« انكم سترون ربكّم كما ترون الشمس والقمر » وهما فى شأنهما متوسطان فى القرب والبعد فغاية القرب حجاب كما ان غاية البعد حجاب والكل يراه فى الدنيا لا يعرف انه هو وفرق بين العارف وغيره ألا ترى انه ذا كان فى قلبك لقاء شخص وأنت لا تعرفه بيعنه فلقيك وسلم عليك وانت لم تعرفه فقد رأيته وما رأيته كالسلطان اذ دار فى بلده متنكرا فانه يراه كثير من الناس ولا يعرفه ثم ان منهم من يقول لم يتيسر لى رؤية السلطان الى الآن وأنا أريد أن انظر اليه مع انه نظر اليه مرارا فهو فى حال بصره اعمى فما اشد حجابه ثم انه لو اتفق له النظر اليه فربما لا يتعمق ففرق بين ناظر وناظر بحسب حدة بصره وضعفه ولذا قالوا انما تفاوتت الافراد فى حضرة الشهود مع كونهم على بساط الحق الذى لا نقص فيه لانهم انما يشهدون فى حقائقهم ولو شهدوا عين الذات لتساووا فى الفضيلة وقال بعضهم العارفين الخلق اقرب جار للحق تعالى وذلك من أعظم البشرى فان للجار حقا مشروعا معروفا يعرفه العلماء بالله فينبغى لكل مسلم أن يحضر هذا الجوار الالهى عند الموت حين يطلب من الحق ما يستحقه الجار على جاره من حيث ما شرع قال تعالى لنبيه عليه السلام قل رب احكم بالحق اى الحق الذى شرعته لنا تعاملنا به حتى لا ننكر شيأ منه مما يقتضيه الكرم الالهى فهو دعاء افتقار وخضوع وذل ( حكى ) ان الحجاج أراد قتل شخص فقال لهلى اليك حاجة قال أريد أن امشى معك ثلا خطوات ففعل الحجاج فقال الشخص حق هذه الصبحة أن تعفو عنى فعفا عنه .(16/307)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)
{ ووجوه يومئذ } يتعلق بقوله { باسرة } اى شديدة العبوس مظلمة ليس عليها أثر السرور اصلا وهى وجوه الكفرة والمنافقين وقال الراغب البسر الاستعجال بالشئ قبل أوانه فان قيل فقوله وجوه يومئذ باسره ليس يفعلون ذلك قبل الموت وقد قلت ان ذلك يقال فيما كان قبل وقته قيل ان ذلك اشارة الى حالهم قبل الانتهاء بهم الى النار فخص لفظ البسر تنبيها على ان ذلك مع ما ينالهم من بعد يجرى مجرى التكلف ومجرى ما فيعل قبل وفنه ويدل على ذلك قوله تعالى { تظن } تتوقع اربابها بحسب الامارات والجملة خبر بعد خبر رجح ابو حيان والطبي تفسير الظن بمعنى اليقين ولا ينافيهأن المصدرية كما توهم فانها انما لا تقع بعد فعل التحقق الصرف فاما بعد فعل الظن او ما يؤدى معنى العلم فتجيئ المصدرية والمشددة والمخففة نص عليه الرضى { ان يفعل بها فاقرة } داهية عظيمة تقصم فقار الظهر ومنه سمى الفقير فان الفقر كسر فقار ظهره فجعله فقيرا اى مفقورا وهو كناية عن غاية الشدة وعدم القدرة على التحمل فهى تتوقع ذلك كما تتوقع الوجوه الناضرة أن يفعل بها كل خير بناء على ان قضية المقابلة بين الآيتين تقتضى ذلك قال بعضهم اصح آنست كه آن بلا حجابست ازرؤيت رب الارباب ( مصراع ) كه از فراق بتردرجهان بلايى نيست .
وفى التأويلات النجمية وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة لا الى غيره بسبب الاعراض عن الدنيا فى هذا اليوم والاقبال على الله ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة بسبب الاقبال على الدنيا فى هذا اليوم والادبار عن الله جزآء وفاقا وقال بعضهم وجوه يومئذ ناضرة للتنوي رنوبر القدس والاتصال بعالم النور والسرور والنعيم الدائم ووجوه يومئذ باسرة كالجه لجهامة هيئتها وظلمة ما بها من الجحيم والنيران وسماجة ما تاره هنالك من الاهوال وسوء الجيران .(16/308)
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)
{ كلا } ردع عن ايصار العاجلة عن الآخرة اى ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا لما بين ايديكم من الموت الذى ينقطع عنده ما بينكم وبين العاجلة من العلاقة { اذا بلغت التراقى } الضمير للنفس وان لم يجر لاه ذكر لان الكلام الذى وقعت فيه يدل عليها وتقول العرب ارسلت يريدون جاء المطر ولا تكاد تسمعهم بذكرون السماء اى اذا بلغت النفس الناطقة وهى الروح الانسانى أعالى الصدر وهى العظام المكتنفة لثغره النحر عن يمين وشمال فاذا بلغت اليها يكون وقت الغرغرة وبالفارسية جون برسد روح باستخوا نهاى سينه وكردن .
وفى كشف الاسرار وقت كه جان بجنبر كردن رسد . جمع ترقوة بفتح التاء والواو وسكون الرآء وضم القاف قال فى القاموس الترقوة ولا تضم تاؤه العظم بين ثغرة النحر والعاتق انتهى .
والعاتق موضع الردآء من المنكب قال بعضهم لكل احد ترقوتان ولكن جمع التراقى باعتبار الافراد وبلوغ النفس التراقى كناية عن عدم الاشفاء يعنى بكناره اورسيدن ونزديك شدن .
والعامل فى اذا بلغت معنى قوله الى ربك يومئذ المساق اى اذا بلغت النفس الحلقوم رفعت وسيقت الى الله اى الى موضع امر الله ان ترفع اليه .(16/309)
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)
{ وقيل من راق } معطوف على بلغت وقف حفص على من وقفة يسيرة من غير تنفس قال بعضهم لعل وجهه استثقال الرآء المشددة التى بعدها قاف غليظة تلفظ فى الادغام واستكراه القطع التام بين المبتدأ والخبر والاستفهام والمستفهم عنه فى النفس والفرار من الاظهار دون سكتة لانه يعد من اللحن عند اتصال النون الساكنة بالرآء بين اهل القرءآة وقال من حضر صاحبها من يرقيه يعنى افسون ميكنند . وينجيه مما هو فيه من الرقية وهو التعويد بام به يحصل الشفاء كما يقال بسم الله أرقيك وفعله من باب ضرب والاستفهام على هذا يحتمل أن يكون بمعنى الطلب كأن الذين حول ذلك الانسان طلبوا له طبيبا يعالجه وراقيا يرقيه ويحتمل أن يكون استفهام بمعنى الانكار كما يقال عند اليأس من الذى يقدر أن يرقى هذا الانسان المشرف على الموت وهو الظاهر كما قال الراغب من راق اى من يرقية تنبيها على انه لا راقى يرقيه فيحييه وذلك اشارة الى نحو ما قال
واذا المنية انشبت اظفارها ... الفيت كل تميمة لا تنفع
التميمة خرزات كان العرب يعلقونها على اولادهم خوفا من العين وهو باطل لقوله عليه السلام من علق تميمة فقد أشرك واياها أراد صاحب البيت المذكور وقيل هو من كلام ملائكة الموت يقولون أيكم يرقى بروحه ملائكة الرحمة او ملائكة العذاب من الرقى وفعله من باب علم وقول ملائكة الرحمة لا يمانعه قوله فلا صدق ولا صلى الآيات لان الضمير فيه لجنس الانسان فلا يتعين كون المختضر من اهل النار قال الكلبى يحضر العبد عند الموت سبعة املاك من ملائكة الرحمه وسبعة من ملائكة العذاب مع ملك الموت فاذا بلغت نفس العبد التراقى نظر بعذهم الى بعض أيهم يرقى بروحه الى السماء فهو قوله من راق وقال ابن عباس رضى الله عنهما ان الملائكة يكرهون القرب من الكافر فيقول ملك الموت من يرقى بروح هذا الكافر .(16/310)
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)
{ وظن انه الفراق } وأيقن المتحضر حين عاين ملائكة الموت ان ما نزل به هو الفراق من الدنيا المحبوبة ونعيمها الى ضيع العمر النفيس فى كسب متاعها الخسيس وعبر عما حصل لهمن المعرفة حينئذ بالظن لان الانسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه فانه يطمع فى الحياة لشدة حبه لهذا الحياة العاجلة ولا ينقطع رجاؤه عنها فلا يحصل له يقين الموت بل ظنه الغالب على رجاء الحياة قال الامام هذه الآية تدل على ان الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد موت المعدن لان الله تعالى سمى الموت فراقا والفراق انما يكون اذا كانت الروح باقية فان الفراق والوصال صفة وهى تستدعى وجود الموصوف قال المزنى دخلت على الشافعى فى مرة موته فقلت كيف أصبحت قال أصبحت من الدنيا راحلا وللاخوان مفارقا ولسوء عمى ملاقيا ولكأس المنية شاربا وعلى الله وارادا فلا ادرى أروحى تصير الى الجنة فأهنيها ام الى النار فأعزيها ثم أنشأ يقول
ولما قسا قلبى وضاقت مذاهبى ... جعلت رجائى نحو عفوك سلما
تعاظمنى ذنبى فلما قرنته ... بعفوك ربى كان عفوك اعظما
وقال بعضهم
فراق ليس يشبهه فراق ... قد انقطع الرجاء عن التلاق
وفى الحديث ان العبد ليعالج كرب الموت وسكراته وان مفاصله ليسلم بعضها على بعض يقول السلام عليك أفارقك وتفارقنى الى يوم القيامة ( قال الشيخ سعدى )
كوس رحلت بكوفت دست اجل ... اى در جشمم وداع سر بكنيد
اى كف ودست وساعد وبازو ... همه توديع يكدكر بكنيد
بر من افتاده مرك دشمن كام ... آخر اى دوستان كذر بكنيد
روز كارم بشد بنادانى ... من نكردم از شما حذر بكنيد
قال يحيى بن معاذ رحمه الله اذا دخل الميت القبر قام على شفير قبره اربعة املاك واحد عند رأسه والثانى عند رجليه والثالث عن يمينه والرابع عن يساره فيقول الذى عند رأسه يا ابن آدم ارفضت الآجال اى تفرقت وأنصيت الآمال اى هزلت ويقول الذى عن يمينه ذهبت الاموال وبقيت الاعمال ويقول الذى عن يساره ذهبت الاشغال وبقى الوبال ويقول الذى عند رجليه طوبى لك ان كان كسبك من الحالا وكنت مشتغلا بخدمة ذى الجلال .(16/311)
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)
{ والتفت الساق بالساق } الالتفات برهم بيجبدن اى والتفت ساقه بساقه والتوت عليها عند قلق الموت فالساق العضو المخصوص والتفافهما اجتماعهما والتوآء اجناهما بالاخرى او التفت شدة فراق الدنيا بشدة اقبال الآخرة على ان الساق مثل فى الشدة وجه المجاز ان الانسان اذا دهمته شدة شمر لها عن ساقيه فقيل للامر الشديد ساق من حيث ان ظهورها لازم لظهور ذلك الامر وقد سبق فى قوله تعالى يوم يكشف عن ساق وعن سعيد بن مسيب هما ساقاه حين تلفان فى اكفانه .(16/312)
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)
{ الى ربك يومئذ المساق } اى الى الله والى حكمه يساق الانسان لا الى غيره اى يساق الى حيث لا حكم هناك الا الله ( وقال الكاشفى ) بسوى جزاى بروردكارتوا آروز باز كشت باشد همه كس را .
فالمساق مصدر ميمى بمعنى السوق بالفارسية راندن . والألف واللام عوض عن المضاف اليه اى سوق الانسان .(16/313)
فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)
{ فلا صدق } الانسان ما يجب تصديقه من الرسول والقرءآن الذى نزل عليه اى لم يصدق فلا ههنا بمعنى لم وانما دخلت على الماضى لقوة التكرار يعنى حسن دخول لا على الماضى تكراره كما تقول لا قام ولا قعد وقلما تقول العرب لا وحدها حتى نتبعها اخرى تقول لا زيد فى الدار ولا عمرو أو فلا صدق ماله بمعنى لا زكاة فحينئذ يطلب وجه لترجيح الزكاة على الصلاة مع ان دأب القرءآن تقديم الصلاة ولعل وجهه ما كان كفار مكة عليه من منع المساكين وعدم الحض على طعامهم فى وقت الضرورة القوية وايضا لى أخير ولا صلى مراعاة الفواصل كما لا يخفى { ولا صلى } ما فرض عليه وفيه دلالة على ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤاخذة يعنى ان الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة كما يستحقها بترك الايمان وان لم يجب ادآؤها عليه فى الدنيا .(16/314)
وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)
{ ولكن كذب } ما ذكر من الرسول والقرءآن والاستدراك لدفع احتمال الشك فان نفى التصديق لا يستلزم أثبات التكذيب لكون الشك بين التصديق والتكذيب فاذا لا تكرار فى الآية { وتولى } واعرض عن الطاعة لله ولرسوله .(16/315)
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)
{ ثم ذهب الى اهله } اهل بيته او الى اصحابه { يتمطى } يتبختر ويختال فى مشيه افتخارا بذلك وبالفارسية بس باز كشبت بسوى كسان خودمى خراميد ازروى افتخاركه من جنين وجنين كارى كرده ام يعنى تكذيب وتولى .
من المط وهو المد فان المتبختر يمد خطاه يعنى ان التمدد فى المشى من لوازم التبختر فجعل كناية عنه فيكون أصله يتمطط بمعنى يتمدد ابدلت الطاء الاخيرة ياء كراهة اجتماع الامثال كما فى تقضى البازى او من المطا مقصورا وهو الظهور فانه يلويه ويحركه فى تبختره فألفه مبدلة من واو ويتمطى جملة حالية من فاعل ذهب وفى الحديث اذا مشت امتى المطيطاء وخدمتهم فارس والروم كأن بأسهم بينهم والمطيطاء كحميرآء التبختر ومد اليدين فى المشى والبأص شدة الحرب .(16/316)
أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)
{ اولى لك } واى برتواى انسان مكذب { فأولى } بس واى برتو .(16/317)
ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)
{ ثم اولى لك فأولى } تكرير للتأكيد فهو مستعمل فى موضع ويل لك مشتق من الولى وهو القرب والمراد دعاء عليه بأن يليه مكروه وأصله اولاك الله ما تكرهه واللام مزيدة كما فى ردف لكم نقل الثلاثى الى أفعل فعدى الى مفعولين وفى القاموس أولى لك تهديد ووعيد أي قاربه ما يهلكه او أولى لك الهلاك فيكون اسما بمعنى احرى اى الهلاك أولى واحرى لك من كل شئ فيكون خبر مبتدأ محذوف ( وقال الكاشفى ) اولى لك سزاوارست ترامركى سخت فأولى بس سزاوارست ترا عذاب اليم در قبر ثم أولى لك بس نيك سزا وارست تراهول قيامت فأولى بس بغايت سزاست تراخلود در دوزخ .
وروى انه لما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله بمجامع ثوب أبى جهل بالبطحاء وهزه مرة او مرتين ولكزه فى صدره وقال له أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى فقال ابو جهل أتوعدنى يا محمد ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بى شيأ وانى لأعز اهل هذا الوادى فلما كان يوم بدر صرعه الله شر مصرع وقتله اسوء قتله اقعصه بتاعفرآء واجهز عليه ابن مسعود رضى الله عنه واقصعه قتله مكانه واجهز على الجريح اثبت قتله واسرعه وتمم عليه وكان رسول الله عليه السلام يقول « ان لكل امة فرعونا وان فرعون هذه الامة أبو جهل »(16/318)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)
{ ايحسب الانسان ان يترك سدى } اى يحيى حال كونه مهملا فلا يكلف ولا يجزى وقيل ان يترك فى قبره فلا يبعث والسدى المهمل يقال اسد بت ابلى اسداء اى اهملتها وتقول اسديت حاجتى وسديتها اذا اهمتها ولم تقضها وتكرير الانكار لحسبانها يتضمن تكرير انكاره للحشر ويتضمن الاستدلال على صحة البعث ايضا وتقريره ان اعطاء القدرة والآلة والفعل بدون التكليف والامر بالمحاسن والنهى عن المفاسد يقتضى كونه تعالى راضيا بقبائح الاعمال وذلك لا يليق بحكمته اذا لا بد من التكليف فى الدنيا والتكليف لا يليق بالكريم الرحيم الا لان يميز الذين آمنوا وعملوا الصلاحات من المفسدين فى الارض ولا يجعل المتقين كالفجار ويجازى كل نفس بما تسعى والمجازاة قد لا تكون فى الدنيا فلا بد من البعث والقيامة وانما لم تكن الدنيا دار المجازاة لضيقها وقد قال بعض الكبار من طلب تعجيل نتائج اعماله واحواله فى هذه الدار فقد اساء الادب وعامل الموطن بما لا تقتضيه حقيقته .(16/319)
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)
{ الم يك نطفة من منى يمنى } الخ استئناف وارد لابطال الحسبان المذكور فان مداره لما كان استبعادهم للاعادة استدل على تحققها ببدء الخلق وقال ابن الشيخ هو استدلالى صحة البعث بدليل ثان والاستفهام بمعنى التوبيخ والنطفة بالضم الماء الصافى قل او كثر والمنى ماء الرجل والمرأة اى ما خلق منه حيوان فالحبل لا يكون الا من الماءين ويمنى بالياء صفة منى وبالتاء صفة نطفة بمعنى يصب ويرالق فى الراحم ولذا سميت من كالى وهى قرية بمكة لما يمنى فيها من دماء القرابين والمعنى الم يكن الانسان ماء قليلا كأسا من ماء معروف بخسة القدر وساتقذار الطبع ولذا نكرهما بمنى ويصب فى الرحم نبه سبحانه بهذا على خسة قدر الانسان اولا وكمال مقدرته ثانيا حيث صير مثل هذا الشيى الدنى بشرا سويا وقال بعضهم فائدة قوله يمنى للاشارة الى حقارة حاله كأنه قيل انه مخلوق من المنى الذى يجرى على مخرج النجاسة فكيف يليق بمثل هذا ان يتمرد عن طاعة الله فيما امر به ونهى الا انه تعالى عبر عن هذا المعنى على سبيل الرمز كما فى قوله تعالى فى عيسى ومريم عليهما السلام كانا يأكلان الطعام والمراد منه قضاء الحاجة كناية .(16/320)
ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)
{ ثم كان علقة } اى ثم كان المنى بعد اربعين يوما قطعة دم جامد غليظ احمر بقدرة الله تعالى بعد ما كان ماء أبيض كقوله تعالى ثم خلقنا النطفة علقة وهو عطف على قوله ألم يك لان انكار عدم الكون يفيد ثبوت المكون فالتقدير كان الانسان نطلفة ثم كان علقة { فخلق } اى فقدر بأن جعلها مضغة مخلقة بعد اربعين اخرى اى قطعة لحم قابل لتفريق الاعضاء وتمييز بعضها من بعض وجعل المضغة عظاما تتميز بها الاعضاء بأن صلبها فكسا العظام لحما يحسن به خلقه وتصويره ويستعد لافاضة القوى ونفخ الروح { فسوى } فعدله وكمن نشأته ( قال الكاشفى ) بس راست كردصورت واندام اورا وووح دردميد . وفى المفرات جعل خلقه على ما اقتضته الحكمة الالهية اى جعله معادلا لما تقتضيه الحكمة وقال بعضهم معنى لانسوية والتعديل جعل كل عضو من اعضائه الزوج معادلا لزوجه .(16/321)
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39)
{ فجعل منه } اى من الانسان باعتبار الجنس او من المنى وجعل بمعنى خلق ولذا اكتفى بمفعول واحد وهو قوله { الزوجين } اى الصنفين { الذكر والانثى } بدل من الزوجين ويجوز أن يكونا منصوبين باضمار أعنى ولا يخفى ان الفاء تفيد التعقيب فلا بد من مغايرة بين المتعاقبين فلعل قوله فخلق فسوى محمول على مقدار مقدر من الخلق يصلح به للتفرقة بين الزوجين وقوله فجعل منه الزوجين على التفرقة الواقعة .(16/322)
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)
{ أليس ذلك } العظيم الشان الذى انشأ هذا الانشاء البديع { بقادر على ان يحيى الموتى } وهو أهون من البدء فى قياس العقل لوجود المادة وهو عجب الذنب والعناصر الاصلية ( روى ) ان النبى عليه السام كان اذا قرأها قال سبحانك اللهم بلى تنزيلها له تعالى عدن عدم القدرة على الاحياء واثباتا لوقوعها عليه وفى رواية بلى ولله بلى والله وقال ابن عباس رضى الله عنهما من قرأ سبح اسم ربك الا على اماما كان او غير فليقل سبحان ربى الاعلى ومن قرأ الا اقسم بيوم القيامة فاذا انتهى الى آخرها فليقل سبحانك اللهم بلى اماما كان او غيره وفى الحديث « من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى الى آخرها أليس الله بأحكم الحاكميم فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ لا اقسم بيوم القيامة فانتهى الى أليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى فليقل سبحانك بلى ومن قرأ والمرسلات عرفا فبلغ فبأى حديث بعده يؤمنون فليقل آمنا بالله » وفى الآية اشارة الى ان الله يحيى موتى اهل الدنيا بالاعراض عنها والاقبال على الآخرة والمولى وايضا يحيى موتى النفوس بسطوع انوار القلوب عليها وايضا يحيى موتى القلوب تحت ظلمة النفوس الكافرة الظلمانية بنور الروح والسر والخفى ومن اسند العجز الى الله فقد كفر بالله نسأل الله تعالى العصمة وحسن الخاتمة .(16/323)
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)
{ هل أتى } استفهام تقرير وتقريب فان هل بمعنى قدو الاصل أهل أتى اى قد أتى وبالفارسية آيا آمد يعنى برستى كه آمده . تركوا الالف قبل هل لانها لا تقع الا فى الاستفهام وانما لوم ادارة الاستفهام ملفوظة او مقدرة اذا كان بمعنى قد ليستفاد التقرير من همزة الاستفهام والتقريب من قد فانها موضوعة لتقريب الماضى الى الحال والدليل على ان الاستفهام غير مراد ان الاستفهام على الله محال فلا بد من حمله على الخبر تقول هل وعظتك ومقصودك أن تحمله على الاقرار بأنك قد وعظته وقد يجيئ بمعنى الجحد تقول وهل يقدر أحد على مثل هذا فتحمله على أن يقول لا يقدر أحد غيرك { على الانسان } قبل زمان قريب المراد جنس الانسان لقوله من نطفة لان آدم لم يخلق منها ثم المراد بالجنس بنوا آدم او ما يعمه وبنيه على التغليب او نسبة حال البعض الى الكل للملابسة على المجاز { حين من الدهرؤ الحين زمانا مطلق ووقت مبهم يصلح لجميع الازمان طال او قصر وفى المفردات الحين وقت بلوغ لاشئ وحصلوه وهو مبهم ويتخصص بالمضاف اليه نحو ولات حين ماص ومن قال حين على اوجه للاجل والمنية واللسعاة وللزمان الملطق انما فسر ذلك بحسب ما وجده قد علق به والدهر الزمان الطويل والمعنى طائفة محدودة كائنه من الزمن الممتد وهى مدة لبثه فى بطن امه تسعة اشهر ان صار شيأ مذكورا على ما ذهب اليه ابن عباس رضى الله عنهما { لم يكن } فيه فالجملة صفة اخرى لحين بحذف الضمير { شيأ مذكورا } بل كان شيأ منسيا غيرمذكورا بالانسانية اصلا نطفة فى الاصلاب فما بين كونه نطفة وكونه شيأ مذكورا بالانسانية مقدار محدود من الزمان وتقدم عالم الارواح لا يوجب كونه شيأ مذكورا عند الخلق ما لم يتعلق بالبدن ولم يخرج الى عالم الاجسام ( روى ) ان الصديق او عمر رضى الله عنهما كما فى عين المعانى لما سمع رجلا يقرأ هذه الآية بكى وقال ليتها تمت فلا شئ أراد ليست تلك تمت وهى كونه شيأ غير مذكور ولم يخلق ولم يكلف ومعنى الاستفهام التقريرى فى الآية أن يحمل من ينكر البعث على الاقرار بأنه نعم أتى عليه فى زمان قريب من زمان الحال حين من الدهر لم يكن شيئأ مذكورا فيقال له من أحدثه بعد أن لم يكن كيف يمتنع عليه بعثه واحياؤه بعد موته وقال القاشانى اى كان شيأ فى علم الله بل فى نفس الفامر لقدم روحه ولكنه لم يذكر فيما بين الناس لكونه فى عالم الغيب وعدم شعور من فى عالم الشهادة به وفى التأويلات النجمية اعلم ان للانسان صورة علمية غيبية وصورة عينية شهادية وهو من حيث كلتا الصورتين مذكور عند الله ازلا وابدا لا يعزب عن علمه مثقال ذرة لعلمه الازلى الابدى بالاشياء قبل ايجاد الاشياء وقبل وجودها خلق الخلق وهم معدومون فى كتم العدم وعلمه بنفسه يستلزم علمه بأعيان الاشياءلان الاشياء مظهر اسمائه وصفاته وهى عين ذاته فافهم اى ما أتى على الانسان حاضرته له مشهودة عنده وهل للاستفهام الانكارى بخلاف المحجوبين عن علم المعرفة والحكمة الالهية وقال جعفر الصادق رضى الله عنه هل أتى عليك يا انسان وقت لم يكن الله ذاكرا لك فيه .(16/324)
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)
{ انا خلقنا الانسان } اى خلقناه يعنى جسمه والاظهار لزيادة التقرير { من نطفة } حتى كان علقة فى اربعين يوم ومضغة فى ثمانين ومنفوخا فيه الروح فى مائة وعشرين يوما كما كان ابوهم آدم خلق من طين فألقى بين مكةوالطائف فأقام أربعين سنة ثم من حمأ مستون فأقام أربعين سنة اخرى ثم من صلصال فأقام اربعين سنة اخرى فتم خلقه فى مائة وعشرين سنة اخرى فنفخ فيه الروح على ما جاء فى رواية الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما فما كان سنين فى آدم كان اياما فى اولاده وحمل بعضهم الانسان الاول على آدم والثانى على اولاده على أن يكون الحين هو الزمن الطويل الممتد الذى لا يعرف مقداره والاول وهو حمله فى كلا الموضعين على الجنس اظهر لان المقصود تذكير الانسان كيفية الخلق بعد أن لم يكن ليتذكر او امره من عدم كونه شيأ مذكورا او آخر أمره من كونه شيأ مذكورا مخلوقا من ماء حقير فلا يستبعد البعث كما سبق { امشاج } اخلاط بالفارسية آميختها . جمع مشج كسبب او كتنف على لغتيه او مشيج من مشجت الشئ اذا خلطته وصف النطفة بالجمع مع افرادها لما ان المراد بها مجموع الماءين يختلطان فى الرحم ولكل منهما اوصاف مختلفة من اللون والرقة والغلظ وخواص متباينة فان ملاء الرجل ابيض غليظ فيه قوة العقد وماء المرأة اصفر رقيق فيه قوة الانعقاد فيخلق منهما الولد فأيهما علا صاحبه كان الشبه له وما كان من عصب وعظم وقوة فمن ماء الرجل وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة على ما روى فى المرفوع وفى الخبر ما من مولود الا وقد ذر على نطفته من تربة حفرته كل واحد منهما مشيخ بالآخر وقال الحسن رحمه الله نطفة مشيجة بدم وهو دم الحيض فاذا حبلت ارتفع الحيض واليه ذهب صاحبالقاموس حيث قال ونطفة امشاج مختلطة بماء المرأة ودمها انتهى فيكون النطفتان ودمها جمعا وقال الراغب هو عبارة عما جعل الله بالنطفة من القوى المختلفة المشار اليهابقوله ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة الآية انتهى فيكون معنى امشاج ألوان وأطوار على ما قال قتادة وفى التأويلات النجمية اى من نطفة قوة القابلية الممتشجة المختلطة بنطفة قوة الفاعلية اى خلقناه من نطفة الفيض الاقدس المتعلق بالفاعل ونطلفة الفيض المقدس المتعلق بالقابل فالفيض الاقدس الذاتى بمنزلة ماء الرجل والفيض المقدس الاسمائى بمنزلة بمنزلة ماء المرأة { نبتليه } حال مقدرة من فاعل خلقنا اى مريدين ابتلاءه واختباره بالتكيف فيما سيأتى ليتعلق علمنا بأحواله تفصيلا فى العين بعد تعلقه بها ايا لا فى العلم وليظهر احوال بعضهم لبعض من القبول والرد والسعادة والشقاوة { فجعلناه سميعا بصيرا } ليتمكن من استماع الآيات التنزيلية وشماهدة الآيات التكوينية فهو كالمسبب عن الاتبلاء اى عن ارادته فلذلك عطف على الخلق المقيد به بالفاء كأنه قيل انا خلقناه مريدين تكليفه فأعطيناه ما يصح معه التكليف والابتلاء وهو السمع والبصر وسائر آلات التفهيم والتمييز وطوى ذكر العقل لان المراد ذكر ما هو من اسبابه العقل وفى الاختيار صيغة المبالغة اشارة الى كمال احسانه اليه وتمام انعامه وبصيرا مفعول ثان بعد ثان لجعلناه وفى التأويلات النجمية فجعلناه سميعا جميع المسموعات بصيرا جميع المبصرات كما قال كنت سمعه وبصره فبى يسمع وبى يبصر فلا يفوته شيئ من المسموعات ولا من المبصرات فافهم جدا يا مسكين وقال أبو عثمان المغربى قدس سره ابتلى الله الخلق بتسعة امشاج ثلاث فتانات هى سمعه وبصره ولسانه وثلاث كافرات هن نفسه وهواه وعدوه الشيطان وثلاثة مؤمنات هى عقله وروحه وقلبه فاذا أيد الله العبد بالمعونة قهر العقل على القلب فملكه واستأسر النفس والهوى فلم يجدا الى الحركة سبيلا فجانست النفس الروح وجانس الهوى العقل وصارت كلمة الله هى العليا قال الله تعالى قاتلوهم حتى لا تكون فتنة .(16/325)
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)
{ انا هديناه السبيل } مرتب على ما قبله من اعطاء الحواس فانه استئناف تعليلى لجعله سميعا بصيرا يعنى ان اعطاء الحواس الظاهرة والباطنة والتحلى بها متقدم على الهداية والمعنى أريناه وعرفناه طريق الخير ولاشر والنجاة والهلاك بانزال الآيات ونصب الدلائل كما قال وهديناه النجدين اى بينا له طريق الخير والشر فان النجد الطريق الواضح المرتفع فالمراد بالهداية مجرد الدلالة لا الدلالة الموصلة الى البغية كام فى بعض التفاسير { اما شاكرا واما كفورا } حالا من مفعول هديناه قال فى الارشاد اى مكناه وأقدرناه على سلوك الطريق الموصل الى البغية فى حالتيه جميعا فاما التفصيل ذى الحال فانه مجمل من حيث الدلالة على الاحوال لا يعلم ان المراد هدايته فى حال كفره او فى حال ايمانه وبالتفصيل تبين انها تعلقت به فى كل واحدة من الحالين فالشاكر الموحد والكفور الجاحد لان الشكر الاقرار بالمنعم ورأس الكفر ان جحوده ويقال شاكر النعمة وكفورها قال الراغب الكفور يقال فى كافر النعمة وكافر الدين جميعا ويجوز أن يكون اما للتقسيم بأن يعتبر ذو الحال من حيث انه مطلق وهو اللفظ الدال على الماهية من حيث هى ويجعل كل واحد من مدخولى اما قيدا له فيحصل بالتقييد بكل منهما قسم منه اى مقسوما اليهما بعضهم شاكر بالاهتدآء والاخذ فيه وبعضهم كفور بالاعراض عنه وايراد الكنور لمراعاة الفواصل اى رؤوس الآى والاشعار بأن الانسان قلما بخلوا من كفران ما وانما المؤاخذ عليه الكفر المفرط والشكور قليل منهم ولذا لم يقل اما شكورا واما كفورا واما شاكرا واما كافرا والحاصل ان الشاكر والكفور كنايتان عن المثاب والمعاقب ولما لم يكن مجرد الكفران مستلزما للمواخذة لم يصح أن الاثابة على مطلق الشكر لا على المبالغة فيه كما ادير المؤآخذة على المبالغة فى الكفران لا على اصله وكل ذلك بمقتضى سعة رحمة الله وسبقها على غضبه وقرأ ابو السماك بفتح الهمزة فى اما وهى قرآءة حسنة والمعنى اما كونه شاكرا فبتوفيقنا واما كونه كفورا فبسوء اختياره وفى التأويلات النجمية انا خيرناه فى الاهتدآء الى سبيل التنكر المتعلق باليد اليمنى الجمالية او الى سبيل الكفر المتعلق باليد اليسرى الجلالية فاختار بعضهم سبيل الشكر من مقتضى حقائقهم واستعداداتهم الازلية واختار بعضهم سبيل الكفر من مقتضى حقائقهم وقابليتهم الازلية ايضا كام قال هؤلاء اهل الجنة ولا الالى وهؤلاء اهل النار ولا ابالى اى المدح والذم يتعلق بهم لابى ولما ذكر الفريقين اتعبهما الوعيد والوعد فقال { انا اعتدنا } هيأنا فى الآخرة فان الاعتاد اعداد الشئ حتى يكون عتيدا حاضرا متى احتيج اليه { للكافرين } الاسرار اعتدنا للكافرين فى جهنم سلاسل كل سلسلة سبعون ذراعا وهو بغير تنوين فى قرآءة حفص واما الوقف فبالالف تارة وبدونها اخرى وتسلسل الشئ اضطرب كأنه تصور منه تسلسل وتردد فتردد لفظه تنبيه على تردد معناه ومنه السلسلة وفى القاموس السلسلة اى بالفتح ايصال الشئ بالشئ وبالكسر دآئرة من حديد ونحوه { واغلالا } بها يقيدون اهانة وتعذيبا لا خوف من الفرار جمع غل بالضم وهو ما تطوق به الرقبة للتعذيب وقد سبق فى الحاقة مفصلا { وسعيرا } نارا بها يحرقون يعنى وآتشى آفروخته كه دران بيوسته بسوزند .(16/326)
وانما يجرون الى جهنم بالسلاسل لعدم انقيادهم للحق ويحقرون بأن يقيدون بالاغلال لعدم تواضعهم لله ويحرقون بالنار لعدم احتراقهم بنار الخوف من الله تعالى وفيه اشارة الى ان الله تعالى اعد للمحجوبين عن الحق المشغولين بالخلق سلاسل التعلقات الظاهرة بحب الدنيا وطلبها واغلال العوآئق الباطنة بالرغبة اليها وفيها ونار جهنم البعد والطرد واللعن وتقديم وعيد الكافرين مع تأخرهم فى مقام الاجمال للجمع بينهما فى الذكر ولان الانذار أهم وأنفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين احسن على ان فى وصفهم تفصيلا ربما يخل تقديمه بتجاوب اطراف النظم الكريم .(16/327)
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)
{ ان الابرار } شروع فى بيان حسن حال اشلاكرين اثر بيان سوء حال الكافرين وايرادهم بعنوان البر للاشعار بما استحقوا به ما نالوه من الكرامة السنية والابرار جمع بركب وأرباب او جمع بار كشاهد واشهاد وهو من يبر خالقه اى يطيعه يقال بررته ابره كعلمته وضربته وعن الحسن رحمه الله البر من لا يؤذى الذر ولا يضمر الشر كما قيل
ولا تؤذ نملا ان أردت كما لكا فان لها نفسها تطيب كما لكا
وفى المفردات البر خلا البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر اى التوسع فعل الخير وبر العبد ربه توسع فى طاعته ويشمل الاعتقاد والاعمال الفرآئض والنوافل وقال سهل رحمه الله الابرار الذين فيهم خلق من اخلاق العشرة الذين وعد لهم النبى عليه السلام بالجنة قال عليه السلام « ان اله ثلاثمائة وستين خلقا من لقبه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة » قال أبو بكر رضى الله عنه هل فى منها يا رسول الله قال كلها فيك يا أبا بكر وأحبها الى الله السخاء { يشربون } فى الجنة والشرب تناول كل مائع ماء كان او قال يشربون ابتدآء كالمطيعين او انتهى كالمعذبين من المؤمنين بحكم العدل { من كأس } هى الزجاجة اذا كانت فيها خمر ونطلق على نفس الخمر ايضا على طريق ذكر المحل وارادة الحال وهو المراد هنا عند الاكثر حتى روى عن الضحاك انه قال كل كاس فى القرءآن فانما عنى به الخمر فمن على الاول ابتدآئية وعلى الثانى بتعيضية او بيانية { كان } بتكوين الله { مزجها } اى ما تمزج تلك الكأس به يقال مزج الشراب خطله ومزاج البدن وبمازجه من الصفرآء والسودآء والبلغم والدم والكيفيات المناسبة لكن منها { كافورا } اى ماء كافور وهو اسم عين فى الجنة فى المقام المحمدى وكذا سائر العيون ماؤها فى بيان الكافور ورآئحته وبرده دون طعمه ولا فنفس الكافور لا يشرب ونظيره حتى اذا جعله نارا اى كنار والكافور طيب معروف يطيب به الا كفان ولاموات لحسن رآئحته واشتقاقه من الكفر وهو الستر لانه يغطى الاشياء برآئحته وفى القاموس الكافور طيب معروف يكون من شجر بجبال بحر الهند والصين يظل خلقا كثيرا وتالفه النمورة وخشبه أبيض هش ويوجد فى اجوافه الكافور وهو انواع ولونها احمر وانما تبيض بالتصعيد وعين فى الجنة انتهى والجملة صفة كأس .(16/328)
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)
{ عينا } بدل من كافورا يعنى كافور جشمه ايست . والعين الجارية ويقال لمنبع الماء تشبيها بها فى الهيئة وفى سيلان الماء فيها { يشرب بها عباد الله } صفة عين وعباد الله هنا الابرار من المؤمنين لان اضافة التكريم الى اسمه الاعظم مختصة بالمؤمن فى الغالب كالاضافة الى كناية التكلم كقوله يا عبادى لرعايتهم حق الربوبية فمن لم يراه فكأنه ليس بعبد له اى يشربون بها الخمر لكونها ممزوجة بها كما تقول شربت الماء بالعسل فيكون كناية عن قوتها فى لذتها وعلى هذا فيه اشارة الى ان المقربين الاقوياء يشربون شراب الكافور صرفا غير ممزوج والظاهر يشرب منها فالباء بمعنى من فان حروف العوامل ينوب بعضها مناب بعض ونظيره قوله تعالى فانزلنا به الماء اى انزلنا من السحاب الماء صرح به الشيخ المكى رحمه الله فى قوت القلوب { يفجرونها تفجيرا } التفجير والتفجرة آب راندن .
وفى المفردات الفجر شق الشئ شقا واسعا كفجر الانسان السكر يقال فجرته فانفجر وفجرته فتفجر والمعنى يجرونها حيث شاؤا من منازلهم كما يفيده بناء التفعيل اذ التشديد للكثرة اجراء سهلا لا تمنع عليهم بل تجرى جريا بقوة واندفاع لان الانهار منقادة لاهل الجنة كالاشجار وغيرها فتفجيرا مصدر مؤكد للفعل المتضمن معنى السهولة والجملة صفة اخرى لعينا وفى التأويلات النجمية يشير بالابرار الى عبادة الله المخلصين المخصوصين بفيض الاسم الاعظم الشامل للاسماء الذين سقاهم ربهم المتجلى لهم باسمه الباسط بكأس المحبة طهور شراب العشق الممزوج بكافور برد اليقين المفجر الجارى فى انهار أوراحهم واسرارهم وقلوبهم من فرط الرحمة وشمول النعمة وقال القاشانى ان الابرار السعدآء الذين برزرا عن حجاب الآثار والافعال واحتجبوا بحجب الصفات غير واقفين معها بل متوجهين الى عين الذات مع البقاء فى عالم الصفات وهم المتوسطون فى السلوك يشربون من كأس محبة حسن الصفات لا صرفا بل كان فى شرابهم مزج من لذة محبة الذات وهى العين الكافورية المفيدة للذة يرد اليقين وبياض النورية وتفيح القلب المخترق بحرارة الشوق وتقويته فان للكافور خاصية التبريد والتفريج والبياض والكافور عين يشرب بها صرفة عباد الله الذين هم خاصته من اهل الوحدة الذاتية المخصوص محبتهم بعين الذات دون العسفات لا يفرقون بين القهر واللطعف والرفق والعنف والنعمة والبلاء والشدة والرخاء بل تستقر محبتهم مع الاضداد وتستمر لذتهم فىلنعماء والضرآء والرحمة والزحمة كما قال احدهم
هواى له فرض تعطف ام جفا ... ومشربه عذب تكدر ام صفا
وكلت الى المحبوب امرى كله ... فان شاء احيانى وان شاء اتلفا
واما الابرار فلما كانوا يحبون المنعم واللطيف والرحيم لم تبق محبتهم عند تجلى القهار والمبتلى والمنتقم بحالها ولا لذتهم بل يكرهون ذلك يفجرونها تفجيرا لانهم متابعها لا اثنينية ثمة ولا غيرية والا لم يكن كافور الظلمة حجاب الانانية واثنينيته وسواده انتهى .(16/329)
قال بعضهم اختلفت احوالهم فى الدنيا فاختلفت مشاربهم فى الآأخرة فكل يسقى ما يليق بحاله كعيون الحياء وعيون الصبر وعيون الوفاء وغير ذلك ثم ان الكأس اما نفسانية شيطانية وهى ما تكون لاهل الفسق فى الدنيا وهى حرام وفى الحديث « اذا تناول العبد كأس الخمر ناشده الايمان بالله لا تدخلها على فانى لا استقرأنا وهى فى وعاء واحد فان أبى وشربها نفر الايمان نفرة لا يعود اليه اربعين صباحا فان تاب تاب الله عليه ونقص من عقله شئ لا يعود اليه أبدا » واما جسمانية رحمانية وهى ما تكون للمؤمنين فى دار الآخرة عطاء ومنحة من الله الوهاب واما روحانية ربانية وهى ما تكون لاهل المحبة والشوق فى الدارين وهى ألذ الاقداح قال مولانا جلال الدين قدس سره
ألا يا ساقيا انى نظمئان ومشتاق ... ادر كأسا ولا تنكر فان القوم قد ذاقوا
خذ الدنيا وما فيها فان العشق يكفينا ... لنا فى العشق جنات وبلدان واسواق(16/330)
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)
{ يوفون بالنذر } استئناف كأنه قيل ماذا يفعلون حتى ينالوا تلك الرتبة العالية فقيل يوفون بما اوجبوه على انفسهم فكيف بما اوجبه الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها فهو مبالغة فى وصفهم بالتوفر على ادآء الواجبات والايفاء بالشئ هو الاتيان به تاما وافيا والنذر ايجاب الفعل المباح على نفسه تعظيما لله أن يقول لله على كذا من الصدقة وغيهرا وان شفى مريضى اورد غائبى فعلى كذا واختلفوا فيما اذا علق ذلك بما ليس من وجوه البر كما اذا قال ان دخل فلان الدار فعلى كذا ففى الناس من جعله كاليمين ومنهم من جعله من باب النذور قيل النذر كالوعد الا انه اذا كان من العباد فهو قال واذا كان من الله فهو وعد والنذر قربة مشروعة ولا يصح الا فى الطاعة وفى الحديث « من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه » قال هرون بن معروف جاءنى فتى فقال ان أبى حلف على بالطلاق ان اشرب دوآء مع مسكر فذهب به الى أبى عبد الله فلم يرخص له وقال قال عليه السلام « كل مسكر حرام » واذا جمع الاطباء على ان شفاء المريض فى الخمر لا يشربها اذا كان له دواء آخر واذا لم يكن يشربها ويتداوى بها فى قول ثم ان الاهتمام بما اوجب الله على عبده ينبغى ان يكون اكمل مما اوجه العبد على نفسه ومن الناس من هو على عكس ذلك فانه يتهاون بما اوجبه الله عليه فلا يؤدى الصلاة الواجبة مثلا واذا نذر شيأ فى بعض المضايقات يسارع الى الوفاء وليس الا من الجهل وقال القاشانى اى الابرار يوفون بالعهد الذى كان بينهم وبين الله صبحة يوم الازل بانهم اذا وجدوا التمكن بالآلات والاسباب ابرزوا ما فى مكا من استعداداتهم وغيوب فطرتهم من الحقائق والمعارف والعلو والفضائل واخرجوها الى الفعل بالتزكية والتصفية { ويخافون يوما } اى يوم القيامة { كان شره } اى هوله وشدته وعذاب { متسطير } فاشيا منتشرا فى الاقطار غاية الانتشار بالغا اقصى المبالغ . يعنى مبهمة كس بهمه جاء رسيده . من الاستطار الحريق اى لانار وكذا الفجر قال فى القاموس المستطير الساطع المنتشر واستطار الفجر انتشر وهو ابلغ من طار بمنزلة استنفر من نفر واطلق الشر على اهوال القيامة وشدآئدها المنتشرة غاية الانتشار حتى ملأت السموات والارض مع انها عين حكمة وصاب لكونها مضرة بالنسبة الى من تنزل السموات والارض مع انها عين حكمة وصاب لكوناه مضرة بالنسبة الى من تنزل عليه ولا يلزم من ذلك ان لا يكون خيره مستطيرا ايضا فان ليوم القيامة امورا سارة كما ان له امورا ضارةقال سهل رحمه الله البلايا والشدآئد عامة فى الآخرة للعامة والملامة خاصة للخالصة ثم ان يوفون الخ بيان لاعمالهم واتيانهم لجميع الواجبات وقوله ويخافون الخ بيان لنياتهم حيث اعتقدوا يوم البعث والجزاء فخافوا منه فان الطاعات انما تتم بالنيات وبمجموع هذين الامرين سماهم الله بالابرار قال بعض العارفين يشير الى ارباب السلوك فى طريق الحق وطلبه حيث اوجبوا على انفسهم انواع الرياشات واصناف المجاهدات وتركوالرقاد واهلكوا بالجوع الاجساد واحرقوا بالعطش الاكباد وسدوا الاذان من استماع كلام الاغيار وأعموا ابصارهم عن رؤية غير المحبوب الحقيقى وختموا على القلوب عن محبة غير المطلوب الازلى خوفوا انفسهم من يوم تجلى صفة القهر والسخط باستيلاء الهيئات المظلمة على القلب وهو نهاية مبالغ الشر فاجتهدوا حتى خلصهم الله مما خافوا وأدخلهم فى حرمة الآمن .(16/331)
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
{ ويطعمون الطعام على حبه } اى كائنين على حب الطعام والحاجة اليه ونحوه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون او على حب الاطعام فيطعمون بطيب النفس فالضمير الى مصدر الفعل كما فى قوله تعالى اعدلوا هو اقرب للتقوى او كائنين على حب الله او اطعاما كائنا على حبه تعالى وهو الانسب لما سيأتى من قوله لوجه الله فالمصدر مضاف الى المفعول والفاعل متروك اى على حبهم لله ويجوز ان يضاف الى الفاعل والمفعول متروك اى عى حب الله الاطعام والطعام خلاف الشراب وقد يطلق على الشراب ايضا لان طعم الشئ ذوقه مأكولا او مشروبا والظاهر الخصوص وان جاز العموم . واعلم ان مجامع الطاعات محصورة فى امرين الطاعة لامر الله واليه الاشارة بقوله يوفون بالنذر والشفقة على خلق الله واليه الارادة بقوله ويطعمون الطعام فان الطعام وهو جعل الغير طعاما كناية عن الاحسان الى المحتاجين والمواساة معهم بأى وجه كان وان لم يكن ذلك بالطعام بعينه الا ان الاحسان بالطام لما كان اشرف انواع الاحسان عبر عن جنس الاحسان باسم هذا النوع كما فى حواشى ابن الشيخ وقال بعضه اهل المعرفة اى يتجردون عن المنافع المالية ويزكون انفسهم عن الرذائل خصوصا عن الشح لكون محبة الله المال اكثف الحجب فيتصفون بفضيلة الايثار وسد خلة الغير فى حال احتياجهم او يزكون انفسهم عن رذيلة الجهل فيطعمون الطعام الروحانى من الحكم والشرآئع على حب الله من ذكر من قوله { مسكينا } فقيرا لا شئ له عاجزا عن الكسب وبالفارسية درويش بى مايه .
وقال الشاقانى المسكين الدائم السكون الى تراب البدن { ويتيما } طفلا لا أب له { واسيرا } الاسر الشد بالقد سمى الاسير بذلك ثم قيل لكل مأخوذ مقيد وان لم يكن مشدودا بذلك والمعنى واسيرا مأخوذا لا يملك لنفسه نصرا ولا حيلة اى اسير كان فانه عليه السلام كان يونى بالسير فيدفعه الى بعض المسلمين فيقول احسن اليه لانه يجب الطعام الاسير الكافر والاحسان فى دار السلام بما دون الواجبات عند عامة العلماء الى ان يرى الامام رأيه فيه من قتل او من او فداء او استرقاق فان القتل فى حال لا ينافى وجوب الاطعام فى حال اخرى ولا يجب اذا عوقب بوجه ان يعاقب بوجه آخر ولذا لا يحسن فيمن يلزمه القصاص ان يفعل به غير القتل والمعنى اسيرا مؤمنا فيدخل فيه المملوك عبدا او أمة كذا المسبحون . يعنى مسبحون ازاهل فقركه درحقى ازحقوق مسلمين حبس كرده باشند . وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغريم أسيرا فقال غريمك اسيرك فأحسن الى أسيرك اى بالامهال والوضع عنه بعضا او كلا وهو كل الاحسان وفى الحديث(16/332)
« من أنظر معسرا ووضع له اظله الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله » اى حماه من حراراة القيامة وقيل الزوجة من الاسرآء فى يد الازواج لما قال عليه السلام « اتقوا الله فى النساء فانهن عوانى عندكم » والعانى الاسير وفى القاموس العوانى النساء لانهن يظلمن فلا ينتصرن وقال القاشانى الاسير المحبوس فى أسر الطبيعة وقيود صفات النفس وفى التأويلات النجمية ويطعمون طعام المعارف والحكم الالهية المحبوبة لهم مسكين السر لقرب انقياده تحت حكم الروح وذلته تحت عزته وتيتم القلب لبعد عهده ومكانه من أبيه الروح وأسير الاعضاء والجوارح المقيدين بقيود أحكام الشريعة وبحال آثر الطريقة انتهى .(16/333)
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)
{ انما نطعمكم لوجه الله } جزاين نيست كه ميخورانيم شمارا اى طعامها براى رضاى خدا . على ارادة قول هو فى موقع الحال من فاعل يطعمون اى قائلين ذلك بلسان الحال او بلسان المقال ازاحة لتوهم المن المبطل للصدقة وتوقع المكافأة المنقصة للاجر
هرجه دهى مى ده ومنت منه ... وآنجه بمنت دهى آن خود مده
منت ومزده كه دراحسان بود ... وقت جزا موجب نقصان بود
وعن الصديقة رضى الله عنها انها كانت تبعث بالصدقة الى اهل بيت ثم تسأل الرسول ما قالوا فاذا ذكر دعاءهم دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصا عند الله والوجه الجارحة عبر به عن الذات لكونه اشرف الاعضاء وقال بعضهم الوجه مجاز عن الرضى لان الرضى معلوم فى الوجه وكذا السخط { لا نريد منكم جزآء } على ذلك بالمال والنفس والفرق بين الجزآء والاجر أن الاجر ما يعود من ثواب العمل دنيويا كان او اخرويا ويقال فيما كان عن عقد وما يجرى مجرى العقد ولا يقال الا فى النافع واما الجزآء فيقال فيما كان عن عقد وغير عقد ويقال فى النافع والضار والمجازاة المكافأة وهى ماقبلة نعمة بنعمة هى كفؤها { ولا شكورا } اى شكرا باللسان ومدحا ودعاء وهو مصدر على وزن الدخول والجملة تقرير وتأكيد لما قبلها قال القاشانى لا نريد منكم مكافأة وثناء لعدم الاحتجاب بالاعراض والاعواض وفى التأويلات النجمية لا نريد منكم جزآء بالذكر الجميل فى الدنيا ولا شكورا عن عذاب الآخرة اذ كل عمل يعمله العامل لثواب الآخرة لا يكون لوجه الله بل يكون لحظ نفسه كما قال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا وقال عليه السلام حكاية عن الله تعالى « أنا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك فيه معى غيرى تركته وشركه » والحاصل ان معاملة العبد المخلص انما هى مع الله فلا حق له على الغير فكيف يريد ذلك وفيه نصح لمن أراد النصيحة فان الاطعام ونحوه حرام بملاحظة الغير وحظ النفس فيجب ان يكون خالصا لوجه الله من غير شوب بالرياء وبحظ المنعم
زعمرواى بسر جشم اجرت مدار ... جود درخانه زيد باشى بكار(16/334)
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)
{ انا نخاف من ربنا يوما } اى عذاب يوم وهو مفعول نخاف فمن ربنا حال متقدمة منه ولو أخر لكان صفة له او مفعوله قوله ربنا بواسطة الحرف على ما هو الاصل فى تعديته لانه يقال خاف منه فيكون يوما بدلا من محله بدون تقدير بناء على التعدية بنفسه او بتقدير نخاف آخر { عبوسا } من قبيل اسناد الفعل الى زمانه والمعنى تعبس فيه الوجوه . يعنى روزى كه رويها دروترش كردد ازشدت اهوال . كما روى ان الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران والعبوس قطوب الوجه من ضيق الصدرأو معنى عبوسا يشبه الاسد العبوس فى الشدة والضراوة اى السطوة والاقدام على ايصال الضرر بالعنف والحدة لكل من رآه فهو من المبالغة فى التشبيه فان العبوس الاسد كالعباس { قمطريرا } شديدا العبوس فلذلك نفعل بكم ما نفعل رجاء ان يقينا ربنا بذلك شره لا لارادة مكافأتكم فقوله انا نخاف الخ بدل من انما نطعمكم الخ فى معرض التعليل لاطعامهم يقال وجه قمطرير اى منقبض من شدة العبوس وفى الكشاف والقمطرير العبوس الذى يجمع بين عينيه . وازامام حسن بصرى رحمه الله برسيدندكه قمطرير جيست فرمودكه سبحان الله ما اشد اسمه وهو اشد من اسمه يعنى جه سخت است اسم روزقيامت واوسخت تراست ازاسم خود .(16/335)
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)
{ فوقاهم الله شر ذلك اليوم } بسبب خوفهم وتحفظهم منه . يعنى نكاه داشت خداى تعالى ايشانرا ازبدى ورنج وهول وعذاب آن روز . فشر مفعول ثان لوقى المتعدى الى اثنين وفى الحديث الصحيح قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله اذا مات فحرقوه ثم اذر وانصفه فى البر ونصفه فى البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحد من العالمين فلما مات الرجل فعلوا ما امرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال فلم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت اعلم فغفر الله له اى بسبب خشيته وقوله لئن قدر الله بتخفيف الدال من القدرة اى لئن تعلقت قدرته يوم البعث بعذاب جسمه ظن المسكين انه بالفناء على الوجه المذكور يلتحق بالمحال وقدرة الله لا تتعلق بالمحال فلا يلزم منه الكفر فجمع رماده من البر والبحر محمول على جمع اجزآئه الاصلية يوم القيامة ويجوز أن يحمل على حال البرزخ فان السؤال فيه للروح والسجد جميعا على ما هو المذهب الحق { ولقاهم نضرة وسرورا } اى اعطاهم بدل عبوس الفجار وحزنهم نضرة فى الوجوه يعنى تازكى وجوبرويى وسرورا فى القلوب يعنى شادى وفرح دردل فهما مفعولان ثانيان وفى تاج المصادر التلقية جيزى بيش كسى آوردن . وفى المفرادات لقيته كذا اذا استقبلته به قال تعالى ولقاهم نضرة وسرورا .(16/336)
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)
{ وجزاهم } اعطى كل واحد منهم بطريق الاجر والعوض { بما صبروا } ما مصدرية اى بسبب صبرهم على مشاق الطاعات ومهاجرة هوى النفس فى اجتناب المحرمات وايثار الاموال وفى الحديث « الصبر اربعة الصبر على الصدمة الاولى وعلى ادآء الفرآئض وعلى اجتناب المحارم وعلى المصائب » { جنة } مفعول ثان لجزاهم اى بستانا يأكلون منه ما شاؤا { وحريرا } يلبسونه ويتزينون به وبالفارسية وجامه ابريسم بهشت بيوشند . فالمراد بالجنة ليس دار السعادة المشتملة على جميع العطايا والكرامات والا لما احتيج الى ذكر الحرير بعد ذكر الجنة بل البستان كما ذكرنا فذكرها لا يغنى عن ذكر الملبس ثم ان البستان فى مقابلة الاطعام والصبر على الجوع والحرير فى مقابلة الصبر على العرى لان ايثار الاموال يؤدى الى الجوع والعرى وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الحسن والحسين رضى الله عنهما مرضا فعادهما النبى عليه السلام فى ناس معه فقالوا لعلى رضى الله عنه لو نذرت على ولديك نذرا يعنى اكر نذر كنى براميد عافيت وشفاى فرزندان مكر صواب باشد . فنذر على وفاطمة وفضة جارية لهما رضى الله عنهم ان برئا مما بهما ان يصوموا ثلاثة ايام تقربا الى الله وطلبا لمرضاته وشكرا له فشفيا فصاموا وما معهم شئ يفطرون عليه فاستقرض على من شمعون الخيبرى اليهودى ثلاثة اصوع من شعير وهو جمع صاع وهو اربعة امداد كل مد رطل وثلث قال الداودى معياره الذى لا يختلف اربع حفنات بكفى الرجل الذى ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما اذ ليس كل مكان يوجد في صاع النبى عليه السلام فطحنت فاطمة رضى الله عنها صاعا يعنى فاطمه زهرا ازان جوبك صاع بآسيا دست آرد كرد . وخبزت خمسة اقراص على عددهم جمع قرص بمعنى الخبزة فوضعوا بين ايديهم وقت الافطار ليفطروا به فوقف عليهم سائل فقال السلام عليكم يا اهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعمونى اطعمكم الله من موآئد الجنة فآثروه يعنى حضرت على رضى الله عنه نصيب خود بدان مسكين دادرسائر اهل بيت موافقت كردند يعنى سخن درويش بسمع على رسيد روى فرا فاطمه كرد وكفت
فاطم ذات المجد واليقين ... يا بنت خير الناس اجمعين
اما ترين البائس المسكين ... قد قام بالباب له حنين
يشكو الى الله ويستكين ... يشكو الينا جائعا حزين
فاطمة رضى الله عنها اورا جواب داد وكفت
امرك يا ابن عم سمع طاعة ... ما بىّ من لؤم ولا ضراعه
ارج اذا اشبعت ذا مجاعة ... ألحق بالاخيار والجماعه
وأدخل الخلد ولى شفاعة ... آنكه طعام بيش نهاده بودند جمله بدرويش دادند وبركرسنكى صبر كردند . وباتوا لم يذوقوا الا الماء واصبحوا صياما .(16/337)
فاطمه رضى الله عنها صاعى ديكر جوآرد كرد واذان نان . فلما اسموا ووضعوا الطعام بين ايديهم وقف عليهم يتيم فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد بيتيم من اولاد المهاجرين استشهدوا لدى يوم العقبة اطعمونى اطعمكم الله من موائد الجنة . حضرت على رضى الله عنه جون سخن آن يتيم شنيد روى فرافاطمه كرد وكفت
انى لأعطيه ولا أبالى ... واو ثر الله على عيالى
امسوا جياعا وهمو أشبالى ... اصغرهم يقتل فى القتال
ف ثروه يعنى همجنان طعام كه دربيش بود جمله بيتيم دادند وخود كرسنه خفتند ديكر روز آن صاع كه مانده بود فاطمه رضى الله عنها آنرا آرد كرد وتان بخت . فما امسوا ووضعوا الطعام بين ايديهم وقف عليهم اسير فقال السلام عليكم اهل بيت النبوة سير من الاسارى أطعمكم الله من موآئد الجنة . آن طعام باسر دادند وبجزآب والحسين رضى الله عنهم فأقبلوا على النبى عليه السلام فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال عليه السلام « ما أشد ما يسوءنى ما أرى بكم » وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة فى محرابها قد التصق ظهرها ببطها وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبريل عليه السلام وقال خذ يا محمد هنأك الله فى أهل بيتك فاقرأه السورة ولا يلزم من هذا أن يكون المراد من الابرار أهل البيت فقط لان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيدخل فيه غيرهم بحسب الاشتراك فى العلم وقد ضعفت القصة بتضعيف الراوى الا انها مشهورة بين العلماء مسفورة فى الكتب قال الحكيم الترمذى رحمه الله هذا حديث مفتعل لا يروج الاعلى احمق جاهل ورواه ابن الجوزى فى الموضعات وال لا شك فى وضعه ثم صحة الرواية تقتضى كون الآية مدنية لان انكاح رسول الله فاطمة عليا كان بعد وقعة احد تفسير الفاتحة نقلا عن جمع من العلماء الكبار ان هل أتى على الانسان من السورة النازلة فانها مكية وكذا قال الحسن وعكرمة والمارودى مدنية الا قوله فاصبر لحكم ربك الى بالجهاد فضمت الآيات الملكية الى الآيات المدنية فان شئت قلت انها اى السورة مكية المكية فالظاهر أن تسمى مدنية لا مكية ونحن لا نشك فى صحة القصة والله اعلم .(16/338)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)
{ متكئين فيها } اى فى الجنة { على الارآئك } بر تختهاى آرسته . قوله متكئين حال من هم فى جزاهم والعامل فيها جزى قيد المجازاة بتلك الحال لانها ارفه الاحوال فكان غيرهم لا يدخل فى الجزآء والارآئك هى السرور فى الحجال تكون فى الجنة من الدر واليقاوت موضونة بقضبان الذهب والفضة وألوان الجواهر جمع اريكة كسفينة ولا تكون أركية حتى تكون فى فى حجلة وهى بالتحريك واحد حجار العروس وهى بيت مزين بالثياب والستور والظاهر أن على الارآئك متعلق بمتكئين لان الاتكاء يتعدى بعلى اى مستقرين متمكنين على الارآئك كقوله متكئين على فرض ولا يبعد أن يتعلق بمقدر يكون حالا من ضمير متكئين اى متكئين فيها على الوسائد او غيرها مستقرين على الارآئك فيكون الاتكاء بمعنى الاعتماد { لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا } اى حرارة ولا برودة كما يرون فى الدنيا لان الحرارة غالبة على ارض العرب والبرودة على ارض على ارض العجم والروم وهو حال ثانية من الضمير اى يمر عليهم هوآء معتدل لا حار ولا بارد مؤذ يعنى ان قوله لا يرون الخ كناية عنهذا المعنى والزمهرير شدة البرد وازمهر اليوم اشتد برده وفى الحديث هوآء الجنة سجسج لا حرف فيه ولا قر اى معتدل لا حر فيه ولا برد فان القر بالضم البرد وفى الخبر عن النبى عليه السلام انه قال « اشتكت النار الى ربها فقالت اكل بعضهم بعضا فنفسنى فاذن لها فى كل عام بنفسين نفس فى الشتاء ونفس فى الصيف فأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم وأشد ما تجدون من الحر من حرها » وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال فبينما اهل الجنة فى الجنة اذ رأوا ضوأ كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان له فيقول اهل الجنة يا رضوان قال ربنا عز وجل لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا فيقول لهم رضوان ليست هذه بشمس ولا قمر ولكن هذه فاطمة وعلى رضى الله عهنما ضحكا ضحكا اشرقت الجنان من نور ضحكها وفيهما انزل الله تعالى هل أتى على الانسان حين من الدهر الى قوله وكان سعيكم مشكورا قال القاشانى لا يرون فى جنة الذات شمس حرارة الشوق اليها مع الحرمان ولا زمهرير برودة الوقوف مع الاكوان فان الوقوف مع الكون برد قاسر وثقل عاصر وفى التأويلات النجمية لا يرون فى جنة الوصال حر شمس المشاهدة المفنى للمشاهد بحيث لا يجد لذة الشهود لان سطوة المشاهدة تفنى المشاهد بالكلية فلا يجد لذة الشهود من المحبوب المعبود والى هذا المعنى أشار النبى عليه السلام فى دعاء اللهم ارزقنا لذة مشاهدتك لا زمهرير برد الحجاب والاستتار .(16/339)
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)
{ ودانية عليهم ظلالها } عطف على ما قبلها حال مثلها والظلال جمع ظل بالكسر نقيض الضح وظلالها فاعل دانية من الدنو بمعنى القرب اما بحسب الجانب او بحسب السمك والضمير الى الجنة او اشجارها ومعناه ان ظلال الاشجار فى الجنة قربت من الابرار من جوانبهم حتى صارت الاشجار بمنزلة المظلة عليهم وان كان لا شمس فيها مؤذية لتظلهم منها ففيه بيان لزيادة نعيمهم وكمال راحتهم فان الظل فى الدنيا للراحة { وذللت قطوفها تذليلا } اى سخرت ثمارها لمتناوليها وسهل اخذها للقائم والقاعد والمضطجع تمام التسخير والتسهيل من الذل بالكسر وهو ضد الصعوبة والجملة حال من دانية اى تدنو ظلالها عليهم مذللة لهم قطوفها او معطوفة على دانية اى دانية عليهم ظلالها ومذللة قطوفها وهو جمع قطف بكسر القاف بمعنى العنقود وفطقت العنب قطعته وسمى العنقود قطفا لانه يقطف ويقطع وقت الادراك .(16/340)
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15)
{ ويطاف } يدر من طاف بمعنى دار والطواف والاطافة كلاهما لازم بالفارسية كرد جيزى بكشتن . وانما جاءب التعدية هنا من الباء فى بآنية { عليهم } اى على الابرار اذا أرادوا الشرب والطائف الدآئر هو الخدم كما يجئ { بآنية } اوعية جمع اناء نحو كساء واكسية والاوانى جمع الجمع كما فى المفردات واصل آنية آءنية بهمزتين مثل افعلة قال فى بعض التفاسير الباء فيها ان كانت للتعدية فهى قائمة مقام الفاعل لانها مفعول له معنى والا فالظاهر أن يكون القائم مقامه عليهم { من فضة } نسب لآنية { واكواب } جمع كوب وهو الكوز العظيم المدور الرأس لا اذن له ولا عروة فيسهل الشر منه من كل موضع ولا يحتاج عند التناول الى ادارته وهو مستعمل الآن فى بلاد العرب لما وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم وصف شرابهم وقدم عليه وصف الاوانى التى يشرب بها وذكره بفظ المجهول لان المقصود ما يطاف به لا الطائفون ثم ذكر الطائفين بقوله ويطوف الخ { كانت قواريرا } جمع قارورة بالفارسية آبكينه .
وفى القاموس القارورة ما قر فيه الشراب ونحوه .(16/341)
قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)
{ قوارير من فضة } اى تكونت وحدثت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها ولين الفضة وبياضها يرى ما فى داخلها من خارجها فكان تامة وقوارير الاول حال من فاعل كانت على المبالغة فى التشبيه يعنى ان القوارير انما تتكون من الزجاج لا من الفضة فليس المعنى انها قوارير زجاجية متخذة من الفضة بل الحكم عيلها بانها قوارير وانها من فضة من باب التشبيه البليغ لانها فى نفسها ليست زجاجة الفضة لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة الا الاسماء فثبت ان آنية الجنة مباينة فى الحقيقة لقارورة الدنيا وفضتها ولان قارورة الدنيا سريعة الانكسار والهلاك وما فى الجنة لا يقبل ذلك وفضة الدنيا كثيفة الجوهر لا لطافة فيها وما فى الجنة ليس كذلك وان شارك كل واحد منهما الآخر فى بعض الاوصاف فشبهت بالفضة فى بياضها ونقائها وبقائها وبالقارورة فى شفافيتها وصفائها فهى حقيقة مغايرة لهما جامعة لاوصافهما وذلك كاف فى صحة اطلاق اسم القارورة والفضة عليها وعن ابن عباس رصى الله عنهما ان ارض الجنة من فضة واوانى كل ارض تتخذ من تربه تلك الارض ويستفاد من هذا الكلام وجه آخر لكون تلك الاكواب من فضة ومن قوارير وهو ان اصل القوارير فى الدنيا الرمل واصل قوارير الجنة هو فضة الجنة فكما ان الجنة قارورة صافية بالغرض من ذكر هذه الآية التنبيه على ان نسبة قارورة الجنة الى قارورة الدنيا كنسبة الفضة الرمل فكما انه لا نسبة بين هذين الاصلين فكذا بين القارورتين كذا فى حواشى ابن الشيخ قال بعضهم لعل الوجه فى اختيار كون كانت تامة مع امكان جعلها ناقصة وقوارير الاول خبرا بتكوين الله فيكون فيه تفخيم للآنية بكونها اثر قدرة الله تعالى وقوارير الثانى بدل من الاول فى سبيل الايضاح والتبيين اى قوارير مخلوقة من فضة والجملة صفة لاكواب وقرئ بتنوين قوارير الثانى ايضا وقرئا بغير تنوين وقرئ الثانى بالرفع على هى قوارير ثال ابن الجرزى وكلهم وقفوا عليه بالالف الا حمزة وورشا وانما صرفه من صرفه لانه وقع فى مصحف الامام بالألف وانما كتب فى المصحف بالألف لانه رأس آية فشابه القوافى والفواصل التى تزاد فيها الألف للوقف { قدروها تقديرا } صفة لقوارير ومعنى تقدير الشاربين المطاف عليهم لها أنهم قدروها فى أنفسهم وأرادوا أن تكون على مقادير واشكال معينة موافقة لشهواتهم فجاءت حسبما قدروها فان منتهى ما يريده الرجل فى الآأنية التى يشرب منها الصفاء فقد ذكره الله بقوله كانت قوارير وايضا النقاء فقد ذكره الله بقوله من فضة وايضا الشكل والمقدار فقد ذكره الله بقوله قدروها تقديرا او قدروها باعمالهم الحسنة فجاءت على حسبها وقيل الضمير للطائفين بها المدلول عليهم بقوله ويطاف عليهم اى قدرو اشرابها على اضمار المضاف على قدر استروآئهم وريهم من غير زيادة ولا نقصان وهو ألذ للشارب لكونه على مقدار حاجته فان طرفى الاعتدال مذمومان كما قال مجاهد لا فيض فيها ولا غيض اى لا كثرة ولا قلة وقال الضحاك على قدرا كف الخدم .(16/342)
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)
{ ويسقون فيها } اى فى الجنة بسقى الله او بسقى الطائفين بأمر الله وفيه زيادة تعظيم لهم ليست فى قوله يشربون من كأس بصيغة المعلوم { كأسا } خمرا { كان مزاجها } ما تمزج به وخلط { زنجبيلا } الزنجبيل } عرق يسرى فى الارض ونباته كالقصب والبردى وعلم منه ان ما كان مزاجها زنجبيلا غير ما كان مزاجها كافورا والمعنى زنجبيلا اى ماء يشبه الزنجبيل فى الطعم وكان الشراب الممزوج به اطيب ما يستطيب العرب وألذ ما تستلذ به لانه يحذو اللسان ويهضم الطعام كما فى عين المعانى ولما كان فى تسمية تلك العين بالزنجبيل توهم ان ليس فيها سلاسة الانحدار فى الحق وسهولة مساغها كما هو مقتى اللدع والاحراق ازال ذلك الوهم بقوله { عينا } بدل من زنجبيل بالحق لسهولة مساغها فكان العين سميت بصفاتها قال بعض يطلق لعيها ذلك وتوصف به لانه علم لها يعنى ان سلسبيل صفة لا اسم والا لامتنع من الصرف للعلمية والتأنيث ولم يقرأ به واحد من العشرة ويقال انما صرف مع انه اسم عين وهى مؤنث معنوى لرعاية رأس الآية قال فى الكواشى لفظ مفرد بوزن فعلليل كدردبيس يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل سهل الدخول فى الحلق لعذوبته وصفائه ولذلك حكم بزيادة الباء اى بعد التفاوت فى المعنى بوجودها وعدمها والا فالباء ليست من حروف الزيادة وقيل زيدت الباء على السلسال حتى صارت كلمة خماسية للدلالة على غاية السلاسة والحلاوة وقال ابن المبارك من طريق الاشارة معنى السلسبيل سل منه الله اليه سبيلا قال ابن الشيه جعل الله مزاج شراب الابرار اولا كافورا وثانيا زنجبيلا لان المقصود الاهم حال الدخول البرودة لهجوم العطش عليهم من حر العرصات وعبور الصراط وبعد استيفاء حظوظهم من أنواع نعيمها ومطعوماتها تميل طباهم على الأشرية التى تهيج الاشتهاء وتعيين على تهنئة ما تناولوه من المطعومات ويلتذ الطبع بشربها فلعل الوجه فى تأخير ذكر ما يمزج به الزنجبيل عما يمزجه بالكافور ذلك وفى التأويلات النجمية يشير بالزنجبيل الى شراب الوحدة الممزوجة بزنجبيل الكثرة المعقولة من مفهوم التوحيد وبالسلسبيل الى شراب الوحدة الصافية عن الامتزاج بزنجبيل الكثرة وسميت سلسبيلا لسلاسة انحدارها وذلك لبساطتها وصرافتها وقال القاشانى كان مزاجها زنجبيل لذة الاشتياق فانهم لا شوق لهم ليكون شرابهم الزنجبيل الصرف الذى هو غاية حرارة الطلب لوصولهم ولكن لهم الاشتياق للسير فى الصفات وامتناع حصولهم على جميعها فاتصفو محبتهم من لذة حرارة الطلب كما صفت لذة محبة المستغرقين فى عين جمع الذات فكان شرابهم العين الكافورية الصرفة والزنجبيل عينفى الجنة لكون حرارة الشون عين المحبة النائشة من منبع الوحدة مع الهجران تسمى سلسبيلا لسلاستها فى الحلق وذوفها قال العشاق المهجورين الطالبين السالكنين سبيل الوصال فى ذوق وسكر من حرارة مشقهم لا يقاس به ذوق .(16/343)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)
{ ويطوف عليهم } اى يدورعلى الابرار { ولدان } فانهم اخف فى الخدمة جمع وليد وهو من قرب عهده بالولادة رمخلدون } اى دآئمون على ما هم عليه من الطراوة والبهاء لا يتغيرون ابدا وبالفارسية وبخدمت مى كردد برايشان غلامانى جون كودكان نوزاد جاويد مانده درحال طفرليت او مقربون يعنى بسران كوشواره دار .
والخلد القرط وفى التاج انه من الخلد وهو الروح كأنهم روحانيون لا جسم لهم { اذا رأيتهم } يا من شأنه الرؤية { حسبتهم لؤلؤا } جمعه اللألى وتلألأ الشئ لمع لمعان اللؤلؤ { منثورا } متفرقا لحسنهم وصفاء ألوانهم واشراق وجوههم وتفرقهم فى مجلس الخدمة عند اشتغالهم بأنواع لخدمة واوافهم على المخدومين مسارعين فى الخدمة ولو اصطفوا على وتيرة واحدة لشبهوا اللؤلؤ المغوم والؤلؤ اذا كان متفرقا يكون احسن فى المنظر من المنظوم لوقوع شعاع بعضه على بعض لغاية بياضه وبريقه فيكونم مخالفا للمجتمع فيه والظاهر على ما ذهب اليه البعض منثورا اى متفرقا فى الجنة فهو احسن من القيد بمجلس الخدمة وشبهت الحور العين باللؤلؤ المكنون اى المحزون لانهن لا ينتشرون انتشار الولدان بل هنحور مقصورات فى الخيام قال فى عين المرائى وفيه اشارة الى ان الاستمتاع بظواهرهم يكون بخلاف الحور المشبهة بالبيض لانه يجمع بياض للون الى لذة الطعم انتهى .
ومنه يعلم أن لا لواطة فى الجن وان قول من جوزها مردود باطل على ما حققناه مرارا قال بعضهم منثورا من سلكه على البساط وعن المأمون انه ليلة زفت اليه بوران بنت الحسن بن سهل وهو على بساط منسوج بالذهب وقد نثرت عليه نساء والخلافة اللؤلؤ فنظر اليه منثورا على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقال درابى نواس كانه ابصر هذا حيث يقول
كان صغرى وكبرى من فقاعها ... حصباء در على ارض من الذهب
وقال بعضهم منثورا من صدفه يعنى انهم شبهوا باللؤلؤ الرطب اذا انتثر من صدفه وهو غير مثقوب لانه احسن واكثر ماء وبالفارسية مرواريد افشانده شده ازصدف يعنى تروتازه كه هنوز دست كس بدان نرسيده ودر روتق وآب داد شان قصورى بيدا نشده . قال فى كشف الاسرار ولدان مخلدون اى غلمان ينشئهم الله لخدمة المؤمنين انتهى فسمى الغلمان ولدان لانهم على صورتهم على اوفى اطلاقهم عليهم خطابا بما يتعارفه الناس فلا يلزم ولادتهم فى الجنة وقال فى عين المعانى قيل انهم ولدان الكفار يدخلون الجنة خدما لاهلها بدليل انهم سموا ولدانا ولاولادة فى الجنة انتهى وفى اللباب اختلفوا فى الولدان فقيل انشأهم الله لاهل الجنة من غير ولادة لان الجنة لا ولادة فيها وهم الذين قال الله فيهم ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون اى مخزون مصون لم تمسه الأيدى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ما من احد من اهل الجنة الا يسعى عليه الف غلام وكل غلام على عمل ما عليه صاحبه وروى ان الحسن رحمه الله لما تلا هذه الآية قال قالوا يا رسول الله الخادم كاللؤلؤ المكنون فكيف المخدوم فقال فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وروى عن على رضى الله عنه والحسن البصرى رضى الله عنه ان الولدان هنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة لهم وعن سلمان الفارسى رضى الله عنه اطفال المشركين هم خدم اهل الجنة وعن الحسن رحمه الله لم تكن لهم حسنات يجازون بها ولا سيئات يعاقبون عليها فوضعوا هذا الموضع انتهى كلام اللباب فالله تعالى قادر على أن يجعل اموات الكفار الذين لا يليقون بالخدمة فى الدنيا لغاية صغرهم فى مرتبة القابلية لها فى الآخرة بكمال قدرته وتمام رحمته قال النووى الصحيح الذى ذهب اليه المحققون انهم من اهل الجنة وقال الطيبى فى شرح المشكاة الحق التوقف اى لا الحكم بأنهم من اهل الجنة كما ذهب اليه البعض ولا بأنهم تبع لآبائهم فى النار كما ذهب اليه البعض الآخر فالمذاهب اذا فيهم ثلاثة وفى التأويلات النجمية وطيوف عليهم ولدان مخلدون اى تجليات ذاتية مقروطون بقرطة الاسماء والصفات اذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤ منثورا من تشعشع انوار الذات وتلألؤ أنوار الصفات والاسماء .(16/344)
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)
{ واذا رأيت ثم } وجون بنكرى ونظر كنى دربهشت . قال فى الارشاد ليس له مفعول ملفوظ ولا مقدر ولا منوى بل معناه اى مآل المعنى ان بصرك أينما وقع فى الجنة { رأيت نعيما } كثيرا لا يوصف وهو ما يتنعم به { وملكا كبيرا } اى واسعا وهنيئا كما فى الحديث أدنى اهل الجنة منزلة ينظر فى ملكه مسيرة ألف عام يرى اقصاه كما يرى أدناه والآية من باب الترقى والتعميم يعنى ان هناك امورا اخرا على واعظم من القدر المذكور . در فصول آمده كه نعيم راحت اشباح است وملك كبير لذت ارواح نعيم ملاحظة دارست وملك كبير مشاهدة ديدار وداربى ديدار بهيج كرنيابد الجار ثم الدار زاهد ان فردوس ميحويند وما ديدار دوست .
وفى التأويلات النجمية يعنى اذا تحققت بمقام التوحيد وحال الوحدة وصلت الى نعيم الشهود والملك المشهود والكبير فى ذاته وصفاته واسمائه وافعاله انتهى . فيكون المراد بالملك الكبير فى الدنيا هو الشهود الحاصل لاهل الجنة المعنويا والملك بالضم بالفارسية بادشاهى ولا سلطنة فوق سلطنة المعرفة والرؤية قال فى بعض التفاسير الملك بالضم هو التصرف فى المأمورين بالامر والنهى ومنه الملك واما الملك بالكسر فهو الصترف فى الاعيان المملوكة بحسب المشيئة ومنه المالك والاول جامع للثانى لان كل ملك مالك ولا عكس .(16/345)
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)
{ عليهم ثياب سندس خضر } عاليهم ظرف على انه خبر مقدم وثياب مبتدأ مؤخر والجملة حال من ضمير عليهم اى يطوف عليهم ولدان عاليا للمعطوف عليهم ثياب الخ اى فوقهم وعلى ظهورهم ثياب سندس وهو الديباج الرقيق الفاخر الحسن واضافة الثياب الى السندس كاضافة الخاتم الى الفضة وبالفارسية بربهشتيان يعنى لباس زبرين ايشان جامهاى ديباى نازك . ولم يرض الزجاج بكون عاليهم نصبا على الظرف بمعنى فهم لانهم لم يعرف فى الظررف وخضر جمع أخضر صفة ثياب كقوله ويلبسون ثيابا خضرا فالضمير للابرار لمطوف عليهم لان المقام مقام تعداد نعيمهم وكرامتهم فالمناسب أن تكون الثياب الموصوفة من الحرير والديباج وهذا من علامات الملك { واستبرق } بالرفع عطفا على ثياب بحذف المضاف اى ثياب استبرق وهو معرب استبره . بمعنى الغليظ سبق بيانه فى سورة الرحمن وهو بقطع الهمزة لكونه اسما للديباج الغليظ الذى له بريق { وحلوا أساور من فضة } عطف على ويطوف عليهم وهو ماض لفظا ومستقبل معنى وأساور مفعول ثان لحلوا بمعنى ويحلون والتحليه التزيين بالحلى وبالفارسية باحلى زيور كردن . وفيه تعظيم لهم بالنسبة الى أن يقال وتحلوا وأساور جمع اسورة فى جمع سوار وسوار المرأة اصله دستواره وكان الملك فى الزمان الاول يحلون بها ويسرون من يكرمونه ولا ينافى هذه الآية ما فى الكهف والحج من قوله من أساور من ذهب لا مكان الجمع بين السوار الذهب والسوار الفضة فى أيديهم كما تجمع نساء مدنيا بين انواع الحلى وما احسن المعصم اذ يكون فيه سوار ان من جنسين وزيادة كالذهب والفضة واللؤلؤ وايضا لا مكان المعاقبة فى الاوقات تارة يلبسون الذهب واخرى يلبسون الفضة وايضا لا مكان التبعيض بأن يكون البعض ذهبا والبعض فضة فان حلى اهل الجنة يختلف حسب اختلاف اعمالهم فللمقربين الذهب وللابرار الفضة وايضا يعطى كل احد ما يرغب فيه ويميل طبعه اليه فان الطبع مختفة فرب النسان يكون استحسانه لبياض الفضة فوق استحسانه صفرة الذهب { وسقاهم } بياشاماندا ايشانرا { ربهم شرابا } هو ما يشرب { طهورا } هذا الشراب الطهور نوع آخر يفوق النوعين السالفين كما يرشد اليه اسناد سقيه الى رب العالمين وصفه بالطهورية لانه يطهر باطنهم عن الاخلاق الذميمة والاشياء المؤذية كالغش والغل والحسد وينزع ما كان فى اجوافهم من قذر وأدى وبه تحصل الصفوة المهيئة لانكعاس نور الجمال الالهى فى قلوبهم وهى الغاية القاصية من منازل الصديقين فلذا ختم بها مقالة ثواب الابرار فالطهور بمعنى المطهر صيغة اسم الفاعل وقيل مبالغة الطاهر من حيث انه ليس بنجس كخمر الدنيا وما مسته الأيدى القذرة والاقدام الدنسة ولا يؤول الى أن يكون نجسا بل يرشح عرقا من ابدانهم له ريح كريح المسك ( قال الكاشفى ) يبايد دانست كه جوى كوثر دربهشت خاصه حضرت رسالة است وذكر آن درسوره كثور خواهد آمد وجهار جوى ديكر ازان متقايأنست آب وشيروخمر وعسل وشمه ازصفات اودرسوره محمد مرقوم رقم بيان شد ودوجشمه ازان اهل خشبت است فيهما عينان تجريان ودوجشمه ازان اهل يمين است فيهما عينان نضاختان واين جهار جشمه درسوورة الرحمن آمد ديكر جشمه رحيق ازان ابرارست وجشمه تسنيم ازان مقربان واين هردودرسوره مطففين مذكورند ودوجشمه ازان اهل بيت است كافور وزنجبيل كه آنرا سلسبيل خوانند وشراب طهور نيز از ايشانست ومحققان آنرا شراب شهود كوبندكه مرآت دل نوشنده را بلوامع انوار قدم روشن ساخته بذير اى نقوش عكوس ازل وابدكرداند ووقت وحال اورا جنان صافى سازدكه مطلقا شوآئب غيريه درمشارع وحدت نماند ورنك دوكانكى مبدل كردانيده جام مدامرا يك رنك سازد(16/346)
همه جامست ونيست كوبى مى ... يا مدامست ونيست كويى جام
عارفى كفته اكر فردابزم نشينان داربقارا براى آنكه سرور شراب طهور خواهند جشانيد امروزباده نوشان خمخانه افضل را بنقدازان نصيبى تمام داره اند
ازسقاهم ربهم بين جمله ابرارمست ... درجمال لا يزال هفت وينج وجارمست
اى جوانمرد شراب آن شرابست كه دست غيب دهدرجام دل ريزدوعارف اورانوش كند قومى را شراب مست كرد وقومى راديدار
وأسكر القوم دور كأس ... وكان سكرى من المدير
بزركى را بخواب نمودنهكه معروف كرخى رحمه الله كرد عرش طراف مى كردورب العزة فرشتكانرامى كفت اورا شناسيد كفتندنه كفت معروف كرخى است بمهرما مست شدة تاديده او برمانيايد هشيار نكردد هركرا امروز شراب محبت نيست فردا اورا شراب طهور نيست .
قال بعضهم صليت خلف سهل بن عبد الله العتمة فيقرأ قوله تعالى وسقاهم ربهم شرابا طهورا فجعل يحرك فمه كأنه يمص فلما فرغ من صلاته قيل له أتقرأ ام تشرب قال والله لو لم اجد لذته عند قرآءته كلذتى عند شربه ما قرأنه وفى التأويلات النجمية قوله عاليهم الخ يشير الى اتصاف اهل الجنة بملابس الصفات الالهية والاخلاق الربانية من خضر أى من الصفات الذاتية واستبرق اى من الصفات الاسمائية والى تحليهم بحلى أساور الاسماء الذاتية والصفاتية الزاهرة الباهرة وسقاهم ربهم بكأس الربوبية والتربية شراب المحبا الذاتية الطاهرة عن شوب كدورة رقبة الاغيار .(16/347)
إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)
{ ان هذا } على اضمار القول اى يقال لهم ان هذا الذى ترونه من فنون الكرامات ويجوز أن يكون خطابا من الله فى الدنيا للابرار اى ان هذا الذى ذكر من انواع العطايا { كأن لكم جزآء } عوضا بمقابلة اعمالكم الحسنة فان قيل كيف يكون جزاء لاعمالهم وهى مخلوقة لله عند اهل السنة وأجيب بأنها لهم كسبا عندهم وله خلفا { وكان سعيكم } وهست شتافتن شمادركار خيردردنيا { مشكورا } مرضيا مقبولا مقابلا بالثواب لخلوص نيتكم فيزداد بذلك فرحهم وسرورهم كما ان المعاقب يزداد غمه اذا قيل له هذا جزاء علمك الرديئ فالشكر مجاز عن هذا المعنى تشبيها له بالشكر من حيث انه مقابل للعمل كما ان الشكر مقابل للنعم قال بعضهم أدنى الدرجات أن يكون العبد راضيا عن ربه واليه الاشارة بقوله كان لكم جزآء واعلاها كونه مرضيا له واليه الاشارة بقوله وكان سعيكم مشكورا ولما كان كونه مرضيا عى الدرجات ختم به ذكر مراتب الابرار وفى التأويلات النجمية ان هذا كان لكم جزآء لاقتضاء استعداداتكم الفطرية وكان سعيكم مشكورا غير مضيع بسبب الر والسمعة .(16/348)
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)
{ انا نحن نزلنا عليك القرءآن تنزيلا } اى مفرقا منجما لحكم بالغة مقتضية له لا غيرنا كما يعرب عنه تكرير الضمير مع ان فكأنه تعالى يقول ان هؤلاء الكفار يقولون ان ذلك كهنة وسحر فانا الملك الحق أقول على سبيل التأكيد ان ذلك وحى حق وتنزيل صدق من عندى فلا تكترث بطعهنم فانك أنت النبى الصادق المصدق .(16/349)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)
{ فاصبر لحكم ربكم } بتأخير نصرك على الكافرين فان له عاقبة حميدة ولا تستعجل فى امر المقابلة والانتقام فان الامور مرهونة بأوقاتها وكل آت قريب { ولا تطع منهم } اى من الكفار { آثما او كفورا } او لاحد الشيئين والتسوية بينهما فاذا قلت فى الاثبات جالس الحسن او ابن سيرين كان المعنى جالس احدهما فكذا اذا قلت فى النهى لا تكلم زيد او عمرا كان التقدير لا تكلم احدهما والاحد عام لكل واحد منهما فهو فى المعنى لا تكلم واحدا منهما فمآل المعنى فى الآية ولا تطع كل واحد من مرتكب الاثم الداعى لك اليه ومن الغالى فى الكفر الداعى اليه فاوللاباحة اى للدلالة على انهما سيان فى استحقاق العصيان المخاطب للداعى اليهما والاستقلال به والتقسم الى الآثم والكفور مع ان الداعين يجمعهم الكفر باعتبار ما يدعونه اليه من الأثم والكفر لا باعتبار انقسامهم فى أنفسهم الى اللآثم والكفور لانهم كانوا كفرة والكفر اخبث نواع الاثم فلا معنى للقسمة بحسب نفس كفرهم واثمهم وذلك ان ترتب النهى على الوصفين مشعر بعليتهما له فلا بد أن يكون النهى عن الاطاعة فى الاسم والكفر لا فيما ليس باثم ولا كفر فالمراد بالاثم ما عدا الكفر اذا العام اذا قوبل بالخاص يراد به ما عدا ذلك الخاص وخص الكفر بالذكر بنبيها على غاية خبثه من بين انواع الاثم فكل كفور آثم وليس كل آثم كفور ولا بعد أن يراد بالآثم من هو تابع وبالكفور من هو متبوع ( وقال الكاشفى ) آثما كناهكارى راكه ترابا ثم خواند جون عتبة بن ربيعه كه كفت ازدعوت خود بازايست تادختر خودرا بتودهم او كفورا وناسباسى راكه ترا بكفر دعوت كندجون وليد بن مغيره كه كفت بديه اباء رجوع كن تاترا توانكر سازم . وفى نهيه عليه السلام عن الاطاعة فيما يدعونه اليه مع انه كان يطيع احدا منهم ولا يتصور فى حقه ذلك اشارة الى ان الناس محتاجون الى مواصلة التنبيه والارشاد من حيث ان طبيعتهم التى جبلوا عليها ركب فيها الشهوة الداعية الى السهو والغفلة وان احدا لو استغنى عن توفيق الله وامداده وارشاده لكان احق الناس به هو الرسول المعصوم فظهر انه لا بد لكل مسلم أن يرغب الى الله ويتضرع اليه أن يحفظه من الفتن والآفات فى جميع اموره وقال القاشانى ولا تطع منهم آثما اى محتجبا بالصفات والاحوال او بذاته عن الذات او بصفات نفسه وهيئاتها عن الصفات او كفورا محتجبا بالافعال والآثار واقفا معهم او بافعاله ومكسوباته عن الافعال فتحجب بموافقتهم انتهى عصمنا الله واياكم من موقتة الاعدآء مطلقا .(16/350)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)
{ واذكر اسم ربك بكرة } اول النهار { واصيلا } اى عشيا وهو آخر النهار اى وداوم على ذكره فى جميع الاوقات فاريد بقوله بكرة واصيلا الدوام لانه عليه السلام كان آتيا بنفس الذكر المأمور به وانتصابهما على الظرفية او دم على صلاة الفجر والظهر والعصر فان الاصل كما يطلق على ما بعد العصر الى المغرب فكذا يطلق على ما بعد الزوال فيتناول وقتى الظهر والعصر وقال سعدى المفتى التأويل بالدوام انما يحتاج اليه لو ثبتت فرضية الصلوات الخمس قبل نزولها والظاهر انه كذلك فانها فرضت ليلة المعرج .
يقول الفقير وفيه ان الصلوات الخمس وان فرضت ليلة المعراج الا ان المعراج كان قبل الهجرة بسنة والتأريخ فى نزول الآية مجهول أهى نازلة قبل المعراج أم بعده فان كان الثانى ثبت مطلوبه والا فلا قال القاشانى اذكر ذلك الذى هو الاسم الاعظم من اسمائه بالقيام بحقوقه واظهار كمالاته فى المبدأ والمنتهى بالصفات الفطرية من وقت طلوع النور الالهى بايجادها فى الازل وايداع كمالاته فيها وغروبه بتعيينها واحتجابه بها واظهارها مع كمالاتها .(16/351)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)
{ ومن الليل فاسجد له } وفى بعض الليل فصل له ولعله صلاة المغرب والعشاء بس معنى جنين باشدكه برينج نماز مداومت نماى . وتقديم الظرف للاهتمام فما فى صلاة الليل من مزيد كلفة وخلوص وافضل الاعمال أشقها واخلصها من الياء فاستحقت الاهتمام بشأنها وقدم وقتها لذلك ثم الفاء لافادة معنى الشرط كأنه قال مهما يكن من شئ فاسجد له فقيها وكادة اخرى لامرها وفى التأويلات النجمية واعبد ربك المطلق حق العبودية بالفناء فيه من ليل طبيعتك وغلس بشريتك اذا السجود صورة الفناء الذاتى والركوع صورة الفناء الصفائى والقيام صورة الفناء الافعالى فافهم بعض اسرار الصلاة { وسبحه ليلا طويلا } اى صل صلاة التهجد لانه كان واجبا عليه فى طائفة طويلة من الليل ثلثيه او نصفه او ثلثه فقوله ليلا طويلا نصب على الظرفية فان قلت انتصاب ليلا على الظرفية وطويلا نعت له ومعناه سبحه فى الليل الطويل فمن أين يفهم ما ذكرت من المعنى قلت ظاهر أن توصيف الليل بالطول ليس للاحتراز عن القصير فان الامر بالتهجد بتناوله ايضا فهو لتطويل زمان التسبيح وفى التعبير فى التهجد بالتسبيح وتأخير ظرفه دلالة على انه ليس فى مرتبة ما قبله .(16/352)
إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)
{ ان هؤلاء } اى كفار مكة عاد الى شرح احوال الكفار بعد شرح صدره عليه السلام بما ذكر من قوله انا نحن الخ { يحبون العاجلة } دوست ميدارند سراى شتا بنده را يعنى دنيارا وينهمكون فى لذاتها الفانية فهو الحال لهم على الكفر والاعراض عن الاتباعلا اشتباه الجن عليهم { ويذرون } يتركون { ورآءهم } اى أمامهم لا يستعدون فهو حال من يوما او ينبذون ورآء ظهورهم فهو ظرف ليذرون فورآء يستعمل فى كل من أمام وخلف والظاهر فى وجه الاستعمالين ان ورآء اسم للجهة المتوارية اى المستترة المختفية عنك واستتار جهة الخلف عنك ظاهر وما فى جهة الامام قد يكون متواريا عنك غير مشاهد ومعاين لك فيشبه جهة الخلف فى ذلك فيستعار له اسم الورآء { يوما ثقيلا } لا يعبأون به ويرما مفعول بذرون وثقيلا صفته ووصفه بالثقل مع انه من صفات الاعيان الجمسيه لا الامتدادات الوهمية لتشبيه شدته وهوله لثقل الحمل الثقيل ففيه استعارة تخييلية وفىلآية وعيد لاهل الدنيا ونعيمها خصوصا لاهل الظلم والرشوة .(16/353)
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)
{ نحن } لا غيرنا { خلقناهم } من نطفة { وشددنا اسراهم } اى احكمنا ربط مفاصلهم بالاعصاب ليتمكنوا بذلك من القيام والقعود والاخذ والدفع والحركة وحق الخالق المنعم أن يشكر ولا يكفر ففيه ترغيب والاسر الربط ومنه اسر الرجل اذا أوثق بالقد وقدر المضاف وهو المفاصل ( وفى كشف الاسرار ) وآفرينش انسان سخت بستيم تا آفرينش واندامان برجاى بود . فمعناه شددنا خلقهم وقال الراغب اشارة الى الحكمة فى تركيب الانسان المأمور بتدبرها وتأملها فى قوله وفى أنفسكم أفلا تبصرون وقيل وشددنا مخرج البول والغائط اذا خرج الأذى انقبض او معناه انه لا يسترخى قبل الارادة { واذا شئنا } تبديلهم { بدلنا امثالهم } اى بدلناهم بأمثالهم بعد اهلاكهم والتبديل يتعدى الى مفعولين غالبا كقوله تعالى يبدل الله سيئاتهم حسنات يعنى يذهب بها ويأتى بدلّها بحسنات { تبديلا } بديعا لا ريب فيه وهو البعث كما ينبغى ولا ينافيها الغيرية بحيب العوارض كاللطافة والكثافة وبالفارسية وجون خواستيم بدل كنيم ايشانرا بامثال ايشان در خلقت يعنى ايشانرا بمرانيم ودر نشأت ثانيه بمانند همين صورت وهيأت وز آريم . او المعنى واذا شئنا بدلنا غيرهم ممن يطيع كقوله تعالى يستبدل قوما غيركم ففيه ترهيب فالمثلة باعتبار الصورة ولا ينافيها الغيرية باعتبار العمل والطاعة واذا للدلالة على تحقق القدرة وقوة الداعية والا فالمناسب كلمة ان اذلا تحقق لهذا التدبيل قال القاشانى نحن خلقناهم بتعيين استعداداتهم وقيناهم بالميثاق الازلى والاتصال الحقيقى واذا شئنا بدلنا امثالهم تبديلا بأن نسلب افعالنا ونمحو صفاتهم بصفاتنا ونفنى ذواتهم بذاتنا فيكونوا ابدالا .(16/354)
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29)
{ ان هذه تذكرة } اشارة الى السورة او الآيات القريبة اى عظة مذكرة لما لا بد منه فى تحصيل السعادة الابدية جعلت عين التذكرة مبالغة وفى عين المعانى تذكرة اى اذكار بام غفلت عنه عقولهم ( وقال الكاشفى ) يا معاملهء اهل بيت در بذل وابثار عبرتيست مؤمنا نراتا بمثل آن عمل كنند وازمثل اين جزاها بهره يا بند { فمن } بس هركه { شاء اتخذ الى ربه سبيلا } اى فمن شاء أن يتخذ اليه تعالى سبيلا اى وسيلة توصله الى ثوابه اتخذه اى تقرب اليه بالعمل بما فى تضاعيفها وقال ابن الشيخ فمن شاء النجاة من ثقل ذلك اليوم وشدته اختار سبيلا مقربا الى مرضاة ربه وهو الطاعة .(16/355)
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)
{ وما تشاؤون الا أن يشاء الله } تحقيق للحق وبيان أن مجرد مشيئتهم غير كافية فى اتخاذ السبيل كما هو المفهوم من ظاهر الشرطية وان مع الفعل فى حكم المصدر الصريح فى قيامه مقام الظرف والمعنى وما تشاؤن اتخاذ السبيل ولا تقدرون على تحصيله فى وقت من الاوقات الاوقت مشيئته تعالى تحصيله لكم اذ لا دخل لمشيئته العبد الا فى الكسب وانما التأثير والخلق لمشيئة الله تعالى غاية ما فى الباب ان المشيئة ليست من الافعال الاختيارية للعبد بل هى متوقفة على أن يشاء الله اياها وذلك لا ينافى كون الفعل الذى تعلقت به مشيئة العبد اختياريا له واقعا بمشيئته وان لم تكن مشيئته مستثقلة فيه وهو وهو الجبر المتوسط الذى يقول به اهل السنة ويقولون الامر بين الامرين اى بين القدر والجبر نال فى عين المعانى قوله تعالى فمن شاء الخ حجة تكليف العبود وقوله تعالى وما تشؤن الخ الظاهر قهر الالوهية { ان الله كان عليما حكيما } بيان لكون مشيئته تعالى مبنية على اساس العلم والحكمة والمعنى انه تعالى مبالغ فى العلم والحكمة فيفعل ما يستأهله كل احد فلا يشاء لهم الا ما يستدعيه علمه وتقتضيه حكمته قال القاشانى وما تشاؤن الا بمشيئتى بأن أريد فتريدون فتكون ارادتكم مسبوقة بارادتى بل عين ارادتى الظاهرة فى مظاهرهم ان الله كان عليما بما أودع فيهم من العلوم حكيما بكيفته ايداعها وابرازها فيهم باظهار كما لهم .(16/356)
يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)
{ يدخل من يشاء فى رحمته } بيان لاحكام مشيئته المرتبة على علمه وحكمته اى يدخل فى رحمته من يشاء ان يدخله فيها وهو الذى يصرف مشيئته نحو اتخاذ السبيل اليه تعالى حيث يوفقه لما يؤدى الى دخول الجنة من الايمان والطاعة { والظالمين } وهم الذين صدوا مشيئتهم الى خلاف ما ذكر { اعد لهم عذابا أليما } اى متناهيا فى الايلام قال الزجاج نصب الظالمين لان ما قبله منصوب اى يدخل من يشاء فى رحمته ويعذب الظالمين ويكون اعد لهم تفسيرا لهذا المضمر فى الآية اشارة الى ادخال الله بعض عباده فى رحمة معرفته واما بعض عباده وهم الظالمين الواضعون الضلالة فى مقام الهداية والجهالة فى مقام المعرفة فان الله اعد لهم عذاب الحجاب المؤملم للروح والجسم وايضا عذابا بالوقوف على الرب لوقوفهم مع الغير ثم على النار لوقوفهم مع الآثار وحتم الله السورة بالعذاب المعد يوم البعث والحشر ففيه حسن الخاتمة لموافقته الفاتحة على مالا يخفى على اهل النفر والفهم .(16/357)
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5)
{ والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا } الواو للقسم والمرسلات بمعنى الطوآئف المرسلات جمع مرسلة بمعنى طائفة مرسلة باعتبار ان ملائكة كل يوم او كل عام او كل حادثة طائفة وعرفا بمعنى متتابعة من عرف الفرس وهو الشعرات المتتابعة فوق عنقه فهو من باب التشبيه البليغ بأن شبهت الملائكة المرسول فى تتابعهم بشعر عرف الفرس وانتصابه على الحالية اى جاريات بعضها اثر بعض كعرف الفرص والعرف بمعنى المعروف والاحسان نقيض النكر بمعنى المنكر اى الشئ القبيح فانهم ان ارسلوا للرحمة فظاهر وان ارسلوا لعذاب الكفار فذلك معروف للانبياء والعالمين يعنى ان عذاب الاعدآء احسان للاولياء فانتصابه على العلية وعصفت الريح اشتدت وعصفا مصدر مؤكد وكذا نشرا وفرقا والفاء للدلة على اتصاله سرعة جريهن فى نزولهن وهبوطهن بالارسال من غير مهلة وهى لعطف الصفة على الصفة اذ الموصوف متحد والنشر بمعنى البسط والعدول الى اواو فى الناشرات لانها غير المرسلات فالقسم الاول وصفهم الله بوصفين يتعقب احدهما على الآخر والقسم الثانى وصفهم بثلاثة اوصاف كذلك والفرق الفصل والالقاء هنا بمعنى الايصال والانزال لا الطرح وذكرا بمعنى الوحى مفعول الملقيات وترتيب الالقاء على ما قبله بالفاء ينغبى ان يكون لتأويله بارادة النشر والفرق وسيأتى تمامه اقسم الله بطوآئف من الملائكة ارسلهن بأوامره بنحو التدبير وايصال الارزاق بالتصرف فى الامطار والرياح وكتابة اعمال العباد بالليل والنهار وقبض الارواح فعصفهن فى مضيهن يعنى سخت رفتند . عصف الرياح مسارعة فى الامتثال بالامر وبطوآئف اخرى نشرن اجنحتهن فى الجو عند انحطاطهن بالوحى او نشر الشرآئع فى الاقطار اى فرقن واشعن او نشرن النفوس الموتى بالكف والجهل اى احيين بما اوحين ففرقن بين الحق والباطل فألقين ذكرا الى الانبياء .(16/358)
عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)
{ عذرا } لاهل الحق اى معذرة لهم فى الدنيا والآخرة لاتباعهم الحق { او نذرا } لاهل الباطل لعدم اتباعهم الحق وعذرا مصدر من عذر اذا محا الاساءة ونذرا اسم مصدر من انذر اذا خوف لا مصدر لانه لم يسمع فعل مصدرا من افعل وانتصابهما على البدلية من ذكرا قال ابن الشيخ ان كان الذكر المبدل منه بمعنى جميع الوحى يكون عذرا او نذرا بدل البعض من الكل فان ما يتعلق بمغفرة المطيعين وتخويف المعاندين بعض من جملة الوحى وان اريد بالذكر المبدل منه ما بتعلق بسعادة المؤمن وشقاوة الكافر خاصة يكون بدل الكل من الكل فان القاء ما يتعلق بسعادة المؤمن متحد بالذات مع القاء عذره ومحو اساءته وكذا القاء ما يتعلق بشقاوة الكافر متحد مع القاء انذاره على كفره انتهى او انتصابهما على العيه للصفات المذكورة او للاخيرة وحدها وهو الاولى بمعنى فاللاتى ألقين ذكرا لمحو ذنوب المعتذرين الى الله بالتوبة والاستغفار ولتخويف المطبلين المصرين وفى كشف الاسرار لاجل الاعذار من الله الى خلقه لئلا يكون لاحد حجة فيقول لما يأتنى رسول ولاجل انذارهم من عذاب الله وعن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله عذرا او نذرا قال يقول الله يا ابن آدم انما امرضكم لاذكركم وامحص به ذنوبكم واكفر به خطاياكم وربكم اعلم ان ذلك المرض يشتد عليكم وأان فى ذلك معتذر اليكم قال بعضهم المعنى ورب المرسلات الخ وفى الارشاد لعل تقديم نشر الشرآئع ونشر النفوس والفرق على الالقاء اى مع ان الظاهر ان الفرق بين الحق والباطل يكون مع النشر لا بعده وان القاء الذكر الى الانبياء متقدم على نشر الشرآئع فى الارض واحياء النفوس الموتى والفرق ين الحق والباطل فلا يظهر التعقيب بينهما للايذان يكونها غاية للالقاء حقيقة بالاعتناء بها او للاشعار بأن كلا من الاوصاف المذكورة مستقل بالدلالة على استحقاق الطوآئف الموصوفة بها للتفخيم والاجلال بالقسم بهن ولو جيئ بهاه على ترتيب الوقوع لربما فهم ان مجموع الالقاء والنشر والفرق هو الموجب لما ذكر من الاستحقاق هذا وقد قيل فى هذا المقام غير ذلك لكن الحمل على الملائكة اوجه وأسد لما ذكرنا فى المدثر أن المحققين على انه من الملائكة المرسلات والناشرات والملقيات وغير ذلك ( قال فى كشف الاسرار ) در روز كار خلافت عمر رضى الله عنه مردى نيمداز اهل عراق نام او صبيع وازعمر ذاربات ومرسلات برسيد صببغ عادت داشت كه بيوسته ازين معضلات آيات برسيدى يعنى تاكه مردمدر وفرومانند عمر اورا دره زد وكفت لو وجدتك مخلوقا لضربت الذى فيه عيناك يعنى اكرمن تراسر سترده يا فتم من ترا كردن زدم عمر رضى الله عنه اين سخن را ازبهر آن كفت كه از رسول خدا عليه السلام شنيده بود در صفت خوارج كه سيماهم التحليق كفت در امت من قومى خوارج بيدا آيند نشان ايشان آنست كه ميان سرسترده دارند بس عمر نامه نبشت باموسى الاشعرى وكان أميرا على العراق كه يكسال اين صبيغ را مهجور داريد باوى منشينيد وسخن مكوييد بس از يكسال صبغ توبه كرد وعذر خواست وعمر رضى الله عنه توبه وعرذوى قبول كرد شافعى رحمه الله كفت حكمى فى اهل الكلام كحكم عمر فى صبيغ قال فى القاموس صبيغ كامير بن عسيل كان يعنت الناس بالغوامض والسؤالات فنفاه عمر الى البصرة انتهى .(16/359)
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8)
{ انما توعدون لواقع } جواب للقسم اى ان الذى توعدونه من مجيئ القيامة كأن لا عالة فانما هذه ليست هى الحصرية بل ما فيها موصولة وان كتبت متصلة فى خط لمصحف والموعود هو مجيئ القيامة لان المذكور عقيب هذه الآية علامات يومت القيامة وقال الكلبى المراد ان كل ما توعدون به من الخير والشر لواقع نظرا الى عموم لفظ الموصول فى التأويلات النجمية انما توعدون من يوم قيامة الفناء الكلى فى الله لواقع حاصل بالنسبة الى اهل المعرفة والشهود وارباب الذوق والوجود واما بالنسبة الى اهل الحجاب ولاحتجاب فسيقع ان كانوا مستعدين لرفع الحجاب وكشف النقاب والى هذا الوقوع المحقق اشار بقوله كل شئ هالك الا وجه الى فى الحال وبقوله كل من عليها فان اى فان فى عين البقاء اذا لمقيد مستهلك فى اطلاق المطلق استهلاك نور الكواكب فى نور الشمس واستهلاك اعتبارات النصفة والثلثية والربعية فى الاثنين والثلاثة والاربعة ثم اخبر عن ظهور آثار يوم القيامة وحصول دلائلها لاهل الشقاوة بقوله { فاذا النجوم طمست } محيت ومحقت ذواتها فان الطمس محو الاثر الدال على الشئ وهو الموافق لقوله واذا الكواكب انتثرت او ذهب بنورها والاول اولى لانه لا حاجة فيه الى الاضمار والنجوم مرتفعة بفعل يفسره ما بعده او بالابتدآء وطمست خبره والاول اولى لان اذا فيها معنى الشرط والشرط بالفعل اولى ومحل الجملة على الاعرابين الجر باذا وجواب اذا محذوف والتقدير فاذا طمست النجوم وقع ما توعدون او بعثتم او جوزيتم على اعمالكم وحذف لدلالة قوله انما توعدون لواقع عليه وفيه اشارة الى محق نجوم الحواس العشر الظاهرة والباطنة عن ادراك الحقائق عن طلوع الشمس الحقيقة .(16/360)
وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9)
{ واذا السماء فرجت } صدعت من خوف الرحمن وشققت ووقعت فيها الفروج التى نفاها بقوله وما لها من فروج وفتحت صفات ابواب بالفرج الشق وكل مشقوق فرج وبالفارسية وآنكاه كه آسمان شكافته كردد .
وفيه اشارة الى صدع سماء الارواح وشقها عند سطوات التجليات الجلالية .(16/361)
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)
{ واذا الجبال نسفت } جعلت كالحب الذى ينسف بالمنسف وهو ما ينقض به الحب ويذرى ونحوه وبست الجبال بسا فالنسف والبس بالفارسية برا كنده كردن وداميدن . وفيه اشارة الى تلاشى جبال الخيالات والاوهام الفاسدة الكاسدة عند بوادى المشاهدات وهو ادى المعاينات .(16/362)
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11)
{ واذا الرسل اقتت } اى عين لهم الوقت الذى يحضرون فيه للشهادة على اممهم وذلك عند مجيئه وحضوره اذ لا يتعين لهم قبل حصوله فان علم ذلك الى الله تعالى يعنى ان تبيين وقت حضورهم لهم من جملة علامات القيامة من حيث ان ذلك التعيين والتبيين لم يكن حاصلا فى الدنيا لعدم حصول الوقت فيقال لهم عند حصوله اضروا للشهادة فقد جاؤ وقتها او المعنى واذا الرسل بلغوا الميقات الذى كانوا ينتظرونه وهو يوم القيامة فان التوقيت كما يجيئ بمعنى تحديد الشئ وتعيين وقته فكذا يجيئ بمعنى جعل الشئ منتهيا الى وقته المحدود وعلىلمعنى الاول لا يقع على الذوات يدون اضمار فان الموقت هو الاحداث لا الجثث فلا يقال زيد موقت الا ان يراد موقت حضوره وكذا توقيت الرسل انما هو بالنسبة الى حضورهم لا بالنسبة الى ذواتهم لان الذوات قارة لا يعتبر فيها تعيين بخلاف الزمانيات المتجددة هكذا قالوا وقال سعدى المفتى وفى وقوعه على المعنى الثانى على الجثث بدل اضمار بحث ظاهر وان ذهب اليه صاحب الكشف ونحوه وقرأ أبو عمرو وقتت على الاصل لانه من الوقت والباقون ابدلوا الواو همزة لان الضمة من جنس الواو فالجمع بينهما يجرى مجرى الجمع بين المثلين فيكون ثقيلا ولهذا السبب تستثقل الكسرة على الياء ولم تبدل فى نحو ولا تنسوا الفضل بينكم لان ضمة الواو ليست بلازمة فيه وفى كشف الاسرار الالف والواو لغتان والعرب تبدل الالف من الواو تقول وسادة واسادة وكتاب مورخ ومؤرخ وقوس موتر ومؤتر وفى الآية اشارة الى رسل القلب والسر وتعيين وقت شهادتهم على امة الاعضاء والجوارح .(16/363)
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12)
{ لاى يوم اجلت } مقدر بقول هو جواب لاذا فى قوله واذا الرسل اقتت اى يقال لاى يوم اخرت الامور المعلقة بالرسل اى بجمعهم واحضارهم كما قال تعالى يوم يجمع الله الرسل والمراد تعظيم ذلك اليوم والتعجيب من هوله قال القاشانى واذا الرسل اى ملائكة الثواب والعقاب عينت وبلغت ميقاتها الذى عين لها اما لايصال البشرى والروح والراحة واما لايصال العذاب والكرب والذلة عين لها اما لايصال البشرى والروح والراحة واما لايصال العذاب والكرب والذلة ليوم عظيم اخرت عن معاجلة الثواب والعقاب فى وقت الاعمال ورسل البشر وهم الانبياء عينت وبلغت ميقاتها الذى عين لهم فيه الفرق بين المطيع والعاصى والسعيد والشقى فان الرسل يعرفون كلا بسيماهم .(16/364)
لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13)
{ ليوم الفصل } بيان ليوم التأجيل وهو اليوم الذى يفصل فيه بين الخلائق ويقضى بالحقوق ويحكم بين المحسن والمسيئ ويميز بن ارباب شهود الوحدة الذاتية وبين اصحاب شهود الكثرة الاسمائية والصفاتية وقال بعضهم يفصل فيه بين الحبيب وحبيبه الا من كان معاملته لله فى الله وبين الرسل وامه وأبيه وأخيه الا ان يكونوا متفقين على الحق والعدل .(16/365)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14)
{ وما ادراك ما يوم الفصل } ما مبتدأ ادراك خبره اى اى شئ جعلك داريا وعالما ما هو وما كنهه اذ لم تر مثله وكذا لم يرا احد قبلك شدته حتى تسمع منه ( قال الكاشفى ) وجه جيزدانا كرد تراكه جيست روز فصل جه كنه اورانتوان دانست .
فوضع موضع الضمير لبوم الفصل لزيادة تفظيع وتهويل على ان ما خبر ويوم الفصل مبتدأ لا بالعكس كما اختاره سيبويه لان محط الفائدة بيان كون يولم الفصل أمرا بديعا هائلا لا يقادر قدره ولا يكتنه كنهه كما يفيده خبرية مالا بيان كون امر بديع من الامور يوم الفصل كما يفيده عكسه .(16/366)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)
{ ويل } واى { يومئذ } اى فى ذلك اليوم الهائل { للمكذبين بيوم يفصل فيه الرحمن بين الخلائق اى الويل والهلاك ثابت فيه لهم والويل فى الاصل مصدر منصوب ساد مسد فعل لا من لفظه فأصله اهلكه الله اهلاكا او هلك هو هلاكا عدل به الىلرفع للدلالة على ثبات الهلاك ودوامه للمدعو عليه ويومئذ ظرفه او صفته ووضع الويل موضع الاهلاك او الهلاك فجاز وقوعه مبتدأ مع كونه نكرة فانه لما كان مصدرا سادا مستد فعله المتخصص بصدوره عن فاعل معين كانت النكرة المذكورة متخصصة بذلك الفاعل فساغ الابتدآء بها لذلك كما قالوا فى سلام عليك وقال بعضهم الويل واد فى جهنم لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره اى ذابت وقال الجنيد قدس سره الويل يومئذ لمن كان يدعى فى الدنيا الدعاوى الباطلة .(16/367)
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)
{ ألم نهلك الاولين } كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ممن هلكوا قبل بعثة سيد المرسلين عليه السالم وذلك لتكذيبهم بيوم الفصل وهو استئناف انكار لعدم الاهلاك اثباتا وتقريرا له لان نفى النفى يثبت الاثبات ويحقق الاهلاك فكأنه قيل لم يكن عدم الاهلاك بل قد اهلكناهم .(16/368)
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17)
{ ثم نتبعهم الآخرين } وهم الذين كانوا بعد بعثته عليه السلام وهو بالرفع على ثم نحن نتبعهم الآخرين من نظرآئهم السالكين لمسلكهم فى الكفر والتكذيب اى نجعلهم تابعين للاولين فى الاهلاك فليس الكلام معطوفا على ما قبله لان العطف يوجب ان يكون المعنى اهلكنا الاولين ثم اتبعناهم الآخرين فى الاهلاك وليس كذلك لان اهلاك الآخرين لم يقع بعد فلذلك رفع نتبع على ان يكون مقطوعا عما قبله ويستأنف به الكلام على وجه الاخبار عما سيقع فى المستقبل باضمار المبتدأ وفيه وعيد لكفار مكة .(16/369)
كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18)
{ كذلك } اى فعلا مثل ذلك الفعل الذى اخبر به فمحل الكاف النصب على انه نعت لمصدر محذوف { نفعل بالمجرمين } بكل من اجرم اى سنتنا جارية على ذلك وفيه تحذير من عاقبة الجرم وسوء اثره .(16/370)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19)
{ ويل } مكروهى بزرك { يومئذ } بوم اذا هلكناهم { للمكذبين } بآيات الله وانبيائه وليس فيه تكرير لما ان الويل الاول لعذاب الآخرة وهذا لعذاب الدنيا وفى برهان القرءآن كررها فى هذه السورة عشر مرات لان كل واحدة منها ذكرت عقيب آية غير الاولى فلا يكون تكرارا مستهجنا ولو لم يكرر كان متوعدا على بعض جدون بعض وقيل ان من عادة العرب التكرار والاطناب كما ان عادتهم الاقتصار والايجاز ولان بسط الكلام فى الترغيب والترهيب ادعى الى ادراك البغية من الايجاز وقد يجد كل احد فى نفسه من تأثير التكرار مالا خفاء به .(16/371)
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21)
{ الم نخلقكم } اى ألم نحدثكم واتفق القرآء على ادغام القاف فى الكاف فى هذا الحرف وذكر النقاش انه فى قرآءة ابن كثير ونافع برواية قالون وعاصم فى رواية حفص بالاظهار قاله فى الابضاح { من ماء مهين } بهوان الحدوث والامكان والابتذال اى من نطفة قذرة مكهينة يعنى خوار وبى مقدار . والميم اصلية ومهانته قلته وخسته وكل شئ ابتذلته فلم تنصه فقد امتهنته اى خلقناكم منه ولذا عطف عليه قوله { فجلعناه } اى الماء وبالفارسية بس نكاه داشتيم آن آب را { فى قرار مكين } وهو الرحمن بكسر الحاء المهملة اى وعاء الولد فى بطن الام يعنى درقرار كاه استواركه رحم است . فالقرار موضع الاستقرار والمكين الحصين اى جعلنا ذلك الماء فى مقر حصين يتمكن فيه الماء محفوظا سالما من التعرض له فمكين من المكانة بمعنى التمكن لا منها بمعنى المنزلة ومرتبة عنده فيكون فعيلا لا مفيلا .(16/372)
إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22)
{ الى قدر معلوم } اى مقدار معلوم من الوقت الذى قدره الله للولادة تسعة اشهر او اقل منها او اكثر وهو فى موضع الحال من الضمير المنصوب فى فجعلناه اى مؤخرا الى مقدار معلوم من الزمان(16/373)
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)
{ فقدرنا } اى فقدرناه والمراد تقدير خلقه وجوارحه واعضائه وألوانه ومدة حمله وحياته ويدل على كون قدر المخفف لغة بمعنى قدر المشدد قرآءة نافع والكسائى بالتشديد { فنعم القادرون } اى نحن بمعنى المقدرون والى هذا المعنى ذهب ابن مسعود رضى الله عنه ويجوز ان يكون فقدرنا من القدرة بمعنى فقدرنا على ذلك اى على خلقه وتصويره كيف شئنا واردنا من مثل تلك المادة الحقيرة على ان المراد بالقدرة ما يقارن وجود المقدور بالفعل ويعضده قوله فنعم القادرون حيث خلقناه بقدرتنا وجعلنا على احسن الصور والهيئات .(16/374)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24)
{ ويل } بزركتربلاى { يومئذ للمكذبين } اى بقدرتنا على ذلك او على الاعادة قال أبو الليث اى الشدة من العذاب لمن يرى الخلق الاول فانكر الخلق الثانى .(16/375)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25)
{ ألم نجعل الارض كفاتا } عرفهم او لانعمه الا نفسية لانها كالاصل ثم اتبعها النعم الآفاقية والكفت باهم آوردن . والكفات اسم ما يكفت اى يضم ويجمع من كفت الشئ اذا ضمه وجمعه كالضمام لما يضم والجماع لما يجمع نحو التقوى جماع كل خير والخمر جماع كل اثم وكفتا مفعول ثان لنجعل لانه بمعنى ألم نصيرها كفاتا تكفت وتضم .(16/376)
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)
{ احياء } كثيرة على ظهرها فهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه كفاتا وهو تكفت والا فالاسماء الجامدة وكذا اسماء الزمان والمكان واصآله وان كانت مشتقة لا تعمل وفى اسم المصدر خلاف واما المصدر وجمع اسمالفاعل فهما من الاسماء العاملة فمن جعل الكفات مصدر او جمع اسم الفاعل وهو كافت كصيام جمع صائم جعله عاملا ومن جعله اسما لمن يكفت او جمعا للكفت بمعنى الوعاء منعه من العمل غير الزمخشرى فانه جعل كفاتا وهو اسم عاملا وقد طعن فيه { وامواتا } غير محصورة فى بطنها ولهذا كانوا يسمون الارض اما تشبيها لها بالام فى ضمها للناس الى نفسها احياء وامواتا كالام التى تضم اولادها اليها وتضبطهم ولما كانوا ينضمون اليها جعلت كأنها تضمهم وايضا كما ان الارض كفات الاحياء بمعنى انهم يسكنون فيها كذلك انها كفات لهم بمعنى انها تكفت ما ينفصل من الاحياء من الامور المستقذرة وتنكيرها فى مضى التعريف الاستغراقى لا لا فراد والنوعية ويجوز أن يقال الارض وان كانت كفاتا لجميع احياء الانس وامواتهم لكمن الاحياء والاموات غير منحصرة فيها لان بعض الحيوان يكفته الهوآء والبعض الآخر يكفته الماء فلا تكون كفاتا للجميع بل للبعض فيصح التنكير ونقل عن القفال انه قال دلت الآية على وجوب قطع يد النباش من حيث انه تعالى جعل الارض كفات الميت فتكون حرزا والسارق من الحرز يجب عليه القطع .(16/377)
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)
{ وجعلنا فيها رواسى } اى جبالا ثوابت يعلى وبيافريديم درزمين كوهاى استوار وباى برجاه فمفعول جعلنا مقدر ورواسى صفة له من رسا الشئ يرسو اى ثبت والجبال ثوابت على ظهر الارض لا نزول { شامخات } صفة بعد صفة والشامخ العالى المرتفع اى طوالا شواهق يعنى بلد وسر فرز ومنه شمخ بأنفه عبارة عن الكبر وفى عين المعانى رواسى اى ثوابت الاصول رواسخ العروق شامخات اى مرتفعات الفروع ووصف جمع المذكر يجمع المؤنث فى غير العقلاء مطرد كاشهر معلومات ونحوه والتنكير للتخفيم او للاشعار بان ما يرى ظهر الارض من الجبال بعض منها وان فى عداد الجبال ما لم يعرف ولم ير فان السماء فيها جبال ايضا بدلالة قوله تعالى من جبال فيها من برد . { وأسقيناكم } وبياشامانيديم شمارا { ما فراتا } اى عذابا جدا بأن خلقنا فيها انهارا ومنابع اى جعلناه سقيا لكم ومكناكم من شربه وكذا من سقيه دوابكم ومزارعكم وسمى نهر الكوفة فراتا للذته وقال ابو الليث ماء فراتا ايضا بل هى معدنه ومصبه .(16/378)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)
{ ويل } واد فى جهنم { يومئذ } دران روز خطرناك { للمكذبين } بامثال هذه النعم العظيمة .(16/379)
انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29)
{ انطلقوا } اى يقال يومئذ للمكذبين بطريق التوبيخ والتقريع انطلقوا واذهبوا والقائلون خزنة النار وزبانية جهنم { الى ما كنتم به تكذبون } فى الدنيا من العذاب وبه متعلق بتكذبون قدم رعاية نظم الآية .(16/380)
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30)
{ انطلقوا } خصوصا { الى ظل } اى الى ظل دخان نار جهنم كقوله تعالى وظل من يحموم اى دخان غليظ اسود { ذى ثلاث شعب } جمع شعبة يعنى خداوندسه شاخ يتشعب لعظمه ثلاث شعب كما هو شأن الدخان العظيم تراه يتفرق ذوآئب فقوله ذى ثلاث شعب كناية عن كون ذلك الدخان عظيما بناء على ان التشعب من لوزامه وقيل يخرج لسان من النار فيحيط بالكفار كسرادق وهو ما يمد فوق سحن البيت ويتشعب من دخانها ثلاث شعب فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم والمؤمنون فى ظل العرش قال القاضى اخذا من التفسير الكبير خصوصية الثلاثة اما لان حجاب النفس عن انوار القدس الحس والخيال والوهم او لان المؤدى الى هذا العذاب هو القوة الوهمية الشيطانية الحالة فى الدماغ المشوشة للنفس عن ادراك الحقائق والقوة الغضبية السبعية التى عن يمين القلب الدافعة للنفس عن القيام على حق الاعتدار والقوة الشهوية البهيمية التى عن يساره المانعة للنفس عن الاتصاف بالاوصاف الالهية ولذلك قيل تقف شعبة فوق الكافر وشعبة عن يمينه وشعبة عن يساره فجميع ما يصدر عن الانسان من العقائد الفاسدة والاعمال الباطلة لا ينشأ الا من هذه القوى الثلاث الواهمة والغضبية والشهوية فهذه الثلاث لما كانت منبع جمبع الآفات الصادرة الانسان تشعبت شعب العذات على حسبها .
بس هركه خواهدكه فردا زين دخان كه ظل من يحموم اشارت بدانست كردد امروز بنور عقل متمسك شده ازتيركى صفت شيطانى وسبعى ويهيمى ببايد كذشت .
زتاريكئ خشم وشهوت حذركن ... كه ازدود آن جشم دل تيره فردد
غضب جون در آمد رود عقل بيرون ... هوى جون شود جيره جان خيره كردد
ويحتمل أن تكون الخصوصية لتضييعهم القوى الثلاث التى هى السمع والبصر والفؤاد كما قال تعالى وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا منشأ الشقاوات .
يقول الفقير عندى وجه آخر وهو أن الايمان عبارة عن التصديق والاقرار وللعلم فجعلت كل شعبة من الثلاث بمقابلة واحدة من هذه الاركان دل على هذا قوله تعالى انطلقوا الى ما كنتم به تكذبون فأورد التكذيب الذى هو صفة القلب فان القلب لكونه مدار الاعضاء والقوى اذا فسد فسد اللسان وسائر الاركان فالتكذيب ظلمة باطنة للقلب ضوعفت بظلمة ترك الاقرار والعمل فلما تضاعفت الظلمات الباطنة فىلدنيا تضاعفت الظلمات الظاهرة فى الآخرة لان لكل عمل وصفه صورة شخصية جسدانية يوم القيامة(16/381)
لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)
{ لا ظليل } اخذ من الظل للتأكيد كنوم نائم اى لا يظل من الحر وتوصيف الظل بأنه لا يظل من حر ذلك اليوم وهو حر النار للدلالة على ان تسمية ما يغشاهم من العذاب بالظل استهزآء بهم فان شأن الظل أن يدفع عمن يستظل به مقاساة شدة الحر وانه ينفعه ببرده ونسميه والذى أمروا بالانطلاق اليه يضاعف عليهم ما هم فيه من الحر والعذاب فضلا عن أن يستريحوا ببرده اورد لما أوهمه لفظ الظل من الاسترواح كما مر فى الواقعة { ولا يغنى من اللهب } اى غير مغن لهم من حر اللهب كما يغنى ظل الدنيا من الحر فقوله لا ظليل فى موضع الجر على انه صفة الظل ولفظ غير مانع للصفتية اى ظل غير ظليل وغير مغن ومفعول يغنى يباعده كما ان المحتاج اليه يقربه فصح أن يعبر باغناء شئ عن شئ عن ابعاده عنه فكان المعنى ان هذا الظل لا يظلكم من حر الشمس ولا يدفع عنكم لهب النار واللهب ما يعلو على النار اذا اضطرمت من أحمر وأصفر وأخضر وفى التأويلات النجمية ظل الروح وظل القلب ظل ظليل ممدود نفعه واثره وروحه لا ظل النفس والهوى وقال بعضهم ظل شجرة النفس الخبيثة المنقطعة عن نور الوحدة بظلمة ذاتها ليس بظليل كظل شجرة طوبى فلا يفيد الروح والراحة بخلاف ظل شجرة النفس الطيبة المنورة بنور الوحدة الغير المتشعبة الى الشعب المختلفة المتضادة كالشيطانية والسبعية والبهيمية .(16/382)
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)
{ انها } اى الشعب لانها هى المذكورة لا النار { ترمى بشرر } مى افكتددر آنروز شرار هارا كه هر شراره { كالقصر } مانند كوشكى عظيم . اى كل شررة كقصر من القصور فى عظمها كما دل على هذا التفسير قوله كأنه جمالة صفر فالشرر جمع شررة وهى ما تطاير من النار من الجهات متفرقا كالنجوم كما قال فى القاموس الشرار والشرر ككتاب وجبل ما يتطاير من النار واحدتهما بهاء انتهى وكالقصر فى موضع الصفة للشرر والقصر مفرد وهو البناء العالى ووصف به الجمع باعتبار كل واحد من آحاده والقصر ايضا الحطب الجزل ولذا قال ابن عباس رضى الله عنههما فى تفسير الآية هى الخشب العظام المقطعة وكنا نعمد الى الخشب فتقطعها ثلاثة اذرع وفوق ذلك ودونه ندخرها للشتاء فكنا نسميها القصر اى لكونها مقصورة مقطوعة من الممدودة الطويلة تأمل فى ان نارا دخانها وشررها هكذا فما بالك بحال أهلها .(16/383)
كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)
{ كأنه } اى الشرر وفى فتح الرحمن كأنه اى النار ثم رد الضمير الى لفظ النار دون معناها فقال كأنه { جمالة صفر } جمع جمل كحجارة فى جمع حجر والتاء لتأنيث الجمع او اسم جمع كالحجارة والجمل ذكر اصفر والصفرة لون من الالوان التى بين السواد والبياض وهى ان البياض أقرب ولذلك قد يعبر بها عن السواد والمعنى كأن كل شررة جمل أصفر أو كجمل اسود لان سواد ابل يضرب الى الصفرة كما قيل لبعض الظباء آدم لان بياضها تعلوه كدرة ولان صفر الابل يشوب رؤوس اشعارها سواد وفى الحديث « شرار جهنم اسود كالقير » فالاول وهو التشبيه بالقصر تشبيه فى العظم والثانى وهو التشبية بالجمل فى اللون والكثرة والتتابع والاختلاط والحركة وفى المفردات قوله تعالى كأنه جمالة صفر قيل جمع أصفر وقيل بل أراد به الصفر المخرج من المعادن ومنه قيل للنحاس صفر وفى التأويلات النجمية كل صفة من الاوصاف البهيمية والسبعية والشياطنية بحسب الغلظة والشدة كالقصور المرتفعة والبروج المشيدة او كأنه جمالة صفر عظيمة ليهكل طويلة الاشر من شدة قوة النار فى ذلك الشرر وهى القوة الغضبية .(16/384)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34)
{ ويل } مشقت بسيار { يومئذ للمكذبين } بأهوال يوم القيامة وأحوال العصاة فيه ( وقال الكاشفى ) مردروع زنانراست كه مشقت دوزخ وشاراهاى آنراباور ندارند .(16/385)
هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)
{ هذا يوم لا ينطقون } اشارة الى وقت دخولهم النار ويوم مرفوع على انه خبر هذا اى هذا يوم لا ينطقون فيه بشئ لما ان السؤال والجواب والحساب قد انقضت قبل ذلك وايضا يوم القيامة يوم طويل له مواطن ومواقيت ينطقون فى وقت دون وقت فعبر عن كل وقت بيوم اولا ينطقون بشئ ينفعهم فان ذلك كالنطق قال القاشانى لا ينطقون لفقدان آلات النطق وعدم الاذن فيه بالختم على الافواه وقال بعضهم لا ينطقون منم شدة تحيرهم وقوة دهشتهم وقال أبو عثمان رحمه الله اسكتهم هيبة الربوبية وحياء الذنوب كما قال الشيخ سعدى رحمه الله
سر ار جيب غفلت بر آور كنون ... كه فردا نماند بخجلت نكون(16/386)
وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)
{ ولا يؤذن لهم } ودستورى ندهد مرايشانرا در اعتذار { فيعتذرون } عطف على يؤذن منتظم فى سلك النفى اى لا يكون لهم اذن واعتذار متعقب له من غير أن يجعل الاعتذار مسببا عن الاذن كما لو نصب والنصب يوهم ان لهم عذرا وقد منعوا من ذكره وهو خلاف الواقع اذلو كان لهم عذر لم يمنعوا واى عذر لمن اعرض عن منعمه وكفر بأياديه ونعمه .(16/387)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37)
{ ويل } كرب واندوه { يومئذ للمكذبين } بهذه الاخبار وبما جاء من الحق الواقع البتة .(16/388)
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38)
{ هذا } اليوم الذى شاهدتم اهواله واحواله { يوم الفصل } بين الحق والباطل وقال البقلى هذا يوم مفارقة النفس والشيطان عن جوار قلب العارف وانفصال كل شئ عن كل محب غير محبوبه حيث استغرق فى وشهوده ووجوده { جمعناكم } يا امة محمد { والاولين } من الامم وهذا تقرير وبيان للفصل اذ الفصل بين المحق والمبطل والرسل لا يتحقق الا بجمع الكل فلا بد من احضارهم لا سيما عند من لا يجوز القضاء على الغائب .(16/389)
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)
{ فان كان لكم كيد } حيلة تدفعون بها عنكم العذاب والظاهر أن هذا خطاب من الله للكفار { فكيدون } اصله فكيدونى حذف ياء المكلم اكتفاء بالكسرة والنون للوقاية وهو أمر من كاد يكيد كيدا وهو المكر والاحتيال والخديعة والمعنى واحتالوا لأنفسكم وتخلصوا من عذابى ان قدرتم فان جميع من كنتم تقلدونهم وتقتدون بهم حاضرون يعنى حيله باخداى بيش نرود وبمكر ودستان عذاب ازخود دفع نتوانيد كرد
بمكر وحيله عذاب خداى رد نشود ... نياز بايد واخلاص ونالهء سحرى
توان خريد بيك آه ملك هردوجهان ... ازان معامله غافل مشوكه حيف خورى
وهذا امر اهانة وخطاب تعجيز وتقريع لهم على كيدهم للمؤمنين فى الدنيا وتخجيل لهم بأنهم كانوا فىلدنيا يدفعون الحقوق عن أنفسهم ويبطلون حقوق الناس بضروب الحيل والمكايد والتلبيسات فخاطبهم الله حين علموا ان الحيل منقطعة والتلبيسات غير ممكنة بقوله فان كان لكم كيد فكيدون لما ذكر من التقريع والتخجيل ولاظهار عجزهم عن الكيد فان مثل هذا الكلام لا يتكلم به الا من تيقن بعجز مخاطبه عما هو بصدده وفى بعض التفاسير اى فان وجد كيد نافع لكم على ان لكم متعلق بكان او نافعا لكم على انه حال من كيد .(16/390)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)
{ ويل } غم وغصة { يومئذ } دران روز هولناك { للمكذبين } حيث ظهر أن لا حيلة لهم فى الخلاص من العذاب .(16/391)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41)
{ ان المتقين } من الكفر والتكذيب لانهم فى مقابلة المكذبين ففيه رد على المعتزلة { فى ظلال } جمع ظل كشعاب وشعب او ظلة كقباب وقبة اى فى ظلال ظليلة على الحقيقة كما يدل عليه الاطلاق يعنى لا كظل عن كونهم تحت اشجار مثمرة لهم فى جنانهم .
يقول الفقير الا ظهران كونهم فى ظلال كناية عن راحتهم العظمى لان الظل للراحة وكذا قوله تعالى وندخلهم ظلا ظليلا ونحوه وانما ذكر الله الظل تشويقا للقلوب لان من البلاد ما هى حارة قليلة المياه والاشجار والظلال { وعيون } عذبة دافعة عنهم العطش وبالفارسية وبركنار جشمهاى آب .(16/392)
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)
{ وفواكه } اى ألوان الفاكهة يعنى ودرميان ميوها { مما يشتهون } ويتمنون يعنى از آنجه آرزو كنند .
فيتناولونها لا عن جوع وامتلاء بل عن شهوة وتلذذ والحاصل انهم مستقرون فى فنون الترفه وانواع التنعم خلاف ما عليه مخالفوهم .(16/393)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
{ كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون } مقدر بقول هو حال من ضمير المتقين فى الخبر أى مقولا لهم كلوا من نعم الجنة وثمراتها واشربوا من مائها وشرابها اكلا وشربا هنيئا شائغا رافها بلدآء ولا تخمة بسبب ما كنتم تعملونه فى الدنيا من الاعمال الصالحة خصوصا الصيام كما مضى فى الحاقة وهذا أمر اكرم اظهار اللرضى عنهم والمحبة لهم تمسك القائلون بايجاب العمل للثواب بالباء السببية والجواب ان السببية انما هى بفضل الله ووعده الذى لا يخلف لا بالذات بحيث يمتنع عدمه او يوجب النقص او الظلم .(16/394)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)
{ انا كذلك } الجزآء العظيم { نجزى المحسنين } اى فى عقائدهم واعمالهم لا جزآء آدنى منه .(16/395)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)
{ ويل يومئذ للمكذبين } حيث نال اعدآؤهم هذا الثواب الجزيل وهم بقوا فى العذاب المخلد الوبيل ( وقال الكاشفى ) جهل وقبح وذم مراهل تكذيب راست كه بنعيم بهشت نمى كروند .
