبه فقد عرف نفسه وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه بتوحيد لا شرك فيه وجهل ما سوى الله تعالى بالكلية وأيضاً أن الجهول هو العالم لأن نهاية العلم هو الاعتراف بالجهل في باب المعرفة والعجز عن درك الإدراك إدراك.
قال المولى الجامي قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
غير انسان كسش نكرد قبول
زانكه انسان ظلوم بود وجهول
ظلم او آنكه هستى خود را
ساخت فانى بقاى سرمدرا
جهل او آنكه هره جزحق بود
صورت آن زلوح دل نزدود
نيك ظلمى كه عين معدلتست
نغز جهلى كه مغز معرفتست
اى نكرده دل از علائق صاف
مزن از دانش خلائق لاف
زانكه در عالم خدا دانى
جهل علمست علم نا دانى
فلو لم يكن للإنسان قوة هذه الظلومية والجهولية لما حمل الأمانة وبهذا الاعتبار صح تعليل الحمل بهما.
وقال بعض أهل التفسير وتبعهم صاحب "القاموس" : إن الوصف بالظلومية والجهولية إنما يليق بمن خان في الأمانة وقصر عن حقها لا بمن يتحملها ويقبلها فمعنى حملها الإنسان أي : خانها والإنسان الكافر والمنافق من قولك فلان حامل للأمانة ومحتمل لها بمعنى أنه لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمته ويخرج من عهدتها بجعل الأمانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها كما يقال ركبته الديون فما يحمل إذا كناية عن الخيانة والتضيع والمعنى إنا عرضنا الطاعة على هذه الأجرام العظام فانقادت لأمر الله انقياداً يصح من الجمادات وأطاعت له إطاعة تليق بها حيث لم تمتنع عن مشيئته وإرادته إيجاداً وتكويناً وتسوية على هيآت مختلفة وأشكال متنوعة كما قال : {أَتَيْنَا طَآاـاِعِينَ} (فصلت : 11) والإنسان مع حياته وكمال عقله وصلاحه للتكليف لم يكن حاله فيما يصح منه ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه مثل حال تلك الجمادات بل مال إلى أن يكون محتملاً لتلك الأمانة مؤدياً إياها ومن ثم وصف بالظلم حيث ترك أداء الأمانة وبالجهل حيث أخطأ طريق السعادة ففي هذا التمثيل تشبيه انقياد تلك الأجرام لمشيئة الله إيجاداً وتكويناً بحال مأمور مطيع لا يتوقف عن الامتثال فالحمل في هذا مجاز وفي التمثيل السابق على حقيقته وليس في هذا المعنى حذف المعطوف مع حرف العطف بخلافه في محل الحمل على التحمل فإن المراد حينئذٍ وحملها الإنسان ثم غدر بالحمل حتى يصح التعليل بقوله : {إِنَّه كَانَ} إلخ فاعرف هذا المقام والقول ما قالت حذام.
قال في "الأسئلة المقحمة" : كيف عرض الأمانة عليه مع علمه بحاله من كونه ظلوماً جهولاً؟ والجواب هذا سؤال طويل
255
الذيل فإنه تعالى قد بعث الرسل مبشرين ومنذرين إلى جميع الخلق ليدعوهم إلى الإيمان مع علمه السابق بأن يؤمن بعضهم ويكفر بعضهم والخطاب عم الكل مع علمه باختلاف أحوالهم في الإيمان والكفر فهذا من قبيله وسبيله فإنه مالك الأعيان والآثار على الإطلاق.
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان ظلوماً بحق الأمانة جهولاً بما يفعل من الخيانة يعني لم تكن الخيانة عن عمد وقصد بل كانت عن جهل وسهو كما قال : {فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَه عَزْمًا} (طه : 115) والسهو والنسيان مغفور والجهل في بعض المواضع معذور الهنا اصنع بنا ما أنت أهله ولا تصنع بنا ما نحن أهله ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
بر در كعبه سائلى ديدم
كه همى كفت ميكرستى خوش
من نكويم كه طاعتم بذير
قلم عفو بركناهم كش
{إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الانسَـانُا إِنَّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولا * لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَـاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِا وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمَا} .
(7/198)
{لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ} الذين ضيعوا الأمانة بعدما قبلوها {وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَـاتِ} الذين خانوا في الأمانة بعدم قبولها رأساً.
قال في "الإرشاد" : إشارة إلى الفريق الأول أي : حملها الإنسان ليعذب الله بعض أفراده الذين لم يراعوها ولم يقابلوها بالطاعة على أن اللام للعاقبة فإن التعذيب وإن لم يكن غرضاً له من الحمل لكن لما ترتب عليه بالنسبة إلى بعض أفراده ترتب الأغراض على الأفعال المعللة بها أبرز في معرض الغرض أي : كان عاقبة حمل الإنسان لها أن يعذب الله هؤلاء من أفراده لخيانتهم الأمانة وخروجهم عن الطاعة بالكلية.
قال في "بحر العلوم" : ويجوز أن تكون اللام علة لعرضنا أي : عرضنا ليظهر نفاق المنافقين وإشراك المشركين فيعذبهما الله {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ} الذين حفظوا الأمانة وراعوا حقها.
قال في "الإرشاد" : إشارة إلى الفريق الثاني أي : كان عاقبة حمله لها أن يتوب الله على هؤلاء من أفراده أي : يقبل توبتهم لعدم خلعهم ربقة الطاعة عن رقابهم بالمرة وتلافيهم لما فرط منهم من فرطات قلما يخلو عنها الإنسان بحكم جبليته وتداركهم لها بالتوبة والإنابة والالتفات إلى الاسم الجليل أولا لتهويل الخطب وتربية المهابة والإظهار في موضع الإضمار ثانياً لإبراز مزيد الاعتناء بأمر المؤمنين توفية لكل من مقامي الوعيد والوعد حقه {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} مبالغاً في المغفرة والرحمة حيث تاب عليهم وغفر لهم فرطاتهم وأثاب بالفوز على طاعاتهم.
وفي "التأويلات النجمية" : هذه اللام لام الصيرورة والعاقبة يشير إلى أن الحكمة في عرض الأمانة أن يكون الخليقة في أمرها على ثلاث طبقات :
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
طبقة منها : تكون الملائكة وغيرهم ممن لم يحملها فلا يكون لهم في ذلك ثواب ولا عقاب.
وطبقة منها : من يحملها ولم يؤد حقها وقد خان فيها وهم المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات الذين حملوها بالظلومية على أنفسهم وضيعوها بجهولية قدرها فما رعوها حق رعايتها فحاصل أمرهم العذاب المؤبد.
وطبقة منها : من يحملها ويؤدي حقها ولم يخن فيها ولكن لثقل الحمل وضعف الإنسانية يتلعثم في بعض الأوقات فيرجع إلى الحضرة بالتضرع والابتهال معترفاً بالذنوب وهم المؤمنون والمؤمنات فيتوب الله عليهم لقوله : {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ} والحكمة في ذلك ليكون كل طبقة من الطبقات الثلاث مرآة يظهر فيها جمال
256
صفة من صفاته.
فالطبقة الأولى : إذا لم يحملوا الأمانة وتركوا نفعها لضرها فهم مرآة جمال صفة عدله.
والطبقة الثانية : إذ حملوها طمعاً في نفعها ولم يؤدوا حقها وقد خانوا فيها بأن باعوها بعوض من الدنيا الفانية فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فهم مرآة يظهر فيها جمال صفة قهره.
والطبقة الثالثة : إذ حملوها بالطوع والرغبة والشوق والمحبة وأدوا حقها بقدر وسعهم ولكن كما قيل لكل جواد كبوة وقع في بعض الأوقات قدم صدقهم عند ربهم في حجر بلاء وابتلاء بغير اختيارهم ثم اجتباهم ربهم فتاب عليهم وهداهم بجذبات العناية إلى الحضرة فهم مرآة يظهر فيها جمال فضله ولطفه وذلك قوله تعالى : {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} للمؤمنين بفضله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء انتهى.
قال بعض العارفين : الحكمة الإلهية اقتضت ظهور المخالفة من الإنسان ليظهر منه الرحمة والغفران ، قال الحافظ :
سهو وخطاى بنده كرش نيست اعتبار
معنى عفو ورحمت آمرزكار يست
(7/199)
وفي الحديث القدسي : "لو لم تذنبوا لذهبت بكم وخلقت خلقاً يذنبون ويستغفرون فأغفر لهم" وفي الحديث النبوي : "لو لم تذنبوا لخشيت عليكم أشد من الذنب ألا وهو العجب" ولهذه الحكمة خلق الله آدم بيديه أي : بصفاته الجلالية والجمالية فظهر من صفة الجلال قابيل والمخالفة ومن صفة الجمال هابيل والموافقة وهكذا يظهر إلى يوم قيام الساعة وليس الحديثان المذكوران واردين على سبيل الحث على الذنب فإن قضية البعثة إصلاح العالم وهو لا يوجد إلا بترك الكفر والشرك والمعاصي ولكن على سبيل الحث على التوبة والاستغفار.
إبراهيم أدهم قدس سره (كفت فرصت مى جستم تا كعبه را خالى يابم ازطواف وحاجتى خواهم هيج فرصتى نيافتم تا شبى باران عظيم بود كعبه خالى ماند طواف كردم ودست در حلقه زدم وعصمت خواستم ندا آمدكه يزى مى خواهى كه كسى را نداده ام اكر من عصمت دهم آنكاه درياى غفارى وغفورى ورحمانى ورحيمى من كجا شود س كفتم "اللهم اغفر لي ذنوبي" آوازى شنودم كه از همه جهان با ما سخن كوى واز خود مكوى كه سخن تو ديكران كويند ودر مناجات كفت يا رب العزة مرا ازذل معصيت باعز طاعت آور وديكر كفت الهى آه "من عرفك لم يعرفك فكيف حال من لم يعرفك" آه آنكه ترا مى داند ترا نمى داند س كونه باشد حال كسى كه ترانميداند ابراهيم كفت انزده سال مشقت كشيدم تانداى شنودم كه) كن عبداً فاسترح يعني : ليست الراحة إلا في العبودية للمولى والإعراض عن الهوى من الأدنى والأعلى فلا راحة لعبد الدنيا وما دون المولى لا في الأولى ولا في العقبى فإذا وقع تقصير أو سهو أو نسيان فالله تعالى يحكم اسميه الغفور الرحيم بمحوه ويعرض عنه ولا يثبته في صحيفة ولا يناقش عليه ولا يعذب به بل من العصاة من يبدل الله سيآتهم حسنات هذا.
قال أبيّ بن كعب رحمه الله : كانت سورة الأحزاب تقارب سورة البقرة أو أطول منها وكان فيها آية الرجم وهي : "إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله العزيز الحكيم" ثم رفع أكثرها من الصدور ونسخ وبقي ما بقي وفي الحديث : "من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله وما ملكت يمينه أعطى الأمان من عذاب القبر"
257
اللهم اختم لنا بالخير واعصمنا من كل سوء وضير وآمنا من البلايا وفتنة القبر ومحاسبة الحشر تمت سورة الأحزاب بعون الله الوهاب يوم الأحد الثامن عشر من شهر الله المحرم سنة عشر ومائة وألف.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131
طبقة منها : تكون الملائكة وغيرهم ممن لم يحملها فلا يكون لهم في ذلك ثواب ولا عقاب.
وطبقة منها : من يحملها ولم يؤد حقها وقد خان فيها وهم المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات الذين حملوها بالظلومية على أنفسهم وضيعوها بجهولية قدرها فما رعوها حق رعايتها فحاصل أمرهم العذاب المؤبد.
وطبقة منها : من يحملها ويؤدي حقها ولم يخن فيها ولكن لثقل الحمل وضعف الإنسانية يتلعثم في بعض الأوقات فيرجع إلى الحضرة بالتضرع والابتهال معترفاً بالذنوب وهم المؤمنون والمؤمنات فيتوب الله عليهم لقوله : {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} والحكمة في ذلك ليكون كل طبقة من الطبقات الثلاث مرآة يظهر فيها جمال
256
صفة من صفاته.
فالطبقة الأولى : إذا لم يحملوا الأمانة وتركوا نفعها لضرها فهم مرآة جمال صفة عدله.
والطبقة الثانية : إذ حملوها طمعاً في نفعها ولم يؤدوا حقها وقد خانوا فيها بأن باعوها بعوض من الدنيا الفانية فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فهم مرآة يظهر فيها جمال صفة قهره.
والطبقة الثالثة : إذ حملوها بالطوع والرغبة والشوق والمحبة وأدوا حقها بقدر وسعهم ولكن كما قيل لكل جواد كبوة وقع في بعض الأوقات قدم صدقهم عند ربهم في حجر بلاء وابتلاء بغير اختيارهم ثم اجتباهم ربهم فتاب عليهم وهداهم بجذبات العناية إلى الحضرة فهم مرآة يظهر فيها جمال فضله ولطفه وذلك قوله تعالى : {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} للمؤمنين بفضله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء انتهى.
قال بعض العارفين : الحكمة الإلهية اقتضت ظهور المخالفة من الإنسان ليظهر منه الرحمة والغفران ، قال الحافظ :
سهو وخطاى بنده كرش نيست اعتبار
معنى عفو ورحمت آمرزكار يست
وفي الحديث القدسي : "لو لم تذنبوا لذهبت بكم وخلقت خلقاً يذنبون ويستغفرون فأغفر لهم" وفي الحديث النبوي : "لو لم تذنبوا لخشيت عليكم أشد من الذنب ألا وهو العجب" ولهذه الحكمة خلق الله آدم بيديه أي : بصفاته الجلالية والجمالية فظهر من صفة الجلال قابيل والمخالفة ومن صفة الجمال هابيل والموافقة وهكذا يظهر إلى يوم قيام الساعة وليس الحديثان المذكوران واردين على سبيل الحث على الذنب فإن قضية البعثة إصلاح العالم وهو لا يوجد إلا بترك الكفر والشرك والمعاصي ولكن على سبيل الحث على التوبة والاستغفار.
إبراهيم أدهم قدس سره (كفت فرصت مى جستم تا كعبه را خالى يابم ازطواف وحاجتى خواهم هيج فرصتى نيافتم تا شبى باران عظيم بود كعبه خالى ماند طواف كردم ودست در حلقه زدم وعصمت خواستم ندا آمدكه يزى مى خواهى كه كسى را نداده ام اكر من عصمت دهم آنكاه درياى غفارى وغفورى ورحمانى ورحيمى من كجا شود س كفتم "اللهم اغفر لي ذنوبي" آوازى شنودم كه از همه جهان با ما سخن كوى واز خود مكوى كه سخن تو ديكران كويند ودر مناجات كفت يا رب العزة مرا ازذل معصيت باعز طاعت آور وديكر كفت الهى آه "من عرفك لم يعرفك فكيف حال من لم يعرفك" آه آنكه ترا مى داند ترا نمى داند س كونه باشد حال كسى كه ترانميداند ابراهيم كفت انزده سال مشقت كشيدم تانداى شنودم كه) كن عبداً فاسترح يعني : ليست الراحة إلا في العبودية للمولى والإعراض عن الهوى من الأدنى والأعلى فلا راحة لعبد الدنيا وما دون المولى لا في الأولى ولا في العقبى فإذا وقع تقصير أو سهو أو نسيان فالله تعالى يحكم اسميه الغفور الرحيم بمحوه ويعرض عنه ولا يثبته في صحيفة ولا يناقش عليه ولا يعذب به بل من العصاة من يبدل الله سيآتهم حسنات هذا.
قال أبيّ بن كعب رحمه الله : كانت سورة الأحزاب تقارب سورة البقرة أو أطول منها وكان فيها آية الرجم وهي : "إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله العزيز الحكيم" ثم رفع أكثرها من الصدور ونسخ وبقي ما بقي وفي الحديث : "من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله وما ملكت يمينه أعطى الأمان من عذاب القبر"
257
اللهم اختم لنا بالخير واعصمنا من كل سوء وضير وآمنا من البلايا وفتنة القبر ومحاسبة الحشر تمت سورة الأحزاب بعون الله الوهاب يوم الأحد الثامن عشر من شهر الله المحرم سنة عشر ومائة وألف.
جزء : 7 رقم الصفحة : 131(7/200)
سورة سبأ
أربع وخمسون آية مكية
جزء : 7 رقم الصفحة : 257
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{الْحَمْدُ} الألف واللام لاستغراق الجنس واللام للتمليك والاختصاص إلى جميع أفراد المدح والثناء والشكر من كل حامد ملكتعالى ومخصوص به لا شركة لأحد فيه لأنه الخالق والمالك كما قال : {الَّذِى لَهُ} خاصة خلقاً وملكاً وتصرفاً بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماته {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} أي : جميع الموجودات فإليه يرجع الحمد لا إلى غيره وكل مخلوق أجرى عليه اسم المالك فهو مملوك له تعالى في الحقيقة وإن الزنجي لا يتغير عن لونه لأن سمي كافوراً والمراد على نعمه الدنيوية فإن السموات والأرض وما فيها خلقت لانتفاعنا فكلها نعمة لنا ديناً ودنيا فاكتفى بذكر كون المحمود عليه في الدنيا عن ذكر كون الحمد أيضاً فيها وقد صرح في موضع آخر كما قال : {لَهُ الْحَمْدُ فِى الاولَى وَالاخِرَةِ} (القصص : 70) وهذا القول أي : الحمدالخ وإن كان حمداً لذاته بذاته لكنه تعليم للعباد كيف يحمدونه {وَلَهُ الْحَمْدُ فِى الاخِرَةِ} بيان لاختصاص الحمد الأخروي به تعالى أثر بيان اختصاص الدنيوي به على أن الجار متعلق إما بنفس الحمد أو بما تعلق به الخبر من الاستقرار وإطلاقه عن ذكر ما يشعر بالمحمود عليه ليعم النعم الأخروية كما في قوله : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَه وَأَوْرَثَنَا الارْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ} (الزمر : 74) وقوله : {الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ} (فاطر : 35) الآية وما يكون ذريعة إلى نيلها من النعم الدنيوية كما في قوله : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَاانَا لِهَاذَا} (الأعراف : 43) أي : لما جزاؤه هذا من الإيمان والعمل الصالح.
يقال يحمده أهل الجنة في ستة مواضع :
أحدها : حين نودي {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} (يس : 59) فإذا يميز المؤمنون من الكافرين يقولون : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى نَجَّاانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (المؤمنون : 28) كما قال نوح عليه السلام حين أنجاه الله من قومه.
والثاني : حين جاوزوا الصراط قالوا : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} (فاطر : 34).
جزء : 7 رقم الصفحة : 258(7/201)
والثالث : لما دنوا إلى باب الجنة واغتسلوا بماء الحياة ونظروا إلى الجنة قالوا : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَاـانَا لِهَـاذَا} (الأعراف : 43).
والرابع : لما دخلوا الجنة واستقبلتهم الملائكة بالتحية قالوا : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَا إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ} (فاطر : 35).
والخامس : حين استقروا في منازلهم قالوا : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَه وَأَوْرَثَنَا الارْضَ} (الزمر : 74).
والسادس : كلما فرغوا من الطعام قالوا : {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ} (الفاتحة : 1).
والفرق بين الحمدين مع كون نعمتي الدنيا والآخرة بطريق التفضل أن الأول على نهج العبادة والثاني على وجه التلذذ كما يتلذذ العطشان بالماء البارد لا على وجه الفرض والوجوب وقد ورد في الخبر "إنهم يلهمون التسبيح كما يلهمون النَفَس" (وكفته اند مجموع اهل آخرت مرورا حمد كويند دوستان اورا بفضل ستايند ودشنمان بعدل).
يقول الفقير : فيه نظر لأن الآخرة المطلقة كالعاقبة الجنة مع أن المقام يقتضي أن يكون ذلك من ألسنة أهل الفضل إذ لا اعتبار بحال أهل
258
العدل كما لا يخفى {وَهُوَ الْحَكِيمُ} الذي أحكم أمور الدين والدنيا ودبرها حسبما تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة {الْخَبِيرُ} بليغ الخبرة والعلم ببواطن الأشياء ومكنوناتها ثم بين كونه خبيراً فقال :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الأرْضِ} الولوج الدخول في مضيق أي : يعلم ما يدخل فيها من البزور والغيث ينفذ في موضع وينبع من آخر والكنوز والدفائن والأموات والحشرات والهوام ونحوها وأيضاً يعلم ما يدخل في أرض البشرية بواسطة الحواس الخمس والأغذية الصالحة والفاسدة من الحلال والحرام.
{وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} كالحيوان من جُحره والزرع والنبات وماء العيون والمعادن والأموات عند الحشر ونحوها وأيضاً ما يخرج من أرض البشرية من الصفات المتولدة منها والأعمال الحسنة والقبيحة.
{وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ} كالملائكة والكتب والمقادير والأرزاق والبركات والأمطار والثلوج والبرد والأنداء والشهب والصواعق ونحوها وأيضاً ما ينزل من سماء القلب من الفيوض الروحانية والإلهامات الربانية.
{وَمَا يَعْرُجُ} يصعد {فِيهَآ} كالملائكة والأرواح الطاهرة والأبخرة والأدخنة والدعوات وأعمال العباد.
ولم يقل "إليها" لأن قوله تعالى : {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر : 10) يشير إلى أن الله تعالى هو المنتهى لا السماء ففي ذكر "في" إعلام بنفوذ الأعمال فيها وصعودها منها.
وأيضاً وما يعرج في سماء القلب من آثار الفجور والتقوى وظلمة الضلالة ونور الهدى.
وقال بعضهم : (آنه بالاميرود ناله تائبانست وآه مفلسان كه ون سحركاه ازخلو تخانه ايشان روى بدركاه رحمت ناه آرد في الحال رقم قبول بروى افتدكه "أنين المذنبين احب إليّ من زجل المسبحين" غلغل تسبيح شيخ ارند مقبولست ليك آه درد آلود رندانرا قبول ديكرست بداود عليه السلام وحى آمدكه اى داود آن ذلت كه ازتو صادر شد برتو مبارك بود داود كفت بارخدا ذلت كونه مبارك باشد كفت اى داود يش ازان ذلت هرباركه بدركاه ما آمدى ملك وار مى آمدى باكر شمه وناز طاعت واكنون مى آيى بنده وار مى آيى باسوز ونياز مفلسى) {وَهُوَ الرَّحِيمُ} للحامدين ولمن تولاه {الْغَفُورُ} للمقصرين ولذنوب أهل ولايته فإذا كان الله متصفاً بالخلق والملك والتصرف والحكمة والعلم والرحمة والمغفرة ونحوها من الصفات الجليلة فله الحمد المطلق والحمد هو الثناء على الجميل الاختياري من جهة التعظيم من نعمة وغيرها كالعلم والكرم وأما قولهم الحمدعلى دين الإسلام فمعناه على تعليم الدين وتوفيقه والحمد القولي هو حمد اللسان وثناؤه على الحق بما أثنى به بنفسه على لسان أنبيائه والحمد الفعلي هو الإتيان بالأعمال البدنية ابتغاءً لوجه الله والحمد الحالي هو الاتصاف بالمعارف والأخلاق الإلهية والحمد عند المحنة الرضى عن الله فيما حكم به وعند النعم الشكر فيقال في الضراء الحمدعلى كل حال نظراً إلى النعمة الباطنة دون الشكرخوفاً من زيادة المحنة لأن الله تعالى قال : {لَـاـاِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم : 7) والحمد على النعمة كالروح للجسد فلا بد من إحيائها وأبلغ الكلمات في تعظيم صنع الله وقضاء شكر نعمته الحمدولذا جعلت زينة لكل خطبة وابتداء لكل مدحة وفاتحة
259
لكل ثناء وفضيلة لكل سورة ابتدئت بها على غيرها.
وفي الحديث "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمدفهو أجذم" أي : أقطع فله الحمد قبل كل كلام بصفات الجلال والإكرام :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
حمد أو تاج تارك سخنست
صدر هرنامه نوو كهنست
قال في "فتوح الحرمين" :
احسن ما اهتم به ذو الهمم
ذكر جميل لولي النعم
ون نعم اوست برون ازخيال
(7/202)
كيف يؤديه لسان المقال
نعمت او بيشتر از شكر ماست
شكرهم ازنعمتهاى خداست
وعن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فلما رفع رأسه صلى الله عليه وسلّم من الركوع قال : "سمع الله لمن حمده" فقال رجل وراءه : ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه فلما انصرف قال : "من تكلم آنفاً" قال الرجل : أنا قال : "لقد رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً" وإنما ابتدرها هذا العدد لأن ذلك عدد حروف هذه الكلمات فلكل حرف روح هو المثبت له والمبقي لصورة ما وقع النطق به فبالأرواح تبقى الصور وبنيات العمال وتوجهات نفوسهم ترتفع حيث منتهى همة العامل وللملائكة مراتب منها مخلوقة من الأنوار القدسية والأرواح الكلية ومنها من اَلأعمال الصالحة والأذكار الخالصة بعضها على عدد بعض كلمات الأذكار وبعضها على عدد حروف الأذكار وبعضها على عدد الحروف المكررة وبعضها على عدد أركان الأعمال على قدر استعداد الذاكرين وقوتهم الروحية وهمتهم العلية.
وفي الحديث المذكور دليل على أن من الأعمال ما يكتبه غير الحفظة مع الحفظة ويختصم الملأ الأعلى في الأعمال الصالحة ويستبقون إلى كتابة أعمال بني آدم على قدر مراتبهم وتفصيل سر الحديث في "شرح الأربعين" لحضرة الشيخ الأجل صدر الدين القنوي قدس سره :
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الارْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُا قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَـالِمِ الْغَيْبِا لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الارْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَالِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ} (نمى آيد بما قيامت) وعبر عن القيامة بالساعة تشبيهاً لها بالساعة التي هي جزء من أجزاء الزمان لسرعة حسابها.
قال في "الإرشاد" : أرادوا بضمير المتكلم جنس البشر قاطبة لا أنفسهم أو معاصرهم فقط كما أرادوا بنفي إتيانها نفي وجودها بالكلية لا عدم حضورها مع تحققها في نفس الأمر وإنما عبروا عنه بذلك لأنهم كانوا يوعدون بإتيانها ولأن وجود الأمور الزمانية المستقبلة لا سيما أجزاء الزمان لا تكون إلا بالإتيان والحضور.
وفي "كشف الأسرار" (منكران بعث دو كروه اند كروهى كفتند {إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} (الجاثية : 32) يعني : ما در كمانيم بر ستاخيز يقين نميدانيم كه خواهد بود ورب العالمين ميكويد ايمان بنده وقتى درست شود كه برستاخيز وآخرت بيكمان باشد ، وذلك قوله : {وَبِالاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (البقرة : 4) كروهى ديكر كفتند {لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ} رستاخيز بما نيايد ونخواهدبود) {قُلْ بَلَى} رد لكلامهم وإثبات لما نفوه من إتيان الساعة على معنى ليس الأمر إلا إتيانها (درلباب كفته كه ابو سفيان بلات وعزى سوكند خوردكه بعث ونشور نيست حق تعالى فرمودكه اى حبيب من تو هم سوكند خوركه) {وَرَبِّى} الواو للقسم يعني : (بحق آفريدكار من بزودى) {لَتَأْتِيَنَّكُمْ}
260
الساعة البتة يعني : (بيايد بشما قيامت) وهو تأكيد لما قبله {عَـالِمُ الْغَيْبِ} نعت لربي أو بدل منه وهو تشديد للتأكيد يريد أن الساعة من الغيوب والله عالم بكلها والغيب ما غاب عن الخلق على ما قال بعضهم العلقة غيب في النطفة والمضغة غيب في العلقة والإنسان غيب في هذا كله والماء غيب في الهواء والنبات غيب في الماء والحيوان غيب في النبات والإنسان غيب في هذا كله والله تعالى قد أظهره من هذه الغيوب وسيظهره بعدما كان غيباً في التراب وفائدة الأمر باليمين أن لا يبقى للمعاندين عذر أصلاً لما أنهم كانوا يعرفون أمانته ونزاهته عن وصمة الكذب فضلاً عن اليمين الفاجرة وإنما لم يصدقوه مكابرة وهذا الكفر والتكذيب طبيعة النفوس الكاذبة المكذبة فمن وكله الله بالخذلان إلى طبيعة نفسه لا يصدر منه إلا الإنكار ومن نظره الله إلى قلبه بنظر العناية فلا يظهر منه عند سماع قوله :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
(7/203)
{قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَـالِمِ الْغَيْبِ} إلا الإقرار والنطق بالحق {لا يَعْزُبُ عَنْهُ} (العزوب : درشدن) والعازب المتباعد في طلب الكلأ وعن أهله أي : لا يبعد عن علمه ولا يغيب {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} المثقال ما يوزن به وهو من الثقل وذلك اسم لكل صنج كما في "المفردات".
والذرة النملة الصغيرة الحميراء وما يرى في شعاع الشمس من ذرات الهواء أي : وزن أصغر نملة أو مقدار الهباء {فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الأرْضِ} أي : كائنة فيهما.
وفيه إشارة إلى علمه بالأرواح والأجسام {وَلا أَصْغَرَ مِن ذَالِكَ} المثقال {وَلا أَكْبَرَ} منه ورفعهما على الابتداء فلا وقف عند أكبر والخبر قوله تعالى : {إِلا} مسطور ومثبت {فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ} هو اللوح المحفوظ المظهر لكل شيء وإنما كتب جرياً على عادة المخاطبين لا مخافة نسيان وليعلم أنه لم يقع خلل وإن أتى عليه الدهر والجملة مؤكدة لنفي العزوب.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُا قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَـالِمِ الْغَيْبِا لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الارْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَالِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ * لِّيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِا أولئك لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ سَعَوْ فِى ءَايَـاتِنَا مُعَـاجِزِينَ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} .
{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ} علة لقوله : {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} وبيان لما يقتضي إتيانها فاللام للعلة عقلاً وللمصلحة والحكمة شرعاً.
{أولئك} الموصوفون بالإيمان والعمل.
{لَهُمْ} بسبب ذلك {مَغْفِرَةٍ} ستر ومحو لما صدر عنهم مما لا يخلو عنه البشر {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} لا تعب فيه ولا منّ عليه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَالَّذِينَ سَعَوْ} (بشتافتند) {وَإِذَا رَأَيْتَ} القرآنية بالرد والطعن فيها ومنع الناس عن التصديق بها {مُعَـاجِزِينَ} أي : مسابقين كي يفوتونا.
قال في "البحر" : ظانين في زعمهم وتقديرهم أنهم يفوتوننا وإن كيدهم للإسلام يتم لهم.
وفي "المفردات" السعي المشي السريع وهو دون العدو ويستعمل للجد في الأمر خيراً كان أو شراً وأعجزت فلاناً وعاجزته جعلته عاجزاً أي : ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا لأنهم حسبوا أن لا بعث ولا نشور فيكون لهم ثواب وعقاب وهذا في المعنى كقوله تعالى : {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا} وقال في موضع آخر أي : اجتهدوا في أن يظهروا لنا عجزاً فيما أنزلناه من الآيات وبالفارسية : (وميكوشند درانكه مارا عاجز آرند ويش شوند) {أولئك} الساعون {لَهُمْ} بسبب ذلك {عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ} من للبيان والرجز سوء العذاب أي : من جنس سوء العذاب {أَلِيمٌ} بالرفع صفة عذاب أي : شديد الإيلام ويجيىء الرجز بمعنى القذر والشرك والأوثان كما في قوله : {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (المدثر : 5) سماها رجزاً لأنها تؤدي إلى العذاب وكذا سمي كيد الشيطان رجزاً في قوله تعالى : {وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَـانِ} (الأنفال : 11)
261
لأنه سبب العذاب.
وفي "المفردات" أصل الرجز الاضطراب وهو في الآية كالزلزلة.
{وَالَّذِينَ سَعَوْ فِى ءَايَـاتِنَا مُعَـاجِزِينَ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ * وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِى إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
(7/204)
{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} مستأنف مسوق للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات أي : يعلم أولوا العلم من أصحاب رسول الله ومن شايعهم من علماء الأمة أو من آمن من علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار ونحوهما والأول أظهر لأن السورة مكية كما في "التكملة" : {الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} أي : النبوة والقرآن والحكمة والجملة مفعول أول لقوله : {يَرَى} .
{هُوَ} ضمير فصل يفيد التوكيد كقوله تعالى : {هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ} (آل عمران : 180) {الْحَقِّ} بالنصب على أنه مفعول ثان ليرى {وَيَهْدِى} عطف على الحق عطف الفعل على الاسم لأنه في تأويله كما في قوله تعالى : {صَـافَّـاتٍ} أي : وقابضات كأنه قيل ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك الحق وهادياً {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} الذي هو التوحيد والتوشح بلباس التقوى وهذا يفيد رهبة لأن العزيز يكون ذا انتقام من المكذب ورغبة لأن الحميد يشكر على المصدق.
وفيه أن دين الإسلام وتوحيد الملك العلام هو الذي يتوصل به إلى عزة الدارين وإلى القربة والوصلة والرؤية في مقام العين كما أن الكفر والتكذيب يتوصل به إلى المذمة والمذلة في الدنيا والآخرة وإلى البعد والطرد والحجاب عما تعاينه القلوب الحاضرة والوجوه الناظرة.
قال بعض الكبار : يشير بالآية إلى الفلاسفة الذين يقولون : إن محمداً صلى الله عليه وسلّم كان حكيماً من حكماء العرب وبالحكمة أخرج هذا الناموس الأكبر يعنون النبوة والشريعة ويزعمون أن القرآن كلامه أنشأه من تلقاء نفسه يسعون في هذا المعنى مجاهدين جهداً تاماً في إبطال الحق وإثبات الباطل فلهم أسوأ الطرد والإبعاد لأن القدح في النبوة ليس كالقدح في سائر الأمور.
وأما الذين أوتوا العلم من عند الله موهبة منه لا من عند الناس بالتكرار والبحث فيعلمون أن النبوة والقرآن والحكمة هو الحق من ربهم وإنما يرون هذه الحقيقة لأنهم ينظرون بنور العلم الذي أوتوه من الحق تعالى فإن الحق لا يرى إلا بالحق كما أن النور لا يرى إلا بالنور ولما كان يرى الحق بالحق كان الحق هادياً لأهل الحق وطالبيه إلى طريق الحق وذلك قوله : {وَيَهْدِى إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} فهو العزيز لأنه لا يوجد إلا به وبهدايته والحميد لأنه لا يرد الطالب بغير وجدان كما قال : "ألا من طلبني وجدني".
قال موسى عليه السلام : أين أجدك يا رب؟ قال : يا موسى إذا قصدت إليّ فقد وصلت إليّ ، قال المولى الجامي :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
هره جز حق ز لوح دل بتراش
بكذر از خلق جمله حق را باش
رخت همت بخطه جان كش
بر رخ غير خط نيسان كش
بكسلى خويش از هوا وهوس
روى دل درخداى دارى س
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} منكري البعث وهم كفار قريش قالوا بطريق الاستهزاء مخاطباً بعضهم لبعض {هَلْ نَدُلُّكُمْ} (يا دلالت كنيم ونشان دهيم شمارا) {عَلَى رَجُلٍ} يعنون به النبي صلى الله عليه وسلّم وإنما قصدوا بالتنكير الهزؤ والسخرية {يُنَبِّئُكُمْ} أي : يحدثكم ويخبركم بأعجب الأعاجيب ويقول لكم : {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} الممزق مصدر بمعنى التمزيق وهو بالفارسية (را كنده كردن) وأصل التمزيق التفريق يقال مزق ثيابه
262
اي : فرقها والمعنى إذا متم وفرقت أجسادكم كل تفريق بحيث صرتم رفاتاً وتراباً {إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي : مستقرون فيه وبالفارسية : (درآفرينش تو خواهيد بود يعني زنده خواهيد كشت) وجديد فعيل بمعنى فاعل عند البصريين من جدّ فهو جديد كقل فهو قليل وبمعنى المفعول عند الكوفيين من جدّ النساج الثوب إذا قطعه.
قال في "المفردات" يقال جددت الثوب إذا قطعته على وجه الإصلاح وثوب جديد أصله المقطوع ثم جعل لكل ما أحدث إنشاؤه والخلق الجديد إشارة إلى النشأة الثانية والجديدان الليل والنهار والعامل في إذا محذوف دل عليه ما بعده أي : تنشأون خلقاً جديداً ولا يعمل فيها مزقتم لإضافتها إليه ولا ينبئكم لأن التنبئة لم تقع وقت التمزيق بل تقدمت ولا جديد لأن ما بعد أنّ لا يعمل فيما قبلها.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِه جِنَّةُا بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ فِى الْعَذَابِ وَالضَّلَـالِ الْبَعِيدِ * أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِا إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ} .
{افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فيما قاله وهذا أيضاً من كلام الكفار وأصل افترى أإفترى بهمزة الاستفهام المفتوحة الداخلة على همزة الوصل المكسورة للإنكار والتعجب فحذفت همزة الوصل تخفيفاً مع عدم اللبس.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
(7/205)
والفرق بين الافتراء والكذب أن الافتراء هو افتعال الكذب من قول نفسه والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه ومعنى الافتراء بالفارسية (دروغ بافتن) أي : اختلق محمد على الله كذباً {أَم بِه جِنَّةُ} (يا بدو جنوني هست) أي : جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه من غير قصد والجنون حائل بين النفس والعقل وهذا حصر للخبر الكاذب بزعمهم في نوعيه وهما الكذب على عمد وهوالمعنيّ بالافتراء والكذب لا عن عمد وهو المعنيّ بالجنون فيكون معنى أم به جنة أم لم يفتر فعبر عن عدم الافتراء بالجنة لأن المجنون لا افتراء له لأن الكذب عن عمد ولا عمد للمجنون فالإخبار حال الجنة قسيم للافتراء الأخص لا الكذب الأعم ثم أجاب الله عن ترديدهم فقال : {بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ} أي : ليس محمد من الافتراء والجنون في شيء كما زعموا وهو مبرأ منهما بل هؤلاء القائلون الكافرون بالحشر والنشر واقعون {فِى الْعَذَابِ} في الآخرة {وَالضَّلَـالِ الْبَعِيدِ} في الدنيا أي : البعيد عن الصواب والهدي بحيث لا يرجى الخلاص منه ووصف الضلال بالبعد على الإسناد المجازي للمبالغة إذ هو في الأصل وصف الضال لأنه الذي يتباعد عن المنهاج المستقيم وكلما ازداد بعداً عنه كان أضل وتقديم العذاب على ما يوجبه ويؤدي إليه وهو الضلال للمسارعة إلى بيان ما يسوؤهم وجعل العذاب والضلال محيطين بهم إحاطة الظرف بالمظروف لأن أسباب العذاب معهم فكأنهم في وسطه ووضع الموصول موضع ضميرهم للتنبيه على أن علة ما اجترأوا عليه كفرهم بالآخرة وما فيها فنون العقاب ولولاه لما فعلوا ذلك خوفاً من غائلته.
وحاصل الآية إثبات الجنون الحقيقي لهم فإن الغفلة عن الوقوع في العذاب وعن الضلال الموجب لذلك جنون أي : جنون واختلال عقل أي : اختلال إذ لو كان فهمهم وإدراكهم تاماً وكاملاً لفهموا حقيقة الحال ولما اجترأوا على سوء المقال.
قال بعض الكبار كما أن الطفل الصغير يسبى إلى بعض البلاد فينسى وطنه الأصلي بحيث لو ذكر به لم يتذكر كذلك نفس الإنسان القاسي قلبه إن ذكر بالآخرة وهو وطنه الأصلي لم يتذكر ويكفر به ويقول مستهزئاً ما يقول ولا يتفكر أن أجزاءه كانت متفرقة حين كان هو ذرة أخرجت من صلب آدم كيف جمع الله
263
ذرات شخصه المتفرقة وجعلها خلقاً جديداً كذلك يجمع الله أجزاءه المتفرقة للبعث.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
بامرش وجود از عدم نقش بست
كه داند جزاو كردن ازنيست هست
دكر ره بكتم عدم در برد
وزانجا بصحراى محشر برد
دهد روح كر تربت آدمى
شود تربت آدم دران يكدمى
كسى كو بخواهد نظير نشور
بكو در نكر سبزه را در ظهور
كه بعد خزان بشكفد ند كل
بجوشد زمين در بهاران و مل
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِ} الفاء للعطف على مقدر أي : افعلوا ما فعلوا من المنكر المستتبع للعقوبة فلم ينظروا إلى ما أحاط بهم من جميع جوانبهم بحيث لا مفرّ لهم وهو السماء والأرض فإنهما أمامهم وخلفهم وعن يمينهم وشمالهم حيثما كانوا وساروا وبالفارسية : (آيا نمى نكرند كافران بسوى آنه در يش ايشانست از آسمان وزمين).
ثم بين المحذور المتوقع من جهتهما فقال : {إِن نَّشَأْ} جرياً على موجب جناياتهم {نَخْسِفْ بِهِمُ الارْضَ} كما خسفناها بقارون وخسف به الأرض غاب به فيها فالباء للتعدية وبالفارسية : (فرو بريم ايشانرا بزمين) {أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَآءِ} كما أسقطناها على أصحاب الأيكة لاستيجابهم ذلك بما ارتكبوه من الجرائم والكسف كقطع لفظاً ومعنى جمع كسفة.
قال في "المفردات" ومعنى الكسفة قطعة من السحاب والقطن ونحو ذلك من الأجسام المتخلخلة ومعنى إسقاط الكسف من السماء إسقاط قطع من النار كما وقع لأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب كانوا أصحاب غياض ورياض وأشجار ملتفة حيث أرسل الله عليهم حراً شديداً فرأوا سحابة فجاءوا ليستظلوا تحتها فأمطرت عليهم النار فاحترقوا {إِنَّ فِى ذَالِكَ} أي : فيما ذكر من السماء والأرض من حيث إحاطتهما بالناظر من جميع الجوانب أو فيما تلى من الوحي الناطق بما ذكر {لايَةً} لدلالة واضحة {لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} شأنه الإنابة والرجوع إلى ربه فإنه إذا تأمل فيهما أو في الوحي المذكور ينزجر عن تعاطي القبيح وينيب إليه تعالى.
قال في "المفردات" النوب رجوع الشيء مرة بعد أخرى والإنابة إلى الله الرجوع إليه بالتوبة وإخلاص العمل.
وفي الآية حث بليغ على التوبة والإنابة وزجر عن الجرم والجناية وأن العبد الخائف لا يأمن من قهر الله طرفة عين فإن الله قادر على كل شيء يوصل اللطف والقهر من كل ذرة من ذرات العالم.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
(7/206)
قال إبراهيم بن أدهم قدس سره : إذا صدق العبد في توبته صار منيباً لأن الإنابة ثاني درجة التوبة.
قال أبو سعيد القرشي المنيب الراجع عن كل شيء يشغله عن الله إلى الله.
وقال بعضهم : الإنابة الرجوع منه إليه لا من شيء غيره فمن رجع من غيره إليه ضيع أحد طرفي الإنابة والمنيب على الحقيقة من لم يكن له مرجع سواه ويرجع إليه من رجوعه ثم يرجع من رجوع رجوعه فيبقى شبحاً لا وصف له قائماً بين يدي الحق مستغرقاً في عين الجمع.
سرى سقطي قدس سره (كويد معروف كرخى را روح الله روحه بخواب ديدم در زير عرض خداى واله ومدهوش وازحق ندايى رسيد بملائكة اين مرد كيست كفتند خداوندا تودانا ترى كفت معروف ازدوشتى ما واله كشته است جز بديدار
264
ما بهوش نيايد وجز بلقاى ما ازخود خبر نيابد) فهذه هي حقيقة الرجوع.
ومن هذا القبيل ما حكي عن إبراهيم بن أدهم قدس سره أنه حج إلى بيت الله الحرام فبينما هو في الطواف إذ بشاب حسن الوجه قد أعجب الناس حسنه وجماله فصار إبراهيم ينظر إليه ويبكي فقال بعض أصحابه : إناوإنا إليه راجعون غفلة دخلت على الشيخ بلا شك ثم قال : يا سيدي ما هذا النظر الذي يخالطه البكاء؟ فقال إبراهيم : يا أخي عقدت مع الله عقداً لا أقدر على فسخه وإلا كنت أدني هذا الفتى مني وأسلم عليه لأنه ولدي وقرة عيني تركته صغيراً وخرجت فارّاً إلى الله تعالى وها هو قد كبر كما ترى وأني لأستحيي من الله أن أعود إلى شيء خرجت منه.
هجرت الخلق كلا في هواكا
وايتمت العيال لكي أراكا
فلو قطعتني في الحب ارباً
لما سكن الفؤاد إلى سواكا
قال بعضهم : هجر النفس مواصلة الحق ومواصلة النفس هجر الحق ومن الله الإيصال إلى مقام الوصال.
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِا إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الارْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَآءِا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُادَ مِنَّا فَضْلا يا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَه وَالطَّيْرَا وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَـابِغَـاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِا وَاعْمَلُوا صَـالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُادَ مِنَّا فَضْلا} أعطى الله تعالى داود اسماً ليس فيه حروف الاتصال فدل على أنه قطعه عن العالم بالكلية وشرفه بالطافه الخفية والجلية فإن بين الاسم والمسمى مناسبة لا يفهما إلا أهل الحقيقة وقد صح أن الألقاب والأسماء تنزل من صوب السماء والفضل الزيادة والتنوين للنوع أي : نوعاً من الفضل على سائر الأنبياء مطلقاً سواء كانوا أنبياء بني إسرائيل أو غيرهم كما دل عليه قوله تعالى : {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (البقرة : 253) والفاضل من وجه لا ينافي كونه مفضولاً من وجه آخر وهذا الفضل هو ما ذكر بعد من تأويب الجبال وتسخير الطير وإلانة الحديد فإنه معجزة خاصة به وهذا لا يقتضي انحصار فضله فيها فإنه تعالى أعطاه الزبور كما قال في مقام الامتنان والتفضل.
{وَءَاتَيْنَا دَاوُادَ زَبُورًا} (النساء : 163).
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
قال في "التأويلات النجمية" : والفرق بين داود وبين نبينا صلى الله عليه وسلّم أنه ذكر فضله في حق داود على صفة النكرة وهي تدل على نوع من الفضل وشيء منه وهو الفيض الإلهي بلا واسطة كما دل عليه كلمة منا وقال في حق نبينا صلى الله عليه وسلّم {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} (النساء : 113) والفضل الموصوف بالعظمة يدل على كمال الفضل وكذا قوله فضل الله لما أضاف الفضل إلى الله اشتمل على جميع الفضل كما لو قال أحد دار فلان اشتملت على جميع الدور انتهى بنوع من التغيير.
ويجوز أن يكون التنكير للتفخيم ومن التأكيد فخامته الذاتية لفخامته الإضافية على أن يكون المفضل عليه غير الأنبياء فالمعنى إذا ولقد آتينا داود بلا واسطة فضلاً عظيماً على سائر الناس كالنبوبة والعلم والقوة والملك والصوت الحسن وغير ذلك يا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ} بدل من آتينا بإضمار قلنا أومن فضلا باضمار قولنا.
والتأويب على معنيين :
أحدهما : الترجيع وهو بالفارسية (نغمه كردانيدن) لأنه من الأوب وهو الرجوع.
والثاني : السير بالنهار كله فالمعنى على الأول رجعي معه التسبيح وسبحي مرة بعد مرة.
قال في "كشف الأسرار" : أوّبي سبحي معه إذا سبح وهو بلسان الحبشة انتهى ، وبالفارسية : (باز كردانيدن آوازخودرا باداود دروقت تسبيح أو يعني موافقت كنيد باوى) وذلك بأن يخلق الله تعالى فيها صوتاً مثل صوته كما خلق الكلام في شجرة موسى عليه السلام فكان كلما سبح سمع من الجبال ما يسمع من المسبح ويعقل معنى
265
(7/207)
معجزة له قالوا : فمن ذلك الوقت يسمع الصدى من الجبال وهو ما يرده الجبل على المصوت فيه.