وفى التأويلات النجمية ان المتقين بالله عما سواه اى المتقين بنور الوحدة عن ظلمة الكثرة وبنور المعرفة عن ظلمية النكرة فى ظلال الاوصاف الالهية والاخلاق الربانية وعيون من مياه العلوم والحكم وفواكه مما يشتهون من التجليات الروحانية والتنزلات النورانية كلوا من أطعمة المواهب الهنية واشربوا من أشربة المشارب التوحيدية هنيئا بما كنتم تعملون من الاعمال الصالحة والافعال الحسنة انا كذلك نجزى المحسنين المشاهدين لجمالنا المطلق ويل يومئذ للمكذبين باحسان الجزآء وجزآء الاحسان .(16/396)
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46)
{ كلوا } اى مكذبان ازنعيم فانئ دنيا { وتمتعوا } تمتعا { قليلا } او زمانا قليلا يعنى عيشوا مدة قليلة الى منتهى آجالكم لان زمان الدنيا قليل كمتاعها وبالفارسية وبرخوردار شويد زمانى اندك { انكم مجرمون } كافرون مستحقون للعذاب وبالفارسية بدرستى كه شما مشركانيد وعاقبت شمارا عذاب دائمست .
قوله كلوا الخ مقدر بقول هو حال من المكذبين قال فى لاكواشى لا أحب الوقف على المكذبين ان نصبت كلوا حالا منه والمعنى الويل ثابت لهم مقولا لهم ذلك نذكيرا لهم بحالهم فى الدنيا بما جنوا على أنفسهم من ايثار المتاع الفانى عن قريب على النعيم الخالد فلا يرد كيف يقال لهم ذلك ولا تمتع لهم فيها يعنى ان هذا القول لهم فى الآخرة لا يكون لطلب الاكل والتمتع منهم بنعيم الدنيا حقيقة لعدم امكانه بل انما يقال لهم للتذكير المذكور فيكون الامر امر توبيخ وتحسير وتحزين وعلل ذلك باجرامهم دلالة على ان كل مجرم مآله هذا اى ليس له الا الاكل والتمتع اياما قلائل ثم البقاء فى الهلاك الابدى .(16/397)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47)
{ { ويل } واى { يومئذ } دران روز جزا { للمكذبين } حيث عرضوا انفسهم للعذاب الدآئم بالتمتع القليل وفى التأويلات النجمية انكم مجرمون اى كاسبون الهيئات الردية والملكات الغير المرضية ويل يومئذ للمكذبين بأن الاوصاف الحميدة أفضل من الاخلاق الذميمة .(16/398)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)
{ واذا قيل لهم } اى للمكذبين { اركعوا } اى أطيعوا الله واخشعوا وتواضعوا له بقبول وحيه واتباع دينه وارفضوا هذا الاستكبار والنخوة لان الركوع والانحناء لاحد تواضع له وتعظيم والسجود اعظم منه فى التواضع والتعظيم ومن ذلك قالوا ان السجود لغير الله كفر ان كان للعبادة وخطر عظيم ان كان للتعظيم وفى حواضى ابن الشيخ لركوع فى اللغة حقيقة فى مطلق الانحناء الحسى وركوع الصلاة من جملة افراده وتفسيره بالاطاعة والخضوع مجاز لغوى تشبيها له بالانحناء الحسى { لا يركعون } لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ويصرون على ما هم عليه من الاستكبار وقيل اذا أمروا بالصلاة او بالركوع لا يفعلون اذ روى انه نزل حين امر رسول الله عليه السلام ثقيفا بالصلاة فقالوا انا لا نخر ولا نجبى اى لا يقوم قيام الراكع فانها سبة علينا اى ان هيئة التجبية هيئة تظهروا ترفع فيها السبة وفى الاست اى الدبر وهو عار وعيب علينا فقال عليه السلام « لا خير فى دين ليس فيه ركوع ولا سجود » وفى بعض التفاسير كانوا فى الجاهلية يسجدون للصنام ولا يركعون لها فصار الركوع من اعلام صلاة المسلمين لله تعالى وفيه دلالة على ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤآخذة فى الآخرة كما سبق مرارا ( قال الكاشفى ) مراد آنست كه مسلمان نشوند جه ركن اعظم اسلام بعد از شهادتين نمازاست .
وفيه ذم عظيم لتارك الصلاة حيث لا يجب داعى الله اى المؤذن فانه يدعو فى الاوقات الخمسة المؤمنين الى بيت الله واقامة الصلاة وقس عليه سائر الداعين وفى التأويلات النجمية واذا قيل لهم اركعوا اى افنوا عن اللذات الحيوانية وابقوا باللذات الروحانية اذ هى مناجاة الروح والسر مع الله ولا ألذ منها .(16/399)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49)
{ ويل يومئذ للمكذبين } نفرين آن روز بردروغ زنانراست كه ركوع وسجود را تكذيب كنند وبشرف اسلام نمى رسند .(16/400)
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
{ فبأى حديث } اى خبر يخبر بالحق وينطق بما كان وما يكون على الصدق { بعده } اى بعد القرءآن الناطق بأحاديث الدارين واخبار النشأتين على نمط بديع معجز مؤسس على حجج قاطعة وبراهين ساطعة { يؤمنون } اذا لم يؤمنوا به اى القرءآن الجامع لجميع الاحاديث فقوله فبأى الخ جواب شرط محذوف وكلمة بعد بمنزلة ثم فى افادة التراخى الرتبى اى فاذا لم يؤمنوا به وهو موصوف بما ذكر فبأى كتاب يؤمنون ختم السورة بالتعجيب من الكفار لان الاستفهام للتعجيب وبين انهم فى أقصى درجات التمرد والعناد حيث لم ينقادوا لمثل هذا البرهان الباهر والدليل القاطع على حقية الدين القويم من حيث كونه فى ارفع درجات الفصاحة والبلاغة وفى أقصى طبقات الاعجاز . درخبر آمده كه بعد ازخواندن اين آيت بايد كفت آمنا به استدل بعض المعتزلة على ان القرآن ليس بقديم بقوله تعالى حديث اذا لحديث ضد القيم لان الحدوث والقدم لا يجتمعان فى شئ واحد ورد بأن الحديث هنا بمعنى الخبر لا بمعنى الحادث ولو سلم فالعبارة لا تدل على ان القرءآن محدث لاحتمال أن يكون المراد فبأى حديث بعد القديم يؤمنون ولو سلم فانما يدل على حدوث الالفاظ الدالة على المعانى ولا خلاف فيه وانما الخلاف فى قدم المعنى القائم بذاته تعالى روى ان المرسلات نزلت فى غار قرب مسجد الخيف بمنى يسمى غار والمرسلات .
يقول الفقير قد زرته وقرأت فيه السورة المذكورة وفى الضخرة العالية من الغار داخله اثر رأس النبى عليه السلام يتبرك به الآن والحمدلله على افضاله وكثرة نواله وزيارة حرمه وحرم مصطفاه مظهر نور جماله وكماله .(16/401)
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)
{ عم } اصله عن ما ادغمت النون فى الميم لاشتراكهما فى الغنة فصار عما ثم حذفت الالف كما فى لم وبم وفم والى م وعلى م فانها فى الاصل لما وبما وفيما والى ما وعلى ما اما فرقا بين الاستهامية وغيرها او قصدا للخفة لكثرة استعمالها وقد جاءت فى العشر غير محذوفة كما ذكره ابو البقاء وما فيها من الابهام للايذان بفخامة شأن المسئول عنه وهوله وخروجه عن حدود الاجناس المعهودة كأنه خفى جنسه فيسأل عنه فالاستفهام ليس على حقيقته بل لمجرد التفخيم فان المسئول عنه ليس بمجهول بالنسبة الى الله تعالى اذ لا يخفى عليه خافية والمعنى عن اى شئ عظيم { يتساءلون } اى اهل مكة وكانوا يتساءلون عن البعث والحشر الجسمانى ويتحدثون فيما بينهم ويخوضون فيه انكارا واستهزآء لكن لا على طريقة التساؤل عن حقيقته ومسماه بل عن وقوعه الذى هو حال من احواله ووصف من اوصافه فان ماوان وضعت لطلب حقائق الاشياء ومسميات اسمائها كما فى قولك ما الملك وما الروح لكنها قد يطلب بها الصفة والحال تقول ما زيد فيقال عالم او طيب .(16/402)
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
{ عن النبأ العظيم } النبأ الخبر الذى له شأن وخطر وهو جزاب وبيان لشأن المسئول عنه كأنه قيل عن اى شئ يتساءلون هل اخبركم به ثم قيل بطريق الجواب عن النبأ العظيم الخارج عن دآئرة علوم الخلق يتساءلون على منهاج قوله تعالى لمن الملك اليوم لله الواحد القهار والفائدة فى أن يذكر السؤال ثم أن يذكر الجواب معه ان هذا الاسلوب اقرب الى التفهيم والايضاح فعن متعلقة بما يدل عليه المذكور من مضمر حقه أن يقدر بعدها مسارعة الى البيان ومراعاة لترتيب السؤال فان لجار فيه مقدم على متعلقه وقيل عن النبأ العظيم استفهام آخر بمعنى أعن النبأ العظيم ام عن غيره الا انه حذف منه حرف الاستفهام لدلالة المذكور عليه ونظيره قوله تعالى أفان مت فهم الخالدون اى أفهم الخالدون .(16/403)
الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)
{ الذى هم فيه مختلفون } وصف للنبأ بعد وصفه بالعظيم تأكيد الخطره اثر تأكيد واشعارا بمدار التساؤل عنه وفيه متعلق بمختلفون قدم عليه اهتماما به ورعاية للفواصل وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثابت اى هم راسخون فى الاختلاف فيه فمن جازم باستحالته يقول ان هى الا حياتنا الدنيا نموت ونحيى وما يهلكنا الا الدهر وما نحن بمبعوثين ومن مقر يزعم ان آلهته تشفع له كما قالوا هؤلاء شفعاؤنا عند الله ومن شاك يقول ما ندرى ما الساعة أن نظن الا ظنا وما نحن بمستيقنين وفيه اشارة الى القيامة الكبرى وهى البقاء بعد الفناء او بعث القلب بعد موت النفس فالروح وقواه تقربها والنفس وصفاتها تنكرها لانها جاهلة فضلا عن كونها ذآئقة ومن لم يذق لم يعرف ( قال الكمال الخجندى )
زاهد تعجب كركند ازعشق توبرهيز ... كين لذت اين باده جه داندكه نخوردست
فطوبى للذائقين ويا حسرة للمحرومين .(16/404)
كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4)
{ كلا سيعلمون } ردع كما يستفاد من كلا ووعيد كما يستفاد من سيعلمون اى ليس امر البعث مما ينكر او يشك فيه بحيث يتساءل عنه سيعلمون ان ما يتساءلون عنه حق لا دافع له واقع لا ريب فيه مقطوع لا شك فيه .(16/405)
ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)
{ ثم كلا سيعلمون } تكرير للردع والوعيد للمبالغة فى التأكيد والتشديد وثم للدلالة على ان الوعيد الثانى ابلغ واشد يعنى ان ثم موضوعة للتراخى الزمانى وقد تستعمل مجازا فى التراخى الرتبى اى لتباعد ما بين المعطوفين فى الشدة والفظاعة وذلك لتشبيه التباعد الرتبى بالتراخى الزمانى فى الاشتمال على مطلق التباعد ما بين الامرين والمعنى المجازى هو المراد هنا لان المقام مقام التشديد والتهديد وذلك انما يكون آكد بالحمل عليه وبعضهم حملها على معناها الحقيقى فقال سيعلمون حقيته عند النرع فى يوم القيامة ولا شك ان القيامة متراخية بحسب الزمان عن وقت النزع او سيعلمون حقية البعث حيث ان يبعثوا من قبورهم ثم حقية الجزآء بحسب العمل هذا وقد حمل اختلافهم فقيه على مخالفتهم للنبى عليه السلام بأن يعتبر فى الاختلاف محض صدور الفعل عن المتعدد لا على مخالفة بعضهم لبعض من الجانبين لان الكل وان استحق الردع والوعيد لكن استحقاق كل جانب لهما ليس لمخالفته للجانب الآخر اذ لا حقية فى شئ منهما حتى يستحق من يخالفه المؤاخذة بل لمخالفته له عليه السلام فكلا ردع لهم عن التساؤل والاختلاف بالمعنيين المذكورين وسيعلمون وعيد لهم بطريق الاستئناف وتعليل للردع والسين للتقريب والتأكيد وليس مفعوله ما ينبئ عنه المقام من وقوع ما يتساءلون عنه ووقوع بالعلم لوقوعه فى معرض التساؤل والاختلاف والمعنى ليرتدهوا عما هم عليه فانهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال اذا لحل بهم العذاب والنكال .(16/406)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6)
{ ألم نجعل الارض مهادا } الخ استئناف مسوق لتحقيق النبأ والمتساءل عنه بتعداد بعض الشواهد الباطقة بحقيته اثر ما نبه عليها بما ذكر من الردع والوعيد ومن هنا اتضح ان المتساءل عنه هو البعث لا القرءآن او نبوة النبى عليه السلام كما قيل والهمزة للتقرير والمهاد البساط والفراش وفى بعض الآيات جعل لكم الارض فراشا قال الن الشيخ المهاد مصدر ماهدت بمعنى مهدت كسافرت بمعنى سفرت اطلق على بساطه وبالفارسية آيا نساخته ايم زمين را فراشى كسترده تاقراركاه شمابود وجاى تقلب .
ومهادا مفعول ثان لجعل ان كان الجعل بمعنى التصيير وحال مقدرة ان كان بمعنى الخلق وغيرها ان يكون جمع مهد ككعاب وكعب وجمعه لاختلاف اماكن الارض من القرى والبلاء على تشبيهها بمهد الصبى وهو ما يمهد له فينوم عليه تسمية للممهود بالمصدر .(16/407)
وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)
{ والجبال اوتادا } المراد بجعلها اوتادا لها ارساؤها بها لتسكن ولا تميد بأهلها اذ كانت تميد على الماء كما يرسى البيت بالاوتاد فهو من باب التشبيه البليغ جمع وتد وهو ما يوتد ويحكم به المتزلزل المتحرك من اللوح وغيره بالفارسية ميخ . فان قيل أليست ارادة الله وقدرته كافيتين فى التثبيت اجيب فانه نعم الا انه مسبب الاسباب وذلك من كمال القدرة قال بعضهم الاوتاد على الحقيقة سادات الاولياء وخواص الاصفياء فانهم جبال ثابتة وبهم تثبت ارض الوجود وسئل أبو سعيد الخراز قدس سره عن الاوتاد والابدال ايهم افضل فقال الاوتاد قيل كيف فقال لان الابدال يتقلبون من حال الى حال ويبدل بهم من مقام الى مقام والاوتاد بلغ بهم النهاية وثبت اركانهم فهم الذين بهم قوام الخلق قال ابن عطاء الاوتاد هم اهل الاستقامة يقال له عبد الحى وواحد يحفظ الغرب يقال له عبد العليم وواحد يحفظ الشمال يقال له عبد المريد وواحد يحفظ الجنوب يقال له عبد القادر والابدال سبعة يحفظون اقاليم الكرة علوا وسفلا .
وجه تسميه آنست كه جون بكى ازايشان مرديكى ازجهل تن يعنى نجبا بدل اوشد وتتميم جهل تن بيكى از سيصد تن است يعنى نقبا وتكميل سيصد تن بيكى ازصلحاء وابدال مقيم نشوند نيكجا مكر خسته باشند ومعالجه كنندوبخورند وبيوشند ونكاح كنند بيش ازانكه ابدال شوند وقطب الابدال نظير كوكب سهيل كما ان قطب الارشاد نظير الجدى وقطب ابدال درزمان نبى عليه السلام عصام الدين قزنى بو دعم اويس وجون او متوفى شد ابن عطا احمد بود ازدهى كه ميان مكه ويمن است وبلال الحبشى رضى الله عنه درمان نبى عليه السلام ازبدلاى سبعة بودى . وكان الشافعى رضى الله عنه من الاوتاد الاربعة .(16/408)
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)
{ وخلقناكم } عطف على المضارع المنفى بلم داخل فى حكمه فانه فى قوة انا جعلنا او على ما يقتضيه الانكار التقريرى فانه فى قوة ان يقال قد جعلنا { ازواجا } اى حال كونكم اصنافا ذكرا وانثى ليسكن كل من الصنفين الى الآخر وينتظم امر المعاشرة والمعاش ويتسنى التناسل والزوج يقال لكم واحد من القرينين المزدوجين حيوانا او غيره كالخف والنعل ولا يقال للاثنين زوج بل زوجان ولذا كان الصواب ان يقال قرضته بالمقراضين وقصصته بالمقصين لانهما اثنان لا بالمقراض وبالمقص كذا قال الحريرى فى درة الغواص وقال صاحب القاموس يقال للاثنين هما زوجال وهما زوج انتهى ولعله من قبيل الاكتفاء بأحد الشقين عن الآخرة وزوجة للمرأة لغة رديئة لقوله تعالى يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ويقال لكل ما يقترن بآخر مماثلا له او مضادا زوج ولذا قال بعضهم فى الآية وخلقناكم حال كونكم معروضين لاوصاف متقابلة كل واحد منهما مزدوج بما يقابله كالفقر والغنى والصحة والمرض والعلم والجهل والقوة والضعف والذكورة والانوثة والطول والقصر الى غير ذلك وبه يصح الابتلاء فلأن الفاضل يشتغل بالشكر والمفضول بالصبر ويعرف قدر النعمة عند الترقى من الصبر الى الشكر وكل ذلك دليل على كمال القدرة ونهاية الحكمة .(16/409)
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
{ وجعلنا } صيرنا { نومكم } وهو استرخاء اعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد اليه ولذا قل فى اهل الرياضة لقلة الرطوبة { سباتا } موتا اى كالموت والمسبوت الميت من السبت وهو القطع لانه مقطوع عن الحركة ومنه سمى يوم السبت لان الله تعالى ابتدأ بخلق السموات والارض يوم الاحد فخلقها فى ستة ايام فقطع عمله يوم السبت فسمى بذلك وايضا هو يوم ينقطع فيه بنو اسرآئيل فى منامها اى ويتوفى التى لم تمت فى منامها وذلك لما بينهما من المشاركة التامة فى انقطاع احكام الحياة فالتنوين للنوعية اى وجعلنا نومكم نوعا من الموت وهو الموت الذى ينقطع ولا يدوم اذ لا ينقطع ضوء الروح الا عن ظاهر البدن وبهذا الاعتبار قيل له اخو الموت والنوم بمقدار الحاجة نعمة جليلة وقيل سباتا اى قطعا عن الاحساس والحركة لا راحة القوى الحيوانية وازاحة كلا لها والاول هو اللائق بالمقام كما ستعرفه .(16/410)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
{ وجعلنا الليل } الذى يقع فيه النوم { لباسا } يقول لبس الثوب استتر به وجعل اللباس لكل ما يغطى الانسان عن قبيح فجعل الزوج لزوجها لباسا من حيث انها تمنعه وتصده عن تعاطى قبيح وكذا البعل وايضا من حيث الاشمال قال تعالى هن لباس لكم وأنتم لباس لهن وجعل التقوى لباسا على طريق التمثيل والتشبيه وكذا جعل الخوف والجوع لباسا على التمثيل والتشبيه تصويرا له وذلك بحسب ما يقولون تدرع فلان الفقر ولبس الجوع والمعنى لباسا يستركم بظلامه كما يستركم اللباس ولعل المراد ما يستتر به عند النوم من اللحاف ونحوه فان شبه الليل به اكمل واعتباره فى تحقيق المقصد أدخل صاحب فتوحات آورده شب لباس اصحاب ليل است كه ايشانرا ازنظر اغيار بيوشاند تادر خلوت خود لذت مكالمه يا محاضره يا مشاهده هريك فراخور استعداد خود برخوردارى يابند حضرت شيخ الاسلام قدس شره فرموده كه شب برده روندكان راهست روز بازار بيدار ان سحر كاه .
الليل للعاشقين ستر ... ياليت اوقاته تدوم
جون دردل شب خيال اويار منست ... من بنده شب كه روز بازار منست
فهو تعالى جعل الليل محلا للنوم الذى جعل موتا كما جعل النهار محلا لليقظة المعبر عنها بالحياة فى قوله تعالى { وجعلنا النهار معاشا } اى وقت عيش اى حياة تبعثون فيه من نومكم الذى هو أخو الموت كما فى قوله تعالى وهو الذى جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ولم يقل وجعل يقظتكم حياة لتتم المطابقة بينه وبين قوله وجعلنا نومكم سباتا بل عبر عن اليقظة بالنهار لكونه مستلزما لها غالبا ولمراعاة مطابقة وجعلنا الليل ومنه يعلم ان قله وجعلنا الليل ليس مستطردا فى البين لذكر النوم فى القرينة الاولى فمعاش مصدر من عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشة وعيشة وعلى هذا لا بد من تقدير المضاف ولذا قدروا لفظ الوقت ويحتمل ان يكون اسم زمان على صيغة مفعل فلا حاجة حينئذ الى تقدير المضاف وتفسيره بوقت معاش ابراز لمعنى صيغة اسم الزمان وتفصيل لمفهومها وفى التأويلات النجمية ألم نجعل ارض البشرية مهد استراحتكم وانتشاركم فى انواع المنافع البشرية وجبال نفوسكم القاسية قوآئم ارض البشرية خلقناكم ازوجا ازوج الروح وزوج النفس او ذكر القلب وانثى النفس ودعنا نومك مغفلتكم راحة وستراحة باستيفاء اللذات واستقصاء الشهوات وجعلنا ليل طبعتكم ستر النهار روحانيتكم نهار روحانيتكم معاشا تعيشون فيه بالطاعات والعبادات وهذه صورة البعث .(16/411)
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12)
{ وبيننا فوقكم } وبنا كرده ايم برسر شمارا { سبعا شدادا } جمع شديد أى سبع سموات قوية الخلق محكمة النباء لا يؤثر فيها مر الدهور وكر العصور وقال أبو الليث غلاظا غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام والتعبيرى عن خلفها بالبناء مبنى على تنزيلها منزلة القباب المضروبة على الخلق وفيه اشارة الى طبقات القلب السبع الاولى طبقة الصدور وهى معدن جوهر الاسلام والثانية طبقة القلب وهى محل جوهر الايمان والثالثة الشغاف وهى معدن العشق والمحبة والشفقة والرابعة الفؤاد وهو معدن المكاشفة والمشاهدة والرؤية والخامسة حبة القلب وهى مخصوصة بمحبة الله تعالى لا تعلق لها بمحبة الكونين وعشق العالمين والسادسة السويدآء وهى معدن العلم اللدنى وبيت الحكمة والسابعة بيت العزة وفى قلب الاكملين وفى هذا البيت اسرار الهية لا تخرج من الباطن الى الظاهر اصلا ولا يظهر منها ثر قطعا .(16/412)
وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)
{ وجعلنا } انشأنا وأدعنا { سراجا } هو الشمس والتعبير عندها بالسراج من روادف التعبير عن خلق السموات بالبناء قال الراغب السراج الزاهر بفتيلة ودهن ويعبر به عن كل شئ مضيئ ويقال للسراج مصباح { وهاجا } وقادا متلألئا من وهجت النار اذا اضاءت او بالغا فى الحرارة من الوهج وهو الحر وهو ما قال بعض المفسرين سراجا وهاجا اى مضيئا جامعا بين النور والحرارة يعنى جراغى افروخته وتابان .
يقال ان الشمس والقمر خلقا فى بدء امرهما من نور العرش ويرجعان فى القيامة الى نور العرش وذلك فيما روى عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال الا احدثكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى الشمس والقمر وبدء خلقهما ومصير أمرهما قال قلنا بلى يرحمك الله فقال ان رسول الله عليه السلام سئل عن ذلك فقال ان الله تعالى لما ابرز خلقه احكاما ولم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسين من نور عرشه فاما ما كان فى سابق علمه ان يدعها شمسا فانه خلفها من مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها وما كان فى سابق علمه ان يطمسها ويحولها قمرا فانه خلقها دون الشمس فى العظم ولكن انما يرى صغرهما لشدة ارتفاعهما فى السماء وبعدها من الارض فلو ترك الله الشمس والقمر كما كان خلقهما فى بدء امرهما لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا يدرى الاجير متى يعمل ومتى يأخذ اجره ولا يدرى الصائم متى يصوم ومتى يفطر ولا تدرى المرأة متى تعتد ولا يدرى المسلمون متى وقت صلاتهم ومتى وقت حجهم فكان الرب تعالى انظر لعباده وارحم بهم فأرسل جبريل فأمر جناحه على وجه القمر فطمس منه الضوء وبقى فيه النور فذلك قوله تعالى وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة فالسود الذى ترونه فى القمر شبه الخطوط فيه فهو أثر المحو قال فاذا قامت القيامة وقضى الله بين الناس وميز بين اهل الجنة والنار ولم يدخلوهما بعد يدعو الرب تعالى بالشمس والقمر ويجاء بهما اسودين مكورين قد وقفا فى زلازل وبلابل ترعد فرآئصهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن فاذا كانا حيال العرش خر الله ساجدين فيقولان الهنا قد علمت طاعتنا لك وأدبنا فى عبادتك وشرعتنا للمضى فى امرك ايام الندنيا فلا تعذبنا بعبادة المشركين ايانا فقد علمت انا لم ندعهم الى عبادتنا ولم نذهل عن عبادتك فيقول الرب صدقتما انى قد قضيت على نفسى ان ابدئ واعيد وانى معيدكما الى ما ابدأتكما منه فارجعا الى ما خلقتكما منه فيقولان ربنا مم خلقتنا فيقول خلقتكما من نور عرشى فارجعا اليه قال فتلمع من كل واحد منهما برقة تكاد تخطف الابصار نورا فيختلطان نور العرش فذلك قوله تعالى يبدئ ويعيد كذا فى كشف الاسرار وقال الشيخ رضى الله عنه فى الفتح المكى واما الكواكب كلها فهى فى جهنم مظلمة الاجرام عظيمة الخلق وكذلك الشمس والقمر والطلوع ولغروب لهما فى جهنم دآئما انتهى .(16/413)
يقول الفقير لعل التوفيق بين هذا وبين الخبر السابق ان كلا من الشمس والقمس حامل لشيئين النورية والحرارة فما كان فيهما من قبيل النور فيتصل بالعرش من غير جرم لان اجرم لا يخلو من الغلظة والظلمة والكثافة وما كان من قبيل النار والحرارة فيتصل بالنار مع جرمهما فكل منهما يرجع الى اصله فان قلت كان الظاهر ان يتصل نورهما بنور النبى عليه السلام لانهما مخلوقان من نوره قلت ان العرش والكرسى خلقا من نوره وخلق القمران من نور العرش فهما فى الحقيقة مخلوقان من نور النبى عليه السلام ومتصل نورهما بنوره والكل نوره والحمد لله تعالى .
شمسهء نه مسند وهفت اختران ... ختم رسل خواجهء بيغمبران(16/414)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)
{ وانزلنا } النون للعظمة وللاشارة الى جمعية الذات والاسماء والصفات { من المعصرات } هى السحائب اذا اعصرت اى شارفت ان تعصرها الرياح فتمطر ولم تعصرها بعد فالانزال من المستعد لا من الواقع والا يلزم تحصيل الحاصل وهمزة اعصر للحينونة والمعصرات اسم فاعل يقال احصد الزرع اذا حان له ان يحصد واعصرت الجارية اى حان لها ان تعصر الطبيعة رحمها فتحيض وفى المفردات المعصر المرأة التى حاضت ودخلت فى عصر شبابها انتهى ولو لم تكن للحينونة لكان ينبغى ان يقرأ المعصرات بفتح الصاد على انه اسم مفعول لان الرياح تعصرها ويجوز أن يكون المراد من المعصرات الرياح التى حان لها ان تعصر السحاب فتمطر فهى ايضا اسم فاعل والهمزة للحينونة كذلك فان قيل لم لم تجعل الهمزة للتعدية قلنا لان الرياح عاصرة لا معصرة { ماء ثجاجا } اى منصبا بكثرة والمراد تتابع القطر حتى بكثر الماء فيعظم النفع به يقال ثج الماء اى سال بكثرة وانصب وثجه غيره اى اساله وصيه فهو لازم ومتعد ومن الثانى قوله عليه السلام « أفضل الحج العج والثج » اى رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدى وفسره الزجاج بالصباب كأنه يثج نفسه مبالغة فيكون متعديا ولا منافاة بين هذا ويبن قوله تعالى وانزلنا من السماء ماء فان ابتدآء المطر ان كان من السماء يكون الانزال منها الى السحاب ومنه الى الارض والا فانزاله منها باعتبار تكونه باسباب سماوية من جملتها حرارة الشمس فانها تثير وتصعد الاجزآء المائية من اعماق الارض الرطبة او من البحار والانهار الى جو الهوآء فتنعقد سحابا فتمطر فالانزال من المعصرات حقيتة ومن السماء مجاز باعتبار السببية والله مسبب الاسباب .(16/415)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15)
{ لتخرج به } اى بذلك الماء اى بسبب وصوله الى الارض واختلاطه بها وبما فيها وهذه اللام لام المصلح لا لام الغرض كما تقول المعتزلة { حبا } كثيرا يقتات به اى يكون قوتا للانسان وهو ما يقوم به بدنه كالحنطةوالشعير ونحوهما وفى عين المعانى الحب اسم جنس يعنى به الجمع قال اراغب الحب والحبة يعنى بالكسر يقال فى بزور الرياحين وحبة القلب تشبيها بالحبة فى الهيئة { ونباتا } كثيرا يتلف به اى يكون علفا للحيوان كالتبن والحشيش كما قال تعالى كلوا وارعوا انعامكم وتقديم الحب مع تأخره عن النبات فى الاخراج لاصالته وشرفه لان غالبه غذآء الناس ويقال لنخرج به لؤلؤا وعشبا قال عكرمة ما انزل الله قطرة الا انبت بها عشبة فى الارض او لؤلؤة فى البحر انتهى وهو مخالف للمشهور من ان اللؤلؤ لا يتكون من كل مطر بل من المطر النازل فى نيسان الا ان يعمم اللؤلؤ الى الدر وغيره .(16/416)
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)
{ وجنات } ليتفكه بها الانسان والجنة فى الاصل هى السترة من مصدر جنه اذا ستره تطلق على النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف اغصانه وعلى الارض ذات الشجر قال الفرآء الجنة ما فيه النخيل والفردوس ما فيه الكرم والمراد هنا هو الاشجار لا الارض { الفافا } اى ملتفة تداخل بعضها فى بعض وهذا من محسنات الجنان كما ترى فى بساتين الدنيا وبالفارسية درهم بيجده يعنى بسيار ونيكديكر نزديك .
قالوا لا واحجد له كالاوزاع والاخياف الاوزاع بمعنى الجماعات المتفرقة كالاخياف فانه ايضا بمعنى الجماعات المتفرقة المختلطة ومنه الاخياف للاخوة من آباء شتى وامهم واحدة او الواحد لف ككن واكنان او لفيف كشريف واشراف وهو جمع لف جمع لفاء كخضر وخضرآء فيكون ألفافا جمع الجمع او جمع ملتفة بحذف الزوآئد قال ابن الشيخ قدم ذا الحب لانه هو الاصل فى الغذآء وثنى بالنبات لاحتياج سائر الحيوانات اليه واخرت الجنات لانعدام الحاجة الضرورية الى الفواكه .
واعلم ان فيما ذكر من افعاله تعالى دلالة على صحة البعث وحقيته من وجوه ثلاثة الاول باعتبار قدرته تعالى فان من قدر على انشاء هذه الافعال البديعة من غير مثال يحتذ به وقانون بنتحيه كان على الاعادة اقدر وأقوى والثانى باعتبار علمه وحكمته فان من ابدع هذه المصنوعات على نمط رآئق مستتبع لغايت جليلة ومنافع جملية عائدة على الخلق يستحيل ان يفنيها بالكلية ولا يجعل لها عاقبة باقية والثالث باعتبار نفس الفعل فان اليقظة بعد النوم انموذج للبعث بعد الموت يشاهدونها كل يوم وكذا اخراج الحب والنبات من الارض الميتة يعاينونه كل حين كأنه قيل ألم تفعل هذه الافعال الآفاقية والانفسية الدالة بفنون الدلالات على حقية البعث الموجبة للايمان به فما لكم تخوضون فيه انكارا وتتساءلون عنه استهزآء وفى التأويلات النجمية وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا اى من سموات الارواح بتحريك نفحات الالطاف مياه العلوم الذاتية والحكم الربانية صباصبا لنخرج به حبا ونباتا اى انزلنا من سحائب سموات ارواحكم على ارض قلوبكم ماء العلوم والحكم لنخرج به حب المحبة الذاتية ونبت الشوق ولاشتياق والود الانزعاج والعشق وامثالها وجنات ألفافا جنة المحبة وجنة المودة وجنة العشق ملتف بعضها ببعض .(16/417)
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)
{ ان يوم الفصل } اى فصل الله بين الخلائق وبين السعدآء والاشقياء باعتبار تفاوت الهيئات والصور والاخلاف والاعمال وتناسبها { كان } فى علمه وتقديره الازلى والا فثبوت الميقاتية ليوم الفصل غير مقيد بالزمان الماضى لانه امر مقرر قبل حدوث الزمان ايضا { ميقاتا } وميعاد البعث الاولين والآخرين وما يترتب عليه من الجزآء ثوابا وعقابا لا يكاد يتخطاه بالتقدم والتأخر فالميقات وهو الوقت الموقت اى المعين اخص من مطلق الوقت فهو هنا زمان مقيد بكونه وقت ظهور ما وعد الله من البعث والجزآء .(16/418)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)
{ يوم ينفخ فى الصور } بدل من يوم الفصل او عطف بيان له مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله ولا ضير فى تأخر الفصل عن النفخ فانه زمان ممتد يقع فى مبدئه النفخة وفى بقيته الفصل ومباديه وآناره والنفخ نفخ الريح فى الشئ ومنه نفخ الروح فى النشأة الاولى كما قال ونفخت فيه من روحى ويقال انتفخ بطنه ومنه استعير انتفخ النهار اذا ارتفع ورجل منفوخ اى سمين والصور القرن النورانى والنافخ فيه اسرافيل عليه السلام والمعنى يوم ينفخ فى الصور نفخة ثانية للبعث حتى تتصل الارواح بالاجساد وترجع بها الى الحياة { فتأتون } خطاب عام والفاء فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليه وايذانا بغاية سرعة الاتيان كما فى قوله تعالى فقلنا اضرب بعصاك البحر فانلفلق اى فتبثعون من قبوركم فتأتون الى الموقف عقيب ذلك من غير لبث اصلا { افواجا } جمع فوج وهو جماعة من الناس فى المفردات الجماعة المارة المسرعة اى حال كونكم امما كل امة مع امامها كما فى قوله تعالى يوم ندعو كل اناس بأمامهم او زمرا وجماعات مختلفة الاحوال متباينة الاوضاع حسب اختلاف اعمالهم وتباينها عن معاذ رضى الله عنه انه سأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام « يا معاذ سألت عن امر عظيم من الامور » ثم ارسل عينية وقال « تحشر عشرة اصناف من امتى بعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسون ارجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها » يعنى نكونساران كه ايشانرا بروى بدوزخ ميكشند . « وبعضهم عمى وبعضهم صم بكم وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهى مدلاة على صدورهم يسيل القبح من افواههم يتقذرهم اهل الجمع وبعضهم مقطعة ايديهم وأرجلهم وبعضهم مصلبون على جذوع من نار » يعنى بردارهاى آتشين آويخته . « وبعضهم اشد نتنا من الجيف وبعضهم ملبسون جبايا سابغة من قطران لازقة بجلودهم فاما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس » وهو بالضم جمع قات بالتشديد بمعنى النمّام يعنى سخن حين ( حكى ) ان رجلا باع عيدا وقال للمشترى ما فيه عجب الا النميمة فقال رضيت فاشتراه فمكث الغلام اياما ثم قال لزوجة مولاه ان زوجك لا يحبك وهو يريد أن تتسرى عليك فخذى الموسى واحلقى من قفاه حين ينام شعرات حتى اسحر عليك فيحبك ثم قال للزوج ان امرأتك أخذت خليلا وتريد أن تقتلك فتناوم لها حتى تعرف فتناوم فجاءت المرأة بالموس فظن انها تقتله فقام فقتلها فجاء اهل المرأة فقتلوا الزوج فوقع القتال بين القبيلتين وطال الامر « واما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت اى الحرام لانه يسحت الدين والمروءة اى يستأصل واما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا والتنكيس تعكيس هيئة القيام على الرجل بأن يجعل الرجل اعلى والرأس أسفل »(16/419)
وبالفارسية نكو نسار كردن . « واما العمى فالذين يجورون فى الحكم واما البكم فالمعجبون باعمالهم واما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف قولهم اعمالهم واما الذين قطعت ايديهم وارجلهم فهم الذين يؤذون جيرانهم واما المصلبون على جذوع من النار » فالسعادة بين الناس الى السلطان يعنى غمازان وسعايت كنندكان بسلاطين وملوك . « واما الذين هم اشد نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ويمنعون حق الله فى اموالهم واما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء » جمع جبة وهو ثوب معروف وفى الحديث نشر على ترتيب اللف وبيان المناسبة بين معاصيهم وبين الصور التى يحشرون عليها يطلب من علم التعبير ثم انه فصل هيئات اهل المعاصى مع الاسباب المؤدية اليها لانه اهم التخلية قبل التحلية واكتفى بالاشارة الاجالية الى هيئات الصالحين بقوله من امتى بمن التبعيضية والحاصل انه كما ان الاشقياء يحشرون على صور اعمالهم القبيحة كذلك السعدآء يحشرون على صور اعمالهم الحسنة حتى يكون وجوه بعضهم كالقمر ليلة البدر او كالشمس على ما جاء فى صحيح الروايات وقال بعضم المراد امة الدعوة فتعم اصناف الكفرة والمؤمنين لا امة الاجابة والا فالخوف على المؤمنين ايضا فى نهاية المرتبة .
يقول الفقير الظاهر الثانى وهو ان المراد من الامة الاشقياء من اهل الجبابة دل عليه ارساله عليه السلام عينيه حين البيان وكذا بيان اصناف الاعمال من غير ادخال الكفر فيها اذ صور الكفرة اقبح مما ذكر فى الحديث على ما ذكر فى الاخبار الصحيحة ثم الحديث ذكره الثعلبى ونحوه فى التفاسير وقبلاه الطرفين ولا عبرة بما ذهب اليه ابن حجر من انه ظاهر الوضع فانه من الجهل بحقيقة الامر اذ يوم القيامة يوم ظهور الصفات كما دل عليه قوله تعالى يوم تبلى السرآئر ولا شك ان لكل صفة صورة مناسبة لها حسنة او قبيحة ولم نكره احد من العقلاء على انا وان سلمنا ان لفظ الحديث موضوع فمعناه صحيح مؤيد بالاخبار الصحيحة في أيها المؤمن لا تكن قاسى القلب كالحجر وكن ممن يتفجر من قلبه انهار الفيوض وينابيع الحكم واجتهد أن تكون ممن قيل فيه حفظت شيأ وغابت عنك اشياء فمن عباد الله المخلصين من يأخذ من الله بلا واسط الكتاب واسناده فانه مرتبة باقية الى يوم القيامة قل من وضع قدمه عليها فلذا كثر الانكار وأكب الناس على الرسوم والظواهر من غير اطلاع على الحقائق والبواطن نسأل الله تعالى أن يجعلنا من اهل معرفته .(16/420)
وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)
{ وفتحت السماء } عطف على ينفخ بمعنى تفتح وصيغة الماضى للدلالة على التحقق اى شقت وصدعت من هبة الله بعد أن كان لا فطور فيها وبالفارسية وشكافته شود آسمان دران روز { فكانت } بس باشد ازبسارى شكاف { ابوابا } ذات البواب كثيرة لنزول الملائكة نزولا غير معتاد وهو المراد بقوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام وهو الغمام الذى ذكر فى قوله تعالى هل ينتظرون الا أن يأتيهم الله اى امره وبأسه فى ظلل من الغمام والملائكة وقيل المراد من التفح الكشف بازالتها من مكانها كما قال تعالى واذا السماء كشطت ومن الابواب الطرق والمسالك اى تكشط مكانها طرقا لا يسدها شئ .(16/421)
وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)
{ وسيرت الجبال } المسير هو الله تعالى كما قال ويوم نسير الجبال وترى الارض بارزة اى وسيرت الجبال فى الجو بتسيير الله وتسخيره على هيئاتها بعد قلعها عن مقرها وبالفارسية ورانده شود كوهها درهوا . وذلك عند حشر الخلائق بعد النفخة الثانية ليشاهدوها ثم يفرقها فى الهوآء وذلك قوله تعالى { فكانت سرابا } السراب ما تراه نصف النهار كأنه ماء قال اراغب هو اللامع فى المفازة كالماء لا نسرا به فى مرأى العين اى ذهابه وجريانه وكأن السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حقيقة اى فصارت بتسييرها مثل السراب اى شيأ كلا شئ لتفرق اجزائها وانبثات جواهرها كقوله تعالى وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا اى غبارا منتشرا وهى وان اندكت وانصدعت عند النفخة الاولى لكن تسييرها كالسحاب وتسوية الارض انما يكونان بعد النفخة الثانية قيل اول احوال الجبال الاندكاك والانكسار كما قال تعالى وحملتالارض والجبال فدكتا دكة واحدة وحالتها الثانية أن تصير كالعهن المنفوش وحالحتها الثالثة أن تصير كالبهاء وذلك بأن تنقطع وتتبدد بعد أن كانت كالعهن كما قال فكانت هباء منبثا وحالتها الرابعة أن تنسف وتقلع من اصولها لانها مع الاحوال المتقدمة غارة فى مواضعها والارض تحتها غير بارزة فتنسف عنها بارسال الرياح عليها وهو المراد من قوله فقل ينسفها ربى نسفا حالتها الخامسة ان الرياح ترفعها عن وجه الارض فتطيرها فى الهوآء كأنها غبار وهو المراد بقوله تعالى وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب اى تراها فى رأى العين ساكنة فى اماكنها والحال انها تمر مر السحاب التى تسيرها الرياح سيرا حثيثا وذلك ان الاجرام اذا تحركت نحو من الانحاء لا تكاد تتبين حركتها وان كانت فى غاية السرعة لا سيما من بعيد والحالة السادسة أن تصير سرابا يقول الفقير فيه اشارة الى ازالة انانية النفوس وتعيناتها فانها عند القيامة الكبرى التى هى عبارة عن الفناء فى الله تصير سرابا حتى اذا جئتها لم تجدها شيأ ولكن العوام المحجوبون اذا رأوا اهل الفناء يأكلون مما يأكلون منه ويشربون مما يشربون منه يظنون ان نفوسهم باقبة لبقاء نفوسهم لكنهم يظنون بهم الظن السواء اذ بينهم وبينهم بون بعيد قطعا وفاروق عظيم جدالاتهم ازالت رياح العناية والتوفيق جبال نفوسهم عن مقار أرض البشرية وجعلها الله متلاشية وفتحت سماء ارواحهم فكانت ابوابا كباب السر والخفى والأخفى فدخلوا من هذه الابواب الى مقام او أدنى فكانوا مع الحق حيث كان الحق معهم ثم نزلوا من هذه الابواب العالية الحقيقة الناظرة الى عالم الولاية فدخلوا فى ابواب العقل والقلب والمتخيلة والمفكرة والحافظة والذاكرة فكانوا فى مقام قاب قوسين مع الخلق حيث كان الخلق معهم فلم يحتجبوا بالخلق عن الحق الذى هو جانب الولاية ولا بالحق عن الخلق الذى هو جانب النبوة فكانوا فى الظاهر مصداق قوله تعالى يوحى الى فأين المحجوبون عن مقامهم وانى لهم ادراك شأنهم وحقيقة امرهم .(16/422)
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)
{ ان جهنم كانت مرصادا } اى انها كانت فى حكم الله وقضائه موضع رصد يرصد فيه ويرقب خزنة النار الكفار ليعذبوهم فيها فالمرصاد اسم للمكان الذى يرصد فيه كالنهاج اسم للمكان الذى ينهج فيه اى بسلك قال الراغب المرصاد موضع الرصد كالرصد لكن يقال للمكان الذى اختص بالترصد وقوله ان جهنم كانت مرصادا تنبيه على ان عليها مجاز الناس انتهى كأنه عمم المرصاد حيث ان الصراط محبس للاعدآء وممر للاولياء والاول اولى لان الترصد فى مثل ذلك المكان الهائل انما هو للتعذيب وهو للكفار والاشقياء .(16/423)
لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22)
{ للطاغين } متعلق بمضمر هو اما نعت لمرصادا اى كائنا للطاغين وقوله تعالى { مأبا } بدل منه اى مرجعا يرجعون اليه لا محالة واما حال من مأبا قدمت عليه لكونه نكرة ولو تأخرت لكانت صفة له قالوا الطاغى من طغى فى دينه بالكفر وفى دنياه بالظلم وهو فى اللغة من جاوز الحد فى العصيان والمراد هنا المشركون لما دل عليه ما بعده من الآيات وعدلهم لا يتناهى لكون اعتقادهم باطلا وكذا اذا لم يعتقدوا شيأ اصلا وان كان الاعتقاد صحيحا كالمؤمن العاصى فعذابه متناه .(16/424)
لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)
{ لابثين فيها } حال مقدرة من المستكن فى للطاغين اى مقدرين اللبث فيها واللبث أن يستقر فى المكان ولا يكاد ينفك عنه يقال لبعث بالمكان أقام به ملازما له { احقابا } ظرف للبثهم وهو جمع حقب وهو ثمانون سنة او اكثروا لدهر وزالسنة أو السنون كما فى القاموس وأصل الحقب من الترادف والتتابع يقال أحقب اذا أردف ومنه الحقيبة وهى الرفادة فى مؤخر القتب وكل ما شد فى مؤخر رحل او قتب فقد احتقب والمحقب المردف وفى تاج المصادر الاحقاب در حقيبه نهادن .
ومنه الحديث فأحقبها على ناقة اى أردفها على حقيقة الرحل والارداف ازبى فراشدن وازبى كسى در نشتن ودر نشاندن فمعنى احقابا دهورا متتابعة كلما مضى حقب تعبه آخر الى غير نهاية فان الحقب لا يكاد يستعمل الا لا يراد تتابع الازمنة وتواليها كما قال ابو الليث انما ذكر أحقابا لان ذلك كان ابعد شئ عندهم فذكر وتكلم بما يذهب اليه اوهامهم ويعرفونها وهو كناية عن التأبيد اى يمكثون فيها ابدا انتهى دل عليه ان عمر رضى الله عنه سأل رجلا من هجر من الاحقاب فقال ثمانون سنة كل يوم منها الف سنة انتهى فانهم انما يريدون بمثله التأبيد وكذا ما قال مجاهد ان الاحقاب ثلاثة واربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما واليوم ألف سنة من ايام الدنيا كما روى ابن عباس وابن عمر رضى الله عنه وكذا لوأريد بالحق الواحد سبعون ألف سنة اليوم منها ألف سنة كما روى عن الحسن البصرى رحمه الله وقال الراغب والصحيح ان الحقبة مدة من الزمان مهمة اى لا ثمانون عاما وكذا قال فى القاموس الحقبة بالكسر من الدهر مدة لا وقت لها انتهى والحاصل ان الاحقاب يدل على التاهى فهو وان كان جمع قلة لكنه بمنزلة جمع كثرة وهو الحقوب او بمنزلة الاحقاب المعرف بلام الاستغراق ولو كان فيه ما يدل على خروجهم منها فدلالته من قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق الدال على خلود الكفار كقوله تعالى يريدون ان يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم لان المنطوق راجح على المفهوم فلا يعارضه وقال ابو حيان المدة منسوخة بقوله فلن نزيدكم الا عذابا انتهى وسيأتى وجوه اخر .(16/425)
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)
{ لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا الا حميما وغساقا } جملة مبتدأة ومعنى لا يذوقون لا يحسون والا فأصل الذوق وجود الطعم و ( قال الكاشفى ) يعنى نمى نمايند الان يكون ذلك باعتبار الشراب والذوق فى التعارف وان كان للقليل فهو صالح للكثير لوجود الذوق فى الكثير ايضا والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار والا فهم يذوقون فى جهنم برد الزمهرير اى بردا ينتفعون به ويميلون اليه فتنكيره للنوعية قال قتادة كنى بالبرد عن الروح لما بالعرب من الحر حتى قالوا برد الله عيشك اى طيبه اعتبارا بما يجد الانسان من اللذة فى الحر من البرد وقال الراغب اصل البرد خلاف الحرارة وبرد كذا اذا ثبت ثبوت البرد واختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الجركة بالحر وبرد الانسان مات وبرده قتله ومنه السيوف لبوارد وذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح او لما عرض له من السكون وقولهم للنوم برد اما لما يعرض له من البرد فى ظاهر جلده لان النوم يبرد صاحبه ألا ترى ان العطشان اذا نام سكن عطشه او لما يعرض له من السكون وقد علم ان النوم من جنس الموت وقوله تعالى لا يذوقون فيها بردا اى نوما حتى يستريحوا وبالفارسية تا آسايش يا بند وبرودت كسب كنند انتهى بزيادة والمراد بالشراب ما يسكن عطشهم والا بمعنى لكن والحميم الماء الحار الذى انتهى حره . وآن آبيست كه جون نزديك روى آرند كوشت روى دران رزيد وجون بخورد امعا واحشا باره باره شود . والغساق ما يغسق اى يسيل من جلود اهل النار ويقطر من صديدهم وقيحهم اخبر الله تعالى عن الطاغين بأنهم لا يذوقون فى جهنم شيأ ما من برد وروح ينفس عنهم حر النار ولا من شراب يسكن عطشهم ولكن يذوقون فيها حميما وغساقا فالاستثناء منقطع وقال الزجاج لا يذوقون فيها برد ربح ولا برد ظل ولا برد نوم فجعل البرد برد كل شئ له راحة فيكون قوله ولا شرابا بمعنى ولا ماء باردا تخصيصا بعد التعميم لكماله فى الترويح فيكون مجموع البرد والشراب بمعنى المروح فيكون قوله الا حميما وغساقا مستثنى منقطعا من البرد والشراب وان فسر الغساق بالزمهرير فاستثناؤه من البرد فقط دون الشراب لان الزمهرير ليس بما يشرب كما ان استثناء حميما من الشراب والتأخير لتوافق رؤوس الآى ويؤيد الاول قوله عليه السلام « لو أن دلوا من غساق بهراق فى الدنيا لانتن اهل الدنيا » وان فسر بما يسيل من صديدهم فالاستثناء من الشراب وعن ابن مسعود رضى الله عنه الغساق لون من ألوان العذاب وهو البرد الشديد حتى ان من عذاب الزمهرير يوما واحدا وقال شهرين حوشب الغساق واد فى النار فيه ثلاثمائة وثلاثون شعبا فى كل شعب ثلاثمائة وثلاثون بيتا فى كل بيت اربع زوايا فى كل زاوية شجاع كأعظم ما خلق الله من الخلق فى رأس كل شجاع سم والشجاع الحية هذا وقد جوز بعضهم أن يكون لا يذوقون حالا من المنوى فى لابثين لا كلاما مستأنفا اى لابثين فيها احقابا غير ذآئقين فيها شيأ سواهما ثم يبدلون بعد الاحقاب غير الحميم والغساق من جنش آخر من العذاب فيكون حالا متداخلة ويكون قوله احقابا ظرف لابثين المقيد بمضمون لا يذوقون وانتهاء هذا المقيد لا يستلزم انتهاء مطلق اللبث فهو توقيت للعذاب لا للمكث فى النار عن ابن مسعود رضى الله عنه لو علم اهل النار انهم يلبثون فى النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ولو علم اهل الجنة انهم يلبثون فى الجنة عدد حضى الدنيا لحزنوا وايضا يجوز ان يكون احقابا ظرفا منصوبا بلا يذوقون على قول من يرى تقديم معموم ما بعد لا عليهم لا ظرفا لقوله لابثين فحينئذ لا يكون فيه دلالة على تناهى اللبث والخروج حيث لم يكون احقابا ظرف اللبث وايضا يجوز أن يكون أحقابا ليس بظرف اصلا بل هو حال من الضمير المستكن فى لابثين بمعنى حقبين اى نكدين محرومين من الخير والبركة فى السكون والحركة على أن يكون جمع حقب بفتح الحاء وكسر القاف من حقب الرجل اذا حرم الرزق وحقب العام اذا قل خيره ومطره وقوله لا يذوقون فيها بردا تفسير لكدهم ولا يتوهم حينئذ تناهى مدة لبثهم فيها حتى يحتاج الى التوجيه هذا ما قالوه فى هذا المقام وروى عن عبد الله بن عمر وبن العاص رضى الله عنه انه قال سيأتى على جهنم يوم تصفق ابوابها اى يضرب بعضها بعضا وقد اسندت هذه الرواية الى ابن مسعود رضى الله عنه كما فى العرآئس ويروى عنه انه قال ليأتين على جهنم زمان تخفق ابوابها ليس فيها احد وذلك بعد ما يلبثون فيها احقابا وفى العرآئس ايضا وقال الشعبى حهنم اسرع الدارين عمر انا واسرعهما خرابا وفى الحديث الصحيح ينبت الجرجير فى قعر جهنم اى لانطفاء النار وارتفاع العذاب بمقتضى قوله سبقت رحمتى على غضبى كما فى شرح الفصوص لداود القبصرى والجرجير بالكسر بقلة معروفة كما فى القاموس وقال المولى الجامى رحمه الله فى شرح الفصوص ايضا اعلم ان لاهل النار الخالدين فيها كما يظهر فى كلام الشيخ رضى الله عنه وتابعيه حالات ثلاثا الاولى انهم اذا دخلوها تسلط علذاب على ظواهرهم وبواطنهم وملكهم الجزع والاضطراب فطلبوا أن يخفف عنهم العذاب او أن يقضى عليهم او أن يرجعوا الى الدنيا فلم يجابوا الى طلباتهم والثانية انهم اذا لم يجابوا الى طلباتهم وظنوا انفسهم على العذاب فعند ذلك رفع الله العذاب عن بواطنهم وخبت نار الله الموقدة التى تطلع على الافئدة والثالثة انهم بعد مضى الاحقاب ألفوا العذاب وتعودوا به ولم يتعذبوا بشدته بعد طول مدته ولم يتألموا به وان عظم الى أن آل أمرهم الى أن يتلذذوا به ويستعذبوه حتى لو هب عليهم نسيم من الجنة استكرهوه وتعذبوا به كالجعل وتأذيه برآئحة الورد عافانا الله وجميع المسلمين من ذلك والجعل بضم الجيم وفتح العين دويبة تكون بالروث والجمع جعلان بالكسر وقال المولى رمضان والمولى صالح الدين فى شرح العقائد قال بعض الاسلاميين كل ما اخبر الله فى القرءآن من خلود أهل الدارين حق لكن اذا ذبح كبش الموت بين الجنة والنار ونودى اهلهما بالخلود فيما ايس اهل النار من الخلاص فاعتادوا بالعذاب فلم يتألموا به حتى آل أمرهم الى أن يتلذذوا به ولو هب عليهم نسيم الجنة استكرهوه وتعذبوا به كالجعل يستطيب الروث ويتألم من الورد فيصدق حينئذ قوله تعالى ان الله يغفر الذنوب جميعا على عمومه لارتفاع العذاب عنهم ويصدق ايضا قوله تعالى لا يخفف عنهم العذاب لان المراد العذاب المقدر لهم وقال بعض الا كامل فكما اذا استقر اهل دار الجمال فيها يظهر عليهم اثر الجمال ويتذوقون به دآئما ابدا ويختفى جلال الجمال واثره بحيث يحسنه ولا يرونه ولا يتألمون به قطعا سرمدا فكذلك اذا استقر اهل دار الجلال فيها بعد مرورة الاحقاب يظهر على بواطنهم اثر جمال الجلال ويتذوقون به أبدا ويختفى عنهم اثر نار الجلال بحيث لا يحسونه ولا يرونه ولا يتألمون به سرمدا لكن ليس ذلك الا بعد انقطاع حراق النار بواطنهم وظواهرهم بمرور الاحقاب وكل منهم تحرقه النار ألف سنة من سنى الآخرة لشرك يوم واحد من ايام الدنيا والظاهر عيلهم بعد مرور الاحقاب هو الحال الذى يدوم عليهم أبدا وهو الحال الذى كانوا عليه فى الازل وما بينهما ابتلاآت رحمانية والابتلاء حادث قال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون عفانا الله واياكم من دار البوار انتهى فهذه كلمات القوم فى هذه الآية ولا حرج فى نقلها ونحن لا نشك فى خلود الكفار وعذابهم أبدا فان كان لهم العذاب عذابا بعد مرور الاحقاب فقد بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون كما ان المعتزلى يقطع فى الدنيا بوجوب العذاب لغير التائب ثم قد يبدوله فى الآخرة ما لم يكن يحتسبه من العفو وسئل الشيخ الامام مفتى الايام عز الدين ابن عبد السلام بعد موته فى منام رآه السائل ما تقول فيما كنت تنكر من وصول ما يهدى من النار من الكفار لا معارض له فبقى على عمومه وخلود أهل الكبائر له معارض فيحمل على المكث الطويل فاهل الظاهر والباطن متفقون على خلود الكفار سوآء كانوا فرعون وهامان ونمرودا وغيرهم وانما اختلفوا فى ارتفاع العذاب عن ظواهرهم بعد مرور الاحقاب وكل تأول بمبلغ علمه والنصر احق ان يتبع قال حجبة الاسلام الكفرة ثلاث فرق منهم من بلغه اسم نبينا عليه السلام وصفته ودعوته كالمجاورين فى دار الاسلام فهم الخالدون لا عذر لهم ومنهم من بلغه الاسم دون الصفة وسمع ان كذابا مسلما اسمه محمد ادعى النبوة ومنهم من لم يبلغه اسمه ولا رسمه وكل من هاتين الفرقتين معذور فى الكفر ونقل مثله عن الاشعرى كذا فى شرح العقائد لمصلح الدين قول المولى داود القيصرى فى شحر الفصوص الوعيد هو العذاب الذى يتعلق بالاسم المنتقم وتظهر احاكمه فى خمس طوآئف لا غير لان اهل النار اما مشرك أو كافر او منافق او عاص من المؤمنين وهو يقسم الى الموحد العارف الغير العامل والمحجوب وعند تسلط سلطان المنتقم عليهم يتعذبون بنيران الجحيم وانواع العذاب غير مخلدة على اهله لانقطاعه بشفاعة الشافعين وآخر من يشفع وهو أرحم الراحمين .(16/426)
جَزَاءً وِفَاقًا (26)
{ جزآء وفاقا } اى جوروا بذلك جزآء وفاقا لاعمالهم واخلاقهم كأنه نفس الوفاق مبالغة او ذا وفاق لها على حذف المضاف او وافقها وفافا فيكون وفاقا مصدرا مؤكدا لفعله كجزآء والجملة صفة لجزآء وجه الموافقة بينهما انهم اتوا بمعصية عظيمة وهى الكفر فعوقبوا عقابا عظيما وهو التعذيب بالنار فكما انه لا ذنب اعظم من الشرك فكذا الاجزآء اقوى من التعذيب بالنار وجزآء سيئة سيئة مثلها فتوافقا وقيل كان وفاقا حيث لم يزد على قدر الاستحقاق ولم ينقص عنه قال سعدى المفتى اعلم ان الكفار لما كان من نيتهم الاستمرار على الكفر كما سيشير اليه قوله تعالى انهم كانوا لا يرجون حسابا اذ معناه انهم كانوا مستمرين على الكفر مع عدم توقع الحساب فوافقه عدم تناهى العذاب واللبث فيها احقابا بعد احقاب ولما كانوا مبدلين التصديق الذى يروح النفس ويثلج به الصدر بالتكذيب الذى هو ضده جوزوا بالحميم والغساق بدل ما يجعل للمؤمنين مما يروحهم من برد الجنة وشرابها وللمناسبة بين الماء والعلم يعبر الماء فى الرؤيا بالعلم وقال بعض اهل الحقائق ان جهنم الطبيعة الحيوانية يرصد فيها القوى البشرية وهى خزنة جهنم طبيعة ارباب النفوس الامارة والهوى المتبع للظالمين على نفوسهم بالاهوية والبدع والاباحة والزندقة والاتحاد والحلول والفضول مآبا لابثين فيها احقابا الى وقت الانسلاخ عن حكم البشرية والتلبس ملابس الشريعة وخلع الطريقة والحقيقة لا يذوقون فيها برد اليقين برفع الحجاب عن وجه بشريتهم ولا شراب المحبة لانهماكهم فى محبة الدنيا بسبب جهنم الطبيعة الا حميما وغساقا يسيل من صديد طبيعتهم وقال القاشانى الا حميما من اثر الجهل المركب وغساقا من ظلمة هيئات محبة الجواهر الفاسفة والميل اليها جزآء موافقا لما ارتكبوه من الاعمال وقدموه من العقائد والاخلاق وذلك العذاب لفساد العمل والعلم فلم يعملوا صالحا رجاء الجزآء ولم يعلموا علما صالحا فيصدقوا بالآيات .(16/427)
إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)
{ انهم كانوا لا يرجون حسابا } تعليل لاستحقاقهم الجزآء المذكور وبيان لفساد قوتهم العملية اى كانوا ينكرون الآخرة ولا يخافون ان يحاسبوا باعمالهم فلذا كانوا يقدمون على جميع المنكرات ولا يرغبون فى شئ من الطاعات وفسر الرجاء بالخوف لان الحساب من اصعب الامور على الانسان والشئ الصعب لا يقال فيه انه يرجى بل يقال انه يخاف ويخشى .(16/428)
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)
{ وكذبوا } بيان لفساد قوتهم النظرية { بآياتنا } الناطقة بذلك وفى بعض التفاسير بآياتنا القولية والفعلية الظاهرة على ألسنة الرسل وايديهم { كذابا } اى تكذيبا مفرطا ولذلك كانوا مصرين على الكفر وفنون المعاصى فعوقبوا بأهوال العقاب جزآء وفاقا وفعال من باب فعل شائع فيما بين الفصحاء مطرد مثل كلم كلاما قال صاحب الكشاف وسمعنى بعضهم افسر آية فقال لقد فسرتهافسارا ما سمع بمثله قال بعضهم وابدل من احد حرفى تضعيف بعض الاسماء ياء لئلا يلتبس بهذا المصدر المشدد مثل الدينار فان اصله الدنار ومثل السينات فى قول عمر بن عبد العزيز لكاتبه فى بسم الله طول الباء واظهر السينات ودور الميم فان اصله السنات جمع السن لا جمع السين لانه ليس فى البسملة الا سين واحدة ويجوز ان يقال عبر عن السن بالسين مبالغة كأنه قيل اجعل سنه كسينه فى الاظهار كما ذهب اليه الشريف .(16/429)
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)
{ وكل شئ } اى واحصينا كل شئ من الاشياء التى من جملتها اعمالهم فانتصابه بمضمر يفسره قوله { احصيناه } اى حفظناه وضبطناه وذلك اى انتصابه بالاضمار على شريطة التفسير هو الراجح لتقدم جملة فعله ولا يضره كون هذه الجملة معترضة كما سيجئ او لان المقصود المهم هنا الاخبار عن الاحصاء لا الاخبار عن كل شئ { كتابا } مصدر مؤكد لاحصيناه من غير لفظه لما ان الاحصاء والكتابة من واد واحد أى يتشار كان فى معنى الضبط فكأنه قال وكل شئ احصيناه احصاء مساويا فى القوة والثبات بالعلم المقيد بالكتابة او كتبناه كتابا واثبتناه اثباتا ويجوز ان يكون منالاحتباك حذف فعل الثانى بقرينة الاول ومصدر الاول بقرينة لاثانى اى احصيناه احصاء وكتبناه كتابا او هو اى كتابا حال بمعنى مكتوبا فى اللوح وفى صحف الحفظة والجملة اعتراض لتوكيد كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات بانهما محفوظان للمجازاة قال القاشانى وكل شئ من صور اعمالهم وهيئات عقائدهم ضبطناه ضبطا بالكتابة عليهم فى صحائف نفوسهم وصحائف النفوس السماوية .(16/430)
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)
{ فذوقوا } بس بجشيد عذاب دوزخ { فلن نزيدكم الا عذابا } فوق عذابكم والفاء فى فذوقوا جزآئيه دالة على ان الامر بالذوق مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات ومعلل به فيكون وكل شئ الخ جملة معترضة بين السبب ومسببه تؤكد كل واحد من الطرفين لانه كما يدل على كون معاصيهم مضبوطة مكتوبة يدل على ان ما يتفرع عليها من العذاب كائن لا محالة مقدر على حسب استحقاقهم به وفى الالتفات المنبئ عن التشديد فى لاتهديد وايراد لن المفيدة لكون ترك الزيادة من قبيل ما لا يدخل تحت الصحة من الدلالة على تبالغ الغضب مالا يخفى وقد روى عن النبى صلى عليه السلام ان هذه الآية اشد ما فى القرءآن على اهل النار اى لان فيها الاياس من الخروج فكلما استغاثوا من نوع من العذاب اغيثوا وهذا لا يخالف قوله تعالى ولا يكلمهم الله لان المراد بالمنفى التكلم باللطف والاكرام لا بالقهر والجلال فان قيل هذه الزيادة ان كانت غيره مستحقة كانت ظلما وان كانت مستحقة كان تركها فى اول الامر احسانا والكريم لا يليق به الرجوع فى احسانه فالجواب انها مستحقة ودوامها زيادة لثقل العذاب وايضا ترك المستحق فى بعض الاوقات لا يوجب الابرآء والاسقاط حتى يكون ايقاعه بعده رجوعا فى الاحسان وايضا كانوا يزيدون كفرهم وتكذيبهم واذيتهم للرسول عليه السلام واصحابه رضى الله عنهم فيزيد الله عذابهم لزيادة الاستحقاق فلا ظلم فان قيل قوله فذوقوا الخ تكرار لانه ذكر سابقا انهم لا يذوقون الخ قلنا انه تكرار لزيادة المبالغة فى تقرير الدعوى وهو كون العاقب جزآء وفاقا .(16/431)
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31)
{ ان للمتقين مفازا } شروع فى بيان محاسن احوال المؤمنين اثر بيان سوء احوال الكفرة على ما هو العادة القرآءنية ووجه تقديم بيان حالهم غنى عن البيان اى ان للذين يتقون الكفر وسائر القبائح من اعمال الكفرة فوزا وظفرا بمباغهم دل على هذا المعنى تفسيره بما بعده بقوله حدآئق الخ او موضع فوز فالمفاز على الاول مصدر ميمى وعلى الثانى اسم مكان فان قيل الخلاص من الهلاك اهم من الظفر باللذات فلم اهمل الاهم وذكر غير الاهم قلنا لان الخلاص من الهلاك لا يستلزم الفوز بالنعيم لكونه حاصلا لاصحاب الاعراف مع انهم غير فائزين بالنعيم بخلاف الفوز بالنعيم فانه يستلزم الخلاص من هلاك فكان ذكره اولى .(16/432)
حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32)
{ حدآئق واعنابا } اى بساتين فيها انواع الاشجار المثمرة وكروما وهو تخصيص بعد التعميم لفضلها قوله حدآئق بدل من مفازا بدل الاشتمال ان كان مصدرا ميميا لان الفوز يدل عليه دلالة التزامية او البعض ان جعل مكانا جمع حديقة وهى الروضة ذات الاشجار ويقال الحديقة كل بستان عليه حائط أى جدار وفيه من النخل والثمار وفى المفردات الحديقة قطعة من الارض ذات ماء سميت تشبيها بحدقة العين فى الهيئة وحصول الماء فيها والاعناب جمع عنب بالفارسية انكور .
قال بعضهم ذكر نفسها ولم يذكر شجرها وهو الكرم لان زيادة الشر فيها لا فى شجرها .(16/433)
وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)
{ وكواعب } جمع كاعب يقال كعبت المرأة كعوبا ظهر ثديها وارتفع ارتفاع الكعب اى نساء عذارى فلكت ثديهن اى استدارت وصارت كالكعب فى النتوء يقال فلك ثدى الجارية تفليكا اى استدار كلفلكة المغزل ويقال لهن النواهد جمع ناهد وناهدة وهى المرأة كعب ثديها وبدا للارتفاع { اترابا } لدات اى مستويات فى السن ولدة الرجل تربه وقرينه فى السن والميلاد والهاء عوض عن الواو الذاهبة من اوله لانه من الولادة قال الرغب اى لدات ينشأن معا تشبيها فى التساوى والتماثل بالترآئب التى هى ضلوع الصدر ولوقعهن على الارض مع . در تفسير زاهدى آورده كه شانزده ساله باشند ومردان سى وسه ساله ودرا كثر تفاسير هست كه اهل بهشت اززنان ومردان سى وسه ساله خواهندبود .
والظاهر ما فى تفسير الزاهدى وهو كونهن بنات ست عشرة لكونها نصف سن الرجال وايضا دل عليه الوصف بالكعوب وهو اترفاع ثديهن والمراد انهن بالغات تمام كمال النساء فى الحسن واللطافة والصلاح للمصاحبة والمعاشرة بحيث لا يكون فى سن اصغر حتى تضعف الشهوة لهن ولا فى سن الكبر حتى تنكسر الشهوة عنهن بل روآء الشباب اى ماؤه جار فيهن لم يشبن ولم يتغير عن حد الحسن حسنهن وانما ذكرن لان بهن نظام الدنيا ولطافة الآخرة من جهة التنعم الجسمانى .(16/434)
وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)
{ وكأسا دهاقا } اى مملوءة بالخمر فدهاقا بمعنى مدهقة وصفت به الكأس للمبالغة فى امتلائها يقال ادهق الحوض ودهقه ملأه .(16/435)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35)
{ لا يسمعون } اى المتقون { فيها } اى فى الحدآئق { لغوا ولا كذابا } اى لا ينطقون بلغو وهو ما يلغى ويطرح لعدم الفائدة فيه ولا يكذب بعضهم بعضا حتى يسمعوا شيأ من ذلك بخلاف حال اهل الدنيا فى مجالسهم لا سيما عند شربهم قال بعض اهل المعرفة لا يسمعون فيها كلاما الا من الحق فان من تحقق بالحق لا يسمعه الحق الا منه ولا يشهده سواه فى الدنيا والآخرة .(16/436)
جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)
{ جزآء من ربك } مصدر مؤكد منصوب بمعنى ان للمتقين مفازا فانه فى قوة ان يقال جازى المتقين بمفاز جزآء عظيما كائنا من ربك على ان التنوين للتعظيم { عطاء } اى تفضلا واحسانا منه تعالى اذ لا يجب عليه شئ وذلك ان الله تعالى جعل الشئ الواحد جزآء وعطاء وهو غير ظاهر لان كونه جزآء يستدعى ثبوت الاستحقاق وكونه عطاء يستدعى عدم الاستحقاق فالجمع بينهما جمع بين المتنافيين لكن ذلك الاستحقاق انما يثبت بحكم الوعد لا من حيث ان الطاعة توجب الثواب على الله فذلك الثواب بالنظر الى وعده تعالى اياه بمقابلة الطاعة يكون جزآء وبالنظر الى انه لا يجب على الله لا حد شئ يكون تفضلا وعطاء وهذا بمقابلة قوله جزآء وفاقا لان جزآء المؤمنين من قبيل الفضل لتضاعفه وجزآء الكافرين من قبيل العدل وهو بدل من جزآء بدل الكل من الكل لان العطاء والجزآء متحدان ذاتا وان تغايرا فى المفهوم وفى جعله بدلا من جزآء نكته لطيفة وهى ان بيان كونه عطاء تفضلا منه هو المقصود وبيان كونه جزآء وسبلة اليه فان حق البدل ان يكون مقصودا بالنسبة وذكر المبدل منه وسيلة اليه { حسابا } صفة لعطاء بمعنى كافيا على انه مصدر اقيم مقام الوصف اى محسبا وقيل على حسب اعمالهم بأن يجازى كل عمل بما وعد له من الاضعاف من عشرة وسبعمائة وغير حساب فما وعده الله من المضاعفة داخل فى الحسب اى المقدار لان الحسب بفتح السين وسكونها بمعنى القدر والتقدير على هذا عطاء بحساب فحذف الجار ونصب الاسم قال بعضه اهل المعرفة اذا كان الجزآء من الله لا يكون له نهاية لانه لا يكون على حد الاعواض بل يكون فوق الحد لانه ممن لا حد له ولا نهاية فعطاؤه لا حد له ولا نهاية وقال بعضهم العطاء من الله موضع الفضل لا موضع الجزاء فالجزىء على الاعمال والفضل موهبة من الله يختص به الخواص من اهل وداده وفى التأويلات النجمية ان للمتقين الذين يتقون عن نفوسهم المظلمة المدلهمة بالله وصفاته وأسمائه مفازا اى فوز ذات الله وصفاته حدآئق روضات القلوب المنزهة الارضية واعنابا اشجار المعانى والحقائق الثمرمرة عنب خمر المحبة الذاتية الخامرة عين العقل عن شهود الغير والغيرية وكواعب اترابا ابكارا اللطائف والمعارف وكأسا دهاقا مملوءة من شراب المحبة وخمر المعرفة لا يسمعون فيها لغوا من الهواجس النفسانية ولا كذابا من الوساوس الشيطانية جزآء من ربك عطاء حسابا اى فضلا تاما كافيا من غير عمل وقال القاشانى ان للمتقين المقابلين للطاغين المتعدين فى افعالهم حد العدالة مما عينه الشرع والعقل وهم المتنزلون عن الرذآئل وهيئات السوء من الافعال مفازا فوزا ونجاة من النار التى هى مآؤ الطاغين حدآئف من جنان الاخلاق واعنابا من ثمرات الافعال وهيئاتها وكواعب من صور آثار الاسماء فى جنة الافعال اترابا متساوية فى الترتيب وكأسا من لذة محبة الآثار مترعة ممزوجة بالزنجبيل والكافور لان اهل جنة الآثار والافعال لا مطمح لهم الى ما ورآءها فهم محجبون بالآثار عن المؤثر وبالعطاء عن المعطى عطاء حسابا كافيا يكفيهم بحسب هممهم ومطامح ابصارهم لانهم لقصور استعداداتهم لا يشتاقون الى ما ورآء ذلك فلا شئ ألذ لهم بحسب اذواقهم مما هم فيه .(16/437)
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)
{ رب السموات والارض وما بينهما } بدل من ربك والمراد رب كل شئ وخالقه ومالكه { الرحمن } مفيض الخير والجود على كل موجود بحسب حكمته وبقدر استعداد المرحوم وهو بالجر صفة للرب وقيل صفة للاول واياما كان ففى ذكر ربوبيته تعالى للكل ورحمته الواسعة اشعار بمدار الجزآء المذكور قال القاشانى اى ربهم المعطى اياهم ذلك العطاء هو الرحمن لان عطاياهم من النعم الظاهرة الجليلة دون الباطنة الدقيقة فمشربهم من اسم الرحمن دون غيره وفى التاويلات النجمية رب سموات الارواح وارض النفوس وما بينهما من السر والقليب واقواهما الروحانية هو الرحمن اى الموصوف بجميع الاسماء والصفات الجمالية والجلالية لوقوعه بين الالله الجامع وبين الرحيم فله وجه الى الالوهية المشتملة على القهر وله ايضا وجه الى الرحيم الجمالى المحض { لا يملكون منه خطابا } استئناف فمقرر لما افادته الربوبية العامة من غاية العظمة والكبرياء واستقلاله تعالى بما ذكر من الجزآء والعطاء من غير أن يكون لاحد قدرة عليه وضمير لا يملكون لاهل السموات والارض ومن فى منه صلة للتأكيد على طريقة قولهم بعث منك ان بعتك يعنى ان صلة خطابا قدم عليه فانقلب بيانا والمعنى لا يملكون ان يخاطبوه تعالى من تلقاء انفسهم كما ينبئ عنه لفظ الملك اذ المملوك لا يستحق على مالكه شيأ خطابا ما فى شئ ما لتفرده بالعظمة والكبرياء وتوحده فى ملكه بالامر والنهى والخطاب والمراد نفى قدرتهم على ان يخاطبوه تعالى بشئ من نقض العذاب وزيادة الثواب من غير اذنه على ابلغ وجه وأكده كانه قيل لا يملكون ان يخاطبوه بما سبق من الثواب والعقاب وبه يحصل الارتباط بين هذه الآية وبين ما قبلها من وعيد الكفار ووعد المؤمنين ويظهر منه ان نفى ان يملكوا خطابه لا ينافى الشفاعة باذنه قال القاشانى لانهم اى اهل الافعال لم يصلوا الى مقام الصفات فلاحظ لهم من المكالمة .(16/438)
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)
{ يوم يقوم الروح والملائكة صفا } اخر الملائكة هنا تعميما بعد التخصيص واخر الروح فى القدر تخصيصا بعد التعميم فالظاهر أن الروح من جنس الملائكة لكنه اعظم منهم خلقا ورتبة وشرفا اذ هو بمقابلة الروح الانسانى كما ان الملائكة بمقابلة القوى الروحانية ولا شك ان الروح اعظم من قواه التابعة له كالسلطان مع امرآئه وجنده ورعاياه وتفسيره الروح بجبريل ضعيف وان كان هو مشتهرا بكونه روح القدس والروح الامين اذ كونه روحا ليس بالنسبة الى ذاته والا فالملائكة كلهم روحانيون وان كانوا اجساما لطيفة غير الارواح المهيمة وانما هو بالنسبة الى كونه نافخ الروح وحامل الوحى الذى هو كالروح فى الاحياء وقد اتفقوا على ان اسرافيل اعظم من جبريل ومن غيره فلو كان احد يقوم صفا واحدا لكان هو اسرافيل دون جبراآئيل والله اعلم بمراده من الروح وان اختلفت الروايات فيه هذا ما لاح لى فى هذا المقام بعون الملك اللام وصفا حال اى مصطفين لكثرتهم وقيامهم بما امر الله فى امر العباد وقيل هما صفان الروح صف والملائكة صف وقيل صفوف وهو الاوفق لقوله تعالى والملائكة فا صفا ويوم ظرف لقوله تعالى { لا يتكلمون } وقوله تعالى { الا من اذن له الرحمن وقال صوابا } بدل من ضمير لا يتكلمون العائد الى اهل السموات والارض الذين من جملتهم الروح والملائكة وهو أرجح لكون الكلام غير موجب والمستثنى منه مذكور وفى مثله يختار البدل على الاستثناء وذكر قيامهم وصطفافهم لتحقيق عظمة سلطانه تعالى وكبرياء ربوبيته وتهويل يوم البعث الذى عليه مدار الكلام من مطلع السورة الى مقطعها والجملة استئناف مقرر لمضمون قوله تعالى لا يتكلمون الخ ومؤكد له على معنى ان اهل السموات والارض اذ لم يقدروا يومئذ على ان يتكلموا بشئ من جنس الكلام الا من اذن الله له منهم فى التكلم وقال ذلك المأذون له قولا صوابا اى حقا صادقا او واقعا فى محله من غير خطأ فى قوله فكيف يملكون خطاب رب العزة مع كونه اخص من مطلق الكلام واعز منه مراما وقيل الا من اذن الخ منصوب على اصل الاستثناء والمعنى لا يتكلمون الا فى حق شخص اذن له الرحمن وقال ذلك الشخص صوابا اى حقا هو التوحيد وكلمة الشهادة دون غيره من اهل الشرك فانه مما يقولوا فى الدنيا صوابا بل تفقهوا بكلمة الكفر والشرك واظهار الرحمن فى موقع الاضمار للايذان بأن مناط الاذن هو الرحمة البالغة لان احدا يستحقه عليه تعالى وفى عرآئس البقلى من كان كلامه فى الدنيا من حيث الاحوال والاحوال من حي الوجد والوجد من حيث الكشف والكشف من حيث المشاهدة والمشاهدة من حيث المعاينة فهو مأذون فى الدنيا والآخرة يتكلم مع الحق على بساط الحرمة والهيبة ينقذ الله به الخلائق من ورطة الهلاك قال ابن عطاء الخالص ما كان لله والصواب ما كان على وجه السنة وقال بعضهم انما تظهر الهيبة على العموم لاهل الجمع فى ذلك اليوم واما الخواص واصحاب الحضور فهم ابدا بمشهد العز بنعت الهيبة وفيه اشارة الا ان الاسرار والقلوب وقواهم الكائنين بين سموات الارواح وبين ارض النفوس لا يملكون أن يخاطبوا الحق فى شفاعة النفس الامارة والهوى المتبع بسبب لحمة النسب الواقع بينهم اذ الكل اولاد الروح والقالب كما لم يملك نوح عليه السلام أن يخاطب الحق فى حق ابنه كنعان بمعنى انه لم يقدر على انجائه اذ جاء الخطاب بقوله فلا تسألن ما ليس لك به علم .(16/439)
ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39)
{ ذلك } اشارة الى يوم قيامهم على الوجه المذكور ومحله الرفع على الابتدآء خبره ما بعده اى ذلك اليوم العظيم الذى يقوم فيه الروح والملائكة مصطفين غير قادرين هم ولا غير هم على التكلم من الهيبة والجلال { اليوم الحق } اى الثابت المتحقق لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه وذلك لانه متحقق علما فلا بد أن يكون متحققا وقوعا كالصباح بعد مضى الليل وفيه اشارة الى انه واقع ثابت فى جميع الاوقات والاحايين ولكن لا يبصرون به لاشتغالهم بالنفس الملهية وهواها الشاغل { فمن شاء اتخذ الى ربه مآبا } القاء فصيحة تفصح عن شرط محذوف ومفعول المشيئة محذوف لوقوعها شرطا وكن مفعولها مضمون الجزآء وانتفاء الغرابة فى تعلقه بها حسب القاعدة المستمرة والى ربه متعلق بمآ باقدم عليه اهتماما به ورعاية للفواصل كأنه قيل واذا كان الامر كما ذكر من تحقق اليوم المذكور لا محالة فمن شاه أن يتخذ مرجعا الىة ثواب ربه الذى ذكر شأنه العظيم فعل ذلك بالايمان والطاعة وقال قتادة مآبا اى سبيلا وتعلق الجاريه لما فيه من معنى الاقتضاء والايصال وفى التأويلات النجمية مآبا اى مرجعا ورجوعا من الدنيا الى الآخرة ومن الآخرة الى رب الدنيا والآخرة لانهما حرامان على اهل الله .(16/440)
إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)
{ انا انذرناكم } اى بما ذكر فى السورة من الآيات الناطقة بالبعث وبما بعده من الدواعى او بها وبسائر القوارع الواردة فى القرءآن والخطاب لمشركى العرب وكفار قريش لانهم كانوا ينكرون البعث وفى بعض التفاسير الظاهرة عموم الخطاب كعموم من لان فى انذار كل طائفة فائدة لهم { عذابا قريبا } هو عذاب الآخرة وقربه لتحقق اتيانه حتما ولانه قريب بالنسبة اليه تعالى وممكن وان رأوه بعيدا وغير ممكن فيرونه قريبا لقوله تعالى كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشيةاو ضحاها وقال بعض اهل المعرفة العذاب القريب هو عذاب الالفتات الى النفس والدنيا والهوى وقال الشاقانى هو عذاب الهيئات الفاسقة من الاعمال الفسادة دون ما هو أبعد من عذاب القهر والسخط وهو ما قدمت ايديهم { يوم ينظر المرء ما قدمت يداه } تنثية اصلها يدان سقطت نونها بالاضافة ويوم بدل من عذابا او ظرف لمضمر هو صفة له اى عذابا كائنا يوم ينظر المء اى يشاهد ما قدمه من خيرأ يعنى بازيابد كردارهاى خودرا ازخير وشر . على ان ما موصولة منصوبة بينظر لانه يتعدى بنفسه وبالى والعائد محذوف اى قدمته او ينظر اى شئ قدمت ياده على انها استفهامية منصوبة بقدمت متعلقة بينظر فالمرء عام للمؤمن والكافر لان كل احد يرى عمله فى ذلك اليوم مثبتا فى صحيفته خيرا كان او شرا فيرجوا المؤمن ثواب الله على صالح عمله ويخاف العقاب على سيئه واما الكافر فكما قال الله تعالى { ويقول الكافر يا ليتنى } اى يا قوم فالمنادى محذوف ويجوز أن يكون بالمحض التحسر ولمجرد التنبيه من غير قصد الى تعيين المنبه وبالفارسية اى كاشكى من { كنت ترابا } فى الدنيا فلم اخلق ولم اكلف وهو فى محل الرفع على انه خبر ليت او ليتنى كنت ترابا فى هذا اليوم فلم ابعث كقوله يا ليتنى لم اوت كتابيه الى أن قال يا ليتها كانت القاضية وقيل يحشر الله الحيوان فيقتص للجماء من القرناء نطحتها اى قصاص المقابلة لا قصاص التكليف ثم يرده ترابا فيود الكافر حاله كما قال عليه السلام « لتؤدن الحقوق الى اهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء » وهذا صريح فى حشر ابهائم وعادتها القصاص المقابلة لا للجزآء ثوابا وعقابا وقيل الكافر ابليس يرى آدم وولده وثابهم فيتمنى أن يكون الشئ الذى احتقره حين قال خلقتنى من نار وخلقته من طين يعنى ابليس آدم را دران روز كرامت آدم وثواب فرزندان مؤمن او مشاهده نمايد وعذاب وشدت خودرا بينذ آرزو بردكه كاشكى من ازخاك بودمى ونسبت بآدم داشتمى اى درويش اين دبدبه وطنطنه كه خاكيا نراست هج طبقة ازطبقات مخلوقا ترا نيست(16/441)
خاك راخوار وتيره ديد ابليس ... كرد انكارش آن حسود خسيس
ماند غافل زنور باطن او ... نشدا كه زسر كامل او
بهر كنجى كه هست دردل خاك ... اين صدا داده اند در افلاك
كه بجز خاك نيست مظهر كل ... خاك شو خاك تابرويد كل
واما مؤمنوا الجن فلهم ثواب وعقاب فلا يعودونه ترابا وهو الاصح فيكون مؤمنوهم مع مؤمنى الانس فى الجنة او فى الاعراف ونعيمهم ما يناسب مقامهم ويكون كفارهم مع كفار الانس فى النار وعذابهم بما يلائم شانهم وقيل هو تراب سجدة المؤمن تنطفئ به عنه النار وتراب قدمه عند قيامه فى الصلاة فيتمنى الكافر أن يكون تراب قدمه وفى التأويلات النجمية يوم ينظر المرء ما قدمت يد قلبه ويد نفسه من الاحسان والاساءة وقول كافر النفس الساتر للحق يا ليتنى كنت ترابا اقدام الروح والسر والقلب متذللة بين يديهم مؤتمرة لاوامرهم ونواهيهم ( وفى كشف الاسرار ) از عظمت آن روز است كه بيست وجهار ساعت شبانروز دنيارا بر مثال بيست وجهار خزانه حشر كنند ودرعرصات قسامت حاضر كرداننديكان يكان خزانه ميكشايند وبربنده عرض ميدهندازان خزانه بكشايند بربها وجمال ونور وضيا وآن آن ساعتست كه بنده ررخيرات وحسنات وطاعات بود بنده جون حسن ونور بهاى آن بيند جندان شادى وطرب واهتزاز بروغالب شود كه اكر انرا بر جملهء دوزخيان قسمت كننداز دهشت آن شادى الم ودرد اتش فراموش كنند خزانهء ديكر بكشايند تاريك ومظلم برنتن ووحشت وآن آن ساعتست كه بنده در معصيت بوده وحق ازره ظلمت ووحشت آن كردار درآيد جندان فزع وهول ورنج وغم اورا فروكيردكه اكر بركل اهل بهشت قسمت كنند نعيم بهشت برايشان منغص شود خزانه ديكر بكشايند حالى درونه طاعت بود كه سبب شادى است نه معصيت كه موجب اندوهست وآن ساعتى است كه بنده در وخفته باشد يا غافل يا بمبا حات دنيا مشغول وبروعرضه ميكنند از ان ساعت كه درطاعت كرده شاد ميكردد وازان ساعت كه درو معصيت كرده رنجور ميشود وبرساعتى كه مهمل كذاشته حسرت وغبن ميخورد وجون كار مؤمن مقصر دران روز اين باشد بس قياس كن كه حال كافر جكونه باشد درحسرت وندامت وآه وزارى .
روى ابى بن كعب رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ عم يتساءولون سقاه الله برد الشراب يوم لقيامة » وعن ابى الدردآء رضى الله عنه قال قال النبى عليه السلام « تعلموا سورة عما يتساءلون عن النبأ العظيم وتعلموا ق والقرآن المجيد والنجم اذا هوى والسماء ذات البروج والسماء والطارق فانكم لو تعلمون ما فيهن لعطلتم ما أنتم عليه وتعلمتموهن وتقربوا الى الله بهن ان الله يغفر بهن كل ذنب الا الشرك بالله »(16/442)
وعن ابى بكر الصديق رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله قد أسرع اليك الشيب قال شيبتنى هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون واذا الشمس كورت الكل فى كشف الاسرار وفيه اشارة الى ان من تعلم هذه السور ينبغى له ان يتعلم معانيها ايضا اذ لا يحصل المقصود الا به وتصريح بان هم الآخرة ومطالعة الوعيد واستحاضره يشيب الانسان ولذا ذم الحبر السمين والقرئ السمين از لم يكن سمينا الا بالذهول عما قرأه ولو استحضره وهم به لشاب من همه وذاب من غمه لان الشحم مع الهم لا ينعقد قال الشافعى رحمه الله ما أفلح سمين قط الا أن يكون محمد بن الحسن فقيل له ولم قال لانه لا يخلو العاقل من احداى حالتين اما أن يهم لآخرته ومعاده او لدنياه ومعاشه والشحم مع الهم لا ينعقد فاذا خلا من المعنين صار فى حد البهائم بعقد الشحم .(16/443)
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)
{ والنازعات غرقا } الواو للقسم والقسم يدل على عظم شأن المقسم به ولله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيها على ذلك العظم والنازعات جمع نازعة بمعنى طائفة من الملائكة نازعة فأنتثت صفة الملائكة باعتبار كونهم طائفة ثم جمعت تلك الصفة فقيل نازعات بمعنى طوائف من الملائكة نازعات وقس عليه الناشطات نحوه والافكان الظاهر أن يقال والنازعين والناشطين والنزع جذب الشئ من مقره بشدة والغرق مصدر بحذف الزوائد بمعنى الاغراق وهو بالفارسية غرقه كردن وكمان رزور كشيدن .
والغرق الرسوب فى الماء وفى البلاء فهو مفعول مطلق للنازعات لانه نوع من النزع فيكون شرطه موجودا وهو اتفاق المصدر مع عامله والاغراق فى النزع التوغل فيه والبلوغ الى اقصى درجاته يقال أغرق النازع فى القاموس اذا بلغ غابة المد حتى انتهى الى النصل أقسم الله بطوآئف الملائكة التى تنزع ارواح الكفار من اجسادهم اغراقا فى النزع يعنى جان كافران بستختى نزع ميكنند .
وايضا يتمزعونها منهم معكوسا من النامل والاظفار ومن تحت كل شعرة كما تنزع الاشجار المتفرقة العروق فى اطراف الارض وكما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول وكما يسلخ جلد الحيوان وهو حى وكما يضرب الانسان ألف شربة بالسيف بل اشد والملائكة وهم ملك الموت واعوانه من ملائكة العذاب يطعنونهم بحربة مسمومة بسم جهنم والميت يظن أن بطنه قد ملئ شوكا وكأن نفسه تخرج من ثقب ابره وكأن اسماء انطبقت على الارض وهو بينهما فاذا نزعت نفس الكافر وهى ترعد اشبه شئ بالزئبق على قدر النحلة وعلى صورة عمله تأخذها الزبانية ويعذبونها فى القبر وفى سجين وهو العذاب الروحانى ثم اذا قامت القيامة انضم الجسمانى الى الروحانى فقوله والنازعات غرقا اشارة الى كيفية قبض ارواح الكفار بشهادة مدلول اللفظ .(16/444)
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)
{ والناشطات نشطا } قسم آخر معنى بطريق العطف والنشط جذب الشئ من مقره برفق ولين ونصب نشطا على المصدرية اقسم الله بطوآئف الملائكة التى تنشط ارواح المؤمنين اى تخرجها من ابدانهم برفق ولين كما تنشط الدوا من البئر يقال نشط الدلو من البئر ذا أخرجها وكما تنشط الشعرة من السمن وكما تنسل القطرة من السقاء وهم ملك الموت واعوانه من ملائكة الرحمة ونفس المؤمن وان كانت تجذب من اطراف البنان ورؤس الاصابع ايضا لكن لا يحس بالألم كما يحس به الكافر وايضا نفس المؤمن ليس لها شدة تعلق بالبدل كنفس الكافر لكونها منجذبة الى عالم القدس وانما يشتد الامر على انه لا لتعلق دون اهل التجرد خصوصا اذا كان ممن مات بالاختيار قبل الموت وايضا حين يجذبونها يدعونها احيانا حتى تستريح وليس كذلك ارواح الكفار فى قبضها لكن ربما يتعرض الشيطان للمؤمن الضعيف اليقين والقاصر فى العمل اذا بلغ الروح التراقى فيأنيه فى صورة ابيه وامه واخيه او صديقه فيأمره باليهودية او النصرانية ذلك نسأل الله السلامة ( حكى ) ان ابليس عليه اللعنة تمثل للنبى عليه السلام يوما وبيده قارورة ماء فقال ابيعه بايمان الناس حالة النزع فبكى النبى عليه السلام حتى بكت اهل بيته فأوحى الله تعالى اليه انى احفظ عبادى فى تلك الحالة من كيده والميت يرى الملائكة حينئذ على صوة اعماله حسنة او قبيحة فاذا اخذوا نفس المؤمن يلفونها فى حرير الجنة وهى على قدر النحلة وعلى صورة عمله ما فقد شئ من عقله وعلمه المكتسب فى الدنيا دل عيله قوله تعالى حكاية عن حبيب النجار الشهيد فى انطاكية قال يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين فيعرجون بها الى الهوآء ويهيئون له اسباب التنعم فى قبره وفى عليين وهو النعيم الروحانى ثم اذا قام الناس من قبورهم ازداد النعيم بانضمام الجسمانى الى الروحانى فقوله والناشطات نشطا اشارة الى كيفية قبض ارواح المؤمنين بشهادة اللفظ ومدلوله ايضا فان قيل قد ثبت ان النبى عليه السلام اخذ روحه الطيب ببعض شدة حتى قال « واكرباه » وقال « لا اله الا الله ان للموت سكرات اللهم أعنى على سكرات الموت » اى غمراته وكان يدخل يده الشريفة فى قددح فيه ماء ثم يمسح جهه المنور بالماء ولما رأته فاطمة رضى الله عنها يغشاه الكرب قالت واكرب ابتاه فقال لها عليه السلام « ليس على ابيك كرب بعد اليوم » فاذا كان امر النبى عليه السلام حين انتقاله هكذا فما وجه ما ذكر من الرفق واللين أجيب بأن مزاجه الشريف كان اعدل الامزجة فأحس بالألم اكثر من غيره اذا لخفيف على الأخف ثقيل وايضا يحتمل أن يبتليه الله بذلك ليدعو الله فى أن يجعل الموت لامته سهلا يسير وايضا قد روى انه طلب من الله أن يحمل عليه بعض صعوبة الموت تخفيفا عن امته فانه بالمؤمنين رؤف رحيم وايضا فيه تسلية امته اذا وقع لاحد منهم شئ من ذلك الكرب عند الموت وايضا لكى يحصل لمن شاهد من اهله ومن غيرهم من المسلمين الثواب لما يلحقهم عليه من المشقة كما قيل بمثل ذلك فى حكمة ما يشاهد من حال الطفال عند الموت واقل الامر للناقصين كفارة الذنوب فاهل الحقيقة لا شدة عليهم فى الحقيقة لاستغراقهم فى بحر الشهود وانما الشدة لظواهرهم والحاصل كما ان النار لا ترفع عن الدنيا والدنيا قائم فكذا الشدة لا تعرف عن الظواهر فى هذا الموطن .(16/445)
وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)
{ والسابحات سبحا } قسم آخر معنى ايضا بطريق العطف والسبح المر السريع فى الماء او فى الهوآء وسبحا نصب على المصدرية اقسم الله بطوائف الملائكة التى تسبح فى مضيها اى تسرع فينزلون من السماء الى الارض مسرعين مشبهين فى سرعة نزولهم بمن يسبح فى الماء وهذا من قبيل التعميم بعد التخصيص لان نزول الاولين انما هو لقبض الارواح مطلقا ونزول هؤلاء لعامة الامور والاحوال .(16/446)
فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)
{ فالسابقات سبقا } عطف على السابحات بالفاء للدلالة على ترتب السبق على السبح بغير مهلة فالموصوف واحد ونصب سبقا على المصدرية اى التى تسبق سبقا الى ما امروا به ووكلوا عليه اى يصلون بسرعة والسبق كناية عن الاسراع فيما امروا به لان السبق وهو التقدم فى السير من لوازم الاسراع فالسبق هنا لا يستلزم وجود المسبوق اذ لا مسبوق .(16/447)
فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)
{ فالمدبرات امرا } عطف على السابقات بالفاء للدلالة على ترتب التدبير على السبق بغير تراخ والتدبير التفكر فى دبر الامور وامرا مفعول للمدبرات قال الراغب يعنى الملائكة الموكلين بتدبير الامور انتهى اى التى تدبر امرا من الامور الدنيوية والخروية للعباد كما رسم لهم من غير تفريط وتقصير والمقسم عليه محذوف وهو لتبعثن لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة وجه البعث ان الموت يستدعيه للاجر والجزآء لئلا يستمر الظلم والجور فى الوجود وما ربك بظلام للعبيد فكان الله تعالى بقول ان الملائكة ينزلون لقبض الارواح عند منتهى الآجال ثم يهجر الامر الى البعث لما ذكر فكان من شأن من يقر بالموت أن يقر بالبعث فلذا جمع بين القسم بالنازعات وبين البعث الذى هو الجواب وفى عنوان هذه السورة وجوه كثيرة صفحنا عن ذكرها واخترنا سوق الكشاف فانه هو الذى يقتضيه جزالة التنزيل وقال القاشانى اقسم بالنفوس المشتاقة التى غلب عليها النزع الى جناب الحق غريقة فى بحار الشوق والمحبة والتى تنشط من مقر النفس وأسر الطبيعة اى تخرج من قيود صفاتها وعلائق البدن من قولهم نور ناشط اذا خرج من بلد الى بلد او من قولهم نشط من عقاله والتى تسبح فى بحار الصفات فتسبق الى عين الذات ومقام الفناء فى الوحدة فتدبر بالرجوع الى الكثرة امر الدعوة الى الحق والهداية وأمر النظام فى مقام التفصيل بعد الجمع انتهى ثم ان النفوس الشريفة لا يبعد أن يظهر منها آثار فى هذا العالم سوآء كانت مفارقة عن الابداء اولا فتكون مدبرات ألا ترى ان الانسان قد يرى فى المنام ان بعض الاموا برشده الى مطلوبه ويرى استاذه فيسأله عن مسألة فيحلها له سئل زرارة بعد أن توفى رضى الله عنه فى المنام اى الاعمال أفضل عندكم فقال الرضى وقصر الأمل وعن بعضهم رأيت ورقاء بن بشر رحمه الله فى المنام فقلت ما فعل الله بك قال نجوت بعد كل جهد قلت فأى الاعمال وجدتموها أفضل قال البكاء من خشية الله وقال بعضهم هلكت جارية فى الطاعون فرآها أبوها فى المنام فقال لها يا بنية اخبرينى عن الآخرة قالت يا أبت قدمنا على امر عظيم نعلم ولا نعمل وتعملون ولا تعلمون والله لتسبيحة او تسبيحتان او ركعة او ركعتان فى صحيفة عملى احب الى من الدنيا وما فيها ونظائره كثيرة لا تحصى وقد يدخل بعض الاحياء من جدار ونحوه على بعض من له حاجة فيقضيها وذلك على خرق العادة فاذا كان التدبير بيد الروح وهو فى هذا الموطن فكذا اذا انتقل منه الى البرزخ بل هو بعد مفارقته البدن أشد تأثيرا وتدبيرا لان الجسد حجاب فى الجملة ألا ترى ان الشمس اشد احراقا اذ لم يحجبها غمام او نحوه .(16/448)
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)
{ يوم ترجف الراجفة } منصوب بالجواب المضمر وهو لتبعثن والمراد بالراجفة الواقعة التى ترجف عندها الاجرام الساكنة كالارض والجبال اى تتحرك حركة شديدة وتتزلزل زلزلة عظيمة من هول ذلك اليوم وهى النفخة الاولى اسند اليها الرجف مجازا على طريق اسناد الفعل الى سببه فان حدوث تلك النفخة سبب لاضطراب الاجرام الساكنة من الرجفان وهى شدة الاضطراب ومنه الرجفة للزلزلة لما فيه من شدة الاضطراب وكثرة الانقلاب وفي اشعار بأن تغير السفلى مقدم على تغير العلوى وان لم يكن مقطوعا .(16/449)
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)
{ تتبعها الرادفة } اى الواقعة التى تردف الاولى اى تجيئ بعدها وهى لنفخة الثانية لانها تجيئ بعد الاولى يقال ردفه كسمعه ونصره تبعه كأردفه وأردفته معه اركبته معه كما فى القاموس وهى حال مقدرة من الراجفة مصححة لوقوع اليوم ظرفا للبعث اى لتبعثن يوم النفخة الاولى حال كون النفخة الثانية تابعة لها لا قبل ذلك فانه عبارة عن الزمان الممتد الذى تقع فيه النفختان وبينهما أربعون سنة كما قال فى الكشاف لتبعثن فى الوقت الواسع الذى تقع فيه النفختان وهم يبعثون فى بعض ذلك الوقت الواسع وهو وقت النفخة الاخرى انتهى قال فى الارشاد واعتبار امتداد مع ان البعث لا يكون الا عند النفخة الثانية لتهويل اليوم ببيان كونه موقعا لداهيتين عظميتين لا يبقى عند وقوع الاولى حى الامات ولا عند وقوع الثانية ميت الا بعث وقام .(16/450)
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)
{ قلوب } مبتدأ وتنكيره يقوم مقام الوصف المخصص سوآء حمل على التنويع وان لم يذكر النوع المقابل فان المعنى منسحب عليه او على التكثير كما فى شر أهر ذا ناب فان التفخيم كما يكون بالكيفية يكون بالكمية ايضا كأنه قيل قلوب كثيرة او عاصية كما قال فى التأويلات النجمية قلوب النفس المتمردة الشاردة النافرة عن الحق { يومئذ } يوم اذ تقع النفختان وهو متعلق بقوله { واجفة } اى شديدة الاضطراب من سوء اعمالهم وقبح افعالهم فان الوجيف عبارة عن شدة اضطراب القلب وقلقه من الخوف والوجل وعلم منه ان الواجفة ليست جمع القلوب بل قلوب الكافر فان اهل الايمان لا يخافون .(16/451)
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)
{ ابصارها } اى ابصار اصحاب كما دل عليه قوله يقولون والا فالقلوب لابصار لها وانما اضاف الابصار الى القلوب لانها محل الخوف وهو من صفاتها { خاشعة } ذليلة من الخوف بسبب الاعراض عن الله والاقبال على ما سواه يترقبون اى شئ ينزل عليهم من الامور العظام واسند الخشوع اليها مجازا لان اثره يظهره فيها .(16/452)
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10)
{ يقولون } استئناف بيانى اى هم يقولون الآن يعنى ان منكرى البعث ومكذبى الآيات الناطقة به اذا قيل لهم انكم تبعثون يقولون منكرين له متعجبين منه { أئنا } آياما { لمردودون } معادون بعد موتنا { فى الحافرة } اى فى الحالة الاولى يعنون الحياة من قولهم رجع فلان فى حافرته اى طريقته التى جاء فيها فحرفها اى اثر فيها بمشيه وتسميتها حافرة مع انها محفورة وانما الحافر هو الماشى فى تلك الطريقة كقوله تعالى عيشة راضية اى منسوبة الى الحفر والضرى او على تشبيه القابل بالفاعل اى فى تعلق الحفر بكل منهما فاطلق اسم الثانى على الاول للمشابهة كما يقال صام نهاره تشبيها لزمان الفعل بفاعله وقال مجاهد والخليل ابن احمد الحافرة هى الارض التى يحرف فيها القبور ولذا قال فى التأويلات النجمية اى حافرة اجسادنا وقبور صدورنا .(16/453)
أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11)
{ أئذا } العامل فى اذا مضمر يدل عليه مردودون اى أئذا { كنا } باجون كرديم ما { عظاما نخرة } بالية نرد ونبعث مع كونها ابعد شئ من الحياة فهو تأكيد لانكار الرد ونفيه بنسبته الى حالة منافية له ظنوا ان من فساد البدن وتفرق اجزآئه يلزم فساد ما هو الانسان حقيقة وليس كذلك ولو سلم ان الانسان هو هذا الهيكل المخصوص فلا نسلم امتاع اعادة المعدوم فان الله قادر على كل الممكنات فيقدر على جمع الاجزآء العنصرية واعادة الحياة اليها لانها متميزة فى علمه وان كانت غير متميزة فى علم الخلق كالماء مع اللبن فانهما وان امتزجا لكن احدهما متميزعن الآخر فى علم الله وان كان عقل الانسان قاصرا عن ادراكه والنخر البلى يقال نخر العظم والخشب بكسر العين اذا بلى واسترخى وصار بحيث لومس لتفتت ونخرة ابلغ من ناخرة لكونها من صيغ المبالغة او صفة مشبهة دالة على الثبوت ولذا اختارها الاكثر والناخرة اشبه برؤس الآى ولذا اختارها البعض وقيل النخرة غير الناخرة اذ النخرة بمعنى البالية واما الناخرة فهى العظام الفارغة المجوفة التى يحصل فيها صوت من هبوب الريح من نخير النائم والمجنون لا من النخر بمعنى البلى قال الراغب النخير صوت من الانف وسمى خرق الانف الذى يخرج منه النخير منخران فالمنخران ثقبتان الانف .(16/454)
قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)
{ قالوا } اختيار الماضى هنا للايذان بأن صدور هذا الكفر منهم ليس بطريق الاستمرار مثل كفرهم السابق المعبر عنه بالمضارع اى قالوا بطريق الاستهزآء بالحشر { تلك } الردة والرجعة فى الحافرة وفيه اشعار بغاية بعدها من الوقوع فى اعتقادهم راذا } آنكاه وتران تقدير { كرة } الكر الرجوع والكرة المرة من الرجوع والجمع كرات { خاسرة } اى ذات خسران على ارادة النسبة من اسم الفاعل او خاسرة اصحابها على الاسناد المجازى اى على طريق اسناد الفعل الى ما يقارنه فى الوجود كقولك تجارة رابحة والربح فعل اصحاب التجارة وهى عقد المبادلة والريح والتجارة متقارنان فى الوجود والا فهم الخاسرون والكرة مخسور فيها اى ان صحت تلك الكرة فنحن اذا خاسرون لتكذيبنا بها وهذا المعنى افاده كلمة اذ فانها حرف جواب وجزء عند الجمهور وانما حمل قولهم هذا على الاستهزآء لا تهم ابرزوا ما قطعوا بانتفائه واستحالته فى صورة المشكوك المحتمل الوقوع .(16/455)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
{ فانما هى زجرة واحدة } جواب من الله عن كلامهم بالانكار وتعليل لمقدر اى لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله فانها سهلة هينة فى قدرته فانما هى صيحة واحدة اى حاصلة بصيحة واحدة لا تكرر يسمعونها وهم فى بطون الارض وهى النفخة الثانية كنفخ واحد فى صور الناس لاقامة القافلة عبر عن الكرة بالزجرة تنبيها على كمال اتصالها بها كأنها عينها يقال زجر البعير اذا صاح عليه .(16/456)
فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
{ فاذا هم } بس آنكاه ايشان وسائر خلايق { بالساهرة } اى فاجأوا الحصول بها وهو بيان لحضورهم الموقف عقيب الكرة التى عبر عنها بالزجرة واذا المفاجأة تفيد حدوث ما انكروه بسرعة على فجأة والساهرة الارض البيضاء المستوية سميت بذلك لان السراب يجرى فيها من قولهم عين ساهرة جارية الماء وفى ضدها نائمة يعنى ان بياض الارض عبارة عن خلوها عن الماء والكلأ شبه جريان السراب فيها بجريان الماء عليها فقيل لها ساهرة وقيل لان سالكها لا ينام خوف الهلكة يقال سهر كفرح لم ينم ليلا او هى جهنم لان اهلها لا ينامون فيها او كأنه مقلوب الصاد سينا من صهرته الشمس احرقته وق الراغب حقيقتها الارض التى يكثر الوطئ بها كأنها سهرت من ذلك وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان الساهرة ارض من فضة لم يعص الله عليها قط خلقها حينئذ وقال الثورى الساهرة ارض الشام وقال وهب بن منبه جبل بيت المقدس وكفته اندساهرة نام زمين است نزيك بيت المقدس در حوالئ جبل اريحا كه محشر آنجاخواهد بود خداى آنراكشاده كرداند جندانكه خواهد .
وفى الحديث بيت المقدس ارض المحشر والمنشر وقال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة ان الناس اذا قاموا من قبورهم وأراد الله ان يبدل الارض غير الارض تمد الارض باذن الله ويكون المحشر فيكون الخلق عليه عند ما يبدل الله الارض كيف يشاء اما بالصورة واما بارض اخرى ماهم عليها تسمى بالساهرة فيمدها سبحانه مد الاديم ويزيد فى سعتها اضعاف ما كانت من احد وعشرين جزأ الى تسعة وتسعين جزأ حتى لا نرى عوجا والا امتا وقال فى التأويلات النجمية فاذا هم بالساهرة اى بظهر ارض الحياة كما كانوا قبله ببطن ارض الممات .(16/457)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15)
{ هل اتاك حديث موسى } كلام مستأنف وارد لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه بانه يصيبهم مثل ما أصاب من كان اقوى منهم واعظم يعنى فرعون ومعنى هل أتاك ان اعتبر هذا او ما أتاه من حديثه ترغيب له فى استماع حديثه وحمل له على طلب الاخبار كأنه قيل هل أتاك حديث موسى قبل هذا ام أنا اخبرك به كما قال الحسن رحمه الله اعلام من الله لرسوله حديث موسى كقول الرجل لصاحبه هل بلغك ما لقى اهل البلد وهو يعلم انه لم يبلغه وانما قال ليخبره به انتهى وان اعتبر اتيانه قبل هذا وهو المتبادر من الايجاز فى الاقتصاص استفهام تقرير له اى حمل له على الاقرار بأمر يعرفه قبل ذلك اى أليس قد أتاك حديثه وبالفارسية آيا جنين نيست كه آمد بتو خبر موسى كليم عليه السلام تاتسلى دهى دل خودرا برتكذيب قوم وخبر فرستادى ازو عدهء مؤمنا ووعيد كافران . يعنى قد جاءك وبلغك حديثه عن قريب أنه لم يعلم بحديث موسى وانه لم يأته بعد والا لما كان يتحزن على اصرار الكفار على انكار البعث وعلى استهزآئهم به بلى يتسلى بذلك فهل بمعنى قد المقربة للحكم الى الحال وهمزة الاستفهام قبلها محذوفة وهى للتقرير وزيد ليس لانه اظهر دلالة على ذلك لا لانه مقدر فى النظم .(16/458)
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)
{ اذ ناداه ربه } ظرف للحديت والمناداة والندآء بالفارسية خواندن .
وفى القاموس الندآء الصوت اى هل اتاك حديثه الواقع حين ناداه ربه اذا المراد خبره الحادث فلا بد له من زمان يحدث فيه لا ظرف للاتيان لاختلاف وقتى الاتيان والنداء لان الاتيان لم يقع فى وقت الندآء او مفعول لا ذكر المقدر وعليه وضع السجاوندى علامة الوقف اللازم على موسى واقل لانه لو وصل صار اذ ظرفا لاتيان الحديث وهو محال لعله لم يلتفت الى عمل حديث لكونه هنا اسما بمعنى الخبرمع وجود فعل قوى فى العمل قبله وبالجملة لا يخلو عن ايهام فالوجه الوقف كذا فى بعض التفاسير { بالواد المقدس } المبارك المطهر بتطهير الله عما لا يليق حين مكالمته مع كليمه او سمى مقدسا لوقوعه فى حدود الارض المقدسة المطهرة عن الشرك ونحو واصل الوادى الموضع الذى يسيل فيه الماء ومنه سمى المنفرج بين الجبلين واديا والجمع اودية ويستعار للطريقة كالمذهب والاسلوب فيقال فلان فى واد غير واديك { طوى } بضم الطاء والتنوين تأويلا له بالمكان او بغير تنوين تأويلا له بالبقعة قال الفرآء الصرف احب الى اذ لم اجد فى المعدول نظيرا اى لم اجد اسما من الوادى عدل عن جهته غير طوى وهو اسم للوادى الذى بين المدينة ومصر فيكون عطف بيان له قال القاشانى الوادى المقدس هو عالم الروح المجرد لتقدسه عن التلعق بالمواد اسمه طوى لانطوآء الموجودات كلها من الاجسام والنفوس تحته وفى طيه وقهره وهو عالم الصفات ومقام المكالمة من تجلياتها فلذلك ناداه بهذا الوادى ونهاية هذا العالم هو الافق الاعلى الذى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده جبريل على صورته .(16/459)
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)
{ اذهب الى فرعون } على ارادة القول اى فقال له اذهب الى فرعون { انه طغى } تعليل للامر او لوجوب الامتثال به والطغيان مجاوزة الحدى طغى على الخالق بأن كفر به وطغى على الخلق بأن تكبر عليهم واستعبدهم فكما ان كمال العبودية لا يكون الا بالصدق مع الحق وحسن الخلق مع الخلق فكذا كمال الطغيان يكون بسوء الماملة معهما وقال القاشانى اى ظهر بانانيته وذلك ان فرعون كان ذا نفس قوية حكيما عالما سلك وادى الافعال وقطع بوادى الصفات واحتجب بانانيته وانتحل صفات الربوبية ونسبها الى نفسه وذلك تفرعنه وجبروته وطغيانه فكان ممن قال فيه عليه السلام « شر الناس من قامت القيامة عليه » فهو حى لقيامة بنفسه وهواها فى مقام توحيد الصفات وذلك من اقوى الحجب .(16/460)
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18)
{ فقل } بعد ما اتيته { هل لك } رغبة وتوجه { الى ان تزكى } بحذف احدى التاءين من تتزك اى تتطهر من دنس الكفر والطغيان ووسخ الكدورات البشرية والقاذورات الطبيعة فقوله لك خبر مبتدأ محذوف والى ان متعلق بذلك المبتدأ المضمر وقد يقال قوله هل لك مجاز عن اجذبك وادعوك والقرينة هى القربية وهى المجاورة .(16/461)
وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)
{ واهديك الى ربك } وارشدك الى معرفته فتعرفه اشار الى ان فى النظم مضافا مضمرا وتقديم التزكيه لتقدم التخلية على التحلية { فتخشى } اذا لخشية لا تكون الا بعد معرفته قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء اى العلماء بالله قيل انه تعالى قال فى آخره ولن يفعل فقال موسى فكيف امضى اليه وقد علمت انه لن يفعل فأوحى اليه ان امض لما تؤمر فان فى السماء اثنى عشر ألف ملك يطلبون علم القدر فلم يدركوه وجعل الخشية غاية للهداية لانها ملاك الامر لان من خشى الله أتى منه كل خير ومن أمن اجترأ على كل شر كما قال عليه السلام من خاف ادلج ومن ادلج بلغ المنزل يقال ادلج القوم اذا ساروا من اول الليل وان ساروا من آخر الليل فقد ادلجوا بالتسديد ثم انه تعالى أمر موسى عليه السلام بأن يخاطبه بالاستفهام الذى معناه العرض ليشتد عليه بالتلطف فى القول ويستنزله بالمداراة من عتوه وهذا ضرب تفصيل لقوله تعالى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى اما كونه لينا فلانه فى صورة العرض لا فى صورة الامر صريحا وليس فيه ايضا ذكر نحو الشرك والجهل والكفر ان من متعلقات التزكى واما اشتماله على بعض التفصيل فظاهر .(16/462)
فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20)
{ فأراه } بس بنمود اورا موسى { الآية الكبرى } الفاء فصيحة تفصح عن جمل قد طويت تعويلا على تفصيلها فى السور الاخرى فانه جرى بينه وبين فرعون ما جرى من المحاورات الى ان قال كنت جئت بآية فائت بها ان كنت من الصادقين اى فذهب اليه موسى بأمر الله فدعاه الى التوحيد والطاعة وطلب هو منه المعجزة الدالة على صدقه فى دعوته والارآءة اما من التبصيرا والتعريف فان اللعين حين أبصرها عرفها وادعاء سحريتها انما كل ارآءة منه واظهارا للتجلد ونسبتها اليه بالنظر الى الظاهر كما ان نسبتها الى نون العظمة فى قوله ولقد اريناه آياتنا بالنظر الى الحقيقة والمراد بالآية الكبرى قلب العصا حية والصغرى غيره من معجزاته الباقية وذلك ان القلب المذكور كان المقدم على الكل فى الارآءة فينبغى ان يكون هو المراد على ما تقتضيه الفاء التعقيبية .(16/463)
فَكَذَّبَ وَعَصَى (21)
{ فكذب } فرعون بموسى وسمى معجزته سحرا عقيب رؤية الاية من غير رؤية وتأمل وطلب شاهد من عقل وناصح من فكر وقلب لغاية استكباره وتمرده { وعصى } الله بالتمرد بعد ما علم صحة الامر ووجوب الطاعة اشد عصيان واقبحه حيث اجترأ على انكار وجود رب العالمين رأسا فدل العطف على ان الذى ترتب على حصول الجزم بأن من كذبه ممن يجب تصديقه فاما تكذيب من لا يجب تصديقه فلا يكون عصيانا ويجوز أن يراد وعصى موسى فيما أمر به الا ان الاول ادخل فى ذمه وتقبيح حاله وكان اللعين وقومه مأمورين بعبادته تعالى وترك دعوى الربوبية لا بارسال بنى اسرآئيل من الاسر القسر فقط قال بعض اهل المعرفة أراه آية صرفا ولو أراه انوار الصفات فى الآيات لم يكفر ولم يدع الربوبية اذ هناك موضع المحبة والعشق والاذعان لان رؤية الصفات تقتضى التواضع ورؤية الذات تقتضى العربدة فكان هو محجوبا بؤية الآيات عن رؤية الصفات فلما لم يكن معه حظ شهود نور الصفة لم ينل عند رؤيتها حظ المحبة فلم يأت منه الانقياد والاذعان لذلك قال تعالى فكذب وعصى .(16/464)
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22)
{ ثم ادبر } اى تولى عن الطاعة وكلمة ثم على هذا معناها التراخى الزمانى اذا السعى فى ابطال امره يقتضى مهلة او انصرف عن المجلس قال الراغب ادبر اى اعرض وولى دبره { يسعى } يجتهد فى معارضة الآية تمردا وعنادا لا اعتقادا بانها يمكن معارضتها فهو تعلل بالباطل دفعا للمجلس وهو حال من فاعل ادبر بمعنى مسرعا مجتهدا وفى الكشاف لما رأى الثعبان ادبر مرعوبا يسرع فى مشيته قال الحسن رحمه الله كان رجلا طياشا .(16/465)
فَحَشَرَ فَنَادَى (23)
{ فحشر } اى فجمع السحرة لقوله تعالى فارسل فرعون فى المدآئن حاشرين وقوله تعالى فتولى فرعون فجمع كيده اى ما يكاد به من السحرة وآلاتهم ويجوز ان يراد جمع الناس { فنادى } بنفسه فى المقام الذى اجتمعوا فيه معه او بواسطة المنادى .(16/466)
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)
{ فقال } لقيامه مقام الحكومة والسلطنة { أنا ربكم الاعلى } لا رب فوقى اى اعلى من كل من يلى امركم على ان تكون صيغة التفضيل بالنسبة الى من كان تحت ولايته من الملوك والامرآء ( وقال الكاشفى ) يعنى اصنام كه بر صورت منند همهء ايشان خدايا نند ومن ازهمه برترم .
ولما ادعى العلوية قيل لموسى عليه السلام فى مقابلة هذا الكلام انك أنت الاعلى لان الغلبة على سرحه غلبة عليه والحاصل انه لم يرد بهذا القول انه خالق السموات والارض والجبال والنبات والحيوان فان لعلم بفساد ذلك ضرورى ومن شك فيه كان مجنونا ولو كان مجنونا لما جاز من الله بعثة الرسول اليه بل الرجل كان دهريا منكرا للصانع والحشر والنشر وكان يقول ليس للعالم اله حتى يكون له عليكم امر ونهى او يبعث اليكم رسولا بل المربى لكم والمحسن اليكم أنا لا غيرى قال بعضهم كان ينبغى له عند ظهور ذله وعجزه بانقلاب العصا حية ان لا يقول ذلك القول فكأنه صار فى ذلك الوقت كالمعتوه الذى لا يدرى ما يقول ( امام قشيرى رحمه الله ) در لطائف آورده كه أبليس اين سخن شنيده كفت مراطاقت اين سخن نيست من دعئ خيريت كفتم بر آدم اين همه بلا بمن رسيد اوكه جنين لاف ميزند تاكار او بكجا رسد .
قال بعض العارفين لم يدع احد من الخلائق من الكمال ما ادعاه ادعاه الانسان فانه ادعى الربوبية وقال أنا ربيكم الاعلى وابليس تبرأ منها وقال انى اخاف الله فلم يدع مرتبة ليس له قط اى انه على جناح واحد وهو الجلال فقط وكذا الملك فانه على الجمال المحض بخلاف الانسان فانه مخلوق باليدين .
شيخ ركن الدين علاء الدولة سمنانى قدس سره فرمودهء كه وقتى مرا حال كرم بود بزيارت حسين منصور حلاج رفتم جون مراقبه كردم روح اورا در مقام عالى يا فتم ازعليين مناجات كردم كه خدايا ابن جه حالتست كه فرعون انا ربكم ومنصورا انا الحق كفت هردويك دعوى كردند روح حسين در عليين است وجان فرعون درسجين بسر من ندا رسيدكه فرعون بخود بينى در افتاده همه خودرا ديدوماراكم كرد وحسين ماراديد وخود راكم كرد بس درميان فرق بسياراست ( وفى المثنوى )
كفت فرعونى انا الحق كشت بست ... كفت منصورى انا الحق وبرست
انا انارا لعنت الله در عقب ... واين انارا رحمت الله اى محب
زانكه او سنك سيه بود اين عقيق ... آن عدوى نور بود واين عشيق
اين انا هو بود در سراى فضول ... نه زراى اتحاد واز حلول
قال فى اسئلة الحكم فان قلت ما الحكمة فى ان ابليس قد لعن ولم يدع الربوبية وفرعون وامثاله قد ادعوا الربوبية ولم يلعنوا تعيينا وتخصيصا كما لعن ابليس قيل لان نية ابليس شر من نية هؤلاء وقيل لانه اول من سن الخلاف والشقاق قولا وفعلا ونية والخلق بعده ادعوا الربوبية وسنوا البغى والخلاف بوسوسته وابليس واجه بمخالفته حضرة الرب تعالى وهم واجهوا الانبياء والوسائط وتضرعوا تارة واعترفوا بالذنوب عند المخلوق اخرى وابليس لم يعترف ولم يتضرع وهو اول من سن الكفر فوزر الكفار بعده راجع اليه الى يوم القيامة ومظهر الضلالة والغواية بذاته بغير واسطة .(16/467)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25)
{ فأخذه الله } بسبب ما ذكر { نكال الآخرة والاولى } النكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم وهو التعذيب اى الذى ينكل من رأه او سمعه ويمعنه من تعاطى ما يفضى اليه ومحله النصب على انه مصدر مؤكد كوعد الله وصبغة الله كأنه قال نكل الله به نكال الآخرة والاولى وهو الاحراق فى الآخرة والاغراق فى الدنيا واخذ مستعمل فى معنى مجازى يعم الاخذ فى الدنيا وفى الخروى مجاز لتحقق وقوعه واضافة النكال الى الدارين باعتبار وقوع نفس الاخذ فيهما لا باعتبار ان ما فيه من معنى المنع يكون فيهما فان ذلك لا يتصور فى الآخرة بل فى الدنيا فان العقوبة الاخروية تنكل من سمعها وتمنعه من تعاطى ما يؤدى اليها لا محالة وفى التأويلات القاشانية نازع الحق بشدة ظهور انانيته فى ردآء الكبرياء فقهر وقذف فى لانار ملعونا كما قال تعالى العظمة ازارى والتكبرياء ردآئى فمن نازعنى واحدا منهما قذفته فى النار ويروى قصمته وذلك القهر هو معنى قوله فاخذه الله الخ وقال البقلى لما لم يكن صادقا فى دعواه افتضح فى الدنيا والآخرة وهكذ كل ما يدعى ما ليس له من المقامات قال بشر انطق الله لسانه بالعريض من الدعاوى واخلاه عن حقائقها وقال السرى العبد اذا تزيى بزى السيد صار نكالا ألا ترى كيف ذكر الله فى قصة فرعون لما ادعى الربوبية فأخذه الله الخ كذبه كل شئ حتى نفسه وفى الوسيط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال موسى يا رب امهلت فرعون اربعمائة سنة ويقول أنا ربكم الاعلى ويكذب بآياتك ويجهد برسلك فأوحى الله اليه كان حسن الخلق سهل الحجاب فأردت ان اكافئه اى مكافأة دنيوية وكذا حسنات كل كافر واما المؤمن فاكثر ثوابه فى الآخرة ودلت الآية على ان فرعون مات كافرا وفى الفتوحات المكية فرعون ونمرود مؤبدان فى النار انتهى وغير هذا من اقوال الشيخ رحمه الله محمول على المباحثة فصن لسانك على الاطالة فانها من اشد ضلالة .
يقول الفقير صدر من فرعون كلمتان الاولى قوله أنا ربكم الاعلى والثانية قوله ما علمت لكم من اله غيرى وبينهما على ما قيل اربعون سنة فالظاهر أن الربوبية محمولة على الالوهية فتفسير قوله أنا ربكم الاعلى بقولهم اعلى من كل من يلى امركم ليس فيه كثير جدوى اذ لا يقتضى ادعاء الرياسة دعوى الالوهية كسائر الدهرية والمعطلة فانهم لم يتعرضوا للالوهية وان كانوا رؤساء تأمل هذا المقام .(16/468)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)
{ ان فى ذلك } اى فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل به { لعبرة } اعتبارا عظيما وعظة { لمن يخشى } اى لمن من شأنه لان يخشى وهو من شأنه المعرفة يعنى ان العارف بالله وبشؤونه يخشى منه فلا يتمرد على الله ولا على انبيائه خوفا من نزول العذاب والعاقل من وعظ بغيره .
جو بركشته بختى درافتديه بند ... ازونيك بختان بكيرند بند
توبيش ازعقوبت در عفو كوب ... كه سودى ندارد فغان زير جوب
بر آراز كريبان عفلت سرت ... كه فردا نماند خجل در برت
يعنى درسينه ات(16/469)
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27)
{ ءانتم اشد خلقا } خطاب لاهل مكة المنكرين للبعث بناء على صعوبته فى زعمهم بطريق التوبيخ والتبكيت بعدما بين كمال سهولته بالنسبة للاقدرة الله تعالى بقوله تعالى فانما هى زجرة واحدة فالشدة هنا بمعنى الصعوبة لا بمعنى الصلابة لانها لا تلائم المقام اى أخلقكم بعد موتكم اشق واصعب فى تقديركم وزعمكم والا فكلا الامرين بالنسبة الى قدرة الله واحدة { ام السماء } ام خلق السماء بلا مادة على عظمها وقوة تأليفها وانطوائها على البدائع التى تحار العقول فى ملاحة اذناها وهو استفهام تقرير ليقروا بأن خلق السماء اصعب فيلزمهم بأن يقول لهم ايها السفهاء من قدر على الصعب الاعسر كيف لا يقدر على اعادتكم وحشركم وهى اسهل وايسر فخلقكم على وجه العادة اولى ان يكون مقدور الله فكيف تنكرون ذلك قوله ءانتم مبتدأ واشد خبره وخلقا تمييزا والسماء عطف على أنتم وحذف خبره لدلالة خبر أنتم عليه اى ام السماء اشد خلقا { بناها } الله تعالى وهو استئناف وتفصيل لكيفية خلقها المستفاد من قوله ام السماء فيتم الكلام حينئذ عند قوله ام السما ويبتدأ من قوله بناها وام متصلة واستعمل البناء فى موضع السفق فان السماء سفق مرفوع والبناء انما يستعمل فى اسافل البناء لا فى الاعالى للاشارة الى انه وان كان سقفا لكنه فى البعد عن الاختلال والانحلال كالبناء فان البناء ابعد عن تطرق الاختلال اليه بالنسبة الى السقف .(16/470)
رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28)
{ رفع سمكها فسواها } بيان للبناء اى جعل مقدار ارتفاعها من الارض وذهابها الى سمت العلو مديدا رفيعا مسيرة خمسمائة عام فان امتداد الشئ ان اخذ من اسفله الى اعلاه سمى سمكا واذا اخذ من اعلاه الى اسفله سمى عمقا وقال بعضهم السمك الارتفاع الذى بين سطح السماء الاسفل الذى يلينا وسطحها الاعلى الذى يلى ما فوقها فيكون المراد ثخنها وغلظها وهو ايضا تلك المسيرة .(16/471)
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)
{ واغطش ليلها } الغطش الظلمة قال الراغب واصله من الاغطش وهو الذى فى عينه شبه عمش يقال اغطشه الله اذا جعله مظلما واغطش الليل اذا صار مظلما فهو متعد ولازم والاول هو المراد هنا اى جعله مظلما ذاهب النور فان قيل الليل اسم لزمان الظلمة الحاصلة بسبب غروب الشمس فقوله واغطش ليلها يرجع معناه الى انه جعل المظلم مظلما وهو بعيد والجواب معناه ان الظلمة الحاصلة فى ذلك الزمان انما حصلت بتدبير الله وتقديريه فلا اشكال { وأخرج ضحاها } اى ابرز نهارها عبر عنه بالضحى وهو ضوء الشمس ووقت الضحى وهو الوقت الذى تشرق فيه الشمس ويقوم سلطانها لانه اشرف اوقاتها واطيبها على تسيمة المحل باسم اشرف ما حل فيه فكان احق بالذكر فى مقام الامتنان وهو السر فى تأخير ذكره عن ذكر الليل وفى التعبير عن احداثه بالاخراج فان اضافة النور بعد الظلمة اتم فى الانعام واكمل فى الحسان واضافة الليل والضحى الى السماء لدوران حدوثها على حركتها والاضافة يكفيها ادنى ملابسة المضاف اليه ويجوز ان تكون اضافة الضحى اليها بواسطة الشمس اى ابرز ضوء شمسها بتقدير المضاف والتعبير عنه بالضحى لانه وقت قيام سلطانها وكمال اشراقها . امام زاهد فرموده كه روز وشب دنيا بآسمان بيداكردد بسبب آفرينش آفتاب وماه دور .
قال بعض العارفين الليل ذكر والنهار انثى فلما تغشاها الليل حملت فولدت فظهرت الكائنات عن غشيان الزمان فالمولدات اولاد الزمان واستخراج النهار من الليل كاستخراج حوآء من آدم قال تعالى وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون وقال يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل كعيسى فى مريم وحوآء فى آدم فاذا خاطب ابناء النهار قال يولد الليل واذا خاطب ابناء الليل قال يولج النهار وقال بعض اهل الحقائق ان توارد الليل والنهار اشارة الى توارد السيئة والحسنة فكما ان الدنيا لا تبقى على ليل وحده ولا على نهار وحده بل هما يتعاقبان فكذا المؤمن لا يخلو من نور الايمان والعمل الصالح ومن ظلمة العمل الفاسد والفكر الكاسد ولذ قال عليه السلام لعلى رضى الله عنه « ياعلى اذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فاذا كان يوم القيامة يلقى الله الليل فى جهنم والنهار فى الجنة فلا يكون فى الجنة ليل كما لا يكون فى النار نهار » يعنى ان النهارا فى الجنة هو نور ايمان المؤمن ونور عمله الصالح بحسب مرتبته والليل فى النار هو ظلمة كفر الكافر وظلمة عمله السيئ فكما ان الكفر لا يكون ايمانا فكذا الليل لا يكون نهار والنار لا تكون نورا فيبقى كل من اهل النور والنار على صفته الغالبة عليه واما القلب وحاله بحسب التجلى فهو على عكس حال القالب فان نهاره المعنوى لا يتاقب عليه ليل وان كان يطرأ عليه استتار فى بعض الاوقات .(16/472)
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)
{ والارض بعد ذلك دحاها } اى قبل ذلك كقوله تعالى من بعد الذكر اى قبل القرءآن بسطها ومهدها لسكنى اهلها وتقلبهم فى اقطارها وقال بعضهم بعد على معناه الاصلى من التأخر فان الله خلق الارض قبل خلق اسماء من غير أن يدحوها ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سموات ثم دحا الارض بعد ذلك وقال فى الارشاد انتصاب الارض بمضمر يفسره دحاها وذلك اشارة الى ما ذكر من بناء السموات ورفع سمكها وتسويتها وغيرها لا الى انسها وبعدية الدحو عنها محمولة على البعدية فى الذكر كما هو المعهود فى السنة العرب والعجم لا فى الوجود فان اتفاق الاكثر على تقدم خلق الارض وما فيها على خلق السماء وما فيها وتقديم الارض لا يفيد القصر وتعيين البعدية فى الوجود لما عرفت من ان انتصابه بمضمر مقدم قد حذف على شرطية التفسير لا بما ذكر بعده ليفيد ذلك وفائدة تأخيره فى الذكر اما التنبيه عل انه قاصر فى الدلالة على القدرة القاهرة بالنسبة الى احوال السماء واما الاشعار بانه ادخل فى الالزام لما ان المنافع المنوطة بما فى الارض اكثر وتعلق مصالح الناس بذلك اظهر واحاطتهم بتفاصل احواله اكمل وقد مر ما يتعلق بهذا المقام فى سورة حم السجدة .(16/473)
أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)
{ اخرج منها ماءها } بأن فجر منها عيونا واجرى انهارا { ومرعاها } اى رعيها بالكسر بمعنى الكلأ وهو فى الاصل موضع الرعى بالفتح نسب الماء والمرعى الى الارض من حيث انهما منها يظهران تجريد الحملة عن العاطف لانها بيان وتفسير لدحاها او تكملة له فان السكنى لا تتاتى بمجرد البسط والتمهيد بل لا بد من تسوية امر المعاش من المأكل والمشرب حتما .(16/474)
وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32)
{ والجبال } منصوب بمضمر يفسر قوله { ارساها } اى اثبتها واثبت بها الارض ان تميد بها وهذا تحقيق للحق وتنبيه على ان الرسو المنسوب اليها فى مواضع كثيرة من التنزيل بالتعبير عنها بالرواسى ليس من مقتضيات ذواتها بل هو بارسائه تعالى ولولاه لما ثبتت فى نفسها فضلا عن اثباتها للارض .(16/475)
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)
{ متاعا لكم ولانعامكم } مفعول له بمعنى تمتيعا والانعام جمع نعم بفتحتين وهى المال الراعية بمعنى المواشى وفى الصحاح واكثر ما يقع هذا الاسم على الابل والمراد هنا ما يكون عاما للابل والبقر والغنم من الضأن والمعز أى فعل ذلك تمتيعا ومنفعة لكم ولانعامكم لان فائدة ما ذكر من البسط والتمهيد واخراج الماء والمرعى واصلة اليهم والى انعامهم فان المراد بالمرعى ما يعم ما يأكله الانسان وغيره بناء على استعارة الرعى لتناول المأكول على الاطلاق كاستعارة المرسن للأنف ولهذا قيل دل الله تعالى بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الارض حتى الملح فانه من الماء قال العتبى هذا اى قوله اخرج منها ماءها ومرعاها من جوامع الكلم حيث ذكر شيئين دالين على جميع ما اخرج من الارض قوتا ومتاعا للانام من العشب والشجر والحب والثمر والملح والنار لان النار من الشجر الاخضر والملح من الماء ونكتة الاستعارة توبيخ المخاطبين المنكرين للبعث والحاقهم بالبهائم فى التمتع بالدنيا والذهول عن الآخرة .(16/476)
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)
{ فاذاجاءت الطامة الكبرى } قال فى الصحاح كل شئ كثر حتى علا وغلب فقد طم من باب رد والكبرى تأنيث الاكبر من كبر بالضم بمعنى عظم لا من كبر بالكسر بمعنى اسن وهذا شروع فى بيان احوال معادهم اثر بيان احوال معاشهم والفاء للدلالة لى ترتب ما بعدها على ما قبلها عما قليل كما ينبئ عنه لفظم المتاع والمعنى فاذا جاء وقت طلوع وقوع الداهية العظمى التى تطم على سائر الطامات والدواهى اى تعلوها وتغلبها فوصفها بالكبرى يكون للتأكيد ولو فسر بما تعلو على الخلائق وتغلبهم كان مخصصا والمراد القيامة او النفخة الثانية فانه يشاهد يوم القيامة من الآيات الهائلة الخارجة عن العادة ما ينسى معه كل هائل وعند النفخة الثانية تحشر الخلائق الى موقف القيامة خصت النازعات بالطامة وعبس بالصاخة لان الطم ان كان بمعنى النفخة الأولى للاهلاك فهو قبل الصخ اى الصوت الشديد الذى يحيى له الناس حين يصيخون له كما ينتبه النائم بالصوت الشديد فهو بمعنى النفخة الثانية فجعل السابق للسورة السابقة واللائق للاحقة وان كان بمعنى النفخة الثانية فحسن الموقع فى كلا الموضعين لان العلم ورد بعد قوله تتبعها الرادفة والصخ بعد ما بين عدم اصاخة النبى عليه السلام لابن ام مكتوم .(16/477)
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35)
{ يوم يتذكر الانسان ما سعى } منصوب بأعنى تذكيرا للطامة الكبرى وما موصولة وسعى بمعنى عمل اى يتذكر فيه كل احد كائنا من كان ما عمله من خير أو شر بأن يشاهده مدونا فى صحيفة اعماله وقد كان نسيه من فرط الغفلة وطول الامد كقوله تعالى أحصاه الله ونسوه .(16/478)
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)
{ وبرزت الجحيم } عطف على جاءت اى اظهرت اظهارا بينا لا يخفى على احد بعد ان كانوا يسمعون بها والمراد مطلق النار المعبر عنها بجهنم لا الدركة المخصوصة من الدركات السبع { لمن يرى } كائنا من كان على ما يفيده من فأنه من ألفاظ العموم يروى انه يكشف عنها فتتلظى فيراها كل ذى بصر مؤمن وكافر وقوله تعالى وبرزت الجحيم لا ينافى ان يراها المؤمنون ايضا حبن بمرون عليها مجاوزين الصراط وقيل للكافر لان المؤمن يقول اين النار التى توعدنا بها فيقال مررتموها وهى خامدة .(16/479)
فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)
{ فاما من طغى } الخ جواب فاذا جاءت على طريقة قوله فاما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى الخ يقال ان جئتنى فان قدرت احسنت اليك ويقال اذا كانت الدعوة فاما من كان جاهلا فهناك مقامه واما من كان عالما فههنا مقامه اى فاما من عتا تمرد عن الطاعة وجاوز الحد فى العصيان كالنضر وآتيه الحارث المشهورين بالغو فى الكفر والطغيان .(16/480)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)
{ فان الجحيم } التى ذكر شأنها { هى } لا غيرها وهو ضمير فصل او مبتدأ { المأوى } اى مأواه فلا يخرج من النار كما يخرج المؤمن العاصى فالكلام فى حق الكافر لكن فيه موعظة وعبرة موقظة واللام سادة مسد الاضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغى كما فى قولك غض الطرف فانه لا يغض الرجل طرف غيره وذلك لان الخبر اذا كان جملة لا بد فيها من ضمير يربطها بالمبتدأ فسدت اللام مسد العائد لعدم الالتباس فلا احتياج فى مثل هذا المقام الى الرابطة .(16/481)
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)
{ واما من خاف مقام ربه } اى مقامه بين يدى مالك أمره يوم الطامة الكبرى يوم يتذكر الانسان ما سعى وذلك لعلمه بالمبدأ والمعاد فان الخوف من القيام بين يديه للحساب لا بد ان يكون مسبوقا بالعلم به تعالى وفى بعض التفاسير المقام اما مصدر ميمى بمعنى القيام او اسم مكان بمعنى موضع القيام اى المكان الذى عينه الله لان يقوم العباد فيه للحساب والجزآء وقيل المقام مقحم للتأكيد جعل الخوف مقابلا للطغيان مع ان الظاهر مقابلته للانقياد والاطاعة بناء على ان الخوف اول اسباب الاطاعة ثم الرجاء ثم المحبة فالاول للعوام والثانى للخواص والثالث لأخص الخواص { ونهى النفس عن الهوى } عن الميل اليه بحكم الجيلة البشرية ولم يعتد بمتاع الحياة الدنيا وزهرتها ولم يغتر بزخارفها وزينتها علما منه بوخامة عاقبتها والهوى ميلان النفس الى ما تشتهيه وتستلذه من غير داعية الشرع وفى الحديث ان اخوف ما اتخوف على امتى الهوى وطول الامل اما الهوى فيصد عن الحق واما طول الامل فينسى الآخرة قال بعض الكابر الهوى عبارة عن الشهوات السبع المذكورة فى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث وقد أدرها الله فى امرين كما قال انما الحياة الدنيا لعب ولهو ثم ادرجها فى أمر واحد وهو الهوى فى الآية فالهوى جامع لانواع الشهوات فمن تخلص من الهوى فقد تخلص من جميع القيود والبرازخ قال سهل رحمه الله لا يسلم من الهوى الا الانبياء وبعض الصديقين ليس كلهم وانما يسلم من الهوى من ألزم نفسه الأدب وقال بعضهم حقيقة الانسان هى نفسه لا شئ زآئد عليها وقال تعالى ونهى النفس عن الهوى فمن الناهى لها تأمل انتهى .
يقول الفقير ان الانسان برزخ بين الحقيقة الالهية والحقيقة الكونية وكذا بين الحقيقة الملكية والحقيقة الحيوانية فهو من حيث الحقيقة الاولى ينهى النفس من حيث الحقيق الثانية كما ان النبى عليه السلام يخاطب نفسه بقوله عليه السلام السلام عليك أيها النبى من جانب مليكته الى جانب بشريته او من مقام جمعه الى مقام فرقه .(16/482)
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)
{ فان الجنة هى المأوى } له لا غيرها فنهى النفس عن الهوى معناه نهيها عن جميع الهوى على ان اللام للاستغراق والا فلا معنى للحصر لان المؤمن الفاسق قد يدخل النار اولا ثم يدخل الجنة فلا يصح فى حقه الحصر اللهم الا ان يقال معنى الحصر أن الجنة هى المقام الذى لا يخرج عنه من دخل فيه وفى بعض التفاسير المراد بالجنة مطلق دار الثواب فلا يخالف قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فان له جنيت بفضل الله فى دار الثواب جنة النعيم بالنعم الجسمانية وجنة التلذذ باللذات الروحانية . ودر فصول آورده كه اين آيت درشان كسى است كه قصد معصيتى كند وبران قادر باشد خلاف نفس نموده از خداى بترسد واز عمل آن دست باز دارد
كر نفسى نفس بفرمان تست ... شبهه مياوركه بهشت آن تست
نفس كشد هرنفسى سوى بست ... هركه خلافش نفسى زد برست
قال محمد بن الحسن رحمه الله كنت ائما ذات ليلة اذا أنا بالباب يدق ويقرع فقلت انظروا من ذلك فقال رسول الخليفة هرون يدعوك فخفت على روحى وقمت ومضيت اليه فلما دخلت عيله قال دعوتك فى مسئلة ان ام محمد يعنى زبيده قلت لها انى امام العدل وامام العدل فى الجنة فقالت انك ظالم عاص قد شهدت لنفسك بالجنة فكذبت بذلك على الله وحرمت عليك فقلت له يا أمير المؤمنين اذا وقعت فى معصية فهل تخاف الله فى تلك الحال او بعدها فقال اى والله اخاف خوفا شديدا فقلت له أنا اشهد ان لك جنتين لا جنة واحدة قال الله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فلاطفنى وأمرنى بالانثراف فلما رجعت الى دارى رأيت البدر متبادرة الى عبد الملك بن مروان خليفة روزكار بود وابو حازم امام وزاهد وقت بودازوى برسيدكه يا ابا حازم فردا حال وكار ماجون خواهد بود كفت اكر قرآن مى خوانى خرآن ترا جواب ميدهد كفت كجا ميكويد كفت فاما من طغى الى قوله فان الجنة هى المأوى بدانكه دردنياهر نفسى را آتش شهوتست ودر عقبى آتش عقوبت هركه امروز بآتش شهوت سوخته كردد فردا بآتش عقوبت رسدوهركه امروزبآ ب رياضت ومجاهده آتش شهوت بنشاند وهمجنين دردنيا دردل هر مؤمن بهشتى است كه آنرا بهشت عرفان كويندودرعقبى بهشتى است كه آنرا رضوان كويند هركه امروز دردنيا بهشت عرفان بطاعت آراسته داردفردا به بهشت رضوان برسد .
وقال القاشانى فاما من طغى اى تعدى طور الفطرة الانسانية وتجاوز حد العدالة والشريعة الى الرتبة البهيمية او السبعية وافرط فى تعديه وآثر الحياة الحسية على الحقيقية بمحبة اللذات السفلية فان الجحيم مرجعه وماواه واما من خاف مقام ربه بالترقى الى مقام القلب ومشاهدة فقيوميته تعالى نفسه ونهى النفس خوف عقابه وقهره عن هواها فان الجنة مآواه على حسب درجاته وقال بعضهم اشار بالآية الى حالا المبتدئ فانه وقت قصده الى الله لا ويجز له الرخصة والرفاهية خوفا من الحجاب فاذا بلغ الى مقام التصفية والمعرفة لم يحتج الى نهى النفس عن الهوى فان نفسه وجمسه وشيطانه صارت روحانية والمشتهى هناك مشتهى واحد هو مشتهى الروح فالمبتدئ مع النفس فى الاشتهاء فلذا صار من اهل النهى والمنتهى مع الرب فى ذلك ومن كان مع الرب فقد تحولت شهوته لذة حقيقية مقبولة .(16/483)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)
{ يسألونك } مى برسند ترا اى يا محمد { عن الساعة } اى القيامة { ايان مرساها } ارساؤها اى قامتها يريدون متى يقيمها الله ويثبتها ويكونها فأيان ظرف بمعنى متى واصله اى آن ووقت والمرسى مصدر بمعنى الارساء وهو الاثبات وهو مبتدأ وايان خبره بتقدير المضاف اذ لا يخبر بالزمان عن الحدث والتقدير متى وقت ارسائها كان المشركون يسمعون اخبار القيامة ولاوصافها الهائلة مثل انها طامة كبرى وصاخة وقارعة فيقولون على سبيل الاستهزآء ايان مرسها .(16/484)
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43)
{ فيم أنت من ذكراها } رد وانكار لسؤال المشركين عنها واصل فيم فيما كما ان اصل عم عما وقد سبق والذكرى بمعنى الذكر كالبشرى بمعنى البشارة اى فى اى شئ أنت من ان تذكر لهم وقتها وتعلمهم به حتى يسألونك بيانها كقوله تعالى يسألونك كأنك حفى عنها اى ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها فى شئ لان ذلك فرع علمك به وأنى لك ذلك وهو مما استأثر بعلمه علام الغيوب فقوله من ذكراها فيه مضاف وصلته محذوفة وهى لهم والاستفهام للانكار وأنت مبتدأ وفيم خبره قدم عليه ومن ذكراها متعلق بما تعلق به الخبر .(16/485)
إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)
{ الى ربك منتهاها } اى انتهاه علمها ليس لاحد منه شئ ما كائنا من كان فلاى شئ يسألونك عنها . عائشه رضى الله عنها فرموده كه حضرت رسول عليه السلام ميخواست كه وقت آن ازخدا بيرسدحق تعالى فرمود توازد انستن قيامت برجه جيزى يعنى علم آن حق تونيست زنهار تانبرسى به برورد كارتست منتهاى علم قيامت يعنى كس راخبرندهد جه اطلاع بران خاصهء حضرت بروردكارست . قال القاشانى اى فى اى شئ أنت من علمها وذكرها وانما الى ربك ينتهى علمها فان من عرف القيامة هو الذى انمحى علمه اولا بعلمه تعالى ثم فنيت ذاته فى ذاته فكيف يعلمها ولا علم له ولا ذات فأين أنت وغيرك من علمها بل لا يعلمها الا الله وحده .(16/486)
إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)
{ انما أنت منذر من يخشاها } اى وظيفتك الامتثال بما أمرت به منى بيان اقترابها وتفصيل ما فيها من فنون الاهوال لا تعيين وقتها الذى لم يفوض اليك فمالهم يسألونك عما ليس من وظائفك بيانه اى ما أنت الا منذر لا يعلم فهو من قصر الموصوف على الصفة او ما أنت منذر الا من يخشاها فهو من قصر الصفة على الموصوف وتخصيص من يخشى مع انه مبعوث الى من يخشى ومن لا يخشى لانهم هم المنتفعون به اى لا يؤثر الانذار الا فيهم كقوله فذكر بالقرءآن من يخاف وعيد والجمهور على ان قوله منذر من يخشاها من اضافة الصفة الى معمولها للتخفيف على الاصل لان الاصل فى السماء الاضافة والعمل فيها انما هو بالشبه ومن قرأها بالتنوين اعتبر أن الاصل فيها الاعمال والاضافة فيها انما هى للتخفيف .(16/487)
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
{ كأنهم } اى المنكرين وبالفارسية كوييا كفار مكه { يوم يرونها } روزى كه بينند قيامت راكه از آمدن آن همى برسند { لم يلبثوا الا عشية او ضحاها } الضحى اسم لما بين اشراق الشمس الى استوآء النهار ثم هى عشرى الى الغداة كما فى كشف الاسرار والجملة حال من الموصول فانه على تقدير الاضافة وعدمها مفعول لمنذر كأنه قيل تنذرهم مشبهين يوم يرونها اى فى الاعتقاد بمن لم يلبث بعد الانذار بها الا تلك المدة اليسيرة اى عشية يوم واحد او ضحاه اى آخر يوم او اوله لا يوما كاملا على ان التنوين عوض عن المضاف اليه فلما ترك اليوم أضيف ضحاه الى عشيته والضحى والعشية لما كانا من يوم واحد تحققت بينهما ملابسة مصححة لاضافة احدهما الى الآخرة فلذلك أضيف الضحى الى العشية فان قيل لم لم يقل الا عشية او ضحى وما فائدة الاضافة قلنا لو قيل لم يلبثوا الا عشية او ضحى احتمل أن يكون العشية من يوم والضحى من يوم آخر فيتوهم استمرار اللبث من ذلك الزمان من اليوم الاول الى الزمان الآخر من اليوم الآخر واما اذا قيل الا عشية او ضحاها لم يحتمل ذلك البتة قال فى الارشاد واعتبار كون اللبث فى الدنيا او فى القبول لا يقتضيه المقام وامما الذى يقتضيه اعتبار كونه بعد الانذار أوبعد الوعيد تحقيقا للانذار وردا لاستبطائهم وفى الآية اشارة الى ساعة الفناء فى الله فانها امر وجدانى لا يعرفها الا من وقع فيها وهم باقون بنفوسهم الغليظة الشديدة فكيف يفهمونها بذكرها بلسان العبارة كما قيل ن لم يذق لم يعرف كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا الا عشية او ضحاها لاتصال آخر الفناء بأول البقاء كما قال العارف الطيار قدس سره
كربقا خواهى فناى خود كزين ... اولين جيزى كه مى زايد بقاست
وفى الحديث « من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه الله فى القبر والقيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة مكتوبة » وهو عبارة عن استقصار مدة اللبث فيما يلقى من البشرى والكرامة فى البرزخ والموقف كذا فى حواشى ابن الشيخ رحمه الله .(16/488)
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
{ عبس } من الباب الثانى والعبس والعبوس ترش روى شدن يعنى ترش كرد روى خودرا محمد عليه السلام { وتولى } اعرض يعنى روى بكردانيد(16/489)
أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)
{ ان جاءه الاعمى } الضمير لمحمد عليه السلام وهو علة لتولى على رأى المبصريين لقربه منه اى تولى لأن جاءه الأعمى والعمى افتقاد البصر ويقال فى افتقاد البصيرة ايضا ولام الأعمى للعهد فيراد أعمى معروف وهو ابن ام مكتوم المؤذن الثانى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأذن ولذلك قال عليه السلام « ان بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم » وكان من المهاجرين الاولين استخلفه عليه السلام على المدينة مرتين حين خرج غازيا وقيل ثلاث مرات مات بالمدينة وقيل شهيدا بالفارسية وهى قرية فوق الكوفة قال أنس رضى الله عنه رأيته يوم القادسية وعليه درع وله راية سودآء ويقال ليوم فتح عمر رضى الله عنه يوم القادسية فانه ظفر على العجم هناك وأخذ منهم غنائم كثيرة واختلفوا فى اسم ابن ام مكتوم فقيل هو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهرى من بنى عامر ابن لؤى وقيل هو عمر وبن قيس بن زآئدة بن الأصم من بنى عامر بن هلال وهوابن خال خديجة رضى الله عنها وام مكتوم اسم ام أبيه كما فى الكشاف وقال السعدى هو وهم فقد نص ابن عبد البر وغيره انها أمه واسمها عاتكة بنت عام بن مخزوم ( روى ) ان ابن ام مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك فى مكة وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب وامية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم الى الاسلام رجاء أن يسلم باسلامهم غيرهم لان عادة الناس انه اذا مال اكابرهم الى أمر مال اليه غيرهم كما قيل الناس على دين ملوكهم فقال له يا رسول الله علمنى مما علمك الله انتفع به وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله عليه السلام بالقوم اذ السمع لا يكفى فى العلم بالتشاغل بل لا بد من الابصار على انه يجوز انهم كانوا يخفضون اصواتهم عند المكالمةاو جاء الاعمى فى منقطع من الكلام فكره رسول الله قطعه لكلامه واشتغاله به عنهم وعبس واعرض عنه فرجع ابن ام مكتوم محزونا خائفا أن يكون عبوسه واعراضه عنه انما هو لشئ انكره الله منه فنزلت .
امام زاهد فرموده كه سيد عالم صلى الله عليه وسلم ازعقبت او رفت واورابازكردانيده ورداى مبارك خود بكسترانيد وبران نشانيد . فكان رسول الله يكرمه ويقول اذ رآه مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى الى المنى مع بقاء المحبة ويقول له هل لك من حاجة ويقال ان رسول الله عليه السلام لم يغتنم فى عمره كغمه حين انزلت عليه سورة عبس لان فيها عتبا شديدا على مثله لانه الحبيب الرشيد ومع ذلك فلم يجعل ذلك الخطاب بينه وبينه فيكون ايسر للعتاب بل كشف ذلك للمؤمنين ونبه على فعله عباده المتقين ولذلك روى ان عمر ابن الخطاب رضى الله عنه بلغه ان بعض المنافقين يؤم قومه فلا يقرأ فيهم الا سورة عبس فارسل اليه فضرب عنقه لما استدل بذلك على كفره ووضع مرتبته عنده وعند قومه قال ابن زيد لو جاز له أن يكتم شيأ من الوحى لكان هذا وكذا نحو قوله لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة ازواجك ونحو قوله امسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه وكان ما فعله عليه السلام من باب ترك الاولى فلا يعد ذنبا لان اجتهاده عليه السلام كان فى طلب الاولى والتعرض لعنوان عماه مع ان ذكر الانسان بهذا الوصف يقتضى تحقير شأنه وهو ينافى تعظيمه المفهوم من العتاب على العبوس فى وجهه اما لتمهيد عذره فى الاقدام على قطع كلامه عليه السالم للقوم والايذان باستحقاقه الرفق والرأفة لا الغلظة واما لزيادة الانكار فان أصل الانكار حصل من دلالة المقام كأنه قيل تولى لكونه أعمى وهو لا يليق بخلقه العظيم كما ان الالتفات فى قوله تعالى { وما يدريك } لذلك فان المشافهة أدخل فى تشديد العتاب كمن يشكو الى الناس جانيا جنى عليه ثم يقبل على الجانى اذا حمى فى الشكاية مواجها له بالتوبيخ اى واى شيئ يجعلك داريا وعالما بحاله ويطلعك على باطن امره حتى تعرض عنه اى لا يدريك شئ فتم الكلام عنده فيوقف عليه وليس ما بعده مفعوله بل هو ابتدآء كلام وقال الامام السهيلى رحمهالله انظر كيف نزلت الآية بلفظ الاخبار عن الغائب فقال عبس وتولى ولم يقل عبست وتوليت وهذا شبيه حال الغائب المعرض ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب فقال وما يدريك علما منه تعالى انه لم يقصد بالاعراض عنه الا الرغبة فى الخير ودخول ذلك المشرك فى الاسلام وهو الوليد أو أمية وكان مثله يسلم بالسلامه بشر كثير فكلم نبيه عليه السلام حين ابتدار الكلام بما يشبه كلام المعرض عنه العاتب له ثم واجهه بالخطاب تأنيسا له عليه السلام بعد الايحاش فانه قيل ان ابن أم مكتوم كان قد اسلم وتعلم ما كان يحتاج اليه من امور الدين واما اولئك الكفار فما كانوا قد اسلموا وكان اسلامهم سببا لاسلام جمع عظيم فكلامه فى البين سبب لقطع ذلك الخير العظيم لغرض قليل وذلك محرم والا هم مقدم على المهم فثبت بهذا ان فعل ابن أم مكتوم كان ذنبا ومعصية وما فعله النبى عليه السلام كان واجبا فكيف عاتب الله على ذلك قيل ان الامر وان كان كما ذكر الا ان ظاهر ما فعله الرسول عليه السلام يوهم تقديم الاغنياء على الفقرآء وقلة المبالاة بانكسار قلوب الفقرآء وهو لا يليق بمنصب النبوة لانه ترك الافضل كما اشير اليه سابقا فلذا عاتبه الله تعالى { لعله } اى الاعمى { يزكى } بتشديدين اصله يتزكى اى يتطهر بما يقتبس منك من اوضار الاوزار بالكلية وكلمة لعل مع تحقق التزكى وارد على سنن الكبرياء فان لعل فى كلام العظامء يراد به القطع والتحقيق او على اعتبار معنى الترجى بالنسبة اليه عليه السلام للتنبيه على ان الاعراض عنه عند كونه مرجوا التزكى مما لا يجوز فكيف اذا كان مقطوعا بالتزكى كما فى قولك لعلك ستندم على ما فعلت(16/490)
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)
{ او يذكر } بتشديدين ايضا اصله يتذكر والتذكر هو الاتعاظ يعنى باخودبند كير { فتنفعه الذكرى } اى فتنفعه موعظتك ان لم يبلغ درجة التزكى التام وفى الكشاف المعنى انك لا تدرى ما هو مترقب منه من تزكى او تذكر ولو دريت لما فرط ذلك منك انتهى اشار الى ان قوله يزكى من باب التخلية عن الآثام وقوله او يذكر من باب التحلية ببعض الطاعات ولذا دخلت كلمة الترديد فقوله او يذكر عطف على يزكى داخل معه فى حكم الترجى وقوله فتنفعه الذكرى بالنصب على جواب لعلع تشبيها له بليت وفيه اشارة الى أن من تصدى لتزكيتهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكى والتذكر اصل واشعار بأن اللائق بالعلم أن يقصد بتعليمه تزكية متعلمه ولا ينظر الى شبحه وصورته كما ينظر العوام وبالمتعلم أن يريد بتعلمه تزكية نفسه عن ارجاس الضلالة وتطهير قلبه من أدناس الجهالة لا احكام الدنيا الدنية .(16/491)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5)
{ اما } للتفضيل { من استغنى } عن الايمان وعما عندك من العلوم والمعارف التى ينطوى عليها القرءآن .(16/492)
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)
{ فأنت له تصدى } بحذف احدى التاءين تخفيفا اى تتصدى وتتعرض بالاقبال عليه والهتمام بارشاده واستصلاحه دون الاعمى وفيه مزيد تنفير له عليه السلام عن صاحبتهم فان الاقبال على المدبر ليس من شيم الكرام والتصدى للشئ التعرض والتقيد به والاهتمام بشأنه وضده التشاغل عنه وفى المفردات التصدى ان يقابل الشئ مقابلة الصدى اى الصوت الراجع من الجبل وفى كشف الاسرار التصدى التعرض للشئ على حرص كتعرض الصديان للماء اى العشطان وعن بعضه م اصل تصدى تصدد من الصدد وهو ما استقبلك وجاء قبالتك فأبدل احدا لا مثال حرف علة .(16/493)
وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)
{ وما عليك أن لا يزكى } اى وليس عليك بأس ووزر ووبال فى أن لا يتزكى ذلك المستغنى بالاسلام حتى تهتهم بأمره وتعرض عمن أسلم ان عليك الا البلاغ وكيف تحرض على الاسلام من ليس له قابلية وقد خلق على حب الدنيا والعمى عن الآخرة وفيه استهانة لمن اعرض عنه فما نافية وكلمة فى المقدرة متعلقة باسم ما وهو محذوف والجملة حال من ضمير تصدى مقررة لجهة الانكار .(16/494)
وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8)
{ واما من جاءك يسعى } اى حال كونه مسرعا طالبا لما عندك من احكام الرشد وخصال الخير .(16/495)
وَهُوَ يَخْشَى (9)
{ وهو } والحال انه { يخشى } الله تعالى او يخشى الكفار وأذا هم اتيانك قال سعدى المفتى الظاهر أن النظم من الاحتباك ذكر الغنى اولا للدلالة على الفقر ثانيا والمجيئ والخشية ثانيا للدلالة على ضدهما اولا .(16/496)
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
{ فأنت عنه تلهى } بحذف احدى التاءين تخفيفا اى تتلهى وتتشاغل من لهى عن الشئ بكسر الهاء يلهى لهيا اعرض عنه لا من لهوت بالشئ بالفتح ألهو لهوا اذا لعبت به لان الفعل مسند الى ضمير النبى ولا يليق بشأنه الرفيع أن ينسب اليه التفعل من اللهو بخلاف الاشتغال عن الشئ لمصحلة وفى بعض التفاسر ولو أخذ من اللهو وجعل التشاغل بأهل التغافل من جنس اللهو واللعب لكونه عبثا لا يترتب عليه نفع لم يخل عن وجه انتهى وفيه انه يلزم منه أن يكون الاشتغال بالدعوة عبثا ولا يقول به المؤمن وذلك لانه لا يجوز للنبى عليه السلام التشاغل بأهل التغافل الا بطريق التبليغ والارشاد فكيف لا يترتب عليه نفع وفى تقديم ضميره عليه السلام وهو أنت على الفعلين تنبيه على ان مناط الانكار خصوصيته عليه السلام أى مثلك خصوصا لا ينبغى ان يتصدى للمستغنى ويتلهى عن الفقير الطالب للخير وفى تقديم له وعنه للتعريض باهتمامه عليه السلام بمضمونها تنبيه حيث افادت القصة ان العبرة بالارواح والاحوال لا بالاشباح والاموال والعزيز من اعزه الله بالايمان والطاعة وان كان بين الناس ذليلا والذليل من اذله الله بالكفر والمعصية وان كان بين الناس عزيزا روى انه عليه السلام ما عبس بعد ذلك فى وجه فقير قط ولا تصدى لغنى وكان الفقرآء فى مجلسه عليه السلام امرآء يعنى كان يحترمهم كل الاحترام وفيه تأديب للصغير بالكبير فحملة الشرع والعلم والحكام مخاطبون فى تقريب الضعيف من اهل الخير وتقديمه على الشريف العارى عن الخير بمثل ما خوطب به النبى عليه السلام فى هذه السورة قال بعضهم بين الله درجة الفقر وتعظيم اهله وخسة الدنيا وتحقيرا اهلها فصح الاشتغال بصحبة الفقرآء لان فيما نعت الصدق والتجرد فالصحبة معهم فدية بخلاف الاشتغال بصحبة الاغنياء اذ ليس فيهم ذلك فالصحبة معهم ضائعة وفى الحديث « من تحامل على فقير لغنى فقد هدم ثلث دينه » يقال تحاملت على الشئ اذا تكلفت الشئ على مشقة وتحامل فلان على فلان اذا لم يعدل وقال بعض الاكابر انما كان صلى الله عليه وسلم يتواضع لاكابر قريش لان الاعزآء من الخلائق مظاهر العزة الالهية فكان تقديمهم على الفقرآء من أهل الصفة ليوفى صفة الكبرياء حقها اذا لم يشهد لها مشاركا ولكن فوق هذا المقام ما هو اعلى منه وهو ما امره الله به آخرا بعدما صدر سورة عبس فى قوله واصبر نفسك مع الين يدعون ربهم بالغداة والعشى الآية فأمره بأن لا يشهده فى شئ دون شئ للاطلاق الذى هو الحق عليه كما قال جعت فمل تطعمنى وظمئت فلم تسقنى الحديث كما فى الجواهر للشعرانى .(16/497)
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)
{ كلا } انزجر من التصدى للمستنغنى والاعراض عن ارشاد المسترشد قال الحسن لما تلا جبرآئيل هذه الآيات على النبى عليه السلام عاد وجه كأنما استف فيه الرماد اى تغير كأنما ذر عليه الرماد ينتظر ما يحكم الله عيله فلما قال كلاسرى عنه والتسرية اندوه رابردن . اى لا تفعل مثل ذلك فانه غير لائق بك { انها } اى القرءآن والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله { تذكرة } اى موعظة يجب ان يتعظ بها ويعمل بموجبها .(16/498)
فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)
{ فمن } بس هركه { شاء ذكره } اى القرءآن اى حفظه ولم ينسه او اتعظ به ومن رغب عنه كما فعله المستغنى فلا حاجة الا الاهتمام بأمره .(16/499)
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13)
{ فى صحف } جمع صحيفة وكل مكتوب عند العرب صحيفة وهو متعلق بمضمر هو صفة لتذكرة وما بينهما اعتراض بين الصفة والموصوف جيئ به للتغريب فيها والحث على حفظها اى كائنة فى صحف منتسخة من اللوح او خبر ثان لان فالجملة معترضة بين الخبرين والسجاوندى على انه خبر محذوف اى وهى فى صحف حتى وضع علامة الوقف اللازم على ذكره هربا من ايهام تعلقة به وهو غير جائز لان ذكر من شاء لا يكون فى صحف { مكرمه } عند الله لكونها صحف القرآن المكرم .(16/500)
مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
{ مرفوعة } اى فى السماء السابعة او مرفوعة المقدار والذكر فانها فى المشهور موضوعة فى بيت العزة فى السماء الدنيا { مطهرة } منزهة عن مساس ايدى الشياطين .(17/1)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)
{ بايدى سفرة } كتبة من الملائكة ينتسخون الكتب من اللوح على انه جمع سافر من السفر وهو الكتب اذ فى الكتابة معنى السفراى الكشف والتوضيع والكتاب سافر لانه يبين الشيئ ويوضحه وسمى السفر بفتحتين سفرا لانه يسفر ويكشف عن اخلاف المرء قالوا هذه اللفظة مختصة بالملائكة لا تكاد تطلق على غيرهم وان جاز الاطلاق بحسب اللغة والباء متعلقة بمطهرة فقال اقفال فى وجه لما لم مسها الا الملائكة المطهرون أضيف التطهير اليها لطهارة من يمسها وقال القرطبى ان المراد فى قوله تعالى لا يمسه الا المطهرون هؤلاء السفرة الكرام البررة والظاهر أن تكون فى محل الجر على انها صفة لصحف اى فى صحف كائنة بأيدى سفرة او مكتوبة بأيدىسفرة ومن هذا وقف بعضهم على مطرهة وقفا لازما هربا من توهم تعلق الباء به .(17/2)
كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
{ كرام } عند الله بالقرب والشرف فهو من الكرامة جمع كريم او متعطفين على المؤمنين يستغفرون لهم فهو من الكرم ضد اللؤم وقال ابن عطاء رحمه الله يريد انهم يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم اذا خلا مع زوجته للجماع وعند قضاه الحاجة يشير الى انهم هم الملائكة الموصوفون بقوله كراما كاتبين وفيه تأمل { بررة } اتقياء لتقدسها عن المواد ونزاهة جواهرها عن التعلقات او مطيعين الله من قولهم فلان يبر خالفه اى يطيعه او صادقين من بر فى يمينه جمع بار مثل فجرة جمع فاجر .(17/3)
قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)
{ قتل الانسان } دعاء عليه بأشنع الدعوات فان القتل غاية شدآئد الدنيا وأفظعها ومن فسر اقتل باللعن أرد به الاهلاك الورحانى فانه اشد العقوبات وهو بالفارسية لعنت كرده باد انسان يعنى كافر . وفى عين المعانى عذب { ما اكفره } ما اشد كفره بالله مع كثرة احسانه اليه وبالفارسية جه كافر ترين خلقست . تعجب من افراطه فى الكفران اى على صورته فان حقيقة التعجب انما تتصور من الجاهل بسبب ما خفى من سبب الشئ والذى أحاطه علمه بجميع المعلومات لا يتصور منه ذلك فهو فى الحقيقة تعجب من الله لخلقه وبيان لاستحقاقه للدعاء عليه اى اعجبوا من كفره بالله ونعمه مع معرفته بكثرة احاسنه اليه وادعوا عليه بالقتل واللعن ونحو ذلك لاستحقاقه لذلك قال بعضهم لعن الله الكافر وعظم كفره حيث لم يعرف صانعه ولم يعرف نفسه التى لو عرفها عرف صانعها وقال ابن الشيخ هذا الدعاء وارد على اسلوب كلام العرب فهو ليس من قبيل دعاء من يعجز عن انتقام من يسوءه وكذا هذا التعجب ليس على حقيقته لانه تعالى منزه عن العجز والجهل بل المقصود بايراد ما هو فى صورة الدعاء الدلالة على سخطه العظيم والتنبيه على انه استحق اهول العقوبات وانعها وبايراد صيغة التعجب الذم ابليغ له من حيث ارتكابه اقبح القبائح ولا شك ان السخط يجوز من الله وكذا الذم ويجوز أن يكوم ام اكفره استفهاما بمعنى التقريع والتوبيخ اى اى شئ حمله على الكفر والمراد من الانسان اما من استغنى عن القرءآن المذكور نعوته واما الجنس باعتبار انتظامه له ولا مثاله من افراده لا باعتبار جمع افراده .(17/4)
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)
{ من اى شئ خلقه } اى من اى شئ حقير مهين خلقه يعنى نمى انديشدكه خداى تعالىزجه جيز بيافريد اورا . ثم بينه بقوله { من نطفة } قذرة { خلقه } فمن كان اصله مثل هذا الشئ الحقير كيف يليق به التكبر والتجبر والكفران بحق المنعم الذى كسا ذلك الحقير بمثل هذه الصورة البهية وقف السجاوندى على قوله من نطفة حتى وضع عليه لامة الوقف المطلق بتقدير خلقه آخر بدلالة ما قبله وجعل قوله خلقه فقدره جملة اخرى استئنافية لبيان كيفية الخلق واتمامه من انعامه ومن جعل متعلقا بما بعده على ما هو الظاهر لم يقف عليه { فقدره } فهيأه لما يصلح له ويليق به من الاعضاء والاشكال اى احدثه بمقدار معلوم من الاعضاء والاشكال والكمية والكيفية فجعله مستعدا لان ينتهى فيها الى القدر اللائق بمصلحته فلا يلزم عطلف الشئ على نفسه وذلك ان خلق الشئ ايضا تقديره واحداثه بمقدار معلوم من الكمية والكيفية وبالفارسية بس اندارهء او بديد كرد ازعاضا واشكال وهيئات دربطن ما دره او فقدره اطوار الى ان تم خلقه فالتقدير المنفرع على الخلق مأخوذ من القدر بمعنى الطور أى او جده على التقدير الاولى ثم جعل ذا اطوار من علقة ومضغة الى آخر اطواره ذكرا او انثى شقيا او سعيدا قال بعضهم وعلى الوجهين فالفاء للتفصيل فان التقدير يتضمنه على المعنيين .(17/5)
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)
{ ثم السبيل يسره } منصوب بمضمر يفسره الظاهر اى سهل مخرجه من البطن بأن فتح فم الرحمن وكان غير مفتوح قبل الولادة وألهمه ان ينتكس بأن ينقلب ويصير رجله من فوق ورأسه من تحت ولولا ذلك لا يمكثها ان تلد ويسر له سبيل الخير والشر فى الدين ومكنه من السلوك فيهما وذلك بالاقدار والتعريف له بما هو نافع وضار والعقل وبعثة الانبياء وانزال الكتب ونحو ذلك وتعريف السبيل باللام دون الاضافة بأن يقال سبيله للاشعار بعمومه لانه عام للانس والجن على المعنى الثانى وللحيوانات ايضا على المعنى الاول قال ابن عطاء رحمه الله يسر على من قدر له التوفيق طلب رشده واتباع نجاته وقال أبو بكر بن طاهر رحمه الله يسر على كل احد ما خلقه له وقدره عليه .(17/6)
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)
{ ثم اماته } اى قبض روحه عند تمام اجله المقدر المسمى { فأقبره } اى جعله فى قبر يوارى فيه تكرمة له ولم يدعه مطروحا على وجه الارض جزرا اى قطعا للسباع والطير كسائر الحيوان قال فى كشف الاسرار لم يجعله مما يطرح للسباع او يلقى للنواويس والقبر مما اكرم به المسلمون انتهى يقال قبر الميت اذا دفنه بيده والقابر هو الدافن والقبر هو مقر الميت وأقبره اذا امر بدفنه او مكن منه فالمقبر هو الله لانه الآمر بالدفن فى القبور قال فى المفرات اقبرته جعلت له مكانا يقبر فيه نحو أسقيته جعلت له ماء يستقى منه وقيل معناه ألهم كيف يدفن انتهى ( وفى المثنوى )
كندن كورى كه كمتر بيشه بود ... كى زمكر ويحله والديشه بود
جمله حرفتها يقين ازوحى بود ... اول اوليك عقل آنرا فزود
وعدا لاماتة من النعم بالنسبة الى المؤمن فان بالموت يتخلص من سجن الدنيا وايضا ان شأن الموت ان يكون تخلفة ووصلة الى الحياة الابدية والنعيم المقيم وانما كان مفتاح كل بلاء ومحنة فى حق الكافر من سوء اعتقاده وسيئات اعماله وفى بعض التفاسير ذكر الاماتة اما لانها مقدمة الاقبار واما للتخويف والتذكير بأن الحياة الدنيوية فانية آخرهالموت وعن الشافعى رحمه الله
فلا تمشين فى منكب الارض فخارا ... فعما قليل يحتويك ترابها
واما الحث على الاستعداد واما رعاية المقابلة بينه وبين النشره تنبيها على كمال قدرته وتمام حكمته .(17/7)
ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)
{ ثم اذا شاء انشره } اى اذا شاء انشاره واحياءه وبعثه انشره واحياه وبعثه وفى تعليق الانشاء بمشيئته له ايذان بأان وقته غير متعين فى نفسه بل هو تابع لها بخلاف وقت الموت فانا نجزم بأن احدا من ابناء الزمان لا يتجاوز مائة وخمسين سنة مثلا وليس لاحد مثل هذا الجزم فى النشور هكذا قالوا وفيه ان الموت ايضا له سن معلوم واجل محدود فكيف يتعين فى نفسه ويجزم بوقوعه فى سن كذا بحيث لا يكون موكولا الى مجرد مشيئته تعالى ولعلع تقييد الانشار بالمشيئة لا ينافى تقييد الموت بها ايضا اذا لا يجرى عليه تعالى زمان وانه من مقدمات القيامة ولذا قال عليه السلام « من مات فقد قامت قيامته » اى لاتصال زمان الموت بزمان القيامة فهو قيامة صغرى مجهولة كالقيامة الكبرى وفيه اشارة الى ان الميت ان كان من اهل السعادة فانشاره من قبور اهل السعادة وان كان مدفونا فى قبور اهل اشقاوة وان كان من اهل الشقاوة فانشاره من قبور اهل الشقاوة وان كان مدفونا فى قبور اهل السعادة ولذا قال صاحب المشارق فى خطبة كتابه ثم اذا شاء منها اشنره اى من مكة فان من دفن بمكة ولم يكن لائقا بها تنقله الملائكة الى موضع آخر وفى الحديث « من مات من امتى يعمل عمل قوم لوط نقله الله اليهم حتى يحشر معهم » وفى حديث آخر « من مات وهو يعمل عمل قوم لوط سار به قبره حتى يصير معهم ويحشر يوم القيامة معهم » كما فى الدرر المنتثرة للامام السيوطى رحمه الله وحكى ان شخصا كان يقال له ابن هيلان من المبالغين فى التشيع بحيث يفضى الى ما يستقبح فى حق الصحابة مع الاسراف على نفسه بينما هو يهدم حائطا اذ سقط فهلك فدفن بالبقيع فلم يوجد ثانى يوم الدفن فى القبر الذى دفن به ولا التراب الذى ردم به القبر بحيث يستدل بذلك لنبشه وانما وجدوا للبن على حاله حسبنا شاهده الجم الغفير حتى كان ممن وقف عليه القاشى جمال الدين وصار الناس يجيئون لرؤيته أرسالا الى ان اشتهر امره وعد ذلك من الآيات التى يعتبر بها من شرح الله صدره نسأل الله السلام وحكى ايضا ان محمد بن ابراهيم المؤذن حكى عنه انه حمل ميتا فى ايام الحاج ولم يوجد من يشاهده عليه غير شخص قال فحملناه ووضعناه فى اللحد ثم ذهب الرجل وجئت أنا باللبن لاجل اللحد فلم اجد الميت فى اللحد فذهبت وتركت القبر على حاله ونقل ان بعض الصلحاء ممن لم يمت بالمدينة رؤى فى النوم وهو يقول للرآئى سلم على اولادى وقل لهم انى قد حملت ودفنت بالبقيع عند قبر العباس فاذا أرادوا زيارتى فيقفوا هناك ويسلموا ويدعوا كذا فى المقاصد الحسنة للسخاوى وفى الآية اشارة الى ان الانسان ما كان له ان يكفر لان الله خلقه من نطلفة الوجود المطلق وهيأه لمظهرية ذاته وصفاته واسمائه ثم سهل عليه سبيل الظهور بمظاهر الاسماء الجمالية والجلالية ثم اماته عن انانيته فأقبره فى قبر الفناء عن رؤية الفناء ثم اذا شاء انشره بصورة البقاء بعد الفناء فعلى العبد ان يعرف قدر النعمة ولا يظهر بالعجب والغرور بأن يدعى لنفسه ما كان لله من الكمالات كالعلم والقدرة والارادة ونحوها .(17/8)
كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)
{ كلا } ردع للانسان عما هو عليه وجعله السجاوندى بمعنى حقا ولذا لم يقف عليه بل على امره فانه اذا كان بمعنى حقا يكون تابعا لما بعده { لما يقض ما امره } قال فى بعض التفاسير ما فى لما صلة دخلت للتأكيد كقوله فيما رحمة من الله فلما بمعنى لم وليس فيه معنى التوقع وفى ما امره موصولة وعائده يجوز أن يكون محذوفا والتقدير ما امره به فحذف الجار اولا فبقى ما امره هو ثم حذف الهاء العائدة ثانيا ويجوز أن يكون باقيا على ان المحذوف من الهاءين هو العائد الى الانسان والباقى هو العائد الى الموصول فاعرف وقس عليه امثاله اى لم يقض الانسان ما امره بالله به من الايمان والطاعة ولم يؤد ولم يعرف ولم يعمل به وعدم القضاء محمول على عموم النفى اما على ان المحكوم عليه هو المستغنى او هو الجنس لكن لا على الاطلاق بل عى ان مصداق الحكم بعدم القضاء بعض افراده وقد اسند الى الكل فلا شياع فى اللام بحكم المجانسة واما على ان مصداقه الكل من حيث هو كل بطريق رفع الايجاب الكلى دون السلب الكلى فالمعنى لما يقض جميع افراده ما امره بل اخل به بعضها بالكفر والعصيان مع أن مقتضى ما فصل من فنون النعماء الشاملة للكل ان لا يتخلف عنه احد اصلا . وكفته اند مراد همه آدميانند از آدم تاباين غايت وهركز هيج آدمى از عهدهء حقوق اداى اوامر الهى كما ينبغى بيرون نيايد ونتوان آمد
بنده همان به كه زتقصير خويش ... عذر بدر كاه خداى آورد
ورنه سزاور خداوند يش ... كش نتواندكه بجاى آورد
وفى التأويلات النجمية كلا لما يقض ما امره من الاتيان مبواجب حقوقنا من الظهور بحقائق اسمائنا والقيام بفضائل صفاتنا .(17/9)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)
{ فلينظر الانسان الى طعامه } شروع فى تعداد النعم المتعلقة ببقائه بعد تفصيل النعم المتعلقة بحدوثه اى فلينظر الانسان الى طعامه الذى عليه يدور امر معاشه كيف دبرناه وقال ابن عباس رضى الله عنهما فلينظر الانسان الى طعامه ليعلم خسه قدره وفناء عمره وفى الحديث « ان مطعم ابن آدم جعله الله مثلا للدنيا وان قزحه وملحه فانظر الى ماذا يصير » يقال قزح القدر جعل التابل فيها وهو كصاحب وهاجرا بزار الطعام وملحها جعل الملح فيها .(17/10)
أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)
{ انا صببنا } انزلنا انزالا وافيا من السحاب { الماء } اى الغيث وهو المطر المحتاج اليه بدل اشتمال من طعامه لان الماء سبب لحدوث الطعام فالثانى مشتمل على الاول اذ لا يلزم فيه ان يكون المبدل منه مشتملا على البدل فحيئذ العائد محذوف والتقدير صببنا له { صبا } عجيبا .(17/11)
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)
{ ثم شققنا الارض } بالنبات ولما كان الشق بعد الصب اورد كلمة ثم والشق بالفارسية شكافتن { شقا } بديعا لائقا بما يشقها من النبات صغرا وكبرا وشكلا وهيئة .(17/12)
فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27)
{ فأنبتنا فيها } اى فى الارض المشقوق بالنبات والفاء للتعقيب { حبا } فان انشقاق الارض بالنبات لا يزال يتزايد ويتسع الى ان يتكامل النمو وينعقد الحب والحب كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما وهو جنس الحبة كالتمر والتمرة فيشمل القليل والكثير قدمه لانه الاصل فى الغذاء .(17/13)
وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28)
{ وعنبا } عطف على حبا وليس من لوازن العطف ان يقيد المعطوف بجميع ما قيد به المعطف عليه فلا ضمير فى خلو انبات النب عن شق الارض وكذا فى امثاله كذا قال فى الارشاد لعل شق الارض فيه باعتبار اصله اول خروجه منها فان المراد هنا شجرة العنب وانما ذكره الزيتون باسم الثمرة لشهرتهما بها ووقعوه كل منهما بعد ما يؤكل نفسه فاعرف وأفرد العنب بالذكر من بين الثمار لانه فاكهة من وجه يتلذذ به وطعام من وجه يتغذى به وهو من اصلح الاغذية { وقضبا } اى رطبة وهى نبات يقال له الفصفصة وبالفارسية اسبست ومعربه الاسفست . سميت بمصدر قضبه اى قطعه مبالغة كانها لتكرر قطعها وتكثره اذا تقضب مرة بعد اخرى فى السنة نفس القطع وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه الرطب افراد بالذكر تنبيها على اختلاف النباتات وان منها ما اذا قطع عاد ومنها ما لا يعود والقت حب الغاسول وهو الاشنان وقيل هو حب يابس اسود يدفن فيلين قشره ويطحن ويخبر يقتاته اعراب طى وبعضهم هو كل ما يؤكل رطبا كالبطيخ والخيار والباذنجان والدباء .(17/14)
وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29)
{ وزيتونا } هو ما يعصر منه الزيت والمراد شجرته وتعمر ثلاث آلاف سنة خصه بالذكر لكثرة فوآئده خصوصا لاهالى بلاد العرب فانهم ينتفعون به اكلا وادهانا واستضاءة وتطهرا فانه يجعل فى الصابون وكان عليه السلام يتطيب به فى الاوقات { ونخلا } وهو شجر التمر جمع نخلة والرطب والتمر من أنفع الغذآء وفى العجوة خاصية دفع السم والسحر وشجرته من فضله طينة آدم عليه السلام كما سبق مفصلا .(17/15)
وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)
{ وحدآئق غلبا } جمع حديقة وهى وهى الروضة ذات الشجرأ والبستان من النخل والشجر او كل ما احاط به البناء او القطعة من النخل كما فى القاموس وهى هنا من قبيل التعميم بعد التخصيص والغلب جمع اغلب كحمر جمع احمر أو حمرآء مستعار من وصف الرقاب يقال الرجل اغلب واسد اغلب اى غليظ العنق فالمعنى وحدآئق عظاما وصف به الحدآئق لتكاثفها وكثرة اشجارها اولا بها ذات اشجار غلاظ فعلى الاول الاستعارة معنوية وعلى الثانى مجاز مرسل فان اريد من غلظ العنق والرقبة مطلق الغلظ بطريق اطلاق المقيد وارادة المطلق كاطلاق المرسن على الانف واجرى على الحدآئق وصفا لها بحال متعلقها وهو الاشجار سمى استعارةبناء على اللغة وفى كشف الاسرار الغلب من الشجر التى لا تثمر كالشمار والارز والعرعر والدرداء .(17/16)
وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)
{ وفاكهة } كثيرة غير ما ذكر والعنب والرمان والرطب من الفواكه عند الامامين لا عند الاعظم لان العطف يقتضى المغايرة والظاهر ان مراد الاعظم ان نحو العنب والرطب لكونه مما يؤكل غذآء يحقق القصور فى معنى التفكه به اى التنعم بعد الطعام وقبله فلا يناوله اسم الفاكهة على الاطلاق حتى لوحلف لا يأكل فاكهة لا يحنت بأكله لكونه غذآء من وجه وان كان فاكهة من وجه آخر وعطل الفاكهة عليه لا ينافى كونه فاكهة من وجه لان المراد بالفاكهة المعطوفة ما هو فاكهة من كل وجه ولا يخفى ان الفاكهة من كل وجه مغايرة لما هو فاكهة من وجه دون وجه فيصح عطفها عليه او عطفه عليها كما فى مواضع من القرءآن { وأبا } اى مرعى من أبه اذا امه اى قصده لانه يؤم ويقصد جزه للدواب او من أب لكذا اذا تهيأ له لانه متهيئ لرعى وأب الى وطنه اذا نزع اليه نزوعا تهيأ لقصده وكذا أب لسيفه اذ تهيأ لسله وابان ذلك فعلان منه وهو الزمان المتهيئ لفعله ومجيئه او الأب الفاكهة اليابسة تؤب للشتاء اى تعد ونهيأ وهو الملائم لما قبله وفى الحديث « خلقتم من سبع ورزقتم من سبع فاسجد والله على سبع » أراد بقوله خلقتم من سبع يعنى من نطفة ثم من علقة الخ وهى التارات السبع وبقوله رزقتم من سبع قوله حبا وعنبا الى أبا لعل الحدآئق خارجة عن الحساب لانها منابت تلك المرزوقات وبقوله فاسجدوا على سبع الاعضاء السبعة وهى الوجه واليدان والركبتان والرجلان .(17/17)
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)
{ متاعا لكم ولأنعامكم } مفعول له اى فعل ذلك تمتيعا لكم والمواشيكم فان بعض النعم المعدودة طعام لهم وبعضها علف لدوابهم وللالتفات لتكميل الامتنان وفى الآية اشارة الى حب المحبة الذاتية وخمير المحبة الصافية المتخذة من عنب الصفات وخمر المحبة الافعالية المتخذة من رطب وزيتون المعرفة ونخل التوحيد العالى من ان يصل اليه كل مدع كذاب وفاكهة الوجدانيات والذوقايات وحدآئق الشوق والاشتياق والود والتجريد ونحوها وأب مراعى الشهوات الحيوانية فبعض هذه النعم الشريفة مخصوص بالخواض كالارواح والاسرار والقلوب وبعضها بالعوام كالنفوس البشرية والقوى الطبيعية العنصرية .(17/18)
فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
{ فاذا جاءت الصاخة } شروع فى بيان احوال معادهم اثر بيان مبدأ خلقهم ومعاشهم والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها من فناء النعم عن قريب كما يشعر لفظ المتاع بسرعة زوالها وقرب اضمحلالها وجواب اذا محذوف يدل عليه يوم يفر الخ اى استغل كل احد بنفسه والصاخة هى الداهية العظيمة التى يصخ لها الخلائق اى يصيخون لها من صخ لحديثه اذا أصاخ واستمع وصفت بها النفخة الثانية لان الناس يصخون لها فى قبورهم فاسند الاستماع الى المسموع مجازا وقيل هى الصيحة التى تصم الآذان لشدة وقعها وقيل هى مأخوذة من صخه بالحجر أى صكه فتكون الصاخة حقيقة فى النفخة .(17/19)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
{ يوم يفر المرء } روزى كه بكريزد مرد { من أخيه } ازبرادر خودباوجود موانست ومهربانى .(17/20)
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)
{ وامه } واز مادر خود باكثرت حقوق كه او راست { وأبيه } واز بدر خود باجود شفقت وعاطفت كه از وديده .(17/21)
وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
{ وصاحبته } واز زن خودبا آنكه مونس روزكاراو بوده { وبنيه } وازفرزندان خود باخيال استظهار بديشان اى يعرض الانسان عنهم ولا يصاحبهم ولا يسأل عن حالهم كما فى الدنيا لاشتغاله بحال نفسه ولعلمه انهم لا يغنون عنه شيأ فقوله يوم منصوب بأعنى تفسيرا للصاخة وتأخير الا حب للمبالغة لان الابوين أقرب من الاخ وتعلق القلب الصاحبة والاولاد اشد من تعلقه بالابوين وهذه الآية تشمل النساء كما تشمل الرجال ولكنها خرجت مخرج كلام العرب حيث تدرج النساء فى الرجال فى الكلام كثيرا قال عبد الله بن طاهر الاهبرى قدس سره يفر منهم اذا ظهر له عجزهم وقلة حيلتهم الى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه ولو ظهر له ذلك فى الدنيا لما اعتمد على سوى ربه الذى لا يعجزه شئ وتمكن من فسحه التوكل واستراح فى ظل التفويض وفى الآية اشارة الى فرار مرء القلب عن أخيه السر وامه النفس وأبيه الروح وصاحبته القوى البشرية وبنيه الاعمال والاحوال لان فى ذلك اليوم لا يتخلص احد بعلمله بفضله وطوله كما قال عليه السلام « لن يدخل احدكم الجنة بعمله » قالوا ولا أنت يا رسول الله قال « ولا أنا الا ان يتغمدنى الله بغفرانه »(17/22)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)
{ لكل امرئ منه يومئذ شأن يغنيه } استئناف وارد لبيان سبب الفرار والشأن لا يقال الا فيما يعظم من الاحوال والامور اى لكل واحد من المذكورين شغل شاغل وخطب هائل يكفيه فى الاهتمام به قال ابن الشيخ اى الهم الذى حصل له قد ملأ صدره فلم يبق فيه متسع فصار بذلك شبيها بالغنى فى انه ملك شيأ كثيرا ودر باب مشغولئ قيامت فريد الدين عطارراقدس سره حكايتى منظوم است
كشتئ آورد در جريا شكست ... تختهء زان جمله بر بالا نشتس
كربه وموشى دران تخته بماند ... كارشان بايكدكر بخته بماند
نه ذكر به موشى را روى كريز ... نه آن كربه راجنكال تيز
هردوشان ازهول درياى عجب ... در تحير بازمانده خشك لب
درقيامت نيز ابن غوغا بود ... يعنى آنجانى توونى ما بود
وفى الخبر ان عائشة رضى الله عنهما قالت يا رسول الله كيف يحشر الناس قال حفاة عراة قالت وكيف تحشر النساء قال « حفاة عراة » قالت عائشة واسوأتاه النساء مع الرجال حفاة عراة فقرأ رسول الله عليه السلام هذه الآية لكل امرئ الخ واما الفرار حذرا من مطالبتهم بالتبعات بأن يقول الانسان واسيتنى بمالك والابوان قصرت فى برنا والصحابة اطعمتنى الحرام وفعلت وصنعت والبنون ما علمتنا وما ارشدتنا او بغضا لهم كما يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان يقبل قابيل من أخيه هابيل ويفر النبى من امه وابراهيم من أبيه ونوح من ابنه ولوط من امرأته فليس من قبيل الفرار المذكور وكذا ما يروى ان الرجل يفر من اصحابه واقربائه لئلا يروه على ما هو عليه من سوء الحال قال بعض المشايخ من كان اليوم مشغولا بنفسه فهو غدا مشغول بنفسه ومن كان اليوم مشغولا بربه فهو غدا مشغول بربه وقال يحيى بن معاذ اذا شغلتك نفسك فى دنياك وعقباك عن ربك اما فى الدنيا ففى طلب مرادها واتباع شهواتها واما فى الآخرة فكما اخبر الله عنه بقوله لكل امرئ منهم الخ فمتى تفرغ الى معرفة ربك وطاعته وقال بعضهم العارف مع الخلق ولكنه يفارقهم بقلبه كما قيل
ولقد جعلتكم فى الفؤآد محدثى ... وابحت جسمى من أراد جلوسى(17/23)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
{ وجوه يومئذ مسفرة } بيان لما آل امر المذكورين وانفسامهم الى السعدآء والاشقياء بعد ذكر وقوعهم فى داهية دهياء فوجوه مبتدأ وان كانت نكرة لكونها فى حيز التنوين ومسفرة خبره ويومئذ اى يوم اذ يفر المرء متعلق به اى مضية متهللة بنورية ذواتهم وصفاتها من اسفر الصبح اذا اضاء فهو من لوازم الافعال قال فى المفردات الاسفار يختص باللون ومسفرة اى مشرقة لونها وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان ذلك من قيام الليل وفى الحديث « من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار » وعن الضحاك من آثار الوضوء وقيل من طول ما اغبرت فى سبيل الله .(17/24)
ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)
{ ضاحكة مستبشرة } بما تشاهد من النعيم المقيم والبهجة الدآئمة ( قال الكشافى ) ضاحكة خندان مستبشرة شادمان وفرحناك بسبب نجات ازنيران ووصول بروضهء جنان .
وفى بعض التفاسير ضاحكة مسرورة فرحة لما علم من الفوز والسعادة او لفراغه من الحساب بالوجه اليسير مستبشرة اى ذات بشارة بالخير كأنه بيان لقوله ضاحكة انتهى وفى عين المعانى ضاحكة من مسرة العين مستبشرة من مسرة القلب وقيل من الكفار شماتة وبأنفسهم فرحا وقال ابن طاهر رحمه الله كشف عنها ستور الغفلة فضحكت بالدنو من الحق واستبشرت بمشاهدته وقال ابن عطاء رحمه الله اسفرت تلك الوجوه بنظرها الى مولاها واضحكها رضى الله عنها وقال سهل رحمه الله منورة بنور التوحيد واتباع السنة وفى التأويلات النجمية وجوه ارباب الارواح والاسرار والقلوب العارفين بالمعارف الاهية والحقائق اللاهوتية مضيئة بأنوار العلوم والحكم ضاحكة مستبشرة بنعم المكاشفات ومنح المشاهدات .
يقول الفقير وجوه يومئذ مسفرة لابيضاضها فى الدنيا بالتزكية والتصفية وزوال كدورتها ضاحكة لانها بكت فى الله ايام دنياها حتى صارت عمياء عن رؤية ما سوى الله تعالى مطلقا كما وقع لشعيب ويعقوب عليهما السلام مستبشرة لأ منها بدل خوفها فى الدنيا ولذا قال لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة بأن تقول لهم الملائكة لا تخافوا وأبشروا بالجنة والرؤية والضحك انبساط الوجه وتكشر الاسنان من سرور النفس ولظهور الاسنان عنده سميت مقدمات الاسنان ضواحك ويستعمل فى السرور المجرد كما فى الآية قال الراغب واستبشر أى وجد ما يبشره من الفرح وبشرته اخبرته بسار بسط بشرة وجهه وذلك ان النفس اذا سرت انتشرت الدم انتشار الماء فى الشجرة .(17/25)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40)
{ ووجوه يومئذ عليها غبرة } اى غبار وكدورة وفى الخبر يلجم الكافر العرق ثم تقع الغبرة على وجوههم وقيل هى غبرة الفراق والذل .(17/26)
تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)
{ ترهقها } اى تعلوها وتغشاها { قترة } اى سواد وظلمة كالدخان ولا ترى اوحش من اجتماع الغبرة والسواد فى الوجه كما اذا اغبر وجه الزنجى قال الراغب القتر هو الدخان الساطع من الشوآء والعود ونحوهما وقترة نحو غبرة وذلك شبه دخان يغشى الوجه من الكذب قال السرى قدس سره ظاهر عليها حزن البعاد لانها صارت محجوبة من الباب مطرودة وقال سهل قدس سره غلب عليها اعراض الله عنها ومقته ايها فهى تزداد فى كل وقت ظلمة وقترة .(17/27)
أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)
{ اولئك هم الكفرة الفجرة } اى اولئك الموصوفون بسواد الوجه وغبرته هم الجامعون بين الكفر والفجور فلذا جمع الله الى سواد وجوههم الغبرة وفى الحديث « ان البهائم اذا صرت ترابا يوم القيامة حول ذلك التراب فى وجوه الكفار » وفى عين المعانى اولئك هم الكفرة فى حقوق الله الفجرة فى حقوق العباد انتهى وفيه اشارة الى ان الفجور الغير المقارن بالكفر ليس فى درجة المقارن فى المذمومية والسببية للحقارة والخذلان اذ اصل الفجوز الكذب والميل عن الحق ويستعمل فى الذنب الكبير وكثير ما يقع ذلك من المؤمن العاصى لكن ينبغى أن يخاف منه ويحذر عنه لان كبائر الذنب تجر الى الكفر كما ان صغائره تجرالى الكبائر .
يكى از جملهء بزركان دين كفته كه اين زر وسيم وانواع اموال نه عين دنيا ست كه اين ظرفوف واوعيهء دنياست همجنين حركات وسكنات وطاعات بنده نه عين دين است كه آن ظروف واوعيهء دين است دين جمله سوز ودرد است ودنيا همه حسرت وباد سرد است قارون ىن همه زر وسيم وانواع اموال كه داشت مكروه نبود بازاز وجون حقوق حق تعالى طلب كردند امتناع نمود وحقوق حق نكزارد وكشش او بجانب زر وسيم واموال دنيا مكروه بود اى بساكساكه دانكى در خواب نديد وفردا فرعون اهل دنيا خواهد بودكه دل او آلودهء حرص دنياست واى بساكساكه اموال دنيا در ملك او نهادند وفردا دل خويش باز سباردكه داغى ازين دنيا بروى ظاهر نبود سرانجام مرد ديندار دنيا كذار اينست كه در آخر سوره كفت وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة وعاقبت كاردنياكار دين كذار اينست كه كفت وجوه يومئذ عليها غبرة الخ وقال بعضهم وجوه اصحاب النفوس المتمردة وأرباب الهوى عليها غبرة النانية وغبار الانية يغطيها سواد الاثنينية وظلمة الثنوية هم الذين ستروا وجود الحق بغبرة وجودهم وشقوا وقطعوا نفوسهم المظلمة عن متابعة الارواح المنورة عصمنا الله واياكم من ذلك .(17/28)
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
{ اذا الشمس كورت } ارتفاع الشمس على انه فاعل لفعل مضمر يفسره المذكور لا فاعله لان الفاعل لا يتقدم وعند البعض على الابتدآء لان التقدير خلاف الاصل والاول اولى لان اذا فيها معنى الشرط والشرط مختص بالفعل وعلى الوجهين الجملة فى محل الجر باضافة اذا اليها ومعنى كورت لفت من كورت العمامة اذا لففتها بضم بعض اجزآئها لبعض على جهة الاستدارة على ان المراد بذلك اما رفعها وازالتها عن مقرها فان الثوب اذا أريد رفعه عن مكانه وستره بجعله فى صندوق او غيره يلف لفا ويطوى نحو قوله تعالى يوم نطوى السماء فكان بين السماء والرفع علاقة اللزوم فتكويرها كناية عن رفعها قال سعدى المفتى ولا منع من ارادة المعنى الحقيقى ايضا وكون الشمس كرة مصمتة على تسليم صحته لا يمنع من تلك الارادة لو اراد أن يحدث الله فيها قابلية التكوير بأن يصيرها منبسطة ثم يكورها ان الله على كل شئ قدير انتهى .
واما لف ضوئها المنبسطة فى الآفاق المنتشر فى الاقطار بأن يكون اسناد كورت الى ضمير الشمس مجازيا او بتقدير المضاف على انه عبارة عن ازالتها والذهاببها بحكم استلزام زوال اللازم لزوال الملزوم فاللف على هذا مجاز عن الاعدام اذ لا مساغ لارادة المعنى الحقيقى لان الضوء لكونه من الاعراض لا يتصور فيه اللف وقال بعضهم ان الله قادر على أن يطمس نورها مع بقائها فقول الكشاف لانها ما دامت باقية كان ضياؤها منبسطا غير ملفوفا فيه نظر انتهى وجوابه ما أشير اليه من حكم الاستلزام وقيل معنى كورت ألقيت من فلكها على وجه الارض كما وصفت النجوم بالانكدار من طعنه فكوره اذا ألقاه على الارض وفى الحديث « ان الشمس والقمر نوران مكوران فى النار يوم القيامة » اى مرميان فيها ولما ذكر هذا الحديث عند الحسن البصرى رحمه الله قال وما ذنبهما وقال الامام سؤال الحسن ساقط لان الشمس والقمر جمادان فالقاؤهما فى النار لا يكون سببا لمضرتهما ولعل ذلك يكون سببا لازدياد الحر فى جهنم وكذا قال الطيبى تكويرهما فيها ليعذب بهما أهل النار لا سيما عباد الانوار لا ليعذبهما فى النار فانها بمعزل عن التكليف بل سبيلهما فى النار سبيل النار فنسها وسبيل الملائكة الموكلين بها انتهى وكذا قال فى تفسير الفاتحة للفنارى ان السماء اذا طويت واحدة بعد واحدة يرمى بكواكبها فى النار .
يقول الفقير قول الحسن أدق فان النور لا يلحق بالنار الا أن يكون فيه مرتبة النارية ايضا فالشمس يلحق نورها بنور العرش ونارها بنار جهنم وقد سبق فى سورة النبأ فارجع فان قيل كيف يمكن تكويرهما فى النار وقد ثبت بالهندسة ان قرص الشمس فى العظم يساوى كرة الارض مائة وستين مرة وربع الارض وثمنها أجيب بان الله تعالى قادر على أن يدخلها فى قشرة جوزة على ذلك العظم .(17/29)
يقول الفقير قد ثبت الله ان الله تعالى يمد الارض يوم القيامة فتكون أضعاف ما كانت عليه على ان وسعة الدارين تابعة لكثرة اهلهما ووسعتهم لانه ثبت ان ضرس الكافر مثل جبل احد وجسمه مسيرة ثلاثة ايام فاذا كان جسد كل كافر على هذا الغلظ والعظم فاعتبر منه وسعة جهنم فقرص الشمس فى النار كجوزة فى وسط بيت واسع ولا يعرف حد الدارين الا الله تعالى .(17/30)
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)
{ واذا النجوم } جمع نجم وهو الكوكب الطالع وبه شبه طلوع النبات والرأى فبقيل نجم النبت والرأى نجما ونجوما فالنجم اسم مرة ومصدر اخرى { انكدرت } اى تناثرت وتساقطت بالسرعة كما قال واذا الكواكب انتثرت والاصل فى الانكدار الانصباب فان السماء تمطر يومئذ نجومها فلا يبقى فى السماء نجم الا وقع على وجه الارض وذلك ان النجوم على ما روى ابن عباس رضى الله عنهما فى قناديل معلقة بين السماء والارض بسلاسل من نور وتلك السلاسل بأيدى ملائكة من نور فاذا مات من فى السموات ومن فى الارض تساقطت تلك الكواكب من أيديهم لانه مات من يمسكها وفيه اشارة الى طى ضوء شمس الروح الذى هو الحياة وقبضه عن البدن وازالته وتناثر نجوم الحواص العشر الظاهرة والباطنة وايضا الى تكوير الوجود الاضافى المنعكس من الوجود المطلق الحقيقى عند ظهور الحقيقة والى اضمحلال نجوم الهوايات وهياكل الماهيات بحيث لا يبقى لها اثر لانها نسب عدمية واعتبارات محضة .(17/31)
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)
{ واذا الجبال سيرت } رفعت عنه وجه الارض وابعدت عن أماكنها بالرجفة الحاصلة لا فى الجو كالسحاب فان ذلك بعد النفخة الثانية والسير المضى فى الارض والتسير ضربان باختيار واردة من السائر نحو هو الذى يسيركم وبقهر وتسخير كتسيير الجبال وفيه اشارة الى جبال الاعضاء والجوارح والراسيات سيرت عن أرض تعيناتها وأيضا الى جبال الانواع والاجناس الواقعة فى عالم التعينات .(17/32)
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)
{ واذا العشار } جمع عشرآء ونفساء كما فى القاموس والعشرآء هى الناقة التى أتى على حملها عشرة أشهر وهو اسمها الى أن تضع لتمام السنة وهى أنفس أموال العرب ومعظم اسباب معاشهم { عطلت } العطل فقد ان الزينة والشغل ويقال لمن يجعل العالم بزعمه فارغا عن صانع اتفنه وزينه ورتبه معطل وعطل الدار عن ساكبها والابل عن راعيها والمعنى واذا العشار تركت مسيبة مهملة غير منظور اليها مع كونها محبوبة مرغوبة عند أهلها لاشتغال أهلها بأنفسهم وذلك عند مجيئ مقدمات قيام الساعة فان الناس حينئذ يتركون الأموال والاملاك ويشتغلون بأنفسهم كما قال تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون وقال الامام أبو الليث وغيره هذا على وجه المثل لان فى القيامة لا تكون ناقة عشرآء يعنى ان هول القيامة بحال لو كان للرجل ناقة عشرآء لعطلها واشتغل بنفسه لعلهم جعلوا يوم القيامة ما بعد النفخة الثانية أو مبادى الساعى من القيامة لكن يمكن وجود العشرآء فى المبادى فلا يكون تمثيلا وفيه اشارة الى النفوس الحاملات احمال الاعمال والاحوال وأيضا الى تعطيل عشار الارجل المتنفع بها فى السير عن الاستعمال فى المشى وترك الانتفاع بها .(17/33)
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
{ واذا الوحوش } قال فى القاموس الوحش حيوان البر كالوحيش والجمع وحوش ووحشان والواحد وحشى قال ابن الشيخ هو اسم لما لا يستأنس بالانسان من حيوان البر والمكان الذى لا انس فيه وحش وخلاف الوحشى الأهلى { حشرت } اى جمعت من كل جانب واختلط بعضها ببعض وبالناس مع نفرة بعضها عن البعض وعن الناس ايضا وتفرقها فى الصحارى والقفار وذلك الجمع من هول ذلك اليوم وقيل بعثت للقصاص اظهارا للعدل قال قتادة يحشر كل شئ حتى الذباب للقصاص فاذا قضى بينها ردت ترابا فلا يبقى منها الا ما فيه سرور لبنى آدم واعجاب بصورته او صورته كالطووس والبلبل ونحوهما فاذا بعثت الحيوانات للقصاص تحقيقا لمقتضى العدل فكيف يجوز مع هذا ان لا يحشر المكلفون من الانس والجن وفيه اشارة الى القوى البشرية الطبيعية النافرة عن جناب الحق وباب القدس بأن أهلكت وأفنبت وجمت الى ما منه بدت .(17/34)
وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)
{ واذا البحار سجرت } اى أحميت او ملئت بتفجير بعضها الى بعض حتى تعود بحرا واحدا مختلطا عذبها بملحها وبالعكس فتعم الارض كلها من سجر التنور اذا ملأء بالخطب ليحميه وجه الاحماء ان جهنم فى قعور البحار الا انها الآن مطبقة لا يصل أثر حرارتها الى ما فوقها من البحار ليتيسر انتفاع أهل الارض بها فاذا انتهت مدة الدنيا يرفع الحجاب فيصل تأثير تلك النيران الى البحار فتسخن فتصير حميما لأهل النار او تبعت عليها ربح الدبور فتنفخها وتضربها فتصير نارا على ما قاله ابن عباس رضى الله عنهما فى وجه الاحماء . در فتوحات مذكور است كه هركاه كه عبد الله بن عمر رضى الله عنهما دريارا بديدى كفتى يا بحر متى تعود نارا ووجه الامتلاء ان الجبال تندك وتفرق اجزآؤها وتصير كالتراب الهائل الغير المتماسك فلا جرم تنصب اجزآؤها فى أسافلها فتمتلئ المواضع الغائرة من الارض فيصير وجه الارض مستويا مع البحار فتصير البحار بحرا واحدا مسجورا اى ممتلئا وقال بعضهم ملئت بارسال عذبها على مالحها ثم أسيلت حتى بلغت الثور فابتعلها فلما بلغت الى جوفه نفذت وعن الحسن رحمه الله يذهب ماؤها حتى لا يبقى فيها قطرة قال الراغب وانما يكون كذلك لتجير النار فيها اى اضرامها والتشديد فى مثل هذه الافعال قد يكون لتكثير الفعل وتكريره والتخفيف يحتمل القليل والكثير وخصت هذه السورة بسجرت موافقة لقوله سعرت لان معنى سجرت عند اكثر المفسرين اوقدت فصارت نارا فيقع التوعد بتسعير النار وتسجير البحار وخصت سورة الانفطار بفجرت موافقة لتقوله واذا الكواكب انتثرت لان فى كل من تساقط الكواكب وسيلان المياه على وجه الارض وبعثرة القبور اى قلب ترابها مزايلة الشئ عن مكانه فلا فى كل واحد قرينه وفيه اشارة الى بحار المعرفة الذاتية والحكم الصفاتية والعلوم الاسمائية فانها اذا اتحدث بالتجلى الواحدانى تصير بحرا واحدا وهو بحر الذات المشتمل على جميع المراتب والى البحار الحاصلة من اعتبارات الوجود وشؤونه الكلية ظاهرا او باطنا غيبا وشهادة دنيا وآخرة فانها قد جمعت واتحدت فصار بحر الوجود بحرا واحدا زخارا لا ساحل له ولا قعر والى بحار العناصر بأنه فجر بعضها الى بعض واتصل كل جزء بأصله فصارت بحرا واحدا .(17/35)
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)
{ واذا النفوس } الظاهر نفوس الانسان ويحتمل أن تعم الجن ايضا كما فى بعض التفاسير { زوجت } التزويج جعل احد زوجا لآخر وهو يقتضى المقارنة اى قرنت بأجسادها بأن ردت اليها او قرنت كل نفس بشكلها وبمن كان فى طبقتها فى الخير الشر فيضم الصالح الى الصالح والفاجر الى الفاجر او قرنت بكتابها او بعملها فالنفوس المتمردة زجرت بأعمالها السيئة والمطمئة بأعمالها الحسنة او نفوس المؤمنين بالحور ونفوس الكفرة بالشياطين وفيه اشارة الى ان الارواح الفائضة على هياكل الاشباح من عالم الامر قرنت ببواعتها وموجباتها التى هى الاسماء والصفات الالهية واسبابها اللاهوتية .(17/36)
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)
{ واذا الموءودة } اى المدفونة حية يقال وأد بنته يئدها واذا وهى موءودة اذا دفنها فى القبر وهى حية وكانت العرب تنئد البنات مخافة الاملاق او الاسترقاق او لحوق العار بهم من اجلهن وكانوا يقولون ان الملائكة بنات الله فألحقوا البنات به فهو أحق بهن قال فى الكشاف كان الرجل اذا ولد ت له بنت فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف او شعر ترعى له الابل والغنم فى البادية وان أراد قتلها تركها حتى كانت سداسة اى بلغت ست سنين فيقول لامها طيبيها وزينيها حتى أذهب بها الى احمائها وقد حفر لها بئرا فى الصحرآء فبلغ با البئر فيقول لها انظرى فيها ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى يستوى البئر بالارض وقيل كانت الحامل اذا قربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة فاذا ولدت بنتا رمت بها فى الحفرة وان ولد بنتا رمت بها فى الحفرة وان ولد ب ابنا حبسته { سئلت } اى سألها الله بنفسه اظهارا للعدالة او بأمره للملك .(17/37)
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)
{ بأى ذنب } من الذنوب الموجبة للقتل عقلا ونقلا { قتلت } قتلها أبوها حية فعلا او رضى وتوجيه السؤال اليها لتسليتها واظهار كمال الغيظ والسخط لوآئدها واسقاطه عن درجة الخطاب والبالغة فى تبكيته كما فى قوله تعالى انت قلت لناس اتخذونى وامى الهين ولذا لم يسأل الوائد عن موجب قتله لها وجه التبكيت ان المجنى عليه اذا سئل بمحضر من الجانى ونسب اليه الجناية دون الجانى كان ذلك بعثا للجانى على التفكر فى حال نفسه وحال المجنى عليه فيعثر على برآءة ساحة صاحبه وعلى انه هو المستحق لكل نكال فيفحم وهذا نوع من الاستدراج واقع على طريق التعريض وهو أبلغ فلذلك اختير على التصريح وانما قيل قتلت على الغيبة لما ان الكلام اخبار عنها لا حكاية لما خوطبت به حين سئلت ليقال قتلت على الخطاب وعلى قرآءة سألت اى الله او قاتلها لا حكاية لكلامها حين سئلت ليقال قتلت على الحكاية عن نفساه وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه سئل عن اطفال المشركين فقال لا يعذبون واحتج بهذه الآية فانه يثبت بها ان التعذيب لا يستحق الا بالذنب وعن ابن مسعود رضى الله عنه ان الوآئدة والموءودة فى النار اى اذا كانت الموءودة بالغة وفيه اشارة الى ان الاعمال المشوبة بالرياء المخلوطة بالسمعة والهوى سئلت بأى سبب ابطلت نوريتها وروحانتيها وأيضا سئلت موءودة الناس الناطقة التى أثقلتها وآئدة النفس الحيوانية فى قبر البدن وأهلكتها بأى ذنب قتلت اى طلب الظهار الذنب الذى به استولت النفس الحيوانية على الناطقة من الغضب او الشهوة او غيرهما فمنعتها عن خواصها وافعالها واهلكتها فأظهر فكنى عن طلب اظهاره بالسؤال ولهذا قال عليه السلام « الوآئدة والموءودة فى النار » لان النفس الناطقة فى النار مقارنة للنفس الحيوانية كذا قال القاشانى .(17/38)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)
{ واذا الصحف نشر } ى صحف الاعمال فانها تطوى عند الموت وتنشر عند الحساب اى تفتح فيعطاها الانسان منشورة بأيمانهم وشمائلهم فيقف على ما فيها وتحصى عليه جميع اعماله فيقول مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها وفى الحديث « يحشر الناس عراة حفاة » فقالت أم سلمة رضى الله عنها فكيف بالنساء فقال « شغل النساء يا أم » سلمة قالت وما شغلهم قال « نشر الصحف فيها مثا قيل الذر ومثا قيل الخردل » وقيل نشرت اى فرقت بين أصحابها وعن مرثد بن وادعة اذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش فتقع صحيفة المؤمن فى يده فى يده فى جنة عالية وتقع صحيفة الكافر فى يده فى سموم وحميم اى مكتوب فيها ذلك وهى صحف غير صحف الاعمال وفيه اشارة الى صحائف القوى والنفوس التى فيها هيئات الاعمال تطوى عند الموت وتكوير شمس الروح وتنشر عند البعث والعود الى البدن .(17/39)
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11)
{ واذا السماء كشطت } قلعت وأزيلت بحيث ظهر ما ورآءها وهو الجنة والعرش كما يكبشط الاهاب عن الذبيحة والغطاء عن الشئ المستور به قال الراغب هو من كشط الناقة اى تنحية الجلد عنها منه استعير انكشط روعه اى زال وفيه اشارة الى كشط سماء الارواح عن ارض الاشباح والى طى ظهور الاسماء والصفات الى البطون والخفاء .(17/40)
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12)
{ واذا الجحيم سعرت } اى اوقدت للكافرين ايقادا شديدا لتحرقهم ابديا سعرها غضب الله وخطايا بنى آدم فاسعار النار زيادة التهابها لا حدوثها ابتدآء وبه يندفع احتجاج من قال النار غير مخلوقة الآن لانها تدل على ان تسعرها معلق بيوم القيامة وذلك لان فيه الزيادة والاشتداد وفيه اشارة الى جحيم الخسران والخذلان فانها اوقدت باحطاب الاعمال السيئة وحجار الاحوال القبيحة خصوصا نار الغضب والشهوة التى كانوا عليها فى هذه النشأة .(17/41)
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13)
{ واذا الجنة ازلفت } الازلاف التقريب بالفارسية نزديك كردن . اى قربت من المتقين ليدخلوها كقوله تعالى وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد وعن الحسن رحمه الله انهم يقربون منها لا انها تزول عن موضعها فالمراد من التقريب التعكيس للمبالغة كما فى قوله تعالى ويوم يعرض الذين كفروا على النار حيث تعرض النار عليهم تحقيرا وتحسيرا فقلت مبالغة ويحتمل ان يكون المراد التقريب المعنوى وهو جعل اهلها مستحقين لدخولها مكرمين فيها وفيه اشارة الى تقريب نعيم آثار الرضى واللطف من المتقين وكذا جنة الوصول والوصال لمحبى الجمال والكمال كما قيل هذه اثنتا عشر خصلة ست منها فى الدنيا اى فيما بين النفختين وهن من اول السورة الى قوله واذا البحار سجرت على ان المراد بحشر الوحوش جمعها من كل ناحية لا بعثها للقصاص وسعت فى الآخرة اى بعدالنفخة الثانية وقال أبى بن كعب رضى الله عنه ست آيات قبل القيامة بينما الناس فى اسواقهم اذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك اذ تناثرت النجوم فبينما هم كذلك اذ وقعت الجبال على وجه الارض فتحركت واضطربت وفزعت الجن الى الانس والانس الى الجن واختلطت الدواب والطير والوحوش وماج بعضهم فى بعض فحينئذ تقول الجن للانس نحن نأتيكم بالخبر فينطلقون الى البحر فاذا هو نار تتأجج اى نتهلب قال فبينما هم كذلك اذ صدقت الارض صدعة واحدة الى الارض السابعة السفلى والى السماء السابعة العليا فبينما هم كذلك اذ جاءتهم الريح فأماتتهم كذا فى المعالم .(17/42)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)
{ علمت نفس ما احضرت } اى علمت كل نفس من النفوس ما احضرته على حذف الراجح الى الموصول فنفس فى معنى العموم كما صرح به فى قوله تعالى يوم تجد كل نفس ما علمت من خير محضرا وقوله هناك تبلو كل نفس ما اسلفت وقولهم ان النكرة فى سياق الاثبات لا تعمم بل هى للافراد النوعية غير مطرد ويجوز أن يكون التنوين للافراد الشخصية اشعارا بانه اذا علمت حينئذ نفس من النفوس ما احضرت وجب على كل نفس اصلاح عملها مخافة ان تكون هى التى علمت ما احضرت فكيف وكل نفس تعلمه على طريق قولك لمن تنصحه لعلك ستندم على ما فعلت وربما ندم الانسان على ما فعل فانك لا تقصد بذلك ان ندمه مرجو الوجود لا متيقن به او نادر الوقوع بل تريد ان العاقل يجب عليه ان يجتنب امرا يرجى فيه الندم او قلما يقع فيه فكيف به اذا كان قطعى الوجود كثير الوقوع والمراد بما احضرت اعمالها من الخير والشر وبحضرها اما حضور صحائفها كما يعرب عنه نشرها واما حضور انفسها لان الاعمال الظاهرة فى هذه النشأة بصور عرضية تبرز فى النشأة الآخرة بصور جوهرية مناسبة لها فى الحسن والقبح على كيفيات مخصوصة وهيئات معينة واسناد حضورها الى النفس مع انها تحضر بأمر الله لما انها عملتها فى الدنيا كأنها احضرتها فى الموقف ومعنى علمها بها حينئذ انها تشاهدها على ما هى عليه فى الحقيقة فان كانت صالحة تشاهدها على صور أحسن مما كانت تشاهدها عليه فى الدنيا لان الطاعات لا تخلو فيها عن نوع مشقة ودر ورد حفت الجنة بالمكاره وان كانت سيئة تشاهدها على ما هى عليه ههنا لانها كانت مزينة لها موافقة لهواها كما ورد وحفت النار بالشهوات وقال بعضهم العلم بالاعمال كناية عن المجارة عليها من حيث ان العلم لازم للمجازاة وقوله علمت الخ جواب اذا على ان المراد بها زمان واحد متسع محيط بنما ذكر من اول السورة الا هنا من الاثنى عشر شيأ مبدأ النفخة الاولى ومنتهاه فصل القضاء بين الخلائق لكن لا بمعنى انها تعلم ما تعمل فى كل خزئ من الجزآء ذلك الوقت المديد أو عند وقوع داهية من تلك الدواهى بل عند نشر الصحف الا انه لما كان بعض تلك الدواهى من باديه وبعضها من روادفه نسب علمها بذلك الى زمان وقوع كلها تهويلا للخطب وتفظيعا للحال وعن عمر وابن عباس رضى الله عنهم انهما قرأ السورة فلما بلغا الى قوله علمت نفس ما احضرت قالا لهذه اجريت القصة وعن ابن مسعود رضى الله عنه ان قارئا قرآها عنده فلما بلغ علمت نفس ما احضرت قال وانقطاع ظهراه اى قاله خوفا من القيامة ومجازاة الاعمال .(17/43)
درآنروز هر نفسى بيندكه باهر خيرى كرامتى وعطا ييست وباهر شرى ملامتى وجزايى برنيكى حسرت خوردكه را زياده تكردم وبريدى اندوه كشدكه جرا مباشر شدم وآن حسرت واندوه هيج فائده ندارد
توامروز فرصت غنيمت شمار ... كه فردا ندامت نيايد بكار
بكوش اى توانا كه فرمان برى ... كه در ناتوانى بسى غم خورى
وفى الحديث « المؤمن بين مخافتين عمر قد مضى لا يدرى ما الله صانع فيه واجل قد بقى لا يدرى ما الله قاض فيه فليتزود العبد لنفسه من نفسه ومن دنياه لآخرته » ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الممات فوالله ما بعد الموت من مستعتب وما بعد الدنيا الا الجنة والنار وقال الواسطة قدس سره فى الآية علمت كل نفس وايقنت ان ما علمت واجتهدت لا يصلح لذلك المشهد وان من اكرم بخلع الفضل نجا ومن قرن بجزآء اعماله هلك وخاب وفى برهان القرءآن هنا علمت نفس ما احضرت وفى الانفطار وما قدمت وأخرت لان ما فى هذه السورة متصل بقوله واذا القبور بعثرت والقبور كانت فى الدنيا بتذكر ما قدمت فى الدنيا وما أخرت للعقبى فكل خاتمة لائقة بمكانها وهذه السورة من اولها الى آخرها شرط وجزآء وقسم وجواب .(17/44)
فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)
{ فلا اقسم } لا صلة اورد لكلام سابق اى ليس الامر كما تزعمون ايها الكفرة من ان القرءآن سحر او شرع او أساطير ثم ابتدأ فقال اقسم { بالخنس } جمع خانس وهو المتأخر من خنس الرجل عن القوم خنوسا من باب دخل اذا تأخر واصل الخنوس الرجوع الى خلف والخناس الشيطان لانه يضع خرطومه على قلب العبد فاذا ذكر الله خنس واذا غفل عاد الى الوسوسة والمعنى اقسم بالكواكب الرواجع وهى ما عد النيرين من الدرارى الخمسة وهى المريخ بالكسر ويسمى بهرام ايضا وزخل ويسمى كيوان ايضا وعطارد ويسمى الكاتب ايضا والزهرة وتسمى انا هيذ ايضا والمشترى ويسمى روايس وبرجيس ايضا وما من نجم يقطع المجرة غير الخمسة فلذ اخضها ونظمها بعضهم والنيرين فقال
هفت كوكب كه هست كبتى را ... كاه از ايشان مدار وكاه خلل
قمرست وعطارد وزهره ... شمس ومريخ ومشترى وزحل
وهى الكواكب السبعة السيارة كل منها يجرى فى فلك فالقمر فى الاول وما يليه فى الثانى وهكذا على الترتيب .(17/45)
الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)
{ الجوارى الكنس } الجوارى جمع جارية بمعنى سارة والكنس جمع كانس وهو الداخل فى الكناس المستتر به وصفت الخنس بهما لانها تجرى فى افلاكها او بأنفسها على ما عليه اهل الظواهر مع الشمس والقمر وترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها بينا ترى النجم فى آخر البرج اذكر راجعا الى اوله فرجوعه من آخر البرج الى اوله هو الخنوس وكنوسها اختفاؤها تحت ضوئها واما القمر ان فلا يكنسان بهذا المعنى قال فى عين المعانى لخنوساه فىمجراها واستتارها فى كناسها اى موضع اتتارها فيه كما تكنس الظباء انتهى من كنس الوحش من باب جلس اذا دخل كناسه وهو بيته الذى يتخذه من اغصان الشجر وقيل جميع الكواكب تخنس بالنهار فتغيب عن العيون وتكنس بالليل اى تطلع فى اماكنها كالوحش فى كنسها وفى التأويلات النجمية يشير الى الحواس الخمس الباطنة السيارة مع شمس الروح وقمر القلب لرواجع الى بروجها بالاختفاء بحسب شعاع شمس الروح وقمر القلب لغلبة اشعتهما عليهن والدرارى الخمسة الزهرة وعطارد والمشترى وبهرام وزحل مظاهر الحواس الخمس والشمس مظهر الروح والقمر مظهر القلب .(17/46)
وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)
{ والليل } عطف على الخنس { اذا عسعس } اى ادبر ظلامه لان اقبال الصبح يكون بادبار الليل كما قال فى الوسيط لما كان طلوع الصبح متصلا بادبار الليل كان المناسب ان يفسر عسعس بادبر ليكون التعاقب فى الذكر على حسب التعاقب فىلوجود انتهى او أقبل فانه من الاضداد كذلك سعسع وذلك فى مبدأ الليل وهذا المعنى انسب لمراعاة المقابلة مع قرينه .(17/47)
وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)
{ والصبح } عطف عليه ايضا { اذا تنفس } آنكاه دم زند يعنى طلوع كند وتنفس او مبدأ طلوعت . والعامل فى اذا معنى القسم واذا وما بعدها فى موضع الحال اقسم الله بالليل مدبرا وبالصبع مضيئا يقال تنفس الصبح اذا تبلج اى اضاء واشرق جعل تنفس الصبح عبارة عن طلوعه وانبساطه تحت ضوئه بحيث زال معه عسعسة الليل وهى الغبرة الحاصلة فى آخره والنفس فى الاصل ريح مخصوص يروح القلب ويفرج عنه بهبوبه عليه وفى الحديث « لا تسبوا الريح فانها من نفس الرحمن » اى مما يفرج الكرب شبه ما يقبل باقبال الصبح من الروح والنسيم بذلك الريح المخصوص المسمى بالنفس فاطلق اسم النفس عليه استعارة فجعل الصبح متنفسا بذلك ثم كنى بتنفسه بذلك عن اقبال المصبح وطلوعه واضاءة غبرته لان المتنفس بالمعنى المذكور لازم له فهو كتابة متفرعة على الاستعارة قال القاشانى والليل اى ليل ظلمة الجسد الميت اذا ادبر بابتدآء ذهاب ظلمته بنور الحياة عند تعلق الروح به وطلوع نور شمسه عليه والصبح اى اثر نور طلوع تلك الشمس اذا انتشر فى البدن بافادة الحياة وفى التأويلات النجمية يشير الى ليل الطبيعة المتشعشعة عن ظلام غيب البشرية باتباع احكام الشريعة ومخالفات آثار الطبيعة والى صبح نهار الروحانية اذا كشف واظهر آداب الطريقة ورسوم الحقيقة وهو اعظم الاقسام وافضل الايمان .(17/48)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
{ انه } الضمير للقرءآن وان لم يجر له ذكر للعلم به اى القرءآن الكريم الناطق بما ذكر من الدواهى الهائلة وهو جواب القسم وجه القسم بهذه الاشياء ان فيها ظهور كمال الحكمة وجلال القدرة .
يقول الفقير سر الاقسام بها ان القرءآن نور من الله فا يرد الا على القلب النورانى الذى هو بمنزلة القدر وعلى الروح الذى هو بمنزلة القمر وعلى الروح الذى هو بمنزلة الشمس وعلى القوى الروحانية التى هى بمنزلة سائر السيارات المضيئة وهذه الانوار لا تظهر فى الوجود الانسانى الا بزوال آثار الطبيعة والنفس وظهور آثار القلب والروح فاذا اشرقت انوار الروح وقواه فى ليل الوجود اضاء جميع ما فى الوجود وزال الظلام { لقول رسول كريم } هو جبريل عليه السلام قاله من جهة الله قال السهيلى ولا يجوز انه أراد به انه قول النبى عليه السلام وان كان النبى عليه السلام رسولا كريما لان الآية نزلت فى معرض الرد والتكذيب لمقالة الكفار الذين قالوا ان محمدا عليه السلام بقوله وهو قوله فقال الله تعالى انه لقول رسول كريم فأضافه الى جبريل الذى هو أمين وحيه وهو فى الحقيقة قول الله لكنه اضيف الى جبريل لانه جامعه من عند الله فاسناده اليه باعتبار السببية الظاهرة فى الانزال والايصال ويدل على ان المراد بالرسول هو جبريل ما بعده من ذكر قوته ونحوها وصفه برسول لانه رسول عن الله الى الانبياء وبكريم اى على ربه عزيز عظيم عنده وكذا عند الناس لانه يجيئ بأفضل العطايا وهو المعرفة والهداية ويتعطف على المؤمنين ويقهر الاعدآء .(17/49)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)
{ ذى قوة } شديدة كقوله تعالى شدي القوى اى ذى قدرى على ما يكلف به لا عجز له ولا ضعف روى انه عليه السلام قال لجبريل ذكر الله قوتك فأخبرنى بشئ من آثارها قال رفعت قريات قوم لوط الاربع من الماء الاسود بقوادم جناحى حتى سمع اهل السماء نباح الكلب واصوات الديكية ثم قلبتها ومن قوته انه صباح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين وانه يهبط من السماء الى الارض ويصعد فى اسرع من الطرف وانه رأى ان شيطانا يقال له الابيض صاحب الانبياء قصد ان يتعرض للنبى فدفعه دفعة رفيقة وقع بها من مكة الى أقصى الهند وكذا راه يكلم عيسى عليه السلام على بعض الارض المقدسة فنفخه نفخة واحدة ألقاه الى أقصى جبل الهند وقيل المراد القوة فى ادآء طاعة الله وترك الاخلال بها من اول الخلق الى آخر زمان التكليف وفيه اشارة الى صفة الروح فانه ذو سلطنة على جميع الحقائق الكائنة فى المملكة الانسانية { عند ذى العرش } اى الله تعالى وفى ايراد ذ العرش اخبار بغاية كبريائه فى القلوب وعند ظرف لما بعده فى قوله { مكين } ذى مكانة رفيعة عند عندية اكرام وتشريف لا عندية مكان فانه تعالى متعال عن امثالها ونحوه انا عند المنكسرة قلوبهم فان المراد به القرب والا كرام ومن مكانته عند الله ومرتبته انه تعالى جعله تالى نفسه فى قوله فان الله هو مولاه وجبريل فله عظم منزلة عندية فأين منزلة من يلازم السلطان عند سرير الملك من مرتبة من يلازمه عند الوضوء ونحوه .(17/50)
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)
{ مطاع } فيما بين الملائكة المقربين يصدرون عن أمره ويرجعون الى رأيه لعلمهم بمنزلته عند الله قال فى فتح الرحمن ومن طاعتهم انهم فتحوا أبواب السماء ليلة المعراج بقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعة جبريل فريضة على اهل السموات كما ان طاعة محمد عليه السلام فريضة على اهل الارض وفيه اشارة الى ان الروح مطاع فيما بين القوى بالنسبة الى السر والقلب { ثم امين } على الوحى قد عصمه الله من الخيانة والزلل وثم بفتح الثاه ظرف مكان لما قبله اى مطاع هناك اى فى السموات وقيل لما بعده اى مؤتمن عند الله على وحيه ورسالاته الى الانبياء فيكون اشارة الى عند الله وقرئ ثم بضم الثاء تعظيما لوصف الامانة وتفصيلا على سائر الاوصاف فيكون للتراخى الرتبى على طريق الترقى من صفاته الفاضلة الى ما هو افضل واعظم وهو الامانة ( قال الكاشفى ) واكر رسول كريم محمد باشد عليه السلام بس او صاحب قوت طاعت ونزديك خداى خداوند قدر ومكانتست ومطاع . يعنى مستجاب الدعوة ولذا قال له عمه أبو طالب ما اطوعك ربك يا محمد فقال له وأنت يا عم لو أطعته اطاعك وامين يعنى برا سرار غيب .
وفيه اشارة الى ان الروح أمين فى افاضة الفيض الروحى على كل احد بحسب استعداده الفطرى .(17/51)
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)
{ وما صاحبكم } يا اهل مكة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم عطف على جواب القسم ولذا قال فى فتح الرحمن وهذا ايضا جواب القسم { بمجنون } كما تقولون والتعرض لعنوان المصاحبة للتلويح باحاطتهم بتفاصيل احواله عليه السلام خبرا وعلمه بنزاهته عما نسبوه اليه بالكلية فانه كان بين اظهرهم فى مدد متطاولة وقد جربوا عقله فوجدوه اكمل الخلائق فيه ولقبوه بالامين الصادق وقد استدل على فضل جبرآئيل على رسول الله حيث وصف جبريل بست خصال كل واحد منها تدل على كمال الشرف ونباهة الشأن واقتصر فى ذكر رسول الله على نفى الجنون عنه وبين الذكرين تفاوت عظيم وهذا الاستدلال ضعيف اذا لمقصود رد قول الكفرة فى حقه عليه السلام يا أيها الذى نزل عليه الذكر انك لمجنون لا تعداد فضائلهما والموازنة بينهما على ا فى توصيف جبريل بهذه الصفات بيانا لشرف سيد المرسلين بالنسبة اليه من حيث ان جبريل مع هذه الصفات هو الذى يؤيده ويبلغ الرسالة اليه فأى رتبة اعلى من مرتبته بعدما ثبت ان السفير بينه وبين ذى العرش مثل هذا الملك المقرب وقال سعدى المفتى الكلام مسوق لحقية المنزل دلالة على صدق ما ذكر فيه من اهوال القيامة على ما يدل عليه الفاء السببية فى قوله فلا اقسم ولا شك ان ذلك يقتضى وصف الآتى به فلذلك بولغ فيه دون وصف من انزل عليه فلذلك اقتصر فيه على نفى ما بهتوه وفيه اشارة لى ان الروح ليس بمجنون اى بمستور عن حقائق القرءآن ودقائقه واحكامه وشرآئعه ووعده ووعيده بل هو مكشوف له بجميع اسراره .(17/52)
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)
{ ولقد رآه } وبالله لقد رأى رسول الله جبريل وفى عين المعانى أبصره لا جنيا { بالافق المبين } افق السماء ناحيتها والمبين من أبان اللازم بمعنى الظاهر بالفارسية روشن . اى بمطلع الشمس الاعلى من ناحية المشرق فالمراد بالافق هنا حيث تطلع الشمس استدلالا بوصفه بالمبين فان نفس الافق لا مدخل له فى تبين الاشياء وظهورها وانما يكون له مدخل فى ذلك من حيث كونه مطلعا لكوكب نير يبين الاشياء والكوكب المبين هو الشمس واسناد الابانة الى مطلعها مجاز باعتبار سببيته لها فى الجملة فان البيان فى الحقيقة لضياء الطالع منه ثم خص من بين المطالع ما هو أعلى المطالع وارفعنها وهو المطلع الذى اذا طلعت الشمس منه تكون فى غاية الارتفاع والنهار فى غاية الطول والامتداد وذلك عند ما تكون الشمس عند رأس السرطان قبيل تحولها الى برج الاسد وتوجه النهار الى الانتقاص وانما فعل ذلك حملا للمبين على الكمال فانه كلما كان الكوكب ارفع وأعلى وكلما كان النهار اطول كان البيان والاظهار اتم واكمل روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبريل ان يترا اى له فى صورته التى خلقه الله عليها فقال « ما اقدر على ذلك » وما ذاك الى فاذن له فأتاه عليها وذلك فى جبل حرآء فى اوآئل البعثة فرآه رسول الله قد ملأ الآفاق بكلكله رجلاه فى الارض ورأسه فى السماء جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب وله ستمائة جناح من الزبرجد الاخضر فغشى عليه فتحول جبريل فى صورة بنى آدم وضمه الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه فقيل لرسول الله ما رأيناك منذ بعثت أحسن منك اليوم فقال عليه السلام « جاءني جبريل فى صورته فعلق بى هذا من حسنه » قالوا ما رآه احد من الانبياء غيره عليه السلام فى صورته التى جبل عليها فهو من خصائصه عليه السلام .
واعلم ان وقوع الغشيان انما هو من كمال العلم والاطلاع ألا ترى الى قوله تعالى لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا فان توليه وامتلاءه من الرعب ليس عن رؤية اجسامهم فقط لانهم اناس مثله وانما هو لما اطلعه الله عليه حين روبيتهم من العلم كما غشى على جبريل ليلة الاسرآء حين رأى الرفرف ولم يغش على رسول الله وقال عليه السلام فعلمت فضل جبريل فى العلم فكأنه عليه السلام اشار فضل نفسه ايضا لما غشى عليه برؤية جبريل على صورته الاصلية وانما لم يغش عليه حين رأى الرفرف كما غشىعلى جبريل لانه اذ ذاك فى نهاية التمكين وفرق بين البداية والنهاية والله اعلم قال القاشانى ولقد رآه بالافق المبين اى نهاية طور القلب الذى يلى الروح وهو مكان القاء النافث القدسى على ان المراد بالرسول روح القدس النافث فى روع الانسان وقال فى التأويلات النجمية اى رأى جبريل الروح حضرة ربه عند افق البقاء بعد الفناء .(17/53)
وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
{ وما هو } اى رسول الله { على الغيب } اى على ما يخبره من الوحى اليه وغيره من الغيوب { بضنين } اى ببخيل اى لا يبخل بالوحى فيزوى بعضه غير مبلغه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلوانا اى اجرة أو يسأل تعليمه فلا يعلمه وفيه اشارة الى ان امساك العلم عن أهله بخل من ضن بالشئ يضن بالفتح ضنا بالكسر وضنانة بالفتح اى بخل فهو ضنين به ى بخيل ويضن بالكسر لغة والفتح افصح ذكره البيهقى فى تهذيب المصادر فى باب ضرب حيث قال الضن والضنانة بخيلى كردن .
والغابر يضن والفتح أفصح فيكون من باب علم كما صرح به بعضهم بقوله هو من ضننت بالشئ بكسر النون وهو قرآءة نافع وعاصم وحمزة وابن عامر قال فى النشر كذلك هو فى جميع المصاحف اى المصاحف التى بتداولها الناس والا فهو فى مصحف عبد الله بن مسعود رضى الله عنه بالظاهء وقرئ بظنين على انه فعيل بمعنى المفعول اى بمتهم اى هو ثقة فى جميع ما يخبره لا يتوهم فيه انه ينطق عن الهوى من الظنة وهى التهمة واتهمت فلانا بكذا توهمت فيه ذلك اختار أبو عبيدة هذه القرآءة لان الكفار لم يبخلوه وانما اتهموه فنفى التهمة أولى من نفى البخل ولان البخل يتعدى بالباء لا بعلى وفى الكشاف هو فى مصحف عبد الله بالظاء وفى مصحف أبى بالضاد وكان رسول الله عليه السلام يقرأ بهما ولا بد للقارئ من معرفة مخرجى الضاد والظاء فان مخرج الضاد من اصل حافة اللسان وما يليها من الاضراس من يمين اللسان او يساره ومخرج الظاء من طرف اللسان واصول الثايا العليا فان قيل فان وضع المصلى احد الحرفين مكان الآخر قلنا قال فى المحيط البرهانى اذا أتى بالظاء مكان الضاد او على العكس فالقياس أن تفسد صلاته وهو قول عامة المشايخ وقال مشايخنا بعدم الفساد للضرورة فى حق العامة خصوصا العجم فان اكثرهم لا يفرقون بين الحرفين وان فرقوا ففرقا غير صواب وفى الخلاصة لو قرأ بالظاء مكان الضاد او بالضاد مكان الظاء تفسد صلاته عند أبى حنيفة ومحمد واما عند عامة المشايخ كأبى مطيع البلخى ومحمد بن سلمة لا تفسد صلاته .(17/54)
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)
{ وما هو بقول شيطان رجيم } اى قول بعض المسترقة للسمع دل عليه توصيفه بالرجيم لانه بمعنى المرمى بالشهب وهو نفى لقولهم انه كهانة وسحر كما قال وما تنزلت به الشياطين وفيه اشارة الى انه ليس محمد القلب عند الاخبار عن المواهب الغيبية والالهامات السرية بمتهم بالكذب والافترآء وما هو بقول بعض القوى البشرية .(17/55)
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)
{ فأين تذهبون } استضلال لهم فيما يسلكونه فى امر القرءآن والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ظهور انه وحى مبين وليس مما يقولون فى شئ كما تقول لمن ترك الجادة بعد ظهورها هذا الطريق الواضح فأين تذهب شبهت حالهم بحال من يترك الجادة وهو معظم الطريق ويتعسف الى غير المسلك فانه يقال له أين تذهب استضلالا له وانكارا على أسفه فقيل لمن يقول فى حق القرءآن ما لا ينبغى من وضوح كونه وحيا حقا اى طريق تسلكون آمن من هذه الطريقة التى ظهرت حقيتها ووضحت استقامتها وأين ظرف مكان مبهم منصوب بتذهبون قال أبو البقاء التقدير الى أين فحذف حرف الجر ويجوز أن لا يصار الى الحذف بل الى طريق التضمين فكأنه قيل أين تؤمون وقال الجنيد قدس سره أين تذهبون عنا وان من شئ الا عندنا وفى التأويلات النجمية فأين تذهبون من طريق الحق الى طريق الباطل وتتركون الاقتدآء بالروح وتختارون اتباع النفوس .(17/56)
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27)
{ ان هو } ان نافية والضمير الى القرءآن اى ما هو { الا ذكر للعالمين } موعظة وتذكير لهم والمراد الانس والجن بدلالة العقل فانهم المحتاجون الى الوعظ والتذكير .(17/57)
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)
{ لمن شاء منكم } أيها المكلفون بالايمان والطاعة وهو بدل من الالمين باعادة الجار بدل البعض من الكل ولا تخالف بين الاصل المتبوع والفرع التابع لان الاول باعتبار الذات والثانى باعتبار التبع { ان يستقيم } مفعول شاء اى لمن شاء منكم الاستقامة بتحرى الحق وملازمة الصواب وابداله من العالمين مع انه ذكر شامل لجميع المكلفين لانهم هم المنتفعون بالتذكير دون غيرهم فكأنه مختص بهم ولم يوعظ به غيرهم .(17/58)
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)
{ وما تشاؤون } اى الاستقامة مشيئة مستتبعة لها فى وقت من الاوقات يا من يشاؤها وذلك ان الخطاب فى قوله فمن شاء منكم يدل على ان منهم من يشاء الاستقامة ومن لا يشاؤها فالخطاب هنا لمن يشاؤها منهم يروى ان أبا جهل لما سمع قوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم قال الامر الينا ان شئنا استقمنا وان شئنا لم نستقم وهو رأس القدرية فنزل قوله تعالى وما تشاؤون الخ { الا أن يشاء الله } من اقامة المصدر موقع الزمان اى الا وقت أن يشاء الله تلك المشيئة المستتبعة للاستقامة فان مشيئتكم لا تستتبعها بدون مشيئة الله لها لان المشيئة الاختيارية مشيئة حادثة فلا بدلها من محدث فيتوقف حدوثها على أن يشاء محدثها ايجادها فظهر ان فعل الاستقامة موقوف على ارادة الاستقامة وهذه الارادة موقوفة الحصول على أن يريد الله أن يعطيه تلك الارادة والموقوف على الموقوف على الشئ موقوف على ذلك الشئ فأفعال العباد ثوبتا ونفيا موقوفة الحصول على مشيئة الله كما عليه اهل السنة { رب العالمين } مالك الخلق ومربيهم أجميعن بالارزاق الجمسانية والروحانية وفى الحديث القدسى يا ابن آدم تريد وأريد فتتعب فيما تريد ولا يكون الا ما أريد قال وهب بن منبه قرأت فى كتب كثيرة مما أنزل الله على الانبياء انه من جعل الى نفسه شيأ من المشيئة فقد كفر قال أبو بكر الواسطى قدس سره أعجزك فى جميع صفاتك فلا تشاء الا فى مشيئته ولا تعمل الا بقوته ولا تطيع الا بفضله ولا تعصى الا بخذلانه فماذا يبقى لك وبماذا تفتخر من أعمالك وليس منها شئ اليك الا بتوفيقه وبالفارسية حق تعالىترا درهمه وصفها عاجز ساخته است نخواهى مكر بمشيت او ونكنى مكر بقوت او وفرمانبرى مكر بفضل او وعاصى نشوى مكر بخذلان او بس توجه دارى وبكدام فعل مى نازى وحا آنكه ترا هيج نيست
زسرتا باهمه در بيجم ييج ... ج باجه سر همه هيجيم درهيجد
وفى الحديث من سره ان ينظر الى يوم القيامة كأنه رأى عين فليقرأ اذا الشمس كورت واذا السماء انفطرت واذا السماء انشقت فان فيها بيان أهواله الهائلة على التفصيل .(17/59)
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)
{ اذا السماء انفطرت } اى انشقت لنزول الملائكة كقوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا او لهيبة الرب وفى فتح الرحمن تشققها على غير نظام مقصود انما هو انشقاق لنزول بنيتها واعرابه كاعراب اذا الشمس كورت فى التأويلات النجمية يعنى سماء الارواح والقلوب والاسرار ارتفعت تعيناتها وزالت تشخصاتها وقال القاشانى اى اذا انفطرت سماء الروح الحيوانى بانفراجها عن الروح الانسانى وزوالها بالموت .(17/60)
وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)
{ واذا الكواكب انتثرت } اى تساقطت من مواضعها سودآء متفرقة كما تتساقط اللآلئ اذا انقطع السلك وهذان من اشراط الساعة متعلقان بالعلويات فان السماء فى هذا العالم كالسقف والارض كالبناء ومن أراد تخريب دار فانه يبدأ اولا بتخريب السقف وذلك هو قوله اذا السماء انفطرت ثم يلزم من تخريب السماء انتثار الكواكب وفيه اشارة الى انتثار كواكب الحواس العشر الظاهرة والباطنة وذهابها بالموت الطبيعى فانه اذا انقطع ضوء الروح عن ظاهر البدن وباطنه تعطل الحواس مطلقا وكذا بالموت الارادى .(17/61)
وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)
{ واذا البحار فجرت } فتح بعضها الى بعض بزوال المانع وحصول تزلزل الارض وتصدعها واستوآئها وصارت البحار وهى سبعة بحر الروم وبحر الصقالبة وبحر جرجان وبحر القلزم وبحر فارس وبحر الصين وبحر الهند بحرا واحدا فيصب ذلك البحر فى جوف الحوت الذى عليه الارضون السبع كما فى كشف الاسرار وروى ان الارض تنشف من الماء بعد امتلاء البحار فتصير مستوية وهو معنى التسجير عند الحسن البصرى ودخل فى البحار البحر المحيط لانه اصل الكل اذ منه يتفرع الباقى وكذا الانهار العذبة فانها بحار ايضا التوسعها وفيها اشارة الى بحار الارواح والاسرار والقلوب حيث فجرت بعضها فى بعض بالتجلى الاحدى وصارت بحر واحدا والى بحار الاجسام العنصرية حيث فجرت بعضها فى بعض بزوال البرازخ الحاجزة عن ذهاب كل الى أصله وهى الارواح الحيوانية المانعة عن خراب البدن ورجوع اجزآئه الى أصلها .(17/62)
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)
{ واذا القبور بعثرت } قلب ترابها وأخرج موتا ولا يخالف ما سيجئ فى العاديات فان البعثرة تجيئ بمعنى الاستخراج ايضا اى كالقلب وفى تاج المصادر البعثرة شورانيدن وآشكارا كردن . ولذا قال بعضهم بالفارسية وآنكاه كه كورها زيروزبر كرده شود يعنى خاكهارا بشورانند تامدفونات وى ازاموات وكنجها ظاهر كردد ومردكان زنده شوند .
ونظيره بحثر لفظا ومعنى يقال بعثرت المتاع وبحثرته اى جعلت أسفله أعلاه وجعل أسفل القبور أعلاها انما هو باخراج موتاها وقيل لسورة براءة المبعثرة لانها بعثرت اسرار المنافقين وهما اى بعثر وبحثر مركبان من البعث والبحث مع رآء ضمت اليهما وقال الراغب من رأى تركيب الرباعى والخماس نحو هلل وبسمل اذا قال لا اله الا الله وبسم الله يقول ان بعثر مركب من بعث واثير اى قلب ترابها وأثير ما فيها وهذا لا يبعد فى هذا الحرف فان البعثرة تتضمن معنى بعث وأثير وهذان من أشراط الساعة متعلقان بالسفليات فانه تعالى بعد تخريب السماء والكواكب يخرب كل ما على وجه الارض بنفوذ بعض البحار فى بعض ثم يخرب نفس الارض التى هى كالبناء بأن يقلبها ظهر البطن وبطنا لظهر وفيه اشارة الى خراب قبور التعينات وصيرورة المتعين مطلقا عن التعينات لان التعينات قبور الحقائق المطلقة والى قبور الابدان فانها تخرج ما فيها من الارواح والقوى بالموت .(17/63)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)
{ علمت نفس } اى كل نفس برة كانت او فاجرة كما سبق ف السورة السابقة وفى فتح الرحمن نفس هنا اسم الجنس وافرادها ليبين لذهن السامع حقارتها وقلتها وضعفها عن منفعة ذاتها الا من رحمن الله تعالى { ما قدمت } فى حياتها من عمل خير أو شر فان ما من ألفاظ العموم { وأخرت } من سنة حسنة او سيئة يعمل بها بعده قال عليه السلام « أيما داع دعا الى الهدى فاتبع فله مثل اجر من اتبعه » الا انه لا ينقص من اجورهم شئ وأيما داع دعا الى الضلالة فاتبع فله مثل اوزار من اتبعه الا انه لا ينقص من اوزارهم شئ او ما قدم من معصية وما أخر من طاعة وفى التأويلات النجمية علمت نفس ما قدمت أخرجت من القوة الى الفعل بطريق الاعمال الحسنة او السيئة وما أخرت أبقت فى القوة بحسب النية قوله علمت الخ جواب اذا اى اذا وقعت هذه الاشياء وخربت الدنيا علمت كل نفس الخ لكن لا على انها تعلمه عند البعث بل عند نشر الصحف لما عرفت فى السورة السابقة من أن المراد بها زمان واحد مبدأه النفخة الاولى ومنتهاه الفصل بين الخلائق لا ازمنة متعددة حسب تعدد كلمة اذا وانما كررت لتهويل ما فى حيزها من الدواهى فالمراد العلم التفصيلى الذى يحصل عند قرآءة الكتب والمحاسبة واما العلم الاجمالى فيحصل فى اول زمان البعث والحشر لان المطيع يرى آثار السعادة العاصى يرى آثار الشقاوة فى اول الامر قال ابن الشيخ فى حواشيه العلم بجميع ذلك كناية عن المجازاة عليه والمقصود من الكلام الزجر عن المعصية والترغيب فى الطاعة .(17/64)
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)
{ يا أيها الانسان } يعم جميع العصاة ولا خصوص له بالكفار لوقوعه بين المجمل مفصله اى بين علمت نفس الخ وبين ان الابرار الخ واما قوله بل تكذبون بالدين فمن قبيل بنوا فلان قتلوا زيدا اذا كان القاتل واحدا منهم قال الامام السهيلى رحمه الله قوله يا أيها الانسان يريد امية بن خلف ولكن اللفظ عام يصلح له ولغيره وقيل نزلت فى الوليد بن المغيرة او الاسود بن كلدة الجمحى قصد النبى عليه السلام فى بطحاء مكة فلم يتمكن منه فلم يعاقبه الله على ذلك وفى زهرة الرياض ضرب على يا فوخ رسول الله عليه السلام فأخذه رسول الله وضربه على الارض فقال له يا محمد الامان الامان منى الجفاء ومنك الكرم فانى لا أوذيك ابدا فتركه رسول الله عليه السلام { ما غرك بربك الكريم } ما استفهامية فى موضع الابتدآء وغرك خبره والاستفهام بمعنى الاستهجان والتوبيخ والمعنى اى شئ خدعك وجرأك على عصيانه وأمنك من عقابه وقد علمت ما بين يديك من الدواهى وما سيكون حينئذ من مشاهدة اعمالك كلها يقال غره بفلان اذا جرأه عليه وأمنه المحذور من جهته مع انه غير مأمون والتعرض لعنوان كرمه تعالى للايذان بأنه ليس مما يصلح أن يكون مدار الاغترار حسبما يغويه الشيطان ويقول له افعل ما شئت فان ربك كريم قد تفضل عليك فى الدنيا وسيفعل مثله فى الآخرة فان قياس عقيم وتمنية باطلة بل هو مما يوجب المبالغة فى الاقبال على الايمان والطاعة والاجتناب عن الكفر والعصيان كأنه قيل ما حملك على عصيان ربك الموصوف بالصفات الزاجرة عن الداعية ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قرأها غره جهله وقال الحسن البصرى رحمه الله غره والله شيطانه فظهر أن كرم الكريم لا يقتضى الاغتراب به بل هو يقتضى الخوف والحذر من مخالفته وعصيانه من حيث ان اهمال الظالم ينافى كونه كريما بالنسبة الى المظلوم وكذا التسوية بين الموالى والمعادى فاذا كان محض الكرم لا يقتضى الاغترار به فكيف اذا انضم اليه صفة القهر والله الاسماء المتقابلة ولذا قال نبئ عبادى انى أنا الغفور الرحيم وان عذابى هو العذاب الأليم قال القاشانى كان كونه كريما يسوغ الغرور ويسهله لكن له من النعم الكثير والمنن العظيمة والقدرة الكاملة ما يمنع من ذلك اكثر من تجوزه الكرم اياه وقيل للفضيل بن عياض رحمه الله ان أقامك الله يوم القيامة وقال لك ما غرك بربك الكريم ماذا تقول قال أقول غرتنى ستورك المرخاة ونظمه ابن السماك فقال
يا كاسب الذنب أما تستحى ... والله فى الخلوة ثانيكا
غرك من ربك امهاله ... وستره طول مساويكا(17/65)
قال صاحب الكشاف قول الفضيل على سبيل الاعتراف بالخطا فى الاغترار بالستر وليس باعتذار كما يظنه الطماع ويظن به قصاص الحشوية ويرونه من ائمتهم انما قال بربك الكريم دون سفاته منالجبال والقهار والمنتقم وغير ذلك ليلقن عبده الجواب حتى يقول غرنى كرم الكريم .
يقول الفقير الحق ان هذا الباب مما يقبل الاختلاف بالنسبةالى أحوال الناس فليس من يفهم الاشارة كمن لا يفهما وكم من فرق بين ذنب وذنب وظن وظن ولذا قال أهل الاشارة ايراد الاسم الكريم من بين الاسماء كأنه من جهة التلقين .
خود تو دادى مزدهء لانقطوا ... من جرا ترسم زعصيان وعتو
جون توهر شكسته راسازى درست ... بس خطاها بر آميد عفوتست
وقال يحيى بن معاذ رحمه الله غرنى برك سالفا وآنفا
يقول مولاى اما اتستحى ... مما أرى من سوء أفعالك
فقلت يا مولاى رفقا فقد ... أفسدنى كثرة افضالك
وعن على رضى الله عنه انه صوت بلغام له مرارا فلم يجبه وهو بالباب فقال لم لم تجبنى فقال لثقتى بحلمك وأمنى من عقوبتك فأعتقه احسانا لقوله وقال بعض أهل الاشارة عجبت من هذا الخطاب الذى فيه تهديد المخالفةومواساة الموافق كيف يخاطب المخالف بخطاب فيه مواساة الموافق ففيه من الرموز ما لا يعرفه الا اهل الاشارة قال بعضهم رأيت فى سوق البصرة جنازة يحملها اربعة وليس معهم مشيع فقلت لا اله الا الله سوق البصرة وجنازة رجل مسلم لا يشيعها احدانى لأشيعها فتبعتها وصليت عليها ولما دفنوه سألتهم عنه قالوا ما نعرفه وانما اكترتا تلك المرأة وأشاروا الى امرأة واقفة قريبا من القبر ثم النصرفوا فرفعت المرأة يدها الى السماء تدعو ثم ضحكت وانصرفت فتعلقت بها وقلت لا بد أن تخبرينى بقضيتك فقالت ان هذا الميت ابنى ولم يترك شيأ من المعاصى الا فعله فمرض ثلاثة ايام فقال لى يا أمى اذا مت لم تخبرى الجيران بموتى فانهم يفرحون بموتى ولا يحضرون جنازتى ولكن اكتبى على خاتمى لا اله الا الله محمد رسول الله وضعيه فى أصبعى وضعى رجلك على خدى اذا مت وقولى هذا جزآء من عصى الله فاذا دفنتنى فارفعى يديك الى الله وقولى اللهم انى رضيت عنه فارض عنه فلما مات فعلت جميع ما أوصانى به فلما رفعت يدى الى السماء ودعوت سمعت صوته بلسان فصيح انصرفى يا أمى فقد قدمت على رب كريم رحيم فرضى عنى فلذلك ضحكت سرورا بحاله اورده الامام القشيرى فى شرح الاسماء ( وفى الحديث الصحيح ) « ان الله يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه وستره فيقول أتعرف ذنب كذا فيقول نعم اى رب حتى قرره بذنوبه ورأى فى نفسه انه هلك قال سترتها عليك فى الدنيا وأنا أغفر لك اليوم »(17/66)
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)
{ الذى خلقك } صفة ثانية مقررة للربوبية مبينة للكرم لان الخلق اعطاء الوجود وهو خير من العدم منبهة على ان من قدر على الخلق وما يليه بدأ قدر عليه اعادة اى خلقك بعد أن لم يتكن شيا { فسواك } اى جعل اعضاءك سوية سليمة معدة لمنافعها اى بحيث يترتب على كل عضو منها منفعته التى خلق ذلك العضو لاجلها كالبطش لليد والمشى للرجل والتكلم للسان والابصار للبصر والسمع للاذن الى غير ذلك { فعدلك } عدل بعض تلك الاعضاء ببعض بحيث اعتدلت ولم تتفاوت مثل أن تكون احدى اليدين او الرجلين او الاذنين أطول من الآخرى أو تكون احدى العينين اوسع من الاخرى او بعض الاعضاء ابيض وبعضها اسود أو بعض الشعر فاحما وبعضه أشقر قال علماء التشريح انه تعالى ركب جانبى هذه الجثة على التساوى حتى انه لا تفاوت بين نصفيه لا فى العظام ولا فى اشكالها ولا فى الاوردة والشرايين والاعصاب النافذة فيها والخارجة منها فكل ما فى احد الجانبين ماسو لما فى الجانب الآخر ويقال عدله عن الطريق اى صرفه فيكون المعنى فصرفك عن الخلقة المكروهة التى هى لسائر الحيوانات وخلقك خلقة حسنة مفارقة لسائر الخلق كما قال تعالى فى احسن تقويم وقرئ فعدلك بالتشديد اى صيرك معتدلا متناسب الخلق من غير تفاوت فيه فهو بالمعنى الاول من المخفف وقال الجنيد قدس سره تسوية الخلقة بالمعرفة وتعديلها بالايمان وقال ذو النون قدس سره اوجدك فسخر لك المكونات اجمع ولم يسخرك لشئ مناه وفى التأويلات النجمية يا أيها الانسان المخلوق على صورته كأنك غرك كمال المظهرية وتمام المضاهاة خلقك فى احسن صورة فسواك فى احسن تقويم فجعل بنيتك الصورة وبنيتك المعنوية سليمة مسواة ومعتدلة ومستعدة لقبول جميع الكمالات الالهية والكيانية كما قال عليه السلام « اوتيت جوامع الكلم اى الكلم الالهة والكلم الكيانية »(17/67)
فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)
{ فى اى صورة ما شاء ركبك } الجار متعلق بركبك وما مزيدة لتعميم النكرة وشاء صفة لصورة والعائد محذوف وانما لم يعطف الجملة على ما قبلها لانها بيان لعدلك والمعنى ركبك فى اى صورة شاءها واقتضتها مشيئتة وحكمته من الصور العجيبة الحسنة او من الصور المختلفة فى الحسن والقبح والطول والقصر والذكورة والانوثة والشبه ببعض الاوقات وخلاف الشبه كما فى الحديث ان النطفة اذا استقرت فى الرحمن أحضرها الله كل نسب بينهما وبين آدم وصورها فى اى شبيه شاء وقال الواسطى رحمه الله صور المطيعين والعاصين فمن صوره على صورة الولاية ليس كمن صور على صورة العداوة اى صور بعضهم على الصورة الجمالية اللطفية وبعضهم على الصورة الجلالية القهرية قال حضرة شيخى وسندى قدس سره فى كتاب اللائحات البرقيات له لاح ببالى ان تلك الصورة التركيبية تتناول الصورة العلمية والصورة الروحية والصورة المثالية والصورة الجسمية وغير ذلك من الصور المركبة فى الاطوار لكن المقصود بالذات انما هو هذه الاربع والتركيب فى الصورة العلمية والروحية عقلى ومعنى وفى الصور المثالية والجسمية حسى وروحى والمراد من التركيب فى الصورة العلمية ظهور الذات وفى الصورة الروحية ظهور الصفات وفى الصورة المثالية ظهور الافعال وفى الصورة الجسمية ظهور الآثار وهذه الظهورات من تلك التركيبات بمنزلة النتائج من القاسيات وبمنزلة المجزع من الاجتماعات واجرآؤها انما هى احكام الوجوب واحكام الامكان والمراد من احكام الوجوب هو الاسماء الالهية الفاعلة المؤثرة والمراد من احكام الامكان هو الحقائق الكونية القابله المتأثرة والتركيب من هذه اجزآء فى اى صورة كان انما هو لظهور محل يكون مظهر الظهور آثارها وخواصها مجتمعة وعند هذا الظهور الاجتماعى فى ذلك المحل الجامع كالنشأة الانسانية المخاطبة ههنا ان كانت الغلبة لاجزآء احطام الوجوب تكون تلك النشأة علوية مائلة الى جانب العلو والحق هى تكون باقية على فطرة الاصلية الالهية قابلة مستعدة للفيض والتجلى والوصول الى عالم القدس وان كانت لاجزاء احكام الامكان تكون تلك النشأة سفلية مائلة الى جانب السفل والخلق وخارجة عن الفطرة الاصلية الازلية غير قابلة ومستعدة للفيض والتجلى والوصول الى عام القدس بل تبقى فى عالم الدنس مدنسة بدنس الجهالة والغفلة النسيان لا خبر لها عن نفسها وربها وتكون أعمى واصم وابكم لا نعرف يمينها من شمالها ولا ترى شمالها من يمينها اولئك كالانعام بل هم اضل انتهى كالمه روح الله روحه .(17/68)
كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)
{ كلا } كلمة ردع فالوقف عنها اى ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله وجعله ذريعة الى الكفر والمعاصى مع كونه موجبا للشكر والطاعة وقيل توكيد لتحقيق ما بعده بمعنى حقا فالوقف على ركبك كما رجحه السجاوندى حيث وضع علامة الوقف المطلق على ركبك { بل تكذبون بالدين } قال فى الارشاد عطف على جملة ينساق اليها الكلام كأنه قيل بعد اردع بطريق الاعتراض وأنتم لا ترتدعون عن ذلك بل تجترئون على اعظم من ذلك حيث تكذبون بالجزآء والبعث رأسا فانه يراد بالدين الجزآء والمكافأة ومنه الديان فى صفة الله او تكذبون بدين الاسلام اللذين هما من جملة احكامه فلا تصدقون سؤالا ولا جوابا ولا ثوابا ولا عقابا .(17/69)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)
{ وان عليكم لحافظين } حال من فاعل تكذبون وجمع الحافظين باعتبار كثرة المخاطبين او باعتبار ان لكل واحد منهم جمعا من الملائكة كما قال اثنان بالليل واثنان بالنهار اى تكذبون بالجزآء والحال ان عليكم أيها المكلفون من قبلنا الملائكة حافظين لأعمالهم وبالفارسية نكهبانان .(17/70)
كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)
{ كراما } جمع كريم اى لدينا يجبرهم فى طاعتنا او بادآء الامانة اذا الكريم لا يكون حوانا وفى فتح الرحمن وصفهم بالكرم الذى هو نفى المذام وقيل كرام يسارعون الى كتب الحسنات ويتوقفون فى كتب السيئات رجاء ان يستغفر ويتوب فيكتبون الذنب والتوبة منه معا وفى زهرة الرياض سماهم كراما لانهم اذا كتبوا حسنة يصعدون الى السماء ويعرضونها الله ويشهدون ويقولون ان عبدك فلانا عمل حسنة واما فى السيئة فيسكتون ويقولون الهى أنت ستار العيوب وهم يقرأون كل يوم كتابك ويمدحوننا فانا لا نهتك استارهم واما معنى التعطف كما فى سورة عبس فلا يلائم هذا المقام كما فى بعض التفاسير { كاتبين } للاعمال .(17/71)
يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)
{ يعلمون } لحضورهم وعدم افتراقهم عنكم { ما تفعلون } من الافعال قليلا وكثيرا ويضبطون نفيرا وقطميرا لتجاوزا بذلك ( وفى الحديث ) « اكرموا الكرام الكاتبين الذى لا يفارقونكم الا عند احدى الحالتين الجنابة والغائط » قال فى عين المعانى قوله يعلمون يدل على ان السهو والخطأ وما لا تبعة فيه لا يكتب وكذا ما استغفر منه حيث لم يقل يكتبون انتهى وقوله ما تفعلون وان كان عاما لافعال القلوب والجوارح لكنه عام مخصوص بافعال الجوارح لان ما كان من المغيبات لا يعلمه الا الله وفى كشف الاسرار علمهم على وجهين فما كان من ظاهر قول او حركة جوارح علموه بطاهره وكتبوه على جهته وما كان من باطن ضمير يقال انهم يجدون لصالحه رآئحة طيبة والطالحة رآئحة خبيثة فيكتبونه مجملا عملا صالحا وآخر سيئا انتهى وقد مر بيان هذا المقام فى سورتى الزخرف وق فارجع وخص الفعل بالذكر لانه اكثر من القول ولان القول قد يراد به الفعل فاندرج فيه وعن الفضيل انه كان اذا قرأ هذه الآية قال ما اشدها من آية على الغافلين ففيها انذار وتهويل وتشديد للعصاة وتبشير ولطف للمطيعين وفى تعظيم الكاتبين بالثناء عليهم تفخيم لامر الجزآء وانه عند الله من جلائل الامور حيث يستعمل فيه هؤلاء الكرام فالتعظيم انما هو فى وصفهم بالكرم لا بالكتب والحفظ وطعن بعض المنكرين فى حضور الكاتبين اما اولا فبأنه لو كانت الحفظة وصحفهم واقلامهم معنا ونحن لا نراهم لجاز أن يكون بحضرتنا جبال واشخاص لا نرا وذلك دخول فى الجهالات وجوابه ان الملائكة من قبل الاجسام اللطيفة فحضورهم لا يستلزم الرؤية ألا ترى ان الله امد المؤمنين فى بدر بالملائكة وكانوا لا يرونهم الا من شاء الله رؤيته وكذا الجن من هذا القبيل ولذا قال تعالى ايراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم فكما ان الهوآء لا يرى للطافته فكذا غيره من اهل اللطافة واما ثانيا فباأن هذه الكتابة والضبط ان كان لا لفائدة فهو عبث والله تعالى متعال عن ذلك وان كان لفائدة فلا بد أن تكون للعبد لان الله متعال عن النفع والضرر وعن تطرق النسيان وغاية ذلك ان يكون حجبة على الناس وتشديدا عليهم باقامتها لكن هذه ضعيف لان من علم ان الله لا يجور ولا يظلم لا يحتاج فى حقه الى اثبات هذه الحجة ومن لم يعلم ذلك لانتفعه لاحتمال ان يحمل على الظلم وجوابه الن الله يجرى اموره على عباده على ما يتعارفونه فى الدنيا بينهم ليكون ابلغ فى تقرير المعنى عندهم من اخراج كتاب واضحار شهود عدل فى الزام الحجة عند الحاكم ولعبد اذا علمان الله رقيب عليه والملائكة يحفظون اعماله ويكتبونها فى الصحيفة وتعرض على رؤوس الاشهاد يوم القيامة كان ذلك ازجر له عن المعاصى وامنع من السوء واما ثالثا فبأن افعال القلوب غير مرئية فلا يكتبونها مع انها محاسب بها لقوله تعالى وان تبدوا ما الامام الغزالى رحمه الله كل ذرك يشعر به قلبك تسمعه الملائكة الحفظة فان شعورهم يقارن شعورك حتى اذا غاب ذكرك عن شعورك بذهابك فى المذكور بالكلية غاب عن شعور الحفظة ايضا وما دام القلب بلتفت الى الذكر فهو معرض عن الله وفهم من هذا المقال ان قياس اطلاع الملائكة على الوقائع على اطلاع الناس غير مستقيم فان شؤونهم علما وعملا غير شؤون الناس على ان من اصلح من الناس سريرته قد يكشف الضمائر ويطلع على الغيوب باطلاع الله تعالى فما ظنك بالملائكة الذين هم ألطف جسما وأخف روحا .(17/72)
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)
{ ان الابرار } الذين يروا وصدقوا فى ايمانهم بادآء الفرآئض واجتناب المعاصى وبالفارسية وبدرستى كه نيكو كاران وفرمان برداران . جمع بر بالفتح وهو بمعنى الصادق والمطيع والمحسن وأحسن الحسنات لا اله الا الله ثم بر الوالدين وبر التلامذه للاساتذه وبر أهل الارادة للشيوخ كما قال فى فتح الرحمن هو الذى قد اطرد بره عموما فبرره به فى طاعته اياه وبر الناس فى جلب ما استطاع من الخير لهم وغير ذلك ( وفى الحديث ) بروا آباءهم كما بروا ابناءهم { لفى نعيم } وهو نعيم الجنة وثوابها والتنوين للتخفيم .(17/73)
وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)
{ وان الفجار } وبدرستى كه دروغ كويان ومنكران حشر جمع فاجر والفجور شق ستر الديانة { لفى جحيم } اى النار وعذابها والتنوين للتهويل والجملتان بيان لما يكتبون لاجله وهو أن الغاية اما النعيم واما الجحيم وفيه اشارة الى النعيم الذكر والطاعة والمعرفة والشهود والحضور والوصال والى جحيم الغفلة والمعصية والجهل والاحتجاب والغيبوبة والفراق قال الخواص رحمه الله طاب النعيم اذا كان منه وطلب الجحيم اذا كان به وفى المثنوى
هر كجا باشد شه مارا بساط ... هست صحرا كربود سم الخياط
هر كجا كه يوسفى باشد جوماه ... جنت است اوراجه باشد قعرجاء(17/74)
يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15)
{ يصلونها } اما صفة لجحيم او استئناف مبنى على سؤال نشأ عن تويلها كأنه قيل ما حالهم فيها فقيل يقاسون حرها كما قال الخليل صلى الكافر النار قاسى حرها وباشره ببدنه ولم يصف النعيم بما يلائمه لان ما سبق من الكلام كان فى المكذبين الفجرة لان المقام مقام التخويف وذكر تبشير الابرار لانه ينكشف به حال الفجار الاشرار لان الاشياء تعرف باضدادها { يوم الدين } يوم الجزآء الذى كانوا يكذبون به .(17/75)
وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)
{ وما هم } ونيست فجار { عنها } اى عن الجحيم { بغائبين } طرفة عين يعنى دروجاويد باشند وبيرون نيايند كقوله تعالى وما هم بخارجين منها فالمراد دوام نفى الغيبة لا نفى دوام الغيبة وقيل وما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية بل كانوا يجدون سمومها فى قبورهم حسبنما قال النبى عليه السلام « القبر روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران »(17/76)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17)
{ وما ادراك } الخطاب لكل من يتأتى منه الدراية وما مبتدأ وادراك خبره { ما } خبر قوله { يوم الدين } وما لطلب الوصف وان كان وضعه لطلب الحقيقة وشرح الاسم والمعنى اى شئ جعلك داريا وعالما ما يوم الدين اى اى شئ عجيب هو فى الهول والفظاعة اى ما ادراك الى هذا الآن احد كنه امره فانه خارج عن دآئرة دراية الخلق على اى صورة يصورونه فهو فوقها واضعافها .(17/77)
ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18)
{ ثم ما ادراك ما يوم الدين } تكرير بثم المفيدة للترقى فى الرتبة للتأكيد وزيادة التخويف والمجوع تعجيب للمخاطبين وتفخيم لشأن اليوم واظهار يوم الدين فى موقع الاضمار تأكيد لهوله وفخامته .(17/78)
يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)
{ يوم لا تملك نفس لنفس شيأ } بيان اجمال لشأن يوم الدين اثر ابهامه وبيان خروجه عن دآئرة علوم الخلق بطريق انجاز الوعد فان نفى ادرآئهم مشعر بالوعد الكريم بالادرآء قال ابن عباس رضى الله عنهما كل ما فى القرءآن من قول تعالى وما ادراك فقد ادراه وكل ما فيه من قوله وما يدريك فقد طوى عنه ويوم مرفوع على انه خبر مبتدأ محذوف وحركته الفتح لاضافته الى غير متمكن كأنه قيل هو يم لا تملك فيه نفس من النفوس شيأ من الاشياء او منصوب باضمار اذكر كأنه قيل بعد تفخيم امر يوم الدين وتشويقه عليه السلام الى معرفته اذكر يوم لا تملك الخ فانه يدريك ما هو ودخل فى نفس كل نفس ملكية وبشرية وجنية وفى شئ كل ما كان من قبيل جلب المنفعة او دفع المضرة { والامر } كله { يومئذ } اى يوم اذ لا تملك نفس لنفس شيأ { لله } وحده والامر واحد الاوامر فان الامر والحكم والقضاء من شأن الملك المطاع والخلق كلهم مقهورون تحت سطوات الربوبية وحكمها ويجوز أن يكون واحد الامور فان امور اهل المحشر كلها بيده تعالى لا يتصرف فيها غيره اخبر تعالى بضعف الناس يومئذ وانه لا ينفعهم الاموال والاولاد والاعوان والشفعاء كما فى الدنيا بل ينفعهم الايمان والبر والطاعة وانه لا يقدر أحد أن يتكلم الا باذن الله وامره اذ لامر له فى الدنيا والآخرة فى الحقيقة وان كان يظهر سلطانه فى الآخرة بالنسبة الى المحجوب لان المحجوب يرى ن الله ملكه فى الدنيا وجعل له شيأ من الامور والاوامر فاذا كان يوم القيامة يظهر له ان الامر والملك لله تعالى لا يزاحمه فيه احد ولا يشاركه ولو صورة وفيه تهديد لارباب الدعاوى واصحاب المخالفة وتبينه على عظيم بطشه تعالى وسطوته .
وفى الحديث « من قرأ اذا السماء انفطرت اعطاه الله من الاجر بعدد كل قبر حسنة وبعدد كل قطرة ماء حسنة واصلح الله شأنه يوم القيامة »(17/79)
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
{ ويل } شدة الشر او الهلاك او العذاب الاليم وقال ابن كيسان هو كلمة كل مكروب واقع فى البلية فقولك ويل لك عبارة عن استحقاق المخاطب لنزول البلاء والمحنة عليهم الموجب له ان يقول واويلاه ونحوه وقيل اصله وى لفلان اى الحزن فقرن بلام الاضافة تخفيفا وبالفارسية واى .
وهو مبتدأ وان كان نكرة لوقوعه فى موقع الدعاء على ما سبق بيانه فى المرسلات { للمطففين } الباخسين حقوق الناس فى المكيال والميزان وبالفارسية مركاهند كانرا دركيل ووزن . فان التطفيف البخس فى الكيل والوزن والخيانة فيهما بأن لا يعطى المشترى حقه تاما كاملا وذلك لان ما يبخس شئ طفيف حقير على وجه الخفية مبنى جهة دباءة الكيال والوزان وخساستهما اذا الكثير يظهر فيمنع منه ولذا سمعى مطففا قال الراغب يقال طفف الكيل قلل نصيب الميكل له فى ايفائه واستيفائه وقال سعدى المفتى والظاهر ان بناء التفعيل للتكثير لان البخس لما كان من عادتهم كانوا يكثرون التطفيف ويجوز ان يكون للتعدية انتهى روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وكان اهلها من أبخس الناس كيلا فنزلت فخرج فقرأها عليهم وقال « خمس بخمس ما نقض قوم العهد الا سلط الله عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما انزل الله الا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة الا فشا فيهم الموت ولا طففوا الكيل الا منعوا النبات وأخذوا السنين ولا منعوا الزكاة الا حبس عنهم القطر فعملوا بموجبها واحسنوا الكيل » فهم او فى الناس كيلا الى اليوم وعن على رضى الله عنه انه مر برجل يزن الزغفران وقد ارجح فقال اقم الوزن بالقسط ثم ارجح بعد ذلك ما شئت كأنه امره اولا بالتسوية ليعتادها ويفصل الواجب من اليفل وعن ابن عباس رضى الله عنهما انكم معشر الاعاجم وليتم امرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان وخص الاعاجم لانهم كانوا يجمعون الكيل والوزن جميعا وكانا مفرقين فى الحرمين كان اهل مكة يزنون واهل المدينة يكيلون وعن عكرمة أشهد أن كل كيال ووازن فى النار فقيل لو أن ابنك كيال او وازن فقال أشهد انه فى النار وعن الفضيل بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة وعن مالك بند ينار انه دخل على جار له احتضر فقال يا مالك جبلان من نار بين يدى أكلف الصعود عليهما فسألت اهله فقال او كان له مكيلان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فدعوت بهما فضرت احدهما بالآخر حتى كسرتهما ثم سألت الرجل فقال ما يزداد الامر على العظما ودر فصول سبعين آورده كه هركه دركيل ووزن خيانت كند فردا اورا بقعر دوزخ درآورده ميان دوكوه ازآتش بنشانند وكويند كلهما وزنهما آرا ميستجد وميسوزد
توكم دهى وبيش ستانى بكيل ووزن ... روزى بود كه از كم وبيشت خبر كنند(17/80)
الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2)
{ الذين } الخ صفة كاشفة للمطففين شارحة لكيفية تطفيفهم الذى استحقوا به الذم . والدعاء بالويل { اذا اكتالوا على الناس } اى من الناس مكيلهم بحكم الشرآء ونحوه والاكتيال الاخذ بالكيل كالاتزان الاخذ بالمزان { يستوفون } الاستيفاء عبارة عن الاخذ الوافى اى يأخذونه وافيا وافرا وتبديل كلمة من بعلى لتضمين الاكتيال معنى الاستيلاء او للاشارة الى انه اكتيال مضربهم لكن لا على اعتبار الضرر فى حيز الشرط الذى تتضمنه كلمة اذا لا خلاله بالمعنى بل فى نفس الامر بموجب الجواب فان المراد بالاستيفاء ليس أخذ الحق وافيا من غير نقص بل مجرد الاخذ الوافى الوافر حسبما أرادوا فأى وجه يتيسر من وجوه الحيل وكانوا يفعلونه بكبس الكيل وتحريك المكيال والاحتيال فى ملئه فيسرقون من افواه المكاييل وألسنة الموازين .(17/81)
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)
{ واذا كالوهم او وزنهم } الكيل بيمودن به بيمانه تا مقدارمكيل معلوم كردد .