فإن قلت : قد صح عند أهل الحقيقة أن للأشياء جميعاً تسبيحاً بلسان فصيح ولفظ صريح يسمعه الكمل من أهل الشهود فما معنى الفضل فيه لداود؟ قلت : الفضل موافقة الجبال له بطريق خرق العادة كما دل عليه كلمة مع.
فإن قلت : قد ثبت أيضاً عندهم أن أذكار العوالم متنوعة فمتى سمع السالك من الأشياء الذكر الذي هو مشغول به فكشفه خيالي غير صحيح يعني أنه خيال أقيم له في الموجودات وليس له حقيقة وإنما الكشف الصحيح الحقيقي هو أن يسمع من كل شيء ذكراً غير ذكر الآخر.
قلت : لا يلزم من موافقة الجبال لداود أن لا يكون لها تسبيح آخر في نفسها مسموع لداود كما هي فيه والمعنى على الثاني سيرى معه حيث سار ، يعني : (سير كنيد با او هرجاكه رود وهركاه كه خواهد واين معجزه داود بودكه با او روان شدى) ولعل تخصيص الجبال بالتسبيح أو السير لأنها على صور الرجال كما دل عليه ثباتها {وَالطَّيْرُ} بالنصب عطفاً على فضلاً يعني وسخرنا له الطير لأن إيتاءها إياه عليه السلام لتسخيرها له فلا حاجة إلى إضماره ولا إلى تقدير المضاف أي : تسبيح الطير كما في "الإرشاد" : وبالفارسية : (ومسخر كرديم ويرا مرغان تادروقت ذكر با او موافق بودندى) نزل الجبال والطير منزلة العقلاء حيث نوديت نداءهم إذ ما من حيوان وجماد إلا وهو منقاد لمشيئته ومطيع لأمره فانظر إذ من طبع الصخور الجمود ومن طبع الطيور النفور ومع هذا قد وافقته عليه السلام فأشد منها القاسية قلوبهم لا يوافقون ذكراً ولا يطاوعون تسبيحاً وينفرون من مجالس أهل الحق نفور الوحوش بل يهجمون عليها بأقدام الإنكار كأنهم الأعداء من الجيوش.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
قال المولى الجامي في "شرح الفصوص" : وإنما كان تسبيح الجبال والطير لتسبيحه لأنه لما قوي توجهه عليه السلام بروحه إلى معنى التسبيح والتحميد سري ذلك إلى أعضائه وقواه فإنها مظاهر روحه ومنها إلى الجبال والطير فإنها صور أعضائه وقواه في الخارج فلا جرم يسبحن لتسبيحه وتعود فائدة تسبيحها إليه يعني لما كان تسبيحها ينشأ من تسبيحه لا جرم يكون ثوابه عائداً إليه لا إليها لعدم استحقاقها لذلك انتهى.
والحاصل : أن الذكر من اللسان يعبر إلى أن يصل إلى الروح ثم ينعكس النور من الروح إلى جبال النفس وطير القلب ثم بالمداومة ينعكس من النفس إلى البدن فيستوعب جميع أجزاء البدن ظاهرها وباطنها ثم ينعكس من أجزائه العنصرية إلى العناصر الأربعة مفردها ومركبها وينعكس من النفس إلى النفوس أعني النفس النامية والنفس الحيوانية والنفس السماوية والنفس النجومية وينعكس من الروح الإنساني إلى عالم الأرواح إلى أن يستوعب جميع العالم ملكه وملكوته وإليهما الإشارة بالجبال والطير فيذكر العالم بما فيه موافقة للذاكر ثم يعبر الذكر عن المخلوقات ويصعد إلى رب العالمين كما قال : {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (فاطر : 10) فيذكره الله تعالى فيكون ذاكراً ومذكوراً متصفاً بصفة الرب وبخلقه ويكون الفضل في حقه كونه مذكوراً للحق.
ثم إن الله تعالى ما بعث نبياً إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان لداود عليه السلام حسن صوت جداً زائد على غيره كما أنه كان ليوسف عليه السلام حسن زائد على حسن غيره (هركاه كه
266
داود بزبور خواند مشغول شدى سباع ووحوش ازمنازل خود بيرون آمده استماع آواز دلنوازش كردندى وطيور ازنغمات جانفزايش مضطرب كشته خود ازمنزل برزمين افكندندى :
زصوت دلكشش جان تازه كشتى
روانرا ذوق بى انداره كشتى
سهر نك شت ارغنون ساز
ازان ر حالت نشنوده آواز
وكفتند ون داود تسبيح كفتى كوهها بصدا ويرا مدد دادندى ومرغان برز بر سروى كشيده بالحان دلاويز امداد نمودندى وهركس كه آواز وى شنيدى ازلذت آن نغمه بيخود كشتى وازان وجد وسماع بودى كه دريك مجلس هار صد جنازه بركرفتندى) :
و كردد مطرب من نغمه رداز
زشوقش مرغ روح آيد برواز
(7/208)
قال القرطبي : حُسْنُ الصوت هبة الله تعالى وقد استحسن كثير من فقهاء الأمصار القراءة بتزيين الصوت وبالترجيع ما لم يكن لحناً مفسداً مغيراً للمبنى مخرجاً للنظم عن صحة المعنى لأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية كما في "فتح القريب" (شبى داود عليه السلام باخود كفت "لا عبدنّ الله تعالى عبادة لم يعبده أحد بمثلها" اين بكفت وبركوه شد تا عبادت كند وتسبيح كويد درميانه شب وحشتى بوى در آمد ورب العالمين آن ساعت كوه را فرمود تا انس دل داودرا باوى تسبيح وتهليل مساعدت كند ندان آواز تسبيح وتهليل ازكوه بديد آمد كه آواز داود در جنب آن نايز كشت باخود كفت) كيف يسمع صوتي مع هذه الأصوات فنزل ملك وأخذ بعضد داود وأوصله إلى البحر فوضع قدمه عليه فانفلق حتى وصل إلى الأرض تحته فوضع قدمه عليها حتى انشقت فوصل إلى الحوت تحت الأرض ثم إلى الصخرة تحت الحوت فوضع قدمه على الصخرة فظهرت دودة وكانت تنشر فقال له الملك : يا داود إن ربك يسمع نشير هذه الدودة في هذا الموضع من وراء السبع الطباق فكيف لا يسمع صوتك من بين أصوات الصخور والجبال فتنبه داود لذلك ورجع إلى مقامه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
همه آوازها در يش حق باز
اكر يدا اكر وشيده آواز
كسى كو بشنود آواز ازحق
شود در نفس خود خاموش مطلق
اللهم أسمعنا كلامك {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} اللين ضد الخشونة يستعمل في الأجسام ثم يستعار للمعاني وإلانة الحديد بالفارسية : (نرم كردانيدن آهن) أي : جعلناه لينا في نفسه كالشمع والعجين والمبلول يصرفه في يده كيف يشاء من غير إحماء بنار ولا ضرب بمطرقة أو جعلناه بالنسبة إلى قوته التي آتيناها إياه ليناً كالشمع بالنسبة إلى سائر قوى البشرية وكان داود أوتي شدة قوة في الجسد وإن لم يكن جسيماً وهو أحد الوجهين لقوله : ذا الأيد في سورة ص.
{أَنِ اعْمَلْ} أي : أمرناه بأن عمل على أن أن مصدرية حذف منها الباء.
{سَـابِغَـاتٍ} أي : دروعاً واسعة تامة طويلة.
قال في "القاموس" سبغ الشيء سبوغاً طال إلى الأرض والنعمة انسبغت ودرع سابغة تامة طويلة انتهى ومنه استعير إسباغ الوضوء أو إسباغ النعمة كما في "المفردات" وهو عليه السلام أول من اتخذها وكانت قبل ذلك صفائح حديد مضروبة قالوا :
267
كان عليه السلام حين ملك على بني إسرائيل يخرج متنكراً فيسأل الناس ما تقولون في داود فيثنون عليه فقيض الله له ملكاً في صورة آدمي فسأله على عادته فقال : نعم الرجل لولا خصلة فيه فسأله عنها فقال : لولا أنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال ولو أكل من عمل يده لتمت فضائله فعند ذلك سأل ربه أن يسبب له ما يستغني به عن بيت المال فعلمه تعالى صنعة الدروع فكان يعمل كل يوم درعاً ويبيعها بأربعة آلاف درهم أو بستة آلاف ينفق عليه وعلى عياله ألفين ويتصدق بالباقي على فقراء بني إسرائيل (درلباب كويد ون وفات فرمود هزار ذره در خزانه او بود) وفي الحديث : "كان داود لا يأكل إلا من كسب يده".
وفي الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع فإن العمل بها لا ينقص بمرتبتهم بل ذلك زيادة في فضلهم إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم وفي الحديث : "إن خير ما أكل المرء من عمل يده" قال الشيخ سعدي قدس سره :
بياموز رورده را دست رنج
وكردست دارى و قارون كنج
بايان رسد كيسه سيم وزر
نكردد تهى كيسه يشه ور
{وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ} التقدير بالفارسية (اندازه كردن) والسرد في الأصل خرز ما يخشن ويغلظ كخرز الجلد ثم استعير لنظم الحديد ونسج الدروع كما في "المفردات" وقيل لصانع الدروع سراد وزراد بإبدال الزاء من السين وسرد كلامه وصل بعضه ببعض وأتى به متتابعاً وهو إنما يكون مقبولاً إذا لم يخل بالفهم والمعنى اقتصد في نسجها بحيث تناسب حلقها وبالفارسية : (واندازه نكه دار دربافتن آن "يعني حلقها مساوي" درهم افكن تا وضع آن متناسب افتد) ولا تصرف جميع أوقاتك إليه بل مقدار ما يحصل به القوة وأما الباقي فاصرفه إلى العبادة وهو الأنسب بما بعده.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى إلانة قلبه والسابغات الحكم البالغة التي ظهرت ينابيعها من قلبه على لسانه {وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ} الحديث بأن تتكلم بالحكمة على قدر عقول الناس.
نكته كفتن يش كفهمان زحكمت بيكمان
جوهرى ند ازجواهر ريختن يش خرست
{وَاعْمَلُوا} خطاب لداود وأهله لعموم التكليف.
{صَـالِحًا} عملاً صالحاً خالصاً من الأغراض {إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لا أضيع عمل عامل منكم فأجازيكم عليه وهو تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به.
(7/209)
وفي "التأويلات النجمية" : أشار بقوله : {وَاعْمَلُوا صَـالِحًا} إلى جميع أعضائه الظاهرة والباطنة أن تعمل في العبودية كل واحدة منها عملاً يصلح لها ولذلك خلقت إني بعمل كل واحدة منكن بصير وبالبصارة خلقتكن انتهى.
والبصير هو المدرك لكل موجود برؤيته ومن عرف أنه البصير راقبه في الحركات والسكنات حتى لا يراه حيث نهاه أو يفقده حيث أمره.
وخاصية هذا الاسم وجود التوفيق فمن قرأه قبل صلاة الجمعة مائة مرة فتح الله بصيرته ووفقه لصالح القول والعمل وإن كان الإنسان لا يخلو عن الخطأ.
يقال : كان داود عليه السلام يقول : اللهم لا تغفر للخطائين غيره منه وصلابة في الدين فلما وقع له ما وقع من الزلة كان يقول : اللهم اغفر للمذنبين.
ويقال لما تاب الله عليه اجتمع الإنس والجن والطير بمجلسه فلما رفع صوته
268
وأدار لسانه في حنكه على حسب ما كان من عادته تفرقت الطيور وقالت : الصوت صوت داود والحال ليست تلك الحال فبكى داود عليه السلام وقال : ما هذا يا رب فأوحى الله إليه يا داود هذا من وحشة الزلة وكانت تلك من إنس الطاعة :
قدم نتوان نهاد آنجاكه خواهى
بفرمان رو بفرمان كن نكاهى
كه هر كاو نه بامر حق قدم زد
و شمع ازسر برآمد تيز دم زد
{أَنِ اعْمَلْ سَـابِغَـاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِا وَاعْمَلُوا صَـالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌا وَأَسَلْنَا لَه عَيْنَ الْقِطْرِا وَمِنَ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ} أي : وسخرنا له الريح وهي الصبا {غُدُوُّهَا} أي : جريها وسيرها بالغداة أي : من لدن طلوع الشمس إلى زوالها وهو وقت انتصاف النهار ، وبالفارسية : (بامدادبردن باد اورا) {شَهْرٍ} مسيرة شهر أي : مسير دواب الناس في شهر.
قال الراغب : الشهر مدة معروفة مشهورة بإهلال الهلال أو باعتبار جزء من اثني عشر جزأ من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة.
والمشاهرة المعاملة بالشهر كما أن المسانهة والمياومة المعاملة بالسنة واليوم {وَرَوَاحُهَا} أي : جريها وسيرها بالعشي أي : من انتصاف النهار إلى الليل ، وبالفارسية : (ورفتن او شبانكاه) {شَهْرٍ} مسيرة شهر ومسافته يعني كانت تسير في يوم واحد مسيرة شهرين للراكب.
والجملة إما مستأنفة أو حال من الريح.
وعن الحسن كان يغدو بدمشق مع جنوده على البساط فيقيل باصطخر وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع واصطخر بوزن فردوس بلدة من بلاد فارس بناها لسليمان صخر الجني المراد بقوله : {قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الْجِنِّ} (النمل : 39) ثم يروح أي : من اصطخر فيكون رواحه بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وكابل بضم الباء الموحدة ناحية معروفة من بلاد الهند وكان عليه السلام يتغدى بالري ويتعشى بالسمرقند والري من مشاهير ديار الديلم بين قومس والجبال وسمرقند أعظم مدينة بما وراء النهر أي : نهر جيحون.
ـ ويحكى ـ أن بعضهم رأى مكتوباً في منزل بناحية دجلة كتبه بعض أصحاب سليمان نحن نزلناه وما بنيناه ومبنياً وجدناه غدونا من اصطخر فقلناه ونحن رائحون عنه فبائتون بالشام إن شاء الله.
قال في "كشف الأسرار" : (كفته اند سفروى از زمين عراق بود تابمرو وازآنجا تاببلخ وازآنجا تادر بلاد ترك شدى وبلاد ترك باز بريدى تازمين ين آنكه سوى راست زجانب مطلع آفتاب بركشتى برساحل دريا تابزمين قندهار وازآنجا تا بمكران وكرمان وازآنجا تا باصطخر فارس نزولكاه وى بود يكخند آنجا مقام كردى وازآنجا بامداد برفتى وشبانكاه بشام بودى بمدينه تدمر ومسكن ومستقروى تدمربود) وكان سليمان أمر الشياطين قبل شخوصه من الشام إلى العراق فبنوها له بالصفاح والعمد والرخام الأبيض والأصفر وقد وجدت هذه الأبيات منقورة في صخرة بأرض الشام أنشأها بعض أصحاب سليمان :
ونحن ولا حول سوى حول ربنا
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
نروح إلى الأوطان من أرض تدمر
إذا نحن رحنا كان ريث رواحنا
مسيرة شهر والغدوّ لآخر
اناس شرو الله طوعا نفوسهم
بنصر ابن داود النبي المطهر
متى يركب الريح المطيعة أرسلت
مبادرة عن شهرها لم تقصر
269
تظلهمو طير صفوف عليهمو
متى رفرفت من فوقهم لم تبتر
(7/210)
قال مقاتل : كان ملك سليمان ما بين مصر وكابل.
وقال بعضهم : جميع الأرض وهو الموافق لما اشتهر من أنه ملك الدنيا بأسرها أربعة : اثنان من أهل الإسلام وهما الاسكندر وسليمان واثنان من أهل الكفر وهما نمرود وبخت نصر (بعض كبار كفته كه سليمان عليه السلام اسبان نيكويى عيب داشت همون مرغان بارون آن قصه فوت نماز بيفتاد تيغ بركشيد وكردن اسبان مى بريد كفتندكه اكنون كه بترك اسبان بكفتى ما باد مركب توكرديم "من كانكان الله له" هركه بترك نظر خود بكريد نظر الله بدلش يوند هي كس نبودكه بترك يزى نكفت ازبهر خدا كه نه عوضى به ازانش ندادند مصطفى عليه السلام جعفررا رضي الله عنه بغزو فرستاد وامارت جيش بود داد لو اى اسلام دردست وى بودكفار حمله آوردند ويك دستش بينداختند لوا بديكردست كرفت يك زخم ديكر بر آوزدند وديكر دستش بيندا ختند بعد ازان هفتاد ونه زخم برداشت شهيد ازدنيابيرون شد اورا بخواب ديدندكه "ما فعل الله بك" كفت "عوّضني الله من اليدين جناحين أطير بهما في الجنة حيث أشاء مع جبريل وميكائيل" اسما بنت عميس كفت رسول خدا ايستاده بود ناكاه كفت "وعليكم السلام" كفتم "على من ترد السلام يا رسول الله" جواب سلام كه ميدهى ه كس را نمى بينم كه برتو سلام ميكند كفت "ان جعفر ابن أبي طالب مر مع جبريل وميكائيل" أي : جعفر دست بدادى اينك رجزاى تو آى سليمان اسبان بدادى اينك اسبان در بروبحر حمال تو أي : محب صادق اكربحكم رياضت ديده فدا كردى وشم نثار اينك لطف ماديده تو وفضل ما سمع تو وكرام ما راغ وشمع تو "فإذا أحببته كنت له سمعاً يسمع بي وبصراً يبصر بي ويداً يبطش بي" أول مرد كوينده شود س داننده شود س رونده شود س برنده شود اى مسكين ترا هركز آرزوى آن نبودكه روزى مرغ دلت ازقفس ادبار نفس خلاص يابد وبرهواى رضاى حق روازكند بجلال قدر بارخداكه جزنواخت "اتيته هرولة" استقبال تو نكند) :
ه مانى بهر مردارى و زاغان اندرين ستى
قفس بشكن و طاوسان يكى برر برين بالا
قفس قالب است وامانت مرغ جان راوعشق رواز او ارادت افق او غيب منزل او در دركاه كه مرغ امانت ازين قفس بشريت برافق غيب رواز كند كروبيان عالم قدس دستهابديده خويش بازنهندتا از برق اين جمال ديدهاى ايشان نسوزد.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
وفي "التأويلات النجمية" : يشير قوله : {وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ} إلى آخره إلى القلب وسيره إلى عالم الأرواح وسرعته في السير للطافته بالنسبة إلى كثافة النفس وإبطائها في السير وذلك لأن مركب النفس في السير البدن وهو كثيف بطييء السير ومركب القلب في السير هو الجذبة الإلهية وهي من صفات لطفه كما قال عليه السلام : "قلوب العباد بيد الله يقلبها كيف يشاء" وتقليبها إلى الحضرة برياح العناية واللطف كما قال عليه السلام : "قلب المؤمن كريشة في فلاة يقلبها الريح ظهراً لبطن وبطناً لظهر" وهو حقيقة قوله "ولسليمان الريح" أي : لسليمان القلب سخرنا ريح العناية ليسير بها وهو ابن داود الروح وبساطه الذي كان مجلسه ويجري به الريح هو السر ولهذا المعنى قيل أن سليمان في سيره لاحظ
270
ملكه يوماً فمال ببساطة فقال سليمان للريح : استوي فقالت الريح استو أنت ما دمت مستوياً بقلبك كنت مستوية ملت فملت كذلك حال السر والقلب وريح العناية إذا زاغ القلب أزاغ الله بريح الخذلان بساط السر فإن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم انتهى ، وفي "المثنوي" :
همنين تاج سليمان ميل كرد
روز روشن را بروون ليل كرد
كفت تاجا ك مشو برفرق من
آفتمابا كم مشو ازشرق من
راست مى كرد اوبدست آن تاج را
باز ك مى شد بروتاج اى فتى
هشت بارش راست كرد وكشت ك
كفت تاجايست آخر ك مغ
كفت اكر صدره كنى تو راست من
كروم ون كروى اى مؤتمن
س سليمان اندرون و راست كرد
دل بر آن شهرت كه بودش كرد سرد
بعد ازان تا جش همان دم راست شد
آننانكه تاج را ميخواست شد
س ترا هر غم كه يش آيد زدرد
بركسى تهمت منه بر خويش كرد
(7/211)
ـ حكي ـ أن رجلاً سَقَّاء بمدينة بخارى ، كان يحمل الماء إلى دار صائغ مدة ثلاثين سنة وكان لذلك الصائغ زوجة صالحة في نهاية الحسن والبهاء فجاء السقاء على عادته يوماً وأخذ بيدها وعصرها فلما جاء زوجها من السوق قالت : ما فعلت اليوم خلاف رضى الله تعالى فقال : ما صنعت شيئاً فألحت عليه فقال : جاءت امرأة إلى دكاني وكان عندي سوار فوضعته في ساعدها فأعجبني بياضها فعصرتها فقالت : الله أكبر هذه حكمة خيانة السَّقاء اليوم فقال الصائغ : أيّها المرأة إني تبت فاجعليني في حل فلما كان الغد جاء السقاء وتاب وقال : يا صاحبة المنزل اجعليني في حل فإن الشيطان قد أضلني فقالت : امض فإن الخطأ لم يكن إلا من الشيخ الذي في الدكان فإنه لما غير حاله مع الله بمس الأجنبية غير الله حاله معه بمس الأجنبي زوجته ومثل ذلك من عدل الله تعالى والله تعالى غيور إذا رأى عبده فيما نهاه يؤاخذه بما يناسب حاله وفعله فإذا عرف العبد أن الحال هذا وجب عليه أن يترك الجفاء والأذى ويسلك طريق العدل والإنصاف ولا يأخذ سمت الجور والاعتساف والشقاق والخلاف {وَأَسَلْنَا لَه عَيْنَ الْقِطْرِ} أي : أذبنا وأجرينا لسليمان عين النحاس المذاب أساله من معدنه كما ألان الحديد لداود فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سمي عيناً وبالفارسية : (وجارى كرديم براى سليمان شمه مس كداخت را تا از معدن بيرون آمدى ون آب روان وازان مس هره ميخواست ميساخت وآن در موضعي بود ازيمن بقرب صنعاء).
قال في "كشف الأسرار" : لم يعمل بالنحاس قبل ذلك فكل ما في أيدي الناس من النحاس في الدنيا من تلك العين.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
يقول الفقير : يرد عليه أن في بعض البلاد معدن النحاس يلتقط جوهره منه اليوم يذاب ويعمل فكيف يكون ما في أيدي الناس مما أعطى سليمان إلا أن يقال أن أصله كان من تلك العين كما أن المياه كلها تخرج من تحت الصخرة في بيت المقدس على ما ورد في بعض الآثار {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} جملة من مبتدأ وخبر.
يعني : (ازطائفه جن است كسى كه
271
كار كردى يش سليمان) {بِإِذْنِ رَبِّهِ} بأمره كما ينبىء عنه قوله تعالى : {وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا} الزيغ الميل عن الاستقامة أي : ومن يعدل من الجن ويمل عما أمرناه به من طاعة سليمان ويعصه {نُذِقْهُ} (بشانيم اورا) {مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} أي : عذاب النار في الآخرة.
ـ وروي ـ عن السدي أنه كان معه ملك بيده سوط من نار كلما استعصى عليه الجني ضربه من حيث لا يراه ضربة أحرقته بالنار.
وفيه إشارة إلى تسخير الله لسليمان صفات الشيطنة كما قال نبينا صلى الله عليه وسلّم "إن الله سلطني على شيطاني فأسلم على يدي فلا يأمرني إلا بخير" فإذا كانت القوى الباطنة مسخرة كانت الظاهرة الصورية أيضاً مسخرة فتذهب الظلمة ويجيىء النور ويزول الكدر ويحصل السرور وهذا هو حال الكمل في النهايات.
{وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌا وَأَسَلْنَا لَه عَيْنَ الْقِطْرِا وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّه وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَه مَا يَشَآءُ مِن مَّحَـارِيبَ وَتَمَـاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَـاتٍا اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُادَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ} .
{يَعْمَلُونَ لَه مَا يَشَآءُ} تفصيل لما ذكر من عملهم.
{مِن مَّحَـارِيبَ} بيان لما يشاء جمع محراب.
قال في "القاموس" : المحراب الغرفة وصدر البيت وأكرم مواضعه ومقام الإمام من المسجد والموضع ينفرد به الملك فيتباعد عن الناس انتهى.
وفي "المفردات" محراب المسجد قيل : سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى أو لكون حق الإنسان فيه أن يكون حريباً أي : مسلوباً من أشغال الدنيا ومن توزع الخاطر.
وقيل : الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس ثم لما اتخذت المساجد سمي صدرها به وقيل : بل المحراب أصل في المسجد وهو اسم خص به صدر المسجد وسمي صدر البيت محراباً تشبيهاً بمحراب المسجد وهذا أصح انتهى.
والمعنى من قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بذلك لأنها يذب عنها ويحارب عليها أدرج في "تفسير الجلالين" أيضاً.
قال المفسرون : فبنت الشياطين لسليمان تدمر كتنصر وهي بلدة بالشام والأبنية العجيبة باليمن وهي صرواج ومرواج وبينون وسلحين وهيذة وهنيذة وفلتوم وغمدان ونحوها وكلها خراب الآن وعملوا له بيت المقدس في غاية الحسن والبهاء :
(
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
(7/212)
أصحاب سير كفته اندكه رب العالمين درناد ابراهيم عليه السلام بركت كرد نانكه كس طاقت شمردن نسل آن نداشت خصوصاً در روزكار داود عليه السلام داود خواست كه عدد بني إسرائيل بداند ايشان كه در زمين فلسطين مسكن داشتند روز كارى دراز مى شمردند وبسر نرسيدند ونوميد كشتند س وحى آمد بداودكه ون ابراهيم آن خواب كه اورا نموديم بذبح فرزند تصديق ووفاكرد من اورا وعده دادم كه درنسل وى بركت كنم اين كثرت ايشان ازانست اما ايشان فراوانى ازخويشتن ديدند وخودبين كشتند لا جرم عدد ايشان كم كنم اكنون مخيراند ميان سه بليه آن يكى كه اختيار كنند برايشان كما رم يا قحط ونياز وكرسنكى يادشمن سه ماه ياوبا وطاعون سه روز داود بني إسرائيل را جمع كرد وايشانرا درين سه بليت مخير كرد ازهرسه طاعون اختيار كردند كفتند اين يكى آسانتراست وار فضيحت دورتر س همه جهاز مرك بساختند غسل كردند وخنود برخود ريختند وكفن در وشيدن وبصحرا بيرون رفتند با اهل وعيال وخرد وبزرك دران صعيد بيت المقدس يش ازبنا نهادن آن وداود بصخره سجود درافتاد وايشان دعا وتضرع كردند
272
رب العالمين طاعون برايشان فرود كشاد يك شبان روز ندان هلاك شدندكه بعد ازان بدوماه ايشانرا دفن توانستند كرد ون يك شبان روز ازطاعون بكذشت رب العالمين دعاى داود اجابت وتضرع ايشان روا كرد وآن طاعون ازايشان برداشت بشكر آنكه رب العالمين دران مقام برايشان رحمت كرد بفرمود تا آنجا مسجدي سازندكه يوسته آنجا ذكر الله ودعا وتضرع رود س ايشان دركار ايستادند ونخست مدينه بيت المقدس بنا نهادند وداود بردوش خودسنك ميكشيد وخيار بني إسرائيل همنان سنك مى كشيدند تايك قامت بنابر آوردند س وحى آمد بداودكه اين شهرستانرا بيت المقدس نام نهاديم قدمكاه يغمبران وهجرتكاه ونزولكاه اكان ونيكان).
قال بعض الكبار : أراد داود عليه السلام بنيان بيت المقدس فبناه مراراً فلما فرغ منه تهدّم فشكا ذلك إلى الله فأوحى الله إليه أن بيتي هذا لا يقوم على يدي من سفك الدماء فقال داود : يا رب ألم يك ذلك في سبيلك : قال : بلى ولكنهم أليسوا عبادي فقال : يا رب اجعل بنيانه على يدي من هو مني فأوحى الله إليه أن ابنك سليمان يبنيه فإني أملكه بعدك وأسلمه من سفك الدماء وأقضي إتمامه على يده.
وسبب هذا أن الشفقة على خلق الله أحق بالرعاية من الغيرة في الله بإجراء الحدود المفضية إلى هلاكهم ولكون إمامة هذه النشأة أولى من هدمها فرض الله في حق الكفار الجزية والصلح إبقاء عليهم ألا ترى من وجب عليه القصاص كيف شرع لولي الدم أخذ الفدية أو العفو فإن أبى فحينئذٍ يقتل ألا تراه سبحانه إذا كان أولياء الدم جماعة فرضى واحد بالدية أو عفا وباقي الأولياء لا يرون إلا القتل كيف يراعي من عفا ويرجح على من لم يعف فلا يقتل قصاصاً.
ثم نرجع إلى القصة فصلوا فيه زماناً (كفته اند داود درآن روز صد وبيست وهفت سال بود ون سال وى بصد وهل رسيد ازدنيا بيرون شد وسليمان بجاى وى نشست).
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
وكان مولد سليمان بغزة وملك بعد أبيه وله اثنتا عشرة سنة ولما كان في السنة الرابعة من ملكه في شهر أيار سنة تسع وثلاثين وخمسمائة لوفاة موسى عليه السلام ابتدأ سليمان في عمارة بيت المقدس وإتمامه حسبما تقدم وصية أبيه إليه وجمع حكماء الإنس والجن وعفاريت الأرض وعظماء الشياطين وجعل منهم فريقاً يبنون وفريقاً يقطعون الصخور والعمد من معادن الرخام وفريقاً يغوصون في البحر فيخرجون منه الدر والمرجان وكان في الدر ما هو مثل بيضة النعامة والدجاجة وبنى مدينة بيت المقدس وجعلها اثني عشر ربضاً وأنزل كل ربض منها سبطاً من أسباط بني إسرائيل وكانوا اثني عشر سبطاً ثم بنى المسجد الأقصى بالرخام الملون وسقفه بألواح الجواهر الثمينة ورصع سقوفه وحيطانه باللآلي واليواقيت وأنبت الله شجرتين عند باب الرحمة إحداهما تنبت الذهب والأخرى تنبت الفضة فكان كل يوم ينزع من كل واحدة مائتي رطل ذهباً وفضة وفرش المسجد بلاطة من ذهب وبلاطة من فضة وبألواح الفيروزج فلم يكن يومئذٍ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد كان يضيىء في الظلمة كالقمر ليلة البدر وفرغ منه في السنة الحادية عشرة من ملكه وكان ذلك بعد هبوط آدم عليه السلام بأربعة آلاف وأربعمائة وأربع عشرة سنة وبين عمارة سليمان لمسجد بيت المقدس والهجرة النبوية المحمدية على صاحبها أزكى السلام ألف وثمانمائة
273
(7/213)
وقريب من سنتين ولما فرغ من بناء المسجد سأل الله ثلاثاً : حكماً يوافق حكمه وسأله ملكاً ولا ينبغي لأحد من بعده وسأله أن لا يأتي إلى هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه قال عليه السلام : نرجو أن يكون قد أعطاه إياه ، ولما رفع سليمان يده من البناء جمع الناس فأخبرهم أنه مسجدتعالى وهو أمره ببنائه وأن كل شيء فيهمن انتقص شيئاً منه فقد خان الله تعالى ثم اتخذ طعاماً وجمع الناس جمعاً لم ير مثله ولا طعام أكثر منه وقرب القرابينتعالى واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه فيه عيداً.
قال سعيد بن المسيب لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس تغلقت أبوابه فعالجها سليمان فلم تنفتح حتى قال في دعائه بصلوات أبي داود وافتتح الأبواب فتفتحت فوزع له سليمان عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل خمسة آلاف بالليل وخمسة آلاف بالنهار فلا يأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا والله يعبد فيها واستمر بيت المقدس على ما بناه سليمان أربعمائة سنة وثلاثاً وخمسين سنة حتى قصده بخت نصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ جميع ما كان فيه من الذهب والفضة والجواهر وحمله إلى دار مملكته من أرض العراق واستمر بيت المقدس خراباً سبعين سنة ثم أهلك بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه وذلك أنه من كبر الدماغ وانتفاخه فعل ما فعل من التخريب والقتل فجازاه الله تعالى بتسليط أضعف حيوان على دماغه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
نه هركز شنيديم در عمر خويش
كه بد مردرانيكى آمد به يش
{وَتَمَـاثِيلَ} جمع تمثال بالكسر وهو الصورة على مثال الغير أي : وصور الملائكة والأنبياء على صورة القائمين والراكعين والساجدين على ما اعتادوه فإنها كانت تعمل حينئذٍ في المساجد من زجاج ونحاس ورخام ونحوها ليراها الناس ويعبدوا مثل عباداتهم.
ويقال إن هذه التماثيل رجال من نحاس وسأل ربه أن ينفخ فيها الروح ليقاتلوا في سبيل الله ولا يعمل فيهم السلاح وكان اسفنديار رويين تن منهم كما في "تفسير القرطبي".
ـ وروي ـ أنهم عملوا أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان ذراعيهما فارتقى عليهما ، يعني : (ون سليمان خواستى كه بتخت برآيد آن دوشير بازوهاى خود برافراختندى تا ى بران نهاده بالارفتى) وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما فلما مات سليمان جاء افريدون ليصعد الكرسي ولم يدر كيف يصعد فلما دنا منه ضربه الأسد على ساقه فكسر ساقه ولم يجسر أحد بعده أن يدنو من ذلك الكرسي.
واعلم أن حرمة التصاوير شرع جديد وكان اتخاذ الصور قبل هذه الأمة مباحاً وإنما حرم على هذه الأمة لأن قوم رسولنا صلى الله عليه وسلّم كانوا يعبدون التماثيل أي : الأصنام فنهى عن الاشتغال بالتصوير وأبغض الأشياء إلى الخواص ما عصى الله به وفي الحديث : "من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبداً" وهذا يدل على أن تصوير ذي الروح حرام.
قال الشيخ الأكمل : هل هو كبيرة أو لا؟ فيه كلام فعند من جعل الكبيرة عبارة عما ورد الوعيد عليه من الشرع فهو كبيرة وأما من جعل الكبيرة منحصرة في عدد محصور فهذا ليس من جملته فيكون الحديث محمولاً على المستحل أو على استحقاق العذاب المؤبد وأما تصوير ما لا روح له فرخص فيه وإن كان مكروهاً من حيث أنه اشتغال بما لا يعني.
قال في "نصاب الاحتساب" :
274
ويحتسب على من يزخرف البيت بنقش فيه تصاوير لأن الصورة في البيت سبب لامتناع الملائكة عن دخوله قال جبريل عليه السلام : "إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب أو صورة" ولو زخرفه بنقش لا صورة فيه ولا بأس به.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
(7/214)
وفي "ملتقط الناصري" لو هدم بيتاً مصوراً فيه بهذه الأصباغ تماثيل الرجال والطيور ضمن قيمة البيت وأصباغه غير مصورة انتهى فإذا منع من التصاوير في البيت فأولى أن يمنع منها في المسجد ولذا محيت رؤوس الطيور في المساجد التي كانت كنائس وفيها تماثيل وجاء في الفروع أنه يكره أن يكون فوق رأس المصلي أو بين يديه أو بحذائه صورة وأشدها كراهة أن يكون أمام المصلي ثم فوق رأسه ثم على يمينه ثم على يساره ثم خلفه قيل : ولو كانت خلفه لا يكره لأنه لا يشبه عبادة الصنم وفيه إهانة لها ولو كانت تحت قدميه لا يكره.
قال في "العناية" : قيل : إذا كانت خلفه لا تكره الصلاة ويكره كونها في البيت لأن تنزيه مكان الصلاة عما يمنع دخول الملائكة مستحب.
لا يقال فعلى هذا لا يكره كونها تحت القدم فيه أيضاً ، لأنا نقول فيه من التحقير والإهانة ما لا يوجد في الخلف فلا قياس لوجود الفارق ثم الكراهة إذا كانت الصورة كبيرة بحيث تبدو وتظهر للناظر بلا تأمل فلو كانت صغيرة بحيث لا تتبين تفاصيل أعضائها إلا بتأمل لا يكره لأن الصغير جداً لا يعبد ولو قطع رأسها لا يكره لأنها لا تعبد بلا رأس عادة ومعنى قطع الرأس أن يمحى رأسها بخيط يخاط عليها وينسج حتى لم يبق للرأس أثر أصلاً بل طمست هيئته قطعاً ولو خيط ما بين الرأس والجسد لا يعتبر لأن من الطيور ما هو مطوق فيكون أحسن في العين ولو محى وجه الصورة فهو كقطع رأسها بخلاف قطع يديها ورجليها ولا تكره الصلاة على بساط مصور لأنه إهانة وليس بتعظيم إن لم يسجد عليها لأن السجود عليها يشبه عبادة الأصنام وأطلق الكراهة في "المبسوط" لأن البساط الذي يصلي عليه معظم بالنسبة إلى سائر البسط فكان فيه تعظيم الصورة وقد أمرنا بإهانتها.
وفي "حواشي أخي" لبي إذا كان التمثال تمثال ما يعظم الكفار كشكل الصلب مثلاً لا ريب في كراهة السجدة عليه ألا يرى إلى ظهير الدين حيث قال : الأصل فيه أن كل ما يقع تشبهاً بهم فيما يعظمون يكره الاستقبال بالصلاة إليه ولو كانت الصورة على وسادة ملقاة أو بساط مفروش لم يكره لأنها توطأ فكأنه استهانة بالصورة بخلاف ما لو كانت الوسادة منصوبة كالوسائد الكبار أو كانت على الستر لأنها تعظيم لها.
وفي "الخلاصة" الصورة إذا كانت على وسادة أو بساط لا بأس باستعمالهما وإن كان يكره اتخاذهما وإن كانت على الإزار والستر فمكروه ولا يفسد صلاته في كل الفصول لوجود شرائط الجواز والنهي لمعنى في غير المنهى عنه وتعاد على وجه غير مكروه وهو الحكم في كل صلاة أديت مع الكراهة كما لو ترك تعديل الأركان كما في "الكافي" {وَجِفَانٍ} (وميكردندى يعني شياطين براى سليمان ازكاسهاى وبين وغير آن) وهي جمع جفنة ، وهي : القصعة العظيمة فإن أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تليها تشبع العشرة ثم الصحفة تشبع الخمسة ثم الميكلة تشبع الرجلين والثلاثة ثم الصحفة تشبع الرجل فتفسير الجفان بالصحاف كما فعله البعض منظور فيه.
قال سعدي المفتي : والجفنة خصت بوعاء الأطعمة كما في "المفردات" {كَالْجَوَابِ} كالحياض الكبار أصله الجوابي بالياء كالجواري جمع جابية من الجباية لاجتماع الماء فيها وهي
275
من الصفات الغالبة كالدابة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
(7/215)
قال الراغب : يقال جبيت الماء في الحوض جمعته والحوض الجامع له جابية ومنه استعير جبيت الخراج جباية.
قيل : كان يقعد على الجفنة ألفا رجل فيأكلون منها وكان لمطبخه كل يوم اثنا عشر ألف شاة وألف بقرة وكان له اثنا عشر ألف خباز واثنا عشر ألف طباخ يصلحون الطعام في تلك الجفان لكثرة القوم.
وكان لعبد الله بن جدعان من رؤساء قريش وهو ابن عم عائشة الصديقة رضي الله عنها جفنة يستظل بظلها ويصل إليها المتناول من ظهر البعير ووقع فيها صبي فغرق وكان يطعم الفقراء كل يوم من تلك الجفنة وكان لنبينا صلى الله عليه وسلّم قصعة يحملها أربعة رجال يقال لها الغراء أي : البيضاء فلما دخلوا في الضحى وصلوا صلاة الضحى أتى بتلك القصعة وقد ثرد فيها فالتفوا حولها أي : اجتمعوا فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال أعرابي : ما هذه الجلسة؟ فقال عليه السلام : "إن الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً" ثم قال : "كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها" قال في "الشرعة" : ولا بركة في القصاع الصغار ولتكن قصعة الطعام من خزف أو خشب فإنهما أقرب إلى التواضع.
ويحرم الأكل في الذهب والفضة وكذا الشرب منهما.
ويكره في آنية النحاس إذا كان غير مطليّ بالرصاص.
وكذا في آنية الصفر وهو بضم الصاد المهملة وسكون الفاء شيء مركب من المعدنيات كالنحاس والأسرب وغير ذلك يقال له بالفارسية : (روى) بترقيق الراء فإنه بتفخيمها بمعنى الوجه {وَقُدُورٍ رَّاسِيَـاتٍ} القدر بالكسر اسم لما يطبخ فيه اللحم كما في "المفردات".
والجمع قدور.
والراسيات جمع راسية من رسا الشيء يرسو إذا ثبت ولذلك سميت الجبال الرواسي والمعنى وقدور ثابتات على الأثافي لا تنزل عنهما لعظمها ولا تحرك من أماكنها وكان يصعد عليها بالسلال وكانت باليمن (وهنوز در بعض از ولايات شام ديكهاى نين ازسنك تراشيده موجودست) وكانت تتخذ القدور من الجبال أو هي قدور النحاس وكانت موضوعة على الأثافي أو كانت أثافيها منها كما في "الكواشي".
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
وفي "التأويلات النجمية" : يشير بقوله : {وَجِفَانٍ} إلى آخره إلى مأدبة الله التي لا نهاية لها التي يأكل منها الأولياء إذ يبيتون عنده كما قال عليه السلام : "أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" {اعْمَلُوا} يا {ءَالَ دَاوُادَ} فنصبه على النداء والمراد به سليمان لأن هذا الكلام قد ورد في خلال قصته وخطاب الجمع للتعظيم أو أولاده أو كل من ينفق عليه أو كل من يتأتى منه الشكر من أمته كما في "بحر العلوم" والمعنى وقلنا له أو لهم اعملوا {شَاكِرًا} نصب على العلة أي : اعملوا له واعبدوه شكراً لما أعطيتكم من الفضل وسائر النعماء فإنه لا بد من إظهار الشكر كظهور النعمة أو على المصدر لا عملوا لأن العمل للمنعم شكر له فيكون مصدراً من غير لفظه أو لفعل محذوف أي : اشكروا شكراً أو حال أي : شاكرين أو مفعول به أي : اعملوا شكراً ومعناه إنا سخرنا لكم الجن يعملون لكم ما شئتم فاعملوا أنتم شكراً على طريق المشاكلة.
قال بعض الكبار : قال تعالى في حق داود : {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُادَ مِنَّا فَضْلا} فلم يقرن بالفضل الذي آتاه شكراً يطلبه منه ولا أخبر أنه أعطاه هذا الفضل جزاء لعمل من أعماله ولما طلب الشكر على ذلك الفضل بالعمل طلبه من آل داود لا منه ليشكره الآل على ما أنعم به على داود فهو في
276
حق داود عطاء نعمة وأفضال وفي حق آله عطاء لطلب المعاوضة منهم فداود عليه السلام ليس يطلب منه الشكر على ذلك العطاء وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على إنعامه وهبته فلم يكن ذلك الشكر الواقع منهم مبنياً على طلب من الله سبحانه بل تبرعوا بذلك من عند نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى تورمت قدماه من غير أن يكون مأموراً بالقيام على هذا الوجه شكراً لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلما قيل له في ذلك قال : "أفلا أكون عبداً شكوراً".
(7/216)
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى شكر داود الروح وسليمان القلب من آله السر والخفي والنفس والبدن فإن هؤلاء كلهم من مولدات الروح فشكر البدن استعمال الشريعة بجميع أعضائه وجوارحه ومحال الحواس الخمس ولهذا قال : اعملوا.
وشكر النفس : بإقامة شرائط التقوى والورع.
وشكر القلب بمحبة الله وخلوه عن محبة ما سواه.
وشكر السر : مراقبته من التفاته لغير الله.
وشكر الروح : ببذل وجوده على نار المحبة كالفراش على شعلة الشمع.
وشكر الخفي قبول الفيض بلا واسطة في مقام الوحدة ولهذا سمي خفياً لأنه بعد فناء الروح في الله يبقى في قبول الفيض في مقام الوحدة مخفياً بنور الوحدة على نفسه {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ} قليل خبر مقدم للشكور.
وقال الكاشفي وصاحب "كشف الأسرار" : (واندكى ازبندكان من ساس دارند) والشكور المبالغ في أداء الشكر على النعماء والآلاء بأن يشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته وأغلب أحواله ومع ذلك لا يوفي حقه لأن التوفيق للشكر نعمة تستدعي شكراً آخر لا إلى نهاية ولذلك قيل الشكور من يرى عجزه عن الشكر.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
حق شكر حق نداند هي كس
حيرت آمد حاصل دانا وبس
آن بزركى كفت باحق درنهان
كاى ديد آرنده هر دوجهان
اى منزه اززن وفرزند وجفت
كى نوانم شكر نعمتهات كفت
يك حضرت دادش از ايزد يام
كفتش از تواين بود شكر مدام
ون درين راه اين قدر بشناختى
شكر نعمتهاى ما رداختى
قال الإمام الغزالي رحمه الله : أحسن وجوه الشكر لنعم الله تعالى أن لا يستعملها في معاصيه بل في طاعاته وذلك أيضاً بالتوفيق.
وعن جعفر بن سليمان : سمعت ثابتاً يقول : إن داود جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي.
وعن النبي عليه السلام : "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ألا إن داود أشكر العابدين وأيوب صابر الدنيا والآخرة".
وفي "التأويلات النجمية" وبقوله : {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ} يشير إلى قلة من يصل إلى مقام الشكورية وهو الذي يكون شكره بالأحوال.
فللعوام شكرهم بالأقوال كقوله تعالى : {لَوْلا فُصِّلَتْ ءَايَـاتُه} (النمل : 93).
وللخواص شكرهم بالأعمال كقوله : {اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُادَ شُكْرًا} .
والخواص الخواص شكرهم بالأحوال وهو الاتصاف بصفة الشكورية والشكور هو الله تعالى لقوله تعالى : {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر : 34) بأن يعطي على عمل فان عشراً في ثواب باق كل ما كان عندكم ينفد وما عنده إلى السرمد إن الله كثير الأحسان فاعمل
277
شكراً أيها الإنسان.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} القضاء الحكم والفصل والموت زوال القوة الحساسة أي : لما حكمنا على سليمان بالموت وفصلناه به عن الدنيا {مَا دَلَّهُمْ} (دلالت نكرد ديوانرا) {عَلَى مَوْتِهِ} (برمرك سليمان) {إِلا} (مكر) {دَآبَّةُ الأرْضِ} أي : الأرضة وهي دويبة تأكل الخشب بالفارسية (كرمك وب خور) أضيفت إلى فعلها وهو الأرض بمعنى الأكل ولذا سميت الأرض مقابل السماء أرضاً لأنها تأكل أجساد بني آدم يقال أرضت الأرضة الخشبة أرضاً أكلتها فأرضت أرضاً على ما لم يسم فاعله فهي مأروضة {تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} أي : عصاه التي يتوكأ عليها من النسيء وهو التأخير في الوقت لأن العصا يؤخر بها الشيء ويزجر ويطرد {فَلَمَّا خَرَّ} سقط سليمان ميتاً.
قال الراغب : خر سقط سقوطاً يسمع منه خرير والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} من تبينت الشيء إذا علمته بعد التباسة عليك أي : علمت الجن علماً يقينياً ينتفي عنده الشكوك والشبه بعد التباس الأمر عليهم {ءَانٍ} أي : إنهم {لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} ما غاب عن حواسهم كما يزعمون {مَا لَبِثُوا} (درنك نمى كردند يكسال) {فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (در عذاب خوار كننده) يعني التكاليف الشاقة والأعمال الصعبة التي كانوا يعملونها.
والحاصل أنهم لو كان لهم علم بالغيب كما يزعمون لعلموا موت سليمان ولما لبثوا بعده حولاً في تسخيره إلى أن خر فلما وقع ما وقع علموا أنهم جاهلون لا عالمون.
ويجوز أن يؤخذ تبينت من تبين الشيء إذا ظهر وتجلى فتكون أن مع ما في حيزها بدل اشتمال من الجن نحو تبين زيد جهله أي : ظهر للإنس أن الجن لو كانوا يعلمون إلى آخره.