والوزن والزنة سنجيدن تا مقدار موزون معلوم شود . اى واذا كالوا للناس او وزنوا لهم المبيع ونحوه بالفارسية وجون مى بيمايند برى ناس ويامى سنجند حقوق ايشانرا . فحذف الجار واوصل الفعل كما قال فى تاج المصادر وزنت فلانادرهما ووزنت لفلان بمعنى والاصل اللام ثم حذفت فوصل الفعل ومنه الآية انتهى فلفظ هم منصوب المحل على المفعولية لا مرفوعه على التأكيد للواو لان واو الجمع اذا تصل به ضمير المفعول لا يكتب بعده الالف كما فى نصروك ومنه الآية اذ لم يكتب الالف فى المصحف واذا وقع فى الطرف بأن يكون الضمير مرفوعا واقعا للتأكيد فحيئذ يكتب بعده الالف لان المؤكد ليس كالجزء مما قبله بخلاف المفعول واما نحو شاربو الماء فالاكثر على حذف الالف لقلة الاتصال واو الجمع بالاسم هذا فان قلت خط المصحف خارج عن القياس قلت الاصل فى امثاله اثباته فى المصحف فلا يعدل عنه { يخسرون } اى ينقصون حقوقهم مع ان وضع الكيل والوزن انما هو للتسوية والتعديل يقال خسر الميزان واخسره يعنى كم كردومى كاست .
ولعل ذكر الكيل والوزن فى صورة الا خسار والاقتصار على الاكتيال فى صورة الاستيفاء بأن لم يقل اذ اكتالوا على الناس او اتزنوا لما أنهم لم يكونوا متمكنين من الاحتيال عند الاتزان تمكنهم منه عند الكيل والوزن كما قال فى الكشاف كأن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن الا بمكاييل دون الموازين لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة لانهم يزعزعون ويحتالون فى الملئ واذا اعطوا كالوا او وزنوا لتمكنهم من البخس فى النوعين جميعا انتهى ويؤيده الاقتصار على التطفيف فى الكيل فى الحديث المذكور سابقا وعدم التعرض للمكيل والموزون فى الصورتين لان مساق الكلام لبيان سوء معاملتهم فى الاخذ والاعطاء لا فى خصوصية المأخوذ والمعطى قال أبو عثمان رحمه الله حقيقة هذه الآية عندى هو من يحس العبادة على رؤية الناس ويسيئ اذا خلا وفى التأويلات النجمية يشير على المقصرين فى اطاعة والعبادة الطالبين كمال الرأفة والرحمة الذين يستوفون من الله ميكال ارزاقهم بالتمام ويكيلونه مكيال الطاعة والعبادة بالنقص والخسران ذلك هو الخسران المبين وقال القاشانى يشير الى التطفيف فى الميزان الحقيقى الذى هو العدل والموزونات به هى الاخلاق والاعمال والمطففون هم الذي اذا اعتبروا كمالات انفسهم متفضلين على الناس يستوفون اى يكثرونها ويزيدون على حقوقهم فى اظهار الفضائل العلمية والعملية اكثر مما لهم عجبا وتكبرا واذا اعتبروا كمالاس الناس بالنسبة الى كمالاتهم اخسروا واستحقروها ولم يراعوا العدالة فى الحالين لرعونة انقسم ومحبة التفضل على الناس كقوله يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا . يقول الفقير فيه اشارة الى حال النفس القاصرة فى التوحيد الحقيقى فانها اذا اعطته الروح تخسره لنقصانها وصورها فيه على انه لا يدخل فى الميزان اذ لا مقابل له فمن ادخله فى الميزان فقد نقص شأنه وشأن نفسه ايضا واما التوحيد الرسمى فهى تستوفيه من الروح لانه حقها ولا نصيب سواه .(17/82)
أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)
{ ألا يظن } آيانمى بندارند { اولئك } المطففون الموصوفون بذلك الوصف الشنيع الهائل فقوله ألا ليست هى التى للتنبيه لان ما بعد حرف التنبيه مثبت وهنا منفى لان ألا التنبيهية اذا حذفت لا يختل المعنى نحو ألا انهم لفى سكرتهم يعمهون واذا حذفت ألا هذه اختل المعنى بل الهمزة الاستفهامية الانكارية داخلة على لا النافية وجوز أن تكون للعرض والتحضيض على الظن { انهم مبعوثون ليوم عظيم } لا يقادر قدر عظمه وعظم ما فيه من الاهوال ومحاسبون فيه على مقدار الذرة والخردلة فان من يظن ذلك وان كان ظنا ضعيفا فى حد الشك والوهم لا يتجاسر على امثال هاتيك القبائح فكيف بمن يتيقنه فذكر الظن للمبالغة فى المنع عن التطفيف والا فالمؤمن لا يكفى له الظن فى امر البعث والمحاسبة بل لا بد من الاعتقاد الجازم .(17/83)
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)
{ يوم يقوم الناس } منصوب باضمار أعنى { لرب العالمين } بتقدير المضاف اى لمجرد امره وحكمه بذلك لا لشئ آخر او لمحاسبة رب الالمين فيظهر هناك تطفيفهم ومجازاتهم او يقومون من قبورهم لرد رب العالمين ارواحهم الى اجسادهم روى انهم يقومون بين يدى الله تعالى اربعين عاما وفى رواية ثلاثمائة سنة من سنى الدنيا وعرق احدهم الى انصاف اذنيه لا يأتيهم خبر ولا يؤمر فيهم بأمر
وآن مقام هيبت باشد كه كس رازهرهء سخن نباشد ... ثم يخاطبون يفنى ازمقام هبيت بمقام محاسبة آرند
واما فى حق المؤمن فكون المكت كقدر انصرافهم من صلاة مكتوبة وفى تخصيص رب العالمين من بين سائر الصفات اشعار بالماليكة والتربية فلا يمتنع عليه الظالم القوى لكونه مملوكا مسخرا فى قبضة قدرته ولا يترك حتى المظلوم الضعيف لان مقتضى التربية ان لا يضيع لاحد شيأ من الحقوق وفى هذه التشديدات اشارة الى ان التطفيف وان كان يتعلق بشئ حقير لكنه ذنب كبير قيل كل من نقص حق الله من زكاة وصلاة وصوم فهو داخل تحت هذا الوعيد وعن ابن عمر رضى الله عنهما انه قرأ هذه السورة فلمابلغ الى قوله يوم يقوم الناس لرب العالمين بكى نحيبا اى رفع الصوت وامتنع من قرآءة ما بعد من غلبة البكاء وملاحظة الحساب والجزاء وقال أعرابى لعبد الملك بن مروان انك قد سمعت ما قال تعالى فى المطففين وأراد بذلك ان المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم فى أخذ القليل فما ظنك بنفسك وأنت تأخذو اموال المسلمين بلا كيل ووزن .(17/84)
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)
{ كلا } ردع عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن العبث والحساب فيحسن الوقف عليه وان كان بمعنى حقا فلا لكونه حينئذ متصلا بما بعده { ان كتاب الفجار لفى سجين } تعليل للردع والكتاب مصدر بمعنى المكتوب كاللباس بمعنى الملبوس او على حاله بمعنى الكتابة واللام للتأكيد وسجين علم الكتاب جامع هو ديوان الشر دون اعمال الشياطين واعمال الكفرة والفسقة من الثقلين منقول من وصف كحاتم وهو منصرف لانه ليس فيه الا سبب واحد وهو التعريف واصله فعيل من السجن مبالغة الساجن او لانه مطروح كما قيل تحت الارض السابعة فى مكان مظلم وحش وهو مسكن ابليس وذريته اذلالاهم وتحقير الشأنهم وتشهده الشياطين المدحورون كما ان كتاب الابرار يشهده المقربون فالسجين مبالغة المسجون والمعنى ان كتاب الفجار الذين من جملتهم المطففون اى ما يكتب من اعمالهم او كتابة اعمالهم لفى ذلك الكتبا المدون فيه قبائح اعمال المذكورين وفى التأويلات النجمية اى كتاب استعدادهم الفطرى مكتوب فى ديوان سجين طبيعتهم المجبولة على الفسق والفجور بقلم اليد اليسرى على ورق صفحة جبينهم كما قال عليه السلام « السعيد من سعد فى بطن امه والشقى من شقى فى بطن امه »(17/85)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8)
{ وما ادراك ما سجين } تهويل لامره اى هو بحيث لا يبلغه دراية احد .(17/86)
كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)
{ كتاب مرقوم } قال الراغب الرقم الخط الغليظ وقيل هو تعجم الكتاب وقوله كتاب مرقوم حمل على الوجهين انتهى اى هو مسطور بني الكتابة بحيث كل من نظر اليه يطلع على ما فيه بلا دفة نظر وامعان توجه او معلم يعلم من رآه انه لا خير فيه لاهاليه اى ذلك الكتاب مشتمل على علامة دالة على شقاوة صاحبه وكونه من اصحاب النار وكونه علامة الشر يستفاد من المقام لانه مقام التهويل وقال القفال قوله كتاب مرقوم ليس تفسيرا لسجين بل هو خبر لان والمعنى ان كتاب الفجار لفى سجين وانه كتاب مرقوم وقوله وما ادراك ما سجين وقع معترضا بين الخبرين وقال القاشانى ان كتاب الفجار اى ما كتب من اعمال المرتكبين للرذآئل الذين فجروا بخروجهم عن حد العدالة المتفق عليها الشرع والعقل لفى سجين فى مرتبة من الوجود مسجون اهلها فى حبوس ضيقة مظلمة يزحفون على بطونهم كالسلاحف والحيات والعقارب الاء أخساء فى اسفل مراتب الطبيقة ودركاتها وهو ديوان اعمال اهل الشر ولذلك فسر بقوله كتاب مرقوم اى ذلك المحل المكتوب فيه اعمالهم كتاب مرقوم برقوم هيئات رذآئلهم وشرورهم(17/87)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10)
{ ويل } عظيم { يومئذ } اى يوم يقوم الناس لرب المهين فهو متصل به وما بينهما اعتراض وقال بعضهم اى يوم اذا أعطى ذلك الكتاب { للمكذبين } وقال الكاشفى ويل كلمه ايست جامع همه بديها يعنى عذاب وعقاب وشدت ومحنت دران روزمر مكذبان راست .(17/88)
الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11)
{ الذين يكذبون بيوم الدين } صفة ذامة للمكذبين كقولك فعل ذلك فلان الفاسق الخبيث لان تكذيبهم بيوم الدين علم من قوله ألا يظن اولئك الخ قال بعض اهل الاشارة المكذبون بالحق وآياته هم ارباب النفوس الذين اقبلوا على الدنيا وأعرضوا عن الحق ودينه الذى هو دين الاسلام وكل يجازى بحسب دينه فمن لا دين له فجزآؤه سوء الجزاء والويل العظيم ومن له دين فجزآؤه حسن الجزآء ورؤية الوجه الكريم فعليك بالتصديق .(17/89)
وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
{ وما يكذب به الا كل معتد } متجاوز عن حدود النظر والاعتبار غال فى التقليد حتى استقصر قدرة الله على الاعادة مع مشاهدته للبدء كالوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث ونحوهما { اثيم } كثير الاثم اى منهمك فى الشهوات الناقصة الفانية بحيث شغلته عما ورآءها من اللذات التامة الباقية وحملته على انكارها فالاعتدآء دل على اهمال القوة النظرية التى كما لها ان يعرف الانسان وحدة الصانع واتصافه بصفات الكمال مثل العلم والارداة والقدرة نحوها والاثم دل على اهمال القوة العملية التى كمالها ان يعرف الانسان الخبر لاجل العمل به .(17/90)
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)
{ اذا تتلى عليه آياتنا } الناطقة بذلك { قال } من فرط جهله واعراضه عن الحق الذى لا محيد عنه { أساطير الاولين } اى هى حكايات الاولين واخبارهم الباطلة قال فى فتح الرحمن هى الحكايات التى سطرت قديما وهى جمع اسطورة بالضم واسطارة بالكسر وهى الحديث الذى لا نظام له .(17/91)
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
{ كلا } ردع للمعتدى عن ذلك القول الباطل وتكذيب له فيه ويجوز أن يكون ردعا عن مجموع التكذيب والقول { بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } قرأ حفص عن عاصم بل باظهار اللام مع سكته عليها خفيفة بدون القطع ويبتدئ ران وقرأ الباقون بادغام اللام فى الرآء ومنهم حمزة والكسائى وخلف وأبو بكر عن عاصم يميلون فتحة الرآء قال بعض المفسرين هرب حفص من اجتماع ثقلتى الرآء المفخمة والادغام انتهى ويرد عليه قل رب فانه لا سكتة فيه بل هو بادغام احد المتقاربين فى الآخرة فالوجه انه انما سكت حفص على لام بل ران وكذا على نون من راق خوف اشتباهه بتثنية البر ومبالغة مارق حيث يصير بران ومراق وما موصوله والعائد محذوف ومحلها الرفع على الفاعلية والمعنى ليس فى آياتنا ما يصح ان يقال فى شأنها مثل هذه المقالات الباطلة بل ركب قلوبهم وغلب عليها ما كانوا يكسبونه من الكفر والمعاصى حتى صارت كالصدأ فى المرءآة فحال ذلك بينهم وبين معرفة الحق كما قال عليه السلام « ان العبد كلما اذنب ذنبا حصل فى قلبه نكتة سودآء حتى يسود قلبه » ولذلك قالوا ما قالوا والرين صدأ يعلو الشئ الجلى والطبع والدنس وران ذنبه على قلبه رينا وريونا غلب وكل ما غلبك رانك وبك وعليك كما فى القاموس وران فيه النوم رسخ فيه وفى التعريفات الران هو الحجاب الحائل بين القلب وعالم القدس باستيلاء الهيئات النفسانية ورسوخ الظلمانية الجسمانية فيه بحيث ينحجب عن أنوار الربوبية بالكلية والغين بالمعجمة دون الرين وهو الصدأ فان حجاب رقيق يزول بالتصفية ونور التجلى لقاء الايمان معه والرين هو الحجاب الكثيف الحائل بين القلب والايمان ولهذ قالوا الغين هو الاحتجاب عن الشهود مع صحة الاعتقاد والطبع ان يطبع على القلب والاقفال ان يقفل عليه قيل الاقفال اشد من الطبع كما ان الطبع اشد من الرين قال القاشانى فى الآية اى صار صدأ عليه بالرسوخ فيها وكدرجوهرها وغيرها عن طبعها والرين حد من تراكم الذنب ورسوخه تحقق عنده الحجاب والغلق باب المغفرة نعوذ بالهل منه قال أبو سليمان الدارانى قدس سره الران والقسوة همازماما الغفلة فمن تيقظ وتكذرأ من من القسوة والرين ودوآؤهما ادمان الصيام فان وجد بعد ذلك قسوة فليترك الادام وقال بعض الكبار القلب مرءآة مصقولة كلها وجه فلا تصدأ ابدا وان اطلق عليها الصدأ فى نحو حديث ان القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد وان جلاءها ذكر الله وتلاوة القرءآن فليس المراد بذلك الصدأ انه طخاء طلع على وجه القلب ولكنه لما تعلق واشتغل بعلم الاسباب عن العلم بالمسبب كان تعلقه بغير الله صدأ على وجه القلب مانعا من تجلى الحق اليه اذا لحضرة الآلهية متجلية على الدوام لا يتصور فى حقها حجاب عنا فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعى المحمود وقيل غيرها عبر عن قبول الغير بالصدأ ولكن والقفل وغير ذلك وقد نية الله على ذلك فى قوله وقالوا قلوبنا فى اكنة مما تدعونا اليه فهى فى اكنة مما يدعوها الرسول اليه خاصة لا انها فى كن مطبقا فلما تعلقت بغير ما تدى اليه عميت عن ادراك ما دعيت اليه فلم تبصر شيأ فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء مقصولة صافية ( قال المولى الجامى )(17/92)
مسكين فقيه ميكند انكار حسن دوست ... با او بكوكه ديدهء جانرا جلى كند(17/93)
كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)
{ كلا } ردع وزجر عن الكسب الرآئن اى الموقع فى الرين { انهم } اى المكذبين { عن ربهم } وهو وقوله { يومئذ } اى يوم اذ يقوم الناس لرب العالمين متعلقان بقوله { لمحجوبون } فلا يرونه لانهم باكسابهم القبيحة صارت مرآءة قلوبهم ذات صدأ وسرت ظلمة الصدأ منها الى قوالبهم فلم يبق محل النور التجلى بخلاف المؤمنين فانهم يرونه تعالى لانهم باكسابهم الحسنة صارت مرآئى قلوبهم مصقولة صافية وسرى نور يرونه تعالى لانهم باكسابهم الحسنة صارت مرآئى قلوبهم مصقولة صافية وسرى نور الصقالة والصفوة منها الى قوالهم فصاروا مستعدين لانكعاس نور التجلى فى قلوبهم وقوالبهم وصاروا وجوها من جميع الجهات كوجود الوجه الباقى بل ابصارا بالكلية سئل مالك بن انس رحمه الله عن هذه الآية فقال لما حجب اعدآؤه فلم يروه لا بد ان يتجلى لاوليائه حتى يروه يعنى احتج الامام مالك بهذه الآية على مسألة الرؤية من جهة دليل الخطاب والا فلو حجب الكل لم يبق للتخصيص فائدة وكذلك . آنكاه دريمان دوست ودشمن فرق نماند كوبى بهشت ميهمانيست
بى ديدن ميزبان جه باشد ... جون دشمن ودوست راجه باشد
بس فرق دران ميان جه باشد .
وعن الشافعى رحمه الله لما حجب قوما بالسخط دل على ان قوما يرونه بالرضى وقال شيخ الاسلام عبد الله النصارى رحمه الله لمحجوبون عن رؤية الرضى فان الشقى يراه غضبان حين يتجللى فى المحشر قبل دخول الناس الجنة وقال حسين بن الفضل رحمه الله كما حجبهم فى الدنيا عن توحيده حجبهم فى الآخرة عن رؤيته فالموحد غير محجوب عن ربه وقال سهل رحمه الله حجبهم عن ربهم قسوة قلوبهم فى العاجل وما سبق لهم من الشقاوة فى الازل فلم يصلحوا لبساط القرب والمشاهدة فابعدوا وحجبوا والحجاب هو الغاية فى البعد والطرد وقال ابن عطاء رحمه الله الحجاب حجابان حجاب بعد وحجاب ابعاد فحجاب البعد لا تقريب فيه أبدا وحجاب الابعاد يؤدب ثم يقرب كآدم عليه السلام وقال القاشانى انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون لامتناع قبول قلوبهم للنور وامتناع عودها الى الصفاء الاول الفطرة كالماء الكبريتى مثلا اذ لوروق او صعد لما رجع الى الطبيعة المائية المبردة لاستحالة جوهره بخلاف الماء المسخن استحالت كيفيته دون طبيعته ولهذا استحقوا الخلود فى العذاب وفى المفردات الحجب المنع عن الوصول والآية اشارة الى منع السور عنهم بالاشارة الى قوله فضرب بينهم بسور اى بحجاب يمنع من وصول لذة الجنة الى اهل النار وأذية اهل النار الى اهل الجنة وقال صاحب الكشاف كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم واهانتهم لانهم لا يؤذن على الملوك الا للوجهاء المكرمين لديهم ولا يحجب عنهم الا الا دنياء المهانون عندهم قال .(17/94)
اذا اعتروا باب ذى مهابة رجبوا . والناس ما بين مرجوب ومحجوب انتهى اى ما بين معظمم ومهان وانما جعله تمثيلا لا كناية اذ لا يمكن ارادة المعنى الحقيقى على زعمه من حيث انه معتزلى قال بعض المفسرين جعل الآية تمثيلا عدول عن الظاهر وهو مكشوف فان ظاهر قولهم هو محجوب عن الامير يفيد أنه ممنوع عن رؤيته وهو أكبر سبب الاهانة وما نقل عن ابن عباس رضى الله عنه لمحجوبون عن رحمته وعن ابن كيسان عن كرامته فالمراد به بيان حاصل المعنى فان المحجوب عن الرؤية ممنوع عن معظم الرحمة والكرامة فالآية من جملة ادلة الرؤية فالحمد لله تعالى على بذل نواله وعطائه وعلى شهود جماله ولقائه .(17/95)
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16)
{ ثم انهم } مع كونهم محجوبين عن رؤية الله { لصالوا الجحيم } اى دخلوا النار ومباشر واحرها من غير حائل اصله صالون حذفت نونه بالاضافة وثم لتراخى الرتبة فان صلى الجحيم أشد من الحجاب والاهانة والحرمان من الرحمة والكرامة فان الحجاب وان كان من قبيل العذاب الروحانى وهو أشد من العذاب الجسمانى لكن مجرد النجاة من النار أهون من العذاب لان فىلاعذاب الحسى حصور العذابين كما لا يخفى .(17/96)
ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)
{ ثم يقال } لهم توبيخا وتقريعا من جهة الزبانية وانما طوى ذكرهم لان المقصود ذكر القول لا القائل مع ان فيه تعميما لاحتمال القائل وبه يشتد الخوف { هذا } العذاب وهو مبتدأ خبره قوله { الذى كنتم } فى الدنيا { به } متعلق بقوله { تكذبون } فذوقوه وتقديمه لرعاية الفاصلة لا للحصر فانهم كانوا يكذبون احكاما كثيرة .(17/97)
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18)
{ كلا } ردع عما كانوا عليه بعد ردع وزجر بعد زجر { ان كتاب الابرار } اى الاعمال المكتوبة لهم على ان الكتاب مصدر مضاف الى مقدر { لفى عليين } لفى ديوان جامع لجميع اعمال الابرار فعليون علم لديوان الخير الذى جون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين منقول من جمع على على فعيل من العلو للمبالغة فيه سمى بذلك اما لانه سبب الارتفاع الى اعالى الدرجات فى الجنة واما لانه مرفوع فى السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون تكريما له وتعظيما وروى ان الملائكة لتصعد بعمل العبد فيستقلونه فاذا انتهوا الى ما شاء الله من سلطانه أوحى اليهم انكم الحفظة على عبدى وانا الرقيب على ما فى قلبه وانه اخلص عمله فاجعلوه فى عليين فقد غفلت له لوانها تصعد بعمل العبد فيزكونه فاذا انتهبوا به الى ما شاء الله اوحى اليهم أنتم الحفظة وعلى عبدى وأنا الرقيب على قلبه وانه لم يخلص فى عمله فاجعلوه فى سجين وفيه اشارة الى ان الحفظة لا يطلعون على الاخلاص والرياء الا بطالع الله تعالى(17/98)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19)
{ وما أدراك ما عليون } اى هو خارج عن دآئرة دراية الخلق .(17/99)
كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20)
{ كتاب مرقوم } اى هو مسطور بين الكتابة يقرأ بلا تكلف او معلم بعلامة تدل على سعادة صاحبه وفوزه بنعيم دآئم وملك لا يبلى ولما كان عليون علما منقولا من الجمع حكم عليه بالمفرد وهو كتاب مرقوم واعرب باعراب الجمع حيث جرأ ولا بفى ورفع بالخبرية لملا الاستفهامية لكونه فى صورة الجمع وقيل اسم مفرد على لفظ الجمع كعشرين وامثاله فليس له واحد .(17/100)
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)
{ يشهده } الملائكة { المقربون } عند الله قربة الكرامة اى يحضرونه ويحفظونه من الضياع وفى فتح الرحمن هم سبعة املاك من مقربى لاسماء من كل سماء ملك مقرب فيحضره ويشيعه حتى يصعد به الى ما يشاء الله ويكون هذا فى كل يوم او يشهدون بما فيه يوم القيامة على رؤوس الاشهاد وبه تبين سر ترك الظاهر بأن يقال طوبى يومئذ للمصدقين بمقابلة ويل يومئذ للمكذبين لان الاخبار بحضور الملائكة تعظيما واجلالا يفيد ذلك مع زيادة فخم كل واحد بما يصلح سواه مكانه وقال القاشانى ما كتب من صور أعمال السعدآء وهيئات نفوسهم النورانية وملكاتهم الفاضلة فى عليين وهو مقابل لسجين فى علوه وارتفاع درجته وكونه دويان اعمال اهل الخير كما قال كتاب مرقوم اى محل شريف رقم بصور اعمالهم من جرم سماوى اوعنصر انسانى يحضر ذلك المحل اهل الله الخاصة من اهل التوحيد الذاتى .(17/101)
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23)
{ ان الابرار } اى السعدآء الاتقياء عن درن صفات النفوس { لفى نعيم } ثم وصف كيفية ذلك النعيم بأمور ثلاثة اولها قوله { على الارآئك } اى على الاسرة فى الحجال يعنى برتختاهى آرساته .
ولا يكاد تطلق الاريكة على السرير عندهم الا عند كونه فى الحجلة وهو بالتحريك بيت العروس يزين بالثياب والاسرة والستور { ينظرون } اى ما شاؤوا امد اعينهم اليه من رغائب مناظز الجنة والى ما اولاهم الله من النعمة والكرامة يعنى مى نكرندبجز هاكه ازان شادمان وفرحناك ميكردند از صور حسنه ومنتزهات بهيه .
وكذا الى اعدآئهم يعذبون فى النار وما تحجب الحجاب ابصارهم عن الادراك للطافتها وشفوفها اى رقتها فحذف المفعول لتعميم وقوله على الارآئك ويجوز ان يكون خبرا بعد خبر وان يكون حالا من المنوى فى الخبر او فى الفاعل فى ينظرون والتقديم لرعاية فواصل الآى واما ينظرون فيجوز ان يكون مستأنفا وأن يكون حالا اما من الموى فى الخبراو فى الظرف اى ناظرين قال ابن عطاء رحمه الله على ارآئك المعرفة ينظرون الى المعروف وعلى اراآئك القربة ينظرون الى الرف وفيه اشارة الى ان أرباب المقامات العالية ينظرون الى جميع مراتب الوجود لا يحجبهم شئ عن المطالعة بخلاف الاغيار فانهم محجوبون عن مطالعة احوال اهل الملكوت ورمز الى ان لكل من أهل روضة مخصوصة من الاسماء والصفات فمنها ينظرون فمنهم عال واعلى وليس الاشراف على الكل الا لاشرف الاشراف وهو قطب الاقطاف .(17/102)
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)
{ تعرف فى وجوههم نضرة النعيم } وهو ثانى الاوصاف اى بهجة التنعم وماءه ورونقه اى اذا رأيتهم عرفت انهم اهل النعمة بسبب ما يرى فى وجوههم من القرآئن الدالة على ذلك كالضحك والاستبشار كما يرى فى وجوه الاغنياء وأهل اترفه فمن هذا الاخير تعرف على ترى مع ان المعرفة تتلعق بالخفيات غالبا والرؤية بالجليات غالبا والخطاب لكل احد ممن له حظ من الخطاب للايذان بأن مالهم من آثار النعمة واحكام البهجة بحيث لا يختص برؤية رآئ دون رآئ قال جعفر رضى الله عنه يعنى لذة النظر تنلألأ مثل الشمس فى وجوههم اذا رجعوا مالا زيارة الله الى اوطانهم وقال بعضهم تعرف فى وجوههم رضى محبوبهم عنهم .(17/103)
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)
قيل بعض رحيق او مقدر معلوم اى شرابا كائنا من رحيق مبتدأ منه فمن ابتدآئية والرحيق صافى الخمر وخالها والمعنى يسقون فى الجنة من شراب خالص لا غش فيه ولا ما يكرهه الطبع ولا شئ يفسده وايضا صاف عن كدورة الخمار وتغيير النكهة وايرات الصداع { مختوم ختامه } اى ما يختم ويطبع به { مسك } وهو طيب معروف اى مختوم اوانيه واكوابه بالمسك مكان الطين قال فى كشف اسرارا ما ختم به مسك رطب ينطبع فيه الخام امر الله باختم عليه اكراما لاصحابه فختم ومنع أن يمسه ماس او تتناوله يد الى أن يفك ختمه الابرار والاظهر انه تمثيل لكمال نفاسته اذا لشئ النفيس يختم لا سيما اذا كان ما يختم به المسك مكان الطين وقيل ختام الشئ خاتمته وآخره فمعنى ختامه مسك ان الشارب اذا رفع فاه من آخر شربه وجد رآئحة كرآئحة المسك او وجد رآئحة المسك لكونه ممزوجا به كالاسربة الممسكة فى الدنيا فانه يوجد فيه رآئحة المسك عند خاتمة الشرب لا فى اول زمان الملابسة بالشرب وعن أبى الدردآء رضى الله عنه ان الرحيق شراب ابيض مثل الفضة يختمون به آخر شربهم ولو أن رجلا من اهل الدنيا ادخل فيه يده ثم اخرجها لم يبق ذو روح الا وجد طيب ريحه .(17/104)
وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)
{ وفى ذلك } الرحيق خاصة دون غيره من النعيم المكدر السريع الفناء او فيما ذكر من احوالهم لا فى احوال غيرهم من اهل الشمال { فليتنافس المتنافسون } فليرغب الراغبون بالمبادرة الى طاعة الله يعنى عمل بجاى آرندكه سبب استحقاق شرب آن كردند . والامر للتحضيض والترغيب ظاهرا وللوجوب باطنا بوجوب الايمان والطاعة واصل التنافس التغالب فى الشئ النفيس اى المرغوب كأن كل واحد من الشخصين يريد أن يستأثر به واصله من النفس لعزتها وقال البغوى اصله من الشئ النفيس الذى يحرص عليه نفوس الناس ويريده كل احد لنفسه وينفس به على غيره اى يبخل وفى المفردات المنافسة مجاهدة النفس للتشبه بالافاضل واللحوق بهم من غير ادخال ضرر على غيره قال ذو النون المصرى رحمه الله علامة التنافس تعلق القلب به وطيران الضمير اليه والحركة عند ذكره والتباعد من الناس والانس بالوحدة والبكاء على ما سلف وحلاوة سماع الذكر والتدبر فى كلام الرحمن وتلقى النعم بالفرح والشكر والتعرض للمناجاة .(17/105)
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)
{ ومزاجه من تسنيم } عطف على ختامه صفة اخرى لرحيق مثله وما بينهما اعتراض مقرر لنافسته اى ما يمزج به ذلك الرحيق من ماء تسنيم وهو علم العين بعينها تجرى من جنة عدن سميت بالتسنيم الذى هو مصدر سنمه اذا رفعه اما لانها ارفع شراب فى الجنة قدرا فيكون من علو المكانة واما لانها تأيتهم من فوق فيكون من علو المكان روى انها تجرى فى الهوآء متنسمة فتنصب فى أوانيهم فاذا امتلأت امسك الماء حتى لا يقع منه قطرة على الارض فلا يحتاجون الى الاستقاء .(17/106)
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29)
{ عينا } نصب على المدح والاختصاص اى بتقدير أعنى { يشرب بها المقربون } من جناب الله قربا معنويا روحانيا اى يشربون ماءها صرفا وتمزج لسائر اهل الجنة وهم اصحاب اليمن فالباء مزيدة او بمعنى من وفيه اشارة الى التسنيم فى الجنة الروحانية هو معرفة الله ومحبته ولذة النظر الى وجهه الكرمي والرحيق هو الاتبهاج تارة بالنظر الى الله واخرى بالنظر الى مخلوقاته فالمقربون افضل من الابرار بمحبت غير نيا ميخته اندشراب ايشان صرفست وآنهاكه محبت ايشان آميخته باشد شراب ايشان ممزوج باشد
ما شراب عيش ميخواهيم بى دردئ غم ... صاف نوشان ديرودردى فروشان ديكرند
وقال بعضهم
تسبيح رهى وصف جمال توبست ... وزهر دوجهان ورا وصال توبست
اندردل هركسى ذكر مقصوديست ... مقصود دل رهى خيال توبست
ودر بحر الحقائق آورده كه رحيق اشارتست بشراب خالص ازكدورات خمار كونين واوانى مختومهء رى قلوب اولياء واصفيا كه ختام اومسك محبت است لا يشرب من تلك الاوانى الا الطالبون الصادقون فى طريق السلوك الى الله ( على نفسه فليبك من شاع عمره . وليس له منها نصيب ولا سهم ) وتسنيم اعلاى مراتب محبت ذاتيه كه غير ممزوج باشد بصفات وافعال ومقربان اهل فنا ف الله وبقا بالله انه كما قال العارف فى خمر المحبة الصرفة الخالصة من المزج
عليك بها صرفا فان شئت مزجها ... فعد لك عن ظلم الحبيب هو الظلم
العدل بمعنى العدول والظلم بالفتح هو ماء الاسنان وبريقها وبالضم هو الجور أى فان شئت مزجها فامزجها بزلال فم الحبيب وبريقه ان لم يتقدر على شربها صرفا ولا تعدل فان العدول عن ظلم الحبيب ورشحة زلاله هو الظلم . وتاكسى بربساط قرب در مجلس انس ورياض قدس ازدست ساقئ رضا جرعهء ازين شراب ناب نجشد بويى ازسراين سخنان بمشام جان وى نرسد
سرمايهء ذوق دوجهان مستى عشقست ... آنهاكه ازبن مى نجشيد ندجه دانند(17/107)
وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30)
{ ان الذين اجرموا } كانوا ذوى جرم وذنب ولا ذنب اكبر من الكفر واذى المؤمنين لايمانهم فالمراد بهم رؤساء قريش واكابر المجرمين المشركين كأبى جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وامثالهم { كانوا } فى الدنيا { من الذين آمنوا } ايمانا صادقا { يضحكون } اى يستهزئون بفقرآئهم كعمار وصهيب وبلال وخباب وغيرهم وتقدم الجار والمجرور لمراعاة الفواصل .(17/108)
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)
{ واذا مروا } اى فقرآء المؤمنين { بهم } اى بالمشركين وهم فى أنديتهم وهو الاظهر وان جاز العكس ايضا يقال مرمرا ومرورا جازو ذهب كاستمر ومره وبه جاز عليه كما فى القاموس قال فى تاج المصادر المر بكذشتن بكسى . ويعدى بالباء وعلى { يتغامزون } اى يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم ويعيبونهم ويقولون انظروا الى هؤلاء يتعبون انفسهم ويتركون اللذات ويتحملون المشقات لما يرجونه فى الآخر من المثوبات وامر البعث والجزآء لا يقين به وانه بعيد كل البعد والتغامز تفاعل من الغمز وهو الاشارة بالجفن والحاجب ويكون بمعنى العيب ايضا وفى التاج التغامز يكديكررا بجشم اشارة كردن .(17/109)
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32)
{ واذا انقلبوا } من مجالسهم { الى اهلهم } الى اهل بيتهم واصحابهم كونهم { فاكهين } متلذذين بذكرهم بالسوء والسخرية منهم وفيه اشارة الى انهم كانوا لا يفعلون ذلك بمرأى من المارين ويكتفون حينئذ بالتغامز .(17/110)
وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33)
{ واذا رأوهم } اى المجرمون المؤمنين اينما كانوا { قالوا } مشيرين الى المؤمنين بالتحقير { ان هؤلاء لضالون } اى نسبوا المسلمين ممن رأوهم ومن غيرهم الى الضلال بطريق التاكيد وقالوا تركوا دين آبائهم القديم ودخلوا فى الدين الحادث او قالوا تركوا التنعم الحاضر بسبب طلب ثواب لا يدرى هل له وجود أولا وهذا كما ان بعض غفلة العلماء ينسبون الفقرآء السالكين الى الضلال والجنون خصوصا اذا كان اهل السلوك من اهل المدرسة فانهم يضللونه أكثر من تضليل غيره
منعم كنى زعشق وى اى زاهد زمان ... معذور دارمت كه تواور انديده(17/111)
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)
{ وما ارسلوا } اى المجرمون { عليهم } اى على المسلمين { حافظين } حال من واو قالوا اى قالوا ذلك والحال انهم ما ارسلوا من جهة الله موكلين بهم يحفظون عليهم امورهم ويهيمنون على اعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم وانما امروا باصلاح انفسهم واى نفع لهم فى تتبع احوال غيرهم وهذا تهكم بهم واشعار بان ما اجترأوا عليه من القول من وظائف من ارسل من جهته تعالى وقد جوز أن يكون ذلك من جملة قول المجرمين كأنهم قالوا ان هؤلاء لضالون وما ارسلوا علينا حافظين انكارا لصدهم عن الشرك ودعائهم الى الاسلام وانما قيل نقلا له بالمعنى .(17/112)
عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35)
{ فاليوم الذين آمنوا } اى المعهودون من الفقرآء { من الكفار } المعهودين وهو الاظهر وان امكن التعميم من الجانبين { يضحكون } حين يرونهم اذلاء مغلولين وغشيهم فنون الهوان والصغار بعد العز والكبر ورقهم ألوان العذاب بعد التنعم والترفه قال فى بعض التفاسير لعل الفاء جواب شرط مقدر كأنه قيل اذا عرفتم ما ذكر فاعلموا ان اليوم اى يوم القيامة فاللام للعهد والذين مبتدأ ومن الكفار متعلق بقوله يضحكون وحرام للوهم ان يتوهم كونه بيانا للموصول نظرا الى ظاهر الاتصال من غير تفكر فى المعنى ويضحكون خبر المبتدأ وهو ناصب اليوم لصحة المعنى { على الارآئك } برتختهاى آراسته بادروياقوت { ينظرون } اى يضحكون منهم حال كونهم ناظرين اليهم والى ما فيهم من سوء الحال فهو حال من فاعل يضحكون .(17/113)
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
{ هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون } كلام مستأنف من قبل الله او من قبل الملائكة والاستفهام للتقرير وثوب بمعنى يثوب عبر عنه بالماضى لتحققه والتثويب والاثابة المجازاة استعمل فى المكافاة بالشر قال الراغب الاثابة تستعمل فى المحبوب نحو فأثابهم الله بما قالوا جنات وقد قيل ذلك فى المكروه نحو فأثابكم غما بغم على الاستعارة والتثويب فى القرءآن لم يجئ الا فى المكروه ثوب الخ انتهى وفى تاج المصادر التثويب باداش دادن وفى تهذيب المصادر التثويب ثواب دادن وفى القاموس التثويب التعويض انتهى وهو الموافق لما فى التاج والمراد بما كانوا يفعلون استهزآؤهم بالمؤمنين وضحكهم منهم وهو صريح فى ان ضحك المؤمنين منهم فى الآخرة انما هو جزآء لضحك الكافرين منهم فى الدنيا وفيه تسلية للمؤمنين بانه سينقلب الحال ويكون الكفار مضحوكا منهم وتعظيم لهم فان اهانة الاعدآء تعظيم للاولياء والله ينتقم لاوليائه من اعدآئهم فانه يغضب لاوليائه كما يغضب الليث الجرى لجروه ومن الله العصمة وعلم منه ان الضحك والاستهزآء والسخرية والغمز من الكبائر فالحائض فيها من المجرمين الملحقين بالمشركين نسأل الله السلامة .(17/114)
إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)
{ اذا السماء انشقت } اعرابه كأعراب اذا السماء انفطرت اى انفتحت بغمام أبيض يخرج منها كقوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام والباء للآلة كما فى قولك انشقت الارض بالنبات وفى ذلك الغمام الملائكة ينزلون وفى ايديهم صحائف الاعمال او فيه ملائكة العذاب وكان ذلك اشد وافظع من حيث انه جاءه العذاب من موضع الخير فيكون انشقاق السماء لنزول الملائكة بالاوامر الالهية وقيل للسقوط والانتقاض وقيل لهول القيامة وكيف لا تنشق وهى فى قبضه قهره اقل من خردلة ولا منع من جميع هذه الاقوال فانها تنشق لهبة الله فتنزل الملائكة ثم يؤول امرها الى الفساد والاختلال وعن على رضى الله عنه تنشق من المجرة وهى بفتح الميم باب السماء اى البياض المستطيل فى وسط السماء سميت بذلك لانها كاثر المجر ويقال لها بالفارسية راه حاجيان وكهكشان .
تنشق السماء من ذلك الموضع كأنه مفصل ملتئم فتصدع منه(17/115)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)
{ واذنت لربها } واستمعت اى انقادت وأذعنت لتأثير قدرته تعالى حين تعلقت قدرته وارادته بانشقاقها انقياد المأمور المطاع اذا ورد عليه امر الآمر المطاع فهو استعارى تمثيلية متفرعة على المجاز المرسل يعنى اذا اطلق الاذن وهو الاستماع فى حق من له حاسة السمع والاستماع بها يراد بها الاجابة والانقياد مجازا واذا اطلق فى حق نحو السماء مما ليس فى شأنه الاستماع والقبول يكون استعارة تمثيلية فقوله اتينا طائعين يدل على نفوذ القدرة فى الايجادوالابداع من غير ممانعة اصلا وقوله واذنت لربها يدل على نفوذ القدرة فى التفريق والاعدام من غير ممانعة اصلا والتعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة اليها للاشعار بعلة الحكم وهذا الانقياد عند ارباب الحقائق محمول على ن لها حياة وادراكا كسائر الحيوانات اذما من شئ الا وله نصيب من تجلى الاسم الحى وقد سبق مرارا { وحقت } من قولهم تعالى اى شأنها ذلك بالنسبة الى القدرة القاهرة الربانية التى يتأتى بها كل مقدور ولا يتخلف عنها امر من الامور وبالفارسية وخود آنرا جنين سزد . فحق الجملة ان تكون اعتراضا مقررة لما قبلها لا معطوفة عليه .(17/116)
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3)
{ واذا الارض مدت } اى بسطت بازالة جبالها وآكامها عن مقارها وتسويتها بحيث صارت كالصحيفة الملساء او زيدت سعة وبسطة من احد وعشرين جزأ الى تسعة وتسعين جزأ لوقوف الخلائق عليها للحساب ولالام تسعهم من مده بمعنى امده اى زاده وفى الجحديث اذا كان يوم القيامة مد الله الارض مد الاديم حتى لا يكون لبشر من الناس الا موضع قدميه يعنى يكثرة الخلائق فيها قوله مد الاديم لان الاديم اذا مد زال كل انثناء فيه واستوى وفى بعض الروايات مد الاديم العكاظى قال فى القاموس هو كغراب سوق بصحرآء بين نخلة والطائف كانت تقدم هلاك ذى القعد وتستمر عشرين يوما تجتمع قبائل العرب فيتعا كظون اى يتفاخرون ويتناشدون ومنه الاديم العكاظى انتهى .(17/117)
وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)
{ وألقت ما فيها } اى رمت ما فى جوفها من الموتى والكنوز الى ظاهرها كقوله تعالى واخرجت الارض أثقالها وهو من الاسناد المجازى والا فالالقاء والاخراج لله تعالى حقيقة فان قلت اخراج الكنوز وقت خروج الدجال لا يوم القيامة قلت يوم القيامة وقت متسع يجوز اعتباره من وقت خروجه ولو مجاز مجازا لانه الانه من اشراطه الكبرى فيكون اخراج الكنوز عند قرب الساعة واخراج الموتى عند البعث { وتخلت } وخلت عما فيها غاية الخلو حتى لم يبق فيها شئ منه كأنها تكلفت فى ذلك أقصى جهدها كما يقال تكرم الكريم وترحم الرحيم اذا بلغا جهدهما فى الكرم والرحمة وتكلفا فوق ما فى طبعهما .(17/118)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)
{ واذنت لربها } وانقادت له فى الالقاء والتخلى { وحقت } اى وهى حقيقة بذلك اى شأنها ذلك بالنسبة الى القدرة الربانية ذكره مرتين لان الاول متصل بالسماء والثانى بالارض واذا اتصل كل واحد بغير ما اتصل به الآخر لم يكن تكرارا وجواب اذا محذوف اى اذا وقت هذه الامور كان من الاهوال ما تقصر عن بيانه العبارة وفى تفسير الكاشفى جواب اذا آنست كه به بيند انسان ثواب وعقاب را .
وفيه اشارة الى انشقاق سماء الروح الحيوانية بانفراجها عن الروح الانسانى وزوالها وبسط ارض البدن بنزع الروح عنها والقاء ما فيها من الروح والقوى وتخليها عن كل ما فيها من الآثار والاعراض بالحياة والمزاج والتركيب والشكل بتبعية خلوها عن الروح وفى التأويلات النجمية يشير الى انشقاق سماء الروح عن ظلمة غيم النفس الامارة وانقيادها لفيض ربها بتهيئة الاستعداد بما يتصرف فيها من غير أباء وامتناع والى بسط ارض النفوس البشرية لاربابها وتخليها عن احكام البشرية .(17/119)
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)
{ يا أيها الانسان } جنس الانسان الشامل للمؤمن والكافر والعاصى فالخطاب عام لكل مكلف على سبيل ابدل يقال هذا ابلغ من العموم لانه يقوم مقام التنصيص فى الندآء على ماطبة كل واحد بعينه كأنه قيل يا فلان ويا فلان الى غير ذلك { انك كادح الى ربك كدحا } الكدح جهد النفس فى العمل والكد فيه بحيث يؤثر فيها والجهد بالفتح بمعنى المشقة والتعب والكد السعى الشديد فى العمل وطلب الكسب من كدح جلده اذا خدشه والمعنى انك جاهد ومجد اى ساع باجتهاد ومشقة الى لقاء ربك اى الى وقت لقائه وهو الموت وما بعده من الاحوال الممثلة باللقاء مبالغ فى ذلك وفى الخبر انهم قالوا يا رسول الله فيم نكدح وقد جفت الاقلام ومضت المقادير « فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له » { فملاقيه } فملاق له اى لجزآء عملك من خير وشر عقيب ذلك لا محالة من غير صارف يلويك عنه ولا مفر لك منه ويقال انك عامل لربك عملا فملاق عملك يوم القيامة يعنى ان جدك وسعيك الى مباشر الاعمال فى الدنيا بما ينجيك فى العقبى واحذر عما يهلكك فيها ويوقعك فى الخجالة والافتضاح من سوء المعاملة وفى الحديث النادم ينتظر الرحمة والمعجب ينتظر المقت وكل عامل سيقدم الى ما اسلف وقال القاشانى انك ساع بالموت اى تسير مع انفساك سريعا كما قيل انفاسك خطاك فملاقيه ضرورة فالضمير للرب وفى التأويلات النجمية يشير الى الانسان المخلوق على صورة ربه وكدحه واجتهاده فى التحقق بالاسماء الآلهية والصفات اللاهوتية فهو ملاقى ما يكدح ويجتهد بحسب استعداده الفطرى .(17/120)
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7)
{ فاما من } وهو المؤمن السعيد ومن موصولة وهو تفصيل لما اجمل فيما قبله { اوتى } اى يؤتى والماضى لتحققه { كتابه } المكتوب فيه اعماله التى كدح فى كسبها { بيمينه } لكون كدح بالسعى فيما يكتبه كاتب اليمين والحكمة فى الكتاب ان المكلف اذ اعلم ان اعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الاشهاد ازجر عن المعاصى وان العبد اذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم احتشامه من خدمه المطلعين عليه .(17/121)
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)
{ فسوف } بس زود بودكه { يحاسب } يوم القيامة بعد مدة مقدرة على ما تقتضيه الحكمة { حسابا يسيرا } سهلا لا مناقشة فيه ولا اعتراض بما يسوؤه ويشق عليه كما يناقش اصحاب الشمال والحساب بمعنى المحاسبة وهو بالفارسية باكسى شمار كردن . والمراد عد اعمال العباد واظهارها للمجازاة وعن الصديقة رضى الله عنها هو أى الحساب اليسير أن يعرف ذنوبه ثم يتجاوز عنه يعنى ان يعرض عليه اعماله ويعرض ان الطاعة منها هذه والمعصية هذه ثم يثاب على الطاعة ويتجاوز عن المعصية فهذا هو الحساب اليسير لانه لا شدة على صاحبه ولا مناقشة ولا يقال له لم فعلت هذا ولا يطالب بالعذر ولا بالحجة عليه فانه متى طولب بذلك لم يجد عذرا ولا حجة فيفتضح
برادر زكار بدان شرم دار ... كه در روى نيكان شوى شرمسار
بداى كه دهشت خورد انيبا ... تو عذر كنه راجه دارى بيا
ولذا قال عليه السلام « عرض الجيش أعنى عرض الاعمال لانهازى اهل الموقف والله الملك فيعرفون بسيماهم كما يعرف الاجناد هنا بزيهم » قالوا ان عصاة المؤمنين داخلة فى هذا القسم فقوله فسوف يحاسب حسابا يسيرا من وصف الكل بوصف البعص اى فالعصاة وان لم يكن لهم حساب يسير بالنسبة الى المطيعين لكن حسابهم كالعرض بالنسبة الى مناقشة اصحاب الشمال فاصحاب اليمين شاملة لهم وقد يقال كتاب عصاة المؤمنين يعطى عند خروجهم من النار وقيل يجوز أن يعطوا من الشمال لا من ورآء ظهورهم وفيه ان الاعطاء من الشمال ومن ورآء الظهر امر واحد وقيل لم نتعرض الا ية للعصاة الذين يدخلهم الله النار وهو الظاهر وقوله عليه السلام فى بعض صلاته « اللهم حاسبنى حسابا يسيرا » وان دل على ان للانبياء كتابا لكن الظاهر ارشاد الامة وتعليمهم والافهم معصومون داخلون الجنة بلا حساب ولا كتاب .(17/122)
وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)
{ وينقلب } اى يرجع وينصرف من مقام الحساب اليسير { الى اهله } اى عشيرة المؤمنين او فريق المؤمنين هم رفقاؤه فى طريق السعادة والكرامة { مسرورا } مبتهجا بحاله وكونه من اهل النجاة قائلا هاؤم اقرأوا كتابيه فهذا الانقلاب يكون فى المحشر قبل دخول الجنة لا كما قال فى عين المعانى من انه يدل على ان اهله يدخلون الجنة قبله وفيه اشارة الى كتاب الاستعداد الفطرى المكتوب فى ديوان الازل بقلم كتبه الاسماء الجمالية فان من اوتيه لا تناقشه الاسماء الجلالية وينقب الى اهله مسرورا بفيض تجلى جماله ولطفه .(17/123)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)
{ واما من اوتى كتابه } تكرير كتابه بدون الاكتفاء بالاضمار لتغاير الكتابين وتخالفهما بالاشتمال والحكم فى المآل اى يؤتى كتاب عمله { ورآء ظهره } اى بشماله من ورآء ظهره وجانبه ظرف لاوتى مستعمل فى المكان وقال الكلبى يغل يمنه ثم تلوى يده اليسرى من ورآئه فيعطى كتابه بشماله وهى خلف ظهره فلا مخالفة بين هذا وبين ما فى الحاقة حيث لم يذكر فيها الظهر بل اكتفى بالشمال قال الامام ويحتمل ان يكون بعضهم يعطى كتابه بشماله وبعضهم من ورآء ظهره وفى تفسير الفاتحة للفنارى رحمه الله واما من اوتى كتابه بشماله وهو المنافق فان الكافر لا كتاب له اى لا ن كفره يكفيه فى المؤاخذة فلا حاجة الى الكتاب من حيث انهم ليسوا بمكلفين بالفروع واما من أوتى كتابه ورآء ظهره فهم الذين اوتوا الكتاب فنبذوه ورآء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فاذا كان يوم القيامة قيل له خذه من ورآء ظهرك اى من الموضع الى نبذته فيه فى حياتك الدنيا فهو كتابه المنزل عليه لا كتاب الاعمال فانه حين نبذه ورآء ظهره ظن أن لن يحور وقال أبو الليث فى البستان اختلف الناس فى الكفار هل يكون عليهم حفظة اولا قال بعضهم لا يكون عليهم حفظة لان أمرهم ظاهر وعملهم واحد وقال الله تعالى « يعرف المجرمون بسيماهم ولا نأخذ بهذا القول بل يكون الكفار حفظة » والآية نزلت بذكر الحفظة فى شأن الكفار ألا ترى الى قوله تعالى بل تكذبون بالدين وان عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون وقال فى آية اخرى واما من أوتى كتابه بشماله واما من أوتى كتابه ورآء ظهره فأخبر أن الكفار يكون لهم كتاب وحفظة فان قيل فالذا يكتب عن يمينه اذا اى شئ يكتب ولم يكن لم حسنة يقال له الذى عن شماله يكتب بذان صاحبه ويكون شاهدا على ذلك وان لم يكتب .(17/124)
فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)
{ فسوف يدعو } بس زود باشدكه بخواند . اى بعد مدة منتهية عذاب شديد لا يطاق عليه { ثبورا } اى يتمنى لنفسه الثبور وهو الهلاك ويدعوه يا ثبوراء تعالى فهذا اوانك وأتى له ذلك يعنى لما كان ايتاء الكتاب من غير يمينه علامة كونه من أهل النار كان كلامه واثبوراه قال الفرآء نقول العرب فلان يدعو لهفه اذا قال والهفاء قيل الثبور مشتق من المثابرة على الشئ وهو المواظبة عليه وسمى هلاك الآخرة ثبورا لانه لازم لا يزول كما قال تعالى لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا قال فى كشف الاسرار بيربو على سياه وقتى در بازار ميرفت سائلى ميكفت بحق روز بزرك كه مراجيزى بدهيد ببرازهوش برفت جون بهوش بازآمداوراكفتند اى شيخ ترا اين ساعت جه روى نمود كفت هيبت وعظمت آن روز بزرك آنكه كفت واحزناه على قلة الحزن واحسرتاه على قلة التحسر يعنى وا اندوهاى آزبى آند وهى واحسرتا آزبى حسرتى .(17/125)
وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)
{ ويصلى سعيرا } اى يدهلا ويقاسى حرها وعذابها من غير حائل وهذا يدل على ان دعاءهم بالثبور قبل الصلى وبه صرح الامام واما قوله تعالى فاذا ألقوا منها مكانا ضيقا دعوا هنالك ثبورا فيدل على انه بعده ولا منافاة فى الجمع فانهم يدعونه اولا وآخرا بل دآئما على ان الوان لمطلق الجمع لا للترتيب وفيه اشارة الى صاحب كتاب الاستعداد الفطرى المكتوب فى ديوان الازل بقلم كتبة الاسماء الجلالية فانه يتمنى أن يكون فى الدنيا فانيا فى الحق وهالكا عن أنيته ويصلى نار الرياضة والمجاهدة ورآء ظهره من الجزآء الوفاق لانه خالف أمر ربه فى قوله وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها اى من غير مدخلها بمحافظة طواهر الاعمال من غير رعاية حقوق بواطنها بتقوى الاحوال فسبب الوصول الى حضرة الربوبية والدخل فيها هو التقوى وهواسم جامع لكل بر من اعمال الظاهر واحوال الباطن والقيام باتباع الموافقات واجتناب المخالفات وقال القاشانى واما من أوتى كتابه ورآء ظهره اى جهته التى تلى الظلمة من الروح الحيوانى والجسد فان وجه الانسان جهته التى الى الحق وخلفه جهته التى الى البدن الظلمانى بأن رد الى الظلمات فى صور الحيوانات فسوف يدعو ثبورا لكونه فى ورطة هلاك الروح وعذاب الابد ويصلى سعير نار الآثار فى مهاوى الطبيعة .(17/126)
إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13)
{ انه } اى لان فالجملة استئناف لبيان علة ما قبلها { كان } فى الدنيا { فى اهله } فيما بين اهله وعشيرته او معهم على انهم جميعا كانوا مسرورين كما يقال جاءنى فلان فى جماعة اى معهم { مسرورا } مترفا بطرا مستبشرا يعنى شادان ونازان بمال فاتى وجاه نابابدار ومحجوب ازمتعم بنعم . كديدن الفجار الذين لا يخطر ببالهم امور الآخرة ولا يتفكرون فى العواقب كسنة الصلحاء المتقين كما قال تعالى حكاية انا كنا فى اهلنا مشفقين والحاصل انه كان الكافر فى الدنيا فارغا عن هم الآخرة وكان له مزمار فى قلبه فجوزى بالغم الباقى بخلاف المؤمن فانه كان له نائحة فى قلبه فجوزى بالسرور الدائم كتابها من ورآء ظهرها واهلها القوى الروحانية النورانية والقوى الجسمانية الظلمانية .(17/127)
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)
{ انه ظن } تيقن كما فى تفسير الفاتحة للفنارى وقال فى فتح الرحمن الظن هنا على بابه بمعنى الحسبان لا الظن الذى بمعنى اليقين وهو تعليل لسروره فى الدنيا اى ان هذا الكافر ظن فى الدنيا { ان } اى الامر والشأن فهى مخففة من الثقيلة سادة مع ما فى حيزها مسد مفعولى الظن او أحدهما على الخلاف المعروف { لن يحور } لن يرجع الى الله تكذيبا للمعاد والحور الرجوع والمحار المرجع والمصير وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما كانت أدرى ما معنى يحور حتى سمعت اعرابية تقول لبنية لها حورى حورى اى ارجعى وحر الى أهلك اى ارجع ومنه الحديث نعوذ بالله من الحور بعد الكور اى الرجوع عن حالة جميلة والحوارى القصار لرجعة الثواب الى البياض .(17/128)
بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)
{ بلى } ايجاب لما بعد لن اى بلى ليحورن البتة متعلق بقوله { بصيرا } بحيث لا تخفى منها خافية فلا بد من رجعه وحسابه وجزآئه عليها حتما اذ لا يجوز فى حكمته أن يهمله فلا يعاقبه على سوء اعماله وهذا زجر لجميع المكلفين عن المعاصى كلها وقال الواسطى رحمه الله كان بصيرا به اذ خلقه لماذا خلقه والى شئ اوجده وما قدر عليه من السعادة او الشقاوة وما كتب له وعليه من أجله ورزقه .(17/129)
فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)
{ فلا } كلمة لا صلة للتوكيد كما مر مرارا { أقسم بالشفق } هى الحمرة التى تشاهد فى أفق المغرب بعد الغروب وبغيبوبتها يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء عند عامة العلماء او لبياض الذى يليها ولا يدخل وقت العشاء الا بزواله . وجمعى برآنندكه آن بياض اصلا غائب نمى شودبلكه متردداست از أفقى بافقى . وقد سبق تحقيق المقام فى المزمل وهى احدى روايتين عن ابى حنيفة رضى الله عنه ويروى انه رجع عن هذا القول ومن ثمة كان يفتى بالاول الذى هو قول الامامين وغيرهما سمى به يعنى على كل من المعنين لرقته لكن مناسبته لمعنى البياض اكثر وهو من الشفقة التى هى عبارة عن رقة القلب ولا شك ان الشمس أعنى ضوءها يأخذ فى الرقة والضعف من غيبة الشمس الى ان يستولى سواد الليل على الآفاق كلها وعن عكرمة ومجاهد الشفق هو النهار بناء على ان الشفق هو اثر الشمس وهو كوكب نهارى واثره هر النهار فعلى هذا يقع القسم بالليل والنهار اللذين احدهما معاش واآخر سكن وبهما قوام امور العالم وفى المفردات الشفق اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس .
قال القاشانى فلا اقسم بالشق اى النورية الباقية من الفطرة الانسانية بعد غروباه واحتجابها فى أفق البدن الممزوجة بظلمة النفس عظمها بالاقسام بها لا مكان كسب الكمال والترقى فى الدرجات بها وفى التأويلات النجمية يشير الى أن الله تعالى أقسم بالشفق لكونه مظهر الواحدة الحقيقة الذاتية والكثرة النسبية الاسمائية وذلك لان الشفق حقيقة برزخية بن سواد ليل الوحدة وبياض نهار الكثرة والبرزخ بين الشيئين لا بد له من قوة كل واحد منهما فيكون جامعا لحكم الوحدة والكثرة فحق له أن يقسم به وانما جعل الليل مظهرا الوحدة لاستهلاك الاشياء المحسوسة فيه استهلاك التعينات فى حقيقة الوحدة ويدل عليه قوله وجعلنا الليل لباسا لاستتار الاشياء بظلمته وجعلنا النهار معاشا مظهر الكثرة لظهور الاشياء فيه ولاشتمال المعاش على الامور الكثيرة .(17/130)
وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)
{ والليل وما وسق } قال الراغب الوسق جمع المتفرق اى وأقسم بالليل وما جمعه وما ضمه وستره بظلمته فما موصولة يقال وسقه فاتسق واستوسق يعنى ان كلا منهما مطاوع لوس اى جمعه فاجتمع وما عبارة عما يجتمع بالليل ويأوى الى مكانه من الدواب والحشرات والهوام والسباع وذلك انه اذا اقبل الليل اقبل كل شئ الى مأواه مما كان منتشرا بالنهار وقيل يجوز ان يكون المراد بما جمعه الليل العباد المتهجدين بالليل لانه تعالى قد مدح المستغفرين بالاسحار فيجوز أن يقسم بهم قال القاشانى اى ليل ظلمة البدن وما جمعه من القوى والآلات والاستعدادات الى يمكن بها اكتساب العلوم والفضائل والترقى فى المقامات ونيل المواهب والكمالات وفى التأويلات النجمية يشير الى القيم بلبل النفس المطمئنة المستترة بغلسية النفس الامارة بعد الوصول الى المقام المأمول وانما صارت مطمئنة من الرجوع الى حكم النفس الامارة وبقى لها التلوين فى التمكين من أوصاف الكمل من الذرية المحمديين ولهذا أمرت بالرجوع الى ربها بقوله يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى الى ربك وليس المقصود الذاتى من الرجوع نفس الرجوع بل المقصود الكلى هو الاتصال بالمرجوع اليه قوله وما وسق اى وما جمع من القوى الروحانية المستخلصة من يد تصرف النفس الامارة .(17/131)
وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)
{ والقمر اذا اتسق } اى اجتمع وتم بدر الليلة اربع عشرة وفى فتح الرحمن امتلأ فى الليالى البيض يقال امور فلان متسبقة اى مجتمعة على الصلاح كما يقال منتظمة قال فى القاموس وسقه يسقه جمعه وحمله ومنه والليل وما وسق واتسق انتظم انتهى أقسم الله بهذه الأشياء لأن فى كل منها تحولا من حال فناسبت المقسم عليها يعنى ان الله تعالى أقسم بتغيرات واقعة فى الافلاك والعناصر على تغير احوال الخلق فان الشفق حالة مخالفة لما قبلها وهو ضوء النهار ولما بعدها وهو ظلمة الليل وكذا قوله والليل وما وسق فانه يدل على حدوث ظلمة بعد نور وعلى تغير احوال الحيوانات من اليقظة الى النوم وكذا قوله والقمر اذا اتسق فانه يدل على حصول كمال القمر بعد ان كان نقاصا قال القاشانى اى قمر القلب الصافى عن خسوف النفس اذا اجتمع وتم نوره وصار كاملا وفى التأويلات النجمية يشير الى القسم بقمر قلب العارف المحقق عند استدارته وبدريته .(17/132)
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)
{ لتركبن طبقا } مفعول تركبن { عن طبق } اى لتلاقن حالا بعد حال يعنى برسيد ومتلاشى شويد حالى را بعد ازحالى كه كل واحدة منها مطايقة لاختها فى الشدة والفظاعة يقال ما هذا بطبق هذا اى لا يطابقه قال الراغب المطابقة من الاسماء المتضايفة وهو أن يجعل الشئ فوق آخر بقده ومنه طابقت النعل بالنعل ثم يستعمل الطباق فى الشئ الذى يكون فوق الآخر تارة وفيما يوافق غيره اخرى وقيل الطبق جمع طبقة وهى المرتبة وهو الاوفق للركوب المنبئ عن الاعتلاء والمعنى لتركبن احوالا بعد احوال هى طبقات فى الشدة بعضها أرفع من بعض وهى الموت وما بعده من مواطن القيامة ودواهيها الى حين المستقر فى احدى الدارين وقرئ لتركب بالافراد على خطاب الانسان باعتبار اللفظ لا باعتبار شموله لافراده كالقرآءة الاولى ومحل عن طبق النصب على انه صفة لطبقا اى طبقا مجاوز الطبق او حال من الضمير فى لتركبن طبقا اى مجاوزين لطبق او مجاوزا على حسب القرآءة فعن على معناه المشهور وهو المجاوزة وتفسيره بكلمة بعد بيان لحاصل المعنى وقال ابن الشيخ عن هنا بمعنى بعد لان النسان اذا صار الى شئ مجاوزا عن شئ آخر فقد صار الى الثانى بعد الاول فصح انه يستعمل فيه بعد وعن معا وايضا لفظ عن يفيد البعد والمجاوزة فكان مشابها للفظ بعد فصح استعمال احدهما بمعنى الآخر وفى التأويلات النجمية يخاطب القلب الانسانى المتوجه الى الله بأنواع الرياضات واصناف المجاهدات والتقلبات فى الاحوال المطابقة كل واحدة منها الاخرى فى الشدة والمشقة من الجوع والسهر والصمت والعزلة وامثال ذلك .(17/133)
فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)
{ فما لهم لا يؤمنون } اى اذا كان حالهم يوم القيامة كما ذكر فأى شئ لهم حال كونهم غير مؤمنين اى اى شئ يمنعهم من الايمان مع تعاضد موجباته وفيه اشارة الى النفس والهوى والقوى البشرية الطبيعية وعدم ايمانهم بالقلب وامتثالهم أمره باتباع احكام الشريعة وآداب الطريقة آثار الحقيقة .(17/134)
وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)
{ واذا قرئ عليهم القرءآن لا يسجدون } جملة شرطية محلها النصب على الحالية نسقا على ما قبلها اى اى مانع لهم حال عدم سجودهم وخضوعهم واستكانتهم عند قرآءة النبى عليه السلام او واحد من اصحابه وامته القرءةآن فانهم من اهل اللسان فيجب عليهم أن يجزموا باعجاز القرءآن عند سماعه وبكونه كلاما اليها ويعلموا بذلك صدق محمد فى دعوى النبوة فيطيعوه فى جميع الاوامر والنواهى ويجوز أن يراد به نفس السجود عند تلاوة آية السجدة على أن يكون المراد بالقرءآن آية السجدة بخصوصها لا مطلق القرءآن كما روى انه عليه السلام قرأ ذات يوم واسجد واقترب فسجد هو ومن معه المؤمنين وقريش تصفق فوق رؤسهم وتصفر استهزآء وبه احتج أبو حنيفة على وجوب السجدة فان الذم على ترك الشئ يدل على وجوب ذلك وعن أبى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله عليه السلام سجد فيها وكذا الخلفاء وهى الثالث عشرة من اربع عشرة سجدة تجب عندها السجدة عن ائمتنا على التالى والسامع سوآء قصده ام لا وعن ابن عباس رضى الله عنهما ليس فى مفصل سجدة وكذا قال الحسن هى غير واجبة ثم ان الائمة الثلاثة يسجدون عند قوله لا يسجدون والامام مالك عند آخر السورة وفى التأويلات النجمية واذا قرئ على النفس والهوى والقوى البشرية الطبيعية المواعظ الالهية القرءآنية المنزلة على رسول القلب لا يخضعون ولا ينقادون لاستماعها وامتثال اوامرها وائتمار أحكامها .(17/135)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)
{ بل الذين كفروا يكذبون } بالقرءآن الناطق بما ذكر من احوال القيامة واهوالها مع تحقق موجبات تصديقه ولذلك لا يخضعون عند تلاوته وهذا من وضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل عليهم بالكفر والاشعار بما هو العلة فى عدم خضوعهم للقرءآن وفى البروج فى تكذيب لانه راعى فى السورتين فواصل الآى مع صحة اللفظ وجودة المعنى وفى بعض التفاسير الظاهر ان المرأد التكذيب بالقلب بمعنى عدم التصديق وهو اضراب ترق فان عدم الايمان يكون بالشك ايضا والتكذيب من شدة الكفر وقوة الانكار الحاملة على الاضراب .(17/136)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)
{ والله أعلم بما يوعون } بما يضمرونه فى قلوبهم ويجمعونه فى صدورهم من الفر والحسد والبغى والبغضاء فيجازيهم على ذلك فى الدنيا والآخرة فما موصولة يقال اوعيت الشئ اى جعلته فى وعاء اى ظرف ثم استعير هو والوعى لمعنى الحفظ او بما يجمعونه فى صحفهم من اعمال السوء ويدخرونه لانفسهم من أنواع العذاب علما فعليا تفصيليا قال القاشانى بما يوعونه فى وعاء أنفسهم وباطنهم من الاعتقادات الفاسدة والهيئات الفاسقة وقال نجم الدين من اغراقهم فى بحر الشهوات الدنيوية واحراقهم بنيران العذاب الاخروية .(17/137)
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)
{ فبشرهم } اى الذين كفروا { بعذاب أليم } مؤلم غاية الايلام لان علمه تعالى بذلك على الوجه المذكور موجب لتعذيبهم حتما وهو استهزآء بهم وتهكم كما قال تعالى الله يستهزئ بهم لان البشارة هى الاخبار بالخبر السار وقد استعملت فى الخبر المؤلم ( قال الكاشفى ) يعنى خبركن ايشارا بعذاب دردناك وفيه رمز الى الى تبشير المؤمنين بالثواب المريح راحة جسمانية وروحانية لان التخصيص ليس بضائع ولذلك قال تعالى { الا الذين } استثناء منقطع من الضمير المنصوب فى فبشرهم الراجع الى الذين كفروا والمستثنى وهم المؤمنون خارج عنهم اى لكن الذين { آمنوا } ايمانا صادقا وايضا الايمان العلمى بتصفية قلوبهم عن كدر صفات النفس { وعملوا الصالحات } من الطاعات المأمور بها وايضا باكتساب الفضائل { لهم } فى الآخرة { اجر غير ممنون } اى غير مقطوع بل متصل دآئم من منه منا بمعنى قطعه قطعا او ممنون به عليهم فان المنة تكدر النعمة من من عليه منة والاول هو الظاهر ولعل المراد من الثانى تحقيق الأجر وان المأجور استحق الأجر بعمله اطاعة لربه وان كان ذلك الاستحقاق من فضل الله كما ان اعطاء القدرة على العمل والهداية اليه من فضله أيضا . حسن بصرى قدس سره كفت كسانى را يافتيم كه ايشان بدنيا جوانمرد وسخى بودند همه دنيا بدادندى ومنت نهادندوموقت خويش جنان بخيل بودند كه يك نفس از روز كار خويش نه به بدردادندى ونه بفرزند .
قال القاشانى لهم أجر من ثواب الآثار والصفات فى جنة النفس والقلب غير مقطوع لبرآءته من الكون والفساد وتجرده عن المواد وفى التأويلات النجمية الا الذين آمنوا من الروح والسر والقلب وقواهم الروحانية وعملوا الصالحات من الاعراض عن الدنيا والاقبال على الله لهم أجر غير ممنون بمنة نفسهم واجتهادهم واكتسابهم بل بفضل الله ورحمته . قال بعض العلماء النكتة فى ترتيب السورة الثلاث ان فى انفطرت التعريف بالحفظة الكاتبين وفى المطففين التعريف بمستقر تلك الكتب وفى هذه السورة اى الانشقاق ابتاؤها يوم القيامة عند العرض والله تعالى اعلم .(17/138)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)
{ والسماء } كل جرم علوى فهو سماء فدخل فيه العرش { ذات البروج } جمع برج بمعنى القصر بالفارسية كوشك .
والمراد البروج الاثنا عشر التى فى الفلك الاعلى فالمراد بالسماء فلك الافلاك قال سعدى المفتى لكن المعهود فى لسان الشرع اطلاق العرش عليه دون السماء ويجوز أن يراد الفلك الاقرب الينا فالآية كقوله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح انتهى وجوابه ما أشرنا اليه فى عنوان السماء ثم انها شبهت بروج السماء بالقصور التى تنزل فيها الاكابر والاشراف لانها منازل السيارات ومقر الثوابت قال الامام السهيلى رحمه الله اسماء البروج الحمل وبه يبدأ لان استدارة الافلاك كان مبدأها من برج الحمل فيما ذكروا وفى شهر هذا البرج نيسان حيث تم العشرون منه كان مولد النبى عليه السلام وكان مولده عند طلوع الغفر وهو بفتح الغين المعجمة وسكون الفاء منزل للقمر ثلاثة أنجم صغار والغفر يطلع فى ظاهر الشهر اول الليل لان وقته النطح وهو الشرطان بالمعجمة وبفتحتين وهما نجمان من الحمل هما قرناه والى جنب الجنوبى منهما وفى القاموس والى جانب الشمالى منهما كوكب صغير ومنه من يعده معهما فيقول هذا المنزل ثلاثة كواكب ويسميها الاشراط والى الحمل أيضا يضاف البطين وهو كزبير منزل للقمر ثلاثة كواكب صغار كأنها اثا فى وهو بطن الحمل وبعد الحمل الثور ثم الجوزآء ويقال لها النسر والجبال والتوأمان قال فى القاموس التوأم منزل للجوزآء انتهى وهامة الجوزآء الهقعة وهى ثلاثة كواكب فوق منكبى الجوزآء كمالا نافى اذا طلعت مع الفجر اشتد حر الصيف ثم السرطان المهملة ثم الأسد ثم السنبلة ثم الميزان ثم العقرب وبين الزبانيين من العقرب وهما قرناها وكوكبان نيران فى قرنى العقرب كما فى القاموس وبين وركى الأسد ورجليه وهما السماك ككتاب يطلع الغفر الذى به مولد الانبياءعليهم السلام وفيه قالوا
خير المنازل فى الأبد ... بين الزبانى والأسد .
لانه يليه من الأسد ذنبه ولا ضرر فيه ومن العقرب زبانياها ولا ضرر فيهما وانما تضر بذنبها اذا شالته اى رفعته وهو اشولة فى المنازل اى ما تشول العقرب من ذنبها وكوكبان نيران ينزلهما القمر يقال لهما حمة العقرب ثم القوس ثم الجدى ثم الدلو ثم رشا الدلو وهو منزل للقمر وهو الحوت يحسب فى البروج وفى المنازل وجعل الله الشهور على عدد هذه البروج فقال تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا قال فى كشف الاسرار واين برجها برجهار فصل است يك فصل از ان وقت بهار است سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه در حمل وثور وجوزا باشد وفصل دوم روزكار صيف است تابستان كرم سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه درسرطان واسد وسنبله باشد وفصل سوم روزكار خريف است سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه در ميزان وعقرب وقوس باشد وفصل جهارم روزكار زمستانست سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه درجدى ودلو وحوت باشد وهر فصلى راطبعى ديكرست وكردش اوديكر .(17/139)
يقول الفقير أيده الله القدير الفصل الربيعى عبارة عن ثلاثة اشهر يعبر عن اولها بأذار وعن الثانى بنيسان وعن الثالث بأيار فاذا مضت سبع عشرة ليلة من الشهر الاول استوى الليل والنهار بأن يكون كل منهما ثنتى عشرة ساعة ثم يأخذ النهار من الليل كل يوم شعيرة حتى اذا مضت سبعة عشر يوما من حزيران وهو اول فصل الصيف وبعده تموز ثم اغستوس يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات ويكون اليوم اطول الايام كما ان الليلة تكون أقصر الليالى ثم يأخذ الليل من النهار على عكس ما سبق فينتقص من النهار كل يوم شعيرة حتى اذا مضت سبعة عشر يوما من ايلول وهو اول فصل الخريف وبعده تشرين الاول الذى هو اوسط الخريف ثم تشرين الثانى الذى هو آخره استوى الليل والنهار ايضا ثم يتزايد الليل كل يوم شعيرة حتى اذا كان سبعة عشرة يوما من كانون الاول وهو أول فصل الشتاء وبعده كانون الثانى ثم شباط ينتهى طول الليل بان يكون خمس عشرة ساعة وقصر النهار بأن يكون تسع ساعات فهذا الحساب يعود ويدور أبدا الى ساعة القيام فالله تعالى يولج الليل فى النهار اى يدخله فيه بأن ينقص من ساعات الليل ويزيد فى ساعات النهار وذلك اذا مضى من كانون الاول سبعة عشر يوما الى ان يمضى من حزيران هذا العدد وذلك ستة اشهر وهى كانون الاول وكانون الثانىوشباط وأذار ونيسان وأيار ويولج النهار فى الليل اى يدخله فيه بأن ينقص من ساعات النهار ويزيد فى ساعات الليل وذلك ستة اشهر أيضا وهى حزيران وتموز واغستوس وايلول وتشرين الاول وتشرين الثانى وهذا كله بتقدير العزيز العليم واداراته الاجزام العلوية على نهج مستقيم ويقال المراد بالبروج هى النجوم التى هى منزل القمر وهى ثمانية وعشرون نجما ينزل القمر كل ليلة فى واحد منها لا يتخطاها ولا يتقصر عنها واذا صار القمر الى آخر منازله دق واستقوس ويستتر ليلتين ان كان الشهر ثلاثين يوما وان كان تسعة وعشرين فليلة واحدة واطلاق البروج على هذه النجوم مبنى على تشبهها بالقصور من حيث ان القمر ينزل فيها ولظهورها ايضا بالنسبة الى بعض الناس كالعرب لان البرج ينبئ عن الظهور مع الاشتمال على المحاسن يقال تبرجت المرأة اى تشبهت بالبرج فى اظهار المحاسن واما البروج الاثنا عشر فليس لها ظهور حيث لا تدرك حسا والبروج الاثناعشر منقسمة الى هذه المنازل الثمانية ولعشرين والشمس تسير فى تمام هذه البروج الاثنى عشر فى كل سنة والقمر فى كل شهر وقد تعلقت بها منافع ومصالح للعباد فاقسم الله تعالى بها اظهارا لقدرها وشرفها وفيه اشارة الى الروح الانسانى ذات المقامات فى الترقى والدرجات .(17/140)
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)
{ واليوم الموعود } اى يوم القيامة اقسم الله تعالى به تنبيها على قدره وعظمه ايضا من حيث كونه يوم الفصل والجزآء ويوما تفرد الله بالملك والحكم فيه وفيه اشارة الى آخر درجات الروح من كشف التوحيد الذاتى وهى القيامة الكبرى .(17/141)
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)
{ وشاهد ومشهود } اى ومن يشهد فى ذلك اليوم من الاولين والآخرين والانس والجن والملائكة والانبياء وما يحضر فيه من العجائب فالشاهد بمعنى الحاضر من الشهود بمعنى الحضور لا بمعنى الشاهد الذى تثبت به الدعاوى والحقوق وتنكيرهما للابهام فى الوصف اى وشاهد ومشهود لا يكتنه ما طلعت شمس ولا غربت على يوم افضل من يوم الجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله فيها خيرا الا استجاب له ولا يستعيذه من سوء الاعاذه منه وفى الحديث اكثروا على من الصلاة ويم الجمعة فانه يوم مشهود تشهده الملائكة ويقال المشهود يوم عرفة والشاهد من يحضره من الحاج وحسن القسم به تعظيما لامر الحج وعددهم هفتصد هزار كما فى كشف الاسرار ويقال الشاهد كل يوم والمشهود اهله فيكون المشهود بمعنى المشهود عليه والشاهد من الشهادة كما قال الحسن البصرى رحمه الله ما من يوم الا وينادى انى يوم جديد وانى على ما يفعل فى شهيد فاغتنمنى فلو غاب شمس لم تدركنى الى يوم القيامة
دريغا كه بكنشت عمر عزيز ... بخواهد كذشت اين دمى جند نيز
كذشت آنجه درناصوابى كذشت ... در اين نيزهم درنيابى كذشت
ويقال الشاهد هو الحق من حنث الجميعة والمشهود هو ايضا من حيث التفرقة وان شئت قلت من حيث الاجمال ومن حيث التفصيل لا يراه بالحقيقة احد الا هو ويقال الشاهد نفس الروح والمشهود نفس الطبع وقال الحسين رحمه الله فى هذه الآية علامة انه ما انفصل الكون عن المكون ولا قارنه .(17/142)
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4)
{ قتل اصحاب الاخدود } جواب القسم بحذف اللام المؤكدة على انه خبر لا دعاء بمعنى لقد قتل اى اهلك بغضب الله ولعنته والاظهر أن الجملة دعائية دالة على الجواب لا خبرية والقتل كناية عن اللعن من حيث ان القتل لكونه اغلظ العقوبات لا يقع الا عن سخط عظيم يوجب الابعاد عن الخير والرحمة الذى هو معنى اللعن فكان القتل من لوازم اللعن كأنه قيل اقسسم بهذه الاشياء ان كفار مكة ملعونون كما لعن اصحاب الاخدود اذية الكفرة وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الايمان وصبرهم على ذلك حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم ويعلموا ان هؤلاء عند الله بمنزلة اولئك المعذبين ملعونون مثلهم احقاء بأن يقال فيهم ما قد قيل فيهم فظهر من هذا التقرير انه ليس دعاء على اصحاب الاخدود من قبل المقسم وهو الله تعالى لانه ليس عاجز وقد سبق تحقيقه فى سورة عبس ونحوها والاخدود الخد فى الارض وهو شق مستطيل كالنهر غامض اى عميق القرار وأصل ذلك من خدى الانسان وهما ما اكتفا الانف على اليمين والشمال وفى عين المعانى ومنه الخد لمجارى الدموع عليه واصحاب الاخدود كانوا ثلاثة وهم انطيانوس الرومى بالشأم وبخت نصر بفارس ويوسف ذو نواس بنجران وهو بتقديم النون وتأخير الجيم موضع باليمن فتح سنة عشر سمى بنجران بن زيدان بن سبأ شق كل واحد منهم شقا عظيما فى الارض كان طوله اربعين ذراعا وعرضه اثنى عشر ذراعا وهو الاخدود وملأوه نارا وألقوا فيه من لم يرتد عن دينه من المؤمنين قالوا والقرءآن انما نزل فى لاذين بنجران يعنى ان اصحاب الاخدود هم ذو نواس الحميرى اليهودى وجنوده وذلك ان عبدا صالحا يقال له عبد الله بن الثامر وقع الى نجران وكان على دين عيسى عليه السلام فدعاهم فأجابوه فاسر اليهم ذو نواس بجنود من حمير فخيرهم بين النار واليهودية فأبوا فحفر الخنادق واضرم فيها النيرات فجعل يلقى فيها كل من اتبع ابن الثامر حتى أحرق نحوا من اثنى عشر ألفا او عشرين ألفا أو سبعين ألفا وذو نواس اسمه زرعة بن حسان ملك حمير وما حولها وكان ايضا يسمى يوسف وكانت له غدآئر من شعرأى ذوآئب تنوس اى تضطرب فسمى ذا نواس ( روى ) انه انفلت من اهل نجران رجل اسمه دوس ذو ثعلبان ووجد انجيلا محترقا بعضه فأتى به ملك الحبشة وكان نصرانيا فقال ان اهل دينك اوقدت لهم نار فأحرقوا بها وأحرقت كتبهم وهذا بعضها فأراه الذى جاء به ففزع لذلك فكتب الى صاحب الروم يستمده بنجارين يعملون له السفن فبعث اليه صاحب الروم من عمل له السفن فركبوا فيها فخرجوا الى ساحل اليمن فخرج اليهم اهل اليمين فلقوهم بتهامة واقتيلوا فلم ير ملك حمير له بهم طاقة وتخوف ان يأخذوه فضرب فرسه حتى وقع فى الحرب فمات فيه او ألقى نفسه فى البحر فاستولى الحبشة على حمير وما حولها وتملكوا وبقى الملك لهم الى وقت الاسلام وقال فى كشف الاسرار اصحاب الاخدود ايشان بت برستان بوده انداز اصحاب ذو نواس يمنى ودر زمان او ساحرى بو دكاهنومشعبذكه مدار ملك بدو بودى جون بسن شيخوخه رسيد بعرض ملك رسانيدكه من بير شده ام وضعف كلى بقو اى من راه يافته(17/143)
ديده ازهر شعاع تيره شود ... كوش وقت سماع خيره شود
نه زبانرا مجال كويايى ... نه تن خسته را توانا بى
صلاح درآنست كه جوان عاقل تيزفهم بمن سبارتا آنجه دانسته ام بوى آموزم وبعد ازمن خلفى باشدكه امور ملك بوى منتظم تواند بود .
كما جاء فى حديث المشارق كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر بكسر الباء اى شاخ وطعن فى السن قال للملك انى كبرت فابعث الى غلاما اعلمه السحر فبعث اليه غلاما يعلمه فكان فى طريقه اذا سلك اى الغلام راهب فقعد اليه اى متوجها الى الراهب وسمع كلامه فأعجبه اى اعجب كلام الراهب ذلك الغلام فكان اذا اتى الساحر مر بالراهب وقعد اليه فاذا أنى الساحر ضربه اى ضرب الساحر الغلام لمكثه فشكا ذلك الى الراهب فقال اى اراهب للغلام اذا خشيت الساحر فقل حبسنى قد حبست النا اى على أسد أوحية يقال لها بالفارسية ازدر . فقال اى الغلام اليوم اعلم الساحر أفضل ام الراهب أفضل فأخذ حجرا وقال اللهم ان كان أمر الراهب أحب اليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فقال الراهب اى بنى أنت اليوم افضل منى قد بلغ من أمرك ما أدرى وانك ستبنتلى فان ابتليت فلا تدل على وكان الغلام يبرئ الاكمه وهو الذى ولد أعمى والابرص ويداوى الناس بسائر الادوآء فسمع جليس للملك كان قد عمى فأتاه بدايا كثيرة فقال ما هنالك اجمع ان أنت شفيتنى قال انى لا اشفى أحدا انما يشفى الله فان آمنت بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فاتى الملك فجلس اليه كما كان يجلس فقال الملك من رد عليك بصرك قال ربى فقال أولك رب غيرى قال ربى وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيئ بالغلام فقال له الملك اى بنى قد بلغ من سحرك ما تبرئ به الاكمه والابرص وتفعل وتفعل يعنى تداوى مرضا كذا وتداوى كذا فقال اى الغلام انى لا اشفى أحدا انما يشفى الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دله على الراهب فجيئ بالراهب فقيل ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فى مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيئ بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار فى مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيئ بالغلام فقيل ارجع عن دينك فأبى فدفعه الى نفر من اصحابه فقال لهم اذهبوا به الى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فاذا بلغتم ذروته فان رجع عن دينه والا فاطرحوه فذهبوابه فصعدوا به الجبل فقال اى الغلام اللهم اكفنيهم بما شئت يعنى ادفع عنى شرهم بأى سبب شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشى الى الملك فقال له الملك ما فعل اصحابك قال كفانيهم الله فدفعه الى نفر من اصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه فى قرقور أى سفينة صغيرة فتوسطوا به البحر فان رجع عن دينه والا فاقذفوه فذهبوا به فقال الله اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة اى مالت وانقلبت فغرقوا وجاء يمشى الى الملك فقال له الملك فما فعل اصحابك قال كفانيهم الله فقال للملك انك لست بقاتلى حتى تفعل ما آمرك به قال وما هو قال تجمع الناس فى صعيد واحد اى ارض بارزة وتصلبنى على جذع ثم خذ سهما من كنانتى وهى التى يجعل فيها السهام ثم ضع السهم فى كبد القوس وهو مقبضها عند الرمى ثم قل بسم الله رب الغلام ففعل كما قال الغلام ثم رماه فوقع السهم فى صدغه وهو ما بين العين والاذن فوضع يده على صدغه فى موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له يعنى أتى الملك آث فقال أرأيت ما كنت تحذر والله قد نزل بك حذرك اى والله قد نزل بك ما كنت تحذر منه وتخاف قد آمن الناس فأمر بالاخدود أى بحفر شق مستطيل فى أفواه السك اى فى أبواب الطرق فخدت اى شقت واضرم النيران اى اوقدها واشعلها وقال من لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها اى فاطرحوه فيها كرها ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبى رضيع لها فتقاعست اى تأخرت أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أما اصبرى فانك على الحق وفى اهلى اى منعونى واذا خشيت اهلك فقل حبسنى الساحر فبينما هو كذلك اذ أتى على دابة عظيمة بعض الروايات كان للمرأة ثلاثة اولاد أحدهم رضيع فقال لها الملك ارجعى عن دينك والا ألقيتك واولادك فى النار فأبت فأخذ ابنها الاكبر فألقاه فى النار ثم قال لها ارجعى عن دينك فأبت فألقى ابنها الاوسط ثم قال ارجعى عن دينك فأبت فأخذوا الصبى ليلقوه فيها فهمت بالرجوع فقال الصبى يا اماه لا ترجعى عن الاسلام فانك على الحق ولا بأس عليك وفى كشف الاسرار فان بين يديك نارا لا تطفأ فألقى الصبى فى النار وامه على اثره وكان هو ممن تكلم فى المهد وهو رضيع وقد سبق عددهم فى سورة يوسف وكانت هذه القصة قبل مولده عليه السلام بتسعين سنة وفيما ذكر من الحديث اثبات كرامات الاولياء وجواز الكذب عند خوف الهلاك سوآء كان الهالك هو الكاذب او غيره وروى ان خربة اختفرت فى زمن عمر بن الخطاب فوجد الغلام الذى قتله الملك وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل وفى بعض التفاسير فوجدوا عبد الله بن الثامر واضعا أصبعه على صدغه فى رأسه اذا اميطت يده عنها سال دمه واذا تركت على حالها انقطع وفى يده خاتم من حديد فيه ربى الله فكتبوا الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ان ذلك الغلام صاحب الاخدود فأتركوه على حاله حتى يبعثه الله يوم القيامة على حاله وعن على رضى الله عنه ان بعض الملوك المجوس وقع على اخته وهو سكران فلما صحا ندم وطلب المخرج فأمرته ان يخطب الناس فيقول ان قد أحل نكاح الاخوات ثم يخطبهم بعد ذلك وبقول ان الله حرمه فخطب فلم يقبلوا منه فقالت له ابسط فيهم السوط ففعل فلم يقبلوا فأمرته بالاخاديد وايقاد النار وطرح من أبى فيها فهم الذين أرادهم تعالى بقوله قتل اصحاب الاخدود .(17/144)
النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5)
{ النار } بدل اشتمال من الاخدود لان الاخدود مشتمل على النار وهو بها يكون مهيبا مشتد الهول والتقدير النار فيه او أقيم ال مقام الضمير على اختلاف مذهبى البصرى والكوفة { ذات الوقود } خداوند آتش باهيمه يعنى افروخته بهيزم . هو يفتح الواو ما يوقد به وفيه وصف لها بغاية العظم وارتفاع اللهب وكثرة ما يوجبه من الحطب وابدان الناس ما يدل عليه التعريف الاستغراقى ولو لم يحمل على هذا المعنى لم يظهر فائدة التوصيف اذ من المعلوم ان النار لا تخلو من حطب .(17/145)
إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6)
{ اذ هم عليها قعود } ظرف لقتل والضمير لاصحاب الاخدود وقعود جمع قاعد اى لعنوا حين احرقوا بالنار قاعدين حولاه فى مكان مشرف عليها من حافات الاخدود ولفظ على مشعر بذلك تقول مررت عليه مستعليا بمكان يقرب منه وفى بعض التفاسير على سرر وكراسى قعود عند النار ولو قعدوا على على نفس النار لاحترقوا فالقاتلون كانوا جالسين فى مكان مشرف او نحوه ويعرضون المؤمنين على النار فمن كان يترك دينه تركوه ومن كان يضر ألقوه فى النار وأحرقوه وكان عليه السلام اذا ذكر اصحاب الاخدود تعوذ بالله من جهد البلاء وهو الحالة التى يختار عليها الموت او كثرة العيال والفقر كما فى القاموس والجهد بالفتح المشقة وجهد عيشه كفرح نكد واشتد .(17/146)
وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)
{ وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود } جمع شاهد أى يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأن احدا لم يقصر فيما امر به وفوض اليه من التعذيب الاحراق من غير ترحمن واشفاق او أنهم شهود يشهدون بما فعلوا بالمؤمنين يوم القيامة يعنى تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم أرجلهم بما كانوا يعملون هذا هو الذى يستدعيه النظم الكريم وتنطق به الروايات المشهورة وقد ذهب بعضهم الى ان الجبابرة لما القوا المؤمنين فى النار وهم قعود حولها علقت بهم النار وفى رواية ارتفعت فوقهم اربعين ذراعا فوقعت عليهم فأخرقتهم ونجى الله المؤمنين سالمين ولا يحيق المكر السيئ الا بأهله وقبض الله ارواحهم قبلى ان تمسهم النار كما فعل ذلك بآسية امرأة فرعون على ما سبق وعلى ذلك حملوا قوله تعالى ولهم عذاب الحريق اى لهم عذاب جهنم فى الآخرة ولهم عذاب الحريق فى الدنيا وفيه اشارة الى النفوس المتمردة الشاردة النافرة عن جناب الحق المستحقة لأخاديد النيران والخذلان والخسران الموقدة بأحطاب اخلاقهم الرديئة المؤصدة بأحجار أوصافهم الخبثة النفسية الهوآئية اذ هم عليها قعود بارتكاب الشهوات ونكبابهم على اللذات والنفس والهوى وقواهم الطبيعية يشهد بعضهم على بعض بما يفعلون بمؤمنى الروح والسر والقلب من الملخالفة والمجادلة والمخاصمة .(17/147)
وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)
{ وما نقموا منهم } اى وما انكروا من المؤمنين وما عابوا يقال نقم الامر اذا عابه وكرهه وفى المفردات نقمت الشئ اذا انكرته اما باللسان واما بالعقوبة .
{ الا ان يؤمنوا الله العزيز الحميد } قال بلفظ المضارع مع ان الايمان وجد منهم فى الماضى لارادة الاستمرار والدوام عليه فانهم ما عذبوهم لايمانهم فى الماضى بل لدوامهم عليه فى الآتى ولو كفروا فى المستقبل لم يعذبوا على ما مضى فكانه قيل الا ان يستمروا على ايمانهم واما قوله تعالى حكاية وما تنقم منا الا ان آمنا بآيات ربنا فلان مجرد ايمان السحرة بموسى عليه السلام كان منكرا واجب الانتقام عندهم والاستثناء مفرغ مفصح عن براءتهم مما يعاب وينكر بالكيلة على منهاج قوله
ولا عيب فيهم غير أن ضيوفهم ... ثلام بنسيان الاحبة والوطن
فى ان ما انكروه ليس منكرا فى الواقع وغير حقيق الانكار كما ان ما جعله الشاعر عيبا ليس عيبا ولا ينبغى ان يعد عيبا ولا يضر ذلك كون الاستثناء فى قول الشاعر مبنيا على الادعاء بخلاف ما فى نظم القرءآن فانهم انكروا الايمان حقيقة ووصفه تعالى بكونه عزيز غالبا يخشى عقابه حميدا منعما يرجى ثوابه وتأكيد ذلك بقوله { الذى له ملك السموات والارض } للاشعار بمناط ايمانهم والملك بالفارسية بادشاهى . وأخر هذه الصفة لان الملك التام لا يحصل الا عند حصول الكمال فى القدرة التى دل عليها العزيز وفى العلم الذى دل عليه الحميد لان من لا يكون تام العلم لا يمكنه ان يفعل الافعال الحميدة وفى كشف الاسرار وانما وصف ذاته بهذه الصفات ليعلم انه لم يمهل الكفار لاجل أنه غير قادر لكنه أراد أن يبلغ بهؤلاء المؤمنين مبلغا من الثواب لم يكونوا يبلغونه الا بمثل ذلك الصبر وان يعاقب اولئك الكافرين عقابا لم يكونوا يستوجبونه الا بمثل ذلك الفعل وكان قد جرى بذلك قضاؤه على الفريقين جميعا فى سابق تدجبيره وعلمه وفيه تشنيع على الكفار بغاية جهلهم حيث عد واما هو منقبة هى سبب المدح منقصة هى سبب القدح .
{ والله على كل شئ شهيد } وخدا رهمه جيزها ازافعال واقوال مؤمن وكافر كواهست وبآن دانا . وهو وعد لهم ووعيد شديد لمعذبيهم فان علمه تعالى بجميع الاشياء التى من جملتها أعمال الفريقين يستدعى توفير جزآء كل منهما حتما قال الامام القشيرى الشهيد العليم ومنه قوله تعالى شهد الله اى علم الله والشهيد الحاضر وحضوره بمعنى علمه ورؤيته وقدرته والشهيد مبالغة من الشاهد واذا علم العبد أن الله تعالى شهيد يعلم أفعاله ويرى أحواله سهل عليه ما يقاسيه لاجله ( حكى ) ان رجلا كان يضرب بالسيات وهو يصبر ولا يصبح فقال له بعض الحاضرين أما يؤلمك الضرب فقال نعم قال فلم لا تصيح قال فى الحاضرين لى محبوب يرقبنى فأخاف أن يذهب ماء وجهى عنده ان صحت فمن ادعى محبة الحق ولم يصبر على قرص نملة او بعوضة او ادنى أذية كيف يكون صادقا فى دعواه ولذا قالوا دلت القصة على ان المكره على الكفر بنوع من العذاب الاولى أن يصبر على ما خوف منه وان كان اظهار الكفر كالرخصة فى ذلك ( حكى ) ان مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب النبى عليه السلام فقال لاحدهما تشهد أنى رسول الله فقال نعم فتركه وقال للآخر مثله فقال لا بل أنت كذاب فقتله فقال النبى عليه السلام(17/148)
« اما الذى تركه فأخذ بالرخصة فلا تبعة عليه واما الذى صبر فأخذ بالفضل فهنيئا له » وفى التأويلات النجمية والله على كل شئ من سموات الارواح وأرض الاشباح والاجساد شهيد اى حاضر لمظهرية الكل وظهوره فيا ذاتا وصفات واسماء لاستلزام الذات جميع التوابع الوجودية .(17/149)
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)
{ ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } الفتن الاحراق والفتنة بالفارسية آزون . اى محنوهم فى دينهم وآذوهم وعذبوهم بأى عذاب كان ليرجعوا عنه كاصحاب الاخدود ونحوهم كما روى ان قريشا كانوا يعذبون بلالا ونحوه فالموصول اللجنس وانما لم يدفع البلاء قبل الابتلاء لان أهل الولاء لا يخلو عن البلاء
وهيهات هيهات الصفاء لعاشق ... وجنة عدن بالماكره حفت
{ ثم } اى بعدما فعلوا ما فعلوا من الفتنة { لم يتوبوا } اى عن كفرهم وفتنتهم فان ما ذكر من الفتنة فى الدين لا يتصور من دين الكافر قطعا وفى ايراد ثم اشعار بكمال حلمه وكرمه حيث لا يعجل فى القهر وقبل التوبة وان طالبت مدة الحوية قال الامام وذلك يدل على ان توبة القاتل عمدا مقبولة .
{ فلهم } فى الآخرة بسبب كفرهم { عذاب جهنم } يعذبون به أبدا
{ ولهم } بسبب فتنتهم للمؤمنين { عذاب الحريق } او عذاب عظيم زآئد فى الاحراق على عذاب سائر أهل جهنم فظهرت المغايرة بين المعطوفين وان كان كل منهما حاصلا فى الآخرة ويحتمل أن يكون المراد بعذاب جهنم بردها وزمهريرها وبعذاب الحريق حرها فيرددون بين برد وحر على أن يكون الحر لاحراقهم المؤمنين فى الدنيا والبرد لغيره كما قالوا الجزآء من جنس العمل والحريق اسم بمعنى الاحتراق كالحرقة وقول الكاشفى فى تفسيره عذاب الحريق عذاب آتش سوزان . يشير الى ان الحريق بمعنى النار المحرقة كما قال فى المفردات الحريق النار وكذا الحرق بالتحريك بالنار أو لهبها كما فى القاموس وحرق الشئ ايقاع حرارة فى الشئ من غير لهب كحرق الثوب بالدق والاحراق ايقاع نار ذات لهب فى شئ ومنه استعير أحرقنى بلومه اذا بالغ فى أذيته بلوم يقول الفقير الظاهر أن الحريق هنا بمعنى المحرق كالأليم بمعنى المؤلم فيكون اضافة العذاب الحريق من قبيل اضافة الموصوف الى صفته ويستفاد زيادة الاحراق من المقابلة فان العطف من باب الترقى بحسب العذاب المترتب على الترقى من حيث العمل .(17/150)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)
{ ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات } على الاطلاق من المفتونين وغيرهم { لهم } بسب ما ذكر من الايمان والعمل الصالح الذى من جملته الصبر على أذى الكفار واحراقهم وايراد الفاء اولا وتركها ثانيا يدل على جواز الامرين { جنات } يجازون بها بمقابلة النار ونحوها { تجرى من تحتها الانهار } يجازون بذلك بمقابلة الاحتراق والحرارة ونحو ذلك قال فى الارشاد ان أريد بالجنات الاشجار فجريان الانهار من تحتها ظاهر وان أريد بها الارض المشتملة عليها فالتحتية باعتبار جريها الظاهر فان اشجارها ساترة لساحتها كما يعرب عنه اسم الجنة . { ذلك } المذكور العظيم الشان وهو حصول الجنان { الفوز الكبير } الذى تصغر عنده الدنيا وما فيها من فنون الرغائب بحذافيرها فالحصر اضافى قال فى برهان القرءآن ذلك مبتدأ والفوز خبره والكبير صفته وليس له فى القرءآن نظير والفوز النجاة من الشر والظفر بالخير فان أشير بذلك الى الجنات نفسها فهو مصدر أطلق على المفعول مبالغة والا فهو مصدر على حاله قال الامام انما قال ذلك الفوز ولم يقل تلك لدقيقة لطيفة وهى ان قوله ذلك اشارة الى اخبار الله بحصول هذه الجنات ولو قال تلك لكانت الاشارة الى نفس الجنات واخبار الله عن ذلك يدل على كونه راضيا والفوز الكبير هو رضى الله لا حصول الجنة يقول الفقير وعندى ان حصول الجنات هو الفوز الكبير وحصول رضى الله هو الفوز الاكبر كما قال تعالى ورضوان من الله اكبر وانما لم يقل تلك لان نفس الجنات من حيث هى ليست بفوز وانما الفوز حصولها ودخولها .(17/151)
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)
{ ان بطش ربك لشديد } استئناف خوطب به النبى عليه السلام ايذانا بأن لكفار قومه نصيبا موفورا من مضمونه كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة الى ضميره عليه السلام والبطش تناول الشئ بصولة والأخذ بعنف يقال يد باطشة وحيث وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم وهو بطشه بالجبابرة والظلمة وأخذ اياهم بالعذاب والانتقام وان كان بعد امهال فانه عن حكمة لا عن عجز .(17/152)
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)
{ انه هو } وحده { يبدئ ويعيد } اى يبدئ الخلق ويخرجهم من العدم الى الوجود ثم يميتهم ويعيدهم احياء للمجازاة على الخير والشر من غير دخل الأحد فى شئ منهما ففيه مزيد تقدير لشدة بطشها وهو يبدئ البطش بالكفرة فى الدنيا ويعيده فى الآخرة يعنى آشكاره كند بطش خودرا بركافران دردنيا وبازكرداندهم آنرا بديشان درآخرت واين نشانهء عدلست . اى يبدئ البطش او العذب فى الآخرة ثم يعيده فيها كقوله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها قال ابن عباس رضى الله عنهما ان أهل جهنم تأكلهم النار حتى يصيروا فيها فحما ثم يعيدهم خلقا جديدا فهو المراد من الآية وقال حذيفة بن اليمان رضى الله عنه اسر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فى النار فقال يا حذيفة ان فى جهنم لسباعا من نار وكلابا من نار وسيوفا من نار وكلاليب من نار وانه يبعث ملائكة يعلقون أهل النار بتلك الكلاليب بأحناكهم ويقطعونهم بتلك السيوف عضوا عضوا ويلقوناه الى تلك السباع والكلاب كلما قطعوا عضوا عاد آخر مكانه غضا طريا او يبدئ من التراب ويعيده فيه او من النطفة ويعيده فى الآخرة يقال بدأ الله الخلق وأبدأهم فهو بادئهم ومبدئهم بمعنى واحد والمبدئ المظهر ابتدآء والمعيد المنشئ بعد ما عدم فالاعادة ابتدآء ثان .
قال الامام الغزالى رحمه الله المبدئ المعيد معناه الموجد لكن الايجاد اذا لم يكن مسبوقا بمثله يسمى ابدآء وان كان مسبوقا بمثله يسمى اعادة والله تعالى بدأ خلق الانسان ثم هو الذى يعيدهم اى يحشرهم فالاشياء كلها منه بدت واليه تعود وبه بدت وبه نعود وفى المفردات والله هو المبدئ والمعيد اى هو السبب فى المبدأ والنهاية وقال بعضهم الابدآء هو الاظهار على وجه التطوير المهيئ للاعادة وهى الرجوع على مدرج تطوير الابدآء فهو سبحانه بدأ الخلق على حكم ما يعيدهم عليه فسمى بذلك المبدئ المعيد وانما قيل فيهما انهما اسم واحد لان معنى الاول يتم بالثانى وكذا كل اسم لا يتم معناه فيما يرجع الى كمال اسماء الله الا باسم يتم به معناه قال الامام القشيرى رحمه الله ان الله تعالى يبدئ فضله واحسانه لعبيده ثم يعيده ويكرره فان الكريم من يرب صنائعه وخاصية الاسم المبدئ أن يقرأ على بطن الحامل سحرا تسعا وعشرين مرة فان ما فى بطنها يثبت ولا يزلق وخاصية الاسم المعيد يذكر مرارا التذكار المحفوظ اذا نسى لا سيما اذا أضيف له الاسم المبدئ .(17/153)
وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14)
{ وهو لغفور } لمن تاب عن الكفر وآمن وكذا لمن تاب عن غيره من المعاصى ولمن لم يتب أيضا ان شاء { الودود } المحب لمن أطاع او تاب كما قال ان الله يحب التوابين واين نشأته فضل است بعدل وكذارد ونابود سازد وبفضل بنوازد وبرافرازد
فضل اودلنواز غمخواران ... عدل او سينه سوز جباران
عمر بن الخطاب رضى الله عنه در تخانه مقبول وسيئات او مغفور كه وهو الغفور الودود وعبد الله بن أبى در مسجد مخذول وحسنات او مردود كه ان بطش ربك لشديد . فالودود فعول بمعنى الفاعل ههنا وهو الذى يقتضيه المقام وقال سهل رحمه الله الودود المحب الى عباده باسباغ النعم عليهم ودوام العافية فيكون بمعنى المفعول لانه يحبه عباده الصالحون ومحبة العبد لله طاعته له وموافقته لامره او تعظيمه له وهيبته فى قلبه واجمع أهل الحقيقة ان كل محبة تكون عن ملاحظة عوض فهى معلولة بل المحبة الصحيحة هى المحبة الصافية عن كل طمع والاثران الله تعالى يقول ان أود الاودآء الى من عبدنى لغير نوال لكن ليعطى الربوبية حقها قال بعض الكبار العشق التفاف الروحين والحب صفاء ذلك الالتفات وخلوصه والود ثباته وتمكنه من القلب والهوى اول وقوع الحب فى القلب وفى التأويلات النجمية الودود لمن يتوجه اليه بالمحبة على سنة من تقرب الى شبرا تقريب اليه زراعا فمن قرب اليه بالمحبة تقرب اليه بالود لان الود أثبت فى أرض القلب من المحبة لاشتقاقه من الوتد انتهى قال فى القاموس الود الوتد وقال الامام الغزالى رحمه الله الودود هو الذى يحب الخير الجميع الخلق فيحسن اليهم ويثنى عليهم وهو قريب من تستدعى مرحوما ضعيفا وأفعال الودود لا تستدعى ذلك بل الانعام على سبيل الابتدآء من نتائج الود كما ان معنى رحمتة تعالى ارادته الخير للمرحوم وكفايته له وهو منزه عو رقة الرحمة فكذلك وده ارادته للكرامة والنعمة وهو منزه عن ميل المودة والودود من عباد الله من يريد لخلق الله كل ما يريده لنفسه وأعلى من ذلك من يؤثرهم على نفسه كمن قال منهم أريد أن اكون جسرا على النار يعبر على الخلق ولا يتأذون بها وكمال ذلك أنلا يمنعه من الايثار والاحسان الحقد والغضب وما يناله من الأذى كما قال عليه السلام حين كسرت رباعيته ودمى وجهه وضرب « اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون » فلم يمنعه سؤء صنيعهم عن ارادة الخير لهم وكما أمر عليه السلام عليا رضى الله عنه حيث قال « ان أردت أن تسبق المقربين فصل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك » وخاصية الاسم الودود ثبوت الوداد لا سيما بين الزوجين فمن قرأه ألف مر على طعام واكله مع زوجته غلبتها محبته ولم يمكنها سوى طاعته وقد روى انه اسم الله الاعظم فى دعاء التاجر الذى قال فيه يا ودود يا ذا العرش المجيد يا مبدئ يا معيد أسألك بنور وجهك الذى ملأ اركان عرشك وبقدرتك التى قدرت بها على جميع خلقك وبرحمتك التى وسعت كل شئ لا اله الا أنت يا مغيث أغثنى يا مغيث أغثنى يا مغيث أغثنى الحديث قد ذكره غير واحد من الائمة .(17/154)
يقول الفقير كنت اذكر فى السحر الاعلى يا ودود وذلك بلسان القلب فصدر منى بلا اختيار أن اقول يا رب اجعلنى محيطا فعرفت ان للاسم المذكور تأثيرا عظيما فى الاحاطة وذلك ان الودود بمعنى المحبوب ولا شك ان جميع الاسماء الهية يود الاسم الاعظم ويميل اليه فالاسم الاعظم ودود بمعنى المفعول وغيره ودود بمعنى الفاعل فمن ذكره كان ودودا بمعنى المودود فيحبه جميع المظاهر فيحصل له الاحاطة باسرار جميع الاسماء ويصل اليه جميع التوجهات .(17/155)
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)
{ ذو العرش } خالقه وقيل المراد بالعرض الملك مجازا اى ذو السلطنة القاهرة على المخلوقات السفلية والمخترعات العلوية وان لم يكن على السرير ويقال قل عرش فلان اذا ذهب سلطانه { المجيد } هو الشريف ذاته الجميل أفعاله الجزيل عطاؤه نواله فكان شرف الذات اذا قارنه حسن افعال سمى مجيدا وهو الماجد أيضا ولكن أحدهما دل على المبالغة وكأنه يجمع من اسم الجليل واسم الوهاب والكى قال فى القاموس المجيد الرفيع العال والكريم والشريف الفعال ومجده عظمه وأثنى عليه والعطاء كثره والتمجيد ذكر الصفات الحسنة وقرئ بالكسر صفة للعرش ومجد العرش علوه فى الجهة وعظم مقداره وحسن صورته وتركيبه فانه أحسن الاجسام تركيبا وصورة وفى الحديث « ما الكرسى فى جنب العرش الا كحلقة ملقاة فى أرض فلاة » فاذا كان الكرسى كذلك مع سعته فما ظنك بسائر الاجرام العلوية والسفلية قال سهل رحمه الله ظهر الله العرش اظهارا للقدرة لا مكانا للذات ولا احتياجا اليه قال بعضهم ومن العجب ان الله لو ملأ العرش مع تلك السعة من حبوب الذرة وخلق طيرا اكل حبة واحدة منها فى ألف سنة لنفدت الحبوب ولا تنقطع مدة الآخرة ومع هذا لا يخاف بنوا آدم من عذاب تلك المدة ويضيعون أعمارهم فى شئ حقير سريع الزوال وفيه اشارة الى قلب العارف المستوى للرحمن كما جاء فى الحديث « قلب العارف عرش الله » ومجده هو أنه ما وسع ذلك الواسع المجيد غيره وخاصية هذا الاسم تحصيل الجلالة والمجد والطهارة ظاهرا وباطنا حتى فى عالم الابدان والصور فلقد قالوا اذا صام الابرص اياما وقرأه كل ليلة عند الافطار كثيرة فانه يبرأ باذن الله تعالى اما بلا سبب او بسبب يفتح الله له به .(17/156)
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)
{ فعال لما يريد } بحيث لا يتخلف عن ارادته مراد من أفعاله تعالى وأفعال غيره فيكون دليلا لاهل الحق على انه لا يتخلف شئ عن ارادته وهو خبر مبتدأ محذوف وانما قال فعال مبالغة فاعل لان ما يريد ويفعل فى غاية الكثرة من الاحياء والاماتة والاعزاز والاذلال والاغناء والاقتار والشفاء والامراض والتقريب والتبعيد والعمارة والتخريب والوصل والفرق والكشف والحجاب الى غير ذلك من شؤونه وفى التأويلات النجمية فعال لما يريد بالمؤمن والكافر وأرباب الارواح والاسرار والقلوب وأصحاب النفوس وأهل الهوى ان أراد أن يجعل أرباب الرواح من أرباب النفوس فهو قادر على ذلك وهو عادل فى ذلك وان أراد عكس ذلك فهو كذلك وهو مفضل فى ذلك يحجب من يريد بجلاله كالمنكرين ويتجلى لمن يريد بجماله كالمقربين ويعامل لمن يريد بافاضة كماله كالعارفين قال القفال يدخل اولياءه الجنة لا يمنعه مانع ويدخل اعدآءه النار لا ينصرهم ناصر ويمهل بعض العصاة على ما يشاء الى أن يجازيهم ويعاجل بعضهم بالقوبة اذ شاء فهو يفعل ما يريد ( روى ) ان أناسا دخلوا على أبى بكر الصديق رضى الله عنه يعودونه فقالوا الا نأتيك بطبيب قال قد رآنى قالوا فما قال لك قال انى فعال لما أريد . .(17/157)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17)
{ هل أتاك } آيا آمد بتو . اى قد أتاك لان الاستفهام للتقرير { حديث الجنود } اى خبر الجموع الكافرة التى تجندت على الانبياء فى الماضى وخبرهم ما صدر عنهم من التمادى فى الكفر والضلال وما حصل بها من العذاب والنكال .(17/158)
فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18)
{ فرعون وثمود } بدل من الجنود يعنى مع انه غير مطابق ظاهرا للمبدل منه فى الجمعية لان المراد بفرعون هو وقومه وقد يجعل من حذف المضاف بمعنى جنود فرعون اى هل اتاك حديثهم وعرفت ما فعلوا من التكذيب وما فعل بهم من التعذيب فذكر قومك بشؤون الله وأنذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أمثالهم وقد كانوا سمعوا قصة فرعون وجنوده قوم موسى عليه السلام ورأوا آثار هلاك ثمود قوم صالح عليه السلام لانها كانت فى ممرهم وفى بلادهم وأخر ثمود مع تقدمه على فرعون زمانا لرعاية الفواصل قال القاشانى هل أتاك حديث المحجوبين اما بالانانية كفرعون ومن يدين بدينه او بالآثار والاغيار كثمود ومن يتصل بهم .(17/159)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)
{ بل الذين كفروا } من قومك { فى تكذيب } اضراب عن مماثلتهم لهم وبيان لكونهم اشد منهم فى الكفر والطغيان وتنكير تكذيب للتعظيم كأنه قيل ليسوا مثلهم فى لك بل هم اشد منهم فى استحقاق العذاب واستيجاب العقاب فانهم مستقرون فى تكذيب شديد للقرءآن الناطق بذلك لكن لانهم يكذبون بوقوع الحادثة بل يكذبون كون ما نطق به قرءآنا من عند الله مع وضوع أمره وظهور حاله بالبينات الباهرة وفى التأويلات النجمية فى تكذيبا لاشمال خلقهم وجبلتهم على صفة الكذب والتكذيب وأمن جبل على صفة لا يقدر على مفارقتها الا القليل من الكمل كما قال تعالى فمن لم يجعل الله له نورا اى فى الاستعداد فما له من نور .
خوى بد در طبيعتى كه نشست ... نرهد جز بوقت مرك ازدست
وفيه اشارة الى تكذيب المنكرين لاهل الحق ووقوفهم مع حالهم واحتجابهم عن حال من فوقهم .(17/160)
وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)
{ والله من ورائهم } من خلفهم { محيط } بهم بالقدرة وهو تمثيل العدم نجاتهم من بأس الله بعدم فوت المحاط المحيط اذا سد عليه مسلكه بحيث لا يجد هربا منه وفى التأويلات النجمة محيط والمحيط لا يفوته المحاط ولا يفوت المحيط شئ لاحاطة الله سبحانه عند العارفين بالكافرين من الموجودات كلها عبارة عن تجليه بصور الموجودات فهو سبحانه بأحدية جميع اسمائه سار فى الموجودات كلها ذاتا وحياة علما وقدرة الى غير ذلك من الصفات والمراد باحاطته تعالى هذه السراية ولا يعزب عنه ذرة فى السموات والارض وكل ما يعزب عنه يلتحق بالعدم وقالوا هذه الاحاطة ليس كاحاطة الظرف بالمظروف ولا كاحاطة الكل باجزآئه ولا كاحاطة الكلى بجزيئاته بلى كاحاطة الملزوم بلازمه فان التعينات اللاحقة لذاته المطلقة انما هى لوازم له بواسطة او بغير واسطة وبشرط او بغير شرط ولا تقدح كثرة اللوازم فى وحدة الملزوم ولا تنافيها والله أعلم بالحقائق .(17/161)
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21)
{ بل هو قرآن مجيد } اى ليس الامر كما قالوا بل هذا الذى كذبوا به قرءآن شريف عالى الطبقة فيما بين الكتب الالهية فى النظم والمعنى متضمن للمكارم الدنيوية والاخروية .(17/162)
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)
{ فى لوح محفوظ } اى من التحريف ووصول الشياطين اليه واللوح كل صحيفة عريضة خشبا او عظما كما فى القاموس قال الراغب اللوح واحد ألواح السفينة وما يكتب فيه من الخشب ونحوه والمراد به هنا ما قال ابن عباس رضى الله عنهما ان الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء دفتاه يا قوته حمرآء طوله ما بين السماء والارض وعرضه ما بين المشرق والمغرب ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة وستين مرة يحيى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء وفى صدر اللوح لا اله الا الله وحده ودينه الاسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن به وصدق وعده واتبع رسله أخله الجنة وفى التأويلات النجمية بل المتلو المقرء على الكفار والمنافقين قرءآن عظيم مجيد شريف مثبوت فى لوح القلب المحمدى وفى الواح قلوب ورئته الاولياء العارفين المحبين العاشقين محفوظ من تحريف ايدى النفس الكافرة والهوى الماكر وسائر القوى البشرية السارية فى اقطار الوجود الانسانى وقد قال تعالى وانا له لحافظون اى فى صدور الحفاط وقلوب المؤمنين .(17/163)
وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)
{ والسماء والطارق } الطارق فى الاصل اسم فاعل من طرق طرقا وطروقا اذا جاء ليلا قال الماوردى واصل الطرق الدق ومنه سميت المطرقة لانه يطرق بها الحديد وسمى الطريق طريقا لانه يضرب بالرجل وسمى قاصد الليل ثم اتسع فى كل ما ظهر بالليل كائنا ما كان ثم اتسع فى التوسع حتى اطلق على الصور الخيالية ابادية بالليل والمراد هنا الكوكب البادى بالليل قال اراغب عبر عن النجم بالطارق لاختصاص ظهوره بالليل قال هند بنت عتبة يوم أحد نحن بنات طارق نمشى على النمارق اى أبونا كالنجم شرفا وعلوا وقال الشاعر
يا راقد الليل مسورا بأوله ... ان الحوادث قد يطرقن اسحارا
لا تفرحن بليل طاب اوله ... فرب آخر ليل أجج النار
قال سهل رحمه الله وما طرق على قلب محمد من روآئد البيان والانعام وفى التأويلات النجمية يشير الى سماء القلب وطروق كواكب الواردات القلبية والالهامات الغيبية العظيمة الشأن القوية البرهان ولفخامة امره وشهامة قدره عقبه بقوله { وما أدراك ما الطارق } اى اى شئ أعلمك بالطارق فانه لا يناله ادراك الخلق الا بالتلقى من الخلاق العليم كأنه قيل ما هو فقيل هو { النجم الثاقب } النجم الكوكب الطالع والثقب بالفارسية سوارخ كردن والثقوب والثقابة افروخته شدن آتش . يقال ثقبه ثقبا جعل فيه منفذا ومسلكا ونفذ فيه وثبت النار تثقب ثقوبا اتقدت واشتعلت وثقب النجم اضاء وشهاب ثاقب اى مضيئ وعبر عن الطارق اولا بوصف عام ثم فسره بما يخصه تفخيما لشأنه والمعنى النجم المضيئ فى الغاية يعنى ستارء رخشنده وفروزان جون شعلهء آتش . لانه يثقب بنوره واشاءته ما يقع عليه من الظلام والافلاك وينفذ فيها والمراد الجنس وهو قول الحسن رحمه الله لان لكل كوكب ضوأ ثاقبا لا محالة اى فى نفسه وان حصل التفاوت بالنسبة اقسم الله بالسماء وبكواكبها لدلالتهما على قدرته وحكمته او المعهود بالثقب فهو من باب ركب السلطان وهو زحل الذىفى السماء السابعة لانه يثقب بنوره سمك سبع سموات او كوكب الصبحٍ الثريا لان العرب تسميه النجم او الشهاب جنانجه آورده اندكه شى حضرت رسول صلى الله عليه وسلم نشسته بود باعم خود ابو طالب ناكاه ستاره بدر خشيد وشعلهء آتش عظيم از وظاهر شد ابو طالب بترسيد وكفت اين جه جيزست حضرت بيغمبر عليه السلام فرمود كه اين ستاره ايست كه ديورا از آسمان مى راند ونشانه ايست از قدرتهاى الهى فى الحال جبريل نازل شد بدين آيت كه والسماء والطارق . وفيه اشارة الى كوكب اسم الجمال الثاقب الطارق وكوكب اسم الجلال وقال القاشانى اى الروح الانسانى والعقل الذى يظهر فى ظلمة النفس وهو النجم الذى يثقب ظلمتها وينفذ فيها ويبصر بنوره ويهتدى به كما قال وبالنجم هم يهتدون .(17/164)
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)
{ ان كل نفس لما عليها حافظ } جواب للقسم وما بينهما اعتراض جيئ به لتأكيد فخامة المقسم به المستتبع لتأكيد مضمون الجملة المقسم عليها وان نافية ولما بمعنى الا قال الزجاج استعملت لما فى موضع الا فى موضعين احدهما بعد ان النافية ولآخر فى باب القسم تقول سألتك لما فعلت بمعنى الا فلعت وعدى الحفظ بعلى لتضمنه معنى الهيمنة والمعنى ما كل نفس من النفوس الطيبة والخبيثة انسبة او جنية الا عليها حافظ مهيمن رقيب وهو الله تعالى كما قال الله تعالى وكان الله على كل شئ رقيبا .
آورده اندكه درمكه زنى بود فاجره وكفت من طاوس يمانى را بر كردانم ازراه طاعت ودر معصيت كشم وطاوس مردى نيكو ورمى بود وخوش خلق وخوش طبع ان زن برطاوس آمد وباوى سخن در كرفت برسبيل مزاح طاوس بدانست كه مقصودوى جيست كفت آرى صبركن تابفلان جايكاه آييم جون بدان جايكاه رسيدند طاوس كفت اكرترا مقصودى است اينجا تواند بود آن زن كفت سبحانه الله اين جه جاى آن كارست انجمنكاه خلق ومجمع نظار كيان طاوس كفت أليس الله يرانا فى كل مكان اى زن از ديدار مردم شرم دارى واز ديدار الله كه بما مى نكرد خود شرم ندارى يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله اين سخن درزن كرفت وتوبه كرد واز جملهء اوليا كشت ( وحكى ) ان ابن عمر رضى الله عنهما مر بغلام يرعى غنما فقال له بعنى شاة فقال انها ليست لى فقال له ابن عمر قل اكلها الذئب فقال الغلام فأين الله فاشتراه ابن عمر واشترى الغنم واعتقه ووهب له الغنم وبقى ابن عمر مدة طويلة يقول قال ذلك العبد فأين الله فصاحب المراقبة يدع من المعاصى حياء ومنه تعالى وهيبة له اكثر مما يدعه من يترك الماصى بخوف عقوبته وقيل المراد بالحافظ هو من يحفظ عملها ويحصى عليها ما تكسب من خير وشر كما فى قوله تعالى وان عليكم لحافظين . وآنكه كه بر مصطفى صلى الله عليه وسلم عرضه ميكنند جنانكه در خبرست كه رسول الله عليه السلام فرمود تعرض على اعمالكم فما كان من حسنة حمدت الله عليه وما كان من سيئة استغفرت الله لكم ( وروى ) عن النبى عليه السلام وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب ولو وكل العبد الى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين وقرئ لما مخففة على أن ان مخففة وما مزيدة واللام فاصلة بين المخففة والنافية اى ان الشأن كل نفس عليها حافظ رقيب وفى الآية تخويف للنفوس من الامور الضارة وترغيب فى الشؤون النافعة وفى بعض التفاسير يحتمل ان يكون المراد من النفس أعم من نفس النفس المكلف من الانسان والجن ومن نفس المكلف لعموم الحفظ من بعض الوجوه ومن الكل فيشمل النفوس الحيوانية مطلقا بل كل شئ سوى الله بناء على ان المراد من النفس الذات فان نفس كل شئ ذاته وذاته نفسه ومن الحافظ هو الله لان الحافظ لكل شئ عالم بأحواله موصل اليه منافعه ودافع عنه مضاره والحفيظ من العباد من يحفظ جوارحه وقلبه ويحفظ دينه عن سطوة الغضب وحلاوة لشهوة وخداع النفس وغرور الشيطان فانه على شفا جرف هار وقد اكتنفته هذه الملكات المفضية الى البوار ومن خواص الاسم الحفيظ ان من علقه عليه لو نام بين السباع ما ضرته قال القاشانى الحافظ هو الله ان اريد بالنفس الجملة وان اريد بها النفس المصطلح عليها من القوة الحيوانية فحافظها الروح الانسانى .(17/165)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)
{ فلينظر الانسان } ليتفكر الانسان المركب من الجهل والنسيان المنكر للنشور والحشر والميزان { مم } اى من اى شئ فأصله مما حذفت الالف تخفيفا كما مر فى عم { خلق } حتى يتضح ان من قدر على انشائه من مواد لم تشم رآئحة الحياة قط فهو قادر على اعادته بل اقدر على قياس العقل فيعمل ليوم الاعادة والجزآء ما ينفعه يومئذ ويجد به ولا يملى حافظه ما يرد به .(17/166)
خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)
{ خلق من ماء دافق } استئناف وقع جوابا عن استفهام مقدر كأنه قيل مم خلق فقيل خلق من ماء ذى دفق وهو صب فيه دفع وسيلان بسرعة وبالفارسية ويزانيدن آب . وبابه نصر وانما اول بالنسبة لان الصب لا يتصور من النطفة لظهور انها مصبوبة لاصابة فتوصيفه بانه دافع لمجرد نسبة مبدأ الاشتقاق الى ذات الموصوف به مع قطع النظر عن صدوره منه وقال بعضهم اى مدفوق ومصبوب فى الرحم نحو سر كاتم اى مكتوم وعيشة راضية اى مرضية فهو فاعل بمعنى المفعول والمراد به الممتزج من الماءين فى الرحم كما ينبئ عنه ما بعده فى الآية وللنظر الى امتزاجهما عبر عنهما بصيغة الافراد ووصف الماء الممتزج بالدافق من قبيل توصيف المجموع بعض اجزآئه .(17/167)
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)
{ يخرج } ذلك الماء الدافق { من بين الصلب والترآئب } الصلب الشديد وباعتباره سمى الظهر صلبا اى من بين ظهر الرجل وترآئب المرأة وهى ضلوع صدرها وعظام نحرها حيث تكون القلادة وكل عظم من ذلك تربية وعن على وابن عباس رضى الله عنهما بين الثديين وفى القاموس الترآئب عظام الصدر او ما ولى الترقوتين منه او ما بين الثديين والترقوتين او اربع اضلاع من يمنة الصدر واربع من يسرته او اليدان والرجلان والعينان او موضع القلادة انتهى ومن ذلك يتحمل الوالد مصالح معيشة الولد وتشتد رقة الوالدة ومحبتها للولد وايراد بين اشارة الى ما يقال ان النطفة تتكون من جميع اجزآء البدن ولذلك يشبه الولد والديه غالبا فيجتمع ماء الرجل فى صلبه ثم يجرى منه ويجتمع ماء المرأة فى تراآئبها ثم يجرى منها وفى قوت القلوب اصل المنى هو الدم يتصاعد فى خرزات الصلب وهناك مسكنه فتنضجه الحرارة فيستحيل أبيض فاذا امتلأت منه خرزات الصلب وهو الفقار طلب الخروج من مسلكه وهو عرقان متصلان الى الفرج منهما ينزل المنى وفى اسئلة الحكم بين طريق البول وطريق المنى جلد رقيق يكاد لا يتشخص كيلا يختلط المنى بماء البول فيفسد حرارة جوهرة وفى التأويلات النجمية خلق الانسان من ماء رطوبة النفس الرحمانى الذى اشار اليه عليه السلام بقوله تعالى « كنت كنزا مخفيا فأحببت ان اعرف فخلقت الخلق الخارج من بين الصلب » اى رجل القوة الفاعلية الالهية المسماة باليد اليمنى فى قوله ثم مسح يده اليمنى على جانب الظهر الايمن فاستخرج منه ذرية بيضاء كالفضة البيضاء والترآئب وترآئب امرأة القابلية المسماة باليد اليسرى فى قوله ثم مسح يده اليسرى على جانب الظهر الايسر فاستخرج منه ذرارى حماء سوداء فهو الانسان المخلوق على صورة ربه وخالقه من ماء الفيض والقبول المخمر بيدى الفاعلية والقابلية المشار اليهما بقوله خمرت طينة آدم بيدى اربعين صباحا .(17/168)
إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)
{ انه } الضمير للخالق فان قوله خلق يدل عليه ان ذلك الذى خلق الانسان ابتدآء مما ذكر { على رجعه } اى اعادته بعد موته { لقادر } اى لين القدرة بحيث لا يرى له عجز أصلا وتقديم الجار والمجرور على عامله وهو لقادر للاهتمام به من حيث ان الكلام فيه بخصوصه فهو لا ينافى قادريته على غيره قال بعضهم خلقه لاظهار قدرته ثم رزقه لاظهار الكرم ثم يميته لاظهار الجبروت ثم يحييه لاظهار الثواب والعقاب .(17/169)
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)
{ يوم تبلى السرآئر } ظرف لرجعه ولا يضر الفصل بالاجنبى للتوسع فى الظروف والسرآئر جمع سريرة بمعنى السر وهى التى تكتم وتخفى اى يتعرف ويتصفح ما اسر فى القلوب من العقائد والنيات وغيرها وما اخفى من الاعمال ويميز بين ما طاب منها وما خبث وبالفارسية روزى كه آشكارا كرده شود نهانها يعنى ظاهر كند مخفيات ضمائر واعمال اطيب آن از خبيث متميز كردد
كر برده زروى كار مابر دارند ... آن كيست كه رسواى دو عالم نشود
والابلاء هو الابتلاء والاختبار واطلاق الابلاء على الكشف والتمييز من قبيل اطلاق اسم السبب على المسبب لان الاختبار يكون للتعريف والتمييز وابتلاء الله عباده بالامر والنهى يكون لكشف ما علم منهم فى الازل وقال بعضهم المراد بالسرآئر الفرائض كالصوم والصلاة والزكاة والغسل من الجنابة فانها سر بين العبد وبين ربه ولو شاء العبد أن يقول فعلت ذلك ولم يفعله امكنه وانما تظهر صحة تلك السرآئر يوم القيامة قال ابن عمر رضى الله عنهما يبدى الله يوم القيامة كل سر فيكون زينا فى وجوه وشينا فى وجوه يعنى من أدى الامانات كان وجهه مشرقا ومن ضيعها كان وجهه اغبر .(17/170)
فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)
{ فما له } اى للانسان وما نافية { من قوة } فى نفسه يمتنع بها من العذاب الذى حل به { ولا ناصر } من خارج ينتصر به اذ كل نفس يومئذ رهينة بما كسبت مشغولة بجزآء ما جرت عليه خيرا كان او شرا فالمراد بالقوة المنفية هى القوة الثابتة له فى نفسه لا القوة مطلقا والا لم يبق للعطف فائدة لان القوة المستفادة من الغير قوة ايضا وقد نفيت اولا والقوة عبارة عن شدة البنية وصلابته المضادة للضعف وفى التعريفات هى تمكن الحيوان من الافعال الشاقة ونصر المظلوم أعانه ونصره منه نجاه وخلصه وفيه اشارة الى القوة بحسب نية الباطن وعمل الظاهر فالنية الخالصة المجردة عن العمل قد تنصر الناوى ايضا لكن اذا قرانت العمل كانت اقوى .(17/171)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)
{ والسماء ذات الرجع } ذات مؤنث ذو بمعنى الصاحب والرجع المطر سمى رجعا لما ان العرب كانوا يزعمون ان السحاب يحمل الماء من بحار الارض ثم يرجعه الى الارض او أرادوا بذلك التفاؤل ليرجع ولذلك سموه او باليؤوب فيكون الرجع مصدرا من اللازم بمعنى الرجوع لا من المتعدى قاله بعض العلماء او لان الله يرجعه وقتا فوقنا بعد ايجاده واحداثه وقال الراغب سمى المطر رجعا لرد الهوآء ما تناوله من الماء وفى كشف الاسرار لانه يرجع كل عام ويتكرر وقال عبد القاهر الجرجانى فى كتاب اعجاز القرءآن انما قال لسماء ذات الرجع لان شمسها وقمرها يغيب ويطلع وبعض نجومها يرجع .(17/172)
وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)
{ والارض ذات الصدع } هو ما تتصدع عنه الارض من النبات اذا المحاكى للنشور هو تشقق الارض وظهور النبات منها لاظهار العيون فالمراد بالصدع نبات الارض سمى به لانه صادع للارض والارض تتصدع به والصدع فى اللغة الشق وفى المفردات شق فى الاجسام الصلبة كالزجاج والحديد ونحوهما وفى الآية اشارة الى ان السماء ذات الرجع كالاب والارض ذات الصدع كالام وما ينبت من الارض كالولد اقسم الله بالسماء اولا مجردة عن التوصيف وثانيا مقيدة بكونها ذات الرجع وكذا بالارض ذات الصدع ايماء الى المنة عليهم بكثرة المنافع ودلالة على العلم النام والقدرة الكاملة فيهما وفيه اشارة الى سماء الروح ذات الرجع فى النشأة الثانية وارض البدن ذات الصدع بالانشقاق عن الروح وقت زهوقه او الشق بعد اتصاله .(17/173)
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13)
{ انه } اى القرءآن الذى من جملته ما تلى من الآيات الناطقة بمبدأ حال الانسان ومعاده { لقول } لكلام اذا القول كثيرا ما يكون بمعنى المقول { فصل } اى فاصل بين الحق والباطل مبالغ فى ذلك كانه نفس الفصل كما قيل له فرقان بمعنى الفارق . .(17/174)
وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)
{ وما هو بالهزل } الهزل اللعب وفى فتح الرحمن ما استعمل فى غير ما وضع له من غير مناسبة والجد ضده وهو أن يقصد به المتكلم حقيقة كلامه اى ليس فى شئ من القرءآن شائبة هزل بل كله جد محض لا هزل فيه فمن حقه ان يهتدى به الغواة وتخضع له رقاب العتاة وبالفارسية ونيست او بازى وباطل وفسوس وسخريه . ويظهر من الآية ان من يؤم القرءآن بهزل او بتفكه بمزاح يكفر وفى هدية المهديين اذا انكر رجل آية من القرءآن او سخر بها او عابها فقد كفر ومن قرأ القرءآن على ضرب الدف او القصب قد كفر ولو قال ألم نشرح لك را كريبا كرفته . او قال بوست ازقل هو الله احد بردى . او قال اين كوته تراز انا أعطيناك . او قيل لم لم تقرأ القرءآن فقال سير شدم از قرءآن . فهذا كله وامثاله كفر ينبغى للمؤمن ان يحترز منه ويجتنب عنه .(17/175)
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15)
{ انهم } اى اهل مكة ومعاندى قريش { يكيدون } فى ابطال امره واطفاء نوره يعنى مكر ميكنند درشان رسول وحق قرآن { كيدا } حسبما فى قدرتهم { واكيد كيدا } اى اقابلهم بكيد متين لا يمكن رده حيث أستدرجهم من حيث لا يعلمون وكيد المحدث العاجز الضعيف لا يقاوم كيد القديم القادر القوى فتسمية الاستدراج والانتقام فى الدنيا بالسيف وفى الآخرة بالنار كيدا من باب المشاكلة لوقوعه فى مقابلة كسبهم جزآء له والا فالكيد هو المكر والاحتيال لا يجوز اسناده اليه تعالى مرادا به معناه الحقيقى وتسمية جزآء الشئ باسم ذلك الشئ على سبيل المشاكلة شائع كثير .(17/176)
وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)
{ فمهل الكافرين } اى لا تشتغل بالانتقام منهم ولا تدع عليهم بالهلاك ولا تستعجل به يعنى مهلت ده كافرانرا وتعجيل مكن در طلب هلاك ايشان .(17/177)
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
{ امهلهم } بدل من مهل وهما اى التمهيل والامهال لغتان كما قال تعالى ومهلهم قليلا ( روى ) عن همام مولى عثمان رضى الله عنه انه قال لما كتبوا المصحف شكوا فى ثلاث آيات فكتبوا فى كتف شاة وارسلونى الى أبى ابن كعب وزيد بن ثابت رضى الله عنهما فدخلت عليهما فناولتها أبي فقرأها فاذا هى فيها لا تبديل للخلق فكتب لا تبديل لخلق الله وكان فيها لم يتسن فكتب لم يتسنه وكان فيها فأمهل الكافرين فمحا الالف وكتب فمهل الكافرين ونظر فيها زيد بن ثابت فانطلقت بها اليهم فاثبتوها فى المصحف وفيه اشارة الى ان الله تعالى حافظ للقرءآن من التحريف والتبديل لانه اثبته فى صدور الحفاظ والى ان المشكلات يرجع فيها الى اهل الحل { رويدا } يقال ارود يرود اذا رفق وتأنى ومنه بنى رويد كما فى المفردات وفى الارشاد هو فى الاصل تصغير رود بالضم وهو المهل اوارواد مصدر أورد بالترخيم وهو اما مصدر مؤكد لمعنى العامل او نعت لمصدره المحذوف اى امهلهم امهالا رويدا اى قريبا او قليلا يسيرا فان كل آت قريب كما قالوا كرجه قيامت دير آيد ولى مى آيد . وفى تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيه من الرمز الى قرب وقت الانتقام من الاعدآء وفى كشف الاسرار وما كان بين نزول هذه الآية وبين وقعة بدر الا زمان يسير ( حكى ) انه دخل ابن السماك على هرون الرشيد فطلب هرون منه العظة وقد جلس فى حصير فقال يا أمير المؤمنين لتواضعك فى شرفك أفضل من شرفك قال الرشيد ما سمعت شيأ احسن من هذا فقال بلى يا أمير المؤمنين من اعطى مالا وجمالا وسلطانا وشرفا فتواضع فى شرفه وعف فى جماله وواسى من فضل ماله وعدل فى سلطانه كتب فى ديوان المخلصين فدعا الرشيد بالقرطاس فكتبها ثم قال زدنى فقال يا أمير المؤمنين لقد امهل حتى كأنه اهمل ولقد ستر حتى كأنه غفر ثم قال يا أمير المؤمنين هب كأن الدينا كلها فى يديك والاخرى مثلها ضمت اليك هب كان الشرق والغرب يجيى اليك فاذا جاء ملك الموت فمذا فى يديك قال زدنى فقال لم يبق من لدن آدم الى يومنا هذا احد الا وقد ذاق الموت قال زدنى فقال انهما موضعان اما جنة واما نار قال حسبى ثم غشى عليه قال ابن السماك دعوة حتى يموت فلما أفاق امر له بجائزة فقيل له انه قال كذا فسأله الرشيد عن ذلك فقال يا أمير المؤمنين اى شئ أحسن من ان يقال ان أمير المؤمنين مات من خشية الله فاستحسن كلامه واحترمه ( قال الحافظ ) بمهلتى كه سبهرت دهد زراه مرو . تراكه كفت كه اين زال ترك دستان كرد . فطوبى لمن قصر امله وطال عمره وحسن عمله والله نسأل ان لا يجعلنا من المغترين .(17/178)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)
{ سبح اسم ربك الأعلى } التسبيح التنزيه واسم الله لا يصح أن يطلق عليه بالنظر الى ذاته او باعتبار من صفاته السلبية كالقدوس او الثبوتية كالعليم او باعتبار فعل من أفعاله كالخالق ولكنها توقيفية عند بعض العلماء وقد سبق والأعلى صفة للرب ويجوز أن يكون صفة للاسم والاول أظهر ومعنى علوه تعالى أن يعلو عن أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين ومعنى أعلويته ان له الزيادة المطلقة فى العلو قال بعضهم ليس علوه علوجهة ولا كبره كبر جثة سبحانه عن ذلك بل علو استحقاق لنعوت الجلال والكبرياء فمن عرف علوه وكبرياءه تواضع وتذلل بين يديه عباده الصالحين والمعنى نزه اسمه عن الالحاد فيه بالتأويلات الزآئغة نحو أن يجعل الاعلى من العلو فى المكان لا من العلو فى الكمال وأن يؤخذ الاستوآء بمعنى الاستقرار لا بمعنى الاستيلاء وكذا نزهه عن اطلاقه على غيره بوجه يشعر بتشاركهما فيه كان يسمى الصنم والوثن بالرب والاله ومنه تسيمة العرب مسيلمة الكذاب برحمان اليمامة وكذا نزهه عن ذكره لاعلى وجه الاعظام والاجلال ويدخل فيه أن يذكر اسمه عند التثاؤب وحال الغائط وكذا بالغفلة وعدم الوقوف على معناه وحقيقته ومنه اكثار القسم بذكر اسمه من غير مبالاة وقال جرير فى الآية ارفع صوتك بذكره اى بذكر اسمه فان ذكر المدلول انما هو بذكر الاسم الدال عليه فظهر من هذا التقرير أن الاسم غير مقحم وقال بعضهم الاسم والمسمى هنا واحد اى نزه ذاته عما يدخل فى الوهم والخيال وفى الحديث لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال عليه السلام « اجعلوها فى ركوعكم » فلما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها فى سجودكم وكانوا يقولون فى الركوع اللهم لك ركعت وفى السجود اللم لك سجدت وفى الحديث دلالة على ان لفظ الاسم مقحم قاله سعدى المفتى وعلى ان الامتثال بالامر يحصل بأن يقول سبحان ربى الاعلى الذى الخ فان قوله سبح أمر بالتسبيح فلا بد وأن يذكر ذلك التسبيح وما هو الاقول سبحان ربى الأعلى ومثله سبحان ربك العزة فان معناه نزه ربك العزة فيحصل الامتثال بان يقول سبحان ربنا رب العزة على معنى تنزه ربنا رب العزة وقس على ذلك سائر المواقع المأمور بها وسر اختصاص سبحان ربى العظيم بالركوع والاعلى بالسجود ان الاول اشارة الى مرتبة الحيوان والثانى اشارة الى مرتبة النبات والجماد فلا بد من الترقى فى التنزيه وكان عليه السلام وجيوشه اذا علوا الثنايا كبروا واذا هبطوا سجدوا فوضعت الصلاة على ذلك قال حضرة الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره فى شرح الحديث اعلم ان الرفعة والارتفاع استعلاء وانه من التكبر فان كان الاستعلاء ظاهرا فهو صورة من صور التكبر وان كان باطنا فهو معنى التكبر ولما كان الكبرياء لله وحده وكان فى الصعود على الثنايا ضرب من الاستعلاء موجود وشبيه به ايضا لذلك يوهم الاشتراك واما الامر بالتسبيح فى الهبوط فهو من أجل سر لمعية المشار اليها بقوله تعالى وهو معكم أينما كنتم فاذا امنا انه معنا أينما كنا فحال كوننا فى هبوط يكون معنا وهو يتنزه عن التحت والهبوط لانه سبحانه فوق التحت كما القوق انه فوق ونسبة الجهات اليه على السوآء لنزاهته عن التقيد بالجهات واحاطته بها فلهذا شرع التكبير فى الصعود والتسبيح فى الهبوط على الوجه المنبه عليه انتهى وأول من قال سبحان ربى الأعلى ميكائيل عليه السلام وذلك انه خطر بباله عظمة الرب تعالى فقال يا رب اعطنى قوة حتى انظر الى عظمتك وسلطانك فأعطاه قوة أهل السموات فطار خمسة آلاف سنة حتى احترق جناحه من نور العرش ثم سأل القوة فأعطاه قوة ضعف ذلك وجعل يطير ويرتفع عشرة آلاف سنة حتى احترق جناحه وصار فى آخره كالفرخ ورأى الحجاب والعرش على حاله فخر ساجدا وقال سبحان ربى الأعلى ثم سأل ربه أن يعيده الى مكانه والى حالته الاولى ذكره أبو الليث فى تفسيره وقال النبى عليه السلام(17/179)
« يا جبرآئيل اخبرنى عن ثواب من قال سبحان ربى الأعلى فى صلاته او فى غير صلاته » فقال يا محمد ما من مؤمن ولا مؤمنة يقولها فى سجوده او فى غير سجوده الا كانت له فى ميزانه أثقل من العرش والكرسى وجبال الدنيا ويقول الله صدق عبدى أنا الأعلى وفوق كل شئ وليس فوقى شئ اشهدوا يا ملائكتى انى قد غفرت لعبدى وأدخلته جنتى فاذا مات زاره ميكائيل كل يوم فاذا كان يوم القيامة حمله على جناحة فيوقفه بين يديى الله فيقول يا رب شفعنى فيه فيقول قد شفعتك فيه اذهب به الى الجنة ذكره ابن الشيخ فى حواشيه وفى الحديث « سبحان الله والحمد لله يملآن ما بين السموات والارض » اى لاشتمال هاتين الكلمتين على كمال الثناء والتعريف بالصفات الذاتية والفعلية الظاهرة الآثار فى السموات والارض وما بينهما وقال القاشانى اسمه الأعلى والاعظم هو الذات مع جميع الصفات اى نزه ذاتك بالتجرد عما سوى الحق وقطع النظر عن الغير ليظهر عليها الكمالات الحقانية باسرها وهو تسبيحه الخاص به فى مقام الفناء لان الاستعداد التام القابل لجميع الصفات الاليهة لم يكن الاله فذاته هو الاسم الاعلى عند بلوغ كماله ولكل شئ تسبيح خاص يسبح به اسما خالصا من اسماء ربه .(17/180)
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)
{ الذى خلق فسوى } صفة أخرى للرب على الوجه الاول ومنصوب على المدح على الثانى لئلا يلزم الفصل بين الموصوف والصفة غيره اى خلق كل شئ فسوى خلقه بأن جعل له ما به يتأتى كماله ويتسنى معاشه وقال القاشانى انأ ظاهرك فعدل بنيتك على وجه قبلت بمزاجه الخاص الروح الأتم المستعد لجميع الكمالات وفى التأويلات النجمية خلق كل شئ بحسب الوجود فسوى تسوية بها يصل الفيض الالهى المعدله بحسب استعداده الفطرى وقال بعضهم خلق الخلق فسوى بينهم فى الخلقة وميز بينهم باختصاص بعضهم بالهداية .(17/181)
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)
{ والذى قدر } معطوف على الموصول الاول اى قدر أجناس الاشياء وانواعها وافرادها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها كما قال عليه السلام « ان الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة » اى جعل أجناس الاشياء وكذا اشخاس كل نوع بمقدار معلوم وكذا جعل مقدار كل شخص فى جئته وأوضاعه وسائر صفاته كالحسن والقبح والسعادة والشقاوة والهداية والضلالة والالوان والاشكال والطعوم والروآئح والارزاق والآجال وغير ذلك بمقدار معلوم كما قال وان من شئ الا عندنا خزآئنه وما تنزله الا بقدر معلوم { فهدى } فوجه كل واحد منها الى ما يصدر عنه وينبغى له طبعا او اختيارا ويسره لما خلق له بخلق الميول والهامات ونصب الدلائل وانزال الآيات ولو تتبعت أحوال النباتات والحيوانات لرأيت فى كل منها ما يحار فيه العقول ( يحكى ) ان الافعى اذا بلغت ألف سنة عميت وقد ألهمها الله أن تمسح عينيها بورن الرازيانج الغض فيرد اليها بصرها فربما كانت عند عروض العمى لها فى برية بينهما وبين الريف مسافة طويلة فتطويها على طولها وعلى عماها حتى تهجم فى بعض البساتين على شجرة الرازيانج لات تخطئها فتحك عينيها بورقها وترجع باصرة باذن الله تعالى ( ويحكى ) ان التمساح لا يكون له دبر وانما يخرج فضلات ما يأكله من فيه حيث قيض الله له طائرا قدر الله غذآءه من ذلك فاذا رآء التمساح يفتح فمه فيدخله الطائر فيأكل ما فيه وقد خلق الله له من فوق منقاره ومن تحته قرنين لئلا يطبق عليه التمساح فمه والتمساح خلق كالسلحفاة ضخم يكون بنيل مصر وبنهر مهران فى السند كما فى القاموس ويختطف البهائم والآدميين وربما بلغ طوله عشرين ذراعا وهو يبيض فى البر فما وقع من ذلك فى الماء صار تمساحا وما بقى صار سقنقورا وهى دابة بمصر شكلها كالوزغة على عظم خلقته وهو أنفس ما يهدى لملوك الهند فانهم يذبحونه بسكين من الذهب ويحشونه من ملح مصر ويحملونه كذلك الى أرضهم فاذا وضعوا مثقلالا من ذلك على بيض او لحم واكل نفع ذلك نفعا بليغا والسقنقور والضب والسلحفاة للذكر منها ذكران وللانثى فرجان ومن عجائب هداياته تعالى ان القطا وهو طائر يترك فراخه ثم يطلب الماء من عشرة ايام واكثر فيرده فيما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ثم يرجع فلا يخطئ لا ذهابا ولا ايابا والجمل والحمال اذا سلكا طريقا فى الليلة الظلماء ففى المرة الثانية لا يخطئان والدبة اذا ولدت ولدها رفعته فى الهوآء يومين خوفا من النمل لانها تضعه قطعة لحم غير متميزة الجوارح ثم يتميز اولا فأولا واذا جمع العقرب والفأرة فى اناء زجاج قرضت الفأرة ابرة العقرب فتسلم منها ( وحكى ) ان ابن عرس تبع فأره فصعدت شجرة ولم يزل يتبعها حتى انتهت الى رأس الغصن ولم يبق مهرب فنزلت على ورقة وعضت طرفها وعلقت نفسها فعند ذلك صاح ابن عرس فجاءته زوجته فلما انتهت الى تحت الشجرة قطع ابن عرس الورقة التى عضتها الفأرة فسقطت فاصطادها ابن عرس الذى كان تحت الشجرة والفأرة تدخل ذنبها فى قارورة الدهن ثم تلحسه والثعلب اذا اجتمع فى جلده البق الكثير والبعوض يأخذ بقيه قطعة جلد من الحيوان فينغمس فى الماء فاذا اجتمعت فى الفر وألقاه فى الماء وخرج سالما والعنكبوت تبنى بيتها على وجه عجيب غير مقدور والبشر لا يقدر على بناء البيت المسدس الا بالالبركار والمسطر والنحل تبنى تلك البيوت من غير آلة والنمل تسعى لاعداد الذخيرة لنفسها فاذا أحست بنداوة المكان تشق الحبة نصفين لئلا تنبت واذا وصلت النداوة اليها تخرجها الى الشمس لتجف قال بعضهم رأيت غواصا وهو طائر غاص وطلع بسمكة فغلبه الغراب عليها فأخذها منه فغاص مرةأخرى فطلع فأخذها منه الغراب وفى الثالثة كذلك فلما اشتغل الغراب بالسمكة وثب الغواص فأخذ برجل الغراب وغاص به تحت الماء حتى مات الغراب وخرج هو من الماء وفى الحديث(17/182)
« لا تشوبوا اللبن بالماء فان رجلا كان فيمن كان قبلكم يبيع اللبن ويشوبه بالماء فاشترى قردا وركب البحر حتى اذا لجج فيه ألهم الله القرد فأتى صرة الدنانير فأخذها وصعد الدقل وهو سهم السفينة ففتح نصفين فالقى ثمن الماء فى الماء » وفى عجائب المخلوقات ان شخصا قتل شخصا بأصفهان وألقاه فى بئر وللمقتول كلب يرى ذلك فكان يأتى كل يوم الى رأس البئر وينحى التراب عنها واذا رأى القاتل نبح عليه فلما تكرر منه ذلك حفروا الموضع فوجدوا القتيل ثم اخذوا الرجل فاقر فقتل به ومن عجيب شجرة النخل ان يعرض لها العشق وهى أن تميل الى الى نخلة أخرى فيخف حملها وتهزل وعلاجها أن يشد بينها وبين معشوقها الذى مالت اليه بحبل او يعلق عليها سعفة منه او يجعل فيها من طلعه وامثال هذا لا تحيط بها العبارة والتحرير كثرة .(17/183)
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4)
{ والذى اخرج المرعى } اى انبت بكمال قدرته ما ترعاه الدواب غضا طريا من بين أخضر واصفر وأحمر وأبيض وقال ابن عباس رضى الله عنه المرعى الكلأ الأخضر وفى الصحاح الرعى بالكسسر الكلأ وبالفتح المصدر والمرعى الرعى والمصدر .(17/184)
فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)
{ فجعله } بعد ذلك { غثاء } اى درينا وهو كأمير ييبس كل حطام حمض او شجر او بقال قال الجوهرى الغثاء بالضم والمد ما يحمله السيل من القماش والقمش جمع الشئ من ههنا وههنا وذلك الشئ قماش ما على وجه الارض من فتات الاشياء حتى يقال لرذالة الناس قماش وبالفارسية خشك ويزمرده { أحوى } اسود من الحوة بمعنى السواد وذلك ان الكلأ اذا جف ويبس اسود سواء كان جفافه واسوداده بتأثر حرارة الشمس او برودة الهوآء الفاء التعقيبية اشارة الى قصر مدة الحضرة ورمز الى قصر مدة العمر وسرعة زوال الدنيا ونعيمها يعنى محققا از مضمون اين آيت فهم كرده اندكه جراكاه متمتعان دنيا اكرجه در اول تازه وسيراب وسبز وخرم نمايد اما اندك وقتى را بسبب هبوب رياح خزان حوادث تيره وبى طراوت خواهد بود
اكرجه خرم وتازه است كلبن دنيا ... ولى بنكبت باد خزان نمى ارزد
بكرده خورى وقرص قمر زجاى مرو ... كه خوان جرخ نيك تاى نان نمى ارزد
وفيه اشارة الى زينة الحياة الدنيا ومنافعها ومآكلها ومشاربها فانها مرعى النفس الحيوانية ومرتع بهائم القوى جعلها الله سريعة الفناء وشيكة الزوال كالهشيم والحطام البالى المسود فينبغى أن لا يلتفت اليها ولا يشغل بها فانها مانعة عن التسبيح الخاص وهو تنزيه الذات وتجريدها عن العلائق وبها يحصل الاحتجاب عن الكمال المقدر فى حق كل احد .(17/185)
سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)
{ سنقرئك فلا تنسى } بيان لهدايته تعالى الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم أثر بيان هدايته العامة لكافة مخلوقاته وهى هدايته عليه السلام لتلقى الوحى وحفظ القرءآن الذى هو هدى للعالمين وتوفيقه عليه السلام لهداية الناس أجميعن قال الراغب فى المفردات اخبار وضمان من الله تعالى أن يجعله بحيث لا ينسى ما يسمعه من الحق انتهى والسين اما للتأكيد اما لان المراد اقرآء ما أوحى اليه حينئذ وما سيوحى اليه بعد ذلك فهو وعد كريم باستمرار الوحى فى ضمن الوعد بالاقرآء يقال قرأ القرءآن فهو قارئ وأقرأه غيره فهو مقرئ اى علمه اياه فهو معلم وفى تاج المصادر الاقرآء قرآن كوش فرا داشتن وخواننده كردن . ومنه سنقرئك انتهى والمعنى سنقرئك ما نوحى اليك الآن وفيما بعد على لسان جبرآئيل فلا تنسى اصلا من قوة الحفظ والاتقان وفى كشف الاسرار سنجمع حفظ القرءآن فى قلبك وأقرءته فى لسانك حتى لا تنسى كقوله ان علينا جمعه وقرءآنه .(17/186)
إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)
{ الا ما شاء الله } استثناء مفرغ من اعم المفاعيل اى لا تنسى شيأ من الاشياء مما تقرأ الا ما شاء الله أن تنساه ابدا بأن نسخت تلاوته فان النسخ نوع من الانساء وطريق من طريقه فكأنه بالنسخ محى من الصحف والصدور فالمراد بالنسيان هو النسيان الكلى الدآئم بحيث لا يعقبه التذكر بعده ويجوز بأن يراد به النسيان المتعارف الذى يعقبه الذكر بعده وهو النسيان فى الجملة على القلة والندرة اى فلا تنسى الا ما شاء الله نسيانه ثم لا يبقى المنسى منسيا دآئما بل يعقبه الذكر كما هو المفهوم من المقام ويؤيد هذا المعنى ما روى انه عليه السلام أسقط آية فى قرآءته فى الصلاة فحسب أبى رضى الله عنه انها نسخت فسأله فقال عليه السلام « نسبتها » ( وروى ) ان بعض الصحابة رضى الله عنهم كان يقرأ القرءآن فى الليل فقال عليه السلام « لقد أذكرنى آية أنسيتها » ومن هذا كان عليه السلام يقول فى دعائه « اللهم ارحمنى بالقرءآن العظيم واجعله لى اماما ونورا وهدى رحمة اللهم ذكرنى منه ما نسيت وعلمنى منه ما جهلت وارزقنى تلاوته آناء الليل واطراف النهار واجعله حجة لى يا رب العالمين » وكان عليه السلام يقول « انما أنا بشر انسى كما تنسون فاذا نسيت فذكرونى » وقال تعالى واذكر ربك اذا نسيت ودل الكل على جواز طيان النسيان عليه وان لم يكن سهوه ونسيانه من قبيل سهو الامة ونسيانهم فانه اهل الحضور الدآئم روى عن جعفر الصادق رضى الله عنه انه عليه السلام كان يقرأ من الكتاب وان كان لا يكتب وفيه معجزة له عليه السلام فانه كان أميا وقد جعله الله قارئا ثم انه كان يقرأ من الحفظ ومن الصحيفة ايضا من غير تعلم الخط وكان منبع الكمالات كلها حتى انه علم الكتاب الخط وقوانينه وأصحاب الحرف دقائق حرفتهم . { انه يعلم الجهر وما يخفى } تعليل لما قبله وما موصولة وكل من الجهر والاخفاء شامل لما كان من قبيل القول والعمل والاخفاء والاخفاء لما فى الضمائر من النيات اى يعلم ما ظهر وما بطن من الامور التى من جملتها ما أوحى اليك فينسى ما يشاء انساءه ويبقى محفوظا ما يشاء ابقاءه لما نيط بلك منهما من مصالح دينكم .(17/187)
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11)
{ ونيسرك لليسرى } عطف على نقرئك واليسرى فعلى من اليسر وهو السهولة ويسرت كذا سهلت وهيأت وضمن نيسرك معنى التوفيق ولذا عدى بدون اللام والا فالعبارة المعتادة أن يقال جعل الفعل الفلانى ميسرا لفلان لاأن يقال جعل فلان ميسرا للفعل الفلانى كما فى الآية فانه قيل ونيسرك لليسرى ولا ونيسر اليسرى لك وقال بنون العظمة لتكون عظمة المعطى دليلا على عظمة العطاء وفى الارشاد تعليق التيسير به عليه السلام مع ان الشائع تعليقه بالامور المسخرة للفاعل كما فى قوله تعالى ويسر لى أمرى لليذان بقوة تمكينه عليه السلام من اليسرى والتصرف فيها بحيث صار ذلك ملكة راسخة له كأنه عليه السلام جبل كما فى قوله عليه السلام « اعملوا فكل ميسر لما خلق له » والمعنى ونوفقك توفيقا مستمرا توفيقا للطريقة اليسرى اى التى هى أيسر وأسهل فى كل باب من ابواب الدين علما وتعليما واهتدآء وهداية فيندرج فيه نيسير طريق تلقى الوحى والاحاطة بما فيه من احكام الشريعة السمحة والنواميس الالهية مما يتعلق بتكميل نفسه عليه السلام وتكميل غيره كما يفصح عنه الفاء فى قوله تعالى { فذكر ان نفعت الذكرى } اى فذكر الناس حسبما يسرناك له بما يوحى اليك واهدهم الى ما فى تضاعيفه من الاحكام الشريعة كما كانت تفعله ان نفع التذكير والعظة والنصيحة وتقييد التذكير بنفع الذكرى لما ان رسول الله عليه السلام طالما كان يذكرهم ويستفرغ فيه جهده حرصا على ايمانهم وكان لا يزيد ذلك بعضهم الا كفرا وعنادا فأمر عليه السلام بأن يخص التذكير بمدار النفع فى الجملة بأن يكون من يذكره كلا او بعضا ممن يرجى منه التذكر ولا يتعب نفسه فى تذكير من لا يزيده التذكير الا عتوا ونفورا من المطبوع على قلوبهم كما فى قوله تعالى فذكر بالقرءآن من يخاف وعيد حرف الشك راجع الى النبى عليه السلام لا الى الله وفى كشف الاسرار ان تجيئ فى العربية مثبتة لا لشرط فتكون بدل قد كقوله وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين وقد علم عليه السلام ان الذكرى تنفع لا محالة اما فى ترك الكفر او ترك المعصية او فى الاستكثار من الطاعة فهو حث على ذلك وتنبيه على انها تنفع الا أن يكون مطبوعا على قلبه غير مستعد للقبول فالنفع مشروط بشرط الاستعداد
زمين شوره سنبل بر نيارد ... در وتخم عمل صابع مكردان
والحاصل ان التذكير خاص بالمنتفع وذلك فى النهاية واما فى البداية فعام وما على الرسول الا البلاغ
من آنجه شرط بلاغست باتوميكويم ... تواخواه ازسخنم بندكير وخواه ملال
قال القاشانى أجمل فى قوله ان نفعت الذى تم فصل بقوله { سيذكر من يخشى } اى سيتذكر بتذكيرك ك يعنى زود باشد كه بندبذيرد . من من شأنه أن يخشى الله حق خشيته او من يخشى الله فى الجملة فيزداد ذلك بالتذكير فيتفكر فى امر ما تذكر به فيقف على حقيقته فيؤمن به وفى التفسير الكبير الناس فى أمر المعاد على ثلاثة أقسام منهم من قطع بصحته ومنهم من جوز وجوده ولكنه غير قاطع فيه لا بالنفى ولا بالاثبات ومنهم من أصر على انكاره والقسمان الاولان ينتفعون بالتذكير بخلاف الثالث .(17/188)
الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12)
{ ويتجبنها } اى يتبعد من الذكرى ولا يسمعها سماع القبول { الاشقى } اى الزآئدة فى الشقاوة من الكفرة لتوغله فى عداوة النبى عليه السلام مثل الوليد بن المغيرة وأبى جهل ونحوها او الاشقى هو الكافر مطلقا لانه أشقى من الفاسق وروى ان من يخشى هو عثمان بن عفان رضى الله عنه والاشقى رجل من المنافقين وذلك ان المنافق كانت له نخلة مائلة فى دار رجل من الانصار فسقط نمرها فى داره فذكر ذلك لرسول الله عليه السلام فارسل الى المنافق ولم يكن يعلم بنفاقه فسأله ان يعطى النخلة للانصارى على ان يعطيه نخلة فى الجنة فقال أبيع عاجلا بآجل لا افعل فأعطاه عثمان رضى الله عنه حائط نخل له فنزلت الآية كام فى التكملة ونظيره ان رجلا قضى للنبى عليه السلام حاجة قال أئتنى بالمدية فأتاه فقال ايما أحب اليك ثمانون من الضأن او أدعو الله ان يجعلك معى فى الجنة قال بل ثمانون من الضأن قال اعطوه اياها ثم قال ان اصحابة موسى عليه السلام كانت أعقل منك وذلك ان عجوزا دلته على عظام يوسف عليه السلام فقال لها موسى ايما أحب اليك اسأل الله ان تكون معى فى الجنة او مائة من الغنم قالت الجنة .
هركه بيندمر عطارا صد عوض ... زود در بازد عطار ازين غرض
آرزوى كل بود كل خواره را ... كلشكر نكوارد آن بيجاره را(17/189)
ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)
{ الذى يصلى النار الكبرى } اى يدخل الطبقة السفلى من طبقات النار .
وآتش آن از آتش دركات ديكر تيز تروسوزنده تراست وآن جاى آل فرعون ومنافقان ومنكران مائده عيسى عليه السلام باشد ونار صغرى رر طبقه عليا كه جاى كنهكاران امت محمد مصطفاست عليه السلام .
فالكبرى اسم تفصيل لانه تأنيث الاكبر والمفضل هو ما فى اسفل دركات جهنم من النار التى هى نصيب الكفار كما قال تعالى ان المنافقين فى الدرك الاسفل من النار والمفضل عليه ما فى الدركات التى فوقها فان لجهنم نيرانا ودركات متفاضلة كما ان فى الدنيا ذنوبا ومعاصى متفاضلة فكما ان الكفار أشقى العصاة كذلك يصلون أعظم النيران وقيل الكبرى نار جهنم والصغرى نار الدنيا يعنى ان المفضل نار الآخرة والمفصل عليه نار الدنيا لقوله عليه السلام ناركم هذه جزء من سبعين جزأ من نار جهنم وقد غمست فى ماء البحر مرتين ليدنى منها وينتفع بها ولولا ذلك ما دنوتم منها ويقال انها تتعوذ بالله من جهنم وان ترد اليها .
يقول الفقير الظاهر ان المراد بالنار الكبرى هو العذاب الاكبر فى قوله تعالى فيعذبه الله العذاب الاكبر وهو عذاب الآخرة واما العذاب لاصغر فهو عذاب الدنيا وعذاب البرزخ فانه يصغر بالنسبة الى عذاب الآخرة قال بعض الحكماء علامة الشقاوة اشياء كثيرة الاكل والشرب النوم والاصرار على الذنب وقساوة القلب وكثرة الذنب ونسيان الرب والوقوف بين يدى الملك الجبار فهذا هو الاشقى الذى يدخل النار الكبرى وفى التأويلات النجمية النار ناران نار حجاب الدنيا بالاشتغال بالشهوات والذات وهى الصغرى ونار حجار الآخرة وهو الابتلاء بالخذلان والخسران والطرد والهجران كام قال تعالى ومن كان فى هذه اعمى فهو فى الآخرة اعمى واضل سبيلا لفوات الاستعداد وقال القاشانى النار الكبرى هى نار الحجاب عن الرب بالشرك والوقوف مع الغير نار القهر فى مقام الصفات ونار الغضب والسخط فى مقام الافعال ونار جهنم الآثار فى المواقف الاربعة من موقف الملك والملكوت والجبروت وحضرة اللاهوت أبدا الآبدين فما اكبر ناره .(17/190)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
{ ثم لا يموت فيها } حتى يستريح { ولا يحيى } حياة تنفعه كما يقال لمن ابتلى بالبلاء الشديد لا هو حى ولا هو ميت وثم للتراخى من مراتب الشدة لان التردد بين الموت والحاية افظع من نفس الصلى وقال ابن عطاء لا يموت فيستريح من غم القطعية ولا يحيى فيصل الى روح الوصلة وفى التأويلات النجمية لا يموت نفسه بالكلية ليستريح من عقوبات الحجاب والاحتجاب ولا يحيى قلبه بحاية الايمان لكونه فى دار الجزآء لا فى دار التكليف وقال القاشانى لا يموت لامتناع انعدامه ولا يحيى بالحقيقة لهلاكه الروحانى اى يتعذب دآئما سرمدا فى حالة بتمنى عندها الموت وكلما احترق وهلك اعيد الى الحياة عذب فلا يكون ميتا مطلقا ولا حيا مطلقا .
يقول الفقير لا يموت لان الموت يذبح فلا موت ولا يحيى لان المغموم كالميت فيبقى فى العذاب الروحانى كما يبقى فى العذاب الجسمانى قال بعض الكبار لا حياة الا عن موت ولا موت الا عن رؤية حى فمن مات غير هذا الموت فلا يحيى ومن حى غير هذا الحياة فهى حياة حيوانية لا حياة انسانية .(17/191)
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)
{ قد افلح } اى نجا من المكروه وظفر بما يرجوه { من تزكى } اى تطهر من الكفر والمعاصى يتذكره واتعاظه بالذكرى او تكثر من التقوى والخشية من الزكاء وهو النماء وكلمة قد لما أن عند الاخبار بسوء حال المتجنب عن الذكرى فى الآخرة يتوقع السامع الاخبار بحسن حال المتذكر فيها وينتظره .(17/192)
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)
{ وذكر اسم ربه } بقليه ولسانه { فصلى } اقام الصلوات الخمس كقوله اقم الصلاة لذكرى اى كبر تكبيرة الافتتاح فصلى فالمراد بالذكر تكبيرة الافتتاح لكن لا يختص الذكر عند الحنفية بأن يقول الله اكبر لعموم الذكر ودل العطف بالفاء التعقيبية على عدم دخول الكبير فى الاركان لان العطف يقتضى المغايرة بين المعطوفين قال الامام مراتب اعمال المكلف ثلاث فاولاها ازالة العقائد الفاسدة عن القلب وهى المراد بالتزكى والثانية استحضار معرفة الله بذاته وصفاته واسمائه وهى المراد بالذكر لان الذكر بالقلب ليس الا المعرفة والثالثة الاشتغال بالخدمة والطاعة وهى المرادة بالصلاة فانها عبارة عن التواضع والخشوع فمن استنار قلبه بمعرفة جلال الله لا بدو ان يظهر فى جوارحه واعضائه اثر الخضوع والخشوع قال بعضهم خلق الله وجها يصلح للسجدة ويعينا تصلح للعبرة وبدنا يصلح للخدمة وقلبا يصلح للمعرفة وسرا يصلح للمحبة فاذكروا نعمة الله عليكم حيث زين ألسنتكم بالشهادة وقلوبكم بالمعرفة وابدانكم بالعبادة ( روى ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى قال الله سبحانه « ان لى مع المصلين ثلاث شرآئط احداها تنزل الرحمة من عنان السماء الى مفرق رأسه ما دام فى صلاته والثانية حفته الملائكة بأجنحتها والثالثة أناجى معه كلما قال يا رب اقول لبيك » ثم قال عليه السلام « لو علم المصلى من يناجى ما التفت » ( وروى ) عن ابن عمر رضى الله عنه ان المراد بالتزكى اخراج صدقة الفطر قبل المضى الى المصلى وبالذكران يكبر فى الطريق حين خروجه الى المصلى وبالصلاة ان يصلى صلاة العيد بعد ذلك مع الامام وهذه السورة وان كانت مكية بالاجماع ولم يكن بمكة عيد ولا صدقة فطر الا انه لما كان فى علمه ان ذلك سيكون اثنى الله على من فعل ذلك فانه تعالى قد يخبر عما سيكون وفى الآية اشارة الى تطهير النفس عن المخالفات الشرعية وتطهير القلب عن المحبة الدنيوية بل عن ملاحظة الغير والتوجه الى الله تعالى بقدر الاستعداد اذ لا يكلف الله نفسا الا وسعها . { بل تؤثرون الحياة الدنيا } اضراب عن مقدر ينساق اليه الكلام كأنه قيل اثر بيان ما يؤدى الى الفلاح لا تفعلون ذلك بل تختارون اللذات العاجلة الفانية فتسعون لتحصيلها والخطاب اما للكفرة فالمراد بايثار الحياة الدنيا هو الرضى والاطمئنان بها والاعراض عن الآخرة بالكية كما فى قوله تعالى وان الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها الآية او للكل فالمراد بايثارها ما هو أعم مما ذكر وما لا يخلو عنه اناس غالبا من ترجيح جانب الدنيا على الآخرة فى السعى وترتيب المبادى والالتفات على الاول لتشديد التوبيخ وعلى الثانى كذلك فى حق الكفرة ولتشديد العتاب فى حق المسلمين وفى فتح الرحمن فالكافر يؤثرها ايثار كفر يرى ان لاآخرة والمن يؤثرها ايثار معصية وغلبة نفس الا من عصم الله وفى عين المعانى خطاب للامة اذ كل يميل الى الدنيا اما رغبة فيها وادخار الثواب الآخرة ( وفى كشف الاسرار ) مصطفى عليه السلام اول قلم فتوى .(17/193)
در حق دنيا اين راندكه حلالها حساب وحرامها عذاب آنكه برو لعنت كردكه . الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر الله .
اكردينت همى بايد زدننا دار بى بكسل ... ورت دنيا همى بايدبده دين وببر دنيا
ورازدوزخ همى ترسى بمالى بس مشوغره ... كه اينجاصورتش مالست وآنجاشكلش ازدرها
جه مانى بهر مردارى جوزاغان اندرين بستى ... قفص بشكن جو طاوسان يكى بربربزين بالا(17/194)
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)
{ والآخرة خير وأبقى } حال من فاعل تؤثرون مؤكدة للتوبيخ والعتاب اى تؤثرونها على الآخرة والحال ان الآخرة خير فى نفسها لما ان نعيمها مع كونه فى غاية ما يكون من اللذاة خالص عن شائبة الغائلة أبدى لا الصرام له وعدم التعرض لبيان تكدر نعيم الدنيا بالمنغصات وانقطاعه عما قليل لغاية ظهوره وفيه اشارة الى ان ظواهر الاشياء بالنسبة الى حقائقها كالقشر بالنسبة الى اللب واللب خير من القشر وتقى لان لب الحب يحفظ زمانا طويلا وقشره اذا سلخ من اللب يطرح فى النار او يرمى بالمزابل فيفنى بعد اليومين او اكثر فأرباب القشر يؤثرون الامور الظاهرة الخسيسة الدنية الفانية على الامور الباطنة المعنوية الشريفة العزيزة الباقية لكونهم محجوبين عن الآخرة وارباب اللب يختارون الآخرة بل الله الآخر كما قال قل الله ثم ذرهم ويقال قد افلح من تزكى اى من تاب من الذنوب وذكر اسم ربه يعنى اذا سمع الاذان خرج الى الصلاة ثم ذم تارك الجماعة لاجل اشتغاله بالدنيا فقال بل تؤثرون الحياة الدنيا يعنى تختارون عمل الدنيا على عمل الآخرة وعمل الآخرة خير وابقى من عمل الدنيا والاشتغال بها وبزينتها .(17/195)
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18)
{ ان هذا } اشارة الى ما ذكر من قوله تعالى قد افلح من تزكى { لفى الصحف الاولى } جميع صحيفة وهى الكتاب قال الراغب الصحيفة المبسوط من كل شئ كصحيفة الوجه والصحيفة التى كان يكتب فيها والمصحف ما جعل جامعا للصحف المكتوبة والمعنى لثابت فيها يعنى ان تطهير النفس عما لا ينبغى وتكميل الروح بالمعارف وتكميل الجوارح بالطاعة والزجر عن الالتفات الى الدنيا والترغيب فى الآخرة وفى ثواب الله فى دار كرامته لا يجوزان يختلف باختلاف الشرآئع .(17/196)
صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)
{ صحف } جدك { ابراهيم } الخليل عليه السلام { و } صحف اخيك { موسى } الكليم عليه السلام بدل من الصحف الاولى ( روى ) ان جميع ما انزل الله من كتاب مائة واربعة كتب انزل على آدم عليه السلام عشر صحف حروف التهجى صحيفة منها وعلى شيت عليه السلام خمسين صحيفة وعلى ادريس عليه السلام ثلاثين صحيفة وعلى ابراهيم عليه السلام عشر صحائف والتوراة والانجيل والزبور والفرقان فصحف موسى هى الالواح التى كتبت فيها التوراة كذا قال الامام وفى التيسير صحف شيت وهى ستون وصحف ابراهيم وهى ثلاثون وصحف موسى قبل التوراة وهى عشر والتوراة والانجيل والزبور والقرءآن وكان فى صحف ابراهيم ينبغى للعاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله ان يكون حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبلا على شانه وايضا الخروج عما سوى الله بنعت التجريد كما قال انى بريئ مما تشركون والاقبال على الله لقوله انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض ونقل من صحف موسى يقول الله يا ابن آدم اعمل لنفسك قبل نزول الموت بلك ولا تغرنك المطية فان على آثارها السفر ولا تلهينك الحياة وطول الامل عن التوبة فانك تندم على تاخيرها حين لا ينفعك الندم يا ابن آدم اذا لم تخرج حقى من مالى الذى رزقتك اياه ومنعت منه الفقرآء حقوقهم سلطت عليك جبارا ياخذه منك ولا اثيبك عليه وفى صحف موسى ايضا سرعة الشوق الى جماله والندم على الوقوف فى المقامات عند تعريف الصفات لقوله انى تبت اليك وأنا اول المؤمنين وفى التيسير دل الكلام على قول الامام الاعظم رحمه الله ان قرآءة القرءآن بالفارسية فى الصلاة صحيحة وهو قرءآن بأى لسان قرئ لانه جعل هذا المذكور مذكورا فى تلك الصحف ولذلك قال وانه لفى زبر الاولين ولا شك انه لم يكن فيها بهذا النظم وبهذه اللغة وكان قرءآنا لان العبرة بالمعانى والالفاظ ظروف وقوالب لها انتهى وفيه تأييد لمن جوز نقل الحديث بالمعنى وعن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين اللتين يوتر بعدهما يسبح اسم ربك الاعلى وقل يا أيها الكافرون وفى الوتر بقل هو الله احد وقل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس وبه عمل الشالعى ومالك رحمهما الله وما عند أبى حنيفة واحمد والمستحب قى الثالثة الاخلاص فقط .(17/197)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)
{ هل اتاك حديث الغاشية } قال قطرب من ائمة النحو أى قد جاءك يا محمد حديث الغاشية قال المولى أبو السعود رحمه الله فى الارشاد وليس بذاك بل هو استفهام اريد به التعجيب مما فى حيزه والتشويق الى استماعه والاشعار بانه من الاحاديث البديعة التى حقها ان يتناقلها الرواة ويتنافس فى تلقيها الوعاة من كل حاضر وباد والغاشية الداهية الشديدة التى تغشى الناس بشدآئدها وتكتنفم بأهوالها وهى القيامة كما قال تعالى يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت ارجلهم وقال يوما كان شره مستطيرا يقال غشيه يغشاه اى غطاه ولك ما احاط بالشئ من جميع جهاته فهو عاش له .(17/198)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)
{ وجوه يومئذ خاشعة } استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ عن الاستفهام التشويقى كأنه قيل من جهته عليه السلام ما أنانى حديثها ما هو فقيل وجوه يومئذ وهو ظرف لما بعده من الاخبار الثلاثة اى يوم اذ غشيت تلك الداهية الناس فان الخشوع والخضوع والتطامن والتواضع كلها بمعنى ويكنى بالجميع عما يعترى بالانسان من الذل والخزى والهوان فوجود مبتدأ ولا بأس بتنكيرها لانها فى موقع التنويع وخاشعة خبره قال الشيخ لعل وجه الابتدآء بالنكرة كون تقدير الكلام اصحاب وجوه بالاضافة الا ان الخشوع والذل لما كان يظهر فى الوجه حذف المضاف واقيم المضاف اليه مقامه وانما قلنا ان الذل يظهر فى الوجه لانه ضد التكبر الذى محله الرأس والدماغ والمراد باصحاب الوجوه هم الكفار بدلالة ما بعده من الاوصاف .(17/199)
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)
{ عاملة ناصبة } خبر ان آخران لوجوه اذا المراد بها اصحابها كما اشير اليه آنفا والنصب التعب والناصبة التعبة يقال نصب نصبا من باب علم اذا تعب فى العمل والمعنى تعمل اعمالا شاقة تتعب فيها لانها تكبرت عن العمل لله فى الدنيا فاعملها الله فى اعمال شاقة وهى جر السلال والاغلال الثقيلة كما قال فى سلسلة ذرعها سبعون ذراعا والخوض فى النار خوض الابل فى الوحل اى الطين الرقيق والصعود فى تلال النار والهبوط فى وهادها وقال بعضهم خشوع الظاهر ونصب الابدان لا يقربان الى الله تعالى بل يقطعان عنه وانما يقرب منه سعادة الازل وخشوع السر من هيبة الله وهو الذى يمنع صاحبه من جميع المخالفات فالرهابنة والفلاسفة وأضرابهم من اهل الكر والبدع والضلال انما يضربون حديدا باردا ويتعبون انفسهم فى طريق الهوى والسعى فيه .(17/200)
تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)
{ تصلى } تدخل { نارا } وتذوق ألمها { حامية } اى متناهية فى الحر وقد أوقدت ثلاثة آلاف سنة حتى اسودت فهى سودآء مظلمة وهو خبر آخر لوجوه قال فى القاموس حمى الشمس والنار حميا وحميا وحموا اشتد حرها وقال السجاوندى حامية اى دآئمة الحمى والا فالنار لا تكون الا حامية .(17/201)
تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)
{ تسقى } بعد مدة طويلة من استغاثتهم من غاية العطش ونهاية الاحتراق اى سقاها الله او الملائكة بأمره { من عين } اى جشمه آب كه { آنية } اى متناهية بالغة فى الانى اى الحر غايتها لتسخينها بتلك النار منذ خلقت لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لذابت فاذا ادنيت من وجوههم تناثرت لحوم وجوههم واذا شربوا قطعت امعاءهم كما قال تعالى وبين حميم آن يقال انى الحميم انتهى حره فهو آن وبلغ هذا اناه واناه غايته وفيه اشارة الى نار الطبيعة وعين الجهل المركب الذى هو مشرب اهلها والاعتقاد الفاسد المؤذى .(17/202)
لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)
{ ليس لهم طعام الا من ضريع } بيان لطعام الكفار فى النار اثر بيان شرابهم واورد ضمير العقلاء اشارة الى ان المراد من الوجوه اصحابها وانما اسند اليها ما ذكر من الاحوال لكونها مظهرا يظهر فيه ما فى الباطن مع انها يكنى بها كثيرا عن الذوات والضريع يبس الشبرق كزبرج وهو شوك ترعاه الابل ما دام رطبا واذا يبس تحامته وهو سم قاتل قال فى فتح الرحمن سموا ذلك الشوك ضريعا لانه مضعف للبدن ومهزل يقال ضرع الرجل ضراعة ضعف وذلك وعن ابن عباس رضى الله عنهما يرفعه الضريع شئ فى النار يشبه الشوك امر من الصبر وأنتن من الجيفة وأشد حرا من النار وهذا طعام بعض اهل النار والزقوم والغسلين الآخرين بحسب جرآئمهم وبه يندفع التعارض بين هذه الآية وبين آية الحاقة وهى قوله تعالى ولا طعام الا من غسلين قال سعدى المفتى ويمكن فى قدرة الله ان يجعل الغسلين اذا انفصل عن أبدان اهل النار على هيئة الضريع فيكون طعامهم الغسلين الذى هو الضيع انتهى .
يقول الفقير ويمكن عندى ان يجعل كل من الضريع والغسلين والزقوم بالنسبة الى شخص واحد بحسب الاعمال المختلفة فان لكل عمل اثرا مخصوصا وجزآء متعينا فيصح الحصر وتحقيقه ان الضريع اشارة الى الشبه والعلوم الغير المنتفع بها المؤذية كالمغالطات والخلايات والسفسطة وما يجرى مجراها على ما قاله القاشانى والغسلين اشارة الى الشهوات الطبيعة ولذا يسل من أبدانهم فان لكل شهوة رشحا وعرقا وكل اناء يترشح بما فيه والزقوم اشارة الى خوضهم فى الانبياء والاولياء وطعنهم فى دينهم وضحكهم منهم وكانوا يتلذذون بذلك على ما اشار اليه قوله تعالى واذا انقلبوا الى اهلهم انقلبوا فكهين اى متلذذين بما فعلوا من التغامز والسخرية ونحو ذلك على ان الزقمة هو الطاعون ووجه آخر وهو انه يمكن الترتيب بالنسبة الى شخص واحد بأن يكون الزقوم نزلا له والضريع اكلا له بعد ذلك والغسلين شرابا له كالحميم والعلم عند الله .(17/203)
لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)
{ لا يسمن } فربه نمى كند آن ضريع { ولا يغنى من جوع } ودفع نمى كند كرسنكى را . اى ليس من شأنه الاسمان والاشباع كما هو شأن طعام الدنيا وانما هو شئ يضطرون الى اكله من غير أن يكون له دفع لضرورتهم لكن لاعلى ان لهم استعدادا للشبعق والسمن الا انه لا يفيدهم شيأ منهما بل على انه لا استعداد من جهتم ولا افادة من جهة طعامهم وتحقيق ذلك ان جوعهم وعطشهم ليسا من قبيل ما هو المعهود منهما فى هذه النشأة من حالة عارضة للانسان عند استدعاء الطبيعة لبدل ما يتحلل من البدن مشوقة له الى المطعوم والمشروب بحيث يتلذذ بهما عند الاكل والشرب ويستغنى بهما عن غيرهما عند استقرارهما فى المعدة ويستفيد منهما قوة وسمنا عند انهضا مهما بل جوعهم عبارة عن اضطرارهم عند اضطرام النار فى احشائهم الى ادخال شئ كثيف يملأها ويخرج ما فيها من اللهب واما ان يكون لهم شوق الى مطعوم ما او التذاذ به عند الاكل والاستغناء به عن الغير او ساتفادة قوة فهيهات وكذا عطشهم عبارة عن اضطرارهم عن اكل الضريع والتهابة فى بطونهم الى شئ مائع بارد يطفئه من غير ان يكون لهم التذاذ بشربه او استفادة قوة به فى الجملة وهو المعنى بما روى انه تعالى يسلط عليهم الجوع بحيث يضطرهم الى اكل الضريع فاذا اكلوه يسلط عليهم العطش فيضطرهم الى شرب الحميم فيشوى وجوههم ويقطع امعاءهم وتنكير الجوع للتحقير اى لا يغنى من جوع ما وتأخير نفى الاغناء عنه المراعاة الفواصل والتوسل به الى التصريح بنفى كلا الامرين از لو قدم لما احتيج الى ذكر نفى الاسمان ضرورة استلزام نفى الاغناء عن الجوع اياه بخلاف العكس ولذلك كرر تلأكيد النفى .(17/204)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8)
{ وجوه يومئذ ناعمة } اى ذات بهجة وحسن وضياء مثل القمر ليلة البدر وبالفارسة تازه باشد اثر نعمت دروبيدا . فناعمة من نعم الشئ بالضم نعزمة اى صار ناعما لينا ويجوز أن يكون بمعنى متنعمة اى بالنعم الجسمانية والروحانية وهى وجوه المؤمنين فيكون المراد بها حقيقة النعمة وانما لم تعطف على ما قبلها ايذانا بكمال تباين مضمون الجملتين وتقديم حكاية اهل النار لانه ادخل فى تهويل الغاشية وتفخيم تباين مضمون الجملتين وتقديم حكاية اهل النار لانه ادخل فى تهويل الغاشية وتفخيم حديثها وفيه اشارة الى نعيم اللقاء الذى هو ثمرة اللطافة والنورية التى هى نتيجة التجرد كما قال تعالى وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة فان بالنظر الى الرب يحصل نضرة اى نضرة .(17/205)
لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9)
{ لسعيها راضية } اى لعملها الذى عملته فى الدنيا حيث شاهدت ثمرته ورأت عاقبته الحميدة فاللام متعلقة براضية والتقدير راضية سعياه فلما تقدم المعمول على العمل الضعيف جيئ باللام لتوية العمل ويجوز أن تكون لام التعليل اى لاجل سعيها فى طاعة الله راضية جزآءها وثوابها ودخل فى السعى الرياضات والمجاهدات والخلوات .(17/206)
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10)
{ فى جنة عالية } اى كائنة او متمكنة فى جنة مرتفعة المحل فان الجنات فوق السماوت العلى كما ان النيران نحت الارضين السبع وايضا هى درجات بعضها أعلى من بعض والدرجة مثل ما بين السماء والارض فتكون من العلو فى المكان وفى الحديث « ان المتحابين فى الله فى غرف ينظر اليهم اهل الجنة كما ينظر أهل الدنيا الى كواكب السماء » ويجوز أن يكون معنى عالية علية المقدار فتكون من العلو فى القدر والشرف لتكامل ما فيها من النعيم وفيه اشارة الى المقامات العالية المعنوية لانها مقامات اهل الوجاهة والشرف المعنوى فلا يصل اليها أهل التمنى والدعوى .(17/207)
لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)
{ لا تسمع } أنت يا مخاطب فالخطاب عام لكل من يصلح له او الوجوه فيكون التاء للتأنيث لا للخطاب { فيه } اى فى تلك الجنة العالية { لاغية } لغو من الكلام وهو ما لا يعتد به فهى مصدر كالعافية او كلمة ذات لغو على انها للنسبة او نفسا تلغو على انها اسم فاعل صفة لموصوف محذوف هو نفس وذلك فان كلام أهل الجنة كله اذكار وحكم اذ لا يدخلها المؤمن الا من مرتبة القلب والروح فان النفس والطبيعة تطرحان فى النار وشأن القلب والروح هو الذكر كما ان شأن النفس والطبيعة هو اللغو فكما لا لغو فى الجنة الصورية فكذا لا لغو فى الجنة المعنوية فى الدنيا لاستغراق أهلها فى الذكر وسماع خطاب الحق ولذا لا تسمع فى مجالسهم الا المعارف الربانية والحكم الرحمانية وفى الحديث « ان أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتلفون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون قالوا فما بال الطعام قال رشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس » واما الدنيا ومجالس أهلها فلا تخلو من اللغو ولذلك قال عليه السلام « من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه » وهو الكلام الرديئ القبيح والضجة والاصوات المختلفة لا يفهم معناها فقال « قبل أن يقوم سبحانه اللهم وبحمد أشهد أن لا اله الا أنت أستغفرك وأتوب اليك الا غفر له ما كان فى مجلسه ذلك » اى ما لم يتعلق بحق آدمى كالغيبة { فيها عين جارية } التنوين للتكثير اى عيون كثيرة تجرى مياهها على الدوام حيث شاء صاحبها وهى أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من شرب منها لا يظمأ بعدها أبدا ويذهب من قلبه الغل والغش والحسد والعداوة والبغضاء وفيه اشارة الى عيون الذوق والكشف والوجدان والتوحيد فان بها يحصل الشفاء والصحة والبقاء لاهل القلوب وأصحاب الارواح .(17/208)
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12)
{ فيها سرر } يجلسون عليها جميع سرير وهو معروف يعنى درآنجا تحتها برهر تختى هفصد يستر برهر بسترى حورى جون ماه انور .(17/209)
فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)
{ مرفوعة } رفيعة السمك اى عالية فى الهوآء سمكها شدة علوها فى الهوآء فيرى المؤمن اذا جلس عليها جميع ما عطاه ربه فى الجنة من النعيم الكبير والملك العظيم قال عليه السلام « ارتفاعها كما بين السماء والارض مسيرة خمسمائة عام قيل اذا جاء ولى الله ليجلس عليها تطامنت له فاذا استوى عليها ارتفعت » ويجوز أن يكون المعنى رفيعة المقدار من حيث اشتمالها على جميع جهات الحسن والكمال فى ذواتها وصفاتها .
أصل آن زر مكلل بزبرجد وجواهر . وقال الخراز قدس سره هى سرآئر رفعت عن النظر الى الاعراض والا كوان وفيه اشارة الى مراتب الاسماء الالهية التى بلغوها بالانصاف والتخلق بها فى السلوك فانها رفيع قدرها عن مراتب الجسمانيات .(17/210)
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)
{ واكواب } يشربون منها جمع كوب بالضم وهو اناء لا عروة له ولا خرطوم يعنى بى دسته ولوله مدور الرأس ليمسك من أى طرف أى أريد بخلاف الابريق وهو مستعمل فى بعض بلاد العرب الآن ولذا وقع به التشويق . { موضوعة } اى بين أيديهم حاضرة لديهم لا يحتاجون الى أن يدعوا بها وهو لا ينافى أن يكون بعض الاقداح فى أيدى الغلمان كما سبق فى هل أتى على الانسان الخ وفيه اشارة الى ظروف خمور المحبة وثباتها على حالها مع ما فيها .(17/211)
وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)
{ ونمارق } وسائد يستندون اليها للاستراحة جمع نمرقة بفتح النون وضمها والرآء مضمومة فبهما بمعنى الوسادة { مصفوفة } بعضها الى جنب بعض كما يشاهد فى بيوت الاكابر أينما اراد أن يجلس المؤمن جلس على واحدة واستند الى أخرى وعلى رأسه وصائف كأنهن اليقاوت والمرجان وفيه اشارة الى التجيد والتفريد والجمع والتوحيد أينما يريدون يجلسون ويستندون اليها .(17/212)
وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)
{ وزرابى } اى بسط فاخرة جمع زرابى قال الراغب هو ضرب من الثبات محبر منسوب الى موضع على طريق التشبيه والاستعارة { مبثوثة } اى مبسوطة على السرر زينة وتمتعا وفيه اشارة الى انبساط ارواحهم وانشراح صدورهم وانفتاح قلوبهم فى بساط القدس والانس والى مقامات تجليات الافعال التى تحت مقامات الصفات كالتوكل تحت الرضى مبثوثة اى مبسوطة تحت وأصل البث اثارة الشئ وتفريقه كبث الريح التراب .(17/213)
أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)
{ أفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت } الهمزة للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام والابل بكسرتين وتسكن الباء واحد يقع على الجمع وليس يجمع ولا اسم جمع والجمع آبال كما فى القاموس وقال بعضهم اسم جمع لا واحد لها من لفظها وانما واحدها بعير وناقة وجمل وكلمة كيف منصوبة بما بعدها معلقة لفعل النظر والجملة فى حيز الجر على انها بدل اشتمال من الابل اى أينكرون ما ذكر من البعث وأحكامه ويستبعدون وقوعه عن قدرة الله فلا ينظرون نظر اعتبار الى الابل التى هى نصب عينهم يستعملونها كل حين انها كيف خلقت خلقا بديعا معدولا به عن سنن خلقة سائر انواع الحيوانات فى عظم جثتها وشدة قوتها وعجيب هيئتها اللائقة بتأنى ما يصدر عنها من الافاعيل الشاقة كالنهوض من الارض بالاوقار الثقيلة وجر الاثقال الفادحة الى الاقطار النازحة وفى صبرها على الجوع والعطش حتى ان ظمئها ليبلغ العشر فصاعدا واكتفاءها باليسير ورعيها لكل ما تيسر من شوك وشجر وغير ذلك مما لا يكاد يرعاه سائر البهائم وفى انقيادها مع ذلك للانسان فى الحركة والسكون والبروك والنهوض حيث يستعملها فى ذلك كيفما يشاء ويقتادها بقطارها كل صغير وكبير وتبول من خلفها الان قائدها امها فلا يترشش عليه بولها وعنقها سلم اليها وتتأثر من المودة والغرام وتسكر منهما الى حيث تنقطع عن الاكل والشرب زمانا ممتدا وتتأثر من الاصوات الحسة والحدآ وتصير من كمال التأثر الى حيث تهلك نفسها من سرعة الجرى ويجرى الدمع عينيها عشاقا وغراما يبر رومى فرموده است .
برخوان أفلا ينظر تاقدرت ما بينى ... يكره بشتر بنكر تاصنع خدا بينى
درخار خورى قانع دربار برى راضى ... اين وصف اكرجويى در اهل صفا بينى
ولم يذكر الفيل مع انه اعظم خلقة من الابل لانه لم يكن بأرض العرب فلم تعرفه ولا يحمل عليه عادة ولا يحلب دره ولا يؤمن ضره . بخلاف شتركه هرجه مطلوبست از حيوان مثل نسل وحمل وشير ولحم وركوب هم از وحاصل است .
وقال بعض العلماء ذكر الله الجنة وما اتخذ فيها من المنازل الرفيعة والسرر العالية التى سمكها كذا وكذا ذراعا قالوا فكيف يقعد أحدها عليها وقامته قصيرة وهو لا يكاد يرقى سطحا بغير سلم وتعجب المشكرون منه وأيضا . كفتند بطريق سخريت كه اكراين واقعست بس بلال وخباب امثال ايشانراكار افتاد زبرا بسى زحمتبايد تابرابالاى آن تخت بلند روند وبسى فرصت بايدتا ازان فرود آيند اين آيت أمدكه أفلا ينظرون الخ يعنى شتربا آن همه بلندى وبزركى برشته مسخر كودكى ميشود تابرد برآيد وفرود جرا ارتخت بهشت متعجب ميشوندكه درفرمان بهشتى باشد .(17/214)
وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18)
{ والى السماء } التى يشاهدونها كل لحظة بالليل والنهار { كيف رفعت } رفعا سحيق المدى بلا عماد ولامساك بحيث لا يناله الفهم والادراك .(17/215)
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)
{ والى الجبال } نصبا رصينا فهى راسخة لا تميل ولا تميد وقال ابو الليث كيف نصبت على الارض اوتادا لها وفيه اشارة الى عالم المثال لانه متوسط بين سماء الروحانيات وأرض الجسمانيات كالجبال فى الخارج .(17/216)
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)
{ والى الارض كيف سطحت } اى والى الارض التى يضربون فيها ويتقلبون عليها كيف سطحت سطحا وبسطت على ظهر الماء بسطا حسبما يقتضيه صلاح امور ما عليها من الخلائق والاستدلال بكونها مسطوحة على عدم كونها كرة مجلب بأن الكرة اذا كانت عظيمة جدا يكون كل قطعة منها كالسطح فيصح أن يطلق عليها البسط ففرق بين كرة وكرة كما انه فرق بين بيض الحكامة وبيض النعامة والمعنى أفلا ينظرون نظر التدبر والاعتبار الى كيفية خلو هذه المخلوقات الشاهدة بحقية البعث والنشور لاشعارها بأن خالقها متصف بصفات الكمال من القدرة والقوة والحكمة منزه عن صفات النقصان من العجز والضعف والجهل حتى يرجعوا عما هم عليه من الانكار والنفور ويسمعوا انذارك ويستعدوا للقاء الله بالايمان والطاعة . درتبيان آورده كه مخاطب عرب اند واكثر ايشان اهل بريه باشند ومال ايشان شتراست وهر طرفى مينكرند جز آسمان وزمين وكوه نمى بينند لا جرم بعد از ذكر شترآسمان وكوه وزمين يا دميكر . يعنى قرنت الابل بالسماء والجبال بالارض لان الآية نزلت بطريق الاستدلال وهم كانوا أشد ملابسة بهذه الاشياء من غيرهم فلذا جمع الله بينهما وقال الغزالى كرحمه الله خص الابل بالذكر لانها لائقة بقرآئنها معنى فالسماء الظليلة والارض الزاملة والجبال الثقيلة كالابل لفرش والحمولة فالسحاب تحمل الماء الزلال والابل الاحمال الثقل والارض الجبال والكل مسخر بأمره قال القرطبى قدم الابل فى الذكر ولو قدم غيره جاز وعن القشيرى رحمه الله انه قال ليس هذا مما يطلب فيه نوع حكمة .
يقول الفقير ان قلت لو أخر ذكر الابل لكان له مناسبة تامة مع ذكر الارض لان الابل سفن البر قلت نعم لكنه اعتبر سمك الابل فترقى منه الى سمك السماء .
ثم يقول الفقير ولى كلام عريض فى هذا المقام ذكرته فى كتاب الواردات الحقية لى وخلاصته انه تعالى أشار بالابل الى النفوس فانها ضخمة جسيمة مثلها وبدا بالنفوس لانها اصل بمنزلة الام ولدرجة الانوثة تقدم حكما وان كان لها تأخر صورة كحوآء بالنسبة الى آدم وأشار بالسماء الى الارواح لانها علوية وبمنزلة الاب ولهذا أردفها بها وأشار بالجبال الى القلوب لانها أثبت من الرواسى ولانها خلقت بعد خلق الروح والنفس كما ان الجبال خلقت بعد خلق السماء والارض فهى بمنزلة الولد لهما ولذا عقبهما بها وقد صح ان الجبال تعبر فى الرؤيا يأهل القلوب من الرجال لانهم اوتاد الارض والعمد المعنوية فى الحقيقة كما ان الجبال اوتاد الارض فى الصورة وأشار بقوله نصبت دون خلقت الى ان القلوب فى الحقيقة امر ملكوتى وان ظهرت فى الصورة ظهور الولد من الابوين وأشار بالارض الى الاجساد السافلة وهى مؤخرة فى المرتبة فالله تعالى سطح ارض البشرية والجسدانية لتكون مستقر النفوس وخلق النفوس لتكون مستوى القلوب وخلق القلوب لتكون عروش الروح بل السر بل الأخفى فما أحسن ترتيب هذه الآية وما أشد انتظام جملتها وتناسبها فهى كالجمع بين كاتب وقلم وقرطاس ودواة والله تعالى أعلم(17/217)
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)
{ فذكر } الفاء لترتيب الامر بالتذكير على ما ينبئ عنه الانكار السابق من عدم النظر اى فاقتصر على التذكير ولا تلح عليهم ولا يهمنك انهم لا ينظرون ولا يتذكرون .(17/218)
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)
{ انما أنت مذكر } تعطيل للامر بما أمرت به اى مبلغ وانما للهداية والتوفيق الى الله تعالى { لست عليهم بمصيطر } اى لست بمسلط عليهم تجبرهم على ما تريد كقوله تعالى وما انت عليهم بجبار واكثر القرآء قرأوا بمصيطر بالصاد على القلب لمناسبة الطاء بعدها وقرئ بالسين على الاصل وبالاشمام بأن يخلط صوت الصاد بصوت الزاى بحيث يمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاى وخلط حرف بحرف احد معانى الاشمام فى عرف القرآء يقال سطر يسطر سطرا كتب والمسيطر والمصيطر المسلط على الشئ ليشرف عليه وبتعهد أحواله ويكتب عمله فأصله من السطر فالكتاب مسيطر والذى يفعله مسيطر وقال الراغب يقال سطر فلان على كذا او تسطر عليه اذا قام عليه قيام سطر اى لست عليهم بقائم وحافظ واستعمال مسيطر هنا كاستعمال القائم فى قوله أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت والحفيظ فى قوله وما أنت عليهم بحفيظ انتهى .(17/219)
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)
{ الا من تولى } أعرض عن الحق او عن الداعى اليه بعد التذكير { وكفر } وثبت على الكفر او أظهره وفى فتح الرحمن الا من تولى عن الايمان وكفر بالقرءآن او بالنعمة وفى التأويلات النجمية الا من تولى عن الحق بالاقبال على الدنيا وكفر أى ستر الحق بالخلق وهو استثناء منطقع ومن موصولة لا شرطية لمكان الفاء ورفع الفعل اى لكن من تولى وكفر فان لله الولاية والقهر وهو المسيطر عليهم قالوا وعلامة كون الاستثناء متصلا محضا لا يحسن ذلك نحو عندى مائتان الا درهما فلا يدخل عليه ان .(17/220)
فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)
{ فيعذبه الله العذاب الاكبر } الذى هو عذاب جهنم حرها شديد وقعرها بعيد ومقامعها من حديد وفى فتح الرحمن الاكبر عذاب جهنم والاصغر ما عذبوا به فى الدنيا من الجوع والاسر والقتل ويؤيده ما قال الراغب فى قوله يوم نبطش البطشة الكبرى فيه تنبيه على ان كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك فى الدنيا وفى البرزخ صغير فى جنب عذاب ذلك اليوم انتهى وايضا قوله تعالى ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الاكبر فان المراد بالعذاب الأدنى هو العذاب الاصغر الدنيوى لا البرزخى لقوله تعالى بعده لعلهم يرجعون فان الرجوع انما يعتبر فى الدنيا لا فى البرزخ وفيما بعد الموت فيكون المراد بالعذاب الاكبر هو العذاب الاخروى واليه ينظر قوله تعالى يصلى النار الكبرى كما سبق وفى تأويلات النجمية العذاب الاكبر هو عذاب الاستتار فى الدنيا وعذاب نار الهجران فىلآخرة .(17/221)
إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25)
{ ان الينا ايابهم } تعليل لتعذيبه تعالى بالعذاب الاكبر يقال آب يؤوب اوبا وايابا رجع اى ان الينا رجوعهم بالموت والبعث لا الى أحد سوانا لا استقلالا ولا اشتراكا كما قال تعالى ألا الى الله تصير الامور واليه يرجع الامر كله فتقديم الخبر للتخصيص والمبالغة فانه يفيد معنى أن يقال ان ايابهم ليس الا الى الجبار المقتدر على الانتقام كما ان مبدأهم وصدورهم كان منه وفيه تخويف شديد فان رجوع العبد العاصى المصر الى مالكه الغضوب فى غاية الصعوبة ونهاية العسرة وجمع الضمير فيه وفيما بعده باعتبار معنى من كان ان افراده فيما سبق باعتبار لفظها .(17/222)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)
{ ثم ان علينا حسابهم } فبى المحشر لا على غيرنا فنحن نحاسبهم على النقير والقطمير من نياتهم وأعمالهم وثم للتراخى فى الرتبة لا فى الزمان فان الترتب الزمانى بين ايابهم وحسابهما البين كون ايابهم اليه تعالى وحسابهم عليه تعالى فانهما أمران مستمر ان قال أبو بكر بن طاهر رحمه الله ان الينا ايابهم فى الفضل ثم ان علينا حسابهم فى العدل وقال البقلى رحمه الله انظر كيف تفضل بعد الوعيد بأن جعل نفسه مآبهم وتكفل بنفسه حسابهم فينبغى ان يعيشوا بهذين الفضلين أطيب العيش فى الدارين ويطيروا من الفرح بهذين الخطابين .
يقول الفقير ما قاله البقلى هو ما ذاقه العارفون بطريق المكاشفة فينبغى أن لا يغتر به العوام فانه قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الاكبر على الله تعالى يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية انما خف الحساب فى الآخرة على قوم حاسبوا أنفسهم فى الدنيا وثقلت موازين قوم فى الآخرة وزنوا نفوسهم فى الدنيا ومحاسبة النفس تكون بالورع موازنتها تكون بمشاهدة عين اليقين والتزين للعرض يكون بمخافة الملك الاكبر وعن على رضى الله عنه اما بعد فان المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه فما نالك من الدنيا فلا تكثرنه فرحا وما فاتك منها فلا تتبعنه أسفا وليكن سرورك بما قدمت وأسفك على ما خلفت وشغلك لآخرتك وهمك فيما بعد الموت وفى الحديث ثلاث من كن فيه استكمل ايمانه لا يخاف فى الله لومة لائم ولا يرآئى بشئ من عمله واذا عرض له أمران أحدهما للدنيا ولآخرة للآخرة آثر الآخرة على الدنيا وقال عليه السلام « لو لم ينزل على الا هذه الآية لكانت تكفى » ثم قرأ آخر سورة الكهف فمن كان يرجو لقاء ربه الخ فكان هذا فصل الخطاب وبلاغا لأولى الالباب فالعمل الصالح الاخلاص بالعبادة ونفى الشرك بالخلق وهو اليقين بتوحيد الخالق فما كان لله اى خالصا لاجله وبالله اى بمشاهدة قربه لا بمقارنة نفسه وهواه وفى الله اى سبيله وطلب ما عنده لا لاجل عاجل حظه فمقبول واهله من المقربين وحسابهم حساب يسير بل لا حساب لهم .(17/223)
وَالْفَجْرِ (1)
{ والفجر } قال فى كشف الاسرار لما كان العرب اكثر خلق الله قسما فى كلامهم جاء القرءآن على عادتهم فى القسم والفجر فجران مستطيل كذنب السرحان وهو الكاذب ولا يتعلق به حكم ومستطير وهو الصادق الذى يتعلق به الصوم والصلاة أقسم الله بالفجر الذى هو اول وقت ظهور ضوء الشمس فى جانب المشرق كما أقسم بالصبح حيث قال والصبح اذا تنفس لما يحصل به من انقضاء الليل بظهور الضوء وانتشار الناس وسائر الحيوانات من الطيور والوحوش فى طلب الارزاق وذلك مشاكل لنشور الموتى وفيه عبرة عظيمة لمن تأمل ( وقال الكاشفى ) سو كند بصبح كه وقت مناجات دوستانست . او أقسم بصباح عرفة لانه يوم شريف يتوجه فيه الحجاج الى جبل عرفات وفى الحديث « الحج عرفة » يعنى صباح روز عرفه كه وظائف دعا ونياز حاجبان درآنست . او صباح يوم النحر لانه يوم عظيم ايضا ويقع فيه الطواف المفروض والحلق والرمى ويروى ان يوم النحر يوم الحج الاكبر .
وبقولى مراد از صبح روز اول محرم است كه سال از ومنفجر ميشود يابامداد آذينه كه حج مسكينانست ودر تبيان آورده كه اشارت بانفجار آب از اصابع حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم در روز طائف وغيرآن وكفته اند انفجار ناقة از صخره صالح عليه السلام يا انفجار عيون ومنابع يا انفجار آب از حجر موسى عليه السلام بانفجار مطر از سحاب يا وران شدن اشك ندامت ارديده عاصيان .
بران ازدوسر جشمه ديده جوى ... ولآلايشى دارى ازخود بشوى(17/224)
وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)
{ وليال عشر } هن عشر ذى الحجة والعرب تذكر الليالى وهى تعينها بأيامها تقول بنى هذا البناء ليالى السامانية اى ايامهم او العشر الاواخر من شهر رمضان وتنكيرها للتعظيم لانها مخصوصة بفضائل ليست لغيرها ولذا اقسم الله بها وذلك كالاشغال بأعمال الحج فى عشر ذى الحجة وفى الحديث « ما من ايام ازكى عند الله ولا أعظم اجرا من خير عمل فى عشر الاضحى » قيل يا رسول الله ولا المجاهد فى سبيل الله قال ولا المجاهد فى سبيل الله الارجل خردج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ وفيه اشارة الى ان الغازى ينبغى ان يخرج من بيته على قصد أن لا يعود والله يفعل ما يريد واما شرف العشر الاواخر فيكفى اى ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر تطلب فيها . وكفته اندمرادده محرم است كه عاشرا از آنست يا دهه ميان شعبان كه شب برآءت درآنست .
وقال البقلى هى ليال ست خلف فى ايامها السموات والارض وليلة خلق فيها آدم عليه السلام وليلة يومها يوم القيامة وليلة كلم الله فيها موسى عليه السلام وليلة اسرى بالنبى عليه السلام وقال القاشانى اقسم بالبتدآء ظهور نور الروح على مادة البدن عند اثر تعلقه به وليال عشر ومحال الحواس العشر الظاهرة والباطنة التى تتعلق عند تعلقه به لكونه اسباب تحصيل الكمال وألانها وفى التأويلات النجمية يشير الى القسم بانفجار الحسنة الواحدة من ارض قلب المؤمن وليال الحسنات العشر المشار اليها بقوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وانما سماها بليال لكون ظهور الحسنات العشر من غيب مرتبة احدية الحسنة الواحدة من غير الاكتساب من نهار العمل بل من عالم الغيب بطريق الموهية الالهية .(17/225)
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)
{ والشفع } بالفارسية جفت . وذلك لان الشفع ضم الشئ الى مثله { والوتر } بفتح الواو وكسرها اى شفع هذه الليالى ووترها والظاهر التعميم لان الالف واللام للاستغراق اى الاشياء كلها شفعها ووترها لان كل شئ لا بد ان يكون شفعا او وترا وقال الراغب المخلوقات كلها من حيث انها مركبات كما قال ومن كل شئ خلقنا زوجين فهو الشفع واما الترف و الله تعالى من حيث ان له الوحدة من كل وجهواليه يرجع قول من قال من كبار أهل الحال يشير الى القسم بشفع الكثرة الاسمائية ووتر الوحدة الذاتية الحقيقة ودخل فيها العناصر الاربعة والافلاك التسعة والبروج الاثنا عشر والسيارات السبع وصلاة المغرب وسائرها ويوم النحر لانه عاشر ايام ذى الحجة ويوم عرفه لانه تاسع تلك الايام واليومان بعد يوم النحر واليوم الثالث وآدم وحوآء عليهمالاسلام زوجين ومريم عليها السلام زوجين ومريم عليها السلام وتر والعيون الاثنتا عشر التى فجرها الله لموسى عليه السلام والآيات التسع وايام عاد الشفع ولياليها الوتر كما قال تعالى سبع ليال وثمانية ايام والشهر الى يتم بثلاثين يوما والشهر الذى يتم بتسعة وعشرين والاعضاء والقلب والشفتان واللسان والسجدتان والركوع وابواب الجنة وابواب النار ودرجات الجنة ودركات النار وصفات الخلق كالعلم والجهل والقدرة والعجز وارادة والكراهة والحياة والموت وصفات الحق وجود بلا عدم حياة بلا موتع علم بلا جهل قدرة بلا عجز عزيلا ذل ونفس العدد شفعه ووتره والايام والليالى واليوم الذى لا ليلة بعده وهو يوم القيامة وكل بنى له اسمان مثل محمد وأحمد والمسيح وعيسى ويونس وذو النون وكل من له اسم واحد مثل آدم ونوح وابراهيم ومسجد مكة والمدينة وكذا يقال لهما الحرمان الشريفان والمسجد الاقصى والجبلان الصفا والمروة والبيت الحرام والنفس مع الروح فى حالة الجمع وهما فى حالة الافتراق وقال سهل رحمه الله الفجر محمد عليه السلام منه تفجرت الانوار وليال عشر هى العشرة المبشرة بالجنة والشفع هو الفرض والوتر هو الاخلاص فى الطاعات .(17/226)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)
{ والليل } جنس الليل { اذا يسر } اى يمضى وبالفارسة آنكاه كه بكذرد . كقوله والليل اذا ادبر والسرى سير الليل يقال سرى يسرى سرى ومسرى اذا سار عامة الليل وسار يسير سيرا ذهب والتقييد لما فيه من وضوح الدلالة على كمال القدرة وفور النعمة كان جميع الحيوانات اعيد اليهم الحياة بعد الموت وتسببوا بذلك لطلب الارزاق الممدة للحياة الدنيوية التى بتوسل بها الى سعادة الدارين فان قيل القسم بالليل اذا يسر يغنى عن القسم بليال عشر قلنا المقسم به فى قوله والليل اذا يسر هو الليل باعتبار سيره ومضيه وفى قوله وليال عشر هو الليالى بلا اعتبار مضياه بل اعتبار خصوصية اخرى فلا يغنى اخذهما عن الآخر ويجوز أن يكون المعنى والليل اذا يسر يعنى يسرى فيه السارى ويسير فيه السائر فاسناد السرى الى الليل مجاز كما فى نهاره صائم اى هو صائم فى نهاره فالتقييد بذلك لان السير فى الليل حافظ للسائر متن حر الشمس فان السفر مع مقاساة حر النهار أشد على النفس وقد قال النبى عليه السلام « عليكم بالدلجة فان الارض تطوى فى الليل » وكذا هو حافظ من شر قطاع الطريق غالا لانهم مشغولون بالنوم فى الليل وحذفت الياء اكتفاء بالكسر ولسقوطها فى خط المصحف ولموافقة رؤوس الآمى وان كان الاصل اثباتها لانها لام فعل مضارع مرفوع وسئل الاخفش عن حذفها فقال اخذ منى سنة فسأله بعد سنة فقال الليل يسرى فيه ولا يسرى فعدل به عن معناه فوجب ان يعدل عن لفظه يعنى ان سقوط الباء ليدل على ان اصل الفعل منفى عن الليل وان كان مسندا الى ضميره كما ان حركة العين فى الحيوان تدل على وجود معنى الحركة فى معنى الحيوان لان للتراكيب خواص بها تخلف وفيه اشارة الى ظلمة البدن اذا ذهبت وزالت بتجرد الروح والى القسم بسريانه ليل الهوية المطلقة فى نهار الحقائق المقيدة كما قال يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل برفع المقيدات بسطوات أنوار المطلق والى القسم بليلة المعراج التى اسرى الله بعبده فيها فكانت أشرف جميع الليالى لانها ليلة القدر والشرف والقرب والوصال والخطاب ورؤية الجمال المطلق .(17/227)
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)
{ هل فى ذلك } الخ تقرير وتحقيق لفخامة شأن المقسم بها وكونه امور جليلة حقيقة بالاعظام والاجلال عند ارباب العقول وتنبيه على ان الاقسام بها امر معتد به خليق بان يؤكد به الاخبار على طريقة قوله تعالى وانه لقسم لو تعلمون عظيم كما يقول من ذكر حجة باهرة هل يقيما ذكرته حجة والمعنى هل فيما ذكر من الاشياء المقسم بها { قسم } اى مقسم به وفى فتح الرحمن مقنع ومكتفى { لذى حجر } لذى عقل منور بنور المعرفة والحقيقة يراه حقيقا بان يقسم به اجلالا وتعظيما والمراد تحقيق ان الكل كذلك وانما اوثرت هذه الطريقة هضما للخلق وايذانا بظهور الامر او هل فى الاقسام بتلك الاشياء اقسام لذى حجر مقبول عنده يعتمد به ويفعل مثله ويؤكد به المقسم عليه وبالفارسية آبادرين سوكندكه ياد كردم سوكندى بسنديده مرخداوند عقل را تا اعتبار كند وداندكه سوكنديست . محقق ومؤكد والحجر العقل لانه يحجر صاحبه اى يمنعه من التهافت فيما لا ينبغى كما سمى عقلا ونهيه بضم النون لانه يعقل وينهى وحصاة ايضا من الاحصاء وهو الضبط قال الفرآء يقال انه لذو حجر اذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها والتنوين فى الحجر للتعظيم قال بعض الحكماء العقل للقلب بمنزلة الروح للجسد فكل قلب لا عقل له فهو ميت بمنزلة قلب البهائم والمقسم عليه محذوف وهو لعذبن اى الكفار كما ينبئ عنه قوله تعالى .(17/228)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)
{ ألم تر كيف فعل ربك بعاد } الهمزة للانكار وهو فى قوة النفى ونفى النفى اثبات اى ألم تعلم يا محمد علما يقينيا جاريا مخرجى الرؤية فى الجلاء اى قد علمت باعلام الله تعالى وبالتواتر أيضا كيف عذب ربك عادا ونظائرهم فسيعذب كفار قومك ايضا لاشتراكهم فيما يوجبه من الكفر والمعاصى والمراد بعاد أولاد عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام قوم هود عليه السلام سموا باسم ابيهم كما سمى بنوا هاشم هاشما وبنوا تميم تميما فلفظ عاد اسم للقبيلة المنتسبة الى عاد وقد قيل لاوآئلهم عاد الاولى ولاواخرهم عاد الاخيرة قال عماد الدين بن كثير كل ما ورد فى القرءآن خبر عاد الاولى الا ما فى سورة الاحقاف .(17/229)
إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)
{ ارم } عطف بيان لعاد للايذان بأنهم عاد الاولى بتقدير مضاف اى سبط ارم اوأهل ارم على ما قيل من ان ارم اسم بلدتهم او ارضهم التى كانوا فيها وكانت منازلهم بين عمان الى حضر موت وهى بلاد الرمال والاحقاف ويؤيده القرآءة بالاضافة واياما كان فامتناع صرفها للتعريف والتأنيت وفى المفردات الآرام اعلام تبنى من الحجارة وارم ذات العماد اشارة الى اعلامها المرفوعة المزخرفة على هيئة المنارة او على هيئة القبور وفيه ايضا حذف مضاف بمعنى أهل الاعلام { ذات العماد } صفة لارم واللام للجنس الشامل للقيل والكثير والماد كالعمود والجمع عمد وعمد بفتحتين وبضمتين واعمدة اى ذات القدود الطوال على تشبيه قاماتهم بالاعمدة او ذات الخيام والاعمدة حيث كانوا بدويين أهل عمد يطلبون الكلأ حيث كان فاذا هاجت الريح ويبس العشب رجعوا الى منازلهم او ذات البناء الرفيع وكانوا ذات ابنية مرفوعة على العمد وكانوا يعالجون الاعمدة فينصبونها ويبنون فوقها القصور وكانت قصورهم ترى من ارض بعيدة او ذات الاساطين اذ كانت مدينتهم ذات ابنية مرفوعة على الاسطوانات على ان ارم اسم بلدتهم وقال السهيلى رحمه الله ارم ذات العماد وهو جيرون بن سعد بن ارم وهو الذى بنى مدينة دمشق على عمد من رخام ذكر أنه ادخل فيها اربعمائة ألف عمود واربعين ألف عماد من رخام فالمراد هذه العماد التى كان البناء عليها فى هذه المدينة وكانت تسمى جيرون وبه تعرف وسميت دمشق بدمشق بن نمرود عدو ابراهيم الخليل عليه السلام وكان دمشق قد اسلم وبنى جامع ابراهيم فى الشأم انتهى لعل هذه الرواية أصح فليتأمل .(17/230)
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)
{ التى لم يخلق مثلها فى البلاد } صفة اخرى لارم والضمير لها على انها اسم القبيلة اى لم يخلق مثلهم فى عظم الاجرام والقوة فى الآفاق والنواحى حيث كان طول الرجل منهم اربعمائة ذراع وكان يأتى الصخرة العظيمة فيحملها ويلقيها على الحى فيهلكهم ولذا كانوا يقولون من اشد منا قوة ونظيرهم فى الطيور الرخ وهو طير فى جزآئر الصين يكون جناحه الواحد عشرة آلاف باع يحمل حجرا فى رجله كالبيت العظيم ويلقيه على السفينة فى البحر او لم يخلق مثل مدينتهم فى جميع بلاد الدنيا فالضمير لها على انها اسم البلدة .
وقصة آن بر سبيل اجمال آنست كه عبد الله بن قلا به بطلب شترى كم شده صحراى عدن ميكشت دربيابانى بشهرى رسيد كه باره محكم داشتكه اساس آن ازجزع يمانى وبر حوالئ آن قصور بسيار بودباميد آنكه كسى بيندواحوال شترخود نيافت متحيرشد وجون بشهردرامدحيرتش بيفزودجه قصرها ديدبرستونها زبر جد وياقوت بناكرده خشتى از زروخشتى ازنقره وفرشها برهمين وتيره بجاى سنك ريزه مرواردهاى آبدار ريخته ودرحوالئ هرقصرى آبهاى روان برروى لؤلؤومرجان ودرختان بسيار تنهاى آن اززر وبر كهاى آن اززبرجد وشكوفهاى آن ازسيم باخود كفت هذه الجنة التى وعد المتقون ( مصراع )
اين جه منزل جه بهشت اين جه مقمست اينجا ... وقال والذى بعث محمدا ما خلق الله مثل هذا فى الدنيا بس قدرى ازان جواهر برداشت ودربس بالحق وبشت بست ويمين باز آمدومردمان آن كوهر را دردست او بديدند وحمل بريافتن كنجى كرده قصه وى درزبانها افتاد تاحدى كه حال اورا بمعاويه كه دران وقت حاكم شام بود آنها كردند معاويه اورا طلبيد وتمام حكايت اوز اول تا آخر استماع كرديس اورا در مجلس بنشانيد وكعب الاحبار را طلبيده برسيدكه دردنيا شهرى هست كه بناى اواز زرو نقره باشد ودرختان مكلل بجواهر كعب كفت آرى شهريست كه حق سبحانه وتعالى در قرآن مجيد ياد فرمودكه { لم يخلق مثلها فى البلاد } وآنراشداد بن عاد ساخته واو بادشاه عظيم قدر بوده است ونهصد سال عمرداشت هرجا درعالم زرى وجوهرى بوده همه راجمع كراده وصدقهرمان باهر يكى هزار فرستادنا شهرارم را بساختند وبسيصد سال باتمام رسيدده سال ديكرتهيئة راه اشتغال نمود امرا او ملوك عالم راجمع كرد واز دار السلطنة خود بتماشاى آن شهر متوجه شديك شبه راه ميان اووآن بنامانده بودكه حق سبحانه وتعالى ملكى فرستاد تاصيحه برايشان زدوهمه بمردند وان شهراز نظر مردم بوشيده شدجنانجه اصحاب كهف درغار وخوانده ام كه درحكومت تومردى كوتاه بالاسرخ رنك سير جشم كه برروى او خالى وبر كردن آن علامتى باشد بطلب شترى بدآنجارسد وآنرا بيند بس بازنكريست وابن قلابه راديد كفت هو والله ذلك الرجل .(17/231)
قال ابن الشيخ فى حواشيه وفيه بحث لان قوم عاد اهلكوا بالريح وقوم صالح اهلكوا بالصيحة الا ان يراد بالصيحة ههنا الريح الشديد الصوت وذكر كعب انه كتب ابن شداد على لوح وضع عند رأس ابيه عن لسانه حين رفعه من المفازة ودفنه .
ان اشداد بن عاد صاحب الحصن العميد ... واخو القوة والباساء ولملك المشيد
دان اهل الارض لى من خوف وعدى وعيدى ... وملكت الشرق والغرب بسلطان شديد
فأتتنا صيحة تهوى من الافق البعيد ... فتوفتنا كزرع وسط بيدآء حصيد
وذكر فى قوت القلوب تصنيف العالم الربانى ابى طالب المكى قدس سره انه قيل لابى يزيد البسطامى قدس سره لدخلت أرم ذات العماد فقال صه قد دخلت الف مدينة لله تعالى فى ملكه ادناها ذات العماد ثم اخذ يعدد تلك المدآئن جابلق جابلص الى غير ذلك فظاهر قول ابى يزيد ادناها ذات العماد يخالف قوله تعالى لم يخلق مثلها فى البلاد لكن المستفاد من الآية نفى الخلق فى الماضى ويجوز أن تكون تلك المدآئن حادثة بعد نزول القرءآن ويجوز ان يراد بنفى المثل هو المثل فى الزينة وبالادنى صغر الجثة وفى بعض نسخ قوت القلوب ان معنى الآية لم يخلق مثلها فى بلاد اليمن لانهم خوطبوا بما فى بلادهم كما قال الله تعالى او ينفوا من الارض اى ارض بلادهم وبمثل هذه التوجيهات يندفع الاشكال كذا فى شرح البردة لابن الشيخ .(17/232)
وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)
{ وثمود } وديكرجه كرد خداى تعالى بقوم ثمود . وهو عطف على عاد وثمود قبيلة مشهورة سميت باسم جدهم ثمود اخى جديس وهما ابنا عامر بن رام بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام وكانوا عربا من العاربة يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك وكانوا يعبدون الاصنام كعاد وهم قوم صالح كما قال تعالى والى ثمود أخاهم صالحا . { الذين جابوا الصخر بالواد } الجواب القطع تقول جبت البلاد أجوبها جوبا وزاد الفرآء جبت البلاد اجيبها جيبا اذا جلت فيها وقطعتها وجبت القميص ومنه سمى الجيب والصخر هو الحجر الصلب الشديد والواد أصله الوادى حذفت ياؤه اكتفاء بالكسرة ورعاية لرأس الآية وأصل الوادى الموضع الذى يسيل فيه الماء ومنه سمى المنفرج بين الجبلين واديا والمراد هنا هو وادى القرى بالقرب من المدينة الشريفة من جهة الشأم قال ابو نضرة اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك على وادى ثمود وهو على فرس اشقر فقال اسرعوا السير فانكم فى واد ملعون والمعنى قطعوا صخر الجبال فاتخذوا فيها بيوتا نحتوها من الصخر كقوله تعالى وتنحتون من الجبال بيوتا قيل انهم اول من نحت الجبال الصخور والرخام وقد بنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة .(17/233)
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)
{ وفرعون } وجه كرد بفرعون موسى عليه السلام . وهو الوليد ابن مصعب بن ريان بن ثروان ابو العباس القبطى واليه تنسب الاقداح العباسية وفرعون لقلب افرده تعالى بالذكر لانفراده فى التكبر والعلو حتى ادعى الربوبية والالوهية { ذى الاوتاد } جمع وتد بالتحيك وبكسر التاء ايضا بالفارسية ميخ .
وقد سبق فى سورة النبأ وصف بذلك لكثرة جنوده وخيامهم التى يضر لونها فى منازلهم ويربطونها بالاوتاد والاطناب كما هو الآن عادة فى ضرب الخيمة والتعذيبة بالاوتاد كما قال فى كشف الاسرار وفرعون آن كشنده بميخ بند يعنى بطريق جهار ميخ تعذيب كنند ( روى ) عن ابن عباس رضى الله عنهما ان فرعون انما سمى ذا الاوتاد لان امرأة خازنه خربيل كانت ماشطة هيجل بنت فرعون وكان خربيل مؤمنا يكتم ايمانه منذ مائة سنة وكذا امرأة فبينما هى ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون اذ سقط المشط من يدها فقالت تعس من كفر بالله تعالى فقالت ابنة فرعون وهل لك اله غير أبى فقالت الهى واله ابيك واله السموات والارض واحد لا شريك له فقامت ودخلت على ابيها وهى تبكى فقال ما يبكيك قالت ان الماشطة امرأة خازنك تزعم ان الهك والهها واله السموات والارض واحد لا شريك له فارسل اليها فسألها عن ذلك فقانت صدقت فقال لها ويحك اكفرى بالهك قالت لا افعل فمدها بين أربعين أوتاد ثم ارسل عليها الحيات والعقارب وقال لها اكفرى بالله والا عذبتك بهذا العذاب شهرين فقالت لو عذبتنى سبعين شهرا ما كفرت به وكانت لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على فيها وقال لها اكفرى بالهك والا ذبحت الصغرى على فيك ايضا وكانت رضيعا فقالت لو ذبحت من فى الارض على فى ما كفرت بالله تعالى فأتى بابنتها فلما اضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة فأطلق الله لسان ابنتها فتكلمت وهى من الاربعة الذين تكلموا اطفالا وقالت يا اماه لا تجزعى فان الله تعالى قد بنى لك بيتا فى الجنة اصبرى فانك تفضين الى رحمة الله تعالى وكرامته فذبحت فلم تلبث ان ماتت فأسكنها الله تعالى الى جوار رحمته وكان فرعون قد تزوج امرأة من اجمل نساء بنى اسرآئيل يقال لها آسة بنت مزاحم فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت فى نفسها كيف يسعنى ان اصر على ما يفعل فرعون وانا مسلمة وهو كافر فبينما هى تؤامر نفسها اذ دخل عيها فرعون فجلس قريبا منها فقالت يا فرعون أنت شر الخلق واخبثهم عمدت الى الماشطة فقتلتها قال فلعلك بك الجنون الذى كان بها قالت ما بى من جنون وانما المجنون من يكفر بالله الذى له ملك السموات والارض وما بينهما وحده لا شريك له وهو على كل شئ قدير فمدها بين أربعين أوتاد يعذبها ففتح الله لها بابا الى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة ونجنى من فرعون وعمله فقبض الله روحها واسكنها الجنة العالية وقد سبق طرف من هذه القصة فى آخر سورة التحريم فارجع ثم فى عاد اشارة الى الطبيعة البشرية وفى ثمود الى القوة الشهوية وفى فرعون الى القوة الغضبية فلا بد للسالك من تزكيتها وازالة آثارها .(17/234)
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11)
{ الذين طغوا فى البلاد } صفة للمذكورين من الطوآئف الثلاث فيكون مجرور المحل لكون بعض المذكورين قبله مجرورا بالباء وبعضها معطوفا عليه وهو أحسن بحسب اللفظ اذ لا حذف فيه واختار صاحب الكشاف كونه منصوبا على الذم بتقدير اعنى لكونه صريحا فى الذم والمقام مقام الذم وهو أحسن نظرا الى المعنى والمعنى طغى كل طائفة منهم فى بلادهم وتجاوزوا الحد يعنى طغى عاد فى اليمن وثمود بارض الشأم والقبط بمصر كما ان نمرود طغى بالسواد وقس على هذا سائرهم .(17/235)
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)
{ فاكثروا فيها الفساد } اى بالكفر وسائر المعاصى فان الفساد يتناول جميع اقسام الاثم كما ان الصلاح يتناول جميع اقسام البر فمن عمر بغير امر الله وحكم فى عباده بالظلم فهو مفسد متجاوز عن الحد الذى حد له وفيه خوف شديد لاكثر حكام الزمان ونحوهم .(17/236)
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)
{ فصب عليهم ربك } صب الماء اراقته من اعلى اى انزل انزالا شديدا على كل طائفة من اولئك الطوآئف عقيب ما فعلت من الطغيان والفساد { سوط عذاب } السوط الجلد عالمضفور اى المنسوج المفتول الذى يضرب به اى عذابا شديدا لا تدرك غايته وهو عبارة عما حل بكل منهم من فنون العذاب التى شرحت فى سار السور الكريمة وهى الريح لعاد والصيحة لثمود والغرق للقبط وتسميته سوطا للاشارة الى ان ذلك بالنسبة الى ما اعد لهم فى الآخرة بمنزلة السوط عند السيف قال ابو حيان استعير السوط للعذاب لانه يقتضى من التكرار والترداد مالا يقتضيه السيف ولا غيره ( وقال الكاشفى ) دون عرب ضرب تازيانه راسخت ترين عذابها مى دانستند . يعنى ان السوط عندهم غاية العذاب . هركونه از عذاب را نيز سوط ميكفتند حق سبحانه بقانون كلام ايشان عذابهاى خودرا سوط كفت قال الشاعر
لم تر ان الله اظهر دينه ... وصب على الكفار سوط عذاب
والتعبير عن انزاله بالصب للايذان بكثرته واستمراره وتتابعه فانه عبارة عن اراقة شئ مانع او جار مجراه فى السيلان كالرمل والحبوب وافراغه بشدة وكثرة واستمرار ونسبته الى السوط مع انه ليس من ذلك اقبيل باعتبار تشبيه فى نزوله المتتابع المتدارك على المضروب بقطرات الشئ المصبوب فان قيل أليس ان الله تعالى قال ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة وهو يقتضى تأخير العذاب الى الآخرة فكيف الجمع بين هاتين الآيتين قلنا انه يقتضى تأخير تمام الجزآء الى الآخرة وذلك لا ينافى ان يعجل شئ من ذلك فى الدنيا فان الواقع فى الدنيا شئ من الجزآء ومقدماته كذا فى حواشى ابن الشيخ .
يقول الفقير وأوجه من ذلك ان المفهوم من الآية المؤاخذة لكل الناس وهو لا ينافى ان يؤاخذ بعضهم فى الدنيا بعذاب الاستئصال كبعض الامم السالفة المكذبة .(17/237)
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)
{ ان ربك لبالمرصاد } تعليل لما قبله وايذان بان كفار قومه عليه السلام سيصيبهم مثل ما اصاب المذكورين من العذاب كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة الى ضميره عليه السلام والمرصاد المكان الذى يترقب فيه الراصدون مفعال من رصده كالميقات من وقته والباء للظرفية اى انه لفى المكان الذى تترقب فيه السابلة ويجوز أن يكون صيغة مبالغة كالمطعان والباء تجريدية وهذا تمثيل لارصاده تعالى بالعصاة وانهم لا يفوتنه شبه حاله تعالى فى كونه حفيظ لاعمال العباد مجازيا عليها على النقير والقطمير ولا محيد للعباد عن ان لا يكون مصيرهم الا الله بحال من قعد على طريق السابلة يترصدهم ليظفر بالجانى او لاخذ المسك او نحو ذلك ولا مخلص لهم من العبور الى ذلك الطريق ثم استعمل هنا ما كان مستعملا هناك ( قال الكاشفى ) حق سبحانه همه رامى بيند ومى شنود وبرو بوشيده نيست
هم نهان داند وهم آنجه نهان ترباشد ... يعلم السر واخفى صفت حضرت اوست
ويقال يعنى ملائكة ربك على الصراط يترصون على جسر جهنم فى سبعة مواضع فيسأل فى اولها عن الايمان فان سلم من النفاق والرياء والا تردى فى النار وفى الثانى عن الصلاة فان اتم ركوعها وسجودها واقامها فى مواقيتها نجلا والا تردى فى النار وفى الثالث عن الزكاة وفى الرابع عن صوم شهر رمضان وفى الخامس عن الحج والعمرة وفى السادس عن الوضوء والغسل من الجنابة وفى السابع عن بر الوالدين وصلة الرحم فان خرج منها قيل له انطلق الى الجنة والا وقع فى النار .(17/238)
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)
{ فاما الانسان } متصل بما قبله من قوله ان ربك لبالمرصاد وكانه قيل انه تعالى بصدد مراقبة أحوال عباده ومجازاتهم بأعمالهم خيرا وشرا فاما الانسان فلا يهمه ذلك وانما مطمح نظره ومرصد فكره الدنيا ولذآئذها قال السهيلى رحمه الله المراد بالانسان عبتة بن ربيعة وكان هو السبب فى نزولها فيما ذكروا وان كانت هذه الصفة تعم { اذا ما ابتلاه ربه } اى عامله معاملة من يبتليه بالغنى واليسار { فأكرمه } بس كرامى كندش بجاه واقتدار { ونعمه } ونعمت دهدش ومعيشت برو فراخ كرداند وبآسانى كارا وبسازد . والفاء تفسيرية فان الاكرام والتنعيم عين الابتلاء { فيقول } مفتخرا { ربى } بروردكار من { اكرمته } فضلنى بما اعطانى من الجاه والمال حسبما كنت استحقه ولا يخطر بباله انه محض تفضل عليه ليبلوه ايشكر ام يكفر وهو خبر للمبتدأ الذى هو الانسان والفاء لما فى اما من معنى الشرط والظرف المتوسط على نية التأخير كأنه قيل فاما الانسان فيقول ربى اكرمنى وقت ابتلائه بالانعام وانما تقديمه للايذان من اول الامر بان الاكرام والتنعيم بطريق الابتلاء ليتضح اختلال قوله المحكى فاذا لمجرد الظرفية وان هذه الفاء لا تمنع ان يعمل ما بعدها فيما قبلها .(17/239)
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)
{ واما اذا ما ابتلاه } اى واما هو اذا ما ابتلاه ربه فيكون الواقع بعد اما فى الفقرتين اسما فتكون الجملتان متعادلتين { فقدر عليه رزقه } بس تنك سازد برو روزئ اورا يعنى ضيقه حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة وجعله على قدر كفايته وقوت يومه { فيقول } متضجرا { ربى اهانن } اذلنى بالفقر ولا يخطر بباله ان ذلك ليبلوه ايصبر ام يجزع مع انه ليس من الاهانة فى شئ ولذا لم يقل فأهانه فقدر عليه رزقه فى مقابلة اكرمه ونعمه بل التقتير قد يؤدى الى كرامة الدارين فى حق الفقير الصابر أما تأديته الى كرامة الآخرة فامر ظاهر واما تأديته الى كرامة الدنيا فلانه قد يسلم به من طمع الاعدآء فيحصن فيه اعتقاد الكبرآء من أهل الدنيا فيراجعونه ويلتمسون منه الدعاء والتوسعة قد تفضى الى خسران الدارين بالكفران فيكون استدراجا
اى دل اكر بديده تحقيقى بنكرى ... درويشى اختياركنى بر توانكرى
قال بعضهم ربما كان التضييق اكراما له بان لا يشغله بالنعمة عن المنعم ويجعل ذلك وسيلة له فى التوجه الى الحق والسلوك فى طريقه لعدم التعلق وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه ردآء اما ازار واما كساء قد ربطوه فى اعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ نصف الكعبين فيجمعه بيده كراهة ان ترى عورته فتأمل هل تكون هذه اهانة لخواص عباد الله فالمؤمن اما فى مقام الشكر او فى مقام الصبر قال عليه السلام والسلام « الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر »
_@_صوفئ از فقر جون درغم شود _@_ عين فقرش دابه ومطعم شود_@_ زانكه جنت از مكاره رسته است _@_ رحم قست عاجزا شكسته است_@_ آنكه سرها بشكند اواز علو_@_ رحم حخق وخلق نايد سوى او_@_ كما قال بعض الكبار فى قوله فيقول ربى اهانن اى تركنى ذليلا مهينا لم يعرف المحجوب المسكين ان ربه ناظر اليه بنظر الرحمة والشفقة جذبه بالجذبة الرحمانية من العالم الطبيعى الى العالم الروحانى ومن عالم النفس الى عالم القلب ومن عالم الفرق الى عالم الجمع ومن عالم الفراق الى عالم الوصال .(17/240)
كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)
{ كلا } ردع للانسان عن مقالته المحكية وتكذيب له فيها فى كلا الحالتين قال ابن عباس رضى الله عنهما المعنى لم ابتله بالغنى لكرامته على ولم ابتله بالفقر لهوانه على بل ذلك لمحض القضاء والقدر بلا تعليل بالعلل { بل تكرمون اليتيم } انتقال من بيان سوء أقواله الى بيان سوء افعاله والتفات الى الخطاب للايذان باقتضاء ملاحظة جنايته السابقة لمشافهته بالتوبيخ تشديد للتقريع وتأكيد للتشنيع والجمع باعتبار معنى الانسان اذ المراد والجنس اى بل لكم أحوال اشد شرا مام ذكر وادل على تهالككم على المال حيث يكرمكم الله بكثرة المال فلا تؤدون ما يلزمكم فيه من اكرام اليتيم بالنفقة والكسوة ونحوهما وهو من بنى آدم هو الذى فقد اباه وكان غير بالغ ومن البهائم ما فقد أمه قال عليه الصلاة والسلام « أحب البيوت الى الله بيت فيه يتيم مكرم »
برحمت بكن آبش از ديده باك ... بشفقت بيفيانش از جهره خاك
قال فى الاشباه استخدام اليتيم بلا اجرة حرام ولو لأخيه ومعلمه الا لأمه وفيما اذا ارسله المعلم لاحضار شريكه كما فى القنية .(17/241)
وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19)
{ ولا تحاضون } بحذف احدى التاءين من تتخاضون والحض الحث والتحريض لا يحض بعضكم بعضا ولا يحث من أهل وغيره شكرا لانعام الله تعالى { على طعام المسكين } اى على اطعام جنس المسكين ومن لا يحض غيره على اطعامه فان لا يطعمه بنفسه اولى فيؤول المعنى الى ان يقال ولا تطعمون مسكينا ولا تأمرون باطعامه وفيه ذم بليغ للبخيل قال مقاتل كان قدامة بن مظعون يتيما فى حجر أمية بن خلف فكان يدفعه عن حقه فنزلت { وتأكلون التراث } اى الميراث واصله وراث قلبت واوه تاء والميراث هو المال المنتقل من الميت { اكلا لما } اللم الجمع يقال كتيبة ملمومة مجتمعة بعضها الى بعض والمعنى اكلا ذا لم على حذف المضاف وفيه اشارة الى الحلال والحرام فانهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون انصباءهم وفيه اشارة الى انه كان بينهم ميراث يتوارثونه من ابراهيم واسمعيل عليهما السلام لكنهم قد بدلوه كما بدلوا غيره من بعض الاحكام أو يأكلون ما جمع المورث من حلال وحرام مشتبه عالمين بذلك .(17/242)
وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)
{ وتحبون المال حبا جما } كثيرا مع حرص وشره ومنع حقوق وعدم انتفاع فان الجم الكثير يقال جم الماء فى الحوض اذا اجتمع فيه وكثر والمقصود ذمهم ببيان ان حرصهم على الدنيا فقط وانهم عادلون عن امر الآخرة وفيه اشارة الى ان حب المال طبيعى فلا يتخلص منه المرء بالكلية الا ان يكون من الاقوياء فكأنه اشار الى ان حبه اذا لم يشتد لا يكون مذموما وقال بعض الكبار وتحبون مال الاعمال السيئة النفسانية والاحوال القبيحة الهوآئية حبا كثيرا .(17/243)
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)
{ كلا } ردع لهم عما ذكر من الافعال والتروك والنكار أى لا ينبغى ان يكون الامر كذلك فى الحرص على الدنيا وقصر الهمة على تحصيلها وجمعها من حيث تهيأ من حل او حرام وترك المواساة منها وتوهم ان لا حساب ولا جزآء فان عاقبة ذلك الحسرة والندامة على ايثار الحياة الدنيوية الفانية على الحياة الاخروية الباقية { اذا دكت الارض دكا دكا } استئناف بطريق الوعيد تعليل للردع والدك الدق يقال دككت الشئ ادكه دكا اذا ضربته وكسرته حتى سويته بالارض وبالفارسية كوفتن جيزى تابزمين برابر كردد .
وقال الخليل الدك كسر الحائط والجبل ودكته الحمى دكا اى كسرته كسرا وقال المبرد الدك حط المرتفع بالبسط ودكا الثانى ليس تأكيد للاول بل هو دك آخر سوى الاول والمعنى اذا دكت الارض دكا متتابعا وضرب بعضها ببعض حتى انكسر وذهب كل ما على وجهها من جبال وابنية وقوصر حين زلزلت زلزلة بعد زلزلة وحركت تحريكا بعد تحريك وصارت هباء منبثا وهو عبارة عما عرض لها عند النفخة الثانية وبالفارسية جون شكسته شود زيمن شكستنى بعد از شكستنى يعنى بازه باره كردد .(17/244)
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)
{ وجاء ربك } اى ظهرت آيات قدرته وآثار قهره مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان بنفسه من احكام هيبته وسياسته فانه عند حضوره يظهر ما لا يظهر بحضور وزرآئه وسائر خواصه وعساكره وقال الامام احمد جاء امره وقضاؤه على حذف المضاف للتهويل وفى التأويلات النجمية تجلى فى المظهر الجلالى القهرى { والملك } وبيايد فرشتكان بعرصة محشر { صفا صفا } اى حال كونهم مصطفين او ذوى صفوف فانه ينزل يومئذ ملائكة كل سماء فيصطفون صفا بعد صف بحسب منازلهم ومراتبهم اصطفاف أهل الصلاة فى الدنيا من الانس والجن كما قال تعالى والملك على ارجائها فهم سبعة صفوف عدد السموات السبع .(17/245)
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)
{ وجيئ يومئذ بجهنم } كقوله تعالى وبرزت الجحيم يعنى ان المجيئ بها عبارة عن اظهارها حتى يراها الخلق مع ثباتها فى مكانها فان من المعلوم انها لا تنفك عن مكانها والباء للتعدية على ان جهنم قائم مقام الفاعل لجيئ وقال ابن مسعود رضى الله عنه ومقاتل تقاد جهنم بسبعين ألف زمام معه سبعون ألف ملك يجرونها حتى تنصب عن يسار العرش لها تغيظ وزفير يعنى دوزخ ازخشم كافران مى جوشدومى خروشد .
فتشرد شردة لو تركت لاحرقت أهل الجمع وجثوا كل نبى وولى من الهول والهيبة على ركبته ويقول نفسى نفسى حتى يعترض لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويقول امتى امتى فتقول النار مالى ومالك يا محمد لقد حرم الله لحمك على فالمجيئ بها على حقيقته فان الجر يدل على انفكاكها عن مكانها وتأوله الاولون بحمله على التجوز بان معنى يجرون يباشرون اسباب ظهورها .
يقول الفقير لا حاجة الى الحمل على التجوز فان بعض الامكنة كالكعبة تزور بعض الخواص بالايجاد والاعدام اللذين هما اسراع شئ من طرفة العين فلا بعد فى ان يكون مجيئ جهنم منن هذا القبيل على الارض يومئذ اوسع شئ كما بين فيما سبق فهى تسع جهنم وأهل المحشر جميعا وايضا المراد بمجيئ جهنم مجيئ صورتها المثالية ولا مناقشة فيه كمجيئ المسجد الاقصى الى مرأى النبى عليه الصلاة والسلام حين سأله قريش عن بعض اوصافه قى قصة المعراج { يومئذ } بدل من اذا دكت والعامل فيها قوله تعالى { يتذكر الانسان } اى يتذكر ما فرط فيه بتفاصيله بمشاهدة آثاره واحكامه او بمعاينة عينه على ان الاعمال تنجسم فى النشأة الآخرة فيبرز كل من الحسنات والسيئات بما يناسبها من الصور الحسنة والقبيحة او يتعظ اى يقبل التذكير والارشاد الذى بلغ اليه فى الدنيا ولم يتعظ ولم يقبله فى الدنيا فيتعظ به فى الآخرة فيقول يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا وهذا الاتعاظ يستلزم الندم على تقصيراته والندم توبة لكن لا توبة هناك لفوت الوقت قال القاشانى يوم يتذكر الانسان خلاف ما اعتقده فى الدنيا وصار هيئة فى نفسه من مقتضيات فطرته فان ظهور البارئ بصفة القهر والملائكة بصفة التعذيب لا يكون الا لمن اعتقد خلاف ما ظهر عليه بما هو فى نفس الامر كالمنكر والنكير { وأنى الذى } اعتراض جيئ به لتحقيق انه ليس يتذكر حقيقة امرآئه عن الجدوى بعدم وقوعه فى اوانه وأنى خبر مقدم للذكرى وله متعلق بما تعلق به الخبر أى ومن اين يكون له الذكرى وقد فات أوانها وقيل هناك محذوف واللام للنفع اى انى له منفعة الذكرى وبه يرتفع التناقض الواقع بين اثبات التذكر اولا ونفيه ثم انه تعالى لما نفى كون هذه الذكرى والتوبة نافعة له بقوله وأنى له الذكرى علمنا انه لا يجب قبول التوبة كام ذهب اليه المغزلة وفى الارشاد والاستدلال به على عدم وجواب قبول التوبة فى دار التكليف يعنى عقلا كما تزعم المعتزلة مما لا وجه له على ان تذكره ليس من التوبة فى دار التكيف يعنى عقلا كام تزعم المعتزلة مما لا وجه له على ان تذكرة ليس من التوبة فى شئ فانه عالم بانها انما تكون فى الدنيا كما يعرب عنه قوله تعالى { يقول يا } أيها الحاضرون { ليتنى } كاشكى من { قدمت لحياتى } وهو بدل اشتمال من يتذكر أو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ عنه كأنه قيل ماذا يقول عند تذكره فقيل يقول يا ليتنى علمت لاجل حياتى هذه يعنى لتحصيل الحياة الاخروية التى هى حياة نافعة دآئمة غير منقطعة اعمالا صالحة انتفع بها اليوم او وقت حياتى على ان اللام بمعنى فى للتوقيت ويجوز أن يكون المعنى قدمت عملا ينجينى من العذاب فأكون من الاحياء قال تعالى لا يموت فيها ولا يحيى .(17/246)
واعلم ان أهل الحق لا يسلبون الاختيار بالكلية وليس فى هذا التمنى شائبة دلالة على استقلال العبد بفعله كما يزعمه المعتزلة وانما الذى يدل عليه ذلك اعتقاد كونهه متمكنا من تقديم الاعمال الصالحة واما ان ذلك بمحض قدرته او بخلق الله عند صرف قدرته الكاسية اليه فلا واما ما قيل من ان الحجور قد يتمنى ان كان ممكناه منه وموفقا له فربما يوهم ان من صرف قدرته الى احمد طرفى الفعل يعتقد انه محجور من الطرف الآخر وليس كذلك لكل احد جازم بأنه لو صرف قدرته الى اى طرف كان من افعاله الاختيارية لحصل وعلى هذا يدور فلك التكليف والزام الحجة .(17/247)
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)
{ فيومئذ } اى يوم اذ يكون ما ذكر من الاحوال والاقوال { لا يعذب عذابه احد ولا يوثق وثاقه احد } الهاء راجع الى الله تعالى والعذاب يمعنى التعذيب كالسلام بمعنى التسليم وكذا الوثاق بالفتح بمعنى الايتاق وهو الشد بالوثاق وهو ما يشد به من الحديد والحبل والايثاق بالفارسية بند كردن يعنى بسلاسل واغلال واسير كرد دران .
والمعنى لا يتولى عذاب الله ووثاقه احد سواه اذ الامر كله لله فلا يلزم ان يكون يوم القيامة معذب سوى الله لكنه لا يعذب احد مثل ذابه وفى عين المعانى لا يعذب كعذاب الله فى الآخرة احد فى الدنيا ويجوز أن يكون الهاء للانسان اى لا يعذب احد من الزبانية مثل ما يعذبونه وقرأهما الكسائى ويعقوب على بناء المفعول وفى الكشاف هى قرآءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن ابى عمرو أنه رجع اليه فى آخر عمره اى لا يعذب مثل عذاب الانسان أحد وظاهره يقتضى ان يكون عذابه اشد من عذاب ابليس الا ان يكون المراد احد من هذا الجنس كعصاة المؤمنين نسأل الله السلامة والعافية فى الدارين .(17/248)
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)
{ يا ايتها النفس المطمئنة } لما ذكر شقاوة النفس الامارة شرع فى بيان سعادة النفس المطمئنة والاطمئنان السكون بعد الانزعاج وسكون النفس انما هو بالوصول الى غاية الغايات فى اليقين والمعرفة والشهود وفى قوله تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب تنبيه على انه بمعرفته تعالى والاكثار من عبادته يكتب اطمئنان النفس واذا وصلت الى مقام الاطمئنان بذكر الله صار صاحبها فى مقام التلوين فى التمكين آمنا من الرجوع الى الاحكام الطبيعية والآثار البشرية فان الفانى لا يرد الى اوصافه فمن كان متمكنا فى مقام الترقى تخلص من التنزل الى مقام النفس الامارة وفى التعريفات النفس المطمئنة هى التى تنورت بنور القلب حتى تخلت عن صفاتها الذميمة وتحلت بالاخلاق الحميدة ( وقال الكاشفى ) اى نفس آرام كرفته بذكر من كه شاكر بودى در نعمت وصبر نمودى درمحنت . والمعنى ان الله تعالى يقول بالذات للمؤمن اكراما له كما كلم موسى عليه الصلاة والسلام او على لسان الملك وذلك عند تمام الحساب يا ايتها النفس المطمئنة .(17/249)
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)
{ ارجعى الى ربك } اى الى ما وعد لك من الكرامة والزلفى فكونه تعالى منتهى الغاية انما هو بهذا الاعتبار فسقط تمسك المجسمة واستدل بالرجوع الذى هو العود على تقدم الروح خلقا { راضية } بما اوتيت من النعيم المقيم { مرضية } عند الله .(17/250)
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)
{ فادخلى فى عبادى } فى زمرة عبادى الصالحين المختصين بى .(17/251)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
{ وادخلى جنتى } معهم كقوله تعالى وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين فالدخول فى زمرة الخواص هى السعادة الروحانية والدخول معهم فى الجنات ودرجاتها هى السعادة الجسمانية وقيل المراد بالنفس الروح والمعنى فادخلى فى اجساد عبادى التى فارقت عنها وادخلى دار ثوابى وهذا يؤيد قول من قال ان الخطاب عند البعث وذهب بعضهم الى انه عند الموت .
كما روى ان ابا بكر رضى الله عنه سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « ان الملك سيقولها لك يا ابا بكر عند موتك » وقال الحسن اذا اراد الله قبضها اطمأنت الى الله ورضيت عن الله ورضى الله عنها وقال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما اذا توفى العبد المؤمن ارسل الله ملكين وارسل اليه بتحفة من الجنة فيقال لها اخرجى أيتها النفس المطمئنة اخرجى الى روح وريحان ورب عنك راض فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد فى أنفه والملك على ارجاء السماء يقولون قد جاء من الارض روح طيبة ونسمة طيبة فلا تمر بباب الا فتح ولا بملك الا صلى عليها حتى يؤتى بها الى الرحمن اى الى حضوره ومقام مخصوص من مقامات كراماته فتسجد ثم ثيقال لميكائيل اذهب بهذه فاجعلها مع انفس المؤمنين ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعا عرضه وسبعون ذراعا طوله وينبذ له فيه الريحان فان كان معه شئ من القرءآن كفاه نوره وان لم يكن جعل له نور مثل نور الشمس فى قبره فيكون مثله مث العروس ينام فلا يوقظه الا أحب أهله واذا توفى الكافر ارسل الله اليه ملكين وارسل اليه قطعة بجاد أنتن من كل منتن وأخشن من كل خشن فيقال أيتها النفس الخبيثة اخرجى الى جهنم عذاب أليم ورب عليك غضبان وقال سعيد بن جبير رحمه الله مات ابن عباس رضى الله عنهما بالطائف فشهدت جنازته فجاه طائر لم ير مثله على خلقته فدخل نعشه ثم لم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يرى من تلاها يا أيتها النفس المطمئنة ودل قوله تعالى الله يتوفى الانفس حين موتها ان من النفوس الطيبة من يتولى الله قبضها بنفسه فيا طوبى لها وقال بعض اهل الاشارة يا أيتها النفس المطمئنة الى الدنيا ارجعى الى الله بتركها وبسلوك سبيل الآخرة فادخلى فى عبادى الاخروية وادخلى جنتى الصورية والمعنوية
اى باز هواكرفته باز آى ومرو ... كزرشته توسرى در انكشت منست
وقال القاشانى يا أيتها النفس المطمئنة التى نزلت عليها السكينة وتنورت بنور اليقين فاطمأنت الى الله من الاضطراب ارجعى الى ربك فى حال الرضى اى اذا تم لك كمال الصفات لا تسكنى اليه وارجعى الى الذات فى حال الرضى الذى هو كمال مقام الصفات والرضى عن الله لا يكون الا بعد رضى الله عنها كما قال رضى الله عنهم ورضوا عنه فادخلى فى زمرة عبادى المخصوصين بى من أهل التوحيد الذاتى وادخلى جنتى المخصوصة بى اى جنة الذات وفى التأويلات النجمية ارجعى الى ربك بالفناء فيه بعد قطع المنازل والمقامات راضية من نتائج الصلوك الى الله والسير فى الله مرضية عند الله بالبأسى خلعة البقاء عليها فادخلى فى عبادى الباقين فى وبصفاتى وادخلى جنة ذاتى لفنائك عن ذاتك وانانيتك .(17/252)
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1)
{ ولا اقسم بهذا البلد } اى اقسم بالبلد الحرام الذى هو مكة فكلمة لا صلة دل عليه ان الله اقسم بالبلد الامين فى سورة التين وبالفارسية سوكند ميخورم . بمكه وفى كشف الاسرار لا لتأكيد القسم كقوله العرب لا والله ما فعلت كذا لا والله لافعلن كذا والبلد المكان والمحدود المتأثر باجتماع قطانه واقامتهم فيه وجمعه بلاد وبلدان ثم ان الله تعالى اقسم بمكة لفضلها فانه جعلها حرما آمنا ومسقط رأس النبى عليه السلام وحرم ابيه ابراهيم ومنشأ ابيه اسماعيل عليهما السلام وجعل البيت قبلة لاهل الشرق والغرب وحج البيت كفارة لذنوب العمر وجعل البيت المعمور فى السماء بازآئه .(17/253)
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)
{ وانت حل بهذا البيلد } حال من المقسم به وانت خطاب للنبى عليه السلام . كفته انددر قرآن جهار هزار تام وى برد وذكروى كرد بعضى بتعريض وبعضى بتصريح . والحل بمعنى الحال من الحلول وهو النزل الى والحال انك يا محمد حال فى مكة نازل بها قيد اقسامه تعالى بمكة بحلول عليه السلام فيها اظهار لمزيد فضلها فانها بعد ان كانت شريفة بنفسها زاد شرفها بحلول النبى العظيم الشريف فيها فما لا شرف فيه يحصل له شرف بشرف المكين وما فيه شرف ذاتى يحصل له بشرف شرف زآئد فمحل قدمى النبى عليه السلام كمكة والمدينة وغيرهما ينبغى ان يحافظ على حرمته وقد سمى عليه السلام المدينة طابة لانها طابت به وبمكانه وفيه تعريض لاهل مكة بانهم لجهلهم يرون ان يخرجوا منها من به مزيد شرفها ويؤذوه .
اى كعبه را زيمن قدوم توصد شرف ... وى مرده را زمقدم باك توصد صفا
بطحا زنور طلعت تو يافته فروغ ... يثرب زخاك تو با رونق ونوا(17/254)
وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)
{ ووالد } وزاينده عظف على هذا البلد والمراد به ابراهيم عليه السلام والتنكير للتفخيم { وما ولد } وآنجه زاده است . وهو اسماعيل عليه السلام فانه ولده بلا واسطة ومحمد عليه السلام فانه ولده بواسطة اسماعيل فتتضمن السورة القسم بالنبى عليه السلام فى موضعين وايثار ما على من لمعنى التعجب مما اعطاه الله من الكمال كما فى قوله والله اعلم بما وضعت اى وأى شئ وضعت يعنى موضعا عجيب الشأن وهو مريم او الوالد آدم عليه السلام وما ولد ذريته وهو الانسب لمضمون الجواب فالتفخيم المستفاد من كلمة ما لا بد فيه من اعتبار التغليب اى فهو من باب وصف الكل بوصف البعض او للتعجيب من الامر الذى يشترك فيه الكل كالنطق والبيان والصورة البديعة وغيرها وقيل الوالد هو النبى عليه السلام وما ولد أمته المرحومة لقوله عليه السلام « انما انا لكم مثل الوالد أعلمكم امر دينكم » ولقوله عليه السلام لعلى رضى الله عنه « أنا وأنت ابوا هذه الامة » والى هذا اشار بقوله عليه السلام « كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة الا سببى ونسبى وهو سبب الدين ونسب التقوى » وقد سمى الله النبى عليه السلام أبا للمؤمنين حيث قال النبى « اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجهم أمهاتهم » وفى بعض القراآت وهو أب لهم فان امومية الازواج المطهرة تقتضى ابوته عليه السلام اذ كل من كان سببا لايجاد شئ واصلاحه او ظهوره يسمى ابا وقد قال عليه السلام « انا من الله والمؤمنون من فيض نورى » وصرح تعالى بفضيلة هذه الامة حيث قال وكذلك جعلناكم أمة وسطا ولذا عظمهم بالاقسام بهم وفيه اشارة الى ابراهيم الروح الوالد واسمعيل السر المولود منه او آدم الروح وابراهيم السر او الى روح القدس الذى هو الاب الحقيقى للنفوس الانسانية كقوله عليه السلام « انى ذاهب الى ابى وابيكم السماوى » وقوله « تشبهوا بأبيكم السماوى » فالمراد بما ولد هوالنفس التى ولدها هو فكانه قيل واقسم بروح القدس والنفس الناطقة .(17/255)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)
{ لقد خلقنا الانسان فى كبد } جواب للقسم يقال كبد الرجل كبد اذا وجعت كبده فانتفخت وأصله كبده اذا اصاب كيده كذكرته اذا قطعت ذكره ورأيته اذا قطعت رئته ثم اتسع فيه حتى استعمل فى كل نصب ومشقة ومنه اشتقت المكابدة بمعنى مقاساة الشدة وفى كبد حال من الانسان بمعنى مكابدا وحرف فى واللام متقاربان تقول انما أنت للعناء والنصب وانما أنت فى العناء والنصب ووجه آخرن أقوله فى كيد يدل على ان الكبد قد احاط به احاطة الظرف بالمظروف والمعنى لقد خلقنا الانسان فى تعب ومشقة فانه مع كونه اضعف الخلق لا يزال يقاسى فنون الشدآئد مبدأها ظلمة الرحم ومضيقة ومنتهاه الموت وما بعده فابن آدميكابد من البلايا مالا يكابده غيره يعنى ان الكبد يتناول شدآئد الدنيا من قطع سرته والنفافة بخرقة محبوس الاعضاء ومكابدة الختان وأوجاعه ومكابدة المعلم وصولته والاستاذ وهيبته ثم مكابدة شغل التزوج وشغل الاولاد والخدم وشغل المسكن ثم الكبر والهرم من جملة مصائب كثيرة لا يمكن تعدادها كالصداع ووجع الاضراس ورمد العين وهم الدين ونحو ذلك ويتناول ايضا شدآئد التكاليف كالشكر على السرآء والصبر على الضرآء والمكابدة فى أدآء العبادات كالصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد ثم بعد ذلك يقاسى شدة الموت وسؤال الملك وظلمة القبر ثم البعث والعرض على الملك المحاسب الى ان يصل الى موضع الاستقار اما فى الجنة واما فى النار كما قال لتركبن طبعا عن طبق قال الامام ليس فى الدنيا لذة البتة بل ذلك الذى يظن انه لذة فهو خلاص من الألم فاللذة عند الاكل هى الخلاص من ألم الجوع وعند اللبس هى الخلاص الألم فاللذة عند الاكل هى الخلاص من ألم الجوع وعند اللبس هى الخلاص من لم الحر والبرد فليس للانسان الا ألم او خلاص من ألم وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان يكابده من كفار قريش واشارة الى ان الانسان المقيد بقيد التعين الوجودى خلق فى تعب التعين والتقييد وفيه حرمان من المطلق ونوره فان المقيد بقيد التعين معذب بحرمان المطلق وقال القاشانى لقد خلقنا الانسان فى مكابدة ومشقة من نفسه وهواه او مرض باطن وفساد قلب وغلظ حجاب اذا الكبد فى اللغة غلظ الكبد الذى هو مبدأ القوة الطبيعية وفساده وحجاب القلب وفساده من هذه القوة فاستعير غلظ اكبد لغلظ حجاب القلب ومرض الجهل .(17/256)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)
{ أيحسب } ايامى بندارد . والضمير لبعض صناديد قريش الذين كان عليه السلام يكابد منهم اكثر مما يكابد من غيرهم كالوليد بن المغيرة واضرابه { ان لن يقدر عليه احد } ان مخففة من الثقيلة سادة مع اسمها مسد مفعولى الحسبان اى يحسب ان الامر والشأن لن يقدر على انتقام منه احد فحسبانه الناشئ عن غلظ الحجاب ومرض القلب فاسد لان الله الاحد يقدر عليه وهو عزيز ذو انتقام .(17/257)
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6)
{ يقول } ذلك الظان على سبيل الرعونة والخيلاء { اهلكت } انفقت كقول العرب خسرت عليه كذا اذا انفق عليه { مالا لبدا } اى كثيرا متلبدا من تلبد الشئ اذا اجتمع يريد كثرة ما انفقه سمعة ومفاخرة وكان اهل الجاهلية يسمون مثل ذلك مكارم ويدعونه معالى ومفاخر وفى لفظ الاهلاك اشارة الى انه ضائع فى الحقيقة اذ لا ينتفع به صاحبه فى الآخرة كما قالت عائشة رضى الله عنها فى حق عبد الله ابن جدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه يا رسول الله فقال عليه السلام « لا ينفعه لانه لم يقل يوما رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين »(17/258)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)
{ أيحسب } ذلك الاحمق المباهى { ان } اى ان الشأن { لم يره احد } حين كان ينفق وانه تعالى لا يسأله عنه ولا يجازيه عليه يعنى ان الله رآه واطلع على خبث نيته وفساد سريرته وانه مجازيه عليه فمثل ذلك الانفاق وهو ما كان يطريق المباهاة رذيلة فكيف بعده الجاهل فضيلة وفى الحديث « لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن اربع عن عمره فيم افناه وعن ماله من اين كسبه وفيم انفقه وعن عمله ماذا عمل وعن حبه أهل البيت »(17/259)
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)
{ ألم نجعل له عينين } يبصر بهما عالم الملك من الارض الى السماء حتى يشاهد بهما فى طرفة عين النجوم العلوية التى بينه وبينها عدة آلاف سنة ويفرق بها بين ما يضر وما ينفع وبهما يحصل شرف النظر الى وجه العالم والى المصحف والى الشواهد قال فى أسئلة الحكم العين نحرس البدن من الآفات وهى نيرة كالمرءآة اذ قابلها شئ ارتسمت صورته فيها مع صغر الناظر وهو الحدقة التى هى شحمة وجعل الله العين سريعة الحركة وجعل لها اجفانا تسترها واهدابا من الشعر كجناح الطائر تطرد بانضمامها وبانفتاحها الذباب والهوام عن العين وجل العين فى الرأس لان السراج يوضع على رأس المنار وجعلها ثنتين كالشمس والقمر فانهما عينا التعين الدنيوى وجعل فوقهما حاجبين اسودين لئلا يتضرر البصر بالضياء ولان الذى ينظر فى السواد يقوى البصر ولما بنى ذو الرنين الاسكندرية رخمها بالرخام الابيض جدرها وارضها فكان لباسهم فيها السواد من نصوع بياض الرخام فمن ذلك لبيس الرهبان السواد فان النظر الى الابيض يفرق البصر ويضعفه ولذا قال عليه السلام فى الأمد « انه يقوى البصر » وجعل الحدقة محركة فى مكانها لتتحرك الى الجهات يمنة ويسرة فيبصر بها من غير أن يلوى عنقه وجعل الناظرين جميعا على خط مستقيم عرضا ولم يقع واحد منهما اعلى والا اخفض ليجتمع الناظران على شئ واحد لئلا يترا أى له الشخص الواحد شخصين وفى العينين اشارة الى العين الظاهرة والعين الباطنة فينبغى ان يحافظ على كلتيهما فان نظر عينين اتم من نظر عين واحده .(17/260)
وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)
{ ولسانا } يترجم به عن ضمائره وبه تنعقد المعاملات وتحصل الشهادات ويدرك الطعوم من الحلو والمر ولو يكن اللسان لاحتاج الانسان الى الاشارة او الكتابة فتعسر امره وانما تعدد العين والاذن وتفرد اللسان لان حاجة الانسان الى السمع والبصر اكثر من حاجته الى الكلام وفيه تنبيه ايضا على ان يقل من الكلام الا فى الخير وان لا يتكلم فيما لا فائدة فيه وهو السر فى ان الله تعالى جعل اللسان داخل الفم وجعل دونه الشفتين اللتين لا يمكن الكلام الا بفتحهما ليستعين العبد باطباق شفتيه على رد الكلام وقد حكه عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه كان يجعل فى فمه حجر ليمتنع من الكلام فيما لا يعنيه وفيه اشارة الى لسان القلب فانه يتكلم به بالمفاوضة القلبية وقد ابطله كما أبطل العين الباطنة وأفسد استعداد التكلم الباطنى القلبى { وشفتين } يستر بهما فاه اذا اراد السكوت ويستعين بهما على النطق والاكل والشرب والنفخ قال السجاوندى خص الشفة لخروج اكثر الحروف منها وفى الدعاء الحمد لله الذى جعلنا ننطق بلحم ونبصر بشحم ونسمع بعظم قال بعضهم اسبل الصانع الحكيم امام الفم سترا من الشفة ذا طرفين بضمهما ما عند الحاجة ويمتص بهما المشروب وجعل الشارب محيطا من العليا ليمنع ما على وجه الشراب من القش والقذى ان يدخل حالة الشر وفى الحديث ان الله يقول « ابن آدم ان نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد اعنتك بطبقتين فاطبق وان نازعك بصرك الى بعض ما حرمت عليك فقد اعنتك عليه بطبقتين فاطبق وان نازعك فرجك الى ما حرمت عليه فقد اعنتك عليه بطبقتين فاطبق وفى الخبر الفرج امانة والاذن امانة واليد امانة والرجل امانة والايمان لمن لا امانة له اورا كويند ما دوديده بتوسبرديم باك تو بنظر هاى ناباك ملطخ كردمى تا آثار تقديس ازوى برخاست وخبيث شدا كنون مبخواهى كه ديدار مقدس ما بنظر خويش بينى هيها مابا كيم وباكانوا باك شايد الطيبات للطيبين دون سمع داديم تراتا ازان دوخزانه سازى ودرهاى آثار وحى دروتعبيه كنى وامر وزبازسبارى تواترا محال دروغ شنيدن ساختى وهكذر اصواب خبيثه كردى ونداء مابا كست جز سمع باك نشنود امروز بكدام كوش حديث ما خواهى شنيد زبانى داديم تراتا بامار از كويى در خلوت وقرآن خواتى در عبادت وصدق دروى فروارى وبادوستان ما سخن كويى توخود زبانرا بسلط غيبت ساختى وروز نامه جدل وديوان خصومت كردى توامروز بكدام زبان حديث ما خواهى كرد
زبان آمد از بهر شكر وسباس ... بغيبت نكرد اندش حق شناس
كذركاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن كوش
دوجشم ازبى صنع بارى نكوست ... زعيب برادر فروكير ودوست
وفيه اشارة الى شفتى لسان القلب ولسان الرأس .(17/261)
وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
{ وهديناه النجدين } معطوف على ألم نجعل لانه فى التقدير مثبت اى جعلنا له ذلك وهديناه طريقى الخير والشرك كما قال عليه السلام « هما النجدان نجد الخير ونجد الشرى فلا يكن نجد الشر أحب اليكم من نجد الخيرأ وطريقى الثديين لانهما طريقان مرتفعان لنزول اللبن سببان لحياة المولود وتمكين مولود عاجز من رضاع امه عقيب الولادة قدرة عليه ونعمه جلية »
نه طفل زبان بسته بودى زلاف ... همى روزى آمد بجوفت زناف
جونافش بريدند وروزى كسست ... به بستان مادر در آويخت دست
واصل النجد المكان المرتفع جعل الخير بمنزلة مكان مرتفع بخلاف الشرفانه يستلزم الانحطاط عن ذروة الفطرة الى حضيض الشقاوة فكان استعمال النجدين بطريق التغلب او لان فعل الشر بالنسةب الى قوته فى الواهمة مصور بصورة المكان المرتفع ولذا استعمل الترقى فى الوصول الى كل شئ وتكميله وقال ابن الشيخ لما وضحت الدلالة الدالة على الخير والشر صارتا كالطريقين المرتفعين بسبب كونهما واضحين للعقول كوضوح الطريق العالى للابصار وفيه اشارة الى نجد الروح ونجد القلب فابطلهما بغلبة النفس على الروح وغلبة الهوى على القلب .(17/262)
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)
{ فلا أقتحم العقبة } الاقتحام الدخول فى امر شديد ومجاوزته بصعوبة وفى القاموس قحم فى الامر كنصر قحوما رمى بنفسه فيه فجأة بلا روية والعقبة الطريق الوعر فى الجبل فلم يشكر تلك النعم الجليلة بالاعمال الصالحة وعبر عنها بالعقبة لصعوبة سلوكها .(17/263)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)
{ وما ادراك ما العقبة } اى اى شئ اعلمك يا محمد ما قتحام العقبة فان المراد ليس العقبة الصورية واقتحامها .(17/264)
فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
{ فك رقبة } الفك الفرق بين الشيئين بازالة احدهما عن الآخر كفك القيد والغل وفك الرقبة الفرق ينها وبين سفة الرق بايجاب الحرية والرقبة اسم العضو المخصوص ثم يعبر بها عن الجملة وجعل فى التعارف اسما للمماليك كما عبر بالرأس والظهر عن المركوب فقيل فلان يربط كذا رأسا وكذا ظهرا والمعنى هو أى اقتحام العقبة اعتاق رقبة فالفك ليس تفسيرا لنفس العقبة بل لاقتحامها بتقدير المضاف وذلك لان العقبة عين والفك فعل فلا يكون تفسيرا للآخر ثم فك الرقبة قد يكون بان ينفرد الرجل فى عتق الرقبة وقد يكون بان يعطى مكاتبه ما يصرفه الى جهة فكاك رقبته وبان يعين فى تخليص نفس من قود أو غرم فهذا كله يعم الفك دون الاعتاق ويحتمل ان يكون المراد بفك الرقبة ان يفك المرء رقبة نفسه من عذاب الله بان يشتغل بالاعمال الصالحة حتى يصير بها الى الجنة ويتخلص من النار وهى الحرية الوسطى وان يفك رقبة القلب من اسر النفس وقيد الهوى وتعلق السوى وهى الحرية الكبرى فيكون قوله او اطعام الخ من قبيل التخصيص بعد التعميم اشارة الى مزيد فضل ذلك الخاص بحيث خرج به من أن يتناول اللفظ السابق مع عمومه وقال بعضهم تقدم العتق على الصدقة يدل على انه افضل منها كما هو مذهب ابى حنيفة رحمه الله وفى الحديث « من فك رقبة فك الله بكل عضو منها عضوا منه من النار » قال الراغب فك الانسان غيره من العذاب انما يحصل بعد فك نفسه منه فان من لم يهتد ليس فى قوته ان يهدى وفك الرقبة من قبيل فك النفس لانه من الاعمال الصالحة التى لها مدخل عظيم فى فكها .(17/265)
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
{ او اطعام فى يوم ذى مسغبة } اى مجاعة لقحط او غلاء من سغب اذا جاع قال الراغب السغب الجوع مع التعب ومتربة قيد الاطعام بيوم المجاعة لان اخراج المال فى ذلك الوقت اثقل على النفس واوجب للاجر .(17/266)
يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)
{ يتيما مفعول اطعام { ذا مقربة } اى قرابة من قرب فى النسب قربا ومقربة وقال السجاوندى قرب قرابة او جوار انتهى قيد اليتيم بأن يكون بينه وبين المطعم قرابة نسبية لانه اجتمع فيه جهتا الاستحقاق اليتيم والقرابة فاطعامه افضل لاشتماله على الصدقة وصلة الرحم .(17/267)
أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
{ او مسكينا ذا متربة } اى افتقار من ترب بالكسر تربا بفتحتين ومتربا اذا افتقر كأنه لصق بالتراب من فقره وضره فليس فوقه ما يستره ولا تحته ما يوطئه ويفرشه واما قولهم اترب فمعناه صار ذا مال كالتراب فى الكثرة كما قيل اثرى وعن النبى عليه السلام فى قوله ذا متربة الذى مأواه المزابل وقال ابن عباس رضى الله عنهما البعيد التربة يعنى الغريب ( كما قال الكاشفى ) واين جنين كس عيال مند بود ياوام دار يابيمار بى خواستار يا غريبى دور ازديار .