وأصل القصة أنه لما دنا أجل سليمان عليه السلام كان أول ما ظهر من علاماته أنه لم يصبح إلا ورأى في محرابه شجرة نابتة كما قال في "المثنوي" :
هرصباحى ون سليمان آمدي
خاضع اندر مسجد أقصى شدى
نوكياهى رسته ديدى اندرو
س بكفتى نام ونفع خود بكو
توه دارويى يىء نامت ه است
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
توزيان كه ونفعت بركى است
س بكفتى هركياهى فعل ونام
كه من آنرا جانم واين را حمام
من مرين را زهرم واورا شكر
(7/217)
نام من اينست برلوح ازقدر
س طبيبان ازسليمان زان كيا
عالم ودانا شدندى مقتدا
تا كتبهاى طبيبي ساختند
جسم را از رنج مى ردا ختند
اين نجوم وطب وحى انبياست
عقل وحس را سوى بى سوره كجاست
هم بران عادت سليمان سنى
رفت درمسجد ميان روشنى
قاعده هرروز را مى جست شاه
كه ببيند مسجد اندر نوكياه
س سليمان ديد اندر كوشه
نزكياهى رسته همون خوشه
ديد س نادر كياهى سبزوتر
مى برود آن سبزيش نور از بصر
كفت نامت يست بركو بى دهان
نام من خروب اى شاه جهان
278
كفت فعلت يست وز توه رود
كفت من رستم مكان ويران شود
من كه خروبم خراب منزلم
من خرابى مسجد آب وكلم
س سليمان آن زمان دانست زود
كه اجل آمد سفر خواهد نمود
كفت تا من هستم اين مسجد يقين
در خلل نايد ز آفات زمين
تا كه من باشم وجود من بود
مسجد أقصى مخلخل كى شود
س خرابى مسجد ما بى كمان
نبود الا بعد مرك ما بدان
مسجداست آن دل كه شمش ساجداست
يار بد خروب هرجاكه مسجداست
يار بد ون رست در تو مهر او
هين ازو بكريز وكم كن كفت وكو
بركن از بيخش كه كر سر برزند
مر ترا ومسجدت را بركند
(س ازان سليمان بملك الموت رسيد وكفت ون ترا بقبض روح من فرمايند مرا خبر ده ملك الموت بوقتى كه اورا فرمودند آمد واورا خبرداد كفت نماند از عمرتو الا يك ساعت اكر وصيتى ميكنى يا كارى از بهر مرك ميسازى بساز) فدعا الشيطاين فبنوا عليه صرحاً من قوارير ليس له باب فقام يصلي ، قال في "كشف الأسرار" : (س بآخركار عصاي خود يش كرفت وتكيه برآن كرد وهردوكف زير سرنهاد وآن عصا اورا همنان ناهى كشت وملك الموت درآن حال قبض روح وى كرد ويكسال برين صفت برآن عصا تكيه زده بماند وشياطين همجنان دركار ورنج وعمل خويش مى بودند ونمى دانستندكه سليمان را وفات رسيد) ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك.
6
وقال "الكاشفي في تفسيره" : (ون سليمان در كذشت وبشستند وبرو نماز كذا ردند واورا برعصا تكيه دادند ومرك او بموجب وصيت او فاش نكردند وديوان ازدور زنده مى نداشتند وبهمان كاركه نامزد ايشان بود قيام نمودند تا بعد از يكسال اسفل عصاى اورا دوده بخورد سليمان برزمين افتاد همكنانرا موت او معلوم شد).
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
قال بعضهم : كانت الشياطين تجتمع حول محرابه أينما صلى فلم يكن شيطان ينظر إليه في صلاته إلا احترق فمر به شيطان فلم يسمع صوته ثم رجع فلم يسمع صوته ثم نظر فإذا سليمان قد خر ميتاً ففتحوا عنه فإذا العصا قد أكلتها الأرضة فأرادوا أن يعرفوا وقت موته فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت منها في يوم وليلة مقداراً فحسبوا على ذلك النحو فوجدوه قد مات منذ سنة وكانوا يعملون بين يديه ويحسبونه حياً ولو علموا أنه مات لما لبثوا في العذاب سنة.
وقال في "كشف الأسرار" : (وعذاب ايشان ازجهت سليمان آن بودى ون بريكى ازايشان خشم كرفتى) كان قد حبسه في دنّ وشدّ رأسه بالرصاص أو جعله بين طبقتين من الصخر فألقاه في البحر أو شدّ رجليه بشعره إلى عنقه فألقاه في الحبس.
ثم إن الشياطين قالوا للأرضة لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام ولو كنت تشربين من الشراب سقيناك أطيب الشراب ولكن ننقل إليك الماء والطين فهم ينقلون ذلك حيث كانت ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب فهو ما يأتيها به الشياطين تشكراً لها.
قال القفال : قد دلت هذه الآية على أن الجن لم يسخروا إلا
279
لسليمان وأنهم تخلصوا بعد موته من تلك الأعمال الشاقة يعني : (ون بدانستند كه سليمان را وفات رسيد في الحال فرار نموده درشعاب جبال واجواف بوادى كريختند وازرنج وعذاب بازرستند) وإنما تهيأ لهم التسخير والعمل لأن الله تعالى زاد في أجسامهم وقواهم وغير خلقهم عن خلق الجن الذي لا يرون ولا يقدرون على شيء من هذه الأعمال الشاقة مثل نقل الأجسام الثقال ونحوه لأن ذلك كان معجزة لسليمان عليه السلام.
(7/218)
قالت المعتزلة : الجن أجسام رقاق ولرقتها لا نراها ويجوز أن يكثف الله أجسام الجن في زمان الأنبياء دون غيره من الأزمنة وأن يقويهم بخلاف ما هم عليه في غير زمانهم.
قال القاضي عبد الجبار : ويدل على ذلك ما في القرآن من قصة سليمان أنه كثفهم له حتى كان الناس يرونهم وقواهم حتى يعملون له الأعمال الشاقة وأما تكثيف أجسامهم وأقدارهم عليها في غير زمان الأنبياء فإنه غير جائز لكونه نقضاً للعادة.
قال أهل التاريخ : كان سليمان عليه السلام أبيض جسيماً وضيئاً كثير الشعر يلبس البياض وكان عمره ثلاثاً وخمسين سنة وكانت وفاته بعد فراغ بناء بيت المقدس بتسع وعشرين سنة.
يقول الفقير : هو الصحيح أي : كون وفاته بعد الفراغ من البناء لا قبله بسنة على ما زعم بعض أهل التفسير وذلك لوجوه الأول ما في المرفوع من أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله ثلاثاً فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة وقد سبق في تفسير قوله تعالى : {مِن مَّحَـارِيبَ} والثاني اتفاقهم على أن داود أسس بيت المقدس في موضع فسطاس موسى وبنى مقدار قامة إنسان فلم يؤذن له في الإتمام كما مر وجهه ثم لما دنا أجله وصى به إلى ابنه سليمان وبعيد أن يؤخر سليمان وصية أبيه إلى آخر عمره مع ما ملك مدة أربعين سنة والثالث قصة الخروب التي ذكرها الأجلاء من العلماء فإنها تقتضي أن سليمان صلى في المسجد الأقصى بعد إتمامه كثيراً.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
وفي "التأويلات النجمية" : تشير الآية إلى كمال قدرته وحكمته وأنه هو الذي سخر الجن والإنس لمخلوق مثلهم وهم الألوف الكثيرة والوحوش والطيور ثم قضى عليه الموت وجعلهم مسخرين لجثة بلا روح وبحكمته جعل دابة الأرض حيواناً ضعيفاً مثلها دليلاً لهذه الألوف الكثيرة من الجن والإنس تدلهم بفعلها على علم ما لم يعلموا.
وفيه أيضاً إشارة إلى أنه تعالى جعل فيها سبباً لإيمان أمة عظيمة وبيان حال الجن أنهم لا يعلمون الغيب.
وفيه إشارة أخرى أن نبيين من الأنبياء اتكئا على عصوين وهما موسى وسليمان فلما قال موسى هي عصاي أتوكأ عليها قال ربه ألقها فلما ألقاها جعلها ثعباناً مبيناً يعني من اتكأ على غير فضل الله ورحمته يكون متكوؤه ثعباناً ولما اتكأ سليمان على عصاه في قيام ملكه بها واستمسك بها بعث الله أضعف دابة وأخسها لإبطال متكئه ومتمسكه ليعلم أن من قام بغيره زال بزواله وأن كل متمسك بغير الله طاغوت من الطواغيت ومن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها انتهى كلامه.
{لَقَدْ} أي : بالله لقد {كَانَ لِسَبَإٍ} كجبل وقد يمنع من الصرف باعتبار القبيلة أي : كان لقبيلة سبأ وهم أولاد سبأ بن يشجب بالجيم على ما في "القاموس" ابن يعرب بن قحطان بن عامر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السلام.
وسبأ لقب عبد شمس بن يشجب وإنما لقب به لأنه أول من سبى كما قاله السهيلي
280
وهو يجمع قبائل اليمن.
ويعرب بن قحطان أول من تكلم بالعربية فهو أبو عرب اليمن يقال لهم العرب العاربة.
ويقال لمن تكلم بلغة إسماعيل العرب المستعربة وهي لغة أهل الحجاز فعربية قحطان كانت قبل إسماعيل عليه السلام وهو لا ينافي كون إسماعيل أول من تكلم بالعربية لأنه أول من تكلم بالعربية البينة المحضة وهي عربية قريش التي نزل بها القرآن وكذا لا ينافي ما قيل أن أول من تكلم بالعربية آدم في الجنة فلما أهبط إلى الأرض تكلم بالسريانية وجاء "من أحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالفارسية فإنه يورث النفاق" واشتهر على ألسنة الناس أنه صلى الله عليه وسلّم قال : "أنا أفصح من نطق بالضاد" قال جمع : لا أصل له ومعناه صحيح لأن المعنى أنا أفصح العرب لكونهم هم الذين ينطقون بالضاد ولا توجد في غير لغتهم كما في "إنسان العيون" لعلي بن برهان الدين الحلبي.
{فِى مَسْكَنِهِمْ}
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
(7/219)
بالفارسية (نشستكاه) والمعنى في بلدهم الذي كانوا فيه باليمن وهو مأرب كمنزل على ما في "القاموس" بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال وهي المرادة بسبا بلدة بلقيس في سورة النمل.
قال السهيلي : مأرب اسم ملك كان يملكهم كما أن كسرى اسم لكل من ملك الفرس.
وخاقان اسم لكل من ملك الصين.
وقيصر اسم لكل من ملك الروم.
وفرعون لكل من ملك مصر.
وتبع لكل من ملك الشحر واليمن وحضرموت.
والنجاشي لكل من ملك الحبشة.
وقيل : مأرب اسم قصر كان لهم ذكره المسعودي.
قال في "إنسان العيون" ويعرب بن قحطان قيل له أيمن لأن هودا عليه السلام قال له : أنت أيمن ولدي وسمي اليمن يمناً بنزوله فيه {ءَايَةً} علامة ظاهرة دالة بملاحظة الأحوال السابقة واللاحقة لتلك القبيلة من الإعطاء والترفية بمقتضى اللطف ثم من المنع والتخريب بموجب القهر على وجود الصانع المختار وقدرته على كل ما يشاء من الأمور البديعة ومجازاته للمحسن والمسيىء وما يعقلها إلا العالمون وما يعبرها إلا العاقلون {جَنَّتَانِ} بدل من آية والمراد بهما جماعتان من البساتين لا بستانان اثنان فقط {عَن يَمِينٍ} جماعة عن يمين بلدتهم واليمين في الأصل الجارحة وهي أشرف الجوارح لقوتها وبها تعرف من الشمال وتمتاز عنها {وَشِمَالٍ} وجماعة عن شمالها كل واحدة من تينك الجماعتين في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة أو بستانان لكل رجل منهم عن يمين مسكنه وعن شماله {كُلُوا} حكاية لما قال لهم نبيهم تكميلاً للنعمة وتذكيراً لحقوقها أو لسان الحال أو بيان لكونهم أحقاء بأن يقال لهم ذلك {مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ} من أنواع الثمار {وَاشْكُرُوا لَه} على ما رزقكم باللسان والجنان والأركان {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} استئناف مبين لما يوجب الشكر المأمور به أي : بلدتكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم ما فيها من الطيبات وطلب منكم الشكر رب غفور لفرطات من يشكره فمعنى طيبة أنها لم تكن سبخة لينة حيث أخرجت الثمار الطيبة أو أنها طيبة الهواء والماء كما قال الكاشفي : (اين شهري كه خداى تعالى دروى روزى ميدهد شهري اكيزه است هواى تن درست وآب شيرين وخاك اك) :
شهري و بهشت از نكويى
ون باغ ارم بتازه رويى
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
وفي "فتح الرحمن" : وطيبتها أنها لم يكن بها بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية
281
ولا غيرها من المؤذيات وكان يمر بها الغريب وفي ثيابه القمل فتموت كلها لطيب هوائها ومن ثمة لم يكن بها آفات وأمراض أيضاً.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كانت أطيب البلاد هواء وأخصبها.
وكانت المرأة تخرج من منزلها إلى منزل جارتها وعلى رأسها المكتل فتعمل بيديها وتسير فيما بين الأشجار فيمتلىء المكتل مما يتساقط فيه من أنواع الثمار من غير أن تمد يدها وإلى هذا المعنى أشير بعبارة الجنة إذ حال الجنة يكون هكذا.
ولله تعالى جنان في الأرض كجنانه في السماء وأفضلها الجنة المعنوية التي هي القلب وما يحتويه من أنواع المعارف والفيوض والكشوف فالطيب من الأشياء ما يستلذه الحواس ومن الإنسان من تطهر عن نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتطيب بالعلم والإيمان ومحاسن الأفعال.
قال بعض الكبار بلدة طيبة بلدة الإنسانية قابلة لبذر التوحيد وكلمة لا إله إلا الله ورب غفور يستر عيوب أوليائه بنور مغفرته ويغفر ذنوبهم لعزة معرفته انتهى وبسببهم يغفر ذنوب كثير من عباده ويقبل حسناتهم (نقلست عبد الله بن مبارك رضي الله عنه در حرم محترم يكسال ازحج فارغ شده بود بخواب ديدكه دوفرشته درآمدندى ويكى ازديكرى رسيدى كه خلق امسال ند جمع آمدند ديكرى كفت سيصد هزار من كفتم حج ند كس مقبول افتاد كفتند حج هي كس عبد الله كفت ون اين شنودم اضطرابى در من بديد آمد كفتم آخر اين همه خلق ازاطراف جهان با اين همه رنج وتعب مى آمدند واين همه ضايعست كفتند كفشكريست دردمشق علي بن موفق كويند او اينجا نيامده است وليكن حج اورا قبول كردند واين جمله را دركار اوكردند) وكان حجه أنه قال : جمعت ثلاثمائة وخمسين درهماً للحج فمرت بي حامل فقالت : إن هذه الدار يجيىء منها رائحة طعام فاذهب وخذ شيئاً منه لي لئلا يسقط حملي قال : فذهبت فأخبرت القصة لصاحب الدار فبكى وقال : إن لي أولاداً لم يذوقوا طعاماً منذ أسبوع فقمت اليوم وجئت بلحم من ميتة حمار فهم يطبخونه فهو لنا حلال فإنا مضطرون ولك حرام فكيف أعطيك منه؟ قال علي : فلما سمعت ذلك منه احترق فؤادي ودفعت المبلغ المذكور إليه وقلت : حجي هذا فتقبل الله تعالى ذلك منه بقبول حسن ووهب له جميع الحجاج.
بإحساني آسوده كردن دلى
به ازالف ركعت بهر منزلي
يعني : في طريق مكة المشرفة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
(7/220)
{فَأَعْرِضُوا} أي : أولاد سبأ عن الوفاء وأقبلوا على الجفاء وكفروا النعمة وتعرضوا للنقمة وضيعوا الشكر فبدلوا وبدل لهم الحال.
يقال : أعرض أي : أظهر عرضه أي : ناحيته.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : بعث الله تعالى ثلاثة عشر نبياً إلى ثلاث عشرة قرية باليمن فدعوهم إلى الإيمان والطاعة وذكروهم نعمه تعالى وخوفوهم عقابه فكذبوهم وقالوا : ما نعرف له علينا من نعمة فقولوا فربكم فليحبس عنا هذه النعمة إن استطاع {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} الإرسال مقابل الإمساك والتخلية وترك المنع {سَيْلَ الْعَرِمِ} السيل أصله مصدر كالسيلان بمعنى (رفتن آب) وجعل اسماً للماء الذي يأتيك ولم يصبك مطره والعرم من العرامة وهي الشدة والصعوبة يقال عرم كنصر وضرب وكرم وعلم عرامة وعراماً بالضم فهو عارم وعرم اشتد وعرم الرجل إذا شرس خلقه أي : ساء وصعب أضاف السيل إلى العرم أي : الصعب وهو
282
من إضافة الموصوف إلى صفته بمعنى سيل المطر العرم أو الأمر العرم.
والمعنى بالفارسية : (س فرستاديم وفروكشاديم بر ايشان سيل صعب ودشوار).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : العرم اسم الوادي ، يعني : (نام وادى كه آب از جانب او آمد).
وقال بعضهم : العرم السد الذي يحبس الماء ليعلوا على الأرض المرتفعة ، يعني : (عرم بند آبست بلغة حمير).
وقال بعضهم : هو الجرذ الذكر أضاف السيل إليه لأن الله تعالى أرسل جرذاناً برية كان لها أنياب من حديد لا يقرب منها هرة إلا قتلتها فنقبت عليهم ذلك السد ، يعني : (بندرا سوراخ كرد) فغرقت جنانهم ومساكنهم ويقال لذلك الجرذ الخلد بالضم لإقامته عند حجره وهو الفار الأعمى الذي لا يدرك إلا بالسمع.
قال أرسطو : كل حيوان له عينان إلا الخلد وإنما خلق كذلك لأنه ترابي جعل الله له الأرض كالماء للسمك وغذاؤه من باطنها وليس له في ظاهرها قوت ولا نشاط ولما لم يكن له بصر عوّضه الله حدة السمع فيدرك الوطء الخفي من مسافة بعيدة فإذا أحس بذلك جعل يحفر في الأرض قيل إن سمعه بمقدار بصر غيره وفي طبعه الهرب من الرائحة الطيبة ويهوي رائحة الكراث والبصل وربما صيد بها فإنه إذا شمها خرج إليها فإذا جاع فتح فاه فيرسل الله له الذباب فيسقط عليه فيأخذه ودمه إذا اكتحل به أبرأ العين كما في "حياة الحيوان".
قال الكاشفي : (درمختار آورده كه فرزندان سبارا درحوالى مأرب از ولايت يمن منزلي بود درميان دوكوه از اعلى تا اسفل آن منزل هده فرسخ وشرب ايشان در اعلاى وادي بود ازشمه در ايان كوى كاه بودى كه فاضل آب ازاوديه يمن با آب ايشان ضم شدى وخرابى كردى).
قال أبو الليث : كان الماء لا يأتيهم من مسيرة عشرة أيام حتى يجري بين الجبلين (ازبلقيس كه از واليه ولايت ايشان بود درخواست كردند تا سدى بست بسنك وقار دردهانه كوه تا آبهاى اصلي وزاندى از امطار وعيون آنجا جمع شدند).
وقال السهيلي في كتاب "التعريف والاعلام" : كان الذي بنى السد سبأ بن يشجب بناه بالرخام وساق إليه سبعين وادياً ومات قبل أن يستتمه فأتم بعده انتهى (وسه ثقبه برآن سد ترتيب كردتا اول ثقبه اعلى بكشايند وآب بمزروعات وباغها وخود برند وون وفا نكند وكمتر شود وسطى وبآخر سفلى ون سيزده يغمبررا تكذيب كردند ويغمبر آخرين در زمان ادشاه ذي الأوغار بن جيشان بعد از رفع عيسى بديشان آمد واورا بسيار رنجانيدند حق سبحانه وتعالى موشهاى دستى درزير بند ايشان بديد آورده بفرمود تا سوراخ كردند ونيم شب كه همه درخواب بودند بندشكسته شد وسيل در آمده منازل وحدائق ايشان مغمور كشت وبسيار مردم وهاراى هلاك كشت).
وقال في "فتح الرحمن" : فأرسلنا عليهم السيل الذي لا يطاق فخرب السد وملأ ما بين الجبلين وحمل الجنات وكثيراً من الناس ممن لم يمكنه الفرار أي : إلى الجبل وأغرق أموالهم فتفرقوا في البلاد فصاروا مثلاً
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَبَدَّلْنَـاهُم} المذكورتين وآتيناهم بدلهما ، وبالفارسية : (وبدل داديم ايشانرا بباغهاى ايشان) والتبديل : جعل الشيء مكان آخر والباء تدخل على المتروك على ما هي القاعدة المشهورة {جَنَّتَيْنِ} ثاني مفعولي بدلنا {ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ} صفة لجنتين ويقال في الرفع ذواتاً بالألف وهي تثنية
283
ذات مؤنث ذي بمعنى الصاحب والأكل بضم الكاف وسكونه اسم لما يؤكل والخمط كل نبت أخذ طعماً من مرارة حتى لا يمكن أكله والمعنى جنتين صاحبتي ثمر مرّ ، وبالفارسية : (دوباغ خداوند ميوهاى تلخ) فيكون الخمط نعتاً للأكل وجاء في بعض القراآت بإضافة الأكل إلى الخمط على أن يكون الخمط كل شجر مر الثمر أو كل شجر له شوك أو هو الأراك على ما قاله البخاري والأكل ثمره.
قال في المختار : الخمط ضرب من الأراك له حمل يؤكل وتسمية البدل جنتين للمشاكلة والتهكم {وَأَثْلٍ} معطوف على أكل لا على خمط فإن الإثل هو الطرفاء بالفارسية (كز) أو شجر يشبهه أعظم منه ولا ثمر له ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
اكر بدكنى شم نيكى مدار
كه هركز نيارد كز انكور بار
(7/221)
{وَشَىْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} وهو معطوف أيضاً على أكل.
قال البيضاوي وصف السدر بالقلة لما أن جناه وهو النبق مما يطيب أكله ولذلك يغرس في البساتين انتهى فالسدر شجر النبق على ما في "القاموس".
وقال المولى أبو السعود : والصحيح أن السدر صنفان : صنف يؤكل من ثمره وينتفع بورقه لغسل اليد وصنف له ثمرة عفصة لا يؤكل أصلاً وهو البري الذي يقال له الضال والمراد ههنا هو الثاني فكان شجرهم من خير الشجر فصيره الله من شر الشجر بسبب أعمالهم القبيحة.
والحاصل أن الله تعالى أهلك أشجارهم المثمرة وأنبت بدلها غير المثمرة.
{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَـاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَالِكَ جَزَيْنَـاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَـازِى إِلا الْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَـارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَا سِيرُوا فِيهَا لَيَالِىَ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{ذَالِكَ} إشارة إلى مصدر قوله تعالى : {جَزَيْنَـاهُم} فمحله النصب على أنه مصدر مؤكد له أي : ذلك الجزاء الفظيع جزيناهم لا جزاء آخر أو إلى ما ذكر من التبديل فمحله النصب على أنه مفعول ثان له أي : ذلك التبديل جزيناهم لا غيره {بِمَا كَفَرُوا} بسبب كفرانهم النعمة حيث نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدها أو بسبب كفرهم بالرسل وفي هذه الآية دليل على بعث الأنبياء بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام فإنه روى أن الواقعة المذكورة كانت في الفترة التي بينهما وما قيل من أنه لم يكن بينهما نبي يعني نبي به ذو كتاب كذا في "بحر العلوم" فلا يشكل قوله عليه السلام : "ليس بيني وبينه نبي" أي : رسول مبعوث بشريعة مستقلة بل كل من بعث كان مقرراً لشريعة عيسى وقد سبق تحقيق هذا المبحث مراراً {وَهَلْ نُجَـازِى إِلا الْكَفُورَ} أي : وما نجازي هذا الجزاء إلا المبالغ في الكفران أو الكفر.
فهل وإن كان استفهاماً فمعناه النفي ولذلك دخلت إلا في قوله إلا الكفور.
قال في "القاموس" : هل كلمة استفهام وقد يكون بمعنى الجحد وكفر النعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالاً والكفر في الدين أكثر والكفور فيهما جميعاً.
وفي الآية إشارة إلى أن المؤمن الشاكر يربط بشكره النعم الصورية والمعنوية من الإيقان والتقوى والصدق والإخلاص والتوكل والأخلاق الحميدة وغير الشاكر يزيل بكفرانه هذه النعم فيجد بدلها الفقر والكفر والنفاق والشك والأوصاف الذميمة ألا ترى إلى حال بلعم فإنه لم يشكر يوماً على نعمة الإيمان والتوفيق فوقع فيما وقع من الكفر والعياذ بالله تعالى.
فلما غرس أهل الكفر في بستان القلب والروح الأشجار الخبيثة لم يجدوا إلا الأثمار الخبيثة فما عوملوا إلا بما استوجبوا وما حصدوا إلا ما زرعوا وما وقعوا إلا في الحفرة التي حفروا
284
كما قيل : "يداك أوكتا وفوك نفخ" وهذا مثل مشهور يضرب لمن يتحسر ويتضجر مما يرد عليه منه يقال أوكأ على سقائه إذا شده بالوكاء والوكاء للقربة وهو الخيط الذي يشد به فوها وقد ورد في العبارة النبوية : "فمن وجد خيراً فليحمد الله" أي : الذي هو ينبوع الرحمة والخير "ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه" ، وفي "المثنوي" :
داد حق اهل سبارا بس فراغ
صد هزاران قصر وايوانها وباغ
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
شكر آن نكزاردند آن بدركان
در وفا بودند كمتر از سكان
مر سكانرا لقمه نانى زدر
ون رسد بردرهمى بنددكمر
اسبان وحارس در ميشود
كره بروى جور سختى ميرود
هم بران درباشدش باش وقرار
كفر دارد كرد غيرى اختيار
بيوفايى ون سكانرا عار بود
بيوفايى ون روا دارى نمود(7/222)
{وَجَعَلْنَا} عطف على كان لسبأ وهو بيان لما أوتوا من النعم البادية في مسايرهم ومتاجرهم بعد حكاية ما أوتوا من النعم الحاضرة في مساكنهم ومحاضرهم وما فعلوا بها من الكفران وما فعل بهم من الجزاء تكملة لقصتهم وإنما لم يذكر الكل معاً لما في التثنية والتكرير من زيادة تنبيه وتذكير والمعنى وجعلنا مع ما آتيناهم في مساكنهم من فنون النعم {بَيْنَهُمْ} أي : بين بلادهم اليمنية {وَبَيْنَ الْقُرَى} الشامية {الَّتِى بَـارَكْنَا فِيهَا} (بركت داده ايم دران) يعني بالمياه والأشجار والثمار والخصب والسعة في العيش للأعلى والأدنى والقرية اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس بلدة كانت أو غيرها والمراد هنا فلسطين وأريحا وأردن ونحوها والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء والمبارك ما فيه ذلك الخير {قُرًى ظَـاهِرَةً} أصل ظهر الشيء أن يحصل على ظهر الأرض فلا يخفى وبطن الشيء أن يحصل في بطنان الأرض فيخفي ثم صار مستعملاً في كل ما برز للبصر والبصيرة أي : قرى متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها فهي ظاهرة لا عين أهلها أو راكبة متن الطريق ظاهرة للسابلة غير بعيدة عن مسالكهم حتى تخفى عليهم (ودرعين المعاني آورده كه ازمأرب كه منزل أهل سبابود تاشام هار هزار وهفصدديه بود متصل ازسباتا بشام) {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} (التقدير : اندازه كردن) والسير المضي في الأرض أي : جعلنا القرى في نسبة بعضها إلى بعض على مقدار معين يليق بحال أبناء السبيل قيل : كان الغادي من قرية يقيل في الأخرى والرائح منها يبيت في أخرى إلى أن يبلغ الشام لا يحتاج إلى حمل ماء وزاد وكل ذلك كان تكميلاً لما أوتوا من أنواع النعماء وتوافيراً لها في الحضر والسفر {سِيرُوا فِيهَا} على إرادة القول بلسان المقال والحال فإنهم لما مكنوا من السير وسويت لهم أسبابه فكأنهم أمروا بذلك وأذن لهم فيه أي : وقلنا لهم سيروا في تلك القرى لمصالحكم {لَيَالِىَ وَأَيَّامًا} أي : متى شئتم من الليالي والأيام حال كونكم {ءَامِنِينَ} أصل إلا من طمأنينة النفس وزوال الخوف أي : آمنين من كل ما تكرهونه من الأعداء واللصوص والسباع بسبب كثرة الخلق ومن الجوع والعطش بسبب عمارة المواضع لا يختلف إلا من فيها باختلاف الأوقات أو سيروا فيها آمنين وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت ليالي
285
وأياماً كثيرة أو سيروا فيها ليالي أعماركم وأيامها لا تلقون فيها إلا الأمن لكن لا على الحقيقة بل على تنزيل تمكينهم من السير المذكور وتسوية مباديه وأسبابه على الوجه المذكور منزلة أمرهم بذلك.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَـارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَا سِيرُوا فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَـاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَـاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَـاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍا إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّه فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
{فَقَالُوا رَبَّنَا بَـاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} (المباعدة والبعاد : از كسى دورشدن وكسى را دور كردن) والسفر خلاف الحضر وهو في الأصل كشف الغطاء وسفر الرجل فهو سافر وسافر خص بالمفاعلة اعتباراً بأن الإنسان قد سفر عن المكان والمكان سفر عنه ومن لفظ السفر اشتقت السفرة لطعام السفر ولما يوضع فيه من الجلد المستدير.
وقال بعضهم : وسمي السفر سفراً لأنه يسفر أي : يشكف عن أخلاق الرجال ويستخرج دعاوي النفوس ودفائنها.
قال أهل التفسير بطر أهل سبأ النعمة وسئموا طيب العيش وملوا العافية فطلبوا الكد والتعب كما طلب بنو إسرائيل الثؤم والبصل مكان السلوى والعسل وقالوا : لو كان جني جناننا أبعد لكان أجدر أن نشتهيه وسألوا أن يجعل الله بينهم وبين الشام مفاوز وقفاراً ليركبوا فيها الرواحل ويتزودوا الأزواد ويتطاولوا فيها على الفقراء ، يعني : (توانكرانرا بردرويشان حسد آمدكه ميان ما وايشان در رفتن هي فرقى نيست ياده ومفلس اين راه همنان ميرودكه سواره وتوانكر {فَقَالُوا} س كفتند اغنياى ايشان اى روردكار ما دورى افكن ميان منازل سفرهاى ما يعني : بيابانها بديدكن ازمنزلى بمنزلي تامردم بى زاد وراحله سفر نتوانند كرد) فعجل لهم الإجابة بتخريب تلك القرى المتوسطة وجعلها بلقعاً لا يسمع فيها داع ولا مجيب وفي "المثنوي" :
آن سبا زاهل صبا بودند وخام
كار شان كفران نعمت باكرام
باشد آن كفران نعمت در مثال
كه كنى بامحسن خود توجنال
كه نمى بايد مرا اين نيكويى
من برنجم زين ه رنه ميشوى
لطف كن اين نيكويى را دوركن
من نخواهم عافيت رنجور كن
س سبا كفتند باعد بيننا
شيننا خير لنا خذ زيننا
ما نمى خواهيم اين ايوان وباغ
نى زنان خوب ونى امن وفراغ
شهرها نزديك همديكر بدست
(7/223)
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
آن بيانانست خوش كانجاد دست
يطلب الإنسان في الصيف الشتا
فإذا جاء الشتا انكرذا
فهو لا يرضى بحال ابداً
لا بضيق لا بعيش رغداً
قتل الإنسان ما اكفره
كلما نال هدى انكره
{وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ} حين عرّضوها للسخط والعذاب بالشرك وترك الشكر وعدم الاعتداد بالنعمة وتكذيب الأنبياء {فَجَعَلْنَـاهُمْ أَحَادِيثَ} ، قال ابن الكمال : الأحاديث مبني على واحده المستعمل وهو الحديث كأنهم جمعوا حديثاً على أحدثة ثم جمعوا الجمع على الأحاديث أي : جعلنا أهل سبأ اخباراً وعظة وعبرة لمن بعدهم بحيث يتحدث الناس بهم متعجبين من أحوالهم ومعتبرين بعاقبتهم ومآلهم {وَمَزَّقْنَـاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي : فرقناهم غاية التفريق على أن الممزق مصدر أو كل مطرح ومكان تفريق على أنه اسم مكان وفي عبارة التمزيق الخاص بتفريق المتصل وخرقه من تهويل الأمر والدلالة على شدة التأثير والإيلام ما لا يخفى أي : مزقناهم تمزيقاً لا غاية وراءه
286
بحيث تضرب به الأمثال في كل فرقة ليس بعدها وصال فيقال تفرقوا أيدي سبأ أي : تفرقوا تفرق أهل هذا المكان من كل جانب وكانوا قبائل ولدهم سبأ فتفرقوا في البلاد (تايكى ازايشان دومأرب نمايد قبيله غسان ازايشان بشام رفت وقضاعه بمكه واسد ببجرين وانمار بيثرب وجذام بتهامه وازد بعمان) {إِنَّ فِى ذَالِكَ} المذكور من قصتهم {لايَـاتٍ} عظيمة ودلالات كثيرة وعبراً وحججاً واضحة قاطعة على الوحدانية والقدرة.
قال بعضهم جمع الآيات لأنهم صاروا فرقاً كثيرة كل منهم آية مستقلة {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} عن المعاصي ودواعي الهوى والشهوات وعلى البلايا والمشاق والطاعات {شَكُورٍ} على النعم الإلهية في كل الأوقات والحالات أو لكل مؤمن كامل لأن الإيمان نصفان : نصف صبر ونصف شكر (دركشف الأسرار آورده كه أهل سبا درخوش حال وفارغ بالى مى كذرانيدند بسبب بى صبرى بر عافيت وناشكرى برنعمت رسيد بديشان آنه رسيد) :
اى روزكار عافيت شكرت نكفتم لا جرم
دستى كه در آغوش بودا كنون بدندان مى كزم
وفي "المثنوي" :
ون زحد بردند اصحاب سبا
كه به يش ماوبابه از صباناصحانشان درنصيحت آمدند
ازفسوق وكفر مانع مى شدند
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
قصد خون ناصحان ميداشتند
تخم فسق وكافرى مى كاشتند
بهر مظلومان همى كندند اه
دره افتادند ومى كفتند آه
صبر آرد آرزورانى شتاب
صبر كن والله أعلم بالصواب قال بعض الكبار : إن طلب الدنيا وشهواتها هو طلب البعد عن الله وعن حضرته والميل إلى الدنيا والرغبة في شهواتها من خسة النفس وركاكة العقل وهو ظلم على النفس فمن قطعته الدنيا عن الحضرة جعله الله عبرة لأهل الطلب وأوقعه في وادي الهلاك فلا بد من الصبر عن الدنيا وشهواتها والشكر على نعمة العصمة وتوفيق العبودية جعلنا الله وإياكم من الراغبين إليه والمعتمدين عليه وعصمنا من الرجوع عن طريقه والضلال بعد إرشاده وتوفيقه إنه الرحمن الذي بيده القلوب وتقليبها من حال إلى حال وتصريفها كيف يشاء في الأيام والليالي.
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} التصديق بالفارسية : (راستى يافتن) وضمير عليهم إلى أهل سبأ لتقدم ذكرهم والظاهر أنه راجع إلى الناس كما يشهد به ما بعده.
وإبليس مشتق من الإبلاس وهو الحزن المعترض من شدة اليأس كما في المفردات أبلس يئس وتحير ومنه إبليس أو هو أعجمي انتهى والظن هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض ومظنة الشيء بكسر الظاء موضع يظن فيه وجوده والمعنى وبالله لقد وجد إبليس ظنه بسبأ حين رأى انهماكهم في الشهوات صادقاً {فَاتَّبَعُوهُ} أي : اتبع أهل سبأ الشيطان في الشرك والمعصية {إِلا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} الفريق الجماعة المنفردة عن الناس ومن بيانية أي : إلا جماعة هم المؤمنون لم يتبعوه في أصل الدين وتقليلهم بالإضافة إلى الكفار أو تبعيضية أي : إلا فريقاً من فرق المؤمنين لم يتبعوه وهم المخلصون
287
أو وجد ظنه ببني آدم صادقاً فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين وذلك أنه حين شاهد آدم عليه السلام قد أصغى إلى وسوسته قال : إن ذريته أضعف منه عزماً ولذا قال : لأضلنهم.
وقال الكاشفي : (شيطان لعين كمان برده بودكه من بر بني آدم بسبب شهوت وغضب كه درنهاد ايشان نهاده اند دست يابم وايشانرا كمراه كنم كمان او درباره اهل غوايت راست شد) أو قال : أنا ناري وآدم طيني والنار تأكل الطين أو ظن عند قول الملائكة : {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ} (البقرة : 30).
قال في "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن إبليس لم يكن متيقناً أن يقدر على الإغواء والإضلال بل كان ظاناً بنفسه أنه يقدر على إغواء من لم يطع الله ورسوله فلما زين لهم الكفر والمعاصي وكانوا مستعدين لقبولها حكمةفي ذلك وقبلوا منه بعض ما أمرهم به على وفق هواهم وتابعوه بذلك صدق عليهم ظنه أي : وجدهم كما ظن فيهم ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
(7/224)
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
نه ابليس در حق ما طعنه زد
كز اينان نيايد بجز كار بد
فغان از بديها كه در نفس ماست
كه ترسم شود ظن ابليس راست
و ملعون سند آمدش قهرما
خدايش برانداخت از بهر ما
كجا سر برآ ريم ازين عاروننك
كه با او بصلحيم وباحق بجنك
نظر دوست نادر كند سوى تو
ودر روى دشمن بود روى تو
ندانى كه كمتر نهد دوست اى
و بيندكه دشمن بود درسراى
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّه فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَه عَلَيْهِم مِّن سُلْطَـانٍ إِلا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالاخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّا وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ حَفِيظٌ * قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّه لا يَمْلِكُونَ} .
{وَمَا كَانَ لَهُ} أي : لإبليس {عَلَيْهِم مِّن سُلْطَـانٍ} السلطان القهر والغلبة ومنه السلطان لمن له ذلك أي : تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء وإلا فهو ما سل سيفاً ولا ضرب بعصا {إِلا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالاخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّ} استثناء مفرغ من أعم العلل ومن موصولة منصوبة بنعلم.
والعلم إدراك الشيء بحقيقته والعالم في وصف الله تعالى هو الذي لا يخفى عليه شيء والشك اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما وفي نظم الصلة الأولى بالفعلية دلالة على الحدوث كما أن في نظم الثانية بالإسمية إشعاراً بالدوام وفي مقابلة الإيمان بالشك إيذان بأن أدنى مرتبة الكفر يوقع في الورطة وجعل الشك محيطاً وتقديم صلته والعدول إلى كلمة من مع أنه يتعدى بفي للمبالغة والإشعار بشدته وأنه لا يرجى زواله فإنه إذا كان منشأ الشك متعلقه لا أمراً غيره كيف يزول وأن من كان حاله على خلاف هذا يكون مرجوّ الفلاح.
والمعنى : وما كان تسلطه عليهم إلا ليتعلق علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزاً ممن هو في شك منها تعلقاً حالياً يترتب عليه الجزاء فعلم الله قديم وتعلقه حادث إذ هو موقوف على وجود المكلف في عالم الشهادة فلا يظن ظان بالله ظن السوء أن الله جل جلاله لم يكن عالماً بأهل الكفر وأهل الإيمان وإنما سلط عليهم إبليس ليعلم به المؤمن من الكافر فإن الله بكمال قدرته وحكمته خلق أهل الكفر مستعداً للكفر وخلق أهل الإيمان مستعداً للإيمان كما قال عليه السلام : "خلق الجنة وخلق لها أهلاً وخلق النار وخلق لها أهلاً" وقال تعالى : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالانسِ} فالله تعالى كان عالماً بحال الفريقين قبل خلقهم وهو الذي خلقهم على ما هم به وإنما سلط الله الشيطان على بني آدم لاستخراج
288
جواهرهم من معادن الإنسانية كما تسلط النار على المعادن لتخليص جوهرها فإن كان الجوهر ذهباً فيخرج منه الذهب وإن كان الجوهر نحاساً فيخرج منه النحاس فلا تقدر النار أن تخرج من معدن النحاس الذهب ولا من معدن الذهب النحاس فسلط عليهم لأنهم معادن كمعادن الذهب والفضة وهو ناري يستخرج جواهرهم من معادنهم بنفخة الوساوس فلا يقدر أن يخرج من كل معدن إلا ما هو جوهره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
درزمين كرنيشكر ورخودنى است
ترجمان هرزمين بنت وى است
وقال بعضهم : العلم هنا مجاز عن التمييز والمعنى إلا لتميز المؤمن بالآخرة من الشاك فيها فعلل التسلط بالعلم والمراد ما يلزمه {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ حَفِيظٌ} محافظ عليه بالفارسية : (نكهبانست) فإن فعيلاً ومفاعلاً صيغتان متآخيتان.
وقال بعضهم : هو الذي يحفظ كل شيء على ما هو به.
والحفيظ من العباد من يحفظ ما أمر بحفظه من الجوارح والشرائع والأمانات والودائع ويحفظ دينه عن سطوة الغضب وخلابة الشهوة وخداع النفس وغرور الشيطان فإنه على شفا جرف هار وقد اكتنفته هذه الملكات المفضية إلى البوار.
قال بعض الحكماء الإلهية أسباب الحفظ الجد والمواظبة وترك المعاصي واستعمال السواك وتقليل النوم وصلاة الليل وقراءة القرآن نظراً وشرب العسل وأكل الكندر مع السكر وأكل إحدى وعشرين زبيبة حمراء كل يوم على الريق.
ومن خاصية هذا الاسم وهو الحفيظ أن من علقه عليه لو نام بين السباع ما ضرته ومن حفظ الله تعالى ما قال ذو النون رضي الله عنه وقعت ولولة في قلبي فخرجت إلى شط النيل فرأيت عقرباً يعدو فتبعته فوصل إلى ضفدع على الشط فركب ظهره وعبر به النيل فركبت السفينة واتبعته فنزل وعدا إلى شاب نائم وإذا بأفعى بقربه تقصده فتواثبا وتلادغا وماتا وسلم النائم.
قال إبراهيم الخواص قدس سره : كنت في طريق مكة فدخلت إلى خربة بالليلة وإذا فيها سبع عظيم فخفت فهتف بي هاتف اثبت فإن حولك سبعين ألف ملك يحفظونك وهذا من لطف الله بأوليائه فواحد يحفظ عليه أعماله ليجازيه وآخر يحفظه فيدفع عنه الآفات اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام واحفظنا برأفتك التي لا ترام وارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت ثقتنا ورجاؤنا يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
(7/225)
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{قُلْ} يا محمد للمشركين إظهاراً لبطلان ما هم عليه وتبكيتاً لهم {ادْعُوا} نادوا {الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} .
قال في "القاموس" : الزعم مثلثة القول الحق والباطل والكذب ضد وأكثر ما يقال فيما يشك فيه.
وفي "المفردات" الزعم حكاية قول يكون مظنة الكذب ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذم القائلين به والمعنى زعمتموهم آلهة وهما مفعولا زعم ثم حذف الأول وهو ضمير الراجع إلى الموصول تخفيفاً لطول الموصول بصلته والثاني وهو آلهة لقيام صفته أعني قوله : {مِن دُونِ اللَّهِ} مقامه والمعنى ادعوا الذين عبدوهم من دون الله فيما يهتمكم من جلب نفع ودفع ضر لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم ثم أجاب عنه إشعاراً بتعين الجواب وأنه لا يقبل المكابرة فقال بطريق الاستئناف لبيان حالهم {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} من خير وشر ونفع وضر وقد سبق معنى المثقال والذرة في أوائل هذه السورة
289
{فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الأرْضِ} أي : في أمر ما من الأمور وذكرهما للتعميم عرفاً يعني أن أهل العرف يعبرون بهما عن جميع الموجودات كما يعبرون بالمهاجرين والأنصار عن جميع الجماعة أو لأن آلهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام أو لأن الأسباب القريبة للخير والشر سماوية وأرضية {وَمَا لَهُمْ} أي : لآلهتهم {فِيهِمَآ} في السموات والأرض {مِن شِرْكٍ} أي : شركة لا خلقاً ولا ملكاً ولا تصرفاً {مَالَهُ} أي : تعالى {مِنْهُمْ} من آلهتهم {مِّن ظَهِيرٍ} من عون يعينه في تدبير أمورهما.
تلخيصه أنه تعالى غني عن كل خلقه وآلهتهم عجزة عن كل شيء ، وفي "المثنوي" :
نيست خلقش را دكر كس مالكى
شر كتش دعوى كند جزهالكىذات او مستغنيست از ياورى
بلكه يابد عون ازو هر سرورى {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّه لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الارْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَه مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَـاعَةُ عِندَه إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَه حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَلا تَنفَعُ الشَّفَـاعَةُ} وهي طلب العفو أو الفضل للغير من الغير يعني أن الشافع شفيع للمشفوع له في طلب نجاته أو زيادة ثوابه ولذا لا تطلق الشفاعة على دعاء الرجل لنفسه وأما دعاء الأمة للنبي عليه السلام وسؤالهم له مقام الوسيلة فلا يطلق عليه الشفاعة إما لاشتراط العلو في الشفيع وإما لاشتراط العجز في المشفوع له وكلاهما منتف ههنا {عِندَهُ} تعالى كما يزعمون أي : لا توجد رأساً لقوله تعالى : {مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَه إِلا بِإِذْنِهِ} (البقرة : 5ذ2) وإنما علق النفي بنفعها لا بوقوعها تصريحاً بنفي ما هو غرضهم من وقوعها {إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي : لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له أي : لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة وإما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم أصلاً وإن فرض وقوعها وصدورها عن الشفعاء إذ لم يأذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم فعلى هذا يثبت حرمانهم من شفاعة هؤلاء بعبارة النص ومن شفاعة الأصنام بدلالته إذ حين حرموها من جهة القادرين على شفاعة بعض المحتاجين إليها فلأن يحرموها من جهة العجزة عنها أولى {إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} التفزيع من الأضداد فإنه التخويف وإزالة الخوف والفزع وبالفارسية : (بترسانيدن واندوه وابردن) وهذا يعدي بعن كما في هذا المقام والفزع انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف وهو من جنس الجزع ولذا لا يقال فزعت من الله كما يقال خفت منه والمعنى حتى إذا أزيل الفزع عن قلوب الشفعاء والمشفوع لهم من المؤمنين وأما الكفرة فهم عن موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف منزل وحتى غاية لما ينبىء عنه ما قبلها من الإشعار بوقوع إلا لمن أذن له فإنه يشعر بالاستئذان المستدعي الترقب والاسنتظار للجواب كأنه سئل كيف يؤذن لهم فقيل : يتربصون في موقف الاستئذان والاستدعاء ويتوقفون على وجل وفزع زماناً طويلاً حتى إذا أزيل الفزع عن قلوبهم بعد اللتيا والتي وظهرت لهم تباشير الإجابة {قَالُوا} أي : المشفوع لهم إذ هم المحتاجون إلى الإذن والمهتمون بأمره {مَاذَآ} (ه يز) {قَالَ رَبُّكُمْ} أي : في شأن الإذن
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{قَالُوا} أي : الشفعاء لأنهم المباشرون للاستئذان بالذات المتوسطون ، بينهم وبينه تعالى بالشفاعة {الْحَقِّ} أي : قال ربنا القول الحق وهو الإذن في الشفاعة للمستحقين لها {وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ} من
290(7/226)
تمام كلام الشفعاء قالواه اعترافاً بغاية عظمة جناب العزة وقصور شأن كل من سواه أي : هو المتفرد بالعلو والكبرياء شأناً وسلطاناً ذاتاً وصفة قولاً وفعلاً ليس لأحد من أشراف الخلائق أن يتكلم إلا بإذنه.