وفى الحديث « الساعى الى الارملة والمسكين كالساعى فى سبيل الله وكالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر » يقول الفقير خص الفك والاطعام لصعوبة العمل بهما وجعل الاطعام لليتيم والمسكين لما ان ذلك يثقل على النفس فقد ينفق المرء الوفا فى هواه كاطعام اهل الهوى وبناء الابنية الزائدة ونحو ذلك ولا يستكثرها واما الفقير واليتيم فلا يراهما بصره لهوانهما عنده وعلى تقدير الرؤية فيصعب عليه اعطاء درهم او درهمين او اطعام لقمة او لقمتين واحتج الشافعى رحمه الله بهذه الآية على ان المسكين قد يكون بحيث يملك شيأ والالكال تقييده بقوله ذا متربة تكرارا وهو غير جائز وفيه بحث لجواز أن يكون ذا متربة صفة كاشفة للمسكين وتكون الفائدة فى التوصيف بها التصريح بجهة الاحتياج ليتضح ان اطعام الاحوج افضل والتكرير الذى لا يجوز هو التكرير الخالى عن الفائدة وما تحن فيه ليس من هذا القبيل وفيه اشارة الى يتيم القلب المغلوب فى يد النفس والهوى ومسكين السير الملل تحت قهر النفس وعزتها وفى الارشاد وحيث كان المراد باقتحام العقبة هذه الامور حسن دخول لا على الماضى وليس بشرط اذ قد يكون بمعنى لم فكأنه قيل فلم يقتحم العقبة .(17/268)
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
{ ثم كان } بس باشد اين آزاد كننده وطعام دهنده رمن الذين آمنوا } عطف على المنفى بلا وثم للدلالة على تراخى رتبة الايمان عن العتق والصدقة ورفعة محله لاشتراط جميع الاعمال الصالحة به والا فهو فى الزمان مقدم على الطاعات والصدقة ورفعة محله لاشتراط جميع الاعمال الصالحة به والا فهو فى الزمان مقدم على الطاعات والمعنى ان الانفاق على هذا الوجه هو الاتفاق المرضى النافع عند الله لا ان يهلك ما لا لبدا فى الرياء والفخار فيكون مثله كمثل ريح فيها صر اصابت حرث قوم وفى ذكر العقبة اشارة الى ان عقبة الآخرة لا يجوزها الا من كان محقا على المحاسبى تلك عقبة لا يجوزها الا من خمص بطنه عن الحرام والشبهات وتناول مقدار بقاء المهجة وقال القاسم العقبة نفسك الا ترى الى قوله فك رقبة فانه ان تعتق نفسك من رق الخلق وتشغلها بعبودية ربك { وتواصوا بالصبر } عطف على آمنوا اى اوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله وعن المعاصى وفى المصائب { وتواصوا بالمرحمة } مصدر بمعنى الرحمة اى اوصى بعضهم بعضا بالرحمة على عباد الله او بموجبات رحمته تعالى من الخيرات على حذف المضاف او ذكر المسبب وارادة السبب تنبيها على كماله فى السببية والرحمة بهذا المعنى اعم من الرحمة بالمعنى الاول وهى الشفقة لمن يستحقها من العباد يتيما او فقيرا او نحو ذلك وفى الحديث « لا يرحم الله من لا يرحم الناس » فقوله وتواصوا بالصبر اشارة الى التعظيم لامر الله وقوله وتواصوا بالمرحمة اشارة الى الشفقة على خلق الله والى التكميل بعد الكمال فان الايمان كمال فى نفسه وكذا الصبر والمرحمة وغيرهما من الاعمال الصالحة والتواصى من باب تكميل الغير قال بعضهم الاطعام خصوصا وقت شدة الحاجة افضل انواع العفة والايمان اجل انواع الحكمة وهو الايمان اجل انواع الحكمة وهو الايمان العلمى اليقينى وجاء فيه بلفظ ثم لبعد رتبته عن الفضيلة الاولى فى الارتفاع والعلو لكونه الاساس والصبر على الشدائد من اعظم انواع شجاعة وأخره عن الايمان لامتناع حصول فضيلة الشجاعة بدون اليقين والتراحم والتعاطف من افضل انواع العدالة .(17/269)
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)
{ اولئك } الموصوفون بالنعوت الجليلة المذكورة وفى اسم الاشارة دلة على حضورهم عند الله فى مقام كرامته وعلو رتبتهم وبعد درجتهم { اصحاب الميمنة } اى اليمين وهم الذين يعطون كتبهم بايمانهم ويسلك بهم من طريق اليمين الى الجنة او اصحاب اليمين والخير والسعادة لان الصلحاء ميامين على انفسهم بطاعتهم وعلى غيرهم ايضا او اصحاب اليد اليمنى .(17/270)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19)
{ والذين كفروا بآياتنا } بما نصبناه دليلا على الحق من كتاب وحجة او بالقرءآن { هم } فى ضمير الغالب دلالة على سقوطهم عن شرف الحضور وانهم احقاء بالاخفاء { اصحاب المشأمة } اى الشمال وهم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم ومن ورآء ظهورهم ويسلك بهم شمالا الى الناراو اصحاب السؤم والشر والشقاوة لان الفساق مشائيم على انفسهم بمعصيتهم وعلى غيرهم ايضا ويجب التوسل بالصلحاء والاجتناب عن الفسقاء او اصحاب اليد اليسرى .(17/271)
عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)
{ عليهم } خبر مقدم لقوله { نار مؤصدة } اى نار أبوابها مغلقة فلا يفتح لهم باب فلا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح ابدا الآباد الا انها جعلت صفة للنار اشعارا باحاطتهم فاصل التركيب مؤصدة الابواب فلام تركت الاضافة عاد التنوين اليها لانهما يتعاقبان من اوصدت الباب من المعتل الفاء وآصدته بالمد من المهموز مثل آمن اذا اطبقته واغلته واحكمته فمن قرأها مؤصدة بالهمزة جعلها اسم مفعول من آصدت ومن لم يهمزها اخذها من اوصدت مثل اوعد فهو موعد وذلك موعد ويحتمل ان يكون من آصد مثل آمن لكنه قلبت همزته الساكنة واو الضمة ما قبلها للتخفيف وكان ابو بكر بن عباس روى عاصم يكره الهمزة فى هذا الحرف ويقول لنا امام يهمز مؤصدة فاشتهى ان اسد أذنى اذا سمعته وكانه لم يحفظه عن شيخه الا بترك الهمز وقد حفظه حفص بالهمزة وهو اضبط للحرف من ابى بكر على ما نقله القرآء وان كان ابو بكر اكبر وأتقن وأوثق عند اهل الحديث وفيها اشارة الى ان نار الحجاب والخذلان والخسران مؤصدة على نفس الامارة .(17/272)
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)
{ والشمس } سوكند ميخورم بآفتاب { وضحاها } اى ضوئها اذا طلعت وقام سلطانها وانبسط نورها يعنى سوكند بتايش وى جون بلند كردد وبموضع جاشت رسد .
يقال وقت الضحى اى وقت اشراق الضوء فالضحى والضحوة مشتقان من الضح وهو نور الشمس المنبسط على وجه الارض المضاد للظل وفيه اشارة الى الاقسام بشمس الروح وضوئها المنتشر فى البدن الساطع على النفس .(17/273)
وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)
{ والقمر اذا تلاها } من التلو بمعنى التبع اى اذا تبعها بان طلع بعد عروبها آخذا من نورها وذلك فى لاصف لاول من الشهر قال الراغب تلاه تبعه متابعة ليس بينهما ما ليس منهما وذلك يكون تارة بالجسم وتارة بالاقتدآء فى الحكم ومصدره تلو وتلو وتارة بالقرءآن وتدبر المعنى ومصدره تلاوة ثم قال قوله والقمر اذا تلاها فانما يراد به ههنا الاتباع على سبيل الاقتدآء والمرتبة وذلك انه فيما قيل ان القمر يقتبس النور من الشمس وهولها بمنزلة الخليقة قيل وعلى هذا قوله وجعل الشمس ضياء والقمر نورا والضياء على مرتبة من النور اذ كل ضياء نور دون العكس وفيه اشارة الى قمر القلب اذ تلا الروح فى التور بها واقباله نحوها واستضاءته بنورها ولم يتبع النفس فيخسف بظلمتها قال شيخى وسندى روح الله روحه فى كتاب الملائحات الببرقيات له ان الشمس آية للحقيقة الالهية الكمالية الا كملية واشارة الهيا والقمر آية للحقيقة الانسانية الكمالية الاكمية واشارة اليها فكما ان القمر منذ خلقه الله الى ليوم القيامة كان مجلى ومظهر التجلى نور الشمس وظهوره فى الليل حتى يهتدى به ارباب الليل فى الظلمات الليلة فى سيرهم وسلوكهم فى طرق مقاصدهم فكذلك الحقيقة الانسانية الكمالية الاكمية منذ خلقها الله الى ابد الآبدين كانت مجلى ومظهرا لتجلى نور الحقيقة الالهية الكمالية الاكملية وظهوره فى الكون حتى يهتدى به ارباب الكون فى ظلمات الكون عند سلوكهم وسيرهم فى العوام والاطوار الكونية نزولا عند السر الى عالم الامكان وعروجا عند السلوك على عالم الوجوب فكما ان القمر يفنى من نوره ونفسه بالنمام فى نور الشمس ونفسها بحيث لا يبقى اثر من نوره ونفسه عند المقارنة والمواصلة الحاصلة بينهما بالتوجه الشمس القابض والاقبال الجاذب عليه ويبقى مع نوره ونفسه اى جرمه بالكمال وبنور الشمس ونفسها بحيث لا يفنى شئ من نوره ونفسه عند المقابلة الكاملة الحاصلة بينهما بالارسال الى نفسه والبسط الى نوره مرارا وكرارا دآئما وباقيا الى يوم القيامة فكذلك الحقيقة الانسانية الكمالية الاكملية تفنى من نورها وتعينها فى نور الحقيقة الالهية الكمالية الاكملية وتعينها بالتمام بحيث لا يبقى لها اتر ما اصلا عند الوصلة الالهية الحاصلة فى مرتبة لذات الاحدية الجمعية المطلقة بالقبض والجذب من نورها وتعينها الى نورها وتعينها الازلى الابدى السرمدى وتبقى مع نورها وتعينها بنورها بحيث لا يفنى منها اثر أصلا عند الفرقة الكونية الحاصلة فى مرتبة المظهرية الكثرتية الفرقية المقيدة بالبسط والارسال الى نورها وتعينها مرارا وكرارا ابدا سرمدا وعند تجلى النور الشمس والالهى وظهوره فى القمر والانسان الكامل تدريجا الى حد الكمال يكمل بقاؤهما وعند استتاره واختفائه عنهما تدريجا ايضا الى حد التمام يتم فناؤهما وفناؤهما على هذا الوجه من قبض جلال الحق سبحانه وبقاؤهما على ذلك النمط من بسط جماله تعالى والله يقبض ويبسط دآئما من مرتبة كماله الذاتى بيدى جلال كماله وجماله بل يداه مبسوطتان كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انتهى كلامه قدس الله سره فان قلت اذا ههنا ليست بشرطية لعدم جوابها لفظا او تقديرا حتى يعمل فيها فتكون ظرفا مطلقا فلا بد لها من عامل وهو فى المشهور اقسم المقدر وهو انشاء فيكون للحال واذا للاستقبال ولا اجتماع بينهما فلا تكون ظرفا وقتال له قلت اذا فى امثال هذا المقام للتعليل اى اقسم بالقمر اعتبارا بتلوها وبالنهار اعتبارا بتجليته الشمس وبالليل اعتبرا بغشيانه اياها كما تقول أشهدك على هذا حيث كنت صالحا متدينا اى لاجل ذلك كذا فى بعض التفاسير وقال فى القاموس اذا تجئ للحال و(17/274)
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3)
{ والنهار } هو نور الشمس الذى ينسخظل الارض بمحو ظلمة الليل { اذا جلاها } اى جلى الشمس يعنى هويد اكرد فانها تتجلى عند انبساط النهار واستيفائه تمام الانجلاء فكأنه جلاها مع انها التى تبسطه يعنى لما كان انتشار الاثر وهو زمان ارتفاع النهار زمانا لانجلاء الشمس وكان الجلاء واقعا فيه اسند فعل التلجية اليه اسنادا مجازيا مثل نهاره صائم او جلى الظلمة او الدنيا والارض وان لم يجر لها ذكر للعلم بها وفيه اشارة الى نهار استيلاء نور الروح وقيام سلطانها واستواء نورها اذا جلاها وابرزها فى غاية الظهور كالنهار عند الاستوآء فى تجلية الشمس .(17/275)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)
{ والليل } هو ظل الارض الحائلة بين الشمس وبين ما وقع عليه ظلمة الليل { اذا يغشاها } اى الشمس فيغطى ضوءها فتغيب وتظلم الآفاق ولما كان احتجاب الشمس بحيلولة الارض بيننا وبينها واقعا فى الليل صار الليل كأنه حجبها وغطاها فاسند التغطية وتغشية الى الليل لذلك او اذا يغشى الآفاق والارض ولعل اختيار صيغة المضارع هنا على المضى للدلالة على انه لا يجرى عليه تعالى زمان فالمستقبل عند كالماضى مع مراعاة الفواصل ولم يجيئ غشاها من التغشية لانه يتعدى الى المفعولين وحيث كانت الواوات العاطفة نواب الواو الاولى القسمية القائمة مقام الفعل والباء سادة مسدهما معا فى قولك اقسم بالله حق ان يعملن عمل الفعل والجار جميعا كما تقول ضرب زيد عمرا وبكر خالدا فترفع الواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذى هو عاملها فاندفع ما يورد ههنا من ان تلك الواوات ان كانت عاطفة يلزم العطف على معمولى عاملين مختلفين وان كانت قسمية يلزم تعداد القسم مع وحدة الجواب وحاصل الدفع اختيار الشق الاول ومنع لزوم المحذور وفيه اشارة الى ليل النفس عند غشيانه بظلمتها شمس نهار الروح وهو أيضا آية من آياته الكبرى لان الليل مظهر الاسم المضل فيجوز القسم به كما جاز القسم بالنهار نظرا الى انه مظهر الاسم الهادى .(17/276)
وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)
{ والسماء وما بناها } اى ومن بناها على غاية العظم ونهاية العلو وهو الله تعالى وايثار ما على من لارادة الوصفية تعجبا لأن ما يسأل بها عن صفة من يعقل كأنه قيل والقادر العظيم الشان الذى بناها وكذا الكلام فى قوله { والارض وما طحاها } اى ومن بسطها من كل جانب على الماء كى يعيش اهلها فيها والطحو كالدحو بمعنى البسط وابدال الطاء من الدال جائز وافراد بعض المخلوقات بالذكر وعطف الخالق عليه والاقسام بهما ليس لاستوآئهما فى استحقاق التعظيم بل النكتة فى الترتيب ان يتبين وجود صانع العالم وكمال قدرته ويظفر العقل بادراك جلال الله وعظمة شأنه حسبما امكن فانه تعالى لما اقسم بالشمس التى هى اعظم المحسوسات شرفا ونفعا ووصفها باوصافها الاربعة وهو شؤوها وكونها متبوعة للقمر ومتجلية عند ارتفاع النهار ومختفية متغطية بالليل ثم اقسم بالسماء التى هى مسير الشمس واعظم منها فقدنيه على عظمة شأنهما لما تبين ان الاقسام بالشئ تعظيم له ومن المعلوم انهما لحركاتهما الوضعية وتغير أحوالهما من الاجسام الممكنة المحتاجة الى صانع مدبر كامل القدرة بالغ الحكمة فتوسل العقل بمعرفة احوالهما واوصافهما الى كبرياء صانعمها فكان الترتيب المذكور كالطريق الى جذب العقل من حضيض عالم المحسوسات الى يفاع عالم الربوبية وبيدآء كبريائه الصمدية وفيه اشارة الى سماء الارواح وارض الاجساد .(17/277)
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)
{ ونفس وما سواها } اى ومن انشأها وابدعها مستعدة لكمالاتها والتنكير للتخفيم على ان المراد نفس آدم عليه السلام او للتكثير وهو الانسب للجواب وذكر فى تعريف ذات الله تعالى السماء والارض والنفس لان الاستدلال على الغائب لا يمكن الا بالشاهد والشاهد ليس الا العالم الجسمانى وهو اما علوى بسيط كالسماء واما سفلى بسيط كالارض واما مركب وهو أقسام اشرفها ذوات الانفس وقد استدل بعطف ما بعدها على ما قبلها على عدم جواز تقدير المضاف فيه مثل ورب الشمس وكذا فى غيره اذا المقدر فى المعطوف عليه يقدر على المعطوف فيكون التقدير ورب ما بناها ورب ما طحاها ورب ما سواها وبطلانه ظاهر فان الظاهر ان تكون فى مواضعها موصولة فاعرف وسيجيئ شرح النفس وتسويتها عند اهل التأويل ان شاء الله تعالى .(17/278)
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)
{ فالهمها فجورها وتقواها } الفاء ان كانت لسببية التسوية فالامر ظاهر وان كانت لتعقيبها فلعل المراد منها اتمام ما يتوقف عليها الالهام من القوى الظاهرة والباطنة والالهام القاء الشئ فى الروع اما من جهة الله او من جهة الملاء الاعلى واصل الهام الشئ ابتلاعه والفجور شق ستر الديانة قدم على التقوى لمراعاة الفواصل او لشدة الاهتمام بنفيه لانه اذا انتفى الفجور وجدت التقوى فقدم ما هم بشأنه اعنى والمعنى افهم النفس اياهما وعرفهما حالهما من الحسن والقبح وما يؤدى اليه كل منهما ومكنها من اختيار ايهما شاءت قال بعض الكبار الالهام لا يكون الا فى الخبر فلا يقال فى الشر الهمنى الله كذا واما قوله تعالى فالهمها فجورها وتقواها فالمراد فجورها لنجتنبه لا لتعمل به وتقواها لتعمل به اذ ليس فى كلام الله تناقض ابدا وقال بعضهم لا يخفى ان محل الالهام هو النفس قال تعالى فالهمها فجورها وتقواها فاعلمنا ان الفاعل فى الالهام هويته تعالى لا غيره لكن الهم النفس فجورها لتعلمه به وتقواها لتعلمه وتعمل به فهو فى قسم الفجور الهام اعلام لا الهام عمل ان الله لا يأمر بالفحشاء وكما لا يأمر بالفحشاء لا يلهم بها فانه لوالهم بها ما قامت الحجة لله على العبد فهذه الآية مثل قوله وهديناه النجدين اى بينا له الطريقين وقال بعضهم لم ينسب سبحانه الى النفس خاطر المباح والالهامه فيها وسبب ذلك ان المباح لها ذاتى فبنفس ما خلق عينها ظهر المباح فهو من صفاتها النفسية التى لا تعقل النفس الا بها فخاطر المباح نعت خاص كالضحك للانسان وفى التأويلات النجمية تدل الآية على كون النفوس كلها حقيقة واحدة متحدة تختلف باختلاف توارد الاحوال والاسماء فان حقيقة النفس المطلقة من غير اعتبار حكم معها اذا توجهت الى الله توجها كليا سميت مطمئنة واذا توجهت الى الطبيعة توجها كليا سميت امارة واذا توجهت تارة الى الحق بالتقوى وتارة ارى الى الطبيعة البشرية بالفجور سميت لوامة انتهى وفى الخبر الصحيح عن عمران بن حصين رضى الله عنه سأل رجل من جهينة او مزينة رسول الله عليه السلام ما يمل الناس ويكدحون فيه أشئ قضى عليهم ام شئ يستقبلونه فقال عليه السلام « بل قضى عليهم » قال ففيم العمل اذا يا رسول الله فقال عليه السلام « من كان خلقه الله لاحدى المنزلتين يهيئه الله لها » ثم تلا الآية وقال ابن عباس رضى الله عنهما كان رسول الله عليه السلام يقول عند الآية « اللهم آت نفسى تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولها »(17/279)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)
{ قد افلح من زكاها } جواب القسم وحذف اللام لطول الكلام وقال الزجاج طول الكلام صار عوضا عن اللام وانما تركه الكشاف وغيره لانه يوجب الحذف والحذف لا يجب مع الطول ولم يجعل كذبت جوابها لان اقسام الله انما يؤكد به الوعد او الظفر وادراك البغية وهو دنيوى كالظفر بالسعادات التى تطيب بها الحياة الدنيا من الغنى والعز والبقاء مع الصحة ونحوها واخروى وهو بقاء فلا فناء وغنى بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل ولذلك قيل لا عيش الا عيش الآخرة واصل الزكاة الزيادة والنمو ومنه زكا الزرع اذا حصل فيه نمو كثير وبركة ومنه تزكية القاضى الشاهد لانه يرفع قدره بالتعديل ومنه الزكاة لما يخرج الانسان من حق الله الى الفقرآء لما فيها من رجاء البركة او لتزكية النفس اى تنميتها بالخيرات والبركات اولهما جميعا فان الخيرين موجدان فيها والمعنى قد فاز بكل مطلوب ونجا من كل مكروه من انمى النفس واعلاها بالتقوى اى رفعها واظهرها وشهرها بها فاهل الصلاح يظهرون انفسهم ويشهرونها بما سطع من انوار تقواهم الى الملأ الاعلى وبملازمتهم مواضع الطاعات ومحافل الخيرات بخلاف اهل الفسق فانهم يخفون انفسهم ويدسونها فى المواضع الخفية لا يلوح عليهم سيما سعادة يشتهرون به بين عباد الله المقربين واصل هذا ان اجواد العرب كانوا ينزلون فى ارفع المواضع ويوقدون النار للطارقين لتكون اشهر واللئام ينزلون الاطراف والهضاب لتخفى اماكنهم عن الطالبين فاخفوا انفسهم فالبار ايضا اظهر نفسه اباعمال البر والفاجر دسها وتستعمل التزكية بمعنى التطهير ايضا كما قال فى القاموس الزكاة صفة الشئ وما اخرجته من مالك لتطهره به فالمعنى قد افلح من طهر نفسه من المخالفات الشريعة عقدا وخلقا وعملا وقولا فقد اقسم تعالى بسبعة اشياء على فلاح من زكى نفسه ترغيبا فى تزكيتها .
وابن عباس رضى الله عنهما روايت كرده كه حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم نزديك تلاوت اين آيت فرمودى كه تزكيه انفس موجب تزكيه دل است هركاه كه نفس ازشوب هوا مزكى شود فى الحال دل ارلوث تعلق بما سوى مصفى كردد
تانفس مبراز مناهى لشود ... دل آيينه نور الهى نشود
وكون افعال العبد بتقدير الله تعالى وخلقه لا ينافى اسناد الفعل الى العبد فانه يقال ضرب زيد ولا يقال ضرب الله مع أن الضرب بخلقه وتقديره وذلك لأن وضع الفعل بالنسبة الى الكاسب قال الراغب وبزكاه النفس وطهارتها يصير الانسان بحيث يستحق فى الدنيا الاوصاف المحمودةوفىلآخرة الاجر والمثوبة وهو أن يتحرى الانسان ما فيه تطهيره وذلك ينسب تارة الى العبد لاكتسابه ذلك بجر قد افلح من زكاها ونارة الى الله لكونه فاعلا لذلك فى الحقيقة نحو بل الله يزكى من يشاء وتارة الى الشئ لكونه واسطة فى وصول ذلك اليهم نحو خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وتارة الى العبادة التى هى آلة فى ذلك نحو وحنانا من لدنا وزكاء انتهى .(17/280)
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)
{ وقد خاب من دساها } فى لقاموس خاب يخيب خيبة حرم وخسر وكفر ولم ينل ما طلب واصل دسى دسس كتقضى البازى وتقضض من التدسيس الراغب الدس ادخال الشئ فى الشئ بضرب من الاكراه ودساها اى دسسها فى المعاصى انتهى والمعنى قد خسر من نقصها واخفاها بالفجور وبارسالها فى المشتهيات الطبيعية وقال شيخى وسندى قدس سره فى قوله تعالى ونفس الخ المراد بالنفس هنا الذات والحقيقة الجمعية الانسانية الكمالية المخلوقة على الصورة الالهية الجمعية الكمالية لتكونمرءآة لها كما ورد خلق الله آدم على صورته ويقال لها النفس الناطقة المدبرة للبدن وما سواها اى خلقها مستوية قابلة لتكون مجلى لتجليات تعينات الكمال والجلال والجمال ومتوسطة ممكنة لتكون مظهرا الظهورات الذات والصفات والافعال ومعتدلة صالحة لتكون مشهدا لمشاهدات آثار الاسماء والمراتب والاحوال وبهذه القابلية الجامعة بين القبضتين الجمال والجلال كانت اتم كل موجود فألهمها افاض عليها بوساطة سادة الجلال فجورها اى آثار الجلال المندرج فى جميعة حقيقتها البرزخية واحكامه واحواله من العقائد والعلوم والاعمال والمذاهب وغير ذلك مما نفجر وتميل فيه من الحق الى الباطل فتجازى بالخسران وتقواها وافاض عليها بوساطة خادم الجمال اى آثار الجمال واموره واحكامه من كلمة التوحيد العلمى الرسمى المنافى للشرك والكفر والهوى اجلى وسائر الفساد فى تبة الشريعة والطريقة ومن كلمة التوحيد العينى الحقيقى المزيل للشرك والكفر والهوى الخفى وباقى الكساد فى مرتبة المعرفة والحقيقة ومن غيرهما من لطائف العلوم والمعارف ومحاسن الاعمال والاحوال ومكارم الاخلاق والصفات قد أفلح اى دخل فى الفلاح فى جميع المراتب صورة وحقيقة من زكاها من طهرها من رذآئل آثار الجلال فى جميع الاطوار وقد خاب اى حرم من الفلاح من دساها اى اخفى فيها الآثار الجلالية والصفات النفسانية وكتم فيها العيوب والقبائح الشيطانية والاهوآء والشهوات البهيمية والاعمال والاخلاق الرديئة ولم يعالجها باضدادها بل اهملها عن التربية فى مرتبة الشريعة بالتقوى والصلاح وعن التزكية فى مرتبة الطريقة بالمجاهدة والاصلاح وساعدها فى هواها وشهواتها فى النيات والمقصود والاعمال والاقوال وصارت حراتها وسكناتها جميعا بالاهوآء انتهى باختصار فان كلامه رحمه الله فى هذه الآية يبلغ الى نصف جزء بل اكثر .(17/281)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)
{ كذبت ثمود } المراد القبيلة ولذا قال { بطغواها } وهو استئناف وارد لتقرير مضمون قوله تعالى وقد خاب من دساها فان الطغيان اعظم انواع التدسية والطغوى بالفتح مصدر بمعنى الطغيان الا انه لما كان اشبه برؤوس الآيات اختير على لفظ الطغيان وان كان الطغيان اشهرو فى الكشف الطغوى من الطغيان فصلوا بين الاسم والصفة فى فعلى من بنات الياء بان قلبوا الياء واوا فى الاسم وتركوا القلب فى الصفة فقالوا امرأة خزيا وصديا من الخزى بالفتح والقصر بمعنى الاستحياء ومن الصدى بمعنى العطش والباء للسببية اى فعلت التكذيب بسبب طغيانها كما تقول ظلمنى بجرآءته على الله فافعل منزل منزلة اللازم فلا يقدر له مفعول وهو المشهور او كذبت ثمود نبيها صالحا عليه السلام فحذف المفعول للعلم به وفيه اشارة الى أن العصيان اذا اشتد بلغ الكفر ويجوز ان تكون الباء صلة للتكذيب اى كذبت بما اوعدت به من العذاب ذى الطغوى والتجاوز عن الحد وهو الصيحة كقوله تعالى فاهلكوا بالطاغية اى بصيحة ذات طغيان .(17/282)
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)
{ اذ انبعث اشقاها } منصوب بكذبت او بالطغوى اى حين قام اشقى ثمود وهو قدار بن سالف امتثالا لامر من بعثه اليه فان انبعث مطاوع لبعث يقال بعثت فلانا على امر فانبعث له وامتثل قال فى كشف الاسرار الانبعاث الاسراع فى الطاعة للباعث او حين قام قدار ومن تصدى معه لعقر الناقة من الاشقياء فان افعل التفضيل اذا اضيف يصلح للواحد والمتعدد والمذكر والمؤنث ويدل على الاول قوله تعالى فى سورة القمر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فانه يدل على ان المباشر واحد معين وفضل شقاوتهم على من عداهم مباشرتهم العقر مع اشتراك الكل فى الرضى .(17/283)
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)
{ فقال لهم } اى لثمود { سول الله } لما علم ما عزموا عليه وهو صالح عليه السلام ابن عبيد بن جابر بن ثمود بن عوص بن ارم فالاضافة للعهد عبر عنه بعنوان الرسالة ايذانا بوجواب طاعته وبيانا لغاية عتوهم وتماديهم فى الطغيان { ناقة الله } منصوب على التحذير وان لم يكن من الصور التى يجب فيها حذف العامل والناقة بالفارسية اشترماده اضيفت اليه تعالى للشريف كبيت الله اى ذروا ناقة الله الدالة على وحدانيته وكمال قدرته وعلى نبوتى واحذروا عقرها { وسقيها } يعنى شربها وهو نصيبها من الماء ولا تطردوها عنه فى توبتها فانها كان لها شرب يوم معلوم ولهم ومواشيهم شرب يوم آخر وكانوا يستضرون بذلك فى مواشيهم فهموا بعقرها .(17/284)
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)
اى رسول الله فى وعيده بقوله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب { فعقروها } اى الاشقى والجمع على تقدير وحدته لرضى الكل بفعله قال السهيلى العاقر قدار بن سالف وامه قديرة وصاحب الذى شاركه فى عقر الناقة اسمه مصدع بن وهراوا بن جهم والعقر النحر وقدم التكذيب على العقر لأنه كان سبب العقر وفى الحديث قال عليه السلام لعلى « اتدرى من اشقى الاولين » قال الله رسوله اعلم قال « عاقر الناقة » قال « اتدرى من اشقى الآخرين » قال الله ورسوله اعلم قال « قاتلك » وذلك أن الناقة اشارة الى ناقة الروح فكما أن عقرها بالظلمة النفسانية والشهوات الحيوانية من مزيد شقاوة النفس فكذا قتل على رضى الله عنه فانه كان مظهرا لروحانية نبينا عليه السلام ولذا كان وارثه الاكبر فى مقام الحقيقة فالقصد على الولى رضى الله عنه قصد الى محمد النبى عليه السلام ولا شقاوة فوق الشقاوة من قابل مظهرا الرحمة الكلية بالغضب وانتقام { فدمدم عليهم ربهم } فاطبق علهيم العذاب وهو الصيحة الهائلة وهو من تكرير قولهم ناقد مدمومة اذا طلبت بالشحم واحيطت بحيث لم يبق منها شئ لم يمسه الشحم ودم الشئ سده بالقبر ودممت على القبر وغيره اذا اطبقت عليه ثم كررت الدال للمبالغة فى الاحاطة فالدمدمة من الدمدم كالكبكة من الكب قال فى كشف الاسرار تقول العرب دممت على فلان ثم تقول من المبالغة مدممت بالتشديد ثم نقول من تشديد المبالغة دمدمت والتركيب يدل على غشيان الشئ الشئ { بذنبهم } اى بسبب ذنبهم المحكى والتصريح بذلك مع دلالة الفاء عليه للانذار بعاقبة لاذنب ليعتبر به كل مذنب { فسواها } اى الدمدمة والاهلاك بينهم لم يفلت منهم واحد من صغير وكبير او فسوى ثمود بالارض ( روى ) أنهم لما رأوا علامات العذاب طلبوا صالحا عليه السلام ان يقتلوه فانجاه الله كما قال فى سورة هود فلما جاء امرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمه منا .(17/285)
وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)
{ ولا يخاف عقباها } الواو للاستئناف او للحال من المنوى فى فسواها الراجع الى الله تعالى اى فسواها الله غيى خائف عاقبة الدمدمة وتبعتاه او عاقبة هلاك ثمود كما يخاف سائر المعاقبين من الملوك والولاة فيترحم بعض الترحم وذلك أن الله تعالى لا يفعل الا بحق وكل من فعل بحق فانه لا يخاف عاقبة ولا يبالى عقابة ما صنع وان كان من شأنه الخوف وقال بعضهم ولا يخاف هواى قدار ولا هم ما يعقب عقرها ويتبعه وما يترتب عليه من انواع البلاء والمصيبة والعقاب مع أن صالحا عليه السلام قد اخبرهم بها .(17/286)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)
{ والليل اذا يغشى } اذا للحال لكونها بعد القسم كما مر فى السورة السابقة اى اقسم بالليل حين يغشى الشمس وغطيها ويتسرتها كقوله والليل اذا يغشاها فعدم ذكر المفعول للعلم به او النهار او كل ما يواريه بظلامه فعدم ذكر امفعول للتعميم والليل عند اهل النجوم ما بين غروب الشمس وطلوعها وعند اهل الشرع ما بين غروبها وطلوع الفجر الصادق لعله المراد هنا والنهار ما يقابله ( وفى كشف الاسرار ) الله تعالى شب رامرتبتى وشرفى دادكه آنرا درقرآن مجيد محل قسم خود كردانيد واين شرف ازان يافت كه شب درآيد دوستان خداتنها درمناجات شوند هما شب شراب صفامى نوشند وخلعت رضا مى بوشند وعتاب محبوب مى نيوشند وجون وقت سحر باشد كه فرمان رسد تادرهاى اين قبه بيروزه بازكشايند ودامنها سراد قات عرش مجيد براندازند ومقربان حضرت بامر حق خاموش شوندآنكه جبار كائنات درعلو وكبرياى خود خطاب كندكه الا قد خلا كل حبيب بحيبيه فاين احبائى يعنى هر دوستى بادوست خود درخلوت وشادى آمدند دوستان من كجا اند
الليل داج والعصاة نيام ... والعابدون لذى الجلال قيام(17/287)
وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)
{ والنهار اذا تجلى } ظهر بزوال ظلمة الليل اى ان كان المغشى غير الشمس او تبين وتكشف بطلوع الشمس اى ان كان المغشى الشمس واختلاف الفاصلتين بالمضى والاستقبال لما ذكرنا فى السورة السابقة وفيه اشارة الى القسم بليل غيب الهوية المطلقة اذا يغشى نهار التعينات الاعتبارية على اهل الذوق والشهود وبنور نهار الوجودات لمقيدة اذا تجلى بسبب التعنات العقلية بالنسبة الى اهل الحجاب والاحتجاب وقال القاشانى اقسم بليل ظلمة النفس اذا ستر نور الروح اذا تجلى وظهر من اجتماعهما وجود القلب الذى هو عرش الرحمن فان القلب يظهر باجتماع هذين له وجه الى الروح يسمى الفؤاد يتلقى به المعارف والحقائق ووجه الى النفس يسمى الصدر يحفظ به السرآئر ويتمثل فيه المعانى .(17/288)
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)
{ وما خلق الذكر والانثى } ما عبارة عن صفة العالم كما فى وما بناها وانها لتو غلها فى الابهام افادت أن الوصف الذى استعملت هى فيه بالغ الى اقصى درجات القوة والكمال بحيث كان مما لا يكتنه كنهه وانه لا سبيل للعقل الى ادراكه بخصوصه وانما الممكن هو ادراكه بامر عام صادق واللامان للحقيقة ويجوز ان يكونا للاستغراق اى والقادر العظيم القدرة الذى خلق صنفى الذكر والانثى من كل نوع له توالد فخرج مثل البغل والبغلة وقيل ان الله لم يخلق خلقا من ذوى الارواح ليس يذكر ولا انثى والخنثى وان اشكل امره عندنا فهو عند الله غير مشكل معلوم بالذكورة او الانوثة فلو حلف بالطلاق انه لم يلق يومه ذكرا ولا انتثى وقد لقى خشى مشكلا كان حانثا لانه فى الحقيقة اما ذكر او انثى وان كان مشكلا عندنا كما فى الكشاف وقيل انهما آدم وحوآء عليهما السلام على أن اللام للعهد قال تعالى يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وعن ابن مسعود رضى الله عنه انه كان يقرأ والذكر والانثى قال علقمة قدمنا الشأم فأتانا ابو الدردآء رضى الله عنه فقال أفيكم من يقرأ قرأءة عبد الله بن مسعود فاشاروا الى فقلت نعم انا فقال كيف يقرأ هذه الآية قلت سمعته يقرأ والذكر والانثى قال وانا كهذا والله سمعت رسول الله عليه السلام يقرأها وهؤلاء يريدوننى على أن اقرأها وما خلق فلا اتابعهم وفيه اشارة الى الذكر الذى هو الروح والانثى التى هى النفس وقد ولد القلب من ازدواجهما وعند بعض العارفين الليل ذكر والنهار انثى كما سبق فى النازعات .(17/289)
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)
{ ان سعيكم لشتى } جواب القسم والمصدر بمعنى الجمع لما عرف أن المصدر المضاف من صيغ العموم ولذلك اخبر عنه بالجمع وشتى جمع شتين كمرضى ومريض وهو المفترق المتشتت والمعنى أن مساعيكم اى اعمالكم المختلفة حسب اختلاف الاستعدادات الازلية فبعضها حسن نافع خير صالح وبعضها قبح ضار شر فاسد وفى الحديث « الناس عاديان فمبتاع نفسه فمعتقها او بائع نفسه فموبقها » قال القاشانى ان سعيكم استات مختلفة لانجذاب بعضكم الى جانب الروح والتوجه الى الخير لغبة النورية وميل بعضكم الى جانب النفس والانهماك فى الشر الغلبة الظلمة وقال بعضهم باطن هذه الآية ان يرى سعيه قسمة من الحق له من قبل التكوين والتخليق لقوله تعالى نحن قسمنا بينهم معيشتهم وان السعى له مراتب كمراتب المتصلين بالسلطان من الندماء والجلساء واصحاب الاسرار فسعى بالنفوس لطلب الدرجات وبالعقول لطلب الكرامات وبالقلوب لطلب المشاهدات وبالارواح لطلب المداناة وبالاسرار لفنائها فى انوار الذات وبقائها فى انوار الصفات وسعى بالارادة وبالمحبة وبالشوق وبالعشق وبالمعرفة الى غير ذلك .(17/290)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)
{ فاما } تفصيل لتلك المساعى المشتتة وتبيين لاحكامها { من اعطى } حقوق ماله { واتقى } محارم الله التى نهى عنها ومن جملتها المن والاذى .(17/291)
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)
{ وصدق بالحسنى } بالخصلة الحسنى وهى الايمان او بالكلمة الحسنى وهى كلمة الوحيد او بالملة الحسنى وهى ملة الاسلام او المثوبة الحسنى وهى الجنة .(17/292)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)
{ فسنيسره لليسرى } معنى التيسير التهيئة لا ما يقابل التعسير ومنه قوله كل ميسر لما خلق له فلا حاجة الىأن يقال استعمل التيسير فى العسرى على المشاكلة كما فى قوله تعالى وجزآء سيئة او على حسب قوله تعالى فبشرهم بعذاب أليم يقال يسر الفرس للركوب اذا اسرجها وألجمها واليسرى تأنيث الايسر والمعنى فسنهيئه ونوفقه للخصلة التى تؤدى الى يسر وراحة كدخول الجنة ومباديه وبالفارسية بس زود باشدكه آسانى دهيم ويرا براى طريقت نيكوكه سبب آساتى راحت باشد يعنى عملى كه اورا به بهشت رساند .
فوصف الخصلة باليسرى مجاز باعتبار كونها مؤدية الى اليسرى وفيه اشارة الى أن من طهر نفسه بالطاعة بالاقبال على الله والاعراض عن الدنيا واتقى فى عين تلك الطاعة عن نسبتها الى نفسه وصدق فى باطنه بالكلمة الحسنى فسنيسره للخصلة اليسرى وهى الوصول الى حضرتنا العليا وسرادقاتنا الكبرى .(17/293)
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)
{ واما من بخل } اى بماله فلم يبذله فى سبيل الخير والبخل امساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه ويقابله الجود { واستغنى } زهد فيما عنده تعالى اى لم يرغب كأنه مستغن عنه فلم يتق او استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخر فلم يتق فيكون الاستغناء مستتبعا لعدم الاتقاء الذى هو مقابل الاتقاء فى الآية الاولى وبه يحصل التقابل بينهما .(17/294)
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)
{ وكذب بالحسنى } اى ما ذكر من المعانى المتلازمة .(17/295)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)
{ فسنيسره للعسرى } اى فسنهيئه للخصلة المؤدية الى لاعسر والشدة كدخول النار ومقدماته لاختياره لها وبالفارسية بس مهيا كردانيم مرورا براى صفتى كه مؤديى بدشوارى ومحنت بود يعمى كردارى كه اورا بدوزخ برد .
ولعل تصدير القسمين بالاعطاء والبخل مع أن كلا منهما ادنى رتبة مما بعدهما فى استتباع التيسير لليسرى والتيسر للعسرى للايذان بان كلا منهما اصيل فيما ذكر لانتمة لما بعدها من التصديق والتقوى والتكذيب والاستغناء والظاهر أن السين للدلالة على الجزآء الموعود بمقابلة الطاعة والمعصية وهو يكون فى الآخرة التى هى امر متراخ منتظر فادخلت السين وهى حرف التراخى ليدل بذلك عى أن الوعد آجل غير حاضر كذا فى بعض التفاسير وفيه اشارة الى أن من بخل فى نفسه بالطاعة والعبادة الروحية والسرية والقلبية واستغنى عن الاقبال علينا وكذب بالحسنى التى اعطيناها اياه من سلامة الاعضاء والجوارح والجاه والمال فسنيسره للعسرى وهى البعد عنا والطرد واللعن ودخول نار الحجاب .(17/296)
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)
{ وما يغنى عنه ماله } اى شيأ من العذاب فالمفعول محذوف او اى شئ يغنى عنه ماله الذى يبخل به اى لا يغنى شيأ فما مفعول يغنى والاستفهام للانكار { اذا تردى } اى هلك ومات تفعل من الردى للمبالغة والردى كالعصا وهو الهلاك قال الراغب الردى الهلاك والتردى التعرض للهلاك انتهى او تردى وسقط فى الحفرة اذا قبر او تردى فى قعر جهنم فالمال الذى ينتفع به الانسان فى الآخرة وقت حاجته هو الذى اعطى حقوقه وقدمه دون الذى بخل به وتركه لوارثه وفيه اشارة الى أنه اذا تردى وتصدى لمخالفتنا وموافقته الطبيعة البشرية اى شئ له يخلصه من غضبنا وقهرنا عند نجلينا له بصورة القهر والنقمة .(17/297)
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)
{ ان علينا للهدى } استئناف مقرر لما قبله اى ان علينا بموجب قضائنا المبنى على الحكم البالغة حيث خلقنا الخلق للعبادة ان نبين لهم طريق الهدى وما يؤدى اليه من طريق الضلال وما يؤدى اليه وقد فعلنا ذلك بما لا مزيد عليه حيث بينا حال من سلك كلا الطريقين ترغيبا وترهيبا ومن هنا تبين أن الهداية هى الدلالة على ما يوصل الى البغية لا الدلالة الموصلة اليها قطعا وان المراد بالوجوب المفهوم من على الوجوب بموجب القضاء ومقتضى الحكة فلا تكون الآية بظاهرها دليلا على وجوب الاصلح عليه تعالى كما يزعم المعتزلة قال القاشانى ان علينا للهدى بالارشاد الينا بنور العقل والحسن والجمع بين الادلة العقلية . والسمعية والتمكين على الاستدلال والاستبصار .(17/298)
وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13)
{ وان لنا للآخرة والاولى } اى التصرف الكلى فيهما كيفما نشاء من الافعال التى من جملتها ما وعدنا من التيسير لليسرى والتيسير للعسرى .(17/299)
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)
{ فانذرتكم } خوفتكم بالقرءآن وبالفارسية بس ببم كنم شمارا . اى يا اهل مكة { نارا } از آتشى كه { تلظى } زبانه زند وهو بحذف احدى التاءين من تتلظى ان تتلهب فان النار مؤنث وصفت به ولو كان ماضيا لقيل تلظت مع أن المراد بوصفها دوام التلظى بالفعل الاستمرارى وفى بعض التفاسير المراد من انذرتكم انشاء الانذار كقولهم بعت واشتريت او اخبار يراد به الانذار السابق فى مثل قوله تعالى فى سورة المدثر سأصليه سقر وما ادراك ما سقر لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر فانها اول سورة نزلت عند الاكثرين وهذا اشد تخويفا من أن يقال خوفوا واتقوا نارا تلظى .(17/300)
لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)
{ لا يصلاها } صليا لازما ولا يقاسى حرها { الا الاشقى } الزآئدة فى الشقاوة وهو الكافر فانه اشقى من الفاسق وفى كشف الاسرار يعنى الشقى والعرب تسمى الفاعل افعل فى كثير من كلامهم منه قوله تعالى وانتم الاعلون وقوله واتبعك الارذلون انتهى فالفاسق لا يصلاها صليا لازما ولا يدخلها دخولا ابديا وقد صرح به قوله تعالى { الذى كذب وتولى } اى كذب بالحق واعرض عن الطاعة وليس هذا الا الكافر .(17/301)
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)
{ وسيجنبها } اى سيبعد عنها بحيث لا يسمع حسيسها والفاعل النجنب المبعد هو الله وبالفارسية وزود بودكه دور كرده شوادازان آتش { الاتقى } المبالغ فى التقاء عن الكفر والمعاصى فلا يحوم حولها فضلا عن دخولها اوصليها الابدى واما من دونه ممن يتقى الكفر دون المعاصى فلا يحوم حولها فضلا عن دخولها او صليها الابدى واما من دون ممن يتقى الكفر دون المعاصى وهو المؤمن الشقى الفاسق الغير التائب فلا يبعد عنها هذا التبعيد بل يصلاها وان لم يذق ضدة حرها كما ذاق الكافر لكونه فى الطبقة الفوقانية من طبقات النار فذلك لا يستلزم صليها بالمعنى المذكور فلا يقدح فى الحصر السابق وفى كشف الاسرار الاتقى بمعنى التقى كالاشقى بمعنى الشقى قال الشاعر .
تمنى رجال ان اموات وان امت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
اى بواحد انتهى .(17/302)
الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)
{ الذى يؤتى ماله } يعطيه ويصرفه فى وجوه البر والحسنات { يتزكى } اما بدل من يؤتى داخل فى حكم الصلة لا محل له او فى حيز النصب على انه حال من ضمير يؤتى اى يطلب ان يكون عند الله زاكيا ناميا لا يريد به رياء ولا سمعة او متزكيا متطهرا من الذنوب ومن دنس البخل ووسخ الامساك .(17/303)
وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19)
{ وما لأحد عنده من نعمة تجزى } استئناف مقرر لكون ايتائه للتزكى خالصا لوجه الله اى ليس لاحد عنده نعمة ومنة من شأنها ان تجزى وتكافأ فيقصد بايتاء ما يؤتى مجازاتها .(17/304)
إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)
{ الا ابتغاء وجه ربه الاعلى } استثناء منقطع من نعمة لان ابتغاء وجه ربه ليس من جنس نعمة تجزى فالمعنى لكن فعل ذلك ابتغاء وجه ربه الاعلى اى لابتغاء ذاته وطلب رضاه فهو فى الحقيقة مفعول له وما آتى من المال مكافأة على نعمة سالفة فذلك يجرى مجرى ادآء الدين فلا يكون له دخل فى استحقاق مزيد الثواب وانما يستحق الثواب اذا كان فعله لاجل ان الله امره به وحثه عليه ومعنى الاعلى العلى الرفيه فوق خلقه بالقهر والغلبة كما قاله ابو الليث وقال القاشانى وصف الوجه الذى هو الذات الموجودة مع جميع الصفات بالاعلى لان لله تعالى بحسب كل اسم وجها يتجلى به لمن يدعوه بلسان حاله بذلك الاسم ويعبده باستعداده والوجه الاعلى هو الذى له بحسب اسمه الاعلى الشامل لجميع الاسماء وان جعلته وصفا لرب فالرب هو ذلك الاسم انتهى والآية نزلت فى حق ابى بكر الصديق رضى الله عنه حيث اشترى بلالا رضى الله عنه فى جماعة كعامر بن فهيرة واخيه وعبيد وزنيرة كسكينة وهى مملوكة رومية وابنتها ام عميس وامة بنى المؤمل والنهدية انتها وكانت زنيرة ضعيفة البصر فقال المشركون اذهب اللات والعزى بصرها لما خالفت دينهما فرد الله بصرها بعد ذلك وكان المشركون يؤذون هؤلاء المذكورين ليرتدوا عن الاسلام فاشتراهم ابو بكر فأعتقهم ولذلك قالوا المراد بالاشقى ابو جهل او أمية بن خلق .
در كشف الاسرار آورده كه اين سوره درباره دوكس است يكى اتقى كه بيشرو صديقانست يعنى ابو بكر رضى الله عنه ويكى اشقى كه بيشرو زنديقانست زاهل ضلالت يعنى ابو جهل ودر فاتحه اين سوره كه بشب وروز قسم ياد ميكند اشارتست بظلمت يكى ونورانيت ديكر يعنى درشب ضلالت كسىرا آن كمراهى نبودكه ابو جهل شقى را ودر روز دعوت هيجكس را ان نور هدايت ظاهر نشدكه ابن بكر تقى را
سر روشند لان صديق اعظم ... كه شد اقليم تصديقش مسلم
زمهرش روز دين را روشنايى ... بدو اهل يقين را آشنايى
آورده اندكه اميه بن خلف بلال را كه بنده او بود بانواع آزارها عذاب ميكرد تاز دين بركردد وهر زمان آتش محبت ربانى در باطن او افروخته تربود
آنجا كه منتهاى كمال ارادتست ... هرجندجوربيش محبت زيادتست
روز صديق ديدكه ايمه ويرا برخاك كرم افكنده بود وسنكهاى تفسيده بر سيه وى نهاده واودرين حال احد احد ميكفت يعنى يقول امية لا تزال هكذا حتى تموت او تكفر بمحمد وهو يقول احدا احد . ابو بكر را دل بروبسوخت وكفت اى اميه واى برتو اين دوست خدايرا جند عذاب كنى كفت اى ابا بكر اكردلت برو ميسوزداز منش بخر .(17/305)
وفى رواية مر النبى عليه السلام ببلال بن رباح الحبشى وهو يقول احد فقال عليه السلام « احد يعنى الله الاحد ينجيك » ثم قال لأبى بكر رضى الله عنه ان بلالا يعذب فى النار فعرف مراده عليه السلام فانصرف الى منزله فاخذ رطلا من ذهب ومضى به الى امية بن خلف فقال له اتبيعنى بلالا قال نعم فاشتراه وأعتقه فقال المشركون ما اعتقه ابو بكر الا ليدل كانت له عنده فنزلت وقال ابن مسعود رضى الله عنه وقد اشتراه ببرد وعشر اواق جمع اوقية وهى اربعون درهما وكان مدفونا تحت الحجارة فقالوا لو أبيت الا اوقية لبعناك فقال لو أنتم اتيتم الا بمائة اوقية لاشتريته بها وقيل كان عبدا لعبد الله بن جدعان سلح على اصنام قوى اى تغوط فشكوا اليه فوهبه لهم مع مائة من ابل قربانا لها فعذبوه فى الرمضاء اشد العذاب وفى رواية ابن المسيب بل ابتاعه من امية بلغام له اسمه نسطاس بكسر النون صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش وهو مشرك بعد ما حمله ابو بكر على السلام على ان يكون ماله له ( كما قال الكاشفى ) صديق رضى الله عنه كفت يا اميه بجند ميفروشى كفت عوض ميكننم آنرابه نسطاس رومى وآن غلامى بوداز ان صديق رضى الله عنه در هزار دينار استعداد داشت وصديق رضى الله عنه اورا كفته بودكه اكر ايمان آرى آن مال كه دارى بتو بخشم نسطاس مسلمان نمى شد ودل مبارك صديق رضى الله عنه از وملول بود جون اين كلمه از اميه شنيده غنيمت شمرده نسطاس را باتمام استعداد بداد وبلال را بستد وفى الحال باميد نواب اخروى آراد كرد وفى الحديث « يرحم الله ابا بكر زوجنى ابنته وحملنى الى دار الهجرة أعتق بلالا من ماله » وكان عمير بن الخطاب رضى الله عنه يقول بالا سيدنا ومولى سيدنا وهو نظير قوله عليه السلام « سلمان منا أهل البيت » فانظر الى شرف التقوىة كيف ادخل الموالى فى الاشراف ولا تغتر بالنسب المرجد فانه خارج عن حد الاتصاف وقال السهيلى رحمه الله قال لابى بكر رضى الله عنه ابوهلو اشتريت من له نجدة وقوة فيتعصب لك وينفعك كان اجدى من ابتياع الضعفة واعتاقهم فأنزل الله هذه الآية وفهم مما ذكر أن اعلى الاعطاء فضيلة ما يكون لرضى الله واوسطه ما يكون لعوض اخروى وادناه ما يكون لغرض دنيوى مباح واما ما يكون للرياء والسمعة او ليغر ذلك مما ليس بمباح فهو أخس واقبح وقوله عليه السلام « من صنع اليكم معروفا فكافئوه فان لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له » يدل على ان المكافأة مشروعة ممدوحة لكنها ليست بدرجة ابتغاء المرضاة .(17/306)
وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
{ ولسوف يرضى } حواب قسم مضمراى وبالهل لسوف يرضى ذلك الاتقى الموصوف بما ذكر وبالفارسية وزود باشدكه خشنود كردد . وهو وعد كريم بنيل جميع ما يبتغيه على اكمل الوجوه واجملها اذ به يتحقق الرضى قال بعضهم اى يرضى الله عنه ويرضى هو بما يعطيه الله فى الآخرة من الجنة والكرامة والزلفى جزآء على ما فعل ولم ينزل هذا الوعد الا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله ولسوف يعطيك ربك فترضى ولابى بكر رضى الله عنه ههنا قال البقلى هذا الرضى لا يكون من المعارف حتى يفنى فى المعروف ويتصف بصفاته حتى يكون نعته فى الرضى نعت الحق سبحانه وتعالى .(17/307)
وَالضُّحَى (1)
{ والضحى } هو وقت ارتفاع الشمس وصدر النهار اريد بالضحى الوقت المذكورعلى المجاز بعلاقة الحلول والظرفية فان الزمان ظرف لما فيه او على تقدير المضاف وذلك التجوز او الحذف ليناسب الليل قالوا تخصيصه بالاقسام به لانها الساعة التى كلم الله فيها موسى عليه السلام وألقى فيها السحرة سجدا لقوله تعالى وان يحشر الناس ضحى فكان له بذلك شرف ومناسبة بحال المقسم لاجله وصلاة الضحى سنة بالاتفاق ووقتها اذا علت الشمس الى قبيل وقت الزوال وهى عند ابى حنيفة ركعتان او اربع بتسليمة وعند مالك لا تنحصر وعند الشافعى واحمد أقلها ركعتان واختف فى اكثرها فقال الشافعى ثنتا عشرة وقال احمد ثمان وهو الذى عليه الاكثرون من اصحاب الشافعى وصححة النوورى فى التحقيق وقد صح ان النبى عليه السلام صلى صلاة الضحى يوم فتح مكة ثمانى ركعات وهو فى بيت امهانئ وكان يصلى صلاة الضحى قبل ذلك ايضا .(17/308)
وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
{ والليل } اى وجنس الليل قال ابن خالويه هو نسق على الضحى لا قسم لانه يصلح ان يقع فى موضع الواو ثم او الفاء بأن يقال ثم الليل مثلا وثم لا يكون قسما { اذا سجا } اى سكن أهله على المجاز من قبيل اسناد الفعل الى زمانه اوركد ظلامه واستقر وتناهى فلا يزداد بعد ذلك يعنى ان سكون ظلامه عبارة عن عدم تغيره بالاشتداد والتنزل وذلك حين اشتد ظلامه وكمل فيستقر زمانا ثم يشرع فى التنزل فاسناد سكون الظلمة الكائنة اليه مجاز أيضا يقال سجا البحر سجوا اذا سكنت امواجه وليلة ساجية ساكنة الريح وقيل معناه سكون الناس والاصوات وعن جعفر الصادق رضى الله عنه ان المراد بالضحى هو الضحى الذى كلم الله فيه موسى وبالليل ليلة المعراج . وصاحب كشف الاسرار كفته مراد از ررز وشب كشف وحجابست كه نشانه نسيم لطف وسموم قهر بود وعلامه انوار جمال وآثار جلال . كما قال الجنيد قدس سره والضحى مقام الشهود والليل اذا سجا مقام الغين الذى قال عليه السلام فيه « انه ليغان على قلبى » يا شارستست بروشنى وروى حضرت مصطفى عليه السلام وكنايتست از سياهى موى وى
والضحى رمزى زروى همجو ماه مصطفى ... معنئ والليل كيسوى سياه مصطفى
ويقيم الليل فى السورة المتقدمة باعتبار الاصل لان النهار انما يحدث بطلوع السير وبغروبه يعود الهوآء على حالته الاصلية ولذا قدم الظلمة فى قوله وجعل الظلمات والنور وتقديم النهار باعتبار الشرف الذاتى والعارضى فان قيل ما السبب فى انه ذكر الضحى وهو ساعة من النهار وذكر الليل بكليته اجيب بأنه وان كان ساعة من النهار لكنه يوازى جميع الليل كما ان محمدا عليه السلام يوازى جميع الانبياء عليهم السلام وبأن النهار ووقت السرور والراحة والليل وقت الوحشة والغم فهو اشارة الى ان هموم الدنيا اكثر من سرورها فان الضحى ساعة والليل له ساعات ( روى ) ان الله تعالى لما خلق العرش اظلت غمامة سودآء عن يساره ونادت ماذا امطر فاجيبت أن امطرى الهموم والاحزان مائة سنة ثم انكشفت فامرت مرة اخرى بذلك وهكذا الى تمام ثلاثمائة سنة ثم بعد ذلك اظلت عن يمين العرش غمامة بيضاء ونادت ما امطر فأجيبت ان امطرى السرور ساعة فلهذا السبب ترى الغموم والاحزان دآئمةكثيرة والسرور قليلا نادرا .(17/309)
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)
{ ما ودعك ربك } جواب القسم والتوديع مبالغة فى الوداع وهو الترك لان من ودعك مفارقا فقد بالغ فى تركك والوداع هو الاعلام بالفراق وقال الراغب اصل التوديع من الدعة وهو أن يدعو للمسافر بأني يتحمل الله عنه كآية السفر وان يبلغه الدعة والخفض كما ان التسليم دعاء له بالسلامة فصار ذلك متعارفا فى تشييع المسافر وتركه وعبر به عن الترك فى الآية والمعنى ما قطعك قطع المودع وما تركك بالحط عن درجة الوحى والقرب والكرامة ففيه استعارة تبعية واشارة الى ان الرب لا يترك المربوب { وما قلى } اى وما ابغضك والابغاض دشمن داشتن . والقلى شدة البغض يقال قلا زيدا يقلوه ابغضه من القلو وهو الرمى كما يقال قلت الناقة براكبها رمت به فكان المقلو هو الذى يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله وقلاه وقليه يقليه ويقلاه ابغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه او قلاه فى الهجر وقليه فى البغض كما فى القاموس فمن جعله من اليائى فمن قليت البسر والسويق على المقلى كما فى المفردات ولعل عطف وما قلى من عطف السبب على المسبب لافادة التعليل وحذفت الكاف من قلاك لدلالة الكلام عليه ولمراعاة الفواصل ( روى ) ان الوحى تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر يوما لتركه الاستثناء وذلك ان مشركى قريش ارسلوا الى يهود المدينة وسألوهم عن امر محمد عليه السلام فقالت لهم اليهود سلوه عن اصحاب الكهف وعن قصة ذى القرنين وعن الروح فان اخبركم عن قصة أهل الكهف وقصة ذى القرنين ولم يخبركم عن امر الروح فاعلموا انه صادق فجاءه المشركون وسألوه عنها فقال عليه السلام لهم « ارجعوا سأخبركم غدا » ولم يقل ان شاء الله فاحتبس الوحى عنه اياما فقال المشركون ان محمدا ودعه ربه وقلاه اى ان جبريل ابطأ فشكا عليه السلام ذلك الى خديجة فقالت خديجة لعل ربك قد قلاك فنزل جبريل بقوله تعالى ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله فاخبره بما سئل عنه وقد سبق فى سورة الكهف ونزل ايضا بقوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى ردا على المشركين وتبشيرا له عليه السلام بأن الحبيب لا يقلى الحبيب وانه تعالى يواصله بالوحى والكرامة فى الدنيا مع ان ما سيؤتيه فى الآخرة اجل واعظم من ذلك كما تنبئ عنه الآية الآتية ( وروى ) ان جروا دخل البيت فدخل تحت السرير فمات فمكث نبى الله اياما لا ينزل عليه الوحى فقال لخادمته « خوله يا خوله ما حدث فى بيتى ان جبريل لا يأتينى » قالت خولة فكنست البيت فأهويت بالمكنسة تحت السرير فاذا جرو ميت فأخذته فالقيته خلف الجدار فجاه نبى الله ترتعد لحياه وكان اذا نزل عليه الوحى استقبلته الرعدة فقال(17/310)
« يا خولة دثرينى » فانزل الله هذه السورة فلما نزل جبريل سأله النبى عليه السلام عن سبب تأخيره فقال اما علمت انا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة وقيل غير ذلك وفيه اشارة الى انه عليه السلام وقع منه ما هو ترك الاولى ولذا لم يكن ممقوتا ولا مبغوضا وانما احتبس عند الوحى للتربية والارشاد وفى التأويلات النجمية ما ودعك ربك بقطع فيض النبوة والرسالة عن ظاهرك وما قلى بقطع فيض الولاية عن باطنك .(17/311)
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)
{ وللآخرة خير لك من الاولى } لما انها باقية صافية عن الشوآئب على الاطلاق والاولى اى الدنيا لانها خلقت قبل الآخرة فانية مشوبة بالمضار فالمراد بالآخرة والاولى كراماتهما واللام فى وللآخرة لام الابتدآء المؤكدة لمضمون الجمة وفى التأويلات النجمية يعنى احوال نهايتك أفضل وأكمل من افعال بدايتك كما اخبر بقوله اليوم اكلمت لكم دينكم الآية لانه صلى الله عليه وسلم لا يزال يطير بجناحى الشريعة والطريقة فى جو سماء السير ويترقى فى مقامات القرب والكرامة وهكذا حال ورثته .(17/312)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)
{ ولسوف يعطيك ربك } اللام للابتدآء دخلت الخبر لتأكيد مضمون الجملة والمبتدأ محذوف تقديره ولانت سوف يعطيك ربك لان لام الابتدآء لا تدخل الاعلى الجملة الاسمية ليست للقسم لانها لا تدخل على المضارع الا مع النون المؤكدة وجمعها مع سول للدلالة على ان الاعطاء كائن لا محالة وان تراخى لحكمة يعنى ان لام الابتدآء لما تجردت للدلالة على التأكيد وكانت السين تدل على التأخير والتنفيس حصل من اجتماعهما ان العطاء المتأخر لحكمة كائن لا محالة وكانت اللام لتأكيد الحكم المقترن بالاستقبال { فترضى } ما تعطاه مما يطمئن به قلبك يعنى شندان عطارارزانى داردكه توكيى بس ومن راضى شدم . وهو نسق على ما قبله بالفاء والآية عدة كريمة شاملة لما اعطاه الله فى الدنيا من كمال النفس وعلوم الاولين والأآخرين وظهور الامر واعلاء الدين بالفتوحات والاسلام فى مشارق الارض ومغاربها ولما ادخر له من الكرامات التى لا يعلمها الا الله تعالى وقد انبأ عن سمة منها قوله عليه السلام « لى فى الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابها المسك » ودر هر كوشكى ازخدم وحور ونعم وامتعه وآنجه لايق آن بود .
روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على فاطمة رضى الله عنها وعليها كساء من وبر الابل وهى تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عيناه لما ابصرها فقال يابنتاه تعجلى مرارة الدنيا الحلاوة الآخرة فقد انزل الله ولسوف يعطيك ربك فترضى .
اما محمد باقر رضى الله عنه در كوفه مى فرموده كه أهل عراق شما ميكوييد كه اميد وارتريت آيتى ازقرآن اينست كه لا تقنطوا من رحمه الله وما أهل البيت برآنيم كه اميد دآيت ولسوف يعطيك ربك فترضى بيشترست يعنى ارجى آية عند أهل البيت هذه الآية جه رسول الله صلى الله عليه وسلم راضى نشود كه يكى ازامت وى دردوزخ باشد
نماند بدوزخ كسى دركرو ... كه دارد جو توسيدى بيشرو
عطاى شفاعت جنانش دهند ... كه امت تمامى زدوزخ رهند
وفى الحديث « اشفع لامتى حتى ينادى لى ارضيت يا محمد فاقول رب قد رضيت » وقال الفهرى ومما يرضيه فيه بعد اخراج كل مؤمن ان لا يسوءه فى امه وبيه وان منع الاستغفار لهما واذن له فى زيارة قبرهما فى وقت دون وقت لانهما من أهل الفترة وقال سبحانه وما كانا معذبين حتى نبعث رسولا ومن لم يقنعه هذا فحظ المؤمن منهما الوقف فيهما وان لا يحكم عليها بنار الابيض كتاب او سنة او اجماع الامة بخلاف ما ثبت فى عمله ابى طالب انتهى كالمه فى التفسير المسعى بفتح الرحمن وقال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر اقمت بمدينة قرطبة بمشهد فأرانى الله اعيان رسله من لدن آدم الى نبينا عليه وعليهم السلام فخاطبنى منهم هود عليه السلام واخبرنى بسبب جمعيتهم وهو أنهم اجتمعوا اشفعاء للحلاج الى نبينا محمد عليه السلام وذلك انه كان قد اساء الادب بأن قال فى حياته الدنيوية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم همته دون منصبه قبل له ولم ذلك قال لان الله تعالى قال ولسوف يعطيك ربك فترضى فكان من حقه ان لا يرضى الا يقبل الله شفاعته فى كل كافر ومؤمن لكنه ما قال الا شفاعتى لاهل الكبائر من امتى فلما صدر منه هذا القول جاءه رسول الله فى واقعته وقال له(17/313)
« يا منصور أنت الذى انكرت على فى الشفاعة » فقال يا رسول الله قد كان ذلك قال « ألم تسمع انى قد حكيت عن ربى عز وجل اذا احببت عبدا كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا » فقال بلى يا رسول الله قال « فاذا كنت حبيب الله كان هو لسانى القائل فاذا هو الشافع والمشفوع اليه وانا عدم فى وجوده فاى عتاب على يا منصور » فقال يا رسول الله انا تائب من قولى هذا فما كفارة ذنبى قال « قرب نفسك لله قربانا » قال فكيف قال « اقتل نفسك بسيف شريعتى » فكان من امره ما كان ثم قال هود عليه السلام وهو من حيث فارق الدنيا محجوب عن رسول الله والآن هذه الجمعية لاجل الشفاعة له اليه صلى الله عليه وسلم وكانت المدة بين مفارقته الدنيا وبين الجمعية المذكورة اكثر من ثلاثمائة سنة قال بعض العارفين الحقيقة المحمدية أصل مادة كل حقيقة ظهرت ومظهرها أصل مادة كل حقيقة تكونت واليه يرجع الامر كله قال تعالى ولسوف يرضى ولا يكون رضاه الا بعود ما تفرق منه اليه فأهل الجمال يجتمعون عند جماله بالعطاء عوضا عن المعطى فيقول لا فقيل له وانك لعلى خلق عظيم اى على همة جليلة اذ لم يؤثر فيك شئ من الاكوان ولا يرضيك شئ منها وقان بعضهم كم بين من يتكلف ليرضىربه وبين من يعطيه ربه ليرضى وقال القاشانى ولسوف يعطيك ربك الوجود الحقانى لهداية الخلق والدعوة الى الحق بعد الفناء الصرف فترضى به حيث ما رضيت بالوجود البشرى والرضى لا يكون الا حال الوجود وفى التأويلات النجمية اى يظهر عليك بالفعل ما فى قوة استعداك من انواع الكمالات الذاتية واصناف الكرامات الصفاتية والاسمائية(17/314)
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)
{ الم يجدك يتيما } مات ابواك { فآوى } جواب ألم او نسق قاله ابن خالويه اى قد وجدك ربك والوجود بمعنى العلم ويتيما مفعوله الثانى اى الم يعلمك الله يتيما فجعل لك مأوى تأوى اليه يقال أوى فلان الى منزلة يأوى أويا على فعول رجع ولجأ وآويته انا ايواء والمآوى كل مكان يأوى اليه شئ ليلا او نهارا اى يرجع وينزل ويجوز ان يكون الوجود بمعنى المصادفة ويتيما حال من مفعوله يعنى على المجاز بان يجعل تعلق العلم الوقوعى الحالى مصادفة والا فحقيقة المصادفة لا تمكن فى حقه تعالى ( روى ) أن اباه عبد الله ابن عبد المطلب مات وهو عليه السلام جنين قد اتت عليه سنة اشهر وماتت امه وهو ابن ثمان سنين فكفله عمه ابو طالب عطفه الله عليه فأحسن تربيته وذلك ايوآؤه وقال بعضهم لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مع جده عبد المطلب ومع آمنة فهلكت امه آمنة وهو ابن ست سنين ثم مات جده بعد امه بسنتين ورسول الله ابن ثمان سنين ولما شرف جده عبد المطلب على الموت اوصى به عليه السلام ابا طالب لأن عبد الله وابا طالب كانا من ام واحدة فكان ابو طالبه و الذى تكفل رسول الله الى ان بعثه الله للنبوة بنصره مدة مديدة ثم توفى ابو طالب نفال المشركون منه عليه السلام ما لم ينالوا فى زمان ابى طالب اى آذوه وكان عليه السلام يقول كنت يتيما فى الصغر وغريبا فى الكبر وكان يجب الايتام ويحسن اليهم وفى الحديث « من ضم يتيما وكان نفقته وكفاه مؤونته كان له حجاب من النار ومن مسح برأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة » وانما جعله الله يتيما لئلا يسبق على قلب بشر ان الذى نال من العز والشرف والاستيلاء كان عن تظاهر نسب او توارث مال او نحو ذلك وفى التأويلات النجمية الم يجدك يتيما اى رآك يتيما فآواك الى صدف النبوة ومشكاة الولاية . بس كه غواص قدم درتك درياى عدم . غطوه زد تابكف آورد جنين دريتيم . يا ديد ترا كوهرى يكلنه كه بكمال قابليت ازهمه كائنات منفرد بودى وبقطع علاقة نسبت ازماسوى متوحد ترامتمن ساخته در حضرت احديت جمع كه مقام خاض تست . وفى الكشاف ومن بديع التفاسير أنه من قولهم درة يتيمة وان المعنى الم يجدك واحدا فى قريش عديم النظير اى فى العز والشرف فآواك فى دار اعدآئك فكنت بين القوم معصوما محروسا .(17/315)
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)
{ ووجدك ضالا } معنى الضلال فقدان الشرآئع والخلو عن الاحكام التى لا يهتدى اليها العقول بل طريقها السماع كما فى قوله تعالى ما كنت تدرى ما الكتاب يعنى راه نيافته بودى باحكام وشرآئع .
واليه يؤول معنى الغيبوبة فان ضل يجيئ بمعنى غاب كما فى قوله شربت الاثم حتى ضل عقلى . اى شربت الخمر حتى غاب عقلى وغلب قال الراغب يقال الضلال لكل عدول عن المنهج عمدا كان او سهوا يسيرا كان او كثيرا ولذا نسبت الضلال الى الانبياء والى الكفار وان كان بين الضلالين بون بعيد ألا ترى أنه قال فى النبى عليه السلام ووجدك ضالا فهدى اى غير مهتد لما سبق اليك من النبوة وقال فعلتها اذا وانا من الضالين وقال انا ابانا لفى ضلال مبين تنبيها على ان ذلك منهم سهو انتهى هذا واحذر عن الاساءة فى العبارة { فهدى } اى فهداك الى مناهج الشرآئع فى تضاعيف ما اوحى اليك من الكتاب المبين وعلمك ما لم تكن تعلم قدم هذا الامتنان على الاخير لان ابتدآءه بعد زمان اليتيم وقت التكليف فانه عليه السلام كان موفقا للنظر الصحيح حينئذ ولهذا لم يعبد صنما قط ولم يأت بفاحشة وفى الاسئلة المقحمة معناه ووجدك بين ضالين فهداهم بك فعلى هذا يكون الضلال صفة قومه يقال رجل ضعيف اذا ضعف قومه وفى التأويلات النجمية اى متحير فى نيته الالوهية فهدى الى كمال المعرفة بالصحة بعد المحو والسكر والضلال الحيرة كما قال انك لفى ضلالك القديم وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان النبى عليه السلام ضل فى شعاب مكة حال صباه وكان عبد المطلب يطلبه ويقول متعلقا باستار الكعبة
يا رب فاردد ولدى محمد ... ردا الى واصطنععندى يدا
فوجده ابو جهل فرده الى عبد المطلب فمن الله عليه حيث خلصه على يدى عدوه فكان فى ذلك نظير موسى عليه السلام حين التقط فرعون تابوته ليكون له عدوا وحزنا وقيل غير ذلك .(17/316)
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)
{ ووجدك عائلا } اى فقيرا يؤبده ما فى مصحف عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عديما يقال عال يعيل عيلا وعيلة افتقر اى فاغناك بمال خديجة رضى الله عنها او بما افاء عليه من الغنائم حتى كان عليه السلام يهب المائة من الابل وفى الحديث « جعل رزقى تحت ظل رمحى » وفيه اشارة الى أنه عليه السلام لو كان متمولا من اول الامر لكان يسبق الى بعض الاوهام انه انما وجد العز والغلبة بسبب المال فلما علا كل العلو على الاغنياء والملوك علم أنه كان من جهة الحق وقيل قنعك واغنى قلبك قال عليه السلام « ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى انفس ولذا قال الراغب اى ازال عنك فقر النفس وجعل لك الغنى الاكبر المعنى بقوله عليه السلام الغنى غنى النفس وقيل ما عال مقتصد اى ما افتقر وفى التأويلات النجمية اى فقيرا فانيا عن انيتك وانانيتك بحسب استعدادك القديم فاغنى بالبقاء بوجوده وجوده واسمائه وصفاته انتهى فالفقر الحقيقى هو التخلى عما سوى الله وبذل الوجود وما يتبعه وهو الذى وقع الافتخار به قال الامام القشيرى رحمه الله اغناء الله عبادة على قسمين فمنهم من يغنيهم بتنمية اموالهم وهم العوام وهو غنى مجازى ومنهم من يغنيهم بتصفية احوالهم وهم الخواص وهو الغنى الحقيقى لأن احتياج الخلق الى همة صاحب الحال اكثر من احتياجهم الى نعمة صاحب المال ثم المراد من تعداد هذه النعم ليس الامتنان بل تقوية قلبه عليه السلام للاطمئنان بعد التوديع .(17/317)
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)
{ فاما اليتيم } منصوب بقوله { فلا تقهر } والفاء سببية ليست بمعانعة قال الرضى يتقدم المفعول به على الفعل ان كان المنصوب معمولا لما يلى الفاء التى فى جواب اما اذا لم يكن له منصوب سواه نحو قوله فاما اليتيم فلا تقهر لأنه لا بد من نائب مناب الشرط المحذوف بعد اما والقهر الغلبة والتذليل معا ويستعمل فى كل واحد منهما قال الراغب قوله فلا تقهر اى لا تذلله وقال غيره فلا تغلبه على ماله وحقه لضعفه .
وقدر ايشان بشناس كه شربت يتيمى جشيده . وكانت العرب تأخذ اموال اليتامة وتظلمهم حقوقهم وفى الحديث « اذا بكى اليتيم وقعت دموعه فى كف الرحمن فيقول من ابكى هذا اليتيم الذى واريت والده تحت الثرى من اسكته اى ارضاه فله الجنة »
الا تانكويد كه عرش عظيم ... بلرزد همى جون بكريد يتيم
وقال مجاهد لا تحتقر فان له ربا ينصره وقرئ فلا تكهر اى فلا تعبس فى وجهه وفى التأويلات النجمية اى لا تقهر يتيم نفسك بكثرة الرياضة والمجاهدة من الجوع والسهر فان نفسك معطيتك وان لنفسك عليك حقا كما قال طه ما انزلنا عليك القرءآن لتشقى .(17/318)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)
{ واما السائل فلا تنهر } النهر والانتهار الزجر بمغالظة اى فلا تزجر ولا تغلظ له القول بل رده ردا جميلا يعنى بانك بروى مزن ومحروم مساركه دردبى نوايى وتنكدستى كشيده . وهذا الثانى بمقابلة الاخير وهو ووجدك عائلا فأغنى لمراعاة الفواصل والآية بينة لجميع الخلق لأن كل واحد من الناس كان فقيرا فى الاصل فاذا انعم الله عليه وجب ان يعرف حق الفقرآء .
نه خواهنده بر درديكران ... بشكرانه خواهنده ازدرمران
قال ابراهيم بن ادهم قدس سره القوم السؤال يحملون زادنا الى الآخرة وقال ابراهيم النخعى السائل يريد الآخرة يجيئ الى باب احدكم فيقول اتبعثون الى اهليكم بشئ ( وروى ) ان عثمان بن عفان رضى الله عنه اهدى الى رسول الله عليه السلام عنقود عنب فجاء سائل فاعطاه ثم اشتراه عثمان بدرهم وقدمه الى رسول الله ثانيا ثم عاد السائل فاعطاه ففعل ذلك ثالث فقال النبى عليه السلام ملاطفا للسائل لا غضبان « أسائل انت يا فلان ام تاجر » فنزلت واما السائل فلا تنهر وهو احد وجوه احتباس الوحى هذا على أن السؤال بمعنى طلب الحاجة من الحوائج الدنيوية وجوز ان يكون من التفتيش عن الامور الدينية وفى الحديث « من كتم علما يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار » وهذا الوعيد يشمل حبس الكتب عمن يطلبها للانتفاع وفى التأويلات النجمية اى لا تنهر سائل قلبك عن الاستغراق فى بعض الاوقات فى بحر الحقيقة لاستراحته بذلك من اعباء تكاليف الانبياء بقولك عند ذلك الاستغراق والاستهلاك يا حميرآء كليمينى .(17/319)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
{ واما بنعمة ربك فحدث } فان تحديث العبد واخباره بنعمة الله شكر باللسان وتذكير للغير وفى الحديث « التحدث بالنعم شكر » واريد بالنعمة ما افاضه الله عليه صلى الله عليه وسلم من النعم الموجودة منها والموعودة وحيث كان معظم النعم نعمة النبوة فقد اندرج تحت الامر هدايته عليه السلام لاهل الضلال وتعليمه للشرآئع والحاكم حسبما هداه الله وعلمه من الكتاب والحكمة . صاحب فتوحات قدس سره آورده كه نعمت جيزيست محبوب بالذات ومنعم دراغلب شكور وميباشد بس حق سبحانه وتعالى حبيب خودرا برمودكه از نعمت من سخن كوبى كه خلق محتاجند ومحتاج جون ذكر منعم شنود بدوميل كند واورا دوست دارد بس بجهنت تحدث بنعمت من خلق را دوست من كردانى ومن ايشانرا دوست ميدارم وهذا الثالث بمقابلة الثانى وهو قوله ووجدك ضالا فهدى اخر لمراعاة الفواصل وان التحلية وهو التحديث بنعمة الله بعد التخلية وهو لا تقهر ولا تنهر وكرر أما لوقوعها فى مقابلة ثلاث آيات قال فى الكواشى رأى بعض التحدث بنعم الله من الطاعات مع امن الرياء وغائلة النفس وطلب الاقتدآء به وكرهه بعض خوف الفتنة وفى عين المعانى قال عليه السلام « التحدث بالنعم شكر وتركه كفر » واما الحديث الآخر « عليكم بكتمان النعم فان كل ذى نعمة محسود » يعنى عن الحسود لا غير وفى الاشباه اى رجل ينبغى له اخفاه اخراج الزكاة عن بعض دون بعض فقل المريض اذا خاف من ورثته يخرجها سرا عنهم واى رجل يستحب له اخفاؤها فقل الخائف من الظلمة لا يعلمون كثرة ماله وقال ابن عطية فى الآية حديث به نفسك اى لا تنس فضله عليك قديما وحديثا واذا جاز تحديث النعم الظاهرة جاز تحديث النعم الباطنة من الكرامات والمخاطبات ونحو ذلك وفى التأويلات النجمية اذكر شكر نعمة النبوة على ظاهر نفسك ونعمة الرسالة على باطن قلبك ونعمة الولاية على سرك ونعمة البقاء بعد الفناء على روحك وهو معنى سورة والضحى والليل اذا سجا فافهم وهذا السورة وسورة الانشراح درتان يتيمتان غاليتان لما فيهما من الحكم والمعارف ولذا كانتا هما وسورة النصر من سور الكمل من الاولياء ولما نزلت سورة الضحى كبر صلى الله عليه وسلم فرحا بنزول الوحى فصار سنة الله اكبر اولا اله الا الله والله اكبر كما فى الكواشى وقال فى انسان العيون لما نزلت السورة المذكورة كبر عليه السلام فرحا بنزول الوحى واستمر عليه السلام لا يجاهر قومه بالدعوة حتى نزل واما بنعمة ربك فحدث فعند ذلك كبر عليه السلام ايضا وكان ذلك سببا للتكبير فى افتتاح السورة التى بعدها وفى ختمها الى آخر القرءآن وعن ابى بن كعب رضى الله عنه أنه قرأ كذلك على النبى عليه السلام بعد امره له بذلك وانه كان كلما ختم سورة وقف وقفة ثم قال الله اكبر هذا وقيل أن اول ابتدآؤه من آخر سورة الضحى الى آخر قل اعوذ برب الناس والاتيان بالتكبير فى الاول والآخر جمع بين الروايتين الرواية التى جاءت بانه يكبر فى اول السورة المذكورة والرواية الاخرى أنه يكبر فى آخرها ونقل عن الشافعى رحمه الله انه قال لآخر اذا تركت التبكير من الضحى الى الحمد فى الصلاة وخارجها فقط تركت سنة من سنن نبيك عليه السلام لكن فى كلامك الحافظ ابن كثير ولم يرد ذلك اى التكبير عند نزول سورة الضحى باسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف وفى فتح الرحمن صح التكبير عن اهل مكة قرآئهم وعلمائهم وصح ايضا عن ابى جعفر وابى عمر ووورد عن سائر القرآ عند الختم وهو سنة مأثورة عن النبى عليه السلام وعن الصحابة والتابعين فى الصلاة وخارجها لكن من فعله فحسن ومن لم يفعله فلا خرج عليه واما ابتدآؤه فاختلف فيه فروى أنه من اول الم نشرح وروى أنه من اول الضحى واختف ايضا فى انتهائه فروى أن انتهاءه آخر سورة الناس وروى اولها وقد ثبت نصه عن الامامين الشافعى واحمد رحمهما الله ولم يستحبه الحنابلة لقرآءة غير ابن كثير ولم اطلع على نص فى ذلك لأبى حنيفة ومالك رحمهما الله ولفظه الله اكفر فى رواية البزى ونبل وروى عنهم التهليل قبل التكبير ولفظه لا اله الا الله والله اكبر والوجهان عنهما صحيحان جيدان مشهوران مستعملان وفى صفة التكبير فى رواية ابن كثير بين كل سورتين اربعة عشر وجها الاول قطعه عن آخر السورة ووصله بالبسملة ووصل البسملة باول السورة الآتية وهو ولسوف يرضى قف الله اكبر صل بسم الله الرحمن الرحيم صل والضحى والثانى قطعه عن آخر السورة ووصله بالبسملة والوقوف على البسملة ثم الابتدآء باول السورة وهو ولسوف يرضى قف الله اكبر صل بسم الله الرحمن الرحيم صل والضحى والرابع وصله بآخر السورة والقطع عن البسملة وهو ولسوف يرضى صل الله اكبر قف بسم الله الرحمن الرحيم قف والضحى والخامس قطع التكبير عن آخر السورة وعن البسملة ووصل البسملة بأول السورة وهو ولسوف يرضى قف الله اكبر قف بسم الله الرحمن الرحيم صل والضحى والسادس وصل التكبير بآخر السورة والبسملة وبأول السورة وهو ولسوف يرضى صل الله اكبر صل بسم الله الرحمن الرحيم صل والضحى والسبع قطع الجميع اى قطع التكبير عن السورة الماضية وعن البسملة وقطع البسملة عن الاسورة الآتية وهو ولسوف يرضى قف الله اكبر قف بسم الله الرحمن الرحيم قف والضحى فهذه السبعة صفته مع التكبير ويأتى مع التهليل مثل ذلك وبقى وجه لا يجوز وهو وصل التكبير بآخر السورة وبالبسملة مع القطع عليها وهو ولسوف يرضى الله ابكر بسم الله الرحمن الرحيم بالوصل فى الجميع ثم يسكت على البسملة ثم يبتدئ والضحى فهذا ممتنع اجماعا لان البسملة لاول السورة فلا يجوز أن تجعل منفصلة عنها متصلة بآخر السورة قبلها .(17/320)
واعلى أن القارئ اذا وصل التكبير بآخر السورة فان كان آخرها ساكنا كسرة للساكنين نحو فحدث الله اكبر وفارغب الله اكبر وان كان منونا كسره ايضا للساكنين سوآء كان الحرف المنون مفتوحا او مضموما او مكسورا نحو توابا الهل اكبر ولخبير الله اكبر ومن مسد الله اكبر وان كان آخر السورة مفتوحا فتحه وان كان مكسورا كسره وان كان مضموما ضمه نحو قوله اذا حسد الله اكبر والناس الله اكبر والا بترالله اكبر وشبهه وان كان آخر السورة هاء كناية موصولة بواو حذف صلتها للساكنين نحو ربه الله اكبر وشرايره الله ابكر واسقط الف الوصل التى فى اول اسم الله فى جميع ذلك استغناء عنها الكل فى فتح الرحمن لكل المواضع منها ينبغى ان يقطع عن التكبير حذرا من الابهام وان كان مقتضى القياس الوصل نحو الا بترالله اكبر وحسد الله اكبر .(17/321)
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)
{ الم نشرح لك صدرك } قال الراغب الشرح بسط اللحم ونحوه يقال شرحت اللحم وشرحته ومنه شرح الصدر بنور الهى وسكينة من جهة الله وروح منه وشرح المشكل من الكلام بسطه واظهار مايخفى من معانيه انتهى وفى الحديث اذا دخل النور فى القلب انشرح اى عاين القلب وانفسح اى احتمل البلاء وحفظ سر الربوبية كما قال موسى عليه السلام رب اشررح لى صدرى اى وضع قلبى حتى لا يضيق بسفاهة المعاندين ولجاجهم بل يحتمل اذا هم وزيادة لك للايذان بان الشرح من منافعه ومصالحه عليه السلام وانكار النفى اثبات اى عدم شرحنا لك صدرك منفى بل قد شرحنا لك صدرك وفسحناه حتى حوى عالم الغيب والشهادة بين ملكتى الاستفادة والافادة فما صدرك الملابسة بالعلائق الجسمانية عن اقتباس انوار الملكات الروحانية وما عاقك التعلق بمصالح الخلق عن الاستغراق فى شؤون الحق اى لم تحتجب لا بالحق عن الخلق ولا بالخلق عن الحق بل كنت جامعا بين الجمع والفرق حاضرا غائبا وفى التأويلات النجمية يشير الى انفساح صدر قلبه بنور النبوة وحمل همومها بواسطة دعوة الثقلين وانشراح صدر سره بضياء الرسالة واحتمال مكاره الكفار واهل النفاق وانبساط صدر نوره باشعة الولاية وتحققه بالعلوم اللدنية والحكم الالهة والمعارف الربانية والحقائق الرحمانية واما شرح الصدر الصورى فقد وقع مرارا مرة وهو ابن خمس اوست لاخراج مغمز الشيطان وهو الدم الاسود الذى به يمل القلب الى المعاصى ويعرض عن الطاعات ةمرة عند ابتدآء الوحى ومرة ليلة المعراج در حديث آمده كه شب معراج جبريل مرا تكيه داد واز بالاى سينه تاناف من بشكافت وميكائيل طشتى از آب زمزم آورده ودرون سينه وعروق حلق مرايدان آب بشتند وجبرئيل دل مرابيرون آورده بشكافت وبشست ودر آخر طشتى ازطلا مملو ازحكمت وايمان آوردند ودل مرا ازان بر ساختند وبرجاى او نهادند ونقلى هست كه بخاتمى ازنور مهر كرد جنانجه اثر راحت ولذت آن هنوز درعروق ومفاصل خودمى يابم . لم خزانة اسرار بود ودست قضا . درش به بست وكليدش بدلستانى داد . ومن هنا قال المشايخ لا بد للطالب فى ابتدآء امره ان يشتغل بذكر لا اله الا الله بحيث يبدأ من الجانب الايمن للصدر ويضرب بالاعلى الجانب الايسر منه ينتقض به العلقة التى هى حظ الشيطان ومنبع الشهوات النفسانية مقدارا بعد مقدار ويمتلئ النور مقام ما ينتقض منها وربما قاء دما اسود رقيقا لانحلاله بحرارة التوحيد وذوبانه بنار الذكر وهو من صفات الكمل فبدوام الذكر ينشرح الصدر وينفتح القلب .(17/322)
وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)
{ ووضعنا عنك وزرك } اى حططنا واسقطنا عنك حملك الثقيل وعنك متعلق بوضعنا وتقديمه على المفعول الصريح للقصد الى تعجيل المسرة والتشويق الى المؤخر .(17/323)
الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)
{ الذى انقض ظهرك } اى حمله على النقيض وهو صوت الانتقاض والانفكاك كما يسمع من الرحل المتداعى الى النتقاض من ثقل الحمل وبالفارسية آن بارى كه كران ساخت بشت تراكما قال فى تاج المصادر الانقاض كران كردن . وفى المفردات كسره حتى صار له نقيض وفى القاموس اثقله حتى جعله تقضا اى مهزولا او اثقله حتى سمع نقيضه وفى بعض التفاسير ثقل عليك ثقلا شديدا فان انقاض الحمل الظهر انما يكون بمعنى تصويت الرحل الذى عليه وهو يكون بثقل الحمل وتأثيره المفضى الى انحراف بعض اجزآء الرحل عن محالها وحصول الصوت بذلك فيه انتهى مثل به حاله عليه السلام مما كان يثقل عليه ويغمه من فرطاته قبل النبوة او من عدم احاطته بتفاصيل الاحكام والشرآئع ومن تهالكه على اسلام المعاندين من قومه وتلهفه ووضعه عند مغفرته كما قال ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وتعليم الشرائع وتمهيد عذره بعد أن بلغ وبالغ وقد يجعل قوله ووضعنا عنك وزرك كناية عن عصمته من الذنوب وتطهيره من الادناس فيكون كقوله القائل رفعنا عنك مشقة الزيارة لمن لم يصدر عنه زيارة قط على سبل المبالغة فى انتفاء الزيارة منه له .(17/324)
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
{ ورفعنا لك ذكرك } بعنوان النبوة واحكامها اى رفع حيث قرن اسمه باسم الله فى كلمة الشهادة والاذان والاقامة وفيه يقول حسان ابن ثابت
اغر عليه للنبوة خاتم ... من الله مشهور يلوح ويشهد
وضم الاله اسم النبى الى اسمه ... اذا قال فى الخمس المؤذن اشهد
وجعل طاعته طاعته تعالى وصلى عليه هو وملائكته وامر المؤمنين بالصلاة عليه وسمى رسول الله ونبى الله وغير ذلك من الالقاب المشرفة .
وذو النون المصرى قدس سره فرمود رفعت ذكر اشارة بآنست كه همم انبيا عليهم السلام بر حوالئ عرش جولان مى نمودند وطاهر همت آن حضرت عليه السلام برواز ميكرد .
سيمرغ فهم هيجكس ازانبيا نرفت ... آنجاكه تو ببال كرامت بريده
هريك بقدر خويش بجابى رسيده اند ... انجاكه جاى نيست بجاى رسيده(17/325)
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)
{ قال مع العسر يسرا } تقرير لما قبله ووعد كريم بتيسير كل عسير له عليه السلام وللمؤمنين فاللام للاستغراق قال فى الكشاف فان قلت كيف تعلق قوله فان مع العسر يسرا بما قبله قلت كان المشركون يعيرون رسول الله والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى سبق الى وهمه أنهم رغبوا عن الاسلام لافتقار اهله واحتقارهم فذكره فذكره ما انعم الله به عليه من جلائل النعم ثم قال فان مع العسر الخ كأنه قيل خولناك من جلائل النعم فكن على ثقة بفضل الله ولطفه فان مع العسر يسرا كثيرا وفى كلمة مع اشعار بغاية سرعة مجيئ اليسر كأنه مقارن للعسر والا فالظاهر ذكر كلمة المعاقبة الاداة المصاحبة لأن الضدين لا يجتمعان بل يتعاقبان
ان مع العسر جو يسرش قفاست ... شاد برآنم كه كلام خداست
وقال بعضهم هذا عند العامة واما عند الخاصة فالمعية حقيقية كما قيل
برجانم ازتوهرجه رسد جاى منت است ... كرناوك جفاست وكر خنجر ستم
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر هى معية امتزاج لا معية مقارنة ولا تعاقب ولذلك كررها فلولا وجود اليسر فى العسر لم يبق عسر لعموم الهلاك ولولا وجود العسر فى اليسر لم يبق يسر وبضدها تتبين الاشياء ثم ان العسر يؤول كله الى اليسر فقد سبقت الرحمة الغضب وذلك عناية من الله فان ذلك قد يكون مصقلة وجلاء لقلوب الاكابر وتوسعة لاستعدادهم فتتسع لتجلى الحضرة الالهية وكما أن حظهم من الملائم اوفر فكذلك غير الملائم قال عليه السلام اشد الناس بلاء الانبياء ثم الاولياء ثم الامثل فالامثل ولذلك قال تعالى ادعونى استجب لكم وقال عليه السلام « ان الله يحب الملحين فى الدعاء » وفى تعريف العسر وتنكير اليسر اشارة لطيفة الى أن الدنيا دار العسر فالعسر عند السامع معلوم معهود واليسر مجهول منهم .(17/326)
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)
{ ان مع العسر يسرا } تكرير للتأكيد او عدة مستأنفة بأن العسر مشفوع بيسر آخر كثواب لآخرة كقولك ان للصائم فرحتين اى فرحة عند الافطار وفرحة عند لقاء الرب وعليه قوله عليه السلام « لن يغلب عسر يسرين » اى لن يغلب عسر الدنيا يسرى الدنيا والآخرة فان المعرف اذا اعيد يكون الثانى عين الاول سوآء كان معهودا او جنسا واما المنكر فيحتمل ان يراد بالثانى فرد مغاير لما اريد بالاول قال ابن الملك فى شرح المنار المعرفة اذا اعبدت معرفة كانت الثانية عين الاولى كالعسرين فى قوله تعالى قال مع الخ وهو معنى قول ابن عباس رضى الله عنهما لن يغلب عسر يسرين قال فخر الاسلام فى جعل الآية من هذا القبيل نظر لأنها لا يحتمل هذا المعنى كما لا يحتمل قولنا ان مع الفارس رمحا ان مع الفارس رمحا أن يكون معه رمحان بل هذا من باب التأكيد فان قلت فاذا حمل على التأكيد فما وجه قول ابن عباس رضى الله عنهما قلت كأنه قصد باليسرين ما فى قوله يسرا من معنى التفخيم فيتناول يسر الدارين وذلك يسران فى الحقيقة انتهى قال بعضهم ان مع عسر المجاهدة يسر المشاهدة ومع عسر الانفصال يسر الاتصال ومع عسر القبض يسر البسط والعسر الواحد هو الحجاب واليسران كشف الحجاب ورفع العتاب .(17/327)
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)
{ فاذا فرغت } اى من التبليغ او من المصالح المهمة الدنيوية { فالنصب } النصب محركة التعب اى فاجتهد فى العبادة واتعب شكرا لما اوليناك من النعم السالفة ووعدناك من الآلاء الآتية وبه ارتبطت الآية بما قبلها ويجوز ان يقال فاذا فرغت من تلقى الوحى فانصب فى تبليغه وقال الحسن رحمه الله اذا كنت صحيحا فاجعل فراغك نصبا فى العبادة كما روى أن شريحا مر برجلين يتصارعان وآخر فارغ فقال ما امر بهذا انما قال الله فاذا فرغت فانصب وقعود الرجل فارغا من غير شغل او اشتغاله بما لا يعنيه فى دينه او دنياه من سفه الرأى وسخافة العقل واستيلاء الغفلة وعن عمر رضى الله عنه انى لأكره أن ارى احدكم فارغا سهلا لا فى عمل دنياه ولا فى عمل آخرته فلا بد للمرء ان يكون فى عمل مشروع دآئما فاذا فرغ من عمل اتبعه بعمل آخر وقال قتادة والضحاك فاذا فرغت من الصلاة فانصب فى الدعاء . وابو مدين مغربى قدس سره درتأويل اين آيت فرموده كه جون فارغ شوى از مشاهده اكوان نصب كن دل خودرابراى مشاهدة جمال رحمن .
قال فى الكشاف ومن البدع ما روى عن بعض الرافضة أنه قرأ فانصب بكسر الصاد اى فانصب عليا للامامة ولو صح هذا للرافضة لصح للناصى أن يقرأ هكذا ويجعله امرا بالنصب الى هو بغض على وعداوته .(17/328)
وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
{ والى ربك } وحده { فارغب } اصل الرغبة السعة فى الشئ يراد بها السعة فى الارادة فاذا قيل رغب فيه واليه يقتضى الحرص عليه واذا قبل رغب عنه اقتضى صرف الرغبة عنه والزهد فيه وفى القاموس رغب فيه كسمع رغبا ويضم رغبة اراده وعنه لم يرده اليه رغبا محركة ابتهل او هو الضراعة والمسألة والمعنى فارغب بالسؤال ولا تسأل غيره فانه القادرعلى اسعافك لا غيره . وسخن تو بدركاه قرب مقبولست ودعوات طبت تو در محل قبول .
جو مقصود كون ومكان جودتست ... خدا ميدهد آنجه مقصود تست
وعن بعض الاكابر ألم نشرح لك صدرك برفع غطاء انيتك وكشف حجاب اثنينيتك عن حقيقة احديتنا ووجه صمديتنا ووضعنا عنك ذنب وجودك الذى انقض ظهرك فؤادك بان نطلعك على فناء وجودك الصورى الظلى وبقاء وجودنا الحقيقى العينى ورفعنا لك ذكرك بافنائك فينا وابقائك بنا الى مرتفع الخطاب الوارد فى شأنك بقولنا ان الى ربك المنتهى اى منتهى جميع الارباب الاسماء الالهية فكذلك اليك منتهى كافة المربوبين الحقائق الكونية وبذلك الرفع كنت سيد الكل فارض بالقضاء واصبر على البلاء واشكر على النعماء فان مع عسر الابتلاء بالبلايا المؤدى الى اضطراب صدرك يسر الامتلاء بالعطايا المفضى الى اطمئنان روحك ان مع العسر يسرا البتة اذ هكذا جرت سنتنا مع كل عبد ولن تجد لسنتنا تبديلا بأن يرتفع العسر جميعا ويصيير الكل يسرا او بالعكس فلا تلتفت الى اليسر والسرور فانه حجاب نورانى ولا الى العسر والالم فانه حجاب ظلمانى فاذا فرغت من اعطاء حق وارد كل وقت حاضر فانصب نفسك فى منصب اعطاء وارد كل وقت قابل اذا اتى يعنى فافعل ثانيا كما فعلت اولا وكن هكذا دآئما الى أن يأنيك اليقين والى ربك اى الى جلاله وجماله وكماله فارغب لا الى غيره من الامور والاحكام الواردة لعيك فى الاوقات لأن فى الرغبة والالفات الى غير الرب احتجابا عن الرب وسقوطا عن قرب الى بعد ومقامك لا يسع غير القرب والانس والحضور وعن طاووس وعمر بن عبد العزيز رحمهما الله انهما كانا يقولان ان الضحى وألم نشرح سورة واحدة فكانا يقرآنهما فى ركعة واحدة ولا يفصلان بينهما بالبسملة لأنهما رأيا أن اول الم نشرح مشاهبة لقوله الم يجدك الخ وليس كذلك لأن تلك حال اغتمامه عليه السلام بأذى الكفار فهى حال محنة وضيق وهذا حال انشراح الصدر وتطيب القلب فكيف يجتمعان .
ودر ليله معراج ندا آمدكه اى محمد بهواه تابخشيم رسول عليه السلام كفت خداوندا هر بيغمبرى ازتو عطايى يافت ابراهيم را خلت دادى باموسى بى واسطه سخن كفتى ادريس را بمكان عالى رسانيدى داودرا ملك عظيم دادى وزلت وى بيامرزيدى سليمانرا ملكى دادى كه بعد ازوى كن راسزاى آن ندادى عيسى را درشكم مادر توراة وانجيل در آموختى ومرده زنده كردن بردست وى آسان كردى وابراء اكمه وابرص مراودرا دادى جواب الهى آمدكه يا محمد اكر ابراهيم را خلت دادم ترا واكرا باموسى سخن كفتن بى واسطه لكن كوينده را نديد وباتو سخن ميكفتم بى حجاب وكوينده ديدى واكر ادريس را بآسمان رسانيدم ترا از آسمان بحضرت قلب قوسين او أدنى رسانيدم واكر داودرا ملك عظيم دادم وزلت وى بيامر زيدم امت ترا ملك قناعت دادم وكناهن ايشان بشفاعتت بيامرزيدم واكر سليمان مملكت دادم ترا سبع مثانى وقرآن عظيم دادم وخاتمه سوره بقره كه بهيج بيغمبر بجز توندادم ودعاهاى تودر آخر سورة البقره اجابت كردم واعطيتك الكوثر وترابسه خصلت براهل زمين وآسمان فضل دادم يكى الم نشرح لك صدرك ديكر ووضعنا عنك وزرك سوم ورفعنا لك ذكرك واعطيتك ثمانية اسهم الاسلام والهجرة والجهاد والصلاة والصدقة وصوم رمضان والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وارسلتك الى الناس كافة بشيرا ونذيرا وجعلتك فاتحا وخاتما وهذا السوق يشير الى السورة مدنية وفى بعض الروايات سألت ربى مسائل وددت انى لم سألها اياه قط فقلت اتخذت الخ وهو الظاهر وهذا يقتضى ان يكون مسألته عليه السلام من عند نفسه من غير ان يقول الله له سل تعط والله تعالى اعلم وفى الحديث(17/329)
« من قرأها اى سورة ألم نشرح فكأنما جاءنى وانا مغتم ففرج عنى »(17/330)
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)
{ والتين والزيتنون } هما هذا التين الذى يؤكل وهذا الزيتون الذى يعصر منه الزيت خصهما الله من بين الثمار بالاقسام بهما لاختصاصهما بخواص جليلة فان التين فاكهة طيبة لافضل له وغذآء لطيف سريع الهضم ودوآء كثير النفع يلين الطبع ويحلل البلغم ويطهر الكليتين ويزيل ما فى المثانة من الرمل ويسمى البدن ويفتح سدد الكبد والطحال وروى ابو ذر رضى الله عنه أنه اهدى للنبى عليه السلام سل من تين فاكل منه وقال لاصحابه كلوا فلو قلت ان فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذا الآن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فانها تقطع البواسير وتنفع من النقرس وعن على بن موسى الرضى رضى الله عنه التين يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو امان من الفالج قال الامام لما عصى آدم عليه السلام وفارقته ثيابه تستربورق التين ولما نزل وكان مترزا بورق التين استوحش فطافت الظباء حوله فاستأنس بها فاطعمها بعض ورق التين فرزقها الله الجمال صورة والملاحة معنى وغير دمها مسكا فلما تفرقت الظباء الى مساكنها رأى غيرها عليها من الجبال ما اعجبه فلما كان الغد جاءت ظباء آخر على اثر الاول فاطعمها من الورق فغير الله حالها الى الجمال دون المسك وذلك لأن الاولى جاءت الى آدم لاجله لا لأجل الطمع والطائفة الاخرى جاءت اليه ظاهرا وللطمع باطنا فلا جرم غير الظاهر دون الباطن وفى اسئلة الحكم فان قلت ما الحكمة فى أن سائر الاشجار يخرج ثمارها فى كمامها اولا ثم تظهر الثمرة من الكمام ثانيا وشجرة التين اول ما يبدو ثمرها يبدو بارزا من غير كمام قلت لأن آدم لم يستره الاشجرة التين فقال الله بعدما سترت آدم اخرج منك المعنى قبل الدعوى وسائر الاشجار يخرج منها الدعوى قبل المعنى قال فى خريدة العجائب اذا نثر رماد خشب التين فى البساتين هلك منه الدود ودخان التين يهرب منه البق والبعوض .
واما الزيتون فهو فاكهة وادام ودوآء ولو لم يكن له سوى اختصاصه بدهن كثير المنافع مع حصوله فى بقاع لا دهنية فيها كالجبال لكفى به فضلا وشجرته هى الشجرة المباركة المشهورة فى التنزيل ومر معاذ بن جبل رضى الله عنه بشجرة الزيتون فأخذ منها قضيبا واستاك به وقال سمعت النبى عليه السلام يقول نعم سواك الزيتون هو سواكى وساك الانبياء من قبلى وشجرة الزيتون تعمر ثلاثة آلاف سنة ومن خواصها أنها تصبر عن الماء طويلا كالنخل واذا لقط ثمرتها جنب فسدت والقت حملها وانتثر ورقها وينبغى ان تغرس فى المدر لكثرة الغار لان الغبار كلما علا على زيتونها زاد دسمه ونضجه ورماد ورقها ينفع العين كحلا ويقوم مقام التونيا وفى الحديث(17/331)
« عليكم بالزيت فانه يكشف المرة ويذهب البلغم ويشد العصب ويمنع الغشى ويحسن الخلق ويطيب النفس ويذهب الهم » قال الامام ان التين فى النوم رجل خير غنى فمن ناله فى المنام نال مالا وسعة ومن اكله رزقه الله اولادا ومن اخذ ورق الزيتون فى المنام استمسك بالعروة الوثقى وقال مريض لابن سيرين رأيت فى المنام كأنه قيل لى كل اللاءين تشفى فقال كل الزيتون فانه لا شرقية ولا غربية وقال الطبرى المراد بالتين الجبل الذى عليه دمشق يعنى جبل الصالحية ويسمى جبل قاسيون والزيتون وهو طور زيتا الجبل الذى يلى بيت المقدس من جهة المشرق وذلك أن التين ينبت كثيرا بدمش والزيتون بايليا .(17/332)
وَطُورِ سِينِينَ (2)
{ وطور سنين } هو الجبل الذى ناجى عليه موسى عليه السلام ربه قال الماوردى ليس كل جبل يقال له طور الا ان يكون فيه الاشجار والثمار والا فهو جبل فقط وسينين وسيناء علمان للموضع الذى هو فيه ولذلك اضيف اليهما ومعنى سينين بالسريانية ذو الشجر او حسن مبارك بلغة الحبشة وفى كشف الاسرار اصل سينين سيناء بفتح السين كسرها وانما قال ههنا سينين لأن تاج الآيات النون كما قال فى سورة الصافات سلام على الياسين وهو الياس فخرج على تاج آيات السورة .(17/333)
وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)
{ وهذا البلد الأمين } اى الآمن يقال امن الرجل بضم الميم امانة فهو أمين وهو مكة شرفها الله تعالى وامانتها أنها تحفظ من دخلها جاهلية واسلاما من قتل وسبى كما يحفظ الامين ما يؤتمن عليه ويجوز ان يكون فعيلا بمعنى مفعول بمعنى المأمون فيه على الحذف والايصال من امنه أنه مأمون الغوآئل والعاهات كما وصف بالامن فى قوله تعالى حرما آمنا بمعنى ذى امن وفى الحديث « من مات فى احد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا » ومعنى القسم بهذه الاشياء الابانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة بسكنى الانبياء والصالحين فمنبت التين والزيتون مهاجر ابراهيم ومولد عيسى ومنشأهما عليهما السلام والطور المكان الذىنودى فيه موسى عليه السلام ومكة مكان البيت الذى هو هدى للعالمين ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه . ودر بحر الحقائق آورده كى بزبان اشارة قسم است بشجره تينيه قلبيه كه مثمر ثمره علوم دينية بتجلئ الهى مجلى است وبلد امين خفى كه محل امن وامانست ازهجوم فات تعلقات اكوان .
يقول الفقير اشار بالتين الى علوم الحقيقة التى محلها السر الانسانى لأنها لذة صرفة ولذا قدمت لأنها المطلب الاعلى لتعلقها بذات الله وصفاته وافعاله وكما أن عمر شجرة التين قصير بالنسبة الى الزيتون فكذا عمر اهل الحقيقة غالبا اذ لا معنى للبقاء فى الدار الفانية بعد حصول المقصود الذى هو الحياة الباقية الا أن يكون لارشاد الناس واشار بالزيتون الى علوم الشريعة التى محلها النفس الانسانية فهى ليست بنعيم محض لأنه لا بد فى الشريعة من اتعاب النفس والقالب واشار بطور سينين الى الروح الذى هو محل المعارف الالهية ومقام المناجاة واشار بالبلد الامين الى مكة الوجود المشتملة على بيت القلب فانه أمن اهلها من اختطاف الشياطين ودخول شر الوسواس الخناس فيها والى الاعمال القالبية الحاصلة بالحواس والاعضاء فالقالب اخذ الشرف من القلب وهو من الروح وهو من السر فلذا كان الكل جديرا بالقسام به .(17/334)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
{ لقد خلقنا الانسان } اى جنس الانسان { فى أحسن تقويم } يقال قام انتصب وقام الامر اعتدل كاستقام وقومته عدلته كما فى القاموس والتقويم تصيير الشئ على ما ينغبى ان يكون عليه فى التأليف والتعديل وعن يحيى بن اكثمم القاضى أنه فسر التقويم بحسن الصورة فانه حكى أن ملك زمانه خلا بزوجته فى ليلة مقمرة فقال لها ان لم تكونى احسن من القمر فانت كذا فافتى الكل بالحنث الا يحيى بن اكثم قال لا يحنث فقالوا خالفت شيوخك فقال الفتوى بالعلم ولقد افتى من هو اعلم منا وهو الله تعالى قال لقد خلقنا الانسان فى احسن تقويم فالانسان احسن الاشياء ولا شئ احسن منه وفى المفردات هو اشارة الى ما خص به الانسان من بين الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة الدال على استبلائه على كل ما فى هذا العالم والمعنى كائنا فى احسن ما يكون من التقويم والتعديل صورة ومعنى حيث يراه تعالى مستوى القامة متناسب الاعضاء حسن الشكل كما قال وصوركم فاحسن صوركم اى صوركم احسن تصوير وكذا خلقه متصفا بالصفات الالهية من الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام التى هى الصورة الحقيقية الالهية المشار اليها بقوله عليه السلام « خلق الله ادم على صورته » وعليه يدور معنى قوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه فالانسان مظهر الجلال والجمال والكمال .(17/335)
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
{ ثم رددناه اسفل سافلين } اى جعلناه من اهل النار الذى هو اقبح من كل قبيح واسفل من كل سافل لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التى لو عمل بمقتضاها لكان فى اعلى عليين والحاصل انه حول بسوء حاله من احسن تقويم الى اقبح تقويم صورة ومعنى لأن مسخ الظاهر انما هو من مسخ الباطن فالمراد بالسافلين عصاة المؤمنين وافعل التفضيل هنا يتناول المتعدد المتفاوت واسفل سافلين اما حال من المفعول اى رددناه حال كونه اسفل سافلين او صفة لمكان محذوف اى رددناه الى مكان هو أسفل امكنة السافلين والاول اظهر ثم هذا بحسب بعض الافراد الانسانية لانغماسهم فى بحر الشهوات الحيوانية البهيمية وانهماكهم فى ظلمات اللذات الجسمانية الشيطانية والسبعية وفيه اشارة الى أن الاعتبار انما هو بالصورة الباطنة لا بالصورة الظاهرة ولذا قال الشيخ سعدى
ره راست بايدنه بالاى راست ... كه كافرهم ازروى صورت جماست
فكم من مصور على احسن الصور فى الظاهر وهو فى الباطن على اقبح الهيئات ولذا يجيئ الناس يوم القيامة افواجا فان صفاتهم الباطنة تظهر على صورهم الظاهرة فتتنوع صورهم بحسب صفاتهم على انواع وقيل رددناه الى ارذل العمر وهو الهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة كقوله تعالى ومن نعمره ننكسه فى الخلق اى نكسناه فى خلقه فتقوس ظهره بعد اعتداله وابيض شعره بعد سواده وكل سمعه وبصره وتغير كل شئ منه
دورسته درم دردهن داست جاى ... جوديوارى ازخشت سمين بباى
كنونم نكه كن بوقت سخن ... بيفتاده يك يك جو سوركهن
مراهمجنين جعد شبرنك بود ... قبا در براز نازكى تنك بود
درين غايتم رشد بايد كفن ... كه مويم جوبنبه است ودوكم بدن
قال فى عين المعانى ولم تدخل لام الجنس فى سافلين كما ورد فى مصحف عبد الله بن مسعود رضى الله عنه لأنه عنى اسفل الخرفين خاصة دون كل الناس من اهل الزمانة وفى كشف الاسرار السافلون هم الضعفاء من المرضى والزمنى والاطفار فالشيخ الكبي اسفل من هؤلاء جميعا .(17/336)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
{ الا الذين آمنوا } ايمانا صادقا { وعملوا الصالحات } المأمور بها والمأجور عليها وهو على الاول استثناء متصل من ضمير ثم رددناه فانه فى معنى الجمل وعلى الثانى منقطع اى لكن الذين كانوا صالحين من الهرمى قال ابو الليث معنى قوله الا الذين الخ يعنى لا يخرف ولا يذهب عقل من كان عالما عاملا وفى الحديث « طوبى لمن طال عمره وحسن عمله » وعن ابن عباس رضى الله عنهما من قرأ القرءآن لم يرد الى ارذل العمر { فلهم اجر } فى دار الكرامة لأنها المحل له ودخول الفاء لتضمن اسم لكن معنى الشرط وهو على الاول للتعليل اى بغير صورهم فى النار لأنهم مثابون فى الجنة { غير ممنون } غير منقطع على طاعتهم وصبرهم على الابتلاء بالشيخوخة والهرم وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة على ضعف نهوضهم وفى التيسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان العبد اذا مرض او سافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما كذا روى فى الهرم وفى تفسير ابى الليث روى عن النبى عليه السلام أنه قال « ان المؤمن اذا مات صعد الملكان الى السماء فيقولان ان عبدك فلان قد مات فائذن لنا حتى نعبدك على السماء فيقول الله ان سمواتى مملوءة بملائكتى ولكن اذهبا الى قبره واكتبا حسناته الى يوم القيامة » ويجوز ان يكون المعنى غير ممنون به عليهم كما سبق فى آخر سورة الانشقاق .(17/337)
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)
{ فما يكذبك بعد بالدين } بعد مبنى على الضم لحذف المضاف اليه ونيته والاستفهام مشعر بالتعجب اى فاى شئ يكذبك يا محمد دلالة او نطقا بالجزآء بعد ظهور هذه الدلائل الناطقة به اى ينبسك الى الكذب بسبب اثباتك الجزآء واخبارك عن البعث والمراد الآلة الدالة على كمال القدرة فان من خلق الانسان السوى من الماء المهين وجعل ظاهره وباطنه على احسن تقويم ودرجه فى مراتب الزيادة الى ان استكمل واستوى ثم نكسه الى ان بلغ الى ارذل العمر لا شك أنه قادر على البعث والجزآء او فما يجعلك ايها الانسان كاذبا بسب الدين وانكاره بعد هذا الدليل يعنى انك تكذب اذا كذبت بالجزآء لأن كل مكذب للحق فهو كاذب وحاصله أن خلق الانسان من نطفة وتقويمه بشرا سويا وتحويله من حال الى حال كمالا ونقصانا من اوضح دليل على قدرة الله تعالى على البعث والجزآء فأى شئ يضطرك بعد هذا الدليل القاطع الى ان تكون كاذبا بسبب تكذيبه ايها الانسان .(17/338)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)
{ أليس الله باحكم الحاكمين } اى أليس الذى فعل ما ذكر باحكم الحاكمين صنعا وتدبير حتى يتوهم عدم الاعادة والجزآء اى أليس ذلك بابلغ اتقانا للامور من كل متقن اذ الحاكم هو المتقن للامور ويلزمه كونه تام القدرة كامل العلم وحيث استحال عدم كونه احكم الحاكمين تعين الاعادة والجزآء او المعنى أليس الله باقضى القاضين يحكم بينك وبين من يكذبك بالحق والعدل يقال حكم بينهم اى قضى فالآية وعيد للمكذبين وانه يحكم عليهم بما هم اهله وكان عليه السلام اذا قرأها يقول « بلى وانا على ذلك من الشاهدين » يعنى خارج الصلاة كما فى عين المعانى ويأمر بذلك ايضا قال « من قرأ اليس الله باحكم الحاكمين فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين » ومن قرأ هذه السورة اعطاه الله خصلتين العافية واليقين مادام فى الدنيا ويعطى من الاجر بعدد من قرأها .(17/339)
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
{ اقرأ } اى ما يوحى اليك يا محمد فان الامر بالقرآءة يقتضى المقروء قطعا وحيث لم يعين وجب ان يكون ذلك ما يتصل بالام حتما سوآء كانت السورة اول ما نزل ام لا فليس فيه تكليف ما لا يطاق سوآء دل الامر على الفور ام لا والاقرب أن هذا الى قوله ما لم يعلم اول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم على ما دلت عليه الاحاديث الصحيحة والخلاف انما هو فى تمام السورة عن عائشة رضى الله عنها اول ما ابتدئ به رسول الله عليه السلام من النبوة حين اراد الله به كرامته ورحمة العباد به الرؤيا الصالحة كان لا يرى رؤيا الا جاءت كفلق الصبح اى كضيائه ونارته فلا يشك فيها احد كما لا يشك فى وضح ضياء الصبح وانما ابتدئ عليه السلام بالرؤيا لئلا يفجأه الملك الذى هو جبريل بالرسالة فلا تتحملها القوة البشرية لانهما لا تحتمل رؤية الملك وان لم يكن على صورته الاصلية ولا على سماع صوته ولا على ما يخبر به فكانت الرؤيا تأنيسا له وكانت مدة الرؤيا ستة اشهر على على ما هو ادنى الحمل ثم جاءه الملك فعبر من عالم الرؤيا الى عالم المثال ولذا قال الصوفية ان الحاجة الى التعبير انما هى فى مرتبة النفس الامارة واللوامة واذا وصل السالك الى النفس الملهمة كما قال تعالى فألهمها فجورها وتقواها قل احتياجه الى التعبير لأنه حينئذ يكون ملهما من الله تعالى فمرتبة الالهام له كمرتبة مجيئ الملك للرسول عليه السلام فاذا كانت مدة الريا ذلك العدد يكون ابتدآؤها فى شهر ربيع الاول وهو مولده عليه السلام ثم اوحى اليه فى اليقظة فى شهر رمضان وكان عليه السلام فى تلك المدة اذا خلا يسمع ندآء يا محمد يا محمد ويرى نورا اى يقظة وكان يخشى ان يكون الذى يناديه تابعا من الجن كما ينادى الكهنة وكان فى جبل حرآء غار وهو الجبل الذى نادى رسول الله بقوله الى يا رسول الله لما قال له ثبير وهو على ظهره اهبط عنى يا رسول الله فانى اخاف ان تقتل على ظهرى وكان عليه السلام يتعبد فى ذلك الغار ليالى ثلاثا وسبعا وشهرا ويتزود لذلك من الكعك والزيت وذلك فى تلك المدة وقبلها واول من تعبد فيه من قريش جده عبد المطلب ثم تبعه سائر المتألهين وهم ابو امية بن المغيرة وورقة بن نوفل ونحوهما وكان وقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى بن قصى بن عم خديجة رضى الله عنهما وكان قد قرأ الكتب وكتب الكتاب العبرى وكان شيخا كبيرا قد عمى فى اوآخر عمره ثم لما بلغ عليه السلام رأس الاربعين ودخلت ليلة سبع عشرة من شهر رمضان جاءه الملك وهو فى الغار كما قال المام الصرصرى رحمه الله(17/340)
واتت عليه أربعون فاشرقت ... شمس النبوة منه فى رمضان
قالت عائشة رضى الله عنها جاءه الملك سحره يوم الاثنين فقال اقرأ قال ما انا بقارئ قال فأخذنى فغطنى اى ضمنى وعصرنى ثم ارسلنى فعله ثلاث مرات ثم قال اقرأ الى قوله مالم يعلم واخذ منه القاضى شريح من التابعين ان المعلم لا يضرب الصبى على تعليم القرءآن اكثر من ثلاث ضربات فخرج عليه السلام من الغار حتى اذا كان فى جانب من الجبل سمع صوتا يقول يا محمد انت رسول الله وانا جبريل ورجع الى خديجة يرجف فؤآده فحدثها بما جرى فقالت له ابشر يا ابن عمى واثبت فوالذى نفسى بيده انى لارجو أن تكون نبى هذه الامة ثم انطلقت الى ورقة فاخبرته بذلك فقال فيه
فان يك حقا يا خديجة فاعلمى ... حديثك ايانا فاحمد مرسل
وجبريل يأتيه وميكال معهما ... من الله وحى يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز عزا لدينه ... ويشقى به الغاوى الشقى المضلل
فريقان منهم فرقة فى جنانه ... واخرى باغلال الجحيم تغلل
ومكث عليه السلام مدة لا يرى جبريل وانما كان كذلك ليذهب عنه ما كان يجده من الرعب وليحصل له التشوق الى العود وكانت مدة الفترة اى فترة الوحى بين اقرأ وبين يا ايها المدثر وتوفى ورقة فى هذه الفترة دفن الحجون وقد آمن به عليه السلام وصدقه قبل الدعو التى هى الرسالة ولذا قال عليه السلام « لقد رأيته فى الجنة وعليه ثياب الحرير » ثم نزل يا ايها المدثر قم فانذر فظهر الفرق بين النبوة والرسالة قال بعض العارفين اهل الارداة فى الطلب والمراد مطلوب وهو نعت الحبيب ألا ترا أنه لما قيل له اقرأ استقبله الامر من غير طلب ونظيره الم نشرح لك صدرك فانه فرق بينه وبين قول موسى رب اشرح له صدرى { باسم ربك } متعلق بمضمر هو حال من ضمير الفاعل اى اقرأ ملتبسا باسم الله تعالى اى مبتدئا به ليتحقق مقارنته لجميع اجزآء المقروء اى قل بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ فعلم أن اقرأ باسم ربك نزلت من غير بسملة وقد صرح بذلك الامام البخارى رحمه الله امره بذلك لأن ذكر اسم الله قوة له فى القرآءة وانس بمولاه فان النس بالاسم يفضى الى الانس بالمسمى والذكر باللسان يؤدى الى الذكر بالجنان والباء فى باسم بره تعالى على على المؤمنين بانواع الكرامات فى الدارين والسين كونه سميعا لدعاء الخلق جميعا والميم معناه من العرش الى تحت الثرى ملكه وملكه وفى الكواشى دخلت الباء فى اقرأ بسم ربك لتدلعلى الملازمة والتكرير كأخذت بالخطام ولو قلت اخذت الخطام لم يدل على التكرير والجوام وفى كتاب شمس المعارف اول آية نزلت على وجه الارض بسم الله الرحمن الرحيم يعنى على آدم الصفى عليه السلام فقال آم الآن علمت أن ذريتى لا تعذب بالنار ما دامت عليها ثم انزلت على ابراهيم عليه السلام فى المنجنيق فانجاه الله بها من النار ثم على موسى عليه السلام فقهر بها فرعون وجنوده ثم على سليمان عليه السلام فقالت الملائكة الآن والله قد تم ملكك فهى آية الرحمة والامان لرسوله واممهم ولما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سورة النمل انه من سلمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم كانت فتحا عظيما فأمر رسول الله فكتبت على رؤوس السور وظهور الدفاتر واوآئل الرسائل وحلف رب العزة بعزته ان لا يسميه عبد مؤمن على شئ الا بورك له فيه وكانت لقائلها حجابا من النار وهى تسعة عشر حرفا تدفع تسعة عشرة زبانية وفى الخبر النبوى لووضعت السموات والارضون وما فيهن وما بينهن فى كفة والبسملة فى كفة لرجحت عليها يعنى البسملة { الذى خلق } وصف الرب به لتذكير اول النعماء الفائضة عليه منه تعالى والتنبيه على أن من قدر على خلق الانسان على ما هو عليه من الحياة وما يتبعها من الكمالات العلمية والعملية من ماد للم تشم رائحة الحياة فضلا عن سائر الكمالات قادر على تعليم القرآءة للحى العالم المتكلم اى الذى له الخلق والمستأثر به لا خالق سواه فيكون خلق منزل منزلة اللازم وبه يتم مرام المقام لدلالته على أن ك خلق مختص به او خلق كل شئ فيكون من حذف المفعول للدلالة على التعميم وقال فى فتح الرحمن لما ذكر الرب وكانت العرب فى الجاهلية تسمى الاصنام اربابا جاء بالصفة التى لا شركة للاصنام فبها فقال الذى خلق .(17/341)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
{ خلق الانسان } على الاول تخصيص لخلق الانسان بالذكر من بين سائر المخلوقات لاستقلاله ببدآئع الصنع والتدبير وعلى الثانى افراد للانسان من بين سائر المخوقات بالبيان وتفخيم لشأنه اذ هو اشرفهم وعليه نزل التنزيل وهو المأمور بالقرآءة ويجوز أن يراد بالفعل الاول ايضا خلق الانسان ويقصد بتجريده عن المفهوم الابهام ثم التفسير روما لتخفيم فطرته { من علق } جمع علقة كثمر وثمرة وهى الدم الجامد واذا جرى فهو المسفوح اى دم جامد رطب يعلق بما مر عليه لبيان كمال قدرته تعالى باظهار ما بين حالته الاولى والآخرة من التباين البين وايراده بلفظ الجمع حيث لم يقل علقة بناء على أن الانسان فى معنى الجمع لأن الالف فيه للاستغراق لمراعاة الفواصل ولعله هو السر فى تخصيصه بالذكر من بين سائر اطوار الفطرة الانسانية مع كون النطفة والتراب ادل منه على كمال القدرة لكونهما ابعد منه بالنسبة الى الانسانية ولما كان خلق الانسان اول النعم الفائضة عليه منه تعالى واقوم الدلائل الدالة على وجوده تعالى وكماله قدرته وعلمه وحكمته وصف ذاته تعالى بذلك اولا ليستشهد عليه السلام به على تمكينه تعالى من القرءآة وفى حواشى ابن الشيه ان الحكيم سبحانه لما اراد أن يبعثه رسولا الى المشركين لو قال له اقرأ باسم ربك الذى لا شريك له لابوا أن يقبلوا ذلك منه لكنه تعالى قدم فى ذلك مقدمة تجلئهم الى الاعتراف به حيث امر رسوله أن يقول لهم انهم هم الذين خلقوا منالعلقة ولا يمكنهم انكاره ثم أن يقول لهم لا بد للفعل من فاعل فلا يمكنهم ان يضيفوا ذلك الفعل الى الوثن لعلمهم بأنهم نحتوه فبهذا التدريج يقرون بأنى انا المستحق للثناء دون دون الاوثان لاءن الالهية موقوفة على الخالقية ومن لم يخلق شيأ كيف يكون الهاء مستحقا للعبادة ومن هذه الطريقة ما يحكى أن زفر لما بعثه ابو حنيفة رحمه الله الى البصرة لتقرير مذهبه فيهم فوصل اليهم وذكر ابا حنيفة منعوه ولم يلتفتوا اليه فرجع الى ابى حنيفة لتقرير بذلك فقال له ابو حنيفة انك لم تعرف طريق التبليغ لكن ارجع اليهم واذكر فى المسألة اقاويل ائمتهم ثم بين ضعفها ثم قل بعد ذلك ههنا قول اخر فاذكر قولى وحجتى فاذا تمكن ذلك فى قلبهم فقل هذا قول ابى حنيفة فانهم حينئذ يستحسنونه فلا يردونه .(17/342)
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)
{ اقرأ } اى افعل ما امرت به وكرر علامة الامر بالقرآءة تأكيدا للايجاب وتمهيدا لما يعقبه من قوله تعالى { وربك الاكرم } الخ فانه كلام مستأنف ولذا وضع السجاوندى علامة الوقف الجائز على خلق وارد لازاحة ما بينه عليه السلام من العذر بقوله « ما انا بقارئ » يريد أن القرآءة شأن من يكتب ويقرأ وانا امى فقيل له وربك الذى امرك بالقرآءة متبدئا باسمه وهو الاكرم اى الزآئد فى الكرم على كل كريم فانه ينعم بلا غرض ولا يطلب مدحا او ثوابا او تخلصا من المذمة ايضا أن كل كريم انما اخذ الكرم منه فكيف يساوى الاصل وقال ابن الشيخ ربك مبتدأ والاكرم صفته والذى مع صلته خبر .(17/343)
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)
{ الذى علم بالقلم } اى علم ما علم بواسطة القلم لا غيره فكما علم القارئ بواسطة الكتابة والقلم يعلمك بدونهما وقال بعضهم علم الخط بالقلم والقلم ما يكتب به لأنه يقلم ويقص ويقطع وفيه امتنان على الانسان بتعليم علم الخط وزالكتابة بالقلم ولذلك قيل العلم صيد والكتابة قيده وقيل
وما من كاتب الا سيبلى ... ويبقى الدهر ما كتبت بداه
فلا تكتب بكفك غير شئ ... يسرك فى القيامة ان تراه
ولولا القلم ما استقامت امور الدين والدنيا وفيه اشارة الى القلم الاعلى الذى هو اول موجود وهو الروح النبوى عليه السلام فان الله علم القلب بواسطته ما لم يعلم من العلوم التفصيلية قال كعب الاحبار اول من وضع الكتاب العربى والسريانى والكتب كلها آدم عليه السلام قبل موته بثلاثمائة سنة كتبها فى الطين ثم طبخه فاستخرج ادريس ما كتب آدم وهذا هو الاصح واما اول من كتب خط الرمل فادريس عليه السلام واول من كتب بالفارسية طهمورث ثالث ملوك الفرس واول من اتخذ القراطيس يوسف عليه السلام قال السيوطى رحمه الله اول ما خلق الله القلم قال له لاكتب ما هو كائن الى يوم القيامة واول ما كتب القلم انا التواب اتوب على من تاب قال بعضهم وجه المناسبة بين الخلق من العلق وتعليم القلم أن ادنى مراتب الانسان كونه علقة واعلاها كونه عالما فالله تعالى امتن على الانسان بنقله من ادنى المراتب وهى العلقة الى اعلاها وهو تعلم العلم ثم الله الذى خلق الانسان على صورته الحقيقية خلقه من علقة التجلى الاولى الحبى المشار اليه بقوله « كنت كنزا مخفيا فاحببت أن اعرف فخلقت الخلق فصارت المحبة الذاتية علقة بالايجاد الحى وهو اكرم الاكرمين » اذ هو جامع محيط بجميع الاسماء الدالة على الكرم كالجواد والواهب والمعطى والرازق وغيرها .(17/344)
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
{ علم الانسان ما لم يعلم } بدل اشتمال من علم بالقلم وتعيين للمفعول اى علمه به وبدونه من الامور الكلية والجزئية والجلية والخفية ما لم يكتب قلت لأنه لو كتب لقيل قرأ القرءآن من صحف الاولين ومن كان القلم الاعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره لا يحتاج الى تصوير الرسوم وتشكيل العلوم بآيات الجسمانية لأن الخط صنعة ذهنية وقوة طبيعية صدرت بالآلة الجسمانية وفيه اشارة بديعة الى أن امته بين الامم هم الروحانيون وصفهم سبحانه فى الانجيل امة محمد انا جيلهم فى صدورهم لو لم يكن رسم الخطوط لكانوا يحفظون شرآئعه عليه السلام بقلوبهم لكمال قوتهم وظهور استعداداتم .(17/345)
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)
{ كلا } ردع لمن كفر بنعمة الله علبه بطغيانه وان لم يسبق ذكره للمبالغة فى الزجر فيوقف عليه وقال السجاوندى يوقف على ما لم يعلم لأنه بمعنى حقا ولذا وضع علامة الوقف عليه { ان الانسان ليطغى } اى يتجاوز الحد ويستكبر على ربه بيان للمردوع والمردوع عنه قيل ان هذا الى آخر السورة نزل فى ابى جهل بعد زمان وهو الظاهر .(17/346)
أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)
{ أن رآه استغنى } مفعول له اى يطغى لأن رأى وعلم نفسه مستغنيا او ابصر مثل ابى جهل واصحابه ومثل فرعون ادعى الربوبية قال ابن مسعود رضى الله عنه منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب الدنيا ولا يستويان اما اطالب العلم فيزداد فى رضى الله واما طالب الدنيا فيزداد فى الطغيان وتعليل طغيانه برؤيته لنفسه الاستغناء للايذان بأن مدار طغيانه زعمه الفاسد روى أن ابا جهل قال لرسول الله عليه السلام اتزعم أن من استغنى طغى فاجعل لنا جبال مكة فضة وذهبا لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك فنزل جبريل فقال ان شئت فلعنا ذلك ثم ان لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا باصحاب المائدة فكف رسول الله عن الدعاء ابقاء عليهم ورحمة واول هذه السورة يدل على مدح العلم وآخرها على مذمة المال وكفى بذلك مرغبا فى العلم والدين ومنفرا عن المال والدنيا وكان عليه السلام يقول اللهم انى اعوذ بك من غنى يطغى وفقر ينسى وفيه اشارة الى أن الانسان اذا رأى نفسه مظهر بعض صفات ربه واسمائه يدعها لنفسه ويظن أن تلك الصفات والاسماء الالهية المودعة فيه بحكمة بالغة ملك له وهو مالكها فيعجب بها وبكمالاتها فيستغنى عن مالكها الذى اودعها فيه ليستدل بها على خالقه وبارئه .(17/347)
إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)
{ ان الى ربك الرجعى } الرجعى مصدر بمعنى الرجوع والالف للتأنيث اى ان الى مالك امرك ايها الانسان رجوع الكل بالموت والبعث لا الى غيره استقلالا او اشتراكا فسترى حينئذ عاقبة طغيانك
وآنجاهمه را عمل بكار آيدنه اموال ... توانكرى نه بمالست نزداهل كمال ... كه مال تالب كورست وبعد ازان اعمال ...(17/348)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)
{ ارأيت الذى ينهى عبدا اذا صلى } الاستفهام للتعجيب والرؤية بصرية والخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية وتنكير عبدا لتفخيمه عليه السلام كأنه قيل ينهى اكمل الخلق فى العبودية عن عبادة ربه والعدول عن ينهاك الى ينهى عبدا دال على أن النهى كان للعبد عن اقامة خدمة مولاه ولا اقبح منه روى أن ابا جهل قال فى ملأ من طغاة قريش لئن رأيت محمدا يصلى لأطأن عنقه وفى التكملة نهى محمدا عن الصلاة وهم أن يلقى على رأسه حجرا فرآه فى الصلاة وهى صلاة الظهر فجاءه ثم نكص على عقبيه فقالوا مالك فقال ان بينى وبينه لخندقا من نار وهولا واجنحة فنزلت والمراد اجنحة الملائكة ابصر اللعين الاجنحة ولم يبصر اصحابها فقال عليه السلام « والذى نفسى بيده لو دنا منى لاختطفته الملائكة عضو عضوا » وكان ابو جهل يكنى فى الجاهلية بأبى الحكم لأنه كانوا يزعمون أنه عالم ذو حكمة ثم سمى ابا جهل فى الاسلام .
يقول الفقير كان عليه السلام يدعو ويقول « اللهم اعز الاسلام بابى جهل او بعمر » فلما اعزه الله بعمر رضى الله عنه دل على أن عمرا سعد قريش كما ان ابا جهل اشقى قريش اذا الاشياء تتبين باضدادها .(17/349)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11)
{ ارأيت } رؤية قلبية معناه اخبرنى ذلك الناهى وهو المفعول الاول { ان كان على الهدى } فيما ينهى عنه من عبادة الله .(17/350)
أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12)
{ او امر بالقوى } اى امر بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الاوثان كما يعتقده وهذه الجملة الشرطية بجوابها المحذوف وهو ألم يعلم بأن الله يرى سدت مسد المفعول الثانى فان المفعول الثانى لأرأيت لا يكون الا جملة استفهامية او قسمية وانما حذف جوب هذه الشرطية اكتفاء عنه بجواب الشرطية لأن قوله ان كذب وتولى مقابل للشرط الاول وهوان كان على الهدى او امر بالتقوى والآية فى الحقيقة تهكم بالناهى ضرورة انه ليس فى النهى عن عبادته تعالى والامر بعبادة الاصنام على هدى البتة .(17/351)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13)
{ ارأيت } اخبرنى ذلك الناهى { ان كذب وتولى } اى ان كان مكذبا للحق معرضا عن الصواب كما نقول نحن ونظم الامر والتكذيب والتولى فى سلك الشرط المتردد بين الوقوع وعدمه ليس باعتبار انفس الافعال المذكورة من حيث صدورها عن الفاعل فان ذلك ليس فى حيز التردد اصلا بل باعتبار اوصافها التى هى كونها امرا بالتقوى وتكذيبا وتوليا .(17/352)
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)
{ ألم يعلم بأن الله يرى } جواب للشرطية الثانية اى يطلع على احواله فيجاريه بها حتى اجترأ على ما فعل اى قد علم ذلك الناهى أن الله يرى فكيف صدر منه ما صدر وانما افرد التكذيب والتولى بشرطية مستقلة مقرونة بالجواب مصدره باستخبار مستأنف ولم ينظمهما فى سلك الشرط الاول بعطفهما على كان للايذان باستقلالهما بالوقوع فى نفس الامر وباستتباع الوعيد الذى ينطق به الجواب واما القسم الاول فأمر مستحيل قد ذكر فى حيز الشرط لتوسيع الدآئرة وهو السر فى تجريد الشرطية الاولى عن الجوب والاحالة به على جواب الثانية وقيل المعنى ارأيت الذى ينهى عبدا يصلى والمنهى على الهدى امرا بالتقوى والناهى مكذوب متول ولا اعجب من ذا .
بزركان كفته انددر كلمه ان الله يرى هم وعد مندرجست وهم وعيد اى فاسق توبه كن كه ترامييبند اى مرايى اخلاص ورزكه ترامبيند اى درخلوت قصد كناه كرده هش داركه ترامى بيند درويشى بعد ازكناهى توبه كرده بود وبيوسته مى كريست كفتند جندمى كريى خداى تعالى غفورست كفت ارى هرجند عفو كندخجلت آنراكه اومى ديده جه كونه دفع كنم
كيرم كه تاوز سرك كنه در كذرى ... زان شرم كه ديدى كه جه كردم جه كنم
قال الو الليث رحمه الله والآية عظة لجميع الناس وتهديد لمن يمنع عن الخير وعن الطاعة وقال ابن الشيخ فى حواشيه وهذه الآية وان نزلت فى حق ابى جهل لكن كل من نهى عن طاقة فهو شريك ابى جهل فى هذا الوعيد ولا يلزم عليه المنع من الصلاة فى الدار المغصوبة والاوقات المكروهة لأن المنهى عنه غير الصلاة وهو المعصية فان عدم مشروعية الوصف المقارن وكونه مستحقا لأن ينهى عنه لا ينفى مشروعية اصل الصلاة الا أنه لشدة الاتصال بينهما بيحث يكون النهى عن الوصف موهمان للنهى عن الاصل احتاط فيه بعض الاكابر حتى روى عن عليى رضى الله عنه رأى فى المصلى اقواما يصلون قبل صلاة العيد فقال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فقيل له ألا ننهاهم فقال اخشى أن ندخل تحت وعيد قوله تعالى ارأيت الذى ينهى عبدا اذا صلى فلم يصرح بالنهى عن الصلاة احتياطا واخذ ابو حنيفة هذا الادب الجميل حتى قال له ابو يوسف ايقول المصلى حين يرفع رأسه من الركوع اللهم اغفر لى قال يقول ربنا لك الحمد ويسجد ولم يصرح بالنهى .(17/353)
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15)
{ كلا } ردع للناهى اللعين وخسوء له عن نهيه عن عبادة الله وامره بعبادة اللات { لئن لم ينته } اللام موطئة للقسم المضمر اى والله لئن لم ينته عما هو عليه ولم ينزجر ولم يتب ولم يسلم قبل الموت والاصل ينتهى بالياء يقال نهاه ينهاه هيا ضد امره فانتهى { لنسفعا بالناصية } اصله لنسفعن بالنون الخفيفة للتأكيد ونظيره وليكونا من الصاغرين كتب فى المصحف بالالف على حكم الوفق فانه يوقف على هذا النون بالالف تشبيها لها بالتنوين والسفع القبض على الشئ وجذبه بعنف وشدة والناسية شعر مقذم الرأس والمعنى لنأخذن فى الآخرة بناصيته ولنسحبنه بها الى النار بمعنى لنأمرن الزبانية ليأخذوا بناصيته ويجروه الى النار بالتحقير والاهانة وكانت العرب تأنف من جر الناصية وفى عين المعانى الاخذ بالناصية عبارة عن القهر والهوان والاكتفاء بلام العهد عن الاضافة لظهور أن المراد ناصية الناهى المذكور ويحتمل ان يكون المراد من هذا السفع سحبه على وجهه فى الدنيا يوم بدر فيكون بشارة بان يمكن المسلمين من ناصيته حتى يجروه على وجهه اذا عاد الى النهى فلما عاد مكنهم الله من ناصيته يوم بدر ( روى ) أنه لما نزلت سورة الرحمن قال عليه السلام « من يقرأها على رؤساء قريش فتثاقلوا » فقام ابن مسعود رضى الله عنه وقال انا فأجلسه عليه السلام ثم قال ثانيا من يقرأها عليهم فلم يقم الا ابن مسعود رضى الله عنه ثم ثالثا الى ان أذن له وكان عليه السلام يبقى عليه لما كان يعلم ضعفه وصغر جثته ثم انه وصل اليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة فافتتح قرآءة السورة فقام ابو جهل فلطمه فشق اذنه وادماها فانصرف وعينه تدمع فلما رآه عليه السالم رق قلبه واطرق رأسه مغموما فاذا جبرآئيل جاء ضاحكا مستبشرا فقال باجبرائيل تضحك ويبكى ابن مسعود فقال سيعلم فلما ظفر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود ان يكون له حظ فى الجهاد فقال له عليه السلام « خذ رمحك والتمس فى الجرحى من كان له رمق فاقتله فانك تنال ثواب المجاهدين » فاخذ يطالع القتلى فاذا ابو جهل مصروع يخور فخاف ان اتكون به قوة فيؤذيه فوضع الرمح على منحره من بعيد فطعنه ولعل هذا قوله سنسمه على الخرطوم لم لما عرف عجزه لم يقدر ان يصعد على صدره لضعفه فارتقى عليه بحيلة فلما رآه ابو جهل قال له يا رويعى الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا فقال ابن مسعود الاسلام يعلو ولا يعلى عليه فقال له ابو جهل بلغ صاحبك انه لم يكن احد ابغض الى منه فى حال مماتى فروى أنه عليه السلام لما سمع ذلك قال(17/354)
« فرعونى اشد من فرعون موسى » فانه قال آمنت وهو قد زاد عنوا ثم قال يا ابن مسعود اقطع بسيفى هذا لأنه أحد وأقع فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله فشق اذنه وجعل الخيط فيها وجعل يجره الى رسول الله عليه السلام وجبرآئيل بين يديه يضحك ويقول يا محمد اذن باذن لكن الرأس ههنا مع الاذن مقطوع ولعل الحكيم سبحانه انما خلقه ضعيفا حتى لم يقو على الرأس المقطوع لوجوه احدها أن ابا جهل كلب والكلب يجر ولا يحمل والثانى ليشق الاذن فيقتص الاذن بالاذن والثالث ليحقق الوعيد المذكور بقوله لنسفعا بالناصية فيجر تلك الرأس على مقدمها قال ابن الشيخ والناصة شعر السبب فى تخصيص السفع بها ان اللعين كان شديد الاهتمام بترجيل الناصية وتطييبها .(17/355)
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)
{ ناصية كاذبة خاطئة } بدل من الناصية وانما جاز ابدالها من المعرفة وهى نكرة لوصفها ووصف الناصية بالكذب والخطأ على الاسناد المجازى وهما لصاحبها وفيه من الجزالة ما ليس فى قولك ناصية كاذب خاطئ كأن الكافر بلغ فى الكذب قولا والخطأ فعلا الى حيث أن كلا من الكذب والخطأ ظهر من ناصيته وكان ابو جهل كاذبا على الله فى أنه لم يرسل محمدا وكاذبا فى أنه ساحر ونحوه وخاطئا بما تعرض له عليه السلام بانواع الاذية .(17/356)
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)
{ فليدع } من الدعوة يعنى كوبخواند ابو جهل { ناديه } اى اه لناديه ومجلسه ليعينوه وهو المجلس الذى ينتدى فيه القوم اى يجتمعون وقدر المضاف لأن نفشس المجلس والمكان لا يدعى ولا يسمى المكان ناديا حتى يكون فيه اهله ودار الندوة بمكة كانوا يجتمعون فيها للتشاور وهى الآن لمحفل الحنفى روى أن ابا جهل مر برسول الله وهو يصلى فقال ألم ننهك فاغلظ رسول الله فقال اتهددنى وانا اكثر اهل الوادى ناديا يريد كثرة من يعينه فنزلت { سندع الزبانية } اى ملائكة العذاب ليجره الى النار وواحد منهم يغلب على ألف ألف من امثال اهل ناديه قال عليه السلام لو دعا نايده لاخذته الزبانية عيانا .
اجتمعت المصاحف العثمانية على حذف الواو من سندع خطا ولا موجب للحذف من العربية لفظا ولعله للمشاكلة مع فليدع او للتشبيه بالامر فى أن الدعاء امر لا بد منه وقال ابن خالويه فى اعراب الثلاثين آية الاصل سندعو بالواو وغير أن الواو ساكنة فاستثقلتها اللام ساكنة فسقطت الواو فى المصحف من سندع ويدع الانسان ويمح الله الباطل وكذلك الياء من واد النمل وان الله لهاد الذين آمنوا والعلة فيهأ ما انبأتك من بنائهم الخط على اللفظ انتهى والزبانية فى الاصل فى كلام العرب الشرط كصرد جمع شرط بالضم وهم طائفة من اعوان الولاة سموا بذلك لأنهم اعلموا انفسهم بعلامات يعرفون بها كما فى القاموس والشرط بالتحريك والعلامة والواحد زبنية كعفرية وعفرية الديك شعرة القفا الى يردها الى يا فوخه عند الهراش من الزبن بالفتح كالضرب وهو الدفع لأنهم يزبنون الكفار اى يدفعونهم فى جهنم بشدة وبطش يعنى أن ملائكة العذاب سموا بما سمى به الشرط تشبيها لهم بهم فى البطش والقهر والعنف والدفع وقيل الواحد زبنى وكأنه نسب الى الزبن ثم غير الى زبانية كأنسى بكسر الهمزة واصلها زبانى وقيل زبانية بتعويض التاء عن الياء بعد حذفها للمبالغة فى الدفع وفيه اشارة الى التجليات القوية الجلالية الجرارة ابا جهل النفس الامارة واهل ناديه الذى هو الهوى وقواه الظلمانية الى نار الخذلان وجهنم الخسران .(17/357)
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
{ كلا } ردع بعد ردع للناهى المذكور وزجر له اثر زجر فهو متصل بما قبله ولذا جعلوا الوقف عليه وقفا مطلقا { لا تطعه } اى دم على ما انت عليه من معاصاة ذلك الناهى الكاذب الخاطئى كقوله تعالى ولا تطع المكذبين { واسجد } وواظب على سجودك وصلاتك غير مكترث به { واقترب } وتقرب بذلك السجود الى ربك وفى الحديث « اقرب ما يكون العبد من ربه اذا سجد فأكثروا من الدعاء فى السجود » كلمة ما مصدرية وأقرب مبتدأ حذف خبره ويكون تامة اى اقرب وجود العبد من ربه حاصل وقت سجوده . ودر فتوحات اين راسجده قرب كفته . وهذا محل سجود عند الثلاثة خلافا لمالك وهم على اصولهم فى قولهم بالوجوب والسنية ثم ان السجود اشارة الى ازالة حجاب الرياسة وفى الحديث « لا كبر مع السجود } يعنى هركه سجده آرد از كبر دور كشت وبر دركاه الله شرف مت ضعان يافت .
روى أن ابراهيم عليه السلام اضاف يوما مائتى مجوسى فلما اكلوا قالوا امرنا يا ابراهيم قال ان لى الكيم حاجة فقالوا ما حاجتك قال اسجدوا لربى سجدة واحد فتشاوروا فيما بينهم فقالوا ان هذا الرجل قد صنع معروفا كثيرا فلو سجدنا لربه ثم رجعنا الى آلهتنا لا يضرنا ذلك بشئ فسجدوا جميعا فلما وضعوا رؤسهم على الارض ناجى ابراهيم ربه فقال انى جهدت جهدى حتى حملتهم على هذا ولا طاقة لى على غيره وانما التوفيق والهداية بيدك اللهم زين صدورهم بالاسلام فلما رفعوا رؤوسهم من السجود اسلموا وللسجدة اقسام سجدة الصلاة وسجدة التلاوة وسجدة السهو وهذه مشهورة وسجدة التعظيم لجلال الله وكبريائه وسجدة التضرع اليه خوفا وطمعا وسجدة الشكر له وسجدة المناجاة وهذه مستحبة فى الاصلح صادرة عن الملائكة وعن رسول الله عليه السلام وسائر الانبياء والاولياء عليهم السلام وقال ابو حنيفة ومالك سجود الشكر مكروه فيقتصر على الحمد والكشر باللسان وقال الامامان هى قربه يثاب قاعلها وقال القاشانى قرأ عليه السلام فى هذه السجدة اى سجدة اقرأ » اعوذ بعفوك من عقابك « اى بفعل لك من فعل لك » واعوذ برضاك من سخطك « اى بصفة لك من صفة لك » واعذوب بك منك « اى بذاتك من ذاتك وهو معنى اقترابه بالسجود .(17/358)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
{ انا انزلناه فى ليلة القدر } النون للعظمة او للدلالة على الذات مع الصفات والاسماء والضمير للقرءآن لأن شهرته تقوم مقام تصريحه باسمه وارجاع الضمير اليه فكأنه حاضر فى جميع الاذهان وعظمه بأن اسند انزاله الى جنابه مع أن نزوله انما يكون بواسطة الملك وهو جبرآئيل على طريقة القصر بتقديم الفاعل المعنوى الا انه اكتفى بذكر الاصل بمعنى نحن انزلناه فادخل ان للتحقيق فاختير اتصال الضمير للتخفيف ومعنى صيغة الماضى انا حكمنا بانزاله فى ليلة القدر وقضينا به وقدرناه فى الازل ثم ان الانزال يستعمل فى الدفعى والقرءآن لم ينزل جملة واحدة بل انزل منجما مفرقا فى ثلاث وعشرين سنة وهذه السورة من جملة ينزل جملة ما انزل وجوابه أن المراد أن جبرآئيل نزل به جملة واحده فى ليلة القدر من اللوح المحفوظ الى بيت العزة فى السماء الدنيا واملاه على السفرة اى الملائكة الكاتبين فى تلك السماء ثم كان ينزل على النبى عليه السلام منجما على حسب المصالح وكان ابتدآء تنزيله ايضا فى تلك الليلة وفيه اشارة الى أن بيت العزة اشرف المقامات السماوية بعد اللوح المحفوظ لنزول القرءآن منه اليه ولذلك قيل بفضل السماء الاولى على اخواتها لائنها مقر الوحى الربانى وقيل لشرف المكان بالمكين وكل منهما وجه فان السلطان انما ينزل على انزه مكان ولو فرضنا نزوله على مسبخة لكفى نزوله هناك شرفا لها فالمكان الشريف يزداد شرفا بالمكين الشريف كما سبق فى سورة البلد ففى نزول القرءآن بالتدريج اشارة الى تعظيم الجناب المحمدى كما تدخل الهدايا شيأ بعد شئ على ايدى الخدام تعظيما للمهدى اليه بعد التسوية بيه وبين موسى عليهما السلام بانزاله جملة الى بيت العزة وفى التدريج ايضا تسهيل للحفظ وتثبيت لفؤاده كما قال تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرءآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك وكلام الله المنزل قسمان القرءآن والخبر القدسى لأن جبرآئيل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرءآن ومن هنا جاز رواية السنة بالمعنى لان جبرآئيل اداها بالمعنى ولم تجز القرءآن بالمعنى لأن جبرآئيل اداها باللفظ والسر فى ذلك التعبد بلفظه والاعجاز به فانه لا يقدر أحد أن يأتى بدله بما يشتمل عليه من الاعجاز لفظا ومن الاسرار معنى فكيف يقوم لفظ الغير ومعناه مقام حرف القرءآن ومعناه ثم ان اللوح المحفوظ قلب هذا التعين ولكن قلب الانسان ألطف منه لأنه زبدته واشرفه لأن القرءآن نزل به الروح الامين على قلب النبى المختار وهنا سؤال وهو أن الملائكة بأسرهم صعقوا ليلة نزول القرءآن من حضرة اللوح المحفوظ الى حضرة بيت العزة فما وجهه والجواب أن محمدا صلى الله عليه وسلم عندهم من أشراط القيامة والقرءآن كتاب فنزوله دل على قيام الساعة فصعقوا هيبة منه واجلالا لكلامه وحضرة وعده ووعيده وفى بعض الاخبار ان الله تعالى اذا تكلم بالرحمة تكلم بالفارسية والمراد بالفارسية لسان غير العرب سريانيا كان او عبرانيا واذا تكلم بالعذاب تكلم بالعربية فلما سمعوا العربية المحمدية ظنوا أنه عقاب فصعقوا وسيأتى معنى القدر ثم القرءآن كلامه القديم انزله فى شهر رمضان كما قال تعالى شهر رمضان الذى انزل فيه القرءآن وهذا هو البيان الاول ولم ندر نهار انزل فيه ام ليلا فقال تعالى ان انزلناه فى ليلة مباركة وهذا هو البيان الثانى ولم ندراى ليلة هى فقال تعالى انا انزلناه فى ليلة القدر فهذا هو البيان الثالث الذى هو غاية البيان فالصحيح أن ليلة التى يفرق فيها كل امر حكيم وينسخ فيها امر السنة وتدبير الاحكام الى مثلها هى ليلة القدر والتقدير الامور فيها سميت ليلة القدر ويشهد التنزيل لما ذكرنا اذ فى اول الآية انا انزلناه فى ليلة مباركة ثم وصفها فقال فيها يفرق كل امر حكيم والقرءآن انما نزل فى ليلة القدر فكانت هذه الآية بهذا الوصف فى هذه الليلة مواطئة لقوله تعالى انا انزلناه فى ليلة القدر كذا فى قوت القلوب للشيخ ابى طالب المكى قدس سره فان قلت ما الحكمة فى انزال القرآن ليلا قلت لأن اكثر الكرامات ونزول النفحات والاسرآء الى السموات يكون بالليل والليل من الجنة لأنها محل الاستراحة والنهار من النار لأن فيه المعاش والتعب والنهار حظ اللباس والفراق والليل حظ الفراش والوصال وعبادة الليل افضل من عبادة النهار لأن قلب الانسان فيه اجمع والمقصود هو حضور القلب قال بعض العارفين اعمل التوحيد فى النهار والاسم فى الليل حتى تكون جامعا بين الطريقتين الجلوتية بالجيم والخلوتية ويكون التوحيد والاسم جناحين لك .(17/359)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
{ وما ادراك ما ليلة القدر } اى واى شئ اعلمك يا محمد ماهى اى انك لا تعلم كنهها لان علو قدرها خارج عن دآئرة دراية الخلق لا يدريها الاعلام الغيوب وهو تعظيم للوقت الذى انزل فيه ومن بعض فضائل ذلك الوقت انه يرتفع سؤال القبر عمن مات فيه وكذا فى سائر الاوقات الفاضلة ومن ذلك العيد ثم مقضتى الكرم أن لا يسأل بعده ايضا وقد وقع تجلى الافعال لسيد الانبياء عليه السلام فى رجب ليلة الجمعة الاولى بين العشاءين فلذا استحب صلاة الرغائب وقتئد وتجلى الصفات فى نصف شعبان فلذا استحب صلاة البرآءة بعد العشاء قبل الوتر وتجلى الذات فى ليلة القدر ولذلك استحب صلاة القدر فيها كما سيجئ ولما كان هذا معربا عن الوعد بادرآئها قال { ليلة القدر } القيامها والعبادة فيها { خير من ألف شهر } اى من صيامها وقيامها ليس فيها ليلة القدر حتى لا يلزم تفضيل الشئ على نفسه فخير هنا اى افضل واعظم قدرا واكثر اجرا من تلك المدة وهى ثلاث وثمانون سنة واربعة اشهر وفى الحديث « من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذبه وما تأخر ومن صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر » كما فى كشف الاسرار قال الخطابى قوله ايمانا واحتسابا اى بينية عزيمة وهو أن يصومه على التصديق والرغبة فى ثوابه طيبة به نفسه غير كاره له ولا مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه لكن يغتنم طول ايامه لعظم الثواب وقال البغوى قوله احتسابا اى طلبا لوجه الله وثوابه يقال فلان يحتسب الاخبار اى يطلبها كذا فى الترغيب والترهيب والمراد بالقيام صلاة التراويح وقال بعضهم المراد مطلق الصلاة الحاصل بها قيام الليل قوله غفر له ما تقدم من ذنبه قيل المراد الصغائر وزاد بعضهم ويخفف من الكبائر اذا لم يصادف صغير وقوله وما تأخير هو كناية عن حفظهم من الكبائر بعد ذلك او معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة كذا فى شرح الترغيب المسمى بفتح القريب وقال سعيد بن المسيب من شهد المغرب والعشاء فى جماعة فقد اخذ حظه من ليلة القدر كما فى الكواشى ثم أن نهار ليلة القدر مثل ليلة القدر فى الخير وفيه اشارة الى أن ليلة القدر للعارفين خير من ألف شهر للعابدين لأن خزآئنه تعالى مملوءة من العبادات ولا قد الا للفناء واهله وللشهود واصحابه واختلفوا فى وقتها فاكثرهم على أنها فى شهر رمضان فى العشر الاواخر فى اوتارها لقوله عليه السلام « التمسوها فى العشر الاواخر من رمضان » فاطلبوها فى كل وتر وانما جعلت فى العشر الاخير الذى هو مظنة ضعف الصائم وفتوره فى العبادة ليتجدد جده فى العبادة رجاء ادراكها وجعلت فى الوتر لأن الله وتر يحب الوتر ويتجلى فى الوتر على ما هى مقتضى الذات الاحدية واكثر الاقوال انها السابعة لامارات واخبار تدل على ذلك احدها حديث ابن عباس رضى الله عنهما ان السورة ثلاثون كلمة قوله هى السابعة والعشرون منها ومنها ما قال ابن عباس ايضا ليلة القدر تسعة احرف وهو مذكور فى هذه السورة ثلاث مرات فتكون السابعة والعشرين ومنها انه كان لعثمان بن العاص غلام فقال يا مولاى ان البحر يعذب ماؤه ليلة من الشهر قال اذا كانت تلك الليلة فاعلمنى فاذا هىلسابعة والعشرون من رمضان ومن قال انها هى الليلة الاخيرة من رمضان استدل بقوله عليه السلام(17/360)
« ان الله تعالى فى كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار يعتق ألف ألف عتيق من النار كلهم استوجبوا العذاب فاذا كان آخر ليلة من شهر رمضان اعتق الله فى تلك الليلة بعدد من اعتق من اول الشهر الى آخره ولأن الليلة الاولى كمن ولد له ذكر فهى ليلة شكر والليلة الاخيرة ليلة الفراق كمن مات له ولد فهى ليلة صبر » وفرق بين الشكر والصبر فان الشاكر مع المزيد كقوله تعالى لئن شكرتم لازيدنكم والصابر مع الله لقوله تعالى ان الله مع الصابرين وعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت سألت النبى عليه السلام لو وافقتها ماذا اقول قال « قولى اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عنى وعنها ايضا لو ادركتها ما سألت الله الا العافية » وفيه اشارة الى ما قال عليه السلام « اللهم انى اسألك العفو والعافية والمعافاة فى الدين والدنيا والآخرة » ولعل السر فى خفائها تحريض من يدريها لثواب الكثير باحياء الليالى الكثيرة رجاء لموافقتها
اى خواجه جه كويى زشب قدرنشانى ... هر شب شب قدرست اكر قدر بدانى
ونظيره اخفاء ساعة الاجابة فى يوم الجمعة والصلاة الوسطى فى الخمس واسمه الاعظم فى الاسماء ورضاه فى الطاعات حتى يرغبوا فى الكل وغضبه فى المعاصى ليحتروزا عن الكل ووليه فيما بين الناس حتى يعظموا الكل
خورش ده بكنجشك وكبك وحمام ... كه يك روزت افتداهماى بدام
والمستجاب من الدعوات فى سائرها ليدعوه بكلها
جه هر كوشه تيرنياز افكنى ... اميدست كه ناكه كه صيدى زنى
ووقت الموت ليكون الملكف على احتياط فى جميع الاوقات وتسميتها بليلة القدر اما لتقدير الامور وقضائها فيها لقوله تعالى فيها يفرق كل امر حكيم اى اظهار تقديرها للملائكة بأن تكتبها فى اللوح المحفوظ والا فالتقدير نفسه ازلى فالقدر بمعنى التقدير وهو جعل الشئ على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبنا اقتضت الحكمة عن ابن عباس رضى الله عنهما ان الله قدر فيها كل ما يكون فى تلك السنة من مطر ورزق واحياء واماتة وغيرها الى مثل هذه الليلة من السنة الآيتة فيسلمه الى مدبرات الامور من الملائكة فيدفع نسخة الارزاق والنباتات والامطار الى ميكائيل ونسخة الحروب والرياح والزلازل والصواعق والخسف الى جبرآئيل ونسخة الاعمال الى اسرافيل ونسخة المصائب الى ملك الموت(17/361)
فكم من فتى يسمى ويصبح آمنا ... وقد نسجت اكفانه وهو لا يدرى
وكم من شيوخ ترتجى طول عمرهم ... وقد رهقت اجسادهم ظلمة القبر
وكم من عروس زينوها لزوجها ... وقد قبضت ارواحهم ليلة القدر
يقال ان ميكائيل هو الامين على الارزاق والاغذية المحسوسة ويقابله منك الكبد فهو الذى يعطى الغذآء لجميع البدن وكذل اسرافيل يغذى الاشباح بالارواح ويقابله منك الدماغ وجبرآئيل يغذى الرواوح بالعلوم والمعارف ويقابله منك العقل وكل محدث لا بدله من غذآئه فغذآه الجسم بالتأليف والعقل بالعلوم الضرورية والروح القدسى ايضا متعطش ولا يرتوى الا بالعلوم الالهية هذا واما لخطرها وشرفها على سائر الليالى فالقدر بمعنى المنزلة والشرف اما باعتبار العامل على معنى أن من اتى بالطاعة فيها صار ذا قدر وشرف واما باعتبار نفس العمل على معنى أن الطاعة الواقعة فى تلك الليلة لها قدر وشرف زآئد وعن ابى بكر الوراق رحمه الله سميت ليلة القدر لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر على لسان ملك ذى القدر لأمة لها قدر ولعله تعالى انما ذكر لفظ القدر فى هذه السورة ثلاث مرات لهذا السبب وقال الخليل رحمه الله سميت ليلة القدر اى ليلة الضيق لأن الارض تضيق فيها بالملائكة فالقدر بمعنى الضيق لأن الارض تضيق فيها بالملائكة فالقدر بمعنى الضيق كما فى قوله تعالى ومن قدر عليه رزقه وتخصيص الالف بالذكر اما للتكثير لأن العرب تذكر الالف فى غاية الاشياء كلها ولا تريد حقيقتها او لما روى أنه عليه السلام ذكر رجلا من بنى اسرآئيل اسمه شمسون لبس السلاح فى سبيل الله ألف شهر فتجب المؤمنون منه وتقاصرت اليهم عمالهم فاعطوا ليلة هى خير من مدة ذلك الغازى وقيل ان الرجل فيما مضى كان لا يقال له عابد حتى يعبد الله الف شهر فاعطوا ليلة ان احيوها كانوا احق بان يسموا عابدين من اولئك العباد من اولئك العباد وقيل رأى النبى عليه السلام اعمار الامم كافة فاستقصر اعمار امته فخاف ان لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم فى طول العمر فاعطاه الله ليلة القدر وجعلنا خيرا من ألف شهر لسائر الامم وقيل كان ملك سليمان عليه السلام خمسمائة شهر وملك ذلى القرنين خمسمائة شهر فجعل الله العمل فى هذه الليلة لمن ادركها خيرا من ملكهما وروىعن الحسن بن على بن ابى طالب انه قال حين عوتب فى تسليمه الامر لمعاوية ان الله ارى نبيه عليه السلام فى المنام بنى امية بنزول على منبره القردة اى يثبون قاغتم لذلك فاعطاه الله ليلة القدر وهى خير له ولذريته لأهل بيته من ألف شهر وهى مدة ملك بنى امية واعلمه انهم يملكون امر الناس هذا القدر من الزمان ثم كشف الغيب ان كان من سنة الجماعة الى قتل مروان الجعدى خر ملوكهم هذا القدر من الزمان بعينه كما فى فتح الرحمن ودل كلام الله تعالى على ثبوت ليلة اقدر فمن قال ان فضلها كان لنزول القرءآن يقول انقطعت فكانت مرة والجمهور على انها باقية آتية فى كل سنة فضلا من الله ورحمة على عباده غير مختصة برمضان عند البعض وهو قول الامام ابى حنيفة رحمه الله وحضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر حتى لو علق احد طلاق امرأته او عتق عبده بليلة القدر فانه لا يحكم به الا بأن يتم الحول وعند الاكثرين مختصة به وكان عليه السلام اذا دخل العشر شد مئزره واحيى ليله وايقظ اهله وكان الصالحون يصلون فىليلة من العشر ركعتين بنية قيام ليلة القدر وعن بعض الاكابر من قرأ كل ليلة عرش آيات على تلك النية لم يحرم بركتها وثوابها قال الامام أبو الليث رحمه الله اقل صلاة ليلة القدر ركعتان واكثرها ألف ركعة واوسطها مائة ركعة واوسط القرآءة فى كل ركعة أن يقرأ بعد الفاتحة انا انزلناه مرة وقل هو الله احد ثلاث مرات ويسلم على كل ركعتين ويصلى على النبى عليه السلم بعد التسليم ويقوم حتى يتم ما اراد من مائة او اقل او اكثر ويكفى فى فضل صلاتها ما بين الله من جلالة قدرها وما اخبر به الرسول عليه السلام من فضيلة قيامها وصلاة التطوع بالجماعة جائزة من غير كراهة لو صلوا بغير تداع وهو الاذن والاقامة كما فى الفرآئض صرح بذلك كثير من العلماء قال شرح النقاية وغيره وفى المحيط لا يكره الاقتدآء بالمام فى النوافل مطلقا نحو القدر والرغائب وليلة النصف من شعبان ونحو ذلك لأن ما رأه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن فلا تلتفت الى قول من لا مذاق لهم من الطاعنين فانهم بمنزلة العنين لا يعرفون ذوق المناجاة وحلاوة الطاعات(17/362)
هركس ازجلوه كل فهم معانى نكند ... شرح آن دفتر ننوشته زبلبل بشنو(17/363)
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)
{ تنزل الملائكة والروح فيها } استئناف مبين لما له فضلت على ألف شهر واصل ينزل تتنزل بتاءين والظاهر أن المراد كلهم للاطلاق وقد سبق معنى الروح فى سورة النبأ وقال بعضهم انه ملك لو التقم السموات والارضين كانت له لقمة واحدة او هو ملك رأسه تحت العرش ورجلاه فى تخوم الارض السابعة وله ألف رأس كل رأس اعظم من الدنيا وفى كل رأس ألف وجه وفى كل وجه ألف فم وفى كل فم ألف لسان يسبح الله بكل لسان ألف نوع من التسبيح والتحميد والتمجيد لكل لسان لغة لا تشبه الاخرى فاذا فتح افواهه بالتسبيح خر كل ملائكة السموات سجدا مخافة ان يحرقهم نور افواهه وانما يسبح الله غدوة وعشية فينزل تلك الليلة فيستغفر للصائمين والصائمات من امة محمد عليه السلام بتلك الافواه كلها الى طلوع الفجر او هو طائفة من الملائكة لا نراهم الا ليلة القدر كالزهاد الذين لا نراهم الا ليوم العيد او هو عيسى عليه السلام لأنه اسمه ينزل فى موافقة الملائكة ليطالع امة محمد عليه السلام .
ودر تفسير جواجه محمد بارسا رحمه الله مذكوراست كه روح حضرت محمد صلى الله عليه وسلم فرودآيد .
وفى الحديث « لأنا اكرم على الله من ان يدعنى فى الارض اكثر من ثلاث » وكان الثلاث عشر مرات ثلاثين لأن الحسين رضى الله عنه قتل فى رأس الثلاثين سنة فغضب على اهل الارض وعرج به الى عليين وقدر رآه بعض الصالحين فى النوم فقال يا رسول الله بأبى أنت وامى اما ترى فتن امتك فقال « زادهم الله فتنة قتلوا الحسين ولم يحفظونى ولم يراعوا حقى فيه » وعلى كل تقدير فالمعنى تنزل الملائكة والروح فى تلك الليلة من كل سماء الى الارض وهو الاظهر لأن الملائكة اذا نزلت فى سائر الايام الى مجلس الذكر فلأن ينزلوا فى تلك الليلة مع علو شأنها اولى او الى السماء الدنيا قالوا ينزلون فوجا فوجا فمن نازل ومن صاعد كأهل الحج فانهم على كثرتهم يدخلون الكعبة ومواضع النسك بأسرهم لكن الناس بين داخل وخارج ولهذا السبب مدت الى غاية طلوع الفجر وذكر لفظ تنزل المفيد للتدريج وبه يندفع ما يرد أن الملائكة لهم كثرة عظيمة لا تحتملها الارض وكذا السماء على أن شأن الارواح غير شأن الاجسام والملائكة وان كان لهم اجسام لطيفة يقال لهم الارواح وقال بعضهم النازلون هم سكان سدرة المنتهى وفيها ملائكة لهم كثرة عظيمة لا تحتملها الارض وكذا السماء على أن شأن الارواح غير شأن الاجسام والملائكة وان كان لهم اجسام لطيفة يقال لهم الارواح وقال بعضهم النازلون هم سكان سدرة المنتهى وفيها ملائكة لا يعلم عددهم الا الله ومقام جبرآئيل فى وسطها ولا يدخلون اى الملائكة النازلون الكنائس وبيوت الاصنام والاماكن التى فيها الكلب والتصاوير والخبائث وفى بيوت فيها خمر او مدمن خمر او قاطع رحمن او جنب او آكل لحم خنزير او متضمخ بالزعفرأن وغير ذلك والتضمخ بالفارسية بوى خوش برخويشتن آلودن .(17/364)
ويعدى بالباء كما فى تاج المصادر وقال فى القاموس التضمخ لطخ الجسد الطيب حتى كأنه يقطر قوله الروح معطوف على الملائكة والضمير لليلة القدر والجار متعلق بتنزل ويجز ان يكون والروح فيها جملة اسمية فى موقع الحال من فاعل تنزل والضمير للملائكة والاول هو الوجه لعدم احتياجه الى ضمير فيها .(17/365)
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
{ باذن ربهم } اى بأمره متعلق بتنزل وهو يدل على أنهم كانوا يرغبون الينا ويشتاقون فيستأذفيؤذن فى النزول الينا فيؤذن لهم فان قيل كيف يرغبو الينا مع علمهم بكثرة ذنوبنا قلنا لا يقفون على تفصيل المعاصى روى أنهم يطالعون اللوح فيرون فيه طاعة المكلف مفصلة فاذا وصلوا الى معاصيه ارخى الستر فلا يرونه فحيئنذ يقولون سبحان من اظهر الجميل وستر القبيح ولأنهم يرون فى الارض من انواع الطاعات اشياء ما رأوها فى عالم السموات كأطعام الطعام وانين العصاة وفى الحديث القدسى « لأنين المذنبين احل الى من زجل المسبحين فيقولون تعالوا نذهب الى الارض فنسمع صوتا هو احب الى ربنا من صوت تسبيحنا وكيف لا يكون احب وزجل المسبحين اظهار الكمال حال المطيعين وانين العصاة اظهار لغفارية رب العالمين »
نصيب ماست بهشت اى خدا شناس برو ... كه مستحق كرامت كناهكارانند
{ من كل امر } متعلق بتنزل ايضا اى من اجل كل امر قدر فى تلك السنة من خير او شر او بكل امر من الخير والبركة كقوله تعالى يحفظونه من امر الله اى بامر الله قيل يقسم جبرآئيل فى تلك الليلة بقية الرحمة فى دار الحرب على من علم الله أنه يموت مسلما فبتلك الرحمة التى قسمت عليهم ليلة القدر يسلمون ويموتون مسلمين فان قيل المقدرات لا تفعل فى تلك الليله بل فى تمام السنة فلما ذا تنزيل الملائكة فيها لأجل تلك الاتمور قيل لعل تنزلهم لتعين انفاذ تلك الامور وتنزلهم لأجل كل امر ليس تنزل كل واحد لاجل كل امر بل ينزل الجميع لأجل جميع الامور حتى يكون فى الكلام تقسيم العلل على المعلولات .(17/366)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)
{ لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب } اى اليهود والنصارى وايراد الصلة فعلا لما أن كفرهم حادث بعد انبيائهم { والمشركين } اى عبدة الاصنام ومن للتبيين لا للتبعيض حتى لا يلزم ان لا يكون بعض المشركين كافرين وذلك أن الكفار كانوا جنسين اهل الكتاب كفرق اليهود والنصارى والمشركين وهم الذين كانوا لا ينسبون الى كتاب فذكر الله الجنسين بقوله الذين كفروا على الاجمال ثم اردف ذلك الاجمال بالتفصيل والتبيين وهو قوله من اهل الكتاب والمشركين وهو حال من الواو فى كفروا اى كائنين منهم { منفكين } خبر كان اى عما كانوا عليه من الوعيد باتباع الحق والايمان بالرسول المبعوث فى آخر الزمان والعزم على انجازه وهذا الوعد من اهل الكتاب مما لا ريب فيه حتى أنهم كانوا يستفتحون ويقولون اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبى المبعوث فى آخر الزمان ويقولون لاعدآئهم من المشركين قد اظل زمان نبى يخرج بتصديق ما قلان فنتقلكم معه قتل عاد وارم واما من المشركين فلعله قد وقع من متأخريهم بعدما شاع ذلك من اهل الكتاب واعتقد واصحته بما شاهدوا من نصرتهم على اسلافهم كما يشهد به أنهم كانوا يسألونهم عن رسول الله هل هو المذكور فى كتبهم وكانوا يغرونهم بتغيير نعوته وانفكاك الشئ من الشئ أن يزايله بعد التحامة كالعظم اذا انفك من مفصله وفيه اشارة الى كمال وكادة وعدهم اى لم يكونوا مفارقين للوعد المذكور بل كانوا مجمعين عليه عازمين على انجازه { حتى تأتيهم البينة } التى كانوا قد جعلوا اتيانها ميقاتا لاجتماع الكلمة والاتفاق على الحق فجعلوه ميقاتا للانفكاك والافتراق واخلاق الوعد والتعبير عن اتيانها بالمضارع باعتبار حال المحكى لا الحكاية والبينة لحجة والواضحة .(17/367)
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2)
{ رسول } بدل من البينة عبر عنه عليه السلام بها للايذان بغاية ظهور امره وكونه ذلك الموعود فى الكتابين { من الله } متعلق بمضمر هو صفة لرسول مؤكد لما افاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الاضافية اى رسول واى رسول كائن منه تعالى { يتلو } صفة اخرى { صحفا } جمع صحيفة وهى ظرف المكتوب ومحله من الاوراق { مطهرة } اى منزهة من الباطل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومن ان يمسه غير المطهرين ( وقال الكاشفى ) صحيفهاى باكيزه از كذبت وبهبان . ونسبة لاتلاوة الى الصحف وهى القراطيس مجازية او هى مجاز عما فيها بعلاقة الحلول والمراد أنه لما كان ما يتلوه الذى هو القرءآن مصدقا لصحف الاولين مطابقا لها فى اصولى الشرآئع والاحكام صار متلوه كأنه صحف الاولين وكتبهم فعبر عنه باسم الصحف مجازا ( قال الكاشفى ) قرآنرا صحف كفت براى تعظيم با آنكه جامع اسرار جميع صحفست قال فى عين المعانى وسميت الصحف لأنها اصحف بعضها على بعض اى وضع .(17/368)
فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)
{ فيها كتب قيمة } صفة لصحف اى فى تلك الصحف امور مكتوبة مستقيمة ناطقة بالحق والصواب وبالفارسية دران صحيفها توشتهاى راست ودرست يعنى احكام . ومواعظ فى المفردات اشارة الى ما فيه من معانى كتب الله فان القرءآن مجمع ثمرة كتب الله المتقدمة .(17/369)
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
{ وما تفرق الذين اوتوا الكتاب } عما كانوا عليه من الوعد وافراد اهل الكتاب بعد الجمع بينهم وبين المشركين للدلالة على شناعة حالهم وانهم لما تفرقوا مع علمهم كان غيرهم بذلك اولى فخصوا بالذكر لأن جحود العالم اقبح واشنع من انكار الجاهل { الا من بعد جاءتهم البينة } استثناء مفرغ من اعم الاوقات اى وما تفرقوا فى وقت من الاوقات الا من ما جاءتهم الحجة الواضحة الدالة على أن رسول الله عليهم السلام هو الموعود فى كتابهم لدلالة جليلة لا ريب فيها .(17/370)
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
{ وما امروا الا ليعبدوا الله } جملة حالية مفيدة لغاية قبح ما فعلوا اى والحال انهم ما امروا بما امروا فى كتابهم لشئ من الامور الا لأجل أن يعدبوا الله وهذه اللام فى الحقيقة لام الحكمة والمصلحة يعنى أن فعله تعالى وان لم يكن معللا بالغرض الا أنه مغيا بالحكم والمصالح وكثيرا ما تستعمل لام الغرض فى الحكمة المرتبة على الفعل تشبيها لها بها فى ترتبها على الفعل بحسب الوجود وفى حصر علة كونهم مأمورين بما فى كتبهم من عبادة الله بالاخلاص حيث قيل وما امروا بما امروا الا لأجل ان يتذللوا له ويعظموه غاية التذلل والتعظيم ولا يطلبوا فى امتثال ما كلفوا به شيأ آخر سوى التذلل لربهم ومالكهم كثواب الجنة والخلاص من النار دليل على ما ذهب اليه اهل السنة من أن العبادة ماوجبت لكونها مفضية الى ثواب الجنة او الى البعد والنجاة من عذاب النار بل لأرجل انك عبد وهو رب ولو لم يحصل فى الدين ثواب ولا عقاب البتة ثم امرك العبادة وجبت لمحض العبودية ومقتضى الربوبية والمالكية وفيه ايضا اشارة الى أن من عبد الله للثواب والعقاب فالمعبود فى الحقيقة هو الثواب والعقاب والحق واسطة فالمقصود الاصلى من العبادة هو المبعود وكذا الغاية من العرفان المعروف فعليك بالعبادة للمعبود وبالعرفان للمعروف واياك وان تلاحظ شيأ غير الله تعالى
عاشقانرا شادمانى وعم اوست ... دست مزد واجرت خدمت هم اوست
وقال بعضهم الاظهر أن تجعل لام ليعبدوا الله زآئدة كما تزاد فى صلة الارادة فيقال اردت لتقوم لتنزيل الامر منزلة الارادة فيكون المأمور به هذه الامور من العبادة ونحوها كما هو الظاهر ثم ان العبادة هى التذلل ومنه طريق معبد اى مذلل ومن زعم أنها الطاعة فقد اخطأ لان جماعة عبدوا الملائكة والمسبح والاصنام وما اطاعوهم ولكن فى الشرع صارت اسما لكل طاعة لله اديت له على وجه التذلل والنهاية فى التعظيم والعبادة بهذا المعنى لا يستحقها الا من يكون واحدا فى صفاته الذاتية والفعلية فان كان له مثل لم يمكن ان يصرف اليه نهاية التعظيم فثبت بما قلنا أنه لا بد فى كون الفعل عبادة من شيئين احدهما غاية التعظيم وفى حكمه الجاهل الغافل وثانيهما ان يكون مأمورا به ففعل اليهود ليس بعبادة وان تضمن نهاية التعظيم لأنه غير مأمور به فاذا لم يكن فعل الصبى عبادة لفقد التعظيم ولا فعل اليهود لفقد الامر فكيف يكون ركوعك الناقص عبادة والحال أنه لا امر به ولا تعظيم فيه { مخلصين له الدين } حال من الفاعل فى ليعبدوا اى جاعلين انفسهم خالصة لله تعالى فى الدين يعنى از شرك والحاد باكيزه باشند واز اغراض نفسانيه وقضاى شهوات صافى وبى غش .(17/371)
والاخلاص ان يأتى بالفعل خالصا لداعية واحدة ولا يكون لغيرها من الدواعى تأثير فى الدعاء الى ذلك الفعل فالعبادة لجلب المنفعة او لدفع المضرة ليست من قبيل الاخلاص وكذا الاشتغال بالمباح فى الصلاة مثل التنحنح وغيره من الحظوظ النفسانية وزيادة الخشوع فى الصلاة لأجل الغير رياء ودفع الزكاة الى الوالدين والمولدين وعبيده وامائه ينافى القربة ولذا نهى عنه فالاخلاص فى العبودية تجرد السر عما سوى الله تعالى وقال بعضهم الاخلاص ان لا يطلع على عملك الا الله ولا نرى نفسك فيه وتعلم أن المنة لله عليك فى ذلك حيث اهلك لعبادته ووفقك لها ولا تطلب من الله اجرا وعوضا { حنفاء } حال اخرى على قول من جوز حالين من ذى حال واحد ومن المنوى فى مخلصين على قول من لم يجوز ذلك اى مائلين عن جميع العقائد الزآئغة الى الاسلام وهو فى المعنى تأكيد للاخلاص اذ هو الميل عن الاعتقاد الفاسد واكبره اعتقاد الشركة واصل الحنف الميل وانقلاب ظهر اقدم حتى يصير بطنا فالاحنف هو الذى يمشى على ظهر قدميه فى شقها الذى يلى خنصرها ويجيئ الحنف بمعنى الاستقامة فمعنى حنفاء مستقيمين فعلى هذا انما سمى مائل القدم احنف على سبيل التفاؤل كقولك للاعمى بصيرو للحبشى كافور وللطاعون مبارك وللمهلكة مفازة قال ابن جبير لا يسمى احد حنيفا حتى يحج ويختن لأن الله وصف ابراهيم عليه السلام بكونه حنيفا وكان من شأنه انه حج وختن نفسه { ويقيموا الصلاة } التى هى العمدة فى باب العبادات البدنية { ويؤتوا الزكاة } التى هى الاساس فى العادات المالية قال فى الارشاد ان اريد بها ما فى شريعتهم من الصلاة والزكاة فالامر ظاهر وان اريد ما فى شريعتنا فمعنى امرهم بهما فىلكتابين ان امرهم باتباع شريعتنا امر لهم بجميع احكامها الى هما من جملتها { وذلك } اى ما ذكر من عبادة الله بالاخلاص واقامة الصلاة وايتاء الزكاة { دين القيمة } اى دين الملة القيمة قدر الموصوف لئلا يلزم اضافة الشئ الى صفته فانها اضافة الشئ الى سفته وصحة اضافة الدين الى الملة باعتبار التغاير الاعتبارى بينهما فان الشريعة المبلغة الى الامة بتبليغ الرسول ايها من قبل الله تسمى ملة باعتبار أنها تكتب وتملى ودينا باعتبار أنها تطاع فان الدين الطاعة يقال دان له اى اطاعه وقال بعضهم اضافة الدين الى القيمة اضافة العام الى الخاص كشجر الاراك ولا حاجة الى تقدير الملة فان القيمة عبارة عن الملة كما يشهد له قرآءة ابى رضى الله عنه وذلك الدين القيم انتهى ( وقال الكاشفى ) دين القيمة يعنى دين وملت درست است وبابنده .
يعنى اضافة الدين الى القيمة وهى نعته لاختلاف اللفظين والعرب تضيف الشئ الى نعته كثيرا ونجد هذا فى القرآن فى مواضع منها قوله ولدار الآخرة وقال فى موضع وللدار الآخرة لأن الدار هى الآخرة وقال عذاب الحريق اى المحرق كالاليم بمعنى المؤلم وتقول دخلت مسجدا لجامع ومسجدا الحرام وادخلك الله جنة الفردوس هذا وامثاله وانت القيمة لأن الآيات هائية فرد الدين الى الملكة كما فى كشف الاسرار والقيمة بمعنى المستقيمة التى لا عوج فيها وقال الراغب القيمة هنا اسم الامة القائمة بالقسط المشار اليهم بقوله كنتم خيرا امة قال ابن الشيخ بعض اهل الاديان لما بلغوا فى باب الاعمال من غير احكام الاصول وهم اليهود والنصارى والمجوس فانهم ربما اتعبوا انفسهم فى الطاعات ولكنهم ما حلصوا الدين الحق بتحصيل الاعتقاد بالمطابق وبعضهم حصلوا الاصول واهملوا الفروع وهم المرجئة الذين يقولون لا تضر المعصية مع الايمان فالله تعالى خطأ الفريقين فى هذه الآية وبين أنه لا بد من العلم والاخلاص فى قوله مخلصين ومن العمل فى قوله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ثم قال وذلك المجموع كله هو دين الملة المستقيمة المعتدلة فكما أن مجموع الاعضاء بدن واحد كذلك هذا المجموع دين واحد .(17/372)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)
{ ان الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين فى نار جهنم } بيان لحالهم الاخروى بعد بيان حالهم الدنيوى وذكر المشركين لئلا يتوهم اختصاص الحكم بأهل الكتاب حسب اختصاص مشاهدة شواهد النبوة فى الكتبا بهم ومعنى كونهم فيها انهم يصيرون الهيا يوم القيامة وايراد الجملةالاسمية للايذان بتحقق مضمونها لا محالة او انهم فيها الآن اما على تنزيل ملابستهم لما يوجبها منزلة ملابستهم لها واما على أن ما هم فيه من الكفر والمعاصى عين النار الا أنها ظهرت فى هذه النشاة بصورة عرضية وستخلعها فى النشأة الآخرة وتظهر بصورتها الحقيقية { خالدين فيها } حال من المستكن فى الخبر واشتراك الفريقين فى دخول دار العذاب بطريق الخلود لاجل كفرهم لا ينافى تفاوت عذابهم فى الكيفية فان جهنم دركات وعذبها الوان فالمشركون كانوا ينكرون الصانع والنبوة والقيامة واهل الكتاب نبوة محمد عليه السلام فقط فكان كفرهم اخف من كفر المشركين لكنهم اشتركوا فى اعظم الجنايات التى هى الكفر فاستحقوا اعظم العقوبات وهو الخلود ولما كفروا طلبا للرفعة صاروا الى سفل السافلين فان جهنم نار فى موضع عميق مظلم هائر يقال بئر جهنام اذا كانت بعيدهة القعر واشتراكهم فى هذا الجنس من العذاب لا يوجب اشتراكهم فى نوعه { اولئك } البعدآء المذكورون { هم شر البرية } البرية جمع الخلق لأن الله برأهم اى اوجدهم بعد العدم والمعنى شر الخليقة اى اعمالا وهو الموافق لما سيأتى فى حق المؤمنين فيكون فى حيز التعليل لخلودهم فى النار او شرهم مقاما ومصيرا فيكون تأكيدا لفظاعة حالهم وتوسيط ضمير الفصل لأفادة الحصر اى هم شر البرية دون غيرهم كيف لاوهم شر من السراق لأنهم سرقوا من كتاب الله نعوت محمد عليه السلام وشر من قطاع الطريق لأنهم قطعوا الدين الحق على الخلق وشر من الجهال الاجلاف لأن الكفر مع العلم يكون كفر عناد فيكون اقبح من كفر الجهال وظهر منه أن وعيد العلماء السوء اعظم من وعيد كل احد ومن تاب منهم واسلم خرج من الوعيد وقيل لا يجوزان يدخل فى الآية ما مضى من الكفار لأن فرعون كان شرا منهم واما الآية الثانية الدالة على ثواب المؤمنين فعامة فيمن تقدم وتأخر لأنهم افضل الامم والبرية مخففة من المهموز من برا بمعنى خلق فهو البارئ اى الموجد والمخترع من العدم الى الوجود وقد قرأ نافع وابن ذكوان على الاصل .(17/373)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
{ ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يفهم من مقابلة الجمع بالجمع انه لا يكلف الواحد بجميع الصالحات بل لكل مكلف حظ فحظ الغنى الاعطاء وحظ الفقير الاخذ والصبر والقناعة { اولئك } المنعوتون بما هو فى الغاية القاصية من الشرف والفضيلة من الايمان والطاعة { هم خير البرية } استدل بالآية على ان البشر أفضل من الملك لظهور أن المراد بقوله ان الذين آمنوا هو البشر والبرية يشمل الملك والجن سئل الحسن رحمه الله عن قوله اولئك هم خير البرية أهم خير من الملائكة قال ويلك وانى تعادل الملائكة الذين آمنوا وعملوا الصالحات
ملائك راجه سود از حسن طاعت ... جو فيض عشق برآدم فرو ريخت(17/374)
جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
{ جزآؤهم } بمقابلة مالهم من الايمان والطاعات وهو مبتدأ { عند ربهم } ظرف للجزآء { جنات عدن } اى دخول جنات عدن وهو خبر للمبتدأ والعدن الاقامة والدوام وقال ابن مسعود رضى الله عنه عدن بطنان الجنة اى وسطها { تجرى من تحتها الانهار } ميرود از زير اشجار آن جويهاجه بستان بى آب روان نشايد .
وفى الارشاد ان اريد بالجنات الاشجار الملتفة الاغصان كما هو الظاهر فجريان الانهار من تحتها ظاهر وان اريد بها مجموع الارض وما عليها فهو باعتبار الجزء الظاهر وايا ما كان فالمراد جريانها بغير اخدود وجميع جنات يدل على أن للمكلف جنات كما يدل عليه قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان ثم قال ومن دونهام جنتان فذكر للواحد اربع جنات والسبب فيه أنه بكى من خوف الله تعالى وذلك البكاء انما نزل من اربعة اجفان اثنان دون اثنين فاستحق به جنتين دون جنتين فحصل له اربع جنان لبكائه باربعة اجفان وقيل أنه تعالى قابل الجمع بالجمع فى قوله جزآؤهم عند ربهم جنات وهو يقتضى مقابلة الفرد الفرد فيكون لكل مكلف جنة واحدة لكن ادنى تلك الجنات مثل الدنيا بما فيها عشر مرات كذا روى مرفوعا ويدل عليه قوله تعالى وملكا كبيرا او الالف واللام فى الانهار للتعريف فتكون منصرفة الى الانهار المذكورة فى القرءآن وهى نهر الماء ونهر اللبن ونهر العسل ونهر الخمر وفى توصيفها بالجرى بعد ما جعل الجنات الموصوفة جزآء اشارة الى مدحهم بالمواظبة على الطاعات كأنه تعالى يقول طاعتك كانت جارية ما دمت حيا على ما قال وابعد ربك حتى يأتيك اليقين فلذلك كانت انهار كرمى جارية الى الابد { خالدين فيها ابدا } متنعمين بفنون النعم الجسمانية والروحانية وهو حال وذو الحال وعامله كلاهما مضمران يدل عليه جزاؤهم والتقدير يجزون بها خالدين فيها وقوله ابدا ظرف زمان وهو تأكيد للخلود اى لا يموتون فيها ولا يخرجون منها { رضى الله عنهم } استئناف مبين لما يتفضل به عليهم زيادة على ما ذكر من اجزية اعمالهم اى استئناف اخبار كأنه قيل تزاد لهم أو استئناف دعاء من ربهم فلذا فصل وقد يجعل خبرا بعد خبر وحالا بتقدير قد قال ابن الشيخ لما كان المكلف مخلوقا من جسد وروح وانه اجتهد بهما فى طاعة ربه اقتضت الحكمة ان يجزيه بما يتنعم ويستريح به كل واحد منهما فجنة الجسد عهى الجنة الموصوفة وجنة الروح هى رضى الرب ( مصراع )
جيست جنت روح را رضوان اكبر از خدا ... { ورضوا عنه } حيث بلغوا من المطالب قاصيتها وملكوا من المآرب ناصيتها وابيح لهم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لا سيما انهم اعطوا لقاء الرب الذى هو المقصد الاقصى(17/375)
دارند هركس ازتو مرادى ومطلبى ... مقصود مازدنيى وعقبى لقاى تست
{ ذلك } المذكور من الجزآء والرضوان وقال بعضهم الاظهر أنه اشارة الى ما ترتب عليه الجزآء والرضوان من الايمان والعمل الصالح { لمن خشى ربه } براى آنكس كه بترسد از عقوبت بروردكار خود وبموجبات ثواب اشتغال نمايد وذلك احشية التى هى من خصائص العلماء بشؤون الله تعالى مناط لجميع الكمالات العلمية والعملية المستتبعة للسعادات الدينية والدنيوية قال تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء والتعرض لعنوان الربوبية المعربة عن المالكية والتربية للاشعار بعلة الخشية والتحذير من الاغترار بالتربية وعن انس رضى الله عنه قال عليه السلام لابى بن كعب رضى الله عنه « ان الله امرنى أن اقرأ عليك لم يكن الذين كفروا » الخ قال أو سمانى لك قال « نعم » قال وقد ذكرت عند رب العالمين قال « نعم » فذرفت عيناه اى سال دمع عينيه وعن السنة أن يستمع القرءآن فى بعض الاوقات من غيره فانه قال عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه قال لى رسول الله عليه السلام وهو على المنبر « اقرأ على » قلت اقرا عليه وعليك انزل قال « انى احب أن أسمعه من غيرى » فقرأ سورة النساء حتى اتيت هذه الآية فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال « حسبك الآن » فالتفت اليه فاذا عيناه تذرفان اى تقطران وكان عمر رضى الله عنه يقول لأبى موسى الاشعرى رضى الله عنه ذكرنا ربنا فيقرأ حتى يكاد وقت الصلاة يتوسط فيقول يا امير المؤمنين الصلاة الصلاة فبقول انا فى الصلاة وفى الحديث « من استمع آية من كتاب الله كانت له نورا يوم القيامة » فظهر أن استماع القرءآن من الغير فى بعض الاحيان من السنن واما أنه هل يفرض استماعه كلما قرئ بناء على قوله تعالى وذا قرئ القرءآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون ففى الصلاة نعم واما خارجهما فعامة العلماء على استحبابها كما فى شرح شرعة الاسلام للشيخ قورد افتدى رحمه الله .(17/376)
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
{ اذا } جون { زلزلت الارض } اى حركت تحريكا عنيفا متكررا متداركا فان تكرر حروف لفظه ينبئ عن تكرر معنى الزلل { زلزالها } اى الزلزال المخصوص بها الذى تستوجبه فى الحكمة ومشيئة الله وهو الزلزال الشديد الذى لا غاية ورآءه وهو معنى زلزالها بالاضافة العهدية يقال زلزله زلزلة وزلزالا مثلثة حركه كما فى القاموس وقال اهل التفسير الزلزال بالكسر مصدر وبالفتح اسم بمعنى المصدر وفعلال بالفتح لا يوجد الا فى المضاعف كالصلصال ونحوه .(17/377)
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
{ واخرجت الارض اثقالها } اختيار الواو على الفاء مع أن الاحراج متسبب عن الزلزال للتفويض الى ذهن السامع واظهار الارض فى موضع الاضمار لأن اخراج الاثقال حال بعض اجزآئها والانقال كنوز الارض وموتاها جمع ثقل بالكسر واما ثقل محركة فمتاع المسافر وحشمه على ما فى القاموس والمعنى واخرجت الارض ما فى جوفها من دفائنها وكنوزها كما عند زلزال النفخة الاولى الذى هو من اشراط الساعة وكذا من امواتها عند زلزال النفخة الثانية وفى الخبر تقيئ الارض افلاذ كبدها امثال الاسطوانة من الذهب فيجئ القاتل فيقول فى هذا قتلت ويحئ القاطع رحمه فيقول فى هذا قطعت رحمى ويجيئ السارق فيقول فى هذا قطعت يدى ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيأ قوله افلاذ كبدها اراد انها تخرج الكنوز المدفونة فيها وقيئها اخراجها ويدل فى الاثقال الثقلان وفيه اشارة الى أن الجن تدفن ايضا .(17/378)
وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)
{ وقال الانسان } اى كل فرد من افراده لما يغشاهم من الاهوال ويلحق بهم من فرط الدهشة وكمال الحيرة { مالها } اى شئ للارض زلزلت هذه المرة الشديدة من الزلزال واخرجت ما فيها من الاثقال استعظاما لما شاهده من الامر الهائل وتعجبا لما يرونه من العجائب التى لم تسمع بها الآذان ولا ينطق بهما اللسان لكن المؤمن يقول بعد الافاقة هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون والكافر من بعثنا من مرقدنا .(17/379)
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)
{ يومئذ } يدل من اذا { تحدث اخبارها } عامل فيهما وهو جواب الشرط وهذا على القول بأن العامل فى اذا لشرطية جوابها واخبارها مفعول لتحدث والاول محذوف لعدمم تعلق الغرض بذكره اذ الكلام مسوق لبيان تهويل اليوم وان الجمادات تنطق فيها واما ما ذكر ابن الحاجب من ان حدث وانبا ونبأ لا يتعدى الا الى مفعول واحد فغير مسلم الصحة على ما فصل فى محله والمعنى تحدث الخلق اخبارها اما بلسان الحال حنث تدل دلالة ظاهرة على ما لاجله زلزالها واخراج اثقالها وان هذا ما كانت الانبياء ينذرونه يوخوفون منه واما بلسان المقال وهو قول الجمهور حيث ينطقها الله تعالى فتخبر بما عمل على ظهرها من خير وشر حتى يؤد الكافر أنه سيق الى النار مما يرى من الفضوح ( روى ) أن عبد الرحمن بن صعصعة كان يتيما فى حجر ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه فقال ابو سعيد يا بنى اذا كنت فى البوادى فارفع صوتك بالأذان فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لا يسمعه جن ولا انس ولا حجر ولا شجر الا شهد له » وروى أن ابا امية صلى فى المسجد الحرام المكتوبة ثم تقدم فجعل يصلى ههنا وههنا فلما فرع قيل له يا ابا امية ما هذا الذى تصنع قال قرأ هذه الآية يومئذ تحدث اخبارها فأردت أن يشهد لى يوم القيامة فطوبى لمن شهد له المكان بالذكر والتلاوة والصلاة ونحوها وويل لمن شهد عليه بالزنى والشرب والسرقة والسماوى ويقال ان لله عليك سبعة شهود المكان كما قال تعالى يومئذ تحديث اخبارها والزمان كما فى الخبر ينادى كل يوم انا يوم جديد وانا على ما تعمل فى شهيد واللسان كما قال تعالى يوم تشهد عليهم السنتهم والركان كما قال تعالى وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم والملكان كما قال تعالى وان عليكم لحافظين والديوان كما قال تعالى هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق والرحمن كما قال انا كنا عليكم شهودا فكيف يكون حالك يا عاصى بعد ما شهد عليك هؤلاء الشهود .(17/380)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
{ بان ربك اوحى لها } اى تحدث اخبارها بسبب ايحاء ربك لها وامره اياها بالتحديث بلسان المقال على ما عليه الجمهور أو بسبب أن احدث فيها احوالا دالة على الاخبار كما اذا كان التحديث بلسان الحال وفيه اشارة الى زلزلة ارض البدن عند نزع الروح الانسانى باضطراب الروح الحيوانى والقوى والى اجراجها متاعها التى هى به ذات قدر من القوى والارواح وهيئات الاعمال والاعتقادات الراسخة فى القلب وقال الانسان مالها زلزلت واضطرب ما طبها وما دآؤها ألانحراف المزاج ام لغلبة الاخلاص يومئذ تحدث اخبارها بلسان حالها بأن ربك اشار اليها وامرها بالاضطراب والخراب واخراج الاثقال عند زهوق الروح وتحقق الموت .(17/381)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
{ يومئذ } اى يوم اذا يقع ما ذكر { يصدر الناس } من قبورهم الى موقف الحساب وانتصب يومئذ بيصدر والصدر يكون عن ورود اى هو رجوع وانصراف بعد الورود والمجيئ فقال الجمهور هو كونهم مدفونين فى الارض والصدر قيامهم للبعث والصدر والصدور بالفارسية باز كشتن .
يعنى الصدر بسكون الدال الرجوع والاسم بالتحريك ومنه طواف الصدر وهو طواف الوداع { اشتاتا } يقال جاؤا اشتاتا اى متفرقين فى النظام واحدهم شت بالفتح اى متفرق ونصب على الحال اى حال كونهم متفرقين بيض الوجوه والثياب آمنين ينادى المنادى بين يديه هذا ولى الله وسود الوجوه حفاة عراة مع السلاسل والاغلال فزعين والمنادى ينادى بين يديه هذا عدو الله وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن جبرآئيل عليه السلام جاء الى النبى عليه السلام يوما فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام وهو يقول مالى اراك مغموما حيزنا وهو اعلم به فقال عليه السلام « يا جبرآئيل قد طال تفكرى فى امر امتى يوم القيامة » قال يا محمد فى امر اهل الكفر ام فى امر اهل الاسلام قال « يا جبرآئيل بلا بل فى امر اهل لا اله الا الله » قال فأخذ بيده حتى اقامه على مقبرة بنى سلمة فضرب بجناحه الايمن على قبر ميت فقال قم باذن الله فقام رجل مبيض الوجه وهو يقول لا اله الا الله محمد رسول الله الحمد لله رب العالمين فقال له جبرآئيل عد فعاد كما كان ثم ضرب بجناحه الايسر على قبر ميت فقال قم باذن الله فخرج رجل مسود الوجه ازرق العين وهو يقول واحسرتاه واندامتاه واسوأتاه فقال له جبريل عد فعاد كما كان ثم قال جبرآئيل هكذا يبعثون يوم القيامة على ما ماتوا عليه { ليروا } اللام متعلقة بيصدر { اعمالهم } اى جزآء اعمالهم خيرا كان او شرا والا فنفس الاعمال لا يتعلق بها الرؤية البصرية اذا الرؤية هنا ليست علمية لأن قوله فمن يعمل الخ تفصيل ليروا والرؤية فيه بصربية لعديتها الى مفعول واحد اللهم الا ان يجعل لها صور نورانية او ظلمانية اويتعلق الربية بكتبها كما سيجئ .(17/382)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
{ فمن } بس هركه { يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } تفصيل ليروا والمثقال الوزن والذرة النملة الصغيرة او ما يرى فى شعاع الشمس من الهبال وقال ابن عباس رضى الله عنهما اذا وضعت راحتك اى يدك على الارض ثم رفعتها فكل واحد الارض ثم رفعتها فكل واحد مما لزقى بها من التراب ذرة وقال يحيى بن عمار حبة الشعير أربع ارزات والارزة اربع سمسمات والسمسمة اربع خردلات والخردلة اربعة اوراق نخالة وورق النخالة ذرة ومعنى رؤية ما يعادل الذرة من خير وشر اما مشاهدة اجزيته فمن الاولى مختصة بالسعدآء والمخصص قوله اشتاتا اى فمن يعمل من السعدآء مثقال ذرة خيرا يره والثانية بالاشقياء بقرينة اشتاتا ايضا اى ومن يعمل من الاشقياء مثقال ذرة شرا يره وذلك لأن حسنات الكافر محبطة بالكفر وسيئات المؤمن المجتنب عن الكبائر معفوة وما قيل من أن حسنة الكافر تؤثر فى نقص العقاب فقد ورد أن حاتما الطائى يخفف الله عنه لكرمه وورد مثله فى ابى طالب وغيره يرده قوله تعالى وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وقوله عليه السلام فى حق عبد الله بن جدعان « لا ينفعه لأنه لم يقل يوما رب اغفر لى خطيئتى يوم الدين » وذلك حين قالت عائشة رضى الله عنها يا رسول الله ابن جدعان كان فى الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه وقوله عليه السلام « ولولا انا كان فى حق ابى طالب ولولا انا كان فى الدرك الاسفل من النار » فتلك الشفاعة مختصة به واما حسنات الكفار فمقبولة بعد اسلامهم واما مشاهدة نفسه من غير أن يعتبر معه الجزآء ولا عدمه بل يفوض كل منهما الى سائر الدلائل الناطقة بعفو صغائر المؤمن المجتنب عن الكبائر واثباته بجميع حسناته وبحبوط حسنات الكافر ومعاقبته بجميع معاصيه فالمعنى ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيرا او شرا الا اراه الله اياه اما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثيبه بحسناته واما الكافر فيرد حسناته تحسيرا احبط لبنائه على غير اساس الايمان فهو صورة بلا معنى ليشتد ندمه يويقوى حزنه واسفه والمؤمن يراه ليشتد سروره به وفى جانب الشر يراه المؤمن ويعلم أنه قد غفر له فيكمل فرحه والكافر يراه فيشتد حزنه وترحه وفى التأويلات النجمية ليروا اعمالهم المكتسبة بيدى الاستعدادات الفاعلية العلمية والقابلية العملية فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره فى الصورة الجزآئية لتصور الاعمال بصور تناسبها نورانية كانت او ظلمانية ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره متجسدا فى يوم القيامة فى جسد السباع بحسب القوة الغضبية وفى جسد البهائم بحسب القوة البهيمية وكلما ازدادت الصور الحسنة المتنوعة ازدادت البهجة والسرور كما أنه كلما ازدادت الصورة القبيحة المختلفة ازداد العبوس والالم وفيه رمز الى أنه لا يلزم من مجرد الرؤية المجازاة كما فى حق المؤمن وذلك من فضل الله تعالى على من يشاء من عباده وفى التفاسير نزلت الآية ترغيبا فى الخير ولو كان قليلا كتمره وعنبة وكسرة وجوزة ونحوها فانه يوشك أن يكثر اذا كان بنية خالصة وتحذيرا من الشر وان كان قليلا كخيانة ذرة فى الميزان وكنظرة وخطوة وكذبة فانه يوشك ان يكون كثيرا عظيما للجرآءة على الله العظيم وكان الناس فى بدء الانسان يرون أن لله لا يؤآخذهم بالصغائر من الذنوب وكان بعضهم يستحيى من صدقة الشئ اليسير ويظن أنه ليس له اجرحتى نزلت الآية وفى الحديث اذا زلزلت تعدل ربع القرءآن رواه ابن ابى شيبة مرفوعا فتكون قرآءتها اربع مرات كقرآءة القرءآن كله وذلك لأن الايمان بالبعث ربع الايمان فى قوله عليه السلام(17/383)
« لا يؤمن عبد حتى يؤمن باربع يشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله بعثنى الله بالحق ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر » وفى بعض الآثار أن سورة الزلزله نصف القرءآن وذلك لأن احكام القرءآن تنقسم الى احكام الدنيا واحكام الآخرة وهذه السورة تشتمل على احكام الآخرة كلها اجمالا وروى أن جد الفرزدق بن صعصعة بن ناجية اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقرئه يعنى كفت از آنجه برنو فرودمى آيد برمن بخوان .
وفى كشف الاسرار صعصعه عم فرزدق بيش مصطفى آمد ومسلمان كشت واز رسول خدا در خواست تا از قآن جيزى بروى بخواند فقرأ عليه السلام عليه هذه الآية اى فمن يعمل الخ فقال حسبى حسبى وآشوبى وشورى از نهاد وى برآمد وبخاك افتاد وزار بكريست وهى احكم آية وسميت الجامعة وعن زيد بن اسلم رضى الله عنه ان رجلا جاء الى النبى عليه السلام فقال علمنى ما علمك الله فدفعه الى رجل يعلمه القرءآن فعلمه اذا زلزلت الارض حتى بلغ فمن يعمل الخ قال الرجل حسبى فاخبر بذلك النبى عليه السلام فقال « دعه فقد فقه الرجل » جون كسى داندكه برذره وحبه محاسبه بايد كرد امروز بحساب خود مشغول شود
حساب كارخود امروز كن كه فرصت هست ... زخير وشر بنكر تاجهاست حاصل تو
اكر بنقد نكويى توانكرى خوش باش ... ورت بغير بدى نيست واى بردل تو(17/384)
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)
{ والعاديات } جمع عادية وهى الجارية بسرعة من العدو وهو بالفارسية دويدن . وياؤها مقلوبة عن الواو لكسرة ما قبلها اقسم سبحانه بخيل الغزاة التى تعدو نحو العدو { ضبحا } مصدر منصوب اما بفعله المحذوف الواقع حالا منها اى تضبح ضبحا على تأويل العاديات بالجماعة وهو صوت انفاسها عند عدوها يعنى صوتا يسمع من افواه الفرس واجوافها اذا عدون وهو صوت غير الصهيل والحمحمة وهى صوت البرذون عند الشعير أو بالعاديات فان العدو . مستلزم للضبح كأنه قيل والضابحات ضبحا او حال على أنه مصدر بمعنى الفاعل اى ضابحات .(17/385)
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)
{ فالموريات قدحا } الايرآء اخراج النار والقدح الضرب فان الخيل يضربن بحوافر هن وسنا بكهن الحجارة فيخرجن منها نارا يقال قدح الزند فاورى وقدح فاصلد اى صوت ولم يور فالقدح يتقدم على الايرآء بخلاف الضبح حيث يتأخر ويتسبب عن العدو والمعنى تورى النار من حوافرها اذا سارت فى الارض ذات الحجارة لاقدح استعارة لضرب الحجارة بحوافها وانتصاب قدحا كانتصاب ضبحا على الوجوه الثلاثة اى تقدح قدحا او فالقادحات قدحا او قادحات .(17/386)
فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)
{ فالمغيرات } يقال اغار على القوم غارة واغارة دفع عليهم الخليل واغار الفرس اشتد عدوه فى الغارة وغيرها اسند الاغارة التى هى مباغتة العدو للنهب والقتل واسر الى الخليل وهى حال اهلها ايذانا بانها العمدة فى اغارتهم { صبحا } نصب على الظرفية اى فى وقتالصبح وهو المعتاد فى الغارات يعدون ليلا لئلا يشعر بهم العدو ويهجمون عليهم صباحا على حين غفلة ليروا ما يأتون وما يذرون ومنه قولهم عند خوف الغارة يا صباحاه اى يا قوم احذروا من شر توجه الينا صباحا .(17/387)
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)
{ فأثرن به } عطف على الفعل الذى دل عليه اسم الفاعل اذ المعنى واللاتى عدون فاورين فاغرن فأثرن به اى فهيجن فى ذلك الوقت واصله اثورن من الثور وهو الهيجان نقلت حركة الواو الى الثاء قبلها وقبلت الواو الفا فصار اثارن فحذفت الالف لاجتماع الساكنين فبقى اثرن بوزن افلن ويجوز ان يجعل الضمير لفعل الاغارة فالباء للسببية او للملابسة { نقعا } اى غبارا وبالفارسية بس دران وقت كرد انكيختند .
من نقع الصوت اذا ارتفع فالغبار سمى نقعا لارتفاعه او هو من النقع فى الماء فكان صاحب الغبار خاض فيه كما يخوض الرجل فى الماء وتخصص اثارته بالصبح لأنه لا يثور ولا يظهر ثورانه بالليل وبهذا يظهر أن الايراء الذى لا يظهر فى النهار واقع فى الليل ولله در شأن التنزيل قال سعدى المفتى والفر فى المجاولة اثر المدبر الهارب والمصاولة مع المقبل المحارب فيشأ الغبار الكثير .(17/388)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)
{ فوسطن به } اى توسطن فى ذلك الوقت فوسط بمعنى توسط والباء ظرفية والتوسط درميان جيزى شدن او توسطن ملتبسات بالنقع فالباء للملابسة { جمعا } من جموع الاعدآء اى دخلن فى وسطهم وهو مفعول به لوسطن والفاآت للدلالة على ترتب ما بعد كل منها على ما قبلها فان توسط الجمع مترتب على الاثارة المترتبة على الاغارة المترتبة على الايرآء المترتب على الغدو .(17/389)
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
{ ان الانسان لربه لكنود } جوزاب القسم يقال كند النعمة كنودا كفر بها فالكنود بالضم كفران النعمة وبالفتح الكفور ومنه سمى كندة بالكسر وهو لقب ثور بن عفيرابى حى من اليمن لأنه كند ابوه النعمة ففارقه ولحق باخواله وقال الكلبى الكنود بلسان كندة الاصى وبلسان بنى مالك البخيل وبلسان مضر وربيعة الكفور والمراد بالانسان بعض افراده اى انه لنعمة ربه خصوصا لكفور اى شديد الكفران فقوله لربه متعلق بكنود قدم عليه لافادة التخصيص ومراعاة الفواصل روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الى ناس من بنى كنانة سرية واستعمل عليها المنذر بن عمرو الانصارى رضى الله عنه وكان احد النقباء فابطأ عليه صلى الله عليه وسلم خبرها شهرا فقال « المنافقون انهم قتلوا » فنزلت السورة اخبارا للنبى عليه السلام بسلامتها وأشارة له باغارتها على القوم ونعيا على المرجفين فى حقهم ما هم فيه من الكنود فاللام فى العاديات ان كانت للعهد كان المقسم به خيل تلك السرية وان كانت للجنس كان ذلك قسما بكل خيل عدت فى سبيل الله واتصفت بالصفات المذكورة وعلى التقديرين فهى مستحقة لأن يقسم بها لاتصافها بتلك الصفات الشريفة وفى تخصيص خيل الغزاة بالاقسام بها من البراعة ما لا مزيد عليه كأنه قيل وخيل الغزاة التى فعلت كيت وكيت وقد ارجف هؤلاء فى حق اربابها ما ارجفوا انهم مبالغون فى الكفران واذا كان شرف خيل الغزاة بهذه المرتبة حتى اقسم الله بها فما ظنك بشرف الغزاة وفضلهم عند الله تعالى وعنه عليه السلام « الكنود هو الذى يضرب عبده ويأكل وحده ويمنع رفده » اى عطاه فيكون بخيلا يقال كان ثلاثة نفر من العرب فى عصر واحد احدهم آية فى السخاء وهو حاتم الطائى والثانى آية فى البخل وهو ابو حباحب وبخله انه كان لا يوقد النار للخبز الا اذا نام اناس فاذا انتبهوا اطفأ ناره لئلا ينتفع بها احد والثالث آية فى الطمع وهو اشعب بن جبير مولى لمصعب بن الزبير بن العوام قرأ صبى فى المكتب وعنده اشعب جالس ان ابى يدعوك فقام وليس نعليه فقال الصبى انا اقرأ حزبى وكان اذا رأى انسانا يحك عنقه يظن أنه ينتزع قميصه ليدفعه اليه وكان اذا رأى دخانا ارتفع من دار ظن أن اهلها تأتى بطعام وكان اذا رأى عروسا تزف الى موضع جعل يكنس باب داره لكى تدخل داره قال ما رأيت اطمع منى الا كلبا تبعنى على مضغ العلك فرسخا وقال الحسن لكنود اى لوام لربه يذكر المصيبات وينسى النعم وقال ابوعبيدة قليل الخير من الارض الكنود التى لا تنبت شيأ كأنه مقلوب النكد وقال القاشانى لكفور لربه باحتجابه بنعمه عنه ووقوفه معها وعدم استعماله لها فيما ينبغى ليتوصل بها اليه وفى التأويلات النجمي لكنود بنعمة الوجود والصفات والاسماء لادعائها لنفسه بالاستقلال والاستبداد او لعاص باستعملالها فى غير محالها او لبخيل لاختصاصها لنفسه وعدم ايثارها على الخلق بطرق الارشاد .(17/390)
وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)
{ وانه على ذلك } اى الانسان على كنوده { لشهيد } اى يشهد على نفسه بالكنود لظهور اثره عليه فالشهادة بلسان الحال لا بلسان المقال ويحتمل ان يجعل من الشهود بمعنى أنه لكفور مع علمه بكفرانه والعمل السئ مع العلم به غاية المذمة .(17/391)
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
وانه لحب الخير } اى المال كما فى قوله تعالى ان ترك خيرا وايثار الدنيا وطلبها وفى الاسئلة المقحمة فان قلت سمى الله الجنس المال خيرا وعسى ان يكون خبيثا وحراما قلت أنما سماه خيرا جريا على العادة فانهم كانوا يعدون المال خيرا فسماه الله خيرا جريا على عادتهم كما سمى الجهاد سوأ فقال لم يمسسهم سوء اى قتال والقتال ليس بسوء ولكن ذكره جريا على عادتهم { لشديد } اى قوى مطيق مجد فى طلبه وتحصيله متهالك عليه وهو عبادة الله وشكر نعمته ضعيف متقاعس يقال هو شديد لهذا الامر وقوى له اذا كان مطيقا له ضابطا او الشديد البخيل الممسك يعنى وانه لاجل حب المال وثقل انفاقه عليه لبخيل ممسك ولعل وصفه بهذا الوصف القبيح بعدو صفة بالكنود للايماء الى أن من جملة الامور الداعية للمنافقين الى النفاق حب المال لأنهم بما يظهرون من الايمان يعضمون اموالهم ويجزون من الغنائم نصيبا .
شيخ الاسلام قدس سره فرموده كه اكرمال رادوست ميدارى بده تابازبتو دهند وبراى وارث منه كه داغ حسرت بردل تونهند
مال همان به كه بياران دهى ... كر بدهى به كه بخاكش نهى
زرزبى منفعت است اى حكيم ... بهرنهادن جه سفال وجه سيم(17/392)
أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)
{ افلا يعلم } اى أيفعل ما يفعل من القبائح او ألا يلاحظ فلا يعلم فى الدنيا ان الله مجازية { اذا بعثر } بعث واخرج وقد سبق فى الانفطار فناسب اذا محذوف وهو مفعول يعلم لا يعلم لأن الانسان لا يراد منه العلم فى ذلك الوقت وانما يراد منه ذلك فى الدنيا { ما فى القبور } من الموتى وايراد ما لكونهم اذ ذاك بمعزل عن مرتبة العقلاء .(17/393)
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)
{ وحصل } اى جمع فى الصحف اى اظهر محصلا مجموعا واصل التحصيل اخراج المستور بآخر المغمور فيه واخذه منه كاخراج اللب من القشر واخراج الذهب من حجر المعدن والبر من التين والدهن من اللين ومن الدردى والجمع والاظهار من لوازمه ويجوزان ان يكون المعنى ميز حيزه من شره ومنه قيل للمنخل المحصل اى آلة التحصيل وتمييز الدقيق من النخالة فانه لا بد من التمييز بين الواجب والمندوب والمباح والمروه والمحظور فان لكل واحد حكما على حدة فتمييزا البعض من البعض وتخصيص كل واحد منها بحكمه اللاحق هو التحصيل وفى القاموس التحصيل تمييز ما يحصل والحاصل من كل شئ ما بقى وثبت وذهب ما سواه { ما فى الصدور } من الاسرار الخفية التى من جملتها ما يخفيه المنافقون من الكفر والمعاصى فضلا عن الاعمال الجلية فتخصيص اعمال القلب لأنه لولا البواعث والارادات فى القلوب لما حصلت افعال الجوارح فالقلب اصل واعمال الجوارح تابعة له ولذا قال تعالى آثم قلبه وقال عليه السلام « يبعثون على نياتهم »(17/394)
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
{ ان ربهم } اى المبعوثين كنى عنهم بعد الاحياء الثانى بضمير العقلاء بعدما عبر عنهم قبل ذلك بما بناء على تفاوتهم فى الحالين فحين كانوا فى القبور كانوا كجمادات بلا عقل ولا علم وان كان لهم نوع حياة فيها بخلاف وقت الحشر { بهم } بذواتهم وصفاتهم واحوالهم بتفاصيلها { يومئذ } اى يوم اذ يكون ما ذكر من بعث ما فى القبور وتحصل ما فى الصدور لأخبير اى عالم بظواهره وبواطنه علما موجبا للجزآء متصلا به كما ينبئ عنه تقييده بذلك اليوم والا فمطلق علمه سبحانه محيط بما كان وما سيكون قوله بهم ويومئذ متعلقان بخبير قدما عليه مراعاة للفواصل واللام غير مانعة من ذلك .(17/395)
الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)
{ والقارعة } القرع هو الضرب بشدة واعتماد بحيث يحصل منه صوت شديد ثم سميت الحادثة العظيمة من حوادث الدهر قارعة والمراد بها ههنا القيامة التى مبدأها النفخة الاولى ومنتهاها فصل القضاء بين الخلائق سميت بها لأنها تقرع القلوب والاسماع بفنون الافزاع والاهوال وتخرج جميع الاجرام العلوية والسفلية من حال الى حال السماء بانشقاق والانفطار والشمس والنجوب والتكوير والانكدار والانتثار والارض والجبال بالدك والنسف وهى مبتدأ خبره قوله { ما القارعة } على أن ما الاستفهامية خبر والقارعة مبتدأ اى راى شئ عجيب هى فى الفخامة والفظاعة وقد وضع الظاهر موضع الضمير تأكيدا للتهويل .(17/396)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)
{ وما ادراك ما القارعة } ما فى حيز الرفع على الابتدآء وادراك هو الخبر اى واى شئ اعلمك ما شان القارعة فان عظم شأنها بحيث لا تكاد تناله دراية احد حتى يدرك بها ولما كان هذا منبئا عن الوعد الكريم باعلامها انجز ذلك بقوله { يوم يكون الناس } اى هى يوم يكون الناس على ان يوم مرفوع على انه خبر مبتدأ محذوف وحركته الفتح لاضافته الى الفعل وان كان مضارعا على ما هو رأى الكوفيين او اذكر يوم الخ فانه يدريك ما هى { كالفراش المبثوث } جمع فراشة وهى التى تطير وتتهافت على السراج فتحترق وبالفارسية بروانه . والمبثوث المفرق وبه شبه فراشة القفل وهو ما شنب فيه والمبثوث بالفارسية براكنده . والمعنى كالفراش المفرق فى الكثرة والانتشار والضعف والذلة والاضطراب والتطاير الى الداعى كتطاير الفراش الى النار قال جرير فى الكثرة والانتشار والضعف والذلة والاضطراب والتطاير الى الداعى كتطاير الفراش الى النار قال جرير
ان الفرزدق ماعملت وقومه ... مثل الفراش عشين نار المصطلى
وهذا يدل على كثرة الفراش ولو فى بعض المواضع فسقط ما قال سعدى المتفى فيه ان الفراش لا يعرف الكثرة بحيث يصلح ان يكون مشبها به لاهل المحشر فيها الا ان يفسر بصغار الجراد اى كالجراد المنتشر حين ارادة الطيران كما قال تعالى كأنهم جراد منتشر وفيه ان الفراش لم يفسر فى اللغات بصغار الجراد وقال ابن الشيخ شبه الله الخلق وقت البعث فى هذه الآية بالفراش المبثوث وفى الآية الخرى بالجراد المنتشر وجه التشبيه بالجراد هو الكثرة والاضطراب وبالفراش المبثوث اختلاف جهات حركاتهم فانهم اذا بعثوا فزعوا فيهذب كل واحد منهم الى جهة غير جهة الآخر كالفراش فانها اذا طارت لانتجه الى جهة واحدة بل تختلف جهاتها انتهى وفيه اشارة الى ان السالك الفانى يكون فى الشهود الاحدى فى الذلة وتفرق الوجهة كالفراش واحقر واذل لانه لا قدر ولا وقع له فى عين الموحد .(17/397)
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
{ وتكون الجبال كالعهن المنفوش } العهن الصوف المصبوغ ألوانا والنفش نشر الشعر والصوف والقطن بالاصبع وخلخلة الاجزآء وتفريقها عن تراصها قال السجاوندى شبه خفتها بعد رزانتها بالصوف وتلونها بالمصبوغ ومرها بالمندوف واخصاص العهن لا لوان الجبال كما قال تعالى ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود والمعنى وتكون الجبال كما قال تعالى ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود والمعنى وتكون الجبال كالصوف الملون بالالوان المختلفة المندوف فى تفرق اجزآئها وتطايرها فى الجو وكلا الامرين من آثار القارعة بعد النفخة الثانية عند حشر الخلائق يبدل الله الارض غير الارض ويغير هيئاتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئات الهائلة ليشاهدها اهل المحشر وهى وان اندكت عند النفخة الاولى ولكن تسييرها وتسوية الارض انما يكونان بعد النفخة الثانية .(17/398)
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)
{ فاما من ثقلت موازينه } جمع الموزون وهو العمل الذى له وزن وخطر عند الله او جمع ميزان وثقلها رجحانها لان الحق ثقيل والباطل خفيف والجمع للتعظيم او لان الكل مكلف ميزانا او لاختلاف الموزونات وكثرتها قال ابن عباس رضى الله عنهما انه ميزان له لسان وكفتان لا يوزن فيه الا الاعمال ليبين الله امر العباد بما عهدوه فيما بينهم قالوا توضع فيه صحف الاعمال اظهارا للمعدلة وقطعا للمعذرة او تبرز الاعمال العرضية بصور جوهرية مناسبة لها فى الحسن والقبح يعنى يؤتى بالاعمال الصالحة على صور حسنة وبالاعمال السيئة على صور سيئة فتوضع فى الميزان اى فمن ترجحت مقادير حسناته .(17/399)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)
{ فهو فى عيشة راضية } من قبيل الاسناد الى السبب لان العيش سبب الرضى من منعم العيش وقال بعضهم راضية اى راض صاحبها عنها وبالفارسية درزندكانى باشد بسنديده .
وقد سبق فى الحاقة وفى التأويلات النجمية فاما من ثقلت له موزونات الاوصاف الالهية والاخلاق اللاهوتية فهو فى راحة واستراحة من نتائج تلك الاوصاف والاخلاق .(17/400)
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)
{ واما من خفت موازينه } بان لم يكن له حسنة يعتد بها او ترجحت سيئاته على حسناته وعن ابن مسعود رضى الله عنه يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته اكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته اكثر من حسناته بواحدة دخل النار .(17/401)
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)
{ فامه } اى مأواه { هاوية } هى من اسماء النار سميت بها لغاية عمقها وبعد مهواها روى ان أهل النار يهوى فيها سبعين خريفا ( وقال الكاشفى ) وآن دركه باشد زير ترين همه دركها وعبر عن المأوى بالام لأن اهلها يأوون اليها كما يأوى الولد الى امه وفيه تهكم به او لانها تحيط به احاطة رحم الام بالولد أو لان الام هى الاصل والكافر خلق من النار وكل شئ يرجع الى اصله وهو اللائح وفى الكشاف من قولهم اذا دعوا على لارجل بالهلكة هوت امه لانه اذا هوى اى سقط وهلك فقد هوت امه ثكلا وحزنا فكأنه قيل فقد هلك وعن قتادة فام رأسه هاوية فى جهنم لانه يطرح فيها منكوسا وام الرأس الدماغ او الجلدة الرقيقة التى عليها وفى التأويلات النجمية واما من خفت موازينه بالاخلاق السيئة والاوصاف القبيحة الخبيثة فاصله المجبول عليه هاوية الحجاب من الازل الى الابد وهى نار حامية بنار الجهل والعمى وحطب النفس والهوى ونفخ الشيطان والدنيا وفى لفظ الثقل والخفة اشارة الى ان السعدآء والاشقياء مشتركون فى فعل السيئة وان كانت فى الفريق الاول مرجوحة قليلة وفى الثانى راجحة كثيرة ولا يرتفع هذا الابتلاء ولذا قال عليه السلام لعلى رضى الله عنه « يا على اذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة » وذلك لما انه مقتضى الاسم الغفور .
اعلم ان ميزان الحق بخلاف ميزان الخلق اذ صعود الموزونات وارتفاعها فيه هو الثقل وهبوطها وانحطاطها هو الخفة لان ميزانه تعالى هو العدل والموزونات الثقيلة اى المعتبرة الراجحة عند الله التى لها قدر ووزن عنده هى الباقيات الصالحات والخفيفة التى لا اعتبار لها عند الله هى الفانيات الفاسدات من اللذات الحسية والشهوات وفى الهاوية اشارة الى هاوية الطبيعة الجسمانية التى يهوى فيها اهلها وفى الحقيقة الموزونات هى الاستعدادات الغيبية والقابليات العلمية الازلية المسواة كفتاها بكف اليد اليمنى وبكف اليد اليسرى .(17/402)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)
{ وما ادراك ما هيه } وجه جيزى دانا كردترا كه جيشت هاوية . فهى للهاوية والهاء للسكت والاستراحة والوقف واذا وصل القارئ حذفها وقيل حقه ان لا يدرج لئلا يسقطها الادراج لانها ثابتة فى المصحف وقد اجيزا ثباتها مع الوصل قال ابو الليث قرأ حمزة والكسائى بغيرها فى الوصل وبالهاء عند الوقف والباقون باثباتها فى الوصل والوقف وقد سبق مفصلا فى الحاقة وفيه اشعار بخروجها عن الحدود المعهودة فلا يدريها احد ثم اعلمها بقوله { نار حامية } متناهية فى الحر وبالفارسية آتشى بغايت رسيده درسوزش . يقال حمى الشمس والنار حميا وحميا وحموا اشتد حرها وقد سبق .(17/403)
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)
{ الهاكم التكاثر } اللهو ما يغشل الانسان عما يعنيه ويهمه ويقال لهوت بكذا ولهوت عن كذا اى شاتغلت عنه بلهو ويعبر به عن كل ما به استمتاع ويقال ألهى عن كذا اى شغل عما هو أهم والتكاثر التبارى فى الكثرة والتباهى بها وان يقول هؤلاء نحن اكثر وهؤلاء نحن اكثر والمعنى شغلكم التغالب فى الكثرة والتفاخر بها وبالفارسية مشغول كرد شمارا فخر كردن به بسيارئ قوم . قال ابن الشيخ الالهاء الصرف الى اللهو والبعث والتكاثر اذا صرف العبد الى الى اللهو يكون البعد منصرفا اليه ومعلوم ان الانصراف الى الشئ يقتضى الاعراض عن غيره فتفسير ألهاكم كذا بشغلكم تفسير له بما يلزم اصل معناه الا انه صار حقيقة عرفية فيه بالغلبة وحذف الملهى عنه اى الذى الهى عنه وهو ما يعنيهم من امرين الدين للتعظيم والمبالغة اما الاول فلان الحذف كالتنكير قد يجعل ذريعة الى التعظيم لاشتراكهما فى الابهام واما الثانى فلان تذهب النفس كل مذهب ممكن فيدخل فيه جميع ما يحتمل المقام مثل الهاكم التكاثر عن ذكر الله وعن الواجبات والمندوبات مما يتعلق بالقلب كالعلم والتفكر والاعتبار او بالجوارح كأنواع الطاعات وتعريف التكاثر للعهد والهد المذموم هو التكاثر فى الامور الدنيوية الفانية كالفتا خربا لمال والجاه والاعوان والاقرباء واما التفاخر بالامور الاخروية الباقية فممدوح كالتفاخر بالعلم والعمل والاخلاق والصحة والقوة والغنى والجمال وحسن الصوت اذا كان بطريق تحديث النعمة ومن ذلك تفاخر العباس رضى الله عنه بان السقاية بيده وتفاخر شيبة بان مفتاح البيت بيده الى ان قال على رضى الله عنه وانا قطعت خرطوم الكفر بسيفى فصار الكفر مثلة والتكاثر مكاثرة اثنين مالا او عددا بأن يقول كل منهما لصاحبه انا اكثر منك مالا وأعز نفرا والمراد هنا هو التكاثر فى العدد لانه روى ان بنى عبد مناف وبنى سهم تفاخروا وتعادوا وتكاثروا بالسعادة والاشراف فى الاسلام فقال كل من الفريقين نحن اكثر منكم سيدا واعظم نفرا فكرهم بنوا عبد مناف غلبهم بالكثرة فقال بنوا سهم ان البغى افنانا فى الجاهلية فعادونا بالاحياء والاموات ( قال الكاشفى ) بكورستان رفتند وكورها بر شمردندكه اين قبر فلان واين قبر فلان قبور أشراف قبيله خود شمردند .
فكثرهم بنوا سهم يعنى سه خابدان بنى سهم زياده آمد بربنى عبد مناف برين نسق بريكديكر تطاول نمودند وتفاخر كردند . والمعنى انكم تكاثر تم بالاحياء .(17/404)
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
{ حتى زرتم المقابر } اى حتى استوعبتم عددهم وصرتم الى التفاخر والتكاثر بالاموات وبالفارسية تاحدى آمديد بكورستانها ومرد كانرا شماره كرديد . فعبر عن انقتالهم الى ذكر الموتى بزيارة القبور راى جعلت كناية عنه تهكما بهم قال الطيبى انما كان تهكما لان زيادة القبور شرعت لتذكر الموت ورفض حب الدنيا وترك المباهاة والتفاخر وهؤلاء عكسوا حيث جعلوا زيارة القبور سببا لمزيد القسوة والاستغراق فى حب الدنيا والتفاخر فى الكثرة وهذا خبر فيه تفريع وتوبيخ والغاية تدخل تحت المغيا فى هذا الوجه وقيل المعنى الهاكم التكاثر بالاموال والاولاد الى ان متم وقبرتم مضيعين اعماركم فى طلب الدنيا معرضين عما يهمكم من السعى لاخراكم فتكون زيارة القبور عبارة عن الموت والتكاثر هو التكاثر بالمال والولد كام روى انه عليه السلام سمع انه يقرأ هذه الآية ويقول بعدها « ابن آدم مالى مالى وهل لك من مالك الا ما اكلت فأفنيت اولبست فأبليت او تصدقت فامضيت » وفيه اشارة الى انهم يبعثون فان الزآئر منصرف لا مقيم وقرأها عمر بن عبد العزيز قال ما ارى المقابر الا زيارة ولا بد لمن زار ان يرجع الى بيته اما الى الجنة او الى النار وفيه تحذير عن الدنيا وترغيب فى الآخرة والاستعداد للموت
روزى كه اجل كند شبيخون ... البته بيايد از جهان رفت
كردل نبود اسير دنيا ... آسان ره آن جهان توان رفت(17/405)
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)
{ كلا } ردع عما هم ففيه من التكاثر اى ليس الامر كما يتوهم هؤلاء من ان فضل الانسان وسعادته بكثرة اعوانه وقبائله وامواله اى ارتدعوا عن هذا وتنبهاو من الخطا فيه وتنبيه على ان العاقل ينبغى ان لا يكون معزظم همه مقصورا على الدنيا فان عاقبة ذلك وبال وحسرة { سوف يعلمون } اى سوف تعلمون الخطأ فيما انتم عليه اذا عاينتم ما قدامكم من هول المحشر فالعلم بمعنى المعرفة ولذا قدر له مفعول واحد وهو انذار وتخويف ليخافوا وينتبهوا من غفلتهم قال الحسن رحمه الله لا يغرنك كثرة من ترى حولك فانك تموت وحدك وتبعث وحدك وتحاسب وحدك .(17/406)
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)
{ ثم كلا سوف تعلمون } تأكيد لتكيرير الردع والانذار وفى ثم دلالة على ان الانذار الثانى ابلغ من الاول لان فيه تأكيد خلا عنه الاول لان فيه تنزيلا لبعد المرتبة منزلة بعد الزمان واستعمالا للفظ ثم فى مجرد التدريج فى درج الارتفاء كما تقول للمنصوح اقول لك ثم اقول لك لا نفعل او الاول عند الموت فى وقت ما بشر به المحتضر من جنة او نار وفى القبر حين سؤال منكر ونكير من ربك وما دينك ومن نبيك والثانى عند النشور حين ينادى المنادى شقى فلان شقاوة لا سعادة بعدها وحين يقال وامتازوا اليوم ايها المجرمون فعلى هذا لا تكرير فى الآية لحصول التغاير بينهما بتغاير زمانى العلمين وبتعلقيهما فانه يلفى فى كل واحد من الزمانين نوعا آخر من العذاب وثم على بابها من المهلة لتباعد ما بين الموت والنشور وكذا ما بين القبور والنشور وعن على رضى الله عنه ما زلنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت السورة الى قوله تعالى ثم كلا سوف تعلمون اى سوف تعلمون فى القبر ثم فى القيامة وفى الحديث « يسلط على الكافر فى قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلذعه حتى تقوم الساعة لو ان تنينا منها نفخ فى الارض ما انبتت خضراء »(17/407)
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
{ كلا } تكرير للتنبيه تأكيدا { لو تعلمون علم اليقين } جواب لو محذوف للتهويل فانه اذا حذف الجواب يذهب الوهم كل مذهب ممكن والعلم مصدر اضيف الى مفعوله وانتصابه بنزع الخافض واليقين صفة لموصوف محذوف والمعنى لو تعلمون ما بين ايديكم علم الامر اليقين اى لو علمتم ما تستيقنونه حتى كأنه عين اليقين والا فيلزم اضافة احد المرادفين الى الآخر اذا العلم فى اللغة بمعنى اليقين وقد يجعل العلم من اضافة العام الى الخاص بناء على ان اليقين اخص من العلم فان العلم قد يعم الظن واليقين فتكون اضافته كاضافة بلد بغداد ويدل عليه قولهم العلم اليقين بالوصف .(17/408)
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
{ لترون الجحيم } جواب قسم مضمرا كدبه الوعيد حيث ان ما اوعدوا به مما لا مدخل فيه للريب وشدد به التهديد واوضح به ما انذروه بعد ابهامه تفخيما ولا يجوز ان يكون جواب لو لان رؤية الجحيم محققة الوقوع وليست بمعلقة فلو جعل جواب لو لكان المعنى انكم سوف تعلمون الجزآء ثم قال لو تعلمون الجزآء علم اليقين الآن لترون الجحيم يعنى يكون الجحيم دآئما فى نظركم لا يغيب عنكم اصلا .(17/409)
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
{ ثم لترونها } تكرير للتأكيد او الاولى اذا رأوها من مكان بعيد ببعض خواصها واحوالها مثل رؤية لهبها ودخانها والثانية اذا اوردوها فان معاينة نفس الحفرة وما فيها من الحيوانات المؤذية وكيفية السقوط فيها اجلى واكشف من الرؤية الاولى فعلى هذا يتنازع الفعلان فى عين اليقين او المراد بالاول المعرفة وبالثانية المشاهدة والمعاينة { عين اليقين } اى الرؤية التى هى نفس اليقين فان علم المشاهدة للمحسوسات اقصى مراتب اليقين فلا يرد أن اعلى اليقينات الاوليات وانما قيد الؤؤية بعين اليقين احترازا عن رؤية فيها غلط الحسن فانتصاب عين اليقين على انه صفة المصدر لترونها وجعل الرؤية التى هى سبب اليقين نفس اليقين مبالغة .(17/410)
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
{ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } قال فى التيسير كلمة ثم للترتيب فى الاخبار لا فى الوجود فان السؤال بانك اشكرت فى تلك النعمة ام كفرت يكون فى موقف الحساب قبل دخول النار والمعنى ثم لتسألن يوم رؤية الجحيم وورودها عن النعيم الذى ألهاكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه فتعذبون على ترك الشكر فان الخطاب فى لتسألن مخصوص ممن عكف همته على استيفاء اللذات ولم يعش الا ليأكل الطيب ويلبس اللين ويقطع اوقاته باللهو والطرب لا يعبأ بالعلم والعمل ولا يحمل على نفسه مشاقهما فان من تمتع بنعمة الله وتقوى بها على طاعته وكان ناهضا بالشكر فهو من ذلك بمنزل بعيد واليه اشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اكل هو واصحابه تمرا وشربوا ماء فقال الحمد لله الذى اطعمنا وسقانا كما فى الكشاف فدخلت فى الآية كفار مكة ومن لحق بهم فى وصفهم من فسقة المؤمنين وقيل الآية مخصوصة بالكفار وقال بعضهم المراد بالنعيم هو الصحة والفراغ وفى الحديث « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ » وفى هذا الحديث دلالة على عظم محل هاتين النعمتين وجلالة خطرهما وذلك لان بهما يستدرك مصالح الدنيا ويكتسب دوجات الآخرة فان الصحة تنبئ عن اجتماع القوى الذاتية والفراغ يدل على انتظام الاسباب الخارجة المنفصلة ولا قدرة على تمهيد مصلحة من مصالح الدنيا والآخرة الا بهذين الامرين ثم سائر النعم يعد من توابعهما وقد قال معاوية بن قرة شدة الحساب القيامة على الصحيح الفارغ يقال له كيف أدجيت شكرهما وعن الحسن رحمه الله ما سوى كن يؤويه وثوب بواريه وكسرة تقويه يسأل عنه يوحاسب عليه وقال بعض السلف من اكل فسمى وفرغ فحمد لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام وقال رجل للحسن رحمه الله ان لنا جارا لا يأكل الفالوذج ويقول لا أقوم بشكره فقال ما أجهر جاركم نعمة الله عليه بالماء البارد اكثر من نعمته بجميع الحلاوى ولذلك قال عليه السلام « اول ما يسال العبد عنه من النعيم ألم نصح جسمك ونروك من الماء البارد » وفى عين المعانى عن النعم الخمس شبع البطون وبرد الشراب ولذة النوم وظلال المساكن واعتدال الخلق وقال ابن كعب النعيم ذات محد صلى الله عليه وسلم اذ هو الرحمة والنعمة بالآيتين وهما قوله تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وقوله تعالى وما أرسلناك الا رحمة للعالمين . وهمه را ازدعوت وملت واتباع سنت اوخواهند برسيد
جه نعمتيست بزرك ازخدا كه برثقلين ... سبس دارئ ابن نعمت است فرض العين
يقول الفقير النعيم لما نعيم جسمانى وشكره بمحافظة احكام الشريعة واما نعيم روحانى وشكره بمراعاة آداب الطريقة فانه كلما ازد ادت المحافظة والمراعاة ازداد النعيم كما قال تعالى لئن شكرتم لأزيدنكم وما من عضو من الاعضاء وقوة من القوى الا وهى مطلوبة بنوع شكر ولذلك قال تعالى ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا على ان عالم الصفات والاسماء كلها عالم النعيم وفقنا الله واياكم لشكر النعيم انه هو البر الرحيم وفى الحديث(17/411)
« الا يستطيع احدكم ان يقرأ الف آية فى كل يوم » قالوا ومن يستطيع ان يقرأ الف آية فى كل يوم قال « اما يستطيع احدكم ان يقرأ الهاكم التكاثر مرة » على ما قال السيوطى رحمه الله فى الاتقان ان القرءآن ستة آلاف آية ومائتا آية فاذا تركنا زيادة الآلاف كان الألف سدس القرءآن وهذه السورة تشتمل على سدس مقاصد القرءآن فانها على ما ذكره الغزالى رحمه الله ثلاث عن هذا المعنى بألف آية افهم واجل واصح من التعبير بالسدسد انتهى .
يقول الفقير هذا منتقض بسورة الزلزلة فانها ايضا تشتمل على احكام الآخرة ومعرفتها وقد سبق انها تعدل نصف القرءآن او ربعه والظاهر ان المراد بالالف التكثير لان اول السورة مما ينبئ عنه ومن الله التوفيق والارشاد .(17/412)
وَالْعَصْرِ (1)
{ والعصر } اقسم سبحانه بصلاة العصر فانه كثيرا ما يطلق العصر ويراد صلاته وذلك لفضلها الباهر لكونها وسطى لتوسطها بين الشفع الذى هو صلاة الظهر وبين الوتر النهارى الذى هو صلاة المغرب فانها لما توسطت بين الطرفين اتصفت بالوصفين وظهرت بالحكمين وتحققت بالكمالين كما هو حكم البرازخ فحصل لها من القدر ما لم يكن لكل واحد من الطرفين وايضا ان اوقات اوآئل الصلوات الاربع محدودة الا العصر يعنى أن اول صلاة العصر غير محدود بالحد المحقق ففيه سرا لتنزيه عن التقييد بالحدود ولذا شرع التكبير فى الصلاة لأن الله تعالى منزه عن التقييد باوضاع الصلاة وحركات المصلى قال بعض الكبار صلاة العصر بركعاتها الاربع اشارة الى التعينات الاربعة الذاتية والاسمائية والصفاتية والافعالية فى مرتبة الجمال الكونى بالفعل كا ان الظهر اشارة اليها فى مرتبة المال الالهى ولا شك أن الانسان كون جامع ففى العصر اشارة اليه وفى الحديث « من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله » اى نقص اى ليكن من فوتها حذرا كام يحذر من ذهاب اهله وماله وسر الوعيد أن التكليف فى ادآء صلاة العصر اشق لتهافت الناس فى تجارتهم ومكاسبهم واشتغالهم بمعايشهم آخر النهار لبرد الهوآء حينئذ لا سيما فى ارض الحجاز فالكسب الحاصل فى ذلك الوقت مع السهو عن الصلاة فى حكم الخسران وسبب للخذلان ( حكى ) أن امرأة كانت تصيح فى سكك المدينة وتقول دلونى على النبى عليه السلام فرآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها « ماذا حدث » قالت يا رسول الله ان زوجى غاب عنى فزنيت فجاءنى ولد من الزنى فألقيت الولد فى دن من الخل حتى مات ثم بعنا ذلك الخل فهل لى من توبة فقال عليه السلام « اما الزنى فعليك الرجم بسببه واما القتل فجزآؤه جهنم واما بيع الخل فقد ارتكبت به كبيرة لكن ظننت انك تركت صلاة العصر » ويقال ان الله تعالى اقسم بوقت العصر نفسه كما اقسم بالفجر فقد خلق فيه اصل البشر آدم عليه السلام فكان له شرف زآئد على غيره ويقال اقسم بالعشى الذى هو ما بين الزوال والغروب كما اقسم بالضحى لما فيها جميعا من دلائل القدرة ويقال اقسم بعصر النبوة الذى مقداره فيما مضى من الزمان مقدار وقت العصر من النهار وهو زمان بعثته الى انقراض امته فى آخر الزمان وهو ألف سنة كما قال عليه السلام « ان استقامت امتى فلها يوم وان لم تستقم فلها نصف يوم » وفضل هذا العصر على سائر الاعصار ظاهر لأنه عصر خير الانبياء والمرسلين وعصر خير الامم وخير الكتب الاهلية وفيه ظهر تمام الكمالات تفصيلا ويقال اقسم بالدهر لانطوآئه على اعاجيب الامور القارةوالمارة وللتعريض بنفى ما يضاف اليه من الخسران فان الانسان يضيف المكاره والنوائب اليه ويحيل شقاوته وخسرانه عليه والاقسام بالشئ اعظام له وما يضاف اليه الخسران لا يعظم عادة وقد قال عليه السلام لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر فاقسم الله بالدهر لأنه بالنسبة الى الفهم العام محل شهود الآيات الالهية كالليل والنهار والشمس والقمر والنجوم وغيرها وبالسنبة الى الفهم الخاص مظهر التجليات الالهية لظهوره تعالى بصفاته وافعاله فى مظهره فلما كان العصر جامعا لجميع الآيات التى اقسم الله بها فى القرءآن كقوله تعالى والجر واليال عشر وقوله تعالى والشمس وضحاها والقمر اذا تلاها وقوله تعالى والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى وقوله تعالى والضحى والليل اذا سجا ختم الله بقسم العصر اقسام جميع القسم وفى التأويلات النجمية اقسم الله بكمال دوام الزمان واستمراره لاشتماله على ولاية النبى عليه السلام ونبوته ورسالته وخلافته لقوله كنت نبيا وآدم بين الماء والطين اى بين ماء العلم وطين المعلوم ولقوله نحن الآخرون السابقون ولقوله حكاية عن الله سبحانه لولاك ارسلناك الا رحمة للعالمين اى من عالمى زمانه وما كان بعده وما كان قبله لأن العالمين جمع محلى بالالف واللام فيدل على العموم والشمول كام فى قوله تعالى الحمد لله رب العالمين .(17/413)
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
{ ان الانسان } التعريف للجنس يعنى الاستغراق بدلالة صحة الاستثناء من الانسان فان صحة الاستثناء من جملة ادلة العموم والاستغراق { لفى خسر } الخسر والخسران معناه النقصان وذهاب رأس المال فى حق جنس الانسان هو نفسه وعمره والتنكير للتفخيم اى لفى خسران عظيم لا يعلم كنهه الا الله فى متاجرهم وصرف اعمارهم فى مباغيهم يعنى هر آينه در زيابند بصرف اعمار در مطالب نابايدار . مده به بيهده نقد عزيز عمر بدست .
كه بس زيان كنى ومرترا ندارد ود . والذنب يعظم اما لعظم من فى حقه الذنب او لأنه فى مقابلة النعمة العظيمة وكلا الوجهين حاصل فى ذنب العبد فى حق ربه فلا جرم كان ذلك الذنب فى غاية العظم ويجوز اين يكون التنوين للتنويع اى نوع من الخسران غير ما يتعارفه الناس .(17/414)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
{ الا الذين آمنوا } بالله الايمان العلمى اليقينى وعرفوا أن لا مؤثر بالحقيقة الا الله وبرزوا عن احجاب الدهر { وعملوا الصالحات } اى اكتسبو الفضائل والخيرات الباقية فربحوا بزيادة النور الكمال على النور الاستعدادى الذى هو رأس مالهم فانهم فى تجارة لن تبور حيث باعوا الفانى الخسيس واشتروا الباقى النفيس واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات فيا لها من صفقة ما اربحها وهذا بيان لتكميلهم لانفسهم واستدل بعض الطجوآئف بالآية على أن مرتكب الكبيرة مخلد لأنه لم يستئن من الخسران الا الذين آمنوا الخ والتقصى منه ان غير المستثنى فى خسر لا محالة اما بالخلود ان مات كافرا واما بالدخول فى النار ان مات عاصيا لم يغفر له واما بفوات الدرجات العالية ان غفر { وتواصوا بالحق } الخ بيان لتكميلهم لغيرهم اى وصى بعضهم بعضا بالامر الثابت الى لا سبيل الى انكاره ولا زوال فى الدارين لمحاسن آثاره وهو الخير كله من الايمان بالله واتباع كتبه ورسله فى كل عقد وعمل { وتواصوا بالصبر } اى عن المعاصى التى تشتاق اليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التى يشق عليها ادآؤها وعلى ما يبلوا لله به عباده وتخصيص هذا التواصى بالذكر مع اندراجه تحت التواصى بالحق لابراز كمال الاعتناء به او لأن الاول عبارة عن رتبة العبادة التى هى فعل ما يرضى به الله تعالى والثانى عن رتبة العبودية التى هى الرضى بما فعل الله فان المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تشوق اليه من فعل او ترك بل هو تلقى ما ورد منه تعالى بالجميل والرضى به ظاهرا وباطنا ولعله سبحانه انما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاء ببيان المقصود فان المقصود بيان ما فيه الفوز بالحياة الابدية والسعادة السرمدية واشعارا بان ما عدا ما عد يؤدى الى خسر ونقص حظ او تكرما فان الابهام فى جانب الخسر كرم لأنه ترك تعداد مثالهم والاعراض عن مواجهتهم به وروى عنه عليه السلام انه قال « اقسم ربكم بآخر النهار أن ابا جهل لفى خسران الا الذين آمنوا » اى ابا بكر رضى الله عنه وعملوا الصالحات اى عمر رضى الله عنه وتواصوا بالحق اى عثمان رضى الله عنه وتواصوا بالصبر اى علينا رضى الله عنه فسرها بذلك على بن عبد الله بن عباس رضى الله عنهم على المنبر فيكون تكرير وتواصوا لاختلاف الفاعلين واما على الاول فلاختلاف المفعولين وهما قوله بالحق وبالصبر روى عن الشافعى رحمه الله أنها صورة لو لم ينزل الى الناس الا هى لكفتهم وهو معنى قول غيره انها شملت جميع علوم القرءان .(17/415)
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
{ ويل } بالفارسية بمعنى واى . وهو مبتدأ وساغ الابتدآء به مع كونه نكرة لأنه دعاء عليهم بالهلكة او بشدة الشر خبره قوله { لكل همزة لمزة } الهمز الكسر واللمز الطعن شاعا فى الكسر من اعراضا الناس والطعن فيهم وفى القاموس الهامز والهمزة الغماز واللمزة العياب للناس او الذى يعيبك فى وجهك والهمزة من يعيبك فى الغيب انتهى وبناء يدل على الاعتياد فلا يقال ضحكة ولعنة الا للمكثير المتعود وفى ادب الكاتب لابن قتيبة فعلة بسكون العين من صفات المفعول وفعلة بفتح العين من صفات الفاعل يقال رجل هزءة للذى يهزأ به وهزأة لمن يهزأ بالناس وعلى هذا القياس لعنة ولعنة ولمزة ولمزة وغيرها ونزولها فى الاخنس بن شريف او فى الوليد بن المغيرة فان كلا منهما كان يغتاب رسول الله عليه السلام والاصح لعموم لقوله تعالى لكل ولم يقل للهمزة واللمزة كما قرأ عبد الله كام فى عين المعانى وفى الحديث « مؤمن كيس فطن حذر وقاف متثبت لا يعجل عالم ورع والمنافق همزة ولمزة حطمة حطاطب ليل لا يدرى من اين اكتسب وفيم انفق » قال القاشانى الهمز واللمز رذيلتان مركبتان من الجهل والغضب والكبر لانهما يتضمنان الاذية وطلب الترفع على الناس وصاحبهما يريد أن يتفضل على الناس ولا يجد فى نفسه فضيلة يترفع بها فينسب العيب والذيلة اليهم ليظهر فضله عليهم ولا يشعر أن ذلك عين الذيلة وان عدم الرذيلة ليس بفضيلة فهو مخدوع من نفسه وشيطانه موصوف برذيلتى القوة النطقية والغضبية .(17/416)
الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
{ الذى جمع مالا } بدل من كل كأنه قيل ويل للذى جمع مالا وانما وصفه الله بهذا الوصف المعنوى لأنه يجرى مجرى السبب للهمزة واللمز من حيث انه اعجب بنفسه مما جمع من المال وظن أن كثرة المال سبب لعزا لمرء وفضله فلذا استنقص غيره وانما لم يجعل وصفا نحويا لكل لأنه نكرة لا يصح توصيفها بالموصولات وتنكير مالا للتفخيم والتكثير الموافق لقوله تعالى { وعدده } اى عده مرة بعد اخرى من غير ان يؤدى حق الله منه ويؤيده أنه من العد وهو الاحصاء لا من العدة انه قرئ وعدده بفك الادغام على أنه فعل ماضى بمعنى احصاه وضبط عدده وقيل معنى عدده جعله عدة وذخيرة لنوآئب الدهر وكان للاخنس المذكور اربعة آلاف دينارا وعشرة آلاف ثم فى الجمع اشارة الى القوة الشهوانية وفى عدده الى الجهل لأن الذى جعل المال عدة للنوآئب لا يعلم أن نفس ذلك المال هو الذى يجر اليه النوآئب لا يعلم أن نفس ذلك هو الذى يجر اليه النوآئب لاقتضاء حكمة الله تفريقه بالنائبات فكيف يدفعها وفى التأويلات النجمية جمع مال الاخلاق الذميمة والاوصفا الرديئة وجعله عدة منازل الآخرة والدخول على الله .(17/417)
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
{ يحسب أن ماله اخلده } اظهار المال لزيادة التقرير اى يعمل من تشييد البنيان وايثاقه بالصخر والآجر وغرس الاشجار وكرى الانهار عمل من يظن أنه لا يموت بل ماله يبقيه حيا فالحسبان ليس بحقيقى بل محمول على التمثيل وقال ابو بكر بن طاهر رحمه الله يزظن أنه ماله يوصله الى مقام الخلد وانما قال اخلده ولم يقل يخلده لأن المراد أن هذا الانسان يحسب أن المال قد ضمن له الخلود واعطاء الامان من الموت فكأنه حكم قد فرغ منه ولذلك ذكره بلفظ الماضى قال الحسن رحمه الله ما رأيت يقينا لا شك فيه اشبه بشك لا يقين فيه كالموت ونعم ما قال .(17/418)
كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
{ كلا } ردع له عن ذلك الحسبان الباطل يعنى نه جنانست كه آدمى بندارد وقال بعضهم الاظهر أنه ردع له على الهمز واللمز { لينبذن } جواب قسم مقدر والجملة استيناف مبين لعلة الردع اى والله ليطرحن ذلك الذى يحسب وقوع الممتنع بسبب تعاطيه للافعال المذكورة وقال بعضهم ولك أن ترد الضمير الى كل من الهمزة واللمزة ويؤيده قرآءة لينبذان على التثنية { فى الحطمة } اى فى النار الى شأنها اى تحطم وتكسر كل ما يلقى فيها كما ان شأنه كسر باعراض الناس وجمع المال قال بعضهم قولهم ان فعلة بفتح العين للمكثير المتعود ينتقض الحطمة فانها اطلقت على النار وليس الحطم عادتها بل طبيعتها وجوابه أن كونه طبيعيا لا ينافى كونه عادة اذ الادة على ما فى القاموس الديدن والشأن والخاصية وهو يغم الطبيعى وغيره ومنه يعلم ان النبذ فى الحطمة كان جزآء وفاقا لاعمالهم فانه لما كان الهمزة واللمز عادتهم كان الحطم ايضا عادة فقوبل صيغة فعلة بفعلة وكذا ظنوا انفسهم اهل الكرامة والكثرة فعبر عن جزآئهم بالنبذ المنبئ عن الاستحقار والاستقلال يعنى شبههم استحقارا لهم واستقلالا بعددهم بحصيات اخذهن احد فى كفه فطرحهن فى البحر وفيه اشارة الى الاسقاط عن مرتبة الفطرة الى مرتبة الطبيعة الغالبة .(17/419)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)
{ وما ادراك ما الحطمة } تهويل لامرها ببيان أنها ليست من الامور التى تنالها عقول الخلق والمعنى بالفارسية وجه جيز دانا كرد تراتا دانى جيست حطمه .(17/420)
نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
{ نار الله } اى هى نار الله { الموقدة } افروخته شد . بامر وقدرت اوجل جلاله وما اوقد واشعل بامره لا يقدر أن يطفئه غيره فاضافة النار اليه تعالى لتفخيمها والدلالة على أنها ليست كسائر النيران وفى الحديث « اوقد عليها ألف سنة حتى احمرت ثم ألف سنة حتى ابيضت ثم ألف سنة حتى اسودت فهى سودآء مظلمة » وعن على رضى الله عنه عجبا ممن يعصى الله على وجه الارض والنار تسعر من تحته .(17/421)
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
{ التى تطلع على الافئدة } اى تعلو اوساط القلوب وتغشاها فان الفؤاد وسط القلب ومتصل بالروح يعنى أن تلك النار تحطم العظام وتأكل اللحوم فتدخل فى اجواف اهل الشهوات وتصل الى صدورهم وتستولى على افئدتهم الى أنها لا تحرقها بالكلية اذ لو احترقت لماتت اصحابها ثم ان الله تعالى يعيد لحومهم وعظامهم مرة اخرى وتخصيصها بالذكر لما أن الفؤاد ألطف ما فى الجسد واشد تألما بادن اذى يمسه او لأنه محل العقائد الزآئغة والنيات الخبيثة ومنشأ الاعمال السيئة فاطلاعها على الافئدة التى هى خزانة الجسد ومحل ودآئعه يستلزم الاطلاع على جميع الجسد بطريق الاولى . صاحب كشف الاسرار فرموده كه آتشى كه بدل راه يابد عجبست حسين منصور قدس سره فرموده كه فتادسال آتش نار الله الموقدة درباطن ما زدند ناتمام سوخته شدنا كاه شررى از مقدحه انا الحق برون جست ودران سوخته افتاد سوخته بايدكه از سوزش ما خر دهد . اى شمع نياتا من وتوزار بكريم . كالحوال دل سخته هم سوخته داند .(17/422)
إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)
{ انها عليهم مؤصدة } اى ان تلك النار الموصوفة مطبقة ابوابها عليهم تأكيدا ليأسهم من الخروج وتيقنهم بحبس الابد من اوصدت الباب واصدته اى اطبقته وقد سبق فى سورة البلد .(17/423)
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
{ فى عمد } جمع عمود كما فى القاموس اى حال كونهم موثقين فى اعمدة { ممددة } من التمديد بالفارسية كشيدن . اى ممدودة مثل المقاطر التى تقطر فيها اللصوص اى يلقون فيها على احد قطريهم والقطر الجانب والمقطرة الخشبة التى يجعل فيها ارجل اللصوص والشطار يعنى خشبة فيها خروق تدخل فيها ارجل المحبوس كيلا يهربوا فقوله فى عمد حال من الضمير المجرور فى عليهم اوصفة لمؤصدة قاله ابو البقاء اى كائنة فى عمد ممددة بان تؤصد عليهم الابواب وتمد على الابواب العمد المطولة التى هى ارسخ من القصيرة استيثاقا فى استيثاق لا يدخلها روح ولا يخرج منها غم وفيه اشارة الى ايثاقهم وربطهم فى عمد اخلاقهم واوصافهم واعمالهم ومدهم فى ارض الذل والهوان والخسران لأن اهل الحجاب لاعزلهم نسأل الله تعالى ان لا يذلان بالاحتجاب انه الوهاب .(17/424)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
{ الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والهمزة لتقرير رؤيته بانكار عدمها وكيف معلقة لفعل الرؤية منصوبة بما بعدها والرؤية علمية لأن النبى عليه السلام ولد عام الفيل ولم يرهم والمراد باصحاب الفيل ابرهة وقومه وبالفيل هو الفيل الاعظم الذى امسه محمود وكنيته ابو العباس كما سيجئ ونسبوا اليه لأنه كان مقدمهم والمعنى الم تعلم علما رصينا متاخما للمشاهدة والعيان باستماع الاخبار المتواترة ومعاينة الآثار الظاهرة وتعليق الرؤية بكيفية فعله تعالى لا بنفسه بان يقال الم تر ما فعل ربك الخ لتهويل الحادثة والايذان بوقعوها على كيفية هائلة وهيئات عجيبة دالة على عظم قدرة الله وكمال علمه وحكمته وعزة بيته وشرف رسوله فان ذلك من الارهاصات والارهاص ان يتقدم على دعوى النبوة ما يشبه المعجزة تأسيسا لها ومقدمة كاظلال الغمام له عليه السلم وتكلم الحجر والمدر معه قال بعضهم الارهاص الترصد سميت الامور الغريبة التى وقعت للنبى عليه السلام ارهاصات لأن كلا منها مما يترصد بمشاهدته نبوته فالارهاص انما يكون بعد وجود النبى وقيل مبعثه وفى كلام بعضهم ان الارهاص يكون قبل وجوده ايضا قريبا من عهده كما دل عليه قصة الفيل ورجحوا الاول فان قيل اتحاد السنة بان يكون وقوع القصة عام المولد امر اتفاقى لا يمنع عن كون الواقعة لتعظيم الكعبة قلنا شرفها ايضا بشرف مكانه عليه السلام ألا يرى أنه تعالى كيف قيد الاقسام بالبلد بحلوله عليه السلام فيه حيث قال لا اقسم بهذا البلد وانت حل بهذا البلد قال فى فتح الرحمن كان هذا عام مولد النبى عليه السلام فى نصف المحرم وولد عليه السلام فى شهر ربيع الاول فبين الفيل ومولده الشريف خمس وخمسون ليلة وهى سنة ستة آلاف ومائة وثلاث وستين من هبوط آدم على حكم التواريخ اليونانية المعتمدة عند المؤرخين وبين قصة الفيل والهجرة الشريفة النبوة ثلاث وخمسون سنة والمقصود من تذكير القصة اما تسلية النبى عليه السلام بأنه سيجزى من يظلمه كما جزى من قصد الكعبة واما تهديد الظلمة وتفصيلها أن ملك حمير وما حولها وهو ذو نواس اليهودى لما احرق المؤمنين بنار الاخدود ذات الوقود على ما سبق فى سورة البروج هرب رجل منهم الى ملك الحبشة وهو اصخمة بن بحر النجاشى تخفيف الياء الذى اسلم فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واخبره بذلك وحرضه على قتال ذى نواس فبعث اصخمة سبعين ألفا من الحبشة الى اليمن وامر عليهم ارباطا ومعه فى جنده فى جنده ابرهة بن الصباح الاشرم ومعنى ابرهة بلسان الحبشة الابيض الوجه وسيجئ معنى الاشرم فركبوا البحر حتى نزلوا ساحالا مما يلى الارض اليمن وهزم ارباط ذا نواس وقتله فى المعركة او القى هو نفسه فى البحر فهلك واستقر امرار باط فى ارض اليمن زمانا واقام فيها سنين فى سلطانه ذلك ثم نازعه ابرهة فى امر الحبشة فكان من امرآء الجند فتفرقت الحبشة فرقتين فرقة مع ارباط وفرقة مع ابرهة فكان الامر على ذلك الى ان سار احدهما الى الآخر فلما تقارب الفرقتان للقتال ارسل ابرهة الى ارباط أنك لا تفعل شيأ بان تغرى الحبشة بعضها ببعض حتى تفينها فابرز لى وابرز لك فأينا اصاب صاحبه انصرف اليه جنده فارسل اليه ارباط ان قد انصفت فاخرج فخرج اليه ابرهة كنيته ابو يكسون وكان رجلا قصير الجثمان لحيما ذا دين فى النصرانية وخرج اليه ارباط وكان رجلا طويلا عظيما وفى يده حربة وخلف ابرهة غلام يقال له عتودة يمنع ظهره فرفع ارباط الحربة فضرب ابرهة يريد يافوخه فوقعت الحربة على جبهة ابرهة فشرمت حاجبه وانفه وعينه وشفتيه اى شقت وقطعت وخدشت فبذلك سمى ابرهة الاشرم وحمل عتودة على ارباط من خلف ابرهة فقتله وانصرف جند ارباط الى ابرهة فاجتمعت عليه الحبشة فى اليمين بلا منازع وكان ما صنع ابرهة من غير علم النجاشى فلما بلغه ذلك غضب غذبا شيديدا فقال عدا على اميرى فقتله بغير امرى ثم حلف لا يدع ابرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته فلما بلغ هذا الخبر ابرهة حلق رأسه وملأ جرابا ترابا من تراب اليمن ثم بعث به الى النجاشى مع هدايا جليلة كثيرة وكتب اليه ايها الملك انما كان ارباط عبدك وانا عبدك فاختلفنا فى امرك وكل طاعة لك الا انى كنت اقوى على امر الحبشة واضبط له واسوس منه قود حلقت رأسى حين بلغنى قسم الملك وبعثت اليه بجراب تراب من ارضى ليضعه تحت قدميه فيبر قسمه فى فلما وثل كتاب ابرهة الى النجاشى لان ورضى عنه وكتب اليه ان اثبت بارض اليمن حتى يأتيك امرى فأقام ابرهة باليمن ثم انه رأى الناس يتجهزون ايام الموسم الى مكة لحج بيت الله الحرام فتحرك منه عرق الحسد فبنى بصنعاء كنيسة من رخام ملون وفى بعض التفاسير ودرو ديوار آنرا بزر وجواهر مرصع ومزين كردانيد .(17/425)
وفى انسان العيون واجتهد فى زخرفتها فجعل فيها الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب وكان ينقل ذلك من قصر بلقيس صاحبة سليمان عليه السلام وجعل فيها صلبانا من الذهب والفضة ومنابر من العاج والابنوس وسماها اقليس كجميز لارتفاع بنائها وعلوها ومنها القلانيس لانها فى اعلى الرأس واراد ان يصرف اليها الحاج وفى كشف الاسرار جون رسول ابرهه باآن هديها بيش ملك نجاشى رسيد وآن بيغام بداد ملك ازوخشنود شد وولايت يمن جمله بدو ارزانى داشت وبوى تسليم كرد جون آن رسول نبزديك ابرهه باز آمد ابرهه شادشد وبشكرانكه ملك ازوخحشنود كشت وزراء وعقلاء مملكت خويش جمع كرد وايشانرا كفت مراراهى سازيد بعملى كه ملك راخوش آيدواو را دران عزتى ومالى بودتا آنراشكر نعمت عفو اوسازم ايشان همه متفق شدندكه عرب راخانه ايست معظم ومقدس وشرف جمله عرب بدان خانه است ومردمان شرق وغرب روى بدان خانه دارند وآن خانه ازسنك است تو در صنعاء يمن كنيسه بساز برنام ملك وبردين ترسايى كه دين نجاشى است واساس آن از زروسيم والوان جواهر كن وكسى فرست باطراف زمين وديار عرب وايشانرا بخوان وبزر وسيم وتحفها وهديها ايشانرا رغبتى كن تا عالميان روى بدان كنيسه نهند وآنجا طواف كنند وملك عزى وجمالى باشد ابرهه همجنان كردكه ايشان كفتند وآن كنيسه بدان صفت بساخت وازبهر طمع مال وزروسيم خلقى روى بدان كنيسه نهادند وهركه آنجار فتى باهديه وتحفه بازكشتى .(17/426)
وكتب ابرهة الىلنجاشى ايها الملك انى بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك ولست ارضى حتى اصرف اليها حاج العرب فلما تحدث العرب بكتاب ابرهة ذلك الى النجاشى غضب رجل من بنى كنانة حتى اتى القليس ( وفى كشف الاسرار ) وخبر در اطراف افتادكه ازحج وزيارت وطواف كه درمكه وخانه عرب بود بايمن افتاد ودران وقت رئيس مكه عبد المطلب بود مردى ازعرب ازسا كنان مكه نام وى زهير بن بدر ازبعد الملطب درخواست وسوكند خوردكه من بروم ودرخانه ايشان حدث كنم برخواست وآنجاشد وجند روزآنجاعبادت كرد رتبه مجاورة يافت شبى كفت من ميخواهم كه اينجا امشب عبادت كنم كه مراسخت نيكو وخوش آمده است اين بقعه اورا آن شب آنجا تنها بكذا شتند ودران خانه مسك وعنبر فراوان بودر بيوسته بوى خوش ازان ميد ميد زهير آنجا حدث كرد وهمه ديوار ومحراب بنجاست بيالود آنكه آهنك بيرون كردوبكر بخت اين خبردرآفاق واقطار منتشرة كشت ومردم ازطواف آن متنفر ابرهه ازين حال آكاه شد ومتأثر كشت دانست كه اين مرد ازمكه بود واز مجاوران كعبه سوكند خوردكه من بالشكر وحشم بروم وآن خانه ايشان خراب كنم وبازمين برابر حتى لا يحجه حاج ابدا .
وفى حواشى ابن الشيخ كان اصل مقصوده من هدم البيت ان يصرف الشرف الحاصل لهم بسبب الكعبة منهم ومن بلدتهم الى نفسه والى بلدته .
ورسولى فرستاد بحبشه وملك راخبر كردازآنجه زهير كرداند ران كنيسه واز رفتن خويش سوى مكة وخراب كردن كعبه .
فخرج بالحبشة وكفته اندنجاشى بيلان بسيار فرستاد ولشكر وحشم .
وقال السجاوندى اغتم النجاشى لذلك وعزاه ابرهة وحجر من قواده وابو يكسوم وزيره وقال لا تحزن ان لهم كعبة هى فخرهم فتنسف ابنيتها وتبيح دماءها وننهب اموالها فخرج ابراهة بجند كثير وجم غفير ومعه فيل ابيض اللون وهو فيل النجاشى بعثه اليه بسؤاله وكان فيلا لم ير مثله عظما وجسما وقوة يعنى بعظمت جثه مشابه كوه بود(17/427)
بهيكل قوى راست جون كوه قاف ... جوشير غرين جابك اندر مصاف
ومن شأن الفيل المقاتلة ولذلك كان فى مربط ملك الصين ألف فيل ابيض وهو مع عظم صورته ضعيف يخاف من السنور ويفزع منه وكان دليلهم كبير ثقيف وهو ابو رغال رحيم العرب قبره حين مات كما فى كتاب التعريف والاعلام للامام ا لسيهلى رحمه الله وفى كشف الاسرار ابو رغال درراه هلاك شد وكوروى معروفست براه يمن حاج بمن جون أنجارسند بآن كوروى سنك اندازند . حتى صار كالجبل العظيم وفى ذلك يقول جرير فى الفرزدق الشاعر
اذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر ابى رغال
وفى القاموس ابو رغال ككتاب فى سنن ابى داود ودلائل النبوة وغيرهما عن ابن عمر رضى الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا معه الى الطائف فمررنا بقبر فقال « هذا قبر ابى رغال » وهو ابو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه اصابته النقمة التى اصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث وقول الجوهرى كان دليلا للحبشة حين توجهوا الى مكة فمات فى الطريق غير جيد وكذا قول ابن سيدة كان عبد الشعيب وكان عشارا جائرا انتهى كلامه .
ابرهه جون باطراف حرم رسد بيرون حرم نزول كرد . وبعث رجلا من الحبشة يقال له الاسود حتى انتهى الى مكة فساق اليه اموال تهامة يعنى هرجه درحوالئ شهر مكة شتربود وكوسفند غارت كرد ودرجمله دويست سرشترازان عبد المطلب كه بوقف حاج كرده يود بغارت بردند . وقال بعضهم فلما بلغ المغمس وهو كمعظم ومحدث موضع بطريق الطائف فيه قبر ابى رغال دليل ابرهه ويرجم كما فى القاموس اى على ما اشتهر والاناقض كلامه السابق خرج اليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث اموال تهامة ليرجع فأبى وفى شرح البردة للمرزوقى لما نزل المغمس بعث حناطة الحميرى الى مكة وقال له سل عن سيد هذا البلد وشريفهم وقل له ان الملك يقول اننى لم آت لحربكم انما جئت لهدم هذا البيت فان لم تتعرضوا دونه لحرب فلا حاجة لى بدمائكم فان هو لم يرد حربى فائتنى به وفى كشف الاسرار ابرهة جون آنجا نزول كرد هيبت خانه كعبه دردل وى اتر كرد وازان قصدكه داشت بشيمان كشت ودردل خود ميخواست كه كسى درحق خانه شفاعت كندتابا زكردد وبفرمودكه رئيس مكه رابياريد ورئيس مكه آنكاه عبد المطلب بودباجمعى بنى هاشم بنزديك ابرهه آمد وآن مردكه فرستاده بودبيش ازرسيدن عبد المطلب دربيش ابرهه شد .(17/428)
وقال المرزوقى رحمه الله استان لعبد المطلب بعض وزرآئه يقال له انيس سائس الفيل وكفث قد جاءك سيد قريش وصاحب عير مكة الذى يطعم الناس فى السهل والوحوش فى رؤوس الجبال حقا مردى مى آيد بحضرت توكه بدرستى وراستى سيد قريش است مردى كريم طبع نيكوروى باسيادت وباسخاوت وباهيبت وانكه ازوى نورهمى تابدكه منظروى بترسانيد يعنى نور مصطفى عليه السم از بيشانى وى همى تافت ابرههخويشتن رابزى نيكوبيا راست وبرتخت نشت وبعدا المطلب را اجازت دار جون در آمد نخواست كه اورا باخود برتحب نشاند يعنى كره ان تراه الحبشة يجلس على سرير ملكه ازتخت بزير آمد وباعبد المطلب به بايان تحت بنشست واورا اجلال كرد ونيكو بنواخت سخنان وى اوراخواش آمد وباخود كفت اكردرحق خانه شفاعت كنداور نوميدنكنم بس ترجمانرا كفت تاحاجتى كه دارد بخواهد عبد المطلب كفت حاجت من اينست كه دويست شترازان من بياورده اند وكانت ترعى بذى المجاز بفرماى تاباز دهند ابرهه را ازان انده آمدترجمانرا كفت بيرس ازوى تاجرا ازبهر خانه كعبه حاجث نخواست خانه كه شرف وعزشما بآنست وسبب عصمت وحرمت شما آنست در قديم دهرومن آمده ام تاآنرا خراب كنم مى نخواهى اين اشترانراجه خطر باشدكه ميخواهى قال عبد المطلب انا رب الابل واللبيت رب يحفظه كما حفظه من تبع وسيف بن ذى يزن وكسرى ابرهه ازين سخن درخشم شد وكفت دروا عليه بعرائه لينظر من يحفظ البيت منى عبد المطلب بازكشت وميكانرا فومود هرجه داشتند ازمال ومتاع بركرفتند وباكوه شدند ومكه خالى كردنداى تخوفا من معرة الجيش فجهز ابرهة جيشة وقدم الفيل الاعظم المذكور فكان كلما وجهوه الى الحرم برك ولم يبرح كما بركت القصوآء فى الحديبية حتى قال عليه السلام « حبسها حابس الفيل ومعنى بروك الفيل سقوطه على الارض لما جاءه من امر الله او لزوم موضعه كالذىبرك والافالفيل لا يبرك كما قال عبد اللطيف البغدادى الفيلة تحمل سبع سنين واذا تم حملها وارادت الوضع دخلت النهر حتى تضع ولدها لانها تلد وهى قائمة ولا فواصل لقوآئمها فتلد والذكر عند ذلك يحرسها وولدها من الحيتان انتهى وقال بعضهم الفيل صنفان صنف لا يبرك وصنف يبرك كالجمل انتهى واذا وجوه الى اليمن او الى غيره من الجهات هرول والهرولة كالدحرجة ما بين المشى والعدو وامر ابرهة ان يسقى الفيل الخمر ليذهب تمييزه فسقوه فثبت على امره .