قال بعضهم : العلي فوق خلقه بالقهر والاقتدار والعلي الرفيع القدر وإذا وصف به تعالى فمعناه أنه يعلو أن يحيط به وصف الواصفين بل وعلم العارفين والعبد لا يتصور أن يكون علياً مطلقاً إذ لا ينال درجة إلا ويكون في الوجود ما هو فوقها وهي درجات الأنبياء والملائكة نعم يتصور أن ينال درجة لا يكون في جنس الإنس من يفوقها وهي درجة نبينا عليه السلام ولكنه علو إضافي لا مطلق والتخلق بهذا الاسم بالجنوح إلى معالي الأمور والبعد عن سفسافها وفي الحديث : "إن الله يحب معالي الأمور ويبغض سفسافها" وعن علي رضي الله عنه علو الهمة من الإيمان ، قال الصائب :
ون بسير لا مكان خود ميروم ازخويشتن
همو همت توسنى درزير زن داريم ما
وخاصية هذا الاسم الرفع عن أسافل الأمور إلى أعاليها فيكتب ويعلق على الصغير فيبلغ وعلى الغريب فيجمع شمله وعلى الفقير فيجد غنى بفضل الله تعالى.
وأما الكبير فهوالذي يحتقر كل شيء في جنب كبريائه.
وقيل في معنى الله أكبر أي : أكبر من أن يقال له أكبر أو يدرك كنه كبريائه غيره.
قال بعض الكبار معنى قول المصلي الله أكبر بلسان الظاهر الله أكبر أن يقيد ربي حال من الأحوال بل هو تعالى في كل الأحوال أكبر ومن عرف كبرياءه نسي كبرياء نفسه والكبير من العباد هو العالم التقي المرشد للخلق الصالح لأن يكون قدوة يقتبس من أنواره وعلومه ولهذا قال عيسى عليه السلام : من علم وعمل وعلّم فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماء وخاصية هذا الاسم فتح باب العلم والمعرفة لمن أكثر من ذكره وإن قرأه على طعام وأكله الزوجان وقع بينهما وفق وصلح.
وفي "الأربعين الإدريسية" : يا كبير أنت الذي لا تهتدي العقول لوصف عظمته.
قال السهروردي : إذا أكثر منه المديان أدى دينه واتسع رزقه وإن ذكره معزول عن رتبته سبعة أيام كل يوم ألفاً وهو صائم فإنه يرجع إلى مرتبته ولو كان ملكاً.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَلا تَنفَعُ الشَّفَـاعَةُ عِندَه إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَه حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ * قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِا قُلِ اللَّه وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ * قُل لا تُسْـاَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلا نُسْـاَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} .
{قُلْ مَنْ} استفهام بمعنى (كه) بالفارسية {يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَـاوَاتِ} بإنزال المطر {وَالارْضِ} بإخراج النبات أمر عليه السلام بتبكيت المشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة فيهما وإن الرازق هو الله تعالى فإنهم لا ينكرونه كما ينطق به قوله تعالى : (يونس : 31) وحيث كانوا يتلعثمون في الجواب مخافة الإلزام قيل له عليه السلام : {قُلِ اللَّهُ} يرزقكم إذ لا جواب سواه عندهم أيضاً.
اعلم أن الرزق قسمان : ظاهر وهو الأقوات والأطعمة المتعلقة بالأبدان وباطن وهو المعارف والمكاشفات المتعلقة بالأرواح وهذا أشرف القسمين فإنه ثمرته حياة الأبد وثمرة الرزق الظاهر قوة إلى مدة قريبة الأمد والله تعالى هو المتولي لخلق الرزق والمتفضل بالإيصال إلى كلا الفريقين ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفي الحديث : "طلب الحلال فريضة بعد الفريضة" أي : فريضة الإيمان والصلاة وفي الحديث : "من أكل الحلال أربعين يوماً نوّر الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة في قلبه" وفي الحديث : "إنملكاً على بيت المقدس ينادي كل ليلة من أكل حراماً لم يقبل منه صرف
291
ولا عدل" أي : نافلة وفريضة (وكفته اند ازباكى مطعم وحلالي قوت صفاى دل خيزد واز صفاى دل نور معرفت افزايد وبانور معرفت مكاشفات ومنازلات دريوندد) ، وفي "المثنوي" :
لقمه كان نور افزود وكمال
آن بود آورده از كسب حلال
روغنى كايد راغ ما كشد
آب خوانش ون راغى راكشد
علم وحكمت زايد ازلقمه حلال
عشق ورقت آيد از لقمه حلال
ون زلقمه توحسد بينى ودام
جهل رغفلت زايد آنرادان حرام
هي كندم كارى وجو بردهد
ديده اسبى كه كره خردهد
لقمه تخمست وبرش انديشها
لقمه بحر وكوهرش انديشها
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
زايد ازلقمه حلال اندر دهان
ميل خدمت عزم رفتن آن جهان(7/227)
{وَأَنَا} (وديكر بكو با يشان كه بدرستى ما) {أَوْ إِيَّاكُمْ} عطف على اسم أن يعني (باشما) {لَعَلَى هُدًى} (برراه راستيم) {أَوْ فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ} (يادركمراهى آشكار) أي : وأن أحد الفريقين من الذين يوحدون المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية ويحصونه بالعبادة والذين يشركون به في العبادة الجماد النازل في أدنى المراتب الإمكانية لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبين وهذا بعد ما سبق من التقرير البليغ الناطق بتعيين من هو على الهدى ومن هو في الضلال أبلغ من التصريح بذلك لجريانه على سنن الإنصاف المسكت للخصم الألد ونحوه قول الرجل في التعريف لصاحبه الله يعلم أن أحدنا لكاذب ، يعني : (اين سخن نانست دوكس درخصومت باشند يكى محق ويكى مبطل محق كويد ازمايكى دروغ زنست نا ر ومقصد وى ازين سخن تكذيب مبطل باشد وتصديق خويش همانست كه رسول عليه السلام كفت متلاعنين را) الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ وأو ههنا لمجرد إبهام وإظهار نصفة لا للشك والتشكيك.
وقال بعضهم أو ههنا بمعنى الواو ، يعني : إنا وإياكم لعلى هدى إن آمنا أو في ضلال مبين إن لم نؤمن انتهى واختلاف الجارين للإيذان بأن الهادي الذي هو صاحب الحق كمن استعلى على مكان مرتفع ينظر الأشياء ويتطلع عليها أو ركب فرساً جواداً يركضه حيث يشاء والضال كأنه منغمس في ظلال لا يرى شيئاً ولا يدري أين يتوجه أو متردي في بئر عميق أو محبوس في مطمورة لا يستطيع الخروج منها.
{قُل لا تُسْـاَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا} (الإجرام : جرم كردن) والجرم بالضم الذنب وأصله القطع واستعير لكل اكتساب مكروه كما في "المفردات" أي : فعلنا واكتسبنا من الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن {وَلا نُسْـاَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} من الكفر والكبائر بل كل مطالب بعمله وكل زرّاع يحصد زرعه لا زرع غيره :
برفتند وهركس درود آنه كشت†
وهذا أبلغ في الإنصاف وأبعد من الجدل والاعتساف حيث أسند فيه الإجرام وإن أريد به الزلة وترك الأولى إلى أنفسهم ومطلق العمل إلى المخاطبين مع أن أعمالهم أكبر الكبائر.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يوم القيامة عند الحشر والحساب {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} (الفتح : كشادن وحكم كردن) أي : يحكم بيننا ويفصل بعد ظهور حال كل منا ومنكم بأن يدخل المحقين الجنة
292
والمبطلين والنار {وَهُوَ الْفَتَّاحُ} الحاكم الفيصل في القضايا المنغلقة أي : المشكلة {الْعَلِيمُ} بما ينبغي أن يقضي به وبمن يقضى له وعليه ولا يخفى عليه شيء من ذلك كما لا يخفى عليه ما عدا ذلك.
قال الزروقي الفتاح المتفضل بآإظهار الخير والسعة على أثر ضيق وانغلاق باب للأرواح والأشباح في الأمور الدنيوية والأخروية.
وقال بعض المشايخ : الفتاح من الفتح وهو الإفراج عن الضيق كالذي يفرج تضايق الخصمين في الحق بحكمه والذي يذهب ضيق النفس بخيره وضيق الجهل بتعليمه وضيق الفقر ببذله.
قال الإمام الغزالي رحمه الله : الفتاح هو الذي بعنايته ينفتح كل منغلق وبهدايته ينكشف كل مشكل فتارة يفتح الممالك لأنبيائه ويخرجها من أيدي أعدائه ويقول : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وتارة يرفع الحجاب عن قلوب أوليائه ويفتح لهم الأبواب إلى ملكوت سمائه وجمال كبريائه ويقول : ما يفتح للناس من رحمة فلا ممسك لها ومن بيده مفاتيح الغيب ومفاتيح الرزق فبالأحرى أن يكون فتاحاً وينبغي أن يتعطش العبد إلى أن يصير بحيث ينفتح بلسانه مغاليق المشكلات الإلهية وأن يتيسر بمعونته ما تعسر على الخلق من الأمور الدينية والدنيوية ليكون له حظ من اسم الفتاح.
وخاصية هذا الاسم تيسير الأمور وتنوير القلب والتمكين من أسباب الفتح فمن قرأه في أثر صلاة الفجر إحدى وسبعين مرة ويده على صدره طهر قلبه وتنور سره وتيسر أمره وفيه تيسير الرزق وغيره.
والعليم : مبالغة العالم وهو من قام به العلم ومن عرف أنه تعالى هو العالم بكل شيء راقبه في كل شيء واكتفى بعلمه في كل شيء فكان واثقاً به عند كل شيء ومتوجهاً له بكل شيء.
قال : ابن عطاء الله متى آلمك عدم إقبال الناس عليك أو توجههم بالذم إليك فارجع إلى علم الله فيك فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم.
وخاصية هذا الاسم تحصيل العلم والمعرفة فمن لازمه عرف الله حق معرفته على الوجه الذي يليق به.
وفي "شمس المعارف" من انبهم عليه أمر أو كشف سر من أسرار الله فليدم عليه فإنه يتيسر له ما سأل ويعرف الحكمة فيما طلب وإن أراد فتح باب الصفة الإلهية فتح له باب من العلم والعمل.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
(7/228)
{قُلْ أَرُونِىَ} (بنماييد بمن) {الَّذِينَ أَلْحَقْتُم} أي : ألحقتموهم ، يعني : (بربسته آيد).
قال في "تاج المصادر" : (الإلحاق : در رسيدن ودر رسانيدن) {بِهِ} تعالى {شُرَكَآءَ} أريد بأمرهم إراءة الأصنام مع كونها بمرأى منه عليه السلام إظهار خطأهم العظيم واطلاعهم على بطلان رأيهم أي : أرونيها لأنظر بأي صفة ألحقتموها بالله الذي ليس كمثله شيء مع استحقاق العبادة هل يخلقون وهل يرزقون وفيه مزيد تبكيت لهم بعد إلزام الحجة عليهم {كَلا} ردع لهم عن المشاركة بعد إبطال المقايسة كما قال إبراهيم عليه السلام أف لكم ولما تعبدون بعدما حجهم يعني : (اين انبازى درست نيست) {بَلْ هُوَ} أي : الله وحده أو الشان كما قال : {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} {اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} أي : الموصوف بالغلبة القاهرة والحكمة الباهرة فأين شركاؤكم التي هي أخس الأشياء وأذلها من هذه الرتبة العالية ، يعني : (بس كه با اودم شركت تواندزد وحده لا شريك له صفتش وهو الفرد اصل معرفتش شرك راسوى وحدتش ده نه عقل از كنه ذاتش آكه نه هست درراه كبريا وجلال شرك نا لائق وشريك محال).
والتقرب باسم العزيز في التمسك
293
بمعناه وذلك برفع الهمة عن الخلائق فإن العز فيه ومن ذكره أربعين يوماً في كل يوم أربعين مرة أعانه الله تعالى وأعزه فلم يحوجه لأحد من خلقه.
وفي الأربعين الإدريسية يا عزيز المنيع الغالب على أمره فلا شيء يعادله.
قال السهروردي : من قرأه سبعة أيام متواليات كل يوم ألفاً هلك خصمه وإن ذكره في وجه العسكر سبعين مرة ويشير إليهم بيده فإنهم ينهزمون والتقرب باسم الحكيم أن تراعي حكمته في الأمور فتجري عليها مقدماً ما جاء شرعاً ثم عادة سلمت من معارض شرعي.
وخاصيته دفع الدواهي وفتح باب الحكمة فمن أكثر ذكره صرف عنه ما يخشاه من الدواهي وفتح له باب من الحكمة والحكمة في حقنا إصابة الحق في القول والعمل وفي حق الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الأحكام.
قال بعضهم : الحكمة تقال بالاشتراك على معنيين : الأول كون الحكيم بحيث يعلم الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر.
والثاني كونه بحيث تصدر عنه الأفعال المحكمة الجامعة وقد سبق باقي البيان في تفسير سورة لقمان ومن الله العون على تحصيل العلم والاجتهاد في العمل ومعرفة الأشياء على ما هي عليه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ} يا محمد أي : ما بعثناك ، والإرسال بالفارسية : (فرستادن) {إِلا} إرسالاً {كَآفَّةً} عامة شاملة {لِلنَّاسِ} محيطة باحمرهم واسودهم من الكف بمعنى المنع لأنها إذا عمتهم وشملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم فانتصاب كافة على أنها صفة مصدر محذوف والتاء للتأنيث والجار متعلق بها ويجوز أن تكون حالاً من الكاف والتاء للمبالغة كتاء علامة أي : ما أرسلناك في حال من الأحوال إلا حال كونك جامعاً لهم في الإبلاغ لأن الكف يلزم الجمع.
وفي "كشف الأسرار" : الكافة هي الجامعة للشيء المانعة له عن التفرق ومنه الكفاف من العيش وقولك كف يدك أي : اجمعها إليك ولا يجوز أن يكون حالاً من الناس لامتناع تقدم الحال على صاحبها المجرور كامتناع تقدم المجرور على الجار.
قال الراغب : وما أرسلناك إلا كافاً لهم عن المعاصي والتاء فيه للمبالغة انتهى {بَشِيرًا} حال كونك بشيراً بالفارسية (مده دهنده) للمؤمنين بالجنة وللعاشقين بالرؤية {وَنَذِيرًا} وحال كونك منذراً بالفارسية (بيم كننده) للكافرين بالنار وللمنكرين بالحجاب {وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} ذلك فيحملهم جهلهم على المخالفة والعصيان وكرر ذكر الناس تخصيصاً للجهل بنعمتي البشارة والنذارة ونعمة الرسالة بهم وأنهم هم الذين لا يعلمون فضل الله بذلك عليهم ولا يشكرونه وذلك لأن العقل لا يستقل بإدراك جميع الأمور الدنيوية والأخروية والتمييز بين المضار والمنافع فاحتاج الناس إلى التبشير والإنذار وبيان المشكلات من جهة أهل الوحي.
قال صاحب "كشف الأسرار" (صديق صديقان عالم كرد شراك نعلين اكران وى بود وبيكانكان منكران اورا كاذب ميكفتند صداى وحى غيب عاشق سمع عزيز وى بود اورا كاهى ميخواندند عقول همه عقول عقلاء عالم از ادراك نور شراك غرا وعاجز بود وكافران نام او ديوانه نهادند آرى ديدهاى ايشان بحكم لطف ازل توتياى صدق نيافته وبشمهاى ايشان كحل اقبال حق نرسيده وازآنست كه اورا نشناختند).
ودلت الآية على عموم رسالته وشمول بعثته وفي الحديث"فضلت على الأنبياء
294
(7/229)
بست أعطيت جوامع الكلم" وهي ما يكون ألفاظه قليلة ومعانيه كثيرة "ونصرت بالرعب" يعني نصرني الله بإلقاء الخوف في قلوب أعطائي "من مسيرة شهر بيني وبينهم" وجعل الغاية شهراً لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه المحاربين له أكثر من شهر "وأحلت لي الغنائم" يعني أن من قبله من الأمم كانوا إذا غنموا الحيوانات تكون ملكاً للغانمين دون الأنبياء فخص نبينا عليه السلام بأخذ الخمس والصفي وإذا غنموا غيرها من الأمتعة والأطعمة والأموال جمعوه فتجيىء نار بيضاء من السماء فتحرقه حيث لا غلول وخص هذه الأمة المرحومة بالقسمة بينهم كأكل لحم القربان فإن الله أحله لهم زيادة في أرزاقهم ولم يحله لمن قبلهم من الأمم "وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً" يعني : أباح الله لأمتي الصلاة حيث كانوا تخفيفاً لهم وأباح التيمم بالتراب عند فقد الماء ولم يبح الصلاة للأمم الماضية إلا في كنائسهم ولم يجز التطهر لهم إلا بالماء "وأرسلت إلى الخلق كافة" أي : في زمنه وغيره ممن تقدم أو تأخر بخلاف رسالة نوح عليه السلام فإنها وإن كانت عامة لجميع أهل الأرض لكنها خصت بزمانه.
قال في "إنسان العيون" : والخلق يشتمل الإنس والجن والملك والحيوانات والنبات والحجر.
قال الجلال السيوطي : وهذا القول أي : إرساله للملائكة رجحته في كتاب "الخصائص" : وقد رجحه قبلي الشيخ تقي الدين السبكي وزاد أنه مرسل لجميع الأنبياء والأمم السابقة من لدن آدم إلى قيام الساعة ورجحه أيضاً البارزي وزاد أنه مرسل إلى جميع الحيوانات والجمادات وزيد على ذلك أنه مرسل إلى نفسه وذهب جمع إلى أنه لم يرسل للملائكة منهم الحافظ العراقي والجلال المحلي وحكى الفخر الرازي في تفسيره والبرهان النسفي فيه الإجماع فيكون قوله عليه السلام : "أرسلت إلى الخلق كافة" وقوله تعالى :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{لِيَكُونَ لِلْعَـالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان : 1) من العام المخصوص ولا يشكل عليه حديث سلمان رضي الله عنه إذا كان الرجل في أرض وأقام الصلاة صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى طرفاه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده لأنه يجوز أن يكون ذلك صادراً عن بعثته إليهم.
يقول الفقير دل كونه أفضل المخلوقات على عموم بعثته لجميع الموجودات ولذا بشر بمولده أهل الأرض والسماء وسلموا عليه حتى الجماد بفصيح الأداء فهو رحمة للعالمين ورسول إلى الخلق أجمعين ، قال حضرة الشيخ العطار قدس سره :
داعى ذرات بود آن اك ذات
در كفش تسبيح ازان كفتى حصات
قال بعضهم :
ترا دادند منشور سعادت
وزان س نوع انسان آفريدند
رى را جمله درخيل تو كردند
س آنكاهى سليمان آفريدند
وختم به النبيون أي : فلا نبي بعده ولا مشرعاً ولا متابعاً كما بين في سورة الأحزاب.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن إرسال ماهية وجودك التي عبرت عنها مرة بنوري وتارة بروحي من كتم العدم إلى عالم الوجود لم يكن منا إلا لتكون بشيراً ونذيراً للناس كافة من أهل الأولين والآخرين والأنبياء والمرسلين وإن لم يخلقوا بعد لاحتياجهم لك من بدء الوجود في هذا الشأن وغيره إلى الأبد كما قال صلى الله عليه وسلّم "الناس محتاجون إلى شفاعتي حتى أبى
295
(7/230)
إبراهيم" فأما في بدء وجودهم فالأرواح لما حصلت في عالم الأرواح بإشارة كن تابعة لروحك احتاجت إلى أن تكون لها بشيراً ونذيراً لتعلقها بالأجسام لأنها علوية بالطبع لطيفة نورانية والأجسام سفلية بالطبع كثيفة ظلمانية لا تتعلق بها ولا تميل إليها لمضادة بينهما فتحتاج إلى بشير يبشرها بحصول كمال لها عند الاتصال بها لترغب إليها وتحتاج إلى نذير ينذرها بأنها إن لم تتعلق بالأجسام تحرم من كمالها وتبقى ناقصة غير كاملة كمثل حبة فيها شجرة مركوزة بالقوة فإن تزرع وترب بالماء تخرج الشجرة من القوة إلى الفعل إلى أن تبلغ كمال شجرة مثمرة فالروح بمثابة الأكار المربى فبعد تعلق الروح بالقالب واطمئنانه واتصافه بصفته يحتاج إلى بشير بحسب مقامه يبشره بنعيم الجنة وملك لا يبلى ثم يبشره بقرب الحق تعالى ويشوقه إلى جماله ويعده بوصاله ونذير ينذره أولاً بنار جهنم ثم يوعده بالبعد عن الحق ثم بالقطيعة والهجران وإذا أمعنت النظر وجدت شجرة الموجودات منبتة من بذر روحه صلى الله عليه وسلّم وهو ثمرة هذه الشجرة من جميع الأنبياء والمرسلين وهم وإن كانوا ثمرة هذه الشجرة أيضاً ولكن وجدوا هذه المرتبة بتبعيته كما أنه من بذر واحد يظهر على الشجرة ثمار كثيرة بتبعية ذلك البذر الواحد فيجد كل بشير ونذير فرعاً لأصل بشيريته ونذيريته والذي يدل على هذا التحقيق قوله تعالى : {وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَـالَمِينَ} (الأنبياء : 107) دخلت شجرات الموجودات كلها تحت الخطاب وبقوله : {وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} يشير إلى أن أكثر الناس الذين هم أجزاء وجود الشجرة وما وصلوا إلى رتبة الثمرية لا يعلمون حقيقة ما قررنا لأن أحوال الثمرة ليست معلومة للشجرة إلا لثمرة مثلها في وصفها لتكون واقفة بحالها :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
نداند آدم كامل جز آدم†
{وَيَقُولُونَ} أي : المشركون من فرط جهلهم وغاية غيهم مخاطبين لرسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين به بطريق الاستهزاء {مَتَى} (كى باشد) {هَـاذَا الْوَعْدُ} المبشر به والمنذر عنه يعني الجنة والنار {إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ} في دعوى الوقوع والوجود.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَـاذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ * قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَـاْخِرُونَ} .
{قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ} أي : وعد يوم وهو يوم البعث مصدر ميمي {لا تَسْتَـاْخِرُونَ عَنْهُ} أي : عن ذلك الميعاد عند مفاجأته فالجملة صفة للميعاد {سَاعَةِ} (مقدار اندك اززمان) {وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} (الاستئخار : س شدن.
والاستقدام : يش شدن) وفي هذا الجواب من المبالغة في التهديد ما لا يخفى حيث جعل الاستئخار في الاستحالة كالاستقدام الممتنع عقلاً.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أرباب الطلب واستعجالهم فيما وعدوهم من رتبة الثمرية يعني متى نصل إلى الكمال معلوماً لإدراكها وبلوغها إلى كمالها كذلك لكل سالك وقت معلوم لبلوغه إلى رتبة كماله كما قال تعالى : {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّه وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} (الأحقاف : 15) ولهذا السر قال تعالى مع حبيبه عليه السلام {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (الأحقاف : 35) هذا يشير إلى أن لنيل كل مقام صبراً مناسباً لذلك المقام كما أن النبي عليه السلام لما كان من أولي العزم من الرسل أمر بصبر أولي العزم من الرسل كما قال مولانا جلال الدين الرومي قدس سره :
296
صبر آرد آرزورانى شتاب
صبر كن والله أعلم بالصواب
{قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَـاْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَـاذَا الْقُرْءَانِ وَلا بِالَّذِى} .
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي : كفار قريش {لَن نُّؤْمِنَ بِهَـاذَا الْقُرْءَانِ} الذي ينزل على محمد {وَلا بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ} أي : ولا بما نزل قبله من الكتب القديمة الدالة على البعث كالتوراة والإنجيل.
قال في "كشف الأسرار" (شمى كه مستعمل شده مملكته شيطان باشد مارا ون شناسد.
دلى كه ملوث تصرف ديو بود ازكجا جلال عزت قرآن بداند.
دلى بايد بضمان امان وحرم كرم حق ناه يافته تا راه بر رسالت ونبوت ما برد.
شمعى بايد بزلال اقبال ازل شسته تا جلال عزت قرآن اورا بخود راه دهد.
ديده بايد از رمص كفر خلاص يافته واز خواب شهوت بيدارشده تا معجزات وآيات ما بيند ودريابد.
اى جوانمرد هركه جمالى ندارد كه باسلطان نديمى كند ه كند تا كلخانيانرا حريقى نكند) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
در مصطبها هميشه فراشم من
شايسته صومعه كجا باشم من
هر ند قلندرى وقلاشم من
تخمى باميد درد مى اشم من
(7/231)
{وَلَوْ تَرَى} يا محمد او يا من يليق بالخطاب {إِذِ الظَّـالِمُونَ} المنكرون للبعث لأنهم ظلموا بأن وضعوا الإنكار موضع الإقرار {مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ} أي : محبوسون في موقف المحاسبة على أطراف أناملهم وجواب لو محذوف أي : لرأيت أمراً فظيعاً شنيعاً تقصر العبارة عن تصويره يعني : (هرآينه به بينى امرى صعب وكارى دشوار) وإنما دخلت لو على المضارع مع أنها للشرط في الماضي لتنزيله منزلة الماضي لأن المترقب في أخبار الله كالماضي المقطوع به في تحقق وقوعه أو لاستحضار صورة الرؤية ليشاهدها المخاطب {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ} أي : يرد من رجع رجعاً بمعنى رد {إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} أي : يتحاورون ويتراجعون القول ويتجاذبون أطراف المجادلة وبالفارسية : (محاوره ميكنند سخن برهم ميكردانند وجواب ميكويند) ثم أبدل منه قوله : {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} (الاستضعاف : ضعيف شمردن) أي : يقول الاتباع الذين عدوا ضعفاء وقهروا وبالفارسية : (زبون وبياره كرفتكان) {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} (سر كشى ميكردند دردنيا) أي : للرؤساء الذين بالغوا في الكبر والتعظم عن عبادة الله وقبول قوله المنزل على أنبيائه واستتبعوا الضعفاء في الغي والضلال {لَوْلا أَنتُمْ} أي : لولا إضلالكم وصدكم لنا عن الإيمان {لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} أي : أنتم منعتمونا من الإيمان واتباع الرسول كأنه قيل فماذا قال الذين استكبروا فقيل :
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَـاذَا الْقُرْءَانِ وَلا بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْه وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّـالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَـاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَه أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الاغْلَـالَ فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} منكرين لكونهم الصادين لهم عن الإيمان مثبتين ذلك لأنفسهم أي : المستضعفين {أَنَحْنُ} (آياما) {صَدَدْنَـاكُمْ} منعناكم وصرفناكم {عَنِ الْهُدَى} (ازقبول ايمان وهدايت) {بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ} أي : الهدى أي : لم نصدكم عنه كقولك ما أنا أقلت هذا تريد لم أقله مع أنه مقول لغيري فإن دخول همزة الاستفهام الإنكاري على الضمير يفيد نفي الفعل عن المتكلم وثبوته لغيره كما قال : {بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ} في الإجرام فبسبب ذلك صددتم أنفسكم عن الإيمان وآثرتم التقليد وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سبب عداوة في الآخرة وتبرى بعضهم من بعض.
{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} مجيبين {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}
297
عطف على الجملة الاستئنافية وإضراب على إضرابهم وإبطال له {بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ} المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة أي : بل صدّنا مكركم بنا في الليل والنهار وحملكم إيانا على الشرك والأوزار فحذف المضاف إليه وأقيم مقامه الظرف اتساعاً يعني اتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به كقوله : "يا سارق الليلة أهل الدار" أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين مجازاً {إِذْ تَأْمُرُونَنَآ} ظرف للمكر أي : بل مكركم الدائم وقت أمركم لنا {أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَه أَندَادًا} نقول له شركاء على أن المراد بمكرهم إما نفس أمرهم بما ذكر كما في قوله تعالى : يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنابِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا} فإن الجعلين المذكورين نعمة من الله أي : نعمة وإما أمور أخر مقارنة للأمر داعية إلى الامتثال به والترغيب والترهيب ونحو ذلك {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} الندامة التحسر في أمر فائت أي : أضمر الفريقان الندامة على ما فعلا من الضلال والإضلال حين ما نفعتهم الندامة وأخفاها كل منهما عن الآخر مخافة التعيير وهو بالفارسية : (سرزنش كردن) أو أظهروها فإنه من الأضداد إذ الهمزة تصلح للإثبات والسلب كما في أشكيته وهو المناسب لحالهم
جزء : 7 رقم الصفحة : 258(7/232)
{وَجَعَلْنَا الاغْلَـالَ فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} يقال في رقبته غل من حديد أي : قيد وطوق وأصل الغل توسط الشيء ومنه الغل للماء الجاري خص بما يقيد به فيجعل الأعضاء وسطه كما في "المفردات" والمعنى : ونجعل الأغلال يوم القيامة في أعناق الذين كفروا بالحق لما جاءهم في الدنيا من التابعين والمتبوعين وإيراد المستقبل بلفظ الماضي من جهة تحقق وقوعه والإظهار في موضع الإضمار حيث لم يقل في أعناقهم للتنويه بذمهم والتنبيه على موجب إغلالهم {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي : لا يجزون إلا جزاء ما كانوا يعملون في الدنيا من الكفر والمعاصي وإلا بما كانوا يعملونه على نزع الجار فلما قيدوا أنفسهم في الدنيا ومنعوها عن الإيمان بتسويلات الشيطان الجني والإنسي جوزوا في الآخرة بالقيد.
وفي الفروع وكره جعل الغل في عنق عبده لأنه عقوبة أهل النار.
قال القهستاني : الغل الطوق من حديد الجامع لليد إلى العنق المانع عن تحرك الرأس انتهى وهو معتاد بين الظلمة.
وقال الفقيه : إنه في زماننا جرت العادة بذلك إذا خيف من الأباق كما في "الكبرى".
ولا يكره أن يجعل قيداً في رجل عبده لأنه سنة المسلمين في السفهاء وأهل الفساد فلا يكره في العبد إذ فيه تحرز عن أباقه وصيانة لماله وحل ربطه بالحبل ونحوه.
[
قال في "نصاب الاحتساب" : وأما ما اعتاده أهل الحسبة في إطاقة السوقيين بعد تحقق جنايتهم وخيانتهم فأصله ما ذكر في أدب القاضي للخصاف أن شاهد الزور يطاق به أي : يجعل في عنقه الطوق وهو ما يقال له بالفارسية (تخته كله) ويجوز أن تكون الإطاقة بالفاء وذلك للتشهير بين الناس.
{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَه أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الاغْلَـالَ فِى أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِه كَـافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلَـادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} .
{وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ} من القرى بالفارسية : (نفرستاديم درهي ديهى وشهرى).
قال في "كشف الأسرار" : القرية المصر تقرى أهلها وتجمعهم {مِّن نَّذِيرٍ} نبي ينذر أهلها بالعذاب {إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَآ} المترف كمكرم المتنعم والموسع العيش والنعمة من الترفة بالضم وهو التوسع في النعمة يقال أترفه نعمه وأترفته النعمة أطغته أي : قال رؤساء تلك القرية المتكبرون المتنعمون بالدنيا لرسلهم {إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِ} على زعمكم من التوحيد
298
والإيمان {كَـافِرُونَ} منكرون على مقابلة الجمع بالجمع.
وهذه الآية جاءت لتسلية النبي عليه السلام أي : يا محمد هذه سيرة أغنياء الأمم الماضية فلا يهمك أمر أكابر قومك فتخصيص المتنعمين بالتكذيب مع اشتراك الكل فيه إما لأنهم المتبوعين أو لأن الداعي المعظم إلى التكذيب والإنكار هو التنعم المستتبع للاستكبار.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَقَالُوا} أي : الكفار المترفون للفقراء المؤمنين فخراً بزخارف الدنيا وبما هو فتنة لهم {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلَـادًا} منكم في الدنيا {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} في الآخرة على تقدير وقوعها لأن المكرم في الدنيا لا يهان في الآخرة.
{قُلْ} يا محمد رداً عليهم {إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ} ويوسعه {لِمَن يَشَآءُ} أن يبسطه له ويوسعه من مؤمن وكافر {وَيَقْدِرُ} أي : يضيق على من يشاء أن يقدره عليه ويضيقه من مؤمن وكافر حسب اقتضاء مشيئته المبنية على الحكم البالغة فلا ينقاس على ذلك أمر الثواب والعقاب اللذين مناطهما الطاعة وعدمها فليس في التوسيع دلالة على الإكرام كما أنه ليس في التضييق دلالة على الإهانة وفي الحديث : "الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر".
اديم زمين سفره عام اوست
برين خوان يغماه دشمن ه دوست
{وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} وهم أهل الغفلة والخذلان {لا يَعْلَمُونَ} حكمة البسط والقدر فيزعمون أن مدار البسط هو الشرف والكرامة ومدار القدر هو الذل والهوان ولا يدرون أن الأول كثيراً ما يكون بطريق الاستدراج والثاني بطريق الابتلاء ورفع الدرجات قال الصائب :
نفس را بدخو بناز ونعمت دنيا مكن
آب ونان سير كاهل ميكند مزدور را(7/233)
{قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَـادُكُم بِالَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـالِحًا فأولئك لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِى الْغُرُفَـاتِ ءَامِنُونَ * وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِى ءَايَـاتِنَا مُعَـاجِزِينَ أولئك فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَمَآ} (ونيست) {أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَـادُكُم} كلام مستأنف من جهته تعالى مبالغة في تحقيق الحق أي : وما جماعة أموالكم وأولادكم أيها الناس {بِالَّتِى} بالجماعة التي فان الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث أو بالخصلة التي فيكون تأنيث الموصول باعتبار تأنيث الصفة المحذوفة {تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى} نصب مصدراً بتقربكم كأنبتكم من الأرض نباتاً والزلفى والزلفة والقربى والقربة بمعنى واحد.
وقال الأخفش : زلفى اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريباً {وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَـادُكُم بِالَّتِى} استثناء من مفعول تقربكم أي : وما الأموال والأولاد تقرب أحداً إلا المؤمن الصالح الذي أنفق أمواله في سبيل الله وعلم أولاده الخير ورباهم على الصلاح والطاعة أو من مبتدأ خبره ما بعده كما في "الكواشي" فيكون الاستثناء منقطعاً كما في "فتح الرحمن" فأولئك المؤمنون العاملون ثابت {لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ} على أن الجار والمجرور خبر لما بعده والجملة خبر لأولئك وإضافة الجزاء إلى الضعف من إضافة المصدر إلى المفعول أصله فأولئك لهم أن يجازوا الضعف ثم جزاء الضعف ثم جزاء الضعف ومعناه أن يضاعف لهم الواحدة من حسناتهم عشراً فما فوقها إلى سبعمائة إلى ما لا يحصى {بِمَا عَمِلُوا} بسبب ما عملوا من الصالحات {وَهُمْ فِى الْغُرُفَـاتِ} أي : غرفات الجنة وهي قصورها ومنازلها الرفيعة جمع غرفة وهي البيت فوق البناء يعني كل بناء يكون
299
علواً فوق سفل {ءَامِنُونَ} من جميع المكاره والآفات كالموت والهرم والمرض والعدو وغير ذلك.
وفي الآية إشارة إلى أنه لا تستحق الزلفى عند الله بالمال والأولاد مما زين للناس حبه وحب غير الله يوجب البعد عن الله كما قال صلى الله عليه وسلّم "حبك الشيء يعمي ويصم" يعني يعميك عن رؤية غيره ويصمك عن دعوة غيره وهذا أمارة كمال البعد فإن كمال البعد يورث العمى والصمم ولكن من موجبات القربة الأعمال الصالحة والأحوال الصافية والأنفاس الزكية بل العناية السابقة والهداية اللاحقة والرعاية الصادقة فأهل هذه الأسباب هم أهل الدرجات والأمن من الهجران والقطيعة وأما المنقطعون عن هذه الأسباب المفتخرون بما لا ينفع يوم الحساب وهم أهل الغفلات والدعوى والترهات فلهم الدركات والخوف الغالب في جميع الحالات قال الصائب :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
نميدانند اهل غفلت انجام شراب آخر
بآتش مى روند اين غافلان ازراه آب آخر
قال ابراهيم بن أدهم قدس سره لرجل : أدرهم في المنام أحب إليك أم دينار في اليقظة قال : دينار في اليقظة فقال : كذبت لأن الذي تحبه في الدنيا كأنك تحبه في المنام والذي لا تحبه في الآخرة كأنك لا تحبه في اليقظة.
ودخل عمل بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذات يوم في داره فوجده في بيت منخفض السطح وقد أثر في جنبه الحصير فقال : ما هذا؟ قال : "يا عمر أما تأثير الحصير في جنبي فحبذا خشونة بعدها لين وأما السطح فسطح القبر يكون أخفض من هذا فنحن تركنا الدنيا لأهلها وهم تركوا لنا الآخرة وما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ثم راح وتركها" فالعاقل من لم يغتر بزينة الدنيا ويسعى إلى مرضاة المولى.
هركه كوته كند بدنيا دست
ر بر آرد و جعفر طيار
فالأولى أن يأخذ الباقي ويترك الفاني.
ـ حكي ـ أن سلطاناً كان يحب واحداً من وزرائه أكثر من غيره فحسدوه وطعنوا فيه فأراد السلطان أن يظهر حقيقة الحال فأضافهم في دار مزينة بأنواع الزينة ثم قال : ليأخذ كل منكم ما أعجبه في الدار فأخذ كل منهم ما أعجبه من الجواهر والمتاع وأخذ الوزير المحسود السلطان وقال : ما أعجبني إلا أنت فالإنسان لم يجيىء إلى هذه الدار المزينة إلا للامتحان فإنه كالعروس وهي لا تلتفت إلى ما ينثر عليها فإن التفتت فمن دناءة الهمة ونقصان العقل فاليوم يوم الفرصة وتدارك الزاد لسفر المعاد.
ازرباط تن و بكذشتى دكر معموره نيست
زاد راهى برنمى دارى ازين منزل را
نسأل الله سبحانه أن يقطع رجاءنا من غيره مطلقاً ويجعل عزمنا إليه صدقاً وإقبالنا عليه حقاً.
(7/234)
{وَالَّذِينَ} هم كفار قريش {يَسْعَوْنَ فِى ءَايَـاتِنَا} القرآنية بالرد والطعن فيها ويجتهدون في إبطالها حال كونهم {مُعَـاجِزِينَ} ظانين أنهم يعجزوننا ويفوتوننا فلا يكون لهم مؤاخذة بمقابلة ذلك.
قال في "تاج المصادر" (المعاجزة : بركسى يشى كرفتن در كارى) وقد سبق في أوائل السورة {أولئك فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} من الإحضار وهو بالفارسية : (حاضر كردن) أي : مدخلون لا يغيبون عنه ولا ينفعهم ما اعتمدوا عليه.
وفي "التأويلات النجمية" :
300
هم الذين لا يحترمون الأنبياء والأولياء ولا يرعون حق الله في السر فهم في عذاب الاعتراض عليهم وعذاب الوقوع بشؤم ذلك في ارتكاب محارم الله ثم في عذاب السقوط من عين الحق ، وفي "المثنوي" :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
ون خدا خواهدكه رده كس درد
ميلش اندر طعنه اكان برد
{وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِى ءَايَـاتِنَا مُعَـاجِزِينَ أولئك فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ} .
{قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي : يوسعه عليه تارة {وَيَقْدِرُ لَه} أي : يضيقه عليه تارة أخرى ابتلاء وحكمة فهذا في شخص واحد باعتبار وقتين وما سبق في شخصين فلا تكرار {وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍ} ما موصولة بمعنى الذي وبالفارسية : (آنه) مبتدأ خبره قوله {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} أو شرطية بمعنى أي : شيء وبالفارسية : (هره) نصب بقوله انفقتم ومن شيء بيان له وجواب الشرط قوله فهو يخلفه (والإنفاق : نفقه كردن) يقال نفق الشيء مضى ونفد إما بالبيع نحو نفق البيع نفاقاً وإما بالموت نحو نفقت الدابة نفوقاً وإما بالفناء نحو نفقت الدراهم تنفق وأنفقتها (والإخلاف : بدل بازدادن ازمال وفرزند) يقال اخلف الله له وعليه إذا أبدل له ما ذهب عنه والمعنى الذي أو أي : شيء أنفقتم في طاعة الله وطريق الخير والبر فالله تعالى يعطي خلفاً له وعوضاً منه إما في الدنيا بالمال أو بالقناعة التي هي كنزل لا يفنى وإما في الآخرة بالثواب والنعيم أو فيهما جميعاً فلا تخشوا الفقر وانفقوا في سبيل الله وتعرضوا لالطاف الله عاجلاً أو آجلاً.
وفي "التأويلات النجمية" : وما أنفقتم من شيء من الموجودات أو الوجود فهو يخلفه من الموجود الفاني بالموجود الباقي ومن الوجود المجازي بالوجود الحقيقي فمن الخلف في الدنيا الرضى بالعدم والفقر صورة ومعنى وهو أتم من السرور بالموجود والوجود.
افتد هماى دولت اكر دركمندما
ازهمت بلند رها ميكنيم ما
{وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} أي : خير من أعطى الرزق فإن غيره كالسلطان والسيد والرجل بالنسبة إلى جنده وعبده وعياله واسطة في إيصال رزقه ولا حقيقة لرازقيته والله تعالى يعطي الكل من خزائن لا تفنى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنه خير المنفقين لأن خيرية المنفق بقدر خيرية النفقة فما ينفق كل منفق في النفقة فهو فان وما ينفق الله من نفقة ليخلفه بها فهي باقية والباقيات خير من الفانيات انتهى.
قال في "بحر العلوم" لما كانت إقامة مصالح العباد من أجل الطاعات وأشرف العبادات لأنها من وظيفة الأنبياء والصالحين دلهم الله في الآية على طرف منها حثاً عليها كما قال عليه السلام حثاً لأمته عليها : "الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله" قال العسكري : هذا على التوسع والمجاز كأن الله تعالى لما كان المتضمن لأرزاق العباد والكافل بها كان الخلق كالعيال له وفي الحديث : "إنأملاكاً خلقهم كيف يشاء وصورهم على ما يشاء تحت عرشه ألهمهم أن ينادوا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في كل يوم مرتين ألا من وسع على عياله وجيرانه وسع الله عليه في الدنيا والآخرة ألا من ضيق ضيق الله عليه ألا إن الله قد أعطاكم لنفقة درهم على عيالكم خير من سبعين قنطاراً" والقنطار كجبل أحد وزناً "أنفقوا ولا تخشوا ولا تضيقوا ولا تقتروا وليكن أكثر نفقتكم يوم الجمعة" وفي الحديث : "كل معروف صدقة" وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له به صدقة
301
وما وقى الرجل به عرضه كتب له به صدقة" ومعنى كل معروف صدقة أن الإنفاق لا ينحصر في المال بل يتناول كل بر من الأموال والأقوال والأفعال والعلوم والمعارف وإنفاق الواصلين إلى التوحيد الحقاني والمعرفة الذاتية أفضل وأشرف لأن نفع الأموال للأجساد ونفع المعارف للقلوب والأرواح ومعنى ما وقى به عرضه ما أعطى الشاعر وذا اللسان المتقى وفي الحديث : "إن لكل يوم نحسا فادفعوا نحس ذلك اليوم بالصدقة" وفي الحديث : "ينادي منادٍ كل ليلة لا دواء للموت وينادي آخر ابنوا للخراب وينادي منادٍ هب للمنفق خلفاً وينادي مناد هب للممسك تلفاً" قال الحافظ :
أحوال كنج قارون كايام داد برباد
باغنه باز كوييد تازرنهان ندارد
وفي المثنوي :
آن درم دادن سخى را لايقست
جان سردن خودسخاى عاشقستنان دهى ازبهر حق نانت دهند(7/235)
جان دهى از بهر حق جانت دهند
هركه كارد كردد انبارش تهى
ليكش اندر مزرعه باشد بهى
وانكه در انبار ماند وصرفه كرد
اشش وموش وحوادثهاش خورد
جمله در بازار زان كشتند بند
تاه سود افتاد مال خود دهند وفي الحديث "يؤجر ابن آدم في نفقته كلها إلا شيئاً وضعه في الماء والطين".
قال حضرة الشيخ صدر الدين القنوي في شرح هذا الحديث : اعلم أن صور الأعمال أعراض جواهرها مقاصد العمال وعلومهم واعتقاداتهم ومتعلقات هممهم وهذا الحديث وإن كان من حيث الصيغة مطلقاً فالأحوال والقرائن تخصصه وذلك أن بناء المساجد والرباطات ومواضع العبادات يؤجر الباني لها عليها بلا خلاف فالمراد بالمذكور هنا إنما هو البناء الذي لم يقصد صاحبه إلا التنزه والانفساح والاستراحة والرياء والسمعة وإذا كان كذلك فمطمح همة الباني ومقصده لا يتجاوز هذا العالم فلا يكون لبنائه ثمرة ونتيجة في الآخرة لأنه لم يقصد بما فعله أمراً وراء هذه الدار فأفعاله أعراض زائلة لا موجب لتعديها من هنا إلى الآخرة فلا أثمار لها فلا أجر انتهى.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
اعلم أن العلماء تكلموا في الإنفاق والظاهر أنه بحسب طبقات الناس.
فمنهم من ينفق جميع ما ملكه توكلاً على الله تعالى كما فعله الصديق لقوة يقينه.
ومنهم من ينفق بعضه ويمسك بعضه لا للتنعم بل للإنفاق وقت الحاجة.
ومنهم من يقتصر على أداء الواجب.
قال الغزالي رحمه الله : الاكتفاء بمجرد الواجب حد البخلاء فلا بد من زيادة عليه لو شئت يسيراً فبين هذه الطبقات تفاوت في الدرجات وقد أسلفنا الكلام على الإنفاق في أواخر سورة الفرقان فارجع إليه واعتمد عليه جعلنا الله وإياكم من أهل البذل والإحسان بلا إمساك وادّخار وأخلف خيراً مما أنفقنا فإن خزائنه لا تفنى وبحر جوده زخار وهو المعطي المفيض كل ليل ونهار.
{قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِه وَيَقْدِرُ لَه وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُه وَهُوَ خَيْرُ الراَّزِقِينَ * وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ للملائكة أَهَـاؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَـانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّا أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} .
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} أي : واذكر يا محمد لقومك يوم يحشر الله أي : يجمع المستكبرين والمستضعفين وما كانوا يعبدون من دون الله حال كونهم {جَمِيعًا} مجتمعين لا يشذ أحد منهم.
وقال بعضهم : هؤلاء المحشورون بنوا مليح من خزاعة كانوا يعبدون الملائكة ويزعمون أنهم بنات الله
302
لذلك سترهم.
فإن قلت : لِمَ لم يقولوا ذلك في حق الجن مع أنهم مستورون أيضاً عن أعين الناس؟ قلت : لأن الملائكة سماوية والجن أرضية وهم اعتقدوا أن الله تعالى في السماء {ثُمَّ يَقُولُ للملائكة} توبيخاً للمشركين العابدين وإقناطاً لهم من شفاعتهم كما زعموا {أَهَـاؤُلاءِ} أي : الكفار وبالفارسية : (آيا اين كروه اندكه) {إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} في الدنيا وإياكم نصب بيعبدون وتخصيص الملائكة لأنهم أشرف شركائهم بطريق الأولوية.
{قَالُوا} متنزهين عن ذلك وهو استئناف بياني {سُبْحَـاـنَكَ} تنزيهاً عن الشرك.
وفي "كشف الأسرار" (اكى ترا است از آنكه غير ترا رستند) {أَنتَ وَلِيُّنَا} الولي خلاف العدو أي : أنت الذي نواليه {مِن دُونِهِمُ} (بجزمشركان يعني ميان ايشان هي دوستى نيست وحاشاكه برستش ايشان رضا داده باشيم) ثم اضربوا عن ذلك ونفوا أنهم عبدوهم حقيقة بقولهم : {بَلْ كَانُوا} من جهلهم وغوايتهم {يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} أي : الشياطين حيث أطاعوهم في عبادة غير الله وقيل : كانوا يتمثلون لهم ويتخيلون أنهم الملائكة فيعبدونهم وعبر عن الشياطين بالجن لاستتارهم عن الحواس ولذا أطلقه بعضهم على الملائكة أيضاً {أَكْثَرُهُمْ} الأكثر ههنا بمعنى الكل والضمير للمشركين كما هو الظاهر من السوق أي : كل المشركين.
وقال بعضهم : الضمير للإنس والأكثر بمعناه أي : أكثر الإنس {بِهِمُ} أي : الجن وبقولهم الكذب الملائكة بنات الله {مُؤْمِنُونَ} مصدقون ومتابعون ويغترون بما يلقون إليهم من أنهم يشفعون لهم.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258(7/236)
وفي الآية : إشارة إلى أنه كما يعبد قوم الملائكة بقول الشيطان وتتبرأ الملائكة منهم يوم القيامة كذلك من يعبد الله بقول الوالدين أو الاستاذين أو أهل بلده أو بالتعصب والهوى كما يعبده اليهود والنصارى والصابئون والمجوس وأهل البدع والأهواء يتبرأ الله منه ويقول : أنا بريء من أن أعبد بقول الغير وبقول من يعبدني بالهوى أو بإعانة أهل الهوى فإن من عبدني بالهوى فقد عبد الهوى ومن عبدني بإعانة أهل الهوى إياه على أن يعبدني فقد عبد أهل الهوى لأنه ما عبدني مخلصاً كما أمرته ولهذا المعنى أمرنا الله أن نقول في عبادته في الصلاة إياك نعبد أي : لم نعبد غيرك وإياك نستعين على عبادتك بإعانتك لا بإعانة غيرك وبقوله : {أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} يشير إلى أن أكثر مدعي الإسلام بأهل الهوى مؤمنون أي : بتقليدهم وتصديقهم فيما ينتمون إليه من البدع والاعتقاد السوء كذا في "التأويلات النجمية" ، قال الصائب :
ه قدر راه بتقليد توان يمودن
رشته كوتاه بود مرغ نو آموخته را
{قَالُوا سُبْحَـانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّا أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا} .
{فَالْيَوْمَ} أي : يوم الحشر {لا يَمْلِكُ} (الملك بالحركات الثلاث : خداوند شدن) {بَعْضُكُمْ} يعني المعبودين {لِبَعْضٍ} يعني العابدين {نَفْعًا} بالشفاعة {وَلا ضَرًّا} أي : دفع ضر وهو العذاب على تقدير المضاف إذ الأمر فيه كلهلأن الدار دار جزاء ولا يجازي الخلق أحد غير الله.
قال في "الإرشاد" تقييد هذا الحكم بذلك اليوم مع ثبوته على الإطلاق لانعقاد رجائهم على تحقيق النفع يومئذٍ وهذا الكلام من جملة ما يقال للملائكة عند جوابهم بالتنزه والتبري مما نسب إليهم الكفرة يخاطبون على رؤوس الإشهاد إظهاراً لعجزهم وقصورهم عند عبدتهم وتنصيصاً على ما يوجب خيبة رجائهم بالكلية والفاء ليست لترتيب ما بعدها
303
من الحكم على جواب الملائكة فإنه محقق أجابوا بذلك أم لا بل لترتيب الإخبار به عليه {وَنَقُولُ} في الآخرة {لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسهم بالكفر والتكذيب فوضعوهما موضع اللإيمان والتصديق وهو عطف على يقول للملائكة لا على يملك كما قيل لأنه مما يقال يوم القيامة خطاباً للملائكة مترتباً على جوابهم المحكي وهذا حكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم لما سيقال للعبدة يومئذٍ أثر حكاية ما سيقال للملائكة {ذُوقُوا} الذوق في الأصل وإن كان فيما يقل تناوله كالأكل فيما يكثر تناوله إلا أنه مستصلح للكثير {عَذَابَ النَّارِ الَّتِى كُنتُم} في الدنيا {بِهَآ} متعلق بقوله : {تُكَذِّبُونَ} وتصرون على القول بأنها غير كائنة فقد وردتموها وبطل ظنكم ودعواكم.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن من علق قلبه بالأغيار وظن صلاح حاله من الاحتيال والاستعانة بالأمثال والأشكال نزع الله الرحمة من قلوبهم فتتركهم وتشوش أحوالهم فلا لهم من الأشكال والأمثال معونة ولا لهم من عقولهم في أمورهم استبصار ولا إلى الله رجوع إلا في الدنيا فإن رجعوا إليه في الآخرة لا يرحمهم ولا يجيبهم ويذيقهم عذاب نار البعد والقطيعة لكونهم ظالمين أي : عابدين غير الله تعالى (احمد حرب كفت خداى تعالى خلق را آفريده تا اورا بيكانكى شتاسند وشريك نسازند ورزق داد تا ورا برزاقى بدانند وميراند تا ورا بقهارى شناسند "ألا ترى أن الموت يذل الجبابرة ويقهر الفراعنة" وزنده كردانيد تا اورا بقادري بدانند ونكه قادر مطلق اوست انسان ببايدكه عجز خودرا بداند وعدم طاقت اودر زيربار قهرش شناسند ورحوع كند باختيار نه باضطرار وازحق شناسد توفيق هركار).
نكشود صائب ازمدد خلق هي كار
از خلق روى خود بخدا مى كنيم ما
اعلم أن من عبد الجن وأطاع الشيطان فيما شاء وهو زوال دينه يكون عذابه في التأبيد كعذاب إبليس ومن أطاع النفس فيما شاءت وهي المعصية يكون عذابه على الانقطاع ومن أطاع الهوى فيما شاء وهو الشهوات يكون له شدة الحساب من أجاب إبليس ذهب عنه المولى ومن أجاب النفس ذهب عنه الورع ومن أجاب الهوى ذهب عنه العقل.
وكان يحيى عليه السلام مع جلالة قدره وعدم همه بخطيئة يخاف من عذاب النار ويبكي في الليل والنهار والغافل كيف يأمن من سلب الإيمان مع كثرة العصيان وله عدو مثل الشيطان فلا بد من التوبة عن الميل إلى غير الله تعالى في جميع الأحوال والتضرع والبكاء في البكر والآصال لتحصل النجاة من النيران والفوز بدرجات الجنان والتنعم بنعيم القرب وشهود الرحمن.
زشت آينه روى مراد نتوان ديد
تراكه روى بخلق است ازخداه خبر
(7/237)
{فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا بَيِّنَـاتٍ قَالُوا مَا هَـاذَآ إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَإِذَا تُتْلَى} أي : تقرأ قراءة متتابعة بلسان الرسول عليه السلام {عَلَيْهِمْ} أي : على مشركي مكة {ءَايَـاتِنَا} القرآنية حال كونها {بَيِّنَـاتٍ} واضحات الدلالة على حقية التوحيد وبطلان الشرك {قَالُوا} مشيرين إلى النبي عليه السلام {مَا هَـاذَآ إِلا رَجُلٌ} تنكيره للتهكم والتلهي وإلا فرسول الله كان علماً مشهوراً بينهم {يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ} أي : يمنعكم ويصرفكم {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ} من الأصنام منذ أزمنة متطاولة فيستتبعكم بما يستبدعه من غير أن يكون هناك دين إلهي يعني : (مدعاى او آنست كه شما ازبت رستيدن منع كند
304
ويدين وآيين كه احداث كرده در آورد وتابع خود سازد) وإضافة الآباء إلى المخاطبين لا إلى أنفسهم لتحريك عرق العصبية منهم مبالغة في تقريرهم على الشرك وتنفيرهم عن التوحيد {وَقَالُوا مَا هَـاذَآ} القرآن {إِلا إِفْكٌ} كلام مصروف عن جهته لعدم مطابقة ما فيه من التوحيد والبعث الواقع {مُّفْتَرًى} بإسناده إلى الله تعالى والافتراء الكذب عمداً قالوه عناداً ومكابرة وإلا فقد قال كبيرهم عتبة بن ربيعة والله ما هو شعر ولا كهانة ولا سحر {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ} أي : للقرآن على أن العطف لاختلاف العنوان بأن يراد بالأول معناه وبالثاني نظمه المعجز ووضع المظهر موضع المضمر إظهاراً للغضب عليهم ودلالة على أن هذا لا يجترىء عليه إلا المتمادين في الكفر المنهمكون في الغي والباطل {لَمَّا جَآءَهُمْ} من الله تعالى ومعنى التوقع في لما أنهم كذبوا به وجحدوه على البديهة ساعة أتاهم وأول ما سمعوه قبل التدبر والتأمل {ءَانٍ} بمعنى ما النافية {هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ} ظاهر سحريته لا شبهة فيه.
والسحر من سحر يسحر إذا خدع أحداً وجعله مدهوشاً متحيراً وهذا إنما يكون بأن يفعل الساحر شيئاً يعجز عن فعله وإدراكه المسحور عليه كما في "شرح الأمالي".
وقال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر في "الفتوحات المكية" : السحر مأخوذ من السحر وهو ما بين الفجر الأول والفجر الثاني واختلاطته وحقيقته اختلاط الضوء والظلمة فما هو بليل لما خالطه من ضوء الصبح ولا هو بنهار لعدم طلوع الشمس للأبصار فكذلك ما فعله السحرة ما هو باطل محقق فيكون عدماً فإن العين أدركت أمراً ما لا تشك فيه ولا هو حق محض فيكون له وجود في عينه فإنه ليس هو في نفسه كما تشهد العين ويظنه الرائي انتهى.
قال الشيخ الشعراني في الكبريت الأحمر : هو كلام نفيس ما سمعنا مثله قط.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا بَيِّنَـاتٍ قَالُوا مَا هَـاذَآ إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَـاذَآ إِلا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَمَآ ءَاتَيْنَـاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِى فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} .
{وَمَآ ءَاتَيْنَـاهُم} أي : مشركي مكة {مِن كِتَـابِ} أي : كتباً فإن من الاستغراقية داخلة على المفعول لتأكيد النفي {يَدْرُسُونَهَا} يقرأونها فيها دليل على صحة الإشراك كما في قوله تعالى : {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَـانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِه يُشْرِكُونَ} (الروم : 35) وقوله : {أَمْ ءَاتَيْنَـاهُمْ كِتَـابًا مِّن قَبْلِه فَهُم بِه مُسْتَمْسِكُونَ} وفي إيراد كتب بصيغة الجمع تنبيه على أنه لا بد لمثل تلك الشبهة من نظائر الأدلة والدرس قراءة الكتاب بإمعان النظر فيه طلباً لدلك معناه والتدريس تكرير الدرس.
قال الراغب في "المفردات" : درس الشيء معناه بقي أثره وبقاء الأثر يقتضي إنمحاءه في نفسه ولذلك فسر الدروس بالإنمحاء وكذا درس الكتاب ودرست العلم تناولت أثره بالحفظ ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبر عن إدامة القراءة بالدرس {وَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ} يدعوهم إلى الشرك وينذرهم بالعقاب على تركه وقد بان من قبل أن لا وجه له بوجه من الوجوه فمن أين ذهبوا هذا المذهب الزائغ وهو تجهيل لهم وتسفيه لآرائهم ثم هددهم بقوله :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
(7/238)
{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم المتقدمة والقرون الماضية كما كذب قومك من قريش {وَمَا بَلَغُوا} (ونرسيدند قريش ومشركان مكه) {مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ} أي : عشر ما آتينا أولئك من قوة الأجسام وكثرة الأموال والأولاد وطول الأعمار.
فالمعشار بمعنى العشر كالمرباع بمعنى الربع.
قال الواحدي : المعشار والعشير والعشر جزء من العشرة وقيل المعشار عشر العشر {فَكَذَّبُوا رُسُلِى} عطف على وكذب الذين
305
الخ بطريق التفصيل والتفسير كقوله تعالى : {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا} (القمر : 9) إلخ {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي : إنكاري لهم بالاستئصال والتدمير فأي شيء خطر هؤلاء بجنب أولئك فليحذروا من مثل ذلك وبالفارسية : (س ه كونه بودنا بسند من ايشانرا وعذاب دادن).
وفي الآية إشارة إلى أن صاحب النظر إذا دل الناس على الله ودعاهم إليه قال أخدانهم السوء وإخوانهم الجهلة وأعوانهم الغفلة من الأقارب وأبناء الدنيا وربما كان ذلك من العلماء السوء الذين أسكرتهم محبة الدنيا وقال صلى الله عليه وسلّم فيهم : "أولئك قطاع الطريق على العباد" هذا رجل يريد اصطيادكم واستتباعكم لتكونوا من أتباعه وأعوانه ومريديه ويصدكم عن مذاهبكم ويطمع في أموالكم ومن ذا الذي يطيق أن يترك الدنيا بالكلية وينقطع عن أقاربه وأهاليه ويضيع أولاده ويعق والديه وليس هذا طريق الحق وإنك لا تتمم هذا الأمر ولا بد لك من الدنيا ما دمت تعيش وأمثال هذا حتى يميل ذلك المسكين عن قبول النصح في الإقبال على الله والإعراض عن الدنيا وربما كان هذا من خواطره الدنية وهواجس نفسه الردية فيهلك ويضل كما هلكوا وضلوا فليعتبر الطالب بمن كان قبله من منكري المشايخ ومكذبي الورثة ما كان عاقبة أمرهم إلا الحرمان في الدنيا من مراتب الدين والعذاب في الآخرة بنار القطيعة وليحذر من الاستماع إلى العائقين له عن طريق العاشقين فإنهم أعداء له في صورة الأحباب وفي المثنوي :
آدمي را دشمن نهان بسيست
آدمي باحذر عاقل كسيست
قال المولى الجامي في "درة التاج" :
ون سكندر بقصد آب حيات
كرد عزم عبور بر ظلمات
بزمينى رسيد هن وفراخ
راند خيل وحشم دران كستاخ
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
هركجا مى شد از يسار ويمين
بود ر سنكريزه روى زمين
كرد روى سخن بسوى ساه
كاى همه كرده كم زظلمت راه
اين همه كو هراست بى شك وريب
كيسه تان ركنيد ودا من وجيب
هركرا بود شك در اسكندر
آن حكايت نيامدش باور
كفت در زير نعل لعل كه ديد
درّ وكوهر بر هكذر كه شنيد
وانكه آينه سكندر بود
سرّ جانش درو مصوّر بود
هره ازوى شنيد باورداشت
آنه مقدور بودازان برداشت
ون بريدند راه تاريكى
تافت خورشيد شان ز نزديكى
آن يكى دست ميكزيد كه ون
زين كهر بر نداشتم افزون
وان دكر خون همى كريست كه آه
بر سكندر نكردمى انكار
تا نيفتادمى ازان تقصير
در حجاب وخجالت وتشوير
فقس عليه مصدّق القرآن ومكذبه.
{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِى فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ * قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍا أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍا إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلا عَلَى اللَّه وَهُوَ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ} الوعظ زجر يقترن به تخويف.
وقال الخليل هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب والعظة والموعظة الاسم أي :
306
(7/239)
ما أنشدكم وأنصح لكم إلا بخصلة واحدة هي {أَن تَقُومُوا} من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتتفرقوا من مجمعكم عنده فالقيام على حقيقته بمعنى القيام على الرجلين ضد الجلوس ويجوز أن يكون بمعنى القيام بالأمر والاهتمام بطلب الحق لأجله تعالى ورضاه لا للمراء والرياء والتقليد حال كونكم متفرقين {مَثْنَى} اثنين اثنين {وَفُرَادَى} واحداً واحداً.
قال الراغب : الفرد الذي لا يختلط به غيره فهو أعم من الوتر وأخص من الواحد وجمعه فرادى انتهى.
وفي "المختار" الفرد الوتر وجمعه أفراد وفرادى بالضم على غير القياس كأنه جمع فردان {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} التفكر طلب المعنى بالقلب يعني : (تفكرجست وجودى دلست در طلب معنى) أي : تتفكروا في أمره صلى الله عليه وسلّم فتعلموا {مَآ} نافية {بِصَاحِبِكُم} المراد الرسول عليه السلام {مِّن جِنَّةٍ} أي : جنون يحمله على دعوى النبوة العامة كما ظننتم وفائدة التقييد بالاثنين والفرادى أن الاثنين إذا التجئا إلى الله تعالى وبحثا طلباً للحق مع الإنصاف هديا إليه وكذا الواحد إذا تفكر في نفسه مجرداً عن الهوى بخلاف كثرة الجمع فإنه يقل فيها الإنصاف غالباً ويكثر الخلاف غبار الغضب ولا يسمع إلا نصرة المذهب.
وفي تقديم مثنى إيذان بأنه أوفق وأقرب من الاطمئنان فإن الاثنين إذا قعدا بطريق المشاورة في شأن الرسول عليه السلام وصحة نبوته من غير هوى وعصبية وعرض كل منهما محصول فكره على الآخر أدى النظر الصحيح إلى التصديق ويحصل العلم عن العلم.
وفي "الفتوحات المكية" قدس الله سر صاحبها الواحدة أن يقوم الواعظ من أجل الله إما غيرة وإما تعظيماً وقوله : {مَثْنَى} أي : بالله ورسوله فإنه من أطاع الرسول فقد أطاع الله فيقوم صاحب هذا المقام بكتاب الله وسنة رسوله لا عن هوى نفس ولا تعظيم كوني ولا غيرة نفسية وقوله : {وَفُرَادَى} أي : بالله خاصة أو برسوله خاصة انتهى هذا إذا علقت {مَا بِصَاحِبِكُم}
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
بمحذوف كما قدر فلا يوقف إذاً على تتفكروا ويجوز أن يكون الوقف تاماً عند تتفكروا على معنى ثم تتفكروا في أمره عليه السلام وما جاء به لتعلموا حقيقته فقوله : {مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ} استئناف مسوق من جهته تعالى للتنبيه على طريقة النظر والتأمل بأن مثل هذا الأمر العظيم الذي تحته ملك الدنيا والآخرة لا يتصدى لادعائه إلا مجنون لا يبالي بافتضاحه عند مطالبته بالبرهان وظهور عجزه أو مؤيد من عند الله مرشح للنبوة واثق بحجته وبرهانه وإذ قد علمتم أنه عليه السلام أرجح العالمين عقلاً وأصدقهم قولاً وأنزههم نفساً وأفضلهم علماً وأحسنهم عملاً وأجمعهم للكمالات البشرية وجب أن تصدقوه في دعواه فكيف وقد انضم إلى ذلك معجزات تخر لها صم الجبال {ءَانٍ} ما {هُوَ} صاحبكم {إِلا نَذِيرٌ لَّكُم} مخوف لكم بلسان ينطق بالحق {بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} أي : قدام عذاب الآخرة إن عصيتموه لأنه مبعوث في نسم الساعة أي : أولها وقربها وذلك لأن النسم النفس ومن قرب منك يصل إليك نفسه.
وفي "التأويلات النجمية" : {بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} في الدنيا والآخرة لينجيكم منه والعذاب الشديد الجهل والنكرة والجحود والإنكار والطرد واللعن من الله تعالى وفي الآخرة الحسرة والندامة والخجلة عند السؤال.
وفي بعض الأخبار : أنه عذاب من يسألهم الحق فيقع عليهم من الخجل
307
ما يقولون عنده عذبنا يا ربنا بما شئت من أنواع العقوبة ولا تعذبنا بهذا السؤال.
{قُلْ مَآ} أي : شيء {سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ} جعل على تبليغ الرسالة {فَهُوَ لَكُمْ} والمراد نفي السؤال رأساً يعني : (هي أجرى نخواهم) كقول من قال لمن لم يعطه شيئاً أن أعطيتني شيئاً فخذه.
وقال بعضهم لما نزل قوله تعالى : {قُل لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى} قال عليه السلام لمشركي مكة "لا تؤذوني في قرابتي" فكفوا عن ذلك فلما سب آلهتهم قالوا : لن ينصفنا يسألنا أن لا نؤذيه في قرابته وهو يؤذينا بذكر آلهتنا بسوء فنزل {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} إن شئتم آذوهم وإن شئتم امتنعوا {إِنْ أَجْرِىَ} أي : ما أجري وثوابي {إِلا عَلَى اللَّهِ} فإنما أطلب ثواب الله لا عرض الدنيا {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدُُ} مطلع يعلم صدقي وخلوصي نيتي.
وفيه إشارة إلى أنه من شرط دعوة الخلق إلى الله أن تكون خالصة لوجه الله لا يشوبها طمع في الدنيا والآخرة ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
زيان ميكند مرد تفسير دان
كه علم وأدب ميفروشد بنان
كجا عقل با شرع فتوى دهد
كه اهل خرد دين بدنيا دهد
(7/240)
قال الإمام الزروقي : الشهيد هو الحاضر الذي لا يغيب عنه معلوم ولا مرئي ولا مسموع ومنه عرف أن الشهيد عبد حافظ على المراقبة واتقى بعلمه ومشاهدته على غيره {قُلْ إِنَّ رَبِّى يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} القذف الرمي البعيد بنحو الحجارة والسهم ويستعار لمعنى الإلقاء والباء للتعدية أي : يلقي الوحي وينزله على من يجتبيه من عباده فالاجتباء ليس لعلة والاصطفاء ليس لحيلة أو يرمي به الباطل فيدمغه ويزيله {عَلَّـامُ الْغُيُوبِ} بالرفع صفة محمولة على محل أن واسمها أو بدل من المستكن في يقذف أو خبر ثان لأن أي : عالم بطريق المبالغة بكل ما غاب عن خلقه في السموات والأرض قولاً كان أو فعلاً أو غيرهما.
قال بعض الكبار : من أدمن ذكر يا علام الغيوب إلى أن يغلب عليه منه حال فإنه يتكلم بالمغيبات ويكشف ما في الضمائر وتترقى روحه إلى العالم العلوي ويتحدث بأمور الكائنات والحوادث.
وأيضاً هو نافع لقوة الحفظ وزوال النسيان.
وفي "التأويلات" : إنما ذكر الغيوب بلفظ الجمع لأنه عالم بغيب كل أحد وهو ما في ضمير كل أحد وأنه تعالى عالم بما يكون في ضمير أولاد كل أحد إلى يوم القيامة وإنما قال علام بلفظ المبالغة ليتناول علم معلومات الغيوب في الحالات المختلفة كما هي بلا تغير في العلم عند تغير المعلومات من حال إلى حال بحيث لا يشغله شأن حال عن حال.
{قُلْ إِنَّ رَبِّى يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّـامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَـاطِلُ وَمَا يُعِيدُ * قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَى} .
{قُلْ جَآءَ الْحَقُّ} أي : الإسلام والتوحيد {وَمَا يُبْدِئُ الْبَـاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} ابدأ الشيء فعله ابتداء (والإعادة : باز كردانيدن) والمعنى زال الشرك وذهب بحيث لم يبق أثره أصلاً مأخوذ من هلاك الحي فإنه إذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة فجعل مثلاً في الهلاك بالكلية.
ـ روى ـ ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي عليه السلام دخل مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بعود في يده ويقول : "جاء الحق وزهق الباطل قل جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعبد".
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{قُلْ إِن ضَلَلْتُ} عن الطريق الحق كما تزعمون وتقولون لقد ضللت حين تركت دين آبائك {فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَى نَفْسِى} فإن وبال ضلالي عليها لأنه بسببها إذ هي الحاملة عليه بالذات
308
والأمارة بالسوء وبهذا الاعتبار قوبل الشرطية بقوله : {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ} إلى الطريق الحق {فَبِمَا يُوحِى} فبسبب ما يوحي {إِلَىَّ رَبِّى} من الحكمة والبيان فإن الاهتداء بتوفيقه وهدايته.
وفيه إشارة إلى منشأ الضلالة نفس الإنسان فإذا وكلت النفس إلى طبعها لا يتولد منها إلا الضلالة وإن الهداية من مواهب الحق تعالى ليست النفس منشأها ولذلك قال تعالى {وَوَجَدَكَ ضَآلا فَهَدَى} (الضحى : 7) {أَنَّهُ} تعالى {سَمِيعٌ قَرِيبٌ} يعلم قول كل من المهتدي والضال وفعله وإن بالغ في إخفائهما.
قال بعض : الكبار سميع بمنطق كل ناطق قريب لكل شيء وإن كان بعيداً منه :
دوست نزديكتر از من بمن است
وين عجبتر كه من ازوى دورم
ه كنم باكه توان كفت كه او
در كنار من ومن مهجورم
قال بعضهم : السميع هو الذي انكشف كل موجود لصفة سمعه فكان مدركاً لكل مسموع من كلام.
وغيره وخاصية هذا الاسم إجابة الدعاء فمن قرأه يوم الخميس خمسمائة مرة كان مجاب الدعوة وقرب الله من العبد بمعنى أنه عند ظنه كما قال : "أنا عند ظن عبدي بي".
وقال بعضهم : هو قريب من الكل لظهوره على العموم وإن لم يره إلا أهل الخصوص لأنه لا بد للرؤية من إزالة كل شيء معترض وحائل وهي حجب العبد المضافة إلى نفسه.
وسئل الجنيد عن قرب الله من العبد فقال : هو قريب لا بالاجتماع بعيد لا بالافتراق وقال القرب يورث الحياء ولذا قال بعضهم :
نعره كمتر زن كه نزديكست يار†
يشير إلى حال أهل الشهود فإنهم يراعون الأدب مع الله في كل حال فلا يصيحون كما لا يصيح القريب للقريب وأما أهل الحجاب فلهم ذلك لأن قربهم بالهم لا بالشهود وكم من فرق بينهما.
وفي الآية إشارة إلى أنه لا يصير المرء ضالاً بتضليل الآخرة إياه فإن الضال في الحقيقة من خلق الله فيه الضلالة بسبب إعراضه عن الهدى كما أنه لا يكون كافراً بإكفار الغير إياه فإن الكافر في الحقيقة من قبل الكفر وأعرض عن الإيمان وإلى أنه لا تزر وازرة وزر أخرى وأن كل شاة معلقة برجلها أي : كل واحد مجزي بعمله لا بعمل غيره فالصالح مجزي بأعماله الصالحة وأخلاقه الحسنة ولا ضرر له من الأعمال القبيحة لغيره وكذا الفاسق مجزي بعمله السوء ولا نفع له من صالحات غيره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
هركه او نيك ميكند يابد
نيك وبد هره ميكند يابد
(7/241)
وقيل للنابغة حين أسلم أصبوت يعني آمنت بمحمد قال : بلى غلبني بثلاث آيات من كتاب الله فأردت أن أقول ثلاثة أبيات من الشعر على قافيتها فلما سمعت هذه الآية تعبت فيها ولم أطق فعلمت أنه ليس من كلام البشر وهي هذه {قُلْ إِنَّ رَبِّى يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (سبأ : 48) إلى قوله : {إِنَّه سَمِيعٌ قَرِيبٌ} (سبأ : 05).
{قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَى نَفْسِى وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِى إِلَىَّ رَبِّى إِنَّه سَمِيعٌ قَرِيبٌ * وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا ءَامَنَّا بِه وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانا بَعِيدٍ} .
{وَلَوْ تَرَى} يا محمد أو يا من يفهم الخطاب ويليق به {إِذْ فَزِعُوا} أي : حين يفزع الكفار ويخافون عند الموت أو البعث أو يوم بدر وجواب لو محذوف أي : لرأيت أمراً هائلاً وجيء بالماضي لأن المستقبل بالنسبة إلى الله تعالى كالماضي في تحققه وعن ابن عباس رضي الله عنه
309
عنهما أن ثمانين ألفاً وهم السفياني وقومه يخرجون في آخر الزمان فيقصدون الكعبة ليخربوها فإذا دخلوا البيداء وهي أرض ملساء بين الحرمين كما في "القاموس" خسف بهم فلا ينجو منهم إلا السريّ الذي يخبر عنهم وهو جهينة فلذلك قيل عند جهينة الخبر اليقين.
قال الكاشفي : (ازتمام لشكر دوكس نجات يابند يكى به بشارت بمكه برود وديكرى كه ناجى جهنى كويند روى او بر قفا كشته خبر قوم بسفياني رساند) {فَلا فَوْتَ} الفوت بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه أي : فلا فوت لهم من عذاب الله ولا نجاة بهرب أو تحصن ويدركهم ما فزعوا منه {وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} أي : من ظهر الأرض إلى بطنها أو من الموقف إلى النار أو من صحراء بدر إلى قليبها وهو البئر أن تبنى بالحجارة.
وقال أبو عبيدة : هي البئر العادية القديمة أو من تحت أقدامهم إذا خسف بهم وحيث كانوا فهم قريب من الله والجملة معطوفة على فزعوا.
{وَقَالُوا} وعند معاينة العذاب {بِه إِنَّهُ} أي : بمحمد عليه السلام لأنه مر ذكره في قوله : {مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ} فلا يلزم الإضمار قبل الذكر {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ} التناوش بالواو التناول السهل بالفارسية (كرفتن) من النوش يقال تناوش وتناول إذا مديده إلى شيء يصل إليه ومن همزه فأما أنه أبدل من الواو همزة لانضمامه نحو اقتت في وقتت وادؤر في أدور وإما أن يكون من النأش وهو الطلب كما في "المفردات" والمعنى ومن أين لهم أن يتناولوا الإيمان تناولاً سهلاً {مِن مَّكَانا بَعِيدٍ} فإن الإيمان إنما هو في حيز التكليف وهي الدنيا وقد بعد عنهم بارتحالهم إلى الآخرة وهو تمثيل حالهم في الاستخلاص بالإيمان بعد ما فات عنهم وبعد بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة وهي غاية قدر رمية كتناوله من مقدار ذراع في الاستحالة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 258
{وَقَالُوا ءَامَنَّا بِه وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانا بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِه مِن قَبْلُا وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانا بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم} .
{وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ} أي : بمحمد أو بالعذاب الشديد الذي أنذرهم إياه {مِن قَبْلُ} من قبل ذلك في وقت التكليف تابوا وقد أغلقت الأبواب وندموا وقد تقطعت الأسباب فليس إلا الخسران والندم والعذاب والألم :
فخل سبيل العين بعدك للبكا
فليس لأيام الصفاء رجوع
قال الحافظ :
وبر روى زمين باشى توانايى غنيمت دان
كه دوران ناتوانيها بسى زير زمين دارد
أي لا يقدر الإنسان على شيء إذا مات وصار إلى تحت الأرض كما كان يقدر إذا كان فوق الأرض وهو حي {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} الباء للتعدية أي : يرجمون بالظن الكاذب ويتكلمون بما لم يظهر لهم في حق الرسول من المطاعن أو في العذاب من قطع القول بنفسه كما قالوا وما نحن بمعذبين {مِن مَّكَانا بَعِيدٍ} من جهة بعيدة من حاله عليه السلام حيث ينسبونه إلى الشعر والسحر والكهانة والكذب ولعله تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئاً لا يراه من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه وهو معطوف على وقد كفروا به على حكاية الحال الماضية أو على قالوا فيكون تمثيلاً لحالهم بحال القاذف في تحصيل ما ضيعوه من الإيمان في الدنيا.
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} أي : أوقعت الحيلولة والمنع بين هؤلاء الكفار {وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} من نفع الإيمان والنجاة من النار {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ} أي : بأشياعهم من كفرة الأمم الماضية {إِنَّهُمْ كَانُوا}
310
في الدنيا {فِى شَكٍّ} مما وجب به الإيمان واليقين كالتوحيد والبعث ونزول العذاب على تقدير الإصرار {مُرِيبٍ} (بتهمت افكنده ودلرا مضطرب سازنده وشوراننده).
قال أهل التفسير مريب موقع لهم في الريبة والتهمة من أرابه إذا أوقعه في الريبة أو ذي ريبة من أراب الرجل إذا صار ذا ريبة ودخل فيها وكلاهما مجاز في الإسناد إلا أن بينهما فرقاً وهو أن المريب من الأول منقول ممن يصلح أن يكون مريباً من الأشخاص والأعيان إلى المعنى وهو الشك أي : يكون صفة من أوقع في الريب حقيقة وقد جعل في الآية صفة نفس الشك الذي هو معنى من المعاني.
والمريب من الثاني منقول من صاحب الشك إلى الشك أي : أنهم كانوا في شك ذي شك كما تقول شعر شاعر وإنما الشاعر في الحقيقة صاحب الشعر وإنما أسند الشاعرية إلى الشعر للمبالغة وإذا كان حال الكفرة الشك في الدنيا فلا ينفعهم اليقين في الآخرة لأنه حاصل بعد معاينة العذاب والخروج من موطن التكليف وقد ذموا في هذه الآيات بالشك والكفر والرجم بالغيب فليس للمرء أن يبادر إلى إنكار شيء إلا بعد العلم إما بالدليل أو بالشهود.
قال في "الفتوحات المكية" : لا يجوز لأحد المبادرة إلى الإنكار إذا رأى رجلاً ينظر إلى امرأة في الطريق مثلاً فربما يكون قاصداً خطبتها أو طبيباً فلا ينبغي المبادرة للإنكار إلا فيما لا يتطرق إليه احتمال وهذا يغلط فيه كثير من المذنبين لا من أصحاب الدين لأن صاحب الدين أول ما يحتفظ على نفسه ولا سيما في الإنكار خاصة وقد ندبنا الحق إلى حسن الظن بالناس لا إلى سوء الظن فصاحب الدين لا ينكر قط مع الظن لأنه يعلم أن بعض الظن إثم ويقول لعل هذا من ذلك البعض وإثمه أن ينطق به وإن وافق العلم في نفس الأمر وذلك أنه ظن وما علم فنطق فيه بأمر محتمل وما كان له ذلك فمعلوم أن سوء الظن بنفس الإنسان أولى من سوء ظنه بالغير وذلك لأنه من نفسه على بصيرة وليس هو من غيره على بصيرة فلا يقال في حقه إن فلاناً أساء الظن بنفسه بل إنه عالم بنفسه وإنما عبرنا بسوء الظن بنفسه اتباعاً لتعبيرنا بسوء الظن بغيره فهو من تناسب الكلام وإلى الآن ما رأيت أحداً من العلماء استبرأ لدينه هذا الاستبراء فالحمدالذي وفقنا لاستعماله انتهى كلام الشيخ في الفتوحات :
هميشه در صدد عيب جوئى خويشيم
نبوده ايم ى عيب ديكران هركز
والله الموفق لصالحات الأَمال وحسنات الأخلاق :
جزء : 7 رقم الصفحة : 258(7/242)
سورة فاطر
مكية وآيها خمس وأربعون
جزء : 7 رقم الصفحة : 310
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{الْحَمْدُ} أي : كل المحامد مختصة بالله تعالى لا تتجاوز منه إلى من سواه وهو وإن كان في الحقيقة حمد الله لذاته بذاته لكنه تعليم للعباد كيف يحمدونه.
واعلم أن الحمد يتعلق بالنعمة والمحنة إذ تحت كل محنة منحة فمن النعمة العطاس وذلك لأنه سبب لانفتاح المسام أي : ثقب الجسد واندفاع الأبخرة المحتبسة عن الدماغ الذي فيه قوة التذكر والتفكر فهو بحران الرأس كما أن العرق
311
بحران بدن المريض ولذا أوجب الشارع الحمد للعاطس.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : من سبق العاطس بالحمدوقى وجع الرأس والأضراس ومن المحنة التجشي وفي الحديث : "من عطس أو تجشا فقال : الحمدعلى كل حال دفع الله بها عنه سبعين داء أهونها الجذام".
والتجشي تنفس المعدة وبالفارسية : (بدروغ شدن) وذلك لأن التجشي إنما يتولد من امتلاء المعدة من الطعام فهو من المصائب في الدين خصوصاً إذا وقع حال الصلاة ويدل عليه أنه عليه السلام كان يقول عند كل مصيبة : "الحمدعلى كل حال" ثم رتب الحمد على نعمة الإيجاد أولاً إذ لا غاية وراءها إذ كل كمال مبني عليها فقال : {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ} إضافته محضة لأنه بمعنى الماضي فهو نعت للاسم الجليل ومن جعلها غير محضة جعله بدلاً منه وهو قليل في المشتق والمعنى مبدعهما وخالقهما ابتداء من غير مثال سبق من الفطر بالفتح بمعنى الشق أو الشق طولاً كما ذهب إليه الراغب كأنه شق العدم بإخراجهما منه والفطر بالكسر ترك الصوم وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما كنت أدري ما فاطر السموات حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها أي : ابتدأت حفرها قال المبرد فاطر خالق مبتدىء ، ففيه إشارة إلى أن أول كل شيء تعلقت به القدرة سموات الأرواح وأرض النفوس وأما الملائكة فقد خلقت بعد خلق أرواح الإنسان ويدل عليه تأخير ذكرهم كما قال : {جَاعِلِ الملائكة رُسُلا} إضافته محضة أيضاً على أنه نعت آخر للاسم الجليل ورسلاً منصوب بجاعل واسم الفاعل بمعنى الماضي وإن كان لا يعمل عند البصريين إلا معرفاً باللام إلا أنه بالإضافة أشبه باللام فعمل عمله فالجاعل بمعنى المصير والمراد بالملائكة جبرائيل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل والحفظة ونحوهم.
ويقال : لم ينزل إسرافيل على نبي إلا على محمد صلى الله عليه وسلّم نزل فأخبره بما هو كائن إلى يوم القيامة ثم عرج.(7/243)
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
وفي "إنسان العيون" : نزل عليه ستة أشهر قبل نبوته فكان عليه السلام يسمع صوته ولا يرى شخصه.
والرسل جمع رسول بمعنى المرسل والمعنى مصير الملائكة وسائط بينه تعالى وبين أنبيائه والصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة.
قال بعض الكبار : الإلقاء إما صحيح أو فاسد فالصحيح إلهيّ رباني متعلق بالعلوم والمعارف أو ملكي روحاني وهو الباعث على الطاعة وعلى كل ما فيه صلاح ويسمى إلهاماً والفاسد نفساني وهو ما فيه حظ النفس ويسمى هاجساً أو شيطاني وهو ما يدعو إلى معصية ويسمى وسواساً {أُوْلِى أَجْنِحَةٍ} صفة لرسلاً وأولوا بمعنى أصحاب اسم جمع لذو كما أن أولاء اسم جمع لذا وإنما كتبت الواو بعد الألف حالتي الحر والنصب لئلا يلتبس بإلى حرف الجر وإنما كتبوه في الرفع حملاً عليهما.
والأجنحة جمع جناح بالفارسية (روبال) {مَّثْنَى وَثُلَـاثَ وَرُبَـاعَ} صفات لأجنحة فهي في موضع خفض ومعناها اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة أي : ذوي أجنحة متعددة متفاوتة في العدد حسب تفاوت مالهم من المراتب ينزلون بها من السماء إلى الأرض ويعرجون أو يسرعون بها فإن ما بين السماء والأرض وكذا ما بين السموات مسيرة خمسمائة سنة وهم يقطعونها في بعض الأحيان في وقت واحد ففي تعدد الأجنحة إشارة إلى كمالية استعداد بعض الملائكة على بعض والمعنى أن من الملائكة خلقاً لكل منهم جناحان
312
وخلقاً لكل منهم ثلاثة وخلقاً آخر لكل منهم أربعة.
قال الكاشفي : (مثنى دو دو براى طيران وثلاث سه سه ورباع هار هار براى آرايش) انتهى.
ـ وروي ـ أن صنفاً من الملائكة له ستة أجنحة بجناحين منها يلفون أجسادهم وبآخرين منها يطيرون فيما أمروا به من جهته تعالى وجناحان منها مرخيان على وجوههم حياء من الله تعالى ويفهم من كلام بعضهم أن الطيران بكل الأجنحة كما قال عرف تعالى إلى العباد بأفعاله وندبهم إلى الاعتبار بها فمنها ما يعلمونه معاينة من السماء والأرض وغيرهما ومنها ما سبيل إثباته الخبر والنقل لا يعلم بالضرورة ولا بدليل العقل فالملاكة منه ولا يتحقق كيفية صورتهم وأجنحتهم وأنهم كيف يطيرون بأجنحتهم الثلاثة والأربعة لكن على الجملة يعلم كمال قدرته وصدق حكمته انتهى.
ـ وروي ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه رأى جبريل ليلة المعراج وله ستمائة جناح منها اثنان يبلغان من المشرق إلى المغرب ودل هذا وكذا كل ما فيه زيادة على الأربع أنه تعالى لم يرد خصوصية الأعداد ونفي ما زاد عليها.
وذكر السهيلي أن المراد بالأجنحة في حق الملائكة صفة ملكية وقوة روحانية وليست كأجنحة الطير ولا ينافي ذلك وصف كل جناح منها بأنه يسد ما بين المشرق والمغرب هذا كلامه كما في "إنسان العيون".
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
يقول الفقير : لا يجوز العدول عن الظاهر مع إمكان الحمل على الحقيقة وقد تظاهرت الروايات الدالة على إثبات الأجنحة للملائكة وإن لم تكن كأجنحة الطير من حيث أن الله تعالى باين بين صور المخلوقات والملائكة وإن كانوا روحانيين لكن لهم أجسام لطيفة فلا يمنع أن يكون للأجسام أجنحة جسمانية كما لا يمنع أن يكون للأرواح أجنحة روحانية نورانية كما ثبت لجعفر الطيار رضي الله عنه.
والحاصل أن المناسب لحال العلويين أن يكونوا طائرين كما أن المناسب لحال السفليين أن يكونوا سائرين ومن أمعن النظر في خلق الأرض والجو عرف ذلك ويؤيد ما قلنا أن البراق وإن كان في صورة البغل في الجملة لكنه لما كان علوياً أثبت له الجناح نعم أن الأجنحة من قبيل الإشارة إلى القوة الملكية والإشارة لا تنافي العبارة هذا.
وفي "كشف الأسرار" وردت في عجائب صور الملائكة أخبار يقال : إن حملة العرش لهم قرون وهم في صورة الأوعال يعني : (بزان كوهى) وفي الخبر "إن في السماء ملائكة نصفهم ثلج ونصفهم نار تسبيحهم يا من يؤلف بين الثلج والنار ألف بين قلوب المؤمنين" وقيل لم يجمع الله في الأرض لشيء من خلقه بين الأجنحة والقرون والخراطيم والقوائم إلا وضعف خلقه وهو البعوض وفيه أيضاً (هرندكه فرشتكان مقربان دركاه عزت اند وطاوسان حضرت با اين مرتبت خاكيان مؤمنان برايشان شرف دارند) كما قال عليه السلام : "المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده" فالملائكة وإن طاروا من الأرض إلى السماء في أسرع وقت فأهل الشهود طاروا إلى ما فوق السماء في لمحة بصر فلهم أجنحة من العقول السليمة والألباب الصافية والتوجهات المسرعة والجذبات المعجلة اجتهدوا بقوله عليه السلام : "لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل" :
بربساط بوريا سير دو عالم ميكنيم
باوجود نى سوارى برق جولانيم ما
313
ون باوج حق ريم عاجز شود ازما ملك
كرد باد لا مكانى طرفه سيرانيم ما
(7/244)
{يَزِيدُ} الله تعالى يعني : (زياده ميكند ومى افزايد) فإن زاد مشترك بين اللازم والمتعدي وليس في اللغة أزاد {فِى الْخَلْقِ} في أي : خلق كان من الملائكة وغيرهم فاللام للجنس والخلق بمعنى المخلوق {مَا يَشَآءُ} كل ما يشاء أن يزيده بموجب مشيئته ومقتضى حكمته من الأمور التي لا يحيط بها الوصف فليس تفاوت أحوال الملائكة في عدد الأجنحة وكذا تفاوت أحوال غيرهم في بعض الأمور تستدعيه ذواتهم بل ذلك من أحكام المشيئة ومقتضيات الحكم وذلك لأن اختلاف الأصناف بالخواص والفصول بالأنواع إن كان لذواتهم المشتركة لزم تنافي لوازم الأمور المتفقة وهو محال.
والآية متناولة لزيادات الصور والمعاني.
فمن الأولى حسن الصورة خصوصاً الوجه قيل ما بعث الله نبياً إلا حسن الشكل وكان نبينا عليه السلام أملح يعني : (بر يوسف عليه السلام مليحتر وشيرين تر بود) فمن قال كان أسود يقتل كما في "هدية المهديين" إلا أن لا يريد التقبيح بل الوصف بالسمرة والأسود العرب كما أن الأحمر العجم كما قال عليه السلام : "بعثت إلى الأسود والأحمر".
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
آن سيه رده كه شيرينىء عالم با اوست†
ومنها ملاحة العينين واعتدال الصورة وسهولة اللسان وطلاقته وقوة البطش والشعر الحسن والصوت الحسن وكان نبينا عليه السلام طيب النغمة وفي الحديث " أشد أذناً للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب قينة إلى قينته" أي : من استماع مالك جارية مغنية أريد هنا المغنية وفي الحديث "زينوا القرآن بأصواتكم" أي : اظهروا زينته بحسن أصواتكم وإلا فجل كلام الخالق أن يزينه صوت مخلوق ورخص تحصين الصوت والتطريب ما لم يتغير المعنى بزيادة أو نقصان في الحروف.
نانكه ميرود از جاى دل بوقت سماع
هم از سماع بمأواى خود كند رواز
خدايرا حدىء عاشقانه سركن
كه بى حدى نشود قطع راه دور ودراز
ومنها حسن الخط وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم "الخط الحسن يزيد الحق وضحاً" وهو بالفتح الضوء والبياض وفي الحديث "عليكم بحسن الخط فإنه من مفاتيح الرزق".
يقول الفقير : حسن الخط مما يرغب فيه الناس في جميع البلاد فاستكمال صنعة الكتابة من الكمالات البشرية وإن كانت من الزيادات لا من المقاصد وقد يتعيش بعض الفقراء بمنافع قلمه ولا يحتاج إلى الغير فتكون المنةعلى كل حال :
برو بحسن خطت دل فراغ كن يارا
ز تنكدستى مبر شكوه اهل دنيارا
ومن الثانية كمال العقل وجزالة الرأى وجراءة القلب وسماحة النفس وغير ذلك من الزيادات المحمودة (در حقايق سلمى آورده كه تواضع در اشراف وسخا در اغنيا وتعفف درفقرا وصدق در مؤمنان وشوق در محبان.
إمام قشيري فرموده كه علوهمت است همت عالى كسى را دهدكه خود خواهد) فالمراد بعلو الهمة التعلق بالمولى لا بالدنيا والعقبى.
همايى ون تو عالى قدر حرص استخوان حيفست
دريغا سايه همت كه برنا اهل افكندى
314
ويقال : يزيد في الجمال والكمال والدمامة.
يقول الفقير : هذا المعنى لا يناسب مقام الامتنان كما لا يخفى على أهل الإذعان {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} بليغ القدرة على كل شيء ممكن وهو تعليل بطريق التحقيق للحكم المذكور فإن شمول قدرته تعالى لجميع الأشياء مما يوجب قدرته على أن يزيد كل ما يشاؤه إيجاباً بيناً فقد أبان سبحانه أن قدرته شاملة لكل شيء ومن الأشياء الإنقاذ من الشهوات والإخراج من الغفلات والإدخال في دائرة العلم والشهود الذي هو من باب الزيادات فمن استعجز القدرة الإلهية فقد كفر ألا ترى إلى حال إبراهيم بن أدهم حيث تجلى الله له بجمال اللطف الصوري أولاً وأعطاه الجاه والسلطنة ثم منّ له باللطف المعنوي ثانياً حيث أنقذه من حبس العلاقات وخلصه من أيدي الكدورات وشرفه بالوصول إلى عالم الإطلاق والدخول في حرم الوفاق.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
ـ حكي ـ أنه كان سبب خروج إبراهيم بن أدهم عن أهله وماله وجاهه ورياسته وكان من أبناء الملوك أنه خرج يوماً يصطاد فأثار ثعلباً ثم أرنباً فبينما هو في طلبه إذ هتف به هاتف ألهذا خلقت أم بهذا أمرت ثم هتف به من قربوس سرجه والله ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت فنزل عن مركوبه وصادف راعياً لأبيه فأخذ جبة الراعي من صوف فلبسها وأعطاه فرسه وما معه ثم دخل البادية وكان من شأنه ما كان.