وكفته اند نفيل ابن حبيب الخثعمى كوش آن فيل كرفت وكفت ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت فانك فى بلد الله الحرام جون اين سخن بكوش بيل فرو كفت بازكشت وباى درحرم نهاد ونفيل هذا قاتل ابرهة بأرض خثعم وهو جبل وأهله خثعميون وأبو قبيلة فهزمه ابرهة فاخذ اسيرا فلما اتى به وهم ابرهة بقتله قال اليها الملك لا تقتلنى فانى دليلك بارض العرب فخلى سبيله وخرج به معه يدله على ارض العرب حتى اذا مر بالطائف رأى اهله ان لا طاقة لهم به فانقادوا له وبعثوا معه بأبى رغال فانزلهم بالمغمس وهو على ستة اميال من مكة ومات ابو رغال هناك وقبره المرجوم فيه كما فى بعض التفاسير قال المرزوقى رأى العرب جهاد ابدهة حقا عليهم فكانوا يجتمعون لقتاله فى الطريق قبائل قبائل فهزمهم ابرهة ومن جملة من هزمهم واسرهم نفيل بن حبيب اخذه وما قتله ليكون دليلا له واخذ عبد المطلب بحلقة البيت ودعا وقال ( لا هم ان المرء يحمى رحله فامنع حلالك ) ( لا يغلبن صليبهم .(17/429)
ومحالهم غدوا محالك ) وذلك انهم كانوا نصارى أهل صليب ولا هم اصله اللهم فان العرب تحذف الالف واللام وتكتفى بما يبقى والحلال بكسر الحاء المهملة جمع حلة وهى البيوت المجتمعة والمحال بكسر الميم الشدة والقوة والغدو بالغين المعجمة اصل الغد وهو اليوم الذى يأتى بعد يومك الذى انت فيه فالفت وهو يدعو فاذا بطير فقال والله انها لطير غريبة لا نجدية ولا تهامية ولا حجازية وان لها لشأنا وفى حواشى ابن الشيخ كان عبد المطلب وابو مسعود الثقفى يشاهدان من فوق الجبل عسكر ابرهة فأرسل الله طيرا سودا صفر المناقير خضر الاعناق طوالها او حضرا او بيضا او بلقا او حماما كما سئل من ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن الطير فقال حمام مكة منها وقد يقال ان هذا اشتباه لان الذى قيل فيه انه من نسل الابابيل انما هو شئ يشبه الزرازير يكون بباب ابراهيم من الحرم والافحام الحرم من نسل الحمام الذى عشش على فم الغار والزرازير جمع زرزور بضم الزاى طائر صغير من نوع سمى بذلك لزرزرته اى لصوته وعن عائشة رضى الله عنها كانت تلك الطير الابابيل اشباه الخطاطيف والوطاويط وقد نشأت فى شاطئ البحر ولها خراطيم الطير واكف الكلام وانيابها وقال ابن جبير لم ير مثلها لا قبلها ولا بعدها وقال عكرمة هى عنقاء مغرب وفى الخبر انها طير بين السماء والارض تعيش وتفرخ وقيل من طير السماء قيل جاءت عيشة ثم صبحتهم مع كل طائر حجر فى منقاره وحجران فى رجليه اكبر من العدسة واصغر من الخمصة وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه رأى منها عند ام هانى نحو قفيز مخطط بحمرة كالجزع الظفارى وظفار كقطام بلد باليمن قرب صنعاء ينسب اليه الجزع وارسلت ريح فزادتهم شدة فكان الحجر يقع على رأس كل واحد منهم فيخرج من اسفله وينفذ من الفيل ومن بيضهم فيخرق الارض وعلى كل حجر اسم من يقع عليه قال القاشانى والهام الوحوش والطيور أقرب من الهام الانسان لكن نفوسهم ساذجة وتأثير الاحجار بخاصية اودعها الله تعالى فيها ليس بمستنكر ومن اطلع على عالم القدرة وكشف له حجاب الحكمة عرف لمية اثمال هذه وقد وقع فى زماننا مثلها فى استيلاء الفأر على مدينة ابى يوزد وافساد زروعهم ورجوعها فى البرية الى شط جيحون واخذ كل واحدة منهاخشبة من الايك التى على شط النهر وركوبها عليها وعبورها من النهر فهى لا تقبل التأويل كأحوال القيامة وامثالها انتهى وعن عكرمة كل من اصابته الحجارة جدرته وفى الخبران اول ما وقعت الحصبة والجدرى بأرض العرب ذلك العام ففروا وهلكوا فى كل طريق ومنهل قال بعضهم فلم تصب منهم احدا الا هلك وليس كلهم اصيب كما قال فى انسان العيون ثم ركب عبد المطلب لما استبطأ مجيئ القوم الى مكة ينظر ما الخبر فوجدهم قد ملكواى غالبهم وذهب غالب من بقى فاحتمل ما شاء الله من صفراء وبيضاء .(17/430)
ثم اعلم اهل مكة بهلاك القوم فخرجوا فانتهبوا انتهى يعنى والذى سلم منهم ولى هاربا مع ابرهة ال ىليمن يبتدر الطريق وصاروا يستاقطون بكل منهل .
وقال الكاشفى وييك نفس قوم ابرهه مستأصل شدند وآن بيلان نيزهمه هلاك كشتند .
وقال بعضهم ولم يسلم الا كندى فقال
أكندة لو رأيت ولو ترينا ... بجنب ربا المغمس ما القينا
حسبنا الله ان قد بث طيرا ... وظل سحابة تهمى علينا
واخذ ابرهة دآء اسقط انامله واعضاءه ووصل الى صنعاء كذلك وهو مثل فرخ الطير وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فملك اليمن ابنه يكسوم بن ابرهة وانفلت وزيره ابو يكسوم وطائر يتحلق فوقه حتى بلغ النجاشى فقص عليه القصة فلما اتمما وقع عليه الحجر فخر ميتا بين يديه فارى الله النجاشى كيف كان هلاك اصحابه وقال بعضهم همه هلاك شدندمكر ابرهة كه مرغ بر سروى ايستاد وازمكه بيرون شدروى بحبشة نهاد وآن مرغ برهوا برسورى همى بود واونمى دانست تادربيش نجاشى شد جون ابرهه صورت حال بعرض نجاشى رسانيد نجاشى از روى تعجب برسيد كه جكونه مرغان بودندكه جندين مبارزانرا هلاك كردند ابرهه رادرين حال نظر بران مرغ افتاد كفت اى ملك يكى اذان مرغان اينست همان لحظه آن مرغ سنكى كه داشت بنام وى برسرش افكند وهم درنظر نجاشى هلاك شدوازين سصورت آيت عبرتى بر صحيفة دل نجاشى منقش كشت .
نوشت خامه تقدير برجريده دهر ... خطى كه فاعتبروا يا اولى الابصار
وعن عائشة رضى الله عنها رأيت قائد الفيل وسائسه اعميين مقعدين يسطعمان الناس ويعلم من ذلك انهما من جملة من سلم من قوم ابرهة ولم يذهبا بل بقيا بمكة كما فى انسان العيون وفى حواشى ابن الشيخ كان عبد المطلب وابو مسعود الثقفى يشاهدان من فوق الجبل عسكر ابرهة حين رماهم الطير بالحجارة فهلكوا فقال عبد المطلب لصاحبه صار القوم بحيث لا يسمع لهم ركز اى حس فانحاط من الجبل فدخلا المعسكر فاذا هم موتى فجمعا من الذهب والجواهر وحفر كل منهما لنفسه حفرة وملأها من المال وكان ذلك سبب غناهما وفى كلام سبط ابن الجوزى وسبب غنى عثمان بن عفان ان اباه عفان وعبد المطلب وابا مسعود الثقفى لما هلك ابرهة وقومه كاناو اول من نزل مخيم الحبسة فأخذوا من اموال ابرهة واصحابه شيأ كثيرا ودفنوهعن قريش فكانوا غنياء قريش واكثرهم مالا ولما مات عفان ورثه عثمان رضى الله عنه ثم انه يرد على ما ذكر ان الحجاج خرب مكة بضرب المنجنيق فلم يصبه شئ ولم يستعجل عذابه ويجاب بأن الحجاج لم يجئ لهدم الكعبة ولا لتخريبها ولم يقصد ذلك وانما قصد التضييق على عبد الله بن الزبير رضى الله عنه ليسلم نفسه وفيه انه قد يشكل كونه حرما آمنا وجاء فى حق الحجاج ان عليه نصف عذاب العالم ويرد عليه ايضا قصة القامطة وهى ان ابا سعيد كبير القامطة وهم طائفة ملاحدة ظهروا بالكوفة سنة سبعين ومائتين يزعمون ان لا غسل من جنابة وحل الخمر وانه لا صوم فى السنة الا يومى النيروز والمهرجان وبزيدون فى اذانهم وان محمد بن الحنيفة رسول الله وان الحدج والعمرة الى بيت المقدس وافتتن بهم جماعة من الجهال واهل البرارى وقويت شوكتهم حتى انقطع الحج من بغداد بسببه وسبب ولده ابى طاهر فان ولده ابا طاهر بنى دارا فى الكوفة وسماها دار الهجرة وكثرة فساده واستيلاؤه على البلاد وقتله المسلمين وتمكنت هبته من القلوب وكثرت اتباعه وذهب اليه جيش الخليفة المقتدر بالله السادس عشر من خلفاء بنى العباس غير ما مرة وهو يهزمهم ثم ان المقتدر سير ركب الحاج الى مكة فوافاهم ابو طاهر يوم التروية فقتل الحجيج بالمسجد الحرام وفى جوف الكعبة قتلا ذريعا والقى القتلى فى بئر زمزم وضرب الحجر الاسود بدبوس فكسره ثم اقتلعه واخذه معه وقلع بالب الكعبة ونزع كسوتها وسقفها وقسمه بين اصحابه وهدم قبة زمزم وارتحل عن مكة بع د ان اقام بها احد عشر يوما ومعه الحجر الاسود وبقى عند القرامطة اكثر من عشرين سنة وكان الناس يضعون ايديهم محلة للتبرك ودفع لهم فيه خمسون ألف دسنار فأبوا حتى اعيد الى موضعه فى خلافة المطيع لامر الله وهو الرابع والعشرون من خلفاء بنى العباس بعد اشترآئه منهم وجعل له طوق فضة شد به رنته ثلاثة آلاف وسبعمائة وتسعون درهما ونصف قال بعضهم تأملت الحجر وهو مقلوع فاذا السواد فى رأسه فقط وسائره ابيض وطوله قدر عظم الراع وبع د القرامطة فى سنة ثلاث عشر واربعمائة قام رجل من الملاحدة وضرب الحجر الاسود ثلاث ضربات بدبوس فتشقق وجه الحجر من تلك الضربات وتساقطت منه شظيات مثل الاظفار وخرج بكسره فتات اسمر يضرب الى الصفرة محببا مثل حب الخشخاش فجمع بنوا شيبة ذلك الفات وعجنوه بالمسك واللك وحشوه فى تلك الشقوق وطلوه بطلاء من ذلك .(17/431)
يقول الفقير لعل الجواب عن مثل هذا ان الاستئصال وما يقرب منه مرفعوع عن هذه الامة واكثر ما كان من خوارق العادات كان فى ايام الامم السالفة وليست الكعبة بأفضل من الانسان الكامل وقد جرتعادة الله على التسامع عن بعض من يعاديه بل يقتله وان كان اشتد غضبه عليه فهو يمهل ولا يهمل ولعتة الله على الظالمين .(17/432)
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)
{ الم يجعل كيدهم فى تضليل } الهمزة للتقرير وضالل كيده اذا جعله ضالا ضائعا ونحوه قوله تعالى وما كيد الكافرين الا فى ضلال وضل الماء فى اللبن اذا ذهب وغاب والمعنى قد جعل مكرهم وحيلتهم فى تعطيل الكعبة عن الزوار وتخريبها فى تضييع وابطال بان اهلكهم اشنع اهلاك وجزاهم بعد اهلاكهم بمثل ما قصدوا حيث خرب كنيستهم قال فى انسان العيون لما اهلك صاحب الفيل وقومه عزت قريش وهابتهم الناس كلهم وقالوا هم اهل الله لان الله معهم مزقت الحبشة كل ممزق وخرب ما حول تلك الكنيسة التى بناها ابرهة فلم يعمرها احد وكثرت حولها السباع والحيات ومردة الجن وكل من أراد أن يأخذ منها شيا اصابته الجن واستمرت كذلك الى زمن السفاح الذى هو اول خلفاء بنى العباس فذكر له امرها فبعث اليها عامله الذى باليمن فخربها واخذ خشبها المرصع بالذهب والآلات المفضضة التى تساوى قناطير من الذهب فحصل له منها مال عظيم وحينئذ عفا رسمها وانقطع خبرها واندرست آثارها .(17/433)
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)
{ وارسل عليهم طيرا } عطف على قوله ألم يجعل لان الهزة فيه لانكار النفى كما سبق { ابابيل } صفة طيرا اى جماعات لأنها كانت افواجا فوجا بعد فوج متتابعة بعضها على اثر بعض أو من ههنا وههنا جمع ابالة وهى الحزمة الكبيرة بالفارسية دسته بزرك ازحطب . شبهت بها الجماعة من الطير فى تضامها وقيل ابابيل مفرد كعباديد ومعناه الفرق من الناس الذاهبون فى كل وجه وكشماطيط ومعناه القطع المتفرقة وفيه انها لو كانت مفردات لا شكل قول النحاة ان هذا الوزن من الجمع يمنع صرفه لانه لا يوجد فى المفردات .(17/434)
تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)
{ ترميهم بحجارة } صفة اخرى لطير وقرأ ابو حنيفة رحمه الله يرميهم اى الله او الطير لانه اسم جمع تأنيثه باعتبار المعنى والحجارة جمع حجر بالتحريك بمعنى الصخرة والمعنى بالفارسية مى افكندند بدان لشكر بسنكها .
يقال رمى الشئ وبه ألقاه { من سجيل } من طين متحجر وهو الآجر معرب .
سنك كل . وقال بعضهم متحجر من هذين الجنسين وهما سنج الذى هو الحجر وجيل الذى هو الطين او هو علم للديوان الذى كتب فيه عذاب الكفار كما ان سجينا علم للديوان الذى كتب فيه عذاب الكفار كما ان سجينا علم للديوان الذى تكتب فيه اعمالهم كأنه قيل بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدون واشتقاقه من الاسجال وهو الارسال .(17/435)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
{ فجعلهم كعصف مأكول } كورق زرع وقع فيه الا كال وهو أن يأكله الدود وسمى ورق الزرع بالعصف لان شأنه ان يقطع فتعصفه الرياح اى تذهب به الى هنا وهنا شبههم به فى فنائهم وذهابهم الكلية او من حيث انه حديت فيهم بسبب رميهم منافذة وشقوق كالزرع الذى اكله الدود ويجوز أن يكون المعنى كورق زرع اكل حبه فبقى صفرا منه فيكون من حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه اى كعصف مأكول الحب شبههم بزرع اكل حبه فى ذهاب ارواحهم وباقء اجسادهم او كتبن اكلته الدواب وألقته روثا فيبس وتفرقت اجزاؤه شبهة تقطع اوصالهم بتفرق اجزاء الروث وفيه تشويه لحالهم وبمالغة حسنة وهو أنه لم يكتف بجعلهم اهون شئ فى الزرع وهو التبن الذى لا يجدى طائلا حتى جعلهم رجيعا الا انه عبر عن الرجيع بالمأكول او اشير اليه بأول حاله على طريق الكناية مراعاة لحسن الأدب واستهجانا لذكر الروث كنى بالاكل فى قوله تعالى كانا يأكلان الطعام عما يلزم الا كل من التبول والتغوط لذلك فدأب القرءان هو العد ولعن الظاهر فى مثل هذا المقام قال بعض العارفين من كان اعتماده على غير الله اهلكه الله بأضعف خلقه الا ترى ان اصحاب الفيل لما اعتمدواعلى الفيل من حيث انه اقوى خلق الله اهلكهم الله بأضعف خلق من خلقه وهو الطير .
وكفته اندا كربيل نتوانى بودبارى ازبشه كم مباش كه برصورت بيل است بشه كويدكه اكر من بقوت بيل نيسسنم كه بارى كشم بارى بصورت بيلم كه بار خويش بركس نيفكم . وفيه اشارة الى ابرهة النفس المتصفة بصفة الغضب والحقد المجبولة على خلقة الفيل كالسبعية فى السبع والكبر فى النمر فارسل الله عليها طير الارواح حاملين احجار الاذكار والاوراد فأكلتها أكل الا كلة وعصفت مزروعاتهم السيئة وبطل قليس طبيعتها الجسمانية التى كانت تدعو القوى اليها لان هذه الدعوة كانت بتزيين الشيطان فلا تقاوم دعوة الروح الى كعبة القلب التى كانت من الرحمن .
هركه بر شمع خدا آردتفو ... شمع كى ميرد بسوز دبوزار
جون توخفاشان بسى بينند خواب ... كين جهان مانديتم از آفتاب
قوله مأكول يوقف عليه ثم يكبر ولا يوصل حذرا من الايهام .(17/436)
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)
{ لايلاف قريش } متعلق بقوله تعالى فليعبدوا وهو قول الزجاج والفاء لما فى الكلام من معنى الشرط اذ المعنى ان نعم الله عليهم غير محصورة فان لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجلية فالايلاف تعدية الألف مصدر من المبنى للمفعول مضاف الى مفعوله الاول مطلقا عن المفعول الثانى الذى هو الرحلة كما قيد به فى الايلاف الثانى يقال الفت الشئ بالقصر وآلفته بالمد بمعنى لزمته ودمت عليه وما تركته فيكون كل من الألف والايلاف لازما ويقال ايضا آلفته غيرى بالمد اى الزمته اياه وجعلته يألفه فيكون متعديا قال فى تاجالمصادر الايلاف الف دادن والف كرفتن . وضد الايلاف والايناس هو الايحاش وقيل متعلق بما قبله من قوله فجعلهم كعصف مأكول ويؤيده انهما فى مصحف ابى رضى الله عنه سورة واحدة بلا فصل فيكون الايلاف بمعنى الالف اللازم فالمعنى ابى اهلك الله من قصدهم من الحبشة لان يألفوا هايتن الرحلتين ويجمعوا بينهما ويلزموا اياها ويثبتوا عليهما متصلالا منقطعا بحيث اذ فرغاو من ذه اخذوا فى ذه وبالعكس وذلك لان الناس اذا تسامعوابذلك الاهلاك تهيبوا لهم زيادة نهيب واحترموهم فضل احترام فلا يجترئ عليهم احد فينتظم لهم الا من فى رحلتيهم وكان لقريش رحلتان يرحلون فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشأم فيمتارون ويتجرون وكانوا فى رحلتيهم آمنين لانهم أهل حرم الله وولاة بيته العزيز فلا يتعرض لهم والناس بين متخطف ومنهوب وذلك ان قريشا اذا اصاب واحدا منهم مخمصة خرج هو وعياله الى موضع وضربوا على انفسهم خباء حتى يموتوا وكانواعلى ذلك الى ان جاء هاشم بن عبد مناف وكان سيد قومه فقام خطيبا فى قريش فقال انكم احدثتم حدثا تقلون فيه وتذلون وانتم أهل حرم الله واشرف ولد آدم والناس لكم تبع قالوا نحن تبع لك فليس عليك منا خلاف فجمع كل بنى اب على الرحلتين فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشأم لان بلاد اليمن حامية حارة وبلاد الشام مرتفعة باردة ليتجروا فيما بدا لهم من التجارات فما ربح الغنى قسم بينه وبين فقرآئهم حتى كان فقيرهم كغنيهم فجاء الاسلام وهم على ذلك فلم يكن فى العرب بنوا اب اكثر مالا ولا اعز من قريش وكان هاشم اول من حمل السمراء من الشام وقريش ولد النضر بن كنانة ومن لم يلده فليس بقرشى سموا بتصغير القرش وهو دابة عظيمة فى البحر تعبث بالسفن وتقلبها وتضربها فتكسرها ولا تطاق الا بالنار فشبهوا بها لانها تأكل ولا تؤكل وتعلوا ولا تعلى والتصغير للتعظيم فكانه قيل قريش عظيم وقال بعضهم الا وجه ان التصغير على حقيقته لانه اذا كان القرش دابة عظيمة والقرش مع صغر حجمه جعل قرشا فهو لا محالة قريش وفيه ان جعل قريش قريشا لم يكن لمناسبة الحجم بل كان لوصف الآكلية وعدم المأكولية ووصف الغلبة وعدم المغلوبية وهذان الوصفان يوجد ان فى تلك الدابة على وجه الكمال فلا معنى للتصغير الا العظيم قال الزمخشرى سمعت بعض التجار بمكة ونحن قعود عند باب بنى شيبة يصف لى القرش فقال هو مدور الخلقة كما بين مقامنا هذا الى الكعبة ومن شأنه ان يتعرض للسفن الكبار فلا يدره شئ الا ان يأخذ اهلها المشاعل فيمر على وجهه كالبرق وكل شئ عنده قليل الى النار وبه سميت قريش قال الشاعر(17/437)
وقريش هى التى تسكن البحر بها سميت قريش قريشا ... تأكل الغث والسمين ولا تترك فيه لذى جناحين ريشا ... هكذا فى البلاد حتى قريش ... يأكلون البلاد اكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبى ... يكثر القتل فيهموا والخوشا
الخنوش الخدوش واكلا كميشا اى سريعا وفى القاموس قرشه يقرشه ويقرشه قطعه وجمع من ههنا وههنا وضم بعضه الى بعض ومنه قريش لتجمعهم الى الحرم او لانهم كانوا يتقرشون البيعات فيشترونها او لان النضر ابن كنانة اجتمع فى ثوبه يوما فقالوا تقرش او لانه جاء الى قومه فقالوا كأنه جمل قريش اى شديد او لان قصيا كان يقال له القريشى او لانهم كانوا يفتشون الحاج فيسدون خلتها او سميت بمصغر القرش وهو دابة بحرية يخافها دواب البحر كلها او سميت بقريش بن يخلد بن غالب بن فهر وكان صاحب عيرهم فكانوا يقولون قدمت عير قريش وخرجت عير قريش والنسبة قرشى وقريشى انتهى .(17/438)
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
{ ايلافهم رحلة الشتاء والصيف } بدل من الاول ورحلة مفعول به لايلافهم وهى بالكسر الارتحال وبالضم الجهة التى يرحل اليها واصل الرحلة السير على الراحلة وهى الناقة القوية ثم استعمل فى كل سير وارتحال وافرادها مع انه اراد رحلتى الشتاء والصيف لأ من الالباس مع تناول اسم الجنس للواحد والكثر وفى اطلاق الايلاف عن المفعول اولا ثم ابدال المقيد منه تفخيم لامره وتذكير لعظيم النعمة فيه والشتاءالفصل المقابل للصثيف وفى القاموس الشتاء احد ارباع الازمنة والموضع المشتى والصيف القيظ او بعد الربيع والقيظ صميم الصيف من طلوع الثريا الى طلوع سهيل .(17/439)
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
{ فليعبدوا رب هذا البيت الذى اطعمهم } بسبب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منها بواسطة كونهم من جيرانه وسكان حرمه وقيل بدعوة ابرهيم عليه السلام يجبى اليه ثمرات كل شئ { من جوع } شديد كانوا فيه قبلهما وكان الجوع يصيبهم الى ان جمعهم عمرو العلى وهو هاشم المذكور على الرحلتين قالو ابو حيان من ههنا للتعليل اى لاجل الجوع وقال سعدى المفتى الجوع لا يجامع الاطعام والظاهر انها للبدلية .
يقول الفقير الظاهر ان مآل المعنى نجاهم من الجوع بسبب الاطعام والترزيق { وآمنهم من خوف } عظيم لا يقادر قدره وهو خوف اصحاب الفيل او خوف التخطف فى بلدهم ومسايرهم وقال صاحب الكشاف الفرق بين عن ومن ان عن يقتضى حصول جوع قدر زال بالاطعام ومن يقتضى المنع من لحاق الجوع والمعنى اطعمهم فلم يلحقهم جوع وآمنهم فلم يلحقهم خوف فيكون من لابتدآء الغاية والمعنى اطعمهم فى بدء جوعهم قبل لحاقه اياهم وآمنهم فى بدء خوفهم قبل اللحاق ومن بدع التفاسير وآمنهم من خوف من ان تكون الخلافة فى غيرهم كما فى الكاشف وعن ام هانئ بنت ابى طالب رضى الله عنها قالت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل قريشا اى ذكر تفضيلهم بسبع خصال لم يعطها احد قبلهم ولا يعطاها احد بعدهم النبوة فيهم والخلافة فيهم والحجابة للبيت فيهم والسقاية فيهم ونصروا على الفيل اى على اصحابه وعبدوا الله سبع سنين وفى لفظ عشر سنين لم يعبده احد غيرهم ونزلت فيهم سورة من القرءآن لم يكذر فيها احد غيرهم لايلاف قريش وتسمة لايلاف قريش سورة يرد ما قيل ان سورة الفيل ولايلاف قريش سورة واحدة فلينظر ما معنى عبادتهم لله دون غيرهم فى تلك المدة .
يقول الفقير اشار بقريش الى النفس المشركة وقواها الظالمة الخاطئة الساكنة فى البلد الانسانى الذى هو مكة الوجود وبالشتاء الى القهر والجلال وابلصيف الى اللطف والجمال واغنى بالقهر والجلال العجز والضعف لان المقهور عاجز ضعيف وباللطف والجمال القدرة والقوة لان المطلوف به صاحب التمكين فاما عجز النفس وضعفها فعند عدم مساعدة هواها واما قوتها وقدرتها فعند وجود المساعدة فهى وصفاتها ترتحل عند العجز والضعف الى بمن المعقولات لانها فى جانب يمين القلب وعند القوة والقدرة ترتحل الى شأم المحسوسات لانها فى جانب شمال القلب الذى يلى الصدر فهى تتقلب بين نعم المعقولات ونعم المحسوسات ولا تشكرها بأن تقر بوحدة الوجود ورسالة رسول القلب كالفلاسفة المتوغلة فى المعقولات والفراعنة المنهمكة فى المحسوسات ولذا قال تعالى فليعدبوا رب هذا البيت الى بيت القلب الذى هو الكعبة الحقيقية لانها مطاف الواردات والالهامات ومن ضرورة العبادة له الاقرار برسالة رسول الهدى الذى هو القلب فالبيت معظم مشرف مطلقا لاضافة الرب اليه فما ظنك بعظمة الرب وجلاله وهيبته ورب القلب هو الاسم لجامع المحيط بجميع الاسماء والصفات وهو الاسم الاعظم الذى نيط به جميع التاثيرات العقلية والروحانية والعلمية والغيبية امروا بأن يكونوا تحت هذا الاسم لا تحت الاسماء الجزئية ليتخلصوا من الشرك ويتحققوا بسر وحدة الوجود فان الاسماء الجزئية تعطى التقييد والاسم الكلى يعطى الاطلاق ومن ثمة بعث النبى عليه السلام فى ام البلاد اشارة الى كليته وجمعيته وهذا الرب الجليل المفيض المعطى ازال عنهم جوع العلوم والفيوض واطعمهم بها وآمنهم من خوف الهلاك من الجوع لان نفس الجاهل كالميت ولا شك ان الاحياء يخافون من الموت هكذا ورد بطريق الالهام من الله العلام .(17/440)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
{ ارأيت } يا محمد اى هل عرفت { الذى يكذب بالدين } اى بالجزآء او بالاسلام يعنى آباديدى ودانستى آنكس را كه تكذيب ميكندبر وزجزا ويادين الاسلام وباورنميكند . ان لم تعرفه او ان اردت ان تعرفه .(17/441)
فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)
{ فذلك الذى يدع اليتيم } اى بدفعه دفعا عنيفا ويزجره زجرا قبيحا فهو جواب شرط محذوف على ان ذلك مبتدأ والموصول خبره وهو ابو جهل كان وصيا ليتيم فجاءه عريانا يسأله من مال نفسه فدفعه دفعا شنيعا فأيس الصبى فقال له اكابر قريش قل لمحمد يشفع لك وكان غرضهم الاستهزآء به وهو عليه السلام ما كان يرد محتاجا فذهب معه الى ابى جهل فقام ابو جهل وبذل المال لليتيم فعيره قريش وقالوا أصبوت فقال لا والله ما صبوت ولكن رأيت عن يمينه وعن يساره حربة خفت ان لم اجبه يطعنها فى فالذى للعهد ويحتمل الجنس فيكون عاما لكل من كان مكذبا بالدين ومن شأنه اذية الضعيف ودفعه بعنف وخشنونة لاستيلاء النفس السبعية عليه .(17/442)
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)
{ ولا يحض } اى لا يحث اهله وغيرهم من الموسرين { على طعام المسكين } اى على بذل طعام له يعنى بر طعام دان درويش ومحتاج ويمنع المعروف عن المستحق لاستيلاء النفس البهيمة ومحبة لامال واستحكام رذيلة البخل فانه اذا ترك حيث غيره فكيف يفعل هو نفسه فعلم ان كلا من ترك الحث وترك الفعل من امارات الكذيب وفى العدول من الطعام الى الطعام واضافته الى المسكين دلالة على ان للمساكين شركة وحفا فى مال الاغنياء وانه انما منع المسكين مما هو حقه وذلك نهاية البخل وقساوة القلب وخساسة الطبع فان قلت قد لا يحض المرء فى كثر من الاحوال ولا يعد ذلك اثما فكيف يذم به قلت اما لان عدم حضه لعدم اعتقاده بالجزآء واما لان ترك الحض كناية عن البخل ومنع المعروف عن المساكين ولا شبهة فى كونه محل الذم والتوبيخ كما ان منع الغير من الاحسان كذلك
جون زكرم سفله بود در كران ... منع كند از كرم ديكران
سفله نخواهد دكرى رابكام ... خس نكذار دمكسى رابجام(17/443)
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
{ فويل } الفاء لربط ما يعدها بشرط محذوف كأنه قيل اذا كان ما ذكر من عدم المبالاة باليتيم والمسكين من دلائل التكذيب الدين وموجبات الذموالتوبيخ فويل اى شدة العذاب { للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } السهو خطأ عن غفلة وذلك ضربان احدهما ان لا يكون من الانسان جواليه ومولداته كمجنون سب انسانا والثانى ان يكون منه مولداته كمن شرب خمرا ثم ظهر منه منكر لا عن قصد الى فعله فالاول معفو عنه والثانى مأخوذ به ومنه ما ذم الله فى الآية والمعنى ساهون عن صلاتهم سهو ترك لها وقلة التفات اليها وعدم مبالاة بها وذلك فعل المنافقين او الفسقة من المؤمنين وهو معنى عن ولذا قال انس رضى الله عنه الحمد لله على ان لم يقل فى صلاتهم وذلك انه لو قال فى صلاتهم لكان المعنى ان السهو يعتريهم وهم فيها اما بوسوسة شيطان او بحديث نفس وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم والخلوص منه عسير ولما نزلت هذه الآية قال عليه السلام « هذه خير لكم من ان يعطى كل واحد منكم مثل جميع الدنيا » فان قلت هل صدر عن النبى عليه السلام سهو قلت نعم كما قال « شغلونا عن صلاة العصر » اى يوم الخندق « ملأ الله قلوبهم نارا » وايضاسها عن صلاة الفجر ليلة التعريس وايضا صلى الظهر ركعتين ثم سلم فقال له ابو بكر رضى الله عنه صليت ركعتين فقال واضاف اليهما ركعتين لكن سهوه عليه السلام فيما ذكر وفى غيره ليس كسهو سائر الخلق وايهم مثله عليه السلام وهو فى الاستغراق والانجذاب دآئما وقد قال « تنام عيناى ولا ينام قلبى » وفيه اشارة الى السهو عن شهود لطائف الصلاة والغفلة عن اسرارها وعلومها وقرأ ابن مسعود رضى الله عنه لا هون مكان ساهون فعلى العاقل ان تفوته الصلاة التى هى من باب المعراج والمناجاة ولا يعبث فيها باللحية والثياب ولا يكثر والتثاؤب والالفتات ونحوها ومن المصلين من لا يدرى عن كم انصرف ولا ما قرأ من السورة .(17/444)
الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)
{ الذين هم يراؤون } اى يرون الناس اعمالهم ليروهم الثناء عليها فان قلت فحينئذ يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز لان الثناء لا يتعلق به الرؤية البصرية قلت هو محمول على عموم المجاز او على جعل الارآءة من الرؤية بمعنى المعرفة قال فى الكشاف والعمل الصالح ان كان فريضة فمن حق الفرآئض الاعلان بها وتشهيرها لقوله عليه السلام « ولا غمة فى فرآئض الله » لانها اعلام الاسلام وشعائر الدين ولان تاركها يستحق الذم والمقت فوجب اماطة التهمة بالاظهار وان كان تطوعا فحقه ان يخفى لانه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه وان اظهره قاصدا للاقتدآء فيه كان جميلا وانما الرياء ان يقصد ان تراه الاعين فتثنى عليه بالصلاح واجتناب الرياء صعب لانه اخفى من دبيب النملة السودآء فى الليلة المظلمة على المسح الاسود
كليد در دوزخست آن نماز ... كه در جشم مردم كزارى دراز
والفرق بين المرآئى والمنافق ان المنافق يبطن الكفر ويظهر الايمان والمرآئى يظهر زيادة الخشوع وآثار الصلاح ليعتقد من يراه انه من أهل الصلاة وحقيقة الرياء طلب ما فى الدنيا بالعبادة وفيه اشارة الى ان من يضيف اعماله واحواله الى نفسه الظلمانية فهو مرآى .(17/445)
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
{ ويمنعون الماعون } من المعن وهو الشئ القليل وسميت الزكاة ما عونا لانه يؤخذ من المال ربع العشر وهو قليل من كثير وقال ابو الليث الماعون بلغة الحبشة المال وفى برهان القرءآن قوله الذين هم ثم بعده الذين هم كرر ولم يقتصر على مرة واحدة لامتناع عطف الفعل على الاسم ولم يقل الذين هم يمنعون لانه فعل فحسن العطف على الفعل وهذه دقيقة انتهى والمعنى ويمنعون الزكاة كما دل عليه ذكره عقيب الصلاة او ما يتعاور عادة فان عدم المبالاة باليتيم والمسكين حيث كان من عدم الاعتقاد بالجزآء موجب للذم والتوبيخ فعدم المبالاة بالصلاة التى هى عماد الدين والرياء الذيى هو شبعة من الكفر ومنع الزكاة التى هى قنطرة الاسلام وسوء المعاملة مع الخلق احق بذلك وكم ترى من المتسمين بالاسلام بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة فيا مصيبتاه والمراد بما يتعاوره عادة اى يتداوله الناس بالعارية ويعين بعضهم بعضا باعارته هو مثل الفاس والقدر والدلو والابرة والقصعة والغربال والقدوم والمقدحة والنار والماء والملح ومن ذلك ان يلتمس جارك ان يخبز فى تنورك او يضع متاعه عندك يوما اونصف يوم عن عائشة رضى الله عنها انها قالت يا رسول الله ما الذى لا يحل منعه قال « الماء والنار والملح » فقالت يا رسول اللهذا الماء فما بال النار والملح قال « لها حميرآء من اعطى نارا فكأنما تصدق بجميع ما طبخ بتلك النار ومن اعطى ملحا فكأنما تصدق بجميع ما طيب بذلك الملح ومن سقى شربة من الماء حيث لا يوجد الماء فكانما احيى نفسا » كما فى كشف الاسرار وقد يكون منع هذه الاشياء محظورا فى الشريعة اذا استعيرت عن اضطرار وقبيحا فى المروءة فى غير حال الضرورة وفى عين المعانى فلما منعوا من الكوثر فى الآية الزجر عن البخل الذى هو صفة المنافقين .(17/446)
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
{ انا } ان جار مجرى القسم فى تأكيد الجملة { اعطيناك } بصيغة الماضى مع ان العطايا الاخروية واكثر ما يكون فى الدنيا لم تحصل بعد تحقيقا لوقوعها { الكوثر } اى الخير المفرط الكثرة من العلم والعمل وشرف الدارين فوعل من الكثرة كنوفل من النفل وجوهر من الجهر قيل لاعرابية آن ابنها من السفر ثم آب ابنك قالت آب بكوثر اى بالعدد الكثير من الخير قال فى القاموس الكثور الكثير من كل شئ وفى المفردات وقد يقال للرجل السخى كوثر ويقال تكوثر الشئ كثر كثرة متناهية وروى عنه عليه السلام انه قرأها فقال « اتدرون ما الكوثر انه نهر فى الجنة وعدنيه ربى فيه خير كثير أحلى من العسل وأشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج وألين من الزبد حافتاه الزبرجد وأوانيه من فضة عدد نجوم السماء لا يظمأ من شرب منه ابدا اول وارد به فقرآء المهاجرين لدنسوا الثياب الشعث الرؤس الذين لا يزوحون المنعمات ولا تفتح لهم ابواب السدد ويموت احدهم وحاجته تتلجلج فى صدره لو أقسم على الله لائبره » وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه فسر الكثر بالخير الكثير فقال له سعيد بن جبير ان ناسا يقولون هو نهر فى الجنة فقال هو الخير الكثير وعن عائشة رضى الله عنها من ارارد ان يسمع خيرير الكوثر فليدخل اصبعيه فى اذنيه وقال عطاء هو حوضه لكثرة وارديه وفى الحديث « حوضى ما بين صنعاء الى ايلة على احدى زواياه ابو بكر وعلى الثانية عمر وعلى الثالثة عثمان وعلى الرابعة على فمن ابغض واحدا منهم لم يسقه الآخر » فيكون الحوض فى المحشر والاظهر ان جميع نعم الله داخلة فى الكوثر ظاهرة او بطانه فمن الظاهرة خيرات الدنيا والآخر ومن الباطنة العلوم اللدنية الحاصلة بالفيض الالهى بغير اكتساب بواسطة القوى الظاهرة الباطنة .
صاحب تأويلات فرموده كه كوثر معرفت كثرتست بوحدت وشهود وحدت درعين كثرت واين نهريست دربستان معرفت هركه ازو سيراب شدايد ازتشكئ جهالت ايمن است واين معنى خاصه حضرت رسالت عليه السلام وكمل اولياء امت او .(17/447)
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
{ فصل لربك وانحر } اى وانحر له فحذف اكتفاء بما قبله والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فان اعطاءه تعالى اياه عليه السلام ما ذكر من العطية التى لم يعطها ولن يعطيها احدا من العالمين مستوجب للمأمور به اى استيجاب والنحر فى البة كالذبح فى الحلق والمعنى قدم علىلصلاة لربك الذى افاض عليك هذه النعمة الجليلة التى لا تضاهيها نعمة خالصا لوجهه كما دل عليه اللام الاختصاصية خلاف للساهين عنها المرآئين فيها ادآء لحقوق شكرها فان لاصلاة جامعة لجميع اقسام الشكر وهى ثلاثة الشكر بالقلب وهو أن يعلم ان تلك النعم منه لا من غيره والشكر باللسان وهو أن يمدح المنعم ويثنى عليه والشكر بالجوارح وهو ان يخدمه ويتواضع له والصلاة جامعة لهذه الاقسام وانحر البدن التى هى خيار اموال العرب بأسمه تعالى يعنى وشتر قربان كن براى وى .
وتصدق على المحاويج خلافا لمن يدعهم وبمنع منهم الماعون فالسورة كالمقابلة للسورة المتقدمة وقد فسرت الصلاة بصلاة العيد والنحر بالتضحية وهذا يناسب كون السورة مدنية وعن عطية هى صلاة الفجر بجمع والنحر بمنى .
مصطفى را عليه السلام برسيدندكه اكركسى درويش بودوطاقت قربان ندارد جكونه كند تاثواب قربان اورا حاصل شود كفت جهار ركعت نمازكند درهر ركعتى يكبار الحمد خواند ويازده بارانا اعطيناك الكوثر الله تعالى اوراثواب شصت قربان در ديوان وى ثبت كندكما فى كشف الاسرار وعن على رضى الله عنه النحر ههنا وضع اليدين فى الصلاة على النحر وعن سليمان التيمى ارفع يديك بالدعاء الى نحرك وفى التأويلات النجمية وانحر بدن انانيتك وانيتك بوضع يدك اليمنى الروحانية على يدك اليسرى الجسمانية على نحرك المشروح بسيف نص ألم نشرح لك صدرك .(17/448)
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
{ ان شانئك } يقال شنأه كمنعه وسمعه شنأ ابغضه اى مبغضك { هو } للفصل { الأبتر } لبغضه لك لان نسبة امر الى المتق تفيد عليه المأخذ والبغض ضد الحب والبتر يستعمل فى قطع الذنب ثم اجرى قطع العقب مجراه فقيل فلان ابترا اذا لم يكن له عقب يخلفه والمعنى هو الذى لا عقل له حيث لا يبقى له نسل ولا حسن ذكر واما انت فتبقى ذريتك وحسن صيتك وآثار فضلك الى يوم القيامة
آثار افتدار توتا حشر متصل ... خصم سياه روى توبى حاصل وخجل
ولك فى الآخرة ما لا يندرج تحت البيان وذلك انهم زعموا حين مات ابنه عليه السلام القاسم وعبد الله بمكة ابراهيم بالمدينة ان محمدا صلى الله عليه وسلم ينقطع ذكره اذا انقطع عمره لفقدان نسله فنبه الله ان الذى ينقطع ذكره هو الذى يشنأه فاما هو فكما وصفه الله تعالى ورفعنا لك ذكرك وذلك انه اعطاه نسلا يبقون على مر الزمان فانظركم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم وجعله ابا للمؤمنين فهم اعقابه واولاده الا يوم القيامة وقيض له من يراعيه ويراعى دينه الحق والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين رضى الله عنه العلماء باقون ما بقى الدهر اعيانهم مفقودة وآثارهم فى القلوب موجودة هذا فى العلماء الذين هم اتباعه عليه السلام فكيف هو وقد رفع الله ذكره وجعله خاتم الانبياء عليهم السلام وفى التاويلات النجمية ان شانئك هو الابتر وهو حمار النفس المبتور ذنب نسله وعقبه فان اولاد الاعمال الصالحة والاحوال الصادقة والاخلاق الروحانية والاوصاف الربانية اولادك يا رسول القلب واتباعك واشياعك واعوانك .
يقول الفقير يده الله القدير وردت على سورة الكوثر وقت الضحى بعد القيلولة والاشارة فيها انا بجميع اسماءنا اللطفية الجمالية الاكرامية اعطيناك يا محمد القلب ورسول الهدى المبعوث الى جميع القوى بالخير والهدى الكوثر وهو العلم الكثير الفائض من منبع الاسم الرحمن فانا رحمناك بهذه الرحمة العامة الشاملة لجميع الرحمات فلذا صرت مظهر الرحمة الكلية فى جميع المواطن فلك علم الاحكام وعلم الحقائق فصل فى مسجد الفناء والتسليم وهو المسجد الابراهيمى لربك اى لشكر ربك ولادامة شهوده وابقاء حضوره معك فى جميع الحالات وانحر بدنه البدنن فى طريق الخدمة وبدنه الطبيعة فى طريق العفة وبدنه النفس فى طريق الفتوة ان شانئك اى مبغضك من القوى الشريرة الانفسية والآفاقية هو الابتر المقطوع اعقابه وآخره كما قال تعالى فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين الذى ربى اولياءه فجعل لهم الوصل كما جعل لاعدآئهم القطع ثم ان قوله هو الابتر يوقف عليه ثم يقال الله اكبر ولا يوصل بالتكبير حذرا من الايهام .(17/449)
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)
{ قل يا أيها الكافرون } قالوا فى مناداتهم بهذا الوصف الذى يسترذلونه فى بلدتهم ومحل عزهم وشوكتهم ايذان بأنه عليه السلام محروس منهم ففيها علم من اعلام النبوة وفى التعبير بالجمع الصحيح دلالة على قلتهم او حقارتهم وذلتهم وهم كفرة مخصوصة كالوليد بن المغيرة وابى جهل والعاص بن وائل وامية بن خلف والاسود ن عبد يغوث والحارث بن قيس ونحوهم قد علم الله انه لا يأتى ولا يتأتى منهم الايمان ابدا على ما هو مضمون السورة بالخطاب للرسول عليه السلام بالنسبة الى قوم مخصوصين فلا يد ان مقتضى هذا الامر ان يقول كل مسلم ذلك لكل جماعة من الكفار مع ان الشرع ليس حاكما به روى ان رهطا من عتاة قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك بعبد آلهتنا سنة ونبعد الهك سنة فقال « معاذ الله ان اشرك بالله غيره » فقالوا استلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد الهك فنزلت فغدا الى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقام على رؤوسهم فقرأها عليهم فأيسوا منه عند ذلك وآذوه وصاحابه وفيه اشارة الى الذين ستروا نور استعدادهم الاصلى بظلمة صفات النفوس وآثار الطبيعة فحجبوا عن الحق بالغير .(17/450)
لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)
{ لا اعبد ما تعبدون } اى فيما يستقبل لان لا لا تدخل غالبا الاعلى مضارع فى معنى الاستقبال كما ان ما لا تدخل الا على مضارع فى معنى الحال الا ترى ان لن تأكيد فيما ينفيه لا قال الخليل فى لن اصله لا والمعنى لا افعل فى المستقبل ما تطلبونه منى من عباده آلهتكم .(17/451)
وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)
{ ولا انتم عابدون ما اعبد } اى لوا انتم فاعلون فى المستقبل ما اطلب منكم من عبادة الهى والمراد ولا انتم عابدون عبادة يعتد بها اذا العبادة مع اشراك الانداد لا تكون فى حيز الاعتداد .(17/452)
وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4)
{ ولا انا عابد ما عبدتم } اى وما كنت عابدا فيما سلف ما عبدتم فيه اى لم يعهد منى عبادة صنم فى الجاهلية فكيف يرجى منى فى الاسلام .(17/453)
وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)
{ ولا انتم عابدون ما اعبد } اى وما عبدتم فى وقت من الاوقات ما انا على عبادته وهو الله تعالى فليس فى السورة تكرار وقيل هاتان الجملتان لنفى العبادة حالا كما ان الاوليين لنفيها استقبالا وانما لم يقل ما عبدت ليوافق ما عبدتم لانهم كانوا موسومين قيل البعثة بعبادة الاصنام وهو عليه السلام لم يكن حينئذ موسوما بعبادة الله ومشتهرا بكونه عابدا لله على سبيل الامتثال لامره يعنى على ما يقتضيه جعل العبادة صلة للموصول ثم عدم الموسومية بشئ لا يقتضى عدم ذلك الشئ فلا يلزم ان لا يكون عليه السلام عابدا لله قبل البعثة بل يكون ما وقع منه قبلها من قبيل الجرى على العادة المستمرة القديمة وفى القاموس كان عليه السلام على دين قومه على ما قبى فيهم من ارث ابراهيم واسماعيل عليهما لاسلام فى حجبهم ومناكحهم وبيوعهم وأساليبهم واما التوحيد فانهم كانوا بذلوه والنبى عليه السلام لم يكن الا عليه الانتهى وايثار ما فى اعبد على من لان المراد هو الوصف كأنه قيل ما ابعد من المعبود العظيم الشان الذى لا يقادر قدر عظمته .(17/454)
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
{ لكم دينكم } تقرير لقوله تعالى لا اعبد ما تعبدون وقوله تعالى ولا انا عابد ما عبدتم { ولى } بفتح ياء المتكلم { دين } بحذف الياء اذ أصله دينى وهو تقرير لقوله تعالى ولا انتم عابدون ما اعبد والمعنى ان دينكم الذى هو الاشراك مقصور على الحصول لكم لا يتجاوزه الى الحصول لى ايضا كما تطمعون فلا تعلقوا به امانيكم الفارغة فان ذلك من المحال وان دينى الذى هو التوحيد مقصور على الحصول لى لا يتجاوز الى الحصول لكم ايضا لانكم علقتموه بالمحال الذى هو عبادتى لآلهتكم او استلامى اياها ولان ما وعدتموه عين الاشراك وحيث كان مبنى قولهم تعبد آلهتنا سنة ونعبد الهك سنة على شركة الفريقين فى كلتا العبادتين كان القصر المستفاد من تقديم المسند قصر افراد حتما وفى عين المعانى ونحوه هو منسوخ بآية السيف وقال ابو الليث وفيها دليل على ان الرجل اذا رأى منكرا او سمع قولا منكرا فانكره ولم يقبلوا منه لا يجب عليه اكثر من ذلك وانما عليه مذهبه وطريقه وتركهم على مذهبهم وطرقهم .
يقول الفقير وردت على هذه الوسةر وكانى اقرأها فى صلاة العسر بصوت جهورى حتى اسمعتها جيمع ما فى الكون واشارتها قل يا محمد القلب يا ايها الكافرون اى القوى النفسانية الساترة للتوحيد بالشرك والطاعة بالمعصية والوحدة بالكثرة والوجود الحقيقة بالوجود المجازى ونور الحقيقة الوجوبية بظلمة الحقيقة الامكانية لا اعبد ما تعبدون من الاصنام التى يعب رعنها بما سوى الله فانى مأمور بالايمان بالله والكفر بالطاغوت وكل ما سوى الله من قبيل الطاغوت والاله المجعول المقدي فلا يستحق العبادة الا الله المطلق عن الاطلاق والتقييد ولا انتم عابدون ما اعبد وهو الله الواحد القهار الذى هقر بوحدته جميع الكثرات ولكن لا يقف عليه الا أهل الوحدة والشهود وانتم أهل الكثرة والاحتجاب فانى لكم هذا الوقف ولا انا عابد ما عبدتم من التوليات والتقلبات فى الكثرات الاسمائية والصفاتية ولا انتم عابدون ما اعبد من التمكين والتحقيق وكذا من التولين فى التمكين فانه من مقتضيات ظهور حقائق جميع الاسماء وليس فيه ميل وانحراف عن الحق اصلا بل فيه بقاء مع الحق فى كل طور لكم دينك الذى هو الايمان بالطاغوت والكفر بالله وهو الدين يجب التبرى منه ولى دين الذى هو الايمان بالله والكفر بالطغوت وهو الدين الذى يجب التعلق باحكامه والتخلق باخلاقه والتحقق بحقائقه هذا فحقائق القرءآن ليست بمنسوخة ابدا بل العمل بها باق .
ابن عباس رضى الله عنهما فرموده در قرآن سوره نيست برشيطان سخت ترازين سورة زيرا كه توحيد محض است ودرو برائت از شرك فمن قرأها برئ من الشرك وتباعد عنه مردة الشياطين وامن من الفزع الاكبر وهى تعدل ربع القرءآن وفى الحديث « مروا صبيانكم فليقرأوها عند المنام فلا يعرض لهم شئ ومن خرج مسافرا فقرأ هذه السورة الخمس قل يا ايها الكافرون اذا جاء نصر الله قل هو الله احد قل اعوذ برب الفلق قل اعوذ برب الناس رجع سالما غانما »(17/455)
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
{ اذا جاء نصر الله } اى اعانته تعالى واظهاره اياك على اعدآئك فان قلت لا شك ان ما وقع من الفتوح كان بنصرة المؤمنين فما وجه اضافتها الى الله قلت لان افعالهم مستندة الى دواعى قلوبهم وهى امور حادثة لا بد لها من محدث وهو الله تعالى فالعبد هو المبدأ الاقرب والله هو المبدأ الاول والخالق للدواعى ما يبتنى عليها من الافعال والعامل فى اذا هو سبح اى فسبح اذا جاء نصر الله ولا يمنع الفاء عن العمل على قول الاكثرين او فعل الشرط وليس اذا مضافا اليه على مذهب المحققين واذا لما يستقبل والاعلام بذلك قيل كونه من اعلام النبوة لما روى ان السورة نزلت قبل فتح مكة كما عليه الاكثر { والفتح } اى فتح مكة على ان الاضافة واللام للعهد وهو الفتح الذى تطمح اليه الابصار ولذلك سمى فتوح الفتوح ووقع الوعد به فى اول سورة الفتح وقد سبقت قصة الفتح فى تلك السورة وقيل جنس نصر الله مطلق الفتح على ان الاضافة واللام للاستغراق فان فتح مكة لما كان مفتاح الفتوح ومناطها كما ان نفسها ام القرى وامامها جعل مجيئه بمنزلة مجيئ سائر الفتوح وعلق به امره عليه السلام وانهما على جناح الوصول اليه عن قريب ويمكن ان يقال التعبير للاشارة الى حصول نصر الله بمجيئ جند بهم النصر وقيل نزلت السورة فى ايام النشريق بمنى فى حجة الوداع وعاش عليه السلام بعدها ثمانين يوما او نحوها فكلمة اذا حينئذ باعتبار أن بعض ما فى حيزها اعنى رؤيته دخول الناس الخ غير منقض بعد وقال سعدى المفتى وعلى هذه الوراية فكلمة اذا تكون خارجة عن معنى الاستقبال فانها قد تخرج عنه كما قيل فى قوله تعالى واذا رأوا تجارة الآية وفى المصطلحات ان الفتوح كل ما يفتح على العبد من الله تعالى بعد ما كان مغلقا عليه من النعم الظاهرة والباطنة كالارزاق والعبادات والعلوم والمعارف والمكاشفات وغير ذلك والفتح القريب هو ما انفتح على العبد من مقام القلب وظهور صفاته وكمالاته عند قطع منازل النفس وهو المشار اليه بقوله نصر من الله وفتح قريب والفتح المبين هو ما يفتح على العبد من مقام الولاية وتجليات انوار الاسماء الالهية المفنية لصفات القلب وكمالاته المشار اليه بقوله انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر يعنى من الصفات النفسانية والقلبية والفتح المطلق هو أعلى الفتوحات واكملها وهو ما انفتح على العبد من تجلا الذات الاحدية والاستغراق فى عين الجمع بفناء الرسوم الخلقية كلاه وهو المشار اليه بقوله اذا جاء نصر الله والفتح انتهى وقد سبق بعبارة اخرى فى سورة الفتح وعلى هذا فالمراد بالنصر هو المدد الملكوتى والتأييد القدسى بتجليات الاسماء والصفات وبالفتح هو الفتح المطلق الذى لا فتح ورآءه وهو فتح باب الحضرة الالهية الحدية والكشف الذاتى ولا شك ان الفتح الاول هو فتح ملكوت الافعال فى مقام القلب بكشف حجاب حس النفس بافناء افعالها فى افعال الحق والثانى هو فتح جبروت الصفات فى مقام الروح بكشف حجاب خيالها فابناء صفاتها فى صفاته والثالث هو فتح لاهوت الذات فى مقام السر بكشف حجب وهمها بافناء ذاتها فى ذاته ومن حصل له هذا النصر والفتح الباطنى حصل له النصر والفتح الظاهرى ايضا لان النصر والفتح من باب الرحمة وعند الوصول الى نهاية النهايات لا يبقى من السخط اثر اصلا ويستوعب الظاهر والباطن اثر الرحمة مطلقا ومن ثمة تفاوت احوال الكمل بداية ونهاية فظهر من هذا ان كلا من النصر والفتح فى الآية ينبغى ان يحمل على ما هو المطلق لكنى اقتفيت اثر أهل التفسير فى تقديم ما هو المقيد لكنه قول مرجوح تسامح الله عن قائله .(17/456)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)
{ ورأيت الناس } أبصرتهم او علمتهم يعنى العرب واللام للعهد او الاستغراق العرفى جعلوه خطابا للنبى عليه السلام يحتمل الخطاب العام لكل مؤمن وحينئذ يظهر جواب آخر عن امر النبى عليه السلام بالاستغفار مع انه لا تقصير له اذ الخطاب لا يخصه فالامر بالاستغفار لمن سواه وادخاله فى الامر تغليب { يدخلون فى دين الله } اى ملة الاسلام التى لا دين يضاف اليه تعالى غيرها والجملة على تقدير الرؤية البصرية حال وعلى تقدير الؤية القلبية مفعول ثان وقال بعضهم ومما يحتلج فى القلب ان المناسب لقوله يدخلون الخ ان يحمل قوله والفتح على فتح باب الدين عليهم { افواجا } حال من فاعل يدخلون اى يدخلون فيه جماعات كثرة كأهل مكة والطائف واليمن وهو ازن وسائر قبائل العرب وكانوا قبل ذلك يدخلون فيه واحدا واحدا واثنين اثنين روى انه عليه السلام لما فتح مكة اقبلت العرب بعضها على بعض فقالوا اذا ظفر بأهل الحرم فلن يقاومه احد وقد كان الله اجارهم من اصحاب الفيل من كل من ارادهم فكانوا يدخلون فى دين الاسلام افواجا من غير قتال ( قال الكاشفى ) درسال نزول اين سورة تتابع وفود بود جون بنى اسد وبنى مرة وبنى كلب وبنى كنانة بنى هلال وغير ايشان ازا كنف واطراف بخدمت آن حضرت آمده بشرف اسلام مشرف ميشدند . قال ابو عمر ابن عبد البر لم يمت رسول الله عليه السلام وفى العرب رجل كافر بل دخل الكل وفى الاسلام بعد حنين منهم من قدم ومنهم من قدم وافده وقال ابن عطية والمراد والله اعلم العرب عبدة الاوثان واما نصارى بنى تغلب فما اسلموا فى حياته عليه السلام ولكن اعطوا الجزية وفى عين المعانى الناس أهل البحر قال عليه السلام « الايمان يمانى والحكمة يمانية » وقال « وجدت نفس ربكم من جانب اليمن » اى تنفيسه من الكرب وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه انى بكى ذات يوم فقيل له فى ذلك فقال سمعت رسول الله عليه السلام يقول « دخل الناس فى دين الله افواجا وسيخرجون منه افواجا »(17/457)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
{ فسبح بحمد ربك } التسبيح مجاز ن التعجب بعلاقة السببية فان من رأى امر اعجبنا يقول سبحان الله قال ابن الشيخ لعل الوجه فى اطلاق هذه الكلة عند التعجب كما ورد فى الاذكار ولكل اعجوبة سبحانه الله هو أن الانسان عند مشاهدة الامر العجيب الخارج عن حد أمثاله يستبعد وقوعه وتنفعل نفسه منه كانه استقصر قدرة الله فلذلك خطر على قلبه ان يقول من قدرعليه وأوجده ثم انه فى هذا الزعم مخطئ فقال سبحان الله تنزيها لله عن العجز عن خلق امر عجيب يستبعد وقوعه لتيقنه بأن الله على كل شئ قدير قال الامام السهيلى رحمه الله سر اقتران الحمد بالتسبيح ابدا نحو سبح بحمد ربك وان من شئ الا يسبح بحمده ان معرفة الله تنقسم قسمين معرفة ذاته ومعرفة اسمائه وصفاته ولا سبيل الى اثبات احد القسمين دون الآخر واثبات وجود الذات من مقتضى العقل واثبات الاسماء والصفات من مقتضى الشرع فبالعقل عرف المسمى وبالشرع عرفت الاسماء ولا يتصور فى العقل اثبات الذات الا مع نفى سمات الحدوث عنها وذلك هو التسبيح ومقتضى العقل مقدم على مقتضى الشرع وانما جاء الشرع المنقول بعد حصول النظر والعقول فنيه العقول على النظر فعرفت ثم علمها ما لم تكن تعلم من الاسماء فانضاف لها التسبيح والحمد والثناء فما امر ان تسبيحه الا بحمده انتهى ومعنى الآية فقل سبحان الله حال كونك ملتبسا بحمده اى فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببال احد من ان يغلب احد على أهل حرمه المحترم واحمده على جميع صنعه هذا على الرواية الاول ظاهر واما على الثانية فلعله امر بأن يداوم على ذلك استعظاما لنعمته لا باحداث التعجب لما ذكر فانه انما يناسب حالة الفتح وقال بعضهم والاشبه ان يراد نزهه عن العجز فى تأخير ظهور الفتح واحمده على التأخير وصفه بأن توقيت الامور من عنده ليس الا بحكم لا يعرفها الا هو انتهى او فاذكره مسبحا حامدا وزد فى عبادته والثناء عليه لزيادة انعامه عليك او فصل له حامدا على نعمه فالتسبيح مجاز عن الصلاة بعلاقة الجزئية لانها تشتمل عليه فى الاكثر روى انه عليه السلام لما فتح باب الكعبة صلى صلاة الضحى ثمانى ركعات وحملها بعضهم على صلاة الشكر لا على صلاة الضحى وبعضهم على ان اربعا منها للشكر أربعا للضحى او فنزهه عما يقول الظلمة حامدا له على ان صدق وعده او فأثن على الله بصفات الجلال يعنى الصفات السلبية حامد له على صفات الاكرام يعنى الصفات الثبوتية اى على آثارها او على تنزيلها منزلة الاوصاف الاختيارية لكفاية الذات المقدس فى التصاف بها فان المحمود عليه يجب ان يكون امرا اختياريا وقال القاشانى نزه ذاتك عن الاحتجات بمقام القلب الذى هو معدن النبوة بقطع علاقة البدن والترقى الى مقام حق اليقين الذى هو معدن الولاية حامدا له باظهار كمالاته واوصافه التامة عند التجريد بالحمد الفعلى { واستغفره } هضما لنفسك واستقصارا لعلمك واستعظاما لحقوق الله واستدراكا لما فرط منك من ترك الاولى او استغفره لذنبك وللمؤمنين وهو المناسب لما فى سورة محمد وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار على طريق النزول من الخالق الى الخلق حيث لم تشتغل على رؤية الناس باستغفارهم اولا مع ان رؤيتهم تستدعى ذلك بل اشتغل اولا بتسبيح الله وحمده لانه رأى الله قبل رؤية الناس كما قيل ما رأيت شيأ الا ورأيت الله قبله وذلك لان الناس مرءآة العارف وصاحب المرءآة يتوجه اولا الى المرئى وبرؤية المرئى تلتفت نفسه الى المرءآة ولك ان تقول ان فى التقديم المذكرو تعليم ادب الدعاء وهو ان لا يسأل فجأة من غير تقديم الثناء على المسئول عنه عن عائشة رضى الله عنها انه كان عليه السلام يكثر قبل موته ان يقول سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك واتوب اليك وعنه عليه السلام انى لاستغفر الله فى اليوم والليلة مائة مرة ومنه يعلم ان ورد الاستغفار لا يسقط ابدا لانه لا يخلو الانسان عن الغين والتلوين وروى انه لما قرأها النبى عليه السلام على اصحابه استبشروا وبكى العباس فقال عليه السلام(17/458)
« ما يبكيك يا عم » قال نعيت اليك نفسك اى ألقى اليك خبر موت نفسك والنعى ألقاء خبر الموت قال عليه السلام « انها لكما تقول » فلم ير عليه السلام بعد ذلك ضاحكا مستبشرا وقيل ان ابن عباس رضى الله عنهما هو الذى قال ذلك فقال عليه السلام « لقد اوتى هذا الغلام علما وكثيرا » ولذلك كان عمر يدنيه ويأذن له مع اهل بدر ولعل ذلك للدلالة على تمام امر الدعوة وتكامل امر الدين كقوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم والكمال دليل الزوال كما قيل .
توقع زوالا اذا قيل تم . او لان الامر بالاستغفار تنبيه على قرب الاجل كأنه قال قرب الوقت ودنا الرحيل فتأهب للامر ونبه به على ان العاقل اذا قرب اجله ينبغى ان يستكثر من التوبة وروى انها لما نزلت خطب رسول الله صلىلله عليه وسلم فقال « ان عبدا خيره الله بين الدنيا وبين لقائه فاختار لقاء الله » فعلم ابو بكر رضى الله عنه فقال فديناك بانفسنا واموالنا وآبائنا واولادنا وعنه عليه السلام انه دعا فاطمة رضى الله عنها فقال « يا بنتاه انه نعيت على نفسى » يعنى خبروفات من دهند
نامه رسيد ازان جهان بهر مراجعت برم ... عزم رجوع ميكنم رخت بجرخ ميبرم(17/459)
فبكت فقال « لا تبكى فانك اول اهلى لحوقا بى » فضحكت وعن ابن مسعود ان هذه السورة تسمى سورة التوديع لما فيها من الدلالة على توديع الدنيا قالعلى رضى الله عنه لما نزلت هذه السورة مرض رسول اله عليه السم فخرج الى الناس فخطبهم وودعهم ثم دخل المنزل فتوفى بعد ايام قال الحسن رحمه الله أعلم انه قد اقترب اجله فامر بالتسبيح والتوبة ليختم له بالعمل الصالح وفيه تنبيه لكل عاقل { انه كان توابا } مبالغا فى قبول توبتهم منذ خلق المكلفين فليكن كل تائب مستغفر متوقعا للقبول وذلك ان قبول التوبة من الصفات الاضافية ولا منازعة فى حدوثها فاندفع ما يرد ان المفهوم من الآية انه تعالى تواب فى الماضى وكونه تواباى الماضى كيف يكون علة للاستغفار فى الحال والمستقبل وفى اختيار انه كان توابا على غفار مع انه الذى يستدعيه قوله واستغفر حتى قيل وتب مضمر بعده والا لقال غفارا تنبيه على ان الاستغفار انما ينفع اذا كان مع التوبة والندم والعزم على عدم العود ثم ان من اضمر وتب يحتمل انه جعل الآية من الاحتباك حيث دل بالامر بالاستغفار علت التعليل بأنه كان غفارا وبالتعليل بأنه كان توابا على الامر بالتوبة اى استغفره وتب .
ذكر البرهان الرشيدى ان صفات الله تعالى التى على صيغة المبالغة كلها مجاز لانها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها لان المبالغة ان يثبت للشئ اكبر اكثر مما له وصفاته تعالى منزهة عن ذلك واستحسنه الشيخ تقى الدين السبكى رحمه الله وقال الزر كشى فى البرهان التحقيق ان صيغة المبالغة قسمان احدهما ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل والثانى بحسب تعدد المفعولات ولا شك ان تعددها لا يوجب للفعل زيادة اذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة متعددين وعلىهذا القسم تنزل صفاته ويرفع الاشكال ولهذا قال بعضهم فى حكيم معنى المبالغة فيه تكرار حكمه بالنسبة الى الشرآئع وقال فى الكشاف المبالغة فى التواب للدلالة على اكثرة من يتوب عليه او لانه بليغ فى قبول التوبة بحيث ينزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط لسعة كرمه .(17/460)
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
{ تبت } اى اهلكت فان التباب الهلاك ومنه قولهم أشابة ام تابة اى هالكة من الهرم والعجز او خسرت فان التباب ايضا خسران يؤدى الى الهلاك { يدا ابى لهب } تثنية يد واللهب واللهيب اشتعال النار اذا خلص من الدخان او لهبها لسانها ولهيبها حرها ابو لهب وتسكن الهاء كنية عبد العز بن عبد المطلب لجماله او لماله كما فى القاموس يعنى ان التكنى لاشراق وجنتيه وتلهبهما والا فليس له ابن يسمى باللهب وايثار التباب على الهلاك واسناده الى يديه لما روى انه لما نزل وأنذر عشيرتك الاقربين رقى رسول الله عليه السلام الصفاء وجمع اقاربه فأنذرهم فقال « فقال يا بنى عبد المطلب يا بنى فهر ان اخبرتكم ان بسفح هذا الجبل خيلا اكنتم مصدقى » قالوا نعم يعنى اكرمن شمارا خبر كنم بآنكه در باى اين كوه جمعى آمده اند بداعبه آنكه بر شماشبيخون كرده دست بقتل وغارت بكشايند مرا دران تصديق ميكنيد بانه كفتند جرا نكنيم وتوبيش ما بدروغ عتهم نشده . قال « فانى نذير لكم بين يديى الساعة » فقال عمه ابو لهب تبا لك يعنى هلاكت باد . ألهذا دعوتنا واخذ حجرا بيده ليرميه عليه السلام به فمنعه الله من ذلك حيث لم يستطع ان يرميه فلا كناية فى ذكر اليدين ووجه وصف يديه بالهلاك ظاهر واما وصفهما بالخسران فلرد ما اعتقده من نفعه وربحه فى اذية رسول الله عليه السلام ورميه بالحجر وذكر فى التأويلات الما تريدية انه كان كثير الاحسان الى رسول الله عليه السلام وكان يقول ان كان الامر لمحمد فيكون لى عنده يدو ان كان لقريش فلى عندها يد فاخبر أنها خسرت يده التى كانت عند محمد عليه السلام بعناده له ويده التى عند قريش ايضا لخسران قريش وهلاكهم فى يد محمد { وتب } اى وهلك كله فهو اخبار بعد اخبار والتعبير بالماضى لتحقق وقوعه وقيل المراد بالاولى هلاك جملته كقوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة على ان ذكر اليد كناية عن النفس والجملة ومعنى وتب وكان ذلك وحصل ويؤيده قرآءة من قرأ وقد تب فان كلمة قد لا تدخل على الدعاء وقيل كلاهما دعاء عليه بالهلاك والمراد بيان استحقاقه لان يدعى عليه بالهلاك فان حقيقة الدعاء شأن العاجز وانما كناه والتكنية تكرمه لاشتهاره بكنيته فليست للتكريم او لكراهة ذكر اسمه القبيح اذ فيه اضافة الى الصنم او للتعريض يكونه جهنميا لانه سيصلى نارا ذات لهب يعنى ان ابا لهب باعتبار معناه الاضافى يصلح ان يكون كناية عن حاله وهىكونه جهنميا لان معناه باعتبار اضافته ملابس اللهب كما ان معنى ابو الخير واخو الحرب بذلك الاعتبار ملابس الخير والحرب واللهب الحقيقى لهب جهنم وهذا المعنى يلزمه انه جهنمى ففيه انتقال من الملزوم الى اللازم فهى كنية تفيد الذم فاندفع ما يقال هذا يخالف قولهم ولا يكنى كافر فاسق ومبتدع الا لخوف فتنة او تعريف لان ذلك خاص بالكنية التى تفيد المدح لا الذم ولم يشتهر بها صاحبها فى الاتقان ليس فى القرءآن من الكنى غير ابى لهب ولم يذكر اسمه وهو عبد العزى اى الصنم لانه حرام شرعا انتهى وفيه ان الحرام وضع ذلك لا استعماله وفى كلام بعضهم ما يفيدان الاستعمال حرام ايضا الا ان يشهر بذلك كما فى الاوصاف المنقصة كالاعمش وكان بعد نزول هذه السورة لا يشك المؤمن انه من أهل النار بخلاف غيره ولم يقل فى هذه السورة قل تبت الخ لئلا يكون مشافها لعمه بالشتم والغليظ وان شتمه عمه لان للعم حرمة كحرمة الاب لانه مبعوث رحمة للعالمين وله خلق عظيم فاجاب الله عنه وقرئ ابو لهب بالواو كما قيل على بن ابو طالب ومعاوية بن ابو سفيان مع ان القياس الياء لكونه مضافا اليه كيلا يغير منه شئ فيشكل على السامع والحاصل ان الكنية بمنزلة العلم والاعلام لا تتغير فى شئ من الاحوال وكان لبعض امرآء مكة ابنان احدهما عبد الله بالجر ولآخر عبد الله بالفتح .(17/461)
مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)
{ ما اغنى عنه ماله وما كسب } اى لم يغن عنه حين حل به التبات ولم ينفعه اصلا على ان ما نافية او أى شئ اغنى عنه على انها استفهايمة فى معنى الانكار منصوبة بما بعدها على انها مفعول به او أى اغناء اغنى عنه على انها مفعول مطلق اصل ماله وما كسبه به من الارباح والنتائج والمنافع والوجاهة والاتباع ولا احد اكثر مالا من قارون وما دفع عنه الموت والعذاب ولا اعظم ملكا من سليمان عليه السلام وقد قيل فيه
نه برياد رفتى سحر كاه وشام ... سرير سليمان عليه السلام
بآخر نديديكه برباد رفت ... خنك آنكهبادانش وداد رفت
او ماله الموروث من ابيه والذى كسبه بنفسه او عمله الخبيث الذى هو كيده فى عداوة النبى عليه السلام او عمله الذى ظن انه منه على شئ كقوله تعالى وقمنا الى ما علموا من عمل فجعلناه هباء منثورا وقال بعضهم ما كسب منفعة وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما كسب ولده ( وروى ) انه كان يقول ان كان ما يقول ابن اخى حقا فانا افتدى منه نفسى بمالى وولدى فاستخلص منه وقد خاب رجاه وما حصل ما تمناه فافترس ولده عتبة اسد فى طريق الشأم وذلك ان عتبة بن ابى لهب وكان تحته ابنة رسول الله عليه السلام اراد الخروج الى الشأم قال لآتين محمدا فلأوذينه فأتاه فقال يا محمد هو كافر بالنجم اذا هوى وبالذى دنا فتدلى ثم نفل فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد عليه ابنته وطلقها فقال عليه السلام « اللهم سلط عليه كلبا من كلابك » فرجع عتبة الى أيه فأخبره ثم خرجوا الى الشام فنزلوا منزلا فأشرف عليهم راهب من الدير فقال ان هذه ارض مسبعة فقال ابو لهب اعينونى يا مشر عريش هذه الليلة فانى اخاف على ابنى دعوة محمد فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم وأحدقوا بعتبة فجاه الاسد يتخللهم ويتشمم وجوههم حتى ضرب عتبة فقتله وهلك ابو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر لسبع ليال والعدسة بثرة تخرج فى البدن تشبه العدسة وهى من جنس الطاعون تقتل غالبا فاجتنبه أهله مخافة العدوى وكانت قريش تتقيها كالطاعون فبقى ثلاث حتى انتن ثم استأجروا بعض السودان واحتملوه ودفنوه فكان الامر كما اخبر به القرءآن وفى انسان العيون لم يحفروا له حفرة ولكن اسندوه الى حائط وقذفوا عليه الحجارة خلف الحائط حتى واروه وفى رواية حفرة له ثم دفعوه بعود فى حفرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه وعن عائشة رضى الله عنها انها كانت اذا مرت بموضعه ذلك غطت وجهها والقبر الذى يرجم خارج باب الشبيكة الآن ليس بقبر ابى لهب وانما هو قبر رجلين لطخا الكعبة بالعذبة وذلك فى دولة بنى العباس فان الناس اصبحوا يوما فوجدوا الكعبة ملطخة بالعذرة فرصدوا للفاعل فأمسكو هما بعد ايام فصلبا فى ذلك الموضع فصارا يرجمان الى الآن .(17/462)
سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)
{ سيصلى } اى ما ذكر من العذاب مآل امره فى النشأة الاولى وفى النشأة الآخرة سيدخل لا محالة { نارا ذات لهب } نارا عظيمة ذات اشتعال وتوقد وهى نار جهنم وليس هذا نصا فى انه لا يؤمن ابدا حتى يلزم من تكليفه الايمان بالقرءآن ان يكون مكلفا بأن يؤمن بأنه لا يؤمن ابدا فيكون مأمورا بالجمع بين النقيضين كما هو المشهور فان صلى النار غير مختص بالكفار فيجوز أن يفهم ابو لهب من هذا ان دخوله النار لفسقه ومعاصيه لا لكفره فلا اضطرار الى الجواب المشهور من ان ما كلفه هو الايمان بجميع ما جاء به النبى عليه السلام اجمالا لا الايمان بتفاصيل ما نطق به القرءآن حتى يلزم ان يكلف الايمان بعدم ايمانه المستمر .(17/463)
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
{ وامرأته } عطف على المستكن فى سيصلى لكون الفصل بالمفعول يعنى زن اونيز باودر آيد وداخل نارشود وهى ام جميل بنت حرب بن امية اخت ابى سفيان عمة معاوية رضى الله عنه واسمها العورآء وآن درهمسا يكئ حضرت عليه السلام خانه داشت وكانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنشرها بالليل فى طريق النبى عليه السلام تا خارى نعوذ بالله در دامنش آو يزديا دربايش خلد وكان عليه السلام يطأه كما يطأ الحرير وفى تفسير أبى الليث حتى صار النبى عليه السلام واصحابه فى شدة وعناء وفى تفسير الكاشفى وآن حضرت كه بنماز بيرون آمدى انها برسرراه بركرفتى وبطريق ملايمت كفتى اين جه نوع همسا يكيست كه يامن ميكنيد
ميريختند درره توخار باهمه ... جون كل شكفته بود رخ كلستان تو
{ حمالة الحطب } الحطب ما اعد من الشجر شبوبا كما فى القاموس ونصب حمالة على الشتم والذم اى أذم حمالة الحطب قال الزمخشرى وانا استحب هذه القرآءة وقد توسل الى رسول الله عليه السلام بجميل من احب شتم ام جميل انتهى وقيل على الحالية بناء على ان الاضافة غير حقيقية اذا المراد انها تحمل يوم القيامة حزمة حطب كالزقوم والضريع وفى جيدها سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يناسب حاله فى جرمه وعن قتادة انها مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها فعيرت بالبخل فانصب حينئذ على الشتم حتما وقيل كانت تمشى بالنميمة وتفسد بين الناس تحمل الحطب بينهم اى توقد بينهم النائرة وتورث الشر . بس هيزم كشى عبارتست از سخن جينى كه آتش خصومت ميان دوكس برمى افروزد
ميان دوكس جنك جون آتش است ... سخن جين بدبحت هيزم كش است
كنند اين وآن خوش دكر باره دل ... وى اندرميان كور بخت وخجل
ميان دوكس آتش افروختن ... نه عقلست خود درميان سوختن(17/464)
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
{ فى جيدها حبل من مسد } جملة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر والجملة حالية والجيد بالكسر العنق ومقلده او مقدمه كما فى القاموس والمسد ما يفتل من الحبال فتلا شديدا من ليف كان او جلدا وغيرهما يقال دابة ممسودة شيديدة الاسر والمعنى فى عنقها حبل ممامسد من الحبال وانها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطهافى جيدها كما يفعل الحطابون تخسيسا لحالها وتصويرا لها بصورة بعض الحطابات من المواهن لتغضب من ذلك ويشق عليها ويغض بعلها ايضا وهما فى بيت العز والشرف وفى منصب الثروة والجدة قال مرة الهمدانى كانت ام جميل تأتى كل يوم بابالة من حسك فتطرحها على طريق المسلمين فبينما هى ذات ليلة حاملة حزمة ايت فقعدت على حجر لتستريح فجذبها الملك من خلفها فاختنقت بحبلها حتى هلكت وبدوزخ رفت وفى ينبوع الحياة انها لما بلغها سورة تبت يدا ابى لهب جاءت الى اخيها ابى سفيان فى بيته وهى متحرقة غضبى فقالت له ويحك يا احمس اى يا شجاع اما تغضب ان هجانى محمد فقال ساكفيك اياه ثم اخذ بسيفه وخرج ثم عاد سريعا فقالت له هل قتلته فقال لها يا اختى أيسرك ان رأس اخيك فى فم ثعبان قالت لا والله قال فقد كاد ذلك يكون الساعة اى فانه رأى ثعبانا لو قرب منه صلى الله عليه وسلم لالتقم رأسه ثم كان من امر ابى سفيان الاسلام ومن امر اخته الموت على الكف روالكل من حكم السابق ( قال فى كشف الاسرار ) سك اصحاب الكهف رنك كفرداشت ولباس بلعام باعور طراز دين داشت ليكن شقاوت وسعادت ازلى ازهردو جانب دركمين بود جون دولت روى نمودبوست ان سك ازروى صورت دربلعام بوشانيدند كفتند ( فمثله كمثل الكلب ) ومرقع بلعام دران سك بوشيدند كفتند ثلاثة رابعهم كلبهم قوله من مسد بالوقف يعنى يوقف عليه ثم يجاء بالتكبير لما مر .(17/465)
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
{ قل هو الله احد } الضمير للشأن كقولك هو زيد منطلق وارتفاعه بالابتدآء وخبره الجملة ولا حاجة الى العائد لانها عين الشان الذى عبر عنه بالضمير اى الله احد هو الشأن هذا او هو أن الله احد والسر فى تصدير الجملة به التنبيه من الاوامر على فخامة مضمونها مع ان فى الابهام ثم التفسير مزيد تقرير او الضمير لما سئل عنه اى الذى سألتم عنه هو الله اذ روى ان المشركين قالوا للنبى عليه السلام صف لنا ربك الذى تدعونا اليه وانسبه اى بين نسبه واذكره فنزلت يعنى بين الله نسبه بتنزيهه عن النسب حيث نفى عنه الوالدية والمولدية والكفاءة فالضمير حينئذ مبتدأ ولله خبره واحد بدل منه وابدال النكرة المحضة من المعرفة يجوز عند حصول الفائدة على ما ذهب اليه ابو على وهو المختار والله علم دال على الاله الحق دالالة جامعة لمعانة الاسماء الحسنى كلها وقال القاشانى هو عندنا اسم الذات الالهية من حيث هى هى اى المطلقة الصادق عليها مع جميعها او بضعها ولا مع واحد منها كقوله تعالى قل هو الله احد انتهى عبد الله هو العبد الذى تحلى بجميع اسمائه فلا يكون فى عباده ارفع مقاما واعلى شأنا منه لتحققه بالاسم العظم واتصافه بجميع صفاته ولهذا خص نبينا عليه السلام بهذا الاسم فى قوله وانه لما قام عبد الله يدعوه فلم يكن هذا الاسم بالحقيقة الا له وللاقطاب من ورثته بتبعيته وان اطلق على غيره مجازا لاتصاف كل اسم من اسمائه بجميعها بحكم الواحدية واحدية جميع الاسماء والاحد اسم لمن لا يشاركه شئ فى ذاته كما ان الواحد اسم لمن لا يشاركه شئ فى صفاته يعنى ان الاحد هو الذات وحدها بلا اعتبار كثرة فيها فأثبت له الاحدية التى هى الغنى عن كل ما عداه وذلك من حيث عينه وذاته من غير اعبتار امر آخر والواحد هو الذات مع اعتبار كثرة الصفات وهى الحضرة الاسمائية ولذا قال تعالى ان الهكم لواحد ولم يقل لأحد لان الواحدية من اسماء التقييد فبينهما وبين الخلق ارتباط اى من حيث الالهة والمألوهية بخلاف الاحدية اذلا يصح ارتباطها بشئ فقولهم العلم الالهى هو العلم بالحق من حيث الارتباط بينه وبين الخلق وانتشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية اذ منه مالا تفيه الطاقة البشرية وهو ما وقع به الكمل فى ورطة الحيرة واقروا بالعجز عن حق المعرفة ومنه يعلم ان توحيد الذات مختص فى الحقيقة بالله تعالى وعبد الاحد هو وحيد الوقت صاحب الزمان الذى له القطبية الكبرى والقيام بالاحدية الاولى وعبد الواحد هو الذى بلغه الله الحضرة الواحدية وكشف له عن احدية جميع اسمائه فيدرك ما يدرك ويفعل ما يفعل باسمائه ويشاهد وجوه اسمائه الحسنى قال ابن الشيخ فى حواشيه قوله هو الله احد ثلاثة ألفاظ كل واحد منها اشارة الى مقام من مقامات السائرين الى الله تعالى فالمقام الاول مقام المقربين وهم الذين نظروا الى ماهيات الاشياء وحقائقها من حيث هى هى فلا جرم ما رأوا موجودا سوى الله لان الحق هو الذى لذته يجب وجوده واما ما عداه فممكن والممكن اذا نظر اليه من حيث هو هو كان معدوما فؤلاء لم يروا موجودا سوى الحق تعالى وكلمة هو وان كانت للاشارة المطلقة مفتقرة فى تعين المراد بها الى سبق الذكر باحد الوجوه او الى ان يعقبها ما يفسرها الا انهم يشيرون بها الى الحق ولا يفتقرو نفى تلك الاشارة الا ما يميز المراد بها من غيره لان الافتقار الى الممز انما يحصل حيث وقع الابهام بأن يتعدد ما يصلح لان يشار اليه وقد بينا انهم لا يشاهدون بعيون عقولهم الا الواحد فقط فلهذا السبب كانت لفظة هو كافية فى حصلة العرفان التام لهؤلاء والمقام الثانى مقام اصحاب اليمين وهو دون المقام الاول وذلك النهم شاهدوا الحق موجودا وشاهدوا الخلق ايضا موجودا فحصلت الكثرة فى الموجودات فلا جرم لم تكن لفظة هو كافية فى الاشارة الى الحقب ل لا بد هناك من مميز به يتميز الحق من الخلق فهؤلاء مفتقرون الى ان يقرن لفظة الله بلفظة هو فقيل لاجلهم هو الله لان لفظة اللاسم للموجود الذى يفقتر اليه ما عاده ويستغنى هو عن كل ما عداه فتتميز به الذات المراد عما عداه والمقام الثالث مقام اصحاب الشمال وهو أخس المقامات وهم الذين يجوزون ان يكون واجب الوجود اكثر من واحد فقرن لفظة الاحد بما تقدم ردا على هؤلاء وابطالا لمقالهم فقيل قل هو الله احد انتهى كلامه ومنه يعلم صحة ما اعتاده الصوفية من الذكر بالاسم هو وذلك لان اهل البداية منهم وهم المحجوبون تابعون لاهل النهاية منهم وهم المكاشفون فكأنهم كلهم ما شاهدوا فى الوجود الا الله فالله عندهم بهويته المطلقة السارية متعين لا حاجة الى التعيين اصلا فضمير هو راجع اليه لا الى غيره كما ان الضمير فى انزلناه راجع الى القرءآن لتعينه وحضوره فى الذهن فقول الطاعن انه ضمير ليس له مرجع متعين فكيف يكون ذكر الله تعالى مردود على ان الضمائر اسماء وكل الاسماء ذكر لا فرق بينها بالمظهرية والمضمرية فعلى هذا يجوز ان يدخل اللام فىكلمة هو فى اصطلاح الصوفية لانها اشارة الى الهوية ولا مناشة فى الاصطلاح ثم قوله قل امر من عين الجمع وارد على مظهر التفصيل وفيه اشارة الى سر قوله تعالى شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة وأولوا العلم فكأنه يقول انا شهدت بوحدة الهوية فى مقام الجمع فاشهد انت ايضا بتلك الوحدة فى مقام الفرق ليظهر سر الاحدية واللاحدية ويحصل التطابق بينهما جمعا وتفصيلا هكذا لاح بالبال والله اعلم بحقيقة الحال وقرئ هو الله بلا قل وكذا فى المعوذتين لانه توحد والاخريان تعوذ فيناسب ان يدعو بهما وان يؤمر بتبليغهما وقد سبق فى سورة الاعلى ما يغنى عن تكراره ههنا وقال بعضهم انما اثبت فى المصحف قل والتزم فى التلاوة مع انه ليس من دأب المأمور بقل ان يتلفظ فى مقام الائتمار الا بالمقول لان المأمور ليس المخاطب به فقط بل كل واحد ابتلى بما ابتلى به المأمور فاثبت ليبقى على مر الدهور منا على العباد .(17/466)
اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)
{ الله الصمد } مبتدأ وخبر فعل بمعنى مفعول كقبض بمعنى مقبوض من صمد اليه من باب نصر اذا قصده اى هو السيد المصمود اليه فى الحوائج المستغنى بذاته وكل ما عداه محتاج اليه فى جميع جهاته فلا صمد فى الوجود سوى الله فهو مثل زيد الامير يفيد قصر الجنس على زيد فاذا كان هو الصمد فمن انتفت الصمدية عنه لا يستحق الالوهية وتعريفة لعلمه بصمديته بخلاف احديته وتكرير الاسم الجليل للاشعار بان من يتصف به فهو بمعزل عن استحقاق الالوهية كما اشير اليه آنفا وتعرية الجملة عن العاطف لانها كالنتيجة للاولى وبين اولا الوهيته المستتبعة لكافة نعوت الكمال ثم احديته الموجبة لتنزهه عن شائبة التعدد والتركب بوجه من الوجوه وتوهم المشاركة فى الحقيقة وخواصها ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتى عما سواه وافتقار جميع المخلوقات اليه فى وجودها وبقائها وسائر احوالها تحقيقا للحق وارشادا لهم الى سنه الواضح فاثبات الصمدية له سبحانه انما هو باعتبار استنادنا اليه فى الوجود والكمالات التابعة للوجود باعتبار احدية ذاته فهو غنى عن هذه الصفة والحاصل ان الصمدية تقتضى اعتبار كثرة الاسماء والصفات فى الله دون الاحدية وعبد الصمد هو مظهر الصمدية الذى يصمد اليه اى يقصد لدفع البليات وايصال امداد الخيرات ويستشفع به الى الله ادفع العذاب واعطاء الثواب وهو محل نظر الله الى العالم فى ربوبيته له .
يقول الفقير جرى على لسان الباطن بلا اختيار منى وذلك بعد الاشراق ان اقول ازلى ابدى احدى صمدى اى انت يا رب ازلى احدى وابدى صمدى فالازلية ناظرة الى الاحدية كما ان الابدية ناظرة الى الصمدية وذلك باعتبار التحليل والتعقيد فان الاحدية لا تتجلى الا بازالة الكثرات فعند الانتهاء الى مقام الغنى الذى هو الغيب المطلق تزول الكثرة ويكون الزوال ازلا وهذا تحليل وفناء وعبور عن المنازل وعروج الى المرصد الاعلى والمقصد الاقصى عينا وعلما واما الصمدية فباعتبار الابدية التى هى البقاء وذلك يقتضى التعقيد بعد التحليل فهى بالنزول الى مقام العين بالمهملة اى العين بالخارجى والعالم الشهادى الذى اسفل منازله عالم الناسوت والحاصل ان الاحدية جمع والصمدية فرق فمقام الاحدية هى النقطة الغير المنقسمة التى انبسطت منها جملة التراكيب لاواحدية فاول تعيناتها هى مرتبة آدم ثم حوآء لان حوآء انما ظهرت بعد الهوآء المنبعث من تعين آدم الحقيقى ولذا انقلبت الهاء حاء فصار الهوآء حوآء وخاصية الاسم الاحد ظهور عالم القدرة وآثارها حتى لو ذكره ألفا فى خلوة على طهارة ظهرت له العجائب بحسب قوته وضعفه وخاصية الاسم الصمد حصول الخير والصلاح فمن قرأه عند السحر مائة وخمسا وعشرين مرة ظهرت عليه آثار الصدق والصديقية وفى اللمعة ذاكره لا يحس بألم الجوع ما دام ملتبسا بذكره والقرآءة وصلا احد الله الصمد منونا مكسور الالتقاء الساكنين وكان ابو عمر وفى اكثر الروايات يسكت عند هو الله احد وزعم ان العرب لا تصل مثل هذا وروى عنه انه قال وصلها قرآءة محدثة وروى عنه قال ادركت القرآء كذلك يقرأونها قل هو الله احد وان وصلت نونت وروى عنه انه قال احب الى اذا كان رأس آية ان يسكت عندها وذلك لان الآية منقطعة عما بعدها مكتفية بمعناها فهى فاصلة وبها سميت آية واما وقفهم كلهم فيسكتون على الدال ثم صرح ببعض الحكام جزئية مندرجة تحت الاحكام السابقة فقيل { لم يلد } نزاد كسى را .(17/467)
تنصيصا على ابطال زعم المفترين فى حق الملائكة والمسيح ولذلك ورد النفى على صيغة الماضى من غير ان يقال لن يلد اولا يلد اى لم يصدر عنه ولد لانه لا يجانسه شئ ليمكن ان يكون له من جنسه صاحبة فيتوالد اولا يفتقر الى ما يعينه او يخلفه لاستحالة الحاجة والفناء عليه سبحانه فان قلت لم قال فى هذه السورة لم يلد وفى سورة بنى اسرائيل لم يتخذ ولدا اجيب أن النصارى فريقان منهم من قال عيسى ولد الله حقيقة فقوله لم يلد اشارة الى الرد عليه ومنهم من قال اتخذه ولدا تشريفا كما اتخذ ابراهيم خليلا تشريفا فقوله لم يتخذ ولدا اشارة الى الرد عليه { ولم يولد } نزاده شد ازكسى .
اى لم يصدر عن شئ لاستحالة نسبة العدم اليه سابقا اولا حقا وقال بعضهم الوالدية والمولودية لا تكونان الا بالمثلية فان المولود لا بد ان يكون مثل الوالد ولا مثلية بين هويته الواجبة وهوياتنا الممكنة انتهى وقال البقلى لم يلد ولم يولد اى لم يكن هو محل الحوادث ولا الحوادث محله والتصريح بأنه لم يولد مع كونهم معترفين بمضمونه لتقرير ما قبله وتحقيقه بالاشارة الى انهما متلازمان اذا المعهود ان ما يلد يولد ومالا فلا ومن قضية الاعتراف بأنه لم يولد الاعتراض بأنه لا يلد وفى كشف الاسرار قدم ذكر لم يلد لان من الكفار من ادعى ان له ولدا ولم يدع احد انه مولود ( وفى التفسير الفارسى ) لم يلد رد يهوداست كه كفتندعزير بسر اوست ولم يولد رد نصار است كه كويند عيسى خدا است . قال ابو الليث لم يلد يعنى لم يكن له ولد يرثه ولم يولد يعنى لم يكن له ولد يرث ملكه .(17/468)
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
{ ولم يكن له كفؤا احد } يقال هذا كفاؤه وكفؤه مثله وكافا فلانا ماثله وله صلة لكفؤا قدمت عليه مع ان حقها التأخر عنه للاهتمام بها لان المقصود نفى المكافأة عن ذاته تعالى اى لم يكافئه احد ولم يماثله ولم يشاكله بل هو خالق الاكفاء ويجوز ان يكون من الكفاءة فى النكاح نفيا للصاحبة واما تأخير اسم كان فلمراعات الفواصل ولعل ربط الجمل الثلاث بالعاطف لان المراد منها نفى اقسام الامثال فهى جملة واحدة منبه عليها بالجمل قال القاشانى ما كانت هويته الاحدية غير قابلة للكثرة والانقسام ولم تكن مقارنة الوحدة الذاتية الغيرها اذ ما عدا الوجود المطلق ليس الا العدم المحض فلا يكائفه احد اذ لا يكافئ العدم الصرف الوجود المحض ( وقال الكاشفى ) رد مجوس ومشركان عربست كه كفتند اورا كفوهست نعوذ بالله وكفته اند هر آيتى ازين سورة تفسير آيت بيش است جون كويند من هو تو كويى احد جون كويند احد كيست توكيى صمد جون كويند صمد كيست توكويى الذى لم يلد ولم يولد جون كويند لم يلد ولم يولد كيست توكويى الذى لم يكن له كفؤا احد .
وقال بعضهم كاشف الوالهين بقوله هو وكاشف الموحدين بقوله الله وكاشف العارفين بقوله احد والعلماء بقوله الصمد والعقلاء بقوله لم يلد الخ وهو اى لم يلد اشارة الى توحيد العوام لانهم يستدلون على المصانع بالشواهد والدلائل وقال بعض الكبار ان سورة الاخلاص اشارة الى حال النزول وهو حال المجذوب فأولا بقول هو الله احد الله الصمد الخ وحال الصعود يعتبر من الآخر الى جانب هو فيقول اولا لم يكن له كفؤا احد ثم يترقى الى ان يقول هو لكن لا ينعى للسالك ان يكتفى بوجدان هو فى القرءآن بل ينبغى له ان يترقى الى القرءآن الفعلى فيشاهد هو فى القرءآن وهو محيط بالعوالم كلها وهو اول ما ينكشف للسالك ولاشتمال هذه السورة مع قصرها على جميع معارف الالهية والرد على من الحد فيها جاء فى الحديث « انها تعدل ثلث القرءآن » فان مقاصده منحصرة فى بيان العقائد والاحكام والقصص ومن عدلها بكله اعتبر المقصود بالذات منه وهو علم المبدأ وصفاته اذ ما عداه ذرآئع اليه وقال عليه السلام « اسست السموات السبع والارضون السبع على قل هو الله احد » اى ما خلقت الالتكون دلائل على توحيد الله ومعرفة صفاته التى نطقت بها هذه السورة وعنه عليه السلام سمع رجلا يقرأ قل هو الله احد فقال « وجبت » فقيل وما وجبت يا رسول الله قال « وجبت له الجنة » وعن سهيل ابن سعد رضى الله عنه جاء رجل الى النبى عليه السلام وشكا اليه الفقر فقال اذا دخلت بيتك فسلم ان كان فيه احد وان لم يكن فيه احد فسلم على نفسك واقرأ قل هو الله احد مرة واحدة ففعل الرجل ذلك فأدر الله عليه رزقا حتى افاض على جيرانه وعن على رضى الله عنه انه قال من قرأ قل هو الله احد بعد صلاة الفجر احدى عشرة مرة لم يلحقه نذب يومئذ ولو اجتهد الشيطان وفى الحديث(17/469)
« ايعجز احدكم ان يقرأ القرءآن فى ليلة واحدة » فقيل يا رسول الله من يطيق ذلك قال « ان يقرأ قل هو الله احد ثلاث مرات » وروى انه نزل جبريل عليه السلام بتبوك فقال يا رسول الله ان معاوية بن الزنى رضى الله عنه مات فى المدينة أتحب ان اطوى لك الارض فتصلى عليه قال « نعم » فضرب بجناحة على الارض فرفع له سريره وصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة كل صف سبعون الف ملك ثم رجع فقال عليه السلام « بم ادرك هذا » قال بحبه قل هو الله احد وقرآءته اياها جائيا وذاهبا وقائما وقاعدا وعلى كل حال رواه الطبرانى وصحب سورة الاخلاص حين نزلت سبعون ألف ملك كلما مروا أهل سماء سألهم عما معهم فقالوا نسبة الرب سبحانه ولذا سميت هذه السورة نسب الرب كما فى كشف الاسرار وسميت سورة الاخلاص لاخلاص الله من الشرك او للخلاص من العذاب او خالصة فى التوحيد قال الامام الغزالى رحمه الله تعالى ( غفر ربى وثيقتى بالخلاص . واعتصامى بسورة الاخلاص ) او لانها سورة خالصة لله ليس فيها ذكر شئ من الدنيا والآخرة وقال الحنفى لانها تخلص قارئها من شدآئد الآخرة وسكرات الموت وظلمات القبر واهوال القيامة وقال القاشانى لان الاخلاص تمحيض الحقيقة الاحدية عن شائبة الكثرة .(17/470)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
{ قل اعوذ برب الفلق } الفلق الصبح لانه يفلق عنه الليل ويفرق فهو من باب الحذف والايصال فعل بمعنى مفعول كالصمد والقبض بمعنى المصمود اليه والمقبوض كما مر فان كل واحد من المفلوق والمفلق عنه مفعول وذلك انما يتحقق بأن يكون الشئ مستورا ومحجوبا بآخر ثم يشقق الحجاب الساتر عن وجه المستور ويزول فيظهر ذلك المستور وينكشف بسبب زواله وذلك الحجاب المشقق مفلوق والمحوب المنكشف بزواله مفلوق عنه والصبح صار مفلوقا عنه بازالة ما عليه من ظلمة الليل يقال فى المثل هو أبين من فلق الصبح والفلق ايضا الخلق لان الممكنات بأسرها كانت اعيانا ثابتة فى علم الله مستورة تحت ظلمة العدم فالله تعالى فلق تلك اللظلمات بنور التكوين والايجاد فاظهر ما فى علمه من المكونات فصارت مفلوقا عنها وفى تعليق العياذ باسم الرب المضاف الى الفلق المنبئ عن النور عقيب الظلمة والسعة بعد الضيق والفتق بعد الرتق عدة كريمة باعادة العائد مما يعوذ منه وانجائه منه وتقوية لرجائه لتذكير بعض نظائره ومزيد ترغيب له فى الجد والاعتناء بقرع باب الالتجاء اليه والاعاذة بربه قالوا اذا طلع الصبح تتبدل الثقلة بالخفة والغم بالسرور روى ان يوسف عليه السلام لما ألقى فى الجب وجعت ركبته وجعا شديدا فبات ليلته ساهرا فلما قرب طلوع الصبح نزل جبريل باذن الله تعالى يسأله ويأمره بان يدعو ربه فقال يا جبريل ادع انت واؤ من فدعا جبريل وامن يوسف عليهما السلام فكشف الله تعالى ما كان به من الضر فلما طاب وقت يوسف قال يا جبريل وانا ادعو ايضا وتؤمن أنت فسأل يوسف ربه ان يكشف الضر عن جميع أهل البلاء فى ذلك الوقت فلا جرم ما من مريض الا ويجد نوع خفة فى آخرا لليل وعن بعض الصحابة رضى الله عنهم انه قدم الشأم فرأى دور أهل الذمة وما هم فيه من خفض العيش وما وسع عليهم به من دنياهم فقال لا أبالى اليس من ورآئهم الفلق فقيل وما الفلق قال بيت فى جهنم اذا فتح صاح جميع أهل النار .(17/471)
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)
{ من شر ما خلق } اى من شر ما خلقه من الثقلين وغيرهم كائنا ما كان من ذوات الطبائع والاختيار وبالفارسية ازبدى آنجه آفريد است ازمؤذيات انس وجن وسباع وهوام . فيشمل جميع الشرور والمضار بدنية كانت او غيرها من ضرب وقتل وشتم وعض ولدغ وسحر ونحوها واضافة الشر اليه لاختصاصه بعالم الخلق المؤسس على امتزاج المواد المتباينة وتفاعل كيفياتها المتضادة المستنبعة للكون والفساد واما عالم الامر فهو خير محض منزه عن شوآئب الشر بالكلية وقرأ بعض المعتزلة القائلين بأن الله لم يخلق الشر من شر بالتنوين ما خلق على النفى وهى قرآء مردودة مبنية على مذهب باطل الله خالق كل شئ .(17/472)
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
{ ومن شر غاسق } تخصيص لبعض الشرور بالذكر مع اندراجه فيما قبله لزيادة مساس الحاجة الى الاستعاذة منه لكثرة وقوعه ولان تعيين المستعاذ ادل على الاعتناء بالاستعاذة وادعى الى الاعاذة اى ومن شر ليل مختلط ظلامه متسند وذلك بعد غيبوبة الشفق من قوله تعالى الى غسق الليل اى اجتمع ظلمته وفى القاموس الغسق محركة ظلمة اول الليل وغسق الليل غسقا ويحرك اشتدت ظلمته فالغاسق الليل المظلم كما فى المفردات واصل الغسق الامتلاء يقال غسقت العين اذا امتلأت دمعا او هو السيلان وغسق العين سيلان دمعها واضافة الشر الى الليل لملابسته له بحدوثه فيه وتنكيره لعدم شمول الشر لجميع افراده ولا لكل اجزآئه { اذا وقب } الوقب النقرة فى الشئ كالنقرة فى السخرة يجتمع فيها الماء ووقب اذا دخل فى وقت ومنه وقيت الشمس اذا غابت ووقب الظلام دخل والمعنى اذا دخل ظلامه فى كل شئ وتقييده به لان حدوث الشرفيه اكثر والتحرز منه اصعب واعسر ولذلك قيل الليل اخفى للويل وقيل اغدر الليل لانه اذا اظلم كثر فيه الغدر والغوث يقل فى الليل ولذا لو شهر انسان بالليل سلاحا فقتله المشهر عليه لا يلزمه قصاص ولو كان نهارا يلزمه لانه يوجد فيه الغوث والحاثل انه ينبعث اهل الحرب فى الليل وتخرج عفاريت الجن والهوام والمؤذيات نهى رسول الله عليه السلام عن السير فى اول الليل وامر بتغيطية الاوانى واغلاق الابواب وايكاء الاسقية وضم الصبيان وكل ذلك للحذر من الشر والبلاء وقيل الغاسق القمر اذا امتلأ ووقوبه دخوله فى الخسوف واسوداده لما روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت اخذ رسول الله عليه السلام بيدى فاشار الى القمر فقال « تعوذى بالله من شر هذا فانه الغاسق اذا وقب وشره الذى يتقى ما يكون فى الابدان » كآفات التى تحدث بسببه ويكون فى الاديان كالفتنة التى بها افتتن من عبده وعبد الشمس وقيل التعبير عن القمر بالغاسق لان جرمه مظلم وانما يستنير بضوء الشمس ووقوبه المحاق فى آخر الشهر والمنجمون يعدونه نحسا ولذلك لا تشتغل السحرة بالسحر المورث للتمريض الا فى ذلك قيل وهو المناسب لسبب النزول وقيل الغاسق الثريا ووقو بها اسقطها لانها اذا سقطت كثرت الامراض والطواعين واذا طلعت قلت الامراض والآلم وقيل هو كل شر يعترى الانسان ووقوب به هجومه ويجوز أن يراد بالغاسق الاسود من الحيات ووقبه ضربه ولبسه وفى القاموس هو الذكر اذا وقام هو منقول عن ابن عباس رضى الله عنهما وجماعة .(17/473)
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
{ ومن شر النفاثات } واز شردمند كان . من النفث وهو شبه النفخ يكون فى الرقية ولا ريق معه فان كان معه ريق فهو التفل يقال منه نفث الراقى ينفث وينفث بالضم والكسر والنفاثات بالتشديد يراد منها تكرار الفعل والاحتراف به والنفاثات تكون للدفعة الواحدة من الفعل ولتكراره ايضا { فى العقد } جمع عقدة وهى ما يعقده الساحر على وتر أو حبل او شعر وهو ينفث ويرقى واصله من العزيمة ولذلك يقال لها عزيمة كما يقال لها عقدة ومنه قيل للساحر معقد والمعنى ومن شر النفوس او النساء السواحر اللاتى يعقدن عقدا فى خيوط وينفثن عليها وتعريفها اما للعهد او للايذان بشمول الشر لجميع افرادهن وتمحضهن فيه وتخصيصه بالذكر لما روى ابن عباس رضى الله عنهما وعائشة رضى الله عنها انه كان غلام من اليهود يخدم النبى عليه السلام وكان عنده اسنان من مشطه عليه السلام فاعطاها اليهود فسحروه عليه السلام فيها ولذا ينبغى ان يقطع الظفر بعد التقليم وكذا الشعر اذا اسقط من اللحية والرأس نصفين او اكثر لئلا يسحر به احد وتولاه لبيد بن اعصم اليهودى وبناته وهن النفاثات فى العقد فدفها فى بئراريس وفى عين المعانى فى بئرلبنى زريق تسمى ذروان فمرض النبى عليه السلام روى انه لبث فيه ستة اشهر فنزل جبرائيل بالمعوذتين بكسر الواو فى القاموس واخبره بموضع السرح وبمن سحره وبم سحره فارسل عليه السلام عليا والزبير وعمارا رضى الله عنهم فنزحوا ماء البئر فكأنه نقاعة الحناء ثم رفعوا راعونة البئر وهى الصخرة التى توضع فى أسفل البئر فأخرجوا من تحتها الاسنان ومعها وترقد عقد فيه احدى عشرة عقدة مغرزة بالابر فجاؤا بها النبى عليه السلام فجعل يقرأ المعوذتين عليها فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد عليه السلام خفة حتى انحلت العقدة الاخيرة عند تمام السورتين فقام عليه السلام كأنما انشط من عقال وجعل جبرائيل يقول بسم الله ارقيك والله يشفيك من كل شئ يؤذيك من عين وحاسد فلذا جوز الاسترقاء بما كان من كلام الله وكلام رسوله لا بما كان بالعبرية والسريانية والهندية فانه لا يحل اعتقاده فقالوا يا رسول الله أفلا نقتل الخبيث فقال عليه السلام « اما انا فقد عافانى الله واكره ان اثير على الناس شرا » قالت عائشة رضى الله عنها ما غضب النبى عليه السلام غضبا ينتقم لنفسه قط الا ان يكون شيئا هو لله فيغضب الله وينتقم وقيل المراد بالنفث فى العقد ابطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقدة بنفث الريق ليسهل حلها فعلى هذا فالنفاثات هى جنس النساء اللاتى شأنهن ان يغلبن على الرجال ويحولنهم عن آرآئهم بانواع المكر والحيلة فمعنى الآية ان النساء لاجل استقرار حبهن فى قلوب الرجال يتصرفن فيهم يحولنهم من رأى الى رأى فامر الله تعالى له رسوله بالتعوذ من شرهن .(17/474)
اعلم ان السرح تخييل لا اصل له عند المعتزلة وعند الشافعى تمريض بما يتصل به كما يخرج من فم المتثائب ويؤثر فى المقابل وعندنا سرعة الحركة ولطافة الفعل فيام خفى فهمه وقيل طلسم يبنى على تأثير خصائص الكواكب كتأثير الشمس فى زئبق عصى سحرة فرعون والمعتزلة انكروا صحة الرواية المذكورة وتأثير السحر فيه عليه السلام وقالوا كيف يمكن القول بصحتها والله تعالى يقول والله يعصمك من الناس وقال ولا يفلح الساحر حيث اتى ولان تجويزه يفضى الى القدح فى النبوة ولان الكفار كانوا يعيرونه بانه مسحور فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صاقين فى تلك الدعوى ولحصل فيه عليه السلام ذكر العيب ومعلوم ان ذلك غير جائز وقال اهل السنة صحة القصة لا تستلزم صدق الكفرة فى قولهم انه مسحور وذلك لانهم كانوا يريدون بكونه مسحورا انه مجنون ازيل عقله بسبب السحر فلذلك ترك دين آبائه فاما ان يكون مسحورا بالم يجده فى بدنه فذلك مما لا ينكره احد وبالجملة فالله تعالى ما كان يسلط عليه لا شيطانا ولا انسيا وجنيا يؤذيه فيما يتعلق بنبوته وعقله واما الاضرار به من حيث بشريته وبدنه فلا بعد فيه وتأثير السحر فيه عليه السلام لم يكن من حيث انه نبى وانما كان فى بدنه من حيث انه انسان وبشر فانه عليه السلام يعرض له من حيث بشريته ما يعرض لسائر البشر من الصحة والمرض والموت والاكل والشرب ودفع الفضلات وتأثير السحر فيه من حيث بشريته لا يقدح فى نبوته وانما يكون قادحا فيها لو وجد للسحر تأثير فى امر يرجع الى النبوة ولم يوجد ذلك كيف والله تعالى يعصمه من ان يضره احد فيما يرجع اليها كما لم يقدح كسر رباعتيه يوم احد فيما ضمن الله له من عصمته فى قوله والله يعصمك من الناس وفى كشف الاسرار فان قيل ما الحكمة فى نفوذ السحر وغلبته فى النبى عليه السلام ولماذا لم يرد الله كيد الكائد الى نحره باطبال مكره وسحره قلنا الحكمة فيه الدلالة على صدق رسول الله عليه السلام وصحة معجزاته وكذب من نسبه الى السحر والكهانة لان سحر الساحر عمل فيه حتى التبس عليه بعض الامر واعتراه نواع من الوجع ولم يعلم النبى عليه السلام بذلك حتى دعا ربه ثم دعا فاجابه الله وبين له امره ولو كان ما يظهر من المعجزات الخارقة للعادات من باب السحر على ما زعم اعدآوؤه لم يشتبه عليه ما عمل من السحر فيه ولتوصل الى دفعه من نده وهذا بحمد الله من اقوىلبارهين على نبوته وانما اخبر النبى عليه السلام عائشة رضى الله عنها من بين نسائه بما كشف الله تعالى له من امر السحر لانه عليه السلام كان مأخوذا عن عائشة رضى الله عنها فى هذا السحر على ما روى يحيى بن يعمر قال حبس رسول الله عليه السلام عن عائشة فبينما هو نائم او بين النوم واليقظة اذا تاه ملكان جلس احدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فهذا يقول للذى عند رأسه ما شكواه قال اسحر قال من فعل به قال لبيد بن اعصم اليهودى قال فاين صنع السحر قال فى بئر كذا قال فماد وآؤه قال ينبعث الى تلك البئر فينزح ماءها فانه ينتهى الى صخرة فاذا رآها فليقلعها فان تحتها كوبة وهر كوز سقط عنقها وفى الكوبة وترفيه احدى عشرة عقدة مغروزة بالابر فيحرقها بالنار فيبرأ ان شاء الله تعالى فاستيقظ عليه السلام وقد فهم ما قالا فبعث عليا رضى الله عنه الى آخر ما سبق وعن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله عليه السلام اذا اشتكى شيأ من جسده قرأ قل هو الله احد والمعوذتين فى كفه اليمنى ومسح بها المكان الذى يشتكى وفيه اشارة الى الهواجس النفسانية والخواطر الشيطانية النفاثات الساحرات فى عقد عقائد القلوب الصافية الظاهرة اخباث السيئات العقلية وألواث الشكوك الوهمية والعياذ بالله منها .(17/475)
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
{ ومن شر حاسد اذا حسد } الوقف ثم يكبر لان الوصل لا يخلو من الايهام اى اذا اظهر ما فى نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه ترتيب مقدمات الشر ومبادى الاضرار بالمحسود قولا او فعلا والتقييد بذلك ما ان ضرر الحسد قبله انما يحيق بالحاسد لا غير وفى الكشاف فان قلت فلم عرض بعض المستعاذ منه ونكر بعضه قلت عرف النفاثات لان كل نفاثة شريرة ونكر غاسق لان كل غاسق لا يكون فيه الشر انما يكون فى بعض درن بعض وكذلك كل حاسد لا يضر ورب حسد محمود وهو الحسد فى الخيرات ويجوز ان يراد بالحاسد قابيل لانه حسد اخاه هابيل والحسد الاسف على الخير عند الغير وفى فتح الرحمن تمنى زوال النعمة عن مستحقها سوآء كانت نعمة دين او دنيا وفى الحديث « المؤمن يغبط والمنافق يحسد » وعنه عليه السلام الحسد يأكل الحسنات كما تاكل النار الحطب واول ذنب عصى الله به فى السماء حسد ابليس لآدم فأخرجه من الجنة فطرد وصار شيطانا رجيما وفى الارض قابيل لاخيه هابيل فقتله قال الحسين بن الفضل رحمه الله ذكر الله الشرور فى هذه السورة ثم ختمها بالحسد ليظهر انه اخبث الطبائع كما قال ابن عباس رضى الله عنهما
اكر درعالم ازحسد بدتر بودى ... ختم اين سوره بدان كردى
حسد آتشى دان كه جون بر فروخت ... حسود لعين را همان لحظه سوخت
كرفتم بصورت همه دين شوى ... حسدكى كذاردكه حق بين شوى
وفيه اشارة الى حسد النفس الامارة اذا حسدت القلب وأرادت ان تطفئ نوره وتوقعه فى التلوين وكفران النعمة الذى هو سبب لزوالها وفى الحديث ان النبى عليه السلام قال لعتبة بن عامر رضى الله عنه « ألم تر آيات انزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط قل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس » قوله ألم تر كلمة تعجب وما بعدها بيان لسبب التعجب يعنى لم يوجد آيات كلهن تعويذ غير هاتين السورتين وهما قل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس وفى الحديث دليل على انهما من القرءآن ورد على من نسب الى ابن مسعود رضى الله عنه انهما ليستا منه وفى عين المعانى الصحيح انهما من القرءآن الا انهما لم تثبتا فى مصحفه للأمن من نستانهما لانهما تجريان على لسان كل انسان انتهى .
اعلم ان مصحف عبد الله بن مسعود رضى الله عنه حذف منه ام الكتاب والمعوذتان ومصحف ابى بن كعب رضى الله عنه زيد فيه سورة القنوت ومصحف زيد بن ثابت رضى الله عنه كان سليما من ذلك فكان كل من مصحفى ابن مسعود وباى منسوخا ومصحف زيد معمولا به وذلك لانه عليه السلام كان يعرض القرءآن على جبرييل عليه السلام فى كل شهر رمضان مرة واحدة فلما كان العام الذى قبض فيه عرضه مرتين وكان قرآءة زيد من آخر العرض دون قرآءة ابى وابن مسعود رضى الله عنهما وتوفى عليه السلام وهو يقرأ على ما فى مصحف زيد ويصلى به قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه جميع سورة القرءآن مائة واثنتا عشرة سورة قال الفقيه فى البستان انما قال انها مائة واثنتا عشر سورة لانه اكن لا يعد المعوذتين من القرءآن وكان لا يكتبهما فى مصحفه يوقل انهما منزلتان من السماء وهما من كلام رب العالمين ولكن النبى عليه السلام كان يرقى ويعوذ بهما فاشتبه عليه انهما من القرءآن او ليستا منه فلم يكتبهما فى المصحف وقال مجاهد جميع سور القرءآن مائة وثلاث عشرة سورة وانما قال ذلك لانه كان يعد الانفال والتوبة سورة واحدة وقال ابى بن كعب رضى الله عنه جميع سورة القرءآن ماسة وست عشرة سورة وانما قال ذلك لانه كان يعد القنوت سورتين احداهما من قوله اللهم انا نستعينك الى قوله من يفجرك والثانية من قوله اللهم اياك نعبد الى قوله ملحق وقال زيد بن ثابت رضى الله عنه جميع سور القرءآن مائة واربع عشرة سورة وهذا قول عامة الصحابة رضى الله عنهم وهكذا فى مصحف الامام عثمان بن عفان رضى الله عنه وفى مصاحف اهل الامصار فالمعوذتان سورتان من القرءآن روى ابو معاوية عن عثمان بن واقد قال ارسلنى ابى الى محمد بن المنكدر وسأله عن المعوذتين اهما من كتب الله قال من لم يزعم انهما من كتاب الله فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين وفى نصاب الاحتساب لو أنكر آية من القرءآن سوى المعوذتين يكفر انتهى وفى الاكمل عن سفيان بن سختان من قال ان المعوذتين ليستا من القرءآن لم يكفر لتأويل ابن مسعود رضى الله عنه كما فى المغرب للمطرزى وقال فى هدية المهديين وفى انكار قرءآنية المعوذتين اختلاف المشايخ والصحيح انه كفر انتهى(17/476)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)
{ قل اعوذ برب الناس } اى مالك امورهم ومربيهم بافاضة ما يصلحهم ودفع ما يضرهم قال القاشانى رب الناس هو الذات مع جميع الصفات لان الانسان هو الكون الجامع الحاصر لجميع مراتب الوجود فربه الذى اوجده وافاض عليه كماله هو الذات باعتبار جميع الاسماء الجمالية والجلالية تعوذ بوجهه بعد ما تعوذ بصفاته ولهذا تأخرت هذه الصورة عن المعوذة الاولى اذ فيها تعوذ فى مقام الصفات باسمه الهادى فهداه الى ذاته وفى الحديث « اعوذ برضاك من سخطك ومعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك » ابتدأ بالتعوذ بالرضى الذى هو من الصفات لقرب الصفات من الذات ثم استعاذ بالمعافاة التى هى من صفات الافعال ثم لما ازداد يقينا ترك الصفات فقال واعوذ بك منك قاصرا نظره على الذات وابتدأ بعض العلماء فى ذكر هذا الحديث بتقديم الاستعاذة بالمعافاة على التعوذ بالرضى للترقى من الادنى الذى هو من صفات الافعال الى الاعلى الذى هو صفات الذات قال بعضهم من بقى له النفات الى غير الله استعاذ بافعال الله وصفاته فاما من توغل فى بحر التوحيد بحيث لا يرى فى الوجود الا الله لم يستعذ الا بالله ولم يلتجئ الا الى الله والنبى عليه السلام لما ترقى عن هذا المقام وهو المقام الاول قال اعوذ بك منك .
يقول الفقير ففى الالتجاهء الى الله فى هذه السورة لدلالة على ختم الامر فان الله تعالى هو الاول الآخر واليه يرجع الامر كله وان الى ربك المنتهى وفيه اشارة الى نسيان العهد السابق الواقع يوم الميثاق فان الانسان لو لم ينسه لما احتاج الى العود والرجوع بل كان فى كنف الله تعالى دآئما .(17/477)
مَلِكِ النَّاسِ (2)
{ ملك الناس } عطف بيان جيئ به لبيان ان تربيته تعالى اياهم ليست بطريق تربية سائر الملائكة لما تحت ايديهم من مماليكهم بل بطريق الملك الكامل والتصرف الشامل والسلطان القاهر فما ذكروه فى ترجيح المالك على الملك من ان المالك مالك العبد وانه مطلق التصرف فيه بخلاف الملك فانه انما يملك بقهر وسياسة ومن بعض الوجوه فقياس لا يصح ولا يطرد الا فى المخلوقين لا فى الحق فانه من البين انه مطلق التصرف وانه يملك من جميع الوجوه فلا يقاس ملكية غيره عليه ولا تضاف النعوت والاسماء اليه الا من حيث اكمل مفهوماته ومن وجوه ترجيح الملك على المالك ان الاحاديث النبوية مبينات لاسرار القرءآن ومنبهات عليه وقد ورد فى الحديث فى بعض الادعية النبوية « لك الحمد لا اله الا انت رب كل شئ ومليكه ولم يرد ومالكه » وايضا فالاسماء المستقلة لها تقدم على الاسماء المضافة لم تنقل فى احصاء الاسماء الثابتة بالنقل مثل قوله عز وجل فالق الاصباح وجاعل الليل سكنا وذى المعارج وشبهها وايضا فان الحق يقول فى آخر الامر عند ظهور غلبةالاحدية على الكثرة فى القيامة الكبرى والقيامات الصغرى الحاصلة للسالكين عند التحقق بالموصول عقيب انتهاء السير وحال الانسلاخ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار والحاكم على الملك هو الملك فدل انه ارجح وقد جوزوا القرآءة بمالك وملك فى سورة الفاتحة لا فى هذه السورة حذرا من التكرار فان احد معانى الاسم الرب فى اللسان المالك ولا ترد الفاتحة فان الراجح فيها عند المحققين هو الملك لا المالك .(17/478)
إِلَهِ النَّاسِ (3)
{ اله الناس } هو لبيان ان ملكه تعالى ليس بمجرد الاستيلاء عليهم والقيام بتدبير امور سياستهم والتولى لترتيب مبادى حفظهم وحمايتهم كما هو قصارى امر الملوك بل هو بطريق المعبودية المؤسسة على الالوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلى فيهم احياء واماتة وايجادا واعداما وايضا ان ملك الناس اشارة الى حال الفناء فى الله كما اشرنا اليه واله الناس لبيان حال البقاء بالله لان الاله هو المعبود المطلق وذلك هو الذات مع جميع الصفات فلما فنى العبد فى الله ظهر كونه ملكا ثم رده الله الى الوجود لمقام العبودية فتم استعاذته من شر الوسواس لان الوسوسة تقتضى محلا وجوديا ولا وجود فى حال الفناء ولا صدر ولا وسوسة ولا موسوس بل ان ظهر هناك تلوين بوجود الانانية يقول اعوذ بك منك فلما صار معبودا بوجود العابد ظهر الشيطان بظهور العابد كما كان اولا موجدا بوجوده وايضا مقام الربوبية المقيدة بالناس هو لحضرة الامام الذى على باب عالم الملكوت وفيها يشهد وهى موضع نظره فانها ثلاث الامامان والقطب والامامان وزيران للقطب صاحب الوقت وينفرد القطب بالكشف الذاتى المطلق كما ينفرد الامام الذى على يسار القطب بباب عالم الشهادة الذى لا سبيل للامام الثانى الذى يمينه اليه وانما اضيف امام الربوبية للناس وهو مع الملكوتيات لانه لا بد له عند موت الامام الثانى المسمى بالملك ان يرث مقامه بخلاف غير وفى الارشاد تخصيص الاضافة بالناس مع انتظام جميع العالمين فى سلك ربوبيته تعالى وملكوته والوهيته لان المستعاذ منه شر الشيطان المعروف بعداوتهم ففى التنصيص على انتظامهم فى سلك عبوديته تعالى وملكوته رمز الى انجائهم من هلكة الشيطان وتسلطه عليهم حسبنا ينطق به قوله تعالى ان عبادى ليس لك عليهم سلطان وتكرير المضاف اليه لمزيد الكشف والتقرير بالاضافة فان مالا شرف فيه لا يعبأ به ولا يعاد ذكره بل يترك ويهمل وقد قال من قال
أعد ذكر نعمان لنا ان ذكره ... هو المسك ما كررته يتضوع
والتضوع بوى خوش دميدن فلولا ان الناس اشرف مخلوقاته لما ختم كتابه بذكرهم .(17/479)
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)
{ من شر الوسواس } هو اسم بمعنى الوسوسة وهو الصوت الخفى الذى لا يحس فيحتزر منه كالزلزال بمعنى الزلزلة واما المصدر فبالكسر والفرق بين المصدر هو أن الحدث ان اعتبر صدوره عن الفاعل ووقوعه على المفعول سمى مصدرا واذا لم يعتبر بهذه الحقيقة سمى اسم المصدر ولما كانت الوسوسة كلاما يكرره الموسوس ويؤكده عند من يلقيه اليه كرر لفظها بازآء تكرير معناها والمراد بالوسواس الشيطان لانه يدعو الى المعصية بكلام خفى يفهمه القلب من غير ان يسمع صوته وذلك بالاغرار بسعة رحمة الله او بتخييل أن له فى عمره سعة وان وقت التوبة باق بعد سمى بفعله مبالغة كأنه نفس الوسوسة لدوام وسوسته فقد اوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه الوسواس الخ ولم يقل من شر وسوسته لتعم الاستعاذة شره جميعه وانام وصفه بأعظم صفاته واشدها شرا واقواها تأثيرا وأعمها فسادا وانما استعاذ منه بالاله دون بعض اسمائه كما فى السورة الاولى لان الشيطان هو الذى يقابل الرحمن ويستولى على الصورة الجمعية الانسانية ويظهر فى صورة جميع الاسماء ويتمثل بها الا بالله والرحمن فلم تكف الاستعاذة منه بالهادى والعليم والقدير وغير ذلك فلهذا لما تعوذ من الاحتجاب والضلالة تعوذ برب الفلق وههنا تعوذ برب الناس ومن هذا يفهم معنى قوله عليه السلام « من رآنى فقد رآنى فان الشيطان لا يتمثل بى » وكذا لا يتمثل بصور الكمل من امته لانهم مظاهر الهداية المطلقة قال بعض الكبار الالقاء اما صحيح او فاسد .
فالصحيح الهى ربانى متعلق بالعلوم والمعارف او ملكى روحانى وهو الباعث على الطاعة وعلى كل ما فيه صلاح ويسمى الهاما .
والفاسد نفسانى وهو ما فيه حظ النفس ويسمى هاجسا او شيطانى وهو ما يدعو الى معصية ويسمى وسواسا وفى آكام المرجان وينحصر ما يدعو الشيطان اليه ابن آدم فى ست مراتب المرتبة الاولى الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله فاذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه وهذا اول ما يريده من العبد والمرتبة الثانية البدعة وهى احب الى ابليس من المعصية لان المعصية يتاب منها فتكون كالعدم والبدعة يظن صاحبها انها صحيحة فلا يتوب منها فاذا عجزعن ذلك انتقل الى المرتبة الثالثة وهى الكبائر على اختلاف انواعها فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الرابعة وهى الصغائر التى اذا اجتمعت اهلكت صاحبها كالنار الموقدة من الخطب الصغار فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الخامسة وهى اشتغاله بالمباحات التى لا ثواب فيها ولا عقاب بل عقابها فوات الثواب الذى فات عليه باشتغاله بها فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة السادسة وهى ان يشغله بالعمل المفضول عما هوأفضل منه ليفوته ثواب العمل الفاضل ومن الشياطين شيطان الوضوء ويقال له الولهان بفتحين وهو شيطان يولع الناس بكثرة استعمال الماء قال عليه السلام(17/480)
« تعوذوا بالله من وسوسة الوضوء » ومنهم شيطان يقال له خنزب وهو الملبس على المصلى فى صلاته وقرآءته قال ابو عمر والبخارى رحمهما الله اصل الوسوسة ونتيجتها من عشرة اشياء أولها الحرص فقابله بالتوكيل والقناعة والثانى الامل فاكسره بمفاجأة الاجل والثالث التمتع بشهوات الدنيا فقابله بزوال النعمة وطول الحساب والرابع الحسد فاكسره برؤية العدل والخامس البلاء فاكسره برؤية المنة والعوافى والسادس الكبر فاكسره بالتواضع والسابع الاستخفاف بحرمة المؤمنين فاكسره بتعظيمهم واحترامهم والثامن حب الدنيا والمحمدة فاكسره بالاخلاص والتاسع طلب العلو والرفعة فاكسره بالخشوع والذلة والعاشر المنع والبخل فاكسره بالجود والسخاء { الخناس } الذى عادته ان يخنس اى يتأخر اذا ذكر الانسان ربه ( حكى ) ان بعض الاولياء سأل الله تعالى ان يريه كيف يأتى الشيطان ويوسوس فأراه الحق تعالى هيكل الانسان فى صورة بلور وبين كتفيه خال اسود كالعش واوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو فى صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء بين الكتفين فادخل خرطومه قبل قلبه فوسوس اليه فذكر الله فخنس ورآءه ولذلك سمى بالخناس لانه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر فى القلب ولهذا السر الالهى كان عليه السلام يحتجم بين كتفيه ويأمر بذلك ووصاه جبرآئيل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لانه يجرى وسوسته مجرى الدم ولذلك كان خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام اشارة الى عصمته من وسوسته لقوله اعاننى الله عليه فأسلم اى بالختم الالهى وشرح الصدر أيده وبالعصمة الكلية خصه فأسلم قربنه وما اسلم قرين آدم عليه السلام فوسوس اليه لذلك ويجوز ان يدخل الشيطان فى الاجسام لانه جسم لطيف وهو وان كان مخلوقا فى الاصل من نار لكنه ليس بمحرق لانه لما امتزج النار بالهواء صار تركيبه مزاجا مخصوصا كتركيب الانسان وفى الوسواس اشارة الى الوساوس الحاصل من القوة الحسية والخيالية وفى الخناس الى القوة الوهمية المتأخرة عن مرتبتى القوتين فانها تساعد العقل فى المقدمات فاذا آل الامر الى النتيجة خنست وتأخرت توسوسه وتشككه كما يحكم الوهم بالخوف من الموتى مع انه يوافق العقل فى ان الميت جماد والجماد لا يخاف منه المنتج لقولنا الميت لا يخاف منه فاذا وصل العقل والوهم الى النتيجة نكص الوهم وانكرها .(17/481)
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)
{ الذى يوسوس فى صدور الناس } اذا غفلوا عن ذكره تعالى ولذا قال فى التأويلات النجمية اى الناسى ذكر الله بالقلب والسر والروح كما قال تعالى يوم يدعو الداع بحذف الياء انتهى ومحل الموصول الجر على الوصف فلا وقف على الخناس او النصب او الرفع على الذم فيحسن الوقف عليه ذكر سبحانه وتعالى وسوسته اولا ثم ذكر محلها وهو صدور الناس تامل السر فى قوله يوسوس فى صدور الناس ولم يقل فى قلوبهم والصدر هو ساحة القلب وبيته فمنه تدخل الواردات عليه فتجتمع فى الصدر ثم تلج فى القلب فهو بمنزلة الدهليز وهو بالكسر ما بين الباب والدار ومن القلب تخرج الارادات والاوامر الى الصدر ثم تتفرق على الجنود فالشيطان يدخل ساحة القلب وبيته فيلقى ما يريد القاءه الى القلب فهو يوسوس فى الصدور ووسوسته واصله الى القلوب قال بعض ارباب الحقائق للقلب امرآء خمسة ملكية يسمون الحواس كحاسة البصر وحاسة السمع وحاسة الشم وحاسة الذق وحاسة اللمس وامرآء خمسة ملكوتية يسمون ارواحا كالروح الحيوانى والروح الخيالى والروح الفكرى والروح العقلى والروح القدس فاذا نفذ الامر الالهى الى احد هؤلا الامرآء من القلب بادر لامتثال ما ورد عليه على حسب حقيقته وقس عليه الخواطر والوساوس فان عزم الانسان يخرج كلا منها الى الخارج ويجريها من طرق الحواس والقوى وقوله فى صدور الناس يدل على انه لا يوسوس فى صدور الجن قال فى آكام المرجان لم يرد دليل على ان الجنى يوسوس فى صدور الجنى ويدخل فيه كما يدخل فى الانسى ويجرى منه مجراه من الانسى .(17/482)
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
{ من الجنة والناس } الجنة بالكسر جماعة الجن ومن بيان للذى يوسوس على انه ضربان جنى وانسى كما قال تعالى شياطين الانس والجن والموسوس اليه نوع واحد وهو الانس فكما ان شيطان الجن قد يوسوس تارة ويخنس اخرى فشيطان الانس يكون كذلك وذلك لانه يلقى الاباطيل ويرى نفسه فى صورة الناصح المشفق فان زجره السامع يخنس ويترك الوسوسة وان قبل السامع كلامه بالغ فيه قال فى الاسئلة المقحمة من دعا غيره الى الباطل فان تصوره فى قلبه كان ذلك وسوسة وقد قال تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه فاذا جاز أن توسوس نفسه جاز أن يوسوسه غيره فان حققة الوسواس لا تختلف باختلاف الاشخاص ويجوز أن تكون من متعلقة بيوسوس فتكون لابتداء الغاية اى يوسوس فى صدورهم من جهة الجن انهم يعلمون الغيب ويضرون وينفعون ومن جهة الناس كالكهان والمنجمين كذلك وفى الجنة اشارة الى القوى الباطنة المستجنة المستورة اذ سمى الجن بالجن لاستجنانه وفى الناس الى القوى الظاهرة اذ الناس من الايناس وهو الظهور كما قال آنست نارا وفى هذا المقام لطيفة بالغة وهى ان المستعاذ به فى السورة الاولى مذكور بصفة واحدة وهى انه رب الفلق والمستعاد منه ثلاثة انواع من الآفات وهى الغاسق والنفاثات والحاسد واما فى هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بثلاثة اوصاف وهى الرب والملك والاله والمستعاذ منه آفة واحدة وهى الوسوسة ومن المعلوم ان المطلوب كلما كان اهم والرعية فيه اتم واكثر كان ثناء الطالب قبل طلبه اكثر وأوفر والمطلوب فى السورة المتقدمة هو سلامة البدن من الآفات المذكورة وفى هذه السورة سلامة الدين من وسوسة الشيطان فظهر بهذا ان فى نظم السورتين الكريمتين تنبيها على ان سلامة الدين من وسوسة الشيطان وان كانت امرا واحدا الا انها اعظم مراد وأهم مطلوب وان سلامة البدن من تلك الآفات وان كانت امورا متعددة ليست بتلك المثابة فى الاهتمام وفى آكام المرجان سورة الناس مشتملة على الاستعاذة من الشر الذى هو سبب الذنوب والمعاصى كلها وهو الشر الداخل فى الانسان الذى هو منشأ العقوبات فى الدنيا والآخرة وسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذى هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شر من خارج فالشر الاول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه لانه ليس من كسبه والشر الثانى يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهى وعن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اوى الى فراشه كل ليلة جمع كفية فنفث فيهما وقرأ قل هو الله احد وقل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما رأسه ووجهه وما اقبل من جسده يصنع ذلك ثلاث مرات وفى قوت القلوب للشيخ ابى طالب المكى قدس سره وليجعل العبد مفتاد درسه ان يقول(17/483)
« اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب اعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك رب ان يحضرون » وليقرأ قل اعوذ برب الناس وسورة الحمد وليقل عند فراغه من كل سورة صدق الله تعالى وبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم اللهم انفعنا وبارك لنا فيه الحمد لله رب العالمين واستغفر الله الحى القيوم .
وفى اسئلة عبد الله بن سلام اخبرنى يا محمد ما ابتدآء القرءآن وما ختمه قال ابتدآؤه بسم الله الرحمن الرحيم وختمه صدق الله العظيم قال صدقت وفى خريدة العجائب يعنى ينبغى ان يقول القارئ ذلك عند الختم والا فختم القرءآن سورة الناس وفى الابتدآء بالباء والاختتام بالسين اشارة الى لفظ بس .
يعنى حسب اى حسبك من الكونين ما اعطيناك بين الحرفين كام قال الحكيم ناسنى رحمه الله
اول وآخر قرآن زجه باآمد وسين يعنى اندرره دين رهبرتو قرآن بس
يقول الفقير ايده الله القدير ان الله تعالى انما بدأ القرءآن ببسم الله وختمه بالناس اشارة الى الانسان آخر المراتب الكونية كما ان الكلام آخر المراتب الآلهية وذلك لان ابتدآء المراتب الكونية هو العقل الاول وانتهاؤها الانسان ومجموعها عدد حروف التهجى واول المراتب الآلهية هو الحياة وآخرها الكلام ولذا كان اول ما يظهر من المولود الحياة هو جنين وآخر ما يظهر منه الكلام وهو موضوع لان الله تعالى خلق آدم على صورته فكان اول الكلام القرءآنى اسم الله لانه المبدأ الاول وآخره الناس لان الانس هو المظهر الآخر والمبتدئ يعرج تعلما الى ان ينتهى الى المبدأ الاول واسمه العالى والمنتهى ينزل تلاوة الى ان ينتهى الى ذكر الانس السافل وحقيقته أن الله تعالى هو المبدأ جلاء والمنتهى استجلاء وهو الاول بلا بداية والآخر بلا نهاية ( روى ) عن ابن كثير رحمه الله انه كان اذا انتهى فى آخر الختمة الى قل اعوذ برب الناس قرأ سورة الحمد لله رب العالمين وخمس آيات من اول سورة البقرة على عدد الكوفى وهوالى واولئك هم المفلحون لان هذا يسمى حال المرتحل ومعناه انه حل فى قرآءته آخر الختمة وارتحل الى ختمة اخرى ارغاما للشيطان وصار العمل على هذا فى امصار المسلمين فى قرآءة ابن كثير وغيرها وورد النص عن الامام احمد بن حنبل رحمه الله ان من قرأ سورة الناس يدعو عقب ذلك فلم يستحب ان يصل ختمه بقرآءة شئ وروى عنه قول آخر بالاستحباب واستحسن ماشيخ العراق قرآءة سورة الاخلاص ثلاثا عند ختم القرءآن الا ان يكون الختم فى المكتوبة فلا يكررها وفى الحديث(17/484)
« من شهد خاتمة القرءآن كان كمن شهد المغانم حين تقسم ومن شهد فاتحة القرءآن كان كمن شهد فتحا فى سبيل الله تعالى » وعن الامام البخارى رحمه الله انه قال عند كل ختمة دعوة مستجابة واذا ختم الرجل القرءآن قبل الملك بين عينيه ومن شك فى غفرانه عند الختم فليس له غفران ونص الامام احد على استحباب الدعاء عند الختم وكذا جماعة من السلف فيدعو بما احب مستقبل القبلة رافعا يديه خاضعا لله موقنا بالاجابة ولا يتكلف السجع فى الدعاء بل يجتنبه ويثنى على الله تعالى قبل الدعاء وبعده ويصلى على النبى عليه السلام ويمسح وجهه بيديه بعد فراغه من الدعاء وعنه عليه السلام انه امر على بن ابى طالب رضى الله عنه ان يدعو عند ختم القرءآن بهذا الدعاء وهو « اللهم انى اسألك اخبات المخبتين واخلاص الموقنين ومرافقة الابرار واستحقاق حقائق الايمان والغنيمة من كل بر والسلامة ومن كل اثم ورجوب رحمتك وعزائم مغفرتك والفوز بالجنة والخلاص من النار » وفى شرح الجزرى لابن المصنف ينبغى ان يلح فى الدعاء وان يدعو بالامور المهمة والكلمات الجامعة وان يكون معظم ذلك او كله فى امور الآخر وامور المسلمين وصلاح سلاطينهم وسائر ولاة امورهم فى توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق عليه وظهورهم على اعداء الدين وسائر المخالفين وبما كان يقول النبى عليه السلام عند ختم القرءآن « اللهم ارحمنى بالقرءآن العظيم واجعله لى اماما ونورا وهدى ورحمة اللهم ذكرنى منه ما نسيت وعلمنى منه ما جهلت وارزقنى تلاوته آناء الليل واطراف النهار واجعله حجة لى يا رب العالمين » وكان ابو القاسم الشاطى رحمه الله يدعو بهذا الدعاء عند ختم القرءآن اللهم انا عبيدك وأبناء عبيدك وابناء امائك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احدا من خلقك او نزلته فى شئ من كتباك او استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرءآن ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء احزاننا وهمومنا وسائقنا وقائدنا اليك والى جناتك جنات النعيم ودارك دار السلام مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا ارحم الرحمين .
يقول الفقير رافعا يديه الى الرب القدير اللهم انى اعوذ بمعافاتك من عقوبتك واعوذ برضان من سخطك واعوذ بك منك لا احصى ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك فقد انجزت لى ما وعدتنى انك لا تخلف الميعاد وجعلت رؤياى حقا واحسنت بى اذ أخرجتنى من سجن الهم وخاطبتنى عند ذلك بقولك سل تعط فجعلت منتهى سؤلى رضاك وبشرتنى بقبول خدمتى هذه حيث قلت فتقبلها ربها بقبول حسن وكنت ادعوك باتمام النعمة واكمال المنة فلم اكن بدعائك رب شقيا فأنعم على فيما بقى من عمرى القليل باضعاف ما عودتنى به قبل هذا من انواع اولآئك واصناف نعمائك واختم لى بخير وهدى ونور .(17/485)
وبكل بر وسعادة وسرور وصل على نبيك النبيه الذى هو مفتاح الخيرات . ومصباح السائرين الى منازل القربات فى جنح الاوقات . وعلى آله واصحابه القاده . ومن تبعهم من السادة . وهذا وقد تم تحرير روح البيان .
فى تفسير القرءآن . فى مدة الوحى تقريبا لما ان قسى الاقدار رمتنى الى اقاصى اقطار الارض . وايدى الاسفار النائية تداولتنى من طول الى عرض . حتى اقامنى الله مقام الاتمام . فجاء باذن الله التمام . يوم الخميس الرابع عشر من جمادى الاولى المنتظم فى سلك شهور
سنة سبع عشرة ومائة ألف ... من هجرة من يرى من قدام وخلف
وقلت فى تاريخه نظاما
ان من جناب ذى المنن ... ختم تفسير الكتاب المستطاب
قال فى تاريخه حقى الفقير ... حامدا لله قد تم الكتاب
وقلت بحساب الحروف المنقوط ... وقع الختم بجود البارى(17/486)