(7/245)
ـ وحكي ـ أن الشيخ أبا الفوارس شاهين بن شجاع الكرماني رضي الله عنه خرج للصيد وهو ملك كرمان فأمعن في الطلب حتى وقع في برية مقفرة وحده فإذا هو بشاب راكب على سبع وحوله سباع فلما رأته ابتدرت نحوه فزجرها الشاب عنه فلما دنا إليه سلم عليه وقال له : يا شاه ما هذه الغفلة عن الله اشتغلت بدنياك عن آخرتك وبلذتك وهواك عن خدمة مولاك إنما أعطاك الله الدنيا لتستعين بها على خدمته فجعلتها ذريعة إلى الاشتغال عنه فبينما الشاب يحدثه إذ خرجت عجوز بيدها شربة ماء فناولتها الشاب فشرب ودفع باقيها إلى الشاه فشربه فقال : ما شربت شيئاً الذّ منه ولا أبرد ولا أعذب ثم غابت العجوز فقال الشاب : هذه الدنيا وكلها الله إلى خدمتي فما احتجت إلى شيء إلا أحضرته إليّ حين يخطر ببالي أما بلغك أن الله تعالى لما خلق الدنيا قال لها : يا دنيا من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه فلما رأى ذلك تاب وكان منه ما كان فهذان الملكان بالكسر صارا ملكين بالفتح بقدرة الله تعالى فجاء في حقهما يزيد في الخلق ما يشاء والله الموفق.
{مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَه مِنا بَعْدِه وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يا اأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَـالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِا لا إله إِلا هُوَا فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} ما شرطية في محل النصب بيفتح.
والفتح في الأصل إزالة الاغلاق وفي العرف الظفر ولما كان سبباً للإرسال والاطلاق استعير له بقرينة لا مرسل له مكان الفاتح.
وفي "الإرشاد" عبر عن إرسالها بالفتح إيذاناً بأنها أنفس الخزائن وأعزها منالاً وتنكيرها للإشاعة والإبهام أي : أي شيء يفتح الله من خزائن رحمته أية رحمة كانت من نعمة وصحة وعلم وحكمة إلى غير ذلك وبالفارسية (آنكه بكشايد خداى براى مردمان وفرستد بديشان از بخشايش خويش ون نعمت وعافيت وصحت) {فَلا مُمْسِكَ لَهَا} أي : لا أحد من المخلوقات يقدر على إمساكها وحبسها فإنه لا مانع لما أعطاه.
قيل : الفتح ضربان : فتح الهي وهو النصرة بالوصول إلى العلوم والهدايات التي هي ذريعة إلى الثواب والمقامات
315
المحمودة فذلك قوله : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} (الفتح : 1) وقوله : {فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} (المائدة : 52) والثاني فتح دنيوي وهو النصرة في الوصول إلى اللذات البدنية وذلك قوله : {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} وقوله : {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِ} (الأعراف : 96) {وَمَا يُمْسِكْ} أي : أي شيء يمسكه ويحبسه ويمنعه {فَلا مُرْسِلَ لَهُ} أي : لا أحد من الموجودات يقدر على إرساله وإعطائه فإنه لا معطي لما منعه.
واختلاف الضمير بالتذكير والتأنيث لما أن مرجع الأول مفسر بالرحمة ومرجع الثاني مطلق في كل ما يمسكه من رحمته وغضبه.
ففي التفسير الأول وتقييده بالرحمة إيذان بأن رحمته سبقت غضبه أي : في التعلق وإلا فهما صفتانتعالى لا تسبق إحداهما الأخرى في ذاتهما {مِّنا بَعْدِهِ} على تقدير المضاف أي : من بعد إمساكه ومنعه كقوله : {فَمَن يَهْدِيهِ مِنا بَعْدِ اللَّهِ} أي : من بعد هداية الله {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي من جملتها الفتح والإمساك فلا أحد ينازعه {الْحَكِيمُ} الذي يفعل ما يشاء حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان النبي عليه السلام يقول في دبر الصلاة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" وهو بالفتح الحظ والإقبال في الدنيا أي : لا ينفع الفتى المحظوظ حظه منك أي : بدل طاعتك وإنما ينفع العمل والطاعة.
وعن معاذ رضي الله عنه مرفوعاً "لا تزال يد الله مبسوطة على هذه الأمة ما لم يرفق خيارهم بشرارهم ويعظم برّهم فاجرهم ويعن قراؤهم أمراءهم على معصية الله فإذا فعلوا نزع الله يده عنهم".
صاحب "كشف الأسرار" (كويد أرباب فهم بدانندكه اين آيت درباب فتوح مؤمنان وارباب عرفانست وفتوح آنرا كويند كه ناجسته وناخواسته آيد وآن دوقسمت يكى مواهب صوريه ون رزق نا مكتسب وديكر مطالب معنويه وآن علم لدنيست نا آموخته).
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
دست لطفش منبع علم وحكم
بى قلم بر صفحه دل زد رقم
علم اهل دل نه از مكتب بود
بلكه از تلقين خاص رب بود
فعلى العاقل أن يجتهد حتى يأتي رزقه الصوري والمعنوي بلا جهد ومشقة وتعب.
(7/246)
ـ روي ـ عن الشيخ أبي يعقوب البصري رضي الله عنه أنه قال جعت مرة في الحرم عشرة أيام فوجدت ضعفاً فحدثتني نفسي أن أخرج إلى الوادي لعلي أجد شيئاً يسكن به ضعفي فخرجت فوجدت سلجمة مطروحة فأخذتها فإذا برجل جاء فجلس بين يديّ ووضع قمطرة وقال هذه لك فقلت كيف خصصتني بها؟ فقال : اعلم إنا كنا في البحر منذ عشرة أيام فأشرفت السفينة على الغرق فنذر كل واحد منا نذراً إن خلصنا الله أن يتصدق بشيء ونذرت أنا إن خلصني الله أن أتصدق بهذه على أول من يقع عليه بصري من المجاورين وأنت أول من لقيته قلت : افتحها ففتحها فإذا فيها كعك ممصر ولوز مقشر وسكر كعاب فقبضت قبضة من ذا وقبضة من ذا وقلت : ردّ الباقي إلى صبيانك هدية مني إليهم وقد قبلتها ثم قلت في نفسي رزقك يسير إليك منذ عشرة أيام وأنت تطلبه في الوادي.
316
صائب فريب نعمت الوان نمى خوريم
روزىء خود زخوان كرم ميخوريم ما
وقال :
كشاد عقده روزى بدست تقديراست
مكن ز رزق شكايت ازين وآن زنهار
اللهم افتح لنا خير الباب وارزقنا مما رزقت أولى الألباب إنك مفتح الأبواب.
يا اأَيُّهَا النَّاسُ} عامة فاللام للجنس أو يا أهل مكة خاصة فاللام للعهد {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} نعمه رسمت بالتاء في أحد عشر موضعاً من القرآن ووقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب أي : إنعامه عليكم إن جعلت النعمة مصدراً وكائنة عليكم إن جعلت اسماً أي : راعوها واحفظوها بمعرفة حقها والاعتراف بها وتخصيص العبادة والطاعة بمعطيها سواء كانت نعمة خارجة كالمال والجاه أو نعمة بدنية كالصحة والقوة أو نعمة نفسية كالعقل والفطنة ولما كان ذكر النعمة مؤدياً إلى ذكر المنعم قال بطريق الاستفهام الإنكاري {هَلْ مِنْ خَـالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} أي : هل خالق مغاير له تعالى موجود أي : لا خالق سواه على أن خالق مبتدأ محذوف الخبر زيدت عليه من تأكيدا للعموم وغير الله نعت له باعتبار محله كما أنه نعت له في قراءة الجر باعتبار لفظه.
قال في "الأسئلة المقحمة" : أي : حجة فيها على المعتزلة الجواب أنه تعالى أخبر بأن لا خالق غيره وهم يقولون : نحن نخلق أفعالنا وقوله من صلة وذلك يقتضي غاية النفي والانتفاء {يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِ} أي : المطر من السماء والنبات من الأرض وهو كلام مبتدأ لا محل له من الإعراب ولا مساغ لكونه صفة أخرى لخالق لأن معناه نفي وجود خالق موصوف بوصفي المغايرة والرازقية معاً من غير تعرق لنفي وجود ما اتصف به المغايرة فقط ولا لكونه خبراً للمبتدأ لأن معناه نفي رازقية خالق مغاير له من غير تعرض لنفي وجوده رأساً مع أنه المراد حتماً وفائدة هذا التعريف أنه إذا عرف أنه لا رازق غيره لم يعلق قلبه بأحد في طلب شيء ولا يتذلل للإنفاق لمخلوق وكما لا يرى رزقه من مخلوق لا يراه من نفسه أيضاً فيتخلص من ظلمات تدبيره واحتياله وتوهم شيء من أمثاله وأشكاله ويستريح بشهود تقديره.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
قال شيخي وسندي روّح الله روحه من بعض تعليقاته يا مهموماً بنفسه كنت من كنت لو ألقيتها إلينا وأسقطت تدبيرها وتركت تدبيرك لها واكتفيت بتدبيرنا لها من غير منازعة في تدبيرنا لها لاسترحت جعلنا الله وإياكم هكذا بفضله آمين {لا إله إِلا هُوَ} وإذا تبين تفرده تعالى بالألوهية والخالقية والرازقية {فَأَنَّى} فمن أي : وجه {تُؤْفَكُونَ} تصرفون عن التوحيد إلى الشرك وعن عبادته إلى عبادة الأوثان فالفاء لترتيب إنكار عدولهم عن الحق إلى الباطل على ما قبلها.
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الامُورُ * يا اأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّا فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} .
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} أي : وإن استمر المشركون على أن يكذبوك يا محمد فيما بلغت إليهم فلا تحزن واصبر {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ} أولوا شأن خطير وذووا عدد كثير {مِّن قَبْلِكَ} فصبروا وظفروا {وَإِلَى اللَّهِ} لا إلى غيره {تُرْجَعُ الامُورُ} من الرجع وهو الرد أي : ترد إليه عواقبها فيجازي كل صابر على صبره وكل مكذب على تكذيبه.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلّم وأولياء أمته وتسهيل الصبر على الأذية إذا علم أن الأنبياء عليهم السلام استقبلهم مثل ما استقبله وأنهم لما صبروا كفاهم علم أنه يكفيه بسلوك
317
(7/247)
سبيلهم والاقتداء بهم وليعلم أرباب القلوب أن حالهم مع الأجانب من هذه الطريقة كأحوال الأنبياء مع السفهاء من أممهم وأنهم لا يقبلون منهم إلا القليل من أهل الإرادة وقد كان أهل الحقائق أبداً منهم في مقاساة الأذية ولا يتخلصون إلا بستر حالهم عنهم والعوام أقرب إلى هذه الطريقة من القراء المتقشفين والعلماء الذين هم لهذه الأصول منكرون وإقرار المقرين وإنكار المنكرين ليس يرجع إليهم بل يرجع إلى تقدير عليم حكيم يعلم المبدأ والمعاد ويدبر على وفق إرادته الأحوال.
فعلى العاقل أن يختار طريق العشق والإقرار وإن كان فيه الأذى والملامة ويجتنب عن طريق النفي والإنكار وإن كان فيه الراحة والسلامة فإن ذرة من العشق خير للعاشقين من كثير من أعمال العابدين قال الحافظ :
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
هرند غرق بحر كناهم ز صد جهت
كر آشناى عشق شوم غرق رحمتم
وطريق العشق هو التوحيد وإثبات الهوية بالتفريد كما قال : {لا إله إِلا هُوَ} وهو كناية عن موجود غائب والغائب عن الحواس الموجود في الأزل هو الله تعالى وهو ذكر كل من المبتدى والمنتهى أما المبتدي ففي حقه غيبة لأنه من أهل الحجاب وأما المنتهى ففي حقه حضور لأنه من أهل الكشف فلا يشاهد إلا الهوية المطلقة وهو مركب في الحس من حرفين وهما : "ه و" وفي العقل من حرفين أيضاً وهما "اى" فكانت حروفه في الحس والعقل أربعة لتدل على الإحاطة التربيعية التي هي إحاطة هو الأول : والآخر والظاهر والباطن ولما كانت الأولية والآخروية اعتبارين عقليين دل عليهما بالألف والياء ولما كانت الظاهرية والباطنية اعتبارين حسيين دل عليهما بالهاء والواو فألف هو غيب في هائه وياؤه غيب في واوه.
واعلم أن الذكر خير من الجهاد فإن ثواب الغزو والشهادة في سبيل الله حصول الجنة والذاكر جليس الحق تعالى كما قال : "أنا جليس من ذكرني" وشهود الحق أفضل من حصول الجنة ولذلك كانت الرؤية بعد حصول الجنة وشرط الذكر الحضور بالقلب والروح وجميع القوى.
حضور قلب ببايدكه حق شود مشهود
وكرنه ذكر مجرد نمى دهد يك سود
يا اأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} بالبعث والجزاء {حَقٌّ} ثابت لا محالة لا خلف فيه.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن كل ما وعد به الله من الثواب والعقاب والدرجات في الجنة والدركات في النار والقربات في أعلى عليين وفي مقعد صدق عند مليك مقتدر والبعد إلى أسفل سافلين حق فإذا علم ذلك استعد للموت قبل نزول الموت ولم يهتم للرزق ولم يتهم الرب في كفاية الشغل ونشط في استكثار الطاعة ورضي بالمقسوم {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا} بأن يذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها وتقطعكم زينتها وشهواتها عن الرياضات والمجاهدات وترك الأوطان ومفارقة الإخوان في طريق الطلب والمراد نهيهم عن الاغترار بها وإن توجه النهي صورة إليها.
وفي بعض الآثار "يا ابن آدم لا يغرنك طول المهلة فإنما يعجل بالأخذ من يخاف الفوت".
وعن العلاء بن زياد رأيت الدنيا في منامي قبيحة عمشاء ضعيفة عليها من كل زينة فقلت : من أنت أعوذ بالله منك فقالت : أنا الدنيا فإن سرك أن يعيذك الله مني فابغض الدراهم يعني لا تمسكها عن النفقة في موضع الحق وفي الحديث :
318
"الدنيا غنيمة الأكياس وغفلة الجهال" وذلك لأن الأكياس يزرعون في مزرعة الدنيا أنواع الطاعات فيغتنمون بها يوم الحصاد بخلاف من جهل أن الدنيا مزرعة الآخرة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
نكه دار فرصت كه عالم دميست
دمى يش دانا به از عالميست
دل اندر دلارام دنيا مبند
كه ننشست باكس كه دل برنكند
{وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ} وكرمه وعفوه وسعة رحمته {الْغَرُورُ} فعول صيغة مبالغة كالشكور والصيور وسمي به الشيطان لأنه لا نهاية لغروره ، بالفارسية : (فريفتن).
وفي "المفردات" الغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين وبالدنيا لما قيل الدنيا تغر وتضر وتمر.
والمعنى ولا يغرنكم بالله الشيطان المبالغ في الغرور بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعاصي قائلاً اعملوا ما شئتم إن الله غفور يغفر الذنوب جميعاً وأنه غني عن عبادتكم وتعذيبكم فإن ذلك وإن أمكن لكن تناول الذنوب بهذا التوقع من قبيل تناول السم اعتماداً على دفع الطبيعة فالله تعالى وإن كان أكرم الأكرمين مع أهل الكرم لكنه شديد العقاب مع أهل العذاب (بزركان فرموده اندكه يكى مصائد ابليس تسويفست در توبه يعني توبه بنده را در تأخير افكند كه فرصت باقيست عشرت نقد از دست مده) :
امشب همه شب يار ومى وشاهد باش
ون روز شود توبه كن وزاهد باش
(عاقل بايدكه بدين فريب ازراه نرود وازنكته "الفرصة تمر مر السحاب" غافل نكردد).
عذر فاردا فكندى عمر فرداراكه ديد†
(7/248)
يا اأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّا فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَـانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَه لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَـابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} .
{إِنَّ الشَّيْطَـانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} عداوة قديمة بما فعل بأبيكم ما فعل لا تكاد تزول وتقديم لكم للاهتمام به {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} بمخالفتكم له في عقائدكم وأفعالكم وكونكم على حذر منه في جميع أحوالكم (از بزركى رسيدندكه كونه شيطانرا دشمان كيريم كفت از ى آرزو مرويد ومتابع هواى نفس مشويد وهره كنيد بايدكه موافق شرع ومخالف طبع بود) فلا تكفي العداوة باللسان فقط بل يجب أن تكون بالقلب والجوارح جميعاً ولا يقوى المرء على عداوته إلا بملازمة الذكر ودوام الاستعانة بالرب فإن من هجم عليه كلاب الراعي يشكل عليه دفعها إلا أن ينادي الراعي فإنه يطردها بكلمة منه {إِنَّمَا يَدْعُوا} الشيطان {حِزْبَهُ} جماعته واتباعه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
قال في "التأويلات" : حزبه المعرضون عن الله المشتغلون بغير الله {لِيَكُونُوا} أي : حزبه {مِنْ أَصْحَـابِ السَّعِيرِ} يعني : (جزاين نيست كه مى خواند شيطان باتباع هوى وميل بدنيا كروه خودرا يعني ى روان وفرمان بردارنرا تا باشند در آخرت با آواز ياران آتش يعني ملازمان دوزخ).
قال في "الإرشاد" : تقرير لعداوته وتحذير من طاعته بالتنبيه على أن غرضه في دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى ملاذ الدنيا ليس تحصيل مطالبهم ومنافعهم الدنيوية كما هو مقصد المتحابين في الدنيا عند سعي بعضهم في حاجة بعض بل هو توريطهم وإلقاؤهم في العذاب المخلد من حيث لا يحتسبون.
{الَّذِينَ كَفَرُوا} أي : ثبتوا على الكفر بما وجب به الإيمان وأصروا عليه {لَهُمْ} بسبب كفرهم وإجابتهم لدعوة الشيطان
319
{عَذَابٌ شَدِيدٌ} معجل ومؤجل.
فمعجله تفرقة قلوبهم وانسداد بصائرهم وخساسة همتهم حتى أنهم يرضون بأن يكون معبودهم الأصنام والهوى والدنيا والشيطان.
ومؤجله عذاب الآخرة وهو مما لا تخفى شدته وصعوبته {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا} ثبتوا على الإيمان واليقين {وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ} أي : الطاعات الخالصةتحصيلاً لزيادة نور الإيمان {لَهُمْ} بسبب إيمانهم وعملهم الصالح الذي من جملته عداوة الشيطان {مَّغْفِرَةٌ} عظيمة وهي في المعجل ستر ذنوبهم ولولا ذلك لافتضحوا وفي المؤجل محوها من ديوانهم ولولا ذلك لهلكوا {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} لا غاية له وهو اليوم سهولة العبادة ودوام المعرفة وما يناله في قلبه من زوائد اليقين وخصائص الأحوال وأنواع المواهب وفي الآخرة تحقيق المسؤول ونيل ما فوق المأمول.
قيل : مثل الصالحين وما زينهم الله به دون غيرهم مثل جند قال لهم الملك : تزينوا للعرض عليّ غداً فمن كانت زينته أحسن كانت منزلته عندي أرفع ثم يرسل الملك في السر بزينة عنده ليس عند الجند مثلها إلى خواص مملكته وأهل محبته فإذا تزينوا بزينة الملك فخروا على سائر الجند عند العرض على الملك فالله تعالى وفقهم للأعمال الصالحة وزينهم بالطاعات الخالصة وحلاهم بالتوجهات الصافية بتوفيقه الخاص قصداً إلى الاصطفاء والاختصاص فميزهم بها في الدنيا عن سائرهم وبأجورها العظيمة في الآخرة لمفاخرهم فليحمد الله كثيراً من استخدمه الله واستعمله في طريق طاعته وعبادته فإن طريق الخدمة قلّ من يسلكه خصوصاً في هذا الزمان وسبيل العشق ندر من يشرع فيها من الإخوان ، قال الحافظ :
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
نشان اهل خدا عاشقيست باخود دار
كه در مشايخ شهر اين نشان نمى بينم
ولله عباد لهم قلوب الهموم عمارتها والأحزان أوطانها والعشق والمحبة قصورها وبروجها.
أحبك حبين حب الهوى
وحباً لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى
فذكر شغلت به عن سواكا
وأما الذي أنت أهل له
فكشفك للحجب حتى أراكا
لا حمد في ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
نسأل الله سبحانه أن يعمر قلوبنا بأنواع العمارات ويزين بيوت بواطننا بأصناف الإرادات ويحشرنا مع خواص عباده الذين لهم أجر كبير وثواب جزيل ويشرفنا بمطالعة أنوار وجهه الجميل إنه الرجو في الأول والآخر والباطن والظاهر.
(7/249)
{الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * أَفَمَن زُيِّنَ لَه سُواءُ عَمَلِه فَرَءَاهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُا فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُا بِمَا يَصْنَعُونَ * وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَـاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَـاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ} (التزيين : آراستن) {سُواءُ عَمَلِهِ} أي : قبيح عمله بالفارسية (زشت وبد) {فَرَءَاهُ حَسَنًا} فظنه جميلاً لأن رأى إذا عدّى إلى مفعولين اقتضى معنى الظن والعلم والمعنى أبعد تباين عاقبتي الفريقين يكون من زين له الكفر من جهة الشيطان فانهمك فيه كمن استقبحه واجتنبه واختار الإيمان والعمل الصالح أي : لا يكون فحذف ما حذف لدلالة ما سبق عليه {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ} إلى آخره تقرير له وتحقيق للحق ببيان أن الكل بمشيئة الله تعالى أي : فإنه تعالى يضل {مَن يَشَآءُ} أن يضله لاستحسانه الضلال وصرف اختياره إليه فيرده إلى أسفل سافلين {وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ} أن يهديه لصرف اختياره إلى الهدى فيرفعه إلى أعلى عليين
320
{فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} الفاء للسببية فإن ما سبق سبب للنهي عن التحسر.
والذهاب المضيّ وذهاب النفس كناية عن الموت.
والحسرة شدة الحزن على ما فات والندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه وقوله : حسرات مفعول له والجمع للدلالة على تضاعف اغتمامه عليه السلام على أحوالهم أو على كثرة قبائح أعمالهم الموجبة للتأسف والتحسر وعليهم صلة تذهب كما يقال هلك عليه حباً ومات عليه حزناً ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته والمعنى إذا عرفت أن الكل بمشيئة الله فلا تهلك نفسك للحسرات على غيهم وإصرارهم والغموم على تكذيبهم وإنكارهم ، وبالفارسية : (س بايدكه نرود جان تو يعني هلاك نشود براى حسرتهاى متوالى كه مى خورى وتأسفهاى كونا كون كه دارى برفعلهاى ناخوش ايشان كه هريك مقتضى حسرت است) فقد بذلت لهم النصح وخرجت عن عهدة التبليغ فلا مشقة لك من بعد وإنما المشقة عليهم في الدنيا والآخرة لأنهم سقطوا عن عينك ومن سقط عن عينك فقد سقط عن عين الله فلا يوجد أحد يرحمه {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ} بليغ العلم {بِمَا يَصْنَعُونَ} يفعلون من القبائح فيجازيهم عليها جزاء قبيحاً فإنهم وإن استحسنوا القبائح لقصور نظرهم فالقبيح لا يكون حسناً أبداً.
واعلم أن الكافر يتوهم أن عمله حسن كما قال تعالى : {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (الكهف : 104) ثم الراغب في الدنيا يجمع حلالها وحرامها ولا يتفكر في زوالها ولا في ارتحاله عنها قبل كمالها فقد زين له سوء عمله.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
شد قواى جمله اجزاى جسمت درفنا
باهزاران آرزو دست وكريبانى هنوز
ثم الذي يتوهم أنه إذا وجد نجاته ودرجاته في الجنة فقد استراح واكتفى فقد زين له سوء عمله حيث تغافل عن حلاوة مناجاة ربه فإنها فوق نعيم الجنان.
ما ييم وهمين عاشقي ولذت ديدار
زاهد تو برو در طلب خلد برين باش
فمن زين له الدنيا بشهواتها ليس كمن زين له العقبى بدرجاتها ومن زين له نعيم العقبى ليس كمن زين له جمال المولى أي : لا يستوي هذا وذاك فاصرف إلى الأشهى هواك والله تعالى هو مبدأ كل حسن فمن وصل إليه حسن بحسن ذاته وصفاته وأفعاله وأعماله ومن وجده وجد كل شيء ومن لم يجده لم يجد شيئاً وإن وجد الدنيا كلها (نقلست كه ابراهيم بن أدهم قدس سره روزى برلب دجله نشسته بود خرقه مى دوخت سوزنش بدريا افتد يكى ازو رسيد كه ملك نان از دست دادى ه يافتى اشارت بدريا كرد كه سوزنم بدهيد قرب هزار ما هى ازدريا بر آمدند هر يكى سوزن زرين برلب كرفته كفت سوزن من خواهم ما هيكه ضعيف بر آمد وسوزن او آورد بستد وكفت كمترين يزى كه يافتم اين است باقى تو ندانى) فهذا من ثمرات الهداية الخاصة ونتائج النيات الخالصة والأعمال الصالحة وحسن الحال مع الله تعالى ولا يحصل إلا لمن أخذ الأمر من طريقه فأصلح الطبيعة في مرتبة الشريعة والنفس في مرتبة الطريقة وحسن ما حسنه الشرع والعقل السليم وقبح ما قبحه كل منهما فأما أصحاب الأهواء والبدع فقد زين لهم سوء أعمالهم
321
ونياتهم من جهة الشيطان فضلوا طريق الهدى والسنة نسأل الله سبحانه أن يجعلنا على صراطه المستقيم الذي سلكه أهل الدين القويم ويهدينا إلى الأعمال الحسنة ويحلينا بالأخلاق المستحسنة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
(7/250)
{وَاللَّهُ} وحده وهو مبتدأ خبره قوله {الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَـاحَ} الإرسال في القرآن على معنيين : الأول بمعنى (فرستادن) كما في قوله تعالى : {إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ} .
والثاني بمعنى (فرو كشادن) كما في قوله تعالى : {أَرْسَلَ الرِّيَـاحَ} .
وفي "المفردات" : الإرسال يقال في الإنسان وفي الأشياء المحبوبة والمكروهة وقد يكون ذلك للتسخير كإرسال الريح والمطر وقد يكون ببعث من له اختيار نحو إرسال الرسل وقد يكون ذلك بالتخلية وترك المنع نحو {أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَـاطِينَ عَلَى الْكَـافِرِينَ} (مريم : 83) والإرسال يقابل الإمساك.
والرياح : جمع ريح بمعنى الهواء المتحرك أصله روح ولذا يجمع على أرواح وأما أرياح قياساً على رياح فخطأ.
قال صاحب "كشف الأسرار" (الله است كه فرو كشايد بتقدير وتدبير خويش بهنكام دربايست وباندازه دربايست بادهاى مختلف از مخارج مختلف) أراد بها الجنوب والشمال والصبا فإنها رياح الرحمة لا الدبور فإنها رياح العذاب أما الجنوب فريح تخالف الشمال مهبها من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا وأما الشمال بالفتح ويكسر فمهبها بين مطلع الشمس وبنات النعش أو من مطلع الشمس إلى مسقط النسر الطائر ولا تكاد تهب ليلاً وأما الصبا فمهبها من جانب المشرق إذا استوى الليل والنهار سميت بها لأنها تصبو إليها النفوس أي : تميل ويقال لها القبول أيضاً بالفتح لأنها تقابل الدبور أو لأنها تقابل باب الكعبة أو لأن النفس تقبلها {فَتُثِيرُ سَحَابًا} تهيجه وتنشره بين السماء والأرض لإنزال المطر فإنه مزيد ثار الغبار إذا هاج وانتشر ساطعاً.
قال في "تاج المصادر" (الإثارة : برانكيختن كرد وشورانيدن زمين وميغ آوردن باد) والسحاب جسم يملأه الله ماء كما شاء وقيل بخار يرتفع من البحار والأرض فيصيب الجبال فيستمسك ويناله البرد فيصير ماء وينزل وأصل السحب الجر كسحب الذيل والإنسان على الوجه ومنه السحاب لجره الماء وصيغة المضارع مع مضي أرسل وسقنا لحكاية الحال الماضية استحضاراً لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال القدرة والحكمة ولأن المراد بيان إحداثها لتلك الخاصية ولذلك أسند إليها {فَسُقْنَـاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ} السوق بالفارسية (راندن) والبلد المكان المحدود المتأثر باجتماع قطانه وإقامتهم فيه ولاعتبار الأثر قيل : بجلده بلد أي : أثر والبلد الميت هو الذي لا نبت فيه قد أغبر من القحط.
قال الراغب : الموت يقال بإزاء القوة النامية الموجودة في النبات ومقتضى الظاهر فساقه أي : ساق الله ذلك السحاب وأجراه إلى الأرض التي تحتاج إلى الماء وقال فسقناه إلى بلد التفاتاً من الغيبة إلى التكلم دلالة على زيادة اختصاصه به تعالى وأن الكل منه والوسائط أسباب وقال إلى بلد ميت بالتنكير قصداً به إلى بعض البلاد الميتة وهي بلاد الذين تبعدوا عن مظان الماء
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{فَأَحْيَيْنَا} الفاآت الثلاث للسببية فإن ما قيل كل واحدة منها سبب لمدخولها غير أن الأولى دخلت على السبب بخلاف الأخيرتين فإنهما دخلتا على المسبب {بِهِ} أي : بالمطر النازل من السحاب المدلول عليه بالسحاب فإن بينهما تلازماً في الذهن كما في الخارج أو بالسحاب فإنه سبب السبب {الارْضِ} أي : صيرناها
322
خضراء بالنبات {بَعْدَ مَوْتِهَا} أي : يبسها {كَذَالِكَ النُّشُورُ} الكاف في حيز الرفع على الخبرية أي : مثل ذلك الإحياء الذي تشاهدونه إحياء الموتى وإخراجهم من القبور يوم الحشر في صحة المقدورية وسهولة التأتي من غير تفاوت بينهما أصلاً سوى الألف في الأول دون الثاني فالآية احتجاج على الكفرة في إنكارهم البعث حيث دلهم على مثال يعاينونه.
وعن أبي رزين العقيلي قال : قلت يا رسول الله كيف يحيي الموتى؟ قال : "أما مررت بواد ممحلاً ثم مررت به خضراً" قلت : بلى قال : "فكذلك يحيي الله الموتى" أو قال : "كذلك النشور".
وقال بعضهم في آية كذلك النشور أي : في كيفية الإحياء فكما أن إحياء الأرض بالماء فكذا إحياء الموتى كما روي أن الله تعالى يرسل من تحت العرش ماء كمني الرجال فينبت به الأجساد كنبات البقل ثم يأمر إسرافيل فيأخذ الصور فينفخ نفخة ثانية فتخرج الأرواح من ثقب الصور كأمثال النحل وقد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الله : ليرجعن كل روح إلى جسده فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد ثم تدخل في الخياشيم فتمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض فيخرجون حفاة عراة.
وفي الآية إشارة إلى أنه تعالى من سنته إذا أراد إحياء أرض يرسل الرياح فتثير سحاباً ثم يوجه ذلك السحاب إلى الموضع الذي يريد تخصيصاً له كيف يشاء أو يمطرها هنالك كيف يشاء كذلك إذا أراد إحياء قلب عبد يرسل أولاً رياح الرجاء ويزعج بها كوامن الإرادة ثم ينشىء فيه سحاب الاحتياج ولوعة الإنزعاج ثم يأتي بمطر الجود فينبت به في القلب أزهار البسط وأنوار الروح ويطيب لصاحبه العيش والحضور.
يا رب از ابر هدايت برسان بارانى
(7/251)
يشتر زانكه و كردى زمان برخيزم
المقصود طلب الهداية الخاصة إلى الفيض الإلهي الذي يحصل عند الفناء التام.
{وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَـاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَـاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الارْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَالِكَ النُّشُورُ * مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُه وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌا وَمَكْرُ أولئك هُوَ يَبُورُ * وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{مَن كَانَ} (هركه باشد) {يُرِيدُ الْعِزَّةَ} الشرف والمنعة بالفارسية : (ارجمندى).
قال الراغب : العز حالة مانعة للإنسان من أن يغلب من قولهم أرض عزاز أي : صلبة والعزيز الذي يقهر ولا يقهر والعزة يمدح بها تارة كما قال تعالى : {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِه وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون : 8) ويذم بها أخرى كعزة الكافرين وذلك أن العزة التيولرسوله وللمؤمنين هي الدائمة الباقية وهي العزة الحقيقية والعزة التي للكافرين هي التعزز وهو في الحقيقة ذل والمراد بما في الآية المشركون المتعززون بعبادة الأصنام والمنافقون المتعززون بالمشركين {فَلِلَّهِ} وحده لا لغيره {الْعِزَّةَ} حال كونها {جَمِيعًا} أي : عزة الدنيا وعزة الآخرة لا يملك غيره شيئاً منها أي : فليطلبها من عنده تعالى بطاعته وتقواه لا من عند غيره فاستغنى عن ذكره بذكر دليله إيذاناً بأن اختصاص العزة به تعالى موجب لتخصيص طلبها به تعالى ونظيره قولك من أراد العلم فهو عند العلماء أي : فليطلبه من عندهم لأن الشيء لا يطلب إلا عند صاحبه ومالكه فقد أقمت الدليل مقام المدلول وأثبت العزة في آية أخرىولرسوله وللمؤمنين وجه الجمع بينهما أن عز الربوبية والإلهيةتعالى وصفاً وعز الرسول وعز المؤمنين له فعلاً ومنة وفضلاً فإذا العزةجميعاً.
قال الكاشفي : (وبعزة أو رسول ومؤمنان متعززند عزت در موافقت اوست ومذلت در مخالفت او).
323
عزيزي كه هركه از درش سر بتافت
بهر دركه شد هي عزت نيافت
وفي الحديث "إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز" ثم بين ما يطلب به العزة وهو الإيمان والعمل الصالح فقال : {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} الضمير إلى الله تعالى وهو الظاهر.
والصعود الذهاب في المكان العالي استعير لما يصل من العبد إلى الله كما استعير النزول لما يصل من الله إلى العبد.
والكلم بكسر اللام جنس كنمر كما ذهب إليه الجمهور ولذا وصف بالمذكر لا جمع كلمة كما ذهب إليه البعض وأصل الطيب الذي به يطلب العزة لا إلى الملائكة الموكلين بأعمال العباد فقط وهو يعز صاحبه ويعطي مطلوبه بالذات.
وقال بعضهم : الكلم يتناول الدعاء والاستغفار وقراءة القرآن والذكر من قوله : "سبحان الله والحمدولا إله إلا الله والله أكبر" ونحو ذلك مما كان كلاماً طيباً.
وقيل : إليه يصعد أي : إلى سمائه ومحل قبوله وحيث يكتب الأعمال المقبولة لا إلى الله كما قال : {إِنَّ كِتَـابَ الابْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ} (المطففين : 18) وقال الخليل : {إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ} (الصافات : 99) أي : ذاهب إلى الشام الذي أمرني بالذهاب إليه.
فالظاهر أن الكتبة يصعدون بصحيفته إلى حيث أمر الله أن توضع أو يصعد هو بنفسه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
قال بعض الكبار : بعض الأعمال ينتهي إلى سدرة المنتهى وبعضها يتعدى إلى الجنة وبعضها إلى العرش وبعضها يتجاوز العرش إلى عالم المثال وقد يتعدى من عالم المثال إلى اللوح ثم إلى المقام القلمي ثم إلى العماء وذلك بحسب تفاوت مراتب العمال في الصدق والإخلاص وصحة التصوير والشهود والعيان.
فعلى هذا فبعض الأعمال يتجاوز السماء وعالم الأجسام كلها فيكون محل قبوله ما فوقها مما ذكر فسدر الانتهاآت إذاً كثيرة بعضها فوق بعض إلى مرتبة العماء نسأل الله قبول الأعمال وصحت توجه البال وقوة الحال {وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُ} الرفع يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها وتارة في البناء إذا طولته وتارة في الذكر إذا نوهته وتارة في المنزلة إذا شرفتها كما في "المفردات".
وفي مرجع المستكن في يرفعه وجوه :
الأول : أنه للكلم فإن العمل لا يقبل إلا بالتوحيد ويؤيده القراءة بنصب العمل يعني أن التوحيد يصعد بنفسه ويرفع العمل الصالح بأن يكون سبباً لقبوله ألا ترى أن أعمال الكفار مردودة محبطة لوجود الشرك.
(7/252)
والثاني : أنه للعمل فإنه يحقق الإيمان ويقويه ولا ينال الدرجات العالية إلا به كما في "الإرشاد".
وقال الشيخ : التوحيد إنما قبل بسبب الطاعة إذ هو مع العصيان لا ينفع أي : لا يمنع العقاب والأولى ما في "الإرشاد" فإن الأعمال كالمراقي وقول بلا عمل كثريد بلا دسم وسحاب بلا مطر وقوس بلا وتر.
وقال الكاشفي في الآية : (وعمل شايسته برميدارد آنرا وبمحل قبول ميرساند ه مجرد قول بي عمل صالح كه اخلاصست نافع نيست.
يا كلم طيب دعاست وعمل صالح صدقه مساكين ودرغالب اجابت دعوات بتصدقاتست.
يا كلم طيب دعاى ائمه است وعمل تأمين جماعيتان.
يا كلم تكبير غزاست وعمل شمشير زدن.
يا كلم استغفاراست وعمل ندم ودرين همه صور بردارنده كلمه عمل است).
والثالث أنهتعالى يعني يتقبله.
قال ابن عطية : وهذا أرجح الأقوال وتخصيص العمل بهذا الشرف على هذا الوجه لما فيه من الكلفة.
وقال في "حل الرموز" : قالوا : كلمة "لا إله إلا الله
324
محمد رسول الله" تصعد إلى الله بنفسها وغيرها من الأذكار والأعمال ترفعها الملائكة كما قال تعالى : {وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُ} أي : يرفعه الحق ويقبله على أيدي الملائكة من الحفظة والسفرة وقد روي أن دعوة اليتيم وكذا دعوة المظلوم تصعد إلى الله بنفسها أي : من غير ملائكة.
وفيه معنى آخر وهو أن يرفعه بمعنى يجعله ذا قدر وقيمة مثل ثوب رفيع ومرتفع يعني : (قدر ومرتبه او رفيع سازد مراد عمل موحد مخلص است كه هي يزى بقيمت آن نيست وكاريرا كه بآن آميخته باشد ازهمه يزى خوارتر وبى مقدار تراست) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
كرت بيخ اخلاص در يوم نيست
ازين در كسى ون تو محروم نيست
زر قلب آلوده بى قيمت است
زريرا كه خالص بود حرمت است
وفي "التأويلات النجمية" : بقوله : {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ} يشير إلى أن الإنسان خلق ذليلاً مهيناً محتاجاً إلى كل شيء ولا يحتاج شيء إلى شيء كاحتياج الإنسان إلى الأشياء كلها ولا يحتاج إلى كل شيء إلا الإنسان والذلة قرين الحاجة فمن ازدادت حاجته ازدادت مذلته {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} لعدم احتياجه وكل شيء ذليل له لاحتياجه إليه فكلما كان احتياج الإنسان كاملاً كان ذله كاملاً فقال تعالى : {كَمَن كَانَ} إلى آخره أي : لا يطلب العزة من غير الله لأنه ذليل أيضاًفبقدر قطع النظر عن الأشياء وطلب العزة منها تنقص ذلة العبد وتزيد عزته إلى أن لا يبقى له الاحتياج إلى غير الله ولا يزول الاحتياج والافتقار إلى غير الله من القلوب إلا بنفي لا إله وإثبات إلا الله فبالنفي تنقطع تعلقاته عن الكونين وبالاثبات يتوجه بالكلمة إلى الحق تعالى فإذا لم يبق له تعلق ترجع حقيقة الكلمة إلى الحضرة كما أن النار تستنزل من الفلك الأثير باصطكاك الحجر والحديد ثم يوقد بها شجرة فالنار تأكل الشجرة وتفنيها من الحطبية وتبقيها بالنارية إلى أن تفنى الشجرة بالكلية فلما لم يبق من وجود الحطب شيء ترجع النار إلى الأثير وهذا سرّ قول الله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُ} والعمل الصالح هو أركان الشريعة فأول ركن منها كمال استنزال نار نور الله من أثير الحضرة باصطكاك حديد "لا إله إلا الله" وحجر القلب القاسي فلما وقعت النار في شجرة الوجود الإنساني عمل العبد بركن من الأركان الخمسة التي بنى الإسلام عليها والأركان الأربعة الباقية هي العمل الصالح الذي يقلع أصل الشجرة من أرض الدنيا ويقطعها قطعاً تستعد به لقبولها النار واشتعالها بالنار واحتراقها بها لتقع النار إلى أن تحترق الشجرة بالكلية وترفع بالعبور عن الشجرة إلى أثير الحضرة ولما كانت الشجرة مشتعلة بتلك النار آنس موسى عليه السلام من جانب الطور ناراً فلما أتاها نودي من شاطىء الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة على لسان الشعلة {إِنِّى أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَـالَمِينَ} (القصص : 30) تأمله تفهم إن شاء الله تعالى
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة.
وفي "القاموس" : المكر الخديعة وهذا بيان لحال الكلم الخبيث والعمل السيء وأهلهما بعد بيان حال الكلم الطيب والعمل الصالح وانتصاب السيآت على أنها صفة للمصدر المحذوف فإن يمكر لازم لا ينصب المفعول به أي : يمكرون المكرات السيآت وهي مكرات قريش بالنبي عليه السلام في دار الندوة وتدارؤهم الرأي في إحدى الثلاث التي هي
325
(7/253)
الإثبات والقتل والإخراج كما حكى الله عنهم في سورة الأنفال بقوله : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} (الأنفال : 30) {لَهُمْ} بسبب مكراتهم {عَذَابٌ شَدِيدٌ} في الدنيا والآخرة لا يدرك غايته ولا يبالي عنده بما يمكرون به {وَمَكْرُ أُولَئكَ} المفسدين الذين أرادوا أن يمكروا به عليه السلام.
وضع اسم الإشارة موضع ضميرهم للإيذان بكمال تميزهم بما هم فيه من الشر والفساد عن سائر المفسدين واشتهارهم بذلك {هُوَ} خاصة دون مكر الله بهم.
وفي "الإرشاد" لا من مكروا به {يَبُورُ} يهلك ويفسد فإن البوار فرط الكساد ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كما قيل كسد حتى فسد عبر بالبوار عن الهلاك والفساد ولقد أبارهم الله تعالى إبارة بعد إبارة مكراتهم حيث أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم الثلاث التي اكتفوا في حقه عليه السلام بواحدة منهن قل كل يعمل على شاكلته.
فللمكر السيء قوم أشقياء غاية أمرهم الهلاك وللكلم الطيب والعمل الصالح قوم سعداء نهاية شأنهم النجاة.
قال مجاهد وشهر بن حوشب : المراد بالآية أصحاب الرياء.
وفي "التأويلات النجمية" : بقوله : {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} يشير إلى الذين يظهرون الحسنات بالمكر ويخفون السيآت من العقائد الفاسدة ليحسبهم الخلق من الصالحين الصادقين {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} وشدة عذابهم في تضعيف عذابهم فإنهم يعذبون بالسيآت التي يخفونها ويضاعف لهم العذاب بمكرهم في إظهار الحسنات دون حقيقتها كما قال تعالى : {وَمَكْرُ أولئك هُوَ يَبُورُ} أي : مكرهم يبوّرهم ويهلكهم انتهى وإنما تظهر الكرامات بصدق المعاملات.
قال أبو يزيد البسطامي قدس سره : (كفت شبى خانه بوشن كشت كفتم اكرشيطانست من ازان عزيز ترم وبلندهمت كه اورا در من طمع افتد واكر از نزديك تست بكذار تا ازسراى خدمت بسراى كرامت رسم) فالخدمة في طريق الحق بالخلوص وسيلة إلى ظهور الأنوار وانكشاف الأسرار.
وقد قيل : ليس الإيمان بالتمني يعني لا بد للتصديق من مقارنة العمل ولا بد لتحقيق التصديق من صدق المعاملة فمن وقع في التمني المجرد فقد اشتهى جريان السفينة في البر.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
كر همه علم عالمت باشد
بى عمل مدعى وكذابى
حفظنا الله وإياكم من ترك المحافظة على الشرائع والأحكام وشرفنا بمراعاة الحدود والآداب في كل فعل وكلام إنه ميسر كل مراد ومرام.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ} دليل آخر على صحة البعث والنشور أي : خلقكم ابتداء من التراب في ضمن خلق آدم خلقاً إجمالياً لتكونوا متواضعين كالتراب.
وفي الحديث "إن الله جعل الأرض ذلولاً تمشون في مناكبها وخلق بني آدم من التراب ليذلهم بذلك فأبوا إلا نخوة واستكباراً ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر".
وقال بعضهم من تراب تقبرون وتدفنون فيه.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنكم أبعد شيء من المخلوقات إلى الحضرة لأن التراب أسفل المخلوقات وكثيفها فإن فوقه ماء وهو ألطف منه وفوق الماء هواء وهو ألطف منه وفوق الهواء أثير وهو ألطف من الهواء وفوق الأثير السماء وهي ألطف من الأثير ولكن لا تشبه
326
لطافة السماء بلطافة ما تحتها من العناصر لأن لطافة العناصر من لطافة الأجسام ولطافة السموات من لطافة الأجرام.
فالفرق بينهما أن لطافة الأجسام تقبل الخرق والالتئام ولطافة السموات لا تقبل الخرق والالتئام وفوق كل سماء سماء هي ألطف منها إلى الكرسي وهو ألطف من السموات وفوقه العرش وهو ألطف من الكرسي وفوقه عالم الأرواح وهو ألطف من العرش ولكن لا تشبه لطافة الأرواح بلطافة العرش والسموات لأنها لطافة الأجرام فالفرق بينهما أن لطافة الأجرام قابلة للجهات الست ولطافة الأرواح غير قابلة للجهات وفوق الأرواح هو الله القاهر فوق عباده وهو ألطف من الأرواح ولكن لطافته لا تشبه لطافة الأرواح لأن لطافة الأرواح نورانية علوية محيطة بما دونها إحاطة العلم بالمعلوم والله تعالى فوق كل شيء وهو منزه عن هذه الأوصاف ليس كمثله شيء وهو السميع البصير العليم {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} النطفة هي الماء الصافي الخارج من بين الصلب والترائب قل أو كثر أي : ثم خلقكم من نطفة خلقاً تفصيلياً لتكونوا قابلين لكل كمال كالماء الذي هو سر الحياة ومبدأ العناصر الأربعة.
وقال بعضهم : خلقكم من تراب يعني آدم وهو أصل الخلق ثم من نطفة ذرية منه التناسل والتوالد.(7/254)
وفي "التأويلات" : يشير إلى أنه خلقكم من أسفل المخلوقات وهي النطفة لأن التراب نزل دركة المركبية ثم دركة النباتية ثم دركة الحيوانية ثم دركة الإنسانية ثم دركة النطفة فهي أسفل سافلي المخلوقات وهي آخر خلق خلقه الله تعالى من أصناف المخلوقات كما أن أعلى الشجرة آخر شيء يخلقه الله هو البذر الذي يصلح أن توجد منه الشجرة فالبذر آخر صنف خلق من أصناف أجزاء الشجرة {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} أصنافاً أحمر وأبيض وأسود أو ذكراناً وإناثاً.
وعن قتادة جعل بعضكم زوجاً لبعض.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
وفي "التأويلات" : يشير إلى ازدواج الروح والقالب فالروح من أعلى مراتب القرب والقالب من أسفل دركات البعد فبكمال القدرة والحكمة جمع بين أقرب الأقربين وأبعد الأبعدين ورتب للقالب في ظاهره الحواس الخمس وفي باطنه القوى البشرية ورتب للروح المدركات الروحانية ليكون بالروح والقالب مدركاً لعوالم الغيب والشهادة كلها وعالماً بما فيها خلافة عن حضرة الربوبية عالم الغيب والشهادة :
آدمي شاه وكائنات سا
مظهر كل خليفة الله
{وَمَا} نافية {تَحْمِلُ} (برنكيرد يعني ازفرزند) {مِنُهُمُ اثْنَىْ} (هي زنى) من مزيدة لاستغراق النفي وتأكيده والأنثى خلاف الذكر ويقالان في الأصل اعتباراً بالفرجين كما في "المفردات" {وَلا تَضَعُ} (وننهد آنه درشكم اوست يعني نزايد) {إِلا} حال كونها ملتبسة {بِعِلْمِهِ} تابعة لمشيئته.
قال في "بحر العلوم" : بعلمه في موضع الحال والمعنى ما يحدث شيء من حمل حامل ولا وضع واضع إلا وهو عالم به يعلم مكان الحمل ووضعه وأيامه وساعاته وأحواله من الخداج والتمام والذكورة والأنوثة وغير ذلك {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} ما نافية (والتعمير : عمر دادن) والمعمر من أطيل عمره ويقال للمعمر ابن الليالي.
وقوله من معمر أي : من أحد ومن زائدة لتأكيد النفي كما في من أنثى وإنما سمي معمراً باعتبار مصيره يعني هو من باب
327
تسمية الشيء بما يأول إليه والمعنى وما يمد في عمر أحد وما يطول وبالفارسية : (وزندكانى داده نشود هي درازى عمرى) {وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} العمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قرأه من عمره بجزم الميم وهما لغتان مثل نكر ونكر والضمير راجع إلى المعمر والنقصان من عمر المعمر محال فهو من التسامح في العبارة ثقة بفهم السامع فيراد من ضمير المعمر ما من شأنه أن يعمر على الاستخدام والمعنى لا ينقص من عمر أحد لكن لا على معنى لا ينقص من عمره بعد كونه زائداً بل على معنى لا يجعل من الابتداء ناقصاً وبالفارسية : (وكم كرده نشود از عمر معمرى ديكر يعني كه يعمر معمر اول نرسد) {إِلا فِى كِتَـابٍ} أي : اللوح أو علم الله أو صحيفة كل إنسان {إِنَّ ذَالِكَ} المذكور من الخلق وما بعده مع كونه محاراً للعقول والأفهام {عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} لاستغنائه على الأسباب فكذلك البعث.
وفي "بحر العلوم" : إن ذلك إشارة إلى أن الزيادة والنقص على الله يسير لا يمنعه منه مانع ولا يحتاج فيه إلى أحد.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
واعلم أن الزيادة والنقصان في الآية بالنسبة إلى عمرين كما عرفت وإلا فمذهب أكثر المتكلمين وعليه الجمهور أن العمر يعني عمر شخص واحد لا يزيد ولا ينقص.
وقيل : الزيادة والنقص في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت في اللوح مثل أن يكتب فيه إن حج فلان فعمره ستون وإلا فأربعون فإذا حج فقد بلغ الستين وقد عمر وإذا لم يحج فلا يجاوز الأربعين فقد نقص من عمره الذي هو الغاية وهو الستون وكذا إن تصدق أو وصل الرحم فعمره ثمانون وإلا فخمسون وإليه أشار عليه السلام بقوله : "الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان في الأعمار" وفي الحديث "إن المرء ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فينسئه الله إلى ثلاثين سنة وإنه ليقطع الرحم وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيرده الله إلى ثلاثة أيام" وفي الحديث "بر الوالدين يزيد في العمر والكذب ينقص الرزق والدعاء يرد القضاء".
قال بعض الكبار : لم يختلف أحد من علماء الإسلام في أن حكم القضاء والقدر شامل لكل شيء ومنسحب على جميع الموجودات ولوازمها من الصفات والأفعال والأحوال وغير ذلك.
فما الفرق بين ما نهى النبي عليه السلام عن الدعاء فيه كالأرزاق المقسومة والآجال المضروبة وبين ما حرّض عليه كطلب الإجارة من عذاب النار وعذاب القبر ونحو ذلك.
(7/255)
فاعلم أن المقدورات على ضربين : ضرب يختص بالكليات وضرب يختص بالجزئيات التفصيلية فالكليات المختصة بالإنسان قد أخبر عليه السلام أنها محصورة في أربعة أشياء وهي : العمر والرزق والأجل والسعادة أو الشقاوة وهي لا تقبل التغير فالدعاء فيها لا يفيد كصلة الرحم إلا بطريق الفرض يعني لو أمكن أن يبسط في الرزق ويؤخر في الأجل لكان ذلك بالصلة والصدقة فإن لهما تأثيراً عظيماً ومزاية على غيرهما ويجوز فرض المحال إذا تعلق بذلك الحكمة قال تعالى : {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـانِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَـابِدِينَ} وأما الجزئيات ولوازمها التفصيلية فقد يكون ظهور بعضها وحصوله للإنسان متوقفاً على أسباب وشروط ربما كان الدعاء والكسب والسعي والعمل من جملتها بمعنى لم يقدّر حصوله بدون الشرط أو الشروط.
وقال ابن الكمال : أما الذي يقتضيه النظر الدقيق فهو أن المعمر الذي قدر له العمر الطويل يجوز أن يبلغ حد ذلك العمر وأن لا يبلغه
328
فيزيد عمره على الأول وينقص على الثاني ومع ذلك لا يلزم التغيير وذلك لأن المقدر لكل شخص إنما هو الأنفاس المعدودة لا الأيام المحدودة والأعوام المعدودة ولا خفاء في أن أيام ما قدر من الأنفاس تزيد وتنقص بالصحة والحضور والمرض والتعب فافهم هذا السر العجيب حتى ينكشف لك سر اختيار بعض الطوائف حبس النفس ويتضح وجه كون الصدقة والصلة سبباً لزيادة العمر انتهى.
وقيل المراد من النقص ما يمر من عمره وينقص فإنه يكتب في الصحيفة عمره كذا وكذا سنة ثم يكتب تحت ذلك ذهب يوم ذهب يومان وهكذا حتى يأتي على آخره كما قال ابن عباس رضي الله عنهما إن الله تعالى جعل لكل نسمة عمراً تنتهي إليه فإذا جرى عليه الليل والنهار نقص من عمره بالضرورة وقد قيل : نقصان العمر صرفه إلى غير مرضاة الله تعالى قال الحافظ قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
فداى دوست نكرديم عمر ومال دريغ
كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
وقال :
اوقات خوش آن بودكه بادوست بسر رفت
باقي همه بى حاصلي وبي خبري بود
وقال المولى الجامي قدس سره :
هردم از عمر كرامي هست كنج بى بدل
ميرود كنج نين هر لحظه برباد آه آه
وقال الشيخ سعدي قدس سره :
هردم از عمر ميرود نفسي
ون نكه ميكنم نمانده بسى
عمر برفست وآفتاب تموز
اندكه ماندو خواجه غره هنوز
أيقظنا الله وإياكم.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِه وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِه إِلا فِى كِتَـابٍا إِنَّ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ هَـاذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآاـاِغٌ شَرَابُه وَهَـاذَا مِلْحٌ أُجَاجٌا وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِه وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لاجَلٍ مُّسَمًّى ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُا وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِه مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} .
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ} أصل البحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير ويقال للمتوسع في العلم بحر.
وفي "القاموس" البحر الماء الكثير عذباً أو ملحاً.
وقال بعضهم : البحر في الأصل يقال للملح دون العذب فقوله : وما يستوي البحران الخ إنما سمي العذب بحراً لكونه مع الملح كما يقال للشمس والقمر قمران.
قال في إخوان الصفا : فإن قيل ما البحار؟ يقال هي مستنقعات على وجه الأرض حاصرة للمياه المجتمعة فيها {هَـاذَا} البحر {عَذْبٌ} طيب بالفارسية (شيرين) {فُرَاتٌ} بليغ عذوبته بحيث يكسر العطش.
وقال في "تاج المصادر" : (الفروتة : خوش شدن آب) والنعت فعال ويقال للواحد والجمع {سَآاـاِغٌ شَرَابُهُ} سهل انحدار مائه في الحلق لعذوبته فإن العذب لكونه ملائماً للطمع تجذبه القوة الجاذبة لسهول.
والسائغ بالفارسية (كوارنده) يقال ساغ الشراب سهل مدخله والشراب ما شرب والمراد هنا الماء {وَهَـاذَا} البحر الآخر {مِلْحٌ} (تلخست).
قال في "المفردات" : الملح الماء الذي تغير طعمه التغير المعروف وتجمد ويقال له ملح إذا تغير طعمه وإن لم يتجمد فيقال ماء ملح وقلما تقول العرب مالح ثم استعير من لفظ الملح الملاحة فقيل : رجل مليح {أُجَاجٌ} شديد ملوحته بحيث يحرق بملوحته وهو نقيض الفرات.
قال في "خريدة العجائب" : الحكمة في كون ماء البحر ملحاً أجاجاً لا يذاق ولا يساغ لئلا ينتن من تقادم الدهور والأزمان وعلى ممرّ الأحقاب والأحيان فيهلك من نتنه العالم الأرضي ولو كان عذباً
329
(7/256)
لكان كذلك ألا ترى إلى العين التي بها ينظر الأنسان الأرض والسماء والعالم والألوان وهي شحمة مغمورة في الدمع وهو ماء مالح والشحم لا يصان إلا بالملح فكان الدمع مالحاً لذلك المعنى انتهى.
وأما الأنهار العظيمة العذبة فلجريانها دائماً لم يتغير طعمها ورائحتها فإن التغير إنما يحصل من الوقوف في مكان {وَمِن كُلٍّ} أي : من كل واحد من البحرين المختلفين طعماً {تَأْكُلُونَ} أيها الناس {لَحْمًا طَرِيًّا} غضاً جديداً من الطراء (والطراوة بالفارسية : ميخوريد كوشتى تازه يعني ماهى) وصف السمك بالطراوة وهي بالفارسية : (تازه شدن) لتسارع الفساد إليه فيسارع إلى أكله طرياً ومضى باقي النقل في سورة النحل
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{وَتَسْتَخْرِجُونَ} أي : من المالح خاصة ولم يقل منه لأنه معلوم {حِلْيَةً} زينة أي : لؤلؤاً ومرجاناً.
وفي "الأسئلة المقحمة" أراد بالحلية اللآلي واللآلي إنما تخرج من ملح أجاج لا من عذب فرات فكيف أضافها إلى البحرين والجواب قد قيل : إن اللآلي تخرج من عذب فرات وفي الملح عيون من ماء عذب ينعقد فيه اللؤلؤ والمرجان انتهى قال في "الخريدة" : اللؤلؤ يتكون في بحر الهند وفارس والمرجان ينبت في البحر كالشجر وإذا كلس المرجان عقد الزئبق فمنه أبيض ومنه أحمر ومنه أسود وهو يقوي العين كحلاً وينشف رطوبتها {تَلْبَسُونَهَا} أي : تلبس تلك الحلية نساؤكم ولما كان تزينهن بها لأجل الرجال فكأنها زينتهم ولباسهم ولذا أسند إليهم وفي الحديث "كلم الله البحرين فقال للبحر الذي بالشام يا بحر إني قد خلقتك وأكثرت فيك من الماء وإني حامل فيك عباداً لي يسبحونني ويحمدونني ويهللونني ويكبرونني فما أنت صانع بهم؟ قال : أغرقهم قال الله تعالى فإني أحملهم على ظهرك وأجعل بأسك في نواصيك" وقال للبحر الذي باليمن "إني قد خلقتك وأكثرت فيك الماء وإني حامل فيك عباداً يسبحونني ويحمدونني ويهللونني ويكبرونني فما أنت صانع بهم؟ قال : أسبحك وأحمدك وأهللك وأكبرك معهم وأحملهم على ظهري قال الله تعالى فإني أفضلك على البحر الآخر بالحلية والطري" كذا في "كشف الأسرار" {وَتَرَى الْفُلْكَ} السفينة {فِيهِ} أي : في كل منهما وأفراد ضمير الخطاب مع جمعه فيما سبق وما لحق لأن الخطاب لكل أحد يأتي منه الرؤية دون المنتفعين بالبحرين فقط {مَوَاخِرَ} يقال سفينة ماخرة إذا جرت تشق الماء مع صوت والجمع المواخر كما في "المفردات" والمعنى شواق للماء بجريها مقبلة ومدبرة بريح واحدة {لِتَبْتَغُوا} (تا طلب كنيد) واللام متعلق بمواخر {مِّن فَضْلِهِ} أي : من فضل الله تعالى بالنقلة فيها.
قال في "بحر العلوم" ابتغاء الفضل التجارة وهي أعظم أسباب سعة الرزق وزيادته قال عليه السلام : "تسعة أعشار رزق أمتي في البيع والشراء" {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي : ولتشكروا على ذلك الفضل وحرف الترجي للإيذان بكونه مرضياً عنده تعالى.
وفي "بحر العلوم" وكي تعرفوا نعم الله فتقوموا بحقها سيما أنه جعل المهالك سبباً لوجود المنافع وحصول المعايش.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
واعلم أن الله تعالى ذكر هذه الآية دلالة على قدرته وبياناً لنعمته.
وقال بعضهم : ضرب البحر العذب والملح مثلاً للمؤمن والكافر فكما لا يستوي البحران في الطعم فكذا المؤمن والكافر (يكى ازحلاوت ايمان عين عذب عرفانست وديكر از مرارت عصيان بحر اجاج كفر وطغيان آن آب
330
(7/257)
حيات آمد واين نقش سرابست اين عين خطا باشد وآن محض صوابست) فقوله : ومن كل الخ إما استطراد في صفة البحرين وما فيهما من النعم والمنافع أو تفضيل للأجاج على الكافر من حيث أنه يشارك العذب في منافع كثيرة كالسمك وجرى الفلك ونحوهما والكافر خلا من المنافع بالكلية على طريقة قوله تعالى : {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنا بَعْدِ ذَالِكَ فَهِىَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةًا وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الانْهَـارُا وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُا وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (البقرة : 74) ورحم الله أبا الليث حيث قال في تفسيره ومن كل يظهر شيء من الصلاح يعني يلد الكافر المسلم مثل ما ولد الوليد بن المغيرة خالد بن الوليد وأبو جهل عكرمة ابن أبي جهل.
والإشارة بالبحر العذب إلى الروح وصفاته الحميدة ومشربه الواردات الربانية وبالملح إلى النفس وصفاتها الذميمة ومشربها الشهوات الحيوانية ولنا سفينتان الشريعة والطريقة فسفينة الشريعة تجري من بحر الروح إلى بحر النفس فيها أحمال الأوامر والنواهي وسفينة الطريقة تجري من بحر الروح إلى الحضرة فيها أحمال الأسرار والحقائق والمعاني والمقصود الوصول إلى الحضرة على قدمي الشريعة والطريقة.
في "كشف الأسرار" (اين دودرياى مخلف يكى فرات ويكى أجاج.
مثال دو درياست كه ميان بنده وخداست يكى درياى هلاك ديكر درياى نجات.
دردرياى هلاك نج كشتى روانست.
يكى حرص.
وديكر رياست.
ديكر اصرار بر معاصى.
هارم غفلت نجم قنود.
هركه دركشتى حرص نشيند بساحل حسرت رسد.
هركه دركشتى قنود نشيند بساحل كفر رسد.
أما درياى نجات بساحل عطا رسد.
هركه دركشتى زهد نشيند بساحل قربت رسد هركه دركشتى معرفت نشيند بساحل انس رسد.
هركه دركشتى توحيد نشيند بساحل مشاهده رسد.
يرطريقت موعظتي بليغ كفته ياران ودوستان خودرا كفت اى عزيزان وبرادران هنكام آن آمد كه ازين درياى هلاك نجات جوييد واز ورطه فترت برخيزيد نعيم باقى باين سراى فانى نفروشيد نفس بخدمت بيكانه است بيكانه را مروريد دل بى يقظت غول است تا بغول صحبت مداريد نفس بى آكاهى باداست باباد عمر مكذرانيد باسمى ورسمى ازحقيقت قانع مباشيد از مكر نهانى ايمن منشينيد ازكار خاتمه ونفس باز سين همواره برحذر باشيد شيرين سخن ونيكو نظمى كه آن خوانمرد كفته است) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
اى دل ار عقيبت بايدنك ازين دنيا بدار
اك بازى يشه كير وراه دين كن اختيار
اى دردنيا نه وبردوز شم نام وننك
دست در عقبى زن وبربندراه فخر وعار
ون زنان تاكى نشينى براميدرنك وبوى
همت اندر راه بند كامزن مردانه وار
شم آن تادان كه عشق آوردبررنك صدف
والله آرديدش رسد هركز بدرشاهوار
قال بعض أهل المعرفة : {وَمَا يَسْتَوِى الْبَحْرَانِ} أي : الوقتان هذا بسط وصاحبه في روح وهذا قبض وصاحبه في نوح هذا فرق وصاحبه يوصف بالعبودية وهذا جمع وصاحبه في شهود الربوبية (بنده تادر قبض است خوابش ون خواب غرق شدكان خوردش ون خورد بيماران عيشش ون عيش زندانيان بسزاى نياز خويش مى زيد بخوارى وراه مى برد بزارى وبزبان
331
بذلل مى كويد رآب دوشم ورآتش جكرم رباد دودستم ورازخاك سرم ون زارى وخوارى بغايت رسد وتذلل وعجزى ظاهر كردد رب العزة تدارك دل وى كند دربسط وانبساط بردل وى كشايد وقت وى خوش كردد دلش با مولى يوسته وسر باطلاع حق آراسته وبزبان شكر ميكويد الهى محنت من بودى دولت من شدى اندوه من بودى راحت من شدى داغ من بودى راغ من شدي جراحت من بودى مرهم من شدى) نسأل الله الخلاص من البرازخ والقيود والوصول إلى الغاية القصوى من الوجدان والشهود إنه رحيم ودود.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
(7/258)
{يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ} أي : يدخل الله الليل في النهار بإضافة بعض أجزاء الليل إلى النهار فينقص الأول ويزيد الثاني كما في فصلي الربيع والصيف {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ} بإضافة بعض أجزاء النهار إلى الليل كما في فصلي الخريف والشتاء {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} (ورام كرد آفتاب وماه راه يعني مسخر فرمان خود ساخت).
وفي "بحر العلوم" معنى تسخير الشمس والقمر تصييرهما نافعين للناس حيث يعلمون بمسيرهما عدد السنين والحساب انتهى.
يقول الفقير ومنه يعلم حكمة الإيلاج فإنه بحركة النيرين تختلف الأوقات وتظهر الفصول الأربعة التي تعلق بها المصالح والأمور المهمة.
ثم قوله وسخر عطف على يولج واختلافهما صيغة لما أن إيلاج أحد الملوين في الآخر متجدد حيناً فحيناً وأما تسخير النيرين فلا تعدد فيه وإنما المتعدد والمتجدد آثاره وقد أشير إليه بقوله تعالى : {كُلٍّ} أي : كل واحد من الشمس والقمر {يَجْرِى} أي : بحسب حركته الخاصة وحركته القسرية على المدارات اليومية المتعددة حسب تعدد أيام السنة جرياً مستمراً {لاجَلٍ} وقت {مُّسَمًّى} معين قدره الله تعالى لجريانهما وهو يوم القيامة فحينئذٍ ينقطع جريهما.
وقال بعضهم يجري إلى أقصى منازلهما في الغروب لأنهما يغربان كل ليلة في موضع ثم يرجعان إلى أدنى منازلهما فجريانهما عبارة عن حركتيهما الخاصتين بهما في فلكيهما.
والأجل المسمى عبارة عن منتهى دوريتهما ومدة الجريان للشمس سنة وللقمر شهر فإذا كان آخر السنة ينتهي جري الشمس وإذا كان آخر الشهر ينتهي جري القمر.
قال في "البحر" : والمعنى في التحقيق يجري لإدراك أجل على أن الجري مختص بإدراك أجل {ذَالِكُمُ} مبتدأ إشارة إلى فاعل الأفاعيل المذكورة إشارة تجوّز فإن الأصل إلى الإشارة أن تكون حسية ويستحيل إحساسه تعالى وما فيه من معنى البعد للإيذان بغاية العظمة أي : ذلك العظيم الشان الذي أبدع هذه الصنائع البديعة {اللَّهِ} خبر {رَبُّكُمْ} خبر ثان {لَهُ الْمُلْكُ} خبر ثالث أي : هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية والمالكية لما في السموات والأرض واعرفوه ووحدوه وأطيعوا أمره {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ} (وآنانرا كه مى خوانيد ومى رستيد) {مِن دُونِهِ} أي : حال كونكم متجاوزين الله وعبادته {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} هو القشرة البيضاء الرقيقة الملتفة على النواة كاللفافة لها وهو مثل في القلة والحقارة كالنقير الذي هو النكتة في ظهر النواة ومنه ينبت النخل والفتيل الذي في شق النواة على هيئة الخيط المفتول والمعنى لا يقدرون على أن ينفعوكم مقدار القطمير.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{يُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لاجَلٍ مُّسَمًّى ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُا وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِه مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} .
{إِن تَدْعُوهُمْ} أي : الأصنام للإعانة وكشف الضر
332
{لا يَسْمَعُوا دُعَآءَكُمْ} لأنهم جماد والجماد ليس من شأنه السماع {وَلَوْ سَمِعُوا} على الفرض والتمثيل {مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} فإنهم لا لسان لهم أو ما أجابوكم لملتبسكم لعجزهم عن النفع بالكلية فإن من لا يملك نفع نفسه كيف يملك نفع غيره.
قال الكاشفي يعني : (قادر نيستند بر إيصال منافع ودفع مكاره) {وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} أي : يجحدون بإشراككم لهم وبعبادتكم إياهم بقولهم ما كنتم إيانا تعبدون وإنما جيىء بضمير العقلاء لأن عبدتهم كانوا يصفونهم بالتمييز جهلاً وغباوة ولأنه أسند إليهم ما يسند إلى أولي العلم من الاستجابة والسمع ويجوز أن يريد كل معبود من دون الله من الجن والإنس والأصنام فغلب غير الأصنام عليها كما في "بحر العلوم" {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} أي : لا يخبرك يا محمد بالأمر مخبر مثل خبير أخبرك به وهو الحق سبحانه فإنه الخبير بكنه الأمور دون سائر المخبرين والمراد تحقيق ما أخبر به من حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم من الإلهية (صاحب لباب آورده كه اضافت مثل بخداى جائز نيست س اين مثليست دركلام عرب شايع كشته واستعمال كنند دراخبار مخبرى كه سخن او في نفس الأمر معتمد عليه باشد).
قال الزروقي : الخبير هو العليم بدقائق الأمور التي لا يتوصل إليها غيره إلا بالاختيار والاحتيال.
وقال الغزالي : هو الذي لا يعزب عنه الأخبار الباطنة ولا يجري في الملك والملكوت شيء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تصطرب نفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبرها :
بر احوال نا بوده علمش بصير
بر اسرار ناكفته لطفش خبير
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
(7/259)
حظ العبد من ذلك أن يكون خبيراً بما يجري في بدنه وقلبه من الغش والخيانة والتطوف حول العاجلة وإضمار الشر وإظهار الخير والتحمل بإظهار الإخلاص والإفلاس عنه ولا يكون خبيراً بمثل هذه الخفايا إلا بإظهار التوحيد وإخفائه وتحقيقه والوصول إلى الله بالإعراض عن الشرك وما يكون متعلق العلاقة والميل.
غلام همت آنم كه زير رخ كبود
ز هره رنك تعلق ذيرد آزادست
وذلك أن التعلق بما سوى الله تعالى لا يفيد شيئاً من الجلب والسلب فإنه كله مخلوق والمخلوق عاجز وليست القدرة الكاملة إلاتعالى فوجب توحيده والعبادة له والتعلق به.
وخاصية الاسم الخبير حصول الإخبار بكل شيء فمن ذكره سبعة أيام أتته الروحانية بكل خبر يريده من أخبار السنة وأخبار الملوك وأخبار القلوب وغير ذلك كذا في "شمس المعارف" ومن كان في يد شخص يؤذيه فليكثر ذكره يصلح حاله كذا في "شرح الأسماء الحسنى" للشيخ الزروقي.
{إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ * يا اأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللَّه وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} .
{النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللَّهِ} الفقراء جمع فقير كالفقائر جمع فقيرة والفقير المكسور الفقار والفقر (شت كسى شكستن) ذكره في "تاج المصادر" في باب ضرب وجعله في "القاموس" من حد كرم.
وقال الراغب في "المفردات" : يقال افتقر فهو مفتقر وفقير ولا يكاد يقال فقر وإن كان القياس يقتضيه انتهى.
وفهم من هذا أن الفقير صيغة مبالغة كالمفتقر بمعنى ذي الاحتياج الكثير والشديد والفقر وجود الحاجة الضرورية وفقد ما يحتاج إليه وتعريف الفقراء للمبالغة في فقرهم فإنهم لكثرة افتقارهم وشدة احتياجهم هم الفقراء فحسب وأن افتقار
333
سائر الأخلاق بالنسبة إلى فقرهم بمنزلة العدم.
والمعنى يا أيها الناس أنتم المحتاجون إلى الله تعالى بالاحتياج الكثير الشديد في أنفسكم وفيما يعرض لكم من أمر مهم أو خطب ملم فإن كل حادث مفتقر إلى خالقه ليبديه وينشئه أولاً ويديمه ويبقيه ثانياً ثم الإنسان محتاج إلى الرزق ونحوه من المنافع في الدنيا مع دفع المكاره والعوارض وإلى المغفرة ونحوها في العقبى فهو محتاج في ذاته وصفاته وأفعاله إلى كرم الله وفضله.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
قال بعض الكبار : إن الله تعالى ما شرّف شيئاً من المخلوقات بتشريف خطاب أنتم الفقراء إلى الله حتى الملائكة المقربين سوى الإنسان وذلك أن افتقار المخلوقات إلى أفعال الله تعالى من حيث الخلق ونحوه وافتقار الإنسان إلى ذات الله وصفاته فجميع المخلوقات وإن كانت محتاجة إلى الله تعالى لكن الاحتياج الحقيقي إلى ذات الله وصفاته مختص بالإنسان من بينها كمثل سلطان له رعية وهو صاحب جمال فيكون افتقار جميع رعاياه إلى خزائنه وممالكه ويكون افتقار عشقاه إلى عين ذاته وصفاته فيكون غنى كل مفتقر بما يفتقر إليه فغنى الرعية يكون بالمال والملك وغنى العاشق يكون بمعشوقه.
كام عاشق دولت ديدار يار
قصد زاهد جنت ونقش ونكار
هره جز عشق حقيقي شدوبال
هره جز معشوق باقي شد خيال
هست در وصلت غنا اندر غنا
هست درفرقت غم وفقر وعنا
ومن الكمالات الإنسانية الاحتياج إلى الاسم الأعظم من جميع وجوه الأسماء الإلهية بحسب مظهريته الكاملة وأما غيره من الموجودات فاحتياجهم إنما هو بقدر استعدادهم فهو احتياج بوجه دون وجه ولذا ورد "الفقر فخري وبه افتخر" وهذا صحيح بمعناه وإن اختلف في لفظه كما قال عليه السلام : "اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك".
قال في "كشف الأسرار" (صحابه را فقرا نام نهاد) حيث قال : {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَـاجِرِينَ} (الحشر : 8) وقال : {لِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ} (البقرة : 273) (وآن تلبيس توانكرى حال ايشانست تاكس توانكرىء ايشان ندانداين نانست كه كفته اند) :
ارسلانم خوان تاكس به نداندكه كه ام†
(يران طريقت كفته اند بناى دوستى برتلبيس نهاده اند سليمانرا نام ملكى تلبيس فقر بود آدم را نام عصيان تلبيس صفوت بود ابراهيم را التباس نعمت تلبيس خلت بود زيراكه شرط محبت غير نست ودوستان حال خود بهركس ننمايند كسى كه ازكون ذره ندارد وبكونين نظرى ندارد وهمواره نظر الله يش شم خود دارد اورا فقير كويند از همه درويش است وبحق ثوانكر "إنما الغني غنى القلب" توانكرى درسينه مى بايدنه درخزينه فقير اوست كه خودرادر دوجهان جز ازحق دست آوزنكند ونظر خود ندارد جهار تكبير برذات وصفات خود كند جنانكه آن جوانمرد كفت) :
نيست عشق لا يزالى را دران دل هي كار
كاو هنوزاندر صفات خويش مانداست استوار
هركه در ميدان عشق نيكوان نامى نهاد
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
(7/260)
ار تكبيرى كند برذات او ليل ونهار
{وَاللَّهُ هُوَ} وحده {الْغَنِىُّ} المستغني على الإطلاق فكل أحد يحتاج إليه لأن أحداً
334
لا يقدر أن يصلح أمره إلا بالأعوان لأن الأمير ما لم يكن له خدم وأعوان لا يقدر على الأمارة وكذا التاجر يحتاج إلى المكارين والله الغنيّ عن الأعوان وغيرها.
وفي "الأسئلة المقحمة" معناه الغنيّ عن خلقه فلو لم يخلقهم لجاز ولو أدام حياتهم لابتلاهم كلفهم أو لم يكلفهم فالكل عنده بمثابة واحدة لأنه غني عنهم خلافاً للمعتزلة حيث قالوا : لو لم يكلفهم معرفته وشكره لم يكن حكيماً وهذا غاية الخزي ويفضي إلى القول بأن خلقهم لنفع أو دفع وهو قول المجوس بعينه حيث زعموا وقالوا : خلق الله الملائكة ليدفع بهم عن نفسه أذى الشيطان انتهى {الْحَمِيدُ} المنعم على جميع الموجودات حتى استحق عليهم الحمد على نعمته العامة وفضله الشامل فالله الغنيّ المغني.
قال الكاشفي : (ببايد دانست كه ماهيات ممكنه در وجود محتاجند بفاعل {وَأَنتُمُ الْفُقَرَآءُ} إشارة با آنست وحق سبحانه وتعالى بحسب كمال ذاتي خود ازوجود عالم وعالميان مستغنيست {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ} عبارت ازآنست وون ظهور كمال اسمانى موقوفست بروجود اعيان ممكنات س درايجاد آن كه نعمتيست كبرى مستحق حمداست وثنا كلمه {الْحَمِيدُ} بدان ايمايى مينمايد وازين رباعى ى بدين معنى توان برد) :
تاخود كردد بجمله اوصاف عيان
واجب باشدكه ممكن آيد بميان
ورنه بكمال ذاتي از آدميان
فردست وغنى نانكه خود كردبيان
{إِن يَشَأْ} أي : الله تعالى {يُذْهِبْكُمْ} عن وجه الأرض ويعدمكم كما قدر على إيجادكم وبقائكم {وَيَأْتِ} (وبيارد) {بِخَلْقٍ} مخلوق {جَدِيدٍ} مكانكم وبدلكم ليسوا على صفتكم بل مستمرون على الطاعة فيكون الخلق الجديد من جنسهم وهو الآدمي أو يأتي بعالم آخر غير ما تعرفونه يعني : (يا كروهى بياردكس نديده ونشنيده بود) فيكون من غير جنسهم وعلى كلا التقديرين فيه إظهار الغضب للناس الناسين وتخويف لهم على سرفهم ومعاصيهم وفيه إيضاً من طريق الإشارة تهديد لمدعي محبته وطلبه أي : إن لم تطلبوه حق الطلب يفنكم ويأت بخلق جديد في المحبة والطلب.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{وَمَا ذَالِكَ} أي : ما ذكر من الإذهاب بهم والإتيان بآخرين {عَلَى اللَّهِ} متعلق بقوله : {بِعَزِيزٍ} بمعتذر ولا صعب ومتعسر بل هو هين عليه يسير لشمول قدرته على كل مقدور ولذلك يقدر على الشيء وضده فإذا قال لشيء كن كان من غير توقف ولا امتناع وقد أهلك القرون الماضية واستخلف الآخرين إلى أن جاء نوبة قريش فناداهم بقوله يا أيها الناس وبين أنهم محتاجون إليه احتياجاً كلياً وهو غني عنهم وعن عبادتهم ومع ذلك دعاهم إلى ما فيه سعادتهم وفوزهم وهو الإيمان والطاعة وهم مع احتياجهم لا يجيبونه فاستحقوا الهلاك ولم يبق إلا المشيئة ثم إنه تعالى شاء هلاكهم لإصرارهم فهلك بعضهم في بدر وبعضهم في غيره من المعارك وخلق مكانهم من يطيعونه تعالى فيما أمرهم به ونهاهم عنه ويستحقون بذلك فضله ورحمته واستمر الإفناء والإيجاد إلى يومنا هذا لكن لا على الاستعجال بل على الإمهال فإنه تعالى صبور لا يؤاخذ العصاة على العجلة ويؤخر العقوبة ليرجع التائب ويقلع المصر.
ففي الآية وعظ وزجر لجميع الأصناف من الملوك ومن دونهم فمن أهمل أمر الجهاد لم يجد المهرب من بطش رب العباد ومن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد
335
جعل نفسه عرضة للهلاك والخطر وعلى هذا فقس.
فينبغي للعاقل المكلف أن يعبد الله ويخافه ولا يجترىء على ما يخالف رضاه ولا يكون أسوأ من الجمادات مع أن الإنسان أشرف المخلوقات.
قال جعفر الطيار رضي الله عنه : كنت مع النبي عليه السلام وكان حذاءنا جبل فقال عليه السلام : "بلّغ منّي السلام إلى هذا الجبل وقل له يسقيك إن كان فيه ماء" قال : فذهبت إليه وقلت : السلام عليك أيها الجبل فقال الجبل بنطق : لبيك يا رسول رسول الله فعرضت القصة فقال : بلّغ سلامي إلى رسول الله وقل له منذ سمعت قوله تعالى : {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (البقرة : 24) بكيت لخوف أن أكون من الحجارة التي هي وقود النار بحيث لم يبق فيّ ماء.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
(7/261)
{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} يقال وزر يزر من الثاني وزراً بالفتح والكسر ووزر يوزر من الرابع حمل.
والوزر الإثم والثقل والوازرة صفة للنفس المحذوفة وكذا أخرى والمعنى لا تحمل نفس آثمة يوم القيامة إثم نفس أخرى بحيث تتعرى منه المحمول عنها بل إنما تحمل كل منهما وزرها الذي اكتسبته بخلاف الحال في الدنيا فإن الجبابرة يأخذون الولي بالولي والجار بالجار وأما في قوله تعالى : {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} (العنكبوت : 13) من حمل المضلين أثقالهم وأثقالاً غير أثقالهم فهو حمل أثقال ضلالهم مع أثقال إضلالهم وكلاهما أوزارهم ليس فيها شيء من أوزار غيرهم ألا يرى كيف كذبهم في قولهم : {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَـايَـاكُمْ} (العنكبوت : 12) بقوله : {وَمَا هُم بِحَـامِلِينَ مِنْ خَطَـايَـاهُم مِّن شَىْءٍ} (العنكبوت : 12) ومنه يعلم وجه تحميل معاصي المظلومين يوم القيامة على الظالمين فإن المحمول في الحقيقة جزاء الظلم وإن كان يحصل في الظاهر تخفيف حمل المظلوم ولا يجري إلا في الذنب المتعدي كما ذكرناه في أواخر الأنعام.
وفيه إشارة إلى أن الله تعالى في خلق كل واحد من الخلق سراً مخصوصاً به وله مع كل واحد شأن آخر فكل مطالب بما حمل كما أن كل بذر ينبت بنبات قد أودع فيه ولا يطالب بنبات بذر آخر لأنه لا يحمل إلا ما حمل عليه كما في "التأويلات النجمية" ، قال الشيخ سعدي :
رطب ناورد وب خر زهره بار
ه تخم افيكنى بر همان شم دار
{وَإِن تَدْعُ} صيغة غائبة أي : ولو دعت ، وبالفارسية : (واكر بخواند) {مُثْقَلَةٌ} أي : نفس أثقلتها الأوزار والمفعول محذوف أي : أحداً.
قال الراغب : الثقل والخفة متقابلان وكل ما يترجح عما يوزن به أو يقدّر به يقال هو ثقيل وأصله في الأجسام ثم يقال في المعاني أثقله الغرم والوزر انتهى.
فالثقل الإثم سمي به لأنه يثقل صاحبه يوم القيامة ويثبطه عن الثواب في الدنيا {إِلَى حِمْلِهَا} الذي عليها من الذنوب ليحمل بعضها.
قيل في الأثقال المحمولة في الظاهر كالشيء المحمول على الظهر حمل بالكسر وفي الأثقال المحمولة في الباطن كالولد في البطن حمل بالفتح كما في "المفردات" {لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ} لم تجب لحمل شيء منه {وَلَوْ} للوصل {كَانَ} أي : المدعو المفهوم من الدعوة وترك ذكره ليشمل كل مدعو {ذَا قُرْبَىا} ذا قرابة من الداعي كالأب والأم والولد والأخ ونحو ذلك إذ لكل واحد منهم يومئذٍ شأن يغنيه وحمل يعجزه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
ففي هذا دليل أنه تعالى لا يؤاخذ بالذنب إلا جانيه وأن الاستغاثة بالأقربين غير نافعة لغير المتقين عن ابن عباس رضي الله عنهما يلقى الأب والأم ابنه فيقول يا بني احمل عني بعض ذنوبي فيقول : لا أستطيع حسبي ما عليّ وكذا يتعلق الرجل بزوجته فيقول لها : إني كنت لك زوجاً في الدنيا
336
فيثني عليها خيراً فيقول قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترين فتقول ما أيسر ما طلبت ولكن لا أطيق إني أخاف مثل ما تخوفت :
هي رحمى نه برادر به برادر دارد
هي خيرى نه در را به سر مى آيد
دختر ازهلوى مادر بكند قصد فرار
دوستى از همه خويش بسرمى آيد
(7/262)
قال في "الإرشاد" : هذه الآية نفي للتحمل اختياراً والأولى نفي له إجباراً.
والإشارة أن الطاعة نور والعصيان ظلمة فإذا اتصف جوهر الإنسان بصفة النور أو بصفة الظلمة لا تنقل تلك الصفة من جوهره إلى جوهر إنسان آخر أياً ما كان ألا ترى أن كل أحد عند الصراط يمشي في نوره لا يتجاوز منه إلى غيره شيء وكذا من غيره إليه {إِنَّمَا تُنذِرُ} يا محمد بهذه الإنذارات.
والإنذار الإبلاغ مع التخويف {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ} يخافون {رَبِّهِمْ} حال كونهم {بِالْغَيْبِ} غائبين عن عذابه وأحكام الآخرة أو عن الناس في خلواتهم يعني : (در خلوتها أثر خشيت برايشان ظاهرت نه در صحبتها) فهو حال من الفاعل أو حال كون ذلك العذاب غائباً عنهم فهو حال من المفعول {وَأَقَامُوا الصَّلَواةَ} أي : راعوها كما ينبغي وجعلوها مناراً منصوباً وعلماً مرفوعاً.
قال في "كشف الأسرار" وغاير بين اللفظين لأن أوقات الخشية دائمة وأوقات الصلاة معينة منقضية.
والمعنى إنما ينفع إنذارك وتحذيرك هؤلاء من قومك دون من عداهم من أهل التمرد والفساد وإن كنت نذيراً للخلق كلهم وخص الخشية والصلاة بالذكر لأنهما أصلا الأعمال الحسنة الظاهرية والباطنية.
أما الصلاة فإنها عماد الدين.
وأما الخشية فإنها شعار اليقين وإنما يخشى المرء بقدر علمه بالله كما قال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَـامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} (فاطر : 28) فقلب لم يكن عالماً خاشياً يكون ميتاً لا يؤثر فيه الإنذار كما قال تعالى : {لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} (يس : 70) ومع هذا جعل تأثير الإنذار مشروطاً بشرط آخر وهو إقامة الصلاة وامارة خشية قلبه بالغيب محافظة الصلاة في الشهادة وفي الحديث "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" {وَمِنَ} (وهركه) {تَزَكَّى} تطهر من أوضار الأوزار والمعاصي بالتأثر من هذه الإنذارات وأصلح حاله بفعل الطاعات {فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} لاقتصار نفعه عليها كما أن من تدنس بها لا يتدنس إلا عليها ويقال : من يعطي الزكاة فإنما ثوابه لنفسه {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} أي : الرجوع لا إلى غيره استقلالاً واشتراكاً فيجازيهم على تزكيهم أحسن الجزاء.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
واعلم أن ثواب التزكي عن المعاصي هو الجنة ودرجاتها وثواب التزكي عن التعلق بما سوى الله تعالى هو جماله تعالى كما أشار إليه بقوله : {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} فمن رجع إلى الله بالاختيار لم يبق له بما دونه قرار ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
ندادند صاحب دلان دل بوست
وكرابلهى داد بى مغز اوست
مى صرف وحدت كسى نوش كرد
كه دنيى وعقبى فراموش كرد
والأصل هو العناية.
وعن إبراهيم المهلب السائح رضي الله عنه قال : بينا أنا أطوف وإذا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول بحبك لي ألا رددت عليّ قلبي فقلت : يا جارية من أين تعلمين أنه يحبك قالت بالعناية القديمة جيش في طلبي الجيوش وأنفق الأموال حتى أخرجني
337
من بلاد الشرك وأدخلني في التوحيد وعرفني نفسي بعد جهلي إياها فهل هذا يا إبراهيم إلا لعناية أو محبة؟ قلت : وكيف حبك له؟ قالت : أعظم شيء وأجله قلت : وكيف هو؟ قالت : هو أرق من الشراب وأحلى من الجلاب.
وإنما تتولد معرفة الله من معرفة النفس بعد تزكيتها كما أشار إليه : "من عرف نفسه فقد عرف ربه" ففي هذا أن الولد يكون أعظم في القدر من الوالد فافهم رحمك الله وإياي بعنايته.
{وَمَا يَسْتَوِى الاعْمَى وَالْبَصِيرُ} تمثيل للكافر والمؤمن فإن المؤمن من أبصر طريق الفوز والنجاة وسلكه بخلاف الكافر فكما لا يستوي الأعمى والبصير من حيث الحس الظاهري إذ لا بصر للأعمى كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن من حيث الإدراك الباطني ولا بصيرة للكافر بل الكافر أسوأ حالاً من الأعمى المدرك للحق إذ لا اعتبار بحاسة البصر لاشتراكها بين جميع الحيوانات.
وفيه إشارة إلى حال المحجوب والمكاشف فإن المحجوب أعمى عن مطالعة الحق فلا يستوي هو والمكاشف الذي كوشف له عن وجه السر المطلق.
وقال الكاشفي : {وَمَا يَسْتَوِى الاعْمَى} (وبرابر نيست نابينا يعني كافر يا جاهل يا كمراه {وَالْبَصِيرُ} وبينا يعني مؤمن يا عالم ياراه يافته).
(7/263)
{وَلا} لتأكيد نفي الاستواء {الظُّلُمَـاتُ} جمع ظلمة وهي عدم النور {وَلا} للتأكيد {النُّورُ} هو الضوء المنتشر المعين للأبصار تمثيل للباطل والحق.
فالكافر في ظلمة الكفر والشرك والجهل والعصيان والبطلان لا يبصر اليمين من الشمال فلا يرجى له الخلاص من المهالك بحال.
والمؤمن في نور التوحيد والإخلاص والعلم والطاعة والحقانية بيده الشموع والأنوار أينما سار.
وجمع الظلمات مع أفراد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق يعني أن الحق واحد وهو التوحيد فالموحد لا يعبد إلا الله تعالى وأما الباطل فطرقه كثيرة وهي وجوه الإشراك فمن عابد للكواكب ومن عابد للنار ومن عابد للأصنام إلى غير ذلك فالظلمات كلها لا تجد فيها ما يساوي ذلك النور الواحد.
وفيه إشارة إلى ظلمة النفس ونور الروح فإن المحجوب في ظلمة الغفلات المتضاعفة والمكاشف في نور الروح واليقظة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} قدم الأعمى على البصير والظلمات على النور والظل على الحرور ليتطابق فواصل الآي وهو تمثيل للجنة والنار والثواب والعقاب والراحة والشدة.
الظل بالفارسية (سايه).
قال الراغب : يقال لكل موضع لا تصل إليه الشمس ظل ولا يقال الفيىء إلا لما زال عنه الشمس ويعبر بالظل عن العز والمنعة وعن الرفاهية انتهى.
والحرور : الريح الحارة بالليل وقد تكون بالنهار وحر الشمس والحر الدائم والنار كما في "القاموس" فعول من الحر غلب على السموم وهي الريح الحارة التي تؤثر تأثير السم تكون غالباً بالنهار.
والمعنى كما لا يستوي الظل والحرارة من حيث أن في الظل استراحة للنفس وفي الحرارة مشقة وألماً كذلك لا يستوي ما للمؤمن من الجنة التي فيها ظل وراحة وما للكافر من النار التي فيها حرارة شديدة.
وفيه إشارة إلى أن البعد من الله تعالى كالحرور في إحراق الباطن والقرب منه كالظل في تفريح القلب.
{وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِى الاحْيَآءُ وَلا الامْوَاتُا إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُا وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ * إِنْ أَنتَ إِلا} .
{وَمَا يَسْتَوِى الاحْيَآءُ وَلا الامْوَاتُ} تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وأوثرت صيغة الجمع في الطرفين تحقيقاً للتباين بين أفراد الفريقين والحي ما به القوة الحساسة
338
والميت ما زال عنه ذلك وجه التمثيل أن المؤمن منتفع بحياته إذ ظاهره ذكر وباطنه فكر دون الكافر إذ ظاهره عاطل وباطنه باطل.
وقال بعض العلماء : هو تمثيل للعلماء والجهال وتشبيه الجهلة بالأموات شائع ومنه قوله :
لا تعجبن الجهول خلته
فإنه الميت ثوبه كفن
لأن الحياة المعتبرة هي حياة الأرواح والقلوب وذلك بالحكم والمعارف ولا عبرة بحياة الأجساد بدونها لاشتراك البهائم فيها.
قال بعض الكبار : الأحياء عند التحقيق هم الواصلون بالفناء التام إلى الحياة الحقيقية وهم الذين ماتوا بالاختيار قبل أن يموتوا بالاضطرار ومعنى موتهم إفناء أفعالهم وصفاتهم وذواتهم في أفعال الحق وصفاته وذاته وإزالة وجودياتهم بالكلية طبيعة ونفساً وإليه الإشارة بقوله عليه السلام : "من أراد أن ينظر إلى ميت متحرك فلينظر إلى أبي بكر" فالحياة المعنوية لا يطرأ عليها الفناء بخلاف الحياة الصورية فإنها تزول بالموت فطوبى لأهل الحياة الباقية وللمقارنين بهم والآخذين عنهم.
قال إبراهيم الهروي : كنت بمجلس أبي يزيد البسطامي قدس سره فقال بعضهم : إن فلاناً أخذ العلم من فلان قال أبو يزيد المساكين أخذوا العلوم من الموتى ونحن أخذنا العلم من حي لا يموت وهو العلم اللدني الذي يحصل من طريق الإلهام بدون تطلب وتكلف ، قال الشيخ سعدي قدس سره :
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
نه مردم همين استخوانند ويوسف
نه هر صورتى جان ومعنى دروست
نه سلطان خريدار هربنده ايست
نه در زير هر نده ايست
{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ} كلامه إسماع فهم واتعاظ وذلك بإحياء القلب {مَن يَشَآءُ} أن يسمعه فينتفع بإنذارك {وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ} جمع قبر وهو مقر الميت وقبرته جعلته في القبر.
وهذا الكلام ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات وإشباع في إقناطه عليه السلام من إيمانهم وترشيح الاستعارة اقترانها بما يلائم المستعار منه شبه الله تعالى من طبع على قلبه بالموتى في عدم القدرة على الإجابة فكما لا يسمع أصحاب القبور ولا يجيبون كذلك الكفار لا يسمعون ولا يقبلون الحق.
(7/264)
{إِنَّ} ما {أَنتَ إِلا نَذِيرٌ} منذر بالنار والعقاب وأما الإسماع البتة فليس من وظائفك ولا حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم الذين هم بمنزلة الموتى وقوله : {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ} الخ وقوله : {إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ} (القصص : 56) وقوله : {لَيْسَ لَكَ مِنَ الامْرِ شَىْءٌ} (آل عمران : 128) وغير ذلك لتمييز مقام الألوهية عن مقام النبوة كيلا يشتبها على الأمة فيضلوا عن سبيل الله كما ضل بعض الأمم السالفة فقال بعضهم عزيز ابن الله وقال بعضهم المسيح ابن الله وذلك من كمال رحمته لهذه الأمة وحسن توفيقه.
يقول الفقير أيقظه الله القدير : إن قلت قد ثبت أنه عليه السلام أمر يوم بدر بطرح أجساد الكفار في القليب ثم ناداهم بأسمائهم وقال : "هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقاً فإني وجدت ما وعدني الله حقاً" فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله كيف تكلم أجساداً لا رواح فيها فقال عليه السلام : "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا شيئاً" فهذا الخبر يقتضي أن النبي عليه السلام أسمع من في القليب وهم موتى وأيضاً تلقين الميت بعد الدفن للإسماع وإلا فلا
339
معنى له.
قلت : أما الأول فيحتمل أن الله تعالى أحيى أهل القليب حينئذٍ حتى سمعوا كلام رسول الله توبيخاً لهم وتصغيراً ونقمة وحسرة وإلا فالميت من حيث هو ميت ليس من شأنه السماع وقوله عليه السلام : "ما أنتم بأسمع" الخ يدل على أن الأرواح أسمع من الأجساد مع الأرواح لزوال حجاب الحس وانخراقه.
وأما الثاني فإنما يسمعه الله أيضاً بعد إحيائه بمعنى أن يتعلق الروح بالجسد تعلقاً شديداً بحيث يكون كما في الدنيا فقد أسمع الرسول عليه السلام وكذا الملقن بإسماع الله تعالى وخلق الحياة وإلا فليس من شأن أحد الإسماع كما أنه ليس من شأن الميت السماع والله أعلم.
قال بعض العارفين : (أي محمد عليه السلام دل در بو جهل ه بندى كه اونه ازان اصلت كه طينت خبيث وى نقش نكين تو ذيرد دل در سلمان بنده يش ازانكه تو قدم درميدان بعثت نهادى ندين سال كرد عالم سر كردان در طلب تو مى كشت ونشان تو ميجست) ولسان الحال يقول :
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
كرفت خواهم من زلف عنبر ينت را
زمشك نقش كنم برك ياسمينت را
بتيغ هندى دست مرا جدا نكند
اكر بكيرم يك ره سر آستينت را
{إِنْ أَنتَ إِلا نَذِيرٌ * إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ * وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَـابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ} .
(7/265)
{إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ بِالْحَقِّ} حال من المرسل بالكسر أي : حال كوننا محقين أو من المرسل بالفتح أي : حال كونك محقاً أو صفة لمصدر محذوف أي : إرسالاً مصحوباً بالحق وأرسلناك بالدين الحق الذي هو الإسلام أو بالقرآن {بَشِيرًا} حال كونك بشيراً للمؤمنين بالجنة وبالفارسية : (مده دهنده) {وَنَذِيرًا} منذراً للكافرين بالنار وبالفارسية : (بيم كننده) {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ} أي : ما من أمة من الأمم السالفة وأهل عصر من الأعصار الماضية {إِلا خَلا} مضى.
قال الراغب الخلاء المكان الذي لا ساتر فيه من بناء وساكن وعيرهما.
والخلو يستعمل في الزمان والمكان لكن لما تصور في الزمان المضيّ فسر أهل اللغة قولهم خلا الزمان بقولهم مضى وذهب {فِيهَا} أي : في تلك الأمة {نَذِيرٌ} (بيم وآكاه كننده) من نبي أو عالم ينذرهم والاكتفاء بالإنذار لأنه هو المقصود الأهم من البعثة.
قال في "الكواشي" : وأما فترة عيسى فلم يزل فيها من هو على دينه وداع إلى الإيمان.
وفي "كشف الأسرار" الآية تدل على أن كل وقت لا يخلو من حجة خبرية وأن أول الناس آدم وكان مبعوثاً إلى أولاده ثم لم يخل بعده زمان من صادق مبلغ عن الله أو آخر يقوم مقامه في البلاغ والأداء حين الفترة وقد قال تعالى : {أَيَحْسَبُ الانسَـانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} (القيامة : 36) لا يؤمر ولا ينهى.
فإن قيل كيف يجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى : {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ فَهُمْ غَـافِلُونَ} .
قلت : معنى الآية ما من أمة من الأمم الماضية إلا وقد أرسلت إليهم رسولاً ينذرهم على كفرهم ويبشرهم على إيمانهم أي : سوى أمتك التي بعثناك إليهم يدل على ذلك قوله : {وَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ} (سبأ : 44) وقوله : {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ} (يس : 6) وقيل : المراد ما من أمة هلكوا بعذاب الاستئصال إلا بعد أن أقيم عليهم الحجة بإرسال الرسول بالأعذار والإنذار انتهى ما في "كشف الأسرار" وهذا الثاني هو الأنسب بالتوفيق بين الآيتين يدل عليه ما بعده من قوله "وإن يكذبوك إلخ" وإلا فلا يخفى أن أهل الفترة ما جاءهم نذير على ما نطق به قوله تعالى : {مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ} ويدل
340
أيضاً أن كل أمة أنذرت من الأمم ولم تقبل استؤصلت فكل أمة مكذبة معذبة بنوع من العذاب وتمام التوفيق بين الآيتين يأتي في يس.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} (واكر معاندان قريش ترا دروغ زن دارند وبر تكذيب استمرار نمايند س بايشان وبتكذيب آنان مبالات مكن) {فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم العاتية أنبياءهم {جَآءَتْهُمْ} (آمدند بديشان) وهو وما بعده استئناف أو حال أي : كذب المتقدمون وقد جاءتهم {رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ} أي : المعجزات الظاهرة الدالة على صدق دعواهم وصحت نبوتهم {وَبِالزُّبُرِ} كصحف شيث وإدريس وإبراهيم عليهم السلام جمع زبور بمعنى المكتوب من زبرت الكتاب كتبته كتابة غليظة وكل كتاب غليظ الكتابة يقال له زبور كما في "المفردات" {وَبِالْكِتَـابِ الْمُنِيرِ} أي : المظهر للحق الموضح لما يحتاج إليه من الأحكام والدلائل والمواعظ والأمثال والوعد والوعيد ونحوها كالتوراة والإنجيل والزبور على إرادة التفصيل دون الجمع أي : بعض هذه المذكورات جاءت بعض المكذبين وبعضها بعضهم لا أن الجميع جاءت كلاً منهم.
{ثُمَّ أَخَذْتُ} بأنواع العذاب {الَّذِينَ كَفَرُوا} ثبتوا على الكفر وداوموا عليه وضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة والإشعار بعلية الأخذ {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي : إنكاري بالعقوبة وتعييري عليهم وبالفارسية : (س كونه بود انكار من برايشان بعذاب وعقاب).
قال في "كشف الأسرار" : (يداكردن نشان ناخوشنودى ون بود حال كردانيدن من ون ديدى).
قال ابن الشيخ الاستفهام للتقرير فإنه عليه السلامصلى الله عليه وسلّم علم شدة الله عليهم فحسن الاستفهام على هذا الوجه في مقابلة التسلية يحذر كفار هذه الأمة بمثل عذاب الأمم المكذبة المتقدمة والعاقل من وعظ بغيره :
نيك بخت آنكسى بود كه دلش
آنه نيكى دروست بذيرد
ديكرانرا و ند داده شود
او ازان ند بهره بر كيرد
ويسلي أيضاً رسوله عليه السلام فإن التكذيب ليس ببدع من قريش فقد كان أكثر الأولين مكذبين وجه التسلي أنه عليه السلام كان يحزن عليهم وقد نهى الله عن الحزن بقوله : {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} (النحل : 127) وذلك لأنهم كانوا غير مستعدين لما دعوا إليه من الإيمان والطاعة فتوقع ذلك منهم كتوقع الجوهرية من الحجر القاسي :
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
توان اك كردن نك آينه
وليكن نيايد زسنك آينه
(7/266)
مع أن الحزن للحق لا يضيع كما أن امرأة حاضت في الموقف فقالت : آه فرأت في المنام كأن الله تعالى يقول : أما سمعت أني لا أضيع أجر العاملين وقد أعطيتك بهذا الحزن أجر سبعين حجة.
قال بعض الكبار لا يخفى أن أجر كل نبي في التبيلغ يكون على قدر ما ناله من المشقة الحاصلة له من المخالفين وعلى قدر ما يقاسيه منهم وكل من رد رسالة نبي ولم يؤمن بها أصلاً فإن لذلك النبي أجر المصيبة وللمصاب أجر على الله بعدد من رد رسالته من أمته بلغوا ما بلغوا وقس على هذا حال الولي الوارث الداعي إلى الله على بصيرة.
{تُولِجُ الَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِى الَّيْلِا وَتُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّا وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَـافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَا وَمَن يَفْعَلْ ذَالِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَـاـاةًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَه وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} .
{أَلَمْ تَرَ} الاستفهام تفريري والرؤية قلبية أي : ألم تعلم يعني قد علمت يا محمد أو يا من يليق به الخطاب {أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ} بقدرته
341
وحكمته {مِنَ السَّمَآءِ} أي : من الجهة العلوية سماء أو سحاباً {مَآءً} مطراً {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} أي : بذلك الماء.
والالتفات من الغيبة إلى التكلم لإظهار كمال الاعتناء بفعل الإخراج لما فيه من الصنع البديع المنبىء عن كمال القدرة والحكمة ولأن الرجوع إلى نون العظمة أهيب في العبارة.
وقال الكاشفي : (عدول متكلم جهت تخصيص فعل است يعني ماتوانييم كه بيرون آريم بدان آب) {ثَمَرَاتٍ} جمع ثمرة وهي اسم لكل ما يطعم من أحمال الشجر {مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} وصف سببي للثمرات أي : أجناسها من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرها أو أصنافها على أن كلاً منها ذو أصناف مختلفة كالعنب فإن أصنافه تزيد على خمسين وكالتمر فإن أصنافه تزيد على مائة أو هيآتها من الصفرة والحمرة والخضرة والبياض والسواد وغيرها
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدُ} مبتدأ وخبر.
والجدد جمع جدة بالضم بمعنى الطريقة التي يخالف لونها ما يليها سواء كانت في الجبل أو في غيره والخطة في ظهر الحمار تخالف لونه وقد تكون للظبي جدتان مسكيتان تفصلان بين لوني ظهره وبطنه.
ولما لم يصح الحكم على نفس الجدد بأنها من الجبال احتيج إلى تقدير المضاف في المبتدأ أي : ومن الجبال ما هو ذو جدد أي : خطط وطرائق متلونة يخالف لونها لون الجبل فيؤول المعنى إلى أن من الجبال ما هو مختلف ألوانه لأن بيض صفة جدد وحمر عطف على بيض فتلا عليه السلام القرائن الثلاث فإن ما قبلها فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها وما بعدها ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه أي : منهم بعض مختلف ألوانه فلا بد في القرينة المتوسطة بينهما من ارتكاب الحذف ليؤول المعنى إلى ما ذكر فيحصل تناسب القرائن.
وفي "المفردات" أي : طرائق ظاهرة من قولهم طريق مجدود أي : مسلوك مقطوع ومنه جادة الطريق.
وفي "الجلالين" الطرائق تكون في الجبال كالعروق {بِيضٌ} جمع أبيض صفة جدد {وَحُمْرٌ} جمع أحمر.
وفي"كشف الأسرار" : (واز كوهها راهها بيدا شده از روندكان خطها سبد وخطها سرخ در كوههاى سيد وكوههاى سرخ) حمل صاحب "كشف الأسرار" الجدد على الطرائق المسلوكة والظاهر هو الأول لأن المقام لبيان ما هو خلقي على أن كون الطريقة بيضاء لا يستلزم كون الجبال كذلك إذ للجبال عروق لونها يخالف لونها وكذا العكس وهو أن كون الجبل أبيض لا يقتضي كون الطريقة كذلك فمن موافق ومن مخالف {مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} أي : ألوان تلك الجدد إلا أن قوله مختلف ألوانها صفة لكل واحدة من الجدد البيض والحمر بمعنى أن بياض كل واحدة من الجدد البيض وكذا حمرة الجدد الحمر يتفاوتان بالشدة والضعف.
فقوله : {بِيضٌ وَحُمْرٌ} وإن كان صفة لجدد فرب أبيض أشد بياضاً من أبيض آخر وكذا رب أحمر أشد حمرة من أحمر آخر فنفس البياض مختلف وكذا نفس الحمرة فلذلك جمع لفظ ألوان مضافاً إلى ضمير كل واحد من البيض والحمر فيكون كل واحد منهما من قبيل الكلي المشكك.
ويحتمل أن يكون قوله مختلف ألوانها صفة ثالثة لجدد فيكون ضمير ألوانها للجدد فيكون تأكيداً لقوله {بِيضٌ وَحُمْرٌ} ويكون اختلاف ألوان الجدد بأن يكون بعضها أبيض وبعضها أحمر فتكون الجدد كلها على لونين بياض
342
وحمرة إلا أنه عبر عن اللونين بالألوان لتكثير كل واحد منهما باعتبار محاله كذا في "حواشي ابن الشيخ".
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
(7/267)
يقول الفقير : من شاهد جبال ديار العرب في طريق الحج وغيرها وجد هذه الأقسام كلها فإنها وجددها مختلفة متلونة {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} عطف على بيض فيكون من تفاصيل الجدد والصفات القائمة بها كالبيض والحمر كأنه قيل ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود غرابيب.
وإنما وسط الاختلاف لأنه علم من الوصف بالغرابيب أنه ليس في الأسود اختلاف اللون بالشدة والضعف.
ويجوز أن يكون غرابيب عطفاً على جدد فلا يكون داخلاً في تفاصيل الجدد بل يكون قسيمها كأنه قيل ومن الجبال مخطط ذو جدد ومنها ما هو على لون واحد وهو السواد.
فالغرض من الآية إما بيان اختلاف ألوان طرائق الجبال كاختلاف ألوان الثمرات فترى الطرائق الجبلية من البعيد منها بيض ومنها حمر ومنها سود وإما بيان اختلاف ألوان الجبال نفسها وكل منها أثر دال على القدرة الكاملة كذا في "حواشي ابن الشيخ".
والغرابيب جمع غربيب كعفريت يقال : أسود غربيب أي شديد السواد الذي يشبه لون الغراب وكذا يقال : أسود حالك كما يقال : أصفر فاقع وأبيض يقق محركة وأحمر قان لخالص الصفرة وشديد البياض والحمرة وفي الحديث "إن الله يبغض الشيخ الغربيب" يعني الذي يخضب بالسواد كما في "تفسير القرطبي" والذي لا يشيب كما في "المقاصد الحسنة" والسود جمع أسود.
فإن قلت إذا كان الغربيب تأكيداً للأسود كالفاقع مثلاً للأصفر ينبغي أن يقال وسود غرابيب بتقديم السود إذ من حق التأكيد أن يتبع المؤكد ولا يتقدم عليه.
قلت : الغرابيب تأكيد لمضمر يفسره ما بعده والتقدير سود غرابيب سود فالتأكيد إذاً متأخر عن المؤكد وفي الإضمار ثم الإظهار مزيد تأكيد لما فيه من التكرار وهذا أصوب من كون السود بدلاً من الغرابيب كما ذهب إليه الأكثر حتى صاحب "القاموس" كما قال وأما غرابيب سود بدل لأن تأكيد الألوان لا يتقدم.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
{وَمِنَ النَّاسِ} (واز آدميان) {وَالدَّوَآبِّ} (واز هار ايان) جمع دابة وهي ما يدب على الأرض من الحيوان وغلب على ما يركب من الخيل والبغال والحمير ويقع على المذكر {وَالانْعَـامِ} (واز رند كان) جمع نعم محركة وقد يسكن عينه الإبل والبقر والضأن والمعز دون غيرها فالخيل والبغال والحمير خارجة عن الأنعام والمعنى ومنهم بعض {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} أو وبعضهم مختلف ألوانه بأن يكون أبيض وأحمر وأسود ولم يقل هنا ألوانها لأن الضمير يعود إلى البعض الدال عليه من {كَذَالِكَ} تم الكلام هنا وهو مصدر تشبيهي لقوله مختلف أي : صفة لمصدر مؤكد تقديره مختلف اختلافاً كائناً كذلك أي : كاختلاف الثمار والجبال {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَـامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} يعني (هركه نداند قدرت خدايرا بر آفريدن اشيا وعالم نبود بتحويل هر يزى از حالى بحالى كونه از خداى تعالى ترسد {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ} ) الخ.
وفي "الإرشاد" وهو تكملة لقوله تعالى : {إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ} بتعيين من يخشاه من الناس بعد بيان اختلاف طبقاتهم وتباين مراتبهم أما في الأوصاف المعنوية فبطريق التمثيل وأما في الأوصاف الصورية فبطريق التصريح توفية لكل واحدة منها حقها اللائق بها من البيان
343
أي : إنما يخشاه تعالى بالغيب العالمون به وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الجميلة لما أن مدار الخشية معرفة المخشى والعلم بشؤونه فمن كان أعلم به تعالى كان أخشى منه كما قال عليه السلام : "أنا أخشاكموأتقاكم له" ولذلك عقب بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته وحيث كان الكفرة بمعزل عن هذه المعرفة امتنع إنذارهم بالكلية انتهى.
وتقديم المخشي وهو المفعول للاختصاص وحصر الفاعلية أي : لا يخشى الله من بين عباده إلا العلماء ولو أخر لانعكس الأمر وصار المعني لا يخشون إلا الله وبينهما تغاير ففي الأول بيان أن الخاشعين هم العلماء دون غيرهم وفي الثاني بيان أن المخشي منه هو الله دون غيره.
وقرأ أبو حنيفة وعمر بن عبد العزيز وابن سيرين برفع اسم الله ونصب العلماء على أن الخشية استعارة للتعظيم فإن المعظم يكون مهيباً فالمعنى إنما يعظمهم الله من بين جميع عباده كما يعظم المهيب المخشي من الرجال بين الناس وهذه القراءة وإن كانت شاذة لكنها مفيدة جداً وجعل عبد الله بن عمر الخشية بمعنى الاختيار أي : إنما يختار الله من بين عباده العلماء {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} (غالبست در انتقام كشيدن از كسى كه نترسد از عقوبت او) {غَفُورٌ} للخاشعين وهو تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب من عصيانه ومن حق من هذه صفته أن يخشى.
قيل الخشية تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل يكون تارة بكثرة الجناية من العبد وتارة بمعرفة جلال الله وهيبته وخشية الأنبياء من هذا القبيل.
فعلى المؤمن أن يجتهد في تحصيل العلم بالله حتى يكون أخشى الناس فبقدر مراتب العلم تكون مراتب الخوف والخشية.
(7/268)
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
ـ روي ـ عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه سئل يا رسول الله أيّنا أعلم؟ قال : "أخشاكمسبحانه وتعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء" قالوا : يا رسول الله فأي الأصحاب أفضل؟ قال : "من إذا ذكرت الله أعانك وإذا نسيت ذكرك" قالوا : فأي الأصحاب شر؟ قال : "الذي إذا ذكرت لم يعنك وإذا نسيت لم يذكرك" قالوا : فأي الناس شر؟ قال : "اللهم اغفر للعلماء العالم إذا فسد فسد الناس" كذا في "تفسير أبي الليث" :
علم جندانكه بيشتر خوانى
ون عمل در تونيست نادانى
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا عالمين ومحققين وفي الخوف والخشية صادقين ومحققين.
{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَـامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُه كَذَالِكَا إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَـاؤُا إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ * إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَـارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِه إِنَّه غَفُورٌ شَكُورٌ} .
{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـابَ اللَّهِ} أي : يداومون على تلاوة القرآن ويعملون بما فيه إذ لا تنفع التلاوة بدون العمل والتلاوة القراءة أعم متتابعة كالدراسة والأوراد الموظفة والقراءة منها لكن التهجي وتعليم الصبيان لا يعد قراءة ولذا قالوا : لا يكره التهجي للجنب والحائض والنفساء بالقرآن لأنه لا يعد قارئاً وكذا لا يكره لهم التعليم للصبيان وغيرهم حرفاً حرفاً وكلمة كلمة مع القطع بين كل كلمتين {وَأَقَامُوا الصَّلَواةَ} بآدابها وشرائطها وغاير بين المستقبل والماضي لأن أوقات التلاوة أعم بخلاف أوقات الصلاة وكذا أوقات الزكاة المدلول عليها بقوله : {وَأَنفَقُوا} في وجوه البر يعني : (ازدست بيرون كنند درويشانرا) {مِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ} أعطيناهم يعني : (از آنه روزى داده ايم ايشانرا {سِرًّا وَعَلانِيَةً} ) وهي ضد السر وأكثر ما يقال ذلك في المعاني دون الأعيان يقال أعلنته فعلن أي : في السر والعلانية أو إنفاق سر وعلانية أو ذوي سر وعلانية بمعنى مسرين ومعلنين كيفما اتفق من غير قصد إليهما.
وقال الكاشفي : {سِرًّا} (
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
نهان از خوف آنكه براي آميخته هنكردد {وَعَلانِيَةً}
344
واشكار بطمع آنكه سبب رغبت ديكران كردد بتصدق) فالأولى هي المسنونة والثانية هي المفروضة وفيهما إشارة إلى علم الباطن والظاهر وفيه بعث للمنفق على الصدقة في سبيل الله في عموم الأوقات والأحوال {يَرْجُونَ} خبر إن {تِجَـارَةً} تحصيل ثواب بالطاعة والتاجر الذي يبيع ويشتري وعمله التجارة وهي التصرف في رأس المال طالباً للربح قيل : وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذه اللفظة وأما تجاه فأصله وجاه وتجوب فالتاء فيه للمضارعة {لَّن تَبُورَ} البوار فرط الكساد والوصف بائر.
ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد عبر بالبوار عن الهلاك مطلقاً ومن الهلاك المعنوي ما في قولهم خذوا الطريق ولو دارت وتزوجوا البكر ولو بارت واسكنوا المدن ولو جارت.
والمعنى لن تكسد ولن تهلك مطلقاً بالخسران أصلاً وبالفارسية : (فاسد نبود وزيان بدان نرسيد بلكه در دوز قيامت متاع اعمال ايشان رواجي تمام يابد).
قال في "الإرشاد" قوله : {لَّن تَبُورَ} صفة للتجارة جيىء بها للدلالة على أنها ليست كسائر التجارات الدائرة بين الربح والخسران لأنه اشتراء باق بفان والإخبار برجائهم من أكرم الأكرمين عدة قطعية بحصول مرجوهم.
{لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} (التوفية : تمام بدادن) والأجر ثواب العمل وهو متعلق بلن تبور على معنى أنه ينتفي عنها الكساد وتنفق عند الله ليوفيهم بحسب أعمالهم وخلوص نياتهم أجور أعمالهم من التلاوة والإقامة والإنفاق فلا وقف على لن تبور {وَيَزِيدَهُم} (وزياده كند بر ثواب ايشانرا) {مِّن فَضْلِهِ} أي : جوده وتفضله وخزائن رحمته ما يشاء مما لم يخطر ببالهم عند العمل ولم يستحقوا له بل هو كرم محض ومن فضله يوم القيامة نصبهم في مقام الشفاعة ليشفعوا فيمن وجبت لهم النار من الأقرباء وغيرهم {إِنَّه غَفُورٌ} تعليل لما قبله من التوفية والزيادة أي : غفور لفرطاتهم.
وفي "بحر العلوم" ستار لكل ما صدر عنهم مما من شأنه أن يستر محاء له عن قلوبهم وعن ديوان الحفظة {شَكُورٌ} لطاعتهم أي : مجازيهم عليها ومثيب.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
(7/269)
وفي "التأويلات النجمية" : غفور يغفر تقصيرهم في العبودية شكور يشكر سعيهم مع التقصير بفضل الربوبية.
قال أبو الليث : الشكر على ثلاثة أوجه : الشكر ممن دونه يكون بالطاعة وترك مخالفته.
والشكر ممن هو شكله يكون بالجزاء والمكافأة.
والشكر ممن فوقه يكون رضى منه باليسير كما قال : بعضهم الشكور هو المجازي بالخير الكثير على العمل اليسير والمعطي بالعمل في أيام معدودة نعماً في الآخرة غير مجذوذة ومن عرف أنه الشكور شكر نعمته وآثر طاعته وطلب رحمته وشهد منته.
قال الغزالي رحمه الله : وأحسن وجوه الشكر لنعم الله أن لا يستعملها في معاصيه بل في طاعاته.
وخاصة هذا الاسم إنه لو كتبه إحدى وأربعين مرة من به ضيق في النفس وتعب في البدن وثقل في الجسم وتمسح به وشرب منه برىء بإذن الله تعالى وإن تمسح به ضعيف البصر على عينيه وجد بركة ذلك.
{لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِه إِنَّه غَفُورٌ شَكُورٌ * وَالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَـابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْه إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِه لَخَبِيرُا بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} .
{وَالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَـابِ} وهو القرآن ومن للتبيين أو للجنس أو للتبعيض {هُوَ الْحَقُّ} الصدق لا كذب فيه ولا شك {مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي : حال كونه موافقاً لما قبله من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء في العقائد وأصول الأحكام وهو حال مؤكدة أي : أحقه مصدقاً لأن حقيته لا تنفك عن هذا التصديق {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ}
345
متعلق بقوله : {لَخَبِيرُا بَصِيرٌ} وتقديمه عليه لمراعاة الفاصلة التي على حرف الراء أي : محيط ببواطن أمورهم وظواهرها فلو كان في أحوالك ما ينافي النبوة لم يوح إليك مثل هذا الحق المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب يعرف صدقها منه وتقديم الخبير للتنبيه على أن العمدة في ذلك العلم والإحاطة هي الأمور الروحانية.
وفي "التأويلات النجمية" : {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ} من أهل السعادة وأهل الشقاوة {لَخَبِيرُ} لأنه خلقهم {بَصِيرٌ} بما يصدر منهم من الأخلاق والأعمال انتهى فقد أعلم الله تعالى حقية القرآن ووعد على تلاوته والعمل به الأجر الكثير ولا يحصل أجر التلاوة للأمي إذ لا تلاوة له بل للقارىء فلا بد من التعلم والاشتغال في جميع الأوقات ، قال المولى الحامي :
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
ون زنفس وحديثش آيى تنك
بكلام قديم كن آهنك
مصحفى جو و شاهد مهوش
بوسه زن دركنار خويشش كش
حرف او كن حواس جسماني
وقف او كن قواى روحاني
دل بمعنى زبان بلفظ سار
شم بر خط نه ونقط بكذار
وفي الحديث : "إذا كان يوم القيامة وضعت منابر من نور مطوقة بنور عند كل منبر ناقة من نوق الجنة ينادي منادٍ اين من حمل كتاب الله اجلسوا على هذه المنابر فلا روع عليكم ولا حزن حتى يفرغ الله مما بينه وبين العباد فإذا فرغ الله من حساب الخلق حملوا على تلك النوق إلى الجنة" وفي الحديث : "إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء والنجاة يوم الحشر والظل يوم الحرور والهدى يوم الضلالة فادرسوا القرآن فإنه كلام الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان".
ذكر في "القنية" أن الصلاة على النبي عليه السلام والدعاء والتسبيح أفضل من قراءة القرآن في الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها.
فالمستحب بعد الفجر مثلاً ذكر الله تعالى كما هو عادة الصوفية إلى أن تطلع الشمس فإن هذا الوقت وإن جاز فيه قضاء الفوائت وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة ولكن يكره التطوع فهو منهي عنه فيه وكذا المنذورة وركعتا الطواف وقضاء تطوع إذا أفسده لأنها ملحقة بالنفل إذ سبب وجوبها من جهته جعلنا الله وإياكم من المغتنمين بتلاوة كتابه والمتشرفين بلطف خطابه والواصلين إلى الأنوار والأسرار.
{ثُمَّ} للترتيب والتأخير أي : بعدما أوحينا إليك أو بعد كتب الأولين كما دل ما قبله على كل منهما.
وسئل الثوري على ماذا عطف بقوله ثم قال على إرادة الأزل والأمر المقضي أي : بعدما أردنا في الأزل {أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ} أي : ملكنا بعظمتنا ملكاً تاماً وأعطينا هذا القرآن عطاء لا رجوع فيه.
قال الراغب الوراثة انتقال قينة إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد وسمي بذلك المنتقل عن الميت ويقال لكل من حصل له شيء من غير تعب قد ورث كذا انتهى وسيأتي بيانه {الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} الموصول مع صلته مفعول ثان لأورثنا.
والاصطفاء في الأصل تناول صفو الشيء بالفارسية : (بركزيدن وعباد اينجا بموضع كرامت است اكره كه نسبت عبوديت آدمرا حقيقت است) كما في "كشف الأسرار" والمعنى بالفارسية : (آنا نرا كه بركزيديم از بندكان ما "وهم الأمة بأسرهم"
346
(7/270)
زيرا آن روز كه اين آيت آمد مصطفى عليه السلام سخت شاد شد وازشادى كه بوى رسيد سه بار بكفت) امتى ورب الكعبة والله تعالى اصطفاهم على سائر الأمم كما اصطفي رسولهم على جميع الرسل وكتابهم على كل الكتب وهذا الإيراث للمجموع لا يقتضي الاختصاص بمن يحفظ جميع القرآن بل يشمل من يحفظ منه جزء ولو أنه الفاتحة فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكن واحد منهم يحفظ جميع القرآن ونحن على القطع بأنهم مصطفون كما في "المناسبات".
قال الكاشفي : (عطارا ميراث خواند ه ميراث خواند ه ميراث مالى باشدكه بى تعب طلب بدست آيد همنين عطيه قرآن بى جست وجوى مؤمنان بمحض عنايت ملك منان بديشان رسيد وبيكانكان را درميراث دخل نيست دشمنان نيز وبهر هاى اهل قرآن متفاوتست هركس بقدر استحاق واندازه استعداد خود از حقائق قرآن بهره مند شوند) :
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
زين بزم يكى جرعه طلاب كرد يكى جام†
وفي "التأويلات النجمية" : إنما ذكر بلفظ الميراث لأن الميراث يقتضي صحة النسب أو صحة السبب على وجه مخصوص فمن لا سبب له ولا نسب له فلا ميراث له فالسبب ههنا طاعة العبد والنسب فضل الرب فأهل الطاعة هم أهل الجنة كما قال تعالى : {أولئك هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} (المؤمنون : 10 ـ 11) فهم ورثوا الجنة بسبب الطاعة وأصل وراثتهم بالسببية المبايعة التي جرت بينهم وبين الله بقوله : {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة : 111) فهؤلاء أطاعوا الله بأنفسهم وأموالهم فأدخلهم الله الجنة جزاء بما كانوا يعملون وأهل الفضل هم أهل الله وفضله معهم بأن أورثهم المحبة والمعرفة والقربة كما قال : {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (المائدة : 54) الآية.
ولما كانت الوراثة بالسبب والنسب وكان السبب جنساً واحداً كالزوجية وهما صاحبا الفرض وكان النسب من جنسين الأصول كالآباء والأمهات والفروع كل ما يتولد من الأصول كالأولاد والأخوة والأخوات وأولادهم والأعمام وأولادهم وهم صاحب فرض وعصبة فصار مجموع الورثة ثلاثة أصناف : صاحب الفرض بالسبب وصنف صاحب الفرض بالنسب وصنف صاحب الباقي وهم العصبة كذلك الورثة ههنا ثلاثة أصناف كما قال تعالى : {فَمِنْهُمْ} أي : من الذين اصطفينا من عبادنا {ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} في العمل بالكتاب وهو المرجأ لأمر الله أي : الموقوف أمره لأمر الله إما يعذبه وإما يتوب عليه وذلك لأنه ليس من ضرورة وراثة الكتاب مراعاته حق رعايته لقوله تعالى : {فَخَلَفَ مِنا بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَـابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـاذَا الادْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} (الأعراف : 169) الآية ولا من ضرورة الاصطفاء المنع عن الوصف بالظلم هذا آدم عليه السلام اصطفاه الله كما قال : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ} (آل عمران : 33) وهو القائل : {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} (الأعراف : 23) الآية.
سئل أبو يزيد البسطامي قدس سره : أيعصي العارف الذي هو من أهل الكشف؟ فقال : نعم {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} يعني إن كان الحق قدر عليه في سابق علمه شيئاً فلا بد من وقوعه.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
واعلم أن الظلم ثلاثة : ظلم بين الإنسان وبين الله وأعظمه الكفر والشرك والنفاق ، وظلم بينه وبين الناس ، وظلم بينه وبين نفسه وهو المراد بما في الآية كما في "المفردات".
وتقديم الظلم بالذكر لا يدل على تقديمه في الدرجة لقوله تعالى : {فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ} كما في
347
"الأسئلة المقحمة".
وقال بعضهم : قدم الظالم لكثرة الفاسقين ولأن الظلم بمعنى الجهل والركون إلى الهوى مقتضى الجبلة والاقتصاد والسبق عارضان.
وقال أبو الليث الحكمة في تقديم الظالم وتأخير السابق كي لا يعجب السابق بنفسه ولا ييأس الظالم من رحمة الله يعني : (ابتداء بظالم كرد تا شرم زده نكردند وبرحمت بى غايت او اميدوار باشند) :
نيايد از من آلوده طاعت خالص
ولى برحمت وفضلت اميدوارى هست
وقال القشيري في الإرث يبدأ بصاحب الفرض وإن قل نصيبه فكذا ههنا بدأ بالظالم ونصيبه أقل من نصيب الآخرين (وكفته اند تقديم ظالم ازروى فضلست وتأخيرش ازراه عدل وحق سبحانه فضل را از عدل دوستر دارد وتأخير سابق جهت آنست كه تابثواب كه دخول جنانست اقرب باشد يا بجهت آنكه اعتماد بر عمل خود نكند وبطاعت معجب نكرددكه عجب آتشيست كه ون برافروخته شود هزارخر من عبادت بدوسوخته شود) :
اى سر عجب آتشى عجبست
كرم ساز تنور بو لهبست
هركجا شعله ازو افروخت
هره از علم وزهد ديدبسوخت
(7/271)
{وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ} يعمل بالكتاب في أغلب الأوقات ولا يخلو من خلط الشيء وبالفارسية : (وهست از ايشان كه راه ميان رفت نه هنر سابقان ونه تفريط ظالمان) فان الاقتصاد بالفارسية : (ميان رفتن دركار) وإنما قال مقتصد بصيعة الافتعال لأن ترك الإنسان للظلم في غاية الصعوبة {وَمِنْهُمْ سَابِقُ} أصل السبق التقدم في السير ويستعار لاحراز الفضل فالمعنى متقدم إلى ثواب الله وجنته ورحمته {بِالْخَيْرَاتِ} بالأعمال الصالحة بضم التعليم والإرشاد إلى العلم والعمل والخير ما يرغب فيه الكل كالعقل والعدل والفضل والشيء النافع وضده الشر.
قال بعض الكبار : وهذه الخيرات على قسمين : قسم من كسب العبد بتقديم الخيرات ، وقسم من فضل الرب بتواتر الجذبات إلى أن يسبق على الظالم لنفسه وعلي المقتصد بالسير بالله في الله وإن كان مسبوقاً بالذكر في الأخير كما كان حال النبي عليه السلام مسبوقاً بالخروج في آخر الزمان للرسالة سابقاً بالرجوع إلى الحضرة ليلة المعراج على جميع الأنبياء والرسل كما أخبر عن حال نفسه وحال سابقي أمته بقوله : "نحن الآخرون السابقون" أي : الآخرون خروجاً في عالم الصورة السابقون وصولاً إلى عالم الحقيقة.
وعن جعفر الصادق رضي الله عنه بدأ بالظالمين إخباراً أنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه وإن الظلم لا يؤثر في الاصطفاء ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكره وكلهم في الجنة بحرمة كلمة الإخلاص.
وقد روي أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له".
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
وقال أبو بكر بن الوراق رتبهم هذا الترتيب على مقامات الناس لأن أحوال العبد ثلاث : معصية وغفلة ثم توبة ثم قربة فإذا عصى دخل في حيز الظالمين وإذا تاب دخل في جملة المقتصدين وإذا صحت التوبة وكثرت العبادة والمجاهدة دخل في عداد السابقين.
والسابق على ضربين سابق ولد سابقاً وعاش سابقاً ومات سابقاً وسابق ولد سابقاً وعاش ظالماً ومات سابقاً فاسم الظالم عليهم عارية إذا ولدوا سابقين
348
وماتوا سابقين ولا عبرة بالظلم العارض بل العبرة بالأزل والأبد لا بالبرزخ بينهما فأما من ولد ظالماً وعاش ظالماً ومات ظالماً من هذه الأمة فهو من أهل الكبائر الذين قال النبي عليه السلام فيهم : "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".
فعلى هذا المقتصد من مات على التوبة والسابق من عاش في الطاعة ومات في الطاعة.
أو السابق هو الذي ترجحت حسناته بحيث صارت سيآته مكفرة وهو معنى قوله عليه السلام : "أما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب".
وأما المقتصد فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً.
وأما الذين ظلموا فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم يتلقاهم الله برحمته.
(7/272)
وههنا مقالات أخر كثيرة ذكرنا بعضاً منها على ترتيب الآية وهو أن المراد بالطوائف الثلاث التالي للقرآن تلاوة مجردة والقارىء له العامل به والقارىء العامل بما فيه والمعلم له.
أو من استغنى بماله ومن استغنى بدينه ومن استغنى بربه.
أو الذي يدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة والذي يدخله وقد أذن والذي يدخله قبل تأذين المؤذن وإنما كان الأول ظالماً لأنه نقص نفس الأجر فلم يحصل لها ما حصل لغيرها.
أو الذي يعبد الله على الغفلة والعادة والذي يعبده على الرغبة والرهبة والذي يعبده على الهيبة.
أو الذي شغله معاشه عن معاده والذي اشتغل بالمعاش والمعاد جميعاً والذي شغله معاده عن معاشه.
أو من يرتكب المعاصي غير مستحل لها ولا جاحد تحريمها ومن لا يزيد من الطاعات على الفرائض والواجبات ومن يكثر الطاعات ويبلغ النهاية فيها مع اجتناب المعاصي.
أو من هو معذب ناج ومن هو معاتب ناج ومن هو مقرب ناج.
أو الذي ترك الحرام والذي ترك الشبهة والذي ترك الفضل في الجملة.
أو الذي رجحت سيآته والذي ساوت حسناته سيآته والذي رجحت حسناته.
أو من ظاهره خير من باطنه ومن استوى ظاهره وباطنه ومن باطنه خير من ظاهره.
أو من أسلم بعد فتح مكة ومن أسلم بعد الهجرة قبل الفتح ومن أسلم قبل الهجرة.
أو أهل البدو يعني : (أهل باديه كه نه كمر جهاد بندند ونه دولت جماعت يابند) وأهل الحضر أي : الامصار وهم أصحاب الجماعات والجمعات وأهل الجهاد في سبيل الله.
أو من لا يبالي من أين أخذ من الحلال أو الحرام ومن أخذ من الحلال ومن ترك الدنيا لما أنه في حلالها حساب وفي حرامها عذاب.
أو الذي يطلب فوق القوت والكفاف والذي يطلب القوت لا الزيادة عليه والذي يتوكل على الله ويجعل جميع جهده في طاعته.
أو الذي يدخل الجنة بشفاعة الشافعين والذي يدخلها برحمة الله وفضله والذي ينجو بنفسه وينجو غيره بشفاعته.
أو الذي يضيع العمر في الشهوة والمعصية والذي يحارب فيهما والذي يجتهد في الزلات لأن محاربة الصديقين في الزلات ومحاربة الزاهدين في الشهوات ومحاربة التائبين في الموبقات.
أو من يطلب الدنيا تمتعاً ومن يطلبها تلذذاً ومن يتركها تزاهداً.
أو الذي يطلب ما لم يؤمر بطلبه وهو الرزق والذي يطلب ما أمر به وما لم يؤمر به والذي يطلب مرضاة الله ومحبته.
أو أصحاب الكبائر وأرباب الصغائر والمجتنب عنهما جميعاً فهذا القائل إنما حمل الأمر على أشده.
أو من يشتغل بعيب غيره ولا يصلح عيب نفسه ومن يطلب عيب نفسه ويطمع في عيب غيره أيضاً أو من يشتغل بعيب نفسه ولا يطلب عيب غيره أصلاً.
أو الجاهل والمتعلم والعالم (يا آنكه انصاف ستاند وندهد وآنكه هم ستاند وهم دهد وآنكه او دهد
349
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
ونستاند يا طالب نجاة ودرجات ومناجات يا ناظر از خود بخود ونكرنده از خود بآخرت وناظر از حق بحق يا آنكه يوسته درخواب غفلت باشد وآنكه كاهى بيدار كردد وآنكه هميشه يدار بود).
أو الزاهد لأنه ظلم نفسه بترك حظه من الدنيا والعارف والمحب.
أو الذي يجزع عند البلاء والصابر على البلاء والمتلذذ بالبلاء.
أو من ركن إلى الدنيا ومن ركن إلى العقبى ومن ركن إلى المولى.
نعيم هر دو جهان ميكنند برما عرض
دل ازميانه تمنا ندارد الا دوست
أو من جاد بنفسه ومن جاد بقلبه ومن جاد بروحه.
أو من له علم اليقين ومن له عين اليقين ومن له حق اليقين.
أو الذي يحب الله لنفسه والذي يحبه الله والذي أسقط عنه مراده لمراد الحق لم ير لنفسه طلباً ولا مراداً لغلبة سلطان الحق عليه.
أو من يراه في الآخرة بمقدار أيام الدنيا في كل جمعة مرة ومن يراه في كل يوم مرة ومن هو غير محجوب عنه ولو ساعة.
أو من هو في ميدان العلم ومن هو في ميدان المعرفة ومن هو في ميدان الوجد.
أو السالك والمجذوب والمجذوب السالك فالسالك هو المتقرب والمجذوب هو المقرب والمجذوب السالك هو المستهلك في كمالات القرب الفاني عن نفسه الباقي بربه.
أو من هو مضروب بسوط الأمل مقتول بسيف الحرص مضطجع عل باب الرجاء ومن هو مضروب بسوط الحسرة مقتول بسيف الندامة مضطجع على باب الكرم ومن هو مضروب بسوط المحبة مقتول بسيف الشوق مضطجع على باب الهيبة.
اكر عاشقى خواهى آموختى
بكشتن فرج يابى از سوختن
مكن كريه بركور مقتول دوست
قل الحمدكه مقبول اوست
فالظالم على هذه الأقاويل كلها هو المؤمن.
(7/273)
وأما قول من قال : الظالم لنفسه آدم عليه السلام والمقتصد إبراهيم عليه السلام والسابق محمد عليه السلام ففيه أن الآية في حق هذه الأمة إلا أن يعاد الضمير في قوله منهم إلى العباد مطلقاً.
فإن قلت هل يقال إن آدم ظلم نفسه؟ قلت : هو قد اعترف بالظلم لنفسه في قوله : "ربنا ظلمنا أنفسنا" وإن كان الأدب الإمساك عن مثل هذا المقال في حقه وإن كان له وجه في الجملة كما قال الراغب الظلم يقال في مجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة ويقال فيما يقل ويكثر من التجاوز ولهذا يستعمل في الذنب الكبير والصغير ولذلك قيل لآدم ظالم في تعديه ولإبليس ظالم وإن كان بين الظلمين بون بعيد انتهى {بِإِذْنِ اللَّهِ} جعله في "كشف الأسرار" متعلقاً بالأصناف الثلاثة على معنى ظلم الظالم وقصد المقتصد وسبق السابق بعلم الله وإرادته.
والظاهر تعلقه بالسابق كما ذهب إليه أجلاء المفسرين على معنى بتيسيره وتوفيقه وتمكينه من فعل الخير لا باستقلاله.
وفيه تنبيه على عزة منال هذه الرتبة وصعوبة مأخذها.
قال القشيري قدس سره : كأنه قال يا ظالم ارفع رأسك فإنك وإن ظلمت فما ظلمت إلا نفسك ويا سابق اخفض رأسك فإنك وإن سبقت فما سبقت إلا بتوفيقي {ذَالِكَ} السبق بالخيرات {هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} من الله الكبير لا ينال إلا بتوفيقه أو ذلك الإيراث والاختيار فيكون بالنظر إلى جمع المؤمنين من الأمة وكونه فضلاً لأن القرآن
350
أفضل الكتب الإلهية وهذ الأمة المرحومة أفضل جميع الأمم السابقة.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
وفي "التأويلات النجمية" : أي : الذي ذكر من العالم مع السابق في الإيراث واصطفاء ودخول الجنة ومن دقائق حكمته أنه تعالى ما قال في هذا المعرض الفضل العظيم لأن الفضل العظيم في حق الظالم أن يجمعه مع السابق في الفضل والمقام كما جمعه معه في الذكر.
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِه وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقُا بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه ذَالِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّـاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَا إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} .
{جَنَّـاتُ عَدْنٍ} يقال عدن بمكان كذا إذا استقر ومنه المعدن لمستقر الجواهر كما في "المفردات" أي : بساتين استقرار وثبات وإقامة بلا رحيل لأنه لا سبب للرحيل عنها وهو إما بدل من الفضل الكبير بتنزيل السبب منزلة المسبب أو مبتدأ خبره قوله تعالى {يَدْخُلُونَهَا} جمع الضمير لأن المراد بالسابق الجنس وتخصيص حال السابقين ومالهم بالذكر والسكوت عن الفريقين الآخرين وإن لم يدل على حرمانهما من دخول الجنة مطلقاً لكن فيه تحذير لهما من التقصير وتحريض على السعي في إدراك شؤون السابقين.
وقال بعضهم : المراد بالأصناف الثلاثة الكافر والمنافق والمؤمن أو أصحاب المشأمة وأصحاب الميمنة ومن أريد بقوله تعالى : {وَالسَّـابِقُونَ السَّـابِقُونَ} (الواقعة : 10) أو المنافقون والمتابعون بالإحسان وأصحاب النبي عليه السلام أو من يعطي كتابه وراء ظهره ومن يعطي كتابه بشماله ومن يعطي كتابه بيمينه.
فعلى هذه الأقوال لا يدخل الظالم في الجنات لكونه غير مؤمن وحمل هذا القائل الاصطفاء على الاصطفاء في الخلقة وإرسال الرسول إليهم وإنزال الكتاب والأول هو الأصح وعليه عامة أهل العلم كما في "كشف الأسرار".
قال أبو الليث في تفسير أول الآية وآخرها دليل على أن الأصناف الثلاثة كلهم مؤمنون.
فأما أول الآية فقوله : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ} فأخبر أنه أعطى الكتاب لهؤلاء الثلاثة.
وأما آخر الآية فقوله : {يَدْخُلُونَهَا} إذ لم يقل يدخلانها.
جزء : 7 رقم الصفحة : 311
ـ وروي ـ عن كعب الأحبار أنه قيل له ما منعك أن تسلم على يدي رسول الله عليه السلام قال : كان أبي مكنني من جميع التوراة إلا ورقات منعني أن أنظر فيها فخرج أبي يوماً لحاجة فنظرت فيها فوجدت فيها نعت أمة محمد وأن يجعلهم الله يوم القيامة ثلاثة أثلاث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حساباً يسيراً ويدخلون الجنة وثلث تشفع لهم الملائكة والنبيون فأسلمت وقلت لعلي أكون من الصنف الأول وإن لم أكن من الصنف الثاني أو من الصنف الثالث فلما قرأت القرآن وجدتها في القرآن وهو قوله تعالى : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـابَ} إلى قوله : {يَدْخُلُونَهَا} .
(7/274)